الكتاب: طبقات الشافعية الكبرى المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ) المحقق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة: الثانية، 1413هـ عدد الأجزاء: 10   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم] ---------- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي السبكي، تاج الدين الكتاب: طبقات الشافعية الكبرى المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ) المحقق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة: الثانية، 1413هـ عدد الأجزاء: 10   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونستهديه ونؤمن بِهِ ونتوكل عَلَيْهِ ونسأله الْخَيْر كُله ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده اللَّه فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدا عَبده وَرَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا حَدَّثَنَا أَبِي الشَّيْخُ الإِمَامُ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فِيمَا قَرَأَهُ عَلَيْنَا مِنْ لَفْظِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ السَّقَطِيِّ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَظِيمِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَاقَا إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُقَوِّمِيُّ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا ثُمَّ ظَهَرَ سَمَاعُهُ مِنْ بَعْدُ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ بَحْرٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهِ الْحَافِظُ حَدثنَا أَبُو بكر ابْن أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلانِيُّ قَالُوا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ح وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَشْعَرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمهتَارِ إِجَازَةً وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْعَطَّارِ سَمَاعًا عَلَى سَمَاعٍ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الصَّلاحِ أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْفُرَاوِيُّ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ الْحَافِظُ ح قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخَانِ أَبُو النَّجِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُثْمَانَ الْقَارِي وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ سَعِيدٍ الطَّبَرِيُّ الصَّرَّامُ بِنَيْسَابُورَ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسْعَدِ هِبَةُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْقُشَيْرِيُّ أَخْبَرَتْنَا جَدَّتِي الْحُرَّةُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الأُسْتَاذِ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الشَّيْخُ ابْن مَامُوَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ ح قُلْتُ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوهيُّ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ أَبِي الْجُودِ الْبَغْدَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي غَالِبِ بْنِ الْوَرَّاقِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ الْخَوَارَزْمِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ح قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ النَّيْسَابُورِيُّ فَقِيهُ نَيْسَابُورَ وَمُفْتِيهَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِهَا أَخْبَرَنَا أَبُو الأَسْعَدِ الْقُشَيْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحِميِد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم عبد الْملك ابْن الْحَسَنِ الإِسْفَرَايِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ إِنَّ يُوسُفَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمِصِّيصِيَّ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الطَّرَسُوسِيَّ وَأَبَا الْعَبَّاسِ الْغَزِّيَّ وَالْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثُونَا قَالُوا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوِيلٍ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ أَقْطَعُ هَذَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَلَفْظُ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ بِالْحَمْدِ للَّهِ أَقْطَعُ وَلَفْظُ الْبَغَوِيِّ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالْكُلُّ بِلَفْظِ أَقْطَعُ مِنْ غَيْرِ إِدْخَالِ الْفَاءِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ أَبِي تَوْبَةَ هُوَ الْحَلَبِيُّ قَالَ زَعَمَ الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ بِهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ يُونُسُ وَعُقَيْلٌ وَشُعَيْبٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وَرَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْوَلِيدِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ بِهِ وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ أَيْضًا عَنِ الْوَلِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَفَعَهُ مِثْلَهُ وَعَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مُرْسَلا وَاللَّفْظُ كُلُّ كَلامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ أَدْخَلَ الْفَاءَ فِي الْخَبَرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَقَدْ جَاءَ مَوْضِعَ كَلامٍ أَمْرٍ وَجَاءَ مَوْضِعَ أَقْطَعُ وَأَجْذَمُ أَبْتَرُ وَجَاءَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَاءَ مَوْضِعَ يُبْدَأُ يُفْتَحُ وَجَاءَ مَوْضِعَ الْحَمْدِ الذِّكْرِ وَجَاءَ مَوْضِعَ الْحَمْدِ أَيْضًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَسَنَسُوقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بَعْدَ الْكَلامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَنَقُولُ قَدْ أَخْرَجَ ابْنُ حَبَّانَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ إِحْدَاهُمَا قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد اللَّهِ أَقْطَعُ وَبَوَّبَ عَلَى هَذَا بِالإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنَ ابْتِدَاءِ الْحَمْدِ للَّهِ جَلَّ وَعَلا فِي أَوَائِلِ كَلامِهِ عِنْدَ بَغْيِهِ مَقَاصِدِهِ وَالثَّانِيَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ أَبُو عَلِيٍّ بِالرَّقَّةِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِهِ حَرْفًا حَرْفًا فَكَأَنَّ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَ بِهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَنِ ابْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ وَمَرَّةً عَنْ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ وَكِلاهُمَا حَدَّثَهُ بِهِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ وَبَوَّبَ أَبُو حَاتِمٍ عَلَى هَذَا بِالأَمْرِ لِلْمَرْءِ أَنْ تَكُونَ فَوَاتِحُ أَسْبَابِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ لِئَلا تَكُونَ أَسْبَابُهُ بَتْرًا وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْمُغَايَرَةِ لاسِيَّمَا وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ أَبْتَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 بَلْ أَقْطَعُ كَمَا هُوَ فِي اللَّفْظِ الأَوَّلِ وَلَئِنِ ادَّعَى أَبُو حَاتِمٍ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الأَسْبَابِ وَالْكَلامِ وَقَالَ ذَكَرْنَا الطَّرِيقَ الأُولَى لِلدَّلالَةِ عَلَى افْتِتَاحِ الْكَلامِ بِالْحَمْدِ للَّهِ وَالثَّانِيَةَ لِلدَّلالَةِ عَلَى افْتِتَاحِ الأَسْبَابِ بِهَا نُقِلُّ لَهُ الْكَلامَ لِبَغْيِهِ الْمَقَاصِدِ مِنْ جُمْلَةِ الأَسْبَابِ وَهَبْ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ فَإِنْ دَلَّ عَلَى الأَمْرَيْنِ فَاعْقَدْ لَهُمَا بَابًا وَاحِدًا وَمَا أَرَاهُ إِلا عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْثِيرِ الأَنْوَاعِ فَكَأَنَّهُ قَصَدَ بِالأَوَّلِ وَهُوَ الْكَلامُ الأَقْوَالَ وَبِالثَّانِي وَهُوَ الأَسْبَابُ الأَفْعَالَ وَلا طَائِلَ تَحْتَ هَذَا وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدِ افْتَتَحَ هَذَا بِالأَمْرِ لِلْمَرْءِ وَذَاكَ بِالإِخْبَارِ لَهُ وَالأَمْرُ غَيْرُ الْخَبَرِ لأَنَّ الأَمْرَ إِنْشَاءٌ وَهُوَ قَسِيمٌ لِلْخَبَرِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ ذِكْرُ الإِخْبَارِ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ فَاسْتَوَيَا ثُمَّ هَبْ أَنَّ الْحَالَ كَمَا زَعَمْتَ فَالدَّالُّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ غَيْرَ مَا أَحْسَبُ مِنْ أَنَّهُ قَصَدَ التَّنْوِيعَ إِلَى أَلْفَاظٍ وَأَفْعَالٍ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَضَى ابْنُ الصَّلاحِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ دُونَ الصَّحِيحِ وَفَوْقَ الضَّعِيفِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ سِوَى قُرَّةَ قَالَ فَإِنَّهُ مِمَّنِ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالتَّخْرِيجِ لَهُ وَأَنا أَقُول لم يخرج لَهُ مُسلم إِلَّا فِي الشواهد مَقْرُونا بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهَا حكم الْأُصُول وَإِنَّمَا خرج لَهُ الْأَرْبَعَة أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وأدعي مَعَ ذَلِك أَن الحَدِيث صَحِيح كَمَا ادَّعَاهُ هَذَانِ الحبران ابْن حبَان وَابْن البيع فَإِن قلت فَمَا حَال قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن عنْدكُمْ قلت هُوَ عِنْدِي فِي الزُّهْرِيّ ثِقَة ثَبت فقد قَالَ الْأَوْزَاعِيّ مَا أحد أعلم بالزهري مِنْهُ وَقَالَ يزِيد بْن السمط أعلم النَّاس بالزهري قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن ونازعه أَبُو حَاتِم فَقَالَ هَذَا الَّذِي قَالَه يزِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 لَيْسَ بِشَيْء يحكم بِهِ عَلَى الْإِطْلَاق وَكَيف يكون قُرَّة أعلم النَّاس بالزهري وكل شَيْء رَوَى عَنهُ نَحْو سِتِّينَ حَدِيثا بل أتقن النَّاس فِي الزُّهْرِيّ مَالك وَمعمر وَيُونُس والزبيدي وَعقيل وَابْن علية هَؤُلَاءِ السِّتَّة أهل الْحِفْظ والإتقان والضبط والمذاكرة وبهم يعْتَبر حَدِيث الزُّهْرِيّ قلت لَا شكّ أَن هَؤُلَاءِ أرجح من قُرَّة حفظا وضبطا لَكِن لَا عَلَى الْإِطْلَاق فقد يكون لقرة خُصُوصِيَّة زَائِدَة بالزهري وَإِلَّا فَهَذَا الْأَوْزَاعِيّ إِمَام أهل الشَّام كَلَامه يُؤَيّد كَلَام يزِيد بْن السمط ثمَّ أَنا لَا أَدعِي أَنه أرجح مِنْهُم فِي الزُّهْرِيّ وَإِنَّمَا أَقُول إِنَّه عَارِف بالزهري غير مُتَّهم فِيهِ وَلَيْسَ فِي كَلَام أَبِي حَاتِم مَا يدْرَأ ذَلِك بل ذكره إِيَّاه فِي كتاب الثِّقَات مَعَ مَا حَكَاهُ مِمَّا يدل عَلَى تبجيله وَإِن لم يُوَافق عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاق دَلِيل عَلَى مَا أدعيه وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو أَحْمَد ابْن عدي رَوَى الْأَوْزَاعِيّ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بضعَة عشر حَدِيثا ولقرة أَحَادِيث صَالِحَة وَلم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ فَإِن قلت فقد قَالَ ابْن معِين إِنَّه ضَعِيف وَقَالَ أَحْمَد مُنكر الحَدِيث جدا وَقَالَ أَبُو زرْعَة الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا مَنَاكِير وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ لَيْسَ بِقَوي وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي أَحَادِيثه نَكَارَة قلت هَذَا الْجرْح إِن قبل فَلَا أقبله فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ وَلَئِن قبلته فِيهِ فَلَا أقبله فِي هَذَا الحَدِيث مِنْهُ فلحديث قُرَّة عِنْدِي دَرَجَات أدناها حَدِيثه عَن غير الزُّهْرِيّ كحديثه عَن عَطاء بْن أَبِي رَبَاح وَمَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر وكحديثه عَن حبيب بْن أَبِي ثَابت وأعلا مِنْهَا حَدِيثه عَنِ الزُّهْرِيِّ لما عرفت من خصوصيته بِهِ لَا سِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 مَا حدث بِهِ عَنهُ الْأَئِمَّة مثل الْأَوْزَاعِيّ إِمَام أهل الشَّام وَاللَّيْث بْن سعد إِمَام أهل مصر وأعلا مِنْهَا هَذَا الحَدِيث بِخُصُوصِهِ فَهُوَ من أثبت أَحَادِيثه عَنِ الزُّهْرِيِّ لِأَنَّهُ انْضَمَّ إِلَى تحديث الْأَوْزَاعِيّ بِهِ عَنهُ وقبوله إِيَّاه مِنْهُ أَنه أَعنِي الْأَوْزَاعِيّ حدث بِهِ أَيْضًا عَن شَيْخه الزُّهْرِيّ وَأَن قُرَّة توبع عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قلت إِنَّه من أثبت أَحَادِيثه عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلم أقل إِنَّه أثبت أَحَادِيثه مُطلقًا لاحْتِمَال أَن يكون لَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدِيث حصل فِيهِ مثل مَا حصل فِي هَذَا من الْمُتَابَعَة وَغَيرهَا فَأَما تحديث الْأَوْزَاعِيّ بِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِن مُحَمَّد بْن كثير رَوَاهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ لم يذكر قُرَّة قلت وَكَذَلِكَ حدث بِهِ خَارِجَة بْن مُصعب عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة لم يذكر قُرَّة أَيْضًا حَدَّثَ بِهِ عَنْ خَارِجَةَ الْحَافِظُ عِيسَى بْنُ مُوسَى غُنْجَارُ فِيمَا أخبرنَا بِهِ أَحْمد بن عَليّ ابْن الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَنْبَلِيُّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ إِذْنًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَكِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلِيلِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا عِصْمَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الْبِيكَنْدِيُّ بِبُخَارَى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَمَّارٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْبُخَارِيَّانِ قَالا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مُوسَى غُنْجَارُ حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ كَلامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُبشر بن إِسْمَاعِيل عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ وَقَالَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْطَعُ وَذَلِكَ فِيمَا أَنْبَأَنَاهُ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْقُضَاعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ شَبِيبٍ الْحَرَّانِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد ابْن حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ بِدِمَشْقَ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَكْفَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْوَرَّاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَرْدَعِيُّ قَالا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عمرَان حَدثنَا مُحَمَّد ابْن صَالِحٍ الْبَصْرِيُّ بِهَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ شَرِيكٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِيُّ حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ فَإِن قلت إِذا كَانَ الْأَوْزَاعِيّ يرويهِ تَارَة عَنْ قُرَّةَ وَتارَة عَن شيخ قُرَّة فَهَذَا اضْطِرَاب فِي حَدِيثه قلت الْأَوْزَاعِيّ أجل من أَن ينْسب حَدِيثه إِلَى الِاضْطِرَاب وَلَو كَانَ ثمَّ اضْطِرَاب لجعلنا الْحمل فِيهِ عَلَى الروَاة عَنهُ لَا عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أَقُول لَا اضْطِرَاب فَإِنَّهُ لَا مَانع أَن يرْوى الحَدِيث تَارَة عَن وَاحِد وَتارَة عَن شيخ ذَلِك الْوَاحِد إِذا كَانَ قد سَمعه مِنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَلَا سِيمَا عِنْد اخْتِلَاف اللَّفْظ وَذَلِكَ مَوْجُود فِي رِوَايَة مُبشر بْن إِسْمَاعِيل عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ جعل الْبَسْمَلَة مَوضِع الحمدلة فَلَعَلَّهُ سَمعه من قُرَّة عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظ الحمدلة وسَمعه هُوَ من الزُّهْرِيّ بِلَفْظ الْبَسْمَلَة وَبِتَقْدِير اتِّحَاد اللَّفْظ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن كثير وخارجة بْن مُصعب عَنِ الْأَوْزَاعِيّ فَلَا بدع فِي رِوَايَته لحَدِيث عَن وَاحِد وَعَن شَيْخه كَمَا عرفناك وكما يجوز أَن يسمعهُ من شيخين فَيقْتَصر مرّة عَلَى ذكر أَحدهمَا وَأُخْرَى عَلَى ذكر الآخر وَقد فعل ابْن حبَان ذَلِك فِي صَحِيحِهِ فِي هَذَا الحَدِيث كَمَا أريناك أَنه رَوَاهُ مرّة من طَرِيق ابْن أَبِي الْعشْرين وَأُخْرَى من طَرِيق شُعَيْب بْن إِسْحَاق وَكِلَاهُمَا حدث هشاما بِهِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ وَأما بَيَان أَن قُرَّة قد توبع عَلَيْهِ فقد تَابعه يُونُس بْن يزِيد فرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَوْزَاعِيّ نَفسه فَحدث بِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سبق ومُحَمَّد بْن الْوَلِيد الزبيدِيّ فرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن ابْن كَعْب بْن مَالك عَن أَبِيه كَمَا سَيَأْتِي وَأَنا لَا أَقُول إِن السندين إِلَى يُونُس بْن يزِيد وَإِلَى الْأَوْزَاعِيّ عَنِ الزُّهْرِيِّ صَحِيحَانِ وَلَكِنِّي أَقُول يُقَوي بهما حَدِيث قُرَّة وَقد لَا ينتهض الشَّيْء حجَّة بمفرده وينتهض مقويا وَمُرَجِّحًا لاسيما عِنْد انضمام غَيره إِلَيْهِ وَأَقُول أَيْضًا إِن من أرسل يعضد من سَنَد لعدم التَّنَافِي بَين الْإِرْسَال والإسناد وَقد أرْسلهُ عقيل فرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلا وقدمناه نَحن من كَلَام النَّسَائِيّ فَإِنَّهُ أخرجه عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن عقيل عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلا كَمَا عرفناك وَاللَّفْظ فَهُوَ أَجْذم وَعقيل أحد السِّتَّة الْأَثْبَات عَنِ الزُّهْرِيِّ الَّذين ذكرهم ابْن حبَان وأرسله أَيْضًا يُونُس بْن يزِيد وَشُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة وَسَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز كَمَا حكيناه عَن أَبِي دَاوُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 بل رَوَى من حَدِيث صَحَابِيّ آخر بطرِيق أُخْرَى فَأَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَنْبَلِيَّ أَخْبَرَهُ بِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا مُحَمَّدٍ الرُّهَاوِيَّ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَدِّبُ أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ الْعَلَوِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ رِيذَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هُوَ الطَّبَرَانِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدثنَا صَدَقَة بن عبد الله عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ أَقْطَعُ فَإِنْ قُلْتَ لَقَدْ وَقَعَ الاضْطِرَابُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَنَدًا وَمَتْنًا أَمَّا سَنَدًا فَالزُّهْرِيُّ تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَارَةً عَنِ ابْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ كَمَا رَأَيْتُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ يُقَالُ لَهُ الْوَصِيفُ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَتَارَةً يَرْوِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ وَتَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ يَحْيَى فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيرَازِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ الأَلْقَابِ فِيمَا أَنْبَأَنِيهِ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ شَبِيبٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بن شَيْخِنَا الْحَافِظُ أَبِي الْعَلاءِ الْهَمَذَانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَكِّيٍّ الشّعارُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْبَيِّعُ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْمَأْمُونِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشِّيرَازِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُفْلِحٍ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَنَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ جَابر الْبَزَّار حَدثنَا ابْن كثير يَعْنِي مُحَمَّد الْمِصِّيصِيَّ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله أقطع وَأَمَّا الْمَتْنُ فَفِي لَفْظٍ كُلُّ كَلامٍ وَفِي آخَرَ كُلُّ أَمْرٍ وَالأَمْرُ أَعَمُّ مِنَ الْكَلامِ لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِعْلا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} أَيْ وَمَا فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمر} أَيِ الْفِعْلِ وَفِي لَفْظٍ بِحَمْدِ اللَّهِ وَبِالْحَمْدِ وَفِي آخَرَ الْحَمْدِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْبَأَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي عَنِ السِّلَفِيِّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَكِّيُّ الْقَزْوِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَرِيرِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْمُوَقَّرِ بِهَمَذَانَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الطَّيَّانُ الأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ الشَّامِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ كَلامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْد الله وَالصَّلَاة عَليّ فهوأقطع أَبْتَرُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ وَفِي ثَالِثٍ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَفِي رَابِعٍ بِذِكْرِ اللَّهِ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْنِدُ إِذْنًا خَاصًّا أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّصَافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن مُحَمَّد ابْن عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُذْهِبِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حمدَان أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد حَدثنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ قَالَ أَقْطَعُ وَفِي لَفْظٍ وَصَفَ الْكَلامَ أَوِ الأَمْرَ بِأَنَّهُ ذُو بَالٍ وَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي آخَرَ لَمْ يَقُلْ ذِي بَالٍ كَمَا سُقْنَاهُ فِي رِوَايَةِ غُنْجَارَ وَفِي لَفْظٍ فَهُوَ بِدُخُولِ الْفَاءِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ وَخَبَرُهُ خَبَرٌ عَنِ الْمَبْتَدَأِ الأَوَّلِ وَهُوَ كُلُّ وَالْخَبَرُ جُمْلَةٌ وَفِي آخَرَ بِدُونِ الْفَاءِ وَالْخَبَرُ مُفْرَدٌ وَفِي لَفْظٍ أَقْطَعُ وَفِي آخَرَ أَبْتَرُ وَفِي ثَالِثٍ أَجْذَمُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِي رَابِعٍ الْجَمْعُ بَيْنَ أَقْطَعُ وأَبتر وَزِيَادَةُ مَمْحُوقٌ مِنْ كُلِّ بَرَكَةٍ كَمَا رَأَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ قُلْتُ لَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الاخْتِلافَاتِ لاحْتِمَالِ سَمَاعِ الزُّهْرِيِّ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنَ ابْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ إِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ كَعْبٍ وَهِيَ تُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الأُولَى وَتُعَضِّدُهَا وَيَكُونُ قَدْ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَ بِهِ عَنْهُ صَحَابِيَّانِ كَعْبٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَمَّا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ تَارَةً وَعَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ أُخْرَى فَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلامَ عَلَيْهِ وَأما الْأَوْزَاعِيّ عَن يَحْيَى فقد خَفِي عَلَى الْحَافِظ عَبْد الْقَادِر الرهاوي حَاله فَقَالَ كَذَا كَانَ فِي أصل أَبِي يُوسُف الْوراق قَرَأَهُ عَلَيْنَا بِلَفْظِهِ من أصل كِتَابه قلت ظن بعض الْمُحدثين أَنه يَحْيَى بْن أَبِي كثير أحد الْأَئِمَّة من شُيُوخ الْأَوْزَاعِيّ قلت وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ عاضدا قَوِيا وَيكون الْأَوْزَاعِيّ قد سَمعه من قُرَّة عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمن يَحْيَى بْن أَبِي كثير عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيكون ابْن أَبِي كثير حِينَئِذٍ قد تَابع قُرَّة عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا تَابع قُرَّة عقيل فلئن ثَبت جَمِيع مَا ذكره يكون كَعْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 قد تَابع أَبَا هُرَيْرَةَ وَابْن أَبِي كثير قد تَابع الزُّهْرِيّ وَعقيل قد تَابع قُرَّة وَلَكِن لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِن يَحْيَى الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن وَيحيى اسْمه قَالَ ابْن حبَان كَانَ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش يَقُول إِن اسْمه يَحْيَى وقرة لقب سَمِعت الْفضل بْن مُحَمَّد الْعَطَّار بأنطاكية يحكيه عَن عَبْد الْوَهَّاب بْن الضَّحَّاك عَنهُ قَالَ ابْن حبَان وَهَذَا شَيْء يشبه لَا شَيْء لِأَن عَبْد الْوَهَّاب واه وَلم يكن هَذَا الشَّأْن من صناعته فَيرجع إِلَيْهِ فِيمَا يحكيه عَنهُ قلت وَالْأَظْهَر عِنْدِي أَن الْأَمر كَمَا زعم عَبْد الْوَهَّاب وَلَو كَانَ هَذَا الحَدِيث عِنْد يَحْيَى بْن أَبِي كثير لما خَفِي عَلَى الْحفاظ وَلما انْفَرد الْأَوْزَاعِيّ بروايته عَنهُ وَلما كَانَ يتْركهُ فِي الْغَالِب من أمره وَيذكر قُرَّة وَأما تغاير الْأَمر وَالْكَلَام فَصَحِيح غير أَنه قد يوضع الْأَخَص مَوضِع الْأَعَمّ بل أَقُول إِن بَينهمَا عُمُوما وخصوصا من وَجه فَالْكَلَام قد يكون أمرا وَقد يكون نهيا وَقد يكون خَبرا وَالْأَمر قد يكون فعلا وَقد يكون قولا وَالْأَمر فِي هَذَا قريب وَأما ذكر ذِي بَال فِي بعض الْأَلْفَاظ دون بعض فالأثبت سندا إِثْبَاتهَا غير أَنِّي أَقُول قد يَقُول الْقَائِل إِن لم يفتح بِالْحَمْد لَا يكون ذَا بَال وَهَذَا سُؤال يطْرق من أثبت هَذِهِ الزِّيَادَة فَيُقَال لَهُ كَيفَ يكون ذَا بَال وَهُوَ غير مبدوء بِالْحَمْد دون من لم يوردها وَجَوَاب من أثبتها أَن الْمَعْنى بِكَوْنِهِ ذَا بَال أَنه مهتم بِهِ معني بِحَالهِ ملقى إِلَيْهِ بَال صَاحبه فَإِذا كَانَ بِهَذِهِ المثابة وَلم يفْتَتح بِالْحَمْد كَانَ أقطع لَا يفِيدهُ إِلْقَاء البال واعتناء الرِّجَال شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 فَإِن قلت فَمَا لم يلق إِلَيْهِ البال إِذا لم يفْتَتح بِالْحَمْد مَا حَاله أَيكُون أقطع عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة أم لَا قلت يكون أقطع من بَاب أولى فَهَذِهِ الزِّيَادَة تنبه عَلَيْهِ من بَاب التَّنْبِيه بالأدنى عَلَى الْأَعْلَى وَأما يفتح ويبْدَأ فَسَوَاء فِي الْمَعْنى وَأما الْحَمد والْبَسْمَلَة فَجَائِز أَن يَعْنِي بهما مَا هُوَ الْأَعَمّ مِنْهُمَا وَهُوَ ذكر اللَّه وَالثنَاء عَلَيْهِ عَلَى الْجُمْلَة إِمَّا بِصِيغَة الْحَمد أَو غَيرهَا وَيدل عَلَى ذَلِك رِوَايَة ذكر اللَّه وَحِينَئِذٍ فَالْحَمْد وَالذكر والبسملة سَوَاء وَجَائِز أَن يَعْنِي خُصُوص الْحَمد وخصوص الْبَسْمَلَة وَحِينَئِذٍ فرواية الذّكر أَعم فَيقْضى لَهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لِأَن الْمُطلق إِذا قيد بقيدين متنافيين لم يحمل عَلَى وَاحِد مِنْهُمَا وَيرجع إِلَى أصل الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن خُصُوص الْحَمد والبسملة متنافيان لِأَن الْبدَاءَة إِنَّمَا تكون بِوَاحِد وَلَو وَقع الِابْتِدَاء بِالْحَمْد لما وَقع بالبسملة وَعَكسه وَيدل عَلَى أَن المُرَاد الذّكر فَتكون رِوَايَته هِيَ الْمُعْتَبرَة أَن غَالب الْأَعْمَال الشَّرْعِيَّة غير مفتتحة بِالْحَمْد كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مفتتحة بِالتَّكْبِيرِ وَالْحج وَغير ذَلِك فَإِن قلت لَكِن رِوَايَة بِحَمْد اللَّه أثبت من رِوَايَة بِذكر اللَّه قلت صَحِيح وَلَكِن لم قلت إِن الْمَقْصُود بِحَمْد اللَّه خُصُوص لفظ الْحَمد وَلم لَا يكون المُرَاد مَا هُوَ أَعم من لفظ الْحَمد والبسملة وَيدل عَلَى ذَلِك مَا ذكرت لَك من الْأَعْمَال الشَّرْعِيَّة الَّتِي لم يشرع الشَّارِع افتتحاها بِالْحَمْد بِخُصُوصِهِ وَيدل عَلَيْهِ أَيْضًا أَنه ورد بِالْحَمْد وبِحَمْد اللَّه وَالْحَمْد إِذا أطلق يُرَاد الْأَعَمّ من خصوصه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 كَمَا يَقُول سُورَة الْحَمد وَيَعْنِي الْفَاتِحَة وَهِي مُشْتَمِلَة عَلَى لفظ الْحَمد وَغَيره وَأما دُخُول الْفَاء فِي خبر هَذَا الْمُبْتَدَأ مَعَ عدم اشتماله عَلَى وَاقع موقع الشَّرْط أَو نَحوه مَوْصُولا بظرف أَو شبهه أَو فعل صَالح للشرطية فوجهه أَن الْمُبْتَدَأ وَهُوَ كل أضيف إِلَى مَوْصُوف بِغَيْر ظرف وَلَا جَار ومجرور وَلَا فعل صَالح للشرطية وَحِينَئِذٍ يجوز دُخُول الْفَاء عَلَى حد قَول الشَّاعِر (كل أَمر مباعد أَو مدان ... فمنوط بحكمة المتعال) وَقد أضيف الْمُبْتَدَأ فِي الحَدِيث وَهُوَ كل إِلَى مَوْصُوف بمفرد وَهُوَ ذِي بَال وَجُمْلَة وَهُوَ لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد اللَّه فِي رِوَايَة من جمع بَينهمَا وَأما أقطع وأَبتر وأَجْذم فمعانيها إِن لم تتحد فَهِيَ مُتَقَارِبَة فَلَعَلَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كل وَاحِدَة مرّة أَو لَعَلَّ الرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى وَأما زِيَادَة الصَّلَاة وَزِيَادَة ممحوق من كل بركَة فَإِن صَحا لم يضر غير أَن سندهما لَا يثبت فَإِن قلت هَل يحكم للْحَدِيث بِالرَّفْع مَعَ أَن الْأَثْبَات البزل عَنِ الزُّهْرِيِّ وهم يُونُس بْن يزِيد وَعقيل بْن خَالِد وَشُعَيْب بن أبي جَمْرَة وَسَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز إِنَّمَا رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلا وَلَو أَن وَاحِدًا من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة عَارض قُرَّة لحكم لَهُ عَلَى قُرَّة فَمَا ظَنك باجتماعهم وَمن أجل ذَلِك قَالَ جهبذ الْعِلَل والحافظ الْجَبَل أَبُو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ إِن الصَّحِيح عَنِ الزُّهْرِيِّ الْمُرْسل قلت لَو أَن بَين الْإِسْنَاد والإرسال مُعَارضَة لقضيت لهَؤُلَاء عَلَى قُرَّة وَلَكِن لَا تنافى بَينهمَا وَلَا مُعَارضَة والْحَدِيث إِذا أسْند مرّة وَأرْسل أُخْرَى فَالْحكم للإسناد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وَلذَلِك حكم إِمَام الصِّنَاعَة ومقدم الْجَمَاعَة أَبُو عَبْد اللَّه البُخَارِيّ لإسناد إِسْرَائِيل بْن يُونُس عَن جده أَبِي إِسْحَاق السبيعِي عَن أَبِي بردة عَن أَبِيه أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيث لَا نِكَاح إِلَى بولِي عَلَى إرْسَال سُفْيَان وَشعْبَة وهما من هما فِي الْحِفْظ والإتقان وعلو الشَّأْن عَن أَبِي إِسْحَاق عَن أَبِي بردة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلا وَأقسم بِمن فاوت بَين مقدارهم لنسبة إِسْرَائِيل إِلَيْهِمَا أبعد من نِسْبَة قُرَّة إِلَى الْأَرْبَعَة وَكَيف وقرة فِيمَا ذكر أعلم النَّاس بالزهري وَقد توبع فِي هَذَا الحَدِيث وَشَيْخه الزُّهْرِيّ كَانَ كثير الْإِرْسَال ثمَّ كَانَ يفصح بِالْإِسْنَادِ بعد الْإِرْسَال بل رُبمَا أرسل ثمَّ أفْصح بِإِسْنَاد لَا يقبل من أجل ذَلِك أهْدر الإِمَام المطلبي مُرْسَلاته وَذكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مِثَال عوارها حَدِيثه فِي الضحك فِي الصَّلَاة مُرْسَلا ثمَّ وجدانه إِيَّاه إِنَّمَا رَوَاهُ عَن سُلَيْمَان بْن أَرقم وَسليمَان بْن أَرقم ضَعِيف ثمَّ قَالَ يَقُولُونَ يحابي وَلَو حابينا لحابينا الزُّهْرِيّ وإرسال الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِشَيْء وَذَاكَ أَنا نجده يرْوى عَن سُلَيْمَان بْن أَرقم انْتهى قلت وَإِنَّمَا رد إرْسَاله عِنْد الْإِطْلَاق لاحْتِمَال أَن يكون طوى ذكر من لَو أفْصح بِهِ لرددناه كَمَا فعل فِي حَدِيث الضحك فَإِنَّهُ طوى ذكر سُلَيْمَان وَهُوَ ضَعِيف أما إِذا تبين أَنه طوى ذكر ثِقَة كَمَا فِي حَدِيث الْحَمد فَلَا يرتاب فِي قبُوله فَإِنَّهُ بَين بِرِوَايَة قُرَّة أَن المطوي ذكره أَبُو سَلمَة وَهُوَ ثِقَة الثِّقَات فلئن أرْسلهُ الْحَافِظ الْجَبَل فَلَقَد أسْندهُ الإِمَام الْأَجَل أَعنِي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَأَقُول أَيْضًا إِن الْأَخْذ بِالْإِسْنَادِ هُنَا أولى مِنْهُ فِي حَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي من وَجْهَيْن حَدِيثي وفقهي أما الحديثي فَإِن رَاوِي الْإِسْنَاد عَنْ قُرَّةَ إِمَام كَبِير وَهُوَ الْأَوْزَاعِيّ فالأكثر فِي الرِّوَايَة عَنهُ الْإِسْنَاد وَرِوَايَة الْإِرْسَال عَنهُ قَليلَة وَأما الفقهي فَإِن الْحَمد حَدِيث فِي فَضَائِل الْأَعْمَال فَكَانَ قبُوله أقرب من حَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي لما يتَعَيَّن من مزِيد الِاحْتِيَاط فِي ذَلِك هَذَا مُنْتَهى الْكَلَام عَلَى الحَدِيث وَلَا ريب فِي أَنه بعد ثُبُوت صِحَّته وَرَفعه مُسْندًا غير بَالغ مبلغ الْأَحَادِيث الْمُتَّفق عَلَى أَنَّهَا مُسندَة صَحِيحَة وَلَكِن للصحيح مَرَاتِب فَإِن قلت إِذا كَانَ كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد اللَّه أقطع فَلم لم يفْتَتح الْمُزنِيّ مُخْتَصره بِالْحَمْد بل افتتحه بقوله هَذَا مُخْتَصر اختصرته من علم الشَّافِعِي إِلَى آخر مَا ذكره فَإِن كَانَ مُخْتَصر الْمُزنِيّ أقطع فواها عَلَيْكُم معاشر الشافعيين فَإِنَّهُ زِينَة مذهبكم وعمدة أصلكم وَقَاعِدَة طريقكم وقعر يمكم وموئلكم حِين تختلفون ومرجعكم حِين تضطربون ومفزعكم حِين تتلاطم أمواج الآراء ويتناضل فِي المحافل الْفُقَهَاء وَإِلَّا يكن أقطع فَمَا باله غير مفتتح بِالْحَمْد قلت نقُول فِي الْجَواب أَولا مَا قَالَه قدماء أَصْحَابنَا إِن كَانَ سؤالكم ذَا بَال فَهَلا قدمتم عَلَيْهِ حمد اللَّه وَإِلَّا فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَثَانِيا إِن الْأَمر بِالْحَمْد مَعْنَاهُ قَوْله لَا كِتَابَته وَلم قُلْتُمْ إِن الْمُزنِيّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْد نجاز كل بَاب من مُخْتَصره لم ينْطق بِالْحَمْد حِين ابْتِدَائه تضنيفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ويوضح هَذَا أَن قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل أَمر ذِي بَال الحَدِيث ذُو بَال وَشرف باذخ بِلَا مراء وَلم يرد قبله لفظ الْحَمد وَذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَن اللَّه تَعَالَى مَحْمُود عَلَى لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَلبه فِي كل الْأَحْوَال وَهَذَا أَبُو عَبْد اللَّه البُخَارِيّ لم يسطر لفظ الْحَمد فِي مفتتح جَامعه وَلَيْسَ لأحد أَن يَقُول إِنَّه لم يحمد عِنْد ابْتِدَائه إِلَّا إِن ثَبت عِنْده أَنه لم يقل ذَلِك لَا لفظا وَلَا غير لفظ وانقلاب الْبَحْر زئبقا فِي نظر أولي النَّهْي أقرب من ثُبُوت ذَلِك فِي البُخَارِيّ والمزني وَقد قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ رَحمَه اللَّه فِي جَامعه إِنَّه رأى كثيرا من خطّ الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ ذكر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكْتُوبَة مَعَه قَالَ وَبَلغنِي أَنه كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ لفظا والاعتذار عَن البُخَارِيّ والمزني بِمَا ذكرت أولى من الِاعْتِذَار عَنْهُمَا بِعَدَمِ صِحَة الحَدِيث عِنْدهمَا فَإِنَّهُ بِتَقْدِير تَسْلِيم أَنه لن يَصح يُقَال أَلَيْسَ هُوَ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَعِنْدَهُمَا من الْوَرع مَا يحمل عَلَى اعْتِمَاده وَإِن لم يَصح وثالثا إِن دعواكم عَلَى أبي إِبْرَاهِيم أَنه لم يبتدىء الْمُخْتَصر بتسطير الْحَمد لله مَمْنُوع بل للمختصر خطْبَة مَوْجُودَة فِي كثير من الْأُصُول الْقَدِيمَة حَكَاهَا الشَّيْخ أَبُو حَامِد والْمَاوَرْدِيّ وَهِي الْحَمد لله الَّذِي لَا شريك لَهُ وَلَا مثل الَّذِي هُوَ كَمَا وصف نَفسه وَفَوق مَا يصفه بِهِ خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} والمرضي عِنْدِي فِي الْجَواب جَوَاب رَابِع عَن البُخَارِيّ والمزني وَهُوَ أَن الْحَمد إِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ مَا هُوَ أَعم مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ الذّكر أَو خصوصه وأيا مَا كَانَ فالمأمور بِهِ لفظ الذّكر أما عَلَى الأول فَوَاضِح وَأما عَلَى الثَّانِي فَلَمَّا قدمْنَاهُ من أَن رِوَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الْحَمد حِينَئِذٍ مُعَارضَة بِرِوَايَة الْبَسْمَلَة فَيسْقط القيدان وَيرجع إِلَى أصل الْإِطْلَاق وَهُوَ الذّكر والبسملة ذكر وَقد ابْتَدَأَ بهَا الْمُزنِيّ وَالْبُخَارِيّ كِتَابَيْهِمَا فَإِن قلت إِذا كَانَ لفظ الذّكر هُوَ الْمَأْمُور بِهِ دون خُصُوص الْبَسْمَلَة والحمدلة فَمَا وَجه تَخْصِيص الْبَسْمَلَة بِالذكر قلت لَهُ وَجْهَان أَحدهمَا يعم البُخَارِيّ والمزني وَهُوَ أَن الْعَادة جَارِيَة بِتَقْدِيم الْبَسْمَلَة فَإِذا وَافَقت الْعَادة الْمَأْمُور بِهِ شرعا كَانَ اعتمادها أولى وَالثَّانِي معنى لطيف سنح بخاطري يخْتَص بالمزني فَأَقُول لما كَانَ الْقُرْآن عندنَا مفتتحا ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم إِذْ هِيَ آيَة من الفاحة عَلَى رَأينَا افْتتح أَبُو إِبْرَاهِيم مُخْتَصره بهَا ليسلم من قَول قَائِل إِذا كَانَ كل ذِي بَال لَا يبتدأ بِالْحَمْد أقطع لزم كَون الْقُرْآن مُبْتَدأ بِهِ وَإِلَّا لَكَانَ أقطع معَاذ اللَّه وَإِذا كَانَ مُبْتَدأ بِالْحَمْد خرجت {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عَنهُ فَنَقُول الْحَمد أَعم من الْبَسْمَلَة وَالْقُرْآن مفتتح بهَا وَأَرَادَ الْمُزنِيّ أَن يبتدىء بهَا الْمُخْتَصر لذَلِك فَإِن مَسْأَلَة الْبَسْمَلَة أعظم شعار الشافعيين فَنَاسَبَ الِافْتِتَاح بهَا فاشدد يدك بِهَذَا الْجَواب وَمِمَّا أعجبني لِلْحَافِظِ أَبِي الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ رَحمَه اللَّه افتتاحه كتاب الصَّلَاة فِي سنَنه بِحَدِيث كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد اللَّه أقطع وَأرَاهُ أَشَارَ بذلك إِلَى تعين الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة وَهُوَ استنباط حسن أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ وَغَيْرِه إِذْنًا عَنْ أَبِي الْمُظَفَّرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْحَافِظِ أَبِي سَعْدٍ بْنِ السِّمْعَانِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَسَدُ بْنُ رُسْتُمَ بْنِ أَحْمَدَ الرُّسْتُمِيُّ بِهَرَاةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ قَالَ كَتَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 سَهْلُ بْنُ هَارُونَ فِي صَدْرِ كِتَابٍ لَهُ وَجب على كل ذِي مقَالَة أَن يبتدىء بِالْحَمْد قبل افتتاحها كَمَا بدىء بِالنِّعْمَةِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا قَوْلُهُ اسْتِحْقَاقِهَا تَجُوزُ وَإِلا فَالْعَبْدُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى اللَّه شَيْئًا وَمُرَادُهُ قَبْلَ التَّرَشُّحِ لَهَا وَحُضُورِ وَقْتِهَا وَلَقْد وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي كَلامِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ فِي أَحْكَامِ الْقُرآنِ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الأَصَمِّ عَنِ الرَّبِيعِ مَا نَصُّهُ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْمُبْتَدِيَ لَنَا بِنِعَمِهِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا الْمَانَّ بِهَا عَلَيْنَا مَعَ تَقْصِيرِنَا فِي الإِتْيَانِ عَلَى مَا أَوْجَبَ مِنْ شُكْرِهِ لَهَا أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَأَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ ثُمَّ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلا وَعَمَلا يُؤَدِّي بِهِ عَنَّا حَقَّهُ وَيُوجِبُ لَنَا نَافِلَةً مَزِيدَةً انْتَهَى وَالاسْتِشْهَادُ مِنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ قَوْلُهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا وَقَوْلُهُ وَيُوجِبُ لَنَا نَافِلَةً مَزِيدَةً أَيْ يَجْعَلُ الْمَزِيدَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ لَا مَحَالَةَ ضَرُورَةَ صِدْقِهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّه شَيْءٌ وَالأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ فَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمد لله الَّذِي وَقع طَبَقَاتِ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَامِ الْمُلُوكِ وَتَاجِهَا وَدَفَعَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ تُرَّهَاتِ الْمُبْطِلِينَ مَا لَمْ يَدْفَعْهُ مَسَاجِدَ التُّقَى وَمَشَاهِدَ الْوَغَى عِنْدَ عُجَّاجِ لَيْلِهَا وَلَيْلِ عُجَّاجِهَا وَقَمَعَ بِهِمْ شُبُهَاتِ الْمُلْحِدِينَ وَمَا شُبْهَةُ الْمُلْحِدِينَ إِلا لَيْلُ غُمَّةٍ وَكَلِمَةُ الْعَالِمِ صبح انفراجها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَلِفْنَا عَوَائِدَ ابْتِهَاجِهَا وَعَرَفْنَا فرائد معروفها الَّتِي زينت بتكرارها كَمَا زينت لآلىء النِّظَامِ بِازْدِوَاجِهَا وَصَرَفْنَا بِفَوَائِدِ رِبْحِهَا مُقَدِّمَاتِ الْخَسَارَةِ وَنِتَاجَهَا أَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ حَافِظُ الزَّمَانِ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الْمِزِّيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلَ بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْيُسْر وَأَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ الْعَطَّار وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْكَحَّالِ الْعَبَّادِيُّ السُّكَّرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ الْمِزِّيُّ وَابْنُ الْعَطَّارِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن البُخَارِيّ وَقَالَ ابْن أَبِي الْيُسْرِ أَخْبَرَنَا جَدِّي تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ ابْنُ الْكَحَّالِ أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ الْقَيْسِيُّ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن معمر بن طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْكَرُوخِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ مَحْمُودُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْغُورَجِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ الْجَرَّاحِيُّ أَخْبَرَنَا الْمَحْبُوبِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ إِذْنًا عَنْ مُحَمَّدِ بن عبد الْهَادِي عَن الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي أخبرنَا أَبُو غَالب مُحَمَّد بن الْحسن الْبَاقِلانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْحُرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ هَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَلَفْظُ الآخَرِ شَهَادَةٌ مَوْضِعَ تَشَهُّدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ فِي كِتَابِ الْأَدَب من سنَنه عَن مُسَدّد ومُوسَى ابْن إِسْمَاعِيلَ كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إِنَّهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ قُلْتُ وَقَدْ تَكَلَّمَ ابْنُ مَعِينٍ فِي أَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ مِنْ أَجْلِ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَبُو هِشَامٍ أَحَدُ شُيُوخِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهِ إِلَى أَبِي عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ للَّهِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي ثَوَابِ التَّسْبِيحِ عَنْ دُحَيْمٍ كِلاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ قُلْتُ وَقَدْ أَخْبَرَنَاهُ صَالِحُ بْنُ مُخْتَارِ بْنِ صَالح بن أبي الفوارس الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِيُّ سَمَاعًا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ الأَدَمِيُّ إِجَازَةً قَالَا أخبرنَا أَبُو الْفرج يحيى بن مَحْمُود الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأسْوَارِيُّ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ شُجَاعٍ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عبد الله بن جَعْفَر حَدثنَا أبي جَعْفَر حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَذَكَرَهُ إِلا قَوْلَهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ للَّهِ فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ فِيهِ اقْتَصَرَ عَلَى رِوَايَةِ بَعْضِ الْحَدِيثِ لِعَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِالْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ مِنْهُ وَقَدْ يَقَعُ السُّؤَالُ عَنْ جَعْلِ الْحَمْدَلَةِ دُعَاءً وَيُجَابُ بِمَا لَسْنَا لَهُ الآنَ وَلَيْس ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمد لله رب الْعَالمين} فَإِنَّ كَوْنَ الْحَمْدَلَةِ آخِرَ الدُّعَاءِ لَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ دُعَاءً وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ وَلَفْظُهُ أَفْضَلُ الْكَلامِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ الْحَمْدُ للَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَبْدِ الْوَلِيِّ الْمَقْدِسِيُّ الصَّالِحِيُّ الْحَرِيرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْحسن بن البُخَارِيّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْبَنَّا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ النَّصْرِ الْمَوْصِلِيُّ النَّحَّاسُ حَدَّثَنَا الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفُورِ عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَلَيْكُمْ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَالاسْتِغْفَارِ فَأَكْثِرُوا مِنْهُمَا فَإِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَهْلَكْتُ النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَالاسْتِغْفَارِ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَهْلَكْتُهُمْ بِالأَهْوَاءِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ السِّتَّةِ وَلَيْسَ لأَبِي رَجَاءٍ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ شَيْءٌ لَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلا عَنْ غَيْرِهِ وَلَكِنْ فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ عَنْ مَوْلًى لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 قُلْتُ وَأَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ أَبُو رَجَاءٍ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ وَجَمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّحَّاسُ سَمَاعًا أَنَّ يُوسُفَ بْنَ خَلِيلٍ الْحَافِظَ أَخْبَرَهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أبي زيد أخبرنَا مَحْمُود ابْن إِسْمَاعِيلَ الصَّيْرَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ الْمُدْلِجِيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَن دِينِنَا هَذَا كَأَنَّنَا خُلِقْنَا لَهُ السَّاعَةَ فِي أَيِّ شَيْءٍ نَعْمَلُ أَفِي شَيْءٍ ثَبَتَتْ فِيهِ الْمَقَادِيرُ وَجَرَتْ فِيهِ الأَقْلامُ أَمْ فِي أَمْرٍ مُسْتَأْنَفٍ قَالَ بَلْ فِيمَا ثَبَتَتْ فِيهِ الْمَقَادِيرُ وَجَرَتْ بِهِ الأَقْلامُ قَالَ سُرَاقَةُ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى} قَالَ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأما من بخل وَاسْتغْنى وَكذب بِالْحُسْنَى} قَالَ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلاهُمَا عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيِّ أَبِي خَيْثَمَةَ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ وَلَفْظُهُ قَالَ جَاءَ سُرَاقَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الآنَ فِيمَا الْعَمَلُ الْيَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ قَالَ بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ قَالَ فَفِيمَ الْعَمَلُ قَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَكُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِيهِ كَمَا تَرَى زِيَادَةٌ وَكُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ وَنُقْصَانُ تِلاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلآيَةِ وَتَفْسِيرُهُ الْحُسْنَى بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الَّذِي هُوَ مَحَطُّ غَرَضِنَا هُنَا وَلَمْ أَجِدْهُ أَعْنِي تَفْسِيرَ الْحُسْنَى بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الصِّحَاحِ وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حوله وَمَعَهُ محضرة فَنَكَسَ وَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا فَقَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ لِعَمَلِ الشَّقَاءِ ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى فسنيسره لليسرى} الآيَةَ هَذَا لَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ مَعَ مَزِيدِ بَسْطٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْكِرْمَانِيُّ حُضُورًا أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا وَجِيهُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ ح وَأَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْكَمَالِيَّةُ سَمَاعًا عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ الأَنْجَبِ النِّشتِبرِيِّ إِجَازَةً عَنْ وَجِيهٍ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ الْعَدْلُ إِمْلاءً أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ عَبْد لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا إِلا فُتِّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى يُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الصُّدَائِيِّ الْبَغْدَادِيِّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْهَمْدَانِيِّ بِهِ أَخْبَرَنَا الْمُسْنِدُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ الْحَنْبَلِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبُلْدَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخَانِ الإِمَامُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ الْخَطِيبُ وَأَبُو مَنْصُورٍ مُسْلِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّيحِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْمَوْصِلِ قَالا أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الْبَرَكاتِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خُمَيْسٍ الْجُهَنِيُّ الْعَدْلُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعشْرين وَخَمْسمِائة حَدثنَا أَبُو نصر أَحْمد ابْن عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ طَوْقٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلِيلِ الْمَرْجِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْحَافِظُ الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ثُوَيْرٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَقْرَأُ {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ قَزَعَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ وَثُوَيْرُ بْنُ أَبِي فَاخِتَةَ سَعِيدُ بْنُ عَلاقَةَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَخَرَّجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِه تَعَالَى {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَهَذَا مَوْقُوفٌ وَأَمَّا مَا يُرْوَى مَوْقُوفًا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 قَالَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ لَا يَصِحُّ إِلا عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ أَخْبَرَنَا حَافِظُ الزَّمَانِ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي حَامِدِ بْنِ الصَّابُونِيِّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيٍّ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْعَلاءِ مُحَمَّدُ بن عبد الْجَبَّار ابْن مُحَمَّدٍ الْفُرْسَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَافِظُ الْمُعَدَّلُ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ حَدَّثَنَا عَبْدُوسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ ابْن ليهعة عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شِعَارُ أُمَّتِي إِذَا حُمِلُوا عَلَى الصِّرَاطِ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَبُو قَبِيلٍ اسْمُهُ حُيَيُّ بْنُ هَانِي بْنِ نَاضِرٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كَانَ رَجُلا صَالِحًا مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رِوَايَةٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَهُوَ ثِقَةٌ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِتَوْثِيقِهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ أَخْبَرَنَا أَبِي الشَّيْخُ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَيْحَانَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رواج قَالا أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ح قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَلَبِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِدِمَشْقَ أَخْبَرَنَا أَبُو مَدْيَنَ شُعَيْبُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَحْمَدَ الزَّعْفَرَانِيُّ سَمَاعًا بِمَكَّةَ أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ ح قُلْتُ أَنَا وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي عَنِ السِّلَفِيِّ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَظِيفٍ الْفراء الْمصْرِيّ بِمَكَّة حَدثنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّمْعِيُّ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ قَالَ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ شَفَاعَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَخْبَرَنَاهُ صَالِحُ بْنُ مُخْتَارٍ الأشنوي بِقِرَاءَةِ أَبِي رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ وَسَبْعمائة أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ سَمَاعًا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بن مُحَمَّد ابْن أَحْمَدَ بْنِ الْهَيْثَمِ الصَّبَّاغُ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُقَيَّرِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيُّ قرىء عَلَى أَبِي طَاهِرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة بن الْمُغيرَة بْنِ صَالِحِ بْنِ بَكْرٍ وَأَنَا أَسْمَعُ حَدَّثَنَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ من حرصك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ لقد ظَنَنْت أَن لايسألني عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْت من حصرك عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ وَعَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ كِلاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بِهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ بِهِ قُلْتُ وَأول فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ مِنْكَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَهِيَ مَضْمُومَة على أَنَّهَا صفة لأحد وَقَدْ رَدَدْتُ عَلَى مَنْ يَفْتَحُهَا وَهَذَا الْمَكَانُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِهِ عَلَى مَجِيءِ أَوَّلَ هَكَذَا وَنَظِيرُهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ مِنْ قَول أم هَانِيء فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الثَّنِيَّةَ فَلَمْ يَلْقَهُمْ أَوَّلُ مِنَ الْجَمَلِ كَمَا وُصِفَ لَهُمْ كَذَا وَقَعَ فِي السِّيرَةِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ بِقَوْلِهِ وَيَلْحَقُ بِأَسْبَقَ مُطْلَقًا أَوَّلُ صِفَةٌ وَإِنْ نُوِيَتْ إِضَافَتُهُ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ وَرُبَّمَا أُعْطِيَ مَعَ نِيَّتِهَا مَا لَهُ مَعَ وُجُودِهَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ابْن الضِّيَاءِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن البُخَارِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْحَرَسْتَانِيِّ قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ حَمْزَةَ السُّلَمِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْكِنَانِيُّ أَخْبَرَنَا تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِجَازِيُّ بِحِمْصَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّائِفِيُّ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ إِذَا انْفَلَقَتِ الأَرْضُ عَنْهُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَالنَّاسُ بُهْمٌ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ وَغَرِيبٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الرَّاوِي عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ أَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِجَازِيُّ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ فَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَازِمٍ الدِّمَشْقِيُّ إِذْنًا أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ خَطِيبِ الْقَرَافَةِ حُضُورًا فِي الْخَامِسَةِ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ الْكَرْخِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَشرَان أخبرنَا عبد الْبَاقِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ابْن قَانِعٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَدِّبُ بِالأُبُلَّةِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا بُهْلُولُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ وَكَأَنِّي بِهِمْ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ وَيَقُولُونَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحزن} وَأخْبرنَا صَالح الأشنوي سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأسْوَارِيُّ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ شُجَاعٍ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عبد الله بن جَعْفَر حَدثنَا أبي جَعْفَر بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ وَلا مَنْشَرِهِمْ وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ وَيَقُولُونَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا ابْن البُخَارِيّ أخبرنَا ابْن طَبَرْزَدَ سَمَاعًا وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُخْتِيَارَ الْمندائيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الطَّوِيلَةِ وَالْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ شنيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 إِجَازَةً قَالُوا كُلُّهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَرِيرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّبَرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ مُتَفَرِّقِينَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ بْنِ حَيُّوَيْهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ للَّهِ عَمُودًا مِنْ نُورٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ اهْتَزَّ ذَلِكَ الْعَمُودُ فَيَقُولُ اللَّهِ تَعَالَى اسْكُنْ فَيَقُولُ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْكُنُ وَلَمْ تَغْفِرْ لِقَائِلِهَا قَالَ فَيَقُولُ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُف بن إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُقَيَّرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ شاتيل أخبرنَا الْحُسَيْن ابْن عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْبُسْرِيِّ الْبُنْدَارُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ اسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَبِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم} قَالَ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَوْلِ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تزكّى} قَالَ إِلَى أَنْ تَقُولَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالحا} قَالَ لَعَلِّي أَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي قَوْله {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ مَن قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَوْلِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ لِقَوْمِهِ {أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد} قَالَ أَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} قَالَ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} قَالَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ لَهُ مِنْهَا خَيْرٌ لأَنَّهُ لَا شَيْءَ خَيْرٌ مِنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قُلْتُ قَدْ أَخْرَجَ عِكْرِمَةُ خَيْرًا عَنْ ظَاهِرِهَا وَهُوَ كَوْنُهَا أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ وَجَعَلَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} وَفِي قَوْلِكَ فِي زَيْدٍ خَيْرٌ أَيْ خَصْلَةٌ حَمِيدَةٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ خَيْرٌ حَاصِلٌ بِسَبَبِهَا عَلَى حد قَوْله تَعَالَى {مِمَّا خطيئاتهم أغرقوا} وَقَول امرىء الْقَيْسِ (وَذَلِكَ مِنْ نَبَإٍ جَاءَنِي ... وَخُبِّرْتُهُ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ) وَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ (يَغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى من مهابته ... فَمَا يكلم إِلَّا حِين يبتسم) فَيكون عِكْرِمَة قد أخرج خيرا وَمن عَنِ الْغَالِبِ فِي اسْتِعْمَالِهِمَا وَالأَظْهَرُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنه صفة لخير وَحِينَئِذٍ خير مُبْتَدأ وَمِنْهَا صفته وَله خَبَرُهُ وَالتَّقْدِيرُ خَيْرٌ حَاصِلٌ بِسَبَبِهَا لَهُ وَإِنْ قُدِّمَتِ الصِّفَةُ كَمَا زَعَمَ عِكْرِمَةُ وَجَعَلَ التَّقْدِيرَ لَهُ مِنْهَا خَيْرٌ أُعْرِبَتْ حَالا عَلَى حَدِّ (لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ ... ) وَالأَظْهَرُ خِلافُ مَا قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَأَنَّ خَيْرٌ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ الْغَالِبَ فِي اسْتِعْمَالِ خَيْرٌ وَاسْتِعْمَالُ مِنْ أَيْضًا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِخَيْرٍ الأَفْضَلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وعَلى هَذَا فَمِنْهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَقَوْلُهُ لَا شَيْءَ خَيْرٌ مِنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ صَحِيحٌ إِلا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا الأَضْعَافُ وَأَنَّ الْعَمَلَ يَنْقَضِي وَالثَّوَابَ يَدُومُ وَشَتَّانِ مَا بَيْنَ فِعْلِ الْعَبْدِ وَفِعْلِ السَّيِّدِ وَقَوْلُهُ فِي الَّذِينَ لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة إِنَّهُمُ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ لَا نُوَافِقُهُ عَلَيْهِ بَلْ ذَلِكَ تَفْسِيرُ لَفْظِ الْمُشْرِكِينَ لَا تَفْسِيرُ لَفْظِ الَّذِينَ لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة وَلَوْ تَمَّ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ لَمْ يَكُنْ فِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى خِطَابِ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ لأَنَّ لَفْظَ الزَّكَاةِ حَقِيقَةٌ فِي إِخْرَاجِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي الْمَالِ تَطْهِيرًا لَهُ وَتَنْمِيَةً وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ فَفِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ مُكَلَّفٌ بِزَكَاةِ الْمَالِ وَهُوَ رَأْي مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَفْعَلُ فِي لَفْظِ {تَزَكَّى} فِي قَوْلِهِ {هَلْ لَكَ إِلَى أَن تزكّى} وَقَوله {قد أَفْلح من تزكّى} قلت المُرَاد بالتزكية ثمَّ تَزْكِيَة النَّفْسُ بِالإِيمَانِ بِدَلِيلٍ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْ فِرْعَوْنَ الإِيمَانَ وَأَنَّ الإِيمَانَ أصل الْفَلاح وقاعدته وَأما {يُؤْتونَ الزَّكَاة} فَلَفْظُ الإِتْيَانِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِالزَّكَاةِ الزَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْفضل ابْن الْوَاسِطِيُّ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُلاعِبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي الْمُؤَدِّبَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي النَّقَّاشَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلامٍ الزَّيْنِيُّ بِحِمْصَ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حَضَرَ مَلَكُ الْمَوْتِ رَجُلا يَمُوتُ قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى قَلْبِهِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا فَنَظَرْتُ إِلَى يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَلَمْ أَرَ خَيْرًا فَلَمَّا أَرَدْتُ أَن أَجْذِبَ رُوحَهُ وَجَدْتُ طَرَفَ لِسَانِهِ لاصِقًا بِحَنَكِهِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ لَيْسَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَهَذَا الإِسْنَادُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِيهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ وَفِيهِ ثُمَّ شَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا ثُمَّ فَكَّ لَحْيَيْهِ فَوَجَدَ طَرَفَ لِسَانِهِ لاصِقًا بِحَنَكِهِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَالَ وَجَبَتْ لَكَ الْجَنَّةُ بِقَوْلِكَ كَلِمَةِ الإِخْلاصِ وَقِصَّةُ الْمَتْنِ أَنَّ مَنْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَنْجُو وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْ لِسَانَهُ قَلْبُهُ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ أَنَّ اللِّسَانَ لَا يَكْفِي مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الاعْتِقَادُ وَقَدْ كَانَتِ الْمُنَافِقُونَ تَلْفِظُ وَلا تَعْتَقِدُ وَهُمْ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْمَتْنُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَ فِي قَلْبِهِ خَيْرًا مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ غَيْرَ اعْتِقَادِ الإِيمَانِ وَأَمَّا اعْتِقَادُ الإِيمَانِ فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَلِذَلِكَ تَلَفَّظَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي لَا يَكَادُ يُعْرِبُ فِيهَا الْمَرْءُ إِلا عَمَّا هُوَ فِي ضَمِيرِهِ مُسْتَقِرٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَجَبَتْ لَكَ بِقَوْلِكَ كَلِمَةِ الإِخْلاصِ فَمَا سَمَّاهَا كَلِمَةَ الإِخْلاصِ حِينَئِذٍ إِلا وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ قَلْبٍ مُعْتَقِدٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ خَيْرًا بَلْ قَالَ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا وَالشَّيْءُ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ مَوْضُوعِهِ أَعَمَّ مِنَ الْخَيْرِ إِلا أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الأَمْرُ الَّذِي يُحْتَفَلُ بِهِ وَالْقَدْرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الزَّائِدُ عَلَى الإِيمَانِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ كَثِيرَ أَمْرٍ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَتَأَمَّلَ هَذَا أَوْ يُقَالُ لَعَلَّ الاعْتِقَادَ مِنَ الأُمُورِ الْخَفِيَّةِ فِي الْقَلْبِ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا فَلا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكْتُبُهُ وَلا شَيْطَانٌ فَيُفْسِدُهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْميدوميُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلاقٍ سَمَاعًا ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنْبَلِيُّ بِقِرَاءِتي عَلَيْهِ بِدِمَشْقَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ خَطِيبُ مَرْدَا حُضُورًا قَالا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ حِمَّصَةَ أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّد ابْن دَاوُدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَسْلَمَ الصَّدَفِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ يُكَنَّى أَبَا شريك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 عَنْ ضِمَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَكْثِرُوا مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا وَلَقِّنُوهَا مَوْتَاكُمْ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَقْدِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبِ بْنُ الْبَنَّا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرْبِيُّ الصَّيْرَفِيُّ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَيَّاضٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ رَجُلا يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ عَلَى الْفِطْرَةِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ خَرَجَ مِنَ النَّارِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَيَّاضٍ كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى قَتَادَةَ فِيهِ فَرَوَاهُ عَنْهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَخُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ وَيُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ الصَّفَّارُ كَمَا سُقْنَاهُ وَرَوَاهُ سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَدَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَأَبُو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ فَرَوَوْهُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَذْكُرُوا عَلْقَمَةَ وَكَذِلَك رَوَاهُ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ وَعِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْعَلاءِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ قُلْتُ وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّارَقُطْنِيُّ مُتَابَعَةَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ لِحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَرِوَايَتَهُ إِيَّاهُمْ عَنْ قَتَادَةَ عَن أَنَسٍ وَهِيَ مُتَابَعَةٌ جَيِّدَةٌ تُقَوِّي كَوْنَ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ عَرَّفْنَاكَ أَنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَهِيَ الأَشْبَهُ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ ابْنِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّعْبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ بِمِصْرَ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا الْمَعِينُ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَزُّونٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّاسُ قَالَ ابْنُ الْمعِين وَابْن عزون أخبرنَا إِسْمَاعِيل ابْن صَالِحِ بْنِ يَاسِينَ وَقَالَ النَّحَّاسُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ موقا وَقَالَ الثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 أَعْنِي الصَّعْبِيَّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ أَبِي الرّوسِ أَخْبَرَنَا ابْنُ موقا قَالا ابْنُ يَاسِينَ وَابْنُ موقا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى السَّعْدِيُّ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَطَّةَ الْعُكْبَرِيُّ بِهَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنِي كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا رَاعِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ لَا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَآمَنَ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَنَا سَمِعْتُ هَذَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ وَلا ثَلاثٍ وَلا أَرْبَعٍ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ حَسَنٍ الْمَرَاغِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمُجَاوِرِ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الْكِنْدِيُّ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَزَّازُ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّزَّازُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَا قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قَالَ الْخَطِيبُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ فِي إِسْنَادِهِ بَلْ قَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ سُهَيْلِ ابْنِ الْبَيْضَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الْقَوَّاسِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ سنة تسع وسِتمِائَة وَأَجَازَهُ لَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَرَ وَالْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ وَالْمُؤَمَّلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَالِسِيُّ وَأَبُو حَامِدِ بْنُ الصَّابُونِيِّ قَالُوا أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحَرَسْتَانِيِّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الْحُسَيْنُ بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن طِلابٍ خَطِيبُ دِمَشْقَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ بِصَيْدَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونٍ أَبُو بَكْرٍ بِبَالِسَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ غَيْرُ مُخَرَّجٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ لكنه مخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَرَوَاهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَفْظُه لَقِّنُوا هَلْكَاكُمْ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرِيرِيُّ سَمَاعًا أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرُه قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبِ بْنُ الْبَنَّا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ هُوَ الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ وَعَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ قَالا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا عَنْبَرُ بْنُ حطنطَلٍ السُّكَّرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ وَبَرِ بْنِ أَبِي دُلَيْلَةَ وَسَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 عَنْ سَهْلِ بْنِ نَائِلٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ سَهْلُ بْنُ نَائِلٍ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ لَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ وَلا عَنْ غَيْرِهِمَا وَبِهِ إِلَى الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد الكابت قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنِي بِشْرٌ هُوَ ابْن دِحْيَةَ حَدَّثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ خُتِمَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ جَابِرٍ وَلَكِنْ مَعْنَى الْمَتْنِ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيث معَاذ رَضِي الله عَنهُ خرجه أَبُو دَاوُدَ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيِّ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الحميد بن جَعْفَر عَن صَالح ابْن أبي عريب عَن كثير بن مرّة عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَدْ خَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُعَاذٍ مِنْ ثَلاثِ طُرُقٍ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ مُعَاذٍ ثُمَّ حَدَّثَ بِهِ تَارَةً عَنْ مُعَاذٍ وَتَارَةً طَوَى ذِكْرَ مُعَاذٍ لِلْوُثُوقِ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحَادِيثَ الْبَابِ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ مَدَارَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى مَعْنَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَوَقَعَ لِي مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ وَطَرِيقٍ آخَرَ فَأَخْبرنِي أَبُو الْعَبَّاس الْحَرِير عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّالِحِيِّ سَمَاعًا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبَنَّا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ الْجَوْهَرِي أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن ابْن أَحْمَدَ بْنِ مُجَالِدٍ الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي حَمْزَة جارنا يحدث عَن أنس ابْن مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لمعذا بْنِ جَبَلٍ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَبُو حَمْزَةَ جَارُ شُعْبَةَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ تَفَرَّدَ النَّسَائِيُّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَرَوَاهُ عَنْ بُنْدَارٍ بِهِ فَوَافَقَنَاهُ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعْبَةَ بِهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ مِنْ مُعَاذٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَتَانِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ يَا مُعَاذُ فَقَالَ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْتُ فَمَا قَالَ لَكَ قَالَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقُلْتُ فَأَذْهَبُ فَأَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اذْهَبْ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَنَّكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 قُلْتَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ صَدَقَ مُعَاذٌ صَدَقَ مُعَاذٌ صَدَقَ مُعَاذٌ وَوَقَعَ لِي أَيْضًا مِنْ حَدِيث معَاذ بِلَفْظ آخر وَطَرِيق آخر فقرىء عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَقْدِسِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالب أخبرنَا الْحسن ابْن عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّيِّبُ بْنُ يُمْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى الْمُعْتَضِدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْن مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ السُّوسِيُّ بِالْعَسْكَرِ وَاللَّفْظُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَكَذَا قَالَ وَلَمْ يَقُلْ هِصَّانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ ثُمَّ مَاتَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ حِطَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الرَّقَاشِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ عبَادَة بن الصَّامِت وعَلى ابْن أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ يَرْوِي عَنْهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَيُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ثِقَةٌ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَالأَرْبَعَةُ وَلَكِنْ قَضِيَّةُ كَلامِ الرَّاوِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ هِصَّانُ بِالْهَاءِ لَا حِطَّانُ وَلَيْسَ لَهُمْ هِصَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ هِصَّانُ بْنُ كَاهِنٍ بِالنُّونِ أَوْ كَاهِلٍ بِاللامِ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى رَوَى عَنْهُ حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ثِقَةٌ وَالأَشْبَهُ أَنَّهُ هُوَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ لأَنَّ حُمَيْدًا لَا يَرْوِي عَنْ حِطَّانَ وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنْ هِصَّانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 فَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّاوِي فِي السَّنَدِ هُوَ الأَشْبَهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ فَقَالَ فِيمَا أَخْبَرَتْنَا بِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ فِي كِتَابِهَا عَنِ الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ بْنِ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَاذشَاه وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَرَّانِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مَحْمُودُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ الأَشْقَرُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ فَاذشَاه أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَالْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ عَن حميد بن هِلَال عَن هصان ابْن كَاهِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يَمُوتُ عَبْدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله يُرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى قَلْبِ مُؤْمِنٍ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ قِيلَ لَهُ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ مُعَاذٍ قَالَ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ مُعَاذٍ يُحَدِّثُ بِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ هِصَّانَ بْنِ كَاهِلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ مُعَاذٍ يَرْفَعُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وَلَيْسَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ مُعَاذٍ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وأصل الحَدِيث مَرْوِيّ أَيْضًا من حَدِيث النَّضر بْن أنس عَن أنس قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ مخلصا يَمُوت عَلَى ذَلِك حرمه اللَّه عَلَى النَّار يرويهِ عَامر بْن سياف عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن النَّضر بْن أنس عَن أنس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهَذَا لم يسمعهُ أنس من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث بِهِ سُلَيْمَان بْن الْمُغيرَة عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس عَن مَحْمُود بْن الرّبيع عَن عتْبَان بْن مَالك عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أنس ثمَّ لقِيت عتْبَان بن مَالك فسلته فحَدَّثَنِي بِهِ وَهُوَ الصَّحِيح عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاعْلَم أَن أَحَادِيث هَذَا الْبَاب عَلَى قسمَيْنِ أَعم وأخص أما الْأَعَمّ فَهُوَ الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَى أَن من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَهِي كَثِيرَة بلغ الْقدر الْمُشْتَرك مِنْهَا مبلغ التَّوَاتُر مِنْهَا مَا أوردناه وَمِنْهَا حَدِيث عبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن عِيسَى عَبْد اللَّه وَرَسُوله وكلمته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَالْجنَّة وَالنَّار حق أَدخل اللَّه الْجنَّة عَلَى مَا كَانَ من الْعَمَل وَفِي رِوَايَة أدخلهُ اللَّه من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية أَيهَا شَاءَ وَالرِّوَايَتَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي سنَن أَبِي دَاوُد من حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَالَ رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولا وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث طَوِيل لأبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطَاهُ نَعْلَيْه وَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ اذْهَبْ بنعلي هَاتين فَمن لقِيت من وَرَاء هَذَا الْحَائِط يشْهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُسْتَيْقنًا بهَا قلبه فبشره بِالْجنَّةِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَكَانَ أول من لقِيت عمر فَقَالَ مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قلت هَاتَانِ نعلا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بهما من لقِيت يشْهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مستقينا بهَا قلبه بَشرته بِالْجنَّةِ فَضرب عمر بِيَدِهِ بَين ثديي فَخَرَرْت لاستي فَقَالَ ارْجع يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَرَجَعت إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجهشت بكاء وركبني عمر فَإِذا هُوَ عَلَى أثري فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 مَالك يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قلت لَهُ لقِيت عمر فَأَخْبَرته بِالَّذِي بَعَثَنِي بِهِ فَضرب بَين ثديي ضَرْبَة خَرَرْت لاستي قَالَ ارْجع فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عمر مَا حملك عَلَى مَا فعلت قَالَ يَا رَسُول اللَّهِ بِأبي أَنْت وَأمي أبعثت أَبَا هُرَيْرَةَ بنعليك من لَقِي يشْهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُسْتَيْقنًا بهَا قلبه بشره بِالْجنَّةِ قَالَ نعم قَالَ فَلَا تفعل فَإِنِّي أخْشَى أَن يتكل النَّاس عَلَيْهَا فخلهم يعْملُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخلهم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث معَاذ كنت ردف النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بيني وَبَينه إِلَّا مؤخرة الرحل فَقَالَ يَا معَاذ بْن جبل قلت لبيْك يَا رَسُول اللَّهِ وَسَعْديك ثمَّ سَار سَاعَة ثمَّ قَالَ يَا معَاذ بْن جبل قلت لبيْك يَا رَسُول اللَّهِ وَسَعْديك ثمَّ سَار سَاعَة ثمَّ قَالَ يَا معَاذ بْن جبل قلت لبيْك يَا رَسُول اللَّهِ وَسَعْديك ثمَّ قَالَ هَل تَدْرِي مَا حق اللَّه عَلَى الْعباد قَالَ قلت اللَّه وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِن حق اللَّه عَلَى الْعباد أَن يعبدوه وَلَا يشكروا بِهِ شَيْئا ثمَّ سَار سَاعَة وَقَالَ يَا معَاذ بْن جبل قلت لبيْك يَا رَسُول اللَّهِ وَسَعْديك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 قَالَ هَل تَدْرِي مَا حق الْعباد عَلَى اللَّه إِذا فعلوا ذَلِك قلت اللَّه وَرَسُوله أعلم قَالَ حق الْعباد عَلَى اللَّه أَن لَا يعذبهم وَفِي رِوَايَة فَقلت يَا رَسُول اللَّهِ أَفلا أبشر النَّاس قَالَ لَا تبشرهم فيتكلوا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا من حَدِيث أَبِي ذَر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فبشرني أَنه من مَاتَ من أمتك لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة قلت وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ وَإِن زنى وَإِن سرق وَفِي رِوَايَة عَلَى رغم أنف أَبِي ذَر وَالرِّوَايَة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا قلت وَلَقَد تَأَمَّلت قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن زنى وَإِن سرق وَجمعه بَين الزِّنَى وَالسَّرِقَة دون سَائِر الْمعاصِي فَلم يَقع لي إِلَّا الْإِشَارَة إِلَى أَنه يتَجَاوَز عَن الْمعاصِي الْمُتَعَلّقَة بِحَق الله بعد الْكفْر كالزنى والمعاصي الْمُتَعَلّقَة بِحَق الْعباد كالسرقة فَجمع من أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين حق اللَّه وَحقّ الْآدَمِيّين يُشِير إِلَى أَن دُخُول الْجنَّة لَا يتَوَقَّف عَلَى شَيْء مِنْهَا فَإِن قلت مَا باله آثر ذكر السّرقَة عَلَى ذكر الْقَتْل وَهُوَ أقبح قلت لِكَثْرَة وُقُوع النَّاس فِيهَا وَقلة وُقُوع الْقَتْل فآثر ذكر مَا يكثر وُقُوعه لشدَّة الِاحْتِيَاج إِلَى السُّؤَال عَنهُ عَلَى مَا ينْدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا من حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار وَقلت من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَفِي رِوَايَة اخْتصَّ بهَا مُسلم بِالْعَكْسِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة قَالَ ابْن مَسْعُود وَقلت أَنا من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار وَفِي رِوَايَة ثَالِثَة اخْتصَّ بهَا البُخَارِيّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة وَقلت أُخْرَى قَالَ من مَاتَ يَجْعَل الله ندا دخل النَّار وَقلت من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا دخل الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَانِ موجبتان قَالَ رجل يَا رَسُول اللَّهِ مَا الموجبتان قَالَ من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار وَمن مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَأَحَادِيث كَثِيرَة غير مَا ذَكرْنَاهُ قاصمة لظُهُور الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين بخلود أَرْبَاب الْكَبَائِر فِي النَّار وَلَيْسَ فِيهَا مَا يشكل تَأْوِيله غير حَدِيث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِخْلاصُهَا أَنْ تَحْجِزَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الدَّارِمِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وإشكاله من جِهَة تَفْسِيره إخلاصها بِأَن تحجزه عَمَّا حرم اللَّه وَالْكَلَام عَلَيْهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا وَأما الْأَخَص فالأحاديث الدَّالَّة عَلَى أَن من مَاتَ مُؤمنا لَا يدْخل النَّار نَحْو هَذَا الحَدِيث الَّذِي نجزنا من إِسْنَاده وَهُوَ حَدِيث معَاذ حرم اللَّه لَحْمه عَلَى النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَنَظِيره مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحِهِ من حَدِيث الصنَابحِي عَن عبَادَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَن مُحَمَّدا رَسُول اللَّهِ حرم اللَّه عَلَيْهِ النَّار وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ قَالَ الصنَابحِي دخلت عَلَى عبَادَة بْن الصَّامِت وَهُوَ فِي الْمَوْت فَبَكَيْت فَقَالَ مهلا لم تبْكي فوَاللَّه لَئِن استشهدت لأشهدن لَك وَلَئِن شفعت لأشفعن لَك وَلَئِن اسْتَطَعْت لأنفعنك ثمَّ قَالَ وَالله مَا من حَدِيث سمعته من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكم فِيهِ خير إِلَّا حَدَّثتكُمُوهُ إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا وسأحدثكموه الْيَوْم وَقد أحيط بنفسي سَمِعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول من شهد أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حرم اللَّه عَلَيْهِ النَّار وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أَبِي ذَر أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 قَالَ لي جِبْرِيل من مَاتَ من أمتك لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة وَلم يدْخل النَّار قلت وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ نعم وَفِي رِوَايَة لَا يشْهد أحد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَيدْخل النَّار أَو تطعمه قَالَ أنس فَأَعْجَبَنِي هَذَا الحَدِيث فَقلت لِابْني اكتبه فَكَتبهُ وَهُوَ من حَدِيث عتْبَان بْن مَالك رَضِي اللَّه عَنْهُ وَهَذِه الْأَحَادِيث وَمَا ناسبها يجمع بَينهَا وَبَين الْأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى أَنه لَا بُد أَن يَقع عِقَاب بعض المسليمن عَلَى جرائمهم بِأَن المُرَاد دُخُول الخلود لَا أصل الدُّخُول فَكل مُسلم ذِي جريمة لَا بُد أَن يدْخل الْجنَّة لَا محَالة وَأما النَّار فَإِن لم يعف اللَّه عَن جرائمه فَهُوَ يدخلهَا ثمَّ لَا محَالة يخرج مِنْهَا للأحاديث الدَّالَّة عَلَى أَنه لَا يبْقى فِي النَّار من يَقُول لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وعَلى أَنه تَعَالَى يَقُول أخرجُوا من النَّار من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من إِيمَان أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي رَوْحٍ عَبْدِ الْمُعِزِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفُضَيْلِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصُوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو زَيْدٍ حَاتِمُ بْنُ مَحْبُوبٍ الشَّامِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شُعَيْرَةً أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الإِيمَانِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي التَّوْحِيد عَن معَاذ ابْن فَضَالَةَ كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ وَلَفْظُهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ وَشُعْبَةَ بِهِ وَفِيهِ قِصَّةٌ لِيَزِيدَ مَعَ شُعْبَةَ وَعَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمِسْمَعِيِّ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى كِلاهُمَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ بِهِ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ بِهِ وَقَالَ حسن صَحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يحيى الْمَازِني عَن أَبِيه عَن أبي سعد الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من إِيمَانٍ الْحَدِيثَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَيْضًا بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُثْمَانَ الْقَارِي الْوَاعِظِ حَدَّثَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفُرَاوِيُّ إِمْلاءً سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الْبَارِعُ جَدِّي لأُمِّي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّحَّامِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيكٍ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ الْعَسْكَرِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَزِيدَ الْجَصَّاصُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسلمين} قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ النَّارَ مَنِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ يَقُولُ لَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ تَوْحِيدُكُمْ وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ فَيُنَادِي مُنَادِي الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ أَخْرِجْ مِنْ جَهَنَّمَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ فَيُخْرَجُونَ فَيُدْخَلُونَ فِي نَهْرِ الْحَيَوَانِ فَتَبْيَضُّ وُجُوهُهُمْ ثُمَّ يُجْعَلُ عَلَى رؤوسهم أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ بِالْيَوَاقِيتِ وَالدُّرِّ وَالزَّبَرْجَدِ عَلَيْهِمْ أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ يَلْبَسُونَ السُّنْدُسَ وَالإِسْتِبْرَقَ ثُمَّ تَحْمِلُهُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى أَسِرَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ مُفَصَّصَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى بَابِ النَّارِ فَيُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 يَا أَهْلَ النَّارِ انْظُرُوا مَا يَصْنَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثُمّ يُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ وَالْأَحَادِيث الناطقة بِدُخُول بعض العصاة من الْمُسلمين النَّار كَثِيرَة فَلَا معنى للإطالة فلنعد إِلَى الْكَلَام عَلَى حَدِيث معَاذ الَّذِي انْفَرد أَبُو دَاوُد بِإِخْرَاجِهِ وأسندناه نَحن من طَرِيق آخر وَهُوَ حَدِيث من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَأَقُول هُوَ حَدِيث صَحِيح وَصَالح بْن أَبِي عريب ثِقَة وثقة ابْن حبَان وَغَيره وَخرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَلم يغمزه أحد فِيمَا علمت غير أَن ابْن الْقطَّان قَالَ لَا يعرف حَاله وَلَا يعرف روى عَنهُ غير عَبْد الحميد بْن جَعْفَر وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا زعم فقد رَوَى عَنهُ حَيْوَة بْن شُرَيْح وَاللَّيْث وَابْن لَهِيعَة وَغَيرهم ولحديثه هَذَا أَحَادِيث شَوَاهِد أسلفناها تعضده وَفِي رِوَايَة أسندناها إِلَى عبَادَة وَأبي الدَّرْدَاء أَو حرم اللَّه عَلَيْهِ النَّار ويعضده أَيْضًا الْأَمر بتلقين الْمَوْتَى لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَإِنَّهُ أَمر إرشاد لهَذَا الْمَطْلُوب الْعَظِيم وَالْمَقْصُود الجسيم وَهُوَ دُخُول الْجنَّة أَو النجَاة من النَّار فَإِن قلت إِذا كُنْتُم معاشر أهل السّنة تَقولُونَ إِن من مَاتَ مُؤمنا يدْخل الْجنَّة لَا محَالة وَإنَّهُ لَا بُد من دُخُول من لم يعف اللَّه عَنهُ من عصاة الْمُسلمين النَّار ثمَّ يخرج مِنْهَا فَهَذَا الَّذِي تلقنونه عِنْد الْمَوْت كلمة التَّوْحِيد إِذا كَانَ مُؤمنا مَاذَا يَنْفَعهُ كَونهَا آخر كَلَامه قلت لَعَلَّ كَونهَا آخر كَلَامه قرينَة أَنه مِمَّن يعْفُو اللَّه عَن جرائمه فَلَا يدْخل النَّار أصلا كَمَا جَاءَ فِي اللَّفْظ الآخر حرم اللَّه عَلَيْهِ النَّار وَإِذا كُنَّا لَا نمْنَع أَن يعْفُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 اللَّه عَن بعض عصاة الْمُسلمين وَلَا يؤاخذه بذنوبه فضلا مِنْهُ وإحسانا فَلَا يستبعد أَن ينصب اللَّه النُّطْق بِكَلِمَة التَّوْحِيد آخر حَيَاة الْمُسلم أَمارَة دَالَّة عَلَى أَنه من أُولَئِكَ الَّذين يتَجَاوَز عَن سيئاتهم قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ فَضَالَةَ الْحَافِظَانِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَاذَانَ الرَّازِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَرَّاقَ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيَّ فَذَكَرَ حِكَايَةَ تَلْقِينِ أَبِي زُرْعَةَ وَأَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ وَهُوَ فِي السِّيَاقِ حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ صَالِحِ ابْنِ أَبِي عُرَيْبٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دَخَلَ الْجَنَّةَ وَطَلَعَتْ رُوحُهُ وَقَالَ ابْن أَبِي حَاتِم سَمِعت أَبِي يَقُول مَاتَ أَبُو زرْعَة مطعونا مبطونا يعرق الجبين مِنْهُ فِي النزع فَقلت لمُحَمَّد بْن مُسلم مَا تحفظ فِي تلقين الْمَوْتَى لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَالَ يرْوى عَن معَاذ فَرفع أَبُو زرْعَة رَأسه وَهُوَ فِي النزع فَقَالَ رَوَى عَبْد الحميد بْن جَعْفَر عَن صَالح بْن أَبِي عريب عَن كثير بْن مرّة عَن معَاذ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة فَصَارَ للبيت ضجة ببكاء من حضر وَسمعت أَبِي تغمده اللَّه برحمته يَقُول لما احْتضرَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ كَانَ عِنْده أَبُو حَاتِم ومُحَمَّد بْن مُسلم فأرتج عَلَيْهِمَا فَبَدَأَ أَبُو زرْعَة وَهُوَ فِي النزع فَذكر إِسْنَاده إِلَى أَن قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَخرجت روحه مَعَ الْهَاء من قبل أَن يَقُول دخل الْجنَّة ورأيته أوردهُ فِي شرح الْمِنْهَاج هَكَذَا فحكاية تلقين أَبِي زرْعَة أَصْلهَا صَحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 فَلَا يضر قَول شَيخنَا الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه إِن أَبَا بكر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن شَاذان لَيْسَ بِثِقَة وَلَقَد حصل أَبُو زرْعَة عَلَى أَمر عَظِيم ببركة حفظه للْحَدِيث وَهَكَذَا رَأينَا من لزم بَابا من الْخَيْر فتح عَلَيْهِ غَالِبا مِنْهُ وَلذَلِك يَقُول أهل الطَّرِيق إِن من فتح عَلَيْهِ فِي ذكر يَنْبَغِي أَن يلْزمه فَإِن مِنْهُ يتوالى عَلَيْهِ الْخَيْر هَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لما كثر عَلَيْهِ الْحِفْظ جعله اللَّه لِسَان صدق فِي الآخرين وذكرا إِذا جمع النَّاس يَوْم الْجُمُعَة لرب الْعَالمين فَيقوم الْمُؤَذّن بَين يَدي الْخَطِيب وَيَقُول عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا قلت لصاحبك وَالْإِمَام يخْطب يَوْم الْجُمُعَة أنصت فقد لغوت وَلست أَعنِي بِلِسَان الصدْق الَّذِي حصل لأبي هُرَيْرَةَ مُجَرّد ذكره على رُؤُوس الأشهاد بعد تقادم السنين بل الترضي عَنهُ وَذكر اسْمه بِهَذَا الحَدِيث فيتذكره سامعه فيترضى أَيْضًا عَنهُ وَهَذَا خير عَظِيم فكم ترحم عَلَيْهِ صَالح بِسَبَب ذكر هَذَا الحَدِيث وَكَذَلِكَ الْإِنْصَات عِنْد سَماع هَذَا الحَدِيث امتثالا فكم عَامي لم يبلغهُ هَذَا الحَدِيث وَلَا هَذَا الحكم فَلَمَّا سمع الْمُؤَذّن يَقُول ذَلِك امتثل وَبِهَذَا يحصل أجر عَظِيم لمبلغ الْخَيْر وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ كَانَ من أحفظ الْأمة وَكَانَ علمه الَّذِي يمت بِهِ الحَدِيث وَحفظه قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه بْن مَنْدَه الْحَافِظ سَمِعت مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن حمكويه بِالريِّ يَقُول سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن رجل حلف بِالطَّلَاق أَن أَبَا زرْعَة يحفظ مِائَتي ألف حَدِيث هَل حنث فَقَالَ لَا ثمَّ قَالَ أحفظ مِائَتي ألف حَدِيث مثل {قل هُوَ الله أحد} وأحفظ فِي المذاكرة ثَلَاثمِائَة ألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَقَالَ أَبُو أَحْمَد بْن عدي الْحَافِظ سَمِعت أَبِي يَقُول كنت بِالريِّ وَأَنا غُلَام فِي البزازين فَحلف رجل بِالطَّلَاق أَن أَبَا زرْعَة يحفظ مائَة ألف حَدِيث فَذهب قوم إِلَى أَبِي زرْعَة وَذَهَبت مَعَهم فَذكرُوا لَهُ حلف الرجل فَقَالَ مَا حمله عَلَى ذَلِك قِيلَ قد جرى ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ يمسك امْرَأَته فَإِنَّهَا لم تطلق فَإِن قلت الرجل لَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق سَوَاء وَافق الْمَحْلُوف عَلَيْهِ مَا فِي نفس الْأَمر أم خَالفه لِأَنَّهُ حلف عَلَى غَلَبَة ظَنّه قلت المُرَاد هُنَا تَحْقِيق مَا فِي نفس الْأَمر ليَكُون من إمْسَاك زَوجته عَلَى يَقِين وكي لَا يسْتَحبّ لَهُ الْمُرَاجَعَة فَإِن الْوَرع فِي حَالَة الشَّك أَن يُرَاجع وَهنا لَا شكّ وَنَظِير الْحِكَايَة أَن رجلا أَتَى القَاضِي الْحُسَيْن رَحمَه اللَّه فَقَالَ حَلَفت بِالطَّلَاق أَنه لَيْسَ أحد فِي الْفِقْه وَالْعلم مثلك فَأَطْرَقَ رَأسه سَاعَة وَبكى ثمَّ قَالَ هَكَذَا يفعل موت الرِّجَال لَا يَقع طَلَاقك فَإِن قلت فقد قَالَ الْأَصْحَاب فِيمَا إِذا قَالَ السّني إِن لم يكن الْخَيْر من اللَّه وَالشَّر فامرأتي طَالِق وَقَالَ المعتزلي إِن كَانَا من اللَّه فامرأتي طَالِق أَو قَالَ السّني إِن لم يكن أَبُو بكر أفضل من عَلِيّ فامرأتي طَالِق وَعكس الرافضي يَقع طَلَاق المعتزلي والرافضي صرح بِهِ إِبْرَاهِيم المروروذي مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا حلف عَلَى غَلَبَة ظَنّه قلت لِأَن خطأ المعتزلي والرافضي فِيهِ قَطْعِيّ وَالْمَسْأَلَة قَطْعِيَّة فَلَا يَنْفَعهُ الظَّن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وَقد نقل الرَّافِعِيّ فِي فروع الطَّلَاق عَن إِسْمَاعِيل البوشنجي فِيمَن قَالَ إِن كَانَ اللَّه يعذب الْمُوَحِّدين فامرأته طَالِق أَنه يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق لِأَنَّهُ صَحَّ فِي الْأَخْبَار تَعْذِيب بعض الْمُسلمين عَلَى جرائمهم وَهَذَا بِخِلَاف الْأَمر الظني كَمَا لَو قَالَ شَافِعِيّ إِن لم يكن الشَّافِعِي أفضل من أَبِي حنيفَة فامرأتي طَالِق وَعكس الْحَنَفِيّ فقد قَالُوا لَا يَحْنَث وَاحِد مِنْهُمَا وشبهوه بمسئلة الْغُرَاب وَعَن الْقفال لَا نجيب فِي هَذِه المسئلة قلت ونجيب بالنُّون وَالْجِيم كَأَنَّهُ رأى الْأَمر قَطْعِيا أَو شكّ هَل هُوَ قَطْعِيّ أَو ظَنِّي فأحجم عَن الْجَواب وَيُؤَيّد الأول مَا فِي فَتَاوَى القَاضِي الْحُسَيْن جمع الْبَغَوِيّ أَن القَاضِي سُئِلَ عَن شَافِعِيّ حلف بِالطَّلَاق أَن من صلى وَلم يقْرَأ الْفَاتِحَة لم يسْقط فرض الصَّلَاة عَنهُ وحنفي حلف بِالطَّلَاق أَنه يسْقط عَنهُ فَأجَاب يَقُول فِي هَذِه المسئلة مَا تَقولُونَ فِي شَافِعِيّ افتصد وَلم يتَوَضَّأ وَصلى ثمَّ حلف بِطَلَاق زَوجته أَن الْفَرْض سقط عَنهُ كل مَا تَقولُونَ هُنَاكَ فَنحْن نقُول بِهِ فِي هَذِه المسئلة وَإِلَّا فالاعتقاد أَن يحكم بِوُقُوع الطَّلَاق عَلَى زَوْجَة الْحَنَفِيّ انْتهى وَهنا دقيقة وَهُوَ أَن الْحَالِف عَلَى الظني عَلَى مَا فِي ظَنّه إِنَّمَا لم يُوقع الطَّلَاق عَلَيْهِ لما ذَكرْنَاهُ من مُوَافَقَته لما فِي ظَنّه وَيسْتَحب لَهُ مَعَ ذَلِك الْمُرَاجَعَة ورعا وَلَو قَدرنَا عَلَى الْوُصُول إِلَى الْيَقِين لَكَانَ أولى لَهُ من الْمُرَاجَعَة وَفِي حكايتي أَبِي زرْعَة وَالْقَاضِي الْحُسَيْن أمكن الْوُصُول إِلَى الْيَقِين بسؤالهما وَهَذَا مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ أَولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَاعْلَم أَن جَمِيع مَا سقناه فِي قَول لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ المُرَاد بِهِ فِي أَكثر الْأَحَادِيث صِيغَة الشَّهَادَتَيْنِ لَا إِلَهَ إِلا الله مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقد صَارا كالشيء الْوَاحِد لِأَن الِاعْتِبَار بِأَحَدِهِمَا مُتَوَقف عَلَى الآخر وَمن ثمَّ قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ وَجَمَاعَة فِي تلقين الْمَيِّت يلقن الشَّهَادَتَيْنِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ وَقد قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَإِنَّمَا تعصم دِمَاؤُهُمْ إِذا أقرُّوا بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلذَلِك جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما مَرْفُوعا أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَن مُحَمَّدا رَسُول اللَّهِ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عِنْدهمَا لأبي هُرَيْرَةَ حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ويؤمنوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وَفِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أنس رَفعه حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ فَإِذا شهدُوا أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَن مُحَمَّدا رَسُول اللَّهِ واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صَلَاتنَا حرمت علينا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت فَجعل الشَّهَادَتَيْنِ شَيْئا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَمر الأول الَّذِي بني الْإِسْلَام عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَو كَانَ شَيْئَيْنِ لَكَانَ الْإِسْلَام مَبْنِيا عَلَى سِتّ لَا عَلَى خمس أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبِي سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ وَجَمَعَنِي وَإِيَّاهُ عِنْدَهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو صَادِقٍ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَبَّاحٍ الْمَخْزُومِيُّ ح قَالَ وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ الْوَاسِطِيُّ إِجَازَةً مُعَيَّنَةً أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَادِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ غَدِيرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْخِلَعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 أخبرنَا أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن من مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي مُسْنَدِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى هَذَا وَهُوَ صَحِيحٌ مُخَرَّجٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَزَرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ حَاضِرُونَ لِلاسْتِمَاعِ مِنْهُمْ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ مَرْدُوَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ابْن أَحْمَدَ بْنِ مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ الْوَاعِظُ النَّيْسَابُورِيُّ قَدِمَ علينا فِي سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَنْبَرٍ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ ابْن الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله غز وَجَلَّ قيل لَهُ طعنت عَلَى أَبِيك قَالَ إِنِّي لم أفعل إِن النَّاس انْطَلقُوا إِلَى أَبِي فَبَايعُوهُ طائعين غير مكرهين فنكث ناكث فَقتله وبغى بَاغ فَقتله ومرق مارق فَقتله مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالب هُوَ ابْن الْحَنَفِيَّة وَالْحَنَفِيَّة أمه وَلم يخرج لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة شَيْء فِي الْكتب السِّتَّة أخبرنَا أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن شَيْخِنَا الْحَافِظُ أَبِي الْحَجَّاجِ يُوسُفَ بْنِ الزَّكِيِّ الْمزي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرتنا حرمية بنت تَمام بْنِ إِسْمَاعِيلَ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الثَّالِثَةِ قَالَتْ أَخْبَرَنَا عربشاهُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد ابْن أَحْمَدَ الْخُوَارِيُّ أَخْبَرَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّاهِدُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الْقَطِيعِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو الْيَمَانِ قَالا أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ عَصَمَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا أُمِرْتُ أَنْ أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْهُ فَقَالا هَذَا خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ الزُّهْرِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ الْقِصَّةَ قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ الْوَهْمُ مِمَّنْ قَالَ مِنْ عِمْرَانَ وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أُوَيْسَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أُوَيْسٍ وَقَالَ حَاتِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُوَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ الْقَوْمِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بن دَاوُد الْجَزرِي الْحَنْبَلِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي إِجَازَةً قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو يَاسِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَيَّاطُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِمَدِينَةِ السَّلامِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْجَصَّاصُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّوَّافُ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ هَارُونُ ابْن يُوسُفَ بْنِ هَارُونَ بْنِ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الْمِصْرِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ الأَسْلَمِيِّ قَالَ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ عَلَى خَمْسٍ فَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَاتَلَهُ عَلَيْهَا كَمَا يُقَاتِلُهُ عَلَى الْخَمْسِ عَلَى شَهَادَةِ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحَجِّ الْبَيْتِ لَيْسَ لِحَنْظَلَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُنْقَلَبَهُ وَمَثْوَاهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّحَّاسُ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظ أخبرنَا ذَاكر بن كَامِل الْخفاف أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَاقَرْحِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الضِّيَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحسن ابْنُ الْبُخَارِيِّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَمَوِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَبْهَانَ الْيَشْكُرِيُّ قَالُوا أَرْبَعَتُهُمْ أَنْبَأَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ سَمَاعًا إِلا الْحَمَوِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ حضورا أخبرنَا هبة الله بن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلانَ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبُو بِلالٍ الأَشْعَرِيُّ قَالا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ الْحِمَّانِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ح وَأَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُخْتَار بن صَالح الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الْخَامِسَةِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِيُّ ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ خَطِيبُ مَرْدَا وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ الدِّمَشْقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي الْمَقْدِسِي قَالُوا أخبرنَا يحيى ابْن مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجَرُّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ التَّاجِرُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عمر يَعْنِي مُحَمَّد الْعَدَنِيَّ ح وَأَخْبَرَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْن أَبِي الْفَتْحِ الْحَلَبِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَرَّانِيُّ أَخْبَرَنَا ضِيَاءُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْخريفِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ جُوَالِقٍ قَالَ ابْنُ الْخريفِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ابْن الْفَرَّا وَقَالَ ابْنُ جُوَالِقٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّرَّاحِ قَالا أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْغَنَائِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حُبَابَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ الْمَكِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْخِمْسِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 ح وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ الْحَمَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْفَارُوثِيُّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ كَرَمٍ الدِّينَوَرِيُّ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ نَصْرٍ الْعُكْبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبُسْرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخَلِّصُ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعِيدٍ وَمِسْعَرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحَجِّ الْبَيْتِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يَذْكُرْ وَأَنَّ مُحَمَّدًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لأَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ قَوْلُنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ كَمَا عَرَفْتَ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَلْفَاظٍ إِنِ اخْتَلَفَتْ فَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ وَأَخْبَرَنَاهُ بِلَفْظٍ آخَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْنِدُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَايِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ عَلانَ الْقَيْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمُقْرِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن النقور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخَلِّصُ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِشْرٍ السَّكْسَكِيِّ قَالَ بَعَثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بِكِسْوَةٍ إِلَى الْكَعْبَةِ فَخَرَجْنَا حَتَّى نَزَلْنَا تَيْمَاءَ فَأَتَانَا سَائِلٌ فَقَالَ تَصَدَّقُوا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَدْفَعُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الشَّرِّ فَقُلْتُ مَنْ أَعْلَمُ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالُوا نُسَيٌّ فَأَتَيْتُهُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى الْبَابِ فَانْطَلَقت إِلَى جَارِيَة فَقلت هَاهُنَا نُسَيٌّ قَالَتْ نَعَمْ قُلْتُ فَاسْتَأْذِنِيهِ فَذَهَبَتْ ثُمَّ اطَّلَعَتْ فَقَالَتْ ارْقَ فَرَقِيتُ فَلَمَّا رَآنِي أَخَذَ يتَوَضَّأ فَقلت مَالك لَمَّا رَأَيْتَنِي أَخَذْتَ تَتَوَضَّأُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِمُوسَى يَا مُوسَى تَوَضَّأْ فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلا تَلُومَنَّ إِلا نَفْسَكَ قُلْتُ رَحِمَكَ اللَّهَ إِنَّهُ أَتَانَا سَائِلٌ فَقَالَ تَصَدَّقُوا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَدْفَعُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الشَّرِّ قَالَ صَدَقَ مِنْ هَدَّةِ الْجِدَارِ وَمِنَ الْغَرَقِ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْمَنَايَا فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّكَ تَحُجُّ وَتَعْتَمِرُ وَلا تَغْزُو فَسَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ أَعَادَهَا فَسَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ أَعَادَهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ إِنَّ الإِسْلامَ بُنِيَ عَلَى خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْجِهَادُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وَالصَّدَقَةُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ هَكَذَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ بْنُ بِشْرٍ مَجْهُولٌ وَنُسَيٌّ الْكِنْدِيُّ الشَّامِيُّ وَالِدُ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ يَرْوِي عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَخْبَرَنَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مَحْمُودُ بْنُ خَلِيفَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ الْمَنْبِجِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الأَسَدِيُّ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ أَخْبَرَنَا الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُحْرِمِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُسْلِمٍ أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ بُنِيَ الإِسْلامِ عَلَى خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْتِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْجِهَادُ قَالَ هَكَذَا قَالَ لَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس قَالَ فَسَمَّاهُنَّ قَالَ وَالْجِهَادُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَيْسَ لِطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَكَلامُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ مِمَّا بُنِيَ عَلَيْهِ الإِسْلامُ فَكَأَنَّ مُسَمَّى الإِسْلامِ عِنْدَهُ هَذِهِ الْخَمْسَ لَا كُلَّ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أَعَمُّ وَإِذَا ضَمَّ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا الْقَوْلَ بِتَرَادُفِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ كَمَا يَزْعُمُهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ كَانَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الإِيمَانِ بَلْ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يُوَافِقُ الْقَائِلِينَ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ الطَّاعَاتِ عَنْ مُسَمَّى الإِيمَانِ وَنَظِير هَذَا الحَدِيث حَدِيث ضمام بْن ثَعْلَبَة الَّذِي أَخْبَرَنَاهُ صَالِحُ بْنُ مُخْتَارٍ الأشنوي بِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ الإِمَامِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَنَا أسمع قَالَ أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عَبْدِ الدَّائِمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِيُّ سَمَاعًا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ الأَدَمِيُّ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سَعْدٍ الثَّقَفِيُّ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد ابْن الْفَضْلِ التَّيْمِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ أَبِي الْمنعمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِيُّ كِتَابَةً قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُنَجَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اللَّتِّيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْت عبد الأول ابْن عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ الْحَافِظُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قُلْتُ هُوَ أَبُو النَّضْرِ قَالَ وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الله أرسلك قَالَ صدق قَالَ فَمن فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فبالذي خلق السَّمَاء وَخلق الأَرْض وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي أرسلك الله أَمرك بِهَذَا قَالَ نعم قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا قَالَ صدق قَالَ فبالذي أرسلك الله أَمرك بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِي سَنَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فبالذي أرسلك الله أَمرك بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا قَالَ صَدَقَ قَالَ ثُمَّ وَلَّى فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ فَوَقَعَ لَنَا بَدَلا عَالِيًا وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ الطُّوسِيِّ عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ الْعَمِّيِّ الْبَصْرِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْكُوفِيِّ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو الْعَقَدِيِّ ثَلاثَتُهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ التِّنِّيسِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ زُغْبَةَ كِلاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتِلافٌ فِي اللَّفْظِ فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أَخْبَرَنَا يُوسُفُ ابْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ الشّقاريِّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَرَّا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَوَّامٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ بْنِ مُشْرِفٍ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْحَجَّارُ وَسِتُّ الْوُزَرَا بِنْتُ عُمَرَ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ الْمُنَجَّا سَمَاعًا عَلَيْهِمْ وَالإِمَامُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَرَ إِجَازَةً قُلْتُ وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْحَجَّارُ إِجَازَةً كَتَبَهَا إِلَيَّ مِنْ دِمَشْقَ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُبَارَكِ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الدوادي أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ابْن حَمُّوَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ حَتَّى أَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم متكىء بَين ظهرانيهم فَقُلْنَا هَذَا الرجل الْأَبْيَض المتكىء فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَبْتُكَ فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلا تَجِدْ عَلِيَّ فِي نَفْسِكَ قَالَ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلِكَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا فِي فُقَرَائِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَكْمَلُ الرِّوَايَاتِ لِهَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا الْمُسْنِدُ أَسَدُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ الْمَلِكِ الْمُغِيثِ شِهَابِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ شَرَفِ الدِّينِ عِيسَى بْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ سَيْفِ الدِّينِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شاذي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الْخَامِسَةِ بِالْقَاهِرَةِ وَالْمُسْنِدُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ الْكُرْدِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ إِمَّا بِقِرَاءَتِي أَوْ بِقِرَاءَةِ غَيْرِي وَغَالِبُ ظَنِّي أَنَّهُ بِهِمَا جَمِيعًا فِي نَوْبَتَيْنِ بِدِمَشْقَ قَالا أَخْبَرَنَا خَطِيبُ مَرْدَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَقْدِسِيُّ قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا أَخْبَرَنَا صَنِيعَةُ الْمَلِكِ أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ الله بن يحيى ابْن حَيْدَرَةَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ غَدِيرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بن الْحُسَيْن الخلعي أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عمر بن مُحَمَّد بن سعيد بْنِ النَّحَّاسِ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله ابْن جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَتْ بَنُو سَعْدٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلا جَلِدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ أمحمد قَالَ نعم قَالَ يَا ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي سَائِلُكَ فَمُغْلِظٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ قَالَ لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي فَسَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ آللَّهُ بَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولا قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الأَنْدَادَ الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ قَالَ نَعَمْ قَالَ ثُمَّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الإِسْلامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً الزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَشَرَائِعَ الإِسْلامِ كُلَّهَا يَنْشُدُه عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ فَإِنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ ثُمَّ لَا أَزِيدُ وَلا أَنْقُصُ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ صَدَقَ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ فَأَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَكَانَ أول مَا تكلم بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 أَن قَالَ ياست اللات والعزى قَالُوا مَعَه يَا ضِمَامُ اتَّقِ الْبَرَصَ اتَّقِ الْجُذَامَ اتَّقِ الْجُنُونَ قَالَ وَيْلَكُمْ إِنَّهُمَا وَاللَّهِ لَا يَضُرَّانِ وَلا يَنْفَعَانِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا فَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلا امْرَأَةٌ إِلا مُسْلِمًا قَالَ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ شُعْبَةُ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَسَنُ الْحَدِيثِ قُلْتُ وَالْعَمَلُ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَأَنَّهُ إِمَامٌ مُعْتَمَدٌ وَلا اعْتِبَارَ بِخِلافِ ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ كُلِّهَا ذِكْرُ الْحَجِّ وَوَقَعَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّةَ فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلا مِنْ أزدشنوءة يُقَالُ لَهُ ضِمَامٌ كَانَ بِالْيَمَنِ وَكَانَ يُعَالِجُ مِنَ الأَرْوَاحِ فَقَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاحِرٌ وَكَاهِنٌ وَمَجْنُونٌ فَقَالَ لَوْ أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَشْفِي عَلَى يَدَيَّ وَأَنَا أُعَالِجُ مِنْ هَذِهِ الأَرْوَاحِ فَقَالَ الْحَمْدُ للَّهِ نَحْمَدُه وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ وَأشْهد أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَالَ أَعِدْ عَلِيَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَالشِّعْرَ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ وَلَوْ بَلَغَ قَامُوسَ الْبَحْرِ مُدَّ يَدَيْكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ فَمَدَّ يَدَهُ فَبَايَعُهُ عَلَى الإِسْلامِ قَالَ وَعَلَى قَوْمِي فَبَايَعَهُ عَلَى قَوْمِهِ عدنا إِلَى الْكَلَام عَلَى حَدِيث بني الْإِسْلَام عَلَى خمس وَقد وَقع فِي أَكثر الْأَلْفَاظ تَقْدِيم الصَّوْم عَلَى الْحَج حَتَّى جَاءَ فِي رِوَايَة فِي صَحِيح مُسلم بني الْإِسْلَام عَلَى خمس عَلَى أَن يوحد اللَّه وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصِيَام رَمَضَان وَالْحج فَقَالَ رجل الْحَج وَصِيَام رَمَضَان قَالَ ابْن عمر لَا صِيَام رَمَضَان وَالْحج كَذَا سمعته من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاء فِي لفظ تَقْدِيم الْحَج وَقد أسندناه فِيمَا مضى وَخرج أَبُو عوَانَة فِي كِتَابه الْمخْرج عَلَى صَحِيح مُسلم ذَلِك مُصَرحًا فِيهِ بِالْعَكْسِ مِمَّا صرح بِهِ فِي صَحِيح مُسلم وَهُوَ أَن ابْن عمر رَوَاهُ بِتَقْدِيم الْحَج عَلَى الصَّوْم فَأَعَادَهُ رجل بِتَقْدِيم الصّيام عَلَى الْحَج فَقَالَ لَهُ ابْن عمر لَا اجْعَل صِيَام رَمَضَان آخِرهنَّ هَكَذَا سمعته من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقضى بعض الْمُحدثين بِأَن هَذِهِ الرِّوَايَة غلط لمعارضتها لما فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاحْتِمَال كَونهمَا وَاقِعَتَيْنِ بعيد وَهَذَا لَهُ نَظِير فِي حَدِيث أَذَان ابْن أم مَكْتُوم وبلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 فَفِي الصَّحِيحَيْنِ إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْن أم مَكْتُوم وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمَد وصحيحي ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَلَى الْعَكْس من ذَلِك فَقيل كَانَ الْأَذَان بَينهمَا نوبا وَقيل بل هَذِهِ غلط فَإِن قلت هَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي أَن الْإِسْلَام عبارَة عَن الْخمس فَمَا تَقولُونَ فِيمَن فقد وَاحِدًا مِنْهَا غير الشَّهَادَتَيْنِ هَل يخرج عَن الْإِسْلَام قلت نقدم عَلَى جَوَاب السُّؤَال مَا لَا بُد مِنْهُ لَهُ فَنَقُول لفظ الْإِيمَان بِاتِّفَاق الْمُسلمين لَا يخرج عَن أَعمال الْقلب والجوارح وَمَا تركب مِنْهُمَا ثمَّ اخْتلفُوا عَلَى مَذَاهِب أَحدهَا أَنه تَصْدِيق الْقلب بِمَا علم مَجِيء الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ ودعاؤه الْخلق إِلَيْهِ وحثه الْأمة عَلَيْهِ وَلَيْسَ معنى هَذَا القَوْل أَن من صدق وَلم يتَلَفَّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ يكون مُؤمنا إِيمَانًا مَقْبُولًا بل الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق وَلَكِن لقبوله شَرط وَهُوَ التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَعدم الْإِتْيَان بِمَا هُوَ مكفر ولفوات هَذَا الشَّرْط عَلَى أَبِي طَالب لم يحكم بِدُخُولِهِ الْجنَّة مَعَ كَونه كَانَ مُعْتَقدًا بِدَلِيل قَوْله (وَدَعَوْتنِي وَزَعَمت أَنَّك صَادِق ... وَلَقَد صدقت وَكنت ثمَّ أَمينا) وَقَوله (لقد علمُوا أَن ابننا لَا مكذب ... لدينا وَلَا مرمى بقول الأباطل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَقَوله (وَلَقَد علمت بِأَن دين مُحَمَّد ... من خير أَدْيَان الْبَريَّة دينا) وَمن إِن كَانَت زَائِدَة فالبيت صَرِيح فِيمَا ندعيه وَجوز زيادتها فِي الْإِثْبَات الْكُوفِيُّونَ والأخفش وَاسْتَدَلُّوا بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَلَقدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسلين} وَقَوله تَعَالَى فِي سُورَة نوح {يغْفر لكم من ذنوبكم} وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الصَّفّ بِغَيْر من وَقَوله تَعَالَى {يحلونَ فِيهَا من أساور} وَقَوله تَعَالَى {وَيكفر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ} وَخرج الْكسَائي عَلَى زيادتها إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون وَمن شواهدها فِي الشّعْر قَول عمر بْن أَبِي ربيعَة (وينمي لَهَا حبها عندنَا ... فَمَا قَالَ من كاشح لم يضر) وَقَالَ أَبُو طَالب أَيْضًا (ألم تعلمُوا أَنا وجدنَا مُحَمَّدا ... نَبيا كموسى خطّ فِي أول الْكتب) وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لَهُ أوردهَا ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة وَذكر الْحَاكِم فِي أثْنَاء تَرْجَمَة سُفْيَان الثَّوْريّ فِي كتاب مزكى الْأَخْبَار أَخْبَرَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بْن أَحْمَد الْأَصْبَهَانِيّ الزَّاهِد أَخْبَرَنَا أَبُو السّري مُوسَى ابْن الْحُسَيْن بْن عبَادَة قَالَ قَالَ لي مُحَمَّد بْن الصَّباح الدولابي يَا أَبَا السّري جَاءَ عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ فَنزل هَاهُنَا عندنَا فَكَانَ يَأْتِيهِ نَاس فَصَارَ إِلَيْهِ فتيَان من فتياننا فَقلت إيش يُحَدثكُمْ فَقَالُوا يُفَسر الْقُرْآن بِأَحْسَن التَّفْسِير قلت من رَأْيه أَو يأثره عَن غَيره قَالُوا بِرَأْيهِ قلت هَذَا شَرّ قَالَ فَجَاءَنِي بعد سنة فَسلم عَلِيّ وَقَالَ يَا أَبَا جَعْفَر أَنا وَالله إِلَيْك مشتاق قلت أَنا فِي مَسْجِدي مَا عَلِيّ حَاجِب فَقَالَ علمت يَا أَبَا جَعْفَر أَنِّي فَكرت البارحة فَرَأَيْت سُفْيَان الثَّوْريّ قد مَاتَ عَلَى بدعتين لم يتب إِلَى اللَّه مِنْهُمَا وَذكر قَول سُفْيَان إِن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص وَرَأَيْت فلَانا يَقُول الْإِيمَان قَول قَالَ فَقلت أرى كلامك يدل عَلَى أَن أَبَا طَالب أَصْلَب أهل الأَرْض إِيمَانًا فَإِنَّهُ قد قَالَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنا أعلم أَن مَا تَقول حق وَلَكِن أكره أَن تعيرني نسَاء قُرَيْش قلت وَهَذِه الْحِكَايَة ناشئة عَن أحد أَمريْن إِمَّا أَن عَبْد الْعَزِيز الْمَذْكُور وَهُوَ الْكِنَانِي الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ الحيدة وَسَنذكر تَرْجَمته فِي الطَّبَقَة الأولى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يعْتَقد أَن الْإِيمَان هُوَ الْمعرفَة فَقَط كَمَا سننقله عَن جهم بْن صَفْوَان وَلَا يشْتَرط النُّطْق وَتلك بِدعَة شنعاء لَا أقبح مِنْهَا نسْأَل اللَّه السَّلامَة فِي الدّين أَو أَن الدولابي لم يفهم عَنهُ وَيكون إِنَّمَا اعْتقد أَن الْإِيمَان فِي الْقلب وَلَكِن لَهُ شَرط وَهُوَ النُّطْق كَمَا قُلْنَاهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يختلج فِي ذهني أَنه مُعْتَقد عَبْد الْعَزِيز وَقد رَأَيْت أَقْوَامًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 يتعصبون عَلَى من يَقُول الْإِيمَان التَّصْدِيق بِهَذَا ظنا مِنْهُم أَن الْقَائِل بذلك لَا يشْتَرط النُّطْق فِي الِاعْتِدَاد بِهِ وَهُوَ تعصب صادر عَن عدم الْمعرفَة بِمذهب الْقَائِلين بِهَذَا القَوْل وَمن هَؤُلَاءِ أَبُو مُحَمَّد بْن حزم الظَّاهِرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه الْملَل والنحل ذهب قوم إِلَى أَن الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ معرفَة اللَّه بِالْقَلْبِ فَقَط وَإِن أظهر الْيَهُودِيَّة أَو النَّصْرَانِيَّة أَو سَائِر أَنْوَاع الْكفْر بِلِسَانِهِ وعبادته فَإِذا عرف اللَّه بِقَلْبِه فَهُوَ مُسلم من أهل الْجنَّة وَهَذَا قَول جهم بْن صَفْوَان وَأبي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ الْبَصْرِيّ وأصحابهما انْتهى وَهَذَا ابْن حزم رجل جري بِلِسَانِهِ متسرع إِلَى النَّقْل بِمُجَرَّد ظَنّه هاجم عَلَى أَئِمَّة الْإِسْلَام بألفاظه وَكتابه هَذَا الْملَل والنحل من شَرّ الْكتب وَمَا برح الْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَابنَا ينهون عَن النّظر فِيهِ لما فِيهِ من الإزراء بِأَهْل السّنة وَنسبَة الْأَقْوَال السخيفة إِلَيْهِم من غير تثبت عَنْهُم والتشنيع عَلَيْهِم بِمَا لم يقولوه وَقد أفرط فِي كِتَابه هَذَا فِي الغض من شيخ السّنة أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وَكَاد يُصَرح بتكفيره فِي غير مَوضِع وَصرح بنسبته إِلَى الْبِدْعَة فِي كثير من الْمَوَاضِع وَمَا هُوَ عِنْده إِلَّا كواحد من المبتدعة وَالَّذِي تحققته بعد الْبَحْث الشَّديد أَنه لَا يعرفهُ وَلَا بلغه بِالنَّقْلِ الصَّحِيح معتقده وَإِنَّمَا بلغته عَنهُ أَقْوَال نقلهَا الْكَاذِبُونَ عَلَيْهِ فصدقها بِمُجَرَّد سَمَاعه إِيَّاهَا ثمَّ لم يكتف بالتصديق بِمُجَرَّد السماع حَتَّى أَخذ يشنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَقد قَامَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَغَيره عَلَى ابْن حزم بِهَذَا السَّبَب وَغَيره وَأخرج من بَلَده وَجرى لَهُ مَا هُوَ مَشْهُور فِي الْكتب من غسل كتبه وَغَيره وَمِمَّا يعرفك مَا قلت لَك من جراءته وتسرعه هَذَا النَّقْل الَّذِي عزاهُ إِلَى الْأَشْعَرِيّ وَلَا خلاف عِنْد الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه بل وَسَائِر الْمُسلمين أَن من تلفظ بالْكفْر أَو فعل أَفعَال الْكفَّار أَنه كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم مخلد فِي النَّار وَإِن عرف بِقَلْبِه وَأَنه لَا تَنْفَعهُ الْمعرفَة مَعَ العناد وَلَا تغني عَنهُ شَيْئا وَلَا يخْتَلف مسلمان فِي ذَلِك وَهل الْفَائِت عَلَيْهِ نفس الْإِيمَان لكَون النُّطْق ركنا مِنْهُ أَو شَرطه فِيهِ الْبَحْث الْمَعْرُوف للأشاعرة وَسَيَأْتِي وَأَجْمعُوا عَلَى أَن الْإِسْلَام زائل عَنهُ فَقَوْل ابْن حزم فِي النَّقْل عَنْهُم إِنَّه مُسلم خطأ عَلَيْهِم صادر عَن أَمريْن عَن عدم الْمعرفَة بعقائدهم وَعَن عدم التَّفْرِقَة بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَأما جهم فَلَا نَدْرِي مَا مذْهبه وَنحن عَلَى قطع بِأَنَّهُ رجل مُبْتَدع وَمَعَ ذَلِك لَا أعتقد أَنه يَنْتَهِي إِلَى القَوْل بِأَن من عاند اللَّه وأنبياءه وَرُسُله وَأظْهر الْكفْر وَتعبد بِهِ يكون مُؤمنا لكَونه عرف بِقَلْبِه فَلَعَلَّ النَّاقِل عَنهُ حمل اللَّفْظ مَا لَا يطيقه أَو جازف كَمَا جازف فِي النَّقْل عَن غَيره وَمَا لنا ولجهم وَهُوَ عندنَا من شَرّ المبتدعة من قَالَ بِهَذِهِ الْمقَالة فَهُوَ كَافِر لَا حَيَّاهُ اللَّه وَلَا بياه كَائِنا من كَانَ والمسلمون مجمعون قاطبة عَلَى أَن تلفظ الْقَادِر لَا بُد مِنْهُ وَأَبُو طَالب إِن سلم أَنه اعْتقد فَلم يتَلَفَّظ بل رد فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِذْنًا خَاصًّا بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا إِلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَذْكُرُ أَنَّ رِجَالا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَزِنُوا عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يُوَسْوِسُ قَالَ عُثْمَانُ فَكُنْتُ مِنْهُمْ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي ظِلِّ أُطْمٍ مِنَ الآطَامِ مَرَّ عَلِيَّ عُمَرُ فَسَلَّمَ عَلِيَّ فَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مَا يُعْجِبُكَ أَنِّي مَرَرْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ السَّلامَ وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي وِلايَةِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى سَلَّمَا عَلِيَّ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَاءَنِي أَخُوكَ عُمَرُ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْكَ فَسَلَّمَ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ فَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ مَا فَعَلْتُ فَقَالَ عُمَرُ بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتَ وَلكنهَا عيبتكم يَا بَنِي أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ أَنَّكَ مَرَرْتَ وَلا سَلَّمْتَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ عُثْمَانُ وَقَدْ شَغَلَكَ عَنْ ذَلِك أَمْرٌ فَقُلْتُ أَجَلْ قَالَ مَا هُوَ فَقَالَ عُثْمَانُ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الأَمْرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجَاةُ هَذَا الأَمْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَبِلَ مِنِّي الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُ عَلَى عَمِّي فَرَدَّهَا عَلِيَّ فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ وروى الإِمَام أَحْمَد أَيْضًا فِي الْمسند من حَدِيث مُحَمَّد بْن جُبَير بن مطعم أَن عُثْمَان ابْن عَفَّان قَالَ تمنيت أَن أكون سَأَلت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا ينجينا مِمَّا يلقِي الشَّيْطَان فِي أَنْفُسنَا فَقَالَ أَبُو بكر قد سَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ ينجيكم من ذَلِك أَن تَقول ماأمرت بِهِ عمي أَن يَقُوله فَلم يقلهُ إسنادها صَحِيح وَأما قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من علم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ الْمُعِزِّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمد ابْن مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَالُوِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بْنُ جُمُعَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُنَانِ بْنِ بِشْرٍ سَمِعْتُ حُمْرَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من علم أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ كِلاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ كِلاهُمَا عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ بِهِ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ عَلِمَ وَنَطَقَ عِنْدَ الإِمْكَانِ لِقِيَامِ الإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يَنْطِقْ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي أَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ مَنْ قَالَ مَوْضِعَ عَلِمَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ اللَّفْظُ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ وَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ فَهُوَ يَنْطِقُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَصَدَقَ مَنْ عَلِمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ لِوُقُوعِ الْعِلْمِ مَقْرُونًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 بِالنُّطْقِ وَهَلِ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ شَرْطٌ كَمَا أَطْلَقْنَاهُ فَيَكُونُ خَارِجًا عَنِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ رُكْنٌ فِيهِ اخْتِلافٌ أَمْرُهُ سَهْلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطٌ وَالْمذهب الثَّانِي أَن الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى مَعْرفَته فَقَط لَا يشْتَرط مَعَه لفظ وَهُوَ رَأْي جهم بْن صَفْوَان وشيعته وَهُوَ مَذْهَب مرذول محجوج بِالْإِجْمَاع لَا يعبأ بِهِ وَلَا يلْتَفت إِلَى قَائِله وَلَيْسَ جهم مِمَّن يعْتد بقوله وَلَوْلَا الْوَفَاء بتعداد الْمذَاهب لما ذكرنَا هَذَا الرجل وَلَا مذْهبه فَإِنَّهُ رجل ولاج خراج هجام عَلَى خرق حجاب الهيبة بعيد عَن غور الشَّرِيعَة يزْعم أَنه ذُو تحقيقات باهرة وَمَا هِيَ إِلَّا ترهات قَاصِرَة وَيَدعِي أَنه لَهُ مثاقب فِي النّظر وَمَا هِيَ إِلَّا عقارب أَو أضرّ وأفحش قولا مِنْهُ مَا حُكيَ عَن مُحَمَّد بْن زِيَاد الْجَزرِي الْكُوفِي أَنه قَالَ من آمن بِاللَّه وَكذب بِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَيْسَ مُؤمنا عَلَى الْإِطْلَاق وَلَا كَافِرًا عَلَى الْإِطْلَاق وَلكنه مُؤمن كَافِر مَعًا وَهَذَا الْمَذْهَب كفر وَمَعَ كَونه كفرا ضرب من الهذيات وَلَا أعتقد أحدا مِمَّن ينتمي إِلَى الْإِسْلَام ذهب إِلَيْهِ وَلَعَلَّ الآفة من النَّاقِل عَن هَذَا الرجل فَلَا يَنْبَغِي أَن يعد هَذَا مذهبا وَالثَّالِث أَنه إِقْرَار بِالشَّهَادَتَيْنِ وَهُوَ رَأْي الكرامية ومنزلة هَذَا الْمَذْهَب فِي السُّقُوط منزلَة مُقَابِله وَقَضيته أَن الْمُنَافِقين مُؤمنُونَ وَالْقُرْآن نَاطِق بِأَنَّهُم فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار وَأَنَّهُمْ كاذبون فِي الدّين يدعونَ أَنهم يَعْتَقِدُونَ وَاعْلَم أَن جهما غاص فِي الْمعَانِي بِزَعْمِهِ وَأعْرض عَن الظَّاهِر فَسقط عَلَى أم رَأسه وَقَامَت عَلَيْهِ حجج الشَّرْع ومنعته عَن سَبِيل الْحق أَي منع وَابْن كرام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 انسحب عَلَى الظَّوَاهِر وَأعْرض عَن ضمائر الْقُلُوب فَوَقع من حالق الْحق إِلَى حضيض الْبَاطِل وَخرج عَن قضايا الْمَعْقُول وتبرأ مِنْهُ الْمَنْقُول فَلَا هُوَ عَلَى الْحق وَلَا هَؤُلَاءِ وَالرَّابِع أَنه كل طَاعَة فرضا كَانَت أم نفلا وَهُوَ رَأْي الْخَوَارِج وَإِلَيْهِ ذهبت طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة مِنْهُم القَاضِي عَبْد الْجَبَّار بْن أَحْمَد الَّذِي يلقبونه قَاضِي الْقُضَاة وَكَانَ رجلا محققا وَاسع النّظر وَالْخَامِس أَنه الطَّاعَة الْمَفْرُوضَة دون النَّافِلَة وَهُوَ مَذْهَب الشَّيْخَيْنِ أَبِي عَلِيّ الجبائي وَابْنه أَبِي هَاشم عَبْد السَّلَام وَكَانَا من أساطين الاعتزال وَلَهُمَا الطَّامَّات الْكُبْرَى والفضائح فِي الْمذَاهب السافلة ومعهما عَلَى هَذَا الْمَذْهَب كثير من معتزلة الْبَصْرَة وَالسَّادِس أَنه إِقْرَار بِاللِّسَانِ والمعرفة وَهَذَا الْمَذْهَب يعزى إِلَى عَبْد الله بن سعيد ابْن كلاب وَكَانَ من أهل السّنة عَلَى الْجُمْلَة وَله طول الذيل فِي علم الْكَلَام وَحسن النّظر وَلم يَتَّضِح لي بعد شدَّة الْبَحْث انْفِصَال مذْهبه عَن مَذْهَب الْقَائِلين بِأَنَّهُ التَّصْدِيق فَإِن الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ والمعرفة يَسْتَدْعِي سبق الْمعرفَة فَإِن قَالَ أَنا لَا أسمي نفس الْمعرفَة إِيمَانًا وَإِنَّمَا أسمى الْإِقْرَار بهَا مَعَ التَّلَفُّظ إِيمَانًا وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من وجودهَا قُلْنَا لَهُ أجهدت نَفسك فِي غير عَظِيم وَإِن قَالَ لم أقل إِقْرَار بالمعرفة وَإِنَّمَا قلت نفس الْمعرفَة مَعَ إِقْرَار اللِّسَان بمضمونها قُلْنَا لَهُ فَهَذَا الْآن مَذْهَب الْجَمَاعَة فبماذا تعرف وعلام تحوم فَإِن قَالَ لفظ اللِّسَان قد يكون إِقْرَارا وَقد يكون إنْشَاء قُلْنَا هَذَا الْإِنْشَاء لَا يُنَافِي الْإِقْرَار فَإِنَّهُ إِخْبَار فِي الْحَقِيقَة عَمَّا انطوى عَلَيْهِ الضَّمِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 بِدَلِيل أَن الْكَاذِب فِيهِ غير مُعْتَد لَهُ بِهِ عِنْد اللَّه تَعَالَى وينجر الْكَلَام فِي ذَلِك إِلَى مَسْأَلَة حقائق الْإِنْشَاء وَهِي من عمد أصُول الْفِقْه لَا من مخاضات الْمُتَكَلِّمين وَأَنت إِذا تفهمت ماألقيته عَلَيْك من الْمذَاهب عرفت اجْتِمَاع الْمذَاهب والمأخذ فِي الْمَسْأَلَة عَلَى أَرْبَعَة أَصْنَاف الصِّنْف الأول يَقُولُونَ الْإِيمَان يكون فِي الْقلب وَاللِّسَان وَسَائِر الْجَوَارِح وهم فرق أعظمها قدرا وأكثرها عددا وأعزها نَفرا أَصْحَاب الحَدِيث وَوَافَقَهُمْ الْخَوَارِج والزيدية والمعتزلة بيد أَن المرام مُخْتَلف والمقصد متباعد ثمَّ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا لَا يفرقون بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام والصنف الثَّانِي يَزْعمُونَ أَن الْإِيمَان إِنَّمَا يكون فِي الْقلب وَاللِّسَان دون سَائِر الْأَعْضَاء وَهَؤُلَاء مِنْهُم من يفرق بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام فَيجْعَل أَعمال سَائِر الْأَعْضَاء إسلاما وهم كثير من الأشاعرة وَمِنْهُم من لَا يفرق وَلَا يكون هَذَا أشعريا أبدا والصنف الثَّالِث يَزْعمُونَ أَن الْإِيمَان لَا يكون إِلَّا فِي الْقلب وَحده دون سَائِر الْجَوَارِح وَهَؤُلَاء فريقان فريق قَالُوا الْإِسْلَام غير الْإِيمَان وَإِن الْإِسْلَام يكون فِي الْجَوَارِح وَإِن النُّطْق لَا بُد مِنْهُ وَإِن الْقَادِر عَلَيْهِ بِدُونِهِ كَافِر لَا يَنْفَعهُ معرفَة الْقلب قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وهم أَصْحَاب شَيخنَا أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ قَالَ وهم أحسن الْفَرِيقَيْنِ قولا وفريق لَا يدْرِي مَذْهَبهم فِي الْجَوَارِح مَا هُوَ وهم الْجَهْمِية والبجلية أَصْحَاب جهم بْن صَفْوَان والْحَسَن بْن الْفضل البَجلِيّ وَالَّذِي يغلب عَلَى الظَّن أَنهم يَقُولُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الْإِيمَان معرفَة الْقلب وَالْإِسْلَام النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ وَسَائِر الْجَوَارِح لَا تسمى أَعمالهَا إِيمَانًا وَلَا إسلاما فَخرج من هَذَا أَن أحدا لَا يَقُول إِن الْقَادِر عَلَى النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ مسامح بِتَرْكِهِ وَلَو قَالَ ذَلِك قَائِل لراغم الشَّرِيعَة وَجَاء بالخطة الشنيعة وخرق إِجْمَاع الْمُسلمين وقدح فِي دَعْوَة سيد الْمُرْسلين صلى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ والصنف الرَّابِع يَقُولُونَ إِن الْإِيمَان إِنَّمَا يكون فِي اللِّسَان دون سَائِر الْأَعْضَاء وهم الكرامية فَإِنَّهُم أهملوا جَانب الِاعْتِقَاد رَأْسا وَقد عرفناك مَا يلْزمهُم فَإِن قلت فَإلَى أَي مَذْهَب من هَذِهِ الْمذَاهب تذهبون قلت لسنا إِلَى مَذْهَب جهم والكرامية بذاهبين وَلَا عَلَى أَقْوَالهم معرجين فَإِن قلت لم يُطَابق الْجَواب السُّؤَال وغايته نفي بعض الْأَقْوَال لَا إِثْبَات مَا يعْتَقد قلت القَوْل بِأَن الْإِيمَان تَصْدِيق الْقلب وَأَن النُّطْق لَا بُد مِنْهُ هُوَ مَا عَلَيْهِ قدوتنا فِي الْكَلَام أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ وقاضينا أَبُو بكر بْن الباقلاني والأستاذ أَبُو إِسْحَاق وَأكْثر الجهابذة البزل ثمَّ اخْتلف جَوَاب شَيخنَا أَبِي الْحَسَن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي معنى هَذَا التَّصْدِيق فطورا قَالَ هُوَ الْمعرفَة وطورا قَالَ هُوَ قَول النَّفس المتضمن للمعرفة ثمَّ يعبر عَن ذَلِك بِاللِّسَانِ فيسمى الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ تَصْدِيقًا وَكَذَلِكَ الْعَمَل بالأركان بِحكم دلَالَة الْحَال كَمَا أَن الْإِقْرَار تَصْدِيق بِحكم دلَالَة الْمقَال فَالْمَعْنى الْقَائِم فِي النَّفس هُوَ الأَصْل الْمَدْلُول عَلَيْهِ وَالْإِقْرَار وَالْعَمَل دليلان وَهَذَا يدانى مَذْهَب ابْن كلاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فَإِن قلت فَمَا تَقولُونَ فِيمَا ينْقل عَن السّلف من أَنه إِقْرَار بِاللِّسَانِ واعتقاد بالجنان وَعمل بالأركان وَهَذَا مستفيض فِيمَا بَينهم لَا يجحده إِلَّا المكابرون قلت تمهل قَلِيلا واسمع مَا نلقيه عَلَيْك وَإِن كَانَ ثقيلا وَاعْلَم أَن قَوْلهم اعْتِقَاد بالجنان لَا إِشْكَال فِيهِ وَقَوْلهمْ إِقْرَار بِاللِّسَانِ هُوَ النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ ولعلهم جعلُوا ذَلِك ركنا فِي الْإِيمَان فَيكون الْإِيمَان مركبا من الِاعْتِقَاد وَالْإِقْرَار وَهُوَ أحد الرِّوَايَتَيْنِ فِي تفاريع الْمَذْهَب الأول وَلَيْسَ بالبعيد وَإِن كَانَ الْأَظْهر جدلا خِلَافه وَقَوْلهمْ وَعمل بالأركان يُمكن أَن يُرَاد بِهِ الْكَفّ عَن مَا يصدر بالجوارح فيوقع فِي الْكفْر من السُّجُود للأصنام وإلقاء الْمُصحف فِي القاذورات فاضبط هَذَا فبه يجْتَمع لَك كَلَام السّلف وَالْخلف وَلَا أَدعِي أَنه حَقِيقَة مُرَاد الْقَوْم غير أَنِّي أجوز ذَلِك وَأسْندَ إِلَى لَفْظَة الْأَركان وَأَنا وَإِن لم أقطع بِأَنَّهُ المُرَاد فأقطع بِأَنَّهُ لَا دلَالَة فِي الْعبارَة عَلَى رد مَذْهَب الْقَائِلين بِأَنَّهُ التَّصْدِيق لما ذكرت من أَن الْأَركان جَائِز أَن يُعْنَى بهَا الْكَفّ عَن المكفرات ودائما أَقُول عبارتان للقدماء مستفيضتان يتناقلهما الْمُتَأَخّرُونَ معتقدين أَن المُرَاد بهما شَيْء وَاحِد وَعِنْدِي أَن اللَّفْظ لَا يساعد عَلَى ذَلِك إِحْدَاهمَا هَذِهِ الْعبارَة فَإِن الْأَركان أَجزَاء الْمَاهِيّة فَلَا يثبت عَلَى السّلف أَنهم يَقُولُونَ بِأَن الطَّاعَات الْمَفْرُوضَة أَو مُطلق الطَّاعَات إِيمَان كلهَا إِلَّا أَن يثبت عَلَيْهِم أَن كلهَا أَرْكَان وَلم يثبت ذَلِك بعد بل لفظ الْأَركان صَرِيح أَو كَالصَّرِيحِ فِي خِلَافه إِذْ لَيْسَ كل طَاعَة يَنْتَفِي الْإِيمَان بانتفائها بل لم يقل ذَلِك فِي شَيْء من مباني الْإِسْلَام غير كلمتي الشَّهَادَتَيْنِ إِلَّا فِي الصَّلَاة عِنْد من يكفر بِتَرْكِهَا ثمَّ لم يقل بذلك عَلَى إِطْلَاقه بل قَالَ بِكفْر دون كفر وليستا الْآن كَذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 والعبارة الثَّانِيَة لَا يكفر أحد من أهل الْقبْلَة بذنب غير مستحل يسْتَدلّ بِهِ الْمُتَأَخّرُونَ عَلَى أَنهم لَا يكفرون أَرْبَاب الْبدع والأهواء وَوَقع الْبَحْث فِي ذَلِك بيني وَبَين الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه اللَّه فَقلت لَهُ وَقد حكى هَذِهِ الْعبارَة عَن الطَّحَاوِيّ الْحَنَفِيّ صَاحب العقيدة وَقَالَ إِنَّه مَسْبُوق إِلَيْهَا أَنا لَا أستدل بذلك عَلَى أَنهم لَا يكفرون الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن مثلا حَتَّى يثبت عِنْدِي أَنهم يَقُولُونَ إِنَّه من أهل الْقبْلَة فالعبارة دَالَّة عَلَى أَن أهل الْقبْلَة لَا يكفرون لَا عَلَى أَن هَؤُلَاءِ من أهل الْقبْلَة وَلَا أحفظ الْآن عَن الشَّيْخ الإِمَام جَوَابا عَن كَلَامي هَذَا غير أَنِّي أَظن أَنه قَالَ أهل الْقبْلَة من صلى لقبلتنا كَذَا أَحسب أَنه أجَاب وَلست عَلَى ثِقَة من ذَلِك وَأَقُول مجيبا عَن هَذَا الْجَواب أَن قَالَه الشَّيْخ الإِمَام أم كَانَ مِمَّا هجس فِي الضَّمِير وتصوره من كَلِمَات ذَلِك الْخَبَر لَيْسَ كل من صلى لقبلتنا من أهل الْقبْلَة أَلا ترى أَن الْمُنَافِقين يصلونَ لقبلتنا وهم كفار بِالْإِجْمَاع عدنا إِلَى الْكَلَام عَلَى أَن قَول السّلف وَعمل بالأركان لَا يتَعَيَّن أَن يُرَاد بِهِ جَمِيع الطَّاعَات وَيجوز أَن يُعْنَى بِهِ الْكَفّ عَن مَا وَقع فِي المكفرات فَإِن قلت الْكَفّ فعل وَلَيْسَ بِعَمَل قلت قَوْلك فعل وَلَيْسَ بِعَمَل مَدْخُول فَإِن الْكَفّ فعل كَمَا هُوَ الْمُخْتَار وَهُوَ مُقَرر فِي أصُول الْفِقْه بِمَا لَا حَاجَة إِلَى الإطالة بِذكرِهِ وَأَنا دَائِما أستهجن مِمَّن يَدعِي التَّحْقِيق من الْعلمَاء إِعَادَة مَا ذكره الماضون إِذا لم يضم إِلَى الْإِعَادَة تنكيتا عَلَيْهِم أَو زِيَادَة قيد أهملوه أَو تَحْقِيق تَرَكُوهُ أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ مرام الْمُحَقِّقين وَمِمَّا أعتقد بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 عَظمَة الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه اللَّه أَن عَامَّة تصانيفه اللطاف فِي مسَائِل نادرة الْوُقُوع مولدة الاستخراج لم يسْبق فِيهَا للسابقين كَلَام وَإِن تكلم فِي آيَة أَو حَدِيث أَو مَسْأَلَة سبق إِلَى الْكَلَام فِيهَا اقْتصر عَلَى ذكر مَا عِنْده مِمَّا اسخرجته فكرته السليمة وَوَقعت عَلَيْهِ أَعماله القويمة غير جَامع كَلِمَات السَّابِقين كحاطب ليل يحب التشبع بِمَا لم يُعْط حَظه من التصانيف جمع كَلَام من مضى فَإِن ترقت رتبته وتعالت همته لخص ذَلِك الْكَلَام وَإِن ضم إِلَى التَّلْخِيص أدنى بحث أَو اسْتِدْرَاك فَذَاك عِنْد أهل الزَّمَان الحبر الْمُقدم والفارس المبجل وَعِنْدنَا أَنه منحاز عَن مَرَاتِب الْعلمَاء البزل والأذكياء المهرة إِنَّمَا الحبر من يملي عَلَيْهِ قلبه ودماغه وتبرز التحقيقات الَّتِي تشهد الْفطر السليمة بِأَنَّهَا فِي أقْصَى غايات النّظر مشحونة باستحضار مقالات الْعلمَاء مشارا فِيهَا إِلَى مَا يسْتَند الْكَلَام إِلَيْهِ من أَدِلَّة الْمَنْقُول والمعقول يرمز إِلَى ذَلِك رمز الفارغ مِنْهُ الَّذِي هُوَ عِنْده مُقَرر وَاضح لَا تفيده إِعَادَته إِلَّا السَّآمَة والملالة وَلَا يُعِيدهُ إِعَادَة الحاشد الْجَمَاعَة الولاج الْخراج الْمُحب أَن يحمد بِمَا لم يفعل ولنعد إِلَى غرضنا فَأَقُول لقد وَقعت عَلَى ثَلَاثَة أَدِلَّة تدل عَلَى أَن الْكَفّ فعل لم أر أحدا عثر عَلَيْهَا أَحدهَا قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا} فَتَأَمّله وَتَقْرِيره أَن الاتخاذ افتعال من أَخذ أَو من وَخذ أَو من تخذ أَقْوَال ثَلَاثَة للتصريفيين أرجحها أَولهَا وَعَلِيهِ فَهَل أبدلت تَاء أَو واوا قَولَانِ وَالْحَاصِل أَن الْأَخْذ التَّنَاوُل والمهجور الْمَتْرُوك فَصَارَ الْمَعْنى تناولوه متروكا أَي فعلوا تَركه وَهَذَا وَاضح عَلَى جعل اتخذ فِي الْآيَة مُتَعَدِّيا إِلَى اثْنَيْنِ ثَانِيهمَا مَهْجُورًا وَهُوَ الْوَاقِع فِيهَا وَلَا يجوز أَن يكون مُتَعَدِّيا إِلَى وَاحِد لِئَلَّا يخْتل الْمَعْنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 إِذْ يلْزم أَن يكون الْقَوْم اتَّخذُوا الْقُرْآن وَيكون مَهْجُورًا حَالا فَيلْزم أَنهم اتخذوه فِي حَال كَونه مَهْجُورًا فَهَذَا عكس الْمَعْنى فَإِنَّهُم اتَّخذُوا هجره وَلم يتخذوا إِقَامَته وَالْعَمَل بِهِ أَو يُقَال بِعِبَارَة أُخْرَى وَمعنى آخر الاتخاذ التَّنَاوُل والتناول لَا يُصَادف المهجور لأَنهم إِذا تناولوه فقد خرج عَن كَونه مَهْجُورًا فَتعين كَون اتخذ هُنَا متعدية إِلَى اثْنَيْنِ وَهُوَ وَاضح مُتَعَيّن فِي هَذِهِ الْآيَة وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} لِأَن الْمَعْنى عَلَى أَنه اتخذ خلته وصيرها لَا أَنه اتخذ ذَاته فِي حَال خلته وَفِي قَوْله تَعَالَى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} وَأَنا أَقُول فِي الْآيَة دليلان لمسألتين مَسْأَلَة من علم الْأُصُول وَهِي أَن التّرْك فعل كَمَا أوضحته لَك وَمَسْأَلَة من علم النَّحْو وَهُوَ الرَّد عَلَى الْفراء فِي دَعْوَاهُ أَن الثَّانِي من مفعولي ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا حَال لَا مفعول ثَان وَقد رد عَلَيْهِ النُّحَاة بِوُقُوعِهِ مضمرا نَحْو ظننتكه وَلَو كَانَ حَالا لم يجز ذَلِك لِأَن الْمُضْمرَات معارف وَالْأَحْوَال نكرات وَفِيمَا تَلَوت من الْآيَات الثَّلَاث رد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يلْزمه اختلال الْمَعْنى وَالثَّانِي مَا أَخْبَرَتْنَا بِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَقْدِسِيَّةُ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَتْ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْخَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ السَّيِّدِيِّ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَتْنَا تَجْنِي الْوَهْبَانِيَّةُ سَمَاعًا عَلَيْهَا قَالَتْ أَخْبَرَنَا طِرَادٌ الزَّيْنَبِيُّ أَخْبَرَنَا هِلالٌ الْحَفَّارُ حَدثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 عَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّصْرِيُّ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ سَلامٍ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ بِلالٍ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَسَكَتُوا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَقَالَ هُوَ حِفْظُ اللِّسَانِ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَالثَّالِث قَول قَائِل الْمُسلمين من الْأَنْصَار وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعْمل بِنَفسِهِ فِي بِنَاء مَسْجده من شعر (لَئِن قعدنا وَالنَّبِيّ يعْمل ... لذاك منا الْعَمَل المضلل) ثمَّ إِنَّا نقُول سلمنَا تنزلا أَن كل طَاعَة عِنْد السّلف إِيمَان كَمَا فهمتم من قَوْلهم وَعمل بالأركان وَلَكنَّا نقُول الْمَنْقُول عَن السّلف أَن الْإِيمَان اعْتِقَاد بالجنان وَإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَعمل بالأركان وَلَكِن لم يَصح لنا أَنهم جعلُوا ذَلِك تعريفا للْإيمَان الصَّحِيح فَجَاز أَن يكون مُرَادهم الْإِيمَان الْكَامِل وَلَا يبعد عِنْدِي أَمر ثَالِث وَهُوَ أَن ناقل هَذَا عَن السّلف لم يفرق بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَأَن يكون السّلف إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك فِي الْإِسْلَام وَهُوَ صَحِيح وَبِه نطق قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني الْإِسْلَام عَلَى خمس الحَدِيث فَإِن قلت وَهل يفرقون بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام قلت أجل وَكَيف لَا وَالله تَعَالَى يَقُول {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} فَأَي نطق أصرح من هَذَا وَأي كَلَام أصدق مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَأي مجمحة أشنع من ناكب عَن صِرَاط هَذِهِ الْآيَة متحير فِي تَأْوِيلهَا عَلَى مُرَاده متسكع بهَا فِي حنادس الْفِكر وَلَا أَعنِي أَصْحَاب الحَدِيث فَأَنِّي سأوضح عدم الِاخْتِلَاف بَينهم وَبَين الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَعْنى وَأَن الْخلاف بَينهم إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظ فَقَط وَإِنَّمَا أَعنِي قدريا قَالَ بِتَرَادُفِ الْإِيمَان وَالْإِسْلَام توصلا إِلَى منزلَة بَين المنزلتين وَحكم بالخلود فِي النَّار عَلَى عَارِف بِاللَّه نَاطِق بِالشَّهَادَتَيْنِ محتجا بِأَن الْإِيمَان هُوَ الْإِسْلَام وَأَن الْإِسْلَام هُوَ الْأَعْمَال الَّتِي مِنْهَا مَا فَقده صَاحب الْكَبِيرَة بِمَا ارْتكب وَإِن لم يشب اعْتِقَاده زيغ وَلَا مين وَلَو أُوتِيَ هَذَا الْقَائِل رشده لتمم مُوَافَقَته لأَصْحَاب الحَدِيث أَو فرق بَين الْبَابَيْنِ الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَجرى عَلَى ظَاهر الْقُرْآن وتأيد بعصام السّنة مطمئن الْجنان منشرح الجؤجؤ بِمَا أَخْبَرَنَا بِهِ الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتَهِ وَرِضْوَانِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ غِيَاثُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْكَاتِبُ ح وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَمَوِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْخَبَّازِ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبُخَارِيِّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْحَمَوِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيَشْكُرِيُّ قَالُوا أَرْبَعَتُهُمْ أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ سَمَاعًا عَلَيْهِ إِلا أَحْمَدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ قَالَ حُضُورًا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ يحيى ابْن يَعْمُرَ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالا حَجَجْنَا ثُمَّ اعْتَمَرْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَأَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَسَأَلْنَاهُ فَقُلْنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّا نَغْزُو هَذِهِ الأَرْضَ فَنَلْقَى أَقْوَامًا يَقُولُونَ لَا قَدَرَ فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ عَنَّا ثُمَّ قَالَ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ قَالَ فَقَالَ إِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَأَنَّكُمْ مِنْهُ بُرَآءُ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشَّارَةِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَعَجِبْنَا مِنْ حُسْنِ وَجْهِهِ وَشَارَتِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ قَالَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ أَدْنُو يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَدَنَا ثُمَّ قَامَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ تَوْقِيرِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ فَخِذَهُ عَلَى فَخِذِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ رِجْلَهُ عَلَى رِجْلِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر والبعث بعد الْمَوْت والحساب بعد الْقدر كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقْتَ قَالَ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِسْلامُ قَالَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَتَعَجَّبْنَا لِتَصْدِيقِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَتَعَجَّبْنَا لِتَصْدِيقِهِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ تَصْدِيقِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثُمَّ انْكَفَأَ رَاجِعًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم على الرجل قَالَ فَطَلَبْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا جِبْرِيل جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ إِلا عَرَفْتُهُ إِلا فِي صُورَتِهِ هَذِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وأخبرناه أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَتْنَا حَرَمِيَّةُ بِنْتُ تَمَّامٍ حُضُورًا قَالَتْ أخبرنَا عربشاه بن أَحْمد إجَازَة أخبرنَا عبد الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُوَارِيُّ أَخْبَرَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَمَّانَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى الْبَجَلِيُّ حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد عَن عُثْمَان بن غياث حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالا لَقِينَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرْنَا لَهُ الْقَدَرَ وَمَا يَقُولُونَ فِيهِ قَالَ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ فَقُولُوا لَهُمْ إِنَّ ابْنَ عُمَرَ مِنْكُمْ بَرِيءٌ وَأَنْتُمْ مِنْهُ بُرَآءُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشَّعْرِ عَلَيْهِ ثِيَابُ بَيَاضٍ فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا مَا نَعْرِفُ هَذَا وَلا هَذَا بِصَاحِبِ سَفَرٍ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ آتِيكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَجَاءَ فَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ فَقَالَ مَا الإِسْلامُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْتَ قَالَ فَمَا الإِيمَانُ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ كُلِّهِ قَالَ فَمَا الإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْمَلَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يراك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 