الكتاب: طبقات الفقهاء الشافعية المؤلف: عثمان بن عبد الرحمن، أبو عمرو، تقي الدين المعروف بابن الصلاح (المتوفى: 643هـ) المحقق: محيي الدين علي نجيب الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت الطبعة: الأولى، 1992م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- طبقات الفقهاء الشافعية ابن الصلاح الكتاب: طبقات الفقهاء الشافعية المؤلف: عثمان بن عبد الرحمن، أبو عمرو، تقي الدين المعروف بابن الصلاح (المتوفى: 643هـ) المحقق: محيي الدين علي نجيب الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت الطبعة: الأولى، 1992م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) ( {رَبنَا أتمم لنا نورنا واغفر لنا، إِنَّك على كل شَيْء قدير} ) {رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا} الْحَمد لله أكمل الْحَمد، وَلَا إِلَه إِلَّا الله أهل الثَّنَاء وَالْمجد، وتبارك الله ذُو الْجلَال الْأَعْظَم وَالْفضل الأتم، وَسُبْحَان الله الَّذِي خلق الْخلق أخيافا مُخْتَلفين، وأصنافا متفاضلين، ثمَّ لَا فاضلين بعد الْأَنْبِيَاء أفضل من الْعلمَاء، فهم الأبهرون فضلا، والأطهرون خصلا، والأرفعون قدرا، والأسيرون ذكرا، والأجدرون بِأَن تُؤثر مآثرهم وتخلد تدوينا ونشرا. وصلوات الله وَسَلَامه الأدومان على سيد المصطفين عَبده وَرَسُوله مُحَمَّد، وعَلى آله وَسَائِر النَّبِيين، وَآل كل وَسَائِر الصَّالِحين، مَا عَم الْعَالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 بإحسانه، وَخص العارفين بعرفانه، آمين آمين آمين. أما بعد: فَإِن معرفَة الْإِنْسَان بأحوال الْعلمَاء رَفعه وزين، وَإِن جهل طلبة الْعلم وَأَهله بهم لوصمة وشين، وَلَقَد علمت الأيقاظ أَن الْعلم بذلك جم الْمصَالح والمراشد، وَأَن الْجَهْل بِهِ إِحْدَى جوالب المناقص والمفاسد، من حَيْثُ كَونهم حفظَة الدّين الَّذِي هُوَ أس السَّعَادَة الْبَاقِيَة، ونقلة الْعلم الَّذِي هُوَ المرقأة إِلَى الْمَرَاتِب الْعَالِيَة، فكمال أحدهم يكْسب مؤداه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الْعلم كمالا، واختلالها يُورث خللا وخبالا، وَفِي الْمعرفَة لَهُم معرفَة من هُوَ أَحَق بالاقتداء، وَأَحْرَى بالاقتفاء، وَالْجَاهِل بهم من مقتبسة الْعلم مسو لإمحاله عِنْد اخْتلَافهمْ بَين الغث والسمين، غير مُمَيّز بَين الرث والوزين. وَقد روينَا عَن مُسلم بن الْحجَّاج صَاحب " الصَّحِيح " رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: إِن أول مَا يجب على مبتغي الْعلم وطالبه أَن يعرف مَرَاتِب الْعلمَاء فِي الْعلم، ورجحان بَعضهم على بعض، وَلِأَن الْمعرفَة بالخواص آصرة وَنسب، وَهِي يَوْم الْقِيَامَة وصلَة إِلَى شفاعتهم وَسبب، وَلِأَن الْعَالم بِالنِّسْبَةِ إِلَى مقتبس علمه بِمَنْزِلَة الْوَالِد بل أفضل، فَإِذا كَانَ جَاهِلا بِهِ فَهُوَ كالجاهل بوالده بل أضلّ، ولعمري إِن من يسْأَل من الْفُقَهَاء عَن الْمُزنِيّ وَالْغَزالِيّ مثلا، فَلَا يَهْتَدِي إِلَى بعد مَا بَينهمَا من الزَّمَان والمنزلة؛ لمنسوب من الْقُصُور إِلَى مَا يسؤوه، وَمن النَّقْص إِلَى مَا يهيضه. وَلَقَد قَامَ أهل الحَدِيث فِي رُوَاته بِحَق هَذَا الشَّأْن، فِيمَا أَدْعُوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فِي كتبهمْ فِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح، وَفِيمَا دونوه فِي مؤلفاتهم الموسومة بالتواريخ. وَأما الْفُقَهَاء فَإِنَّهُم أضاعوه، فَضَاعَ مَا اختصوا بإدراكه من تفَاوت مَرَاتِب أئمتهم فِي التَّحْقِيق، وَاخْتِلَاف حظوظهم فِي الْعلم من التَّوْفِيق. وَلم أزل مُنْذُ زمن الحداثة ذَا عناية بِهَذَا الشَّأْن، أتطلبه من مظانه وَغير مظانه، وأصيد أوابده، وأقيد شوارده، وأتتبعه مِمَّا صنفه أهل الحَدِيث فِي تواريخ أُمَّهَات الْأَمْصَار شرقا وغربا، الْمُشْتَملَة على التَّعْرِيف بخواص أهليها ووارديها، وَمن معاجم كَثِيرَة فِي أَسمَاء شيوخهم، وفهارس وتخاريج لَهُم قَليلَة، وَمن مؤلفات فِي ذكر الْفُقَهَاء، ألفها شرذمة قَليلَة من الْفُقَهَاء، وَهِي قَليلَة، قَليلَة الْمَضْمُون والمحصول، غير قَلِيل مَا فِيهَا مِمَّا لَا يَصح أَو لَا يوثق بِهِ من الْمَنْقُول، وَمِمَّا عنيت بِهِ من مصنفات الْفِقْه المبسوطة، وَمِمَّا لَا أحصيه من زَوَايَا وخبايا، وبقايا وخفايا. ثمَّ استخرت الله تبَارك وَتَعَالَى فِي تأليف ذَلِك وإبرازه لطالبيه، وَحفظه على مبتغي الْعلم وحافظيه، واستجرت بِهِ من حظوظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الشَّيْطَان، واستعذته من الْخَطَأ والحرمان، واستعنته واستهديته، وَسَأَلته فِيهِ ثَوَابه الجسيم، وفضله الْعَظِيم، وتبرأت من الْحول وَالْقُوَّة إِلَّا بِهِ، وخصصت بِهَذَا الْكتاب عُلَمَاء الشافعيين وخاصتهم، لكَون حاجتنا وحاجة أهل أقطارنا إِلَى ذَلِك مِنْهُم أمس، وَكنت قد عزمت على أَن أذكر مَا تناهى إِلَيّ من ذَلِك بِإِسْنَاد بِإِسْنَادِهِ، وَمَا كَانَ بالوجادة فبالبلاغ عَمَّن وجدته عَنهُ، منصصا عَلَيْهِ وعَلى الْكتاب الَّذِي ذكره فِيهِ، نَاقِلا نَص أَلْفَاظه وَإِن طَالَتْ، وأجزاء بَعْضهَا أَو مَا هُوَ أوجز مِنْهَا، جَريا على عَادَة فِي ذَلِك، فَنَظَرت، فَإِذا الْكتاب يطول بِذكرِهِ طولا يقلله، وَإِن الْفُقَهَاء وَأكْثر الطوائف يزهدون فِي ذَلِك ويتبرمون بِهِ، فَأَعْرَضت عَن ذَلِك فِي أَكْثَره، مُقْتَصرا على أَن أَقُول فِيمَا أرويه بِإِسْنَاد: روينَا، وَفِي غَيره: بلغنَا، أَو وجدت، أَو ذكر كَذَا وَكَذَا، وَمَا ضاهى ذَلِك من وُجُوه الإيجاز، وجائزات الِاخْتِصَار، وَكنت عزمت على أَن أرتبه على الطَّبَقَات لَا على الْحُرُوف، وهم نَحْو إِحْدَى عشرَة أَو اثْنَتَيْ عشرَة طبقَة، من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 حَيْثُ إِن ترتيبه على الْحُرُوف يلْزم مِنْهُ أَن يَقع الْمُتَأَخر والمتقدم فِي الزَّمَان أَو الْفضل مقرونين فِي قرن، وَأَن يَقع الْمَفْضُول أَو الآخر قبل الْفَاضِل والاول، ثمَّ نظرت فَإِذا ذَلِك هَين فِي جنب مَا يحصل بترتيبه على الْحُرُوف من التَّيْسِير على أَكثر النَّاس، إِذْ الْغَالِب أَن أحدهم إِذا طلب الْوُقُوف على تَرْجَمَة وَاحِد مِنْهُم وَقد عرف اسْمه؛ لم يدر من أَي طبقَة هُوَ حَتَّى يَطْلُبهُ فِي المسمين باسمه. إِلَى هُنَا انْتهى مَا ذكره الشَّيْخ من الْخطْبَة، وَانْقطع كَلَامه هُنَا وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا، وَأَنا أذكر تَمامهَا للضَّرُورَة إِلَى مَعْرفَته، لأجل بَيَان شَرط الْكتاب، وَكَيْفِيَّة ترتيبه. فترتيبه أَن نرتبه على حُرُوف المعجم، أَولهَا: بَاب الْألف، ثمَّ الْبَاء، ثمَّ التَّاء، ثمَّ الثَّاء، ثمَّ الْجِيم ... إِلَى آخرهَا، على اصْطِلَاح أهل بِلَادنَا وَأكْثر النَّاس فِي ترتيبها، ونراعي التَّرْتِيب فِي آبَائِهِم وأجدادهم وآباء أجدادهم، فنقدم زيد بن إِبْرَاهِيم على زيد بن إِسْحَاق، لتقدم الْبَاء على السِّين، ونقدم زيد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق على زيد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْرَائِيل، لتقدم الْحَاء على الرَّاء، وَكَذَلِكَ نَفْعل فِي الْبَاقِي على هَذَا النَّحْو، وَكَذَلِكَ نقدم من كَانَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 أول اسْمه، أَو اسْم أَبِيه، أَو جده أَبِيه، همزتان على من كَانَ قبالته همزَة وَاحِدَة، ك: آدم يقدم على إِبْرَاهِيم، وَيقدم زيد بن آدم على زيد بن أدرع، وَكَذَلِكَ الْبَاقِي على هَذَا الْمِثَال، إِلَّا أَنا نقدم فِي أول الْكتاب من اسْمه مُحَمَّد، ثمَّ من اسْمه أَحْمد، تَشْرِيفًا لَهُم لموافقتهم اسْم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ونراعي فِي أَسمَاء آبَائِهِم وأجدادهم الشَّرْط الْمَذْكُور أَولا، ثمَّ نعود بعد المحمدين والأحمدين إِلَى التَّرْتِيب الْمَذْكُور أَولا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 (1 - مُحَمَّد بن أَحْمد [000 - 525] ) ابْن أبي الْفضل: أَحْمد بن حَفْص، أَبُو الْفضل الماهياني. من أهل مرو، وماهيان: من قراها. ذكر أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَنه كَانَ إِمَامًا، فَاضلا، ورعا، حسن السِّيرَة، جميل الْأَخْلَاق، مليح المحاورة، كثير الْمَحْفُوظ، تَامّ الْمعرفَة بالفقه. سَافر الْكثير، وتغرب مُدَّة، أَقَامَ بنيسابور عِنْد أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ، وتفقه عَلَيْهِ بعد أَن كَانَ قد تفقه على أبي الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد التَّمِيمِي الإِمَام، ثمَّ سَافر إِلَى بَغْدَاد، أَقَامَ بهَا مُدَّة عِنْد أبي سعد الْمُتَوَلِي ودرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الْفِقْه عَلَيْهِ حَتَّى برع فِيهِ. وَسمع الحَدِيث بِبَغْدَاد من أبي نصر الزَّيْنَبِي، وبنيسابور من: أبي صَالح الْمُؤَذّن الْحَافِظ، وَالْإِمَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ، وَأبي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الصفار، وَأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن زَاهِر النوقاني، وَأبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الواحدي الْمُفَسّر، وبمرو: أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد التَّمِيمِي وَغَيره، وببسطام: أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن عَليّ السهلكي، وبساوة: أَبَا عبد الله الكامخي الساوي، وبمدينة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أستاذه أَبَا سعد عبد الرَّحْمَن بن الْمَأْمُون الْمُتَوَلِي، وَغير هَؤُلَاءِ من الشُّيُوخ، وَصَحب الْأَئِمَّة الْكِبَار. وروى الشَّيْخ بِإِسْنَادِهِ عَنهُ، بِإِسْنَادِهِ عَن ذِي النُّون رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 قَالَ: الحسود لَا يسود. ذكر السَّمْعَانِيّ أَنه سَأَلَ ابْن أبي الْفضل هَذَا عَن وَفَاة وَالِده، فَقَالَ: آخر رَجَب، سنة خمس وَعشْرين وَخمْس مئة، وَقد ناطح التسعين، وَدفن بماهيان رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 (2 - مُحَمَّد بن أَحْمد [282 - 370] ) ابْن الْأَزْهَر، أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي الْهَرَوِيّ. الإِمَام الْكَبِير فِي علم اللُّغَة، وَكتابه الموسوم ب: " تَهْذِيب اللُّغَة " يدل على جلالة قدره، وَهُوَ خير عُمْدَة فِي هَذَا الْفَنّ، وَقد رَأَيْته فِي مرو بِخَطِّهِ، فِي نَحْو عشْرين مجلدا كبارًا، وَله كتاب " التَّقْرِيب " فِي التَّفْسِير، وَكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مَشْهُور فِي " شرح مُشكل أَلْفَاظ مُخْتَصر الْمُزنِيّ "، وَكتاب صَغِير فِي " معرفَة الصُّبْح "، يرويهِ بِإِسْنَاد، وَغير ذَلِك. سمع الحَدِيث، وَرَوَاهُ عَن الْبَغَوِيّ، وَابْن أبي دَاوُد، وَغَيرهمَا. وروى عَنهُ: الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْمُقْرِئ القراب، وَأَخُوهُ الْحَافِظ إِسْحَاق، وَغَيرهمَا. وَعنهُ أَخذ أَبُو عبيد، صَاحب كتاب " الغريبين "، وَكَانَ يُرَاجِعهُ فِيمَا يشكل عَلَيْهِ مِنْهُ. توفّي سنة سبعين وَثَلَاث مئة. وَكَانَ من الذابين عَن الشَّافِعِي ومذهبه، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِي صدر كِتَابه: لم أجد غير هَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 (3 - مُحَمَّد بن أَحْمد [429 - 507] ) ابْن الْحُسَيْن، أَبُو بكر الشَّاشِي. صَاحب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق، وَالشَّيْخ أبي نصر ابْن الصّباغ. يلقب: فَخر الْإِسْلَام. قيل: كَانَ معيد الشَّيْخ أبي إِسْحَاق. قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن ابْن الْخلّ: كَانَ الإِمَام فَخر الْإِسْلَام أَبُو بكر الشَّاشِي مبرزا فِي علم الشَّرْع، عَارِفًا بِالْمذهبِ، حسن الْفتيا، جيد النّظر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 محققا مَعَ الْخُصُوم، يلْزم الْمسَائِل الحكميه، حَتَّى يقطع خَصمه مَعَ حسن إِيرَاد، وَكَانَ يعْنى بسؤال الْكَبِير، ويمشيه مَعَ الْكِبَار من الْأَئِمَّة، ويفتي بِمَسْأَلَة ابْن سُرَيج وينصرها، وَله فِيهَا مُصَنف. درس فِي بدايته على الإِمَام أبي عبد الله الكازروني، وَجَاء بَغْدَاد، وَهُوَ فَقِيه حسن، ثمَّ صحب الإِمَام الزَّاهِد أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ إِلَى حِين وَفَاته، وَصَحبه فِي سَفَره إِلَى خُرَاسَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَقَرَأَ كتاب " الشَّامِل " للشَّيْخ أبي نصر ابْن الصّباغ عَلَيْهِ، وَولي التدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بِبَغْدَاد دون سنة وَنصف. وَكَانَ لطيفا، صَالحا، ورعا، دينا، على سيرة السّلف، وَخلف وَلدين إمامين مبرزين فِي الْمَذْهَب وَالنَّظَر: أَبُو المظفر أَحْمد، وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله. وَسمع الإِمَام أَبُو بكر الشَّاشِي الحَدِيث من أبي عبد الله بن بَيَان الكازروني بميافارقين، وَأبي الْقَاسِم قَاسم بن أَحْمد الْخياط بآمد، وَهياج بن مُحَمَّد الحطيني بِمَكَّة، وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَأبي بكر الْخَطِيب، وَأبي يعلى ابْن الْفراء بِبَغْدَاد، وَغَيرهم. وَحدث بِشَيْء يسير، وَأخذ عَنهُ عباد بن سرحان - من فضلاء الْمغرب - كتاب " الملخص فِي الجدل "، وَغَيره، عَن الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَكتاب " زواهر الدُّرَر فِي نقض جَوَاهِر النّظر " حَدثهُ بِهِ عَن مُصَنفه الإِمَام أبي بكر الخجندي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَمن تآليفه: كتاب " الشافي فِي شرح الشَّامِل فِي عشْرين مجلدا، وَكَانَ قد بَقِي من إكماله نَحْو الْخمس، هَذَا فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبع مئة، وَمن تصانيفه: كتاب " التَّرْغِيب فِي الْمَذْهَب "، وَله: " الشافي فِي شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ ". وتفقه عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس ابْن الرطبي. أنْشد أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ، عَن أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْفَقِيه قَالَ: أنشدنا أَبُو بكر الشَّاشِي فِي الِاعْتِذَار عَن الإقلال من الزِّيَارَة: (إِنِّي وَإِن بَعدت دَاري لمقترب ... مِنْكُم بمحض مُوالَاة وإخلاص) (وَرب دَان وَإِن دَامَت مودته ... أدنى إِلَى الْقلب مِنْهُ النازح القاصي) توفّي رَحمَه الله يَوْم السبت، الْخَامِس وَالْعِشْرين من شَوَّال، سنة سبع وَخمْس مئة، وَدفن مَعَ شَيْخه أبي إِسْحَاق فِي قبر وَاحِد بِبَاب أبرز، رحمهمَا الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 قلت: وَمن تصانيفه " المستظهري " الْكتاب الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب، و " الْمُعْتَمد " وَهُوَ كالشرح ل " المستظهري "، وَهُوَ غَرِيب، و " الْعُمْدَة " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الْمُخْتَصر الْمَشْهُور. وَذكره الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر، فَقَالَ: انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة لأَصْحَاب الشَّافِعِي بِبَغْدَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 (4 - مُحَمَّد بن أَحْمد [000 - 468] ) ابْن الْعَبَّاس، القَاضِي أَبُو بكر الْبَيْضَاوِيّ الْفَارِسِي، يعرف بالشافعي. جليل، من الْعلمَاء بالفقه وَالْأَدب، مُصَنف فيهمَا. لَهُ كتاب " الْأَدِلَّة فِي تَعْلِيل مسَائِل التَّبْصِرَة " ذكر فِيهِ: أَن الْحَائِض لَو قَالَت: أَنا أتبرع بِقَضَاء مَا فَاتَ من الصَّلَوَات فِي أَيَّام الْحيض؛ قُلْنَا: لَا يجوز ذَلِك، بل تصلين مَا أَحْبَبْت من النَّوَافِل، فَأَما قَضَاء ذَلِك فَلَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وَاحْتج بِأَن امْرَأَة ذكرت مثل ذَلِك لعَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا فنهتها، وَقَالَت: أحرورية أَنْت؟ ! وَله كتاب " الْإِرْشَاد " فِي شرح " الْكِفَايَة " للْقَاضِي أبي الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ، وَمِمَّا يفاد مِنْهُ أَنه حكى وَجْهَيْن فِي جَرَيَان الرِّبَا فِي الماورد، وَكَذَا فِي الصمغ الْعَرَبِيّ. وَحكى عَن الشَّافِعِي قولا فِيمَا إِذا حضر السُّلْطَان دَار رجل أَن رب الدَّار أولى بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ، وَذكر أَنه الْأَصَح. وَذكر أَنه يَنْبَغِي للخطيب إِذا أَرَادَ صعُود الْمِنْبَر أَن يصعد على الرِّفْق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 والتؤدة، وَيقف على كل مرقاة وَقْفَة خَفِيفَة، وَهُوَ يسْأَل الله تَعَالَى المعونة التسديد، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يلْتَفت يَمِينا وَشمَالًا، بل يَنْبَغِي أَن يكون راميا ببصره إِلَى من بَين يَدَيْهِ، وَلَا يقبل على يَمِينه وَلَا على يسَاره فِي شَيْء من خطبَته، وَمَا يَفْعَله الخطباء فِي زَمَاننَا هَذَا فبدعة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: يَعْنِي التفاته فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 (5 - مُحَمَّد بن أَحْمد [301 - 371] ) ابْن عبد الله بن مُحَمَّد، أَبُو زيد الْمروزِي. أستاذ الْقفال الْمروزِي. ذكره الْحَاكِم أَبُو عبد الله النَّيْسَابُورِي، فَذكر أَنه كَانَ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين، وَمن أحفظ النَّاس لمَذْهَب الشَّافِعِي، وَأَحْسَنهمْ نظرا، وأزهدهم فِي الدُّنْيَا. قدم نيسابور غير مرّة؛ مِنْهَا: ليتوجه إِلَى غَزْو الرّوم، وَمِنْهَا وَهِي الْخَامِسَة: مُتَوَجها إِلَى الْحَج فِي شعْبَان، سنة خمس وَخمسين وَثَلَاث مئة، وَحدث بنيسابور هَذِه الْمرة، وَأقَام بِمَكَّة سبع سِنِين، ثمَّ انْصَرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَحدث بِمَكَّة وببغداد ب " الْجَامِع الصَّحِيح " للْبُخَارِيّ، عَن الْفربرِي، عَنهُ، وَهِي من أجل الرِّوَايَات، لجلالة أبي زيد رَحمَه الله. سمع بمرو من أَصْحَاب عَليّ بن حجر، وَعلي بن خشرم، وأقرانهم، واكثر عَن أبي بكر المنكدري. توفّي بمرو فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين وَثَلَاث مئة. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْفَقِيه - هُوَ الحاكمي وَالله أعلم - يَقُول: سَمِعت أَبَا زيد الْمروزِي يَقُول: لما عزمت على الرُّجُوع إِلَى خُرَاسَان من مكه تقسى قلبِي بذلك، وَقلت: مَتى يكون هَذَا، الْمسَافَة بعيدَة، وَالْمَشَقَّة لَا أحتملها، فقد طعنت فِي السن {فَرَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعد فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَعَن يَمِينه شَاب، فَقلت: يَا رَسُول الله} قد عزمت على الرُّجُوع إِلَى خُرَاسَان، والمسافة بعيدَة؟ فَالْتَفت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الشَّاب، فَقَالَ: يَا روح الله! تصحبه إِلَى وَطنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 قَالَ أَبُو زيد: فَأريت أَنه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، فَانْصَرَفت إِلَى مرو، وَلم أحس بِشَيْء من مشقة السّفر. هَذَا أَو نَحوه، فَإِنِّي لم أرجع إِلَى الْمَكْتُوب عِنْدِي من لفظ أبي الْحسن. قلت: قد روينَاهُ بِإِسْنَاد عَن الْحَاكِم على لفظ آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 (6 - مُحَمَّد بن أَحْمد [000 - 494] ) ابْن عبد الْبَاقِي بن الْحسن بن مُحَمَّد بن طوق، أَبُو الْفَضَائِل الربعِي الْموصِلِي الْفَقِيه. أَخذ عَن الْمَاوَرْدِيّ. قَالَ أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ: هُوَ أحد الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة، تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَسمع الحَدِيث من أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الْبَرْمَكِي، وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ، وَأبي الْقَاسِم التنوخي، وَأبي طَالب ابْن غيلَان، والجوهري، وَغَيرهم. وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ. سمع مِنْهُ: أَبُو الْقَاسِم هبة الله الشِّيرَازِيّ، وَأَبُو الفتيان الرُّؤَاسِي الحافظان، وَغَيرهمَا. قَالَ: وَسَأَلت عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي عَنهُ، فَقَالَ: فَقِيه صَالح، فِيهِ خير. وَحكى أَنه مَاتَ بِبَغْدَاد مستهل صفر، سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبع مئة، وَدفن فِي مَقْبرَة الشونيزي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 (7 - مُحَمَّد بن أَحْمد [406 - 477] ) ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم، أَبُو الْفضل ابْن الإِمَام أبي الْحسن الْمحَامِلِي؛ صَاحب " الْمَجْمُوع " وَغَيره من التصانيف. تفقه فِي حداثته على أَبِيه أبي الْحسن، ثمَّ ترك الْفِقْه، واشتغل بالدنيا، وَكَانَت لَهُ حَلقَة أَيَّام الْجمع بِجَامِع الْقصر، يقْرَأ عَلَيْهِ فِيهَا الحَدِيث وَالتَّفْسِير، وَكَانَ فهما، عَالما، ذكيا، سمع الْكثير، وَلم ينْقل عَنهُ إِلَّا الْيَسِير. سمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن ابْن بَشرَان، وَأبي عَليّ ابْن شَاذان، وَأبي الْفرج ابْن الْمسلمَة، وَغَيرهم. سمع مِنْهُ أَبُو الْقَاسِم الرميلي الْحَافِظ، وَغَيره. ولد سنة سِتّ وَأَرْبع مئة، وَمَات فِي رَجَب سنة سبع وَسبعين وَأَرْبع مئة، ذكر ذَلِك أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 (8 - مُحَمَّد بن إِسْحَاق [216 - 313] ) ابْن إِبْرَاهِيم بن مهْرَان بن عبد الله، أَبُو الْعَبَّاس السراج الثَّقَفِيّ النَّيْسَابُورِي مُحدث عصره. سمع بخراسان: قُتَيْبَة بن سعيد، وَإِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه، وَعَمْرو بن زُرَارَة، وأقرانهم. وبالري: مُحَمَّد بن مهْرَان الْجمال - بِالْجِيم -، وزنيجا: مُحَمَّد بن عَمْرو، وَمُحَمّد بن حميد، وأقرانهم. وببغداد: مُحَمَّد بن بكار، ومحفوظ ابْن أبي تَوْبَة، وَعِيسَى بن الْمسَاوِر، وأقرانهم. وبالكوفة: أَبَا كريب، وأقرانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وبالحجاز: مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر، وأقرانه. روى عَنهُ: مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَمُسلم بن الْحجَّاج، وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَسَهل بن شاذويه البُخَارِيّ الْحَافِظ - وَهُوَ إِمَام الحَدِيث ببخارى بعد البُخَارِيّ - فِي آخَرين من الْحفاظ والأعيان. توفّي فِي شهر ربيع الآخر، سنة ثَلَاث عشرَة وَثَلَاث مئة بنيسابور. احْتج فِي " مُسْنده " للجهر بالبسملة وَلم يذكر ضِدّه. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت مُحَمَّد بن عمر - هُوَ ابْن قَتَادَة - يَقُول: رَأَيْت أَبَا بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة يقبل وَجه أبي الْعَبَّاس السراج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 (9 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل [000 - 459] ) ابْن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عَمْرو، القَاضِي أَبُو عَليّ ابْن أبي عَمْرو الْعِرَاقِيّ الطوسي، من أَهلهَا. ذكر أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَنه لقب بالعراقي لظرفه، وَطول مقَامه بِبَغْدَاد، وَولي الْقَضَاء بطابران - قَصَبَة طوس - مُدَّة، وَكَانَ فَقِيها، فَاضلا، مبرزا، حسن السِّيرَة، مفضلا، مكرما، مَشْهُورا بخراسان وَالْعراق. تفقه بِبَغْدَاد على: أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ. وَسمع الحَدِيث مِنْهُ، وَمن أبي طَاهِر المخلص، وَأبي الْقَاسِم يُوسُف بن كج الدينَوَرِي، وَأبي حَاتِم أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَاتِمِي، وَأبي زَكَرِيَّا عبد الله بن أَحْمد البلاذري الْحَافِظ، وَأبي الْفضل نصر بن أبي نصر الطوسي، وَغَيرهم. وَسمع مِنْهُ جمَاعَة من الْعلمَاء، كَأبي مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ الْحَافِظ وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَذكر السَّمْعَانِيّ أَن القَاضِي أَبَا مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ الْحَافِظ ذكره فِي كِتَابه فِي " الْفُقَهَاء "، فَقَالَ: سمعته يَقُول: أَقمت بِبَغْدَاد إِحْدَى عشرَة سنة، كنت أختلف إِلَى أبي مُحَمَّد البافي، ثمَّ اخْتلفت عشر سِنِين إِلَى أبي حَامِد، فَلَمَّا رجعت قصدت جرجان، فَدخلت على الإِمَام أبي سعد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَحَضَرت مَجْلِسه، وناظرت بَين يَدَيْهِ، ثمَّ دخلت نيسابور وَحَضَرت مجْلِس الإِمَام أبي الطّيب الصعلوكي، وناظرت فِيهِ، ثمَّ رجعت إِلَى وطني. قَالَ الْجِرْجَانِيّ: ودرس الْفِقْه، وَولي الْقَضَاء إِلَى أَن توفّي، وَكَانَ حسن السِّيرَة وَالْعشرَة، مُعظما عِنْد كَافَّة النَّاس، وَله صيت بَين الْعلمَاء، كتبت عَنهُ بَين يَدي أبي عُثْمَان الصَّابُونِي، أمْلى علينا بِحَضْرَتِهِ، وَبنى مدرسته على بَاب جَامع طابران، وَله آثَار بهَا. قَالَ الْجِرْجَانِيّ: توفّي أَبُو عَليّ الْعِرَاقِيّ سنة تسع وَخمسين وَأَرْبع مئة رَحمَه الله تَعَالَى وَالله أعلم. كَذَا قَالَه: كَافَّة النَّاس، وَصَوَابه: النَّاس كَافَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 (10 - مُحَمَّد بن بشر [248 - 332] ) ابْن عبد الله الزبيرِي، أَبُو بكر الْمَعْرُوف ب: العكري، بِفَتْح الْعين بعْدهَا كَاف مَفْتُوحَة. من أهل مصر. حدث عَن الرّبيع ب: " مُخْتَصر " الْبُوَيْطِيّ، وروى عَنهُ غير ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 (11 - مُحَمَّد بن بكر [000 - 420] ) الطوسي، أَبُو بكر النوقاني. من أهل نوقان، بِضَم النُّون: إِحْدَى مَدَائِن طوس. درس بنيسابور، وتفقه عَلَيْهِ جمَاعَة، مِنْهُم: الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي. قَالَ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل النَّيْسَابُورِي: أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو صَالح أَحْمد بن عبد الْملك الْمُؤَذّن، وَذكر أَبَا بكر الطوسي، فَقَالَ: الشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن بكر بن مُحَمَّد الطوسي النوقاني، إِمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي بنيسابور، وفقيههم ومدرسهم، وَله الدَّرْس، وَالْأَصْحَاب، ومجلس النّظر، وَله مَعَ ذَلِك الْوَرع، والزهد، والانقباض عَن النَّاس، وَترك طلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الجاه، وَالدُّخُول على السلاطين، وَمَا لَا يَلِيق بِأَهْل الْعلم من الدُّخُول فِي الْوَصَايَا والأوقاف، وَمَا فِي مَعْنَاهُ. كَانَ من أحسن النَّاس خلقا، وَأَحْسَنهمْ سيرة، وَظَهَرت بركته على أَصْحَابه. تفقه عِنْد الْأُسْتَاذ أبي الْحسن الماسرجسي بنيسابور، وببغداد عِنْد الشَّيْخ أبي مُحَمَّد البافي، وَسمع الحَدِيث الْكثير. قَالَ أَبُو صَالح: عَن مُحَمَّد بن مَأْمُون قَالَ: كنت مَعَ الشَّيْخ أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ بِبَغْدَاد، فَقَالَ لي: تعال حَتَّى أريك شَابًّا لَيْسَ فِي جملَة الصُّوفِيَّة، وَلَا المتفقهة؛ أحسن طَريقَة، وَلَا أكمل أدبا مِنْهُ، فَأخذ بيَدي، فَذهب بِي إِلَى حَلقَة البافي، وَأرَانِي الشَّيْخ أَبَا بكر الطوسي رَحمَه الله توفّي بنوقان، سنة عشْرين وَأَرْبع مئة، رَحمَه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 (12 - مُحَمَّد بن جرير [224 - 310] ) ابْن يزِيد بن كثير بن غَالب، أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 نسبه الْخَطِيب كَذَلِك، وَقد مر بِي خِلَافه. صَاحب " التَّارِيخ " الْمَشْهُور. أَخذ فقه الشَّافِعِي عَن الرّبيع الْمرَادِي، وَالْحسن الزَّعْفَرَانِي. وَذكره الْعَبَّادِيّ فِي " الشَّافِعِيَّة "، وَقَالَ: هُوَ من أَفْرَاد عُلَمَائِنَا، وَمَا رَأَيْنَاهُ من ذكره فِي هَذَا الْقسم مُتَعَيّن، فَإِن لَهُ مذهبا ينْفَرد بِهِ، مَعْرُوفا بِهِ. قَالَ الْخَطِيب: استوطن الطَّبَرِيّ بَغْدَاد، وَأقَام بهَا إِلَى حِين وَفَاته، وَكَانَ أحد أَئِمَّة الْعلمَاء، يحكم بقوله، وَيرجع إِلَى رَأْيه، لمعرفته وفضله. وَكَانَ قد جمع من الْعُلُوم مَا لم يُشَارِكهُ فِيهِ أحد من أهل عصره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 كَانَ حَافِظًا لكتاب الله، عَارِفًا بالقراءات، بَصيرًا بالمعاني، فَقِيها فِي أَحْكَام الْقُرْآن، عَالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عَارِفًا بأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَمن بعدهمْ من الخالفين فِي الْأَحْكَام، ومسائل الْحَلَال وَالْحرَام، عَارِفًا بأيام النَّاس وأخبارهم، وَله الْكتاب الْمَشْهُور فِي " تَارِيخ الْأُمَم والملوك "، وَكتاب فِي " التَّفْسِير "، لم يصنف أحد مثله، وَكتاب سَمَّاهُ: " تَهْذِيب الْآثَار " لم أر سواهُ فِي مَعْنَاهُ، إِلَّا أَنه لم يتمه، وَله فِي أصُول الْفِقْه وفروعه كتب كَثِيرَة، وَاخْتِيَار من أقاويل الْفُقَهَاء، وَتفرد بمسائل حفظت عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 قَالَ عَليّ بن عبيد الله بن عبد الْغفار اللّغَوِيّ الْمَعْرُوف ب؛ السمسماني: يحْكى أَن مُحَمَّد بن جرير مكث أَرْبَعِينَ سنة يكْتب فِي كل يَوْم مِنْهَا أَرْبَعِينَ ورقة. قلت: وعَلى نفاذه فِي الْكِتَابَة، قد يحمل فقه الْعلم من قَول ابْن سُرَيج. قَالَ الْخَطِيب: بَلغنِي عَن أبي حَامِد أَحْمد بن أبي طَاهِر الْفَقِيه الإِسْفِرَايِينِيّ أَنه قَالَ: لَو سَافر رجل إِلَى الصين حَتَّى يحصل لَهُ كتاب " تَفْسِير " مُحَمَّد بن جرير، لم يكن ذَلِك كثيرا، أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ. وَقَالَ الْخَطِيب: سَمِعت أَبَا حَازِم العبدويي بنيسابور يَقُول: سَمِعت حسينك - واسْمه: الْحُسَيْن بن عَليّ التَّمِيمِي - يَقُول: لما رجعت من بَغْدَاد إِلَى نيسابور سَأَلَني مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، فَقَالَ لي: مِمَّن سَمِعت بِبَغْدَاد؟ فَذكرت لَهُ جمَاعَة مِمَّن سَمِعت مِنْهُم، فَقَالَ لي: هَل سَمِعت من مُحَمَّد بن جرير شَيْئا؟ فَقلت: لَا، إِنَّه بِبَغْدَاد، لَا يدْخل عَلَيْهِ لأجل الْحَنَابِلَة، وَكَانَت تمنع مِنْهُ، فَقَالَ: لَو سَمِعت مِنْهُ لَكَانَ خيرا لَك من جَمِيع من سَمِعت مِنْهُ سواهُ. وَقَالَ القَاضِي أَبُو عَمْرو عبيد الله بن أَحْمد السمسار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَأَبُو الْقَاسِم ابْن عقيل الْوراق: إِن أَبَا جَعْفَر الطَّبَرِيّ قَالَ لأَصْحَابه: أتنشطون لتفسير الْقُرْآن؟ قَالُوا: كم يكون قدره؟ فَقَالَ: ثَلَاثُونَ ألف ورقة، فَقَالُوا: هَذَا مِمَّا تفنى الْأَعْمَار قبل تَمَامه، فَاخْتَصَرَهُ فِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف ورقة. ثمَّ قَالَ: هَل تنشطون لتاريخ الْعَالم من آدم إِلَى وقتنا هَذَا؟ قَالُوا: كم يكون قدره؟ فَذكر نَحْو مَا ذكره فِي التَّفْسِير، فَأَجَابُوهُ بِمثل ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّا لله، مَاتَت الهمم، فَاخْتَصَرَهُ فِي نَحْو مِمَّا اختصر " التَّفْسِير ". قَالَ أَبُو الْحسن ابْن رزقويه، عَن أبي عَليّ الطوماري قَالَ: كنت أحمل الْقنْدِيل فِي شهر رَمَضَان بَين يَدي أبي بكر ابْن مُجَاهِد إِلَى الْمَسْجِد لصَلَاة التَّرَاوِيح، فَخرج لَيْلَة من ليَالِي الْعشْر الْأَوَاخِر من دَاره، واجتاز على مَسْجده فَلم يدْخلهُ وَأَنا مَعَه، وَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى آخر سوق الْعَطش، فَوقف بِبَاب مَسْجِد مُحَمَّد بن جرير، وَمُحَمّد يقْرَأ سُورَة الرَّحْمَن، فاستمع قِرَاءَته طَويلا، ثمَّ انْصَرف، فَقلت لَهُ: يَا أستاذ {تركت النَّاس ينتظرونك، وَجئْت تسمع قِرَاءَة هَذَا؟} فَقَالَ: يَا أَبَا عَليّ! دع هَذَا عَنْك، مَا ظَنَنْت أَن الله تَعَالَى خلق بشرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 يحسن يقْرَأ هَذِه الْقِرَاءَة، أَو كَمَا قَالَ. مَاتَ ابْن جرير رَحمَه الله - فِيمَا حَكَاهُ ابْن كَامِل القَاضِي - فِي شَوَّال سنة عشر وَثَلَاث مئة، وَدفن فِي دَاره، وَلم يُغير شَيْبه قَالَ: وَأَخْبرنِي أَن مولده فِي آخر سنة أَربع، أَو أول سنة خمس وَعشْرين مئتين. قَالَ: وَلم يُؤذن بِهِ أحد، وَاجْتمعَ عَلَيْهِ من لَا يحصيهم عددا إِلَّا الله، وَصلي على قَبره عدَّة شهور لَيْلًا وَنَهَارًا، وثاره خلق كثير من أهل الدّين وَالْأَدب. وأنبئت عَن القَاضِي أبي بكر الْأنْصَارِيّ، أَنبأَنَا عَليّ بن المحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 التنوخي، عَن أَبِيه قَالَ: حَدثنِي عُثْمَان بن مُحَمَّد السّلمِيّ قَالَ: حَدثنِي بلطون بن منجو أحد القواد قَالَ: حَدثنِي غُلَام لِابْنِ المزوق الْبَغْدَادِيّ قَالَ: كَانَ مولَايَ مكرما لي، فَاشْترى جَارِيَة وزوجنيها، فأحببتها حبا شَدِيدا، وأبغضتني بغضا عَظِيما، وَكَانَت تنافرني دَائِما، وأحتملها إِلَى أَن أضجرتني يَوْمًا، فَقلت لَهَا: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بتاتا، لَا خاطبتيني بِشَيْء إِلَّا خاطبتك بِمثلِهِ، فقد أفسدك احتمالي لَك، فَقَالَت لي فِي الْحَال: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بتاتا، قَالَ: فأبلست، وَلم أدر مَا أجيبها بِهِ خوفًا من أَن أَقُول لَهَا مثل مَا قَالَت، فَتَصِير بذلك طَالقا مني، فأرشدت إِلَى أبي جَعْفَر الطَّبَرِيّ، فَأَخْبَرته بِمَا جرى، فَقَالَ: أقِم مَعهَا بعد أَن تَقول لَهَا: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن أَنا طَلقتك، فَتكون قد خاطبتها بِهِ، فوفيت بيمينك وَلم تطلقها، وَلَا تعاود الْيَمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 (13 - مُحَمَّد بن حَاتِم [000 - بعد 512] ) ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِي، أَبُو الْحسن الطوسي، من أَهلهَا. ذكر أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَنه كَانَ فَقِيها، خيرا، صوفيا مطبوعا، كيسا، تفقه بنيسابور على أبي الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ مُدَّة، وسافر إِلَى الْعرَاق، والحجاز وَالشَّام، والثغور، وَغَيرهَا، وَسمع بِهَذِهِ الْبِلَاد الحَدِيث، وَرجع إِلَى نيسابور، فسكنها إِلَى أَن توفّي بهَا. سمع بِبَغْدَاد: رزق الله بن عبد الْوَهَّاب التَّمِيمِي وَابْن البطر، وَغَيرهمَا. وبنيسابور: إِسْمَاعِيل بن زَاهِر النوقاني، وَغَيره. وبطوس: القَاضِي الرئيس أَبَا عبيد صَخْر بن مُحَمَّد الطابراني. وببيت الْمُقَدّس: أَبَا روح. وبدمشق: أَبَا الْقَاسِم ابْن أبي الْعَلَاء المصِّيصِي، والفقيه نصر بن إِبْرَاهِيم بن نصر الْمَقْدِسِي، وَغَيرهمَا. وبشيزر: أَبَا السَّمْح التنوخي. وبميافارقين: أَبَا الْحسن عَليّ بن مَالك المهراني، وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وبمكة: الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ. وَسمع بِالْكُوفَةِ، وحلب، ومرند، وخوي، وزنجان، وأصبهان، والكرخ. وسجستان، وكرمان، وَغَيرهَا. وَقد أجَاز للسمعاني مسموعاته فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخمْس مئة، فوفاته بعْدهَا. وَقد روى عَنهُ أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ، وَالِد أبي سعد، فَقَالَ: أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن حَاتِم، قدم علينا مرو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 (14 - مُحَمَّد بن حبَان [000 - 354] ) ابْن أَحْمد بن حبَان بن معَاذ بن معبد، القَاضِي، الْحَافِظ، الإِمَام أَبُو حَاتِم التَّمِيمِي البستي، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَإِسْكَان السِّين الْمُهْملَة. وحبان: بِكَسْر الْحَاء. كَانَ أَبُو حَاتِم هَذَا - رَحمَه الله - وَاسع الْعلم، جَامعا بَين فنون مِنْهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 كثير التصنيف، إِمَامًا من أَئِمَّة الحَدِيث، كثير التَّصَرُّف فِيهِ والافتنان، يسْلك مَسْلَك شَيْخه ابْن خُزَيْمَة فِي استنباط فقه الحَدِيث ونكته، وَرُبمَا غلط فِي تصرفه الْغَلَط الْفَاحِش على مَا وجدته. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ أَبُو حَاتِم إِمَام عصره، رَحل فِيمَا بَين الشاش إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة، وتلمذ فِي الْفِقْه لِابْنِ خُزَيْمَة. وَقَالَ ابْن مَاكُولَا فِيهِ: نزيل سجستان، ولي الْقَضَاء بسمرقند، سَافر كثيرا، وصنف كتبا كَثِيرَة، وَكَانَ من الْحفاظ الْأَثْبَات. وَذكره الْحَاكِم أَبُو عبد الله، فَقَالَ: كَانَ من أوعية الْعلم لُغَة، وفقها، وحديثا، ووعظا، وَمن عقلاء الرِّجَال، سمع بنيسابور من: جَعْفَر الْحَافِظ، وَابْن شيرويه، وأقرانهما، وَتوجه إِلَى الْحسن بن سُفْيَان، وَعمْرَان بن مُوسَى، ثمَّ دخل بَغْدَاد فَأكْثر عَن أبي خَليفَة وأقرانه، وَسمع بالأهواز: عَبْدَانِ وأقرانه، وبالموصل: أَبَا يعلى وأقرانه، وبمصر: أَبَا عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وأقرانه، وَسمع بالجزيرة، وَالشَّام، والحجاز، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ويمرو، وهراة، وبخارى، ورحل إِلَى ابْن بجير: عمر بن مُحَمَّد فَأكْثر عَنهُ، ثمَّ صنف، فَخرج لَهُ من التصنيف فِي الحَدِيث مَا لم يسْبق إِلَيْهِ، وَولي الْقَضَاء بسمرقند، وَغَيرهَا من مدن خُرَاسَان. أَقَامَ بنيسابور فِي آخر قدماته مُدَّة، وَبنى بهَا خانقاه تنْسب إِلَيْهِ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ جملَة من مصنفاته، ثمَّ خرج مِنْهَا منصرفا إِلَى وَطنه: بست، وَمَات سنة أَربع خمسين وَثَلَاث مئة. واستملى عَلَيْهِ الْحَاكِم بنيسابور سنة أَربع وَثَلَاثِينَ. قَالَ الْحَاكِم: حضرناه، فَلَمَّا سألناه الحَدِيث نظر إِلَى النَّاس، وَأَنا أَصْغَرهم سنا، فَقَالَ: استمل، فَقلت: نعم، فاستمليت عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو حَاتِم فِي كِتَابه " الْمسند الصَّحِيح على التقاسيم والأنواع ": لَعَلَّنَا كتبنَا عَن أَكثر من ألفي شيخ من إسبيجاب إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة، وَلم نرو فِي كتَابنَا هَذَا إِلَّا عَن مئة وَخمسين شَيخا أَو أقل أَو أَكثر، وَلَعَلَّ معول كتَابنَا هَذَا يكون على نَحْو عشْرين شَيخا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " الْإِيمَان بضع وَسَبْعُونَ شُعْبَة ... " وَصَححهُ، وَحكى عَن نَفسه أَنه تتبع معنى الحَدِيث مُدَّة، فَجعل يعد الطَّاعَات، فَإِذا هِيَ تزيد على هَذَا الْعدَد شَيْئا كثيرا، فَرجع إِلَى السّنَن، فعد كل طَاعَة عدهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْإِيمَان، فَإِذا هِيَ تنقص عَن الْبضْع وَالسبْعين، فَرجع إِلَى كَلَام الله تَعَالَى، فتلاه بالتدبر، وعد كل طَاعَة عدهَا الله تَعَالَى من الْإِيمَان، فَإِذا هِيَ تنقص أَيْضا، فضم الْكتاب إِلَى السّنَن، وَأسْقط الْمعَاد، فَإِذا كل شَيْء عده الله عز وَجل، وَنبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْإِيمَان، تسع وَسَبْعُونَ شُعْبَة، لَا تزيد عَلَيْهَا وَلَا تنقص. قَالَ: فَعلمت أَن المُرَاد هَذَا الَّذِي فِي الْكتاب وَالسّنة. وَذكر جَمِيع ذَلِك فِي كتاب وصف الْإِيمَان وشعبه. وَذكر أَن رِوَايَة من روى: " بضع وَسِتُّونَ شُعْبَة " أَيْضا صَحِيحَة، وَذَلِكَ أَن الْعَرَب تذكر الشَّيْء عددا، وَلَا تُرِيدُ نفي مَا وَرَاءه عَنهُ، وَله نَظَائِر أوردهَا فِي كِتَابه، مِنْهَا: أَحَادِيث الْإِيمَان وَالْإِسْلَام. وَمن كتبه: كتاب " وصف الِاتِّبَاع وَبَيَان الابتداع "، وَكتاب " معرفَة الْقبْلَة "، وَكتاب " المدنر " بِفَتْح النُّون الْمُشَدّدَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 (15 - مُحَمَّد بن الْحسن [311 - 386] ) ابْن إِبْرَاهِيم، أَبُو عبد الله الختن الْفَارِسِي، ثمَّ الإستراباذي، ثمَّ الْجِرْجَانِيّ، وَعرف بالختن، لِأَنَّهُ كَانَ ختن الإِمَام أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ الْجِرْجَانِيّ. كَانَ أحد الكبراء من أَئِمَّتنَا، لَهُ مقَالَة فِي الْمَذْهَب مَشْهُورَة، ووجوه تعزى إِلَيْهِ مسطورة. وَذكره الْحَاكِم، فَقَالَ: أحد أَئِمَّة الشافعيين فِي عصره، وَكَانَ مقدما فِي الْأَدَب، ومعاني الْقُرْآن، والقراءات، وَمن الْعلمَاء المبرزين فِي النّظر والجدل. سمع أَبَا نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدي وأقرانه فِي بَلَده، وَورد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 نيسابور سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، فَأَقَامَ عندنَا إِلَى آخر سنة تسع، وَسمع أَكثر كتب مَشَايِخنَا، ثمَّ دخل أَصْبَهَان، فَسمع " مُسْند " أبي دَاوُد من عبد الله بن جَعْفَر، وَسمع سَائِر الْمَشَايِخ بهَا، وَدخل الْعرَاق بعد الْأَرْبَعين وَأكْثر، وَكَانَ كثير السماع والرحلة. توفّي بجرجان يَوْم الْأَضْحَى، سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة. هَكَذَا ذكره الْحَاكِم. أَقَامَ الْحَافِظ حَمْزَة الْجِرْجَانِيّ: إِن وَفَاته كَانَت يَوْم عَرَفَة من السّنة الْمَذْكُورَة. وَقَالَ الْحَاكِم: قدم أَبُو عبد الله نيسابور سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة، وَأقَام مُدَّة، وانتفع النَّاس بِعُلُومِهِ، وَحدث، وَحضر مجْلِس الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي سهل رحمهمَا الله، فَأَغْلَظ لَهُ الْأُسْتَاذ فِي مناظرة جرت بَينهمَا، فَخرج مستوحشا، فَكتب إِلَيْهِ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل بِهَذِهِ الأبيات: (أعيذ الْفَقِيه الْحر من سطوة السخط ... مصونا عَن الأفكار يجلبها الْغَلَط) (يضايق حَتَّى لَا يسوغ لَفظه ... وَيَعْتِبُ من لفظ يفور على اللَّغط) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 (أحاكمه فِيهِ إِلَيْهِ محكما ... وأسأله عفوا لبادرة السقط) (وَمهما عدا وَجه الصَّوَاب حفاظه ... فَإِن سداد الرَّأْي يلْزمه النمط) (ونشري لمطوي خلاف إمامنا ... وطيي لمنشور وَفَاء بِمَا شَرط) (شددت على باغي الْفساد وَلم أدع ... عَلَيْهِ من الْحبّ الْيَسِير لمن لقط) (على رمد جَاءَ القريض مرمدا ... ورائقه بِالْبرِّ قد يمْلَأ السفط) قَالَ الْحَاكِم: فأنشدني أَبُو عبد الله جَوَابه عَنْهَا: (جفَاء جرى جَهرا لَدَى النَّاس وانبسط ... وَعذر أَتَى سرا فأكد مَا فرط) (مَتى طَالب الشَّيْخ الْفَقِيه بِحقِّهِ ... وضيع حَقًا لي عَلَيْهِ فقد قسط) (سبيلي إِذا ضايقته فِي الْعُلُوم أَن ... يضايقني فِيهَا وَلَا يركب الشطط) (وعدت أياديه الَّتِي خصني بهَا ... فَلَا حاسب أحصى وَلَا كَاتب ضبط) (فَمن أجلهَا فِي دَاره إِذْ حضرتها ... سَطَا واعتدى فِي القَوْل وَالْفِعْل وَاخْتَلَطَ) (فَأَي ملام يلْحق الْحر بعْدهَا ... إِذا هُوَ من جِيرَانه أبدا قنط) (هجرت افتراض الشّعْر لما انْقَضى الصِّبَا ... وَلما رَأَيْت الشيب فِي عارضي وَخط) (ولولاه لانثالت قواف محلهَا ... صُدُور ذَوي الْآدَاب لَا فارغ السفط) وَذكر أَبُو الْقَاسِم حَمْزَة السَّهْمِي الْجِرْجَانِيّ فِي " تَارِيخ جرجان " أَبَا عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الختن، فَقَالَ: أَبُو عبد الله، ختن أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ، كَانَ من الْفُقَهَاء الْمَذْكُورين فِي عصره، ودرس سِنِين كَثِيرَة، وَتخرج بِهِ عدَّة من الْفُقَهَاء، وَكَانَ لَهُ ورع، وَله أَرْبَعَة أَوْلَاد: أَبُو بشر الْفضل، وَأَبُو النَّضر عبيد الله، وَأَبُو عَمْرو عبد الرَّحْمَن، وَأَبُو الْحسن عبد الْوَاسِع، وَكَانَ لَهُ إملاء من سنة سبع وَسبعين إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله. روى عَن: أبي نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد، وَعبد الله بن السّري، وَأبي الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ، وَأبي أَحْمد الْعَسَّال، وَجَمَاعَة من أَصْبَهَان، وبغداد مثل: ابي بكر الشَّافِعِي، ودعلج، وَمن أهل نيسابور: الْأَصَم، وَغَيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 (16 - مُحَمَّد بن الْحسن [223 - 321] ) ابْن دُرَيْد بن عتاهية بن حنتم بن الْحسن بن حمامي، أَبُو بكر الْأَزْدِيّ، صَاحب " الجمهرة "، هَكَذَا نسب نَفسه، وَرَفعه إِلَى نصر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الأزد. قَالَ: وحمامي من أول من أسلم من آبَائِي، وَهُوَ من السّبْعين رَاكِبًا الَّذين خَرجُوا مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ من عمان إِلَى الْمَدِينَة، لما بَلغهُمْ وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أدوه. وَكَانَ ابْن دُرَيْد - عَفا الله عَنَّا وَعنهُ - من أَعْلَام اللُّغَة. ولد بِالْبَصْرَةِ، وَنَشَأ بعمان، وتنقل فِي جزائر الْبَحْر، وَالْبَصْرَة، وَفَارِس، وَطلب الْأَدَب، وَعلم النَّحْو واللغة حَتَّى برع، وَورد بَغْدَاد بعد أَن علت سنه، فَأَقَامَ بهَا إِلَى حِين وَفَاته، وَكَانَ رَأْسا مُتَقَدما فِي حفظ اللُّغَة، والأنساب، وأشعار الْعَرَب، وَله شعر جيد سَائِر، وَكَانَ أَبوهُ من أهل الرياسة واليسار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 حدث عَن: ابْن أخي الْأَصْمَعِي، وَأبي حَاتِم السجسْتانِي، والرياشي. وروى عَنهُ: السيرافي، والمرزباني، وَأَبُو بكر ابْن شَاذان، وَغَيرهم. ومولده - فِيمَا رُوِيَ عَنهُ - فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين ومئتين. رُوِيَ لنا عَن أبي مَنْصُور الشَّيْبَانِيّ وَغَيره، عَن الْخَطِيب قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن رزق بن عَليّ الْأَسدي يَقُول: كَانَ يُقَال: إِن أَبَا بكر ابْن دُرَيْد أعلم الشُّعَرَاء، وأشعر الْعلمَاء. وَبِه، عَن الْخَطِيب: حَدثنِي عَليّ بن المحسن التنوخي، عَن أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف الْأَزْرَق قَالَ: وَكَانَ أَبُو بكر - يَعْنِي: ابْن دُرَيْد - وَاسع الْحِفْظ جدا، مَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ، كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ دواوين الْعَرَب كلهَا، أَو أَكْثَرهَا، فيسابق إِلَى تَمامهَا ويحفظها، وَمَا رَأَيْته قطّ قرئَ عَلَيْهِ ديوَان شَاعِر، إِلَّا وَهُوَ يسابق إِلَى رِوَايَته، لحفظه لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَبِه: حَدثنِي عَليّ بن مُحَمَّد بن نصر قَالَ: سَمِعت حَمْزَة بن يُوسُف يَقُول: سَأَلت أَبَا الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن دُرَيْد، فَقَالَ: تكلمُوا فِيهِ. وَقَالَ حَمْزَة: سَمِعت أَبَا بكر الْأَبْهَرِيّ الْمَالِكِي يَقُول: جَلَست إِلَى جنب ابْن دُرَيْد وَهُوَ يحدث، وَمَعَهُ " جُزْء " فِيهِ: قَالَ الْأَصْمَعِي، فَكَانَ يَقُول فِي وَاحِد: حَدثنَا الرياشي، وَفِي آخر: حَدثنَا أَبُو حَاتِم، وَفِي آخر: حَدثنَا ابْن أخي الْأَصْمَعِي، عَن الْأَصْمَعِي، كَمَا يَجِيء على قلبه. قلت: هَذَا رجم بالتوهم، وَمَا الْمَانِع من أَن يكون ابْن دُرَيْد قد حفظ حَدِيث كل وَاحِد من شُيُوخه هَؤُلَاءِ على حِدة، وَإِن لم يكن مُبينًا فِي كِتَابه كَمَا وجد ذَلِك لغيره. وَبِه قَالَ: كتب إِلَيّ أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد الْهَرَوِيّ من مَكَّة قَالَ: سَمِعت أَبَا مَنْصُور الْأَزْهَرِي يَقُول: دخلت على ابْن دُرَيْد فرأيته سَكرَان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فَلم أعد إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو ذَر: وَسمعت ابْن شاهين يَقُول: كُنَّا ندخل على ابْن دُرَيْد، ونستحيي مِنْهُ مِمَّا نرى من العيدان الْمُعَلقَة، وَالشرَاب الْمُصَفّى مَوْضُوعا، وَقد كَانَ جَاوز التسعين سنة. قَالَ أَبُو ذَر: وَسمعت إِسْمَاعِيل بن سُوَيْد يَقُول: جَاءَ إِلَى ابْن دُرَيْد سَائل، فَلم يكن عِنْده غير دن نَبِيذ، فوهبة لَهُ، فجَاء غُلَامه، فَقَالَ: النَّاس يتصدقون بالنبيذ {} فَقَالَ: أيش أعمل؟ لم يكن عِنْدِي غَيره، فَمَا تمّ الْيَوْم حَتَّى أهدي لَهُ عشرَة دنان، فَقَالَ لغلامه: تصدقنا بِوَاحِد، فأخذنا عشرَة. قلت: وَقد ذكره الْأَزْهَرِي - فِيمَا رَأَيْته فِي صدر كِتَابه الْجَلِيل الموسوم [ب: " تَهْذِيب اللُّغَة " - فِي عداد من لَا يعْتد بِهِ فِي رِوَايَة اللُّغَة، فَقَالَ: مَاتَ - عَفا الله عَنهُ - فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَلَاث مئة، وَدفن بمقبرة الخيزران من بَغْدَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قَالَ الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي الْعَلَاء حمد بن عبد الْعَزِيز قَالَ: كنت فِي جَنَازَة أبي بكر ابْن دُرَيْد وفيهَا جحظة، فأنشدنا لنَفسِهِ: (فقدت بِابْن دُرَيْد كل فَائِدَة ... لما غَدا ثَالِث الْأَحْجَار والترب) (وَكنت أبْكِي لفقد الْجُود مُجْتَهدا ... فصرت أبْكِي لفقد الْجُود وَالْأَدب) قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه الْجِرْجَانِيّ - وَكَانَ من الْعلمَاء المبرزين على بَاب أبي الْعَبَّاس الْأَصَم، أملاه علينا فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة - قَالَ: أنشدنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد لنَفسِهِ فِي مدح الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه: (بملتفتيه للمشيب مطالع ... ذوائد عَن ورد التصابي روادع) (يصرفنه طوع الْعَنَان وَرُبمَا ... دَعَاهُ الصِّبَا فاقتاده وَهُوَ طائع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 (وَمن لم يزعه لبه وحياؤه ... فَلَيْسَ لَهُ من شيب فوديه وازع) (هَل النافر الْمَدْعُو للحظ رَاجع ... أَو النصح مَقْبُول أَو الْوَعْظ نَافِع؟) (أم الهمك المهموم بِالْجمعِ عَالم ... بِأَن الَّذِي يوعي من المَال ضائع؟) وَأَن قصاراه على فرط ضنه ... فِرَاق الَّذِي أضحى لَهُ وَهُوَ جَامع) (ويخمل ذكر الْمَرْء ذِي المَال بعده ... وَلَكِن جمع الْعلم للمرء رَافع) (ألم تَرَ آثَار ابْن إِدْرِيس بعده ... دلائلها فِي المشكلات لوامع) (معالم يفنى الدَّهْر وَهِي خوالد ... وتنخفض الْأَعْلَام وَهِي روافع) مناهج فِيهَا للهدى متصرف ... موارد فِيهَا للرشاد شرائع) (ظواهرها حكم ومستنبطاتها ... لما حكم التَّفْرِيق فِيهِ جَوَامِع) (لرأي ابْن إِدْرِيس ابْن عَم مُحَمَّد ... ضِيَاء إِذا مَا أظلم الْخطب صادع) (إِذا المعضلات المشكلات تشابهت ... سما مِنْهُ نور فِي دجاهن سَاطِع) (أَبى الله إِلَّا رَفعه وعلوه ... وَلَيْسَ لما يعليه ذُو الْعَرْش وَاضع) (توخى الْهدى واستنقذته يَد التقى ... من الزيغ، إِن الزيغ للمرء صارع) (ولاذ بآثار النَّبِي فَحكمه ... لحكم رَسُول الله فِي النَّاس تَابع) (وعول فِي أَحْكَامه وقضائه ... على مَا قضى التَّنْزِيل وَالْحق ناصع) (بطيء عَن الرَّأْي الْمخوف التباسه ... إِلَيْهِ إِذا لم يخْش لبسا مسارع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 (وَأَنْشَأَ لَهُ منشيه من خير مَعْدن ... خلائق هن الزاهرات البوارع) (تسربل بالتقى وليداً وناشئا ... وَخص بلب الكهل مذ هُوَ يافع) (وهذب حَتَّى لم تشر بفضيلة ... إِذا التمست إِلَّا إِلَيْهِ الْأَصَابِع) (فَمن يَك علم الشَّافِعِي إِمَامه ... فمرتعه فِي ساحة الْعلم وَاسع) (سَلام على قبر تضمن جِسْمه ... وجادت عَلَيْهِ المدجنات الهوامع) (لَئِن فجعتنا الحادثات بشخصه ... وَهن بِمَا حكمن فِيهِ فواجع) (فأحكامه فِينَا بدور زواهر ... وآثاره فِينَا نُجُوم طوالع) ذكرهَا الْحَاكِم هَكَذَا فِي كِتَابه فِي " المناقب "، لَكِن فِيهِ: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر الْفَقِيه الْجِرْجَانِيّ، وَقيل: إِنَّه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْجِرْجَانِيّ، وَفِيمَا وَقع إِلَيّ: رَوَاهَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن ابْن خالويه قَالَ: أَنْشدني ابْن دُرَيْد لنَفسِهِ، وَفِيمَا رُوِيَ من طَرِيقه تفَاوت يسير فِي بَعْضهَا، من ذَلِك: (تسربل بالتقوى وليدا وناشئا) وَزِيَادَة بَيت بعد قَوْله: سَلام على قبر ... وَهُوَ: (لقد غيبت أَكْفَانه شخص ماجد ... جليل إِذا الْتفت عَلَيْهِ المجامع) وَبَيت آخر بعد قَوْله: بطيء عَن الرَّأْي الْمخوف ... وَهُوَ: (جرت لبحور الْعلم إِذْ صَار فكره ... لَهَا مدَدا فِي الْعَالمين ينابع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 (17 - مُحَمَّد بن الْحسن [000 - 370] ) ابْن سُلَيْمَان الزوزني الْحَاكِم البحاث، أحد الْفُقَهَاء المبرزين، الْأَعْيَان المتفننين. قَالَ الْحَاكِم أَبُو حَفْص المطوعي: إِنَّه تقلد الْقَضَاء فِي كور كَثِيرَة بخراسان وَبِمَا وَرَاء النَّهر، وَإنَّهُ كَانَ بَينه وَبَين الأودني من المنافرة فِي المناظرة مَا يكون بَين الأقران. وروى أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن المطوعي قَالَ: ذكر أَن تصنيفات القَاضِي أبي جَعْفَر البحاث فِي التَّفْسِير، والْحَدِيث، وَالْفِقْه، وأنواع الْأَدَب، تربي على المئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَقدم أَبُو جَعْفَر البحاث على الصاحب ابْن عباد، فارتضى تصرفه فِي الْعلم، وتفننه فِي أَنْوَاع الْفضل، وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء على شَرط انتحال مذْهبه - يَعْنِي الاعتزال - وانتحال طَرِيقَته؛ فَامْتنعَ، وَقَالَ: لَا أبيع الدّين بالدنيا، فتمثل لَهُ الصاحب بقول الْقَائِل: (فَلَا تجعلني للقضاة فريسة ... فَإِن قُضَاة الْعَالمين لصوص) (مجَالِسهمْ فِينَا مجَالِس شرطة ... وأيديهم دون الشصوص شصوص) فَأَجَابَهُ البحاث بديهة بقوله: (سوى عصبَة مِنْهُم تخص بعفة ... وَللَّه فِي حكم الْعُمُوم خُصُوص) (خصوصهم زَان الْبِلَاد وَإِنَّمَا ... يزين خَوَاتِيم الْمُلُوك فصوص) وَله شعر مدون سَائِر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 قَالَ الشَّيْخ: أنبئت عَن أبي سعد السَّمْعَانِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد الشَّاشِي، أخبرنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد التَّمِيمِي، أخبرنَا الْفَقِيه أَبُو نصر الحفصويي، أخبرنَا الْحَاكِم أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحسن البحاث قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن الْحسن قَالَ: سَمِعت أَبَا عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ: سَمِعت عمر بن شبه يَقُول: سَمِعت الْأَصْمَعِي يَقُول: لما خرج الرشيد حَاجا، رأى يَوْم خُرُوجه من الْكُوفَة بهلولا الْمَجْنُون على الطَّرِيق يهذي، فَقَالَ لَهُ الرّبيع: أمسك، فقد أقبل أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَأمْسك حَتَّى حَاذَى الهودج، فَقَامَ على قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! سَمِعت أَيمن بن نابل يَقُول: سَمِعت قدامَة بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ يَقُول: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته العضباء لَيْسَ هُنَاكَ طرد وَلَا رد، وَلَا إِلَيْك إِلَيْك، وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 خيرا مِنْك، وَإِن تواضعك فِي شرفك أحسن من تكبرك، فَقَالَ: عظنا يَا بهْلُول، فَقَالَ: من آتَاهُ الله مَالا وجمالا وسلطانا، فواسى من مَاله، وعف فِي جماله، وَعدل فِي سُلْطَانه؛ كَانَ فِي ديوَان الله تَعَالَى من المقربين، قَالَ: قد أمرنَا لَك بجائزة، قَالَ: لَا حَاجَة لنا فِي الْجَائِزَة، قَالَ: إِن كَانَ عَلَيْك دين قضيناه عَنْك، قَالَ: إِن الدّين لَا يقْضى بِالدّينِ، فَاقْض دين نَفسك، قَالَ: فَإنَّا نجري عَلَيْك مجْرى، قَالَ: سُبْحَانَ الله، أَنا وَأَنت عَبْدَانِ لله عز وَجل، ترَاهُ يذكرك وينساني، ثمَّ مر وَهُوَ يترنم، فَبعث خَلفه من يسمع مَا يترنم بِهِ، فَإِذا هُوَ يَقُول: (دع الْحِرْص على الدُّنْيَا ... وَفِي الْعَيْش فَلَا تطمع) (وَلَا تجمع من المَال ... فَلَا تَدْرِي لمن تجمع) (وَأمر الرزق مقسوم ... وَسُوء الظَّن لَا ينفع) (وَلَا تَدْرِي أَفِي أَرْضك ... أم فِي غَيرهَا تصرع) (فَقير من لَهُ حرص ... غَنِي كل من يقنع) قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي " تَارِيخه لنيسابور ": مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله الزوزني، أَبُو جَعْفَر الأديب، ولي الحكم فِي بِلَاد كَثِيرَة بخراسان، وَكَانَ أَولا يُؤَدب عِنْد أبي إِسْحَاق الْمُزَكي أَوْلَاده، وَهُوَ الْمَعْرُوف ب: البحاث، كَانَ من الفصحاء الشُّعَرَاء، تفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي، وَسمع الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 بخراسان بعد الْأَرْبَعين - يَعْنِي: وَثَلَاث مئة - توفّي ببخارى سنة سبعين وَثَلَاث مئة. سمع مِنْهُ الْحَاكِم. قَالَ الشَّيْخ: وَهَذَا مَوضِع نظر، يحْتَمل أَن يكون هَذَا الَّذِي ذكره هُوَ الأول، وَوَقع الْوَهم فِي نسبه، وَيحْتَمل أَن يكون غَيره، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 (18 - مُحَمَّد بن الْحسن [000 - 406] ) ابْن فورك، أَبُو بكر ابْن فرك الْأَصْبَهَانِيّ، نزيل نيسابور. ذكره الْحَاكِم فِي " تَارِيخه " فَقَالَ: الأديب، الْمُتَكَلّم، الأصولي، الْوَاعِظ، النَّحْوِيّ، أَقَامَ أَولا بالعراق إِلَى أَن درس بهَا على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ، ثمَّ لما ورد الرّيّ قصدته المبتدعة، فعقد عبد الله بن مُحَمَّد الثَّقَفِيّ مَجْلِسا، وَجمع أهل السّنة، وتقدمنا إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدولة أبي الْحسن مُحَمَّد بن الْحسن، والتمسنا مِنْهُ المراسلة فِي تَوْجِيهه إِلَى نيسابور، فَفعل، وَورد نيسابور، فَبنى لَهُ الدَّار والمدرسة، فأحيى الله بِهِ فِي بلدنا أنواعا من الْعُلُوم، وَظَهَرت بركته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 على جمَاعَة من المتفقهة وتخرجوا بِهِ. سمع عبد الله بن جَعْفَر وأقرانه، وَكثر سَمَاعه بِالْبَصْرَةِ وبغداد، وَحدث بنيسابور. روى عَنهُ الْحَاكِم، حكى عَنهُ أَنه قَالَ: كَانَ سَبَب اشتغالي بِعلم الْكَلَام، أَنِّي كنت بأصبهان أختلف إِلَى فَقِيه، فَسمِعت أَن الْحجر يَمِين الله فِي الأَرْض، فَسَأَلت ذَلِك الْفَقِيه عَن مَعْنَاهُ، فَكَانَ لَا يُجيب بِجَوَاب شاف، وَيَقُول: أيش تُرِيدُ من هَذَا؟ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يعرف حَقِيقَة ذَلِك، فَقيل لي: إِن أردْت أَن تعرف هَذَا فَمن حَقك أَن تخرج إِلَى فلَان فِي الْبَلَد، وَكَانَ يحسن الْكَلَام، فَخرجت إِلَيْهِ وَسَأَلته، فَأجَاب بِجَوَاب شاف، فَقلت: لَا بُد أَن أعرف هَذَا الْعلم، فاشتغلت بِهِ. وَذكر ابْن حزم إِمَام ظاهرية الْمغرب فِي كتاب " النصائح " لَهُ؛ أَن السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين قتل أَبَا بكر ابْن فورك لقَوْله: إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ هُوَ رَسُول الله الْيَوْم، لكنه كَانَ رَسُول الله. وَزعم ابْن حزم أَن هَذَا قَول جَمِيع الأشعرية، وَلَيْسَ كَمَا زعم، وَإِنَّمَا هُوَ تشنيع عَلَيْهِم أثارته الكرامية فِيمَا حَكَاهُ الْقشيرِي قَالَ: تناظر ابْن فورك وَأَبُو عُثْمَان المغربي فِي الْوَلِيّ، هَل يعرف أَنه ولي؟ فَكَانَ ابْن فورك يُنكر أَن يعرف ذَلِك لزوَال الْخَوْف، وَأَبُو عُثْمَان يُحَقّق ذَلِك، وَهَذِه مَسْأَلَة خلاف بَين الصُّوفِيَّة، فَأَنْشد أَبُو عُثْمَان: (يعرفهُ الباحث عَن جنسه ... وَسَائِر النَّاس لَهُ مُنكر) قَالَ الإِمَام - يَعْنِي: الْقشيرِي -: نعني أَن هَذِه الْحَالة من حَيْثُ الْحَال والذوق، لَا من حَيْثُ المناظرة والنطق، وَذكر أسعد أَنه سَمعه يَحْكِي عَن الْأُسْتَاذ الشَّهِيد 0 يَعْنِي: ابْن فورك - قَالَ: كل مَوضِع نرى فِيهِ اجْتِهَادًا، وَلم يكن ثمَّ نور، فَاعْلَم أَن ثمَّ بِدعَة خُفْيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 (19 - مُحَمَّد بن الْحسن [266 - 351] ) ابْن مُحَمَّد بن زِيَاد بن هَارُون بن جَعْفَر بن سَنَد، أَبُو بكر النقاش الْمُقْرِئ الْمُفَسّر، صَاحب كتاب " شِفَاء الصُّدُور " فِي التَّفْسِير. موصلي الأَصْل، نزل بَغْدَاد، وَقيل: إِنَّه مولى أبي دُجَانَة الْأنْصَارِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ: كَانَ عَالما بحروف الْقُرْآن، حَافِظًا للتفسير، وَله تصانيف فِي الْقرَاءَات وَغَيرهَا من الْعُلُوم. وَكَانَ سَافر الْكثير شرقا وغربا، وَكتب بِالْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَة، وَمَكَّة، ومصر، وَالشَّام، والجزيرة، والموصل، وَالْجِبَال، وببلاد خُرَاسَان، وَمَا وَرَاء النَّهر. وَحدث عَن: إِسْحَاق بن سِنِين الْخُتلِي، وَأبي مُسلم الْكَجِّي، وَمُحَمّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ، وَمُحَمّد بن عَليّ بن زيد الصَّائِغ الْمَكِّيّ، وَالْحسن بن سُفْيَان النسوي، وَخلق يطول ذكرهم. روى عَنهُ: أَبُو بكر ابْن مُجَاهِد، وجعفر الْخُلْدِيِّ، وَأَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو حَفْص ابْن شاهين، وَآخَرُونَ. قَالَ الْخَطِيب: وَفِي حَدِيثه مَنَاكِير بأسانيد مَشْهُورَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 قَالَ الْخَطِيب: حَدثنِي عبيد الله ابْن أبي الْفَتْح، عَن طَلْحَة بن مُحَمَّد بن جَعْفَر أَنه ذكر النقاش، فَقَالَ: كَانَ يكذب فِي الحَدِيث، وَالْغَالِب عَلَيْهِ الْقَصَص. قَالَ الْخَطِيب: وَسَأَلت البرقاني عَن النقاش فَقَالَ: كل حَدِيثه مُنكر قَالَ: وحَدثني من سمع أَبَا بكر ذكر " تَفْسِير " النقاش، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ حَدِيث صَحِيح. قَالَ: وحَدثني مُحَمَّد بن يحيى الْكرْمَانِي قَالَ: سَمِعت هبة الله بن الْحسن الطَّبَرِيّ ذكر " تَفْسِير " النقاش، فَقَالَ: ذَاك إشفى الصُّدُور، وَلَيْسَ بشفاء الصُّدُور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين؛ صَاحب هَذَا الْكتاب: النقاش - رَحمَه الله - معزى بالغرائب، مكثر من رِوَايَة الْمَنَاكِير، وَلَا يتَجَاوَز أمره إِلَى التَّكْذِيب، وَمَا ذَكرْنَاهُ عَن الْحفاظ كالبرقاني، وَهبة الله الطَّبَرِيّ اللالكائي، والخطيب، لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيب، وَلَيْسَ فِيهِ أَكثر من أَن نسبوه إِلَى رِوَايَة الْمَنَاكِير وَمَا لَا يثبت، وعنها وَقع الذَّم ل " تَفْسِيره ". وَقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ حديثين بَين بطلانهما، وَلم يزدْ على وَصفه بالوهم والتوهم. وَأما طَلْحَة بن مُحَمَّد فمعتزلي دَاعِيَة مَجْرُوح، حكى ذَلِك الْخَطِيب، وَذكر عَن الْأَزْهَرِي - وَهُوَ عبيد الله بن أبي الْفَتْح - أَنه قَالَ فِيهِ: ضَعِيف فِي رِوَايَته وَفِي مذْهبه، فَكيف يرجع إِلَيْهِ فِي مثل هَذَا ويعتمد؟ لَا سِيمَا فِي مثل النقاش على جلالته وشهرته بَين أهل الْقُرْآن بِمَا يُوجب طَهَارَة ساحته، وَالله أعلم. قَالَ الْخَطِيب: سَمِعت أَبَا الْحُسَيْن ابْن الْفضل الْقطَّان يَقُول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 حضرت أَبَا بكر النقاش وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ يَوْم الثُّلَاثَاء لثلاث خلون من شَوَّال سنة إِحْدَى وَخمسين وَثَلَاث مئة، فَجعل يُحَرك شَفَتَيْه بِشَيْء لَا أعلم مَا هُوَ، ثمَّ نَادَى بعلو صَوته: {لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] ، يُرَدِّدهَا ثَلَاثًا، ثمَّ خرجت نَفسه. وَذكر ابْن أبي الفوارس أَن مولد النقاش سنة سِتّ وَسِتِّينَ ومئتين، وَدفن فِي دَاره بِبَغْدَاد. وَقَالَ النقاش: حدثت عَن الْمَدَائِنِي قَالَ: قَرَأَ إِمَام بِقوم سُورَة الْحَمد، فَقَالَ: وَلَا الظالين، بالظاء، فرفسه رجل من خَلفه، فَقَالَ الإِمَام: أوه ضهري، فَقَالَ لَهُ الرجل: يَا كَذَا وَكَذَا! خُذ الضَّاد من ظهرك، فاجعلها فِي الضَّالّين، وَأَنت فِي عَافِيَة. وروى الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ عَن النقاش أَن مُحَمَّد بن عَليّ الصَّائِغ أخْبرهُم قَالَ: أَخْبرنِي يحيى بن معِين قَالَ: كنت عِنْد أبي يُوسُف، وَعِنْده جمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث وَغَيرهم، فوافته هَدِيَّة من أم جَعْفَر احتوت على تخوت دبيقي، ومصمت، وَشرب، وتماثيل ند، وَغير ذَلِك، فذاكرني رجل بِحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من أَتَتْهُ هَدِيَّة وَعِنْده قوم جُلُوس فهم شركاؤه فِيهَا "، فَسَمعهُ أَبُو يُوسُف فَقَالَ: أبي تعرض؟ إِنَّمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " والهدايا: الأقط، وَالسمن، وَالزَّبِيب "، وَلم تكن الْهَدَايَا مَا ترَوْنَ، يَا غُلَام، شل إِلَى الخزائن. وَفِيمَا روى بِخَط أبي الْقَاسِم ابْن الدبثائي الْأَزْهَرِي قَالَ: قَرَأت على أبي عَليّ ابْن حمكان الشَّافِعِي، حَدثنِي عَليّ بن أَحْمد بن قُرْقُور التمار، وَمُحَمّد بن الْحسن قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ الصَّائِغ بِمَكَّة قَالَ: سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول: مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي فِي النَّاس بِمَنْزِلَة الْعَافِيَة لِلْخلقِ، وَالشَّمْس للدنيا، جزاه الله عَن الْإِسْلَام وَعَن نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا. وَهَذَا من أحسن مَا ينْقل عَن ابْن معِين فِي رُجُوعه للشَّافِعِيّ. وَبِالْإِسْنَادِ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِدْرِيس بهراة، حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ: قَالَ لنا الشَّافِعِي: دهمني فِي هَذِه الْأَيَّام أَمر أمضني وآلمني، وَلم يطلع عَلَيْهِ غير الله، فَلَمَّا كَانَ البارحة أَتَانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس! قل: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أملك لنَفْسي ضرا وَلَا نفعا، وَلَا موتا وَلَا حَيَاة وَلَا نشورا، وَلَا أَسْتَطِيع أَن آخذ إِلَّا مَا أَعْطَيْتنِي، وَلَا أتقي إِلَّا مَا وقيتني، اللَّهُمَّ فوفقني لما تحب وترضى من القَوْل وَالْعَمَل فِي عَافِيَة، فَلَمَّا أَن أَصبَحت أعدت ذَلِك، فَلَمَّا ترحل النَّهَار أَعْطَانِي الله طلبتي، وَسَهل لي الْخَلَاص مِمَّا كنت فِيهِ، فَعَلَيْكُم بِهَذِهِ الدَّعْوَات فَلَا تغفلوا عَنْهَا. وَبِه: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن النقاش، حَدثنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد، حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ: نَاظر رجل الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة فدقق، وَالشَّافِعِيّ ثَابت يُجيب ويصيب، فَعدل الرجل إِلَى الْكَلَام فِي مناظرته، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي: هَذَا غير مَا نَحن فِيهِ، هَذَا كَلَام، لست أَقُول بالْكلَام، وَاحِدَة، وَأُخْرَى لَيست الْمَسْأَلَة مُتَعَلقَة بِهِ، ثمَّ أنشأ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول: (مَتى مَا تقد بِالْبَاطِلِ الْحق يأبه ... وَإِن قدت بِالْحَقِّ الرواسِي تنقد) (إِذا مَا أتيت الْأَمر من غير بَابه ... ضللت وَإِن تقصد إِلَى الْبَاب تهتد) فَدَنَا مِنْهُ الرجل وَقبل يَده. وَبِه: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن الْمُقْرِئ، حَدثنَا أَبُو نعيم، حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: رَأس التوقي ترك الإفراط فِي التوقي. قَالَ النقاش: صدق الشَّافِعِي، لِأَن الإفراط هُوَ مُجَاوزَة الْحق فِي مِقْدَار الْمصلحَة، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 (20 - مُحَمَّد بن الْحسن) ابْن الْمُنْتَصر، أَبُو الْفَيَّاض الْبَصْرِيّ. تلميذ أبي حَامِد المروروذي. كَانَ من الْأَئِمَّة الْبَصرِيين المصنفين، من تصانيفه: " اللَّاحِق " ب " الْجَامِع " الَّذِي صنفه شَيْخه، ذكر فِيهِ: مِمَّا يكره للْقَاضِي نظره فِي النَّفَقَة على أَهله، وَفِي ضيعته، لِأَن هَذَا أشغل لفهمه من كثير من الْغَضَب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 (21 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن [000 - 521] ) ابْن بنْدَار، أَبُو الْعِزّ القلانسي الوَاسِطِيّ. واعتماد النَّاس بواسط على مَا صنفه فِي الْقرَاءَات، لكَون مشايخهم إِيَّاهَا يروون. وحَدثني الشَّيْخ ابْن باسويه الْمُقْرِئ الوَاسِطِيّ - وَهُوَ من أهل الْقُرْآن وَالْفِقْه وَالْخَيْر، وَهُوَ أحد المتصدرين للإقراء بِجَامِع دمشق، وَله رِوَايَة فِي ذَلِك - عَن ابْن الباقلاني، عَن أبي الْعِزّ؛ أَن أَبَا الْعِزّ كَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب. وحَدثني أَن القَاضِي أَبَا عَليّ الفارقي لَهُ فتاو مَجْمُوعَة فِي نَحْو خَمْسَة أَجزَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 (22 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن [000 - 401] ) ابْن دَاوُد بن عَليّ بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، السَّيِّد أَبُو الْحسن بن أبي عبد الله الحسني النَّقِيب، جد النُّقَبَاء بنيسابور رَضِي الله عَنهُ وَعَن أسلافه. هَكَذَا ذكر هَذَا النّسَب أَبُو عبد الله الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة أَبِيه، وَسقط مُحَمَّد مِنْهُ، فِي تَرْجَمته نَفسه فِي " مشيخة " أبي صَالح، وَفِي تَرْجَمته من كتاب الْحَاكِم أَيْضا. أثنى عَلَيْهِ الْحَاكِم، وَقَالَ: شيخ الشّرف فِي عصره، ذُو الهمة الْعَالِيَة، وَالْعِبَادَة الظَّاهِرَة، والسجايا الطاهرة. سمع: أَبَا حَامِد الشَّرْقِي، وأخاه عبد الله، وأقرانهما بنيسابور. قَالَ الْحَاكِم: كَانَ يسْأَل التحديث فيأبى، ثمَّ أجَاب آخرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وَعقد الْحَاكِم لَهُ مجْلِس الْإِمْلَاء، وانتقى عَلَيْهِ ألف حَدِيث، فَحدث، قَالَ: وَكَانَ تعد فِي مجالسه ألف محبرة، فَحدث ثَلَاث سِنِين، ثمَّ توفّي فَجْأَة. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت السَّيِّد أَبَا الْحسن الحسني يَقُول: حضرت مَعَ وَالِدي السَّيِّد أبي عبد الله جَنَازَة مكي بن عَبْدَانِ فَقَالَ: قد فاتك أحد الشَّيْخَيْنِ، فَلَا يَنْبَغِي أَن يفوتك الشَّيْخ الآخر، فبكر بِي إِلَى أبي حَامِد الشَّرْقِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 (23 - أَخُوهُ [000 - 393] ) السَّيِّد أَبُو عَلي ّ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن دَاوُد. ذكره الْحَاكِم أَيْضا، وَذكر أَنه كَانَ بَاب الشّرف فِي عصره، حسن الشَّأْن، ذَا مُرُوءَة وإحسان إِلَى أهل الدّين وَالتَّقوى، متقربا إِلَيْهِم، مستكثرا مِنْهُم. سمع أَبَا حَامِد ابْن بِلَال، وَأَبا بكر الْقطَّان فِي طبقته قبل الْأَصَم. توفّي فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَلَاث مئة بنيسابور، وَصلى عَلَيْهِ أَخُوهُ السَّيِّد أَبُو الْحسن، روى عَنهُ الْحَاكِم. وذكرهما أَبُو الْحسن ابْن أبي الْقَاسِم الْحَنَفِيّ الْمَذْهَب فِي جملَة الشَّافِعِيَّة، وَحكى عَن الْحَاكِم أَن السَّيِّد أَبَا الْحسن كَانَ يتعبد على مَذْهَب الشَّافِعِي، ويعتقد مذْهبه، وَوصف أَخَاهُ السَّيِّد أَبَا عَليّ ب: الْمدرس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وَقَالَ: كَانَ يدرس فقه الشَّافِعِي بنيسابور، وَلم أجد مَا حَكَاهُ عَن الْحَاكِم فِي ترجمتهما من " تَارِيخه "، وَالله أعلم. وَذكر الْحَاكِم أباهما: السَّيِّد أَبَا عبد الله، فَحكى أَنه كَانَ سني العلوية فِي أَيَّامه، وَمن أَكثر النَّاس صَلَاة وَصدقَة ومحبة لأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأخْبر أَنه صَحبه مُدَّة، وَكَانَ يُصَلِّي بجنبه الْجُمُعَة فِي الْجَامِع بضع عشرَة سنة، فَمَا سَمعه يذكر عُثْمَان إِلَّا قَالَ: أَمِير الْمُؤمنِينَ الشَّهِيد رَضِي الله عَنهُ وَبكى، مَا سَمعه يذكر عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَّا قَالَ: الصديقة بنت الصّديق رَضِي الله عَنْهَا، حَبِيبَة حبيب الله، وَبكى. وَسمع الحَدِيث فَأكْثر، وَمِمَّنْ سمع: جَعْفَر الْحَافِظ، وَابْن شيرويه، وَأكْثر عَن الإِمَام أبي بكر ابْن خُزَيْمَة، قَالَ: وَمَا سمعته يذكر أَبَا بكر إِلَّا قَالَ: إِمَام الْمُسلمين فِي عصره رَضِي الله عَنهُ. توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخمسين وَثَلَاث مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 (24 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن [000 - 407] ) ابْن مُحَمَّد بن الْهَيْثَم بن الْقَاسِم بن مَالك، القَاضِي أَبُو عمر ابْن أبي سعيد البسطامي. هَكَذَا نسبه شيرويه، وَنسبه الْحَاكِم فِي تَرْجَمته وترجمة أَبِيه: ابْن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن يحيى، فَالله أعلم. كَانَ قَاضِي نيسابور، وَأحد رُؤَسَاء الشَّافِعِيَّة بهَا، ذكره الْخَطِيب فَقَالَ: حَدثنِي عَنهُ الْحسن بن مُحَمَّد الْخلال، وَذكر لي أَنه قدم بَغْدَاد فِي حَيَاة أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ. قَالَ: وَكَانَ إِمَامًا نظارا، وَكَانَ أَبُو حَامِد يعظمه ويجله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَسمع الحَدِيث بأصبهان، وبغداد، وَالْبَصْرَة، والأهواز، وَغَيرهمَا. عَن: الطَّبَرَانِيّ، وَابْن الْجَارُود الرقي، وَأبي بكر القباب الْأَصْبَهَانِيّ، وَغَيرهم. قَالَ شيرويه: وَكَانَ صَدُوقًا. وَذكره الْحَاكِم أَبُو عبد الله، وَمَات قبله، فَقَالَ: الْفَقِيه، الْمُتَكَلّم، البارع، الْوَاعِظ، ورد لَهُ الْعَهْد بنيسابور، وَقُرِئَ عَلَيْهِ الْعهْدَة غَدَاة الْخَمِيس، الثَّالِث من ذِي الْقعدَة، سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، وأجلس فِي مجْلِس الْقَضَاء، فِي مَسْجِد رَحا فِي تِلْكَ السَّاعَة، وَأظْهر أهل الحَدِيث من الْفَرح والاستبشار وَالثنَاء مَا يطول شَرحه، وكتبنا بِالدُّعَاءِ وَالشُّكْر إِلَى السُّلْطَان وَإِلَى أوليائه. مَاتَ البسطامي بنيسابور سنة سبع وَأَرْبع مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 (25 - مُحَمَّد بن خَفِيف [000 - 371] ) الضَّبِّيّ، أَبُو عبد الله. أَقَامَ بشيراز. قَالَ ابْن خَمِيس: كَانَ شيخ الْمَشَايِخ وأوحدهم فِي وقته، عَالما بعلوم الظَّاهِر والحقائق، حسن الْأَحْوَال فِي المقامات وَالْأَفْعَال، جميل الْأَخْلَاق والأعمال. وَذكره صَاحبه أَبُو الْعَبَّاس النسوي، وَقَالَ: بلغ مَا لم يبلغهُ أحد، فِي الْعلم، والخلق، والجاه، عِنْد الْخَاص وَالْعَام، وَصَارَ أوحد زَمَانه، مَقْصُودا من الْآفَاق، مُفِيدا فِي كل نوع من الْعُلُوم، مُبَارَكًا على من يَقْصِدهُ، رَفِيقًا بمريديه، يبلغ كَلَامه مُرَاده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 قَالَ: وصنف من الْكتب مَا لم يصنفه أحد، وانتفع بِهِ جمَاعَة حَتَّى صَارُوا أَئِمَّة يقْتَدى بهم، وَعمر حَتَّى عَم نَفعه الْبلدَانِ. وَكَانَت لَهُ أسفار وبدايات ورياضات، وَلَقي الشُّيُوخ والزهاد والنساك، وَدخل الْعرَاق، وَلَقي بهَا رويما، وَابْن عَطاء، والجريري، وعاشر بِمَكَّة الكتاني والمزين، وأقرانهما. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح عبد الرَّحِيم بن أَحْمد - خَادِم ابْن خَفِيف صَالح فَاضل -: سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن خَفِيف يَقُول: سَأَلنَا يَوْمًا القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج بشيراز، وَكُنَّا نحضر مَجْلِسه لدرس الْفِقْه، فَقَالَ لنا: محبَّة الله فرض أَو غير فرض؟ قُلْنَا: فرض. قَالَ: مَا الدّلَالَة على فَرضهَا؟ فَمَا فِينَا من أَتَى بِشَيْء فَقبل، فرجعنا إِلَيْهِ وسألناه الدَّلِيل على فرض محبَّة الله عز وَجل، فَقَالَ: قَوْله تَعَالَى: {قل إِن كَانَ آباؤكم وأبناؤكم} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره} [التَّوْبَة: 24] . قَالَ: فتواعدهم الله عز وَجل على تَفْضِيل محبتهم لغيره على محبته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ومحبة رَسُوله، والوعيد لَا يَقع إِلَّا على فرض لَازم، وحتم وَاجِب. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح أَيْضا: سَمِعت الشَّيْخ أَبَا عبد الله يَقُول: مَا سَمِعت شَيْئا من سنَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا استعملته، حَتَّى الصَّلَاة على أَطْرَاف الْأَصَابِع، وَهُوَ صَعب. وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي ابْن خَفِيف: هُوَ من أعلم الْمَشَايِخ بعلوم الشَّرِيعَة من الْكتاب وَالسّنة، وَهُوَ فَقِيه على مَذْهَب الشَّافِعِي. وَقَالَ أَبُو عبد الله ابْن خَفِيف: سَمِعت أَبَا بكر الكتاني يَقُول: سَافَرت أَنا وَالْعَبَّاس بن الْمُهْتَدي، وَأَبُو سعيد الخراز فِي بعض السنين، وضللنا فِي بعض الطَّرِيق، والتقينا بحيرة، فَبينا نَحن كَذَلِك إِذا بشاب قد أقبل وَفِي يَده محبرة، وعَلى عُنُقه مخلاة فِيهَا كتب، فَقُلْنَا لَهُ: يَا فَتى! كَيفَ الطَّرِيق؟ فَقَالَ لنا: الطَّرِيق طَرِيقَانِ، فَمَا أَنْتُم عَلَيْهِ فطريق الْعَامَّة، وَمَا أَنا عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الْخَاصَّة، وَوضع رجله فِي الْبَحْر وعبره، قَالَ: فتبنا إِلَى الله عز وَجل أَن ننكر بعد ذَلِك أحدا من أهل الْعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 (26 - مُحَمَّد بن سُلَيْمَان [296 - 369] ) ابْن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن هَارُون بن مُوسَى بن عِيسَى، أَبُو سهل الصعلوكي، الْحَنَفِيّ نسبا، الْعجلِيّ، الشَّافِعِي مذهبا. أحد أَئِمَّة وقته فِي عُلُوم، مُتَّفق على تقدمه وجلالته. ذكره أَبُو الْعَبَّاس النسوي الصُّوفِي، وَحكى أَنه كَانَ يقدم فِي عُلُوم الصُّوفِيَّة، وَيتَكَلَّم فِيهَا بِأَحْسَن كَلَام. وَصَحب من أئمتهم: المرتعش، والشبلي، وَأَبا عَليّ الثَّقَفِيّ، وَغَيرهم. قَالَ: وَكَانَ حسن السماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 قَالَ السّلمِيّ: وَقَالَ لي يَوْمًا: عقوق الْوَالِدين يمحوها التَّوْبَة، وعقوق الأستاذين لَا يمحوها شَيْء الْبَتَّةَ. وَقَالَ السّلمِيّ: سَمِعت الشَّيْخ أَبَا سهل الصعلوكي يَقُول: أَقمت بِبَغْدَاد سبع سِنِين، مَا مرت بِي جُمُعَة إِلَّا ولي على الشبلي وَقْفَة أَو سُؤال. وسمعته يَقُول: دخل الشبلي على أبي إِسْحَاق الْمروزِي، فرآني عِنْده، فَقَالَ: ذَا الْمَجْنُون من أَصْحَابك؟ لَا، بل من أَصْحَابنَا. وَذكره الْحَاكِم فَقَالَ: الإِمَام الْهمام، أَبُو سهل الصعلوكي الْفَقِيه الأديب اللّغَوِيّ النَّحْوِيّ الْمُتَكَلّم الْمُفَسّر الْمُفْتِي الصُّوفِي الْكَاتِب الشَّاعِر الْعَرُوضِي، حبر زَمَانه، وَبَقِيَّة أقرانه. وَحكى أَنه سمع الحَدِيث أول سمعة سنة خمس وَثَلَاث مئة، وأحضر للتفقه مجْلِس أبي عَليّ الثَّقَفِيّ سنة ثَلَاث عشرَة وَثَلَاث مئة، وَكَانَ عَمه أَبُو الطّيب أَحْمد بن سُلَيْمَان يمنعهُ عَن الِاخْتِلَاف إِلَّا إِلَى أبي بكر ابْن خُزَيْمَة وَأَصْحَابه، فَلَمَّا توفّي أَبُو بكر طلب الْفِقْه، وتبحر فِي الْعُلُوم قبل خُرُوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 إِلَى الْعرَاق بسنين، فَإِنَّهُ نَاظر فِي مجْلِس الْوَزير أبي الْفضل البلعمي سنة تسع عشرَة وَثَلَاث مئة، وَهُوَ إِذْ ذَاك يقدم فِي الْمجْلس، ويستعظم البلعمي كَلَامه، ثمَّ خرج إِلَى الْعرَاق سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَلَاث مئة، وَهُوَ أوحد بَين أَصْحَابه، ثمَّ دخل الْبَصْرَة ودرس بهَا سِنِين، ثمَّ استدعي إِلَى أَصْبَهَان ونزلها سِنِين، فَلَمَّا نعي إِلَيْهِ عَمه أَبُو الطّيب علم أَن أهل أَصْبَهَان، لَا يخلونه ينْصَرف، فَخرج مِنْهَا مختفيا مِنْهُم، وَورد نيسابور فِي رَجَب سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ على الرُّجُوع إِلَى أَهله وَولده ومستقره من أَصْبَهَان، وَلما وردهَا جلس لمأتم عَمه أَيَّامًا ثَلَاثَة، فَكَانَ الشَّيْخ أَبُو بكر ابْن إِسْحَاق على قلَّة حركته وقعوده عَن قَضَاء الْحُقُوق يحضرهُ كل يَوْم، فيقعد مَعَه، وَكَذَلِكَ كل رَئِيس ومرؤوس وقاض ومفت من الْفَرِيقَيْنِ، فَلَمَّا انْقَضتْ أَيَّام العزاء عقدوا لَهُ الْمجْلس غَدَاة يَوْم للتدريس، وَبَين العشاءين للإلقاء، وَعَشِيَّة الْأَرْبَعَاء للنَّظَر، واستقرت بِهِ الدَّار، وَلم يبْق فِي الْبَلَد مُوَافق وَلَا مُخَالف إِلَّا وَهُوَ مقرّ لَهُ بِالْفَضْلِ والتقدم. وحضره الْمَشَايِخ مرّة بعد أُخْرَى يسألونه نقل من خلف وَرَاءه بأصبهان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 فَأجَاب إِلَى ذَلِك، وَرَأس أَصْحَابه بنيسابور اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة. " سمع الحَدِيث بخراسان من: الإِمَام أبي بكر ابْن خُزَيْمَة، وَأبي الْعَبَّاس الثَّقَفِيّ، والماسرجي، والأزهري، وَأبي قُرَيْش الْحَافِظ، وأقرانهم. وبالري: من أبي مُحَمَّد ابْن أبي حَاتِم، وأقرانه. وبالعراق: من أبي عبد الله الْمحَامِلِي، وأقرانه. قَالَ الْحَاكِم: أظنني أول من كتب عَنهُ الحَدِيث، فَإِنِّي سَمِعت الْأُسْتَاذ يَقُول عِنْد وُرُوده فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ: كنت أَمْشِي مَعَ عمي، فَلَمَّا وردنا بَاب عزْرَة استقبلنا أَبُو الْعَبَّاس السراج، فَسلم عَلَيْهِ عمي، ثمَّ قَالَ " يَا أَبَا الْعَبَّاس ابْن أخي، فَرَحَّبَ بِي أَبُو الْعَبَّاس، ودعا لي، فَقَالَ لي عمي: يَا أَبَا الْعَبَّاس! حَدثهُ بِحَدِيث، فَقَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان، عَن ثَابت، عَن أنس؛ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يدّخر شَيْئا لغد. حَدثنِي بِهِ وَهُوَ قَائِم، وَذَلِكَ سنة خمس وَثَلَاث مئة، ثمَّ إِن الاستاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 سُئِلَ التحديث غير مرّة، فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع إِلَى غرَّة رَجَب من سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة، فَإِنَّهُ أجَاب إِلَى الْإِمْلَاء، وَقعد للتحديث، وَحدث. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن إِسْحَاق الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى غير مرّة، وَهُوَ يعوذ الْأُسْتَاذ أَبَا سهل، وينفث على دُعَائِهِ، وَيَقُول: بَارك الله فِيك، لَا أَصَابَك الْعين. هَذَا فِي مجَالِس النّظر عَشِيَّة السبت للْكَلَام، وَعَشِيَّة الثُّلَاثَاء للفقه. سَمِعت أَبَا عَليّ الإسفرايني يَقُول: سَمِعت الْمروزِي يَقُول: ذهبت الْفَائِدَة من مَجْلِسنَا بعد خُرُوج أبي سهل النَّيْسَابُورِي. سَمِعت أَبَا الطَّاهِر الْأنمَاطِي الْفَقِيه بِالريِّ يَقُول: سَمِعت الصاحب أَبَا الْقَاسِم يَقُول: إِذا فَكرت فِي مَسْأَلَة التَّكْلِيف نقض عَليّ خلق أبي سهل، فَإِنِّي أعلم أَنه لَا يرى مثله، وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه. سَمِعت أَبَا مَنْصُور الْفَقِيه يَقُول: سُئِلَ أَبُو الْوَلِيد عَن أبي بكر الْقفال وَأبي سهل، أَيهمَا أرجح؟ فَقَالَ: وَمن يقدر أَن يكون مثل أبي سهل؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 سَمِعت أَبَا الْفضل ابْن يَعْقُوب يَقُول: سَمِعت أَبَا الْحسن عَليّ بن أَحْمد السوجردي يَقُول: كنت فِي حَلقَة أبي بكر الشَّافِعِي الصَّيْرَفِي فَسَمعته يَقُول: خرج الصعلوكي إِلَى خُرَاسَان، وَلم ير أهل خُرَاسَان مثله. توفّي الْأُسْتَاذ أَبُو سهل فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسبعين وَأشهر، وَخرج السُّلْطَان فِي جنَازَته بِنَفسِهِ، فَقدم ابْنه الْفَقِيه أَبَا الطّيب فصلى عَلَيْهِ، وَدفن فِي الْمجْلس الَّذِي كَانَ يدرس فِيهِ. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا سهل، وَقد دفع إِلَيْهِ ورقه فِيهَا مَسْأَلَة، فَلَمَّا قَرَأَهَا لنَفسِهِ قَرَأَهَا علينا، فَإِذا فِيهَا: (تمنيت شهر الصَّوْم لَا لعبادة ... وَلَكِن رَجَاء أَن أرى لَيْلَة الْقدر) (فأدعو إِلَه النَّاس دَعْوَة عاشق ... عَسى أَن يرِيح العاشقين من الهجر) فَطلب الْأُسْتَاذ قَلما، وَكتب فِي الْوَقْت فِي آخرهَا: (تمنيت مَا لَو نلته فسد الْهوى ... وَحل بِهِ للحين قاصمة الظّهْر) (فَمَا فِي الْهوى طيب وَلَا لَذَّة سوى ... معاناة مَا فِيهِ يقاسى من الهجر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 روى الْحَاكِم الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين عَن الزبير، عَن عَمه مُصعب وَقَالَ: دَعْوَة مخلص قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي: سَمِعت الإِمَام أَبَا بكر ابْن فورك يَقُول: سُئِلَ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل الصعلوكي رَحمَه الله عَن جَوَاز رُؤْيَة الله من طَرِيق الْعقل، فَقَالَ: الدَّلِيل عَلَيْهِ شوق الْمُؤمنِينَ إِلَى لِقَائِه، والشوق إِرَادَة مفرطة، والإرادة لَا تتَعَلَّق بالمحال. فَقَالَ السَّائِل: وَمن الَّذِي يشتاق إِلَى لِقَائِه؟ فَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل: يشتاق إِلَيْهِ كل حر مُؤمن، فَأَما من كَانَ مثلك فَلَا يشتاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 (27 - مُحَمَّد بن شَاذان [000 - 000] ) القَاضِي أَبُو مَنْصُور الطوسي. أحد أَئِمَّة هَذِه الطَّبَقَة، درس الْأُصُول وَالْفُرُوع. أَخذ عَنهُ: أَبُو بكر الشَّاشِي صَاحب " الْعُمْدَة " و " المستظهري "، وَالْقَاضِي عبد الْجَلِيل الْمروزِي. علق أصُول الْفِقْه عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ، وَهُوَ من تلامذة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، فِيمَا ذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ. وَعِنْدِي بِخَط بعض المصنفين من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ شَيْء ذكر أَنه سَمعه مِنْهُ عَن شَيْخه أبي الْحسن الماسرجسي، هَكَذَا قَالَ، وَهَذَا يزْدَاد بِهِ علوا فِي الطَّبَقَة، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 (28 - مُحَمَّد بن صَالح [000 - 340] ) ابْن هَانِئ، أَبُو جَعْفَر الْوراق النَّيْسَابُورِي. ثِقَة، ثَبت، أحد المكثرين. سمع الحَدِيث الْكثير بنيسابور، وَلم يسمع بغَيْرهَا وَلَا حَدِيثا، وَلم يكن بعد أَن ضعف يصبر عَن حُضُور الْمجَالِس، وَكَانَ يفهم ويحفظ، وَكَانَ صبورا على الْفقر، لَا يَأْكُل إِلَّا من كسب يَده. سمع أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى الشَّهِيد، وَكَانَ يواظب على الْكِتَابَة عَنهُ، وَجَمَاعَة من الْمَشَايِخ أَحيَاء، كإبراهيم بن عبد الله السَّعْدِيّ، فَلم يسمع مِنْهُم حَتَّى فاتوه، وَسمع: السّري بن خُزَيْمَة، وَالْحُسَيْن بن الْفضل، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن الصَّباح وطبقات بعدهمْ. روى عَنهُ: الشَّيْخ أَبُو بكر ابْن إِسْحَاق، وَأَبُو عَليّ الْحَافِظ، وَأَبُو إِسْحَاق الْمُزَكي، وَغَيرهم من الْمَشَايِخ، ومصنفات الْحَافِظ أبي أَحْمد مشحونة بروايته عَنهُ. مَاتَ فِي سلخ شهر ربيع الأول سنة أَرْبَعِينَ وَثَلَاث مئة، وَصلى عَلَيْهِ أَبُو عبد الله ابْن الأخرم الْحَافِظ، وَلما دفن وقف على قَبره، فترحم عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 أَبُو عبد الله وَأثْنى، وَحكى أَنه صَحبه من سنة سبعين ومئتين إِلَى حِينَئِذٍ، فَمَا رَآهُ أَتَى شَيْئا لَا يرضاه الله عز وَجل، وَلَا سمع مِنْهُ شَيْئا يسْأَل عَنهُ، ذكر هَذَا كُله الْحَاكِم. وَذكر أَن أَبَاهُ كَانَ يسْأَل مُحَمَّد بن صَالح يَوْم الْجُمُعَة أَن ينْصَرف إِلَى منزله فيفعل، وَيُقِيم عِنْده إِلَى الْجُمُعَة الْمُسْتَقْبلَة، يفعل ذَلِك غير مرّة فِي السّنة، وَكَانَ يقْرَأ كل يَوْم جُزْءا من حَدِيثه بِخَطِّهِ، ثمَّ يُصَلِّي طول النَّهَار، وَيقوم أَكثر اللَّيْل. قَالَ: وَسمعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْحَافِظ يَقُول: سَمِعت مُحَمَّد بن صَالح بن هَانِئ يَقُول: سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن رَجَاء السندي يَقُول - وَذكر عِنْده أَبُو بكر الجارودي وتعصبه للْمَذْهَب - فَقَالَ: هُوَ كلب السّنة، أسْتَغْفر الله الْعَظِيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 (29 - مُحَمَّد بن طَاهِر [000 - 365] ) ابْن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْوَزير، أَبُو نصر الوزيري. الأديب، الْمُذكر، الْمُفَسّر. كَانَ كثير الْعُلُوم، فصيحا، بارعا فِي الذّكر والوعظ. سمع الحَدِيث الْكثير؛ سمع: عبد الله بن مُحَمَّد ابْن الشَّرْقِي، وَأَبا حَامِد ابْن بِلَال، وَأَبا عَليّ الثَّقَفِيّ، وأقرانهم. وَكتب بهراة بعد الثَّلَاثِينَ وَالثَّلَاث مئة عَن الْحسن بن عمرَان وأقرانه، وَأكْثر، وصنف شَيْئا من الْأَبْوَاب، وَكَانَ يذكر. توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة بنيسابور. ذكر ذَلِك كُله الْحَاكِم، وَقَالَ: كَانَ ينتحل مَذْهَب الرَّأْي فانتقل إِلَى الحَدِيث، وَعقد لَهُ الشَّيْخ أَبُو بكر ابْن إِسْحَاق مجْلِس الذّكر، هَذَا فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، وَحكى انْتِقَاله أَيْضا أَبُو النَّضر الفامي فِي " تَارِيخ هراة ". روى عَنهُ الْحَاكِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 (30 - مُحَمَّد بن الْعَبَّاس [294 - 378] ) ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عصم بن بِلَال بن عصم، أَبُو عبد الله ابْن أبي ذهل الضَّبِّيّ من أنفسهم، الْهَرَوِيّ، وَيعرف ب: العصمي؛ بِالْعينِ المضمومة الْمُهْملَة، وَالصَّاد الساكنة الْمُهْملَة. كَانَ - رَحمَه الله - رَئِيسا، كثير المحاسن، صَدرا، عَالما، مَعْرُوف المزاين. حدث بنيسابور وبغداد وَغَيرهمَا. سمع الحَدِيث بهراة من: أبي الْحسن مُحَمَّد بن عبد الله المخلدي، هروي، وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن معَاذ الْمَالِينِي، وحاتم بن مَحْبُوب الشَّامي، وأقرانه، وَأول سَمَاعه بهَا سنة تسع وَثَلَاث مئة. ثمَّ ورد نيسابور فَسمع بهَا: أَبَا حَامِد ابْن الشَّرْقِي، وَأَبا عَمْرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الْحِيرِي، ومكي بن عَبْدَانِ، وأقرانهم. وَسمع بِالريِّ: ابْن أبي حَاتِم وَغَيره، وببغداد أَبَا مُحَمَّد ابْن صاعد، وَنَحْوه. وصادف الْبَغَوِيّ ابْن منيع فِي عِلّة الْمَوْت فَلم يسمع مِنْهُ. روى عَنهُ: الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو الْحُسَيْن الْحَجَّاجِي، وَابْن أبي الفوارس، وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم، وَالْبرْقَانِي؛ الْحَافِظ، وَغَيرهم. قَالَ الْخَطِيب: حدثت عَن أبي عبد الله العصمي قَالَ: ولدت سنة أَربع وَتِسْعين ومئتين، وَكتب عني الحَدِيث سنة عشْرين وَثَلَاث مئة إملاء، وَقد توفّي جمَاعَة من أَئِمَّة الْعلم حدثوا عني، وأودعوها مصنفاتهم. وَذكر نَحوه الْحَاكِم فِي " تَارِيخه " وَقَالَ: كَانَ يعاشر الصَّالِحين، وأماثل الْفُقَهَاء من أَئِمَّة الدّين، ويفضل عَلَيْهِم إفضالا يبين أَثَره أَنه كَانَ يضْرب لَهُ دَنَانِير، وزن الدِّينَار مِنْهَا مِثْقَال وَنصف أَو أَكثر، فَيتَصَدَّق بهَا، وَيَقُول: إِنِّي لأفرح إِذا ناولت فَقِيرا كاغدة، فيتوهم أَنه فضَّة، فَإِذا فَتحه فَرَأى صفرته فَرح، ثمَّ إِذا وَزنه فَزَاد على المثقال خرج أَيْضا. قَالَ الْخَطِيب: كَانَ العصمي ثبتا، ثِقَة، نبيلا، رَئِيسا جَلِيلًا، من ذَوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الأقدار الْعَالِيَة، وَله إفضال بَين على الصَّالِحين وَالْفُقَهَاء والمستورين. وَذكر الْحَاكِم عَنهُ أَنه لم يدْخل دَاره قطّ عشر غلاته، بل كَانَت أعشارها تقدر عِنْد الْكَيْل، ثمَّ تحمل إِلَى أهل الْعلم والمستورين. قَالَ: وحَدثني جمَاعَة من أهل الْعلم من أهل هراة أَن أَكثر المتحملين من أهل الْعلم بهَا يتقوتون بأعشاره طول السّنة. وَقَالَ أَيْضا: لقد صَحِبت أَبَا عبد الله فِي السّفر والحضر، فَمَا رَأَيْت أحسن وضُوءًا وَصَلَاة مِنْهُ، وَلَا رَأَيْت فِي مَشَايِخنَا أحسن تضرعا وابتهالا فِي دعواته مِنْهُ، لقد كنت أرَاهُ يرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء، فيمدها مدا كَأَنَّهُ يَأْخُذ شَيْئا من أَعلَى مُصَلَّاهُ. وَقَالَ: سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْحسن البوشنجي رَحمَه الله غير مرّة يَقُول: من نعْمَة الله على أهل تِلْكَ الديار بهراة وبوشنج، مَكَان أبي عبد الله ابْن أبي ذهل على مَا وَفقه الله تَعَالَى من حسن العقيدة، وطهارة الْأَخْلَاق، وسخاء النَّفس، وَالْإِحْسَان إِلَى الْفُقَرَاء، والتواضع لَهُم، ثمَّ يَدْعُو لَهُ وَقَالَ: سَمِعت أَبَا مُحَمَّد الثَّقَفِيّ يَقُول: لما ورد أَبُو عبد الله ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 أبي ذهل نيسابور كَانَ يديم الِاخْتِلَاف إِلَى جدي، فَقَالَ لنا جدي رَحمَه الله: هَذَا الْفَتى يجمع إِلَى زِينَة الْعلم التَّمَكُّن فِي الْعقل، وعلو الهمة، والسياسة، وسيكون لَهُ بَعدنَا شَأْن، هَذَا أَو نَحوه. وَقَالَ: سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام أَبَا بكر ابْن إِسْحَاق غير مرّة يَقُول: إِذا ذكر الرِّئَاسَة بخراسان رئيسان وَنصف: أَبُو بكر ابْن أبي الْحسن بنسا، وَأَبُو عبد الله ابْن أبي ذهل بهراة، وَيُشِير بِالنِّصْفِ إِلَى أبي الْفضل ابْن أبي النَّضر. قَالَ الْخَطِيب: سَمِعت أَبَا بكر البرقاني يَقُول: حَدثنَا الرئيس أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعَبَّاس العصمي، وَكَانَ تلِيق بِهِ الرِّئَاسَة لِأَن ملك هراة كَانَ تَحت أمره لأبوته وَقدره. وَحكى الْحَاكِم أَن أَبَا جَعْفَر الْعُتْبِي وَزِير السُّلْطَان ألزم أَبَا عبد الله عَن أَمر السُّلْطَان أَن يتقلد ديوَان الرسائل، فَامْتنعَ، فَقَالَ لَهُ: هَذَا قَضَاء الْقُضَاة بكور خُرَاسَان، وَلَا تخرج عَن حد الْعلم، وَلَو عرفت الْيَوْم فِي مَشَايِخ خُرَاسَان من يدانيك فِي شمائلك لأعفيتك. فَبكى أَبُو عبد الله، وَقَالَ لَهُ: إِن أعفاني السُّلْطَان عَن هَذَا الْعَمَل فبفضله عَليّ وعَلى أَصْحَابِي بهراة، وَإِن أكرهني عَلَيْهِ لبست مرقعة، وَخرجت على وَجْهي حَتَّى لَا يعلم بمكاني أحد. فأعفي. وَحكى أَنه رَضِي الله عَنهُ اسْتشْهد برستاق خواف من نيسابور، لتسْع بَقينَ من صفر، سنة ثَمَان وَسبعين وَثَلَاث مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 قَالَ: فَأَخْبرنِي من صَحبه أَنه دخل الْحمام، فَلَمَّا خرج ألبس قَمِيصًا مُلَطَّخًا، فانتفخ، فَلَمَّا أحس بِالْمَوْتِ دَعَا بالدواة، فَكتب ملطفة شاع ذكرهَا فِي بِلَاد خُرَاسَان، وَأوصى أَن يحمل تابوته إِلَى هراة، فَنقل إِلَيْهَا وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 (31 - مُحَمَّد بن عبد الله [260 - 354] ) ابْن إِبْرَاهِيم بن عبدويه بن مُوسَى بن بَيَان، أَبُو بكر الْبَزَّاز، الْمَعْرُوف ب: الشَّافِعِي. صَاحب الْفَوَائِد الحديثية " الغيلانيات ". كَانَ أحد مشيخة الحَدِيث المسندين المعمرين، وَمن رفعاء الروَاة الثِّقَات المتقنين. سمع: أَبَا قلَابَة الرقاشِي، وَمُحَمّد بن الجهم السمري، وَمُحَمّد بن ربح الْبَزَّاز، وَأحمد بن مُحَمَّد البرتي، والتمتام، وَإِسْمَاعِيل القَاضِي، وَأَبا إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ، فِي جمع كثير يسئم ذكرهم. وَهُوَ جبلي، ولد بهَا، وقطن بِبَغْدَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ الْحَافِظ: كَانَ ثِقَة، ثبتا، كثير الحَدِيث، حسن التصنيف، جمع أبوابا وشيوخا، وَكتب عَنهُ قَدِيما وحديثا. وَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ بن مخلد: رَأَيْت جُزْءا فِيهِ مجْلِس كتب عَن ابْن صاعد فِي سنة ثَمَانِي عشرَة وَثَلَاث مئة، وَبعده مجْلِس كتب عَن أبي بكر الشَّافِعِي فِي ذَلِك الْوَقْت. قَالَ الْخَطِيب: وَلما منعت الديلم بِبَغْدَاد النَّاس أَن يذكرُوا فَضَائِل الصَّحَابَة، وكتبت سبّ السّلف على الْمَسَاجِد؛ كَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يتَعَمَّد فِي ذَلِك الْوَقْت إملاء الْفَضَائِل فِي جَامع الْمَدِينَة، وَفِي مَسْجده بِبَاب الشَّام، وَيفْعل ذَلِك حسبَة، ويعده قربَة. وَكَانَ أَبُو الْحسن ابْن رزقويه لما حدث يَقُول: أدركتني دَعْوَة أبي بكر الشَّافِعِي، وَذَلِكَ أَنه دَعَا الله لي بِأَن أبقى حَتَّى أحدث، فاستجيب لَهُ فِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 روى عَن الشَّافِعِي: أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو حَفْص ابْن شاهين، وَمن بعدهمَا. وَقَالَ الْخَطِيب: حَدثنِي عَليّ بن مُحَمَّد بن نصر، سَمِعت حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِي يَقُول: وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله الشَّافِعِي فَقَالَ: أَبُو بكر جبل، ثِقَة، مَأْمُون، مَا كَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان أوثق مِنْهُ، مَا رَأَيْت لَهُ إِلَّا أصولا صَحِيحَة متقنة، قد ضبط سَمَاعه فِيهَا أحسن الضَّبْط. حكى الْخَطِيب عَمَّن ذكره أَن مولد الشَّافِعِي،: ولد فِي إِحْدَى الجمادين سنة سِتِّينَ ومئتين، وَمَات فِي ذِي الْحجَّة من سنة أَربع وَخمسين وَثَلَاث مئة، وقبر قَرِيبا من قبر أَحْمد ابْن حَنْبَل رَضِي الله عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 (32 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 424] ) ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد القَاضِي، أَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ، أَظُنهُ من بَيْضَاء فَارس: مَدِينَة بِفَارِس. أحد مَشَايِخ الشَّيْخ أبي إِسْحَاق. سكن بَغْدَاد فِي درب السَّلُولي، وَكَانَ يدرس بهَا ويفتي، وَولي الْقَضَاء بِربع الكرخ. قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: تفقه على الداركي، وَحَضَرت مَجْلِسه، وعلقت عَنهُ، وَكَانَ ورعا، حَافِظًا للْمَذْهَب وَالْخلاف، موفقا فِي الْفَتَاوَى قَالَ الْخَطِيب: وحدت شَيْئا يَسِيرا عَن أبي بكر ابْن مَالك الْقطيعِي وَغَيره، كتبت عَنهُ، وَكَانَ ثِقَة، صَدُوقًا، دينا، سديدا. قَالَ: وَمَات فَجْأَة لَيْلَة الْجُمُعَة، الرَّابِع عشر من رَجَب، سنة أَربع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وَعشْرين وَأَرْبع مئة، وَدفن فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب رَحمَه الله. قَرَأت بِخَط القَاضِي أبي مَنْصُور أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ فِي كِتَابه: كتاب " الْإِشْعَار، بِمَعْرِِفَة اخْتِلَاف الْأَئِمَّة عُلَمَاء الْأَمْصَار ": وَإِذا رأى فِي ثَوْبه نَجَاسَة، ثمَّ خفيت عَلَيْهِ فِيمَا يغلب على ظَنِّي أَنِّي سَمِعت قَاضِي الْقُضَاة أَبَا عبد الله الدَّامغَانِي، أَو وجدته فِي " كِتَابه " أَنه استفتي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي زمَان أبي عبد الله الْبَيْضَاوِيّ، وَأَن جمَاعَة الْفُقَهَاء فِي ذَلِك الْوَقْت أفتوا بِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ غسل جَمِيعه، إِلَّا الْبَيْضَاوِيّ، فَإِنَّهُ أفتى بِأَنَّهُ يجب غسل مَا رَآهُ من الثَّوْب، فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ. قَالَ الشَّيْخ: وَهَذَا فِيهِ غموض، وكشفه أَن النَّجَاسَة لم تتَحَقَّق إِلَّا فِيمَا رآى، فالاشتباه لَا يتعداه، فَلَا يتعداه الْغسْل إِلَى مَا لم يره، وَهَذَا بِخِلَاف مَا يُقَال: إِذا أصَاب الثَّوْب نَجَاسَة، وخفي موضعهَا، غسله كُله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 (33 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 339] ) ابْن أَحْمد، أَبُو عبد الله الصفار الزَّاهِد. الْمُحدث الراوية الْأَصْبَهَانِيّ، نزيل نيسابور. قَالَ الْحَاكِم: هُوَ مُحدث عصره بخراسان، وَكَانَ مجاب الدعْوَة، لم يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء - كَمَا بلغنَا - نيفا وَأَرْبَعين سنة. سمع بأصبهان: أسيد بن عَاصِم، وأقرانه. وبفارس: أَحْمد بن مهْرَان، وأقرانه. وبالعراق: أَبَا إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ، وأقرانه. وَسمع من أبي بكر ابْن أبي الدُّنْيَا كتبه، وصنف على كثير مِنْهَا فِي " الزّهْد ". " وَسمع بالحجاز: عَليّ بن عبد الْعَزِيز، وأقرانه. وَكتب بِخَطِّهِ مصنفات إِسْمَاعِيل القَاضِي سَمَاعه مِنْهُ، و " مُسْند " أَحْمد بن حَنْبَل سَمَاعه من ابْنه عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَخرج من نيسابور إِلَى الْحسن بن سُفْيَان وَهُوَ كهل، وَمَعَهُ جمَاعَة من الوراقين، فَكتب عَن الْحسن " مُسْنده "، وَكتب أبي بكر ابْن أبي شيبَة، وَسَائِر الْكتب. وَكتب عَنهُ فِي مجْلِس الإِمَام ابْن خُزَيْمَة. روى عَنهُ: أَبُو عَليّ الْحَافِظ، وَأكْثر مَشَايِخ نيسابور الْمُتَقَدِّمين من أهل ذَلِك الْعَصْر، وَقد كَانَ صحب الْعباد والزهاد. قَالَ: وَوَافَقَ اسْما أَبَوَيْهِ اسْمِي أَبَوي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عبد الله، وآمنة. توفّي رَضِي الله عَنهُ فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، فَغسله أَبُو عَمْرو ابْن مطر، وَصلى عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ أَبُو الْوَلِيد، وَدفن فِي دَاره من نيسابور. وَكَانَ وراقه أَبُو الْعَبَّاس الْمصْرِيّ خانه، واختزل عُيُون كتبه، وَأكْثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 من خمس مئة جُزْء من أُصُوله، فَكَانَ يجامله جاهدا فِي استرجاعها مِنْهُ، فَلم ينجع فِيهِ شَيْء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 قَالَ الْحَاكِم: وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس يفوتنا حَدِيث أبي عبد الله، فَذَهَبت إِلَى أبي مُحَمَّد بن حَامِد الْفَقِيه، فَقلت لَهُ: إِن هَذَا الرجل فوتنا هَذَا الشَّيْخ، وَهُوَ يجامله بِسَبَب كتبه عِنْده، وَلَا يعلم أَنه لَا يفرج قطّ عَن جُزْء من أُصُوله وَإِن قتل، فَإِن الشَّيْخ أَبَا بكر ابْن إِسْحَاق حَبسه، وَلم يقدر على استرجاع الْكتب مِنْهُ، فَلَو نصب أَبَا بكر الساوي الْوراق مَكَانَهُ ليسمع النَّاس مَا بَقِي عِنْده. وَكَانَ أَبُو عبد الله الصفار يحل أَبَا مُحَمَّد ابْن حَامِد مَحل الْوَلَد، وَأَبُو مُحَمَّد يخاطبه ب: الْعم، فقصده ونصحه، فَقبل نصيحته، وَنصب أَبَا بكر الساوي مَكَانَهُ، وَعقد أَبُو بكر فِي الْأُسْبُوع بضعَة عشر مَجْلِسا، فَانْتَفع النَّاس بِمَا بَقِي عِنْد أبي عبد الله، وَكَانَ لَا يقْعد وَلَا يقوم إِلَّا ويبكي، وَيَدْعُو على أبي الْعَبَّاس. قَالَ الْحَاكِم: وَكَانَ مَحل أبي الْعَبَّاس هَذَا من هَذِه الصَّنْعَة أجل مَحل، فَذهب علمه، وَسَاءَتْ عافيته بِدُعَاء الشَّيْخ الصَّالح عَلَيْهِ، نسْأَل الله سُبْحَانَهُ الْعِصْمَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 (34 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 347] ) ابْن جَعْفَر بن عبد الله بن الْجُنَيْد، أَبُو الْحُسَيْن الرَّازِيّ، نزيل دمشق. راوية، جليل، جموع، وَله مُصَنف فِي " أَخْبَار الشَّافِعِي وأحواله "، كتاب جليل حفيل. قَرَأت بِخَط أبي مُحَمَّد هبة الله ابْن الْأَكْفَانِيِّ: حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن مُحَمَّد الكتاني الصُّوفِي رَضِي الله عَنهُ لفظا قَالَ: حَدثنِي أَبُو الْقَاسِم تَمام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ بِدِمَشْق قَالَ: توفّي أبي رَحمَه الله فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة. قَالَ عبد الْعَزِيز: وَكَانَ أَبُو الْحُسَيْن - رَحمَه الله - ثِقَة، نبيلا، مصنفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 (35 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 402] ) ابْن الْحسن، أَبُو الْحُسَيْن، الْمَعْرُوف ب: ابْن اللبان الْبَصْرِيّ. الإِمَام فِي الْفَرَائِض، انْتَهَت إِلَيْهِ الْإِمَامَة فِي هَذَا الْعلم، ذكره فِيهِ يبْدَأ ويعاد، وَهُوَ صَاحب اخْتِيَار فِيهِ، وَكَانَ إِمَامًا فِي عُلُوم أخر. قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: كَانَ ابْن اللبان إِمَامًا فِي الْفِقْه والفرائض، صنف فِيهَا كتبا كَثِيرَة، لَيْسَ لأحد مثلهَا، وَعنهُ أَخذ النَّاس الْفَرَائِض. مِمَّن أَخذ عَنهُ: أَبُو أَحْمد ابْن أبي مُسلم الفرضي، أستاذ أبي حَامِد الإسفرايني فِي الْفَرَائِض، وَأَبُو الْحسن ابْن سراقَة العامري الفرضي، وَأَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الكازروني الَّذِي لم يكن فِي زَمَانه أفرض مِنْهُ وَلَا أَحسب، وَغَيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: انْتهى إِلَيْهِ علم الْفَرَائِض وَقِسْمَة الْمَوَارِيث، وَلم يكن فِي وقته أعلم مِنْهُ بذلك، وصنف فِيهِ كتبا اشتهرت. وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة، مِنْهُم: أَبُو الْعَبَّاس الْأَثْرَم، وَقدم بَغْدَاد وَحدث بهَا، فَذكر لي القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ أَنه سمع مِنْهُ كتاب " السّنَن " عَن ابْن داسه، عَن أبي دَاوُد. " وَكَانَ ثِقَة، وَحكى أَنه مَاتَ فِي شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبع مئة، أَحْسبهُ بِبَغْدَاد. قَالَ الْخَطِيب: حَدثنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ الدينَوَرِي قَالَ: سَمِعت أَبَا الْحُسَيْن الفرضي، يَعْنِي: ابْن اللبان قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر ابْن داسه يَقُول: سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول: كتبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس مئة ألف حَدِيث، انتخبت مِنْهَا مَا ضمنته هَذَا الْكتاب، يَعْنِي: كتاب " السّنَن "، جمعت فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف وثماني مئة حَدِيث، ذكرت الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ وَمَا يُقَارِبه، وَيَكْفِي الْإِنْسَان لدينِهِ من ذَلِك أَرْبَعَة أَحَادِيث: أَحدهَا: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وَالثَّانِي: قَوْله: " من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه ". وَالثَّالِث: قَوْله: " لَا يكون الْمُؤمن مُؤمنا حَتَّى يرضى لِأَخِيهِ مَا يرضاه لنَفسِهِ ". وَالرَّابِع: قَوْله: " الْحَلَال بَين، وَالْحرَام بَين ... " الحَدِيث، وَالله أعلم. قَالَ ابْن اللبان: أنشدنا أشياخنا، عَن عبد الله بن كثير: (بني كثير كثير الذُّنُوب ... فَفِي الْحل والبل من كَانَ سبه) (بني كثير دهته اثْنَتَانِ ... رِيَاء وَعجب يخالطهن قلبه) (بني كثير أكول نؤوم ... وَلَيْسَ كَذَلِك من خَافَ ربه) (بني كثير يعلم علما ... لقد أعوز الصُّوف من جز كَلْبه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 قَالَ ابْن كثير هَذَا حِين سَأَلَهُ أهل مَكَّة أَن يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن بعد وَفَاة مُجَاهِد، وَرُوِيَ أَن قَائِلهَا: مُحَمَّد بن كثير، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 (36 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 390] ) ابْن حمدون بن الْفضل، أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي الزَّاهِد الْمُحدث. قَالَ الْحَاكِم: كَانَ من أَعْيَان الصَّالِحين الْمُجْتَهدين فِي الْعِبَادَة، وَكَانَ أَبوهُ من أَعْيَان الشُّهُود المعدلين، وَكَانَ ابْن أُخْت الإِمَام أبي بكر أَحْمد بن إِسْحَاق. سمع أَبُو سعيد من: أبي بكر مُحَمَّد بن حمدون بن خَالِد، وَأبي حَامِد ابْن الشَّرْقِي، وأقرانهما. وَحدث سِنِين، وَكثر الِانْتِفَاع بِعِلْمِهِ. وَتُوفِّي بنيسابور فِي ذِي الْحجَّة سنة تسعين وَثَلَاث مئة، وَصلى عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ أَبُو سعد الزَّاهِد رَحمَه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 (37 - مُحَمَّد بن عبد الله [316 - 388] ) ابْن حمشاذ، أَبُو مَنْصُور ابْن أبي مُحَمَّد الحمشاذي النَّيْسَابُورِي. الْفَقِيه الأديب الزَّاهِد، كَانَ مفتنا حسن الافتنان، مصنفا كثير التصنيف. سمع الحَدِيث بخراسان من: أبي حَامِد ابْن بِلَال، وَأبي بكر الْقطَّان، وأقرانهما. وبالعراق من: أبي عَليّ الصفار، وَأبي جَعْفَر الرزاز، وأقرانهما. وبالحجاز من: أبي سعيد ابْن الْأَعرَابِي، وأقرانه. وبغيرها، وَغَيرهم. وَكَانَ زاهدا فِي الدُّنْيَا، عابدا، مُجْتَهدا، مجانبا للسلاطين وأوليائهم، ملازما لمسجده ومدرسته، مكتفيا من أوقاف السّلف عَلَيْهِ بقوت يَوْم فَيوم. تخرج بِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء الواعظين. ذكره الْحَاكِم، فَقَالَ: إِن أَبَا مَنْصُور مرض فِي السَّادِس عشر من رَجَب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَتُوفِّي صبح يَوْم الْجُمُعَة الرَّابِع وَالْعِشْرين مِنْهُ، سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، وغسله أَبُو سعد الزَّاهِد، وَصلي عَلَيْهِ بِبَاب معمر، وَدفن بِقرب أَحْمد بن حَرْب الزَّاهِد. قَالَ الْحَاكِم: فَحَدثني جمَاعَة من أَصْحَابه أَنه كَانَ قبل مَرضه هَذَا ينشد كل يَوْم مَا لَا يُحْصى من مرّة قَول الْقَائِل: (وَمَا تَنْفَع الأداب والحلم والحجى ... وصاحبها عِنْد الْكَمَال يَمُوت) قَالَ: وَقد سَمِعت أَبَا مَنْصُور الزَّاهِد فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ يذكر مولده سنة سِتّ عشرَة وَثَلَاث مئة، فَمَاتَ وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة. وَعَن هَذَا السن مَاتَ الْأُسْتَاذ، وَأَبُو عَليّ الْحَافِظ، وَأَبُو الْقَاسِم ابْن المؤمل، وَأَبُو بكر ابْن جَعْفَر الْمُزَكي، وَجَمَاعَة من مَشَايِخنَا رَحِمهم الله. وَفِيمَا علق عَنهُ قَوْله: أَخذ الْكَلَام عَن أبي سهل الخليطي. لَا أعرف أَبَا سهل هَذَا، إِلَّا أَن يكون أَبَا سهل مُحَمَّد بن أَحْمد بن سهل الدشتي الْمُتَكَلّم، توفّي سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَلَاث مئة، ذكره الْحَاكِم فِي " اللاحقة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 (38 - مُحَمَّد بن عبد الله [182 - 268] ) ابْن عبد الحكم ... ... . ولصاحبه مُحَمَّد بن رَمَضَان بن شَاكر الزيات الْمَالِكِي كتاب " النَّوَادِر "، عَن الشَّافِعِي، يرويهِ عَن الشَّافِعِي، قَرَأت فِيهِ: سُئِلَ ابْن عبد الحكم عَن الْجِنّ: هَل لَهُم جَزَاء فِي الْآخِرَة على أَعْمَالهم؟ فَقَالَ: نعم، وَالْقُرْآن يدل على ذَلِك، قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا} [الْأَحْقَاف: 19] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وَقَالَ: قَالَ مُحَمَّد فِي الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " صومكم يَوْم نحركم ": هَذَا من حَدِيث الْكَذَّابين. وَقَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد قَالَ: لَيْسَ يَصح الحَدِيث الَّذِي جَاءَ: " من وسع على عِيَاله يَوْم عَاشُورَاء ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَقَالَ: مَا أقل مَا يَصح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كَرَاهِيَة الملاهي. وَقَالَ: قَالَ مُحَمَّد: كل مَا وضعت على الشَّافِعِي، فَإِنَّمَا هُوَ من تَعْلِيمه. وَقَالَ: سَمِعت مُحَمَّدًا، سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: لم يثبت عَن ابْن عَبَّاس فِي التَّفْسِير إِلَّا شَبيه بمئة حَدِيث. وَقَالَ: قَالَ أبي: يَا بني! الزم هَذَا الرجل فَإِنَّهُ كثير الْحجَج. يُرِيد: الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 (39 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 352] ) ابْن مُحَمَّد بن بشر، أَبُو عبد الله الْمُزنِيّ الْهَرَوِيّ. أَخُو الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْمُزنِيّ الإِمَام. سمع أَحْمد بن نجدة، وَعلي بن مُحَمَّد بن عِيسَى الحكاني. وَحدث بالعراق، ونيسابور، وهراة. مَاتَ بنيسابور فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَلَاث مئة، وَقد قَارب الثَّمَانِينَ، وَكَانَ صَدُوقًا فِيمَا حدث، ذكر هَذَا كُله الْحَاكِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 (40 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 385] ) ابْن مُحَمَّد بن بَصِير بن ورقة، أَبُو بكر الأودني البُخَارِيّ. وبصير: أَله بَاء مَفْتُوحَة، بعْدهَا صَاد مُهْملَة مَكْسُورَة. قَرَأت نسبه هَكَذَا بِخَط الْحَافِظ أبي مُحَمَّد عبد الله الطبسي فِي كِتَابه: " الْمُخْتَلف المؤتلف "، وَهَكَذَا هُوَ فِي " الْإِكْمَال " لِابْنِ مَاكُولَا. والأودني: بِهَمْزَة مَفْتُوحَة، ثمَّ نون: نِسْبَة إِلَى قَرْيَة ببخارى يُقَال لَهَا: أودنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَكَذَلِكَ ذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِيمَا قرأته بِخَطِّهِ فِي " الْأَنْسَاب " لَهُ ذكر أَبُو عبد الله الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي أَبَا بكر الأودني فَقَالَ: إِمَام الشافعيين بِمَا وَرَاء النَّهر فِي عصره بِلَا مدافعة، حج، ثمَّ انْصَرف، فَأَقَامَ عندنَا مُدَّة فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ، وَكَانَ من أزهد الْفُقَهَاء، وأورعهم، وَأَكْثَرهم اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَة، وأبكاهم على تَقْصِيره، وأشدهم تواضعا وإخباتا وإنابة. سمع ببخارى: أَبَا الْفضل يَعْقُوب بن يُوسُف العاصمي، وأقرانه، وَخرج إِلَى أبي يعلى بنسف، فَأكْثر عَنهُ، وَعَن الْهَيْثَم بن كُلَيْب. توفّي ببخارى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة رَحمَه الله. روى عَنهُ: أَبُو عبد الله الْحَاكِم، وَأَبُو عبد الله الغنجار. قَالَ أَبُو سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي: سَمِعت الأودني يَقُول: سَمِعت شُيُوخنَا رَحِمهم الله يَقُولُونَ: دَلِيل طول عمر الرجل اشْتِغَاله بِأَحَادِيث الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمن غَرَائِبه؛ مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ أَنه وَافق ابْن سِيرِين فَقَالَ: الْعلَّة فِي الرِّبَا الجنسية، فَلَا يجوز بيع مَال بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا، وَلَا يشْتَرط الطّعْم وَلَا النَّقْد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 (41 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 344] ) ابْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْفَقِيه، أَبُو بكر الصبغي النَّيْسَابُورِي. ذكر الْحَاكِم أَنه كَانَ من أَعْيَان فُقَهَاء الشافعيين، كثير السماع والْحَدِيث، وَكَانَ حانوته مجمع الْحفاظ والمحدثين. سمع بخراسان: أَبَا عَمْرو الْحِيرِي، وَأَبا حَامِد ابْن الشَّرْقِي، ومكي بن عَبْدَانِ، وَغَيرهم. وَأكْثر بِالريِّ عَن ابْن أبي حَاتِم. وَسمع بِبَغْدَاد: القَاضِي أَبَا عبد الله ابْن الْمحَامِلِي، وَمُحَمّد بن مخلد الدوري، وأقرانهما، وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة، ابْن نَيف وَخمسين سنة، وَكَانَ قد جمع على " صَحِيح " مُسلم، رحمهمَا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 (مُحَمَّد بن عبد الله [321 - 405] ) ابْن مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه بن نعيم بن الحكم، أَبُو عبد الله الْحَاكِم الضَّبِّيّ الْمَعْرُوف ب: ابْن البيع النَّيْسَابُورِي. الْحَافِظ الَّذِي لَا يسْتَغْنى عَن تصانيفه فِي الحَدِيث وَعلمه. وَفِيمَا بلغنَا عَن أبي حَازِم العبدويي أحد الْحفاظ الَّذين انتخب عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الْحَاكِم مَا مُخْتَصره: أَن شُيُوخ الْحَاكِم قريب من ألفي رجل. وتفقه عِنْد الْأَئِمَّة: أبي عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة، وَأبي الْوَلِيد الْقرشِي، وَأبي سهل مُحَمَّد بن سُلَيْمَان. وَقَالَ: سمعته يَقُول: وشربت مَاء زَمْزَم، وَسَأَلت الله أَن يَرْزُقنِي حسن التصنيف، فبلغت تصانيفه فِي أَيدي النَّاس ألفا وَخمْس مئة جُزْء، مِنْهَا: " الصحيحان "، و " الْعِلَل "، و " الأمالي "، و " فَوَائِد الخراسانيين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 و " أمالي العشيات "، و " التَّلْخِيص "، و " الْأَبْوَاب "، و " تراجم الشُّيُوخ ". وَتفرد باستخراج كتب، مِنْهَا: " معرفَة عُلُوم الحَدِيث "، و " تَارِيخ عُلَمَاء نيسابور "، وَكتاب " مزكي رُوَاة الْأَخْبَار "، و " الْمدْخل إِلَى علم الصَّحِيح " وَكتاب " الإكليل "، و " دَلَائِل النُّبُوَّة "، و " الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ "، و " مَا تفرد كل وَاحِد من الْإِمَامَيْنِ بِإِخْرَاجِهِ "، و " فَضَائِل الشَّافِعِي "، وَغير ذَلِك. أملي بِمَا وَرَاء النَّهر سنة خمس وَخمسين، وبالعراق سنة سبع وَسِتِّينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ولازمه: ابْن المظفر، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وأملي من حفظه بِبَغْدَاد والري مُدَّة. وَسمع مِنْهُ من الْمَشَايِخ جمَاعَة، مِنْهُم: الْقفال الشَّاشِي، وَأَبُو عبد الله العصمي، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن الْقطَّان الرَّازِيّ إِمَام أهل الرَّأْي. قلد الْقَضَاء بنسا سنة تسع وَخمسين، زمَان حشمة السامانية فِي وزارة الْعُتْبِي، وَدخل الْخَلِيل بن أَحْمد القَاضِي السجْزِي على أبي جَعْفَر الْعُتْبِي الْيَوْم الثَّانِي من مُفَارقَته الحضرة، فَقَالَ: هَنأ الله الشَّيْخ، فقد جهز إِلَى نسا ثَلَاث مئة ألف حَدِيث لرَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتهلل وَجهه، وقلد بعد ذَلِك قَضَاء جرجان فَامْتنعَ، وَكَانَ الْأَمِير أَبُو الْحسن يَسْتَعِين بِرَأْيهِ، وينفذه للسفارة بَينه وَبَين البويهية، وذاكر الجعابي، وَأَبا جَعْفَر الْهَمدَانِي، وَأَبا عَليّ الْحَافِظ، وَكَانَ يقبل عَلَيْهِ من بَين أقرانه. قَالَ: وَسمعت أَبَا أَحْمد الْحَافِظ يَقُول: إِن كَانَ رجل يقْعد مَكَاني؛ فَهُوَ أَبُو عبد الله. وَصَحب مَشَايِخ التصوف: أَبَا عَمْرو بن نجيد، وَأَبا الْحسن البوشنجي، وجعفر بن نصير، هُوَ: الْخُلْدِيِّ، وَغَيرهم. قَالَ: سَمِعت مَشَايِخنَا يَقُولُونَ: كَانَ الشَّيْخ أَبُو بكر ابْن إِسْحَاق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَأَبُو الْوَلِيد يرجعان إِلَى أبي عبد الله فِي السُّؤَال عَن الْجرْح وَالتَّعْدِيل، وَعلل الحَدِيث، وَصَحِيحه وسقيمه. قَالَ: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ: أَيهمَا أحفظ، ابْن مَنْدَه أَو ابْن البيع؟ فَقَالَ: ابْن البيع أتقن حفظا. قَالَ أَبُو حَازِم: أَقمت عِنْد الشَّيْخ أبي عبد الله العصمي قَرِيبا من ثَلَاث سِنِين، وَلم أر فِي جملَة مَشَايِخنَا أتقن مِنْهُ وَلَا أَكثر تنقيرا، فَكَانَ إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 أشكل عَلَيْهِ شَيْء أَمرنِي أَن أكتب إِلَى أبي عبد الله الْحَاكِم، فَإِذا ورد جَوَاب كِتَابه؛ حكم بِهِ، وَقطع بقوله. قَالَ: انتخب على الْمَشَايِخ خمسين سنة. " وَحكى القَاضِي أَبُو بكر الْحِيرِي أَن شَيخا من الصَّالِحين حكى أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم، قَالَ، فَقلت لَهُ: يَا رَسُول الله! بَلغنِي أَنَّك قلت: ولدت فِي زمن الْملك الْعَادِل، وَإِنِّي سَأَلت الْحَاكِم أَبَا عبد الله عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: هَذَا كذب، وَلم يقلهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لي: صدق أَبُو عبد الله. ففصل أَبُو حَازِم حفاظ نيسابور من عهد مُسلم، وَمن كَانَ يقابلهم فِي غَيرهَا من الْحفاظ، ثمَّ ذكر تفرد الْحَاكِم أبي عبد الله فِي وقته ذَلِك، من غير أَن يُقَابله أحد بِسَائِر الْبِلَاد. وَقَالَ: جعلنَا الله لهَذِهِ النعم من الشَّاكِرِينَ، وَبَارك لنا فِي حَيَاته، وَجعل مَا أنعم عَلَيْهِ وعلينا بمكانه مَوْصُولا بالنعيم الْمُقِيم، إِنَّه سميع قريب. وَذكره الْحَافِظ شيرويه فَقَالَ: روى عَنهُ ابْن لال مَعَ جلالته، وَكَانَ الْحَاكِم إِمَام الْوَقْت شرفا ... خُرَاسَان، لَهُ مصنفات حسان، مَا سبق إِلَيْهَا أحد، خُصُوصا: " تَارِيخ نيسابور "، كَانَ مَا قصر فِي اسْتِيفَائه بالتراجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 (43 - مُحَمَّد بن عبد الله [306 - 388] ) ابْن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بن الْحسن، أَبُو بكر الجوزقي الشَّيْبَانِيّ النَّيْسَابُورِي. وجوزق الَّتِي نسب إِلَيْهَا: قَرْيَة لنيسابور، ولهراة جوزق أُخْرَى، إِلَيْهَا ينْسب أَبُو الْفضل إِسْحَاق الْحَافِظ الْهَرَوِيّ الجوزقي نزيل سَمَرْقَنْد، ذكر ذَلِك أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِي " أنسابه ". وَأَبُو بكر الجوزقي هَذَا هُوَ صَاحب " الْمُتَّفق " الَّذِي يرْوى ونرويه. وَله كتاب " الْمُتَّفق الْكَبِير " فِي نَحْو ثَلَاث مئة جُزْء يرويهِ أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 سمع الحَدِيث بخراسان، والري، وهمذان، وَالْعراق، وَمَكَّة. توفّي فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة. وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو الطّيب سهل الصعلوكي. روى السَّمْعَانِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي بكر الجوزقي هَذَا قَالَ: أنفقت فِي الحَدِيث مئة ألف دِرْهَم، مَا كسبت بِهِ درهما. وَقَالَ أَبُو الْحسن عبد الغافر الْفَارِسِي: أما الشَّيْخ أَبُو بكر الجوزقي فَهُوَ ابْن أبي الْحسن الْعدْل، كثير السماع وَالْكِتَابَة وَالنَّفقَة على الْعلم، رَحل بِهِ خَاله أَبُو إِسْحَاق الْمُزَكي، وَسمع بالجبال وَالْعراق والحجاز مَشَايِخ وقته، وصنف " الْمُتَّفق " و " الْمسند الصَّحِيح على كتاب مُسلم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 (44 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 372] ) ابْن مُحَمَّد، أَبُو بكر الْفَارِسِي الْوَاعِظ الْمُفَسّر. سمع الحَدِيث فِي دياره، وبالبصرة، ثمَّ ورد نيسابور وسكنها إِلَى أَن توفّي بهَا، وَكَانَ مقدما فِي معرفَة الْمعَانِي وَالتَّفْسِير. توفّي سلخ شهر رَمَضَان، سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَلَاث مئة، وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو الْحسن الماسرجسي، ذكر هَذَا كُله الْحَاكِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (45 - مُحَمَّد بن عبد الله [000 - 000] ) ابْن مَسْعُود بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَسْعُود المَسْعُودِيّ، الإِمَام أَبُو عبد الله الْمروزِي، من أَهلهَا. أحد أَئِمَّة أَصْحَاب الإِمَام أبي بكر الْقفال عبد الله بن أَحْمد الْمروزِي. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ المَسْعُودِيّ - هَذَا - إِمَامًا، فَاضلا، مبرزا، عَالما، زاهدا، ورعا، حسن السِّيرَة، شرح " مُخْتَصر " الْمُزنِيّ فَأحْسن فِيهِ، وَسمع الحَدِيث الْقَلِيل من أستاذه الْقفال، وَتُوفِّي سنة نَيف وَعشْرين وَأَرْبع مئة بمرو. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين صَاحب هَذَا الْكتاب رَحمَه الله: قد عز وجود علمه، وَأما مَا يُوجد فِي كتاب " الْبَيَان " لِابْنِ أبي الْخَيْر اليمني مَنْسُوبا إِلَى المَسْعُودِيّ، فَإِنَّهُ غير صَحِيح النِّسْبَة إِلَى المَسْعُودِيّ، وَذَلِكَ أَن المُرَاد بِهِ صَاحب " الْإِبَانَة "، فَإِنَّهَا وَقعت بِالْيمن منسوبة إِلَى المَسْعُودِيّ على جِهَة الْغَلَط، لتباعد الديار، وَلَيْسَ صَاحب " الْإِبَانَة " بالمسعودي، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو الْقَاسِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الفوراني تلميذ الْقفال أَيْضا، لَكِن نذْكر طرفا من فَوَائِد بلغتنا عَن أبي عبد الله المَسْعُودِيّ على الْحَقِيقَة: حكى الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي ابْن الْجُوَيْنِيّ، عَن القَاضِي حُسَيْن رَحِمهم الله قَالَ: سُئِلَ الْقفال وَهُوَ يتَكَلَّم على الْعَوام عَمَّن حلف بِطَلَاق زَوجته لَا يَأْكُل الْبيض، فَلَقِيَهُ إِنْسَان وَفِي كمه شَيْء، فَقَالَ: إِن لم آكل مَا فِي كم فلَان فامرأتي طَالِق، وَكَانَ فِي كمه بيض، فَمَا الْحِيلَة فِي أَن لَا يَقع طَلَاقه؟ فتفكر، وَلم يحضرهُ الْجَواب، فَلَمَّا نزل، قَالَ المَسْعُودِيّ من تلامذته: الْوَجْه جعل ذَلِك الْبيض الَّذِي فِي كم الرجل فِي القبيطاء، ثمَّ يَأْكُل، وَلَا يَقع الطَّلَاق، لِأَنَّهُ عقد الْيَمين الثَّانِيَة على الْإِبْهَام، وَاكْتفى بِالْإِشَارَةِ من غير تَسْمِيَة، إِذْ قَالَ إِن لم آكل مَا فِي كمك، فَإِذا جعل الْبيض فِي القبيطاء، فقد أكل مَا فِي كمه، وَلَا معول على تغير التَّسْمِيَة، فَإِنَّهُ اشار إِلَى مَا فِي الْكمّ وَلم يسم. والقبيطاء؛ بِضَم الْقَاف، وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْمدّ، وَهُوَ: الناطف، وَيُقَال فِيهِ أَيْضا: القبيطي؛ بتَشْديد الْبَاء وَالْقصر، والقبيط. قَالَ الشَّيْخ: وقرأت بِخَط الْفَقِيه نصر الله المصِّيصِي فِي " الْعمد " تأليف الإِمَام أبي الْقَاسِم الفوراني عَن المَسْعُودِيّ؛ أَن الْمُصَلِّي صَلَاة الْعِيد يَقُول بَين كل تكبيرتين من التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 اسْمك، وَتَعَالَى جدك، وَجل ثناؤك، وَلَا إِلَه غَيْرك. وَهَذَا الَّذِي قَالَه غَرِيب، وَالْمَعْرُوف أَنه يَقُول: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر. وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد، بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَمِنْهُم من قَالَ: مَا اعتاده النَّاس حسن أَيْضا، وَهُوَ: الله أكبر كَبِيرا، وَالْحَمْد لله كثيرا، وَسُبْحَان الله وَبِحَمْدِهِ بكرَة وَأَصِيلا. وحكاية من صحب الْقفال من الإئمة عَن المَسْعُودِيّ لمثل ذَلِك يشْعر بجلالة قدره رَحمَه الله، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 (46 - مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار [000 - 427] ) الْعُتْبِي، أَبُو النَّصْر. الشَّاعِر الْكَاتِب البليغ المصقع، مقتضب الْكتاب الْمُبْدع، صَاحب أبي الْفَتْح البستي. أنْشد البستي فِي مدح أبي النَّصْر أبياتا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 (47 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن [000 - 392] ) ابْن إِبْرَاهِيم، أَبُو الْحُسَيْن. سَمعه أَبوهُ أَبُو الْحسن قَدِيما من أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب، وأقرانه. وَحدث، وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَلَاث مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 (48 - مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم [479 - 548] ) ابْن أَحْمد الشهرستاني، أَبُو الْفَتْح ابْن أبي الْقَاسِم. صَاحب " نِهَايَة الْإِقْدَام فِي علم الْكَلَام "، و " الْملَل والنحل "، وَله تصانيف عدَّة غَيرهمَا، مِنْهَا: " غَايَة المرام فِي علم الْكَلَام "، و " مصارعة الفلاسفة ". ذكره أَبُو سعد فِي " تذييله "، فَذكر أَنه تفقه على أَحْمد الخوافي، وبرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 فِي الْفِقْه، وَكَانَ مبرزا، متقنا، حسن المحاورة، كثير الْمَحْفُوظ، ورد بَغْدَاد سنة عشر وَخمْس مئة، وَأقَام بهَا ثَلَاث سِنِين، وَكَانَ يعظ بهَا، وَظهر لَهُ عِنْد الْعَوام قبُول. سمع بنيسابور أَبَا الْحسن عَليّ بن أَحْمد ابْن الْمَدِينِيّ، وَغَيره. قَالَ: كتبت عَنهُ بمرو بعد رجوعي من الرحلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 (49 - مُحَمَّد بن عبد الْملك [000 - 000] ) ابْن مُحَمَّد الجوسقاني، أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ. وجوسقان: من محالها. قَالَ فِيهِ أَبُو سعد: إِمَام فَاضل، متدين، حسن السِّيرَة، قَلِيل الِاخْتِلَاط بِالنَّاسِ، ورد بَغْدَاد، وَسمع بهَا من أبي عبد الله الْحميدِي الْحَافِظ، وتفقه على أبي حَامِد الْغَزالِيّ بهَا. لَقيته بإسفرايين، وَدخلت عَلَيْهِ متبركا بِهِ، مغتنما دعاءه، فَكتبت عَنهُ بَيْتَيْنِ لَا غير أنشدنيهما قَالَ: أَنْشدني أَبُو نصر عبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن الْقشيرِي لنَفسِهِ: (رب أَخ سمته فراقي ... وَكنت من قبل أصطفيه) (ذَاك لِأَنِّي ارتجيت رشده ... فلاح أَن لَا فلاح فِيهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 (50 - مُحَمَّد بن عبد الْملك [458 - 532] ) ابْن مُحَمَّد، أَبُو الْحسن ابْن أبي طَالب الكرجي، بِالْجِيم، من الكرج: بَلْدَة أبي دلف، إِحْدَى بِلَاد الْجَبَل. من فضلاء وقته الْمُفْتِينَ. أَخذ من أهل بَلَده عَن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ ثمَّ الكرجي، الْفَقِيه الزَّاهِد، وَأخذ أَيْضا عَن الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ. ذكره شيرويه فَقَالَ: كَانَ ثِقَة فَاضلا. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: سمع بالكرج: مكي بن مَنْصُور الكرجي، وجده أَبَا مَنْصُور عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن، وبهمذان: أَبَا بكر مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الْحُسَيْن بن فَنْجَوَيْهِ الدينَوَرِي، وَغَيره، وبأصبهان، أَبَا الْخَيْر ابْن ررا، وَغَيره. وببغداد: أَبَا الْحسن العلاف، وَأَبا عَليّ ابْن نَبهَان، وَغَيرهمَا، وبمكة: أَبَا الْوَفَاء إِسْمَاعِيل بن عبد الْعَزِيز العكي، وَغَيره، وَحدث. كتب عَنهُ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ الْكثير، وَكَانَ حسن المجالسة، مليح المعاشرة. ولد فِي ذِي الْحجَّة، سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع مئة، وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة. قَالَ أَبُو سعد: أَنْشدني أَبُو الْحسن ابْن أبي طَالب لنَفسِهِ: (تناءت دَاره عني وَلَكِن ... خيال جماله فِي الْقلب سَاكن) (إِذا امْتَلَأَ الْفُؤَاد بِهِ فَمَاذَا ... يضر إِذا خلت مِنْهُ المساكن) وَأَيْضًا: (وَالْعلم مَا كَانَ فِيهِ قَالَ حَدثنَا ... وَمَا سواهُ أغاليط وأظلام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 (دعائم الدّين آيَات مبينَة ... وبينات من الْأَخْبَار أَعْلَام) (قَول الْإِلَه وَقَول الْمُصْطَفى وهما ... لكل مُبْتَدع قهر وإرغام) وَمن شعره أَيْضا: (أَلا إِن فِي غسْلي لَطِيفَة حِكْمَة ... أغشى بِنور يَوْم ألْقى إِلَّا هيا) (وَفِي فرض أَعْضَاء الْوضُوء لطائف ... سيحظى بهَا من كَانَ للطف راجيا) (فغسلي لوجهي كي أرَاهُ معاينا ... كفاحا وكي أَلْقَاهُ فِي الْخلد خَالِيا) (وغسلي يَدي كي أخذت كتابيا ... بيمنى يَدي دون الشمَال ورائيا) (وَأعْطى خلودا ثمَّ ملك مقامة ... بيمناي أعْطوا ذَا وَذَا بشماليا) (ومسحي جَمِيع الرَّأْس تَاج كَرَامَة ... من الرب يعطيني بقالب فماليا) (وَفِي غسْلي رجْلي الْقيام لسيدي ... وأرجوه أَن يرضى وينعم بَالِيًا) (وَفِي سنة التَّطْهِير أتلو رَسُوله ... لأحيى حميدا ثمَّ أكْرم بَالِيًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 (51 - مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد [358 - 448] ) ابْن مُحَمَّد بن عمر بن الميمون، أَبُو الْفرج، الْمَعْرُوف ب: الدَّارمِيّ. من أَئِمَّتنَا الْمُحَقِّقين. أَخذ الْفِقْه عَن أبي الْحُسَيْن الأردبيلي. ذكره الْخَطِيب أَبُو بكر فِي " تَارِيخه " فَقَالَ: كَانَ أحد الْفُقَهَاء، مَوْصُوفا بالذكاء والفطنة، يحسن الْفِقْه والحساب، وَيتَكَلَّم فِي دقائق الْمسَائِل، وَيَقُول الشّعْر، وانتقل عَن بَغْدَاد إِلَى الرحبة، فسكنها مُدَّة، ثمَّ تحول إِلَى دمشق فاستوطنها، ولقيته بهَا فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة، وَقَالَ لي: كتبت عَن أبي مُحَمَّد ابْن ماسي، وَأبي بكر الْوراق، وَمُحَمّد بن المظفر، وَأبي عمر ابْن حيويه، وَأبي بكر ابْن شَاذان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ: ولدت يَوْم السبت الْخَامِس وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَمَان وَخمسين وَثَلَاث مئة، وَمَات بِدِمَشْق يَوْم الْجُمُعَة أول ذِي الْقعدَة، سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة. قلت: رَأَيْت من كتبه: " الاستذكار " وَهُوَ كتاب نَفِيس كثير الْفَوَائِد، نَحْو ثَلَاث مجلدات، اسْتَفَدْت مِنْهُ أَشْيَاء كَثِيرَة، وَهُوَ وقف فِي مشْهد ابْن عُرْوَة من جَامع دمشق، وَفِيه من الْمسَائِل النَّوَادِر والغرائب وَالْوُجُوه الغريبة مَا لَا نعلم اجْتمع مثله فِي مثل حجمه، وَفِيه من البلاغة والاختصار والأدلة الوجيزة مَا لم يُوجد لغيره مثله وَلَا مَا يُقَارِبه، وَلَكِن لَا تصلح مطالعته وَالنَّقْل مِنْهُ إِلَّا لعارف بِالْمذهبِ تَامّ الْمعرفَة، فَإِنَّهُ لشدَّة اختصاره ورمزه إِلَى الْأَحْكَام والأدلة رُبمَا الْتبس كَلَامه على من لَا يُحَقّق الْمَذْهَب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 (52 - مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد [261 - 345] ) ابْن أبي هَاشم، أَبُو عمر اللّغَوِيّ، الْمَعْرُوف ب: غُلَام ثَعْلَب. سمع الحَدِيث وَرَوَاهُ، وَمن مشايخه فِيهِ: إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم الْبَلَدِي، وَبشر بن مُوسَى الْأَسدي، والكديمي، وأضرابهم حدث عَنهُ غير وَاحِد: أَبُو الْحُسَيْن ابْن بَشرَان، وَأَبُو عَليّ ابْن شَاذان وَابْن زرقويه، وَغَيرهم. وروى الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن الْمَرْزُبَان قَالَ: كَانَ ابْن ماسي من دَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 كَعْب ينفذ إِلَى أبي عمر غُلَام ثَعْلَب وقتا بعد وَقت كِفَايَته لما ينْفق على نَفسه، فَقطع عَنهُ ذَلِك مُدَّة لعذر، ثمَّ أنفذ إِلَيْهِ بعد ذَلِك جملَة مَا كَانَ فِي رسمه، وَكتب إِلَيْهِ رقْعَة يعْتَذر إِلَيْهِ من تَأْخِير ذَلِك عَنهُ، فَرده، وَأمر من بَين يَدَيْهِ أَن يكْتب على ظهر رقعته: أكرمتنا فملكتنا، ثمَّ أَعرَضت عَنَّا فأرحتنا. قَالَ الْخَطِيب: لَا أَشك أَن ابْن ماسي هُوَ إِبْرَاهِيم بن أَيُّوب وَالِد أبي مُحَمَّد، وَالله أعلم. توفّي أَبُو عمر سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة بِبَغْدَاد فِي ذِي الْقعدَة، ومولده كَانَ فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ ومئتين. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا مُحَمَّد المأموني يَقُول: سَمِعت أَبَا عمر الزَّاهِد ينشد للشَّافِعِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ: (وَإِذا سَمِعت بِأَن مجدودا حوى ... عودا فأثمر فِي يَدَيْهِ فَصدق) (وَإِذا سَمِعت بِأَن مجدودا أَتَى ... مَاء ليشربه فغاص فحقق) (وَمن الدَّلِيل على الْقَضَاء وَكَونه ... بؤس اللبيب وَطيب عَيْش الأحمق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 قَالَ أَبُو عمر فِي كِتَابه فِي " شرح الفصيح ": سَأَلَ أَبُو مُوسَى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن الحامض ثعلبا عَن قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ، وَأَنا أسمع: فَإِن أشلى كَلْبه، أَي شَيْء مَعْنَاهُ؟ قَالَ: دَعَاهُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِي ب: أشلي، لَيْسَ الْملك، وَلَا الكلابذي، وَإِنَّمَا يُقَال للرئيس الَّذِي يَأْمُرهُ الْملك إِذا رأى صيدا قَالَ للكلابذي: أشل كلبك - أَي: ادْعُه إِلَيْك - ثمَّ يَقُول للرئيس: آسده؛ أَي: فقد أصَاب إِن أَرَادَ هَذَا الْمَعْنى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ عتب، فَإِن عبر أَصْحَابه أَنه هُوَ الَّذِي يشلي - أَي: يُرْسل - فقد أخطؤوا عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى فِي عقب هَذَا وثعلب يسمع: لَو قَالَ الشَّافِعِي للقبط: فَإِن آسد كَلْبه، لم يعلمُوا مَا يَقُول، فَقَالَ: أشلى، لِأَنَّهَا كلمة يعرفهَا الْخَاصَّة والعامة، وَهِي: الدُّعَاء، فَتكون من الْعَاميّ: دَعَوْت، وَمن الخاصي: دَعَوْت، فالخاصي يَقُول لصَاحبه: أشل كلب فلَان - أَي: ادْعُه إِلَيّ - فَإِذا دَعَاهُ إِلَيْهِ آسده هُوَ على الصَّيْد. هَذَا من اعتناء أبي عمر بالذب عَن الشَّافِعِي، حَيْثُ أودع مثل هَذَا كتاب لُغَة لَيْسَ ذَلِك من مَوْضُوعه بسبيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 (53 - مُحَمَّد بن عبدويه [439 - 525] ) ابْن الْحسن الشَّافِعِي، أَبُو عبد الله. من فُقَهَاء الْيمن، من أهل عدن، أحد أمصارها. ذكر السَّمْعَانِيّ أَنه كَانَ فَقِيها، فَاضلا، متدينا، زاهدا، حسن السِّيرَة، ورد بَغْدَاد، وتفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَسمع بهَا: أَبَا نصر الزَّيْنَبِي، وَغَيره، وَحدث بعدن. وَسمع مِنْهُ: أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن عبد الْوَارِث بِجَزِيرَة قيس. ذكره صَاحب " الْبَيَان " فِي أول كِتَابه فِي الاحترازات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 (54 - مُحَمَّد بن عبيد الله [000 - 329] ) ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عِيسَى بن رَجَاء بن معبد، الْوَزير أَبُو الْفضل البلعمي، بِالْعينِ الْمُهْملَة. وَزِير إِسْمَاعِيل بن أَحْمد صَاحب خُرَاسَان. قَرَأت نسبه هَكَذَا فِي " الْإِكْمَال " لِابْنِ مَاكُولَا، وَرَفعه إِلَى زيد مَنَاة بن تَمِيم، وَفِيه أَن جده رَجَاء استولى على بلعم، وَهِي: بلد من بِلَاد الرّوم حِين دَخلهَا مسلمة بن عبد الْملك، وَأقَام بهَا، وَكثر نَسْله بهَا فنسبوا إِلَيْهَا. كَانَ الْوَزير أَبُو الْفضل من أَصْحَاب مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي، وينتحل اخْتِيَاره فَحكمه فِي ذكرنَا لَهُ حكم شَيْخه. حكى الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَنه كَانَ كثير السماع من مَشَايِخ عصره بمرو، وبخارى، ونيسابور، وسرخس، وسمرقند، وَكَانَ قد سمع أَكثر الْكتب من أبي عبد الله مُحَمَّد بن نصر، وَكَانَ ينتحل مذْهبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 قَالَ الْحَاكِم: وَسمعت أَبَا الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْفَقِيه غير مرّة يَقُول: كَانَ الشَّيْخ أَبُو الْفضل البلعمي ينتحل مَذْهَب الحَدِيث. قَالَ الشَّيْخ: إِذا أطْلقُوا هَذَا هُنَاكَ انْصَرف إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله. وَذكر الْحَاكِم عَن أبي مَنْصُور ابْن أبي مُحَمَّد الْفَقِيه قَالَ: للشَّيْخ أبي الْفضل كتب مصنفة، مثل كتاب " تلقيح البلاغة " وَهُوَ أحسن كتاب صنف فِي ذَلِك الْمَعْنى، وَكتاب " المقالات "، وَهُوَ كتاب كثير الْفَوَائِد، وَغير ذَلِك من الْكتب، فَأَما كتاب " مَدِينَة الْحِكْمَة " فَهُوَ تصنيف الجهاني، وللشيخ أبي الْفضل فِيهِ زيادات ونكت، وَكَانَ يكثر النّظر فِيهِ وَلَا يُفَارِقهُ. وَحكى أَن عَليّ بن عِيسَى الْوَزير كَانَ إِذا كتب إِلَيْهِ أَبُو الْفضل البلعمي كتابا يجهده جَوَاب كِتَابه، حَتَّى يبْقى فِيهِ أَيَّامًا. قَالَ ابْن مَاكُولَا: توفّي فِي صفر، سنة تسع وَعشْرين وَثَلَاث مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 (55 - مُحَمَّد بن عشير [000 - 539] ) بِالْعينِ الْمُهْملَة، والشين الْمُعْجَمَة، على وزن كريم؛ ابْن مَعْرُوف الدربندي الشرواني، أَبُو بكر. من أهل شرْوَان. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: هُوَ فَقِيه صَالح متدين، سكن الْمدرسَة النظامية مُدَّة، وَلحق إِلْكيَا عَليّ بن مُحَمَّد الهراسي، وَعِنْده تفقه. وَسمع من أبي الْخَيْر الْمُبَارك بن الْحُسَيْن الغسال الْمُقْرِئ، وَغَيره، كتبت عَنهُ شَيْئا يَسِيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 (56 - مُحَمَّد بن عَليّ [000 - 343] ) ابْن أَحْمد، أَبُو الْعَبَّاس الأديب الكرجي: بِالْجِيم. نزيل نيسابور. أحد الأدباء الْعلمَاء الزهاد، تفقه على أبي عبد الله الزبيرِي بِالْبَصْرَةِ، وَلَقي أَبَا مُحَمَّد القتبي، وَأخذ عَنهُ. وَكَانَ عَالما بالفرائض، أحد المؤدبين بنيسابور، مقدما فِي التَّأْدِيب، وَمِمَّنْ تأدب عَلَيْهِ أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَذكره فِي " تَارِيخه "، وَحكى عَنهُ أورادا نهارية جليلة، من صَلَاة وَقِرَاءَة، قد كَانَ يعانيها مَعَ شغل التَّأْدِيب. وَذكر أَنه اخْتلف إِلَيْهِ أَربع سِنِين، فَمَا رَآهُ أفطر إِلَّا فِي يومي الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق، وَكَانَ يتعمم حنبليا، ويرجبها خلف ظَهره، ويرتدي على السّنة. سمع الحَدِيث من: أبي خَليفَة، وعبدان الْأَهْوَازِي، وأقرانهما. روى عَنهُ الْحَاكِم، وَسمع مِنْهُ " مُخْتَصر " أبي عبد الله الزبيرِي، عَنهُ. توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 (57 - مُحَمَّد بن عَليّ [291 - 365] ) ابْن إِسْمَاعِيل، أَبُو بكر الشَّاشِي الْقفال الْكَبِير. علم من أَعْلَام الْمَذْهَب رفيع، وَمجمع عُلُوم هُوَ بهَا عليم وَلها جموع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 سمع - فِيمَا حَكَاهُ الْحَاكِم - الحَدِيث بخراسان من: الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وأقرانه، وبالعراق من: عبد الله بن إِسْحَاق الْمَدَائِنِي، وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ، وَأبي بكر الباغندي، فِي آخَرين من طبقَة تقع قبل طبقَة الْبَغَوِيّ وأقرانه، وبالجزيرة من أبي عرُوبَة وأقرانه، وبالشام من أبي الجهم وأقرانه، وبالكوفة من عبد الله بن ريذان وأقرانه، وَحدث. روى عَنهُ الْحَاكِم وَغَيره، وَكَانَ ورد نيسابور أَولا على الإِمَام أبي بكر ابْن خُزَيْمَة، ثمَّ توجه إِلَى الْعرَاق وَقد مَاتَ أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج، فَأخذ عَن أقرانه وَبَعض أَصْحَابه. وَذكر الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق عَنهُ أَنه درس على أبي الْعَبَّاس ابْن سُرَيج، وَالْأَظْهَر عندنَا أَنه لم يدْرك ابْن سُرَيج، وَهُوَ الَّذِي ذكره المطوعي فِي كِتَابه، توفّي - رَحمَه الله - بالشاش، فِي ذِي الْحجَّة، سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة، حَكَاهُ الْحَاكِم. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ وهم قطعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 (58 - مُحَمَّد بن عَليّ [000 - 000] ) ابْن الْحسن، القَاضِي أَبُو بكر الميانجي الهمذاني. فَاضل، وَابْن فَاضل، وَأَبُو فَاضل، فَهُوَ ابْن القَاضِي عَليّ الميانجي، وَأَبُو عين الْقُضَاة عبد الله. صحب الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ. ذكره الْحَافِظ شيرويه الهمذاني فِي " طَبَقَات رُوَاة الْآثَار من أهل همذان ووارديها " فَقَالَ: سمع جمَاعَة من مَشَايِخنَا، وروى عَن أبي الْفضل أَحْمد بن عِيسَى بن عباد الدينَوَرِي، وَغَيره. وَكَانَ صَدُوقًا، فَاضل، حسن السِّيرَة، متواضعا. وَقَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي " المنشورات ": سَمِعت القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ الميانجي بهمذان يَقُول: كنت مَعَ أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الفيروزاباذي بنيسابور، فَلَمَّا كَانَ يَوْم النّظر سَأَلَهُ بعض المتفقهة عَن مَسْأَلَة، فَأجَاب، فطالبه بِالدَّلِيلِ، وَكَانَ أَبُو الْمَعَالِي ابْن الْجُوَيْنِيّ حَاضرا، فَقَالَ: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وإذنها صماتها "، فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لم أستدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 قطّ بِهَذَا الحَدِيث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَنِّي لم أعرف صِحَّته، فَالْآن أستدل بِهِ فِيمَا بعد لاستدلال الشَّيْخ بِهِ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَعَلَّه عَنى صِحَة الِاسْتِدْلَال، لَا صِحَة الحَدِيث فِي نَفسه، فَإِنَّهُ لَا يحسن فِيهِ مثل هَذَا مِنْهُ. وَفِي تَرْجَمَة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق عَن بَعضهم؛ أَن الشَّيْخ حِين خرج إِلَى خُرَاسَان رَسُولا صَحبه جمَاعَة من أَصْحَابه الْفُضَلَاء، مِنْهُم: عَليّ الميانجي، وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْن عَليّ الميانجي هَذَا، فغلط فِي اسْمه، فَإِن أَبَاهُ عليا الميانجي مَاتَ قبل ذَلِك، سنة إِحْدَى وَسبعين، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 (59 - مُحَمَّد بن عَليّ [000 - 372] ) ابْن الْحُسَيْن - مصغر - أَبُو عَليّ الإِسْفِرَايِينِيّ الْوَاعِظ الْحَافِظ. أحد حفاظ الحَدِيث الجوالين فِي طلبه، وَمن المعروفين بِكَثْرَة الحَدِيث والتصنيف لَهُ، وبصحبة الصَّالِحين من أَئِمَّة الصُّوفِيَّة فِي الأقطار. صنف " الشُّيُوخ " و " الْأَبْوَاب "، وَكَانَ سمع بخراسان أَبَا عوَانَة الإِسْفِرَايِينِيّ وأقرانه، وبالعراق أَبَا مُحَمَّد ابْن صاعد وأقرانه، وبالجزيرة أَبَا عرُوبَة وأقرانه، وبالشام أَحْمد بن عُمَيْر ابْن جوصا وأقرانه، وبمصر ابْن زبان وأقرانه، وبواسط عَليّ بن مُبشر وأقرانه، وبالكوفة وَالْبَصْرَة وَغَيرهمَا، وَكتب أَيْضا بِالريِّ وقزوين وجرجان وطبرستان. توفّي - رَحمَه الله - بإسفرايين فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَلَاث مئة، حكى هَذَا من حَاله أَبُو عبد الله الْحَاكِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 (60 - مُحَمَّد بن عَليّ [480 تَقْرِيبًا - بعد 559] ) ابْن عبد الله الْعِرَاقِيّ، أَبُو عبد الله. من أهل بَغْدَاد، سكن البوازيج. قَالَ أَبُو سعد: كَانَ فَاضلا، فَقِيها مبرزا، مناظرا، تفقه على: الْغَزالِيّ، والهراسي، وَأبي بكر الشَّاشِي، وَصَحب الْأَئِمَّة، وَخرج إِلَى البوازيج وسكنها. سمع بِبَغْدَاد: أَبَا حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْغَزالِيّ، وَأَبا نصر أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر الطوسي، وَأَبا الْوَفَاء عَليّ بن عقيل الْحَنْبَلِيّ، وَأَبا بكر مُحَمَّد بن المظفر الشَّامي، وَأَبا الْقَاسِم يُوسُف بن عَليّ الزنجاني، وَأَبا الْخطاب الكلوذاني، وَأَبا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الشَّاشِي، وَجَمَاعَة سواهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 لم يتَّفق لي الِاجْتِمَاع بِهِ، وَرَأَيْت جُزْءا من حَدِيثه مَعَ أبي الفواس الْحسن بن عبد الله بن شَافِع الدِّمَشْقِي بمرو، انتخب هُوَ من مسموعاته عَن هَؤُلَاءِ الشُّيُوخ وَغَيرهم، وَكتب عَنهُ من شعره وَشعر غَيره مقطعات، وَكَانَ لقِيه بإربل، وَكَانَ الْعِرَاقِيّ قدمهَا فِي حَاجَة. وَكَانَ مولده فِي حُدُود سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة. وشاهدت بِخَط الْأَخ ابْن الانماطي: رَأَيْت فهرست مسموعات الشَّيْخ أبي سعيد الحلوي فِي جُزْء عَلَيْهِ خطه مَا مِثَاله: كتاب " تَفْسِير " الرماني، عَن أبي الْعِزّ ابْن كادش، عَن أبي مُحَمَّد الْجَوْهَرِي، عَن مُصَنفه، وَكتاب " أدب الدّين وَالدُّنْيَا "، و " الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة "، قرأتهما على الإِمَام أبي عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْقطيعِي عَن مصنفهما الْمَاوَرْدِيّ رَحمَه الله، وَكتاب مَكْحُول بن الْفضل النَّسَفِيّ، سمعته من أبي حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْغَزالِيّ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبع مئة، وَكَانَ ابْن مئة وَخمْس عشرَة سنة، عَن مُصَنفه مَكْحُول بن الْفضل النَّسَفِيّ، وَهَذَا عَجِيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 (مُحَمَّد بن عَليّ [000 - 000] ) البَجلِيّ الشَّافِعِي، أَبُو عبد الله القيرواني. من فضلاء الْمغرب الشافعيين، من أَصْحَاب الرّبيع بن سُلَيْمَان، قَالَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر: ذكر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ البَجلِيّ الشَّافِعِي القيرواني - وَكَانَ فَاضلا - قَالَ: حَدثنِي الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ: سَمِعت ابْن هِشَام صَاحب " الْمَغَازِي " يَقُول: كَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حجَّة فِي اللُّغَة. قَالَ البَجلِيّ: وَقَالَ لي الرّبيع: كَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا خلا فِي بَيته كالسيل يهدر بأيام الْعَرَب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 (62 - مُحَمَّد بن عَليّ [000 - 395] ) ابْن الطَّبَرِيّ، أَبُو جَعْفَر البلاذري ذكره الْحَاكِم فِي لاحقة كِتَابه فَقَالَ: ذكر لي غير مرّة اختلافه إِلَى أبي إِسْحَاق الْمروزِي، وسماعه من شُيُوخ عصره، واجتمعنا ببخارى سِنِين، ثمَّ خرج إِلَى بَغْدَاد ثَانِيًا، وَانْصَرف إِلَى نيسابور، وأنزله القَاضِي أَبُو بكر الْحِيرِي عِنْده، وَذكر سَمَاعه من الشبلي. توفّي فِي النّصْف من الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وَثَلَاث مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 (63 - مُحَمَّد بن الْفضل [441 تَقْديرا - 530] ) أَبُو عبد الله الفراوي ثمَّ النَّيْسَابُورِي الملقب ب: فَقِيه الْحرم. من تلامذة إِمَام الْحَرَمَيْنِ. سمع فَقِيه الْحرم بنيسابور جمَاعَة جمة، من جلة الْأَعْيَان وَالْأَئِمَّة، مِنْهُم: شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي، وَأَبُو حَفْص ابْن مسرور الزَّاهِد، وَالْإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الصفار، وَأَبُو عُثْمَان سعيد الْعيار، وَسَعِيد الْبُحَيْرِي، وَأَبُو سعد الجنزروذي، وَأَبُو سعيد الخشاب، وَالْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، والحافظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ، وَأَبُو بكر ابْن أبي عَاصِم الْعمريّ الْهَرَوِيّ، والأستاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي، وَأَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وجده، وَأَبوهُ، وَمن لَا نحصيه كَثْرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَحج، فَسمع بِبَغْدَاد من: أبي نصر الزَّيْنَبِي، وَأبي الْحُسَيْن عَاصِم. وَسمع بِالْمَدِينَةِ - حرسها الله - من أبي نصر ابْن ودعان قَاضِي الْموصل. وَكَانَ يروي كتبا كَثِيرَة بِنَصّ من الثبت. قَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد الْمروزِي: سَمِعت مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي يَقُول: كُنَّا نسْمع (مُسْند) أبي عوانه الإِسْفِرَايِينِيّ من الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي، وَكَانَ يحضر مَعنا رجل من المحتشمين، عَلَيْهِ ثِيَاب رفيعة، وَكَانَ يقْعد بِجنب الْأُسْتَاذ، وَكَانَ وَالِدي يتَوَلَّى الْقِرَاءَة على الْأُسْتَاذ الإِمَام، وَيقْعد بَين يَدَيْهِ، ويقعدني بجنبه، وَمَا كَانَ يتركني أَن ألتفت يمنة ويسرة، وَاتفقَ بعد قِرَاءَة جملَة من الْكتاب أَنه انْقَطع ذَلِك المحتشم عَن الْمجْلس يَوْمًا لعَارض، وَخرج الْأُسْتَاذ على الْعَادة، وَقعد، وَكَانَ فِي أَكثر الْأَوْقَات يخرج وَعَلِيهِ قَمِيص أسود خشن، وعمامة صَغِيرَة، وَكنت أَظن أَن وَالِدي يقْرَأ الْكتاب على ذَلِك المحتشم الَّذِي عَلَيْهِ البزة الْحَسَنَة، فاليوم الَّذِي انْقَطع فِيهِ شرع وَالِدي فِي الْقِرَاءَة على الْعَادة، فَقلت لَهُ: يَا سَيِّدي {على من نَقْرَأ الحَدِيث وَالشَّيْخ مَا حضر؟ فَقَالَ: وكأنك كنت تظن أَن شيخك ذَاك الشَّخْص الَّذِي غَابَ، وَأَنِّي كنت أَقرَأ عَلَيْهِ الْكتاب؟ قلت: بلَى، فَضَاقَ صَدره، وَقَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، يَا بني} شيخك هَذَا الْقَاعِد، وَأَشَارَ إِلَى الْأُسْتَاذ، وَعلم الْموضع، وَأعَاد لي من أول الْكتاب إِلَى الْموضع، وَقَالَ: مَا لم تعرف شيخك لَا يجوز لَك أَن تروي عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 ثمَّ قَالَ: كَذَا كَانَ وَالِدي رَحمَه الله يسمعني من الشُّيُوخ. قَالَ أَبُو سعد: وَكَانَ لَهُ مجْلِس الْإِمْلَاء كل أحد بعد الْعَصْر فِي مَسْجِد الْمُطَرز، وَلَعَلَّه أمْلى أَكثر من ألف مجْلِس، وَمَا ترك الْإِمْلَاء إِلَى أَن مَاتَ. توفّي - رَحمَه الله - يَوْم الْخَمِيس الْحَادِي وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَلَاثِينَ وَخمْس مئة، وَدفن عِنْد قبر الإِمَام مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة قَالَ أَبُو سعد: أذكر أَنا فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ، حملنَا محفته على رقابنا إِلَى قبر مُسلم بن الْحجَّاج بنصراباذ لإتمام " الصَّحِيح " عِنْد قبر المُصَنّف، فَبعد أَن فرغ الْقَارئ من قِرَاءَة الْكتاب بَكَى، ودعا، وأبكى الْحَاضِرين، وَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا الْكتاب لَا يقْرَأ عَليّ بعد هَذَا، قَالَ: وَمَا قرئَ عَلَيْهِ بعد ذَلِك كَمَا جرى على لِسَانه رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 (مُحَمَّد بن الْقَاسِم [000 - 468] ) ابْن حبيب بن عَبدُوس، أَبُو بكر يعرف ب: الصفار. أحد الْفُقَهَاء الصفاريين بنيسابور. كَانَ من الْأَشْيَاخ الْفُضَلَاء، تفقه على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ. قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: هُوَ إِمَام فَاضل، دين، خير، قَالَ: وَكَانَ يكثر من الحَدِيث، وأملى وَحدث. وَذكره القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ الْحَافِظ، وَقَالَ: أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، وَكَانَ خَلِيفَته فِي حَيَاته حَتَّى خرج إِلَى الْحَج وَرجع، يَعْنِي الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد. وَقَالَ: سَمِعت الإِمَام أَبَا عَاصِم الْعَبَّادِيّ يَقُول للْقَاضِي أبي الْعَلَاء: مَا رَأَيْت بنيسابور أحسن فتيا مِنْهُ وأصوب. وَذكره عبد الغافر وَقَالَ: من أَبنَاء الْمَشَايِخ والبيوتات والمياسير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَكَانَ من خَواص تلامذة الإِمَام أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، وَمن المدرسين وَأهل الْفَتْوَى، أمْلى سِنِين فِي مَسْجِد الْمُطَرز بنيسابور، وَكَانَ حسن الْخلق، سليم الْجَانِب، مَحْمُود الطَّرِيقَة والسيرة، صَاحب تجمل فِي قلَّة ذَات الْيَد، بهي المنظر. توفّي فِي منتصف شهر ربيع الآخر، سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة. وَقَالَ عبد الغافر فِي " أربعينه ": كَانَ على سيرة الْعلمَاء، حسن الِاعْتِقَاد، سليم الْجَانِب، أدْرك الْأَسَانِيد الْعَالِيَة، وأملى سِنِين، وَالله أعلم. وَقد سمع جلة من الْأَئِمَّة كالسيد أبي الْحسن الْعلوِي، وَالْحَاكِم أبي عبد الله، وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، وَأبي طَاهِر الزيَادي، وَغَيرهم. قَالَ الشَّيْخ: أخبرونا فِي الْإِذْن عَن زَاهِر الشحامي قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد بن الْقَاسِم الصفار إملاء قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السّلمِيّ قَالَ: أنشدنا أَبُو عَليّ الْبَيْهَقِيّ قَالَ: أنشدنا الصولي لِابْنِ طَبَاطَبَا: (حسود مَرِيض الْقلب يخفي أنينه ... ويضحى كئيب البال عني حزينة) (يلوم على أَن رحت فِي الْعلم رَاغِبًا ... أجمع من عِنْد الروَاة فنونه) ... 0 وَيَزْعُم أَن الْعلم لَا يجلب الْغنى ... وَيحسن بِالْجَهْلِ اللَّئِيم ظنونه) (فيا لائمي دَعْنِي أغالي بقيمتي ... فقيمة كل النَّاس مَا يحسنونه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 (65 - مُحَمَّد بن الْقَاسِم [453 - 538] ) ابْن المظفر بن عَليّ، القَاضِي أَبُو بكر الشهرزوري. أحد الجلة من بني الشهرزوري قُضَاة الْموصل. أَخذ عَن الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَغَيره. ذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فَقَالَ: شيخ مسن، كَبِير، مُحْتَرم، فَاضل، جليل الْقدر. سَافر الْكثير فِي أَيَّام شبيبته، ورحل إِلَى خُرَاسَان، وجال فِي أقطارها، وَرَأى الْأَئِمَّة وصحبهم، وَكَانَ يرجع إِلَى عقل ورزانة وثبات. ولي الْقَضَاء بعدة من بِلَاد الجزيرة وَالشَّام، وَكَانَ يلقب ب: قَاضِي الْخَافِقين. سمع بِبَغْدَاد: أَبَا الْقَاسِم عبد الْعَزِيز الْأنمَاطِي، وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي، وأستاذه الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَغَيرهم. وبنيسابور: أَبَا بكر ابْن خلف الشِّيرَازِيّ، وَأَبا السنابل الْقرشِي، وَغَيرهمَا. وبالري: إِسْمَاعِيل بن عَليّ الْخَطِيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وببلخ: أَبَا الْقَاسِم الخليلي، وَأَبا الْقَاسِم عبد الله بن طَاهِر التَّمِيمِي، وَأَبا حَامِد الشجاعي الفقيهين، وَغَيرهم. وببغشور: أَبَا سعيد الْبَغَوِيّ. وبمروروذ: أَبَا عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد الإمامي. وبشهرزور: أَبَا الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن عمر الكازروني الْفَقِيه، وَغير هَؤُلَاءِ. ولد سنة ثَلَاث - أَو أَربع - وَخمسين وَأَرْبع مئة بإربل، كتب عَنهُ أَبُو سعيد السَّمْعَانِيّ بِبَغْدَاد والموصل، وَتُوفِّي بِبَغْدَاد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة. قَالَ: أنشدنا الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْمَاعِيل المنشئ لنَفسِهِ: (لَا تجزعن إِذا مَا الْهم ضقت بِهِ ... ذرعا، ونم، وتودع فارغ البال) (فَبين غفوة عين وانتباهتها ... تنقل الدَّهْر من حَال إِلَى حَال) (وَمَا اهتمامك بالمجدي عَلَيْك وَقد ... جرى الْقَضَاء بأرزاق وآجال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 (66 - مُحَمَّد بن الْمُبَارك [475 - 552] ) ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْخلّ - بِفَتْح الْخَاء، وَتَشْديد اللَّام - أَبُو الْحسن. من تلامذة الإِمَام أبي بكر الشَّاشِي. كَانَ مشارا إِلَيْهِ بالعراق، ممدوحا فِي الْآفَاق، مصوفا بِالْخَيرِ والزهد، وَهُوَ مؤلف " تَوْجِيه التَّنْبِيه "، وعملت لَهُ " مشيخة " روى فِيهَا عَن أَبِيه، عَن شَيْخه الشَّاشِي، وجعفر السراج، وعزيزي شيذله، وَأبي مَنْصُور ابْن الصّباغ القَاضِي، وَغَيرهم. وَذكره أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ فِي " تذييله "، فَذكر أَنه كَانَ أحد الْأَئِمَّة الشَّافِعِيَّة بِبَغْدَاد، تفقه على الشَّاشِي، وبرع فِي الْعلم، وَكَانَ حسن الْكَلَام فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الْمسَائِل الخلافية، مصيبا فِي فَتَاوِيهِ، ذَا سيرة جميلَة، وَطَرِيقَة حَسَنَة، خشن الْعَيْش، تَارِكًا للتكلف، على طَريقَة السّلف الصَّالح، حلسا بمسجده فِي الرحبة، لَا يخرج مِنْهُ إِلَّا بِقدر الْحَاجة. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي تفرد فِي الْفَتْوَى بالسريجية السَّاعَة بِبَغْدَاد. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن حَمْزَة ابْن الموازيني الشَّافِعِي فِي " الْأَرْبَعين " لَهُ: انشدنا الإِمَام الْمُفْتِي أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْمُبَارك ابْن الْخلّ الشَّافِعِي بِبَغْدَاد قَالَ: انشدنا الإِمَام أَبُو مُحَمَّد جَعْفَر بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الْقَارئ لنَفسِهِ: (لَاحَ شيب بمفرقي يتلالا ... وَتَوَلَّى عني الشَّبَاب فزالا) (لَاذَ بالفكر فِي الْقِيَامَة قلبِي ... وتذكرت النَّار والأغلالا) (لَا وَرب الْعباد لَا حلت عَن طَاعَة ... رَبِّي وَلَو بقيت خيالا) (لَا تلم هَارِبا إِلَى الله خوفًا ... من ذنُوب قد أورثته خبالا) (لَا تَظنن مَا حييت بخلاقك ... سوءا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 (67 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد [000 - 372] ) ابْن شَاذَّة، أَبُو الْحُسَيْن الْفَقِيه الزَّاهِد الْكَرَابِيسِي النَّيْسَابُورِي. من أكَابِر أَصْحَاب الشَّيْخ أبي بكر ابْن إِسْحَاق الصبغي. كَانَ يتجر، ثمَّ ترك ذَلِك، وجاور فِي الْجَامِع سِنِين، وَكَانَ يُصَلِّي طول نَهَاره ويصوم، وَإِذا أَتَاهُ مستفت أفتاه، وَلَقَد حسن الله عمله فِي آخر عمره. سمع الحَدِيث من: أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وَأبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِسْحَاق السراج، وأقرانهما. روى عَنهُ: الْحَاكِم أَبُو عبد الله النَّيْسَابُورِي، وَعنهُ بلغنَا عَن حَاله مَا ذَكرْنَاهُ. توفّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَلَاث مئة رَحمَه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 (68 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد [000 - 355] ) ابْن عَبْدَانِ بن مُحَمَّد بن عبد السَّلَام، أَبُو سهل ابْن أبي عبد الله بن عَبْدَانِ المسكي النَّيْسَابُورِي. كَانَ جده مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْوراق مُعْتَمد يحيى بن يحيى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وأمينهما فِي أصولهما وَفِي الْقِرَاءَة عَلَيْهِمَا. وَأما هُوَ فَمِمَّنْ طَال اختلافه إِلَى أبي عَليّ الثَّقَفِيّ، وعاشر أَيْضا مَشَايِخ التصوف وَحَدَّثَهُمْ بخراسان وَالْعراق والحجاز، وَسمع الحَدِيث بنيسابور وَالْعراق والحجاز، وَأقَام بِمَكَّة، وَدخل الْبَادِيَة وَحده، وَاسْتشْهدَ غرقا فِي طَرِيق فراوة فِي رَجَب، سنة خمس وَخمسين وَثَلَاث مئة. ذكره الْحَاكِم، وروى عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 (69 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد [000 - 514] ) ابْن عَليّ الخزيمي - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي - الفراوي، أَبُو الْفَتْح. نزيل الرّيّ. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: هُوَ واعظ حسن الْوَعْظ، مليح الْإِيرَاد، حُلْو الْمنطق، خَفِيف الرّوح، لطيف الْعبارَة، حسن الْإِشَارَة. دخل بَغْدَاد سنة تسع وَخمْس مئة، وَعقد لَهُ مجْلِس الحَدِيث والوعظ، وأملى عدَّة مجَالِس، وَحدث عَن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وجماعات. روى عَنهُ جمَاعَة من البغداديين وَغَيرهم. أنْشد لَهُ ابْن السَّمْعَانِيّ: (إِذا كنت ترْضى بالتمني من التقى ... فَإِن التَّمَنِّي بَابه غير مغلق) (وَمَا ينفع التَّحْقِيق بالْقَوْل فِي التقى ... إِذا كَانَ بالأفعال غير مُحَقّق) توفّي بِالريِّ سنة أَربع عشرَة وَخمْس مئة، وقبره عِنْد قبر إِبْرَاهِيم الْخَواص رحمهمَا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 (70 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد [450 - 505] ) ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد الْغَزالِيّ الطوسي، أَبُو حَامِد. الإِمَام، الْفَقِيه، الْمُتَكَلّم، النظار، المُصَنّف، الصُّوفِي. وَمن تفرداته فِي الْفِقْه أَنه ذكر فِي " بداية الْهِدَايَة " فِي سنة الْجُمُعَة بعْدهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 أَن لَهُ أَن يُصليهَا رَكْعَتَيْنِ وأربعا وستا، فأبعد فِي السِّت وشذ قَالَ يحيى: قد جَاءَت الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي " صَحِيح " مُسلم، وَغَيره بِأَن سنة الْجُمُعَة بعْدهَا أَربع، وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 كتاب: " اخْتِلَاف عَليّ وَابْن مَسْعُود " رَضِي الله عَنْهُمَا، وَقَالَهُ ابْن الْقَاص فِي " الْمِفْتَاح "، وَآخَرُونَ. وروى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ فِي كتاب " اخْتِلَاف عَليّ وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا " عَن عَليّ أَنه قَالَ: من كَانَ مِنْكُم مُصَليا بعد الْجُمُعَة فَليصل بعْدهَا سِتّ رَكْعَات، وَالله أعلم /. وَمن غَرَائِبه مَا ذكره أَخُوهُ أَحْمد الْغَزالِيّ - رحمهمَا الله - على رَأس منبره: سَمِعت أخي حجَّة الْإِسْلَام قدس الله روحه يَقُول: إِن الْمَيِّت من حِين يحمل على النعش يُوقف فِي أَرْبَعِينَ موقفا يسْأَله ربه عز وَجل. وَقَالَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد الخزيمي على منبره بِبَغْدَاد: سَمِعت من حضر موت حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ، وَسَأَلَهُ بعض أَصْحَابه: أوصني، فَقَالَ: عَلَيْك بالإخلاص، وَجعل يكرره حَتَّى زهقت روحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 (فصل لبَيَان أَشْيَاء مهمة أنْكرت على الإِمَام الْغَزالِيّ فِي مصنفاته وَلم يرتضها أهل مذْهبه وَغَيرهم من الشذوذات فِي متصرفاته) مِنْهَا: قَوْله فِي مُقَدّمَة الْمنطق فِي أول " الْمُسْتَصْفى ": هَذِه مُقَدّمَة الْعُلُوم كلهَا، وَمن لَا يُحِيط بهَا فَلَا ثِقَة لَهُ بِعُلُومِهِ أصلا. قَالَ الشَّيْخ: سَمِعت الشَّيْخ عماد الدّين ابْن يُونُس يَحْكِي عَن يُوسُف الدِّمَشْقِي مدرس نظامية بَغْدَاد - وَكَانَ من النظار المعروفين - أَنه كَانَ يُنكر هَذَا الْكَلَام وَيَقُول: فَأَبُو بكر وَعمر وَفُلَان وَفُلَان - يَعْنِي أَن أُولَئِكَ السَّادة - عظمت حظوظهم من البلج وَالْيَقِين، وَلم يحيطوا بِهَذِهِ الْمُقدمَة وأشباهها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 قَالَ الشَّيْخ: تذكرت بِهَذَا مَا حكى صَاحب كتاب " الإمتاع والمؤانسة " أَن الْوَزير ابْن الْفُرَات احتفل مَجْلِسه بِبَغْدَاد بأصناف من الْفُضَلَاء من الْمُتَكَلِّمين وَغَيرهم، وَفِيهِمْ الْأَشْعَرِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ، وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 الْمجْلس مَتى الفيلسوف النَّصْرَانِي، فَقَالَ الْوَزير: أُرِيد أَن ينتدب مِنْكُم إِنْسَان لمناظرة مَتى فِي قَوْله: إِنَّه لَا سَبِيل إِلَى معرفَة الْحق من الْبَاطِل، وَالْحجّة من الشُّبْهَة، وَالشَّكّ من الْيَقِين؛ إِلَّا بِمَا حويناه من الْمنطق، واستفدناه من وَاضعه على مراتبه، فَانْتدبَ لَهُ أَبُو سعيد السيرافي وَكَانَ فَاضلا فِي عُلُوم غير النَّحْو، فَكَلمهُ فِي ذَلِك حَتَّى أَفْحَمَهُ وفضحه، وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع التَّطْوِيل بِذكرِهِ، وَغير خَافَ اسْتغْنَاء الْعلمَاء والعقلاء - قبل وَاضع الْمنطق أرسطاطاليس وَبعده - ومعارفهم الجمة عَن تعلم الْمنطق، وَإِنَّمَا الْمنطق عِنْدهم - بزعمهم - آلَة صناعية تعصم الذِّهْن من الْخَطَأ، وكل ذِي ذهن صَحِيح منطقي بالطبع، فَكيف غفل الْغَزالِيّ عَن حَال شَيْخه إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَمن قبله من كل إِمَام هُوَ لَهُ مقدم، ولمحله فِي تَحْقِيق الْحَقَائِق رَافع لَهُ ومعظم، ثمَّ لم يرفع أحد مِنْهُم بالْمَنْطق رَأْسا، وَلَا بنى عَلَيْهِ فِي شَيْء من تَصَرُّفَاته أسا، وَلَقَد أَتَى بخلطه الْمنطق بأصول الْفِقْه بِدعَة عظم شؤمها على المتفقهة حَتَّى كثر - بعد ذَلِك - فيهم المتفلسفة، وَالله الْمُسْتَعَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وَلأبي عبد الله الْمَازرِيّ الْفَقِيه الْمُتَكَلّم الأصولي - وَكَانَ إِمَامًا محققا بارعا فِي مذهبي مَالك والأشعري، وَله تصانيف فِي فنون؛ مِنْهَا: فِي شرح " الْإِرْشَاد " و " الْبُرْهَان " لإِمَام الْحَرَمَيْنِ - رِسَالَة يذكر فِيهَا حَال الْغَزالِيّ وَحَال كِتَابه " الْإِحْيَاء "، أصدرها فِي حَيَاة الْغَزالِيّ جَوَابا لما كُوتِبَ بِهِ من الْمغرب والمشرق فِي سُؤَاله عَن ذَلِك عِنْد اخْتلَافهمْ فِي ذَلِك، فَذكر فِيهَا مَا اختصاره؛ أَن الْغَزالِيّ كَانَ قد خَاضَ فِي عُلُوم وصنف فِيهَا، واشتهر بِالْإِمَامَةِ فِي إقليمه، وبرع حَتَّى تضاءل لَهُ المنازعون، استبحر فِي الْفِقْه، وَفِي أصُول الْفِقْه، وَهُوَ بالفقه أعرف، وَأما أصُول الدّين فَلَيْسَ بالمستبحر فِيهَا، شغله عَن ذَلِك قِرَاءَته عُلُوم الفلسفة، وكسبته قِرَاءَة الفلسفة جرْأَة على الْمعَانِي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وتسهيلا للهجوم على الْحَقَائِق، لِأَن الفلاسفة تمر مَعَ خواطرها، وَلَيْسَ لَهَا شرع يردعها، وَلَا تخَاف من مُخَالفَة أَئِمَّة تتبعها، فَلذَلِك خامره ضرب من الإدلال على الْمعَانِي، فاسترسل فِيهَا استرسال من لَا يُبَالِي بِغَيْرِهِ. وَقَالَ: وَقد عرفني بعض أَصْحَابه أَنه كَانَ لَهُ عكوف على قِرَاءَة " رسائل إخْوَان الصَّفَا "، وَهَذِه الرسائل هِيَ إِحْدَى وَخَمْسُونَ رِسَالَة، كل رِسَالَة مُسْتَقلَّة بِنَفسِهَا، وَقد ظن فِي مؤلفها ظنون، وَفِي الْجُمْلَة هُوَ رجل فيلسوف قد خَاضَ فِي عُلُوم الشَّرْع، فمزج مَا بَين العلمين، وَحسن الفلسفة فِي قُلُوب أهل الشَّرْع بآيَات وَأَحَادِيث يذكرهَا عِنْدهَا، ثمَّ إِنَّه كَانَ فِي هَذَا الزَّمَان الْمُتَأَخر فيلسوف يعرف ب: ابْن سينا، مَلأ الدُّنْيَا تواليف فِي عُلُوم الفلسفة، وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ينتمي إِلَى الشَّرْع، ويتحلى بحلية الْمُسلمين، وَأَدَّاهُ قوته فِي علم الفلسفة إِلَى أَن تلطف جهده فِي رد أصُول العقائد إِلَى علم الفلاسفة، وَتمّ لَهُ من ذَلِك مَا لم يتم لغيره من الفلاسفة، وَوجدت هَذَا الْغَزالِيّ يعول عَلَيْهِ فِي أَكثر مَا يُشِير إِلَيْهِ فِي عُلُوم الفلسفة، حَتَّى إِنَّه فِي بعض الْأَحَايِين ينْقل نَص كَلَامه من غير تَغْيِير، وَأَحْيَانا يُغَيِّرهُ بنقله إِلَى الشرعيات أَكثر من نقل ابْن سينا، لكَونه أعلم بأسرار الشَّرْع مِنْهُ، فعلى ابْن سينا ومؤلف " رسائل إخْوَان الصَّفَا " عول الْغَزالِيّ فِي علم الفلسفة. قَالَ: وَأما مَذَاهِب المتصوفة فلست أَدْرِي على من عول عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَا إِلَى من ينْسب إِلَيْهِ فِي علمهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 قَالَ: وَعِنْدِي أَنه على أبي حَيَّان التوحيدي الصُّوفِي عول فِي مَذَاهِب الصُّوفِيَّة، وَقد أعلمت أَن أَبَا حَيَّان هَذَا ألف ديوانا عَظِيما فِي هَذَا الْفَنّ، وَلم يصل إِلَيْنَا شَيْء مِنْهُ. ثمَّ ذكر أَن فِي " الْإِحْيَاء " فَتَاوَى مبناها على مَا لَا حَقِيقَة لَهُ، مثل مَا اسْتحْسنَ فِي قصّ الْأَظْفَار أَن يبْدَأ بالسبابة لِأَن لَهَا الْفضل على بَقِيَّة الْأَصَابِع لكَونهَا المسبحة، ثمَّ بالوسطى لِأَنَّهَا نَاحيَة الْيَمين، ثمَّ باليسرى على هَيْئَة دَائِرَة، وَكَأن الْأَصَابِع عِنْده دَائِرَة، فَإِذا أدَار أَصَابِعه مر عَلَيْهَا مُرُور الدائرة حَتَّى يخْتم بإبهام الْيُمْنَى. هَكَذَا حَدثنِي بعض من أَثِق بِهِ عَن الْكتاب، فَانْظُر إِلَى هَذَا الخباط كَيفَ أَفَادَهُ قِرَاءَة الهندسة وَعلم الدَّوَائِر وأحكامها أَن يَنْقُلهُ إِلَى الشَّرْع، فَأفْتى بِهِ الْمُسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 قَالَ: وَحمل إِلَيّ بعض الْأَصْحَاب حِين هَذَا الْإِمْلَاء الْجُزْء الأول فَوَجَدته يذكر فِيهِ أَن من مَاتَ بعد بُلُوغه، وَلم يعلم أَن الْبَارِي تَعَالَى قديم؛ مَاتَ مُسلما إِجْمَاعًا، وَمن تساهل فِي حِكَايَة الْإِجْمَاع فِي مثل هَذَا، الَّذِي الْأَقْرَب أَن يكون فِيهِ الْإِجْمَاع بعكس مَا قَالَ؛ فحقيق أَن لَا يوثق بِكُل مَا نقل، وَأَن يظنّ بِهِ التساهل فِي رِوَايَة مَا لم يثبت عِنْده صِحَّته، ثمَّ تكلم الْمَازرِيّ فِي محَاسِن " الْإِحْيَاء " ومذامه، ومنافعه ومضاره بِكَلَام طَوِيل خَتمه بِأَن من لم يكن عِنْده من البسطة فِي الْعلم مَا يعتصم بِهِ من غوائل هَذَا الْكتاب؛ فَإِن قِرَاءَته لَا تجوز لَهُ، وَإِن كَانَ فِيهِ مَا ينْتَفع بِهِ، وَمن كَانَ عِنْده من الْعلم مَا يَأْمَن بِهِ على نَفسه من غوائل هَذَا الْكتاب، وَيعلم مَا فِيهِ من الرموز، فيجتنب مُقْتَضى ظواهرها، ويكل أَمر مؤلفها إِلَى الله تَعَالَى إِن كَانَت كلهَا تقبل التَّأْوِيل فقراءته لَهَا سَائِغَة، وَينْتَفع بِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون قارئه مِمَّن يقْتَدى بِهِ ويغتر بِهِ فَإِنَّهُ ينْهَى عَن قِرَاءَته وَعَن مدحه وَالثنَاء عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَوْلَا أَنا علمنَا أَن إملاءنا هَذَا إِنَّمَا يَقْرَؤُهُ الْخَاصَّة، وَمن عِنْده علم يَأْمَن بِهِ على نَفسه؛ لم نتبع محَاسِن هَذَا الْكتاب بالثناء، وَلم نتعرض لذكرها، وَلَكنَّا نَحن أمنا من التَّغْرِير، وَلِئَلَّا يظنّ أَيْضا من يتعصب للرجل أَنا جانبنا الْإِنْصَاف فِي الْكَلَام على كِتَابه، وَيكون اعْتِقَاده هَذَا فِينَا سَببا لِأَن لَا يقبل نصيحتنا، وَالله أعلم. هَذَا آخر مَا نَقَلْنَاهُ عَن الْمَازرِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وَذكر أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي - وَكَانَ شَرِيكا لَهُ فِي تلمذة إِمَام الْحَرَمَيْنِ - أَنه شدا بطوس فِي صباه طرفا من الْفِقْه على الإِمَام أَحْمد الراذكاني الطوسي، ثمَّ قدم نيسابور، وأختلف إِلَى درس إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي طَائِفَة من شُبَّان طوس، واجتهد فِي التَّحْصِيل، وجد، حَتَّى تخرج فِي مُدَّة قريبَة، وبذ الأقران، وَصَارَ أنظر أهل زَمَانه، وَوَاحِد أقرانه، وأستاذه إِمَام الْحَرَمَيْنِ بعد فِي الْأَحْيَاء، وَكَانَت الطّلبَة تستفيد مِنْهُ، وتدرس عَلَيْهِ، ويرشدهم، وَهُوَ على اجْتِهَاده، وترقى إِلَى أَن أَخذ فِي التصنيف، فَكَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ مَعَ علو دَرَجَته، وسمو عِبَارَته، وحدة جَرَيَانه فِي نطقه وَكَلَامه؛ لَا يصفو نظره إِلَى الْغَزالِيّ رَحمَه الله فِي الْبَاطِن، وَإِن كَانَ فِي الظَّاهِر يظْهر التبجح بِهِ، والاعتداد بمكانه، وَذَلِكَ لإنافته عَلَيْهِ فِي سرعَة الْعبارَة، وَقُوَّة الطَّبْع، وَكَانَ لَا يطيب لَهُ أَيْضا تصديه للتصنيف، وَإِن كَانَ متخرجا بِهِ، مَنْسُوبا إِلَيْهِ، ثمَّ إِنَّه لم يزل كَذَلِك حَتَّى انْقَضتْ أَيَّام الإِمَام أبي الْمَعَالِي، فَخرج من نيسابور، وَصَارَ إِلَى المعسكر فاحتل من مجْلِس نظام الْملك مَحل الْقبُول، وَأَقْبل عَلَيْهِ لظُهُور اسْمه، وعلو دَرَجَته، وَحسن مناظرته، وَكَانَت حَضْرَة نظام الْملك محط رحال الْعلمَاء، ومقصد الْأَئِمَّة والنصحاء، فاتفقت للغزالي فِيهَا اتفاقات حَسَنَة من ملاقاة الْأَئِمَّة، ومجاراة الْخُصُوم اللد، ومناظرة الفحول، ومنافرة الْكِبَار، فطار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 اسْمه فِي الْآفَاق، وارتفق بذلك أكمل الارتفاق، وَارْتَفَعت حَاله إِلَى أَن ندب للمصير إِلَى بَغْدَاد، ليقوم بالتدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بهَا، فَصَارَ إِلَيْهَا، فأعجب الْجَمِيع بدرسه ومناظرته، وَلم يلق بهَا مثل نَفسه، فَصَارَ إِمَام الْعرَاق بعد أَن كَانَ إِمَام خُرَاسَان، ثمَّ إِنَّه عني بِعلم الْأُصُول، وَكَانَ قبل ذَلِك قد أتقنه، فصنف فِيهِ تصانيف، وجرد الْمَذْهَب، فصنف فِيهِ تصانيف، وسبك علم الْخلاف، فصنف فِيهِ تصانيف، وعلت حشمته، وَارْتَفَعت دَرَجَته بِبَغْدَاد، حَتَّى كَانَت حشمته تعلو الأكابر والأمراء بهَا، ثمَّ إِنَّه أعرض عَن ذَلِك كُله وتزهد وسلك طَرِيق التأله، واطرح الحشمة وَمَا نَالَ من الدرجَة، واشتغل بِأَسْبَاب التَّقْوَى، والتزود لِلْأُخْرَى، وَتوجه إِلَى بَيت الله سُبْحَانَهُ وَحج، ثمَّ دخل الشَّام، وَأقَام بِتِلْكَ الديار قَرِيبا من عشر سِنِين يطوف فِيهَا ويزور الْمشَاهد، وَأخذ فِي تصنيف تصانيفه الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا، ك: " إحْيَاء عُلُوم الدّين "، والكتب المختصرة مِنْهَا، ك: " الْأَرْبَعين "، وَغَيرهَا من الرسائل، وَشرع فِي مجاهدة النَّفس، وتهذيب الْأَخْلَاق، فَأَدْبَرَ شَيْطَان الرعونة والرئاسة، وتبدلت الْأَخْلَاق الذميمة بالأخلاق الحميدة، وَسُكُون النَّفس، وكرم الْخلق، والتخلي من التزينات والرسوم، وَقصر الأمل، ووقف الْوَقْت على هِدَايَة الْخلق، والاستعداد للرحيل، والانتباه لكل من تشم مِنْهُ رَائِحَة الْمعرفَة، والاستضاءة بِشَيْء من أنوار الْمُشَاهدَة، ومرن على ذَلِك وَاسْتمرّ رَحمَه الله، ثمَّ إِنَّه عَاد إِلَى وَطنه، فلازم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 بَيته وَمكث كَذَلِك مُدَّة، وَظَهَرت تصانيفه، وفشت تآليفه، وَلَا أحد يعْتَرض عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَو يناقضه حَتَّى انْتَهَت نوبَة الوزارة إِلَى فَخر الْملك بن نظام الْملك رَحمَه الله من تَرْتِيب خُرَاسَان بدولته، وَقد سمع بمَكَان الْغَزالِيّ، وَكَمَال فَضله، ونقاء سَرِيرَته، فحضره متبركا بِهِ، وَسمع كَلَامه، فَسَأَلَهُ أَن لَا يدع أنفاسه عقيمة، لَا يتْرك فَوَائده لَا اقتباس من أنوارها، وألح عَلَيْهِ كل الإلحاح، فَأَجَابَهُ إِلَى الْخُرُوج إِلَى نيسابور، فَقَدمهَا وألي التدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بهَا، فَلم يجد بدا من الإذعان للولاة، فَفعل وَنوى بِهِ الْهِدَايَة والإفادة دون العودة إِلَى مَا انخلع عَنهُ وتحرر من رقّه من طلب الجاه، ومكايدة المعاندين، ثمَّ إِنَّه قصد، وتصدى للوقوع فِيهِ والطعن فِيمَا يَأْتِي ويذر، وَتعرض للسعاية بِهِ والتشنيع عَلَيْهِ فَمَا تأثر بذلك، وَلَا أظهر لَهُم استيحاشا لغميزة المخلطين. وَقَالَ عبد الغافر أَيْضا: إِنَّه سَأَلَهُ؛ كَيفَ رغب فِي الْخُرُوج من بَيته والمصير إِلَى نيسابور؟ فَاعْتَذر بِأَنَّهُ لم يكن يستجير فِي دينه أَن يتَخَلَّف عَن الدعْوَة، وإفادة الطالبين ونفعهم، وَقد حق عَلَيْهِ أَن يبوح بِالْحَقِّ وَيَدْعُو إِلَيْهِ. قَالَ: وَكَانَ صَادِقا فِي ذَلِك، ثمَّ ترك ذَلِك قبل أَن يتْرك، وَعَاد إِلَى بَيته، وَاتخذ فِي جواره مدرسة لطلبة الْعلم وخانقاه للصوفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وَذكر أَنه كَانَ قد وزع أوقاته على وظائف الْحَاضِرين لَدَيْهِ، كختم التَّذْكِير، ومجالسة أهل الْقُلُوب، والتدريس، حَتَّى لَا تَخْلُو لَحْظَة من لحظاته ولحظات من مَعَه عَن فَائِدَة. وَحكي عَن بَعضهم أَنه رَآهُ فِي النّوم فَسَأَلَهُ عَن حَاله، فَذكر انتفاعه بِكِتَاب " بداية الْهِدَايَة ". قَالَ الشَّيْخ: كتاب " المضنون " الْمَنْسُوب إِلَيْهِ، معَاذ الله أَن يكون لَهُ، وَقد شاهدت على ظهر كتاب نُسْخَة بِهِ بِخَط الصَّدْر المكين القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري أَنه مَوْضُوع على الْغَزالِيّ، ومخترع من كتاب " مَقَاصِد الفلاسفة " الَّذِي نقضه بِكِتَاب " تهافت الفلاسفة "، وَأَنه نفذ فِي طلب هَذَا الْكتاب إِلَى الْبِلَاد الْبَعِيدَة، فَلم يقف لَهُ على خبر. قَالَ: وَهَذِه النُّسْخَة ظَهرت فِي هَذَا الزَّمَان الْغَرِيب، وَلَا يَلِيق بِمَا صَحَّ عندنَا من فضل الرجل وَدينه. قَالَ الشَّيْخ: وَقد نقل كتاب آخر مُخْتَصر نسب إِلَيْهِ، وَلما بحثنا عَنهُ تحققنا أَنه وضع عَلَيْهِ، وَفِي آخر هَذِه النُّسْخَة بِخَط آخر: هَذَا مَنْقُول من كتاب حِكَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 " مَقَاصِد الفلاسفة " حرفا بِحرف، وَالْغَزالِيّ إِنَّمَا ذكره فِي " الْمَقَاصِد " حِكَايَة عَنْهُم غير مُعْتَقد لَهُ، وَقد نقضه بِكِتَاب " التهافت "، وَهَذَا الْكتاب فِيهِ التَّصْرِيح بقدم الْعَالم، وَنفي الصِّفَات، وَبِأَنَّهُ لَا يعلم الجزيئات سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْإِشَارَة إِلَى إِحَالَة حشر الأجساد بِإِثْبَات التناسخ، وَلم يكن هَذَا معتقده. توفّي رَحمَه الله بطوس صَبِيحَة يَوْم الِاثْنَيْنِ، التَّاسِع عشر من جُمَادَى الْآخِرَة، سنة خمس وَخمْس مئة، رَضِي الله عَنهُ وأرضاه، وَجعل الْجنَّة مَأْوَاه بِمُحَمد وَآله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 (71 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد [000 - 314] ) ابْن يُوسُف، أَبُو ذَر البُخَارِيّ. قَاضِي الْقُضَاة بخراسان. قَالَ الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي: كَانَ ينتحل مَذْهَب الحَدِيث، ويذب عَن السّنة وَأَهْلهَا. قلت: وَأَصْحَاب الحَدِيث، وَمذهب الحَدِيث، عبارتان يعبر بهما فِي خُرَاسَان عَن الشَّافِعِيَّة ومذاهبهم، قد صارتا عِنْدهم كاسم الْعلم، لذَلِك لَا يطلقان على غَيره إِلَّا بِقَرِينَة، وَالله أعلم. سمع أَبُو ذَر - فِيمَا رَأَيْته عَن الْحَاكِم - الحَدِيث من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وأقرانه ببخارى وَالْعراق والحجاز. حدث بنيسابور إملاء وَفِي الْمجْلس الإِمَام ابْن خُزَيْمَة، وَأَبُو الْعَبَّاس السراج، وَتُوفِّي - فِيمَا بلغه - سنة أَربع عشرَة وَثَلَاث مئة، وأعقب الْوَلَد الشَّيْخ الزَّاهِد الْعَالم السياح العابد أَبَا الْحسن ابْن أبي ذَر، وَكَانَ يتعبد إِمَّا بِمَكَّة أَو بطرسوس وَفِي جبال نيسابور وقلما كَانَ يسكن بُخَارى تجنبا للدخول على السُّلْطَان، وَالله اعْلَم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 (72 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد [355 - 389] ) الْفَقِيه ابْن الْفَقِيه، أَبُو بكر ابْن الإِمَام أبي الْحسن الماسرجسي درس الْفِقْه على أَبِيه خمس سِنِين، وَسمع الحَدِيث بنيسابور من أَبَوي عَمْرو: إِسْمَاعِيل بن نجيد، وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن مطر، وَأبي بكر ابْن قُرَيْش، سمع مِنْهُ " مُسْند " الْحسن بن سُفْيَان فِي دَار أَبِيه من أَوله إِلَى آخِره، ثمَّ سمع بِالريِّ وبغداد والحجاز. وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ ابْن أَربع وَثَلَاثِينَ سنة، وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو الطّيب سهل، وَدفن فِي دَاره. حكى هَذَا الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي " لاحقة تَارِيخه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 (73 - مُحَمَّد بن مَحْمُود [522 - 596] ) ابْن مُحَمَّد، أَبُو الْفَتْح الطوسي الشَّافِعِي. شيخ الْفُقَهَاء، وَصدر الْعلمَاء فِي عصره، تفقه على جمَاعَة من أَصْحَاب الْغَزالِيّ، مِنْهُم: الإِمَام أَبُو سعد مُحَمَّد بن يحيى النَّيْسَابُورِي. وَقدم أَبُو الْفَتْح مصر فنشر الْعلم بهَا، وتفقه عَلَيْهِ جمَاعَة كَثِيرَة، وَوعظ، وَذكر، وانتفع النَّاس بِهِ، وَكَانَ مُعظما عِنْد الْخَاصَّة والعامة، وَعَلِيهِ مدَار الْفَتْوَى فِي مَذْهَب الشَّافِعِي. ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخمْس مئة. وَكَانَ إِمَامًا فِي فنون، وَجَرت لَهُ حِكَايَة عَجِيبَة فِي بيعَة الْخَلِيفَة النَّاصِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 (74 - مُحَمَّد بن المظفر [400 - 488] ) ابْن بكران بن عبد الصَّمد بن سُلَيْمَان الْحَمَوِيّ القَاضِي، أَبُو بكر الشَّامي، من أهل حماة: بَلْدَة بِالشَّام مَعْرُوفَة. يعرف ب: قَاضِي الْقُضَاة الشَّامي. ذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ بِمَا تحريره: أَنه كَانَ أحد الْعلمَاء المتوحدين فِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله، وَكَانَ ذَا مقامات فِي النّظر، مطلعا على أسرار الْفِقْه ومكنونه، كَبِيرا فِي الْوَرع والزهادة وَالتَّقوى وَالْعِبَادَة، صينا، نزها، حسن الطَّرِيقَة، خشنها، جرت أُمُوره فِي أَحْكَامه على السداد والإصابة. ولي قَضَاء الْقُضَاة بِبَغْدَاد بعد وَفَاة أبي عبد الله الدَّامغَانِي الْحَنَفِيّ يَوْم الْخَمِيس الْخَامِس من شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبع مئة، فَلم يزل على قَضَائِهِ مُسْتَقِيم الْأَمر فِيهِ، إِلَى أَن تنكر لَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُقْتَدِي لأمر الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 لشَيْء بلغه عَنهُ، فَمنع الشُّهُود من إتْيَان مَجْلِسه وقطعهم عَنهُ مُدَّة، فَكَانَ فِي تِلْكَ الْمدَّة يَقُول: أَنا لَا أنعزل مَا لم يحققوا عَليّ الْفسق، ثمَّ صلح لَهُ رَأْي أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَخلع عَلَيْهِ، وَأعَاد الشُّهُود إِلَى مَجْلِسه بأجمعهم، واستقامت أُمُوره كَمَا كَانَت أَولا، وَذَلِكَ فِي آخر شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة، وَبَقِي على قَضَاء الْقُضَاة إِلَى أَن توفّي عَاشر شعْبَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة، وَدفن فِي تربة لَهُ عِنْد قبر أبي الْعَبَّاس ابْن سُرَيج الإِمَام، على بَاب قطيعة الْفُقَهَاء من كرخ بَغْدَاد، وَسُئِلَ عَن مولده فَقَالَ: ولدت سنة أَربع مئة بحماة، وَدخلت بَغْدَاد سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبع مئة، وَسمع الحَدِيث من: أبي الْقَاسِم ابْن بَشرَان، وَأبي عَمْرو العلاف، وَأبي الْحسن العتيقي، وَأبي مُحَمَّد الْخلال، وَأبي طَالب ابْن غيلَان، وَأبي مُحَمَّد الْجَوْهَرِي، وَغَيرهم. روى عَنهُ كَثِيرُونَ، مِنْهُم: أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل الْحَافِظ الْأَصْبَهَانِيّ، وَالْقَاضِي أَبُو عبد الله ابْن خَمِيس الْموصِلِي، وَأَبُو البركات عمر بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي، وَآخَرُونَ. روينَا عَنهُ أَنه حضر عِنْده بعض الأتراك فَادّعى على خصم لَهُ، فَأنْكر، فَسَأَلَهُ: أَلَك شَاهِدَانِ؟ قَالَ: نعم، المشطب وَفُلَان، قَالَ القَاضِي الشَّامي: أما المشطب فَلَا أقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ يلبس الْحَرِير، فَقَالَ التركي: وَالسُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 والوزير يلبسان الْحَرِير، فَقَالَ الشَّامي: وَلَو شَهدا عِنْدِي على باقة بقل مَا قبلت شَهَادَتهمَا. والمشطب هَذَا حَنَفِيّ من فحول المناظرين، ذُو جاه وَمَال، كَانَ يكون فِي عَسْكَر ملكشاه. وَذكر السَّمْعَانِيّ عَمَّن حَدثهُ؛ أَن حَادِثَة وَقعت للسُّلْطَان ملكشاه، فَحمل قَاضِي الْقُضَاة الشَّامي إِلَى دَار السُّلْطَان ليقضي فِي تِلْكَ الْحَادِثَة، فجَاء المشطب الفرغاني الإِمَام وَشهد للسُّلْطَان بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ الشَّامي على رُؤُوس الْخَلَائق: لَا أقبل شَهَادَته، قَالُوا: لم؟ قَالَ: لِأَنَّهُ فَاسق، وَكَانَ على المشطب ثوب حَرِير، فَخَجِلَ المشطب من ذَلِك، ورد الشَّامي إِلَى دَاره. وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعت أَبَا الْحسن عَليّ بن مَعْصُوم بن أبي ذَر الْفَقِيه المغربي يَقُول: دخل المشطب لشهاد ة على قَاضِي الْقُضَاة الشَّامي، فَرَأى الشَّامي فِي أُصْبُعه خَاتمًا من ذهب، فَلَمَّا شهد رد شَهَادَته، فَلَمَّا خرج المشطب قَالَ: لَا أَدْرِي لأية عِلّة رد شهادتي، فَبلغ هَذَا القَوْل الشَّامي، فَقَالَ: قُولُوا لَهُ: كنت أَظن أَنَّك عَالم فَاسق، فَالْآن أَنْت جَاهِل فَاسق، أما تعرف أَنَّك تفسق بِاسْتِعْمَال الذَّهَب؟ ! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 (75 - مُحَمَّد بن مَنْصُور [000 - 482] ) ابْن عمر بن عَليّ الْكَرْخِي - بِالْخَاءِ - الْفَقِيه الشَّافِعِي، أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ. وَهُوَ ولد الإِمَام أبي الْقَاسِم مَنْصُور الْكَرْخِي، أحد أَصْحَاب الشَّيْخ الإِمَام أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وَهُوَ وَالِد أبي الْبَدْر إِبْرَاهِيم الْكَرْخِي، أحد رُوَاة الحَدِيث. ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَبَا بكر هَذَا، فَحكى أَنه كَانَ يسكن قطيعة الرّبيع من كرخ بَغْدَاد، وَكَانَ صَالحا متدينا، يرجع إِلَى فضل وَعلم. سمع أَبَا عَليّ ابْن شَاذان، وَغَيره. روى عَنهُ: أَبُو الْقَاسِم ابْن السَّمرقَنْدِي الْحَافِظ، وَغَيره. مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة، وَصلي عَلَيْهِ فِي جَامع الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة، ثَانِي جُمَادَى الأولى، سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة، وَدفن بمقبرة بَاب حَرْب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 (76 - مُحَمَّد بن مَنْصُور [467 - 510] ) ابْن مُحَمَّد، الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ التَّمِيمِي الْمروزِي. يلقب: تَاج الْإِسْلَام. وَأَبوهُ: الإِمَام أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ، صَاحب التصانيف فِي الْخلاف وَغَيره. أمْلى أَبُو بكر مئة واثنين وَأَرْبَعين إملاء يَقع فِي مجلدات ثَلَاث، لم يسْبق - فِيمَا علمناه - بِمِثْلِهَا، تكلم فِيهَا على إِسْنَاد الحَدِيث تبيينا لما يسْتَحقّهُ من وصف الصِّحَّة وَغَيره، وتظريفا فِي بعض الْأَحَايِين، وعَلى رُوَاته بِبَيَان أَحْوَالهم، وَمَا يستحسن من حكاياتهم، وعَلى متن الحَدِيث بإبانة فقهه، كثير الرِّوَايَة لما يشْهد من الْآثَار وَالْأَخْبَار، لما بَينه من مَعَانِيه. أنبؤونا عَن أبي طَاهِر مُحَمَّد بن أبي بكر السنجي عَنهُ أَنه قَالَ: جملَة القَوْل فِي دُخُول الْحمام أَنه مُبَاح للرِّجَال بِشَرْط ستر الْعَوْرَة وغض الْبَصَر، ومكروه للنِّسَاء إِلَّا عِنْد الْعذر من النّفاس وَالْمَرَض، وَإِنَّمَا كره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 للنِّسَاء لما بني أمرهن عَلَيْهِ من الْمُبَالغَة فِي السّتْر، وَلما فِي وضع ثيابهن فِي غير بيُوت الْأزْوَاج من الهتك، وَلما فِي خروجهن واجتماعهن من الْفِتْنَة وَالشَّر، وَأنْشد لبَعْضهِم: (دهتك بعلة الْحمام نعم ... وَمَال بهَا الطَّرِيق إِلَى يزِيد) وَذكر للداخل آدابا؛ مِنْهَا: أَن يتَذَكَّر بحره حر النَّار، ويستعيذ بِاللَّه من النَّار، ويسأله الْجنَّة، وَأَن يكون قَصده التَّطْهِير التَّنْظِيف دون التنعم والترفه، وَأَن لَا يدْخلهُ إِذا رأى فِيهِ عَارِيا، بل يرجع، وَأَن لَا يُصَلِّي فِيهِ، وَلَا يقْرَأ الْقُرْآن، وَلَا يسلم، وَأَن لَا يدْخلهُ بِغَيْر كرنيب لِئَلَّا يحْتَاج إِلَى غَيره فيذل، وَأَن يسْتَغْفر الله تَعَالَى إِذا خرج، وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: فقد كَانُوا يَقُولُونَ: يَوْم الْحمام يَوْم إِثْم، وروى لكل أدب مِنْهَا خَبرا أَو أثرا. ثمَّ حكى عَن بَعضهم أَنه ذكر آدابا أخر، مِنْهَا أَن لَا يستكثر من صب المَاء من غير حَاجَة، وَأَن يتحَرَّى دُخُول الحمامات الخالية، وَأَن يقدم رجله الْيُسْرَى فِي الدُّخُول، واليمنى فِي الْخُرُوج، وَأَن يَقُول مَا يَقُول فِي دُخُول الْخَلَاء، وَأَن يُوفي الحمامي الْأُجْرَة قبل الدُّخُول، وَأَن لَا يدْخلهُ عِنْد الْغُرُوب وَبَين العشاءين، فَإِنَّهُمَا وَقت انتشار الشَّيَاطِين، وَذكر فِي حَدِيث الزبير فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 شراج الْحرَّة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخْصُوص بِأَن لَهُ أَن يقْضِي وَهُوَ غَضْبَان، لِأَنَّهُ يُؤمن عَلَيْهِ الالتباس، وَأَن تحمله الحمية على الْجور. وَقَالَ: الرقوم إِذا كَانَت على صور التصاليب فَهِيَ بِمَنْزِلَة التماثيل الَّتِي فِيهَا أَرْوَاح فَلَا تُبَاح، وَاسْتدلَّ بِحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي البُخَارِيّ فِي ذَلِك. وَقَالَ: لم يرد اسْتِحْبَاب صَوْم رَجَب على التَّخْصِيص سنة ثَابِتَة، وَالْأَحَادِيث الَّتِي تروى فِيهِ واهية، لَا يفرح بهَا عَالم. وَقَالَ شيرويه فِي وصف أبي بكر السَّمْعَانِيّ: كَانَ فَاضلا، حسن السِّيرَة، بَعيدا من التَّكَلُّف، صَدُوقًا. وَذكره أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الْفَارِسِي خطيب نيسابور فِي " سِيَاق تَارِيخ النيسابوريين "، فَقَالَ: " مُحَمَّد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ الْمروزِي الإِمَام ابْن الإِمَام ابْن الإِمَام، شَاب نَشأ فِي عبَادَة الله تَعَالَى وَفِي التَّحْصِيل من صباه، إِلَى أَن أرْضى أَبَاهُ، حظي من الْأَدَب والعربية والنحو، وتمرنها نظما ونثرا بِأَعْلَى الْمَرَاتِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 ينفث إِذا خطّ بأقلامه فِي عقد السحر، وينظم من مَعَاني كَلَامه عُقُود الدّرّ، متصرفا فِي الْفُنُون بِمَا يَشَاء، كَيفَ يَشَاء، مطبعا لَهُ على البديهة الْإِنْشَاء، ثمَّ برع فِي الْفِقْه، مستدرا أخلاقه من أَبِيه، بَالغا فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف أقْصَى مراميه، وَزَاد على أقرانه وَأهل عصره بالتبحر فِي علم الحَدِيث، وَمَعْرِفَة الرِّجَال والأسانيد، وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْجرْح وَالتَّعْدِيل، والتحريف والتبديل، وَضبط الْمُتُون الغرائب والمشكلات من الْمعَانِي، مَعَ الْإِحَاطَة بالتواريخ والأنساب، وطرز أكمام فَضله بمجالس تذكيره، تتصدع صم الصخور عِنْد تحذيره، وتتجمع أشتات الْعِظَام النخرة عِنْد تبشيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 (77 - مُحَمَّد بن مُوسَى [548 - 584] ) الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي؛ بِالْحَاء الْمُهْملَة. كَانَ معدودا فِي المتميزين فِي زَمَانه فِي علم الحَدِيث، وَله فِيهِ تصانيف حملت عَنهُ، وَكَانَ لَهُ عناية تَامَّة، وَشرع فِي " تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب " فَبلغ فِيهِ إِلَى أثْنَاء كتاب الصَّلَاة، وَرَأَيْت ذَلِك الْقدر مِنْهُ، فَوَجَدته قد أَجَاد فِيهِ، وَبَلغنِي أَنه تردد إِلَى أَصْبَهَان بِسَبَبِهِ، ومصداق هَذَا مَوْجُود فِيمَا جمعه مِنْهُ، وَالله أعلم. روى عَن أبي مُوسَى الْحَافِظ وطبقته من أَصْحَاب أبي عَليّ الْحداد وأمثالهم، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 (78 - مُحَمَّد بن نصر [202 - 294] ) أَبُو عبد الله الإِمَام الْمروزِي، صَاحب التصانيف الجمة. أحد من استبحر فِي علمي الْفِقْه والْحَدِيث، وَجمع بَين فضيلتي الْإِمَامَة والديانة. وَهُوَ صَاحب اخْتِيَار، وَرُبمَا تذرع متذرع بِكَثْرَة اخياراته الْمُخَالفَة لمَذْهَب الشَّافِعِي إِلَى الْإِنْكَار على الْجَمَاعَة العادين لَهُ فِي أَصْحَابنَا، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، لِأَنَّهُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَة ابْن خُزَيْمَة، والمزني، وَأبي ثَوْر قبله، وَغَيرهم. فَلَقَد كثرت اختياراتهم الْمُخَالفَة لمَذْهَب الشَّافِعِي، ثمَّ لم يخرجهم ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 عَن أَن يَكُونُوا فِي قبيل أَصْحَاب الشَّافِعِي معدودين، وبوصف الاعتزاء إِلَيْهِ موصوفين. قَالَ الْخَطِيب: قَرَأت على الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْمُؤَدب، عَن أبي سعد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الإدريسي قَالَ: سَمِعت أَبَا يحيى أَحْمد بن مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي يَقُول: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن عُثْمَان بن سلم السَّمرقَنْدِي يَقُول: سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي يَقُول: ولدت سنة اثْنَتَيْنِ ومئتين، وَتُوفِّي الشَّافِعِي رَحمَه الله سنة أَربع ومئتين، وَأَنا ابْن سنتَيْن، وَكَانَ أبي مروزيا، وَولدت أَنا بِبَغْدَاد، ونشأت بنيسابور، وَأَنا الْيَوْم بسمرقند، وَلَا أَدْرِي مَا يقْضِي الله فِي. قَالَ أَبُو سعد: وَسمعت الْفَقِيه أَبَا بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل الْقفال الشَّاشِي بسمرقند يَقُول: سَمِعت أَبَا بكر الصَّيْرَفِي - يَعْنِي: الْفَقِيه الأصولي - بِبَغْدَاد يَقُول: لَو لم يصنف الْمروزِي كتابا إِلَّا كتاب " الْقسَامَة " لَكَانَ من أفقه النَّاس، فَكيف وَقد صنف كتبا أخر سواهُ؟ ! وَعَن الْخَطِيب، أخبرنَا الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 حيويه الخزاز، حَدثنَا أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن جَعْفَر اللبان، حَدثنِي مُحَمَّد بن نصر قَالَ: خرجت من مصر وَمَعِي جَارِيَة لي، فركبت الْبَحْر أُرِيد مَكَّة، قَالَ: فغرقت، فَذهب مني ألقا جُزْء. قَالَ: وصرت إِلَى جَزِيرَة أَنا وجاريتي، قَالَ: فَمَا رَأينَا فِيهَا أحدا، قَالَ: وأخذني الْعَطش، فَلم أقدر على المَاء، قَالَ: وأجهدت، فَوضعت رَأْسِي على فَخذ جاريتي مستسلما للْمَوْت، قَالَ: وَرجل قد جَاءَنِي وَمَعَهُ كوز، فَقَالَ لي: هاه، قَالَ: فَأخذت، فَشَرِبت وسقيت الْجَارِيَة، قَالَ: ثمَّ مضى، فَمَا أَدْرِي من أَيْن جَاءَ، وَلَا من أَيْن ذهب. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ: كَانَ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد وَالِي خُرَاسَان يصل مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كل سنة بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم، ويصله أَخُوهُ إِسْحَاق بن أَحْمد بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم، ويصله أهل سَمَرْقَنْد بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم، فَكَانَ ينفقها من السّنة إِلَى السّنة من غير أَن يكون لَهُ عِيَال ثقيل، فَقلت لَهُ: لَعَلَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين يصلونك يَبْدُو لَهُم؟ فَلَو جمعت من هَذَا أَشْيَاء لنائبة، فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ الله {أَنا بقيت بِمصْر كَذَا وَكَذَا سنة، فَكَانَ قوتي وثيابي وكاغدي وحبري وَجَمِيع مَا أنفقهُ على نَفسِي فِي السّنة عشْرين درهما، فترى إِن ذهب هَذَا لَا يبْقى ذَاك} ! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ: سَأَلت أَبَا عبد الله ابْن الأخرم: أَكَانَ أَبُو عبد الله الْمروزِي يحفظ الحَدِيث على رسم أهل النَّقْل؟ فَقَالَ: كَانَ يحفظ، قلت: إِن الْفُقَهَاء الْوَاحِد مِنْهُم يحفظ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من زِيَادَة لفظ أَو حَدِيث يحْتَج بِهِ فِي مَسْأَلَة، وَإِنَّمَا أَعنِي التراجم والشيوخ، فَقَالَ: كَانَ مُحَمَّد بن نصر يُعْطي كل نوع من الْعلم حَظه. سمع بخراسان: يحيى بن يحيى، وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَصدقَة بن الْفضل، وأضرابهم. وبالري: مُحَمَّد بن مقَاتل، وأقرانه. وببغداد: عبيد الله القواريري، وأشباهه. وبالبصرة: عبيد الله بن معَاذ، ونظراءه. وبالكوفة: أَبَا كريب، وَابْن نمير، وَغَيرهمَا. وبالحجاز: إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي، وَأَبا مُصعب الزُّهْرِيّ، وأمثلهما. وبمصر: يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، وَالربيع، وَابْن عبد الحكم، وأقرانهم. وبالشام: هِشَام بن عمار، وَآخَرين. روى عَنهُ الْحفاظ وَالْأَئِمَّة: أَبُو عبد الله ابْن الأخرم، وَأَبُو بكر الجارودي، وَأَبُو الْعَبَّاس السراج، وَأَبُو الْعَبَّاس الدغولي، وَمُحَمّد بن الْمُنْذر الْهَرَوِيّ، وَأَبُو حَامِد الشَّرْقِي، وَأَبُو النَّضر الْفَقِيه، وَأَبُو عَليّ الثَّقَفِيّ، وَابْنه: إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن نصر فِي آخَرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 مَاتَ - فِيمَا حَكَاهُ غير وَاحِد - سنة أَربع وَتِسْعين ومئتين بسمرقند. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: سمعته - يَعْنِي: ابْن الأخرم - يَقُول: رَأَيْت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن نصر، وَهُوَ من أعلم النَّاس، وآدب النَّاس، وَأَحْسَنهمْ صَلَاة، وَلَقَد بَلغنِي أَن ذبابا جلس على أُذُنه، وَهُوَ فِي الصَّلَاة فأدماه، فَلم يذب عَن نَفسه، وَكَانَ من أحسن النَّاس خلقا، كَأَنَّمَا فقئ فِي وَجهه حب الرُّمَّان، ولحيته بَيْضَاء. وبإسناد إِلَى أبي المظفر بن أبي سعد السَّمْعَانِيّ إِلَى أبي الْفضل عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن نصرويه الْفَقِيه قَالَ: سَمِعت أَبَا الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْفَقِيه يحدث عَن مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي أَنه رُبمَا دخل فِي الصَّلَاة، فَيَقَع الذُّبَاب والزنابير على رَأسه، مَا يعبأ بهَا، وَلَا يطردها، فتدمي رَأسه، وَتغَير لَونه وَلَا يَدْفَعهَا عَن نَفسه لما كَانَ فِيهِ من الْأَدَب والخشوع فِي الصَّلَاة. أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ، أخبرنَا أَبُو الْفَتْح المصِّيصِي، أخبرنَا أَبُو الْفَتْح الْمَقْدِسِي، أخبرنَا أَبُو الْفضل أَحْمد الفراتي قَالَ: سَمِعت جدي الإِمَام أَبَا عَمْرو الفراتي يَقُول: سَمِعت أَبَا مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الله بن حمشاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 يَقُول: سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد حسان الْقرشِي يَقُول: سَمِعت أَبَا الْفضل البلعمي يَقُول: دخل مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي على إِسْمَاعِيل بن أَحْمد وَالِي خُرَاسَان، فَقَامَ لَهُ وبجله، وأبلغ فِي تَعْظِيمه وإجلاله، فَلَمَّا خرج عاتبه إِسْحَاق بن أَحْمد أَخُوهُ على ذَلِك، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: إِنَّمَا قُمْت لَهُ إجلالا لأخبار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ إِن إِسْمَاعِيل رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم، فَقَالَ لَهُ: قُمْت لمُحَمد بن نصر إجلالا لأخباري، لَا جرم ثَبت ملكك وَملك بنيك لإجلالك لَهُ، وَذهب ملك أَخِيك إِسْحَاق وَملك بنيه لاستخفافه بِمُحَمد بن نصر، فَبَقيَ ملك إِسْمَاعِيل وبنيه أَكثر من مئة وَعشْرين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 (79 - مُحَمَّد بن هبة الله [409 - 472] ) ابْن الْحسن بن مَنْصُور اللالكائي، أَبُو بكر ابْن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم الطَّبَرِيّ اللالكائي. بغدادي، كثير السماع، وَاسع الرِّوَايَة، صَدُوق، مَأْمُون. سمع: هلالا الحفار، وَأَبا الْحُسَيْن ابْن بَشرَان، وَأَبا الْحُسَيْن ابْن الْفضل الْقطَّان، وَغَيرهم. سمع مِنْهُ أَبُو الْقَاسِم الرميلي الْحَافِظ وَغَيره من الْحفاظ، وَسُئِلَ عَن مولده فَقَالَ: ولدت فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَأَرْبع مئة بِبَغْدَاد بدرب الْمروزِي، وَمَات بهَا يَوْم الْجُمُعَة فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبع مئة. قَالَ أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن ابْن أبي غَالب الْقَزاز: أنشدنا مُحَمَّد بن هبة الله الطَّبَرِيّ قَالَ: انشدنا عَليّ بن مُحَمَّد السكرِي: أنشدنا الْحُسَيْن بن صَفْوَان البرذعي قَالَ: أنشدنا أَبُو بكر ابْن أبي الدُّنْيَا الْقرشِي قَالَ: أنشدنا مَحْمُود الْوراق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 (يَا نَاظرا يرنو بعيني رَاقِد ... ومشاهدا لِلْأَمْرِ غير مشَاهد) (منيت نَفسك صلَة وأبحتها ... طرق الردي وَهن غير قواصد) (تصل الذُّنُوب إِلَى الذُّنُوب وترتجي ... دَرك الْجنان لَهَا وَفَوْز العابد) (وَعلمت أَن الله أخرج آدما ... مِنْهَا إِلَى الدُّنْيَا بذنب وَاحِد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 (80 - مُحَمَّد بن يحيى [000 - نَحْو 410] ) ابْن سراقَة بن الغطريف العامري الْبَصْرِيّ، أَبُو الْحسن الْمَشْهُور ب: ابْن سراقَة، الْفَقِيه الفرضي. مَشْهُور، صَاحب تصانيف فِي الْفِقْه والفرائض وَغَيرهمَا. أَقَامَ بآمد، وَكَانَ حَيا سنة أَربع مئة، وَكَانَت لَهُ رحْلَة فِي الحَدِيث وعناية بِهِ، وَله: " تَهْذِيب كتاب الضُّعَفَاء " لأبي الْفَتْح مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْأَزْدِيّ الْموصِلِي، أَخذه عَنهُ، ثمَّ عرضه على الدَّارَقُطْنِيّ، وَذكر فِي أَوله أَنه خرج من الْبَصْرَة قَاصِدا لطلب الحَدِيث لَا يُرِيد غَيره بعد أَن كتب بهَا عَن: ابْن داسه، وَابْن عباد، والهجيمي، وَغَيرهم من شُيُوخ الحَدِيث الَّذين انْتهى إِلَيْهِم الْإِسْنَاد فِي عصرهم، فَدخل الأهواز وكورها، وَبَعض فَارس، والجبل، وأصبهان ونواحيها، ورزقه الله من ذَلِك خيرا، فَأحب معرفَة الصَّحِيح مِنْهُ وَالْبَاطِل لتَعلق أَحْكَام الشَّرْع بذلك، وَإِنَّمَا يدْرك علم ذَلِك بِمَعْرِِفَة النقلَة، ورحل إِلَى الدينور فِي طلب معرفَة الضُّعَفَاء من الروَاة وَعلم أَسمَاء الرِّجَال، ثمَّ رَحل إِلَى بَغْدَاد فَكتب بهَا، ثمَّ ذكر لَهُ أَبُو الْفَتْح الْموصِلِي بالموصل، فَرَحل إِلَيْهِ، فَسمع تصانيفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 فِي علم الحَدِيث، وَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابه فِي " الضُّعَفَاء "، ثمَّ انحدر إِلَى بَغْدَاد فلقي شيخ الْمُحدثين بهَا فِي عصره الإِمَام أَبَا الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ - رَحمَه الله - فَأخذ عَنهُ " معرفَة الرِّجَال "، وأملاه عَلَيْهِ فِي مُدَّة طَوِيلَة وسنين كَثِيرَة. قلت: وَرَأَيْت لَهُ كتابا حسنا فِي " الشَّهَادَات ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 (81 - مُحَمَّد بن يَعْقُوب [250 - 344] ) ابْن يُوسُف، أَبُو عبد الله الشَّيْبَانِيّ الْعدْل الْحَافِظ ابْن الأخرم النَّيْسَابُورِي. كَانَ - على مَا حَكَاهُ صَاحبه أَبُو عبد الله الْحَاكِم - صدر أهل الحَدِيث بنيسابور بعد أبي حَامِد ابْن الشَّرْقِي. قَالَ: وَكَانَ لَا يرضى بِهَذَا إِذا قُلْنَاهُ، وَكَانَ يحفظ وَيفهم، صنف على الصَّحِيحَيْنِ للْبُخَارِيّ وَمُسلم، وصنف " مُسْندًا " كَبِيرا، وَجُمْلَة من الشُّيُوخ، وَغير ذَلِك، وَلم يرحل، وَلَكِن أدْرك بنيسابور الْأَسَانِيد الْعَالِيَة، وَكَانَ الإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة يرجع إِلَى فهمه. وَسَأَلَهُ أَبُو الْعَبَّاس السراج أَن يخرج لَهُ على " صَحِيح " مُسلم، فَفعل. وَكَانَ مِمَّن عدله إِبْرَاهِيم بن أبي طَالب قَدِيما. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا عبد الله مرّة أُخْرَى يَقُول لمُحَمد بن عبيد: هَل ردَّتْ الْإِقَامَة فِي الْجَامِع إِلَى الْإِفْرَاد؟ فتعجبنا من ذَلِك. وَسمعت أَبَا عبد الله، وَقد قَامَ من مجْلِس أبي مُحَمَّد الْمُزَكي وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة وَنحن حواليه فَقَالَ: هَذَا الشَّيْخ لَو أسدى إِلَيْنَا رَكْعَة، وَكَاتب السُّلْطَان، وَالْتمس مِنْهُ رد الْإِقَامَة فِي الْجَامِع إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من الْإِفْرَاد ليحضر الْجَامِع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَإِنَّمَا ذكرت ابْن الأخرم لكَونه من الحديثية المتحكمين النيسابوريين، وَإِنَّمَا هَذَا الْفَرِيق بِتِلْكَ الديار شافعية لَا غير، ولغير هَذِه الْقَرِينَة مِمَّا يدل على ذَلِك من حَال أبي عبد الله. ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك مَا أوجب توقفا فِي دُخُوله فِي هَذَا الْكتاب، وَهُوَ أَن الْحَاكِم - وَإِن كَانَ كَلَامه بدل وَقفه بَينه وَبَين ابْن الأخرم - ذكر فِي أول " المناقب " غميزة بَعضهم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي رِوَايَة الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وَقد كَانَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب ابْن الأخرم - رحمنا الله وإياه - يهذي بِهَذَا أَحْيَانًا، فَيَقُول: إِن مُسلم بن الْحجَّاج قد روى فِي " الْمسند الصَّحِيح " عَن جمَاعَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي: حَرْمَلَة بن يحيى، وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى، وَأحمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب، ثمَّ لم يودع " الْمسند الصَّحِيح " عَنْهُم شَيْئا من رواياتهم عَن الشَّافِعِي. سمع إِبْرَاهِيم بن عبد الله السَّعْدِيّ، وَذكر أَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي توفّي وَهُوَ ابْن ثَمَانِي سِنِين، وَكَانَ وَالِده يجْتَهد على أَن يحضرهُ مَجْلِسه، فَلم يفعل حَتَّى مَاتَ، وَحمل إِلَى جنَازَته، فصلى عَلَيْهِ، فَقيل لِأَبِيهِ: فَوت ابْنك مُحَمَّد بن يحيى فَلَا تفوته سَائِر الشُّيُوخ، فَحمل إِلَى إِبْرَاهِيم بن عبد الله، وَسمع: عَليّ بن الْحسن الْهِلَالِي، وحامد بن أبي حَامِد الْمُقْرِئ، وَمُحَمّد بن عبد الْوَهَّاب الْعَبْدي، وَيحيى بن مُحَمَّد بن يحيى الشَّهِيد، وأقرانهم، ثمَّ طبقتين بعدهمْ، وَأكْثر. وَكَانَ يَحْكِي بِخَطِّهِ خطّ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 روى عَنهُ: أَبُو بكر ابْن إِسْحَاق، وَأَبُو الْوَلِيد؛ الفقيهان، وَغَيرهمَا من الشُّيُوخ، وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة، سنة أَربع وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة، وَصلى عَلَيْهِ يحيى بن مَنْصُور القَاضِي، وَدفن فِي دَاره وَهُوَ ابْن أَربع وَتِسْعين سنة، رَحمَه الله. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن صَالح بن هَانِئ يَقُول: كَانَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن خُزَيْمَة يقدم أَبَا عبد الله ابْن يَعْقُوب على كَافَّة أقرانه، وَكَانَ يرجع إِلَيْهِ، ويعتمد قَوْله فِيمَا يرد عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذا شكّ فِي شَيْء عرضه عَلَيْهِ. وَسمعت أَبَا عبد الله ابْن الأخرم غير مرّة يَقُول: ذهب عمري فِي جمع هَذَا الْكتاب، يَعْنِي: كتاب مُسلم. سَمِعت أَبَا عبد الله ينْدَم على تصنيفه " الْمُخْتَصر فِيمَا اتّفق عَلَيْهِ البُخَارِيّ وَمُسلم " وَيَقُول: من حَقنا أَن نجتهد فِي زِيَادَة الصَّحِيح، وَقد رَددته أَنا إِلَى أَحَادِيث يسيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 سَمِعت أَبَا عبد الله، وَتقدم إِلَيْهِ رجل، فَقَالَ: إِنِّي لَأحبك أَيهَا الشَّيْخ، قَالَ: فَلم تَقول بالإرجاء؟ أنشدنا أَبُو عبد الله ابْن الأخرم: (كل الْعَدَاوَة قد ترجى إماتتها ... إِلَّا عَدَاوَة من عاداك من حسد) " سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول: سَمِعت الْحسن بن سُفْيَان يَقُول: أنشدنا أَبُو الْعَتَاهِيَة: (لَا يغرنك عشَاء سَاكن ... قد يوافي بالمنيات سحر) سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول: مَا رَأَيْت أحسن عبَادَة من أبي عبد الله ابْن نصر، ثمَّ بعده أَبُو عبد الله البوشنجي، وَكَانَ مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي يضع ذقنه على صَدره وَيقف كَأَنَّهُ رمح، وَقَالَ: مَا رَأَيْت مثل حيكان، لَا رحم الله قَاتله سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول: كَانَ يحيى بن مُحَمَّد من أنحى النَّاس وآدبهم، وَكَانَ لَا يلحن الْبَتَّةَ. قَالَ الْحَاكِم: وَكَانَ أَبُو عبد الله ابْن الأخرم - رَحمَه الله - من أنحى النَّاس وآدبهم، وَكَانَ لَا يلحن، مَا أَخذ عَلَيْهِ لحن قطّ. وَسمعت أَبَا عبد الله يَقُول: كَانَ الْحُسَيْن بن الْفضل من أفْصح النَّاس، إِلَّا أَنه كَانَ يلحن على رسم أهل الْعرَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 (82 - مُحَمَّد بن يَعْقُوب [247 - 346] ) ابْن يُوسُف، أَبُو الْعَبَّاس السناني النَّيْسَابُورِي، الْمَعْرُوف ب: الْأَصَم. رِوَايَة كتب الشَّافِعِي - رَحمَه الله عَلَيْهِ - و " مُسْند " الشَّافِعِي الْمَعْرُوف؛ لَيْسَ من جمع الشَّافِعِي وتأليفه، وَإِنَّمَا جمعه من سماعات الْأَصَم بعض أَصْحَابه، وَكَذَلِكَ لَا يستوعب جَمِيع حَدِيث الشَّافِعِي، فَإِنَّهُ مَقْصُور على مَا كَانَ عِنْد الْأَصَم من حَدِيثه. قَالَ الْحَاكِم: ألحق الأباء وَالْأَبْنَاء والأحفاد بالأجداد، وَمثله الْحَاكِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 بالْحسنِ بن الْحُسَيْن بن مَنْصُور، فَإِنَّهُ سمع من أبي الْعَبَّاس " الرسَالَة "، ثمَّ سَمعهَا مِنْهُ فِي نُسْخَة ابْنه أَبُو الْحسن، ثمَّ حافده. قَالَ: وَمثل هَذَا كثير، وَكَفاهُ شرفا أَن يحدث طول تِلْكَ السنين فَلَا يجد أحد من النَّاس فِيهِ مغمزا بِحجَّة. وَذكر أَنه لم ير الرحالة إِلَى أحد وَفِي شَيْء من بِلَاد الْإِسْلَام أَكثر مِنْهَا إِلَيْهِ، وَأَنه رأى على بَابه من أهل الأندلس وبلاد الْمغرب، وَمن أهل طراز وأسفيجاب، وَمن أهل فَارس وخوزستان، وَمن أهل المنصورة ومولتان، وبلاد بست وسجستان، فناهيك بذلك شرفا واشتهارا وعلوا فِي الدّين وَالدُّنْيَا. ولد أَبُو الْعَبَّاس سنة سبع وَأَرْبَعين ومئتين. سَمعه الْحَاكِم غير مرّة يذكر ذَلِك. وَرَأى مُحَمَّد بن يحيى الذهلي وَلم يسمع مِنْهُ، ثمَّ سمع سَماع الْأُمَّهَات: كتاب " الْمَبْسُوط " للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ، إِلَى أَن استوفى سماعهَا، وبعسقلان، وبيروت، ودمشق، ودمياط، وطرسوس، وحمص، والجزيرة، والكوفة، وبغداد، ثمَّ انْصَرف إِلَى خُرَاسَان ابْن ثَلَاثِينَ سنة، وَهُوَ مُحدث كَبِير. قَالَ الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ: أخبرنَا الْحَاكِم قَالَ: خرج علينا أَبُو الْعَبَّاس الْحِكَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وَفِيمَا لَا أرويه أَنه غسله أَبُو عَمْرو ابْن مطر وَصلى عَلَيْهِ، وقبره بمقبرة شاهنبر. وَبِالْإِسْنَادِ قَالَ: سَمِعت الرجل الصَّالح ... الْحِكَايَة. حكى الْحَاكِم مَا مُخْتَصره؛ أَن أَبَا الْعَبَّاس حدث ب " مَعَاني " الْفراء سنة نَيف وَسبعين ومئتين، وَحدث بِكِتَاب " الرسَالَة " قبل ذَلِك، فَإِن الإِمَام أَبَا بكر ابْن خُزَيْمَة قَالَ لأَصْحَابه: اذْهَبُوا فاسمعوها مِنْهُ، فَإِنِّي لَا أتفرغ لقراءتها. وروى أَن مُحَمَّد بن زِيَاد القباني سمع كتاب " الْمعَانِي " للفراء مِنْهُ سنة سبع وَسبعين ومئتين، وَذكر أَن أَبَا عَمْرو الْمُسْتَمْلِي سمع مِنْهُ مَعَ أَبِيه عَن الرّبيع سنة ثَلَاث وَسبعين. وروى عَن أبي حَامِد الأعمشي أَنه كتب عَن أبي الْعَبَّاس فِي مجْلِس مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب سنة خمس وَسبعين. روى عَنهُ: أَبُو عَمْرو الْحِيرِي، وَأَبُو عبد الله، وَأَبُو الْوَلِيد الْفَقِيه، وَأَبُو جَعْفَر ابْن حمدَان، وَأَبُو بكر ابْن أبي عُثْمَان، وَأَبُو أَحْمد ابْن عدي الْحَافِظ، وَأَبُو بكر ابْن عَليّ الْحَافِظ، وَأَبُو عَليّ الثَّقَفِيّ، وَأَبُو الْقَاسِم الْمُذكر، فِي عدد كثير غَيرهم. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا أَحْمد الْحَافِظ يَقُول: سَمِعت عبد الرَّحْمَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 ابْن أبي حَاتِم الرَّازِيّ يَقُول: مَا بَقِي لكتاب " الْمَبْسُوط " راو غير أبي الْعَبَّاس الْوراق، ويبلغنا أَنه ثِقَة صَدُوق. قَالَ الْحَاكِم: أنشدنا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد البسطامي الْفَقِيه لنَفسِهِ يمدح الشَّيْخ أَبَا الْعَبَّاس بِحَضْرَتِهِ فِي مَسْجده، وَذكر قصيدة، اختصرت على مَا ترى فِيهَا لَا على ولائها: (أَلا لَا تكن مغرى بِوَصْف النَّوَاضِح ... وَنوى كخط فِي الصَّحِيفَة لائح) (وَخذ فِي امتداح المعقلي مُحَمَّد ... تكن عِنْد كل النَّاس أصدق مادح) (أعز كريم ذُو فَضَائِل جمة ... تلِيق بِهِ مستحسنات المدائح) (أَتَيْتُك من بسطَام يَا غَايَة المنى ... لطيب ذكر مِنْك فِي النَّاس لائح) (سأسمع مِمَّن لَيْسَ يعرف مثله ... بِأَرْض سجستان وَلَا بالأباطح) (عُلُوم الإِمَام الشَّافِعِي فَإِنَّهَا ... نتائج آثَار النَّبِي المناصح) (أفد وامنح الطلاب علما حويته ... وَلَا تَكُ للطلاب غير مسامح) (وأنعم وَقد أُوتيت سؤلك يَا فَتى ... ونلت الْأَمَانِي من رِوَايَة نَاصح) (تجدني مجيدا فِي امتداحك قَائِلا ... بِفَضْلِك مَا دَامَت حَيَاة جوارحي) (فَإِن من الْآدَاب حظي وافر ... تجيش بحار الشّعْر تَحت جوانحي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 (الصفحة فارغة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 (بَاب الْألف) (83 - إِبْرَاهِيم بن الْحسن [485 - 561] ) ابْن طَاهِر، أَبُو طَاهِر الْحَمَوِيّ، الْمَعْرُوف بالحصني. ذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ بِمَا محكيه أَنه كَانَ فَقِيها، فَاضلا، دينا، خيرا، حسن السِّيرَة، سكن دمشق، وتفقه بِبَغْدَاد، وَكَانَ يتَكَلَّم كلَاما حسنا، وَكَانَ جميل الطَّرِيقَة، حَافِظًا لكتاب الله، شَافِعِيّ الْمَذْهَب، وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي يحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ. سمع بِبَغْدَاد: أَبَا عَليّ ابْن نَبهَان الْكَاتِب، وَأَبا طَالب الزَّيْنَبِي، وَأَبا عَليّ ابْن الْمهْدي الشَّاهِد. كتب عَنهُ أَبُو سعد، وَسمع مِنْهُ بِدِمَشْق. ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة بحماة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: قَرَأت بِخَط أبي الْفضل ابْن عَسْكَر الْمَعْرُوف ب: ابْن اللِّحْيَة الْفَقِيه الشَّافِعِي، حَدثنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن نصر بن عبد الله الْعمريّ السَّهْمِي الشيزري قَاضِي طبرية وخطيبها بطبرية من لَفظه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وَكتبه لي بِخَطِّهِ، حَدثنِي الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو طَاهِر إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن طَاهِر الْمَعْرُوف ب: ابْن الحصني الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي قَالَ: كنت عِنْد الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي - رَحمَه الله - فِي دَار الْعدْل بقلعة دمشق، وَعِنْده جمَاعَة من الْفُقَهَاء والعدول والكتبة، فَالْتَفت إِلَى كَاتبه وَقَالَ: اكْتُبْ إِلَى نائبنا بمعرة النُّعْمَان ليقْبض على جَمِيع أَمْلَاك أَهلهَا، فقد صَحَّ عِنْدِي أَن أهل المعرة يتقاوضون الشَّهَادَة، فَيشْهد أحدهم لصَاحبه فِي ملك ليشهد لَهُ ذَلِك الْمَشْهُود لَهُ بِملك آخر فِي مَوضِع آخر، فَجَمِيع مَا فِي أَيْديهم من الْملك إِنَّمَا حصلوه بِهَذَا الطَّرِيق، قَالَ: فَقلت لَهُ: اتَّقِ الله فِي ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر أَن يتمالأ أهل بلد على شَهَادَة الزُّور، فَقَالَ: إِنَّه قد صَحَّ عِنْدِي ذَلِك، فَسكت، فَكتب الْكَاتِب الْكتاب وَدفعه إِلَيْهِ ليعلم عَلَيْهِ، وَإِذا صبي رَاكب بَهِيمَة سَائِر على نهر بردى وَهُوَ ينشد: (اعدلوا مَا دَامَ أَمركُم ... نَافِذا فِي النَّفْع وَالضَّرَر) (واحفظوا أَيَّام دولتكم ... إِنَّكُم مِنْهَا على خطر) (إِنَّمَا الدُّنْيَا وَزينتهَا ... حسن مَا يبْقى من الْخَبَر) قَالَ: فَاسْتَدَارَ إِلَى الْقبْلَة وَسجد، ثمَّ رفع رَأسه واستغفر الله عز وَجل مِمَّا عزم عَلَيْهِ، ثمَّ مزق الْكتاب، وتلا قَوْله تَعَالَى: {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف} [الْبَقَرَة: 275] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 (84 - إِبْرَاهِيم بن خَالِد [000 - 240] ) أَبُو ثَوْر الْفَقِيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَمن أَصْحَابه: عبيد بن مُحَمَّد بن خلف أَبُو مُحَمَّد الْبَزَّار، مَاتَ فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَتِسْعين ومئتين. قَالَ الْخَطِيب: سمع بشار بن مُوسَى. روى عَنهُ: الْخُلْدِيِّ، وَأَبُو بكر الشَّافِعِي، وَكَانَ ثِقَة. جَعْفَر بن مُحَمَّد الْخياط، روى عَن: أبي الْحسن بن الْبَراء، روى عَنهُ: أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ. حبيب بن خلف أَبُو مُحَمَّد الْمَعْرُوف ب:: صَاحب البُخَارِيّ، أحد الصَّالِحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 سمع من شَيبَان بن فروخ، روى عَنهُ مُحَمَّد بن مخلد الدوري، مَاتَ فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ. أَبُو الْعَبَّاس النَّسَائِيّ - فِيمَا أَحْسبهُ - الْحسن بن سُفْيَان، وَالله أعلم. أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْجُنَيْد، أَبُو بكر، أحد الْفُقَهَاء، توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ ومئتين، روى عَنهُ أَبُو حَامِد الماهاني، وَقَالَ مرّة: سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي ثَوْر الْبَلْخِي، وَقَالَ مرّة: أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن، وَالله أعلم. مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن الْوَلِيد، أَبُو الْعَبَّاس الْفَقِيه النَّسَائِيّ، روى عَن أَحْمد ابْن حَنْبَل، روى عَنهُ أَبُو الْحسن الْمصْرِيّ، وَكَانَ من الثِّقَات، ذكره الْخَطِيب. مُحَمَّد بن هَارُون الْفَقِيه، حدث عَن عَليّ بن دَاوُد الْقَنْطَرِي، روى عَنهُ يُوسُف بن عمر القواس، ذكره الْخَطِيب أَيْضا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 (85 - إِبْرَاهِيم بن عَليّ [393 - 476] ) ابْن يُوسُف بن عبد الله، أَبُو إِسْحَاق الفيروزابادي. من أهل فيروزاباد: بِكَسْر الْفَاء من غير تصفية الْيَاء بعْدهَا كنحو الإمالة، وَضم الرَّاء من غير تصفية الْوَاو أَيْضا، وزاي، ثمَّ ألف، يُقَال كَذَا نظرا إِلَى فارسيتها، وَفتح الْفَاء من غير تحتيت فِي شَيْء من الْحُرُوف، وَهُوَ مُقْتَضى التعريب، كَمَا فِي فَيْرُوز اسْم رجل. هُوَ الإِمَام السائر الثَّابِت ذكره، العالي فِي الدّين وَالدُّنْيَا قدره، قَالَ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 الإِمَام أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: هُوَ إِمَام الشَّافِعِيَّة، الْمدرس بِبَغْدَاد فِي النظامية، شيخ الدَّهْر، وَإِمَام الْعَصْر، رَحل إِلَيْهِ النَّاس من الْأَمْصَار، وقصدوه من كل الجوانب والأقطار، وَكَانَ يجْرِي مجْرى أبي الْعَبَّاس ابْن سُرَيج، رحمهمَا الله قَالَ الشَّيْخ: لَعَلَّه يَعْنِي فِي نشر الْعلم والرحلة إِلَيْهِ فِيهِ، وَشبهه. قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَكَانَ زاهدا، ورعا، متواضعا، متخلقا، ظريفا، كَرِيمًا، سخيا، جوادا، طلق الْوَجْه، دَائِم الْبشر، حسن المجالسة، مليح المحاورة، وَكَانَ يَحْكِي الحكايات الْحَسَنَة، والأشعار المستبدعة المليحة، ويحفظ مِنْهَا شَيْئا كثيرا، قَالَ: وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي الفصاحة والجري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَقَالَ أَبُو سعد أَيْضا: تفرد الإِمَام أَبُو إِسْحَاق بِالْعلمِ الوافر، كالبحر الزاخر، مَعَ السِّيرَة الجميلة، والطريقة المرضية، جَاءَتْهُ الدُّنْيَا صاغرة فأباها، واطرحها وقلاها. قَالَ: وَكَانَت عَامَّة المدرسين بالعراق وَالْجِبَال تلاميذه وأشياعه، صنف فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَالْخلاف وَالْمذهب كتبا، أضحت للدّين وَالْإِسْلَام أنجما وشهبا. تفقه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق - رَحمَه الله - بِفَارِس على أبي الْفرج ابْن الْبَيْضَاوِيّ، وبالبصرة على الخرزي، وَدخل بَغْدَاد سنة خمس عشرَة وَأَرْبع مئة، وتفقه على الإِمَام أبي الطّيب الطَّبَرِيّ ولازمه واشتهر بِهِ حَتَّى صَار أنظر أهل زَمَانه، وَسمع الحَدِيث من أبي بكر البرقاني الْحَافِظ، وَأبي عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 ابْن شَاذان، وَأبي عبد الله الصُّورِي الْحَافِظ، وَأبي الْفرج الخرجوشي الشِّيرَازِيّ وَغَيرهم. روى عَنهُ خلق. قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعت بعض أهل الْعلم يَقُول: كَانَ أَبُو نصر الْقشيرِي جَالِسا بِجنب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق فِي الدِّيوَان بدار الْخلَافَة، وَكَانَا يتكلمان فِي مَسْأَلَة، فأحس أَبُو نصر الْقشيرِي بثقل فِي كم الشَّيْخ أبي إِسْحَاق، فَقَالَ لَهُ الْقشيرِي: مَا هَذَا يَا سيدنَا؟ فَقَالَ: قرصتا الملاح، وَكَانَ يحملهَا فِي كمه طرحا للتكلف، رَحمَه الله. سَمِعت الرئيس أَبَا الْحسن عَليّ بن هبة الله بن عبد السَّلَام الْكَاتِب مذاكرة يَقُول: كَانَ عميد الدولة ابْن جهير الْوَزير كثيرا مَا يَقُول: الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق، وحيد عصره وفريد دهره، مستجاب الدعْوَة. سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عَليّ الْخَطِيب يَقُول: سَمِعت مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الفاشاني يَقُول: سَمِعت القَاضِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد الماهاني يَقُول: إمامان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 مَا اتّفق لَهما الْحَج: الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وقاضي الْقُضَاة أَبُو عبد الله الدَّامغَانِي؛ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ مَا كَانَت لَهُ استطاعة الزَّاد وَالرَّاحِلَة، وَلَكِن لَو أَرَادَ الْحَج لحملوه على الأحداق إِلَى مَكَّة، والدامغاني لَو اراد أَن يحجّ على السندس والإستبرق أمكنه؛ وَمَعَ ذَلِك مَا حجا. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: الماهاني الحاكي، والدامغاني؛ حنفيان. وَذكر أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَنه سمع بعض أهل الْعلم يَحْكِي أَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق - رَحمَه الله - كَانَ يَشْتَرِي طَعَاما كثيرا، وَيدخل بعض الْمَسَاجِد، ويأكله مَعَ بعض أَصْحَابه، وَمَا يفضل مِنْهُم يَقُول لأَصْحَابه: لَا تمسوه، واتركوه لمن يدْخل ويرغب فِيهِ. وَعَن بعض أهل الْعلم أَن الشَّيْخ أخرج يَوْمًا قرصتين، وَقَالَ لبَعض أَصْحَابه: وَكلتك أَن تشتري كَذَا وَكَذَا بِهَذِهِ القرصة على وَجه هَذِه القرصة الْأُخْرَى، فَفعل الرجل، وَشك فِي أَنه بِأَيّ القرصتين اشْترى، فَلم يَأْكُل الشَّيْخ مِنْهُ، وَقَالَ: لَا أَدْرِي اشْتريت بِالَّتِي وَكلتك فِيهَا أَو بِالْأُخْرَى؟ ! وَعَن بَعضهم أَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق دخل بعض الْمَسَاجِد ليَأْكُل طَعَاما على عَادَته، فنسي ثمَّ دِينَارا صَحِيحا كَانَ فِي يَده، وَخرج، فَذكره فِي الطَّرِيق، فَرجع إِلَى الْمَسْجِد فَوجدَ الدِّينَار فِيهِ، ففكر وَقَالَ: رُبمَا وَقع هَذَا الدِّينَار من غَيْرِي، وَمَا أعرف أَنه لي، فَترك الدِّينَار وَخرج وَمَا مَسّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 قَالَ أَبُو سعد: قَرَأت بِخَط الْفَقِيه القَاضِي أبي الْقَاسِم يُوسُف ابْن أبي الْفضل بن جُمُعَة بن يحيى الأرموي صَاحب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق على وَجه كتاب " التَّنْبِيه " بِخَطِّهِ: أَنْشدني الرئيس أَبُو الْخطاب فِيهِ - يَعْنِي: فِي هَذَا الْكتاب، قَالَ أَبُو سعد: اسْم أبي الْخطاب عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن هَارُون بن الْجراح -: (سقيا لمن صنف " التَّنْبِيه " مُخْتَصرا ... أَلْفَاظه الغر واستقصى مَعَانِيه) (إِن الإِمَام أَبَا إِسْحَاق صنفه ... لله وَالدّين لَا للكبر والتيه ... (رأى علوما عَن الأفهام شاردة ... فحازها ابْن عَليّ كلهَا فِيهِ) (بقيت للشَّرْع إِبْرَاهِيم منتصرا ... تذود عَنهُ أعاديه وتحميه) قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعت القَاضِي أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ يَقُول: حملت يَوْمًا فَتْوَى إِلَى ذَلِك الشط لأستفتي الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق، فرأيته فِي الطَّرِيق وَهُوَ يمشي، فَمضى إِلَى دكان خباز أَو بقال، وَأخذ قلمه ودواته، وَكتب جَوَابه، وَمسح الْقَلَم فِي ثَوْبه، وَأَعْطَانِي الْفَتْوَى. قَالَ السَّمْعَانِيّ: وقرأت بِخَط شُجَاع بن فَارس الذهلي: توفّي الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق إِمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي ومقدمهم فِي وقته، والمشار إِلَيْهِ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 بَينهم فِي علم الْخلاف، فِي اللَّيْلَة الَّتِي صبيحتها يَوْم الْأَحَد الْحَادِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة، سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبع مئة، وَدفن من الْغَد فِي مقرة بَاب برز، وَصلى عَلَيْهِ فِي صحن بَاب الفردوس الْوَزير أَبُو الْفَتْح المظفر بن رَئِيس الرؤساء، وَحمل إِلَى جَامع الْقصر وَصلى عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الطَّبَرِيّ، وَكَانَ الْجمع وافرا جدا. قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَسمعت أَبَا الْحسن عَليّ بن أَحْمد اليزيدي الْفَقِيه يَقُول: سَمِعت القَاضِي أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن سَلامَة يَقُول: توفّي شَيخنَا الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الفيروزابادي فِي دَار المظفر بن رَئِيس الرؤساء فِي دَار الْخلَافَة، قَالَ: وَأول من صلى عَلَيْهِ الإِمَام الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي دَاره بِبَاب الفردوس. وَقَالَ: فِي جُمَادَى الأولى. قَالَ السَّمْعَانِيّ، وَسمعت أَبَا سعد عبد الصَّمد - أَو قَالَ: عبد الْعَزِيز - ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد الحافظي مذاكرة يَقُول: سَمِعت بعض الأكابر - ذكره الحافظي ونسيت أَنا اسْمه - قَالَ: رَأَيْت الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ - رَحمَه الله - فِي النّوم وعَلى رَأسه تَاج، وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض، فَقلت للشَّيْخ وأشرت إِلَى الثِّيَاب الْبيض: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا عز الْعلم، رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 قَالَ الشَّيْخ: وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كثيرا مَا يباسط بِمَا يسنح لَهُ من رجز الشّعْر؛ من ذَلِك مَا أنبؤونا عَن أبي سعد - يَعْنِي: السَّمْعَانِيّ - قَالَ: سَمِعت أَبَا طَاهِر الدِّمَشْقِي الْمُرَتّب يَقُول: قَالَ لي الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله: (وَشَيخنَا الشَّيْخ أَبُو طَاهِر ... جمالنا فِي السِّرّ وَالظَّاهِر) وَله من هَذَا غير شَيْء. وَأَبُو طَاهِر هَذَا هُوَ: إِبْرَاهِيم بن شَيبَان النُّفَيْلِي مُرَتّب النظامية من زمَان الشَّيْخ أبي إِسْحَاق إِلَى مَا بعد الثَّلَاثِينَ وَخمْس مئة، خدم الشَّيْخ وَخرج مَعَه إِلَى خُرَاسَان، وخدم غَيره من الْأَئِمَّة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: وَرَأَيْت فِي آخر نُسْخَة ب " الْمُهَذّب "، كتبت فِي حَيَاة الشَّيْخ بِخَط كاتبها وَأرَاهُ من أَصْحَابه: قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق: بدأت بتصنيف " الْمُهَذّب " سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مئة، وفرغت مِنْهُ آخر رَجَب يَوْم الْأَحَد من سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 ولد الشَّيْخ رَحمَه الله سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَلَاث مئة. قَالَ رَحمَه الله: كنت أُعِيد كل درس مئة مرّة، وَإِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة بَيت شعر يستشهد بِهِ حفظت القصيدة من أَجله. رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقَالَ لَهُ: يَا شيخ. قَالَ يحيى: وَمِنْهُم شَيخنَا ضِيَاء الدّين أَبُو إِسْحَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 (860 إِبْرَاهِيم بن عِيسَى [000 - 668] ) الْمرَادِي الأندلسي، ثمَّ الْمصْرِيّ، ثمَّ الدِّمَشْقِي. الْفَقِيه الشَّافِعِي، الإِمَام، الْحَافِظ، المتقن، الْمُحَقق، الضَّابِط، الزَّاهِد، الْوَرع، الَّذِي لم تَرَ عَيْني فِي وقته مثله، كَانَ رَضِي الله عَنهُ بارعا فِي معرفَة الحَدِيث وعلومه، وَتَحْقِيق أَلْفَاظه، لَا سِيمَا الصحيحان، ذَا عناية باللغة والنحو وَالْفِقْه ومعارف الصُّوفِيَّة، حسن المذاكرة فِيهَا، وَكَانَ عِنْدِي من كبار المسلكين فِي طرائق الْحَقَائِق، حسن التَّعْلِيم، صحبته نَحْو عشر سِنِين لم أر مِنْهُ شَيْئا يكره، وَكَانَ من السماحة بِمحل عَال على قدر وجده، وَأما الشَّفَقَة على الْمُسلمين ونصيحتهم فَقل نَظِيره فيهمَا. توفّي رَضِي الله عَنهُ بِمصْر فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وست مئة، جزاه الله عني خيرا، وجمعني وإياه مَعَ سَائِر أحبابنا فِي دَار كرامته بفضله وَرَحمته. ألحقهُ النواوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 (87 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد [000 - 418] ) ابْن إِبْرَهِيمُ، الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ. ذكره الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي " تَارِيخه " فَقَالَ: الْفَقِيه، الأصولي، الْمُتَكَلّم، الْمُقدم فِي هَذِه الْعُلُوم، أَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ الزَّاهِد، انْصَرف من الْعرَاق بعد الْمقَام بهَا، وَقد أقرّ لَهُ أهل الْعلم بالعراق وخراسان بالتقدم وَالْفضل، واجتاز الوطن إِلَى أَن جر بعد الْجهد إِلَى نيسابور، وَبني لَهُ الْمدرسَة الَّتِي لم يبن بنيسابور قبلهَا مثلهَا، ودرس فِيهَا، وَحدث. سمع بنيسابور الشَّيْخ أَبَا بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وأقرانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وبالعراق: أَبَا بكر الشَّافِعِي، ودعلج بن أَحْمد السجْزِي، وأقرانهما. وَقَالَ أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ: حدث عَنهُ المتقدمون من الْعلمَاء. وَذكره الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن مَنْصُور الْمروزِي فَقَالَ: الْأُسْتَاذ، الإِمَام، الْفَقِيه على مَذْهَب الشَّافِعِي، الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ، أَقَامَ بنيسابور مُدَّة يدرس وَيعلم، ثمَّ رَجَعَ إِلَى إسفرايين، وَتُوفِّي بهَا سنة ثَمَانِي عشرَة وَأَرْبع مئة. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بل توفّي بنيسابور، وَحمل إِلَى إسفرايين، كَذَلِك ذكره الْحَافِظ أَبُو صَالح الْمُؤَذّن. وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله نصارا لطريقة الْفُقَهَاء فِي أصُول الْفِقْه، ومضطلعا بتأييد مَذْهَب الشَّافِعِي فِيهَا فِي مسَائِل مِنْهَا أشكلت على كثير من شافعية الْمُتَكَلِّمين حَتَّى جبنوا عَن مُوَافَقَته فِيهَا، كَمَسْأَلَة نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ، وَمَسْأَلَة أَن الْمُصِيب وَاحِد حَتَّى كَانَ يَقُول: القَوْل بِأَن كل مُجْتَهد مُصِيب؛ أَوله سفسطة، وَآخره زندقة، وَلم يكن يصحح الْحِكَايَة عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن ذَلِك قَول لَهُ. وقرأت بِخَط أبي سُرَيج - بِالْجِيم - الشَّاشِي أَنه سمع الشَّيْخ أَبَا الْقَاسِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 - وَهُوَ عِنْدِي أَبُو الْقَاسِم عبد الْجَبَّار بن عَليّ صَاحب الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق - قَالَ: كَانَ الْأُسْتَاذ إِذا تكلم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قيل: الْعلم عَنهُ مَرْفُوع فِي ذَلِك الْوَقْت، لِأَنَّهُ كَانَ يشْتم ويصول وَيفْعل أَشْيَاء. وبخط هَذَا الْمُعَلق أَنه سمع من يخبر أَن الْأُسْتَاذ كَانَ يَقُول: أَنا أحتاج إِلَى من هُوَ أعلم مني حَتَّى يمكنني أَن ألقِي عَلَيْهِ شَيْئا بالطبع. قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: قَوْله: بالطبع، أَي: بنشاط وانشراح، كَذَا رَأَيْتهمْ بخراسان يستعملون هَذِه اللَّفْظَة. وَمِمَّا تفرد بِهِ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق عَن أَصْحَابنَا أَنه كَانَ لَا يجوز الكرامات، حكى عَنهُ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيره. وَهِي زلَّة كَبِيرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 (88 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد [358 - 458] ) ابْن مُوسَى بن هَارُون بن الْفضل بن هَارُون، أَبُو إِسْحَاق المطهري السروي - بِالسِّين الْمُهْملَة وَالرَّاء المفتوحتين - نِسْبَة إِلَى بَلْدَة من بِلَاد مازندران، وَرُبمَا نسب إِلَيْهَا: الساري. والمطهري؛ نِسْبَة إِلَى مطهر: قَرْيَة بِسَارِيَة، وَهِي بِفَتْح الْهَاء، كمفعول طهر. ضبط ذَلِك كُله أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِي " الْأَنْسَاب " وَقَالَ: كَانَ إِمَامًا فَاضلا زاهدا، وَله تصانيف كَثِيرَة فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول والفرائض. تفقه بِبَلَدِهِ على أبي مُحَمَّد ابْن أبي يحيى. وببغداد على أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ. وَقَرَأَ الْفَرَائِض على أبي الْحُسَيْن ابْن اللبان. وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: انْصَرف إِلَى سَارِيَة، وفوض إِلَيْهِ التدريس وَالْفَتْوَى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَولي الْقَضَاء بهَا سبع عشرَة سنة إِلَى أَن مضى لسبيله، وَمَات عَن مئة سنة فِي صفر، سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع مئة. وَسمع الحَدِيث وأملاه، سمع بِبَغْدَاد المخلص وَغَيره، وبمكة أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا النسوي وَغَيره، وبجرجان أَبَا نصر ابْن الإِمَام أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ؛ وَغَيرهم، وبغيرها. قَالَ السَّمْعَانِيّ: أخبرنَا أَبُو بكر، أخبرنَا أَبُو المحاسن عبد الْوَاحِد الرَّوْيَانِيّ، حَدثنَا مَالك بن سِنَان قَالَ: سَمِعت القَاضِي الْعَالم أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المطهري بِسَارِيَة يَقُول: سَمِعت أَبَا طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن يَقُول: سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْبَغَوِيّ، حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة قَالَ: سَمِعت أَبَا نعيم يَقُول: كتب سُفْيَان - يَعْنِي الثَّوْريّ - إِلَى ابْن أبي ذِئْب: من سُفْيَان بن سعيد إِلَى مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن؛ سَلام عَلَيْك، فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، وأوصيك بتقوى الله، فَإنَّك إِن اتَّقَيْت الله عز وَجل كَفاك النَّاس، وَإِن اتَّقَيْت النَّاس فَلَنْ يغنوا عَنْك من الله شَيْئا، فَعَلَيْك بتقوى الله. قَالَ الشَّيْخ: هَكَذَا كَانَت كتبهمْ يصدرونها بِالسَّلَامِ وَالْحَمْد كَذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 (89 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد [295 - 362] ) ابْن يحيى الْمُزَكي، أَبُو إِسْحَاق النَّيْسَابُورِي. أحد الروَاة الْمَشْهُورين، انتقى عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ الجزءين المعروفين ب: " الْمُزَكي "، الْمَعْدُودين فِي عوالي حَدِيث بَغْدَاد. سمع بنيسابور: الإِمَام ابْن خُزَيْمَة، وَأَبا الْعَبَّاس الثَّقَفِيّ السراج، والماسرجسي، والأزهري: أَحْمد بن مُحَمَّد، وأقرانهم. وبالري أَبَا مُحَمَّد ابْن أبي حَاتِم وأقرانه. وببغداد أَبَا حَامِد الْحَضْرَمِيّ وأقرانه. وبالحجاز أَبَا عبيد الله مُحَمَّد بن الرّبيع الجيزي وأقرانه. وبسرخس أَبَا الْعَبَّاس الدغولي وأقرانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وَسمع بغَيْرهَا، وَعقد لَهُ مجْلِس الْإِمْلَاء بنيسابور سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة وَهُوَ أسود الرَّأْس واللحية، وزكى فِيهَا أَيْضا، وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة، وَدفن فِي دَاره بنيسابور وَهُوَ ابْن سبع وَسِتِّينَ سنة. ذكر هَذَا كُله الْحَاكِم. وَقَالَ شيرويه: كَانَ ثِقَة صَدُوقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 (90 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد [000 - 000] ) الجنزي. من أهل الحَدِيث وَالْفِقْه. وجنزة - بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون النُّون وَالزَّاي وَالْهَاء -: هِيَ الْمَدِينَة الْمُسَمَّاة: كنجة، من بِلَاد الْعَجم. ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي " المؤتلف " وَقَالَ: كهل كَانَ يكْتب مَعنا الحَدِيث، ويتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله، وَكَانَ سديدا، وَخرج إِلَى بَلَده مُنْذُ سِنِين، وبلغتني وَفَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 (91 إِبْرَاهِيم بن مَنْصُور [510 - 596] ) ابْن مُسلم، أَبُو إِسْحَاق الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْمَعْرُوف ب: الْعِرَاقِيّ. إِمَام الْجَامِع الْعَتِيق بِمصْر وخطيبه. كَانَ أحد الْفُقَهَاء الْمُفْتِينَ، والصلحاء الورعين، رَحل إِلَى بَغْدَاد، وَقَرَأَ الْفِقْه على غير وَاحِد من مشايخها، مِنْهُم: أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عمر الارموي؛ وَهُوَ من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَأَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن الْخلّ الْبَغْدَادِيّ، وتفقه ببلدته مصر على القَاضِي أبي الْمَعَالِي مجلي بن جَمِيع، وَكَانَ فِي بَغْدَاد يعرف ب: الْمصْرِيّ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مصر لقب ب: الْعِرَاقِيّ، واشتغل بالتدريس وَالْفَتْوَى وإفادة الْعلم، وَتَوَلَّى الْإِمَامَة والخطابة بِجَامِع مصر، وَلم يزل خَطِيبًا بِهِ إِلَى توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مئة، وتفقه عَلَيْهِ خلق كَثِيرُونَ، وانتفع النَّاس بِهِ، وصنف كتابا فِي " شرح الْمُهَذّب " عشر مجلدات، رَأَيْته. ولد سنة عشر وَخمْس مئة. ألحقهُ النَّوَوِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 (92 - الشَّيْخ إِبْرَاهِيم المروروذي [453 - 536] ) ذكره الرَّافِعِيّ فِي أول اسْتِقْبَال الْقبْلَة، ثمَّ ذكره فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، وَذكره السَّمْعَانِيّ. ألحقهُ النَّوَوِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 (93 - أَحْمد بن أَحْمد [346 - 439] ) ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن، أَبُو عبد الله القصري. مَنْسُوب إِلَى قصر ابْن هُبَيْرَة، وَيعرف ب: ابْن السيبي - بِكَسْر السِّين المهلمة، وَإِسْكَان الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت، وَبعدهَا بَاء مُوَحدَة، ثمَّ يَاء النّسَب. كَانَ من الْفُضَلَاء الصَّالِحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 قَالَ الْخَطِيب الْحَافِظ أَبُو بكر: سكن أَبُو عبد الله هَذَا بَغْدَاد، وَحدث بهَا عَن: أبي مُحَمَّد ابْن ماسي، وَأبي الْحسن ابْن أبي السّري، وَمُحَمّد بن أَحْمد بن حَمَّاد بن سُفْيَان؛ الْكُوفِيّين، وَأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأبي بكر ابْن شَاذان، وَأبي الْقَاسِم ابْن حبابة، وَغَيرهم. قَالَ الْخَطِيب: كتبت عَنهُ، وَكَانَ صَالحا، فَاضلا، صَدُوقًا، من أهل الْعلم وَالْقُرْآن، مَشْهُورا بِالسنةِ، وَكَانَ كثير الدَّرْس لِلْقُرْآنِ. " ذكر لي أَنه كَانَ لَهُ فِي كل يَوْم ختمة. قَالَ الْخَطِيب: مولد ابْن السيبي هَذَا سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة، وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة، وَدفن بِبَاب حَرْب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 (أَحْمد أَمِير الْمُؤمنِينَ [336 - 422] ) الْقَادِر بِاللَّه، ابْن إِسْحَاق بن المقتدر بِاللَّه جَعْفَر بن المعتضد بِاللَّه أَحْمد بن الْمُوفق بِاللَّه أبي بن أَحْمد جَعْفَر المتَوَكل على الله بن مُحَمَّد المعتصم بِاللَّه بن هَارُون الرشيد بن مُحَمَّد الْمهْدي بن عبد الله الْمَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب. يكنى: أَبَا الْعَبَّاس. بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد الْقَبْض على الطائع لله فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة. وَكَانَ من خِيَار خلفاء بني الْعَبَّاس وَأَحْبَارهمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 ودرس على أبي بشر أَحْمد بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ الْمَعْرُوف ب: الْعَالم، أحد الْفُقَهَاء الْأَعْيَان الشافعيين. ذكره أَبُو بكر الْخَطِيب الْحَافِظ فَقَالَ: رَأَيْت الْقَادِر بِاللَّه دفعات، وَكَانَ أَبيض، حسن الْجِسْم، كث اللِّحْيَة، طويلها، يخضب، وَكَانَ من السّتْر والديانة وإدامة التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ وَكَثْرَة الْبر وَالصَّدقَات على صفة اشتهرت عَنهُ، وَعرف بهَا عِنْد كل أحد، مَعَ حسن الْمَذْهَب، وَصِحَّة الِاعْتِقَاد، وَكَانَ صنف كتابا فِي الْأُصُول ذكر فِيهِ فَضَائِل الصَّحَابَة على تَرْتِيب مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث، وَأورد فِي كِتَابه فَضَائِل عمر بن عبد الْعَزِيز، وإكفار الْمُعْتَزلَة والقائلين بِخلق الْقُرْآن، وَكَانَ الْكتاب يقْرَأ كل جُمُعَة فِي حَلقَة أَصْحَاب الحَدِيث بِجَامِع الْمهْدي، ويحضر النَّاس سَمَاعه. حكى الْخَطِيب أَن مولده كَانَ فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، ووفاته فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبع مئة، وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله ظَاهر وَعَامة النَّاس وَرَاءه، وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا، فَكَانَ مبلغ عمر الْقَادِر بِاللَّه سِتا وَثَمَانِينَ سنة وَعشرَة أشهر وأحدا وَعشْرين يَوْمًا، وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته إِحْدَى وَأَرْبَعين سنة وَثَلَاثَة أشهر، وَلم يبلغ هَذَا الْقدر فِي الْخلَافَة أحد غَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 (95 - أَحْمد بن إِسْحَاق [000 - نَحْو 410] ) ابْن خربَان - بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَالرَّاء الْمُهْملَة الساكنة، وَالْبَاء الْمُوَحدَة - أَبُو عبد الله النهاوندي، ثمَّ الْبَصْرِيّ. أَصله من نهاوند. درس فقه الشَّافِعِي على القَاضِي أبي حَامِد المروروذي، وَسمع الحَدِيث من: مُحَمَّد بن أَحْمد الربيعي، وَأبي بكر داسة التمار، وَأحمد بن الْحُسَيْن الْمَعْرُوف ب: شُعْبَة الْحَافِظ الْبَصرِيين، وَأبي مُحَمَّد الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن خَلاد الرامَهُرْمُزِي، وَنَحْوهم، وَكَانَ ثِقَة، وَقدم بَغْدَاد وَحدث بهَا؛ فروى عَنهُ أَبُو بكر البرقاني وَغَيره، وَتُوفِّي بِالْبَصْرَةِ فِي حُدُود سنة عشر وَأَرْبع مئة، ذكر ذَلِك من خَبره أَبُو بكر الْخَطِيب. روى عَنهُ اللبان فِي " الأمالي "، وَقَالَ: الشَّافِعِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 (96 - أَحْمد بن بشر [000 - 362] ) ابْن عَامر القَاضِي، أَبُو حَامِد العامري المروروذي، نِسْبَة إِلَى مروروذ من مدن خُرَاسَان. وَهَذِه النِّسْبَة هَكَذَا تقال فِي الْأَكْثَر، وَرُبمَا خففت، فَقيل: الْمَرْوذِيّ - برَاء مُشَدّدَة بعد الْمِيم، ثمَّ الْوَاو، ثمَّ الذَّال - وينشأ مِنْهُ بَاب فِي فن مشتبه النّسَب لاشتباهه حِينَئِذٍ بالمروزي. وَقد أورد الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمصْرِيّ وَابْن مَاكُولَا أَبَا حَامِد فِي هَذَا الْبَاب ونسباه، وَغَيرهمَا كَمَا نسبناه، وَهُوَ الصَّحِيح، لَا مَا قَالَه الشَّيْخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 أَبُو إِسْحَاق من أَنه: أَحْمد بن عَامر بن بشر - وَالله أعلم - فَإِنَّهُ سَهْو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 (97 - أَحْمد بن الْحسن [325 - 421] ) القَاضِي أَبُو بكر الْحَرَشِي - بِفَتْح الْحَاء وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، والشين المنقوطة - الْحِيرِي - بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة، وَبعدهَا يَاء بِاثْنَتَيْنِ من تَحت - نِسْبَة إِلَى الْحيرَة؛ محلّة من نيسابور. أحد من انْتهى إِلَيْهِ علو الْإِسْنَاد فِي عصره، وَعَلِيهِ تَدور رِوَايَة " مُسْند " الشَّافِعِي، عَن الْأَصَم. قَالَ الْحَافِظ أَبُو صَالح الْمُؤَذّن: القَاضِي الْجَلِيل، أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَفْص بن مُسلم بن يزِيد بن عَليّ الْحَرَشِي الْحِيرِي، وجده: سعيد بن عبد الرَّحْمَن. هَكَذَا هُوَ فِي " تَارِيخ الْحَاكِم. وَفِي " الْإِكْمَال ": سعيد بن عَمْرو. قلت: قد ذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَكثر هَذَا، وَذكر أَنه قَرَأَ الْقُرْآن بأحرف على أبي بكر ابْن الإِمَام وَغَيره، وَأَنه سمع الحَدِيث بخراسان من أبي الْعَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الْأَصَم وأقرانه، وبجرجان من: أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَأبي أَحْمد ابْن عدي، وأقرانهما، وبالعراق من أبي سهل ابْن زِيَاد وأقرانه، وبالحجاز من أبي بكر مُحَمَّد الفاكهي وأقرانه. وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ: تولى قَضَاء نيسابور مُدَّة، وَكَانَ من فُقَهَاء أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَهُوَ ثِقَة فِي الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 (98 - أَحْمد بن الْحُسَيْن [000 - 491] ) ابْن أَحْمد بن جَعْفَر، أَبُو حَامِد. من فُقَهَاء همذان، وَهُوَ ابْن أبي عبد الله ابْن التويي الهمذاني. كَانَ أحد الْمُفْتِينَ بهمذان، وَمن مشايخها. وروى الحَدِيث عَن أَبِيه وَغَيره. سمع مِنْهُ شيرويه، وَقَالَ: كَانَ صَدُوقًا، توفّي فِي صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبع مئة. يَعْنِي: بهمذان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 (99 - أَحْمد بن الْحُسَيْن [384 - 458] ) ابْن عَليّ بن عبد الله بن مُوسَى الْبَيْهَقِيّ، أَبُو بكر الخسروجردي. من أهل خسروجرد: قَصَبَة بِنَاحِيَة بيهق. تفقه على نَاصِر الْعمريّ، وَأخذ علم الحَدِيث من الْحَاكِم، وَكَانَ إِمَامًا قيمًا بنصرة مَذْهَب الشَّافِعِي وَتَقْرِيره، مصنفا كثير التصنيف، قوي التَّحْقِيق، جيد التَّأْلِيف، ظَاهر الْإِنْصَاف، بَعيدا من الاعتساف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ مَا مَعْنَاهُ؛ أَنه كَانَ جَامعا بَين علمي الحَدِيث وَالْفِقْه، وَكَانَ من كبار أَصْحَاب الْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ، وَعَلِيهِ تخرج فِي الحَدِيث، عني بكتب الحَدِيث وَحفظه من صباه، إِلَى أَن نَشأ وتفقه وبرع فِي الْفِقْه، واشتغل بالأصول، ورحل إِلَى الْجبَال وَالْعراق والحجاز. سمع بنيسابور: أستاذه الْحَاكِم أَبَا عبد الله، وَالسَّيِّد أَبَا الْحسن الْعلوِي، والامام ابا طَاهِر الزيَادي، وَعبد الله بن يُوسُف بن مامويه، وَأَبا زَكَرِيَّا يحيى بن إِبْرَاهِيم الْمُزَكي. وببغداد: أَبَا الْفَتْح هِلَال بن مُحَمَّد الحفار، وأبوي الْحُسَيْن؛ مُحَمَّد بن الْفضل الْقطَّان، وَعلي بن مُحَمَّد بن بَشرَان، وَأَبا عَليّ بن شَاذان، وَغَيرهم. وبالكوفة: أَبَا الْقَاسِم زيد بن أبي هَاشم الْعلوِي وَغَيره. وبمكة: ابْن نظيف الْفراء الْمصْرِيّ وَغَيره، فِي جمع كثير سوى هَؤُلَاءِ. ثمَّ عني بالتصنيف والتأليف، فألف كتبا، لَعَلَّهَا تقَارب ألف جُزْء، وَأكْثر تصانيفه بَدَائِع لم يسْبق بهَا، جمع فِيهَا بَين علم الْفِقْه الحَدِيث، ونفع الله بهَا الطالبين والمسترشدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 سَأَلَهُ أَئِمَّة نيسابور الْمصير من ناحيته إِلَى نيسابور لروايته الْكتب وَنشر الْعلم، فَأجَاب، ووردها سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة، وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّة الأكابر وَقُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابه فِي " معرفَة السّنَن " وَغَيره من كتب الْحَاكِم. وَكَانَ على سيرة الْعلمَاء، قانعا باليسير، متجملا فِي زهده وورعه. وَبَقِي بنيسابور مُدَّة، ثمَّ عَاد إِلَى خسروجرد، ثمَّ قدم نيسابور ثَانِيًا، ثمَّ ثَالِثا، وَحدث بتصانيفه، وَكَثُرت الاستفادة مِنْهُ، وانتشرت الرِّوَايَة عَنهُ. وَمن تصانيفه: " السّنَن الْكَبِير "، و " الصَّغِير "، و " الِاعْتِقَاد " و " مَنَاقِب الشَّافِعِي "، و " مَنَاقِب أَحْمد "، وَكتاب " الدَّعْوَات الْكَبِير "، وَكتاب " الدَّعْوَات الصَّغِير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 و " الْآدَاب "، و " الْأَسْمَاء وَالصِّفَات "، وَغَيرهَا من المجموعات الصَّغِيرَة. مولده - فِيمَا ذكره أَبُو عبد الله الكتبي الْهَرَوِيّ - سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، وَتُوفِّي بنيسابور، وَنقل تابوته إِلَى بيهق سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع مئة. وَذكر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الدقاق الْحَافِظ أَنه سَأَلَ وَلَده إِسْمَاعِيل بن أَحْمد عَن مولد أَبِيه فَقَالَ: سنة أَربع وَثَمَانِينَ، وَأول مَا سمع الحَدِيث فِي آخر سنة تسع وَتِسْعين وَثَلَاث مئة، وَقَالَ: صنف فِي سنة سِتّ وَأَرْبع مئة. وَقَالَ الْجِرْجَانِيّ: سمعته يَقُول: ولدت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة فِي شعْبَان. وَذكره الْحَافِظ عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ فِي كِتَابه: " طَبَقَات الشافعيين " فَقَالَ: كَانَ فَقِيها، حَافِظًا، إِمَامًا، زاهدا، كَانَ يَصُوم الدَّهْر مُنْذُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ثَلَاثِينَ سنة، جمع الْفِقْه والْحَدِيث، وصنف فِي كل نوع. أَخذ الْفِقْه عَن الامام نَاصِر الْمروزِي. غرائب عَنهُ: قَرَأت عَنهُ بِخَط القَاضِي أبي مَنْصُور ابْن الصّباغ فِي كِتَابه فِي الِاخْتِلَاف " أَنه قَالَ: إِن التَّكْبِيرَة الأولى من صَلَاة الْجِنَازَة وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة من واجباتها، وَأما التَّكْبِيرَات الثَّلَاث وَالدُّعَاء للْمَيت، هَل هُوَ وَاجِب؟ قَالَ: يحْتَمل وَجْهَيْن. قلت: هَذَا غَرِيب جدا، وَلم أَجِدهُ أَيْضا عَن الْبَيْهَقِيّ فِي " الْمعرفَة " وَغَيره من كتبه، وَلَعَلَّ أَبَا مَنْصُور نقل ذَلِك عَن شيخ الْقُضَاة إِسْمَاعِيل، عَن أَبِيه؛ فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ عَن أَبِيه لما ورد بَغْدَاد حَاجا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 (100 - أَحْمد بن الْحُسَيْن [295 - 381] ) ابْن مهْرَان، أَبُو بكر الْمُقْرِئ الزَّاهِد. من أهل نيسابور. كَانَ - رَحمَه الله 0 رفيع الْمنزلَة فِي فنه، مصنفا مجيدا فِي أَصْنَاف علمه، سمع الحَدِيث من ابْن خُزَيْمَة، وَأبي الْعَبَّاس السراج، وَغَيرهمَا. وَحدث بانتقاء الْحَاكِم أبي عبد الله عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وَذكر الاستاذ إِسْمَاعِيل الضَّرِير فِي " تَفْسِيره ": أَن اخْتِيَار الشَّافِعِي - رَحمَه الله - فِي دُعَاء سُجُود التِّلَاوَة مَا ذكره أَبُو بكر ابْن مهْرَان فِي كتاب " سُجُود الْقُرْآن "؛ وَهُوَ: {سُبْحَانَ رَبنَا إِن كَانَ وعد رَبنَا لمفعولا} [الْإِسْرَاء: 108] . قَالَ الشَّيْخ: هَذَا غَرِيب، لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى مدح من قَالَ هَذَا فِي السُّجُود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 (101 - أَحْمد بن الْحُسَيْن [358 - 448] ) أَبُو الْحُسَيْن الرَّازِيّ، الْمَعْرُوف ب: الفناكي؛ بِفَتْح الْفَاء، وَتَشْديد النُّون، وَكسر الْكَاف. تفقه بالعراق وبخراسان على غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، رَأَيْت لَهُ كتاب " المناقضات "، ومضمونه: الْحصْر وَالِاسْتِثْنَاء، شبه مَوْضُوع " تَلْخِيص " ابْن الْقَاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 (102 - أَحْمد بن سعد [458 - 535] ) ابْن عَليّ بن الْحسن بن الْقَاسِم بن عنان الْعجلِيّ، أَبُو عَليّ ابْن الإِمَام أبي مَنْصُور، يعرف ب: البديع، وب: بديع الزَّمَان. همذاني من أَهلهَا. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: إِنَّه كَانَ فَاضلا عَالما، ثِقَة كَبِيرا، جليل الْقدر، وَاسع الرِّوَايَة، حسن المعاشرة، طيب الْأَخْلَاق، مليح المحاورة، كثير الْمَحْفُوظ مكثرا من الحَدِيث، رَاغِبًا فِي سَمَاعه، سَمعه أَبوهُ من جمَاعَة من الهمذانيين، ثمَّ رَحل هُوَ بِنَفسِهِ إِلَى أَصْبَهَان وبغداد والري وَسمع بهَا. سمع بهمذان: أَبَا الْفرج عَليّ بن مُحَمَّد البَجلِيّ، وَأَبا الْفضل مُحَمَّد بن عُثْمَان القومساني، وَأَبا الْقَاسِم يُوسُف بن مُحَمَّد الهمذاني، وَجَمَاعَة غَيرهم. وَسمع من الغرباء الواردين همذان: الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَغَيره، وبأصبهان: أَبَا الْحُسَيْن الذكواني، وَسليمَان بن إِبْرَاهِيم الْحَافِظ، وَغَيرهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وبالري: الإِمَام أَبَا سعد عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن طَاهِر بن أَحْمد الْوزان التَّمِيمِي، وَأَبا ثَابت قاهودار الديلمي، وَغَيرهمَا. وبقزوين: أَبَا عَمْرو الشَّافِعِي بن دَاوُد بن الْمُخْتَار التَّمِيمِي. وببغداد: ابْن البطر، وَغَيره. حدث بِبَغْدَاد وَغَيرهَا، كتب عَنهُ أَبُو سعد بهمذان. ولد سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع مئة، وَأول مَا سمع الحَدِيث سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ، وَمَات يهمذان فِي رَجَب لَيْلَة خَمِيس مِنْهُ، سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 (103 - أَحْمد بن سيار [000 - 268] ) ابْن أَيُّوب، أَبُو الْحسن الْفَقِيه الْمروزِي. ذكره الْخَطِيب فَقَالَ: إِنَّه كَانَ إِمَام أهل الحَدِيث فِي بَلَده علما وأدبا وزهدا وورعا، وَكَانَ يُقَاس بِعَبْد الله بن الْمُبَارك فِي عصره. سمع: عَبْدَانِ بن عُثْمَان، وَعَفَّان، وَسليمَان بن حَرْب، وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَغَيرهم. روى عَنهُ: مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَعَامة الخراسانيين. وَورد بَغْدَاد وَحدث بهَا، فروى عَنهُ من أَهلهَا: ابْن نَاجِية، وَابْن صاعد. وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: رَحل إِلَى الشَّام ومصر، وصنف، وَله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 كتاب فِي " أَخْبَار مرو "، وَهُوَ ثِقَة فِي الحَدِيث. وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله؛ أَنه سمع أَبَا الْعَبَّاس الْقَاسِم بن الْقَاسِم السياري ابْن بنت أَحْمد بن سيار يذكر أَن جده أَحْمد توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ ومئتين، وَالله أعلم. وجد عَن الْقفال الْمروزِي فِيمَا علق عَنهُ من " فَتَاوِيهِ "؛ أَن أَحْمد بن سيار قَالَ: إِذا لم يرفع يَدَيْهِ للافتتاح. لم تصح صلَاته خلافًا لجمهور الْعلمَاء. وَقَالَ، قَالَ: وَيُفَارق سَائِر الْمَوَاضِع لِأَن تَكْبِيرَات سَائِر الْمَوَاضِع يجوز تَركهَا، فَجَاز ترك رفع الْيَدَيْنِ فِيهَا، أما تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح فَلَا يجوز تَركهَا، فَلَا يجوز ترك رفع الدّين فِيهَا، لِأَن الرّفْع من تتمتها وَشَرطهَا. قلت: نظرت فِيمَا استقصى فِيهِ الْعلمَاء خلاف الْعلمَاء فَلم أجد ذَلِك محكيا عَن أحد أصلا، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 (104 - أَحْمد بن عبد الله [000 - 447] ) ابْن أَحْمد بن ثَابت، أَبُو نصر البُخَارِيّ الثابتي، بالثاء الْمُثَلَّثَة. قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: أَصله من فسا، تفقه على أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وَله عَنهُ " تعليقة " وصنف، ودرس بِبَغْدَاد، وَتُوفِّي بهَا سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة. وَذكره ابْن مَاكُولَا فِي " الْإِكْمَال "، وَذكر أَنه سمع زاهرا السَّرخسِيّ، والمخلدي، وَغَيرهمَا، بخراسان، والجبل. وَسمع بِبَغْدَاد، ابْن حبابة، وَابْن أخي ميمي. قَالَ أَبُو الْفضل ابْن خيرون: كَانَت وَفَاته فِي رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة، وَصلى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ، وَدفن بِبَاب حَرْب إِلَى جنب أبي حَامِد رَضِي الله عَنْهُمَا. قَالَ الْخَطِيب: أخبرنَا أَبُو نصر الثابتي، أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 مُوسَى الْقرشِي، أخبرنَا مُحَمَّد بن يحيى، حَدثنَا أَحْمد بن يزِيد المهلبي، حَدثنَا حَمَّاد بن إِسْحَاق الْموصِلِي، عَن أَبِيه قَالَ: سَأَلَ الرشيد عَن بَيت الرَّاعِي: (قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما ... ودعا فَلم أر مثله مخذولا) فَقَالَ: مَا معنى محرما؟ فَقَالَ الْكسَائي: أحرم بِالْحَجِّ. فَقَالَ الْأَصْمَعِي: وَالله مَا كَانَ أحرم بِالْحَجِّ، وَلَا أَرَادَ الشَّاعِر أَيْضا أَنه فِي شهر حرَام، فَيُقَال: أحرم إِذا دخل فِيهِ، كَمَا يُقَال: أشهر إِذا دخل فِي الشَّهْر، وأعام إِذا دخل فِي الْعَام، فَقَالَ الْكسَائي: مَا هُوَ غير هَذَا، وَإِلَّا فَمَا أَرَادَ؟ فَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَا أَرَادَ عدي بن زيد بقوله: (قتلوا كسْرَى بلَيْل محرما ... فَتَوَلّى لم يمتع بكفن) أَي: إِحْرَام لكسرى، فَقَالَ الرشيد: فَمَا الْمَعْنى؟ قَالَ: كل مَا لم يَأْتِ شَيْئا يُوجب عَلَيْهِ عُقُوبَة فَهُوَ محرم، لَا يحل شَيْء مِنْهُ. فَقَالَ الرشيد: مَا تطاق فِي الشّعْر يَا أصمعي، ثمَّ قَالَ: لَا تعرضوا للأصمعي فِي الشّعْر. قَالَ الشَّيْخ: رَأَيْت من تصنيف الثابتي كتابا فِي " الْفَرَائِض "، سهل الْعبارَة، موسوما بِكِتَاب: " الْمُهَذّب والمقرب "، وَفِيه مَعَ حِسَاب الْفَرَائِض شَيْء من الْحساب الْعَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 (105 - أَحْمد بن عبد الله [413 - 492] ) ابْن عَليّ بن طَاوُوس الْمُقْرِئ، أَبُو البركات الْبَغْدَادِيّ، من أَهلهَا. نزل دمشق، وَبهَا توفّي. قَالَ أَبُو سعد فِي " تذييله: " كَانَ مقرئا، فَاضلا، ثِقَة، دينا، خيرا، كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ، حسن الْأَخْذ لَهُ. سمع: أَبَا طَالب ابْن غيلَان الْبَزَّاز، وَأَبا طَالب ابْن بكير الصُّوفِي، وَالْقَاضِي أَبَا الْقَاسِم الحنائي، وَأَبا الْقَاسِم عبيد الله بن أَحْمد الْأَزْهَرِي وَغَيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَقَرَأَ الْقُرْآن على أَصْحَاب أبي محسن ابْن السوسنجردي، وَأبي الْحسن الحمامي، وَغَيرهمَا. وَسمع مِنْهُ وروى عَنهُ فِيمَا ذكر: ابْنه أَبُو مُحَمَّد هبة الله الْمُقْرِئ؛ إِمَام جَامع دمشق، وَأَبُو الْقَاسِم هبة الله الشِّيرَازِيّ الْحَافِظ، وَغَيرهمَا. وَذكر عَن الْفَقِيه أبي الْفَتْح نصر الله المصِّيصِي أَنه كَانَ يحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ، توفّي بِدِمَشْق فِي جُمَادَى الْآخِرَة، سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبع مئة. روى الْفَقِيه نصر الله، عَنهُ، عَن الْأَزْهَرِي، عَن ابْن حمكان تأليفه فِي " مَنَاقِب الشَّافِعِي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 (106 - أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب [436 - 493] ) ابْن مُوسَى الشِّيرَازِيّ، أَبُو مَنْصُور الْوَاعِظ الشَّافِعِي. نزيل بَغْدَاد. ذكر ابْن الهمذاني فِي " تَارِيخه " سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مئة، وَقَالَ: وَقع الوباء بالعراق، وَمَات فِيهِ أَبُو مَنْصُور ابْن الشِّيرَازِيّ الْوَاعِظ، قَرَأَ الْفِقْه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، ورزق من الْعَامَّة الْقبُول بِبَغْدَاد. وَذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ، فَذكر أَنه حدث عَن: أبي الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي الْمُؤَدب، وَأبي مُحَمَّد الْجَوْهَرِي، وَغَيرهمَا. سمع مِنْهُ: أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي الْحَافِظ بِذَات عرق، وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي الْحَافِظ، وَغَيرهمَا. وَحكى عَن ابْن نَاصِر أَنه أَسَاءَ الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَقَالَ: كَانَ يغسل الْمَوْتَى. وَمَات سنة الجرف سنة ثَلَاث وَتِسْعين، طعن من رَوَائِح المتى الَّذين غسلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وَقد سَأَلت عبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي عَنهُ فَقَالَ: سَمِعت مِنْهُ وَكَانَ واعظا، وَلم يزدْ على هَذَا. قلت: وَأَبُو سعد فِي كِتَابه كالمنكر كثيرا من وقيعة أبي الْفضل ابْن نَاصِر فِي كثير من النَّاس، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 (107 - أَحْمد بن عَليّ [444 - بعد 500] ) ابْن أَحْمد القَاضِي، أَبُو الْعَبَّاس الطَّيِّبِيّ، قاضيها. تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ. سمع الحَدِيث من: ابْن الْمُهْتَدي، وَابْن الْمَأْمُون. ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة، وَاسْتشْهدَ بالطيب - بِكَسْر الطَّاء، وَإِسْكَان الْيَاء - بعد سنة خمس مئة. روى عَنهُ: أَبُو الْحسن اليزدي، وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 (108 - أَحْمد بن عَليّ [ ... - بعد 482] ) ابْن أَحْمد بن الْحُسَيْن، أَبُو حَامِد الْبَيْهَقِيّ. من خسروجرد: بليدَة ببيهق. ذكره أَبُو الْحسن الْخَطِيب فَقَالَ: الشَّيْخ الامام الأوحد، أَبُو حَامِد، الْمدرس، المناظر، شيخ مَشْهُور ثِقَة. قَالَ: ورأيته كَانَ يحضر مجَالِس المناظرة، وحظه فِي حفظ الْمَذْهَب أوفر مِنْهُ فِي الْخلاف، وَكَانَ مُحْتَرما مُعظما عِنْد الصُّدُور وَالْأَئِمَّة لفضله ولفتواه. وَبِهَذَا ذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ، وَذكر أَنه سمع الحَدِيث من جمَاعَة، مِنْهُم: الْأَئِمَّة؛ الْأُسْتَاذ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، وَأَبُو مَنْصُور عبد القاهر، والقاضيان؛ أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ، وَأَبُو مَنْصُور باي بن جَعْفَر الجيلي، وَغَيرهم. قَالَ: وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة. ثمَّ روى عَنهُ الشَّيْخ بِإِسْنَادِهِ عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ: أَرْبَعَة يسود بِهن الرجل: الْعلم، وَالْأَدب، وَالْفِقْه، وَالْأَمَانَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 (109 - أَحْمد بن عَليّ [412 - 497] ) ابْن الْحُسَيْن بن زَكَرِيَّا الطريثيثي الصُّوفِي الْمسند، أَبُو بكر. قَالَ الْحَافِظ الأوحد أَبُو طَاهِر السلَفِي وَبَدَأَ بِهِ فِي " مُعْجَمه فِي شُيُوخ بَغْدَاد ": أَبُو بكر هَذَا أجل شيخ شاهدته بِبَغْدَاد من شُيُوخ الصوفيه، وَأَكْثَرهم حُرْمَة وهيبة عِنْد أَصْحَابه. وَأما اسانيده فعالية جدا، قد أخبرنَا عَن جمَاعَة لم يحدثنا عَنْهُم سواهُ. سَأَلته عَن مولده فَقَالَ: سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبع مئة. وَلم نَقْرَأ عَلَيْهِ إِلَّا من أصُول سماعاته، وسماعاته كَالشَّمْسِ وضوحا، وكف بَصَره بِأخرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وَكتب لَهُ أَبُو عَليّ الْكرْمَانِي - وَكَانَ أَيْضا من شُيُوخ الصُّوفِيَّة - أَجزَاء طرية، وَحدث بهَا اعْتِمَادًا على قَول أبي عَليّ وَحسن ظن بِهِ، وَلم يكن مِمَّن يعرف طرائق الْمُحدثين ودقائقهم، وَكَانَ من الثِّقَات والرواة الْأَثْبَات. قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: قد غمزه جمَاعَة، وَالَّذِي قَالَه الْحَافِظ أَبُو طَاهِر يخص الغميزة مِنْهُ بِجِهَة خَاصَّة لَا مطْعن مَعهَا فِي ديانته، وَلَا فِيمَا لم يكن مخرجه من جِهَة الْكرْمَانِي من رِوَايَته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 (110 - أَحْمد بن عَليّ [000 - 447] ) ابْن عبد الله بن مَنْصُور، أَبُو بكر الطَّبَرِيّ، الْمَعْرُوف ب: الزجاجي، بِالضَّمِّ. ذكره الْخَطِيب - فِيمَا رَوَاهُ غير وَاحِد عَنهُ - فَقَالَ: قدم بَغْدَاد فِي حداثته، فَسمع من: أبي الْقَاسِم ابْن حبابة، وَأبي طَاهِر المخلص، وَأبي حَفْص الكتاني، وَأبي الْقَاسِم ابْن الصيدلاني. واستوطن بالجانب الشَّرْقِي إِلَى آخر عمره، وَحدث، فَكتبت عَنهُ، وَكَانَ ثِقَة، دينا، يتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي، وَذكر لي أَنه سمع من زَاهِر بن أَحْمد السَّرخسِيّ، إِلَّا أَن كِتَابه كَانَ بِبَلَدِهِ طبرستان. مَاتَ أَبُو بكر الزجاجي فِي آخر سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة. وَذكر أَبُو الْفضل ابْن خيرون وَفَاته يَوْم سَابِع عشر ذِي الْحجَّة، قَالَ: كَانَ صَالحا. قلت: وَقَول الْخَطِيب: يتفقه؛ لَفظه يطلقهَا هُوَ وَكثير مِمَّن تقدمه من أهل الحَدِيث على من يعْنى بالفقه، وَإِن لم يكن فِيهِ مبتدئا، وَهِي فِي هَذَا ك: تطبب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 (111 - أَحْمد بن عَليّ [311 - 404] ) ابْن عَمْرو بن أَحْمد بن عنبر؛ بِفَتْح الْعين المهلمة، بعْدهَا نون سَاكِنة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة. الْحَافِظ أَبُو الْفضل السُّلَيْمَانِي البُخَارِيّ البيكندي. وجده لأمه: أَحْمد بن سُلَيْمَان بن قرينام بن حَازِم الْمُؤَذّن، وَلِهَذَا قيل: السُّلَيْمَانِي فِيمَا نرَاهُ، ونرى قَول الْحَاكِم فِي نسبه: ابْن عَمْرو بن سُلَيْمَان، وهما، أوقعه فِيهِ إِرَادَة تَحْقِيق نسبته. قَالَ الْحَاكِم: كَانَ يحفظ الحَدِيث، ورحل فِيهِ، وَكَانَ من الْفُقَهَاء الزهاد. قَالَ: ورأيته ببخارى على رسمه فِي طلب الْعلم، ومجالسة الصَّالِحين، وَلُزُوم الْجَمَاعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 (112 - أَحْمد بن الْفَتْح [000 - 438] ) ابْن عبد الله، أَبُو الْحسن الْموصِلِي، من أَهلهَا، يعرف ب: ابْن فرغان؛ بِفَتْح الْفَاء، وَإِسْكَان الرَّاء، وبالغين الْمُعْجَمَة. من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ رحمهمَا الله. ذكره أَبُو صَالح الْمُؤَذّن. روى عَن: أبي سعد الْمَالِينِي، وَأبي الْفَتْح ابْن بُرَيْدَة الْأَزْدِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 (113 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 000] ) ابْن إِبْرَاهِيم بن عوَانَة القَاضِي، أَبُو طَالب، أَحْسبهُ من: قاين. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: أنشدنا أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي بكر الضَّرِير وَأَخُوهُ أَبُو بكر أَحْمد اليزديان قَالَا: أنشدنا صاعد بن سيار الْهَرَوِيّ قَالَ: أنشدنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عوَانَة الْفَقِيه، أَبُو طَالب الشفعوي القَاضِي قَالَ: أنشدنا أَبُو عَامر الْحسن بن مُحَمَّد القومسي لنَفسِهِ: (يَا سادة عِنْدهم للمصطفى نسب ... رفقا بِمن عِنْدهم للمصطفى حسب) (أهل الحَدِيث هم أهل الرَّسُول فَإِن ... لم يصحبوا نَفسه أنفاسه صحبوا) كَأَنَّهُ يُخَاطب العلوية لأهل الحَدِيث. قلت: كَذَا قَالَ: الشفعوي، وَهُوَ لحن، وَالْمَعْرُوف فِي النِّسْبَة إِلَى الشَّافِعِي رَحمَه الله: الشَّافِعِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 (114 - أَحْمد بن مُحَمَّد [472 ظنا - 576] ) ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، الْحَافِظ الأوحد أَبُو الطَّاهِر الْأَصْبَهَانِيّ السلَفِي: بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة، وَفتح اللَّام، وَبعدهَا فَاء. نزيل الْإسْكَنْدَريَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 كَانَ رَحمَه الله أوحد، جَامعا بَين علم الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأَدب، بديع الْفَضِيلَة، قديم الرحلة والطلب. لَقِي أكَابِر النَّاس، وَهُوَ حدث مستعد للاقتباس، فَمَلَأ من أحاسن علم الرِّوَايَة حقائبه، وامتاز مَعَ ذَلِك بدراية أصفت مشاربه، وَله فِي شُيُوخه معاجم ثَلَاثَة، تشعر بِأَنَّهُ كَانَ شَيخا جَلِيلًا، فَاضلا، قد أدْرك أهل الْجَلالَة؛ يَقُول فِي أول أَحدهَا: عزمت على أَن أجمع كتابا أضمنه معرفَة روايتي، وَمِقْدَار عنايتي، لأخلد فِيهِ ذكر من لقِيت من الْفُقَهَاء، وَأخذت عَنهُ من الْعلمَاء، وقرأت عَلَيْهِ من الْقُرَّاء، وَاخْتلفت إِلَيْهِ من الأدباء فِي علم الْفَرَائِض، والحساب، وَالْإِعْرَاب، ضروب الْآدَاب. وَقَالَ: هَذَا التصنيف يخْتَص ب: " شُيُوخ بَغْدَاد " على الِانْفِرَاد، ولأصبهان: مُعْجم " ثَان، وللسفر " مُعْجم " أوفر، وللإجازة من كل بلد كتاب مُفْرد. وَأخذ الْفِقْه عَن: الإِمَام إِلْكيَا، وَمِمَّا يدل على تميزه فِيهِ إِذْ ذَاك أَنه ذكر الشريف أَبَا طَالب الزَّيْنَبِي إِمَام أَصْحَاب أبي حنيفَة بِبَغْدَاد، وَقَالَ: تَكَلَّمت أَنا مَعَه فِي مَسْأَلَة خلافية فِي دَار الْخلَافَة، وذنب على كَلَامي إِلْكيَا الإِمَام أَبُو الْحسن الطَّبَرِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 (115 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 412] ) ابْن أَحْمد بن عبد الله بن حَفْص بن الْخَلِيل: بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة، أَبُو سعد الْمَالِينِي الْأنْصَارِيّ الصُّوفِي. قَالَ الْخَطِيب: كَانَ أحد الرحالين فِي طلب الحَدِيث والمكثرين مِنْهُ، كتب بِبِلَاد خُرَاسَان، وَمَا وَرَاء النَّهر، وببلاد فَارس، وجرجان، والري، وأصبهان، وَالْبَصْرَة، وبغداد، والكوفة، والشامات، ومصر، وَلَقي عَامَّة الشُّيُوخ والحفاظ الَّذين عاصرهم. وَحدث عَن: مُحَمَّد بن عبد الله السليطي، وَابْن نجيد، وَأبي حَاتِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْهَرَوِيّ، وَمَنْصُور بن الْعَبَّاس البوشنجي، وأبن عدي، وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَخلق يطول ذكرهم، وَكَانَ قد سمع وَكتب من الْكتب الطوَال والمصنفات الْكِبَار مَا لم يكن عِنْد غَيره، وَقدم بَغْدَاد دفعات كَثِيرَة، وَآخر مَا قدم علينا سنة تسع وَأَرْبع مئة، ثمَّ خرج إِلَى مَكَّة، وَمضى مِنْهَا إِلَى مصر، فَأَقَامَ بهَا حَتَّى مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء السَّابِع عشر من شَوَّال سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبع مئة، وَكَانَ ثِقَة، صَدُوقًا، متقنا، خيرا، صَالحا. انْتهى كَلَام الْخَطِيب. وَقَالَ ابْن مَاكُولَا: قَالَ لي أَبُو إِسْحَاق الحبال: كَأَن الْإِسْنَاد كَانَ يمسك لَهُ فِي الْبِلَاد حَتَّى يُدْرِكهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 (116 - أَحْمد بن مُحَمَّد [336 - 425] ) ابْن أَحْمد بن غَالب، أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ الْحَافِظ الْفَقِيه، الْمَعْرُوف ب: البرقاني، وَهُوَ مولع بِكَسْر الْبَاء من البرقاني. كَذَا بِخَط ابْن مَرْزُوق ضبط خوارزم نِسْبَة إِلَى قَرْيَة من قرى خوارزم على مَا تناهى إِلَيّ من جِهَات مُعْتَمدَة، وَفتحهَا ابْن السَّمْعَانِيّ فِي " أنسابه ". كَانَ إِمَامًا، حَافِظًا، ذَا عبَادَة، وفضائل جمة. سمع بِبَلَدِهِ وبلاد عدَّة، واستوطن بَغْدَاد، وَحدث بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 روى عَنهُ الْأَئِمَّة المصنفون: أَبُو عبد الله الصُّورِي، وَأَبُو بكر أَحْمد الْبَيْهَقِيّ، وَأحمد الْخَطِيب، وَأَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَغَيرهم. قَالَ الْخَطِيب: كَانَ ثِقَة، ورعا، متقنا، متثبتا، فهما، لم نر فِي شُيُوخنَا أثبت مِنْهُ، حَافِظًا لِلْقُرْآنِ، عَارِفًا بالفقه، لَهُ حَظّ من علم الْعَرَبيَّة، كثير الحَدِيث، حسن الْفَهم لَهُ والبصيرة فِيهِ، وصنف " مُسْندًا " ضمنه مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ " صَحِيح " البُخَارِيّ وَمُسلم، وَذكر لَهُ غير ذَلِك. قَالَ: وَلم يقطع التصنيف إِلَى حِين وَفَاته قَالَ: وَكَانَ حَرِيصًا على الْعلم، منصرف الهمة إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي " طَبَقَات الْفُقَهَاء ": تفقه فِي حداثته، وصنف فِي الْفِقْه، ثمَّ اشْتغل بِعلم الحَدِيث، فَصَارَ فِيهِ إِمَامًا. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأَزْهَرِي: البرقاني إِمَام، وَإِذا مَاتَ ذهب هَذَا الشَّأْن. يَعْنِي: الحَدِيث. وَقَالَ الْخَطِيب عَن البرقاني قَالَ: كَانَ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ يقْرَأ لكل وَاحِد مِمَّن يحضرهُ ورقة بِلَفْظِهِ، ثمَّ يقْرَأ عَلَيْهِ، وَكَانَ يقْرَأ لي ورقتين، وَيَقُول للحاضرين: إِنَّمَا أفضله عَلَيْكُم لِأَنَّهُ فَقِيه. وَقَالَ الْخَطِيب: سَمِعت أَبَا مُحَمَّد الْخلال ذكر البرقاني قَالَ: دخلت إسفرايين، وَمَعِي ثَلَاثَة دَنَانِير، وَدِرْهَم وَاحِد، فَضَاعَت الدَّنَانِير مني، وَبَقِي معي الدِّرْهَم حسب، فَدَفَعته إِلَى بقال، وَكنت آخذ مِنْهُ فِي كل يَوْم رغيفين، وآخذ من بشر بن أَحْمد جُزْءا من حَدِيثه، وَأدْخل مَسْجِد الْجَامِع فأكتبه، وأنصرف الْعشي وَقد فرغت مِنْهُ، فَكتبت فِي مُدَّة شهر ثَلَاثِينَ جُزْءا، ثمَّ نفد مَا كَانَ لي عِنْد الْبَقَّال، فَخرجت عَن الْبَلَد. وَقَالَ الْخَطِيب: أنشدنا البرقاني لنَفسِهِ: (أعلل نَفسِي بكتب الحَدِيث ... وأحمل فِيهِ لَهَا الْمَوْعِدَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 (وأشغل نَفسِي بتصنيفه ... وتخريجه دَائِما سرمدا) (فطورا أصنفه فِي الشُّيُوخ ... وطورا أصنفه مُسْندًا) (وأقفوا البُخَارِيّ فِيمَا نحاه ... وصنفه جاهدا مجهدا) (وَمُسلم إِذْ كَانَ زين الْأَنَام ... بتصنيفه مُسلما مرشدا) (وَمَالِي فِيهِ سوى أنني ... أرَاهُ هوى صَادف المقصدا) (وَأَرْجُو الثَّوَاب بكتب الصَّلَاة ... على السَّيِّد الْمُصْطَفى أحمدا) (وأسأل رَبِّي إِلَه الْعباد ... جَريا على مَا لَهُ عودا) ولد فِي آخر سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، وَمَات بِبَغْدَاد مستهل رَجَب سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبع مئة، وعاده الصُّورِي أَوَاخِر جُمَادَى الْآخِرَة، فَقَالَ لَهُ: قد سَأَلت الله عز وَجل أَن يُؤَخر وفاتي حَتَّى يهل رَجَب، فقد رُوِيَ فِيهِ أَن لله فِيهِ عُتَقَاء من النَّار، عَسى أَن أكون مِنْهُم، فاستجيب لَهُ رَحمَه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 (117 - أَحْمد بن مُحَمَّد [368 - 415] ) ابْن أَحْمد بن الْقَاسِم بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، أَبُو الْحسن الضَّبِّيّ، الْمَعْرُوف ب: ابْن الْمحَامِلِي. الإِمَام المُصَنّف، من رفعاء أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد، وَمن بَيت النبل، وَالْجَلالَة، وَالْفضل، وَالْفِقْه، وَالرِّوَايَة. قَالَ أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ فِي " كِتَابه ": وَمِنْهُم أَبُو الْحسن الْمحَامِلِي الْكَبِير، وَلَيْسَ بجد أبي الْحسن الْمحَامِلِي الْأَخير، فَإِن جده كَانَ القَاضِي أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، وَأَخُوهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم، كَانَ من الْمُحدثين. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين صَاحب هَذَا الْكتاب: هَذَا الَّذِي ذكره الْعَبَّادِيّ عكس الْوَاقِع، فَإِن القَاضِي أَبَا عبد الله الْحُسَيْن لَيْسَ بجده قطعا، وَإِنَّمَا جده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 أَخُوهُ الْقَاسِم، وَذَلِكَ شَائِع مَوْجُود فِي " تَارِيخ " الْخَطِيب وَغَيره من أهل الْخِبْرَة بِهَذَا الشَّأْن. وَأما قَوْله: أَبُو الْحسن الْمحَامِلِي الْكَبِير، فَلَا أرى لَهُ فِي المحامليين مُسَمّى يَقع عَلَيْهِ إِلَّا أَبَا الْحسن أَحْمد بن الْقَاسِم الْمحَامِلِي جد أبي الْحسن الْمحَامِلِي الصَّغِير هَذَا الَّذِي نَحن فِيهِ، وَعند هَذَا فَيكون ابو الْحسن الْمحَامِلِي الْكَبِير جد أبي الْحسن الْمحَامِلِي الْأَخير. وَقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ جد هَذَا، وَذكر أَنه صنف وذاكر بِالْحَدِيثِ، وَأَنه سمع الحَدِيث من أَبِيه الْقَاسِم، وَعَمه الْحُسَيْن، وَابْن منيع، وَابْن صاعد، وَابْن أبي دَاوُد، وَمَات فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة. وَلم يتَعَرَّض لوصفه بالفقه لَا هُوَ وَلَا الْخَطِيب، فَالله أعلم. وَأما أَبُو الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد هَذَا فَهُوَ صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة ك: " الْمَجْمُوع "، و " الْمقنع "، وَغَيرهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق، وَلم يذكر من المحامليين غَيره، وَقَالَ: تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد، وَله عَنهُ " تعليقة " تنْسب إِلَيْهِ، وَله مصنفات كَثِيرَة فِي الْخلاف وَالْمذهب، ودرس بِبَغْدَاد. توفّي سنة أَربع عشرَة - أَو خمس عشرَة - وَأَرْبع مئة. وَذكره الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فَقَالَ: أحد الْفُقَهَاء المجودين على مَذْهَب الشَّافِعِي، كَانَ قد درس على أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وبرع فِي الْفِقْه، ورزق من الذكاء وَحسن الْفَهم مَا أربى بِهِ على أقرانه، ودرس فِي حَيَاة أبي حَامِد وَبعده، وَاخْتلفت إِلَيْهِ فِي درس الْفِقْه، وَهُوَ أول من علقت عَنهُ. وَكَانَ قد سمع من مُحَمَّد بن المظفر وطبقته، ورحل بِهِ أَبوهُ إِلَى الْكُوفَة، فَسمع من أبي الْحسن ابْن أبي السّري، وَغَيره. وَحكى غير الْخَطِيب، عَن أبي الْفَتْح سليم الرَّازِيّ قَالَ: لما صنف الْمحَامِلِي عَتبه " الْمقنع " و " الْمُجَرّد " وَغَيره من " تَعْلِيق " أبي حَامِد أستاذه، ووقف عَلَيْهَا؛ قَالَ: بتر كتبي بتر الله عمره، فَمَا عَاشَ إِلَّا يَسِيرا وَمَات، ونفذت فِيهِ دَعْوَة أبي حَامِد، رحم الله الْجَمِيع، وَقد سيقت هَذِه الْحِكَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 بمعناها فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ أبي حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد. قَالَ الْخَطِيب: حَدثنَا عَليّ بن المحسن القَاضِي قَالَ: قَالَ لي المرتضى - وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحُسَيْن الموسوي -: دخل عَليّ أَبُو الْحسن ابْن الْمحَامِلِي مَعَ أبي حَامِد الإسفارييني، وَلم أكن أعرفهُ، فَقَالَ لي أَبُو حَامِد: هَذَا أَبُو الْحسن ابْن الْمحَامِلِي، وَهُوَ الْيَوْم أحفظ للفقه مني. قَالَ الْخَطِيب، وَابْن خيرون: مَاتَ فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرَة وَأَرْبع مئة، وَقد تقدم تشكك الشَّيْخ أبي إِسْحَاق فِي وَفَاته. قَالَ الْخَطِيب: وَكَانَ مولده سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 (118 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 000] ) ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، أَبُو جَعْفَر الْقرشِي الْهَرَوِيّ الْمَعْرُوف ب: الإِمَام. وَالِد أبي بكر، ومفتي هراة. " أَخذ عَن أبي الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي، وَأبي عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة الْبَغْدَادِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 (119 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 482] ) ابْن أَحْمد، أَبُو الْعَبَّاس الْجِرْجَانِيّ، قَاضِي الْبَصْرَة وَغَيرهَا، ومدرس مدرستها. صَاحب كتاب " المعاياة " و " التَّحْرِير " و " الشافي " وَغَيرهَا. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: سمع جمعا؛ فيهم: أَبُو بكر ابْن بَشرَان، وَأَبُو الْقَاسِم عبيد الله بن عَليّ الرقي اللّغَوِيّ، وَأَبُو عبد الله الصُّورِي الْحَافِظ، وَأَبُو الْحسن الْقزْوِينِي الزَّاهِد، والقاضيان: أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ، وَأَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ، والخطيب الْبَغْدَادِيّ، وَغَيرهم. " روى عَنهُ غير وَاحِد، مِنْهُم: الأديب أَبُو عبد الله الْخلال الضَّرِير، قَالَ: قَرَأت عَلَيْهِ كتاب " الْكِنَايَات " من تصنيفه، وَأَجَازَ لي رِوَايَته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وَمِمَّا أنْشدهُ القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس الْجِرْجَانِيّ لنَفسِهِ: (تصرم أَيَّام الشبيبة من عمري ... وَلم أشف من إطرابها لوعة الصَّدْر) (وَلم أقض من ريعانها وطر الصِّبَا ... لِكَثْرَة مَا لاقيت من نوب الدَّهْر) (وَلم أدخر حمدا يخلد ذكره ... على الدَّهْر إِن الْحَمد من أنفس الذخر) (وَلَا صَالح الْأَعْمَال قدمت راجيا ... بتقديمها نيل المثوبة وَالْأَجْر) (وَلَو كنت أَدْرِي كَيفَ حَالي بعْدهَا ... لهونت مَا ألْقى وَمن لي بِأَن أَدْرِي) (فَإِن يَك حَالي فِي المشيب على الَّتِي ... عهِدت شَبَابِي فالعفاء على عمري) ذكر أَبُو زَكَرِيَّا ابْن مَنْدَه أَنه توفّي رَاجعا إِلَى الْبَصْرَة - أَي من أَصْبَهَان - سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة. وَله شذوذات، مِنْهَا قَوْله فِي " المعاياة ": إِذا جمع من يحل لَهُ نِكَاح الْأمة بَين حرَّة وَأمة فِي عقد وَاحِد صَحَّ النكاحان. وَفِي " الْوَسِيط " وَغَيره الْقطع بِبُطْلَان نِكَاح الْأمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 (120 - أَحْمد بن مُحَمَّد [344 - 406] ) ابْن أَحْمد، الشَّيْخ أَبُو حَامِد ابْن أبي طَاهِر الإِسْفِرَايِينِيّ. المحظوظ فِي الإفادة والتخريج، والملحوظ فِي الرياسة والتدريس. قَالَ الْخَطِيب: الإِمَام، قدم بَغْدَاد وَهُوَ حدث، فدرس فقه الشَّافِعِي على أبي الْحسن ابْن الْمَرْزُبَان، ثمَّ على أبي الْقَاسِم الداركي، وَأقَام بِبَغْدَاد مَشْغُولًا بِالْعلمِ حَتَّى صَار أوحد وقته، وانتهت إِلَيْهِ الرياسة، وَعظم جاهه عِنْد الْمُلُوك والعوام. وَحدث بِشَيْء يسير عَن: عبد الله بن عدي، وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَابْن عَبدك الإِسْفِرَايِينِيّ وَغَيرهم. قَالَ: وَكَانَ ثِقَة، وَقد رَأَيْته غير مرّة، وَحَضَرت تدريسه فِي مَسْجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 عبد الله بن الْمُبَارك، وَهُوَ الْمَسْجِد الَّذِي فِي صدر قطيعة الرّبيع، وَسمعت من يذكر أَنه كَانَ يحضر درسه سبع مئة متفقه، وَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ: لَو رَآهُ الشَّافِعِي لفرح بِهِ. قَالَ الْخَطِيب: حَدثنِي أَبُو بكر المنكدري قَالَ: قَالَ لي أَبُو حَامِد الإسفارييني: ولدت سنة أَربع وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة، وقدمت بَغْدَاد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة. قَالَ المنكدري: ودرس الْفِقْه من سنة سبعين إِلَى أَن مَاتَ. وروى الْخَطِيب عَن أبي الْحُسَيْن ابْن الْقَدُورِيّ قَالَ: مَا رَأينَا فِي الشافعيين أفقه من أبي حَامِد. وَعَن القَاضِي أبي عبد الله الصَّيْمَرِيّ قَالَ: أنظر من رَأَيْت من الْفُقَهَاء أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ. وَأنْشد أَبُو الْفرج الدَّارمِيّ فِي الشَّيْخ أبي حَامِد حِين عَاده فِي مَرضه: (مَرضت فارتحت إِلَى عائدي ... فعادني الْعَالم فِي وَاحِد) (ذَاك الامام ابْن أبي طَاهِر ... أَحْمد ذُو الْفضل أَبُو حَامِد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 أنْشد أَبُو حَامِد لقَاضِي مرو: (لَا يغلون عَلَيْك الْحَمد فِي ثمن ... فَلَيْسَ حمد وَإِن أثمنت بالغالي) (الْحَمد يبْقى على الْأَيَّام مَا بقيت ... الدَّهْر يذهب بالأحوال وَالْمَال) قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وعَلى الشَّيْخ أبي حَامِد تَأَول بعض الْعلمَاء حَدِيث أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله عز وَجل يبْعَث لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مئة سنة من يجدد لَهَا دينهَا ". وَكَانَ على رَأس المئة الأولى عمر بن عبد الْعَزِيز، وَفِي الثَّانِيَة الشَّافِعِي، قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَفِي رَأس الثَّالِثَة أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج، وَفِي رَأس الرَّابِعَة أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وروى الشَّيْخ بِإِسْنَادِهِ أَن ابْن الْمحَامِلِي لما عمل " الْمقنع " أنكرهُ عَلَيْهِ شَيْخه الشَّيْخ أَبُو حَامِد من جِهَة أَنه جرد فِيهِ الْمَذْهَب، وأفرده عَن الْخلاف، وَذهب إِلَى أَن ذَلِك مِمَّا يقصر الهمم عَن تَحْصِيل الفنين، وَيَدْعُو إِلَى الِاكْتِفَاء بِأَحَدِهِمَا، وَمنعه من حُضُور مَجْلِسه، فاحتال لسَمَاع درسه من حَيْثُ لَا يحضر الْمجْلس. قَالَ الْخَطِيب: توفّي أَبُو حَامِد فِي شَوَّال سنة سِتّ وَأَرْبع مئة. قَالَ: وَصليت على جنَازَته فِي الصَّحرَاء، وَكَانَ يَوْمًا مشهودا بِكَثْرَة النَّاس، وَعظم الْحزن، وَشدَّة الْبكاء، وَدفن فِي دَاره إِلَى أَن نقل مِنْهَا، وَدفن بِبَاب حَرْب سنة عشر وَأَرْبع مئة. وَعَن أبي الْفَتْح سليم بن أَيُّوب أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 يحرس فِي درب، وَأَنه كَانَ يطالع الدَّرْس فِي زَيْت الحرس وَيَأْكُل من أُجْرَة الحرس، وَأَنه أفتى وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة، وَأقَام يُفْتِي إِلَى ثَمَانِينَ سنة، وَلما دنت وَفَاته قَالَ: لما تفقهنا متْنا. ورزق الشَّيْخ أَبُو حَامِد امْرَأَة من محتشمي أهل بَغْدَاد، وَكَانَ لَهَا مَال وَحَال كثير، تزوجت بِهِ. وَبلغ الشَّيْخ أَبَا حَامِد أَن الْمحَامِلِي صنف " الْمجمع " و " الْمقنع " و " الْمُجَرّد "، فَقَالَ أَبُو حَامِد: بتر كتبي بتر الله عمره، فَمَا عَاشَ بعد ذَلِك إِلَّا قَلِيلا. وَوَقع بَين أبي حَامِد والخليفة - يُقَال: إِنَّه الْقَائِم بِأَمْر الله - فِي مَسْأَلَة أفتى فِيهَا أَبُو حَامِد، فَكتب أَبُو حَامِد إِلَى الْخَلِيفَة: اعْلَم أَنَّك لست تقدر على أَن تعزلني عَن ولايتي الَّتِي ولانيها الله تَعَالَى، وَأَنا أقدر أَن أكتب رقْعَة إِلَى خُرَاسَان بكلمتين أَو ثَلَاث أعزلك عَن خلافتك. وَأرْسل أَبُو حَامِد إِلَى مصر فَاشْترى " أمالي " الشَّافِعِي بمئة دِينَار حَتَّى كَانَ يخرج مِنْهَا، وَالله أعلم. ويحكى أَنه قرئَ فِي مَجْلِسه قَوْله تَعَالَى: {للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} . [الْقَصَص: 83] . فَقَالَ أَبُو حَامِد: أما الْعُلُوّ فقد أردنَا، وَأما الْفساد فَمَا أردنَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 (121 - أَحْمد بن مُحَمَّد [240 - 325] ) ابْن الْحسن، أَبُو حَامِد ابْن الشَّرْقِي النَّيْسَابُورِي. والشرقي عِنْدِي: نِسْبَة إِلَى خطة الشرقيين بِأَعْلَى الرمجار من نيسابور، وَقد أَوْمَأ إِلَى هَذَا الْحَاكِم أَبُو عبد الله، وَقد أشكل هَذَا فَلم يدر حَتَّى قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي " أنسابه ". سمع أَبُو حَامِد - فِيمَا ذكره الْحَاكِم - بنيسابور: مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، وَعبد الرَّحْمَن بن بشر، وَأحمد بن يُوسُف، وأقرانهم. وبالري: أَبَا حَاتِم وأقرانه. وببغداد: مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني وأقرانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وبالكوفة: أَبَا البخْترِي عبد الله بن مُحَمَّد وأقرانه. بالحجاز: ابْن أبي مَسَرَّة وأقرانه. وَكَانَ كثير الْحَج، يكْتب فِي الطَّرِيق وَيكْتب عَنهُ. روى عَنهُ الْحفاظ: أَبُو الْعَبَّاس ابْن عقدَة، وَأَبُو أَحْمد الْعَسَّال، وَأَبُو أَحْمد ابْن عدي، وَأَبُو عَليّ النَّيْسَابُورِي، وَأَبُو الْحُسَيْن ابْن يَعْقُوب، وَأَبُو بكر أَحْمد بن إِسْحَاق، ثمَّ الْمَشَايِخ. ولد فِي رَجَب سنة أَرْبَعِينَ ومئتين، وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَعشْرين وَثَلَاث مئة، وغسله أَبُو عبد الله الْمُقْرِئ، وَأَبُو عَمْرو بن مطر، وَدفن فِي مَقْبرَة شاهنبر من نيسابور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 (122 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 396] ) ابْن زَكَرِيَّا، أَبُو الْعَبَّاس النسوي الصُّوفِي. الْعَالم الزَّاهِد، صَاحب كتاب " تَارِيخ الصُّوفِيَّة وسير الصَّالِحين والزهاد ". كَلَامه كَلَام شَافِعِيّ مُتَحَقق بمذهبه، وَالله أعلم. ذكره الْخَطِيب، وَوَثَّقَهُ، وَحكى أَنه مَاتَ بعينونة منزل بالحجاز بَين مَكَّة ومصر، سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَلَاث مئة. وَكَانَ من أهل الحَدِيث وَالْقُرْآن وَالْعلم والزهد، ذَا حَظّ من لَقِي الْمَشَايِخ وَخدمَتهمْ، وَكتابه مُفِيد، جليل فِي بَابه، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وَهُوَ من أَصْحَاب أبي عبد الله ابْن خَفِيف، وَلما ذكره فِي كِتَابه ذكر بركته على من كَانَ يَقْصِدهُ، وَقَالَ: من بركته ونصحه أَنِّي قصدته من الْعرَاق لرُؤْيَته، وَلم أكن كتبت حَدِيثا، وَلَا كنت أعرف شَيْئا إِلَّا السّفر على الْفقر، فأنقذني الله من الْجَهْل بِهِ لما دخلت عَلَيْهِ، فَسلمت عَلَيْهِ، وَكُنَّا جمَاعَة فُقَرَاء، وَكَانَ من أهل الفراسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 (123 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 353] ) ابْن سعيد، أَبُو سعيد بن أبي بكر بن أبي عُثْمَان الْحِيرِي النَّيْسَابُورِي. كَانَ حَافِظًا، جمع الحَدِيث الْكثير، وصنف فِي الْأَبْوَاب والشيوخ، وصنف " التَّفْسِير الْكَبِير "، وَخرج على " صَحِيح " مُسلم، وَكَانَ من محبته للْحَدِيث يكْتب بِخَطِّهِ وَيسمع إِلَى أَن اسْتشْهد بطرسوس. سمع بنيسابور، ونسا، والري، وبغداد وَسمع الْحسن بن سُفْيَان، وَأَبا عَمْرو الْخفاف، والهيثم بن خلف الدوري، وأقرانهم. خرج من نيسابور بعسكر كثير وأموال كَثِيرَة، ثمَّ من الرّيّ كَذَلِك بعسكر وأموال، وَاجْتمعَ عَلَيْهِ بِبَغْدَاد خلق عَظِيم خَرجُوا مَعَه بعد أَن عقدت لَهُ مجَالِس الْإِمْلَاء مِنْهُ، وَالْقِرَاءَة عَلَيْهِ، وَتُوفِّي بطرسوس وَدفن بهَا سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَلَاث مئة، وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ سنة. حكى هَذَا من حَاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الْحَاكِم. وَقَالَ الْحَاكِم: وسمعته يَقُول: أضافنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، فَقَالَ: أَي حلاوة نتَّخذ لكم؟ اشتهوا مَا شِئْتُم، فَسَكَتُوا، فَقَالَ لي: يَا أَبَا سعيد، مَا تخْتَار من الحلاوات: الفالوذ، أَو الخبيص، أَو العصيدة؟ فَقلت: كلهَا، فَقَالَ للطباخ: امتثل مَا قَالَه أَبُو سعيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 (124 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 337] ) ابْن سُلَيْمَان، أَبُو الطّيب الصعلوكي، الْحَنَفِيّ نسبا، الشَّافِعِي مذهبا. عَم الْأُسْتَاذ أبي سهل الصعلوكي، كَانَ يمْنَع الْأُسْتَاذ من الِاخْتِلَاف إِلَى الإِمَام ابْن خُزَيْمَة وَأَصْحَابه. سمع الحَدِيث بنيسابور من مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْعَبْدي، وأقرانه. وبالري من مُحَمَّد بن أَيُّوب، وأقرانه. وبالعراق من عبد الله بن أَحْمد ابْن حَنْبَل، وأقرانه. روى عَنهُ: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْحَافِظ، والأستاذ أَبُو سهل، وَامْتنع من التحديث بعد أَن عمر. قَالَ الْحَاكِم: فَكُنَّا نرَاهُ حسرة. وَتُوفِّي بنيسابور سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 (125 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 383] ) ابْن عبد الله، الأديب، اللّغَوِيّ، الْعَلامَة أَبُو عَمْرو الزردي. وزرد، بِفَتْح الزَّاي، وَإِسْكَان الرَّاء: قَرْيَة من قرى إسفرايين. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: كَانَ أَبُو عَمْرو وَاحِد هَذِه الديار فِي عصره بلاغه وبراعة وتقدما فِي معرفَة أصُول الْأَدَب، وَكَانَ رجلا ضَعِيف البنية، مسقاما، يركب حميرا ضَعِيفا، ثمَّ إِذا تكلم تحير الْعلمَاء فِي براعته. سمع الحَدِيث الْكثير من: مُحَمَّد بن الْمسيب الأرغياني، وَأبي عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ، وأقرانهما. توفّي فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة رَحمَه الله. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عَمْرو الزردي فِي منزلنا يَقُول: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى إِذا فوض سياسة خلقه إِلَى وَاحِد يَخُصُّهُ بهَا مِنْهُم وَفقه لسداد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 السِّيرَة، وأعانه بإلهامه من حَيْثُ إِن رَحمته تسع كل شَيْء، ولمثل ذَلِك كَانَ ابْن المقفع يَقُول: تفقدوا كَلَام ملوككم؛ إِذْ هم موفقون للحكمة، ميسرون للإجابة، فَإِن لم تحط بِهِ عقولكم - أَي: فِي الْحَال - فَإِن تَحت كَلَامهم حيات فواغر، وبدائع جَوَاهِر. قَالَ الْحَاكِم: وسمعته يَقُول: الْعلم علمَان؛ علم مسموع، علم ممنوح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 (126 - أَحْمد بن مُحَمَّد [357 - 425] ) ابْن عبد الرَّحْمَن بن سعيد، القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس السعيدي، الأبيوردي. نزيل بَغْدَاد. من عُظَمَاء أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد. قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: كَانَ الأبيوردي حسن الِاعْتِقَاد، جميل الطَّرِيقَة، ثَابت الْقدَم فِي الْعلم، فصيح اللِّسَان، يَقُول الشّعْر. وَذكر لي عبيد الله بن أَحْمد بن عُثْمَان الصَّيْرَفِي عَمَّن حَدثهُ أَن الأبيوردي كَانَ يَصُوم الدَّهْر، وَأَن غَالب إفطاره كَانَ على الْخبز وَالْملح، وَكَانَ فَقِيرا يظْهر الْمُرُوءَة. قَالَ: وَمكث شتوة كَامِلَة لَا يملك جُبَّة يلبسهَا، وَكَانَ يَقُول لأَصْحَابه: بِي عِلّة تمنع من لبس المحشو، فَكَانُوا يَظُنُّونَهُ يَعْنِي الْمَرَض، وَإِنَّمَا كَانَ يَعْنِي بذلك الْفقر، وَلَا يظهره تصونا ومروءة. قَالَ: وَسكن بَغْدَاد، وَولي الْقَضَاء بهَا بالجانب الشَّرْقِي بأسره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 ومدينة الْمَنْصُور، وَكَانَ يدرس فِي قطيعة الرّبيع، وَله حَلقَة للْفَتْوَى فِي جَامع الْمَنْصُور، وَذكر لي أَنه سمع الحَدِيث بِبِلَاد خُرَاسَان، وَلم يكن مَعَه من مسموعاته غير شَيْء يسير. قَالَ الْخَطِيب، وَابْن خيرون: مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة، سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبع مئة. قَالَ الْخَطِيب: وَكَانَ مولده سنة سبع وَخمسين وَثَلَاث مئة، وَدفن بمقبرة بَاب حَرْب رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 (127 - أَحْمد بن مُحَمَّد [374 - 442] ) ابْن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، أَبُو بكر الْقرشِي التَّيْمِيّ، يعرف ب: المنكدري، مروروذي، من أَهلهَا. قَالَ الْخَطِيب: ورد بَغْدَاد فِي حداثته فدرس الْفِقْه على أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وَسمع الحَدِيث من أبي أَحْمد الفرضي، وَأبي عمر ابْن مهْدي، وَغَيرهمَا، وَسمع بنيسابور: أَبَا عبد الله الْحَاكِم، وَأَبا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ. حدث بِبَغْدَاد، وَرجع إِلَيْهَا بعد أَن علت سنه. قَالَ الْخَطِيب: كتبت عَنهُ، وَكَانَ فَاضلا، أديبا، شَاعِرًا، وَسَأَلته عَن مولده، فَقَالَ: ولدت بمروروذ لثلاث بَقينَ من شعْبَان سنة أَربع وَسبعين وَثَلَاث مئة. وبلغنا أَنه مَاتَ بمروروذ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 وجده أَبُو عمر عبد الْوَاحِد، لَهُ ذكر فِي " تَارِيخ " الْحَاكِم، وَكتب عَنهُ الْحَاكِم وانتخب عَلَيْهِ، وَكَانَ يكْتب بِمدَّة وَاحِدَة مَا لَا يكْتب غَيره بِثَلَاثِينَ مُدَّة. وَأما أَبُو جده فَهُوَ: أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد المنكدري، أحد الْمُحدثين الجلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 (128 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 448] ) ابْن عَليّ بن نمير الْخَوَارِزْمِيّ، أَبُو سعيد الضَّرِير الْفَقِيه. جليل الْقدر، وَاسع الْعلم. قَالَ الْخَطِيب الْحَافِظ: درس على أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وَسكن بَغْدَاد، ودرس بهَا وَأفْتى، وَكَانَت لَهُ حَلقَة فِي جَامع الْمَنْصُور للْفَتْوَى وَالنَّظَر، وَكَانَ حَافِظًا متقنا للفقه، يُقَال: لم يكن فِي وقته من الشُّيُوخ بعد أبي الطّيب الطَّبَرِيّ أفقه مِنْهُ، وَكَانَ يقدم على أبي الْقَاسِم الْكَرْخِي وَأبي نصر الثابتي، وَحدث عَن أبي الْقَاسِم الصيدلاني، كتبت عَنهُ، وَكَانَ صَدُوقًا. روى عَنهُ حَدِيثا. مَاتَ بِبَغْدَاد سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة فِي صفر - فِيمَا قَالَه الْخَطِيب - يَوْم الِاثْنَيْنِ الْعَاشِر مِنْهُ. وَفِيمَا قَالَه أَبُو الْفضل ابْن خيرون: لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثَّانِيَة عشرَة مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَدفن من الْغَد فِي مَقْبرَة الشونيزي، وَالله أعلم. وَذكر ابْن عقيل رَحمَه الله فِي " فنونه " قَالَ: قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْفضل الهمذاني، شَيخنَا فِي الْفَرَائِض: ذاكرت بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة - يَعْنِي: قَول الرجل لامْرَأَته: أَنْت طَالِق لَا كنت لي بِمرَّة، حَيْثُ كثر الاستفتاء فِيهَا - الشَّيْخ أَبَا سعيد الضَّرِير فَقَالَ: هِيَ على ثَلَاثَة أَقسَام. الأول: أَن يَعْنِي لَا كنت لي بِمرَّة لوُقُوع الطَّلَاق عَلَيْك؛ فَيَقَع مَا نَوَاه من الطَّلَاق، وَإِن لم ينْو عددا وَقعت وَاحِدَة. الْقسم الثَّانِي: أَن يَعْنِي لَا كنت لي بِمرَّة، أَي: لَا استمتعت بك؛ فَيكون طَلَاقا مُعَلّقا بِوَطْئِهَا، فَإِن وَطئهَا وَقعت طَلْقَة. الْقسم الثَّالِث: أَن يُرِيد أَنْت طَالِق لَا استدمت نكاحك، فَإِذا مضى زمَان يُمكنهُ فِيهِ الْإِبَانَة فَلم يبنها وَقعت طَلْقَة. ( فصل ) قَالَ: وذاكرته فِي حرف " لَا " بَدَلا من " إِن " فِي قَوْلهم: أَنْت طَالِق لَا دخلت الدَّار، بَدَلا من " إِن "، وَلَيْسَ حرف " لَا " من حُرُوف الشَّرْط، فَكيف جعلت للشّرط عِنْد الْفُقَهَاء، وَالْكَلَام إِنَّمَا يبْنى على عرف اللُّغَة؟ ! قَالَ: فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو سعيد الضَّرِير: لَيست بَدَلا من حرف الشَّرْط، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وَإِنَّمَا وَقع الطَّلَاق بِالدُّخُولِ، لِأَن قَوْله: أَنْت طَالِق يصلح أَن يُقَام مقَام: أقسم، أَو أَحْلف بِاللَّه، الدَّلِيل على ذَلِك أَنه لَو قَالَ: أَنْت طَالِق إِن حَلَفت، ثمَّ قَالَ: أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار؛ فَإِنَّهُ يَقع الطَّلَاق بالْقَوْل الثَّانِي، فقد صَار التَّعْلِيق حلفا، وَإِذا صَار حلفا ثمَّ عقب ب " لَا " صَاحب، كَقَوْلِه: وَالله لَا دخلت، وَلَو قَالَ: وَالله لَا دخلت الدَّار كَانَ يَمِينا، وَذَلِكَ أَن الْيَمين على الْإِثْبَات تكون ب " إِن " اللَّام، فَيَقُول: وَالله لَا دخلت الدَّار فِي النَّفْي، وَيَقُول فِي الْإِثْبَات: لتدخلن الدَّار، وَيَقُول: إِن دخلت فَأَنت طَالِق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 (129 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 322] ) ابْن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن شهريار، أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي. يتَّصل نسبه بكسرى، حَكَاهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن أَحْمد بن عَطاء. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس النسوي: روذبار قَرْيَة من قرى بَغْدَاد، وَذكره فِي المحمدين، وَقَالَ على مَا فِي النّسخ: مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَنْصُور، وَقَالَ: بغدادي سكن مصر، وَبهَا مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَلَاث مئة، كَانَ من أَوْلَاد الْكتاب، وَكَانَ من أهل الحَدِيث وَالْعلم والعربية، وَكَانَ شيخ الصُّوفِيَّة فِي وقته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 قَالَ: وَكَانَ يحفظ حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر أَن لَهُ تصانيف كَثِيرَة. وَذكر أَبُو الْعَبَّاس النسوي عَن ابْن أُخْته أبي عبد الله الرُّوذَبَارِي قَالَ: كَانَ خَالِي يتفقه بِالْحَدِيثِ، ويغني بالمقاطيع. وَقَالَ: كَانَ خَالِي يقْرَأ للكسائي رِوَايَة ابْن الْحَارِث، قَرَأَهَا على ابْن مُجَاهِد. قَالَ: وَفِيمَا ذكره نصر بن مُحَمَّد، عَن أبي عبد الله الرَّازِيّ، سَمِعت مُحَمَّد بن عمر الجعابي الْحَافِظ يَقُول: قصدت عَبْدَانِ الْأَهْوَازِي وقصدت مَسْجده فَرَأَيْت شَيخا وَحده، قَاعِدا فِي الْمَسْجِد، ربعا، حسن الْقَامَة والشيبة، عَلَيْهِ كسَاء تركاني حسن، فذاكرني بِأَكْثَرَ من مئتي حَدِيث فِي الْأَبْوَاب: وَكنت قد سلبت فِي الطَّرِيق، فَأَعْطَانِي الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دخل عَبْدَانِ الْمَسْجِد وَرَآهُ اعتنقه وبش بِهِ، فَقلت لَهُم: من هَذَا الشَّيْخ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي، ثمَّ كَانَت لَهُ معاودة فِي الحَدِيث فَرَأَيْت من حفظه للْحَدِيث مَا تعجبت مِنْهُ. وَقَالَ ابْن خَمِيس: كَانَ فَقِيها، حَافِظًا للأحاديث، ظريفا، عَارِفًا بالطريقة، وَكَانَ يفتخر بمشايخه، فَيَقُول: شَيْخي فِي التصوف الْجُنَيْد، وَفِي الْفِقْه أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج، وَفِي الْأَدَب ثَعْلَب، وَفِي الحَدِيث إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 (130 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 339] ) ابْن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَبدة التَّمِيمِي، أَبُو الْحسن السليطي الْمُزَكي. كَانَ من أهل نيسابور، وَمن المقدمين فِي الْكِتَابَة وَالْأَدب، وتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي، وقلد التَّزْكِيَة بِاتِّفَاق من الْفَرِيقَيْنِ. وَسمع الحَدِيث من: ابْن خُزَيْمَة، وَأبي الْعَبَّاس ابْن السراج، وأقرانهما، وَلم يحدث حَتَّى توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة. حكى هَذَا كُله الْحَاكِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 (131 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - نَحْو 520] ) ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد الْغَزالِيّ الطوسي، أَبُو الْفتُوح الْوَاعِظ، الصُّوفِي، الْعَالم، الْعَارِف، وَهُوَ أَخُو الْغَزالِيّ الْفَقِيه الإِمَام. وَكَانَ يلقب بلقب أَخِيه: زين الدّين، حجَّة الْإِسْلَام. كَانَ أحد فرسَان المذكرين، وَمن مسلكي الصُّوفِيَّة الْمَذْكُورين، علا فِي فن الْوَعْظ شَأْنه، وَجرى بِلِسَان التصوف فِي ميدانه، فشهر إحسانه، والتقط فِي مجالسه فدون، رَأَيْت من ذَلِك مجلدات أَرْبعا، عَلَيْهَا خطه، علقها من سامعيه من وعا فَأحْسن، فَإِذا هِيَ مُشْتَمِلَة على شقاسق الوعاظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وجزفهم، وجسارات متأخزي الصُّوفِيَّة وعسفهم، وَله شعر على طَريقَة الْقَوْم كَانَ ينشد مِنْهُ أَحْيَانًا، وَكَانَ عِنْده مخاشنة فِي كَلَامه، لَا سِيمَا فِي أجوبته لمن يداخله بالأسئلة، وَكَانَ يستقصر الْفُقَهَاء فِي كثير من كَلَامه، وَمن قَوْله: الْفُقَهَاء أَعدَاء أَرْبَاب الْمَعَالِي، ينصر بذلك كل مَا كَانَ يَدعِيهِ من عُلُوم الْقُلُوب، وَأَنَّهَا تطالع عِنْد صفائها أَحْكَام الغيوب. وَكَانَ الْمَقْدِسِي العثماني بِبَغْدَاد يُنكر عَلَيْهِ كَلَامه، وَكَانَ هُوَ يَوْمئِذٍ يلوح فِي كثير من مجالسه بالطعن فِيهِ، ذَاكِرًا أَنه غير عَارِف بِكَلَامِهِ، وَأَنه وَاقِف مَعَ صُورَة الْكَلَام، وَلم يصل بعد إِلَى حقائق الْمعَانِي، وَمن كَلَامه: الْأَسْرَار مصونة بالإنكار، إِنْكَار الأغيار سور على أسرار الْأَبْرَار، والأسرار مقبورة فِي قُلُوب الْأَحْرَار، إِلَّا فِي وَقت من الْأَوْقَات عَتَتْ عَن أَمر رَبهَا، فَإِذا رَجَعَ النّظر إِلَى الْمصَالح قيل: {يَا أَرض ابلعي ماءك وَيَا سَمَاء أقلعي} [هود: 44] . وَطلب فِي مجْلِس وعظه بِبَغْدَاد من حاضري مَجْلِسه مَالا يقْضِي بِهِ دينا كَانَ عَلَيْهِ فَمَا أَعْطوهُ شَيْئا، وطالت عَلَيْهِ الْأَيَّام، فَذكر لَهُم ذَلِك فِي مجْلِس آخر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 ثمَّ قَالَ: سَيكون بَيْننَا عتاب فِي طيه فِرَاق، تَرْجَمته بيتان: (يَقُولُونَ زرنا واقض وَاجِب حَقنا ... وَقد أسقطت حَالي حُقُوقهم عني) (إِذا أبصروا حَالي وَلم يأنفوا لَهَا ... وَلم يأنفوا مِنْهَا أنفت لَهُم مني) وَقَالَ رَحمَه الله على رَأس منبره بِبَغْدَاد فِي شعْبَان سنة خمس عشرَة وَخمْس مئة: سَمِعت شَيْخي أَبَا بكر حكى عَن الشَّيْخ أَبَا الْقَاسِم الكركان قَالَ: فِي بداءة أَمْرِي سَمِعت هَذَا الْخَبَر: " من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه "، فَبَقيت ثَمَانِينَ سنة أَفِي بِمُقْتَضى هَذَا الحَدِيث، وَهَا أَنا أَمُوت والبقية عَليّ. توفّي الشَّيْخ الكركان وَهُوَ ابْن تسعين سنة، فَيكون شُرُوعه وَهُوَ ابْن عشر، وَالله أعلم. وَحكى هُوَ أَيْضا عَن الشَّيْخ الكركان قَالَ: لَو سلم لي فِي عمري - وَهُوَ تسعون سنة - مرّة وَاحِدَة قولي: الله؛ يَكْفِينِي، وَالله أعلم. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَقَالَ: كَانَ ذَا نباهة وجلالة فِي طَريقَة التصوف، مذكرا، مفوها، مقتدرا فِي كَلَامه على الافتنان وَالتَّصَرُّف. وَله عِنْدِي أَبْيَات أنشدها فِي الْإِنَابَة. وَقَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: من جملَة كَلِمَاته اللطيفة: من كَانَ فِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 تلفه كَانَ على الله خَلفه. وقرأت بِخَط يُوسُف الشِّيرَازِيّ الْبَغْدَادِيّ فِيمَا أَلفه فِي " الضُّعَفَاء "، عَن الْحَافِظ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي أَنه ذكر أَحْمد الْغَزالِيّ، فَقَالَ: كَانَ من آيَات الله فِي الْكَذِب، سمعته بهمذان يَقُول: رَأَيْت إِبْلِيس فِي وسط هَذَا السماط سجد لي، قَالَ: فَقلت لَهُ: وَيحك {الله عز وَجل أمره بِالسُّجُود لآدَم فَأبى، فَكيف يسْجد لوَلَده؟} فَقَالَ: وَالله لقد سجد لي أَكثر من سبعين مرّة، قَالَ: وَكَانَ يزْعم أَنه يرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عيَانًا فِي يقظته لَا فِي نَومه، وَأَنه كلما أشكل عَلَيْهِ أَمر رَآهُ فِي الْمَنَام، فيسأله عَن ذَلِك، وَأرَاهُ الصَّوَاب فِيهِ. قَالَ: وسمعته يَوْمًا يَحْكِي على الْمِنْبَر حِكَايَة عَن بعض الْمَشَايِخ، فَلَمَّا نزل سَأَلته عَنْهَا، فَقَالَ: أَنا وَضَعتهَا فِي الْوَقْت. وسمعته يَقُول: لَا أحتاج إِلَى حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مهما قلت يسمع مني. قلت: يحْتَمل أَن يكون مَا حَكَاهُ خيالات كَانَت تتخيل لَهُ كَمَا حكيناه عَن يُوسُف الهمذاني فِي اللُّقْمَة، فَإِن الشَّيْخ يُوسُف الهمذاني مَعَ مباينته لَهُ لم يحملهُ مِنْهُ على الْكَذِب، وَهُوَ أعرف بِمثل هَذَا، عَفا الله عَنَّا وعنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 (132 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 494] ) ابْن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد، القَاضِي أَبُو مَنْصُور ابْن الصّباغ الْبَغْدَادِيّ. وَهُوَ ابْن أخي الشَّيْخ أبي نصر ابْن الصّباغ وَزوج ابْنَته. فَاضل جليل. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: تفقه على القَاضِي أبي الطّيب، وَسمع الحَدِيث مِنْهُ وَمن غَيره. وَذكره شخصان جليلان من أَئِمَّة الغرب فِي شيوخهما: القَاضِي أَبُو عَليّ ابْن سكرة الصَّدَفِي، وَالْقَاضِي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ، وأثنيا عَلَيْهِ؛ قَالَ أَبُو عَليّ: كَانَ أحد فُقَهَاء بَغْدَاد وفضلائها، ومفتيها، ومدرسيها وشهودها. وَقَالَ فِيهِ ابْن الْعَرَبِيّ: ثِقَة، فَقِيه، حَافظ، ذَاكر. قَالَ غَيرهمَا: توفّي فِي الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبع مئة، وَدفن فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب. قَالَ أَبُو مَنْصُور: أنشدنا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن سعد الْمُؤَدب لنَفسِهِ: (أنست بوحدتي ورضيت نَفسِي ... لنَفْسي من أخلائي جَلِيسا) (وعيبي شاغل عَن عيب غَيْرِي ... وحسبي خالقي وَكفى أنيسا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 (133 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 401] ) الْمُؤَدب الْمكتب، أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ، صَاحب " الغريبين ". روى الحَدِيث عَن: أَحْمد بن مُحَمَّد بن ياسين، وَأبي إِسْحَاق أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُونُس الْبَزَّاز الْحَافِظ صَاحب " تَارِيخ هراة "، وَغَيره. روى عَنهُ: شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي، وَأَبُو عمر عبد الْوَاحِد بن أَحْمد المليحي؛ كتاب " الغريبين " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 (134 - أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 373] ) أَبُو الْعَبَّاس الديبلي الْخياط الشَّافِعِي الزَّاهِد. سكن مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 وَذكره أَبُو الْعَبَّاس النسوي فِي كِتَابه، وَذكر أَنه كَانَ فَقِيها جيد الْمعرفَة بالفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي، وَكَانَ قوته وَكسوته من خياطته، كَانَ يخيط قَمِيصًا فِي جُمُعَة بدرهم ودانقين. وَكَانَ طَعَامه وَكسوته مِنْهَا فِي غلاء وَرخّص، مَا ارتفق من أحد بِمصْر بِشَربَة مَاء، وَكَانَ يرجع إِلَى أَحْوَال حَسَنَة: الزّهْد، والتقشف، وَلبس الخشن، وَأكل الجشب، وَحفظ اللِّسَان، مَا حفظ عَلَيْهِ أَنه ذكر إنْسَانا قطّ بِنَقص، وَلَا ترك أَن يذكر عِنْده. وَكَانَ سليم الْقلب، كثير الِاجْتِهَاد؛ صوما دَائِما، ودرسا لِلْقُرْآنِ دَائِما، يخيط بِالنَّهَارِ، ويدرس الْقُرْآن قِرَاءَة جَيِّدَة، وَكَانَ يقْرَأ لعاصم رِوَايَة أبي بكر، فَإِذا أَمْسَى صلى الْمغرب وَنظر فِي " كتاب " الرّبيع وَالْفِقْه إِلَى بعد الْعشَاء. قلت: " الْأُم " يُسمى " كتاب " الرّبيع. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: ثمَّ يفْطر على شَيْء يسير، وَكَانَ مكاشفا؛ رُبمَا يخبر بأَشْيَاء فتوجد كَمَا يَقُول، وَكَانَ مَقْبُولًا عِنْد الْمُوَافق والمخالف حَتَّى كَانَ أهل الْملَل يستسقون بِهِ ويتبركون بدعائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 ذكر ذَلِك عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس النسوي فِي كِتَابه. قَالَ: واعتل علته الَّتِي توفّي فِيهَا، وتوليت خدمته، فَشَهِدت مِنْهُ أحوالا سنية فِي علته، وسمعته يَقُول: كل مَا ترى عَليّ الَّذِي أَعْطَيْت بركَة شَيْئَيْنِ؛ الْقُرْآن وَالْفِقْه. وَقَالَ: قَالَ لي: يَا أَبَا الْعَبَّاس، قيل لي: إِنَّك تَمُوت لَيْلَة الْأَحَد، وَكَذَا كَانَ. قَالَ: وَمَا كَانَ يُصَلِّي صلَاته إِلَّا فِي جمَاعَة، فَكنت أُصَلِّي بِهِ، فَصليت بِهِ الْمغرب لَيْلَة الْأَحَد، فَقَالَ لي: تَنَح، فَإِنِّي أُرِيد أَن أجمع بَين صَلَاتَيْنِ، لَا أَدْرِي أيش يكون مني، فَجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ، وَركع، وأوتر، ثمَّ أَخذ فِي السِّيَاق وَهُوَ حَاضر مَعنا إِلَى نصف اللَّيْل، فَقُمْت وطرحت نَفسِي سَاعَة، ثمَّ رجعت إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لي: أَي وَقت هُوَ؟ قلت: قرب الصُّبْح، قَالَ: حولوني إِلَى الْقبْلَة، وَكَانَ معي أَبُو سعد الْهَرَوِيّ الْمَالِينِي، فحولناه إِلَى الْقبْلَة، فَأخذ يقْرَأ، فَقَرَأَ مِقْدَار خمسين آيَة، ثمَّ خرجت روحه. مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين وَثَلَاث مئة، أَحْسبهُ فِي رَمَضَان. قَالَ: وَكَانَت جنَازَته شَيْئا عجيبأ، مَا بَقِي بِمصْر أحد من أَهلهَا وَمن المغاربة من أَوْلِيَاء السُّلْطَان إِلَّا صلوا عَلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ. وَذكر الْقُضَاعِي أَن قَبره ومسجده هُنَاكَ مشهوران. قَالَ: وَكَانَت لَهُ كرامات مَشْهُورَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 (135 - أَحْمد بن مَنْصُور [000 - 345] ) ابْن عِيسَى، أَبُو حَامِد الطوسي الْحَافِظ الْفَقِيه الأديب الْمُزَكي. ذكره الْحَاكِم، وَذكر أَنه قَلما رأى فِي الْمَشَايِخ أجمع مِنْهُ. سمع بنيسابور عبد الله بن شيرويه وطبقته، وبهراة أَبَا الْحسن المخلدي وطبقته، وَأكْثر عَن أهل خُرَاسَان، وَجمع " الْأَبْوَاب " و " الشُّيُوخ "، وَكَانَ يَفِي بالمذاكرة. قَالَ: وَلَقَد سَمِعت أَبَا النَّضر الْفَقِيه يَقُول: مَا رَأَيْت فِي كورتنا هَذِه - يَعْنِي الطابران - مثل أَحْمد بن مَنْصُور بن عِيسَى، وَكَانَ مزكي النَّاحِيَة، وَلَقَد وَردت طوس وَأَبُو أَحْمد الْحَافِظ بهَا على الْقَضَاء، فَسَمعته يَقُول: إِنِّي لأتبجج بِأَحْمَد بن مَنْصُور أَن يكون رجوعي فِي السُّؤَال عَن الشُّيُوخ إِلَيْهِ. توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 (136 - أَحْمد بن مَنْصُور [370 تَقْديرا - 450 تَقْديرا] ) ابْن أبي الْفضل، أَبُو الْفضل الضبعِي السَّرخسِيّ. من أقَارِب خَارِجَة بن مُصعب الضبعِي الْمَعْرُوف فِي رُوَاة الحَدِيث. وَهُوَ من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: ورد بَغْدَاد وَأقَام بهَا، وتفقه على الإِمَام أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وَتخرج عَلَيْهِ، وَكَانَ إِمَامًا، فَاضلا، مناظرا، واعظا. وَقَالَ أَبُو الْفَتْح العياضي فِي " رسَالَته ": الشَّيْخ الامام أَبُو الْفضل الهوذي، فِي الصَّدْر مَا أنوره، وَفِي مجْلِس النّظر مَا أنظرهُ، وَفِي الْفِقْه مَا أثْبته وأفصحه، وَفِي الْوَعْظ على الْمِنْبَر مَا أتقنه وأنصحه. وَقَالَ غَيره: سمع الحَدِيث بخراسان وَالْعراق. قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَت وِلَادَته - تَقْديرا - فِي حُدُود سنة سبعين وَثَلَاث مئة. وَحدث بسرخس ب " السّنَن " لأبي دَاوُد، عَن القَاضِي أبي عمر الْهَاشِمِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 (137 - أَحْمد بن مُوسَى [245 - 324] ) ابْن الْعَبَّاس بن مُجَاهِد، أَبُو بكر الْمُقْرِئ. إِمَام الْقُرَّاء فِي وقته وَبعده، والمقدم فِي علم الْقُرْآن ومعارفه. وَسمع الحَدِيث، وَحدث بِهِ عَن: عبد الله بن أَيُّوب المخرمي، وسعدان بن نصر، والرمادي، والصغاني، وعباس الدوري، وَخلق كثير من طبقتهم وَمِمَّنْ بعدهمْ. وَمِمَّنْ روى عَنهُ غير وَاحِد من الْأَعْلَام: كالدارقطني، والجعابي، وَابْن شاهين، وَأبي طَاهِر ابْن أبي هَاشم، وَغَيرهم. قَالَ الْخَطِيب: وَكَانَ ثِقَة مَأْمُونا، يسكن الْجَانِب الشَّرْقِي، وَذكر بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب أَنه قَالَ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ ومئتين: مَا بَقِي فِي عصرنا هَذَا أحد أعلم بِكِتَاب الله تَعَالَى من أبي بكر ابْن مُجَاهِد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وَكَانَ - رَحمَه الله - من أهل الظّرْف، قد جَاءَ عَنهُ فِي ذَلِك أَشْيَاء، وَخرج يَوْمًا فَقَالَ: من قَرَأَ بِقِرَاءَة أبي عَمْرو، وتمذهب بِمذهب الشَّافِعِي، واتجر بالبز، وروى من شعر ابْن المعتز؛ فقد كمل ظرفه. وَفِي رِوَايَة: وتفقه بِفقه الشَّافِعِي، وَلَيْسَ فِيهَا الْبَز وَالشعر، كَأَنَّهُ كَانَ يتَكَرَّر هَذَا الْكَلَام مِنْهُ على وُجُوه مُتعَدِّدَة. وروى الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الْفضل الزُّهْرِيّ قَالَ: انتبه أبي فِي اللَّيْلَة الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَبُو بكر ابْن مُجَاهِد الْمُقْرِئ، فَقَالَ: يَا بني، ترى من مَاتَ اللَّيْلَة؟ فَإِنِّي قد رَأَيْت فِي مَنَامِي كَأَن قَائِلا يَقُول: مَاتَ اللَّيْلَة مقوم وَحي الله عز وَجل مُنْذُ خمسين سنة، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذا ابْن مُجَاهِد قد مَاتَ. وَعَن أبي عَليّ عِيسَى بن مُحَمَّد الطوماري قَالَ: رَأَيْت أَبَا بكر ابْن مُجَاهِد فِي النّوم كَأَنَّهُ يقْرَأ، وَكَأَنِّي أَقُول لَهُ: يَا سَيِّدي، أَنْت ميت، وتقرأ؟ ! وَكَأَنَّهُ يَقُول لي: كنت أَدْعُو فِي دبر كل صَلَاة، وَعند ختم الْقُرْآن أَن يَجْعَلنِي مِمَّن يقْرَأ فِي قَبره، فَأَنا مِمَّن يقْرَأ فِي قَبره رَضِي الله عَنهُ. مَاتَ رَحمَه الله فِي شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مئة بِبَغْدَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 قَالَ الْخَطِيب: حَدثنِي الْأَزْهَرِي قَالَ: سَمِعت عِيسَى بن عَليّ بن عِيسَى الْوَزير يَقُول: أتيت أَبَا بكر ابْن مُجَاهِد عَائِدًا، وَأطَال عِنْده قوم حَضَرُوا لعيادته، فَقَالَ لي: يَا أَبَا الْقَاسِم، عِيَادَة ثمَّ مَاذَا؟ فصرف من حضر، وهممت بالانصراف، فَأمرنِي بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، ثمَّ أَنْشدني عَن مُحَمَّد بن الجهم: (لَا تفجرن مَرِيضا جِئْت عائده ... إِن العيادة يَوْم إِثْر يَوْمَيْنِ) (بل سَله عَن حَاله وادع الْإِلَه لَهُ ... واقعد بِقدر فوَاق بَين حلبين) (من زار غبا أَخا دَامَت مودته ... وَكَانَ ذَاك صلاحا للخليلين) قلت: قَوْله: بَين حلبين، أَي: بَين الشخبين، لَا بَين سَاعَتِي الْحَلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 (138 - إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم [352 - 429] ) ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، أَبُو يَعْقُوب الْحَافِظ - الْمَعْرُوف ب: القراب - السَّرخسِيّ ثمَّ الْهَرَوِيّ. وَهُوَ أَخُو إِسْمَاعِيل أبي مُحَمَّد الْمُقْرِئ الْفَقِيه. قَالَ الفامي: هُوَ أحد الْأَئِمَّة، وأوحد الْحفاظ، لَهُ تصانيف كَثِيرَة. ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَلَاث مئة، وَتُوفِّي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبع مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 (139 - أسعد بن مُحَمَّد [461 - 527 ظنا] ) ابْن أبي نصر الميهني، أَبُو الْفَتْح الْفَقِيه النظار، صَاحب الطَّرِيقَة الأسعدية المعزوة إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: تفقه على الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ، وعَلى الْمُوفق الْهَرَوِيّ بمرو، وبرع فِي الْفِقْه، وفَاق أقرانه فِي حِدة الخاطر، وَقُوَّة الِاعْتِرَاض، وجري اللِّسَان وقهر الْخُصُوم. وَكَانَ وَالِد أبي سعد الإِمَام أَبُو بكر ابْن الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ قد استنابه فِي التدريس بالنظامية بمرو، فَتَوَلّى ذَلِك. وتفقه عَلَيْهِ جمَاعَة، ثمَّ خرج من مرو إِلَى غزنة فَأكْرم مورده، وَبلغ إِلَى لوهور وشاع فِي تِلْكَ الديار ذكره بِالْفَضْلِ وَالنَّظَر، وَحصل على مبلغ من العبيد والخدم وَالْأَمْوَال، وَانْصَرف مِنْهَا، وَقصد الْعرَاق، فورد بَغْدَاد وفوض إِلَيْهِ تدريس الْمدرسَة النظامية بهَا، وعلق عَنهُ جمع كثير " تعليقته " فِي الْخلاف، وطار ذكره فِي الأقطار، ورحلت إِلَيْهِ طلبة الْعلم من الْأَمْصَار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 قدم مرو رَسُولا من جِهَة السُّلْطَان مَحْمُود، وَرجع من خُرَاسَان إِلَى الْعرَاق، وَكَانَت سوقه قد فترت، وَلم تزل حَاله صاعدة ونازلة حَتَّى أدْركهُ قَضَاء الله عز وَجل بهمذان بعد الْعشْرين وَخمْس مئة، رَحمَه الله. قَالَ أَبُو سعد: سمع بنيسابور بِقِرَاءَة وَالِدي، وَمَا أَظن أَنه روى شَيْئا من الحَدِيث، سمع أَبَا بكر الشيروي وَغَيره. قَالَ أَبُو سعد: سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عَليّ الْخَطِيب يَقُول: سَمِعت فَقِيها من أهل قزوين - وَكَانَ يخْدم الإِمَام أسعد فِي آخر عمره بهمذان - قَالَ: كُنَّا مَعَه فِي بَيت حِين قرب مَوته فَقَالَ لنا: اخْرُجُوا من هَا هُنَا، فخرجنا، فوقفت على الْبَاب وتسمعت، فَسَمعته يلطم وَجهه وَيَقُول: واحسرتا على مَا فرطت فِي جنب الله، وَجعل يبكي ويلطم وَجهه ويردد هَذِه الْكَلِمَة إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله. هَذَا كَلَامه أَو مَعْنَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 (140 - إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم [بعد 330 - 414] ) ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، أَبُو مُحَمَّد الْفَقِيه الْمُقْرِئ السَّرخسِيّ الْهَرَوِيّ ابْن القراب. أَخُو الْحَافِظ إِسْحَاق القراب. أَخذ عَن الداركي، وصنف فِي عُلُوم، وَله تأليف فِي " مَنَاقِب الشَّافِعِي "، وَكتاب فِي " دَرَجَات التائبين ". لَقِي وَسمع عُلَمَاء جمة وحفاظا مِنْهُم: أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ. مَاتَ فِي شعْبَان سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مئة. قَالَ الْحَافِظ أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الشِّيرَازِيّ ثمَّ الْبَغْدَادِيّ - وَمن خطه نقلت - قَالَ: كَانَ فِي عدَّة من الْعُلُوم إِمَامًا، مِنْهَا: الحَدِيث، ومعاني الْقُرْآن، والقراءات، وَالْفِقْه، وَالْأَدب، وَله تصانيف كَثِيرَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 كلهَا فِي غَايَة الْحسن، مِنْهَا فِي علم الْقُرْآن: كتاب " الشافي "، وَكتاب " الْكَافِي "، وَفِي علم الحَدِيث: كتاب " الْجمع بَين الصحيحن " البُخَارِيّ وَمُسلم، وَغير ذَلِك. وَكَانَ فِي الزّهْد والتقلل من الدُّنْيَا آيَة، وَفِي الْأَمَانَة بِلَا نَظِير، فَلم تَجِد سوق فَضله بهراة نفَاقًا، وَلم يرْزق عزة علمه بهَا إنفاقا، وَكَانَ الصول إِذْ ذَاك للْإِمَام يحيى بن عمار رحمهمَا الله تَعَالَى. قلت: هَذَا كُله أَو أَكْثَره كَلَام أبي النَّضر الفامي فِي " تَارِيخه " لهراة. وَقد رَأَيْت بنيسابور كِتَابه " الْكَافِي " فِي علم الْقرَاءَات، وَهُوَ كتاب ممتع يشْتَمل على علم كثير فِي مجلدات عدَّة. قَالَ: وَفِيمَا قرأته من كِتَابه فِي " مَنَاقِب الشَّافِعِي ": لقِيت جمَاعَة من أَصْحَاب أبي الْعَبَّاس - يَعْنِي: ابْن سُرَيج - فَمنهمْ من سمع الحَدِيث مِنْهُ، وَمِنْهُم من تفقه عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من حكى لي عَنهُ حكايات. " وَذكر الْعَبَّادِيّ فِي موضِعين من " كِتَابه " أَنه من تلامذة الداركي من أَصْحَابنَا، وَالله أعلم. وَقد قَالَ فِيمَا قرأته من كِتَابه " المناقب ": سَمِعت الإِمَام أَبَا الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن عبد الله الداركي بِبَغْدَاد فِي درسه يَقُول: حُكيَ لي أَنه صلى على أَحْمد بن حَنْبَل سِتّ مئة ألف رجل، وَسِتُّونَ ألف امْرَأَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وَوجدت عَن الْحَاكِم أبي عبد الله أَنه ذكره، فَقَالَ: كَانَ من صالحي أهل الْعلم والمقدمين فِي معرفَة القاراءات، طلب الْعلم بخراسان وَالْعراق، وَهُوَ من أجل بَيت لأهل الحَدِيث بهراة. وَحدث الْحَاكِم عَنهُ بِسَنَد لَهُ عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَن امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا: يَا سفلَة، فَقَالَ لَهَا: إِن كنت سفلَة فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا، فاختصما إِلَى أبي حنيفَة، فَقَالَ للزَّوْج: أحائك أَنْت؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أسماك أَنْت؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أحجام أَنْت؟ قَالَ: لَا، قَالَ قُم، فلست سفلَة. قلت: لَعَلَّه علم عروه عَن بَاقِي أَسبَاب السفالة فَلم يسْأَله؛ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ منحصرة فِي هَذِه الثَّلَاثَة، فَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 (141 - إِسْمَاعِيل [333 - 396] ) ابْن الإِمَام أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الْإِسْمَاعِيلِيّ الْجِرْجَانِيّ، أَبُو سعد. الإِمَام ابْن الإِمَام. قَالَ أَبُو الْقَاسِم حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِي: كَانَ أَبُو سعد إِمَام زَمَانه، مقدما فِي الْفِقْه، وأصول الْفِقْه، والعربية، وَالْكِتَابَة، والشروط. صنف فِي أصُول الْفِقْه كتابا كَبِيرا سَمَّاهُ " تَهْذِيب النّظر "، وَله كتاب " الْأَشْرِبَة "، ورد على الْجَصَّاص الرَّازِيّ، ودرس الْفِقْه سِنِين كَثِيرَة، - وَفِي رِوَايَة: درس الْفِقْه وَالْكَلَام - وَتخرج على يَده جمَاعَة من الْفُقَهَاء من أهل جرجان وطبرستان وَغَيرهمَا من الْبلدَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَكَانَ فِيهِ من الْخِصَال المحمودة الَّتِي لَا تحصى من الْوَرع الثخين، والمجاهدة فِي الْعِبَادَة، وَالْعلم، والاهتمام بِأُمُور الدّين، والنصيحة لِلْإِسْلَامِ، وَحسن الْخلق، وطلاقة الْوَجْه، والسخاء فِي الْإِطْعَام، وبذل المَال، وَمَا لَا أقدر أَن أحصيه، فرحمة الله ورضوانه عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي تَرْجَمَة أَبِيه أبي بكر: أما أَبُو سعد فَصَارَ إِمَامًا فِي الْعلم، مبرزا فِي الْفِقْه، لم يكن لَهُ نَظِير فِي زَمَانه. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: جمع لأبي سعد بَين رئاسة الدّين وَالدُّنْيَا بجرجان، وَكَانَ فَقِيها، أديبا، جوادا، أَخذ الْعلم عَن أَبِيه أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَفِيه وَفِي أَخِيه أبي نصر وأبيهما أبي بكر يَقُول الصاحب بن عباد فِي رسَالَته إِلَيْهِ: وَأما الْفَقِيه أَبُو نصر فَإِذا حَدثنَا وَأخْبرنَا فصادع وصادق، وناقد وناطق، وَأما أَنْت أَيهَا الْفَقِيه أَبُو سعد فَمن يراك كَيفَ تدرس وتفتي، وتحاضر وتروي، وتكتب وتملي؛ علم أَنَّك الحبر ابْن الحبر، وَالْبَحْر ابْن الْبَحْر، والضياء ابْن الْفجْر، وَأَبُو سعد ابْن أبي بكر، فرحم الله شيخكم الْأَكْبَر، فَإِن الثَّنَاء عَلَيْهِ غنم، وَالنِّسَاء بِمثلِهِ عقم، فليفخر بِهِ أهل جرجان مَا سَالَ واديها، وَأذن مناديها. وَذكر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ أَبَا سعد فَقَالَ: كَانَ ثِقَة، فَاضلا، سخيا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 جوادا، مفضلا على أهل الْعلم. قَالَ: والرئاسة بجرجان إِلَى الْيَوْم فِي وَلَده وَأهل بَيته. قَالَ الْخَطِيب: سَمِعت القَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ يَقُول: ورد أَبُو سعد الْإِسْمَاعِيلِيّ بَغْدَاد حَاجا فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، فَلم يقْض لَهُ الْخُرُوج، فَأَقَامَ سنة حَتَّى حج من الْعَام الْمقبل، وَحدث بِبَغْدَاد، وَعقد لَهُ الْفُقَهَاء مجلسين ولي أَحدهمَا أَبُو حَامِد الإسفارييني، وَالْآخر أَبُو مُحَمَّد البافي - هُوَ بِالْبَاء وَالْفَاء - فَبعث البافي إِلَى القَاضِي أبي الْفرج الْمعَافى بن زَكَرِيَّا بِابْنِهِ أبي الْفضل يسْأَله حُضُور الْمجْلس، وَكتب على يَده هذيه الْبَيْتَيْنِ: (إِذا أكْرم القَاضِي الْجَلِيل وليه ... وَصَاحبه ألفاه للشكر موضعا) (ولي حَاجَة يَأْتِي بنيي بذكرها ... ويسأله فِيهَا التطول أجمعا) فَأَجَابَهُ أَبُو الْفرج: (دَعَا الشَّيْخ مطواعا سميعا لأَمره ... يواتيه باعا حَيْثُ يرسم أصبعا) (وَهَا أَنا غاد فِي غَد نَحْو دَاره ... أبادر مَا قد حَده لي مسرعا) وَعَن حَمْزَة السَّهْمِي قَالَ: حضرت يَوْمًا مجْلِس الإِمَام أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ على بَاب دَاره نَنْتَظِر خُرُوجه، فَخرج وَهُوَ مُسْتَبْشِرٍ، وَبِيَدِهِ " جُزْء "، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 فَجَلَسَ وَقَالَ: أَنْشدني ابْني أَبُو سعد وأنشدنا، ثمَّ أنشدنا أَبُو سعد بَعْدَمَا أنشدنا وَالِده عَنهُ: (إِنِّي ادخرت ليَوْم ورد منيتي ... عِنْد الْإِلَه من الْأُمُور خطيرا) (وَهُوَ الْيَقِين بِأَنَّهُ الْأَحَد الَّذِي ... مَا زلت مِنْهُ بفضله مغمورا) (وشهادتي أَن النَّبِي مُحَمَّدًا ... كَانَ الرَّسُول مبشرا وَنَذِيرا) (وبراءتي من كل شرك قَالَه ... من لَا يقر بفضله مَقْدُورًا) (ومحبتي آل النَّبِي وَصَحبه ... كلا أرَاهُ بالجميل جَدِيرًا) (وتمسكي بالشافعي وَعلمه ... ذَاك الَّذِي فتق الْعُلُوم بحورا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 (142 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد [000 - بعد 334] ) ابْن الْحسن الشَّاشِي، أَبُو سُرَيج - بِالْجِيم - النقاض. رَأَيْت بِخَطِّهِ نسبته ونعته هَكَذَا، واستبنت ضبط ذَلِك من خطّ أبي سعد السَّمْعَانِيّ. أَخذ عَن الْفَقِيه أبي خلف مُحَمَّد بن عبد الْملك الطَّبَرِيّ السّلمِيّ وَجَمَاعَة من أهل تِلْكَ الطَّبَقَة. رَأَيْت من " تَعْلِيقه فِي أصُول الْفِقْه " عَن أبي خلف، وَفِي بعضه أَنه فرغ مِنْهُ بغزنة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة. وَرَأَيْت من " تَعْلِيقه فِي أصُول الدّين " عَن غَيره. وَأخذ عَن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم عبد الْجَبَّار الإِسْفِرَايِينِيّ، وَفِيمَا قرأته بِخَطِّهِ عَن أبي الْقَاسِم هَذَا قَالَ: صنف الشَّيْخ سهل الصعلوكي فِي مَسْأَلَة " نسخ الْكتاب بِالسنةِ " أَنه لَا يجوز، وَأورد دَلَائِل أصفر وأحمر، فنقض الْأُسْتَاذ ابْن فورك ذَلِك الْكتاب بِمثل تِلْكَ الدَّلَائِل أَيْضا. وَرَأَيْت بِخَطِّهِ مسَائِل مذهبية سَمعهَا من القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله، وَمِنْهَا قَالَ: سَمِعت القَاضِي الإِمَام رَضِي الله عَنهُ يَقُول: كَانَ الشَّيْخ الْقفال رَحمَه الله يكْتب: خطب فلَان بن فلَان فُلَانَة بنت فلَان إِذا عقد النِّكَاح، وَتارَة كَانَ يكْتب: تزوج فلَان بن فلَان فُلَانَة بنت فلَان، وَمَا كَانَ يكْتب: أقرّ فلَان أَنه تزوج فُلَانَة، لِأَنَّهُ إِخْبَار عَمَّا كَانَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 (143 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد [361 - بعد 430] ) ابْن عبد الله، أَبُو عبد الرَّحْمَن الضَّرِير الْحِيرِي. نيسابوري، والحيرة محلّة بهَا، وَهُوَ صَاحب " الْكِفَايَة " فِي التَّفْسِير، وَغَيره. قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: الْحِيرِي كتبنَا عَنهُ، وَنعم الشَّيْخ كَانَ؛ فضلا، وعلما، وَمَعْرِفَة، وفهما، وَأَمَانَة، وصدقا، وديانة، وخلقا. وَقَالَ الْخَطِيب: سُئِلَ إِسْمَاعِيل الْحِيرِي عَن مولده، فَقَالَ وَأَنا أسمع: ولدت فِي رَجَب من سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة. قَالَ: وَلما ورد بَغْدَاد كَانَ قد اصطحب مَعَه كتبه عَازِمًا على الْمُجَاورَة بِمَكَّة، وَكَانَت وقر بعير، وَفِي جُمْلَتهَا " صَحِيح " البُخَارِيّ، وَكَانَ قد سَمعه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 أبي الْهَيْثَم الْكشميهني، عَن الْفربرِي، فَلم يقْض لقافلة الحجيج النّفُوذ فِي تِلْكَ السّنة لفساد الطَّرِيق، وَرجع النَّاس، فَعَاد إِسْمَاعِيل مَعَهم إِلَى نيسابور، وَلما كَانَ قبل خُرُوجه بأيام خاطبته فِي قِرَاءَة كتاب " الصَّحِيح "، فَأَجَابَنِي إِلَى ذَلِك، فَقَرَأت جَمِيعه عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَة مجَالِس. قَالَ: وحَدثني مَسْعُود بن نَاصِر السجْزِي أَنه مَاتَ بعد سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة بتستر. وَحكى أَبُو الْفضل ابْن خيرون أَنه سنة ثَلَاثِينَ مَاتَ بنيسابور. وَحدث - فِيمَا ذكره الْخَطِيب - بِبَغْدَاد عَن أبي طَاهِر حفيد ابْن خُزَيْمَة، وَأبي بكر الجوزقي، وزاهر السَّرخسِيّ، وَغَيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 (144 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد [452 - 532] ) ابْن عبد الْملك بن عَليّ بن عبد الصَّمد النَّيْسَابُورِي. أَبُو سعد ابْن أبي صَالح الْمُؤَذّن، من أهل نيسابور، أوطن كرمان. حكى أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ أَنه كَانَ فَاضلا، مبرزا، ذَا رَأْي وعقل وتدبير، وَفضل وافر، وَعلم غزير. قدم بَغْدَاد عدَّة نوب رَسُولا. تفقه على الامام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ، وعَلى الإِمَام أبي الْمَعَالِي ابْن الْجُوَيْنِيّ، وَكَانَ تفقه قبلهمَا على أبي الْقَاسِم الفوشنجي، وبرع فِي الْفِقْه، وَكَانَ ظريف الْمُشَاهدَة، حسن المعاشرة فِي شبيبته، وَكَانَت الصُّدُور وَالْأَئِمَّة يرعون حَقه لحق أَبِيه، ولفضله المضموم إِلَى أَصله، ثمَّ إِنَّه سَافر إِلَى كرمان، فَوَقع مورده مرودا حسنا من ملكهَا، واحتظى بِالْقبُولِ عِنْد الصحاب مكرم بن الْعَلَاء، فحظي بالعز والجاه والثروة والتجمل، وَبَقِي على ذَلِك عِنْدهم مكرما مبجلا إِلَى حِين وَفَاته، وَكَانَ مكثرا من سَماع الحَدِيث لكَونه ولد بَين الْمُحدثين وَنَشَأ فيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 سمع أَبَاهُ أَبَا صَالح الْحَافِظ، وَأحمد بن مَنْصُور المغربي، والأستاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي، وَأَبا نصر بن مُوسَى التَّاجِر، وَالْإِمَام أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ، وَالْإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَالْإِمَام أَبَا المظفر مَنْصُور بن مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ، وَفَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، وَالْقَاضِي أَبَا عَمْرو مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن النسوي، وابا بكر المظفر بن أَحْمد الْبَغَوِيّ، وَغَيرهم. وَخرج لَهُ أَخُوهُ صَالح بن أبي صَالح مئة حَدِيث عَن مئة شيخ. سمع مِنْهُ الْخلق، سمع مِنْهُ: أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي، وَحدث عَنهُ فِي " مُعْجم الْبلدَانِ ". ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبع مئة، وَتُوفِّي ببردسير كرمان يَوْم الْجُمُعَة آخر يَوْم من شهر رَمَضَان، وَدفن يَوْم الْعِيد من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 (145 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد [454 - بعد 500] ) ابْن عمر السَّمرقَنْدِي، أَبُو الْقَاسِم. ذكره الْحَافِظ الأوحد أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي " مُعْجَمه " فِي شُيُوخه البغداديين، وَفِي ذَلِك رفْعَة لَهُ، فَقَالَ: ثِقَة، وَله أنس بِمَعْرِِفَة الرِّجَال دون معرفَة أَخِيه أبي مُحَمَّد الْحَافِظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 (146 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد [000 - 000] ) ابْن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل القَاضِي، أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَامِد الْإِسْمَاعِيلِيّ الطوسي. كَانَ أَبوهُ أَبُو حَامِد مقدما فِي أَصْحَاب ابْن سُرَيج. وَأما أَبُو مُحَمَّد فقد ذكر الْحَاكِم - فِيمَا رُوِيَ عَنهُ - أَنه سمع الحَدِيث قبله وَمَعَهُ، وتقلد الْقَضَاء بخراسان غير مرّة، وَحدث. وروى عَنهُ الْحَاكِم رحمهمَا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 (147 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد [000 - 000] ) ابْن مُحَمَّد الرَّوْيَانِيّ. وَالِد صَاحب " بَحر الْمَذْهَب " القَاضِي أبي المحاسن الرَّوْيَانِيّ عبد الْوَاحِد. حكى عَنهُ وَلَده فِي مَسْأَلَة الْمُتَيَمم الْمُسَافِر إِذا رأى المَاء فِي أثْنَاء صلَاته: قَالَ وَالِدي الإِمَام رَحمَه الله: يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة لانه عَاد إِلَى حكم الْحَدث بعد التسليمة الأولى، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 (148 - إِسْمَاعِيل بن الفضيل [000 - 488] ) أَبُو مُحَمَّد الفضيلي. وَالِد الإِمَام أبي عَاصِم الصَّغِير الْهَرَوِيّ. ذكره أَبُو النَّضر عبد الرَّحْمَن الْهَرَوِيّ فِي " تَارِيخه " لَهَا، فَقَالَ: هُوَ الْفَحْل المقرم، وَالْإِمَام الْمُقدم فِي فنون الْفضل وأنواع الْعلم. توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة. ثمَّ خَلفه وَلَده الإِمَام أَبُو الْفضل مُحَمَّد أحسن الْخلَافَة، ومجالس " أَمَالِيهِ " فِي حسن ترتيبها، وجزالة ألفاظها فِي تهذيبها؛ مخبرة بِأَنَّهُ يغْرف من بَحر قعير، وَله من النّظم المعجب، والنثر المعجز، والألفاظ الرشيقة، والمعاني الأنيقة مَا هُوَ بِهِ متفرد. أنْشد أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ بِإِسْنَادِهِ لأبي مُحَمَّد الفضيلي رَحمَه الله: (تعود أَيهَا الْمِسْكِين صمتا ... فَنعم جَوَاب من آذَاك ذاكا) (وَإِن عوفيت مِمَّا عفت فافتح ... بِحَمْد للَّذي عافاك فاكا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 (149 - إِسْمَاعِيل بن نجيد [272 - 365] ) ابْن أَحْمد بن يُوسُف بن خَالِد، أَبُو عَمْرو بن نجيد السّلمِيّ. رُوِيَ عَن الْحَاكِم أَن أَبَا عَمْرو كَانَ قد ورث من آبَائِهِ أَمْوَالًا كَثِيرَة، فحبس مِنْهَا قوته وقوت من وَرَاءه، وَأنْفق سائرها على الْعلمَاء ومشايخ الزّهْد. وَصَحب من أَئِمَّة الْحَقَائِق: أَبَا عُثْمَان الْحِيرِي وأقرانه بخراسان، وَأَبا الْقَاسِم الْجُنَيْد وأقرانه بالعراق، وَسمع الحَدِيث بخراسان من أبي عبد الله البوشنجي، وَإِبْرَاهِيم بن أبي طَالب، والجارودي، وأقرانهم، وبالري: عَليّ بن الْحُسَيْن ابْن الْجُنَيْد، وَمُحَمّد بن أَيُّوب، وأقرانهما، وبالعراق: عبد الله بن أَحْمد ابْن حَنْبَل، وَأَبا مُسلم الْكَجِّي، وأقرانهما. توفّي رَحمَه الله فِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة، وَدفن بشاهنبر من مَقَابِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وَذكر أَنه سمع أَبَا سعيد بن أبي بكر بن أبي عُثْمَان يذكر أَن جده أَبَا عُثْمَان طلب شَيْئا لبَعض الثغور، فَتَأَخر عَنهُ، فَضَاقَ صَدره، وَبكى على رُؤُوس النَّاس، فَأَتَاهُ أَبُو عَمْرو بن نجيد بعد الْعَتَمَة بكيس فِيهِ ألفا دِرْهَم، ففرح بِهِ أَبُو عُثْمَان، ودعا لَهُ، وَلما جلس فِي مَجْلِسه قَالَ: أَيهَا النَّاس، لقد رَجَوْت لأبي عَمْرو، فَإِنَّهُ نَاب عَن الْجَمَاعَة فِي ذَلِك الْأَمر، وَحمل كَذَا وَكَذَا، فجزاه الله عني خيرا، فَقَامَ أَبُو عَمْرو على رُؤُوس النَّاس، وَقَالَ: إِنَّمَا حملت ذَلِك من مَال أُمِّي وَهِي غير راضية بِهِ، فَيَنْبَغِي أَن ترده عَليّ لأرده عَلَيْهَا، فَأمر أَبُو عُثْمَان بذلك الْكيس فأخرح إِلَيْهِ، وتفرق النَّاس، فَلَمَّا جن اللَّيْل جَاءَ إِلَى أبي عُثْمَان فِي مثل ذَلِك الْوَقْت، وَقَالَ: يُمكن أَن تجْعَل هَذَا فِي ذَلِك الْوَجْه من حَيْثُ لَا يعلم بِهِ غَيرنَا، فَبكى أَبُو عُثْمَان. وَكَانَ يَقُول بعد ذَلِك: أَنا أخْشَى من همة أبي عَمْرو. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت إِسْمَاعِيل بن نجيد السّلمِيّ يَقُول: أنشدوني للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ: (كساني رَبِّي إِذْ عريت عِمَامَة ... جَدِيدا وَكَانَ الله يخبوها ليا) (وقيدني رَبِّي بِقَيْد مدَاخِل ... فأعيت يَمِيني حلَّة وشماليا) قلت: وَترى: ( ... ... ... ... . عِمَامَة ... من الشيب كَانَ ... ... ... ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 (بَاب الْبَاء) (150 - باي بن جَعْفَر [000 - 452] ) ابْن باي، أَبُو مَنْصُور الجيلي - بِكَسْر الْجِيم وياء مثناة من تَحت - من جيلان. وباي؛ يخط ابْن مَرْزُوق فِيمَا نَقله من خطّ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: بياء مُشَدّدَة. وبخط هبة الله السَّقطِي؛ فِيمَا كتب عَن أبي الْفضل ابْن خيرون: بباءين؛ بَابي، وَذكر فِي الْحَاشِيَة أَنه بياءين مُعْجمَة بِاثْنَتَيْنِ. وَقد تصحف على أبي سعد السَّمْعَانِيّ، فَقَالَ: بأبى، بباء مُوَحدَة مَفْتُوحَة. كَانَ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور باي هَذَا من مدرسي أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ. قَالَ أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن عبد الله الشُّرُوطِي: سكن مَدِينَة السَّلَام، وَأخذ الْعلم بهَا عَن الشَّيْخ أبي حَامِد، ودرس بعده. وَشهد عِنْد قَاضِي الْقُضَاة أبي عبد الله الدَّامغَانِي، وَولي الْقَضَاء بِبَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 الطاق وحريم دَار الْخلَافَة، وَكَانَت لَهُ حَلقَة بِجَامِع الْمَدِينَة، وَحكى أَنه لما أَرَادَ أَخذ الْحلقَة سَأَلَ الرؤساء عَن اسْمه، فَقيل: باي، فَقَالَ: كَيفَ نعطي الْحلقَة من اسْمه هَذَا؟ ! فَغَيره وصيره: عبد الله. قَالَ الْخَطِيب: وَسمع الحَدِيث من أبي الْحسن ابْن الجندي - هُوَ بِضَم الْجِيم - وَأبي الْقَاسِم الصيدلاني، وَعبد الرَّحْمَن بن عمر الْخلال وَغَيرهم، كتبنَا عَنهُ، وَكَانَ ثِقَة، وَمَات فِي أول الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبع مئة. نبئنا عَن غير وَاحِد، عَن الْخَطِيب، أخبرنَا أَبُو مَنْصُور باي الجيلي، أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمرَان، أخبرنَا مُحَمَّد بن يحيى، حَدثنِي عبد الله بن المعتز، حَدثنَا عبد الله بن هَارُون النَّحْوِيّ، عَن مُحَمَّد بن عَطِيَّة مؤدب الْمُهْتَدي قَالَ: قَالَ الْمُهْتَدي: كنت أَمْشِي مَعَ الواثق فِي صحن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 دَاره، فَقَالَ: ادْع لي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس فدعوت لَهُ، فَقَالَ: اكْتُبْ، فَكتبت: (تَنَح عَن الْقَبِيح وَلَا ترده ... من أوليته حسنا فزده) (ستكفى من عَدوك كل كيد ... إِذا كَاد الْعَدو وَلم تكده) ثمَّ قَالَ: اكْتُبْ: (هِيَ الْمَقَادِير تجْرِي فِي أعنتها ... واصبر فَلَيْسَ لَهَا صَبر على حَال) ثمَّ أفكر طَويلا، فَلم يَأْته شَيْء، فَقَالَ: حَسبك. والمهتدي هُوَ ابْن الواثق، وكل خَليفَة، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 (بَاب الْجِيم) (151 - جَعْفَر بن باي [000 - 417] ) أَبُو مُسلم الجيلي. كَانَ أحد أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد، وَهُوَ وَالِد أبي مَنْصُور باي الَّذِي تقدم فِي حرف الْبَاء. قَالَ الْخَطِيب: ورد بَغْدَاد، فدرس بهَا فقه الشَّافِعِي على أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، ثمَّ نزل قَرْيَة يُقَال لَهَا: بزيذي - وَهِي بباء مُوَحدَة، ثمَّ زَاي مكسورتين، ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة، ثمَّ ذال مُعْجمَة - وَبنى بهَا، وَكَانَ يقدم فِي الْأَوْقَات إِلَى بَغْدَاد، فسمعنا مِنْهُ فِي جَامع الْمَدِينَة، وَكَانَ ثِقَة، فَاضلا، دينا، عَالما، وَسمع الحَدِيث من أبي بكر الْمُقْرِئ، وَابْن بطة العكبري، وَإنَّهُ مَاتَ سنة سبع عشرَة وَأَرْبع مئة بِتِلْكَ الْقرْيَة وَدفن بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 (152 - الْجُنَيْد بن مُحَمَّد [462 - 547] ) أَبُو الْقَاسِم الصُّوفِي الْفَقِيه. شَارك فِي هَذَا كُله سيد الطَّائِفَة الْمُتَقَدّم الْمُقدم أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد رَضِي الله عَنْهُمَا. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِيمَا خرجه لَهُ: الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد بن مُحَمَّد بن عَليّ القايني، نزيل هراة، كَانَ إِمَامًا، فَاضلا، متقنا، ورعا، عَالما، عَاملا بِعِلْمِهِ. تفقه على جدي الْأَعْلَى - يَعْنِي: أَبَا المظفر - وَعبد الرَّحْمَن الزاز. سَمِعت مِنْهُ الْكثير. توفّي بهراة فِي الرَّابِع عشر من شَوَّال، سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة. قَالَ أَبُو سعد: أنشدنا أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد بن مُحَمَّد بن عَليّ القايني بهراة، أَنْشدني مُحَمَّد بن الْحسن الْمَكِّيّ - هُوَ الْحَرْبِيّ - قَالَ: أَنْشدني أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله الْجوزجَاني بغزنة لنَفسِهِ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 (الْعلم لَا يعطيك مَحْض لبابه ... حَتَّى تفارق خفض حالك والدعه) (والمرء لَا يزور عَنهُ جانبا ... إِلَّا قلاه علمه أَو ودعه) وَذكره أَبُو سعد فِي " المذيل " بِمَا مُخْتَصره أَنه كَانَ زاهدا، ورعا، كيسا، ثِقَة، صَدُوقًا، حسن الْأَخْلَاق، كثير التَّهَجُّد وَالْعِبَادَة، وتفقه بمرو على أبي المظفر السَّمْعَانِيّ، وَصَحب الشَّيْخ عبد الْعَزِيز القايني وخدمه، وَعنهُ أَخذ التصوف. قَالَ: وَعرض عَليّ تعاليقه فِي " الْمُتَّفق والمختلف " عَن جدي ووالدي، وأسعد ابْن أبي نصر الميهني. كتب عَنهُ أَبُو سعد بهراة كثيرا، وَسمع مِنْهُ وَلَده شَيخنَا أَبُو المظفر كثيرا. سمع الحَدِيث من أبي الْفضل الْحَافِظ الطبسي بهَا، وَأبي مَنْصُور ابْن شكرويه القَاضِي الْأَصْبَهَانِيّ بهَا، وَأبي عَطاء المليحي الْهَرَوِيّ بهَا، وَأبي سعد ابْن أبي صَادِق النَّيْسَابُورِي بهَا، وَغير هَؤُلَاءِ. ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 (بَاب الْحَاء) (153 - الْحَارِث بن أَسد [000 - 243] ) أَبُو عبد الله المحاسبي شيخ الْجُنَيْد، وَأحد الْعلمَاء الزهاد. وَسمي المحاسبي - فِيمَا قرأته بِخَط أبي سعد السَّمْعَانِيّ - لانه كَانَ يُحَاسب نَفسه. قَالَ: وَقيل: لِأَنَّهُ كَانَت لَهُ حَصى يعدها ويحسبها حَالَة الذّكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 عده الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور التَّمِيمِي فِي الطَّبَقَة الاولى من الشَّافِعِيَّة فِيمَن صحب الشَّافِعِي، وَقَالَ: إِمَام الْمُسلمين فِي الْفِقْه، وَالْأُصُول، والتصوف، والْحَدِيث، وَالْكَلَام، وَكتبه فِي هَذِه الْعُلُوم أصُول من يصنف فِيهَا، وَإِلَيْهِ ينْسب أَكثر متكلمي الصفاتية. وَقَالَ أَيْضا: لَو لم يكن فِي أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الْفِقْه، وَالْكَلَام، وَالْأُصُول، وَالْقِيَاس، والزهد، والورع، والمعرفة، إِلَّا الْحَارِث بن أَسد المحاسبي لَكَانَ مغبرا فِي وُجُوه مخالفيه، وَالْحَمْد لله على ذَلِك. قلت: وصحبته للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ لم أر أحدا ذكرهَا سواهُ، وَلَيْسَ أَبُو مَنْصُور من أهل هَذَا الْفَنّ فيعتمد فِيمَا تفرد بِهِ، والقرائن شاهدة بانتفائها ذكره الْخَطِيب أَبُو بكر، فَقَالَ: أحد من اجْتمع لَهُ الزّهْد الْمعرفَة بِعلم الظَّاهِر وَالْبَاطِن، وَحدث عَن يزِيد بن هَارُون وطبقته. روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس ابْن مَسْرُوق الطوسي وَغَيره. قَالَ: وللحارث كتب كَثِيرَة فِي الزّهْد، وَفِي أصُول الديانَات، وَالرَّدّ على الْمُخَالفين، والمعتزلة، والرافضة، وَغَيرهم، وَكتبه كَثِيرَة الْفَوَائِد، جمة الْمَنَافِع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 قَالَ: ذكر أَبُو عَليّ ابْن شَاذان يَوْمًا كتاب الْحَارِث فِي " الدِّمَاء "، فَقَالَ: على هَذَا الْكتاب عول أَصْحَابنَا فِي أَمر الدِّمَاء الَّتِي جرت بَين الصَّحَابَة. قلت: وفهرس ابْن فورك فِي كِتَابه " طَبَقَات الْمُتَكَلِّمين من الْكلابِيَّة ثمَّ الأشعرية " كتب المحاسبي، وفيهَا كِتَابه فِي أَن الْإِيمَان لَيْسَ الطَّاعَات كلهَا، وَذكره الْخَطِيب فِيهَا، وَقَالَ: قَالَ جمَاعَة من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة: لَهُ أَكثر من مئتي مُصَنف، وَذكر أَنه تخرج بِأبي مُحَمَّد عبد الله بن سعيد الْقطَّان الملقب - فِيمَا حَكَاهُ هُوَ - كلابا، وَأَصْحَابه كلابية، لِأَنَّهُ كَانَ يجر الْخُصُوم إِلَى نَفسه بِفضل بَيَانه كَأَنَّهُ كلاب. قَالَ الْجُنَيْد: مَاتَ أَبُو حَارِث المحاسبي يَوْم مَاتَ، وَإِن الْحَارِث لمحتاج إِلَى دانق فضَّة، وَخلف مَالا كثيرا، وَمَا أَخذ مِنْهُ حَبَّة وَاحِدَة، وَقَالَ: " أهل ملتين لَا يتوارثان "، وَكَانَ أَبوهُ واقفياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وَهَذَا من حَارِث بِنَاء على تَكْفِير الْقَدَرِيَّة، وَفِيه خلاف، ثمَّ على أَنه يكفر يبْقى التَّوَارُث، وَفِيه أَيْضا خلاف، ذكره الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور. وَقَالَ الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي عَليّ ابْن خيران الْفَقِيه قَالَ: رَأَيْت أَبَا عبد الله الْحَارِث بن أَسد بِبَاب الطاق فِي وسط الطَّرِيق مُتَعَلقا بِأَبِيهِ، وَالنَّاس قد اجْتَمعُوا عَلَيْهِ، يَقُول: طلق أُمِّي، فَإنَّك على دين، وَهِي على دين غَيره. وبإسناد الْخَطِيب أَيْضا إِلَى الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل الْمحَامِلِي القَاضِي قَالَ: قَالَ لي أَبُو بكر ابْن هَارُون ابْن المجدر: سَمِعت جَعْفَر ابْن أخي أبي ثَوْر يَقُول: حضرت وَفَاة الْحَارِث - يَعْنِي المحاسبي - فَقَالَ: إِن رَأَيْت مَا أحب تبسمت إِلَيْكُم، وَإِن رَأَيْت غير ذَلِك تبينتم فِي وَجْهي، قَالَ: فَتَبَسَّمَ، ثمَّ مَاتَ. قَالَ الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي الْقَاسِم النصراباذي قَالَ: بَلغنِي أَن الْحَارِث المحاسبي مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين ومئتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 (154 - الْحسن بن أَحْمد) [نَحْو 320 - 405] ) ابْن مُحَمَّد بن اللَّيْث، الْحَافِظ أَبُو عَليّ الشِّيرَازِيّ. رَحل إِلَى هراة وَمَعَهُ ابناه: اللَّيْث، وَأَبُو بكر، وسمعوا الحَدِيث بهَا من أبي الْفضل ابْن خميرويه. روى عَنهُ إِسْحَاق الْحَافِظ. توفّي سنة خمس وَأَرْبع مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 (155 - الْحسن بن أَشْعَث [000 - 444] ) ابْن مُحَمَّد بن سعيد بن عبد الله بن عمر بن عبد الْعَزِيز بن خَالِد بن حراز، أَبُو عَليّ الْقرشِي الْفَقِيه الشُّرُوطِي. من أهل هراة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 (156 - الْحسن بن الْحُسَيْن [000 - 412] ) ابْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رامين، القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الإستراباذي. نزيل بَغْدَاد. قَالَ الْخَطِيب: كتبت عَنهُ، وَكَانَ صَدُوقًا، فَاضلا، صَالحا، سَافر الْكثير، وَلَقي شُيُوخ الصُّوفِيَّة، وَكَانَ يفهم الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ، الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي، وَمَات بِبَغْدَاد فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَأَرْبع مئة. وَكَانَ ذَلِك فِي شعْبَان فِيمَا ذكره أَبُو الْفضل ابْن خيرون فِي " وفياته "، قَالَ: وَكَانَ فَقِيها متكلما على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ. قلت: حدث عَن خلف الْخيام البُخَارِيّ، وَابْن عدي الْحَافِظ، وَالْإِمَام أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ الجرجانيين، ويوسف بن الْقَاسِم الميانجي، وَغَيرهم، رَحِمهم الله وإياه. قَالَ الْخَطِيب: أَنبأَنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن الْحُسَيْن بن رامين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 الإستراباذي، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ، حَدثنَا السراج، سَمِعت إِبْرَاهِيم بن بشار يَقُول: حَدثنِي عَليّ بن الفضيل قَالَ: سَمِعت أبي وَهُوَ يَقُول لِابْنِ الْمُبَارك: أَنْت تَأْمُرنَا بالزهد والتقلل من الْبلْغَة، ونراك تَأتي بالبضائع من بِلَاد خُرَاسَان إِلَى الْبَلَد الْحَرَام، كَيفَ ذَا؟ فَقَالَ ابْن الْمُبَارك: يَا أَبَا عَليّ، إِنَّمَا أفعل ذَا لأصون بِهِ جهي، وَأكْرم بِهِ عرضي، وأستعين بِهِ على طَاعَة رَبِّي، لَا أرى لله حَقًا إِلَّا سارعت إِلَيْهِ حَتَّى أقوم بِهِ، فَقَالَ لَهُ الفضيل: يَا ابْن الْمُبَارك، مَا أحسن ذَا إِن تمّ ذَا. وَقَالَ الْخَطِيب: أخبرنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن الْحُسَيْن بن رامين الإستراباذي قَالَ: سَمِعت القَاضِي أَبَا بكر يُوسُف بن الْقَاسِم الميانجي بِدِمَشْق يَقُول: سَمِعت الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عباد بِالْبَصْرَةِ قَالَ: سَمِعت سُوَيْد بن سعيد يَقُول: رَأَيْت عبد الله بن الْمُبَارك بِمَكَّة أَتَى زَمْزَم فاستقى مِنْهُ شربة، ثمَّ اسْتقْبل الْكَعْبَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن ابْن أبي الموَالِي حَدثنَا، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ "، وَهَذَا أشربه لعطش الْقِيَامَة، ثمَّ شربه. قلت: ابْن أبي الموَالِي اسْمه: عبد الرَّحْمَن، وَهُوَ ثِقَة صَدُوق عِنْدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 (157 - الْحسن بن عَليّ [408 - 485] ) ابْن إِسْحَاق بن الْعَبَّاس الطوسي. نظام الْملك، أَبُو عَليّ، وَزِير السُّلْطَان. ذكره غير وَاحِد من رُوَاة الحَدِيث: ابْن مَاكُولَا، وَأَبُو شُجَاع شيرويه، وَأَبُو سعد عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد الْحَافِظ. وَكَانَ منبع الْجُود والإفضال، ذَا معدلة وَأَمَانَة، وَصَلَاح وديانة، صَاحب صفح، وحلم، ووقار، وأناة، وَصمت، عَامر الْمجْلس بالعلماء وأعلام الدّين، مأهول الفناء بالأخيار وَالصَّالِحِينَ، عَالما، جدد بِنَاء الرَّبْط والمدارس، وَرغب فِي الْعلم كل النَّاس، وأجرى، ووقف على الطّلبَة والمدرسين، وصنف الْعلمَاء باسمه فِي أساليب الْفُنُون تصانيف تأنقوا فِيهَا فَأحْسنُوا، وَأحسن النّظر فِي أُمُور الرّعية، فصفا الْعَيْش، وانتفى العيث. سمع الحَدِيث فَأكْثر، وروى وأملى بالعراق، وخراسان، وأصبهان، وأران، وَسَائِر الْبِلَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وَحضر مَجْلِسه الْحفاظ وَغَيرهم، وَرغب فِي السماع مِنْهُ، والراويه عَنهُ. روى عَن أبي مُسلم مُحَمَّد بن عَليّ الأديب صَاحب ابْن الْمُقْرِئ، وَأبي حَامِد أَحْمد بن الْحسن الْأَزْهَرِي، وَأبي سهل الحفصي وَغَيرهم. كَانَ أَولا من أَوْلَاد الدهاقين ببيهق وطوس، فَلَمَّا نَشأ علق بِشَيْء من اللُّغَة الْعَرَبيَّة، وَشرع بواسطتها فِي رسوم الِاسْتِيفَاء، وَلم يزل يطوف والدهر يَعْلُو بِهِ وينخفض إِلَى أَن اتَّصل بِالْملكِ ألب أرسلان، ووزر لَهُ، ثمَّ لما انْتَهَت السلطنة إِلَيْهِ بوفاة عَمه طغرلبك صفى لوزيره الْورْد، وَصَارَ سيد الوزراء، إِلَيْهِ مسَائِل الْحل والإمضاء، وَذَلِكَ من سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مئة، ثمَّ لما انْقَضتْ أَيَّام ألب أرسلان سنة خمس وَسِتِّينَ على تِلْكَ الصُّورَة الهائلة قَامَ نظام الْملك بتقرير المملكة على وَلَده ملكشاه، فَصَارَ الْملك لنظامه حَقِيقَة وَمعنى، وللملك اسْما ورسما، وَجَرت على ذَلِك أُمُور الممالك والاستعلاء بالسعد عشْرين سنة إِلَى أَن بَدَت عِنْد الْكَمَال مبادي الزَّوَال؛ فوجئ فِي شهر رَمَضَان بَين بَغْدَاد وأصبهان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة، فانحل النظام، وثارت الْفِتَن، وَلم يجر بعده جَار على ذَلِك السّنَن. ولد سنة ثَمَان وَأَرْبع مئة. وَحكى القَاضِي أَبُو الْعَلَاء الغزنوي فِي كتاب " سر السرُور " أَن نظام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 الْملك صَادف فِي سفر رَاجِلا فِي زِيّ الْعلمَاء قد مَسّه الكلال؛ فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الشَّيْخ، عييت أم أعييت؟ فَقَالَ: أعييت يَا مَوْلَانَا، فَتقدم إِلَى حَاجته بِتَقْدِيم بعض الجنائب إِلَيْهِ، الْإِصْلَاح من شَأْنه، وَأخذ فِي اصطناعه. وَإِنَّمَا أَرَادَ بسؤاله اختباره، فَإِن عيي: فِي اللِّسَان، وأعيى: كل وتعب. وَقَالَ الْحسن بن الْحُسَيْن الأندقي، يَحْكِي عَن عبد الله الساوجي أَن نظام الْملك اسْتَأْذن السُّلْطَان ملكشاه فِي الْحَج فَأذن لَهُ، وَهُوَ إِذْ ذَاك بِبَغْدَاد، فَعبر دجلة، وعبروا بالآلات والأقمشة، وَضربت الْخيام على شط دجلة. قَالَ: فَأَرَدْت يَوْمًا أَن أَدخل عَلَيْهِ، فَرَأَيْت بِبَاب الْخَيْمَة فَقِيرا تلوح على جَبينه سِيمَا الْقَوْم، فَقَالَ لي: يَا شيخ، أَمَانَة توصلها إِلَى الصاحب قلت: نعم، فَأَعْطَانِي رقْعَة مطوية، فَدخلت بهَا، وَلم أنظر فِيهَا حفظا للأمانة، ووضعتها بَين يَدي الْوَزير، فَنظر فِيهَا، فَبكى بكاء كثيرا حَتَّى نَدِمت، وَقلت فِي نَفسِي: لَيْتَني نظرت فِيهَا، فَإِن كَانَ فِيهَا شَيْء يسوؤه لم أدفعها إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ لي: يَا شيخ، أَدخل عَليّ صَاحب الرقعة، فَخرجت، فَلم أَجِدهُ، وطلبته، فَلم أظفر بِهِ، فَأخْبرت الْوَزير بذلك، فَدفع إِلَيّ الرقعة، فَإِذا فِيهَا: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام، وَقَالَ لي: اذْهَبْ إِلَى الْحسن، وَقل لَهُ: أَيْن تذْهب إِلَى مَكَّة؟ ! حجك هَا هُنَا، أما قلت لَك: أقِم بَين يَدي هَذَا التركي، وأغث أَصْحَاب الْحَوَائِج من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 أمتِي، فَرجع نظام الْملك، فَكَانَ يَقُول لي: لَو رَأَيْت ذَلِك الْفَقِير حَتَّى نتبرك بِهِ. قَالَ: فرأيته على شط دجلة وَهُوَ يغسل خريقات لَهُ، فَقلت لَهُ: إِن الصاحب يطلبك، فَقَالَ: مَالِي وللصاحب؟ إِنَّمَا كَانَ عِنْدِي أَمَانَة فأديتها. قَالَ عُثْمَان - هُوَ ابْن الصّلاح -: هَذَا معنى مَا قَالَ، فَإِنِّي أبدلت بعض لَفظه. والساوجي هَذَا كَانَ خيرا، كثير المعروق، يعرف ب: شيخ الشُّيُوخ، وَيقف على نظام الْملك حَتَّى أنْفق عَلَيْهِ وعَلى الْفُقَرَاء باقتراحه فِي مُدَّة يسيرَة قَرِيبا من ثَمَانِينَ ألف دِينَار تَامَّة كَامِلَة. وحكاية الأندقي لذَلِك عَنهُ يزيدها قبولا. وَحكى أَبُو سعد، عَن أَبِيه - بِمَا وجده بِخَطِّهِ - أَنه سمع الْفَقِيه أَبَا الْقَاسِم أَخا نظام الْملك يَحْكِي أَنه كَانَ عِنْده لَيْلَة على أحد جانبيه، والعميد خَليفَة على الْجَانِب الآخر، وبجنبه فَقير مَقْطُوع الْيُمْنَى، قَالَ: فشرفني الصاحب بالمؤاكلة، وَشرع يلحظ العميد خَليفَة كَيفَ يؤاكل الْفَقِير. قَالَ: فتنزه خَليفَة من مؤاكلة الْفَقِير لما رَآهُ يَأْكُل بيساره، فَقَالَ لخليفة: تحول إِلَى هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الْجَانِب، وَقَالَ للْفَقِير: إِن خَليفَة رجل كَبِير فِي نَفسه، يستنكف من مؤاكلتك، فَتقدم إِلَيّ، وَأخذ يؤاكله رَحمَه الله. وَعَن الْفَقِيه الْأَجَل أَيْضا أَنه كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْخُرُوج إِلَى عَرَفَات، فتوقف لمَيت من الخراسانية، مَاتَ فِي بعض الزوايا ليقوم بتجهيزه، قَالَ: فرآني بعض من كَانَ يأتمنه الصاحب نظام الْملك على أُمُور الْحَاج، فَقَالَ: مَا وقوفك هَا هُنَا وَالْقَوْم قد ذَهَبُوا؟ فَقلت: أَنا وَاقِف لكذا وَكَذَا، فَقَالَ: اذْهَبْ، وَلَا تهتم لأمر هَذَا الْمَيِّت، فَإِن عِنْدِي خمسين ألف ذِرَاع من الكرباس لتكفين الْمَوْتَى من جِهَة الصاحب. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق: حكى لي بعض من رَآهُ فِي الْمَنَام فَسَأَلَهُ عَن حَاله، فَقَالَ: لقد كَاد يعرض عَليّ جَمِيع عَمَلي لَوْلَا الحديدة الَّتِي أصبت بهَا، رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 (158 - الْحسن بن الْفَتْح [000 - بعد 500] ) ابْن حَمْزَة الهمذاني، الْمُتَكَلّم الأديب اللّغَوِيّ - كَذَا وصف فِيمَا رَأَيْت من " تَفْسِيره "، وَهُوَ دَال على ذَلِك من وَصفه - أَبُو الْقَاسِم. من الْفُضَلَاء. ذكره الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي جملَة شُيُوخه؛ قَالَ الْحَافِظ السلَفِي: أَبُو الْقَاسِم هَذَا من أهل الْفضل والتقدم فِي علم الْفَرَائِض، وَتَفْسِير الْقُرْآن، والآداب، حسن الْإِيرَاد عِنْد المحاضرة، وَكَانَ من أَوْلَاد الوزراء، استوطن بَغْدَاد فِي آخر عمره، وَله الْيَد الْبَيْضَاء فِي الْكَلَام. وَله " تَفْسِير " حسن، وَشعر فائق، وعلقت عَنهُ كثيرا من الحكايات والأشعار. وَقد صحب ابا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وتفقه عَلَيْهِ، وعلق عَنهُ، وَأدْركَ من أهل الْعلم خلقا كثيرا. قَالَ: وَمن جملَة شعره مَا أنشدناه: (نسيم الصِّبَا إِن هجت يَوْمًا بأرضها ... فَقولِي لَهَا حَالي علت عَن سؤالك) (فها أَنا ذَا إِن كنت يَوْمًا تعينني ... فَلم يبْق لي إِلَّا حشاشة هَالك) قلت: رَأَيْت مجلدين من " تَفْسِيره " من تجزئة ثَلَاث مجلدات وَهُوَ مَوْسُوم بِكِتَاب " البديع فِي الْبَيَان عَن غوامض الْقُرْآن " فَوَجَدته يدل على أَنه كَانَ ذَا عناية بِالْعَرَبِيَّةِ واللغة وَالْكَلَام، ضَعِيف المجال فِي الْفِقْه، وَرُبمَا اخْتَار خلاف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مُعْتَمدًا على مَا لَا يقوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 (159 - الْحسن بن مُحَمَّد [000 - 000] ) ابْن مرْثَد، أَبُو سعيد الْأَصْبَهَانِيّ. وَهُوَ أول من حمل علم الشَّافِعِي إِلَى أَصْبَهَان. روى عَن أَصْحَاب سُفْيَان بن عُيَيْنَة. ألحقهُ يحيى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 (160 - الْحسن بن مَسْعُود [458 - 528] ) ابْن الْفراء، أَبُو عَليّ. ذكر السَّمْعَانِيّ فِي " المذيل " أَنه تفقه على أَخِيه. وَسمع الحَدِيث من أبي مَنْصُور المظفر بن مَنْصُور الرَّازِيّ، وَأبي بكر أَحْمد بن عَليّ بن خلف الشِّيرَازِيّ، وَأبي الْقَاسِم الواحدي الإِمَام، وَأبي تُرَاب المراغي، وَغَيرهم. ورد بَغْدَاد حَاجا سنة ثَلَاث وَخمْس مئة، وَتُوفِّي فِي صفر سنة ثَمَان وَعشْرين وَخمْس مئة بمرو الروذ، وَقيل: سنة تسع، وَكَانَ النَّاس يَمْشُونَ فِي تشييع جنَازَته حُفَاة على الثَّلج. قَالَ السَّمْعَانِيّ: حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم الْفَارِسِي، حَدثنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن مَسْعُود ابْن الْفراء، أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي الْحَافِظ، أخبرنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْعلوِي إجَازَة، سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله الرَّازِيّ، سَمِعت أَبَا الطّيب التاهرتي بِمَكَّة فِي وَقت وَفَاته قَالَ: جَاوَرت هَذَا الْبَيْت ثَمَانِينَ سنة، وَحَجَجْت ثَمَانِينَ حجَّة، واعتمرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 عشْرين ألف عمْرَة، وختمت الْقُرْآن فِي الطّواف فِي كل يَوْم ختمة، ومنذ سِتِّينَ سنة لم أطْعم نَفسِي إِلَّا فِي وَقت إحلال الْميتَة، وَمَعَ هَذَا كُله لم أَدخل فِي عمل من أَعمال الْبر، ثمَّ فرغت مِنْهُ، فحاسبت نَفسِي؛ إِلَّا وجدت نصيب الشَّيْطَان فِيهِ أوفر من نصيب الله تَعَالَى. ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَبكى، وَقَالَ: يَا رب، رَأْسا بِرَأْس من هَذَا كُله، لَا لي وَلَا عَليّ. وَأنْشد الظهير المغربي بَين يَدي الْحسن بن مَسْعُود هَذَا: (وَيَوْم تولت الأظعان عَنَّا ... وقوض حَاضر ورن حادي) (مددت إِلَى الْوَدَاع يدا وَأُخْرَى ... حبست بهَا الْحَيَاة على فُؤَادِي) فتواجد الْحسن، وخلع عَلَيْهِ شَيْئا. وَأنْشد بَين يَدَيْهِ آخر: (أيا حمامة بطن الواديين قفي ... على الأراكة بَين الظل وَالشَّجر) (قفي أطارحك أَنْوَاع الشجى سحرًا ... فَإِن أحبابنا سَارُوا مَعَ السحر) فتواجد الْحسن، وَجرى وَقت كأحسن مَا يكون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 (11 - الْحُسَيْن بن أَحْمد [000 - 370] ) ابْن خالويه الهمذاني، أَبُو عبد الله. إِمَام اللُّغَة والعربية وَغَيرهمَا من الْعُلُوم الأدبية. وروى " مُخْتَصر " الْمُزنِيّ، عَن أبي بكر النَّيْسَابُورِي. وشاهدت بِخَطِّهِ على ظهر نُسْخَة: قَرَأَ عَليّ أول هَذَا الْكتاب فلَان وأجزت لَهُ بَاقِيه أَن يرويهِ عني هُوَ وَمن أحب عَن النَّيْسَابُورِي، عَن الْمُزنِيّ، عَن الشَّافِعِي، وَهَذَا مِنْهُ إجَازَة للْمَجْهُول، وفيهَا كَلَام. حكى فِي كِتَابه فِي " إِعْرَاب ثَلَاثِينَ سُورَة " مَذْهَب الشَّافِعِي فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 الْبَسْمَلَة، وَكَونهَا آيَة من أَوَائِل كل سُورَة، ثمَّ اخْتِلَاف الْعلمَاء والقرأة فِي ذَلِك؛ وَالَّذِي صَحَّ عِنْدِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله، وَإِلَيْهِ أذهب فِيمَا روى. وأتى بلطيفة غَرِيبَة، فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو سعيد الْحَافِظ - لَعَلَّه ابْن رُمَيْح النسوي أَحْمد بن مُحَمَّد - قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي قَالَ: سَمِعت الرّبيع، قَالَ: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: أول الْحَمد {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} ، وَأول الْبَقَرَة {الم} . وَهَذَا الْوَجْه حسن، وَهُوَ أَن الْبَسْمَلَة لما ثبتَتْ أَولا فِي سُورَة الْفَاتِحَة فَهِيَ من السُّور إِعَادَة لَهَا وتكرير، فَلَا تكون من تِلْكَ السُّور ضَرُورَة، فَلَا يُقَال: هِيَ آيَة من أول كل سُورَة، بل آيَة فِي أول كل سُورَة، وَالله أعلم. أَخذ ابْن خالويه عَن جمَاعَة من الأكابر: ابْن مُجَاهِد، وَابْن الْأَنْبَارِي، وَابْن دُرَيْد، ونفطويه، وَأبي عمر الزَّاهِد. وروى عَن جمَاعَة. قَالَ فِي كِتَابه فِي " إِعْرَاب ثَلَاثِينَ سُورَة ": سَمِعت ابْن مُجَاهِد يَقُول فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أحصاها} [الْكَهْف: 49] ، قَالَ: الصَّغِيرَة: الضحك. قَالَ: وقرأت على ابْن دُرَيْد حرفا من اللُّغَة، فَقلت: هَكَذَا أَو هَكَذَا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 فَقَالَ: (خُذ جنب هرشى أَو قفاها فَإِنَّهُ ... كلا جَانِبي هرشى لَهُنَّ طَرِيق) وروى ابْن خالويه بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْأَصْمَعِي أَن أَعْرَابِيًا قرئَ عَلَيْهِ: " فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره "؛ فَقدم وَأخر، فَقَالَ لَهُ: قدمت وأخرت! فَقَالَ: (خُذ جنب هرشى ... ... ... ... ... ... .) وَقَالَ: حَدثنِي أَبُو عمر قَالَ: كَانَ من سَبَب تعلمي النَّحْو أَنِّي كنت فِي مجْلِس إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، فَقلت: قد قريت الْكتاب، فعابني من حضر، وَضَحِكُوا، فأنفت من ذَلِك، وَجئْت ثعلبا، فَقلت: أعزّك الله، كَيفَ تَقول: قريت الْكتاب أَو قَرَأت؟ فَقَالَ: حَدثنَا سَلمَة، عَن الْفراء، عَن الْكسَائي قَالَ: تَقول الْعَرَب: قَرَأت الْكتاب إِذا حققوا، وقرأت الْكتاب إِذا لينوا، وقريت الْكتاب إِذا حولوا. قَالَ: ثمَّ لَزِمته إِلَى أَن مَاتَ. قَالَ ابْن خالويه: فَصَارَ أَبُو عمر وَاحِد عصره فِي اللُّغَة، إِمَامًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 (162 - الْحُسَيْن بن الْحسن [000 - 340] ) أَبُو عبد الله الطوسي. أحد الروَاة الجلة. أَقَامَ على أبي حَاتِم الرَّازِيّ مُدَّة وَأكْثر عَنهُ. وجاور بِمَكَّة، فَسمع " الْمسند " " والفوائد " من مفتيها أبي يحيى ابْن أبي مَسَرَّة، وَكتب أبي عبيد من عَليّ بن عبد الْعَزِيز. روى عَنهُ: أَبُو عَليّ الْحَافِظ، وَأحمد بن مَنْصُور الْحَافِظ، وَأَبُو الْحُسَيْن الْحَجَّاجِي، وَأَبُو إِسْحَاق الْمُزَكي، وَأَبُو عَليّ الماسرجي، وَغَيرهم. توفّي بنوقان سنة أَرْبَعِينَ وَثَلَاث مئة يَوْم الْأَضْحَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 (163 - الْحُسَيْن بن صَالح [000 - 320] ) ابْن خيران، أَبُو عَليّ. قَالَ الْخَطِيب: كَانَ من أفاضل الشُّيُوخ وأماثل الْفُقَهَاء، مَعَ حسن الْمَذْهَب، وَقُوَّة الْوَرع. وروى الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ، عَن أبي عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد العسكري قَالَ: توفّي أَبُو عَليّ ابْن خيران الشَّافِعِي يَوْم الثُّلَاثَاء لثلاث عشرَة بقيت من ذِي الْحجَّة سنة عشْرين وَثَلَاث مئة، وَأُرِيد للْقَضَاء فَامْتنعَ، فَوكل أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى الْوَزير بِبَابِهِ، فشاهدت الموكلين على بَابه حَتَّى كلم فأعفاه، وَقَالَ: إِن الْبَاب ختم بضعَة عشر يَوْمًا، فَقَالَ لي أبي: يَا بني، انْظُر حَتَّى تحدث 0 إِن عِشْت - أَن إنْسَانا فعل هَذَا بِهِ ليلِي فَامْتنعَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَنه توفّي فِي حُدُود الْعشْر وَالثَّلَاث مئة. وَمَال الْخَطِيب إِلَى هَذَا، وَقَالَ: أَظن أَبَا الْعَلَاء وهم فِي تَارِيخ وَفَاته على ابْن العسكري. قلت: بل مَا رَوَاهُ أَبُو الْعَلَاء من وَفَاته أقرب، وإياه ذكر الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 (164 - حُسَيْن بن عبد الْعَزِيز [000 - 497] ) ابْن مُحَمَّد، أَبُو عبد الله البوجردي الْخَبَّازِي. قَالَ الْحَافِظ شيرويه: كَانَ فَقِيها، عَالما، مراعيا للْفُقَرَاء، آمرا بِالْمَعْرُوفِ، صَدُوقًا. روى شيرويه عَنهُ، عَن الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، عَن القَاضِي أبي الطّيب؛ منامات. قَالَ شيرويه: توفّي بالهدم سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبع مئة. وَحكى السَّمْعَانِيّ عَن غَيره: سنة سِتّ. وروى الحَدِيث بِبَغْدَاد وَغَيرهَا عَن أبي جَعْفَر ابْن الْمسلمَة وَغَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 (165 - الْحُسَيْن بن عَليّ [277 - 349] ) أَبُو عَليّ الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي. أستاذ الْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ؛ وَقد أطنب فِي تَرْجَمته من " تَارِيخه ": كَانَ باقعة فِي الْحِفْظ، مقدما فِي مذاكرة الْأَئِمَّة، كثير التصنيف، وَأحد المعدلين المقبولين بنيسابور. سمع بنيسابور إِبْرَاهِيم بن أبي طَالب، وَعبد الله بن شيرويه، وأقرانهما، وبهراة أَبَا عبد الله السَّامِي، وَالْحُسَيْن بن إِدْرِيس، وأقرانهما، وبنسا الْحسن بن سُفْيَان، وبجرجان عمرَان بن مُوسَى وأقرانه، وبمرو عبد الله بن مَحْمُود وأقرانه، وبالري إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الهسنجاني وأقرانه، وببغداد عبد الله بن نَاجِية وأقرانه، وبالكوفة مُحَمَّد بن جَعْفَر القَتَّات وأقرانه، وبالبصرة زَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِي وأقرانه، وبواسط جَعْفَر بن أَحْمد الْحَافِظ وأقرانه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وبالأهواز عَبْدَانِ الْحَافِظ وأقرانه، وبالجزيرة أَبَا يعلى الْموصِلِي، سمع مِنْهُ " مُسْنده " وَكتبه بِخَطِّهِ. وَسمع بأصبهان، وَالشَّام، وَمَكَّة زَادهَا الله تَعْظِيمًا، وبمصر أَبَا عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ، وَعقد لَهُ مجْلِس الْإِمْلَاء سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة، ثمَّ لم يزل يحدث بالمصنفات والشيوخ إِلَى آخر عمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 توفّي رَحمَه الله فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة. وغسله أَبُو عَمْرو ابْن مطر، وَدفن فِي مَقْبرَة بَاب معمر من نيسابور. قَالَ رَحمَه الله: أول مَا اخْتلفت فِي طلب الْعلم إِلَى إِبْرَاهِيم بن أبي طَالب سنة أَربع وَتِسْعين ومئتين، فَلَمَّا رَأَيْت شمائله وسمته وَحسن مذاكرته للْحَدِيث حلا فِي قلبِي، فَكنت اخْتلفت إِلَيْهِ وأكتب عَنهُ " الأمالي "، فَحدث يَوْمًا عَن مُحَمَّد بن يحيى، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، فَقَالَ لي بعض أَصْحَابنَا: لم لَا تخرج إِلَى هراة فَإِن بهَا شَيخا ثِقَة يحدث عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس؟ فَوَقع ذَلِك فِي قلبِي، فَخرجت إِلَى هراة وَذَلِكَ سنة خمس وَتِسْعين. قَالَ: واستأذنت أَبَا بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فِي الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق سنة ثَلَاث وَثَلَاث مئة، فَقَالَ: توحشنا مفارقتك يَا أَبَا عَليّ، وَقد رحلت وَأدْركت الْأَسَانِيد الْعَالِيَة، وَتَقَدَّمت فِي حفظ الحَدِيث، وَلنَا فِيك فَائِدَة وَأنس فَلَو أَقمت، فَمَا زلت بِهِ حَتَّى أذن لي فَخرجت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وَلما ورد على عَبْدَانِ الْأَهْوَازِي أكْرم مورده، وَبَالغ فِي إعزازه، وَكَانَ يجِيبه فِيمَا يلتمسه من حَدِيثه إِلَى أَن ذاكره غير مرّة، واستقصى عَلَيْهِ فِي المذاكرة والمطالبة، فَتغير لَهُ وَامْتنع عَلَيْهِ فِي أَحَادِيث كَانَ سَأَلَهُ عَنْهَا. فقضي أَن أَبَا الْعَبَّاس ابْن سُرَيج ورد الْعَسْكَر وَهُوَ بهَا، فقصده وَأخْبرهُ، فَقَالَ: من عزمى أَن أَدخل على أبي مُحَمَّد، فَإِذا دخلت عَلَيْهِ فسله بحضرتي، فَدخل عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس، فَسَأَلته عَن حَدِيث ابْن عون، عَن الزُّهْرِيّ، وَسَأَلَهُ أَبُو الْعَبَّاس، فَأخْرج الأَصْل، وَحدثنَا بِهِ؛ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الْقطعِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، حَدثنَا ابْن عون، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ، وَإِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع. قَالَ أَبُو عَليّ: فَلَمَّا من الله عَليّ بِسَمَاع هَذَا لم أبال بِغَيْرِهِ. قلت: يُقَال: تفرد بِهِ عَبْدَانِ، عَن الْقطعِي، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 (166 - الْحُسَيْن بن الْقَاسِم [000 - 350] ) أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ. الإِمَام البارع صَاحب " الإفصاح "، والمخرج للوجوه المتناقلة عَنهُ، الْمَعْرُوفَة بِهِ، وصنف فِي أصُول الْفِقْه، وَفِي الجدل، وصنف " الْمُجَرّد "، وَهُوَ أول كتاب صنف فِي الْخلاف الْمُجَرّد. تفقه على أبي عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة، وَسكن بَغْدَاد، وَتُوفِّي بهَا سنة خمسين وَثَلَاث مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 (167 - حمد بن مُحَمَّد [319 - 388] ) ابْن إِبْرَاهِيم بن الْخطاب. الْفَقِيه الأديب أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ البستي، صَاحب التصانيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 المتداولة. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ: أَقَامَ عندنَا بنيسابور سنتَيْن وَحدث بهَا، وَكَثُرت الْفَوَائِد من علومه. سمع أَبَا عَليّ الصفار، وَأَبا جَعْفَر الرزاز، وَغَيرهمَا. روى عَنهُ إِسْحَاق الْحَافِظ، وَعبد الْوَهَّاب الْخطابِيّ، وَغَيرهمَا. توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة. لأبي الْفَتْح عَليّ بن مُحَمَّد البستي فِي أبي سُلَيْمَان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 (أَخ تبَاعد عني شخصه ودنا ... مَعْنَاهُ مني فَلم يظعن وَقد ظعنا) (أَبَا سُلَيْمَان سر فِي الأَرْض أَو فأقم ... بِحَيْثُ شِئْت دنا مثواك أَو شطنا) (مَا أَنْت غَيْرِي فأخشى أَن تُفَارِقنِي ... فديت روحك يَا روحي فَأَنت أَنا) وَأنْشد أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ رَحمَه الله لنَفسِهِ: (دَعْنِي فلست أخلق ديباجتي ... وَلست أبدي للورى حَاجَتي) (منزلتي يحفظها منزلي ... وباحتي تكرم ديباجتي) وَقد أوردهما مَعَ بَيت ثَالِث صَاحب " رَوْضَة الْجنان فِي محَاسِن شعر أبي الْفَتْح البستي " لَهُ. وَله تصانيف فِي فنون جليلة بديعة، مِنْهَا كِتَابه الموسوم ب: " شعار الدّين " فِي أصُول الدّين، الْتزم فِيهِ إِيرَاد أوضح مَا يعرفهُ من الدَّلَائِل من غير أَن يجرد طَريقَة الْمُتَكَلِّمين، عَابَ فِيهِ مَا هُوَ المتداول بَين النَّاس من قَوْلهم فِي صِفَات الله الذاتية: إِنَّهَا قديمَة، وَاخْتَارَ أَن يُقَال فِيهَا: أزلية، قَالَ: لِأَن معنى الأول هُوَ مَا لم يزل كَانَ، وَمعنى قديم هُوَ مَا لَهُ صفة هِيَ الْقدَم، وَلَا يجوز أَن يكون للصفة صفة، وَقسم فِيهِ الْمُتَشَابه إِلَى مَا يتَأَوَّل، وَإِلَى مَا لَا يتَأَوَّل، بل يجرى على لَفظه من غير كَيفَ وتشبيه، الأول كَقَوْلِه تَعَالَى: " تقربت مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 باعا ... أَتَيْته هرولة "، وَذكر أَن كل الْعلمَاء تَأَوَّلَه على الْقبُول من الله لعَبْدِهِ. وَمثله أَيْضا: الحقو، فِي حَدِيث قطع الرَّحِم. وَقَوله: فِي جنب الله. وَجعل الاسْتوَاء من الْقسم الثَّانِي. وَصرح بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي السَّمَاء، وَقَالَ: زعم بَعضهم أَن معنى الاسْتوَاء هَا هُنَا الِاسْتِيلَاء، وَنزع فِيهِ بِبَيْت مَجْهُول لم يقلهُ من يَصح الِاحْتِجَاج بقوله. قَالَ شرويه: روى عَن ابْن عدي الْحَافِظ وَغَيره، روى عَنهُ: أَبُو سهل غَانِم، وَمَا رَأَيْت أحدا من أهل بلدنا روى عَنهُ. على ظهر كتاب أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن المَسْعُودِيّ الفنجديهي - كتاب " الْإِعْلَام " للخطابي - مَا صورته: أنشدنا مَوْلَانَا نصْرَة الدّين، حجَّة الْإِسْلَام، إِمَام الْأَئِمَّة، مقتدى الْفَرِيقَيْنِ، بَقِيَّة الْمَشَايِخ أَبُو المحاسن مَسْعُود بن مُحَمَّد الغانمي رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 عَنهُ فِي أبي سُلَيْمَان الْخطابِيّ مُصَنف الْكتاب لنَفسِهِ: (لله در الأوحد الْخطابِيّ ... الْمَاجِد الْمَعْدُود فِي الأقطاب) (جمع " المعالم " فَهِيَ أَعْلَام الْهدى ... كعرائس تهدى إِلَى الْخطاب) (أَلْفَاظه أبهى وأشهى لَذَّة ... من تمر آزاذ لَدَى الإرطاب) (أَو زبدة مخضت بمخض وطابها ... والزبد يستصفى بمخض وطاب) (وَله الشَّرَائِع والحقائق بتة ... أنوارها مزجت بفصل خطاب) (فَالله يرحمه ويشكر سَعْيه ... وثناؤه يُرْجَى بطاب طَابَ) أَي: الطّيب الطّيب، بدل: " وثناؤه يصفو بِغَيْر وطاب "، أَي: مزج. وَمِمَّا رَأَيْت من كتب أبي سُلَيْمَان: كتاب " الغنية عَن الْكَلَام وَأَهله "، و " الرسَالَة الناصحة فِيمَا يعْتَقد فِي الصِّفَات ". وَمن شعره: (تحرز من الْجُهَّال جهدك إِنَّهُم ... وَإِن لبسوا ثوب الْمَوَدَّة أَعدَاء) (وَإِن كَانَ فيهم من يَسُرك قربه ... فَكل لذيذ الطّعْم أَو جله دَاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 (بَاب الرَّاء) (168 - روح بن مُحَمَّد [000 - 423] ) ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق. القَاضِي أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ، حفيد الإِمَام أبي بكر ابْن السّني الْحَافِظ الدينَوَرِي. قَالَ الْخَطِيب: قدم علينا بَغْدَاد حَاجا وَحدث بهَا، فكتبنا عَنهُ فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع مئة، ولقيته أَيْضا بالكرج فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين فَكتبت عَنهُ هُنَاكَ، وَكَانَ صَدُوقًا، فهما، أديبا، يتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي. قلت: يُطلق هُوَ وَغَيره مثل هَذِه اللَّفْظَة على من لَيْسَ بمبتدئ فِي الْفِقْه، وَمن ذَلِك قَول الْكَرَابِيسِي فِي الشَّافِعِي: قدم رجل من أَصْحَاب الحَدِيث يتفقه، وأطلقها بعض أهل الحَدِيث فِي الْكَرْخِي إِمَام أَصْحَاب أبي حنيفَة بعد وَفَاته. قَالَ: وَولي قَضَاء أَصْبَهَان، وَبَلغنِي أَنه مَاتَ بالكرج فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين أَربع مئة. قلت: سمع أَبُو زرْعَة الحَدِيث من أبي زرْعَة أَحْمد بن الْحُسَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 الرَّازِيّ، وجعفر الفناكي، وَابْن فَارس اللّغَوِيّ، وأقرانهم. روى عَنهُ الْخَطِيب وَغَيره. لَهُ " مَجْمُوع " بِخَطِّهِ عِنْدِي، أَلفه فِي الْأَخْبَار، والأشعار، وَغَيرهَا، جم الْفَوَائِد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 (بَاب السِّين) (169 - سَالم بن عبد الله [000 - 433] ) أَبُو معمر - بِفَتْح الْمِيم، وَإِسْكَان الْعين - الْهَرَوِيّ. أحد الْأَئِمَّة. ذكره الإِمَام أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ فِي طبقه الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، وناصر وشبههما. وَذكر أَبُو النَّضر عبد الرَّحْمَن بن عبد الْجَبَّار الفامي الْهَرَوِيّ فِي " تَارِيخه لهراة " أَنه يعرف ب: غولجة، بِضَم الْغَيْن وبالجيم: لُغَة هروية، وَهُوَ تَصْغِير: غول. قَالَ: كَانَ إِمَامًا فِي أَنْوَاع الْعُلُوم، وَهُوَ الَّذِي قيل فِيهِ: مَا عبر جسر بَغْدَاد مثل سَالم. صنف كتاب " اللمع وَالرَّدّ على أهل الزيغ والبدع " فِي مسَائِل أصُول الِاعْتِقَاد، وَمَا يُخَالف بِهِ أهل السّنة أهل الاعتزال والإلحاد. توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة. روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الكتبي رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 (170 - سُلْطَان بن إِبْرَاهِيم [442 - 535 ظنا] ) ابْن الْمُسلم، أَبُو الْفَتْح الشَّافِعِي الْفَقِيه. حدث بِكِتَاب " الْفَقِيه والمتفقه "، وَذكر بِخَطِّهِ أَنه سَمعه من لفظ مُصَنفه الْخَطِيب أبي بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْبَغْدَادِيّ رَحمَه الله. وَهُوَ شيخ صَاحب " الذَّخَائِر "، ذكره فِيهِ قَرِيبا من أَوله، وَبعد ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 (171 - سلار بن الْحسن [000 - 670] ) أَبُو الْحسن. شَيخنَا، الإِمَام البارع، المتقن، الْمُحَقق، المدقق، إِمَام الْمَذْهَب فِي عصره، والمرجوع إِلَيْهِ فِي حل مشكلاته وتعرف خفياته، والمتفق على إِمَامَته، وجلالته، وفضله، ونزاهته. تفقه على جماعات؛ مِنْهُم: أَبُو بكر الماهاني، وتفقه الماهاني على ابْن البزري. توفّي رَحمَه الله لَيْلَة الْأَحَد السَّابِع من جُمَادَى الاخرة سنة سبعين وست مئة بِدِمَشْق، وَدفن بِبَاب الصَّغِير عِنْد الشُّهَدَاء، وَحَضَرت غسله، قَرَأت عَلَيْهِ: " أنس الاحياء وَنور الْأَوْلِيَاء ". ألحقهُ يحيى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 (172 - سلمَان [000 - 512] ) بِفَتْح السِّين، ابْن نَاصِر بن عمرَان بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق بن يزِيد بن زِيَاد بن مَيْمُون بن مهْرَان، أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ النَّيْسَابُورِي. نسبه هَكَذَا عبد الغافر وَأَبُو سعد. كَانَ إِمَامًا فِي علم الْكَلَام وَالتَّفْسِير، وَأحد النبلاء، من تلامذة إِمَام الْحَرَمَيْنِ. شرح " الْإِرْشَاد "، وَله كتاب " الغنية " وَغَيره. وَكَانَ - فِيمَا حَكَاهُ عبد الغافر - نحرير وقته فِي فنه، زاهدا، ورعا، صوفيا، من بَيت صَلَاح وتصوف وزهد. وَصَحب - فِيمَا قَالَه أَبُو سعد - الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي مُدَّة، وَحصل عَلَيْهِ من الْعلم طرفا صَالحا، ثمَّ سَافر الْحجاز، وَعَاد إِلَى بَغْدَاد، ثمَّ خرج إِلَى الشَّام فصحب الْمَشَايِخ، وزار الْمشَاهد، ثمَّ رَجَعَ إِلَى نيسابور، واستأنف تَحْصِيل الْأُصُول على الإِمَام أبي الْمَعَالِي ابْن الْجُوَيْنِيّ وَتخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 صنف تصانيف فِي التَّفْسِير وَالْكَلَام، وَكَانَت مَعْرفَته فَوق لِسَانه، وَمَعْنَاهُ أَكثر من ظَاهره، وَكَانَ ذَا قدم فِي التصوف والطريقة، ذَا نظر دَقِيق فِي بَاب الْمُعَامَلَة، عَفا فِي مطعمه، يكْتَسب بالوراقة، وَلَا يخالط أحدا وَلَا يباسطه فِي سَبَب دُنْيَوِيّ، وأقعد فِي خزانَة الْكتب بنظامية ينسابور اعْتِمَادًا على ديانته، وأصابه فِي آخر عمره ضعف فِي بَصَره، ويسير وقر فِي أُذُنه. سمع الحَدِيث بنيسابور وبالشام وبمكة. سمع الشَّيْخ أَبَا سعيد ابْن أبي الْخَيْر، وَأَبا صَالح الْمُؤَذّن، والأستاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي. أَكثر تصانيفه كتبهَا بِخَطِّهِ. قَالَ أَو نصر عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الخطيبي: سَمِعت مَحْمُود ابْن أبي تَوْبَة الْوَزير يَقُول: مضيت إِلَى بَاب بَيت أبي الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ فَإِذا الْبَاب مَرْدُود وَهُوَ يتحدث مَعَ وَاحِد، فوقفت سَاعَة، وَفتحت الْبَاب؛ فَمَا كَانَ فِي الدَّار أحد غَيره، فَقلت: مَعَ من كنت تَتَحَدَّث؟ فَقَالَ: كَانَ هُنَا وَاحِد من الْجِنّ كنت ُأكَلِّمهُ. قلت: عِنْدِي من حَدِيثه فِي مَوَاضِع، مِنْهَا فِي " منتخب الْأَرْبَعين " للأكافي، وَالله أعلم. توفّي - فِيمَا قَالَه عبد الغافر - فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخمْس مئة، أَو سنة إِحْدَى عشرَة فِيمَا قَالَه أَبُو الْفَتْح نَاصِر ابْنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 (173 - سليم بن أَيُّوب [000 - 447] ) الرَّازِيّ. تفقه وَهُوَ كَبِير، لِأَنَّهُ كَانَ اشْتغل فِي صدر عمره باللغة والنحو وَالتَّفْسِير والمعاني، ثمَّ سَافر إِلَى بَغْدَاد، واشتغل بالفقه عِنْد الشَّيْخ أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ رحمهمَا الله. قيل لسليم: مَا الْفرق بَين مصنفاتك ومصنفات الْمحَامِلِي؟ قَالَ: الْفرق بَينهمَا أَن تيك صنفت بالعراق، ومصنفاتي صنفتها بِالشَّام. آخر مَا ذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 (174 - سهل بن مُحَمَّد [000 - 000] ) ابْن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُوسَى بن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم، الإِمَام أَبُو الطّيب ابْن الإِمَام أبي سهل الصعلوكي الْحَنَفِيّ - من بني حنيفَة الْقَبِيلَة الْمَعْرُوفَة - الْعجلِيّ الْفَقِيه الأديب. قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِيهِ: مفتي نيسابور وَابْن مفتيها، وأكتب من رَأينَا من عُلَمَائِنَا وأنظرهم، وَقد كَانَ بعض مَشَايِخنَا يَقُول: من أَرَادَ أَن يعلم أَن النجيب ابْن النجيب يكون بِمَشِيئَة الله تَعَالَى فَلْينْظر إِلَى سهل ابْن أبي سهل. سمع أَبَاهُ الْأُسْتَاذ أَبَا سهل، وتفقه عِنْده، وَبِه تخرج. وَسمع أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب، وَأَبا عَليّ حَامِد الْهَرَوِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وَأَبا عَمْرو ابْن نجيد، وأقرانهم من الشُّيُوخ. ودرس، وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْخلق الْيَوْم الْخَامِس من وَفَاة أَبِيه سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة. وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء بنيسابور وَسَائِر مدن خُرَاسَان. وتصدر للْفَتْوَى وَالْقَضَاء والتدريس. وَخرجت الْفَوَائِد من مسموعاته، وَحدث وأملى. قَالَ الْحَاكِم: ويلغني أَنه وضع فِي مَجْلِسه أَكثر من خمس مئة محبرة عَشِيَّة الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة. قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا سهل، وَذكر فِي مَجْلِسه عقل وَلَده سهل، وتمكنه مِنْهُ، وعلو همته، وَأَكْثرُوا وَقَالُوا، فَلَمَّا فرغوا قَالَ: سهل وَالِد. وَسمعت الرئيس أَبَا مُحَمَّد الميكالي يَقُول غير مرّة: النَّاس بتعجبون من كِتَابَة الْأُسْتَاذ أبي سهل، وَسَهل أكتب مِنْهُ. قَالَ الشَّيْخ: وَقد قيل لم يكن بخراسان أكتب من أبي مُحَمَّد المكيالي فِي وقته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 قَالَ الْحَاكِم: وَسمعت أَبَا الْأَصْبَغ عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك، وَانْصَرف إِلَيْنَا من نيسابور وَنحن ببخارى، فَسَأَلْنَاهُ: مَا الَّذِي اسْتَفَدْت هَذِه الكرة بنيسابور؟ فَقَالَ: رُؤْيَة سهل ابْن أبي سهل، فَإِنِّي مُنْذُ فَارَقت وطني بأقصى الْمغرب وَجئْت إِلَى أقْصَى الْمشرق مَا رَأَيْت مثله. وروينا عَن الإِمَام سهل هَذَا رَحمَه الله أَنه قَالَ فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام ": أَرَادَ فضل ثريد عَمْرو العلى الَّذِي عظم نَفعه وَقدره، وَعم خَيره وبره، وَبَقِي لَهُ ولعقبه ذكره، حَتَّى قَالَ فِيهِ الْقَائِل: (عَمْرو العلى هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ ... وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف) قَالَ الشَّيْخ: أبعد سهل رَحمَه الله فِي تَأْوِيل الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 قَالَ: وَالَّذِي أرَاهُ أَن مَعْنَاهُ تَفْضِيل ثريد كل طَعَام على بَاقِي ذَلِك الطَّعَام، وَسَائِر، بِمَعْنى: بَاقٍ، وَهُوَ كَذَلِك، فَإِن خير اللَّحْم قد حصل فِيهِ، فَهُوَ أفضل مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 (بَاب الشين) (175 - شهردار بن شيرويه [483 - 558] ) أَبُو مَنْصُور. ذكره أَبُو سعد، فَذكر أَنه كَانَ حَافِظًا، عَارِفًا بِالْحَدِيثِ، فهما، عَارِفًا بالأدب، ظريفا، خَفِيفا، لَازِما لمسجده، مُتبعا أثر أَبِيه فِي كِتَابَة الحَدِيث وسماعه وَطَلَبه. رَحل مَعَ وَالِده إِلَى أَصْبَهَان سنة خمس وَخمْس مئة، وَأدْركَ أَصْحَاب أبي نعيم الْحَافِظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 سمع بهمذان: أَبَاهُ، وَأَبا الْفَتْح عَبدُوس بن عبد الله، ومكي بن مَنْصُور الكرجي، وَحمد بن نصر الْحَافِظ، وَغَيرهم. وبزنجان: أَبَا بكر ابْن زَنْجوَيْه الْفَقِيه؛ ذكر أَنه سمع مِنْهُ " مُسْند " أَحْمد، بروايته عَن القَاضِي أبي عبد الله الفلاكي، عَن الْقطيعِي. وَسمع جمَاعَة كَثِيرَة سوى هَؤُلَاءِ. وَجمع أَسَانِيد كتاب " الفردوس " تصنيف أَبِيه، رتبه ترتيبا عجيبا حسنا، وَسَماهُ: كتاب " إبانة الشّبَه "، وَهُوَ كتاب " الفردوس الْكَبِير "، ذكر فِي أَوله أَن الْبَاعِث لَهُ عَلَيْهِ أَنه بلغه عَن بعض حَملَة الْعلم أَنه لما رأى إقبال النَّاس على كتاب " الفردوس " حمله الْحَسَد على عَيبه، فَقَالَ: هِيَ أَحَادِيث لَيْسَ لَهَا خطم وَلَا أزمة، وفيهَا الغرائب والمناكير، فحداه ذَلِك على تَخْرِيج أسانيده. ولد أَبُو مَنْصُور هَذَا سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 (176 - شيرويه بن شهردار [445 - 509] ) ابْن شيرويه بن فناخسرو بن خسركان. رفع ابْنه أَبُو مَنْصُور نسبه بأسماء أَكْثَرهَا ديلمية إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن الضَّحَّاك بن فَيْرُوز صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. إِلْكيَا، أَبُو شُجَاع الديلمي الهمذاني، من أَهلهَا. صَاحب كتاب " الفردوس " وَغَيره. ذكره أَبُو سعد بِمَا تحريره أَنه سمع بِنَفسِهِ فَأكْثر، ورحل فِي طلب الحَدِيث، وَجمع وتعب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 سمع بهمذان أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن عُثْمَان القومساني وَغَيره، وببغداد أَبَا الْقَاسِم ابْن البسري، وَأَبا مَنْصُور عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد الْعَطَّار، وَأَبا مُحَمَّد رزق الله التَّمِيمِي، وَغَيرهم. وبقزوين: أَبَا مَنْصُور المقومي، فِي خلق غير هَؤُلَاءِ يسئم ذكرهم. وَجمع، وصنف تصانيف انتشرت: كتاب " الفردوس "، وكتابا فِي " حكايات المنامات "، وكتابا فِي " تَارِيخ همذان ووارديها "، وَكَانَت لَهُ معرفَة بِالْحَدِيثِ على الرَّسْم. وَذكره يحيى ابْن مَنْدَه، فَقَالَ: سمع من أَصْحَاب أبي بكر ابْن لال، وَجَمَاعَة من شُيُوخ الْعَرَبيَّة بِبَغْدَاد وبأصبهان وقزوين والجبل، شَاب كيس، حسن الْخلق والخلق، ذكي الْقلب، صلب فِي السّنة، قَلِيل الْكَلَام. ولد سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة فِيمَا قيل لي، وَحكي أَنه توفّي فِي رَجَب سنة تسع وَخمْس مئة رَحمَه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 (بَاب الطَّاء) (177 - طَاهِر بن سعيد [000 - 502] ) ابْن فضل الله، أَبُو الْفَتْح ابْن أبي طَاهِر ابْن الشَّيْخ أبي سعيد ابْن أبي الْخَيْر الميهني، من أَهلهَا، وَهِي من نواحي خابران. كَانَ منن أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح، وَمن بَيت التصوف، ذَا قدم ثَابت فِيهِ، وَكَانَ مقدم بَيته فِي عصره، حسن السِّيرَة، عَارِفًا بالمقامات وَالْأَحْوَال، ملازما لاستعمالها. لَقِي الشُّيُوخ، وسافر الْكثير، وَأقَام بِبَغْدَاد مُدَّة يسمع الحَدِيث وَيطْلب الْعلم، ثمَّ عَاد إِلَى خُرَاسَان، ولازم الْمُحَافظَة على وظائف الْعِبَادَات، وَكَانَ أَكثر مقَامه بنيسابور، وَضعف بَصَره فِي آخر عمره. سمع جده الشَّيْخ أَبَا سعيد ابْن أبي الْخَيْر، وَأَبا بكر خلف بن أَحْمد الأبيوردي الْمُفِيد بميهنة، وبطوس الشريف أَبَا طَالب حَمْزَة بن مُحَمَّد الْجَعْفَرِي، وبإسفرايين أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الصفار، وبسرخس أَبَا الْقَاسِم العبدوسي، وبنيسابور أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي، وبمروروذ أَبَا المظفر مُحَمَّد بن أَحْمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 التَّمِيمِي، وبمرو أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن [أبي] تَوْبَة الْكشميهني، وببسطام أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن عَليّ السهلكي، وبطبرستان القَاضِي أَبَا الْقَاسِم الْفضل بن أَحْمد الْبَصْرِيّ، وبسارية القَاضِي أَبَا سعيد مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار، وبقزوين أَبَا بكر الخاموشي، وببغداد أَبَا الْغَنَائِم الْهَاشِمِي، وَغير هَؤُلَاءِ. روى عَنهُ أَبُو الفتيان الرُّؤَاسِي الْحَافِظ، وَغَيره. توفّي بميهنة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثِنْتَيْنِ وَخمْس مئة. وَقَالَ أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله السنجي: أخبرنَا طَاهِر بن سعيد بن فضل الله الصُّوفِي بنيسابور، أخبرنَا جدي قَالَ: سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ يَقُول: سَمِعت أَبَا سهل مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصعلوكي يَقُول: التصوف الْإِعْرَاض عَن الِاعْتِرَاض. وَقَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: أخبرنَا أَبُو بكر فضل الله بن الْمفضل بن فضل الله بن أبي الْخَيْر الصُّوفِي، أخبرنَا ابْن عمي أَبُو الْفَتْح طَاهِر بن سعيد، أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن غَالب المباركي بِبَغْدَاد، سَمِعت أَبَا الْقَاسِم عِيسَى بن عَليّ بن عِيسَى الْوَزير يَقُول: كَانَ ابْن مُجَاهِد يَوْمًا عِنْد أبي، فَقيل لَهُ: الشبلي على الْبَاب، فَقَالَ: يدْخل، فَقَالَ ابْن مُجَاهِد: سأسكته السَّاعَة بَين يَديك، وَكَانَ من عَادَة الشبلي إِذا لبس شَيْئا خرق فِيهِ موضعا، فَلَمَّا جلس قَالَ ابْن مُجَاهِد: يَا أَبَا بكر، أَيْن فِي الْعلم إِفْسَاد مَا ينْتَفع بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ الشبلي: فَأَيْنَ فِي الْعلم: {فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والأعناق} [ص: 23] ؟ ! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 قَالَ: فَسكت ابْن مُجَاهِد، فَقَالَ لَهُ أبي: أردْت أَن تسكت أَبَا بكر فأسكتك، ثمَّ قَالَ لَهُ: لقد أجمع النَّاس أَنَّك مقرئ الْوَقْت، أَيْن فِي الْقُرْآن: الحبيب لَا يعذب حَبِيبه؟ قَالَ: فَسكت ابْن مُجَاهِد، فَقَالَ لَهُ أبي: قل يَا أَبَا بكر، فَقَالَ: أَقُول هَذَا الْوَقْت؟ فَقَالَ لَهُ أبي: على مَا تُرِيدُ، فَقَالَ: قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه قل فَلم يعذبكم بذنوبكم} [الْمَائِدَة: 18] ، فَقَالَ ابْن مُجَاهِد: كَأَنِّي مَا سَمعتهَا قطّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 (178 - طَاهِر بن عبد الله [348 - 450] ) ابْن طَاهِر، القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ. بِخَط القَاضِي الدَّامغَانِي من شعر القَاضِي أبي الطّيب رحمهمَا الله تَعَالَى: (ألابس علم الْفِقْه وَهُوَ مرامه ... شَدِيد وَفِي إِدْرَاكه الكز والكد) (فَتَاوِيهِ مَا بَين المضيء طَرِيقه ... وَبَين خَفِي فِي طرائقه جهد) (إِذا اجْتهد الْمفْتُون فِيهِ تباينوا ... فيدركه عَمْرو ويخطئه زيد) (لقد كدني مأثوره وفروعه ... وتعليله والنقض وَالْعَكْس والطرد) (لَهُ شعب من كل علم تحوطه ... وَمَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ مستبعد رد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 (وعادته مذ لم يزل فقر أَهله ... وَمن كَانَ ذَا وجد فَمن غَيره الوجد) (وأنى يكون الْيُسْر مِنْهُ وَإنَّهُ ... لداع إِلَى الإقلال غَايَته الزّهْد) ذكر أَبُو الْفضل ابْن خيرون فِي " وفياته "، أَن القَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ رَحمَه الله توفّي عصر يَوْم السبت، وَدفن يَوْم الْأَحَد عشْرين شهر ربيع الأول سنة خمسين وَأَرْبع مئة، وَدفن بِبَاب حَرْب إِلَى جنب أبي عبد الله ابْن الْبَيْضَاوِيّ. قَالَ: وَحضر الصَّلَاة عَلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة وَغَيره من أكَابِر الدولة، والأشراف، والقضاة، وَالشُّهُود، وَالْفُقَهَاء، وَكَانَ يَوْمًا كَبِيرا. وَكَانَ مولده سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة، فَكَانَ عمره مئة سنة وسنتين، رَحمَه الله، وَرَضي عَنهُ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُصَنف هَذَا الْكتاب رَحمَه الله: إِذا ذكر الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَشبهه من الْعِرَاقِيّين القَاضِي مُطلقًا فِي فن الْفِقْه فَهُوَ أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ، وَكَثِيرًا مَا يَقع ذَلِك فِي " تَعْلِيق " أبي إِسْحَاق، وَإِذا جرى ذَلِك من أبي الْمَعَالِي ابْن الْجُوَيْنِيّ وَغَيره من الخراسانيين فَهُوَ القَاضِي حُسَيْن المروروذي، وَإِذا جرى مثل ذَلِك فِي الْأُصُول وَالْكَلَام من أشعري وَنَحْوه فَالْمُرَاد ابْن الطّيب أَبُو بكر الباقلاني، وَإِن كَانَ من معتزلي فالمعني بِهِ عبد الْجَبَّار الأسداباذي، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 (179 - طَاهِر بن عبد الله [000 - 383] ) ابْن إِبْرَاهِيم، أَبُو عبد الله الْبَغْدَادِيّ. نزيل نيسابور، وَهُوَ - فِيمَا أَحسب - أَبُو الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 قَالَ الْحَاكِم: كَانَ أظرف من رَأينَا من الْعِرَاقِيّين، وأفتاهم، وَأَحْسَنهمْ كِتَابَة، وَأَكْثَرهم فَائِدَة. قَالَ: وَسمعت أَبَا عبد الله ابْن أبي ذهل يَقُول: مَا رَأَيْت من البغداديين أَكثر فَائِدَة من أبي عبد الله. سمع: أَبَا حَامِد الْحَضْرَمِيّ، وَأحمد بن الْقَاسِم الْفَرَائِضِي، وأقرانهما. وَتُوفِّي بنيسابور فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة. روى عَنهُ الْحَاكِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 (180 - طَاهِر بن مُحَمَّد [439 - 526] ) ابْن طَاهِر بن سعيد البروجردي، أَبُو المظفر القَاضِي. من أهل بروجرد. أَقَامَ بِبَغْدَاد، وتفقه بهَا على الإِمَام أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ. وَسمع الحَدِيث من أبي مُحَمَّد ابْن هزار مرد الصريفيني، وَأبي الْحُسَيْن ابْن النقور، وَغَيرهمَا، ثمَّ انْتقل إِلَى مَكَّة حرسها الله الْكَرِيم، وَولي قضاءها، وجاور بهَا إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله بهَا على طَريقَة قويمة، وسيرة مرضية، بعد سنة عشْرين وَخمْس مئة. وَكَانَ خيرا، دينا، صَالحا، حسن الْخط، جيده. روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي رَحمَه الله. حكى هَذَا من خَبره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 (بَاب الْعين) (181 - عبد الله بن أَحْمد [327 - 417] ) ابْن عبد الله الْمروزِي، أَبُو بكر الْقفال. إِمَام خُرَاسَان: فِي عصره، وَهُوَ غير الْقفال الْكَبِير، وهما يَشْتَرِكَانِ فِي أَن كلا مِنْهُمَا يعرف ب: أبي بكر الْقفال، ويتمايزان فِي الِاسْم، وَفِي أَن هَذَا مروزي وَذَاكَ شاشي، وَفِي أَن هَذَا هُوَ المتردد عودا على بَدْء فِي كتب الْفِقْه الخراسانية، وَيُطلق عِنْد الذّكر غَالِبا، وَذَاكَ لَا يغلب ذكره فِيهَا، وَإِذا ذكر قيد بالشاشي، وَرُبمَا أطلق فِي طَريقَة الْعرَاق على قلَّة ذكرهم للْآخر، ثمَّ إِن الشَّاشِي هُوَ الْقفال الَّذِي يجْرِي ذكره فِي غير الْفِقْه، كأصول الْفِقْه، وَالتَّفْسِير، وَغَيرهمَا، وَمن أحَاط بكتابنا هَذَا، وأتى على ذكر الْقفال فِي موطن لم يذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 عَلَيْهِ الْمِيزَان إِذا نظر إِلَى الذاكر وَالْمَذْكُور وَالْمَذْكُور فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. كَانَ الإِمَام الْقفال هَذَا رَحمَه الله إِحْدَى مفاخر خُرَاسَان، نقي القريحة، ثاقب الْفَهم، سديد الاستنباط والتخريج، دَقِيق النّظر، محظوظا من التَّحْقِيق. ذكر الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد ابْن الإِمَام أبي مَنْصُور السَّمْعَانِيّ الْمروزِي رَحمَه الله الْقفال الْمروزِي فِي " اماليه " فَقَالَ: كَانَ وحيد زَمَانه فقها، وحفظا، وورعا، وزهدا، وَله فِي فقه الشَّافِعِي رَحمَه الله ومذهبه من الْآثَار مَا لَيْسَ لغيره من أهل عصره. قَالَ: وطريقته المهدية فِي مَذْهَب الشَّافِعِي الَّتِي حملهَا عَنهُ فُقَهَاء أَصْحَابه من أهل الْبِلَاد أمتن طَريقَة، وأوضحها تهذيبا، وأكثرها تَحْقِيقا. رَحل إِلَيْهِ من الْبِلَاد فِي التفقه عَلَيْهِ، فظهرت بركته على مختلفيه حَتَّى تخرج بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة صَارُوا أَئِمَّة فِي الْبِلَاد، نشرُوا علمه، ودرسوا قَوْله، وَكَانَ رَحمَه الله ابْتَدَأَ التَّعَلُّم على كبر السن بَعْدَمَا أفنى شبيبته فِي صناعَة الأقفال، وَكَانَ ماهرا فِيهَا. قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَسمعت جمَاعَة من مشيختنا يذكرُونَ أَنه ابْتَدَأَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 التَّعَلُّم وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة، فَبَارك الله تَعَالَى فِي تعلمه حَتَّى فاق الْعلمَاء فِي فقهه. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُصَنف هَذَا الْكتاب رَحمَه الله: وَرُبمَا زيد فِي مِقْدَار سنه عِنْد ابْتِدَائه. قَالَ: وكأثر لَهُ ذكره أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْعجلِيّ الْمروزِي، فَقَالَ فِي كتاب لَهُ فِي " المراوزة ": كَانَ حاذقا فِي صناعته، فهداه الله سُبْحَانَهُ إِلَى التفقه، فَترك الصَّنْعَة، وَأَقْبل على الْفِقْه وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة، وَصَارَ أفقه أهل زَمَانه، وَأكْثر فُقَهَاء زَمَاننَا من أَصْحَابه وَأَصْحَاب أَصْحَابه، وَهَذَا الَّذِي قَالَه فِي الخراسانيين من مفاخر مرو، بل من مفاخر خُرَاسَان. وروى الشَّيْخ بِإِسْنَاد لَهُ عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ رَحمَه الله أَنه قَالَ: كَانَ الْقفال رَحمَه الله صنع قفلا مَعَ جَمِيع آلاته من وزن أَربع حبات من حَدِيد. قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد: أخرج الْقفال يَده فَإِذا على ظهر كَفه آثَار المجل، فَقَالَ: هَذَا من آثَار عَمَلي فِي ابْتِدَاء شَبَابِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وَسمعت الْقفال يَقُول: ابتدأت التَّعَلُّم وَأَنا لَا أفرق بَين اختصرت واختصرت. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُصَنف هَذَا الْكتاب: أَظن أَنه أَرَادَ بِهَذَا الْكَلِمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 الأولى من " مُخْتَصر " الْمُزنِيّ، وَهِي قَوْله: اختصرت هَذَا من علم الشَّافِعِي، وَأَرَادَ أَنه لم يكن يدْرِي من اللِّسَان الْعَرَبِيّ مَا يفرق بِهِ بَين ضم تَاء الضَّمِير وَفتحهَا. وبإسناده عَن نَاصِر بن الْحُسَيْن الْعمريّ الإِمَام قَالَ: لم يكن فِي زمَان أبي بكر الْقفال أفقه مِنْهُ، وَلَا يكون بعده مثله، وَكُنَّا نقُول: إِنَّه ملك فِي صُورَة إِنْسَان، وَكَانَ الْقفال رَحمَه الله مصابا بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ. قَالَ أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ: سَمِعت الإِمَام وَالِدي رَحمَه الله يَقُول: سُئِلَ الْقفال فِي مجْلِس وعظه: هَل يقْضِي الله على عَبده بِسوء الْقَضَاء؟ فَقَالَ: نعم، فقد أدركني سوء الْقَضَاء، وعور إِحْدَى عَيْني. وَعَن القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قَالَ: كنت عِنْد الْقفال، فَأَتَاهُ رجل قروي وشكا إِلَيْهِ أَن حِمَاره أَخذه بعض أَصْحَاب السُّلْطَان، فَقَالَ لَهُ الْقفال: اذْهَبْ فاغتسل، وادخل الْمَسْجِد، وصل رَكْعَتَيْنِ، واسأل الله تَعَالَى أَن يرد عَلَيْك حِمَارك، فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَرَوِي كَلَامه، فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقفال، فَذهب الْقَرَوِي فاغتسل، وَدخل الْمَسْجِد وَصلى، وَكَانَ الْقفال قد بعث من يرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 حِمَاره، فَلَمَّا فرغ من صلَاته رد الْحمار، فَلَمَّا رَآهُ على بَاب الْمَسْجِد خرج وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي رد عَليّ حماري، فَلَمَّا انْصَرف سُئِلَ الْقفال عَن ذَلِك، فَقَالَ: أردْت أَن أحفظ عَلَيْهِ دينه كي يحمد الله تَعَالَى. وَبِالْإِسْنَادِ عَن الشَّيْخ نَاصِر الْمروزِي قَالَ: احتسب بعض الْفُقَهَاء الْمُخْتَلِفين إِلَى الْقفال رَحمَه الله على بعض أَتبَاع الْأَمِير بمرو، فَرفع الْأَمر إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود، وَذكر أَن الْفُقَهَاء أساؤوا الْأَدَب فِي مُوَاجهَة الدِّيوَان بِمَا فعلوا، فَكتب مَحْمُود أَن الْقفال هَل يَأْخُذ شَيْئا من ديواننا؟ فَقَالَ: لَا قَالَ: فَهَل يتلبس من أُمُور الْأَوْقَاف بِشَيْء؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِن الاحتساب لَهُم سَائِغ، دعوهم. وَحكى القَاضِي حُسَيْن عَن أستاذه الْقفال أَنه كَانَ فِي كثير من الْأَوْقَات فِي الدَّرْس يَقع عَلَيْهِ الْبكاء، ثمَّ يرفع رَأسه، وَيَقُول: مَا أَغْفَلنَا عَمَّا يُرَاد بِنَا! رَضِي الله عَنهُ. وتفقه الْقفال على جمَاعَة، وَكَانَ تخرجه على الشَّيْخ أبي زيد الفاشاني، وَسمع الحَدِيث بمرو، وبخارى، وبيكند، وهراة. وَحدث فِي آخر عمره وأملى، وَمَات سنة سبع عشرَة وَأَرْبع مئة، وَكَانَ ابْن تسعين سنة، وَدفن بسنجدان، وقبره مَعْرُوف يزار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 (182 - عبد الله بن أَحْمد [000 - 000] ) ابْن يُوسُف، الْمَعْرُوف بِأبي الْقَاسِم البردعي أنْشد لَهُ الإِمَام أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ قصيدة من قيله يمدح فِيهَا الشَّافِعِي وَأَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم، مطْلعهَا: (مضى الشَّبَاب وانقضى ريعانه ... وأعقبتني ندما آثامه) (ولى قد سود لي صحائفا ... بالموبقات قد جرت أقلامه) (أعجبني رونقه وَحسنه ... فردني عَن غيه انصرامه) وَمِنْهَا: (لم أستفق من غفلتي وسكرتي ... وَلَا نأى عَن بَصرِي قِيَامه) (حَتَّى بدا وَفد مشيب واعظا ... يَدْعُو إِلَى ترك الصِّبَا إلمامه) وَمِنْهَا: (دع ذكر أَيَّام الشَّبَاب والنهى ... وَاذْكُر إِمَامًا نشرت أَعْلَامه) (فِي الشرق والغرب وَمَا بَينهمَا ... محكما مَقْبُولَة أَحْكَامه) (حبر قُرَيْش وَهُوَ من ذروتها ... إِذا علا مجد لَهُ سنامه) (يُشَارك النَّبِي فِي محتده ... إِذا اعتزى مَوْصُولَة أرحامه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 (وصّى بِهِ الرَّسُول فِي مقاله ... وحثه فلازم ذمامه) (مُحَمَّد صلى عَلَيْهِ رَبنَا ... معز دين الله بل قوامه) (إِن قُريْشًا قدموها أبدا ... فَمن أَبى بوده احترامه) (تعلمُوا مِنْهَا الْعُلُوم إِنَّه ... يمْلَأ أطباق الثرى علامه) (علما وفقها فاستمع مقاله ... يَا ذَا الَّذِي يُعجبهُ خصامه) (يَا صَاح غير الشَّافِعِي هَل ترى ... مِنْهَا عليما قد سما كَلَامه) إِلَى أَن قَالَ: (كِتَابه البارع فِي أُصُوله ... يخصم من زاوله انتظامه) (" رِسَالَة " مَا مثلهَا مُصَنف ... مَا فض عَن مودعها ختامه) (عبر عَن كل دَقِيق مُشكل ... فَبَان عَن حَلَاله حرَامه) (يتبع الْقُرْآن يقْتَدى بِهِ ... وَسنة مأثورة إِمَامه) (يقدم التَّقْوَى أَمَام قَوْله ... بِاللَّه لَا يُغَيِّرهُ اعتصامه) (إِن قَالَ شَيْئا فبعلم ثَابت ... أَو أثر موثق عصامه) إِلَى أَن قَالَ: (قد قَالَ بالقولين كل عَالم ... مؤلف لم يغنه كتامه) (تلوح مثل السائرات كتبه ... وَظَاهر بَين الورى مقَامه) (ألفها فِي مُدَّة يسيرَة ... وعاقه عَن شرحها اخترامه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 (فقيض الله لَهُ صحابه ... تظهر مَا فِي نَفسه الْتِزَامه) (من مثل إِسْمَاعِيل فِي اختصاره ... يفِيدهُ فِي سدف قِيَامه) (تقيلا آثَار من علمه ... لَيْلًا إِذا التذ الْكرَى نوامه) (أَو كالربيع جد فِي اغتنامه ... وَجمعه فسره اغتنامه) (وَأحمد ابْن حَنْبَل أكْرم بِهِ ... إِذا دجا اللَّيْل اسْتَوَت أقدامه) (وَاذْكُر أَبَا ثَوْر نَسِيج وَحده ... فَوَاجِب لعلمه إكرامه) (ن الْبُوَيْطِيّ لعبد خير ... صوام دهر دَائِم صِيَامه) (ونجل صباح نمى بِدِينِهِ ... من عقه جَازَ لنا اتهامه) (من كَأبي الْعَبَّاس فِي سجاله ... مُقْتَحِمًا مَا ضره اقتحامه) (مفوها لَا يصطلى بناره ... كزاخر يصطفق التطامه) (مناظرا مؤلفا مقسمًا ... مُحْتَرما زينه احترامه) (لِسَانه كمرهف مهند ... من رامه حل بِهِ انتقامه) (والصيرفي بعده مبرزا ... إِذا رمى نواضل سهامه) (ينهج الاصطخري نهج من مضى ... مرتسما قدمه ارتسامه) (إِذا حوى علما قناه طبعه ... يقبله كَأَنَّهُ طَعَامه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 (ثمَّ ابْن خيران فريد عصره ... إِذا اعترى صدع بِهِ التئامه) (ثمَّ أَبُو إِسْحَاق حَاز نَعته ... مِنْهُم غَدا يشتعل اضطرامه) (كاشف كل هبوة وشبهة ... من يغشه زَالَ بِهِ سقامه) (لله در الشَّافِعِي إِنَّه ... لما اعتلى علا بِهِ خُدَّامه) تمت القصيدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 (183 - عبد الله بن بري [499 - 582] ) ابْن عبد الْجَبَّار الْمَقْدِسِي، أَبُو مُحَمَّد النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ. نزيل مصر. كَانَ إِمَامًا فِي عصره فِي علم الْعَرَبيَّة واللغة. وَله أمال مفيدة، وَله على كتاب " الصِّحَاح " حواش كَثِيرَة فِي مجلدات. وقرأت بِخَطِّهِ: إِن أبي أَخْبرنِي بِخَطِّهِ أَن مولدِي كَانَ فِي رَجَب لخمس لَيَال مَضَت مِنْهُ سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبع مئة. وَوجدت تَحت خطه: كَانَت وَفَاته رَحمَه الله فِي يَوْم الْأَحَد التَّاسِع وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة رَحمَه الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 (184 - عبد الله بن عَبْدَانِ [000 - 433] ) أَبُو الْفضل. حكى الْحَافِظ أَبُو شُجَاع شيرويه بن شهردار الديلمي رَضِي الله عَنهُ فِي كِتَابه فِي " المنامات " قَالَ: رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ الإِمَام أبي الْفضل عبد الله بن عَبْدَانِ مَكْتُوبًا: رَأَيْت فِي الْمَنَام رب الْعِزَّة تَعَالَى وتقدست أسماؤه، وَحكى شيرويه كلَاما، مِنْهُ: فَقَالَ لي كلَاما يدل على أَنه يخَاف عَليّ الافتخار بِمَا أولانيه، فَقلت لَهُ: أَنا فِي نَفسِي أخس، وَوَقع فِي ضميري: أخس من الروث، ثمَّ قَالَ لي: أفضل مَا يدعى بِهِ: {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} [الْأَعْرَاف: 54] . وَلأبي الْفضل ابْن عَبْدَانِ هَذَا كتاب " شَرَائِط الاحكام "، قَالَ فِيهِ: نَفَقَة الْمَرْأَة عِنْد الشَّافِعِي يجب لَهَا الْحبّ، لَا الدَّقِيق، وَلَا الْخبز، وَعِنْدِي أَنه يجب لَهَا الْخبز، قَالَ: وَكَذَلِكَ تجب نَفَقَتهَا عِنْد الشَّافِعِي مقدرَة، واعتبارها بِالزَّوْجِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن الِاعْتِبَار بكفايتها كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة، وَعلل بِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى أَن تخرج للطحن، أَو تطالبه بِتمَام كفايتها وَهِي محبوسة، وَهَذَا الَّذِي ذكره من إِيجَاب الْخبز غير مُتَّجه مَعَ إيجابنا على الزَّوْج مُؤنَة الطَّحْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 والإصلاح، وَهُوَ فِي اعْتِبَار الْكِفَايَة مُوَافق قولا غَرِيبا للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ نَقله الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ. وَذكر فِيهِ أَن من شَرط صِحَة الْقيَاس حدث حَادِثَة تُؤدِّي الضَّرُورَة إِلَى معرفَة حكمهَا، وَأَن لَا يُوجد نَص يَفِي بِإِثْبَات حكمهَا، وعد هَذَا الثَّانِي شرطا فِي موطن التَّحْقِيق غَرِيب، وَإِنَّمَا يعرف ذَلِك بَين المناظرين فِي مجْلِس الجدل، وَأما الشَّرْط الأول فطريق يأباه وضع الْأَئِمَّة الْكتب الطافحة بالمسائل القياسية من غير تقيد بالحادثة مِنْهَا. وَحكى أَن من أَصْحَابنَا من لم يعْتَبر فِي ناقل الْخَبَر مَا يعْتَبر فِي الدِّمَاء والفروج وَالْأَمْوَال من التَّزْكِيَة، بل إِذا كَانَ ظَاهر الدّين الصدْق قبل خَبره، وَهَذَا غَرِيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وَذكر عَن الْإِصْطَخْرِي أَنه خَالف جُمْهُور الْأَصْحَاب فِيمَن تولى الْقَضَاء من غير أهل الِاجْتِهَاد، فَقَالَ: إِذا وفْق للحق فِي حُكُومَة نفذت تِلْكَ الْحُكُومَة الْوَاحِدَة وَقَالَ ابْن عَبْدَانِ هَذَا فِي كِتَابه الموسوم ب: " الْمَجْمُوع الْمُجَرّد "، فِيمَا إِذا بلغ الصَّبِي فِي أثْنَاء نَهَار رَمَضَان: سَمِعت أَبَا بكر ابْن لال يَقُول: سَمِعت أَبَا عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة يَقُول: لَا نقُول عَلَيْهِ صَوْم يَوْم، وَلَكِن نقُول: عَلَيْهِ صَوْم بعض الْيَوْم، لَا يُمكن أَن يَصُومهُ إِلَّا بِصَوْم يَوْم كَامِل، فأوجبنا عَلَيْهِ يَوْمًا كَامِلا. وروينا بِإِسْنَاد، عَن ابْن عَبْدَانِ هَذَا، بِإِسْنَادِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " أكْرمُوا الْخبز، فَإِن الله تَعَالَى سخر لَهُ بَرَكَات السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وَالْحَدِيد، وَالْبَقر، وَابْن آدم " وَالله أعلم. مَاتَ ابْن عَبْدَانِ فِي صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 (185 - عبد الله بن مُحَمَّد [000 - 387] ) ابْن إِبْرَاهِيم بن أَسد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ، أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِي. كَانَ بِمصْر. وَوَقع فِي بعض الْمَوَاضِع: عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسد. وَفِي بَعْضهَا: عبد الله بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس. وَذَلِكَ اخْتِصَار لما ذكرته. روى عَن: ابْن أبي حَاتِم الرَّازِيّ. روى عَنهُ: أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْوَلِيد الاندلسي، والمقرئ أَبُو عمر أَحْمد بن مُحَمَّد الطلمنكي. وَذكره أَبُو عمر هَذَا فِي " شُيُوخه " الَّذين سمع مِنْهُم، وَقَالَ: كتبت عَنهُ بِمصْر أَجزَاء من حَدِيثه، وكتبت عَنهُ " أصُول السّنة "، رِوَايَته عَن أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن أبي حَاتِم، وَهُوَ جُزْء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 (186 - عبد الله بن مُحَمَّد [000 - 000] ) ابْن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، أَبُو الْقَاسِم الْبَزَّاز - بزايين - الْمَعْرُوف ب: المنيري؛ بِضَم الْمِيم، وَفتح النُّون، وَتَشْديد الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت الْمَكْسُورَة، قَالَ الْخَطِيب: كَانَ صَدُوقًا، فَاضلا، فَقِيها على مَذْهَب الشَّافِعِي. وَقَالَ: سمع أَبَا بكر الشَّافِعِي، وَعمر بن جَعْفَر بن سلم، وَابْن مَالك الْقطيعِي، كتبت عَنهُ. قَالَ الشَّيْخ: أنبئت عَن ابْن زُرَيْق، عَن الْخَطِيب، أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم المنيري فِي سنة خمس عشرَة وَأَرْبع مئة، حَدثنَا عمر بن جَعْفَر بن سلم، حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الرَّازِيّ، حَدثنَا عمي أَبُو زرْعَة، حَدثنَا الْعَبَّاس بن الْوَلِيد الدِّمَشْقِي، أَخْبرنِي أبي، عَن الْأَوْزَاعِيّ، حَدثنِي عبد الله بن عَامر قَالَ: أعطي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام من حسن الصَّوْت مَا لم يُعْط أحد قطّ، حَتَّى إِن كَانَ الطير والوحش لتعكف حوله حَتَّى تَمُوت عطشا وجوعا، وَإِن الْأَنْهَار لتقف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 (الصفحة فارغة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 (187 - عبد الله بن مُحَمَّد [493 - 585] ) ابْن هبة الله بن عَليّ بن المطهر ابْن أبي عصرون، أَبُو سعد التَّمِيمِي الْموصِلِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 نزيل دمشق. كَانَ من أفقه أهل عصره، وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَام. تفقه على أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري، وَالْقَاضِي أبي عَليّ الْحسن بن إِبْرَاهِيم الفارقي، وَغَيرهمَا. وَقَرَأَ الْأُصُول على أبي الْفَتْح ابْن برهَان. وصنف كتبا فِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله، وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِدِمَشْق زَمَانا إِلَى أَن كف بَصَره، فَتَركه واشتغل بالتدريس وإفادة الْعلم، وانتفع بِهِ النَّاس. وتفقه عَلَيْهِ خلق كثير. وَكَانَ مولده فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبع مئة. وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة. وَله تصانيف عديدة، مِنْهَا: " صفوة الْمَذْهَب فِي تَهْذِيب نِهَايَة الْمطلب " فِي نَحْو ثَمَانِي مجلدات، وقفت على شَيْء مِنْهُ، فَوَجَدته قد استدرك على الإِمَام أَشْيَاء لم ارتض مَا وَقع لَهُ فِيهَا؛ مِنْهَا: قَول الإِمَام فِي الْمُشرك إِذا أسلم على أَربع فَحسب ثَبت نِكَاحهنَّ، وَلَا مساغ للتَّخْيِير، لِأَن إمْسَاك الْعدَد الْمَشْرُوع وَاجِب. استدرك هَذَا أَبُو سعد ذَاكِرًا أَنه مُخَالف لأصولنا، وَأَنه لَا يجب عَلَيْهِ اسْتِدَامَة نِكَاحهنَّ، وَله طلاقهن كَمَا لَو تزوجهن فِي الْإِسْلَام، وَلم يرد الإِمَام بِوُجُوب الْإِمْسَاك مَا توهمه من وجوب اسْتِدَامَة النِّكَاح، إِنَّمَا مُرَاده بالإمساك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 مَا هُوَ المُرَاد مِنْهُ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أمسك أَرْبعا "، أَي: لَا فسخ لَك، ونكاحهن ثَابت متقرر، فَالْمَعْنى إِذا نفي الْفَسْخ الْوَاقِع للْعقد، لَا نفي الطَّلَاق، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرَفْع للْعقد، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون بعد عقد مُقَرر، فَكيف يرفعهُ، وَإِنَّمَا أَثَره قطع العقد، وَهُوَ ملك الْبضْع، كالتحرير فِي الرَّقِيق لَيْسَ رفعا للْعقد بل قطعا لأثره وَمُقْتَضَاهُ. واستدرك الْفرق بَين الْإِيلَاء وَالظِّهَار وَالطَّلَاق فِيمَا إِذا أسلم على نسْوَة فآلى مِنْهُنَّ، أَو ظَاهر، أَو طلق؛ فِي أَن الْإِيلَاء وَالظِّهَار لَا يجعلان اخْتِيَار الْيَمين، وَالطَّلَاق يَجْعَل اخْتِيَارا، لِأَن الْإِيلَاء يَمِين على الِامْتِنَاع عَن الْوَطْء، وَذَلِكَ يلائم الْأَجْنَبِيَّة، بِخِلَاف الطَّلَاق فَإِنَّهُ حل بعد سوء، فَقَالَ: لَا فرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وَقرن بِأَن الْإِيلَاء يَمِين على الِامْتِنَاع من وَطْء الزَّوْجَة خَاصَّة، فَإِن يَمِينه على الِامْتِنَاع من وَطْء الْأَجْنَبِيَّة لَا يثبت لَهُ أَحْكَام الْإِيلَاء، وَكَذَلِكَ الظِّهَار يخْتَص بِالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ تَحْرِيم، والأجنبية مُحرمَة من غير ظِهَار، وَالْمحرم لَا يحرم، فَيَنْبَغِي أَن يسوى بَينهمَا، وَيُقَال: إِن قصد بِالطَّلَاق أَو الْإِيلَاء أَو الظِّهَار مَعْنَاهُ فِي النِّكَاح كَانَ اخْتِيَارا فِي الْجَمِيع، وَإِن لم يقْصد بهَا ذَلِك لم يكن اخْتِيَارا فِي الْجَمِيع، وَهَذَا لِأَن الطَّلَاق قد يسْتَعْمل فِي غير قيد النِّكَاح. قلت: لَا اخْتِصَاص لهَذَا الِاسْتِدْرَاك بِالْإِمَامِ أبي الْمَعَالِي، بل هُوَ مُسْتَدْرك على " الْمُهَذّب "، فَإِن الْفرق هُوَ الْمَنْقُول أَيْضا فِي " الْمُهَذّب " وَغَيره، وَهُوَ اسْتِدْرَاك مضمحل، لِأَن نفس الْإِيلَاء لَا يخْتَص بالمنكوحة لَا وضعا وَلَا عرفا، لِأَنَّهُ قَول الْقَائِل: وَالله لَا أطؤك. وَلَا اخْتِصَاص لهَذَا بالمنكوحة فِي وَضعه، وَلَا عرف غَيره عَن أَصله وَأسْقط الْأَحْكَام. والأجنبية لَا تبقى على انْتِفَاء الْإِيلَاء، لِأَنَّهَا لَيست أَحْكَام نفس الْإِيلَاء، بل أَحْكَام الْإِيلَاء فِي النِّكَاح، فانتفاؤها لانْتِفَاء هَذَا الْخُصُوص لَا انْتِفَاء نَفسه. وَكَذَا قَوْله: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي يَنْتَظِم وضعا وَعرفا مُخَاطبَة الْأَجْنَبِيَّة بِهِ، وَقَوله: إِنَّه تَحْرِيم، والأجنبية مُحرمَة؛ لَيْسَ بإنصاف، لِأَنَّهُ مُبَالغَة فِي التَّحْرِيم زَائِدَة على تَحْرِيم الْأَجْنَبِيَّة الْحَاصِل، وَلَيْسَ كَذَلِك الطَّلَاق، فَإِنَّهُ عرفا مَخْصُوص بِإِزَالَة قيد النِّكَاح، وَإِن كَانَ يسْتَعْمل فِي غَيره، وَلَكِن على خلاف الظَّاهِر وَالْعرْف، وَالله أعلم. وَقَالَ فِي قَوْله: يثبت للسُّلْطَان حق الْإِجْبَار فِي الْمَجْنُونَة الْبَالِغَة، لَا يَصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 بِصِحَّة تَزْوِيجهَا إجبارا، لِأَن الْأَحْبَار لمن يكون لَهُ اخْتِيَار. وَقَالَ الإِمَام رَحمَه الله: مَا شاع وَلم يجر لَهُ ذكر فِي الشَّرْع فَفِي إِلْحَاقه بالصرائح وَجْهَان، كَقَوْل الزَّوْج: أَنْت عَليّ حرَام. قَالَ أَبُو سعيد: وَالْعجب من إِنْكَار وُرُود الشَّرْع بِالتَّحْرِيمِ، وَقد قَالَ سُبْحَانَهُ: {لم تحرم مَا أحل الله لَك} [التَّحْرِيم: 1] . قلت: بل الْعجب مِنْهُ كَيفَ يغْفل عَن الْمَقَاصِد، إِنَّمَا أَرَادَ وُرُود الشَّرْع فِي التَّحْرِيم بِمَعْنى الطَّلَاق كَمَا هُوَ شَائِع فِي أَلْسِنَة الْعَامَّة، وَالْآيَة لم ترد فِي هَذَا الْمَعْنى، بل فِي تَحْرِيم الْعين، وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 (188 - عبد الله بن مُحَمَّد [000 - 398] ) أَبُو مُحَمَّد البُخَارِيّ الْمَعْرُوف ب: البافي، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَالْفَاء. أوطن بَغْدَاد. قَالَ الْخَطِيب: كَانَ من أفقه أهل وقته على مَذْهَب الشَّافِعِي، وَله معرفَة بالنحو وَالْأَدب مَعَ عارضة وفصاحة، وَكَانَ حسن المحاضرة، بليغ الْعبارَة، حَاضر البديهة، يَقُول الشّعْر المطبوع من غير كلفة، ويخطب الْخطب، وَيكْتب الْكتب الطَّوِيلَة من غير روية. حَدثنِي البرقاني قَالَ: قصد أَبُو مُحَمَّد البافي صديقا لَهُ ليزوره، فَلم يجده فِي دَاره، فاستدعى بَيَاضًا ودواة فَكتب إِلَيْهِ: (كم حَضَرنَا فَلَيْسَ يقْضى التلاقي ... نسْأَل الله خير هَذَا الْفِرَاق) (إِن أغب لم تغب وَإِن لم تغب غبت ... كَأَن افتراقنا بِاتِّفَاق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 وَقَالَ الْخَطِيب: أَنْشدني القَاضِي أَبُو الْقَاسِم التنوخي قَالَ: أَنْشدني أَبُو مُحَمَّد البافي لنَفسِهِ: (ثَلَاثَة مَا اجْتَمعْنَ فِي رجل ... إِلَّا وأسلمنه إِلَى الْأَجَل) (ذل اغتراب وَقلة وَهوى ... وَكلهَا سائق على عجل) (يَا عاذل العاشقين إِنَّك لَو ... أنصفت رفهتهم عَن العذل) (فَإِنَّهُم لَو عرفت صورتهم ... عَن شغل العاذلين فِي شغل) حَدثنِي القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ قَالَ: كتب أَبُو مُحَمَّد البافي إِلَى صديق لَهُ يستنجزه موعدا: (توسع مَطْلِي وَالزَّمَان يضيق ... وَأَنت بِتَقْدِيم الْجَمِيل حقيق) (فإمَّا نعم يحيي الْفُؤَاد نَجَاحهَا ... وَإِمَّا إِيَاس بالغريب رَفِيق) (فَإِن مرجي الْبر فِي الْأسر مؤثق ... وَإِن طليق الْيَأْس مِنْك طليق) وَفِي " يتيمة الدَّهْر " للثعالبي ذكر للبافي. مَاتَ البافي رَحمَه الله فِيمَا ذكره العتيقي وَغَيره فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَلَاث مئة، وَصلى عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 (189 - عبد الله بن يحيى [000 - 510 تَقْديرا] ) ابْن مُحَمَّد بن بهْلُول الأندلسي، أَبُو مُحَمَّد السَّرقسْطِي. وسرقسطة: من بِلَاد الأندلس. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ فَقِيها فَاضلا، بارعا، لطيف الطَّبْع، مليح الشّعْر، ورد بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا مُدَّة فِي النظامية فِي حُدُود سنة خمس مئة أَو قبلهَا، ثمَّ خرج إِلَى خُرَاسَان، وَورد مرو، ثمَّ عطف مِنْهَا إِلَى مرو الروذ وسكنها إِلَى أَن توفّي بهَا، وَكَانَت بَينه وَبَين وَالِدي رحمهمَا الله صداقة وَمَعْرِفَة أكيدة وَأنس. توفّي بمرو الروذ فِي حُدُود سنة عشر وَخمْس مئة. قَالَ السَّمْعَانِيّ: أنشدنا سَالم بن عبد الله قَالَ: أَنْشدني أَبُو مُحَمَّد ابْن بهْلُول لنَفسِهِ يُخَاطب ممدوحه: (أيا شمس إِنِّي أتتك مدائحي ... وَهن لآل نظمت وقلائد) (فلست بِمن يَبْغِي على الشّعْر رشوة ... أَبى ذَاك لي جد كريم ووالد) (وَإِنِّي من قوم قَدِيما ومحدثا ... تبَاع عَلَيْهِم بالألوف القصائد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 (190 - عبد الله بن يُوسُف [000 - 438] ) أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ. قَالَ أَبُو حَامِد مَحْمُود بن جيلياسي بن عبد الله التركي: تفقه أَولا على أبي يَعْقُوب الأبيوردي بِنَاحِيَة جُوَيْن، ثمَّ قدم نيسابور، واجتهد فِي تَحْصِيل الْعُلُوم على أبي الطّيب سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصعلوكي، ثمَّ ارتحل إِلَى مرو، وَقصد الشَّيْخ أَبَا بكر عبد الله بن أَحْمد الْقفال الْمروزِي، ولازم درسه حَتَّى تخرج مذهبا وَخِلَافًا، وأتقن طَرِيقَته، وَعَاد إِلَى نيسابور سنة سبع وَأَرْبع مئة، وَقعد للتدريس وَالْفَتْوَى ومجلس المناظرة، وَتَعْلِيم الْعَام وَالْخَاص، وَكَانَ ماهرا فِي إِلْقَاء الدُّرُوس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 قَالَ: وَكَانَ يحْتَاط فِي أَدَاء الزَّكَاة حَتَّى كَانَ يُؤَدِّي فِي سنة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ حذرا من نِسْيَان النِّيَّة، أَو دَفعهَا إِلَى غير الْمُسْتَحق. توفّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة. هَذَا آخر مَا ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح. قلت: هُوَ وَالِد الإِمَام أبي الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ. قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي: عبد الله بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ ثمَّ النَّيْسَابُورِي أَبُو مُحَمَّد الإِمَام، ركن الْإِسْلَام، الْفَقِيه، الأصولي، الأديب، النَّحْوِيّ، الْمُفَسّر، أوحد زَمَانه، تخرج بِهِ جمَاعَة من أَئِمَّة الْإِسْلَام، وَكَانَ لصيانته وديانته مهيبا، مُحْتَرما بَين التلامذة، وَلَا يجْرِي بَين يَدَيْهِ إِلَّا الْجد والحث والحض على التَّحْصِيل، لَهُ فِي الْفِقْه تصانيف كَثِيرَة الْفَوَائِد، وَله " التَّفْسِير الْكَبِير " الْمُشْتَمل على عشرَة أَنْوَاع فِي كل آيَة. توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة، وَلم يخلف مثله فِي استجماعه. وَسمعت خَالِي الإِمَام أَبَا سعيد - يَعْنِي: عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 الْقشيرِي - يَقُول: كَانَ أَئِمَّتنَا فِي عصره، والمحققون من أَصْحَابنَا، يَعْتَقِدُونَ فِيهِ من الْكَمَال وَالْفضل والخصال الحميدة أَنه لَو جَازَ أَن يبْعَث الله نَبيا فِي عصره لما كَانَ إِلَّا هُوَ، من حسن طَرِيقَته وورعه وزهده وديانته فِي كَمَال فَضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 (191 - عبد الْجَبَّار بن أَحْمد [359 - 415] ) ابْن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد، أَبُو الْحُسَيْن القَاضِي الأسداباذي. وَيُقَال: الهمذاني أَيْضا. ذكر ابْن الصّباغ فِي " أصُول الْفِقْه " مَسْأَلَة اخْتلف فِيهَا أَصْحَابنَا فَذكره فِي جُمْلَتهمْ. قَالَ الْخَطِيب: كَانَ ينتحل مَذْهَب الشَّافِعِي فِي الْفُرُوع، ومذاهب الْمُعْتَزلَة فِي الْأُصُول، وَله فِي مصنفات، وَولي قَضَاء الْقُضَاة بِالريِّ، وَورد بَغْدَاد حَاجا، وَحدث بهَا. وَذكر الْخَطِيب أَنه سمع الزبير بن عبد الْوَاحِد الأسداباذي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 وَعبد الرَّحْمَن الْجلاب، وَعبد الله بن جَعْفَر الْأَصْبَهَانِيّ، وَغَيرهم. وَقَالَ: مَاتَ قبل دخولي الرّيّ فِي رحلتي إِلَى خُرَاسَان، وَذَلِكَ فِي سنة خمس عشرَة وَأَرْبع مئة فِي ذِي الْقعدَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 (192 - عبد الْجَبَّار بن عَليّ [000 - 452] ) الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الإِسْفِرَايِينِيّ. صَاحب الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق. أستاذ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْكَلَام. صنف فِي علمي الْأُصُول والجدل. وَفِي تَرْجَمَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ الأصولي، قَرَأت بِخَط بعض المعلقين عَنهُ: سمعته رَضِي الله عَنهُ يَقُول عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق: لَو أَن وَاحِدًا وطئ زَوجته واعتقد أَنَّهَا أَجْنَبِيَّة فَعَلَيهِ الْحَد. قلت: هَذَا يُبَادر الْفَقِيه إِلَى إِنْكَاره، لَكِن الْحَقَائِق الْأُصُولِيَّة آخذة بضبعه، فَإِن الْأَحْكَام لَيست صِفَات للأعيان. قَالَ: وسمعته يَقُول: كتب الْأُسْتَاذ - هُوَ أَبُو إِسْحَاق - إِلَى القَاضِي: قَول من قَالَ: كل مُجْتَهد مُصِيب، أَوله سفسطة، وَآخره زندقة. فَكتب القَاضِي فِي جَوَابه: لَعَلَّ الْأُسْتَاذ ظن أَنِّي أَقُول: كل مُجْتَهد مُصِيب فِي الْأُصُول، لَا بل إِنَّمَا هَذَا فِي الْفُرُوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 (193 - عبد الْجَلِيل بن أبي بكر [000 - بعد 525] ) الطَّبَرِيّ، أَبُو سعد. تفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَأقَام بهَا مُدَّة. وَسمع الحَدِيث من أبي نصر الزَّيْنَبِي وَغَيره. سكن جرجان وَحدث بهَا يَسِيرا. روى عَنهُ: أَبُو عَامر سعد بن عَليّ العصاري. وَتُوفِّي بجرجان، وَدفن عِنْد قبر كرزبن وبرة رَضِي الله عَنْهُمَا، وَكَانَ حَيا سنة خمس وَعشْرين وَخمْس مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 (194 - عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم [000 - 397] ) ابْن مُحَمَّد بن يحيى، أَبُو الْحسن ابْن أبي إِسْحَاق الْمُزَكي. ذكر الْحَاكِم أَنه كَانَ من الصَّالِحين، الْعباد، التاركين لما لَا يَعْنِي، وَمن قراء الْقُرْآن، والمكثرين من سَماع الحَدِيث سمع بنيسابور أَبَا حَامِد ابْن الشَّرْقِي وأقرانه، وببغداد إِسْمَاعِيل الصفار وأقرانه. توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَتِسْعين وَثَلَاث مئة بنيسابور، وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو الطّيب سهل الصعلوكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 (195 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد [444 - 518] ) ابْن أَحْمد بن سهل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن حمدَان بن مُحَمَّد السراج، أَبُو نصر ابْن أبي بكر النَّيْسَابُورِي، من أَهلهَا. ذكره أَبُو سعد، فَقَالَ: الْفَقِيه، ابْن الْفَقِيه الدّين، الْعَفِيف، من بَيت الْعلم والورع وَالصَّلَاح، نَشأ فِي الْعِبَادَة من صغره. وَاخْتلف إِلَى أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ، وبرع فِي الْفِقْه، وَصَارَ من خَواص أَصْحَابه، والمعيدين فِي درسه على الشادين. وَجرى على منوال أسلافه فِي الْوَرع والستر وَالْأَمَانَة والاكتفاء بالحلال من الْقُوت، واليسير من الْأَسْبَاب الموروثة، وَقلة الِاخْتِلَاط. وَخرج إِلَى الْحجاز، وَأنْفق فِي الطَّرِيق من الْوَجْه الْحَلَال، وَعَاد مرضِي الْحَال، ملازما لطريقة السّلف. سمع أَبَاهُ، وَأَبا عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد الْبُحَيْرِي، وَأَبا سعد الجنزروذي، وَأَبا سعد أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْمُقْرِئ، وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 وابا يعلى الصَّابُونِي، وَأَبا صَالح، الْمُؤَذّن الْحَافِظ، وَأَبا حَامِد الْأَزْهَرِي، وَغَيرهم. قَالَ أَبُو نصر: سَمِعت عبد الْكَرِيم الْقشيرِي ينشد لنَفسِهِ: (إِذا شِئْت أَن تحيا حَيَاة هنيَّة ... فنق من الأطماع ثَوْبك واقنع) (وَإِن شِئْت عَيْشًا فِي دوَام مذلة ... فعلق بمخلوق فُؤَادك واطمع) توفّي - فِيمَا ذكره عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل - فِي أَوَائِل جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَانِي عشرَة وَخمْس مئة، وَدفن بمقبرة الْحيرَة بِجنب أسلافه، وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي رحمهمَا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 (196 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد [000 - 420] ) ابْن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، الْفَقِيه الإِمَام الرئيس أَبُو أَحْمد الشرنخشيري، شين مُعْجمَة مَكْسُورَة، ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة، ثمَّ رَاء، ثمَّ نون مفتوحتين، ثمَّ خاء مُعْجمَة سَاكِنة، ثمَّ شين مُعْجمَة مَكْسُورَة، ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة، ثمَّ رَاء، ثمَّ يَاء النّسَب. قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن مَنْصُور الْمروزِي: انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة أَصْحَاب الحَدِيث فِي عصره بمرو، وَأخذ الْفِقْه من أبي زيد الفاشاني، والْحَدِيث من أبي الْعَبَّاس النضري - بالنُّون وبالضاد الْمُعْجَمَة - وَأبي مُحَمَّد ابْن حَلِيم، بِاللَّامِ. وَسمع بالعراق من مشايخها، وَحدث بهراة وغزنة. سمع مِنْهُ: أَبُو الْفضل الجارودي، وَإِسْحَاق ابْن أبي إِسْحَاق القراب، بِفَتْح الْقَاف، وَتَشْديد الرَّاء، وَآخره بَاء مُوَحدَة. وَقُرِئَ عَلَيْهِ الحَدِيث بِبَغْدَاد بِحَضْرَة أبي الْحُسَيْن ابْن المظفر، وَأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، وَكَانَ لَهُ مجْلِس إملاء فِي دَاره بمرو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 مَاتَ سنة عشْرين وَأَرْبع مئة رَحمَه الله. قَوْله: انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة أَصْحَاب الحَدِيث، يَعْنِي أَصْحَاب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنْهُم، كَمَا بَيناهُ فِي مَوَاضِع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 (197 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد [000 - 521] ) ابْن مُحَمَّد بن نصير البروجردي، القَاضِي أَبُو سعد. أَقَامَ بِبَغْدَاد مُدَّة. وتفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق. وَكَانَ فَقِيها فَاضلا. وَسمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن ابْن الْمُهْتَدي بِاللَّه، وَأبي الْغَنَائِم ابْن الْمَأْمُون الهاشميين وَغَيرهمَا، وَسمع مِنْهُ. وَكَانَ حَيا سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخمْس مئة. ذكر ذَلِك من أمره أَبُو سعد فِي " مذيله ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 (198 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيم [420 - 482] ) ابْن هوَازن الْقشيرِي، أَبُو مَنْصُور. أحد أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي، وَقد تقدم ذكرهم فِي تَرْجَمَة عبد الله. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ أَبُو مَنْصُور هَذَا حسن السِّيرَة، فَاضلا، متدينا، ورعا، عفيفا، قصير الْيَد عَمَّا تغلب الشُّبْهَة عَلَيْهِ، محتاطا فِي مطعمه وملبسه، مستوعب الْوَقْت بالخلوة وَالْعِبَادَة، يصحب الصَّالِحين، ويزور الْمشَاهد، وَكتب الْكثير، وَسمع الْكثير بنيسابور وبغداد - إِذْ وردهَا مَعَ أَبِيه حَاجا - وَغَيرهمَا. وَخرجت لَهُ فَوَائِد قُرِئت عَلَيْهِ. وَلما توفيت والدته الفاضلة فَاطِمَة سنة ثَمَانِينَ حج، فَتوفي بِمَكَّة فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ، وَهُوَ ثَالِث أَسْبَاط أبي عَليّ الدقاق، وثالث بني الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 (199 - عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم [240 - 327] ) مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ، الْحَافِظ ابْن الْحَافِظ. روى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ بِإِسْنَادِهِ أَن ابْن صاعد روى بِبَغْدَاد حَدِيثا أَخطَأ فِي إِسْنَاده، فَأنْكر عَلَيْهِ ابْن عقدَة الْحَافِظ، فَخرج أَصْحَاب ابْن صاعد، وارتفعوا إِلَى الْوَزير عَليّ بن عِيسَى، وَحبس ابْن عقدَة، فَقَالَ الْوَزير: من نسْأَل وَنَرْجِع إِلَيْهِ؟ فَقَالُوا: ابْن أبي حَاتِم، فَكتب إِلَيْهِ الْوَزير يسْأَله عَن ذَلِك، فَنظر وَتَأمل فَإِذا الحَدِيث على مَا قَالَ ابْن عقدَة، فَكتب إِلَيْهِ بذلك، فَأطلق ابْن عقدَة، وارتفع شَأْنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 (200 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد [000 - نَحْو 420] ) ابْن مُحَمَّد ابْن سُورَة - بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة، وَإِسْكَان الْوَاو، وَبعدهَا رَاء، ثمَّ هَاء - ابْن سعيد، أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي، من أَهلهَا وفقهائها الشَّافِعِيَّة. ذكر الْخَطِيب أَنه قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن ابْن نجيد، وَأبي طَاهِر حفيد ابْن خُزَيْمَة. ذكره أَبُو صَالح الْمُؤَذّن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 (201 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد [374 - 467] ) ابْن المظفر بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن أَحْمد بن معَاذ بن سهل بن الحكم الداوودي، أَبُو الْحسن البوسنجي، من أهل بوسنج: بباء مُوَحدَة مَضْمُومَة، ثمَّ وَاو سَاكِنة، ثمَّ سين مُهْملَة مَفْتُوحَة، ثمَّ نون سَاكِنة، ثمَّ جِيم؛ هِيَ بَلْدَة بنواحي هراة. وَهُوَ الإِمَام أَبُو الْحسن الداوودي الَّذِي يروي عَنهُ أَبُو الْوَقْت " صَحِيح " البُخَارِيّ، سَمعه من أبي مُحَمَّد الحمويي - بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، وَضم الْمِيم الْمُشَدّدَة - فِي صفر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، عَن الْفربرِي، عَن البُخَارِيّ. وسَمعه أَبُو الْوَقْت من الداوودي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ الداوودي وَجه مَشَايِخ خُرَاسَان، وَله قدم راسخ فِي التَّقْوَى. قَالَ: حكى أَنه بَقِي أَرْبَعِينَ سنة لَا يَأْكُل اللَّحْم وَقت نهب التركمان، وَكَانَ يَأْكُل السّمك، فحكي لَهُ أَن بعض الْأُمَرَاء أكل على حافة النَّهر الَّذِي يصاد لَهُ مِنْهُ السّمك، ونفض سفرته وَمَا فضل مِنْهُ فِي النَّهر؛ فَمَا أكل السّمك بعد ذَلِك. ولد فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسبعين وَثَلَاث مئة. وَتُوفِّي ببوسنج فِي شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة. قَالَ النواوي: هَذِه التَّرْجَمَة ألحقتها أَنا، وَلم يذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مِنْهَا إِلَّا قَوْله: الإِمَام الداوودي الَّذِي يروي عَنهُ أَبُو الْوَقْت، ثمَّ ذكر الشّعْر الَّذِي يَأْتِي، وَترك بَينهمَا بَيَاضًا، وَقَالَ: يتَّصل إِن شَاءَ الله تَعَالَى. روى بِإِسْنَادِهِ عَن الداوودي لنَفسِهِ: (رب تقبل عَمَلي ... وَلَا تخيب أملي) (أصلح أموري كلهَا ... قبل حُلُول الْأَجَل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 وَله: (يَا شَارِب الْخمر اغتنم تَوْبَة ... قبل التفاف السَّاق بالساق) (الْمَوْت سُلْطَان لَهُ سطوة ... يَأْتِي على المسقي والساقي) قَالَ كَاتبه عَفا الله عَنهُ: وَقد ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي مَوضِع آخر فَقَالَ: عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن المظفر الداوودي، أَبُو الْحسن البوسنجي، أحد الْفُضَلَاء، فضل علم وَدين، وَهُوَ الَّذِي روى أَبُو الْوَقْت " البُخَارِيّ " عَنهُ. وَرُوِيَ لي عَن الْحَافِظ الْمرَادِي أَنه حكى أَن أَبَا الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي كَانَ قد سمع " الصَّحِيح " للْبُخَارِيّ من أبي سهل الحفصي، وَله إجَازَة من الداوودي، فَكَانَ يَقُول: الْإِجَازَة من الداوودي أحب إِلَيّ من السماع من الحفصي. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ مَا مُخْتَصره: أَن الإِمَام أَبَا الْحسن الداوودي قَرَأَ الْأَدَب على أبي عَليّ الفنجكردي وَكَانَت إِلَيْهِ الرحلة. وَقَرَأَ الْفِقْه على أبي بكر الْقفال الْمروزِي، وَأبي الطّيب سهل الصعلوكي، وَأبي طَاهِر ابْن محمش الزيَادي، وَأبي بكر الطوسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وقرأه بِبَغْدَاد على أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وعَلى أبي الْحسن الطبسي، وببوسنج على أبي سعيد يحيى بن مَنْصُور الْفَقِيه. وَقيل: إِنَّه كَانَ يحمل مَا كَانَ يَأْكُلهُ فِي حَال تفقهه أَيَّام مقَامه بِبَغْدَاد - وَغَيرهَا من الْبِلَاد - من بَلَده بوسنج احْتِيَاطًا، وَصَحب الْأُسْتَاذ أَبَا عَليّ الدقاق، وَأَبا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ بنيسابور، والامام فاخرا السجْزِي ببست عِنْد رحلته إِلَى غزنة، وَلَقي يحيى بن عمار السجْزِي، وَكَانَ دُخُوله بَغْدَاد سنة تسع وَتِسْعين وَثَلَاث مئة، وَعَاد إِلَى وَطنه سنة خمس وَأَرْبع مئة، وَأخذ فِي التدريس والتذكير وَالْفَتْوَى التصنيف، وَكَانَ ذَا حَظّ من النّظم والنثر، يراسل الْأَئِمَّة ويراسلونه، وَبَقِي على ذَلِك زينا لعصره إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله. سمع بِبَغْدَاد أَبَا الْحسن بن الصَّلْت الْمُجبر، وَأَبا عمر ابْن مهْدي، وَأَبا أَحْمد ابْن أبي مُسلم الفرضي، وَغَيرهم. وبنيسابور أَبَا عبد الله الْحَاكِم الْحَافِظ، وَأَبا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، وَأَبا الْقَاسِم ابْن حبيب الْمُفَسّر، وَأَبا الْحسن الْعلوِي الحسني، وَأَبا طَاهِر الزيَادي، وَأَبا عَليّ الفلجردي، وَغَيرهم. وببوسنج أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن حمويه السَّرخسِيّ قدمهَا، وبهراة أَبَا مُحَمَّد ابْن أبي شُرَيْح، وَغير هَؤُلَاءِ. روى عَنهُ النَّاس. وَقَالَ أَيْضا: قَرَأت بِخَط وَالِدي رَحمَه الله: سَمِعت الْفَقِيه الْأَجَل أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق يَقُول: كَانَ الإِمَام أَبُو الْحسن الداوودي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 لَا تسكن شفته من ذكر الله عز وَجل. قَالَ: فيحكى أَن مزينا أَرَادَ أَن يقص شَاربه، فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الإِمَام، يجب أَن تسكن شفتيك؛ فَقَالَ: قل للزمان حَتَّى يسكن. وَبِه قَالَ: سَمِعت الْفَقِيه أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق الطوسي يَقُول: دخل أخي نظام الْملك على الإِمَام أبي الْحسن الداوودي، وَقعد بَين يَدَيْهِ، وتواضع لَهُ غَايَة التَّوَاضُع، فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الرجل، إِن الله سلطك على عبيده، فَانْظُر كَيفَ تجيبه إِذا سَأَلَك عَنْهُم. وَذكره الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ فِي كِتَابه فِي " أَصْحَاب الشَّافِعِي "، فَقَالَ: أَبُو الْحسن الداوودي، شيخ عصره، وأوحد دهره، وَالْإِمَام الْمُقدم فِي الْفِقْه وَالْأَدب وَالتَّفْسِير، وَكَانَ زاهدا، ورعا، حسن السمت، بَقِيَّة الْمَشَايِخ بخراسان، وَأَعْلَاهُمْ إِسْنَادًا. أَخذ عَنهُ فُقَهَاء بوسنج، وَله شعر وَترسل. ولد فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسبعين وَثَلَاث مئة. وَتُوفِّي رَحمَه الله ببوسنج فِي شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة. وَكَانَ سَمَاعه " الصَّحِيح " فِي صفر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ ابْن سِتّ سِنِين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 (202 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد [000 - 461] ) أَبُو مُحَمَّد الفوراني الْمروزِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 كَانَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ يمِيل عَلَيْهِ ميلًا شَدِيدا، يتتبع بالإسقاط والتزييف مَا لَا يجده فِي غير كِتَابه مِمَّا قَالَه أَو نَقله، وَلَا يُسَمِّيه وَلَا كِتَابه، يَقُول: ذكر بعض المصنفين كَذَا، وَفِي بعض التصانيف كَذَا، ونجد كثيرا من ذَلِك فِي كتب صَاحبه الإِمَام الْغَزالِيّ مَنْسُوبا إِلَيْهِ، مُصَرحًا فِيهِ باسمه. قَالَ النواوي: هَذَا الفوراني هُوَ صَاحب " الْإِبَانَة "، وَشَيخ صَاحب " التَّتِمَّة "، وسمى صَاحب " التَّتِمَّة " كِتَابه: " التَّتِمَّة "؛ لكَونه تتميما ل " الْإِبَانَة "، وشرحا لمسائله وفروعا لَهَا، وَأثْنى عَلَيْهِ فِي خطبَته. وَقد روى عَنهُ صَاحب " التَّهْذِيب " فِي كِتَابه " شرح السّنة ". وَهُوَ الفوراني: بِضَم الْفَاء، قَالَه السَّمْعَانِيّ وَغَيره، مَنْسُوب إِلَى جده: فوران، وَهُوَ: عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن فوران. قَالَه السَّمْعَانِيّ. وَله تصانيف فِي الْفِقْه، وروى الحَدِيث. توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة بمرو. قَالَ: وَهُوَ من أَعْيَان تلامذة الْقفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 (203 - عبد الرَّحْمَن بن مهْدي [135 - 198] ) ابْن حسان بن عبد الرَّحْمَن، أَبُو سعيد الْعَنْبَري. مولى من أهل الْبَصْرَة. إِمَام مقدم من أَئِمَّة الحَدِيث، يحْتَج فِيهِ بقوله، ويعتمد فِي أمره على نَقله ونقده. سمع عددا من الْأَئِمَّة: مَالِكًا، وَالثَّوْري، والحمادين، وَشعْبَة وَغَيرهم. روى عَنهُ عدد من الْأَئِمَّة: ابْن الْمُبَارك، وَابْن وهب، وَأحمد، وَابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن معِين، وَأَبُو خَيْثَمَة، وَأَبُو عبيد، وَإِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه، وَأَبُو ثَوْر، وَغَيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 قَالَ الْخَطِيب: كَانَ من الربانيين فِي الْعلم، وَأحد الْمَذْكُورين بِالْحِفْظِ، وَمِمَّنْ برع فِي معرفَة الْأَثر، وطرق الرِّوَايَات، وأحوال الشُّيُوخ. ذكر أَبُو بكر الْأَثْرَم أَن أَحْمد ابْن حَنْبَل رَحمَه الله سُئِلَ عَن عبد الرَّحْمَن: هَل كَانَ يتفقه؟ قَالَ: كَانَ يتوسع فِي الْفِقْه. وبإسناد الْخَطِيب إِلَى عَليّ ابْن الْمَدِينِيّ قَالَ: أعلم النَّاس بِالْحَدِيثِ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي. قَالَ القَاضِي إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق: وَكَانَ عَليّ شَدِيد التوقي. وَقَالَ عَليّ ابْن الْمَدِينِيّ أَيْضا: كَانَ علم عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بِالْحَدِيثِ كالسحر. وَعَن أَيُّوب بن المتَوَكل الْقَارئ قَالَ: كُنَّا إِذا أردنَا الدّين وَالدُّنْيَا ذَهَبْنَا إِلَى دَار عبد الرَّحْمَن بن مهْدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 مَاتَ رَحمَه الله سنة ثَمَان وَتِسْعين ومئة، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ. ولد سنة خمس وَثَلَاثِينَ، وَالله أعلم. قَالَ السلَفِي: أخبرنَا القَاضِي أَبُو الْفَتْح إِسْمَاعِيل بن عبد الْجَبَّار الْقزْوِينِي قَالَ: سَمِعت الْحَافِظ أَبَا يعلى الخليلي يَقُول فِي ذكر عبد الرَّحْمَن بن مهْدي: قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: لَا أعرف لَهُ نظيرا فِي هَذَا الشَّأْن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 (204 - عبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم [000 - 514] ) ابْن هوَازن بن عبد الْملك بن طَلْحَة الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي، أَبُو نصر، أَعلَى أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي فِي الْعلم محلا، وَإِن لم يكن أكبرهم وَأَعْلَاهُمْ سنا، وَهُوَ الرَّابِع من أَوْلَاده، وَأول أَوْلَاده من بعد أَوْلَاده الثَّلَاثَة من الْخيرَة والسيدة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، وأشبههم بِهِ خلقا، حَتَّى كَأَنَّمَا شقّ مِنْهُ شقا. كَانَ متصرفا فِي عُلُوم، مُتَقَدما فِي فنون، وَهُوَ أحد الجلة الْمُتَقَدِّمين من أَصْحَاب الإِمَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ. رباه وَالِده وَعلمه فِي صباه اللِّسَان الْعَرَبِيّ، حَتَّى تخرج وبرع، وزاول النثر وَالنّظم، فَحل مِنْهُمَا بِالْمحل المرموق وتلقى من وَالِده علمي التَّفْسِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 وَالْأُصُول، فَبلغ مِنْهُمَا الْمبلغ الَّذِي يونق ويروق، وَكَانَ إِلَيْهِ استملاء الحَدِيث على وَالِده، وَقِرَاءَة الْكتب عَلَيْهِ، لتقدمه فِي فَضله، ورزق السرعة فِي الْكِتَابَة، حَتَّى كَانَ يكْتب الْكثير من غير أَن يلْحقهُ كَبِير مشقة، ثمَّ لما اسْتَأْثر الله الْكَرِيم بوالده بَادر بعد إِقَامَة رسم العزاء وتوابعه إِلَى مجْلِس إِمَام الْحَرَمَيْنِ، ولازم درسه، وَلَزِمَه لَيْلًا وَنَهَارًا، وعشيا وإبكارا، حَتَّى حصل طَرِيقه فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف، وعاود الْأُصُول فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي يعْتد بِهِ ويستفرغ مَعَه أَكثر أَيَّامه، مستفيدا مِنْهُ شَيْئا من حسابيات الْمسَائِل والوصايا والفرائض. ثمَّ حِين فرغ من تَحْصِيل الْفِقْه تأهب لِلْحَجِّ، واستصحب جمَاعَة، وَلما دخل بَغْدَاد جلس للوعظ، فَبَدَا لَهُ من الْقبُول حِين رَأَوْا كَمَاله مَا لم يعْهَد لأحد فِي تِلْكَ الْأَزْمِنَة مثله، وَحَضَرت الْخَاصَّة مَجْلِسه، وَالْأَئِمَّة: الامام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَغَيره. وَحج وَعَاد، وَالْقَبُول مقبل غض، وشمر لتربيته الشَّيْخ أَبُو سعد الصُّوفِي دوست دادا شيخ الشُّيُوخ، الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ رِبَاط شيخ الشُّيُوخ بِبَغْدَاد، وَخرج الْأَمر إِلَى التعصب حَتَّى بَدَت مخايل الْفِتْنَة وأوائلها، وَكَانَ قَلما يَخْلُو مجْلِس من مجالسه عَن إِسْلَام ذمِّي ثمَّ حج ثَانِيًا من قَابل فِي ترفه وأهبة لمراعاة أَمِير الْحَاج لَهُ، وَرجع إِلَى بَغْدَاد، وَالْقَبُول بِحَالهِ، ونار الْفِتْنَة تكَاد تضطرم، فأنهي ذَلِك إِلَى نظام الْملك وَهُوَ بأصبهان، وَسُئِلَ استحضاره إِيَّاه من بَغْدَاد تطفئة للنائرة، فَبعث إِلَيْهِ يستدعيه، فَتوجه إِلَى المعسكر، فَتَلقاهُ بأكيد الْإِكْرَام، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْعودِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 إِلَى وَطنه، فَفعل / وَأقَام ملازما للطريقة القويمة، ثمَّ سُئِلَ أَن يدرس ويعظ، فَأجَاب إِلَى ذَلِك إِلَى أَن قرب انْتِهَاء أمره. مرض فِي آخر عمره مَرضا اعتقل مِنْهُ لِسَانه إِلَّا عَن الذّكر، فَكَانَ لَا يتَكَلَّم إِلَّا بآيَات الْقُرْآن إِلَى أَن توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة وَخمْس مئة بنيسابور. وَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة الحفل. سمع الحَدِيث الْكثير، وَرَوَاهُ فَأكْثر، وَقَرَأَ تصانيف وَالِده عَلَيْهِ. قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَكَانَ كثير الْميل إِلَى الرِّوَايَة، قَلما يمْضِي عَلَيْهِ يَوْم إِلَّا وَيقْرَأ عَلَيْهِ مجْلِس من الحَدِيث. قَالَ: وَكَانَ يحفظ حكايات وأشعارا كَثِيرَة، وَحكي أَنه كَانَ يحفظ خمسين ألف نصف بَيت، وَأَنه كَانَ يحب الْعُزْلَة والانزواء، فَلَمَّا انقرضت الجوينية وَصَارَ مقدما احْتَاجَ إِلَى الْخُرُوج، وَحُضُور المحافل للتهاني والتعازي، فَخرج يَوْمًا إِلَى تَعْزِيَة بعض النَّاس، وَكَانَ يَوْمًا كثير الوحل، فَأصَاب ثِيَابه، وتلوث، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى منزله أنْشد: (لهفي على مَا كنت فِيهِ ... من الفراغة والدعه) (قد كَانَ قلبِي ساليا ... فقلى السلو وودعه) قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: الفراغة، بِالْهَاءِ تستعملها الْعَجم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وَلَا أصل لَهَا فِي اللُّغَة نعلمهُ، فَالله أعلم. وَأنْشد: (دَعْنِي فَإِن غَرِيم الشيب لازمني ... هَذَا زَمَانك فامرح فِيهِ لَا زمني) وَقَالَ: سَمِعت وَالِدي يَقُول: ليكن لَك فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة سَاعَة تحضر فِيهَا بقلبك، وتخلو بِرَبِّك، وترفع إِلَيْهِ فقرك، وَتقول: تدارك قلبِي بشظية من إقبالك، بذرة من إفضالك؛ (هَا إِن مددت يَدي إِلَيْك فَردهَا ... بِالْفَضْلِ لَا بشماتة الْأَعْدَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 (205 - عبد الْعَزِيز بن عَليّ [000 - 000] ) ابْن عبد الْعَزِيز بن الْحُسَيْن، أَبُو الْفضل الأشنهي. من أهل أشنه: بَلْدَة فِي حد أذربيجان، وَهُوَ ظَنِّي. صَاحب " الْفَرَائِض " الْكتاب الْمَشْهُور، وأحسبني سَمِعت بعض الأشنهيين أَن لَهُم آخر تشبه بِهِ إِلَّا أَنه مقرئ، أَو كَمَا قَالَ، وَالله أعلم. قَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: ورد بَغْدَاد، وتفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَسمع بهَا الحَدِيث من أبي جَعْفَر ابْن الْمسلمَة، وَغَيره. وَسمع مِنْهُ الْفضل بن مُحَمَّد النوقاني. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: سمع مِنْهُ بأشنه، وروى عَنهُ فِي إمْلَائِهِ باستملاء أبي مَنْصُور الشحامي: عبد الْخَالِق بن زَاهِر. وَقَالَ بَعضهم فِي نسبه: موسين، مَكَان: الْحُسَيْن. كَانَ رجلا زاهدا، عَارِفًا بِالْمذهبِ والْحَدِيث، صنف فِي الْمَذْهَب والفرائض. قَالَ ذَلِك صَاحب " الْإِلْحَاق "، وَقَالَ: أَخْبرنِي أَنه رَجَعَ من بَلَده إِلَى بَغْدَاد لرد قلم استعاره. مَاتَ بِبَلَدِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 (206 - عبد الْغفار بن عبيد الله [000 - 436] ) ابْن مُحَمَّد بن زيرك - بزاي مَكْسُورَة، ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة، ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة، ثمَّ كَاف، وَهُوَ غير مَصْرُوف - ابْن مُحَمَّد بن كثير بن عبد الله التَّمِيمِي، أَبُو سعد. شيخ همذان. قَالَ الْحَافِظ أَبُو شُجَاع شيرويه الهمذاني: كَانَ ثِقَة، صَدُوقًا، فَقِيها عَالما، لَهُ يَد فِي الْأَدَب، وَكَانَ يعظ النَّاس وَيتَكَلَّم فِي عُلُوم الْقَوْم - يَعْنِي عُلُوم الصُّوفِيَّة - وَكَانَ ذَا شَأْن وخطر عِنْد الْخَاص وَالْعَام، وَله مصنفات عزيزة فِي أَنْوَاع الْعُلُوم، وَلم يحمل عَنهُ إِلَّا الْقَلِيل، وعاجله الْمَوْت. توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة. روى عَن: أَبِيه أبي سهل، وَالْإِمَام أبي بكر ابْن لال، وَغَيرهمَا من الهمذانيين، وَعَن أبي الْفَتْح ابْن أبي الفوارس، وَأبي الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقطَّان الدَّارَقُطْنِيّ - وَهُوَ غير الدَّارَقُطْنِيّ الإِمَام الْمَشْهُور، اسْمه: عَليّ بن عمر - وَغَيرهمَا من البغداديين، وَغَيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 حدث عَنهُ: ابْن أُخْته أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عُثْمَان القومساني، وَغَيره. قَالَ شيرويه: سَمِعت أَبَا الْفضل أَحْمد بن عمر بن أَحْمد الْمُؤَدب يَقُول: سَمِعت أَبَا سعد ابْن زيرك الإِمَام يَقُول: رَأَيْت فِي صباي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام، فكساني ثوبا، فَسَأَلت معبرا؛ فَقَالَ: لَيست لَك، فَلَمَّا خرجت من عِنْده سَأَلَ عني، فَقيل لَهُ: هَذَا ابْن أبي سهل إِبْنِ زيرك، فصاح بِي، وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى يرزقك الْعلم، وَتَكون إِمَامًا فِي عصرك. قَالَ أَحْمد: فَصَارَ كَمَا قَالَ، وَذهب اسْمه فِي الْآفَاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 207 - عبد القاهر بن طَاهِر [000 - 429] ابْن مُحَمَّد التَّمِيمِي، الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ ثمَّ النَّيْسَابُورِي. كَانَ كشيخه الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ فِي نصْرَة طَرِيقه الْفُقَهَاء، وَالشَّافِعِيّ فِي أصُول الْفِقْه فِي الْأَغْلَب، وهما من الْمُتَكَلِّمين الناصرين لقَوْل الشَّافِعِي رَحمَه الله، لَا يجوز نسخ الْكتاب بِالسنةِ، مَعَ أَن أَكثر أضرابهما الْمُتَكَلِّمين من الشَّافِعِيَّة جبنوا عَن نصْرَة الْمَذْهَب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، حَتَّى إِن الإِمَام أَبَا بكر ابْن فورك نقض كتابا صنفه الشَّيْخ سهل الصعلوكي فِي نصْرَة مَذْهَب الإِمَام فِيهَا. وَقَالَ أَبُو مَنْصُور فِي كِتَابه " الْأُصُول الْخَمْسَة عشر ": إِن الصَّحِيح عِنْده الحديث: 207 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 أَن أول الْوَاجِبَات على الْمُكَلف النّظر وَالِاسْتِدْلَال، وفيهَا غلو عَن أبي الْحُسَيْن الْقَزاز. قَالَ: قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور: عِنْدِي أَن أول مَا يجب على الْإِنْسَان هُوَ الْإِقْرَار بكلمه الشَّهَادَتَيْنِ، وَقبُول الْإِسْلَام، وَالْعَمَل بِهِ، فَإِذا أَتَى بذلك حِينَئِذٍ يشرع فِي النّظر وَالِاسْتِدْلَال. قَالَ: وَهَذَا طَريقَة السّلف. قَالَ الشَّيْخ: وَرَأَيْت لَهُ كتابا فِي " معنى لفظتي التصوف والصوفي "، جمع فِيهِ من أَقْوَال الصُّوفِيَّة زهاء ألف قَول مرتبَة على حُرُوف المعجم، وَمن قَوْله فِيهِ: التصوف مجانية الْأَجَانِب من كل جَانب، التصوف غيث بِلَا عيث. الصُّوفِي هُوَ الَّذِي لَا يطْمع فِيمَن يطْمع، الصُّوفِي من لَا يُبَالِي أَن يكون ملوماً إِذا لم يكن مليماً، الصُّوفِي مفهم ملهم، عَن دَعْوَاهُ مفحم. وَقَالَ أَبُو خلف الطَّبَرِيّ: نفي الشَّرِيك فِي مَسْأَلَة المشركة هُوَ اخْتِيَار أستاذي أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ. وَله كتاب فِي " نقض مَا عمله أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ " فِي " تَرْجِيح مَذْهَب أبي حنيفَة "، وكل وَاحِد مِنْهُمَا لم يخل كَلَامه عَن ادِّعَاء مَا لَيْسَ لَهُ، والتشنيع بِمَا لم يؤته، مَعَ وهم كثير أَتَيَاهُ، وَالله أعلم. قَرَأت مِنْهُ فِي الْفَصْل الَّذِي ينْقض فِيهِ على الْجِرْجَانِيّ دَعْوَاهُ تقدمهم فِي علم الْفَرَائِض، وَأَن غَيرهم لَهُم تبع: أبسط الْكتب فِيهَا كتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 أبي الْعَبَّاس ابْن سُرَيج، وَقد بَين فِيهَا كل مَا أَخطَأ فِيهِ أَيُّوب بن سُلَيْمَان الْخُزَاعِيّ، وكل مَا أَخطَأ فِيهِ الْخصاف من مسَائِل الْفَرَائِض، وَمن مسَائِل الدّور والوصايا، وأبسط من هَذَا كُله كتاب مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي الْفَرَائِض، وَمَا صنف فِيهَا أتقن وَأحكم مِنْهُ، وَحَجمه يزِيد على خمسين جُزْءا، وَقد صنف فِيهِ من أهل عصرنا أَبُو عمر الدَّارمِيّ. كَذَا قَالَ. قَالَ الشَّيْخ: لَعَلَّه أَبُو عَمْرو الْعجلِيّ، فتصحف. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي لم تخرج الْعرَاق مثله فِي الْفَرَائِض والدور والحساب والجبر والمقابلة وفنون المقدرات، كِتَابه الَّذِي خرج مسَائِله فِيهِ على أصُول الشَّافِعِي، وتلاه فِي التصنيف شَيْخَانِ من أَصْحَاب الشَّافِعِي (رَضِي الله عَنْهُم) ، أَحدهمَا: شيخ المقدرات فِي الْعرَاق وَفَارِس ونواحيها، وَهُوَ أَبُو الْحُسَيْن ابْن اللبان، وَالْآخر: إِمَام وقتنا فِي عُلُوم الْكَلَام وَالْفِقْه وَالْأُصُول والمقدرات كلهَا، هُوَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الإِسْفِرَايِينِيّ الَّذِي عينه فراره، وَفِي كل الْعُلُوم مُتَفَرِّقَة ناره. قَالَ: وتلاه فِي التصنيف فِي الْفَرَائِض والدور والوصايا وَالْعين وَالدّين وأنواع المقدرات عبد القاهر بن طَاهِر بن مُحَمَّد، وَكتابه فِي " الْفَرَائِض " يزِيد على ألف ورقة، وَكتابه فِي " الدّور والوصايا " يزِيد على ثَلَاث مئة بَاب، سوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 كتبه فِي الْفِقْه وَالْكَلَام وأصول الْفِقْه، وأنواع الْعُلُوم، على الْخُصُوص. والعموم. ثمَّ حكى أَنه أشكل على أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي تِلْكَ الْأَيَّام مسَائِل دورية فِي كتبهمْ، فَمَا حلهَا لَهُم إِلَّا هُوَ، وَالله أعلم. قَالَ الشَّيْخ: الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور هَذَا يخبط كثيرا فِي نقُوله وَمَا يحيكه خبط عشواء، فَمَا أَدْرِي من أَيْن يُؤْتى؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 208 - عبد القاهر بن طَاهِر [000 - 000] أَبُو الْمَعَالِي. وَهُوَ أَخُو عبد الله بن طَاهِر، وَقد تقدم ذكر أَخِيه. قَالَ فِيهِ أَبُو الْحسن ابْن أبي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ الْحَنَفِيّ فِي كِتَابه الَّذِي وسمه ب " وَسَائِل الألمعي إِلَى فَضَائِل الشَّافِعِي ": الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي ابْن شاهفور، إِمَام بَلخ، كَانَ مولده بنواحي إسفرايين، وَكَانَ عَالما بأنواع عُلُوم الْبشر، لم يشذ عَن خاطره علم، وَله " ديوَان شعر ". قَالَ: وَابْنه تَأَخّر عَن رتبته، وَقَامَ مقَامه ببلخ الإِمَام عمر البسطامي. كَذَا قَالَ: شاهفور، وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة أَخِيه: شهفور. وَمن شعر أبي الْمَعَالِي هَذَا: (جمع الْخيام وَردت الْإِبِل ... وكأنني بهم وَقد رحلوا) (قد كنت أَشْكُو خلف موعدها ... وَأَقُول ذَنْب لَيْسَ يحْتَمل) (يَا ليتها وَالدَّار جَامِعَة ... تعد المواعد ثمَّ لَا تصل) الحديث: 208 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 209 - عبد الْكَرِيم بن أَحْمد [391 - 468] ابْن طَاهِر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم، القَاضِي أَبُو سعد الطَّبَرِيّ التَّيْمِيّ - بميم وَاحِدَة - يعرف ب: الْوزان. من أهل طبرستان. نزل الرّيّ، وَهُوَ جد الصُّدُور الوزارنيين رُؤَسَاء الشَّافِعِيَّة بِالريِّ. من كبراء عصره فضلا، وحشمة، وجاهاً، ونعمة. قَالَ عبد الغافر: وَكَانَ لَهُ الْقدَم الراسخ فِي المناظرة، وإفحام الْخُصُوم، وَالْكَرم الباذخ الراقي إِلَى منَاط النُّجُوم. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: وَكَانَ يقهر الْخُصُوم بفصله، وفصاحته، وجرأته، وَبَيَانه. وَذكر أَنه تفقه بمرو على الإِمَام أبي بكر الْقفال الْمروزِي حَتَّى برع فِي الْفِقْه. وَقَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْحَافِظ: قَرَأَ الْفِقْه فِي أول أمره على القَاضِي أبي الْعَبَّاس الْبَصْرِيّ، ثمَّ تفقه على الْقفال، وَأخذ عَنهُ فُقَهَاء الحديث: 209 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 الرّيّ وَغَيرهَا، وَقَالَ: سكن الرّيّ، وَولي قَضَاء ساوة، ثمَّ قَضَاء همذان، وَهُوَ فَقِيه، مدرس، مناظر، مفت. وَذكر شيرويه، فَقَالَ: قاضينا سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة. قَالَ: وَكَانَ صَدُوقًا، وَاسع الْعلم، يحضر مَجْلِسه الْكِبَار من الْمَشَايِخ، وَأَحْيَانا كنت أَنا الْمُسْتَمْلِي لَهُ. قَالَ عبد الغافر: وَدخل نيسابور سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع مئة، وَعقد لَهُ مجْلِس الْإِمْلَاء، وَتكلم على رُؤُوس الْكِبَار والسادة، وَكَانَ قد دخل قَدِيما نيسابور، وَسمع أَصْحَاب الْأَصَم كَالْقَاضِي أبي بكر الْحِيرِي، وَأبي الْحسن الطرازي، وَالْإِمَام أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ، وَخرج إِلَى مرو فَسمع بهَا، وَسمع بِمَا وَرَاء النَّهر من الكاغدي، وَسمع مَشَايِخ الرّيّ وَالْعراق. قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ: توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة. وَقَالَ عبد الغافر: سنة تسع وَسِتِّينَ، قيل: كَانَت وِلَادَته فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَلَاث مئة. وروى فِي " إمْلَائِهِ " عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ، وَأبي بكر الْقفال، فَبَدَأَ بالأستاذ، وثنى بالقفال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 210 - عبد الْكَرِيم بن عبد الصَّمد [000 - 478] ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْقطَّان، أَبُو معشر الطَّبَرِيّ. الإِمَام فِي الْقرَاءَات. جاور بِمَكَّة، وَكَانَ مقرئ أَهلهَا، وَله فِي علم الْقرَاءَات وَغَيره تصانيف حَسَنَة وكثيرة. روى عَنهُ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عمر الْمُقْرِئ إِمَام الْمقَام كتاب " الْوَقْف والابتدا "، وَكتاب " سوق الْعَرُوس " فِي الْقرَاءَات، المحتوي على ألف وَخمْس مئة وَخمسين رِوَايَة وطريقاً، وَكتاب " الدُّرَر واللآلي " فِي التَّفْسِير والمعاني، وَكتاب " التخليص "، وَكتاب " الْحجَّة "، وَكتاب " الرشاد فِي شرح الرِّوَايَات الشاذة "، وَكتاب " عُيُون الْمسَائِل "، وَكتاب " طَبَقَات الْقُرَّاء "، وَكتاب " مخارج الْحُرُوف "، وَكتاب " الْعدَد "، وَكتاب " هجاء الْمَصَاحِف "، وَكتاب " الْمَدّ والتمكين "، وَكتاب " الغنة والإظهار "، وَكتاب " ألم تَرَ كَيفَ "، وَكتاب " من اسْمه مُحَمَّد "، و " كتابا فِي اللُّغَة "، وَكتاب " الظَّاء وَالضَّاد "، وَكَثِيرًا غَيرهَا، وَرُوِيَ عَنهُ الْكثير الوافي مِمَّا رَوَاهُ من تصانيف النَّاس فِي عُلُوم عدَّة، مِنْهَا: الحديث: 210 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 كتاب " ضِيَاء الْقُلُوب فِي إِعْرَاب الْقُرْآن ومعانيه " عَن مُؤَلفه، وَكتاب " شِفَاء الصُّدُور "، عَن الشريف الزيدي الْحَرَّانِي، عَن مُؤَلفه، و " مُسْند " أَحْمد، عَن الزيدي، عَن الْقطيعِي، و " تَفْسِير " الثَّعْلَبِيّ عَن مُؤَلفه، وَمِنْهَا الْمُهَذّب " لِابْنِ خالوية فِي اللُّغَة، وعدة من تصانيف القَاضِي أبي بكر الباقلاني فِي الْأَصْلَيْنِ عَن الدَّامغَانِي، عَنهُ، وعدة من تصانيف ابْن بطة الْحَنْبَلِيّ فِي الْأُصُول وَغَيره، عَن الزيدي، عَنهُ. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: أَبُو معشر من أهل طبرستان، وَكَانَ حسن الإقراء، حسن الْأَخْذ، جميل الْأَمر، وَسمع الحَدِيث، وسافر فِي طلبه. ورد بَغْدَاد، وَسمع بهَا: أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ، وَأَبا الْحسن عَليّ بن مَحْمُود الزوزني، وبمصر: أَبَا عبد الله ابْن نظيف، وبتنيس: أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف التنيسِي، وبمنبج، وحران، وبآمد، وبحلب، وبأردبيل، وبسلماس، وَجَمَاعَة كَبِيرَة من المصريين والشاميين، والجزريين. روى عَنهُ: أَبُو نصر الْغَازِي، وَالْقَاضِي أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو تَمام إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الصَّيْمَرِيّ، وَغَيرهم. توفّي بعد سنة سبعين وَأَرْبع مئة بِمَكَّة رَحمَه الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 211 - عبد الْكَرِيم بن هوَازن [376 - 465] ابْن عبد الْملك بن طَلْحَة بن مُحَمَّد، الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي. الْفَقِيه الصُّوفِي، المفتن فِي الْعُلُوم، صَاحب " الرسَالَة إِلَى الصُّوفِيَّة " السائرة فِي أقطار الأَرْض. ذكر أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي الْخَطِيب الأديب، ثمَّ غَيره، من خَبره مَا اختصاره، أَنه كَانَ إِمَامًا، فَقِيها، متكلماً، أصولياً، مُفَسرًا، مُحدثا، أديباً، نحوياً، كتابا، شَاعِرًا، وَكَانَ لِسَان عصره، وَسيد وقته، شيخ الحديث: 211 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 الْمَشَايِخ، وأستاذ الْجَمَاعَة، ومقصود سالكي الطَّرِيقَة، بنْدَار الْحَقِيقَة، وقطب السَّادة، حَقِيقَة الملاحة، جمع بَين عُلُوم الشَّرِيعَة والحقيقة، وَشرح أحسن الشَّرْح أصُول الطَّرِيقَة. أَصله من أستوا من عمل نيسابور، من الْعَرَب الَّذين وردوا خُرَاسَان، وَسَكنُوا الرساتيق، وَهُوَ قشيري الْأَب، سلمى الْأُم، وخاله أَبُو عقيل السّلمِيّ، كَانَ من وُجُوه دهاقين أستوا، توفى أَبوهُ وَهُوَ طِفْل، فَوَقع إِلَى أبي الْقَاسِم الأليماني الأديب، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْأَدَب والعربية، بِسَبَب اتِّصَاله بِهِ، وعَلى غَيره أَيْضا، فَعلم اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَتخرج، وَكَانَت لَهُ ضَيْعَة ثَقيلَة الْخراج بِنَاحِيَة أستوا، فَرَأى فِي عنفوان شبابه أَن يدْخل الْبَلَد - وَهُوَ نيسابور - ويتعلم صناعَة الِاسْتِيفَاء ويتقلد الْعَمَل، لَعَلَّه يصون بذلك ضيعته، فَدَخلَهَا على هَذِه الْعَزِيمَة، فاتفق حُضُوره مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، وَكَانَ لِسَان وقته، مهذباً حَالا ومقالاً، فَاسْتحْسن كَلَامه، وَوَقع مِنْهُ موقعاً لفهم الْعَرَبيَّة، وَإِذا بِهِ قد أَرَادَ أمرا، وَأَرَادَ الله غَيره، فَوَقع فِي شبكة الدقاق، وسلك طَرِيق الْإِرَادَة، طلب القباء، فرزق العباء، وَقَبله الدقاق وَأَقْبل عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ تفرس فِيهِ، فَجَذَبَهُ بهمته، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بتَعَلُّم الْعلم، فَذهب إِلَى درس الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي، وَشرع فِي الْفِقْه، ودوام حَتَّى فرغ من التَّعْلِيق، ثمَّ اخْتلف بإشارته إِلَى الْأُسْتَاذ أبي بكر ابْن فورك، وَكَانَ الْمُقدم فِي علم الْكَلَام، فحصله وبرع فِيهِ، وَصَارَ من أوجه تلامذته،، وأشدهم تَحْقِيقا وضبطاً، وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَيْضا علم أصُول الْفِقْه وفروعه، وَلما توفّي الْأُسْتَاذ ابْن فورك ذهب إِلَى الْأُسْتَاذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ وَقعد يسمع جَمِيع درسه أَيَّامًا، فَقَالَ لَهُ الْأُسْتَاذ: هَذَا الْعلم لَا يحصل بِالسَّمَاعِ. وَمَا توهم فِيهِ ضبط مَا يسمع، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَا سَمعه مِنْهُ، وَقَررهُ أحسن تَقْرِير من غير إخلال بِشَيْء، فتعجب مِنْهُ، وَعرف مَحَله، فَأكْرمه، وَقَالَ: مَا كنت أَدْرِي أَنَّك بلغت هَذَا الْمحل، فلست تحْتَاج إِلَى درس، بل يَكْفِيك أَن تطالع مصنفاتي، وَتنظر فِي طريقتي، وَإِن أشكل عَلَيْك شَيْء طالعتني بِهِ، فَفعل ذَلِك، وَجمع بَين طَرِيقَته وَطَرِيقَة ابْن فورك، ثمَّ نظر فِي كتب القَاضِي أبي بكر ابْن الطّيب ابْن الباقلاني، وَهُوَ مَعَ ذَلِك يحضر مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، ثمَّ إِنَّه اخْتَارَهُ لكريمته فَزَوجهَا مِنْهُ، مَعَ كَثْرَة أقاربها. وَلما توفّي ابو عَليّ عَاشر أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، وَصَارَ أستاذ خُرَاسَان، وَأخذ فِي التصنيف، وصنف " التَّفْسِير الْكَبِير " قبل الْعشْر وَأَرْبع مئة، وَخرج إِلَى الْحَج فِي رفْقَة فِيهَا الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، وَالشَّيْخ أَحْمد الْبَيْهَقِيّ، وَجَمَاعَة من الْمَشَاهِير، فَسمع مَعَهم الحَدِيث بِبَغْدَاد وبالحجاز من مَشَايِخ الْعَصْر. وَكَانَ فِي علم الفروسية وَاسْتِعْمَال الأسلحة وَمَا يتَعَلَّق بِهِ أحد أَفْرَاد عصره، وَله فِي ذَلِك دقائق وعلوم انْفَرد بهَا، وَأما الْجُلُوس للتذكير والوعظ، وَالْقعُود بَين المريدين، وَالْجَوَاب عَن أسولتهم عَن الوقائع، فَمِنْهُ وَإِلَيْهِ، أجمع أهل عصره على أَنه عديم النظير فِيهَا، غير مشارك فِي أساليب التَّكَلُّم على الْمسَائِل، وَفِي تطبيب الْقُلُوب، وَفِي الإشارات اللطيفة المستنبطة من الْآيَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 وَالْأَخْبَار من كَلَام الْمَشَايِخ، وَفِي الرموز الدقيقة، وتصانيفه فِيهَا مَشْهُورَة، وَكَانَ ينظم الْأَشْعَار اللطيفة على لِسَان أهل الطَّرِيقَة، وَعقد لنَفسِهِ مجْلِس إملاء الحَدِيث سنة سبع وَثَلَاثِينَ واربع مئة، فَكَانَ يملي إِلَى سنة خمس وَسِتِّينَ، ويذنب أَمَالِيهِ بأشعاره، وَرُبمَا تكلم على الْأَحَادِيث بإشاراته ولطائفه، وَكَانَ لَهُ فِي الْكِتَابَة طَريقَة أنيقة رشيقة تبر على نظمه. أَخذ طَريقَة التصوف عَن الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، وَأَخذهَا هُوَ عَن أبي الْقَاسِم النصراباذي، وَهُوَ عَن الشبلي، عَن الْجُنَيْد، ن السّري، عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي، عَن دَاوُد الطَّائِي، وَدَاوُد لَقِي التَّابِعين، هَكَذَا كَانَ يذكر إِسْنَاد طَرِيقَته. وَقَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كل من أَتَى بعده بنكتة وأعجوبة فِي علم التصوف فَهُوَ مَسْرُوق من كَلَامه، يُوجد مُتَفَرقًا فِي أَطْرَاف كَلَامه. سمع الحَدِيث من جمَاعَة من الرفعاء: السَّيِّد أبي الْحسن الْعلوِي، وَالْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ، والأمام أبي الطّيب سهل الصعلوكي، وَالْإِمَام أبي طَاهِر الزيَادي، وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، وَالْقَاضِي أبي زيد ابْن حبيب، وَأبي الْقَاسِم ابْن حبيب الْمُفَسّر، وَالْقَاضِي أبي بكر الْحِيرِي، وَأبي الْحُسَيْن الْخفاف صَاحب أبي الْعَبَّاس السراج. وَسمع بالعراق، والحجاز فِي حجَّته الأولى: أَبَا الْحُسَيْن ابْن بَشرَان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 وأخاه أَبَا الْقَاسِم، وَأَبا الْحُسَيْن ابْن الْفضل الْبَغْدَادِيّ، وَالْقَاضِي جنَاح بن نَذِير الْكُوفِي، وَابْن نظيف الْفراء الْمصْرِيّ، وَسمع غير من ذكرنَا. روى عَنهُ الْخَطِيب الْحَافِظ فَمن دونه. وَذكره عَليّ بن الْحسن الباخرزي فِي كِتَابه " دمية الْقصر " فَقَالَ: الإِمَام، زين الْإِسْلَام، أَبُو الْقَاسِم، جَامع لأنواع المحاسن، تنقاد لَهُ صعابها ذلل المراسن، فَلَو قرع الصخر بِسَوْط تحذيره لذاب، وَلَو ربط إِبْلِيس فِي مجْلِس تذكيره لتاب، وَله فصل الْخطاب فِي فضل النُّطْق المستطاب، ماهر فِي التَّكَلُّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ، خَارج فِي إحاطته بالعلوم عَن الْحَد البشري، كَلِمَاته للمستفيدين فَوَائِد وفرائد، وعتبات منبره للعارفين وسائد، ثمَّ إِذا عقد بَين مَشَايِخ الصُّوفِيَّة حبوته، وَرَأَوا قربته من الْحق وحظوته، تضاءلوا بَين يَدَيْهِ، وتلاشوا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ، وطواهم بساطه فِي حَوَاشِيه، وانقسموا بَين النّظر إِلَيْهِ والتفكير فِيهِ، وَله شعر يتبوج رُؤُوس معاليه، إِذا ختمت بِهِ أَذْنَاب أَمَالِيهِ. وَقَالَ الْحَاكِم عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري ببيهق مذاكرة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 سَمِعت الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي بنيسابور يَقُول فِي مَجْلِسه: البغداديون يَقُولُونَ: كن يَهُودِيّا صرفا، وَإِلَّا فَلَا تلعب التَّوْرَاة. وَقَالَ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل النَّيْسَابُورِي: من أَفْرَاد الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي الْقَاسِم قَوْله: (قَالُوا تهن بِيَوْم الْعِيد قلت لَهُم ... لي كل يَوْم بلقيا سَيِّدي عيد) (الْوَقْت روح وَعِيد إِن شهدتهم ... وَإِن فقدتهم نوح وتعديد) قَالَ: وَقَوله: (جنباني المدام يَا صاحبيا ... واتلوا سُورَة الصّلاح عليا) (استجبنا لزاجر الشَّرْع طَوْعًا ... وَتَركنَا حَدِيث سلمى وريا) (واتحنا لموجب الشَّرْع نشرا ... ومنحنا لموجب اللَّهْو طيا) (وَوجدنَا إِلَى القناعة بَابا ... فَوَضَعْنَا على المطامع كيا) (إِن من مَاتَ نَفسه عَن هَواهَا ... أصبح الْقلب مِنْهُ بِاللَّه حَيا) (نلْت روح الْحَيَاة بعد زمَان ... قد تعنيت بِالَّتِي واللتيا) (كنت فِي حر وحشتي لاختياري ... فتعوضت بالرضى مِنْهُ فيا) (وتحررت بعد رق وذل ... حِين لم أدخر لنَفْسي شيا) (سمح الْوَقْت بِالَّذِي رمت مِنْهُ ... بَعْدَمَا قد أَطَالَ مطلا وليا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 (فَالَّذِي يَهْتَدِي لقطع هَوَاهُ ... فَهُوَ فِي الْعِزّ حَاز حد الثريا) (وَالَّذين ارتووا بكأس مُنَاهُمْ ... فعلة العَبْد سَوف يلقون غيا) وَقَالَ أَيْضا أَبُو الْحسن عبد الغافر، وَهُوَ سبط الْأُسْتَاذ: توفّي الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد قبل طُلُوع الشَّمْس السَّادِس عشر من شهر ربيع الآخر من سنة خمس وَسِتِّينَ أَربع مئة، وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الْأَكْبَر أَبُو سعد عبد الله مَعَ الْخلق الْكثير، وَمَا عهد قبلهم اجْتِمَاع مثله، وَدفن فِي الْمدرسَة بِجَانِب شَيْخه الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق، وَلزِمَ الْأَئِمَّة الْأَحْوَال رَأس تربته لَيْلًا وَنَهَارًا، وَكَانُوا يبيتُونَ عِنْدهَا، وَلم يدْخل أحد مِنْهُم بَيته، وَلَا مس ثِيَابه وَلَا كتبه وَلَا أجزاءه إِلَّا بعد سِنِين احتراماً وتعظيماً لَهُ، وَمن عجائب مَا وَقع أَن الْفرس الَّتِي كَانَ يركبهَا وَكَانَت مَكَّة أهديت لَهُ من قريب من عشْرين سنة مَا كَانَ يركب غَيرهَا، مَا ركبهَا أحد بعده، وَحكي أَنَّهَا لم تعتلف بعد وَفَاته حَتَّى نفقت يَوْم الْجُمُعَة سادس يَوْم وَفَاته، انصرفنا من الْجُمُعَة فَأخْبرنَا أَنَّهَا سَقَطت فِي الإصطبل، وَكَانَ ذَلِك من نَوَادِر مَا رَأَيْنَاهُ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَهُ تصانيف كَثِيرَة فِي فنون، وَلَا يَخْلُو كَلَامه نظماً ونثراً من عجمة ظَاهِرَة، فَمِنْهَا فِي الْكَلَام: كتاب " مَفَاتِيح الْحجَج "، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 و " مُخْتَصر جَامع النكت "، وَمِنْهَا فِي أصُول الْفِقْه: كتاب " الْوَاسِطَة ". قَالَ الْخَطِيب: حدث أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي بِبَغْدَاد، وكتبنا عَنهُ، وَكَانَ ثقه، وَكَانَ يقص، وَكَانَ حسن الموعظة، مليح الْإِشَارَة، وَكَانَ يعرف الْأُصُول على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ، وَالْفُرُوع على مَذْهَب الشَّافِعِي. وَقَالَ: سَأَلت الْقشيرِي عَن مولده فَقَالَ: فِي ربيع الأول، من سنة سِتّ وَسبعين وَثَلَاث مئة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 212 - عبد الْملك بن زيد [514 - 598] ابْن ياسين التغلبي، أَبُو الْقَاسِم الشَّافِعِي الدولعي. خطيب دمشق. مَنْسُوب إِلَى الدولعية: قَرْيَة من قرى الْموصل. شيخ شُيُوخنَا، كَانَ أحد الْفُقَهَاء الْمَشْهُورين، والصلحاء الورعين، استوطن دمشق، وَتَوَلَّى الخطابة والتدريس بجامعها. ولد سنة أَربع عشرَة وَخمْس مئة، وَقيل: ولد قبل ذَلِك، وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخمْس مئة. ألحقهُ يحيى. الحديث: 212 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 213 - عبد الْملك الطَّبَرِيّ [000 - 000] نزيل مَكَّة شيخ الْحرم الشريف فِي عصره، أحد الْمَشْهُورين بالزهد والورع. أَقَامَ بِمَكَّة أَرْبَعِينَ سنة على الْجد وَالِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة، وقهر النَّفس، والرياضة. ومبدأ أمره أَنه كَانَ يتفقه فِي الْمدرسَة - أحسبها النظامية - فلاح لَهُ لائح، فَخرج على التَّجْرِيد إِلَى مَكَّة، وَلم يزل بهَا إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله، وَكَانَ يلبس الخشن، وَيَأْكُل الجشب، صَابِرًا على ذَلِك. وَقيل: كَانَ لَا يدْخل الْمَسْجِد الْحَرَام فِي وَقت الْمَوْسِم واجتماع النَّاس إِلَّا على الندرة. وَحكي أَنه كَانَ يدْخل الْحرم وَعَلِيهِ إِزَار خشن مشدود بالليف على وَسطه، وَمَعَهُ مكتل يلتقط فِيهِ البعر من الْمَسْجِد الْحَرَام ويرميه خَارِجا من مَكَّة. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ الْحَافِظ: سَمِعت أَبَا الأسعد هبة الرَّحْمَن الحديث: 213 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 الْقشيرِي مذاكرة بنيسابور يَقُول: لما كنت بِمَكَّة أردْت أَن أَزور الشَّيْخ عبد الْملك الطَّبَرِيّ، فدللت عَلَيْهِ، فمضيت إِلَيْهِ، فَوَجَدته محموماً منطرحاً، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ تكلّف وَجلسَ، وَقَالَ: أَنا إِذا حممت أفرح بذلك، لِأَن النَّفس تشتغل بالحمى، فَلَا تشغلني عَمَّا أَنا فِيهِ، فأخلو بقلبي كَمَا أُرِيد. وَقَالَ أَبُو سعد أَيْضا: سَمِعت أَبَا طَاهِر السنجي بمرو يَقُول: كُنَّا فِي الْحرم مَعَ والدك، فَدخل الشَّيْخ عبد الْملك الطَّبَرِيّ، فَجَاءَهُ، فَقَالَ لي والدك: تُرِيدُ الشَّيْخ عبد الْملك؟ . هَذَا هُوَ، وَقَامَ إِلَيْهِ وقصده، فَوقف الشَّيْخ فَسلم عَلَيْهِ والدك أكْرمه، وَقَالَ لَهُ: أَي شير أَي شير. وَقَالَ أَيْضا: قَرَأت بِخَط الأديب أبي الْحسن عَليّ بن حسكويه المراغي، سَمِعت الْحُسَيْن الزغنداني يَقُول: رَأَيْت حوضاً يُقَال لَهُ: عنبر، وَالْمَاء فِي أَسْفَله بِحَيْثُ لَا تصل إِلَيْهِ الْيَد، فَرَأَيْت غير مرّة الشَّيْخ عبد الْملك تَوَضَّأ مِنْهُ وارتفع المَاء إِلَى أَن وصلت يَده إِلَيْهِ، ثمَّ عَاد المَاء بعد فَرَاغه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 214 - عبد الْمُنعم بن عبد الْكَرِيم [445 - 532] ابْن هوَازن الْقشيرِي، أَبُو المظفر. أحد أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي رَحمَه الله، وهم سِتَّة تقدم ذكرهم فِي تَرْجَمَة عبد الله. وَأَبُو المظفر هَذَا أَصْغَرهم سنا، وَآخرهمْ موتا، وأبقاهم فِي رِوَايَة الحَدِيث ذكرا. مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة. الحديث: 214 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 215 - عبد الْمُنعم بن عبيد الله [309 - 389] ابْن غلبونِ، الْمُقْرِئ أَبُو الطّيب الْحلَبِي، نزيل مصر. أحد الْأَئِمَّة فِي علم الْقرَاءَات، صَاحب تصانيف فِيهِ. ذكره أَبُو عمر أَحْمد بن مُحَمَّد الطلمنكي أحد أَئِمَّة المقرئين فِي الْمغرب فِي " فهرسته "، فَقَالَ: أَبُو الطّيب عبد الْمُنعم بن عبيد الله بن غلبون الْمُقْرِئ الشَّافِعِي، أحد أستاذي فِي الْقرَاءَات، قَرَأت عَلَيْهِ السَّبْعَة غير رِوَايَة ورش. وَذكر كثيرا من تصانيفه الَّتِي قَرَأَهَا عَلَيْهِ وَأَخذهَا عَنهُ. وَقَرَأَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر الإِمَام كتاب " الْإِرْشَاد " وَكتاب " المرشد " من تصانيف ابْن غلبون هَذَا على الطلمنكي، عَن ابْن غلبون. وَتُوفِّي ابْن غلبون فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة. الحديث: 215 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 216 - عبد الْوَاحِد بن الْحُسَيْن [000 - بعد 386] ابْن مُحَمَّد، القَاضِي الإِمَام أَبُو الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ، نزيل الْبَصْرَة. أحد الْأَئِمَّة، وَله فِي الْمَذْهَب وُجُوه مسطورة. أَخذ عَنهُ جمَاعَة من أهل الْجَلالَة، مِنْهُم: أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ. وَكَانَ حسن الْعبارَة، جيد التصنيف. قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: سكن الصَّيْمَرِيّ الْبَصْرَة، وَحضر مجْلِس القَاضِي أبي حَامِد المروروذي، وتفقه بِصَاحِبِهِ أبي الْفَيَّاض، وارتحل النَّاس إِلَيْهِ من الْبِلَاد، وَكَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب، حسن التصانيف. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: رَأَيْت بخطة فِي آخر نُسْخَة بكتابه كتاب " الْكِفَايَة أَنه قرئَ عَلَيْهِ الْكتاب بواسط، وورخ بصفر سنة سبع وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة. وَمن تصانيفه: كتاب " الْإِيضَاح " فِي الْمَذْهَب، فِي نَحْو سبع مجلدات، وَله كتاب فِي " الْقيَاس والعلل "، وَكتاب صَغِير فِي " أدب الْمُفْتِي والمستفتي "، وَكتاب فِي " الشُّرُوط ". وَكَانَت وَفَاته بعد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة. الحديث: 216 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 217 - عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم [418 - 494] ابْن هوَازن الْقشيرِي، أَبُو سعيد - بِالْيَاءِ - وَهُوَ أَخُو أبي سعد عبد الله، وإخواتهما الْأَرْبَعَة، وَقد تقدم ذكرهم فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عبد الْكَرِيم وتراجمهم. وَأَبُو سعيد هَذَا ثَانِي إخواته مولداً وأولهم أَبُو سعد. قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي فِي عبد الْوَاحِد هَذَا: نَاصِر السّنة، أوحد عصره فضلا ونفساً وَحَالا، وَبَقِيَّة مَشَايِخ الْعَصْر فِي الشَّرِيعَة والحقيقة، نَشأ صَبيا فِي عبَادَة الله تَعَالَى وَفِي التَّعَلُّم، خطب للْمُسلمين قَرِيبا من خمس عشرَة سنة، ينشئ فِي كل جُمُعَة خطْبَة جَدِيدَة، جَامِعَة للفوائد، مَعْدُودَة من الفرائد. وَقَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ قوي الْحِفْظ جدا ضَارِبًا فِي الْكِتَابَة وَالشعر بِسَهْم، ذَا عناية كَامِلَة بتقييد أنفاس وَالِده وفوائده، وَضبط حركاته، الحديث: 217 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 وَمَا جرى لَهُ فِي أَحْوَاله، معنياً بحكايتها فِي مجالسة ومحاوراته، حَافِظًا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم، تلاد لَهُ، يتلوه رَاكِبًا وماشياً وَقَاعِدا، صَار فِي آخر عمره سيد عشيرته، وَحج مثنياً - أَي: مرّة ثَانِيَة - بعد الثَّمَانِينَ وَأَرْبع مئة. وَحدث بِبَغْدَاد، وبالحجاز، وَكتب عَنهُ جمَاعَة من الْمَشَايِخ والحفاظ، ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور، وَبَقِي مُنْفَردا عَن أقرانه، مشتغلاً بِالْعبَادَة لَا يفتر عَنْهَا سَاعَة إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبع مئة، وَدفن فِي مدرستهم عِنْد أَبَوَيْهِ، وأخيه، وجده أبي عَليّ، وَولد سنة ثَمَانِي عشرَة وَأَرْبع مئة. وَحكى أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ، عَن أَبِيه أبي بكر أَنه قَالَ فِيهِ: شيخ نيسابور علما، وزهداً، وورعاً، وصيانة، لَا بل شيخ خُرَاسَان، وَهُوَ فَاضل ملْء ثَوْبه، وورع ملْء قلبه، لم أر فِي مشايخي أورع مِنْهُ وَأَشد اجْتِهَادًا. قَالَ عبد الغافر: كَانَ لَهُ مجْلِس إملاء عشيات الْجمع بِالْمَدْرَسَةِ النظامية النيسابورية، يتَوَلَّى بِنَفسِهِ التَّخْرِيج، وَيتَكَلَّم على الْمُتُون، مستخرجاً للخفايا والمشكلات، مستنبطاً للمعاني والإشارات، وَلم يكن يَخُوض فِي مَجْلِسه - وَأَبوهُ يعِيش - فِي الطَّرِيقَة ودقائقها احتراماً لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 وَذكر غَيره أَنه سمع الحَدِيث فِي صباه من أَوَاخِر أَصْحَاب الْأَصَم، وَمِمَّنْ بعدهمْ بالعراق، إِذْ حج مَعَ أَبِيه. وروى عَنهُ الْحفاظ. أنْشد عبد الْوَاحِد هَذَا لنَفسِهِ إملاء: (يَا شاكياً فرقة شهر الصّيام ... تفيض عَيناهُ كفيض الْغَمَام) (ذَلِك من أَوْصَاف من لم يكن ... حُضُوره الْبَاب بنعت الدَّوَام) (دم حَاضرا بِالْبَابِ مستيقظاً ... وكل شهر لَك شهر الصّيام) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 218 - عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد [000 - 410] ابْن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم، القَاضِي أَبُو الْقَاسِم ابْن أبي عَمْرو البَجلِيّ. بغدادي، ينْسب إِلَى جرير بن عبد الله البَجلِيّ صَاحب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . جمع بَين الْفِقْه وأصوله، وَسمع الحَدِيث وَرَوَاهُ. سمع النجاد، والنقاش، والخلدي، وَغَيرهم. قَالَ الْخَطِيب: كتبنَا عَنهُ، وَكَانَ ثِقَة، وتقلد الْقَضَاء بدقوقا وَغَيرهَا، وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة عشر وَأَرْبع مئة، وَدفن فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب. الحديث: 218 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 219 - عبد الْوَهَّاب بن عَليّ [363 - 439] ابْن الْحسن بن مُحَمَّد، أَبُو تغلب الْمُؤَدب الْبَغْدَادِيّ الفلوسي الملحمي. رُوِيَ لنا عَن أبي مَنْصُور الشَّيْبَانِيّ، عَن الْخَطِيب قَالَ: وَيعرف بِأبي حنيفَة، وَحدث عَن الْمعَافى بن زَكَرِيَّا الْجريرِي، كتبنَا عَنهُ، وَكَانَ صَدُوقًا، وَكَانَ أحد حفاظ الْقُرْآن، عَارِفًا بالقراءات، عَالما بالفرائض وَقِسْمَة الْمَوَارِيث، حَافِظًا لظَاهِر فقه مَذْهَب الشَّافِعِي، مَاتَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: تَخْصِيص الْخَطِيب قَوْله: لظَاهِر فقه الشَّافِعِي، دَلِيل على تحريه ومجانبته المجازفة فِيمَا يصوبه، وَالله أعلم. الحديث: 219 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 220 - عبد الْوَهَّاب بن هبة الله [417 - 504] ابْن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ السيبي، القَاضِي أَبُو الْفرج. جليل من بَيت جلالة. ذكره أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي تَرْجَمَة شُيُوخه، قَالَ السلَفِي: سَأَلته عَن مولده، فَقَالَ: سنة سبع عشرَة وَأَرْبع مئة، وَقَالَ: كَانَ جليل الْقدر، يقْضِي فِي الْجَانِب الشَّرْقِي، فِي الْحَرِيم وَدَار الْخلَافَة، مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ، كَمَا يقْضِي ابْن الدَّامغَانِي فِي الْجَانِب الغربي، وَكَانَ معلم الْخَلِيفَة، سني الْمَذْهَب، شافعياً. الحديث: 220 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 221 - عبيد الله بن أَحْمد [364 - 443] ابْن عبد الْأَعْلَى بن مُحَمَّد بن مَرْوَان، أَبُو الْقَاسِم الرقي، الْمَعْرُوف بِابْن الْحَرَّانِي. درس على الشَّيْخ أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وَحدث، وروى. سمع بالموصل من نصر بن أَحْمد بن الْخَلِيل الْفَقِيه ابْن المرجي - بِفَتْح الْمِيم، وَإِسْكَان الرَّاء، وبالجيم - وَغَيره، وببغداد من: ابْن حبابة، والمخلص، وَأبي حَفْص الكتاني، وَغَيرهم. ذكره الْخَطِيب، وَقَالَ: كتبت عَنهُ بِبَغْدَاد، وَكَانَ ثِقَة، وَقَالَ: سَأَلته عَن مولده، فَقَالَ: سنة أَربع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة. قَالَ: وَكَانَ دخولي بَغْدَاد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ. وَبَلغنِي أَنه مَاتَ بالرحبة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة، وَكَانَ قد سكن الرحبة. الحديث: 221 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 222 - عبيد الله بن أبي الْفَتْح [355 - 435] أَحْمد بن عُثْمَان بن الْفرج الْأَزْهَرِي، من ولد زاذ فروخ صَاحب كسْرَى، أَبُو الْقَاسِم الصَّيْرَفِي، وَهُوَ الْأَزْهَرِي الَّذِي يروي عَنهُ الْخَطِيب كثيرا. وَيعرف أَيْضا بِابْن السوادي، لِأَن جده عُثْمَان من أهل إسكاف، قدم بَغْدَاد فاستوطنها، فَعرف بِابْن السوادي. وَيعرف أَيْضا بِابْن الدبثائي، لِأَن جده لأمه يعرف ب: الدبثائي، نِسْبَة إِلَى قَرْيَة لبغداد. الحديث: 222 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 ذَكرْنَاهُ للقرائن، وَهُوَ أحد من أَكثر عَنهُ الْخَطِيب من مشايخه، وَمِمَّنْ اعْتمد عَلَيْهِ فِي أَحْوَال الشُّيُوخ، و " تَارِيخه " طافح بحكاياته ورواياته عَنهُ، وَذكره، فَذكر أَنه سمع ابْن مَالك الْقطيعِي، وَأَبا مُحَمَّد ابْن ماسي، وَأَبا حَفْص ابْن الزيات، وَابْن لُؤْلُؤ، وَمُحَمّد بن المظفر، وَمن يطول ذكره من أمثالهم. قَالَ: وَكَانَ أحد المكثرين من الحَدِيث كِتَابه وسماعاً، وَمن الْمَعْنيين بِهِ، والجامعين لَهُ، مَعَ صدق، وَأَمَانَة، وَصِحَّة، واستقامة، وسلامة مَذْهَب، وَحسن مُعْتَقد، ودوام درس لِلْقُرْآنِ، وَسَمعنَا مِنْهُ المصنفات الْكِبَار، والكتب الطوَال، وسمعته يَقُول: ولدت فِي يَوْم السبت، التَّاسِع من صفر، سنة خمس وَخمسين وَثَلَاث مئة، وَمَات فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء، التَّاسِع عشر من صفر، سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة، فَكَانَت مُدَّة عمره ثَمَانِينَ سنة وَعشرَة أَيَّام رَحمَه الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 223 - عبيد الله بن عبد الْكَرِيم [نَحْو 444 - 521] ابْن هوَازن الْقشيرِي، أَبُو الْفَتْح. أحد أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي السِّتَّة، وَقد تقدم ذكرهم فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عبد الْكَرِيم أكبرهم. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ أَبُو الْفَتْح هَذَا مشتغلاً بِالْعبَادَة وَالْعلم، كثير الْمَحْفُوظ، حسن الْكَلَام، خرج إِلَى مرو للانتجاع فلقي بهَا قبولاً تَاما، وَكَانَت الْأَحْوَال تخْتَلف بِهِ صعُودًا وهبوطاً لِسَلَامَةِ غالبة على أَحْوَاله، وَقلة ثبات غريزي فِيهِ، أفْضى بِالآخِرَة إِلَى أَن فَارق وَطنه، وَأقَام بإسفرايين ونواحيها، وَله تصانيف فِي الطَّرِيقَة، ومجموعات، وأشعار. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: رَأَيْت بِخَطِّهِ بنيسابور جمَاعَة من مصنفاته، وَإِذا عِبَارَته مشوبة بعجمة. ذكر أَبُو الْحسن عبد الغافر الْفَارِسِي أَنه سمع أَبَا الْحُسَيْن عبد الغافر الْفَارِسِي، وَابْن مسرور، والكنجروذي، وطبقتهم، وَمن دونهم، وَسمع الحديث: 223 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 تصانيف وَالِده، قَالَ: وَكَانَ يمِيل إِلَى الطَّرِيقَة، وزي الصُّوفِيَّة. وَذكر صَالح ابْن أبي صَالح فِي " تَارِيخه " أَنه خَامِس الْإِخْوَة، وَأَحْسَنهمْ خلقا، وأظرفهم شمائل، وَأَكْثَرهم مُخَالطَة للصوفية، وتحققاً بصفاتهم، وتخلقاً بأخلاقهم، تَحْقِيقا لَا مجَازًا. ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة تَقْديرا، وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخمْس مئة بإسفرايين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 224 - عبيد الله بن عمر [000 - 415] ابْن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، أَبُو الْقَاسِم الْمُقْرِئ الْفَقِيه، يعرف بِابْن الْبَقَّال، بِالْبَاء الْمُوَحدَة. من فقهائنا البغداديين، وَمن أهل الْقُرْآن وَالرِّوَايَة. سمع مِنْهُ: الْبَيْهَقِيّ، والخطيب، وَقَالَ: كَانَ ثِقَة، وَذكر أَنه سمع الحَدِيث من أبي بكر الشَّافِعِي، والنجاد، وَأبي عَليّ ابْن الصَّواف، وَغَيرهم من طبقتهم. مَاتَ فِي صفر سنة خمس عشرَة وَأَرْبع مئة، وَدفن بمقبرة بَاب حَرْب من بَغْدَاد رَحمَه الله. الحديث: 224 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 225 - عبيد الله بن مُحَمَّد [000 - 380] ابْن مُحَمَّد بن عبيد الله، الْوَاعِظ أَبُو أَحْمد ابْن أبي عبد الله الْمُذكر الْجِرْجَانِيّ. كَانَ أَبوهُ من الْعباد، وَمن المذكرين الْمُتَقَدِّمين، وَتقدم هُوَ على أَبِيه فِي علم أهل الْحَقَائِق، ورزق فِيهِ لِسَانا وبياناً، وَسمع الحَدِيث من أَبَوي الْعَبَّاس الْأَصَم والمحبوبي، وأقرانهما، وَحدث، ذكر هَذَا الْحَاكِم، قَالَ: وَتُوفِّي بخوج فَجْأَة سنة ثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة، فَبينا أَنا ذَات يَوْم مُتَوَجّه إِلَى الميدان استقبلني جمَاعَة من المستورين والصوفية، فسألوني أَن أسْتَعْمل السّنة فِي الصَّلَاة على الْغَائِب، وأصلي على أبي أَحْمد، فَنزلت مَعَهم، ونزلنا إِلَى ميدان الْحُسَيْن، فَصليت على أبي أَحْمد، ثمَّ قاسيت مِنْهُ مَا قاسيت. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: أرَاهُ أنكرهُ عَلَيْهِ المخالفون لاستيلائهم حِينَئِذٍ، وَالله أعلم. الحديث: 225 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 226 - عُثْمَان بن سعيد [000 - 288] ابْن بشار، أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي. الَّذِي يتَكَرَّر ذكره فِي كتب الْمَذْهَب. من أَصْحَاب الْمُزنِيّ وَالربيع وَهُوَ أستاذ ابْن سُرَيج، حدث عَن الْمُزنِيّ وَالربيع الْمرَادِي. روى عَنهُ: أَبُو بكر الشَّافِعِي. وروى الْخَطِيب، عَن ابْن الْمُنَادِي قَالَ: كَانَ للنَّاس فِيهِ مَنْفَعَة، مَاتَ فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ، أَي: ومئتين. وَرَأَيْت للعبادي فِي " كِتَابه " خبطاً فِي اسْمه، وَزعم أَنه الحكم بن عَمْرو، وَأَن لِأَصْحَابِنَا آخر يُقَال لَهُ: مُحَمَّد بن بشار، وَلَيْسَ بِأبي الْقَاسِم. وَأَحْسبهُ مر بِهِ ذكر أبي الْقَاسِم الحكم بن عَمْرو الْأنمَاطِي من رُوَاة الحَدِيث فَاعْتقد أَنه صاحبنا أستاذ ابْن سُرَيج، وَلَيْسَ كَذَلِك، ذَاك مُتَقَدم، الحديث: 226 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 روى عَنهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَغَيره، وروى عَن أبي نعيم وَأَضْرَابه، وأسأل الله الْعِصْمَة والتوفيق. قَرَأت فِي " الرسَالَة الناصعة " لأبي سُلَيْمَان الْخطابِيّ: أخبرنَا أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب قَالَ: سَمِعت ابْن بشار الْأنمَاطِي، سَمِعت الْمُزنِيّ يَقُول: قَالَ لي الشَّافِعِي رَحمَه الله: إياك وعلماً إِذا أَخْطَأت فِيهِ قيل لَك: كفرت، وَعَلَيْك بِعلم إِذا أَخْطَأت فِيهِ قيل لَك: أَخْطَأت، أَو لحنت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 227 - عُثْمَان بن المسدد [000 - بعد 500] ابْن أَحْمد الدربندي، أَبُو عَمْرو ابْن أبي الْقَاسِم. ذكر أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَنه مَعْرُوف بفقيه بَغْدَاد، وَكَانَ فَقِيها، أَقَامَ بِبَغْدَاد مُدَّة يتفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَسمع بهَا الحَدِيث، وبغيرها، سمع أَبَوي الْحُسَيْن: ابْن الْمُهْتَدي، وَابْن النقور، وَغَيرهمَا. وَكَانَت وَفَاته بعد الْخمس مئة. وَقَالَ فِيهِ عبد الغافر: رجل سديد صَالح، دخل نيسابور، وَسمع الْمَشَايِخ الْمُتَأَخِّرين، وَكتب، وَحصل النّسخ الحديث: 227 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 228 - عَسْكَر بن حُصَيْن [000 - 000] أَبُو تُرَاب النخشبي. أحد عُلَمَاء الطَّرِيقَة الْمَذْكُورين بالأحوال الرفيعة. قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ: قَالَ يُوسُف بن الْحُسَيْن: كَانَ أَبُو تُرَاب من أهل نخشب، وَكَانَ صحب حاتماً الْأَصَم إِلَى أَن مَاتَ، ثمَّ خرج إِلَى الشَّام، وَكتب الحَدِيث الْكثير، وَنظر فِي كتب الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ. وَقَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَليّ قَالَ: سَمِعت الدقي قَالَ: سَمِعت أَبَا عبد الله ابْن الْجلاء يَقُول: لقِيت سِتّ مئة شيخ، مَا رَأَيْت فيهم مثل أَرْبَعَة، أَوَّلهمْ أَبُو تُرَاب. الحديث: 228 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَالثَّلَاثَة الْآخرُونَ: أَبوهُ يحيى الْجلاء، وَأَبُو عبيد البسري، وَذُو النُّون الْمصْرِيّ، (رَضِي الله عَنْهُم) أَجْمَعِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 229 - عَليّ بن إِبْرَاهِيم [000 - 333] ابْن مُعَاوِيَة، أَبُو الْحسن الْمعدل النَّيْسَابُورِي. كَانَ من الصَّالِحين، وَمن رُوَاة الحَدِيث. سمع: أَبَا زرْعَة، وَابْن وارة، وَأَبا حَاتِم، الرازيين، وَأحمد ابْن عبد الْجَبَّار العطاردي، وأضرابهم. روى عَنهُ: أَبُو عَليّ الْحَافِظ، وَأَبُو الْحُسَيْن الْحَجَّاجِي، وَغَيرهمَا من مَشَايِخ نيسابور. وَتُوفِّي بهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو الْعَبَّاس الْمعدل. وَكَانَ وَلَده أَبُو الْعَبَّاس كثير الحَدِيث عَن أبي بكر ابْن خُزَيْمَة الإِمَام، وَأبي الْعَبَّاس السراج، وأقرانهما، توفّي بعد أَبِيه بِعشْرين سنة، وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو نصر الْمعدل. وَكَانَ أَبُو نصر أَيْضا سمع الحَدِيث الْكثير من أبي حَامِد الشَّرْقِي وأقرانه، وَتُوفِّي بعد أَبِيه أبي الْعَبَّاس بِمثل تِلْكَ الْمدَّة وَأَقل مِنْهَا، وَانْقطع نسلهم. ذكر هَذَا كُله الْحَاكِم. الحديث: 229 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 230 - عَليّ بن أَحْمد [000 - 347] ابْن إِبْرَاهِيم، أَبُو الْحسن البوشنجي. الصُّوفِي، الزَّاهِد، الْوَرع، الْعَالم الْمُجَرّد. ورد نيسابور، فصحب أَبَا عُثْمَان الْحِيرِي الزَّاهِد مُدَّة، ثمَّ خرج فلقي شُيُوخ التصوف بالعراقين وَالشَّام، ثمَّ فِي آخر عمره اعتزل النَّاس. سمع الحَدِيث من: أبي جَعْفَر السَّامِي، وَالْحُسَيْن بن إِدْرِيس الْأنْصَارِيّ، الهرويين، وَغَيرهمَا. توفّي بنيسابور سنة سبع وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة، وَدفن بِقرب أبي عَليّ الثَّقَفِيّ. ذكر ذَلِك من خَبره أَبُو عبد الله الْحَاكِم فِيمَا رَأَيْته عَنهُ، وَقَالَ: سَمِعت أَبَا سعيد ابْن أبي بكر ابْن أبي عُثْمَان يَقُول: ورد أَبُو الْحسن البوشنجي على أبي عُثْمَان، فَسئلَ أَن يقْرَأ فِي مَجْلِسه، فَقَرَأَ، فَبكى أَبُو عُثْمَان حَتَّى غشي عَلَيْهِ، وَحمل إِلَى منزله، فَكَانَ يُقَال: قَتله صَوت البوشنجي، ثمَّ إِن أَبَا عُثْمَان توفّي فِي تِلْكَ الْعلَّة. الحديث: 230 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 وَقَالَ: سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد يَقُول يَوْم توفّي أَبُو الْحسن: دخلت على أبي الْحسن عَائِدًا، فَقلت لَهُ: أَلا توصي بِشَيْء؟ فَقَالَ: بلَى، أكفن فِي هَذِه الخريقات، وأحمل إِلَى مَقْبرَة من مَقَابِر الْمُسلمين، ويتولى الصَّلَاة عَليّ رجل من الْمُسلمين. وَقَالَ: سَمِعت أَبَا الْحسن البوشنجي، وَدخل على الشَّيْخ أبي بكر ابْن إِسْحَاق، وَرجل من المتهمين بالإلحاد يقْرَأ عَلَيْهِ الحَدِيث، فَأخذ أَبُو الْحسن ينظر إِلَيْهِ سَاعَة طَوِيلَة، وَلم يكن عرفه، فَلَمَّا خرج قَالَ لبَعض أَصْحَابه: ذَاك الْقَارئ خشيت عَلَيْهِ أَنه ملحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 231 - عَليّ بن أَحْمد [000 - 423] ابْن الْحسن بن مُحَمَّد بن نعيم، أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ، الْمَعْرُوف ب: النعيمي، بِضَم النُّون. كَانَ جَامعا مفتناً. قَالَ الْخَطِيب: كن حَافِظًا، عَارِفًا، متكلماً، شَاعِرًا. قَالَ الْخَطِيب: سَمِعت مُحَمَّد بن عَليّ الصُّورِي يَقُول: لم أر بِبَغْدَاد أحدا أكمل من النعيمي. قَالَ الصُّورِي: كَانَ أَبُو بكر البرقاني يَقُول: هُوَ كَامِل فِي كل شَيْء لَوْلَا بِأَو فِيهِ. قَالَ يحيى النواوي: البأو، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، بعْدهَا همزَة، هُوَ: الْعجب. الحديث: 231 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: درس النعيمي بالأهواز، وَكَانَ فَقِيها، عَالما بِالْحَدِيثِ، متأدباً، متكلماً. أَي: عَالما بعلمي الْأَدَب وَالْكَلَام. قَالَ: وَهُوَ الْقَائِل: (إِذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعاً وريًا) (فَكُن رجلا رجله فِي الثرى ... وَهَامة همته فِي الثريا) (أَبَيَا لنائل ذِي ثروة ... ترَاهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ أَبَيَا) (فَإِن إِرَاقَة مَاء الْحَيَاة ... دون إِرَاقَة مَاء الْمحيا) قَالَ الْخَطِيب: حَدثنَا البرقاني بعد موت النعيمي قَالَ: رايت النعيمي فِي مَنَامِي بهيئة جميلَة، وَحَالَة صَالِحَة. ثمَّ قَالَ لي البرقاني: قد كَانَ شَدِيد التعصب فِي السّنة، وَكَانَ يعرف من من كل علم شَيْئا. سكن النعيمي بَغْدَاد، وَحدث بهَا عَن جمَاعَة كثيرين، روى عَنهُ البرقاني وَغَيره، وَمَات مستهل ذِي الْقعدَة، سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبع مئة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 232 - عَليّ بن أَحْمد [000 - 000] ابْن خيران الْبَغْدَادِيّ، أَبُو الْحسن وَهُوَ ابْن خيران الأجبر. لَهُ مُخْتَصر فِي الْفِقْه سمي ب: " اللَّطِيف " وجيز لطيف مَعَ كَثْرَة أبوابه، لَا أعلم أَكثر أبواباً مِنْهُ، قيل: إِنَّهَا ألف ومئتان وَتِسْعَة أَبْوَاب، وَكتبه أَربع وَسِتُّونَ كتابا، كتاب الْحِوَالَة فِيهَا خَمْسَة أَبْوَاب، والتفليس ثَلَاثَة عشر بَابا، وَالضَّمان تِسْعَة. وَمن أحاسن كِتَابه قَوْله فِي أَخْلَاق الشَّاهِد: وَلَا يحدث بِكُل مَا يخْطر بِبَالِهِ، ويعلق كَلَامه بقوله: يحْتَمل وَيُشبه وَنَحْو ذَلِك، وَلَا يُطلق من لَفظه إِلَّا مَا حسن، وَمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ عَلَيْهِ عيب. وَحكى فِيمَا إِذا جَاءَ بِشَاهِدين وأجلسهما وَرَاء ستر ليسمعا مَا يجْرِي بَينه وَبَين خَصمه حَتَّى يشهدَا بذلك عَلَيْهِ من غير أَن يستر عَنْهُمَا قَول أبي عَليّ ابْن خيران: إِنَّه لَا تجوز شَهَادَتهمَا من اخْتِيَاره، خلافًا للإصطخري. وَذكر فِيهِ فِي الْأَقْضِيَة آداباً يحْتَاج إِلَيْهَا لم تذكر فِي المبسوطات، الحديث: 232 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 وَاسْتحبَّ للْقَاضِي فِي دُخُوله إِلَى الْبَلَد الَّذِي وليه أَن يلبس عِمَامَة سَوْدَاء، لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دخل يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء. وَحكى أَن بعض أَصْحَابنَا لم يجوز بيع لبن الآدميات. وَذكر فِي الْوتر قنوت الْحسن وَالصَّلَاة على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، ثمَّ قَالَ: وَيَدْعُو بِمَا أحب، ثمَّ يَقُول: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا بِرَحْمَتك عَذَاب النَّار، ثمَّ يسْجد لَهُ، وَحسن الحَدِيث أَنه كَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا دَعَا بِدُعَاء دَعَا بِهَذَا مَعَه. وَقَالَ فِي النّفاس فِي المبتدأة إِذا جَاوز سِتِّينَ: قد قيل: إِن السِّتين كلهَا نِفَاس، وَحكى أَيْضا قولي الْغَالِب والأقل. وَالْأول عَجِيب غَرِيب، وَقَالَ بِهِ أَحْمد فِيمَا أَحسب، قد ذكره غير وَاحِد من الْعِرَاقِيّين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 233 - عَليّ بن أَحْمد [000 - 000] ابْن مُحَمَّد بن الْحسن، الْحَاكِم أَبُو الْحسن الإستراباذي. ذكره الشَّيْخَانِ: الْعَبَّادِيّ، والشيرازي سرداً. وَذكره الإِمَام أَبُو حَفْص عمر النَّسَفِيّ الْحَنَفِيّ فَقَالَ: كَانَ من كبار أَئِمَّة الحَدِيث بسمرقند. قَالَ الشَّيْخ: يَعْنِي أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة، وَعرف أهل تِلْكَ الْبِلَاد إِذا أطلق أَصْحَاب الحَدِيث لَا يفهم مِنْهُ غير الشَّافِعِيَّة. قَالَ أَبُو حَفْص النَّسَفِيّ: وَكَانَ الإستراباذي مُجْتَهدا بِمرَّة، وَكَانَ يكْتب عَامَّة النَّهَار وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن ظَاهرا، لَا يمنعهُ أحد الْأَمريْنِ عَن الآخر، وَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ أحد فَأكْثر قطع كَلَامه، وَجعل يقْرَأ الْقُرْآن، وَكَانَ يسْأَل الله تَعَالَى فِي الْكَعْبَة كَمَال الْقُوَّة على قِرَاءَة الْقُرْآن وإتيان النسوان، فاستجيبت لَهُ الدعوتان الحديث: 233 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 قَالَ النَّسَفِيّ: حدث سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة، وَكَانَ لَهُ الدَّرْس وَالْفَتْوَى، ومجلس النّظر، والتوسط، وَمَعَ ذَلِك كَانَ يخْتم كل يَوْم ختمة. وَقَالَ الإِمَام نَاصِر الْعمريّ: مَا رَأَيْت مثل الْحَاكِم أبي الْحسن فِي فَضله وزهده، وَكَانَ لَهُ الدَّرْس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 234 - عَليّ بن أَحْمد [000 - 366] ابْن الْمَرْزُبَان، أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ. صَاحب أبي الْحُسَيْن ابْن الْقطَّان. أحد الْمَشْهُورين بِالْإِمَامَةِ فِي الْمَذْهَب. قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: كَانَ أحد الشُّيُوخ الأفاضل، درس عَلَيْهِ أَبُو حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ أول قدومه بَغْدَاد. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: كَانَ فَقِيها ورعاً. قَالَ: حُكيَ عَنهُ أَنه قَالَ: مَا أعلم أَن لأحد عَليّ مظْلمَة، وَكَانَ فَقِيها يعلم أَن الْغَيْبَة من الْمَظَالِم، توفّي فِي رَجَب سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة. قَالَ النواوي: الْمَرْزُبَان بِضَم الزَّاي وَهُوَ فَارسي مُعرب، وَهُوَ: زعيم فلاحي الْعَجم، وَجمعه: مرازبة، ذكره كُله الْجَوْهَرِي فِي " الصِّحَاح ". الحديث: 234 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 235 - عَليّ بن إِسْمَاعِيل [260 - 324] ابْن أبي بشر إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال بن أبي بردة ابْن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله. إِمَام الْمُتَكَلِّمين، وَهُوَ بَصرِي، انْتقل إِلَى بَغْدَاد، وَبهَا توفّي. قَالَ الْخَطِيب: كَانَ - يجلس أَيَّام الْجُمُعَات فِي حَلقَة أبي إِسْحَاق الْمروزِي إِمَام الشافعيين من جَامع الْمَنْصُور. وَحكى الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالِد إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي " شَرحه الحديث: 235 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 لرسالة الشَّافِعِي " عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ قَالَ: دخل أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ الْعرَاق وَكَانَ يقْرَأ على أبي إِسْحَاق الْمروزِي الْفِقْه وَهُوَ يقْرَأ على أبي الْحسن الْكَلَام، وَزعم بعض الْمَالِكِيَّة أَنه كَانَ مالكياً، وَلم يصب، فَإِن الَّذِي حَكَاهُ من يخبر حَاله أَنه كَانَ شافعياً. قَالَ ابْن فورك فِي " شَرحه للمقالات " للأشعري: وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ: وَكَانَ أَولا معتزلياً، وَذَلِكَ مَشْهُور بَين الْأَصْحَاب وَغَيرهم. وَمِمَّنْ ذكر ذَلِك مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي " شرح الرسَالَة ": أول أمره كَانَ الاعتزال، ثمَّ لما ظهر لَهُ فَسَاد أَقْوَالهم رَجَعَ عَن وَاحِد فواحد حَتَّى خالفهم فِي أَكثر مَا اعتقدوه، وَلم يرجع عَن هَذِه الْمَسْأَلَة يَعْنِي مَسْأَلَة تصويب الْمُجْتَهدين، وَقَالَ: كل مُصِيب، وكل حق. قَالَ الْخَطِيب: قَالَ بعض الْبَصرِيين: ولد أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي سنة سِتِّينَ ومئتين، وَمَات سنة نَيف وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة. قَالَ: وَذكر لي أَبُو الْقَاسِم عبد الْوَاحِد بن عَليّ الْأَسدي، أَن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله مَاتَ بِبَغْدَاد بعد سنة عشْرين وَقبل سنة ثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، وَدفن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 فِي مشرعة الزوايا، فِي تربة إِلَى جَانبهَا مَسْجِد، بِالْقربِ مِنْهَا حمام، وَهِي عَن يسَار الْمَار من السُّوق إِلَى دجلة. قَالَ: وَذكر أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن جزم الأندلسي - وَهُوَ الظَّاهِرِيّ أَن أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مئة قَالَ: وَله خمس وَخَمْسُونَ تصنيفاً. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَهَذَا أقرب، وَهُوَ الَّذِي ذكره ابْن فورك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 236 - عَليّ بن حسكويه [000 - 516] ابْن إِبْرَاهِيم، أَبُو الْحسن المراغي الأديب. أَقَامَ بِبَغْدَاد مُدَّة يتفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ. وَعِنْدِي أَصله ب: " اللمع " فِي أصُول الْفِقْه بِخَطِّهِ، وعَلى ظَهره بِخَط مُؤَلفه الشَّيْخ أبي إِسْحَاق:: قَابل بأصلي، وَسمع مني بِقِرَاءَتِي هَذَا الْكتاب الشَّيْخ الْفَقِيه الْجَلِيل فلَان ... وَذكره، وَذَلِكَ بتاريخ سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبع مئة. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ عَارِفًا باللغة وَالشعر، سكن مرو إِلَى حِين وَفَاته، وَسمع الحَدِيث من الْخَطِيب، وَأبي إِسْحَاق، وَجَمَاعَة كَثِيرَة بِبَغْدَاد وَغَيرهَا. توفّي فَجْأَة بمرو بَينا هُوَ يمشي فِي سكَّة صدفة وَقع مَيتا سنة سِتّ عشرَة وَخمْس مئة. حكى عَنهُ الإِمَام أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ: وَأنْشد أَبُو الْحسن هَذَا لنَفسِهِ: (رجائي عناني وروحني الياس ... وَمَا لِمَعْنى الْقلب كاليأس إيناس) (فَكل طموع مستهان رجائه ... وَذُو الْيَأْس فِي روض القناعة مياس) (أَلا كل عز نيل بالذل ذلة ... وكل ثراء حيّز بالهون إفلاس) الحديث: 236 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 237 - عَليّ بن الْحسن [397 - 450] ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر، أَبُو الْقَاسِم الْمَعْرُوف بِابْن الْمسلمَة، الملقب برئيس الرؤساء. وَزِير الْقَائِم بِأَمْر الله. رُوِيَ لنا عَن الْقَزاز، عَن الْخَطِيب قَالَ: كَانَ أحد الشُّهُود المعدلين، ثمَّ اسْتَكْتَبَهُ الْخَلِيفَة الْقَائِم بِأَمْر الله، ولقبه: رَئِيس الرؤساء، شرف الوزراء، جمال الورى، وَكَانَ قد اجْتمع فِيهِ من الْآلَات مَا لم يجْتَمع فِي أحد قبله، مَعَ سداد الحديث: 237 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 مَذْهَب، وَحسن اعْتِقَاد، ووفور عقل، وأصالة رَأْي. وسمعته يَقُول: ولدت فِي شعْبَان من سنة سبع وَتِسْعين وَثَلَاث مئة، وَرَأَيْت فِي الْمَنَام وَأَنا حدث كَأَنِّي أَعْطَيْت شبه النبقة الْكَبِيرَة، وَقد مَلَأت كفي، وَأُلْقِي فِي روعي أَنَّهَا من الْجنَّة فعضضت مِنْهَا عضة ونويت بذلك حفظ الْقُرْآن، وعضضت أُخْرَى ونويت درس الْفِقْه، وعضضت أُخْرَى ونويت درس الْعرُوض، فَمَا شَيْء من هَذِه الْعُلُوم إِلَّا وَقد رَزَقَنِي الله مِنْهُ نَصِيبا. قَالَ الْخَطِيب: حَدثنَا رَئِيس الرؤساء أَبُو الْقَاسِم مَرَّات كَثِيرَة، قَالَ: رَأَيْت أَبَا الْحُسَيْن ابْن الْقَدُورِيّ الْفَقِيه بعد مَوته فِي الْمَنَام، فَقلت لَهُ: كَيفَ حالك؟ فَتغير وَجهه ودق حَتَّى صَار كَهَيئَةِ الْوَجْه المرئي فِي السَّيْف دقة وطولا، وَأَشَارَ إِلَى صعوبة الْأَمر، قلت: فَكيف حَال الشَّيْخ أبي الْفرج؟ يَعْنِي: جده، فَعَاد وَجهه إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لي: وَمن مثل الشَّيْخ أبي الْفرج ذَاك، ثمَّ رفع يَده إِلَى السَّمَاء، فَقلت فِي نَفسِي: يُرِيد بهَا قَول الله تَعَالَى: {وهم فِي الغرفات آمنون} [سبأ: 37] ، وَكَانَ جده سمع الحَدِيث وَرَوَاهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 سمع أَبَا أَحْمد الفرضي، وَإِسْمَاعِيل الصرصري، وَغَيرهمَا. قَالَ الْخَطِيب: كتبت عَنهُ، وَكَانَ ثِقَة. قَتله رَحمَه الله الْوَزير أَبُو الْحَارِث البساسيري التركي صلباً، فِي ذِي الْحجَّة سنة خمسين وَأَرْبع مئة، وانتقم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَله الْحَمد من البساسيري فَقتل وطيف بِرَأْسِهِ بِبَغْدَاد، وصلب فِي ذِي الْحجَّة أَيْضا من السّنة الثَّانِيَة انْتِهَاء سنة إِحْدَى وَكَانَ جده أَبُو الْفرج أَحْمد ابْن الْمسلمَة وَهُوَ الَّذِي لَهُ " أمال " تروى - جَلِيلًا، عابداً اخْتلف فِي الْفِقْه إِلَى أبي بكر الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ، وَكَانَت دَاره مألفاً لأهل الْعلم، وَكَانَ كثير الْبر والإفضال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 238 - عَليّ بن الْحُسَيْن [000 - 427] ابْن أبي بكر احْمَد بن الْحسن ابْن الفلكي، الْحَافِظ أَبُو الْفضل الهمذاني. وَهَذِه النِّسْبَة إِلَى الْفلك وَمَعْرِفَة حسابه وهيئته. كَانَ أحد الْحفاظ المبرزين. قَالَ أَبُو سعد: رَحل، وَجمع، وَأدْركَ الشُّيُوخ والحفاظ وذاكرهم، وَله من التصانيف كتاب " معرفَة ألقاب الْمُحدثين "، وَكتاب " مُنْتَهى الْكَمَال فِي معرفَة الرِّجَال "، وَغَيرهمَا، مؤلفاته حَسَنَة، مفيدة، عزيزة الْوُجُود. الحديث: 238 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 قَالَ الْحَافِظ شهردار: أَخْبرنِي أبي الْحَافِظ شيرويه الهمذاني فِي " طَبَقَات همذان " قَالَ: سمع عَامَّة مَشَايِخ الْبَلَد، ومشايخ الْعرَاق وخراسان، وَكَانَ حَافِظًا، متقناً، يحسن هَذَا الشَّأْن جيدا جيدا، جمع الْكثير، وصنف الْكتب. وصنف كتاب " الطَّبَقَات " الموسوم ب: " مُنْتَهى الْكَمَال فِي معرفَة الرِّجَال " فِي ألف جزو، وَمَات قَدِيما بنيسابور وَمَا متع بِعِلْمِهِ. سَمِعت سُفْيَان بن فَنْجَوَيْهِ يَقُول: كَانَ أبي يَدْعُو على ابْن الفلكي فِي الأسحار بِسَبَب كَلَامه فِيهِ. سَمِعت حَمْزَة بن أَحْمد، سَمِعت شيخ الْإِسْلَام الْأنْصَارِيّ يَقُول: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ من الْبشر أحدا أحفظ من أبي الْفضل ابْن الفلكي الهمذاني، وَكَانَ صوفيا مستمراً. ذكر الفلكي فِي " ألقابه " أَن جده أَبَا بكر أَحْمد بن الْحسن الحاسب هُوَ الَّذِي لقب بالفلكي لِأَنَّهُ كَانَ جَامعا للفنون: النَّحْو واللغة، وَالْعرُوض، وَغَيرهَا وَكَانَ خَاصَّة فِي علم الْحساب، حَتَّى كَانَ يُقَال: إِنَّه لم ينشأ فِي الشرق والغرب أعرف بِالْحِسَابِ مِنْهُ، وَالله أعلم، فلقب بالفلكي لهَذَا الْمَعْنى. قد روى الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ عَن الفلكي، وَأما أَبُو عَليّ ابْن الْحُسَيْن، فَهُوَ عبد الله بن الْحُسَيْن الدينَوَرِي شيخ الثَّعْلَبِيّ الْمُفَسّر، وَكَانَ ابْن الفلكي قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 إِنَّه مَا سمع من عبد الله بن شبه، فَخرج من همذان ساخطاً، فَتَبِعَهُ ابْن الفلكي، وَاعْتذر، وَرجع عَن قَوْله، فَمَا قبل عذره، حكى ذَلِك شيرويه. روى عَن: الْحَافِظ أبي الْفَتْح ابْن أبي الفوارس، والحافظ أبي بكر أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الشِّيرَازِيّ، والحافظ أبي بكر أَحْمد بن عَليّ اليزدي. وَفِي " ألقابه " غرائب ألقاب، مِنْهَا: أَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا عويش، صغر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اسْمهَا، وكناها أم عبد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 239 - عَليّ بن الْحُسَيْن [000 - 000] القَاضِي أَبُو الْحسن الْجُورِي، بِضَم الْجِيم، وَإِسْكَان الْوَاو. كَانَ أحد الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة الجلة. لَقِي أَبَا بكر النَّيْسَابُورِي وروى عَنهُ، وصنف، وَمن تصانيفه: كتاب " المرشد " فِي عشرٍ. وَرَأَيْت من تصانيفه بعض كِتَابه الموسوم ب: " الموجز فِي الْفِقْه "، وَهُوَ على تَرْتِيب " الْمُخْتَصر "، يشْتَمل على حجاج مَعَ الْخُصُوم اعتراضاً وجواباً، وَاخْتَارَ فِيهِ أَن الزَّانِي والزانية لَا يَصح نِكَاحهمَا إِلَّا لمن هُوَ مثلهمَا، وَأَن الزِّنَا لَو طَرَأَ من أَحدهمَا بعد العقد انْفَسَخ النِّكَاح، وَخَالف الشَّافِعِي، ومالكاً، وَأَبا حنيفَة، وَغَيرهم، وَاحْتج بقوله تَعَالَى: (محصنات غير الحديث: 239 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 مسافحات} [النِّسَاء: 25] ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة} الْآيَة [النُّور: 3] ، وَأنكر نسخهَا بقوله تَعَالَى: {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} [النُّور: 32] ، وَذكر أَنه لَا دَلِيل على تَأَخره عَنهُ، وعارض قَول من رُوِيَ عَنهُ ذَلِك بِمَا رُوِيَ عَن غَيره، وَحمل النِّكَاح فِيهَا على الْوَطْء، وأتى بِكَلَام فِيهِ روح، لَكِن أَتَى فِي احتجاجه لاختياره أَن لَا صَرِيح إِلَّا الطَّلَاق بِمَا لَا روح فِيهِ، وَقَالَ: قَالَ أَبُو عَليّ: قَالَ بعض أَصْحَابنَا: إِن الْبَرَاءَة من الْمَجْهُول جَائِزَة لِأَنَّهُ إِسْقَاط حق، وَقد أَبى ذَلِك غَيره. وَهُوَ كثير الذّكر لأبي عَليّ، وَأَحْسبهُ، ابْن أبي هُرَيْرَة. وَحكى أَن أَبَا عبيد ابْن حربويه أوجب الْكَفَّارَة فِيمَا إِذا حرم مَالا لَهُ من ثوب أَو دَار وَمَا أشبههما، وَسوى بَين ذَلِك وَبَين تَحْرِيم الْبضْع من الزَّوْجَة وَالْجَارِيَة، وَحكى فِي تَحْرِيم الْبضْع قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: تجب الْكَفَّارَة بِنَفس قَوْله: أَنْت عَليّ حرَام، وَالثَّانِي: لَا تجب إِلَّا بِالْوَطْءِ، لِأَن بِهِ تقع الْمُخَالفَة كالحنث فِي الْيَمين. وَحكى قَوْلَيْنِ فِي وجوب نَفَقَة الْكَافِر على الابْن الْمُسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 240 - عَليّ بن عمر [305 - 385] ابْن أَحْمد بن مهْدي بن مَسْعُود بن النُّعْمَان بن دِينَار بن عبد الله، أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ. نبئت عَن السلَفِي، عَن أبي الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي، عَن أبي الْحُسَيْن الْعلوِي، عَن القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ قَالَ: رَأَيْت الْحَاكِم أَبَا عبد الله النَّيْسَابُورِي بَين يَدي أبي الْحسن عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ يسْأَله عَن أَشْيَاء، فَلَمَّا خرجنَا من عِنْده قَالَ: مَا رَأَيْت مثله. وَقَالَ أَبُو الْفَتْح ابْن أبي الفوارس الْحَافِظ: توفّي الْحَافِظ أَبُو الْحسن الحديث: 240 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 الدَّارَقُطْنِيّ يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ، يَعْنِي: وَثَلَاث مئة. قَالَ: وَكَانَ قد انْتهى إِلَيْهِ علم هَذَا الشَّأْن، وَمَا رَأينَا فِي الْحِفْظ فِي جَمِيع عُلُوم الحَدِيث، والقراءات، وَالْأَدب مثله، وَكَانَ متفنناً. وَقَالَ غَيره: وَكَانَ مولد الدَّارَقُطْنِيّ سنة خمس، وَقيل: سنة سِتّ وَثَلَاث مئة، وَدفن قربياً من مَعْرُوف الْكَرْخِي (رَضِي الله عَنْهُمَا) . وَقَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ: وَكَانَ فريد عصره، وقريع دهره ونسيج وَحده، وَإِمَام وقته، انْتهى إِلَيْهِ علم الْأَثر، والمعرفة بعلل الحَدِيث، وَأَسْمَاء الرِّجَال، وأحوال الروَاة، مَعَ الصدْق، وَالْأَمَانَة، والثقة، وَالْعَدَالَة، وَقبُول الشَّهَادَة، وَصِحَّة الِاعْتِقَاد، وسلامة الْمَذْهَب، والاضطلاع بعلوم سوى علم الحَدِيث، مِنْهَا: علم الْقرَاءَات، فَإِن لَهُ فِيهَا كتاباُ مُخْتَصرا موجزاً جمع الْأُصُول فِي أَبْوَاب عقدهَا أول الْكتاب، وَسمعت بعض من يعتني بعلوم الْقُرْآن يَقُول: لم يسْبق إِلَى طَرِيقَته الَّتِي سلكها فِي عقد الْأَبْوَاب الْمُقدمَة فِي أول الْقرَاءَات، وَصَارَ الْقُرَّاء بعده يسلكون طَرِيقَته فِي تصانيفهم، ويحذون حذوه. وَمِنْهَا: الْمعرفَة بمذاهب الْفُقَهَاء، فَإِن كِتَابه " السّنَن " الَّذِي صنفه يدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 على أَنه كَانَ مِمَّن اعتنى بالفقه، لِأَنَّهُ لَا يقدر على جمع مَا تضمن ذَلِك الْكتاب إِلَّا من تقدّمت مَعْرفَته بالاختلاف فِي الْأَحْكَام. قَالَ: وَبَلغنِي أَنه درس فقه الشَّافِعِي على أبي سعيد الْإِصْطَخْرِي، وَقيل: درس الْفِقْه على صَاحب لأبي سعيد، وَكتب الحَدِيث عَن أبي سعيد نَفسه. وَمِنْهَا: الْمعرفَة بالأدب وَالشعر، وَقيل: إِنَّه كَانَ يحفظ دواوين جمَاعَة من الشُّعَرَاء، وَسمعت حَمْزَة بن مُحَمَّد بن طَاهِر الدقاق يَقُول: كَانَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ يحفظ " ديوَان " السَّيِّد الْحِمْيَرِي فِي جملَة مَا يحفظ، فنسب إِلَى التشييع لذَلِك. وحَدثني الْأَزْهَرِي أَن أَبَا الْحسن لما دخل مصر كَانَ بهَا شيخ علوي من أهل مَدِينَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُقَال لَهُ: مُسلم بن عبيد الله، وَكَانَ عِنْده كتاب " النّسَب "، عَن الْخضر بن دَاوُد، عَن الزبير بن بكار، وَكَانَ مُسلم أحد الموصوفين بالفصاحة، المطبوعين على الْعَرَبيَّة، فَسَأَلَ النَّاس أَبَا الْحسن أَن يقْرَأ عَلَيْهِ كتاب " النّسَب "، وَرَغبُوا فِي سَمَاعه بقرَاءَته، فأجابهم إِلَى ذَلِك، وَاجْتمعَ فِي الْمجْلس من كَانَ بِمصْر من أهل الْعلم وَالْأَدب وَالْفضل، فحرصوا على أَن يحفظوا على أبي الْحسن لحنة، أَو يظفروا مِنْهُ بسقطه، فَلم يقدروا على ذَلِك، حَتَّى جعل مُسلم يعجب، وَيَقُول: وعربية أَيْضا {} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 قَالَ: وحَدثني الصُّورِي قَالَ: سَمِعت أَبَا مُحَمَّد رَجَاء بن مُحَمَّد الْمعدل قَالَ: قلت للدارقطني: رأى الشَّيْخ مثل نَفسه؟ فَقَالَ لي:: قَالَ الله: {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} [النَّجْم: 32] ، فَقلت لَهُ: لم أرد هَذَا، إِنَّمَا أردْت أَن أعلمهُ لأقول: رَأَيْت شَيخا لم ير مثله، فَقَالَ: إِن كَانَ فِي فن وَاحِد فقد رَأَيْت من هُوَ أفضل مني، وَإِن كَانَ من اجْتمع فِيهِ مَا اجْتمع فِي فَلَا. انْتهى كَلَام الْخَطِيب. وروى ابْن طَاهِر: أَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: مَا فِي الدُّنْيَا شَيْء أبْغض إِلَيّ من الْكَلَام، وَأَنه كَانَ طوَالًا أَبيض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 241 - عَليّ بن عمر [360 - 442] ابْن مُحَمَّد بن الْحسن، أَبُو الْحسن الْحَرْبِيّ. يعرف ب: ابْن الْقزْوِينِي، وَيُقَال فِيهِ: الْقزْوِينِي. مولده بِبَغْدَاد، وأصل أَبِيه من قزوين، كَانَ أحد الصَّالِحين النبل، مِمَّن تستنزل الرَّحْمَة بِذكرِهِ، وترتجى المثوبة بحبه، يكاشف بالأسرار، وَيتَكَلَّم على الخواطر، مكرماً بالكرامات الظَّاهِرَة، مُخَصّصا بالمواهب الباهرة، وَكَانَ مَعَ ذَلِك يرجع إِلَى فَضَائِل علمية من قُرْآن وَفقه وَحَدِيث وَغَيرهَا. روينَا عَن الْحَافِظ أبي صَالح الْمُؤَذّن أَنه قَالَ فِي " مشيخته ": أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر الزَّاهِد الْبَغْدَادِيّ، الْمَعْرُوف بِابْن الْقزْوِينِي، الشَّافِعِي، الْمشَار إِلَيْهِ فِي زَمَانه بِبَغْدَاد فِي الزّهْد، والورع، وَكَثْرَة الْقِرَاءَة، وَمَعْرِفَة الْفِقْه والْحَدِيث، وَالله أعلم. قَرَأَ ابْن الْقزْوِينِي (رضى الله عَنهُ) الْقُرْآن على أبي حَفْص الكتاني وَغَيره، وَقَرَأَ الْقرَاءَات، وَلم يكن يُعْطي من يقْرَأ عَلَيْهِ إِسْنَادًا للروايات. وَسمع الحَدِيث من أبي حَفْص ابْن الزيات، وَابْن كيسَان، الحديث: 241 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 وَأبي الْحُسَيْن ابْن المظفر، وَأبي عمر ابْن حيويه، وطبقتهم. وَرَوَاهُ عَنهُ الْأَعْيَان، وَمِنْهُم: أَبُو بكر الْخَطِيب الْحَافِظ الْبَغْدَادِيّ، وَذكره فِي " تَارِيخه "، فَقَالَ: كَانَ أحد الزهاد الْمَذْكُورين، وَمن عباد الله الصَّالِحين، يقرىء الْقُرْآن، ويروي الحَدِيث، وَلَا يخرج من بَيته إِلَّا للصَّلَاة، وَكَانَ وافر الْعقل، صَحِيح الرَّأْي. وَهَذِه نبذ منتخبة من " أَخْبَار أبي الْحسن ابْن الْقزْوِينِي وفضائله "، جمع أبي نصر هبة الله بن عَليّ بن المجلي، أخبرنَا الإِمَام الْعَالم موفق الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي قَالَ: أَنبأَنَا الشَّيْخ الْمُحدث الثِّقَة أَبُو طَالب الْمُبَارك بن عَليّ بن مُحَمَّد بن خضير الصَّيْرَفِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو السُّعُود أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن المجلي قَالَ: أَخْبرنِي أخي أَو نصر هبة الله بن عَليّ قَالَ: سَمِعت بعض الشُّيُوخ يَقُول: كَانَ أَبُو الْحسن الْقزْوِينِي نَسِيج وَحده، وفريد عصره من أَبنَاء جنسه، وَلَقَد أجمع الْفُقَهَاء، وَالْعُلَمَاء، وَأَصْحَاب الحَدِيث، والقراء، والأدباء، والفصحاء، والملوك، والأمراء، والعامة، والغوغاء، وَسَائِر النَّاس على اخْتلَافهمْ، على صِحَة رَأْيه، ووفور عقله، وَحسن معتقده، وَجَمِيل طَرِيقَته، وظلف نَفسه، وعلو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 همته، وزهده، وورعه، وتقشفه، ونظافته، ونزاهته، وعفته، وَكَانَ مِمَّن جمعت لَهُ الْقُلُوب. قَالَ النواوي: قَوْله: ظلف نَفسه، وَهُوَ بالظاء الْمُعْجَمَة، ثمَّ اللَّام المفتوحتين، قَالَ أهل اللُّغَة: يُقَال ظلفت نَفسه - بِكَسْر اللَّام - تظلف - بِفَتْحِهَا - ظلفاً، على وزن: فرحت تفرح فَرحا، وَمَعْنَاهُ: كفت، وظلف نَفسه عَن الشَّيْء يظلفها ظلفاً، على وزن: ضربهَا يضْربهَا ضربا، وَمَعْنَاهُ: منعهَا من أَن تَفْعَلهُ. قَالَ أَبُو نصر: حَدثنِي أَحْمد بن مُحَمَّد الْأمين قَالَ: كتبت عَن أبي الْحسن الْقزْوِينِي مجَالِس إملاء فِي مَسْجده فَمَا كَانَ يخرج الْمجْلس لنَفسِهِ عَن شُيُوخه، وَلَا يدع أحدا يُخرجهُ، إِنَّمَا كَانَ يدْخل إِلَى منزله أَي جزو وَقع بِيَدِهِ خرج - يَعْنِي: خرج بِهِ - وأملى مِنْهُ عَن شيخ وَاحِد جَمِيع الْمجْلس، وَيَقُول: حَدِيث رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَا ينتقى. قَالَ: وَكَانَ أَكثر أُصُوله بِخَطِّهِ. قَالَ أَبُو نصر: سَمِعت عبد الله بن سَبْعُونَ القيرواني يَقُول: أَبُو الْحسن الْقزْوِينِي ثِقَة ثَبت فَوق الثبت، وَمَا رَأَيْت أَعقل مِنْهُ. وَقَالَ: حَدثنِي أَبُو شُجَاع فَارس بن الْحُسَيْن الذهلي، حَدثنِي القَاضِي أَبُو الْحسن الْبَيْضَاوِيّ، حَدثنِي أبي أَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 كَانَ يتفقه مَعنا على الداركي أَبُو الْحسن ابْن الْقزْوِينِي وَهُوَ حَدِيث السن، وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة، ملازماً للصمت، قل أَن يتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه، وَمضى على ذَلِك سنُون وَلم أجتمع بِهِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا شيعت جَنَازَة إِلَى بَاب حَرْب، ثمَّ رجعت من الْجِنَازَة، فَدخلت مَسْجِدا فِي الحربية صليت فِيهِ جمَاعَة، فافتقدت الإِمَام فَإِذا بِهِ أَبُو الْحسن ابْن الْقزْوِينِي، فَسلمت عَلَيْهِ، وَقلت لَهُ: من تِلْكَ السنين مَا رَأَيْنَاك، فَقَالَ: تفقهنا جَمِيعًا، وكل بعد ذَلِك سلك طَرِيقا، أَو كَمَا قَالَ. وَبِه قَالَ: قَالَ لنا أَبُو مُحَمَّد الْمَالِكِي: خرج فِي كتب أبي الْحسن الْقزْوِينِي بعد وَفَاته تَعْلِيق بِخَطِّهِ على أبي الْقَاسِم الداركي، قَالَ لي: وَرَأَيْت لَهُ أَيْضا تَعْلِيقا فِي النَّحْو عَن أبي الْفَتْح ابْن جني. حَدثنِي أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن جدا - يَعْنِي: بِكَسْر الْجِيم، وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة - قَالَ: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس الْمُؤَدب - وَكَانَ شَيخا صَالحا - يَقُول: ذكر أَن أَبَا الْحسن الْقزْوِينِي سمع الشَّاة تذكر الله عز وَجل، فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: نعم، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: فَقلت لَهُ: لم حدثت النَّاس بِهَذَا؟ فَقَالَ لي: خرجت يَوْمًا إِلَى الصَّلَاة، فَسمِعت الشَّاة تذكر الله تَعَالَى، وَدخلت الْمَسْجِد، فَسمِعت النَّاس يتحدثون فِي الْمَسْجِد بذلك، أَو كَمَا قَالَ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: الْوَلِيّ يجوز لَهُ أَن يتحدث بِمَا يُكرمهُ الله تَعَالَى بِهِ من الكرامات إِذا كَانَ فِي تحديثه بذلك مصلحَة من نصيحة، أَو ترغيب، أَو غير ذَلِك، وَقد كَانَ الْقزْوِينِي رَحمَه الله رُبمَا أخبر، وَرُبمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 كتم، وَمَا ذَلِك إِلَّا بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحْوَال فِيمَا ذَكرْنَاهُ، وَالله أعلم. وَقَالَ: حَدثنِي أَبُو بكر الخباز الْحَرْبِيّ قَالَ: لما تحدث النَّاس أَن الْقزْوِينِي سمع الشَّاة تذكر الله تَعَالَى قَالُوا: سَمعهَا تَقول: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَكَانَ جَالِسا فِي منزله يتَوَضَّأ لصَلَاة الْعَصْر، فَقَالَ لأهل دَاره: لَا تخرج هَذِه الشَّاة غَدا إِلَى الرَّعْي، فَأَصْبَحت ميتَة. حَدثنِي أَبُو مَنْصُور هبة الله بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الْكَاتِب قَالَ: مضيت لزيارة الْقزْوِينِي، فَحَضَرت عِنْد قَبره، فخطر لي مَا يذكر النَّاس عَنهُ من الكرامات وَكَلَامه على خواطرهم، فَقلت: ترى أيش مَنْزِلَته عِنْد الله عز وَجل؟ وعَلى قَبره مصاحف، فحدثتني نَفسِي بِأخذ وَاحِد مِنْهَا وفتحه، فَأَي شَيْء كَانَ فِي أول ورقة من الْقُرْآن فَهُوَ فِيهِ، ففتحته، فَكَانَ فِي أول ورقة مِنْهُ: {وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن المقربين} [آل عمرَان: 45] . حَدثنِي أَبُو يعلى مُحَمَّد بن الْفضل بن الْأَصْبَهَانِيّ، حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد الدهان اللّغَوِيّ قَالَ: كنت مِمَّن يقْرَأ على أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَقلت يَوْمًا فِي نَفسِي: أُرِيد أَن أسأله من أيش كَانَ يَأْكُل، وأسأله أَن يطعمني مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَرَأت، ثمَّ هَمَمْت أَن أسأله، فلحقني لَهُ هَيْبَة عَظِيمَة، فَنَهَضت، فَأمرنِي بِالْجُلُوسِ، فَجَلَست إِلَى أَن فرغ من الإقراء، ثمَّ قَالَ: بِسم الله، فَقُمْت مَعَه، فَأَدْخلنِي دَاره، وَأخرج إِلَيّ رغيفين سميذاً وَبَينهمَا عدس، ورغيفين وَبَينهمَا تمر أَو تين - الَّذِي حَدثنِي يشك - وَقَالَ: كل، فَمن هَذَا نَأْكُل، أَو كَمَا قَالَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 حَدثنِي المعمر بن عَليّ الْوَاعِظ قَالَ: حدثت عَن أقضى الْقُضَاة أبي الْحسن الْمَاوَرْدِيّ قَالَ: صليت يَوْمًا خلف أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَرَأَيْت عَلَيْهِ قَمِيصًا أنقى مَا يكون من الثِّيَاب، وَهُوَ مطرز، فَقلت فِي نَفسِي: ايْنَ الْمُطَرز من الزّهْد، فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ: سُبْحَانَ الله، الْمُطَرز لَا ينْقض أَحْكَام الزّهْد، الْمُطَرز لَا ينْقض أَحْكَام الزّهْد، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. حَدثنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقَزاز قَالَ: كَانَ ينزل بنهر طابق رجل زاهد، على طَريقَة حَسَنَة، يلبس الصُّوف، وَيَأْكُل الشّعير بالملح الجريش، وَكَانَ يبلغهُ أَن الْقزْوِينِي يَأْكُل الطّيب من الطَّعَام، ويلبس الرَّقِيق من الثِّيَاب، فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ الله، رجل زاهد مجمع على زهده، لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان، وَيَأْكُل هَذَا الْمَأْكُول، ويلبس هَذَا الملبوس {} أشتهى أَن أرَاهُ، فجَاء إِلَى الحربية، فَدخل مَسْجِد الْقزْوِينِي، وَهُوَ فِي منزله ثمَّ إِنَّه خرج، فَأذن، وَدخل الْمَسْجِد، وَفِيه ذَلِك الرجل وَجَمَاعَة غَيره، فَقَالَ، ثمَّ الْقزْوِينِي: سُبْحَانَ الله، رجل يَوْمًا إِلَيْهِ بالزهد يُعَارض الله تَعَالَى فِي أَفعاله، أَو فِيمَا يجْرِي فِيهِ عبيده - مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا - وَمَا هَا هُنَا محرم وَلَا مُنكر بِحَمْد الله تَعَالَى، فَطَفِقَ ذَلِك الرجل يتشاهق، ويبكي بكاء شَدِيدا، وَالْجَمَاعَة ينظرُونَ إِلَيْهِ لَا يَدْرُونَ مَا الْخَبَر، وَصلى الْقزْوِينِي الظّهْر، فَلَمَّا فرغ من صلَاته خرج الرجل من الْمَسْجِد يُهَرْوِل حافياً، إِلَى أَن خرج من الحربية، فَلَمَّا قضى الْقزْوِينِي رُكُوعه الْتفت إِلَى أبي طَالب، فَقَالَ لَهُ: بَين الحربية والمشهد حَائِط وضع ليَكُون سوراً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 وَمَا تمّ، تمْضِي إِلَيْهِ، وَتحمل هَذَا المداس مَعَك، وَتقول لذَلِك الشَّخْص الْجَالِس عَلَيْهِ: لَا يكون لَهَا عودة أَو كَمَا قَالَ. قَالَ أَبُو طَالب: وَالله مَا أعلم أَن ثمَّ حَائِطا بِلَا متموم - كَذَا قَالَ، وَالصَّوَاب: متمم - وَلَا رَأَيْته قطّ، فَإِذا الرجل بِعَيْنِه جَالس على الْحَائِط يبكي ويتشاهق، فَوضعت المداس بَين يَدَيْهِ وانصرفت. سَمِعت الشَّيْخ أَبَا نصر عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ الْفَقِيه يَقُول: حضرت عِنْد الْقزْوِينِي يَوْمًا، فَدخل عَلَيْهِ أَبُو بكر ابْن الرَّحبِي فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الشَّيْخ، أَي شَيْء أَمرتنِي نَفسِي أخالفها؟ فَقَالَ لَهُ: إِن كنت مرِيدا فَنعم، وَإِن كنت عَارِفًا فَلَا. فَلَمَّا انكفأت من عِنْده فَكرت فِي قَوْله، وكأنني لم أصوبه أَو كَيفَ قَالَ هَذَا، فَرَأَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة فِي مَنَامِي شَيْئا أزعجني، وَكَأن قَائِلا يَقُول لي: هَذَا بِسَبَب ابْن الْقزْوِينِي، يَعْنِي لما أخذت فِي نَفسك عَلَيْهِ، أَو كَمَا قَالَ. قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: ذَلِك لِأَن الْعَارِف ملك نَفسه فأمن عَلَيْهَا من أَن تَدعُوهُ إِلَى مَحْذُور، بِخِلَاف المريد، فَإِن نَفسه بِحَالِهَا أَمارَة بالسوء، فليخالفها كَذَلِك، وَالله أعلم. حَدثنِي أَبُو الْقَاسِم عبد السَّمِيع الْهَاشِمِي الداوودي، حَدثنِي عبد الْعَزِيز الصحراوي الزَّاهِد قَالَ: كنت أَقرَأ على أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَلَمَّا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 يَوْم إِذا نَحن بِرَجُل قد دخل علينا الْمَسْجِد مُشْتَمِلًا منشفة، مغطى الْوَجْه، فَوَثَبَ الشَّيْخ إِلَيْهِ، فَاسْتَقْبلهُ وَصَافحهُ، وَأَجْلسهُ فِي الْقبْلَة، وَجلسَ بَين يَدَيْهِ، وحادثه سَاعَة طَوِيلَة، ثمَّ نَهَضَ للْقِيَام، فَقَامَ الْقزْوِينِي فشيعه إِلَى بَاب الْمَسْجِد، وودعه، ثمَّ عَاد، فعجبت لذَلِك عجبا شَدِيدا، فَقَالَ لي صَاحب كَانَ بجنبي: مِم تعجب؟ فَقلت: من الشَّيْخ وَفعله هَذَا بِهَذَا الرجل. فَقَالَ لي: وَلست تعرفه؟ فَقلت: لَا، فَقَالَ: هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَادِر بِاللَّه. وحَدثني أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْأمين قَالَ: رَأَيْت الْملك أَبَا كالجار قَائِما على رَأس أبي الْحسن الْقزْوِينِي يُشِير إِلَيْهِ بِالْجُلُوسِ، وَلَا يفعل. وحَدثني أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الطراح الْوَكِيل قَالَ: رَأَيْت الْملك أَبَا طَاهِر ابْن بويه قَائِما بَين يَدي أبي الْحسن الْقزْوِينِي يُومِئ إِلَيْهِ بِالْجُلُوسِ. فيأبى. حَدثنِي الْحُسَيْن بن عَليّ الخيوطي، حَدثنِي أَبُو بكر الْمُفَسّر وَكَانَ عبدا صَالحا قَالَ: كنت أسمع أَن أَحْمد الصياد يعرف اسْم الله الْأَعْظَم، فَكنت أمضي إِلَيْهِ وأتبرك بِهِ، قَالَ: فَخرجت من عِنْده يَوْمًا، فَقلت: هَذَا يُقَال: إِنَّه يعرف اسْم الله الْأَعْظَم، ترى أَبَا الْحسن الْقزْوِينِي يعرف اسْم الله الْأَعْظَم؟ وَدخلت على أبي الْحسن وَهُوَ فِي مَسْجده، فَقَالَ: وَقْفَة، فَسكت النَّاس، فَقَالَ: قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 رجل: ترى فلَان يعرف اسْم الله الْأَعْظَم؟ لله تَعَالَى عبيد يعْرفُونَ ذَلِك، أَو كَمَا قَالَ. قَالَ الشَّيْخ: كَانَت عَادَته رَحمَه الله إِذا أَرَادَ سكُوت من يقْرَأ الْقُرْآن فِي الْمَسْجِد يَقُول: وَقفه. حَدثنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن طَلْحَة الأطروش الْحَرْبِيّ، حَدثنِي مُحَمَّد بن هبة الله الْمَعْرُوف ب: ابْن صيلا، خَادِم الْقزْوِينِي قَالَ: صليت لَيْلَة مَعَ الْقزْوِينِي صَلَاة عشَاء الْآخِرَة، فأمسى فِي رُكُوعه وَلم يبْق فِي الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيره، فَلَمَّا قضى صلَاته أخذت الْقنْدِيل بَين يَدَيْهِ ومشينا، فرأيته قد عبر منزله، فمشيت بَين يَدَيْهِ، فَخرج من الحربية وَأَنا مَعَه، وَقد صلى فِي مَسْجِدهَا الآخر رَكْعَتَيْنِ، فَلم أَعقل بِشَيْء إِذا أَنا بِموضع أَطُوف بِهِ مَعَ جمَاعَة خَلفه، حَتَّى مضى هوي من اللَّيْل، ثمَّ أَخذ بيَدي، وَقَالَ لي: بِسم الله، ومشيت مَعَه، فَلم اعقل بِشَيْء إِلَّا وَأَنا على بَاب الحربية، فدخلناها قبل الْفجْر، فَسَأَلته وَأَقْسَمت عَلَيْهِ: أَيْن كُنَّا؟ فَقَالَ لي: {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59] ، ذَلِك الْبَيْت الْحَرَام، أَو بَيت الْمُقَدّس. ابْن طَلْحَة يشك فِي ذَلِك. قَالَ النواوي: قَوْله: فأمسى فِي رُكُوعه، يَعْنِي: صلَاته، وَالصَّلَاة تسمى رُكُوعًا. وَقَوله: شكّ فِي الْبَيْت الْحَرَام أَو بَيت الْمُقَدّس، الظَّاهِر - وَالله أعلم - أَنه الْبَيْت الْحَرَام، فَإِن الطّواف لَا يشرع بِغَيْرِهِ، وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 حَدثنِي أَبُو البركات ابْن الْإِخْوَة، حَدثنِي رجل زاهد يعرف بِابْن الْبناء قَالَ: قلت للقزويني يَوْمًا: قَالَ لي أَبُو طَاهِر الْأنْصَارِيّ المقرىء أستاذي: أعرف رجلا يمْضِي يَوْم عَرَفَة الْعَصْر فَيشْهد الْموقف وَيرجع إِلَى مَسْجده بِبَغْدَاد، أَهَذا صَحِيح؟ فَقَالَ: الله على كل شَيْء قدير، قلت: عَنْك أَيهَا الشَّيْخ؟ فَقَالَ: خُذْهَا بعلو، خُذْهَا بعلو. أَو كَمَا قَالَ. حَدثنِي أَبُو البركات ابْن الْإِخْوَة قَالَ: رَأَيْت الْقزْوِينِي لَيْلَة عَرَفَة وَقد خرج من منزله لصَلَاة الْمغرب ومداسه قد علا عَلَيْهِ غبرة كَثِيرَة وَرجلَاهُ حَتَّى قد غطت سَواد المداس، وَمَا رئي قطّ مداسة إِلَّا وسواده يلمع كَأَنَّهُ حنك غراب لنظافته، حكى حكايات كَثِيرَة تدل على إكرام الله تَعَالَى إِيَّاه بِهَذِهِ الْكَرَامَة. حَدثنِي أَبُو نصر عبد الْملك بن الْحُسَيْن الدَّلال قَالَ: كنت أَقرَأ على أبي طَاهِر بن فضلان الْمُقْرِئ، وَكنت إِذا ذَاك أَقرَأ على أبي الْحسن الْقزْوِينِي: لَا تعتقد أَن أحدا يعلم مَا فِي قَلْبك، فَخرجت من عِنْده إِلَى أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَدخلت عَلَيْهِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، مقاومة، مُعَارضَة {} رُوِيَ عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " إِن تَحت الْعَرْش ريحًا هفافةً تهب إِلَى قُلُوب العارفين ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 وَرُوِيَ عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " قد كَانَ فِيمَن خلا قبلكُمْ نَاس يحدثُونَ، فَإِن يَك فِي أمتِي فعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ". حَدثنِي أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد بن طَالب الدَّلال قَالَ: كَانَ جمَاعَة من دَار الرَّقِيق يقصدون الْقزْوِينِي كل سبت لسَمَاع الحَدِيث، فَرَآهُمْ رجل يَوْمًا، فَقَالَ لَهُم كَالْمُسْتَهْزِئِ بهم: تُرِيدُونَ أَن تمضوا إِلَى عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة، أُرِيد أَن أصحبكم الْيَوْم، فَدَخَلُوا الْمَسْجِد، فركعوا قبل أَن يجلسوا، وَركع مَعَهم ذَلِك الرجل، قَالَ: وَكنت مِمَّن لَا يضع الْيَمين على الشمَال فِي الصَّلَاة، فوضعتهما فَزعًا مِنْهُ وهيبة لَهُ، فَإنَّا فِي التَّشَهُّد قَالَ: سُبْحَانَ الله، رِيَاء ونفاق، رِيَاء ونفاق، يظْهر خلاف مَا يبطن، فَثَبت إِلَى الله تَعَالَى من ذكره، أَو كَمَا قَالَ. حَدثنِي الْحُسَيْن بن عَليّ الفتال: قَالَ: قصدت الْقزْوِينِي يَوْمًا، فَقلت: لي حَاجَة، فَأمر الْحَاضِرين بِالسُّكُوتِ، وَقَالَ: قل، قلت: نجيء إِلَيْك وَفِي قُلُوبنَا حوائج فَتكلم على خواطرنا بِمَا فِيهَا، فَمَا هَذَا؟ فَقَالَ: رُوِيَ عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " أتقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله "؛ ثمَّ قَالَ: إِن لله عباداً طهر قُلُوبهم، وصفى هممهم. حَدثنِي أَبُو الْفَتْح عبد السَّلَام بن الْحسن بن عبد الله الجلوقي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 وَعلي بن أَحْمد بن شَدَّاد الحربيان، قَالَا: أنفذ الْملك أَبُو طَاهِر ابْن بويه لَيْلَة بعد الْعشَاء الْآخِرَة [بمنشور إِلَى أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فقرأه] ، وَنحن جُلُوس بَين يَدَيْهِ، ثمَّ استدعى بِوَرَقَة ليجيب عَن المنشور، وَيَده كَمَا جرت عَادَته فِي كمه، فَطلب دَوَاة فتعذرت، فَأخذ الرقعة بِيَدِهِ وَأَشَارَ بإصبعه إِلَيْهَا من وَرَاء كمه، فَكتب فِيهَا. قَالَ لي عبد السَّلَام وَعلي: فَنَظَرْنَا - وَالله الَّذِي لَا إِلَه غَيره - إِلَى السطور فِي الورقة سواداً كَأَنَّهُ يستمد من محبرة، فبهتنا نَنْظُر إِلَيْهِ، وَبَقينَا متعجبين من ذَلِك زَمَانا. حَدثنِي الشَّيْخ الإِمَام أَبُو نصر عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ الْفَقِيه الشَّافِعِي قَالَ: حضرت عِنْد أبي الْحسن الْقزْوِينِي للسلام عَلَيْهِ، فَقلت فِي نَفسِي: قد حُكيَ لَهُ أنني أشعري، فَرُبمَا رَأَيْت مِنْهُ فِي ذَلِك شَيْئا، أَو قصر فِي السَّلَام عَليّ، أَو نَحوا من هَذَا، فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَالَ: لَا نقُول إِلَّا خيرا، لَا نقُول إِلَّا خيرا، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. ثمَّ الْتفت إِلَيّ، فَقَالَ لي: " من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، وَمن تبعها حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان "، مَعَ القيراط، أَو غير القيراط؟ قَالَ، قلت: مَعَ القيراط. قَالَ: جيد بَالغ. ونهض فَدخل منزله، فطالبني أهل الْمَسْجِد بِالدَّلِيلِ، فَقلت لَهُم: فِي الْقُرْآن مثله، قَالَ الله تَعَالَى: {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أندادا ذَلِك رب الْعَالمين وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام} [فصلت: 9 - 10] مَعَ الْيَوْمَيْنِ، لَا غير الْيَوْمَيْنِ. سَمِعت أَبَا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْمُدبر يَقُول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 سَمِعت أَنا الْحسن الْقزْوِينِي يَقُول: مَوَدَّة الدّين لَا يزيلها شَيْء، ومودة الدُّنْيَا تثبت بِالسَّبَبِ، فَإِذا زَالَ السَّبَب زَالَت. قا ل: وسمعته يَقُول: صِحَة وَعدم خير وجود وسقم. حَدثنِي أَبُو الْقَاسِم عبد الْغَنِيّ بن أبي طَالب، حَدثنِي حَدِيث الصياد - وَكَانَ من سَاكِني الحربية - قَالَ: أَصبَحت يَوْمًا من الْأَيَّام وَمَا أملك حَبَّة وَاحِدَة وَفِي دَاري عائلة، فَخرجت من منزلي، فَقلت فِي نَفسِي: أشتهي أَن أجد السَّاعَة فِي وسط الحربية دِينَارا أَعُود بِهِ على عيالي، ومشيت، فوافيت الْقزْوِينِي يخرج من منزله، فصاح بِي، فَجئْت إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: يَا حَدِيد، أما علمت أَن اللّقطَة إِذا لم تعرف فَهِيَ حرَام؟ وَأخرج لي دِينَارا فَوَضعه فِي كفي، وَقل: خُذْهُ حَلَالا، أَو كَمَا قَالَ. حَدثنِي أَحْمد بن عَليّ بن المنتاب الْمُقْرِئ، حَدثنِي رجل ذهب عَليّ اسْمه قَالَ: دخلت مَسْجِد الْقزْوِينِي وَقد حمل إِلَيْهِ تفاح ومشمش كثير جدا وَهُوَ يفرق بَين يَدَيْهِ على ضعفاء الحربية، فكأنني استكثرته، وَقلت فِي نَفسِي: قد بَقِي فِي النَّاس لله بعد شَيْء {فَرفع الْقزْوِينِي رَأسه إِلَيّ فِي الْحَال، وَقَالَ: سُبْحَانَ الله، يستكثر لله شَيْء؟ لَو رَأَيْتُمْ مَا ينْفق فِي معاصي الله تَعَالَى} حَدثنِي أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن السمسار قَالَ: أصابني ريح المفاصل سنة من السنين حَتَّى زمنت لأَجلهَا، فركبت حمارا، ومضيت إِلَى أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فوافيت مَسْجده وَهُوَ فِي منزلَة، فأنزلت من الْحمار، وَجَلَست فِي الْمَسْجِد، فَلَمَّا خرج جهدت نَفسِي فِي الْوُثُوب لَهُ، فَقَالَ: كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 أَنْت تعافى إِن شَاءَ الله تَعَالَى، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، ثمَّ جَلَست، فَلَا وَالله، مَا أعلم مَا قَالَ عَلَيْهَا، وَأمر عَلَيْهَا يَده من وَرَاء كمه، فَقُمْت من سَاعَتِي، وعدت من مَسْجده مَاشِيا إِلَى بَاب الْبَصْرَة، وعوفيت فِي الْحَال. حَدثنِي أَبُو بكر أَحْمد بن نصر الضَّرِير الْقَارئ، حَدثنِي عَليّ بن بعد الله السوادي، قَالَ: كنت لَيْلَة جَالِسا فِي منزلي وَأَنا على وضوء منتظراً لصَلَاة الْعَتَمَة، فَنمت وَأَنا جَالس، ثمَّ استيقظت، فَقلت: لم أغص فِي النّوم، وَبَين الْفُقَهَاء فِي ذَلِك خلاف، إِذا نَام قَاعِدا متربعاً، وَكَانَ الزَّمَان شَدِيد الْبرد، وصعب عَليّ الْوضُوء لشدَّة الْبرد، فَصليت وَلم أتوضأ، ثمَّ إِنِّي صليت مَعَ أبي الْحسن الْقزْوِينِي من الْغَد، فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، رَطْل مَاء يخرج بِهِ الْإِنْسَان من الْخلاف مَعَ مَا قد ورد فِي الحَدِيث من الْفضل فِي ذَلِك فِي " إسباغ الْوضُوء على " المكاره "، فبهت أنظر إِلَيْهِ مُتَعَجِّبا من قَوْله، أَو كَمَا حكى. حَدثنِي أَبُو عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد بن أَحْمد، حَدثنِي أَبُو طَاهِر بن جحشوه قَالَ: أردْت سفرا، وَكنت خَائفًا مِنْهُ، فَدخلت إِلَى الْقزْوِينِي أسلم عَلَيْهِ. فَقَالَ لي ابْتِدَاء من قبل نَفسه: من أَرَادَ سفرا فَقرب من وَحش فليقرأ: {لِإِيلَافِ قُرَيْش} [قُرَيْش: 1] ، فَإِنَّهَا ... فقرأتها، فَلم يعرض لي عَارض حَتَّى الْآن. حَدثنِي أَبُو جَابر مُحَمَّد بن أَحْمد الزُّهْرِيّ، وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن العصار قَالَا: حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد النعماني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 ح، قَالَ: وَأخْبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد المقرىء قَالَ: حكى لنا أَبُو مُحَمَّد النعماني قَالَ: قصدت الْقزْوِينِي يَوْمًا لأقرأ عَلَيْهِ الحَدِيث، فَدخلت جَامع الحربية لأتوضأ فأنسيت محبرتي، وَلم أذكرها إِلَّا وَأَنا جَالس بَين يَدَيْهِ أَقرَأ، فهممت بِالْقيامِ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد، مَا أنسيته يَأْتِيك، فَقلت: أَخَاف أَن يخرج غلط يحْتَاج إِلَى إصْلَاح، فَقَالَ: أَقرَأ فَقَرَأت أوراقاً، وَخرج عَليّ غلط يحْتَاج إِلَى إصْلَاح، فَقلت: بِأَيّ شَيْء أصلحه؟ فَرفع رَأسه، فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَإِذا بِبَاب الْمَسْجِد رجل يَقُول: هَذِه المحبرة لمن؟ فَقَالَ: قُم فَخذهَا. حَدثنِي أَبُو البركات مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى الدباس الْفَقِيه قَالَ: رَأَيْت فِي النّوم شَخْصَيْنِ، وَأَحَدهمَا يَقُول لي، وَيُشِير إِلَى الآخر: هَذَا ابْن الْقزْوِينِي. قَالَ: فأشرت إِلَيْهِ، أَي سَيِّدي، أوصني. قَالَ: فَأَوْمأ إِلَيّ يعد بأصابعه وَيَقُول لي: {وَالْعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} [الْعَصْر: 1 - 3] قَالَ: وَلم أكن رَأَيْته قبل ذَلِك، فَلَمَّا كَانَ بعد سِنِين ذكرت هَذَا الْمَنَام، فَقلت فِي نَفسِي: يكون مثل هَذَا الرجل بِالْبَلَدِ وَلم أرَاهُ؟ هَذَا عجز عَظِيم، وَقلة توفيق. قَالَ فمضيت إِلَيْهِ، وَدخلت عَلَيْهِ، وَصليت وَرَاءه إمدى الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة، فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة، نظرت إِلَيْهِ، فَأَوْمأ بِيَدِهِ - علم الله - على الصُّورَة الَّتِي رَأَيْته بهَا فِي الْمَنَام تِلْكَ اللَّيْلَة، وَهُوَ يَقُول لي: (وَالْعصر، إِن الْإِنْسَان لفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} [الْعَصْر: 1 - 3] . حَدثنِي أَبُو نصر عبد الْملك بن الْحُسَيْن بن أَحْمد الدَّلال الْمُقْرِئ قَالَ: كَانَ لي صَاحب يقْرَأ عَليّ تكلم بِكَلَام جيد، وشدد الْيَاء، فَقلت لَهُ كالمداعب: لَا تَتَكَلَّم إِلَّا بإعراب، ثمَّ مضيت وَهُوَ بصحبتي إِلَى أبي الْحسن الْقزْوِينِي لأقرأ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كُنَّا بَين يَدَيْهِ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، الْجيد: ضد الرَّدِيء، والجيد: الرَّقَبَة. قَالَ الله تَعَالَى: {فِي جيدها حَبل من مسد} [المسد: 5] ، فَجعلت أنظر إِلَى صَاحِبي، وَينظر هُوَ إِلَيّ، رَحمَه الله) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 242 - عَليّ بن مُحَمَّد [364 - 450] ابْن حبيب، بِالْحَاء الْمُهْملَة. أقضى الْقُضَاة، أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ الْبَصْرِيّ، صَاحب " الْحَاوِي "، رَحمَه الله. أَخذ الْفِقْه عَن أبي الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ، وانتسب فِي " الْحَاوِي " إِلَيْهِ فِي شَيْء حَكَاهُ عَنهُ، فَقَالَ: كَانَ شَيخنَا فلَان. قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ فِي " التَّارِيخ ": كَانَ من وُجُوه الْفُقَهَاء الحديث: 242 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 الشافعيين، وَله تصانيف عدَّة فِي أصُول الْفِقْه، وفروعه، وَغير ذَلِك. قَالَ: وَجعل إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء ببلدان كَثِيرَة، وَسكن بَغْدَاد فِي درب الزَّعْفَرَانِي، وَحدث بهَا عَن الْحسن بن عَليّ الْجبلي صَاحب أبي خَليفَة، وَعَن مُحَمَّد بن عدي الْمنْقري، وَمُحَمّد بن الْمُعَلَّى الْأَزْدِيّ، وجعفر بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ. كتبت عَنهُ، وَكَانَ ثِقَة. هَذَا كَلَام الْخَطِيب. وَقَالَ ابْن خيرون: كَانَ رجلا جَلِيلًا، عَظِيم الْقدر، مُتَقَدما عِنْد السُّلْطَان، أحد الْأَئِمَّة، لَهُ التصانيف الحسان فِي كل فن من الْعُلُوم. قَالَ الْخَطِيب وَابْن خيرون: توفّي بِبَغْدَاد يَوْم الثُّلَاثَاء سلخ شهر ربيع الأول، وَدفن بِبَاب حَرْب يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهل شهر ربيع الآخر سنة خمسين وَأَرْبع مئة. وَحكى ابْن خيرون أَنه كَانَ بَين وَفَاته ووفاة القَاضِي أبي الطّيب أحد عشر يَوْمًا، وَتُوفِّي عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة، لِأَن مولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة، وَحضر جنَازَته من حضر أَبَا الطّيب من الْعلمَاء وأرباب الدولة. وَحكى أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَن آخر من روى عَنهُ أَبُو الْعِزّ ابْن كادش، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَخمْس مئة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين صَاحب الْكتاب رَحمَه الله: هَذَا الْمَاوَرْدِيّ عَفا الله عَنهُ يتهم بالاعتزال، قَالَ: وَقد كنت لَا أحقق ذَلِك عَلَيْهِ، وأتأول لَهُ، وأعتذر عَنهُ، فِي كَونه يُورد فِي " تَفْسِيره " فِي الْآيَات الَّتِي يخْتَلف فِيهَا تَفْسِير أهل السّنة، وَتَفْسِير الْمُعْتَزلَة، وُجُوهًا يسردها، يمزج فِيهَا أقاويلهم، من غير تعرض مِنْهُ لبَيَان مَا هُوَ الْحق مِنْهَا، فَأَقُول: لَعَلَّ قَصده إِيرَاد كل مَا قيل من حق وباطل، وَلِهَذَا يُورد من أقاويل المشبهة أَشْيَاء مثل هَذَا الْإِيرَاد، حَتَّى وجدته يخْتَار فِي بعض الْمَوَاضِع قَول الْمُعْتَزلَة وَمَا بنوه على أصولهم الْفَاسِدَة، وَمن ذَلِك مصيره فِي سُورَة الْأَعْرَاف إِلَى أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَشَاء عبَادَة الْأَوْثَان. وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} [الْأَنْعَام: 112] : فِي قَوْله تَعَالَى: جعلنَا، وَجْهَان أَحدهمَا مَعْنَاهُ: حكمنَا بِأَنَّهُم أَعدَاء، وَالثَّانِي: تركناهم على الْعَدَاوَة، فَلم نمنعهم مِنْهَا. قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: " وَتَفْسِيره " عَظِيم الضَّرَر، لكَونه مشحوناً بِكَثِير من تأويلات أهل الْبَاطِل، تدسيساً وتلبيساً، على وَجه لَا يفْطن لتمييزها غير أهل الْعلم وَالتَّحْقِيق، مَعَ أَنه تأليف رجل لَا يتظاهر بالانتساب إِلَى الْمُعْتَزلَة حَتَّى يحذر، وَهُوَ يجْتَهد فِي كتمان مُوَافَقَته لَهُم فِيمَا هُوَ لَهُم فِيهِ مُوَافق، ثمَّ لَيْسَ هُوَ معتزلياً مُطلقًا، فَإِنَّهُ لَا يوافقهم فِي جَمِيع أصولهم، مثل خلق الْقُرْآن على مَا دلّ عَلَيْهِ " تَفْسِيره " فِي قَوْله عز وَجل: (مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 مُحدث} [الْأَنْبِيَاء: 2] ، وَغير ذَلِك ويوافقهم فِي الْقدر، وَهِي البلية الَّتِي غلبت على الْبَصرِيين وعيبوا بهَا قَدِيما، وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} [الْقَمَر: 49] . يَعْنِي: بِحكم سَابق، وَهُوَ نَحْو مَا تقدم، وَالله أعلم. وَمن غرائب الْمَاوَرْدِيّ أَنه رأى أَن إجَازَة الرِّوَايَة لَا يَصح التَّحَمُّل وَالرِّوَايَة بهَا، وَذكر أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي. قَالَ: وَلَو جَازَت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُكَاتبَة: إِنَّهَا لَا تصح، ذكر ذَلِك فِي " الْحَاوِي " فِي أَوله، وَفِي الْأَقْضِيَة. وَمن تفرداته أَنه ذكر فِي وَقت الْمغرب أَنه يدْخل بِسُقُوط القرص وَسُقُوط حَاجِب الشَّمْس وَهُوَ الضياء المستعلي عَلَيْهَا، وَهَذَا شذوذ مِنْهُ، وَقد نقل غَيره إِجْمَاع الْعلمَاء بخلافة، وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين صَاحب الْكتاب: أَخْبرنِي بِدِمَشْق بِقِرَاءَتِي الشَّيْخ الْأَصِيل المؤرخ عز الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الشَّيْبَانِيّ الْجَزرِي ثمَّ الْموصِلِي ابْن الْأَثِير من أصل سَمَّاعَة قَالَ: أخبرنَا الْخَطِيب مجد الدّين أَبُو الْفضل عبد لله بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن الطوسي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مئة قَالَ: أخبرنَا الشَّيْخ الْجَلِيل أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن بدران الْحلْوانِي قَالَ: أخبرنَا أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف بالماوردي قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ الْجبلي قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَثْرَم قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن حَرْب، حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن الْأسود بن قيس أَنه سمع جندباً وَهُوَ ابْن عبد الله بن سُفْيَان البَجلِيّ يَقُول: كُنَّا مَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فنكبت إصبعه فَقَالَ: (هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميتي ... وَفِي سَبِيل الله مَا لقيتي) هَذَا حَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 وروى الشَّيْخ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ أَنه أنْشد لأبي بكر ابْن دُرَيْد: (جهلت وعاديت الْعُلُوم وَأَهْلهَا ... كَذَاك يعادي الْعلم من هُوَ جاهله) (وَمن كَانَ يهوى أَن يرى متصدراً ... وَيكرهُ لَا أَدْرِي أُصِيبَت مقاتله) قَالَ: وَقَالَ صَاحب " الْحَاوِي ": كتب إِلَيّ أخي من الْبَصْرَة - وَقد اشْتَدَّ شوقه إِلَيّ لمقامي بِبَغْدَاد - شعرًا، فَقَالَ فِيهِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 (طيب الْهَوَاء بِبَغْدَاد يشوقني ... قدماً إِلَيْهَا وَإِن عاقت مقادير) (فَكيف صبري عَنْهَا الْآن إِذْ جمعت ... طيب الهواءين مَمْدُود ومقصور) آخر مَا ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُصَنف الْكتاب رَحمَه الله. قَوْله: الصَّيْمَرِيّ، هُوَ بِفَتْح الصَّاد وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ. والجبلي: بِفَتْح الْجِيم، وَالْبَاء الْمُوَحدَة. والمنقري: بِكَسْر الْمِيم، وَإِسْكَان النُّون، وَفتح الْقَاف، وَالرَّاء الْمُهْملَة. وَابْن خيرون: بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة. وكادش: بِكَسْر الدَّال، وبالشين الْمُعْجَمَة. وَمِمَّا يُوَافق الْمَاوَرْدِيّ فِيهِ أهل السّنة وَيُخَالف الْمُعْتَزلَة خلق الْجنَّة، فَيَقُول: إِنَّهَا مخلوقة كَمَا قَالَ أهل السّنة، قَالَ فِي سُورَة الْأَعْرَاف: الْجنَّة الَّتِي أَمر آدم عَلَيْهِ السَّلَام بسكناها جنَّة الْخلد. وَقَوله " طيب الهواءين، لحن عِنْد النَّحْوِيين، لَا يجيزون تَثْنِيَة الْمُخْتَلِفين فِي الصِّيغَة، إِلَّا فِي أَلْفَاظ سَمِعت من الْعَرَب بالتغليب، كالأبوين، والعمرين، وَشبه ذَلِك من المسموع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 243 - عَليّ بن مُحَمَّد [000 - 000] ابْن عَليّ، القَاضِي أَبُو الْحسن الطَّبَرِيّ الآملي، من أهل آمل طبرستان. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ إِمَامًا فَاضلا، وَحدث، سمع بِبَلَدِهِ: عبد الله بن جَعْفَر الجناري الْحَافِظ، وببغداد أَبَا الْغَنَائِم ابْن الْمَأْمُون، وَأَبا جَعْفَر ابْن الْمسلمَة، وَابْن النقور، وَمن الغرباء: أَبَا يعلى الخليلي الْقزْوِينِي وطبقتهم. روى عَنهُ: ابْن أَخِيه أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أميركا القَاضِي بطبرستان. وَقد اشْترك أَبُو الْحسن هَذَا، وإلكيا الإِمَام فِي: الِاسْم، والكنية، وَاسم الْأَب، وَالْجد، الطبرية، وَهُوَ أسن من إِلْكيَا، فَإِنَّهُ سمع من إملاء الْحَافِظ الجناري سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة، ومولد إِلْكيَا سنة خمسين. وَلأبي الْحسن هَذَا شعر فِي رثاء إِمَام الْحَرَمَيْنِ، هُوَ من نظرائه. الحديث: 243 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 244 - عَليّ بن مُحَمَّد [000 - 000] أَبُو الْفَتْح البستي - من بست: بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَإِسْكَان السِّين الْمُهْملَة - الشَّاعِر، الْكَاتِب. كَانَ أديباً، شَاعِرًا، مَشْهُور التطبيق والتجنيس، كثير الاختراع للمعنى الْغَرِيب النفيس، صَاحب بلدية الإِمَام أَبَا سُلَيْمَان الْخطابِيّ، وَله أشعار فِي تَفْضِيل الشَّافِعِي، وتقريظ " مُخْتَصر " الْمُزنِيّ، وَهُوَ على ذَلِك من الشُّعَرَاء الحديث: 244 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 الَّذين دهماؤهم فِي كل وَاد يهيمون، وَلكُل برق يشيمون، فَلذَلِك جَاءَ عَنهُ فِي تَحْلِيل النَّبِيذ أَبْيَات، ولتزكية الكرامية أَبْيَات، وَلَكِن عِنْدَمَا علت بخراسان كلمتهم، وشاكت أهل السّنة شوكتهم، وَله فِي الشَّافِعِي رَحمَه الله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 (الشَّافِعِي أجل النَّاس مرتبَة ... وَأعظم النَّاس فِي دين الْهدى أثرا) (الْعدْل سيرته والصدق شيمته ... وَالسحر منْطقَة والدر إِن نثرا) (فَقل لمن بَاعَ بالنعمان سيرته ... ضللت بِعْت بخوص النَّخْلَة الكثرا) وَأوردهُ بَعضهم: (فَقل لمن بَاعَ بالأموال سيرته ... ) وَله أَيْضا: (رَأْي الإِمَام أبي حنيفه ... رَأْي مسالكه لطيفه) (لَكِن رَأْي الشَّافِعِي ... نتائج السّنَن الحنيفه) (جهدا لراحتنا وَمَا ... حذرا من الكلف العنيفة) (فجزاهما رب الْعلَا ... فِي الْخلد بالدرج المنيفة) وَمن حَكِيم قَوْله قَوْله: (أَمْرَانِ مُخْتَلِفَانِ لست تراهما ... يتشوفان لخلطة وتلاق) (طلب الْمعَاد مَعَ الرياسة والعلا ... فدع الَّذِي يفنى لما هُوَ بَاقٍ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 وَقَوله: (من ظن أَن الْغَنِيّ بِالْمَالِ يجمعه ... فَاعْلَم بِأَن غناهُ فقره أبدا) (فاستغن بِالْعلمِ وَالتَّقوى وَكن رجلا ... لَا يرتجي غير رزاق الورى أحدا) وَله القصيدة النونية فِي الْأَمْثَال، سميت: عنوان الْحِكْمَة. وَله: (إِن أكن مذنباً فعفو إلهي ... لذنوب الْعباد بالمرصاد) (واعتقادي بِأَنَّهُ الْوَاحِد الْحق ... شفيعي إِلَيْهِ يَوْم الْمعَاد) (وبحب النَّبِي الْآل وَالْأَصْحَاب ... أَرْجُو ملكا رفيع الْعِمَاد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 245 - عَليّ بن أبي المكارم [000 - 579] ابْن فتيَان، أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي. أحد أَعْيَان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِمصْر. وَتَوَلَّى الْإِعَادَة بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بِبَغْدَاد، وَله معرفَة بفنون. تفقه على الإِمَام أبي المحاسن يُوسُف بن عبد الله الدِّمَشْقِي مدرس النظامية. توفّي سنة تسع وَسبعين وَخمْس مئة. ألحقهُ النواوي. الحديث: 245 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 246 - عمر بن إِبْرَاهِيم [347 - 434] ابْن سعيد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن بجاد بن مُوسَى بن سعد بن أبي وَقاص صَاحب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، أَبُو طَالب الزُّهْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن حمامة. كَانَ من جلة أَئِمَّة أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيّين. قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: قَالَ لنا أَبُو طَالب هَذَا: أهل الْمعرفَة بِالنّسَبِ يَقُولُونَ فِي نسبي: نجاد بن مُوسَى، بالنُّون، وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: بجاد، بِالْبَاء. سمع الحَدِيث من: ابْن مَالك، وَابْن ماسي، وَالْإِمَام أبي الْقَاسِم الداركي، وَغَيرهم، والخطيب كثير الرِّوَايَة عَنهُ. قَالَ الْخَطِيب: وَكَانَ ثِقَة. قَالَ: وَولد فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة، وَمَات فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبع مئة، وَدفن بِبَغْدَاد فِي مَقْبرَة بَاب الدَّيْر. الحديث: 246 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 247 - عمر بن أَحْمد [000 - 417] ابْن إِبْرَاهِيم بن عبدويه بن سدوس بن عَليّ بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود - أخي عبد الله بن مَسْعُود الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ - أَبُو حَازِم الْهُذلِيّ العبدوي الْأَعْرَج النَّيْسَابُورِي. أحد حفاظ خُرَاسَان. قَالَ الْخَطِيب: كتبت عَنهُ الْكثير، وَكَانَ ثِقَة، صَادِقا، عَارِفًا، حَافِظًا، يسمع النَّاس بإفادته، ويكتبون بانتخابه. سمع أَبَوي عَمْرو إِسْمَاعِيل بن نجيد، وَابْن مطر، وأبوي بكر الْإِمَامَيْنِ الْإِسْمَاعِيلِيّ، والشاشي الْقفال، وخلقاً يَتَّسِع ذكرهم. سمع مِنْهُ بِبَغْدَاد وَغَيرهَا ابْن أبي الفوارس، وَغَيره. الحديث: 247 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 توفّي يَوْم عبد الْفطر سنة سبع عشرَة وَأَرْبع مئة. وَذكره الْحَاكِم - وَمَات قبله - فِي " تَارِيخه "، فَذكر تقدمه فِي كَثْرَة السماع، والرحلة فِي طلب الحَدِيث، وَأَنه سمع بنيسابور بعد الْخمسين وَالثَّلَاث مئة، ثمَّ أدْرك الإِمَام أَبَا بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأكْثر عَنهُ، وَأدْركَ بهراة الْأَسَانِيد الْعَالِيَة، وَسمع بالعراق، والحجاز، وَحدث بانتخاب الْحَاكِم عَلَيْهِ، وروى عَنهُ، وَالله أعلم. وَذكر أَبُو الْفضل الفلكي فِي " ألقابه " أَن كنيته أَبُو حَفْص، وَجعل أَبَا حَازِم من بَاب اللقب، وَقَالَ: إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الْكَثْرَة والمعرفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 248 - عمر بن مُحَمَّد [471 - 560] ابْن عِكْرِمَة الْجَزرِي، الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم ابْن البزري، بِفَتْح الْبَاء، وَسُكُون الزَّاي المنقوطة، ثمَّ رَاء مُهْملَة. قَالَ ابْن نقطة فِي " إِكْمَال الْإِكْمَال ": قَالَ ابْن شَافِع فِي " تَارِيخه ": جَاءَنَا الْخَبَر بِأَن الشَّيْخ الْفَقِيه أَبَا الْقَاسِم عمر بن مُحَمَّد بن عِكْرِمَة ابْن البزري الْجَزرِي الْعَلامَة، وَكَانَ قَارب التسعين سنة، وَكَانَ أحفظ من بَقِي فِي الدُّنْيَا - على مَا يُقَال - لمَذْهَب الشَّافِعِي، توفّي فِي ربيع الآخر، من سنة سِتِّينَ وَخمْس مئة، وَدفن بِبَلَدِهِ الجزيرة، وَمَا خَلفه مثله، وَله تلامذة كَثِيرُونَ، وَكَانَ صَاحب الشَّاشِي وَغَيره، وَالْغَالِب عَلَيْهِ الْمَذْهَب. تفقه على أبي الْغَنَائِم الْجَزرِي. الحديث: 248 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 249 - عمر بن مُحَمَّد [قبل 454 - 000] ابْن عمويه، أَبُو حَفْص السهروردي. قَالَ أَبُو طَاهِر السلَفِي: سَمِعت أَبَا حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن عمويه السهروردي بِبَغْدَاد يَقُول: توفّي الشَّيْخ فرج الْمَعْرُوف بأخي الزنجاني سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع مئةٍ، وقدمت إِلَيْهِ أَنا ابْن أَربع سِنِين، فألبسني الْخِرْقَة، فَأَنا مريده. قَالَ: وَتُوفِّي وَالِدي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، وَكَانَ قد بلغ من الْعُمر مئة وَعشْرين سنة. الحديث: 249 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 250 - عمر بن مُحَمَّد [000 - 345] ابْن مَسْعُود، أَبُو حَفْص الْفَقِيه الإسفرييني. تفقه عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي، وَسمع " الْمسند " من الْحسن بن سُفْيَان النسوي، وَسمع من أقرانه بخراسان، وبالعراق من أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وأقرانه، وَحدث. روى عَنهُ الْحَاكِم. وَكَانَ من الصَّالِحين، وجاور فِي مَسْجِد الْحسن بن يَعْقُوب من نيسابور بُرْهَة من دهره يورق، توفّي بإسفرايين سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة. ذكر ذَلِك الْحَاكِم أَبُو عبد الله، وَالله أعلم. الحديث: 250 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 بَاب الْفَاء 251 - فَارس بن الْحُسَيْن [401 - 491] ابْن فَارس بن الْحُسَيْن بن غَرِيب بن بشير السدُوسِي الذهلي، أَبُو شُجَاع الشهرزوري ثمَّ الْبَغْدَادِيّ. قَالَ أَبُو سعد: كَانَ شَيخا فَاضلا، صَالحا، ثِقَة، عَارِفًا باللغة وَالْأَدب، يَقُول الشّعْر، ويحفظ اللُّغَة، وَسمع الحَدِيث من: أبي عَليّ ابْن شَاذان، وَأبي الْقَاسِم ابْن بَشرَان، وَغَيرهمَا، وَكتب عَن جمَاعَة من أهل الْعلم واللغة. روى عَنهُ: القَاضِي أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ، وَعبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي، وَابْن نَاصِر، وَآخَرُونَ. الحديث: 251 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبع مئة، وَدفن فِي مَقْبرَة جَامع الْمَدِينَة، وَجَاوَزَ التسعين سنة رَحمَه الله. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: قَرَأت بِخَط أبي نصر ابْن المجلي: أَنْشدني أَبُو شُجَاع فَارس بن الْحُسَيْن اللّغَوِيّ، وَلم أر فِي أهل الْأَدَب أغزر دينا مِنْهُ: (تقضت لوعة الْقلب الولوع ... وَعَاد من النزاع إِلَى النُّزُوع) (وَأعْرض عَن هوى هِنْد ودعد ... ونظم الشّعْر فِي نعت الربوع) (رمى ذل المطامع حِين ألفى ... قتاعته أعز من القنوع ... (وأيقن أَن هَذَا الْمَوْت يَأْتِي ... فَيذْهب بالأصول وبالفروع) (أَلا يَا لَيْت شعري أَي أَرض ... ترَاهُ مضجعي وَبِه وقوعي) (وَأي يَد تنازعني وَمَالِي ... دفاع عِنْدهَا بيد المنوع) (فليت دمي يساعدني فأبكي ... على نَفسِي بِهِ بدل الدُّمُوع) أَحْسبهُ قَالَ: إِنَّهَا لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 252 - فَارس بن زَكَرِيَّا [000 - 000] ابْن حبيب، أَبُو أَحْمد. وَالِد أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس اللّغَوِيّ الهمذاني الرَّازِيّ صَاحب " الْمُجْمل ". كَانَ فَقِيها شافعياً لغوياً. قَرَأت بِخَط أبي زَكَرِيَّا ابْن مَنْدَه: وَأما أَبُو الْحُسَيْن فَكَانَ كأبيه فَقِيها شافعياً، ثمَّ انْتقل بأخره إِلَى مَذْهَب مَالك لَا قالياً وَلَا عايباً، بل لسَبَب طريف عَجِيب ينطوي على ذكره، مَا ذكره أَبُو الْقَاسِم الزنجاني الإِمَام الزَّاهِد من نبأ أبي الْحُسَيْن وحاله. ولد أَبُو الْحُسَيْن - فِيمَا ذكر شيرويه الْحَافِظ الهمذاني - بقزوين، وَنَشَأ بهمذان، وَأقَام بِالريِّ، وَبهَا توفّي فِي صفر سنة خمس وَتِسْعين وَثَلَاث مئة، وَذكر أَنه كَانَ يناظر فِي الْفِقْه وينصر مَذْهَب مَالك، ويناظر فِي الْكَلَام وينصر مَذْهَب أهل السّنة، وطريقته فِي النَّحْو طَريقَة الْكُوفِيّين، وَذكر أَنه سمع الحَدِيث من أبي بكر ابْن السّني، وَالطَّبَرَانِيّ، وَأبي الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْقطَّان، وَعبد الرَّحْمَن الْجلاب فِي آخَرين. وَحدث. روى عَنهُ أَبُو عبد الله ابْن التويي الْفَقِيه، وَأَبُو سهل ابْن زيرك فِي آخَرين. وَقَالَ الشَّافِعِي بن أبي سُلَيْمَان المقرىء: بَلغنِي أَن أَبَا الْحُسَيْن ابْن فَارس، لما كَانَ بقزوين، يصنف فِي كل لَيْلَة جُمُعَة كتابا، يَبِيعهُ يَوْم الْجُمُعَة قبل الصَّلَاة، وَيتَصَدَّق بِثمنِهِ، فَكَانَ هَذَا دأبه. الحديث: 252 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 253 - الْفضل بن أَحْمد [485 - 529] ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد، الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا بَلغنِي المسترشد بِاللَّه أَبُو مَنْصُور الْخَلِيفَة ابْن الْخُلَفَاء. وَهُوَ الَّذِي صنف أَبُو بكر الشَّاشِي كِتَابه " الْعُمْدَة " فِي الْفِقْه، وبلقبه اشْتهر الْكتاب، فَإِنَّهُ كَانَ يلقب حِينَئِذٍ، وَقبل الْخلَافَة، عُمْدَة الدُّنْيَا وَالدّين، وعدة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين. بُويِعَ بالخلافة آخر شهر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخمْس مئة، وَهُوَ ابْن سبع وَعشْرين سنة، لِأَن مولده سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ ذَا رَأْي، وَفضل، ومضاء، وهيبة، وشجاعة، أحيى رمائم الْخلَافَة، وَشد أَرْكَان الشَّرِيعَة، وَتوجه إِلَى حَضرته الحديث: 253 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 من كل قطر مطر، وَمن كل وَاد حاد، وَضبط أُمُور الْخلَافَة، ورتبها بِأَحْسَن تَرْتِيب، وَخرج من دَار الْخلَافَة غير مرّة إِلَى جِهَات خُولِفَ فِيهَا، مِنْهَا: الْحلَّة، والموصل، وَطَرِيق خُرَاسَان، وَكسر آخر مرّة مِنْهَا قَرِيبا من همذان، وَحمل أَسِيرًا إِلَى أذربيجان، وَاسْتشْهدَ بهَا بقتل طَائِفَة من الْمَلَاحِدَة الإسماعيلية فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَخمْس مئة بالمراغة، وَدفن بهَا رَضِي الله عَنهُ. وَرُوِيَ أَنه رأى فِي نَومه فِي الْأُسْبُوع الَّذِي اسْتشْهد فِيهِ، كَأَن على يَده حمامة مطوقة، فَأَتَاهُ آتٍ، وَقَالَ لَهُ: خلاصك فِي هَذَا، فَلَمَّا أصبح قصّ على ابْن سكينَة الإِمَام مَا رأى، فَقَالَ: يكون خيرا، ثمَّ قَالَ: مَا أولته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: بَيت أبي تَمام حَيْثُ يَقُول: (هن الْحمام فَإِن كسرت عيافة ... حاء الْحمام فَإِنَّهُنَّ حمام) وخلاصي فِي حمامي، وليت من يَأْتِي فيخلصني مِمَّا أَنا فِيهِ من الذل وَالْحَبْس، فَقتل بعد أَيَّام رَحمَه الله تَعَالَى. سمع الحَدِيث من أبي الْقَاسِم ابْن بَيَان الرزاز، وَعبد الْوَهَّاب بن هبة الله السيبي، وَقُرِئَ عَلَيْهِ لما خرج إِلَى الْحلَّة رَاكِبًا أَحَادِيث، روى عَنهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 وزيره أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن طراد الزَّيْنَبِي، وَغَيره. وَله شعر ونثر، وَحكى لَهُ فِي أول قصيدة: (أَنا الْأَشْقَر الْمَوْعُود بِي فِي الْمَلَاحِم ... وَمن يملك الدُّنْيَا بِغَيْر مُزَاحم) فِي كتاب " التَّبْيِين " لِابْنِ عَسَاكِر لَهُ أَشْيَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 بَاب الْقَاف 254 - الْقَاسِم بن جَعْفَر [322 - 414] ابْن عبد الْوَاحِد بن الْعَبَّاس بن عبد الْوَاحِد بن جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، القَاضِي أَبُو عمر الْهَاشِمِي الْبَصْرِيّ. قَالَ الْخَطِيب عَن القَاضِي أبي عمر: سمع عبد الغافر بن سَلامَة الْحِمصِي، وَمُحَمّد بن أَحْمد الْأَثْرَم، وَعلي بن إِسْحَاق المادرائي، وَأَبا عَليّ اللؤْلُؤِي، وَجَمَاعَة من أهل هَذِه الطَّبَقَة. قَالَ: وَكَانَ ثِقَة، أَمينا، ولي الْقَضَاء بِالْبَصْرَةِ، وَسمعت مِنْهُ بهَا " سنَن " أبي دَاوُد، وَغَيرهَا. وَحكى الْخَطِيب أَنه ولد فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَلَاث مئة وَمَات فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع عشرَة وَأَرْبع مئة. الحديث: 254 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 255 - الْقَاسِم بن عَليّ [446 - 516] أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ الحريري، بِالْحَاء الْمُهْملَة. صَاحب " المقامات الحريرية "، وترجمه هُوَ بِخَطِّهِ فِيمَا شاهدته فِي أَصله ب " مقامات أبي زيد السرُوجِي "، إنْشَاء فلَان. وَلَقَد بلغت بِهِ هَذِه " المقامات " أَعلَى المقامات، وأحلته من علو الذّكر الحديث: 255 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 وَبعد الصيت بأرفع الدَّرَجَات، وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب، وَذَلِكَ بَين من " مقاماته " فِي فتاوبه الَّتِي ضمنهَا المقامة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ مِنْهَا، ناسباً لَهَا إِلَى فَقِيه الْعَرَب، وَإِنَّمَا فَقِيه الْعَرَب عبارَة عَن عَالم الْعَرَب وَلَيْسَ عبارَة عَن شخص معِين، فَذكر من فَتَاوِيهِ قَالَ: أَيجوزُ بيع الْخلّ بِلَحْم الْجمل؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِلَحْم الْحمل، قَالَ الحريري: الْخلّ: ابْن الْمَخَاض، وَلَا يحل بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ سَوَاء كَانَ من جنسه أَو غير جنسه. وَقَالَ أَيْضا: قَالَ: مَا يجب على المختفي فِي الشَّرْع؟ قَالَ: الْقطع لإِقَامَة الردع، المختفي: نباش الْقُبُور. وَقَالَ: قَالَ: أينعقد نِكَاح لم يشهده القواري، قَالَ: لَا والخالق الْبَارِي: القواري: الشُّهُود، لأَنهم يقرونَ الْأَشْيَاء، أَي: يتبعونها. فَهَذِهِ أجوبة شَافِعِيّ لَيْسَ غير، لمُخَالفَة الأول لمَذْهَب أَحْمد، فَإِنَّهُ يجوز بِغَيْر الْجِنْس، وَالثَّانِي لمَذْهَب أبي حنيفَة، وَالثَّالِث لمَذْهَب مَالك (رضى الله عَنْهُم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 وَقد قَالَ فِي خاتمتها: فَقلت لَهُ: خفض الأحزان لَا تلم الزَّمَان، واشكره لمن فَتلك عَن مَذْهَب إِبْلِيس، إِلَى مَذْهَب ابْن إِدْرِيس. أَنبأَنَا أَبُو هَاشم، أخبرنَا أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ، أَنْشدني أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن الْقَاسِم الْبَصْرِيّ قَالَ: أَنْشدني وَالِدي لنَفسِهِ: (لَا تخطون إِلَى خطء وَلَا خطأ ... من بعد مَا الشيب فِي فوديك قد وَخطأ) (فَأَي عذر لمن شابت مفارقه ... إِذا جرى فِي ميادين الصِّبَا وخطا) قَالَ النواوي: قَوْله: فِي فوديك، هما تَثْنِيَة فود: بِفَتْح الْفَاء، وَإِسْكَان الْوَاو، بعْدهَا دَال مُهْملَة، وَهُوَ: مُعظم شعر الرَّأْس الَّذِي يَلِي الْأُذُنَيْنِ، وَيُقَال: وخطه الشيب، أَي: خالطه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 256 - قَاسم بن فيره [538 - 590] ابْن أبي الْقَاسِم خلف بن أَحْمد، الإِمَام الْعَلامَة الْحفظَة، أَبُو الْقَاسِم الرعيني الأندلسي الشاطبي الْمُقْرِئ الضَّرِير. وفيره: اسْم أعجمي، يُقَال تَفْسِيره: حَدِيد. كَانَ أحد الْقُرَّاء المجودين، وَالْعُلَمَاء الْمَشْهُورين، والصلحاء الورعين، صنف هَذِه القصيدة الَّتِي لم يسْبق إِلَى مثلهَا، وَلم يلْحق بِمَا يقاربها، وَقَرَأَ الحديث: 256 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 عَلَيْهِ الْأَعْيَان والأكابر، وَلم يكن بِمصْر فِي زَمَنه مثله فِي تعدد فنونه وَكَثْرَة محفوظه. ولد أَوَاخِر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة، وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الآخر سنة تسعين وَخمْس مئة، وَقيل: توفّي وَهُوَ ابْن خمس وَخمسين سنة رَحمَه الله. ألحقهُ النَّوَوِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 257 - قَاسم بن مُحَمَّد [000 - 277] ابْن قَاسم بن مُحَمَّد بن سيار، أَبُو مُحَمَّد مولى الْوَلِيد بن عبد الْملك. من قرطبة رَحل، فَسمع من: مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، والمزني، وَيُونُس، وَلزِمَ ابْن عبد الحكم للفقه والمناظرة، وَصَحبه، وَتحقّق بِهِ وبالمزني، فَذهب مَذْهَب الْحجَّة وَالنَّظَر، وَترك التَّقْلِيد، ويميل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي. وروى عَن أَبِيه مُحَمَّد قَالَ: قلت لأبي: يَا أبه، أوصني، فَقَالَ: أوصيك بِكِتَاب الله، فَلَا تنس حظك مِنْهُ، واقرأ كل يَوْم مِنْهُ جُزْءا، وَاجعَل ذَلِك عَلَيْك وَاجِبا، وَإِن أردْت أَن تَأْخُذ من الْأَمر بحظ - يَعْنِي الْفِقْه - فَخذ بِرَأْي الشَّافِعِي، فَإِنِّي رَأَيْته أقل خطأ. قَالَ أَبُو الْوَلِيد: لم يكن بالأندلس مثل قَاسم بن مُحَمَّد فِي حسن النّظر، وَالْبَصَر بِالْحجَّةِ. الحديث: 257 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 وَرُوِيَ عَن أبي عبد الرَّحْمَن بَقِي بن مخلد قَالَ: قَاسم بن مُحَمَّد أعلم من مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم. وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد ابْن عبد الحكم قَالَ: لم يقدم علينا من الأندلس أحد أعلم من قَاسم بن مُحَمَّد، وَلَقَد عاتبته فِي حِين انْصِرَافه إِلَى الأندلس، وَقلت لَهُ: أقِم عندنَا، فَإنَّك تعتقد هَا هُنَا رئاسة، وَيحْتَاج النَّاس إِلَيْك، فَقَالَ: لَا بُد لي من الوطن. ألف فِي " الرَّد على يحيى بن إِبْرَاهِيم بن مزين وَغَيره " كتابا نبيلاً يدل على علم، وَله كتاب فِي " خبر الْوَاحِد " شرِيف، وَكَانَ على وثائق الْأَمِير مُحَمَّد طول أَيَّامه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 توفّي سنة سبع وَسبعين ومئتين، وَقيل: سِتّ، وَقيل: ثَمَان. وَذكر أَبُو عَليّ الغساني الجياني الْحَافِظ، أَنه سمع الإِمَام أَبَا عمر ابْن عبد الْبر قَالَ: لم يكن أحد ببلدنا أفقه من قَاسم بن مُحَمَّد بن قَاسم، وَأبي عمر أَحْمد بن خَالِد الْجبَاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 بَاب الْمِيم 258 - مناور بن فزكوه [000 - 546] أَبُو مقَاتل الديلمي اليزدي، يلقب: عماد الدّين. ذكره صَاحب " الْإِلْحَاق " أَبُو حَامِد مَحْمُود التركي فِيمَا قرأته بِخَطِّهِ فِيهِ: أَنه كَانَ فَقِيها فَاضلا، وأديباً شَاعِرًا، قَالَ: رَأَيْت لَهُ تصانيف كَثِيرَة، وَذكر أَنه كَانَ من أزهد أهل عصره وأعلمهم، تفقه على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء، وَهُوَ من كبار تلامذته. مَاتَ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخمْس مئة. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: ذكر الظهير الْفَارِسِي أَبُو الْمَعَالِي عبد السَّلَام بن مَحْمُود الْفَقِيه الْمُتَكَلّم فِيمَا وجدته بِخَطِّهِ، أَنه أجَاز لَهُ جَمِيع مصنفات الإِمَام ابْن الْفراء بروايته لَهَا عَن الْمُؤلف رَحمَه الله، ونعته بِالْإِمَامِ الْكَبِير. الحديث: 258 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 259 - مَحْمُود بن الْحسن [000 - نَحْو 460] ابْن مُحَمَّد بن يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عِكْرِمَة بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ، أَبُو حَاتِم الطَّبَرِيّ الْمَعْرُوف بالقزويني. من أهل آمل طبرستان. قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي كِتَابه " طَبَقَات الْفُقَهَاء " قَالَ: تفقه بآمل ... إِلَى آخِره. الحديث: 259 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 260 - مَنْصُور بن مُحَمَّد [444 - 527] ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الطّيب بن عبد الله بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن أبي طَالب الْعلوِي الفاطمي الْعمريّ، أَبُو الْقَاسِم الْهَرَوِيّ (رضى الله عَنهُ) وَعَن أسلافه. قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: كَانَ جليل الْقدر، عَظِيم الْمنزلَة، فَقِيها، مناظراً، أحد الدهاة الأذكياء، حسن الْكَلَام، مليح المحاورة، عَارِفًا بالأمور الجليلة الدقيقة، من رجال الزَّمَان وأجلادهم، ونكته وكلماته سائرة، بَين النَّاس مَشْهُورَة، يتداولونها فِي المذاكرة. وَذكره أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ الْحَافِظ القَاضِي فِي " كِتَابه فِي فقهائنا " فَقَالَ: الحديث: 260 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 السَّيِّد الإِمَام أَبُو الْقَاسِم مَنْصُور بن مُحَمَّد الْعلوِي حرس الله عزه، الْيَوْم رَئِيس الْعلمَاء بهراة، ومقدمهم، فَقِيه، مدرس، مناظر حسن الْخلق، جميل الْعشْرَة ... كَانُوا صُدُور الْأَنَام، وزبدة الْكِرَام، وَأقَام على رسومهم فِي الْفضل والإفضال، ومقام أجداده فِي الرِّئَاسَة والسيادة، وكأنما قيل فِيهِ: (تالله مَا فقد الْحَيَاة وطيبها ... من كَانَ مثلك وَارِثا لمكانه) وَمَات القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ قبله بقريب من أَرْبَعِينَ سنة، وَسمع بهراة السَّيِّد جده لأمه قَاضِي الْقُضَاة أَبَا الْعَلَاء صاعداً حفيد أبي مَنْصُور الْأَزْدِيّ، وَغَيره، وبنيسابور الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي، وَغَيرهمَا وبغيرهما من الْبِلَاد. ولد فِي شهر ربيع الأول سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مئة، وَتُوفِّي بهَا فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وَخمْس مئة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 261 - الْمُوفق بن طَاهِر [000 - 000] من أَصْحَابنَا. من غَرَائِبه: حكى قولا غَرِيبا أَن الْجَرَاد من صيد الْبَحْر، لِأَنَّهُ يتَوَلَّد من رَوْث السّمك. ألحقهُ النواوي. الحديث: 261 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 262 - مَيْمُون بن سهل [000 - 428] أَبُو الطَّاهِر الوَاسِطِيّ من مذكوري تلامذة الإِمَام أبي الْقَاسِم الداركي. ذكره الْعَبَّادِيّ الإِمَام، وَله ذكر فِي غير مَوضِع من " يتيمة الدَّهْر فِي محَاسِن أهل الْعَصْر ".، وَله ذكر فِي " مشيخة " ابْن بشرى. الحديث: 262 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 بَاب النُّون 263 - نَاصِر الْعمريّ الشريف [000 - 444] من أَصْحَابنَا. ذكره صَاحب " الْبَيَان "، والرافعي. مِمَّا ألحقهُ النواوي. الحديث: 263 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 بَاب الْهَاء 264 - هَارُون بن مُحَمَّد [000 - 000] ابْن مُوسَى الْجُوَيْنِيّ الأزاذواري. الْفَقِيه، الأديب. قَالَ الْحَاكِم: سمع بنيسابور أَبَا عبد الله البوشنجي وأقرانه، وَكتب بِالريِّ وبغداد قبل الْعشْر وَالثَّلَاث مئة، وَكَانَ إِذا ورد الْبَلَد يَهْتَز مشايخها لوروده. روى عَنهُ الْحَاكِم. الحديث: 264 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 بَاب الْيَاء 265 - يحيى ابْن أَحْمد [000 - 383] ابْن مُحَمَّد، أَبُو عمر وَالْعدْل المخلدي، نسبه إِلَى جده. نيسابوري، كَانَ من مَشَايِخ أهل البيوتات، وَمن الْعباد الْمُجْتَهدين، وَمن قراء الْقُرْآن الْعَظِيم، وَكَانَ ختن يحيى بن مَنْصُور القَاضِي على ابْنَته، ورفيق أبي بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن مهْرَان الْمُقْرِئ فِي أَسْفَاره، وَكَانَ سماعهما مَعًا بالعراق وَالشَّام بعد الثَّلَاثِينَ. سمع بنيسابور: المؤمل الماسرجسي، والشرقيين، ومكياً، وأقرانهم وَحدث ب " التَّارِيخ " لأبي بكر ابْن أبي خَيْثَمَة، عَن شيخ، عَنهُ. توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة، ابْن ثَمَان وَسبعين. ذكر هَذَا كُله الْحَاكِم أَبُو عبد الله. الحديث: 265 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 266 - يحيى بن عَليّ [398 - 469] ابْن الطّيب، أَبُو طَالب الدسكري. 267 - يَعْقُوب بن إِسْحَاق [بعد 230 - 316] الْحَافِظ أَبُو عوَانَة الإِسْفِرَايِينِيّ. صَاحب " الْمسند ". وَقد سَمِعت بنيسابور أَحَادِيث " مُخْتَصر " الْمُزنِيّ، رِوَايَة أبي عوَانَة، عَنهُ، بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ الحديث: 266 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 سمع - على مَا حَكَاهُ الْحَاكِم - بخراسان: مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، وَمُسلم بن الْحجَّاج، وَابْن قهزاذ، وأقرانهم. وبالري: فضلك، وَأَبا زرْعَة، وَأَبا حَاتِم، وَابْن وارة، الْحفاظ، وَغَيرهم. وَسمع بِفَارِس، وبغداد، وَالْبَصْرَة، والكوفة، والحجاز. وبمصر: يُونُس، والمزني، وَمُحَمّد بن عبد الحكم، وَغَيرهم. وبالشام، وواسط والجزيرة، واليمن، وأصبهان، وجرجان، والأهواز خلقا يسئم تعدادهم. روى عَنهُ: الْأَهْوَازِي، وَيحيى بن مَنْصُور القَاضِي، وَأَبُو عَليّ الْحَافِظ، وَغَيرهم من الْمَشَايِخ. توفّي رَحمَه الله سنة سِتّ عشرَة وَثَلَاث مئة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 268 - يُوسُف بن يحيى [000 - 231] أَبُو يَعْقُوب الْبُوَيْطِيّ. وبويط من صَعِيد مصر الْأَدْنَى. قَالَ أَبُو سعيد حفيد يُونُس فِي " كِتَابه ": كَانَ متقشفاً، حمل من مصر فِي أَيَّام الْفِتْنَة والمحنة بِالْقُرْآنِ إِلَى الْعرَاق مَعَ من حمل من مَشَايِخ أهل مصر، فأرادوه على الْفِتْنَة فَامْتنعَ، فسجن بِبَغْدَاد، وَقيد وَكَانَ مسجوناً إِلَى أَن توفّي فِي السجْن والقيد بِبَغْدَاد، وَقد كتب شَيْئا كثيرا. قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم صَاحب أَحْمد: كُنَّا فِي مجْلِس الْبُوَيْطِيّ فَقَرَأَ علينا عَن الشَّافِعِي أَن التَّيَمُّم ضربتان، فَقلت لَهُ: قد ثَبت حَدِيث عمار بن ياسرٍ الحديث: 268 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 (رَضِي الله عَنهُ) ، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، أَن التَّيَمُّم ضَرْبَة وَاحِدَة، فحك من كِتَابه ضربتين، وصيره ضَرْبَة على حَدِيث عمار، وَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: إِذا رَأَيْتُمْ عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الثبت فاضربوا على قولي، وَارْجِعُوا إِلَى الحَدِيث، وخذوا بِهِ، فَإِنَّهُ قولي. وَرُوِيَ هَذَا الْحَافِظ أَبُو بكر بَان مرْدَوَيْه، وَهُوَ القَوْل الَّذِي حُكيَ عَن الْقَدِيم، ثمَّ إِن التَّيَمُّم للْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَحسب، فَاعْلَم، وَالله أعلم. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: الْبُوَيْطِيّ أحد الْعلمَاء الَّذين صَبَرُوا على الْبلَاء فِي محنة الْقُرْآن على قلتهم، فَإِنَّمَا هم: هُوَ، وَأحمد ابْن حَنْبَل، وَأحمد بن نصر الْخُزَاعِيّ، وَمُحَمّد بن نوح، ونعيم بن حَمَّاد، والأذرمي. وَمِمَّنْ لم يجب، وَلَكِن لم يبتل كابتلاء الْأَوَّلين: أَبُو نعيم ابْن دُكَيْن، وَعَفَّان، وَيحيى الْحمانِي، وَإِسْمَاعِيل ابْن أبي أويس، وَأَبُو مُصعب، المدنيان، فِي شرذمة قليلين. وَأجَاب عَامَّة من الْعلمَاء مكرهين كَأبي نصر التمار، وَابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن معِين، وَأبي خَيْثَمَة، تجَاوز الله عَنَّا وعنهم. قَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي فِي كِتَابه " شرح اخْتِلَاف الشَّافِعِي وَمَالك " رَضِي الله عَنْهُمَا: عَن الْبُوَيْطِيّ، قدم علينا الشَّافِعِي مصر، فَأكْثر الرَّد على مَالك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 فاتهمته وَبقيت متحيراً، فَكنت أَكثر الصَّلَاة وَالدُّعَاء رَجَاء أَن يريني الله الْحق مَعَ أَيهمَا، فَرَأَيْت فِي مَنَامِي أَن الْحق مَعَ الشَّافِعِي، فَذهب مَا كنت أَجِدهُ. قَالَ: فالبويطي مَشْهُور أَنه كَانَ يرى رَأْي مَالك قبل أَن يَقُول بقول الشَّافِعِي. وَذكر فِيهِ أَيْضا أَن الْمُزنِيّ كَانَ يرى رَأْي أهل الْعرَاق. وروى الصَّيْرَفِي، عَن أبي نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدي الإستراباذي، عَن الرّبيع، عَن الشَّافِعِي، عَن كتبه، وَذكر أَن الْبُوَيْطِيّ هُوَ الْقَائِل فِي كتاب " اختلافه وَمَالك ": سَأَلت الشَّافِعِي، وَقلت للشَّافِعِيّ، وَأَن الرّبيع رَوَاهُ من نسخته فاستثقل أَن يُغير مِنْهُ: سَأَلت وَقلت، وَقد رُوِيَ عَنهُ أَيْضا: سُئِلَ الشَّافِعِي. وَللشَّافِعِيّ كتاب " جماع الْعلم الْكَبِير " وَكتاب " جماع الْعلم الصَّغِير "، فِيمَا ذكره الَّذِي استنبطه الْإِسْمَاعِيلِيّ قد كَانَ فِي كِتَابه " الْمخْرج " على البُخَارِيّ فِي تَفْسِير قَوْله: " إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ ". وَقد ذكره الصَّيْرَفِي فِي كتاب " شرح اخْتِلَاف الحَدِيث "، فَلَا أَدْرِي وَقع الْحَافِر على الْحَافِر، أَو أَخذه عَنهُ، أَو أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ قد كَانَ بلغه ذَلِك قَدِيما عَن الصَّيْرَفِي أَو غَيره، ثمَّ أنسيته، ثمَّ خطر لَهُ ذَلِك، فَاعْتقد أَنه سبق باستنباطه، وَالله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 ذكر الصَّيْرَفِي عَن أَحْمد قَالَ: مَا أذكى الْبُوَيْطِيّ، دخل عَليّ فِي الْحَبْس وَلَكِن لَيْسَ لَهُ علم بِالْحَدِيثِ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ: الشَّافِعِي خطيب الْعلمَاء كَمَا أَن دَاوُد خطيب الْأَنْبِيَاء. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: و " مُخْتَصر " الْبُوَيْطِيّ رَوَاهُ الرّبيع عَن الشَّافِعِي، وأظن هَذَا أَو نَحوه هُوَ الَّذِي أوقع الْحَاكِم أَبَا عبد الله الْحَافِظ فِي أَن قَالَ: وَالَّذِي أرَاهُ الْحق مَا رَأَيْته عَن عَليّ بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي مطر القَاضِي الإسكندري قَالَ: صنف أَبُو يَعْقُوب الْبُوَيْطِيّ هَذَا الْكتاب، وقرأه على الشَّافِعِي - (رَضِي الله عَنهُ) - بِحَضْرَة الرّبيع بن سُلَيْمَان - رحمهمَا الله - فَحصل سَمَاعا للربيع، وَأخْبرنَا بِهِ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 684 بَاب الكنى أَبُو بكر الأودني: مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن بَصِير، سبق. أَبُو بكر الْحَازِمِي: مُحَمَّد بن مُوسَى، سبق. أَبُو حَاتِم الْقزْوِينِي: مَحْمُود بن الْحسن، سبق. أَبُو حَامِد المروروذي: اسْمه: أَحْمد بن بشر بن عَامر، سبق أَبُو الْحسن ابْن الْمَرْزُبَان: عَليّ بن أَحْمد بن الْمَرْزُبَان، سبق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 269 - أَبُو الْحُسَيْن الْقَزاز [000 - 000] من الْأُصُولِيِّينَ. رَأَيْت من تصنيفه فِي الأصولين قَالَ فِي مَسْأَلَة: هَل من شَرط الْإِيمَان الموافاة، وَهِي مَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِيمَان، أما الْكَافِر فَهَل يُوصف بالْكفْر قطعا أم يسْتَثْنى؟ حكى فِيهِ خلافًا بَين أَصْحَابنَا، وَأَن مِنْهُم من يقطع فِيهِ وَلَا يَسْتَثْنِي، بِخِلَاف الْمُؤمن، وَاخْتَارَ هُوَ أَنه لَا فرق، وَأَنه يُقَال: هُوَ كَافِر إِن شَاءَ الله، وَهَذِه مَسْأَلَة غَرِيبَة. الحديث: 269 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 270 - أَبُو حَيَّان التوحيدي [000 - نَحْو 400] من غَرَائِبه قَوْله فِي بعض رسائله: لَا رَبًّا فِي الزَّعْفَرَان. وَوَافَقَهُ القَاضِي أَبُو حَامِد، وَالصَّحِيح جَرَيَان الرِّبَا فِيهِ. الحديث: 270 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 271 - أَبُو خلف السّلمِيّ [000 - نَحْو 470] صحّح الْوَجْه الْقَائِل بِأَن الْغَارِم [فِي مَعْصِيّة] يُعْطي من الزَّكَاة إِذا تَابَ أَبُو زيد الْمروزِي: مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله، سبق. أَبُو سهل الصعلوكي: مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، سبق. أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي: عُثْمَان بن سعيد، سبق. أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ، اسْمه: الْحُسَيْن بن الْقَاسِم، سبق. الحديث: 271 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 272 - أَبُو المكارم القَاضِي [000 - 000] لَهُ مُصَنف سَمَّاهُ: كتاب " الْعدة ". ذكره الرَّافِعِيّ فِي بَاب النّفاس. ألحقهُ النواوي. الحديث: 272 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 273 - أَبُو مَنْصُور الأبيوردي [000 - 000] من أَصْحَابنَا. ذكره الرَّافِعِيّ فِي الحكم الثَّانِي من الْبَاب الأول من كتاب الصَدَاق، قَالَ: حكى القَاضِي ابْن كج - واسْمه: يُوسُف بن أَحْمد - فِي " شَرحه "، أَن أَبَا مَنْصُور الأبيوردي حكى عَن القَاضِي أبي حَامِد أَنه حكى وَجها كمذهب أبي حنيفَة أَن الْمَرْأَة إِذا سلمت نَفسهَا، فَوَطِئَهَا الزَّوْج، ثمَّ أَرَادَت الِامْتِنَاع من التَّمْكِين حَتَّى يسلم الصَدَاق إِلَيْهَا، فلهَا ذَلِك، وَالْمَشْهُور من مَذْهَبنَا أَنه لَيْسَ لَهَا ذَلِك. ألحقهُ النواوي. الحديث: 273 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 274 - أَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي [بعد 270 - 349] من غَرَائِبه: تجويزه الصَّلَاة على قبر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فُرَادَى ألحقهُ النواوي. الحديث: 274 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 بَاب النّسَب وَنَحْوه ابْن بري: عبد الله بن بري، سبق ابْن البزري: عمر بن مُحَمَّد بن عِكْرِمَة، سبق. ابْن الْخلّ: صَاحب " تَوْجِيه التَّنْبِيه "، هُوَ: مُحَمَّد بن الْمُبَارك سبق. ابْن عصرون: عبد الله بن مُحَمَّد هبة الله، سبق. ابْن اللبان: مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن، سبق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 275 - ابْن مِقْلَاص [000 - 000] عبد الْعَزِيز بن عمرَان بن مِقْلَاص حكى الرَّافِعِيّ عَن أبي عَاصِم وَآخَرين أَنهم نقلوا عَن رِوَايَة ابْن مِقْلَاص، عَن الشَّافِعِي - (رَضِي الله عَنهُ) - قولا أَنه يجوز بيع الْخبز الجاف المدقوق بِمثلِهِ، وَجعل إِمَام الْحَرَمَيْنِ رِوَايَة ابْن مِقْلَاص أَنه يجوز بيع الْحِنْطَة بالسويق، وجعلهما جِنْسَيْنِ. الحديث: 275 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 276 - ابْن يُونُس الْقزْوِينِي [000 - 000] من أَئِمَّة أَصْحَابنَا. ذكره الرَّافِعِيّ فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة. الْأَزْهَرِي: مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْأَزْهَر، سبق الشهرستاني: أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم، سبق الحديث: 276 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 277 - الكشفلي [000 - 000] من غَرَائِبه أَنه حكى نصا عَن الشَّافِعِي أَنه لَا يُبَاع الْمسكن وَالْخَادِم فِي مُؤنَة الْحَج وجوبا كالكفارة، بِخِلَاف الْمُفلس. المحاسبي، هُوَ: الْحَارِث بن أَسد، سبق. المَسْعُودِيّ: من أَصْحَابنَا، مُحَمَّد بن عبد الله بن مَسْعُود، سبق نظام الْملك الْوَزير، هُوَ أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق بن الْعَبَّاس، سبق. الحديث: 277 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 هَذَا آخر الْكتاب الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد سيد النَّبِيين وَخَاتم الْمُرْسلين، وعَلى آله، واصحابه، وأزواجه، وَذريته، وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. 1 - 1 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696