قَالَ فَمَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ فَمَا أَشْرَاطُهَا قَالَ إِذَا الْعُرَاةُ الْحُفَاةُ الْعَالَةُ رُعَاءُ الشَّاءِ تَطَاوَلُوا فِي الْبُنْيَانِ وَوَلَدَتِ الإِمَاءُ أَرْبَابَهُنَّ ثُمَّ قَالَ عَلِيَّ بِالرَّجُلِ فَطَلَبُوهُ فَلْم يَرَوْا شَيْئًا ثُمَّ لبث يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة ثمَّ قَالَ يَا ابْن الْخَطَّابِ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ عَنْ كَذَا وَكَذَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذَاكَ جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ قَالَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فيمَ نعمل أَو فِي شَيْءٍ قَدْ خَلا أَوْ مَضَى أَوْ فِي شَيْءٍ يُسْتَأْنَفُ الآنَ قَالَ فِي شَيْءٍ قَدْ خَلا أَوْ مَضَى فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أهل الْجنَّة وَإِن أهل النَّار ميسرون لعمل أهل النَّار وَأخْبرنَا صَالِحُ بْنُ مُخْتَارِ بْنِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الفوارس الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي الْخَامِسَةِ بِقُبَّةِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِدِمَشْقَ قَالا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ بْنِ نِعْمَةَ زَادَ الْجَزَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ خَطِيبُ مَرْدَا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ الدِّمَشْقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي الْمَقْدِسِيُّ قَالُوا أَرْبَعَتُهُمْ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجُرِّيُّ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بن يعمر قَالَ كَانَ أول من قَالَ فِي هَذَا الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَانْطَلَقْتُ أَنا وَحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي حاجين أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا لَوْ أَتَيْنَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاءِ فِي الْقَدَرِ فَوَافْقَنا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنا وصاحبي أَحَدنَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره فَظَنَنْت أَن صَاحِبي سيكل الْكَلَام إِلَيّ فَقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنَّه قد ظهر قَبْلَنَا أُنَاسٌ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ وَيَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الأَمْرَ أَنِفَ قَالَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَأَخْبِرُوهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ كَانَ لأَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ الله مِنْهُ حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ ثمَّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر لَا يرى عَلَيْهِ أثر السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنَّا حَتَّى جَلَسَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسند رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوضع كفيه على فَخِذَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ وَمَا الإِسْلامُ قَالَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَان وتحج الْبَيْت إِن اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ ويصدقه قَالَ فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَبِثْتُ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ السَّائِلُ قُلْتُ الله وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم أَمر دينكُمْ هَذَا الحَدِيث من أعلا الأَحَادِيثِ فِي دَرَجَاتِ الصِّحَّةِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ وَكِيعٍ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ كِلاهُمَا عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ وَأَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبدة الضَّبِّيّ ثَلَاثَتهمْ عَن حَمَّاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ابْن زَيْدٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ ثَلاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَعَنْ حَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بِهِ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ بِهِ وَعَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ بِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ كَهْمَسِ بِهِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَابْن مَاجَه عَن عَلِيِّ بْن مُحَمَّد عَن كهمس بْن الْحَسَن عَن ابْن بُرَيْدَة بِهِ وَقد رَوَى من غير وَجه وروى هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عمر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أسندناه أَولا وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر عَن عمر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَوَاهُ عَن عمر النَّسَائِيّ عَن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بْن شُمَيْل عَن كهمس بِهِ وَابْن مَاجَه عَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد عَن وَكِيع بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَرُبمَا اخْتلفت الْأَلْفَاظ اخْتِلَافا لَا يُقيم لَهُ الْمُحدث وزنا وَيَرَاهُ الْفَقِيه النحرير أمرا إربا فَلفظ مُسلم أَن يَحْيَى بْن يعمر قَالَ كَانَ أول من قَالَ فِي الْقدر بِالْبَصْرَةِ معبد الْجُهَنِيّ فَانْطَلَقت أَنا وَحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي حاجين أَو معتمرين فَقُلْنَا لَو لَقينَا أحدا من أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُول هَؤُلَاءِ فِي الْقدر فوفق لنا عَبْد اللَّه بْن عمر بْن الْخطاب دَاخِلا الْمَسْجِد فاكتنفته أَنا وصاحبي أَحَدنَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره فَظَنَنْت أَن صَاحِبي سيكل الْكَلَام إِلَيّ فَقلت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنَّه قد ظهر قبلنَا نَاس يقرأون الْقُرْآن ويتقفرون الْعلم وَذكر من شَأْنهمْ وَأَنَّهُمْ يَزْعمُونَ أَن لَا قدر وَأَن الْأَمر أنف فَقَالَ إِذا لقِيت أُولَئِكَ فَأخْبرهُم أَنِّي بَرِيء مِنْهُم وَأَنَّهُمْ بُرَآء مني وَالَّذِي يحلف بِهِ عبد الله بن عمر لَو أَن لأَحَدهم مثل أحد ذَهَبا فأنفقه مَا قبل اللَّه مِنْهُ حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ ثمَّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عمر بْن الْخطاب قَالَ بَيْنَمَا نَحن جُلُوس عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم إِذْ طلع علينا رجل شَدِيد بَيَاض الثِّيَاب شَدِيد سَواد الشّعْر لَا يرى عَلَيْهِ أثر السّفر وَلَا يعرفهُ منا أحد حَتَّى جلس إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسند رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوضع كفيه عَلَى فَخذيهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت ان اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا قَالَ صدقت فعجبنا لَهُ يسْأَله ويصدقه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره قَالَ صدقت فَأَخْبرنِي عَن الْإِحْسَان قَالَ أَن تعبد اللَّه كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة قَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل قَالَ فَأَخْبرنِي عَن أمارتها قَالَ أَن تَلد الْأمة ربتها وَأَن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشَّاء يتطاولون فِي الْبُنيان قَالَ ثمَّ انْطلق فَلبث مَلِيًّا ثمَّ قَالَ يَا عمر أَتَدْرِي من السَّائِل قلت اللَّه وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم دينكُمْ وَلَفظ التِّرْمِذِيّ نَحوه غير أَن فِيهِ تَقْدِيمًا وتأخيرا وَفِيه قَالَ عمر فلقيني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ثَلَاث وَلَفظ أَبِي دَاوُد نَحوه وَفِيه فَلَبثت ثَلَاثًا وَفِي لفظ آخر لَهُ قَالَ فَمَا الْإِسْلَام قَالَ إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَحج الْبَيْت وَصَوْم شهر رَمَضَان والاغتسال من الْجَنَابَة وَفِي لفظ ثَالِث لَهُ زِيَادَة وَسَأَلَهُ رجل من مزينة أَو جُهَيْنَة فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ فيمَ نعمل فِي شَيْء خلا وَمضى أَو شَيْء يسْتَأْنف الْآن قَالَ فِي شَيْء خلا وَمضى فَقَالَ الرجل أَو بعض الْقَوْم فَفِيمَ الْعَمَل قَالَ إِن أهل الْجنَّة ميسرون لعمل أهل الْجنَّة وَإِن أهل النَّار ميسرون لعمل أهل النَّار وَلَفظ النَّسَائِيّ كَلَفْظِ مُسلم إِلَّا أَنه أسقط حَدِيث يَحْيَى بْن يعمر وَذكر معبد وَمَا جرى لَهُ مَعَ ابْن عمر فِي ذكر الْقدر إِلَى قَوْله حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ وَأول حَدِيثه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 قَالَ ابْن عمر فحَدَّثَنِي أَبِي وسرد الحَدِيث إِلَى قَوْله الْبُنيان وَفِيه قَالَ عمر فَلَبثت ثَلَاثًا وَزَاد هُوَ وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد بعد العراة العالة وَزَاد التِّرْمِذِيّ بعد تعلمكم لفظ المعالم فَصَارَ هَكَذَا يعلمكم المعالم ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَكَذَا جَاءَ فِي لفظ رِوَايَة ابْن مَاجَه ذَاك جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم معالم دينكُمْ وَأما البُخَارِيّ رَحمَه اللَّه فَلم يخرج هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه وَلَكِن خرجه هُوَ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضًا من حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ وَأبي ذَر قَالا كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بارزا للنَّاس إِذْ أَتَاهُ رجل فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ مَا الْإِيمَان قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتابه ولقائه وَرُسُله وتؤمن بِالْبَعْثِ الآخر قَالَ يَا رَسُول اللَّهِ مَا الْإِسْلَام قَالَ الْإِسْلَام أَن تعبد اللَّه وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَتُؤَدِّي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وتصوم رَمَضَان قَالَ يَا رَسُول الله مَا الْإِحْسَان قَالَ أَن تعبد اللَّه كَأَنَّك ترَاهُ فَإنَّك إِن لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ يَا رَسُول اللَّهِ مَتى السَّاعَة قَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل وَلَكِن سأحدثك أشراطها إِذا ولدت الْأمة رَبهَا فَذَاك من أشراطها وَإِذا كَانَت الحفاة العراة رُؤُوس النَّاس فَذَاك من أشراطها وَإِذا تطاول رعاء البهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فِي الْبُنيان فَذَاك من أشراطها فِي خمس لَا يعلمهُنَّ إِلَّا اللَّه ثمَّ تَلا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَام} إِلَى قَوْله {إِن الله عليم خَبِير} قَالَ ثمَّ أدبر الرجل فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردوا عَلِيّ الرجل فَأخذُوا ليردوه فَلم يرَوا شَيْئا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا جِبْرِيل جَاءَ ليعلم النَّاس دينهم هَذَا لفظ عِنْد البُخَارِيّ وَفِي لفظ آخر أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سلوني فهابوه أَن يسألوه فجَاء رجل فَجَلَسَ عِنْد رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ مَا الْإِسْلَام وَذكر نَحوه وَزَاد قَوْله فِي آخر كل جَوَاب عَن سُؤَاله صدقت وَقَالَ فِي الْإِحْسَان أَن تخشى اللَّه كَأَنَّك ترَاهُ وَقد أسندناه نَحن من طَرِيق ابْن عمر وَقَالَ فِيهِ إِذا رَأَيْت الحفاة العراة الصم الْبكم مُلُوك الأَرْض فَذَاك من أشراطها وَفِي آخِره هَذَا جِبْرِيل أَرَادَ أَن تعلمُوا إِذا لم تسألوا هَذَا لفظ البُخَارِيّ وَمُسلم جَمِيعًا عَن أَبِي هُرَيْرَةَ وَحده وَفِي الفاظ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بعض زِيَادَة وَنقص فَفِي لفظ لأبي دَاوُد عَن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأبي ذَر جَمِيعًا أَنه سلم من طرف السماط فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا مُحَمَّد وَفِي أَوله أَنهم طلبُوا من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَجْعَل لَهُ مَجْلِسا يعرفهُ الْغَرِيب إِذا أَتَاهُ قَالَ فبنينا لَهُ دكانا من طين يجلس عَلَيْهِ وَكُنَّا نجلس بجنبيه وَفِي لفظ النَّسَائِيّ مثل ذَلِك وَقَالَ فِي سُؤال السَّاعَة فَنَكس فَلم يجب شَيْئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ثمَّ عَاد فَلم يجبهُ ثمَّ عَاد فَلم يجبهُ شَيْئا ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل إِلَى أَن قَالَ لَا وَالَّذِي بعث مُحَمَّدا بِالْحَقِّ هاديا وبشيرا مَا كنت بِأَعْلَم بِهِ من رجل مِنْكُم وَإنَّهُ لجبريل نزل فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وَأخرجه أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي لَفظه زيادات حَسَنَة مفيدة فلنورده قَالَ إِن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّه كَانَ عِنْد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رجل عَلَيْهِ ثَوْبَان أبيضان مقوم حسن النَّحْر والناحية فَقَالَ أدنو مِنْك يَا رَسُول اللَّهِ قَالَ ادن ثمَّ قَالَ أدنو مِنْك يَا رَسُول اللَّهِ قَالَ ادن فَلم يزل يدنو حَتَّى كَانَت ركبته عِنْد ركبة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ قَالَ أَسأَلك قَالَ سل قَالَ أَخْبرنِي عَن الْإِسْلَام قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَحج الْبَيْت وَصَوْم رَمَضَان قَالَ فَإِذا فعلت ذَلِك فَأَنا مُسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم قَالَ لَهُ الرجل صدقت فَجعلنَا نعجب من قَوْله لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقت كَأَنَّهُ أعلم مِنْهُ ثمَّ قَالَ أَخْبرنِي عَن الْإِيمَان مَا الْإِيمَان قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله والبعث بعد الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره قَالَ فَإِذا فعلت ذَلِك فَأَنا مُؤمن قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم قَالَ صدقت فَجعلنَا نعجب من قَوْله لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدقت ثمَّ قَالَ أَخْبرنِي مَا الْإِحْسَان قَالَ أَن تخشى اللَّه كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن كنت لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ صدقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 قَالَ فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل هن خمس لَا يعملهن إِلَّا اللَّه {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَينزل الْغَيْث} الْآيَة فَقَالَ الرجل صدقت وَفِي هَذَا اللَّفْظ من الْفَوَائِد الرَّد عَلَى من حرف الْكَلم عَن موَاضعه ووقف عَلَى قَوْله فِي الرِّوَايَات السَّابِقَة فَإِن لم تكن مُشِيرا إِلَى أَن الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ بذلك إِلَى مقَام الفناء قَائِلا إِن كَانَ هُنَا تَامَّة وَالْمعْنَى أَنَّك إِذا فنيت عَن نَفسك فَلم تَرَهَا شَيْئا شاهدت اللَّه تَعَالَى فَإِن النَّفس ورؤيتها حجاب دون الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَمن نحى الْحجاب شَاهد الجناب كَمَا قَالَ بعض الْمَشَايِخ رَأَيْت رب الْعِزَّة فِي النّوم فَقلت رب كَيفَ الطَّرِيق إِلَيْك فَقَالَ خل نَفسك وتعال هَذَا كَلَام من أَشَرنَا إِلَى أَنه حرف الْكَلم عَن موَاضعه ولسنا ننكر مقَام الفناء وَلَا حق أَهله وَإِنَّمَا يُنكر عَلَى هَذَا الْقَائِل تحريفه لفظ الحَدِيث وَسُوء فهمه فَإِنَّهُ لَو كَانَ الْأَمر كَمَا زعم لجزم لفظ ترَاهُ عَلَى أَنه جَوَاب الشَّرْط فَإِن تَقْدِير فَإِن لم تكن عِنْده فَإِن فنيت وَبِذَلِك تمّ الشَّرْط وَصَارَ الْجَواب ترَاهُ وَجَوَاب الشَّرْط مجزوم فَإِن قَالَ إِن حرف الْعلَّة قد ثَبت ونقدر الْجَزْم فِيهِ عَلَى حد وَلَا ترضاها من قَول الراجز (إِذا الْعَجُوز غضِبت فَطلق ... وَلَا ترضاها وَلَا تلمق) فَالْجَوَاب أَن ذَلِك إِنَّمَا يجوز فِي الضَّرُورَة ثمَّ تضيع قَوْله فَإِنَّهُ يراك وَلَا يصير بَينه وَبَين مَا قبله ارتباط وَالصَّوَاب أَن فَإِنَّهُ يراك جَوَاب الشَّرْط لَا يمتري فِي ذَلِك ذُو فهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَهَذَا اللَّفْظ الَّذِي أخرجه الطَّيَالِسِيّ صَرِيح فِي المُرَاد حَيْثُ قَالَ فَإِن كنت لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك وَمَا أخوفني مِمَّن سَاءَ فهمه أَن يقف عَلَى لَا وَيَقُول الْمَعْنى فَإِن كنت عدما ترَاهُ كَمَا صنع فِي الأول وَلَيْسَ إِلَى صَلَاح من هَذَا مبلغ فهمه سَبِيل وَلكنه إِذا انْتهى إِلَى هُنَا وَسلمنَا لَهُ تنزلا مَا تصَوره فطريق الرَّد عَلَيْهِ أَن نلجئه إِلَى مَا لَا قبل لَهُ بِهِ فَنَقُول عَلَى هَذَا التَّقْدِير حَدِيث فَإِن لم تكن معَارض بِحَدِيث فَإِن كنت لَا لِأَن الْمُعَلق عَلَيْهِ ثمَّ عدم كَونه وَهنا كَون عَدمه وَفرق هائل بَين عدم الْكَوْن وَكَون الْعَدَم لسنا لتحقيقه الْآن وليت شعري أَي دَاع دَعَا هَذَا الرجل إِلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي لَا يساعده عَلَيْهِ لِسَان عَرَبِيّ وَلَا فكر صَحِيح ومقام الفناء لَهُ طرق كافلة بتقريره قاضية بِأَنَّهُ حق وَإِن كَانَ غَيره أعلا مِنْهُ وَقد أخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابه هَذَا الحَدِيث من حَدِيث عمر أَيْضًا من طَرِيق مُعْتَمر بْن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن يَحْيَى بْن يعمر وَفِيه فِي الْإِسْلَام وتغتسل من الْجَنَابَة وتتم الْوضُوء وَفِي آخِره فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بِالرجلِ فطلبناه فَلم نقدر عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ من هَذَا هَذَا جِبْرِيل أَتَاكُم يعلمكم دينكُمْ فَخُذُوا عَنهُ فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا شبه عَلِيّ مذ أَتَانِي قبل مرتي هَذِهِ وَمَا عَرفته حَتَّى ولى قَالَ أَبُو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا إِسْنَاد ثَابت صَحِيح أخرجه مُسلم بِهَذَا الْإِسْنَاد قلت مُرَاده أَن مُسلما أخرج أصل الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد وَأما بِهَذَا الْمَتْن فَلَا وهون أَمر الْمَتْن لما قَدمته لَك من أَن الْمُحدث لَا يعظم الْخطب عِنْده فِي الِاخْتِلَاف عَلَى هَذَا الْوَجْه وَإِن كَانَ رُبمَا رَآهُ عِلّة وَلَكِن الْعلَّة هُنَا منتفية لِأَن الحَدِيث بِاتِّفَاق الجهابذة الفحول ثَابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَقد رَأَيْت من خرجه من الْحفاظ وَكلهمْ لَا يذكرُونَ ابْن عمر إِلَّا رَاوِيا عَن أَبِيه وعَرّفْنَاك أَنه رَوَى عَن ابْن عمر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكر أَبَاهُ وَقُلْنَا لَك إِن الصَّوَاب الصَّحِيح توَسط ذكر أَبِيه وَأرى من أسْقطه وهم من حَدِيث بني الْإِسْلَام عَلَى خمس فَإِن ذَاك من حَدِيث ابْن عمر نَفسه وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بعض هَذَا الحَدِيث وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَنَا الْمُسْنِدُ أَبُو التقي الأشنوي مُجَاوِرُ تُرْبَةِ الإِمَامِ الْمُطَّلِبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْجُوزِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بَعْدَهَا زَايٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الْعُقَيْلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ حَمَّادٍ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُنَا إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فِي هَيْئَةٍ أَعْرَابِيٍّ كَأَنَّهُ مُسَافِرٌ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ أَدْنُو مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ فَدَنَا رَتْوَةً أَوْ رَتْوَتَيْنِ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَا الإِيمَانُ قَالَ أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللَّهِ قَالَ صدقت فتعجبنا من قَوْله صدقت كَأَنَّهُ قد عَلِمَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَمَا الإِسْلامُ قَالَ إِقَامُ الصَّلاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَحَجُّ الْبَيْتِ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالاغْتِسَالُ مِنَ الْجَنَابَةِ قَالَ صَدَقْتَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ قَوْلِهِ صَدَقْتَ كَأَنَّهُ قَدْ عَلِم ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ مَا هُوَ قَالَ أَنْ تَعْمَلَ للَّهِ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ صَدَقْتَ فَتَعَجَّبْنَا مِنْ قَوْلِهِ صَدَقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل قَالَ ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ وَنَحْنُ نَرَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ بِالرَّجُلِ فثرنا فِي أَثَرِهِ فَمَا حَسَسْنَا لَهُ أَثَرًا وَمَا رَأَيْنَا شَيْئًا فَأَعْلَمَنَا ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاكُمْ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ قَطُّ إِلا وَأَنَا أَعْرِفُهُ بِهَا قَبْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا حَدِيث عَظِيم أصل من أصُول الدّين وَعندي أَن مدَار الدّين عَلَيْهِ وَإِلَى ذَلِك الْإِشَارَة بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمكم دينكُمْ وعلوم الشَّرِيعَة فِي الْحَقِيقَة ثَلَاثَة الْفِقْه وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِالْإِسْلَامِ وأصول الدّين وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِالْإِيمَان والتصوف وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِالْإِحْسَانِ وَمَا عدا هَذِهِ الْعُلُوم إِمَّا رَاجع إِلَيْهَا وَإِمَّا خَارج عَن الشَّرِيعَة فَإِن قلت عُلَمَاء الشَّرْع أَصْحَاب التَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث فَمَا بالك أهملت التَّفْسِير والْحَدِيث وَذكرت بدلهما الْأُصُول والتصوف وَقد نَص الْفُقَهَاء عَلَى خُرُوج الْمُتَكَلّم من سمة الْعلمَاء قلت أما خُرُوج الْمُتَكَلّم من اسْم الْعلمَاء فقد أنكرهُ الشَّيْخ الإِمَام فِي شرح الْمِنْهَاج وَقَالَ الصَّوَاب دُخُوله إِذا كَانَ متكلما عَلَى قوانين الشَّرْع وَدخُول الصُّوفِي إِذا كَانَ كَذَلِك وَهَذَا هُوَ الرَّأْي السديد عندنَا وَمَا أَنا لم نعد أَصْحَاب التَّفْسِير والْحَدِيث فَمَا ذَلِك إخراجا لَهُم معَاذ اللَّه بل نقُول التَّفْسِير والْحَدِيث مدَار أصُول الدّين وفروعه وهما داخلان فِي العلمين فَافْهَم مَا نلقي إِلَيْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَأَنا عَلَى ثِقَة بِأَنِّي لَو أمليت عَلَى هَذَا الحَدِيث الْعَظِيم الْخطب الْجَلِيل الْموقع مَا يسمح بِهِ فكري من الاستنباط وَيَقَع عَلَيْهِ نَظَرِي من كَلَام السَّابِقين لوصلت بِهِ إِلَى سفر كَامِل وَلم أكن خَارِجا عَن طوره وَلَا متكثرا بِغَيْرِهِ فَالْوَجْه إرخاء عنان الْكَلَام عَلَيْهِ وَالْعود إِلَى مَا نَحن بصدده فَنَقُول الحَدِيث وَإِن اخْتلفت طرقه وتباينت أَلْفَاظه فَلَا نَخْتَلِف فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر فِيهِ الْإِيمَان بِخِلَاف مَا فسر بِهِ الْإِسْلَام وَقَالَ الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه أَي تصدق وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِن لنا} أَي بمصدق فَإِن عارضتني بِمَا أَخْبَرَنَا بِهِ صَالح بن مُخْتَار الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِمَحْضَرٍ مِنِّي قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ حُضُورًا أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عِيسَى بْنِ سُكَيْنٍ الْبَلَدِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْخِلاطِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أخبرنَا نَفِيس الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيمِ أَخْبَرَنَا وَالِدِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا رُكْنُ الإِسْلامِ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي الْمُحَرَّمِ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة بِدَارِهِ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْمُقْرِي أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ الْهَرَوِيُّ بِهَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانٌ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الصَّلْتِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ أَبُو الصَّلْت لَو قرىء هَذَا الإِسْنَادُ عَلَى مَجْنُونٍ لَبَرَأَ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُذَكِّرُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْفَقِيهُ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْقِلٍ الْقِرْمِيسِينِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ قَالَ كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ أَبِي وَعِنْدَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ فَقَالَ أَبِي لِيُحَدِّثْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِحَدِيثٍ فَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا وَكَانَ وَاللَّهِ رِضًا كَمَا سُمِّيَ عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 الإِيمَانٌ قَوْلٌ وَعَمَلٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا هَذَا الإِسْنَادُ فَقَالَ لَهُ أَبِي هَذَا سَعُوطُ الْمَجَانِينِ إِذَا سُعِطَ بِهِ الْمُجْنُونُ بَرَأَ فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن مدَار هَذَا الحَدِيث عَلَى أَبِي الصَّلْت وَهُوَ وَإِن كَانَ مَوْصُوفا بِكَثْرَة الْعِبَادَة غير مُحْتَج بِهِ عِنْد الْمُحدثين ومتهم بِهَذَا الحَدِيث بِخُصُوصِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَافِضِي خَبِيث مُتَّهم بِوَضْع حَدِيث الْإِيمَان إِقْرَار بالْقَوْل وَقَالَ الْعقيلِيّ رَافِضِي خَبِيث وَقَالَ أَبُو حَاتِم لم يكن عِنْدِي بصدوق وَقَالَ ابْن عدي مُتَّهم وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِثِقَة وَمَعَ هَذَا الْجرْح لَا يعْتَبر قَول عَبَّاس الدوري إِن يَحْيَى كَانَ يوثقه وَلَا قَول ابْن مُحرز إِنَّه لَيْسَ مِمَّن يكذب فَإِن قلت قد تَابعه الْهَيْثَم بْن عَبْد اللَّه وَدَاوُد بْن سُلَيْمَان الْقزْوِينِي وَعلي بْن الْأَزْهَر السَّرخسِيّ فَرَوَوْه عَن عَلِيّ بْن مُوسَى ورَوَاهُ الْحَسَن بْن عَلِيّ الْعَدوي عَن مُحَمَّد بْن صَدَقَة ومُحَمَّد بْن تَمِيم عَن مُوسَى بْن جَعْفَر وَالِد عَلِيّ فيتقوى حَدِيث عَبْد السَّلَام بِهَذِهِ الْمُتَابَعَة قلت الْهَيْثَم بْن عَبْد اللَّه مَجْهُول وَدَاوُد بْن سُلَيْمَان هُوَ الْجِرْجَانِيّ الْغَازِي لَهُ نُسْخَة مَوْضُوعَة عَن الرِّضَا كذبه يَحْيَى بْن معِين وَغَيره وَعلي بْن الْأَزْهَر ومُحَمَّد بْن صَدَقَة ومُحَمَّد بْن تَمِيم مَجَاهِيل والْحَسَن بْن عَلِيّ بْن الْعَدوي هُوَ الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن صَالح أَبُو سَعِيد الْبَصْرِيّ الملقب بالذئب قَالَ ابْن عدي يضع الحَدِيث وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَقَالَ ابْن حبَان لَعَلَّه حدث عَن الثِّقَات بأَشْيَاء مَوْضُوعَات مَا يزِيد عَلَى ألف حَدِيث وَبِالْجُمْلَةِ لَا يفْسد هَذَا الحَدِيث من وَجه يَصح وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه معَارض بِمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَسْعَدَةَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِسْلَام عَلانِيَةٌ وَالإِيمَانٌ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى صَدره التَّقْوَى هَاهُنَا التَّقْوَى هَاهُنَا قُلْتُ وَهَذَا حَدِيثٌ جَيِّدٌ أَقْرَبُ إِلَى الصِّحَّةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الصَّلْتِ وَعَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ وَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَرَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُمْ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَحَادِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ قُلْتُ الأَرْجَحُ تَوْثِيقُهُ وَحَدِيثُهُ هَذَا أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الصَّلْتِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ صِنَاعَةُ الْحَدِيثِ وَمن مقوياته مَا أَخْبَرَنَا بِهِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الشحطبيُّ جَارُنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبُخَارِيِّ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 التَّمِيمِيُّ الْكَتَّانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ زَبَّانَ الْكِنْدِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ شَيْخًا بِبَيْرُوتَ يُكَنَّى أَبَا عَامِرٍ أَظُنُّهُ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ حَرْمَلَةُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْإِيمَان هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه والنفاق هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى قَلْبِهِ وَلا أَذْكُرُ اللَّهَ إِلا قَلِيلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا وَارْزُقْهُ حُبِّي وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّنِي وَصَيِّرْ أَمْرَهُ إِلَى خَيْرٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَكُنْتُ رَأْسًا فِيهِمْ أَفَلا آتِيكَ بِهِمْ فَقَالَ مَنْ أَتَانَا اسْتَغْفَرْنَا لَهُ وَمَنْ أَصَرَّ عَلَى ذَنْبِهِ فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِ وَلا تَخْرِقَنَّ عَلَى أَحَدٍ سِتْرًا قُلْتُ هَذَا الْحَدِيث دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ مَحَلَّ الإِيمَانِ الْقَلْبُ وَأَنَّ اللِّسَانَ وَحْدَهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلِذَلِكَ شَكَى هَذَا الرَّجُلُ الْمُسَمَّى حَرْمَلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الإِيمَانَ الْوَاقِعَ لَهُ كَانَ عَلَى لِسَانِهِ وَالْوَجْه الثَّالِث تَأْوِيل حَدِيث أَبِي الصَّلْت بِالْمَعْنَى الَّذِي قدمْنَاهُ فِي كَلَام السّلف جمعا بَينه وَبَين مَا يدل عَلَى مُقَابِله فَإِن قلت فَمَاذَا تصنع فِي حَدِيث وَفد عَبْد الْقَيْس وَذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَاهُ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَالِسِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ خَلَفٍ حُضُورًا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أبي البركات مَحْفُوظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ابْن الْحَسَنِ بْنِ صَصَرَى أَخْبَرَنَا يَاقُوتُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّومِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ الْخَطِيبُ ح وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ رَحِمَهُ الله أَيْضا قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا سمع أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّحْبِيُّ وَأَبُو الْخَيْرِ الصُّوفِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ عَبْدِ الدايم ح وَأخْبرنَا صَالح بن مُخْتَار الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي لأَبِي أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ ابْن مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْغَرَّافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالا أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَوَقَعَ لَنَا مُوَافَقَةً وَبَوَّبَ عَلَيْهِ البُخَارِيّ بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنِ الْقَوْمُ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ قَالُوا رَبِيعَةُ قَالَ مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرُ خَزَايَا وَلا نَدَامَى فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرُ وَقَالَ احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهن من وراءكم هَذَا لفظ صَحِيح الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ بِلَفْظٍ يُقَارِبُ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 قلت إِمَّا أَن يحمل الْإِيمَان فِي لفظ هَذَا الحَدِيث عَلَى الْإِيمَان الْكَامِل جمعا بَين الْحَدِيثين أَو يُقَال قَوْله وإقام الصَّلَاة مَعْطُوف عَلَى قَوْله فَأَمرهمْ وَهُوَ من حِكَايَة ابْن عَبَّاس لَا عَلَى تَفْصِيل الْإِيمَان وَالْمعْنَى وَالْعلم عِنْد اللَّهِ أَمرهم بِالْإِيمَان وَفَسرهُ لَهُم بِالشَّهَادَتَيْنِ وَذَلِكَ تَمام الْإِيمَان وَهُوَ أحد الْأَرْبَع الْمَأْمُور بهَا وَلذَلِك أَن خلف بْن هِشَام شيخ مُسلم زَاد فِي رِوَايَته شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَعقد وَاحِدَة فَدلَّ عَلَى أَن الْأَرْبَع المعدودة وَهِي الشهادتان وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْخمس مَأْمُور بهَا لَا نقُول إِنَّهَا أَجزَاء الْإِيمَان وَالْإِيمَان هُوَ الشهادتان فَقَط وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَنه لم يذكر الْحَج فِي شَيْء من رِوَايَات الحَدِيث ورَوَاهُ عباد بْن عباد عَن أَبِي جَمْرَة وَلم يذكر الصَّوْم وَكَذَلِكَ سُلَيْمَان بْن حَرْب وحجاج بْن منهال كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بْن زيد عَن أَبِي جَمْرَة نصر بْن عمرَان الضبعِي وَلم يذكر الصَّوْم واتفقت الرِّوَايَات عَلَى ذكر خمس الْمغنم وَهُوَ غير مَذْكُور فِي حَدِيث أَرْكَان الْإِسْلَام لَا فِي حَدِيث بني الْإِسْلَام عَلَى خمس وَلَا فِي حَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وعَلى هَذَا يكون إقَام الصَّلَاة مجرورا بِحرف الْعَطف عَلَى قَول ابْن عَبَّاس أَمرهم بِالْإِيمَان أَي أَمرهم بِالْإِيمَان وَفَسرهُ بِكَذَا وَأمرهمْ بِكَذَا وَكَذَا إِلَى وَأَن يُعْطوا الْخمس ويعطوا بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَة لَكِن فِي لفظ لمُسلم آمركُم بِأَرْبَع وأنهاكم عَن أَربع ثمَّ فَسرهَا لَهُم فَقَالَ إِلَى أَن قَالَ وَأَن تُؤَدُّوا خمس مَا غَنِمْتُم وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الصّيام وَهَذَا يُوجب التَّوَقُّف فِيمَا نحاوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَالْإِيمَان بِاللَّه يجوز فِيهِ الرّفْع والجر وإقام الصَّلَاة تبع لَهُ فِي الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَيْهِ وَمن تَمام مَا نحاوله أَن قَوْله آمركُم أَو آمُرهُم بِأَرْبَع يَقْتَضِي كَونهَا مُتَغَايِرَة فَلَو كَانَ إقَام الصَّلَاة وَمَا بعده دَاخِلا فِي مُسَمّى الْإِيمَان لَكَانَ الْمَأْمُور بِهِ وَاحِدًا لَا أَرْبعا فَافْهَم ذَلِك وَهَذَا الْمَكَان مِمَّا أستخير اللَّه تَعَالَى فِيهِ فَإِن أَلْفَاظ الحَدِيث مُخْتَلفَة والإقدام عَلَى تَأْوِيل أَلْفَاظ النُّبُوَّة من غير برهَان ظَاهر صَعب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقد وجدت بعد مَا سطرت هُنَا مَا كتب الْوَالِد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تكلم عَلَى هَذَا الحَدِيث فِي بَاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة وَقَالَ اخْتلف الْعلمَاء رَحِمهم اللَّه فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَن تُؤَدُّوا خمس مَا غَنِمْتُم هَل هُوَ مَعْطُوف عَلَى الْإِيمَان الْمَذْكُور فِي الحَدِيث بعد قَوْله آمركُم بِأَرْبَع أَو عَلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الَّتِي هِيَ من خِصَال الْإِيمَان قَالَ وَالصَّحِيح الثَّانِي وَهُوَ مَا فهمه البُخَارِيّ ثمَّ قَالَ وَقد يُقَال فِي تَفْسِير الْإِيمَان بِمَا ذكر بعده وَهُوَ الشهادتان وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَإِعْطَاء الْخمس إِن عطف الْخمس عَلَى الْإِيمَان خَالف مَا فهمه البُخَارِيّ وَإِن عطف عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم كَانَ الْمَأْمُور بِهِ خمْسا أَو سِتا وَهُوَ قد قَالَ آمركُم بِأَرْبَع وَالْإِيمَان لَا بُد أَن يكون من جُمْلَتهَا لِأَنَّهُ أول مَا بَدَأَ بِهِ فِي بَيَان الْأَرْبَع ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ فهم أَن المُرَاد أَن الْإِيمَان قَول وَهُوَ الشهادتان وَعمل وَهُوَ الْأَرْبَع الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَأَدَاء الْخمس وإبدال الْإِيمَان وَمَا بعده من الْأَرْبَع بدل كل من كل وَأَن الْإِيمَان الَّذِي هُوَ الأَصْل والعمود لم يحْسب من الْأَرْبَع وَأَن الْأَرْبَع هِيَ خصاله الْمَقْصُودَة بِالْأَمر وَأطَال فِي هَذَا قُلْتُ وَهُوَ حسن لَوْلَا مُعَارضَة مَا جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه عقد عَلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاحِدَة فَإِن قلت فَهَل الْإِيمَان وَالْإِسْلَام متلازمان وَهل بَينهمَا عُمُوم وخصوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 قلت الَّذِي دلّ عَلَيْهِ كَلَام الْمُحَقِّقين من هَذِهِ الطَّائِفَة أَن الْإِيمَان التَّصْدِيق الْخَاص وَالْإِسْلَام فِي اللُّغَة الانقياد يُقَال أسلم إِذا دخل فِي السّلم وَفِي الشَّرْع الانقياد الْخَاص وَهُوَ فعل الطَّاعَات وَهَذَا الانقياد الْخَاص نتيجة الْإِيمَان فَمَتَى صدق انْقَادَ ثمَّ إِن الانقياد بِالْقَلْبِ والنطق والأعمال أَعمال الْجَوَارِح والانقياد بِالْقَلْبِ لَازم الْإِيمَان والنطق شَرط فِي صِحَة الْإِيمَان أَو ركن والأعمال الْأُخَر لَيست بِشَرْط وَلَا ركن فِي صِحَة أصل الْإِيمَان وَلكنهَا من جملَة الْإِسْلَام فحاصله أَن الشَّارِع شَرط فِي اعْتِبَار الْإِيمَان بعض الْإِسْلَام وَشرط فِي اعْتِبَار كل إِسْلَام الْإِيمَان فَلَا يَصح شَيْء من الْإِسْلَام إِلَّا مَعَ الْإِيمَان وَلَا يعْتد بِالْإِيمَان إِلَّا إِذا انْقَادَ ونطق بِالشَّهَادَتَيْنِ وكف عَمَّا يُوقع فِي الْكفْر من الْأَفْعَال وَغَيرهَا فَمن صدق بِقَلْبِه وَلم يفعل ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَهُوَ غير مُؤمن إِيمَانًا مُعْتَبرا وَهل يُطلق عَلَيْهِ أَنه مُؤمن بِالْحَقِيقَةِ يشبه أَن يتَخَرَّج عَلَى الْخلاف فِي أَن اللَّفْظ الشَّرْعِيّ هَل مَوْضُوع للصحيح فَقَط أَو لما هُوَ أَعم من الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَكَذَلِكَ من انْقَادَ ظَاهرا فَهُوَ مُسلم لُغَة لحُصُول مُطلق الانقياد لَهُ وَهل يكون مُسلما حَقِيقَة شَرْعِيَّة يشبه تخرجه عَلَى الْخلاف وَيكون المُنَافِقُونَ مُسلمين حَقِيقَة إسلاما لَا يَنْفَعهُمْ فَيصح إِطْلَاق الْإِسْلَام عَلَيْهِم وَلكنه إِسْلَام غير مُعْتَبر لفقدان شَرطه وَهُوَ الْإِيمَان وَرُبمَا نفعهم فِي الدُّنْيَا فِي الْكَفّ عَن قَتلهمْ وَمن آمن بِقَلْبِه وَلم ينْطق بِلِسَانِهِ فقد قُلْنَا إِن إيمَانه غير مُعْتَبر وَأَنه مُؤمن لُغَة لوجدان التَّصْدِيق وَهل هُوَ مُؤمن شرعا يتَخَرَّج عَلَى الْخلاف فِي الِاسْم الشَّرْعِيّ هَل هُوَ مَوْضُوع للصحيح فَقَط أَو للأعم من الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَهل هَذَا اخْتِلَاف فِي التَّسْمِيَة لَا يتَعَلَّق بِهِ غَرَض وَهل يكون مُسلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 كَانَ أَبِي رَحمَه اللَّه يتَرَدَّد فِيهِ وَيَقُول يحْتَمل أَن يُقَال لَا لِأَن الانقياد إِنَّمَا هُوَ بِالظَّاهِرِ وَيحْتَمل أَن يُقَال نعم لِأَن التَّصْدِيق نوع من الانقياد وَالْأَمر فِي هَذَا سهل بَقِي علينا أَن من لم ينْطق بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَة قد نقلوا الْإِجْمَاع عَلَى أَنه غير مُؤمن إِيمَانًا مُعْتَبرا وَقُلْنَا إِن هَذَا الْإِجْمَاع يخصص حَدِيث من علم أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دخل الْجنَّة وَيظْهر أَن يتوسط فِيمَن اعْتقد وَلم ينْطق مَعَ الْقُدْرَة إِن كَانَ قد ترك النُّطْق قصدا أَو عرض عَلَيْهِ أَن ينْطق فَأبى فَالْأَمْر كَذَلِك وَإِن كَانَ وَقع لَهُ ترك النُّطْق اتِّفَاقًا وَعلم اللَّه تَعَالَى مِنْهُ أَنه لَو عرض عَلَيْهِ لبادر إِلَيْهِ فَهَذَا فِي جعله كَافِرًا نظر فَإِن كَانَ مَحل الْإِجْمَاع الْقسم الأول حمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من علم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة عَلَى من علم ونطق أَو كَانَ تَركه النُّطْق اتِّفَاقًا لَا قصدا وَهُوَ أولى من التَّأْوِيل السَّابِق وَإِن وَقع الْإِجْمَاع فِي الصُّورَتَيْنِ فَهُوَ قَاطع لَا يصادم فَلَا وَجه حِينَئِذٍ إِلَّا تَخْصِيص الْعُمُوم بِهِ أَو غير ذَلِك لما سبق فَإِن قلت لَو كَانَ الْإِيمَان التَّصْدِيق لوَجَبَ الحكم بِأَن من يقتل نَبيا أَو يستخف بِهِ أَو يسْجد لوثن أَو يكف عَن النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَو قَاصِدا معروضتين عَلَيْهِ أَو يلقِي الْمُصحف فِي القاذورات يكون مُؤمنا لِأَن هَذِهِ الْأَفْعَال لَا تضَاد عقائد الْقُلُوب وَمَا هُوَ مُودع فِيهَا من معرفَة علام الغيوب قلت الْجَواب من وَجْهَيْن أَحدهمَا قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَحَاصِله أَنا لسنا ننكر فِي قَضِيَّة الْعقل مجامعة هَذِهِ الْفَوَاحِش للمعرفة عَلَى مَا قُلْتُمْ فَإِن أَفعَال الْجَوَارِح لَا تنَاقض عقد الْقُلُوب وَلَكِن أجمع الْمُسلمُونَ عَلَى أَن من بدر مِنْهُ شَيْء مِمَّا وصفتم فَهُوَ كَافِر فَعلمنَا بِهَذَا الْإِجْمَاع أَن اللَّه تَعَالَى لَا يقْضِي عَلَى أحد بِشَيْء مِمَّا وصفتم إِلَّا وَقد نزع الْمعرفَة مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَالثَّانِي مَا أقرره قَائِلا لَو فَرضنَا بَقَاء الْمعرفَة فِي قلبه فَللَّه تَعَالَى أَن لَا يعْتد بإيمانه وَلَا يعتبره مَا لم يكف عَن هَذِهِ الْأُمُور وَله تَعَالَى أَن يَجْعَل الْإِقْدَام عَلَى هَذِهِ الْأُمُور مُسَاوِيا للْجَهْل بِهِ فِي الحكم بالتكفير الْمُقْتَضِي للخلود فِي النَّار وَمَا يَقُوله الْقَدَرِيَّة فِي التَّعْدِيل والتجوير عندنَا بَاطِل فَإِن قلت لقد لَاحَ من كلامك عودا عَلَى بَدْء أَن الْإِيمَان التَّصْدِيق فَهَل أَنْت مُخْتَار لذَلِك مُخَالف للسلف قلت أما السّلف فَلَا يخالفون كَيفَ وهم الْقدْوَة غير أَنا قُلْنَا إِن كَلَامهم مُحْتَمل لِأَن يجمع بَينه وَبَين من يَقُول بالتصديق بِمَا تقدم أَو أَنهم إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك فِي الْإِسْلَام فَإِن ثَبت ذَلِك فَلَا مُخَالفَة بَين الْفَرِيقَيْنِ وَإِن لم يثبت وَهُوَ الْأَقْرَب عِنْد الْإِنْصَاف فَأَقُول أَمر هَذِه المسئلة مَعَ عظم موقعها سهل رَاجع إِلَى التَّسْمِيَة فَإِن من يَقُول الْإِيمَان التَّصْدِيق لَا يعتبره مَا لم يكن مَعَه نطق إِن أمكن وَمَتى حصل مَعَه نطق فالسلف يسمونه إِيمَانًا ويسمون المتصف بِهِ مُؤمنا وَإِن ترك الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَمُسلمًا أَيْضًا ويجعلون إيمَانه صَحِيحا مُعْتَبرا وَإِن كَانَ عَاصِيا بِمَا فعل وَبَعض الْأَئِمَّة مِنْهُم وَإِن قَالَ بتكفير من ترك بعض هَذِهِ الْأَرْبَعَة كَالصَّلَاةِ فَإِن الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يكفر بِتَرْكِهَا وَهُوَ وَجه لبَعض أَصْحَابنَا فَلم يقل بتكفير تَارِك الزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالسَّلَف لَا يسلكون مَسْلَك الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين بالمنزلة بَين المنزلتين وَأَنه يخرج عَن حد الْإِيمَان وَلَا يدْخل فِي حيّز الكفران وَلكنه عِنْدهم عَاص أمره تَحت الْمَشِيئَة إِنْ شَاءَ اللَّهُ عاقبه وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ والقائلون بِأَن الْإِيمَان التَّصْدِيق موافقون عَلَى هَذَا فَلم يكن بَينهم من الِاخْتِلَاف إِلَّا مَا لَا عَظِيم تَحْتَهُ نعم الْخلاف بَينهم وَبَين الْمُعْتَزلَة والموافقين للسلف أمره خطر لِأَن الْمُعْتَزلَة وافقوا السّلف فِي أَن الْإِيمَان قَول وَعمل وَنِيَّة وَلَكِن أخرجُوا العَاصِي عَن الْإِيمَان وَالسَّلَف لَا يخرجونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَالتَّحْقِيق أَن هُنَا احتمالات أَرْبَعَة أَحدهَا أَن تجْعَل الْأَعْمَال من مُسَمّى الْإِيمَان دَاخِلَة فِي مَفْهُومه دُخُول الْأَجْزَاء المقومة حَتَّى يلْزم من عدمهَا عَدمه وَهَذَا هُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَلم يقل بِهِ السّلف وَالثَّانِي أَن تجْعَل أَجزَاء دَاخِلَة فِي مَفْهُومه لَكِن لَا يلْزم من عدمهَا فَإِن الْأَجْزَاء عَلَى قسمَيْنِ مِنْهَا مَا لَا يلْزم من عَدمه عدم الذَّات كالشعر وَالْيَد وَالرجل للْإنْسَان وكالأغصان للشجرة فاسم الشَّجَرَة صَادِق عَلَى الأَصْل وَحده وَعَلِيهِ مَعَ الأغصان وَلَا يَزُول بِزَوَال الأغصان وَهَذَا هُوَ الَّذِي يدل لَهُ كَلَام السّلف وَمن هَذَا قِيلَ شعب الْإِيمَان جعلت الْأَعْمَال للْإيمَان كالشعب للشجرة وَقد مثل اللَّه تَعَالَى الْكَلِمَة الطّيبَة بِالشَّجَرَةِ الطّيبَة وَهُوَ أصدق شَاهد لذَلِك الثَّالِث أَن تجْعَل آثارا خَارِجَة عَن الْإِيمَان لَكِنَّهَا بِسَبَبِهِ فَإِذا أطلق عَلَيْهَا فبالمجاز من بَاب إِطْلَاق اسْم السَّبَب عَلَى الْمُسَبّب وَهَذَا مَذْهَب الْخلف الَّذِي نحاول تَقْرِيره الرَّابِع أَن يُقَال إِنَّهَا خَارِجَة بِالْكُلِّيَّةِ لَا يُطلق عَلَيْهَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا وَهَذَا بَاطِل لَا يُمكن القَوْل بِهِ قلت هَذَا مَا كُنَّا نَسْمَعهُ من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه اللَّه تَعَالَى وَأَقُول فِي إِثْبَات جُزْء يدْخل فِي الْمُسَمّى وَلَا يلْزم من نَفْيه نفي الْمُسَمّى صعوبة وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام يخْتَار الِاحْتِمَال الثَّانِي الَّذِي هُوَ ظَاهر كَلَام السّلف وَإِلَى مَذْهَب السّلف ذهب الإِمَام الشَّافِعِي وَمَالك وأَحْمَد وَالْبُخَارِيّ وَطَوَائِف من أَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَمن الأشاعرة الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس القلانسي وَمن محققيهم الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ والأستاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَهَؤُلَاء يصرحون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 بِزِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه إِلَّا الشَّافِعِي ومالكا أما الشَّافِعِي فَلم يتحرر عَنهُ فيهمَا نَص وَنقل جمَاعَة مِمَّن صنف فِي مناقبه عَنهُ أَنه يَقُول بِأَنَّهُ يزِيد وَينْقص وَلَكِن لم يثبت ذَلِك عندنَا ثُبُوت بَقِيَّة منصوصاته الْمَوْجُودَة فِي مذْهبه وَأما مَالك فَعَنْهُ القَوْل بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وَعنهُ أَنه يزِيد وَلَا ينقص وَهُوَ عَجِيب وَاعْتذر عَنهُ بَعضهم فَقَالَ إِنَّمَا توقف مَالك عَن القَوْل بِنُقْصَان الْإِيمَان خشيَة أَن يتَأَوَّل عَلَيْهِ مُوَافقَة الْخَوَارِج الَّذين يكفرون أهل الْمعاصِي من الْمُؤمنِينَ بِالذنُوبِ وَأَقُول قد يُقَال عَلَى مساق هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ قد يتَأَوَّل عَلَيْهِ من لَا علم عِنْده أَنه يَقُول إِيمَان الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مثل إِيمَان آحَاد النَّاس فَلَا يكون فِي ذَلِك مِنْهُ دَلِيل عَلَى مَذْهَب هَؤُلَاءِ بل يكون قَائِلا بِعَدَمِ التجزي كَمَا هُوَ الْمَنْقُول عَن أَبِي حنيفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِمَّنْ نقل عَنهُ التَّصْرِيح بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وهما الْمَعْنى بالتجزي السُّفْيانَانِ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمعمر بْن رَاشد وَابْن جريج والْحَسَن وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء وَطَاوُس وَمُجاهد وَابْن الْمُبَارك وعزى إِلَى ابْن مَسْعُود وَأما من يَقُول الْإِيمَان التَّصْدِيق كَمَا هُوَ رَأْي أَبِي حنيفَة والأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما وَيَقُول مَعَ ذَلِك إِنَّه غير الْإِسْلَام فَالْمَشْهُور من مذْهبه أَنه لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنَّقْص وحاول قوم من أَئِمَّتنَا القَوْل بمقبوله للزِّيَادَة وَالنَّقْص مَعَ قَوْلهم بِأَنَّهُ التَّصْدِيق ليجمعوا بَين كَلَام السّلف وَالشَّيْخ أَبِي الْحَسَن وليجمعوا بَين مَدْلُوله فِي اللُّغَة وَالْمَشْهُور عَن السّلف فَقَالُوا قَالَ السّلف إِنَّه يتجزى وَمَا أَنْكَرُوا أَن يكون تَصْدِيقًا وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَن إِنَّه التَّصْدِيق وَمَا أنكر أَن يَصح تجزئة فَنحْن نجمع بَين الْأَمريْنِ وعَلى هَذَا من متكلمي الأشاعرة الْآمِدِيّ فَإِنَّهُ صرح بِهِ فِي الْأَبْكَار فِي آخر المسئلة بَعْدَمَا قرر مَذْهَب الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن فَقَالَ إِن جَمِيع مَا عداهُ بَاطِل وَهَذَا نَصه وَمن فسره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 يَعْنِي الْإِيمَان بخصلة وَاحِدَة فَإِنَّهُ يكون أَيْضًا قَابلا للزِّيَادَة وَالنَّقْص عَلَى مَا حققناه من قبل انْتهى وَعَلِيهِ أَيْضًا من محدثي الأشاعرة وفقهائهم النَّوَوِيّ رَحمَه اللَّه سيد الْمُتَأَخِّرين فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح مُسلم مَا نَصه قَالَ الْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَابنَا الْمُتَكَلِّمين نفس التَّصْدِيق لَا يزِيد وَلَا ينقص وَالْإِيمَان الشَّرْعِيّ يزِيد وَينْقص بِزِيَادَة ثمراته وَهِي الْأَعْمَال ونقصانها قَالُوا وَفِي هَذَا توفيق بَين ظواهر النُّصُوص الَّتِي جَاءَت بِالزِّيَادَةِ وأقاويل السّلف وَبَين أصل وَضعه فِي اللُّغَة وَمَا عَلَيْهِ المتكلمون وَهَذَا الَّذِي قَالَه هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ ظَاهرا حسنا فَالْأَظْهر وَالله أعلم أَن نفس التَّصْدِيق يزِيد بِكَثْرَة النّظر وتظاهر الْأَدِلَّة وَلِهَذَا يكون إِيمَان الصديقين أقوى من إِيمَان غَيرهم بِحَيْثُ لَا تعتريهم الشّبَه وَلَا يتزلزل إِيمَانهم بِعَارِض بل لَا تزَال قُلُوبهم منشرحة نيرة وَإِن اخْتلفت عَلَيْهِم الْأَحْوَال وَأما غَيرهم من الْمُؤَلّفَة وَمن قاربهم وَنَحْوهم فليسوا كَذَلِك فَهَذَا مِمَّا لَا يُمكن إِنْكَاره وَلَا يشك عَاقل فِي أَن نفس تَصْدِيق أَبِي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُسَاوِيه تَصْدِيق آحَاد النَّاس وَلِهَذَا قَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ ابْن أَبِي مليكَة أدْركْت ثَلَاثِينَ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم يخَاف النِّفَاق عَلَى نَفسه مَا فيهم أحد يَقُول إِنَّه عَلَى إِيمَان جِبْرِيل وَمِيكَائِيل انْتهى كَلَام النَّوَوِيّ وَعَلِيهِ أَيْضًا من متكلمي الأشاعرة الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ فقد صرح فِي كتاب الزبدة بِأَن الْحق أَنه قَابل للزِّيَادَة وَالنُّقْصَان مُطلقًا يَعْنِي سَوَاء قُلْنَا إِنَّه الطَّاعَات كلهَا أم قُلْنَا إِنَّه التَّصْدِيق بل القَوْل بقبوله للزِّيَادَة وَالنَّقْص مَنْصُوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كتاب الْإِبَانَة فِي الْفَصْل الثَّابِت مِنْهَا عَنهُ الَّذِي نَقله الْحَافِظ الْكَبِير الثِّقَة الثبت أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر فِي كتاب تَبْيِين كذب المفتري وَهُوَ الْكتاب الَّذِي يعْتَمد عَلَى نَقله الأشاعرة وَنَصه وَأَن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص انْتهى نَص الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن الثَّابِت بِنَقْل ابْن عَسَاكِر فَبَان بِهَذَا ووضح أَن الْقَائِل بالتصديق لَا يُنكر التجزي وَأَن من نسب النَّوَوِيّ إِلَى أَنه خرق الْإِجْمَاع حَيْثُ جمع بَين القَوْل بالتصديق والتجزي فقد أَخطَأ وَأَن مَا قَالَه النَّوَوِيّ هُوَ قَول الْأَشْعَرِيّ نَفسه وَأَقُول قد صرح بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْص من أَصْحَاب الْأَشْعَرِيّ الَّذين يرَوْنَ تبديع من خَالفه ثَلَاثَة مُحدث ومتكلم وصوفي وهم الْبَيْهَقِيّ والأستاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَهَؤُلَاء من عمد الأشاعرة وَهَؤُلَاء وَإِن لم يصرحوا بِأَن الْإِيمَان مَعَ قبُوله للتجزي هُوَ التَّصْدِيق فَهُوَ ظَاهر كَلَامهم واتباعهم لشيخهم وَقد صرح بِهِ من جَمَاعَتهمْ الْآمِدِيّ وَالنَّوَوِيّ والهندي وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْغَزالِيّ وَصرح بِاخْتِيَارِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة الِاحْتِمَال الثَّانِي الَّذِي اخْتَارَهُ من الِاحْتِمَالَات الْأَرْبَعَة الَّتِي قدمناها عَنهُ فَإِن قلت لَا ريب فِي أَنه مَتى أمكن القَوْل بالتجزي مَعَ القَوْل بِأَنَّهُ التَّصْدِيق فَهُوَ الْأَظْهر لِاجْتِمَاع مَدْلُول اللُّغَة وَقَول السّلف وَقَول الْخلف عَلَيْهِ وَلَكِن الشَّأْن فِي إِمْكَان ذَلِك وَقَول قَائِله لَا يشك عَاقل فِي أَن إِيمَان الصّديق لَيْسَ كَإِيمَانِ آحَاد النَّاس حق فَفرق بَين إِيمَان ثَبت ورسخ وَصَارَ لَا يقبل تزلزلا وإيمان بِخِلَافِهِ لَكِن ذَلِك الْقدر الزَّائِد عَلَى الِاعْتِقَاد الْجَازِم من انْشِرَاح الصَّدْر وطمأنينة الْقلب والرسوخ الَّذِي لَا يَعْتَرِيه شكّ إِن كَانَ دَاخِلا فِي مُسَمّى الْإِيمَان لزمكم تَكْفِير من لم يصل إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وإراقة دَمه وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ عَاقل وَلَا كفر أحد من لم ينْتَه إِلَى دَرَجَة الصّديق فِي الْإِيمَان بل اكْتفى بالاعتقاد الْجَازِم من الْخلق وَإِن لم يصلوا إِلَى هَذَا الْحَد وَإِن لم يكن دَاخِلا فَهُوَ خَارج وَذَلِكَ الْقدر الَّذِي حصل بِهِ الْإِيمَان وعصمة الدَّم لم يقبل تجزيا فلاح بِهَذَا أَنه لَا يشك عَاقل فِي أَن كثيرا من الْمُؤمنِينَ وصلوا إِلَى حَقِيقَة الْإِيمَان وَمَا وصلوا إِلَى دَرَجَة الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قلت هَذَا تشكيك قوي جدا وَعِنْده يقف الذِّهْن الصَّحِيح وَلَعَلَّ اللَّه يكْشف لنا عَن غطائه وَيبين لنا وَجه الصَّوَاب بجميل فَضله وجزيل عطائه وَالَّذِي كَانَ مُنْتَهى قصدنا تَبْيِين أَن من قَالَ بِأَنَّهُ التَّصْدِيق لَا نجزم عَلَيْهِ القَوْل بإنكار التجزي وَمُخَالفَة السّلف وَمَا جزم القَوْل بِأَن التَّصْدِيق لَا يقبل التجزي وباح بِهِ وَلم يتكتمه إِلَّا ابْن حزم فِي كِتَابه الْملَل والنحل فَقَالَ التَّصْدِيق بِالتَّوْحِيدِ والنبوة لَا يُمكن أَن يكون فِيهِ زِيَادَة وَلَا نقص الْبَتَّةَ وَأطَال فِي ذَلِك ثمَّ شنع بعد ذَلِك وَقَبله عَلَى الشَّيْخ أَبِي الْحَسَن الَّذِي نزل كَلَام السّلف أحسن تَنْزِيل ورده إِلَى التَّحْقِيق بأدق سَبِيل وَبينا أَنه مَعَ قَوْله بِأَنَّهُ التَّصْدِيق يَقُول بالتجزي الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم} وَقَوله تَعَالَى {ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا} وَكَثِيرًا من الْآيَات وَالْأَحَادِيث واعترفنا بعد ذَلِك كُله بصعوبة هَذَا السُّؤَال فَإِن قلت صعوبة هَذَا السُّؤَال مُعَارضَة بصعوبة قَول السَّائِلين لَو لم يقبل التجزي لساوى إِيمَان الصّديق آحَاد الْبشر وَهَذَا فِي النَّفس مِنْهُ حسيكة لَا يغسل درنها إِلَّا صافي الأذهان قلت لَا شكّ فِي أَن فِي هَذَا تهويلا عَظِيما ومعاذ اللَّه أَن يَجْسُر مُسلم عَلَى القَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 باستواء الإيمانين غير أَنا نقُول لمن زعم أَن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص وَأَنه خِصَال كَثِيرَة أَلَيْسَ أَن التَّصْدِيق مقدم هَذِهِ الْخِصَال إِذْ لم يخْتَلف أهل الْحل وَالْعقد من الْمُسلمين فِي أَن الِاعْتِقَاد الْجَازِم المقرون بالتلفظ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا بُد مِنْهُ وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي انضمام قدر زَائِد إِلَيْهِ من بَقِيَّة الطَّاعَات فَهَذَا التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ بعض الْإِيمَان عنْدك وَكله عِنْد آخَرين هَل يزِيد وَينْقص أَو لَا إِن قُلْتُمْ لَا وَهُوَ مَا صرح بِهِ ابْن حزم فالسؤال علينا وَعَلَيْكُم وَاحِد إِذْ يُقَال كَيفَ يكون تَصْدِيق آحَاد النَّاس مثل تَصْدِيق الصّديق وَإِن قُلْتُمْ يزِيد وَينْقص فقد اعترفتم بِأَن التَّصْدِيق قَابل للتجزي وَهُوَ مَا قَالَه الْآمِدِيّ وَالنَّوَوِيّ والهندي وَمن ذَكرْنَاهُ فَتعين القَوْل بِهِ وَأَن يُفَوض أَمر هَذَا الْإِشْكَال الَّذِي اعْترض بِهِ فِي طَرِيقه إِلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونضرع إِلَيْهِ فِي حلّه فبإرشاده وهديه تتضح المشكلات وَهُوَ المسؤول أَن يوفقنا لجَمِيع الطَّاعَات وَمَا كَانَ الْمَقْصُود إِلَّا تَبْيِين تقَارب مَذْهَب الشَّيْخ وَالسَّلَف مَعَ رُجُوع الْخلاف فِي الْحَقِيقَة لفظيا كَمَا بَيناهُ وسهولة أمره فِي نَفسه فَإِن قلت هَل زعم السّلف أَن كل طَاعَة إِيمَان قلت هُوَ ظَاهر كَلَامهم وَمن ثمَّ قَالُوا إِن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص وَقَالَ البُخَارِيّ بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان وَذكر حَدِيث وَفد عَبْد الْقَيْس وَكَذَلِكَ اقْتَضَاهُ كَلَامهم عِنْد الْكَلَام عَلَى حَدِيث الْإِيمَان بضع وَسَبْعُونَ شُعْبَة وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنْبَلِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أسمع قَالَا أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن خَلِيل حضورا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُسْلِمِ الْخِرَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الموازيني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِيِّ النَّيْسَابُورِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي الإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ ظَفْرٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد ابْن عَلِيِّ بْنِ مُحْرِزٍ الْقَاضِي بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الطَّبَّاعِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ خَصْلَةً أَكْبَرُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَصْغَرُهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَأَخْبَرَنَاهُ مَحْمُودُ بْنُ خَلِيفَةَ الْمَنْبِجِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّحَّاسُ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَكَارِمِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ اللبان أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْجَوْهَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُحْرِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهَمَّامٌ قَالا عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نُبَاتَةَ الْمُحَدِّثُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْغَرَّافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطِيعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْخل أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْبُسْرِيِّ الْبُنْدَارُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عبد الْجَبَّار السكرِي قريء عَلَى أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارِ وَأَنَا أَسْمَعُ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ وَمُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ كِلاهُمَا عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ بِهِ وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِهِ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلٍ بِهِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْرَمِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ بِهِ وَعَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْحَفَرِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بِهِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ خَالِدِ بن الْحَارِث عَن ابْن عجلَان عَنهُ بيعضه الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيِّ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَرِيرٍ بِهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ نَحْوَهُ فَإِنْ قلت فَمَا معنى قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني الْإِسْلَام عَلَى خَمْسٍ الْحَدِيثَ قُلْتُ كَأَنَّهَا أَعْظَمُ الأَرْكَانِ وَإِلا فَالْجِهَادُ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ وَلَيْسَ مِنْهَا فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ واشهد بِأَنا مُسلمُونَ} وَفِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بأننا مُسلمُونَ} قُلْتُ قَدْ تَدَبَّرْتُهُمَا حَالَ التِّلاوَةِ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهُمَا وَهُمَا مِمَّا قَدْ يَسْتَأْنِسُ بِهِمَا الْقَائِلُ بِأَنَّ الإِيمَانَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَذَلِكَ لأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الإِيمَانُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلا صَاحِبُهُ وَمَنْ يُكْشَفُ لَهُ أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمَّا كَانَ الإِسْلامُ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ اسْتَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِخِلافِ الإِيمَانِ إِذْ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَلَوْ كَانَ الإِيمَانُ لِلأَفْعَالِ الظَّاهِرَةُ لَقَالُوا وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُؤْمِنُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ? < اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ > ? فَانْظُرْ كَيْفَ طَلَبَ فِي وَقْتِ الْحَيَاةِ وَهُوَ صَالِحٌ لِلأَعْمَالِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الإِسْلامِ وَفِي وَقْتِ الْوَفَاةِ وَهُوَ لَحْظَةُ الْمَوْتِ مَا لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ بَلْ نَفْسُ الْحُضُورِ وَالاعْتِقَادِ وَهُوَ الإِيمَانُ وَتَأَمَّلْ مَوَاقِعَ كَلامِ اللَّهِ وَكَلامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الإِشَارَةِ وَكَيْفَ إِصَابَتُهَا لِلْمَفَاصِلِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عربشاه بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْهَمْدَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ حُضُورًا فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْخُشُوعِيُّ سَمَاعًا وَإِسْمَاعِيلُ الْجَنْزَوِيُّ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الأَكْفَانِيُّ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَصَّاصُ الدَّعَّاءُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمرَة عَن عبد الله ابْن يَرْفَأَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَدَلَّ بِهِ لِسَانُهُ وَاطْمَأَنَّ بِهَا قَلْبُهُ لَمْ تعطعمه النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 لَيْسَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَافِي السَّعْدِيُّ الْقَاضِي وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّعْبِيُّ وَعَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّابُونِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ طَيٍّ الزُّبَيْرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ بِالْقَاهِرَةِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْحَنْبَلِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِدِمَشْقَ وَأَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ الْميدومِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ عَبْدُ الْغَفَّارِ وَعَبْدُ الْمُحْسِنِ وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَنَا الْمَعِينُ وَابْنُ عَلانَ زَادَ ابْنُ الصَّابُونِيُّ وَابْنُ عَزُّونٍ وَقَالَ الصَّعْبِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صَارِمٍ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ أَخْبَرَنَا خَطِيبُ مَرْدَا وَقَالَ الْميدوميُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَلانَ قَالُوا جَمِيعًا أَخْبَرَنَا الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ حِمَّصَةَ أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ حُمَيْدٍ الطَّبِيبُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبَلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصاح بِرَجُل من أمتِي على رُؤُوس الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سجلا كلا سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الك عذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 أَوْ حَسَنَةٌ فَيَهَابُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوَ مَا رُوِّينَاهُ فثقل البطاقة رُبمَا يفهم مِنْهُ أَن الشَّهَادَتَيْنِ كَفَرَتا تِلْكَ الْمعاصِي وَلَيْسَ ببدع وَلَا مستكثر عَلَى كرمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يَجْعَل الشَّهَادَتَيْنِ مُكَفِرَتَيْنِ للمعاصي الْمَاضِيَة وَسَيَأْتِي من الْأَحَادِيث مَا يدل عَلَى ذَلِك بل وَرُبمَا كفرت الْأَعْمَال السَّيئَة الْمُسْتَقْبلَة أَلا ترى إِلَى أهل بدر وَقَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّه اطلع عَلَى أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم وَفِي حَدِيث أَبِي سَلمَة عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَامَ شهر رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَمن قَامَ لَيْلَة الْقدر إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وَفِي صَوْم عَرَفَة أَنه يكفر السّنة الَّتِي قبله وَالَّتِي بعده وَفِي عَاشُورَاء أَنه يكفر الَّتِي قبله وَفِي صَلَاة الْجُمُعَة قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أَتَى الْجُمُعَة فصلى مَا قدر لَهُ ثمَّ أنصت حَتَّى يفرغ الإِمَام من خطبَته ثمَّ يُصَلِّي مَعَه غفر لَهُ مَا بَينه وَبَين الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَفضل ثَلَاثَة أَيَّام وَحَدِيث الْإِسْلَام يهدم مَا قبله وَالْحج يهدم مَا قبله وَالْعمْرَة تهدم مَا قبلهَا صَحِيح وروى الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب الدُّعَاء من حَدِيث أَبِي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنه قَالَ قلت يَا رَسُول اللَّهِ عَلمنِي عملا يقربنِي من الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار فَقَالَ إِذا عملت سَيِّئَة فاعمل حَسَنَة فَإِنَّهَا عشر أَمْثَالهَا قلت يَا رَسُول اللَّهِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ من الْحَسَنات قَالَ هِيَ أحسن الْحَسَنات وَهَذَا الحَدِيث أَصله حَدِيث أتبع السَّيئَة الْحَسَنة تمحها إِلَّا أَن هَذِهِ الزِّيَادَة مَعَ لفظ المحو فِي حَدِيث وأتبع السَّيئَة الْحَسَنة تمحها مِمَّا يدل عَلَى مَا ذَكرْنَاهُ مَعَ أَنا نعلم أَنه لَا بُد من تَعْذِيب بعض العصاة ضَرُورَة وَورد الْخَبَر الصَّادِق بِهِ وَرُبمَا وَقع هَذَا لبَعض الْأَفْرَاد دون بعض فضلا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وإحسانا وَلَعَلَّ هَذَا الْمِسْكِين لما رأى مَعَاصيه قد تكاثرت واضمحلت حَسَنَاته بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا حصل لَهُ من الكسرة والتذلل والانقياد مَا كَانَ سَببا لوُرُود هَذَا الإنعام عَلَيْهِ جبرا لكسره وَقَدْ أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُمَرَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا بقاسيون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي بْنِ يُوسُفَ إِجَازَةً أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ الإِبَرِيُّ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ لأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ إِذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ استحقوني ثمَّ أذروني فِي الرّيح فِي الْبَحْر فوَاللَّه لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلأَرْضِ أَدِّي مَا أَخَذْتِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ أَوْ قَالَ مَخَافَتُكَ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ بِذَلِكَ قَالَ وَحَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَيذكر هُنَا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي الدَّرْدَاء نَاد فِي النَّاس من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اله وَأَن مُحَمَّدا رَسُول اللَّهِ دخل الْجنَّة وَأَخْبَرَنِي أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتَهِ وَرِضْوَانِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ حُسَيْنٍ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُقَيَّرِ عَنْ أَبِي الْفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 مُحَمَّدِ بْنِ نَاصِرٍ السَّلامِيِّ الْحَافِظِ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْخِلَعِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَن ابْن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ أَسْرَفَ عَبْدٌ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لأَهْلِهِ إِذَا أَنَا مِتُّ فأحرقوني ثمَّ اسحقوني ثمَّ أذروني فِي الرّيح فِي الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ قَالَ فَفَعَلَ أَهْلُهُ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ شَيْءٍ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا أَدِّ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَهَذَا المسرف عَلَى نَفسه قد نفعته خَشيته وَأَتَتْ عَلَى ذنُوبه فَمَحَقَتْها وَفِي الحَدِيث شَاهد لِأَن الشَّهَادَتَيْنِ مُكَفِّرَتَانِ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْفَضْلِ ابْنُ الضِّيَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الخباز قِرَاءَة عَلَيْهِمَا وَأَنا أسمع قَالَ الأول أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَبْهَانَ سَمَاعًا إِلا ابْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ حُضُورًا أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا ابْنُ غَيْلانَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ الْمَرْوَزِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْحَافِظ قَالَا حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ابْن الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عَمْرٌو الْعَنْقَزِيُّ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَفَّارَةِ أَحْدَاثِنَا فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَفَّارَةِ أَحْدَاثِنَا لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَفِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخَانِ أَبُو مُحَمَّدٍ سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْفَرَجِ النَّابُلُسِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ قَالَ سعد الْخَيْر أخبرنَا زين الأمنا أَبُو البركان الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَسَاكِرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو الْحَسَنِ عَليّ والشريف أَبُو الْقَاسِم عَليّ ابْن إِبْرَاهِيمَ الْحُسَيْنِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ وَقَالَ يُوسُفُ أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن صَابِرٍ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْمَوَازِينِيُّ وَالشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْنِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَصْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ يُوسُفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمَيَانِجِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُسْتَوْرِدٌ أَبُو عَبَّادٍ الْهُنَائِيُّ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَكْتُ حَاجَّةً وَلا دَاجَّةً إِلا قَدْ أَتَيْتُ قَالَ أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُخَرَّجْ لِمُسْتَوْرِدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ شَيْءٌ وَبِهَذَا الإِسْنَادِ إِلَى أَبِي يَعْلَى حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ ح وَأَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِيسَى الدباهيِّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَى الأَوَّلَيَيْنِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَبِقِرَاءَتِي عَلَى الثَّالِثِ قَالُوا أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ قَالَتِ الأُولَى سَمَاعًا وَقَالَ الآخَرَانِ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن الْخِرَقِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَوَازِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَازِنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا أَبُو شَيْبَةَ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ قَالا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا الْكَوْثَرُ بن حَكِيم عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَجَاةُ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ قَالَ مَنْ شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ اللَّفْظُ لِرِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ وَالْخَضِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ وَالْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ كَوْثَرَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ كَوْثَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 عَنْ نَافِعٍ مُرْسَلا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَشَكَّ فِي ابْنِ عُمَرَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَرْوِيهِ مُرْسَلا بِلا شَكٍّ انْتَهَى كَلامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ بن قدامَة وَأَبُو الْحسن بن الْبُخَارِيِّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ قَالُوا أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن عبيد الله ابْن الشِّخِّيرِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيُّ حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَزَرِيُّ حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلانِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا يُطَالِبُ صَاحِبَهُ بِحَقٍّ فَسَأَلَ الطَّالِبَ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الآخَرُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ مَا لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ قَالَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَقَالَ أَعْطِهِ حَقَّهُ وَأَمَّا أَنْتَ فَكَفَّرَتْ عَنْكَ يَمِينُكَ بِقَوْلِكَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ وَغَيْرِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ مُطَوَّلا وَمُخْتَصَرًا أَخْبَرَتْنَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ زَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَقْدِسِيَّةُ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ الأَنْجَبِ بْنِ الْمُعَمَّرِ النِّشتِبرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاتِيلَ الدَّبَّاسُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الدُّورِيُّ بِانْتِقَاءِ الْحَافِظِ أَبِي عَامِرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدُونِ بْنِ مُرَجَّى الْعَبْدَرِيِّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ الْقَاسِمِ أَبُو اللَّيْثِ الْفَرَائِضِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ عَنِ الْمِقْدَادِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا ضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ يَدِي ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَقْتُلُهُ قَالَ لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ إِلا أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ وَيَكُونَ مِثْلَكَ قَبْلَ أَنْ تَفْعَلَ مَا فَعَلْتَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ طُرُقٍ شَتَّى أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمَّامِ بْنِ حَسَّانٍ التَّلِّيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ عَوَّةَ سَمَاعًا ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَزَرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ مَرَّةً وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أُخْرَى أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ خَطِيبُ مَرْدَا حُضُورًا فِي الْخَامِسَةِ وَابْنُ عَوَّةَ الْمَذْكُورُ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ يَحْيَى بْنُ المشرف ابْن عَلِيٍّ التَّمَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نَفِيسٍ الْمُقْرِي أَخْبَرَنَا الْحسن ابْن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بُنْدَارٍ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر الْحسن بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ابْن فِيلٍ الأَسَدِيُّ الْبَالِسِيُّ الإِمَامُ بِمَدِينَةِ أَنْطَاكِيَةَ حَدَّثَنَا الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْيَحْصِبِيِّ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ يَرْفَعُهُ أَنَّ الْكَنْزَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ مُصْمَتٍ فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ يَنْصَبُ عَجِبْتُ لِمَنْ ذَكَرَ النَّارَ ثُمَّ يَضْحَكُ عَجِبْتُ لِمَنْ ذَكَرَ الْمَوْتَ ثُمَّ غَفَلَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنُ حُجَيْرَةَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَوْلانِيٌّ مِصْرِيٌّ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا ابْن الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الْبَدْرِ الْكَرْخِيُّ قَالا أَخْبَرَتْنَا خَدِيجَة بنت مُحَمَّد الشاهجانية أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَمْعُونٍ الْوَاعِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْن يَزِيدَ بْنِ حُبَيْشٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْكَنْزُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} الْكَنْزُ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبٌ فِيهِ أَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَنْصَبُ وَعَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى تَقَلُّبَ الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُلاعِبٍ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِهْرَوَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارُ يَقُولُ كُنَّا خَارِجِينَ مِنْ مِصْرَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ فِي الْبَحْرِ فَرَكَدَتْ عَلَيْنَا الرِّيحُ فَأَرْسَيْنَا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ اسطرون وَكَانَ مَعَنَا صَبِيٌّ سَقْلَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ أَيْمَنُ وَكَانَ مَعَهُ شِصٌّ يَصْطَادُ بِهِ السَّمَكَ قَالَ فَاصْطَادَ سَمَكَة نَحوا من شير أَوْ أَقَلَّ قَالَ وَكَانَ عَلَى ضِفَّةِ أُذُنِهَا الْيُمْنَى مَكْتُوبٌ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَعَلَى قَذَالِهَا وَضِفَّةِ أُذُنِهَا الْيُسْرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَكَانَ أَبْيَنَ مِنْ نَقْشٍ عَلَى حَجَرٍ قَالَ وَكَانَتِ السَّمَكَةُ بَيْضَاءَ وَالْكِتَابُ أَسْوَدَ كَأَنَّهُ كتاب بِخَبَر قَالَ فَقَذَفْنَاهَا فِي الْبَحْرِ وَمُنِعَ النَّاسُ أَنْ يَتَصَيَّدُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَتَّى أَوْغَلْنَا وَذَكَرَ الْحَافِظُ شَهْرَدَارُ بْنُ شِيرَوَيْهِ بْنِ شَهْرَدَارَ الدَّيْلَمِيُّ فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ الَّذِي أَصْلُهُ لِوَالِدِهِ الْحَافِظِ شِيرَوَيْهِ أَنَّ ابْنَ لالٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الزَّاهِدُ الْقَزْوِينِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِي عَارِضَيِ الْجَنَّةِ ثَلاثَةَ أَسْطُرٍ مَكْتُوبَاتٍ بِالذَّهَبِ الأَوَّلُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالثَّانِي وَجَدْنَا مَا قَدَّمْنَا وَرَبِحْنَا مَا أَكَلْنَا وَخَسِرْنَا مَا تَرَكْنَا وَالثَّالِثُ أُمَّةٌ مُذْنِبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الْمَشَايِخ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اليونينيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ بْنِ مُشْرِفٍ وَسِتُّ الْوُزَرَا التَّنُوخِيَّةُ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الطَّاوُسِيُّ قَالَ الثَّلاثَةُ الأُولُ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُبَارَكِ الزُّبَيْدِيُّ وَقَالَ الرَّابِعُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخَازِنُ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَوْهَرِيُّ الْحَلَبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الله قَالُوا أخبرنَا أَبُو زرْعَة طَاهِر ابْن مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ أخبرنَا القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بْنِ أَحْمَدَ الْحَرَشِيُّ الْحِيرِيُّ بِنَيْسَابُورَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى {ورفعنا لَك ذكرك} قَالَ لَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي أَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّسَالَةِ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ ذِكْرَهُ عِنْدَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالأذَانِ وَيَحْتَمِلُ ذِكْرَهُ عِنْدَ تِلاوَةِ الْكِتَابِ وَعِنْدَ الْعَمَلِ بِالطَّاعَةِ وَالْوُقُوفِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ قُلْتُ وَقَدْ رُوِّينَا مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حَدَّثَ بِهِ جِبْرِيلُ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً آمِنَةً مِنَ اخْتِلالِ الأَذْهَانِ وَاخْتِلاجِهَا ضَامِنَةً لِمَنْ يَمُوتُ عَلَيْهَا حُسْنَ مَعَادِ الأَنْفُسِ وَمَعَاجِّهَا كَامِنَةً فِي الْقَلْبِ وَاللَّفْظُ يَنْطِقُ بِهَا وَالْجَوَارِحُ تَمْشِي عَلَى مِنْهَاجِهَا وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ التَّقْوَى وَضِيَاءُ سِرَاجِهَا وَعَلامُ الْوَرَى الْقَائِمُ بِمُجَادَلَةِ الْخُصُومِ وَحُجَّاجِهَا وَضِرْغَامُ الْوَغَى إِذَا اطْلَخَمَّ الأَمْرُ بَيْنَ ضِيَاء الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ وَظُلُمَاتِ الشِّرْكِ وَاعْوِجَاجِهَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الإِمَامِ الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرَيْشٍ الْمَخْزُومِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ رَشِيدُ الدِّينِ أَبُو الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفضل الغزنوي وابو الْحسن ابْن أَبِي الْبَرَكَاتِ الصُّوفِيُّ وَزَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّحْوِيُّ الْبَغْدَادِيُّونَ قِرَاءَةً عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ بِانْفِرَادِهِ قَالُوا أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الأَنْصَارِيُّ ح وَأَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ الْمُحَدِّثُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ نُبَاتَةَ وَأَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَطَّارِ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْعِزِّ عمر بن أَحْمد بن عمر ابْن أَبِي بَكْرٍ الْمَقْدِسِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الْجُوخِيِّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الصَّلاحِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَدْرِ بْنِ تُبَّعٍ الْبَعْلِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَيْمِيَةَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ رِضْوَانَ الرَّقِّيُّ الْحَنَفِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أَبِي الْيُسْرِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْغَالِبِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْمَاكِسِينِيُّ وَرَفِيقُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 سُلَيْمَانَ بْنِ عَايِدٍ الْمَاكِسِينِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ بَرَكَاتِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقريشَةِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عمربن يُوسُفَ بْنِ خَطِيبِ بَيْتِ الآبَارِ وَأَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلَوِيٍّ السُّلَمِيُّ التَّاجِرُ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فَلاحِ بْنِ الإِسْكَنْدَرِيِّ وَابْنُ أَخِيهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الإِسْكَنْدَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن يحيى بن أَحْمد ابْن أَحْمَدَ بْنِ الْكَيَّالِ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَحْمَدَ الشِّيرَزِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ عبد السَّيِّد بن علوان السلَامِي وَمُحَمّد ابْن إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الدَّوْلَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أتيك السُّكَّرِيُّ وَأُبو الْفَتْحِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ الْحَنْبَلِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ ابْن أَبِي الْيُسْرِ وَابْنُ تبع وَابْنُ الْجُوخِيِّ وَابْنُ أَبِي الْفَتْحِ وَابْنُ الْكَيَّالِ وَالْمَاكِسِينِيُّ وَرَفِيقُهُ وَالشِّيرَزِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَابْنُ الْخَبَّازِ وَابْنُ الْعَطَّارِ أَخْبَرَنَا رَشِيدُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْعَامِرِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ وَابْنُ الْعَطَّارِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عصرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الْمِقْدَادُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ الْقَيْسِيُّ وَقَالَ ابْن الْجُوخِيِّ وَابْنُ تُبَّعٍ وَابْنُ الْخَبَّازِ أَيْضًا وَالسَّلامِيُّ أَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيٍّ وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ وَالسَّلامِيُّ وَابْنُ تُبَّعٍ وَابْنُ أَبِي الْفَتْحِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّيْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيُّ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَابْنُ الْخَبَّازِ وَابْنُ أَبِي الْيُسْرِ أَيْضًا وَابْنُ الْقريشَةِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَابْنُ الْخَبَّازِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَالِسِيُّ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ وَابْنُ الْخَبَّازِ أَيْضًا وَابْنُ الْعِزِّ عُمَرُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْهَرَوِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ وَابْنُ الْقريشَةِ أَيْضًا وَالسُّكَّرِيُّ أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ وَقَالَ ابْنُ نُبَاتَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن عَبْدِ الْمُحْسِنِ بْنِ الأَنْمَاطِيِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَالدَّوْلَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الإِسْكَنْدَرِيِّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ بْنِ تَغْلِبَ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ أَيْضًا وَابْنُ عَلَوِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن عمر ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَديِر بْنِ الْقَوَّاسِ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ أَيْضًا أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ الصَّيْرَفِيِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْبَغْدَادِيُّ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَجْمِ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ أَيْضًا وَابْنُ الْعِزِّ عُمَرُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وَقَالَ ابْن الْخَبَّازِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَسَاكِرَ وَأَحْمَدُ بْنُ عبد السَّلَام بن المطهر بن أبي عصرون وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْمَلِكِ الْمُحْسِنِ أَحْمَدَ وَسِتُّ الْعَرَبِ بِنُت يَحْيَى بْنِ قايمازَ وَقَالَ ابْنُ الْعِزِّ عُمَرُ أَيْضًا أَخْبَرَنَا حُضُورًا ابْنُ عَبْدُ الدَّايِمِ وَأَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمُطْعِمُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ خَطِيبِ بَيْتِ الآبَارِ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ خَطِيبِ بَيْتِ الآبَارِ وَقَالَ الرَّقِّيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْقَلانِسِيُّ وَإِسْرَائِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبِيبُ وَأَبُو الْفَتْحِ عُمَرُ بْنُ حَامِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقُوصِيِّ قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَابْنُ الْقُوصِيِّ وَالْهَرَوِيُّ وَابْنُ أَبِي الْيُسْرِ أَخْبَرَنَا الْكِنْدِيُّ وَابْنُ طَبَرْزَدَ وَقَالَ الْعِزُّ إِبْرَاهِيمُ وَابْنُ جَمِيلٍ وَابْنُ الزَّيْنِ وَابْنُ الأَنْمَاطِيِّ وَالْعَامِرِيُّ وَالْمُؤَمَّلُ وَابْنُ الْقَوَّاسِ وَابْنُ الصَّيْرَفِيِّ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ الْبَغْدَادِيِّ وَسِتُّ الْعَرَبِ وَفَاطِمَةُ أَخْبَرَنَا الْكِنْدِيُّ وَحْدَهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَالْمُؤَيَّدُ بْنُ الْقَلانِسِيِّ وَابْنُ الشِّيرَازِيِّ وَابْنُ الْحَنْبَلِيِّ وَابْنُ خَطِيبِ بَيْتِ الآبَارِ وَبِنْتُ مَكِّيٍّ أَخْبَرَنَا ابْنُ طَبَرْزَدَ وَحْدَهُ وَقَالَ الْمِقْدَادُ وَإِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الأَخْضَرِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْيُسْرِ أَيْضًا وَابْنُ عِيدٍ أَخْبَرَنَا شَيْخُ الشُّيُوخِ عبد اللَّطِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْيُسْرِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ تزمش بْن قرا عَلِيّ وَقَالَ ابْنُ عبد الدايم أخبرنَا أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيِّ وَعَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ فَيْرُوزَ وَالْمُكْرَمُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ قَالُوا وَهُمُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ الأَخْضَرِ وَعَبْدُ اللَّطِيفِ وَابْنُ فَيْرُوزَ وَابْنُ تزمش وَالْمُكْرَمُ وَالْكِنْدِيُّ وَابْنُ طَبَرْزَدَ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الْبَرْمَكِيُّ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍّ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيمُ ابْن عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ ارْتَقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ آمِينَ ثُمَّ ارْتَقَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ آمِينَ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ آمِينَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ عَلَى مَا أَمَّنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ رَغِمَ أَنْفُ امريء ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ آمِينَ ثمَّ قَالَ رغم أنف امرىء أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ فَقلت آمين ثمَّ قَالَ رغم أنف امريء أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَلَكِنْ فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا رغم أنف امريء ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً قَالَ آمِينَ ثُمَّ لَمَا رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى قَالَ آمِينَ ثُمَّ لَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً قَالَ آمِينَ ثُمَّ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قلت آمين قَالَ وَمن أَدْرَاك وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْتُ آمِينَ قَالَ وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ آمِينَ فَقُلْتُ آمِينَ ثُمَّ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ الانْتِصَارِ لِنَفْسِهِ لاسِيَّمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَجْهُ الدَّلالَةِ أَنَّهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ الأُولَيَيْنِ بَادَرَ إِلَى التَّأْمِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ لَهُ جِبْرِيلُ قُلْ آمِينَ وَفِي الثَّالِثَةِ لَمْ يُؤَمِّنْ حَتَّى قَالَ لَهُ قُلْ آمِينَ فَقَالَهَا امْتِثَالا إِذْ أَمْرُهُ مَنْ أَمْرِ اللَّهِ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جِبْرِيلَ بَادَرَ إِلَى قَوْلِهِ قُلْ آمِينَ بِحَيْثُ عَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ أَبْعَدَهُ اللَّهُ لِيَسْبِقَ تَأْمِينَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّ ذَلِكَ رفْعَة لشأن النَّبِي لِيَكُونَ الْمُؤَمِّنُ عَلَى هَذَا الأَمْرِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لأَنَّ تَأْمِينَ جِبْرِيلَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَامَ عَنْهُ بِالتَّأْمِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَى الأَمَرْيِن مَعًا كَوْنَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ وَإِرَادَةُ تَأْمِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ رِفْعَةٌ لِشَأْنِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِهِ إِلَى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَرَّزُ فَلَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ فَفَزِعَ عُمَرُ فَتَبِعَهُ بِمَطْهَرَةٍ يَعْنِي إِدَاوَةً فَوَجَدَهُ سَاجِدًا فِي سَرِيَّةٍ فَتَنَحَّى عُمَرُ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَحْسَنْتَ يَا عُمَرُ حِينَ رَأَيْتَنِي سَاجِدًا فَتَنَحَّيْتَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَتَانِي فَقَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ وَحُطَّتْ عَنْهُ عشر خطيآت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدٍ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَى بِلَفْظٍ آخَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتَهِ فِيمَا قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ الظَّاهِرِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ خَلِيلٍ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَدْنَانَ وَالْجَوْزَدَانِيَّةُ قَالا أَخْبَرَنَا ابْنُ رِيذَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُنْدَيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ رُشَيْدٍ الْهُجَيْمِيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَمَنْ صَلَّى عَلِيَّ عَشْرًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِائَةً وَمَنْ صَلَّى عَلِيَّ مِائَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَرَاءَةً مِنَ النِّفَاقِ وَبَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَأَسْكَنَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الشُّهَدَاءِ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ حُمَيْدٍ إِلا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ قَيْسٍ تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ قُلْتُ لَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قُرَيْشٍ الْمَخْزُومِيُّ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا الْمَعِينُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ الْمَدِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَبَّالُ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ابْن عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارِ بْنِ النَّحَّاسِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ وَاحِدَة صلى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا فَلْيُكْثِرْ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُقِلَّ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُخْتَارٍ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الأَصْفَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ التَّاجِرُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ صَلاةً صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ مَا صَلَّى فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ كَمَا أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الثَّنَاءِ مَحْمُودُ بْنُ الزَّنْجَانِيِّ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدُيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُقَوِّمِيُّ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا ثُمَّ ظَهَرَ سَمَاعُهُ مِنْ بَعْدُ أَخْبَرَنَا أَبُو طَلْحَةَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يزِيد ابْن مَاجَهْ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بِشْرٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ابْن عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ مُحِبُّ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَحْكَامِهِ وَعَزَاهُ إِلَى مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ وَقْتَ الْكِتَابَةِ كَوْنُهُ فِي ابْنِ مَاجَهْ وَأَخْبَرَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الظَّاهِرِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نِزَارٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْزَدَانِيَّةُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِيذَةَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلا سُلَيْمَانُ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قُلْتُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أخبرنَا صَالح بن مُخْتَار بن صَالح الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَهْدٍ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْحَمامِيُّ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحِ بْنِ شُنْجِ بْنِ عُمَيْرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ النُّمَيْرِيِّ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَلَّى عَلِيَّ صَلاةً صَادِقًا مِنْ نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَرَفَعَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ وَكَتَبَ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعِيدٍ أَبِي الصَّبَّاحِ عَن سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ مُطَوَّلا وَمُخْتَصَرًا وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْكَافِي بْنُ عَلِيٍّ السُّبْكِيُّ بِقِرَاءَةِ أَبِي عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَطِيبِ الْمِزَّةِ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ حُضُورًا أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الْمَوَاهِبِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُلُوكٍ الْوَرَّاقُ قَالا أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ الْغِطْرِيفِ حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلامٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ فَإِنَّهُ من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ عَشْرًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ عَن أَبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السِّلَفِيِّ الْحَافِظِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَرْخِيُّ بِمَدِينَةِ السَّلامِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ بْنِ الْبَزَّارِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعَدَّلُ السَّقَطِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ الْحَرْبِيُّ فِي الْمحرم سنة ثماينن وَمِائَتَيْنِ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِلالِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَّيِبِ ح وَأخْبرنَا صَالح الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ الرُّويَانِيُّ حَدَّثَنَا الإِمَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن الصَّابُونِي إِمْلاءً حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ إِمْلاءً أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَفَاءِ الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى الْمَاسَرْجَسِيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعُثْمَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سعيد بن الْمسيب عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَةَ الْقُرَشِيِّ قَالَ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَبًا رَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَجَاءَهُ بِرُّهُ بِوَالِدَيْهِ فَمَنَعَهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي وَقَدْ بسط عَلَيْهِ عَذَاب الْقَبْر فَجَاءَهُ وضؤوه لِلصَّلاةِ فَمَنَعَهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ فَجَاءَتْهُ صَلاتُهُ فَخَلَّصَتْهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشًا كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضًا طُرِدَ فَجَاءَهُ صَوْمُهُ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي وَالْمُؤْمِنُونَ حَلْقًا حَلْقًا كُلَّمَا أَتَى حَلْقَةً طُرِدَ فَجَاءَهُ اغْتِسَالُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِي وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَمِنْ خَلْفِهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ تَحْتِهِ ظُلْمَةٌ وَهُوَ يَتَسَكَّعُ فِي الظُّلْمَةِ فَجَاءَهُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَأَخْرَجَاهُ مِنَ الظُّلْمَةِ وَأَدْخَلاهُ النُّورَ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ فَلا يُكَلَّمُ فَجَاءَتْهُ صِلَتُهُ لِلرَّحِمِ فَقَالَتْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ كَلِّمُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ وَاصِلا لِرَحِمِهِ فَكَلَّمَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَصَافَحُوهُ وَكَانَ مَعَهُمْ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَتَّقِي وَهَجَ النَّارِ وَشَرَرَهَا بِيَدِهِ عَنْ وَجْهِهِ فَجَاءَتْهُ صَدَقَتُهُ فَكَانَتْ ظِلا عَلَى رَأْسِهِ وَسِتْرًا عَلَى وَجْهِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ فَجَاءَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي قَدْ أَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَجَاءَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَخَلَصَّاهُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَأَدْخَلاهُ مَعَ مَلائِكَةِ الرَّحْمَةِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يُؤْتَى صَحِيفَتُهُ مِنْ قِبَلِ شِمَالِهِ فَجَاءَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَخَذَ صَحِيفَتَهُ فَجَعَلَهَا فِي يَمِينِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَجَاءَهُ رَجَاؤُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَخَلَّصَهُ مِنْ ذَلِكَ وَرَأْيُت رَجُلا مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَى فِي النَّارِ فَجَاءَتْهُ دُمُوعُهُ الَّتِي بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فَاسْتَنَقْذَتْهُ مِنْ ذَلِكَ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي قَائِمًا عَلَى الصِّرَاطِ يَرْعَدُ كَمَا تَرْعَدُ السَّعْفَةُ فِي رِيحٍ عَاصِفٍ فَجَاءَهُ حسن ظَنِّهِ بِاللَّهِ فَسَكَّنَ رَوْعَهُ وَمَشَى عَلَى الصِّرَاطِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ يَحْبُو أَحْيَانًا وَيَزْحَفُ أَحْيَانًا وَيَتَعَلَّقُ أَحْيَانًا فَجَاءَتْهُ صَلاتُهُ على فأقامته على قدمه فَمَضَى عَلَى الصِّرَاطِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي انْتَهَى إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كُلَّمَا انْتَهَى إِلَى بَابٍ غُلِقَ دُونَهُ فَجَاءَتْهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا بِهَا قَلْبُهُ فَفَتَحَتْ لَهُ الأَبْوَابَ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَأَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمُحْسِنِ بْنِ حَمْدَانَ الْحَاكِمُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ الْحُبُوبِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَفَا مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان بن مَنْدَه إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْبَاغْبَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو عبد الْوَهَّاب بن أبي عبد الله مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ أَرَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ عَجَبًا رَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ فَأَتَاهُ الْوُضُوءُ فَاسْتَنْقَذَهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي احْتَوَشَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ فَاسْتَنْقَذَتْهُ صَلاتُهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشًا كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضًا مُنِعَ فَاسْتَنْقَذَهُ صِيَامُهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ وَخَلْفَهُ ظُلْمَةٌ وَعَنْ يَمِينِهِ ظُلْمَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ ظُلْمَةٌ فَاسْتَنْقَذَهُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ وَلا يُكَلِّمُونَهُ فَجَاءَتْهُ صِلَةُ رَحِمِهِ فَاسْتَنَقْذَتْهُ حَتَّى كُلِّمَ وَرَأَيْتُ رَجُلا جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَدْ حُجِبَ عَنِ النُّورِ فَاسْتَنْقَذَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا أُعْطِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَاسْتَنْقَذَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ فَأُعْطِيهِ بِيَمِينِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَاسْتَنْقَذَهُ وَجَلُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي هَوَى مِنَ الصِّرَاطِ فِي جَهَنَّمَ فَاسْتَنْقَذَتْهُ دُمُوعُهُ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَلْفَحُ وَجْهَهُ شَرَرُ النَّارِ فَاسْتَنْقَذَتْهُ صَدَقَتُهُ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي أَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ فَاسْتَنْقَذَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَرْعَدُ عَلَى الصِّرَاطِ فَاسْتَنْقَذَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي لَا يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ فَاسْتَنْقَذَتْهُ صَلاتُهُ عَلَى وَرَأَيْتُ رَجُلا انْتُهِيَ بِهِ إِلَى بَاب الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 فَأُغْلِقَ عَنْهُ فَاسْتَنْقَذَهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَرَأَيْتُ أَعْجَبَ الْعَجَبِ نَاسٌ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ المشاؤون بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَرَأَيْتُ رِجَالا يُعَلَّقُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ عَنْ سَعِيدِ بن الْمسيب عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ قَدْ خَرَّجْتُ جُزْءًا أَمْلَيْتُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْعَبًا وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ عَسَاكِرَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي عَلِيٌّ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُسَيْنِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ الْمَيَانَجِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ أَبُو عَمْرٍو الْعُصْفُرِيُّ شَبَابٌ حَدَّثَنَا دُرُسْتُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَصَافَحَا وَيُصَلِّيَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى تُغْفَرَ ذُنُوبُهُمَا مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ لَيْسَ لِمَطَرٍ عَنْ أَنَسٍ شَيْءٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 أَخْبَرَتْنَا زَيْنَبُ بِنْتُ الْكَمَالِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَتْ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ السَّيِّدِيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَتْنَا تَجْنِي الْوَهْبَانِيَّةُ ح قَالَتْ وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْخَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ ح وَأخْبرنَا يحيى بن يُوسُف بن أبي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ الْمِصْرِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا الْفَقِيهِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَلامَةَ بْنِ الْجميزيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ قَالَتَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّد بن عبد الله ابْن مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ إِمْلاءً حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلِيَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اليونينيُّ أَخْبَرَنَا الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَاسِرٍ الْجَيَّانِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَطَاءٍ الْمِهْرَوَانِيُّ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الطَّهْمَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدٌ الْكَارِزِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَزْرِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِقَاسِيُونَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الصَّيْدَلانِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُظَفَّرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَبَّابِيُّ الْبَغَوِيُّ قَدِمَ نَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الضَّبِّيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن عبد الله بن السَّائِب عَن زَاذَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّ للَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبْلِغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلامَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الصَّلاةِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ عَنْ وَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِي الْمَلائِكَةِ وَفِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَفِي الْمَلائِكَةِ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ يَحْيَى وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَرْوَانَ سِتَّتُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَحْبُوبِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنِ الأَعْمَشِ وَسُفْيَانَ كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْهُ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ الأَسَدِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالتَّلِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَوَهِمَ فِيهِ إِنَّمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الثَّوْرِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَنَا صَالح الأشنوي سَمَاعًا أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ السِّمْسَارُ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ حَدَّثَنَا الدينَوَرِي حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد ابْن سِنَانٍ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ عَجْلانَ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ للَّهِ سَيَّارَةً مِنَ الْمَلائِكَةِ إِذَا مَرُّوا بِحِلَقِ الذِّكْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ اقْعُدُوا فَإِذَا دَعَا الْقَوْمُ أَمَّنُوا عَلَى دُعَائِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّوْا مَعَهُمْ حَتَّى يَفْرُغُوا ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ طُوبَى لِهَؤُلاءِ يَرْجُونَ خَيْرًا لَهُمْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَلٍّ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ اليونينيُّ أَخْبَرَنَا الْبَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بن يَاسر أخبرنَا هبة الله المهرواني أخبرنَا الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ وَأَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله الْحرفِي قَالا حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَّلِي عَلَيْهِ صَلاةً إِلا وَهِيَ تَبْلُغُهُ يَقُولُ الْمَلَكُ فُلانٌ يُصَلِّي عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا صَلاةً أَبُو يَحْيَى هُوَ الْقَتَّاتُ وَاسْمُهُ دِينَارٌ وَيُقَالُ عبد الرَّحْمَن أخبرنَا صَالح بن مُخْتَار الأشنوي أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْغَازِي حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الْعَدْلُ حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ أَرْكِينَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هَيَّاجٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَرْحَبِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ ضَمْضَمٍ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ الْحِمْيَرِيِّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إِنَّ للَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَلَكًا أَعْطَاهُ سَمْعَ الْعِبَادِ كُلِّهِمْ فَمَا مِنْ أَحَدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ صَلاةً إِلا بَلَّغَنِيهَا وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمُ صَلاةً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَانِي ذَلِكَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ الأَشْعَرِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن اليونيني أخبرنَا الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الطَّبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بن يَاسر أخبرنَا هبة الله المهرواني أخبرنَا الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيَالِسِيُّ ح وَأَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُخْتَارٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنُ الجندجانيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ حَدَّثَنَا بُكَيْرٌ الْحَدَّادُ بِمَكَّةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالا حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنِ الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى عَليّ عِنْد قَبْرِي سمعته وَمن صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا أُبْلِغْتُهُ لَيْسَ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ نِعْمَةَ فِي كِتَابِهِ إِلَى من دمشق أخبرنَا عبد اللَّطِيف ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ التَّعَاوِيذِيِّ إِجَازَةً ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفِدَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفَرَّا أَخْبَرَنَا الْبَهَّاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 النَّقِيبُ أَبُو الْمَحَاسِنِ هَادِي بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحُسَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَيَّاطُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ اللُّغَوِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّوَّافِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلِيَّ صَلاةً كَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِي أُخْرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَتَوَسَّطْ ذِكْرٌ عَنْ أَبِيهِ فِيهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلاةِ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ بِهِ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَيِّمُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الصَّيْدَلانِيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ أَحْمَدَ الإِسْمَاعِيلِيَّ أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَعْنِي يَحْيَى بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْحَرْبِيَّ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ كَذَا جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَقَدْ وَرَدَ مَرْفُوعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ سَلامَةَ الْخَيَّاطُ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا ابْنُ الْبَطِّيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَطِرِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْعُكْبَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ ابْن حَرْبٍ الطَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو جَدِّي عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا كَانَتْ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ شَاء عَفَا عَنْهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمْ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَرْفُوعًا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَاللَّفْظُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَقَالَ حَسَنٌ وَالتِّرَةُ بِكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ النَّقْصُ وَقِيلَ التَّبِعَةُ أخبرنَا صَالح الأشنوي سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْجُوزِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَمِيلٍ أَبِي الأَحْوَرِ الطُّوسِيُّ بِهَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَتْنَا حَكَّامَةُ بِنْتُ عُثْمَان ابْن دِينَارٍ حَدَّثَنِي أَبِي عُثْمَانُ عَنْ أَخِيهِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاسُ إِنَّ أَنْجَاكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا وَمَوَاطِنِهَا أَكْثَرُكُمْ عَلِيَّ فِي دَارِ الدُّنْيَا صَلاةً إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي اللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ كِفَايَةٌ {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} خَصَّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ لِيُثِيبَهُمْ عَلَيْهِ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الزَّكِيِّ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْخَيْرِ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبُوصِيرِيُّ إِجَازَةً ح وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ السَّلامِيُّ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْن إِدْرِيسَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ مَزِيزٍ الْحَمَوِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَزُّونٍ أَخْبَرَنَا الْبُوصِيرِيُّ أَخْبَرَنَا مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَبَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجرابِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلامٍ الْعَطَّارُ قَالَ سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَعْنِي الثَّوْرِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ فَيَقُولُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ وَقَالَ أُبَيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ أَفَأَجْعَلُ لَكَ ثُلُثَ صَلاتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّطْرُ أَكْثَرُ قَالَ فَأَجْعَلُ لَكَ شَطْرَ صَلاتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم الثُّلُثَانِ أَكثر فَأَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا قَالَ إِذًا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ كُلَّهُ وَبِهِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 فَقَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي عَلَيْكَ صَلاةً إِلا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ أَجْعَلُ نِصْفَ دُعَائِي لَكَ قَالَ إِنْ شِئْتَ قَالَ أَجْعَلُ ثُلُثَيْ دُعَائِي لَكَ قَالَ إِنْ شِئْتَ قَالَ أَجْعَلُ دُعَائِي كُلَّهُ لَكَ قَالَ إِذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ هَمَّ الدُّنْيَا وَهَمَّ الآخِرَةِ وَبِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلِيَّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى وَزِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْخَبَّازِ إِذْنًا خَاصًّا قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَايِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ عَلانَ الْقَيْسِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ الرُّصَافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُذْهِبُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقِطيِعِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ قَالَ إِذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ لَيْسَ فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 أَخْبَرَتْنَا آمِنَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْكِرْمَانِيُّ حُضُورًا أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ زَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَأْمُونِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُتَوَلِّي أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ قَالا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجا من الْمَسْجِد فابتعته أَمْشِي وَرَاءَهُ لَا يَشْعُرُ بِي ثُمَّ دَخَل نَخْلا فَاسْتَقْبَلِ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ وَأَنَا وَرَاءَهُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَوَفَّاهُ فَأَقْبَلْتُ أَمْشِي حَتَّى جِئْتُهُ فَطَأْطَأْتُ رَأْسِي أنظر فِي وَجهه فَرفع رَأسه فَقَالَ مَالك يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ لَمَّا أَطَلْتَ السُّجُودَ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَوَفَّى نَفْسَكَ فَجِئْتُ أَنْظُرُ فَقَالَ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ النَّخْلَ لَقِيتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ أُبَشِّرُكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِمُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رِوَايَةٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الضِّيَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُمَرَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ اليونينيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُنَجَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ اللَّتِّيِّ ح وَكَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى السِّجْزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِم الفضيل بن يحيى ابْن الْفُضَيْلِ الْفُضَيْلِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 ح وَأخْبرنَا صَالح بن مُخْتَار الأشنوي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الصَّحَّافُ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ جَعْفَرٍ النُّهَاوَنْدِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ الطُّوسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ بُكَيْرٍ أَبُو خَبَّابٍ عَنْ سَلامٍ الْحَزَّارِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ دُعَاءٍ إِلا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ حِجَابٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ فَإِذَا صُلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخَرَقَ الْحِجَابَ وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ وَإِذَا لَمْ يُصَلَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْتَجَبِ الدُّعَاءُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْحَارِثُ هُوَ الأَعْوَرُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ السَّبِيعِيُّ مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْطَلِقَ عَلِقَ مَعَالِقَهُ وَمَلأَ قَدَحًا مِنْ مَاءٍ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَتَوَضَّأَ تَوَضَّأَ أَوْ أَنْ يَشْرَبَ شَرِبَ وَإِلا هَرَاقَهُ فَاجْعَلُونِي فِي وَسَطِ الدُّعَاءِ وَفِي أَوَّلِهِ وَفِي آخِرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا مَحْمُودٌ الزَّنْجَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدُيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمُقَوِّمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَلْحَةَ الْقَاسِمُ ابْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ عَلَيَّ خطىء طَرِيقَ الْجَنَّةِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ رُوِّينَاهُ فِي جُزْءِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَفِي بَعْضِ الأَلْفَاظِ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلم يصل على خطىء طَرِيقَ الْجَنَّةِ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا من صلى عَليّ مِائَةً غُفِرَ لَهُ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِذْنًا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَنْ أَبِي الْمُظَفَّرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ أَبِي سَعْدٍ السِّمْعَانِيِّ أَخْبَرَنَا عُثْمَان بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الْخفاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ينسابور حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَيُورَقِيُّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ غَالِبُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ الصُّوفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ الصَّيْدَلانِيُّ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هُشَيْمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رُشَيْدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْحَقُ لِلْخَطَايَا مِنَ الْمَاءِ لِلنَّارِ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ وَحُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ مُهَجِ الأَنْفُسِ أَوْ قَالَ مِنْ ضَرْبِ السَّيْفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَشْعَرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ إِجَازَةً عَنْ أَبِي الْمُظَفَّرِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْحَافِظِ أَبِي سَعْدٍ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّمْعَانِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الصَّبَّاحِ الْجَزَرِيُّ الْبَيِّعُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْدَعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ دِينَارٍ حَدَّثَنِي قُثَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ شُرَيْحِ عَن عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَن عبد الله ابْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ إِنَّ لآدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَوْقِفًا فِي فُسَحٍ مِنَ الْعَرْشِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ يَنْظُرُ إِلَى مَنْ يُنْطَلَقُ بِهِ من وَالِده إِلَى الْجَنَّةِ وَيَنْظُرُ إِلَى مَنْ يُنْطَلَقُ بِهِ مِنْ وَلَدِهِ إِلَى النَّارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 قَالَ فَبَيْنَا آدَمُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَيُنَادِي آدَمُ يَا أَحْمَدُ يَا أَحْمَدُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ يَا أَبَا الْبَشَرِ فَيَقُولُ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ يُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَأَشُدُّ الْمِئْزَرَ وَأَهْرَعُ فِي أَثَرِ الْمَلائِكَةِ وَأَقُولُ يَا رُسُلَ رَبِّي قِفُوا فَيَقُولُونَ نَحْنُ الْغِلاظُ الشِّدَادُ الَّذِينَ لَا نَعْصِي اللَّهَ مَا أَمَرَنَا وَنَفْعَلُ مَا نُؤْمَرُ فَإِذَا أَيِسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى فَيَقُولُ رَبِّ قَدْ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي فِي أُمَّتِي فَيَأْتِيَ النِّدَاءُ مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ أَطِيعُوا مُحَمَّدًا وَرُدُّوا هَذَا الْعَبْدَ إِلَى الْمَقَامِ فَأُخْرِجُ مِنْ حُجْزَتِي بِطَاقَةً بَيْضَاءَ كَالأَنْمُلَةِ فَأُلْقِيهَا فِي كَفَّةِ الْمِيزَانِ الْيُمْنَى وَأَنَا أَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فَتَرْجَحُ الْحَسَنَاتُ عَلَى السَّيِّئَاتِ فَيُنَادِي سَعِدَ وَسَعِدَ جَدُّهُ وَثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَا رُسُلَ رَبِّي قِفُوا حَتَّى أَسْأَلَ هَذَا الْعَبْدَ الْكَرِيمَ عَلَى رَبِّهِ فَيَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَحْسَنَ وَجْهَكَ وَأَحْسَنَ خُلُقَكَ مَنْ أَنْتَ فَقَدْ أَقَلْتَنِي عَثْرَتِي وَرَحِمْتَ عَبْرَتِي فَيَقُولُ أَنَا نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَهَذِهِ صَلاتُكَ الَّتِي كُنْتَ تُصَلِّي عَلِيَّ وَافَتْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهَا وَوَجَدْتُ فِي تَارِيخِ خَلَفِ بْنِ بَشْكوَالَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ جُمَيْعٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْن أَحْمَدَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَجِيءُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ مَعَهُمُ الْمَحَابِرُ وَحِبْرُهُمْ خَلُوقٌ يَفُوحُ فَيَقُولُ لَهُمْ أَنْتُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ طَالَمَا كُنْتُمْ تُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّي انْطَلِقُوا بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ قُلْتُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الرَّقِّيُّ أَبُو بَكْرٍ قَالَ الْخَطِيبُ إِنَّهُ كَذَّابٌ وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ إِنَّهُ وَاضِعٌ وَضَعَ عَلَى الطَّبَرَانِيِّ حَدِيثًا بَاطِلا قُلْتُ لَعَلَّهُ هَذَا الْحَدِيثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وروينا من حَدِيث المَقْبُري عَن أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعا من صلى عَلَيّ فِي كتاب لم تزل الْمَلَائِكَة تستغفر لَهُ مَا دَامَ ذكري فِي ذَلِك الْكتاب وَأخْبرنَا صَالح الأشنوي سَمَاعًا أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ سُلَيْمٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا كَادِحُ بْنُ رَحْمَةَ حَدَّثَنَا نَهْشَلُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلْ صَلاتُهُ جَارِيَةً لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ وَعَن حَمْزَة السَّهْمِي سَمِعت أَبَا مُحَمَّد المنيري يَقُول رَأَيْته يَعْنِي أَحْمَد بْن مُوسَى بْن عِيسَى الْجِرْجَانِيّ فِي النّوم بعد وَفَاته فَقلت مَا فعل اللَّه بك قَالَ غفر لي بِكَثْرَة كتبي الحَدِيث وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن سعد الزنجاني قَالَ كَانَ بِمصْر رجل زاهد يُقَال لَهُ أَبُو سَعِيد الْخياط وَكَانَ لَا يخْتَلط بِالنَّاسِ ثمَّ داوم عَلَى حُضُور مجْلِس ابْن رَشِيق فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام فَقَالَ احضر مَجْلِسه فَإِنَّهُ يكثر فِيهِ الصَّلَاة عَلِيّ ورئي بعض أَصْحَاب الحَدِيث فِي الْمَنَام يَقُول غفر لي رَبِّي بصلاتي فِي كتبي عَلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنشدنا أَحْمَد بْن عَلِيّ الْحَنْبَلِيّ عَن الشَّيْخ يَحْيَى بْن يُوسُف الصرصري إِجَازَةً لنَفسِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 (من لم يصل عَلَيْهِ إِن ذكر اسْمه ... فَهُوَ الْبَخِيل وزده وصف جبان) (وَإِذا الْفَتى صلى عَلَيْهِ مرّة ... من سَائِر الأقطار والبلدان) (صلى عَلَيْهِ اللَّه عشرا فليزد ... عَبْد وَلَا يجنح إِلَى نُقْصَان) وَقلت أَنا من أرجوزة (فصل كل لَحْظَة عَلَيْهِ ... تمحق خطاياك عَلَى يَدَيْهِ) (وَأَنت يَا مهموم إِن أردتا ... أَنَّك تَكْفِي مَا أهم بتا) (فَاجْعَلْ لَهُ دعاءك الجميعا ... وثق بِمَا قلت وَكن مُطيعًا) (وَفِي حَدِيث آخر من جعلا ... كل صلَاته عَلَيْهِ سئلا) (قَالَ إِذا يغْفر كل ذَنْبك ... فابشر بِهَذَا كُله من رَبك) (وَاسْتعْمل اللِّسَان فِي الصَّلَاة ... فَإِنَّهَا من أقرب الطَّاعَات) (وَمن يصل مرّة عَلَى النَّبِي ... صلى عَلَيْهِ اللَّه عشرا فاعجب) (أَنْت الْمُصَلِّي وَالْمُصَلي مره ... وربنا الَّذِي أَقَامَ أمره) (هُوَ الْمُصَلِّي الْعشْر هَذَا فضل ... لَيْسَ لَهُ فِي القربات مثل) (من أَجله قَالَ النَّبِي فَلْيقل ... أَو يكثر الصَّلَاة فاكثرها وَقل) (فَضِيلَة يمحى بهَا ذَنْب الَّذِي ... أصبح وَهُوَ بِالْمَعَاصِي قد غذي) (اتّفق النَّاس عَلَى الْفَرْضِيَّة ... وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الكمية) (فَقَالَ قوم مرّة فِي الْعُمر ... وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل السبر) (وَقَالَ آخَرُونَ كلما ذكر ... واعتصموا بِمَا أَتَاهُم من خبر) (فَمن أخل بِالصَّلَاةِ إِن ذكر ... يرغم أَنفه كَذَا جَاءَ الْخَبَر) (وَهُوَ مشير للْوُجُوب فامتثل ... وَلَا تكن مِمَّن عصى أَمر الرُّسُل) (وَفِي حَدِيث أَنه الْبَخِيل ... وَالْبخل أَدّوا الدا وَذَا دَلِيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 (وَفِي حَدِيث عد فِي الحسان ... أخطا طَرِيق جنَّة الرَّحْمَن) (من نسي الصَّلَاة يَعْنِي أهملا ... حَتَّى غَدَتْ كَمثل منسي خلا) (أَو لَا فَمَا النسْيَان مِمَّا كلفا ... بل هُوَ مَرْفُوع بِنَصّ الْمُصْطَفى (وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو داودا ... وَالنَّسَائِيّ قدرُوا مَوْجُودا) (بِأَن كل فرقة تَجْتَمِع ... وَلَا تصلي فعلَيْهَا الْمجمع) (وَهُوَ عَلَيْهَا ترة إِن شَاءَ ... تعذيبها اللَّه أَو الإغضاء) (والترة الْمَقْصُود مِنْهَا التبعه ... وَهُوَ حَدِيث قَامَ بِالْفَرْضِ مَعَه) (وَالْحَاكِم استدرك هَذَا فَاعْلَم ... وَقَالَ شَرط من شُرُوط الْمُسلم) (وَالشَّافِعِيّ قَالَ قولا ثَالِثا ... بِهِ غَدا للمرسلين وَارِثا) (عَلَيْهِ فِي كل صَلَاة راتبه ... يَأْتِي بهَا العَبْد صَلَاة واجبه) (بل هِيَ ركن فِي صَلَاة النَّاس ... قد قَامَ بِالنَّصِّ وبالقياس) (كل صَلَاة دونهَا خداج ... قَامَ بذا الْبُرْهَان وَالْحجاج) (كَأَنَّهَا فَاتِحَة الْكتاب ... وَتلك نعْمَة من الْوَهَّاب) (صلى عَلَيْهِ رَبنَا مَا ذكرا ... فَإِنَّهَا تبلغه بِلَا مرا) (عَلَى لِسَان ملك مُسلم ... كَذَا أَتَانَا فِي صَحِيح مُسلم) أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الصَّوَّافِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثُمَّ سَمِعْتُهُ مِنْ لَفْظِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَادِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ غَدِيرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحسن عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ابْن الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخِلَعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنِ الأَعْمَشِ وَمِسْعَرٍ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ التوزري قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ ضِرْغَامٍ حُضُورًا فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْمَقْدِسِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرِّيٍّ الْمَقْدِسِيُّ النَّحْوِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو صَادِقٍ مُرْشِدُ بْنُ يحيى الْمَدِينِيّ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عَليّ ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّاء ابْن حَيُّوَيْهِ النَّيْسَابُورِيُّ لَفْظًا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ أَبُو الأَشْعَثِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَتْنَا حَرَمِيَّةُ بِنْتُ تَمَّامٍ أَخْبَرَنَا عَربشاه بْنِ أَحْمَدَ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُوَارِيُّ أَخْبَرَنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْن عُمَرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ فِطْرٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَوْهَرِيِّ الْحَلَبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اليونيني وَمُحَمّد بن أبي الْعِزّ بن مشرف وَسِتُّ الْوُزَرَاءِ التَّنُوخِيَّةُ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الطاووسي قَالَ الثَّلَاثَة الأول أخبرنَا الْحُسَيْن بن الْمُبَارك بْنِ الزُّبَيْدِيِّ وَقَالَ الآخَرُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخَازِنُ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ أَخْبَرَنَا مكي ابْن مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} قُلْنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ السَّلامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ وَأَخْبَرَنَاهُ أَيْضًا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قايمازَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالا أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الزُّبَيْدِيِّ زَادَ ابْنُ قايمازَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ اللَّتِّيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفُتُوحِ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مَحْمُودٍ النَّصْرَابَاذِيُّ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ فَذَكَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بَدَلَ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَخْبَرَنَاهُ صَالح بن مُخْتَار الأشنوي سَمَاعًا وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْخَبَّازِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالا أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ وَيُدْعَى بَكَّارَ بْنَ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ الإسعردِيَّ وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ وَعَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ الصَّابُونِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ الصَّعْبِيُّ وَعَمُّهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَهَنْسِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الكلوتاتي وَيَعْقُوبُ بْنُ عَوَضٍ الْمُؤَذِّنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ قَالُوا أَخْبَرَنَا النَّجِيبُ الْحَرَّانِيُّ قَالا النَّجِيبُ وَابْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ كُلَيْبٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَيَانٍ الرَّزَّازُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ فَذَكَرَهُ سَمِعْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَحْسَنُ مَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ قَالَ وَمَنْ أَتَى بِهَا فَقَدْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَقِينٍ وَكَانَ لَهُ الْجَزَاءُ الْوَارِدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 فِي أَحَادِيثِ الصَّلاةِ بِيَقِينٍ وَكُلُّ مَنْ جَاءَ بِلَفْظٍ غَيْرِهَا فَهُوَ مِنْ إِتْيَانِهِ بِالصَّلاةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي شَكٍّ لأَنَّهُمْ قَالُوا كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا كَذَا فَجَعَلَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ هِيَ قَوْلُ كَذَا قَالَ وَإِذَا قَالَهَا الْعَبْدُ فَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَلَّى عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَآلِهِ ثُمَّ إِذَا قَالَهَا عَبْدٌ آخَرُ فَقَدْ طَلَبَ صَلاةً أُخْرَى غَيْرَ الَّتِي طَلَبَهَا الدَّاعِي الأَوَّلُ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَطْلُوبَيْنِ وَإِنْ تَشَابَهَا مُفْتَرِقَانِ بِافْتِرَاقِ الطَّالِبِ وَأَنَّ الدَّعْوَتَيْنِ مُسْتَجَابَتَانِ إِذِ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً فَلا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَا طَلَبَهُ هَذَا غَيْرَ مَا طَلَبَهُ ذَاكَ لِئَلا يَلْزَمَ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةً مُمَاثِلَةً لِصَلاتِهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَآلِهِ كُلَّمَا دَعَا عَبْدٌ فَلا تَنْحَصِرُ الصَّلَوَاتُ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ الَّتِي كَلَّ مِنْهَا بِقدر مَا حصل لإِبْرَاهِيم وَآلُهُ إِذْ لَا يَنْحَصِرُ عَدَدُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الصَّلاةِ وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَفْتُرُ لِسَانُهُ عَنِ الإِتْيَانِ بِهَذِهِ الصَّلاةِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ الْجَوْهَرِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ غَالِي بْنِ نَجْمٍ الدِّمْيَاطِيُّ وَأَبُو الْبَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بن عُثْمَان بن مُحَمَّد التورزي وَأَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَيِّدِ النَّاسِ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَأَنَا حَاضِرٌ فِي الرَّابِعَةِ أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ قَالُوا إِلا ابْنَ غَالِي أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَطِيبِ الْمِزَّةِ وَقَالَ ابْنُ غَالِي أَخْبَرَنَا النَّجِيبُ عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَافِظُ الْحَرَّانِيُّ وَكَذَلِكَ قَالَ الأَوَّلُ أَيْضًا وَقَالَ الثَّالِثُ أَخْبَرَنَا الْعِزُّ الْحَرَّانِيُّ أَيْضًا وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَسْطَلانِيِّ أَيْضًا قَالُوا إِلا ابْنَ الْقَسْطَلانِيِّ وَابْنُ خَطِيبِ الْمِزَّةِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ طَبَرْزَدَ سَمَاعًا وَقَالَ ابْنُ خَطِيبِ الْمِزَّةِ حُضُورًا أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْكَرْخِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَقَالَ ابْنُ الْقَسْطَلانِيِّ أَخْبَرَنَا وَالِدِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفُتُوحِ نَصْرٌ الْحُصْرِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ أَخْبَرَنَا التُّسْتَرِيُّ ح قَالَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُقَيَّرِ مُشَافَهَةً وَالْحُسَيْنُ بْنُ صَصَرَى كِتَابَةً أخبرنَا الْفضل بن سهل الإسفرايني أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ ابْن جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرو ابْن سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ لَيْسَ لِعَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي الدَّعَوَاتِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّلاةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَوْحٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ بِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِذْنًا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ عَنْ أبي المظفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ أَبِي سَعْدٍ السِّمْعَانِيِّ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخَفَّافُ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَيُورَقِيَّ أَخْبَرَنَا غَالِبُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّوفِيُّ سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنَ الْحُسَيْنِ الطَّائِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ بَيَانٍ الأَصْبَهَانِيَّ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقلت يَا رَسُولَ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ابْنُ عَمِّكَ هَلْ خَصَصْتَهُ بِشَيْءٍ أَوْ هَلْ نَفَعْتَهُ بِشَيْءٍ قَالَ نَعَمْ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ لَا يُحَاسِبَهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَ قَالَ لأَنَّهُ كَانَ يُصَّلِي عَلَيَّ صَلاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ أَحَدٌ مِثْلَهَا قُلْتُ فَمَا تِلْكَ الصَّلاةِ قَالَ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ سَلامَةَ الْخَيَّاطُ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْبَطِّيِّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَطَّابِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَطِرِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْبَزَّارُ الْعُكْبَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَدِّي عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّد ابْن ثَابِتٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلِيَّ فَصَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ بُعِثُوا كَمَا بُعِثْتُ يُقَالُ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتٍ هَذَا هُوَ ابْنُ شُرَحْبِيلَ الْعَبْدِيُّ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الصَّاحِبُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ النَّحَّاسِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُوَفَّقِ بْنِ الْخَازِنِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْمُقَرَّبِ الْكَرْخِيُّ أَخْبَرَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ الْعِيسَوِيُّ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبُو قِلابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى الأَنْبِيَاءِ كَمَا تُصَلُّونَ عَلِيَّ فَإِنَّهُمْ بُعِثُوا كَمَا بُعِثْتُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الْقَائِمِينَ بِمُدَاوَاةِ الْقُلُوبِ وَعِلاجِهَا صَلاةً كَصَلَوَاتِهِمُ الْمُفْتَرَضَةِ ذَاتِ الأَرْكَانِ آمِنَةً من خداجها مَا مدت أنفس المذنبين إِلَى شَفِيعِ الْمُؤْمِنِينَ يَدَ احْتِيَاجِهَا أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ بَدْرَانَ بْنِ بَدْرٍ الحجويُّ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ شُكْرٍ قَالا أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّلَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَاقِلانِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذان أخبرنَا عبد الْخَالِق ابْن الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ الْبَاغَنْدِيُّ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قايمازَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالا أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الزُّبَيْدِيِّ زَادَ ابْن قايمازَ وَابْنُ اللَّتِّيِّ قَالا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي الرَّضِيُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْفَرَائِضِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الصَّيْرَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبِرْتِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو نُعْيَمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ كِلاهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 اللَّهُمَّ أَذَقْتَ أَوَّلَ قُرَيْشٍ نَكَالا فَأَذِقْ آخِرَهَا نَوَالا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ بن الْجَوْهَرِيِّ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِيبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَهَا عِنْدَ اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن لِلْقُرَشِيِّ قُوَّةَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ مَا عَنَى بِذَلِكَ قَالَ نُبْلَ الرَّأْيِ أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي حَدِيث إِن لله حرمات ثَلَاثًا من حفظهن حفظ اللَّه لَهُ أَمر دينه ودنياه وَمن ضيعهن لم يحفظ اللَّه لَهُ شَيْئا قِيلَ وَمَا هِيَ يَا رَسُول اللَّهِ قَالَ حُرْمَة الْإِسْلَام وحرمتي وَحُرْمَة رحمي وَفِي حَدِيث آخر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش لَا يعاديهم أحد إِلَّا أكبه اللَّه عَلَى وَجهه مَا أَقَامُوا الدّين وَفِي حَدِيث آخر من يرد هوان قُرَيْش أهانه اللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وَفِي حَدِيث آخر أَلا من آذَى قَرَابَتي فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى اللَّه عز وَجل وَفِي حَدِيث آخر من أحب قُريْشًا أحبه اللَّه وَمن أبْغض قُريْشًا أبغضه اللَّه وَفِي حَدِيث آخر إِذا اجْتمعت جماعات فِي بَعْضهَا قُرَيْش فَالْحق مَعَ قُرَيْش وَهِي مَعَ الْحق وَصَحَّ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل سَبَب وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا نسبي وسببي وَصَحَّ أَيْضًا قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَحن وَبَنُو الْمطلب هَكَذَا وَشَبك بَين أَصَابِعه أَو إِنَّمَا نَحن وَبَنُو هَاشم شَيْء وَاحِد وَفِي حَدِيث أَمَان أهل الأَرْض من الِاخْتِلَاف الْمُوَالَاة لقريش وروى النَّسَائِيّ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَئِمَّة من قُرَيْش وَفِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يزَال هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش مَا بَقِي فِي النَّاس اثْنَان فَهَذِهِ الْأَحَادِيث وَمَا يدْخل فِي مَعْنَاهَا مِمَّا ذكره أَصْحَابنَا فِي تصانيفهم فِي مَنَاقِب الإِمَام المطلبي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِدْرِيس بْن الْعَبَّاس بْن عُثْمَان بْن شَافِع بْن السَّائِب بْن عبيد بْن عَبْد يزِيد بْن هَاشم بْن الْمطلب بْن عَبْد منَاف الْقرشِي الْمَكِّيّ إيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَهُوَ فِيمَا أَجِدهُ يتَرَجَّح عِنْدِي مُحَمَّد بْن فَاطِمَة بنت عبيد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالب وَهَذَا مَا ذكر الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه أَنه سمع أَبَا نصر أَحْمد ابْن الْحُسَيْن بْن أَبِي مَرْوَان يَقُول إِنَّه سمع إِمَام الْأَئِمَّة أَبَا بكر مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَة يَقُول إِنَّه سمع يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى يَقُول إِن أم الشَّافِعِي فَاطِمَة وسَاق نَسَبهَا كَمَا ذكرته وَكَانَ يُونُس يَقُول لَا أعلم هاشميا وَلدته هاشمية إِلَّا عَلِيّ بْن أَبِي طَالب وَالشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فَإِن قلت كَيفَ تحتج إِلَى تَرْجِيح هَذَا وَالْمَشْهُور المعزو إِلَى الشَّافِعِي نَفسه أَن أمه كَانَت من الأزد وإياه ذكر السَّاجِي والآبري وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب والأردستاني إِلَّا أَنه كناها أم حَبِيبَة الْأَزْدِيَّة وَلم يذكر الْأَولونَ لَهَا اسْما وَلَا كنية وَقيل أمه أسدية والأزد والأسد شَيْء وَاحِد وَاحْتج من قَالَ بِهَذَا القَوْل بِأَنَّهُ لما قدم مصر سَأَلَهُ بَعضهم أَن ينزل عِنْده فَأبى وَقَالَ أُرِيد أَن أنزل عَلَى أخوالي الأسديين فَنزل عَلَيْهِم قلت لَا دلَالَة لَهُ فِي هَذَا عَلَى أَن أمه أسدية لجَوَاز أَن تكون الأَسدِية أم أَبِيه أَو أم جده وَنَحْو ذَلِك وَيكون اقْتدى فِي ذَلِك قولا وفعلا برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هَاجر وَقدم الْمَدِينَة وَنزل عَلَى أخوال عَبْد الْمطلب إِكْرَاما لَهُم وَأما اجْتِمَاع السَّاجِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 والآبري وَالْبَيْهَقِيّ وَمن ذكرت عَلَى أَن أمه أزدية فَإِن كَانَ هَذَا اللَّفْظ مُسْتَنده فَفِيهِ مَا ترَاهُ وَإِن كَانَ لَهُم مُسْتَند آخر فَهَلا بَينُوهُ فَإِن قلت قد ضعف الْبَيْهَقِيّ القَوْل بِأَن أمه من ولد عَلِيّ بْن أَبِي طَالب وَجعل الْحمل فِيهِ عَلَى أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي مَرْوَان من جِهَة مُخَالفَة سَائِر الرِّوَايَات لَهُ وعضد ابْن الْمقري فِي كِتَابه الحافل فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي هَذَا التَّضْعِيف بِأَن دَاوُد بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعت الْحَارِث بْن سُرَيج يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه الحَجبي يَقُول للشَّافِعِيّ مَا رَأَيْت هاشميا قطّ قدم أَبَا بكر وَعمر عَلَى عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غَيْرك قَالَ الشَّافِعِي عَلِيّ ابْن عمي وَأَنا رجل من بني عَبْد منَاف وَأَنت رجل من بني عَبْد الدَّار فَلَو كَانَت هَذِهِ مكرمَة كنت أولى بهَا مِنْك وَلَكِن لَيْسَ الْأَمر عَلَى مَا تحسب قَالَ ابْن الْمقري فَأنْظر كَيفَ قَالَ ابْن عمي وَلم يقل جدي وَفِي رِوَايَة ابْن عمي وَابْن خَالَتِي وَلَو كَانَ من أَوْلَاد عَلِيّ لقَالَ جدي لِأَن الجدودة أقوى من العمومة والخؤولة قلت أما تَضْعِيف الْبَيْهَقِيّ فصادر من لين أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي مَرْوَان عِنْده وَإِذا ضعف الرجل فِي السَّنَد ضعف الحَدِيث من أَجله وَلم يكن فِي ذَلِك دلَالَة عَلَى بُطْلَانه بل قد يَصح من طَرِيق أُخْرَى وَقد يكون هَذَا الضَّعِيف صَادِقا ثبتا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة فَلَا يدل مُجَرّد تَضْعِيفه وَالْحمل عَلَيْهِ عَلَى بطلَان مَا جَاءَ بِهِ وَأما كَلَام ابْن الْمقري فَإِنَّهُ محيل غير أَن لَك أَن تَقول إِنَّمَا اقْتصر عَلَى ذكر كَونه ابْن عَمه لِأَن الْقَرَابَة بَينهمَا من جِهَة الْأَب وَأما الجدودة فَإِنَّهَا قرَابَة من جِهَة الْأُم والقرابة من جِهَة الْأُم لَا تذكر غَالِبا فَلَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا ذكر صَرَاحَة بِأَن أمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 لَيست من أَوْلَاد عَلِيّ نعم ذكر ابْن عَبْد الحكم أَن الشَّافِعِي قَالَ لَهُ كَانَت أُمِّي من الأزد وَهَذَا نقف بِهِ الحكم بِأَنَّهَا علوِيَّة إِلَّا أَن يحمل عَلَى أَنَّهَا أزدية علوِيَّة من جِهَتَيْنِ وَللَّه درها من أَي قَبيلَة كَانَت أَمن العلويين العالين قدرا جمع اللَّه شملهم وَشَمل جمعهم أم من الأزد الَّذين قَالَ فيهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ الأزد أَزْد اللَّه فِي الأَرْض يُرِيد النَّاس أَن يضعوهم ويأبى اللَّه إِلَّا أَن يرفعهم وَلم يكن مقصدنا هُنَا إِلَّا تَبْيِين أَنه معلم الطَّرفَيْنِ كريم الْأَبَوَيْنِ قرشي هاشمي مطلبي من الْجِهَتَيْنِ وَيَكْفِينَا فِيمَا نحاوله جِهَة الْأُبُوَّة فَإِنَّهُ قرشي مطلبي من تِلْكَ الْجِهَة قطعا وَعلي كرم اللَّه وَجهه ابْن خَالَته كَمَا هُوَ ابْن عَمه أما كَونه ابْن عَمه فَظَاهر وَأما كَونه ابْن خَالَته فَلِأَن أم السَّائِب بْن عبيد جد الشَّافِعِي هِيَ الشفا بنت الأرقم بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف وَأم هَذِهِ الْمَرْأَة خليدة بنت أَسد بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف وَأم عَلِيّ بْن أَبِي طَالب فَاطِمَة بنت أَسد بْن هَاشم بْن عَبْد منَاف فَظهر أَن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْن خَالَته بِمَعْنى ابْن خَالَة أم جده وَالْغَرَض الْأَعْظَم تَبْيِين أَنه قرشي مطلبي وَذَلِكَ أَمر قَطْعِيّ وَمن أَجله سقنا مَا أوردناه من الْأَحَادِيث قَالَ أَئِمَّتنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي يُؤَيّد بَعْضهَا بَعْضًا دَالَّة دلَالَة لَا مدفع لَهَا عَلَى تَعْظِيم قُرَيْش وَأَن الْحق عِنْد اخْتِلَاف الْخلق فِي جِهَتهَا وَأَن حبها حب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبغضها بغض لَهُ وَأَن من أَرَادَ إهانتها أهانه اللَّه وَأَن النَّاس تبع لَهَا وَأَن الْأَمر فِيهَا لَا يزَال مَا بَقِي فِي النَّاس اثْنَان وَأَن الْأَئِمَّة مِنْهَا وَأَن من آذاها فقد آذَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَن للْوَاحِد مِنْهَا قُوَّة الرجلَيْن من غَيرهَا فِي نبل الرَّأْي إِلَى غير ذَلِك مِمَّا وقفت عَلَيْهِ قَالُوا وَالْإِمَام الْقرشِي الَّذِي لَا يخْتَلف عاقلان فِي أَنه من قُرَيْش هُوَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 عَنْهُ فَهُوَ الْمَشْهُود لَهُ بِالْإِمَامَةِ بل بانحصار الْإِمَامَة فِيهِ لِأَن الْأَئِمَّة من قُرَيْش يدل بحصر الْمُبْتَدَأ عَلَى الْخَبَر عَلَى ذَلِك وَلَا نعني بِالْإِمَامَةِ إِمَامَة الْخلَافَة بل إِمَامَة الْعلم وَالدّين أَو أَعم من ذَلِك فبكل تَقْدِير إِمَامَة الْعلم وَالدّين مَقْصُودَة لِأَنَّهَا إِمَّا كل الْمَقْصُود أَو بعضه وَفِي بعض هَذَا كِفَايَة لمن يَتَّقِي اللَّه تَعَالَى ويحتاط لنَفسِهِ أَن يزِيغ عَن الْحق عَلَى عَظِيم قدر الشَّافِعِي وسديد مذْهبه وصواب رَأْيه وَأَن من عاند مذْهبه فقد عاند الْحق وباء بعظيم الْإِثْم وَمن أَرَادَ إهانته أهانه اللَّه وَلَو أَن أحدا من الْخلق غَيره ادّعى أَنه قرشي وَأَرَادَ منا هَذِهِ الْمرتبَة لقلنا لَهُ أَولا أثبت أَنَّك أَنَّك قرشي وهيهات فكم من الْأَعْرَاب فِي هَذَا الزَّمَان من يَدعِي الشّرف وَلَا نستطيع أَن نحكم لَهُ بِهِ لعدم تَيَقّن ذَلِك أَو غَلَبَة الظَّن بِهِ ثمَّ نقُول لَهُ ثَانِيًا يَنْبَغِي أَن تكون من التَّمَسُّك من الْعلم وَالدّين بِحَيْثُ تكون من جملَة الْقَوْم الْمشَار إِلَيْهِم فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث وَمَا سنورده من أَحَادِيث أخر فَلَا أحد بعد انصرام عصر الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اتّفق النَّاس عَلَى أَنه حبر مقدم فِي الْعلم وَالدّين وَأَنه من قُرَيْش سوى الشَّافِعِي ثمَّ نقُول لَهُ ثَالِثا لَو وصلت إِلَى هَذِهِ الْمرتبَة ومناط الثريا أقرب مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَن يكون لِلْخلقِ مُنْذُ انقادوا لِقَوْلِك وَاسْتَمعُوا لمذهبك ودانوا اللَّه بمعتقدك وعبدوا الله ركعا وَسجدا بتلقينك قريب من سِتّمائَة سنة تطلع الشَّمْس وتغرب وَيَمُوت أنَاس وَيحيى آخَرُونَ وتنقرض دوَل وتنشأ دوَل ومذهبه بَاقٍ لَا ينصرم وَقَوله مُتبع لَا يتَغَيَّر وليعلم باغي الْحق وطالب الصدْق ورائد التَّحْقِيق والسالك من سَبِيل التدقيقات كل مضيق أَن جماع صِفَات الْحَمد وَإِن تكاثرت فنونها وتعاظمت أقسامها فِي خلقي وكسبي وَإِن شِئْت قلت فِي موهبة مُبتَدأَة وعطية جهد فِيهَا طالبها والمواهب المبتدأة تكسب صَاحبهَا الْحَمد الجزيل والمدح النَّبِيل وَلَا يعود عَلَى فاقدها بالملام وَإِن نقصته عَن ذَلِك الْمقَام وَأما العطايا الكسبية الناشئة عَن كد القرائح وَجهد الْأَبدَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وإعمال الْقُلُوب والجوارح فَمن ترفعها يحمد صَاحبهَا تبَارك اللَّه مَاذَا تبلغ الهمم وَمن تقاصرها يلام إِلَى حَيْثُ يرْتَفع الممدوح بهَا إِلَى أعلا من منَاط النُّجُوم ثمَّ يترقى إِلَى مَا تتقاصر الْعُقُول عَن إِدْرَاك حَقِيقَته ويتنازل المذموم بالتقاعد عَنْهَا إِلَى أَسْفَل من حضيض التخوم إِلَى مَا يبعد الأنظار عَن سَواد شقوته وَمن يرد الرب تَعَالَى بِهِ خيرا ينله مِنْهَا مَا شَاءَ عَلَى مَا يصنع وَمن يرفع اللَّه لَا يوضع وَهَذَا الإِمَام المطلبي أخرجه اللَّه من صميم الْعَرَب حَيْثُ ترْتَفع بيوتها فَوق السما وَمن بني مُضر حَيْثُ هِيَ جَارة ذيل الفخار والعلا ثمَّ من إكرام اللَّه تَعَالَى إِيَّاه وموهبته لَهُ لَا بمسعاه أَنه لم يخلق بعد عصر الصَّحَابَة فِي قُرَيْش مثله وَلَا أَقَامَ مِنْهُم مُدعيًا لإمامة الْعلم وَالدّين يسمع لَهُ النَّاس عَلَى مر السنين وَلَا موسوما بِهَذَيْنِ الْأَمريْنِ مَعَ شَهَادَة الْخلق وشهرة الِاسْم عِنْد الْخَاص وَالْعَام سواهُ فَنَقُول وَلَا نزكي عَلَى اللَّه أحدا وَلَا نقطع عَلَى اللَّه أبدا لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ ذَلِك ليتوضح أَمر إِمَامَته ويتبين للخاص وَالْعَام وَلَا يخالط الشَّك شَيْئا من الأفهام وَقد أنْشد ابْن الْمقري فِي كِتَابه لبَعْضهِم مِمَّا يُنَاسب ذكره هُنَا (الشَّافِعِي إِمَام كل أَئِمَّة ... تربي فضائله عَلَى الآلاف) (ختم النُّبُوَّة والإمامة فِي الْهدى ... بمُحَمَّدين هما لعبد منَاف) وَقد ذكر أهل الْعلم أَن اللَّه تَعَالَى حمى اسْم نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتمسى بِهِ من يَدعِي النُّبُوَّة قبل زَمَانه وَفِي إبان خُرُوجه لمثل مَا ذَكرْنَاهُ وَلَعَلَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قدر بعد انْقِرَاض عصر الصَّحَابَة أَن لَا يخرج من قُرَيْش متبوع فِي الْعلم وَالدّين غير الشَّافِعِي ليستقيم هَذَا الْمِنْهَاج وَلَا يخالط الْقُلُوب شَيْء من الاختلاج ثمَّ نركب من هَذَا دَلِيلا عَلَى أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الإِمَام الْمُصِيب وسنشير إِلَيْهِ فِي حَدِيث يبْعَث اللَّه عَلَى رَأس كل مائَة وَاعْلَم أَن مَا أوردناه من الْأَحَادِيث دَال عَلَى الشَّافِعِي بِعُمُومِهِ لَا بِخُصُوصِهِ وَهَا نَحن نذْكر من الحَدِيث مَا يدل عَلَى الْخُصُوص وَلَا يخفى أَنه إِذا قَامَت دلَالَة الْخُصُوص عضدت أَدِلَّة الْعُمُوم ووصلتها إِلَى الْقطع فَإِن الْخَاص يصير بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كخصوص السَّبَب بِالنِّسْبَةِ إِلَى لفظ الْعُمُوم لَا سِيمَا وَتلك العمومات قد بَينا أَن بَعْضهَا يعضد بَعْضًا فَنَقُول رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تسبوا قُريْشًا فَإِن عالمها يمْلَأ الأَرْض علما وعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ لَا تؤموا قُريْشًا وائتموا بهَا وَلَا تقدمُوا عَلَى قُرَيْش وقدموها وَلَا تعلمُوا قُريْشًا وتعلموا مِنْهَا فَإِن إِمَامَة الْأمين من قُرَيْش تعدل إِمَامَة الأمينين من غَيرهم وَإِن علم عَالم قُرَيْش ليسع طباق الأَرْض وَهَذَا الحَدِيث قَالَه عَلِيّ كرم اللَّه وَجهه يَوْم حرورا لعبد اللَّه بْن عَبَّاس لما أرْسلهُ إِلَى الْخَوَارِج قَالَ قل لَهُم على م تتهموني وَأشْهد لسمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ذَلِك ونقول فَمَا دلّ هَذَا الحَدِيث بِعُمُومِهِ عَلَى قُرَيْش وَبِه اسْتشْهد عَلِي الرِّضَا كرم اللَّه وَجهه كَذَلِك دلّ عَلَى الشَّافِعِي من بَينهم بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرضاه وجمعنا مَعَه فِي دَار كرامته عَالم قُرَيْش الَّذِي مَلأ الأَرْض علما لَا يمتري فِي ذَلِك إِلَّا جَاهِل متعصب قَالَ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو نعيم عَبْد الْملك بْن مُحَمَّد الْفَقِيه فِي قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَالم قُرَيْش يمْلَأ الأَرْض علما عَلامَة بَيِّنَة أَن المُرَاد بذلك رجل من عُلَمَاء هَذِهِ الْأمة من قُرَيْش قد ظهر علمه وانتشر فِي الْبِلَاد وكتبت كتبه ودرسها الْمَشَايِخ والشبان الْأَحْدَاث فِي مجَالِسهمْ وصيروها إِمَامًا لَهُم واستظهروا أقاويله وأجروها فِي مجَالِس الْأُمَرَاء والحكام وحكموا بهَا فِي الدِّمَاء والفروج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 قَالَ وَهَذِه صفة لَا نعلمها أحاطت بِأحد إِلَّا الشَّافِعِي إِذْ كَانَ كل وَاحِد من قُرَيْش من عُلَمَاء الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَإِن ظهر علمه وانتشر فَإِنَّهُ لم يبلغ مبلغا يَقع تَأْوِيل هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ للْوَاحِد مِنْهُم غير نتف وَقطع من الْمسَائِل بِخِلَاف الشَّافِعِي الْقرشِي فَإِنَّهُ صنف الْكتب وَشرح الْأُصُول وَالْفُرُوع ووعت الْقُلُوب كَلَامه وازداد عَلَى مُرُور الْأَيَّام حسنا وبيانا وَبلغ الْحَد الَّذِي جَازَ للمتأول أَن يتَأَوَّل فِي هَذِهِ الرِّوَايَة أَنه هُوَ المُرَاد مِنْهَا قلت وَهَذَا الَّذِي ذكره أَبُو نعيم ذكره غَيره وَلَا مرية فِي صِحَّته وَإِنَّمَا بَالغ فِي تقيريره مَعَ وضوحه خشيَة من مُنَازعَة جدلي مغرور فِي شَيْء مِنْهُ فَإِنَّهُ إِن اسْتَطَاعَ الْمُنَازعَة فِي شَيْء مِنْهُ فغايته أَن يَقُول عَلِيّ كرم اللَّه وَجهه أَيْضًا من عُلَمَاء قُرَيْش وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما كَذَلِك وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة فَنَقُول لَهُ من ذكرت وَإِن كَانَ فِي الْعلم وَالدّين بالمنزلة الَّتِي تفوق الشَّافِعِي إِلَّا أَن التصانيف والشهرة وَكَثْرَة الأتباع مَخْصُوصَة بِابْن إِدْرِيس هَذَا تَقْرِير كَلَام أَبِي نعيم وَغَيره وَأَنا أَقُول وَلَئِن سلمنَا أَن أَمر من ذكرت كَذَلِك وَلَا وَالله لَا نسلم ذَلِك إِلَّا تنزلا وَلَا يَعْتَقِدهُ إِلَّا أَحمَق فَنَقُول الشَّافِعِي أَيْضًا من عُلَمَاء قُرَيْش فَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل عَلَى انحصار الْأَمر فِي شخص وَاحِد بل هُوَ دَال عَلَى أَن عَالم قُرَيْش حَيْثُ وجد مَلأ الأَرْض علما وَهُوَ عَالم قُرَيْش قولا وَاحِدًا سَوَاء كَانَ هُوَ ذَلِك الْعَالم وَلَا سواهُ أم هُوَ وَغَيره ثمَّ لَا مَذْهَب لأحد من عُلَمَاء قُرَيْش يعرف وَيتبع سواهُ فهاتوا لنا مَذْهَب قرشي حَتَّى ننقاد إِلَيْهِ وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يبْعَث الله لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا دينهَا وَفِي لفظ آخر فِي رَأس كل مائَة سنة رجلا من أهل بَيْتِي يجدد لَهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 أَمر دينهم ذكره الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ عقيبة نظرت فِي سنة مائَة فَإِذا هُوَ رجل من آل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر بْن الْعَزِيز وَنظرت فِي رَأس الْمِائَة الثَّانِيَة فَإِذا هُوَ رجل من آل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي قلت وَهَذَا ثَابت عَن الإِمَام أَحْمَد سقى اللَّه عَهده وَمن كَلَامه إِذا سُئِلت عَن مَسْأَلَة لَا أعلم فِيهَا خَبرا قلت فِيهَا يَقُول الشَّافِعِي لِأَنَّهُ عَالم قُرَيْش وَذكر الحَدِيث وتأوله عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَاهُ وَلأَجل مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة من الزِّيَادَة لَا أَسْتَطِيع أَن أَتكَلّم فِي المئين بعد الثَّانِيَة فَإِنَّهُ لم يذكر فِيهَا أحد من أهل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِن هُنَا دقيقة ننبهك عَلَيْهَا فَنَقُول لما لم نجد بعد الْمِائَة الثَّانِيَة من أهل الْبَيْت من هُوَ بِهَذِهِ المثابة وَوجدنَا جَمِيع من قِيلَ إِنَّه الْمَبْعُوث فِي رَأس كل مائَة مِمَّن تمذهب بِمذهب الشَّافِعِي وانقاد لقَوْله علمنَا أَنه الإِمَام الْمَبْعُوث الَّذِي اسْتَقر أَمر النَّاس عَلَى قَوْله وَبعث بعده فِي رَأس كل مائَة من يُقرر مذْهبه وَبِهَذَا تعين عِنْدِي تَقْدِيم ابْن سُرَيج فِي الثَّالِثَة عَلَى الْأَشْعَرِيّ فَإِن أَبَا الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِن كَانَ أَيْضًا شَافِعِيّ الْمَذْهَب إِلَّا أَنه رجل مُتَكَلم كَانَ قِيَامه للذب عَن أصُول العقائد دون فروعها وَكَانَ ابْن سُرَيج رجلا فَقِيها وقيامه للذب عَن فروع هَذَا الْمَذْهَب الَّذِي ذكرنَا أَن الْحَال اسْتَقر عَلَيْهِ فَكَانَ ابْن سُرَيج أولى بِهَذِهِ الْمنزلَة لاسيما ووفاة الْأَشْعَرِيّ تَأَخَّرت عَن رَأس الْقرن إِلَى بعد الْعشْرين وَقد صَحَّ أَن هَذَا الحَدِيث ذكر فِي مجْلِس أَبِي الْعَبَّاس بْن سُرَيج فَقَامَ شيخ من أهل الْعلم فَقَالَ أبشر أَيهَا القَاضِي فَإِن اللَّه تَعَالَى بعث عَلَى رَأس الْمِائَة عمر بْن عَبْد الْعَزِيز وعَلى الثَّانِيَة الشَّافِعِي وبعثك على رَأس الثلاثمائة ثمَّ أنشأ يَقُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 (اثْنَان قد مضيا فبورك فيهمَا ... عمر الْخَلِيفَة ثمَّ حلف السؤدد) (الشَّافِعِي الألمعي مُحَمَّد ... إِرْث النُّبُوَّة وَابْن عَم مُحَمَّد) (أَرْجُو أَبَا الْعَبَّاس أَنَّك ثَالِث ... من بعدهمْ سقيا لتربة أَحْمَد) قَالَ فصاح أَبُو الْعَبَّاس بْن سُرَيج وَبكى وَقَالَ لقد نعى إِلَى نَفسِي وَرُوِيَ أَنه مَاتَ فِي تِلْكَ السّنة وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا الْمَبْعُوث عَلَى رَأس الْمِائَة الثَّالِثَة أَبُو الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ لِأَنَّهُ الْقَائِم فِي أصل الدّين المناضل عَن عقيدة الْمُوَحِّدين السَّيْف المسلول عَلَى الْمُعْتَزلَة المارقين المغبر فِي أوجه المبتدعة الْمُخَالفين وَعِنْدِي أَنه لَا يبعد أَن يكون كل مِنْهُمَا مَبْعُوثًا هَذَا فِي فروع الدّين وَهَذَا فِي أُصُوله وَكِلَاهُمَا شَافِعِيّ الْمَذْهَب والأرجح إِن كَانَ امْر منحصرا فِي وَاحِد أَن يكون هُوَ ابْن سُرَيج وَأما الْمِائَة الرَّابِعَة فقد قِيلَ إِن الشَّيْخ أَبَا حَامِد الإسفرايني هُوَ الْمَبْعُوث فِيهَا وَقيل بل الْأُسْتَاذ سهل بْن أَبِي سهل الصعلوكي وَكِلَاهُمَا من أَئِمَّة الشافعيين وَعُظَمَاء الراسخين قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم لما رويت أَنا هَذِهِ الرِّوَايَة يَعْنِي ابْن سُرَيج والأبيات كتبوها يَعْنِي أهل مَجْلِسه وَكَانَ مِمَّن كتبهَا شيخ أديب فَقِيه فَلَمَّا كَانَ فِي الْمجْلس الثَّانِي قَالَ لي بعض الْحَاضِرين إِن هَذَا الشَّيْخ قد زَاد فِي تِلْكَ الأبيات ذكر أبي الطّيب سهل وَجعله على رَأس الأربعمائة فَقَالَ من قصيدة مدحه بهَا (وَالرَّابِع الْمَشْهُور سهل مُحَمَّد ... أضحى عَظِيما عِنْد كل موحد) (يأوي إِلَيْهِ الْمُسلمُونَ بأسرهم ... فِي الْعلم أرجا والخطيب مؤيد) (لَا زَالَ فِيمَا بَيْننَا حبر الورى ... للْمَذْهَب الْمُخْتَار خير مُجَدد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 قَالَ الْحَاكِم فَلَمَّا سَمِعت هَذِهِ الأبيات المزيدة سكت وَلم أنطق وغمني ذَلِك إِلَى أَن قدر اللَّه وَفَاته تِلْكَ السّنة قلت وَالْخَامِس الْغَزالِيّ وَالسَّادِس الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَيحْتَمل أَن يكون الإِمَام الرَّافِعِيّ إِلَّا أَن وَفَاته تَأَخَّرت إِلَى بعد الْعشْرين وسِتمِائَة كَمَا تَأَخَّرت وَفَاة الْأَشْعَرِيّ وَمن الْعجب موت ابْن سُرَيج سنة سِتّ وثلثمائة وَالِاخْتِلَاف فِيهِ وَفِي الْأَشْعَرِيّ وَمَوْت الْأَشْعَرِيّ بعد الْعشْرين وَكَذَلِكَ موت الإِمَام فَخر الدّين بْن الْخَطِيب سنة سِتّ وسِتمِائَة وَالنَّظَر فِيهِ وَفِي الرَّافِعِيّ وتأخرت وَفَاته هَكَذَا وَالسَّابِع الشَّيْخ تقى الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَهَؤُلَاء لَا يحسن من أحد أَن يُخَالف فيهم وَمَتى دفعنَا الْأَشْعَرِيّ وسهلا والرافعي عَن هَذَا الْمقَام كَانَ الْجَمِيع من الشَّافِعِي إِلَى ابْن دَقِيق العَبْد أَسمَاؤُهُم دَائِرَة مَا بَين مُحَمَّد وأَحْمَد وَقد نظمت أَنا هَذَا الْمَعْنى كُله وأضفت إِلَيْهِ الأبيات السَّابِق ذكرهَا وافتتحت بالشعر السَّابِق ثمَّ ذكرت الِاخْتِلَاف فِي الْأَشْعَرِيّ ثمَّ ذكرت فِي الْبَيْت الرَّابِع الصعلوكي وَقد كَانَ سهل مِمَّن لَا يدْفع عَن هَذَا الْمقَام بِوَجْه يَتَّضِح لمشاركته للشَّيْخ أَبِي حَامِد فِي الْفِقْه وَقرب الْوَفَاة من رَأس الْمِائَة بِخِلَاف الْأَشْعَرِيّ مَعَ ابْن سُرَيج كَمَا ستعرف إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تراجمهما مَعَ زِيَادَة تصوفه وتبحره فِي بَقِيَّة الْعُلُوم ثمَّ ذكرت الِاخْتِلَاف فِي الشَّيْخ أَبِي حَامِد وَذكرت من بعده إِلَى السَّابِعَة وَهَذِه الأبيات (اثْنَان قد مضيا فبورك فيهمَا ... عمر الْخَلِيفَة ثمَّ حلف السؤدد) (الشَّافِعِي الألمعي مُحَمَّد ... إِرْث النُّبُوَّة وَابْن عَم مُحَمَّد) (أَرْجُو أَبَا الْعَبَّاس أَنَّك ثَالِث ... من بعدهمْ سقيا لتربة أَحْمَد) (وَيُقَال إِن الْأَشْعَرِيّ الثَّالِث الْمَبْعُوث ... للدّين القويم الْأَبَد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 (وَالْحق لَيْسَ بمنكر هَذَا وَلَا ... هَذَا وعلهما امرآن فعدد) (هَذَا لنصرة أصل دين مُحَمَّد ... كنظير ذَلِك فِي فروع مُحَمَّد) (وضرورة الْإِسْلَام دَاعِيَة إِلَى ... هَذَا وَذَاكَ ليهتدي من يَهْتَدِي) (وَالرَّابِع الْمَشْهُور سهل مُحَمَّد ... أضحى عَظِيما عِنْد كل موحد) (وَقضى أنَاس أَن أَحْمَد الاسفراييني ... رابعهم وَلَا تستبعد) (فكلاهما فَرد الورى الْمَعْدُود من ... حزب الإِمَام الشَّافِعِي مُحَمَّد) (وَالْخَامِس الحبر الإِمَام مُحَمَّد ... هُوَ حجَّة الْإِسْلَام دون تردد) (وَابْن الْخَطِيب السَّادِس الْمَبْعُوث إِذْ ... هُوَ للشريعة كَانَ أَي مؤيد) (والرافعي كمثله لَوْلَا تَأَخّر ... مَوته كالأشعري وأَحْمَد) (وَالسَّابِع ابْن دَقِيق عيد فاستمع ... فالقوم بَين مُحَمَّد أَو أَحْمَد) (إِن تنف عَن عبد الْكَرِيم والاشعري ... وَسَهل الْمَأْثُور فِي ذَا الْمسند) (فَانْظُر لسر اللَّه إِن الْكل من ... أَصْحَابنَا فَافْهَم وأنصف ترشد) (هَذَا عَلَى أَن الْمُصِيب إمامنا ... أجلى دَلِيل وَاضح للمهتد) (يَا أَيهَا الرجل المريد نجاته ... دع ذَا التعصب والمراء وقلد) (هَذَا ابْن عَم الْمُصْطَفى وسميه ... والعالم الْمَبْعُوث خير مُجَدد) (وضح الْهدى بِكَلَامِهِ وبهديه ... يَا أَيهَا الْمِسْكِين لم لَا تهتدي) فصلى اللَّه عَلَى سيدنَا مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة وعَلى آله وَأَصْحَابه وأزواجه وَذريته وَجَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ القائمين بمداواة الْقُلُوب وعلاجها صَلَاة كصلواتهم ذَوَات الْأَركان آمِنَة من خداجها مَا مدت أنفس المذنبين إِلَى شَفِيع الْمُؤمنِينَ يَد احتياجها وَرَضي اللَّه عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 إمامنا المطلبي الشَّافِعِي شافي العي عَن الْكَلِمَات باعتدال مزاجها وفارع هضبات التحقيقات وراكب أثباجها والنازل من قُرَيْش فِي مُجْتَمع سيولها وملتطم أمواجها وَعَن أَصْحَابه أَصْحَاب الْوُجُوه الَّتِي تجلو الظلام بابتلاجها وفرسان المباحث يَوْم هياجها والمجتهدين عَلَى حفظ أَقْوَاله وَسِيَاق سياجها أَخْبَرَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن عَبْدِ اللَّهِ الظَّاهِرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ ح وَأَنْبَأَنَا عَنِ ابْنِ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابْنِ أَبِي نِزَارٍ حُضُورًا وَفَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْزَدَانِيَّةُ سَمَاعًا قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن رِيذَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظ أخبرنَا عَليّ ابْن أَحْمَدَ بْنِ بَسْطَامَ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَمِّي إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَسْطَامَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا خطب قَالَ أَمَّا بَعْدُ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ إِلا أَبُو دَاوُدَ تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَسْطَامَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أبي عَاصِم عَن جرير ابْن حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُطَوَّلا فِي بَابِ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ أَمَّا بَعْدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الضِّيَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ وأناأسمع أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بْنِ الْبُخَارِيِّ وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيَّانِ سَمَاعًا عَلَيْهِمَا قَالا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيُّ قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ الْخَضِرِ السُّلَمِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَتَّانِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَلَوْ ذَهَبْتُ أُسْنِدُ مَا وَقَعَ مِنَ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ فِي أَمَّا بَعْدُ لَطَالَ الْفَصْلُ وَخَرَجَ إِلَى الْمَلالِ وَدَخَلَ بِهِ السَّامِعُ فِي الْكَلالِ وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ بَابَ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ أَمَّا بَعْدُ وَذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ وَقَوْلَ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ وَذكر أَيْضًا حَدِيث عَمْرو بْن تغلب الْمُتَقَدّم وَذكر حَدِيث عَائِشَة فِي صَلَاة اللَّيْل وَحَدِيث أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ قَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّة بعد الصَّلَاة فَتشهد الحَدِيث وَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خطبَته أما بعد فَإِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار يقلون وَيكثر النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَقيل إِن أول من قَالَ أما بعد قس بْن سَاعِدَة وَقيل كَعْب بْن لؤَي وَقَالَ جمَاعَة إِن أول من قَالَهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَإِنَّهَا فصل الْخطاب الَّذِي أوتيه أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد النابلسي الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَن أَحْمَد بْن هبة اللَّه وَابْن أَبِي عصرون عَن أَبِي المظفر بْن السَّمْعَانِيّ أَخْبَرَنَا أَبِي الْحَافِظ أَبُو سعد أَخْبَرَنَا وجيه بْن طَاهِر بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ بهراة أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الساري حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نجدة حَدَّثَنَا سَعِيد بْن مَنْصُور حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن زَكَرِيَّا عَن الشّعبِيّ سمع زيادا يَقُول فصل الْخطاب الَّذِي أُوتِيَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أما بعد وكما أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا خطب قَالَ أما بعد كَذَلِك كَانَت فصحاء الْعَرَب وَقَالَ سحبان بْن وَائِل (لقد علم الْحَيّ اليمانون أنني ... إِذا قلت أما بعد أَنِّي خطيبها) أما بعد فَإِنِّي من قبل أَن يكْتب لي الشَّبَاب خطّ العذار ويستجلي نظر تمييزي وُجُوه الْبشَارَة والإنذار أردد نَظَرِي فِي أَخْبَار الأخيار وأترقب أَحْوَالهم لأحيط بهَا من إسفار صبح الْأَسْفَار (أَتَانِي هَواهَا قبل أَن أعرف الْهوى ... فصادف قلبا خَالِيا فتمكنا) فَأطلق عُمُوم النّظر من الصغر فِيهَا ناظري وأعرب عَن الْمَبْنِيّ عَلَى السّكُون فِي ضمائري وتلقف مَا صنع السَّابِقُونَ من سحر الْكَلَام والتقط مَا فرقوه من دُرَر مجمعة عَلَى أحسن نظام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَكنت مِمَّن إِذا سمع صَالحا أشاع وَإِذا رأى رِيبَة دفن وَإِذ أَبْصرت محَاسِن علقت مِنْهَا مَا هاج الْعُيُون الذرفن إِلَى أَن حصلت من ذَلِك عَلَى فَوَائِد جمة ومقاصد إِذا سفرت بدورها ضوأت الدياجي المدلهمة وفرائد هِيَ فِي جيد التراجم تَمِيمَة ولمحاسنها تَتِمَّة فَرَأَيْت أَن يخلد ذَلِك فِيمَا يكْتب ويجلد وتنظم جواهره فِيمَا نقلت أنامل الْفِكر فِيهِ ويقلد فأنزلت الشَّافِعِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فِي طَبَقَات وَضربت لكل مِنْهُم فِي هَذَا الْمَجْمُوع سرادقات ورتبتهم سبع طَبَقَات كل مائَة عَام طبقَة وجمعتهم كواكب كلهَا معالم للهدى ومصابيح تجلو الدجى ورجوم للمسترقة وَهَذَا كتاب حَدِيث وَفقه وتاريخ وأدب ومجموع فَوَائِد تنسل إِلَيْهِ الرغبات من كل حدب نذْكر فِيهِ تَرْجَمَة الرجل مستوفاة عَلَى طَريقَة الْمُحدثين والأدبا ونورد نكتا تسحر عقول الألبا وَإِذا كَانَ مِمَّن غلب عَلَيْهِ الْفِقْه وَقلت الرِّوَايَة عَنهُ أعملنا جهدنا فِي تَخْرِيج حَدِيثه مُسْندًا منا إِلَيْهِ وَمِنْه إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلم نخل الْكتاب عَن زَوَائِد تقر الْعين وفرائد يَقُول الْبَحْر الزاخر من أَيْن أَخذ مثل درها من أَيْن وفوائد يسود بهَا القرطاس وَيَوَد لَو زيد فِيهِ سَواد الْقلب وَالْبَصَر وَتسود بهَا الأوراق فَتُصْبِح أسود من الشَّمْس وَالْقَمَر ولربما جرت مناظرة بَين كثيرين فشرحناها عَلَى وَجههَا غير تاركين للفظة مِنْهَا أَو كاينة تاريخية فأوردناها كَمَا كَانَ الدَّهْر يَأْمر فِيهَا وَينْهى فاحتوى هَذَا الْمَجْمُوع عَلَى أشعار غَالِيَة الأسعار وحكايات لَيْسَ فِيهَا شكايات ومواعظ يصمت عِنْدهَا اللافظ ومناظرات رياضها ناضرات ومعارضات كَانَت النُّصْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 فِيهَا مقارضات وأدلة تَغْدُو بدورها تَمامًا بعد أَن كَانَت أهلة وتعاليل ألذ عِنْد النديم من اليعاليل ونوادر تتبعها مواعظ وزواجر وملح لِلْحسنِ فِيهَا لمح وكل هَذَا وَرَاء مقصودنا الْأَعْظَم فِيهِ ومرادنا الأهم الَّذِي لَا يقوم بِهِ سهر اللَّيْل وَلَا يُوفيه إِذْ أعظم مقاصدنا أَنا عِنْد الْفَرَاغ من تَرْجَمَة كل رجل أَو فِي أَثْنَائِهَا نَنْظُر فَإِن كَانَ من الْمَشْهُورين الَّذين طارت تصانيفهم فملأت الأقطار ودارت الدُّنْيَا وَلم تكتف بِمصْر من الْأَمْصَار نَظرنَا فَإِن وجدنَا لَهُ تصنيفا غَرِيبا استخرجنا مِنْهُ فَوَائِد أَو مسَائِل غَرِيبَة أَو وُجُوهًا فِي الْمَذْهَب واهية وكتبناها وَإِلَّا فَنَذْكُر وَجها غَرِيبا ذكر عَنهُ أَو مقَالَة غَرِيبَة ذهب إِلَيْهَا وشذ بهَا عَن الْأَصْحَاب وَإِن كَانَ من المقلين أعملنا جهدنا فِي حِكَايَة شَيْء من ذَلِك عَنهُ وَرُبمَا غلب الْفِقْه عَلَى إِنْسَان وَلم نر عَنهُ فِي الْفِقْه مستغربا فنقلنا عَنهُ فَائِدَة غير فقهية إِمَّا حَدِيثِيَّةٌ أَو غَيرهَا وَرُبمَا غلب عَلَيْهِ الحَدِيث أَو غَيره من الْعُلُوم سوى الْفِقْه فأعملنا جهدنا فِي نقل شَيْء من الْفِقْه أَو مَا يُنَاسِبه عَنهُ فَإِن لم نجد لَهُ شَيْئا لم نخل تَرْجَمته من حِكَايَة أَو شعر أَو فَائِدَة تستغرب ولنضرب أَمْثِلَة يَتَّضِح بهَا الْغَرَض فَنَقُول إِذا جِئْنَا للقفال وَالشَّيْخ أَبِي حَامِد اللَّذين هما شَيخا الطريقتين الخراسانية والعراقية ويمر بالفقيه ذكرهمَا لَيْلًا وَنَهَارًا لم ننقل عَنْهُمَا شَيْئا من كتبهما الْمَشْهُورَة بل نحرص عَلَى أَن نعزو إِلَيْهِمَا شَيْئا نجده فِي كتاب لَهما مستغرب أَو فِي كتاب لغَيْرِهِمَا نَقله فِيهِ عَنْهُمَا وَلَا نكثر فِي ترجمتها من ذَلِك أَيْضًا وَإِذا جِئْنَا إِلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَالشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وفخر الْإِسْلَام تِلْمِيذه مثلا أضربنا عَمَّا فِي النِّهَايَة للْإِمَام والوسيط والْبَسِيط والْوَجِيز للغزالي وعدلنا إِلَى مثل مثل الْخُلَاصَة للغزالي وَمثل الغياثي للْإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 والأساليب فِي الخلافيات وَنَحْو ذَلِك وَلَا نذْكر شَيْئا من الْمُهَذّب والتَّنْبِيه مثلا وَإِنَّمَا نعدل إِلَى النكت فِي الخلافيات وَنَحْو ذَلِك ونحرص كل الْحِرْص عَلَى أَن لَا نذْكر شَيْئا فِي الرَّافِعِيّ والرَّوْضَة إِلَّا لتَعلق غَرَض بِهِ من زِيَادَة تنكيت أَو مَبْحَث أَو حِكَايَة وَجه أَو قَول أَو غير ذَلِك كَمَا ستراه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِالْجُمْلَةِ لم آل جهدا وَلم أدع الْجنان يقر قراره وَلَا يهدا فَبينا الْفَقِيه مِنْهَا فِي عويص الْفُرُوع المشتبكة إِذا بِهِ فِي رياض من آدَاب تحرّك فَاقِد الْحَرَكَة وَبينا الأديب فِي نشر حلل مطرزة إِذا بِهِ فِي مواعظ وَحكم موجزة وَبينا المريد فِي سلوك الطَّرِيق إِذا بِهِ فِي أَحَادِيث مُسندَة يعلم أَنَّهَا بَاب التَّوْفِيق وَبينا المؤرخ فِي حكايات انْقَضى زمانها إِذا بِهِ قد عبر عَلَى تراجم يعز عَلَى المنقب وجدانها وَقد جَاءَ بِحَمْد اللَّه مجموعا آخِذا من كل فن بِنَصِيب نَافِذا فِي كل غَرَض بسهمه الْمُصِيب وَهَذَا الْمظهر أجلب للمطالعة وأخلب للألباب الَّتِي أمست من الْملَل وَهِي ظالعة وَمن نظر كتابي هَذَا علم كَيفَ كَانَ الْبَدْر يغيب وَأَنا شَاهد وتيقن أَنه وَظِيفَة عمر رجل ناقد فَلَقَد اشْتَمَل عَلَى بَحر زاخر من غرائب الْمسَائِل وَقدر وافر من عجائب الْأَقْوَال وَالْأَوْجه والدائل وغيث هامع من الْعلم تتقاصر عَنهُ الأنوا وغدير جَامع تلقى عِنْده الدلا وينشده الأذكيا (يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا ... إِنِّي وجدت النَّاس يحمدونكا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وجانب عَظِيم من المباحث القواطع وَالْقَوَاعِد الَّتِي كل شامخ الْأنف لَدَيْهَا خاضع والفوائد الَّتِي تنشد تحقيقاتها الْمُحَقِّقين إِذا أشارت إِلَيْهَا بالأكف الْأَصَابِع (أَخذنَا بآفاق السَّمَاء عَلَيْكُم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع) إيه وطرف جزيل من الطّرف وَبَاب وَاسع من الْأَدَب الَّذِي من وقف عَلَيْهِ من الأدباء وقف وهاجه شوق وتوق وأسف وَأنْشد (وَمَا هاج هَذَا الشوق إِلَّا حمامة ... دعت سَاق حر ترحة وترنما) (مطوقة خطباء تسجع كلما ... دنا الصَّيف وانجاب الرّبيع فأنجما) (من الْوَرق حماء العلاطين باكرت ... عسيب أَشَاء مطلع الشَّمْس أسحما) (إِذا زعزعته الرّيح أَو لعبت بِهِ ... تغنت عَلَيْهِ مائلا ومقوما) (تباري حمام الجهلتين وترعوي ... إِلَى ابْن ثَلَاث بَين عودين أعجما) (محلاة طوق لم يكن من تَمِيمَة ... وَلَا ضرب صواغ بكفيه درهما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 (تروح عَلَيْهِ والها ثمَّ تغتدي ... مولهة تبغي لَهُ الدَّهْر مطعما) (تؤمل فِيهِ مؤنسا لانفرادها ... وتبكي عَلَيْهِ إِن زقا أَو ترنما) (كَأَن عَلَى أشداقه نور حنوة ... إِذا هُوَ مد الْجيد مِنْهُ ليطعما) (فَلَمَّا اكتسى الوبل السخام وَلم تَجِد ... لَهَا مَعَه فِي ساحة الْعَيْش مرتما) (تنحت قَرِيبا فَوق غُصْن تداءبت ... بِهِ الرّيح صرفا أَي وَجه تيمما) (فَأَهوى لَهَا صقر مسف فَلم يدع ... لَهَا ولدا إِلَّا رماما وأعظما) (ووافت عَلَى غُصْن ضحيا فَلم تدع ... لنائحة فِي نوحها متلوما) (عجبت لَهَا أَنى يكون غنَاؤُهَا ... فصيحا وَلم تفغر بمنطقها فَمَا) (فَلم أر مثلي شاقه صَوت مثلهَا ... وَلَا عَرَبيا شاقه صَوت أعجما) وَعلم أَنه وَاضح مُبين وَكتاب يتلقاه ذُو الْمعرفَة بِالْيَمِينِ وَلَا يتَغَيَّر عَنهُ الْعَارِف بِهِ وَإِن بعد عَنهُ عَهده إِذا غير النأي المحبين نعم وَالله إِنَّه لكتاب إِذا قَالَ أصغت الأسماع لما تلفظ بِهِ وَإِذا صال زحزح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 كل مُشكل من المشكلات ومشتبه وَإِذا صدحت بلاغته قَالَ الْعَرَبِيّ إِن حاسده أبْغض الْعَجم ناطقا إِلَى ربه (بِاللَّفْظِ يقرب فهمه فِي بعده ... منا وَيبعد نيله فِي قربه) كتاب أصيل بأجناس المحاسن كَفِيل وحميل لأنواع المحامد جميل وحفيل لأصناف التمادح قبيل (مَا زَالَ يقصر كل حسن دونه ... حَتَّى تفَاوت عَن صِفَات الناعت) ومسند مُتَّصِل عَن صِفَات النَّقْص مُنْفَصِل ومفرد مَجْمُوع يطرب من مسندات أَلْفَاظه بِلَا بدع الْمَوْصُول والمقطوع والمسموع ومترفع بأصالته عَلَى السما ومنقطع النّسَب كانقطاع مساجله عَن القرنا إِذا أنْشدهُ المنشد (إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... قد بلغا فِي الْمجد غايتاها) أجَاب فَأَنْشد (وَإِنِّي وَإِن كنت ابْن سيد عَامر ... وفارسها الْمَشْهُود فِي كل موكب) (فَمَا سودتني عَامر عَن كَلَالَة ... أَبِي اللَّه أَن أسمو بِأم وَلَا أَب) (ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رَمَاهَا بمنكب) وَقَالَ لقد جمعت فأوعيت قاصيا ودانيا ونطقت فأسمعت ذَاهِبًا وآتيا (وَلَو أَن واش بِالْيَمَامَةِ دَاره ... وداري بِأَعْلَى حضر موت اهْتَدَى ليا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَلست أَقُول هَذَا لأنفق البضاعة بل لأشوق أَرْبَاب الصِّنَاعَة وَأجْمع عَلَى سنته أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أعرف المريدين سلوك طَرِيقه وَأبين لَهُم أَنه غير مُحْتَاج أَن يُقَام لَهُ سوق بتلفيف الْكَلَام وتلفيقه وَأَن صبح فَضله طلع فاستغلظ فَاسْتَوَى عَلَى سوقه فناديته وَهُوَ فَوق مَحل النُّجُوم وَقد تقهقر خَلفه القمران وَسُهيْل نبذ بالعراء كَأَنَّهُ مَذْمُوم وَأَقْبل حاسده وَهُوَ الصَّباح يتنفس عَلَى أَوَاخِر فجره ثمَّ يخفى كَأَنَّهُ غيظ مكظوم (لما كرمت نطقت فِيك بمنطق ... حق فَلم أكذب وَلم أتحوب) وناداني لِسَان الْإِنْصَاف غير متلبث صف فَأَما مَا خلوت عَنهُ فَدَعْهُ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ الْمِصْرِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ربيع الأول سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ رَوَّاجٍ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ الْحَافِظُ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ قَدِمَ عَلَيْنَا أَصْبَهَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَعَبَّاسٌ قَالا حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ أَتَى أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ رَثَّ الْهَيْئَةِ فَقَالَ أَلَكَ مَالٌ قَالَ فَقَالَ نَعَمْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَدْ أَتَانِيَ اللَّهُ قَالَ فَإِذَا كَانَ لَكَ مَالٌ فَلْيُرَ عَلَيْكَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أتيت رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 (وأظلم أهل الظُّلم من بَات حَاسِدًا ... لمن بَات فِي نعمائه يتقلب) وَكَأَنِّي بِمن يحْسد شمسه ضوءها ويجهد أَن يَأْتِي لَهَا بنظير ويطاول مِنْهُ الثريا وَمَا أبعدها عَن يَد المتناول فَيرجع إِلَيْهِ بَصَره خاسئا وَهُوَ حسير (وأتعب خلق اللَّه من زَاد همه ... وَقصر عَمَّا تشْتَهي النَّفس وجده) فَمن رام معارضته وَقَالَ كم ترك الأول للْآخر فسبيل الْحَاكِم بيني وَبَينه الْقَائِم بالنصفة أَن يَقُول مَا أَمرك برشيد أَيهَا الْقَائِل إِنَّه لقادر مَا لم تنبذ هَذَا الْكتاب وَرَاء ظهرك وتحاول قواك غير متأمل فِيهِ وَلَا نَاظر وأنشده (وَفِي الأحباب مُخْتَصّ بوجد ... وَآخر يَدعِي مَعَه اشتراكا) (إِذا اشتبكت دموع فِي خدود ... تبين من بَكَى مِمَّن تباكى) وَإِن أَبى إِلَّا المطاولة فذره وَمَا حاوله ولتقل (وَإِذا رَأَيْت الْمَرْء يشعب أمره ... شعب الْعَصَا ويلج فِي الْعِصْيَان) (فاعمد لما تعلو فَمَا لَك بِالَّذِي ... لَا تَسْتَطِيع من الْأُمُور يدان) وَأَنا مَعَ وصفي هَذ الْكتاب مَا أبريء كتابي وَلَا نَفسِي من شكّ وَلَا ريب وَلَا أبيعه بِشَرْط الْبَرَاءَة من كل عيب وَلَا أَدعِي فِيهِ كَمَال الاسْتقَامَة وَلَا أَقُول بِأَن الطَّبَقَات جمع سَلامَة بل إِذا دَار فِي خلدي ذكر هَذِهِ الطَّبَقَات اعْترفت بالقصور وَسَأَلت اللَّه الصفح الْجَمِيل عَمَّا جرى بِهِ الْقَلَم فكم جرى بِهَذِهِ السطور وقلم اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَالْكتاب المسطور ورجوت مُسَامَحَة ناظريه فهم أهلوها وأملت جميلهم فهم أحسن النَّاس وُجُوهًا وأنضرهموها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 (أَضَاءَت لَهُم أحسابهم ووجوههم ... دجى اللَّيْل حَتَّى نظم الْجزع ثاقبه) وَقد اشْتَدَّ بحثي وَكثر تنقيبي عَن من صنف فِي الطَّبَقَات فَأول من بَلغنِي صنف فِي ذَلِك الإِمَام أَبُو حَفْص عمر بْن عَلِيّ المطوعي الْمُحدث الأديب صنف للْإِمَام الْجَلِيل أَبِي الطّيب سهل بْن الإِمَام الْكَبِير أَبِي سهل مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الصعلوكي كتابا سَمَّاهُ الْمَذْهَب فِي ذكر شُيُوخ الْمَذْهَب وَهُوَ كتاب حسن الْعبارَة فصيح اللَّفْظ مليح الْإِشَارَة وَأَنا لم أَقف عَلَيْهِ وَلَكِن وقفت عَلَى منتخب انتخبه مِنْهُ الإِمَام أَبُو عَمْرو بْن الصّلاح ثمَّ ألف القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ مُخْتَصرا ذكر فِيهِ مولد الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعد فِي آخِره جمَاعَة من الْأَصْحَاب ثمَّ ألف الإِمَام أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ كِتَابه وَجمع فِيهِ غرائب وفوائد إِلَّا أَنه اختصر فِي التراجم جدا وَرُبمَا ذكر اسْم الرجل أَو مَوضِع الشُّهْرَة مِنْهُ وَلم يزدْ وَلذَلِك رَأَيْت فِيهِ أُنَاسًا مجهولين لم أطلع بعد شدَّة الْكَشْف عَلَى شَيْء من حَالهم ثمَّ ألف الإِمَام الرباني شيخ الْإِسْلَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ كِتَابه وَهُوَ مُخْتَصر أَيْضًا وَغير مقتصر عَلَى الشافعيين بل فِيهِ الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة والحنابلة والظاهرية مَعَ كَثْرَة من جَاءَ بعد الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق من أَصْحَابنَا ثمَّ ألف الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ كِتَابه الطَّبَقَات وَهَذَا الْكتاب لم أَقف عَلَيْهِ وَمَا أنقله فِي كتابي هَذَا عَنهُ فَهُوَ من نقل الْحَافِظ أَبِي سعد بْن السَّمْعَانِيّ أَو ابْن الصّلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ثمَّ ألف القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب بْن مُحَمَّد القَاضِي الشِّيرَازِيّ كتاب تَارِيخ الْفُقَهَاء لم أَقف عَلَيْهِ أَيْضًا ثمَّ ألف الْمُحدث أَبُو الْحَسَن بْن أَبِي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ الْمَعْرُوف بفندق وفندق فِي أَسمَاء جدوده كتابا سَمَّاهُ وَسَائِل الألمعي فِي فَضَائِل أَصْحَاب الإِمَام الشَّافِعِي لم أَقف عَلَيْهِ أَيْضًا ثمَّ جمع الشَّيْخ الإِمَام أَبُو النجيب السهروردي مجموعا لم أَقف عَلَيْهِ أَيْضًا ثمَّ جَاءَ الشَّيْخ ابْن الصّلاح رب الْفَوَائِد والفرائد وَمجمع الغرائب والنوادر فألف كِتَابه وَقد كَانَ رَحمَه اللَّه كَمَا يظْهر من كَلِمَاته عزم عَلَى أَن يجمع جمعا مَا بعده مطلب لمتعنت وَلَا أمل لمتمن وَلَكِن الْمنية حَالَتْ بَينه وَبَين مَقْصُوده فَقضى رَحمَه اللَّه نحبه وَالْكتاب مسودة فَأَخذه الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ وَاخْتَصَرَهُ وَزَاد أسامي قَليلَة جدا وَمَات أَيْضًا وَكتابه مسودة فبيضه شَيخنَا حَافظ الزَّمَان أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الْمزي رَحمَه اللَّه وَمن العجيب أَن الثَّلَاثَة أغفلوا حَتَّى ذكر الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج والإصطخري وَالشَّيْخ أَبِي عَلِيّ السنجي وَالْقَاضِي الْحُسَيْن وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَابْن الصّباغ وَجَمَاعَة من الْمَشْهُورين الَّذين يطْرق سمع الشَّيْخَيْنِ أَبِي زَكَرِيَّا وَأبي عَمْرو ذكرهم لَيْلًا وَنَهَارًا وَعَشِيَّة وإبكارا ثمَّ ألف الشَّيْخ عماد الدّين بْن باطيش كِتَابه وَهُوَ غير مستوعب أَيْضًا عَلَى كَثْرَة مَا فِيهِ وَلَا واف بِالْمَقْصُودِ فأعملنا الهمة حَتَّى جَاءَ كتَابنَا عَلَى الْوَجْه الَّذِي شرحناه والأسلوب الَّذِي سقناه وحرصت أَن لَا أذكر حِكَايَة وَلَا أثرا وَلَا شعرًا إِلَّا مُسْتَندا عَلَى طَرِيق جهابذة الْحفاظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 فَأَما مَا سقناه من الْأَحَادِيث بِالْأَسَانِيدِ فَلَقَد أوقفني بعض فُقَهَاء أَبنَاء الزَّمَان عَلَى نَحْو سَبْعَة عشر حَدِيثا وَقعت لَهُ من طرق جمَاعَة من الْفُقَهَاء الشافعيين وَهُوَ قد تبجح بهَا وأفردها بِمَجْمُوع وَظن أَنه قد أَتَى بمدفوع عَن سواهُ وممنوع وَمَا حسب أَن سهر الدجى يطلع عَلَى أنجم غَائِبَة ودأب الْقلب يُوصل إِلَى مَا تتقاصر عَنهُ السِّهَام الصائبة وَالْجد فِي السَّعْي يتعالى بِنَفسِهِ عَن أَن يطلع إِلَّا شموسا بعد أقمار ويستخرج مَا يقل لَهُ أَن يكْتب بسواد اللَّيْل عَلَى بَيَاض النَّهَار فَأَنا وَللَّه الْحَمد قد أسندت فِي كتابي هَذَا حَدِيث الْمُزنِيّ وَأبي ثَوْر وَأبي عَبْد الرَّحْمَن أَحْمَد بْن يَحْيَى الشَّافِعِي ومُحَمَّد بْن الإِمَام الشَّافِعِي وَأبي بكر الصَّيْرَفِي وَأبي عبيد بْن حربويه وَابْن سُرَيج والْحَارث المحاسبي والجنيد وَأبي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ والداركي وَأبي الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي وَأبي بكر بْن إِسْحَاق الصبغي وَالشَّيْخ أَبِي حَامِد الإسفرايني والأستاذ ابْن أَبِي سهل وَابْنه سهل الصعلوكيين والقفال الْكَبِير والماسرجسي وَأبي بكر الدقاق والحليمي والأستاذ أَبِي إِسْحَاق وَأبي جَعْفَر التِّرْمِذِيّ وَأبي زَكَرِيَّا السكرِي وَابْن فورك وَأبي جَعْفَر البحائي وَالْقَاضِي أَبِي عمر البسطامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَأبي عَبْد اللَّه الْبَيْضَاوِيّ وَالْقَاضِي أَبِي الطّيب والأستاذ أَبِي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَالشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَولده إِمَام الْحَرَمَيْنِ وتلميذيه الْغَزالِيّ وإلكيا وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وتلميذيه فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي ويوسف بْن عَلِيّ الزنجاني وَأبي حَاتِم الْقزْوِينِي وَالْإِمَام أَبِي المظفر بْن السَّمْعَانِيّ وولديه الإِمَام أَبِي بكر والْحَسَن وَأبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ وَأبي سهل الأبيوردي وَأبي الْعَبَّاس الأبيوردي وَأبي سَعِيد الْخَوَارِزْمِيّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْن وَابْن الصّباغ ووالده أَبِي مَنْصُور بْن الصّباغ والفوراني وَالْبَغوِيّ وَأبي بكر الصَّيْرَفِي وناصر الْعمريّ وَأبي الْحُسَيْن الحلابي وَالْمَاوَرْدِيّ وَأبي بكر الشَّامي ومُحَمَّد بْن بَيَان الكازروني وَابْن برهَان وَالْقَاضِي أَبِي عَلِيّ الفارقي وتلميذه ابْن أَبِي عصرون وَأبي نصر الْقشيرِي وَالشَّيْخ الطوسي ويعيش بْن صَدَقَة الفراتي والمجير الْبَغْدَادِيّ وَجَمَاعَة يضيق الأنفاس عدهم ويضيع القرطاس سردهم وَلم أترك الْإِسْنَاد إِلَّا عَن المكثرين كَأبي طَاهِر الزيَادي وسليم الرَّازِيّ والأستاذ أَبِي الْقَاسِم الْقشيرِي وَنصر الْمَقْدِسِي وَصَاحب الْبَحْر الرَّوْيَانِيّ وَغَيرهم أَو من عزت علينا رِوَايَته وهم بِحَمْد اللَّه قَلِيل من كثير وَمن كَانَ من الْحفاظ ذَوي الْإِكْثَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 كأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالربيع بْن سُلَيْمَان وَأبي عوَانَة الإسفرايني وَأبي حَاتِم الرَّازِيّ وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم وَأبي بكر بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِي وَالْحَاكِم أَبِي عَبْد اللَّه الْحَافِظ والحفاظ أَبِي الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي بكر البرقاني وَأبي بكر الْبَيْهَقِيّ وَأبي بكر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَغَيرهم مَعَ أَن من أخليته من إِسْنَاد حَدِيث فَلم أخله من إِسْنَاد شعر أَو حِكَايَة وعَلى أَنَّك إِذا اعْتبرت الْكتاب وجدته مشحونا بِحَدِيثِهِمْ لكثرته فِي غير تراجمهم وَالله المسؤل أَن يتقبله بِقبُول حسن وَأَن يعين عَلَى إكماله فِي أقرب زمن وَهَذَا حِين الشُّرُوع وَالله الْمُسْتَعَان وَلَا يَنْبَغِي أَن يمل النَّاظر فِي هَذَا الْكتاب طول الْأَسَانِيد وَكَثْرَة الأناشيد والاستطراد الْمَزِيد فَإِنَّهُ لذَلِك وضع وَلِهَذَا الْقَصْد جمع وعَلى أَعْوَاد هَذِهِ الْقَوَاعِد رفع وسترى فِيهِ من الْفَوَائِد مَا لَا يُوجد فِي مَجْمُوع وَمن الفرائد مَا يطرب مِنْهُ المسموع وَمن الزَّوَائِد مَا هُوَ فَوق فرق الفرقد مَوْضُوع وَأما الشّعْر فقد سَمعه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِن مِنْهُ لحكما ونطق بِهِ جَمَاهِير الصَّحَابَة وَعدد بَالغ من أَحْبَار الْأمة وإمامنا الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مقدم التالين للصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فِي ذَلِك أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عربشاه بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْهَمْدَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ حُضُورًا فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْخُشُوعِيُّ سَمَاعًا وَإِسْمَاعِيلُ الْجَنْزَوِيُّ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الأَكْفَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِنَّائِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِنَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَصَّاصُ الدَّعَّا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً حَدِيثُ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدَ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُرْسَلا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ بَيِّنٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ وَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً وَقَالَ غَرِيبٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَنَقَلَهُمَا عَنْهُ أَبُو الْمَحَاسِنِ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الذَّمِّ لِلسَّعَةِ وَالتَّصَنُّعِ فِي الْكَلامِ وَالتَّكَلُّفِ بِتَحْسِينِهِ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِ السَّامِعِينَ فَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ السِّحْرِ الَّذِي يُخَيِّلُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَالسِّحْرُ مَذْمُومٌ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ مُشَبَّهٌ بِهِ وَالثَّانِي قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِينَ إِنَّ الْقَصْدَ بِهِ مَدْحُ الْبَيَانِ وَالْحَثُّ عَلَى تَخَيُّرِ الأَلْفَاظِ وَالتَّأَنُّقُ فِي الْكَلامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكَمًا وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالا فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ صَدَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحِرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلا فَيَتَكَلَّفُ الْعَالِمُ إِلَى عِلْمِهِ مَا لَا يَعْلَمُ فَيُجْهِلُهُ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا فَهِيَ هَذِهِ الْمَوَاعِظُ وَالأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظُ بِهَا النَّاسُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالا فَعَرْضُكَ كَلامَكَ وَحَدِيثَكَ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ وَلا يُرِيدُهُ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرَاغِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْمُجَاوِرِ إِجَازَةً قَالَ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بن الْحسن الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ الْوَاسِطِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي سَنَةِ ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى السَّلامِيُّ الشَّاعِرُ بِفَائِدَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 أَبُو بَكْرٍ مُفَضَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي أَبُو تَمَّامٍ حَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي صُهَيْبُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَا الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي الْفَرَزْدَقُ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ الشَّاعِرُ حَدَّثَنِي أَبِي حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الشَّاعِرُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اهْجُ الْمُشْرِكِينَ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ قَالَ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانٍ اهْجُ الْمُشْرِكِينَ وَأَنَا مَعَك وَفِي رِوَايَة اهجم أَو اهجهم وَجِبْرِيلُ مَعَكَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ وَهِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ لِحَسَّانٍ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو مَنْ قَالَ فِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ مَعَ حَسَّانٍ مَا نَافَحَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا حَافِظُ الدُّنْيَا أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف الْمزي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي سَابِعَ عَشَرَ رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ النَّحَّاسِ الْحَلَبِيُّ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو طَاهِر على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ابْن سَعِيدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَاذَشاه أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ حُضُورًا أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ فِي جَمَاعَةٍ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ هُذَيْلِ بن مسْعدَة الْبَاهِلِيّ حَدثنَا شُعْبَة بن دخال الذُّهْلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا الشِّعْرَ سَجْعٌ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ بِهِ يُعْطَى السَّائِلُ وَبِهِ يُكْظَمُ الْغَيْظُ وَبِهِ يُؤْتَى الْقَوْمُ فِي نَادِيهِمْ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَرَوَاهُ الْحَارِثُ ابْنُ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ هُذَيْل عَن عمربن شُعْبَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْيَمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ فَذَكَرَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّايِمِ بْنِ نِعْمَةَ الْمَقْدِسِي سَمَاعا أخبرنَا أَبُو الْفرج يحيى ابْن مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ قَالَ الشَّرِيدُ كُنْتُ رِدْفًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَمَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَنْشِدْنِي فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيهْ فَأَنْشَدْتُهُ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ قَالَ ثُمَّ سَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَتُّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ إِنَّ الشَّرِيدَ قَالَ رَدَفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 يَوْمًا فَقَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هِيهْ فَأَنْشَدْتُهُ فَقَالَ هِيهْ فَأَنْشَدْتُهُ فَقَالَ هِيهْ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ وَفِي رِوَايَةٍ اسْتَنْشَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فَقَالَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَادَ لَيُسْلِمُ وَفِي أُخْرَى وَلَقْد كَادَ يُسْلِمُ فِي شِعْرِهِ فَإِن قلت مَا تَقولُونَ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا وَهَذَا حَدِيث ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ وَمن حَدِيث ابْن عمر أَيْضًا فِي صَحِيح البُخَارِيّ لَكِن لَيْسَ فِيهِ حَتَّى يرِيه وَمن حَدِيث سعد بْن أَبِي وَقاص فِي صَحِيح مُسلم وَلَفظه لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وَفِي مُسلم أَيْضًا من حَدِيث أَبِي سَعِيد بَينا نَحن نسير مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعرج إِذْ عرض شَاعِر ينشد فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا الشَّيْطَان أَو أَمْسكُوا الشَّيْطَان لِأَن يمتلىء جَوف رجل قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا وَأخرج الإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنده من حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرُؤ الْقَيْس صَاحب لِوَاء الشُّعَرَاء إِلَى النَّار وَهَذِه أَحَادِيث دَالَّة عَلَى ذمّ الشّعْر وَهِي تعَارض مَا قدمتم فَكيف الْحَال قلت قَالَ قَائِلُونَ إِنَّمَا أَرَادَ بالشعر الَّذِي ذمه الشّعْر الَّذِي هُوَ هجو لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حملا لمُطلق هَذَا الحَدِيث عَلَى مُقَيّد حَدِيث آخر رُوِيَ من حَدِيث جَابر بْن عَبْد اللَّه وَعبد اللَّه بْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِ الْكَامِلِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْملك ابْن مُسَرِّحٍ حَدَّثَنِي عَمِّي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخْبَرَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا وَدَمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يمتلىء شِعْرًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَمْ يَحْفَظِ الْحَدِيثَ إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا وَدَمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يمتلىء شِعْرًا هُجِيتُ بِهِ وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ قَاطِعًا لِكُلِّ وَهْمٍ وَلَكِنَّهُ لَا يَكَادُ يُثْبَتُ وَابْنُ عَدِيٍّ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ الْكَلْبِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ السَّائِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَنْ يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شِعْرًا هُجِيتُ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ إِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زُفَرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ قلت النَّضر بْن مُحرز قَالَ الْعقيلِيّ هُوَ الْمروزِي وَأَنا لَا أعرف الْمروزِي إِلَّا النَّضر بْن مُحَمَّد لَا ابْن مُحرز وَكِلَاهُمَا يروي عَن ابْن الْمُنْكَدر وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو سَعْدِ بْنُ السِّمْعَانِيِّ فِي خُطْبَةِ الذَّيْلِ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ النَّضر ابْن مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَالنَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مَا عَرَفْتُهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَحَّفَ عَلَى نَاسِخٍ وَمَا هُوَ الأَزْدِيُّ بَلِ الْمَرْوَزِيُّ كَمَا ذَكَرَ الْعُقَيْلِيُّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ الْكَلْبِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ أَسْلَمَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زُفَرَ التَّيْمِيُّ أَخْبَرَنَا حِبَّانُ بْن عَلِيٍّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلىء شِعْرًا هُجِيتُ بِهِ وَالْكَلْبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ تَرَكُوهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهَا ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ الْكَلْبِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلى جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا وَدَمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يمتلىء شعرًا هجيب بِهِ وَفِي سنَن أَبِي دَاوُد رَحمَه اللَّه بعد مَا ذكر حَدِيث لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا قَالَ أَبُو عَلِيّ بَلغنِي عَن أَبِي عبيد أَنه قَالَ وَجهه أَن يمتلىء قلبه حَتَّى يشْغلهُ عَن الْقُرْآن وَذكر اللَّه فَإِذا كَانَ الْقُرْآن وَالْعلم الْغَالِب فَلَيْسَ جَوف هَذَا ممتلئا عندنَا من الشّعْر قلت وَأَبُو عَلِيّ هُوَ اللؤْلُؤِي رَاوِي السّنَن عَن أَبِي دَاوُد فَإِن قلت فَمَا قَوْلكُم فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي كتاب الطِّبّ فَقَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ يَزِيدَ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ يَعْنِي شُرْبَ التِّرْيَاقِ انْتَهَى وَرَوَاهُ أَيْضًا الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ فَذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فَهَلْ هَذَا الْحَدِيثُ فِي غَايَةِ الْمَدْحِ لِلشِّعْرِ أَوْ فِي غَايَةِ الذَّمِّ لَهُ قُلْتُ الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ وَلَمْ أَرَ لأَحَدٍ عَلَيْهِ كَلامًا شَافِيًا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ التَّنُوخِيُّ قَاضِي إِفْرِيقِيَّةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ الْمَنَاكِيرِ حَدِيثُهُ فِي الْمُضَرِيِّينَ وَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ بَعْضَ هَذَا وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ فِي اخْتِلافِ الْحَدِيثِ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ قَالَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْمَعُ بِالتِّرْيَاقِ الأَكْبَرِ نُتَفٌ مِمَّا أُنْشِدَ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الأَشْعَارِ وَالأَرَاجِيزِ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَسْمَعُ الْمَدَحَةَ وَيُجِيزُ وَذَلِكَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ بَلْ يُجِيزُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَاسِعِ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي الأَبْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُخْتِيَارَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ المندائيِّ وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَرِيرِيُّ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ زَوْجِ الْحُرَّةِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَاذَانَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ النَّحْوِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَدِمَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 مُتَنَكِّرًا حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْعَدَهُ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ أَتَاهُ بِهِ وَهُوَ مُتَلَثِّمٌ بِعِمَامَتِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ يُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلامِ فَبَسَطَ يَدَهُ فَحَسَر عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ بِكَ أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فَتَجَّهَمَتْهُ الأَنْصَارُ وَأَغْلَظَتْ لَهُ لِمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَأَحَبُّوا إِيمَانَهُ وَإِسْلامَهُ فَأَمَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدَهُ مُدْحَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا (بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولٌ ... مُتَيَّمٌ عِنْدَهَا لَمْ يُشْفَ مَكْبُولُ) حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ (وَقَالَ كل خَلِيل كنت آمله ... لَا ألهينك إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ) (كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَته ... يَوْمًا على آلَة حدباء مَحْمُول) (نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي ... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ) (فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلهمْ ... بِبَطن مَكَّة لما أَسْلمُوا زولوا) (زَالُوا فَمَا زَالَ أنكاس وَلَا كشف ... عِنْد اللِّقَاءِ وَلا مَيْلٌ مَعَازِيلُ) (لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نحورهم ... وَمَا لَهُم عَن حِيَاض الْمَوْتِ تَهْلِيلُ) فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قُرَيْشٍ كَأَنُّه يُومِي إِلَيْهِمْ أَنِ اسْمَعُوا حَتَّى قَالَ (يَمْشُونَ مشي الْجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إِذا عرد السُّودَ التَّنَابِيلُ) يُعَرِّضُ بِالأَنْصَارِ لِغِلْظَتِهِمْ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَتْ قُرَيْشٌ مَا قَالَ وَقَالَتْ لَمْ تَمْدَحْنَا إِذْ تَهْجُوهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ حَتَّى قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 (مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الْحَيَاةِ فَلا يَزَلْ ... فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِ الأَنْصَارِ) (الْبَاذِلِينَ نُفُوسَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ ... يَوْمَ الْهِيَاجِ وَسَطْوَةِ الْجَبَّارِ) (يَتَطَهَّرُونَ كَأَنَّهُ نُسُكٌ لَهُمْ ... بِدِمَاءِ مَنْ عَلَقُوا مِنَ الْكُفَّارِ) (صَدَمُوا قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ صَدْمَةً ... زَالَتْ لِوَقْعَتِهَا جَمِيعُ نِزَارِ) فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَةً اشْتَرَاهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ آلِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ بَعْدَهُ بِمَالٍ كَثِيرٍ فَهِيَ الْبُرْدَةُ الَّتِي يَلْبَسُهَا الْخُلَفَاءُ فِي الْعِيدَيْنِ زَعَمَ ذَلِكَ أَبَانٌ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ الْمَلِكِ الْمُغِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ عِيسَى بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ فِي أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ أَوْ أَوَائِلِ الرَّابِعَةِ بِالْقَاهِرَةِ وَالْمُسْنِدُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَنْبَلِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ مَرَّةً وَقِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أُخْرَى بِدِمَشْقَ قَالا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ خَطِيبُ مَرْدَا قَالَ الأَوَّلُ سَمَاعًا وَقَالَ الثَّانِي حُضُورًا فِي الْخَامِسَةِ أَخْبَرَنَا صَنِيعَةُ الْمَلِكِ أَبُو مُحَمَّدٍ هِبَةُ الله بن يحيى ابْن حَيْدَرَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ غَدِيرٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخِلَعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الرَّحْمَن بن عمر بن مُحَمَّد بن سَعِيدِ بْنِ النَّحَّاسِ الْبَزَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد الرَّحِيم البرقي أخبرنَا بو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ قَالَ وَلَمَّا قَدِمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُنْصَرفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 مِنَ الطَّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى إِلَى أَخِيهِ كَعْبٍ يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رِجَالا بِمَكَّةَ مِمَّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ وَأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ ابْنُ الزِّبَعْرَى وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ قَدْ هَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ فَإِنْ كَانَتْ لَكَ فِي نَفْسِكَ حَاجَةٌ فَطِرْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ تَائِبًا وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إِلَى نَجَاتِكَ مِنَ الأَرْضِ وَكَانَ كَعْب قد قَالَ (أَلا أبلغا عني بجيرا رِسَالَة ... فَهَل لَك فِيمَا قلت وَيحك هَل لكا) (فَبين لنا إِن كنت لست بفاعل ... عَلَى أَي شَيْء غير ذَلِك دلكا) (عَلَى خلق لم تلف أما وَلَا أَبَا ... عَلَيْهِ وَلم تدْرك عَلَيْهِ أَخا لكا) (فَإِن أَنْت لم تفعل فلست بآسف ... وَلَا قَائِل إِمَّا عثرت لعا لكا) (سقاك بهَا الْمَأْمُون كأسا روية ... فأنهلك الْمَأْمُون مِنْهَا وعلكا) قَالَ ابْن هِشَام ويروي الْمَأْمُور قلت أَنا ويروى أَبُو بكر قَالَ وَبعث بهَا إِلَى بجير فَلَمَّا أَتَت بجيرا كره أَن يكتمها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنشده إِيَّاهَا فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سمع سقاك بهَا الْمَأْمُون صدق وَإنَّهُ لكذوب أَنا الْمَأْمُون وَلما سمع عَليّ خلق لم تلف أما وَلَا أَبَا عَلَيْهِ قَالَ أجل لم يلف عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أمه ثمَّ قَالَ بجير لكعب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 (من مبلغ كَعْبًا فَهَل لَك فِي الَّتِي ... تلوم عَلَيْهَا بَاطِلا وَهِي أحزم) (إِلَى اللَّه لَا الْعُزَّى وَلَا اللات وَحده ... فتنجو إِذا كَانَ النجَاة وتسلم) (لَدَى يَوْم لَا ينجو وَلَيْسَ بمفلت ... من النَّاس إِلَّا طَاهِر الْقلب مُسلم) (فدين زُهَيْر وَهُوَ لَا شَيْء دينه ... وَدين أَبِي سلمى عَلَي محرم) قَالَ ابْن إِسْحَاق وَإِنَّمَا يَقُول كَعْب الْمَأْمُون لقَوْل قُرَيْش الَّذِي كَانَت تَقوله لرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْن إِسْحَاق فَلَمَّا بلغ كَعْبًا الْكتاب ضَاقَتْ بِهِ الأَرْض وأشفق عَلَى نَفسه وأرجف بِهِ من كَانَ فِي حاضره من عدوه فَقَالُوا هُوَ مقتول فَلَمَّا لم يجد من شَيْء بدا قَالَ قصيدته الَّتِي يمدح فِيهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ خرج حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَنزل عَلَى رجل كَانَت بَينه وَبَينه معرفَة فعداه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين صَلَاة الصُّبْح فصلى مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ أَشَارَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا رَسُول الله فَقُمْ إِلَيْهِ فاستأمنه فَذكر لي أَنه قَامَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جلس إِلَيْهِ فَوضع يَده فِي يَده وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يعرفهُ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ إِن كَعْب بْن زُهَيْر قد جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَكَ تَائِبًا مُسلما فَهَل أَنْت قَابل مِنْهُ إِن أَنا جئْتُك بِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم قَالَ أَنا يَا رَسُول اللَّهِ كَعْب بْن زُهَيْر قَالَ ابْن إِسْحَاق فحَدَّثَنِي عَاصِم بْن عمر بْن قَتَادَة أَنه وثب عَلَيْهِ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ يَا رَسُول اللَّهِ دَعْنِي وعدو اللَّه أضْرب عُنُقه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعه عَنْك فَإِنَّهُ قد جَاءَ تَائِبًا فازعا قَالَ فَغَضب كَعْب عَلَى هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 لما صنع بِهِ صَاحبهمْ وَذَلِكَ أَنه لم يتَكَلَّم فِيهِ رجل من الْمُهَاجِرين إِلَّا بِخَير فَقَالَ قصيدته الَّتِي قَالَ حِين قدم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَانَتْ سعاد فقلبي الْيَوْم متبول ... متيم إثْرهَا لم يفد مكبول) قلت إثْرهَا بكسرة وَسُكُون وَهُوَ إِمَّا ظرف لمتيم مُتَعَلق بِهِ وَإِمَّا حَال من ضَمِيره فَيتَعَلَّق بِكَوْن مَحْذُوف ومكبول اسْم مفعول من كَبله وكبله مشددا إِذا وضع فِي رجله الكبل بِفَتْح الْكَاف وَقد يكسر وَهُوَ الْقَيْد (وَمَا سعاد غَدَاة الْبَين إِذْ رحلوا ... إِلَّا أغن غضيض الطّرف مَكْحُول) سعاد علم مرتجل يَعْنِي بِهِ امْرَأَة يهواها حَقِيقَة أَو ادِّعَاء وَقد أعَاد ذكرهَا وَالْأَصْل وَمَا هِيَ فأناب الظَّاهِر عَن الْمُضمر تلذذا بِذكر اسْم المحبوب وَسَهل ذَلِك أَنَّهُمَا فِي جملتين مستقلتين وَبَينهمَا جملَة فاصلة (تجلو عوارض ذِي ظلم إِذا ابتسمت ... كَأَنَّهُ منهل بِالرَّاحِ مَعْلُول) الْعَوَارِض جمع عارضة وَقيل عَارض ثمَّ اخْتلف فِي مَعْنَاهَا فَقيل الْأَسْنَان كلهَا وَقيل بل ضواحكها وَهِي مَا بعد الأنياب وَقيل الضواحك والأنياب وَقيل الرباعيات والأنياب وَقيل غير ذَلِك وَقَوله ذِي نعت لمَحْذُوف أَي ثغر ذِي وظلم بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَاء الْأَسْنَان وبريقها وَشدَّة بياضها ومنهل بِضَم الْمِيم اسْم مفعول من أنهله إِذا سقَاهُ النهل بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الشّرْب الأول والراح هُنَا الْخمر أَو الارتياح أَو جمع رَاحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 (شجت بِذِي شبم من مَاء محنية ... صَاف بأبطح أضحى وَهُوَ مشمول) شبم بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ الْبرد الشَّديد أَي بِمَاء ذِي برد ومحنية بِفَتْح الْمِيم والحاء الْمُهْملَة وَالنُّون الْمَكْسُورَة من حنوت وَهُوَ مَا انعطف من الْوَادي والأبطح مسيل المَاء ومشمول ضَربته ريح الشمَال (تَنْفِي الرِّيَاح القذى عَنهُ وأفرطه ... من صوب سَارِيَة بيض يعاليل) أفرطه أَي ملأَهُ والسارية السحابة وبيض فَاعل أفرطه وَاخْتلف فِي الْبيض اليعاليل قِيلَ الْجبَال المرتفعة وَقيل الْبيض السَّحَاب واليعاليل الَّتِي تَجِيء مرّة بعد أُخْرَى (أكْرم بهَا خلة لَو أَنَّهَا صدقت ... موعودها أَو لَو ان النصح مَقْبُول) (لَكِنَّهَا خلة قد سيط من دَمهَا ... فجع وولع وإخلاف وتبديل) سيط بِالسِّين الْمُهْملَة وَيُقَال بِالْمُعْجَمَةِ خلط وفجع مصدر فجعه إِذا أَصَابَهُ بمكروه وولع مصدر ولع بِالْفَتْح إِذا كذب (فَمَا تدوم عَلَى حَال تكون بهَا ... كَمَا تلون فِي أثوابها الغول) (وَلَا تمسك بالعهد الَّذِي زعمت ... إِلَّا كَمَا يمسك المَاء الغرابيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 (فَلَا يغرنك مَا منت وَمَا وعدت ... إِن الْأَمَانِي والأحلام تضليل) (كَانَت مواعيد عرقوب لَهَا مثلا ... وَمَا مواعيدها إِلَّا الأباطيل) (أَرْجُو وآمل أَن تَدْنُو مودتها ... وَمَا إخال لدينا مِنْك تنويل) (أمست سعاد بِأَرْض مَا يبلغهَا ... إِلَّا الْعتاق النجيبات الْمَرَاسِيل) (وَلنْ يبلغهَا إِلَّا عذافرة ... لَهَا عَلَى الأين إرقال وتبغيل) عذافرة مهمل الأول مضمومه مُعْجم الثَّانِي وَهِي النَّاقة الصلبة الْعَظِيمَة والإرقال نوع من السّير الخبب والتبغيل مشي فِيهِ اخْتِلَاف يشبه سير البغال (من كل نضاخة الذفري إِذا عرقت ... عرضتها طامس الْأَعْلَام مَجْهُول) الذفري مَا تَحت الْأذن من يَمِين الرَّقَبَة وشمالها والنضخ أغْلظ من الرشح وعرضتها من قَوْلهم فلَان عرضة للسَّفر أَي قوى عَلَيْهِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مطيقة لقطع طامس الْأَعْلَام من الأَرْض (ترمي الغيوب بعيني مُفْرد لهق ... إِذا توقدت الحزان والميل) الْمُفْرد ثَوْر الْوَحْش شبه بِهِ النَّاقة اللَّهق الْأَبْيَض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 والحزان جمع حزيز وَهُوَ الغليظ من الأَرْض وَالْمعْنَى أَن هَذِهِ النَّاقة قَوِيَّة عَلَى السّير فِي الهواجر إِذا توقدت هَذِهِ الْمَوَاضِع من الْحر (ضخم ملقدها فَعم مقيدها ... فِي خلقهَا عَن بَنَات الْفَحْل تَفْضِيل) الْمُقَلّد مَوضِع القلادة الفعم الممتلىء الْمُقَيد مَوضِع الْقَيْد فِي خلقهَا أَي هَذِهِ تفضل النوق والنوق بَنَات الْفَحْل (غلباء وجناء علكوم مذكرة ... فِي دفها سَعَة قدامها ميل) غلباء عَظِيمَة الرَّقَبَة وجناء عَظِيمَة الوجنتين (وجلدها من أطوم لَا يؤيسه ... طلح بضاحية المتنين مهزول) (حرف أَخُوهَا أَبوهَا من مهجنة ... وعمها خالها قوداء شمليل) الْحَرْف النَّاقة الضامر والمهجنة من قَوْلهم أهجنت النَّاقة إِذا حمل عَلَيْهَا فِي صغرها كَذَلِك الصبية تزوج قبل بُلُوغهَا والقوداء الطَّوِيلَة قَوْله أَخُوهَا أَبوهَا وعمها خالها مِثَال هَذَا أَن فحلا ضرب أمه فَوضعت ذكرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَأُنْثَى ثمَّ ضرب الْفَحْل الْأُنْثَى فَوضعت ذكرا ثمَّ ضرب الذّكر أمه فَوضعت أُنْثَى فَهَذِهِ الْأُنْثَى هِيَ الْحَرْف الَّتِي أَبوهَا أَخُوهَا من أمه وعمها الذّكر الأول وَهُوَ خالها لِأَنَّهُمَا توأمان أَعنِي الذّكر الأول وَالْأُنْثَى الَّتِي هِيَ أم هَذِهِ الْحَرْف ذكره التبريزي والكندي (يمشي القراد عَلَيْهَا ثمَّ يزلقه ... مِنْهَا لبان وأقراب زهاليل) أَي إِذا دب القراد عَلَيْهَا لَا يثبت لملاستها وسمنها واللبان من صدر الْفرس حَيْثُ يجْرِي عَلَيْهِ اللبب والأقراب جمع قرب وَهِي الخاصرة والزهاليل الملس جمع زهلول (عيرانة قذفت بالنحض عَن عرض ... مرفقها عَن بَنَات الزُّور مفتول) عيرانة نَاقَة صلبة تشبه عير الْوَحْش فِي صلابتها والنحض اللَّحْم عَن عرض أَي اعْتِرَاض قذفت بِاللَّحْمِ رميت بِهِ والزور الصَّدْر وَبَنَات الصَّدْر مَا حواليه يَعْنِي مرفقها جَاف فَهُوَ ينبو عَن الصَّدْر والمفتول المدمج الْمُحكم (كَأَن مَا فَاتَ عينيها ومذبحها ... من خطمها وَمن اللحيين برطيل) مَا فَاتَ عينيها الَّذِي تقدمه مذبحها منحرها الخطم الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الخطام وَقيل الْأنف واللحيان العظمان تنْبت عَلَيْهِمَا اللِّحْيَة والبرطيل حجر مستطيل وصفهَا بكبر الرَّأْس وعظمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 (تمر مثل عسيب النّخل ذَا خصل ... فِي غارز لم تخونه الأحاليل) الخصل جمع خصْلَة من الشّعْر والغارز هُنَا الضَّرع لم تخونه تنقصه والأحاليل جمع إحليل وَهُوَ الَّذِي يخرج مِنْهُ اللَّبن (قنواء فِي حرتيها للبصير بهَا ... عتق مُبين وَفِي الْخَدين تسهيل) قنواء فعلاء من القنا نَاقَة قِنَا والحرتان الأذنان (تخدي عَلَى يسرات وَهِي لاحقة ... ذوابل وقعهن الأَرْض تَحْلِيل) الخدي ضرب من السّير واليسرات قَوَائِمهَا واللاحقة الضامرة والتحليل من تَحِلَّة الْيَمين أَي وقعها عَلَى الأَرْض قَلِيل كَمَا يفعل الْيَسِير تَحِلَّة الْيَمين (سمر العجايات يتركن الْحَصَا زيما ... لم يقهن رُءُوس الأكم تنعيل) العجايات جمع عجاية بِعَين مَضْمُومَة ثمَّ جِيم ثمَّ ألف ثمَّ آخر الْحُرُوف ثمَّ ألف ثمَّ تَاء مثناة وَيُقَال عجاوة بواو بدل آخر الْحُرُوف وَهِي عصب قَوَائِم قَوَائِم الْإِبِل وَالْخَيْل والزيم المتفرق أَي لقُوَّة جريها تتْرك الْحَصَى مُتَفَرِّقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 (كَأَن أَوب ذراعيها إِذا عرقت ... وَقد تلفع بالقور العساقيل) (يَوْمًا يظل بِهِ الحرباء مصطخدا ... كَأَن ضاحيه بالشمس مملول) (وَقَالَ للْقَوْم حاديهم وَقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن الْحَصَا قيلوا) (شدّ النَّهَار ذِرَاعا عيطل نصف ... قَامَت فجاوبها نكد مثاكيل) (نواحة رخوة الضبعين لَيْسَ لَهَا ... لما نعي بكرها الناعون مَعْقُول) (تفري اللبان بكفيها ومدرعها ... مشقق عَن عَن تراقيها رعابيل) (يسْعَى الوشاة جنابيها وَقَوْلهمْ ... إِنَّك يَا ابْن أبي سلمت لمقتول) (وَقَالَ كل خَلِيل كنت آمله ... لَا ألهينك إِنِّي عَنْك مَشْغُول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 (فَقلت خلوا سبيلي لَا أبالكم ... فَكل مَا قدر الرَّحْمَن مفعول) (كل ابْن أُنْثَى وَإِن طَالَتْ سَلَامَته ... يَوْمًا على آلَة حدباء مَحْمُول) الْآلَة الحدباء الْآلَة الصعبة وَهِي الْمَوْت وَقيل النعش نَفسه وَلَعَلَّه الْأَصَح (أنبئت أَن رَسُول الله أوعدني ... وَالْعَفو عِنْد رَسُول الله مأمول) (مهلا هداك الَّذِي أَعْطَاك نَافِلَة الْقُرْآن ... فِيهَا مواعيظ وتفصيل) (لَا تأخذني بأقوال الوشاة وَلم ... أذْنب وَإِن كثرت عني الْأَقَاوِيل) (لقد أقوم مقَاما لَو يقوم بِهِ ... أرى وأسمع مَا لَو يسمع الْفِيل) (لظل يرعد إِلَّا أَن يكون لَهُ ... من الرَّسُول بِإِذن اللَّه تنويل) (حَتَّى وضعت يَمِيني لَا أنازعه ... فِي كف ذِي نقمات قيله القيل) (لذاك أهيب عِنْدِي إِذْ ُأكَلِّمهُ ... وَقيل إِنَّك مَنْسُوب وَمَسْئُول) (من خادر من لُيُوث الْأسد مَسْكَنه ... من بطن عثر غيل دونه غيل) أَي من أَسد خادر وخادر دَاخل فِي الخدر ويروي من ضيغم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وعثر مَوضِع وغيل مَوضِع الْأسد (إِن الرَّسُول لسيف يستضاء بِهِ ... مهند من سيوف اللَّه مسلول) (فِي عصبَة من قُرَيْش قَالَ قَائِلهمْ ... بِبَطن مَكَّة لما أَسْلمُوا زولوا) (زَالُوا فَمَا زَالَ أنكاس وَلَا كشف ... عِنْد اللِّقَاء وَلَا ميل معازيل) أنكاس جمع نكس وَهُوَ الرجل الضَّعِيف والكشف جمع أكشف وَهُوَ الَّذِي لَا ترس مَعَه وميل جمع مائل وَهُوَ الكفل الَّذِي لَا يحسن الفروسية والمعازيل من قَوْلهم رجل أعزل إِذا لم يكن مَعَه رمح أَي زَالُوا من بطن مَكَّة وَلَيْسَ فيهم من هَذِهِ صفته بل هم أقوياء ذَوُو سلَاح فرسَان عِنْد اللِّقَاء رَضِي اللَّه عَنْهُمْ (شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج دَاوُد فِي الهيجا سرابيل) شم جمع أَشمّ وشماء وأصل الشمم الِارْتفَاع والعرانين الأنوف وَاحِدهَا عرنين وأنف أَشمّ إِذا كَانَ فِيهِ علو (يَمْشُونَ مشي الْجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إِذا عرد السود التنابيل) الزهر الْبيض عرد أَي فر وبالغين الْمُعْجَمَة طرب والتنابيل جمع تنبال وَهُوَ الْقصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 (لَا يفرحون إِذا نَالَتْ سيوفهم ... قوما وَلَيْسوا مجازيعا إِذا نيلوا) (لَا يَقع الطعْن إِلَّا فِي نحورهم ... وَمَا لَهُم عَن حِيَاض الْمَوْت تهليل) أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّابُونِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّاسُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ موقا ح قَالَ شَيْخُنَا وَأَخْبَرَنَا أَيْضًا الْمَعِينُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي الْحسن عَليّ بن يُوسُف الدِّمَشْقِي وَإِسْمَاعِيل بن عَبْدِ الْقَوِيِّ بْنِ عَزُّونٍ قَالا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بن صَالح بن ياسين ح وَأخْبرنَا أبوبكر بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّعْبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَامِدٍ الأَرْتَاحِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الرّوسِ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا ابْنُ يَاسِينَ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنَا ابْنُ موقا قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ بَقَا بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ الْيَمَنِيُّ التَّنُوخِيُّ حَدَّثَنَا خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رماحِسَ بْنِ مُحَمَّد ابْن خَالِدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ رَمَادَةَ مِنَ الرَّمْلَةِ عَلَى بَرِيدَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 فِي رَبِيعٍ الآخِرِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو زِيَادُ بْنُ طَارِقٍ الْجُشَمِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أَبُو جَرْوَلٍ وَكَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا صُرَدَ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَسَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا هُوَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَثَبْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ أُذَكِّرُهُ حَيْثُ شَبَّ وَنَشَأَ فِي هَوَازِنَ وَحَيْثُ أَرْضَعُوهُ فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ (امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَنْتَظِرُ) (امْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ قَدْ عَاقَهَا قَدَرٌ ... مُفَرِّقٌ شَمْلَهَا فِي دَهْرِهَا غِيَرُ) (أَبْقَتْ لَنَا الْحَرْبُ هُتَّافًا عَلَى حَزَنٍ ... عَلَى قُلُوبِهِمُ الْغِمَاءُ وَالْغَمَرُ) (إِنْ لَمْ تَدَارَكَهُمْ نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا ... يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا حِينَ يُخْتَبَرُ) (امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... إِذْ فُوكَ تَمْلأهُ مِنْ مَخْضِهَا الدَّرَرُ) (إِذْ أَنْتَ طِفْلٌ صَغِيرٌ كُنْتَ تَرْضَعُهَا ... وَإِذْ يُرِينَكَ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ) (يَا خَيْرَ مَنْ مَرِحَتْ كَمْتُ الْجِيَادِ بِهِ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ إِذَا مَا اسْتَوْقَدَ الشَّرَرُ) (لَا تَجْعَلَنَّا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ ... وَاسْتَبْقِ مِنَّا فَإِنَّا مَعْشَرٌ زهَرُ) (إِنَّا تؤمل عَفْوًا مِنْكَ تُلْبِسُهُ ... هَدْيَ الْبَرِيَّةِ إِنْ تَعْفُو وَتَنْتَصِرُ) (إِنَّا لَنَشْكُرُ لِلنَّعَمَا وَقَدْ كُفِرَتْ ... وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّخَرُ) (فَأَلْبِسِ الْعَفْوَ مَنْ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهُ ... مِنْ أُمَّهَاتِكَ إِنَّ الْعَفْوَ مُشْتَهَرُ) (وَاعْفُ عَفَا اللَّهُ عَمَّا أَنْتَ وَاهِبُهُ ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ يَهْدِي لَكَ الظَّفَرُ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلِلَّهِ وَلكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وَقَالَتِ الأَنْصَارُ مَا كَانَ لَنَا فَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَرَدَّتِ الأَنْصَارُ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهَا مِنَ الذَّرَارِي وَالأَمْوَالِ وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَقُولُ إِنَّهُ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رماحسَ وَأَنَا ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رماحسَ الْقَيْسِيِّ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الرَّمْلِيُّ الْحَافِظُ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَكْتَنُونَ بِكُنْيَتَيْنِ يَعْنِي أَنَّ زُهَيْرًا كَانَ يُكَنَّى أَبَا جَرْوَلٍ وَأَبَا صُرَدَ قَالَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ كَانَ زِيَادُ بْنُ طَارِقٍ ابْنَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ يَصْعَدُ التِّينَ فَقُلْتُ لَهُ وَأَنْتَ تَصْعَدُ التِّينَ قَالَ نَعَمْ وَالْجُمَّيْزَ وَكَانَ ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ أَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ حَافِظُ الزَّمَانِ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَلْبِيُّ وَالْمُحَدِّثُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ نُبَاتَةَ وَأَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ الْعَطَّارِ الشَّافِعِيُّونَ قَالَ الأَوَّلُ وَالثَّالِثُ أخبرنَا أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الصَّابُونِيِّ وَقَالَ ابْنُ نُبَاتَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الدَّمِيرِيِّ قَالا أَخْبَرَنَا دَاوُد بن أَحْمد ابْن مُلاعِبٍ قَالَ ابْنُ الصَّابُونِيِّ سَمَاعًا وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ الزَّاغُونِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبُسْرِيُّ الْبُنْدَارُ إِجَازَةً ح قَالَ ابْنُ مُلاعِبٍ وَأَخْبَرَنَا الْحَاجِبُ الأَجَلُّ أَبُو مَنْصُورٍ نُوشتكينُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبُسْرِيُّ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُخَلِّصُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوهِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مَوْهُوبِ بْنِ أَحْمَدَ الْجَوَالِيقِيُّ أَخْبَرَنَا الْوَزِيرُ الْعَادِلُ عَوْنُ الدِّينِ أَبُو الْمُظَفَّرِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هُبَيْرَةَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أسمع سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَوْلانَا الْمُقْتَفِي لأَمْرِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ حَدَّثَكُمْ أَبُو الْبَرَكَاتِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ السَّيْبِيُّ لَفْظًا سَنَةَ خَمْسمِائَة أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصِّرِيفِينِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ ح وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الصَّعْبِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ فِي الرَّابِعَةِ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا الْمَعِينُ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَزُّونٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّحَّاسُ قَالَ الْمَعِينُ وَابْنُ عَزُّونٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صَالِحِ بْنِ يَاسِينَ وَقَالَ النَّحَّاسُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ موقا وَقَالَ الثَّانِي أَعْنِي الصَّعْبِيَّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيز بن أبي الْفتُوح ابْن أبي الروس أخبرنَا ابْن موقا قَالَا ابْن يَاسِينَ وَابْنُ موقا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى السَّعْدِيُّ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَطَّةَ الْعُكْبَرِيُّ بِهَا قَالا الْمُخَلِّصُ وَابْنُ بَطَّةَ أَخْبَرَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ حَدَّثَنَا يَعْلَى بن الْأَشْدَق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 قَالَ سَمِعْتُ النَّابِغَةَ يَقُولُ أَنْشَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدَنَا وَجُدُودَنَا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا) فَقَالَ أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى قُلْتُ الْجَنَّةُ قَالَ أَجَلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قُلْتُ (وَلا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا) (وَلا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْرَ أَصْدَرَا) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَدْتَ لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ قَالَ مَرَّتَيْنِ اللَّفْظُ لِرِوَايَةِ ابْنِ بَطَّةَ وَالإِسْنَادُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ أُنْزِلَ فَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِمَا فِيهِ مِنَ اجْتِمَاعِ خَلِيفَةٍ وَوَزِيرٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ مُسْتَغْرَبٌ مُسْتَطْرَفٌ وَأَبْيَاتُ النَّابِغَةِ هَذِه من قصدة لَهُ أَولهَا (خليلي غضا سَاعَة وتهجرا ... وَلَو مَا على مَا أحدث الدَّهْر أوذرا) وَهِيَ نَحْوُ مِائَتَيْ بَيْتٍ قِيلَ إِنَّهَا أَحْسَنُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْفَخْرِ بِالشَّجَاعَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَمَا أَظُنُّ النَّابِغَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ أَنْشَدَ الشِّعْرَ كُلَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وَمِنْهَا (تَذَكَّرْتُ وَالذِّكْرَى تَهِيجُ عَلَى الْفَتَى ... وَمِنْ حَاجَةِ الْمَحْزُونِ أَنْ يَتَذَكَّرَا) (نَدَامَايَ عِنْدَ الْمُنْذِرِ بْنِ مُحَرَّقٍ ... أَرَى الْيَوْمَ مِنْهُمْ ظَاهِرَ الأَرْضِ مُقْفِرَا) (تَقَضَّى زَمَانُ الْوَصْلِ بَيْنِي وَبَيْنِهَا ... وَلَمْ يَنْقَضِ الشَّوْقُ الَّذِي كَانَ أَكْثَرَا) (وَإِنِّي لأَسْتَشْفِي بِرُؤْيَةِ جَارِهَا ... إِذَا مَا تَلَقِّيهَا عَلِيَّ تَعَذَرَّا) (وَأُلْقِي عَلَى جِيرَانِهَا مَسْحَةَ الْهَوَى ... وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا لِي قَبِيلا وَمَعْشَرَا) (تَرَدَّيْتُ ثَوْبَ الذُّلِّ يَوْمَ لَقِيتُهَا ... وَكَانَ رِدَائِي نَخْوَةً وَتَجَبُّرَا) (حَسِبْنَا زَمَانًا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً ... لَيَالِي إِذْ نَغْزُو جُذَامًا وَحِمْيَرَا) (إِلَى أَنْ لَقِينَا الْحَيَّ بَكْرَ بن وَائِل ... ثَمَانِينَ ألفا دراعين وَحُسَّرَا) (فَلَمَّا قَرَعْنَا النَّبْعَ بِالنَّبْعِ بَعْضَهُ ... بِبَعْضٍ أَبَتْ عِيدَانُهُ أَنْ تُكَسَّرَا) (سَقَيْنَاهُمْ كَأْسًا سَقَوْنَا بِمِثْلِهَا ... وَلَكِنَّنَا كُنَّا عَلَى الْمَوْتِ أَصْبَرَا) (بِنَفْسِي وَأَهْلِي عُصْبَةً سُلَمِيَّةً ... يَعْدُونَ لِلْهَيْجَا عَنَاجِيجَ ضُمَّرَا) (وَقَالُوا لَنَا أَحْيُوا لَنَا مَنْ قَتَلْتُمُ ... لَقَدْ جِئْتُمْ أَمْرًا مِنَ الأَمْرِ مُنْكَرَا) (وَلَسْنَا نَرُدُّ الرُّوحَ فِي جِسْمِ مَيِّتٍ ... وَلَكِنْ نُسِلُّ الرُّوحَ مِمَّنْ تَنَشَّرَا) (نُمِيتُ وَلا نُحْيِي كَذَاكَ صَنِيعُنَا ... إِذَا الْبَطَلُ الْحَامِي إِلَى الْمَوْتِ هَجَّرَا) (مَلَكْنَا فَلَمْ نَكْشِفْ قِنَاعًا لِحُرَّةٍ ... وَلَمْ نَسْتَلِبْ إِلا الْحَدِيدَ الْمُسَمَّرَا) (وَلَوْ أَنَّنَا شِئْنَا سِوَى ذَاكَ أَصْبَحَتْ ... كَرَائِمُهُمْ فِينَا تُبَاعُ وَتُشْتَرَى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 (وَلَكِنَّ أَحْسَابًا نَمَّتْنَا إِلَى الْعُلا ... وَآبَاءَ صِدْقٍ أَنْ نَرُومَ الْمُحَقَّرَا) (وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نُعَوِّدُ خَيْلَنَا ... إِذَا مَا الْتَقَيْنَا أَنْ تَحِيدَ وَتَنْفِرَا) (وَنُنْكِرُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَلْوَانَ خَيْلِنَا ... مِنَ الطَّعْنِ حَتَّى نَحْسِبَ الْجَوْنَ أَشْقَرَا) (وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ لَنَا أَنْ نَرُدَّهَا ... صِحَاحًا وَلا مُسْتَنْكِرًا أَنْ تُعْقَرَا) (أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ إِذْ جَاءَ بِالْهُدَى ... وَنَتْلُو كِتَابًا كَالْمَجَرَّةِ نَيِّرَا) (بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدَنَا وَجُدُودَنَا) ) الأَبْيَاتَ الَّتِي رُوِّينَاهَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَمَوِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ سَمَاعًا وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُخْتِيَارَ المندائي وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بن الطويلَةِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ شُنَيْفٍ إِجَازَةً قَالُوا كُلُّهُمْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَرِيرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّبَرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ مُتَفَرِّقِينَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ بْنِ حَيُّوَيْهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَائِنِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنِي أَبُو الْعَطُوفِ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانٍ هَلْ قُلْتَ فِي أَبِي بَكْرٍ مَثَلا قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ (وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ الْمُنِيفِ وَقَدْ ... طَافَ الْعَدُوُّ بِهِ إِذْ يَصْعَدُ الْجَبَلا) (وَكَانَ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا ... مِنَ الْبَرِيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ رَجُلا) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ صَدَقْتَ يَا حَسَّانُ هُوَ كَمَا قُلْتَ أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الظَّاهِرِيُّ بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى الثَّقَفِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّيْخَانِ أَبُو عَدْنَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نِزَارٍ وَفَاطِمَةُ الْجَوْزَدَانِيَّةُ قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن رِيذَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا ذَاكر ابْن شَيْبَةَ الْعَسْقَلانِيُّ بِقَرْيَةِ عَجَّسَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ أَبِي الزُّعَيْزِعَةِ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ لِي يَا عَائِشَةُ مَا فَعَلَتْ أَبْيَاتُكِ فَأَقُولُ وَأَيُّ أَبْيَاتِي تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ فَيَقُولُ فِي الشُّكْرِ فَأَقُولُ نَعَمْ بِأَبِي وَأُمِّي قَالَ الشَّاعِرُ (ارْفَعْ ضَعِيفَكَ لَا يُحِرْ بِكَ ضَعْفُهُ ... يَوْمًا فَتُدْرِكُهُ الْعَوَاقِبُ قَدْ نَمَا) (يَجْزِيكَ أَوْ يُثْنِي عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ ... أَثْنَى عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْتَ فَقَدْ جَزَى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 (إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا أَرَدْتَ وِصَالَهُ ... لَم تُلْفِ رَثًّا حَبْلُهُ وَاهِي الْقُوَى) قَالَ فَيَقُولُ يَا عَائِشَةُ إِذَا حَشَرَ اللَّهُ الْخَلائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ اصْطَنَعَ إِلَيْهِ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِهِ مَعْرُوفًا هَلْ شَكَرْتَهُ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْكَ فَشَكَرْتُكَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَمْ تَشْكُرْنِي إِذْ لَمْ تَشْكُرْ مَنْ أَجْرَيْتُ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالْقَاهِرَةِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمُسْنِدُ بِدِمَشْقَ قَالا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ النَّحَّاسِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَرْدِ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْقِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ فَذَكَرَ أَبْيَاتَ قُتَيْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ النَّضْرِ الَّتِي أَنْشَدَتْهَا وَسَمِعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا قُتِلَ النَّضْرُ وَهِيَ (يَا رَاكِبًا إِنَّ الأَثِيلَ مَظِنَّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ) (أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً ... مَا إِنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفُقُ) (مَنِّي إِلَيْكَ وَعَبْرَةٌ مَسْفُوحَةٌ ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تُخْنَقُ) (هَلْ يَسْمَعَنِّي النَّضْرُ إِنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ) (أَمُحَمَّدٌ وَلأَنْتَ ضِنْوُ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ) (مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمُغَيَّظُ الْمُحْنَقُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 (أَوَ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنَّ ... بِأَعَزَّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ) (وَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْتَ قَرَابَةً ... وَأَحَقُّهُمْ إِنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ) (ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... للَّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تَشَقَّقُ) (صَبْرًا يُقَادُ إِلَى الْمَنِيَّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفُ الْمُقَيَّدِ وَهْوَ عَانٍ مُوثَقُ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فَيُقَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الشِّعْرُ قَالَ لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْهِ قلت وَفِي كتاب الزبير بْن بكار فِي النّسَب أَن بعض أهل الْعلم ذكر أَن هَذِهِ الأبيات مصنوعة وَنحن قد تكلمنا عَلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو بَلغنِي هَذَا قبل قَتله لمننت عَلَيْهِ فِي مسئلة التَّفْوِيض فِي كتابينا شرح الْمُخْتَصر وَشرح الْمِنْهَاج بِمَا يُغني عَن الْإِعَادَة وحظ هَذَا الْكتاب مِنْهُ بعد الاستشهاد لسماعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشّعْر أَنه كَانَ يقبل الشَّفَاعَة والضراعة والاستعطاف بالشعر وَكَيف لَا وَذَلِكَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق الَّتِي حل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذروتها وَكَثِيرًا مَا يسْأَل عَن وَجه إنشاد أَبِي تَمام الطَّائِي بعد ذكر هَذِهِ الْقطعَة فِي الحماسة قَول النَّابِغَة الْجَعْدِي (فَتى كَانَ فِيهِ مَا يسر صديقه ... عَلَى أَن فِيهِ مَا يسوء الأعاديا) (فَتى كملت أخلاقه غير أَنه ... جواد فَمَا يبقي عَلَى المَال بَاقِيا) وَأجَاب الْفَقِيه نَاصِر الدّين ابْن الْمُنِير فِي كتاب المقتفي أَن أَبَا تَمام أَرَادَ أَن يَنْفِي عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 مقَام النُّبُوَّة مَا لَا يجوز نسبته إِلَيْهِ من الْقَسْوَة عَلَى النَّضر فَتبين أَن الْإِسَاءَة لِلْعَدو من مَكَارِم الْأَخْلَاق وَلَا سِيمَا عَدو الدّين وَمن لم يسؤ عدوه لَا يسر صديقه وَلَو غَدَوْت أسرد مَا وَقع لي مُسْندًا مِمَّا أنْشد بَين يَدي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجه الِاسْتِيعَاب لطال الْخطاب وَفِيمَا أوردته مقنع وبلاغ وَالله الْمُسْتَعَان نتف مِمَّا بلغنَا عَن الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ من عُلَمَاء الْأمة وأحبارها وصفوة الْقُرُون وأخبارها من إنشاد الْأَشْعَار وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهَا فِي الجدو الْهزْل والهزل والبشارة والإنذار وَذكر الأراجيز والرماح نواهل من الدِّمَاء والأكف طائرة مَا بَين الأَرْض وَالسَّمَاء وَلَقَد كَانُوا يستعينون بذلك عَلَى محاولة المرام ويدعوهم إنشاده إِلَى الْوُثُوب عَلَى مرير الْحمام وَكن نسوتهم ينشدنه إِذْ ذَاك تحريضا ويحملنهم بِهِ عَلَى أَن يرتكبوا من المهولات طَويلا وعريضا قَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَازِعِ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ فَقُمْتُ فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْرَضَ عَنِّي ثُمَّ قَالَ مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ فَقَامَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا حَقُّهُ قَالَ أَنْ لَا تَقْتُلَ بِهِ مُسْلِمًا وَلا تَفِرَّ بِهِ عَنْ كَافِرٍ قَالَ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْقِتَالَ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ فَقُلْتُ لأَنْظُرَنَّ الْيَوْمَ كَيْفَ يَصْنَعُ فَجَعَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 لَا يَرْتَفِعُ لَهُ شَيْءٌ إِلا هَتَكَهُ وَأَفْرَاهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى نِسْوَةٍ فِي سَفْحِ جَبَلٍ مَعَهُنَّ دُفُوفٌ لَهُنَّ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ وَهِيَ تَقُولُ (نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ ... نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ) (إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ) (فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ ... ) قَالَ فَأَهْوَى بِالسَّيْفِ إِلَى الْمَرْأَةِ لِيَضْرِبَهَا ثُمَّ كَفَّ عَنْهَا فَلَمَّا انْكَشَفَ الْقِتَالُ قُلْتُ لَهُ كُلُّ عَمَلِكَ قَدْ رَأَيْتُ مَا خَلا رَفْعَكَ السَّيْفِ عَلَى الْمَرْأَةِ ثُمَّ لَمْ تَضْرِبْهَا قَالَ أَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْتُلَ بِهِ امْرَأَةً قُلْتُ هَذِهِ الَّتِي كَانَتْ تَرْتَجِزُ هِيَ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ قَالَ ابْن الْأَعرَابِي قَالَ لي الْمَأْمُون يَعْنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ أَخْبرنِي عَن قَول هِنْد بنت عتبَة (نَحن بَنَات طَارق ... نمشي عَلَى النمارق) من طَارق هَذَا قَالَ فَنَظَرت فِي نَسَبهَا فَلم أَجِدهُ فَقلت لَا أعرفهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَرَادَت النَّجْم انتسبت إِلَيْهِ بحسنها وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَمَّهُ عَامِرًا أَحْدَى بِهِمْ يَعْنِي فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ وَقَالَ مَا خَصَّ بِهَا أَحَدًا إِلا اسْتُشْهِدَ فَقَالَ عُمَرُ هَلا مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ فَقَدِمْنَا خَيْبَرَ فَخَرَجَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَهُوَ يَقُولُ (قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ) (إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تلهب ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فَبَرَزَ لَهُ عَامِرٌ وَهُوَ يَقُولُ (قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ) قَالَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ فَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ وَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ قَالَ سَلَمَةُ فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي قَالَ مَالَكَ فَقُلْتُ قَالُوا إِنَّ عَامِرًا بَطَلَ عَمَلُهُ فَقَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قُلْتُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِكَ قَالَ كَذَبَ أُولَئِكَ بَلْ لَهُ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ قَالَ فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ يَدْعُوهُ وَهُوَ أَرْمَدُ فَقَالَ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ قَالَ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ قَالَ فَبَرَزَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَقُولُ (قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ) (إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... ) فَبَرَزَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ (أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ كريه المنظرة) (أَو فيهم بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 فَضَرَبَ مَرْحَبًا فَفَلَقَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ وَكَانَ الْفَتْحُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ الْحَارِثِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ قَدْ جَمَعَ سِلاحَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ مَنْ يُبَارِزُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِهَذَا فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا لَهُ أَنَا وَاللَهِّ الْمَوْتُورُ الثَّائِرُ قَتَلُوا أَخِي بِالأَمْسِ قَالَ قُمْ إِلَيْهِ اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا تَقَارَبَا دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيَّةٌ فَجَعَل كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلُوذُ مِنْ صَاحِبِهِ كُلَّمَا لاذَ بِهَا أَحَدُهُمَا اقْتَطَعَ سَيْفُهُ مَا دُونَهُ حَتَّى بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ مَا فِيهَا فَنَنٌ ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ فَعَضَّتْ بِسَيْفِهِ فَأَمْسَكَتْهُ وَضَرَبَهُ مُحَمَّدٌ حَتَّى قَتَلَهُ فَقِيلَ إِنَّهُ ارْتَجَزَ وَقَالَ (قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَاضِي ... حُلْوٌ إِذَا شِئْتُ وَسُمٌّ قَاضِي) وَكَانَ ارْتِجَازُ مَرْحَبٍ (قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ) (إِذَا اللُّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ ... وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلَةِ الْمُقَلَّب) (أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ ... إِنَّ حِمَايَ لَلْحِمَى لَا يُقْرَبُ) قُلْتُ قَوْلُهُ عُمْرِيَّةٌ أَيِ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا عُمْرٌ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَاتِلُ لِمَرْحَبٍ لَا عَلِيٌّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرٍ الأَسْلَمِيِّ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ لِخَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ خُذْ لَنَا مِنْ هَنَاتِكَ فَنَزَلَ يَرْتَجِزُ فَقَالَ (وَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا) (إِنَّا إِذَا قَوْمٌ بَغُوا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا) (فَأَنْزِلَنَّ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَقَالَ عُمَرُ وَجَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَهِيدًا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْحَنْبَلِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِر الْقزْوِينِي إجَازَة أخبرنَا ابْن شايتل أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بن خشيش أخبرنَا أَبُو عَليّ ابْن شَاذَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النَّجَّادُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمِ بْنِ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنُهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ح وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عربشاهُ الْهَمْدَانِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الْيُسْرِ حُضُورًا فِي الرَّابِعَةِ أَخْبَرَنَا الْخُشُوعِيُّ سَمَاعًا وَإِسْمَاعِيلُ الْجَنْزَوِيُّ إِجَازَةً قَالا أخبرنَا هبة الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد الأَكْفَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِنَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن هِلالٍ الْحِنَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَصَّاصُ الدَّعَّا حَدَّثَنَا أَحْمد بن الْحجَّاج حَدثنَا مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ابْن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُولُ وَفِي الرِّوَايَةِ الأُولَى سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ شَعْرَ صَدْرِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَقُولُ (وَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا) (فأنزلن سكينَة علينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا) (إِن الأولى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... ) ... ... ... . وَفِي رِوَايَةٍ ... ... ... ... ... . . ( ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ... ) وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ يَمُدُّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ اللَّهُمَّ بَدَلَ وَاللَّهِ وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْمَشَايِخِ يَقُولُهَا لاهُمَّ وَهِيَ لُغَةٌ فِي اللَّهُمَّ وَالْوَزْن مَعهَا قَائِم وَعَلَيْهَا قَول قَائِلهمْ (لَا هم إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأِبيِه الأَتْلَدَا) لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ جَدِّهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَهُوَ من حَدِيث شُعْبَة عَن أَبِي إِسْحَاق فِي الصَّحِيحَيْنِ أخبرتنا أم مُحَمَّد زهرَة بنت الشَّيْخ الْمُحدث جمال الدّين عمر بْن حُسَيْن بْن أَبِي بكر الختني الْحَنَفِيّ قِرَاءَةً عَلَيْهَا وَأَنَا حَاضِرٌ فِي الثَّانِيَة بِقِرَاءَة أَبِي رَحمَه اللَّه بِالْقَاهِرَةِ قَالَت أَخْبَرَنَا نجيب الدّين أَبُو الْفرج عَبْد اللَّطِيف ابْن الإِمَام أَبِي مُحَمَّد عَبْد الْمُنعم بْن عَلِيّ بْن نصر الصيقل الْحَرَّانِي حضورا فِي الرَّابِعَة أخبرنَا أَخْبَرَنَا مَسْعُود بْن أَبِي الْقَاسِم بْن عَبْد الْكَرِيم بْن الْحَسَن بْن غيث الدقاق أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد ابْن عمر السَّمرقَنْدِي سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة أَخْبَرَنَا الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الْفضل بْن أَبِي حَرْب أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى الْجِرْجَانِيّ النَّيْسَابُورِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي ثَانِي عشر شَوَّال سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بْن أَحْمَد الْحِيرِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ مُحَمَّد بْن أَحْمَد المعقلي حَدثنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الذهلي حَدثنَا عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن أنس بْن مَالك أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مَكَّة فِي عمْرَة القضاءوعبد اللَّه بْن رَوَاحَة بَين يَدَيْهِ قَالَ مُحَمَّد قَالَ عَبْد الرَّزَّاق مرّة وَعبد اللَّه بْن رَوَاحَة آخذ بغرز النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُول (خلوا بني الْكفَّار عَن سَبيله ... قد أنزل الرَّحْمَن فِي تَنْزِيله) (بِأَن خير الْقَتْل فِي سَبيله ... ) لَيْسَ من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أنس فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وروى الزبير بْن بكار أَن الخنساء بنت عَمْرو بْن الشريد السلمِيَّة فِي بَنِينَ لَهَا أَرْبَعَة شهِدت مَعَهم حَرْب الْقَادِسِيَّة فَقَالَت لَهُم إِنَّكُم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وَذكرت من صونها لبنيها وَعدم خيانتها لأبيهم مَا ذكرت ثمَّ قَالَت لَهُم وَقد تعلمُونَ مَا أعد اللَّه لكم من الثَّوَاب الجزيل فِي حَرْب الْكَافرين وَاعْلَمُوا أَن الدَّار الْبَاقِيَة خير من الدَّار الفانية فَإِذا أَصْبَحْتُم غَدا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَالِمين فاغدوا إِلَى قتال عَدوكُمْ مستبصرين وَبِاللَّهِ عَلَى أعدائه مستنصرين فَإِذا رَأَيْتُمْ الْحَرْب قد شمرت عَن سَاقهَا واضطرب لظاها عَلَى سياقها وجللت نَارا عَلَى أوراقها فَتَيَمَّمُوا وطيسها وجالدوا رئيسها عِنْد احتدام خميسها تظفروا بالمغنم والكرامة فِي دَار الْخلد والمقامة فَخرج بنوها قابلين لنصحها فَلَمَّا أَضَاء لَهُم الصُّبْح باكروا مراكزهم وَأَنْشَأَ أَوَّلهمْ يَقُول (يَا إخوتي إِن الْعَجُوز الناصحه ... قد نصحتنا إِذْ دعتنا البارحه) (مقَالَة ذَات بَيَان واضحه ... فباكروا الْحَرْب الضروس الكالحه) (وَإِنَّمَا تلقونَ عِنْد الصائحه ... من آل ساسان كلابا نابحه) (قد أيقنوا مِنْكُم بِوَقع الجائحه ... وَأَنْتُم بَين حَيَاة صَالحه) (أَو ميتَة تورث غنما صَالحه ... ) وَتقدم فقاتل حَتَّى قتل رَحمَه اللَّه تَعَالَى ثمَّ تقدم الثَّانِي وَهُوَ يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 (إِن الْعَجُوز ذَات حزم وَجلد ... وَالنَّظَر الأوفق والرأي الْأسد) (قد أمرتنا بالسداد والرشد ... نصيحة مِنْهَا وَبرا بِالْوَلَدِ) (فباكروا الْحَرْب حماة فِي الْعدَد ... إِمَّا لفوز بَارِد عَلَى الكبد) (أَو ميتَة تورثكم غنم الْأَبَد ... فِي جنَّة الفردوس والعيش الرغد) فقاتل حَتَّى اسْتشْهد رَحمَه اللَّه تَعَالَى ثمَّ تقدم الثَّالِث وَهُوَ يَقُول (وَالله لَا نعصي الْعَجُوز حرفا ... قد أمرتنا حدبا وعطفا) (نصحا وَبرا صَادِقا ولطفا ... فبادروا الْحَرْب الضروس زحفا) (حَتَّى تلفوا آل كسْرَى لفا ... وتكشفوهم عَن حماكم كشفا) فقاتل حَتَّى اسْتشْهد رَحمَه اللَّه تَعَالَى وَحمل الرَّابِع وَهُوَ يَقُول (لست لخنسا وَلَا للأخرم ... وَلَا لعَمْرو ذِي السناء الأقدم) (إِن لم أرد فِي الْجَيْش جَيش الْعَجم ... مَاض عَلَى الهول خضم خضرم) (إِمَّا لفوز عَاجل ومغنم ... أَو لوفاة فِي السَّبِيل الأكرم) فقاتل حَتَّى قتل رَحمَه اللَّه تَعَالَى فَبلغ خبرهم الخنساء أمّهم فَقَالَت الْحَمد لله الَّذِي شرفني بِقَتْلِهِم وَأَرْجُو من رَبِّي أَن يجمعني بهم فِي مُسْتَقر رَحمته فَكَانَ عمر ابْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعْطي الخنساء بعد ذَلِك أرزاق أَوْلَادهَا الْأَرْبَعَة لكل وَاحِد مِنْهُم مِائَتي دِرْهَم وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن دَاوُد بْن سُلَيْمَان الزَّاهِد حَدثنَا مُحَمَّد بْن مكي بْن أَحْمَد بْن ماهان الْبَلْخِي قدم نَيْسَابُورَ حَاجا حَدثنَا الْعَبَّاس أَحْمَد بْن الْعَبَّاس بْن عِيسَى من ولد عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة صَاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدثنَا الْحَسَن بْن مَالك الْخُزَاعِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا حسان العباسي يَقُول وقفت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 علينا جَارِيَة وَنحن بالربذة وعَلى وَجههَا برقع فَقَالَت يَا معشر الحجيج نفر من عكل ذهب بنعيمهم السَّيْل وشرست عَلَيْهِم الْأَيَّام جدبا جدبا حَتَّى مَا بهم قعدة وَلَا نعجة فَمن يراقب فيهم الدَّار الْآخِرَة وَيعرف لَهُم حق الآصرة جزي خيرا قَالَ فرضخنا لَهَا وَقُلْنَا لَهَا هَل قلت فِي سوء حالكم شعرًا قَالَت نعم ثمَّ أنشأت تَقول (كف الزَّمَان عَلَيْهَا الصَّبْر والصاب ... شلت أناملها عَن الْأَعْرَاب) (قوم إِذا لَجأ العفاة إِلَيْهِم ... أعْطوا نوافلهم بِغَيْر حِسَاب) قلت فأمتعينا بِالنّظرِ إِلَى وَجهك فَكشفت الربقع عَن وَجه لَا تهتدي الْقُلُوب لحسن وصفهَا ثمَّ أنشأت تَقول (الدَّهْر أبدى صفحة قد صانها ... أبواي قبل تغير الْأَيَّام) (فتمتعوا بعيونكم فِي حسنها ... وانهوا جوارحكم عَن الآثام) فَكَانَ شعرهَا مِمَّا زادني فِيهَا رَغْبَة فَقلت وَيحك هَل لَك فِيمَن يُغْنِيك ويغني حيك فَقَالَت وَالله مَا نَحن أَكثر من خَمْسَة نفر أَنا وَأم وأختان وَأَخ لم ييفع بعد وَفِي رزق اللَّه لجَمِيع خلقه غنى عَن اتِّبَاعه بِبيع الْأَنْفس قلت وَيحك هَذَا التَّزْوِيج الَّذِي أحله اللَّه وَأَنا ابْن عَم نَبِي اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَالِي لَا يضبطه الْحساب كَثْرَة قَالَت إِن فِي جمالك غنى عَن مَالك وَإِن فِيهَا بعدا لنهاية الأمل وَلَكِن لست مِمَّن يضمهن إِلَى الرِّجَال الْجمال وَكَثْرَة المَال قلت فنصيبك يخلصك من الْفقر الَّذِي أَنْتُم فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 قَالَت وَالله لأكل القديد أَهْون من الانخفاض لمن يمن بِمَالِه عَلَى من لَيْسَ لَهُ مثل حَاله وَمَا لي لَا أكون كالزباء بنت عُمَيْر بْن المورق قِيلَ لَهَا لَو تزوجت فِي عنفوان شبابك وصفو جمالك لعَلِمت لَذَّة الْحَيَاة قَالَت وَالله لأعيش فِي غير بدني لم تملكني يَد ذِي مَال وَلَا صرعتني الرَّغْبَة فِي الرِّجَال أحب إِلَيّ من ملك الأَرْض وخزائن الْخلق ثمَّ أنشأت تَقول (أَمن بعد أَن أمسي وَأصْبح حرَّة ... وَلَيْسَ عَلِيّ للرِّجَال يدان) (أصير لزوج مثل مَمْلُوكه لَهُ ... لبئس إِذا مَا يكْتب الْملكَانِ) (لعيش بضر أَو بضنك وحاجة ... مَعَ الْعِزّ خير من صروف لِسَان) فثكلتني أُمِّي إِن لم أكن مثلهَا فِي عز النَّفس وكرم الخيم قَالَ فَقلت مَا ظَنَنْت أَن امْرَأَة من الأَرْض ترغب عَن الرِّجَال قَالَت بِأبي وَأمي فَاجْعَلْ ظَنك يَقِينا فوالذي خلقني لقد خطبني عشرَة نفر مَا مِنْهُم دُونك فِي الْحَسَن وَالْجمال وَحسن الْخلق فَمَا مَالَتْ نَفسِي إِلَى وَاحِد مِنْهُم رَغْبَة مني عَن ذَلِك النِّتَاج وتسلط الْأزْوَاج ثمَّ ولت كَأَن لم يكن بيني وَبَينهَا كَلَام قَالَ عَلِيّ بْن الجهم قلت يَوْمًا بِحَضْرَة الْفضل جَارِيَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل وَهُوَ حَاضر (لَاذَ بهَا يشتكي إِلَيْهَا ... فَلم يجد عِنْدهَا ملاذا) فَقَالَ لَهَا المتَوَكل أجيزي فَقَالَت (وَلم يزل ضارعا إِلَيْهَا ... تهطل أجفانه رذاذا) (فعاتبوه فَزَاد عشقا ... فَمَاتَ وجدا فَكَانَ مَاذَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَعَن أَبِي بكرَة وقف أَعْرَابِي عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ (يَا عمر الْخَيْر جزيت الْجنَّة ... أكس بنياتي وأمهنه) (أقسم بِاللَّه لتفعلنه ... ) فَقَالَ عمر وَإِن لم أفعل يكون مَاذَا فَقَالَ (إِذا أَبَا حَفْص لأمضينه ... ) قَالَ فَإِن مضيت يكون مَاذَا قَالَ (وَالله عَنْهُن لتسألنه ... يَوْم يكون الأعطيات ثنه) أَي ثمَّة أبدل الْمِيم نونا وَهِي لُغَة (والواقف الْمَسْئُول ينهينه ... إِمَّا إِلَى نَار وَإِمَّا جنه) فَبكى عمر حَتَّى اخضلت لحيته وَقَالَ لغلامه يَا غُلَام أعْط قَمِيصِي هَذَا لذَلِك الْيَوْم لَا لشعره ثمَّ قَالَ وَالله لَا أملك غَيره أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي بْنِ يُوسُفَ الْمَقْدِسِيُّ حضورا فِي الثَّالِثَة وَإِبْرَاهِيم ابْن خَلِيلٍ إِجَازَةً قَالا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بن إِبْرَاهِيم الجنزوي أخبرنَا ياقوت ابْن عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى ابْنِ الْبُخَارِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّد الصريفيني أخبرنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخَلِّصُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بن أبي كثير حَدثنِي عبد الْعَزِيز ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الثِّقَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَاتَّهَمْتُهُ امْرَأَتُهُ أَنْ يَكُونَ أَصَابَهَا فَقَالَتْ إِنَّكَ الآنَ جُنُبٌ مِنْهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَالَتْ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَاقْرَأِ الْقُرْآنَ وَقَدْ عَهِدَتْهُ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ (شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا) (وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا) (وَيَحْمِلُهُ ثَمَانِيَةٌ شِدَادٌ ... مَلائِكَةُ الإِلَهِ مُسَوَّمِينَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 مَا أَحْسَنَ قَوْلَ الإِمَامِ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الأَمَالِي وَقَدْ أَوْرَدَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةُ فوقية العظمة والاستغناء فِي مُقَابلَة صفة الموسومين بِصفة الْعَجْزِ وَالْفَنَاءِ قُلْتُ وَلَمْ يُخَرَّجْ هَذَا الأَثَرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَقد اتّفق نَظِير هَذِهِ الْحِكَايَة فَإِن الْمَدَائِنِي ذكر أَن طَائِفًا من أهل خُرَاسَان لَقِي سَكرَان بِالْكُوفَةِ فَأَخذه وَقَالَ أَنْت سَكرَان فَأنْكر فَقَالَ اقْرَأ حَتَّى أسمع فَقَالَ (ذكر الْقلب الربابا ... بعد مَا شابت وشابا) (إِن دين الْحبّ فرض ... لَا ترى فِيهِ ارتيابا) فَخَلَّاهُ وَقَالَ قاتلكم اللَّه مَا أقرأكم لِلْقُرْآنِ صحاة وسكارى وَاعْلَمْ أَنَّ الأَثَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رُوِيَ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَبِشِعْرٍ آخَرَ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مُضْطَجِعًا إِلَى جَنْبِ امْرَأَتِهِ فَقَامَ إِلَى جَارِيَةٍ لَهُ فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَفَزِعَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمْ تَجِدْهُ فِي مَضْجَعِهِ فَقَامَتْ فَخَرَجَتْ فَرَأَتْهُ عَلَى جَارِيَتِهِ فَرَجَعَتْ إِلَى الْبَيْتِ فَأَخَذَتِ الشَّفْرَةَ ثُمَّ خَرَجَتْ وَفَرَغَ فَقَامَ فَلَقِيَهَا تَحْمِلُ الشَّفْرَةَ فَقَالَ مَهْيَمْ قَالَتْ لَوْ أَدْرَكْتُكَ حَيْثُ رَأَيْتُكَ لَوَجَأْتُ بَيْنَ كَتِفَيْكَ بِهَذِهِ الشَّفْرَةِ قَالَ وَأَيْنَ رَأَيْتِينِي قَالَتْ رَأَيْتُك على الْجَارِيَة قَالَ مَا رَأَيْتنِي وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُنَا الْقُرْآنَ وَهُوَ جُنُبٌ قَالَتْ فَاقْرَأْ فَقَالَ (أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... كَمَا لاحَ مَشْهُودٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ) (أَتَى بِالْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ) (يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ) فَقَالَتْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ الْبَصَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ كَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُرْسَلا وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ عَنْ زَمْعَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَّصِلا وَزَمْعَةُ وَشَيْخُهُ سَلَمَةُ بْنُ وَهْرَامٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِمَا وَعَن الْأَصْمَعِي حججْت فَبينا أَنا أَطُوف لَيْلَة حول الْبَيْت إِذْ أَقبلت جاريتان لم أر أحسن مِنْهُمَا فطافتا سبعا ثمَّ وقفتا تتحدثان فنصت إِلَيْهِمَا وَإِذا إِحْدَاهمَا تَقول (لَا يقبل اللَّه من معشوقة عملا ... يَوْمًا وعاشقها غَضْبَان مهجور) فأجابتها الْأُخْرَى (وَلَيْسَ يأجرها فِي قتل عاشقها ... لَكِن عاشقها فِي ذَاك مأجور) فَقلت لَهما يَا حزب الشَّيْطَان فِي مثل هَذَا الْموضع تقولان هَذَا القَوْل فَنَظَرت إِلَي إِحْدَاهمَا فَقَالَت لارهقك الْحبّ فَقلت لَهما وَمَا الْحبّ فَقَالَت جلّ عَن أَن يخفى وخفي عَن أَن يرى فَهُوَ كامن فِي الأحشاء مثل كمون النَّار فِي الْحجر إِن قدحته أورى وَإِن تركته توارى فَقلت لَهَا قَاتلك اللَّه مَا أوصفك للحب فَقَالَت اسْمَع يَا شيخ نَحن كَمَا قَالَ جرير (حور حرائر مَا هممن بريبة ... كظباء مَكَّة صيدهن حرَام) (يَحسبن من لين الحَدِيث زوانيا ... ويصدهن عَن الْخَنَا الْإِسْلَام) أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ الْجَزرِي سَمَاعا أَخْبَرَنَا عَبْد الحميد بْن عَبْد الْهَادِي حضورا فِي الثَّالِثَة وإِبْرَاهِيم بْن خَلِيل إِجَازَةً أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل الجنزوي أَخْبَرَنَا ياقوت بْن عَبْد اللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الصريفيني أخبرنَا أَبُو طَاهِر المخلص أخبرنَا حمد بن سُلَيْمَان الطوسي أخبرنَا الزبير بن بكار حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذر عَن معن بْن عِيسَى قَالَ جَاءَ ابْن سرحون السّلمِيّ إِلَى مَالك بْن أنس وَأَنا عِنْده وَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْد اللَّه إِنِّي قد قلت أبياتا من شعر ذكرتك فِيهَا فَأَنا أحب أَن تجعلني فِي سَعَة فَقَالَ لَهُ مَالك وَأَنت فِي حل مِمَّا ذَكرتني بِهِ وَتغَير وَجهه فَظن أَنه هجاه فَقَالَ لَهُ إِنِّي أحب أَن تسمعها فَقَالَ لَهُ مَالك فأنشدني فَقَالَ (سلوا مَالك الْمُفْتِي عَن اللَّهْو وَالصبَا ... وَحب الحسان المعجبات الفوارك) (ينبئكم أَنِّي مُصِيب وَإِنَّمَا ... أسلي هموم النَّفس عني بذلك) (فَهَل فِي محب يكتم الْحبّ والهوى ... أثام وَهل فِي ضمة المتهالك) قَالَ قَالَ لي معن فَسرِّي عَن مَالك وَضحك وروينا أَن سَعِيد بْن الْمسيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مر بِبَعْض أَزِقَّة الْبَصْرَة فَسمع قَائِلا يَقُول (تضوع مسكا بطن نعْمَان إِذْ مشت ... بِهِ زَيْنَب فِي نسْوَة خفرات) (لَهَا أرج من مجمر الْهِنْد سَاطِع ... تطلع رياه من الكفرات) فَضرب سَعِيد بِرجلِهِ الأَرْض وَقَالَ هَذَا وَالله يلذ سَمَاعه ثمَّ قَالَ (يخبئن أَطْرَاف البنان من التقى ... ويخرجن جنح اللَّيْل مُعْتَجِرَات) (وَلَيْسَت كأخرى وسعت جيب درعها ... وأبدت بنان الْكَفّ بالجمرات) (وَقَامَت ترائي يَوْم جمع فأفتنت ... برؤيتها من رَاح من عَرَفَات) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 والأبيات لمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه النميري الشَّاعِر وَزَيْنَب هِيَ أُخْت الْحجَّاج بْن يُوسُف وَفِي الأبيات يَقُول (وَلما رَأَتْ ركب النميري أَعرَضت ... وَكن من ان يلقينه حذرات) وَكَانَ النميري يشبب بهَا وَقيل إِنَّه هرب من الْحجَّاج فَطَلَبه فَلَمَّا أَتَى بِهِ ارتاع مِنْهُ وَقَالَ وَالله أَيهَا الْأَمِير إِن قلت إِلَّا خيرا وَإِنَّمَا قلت (يخبئن أَطْرَاف البنان من التقى ... ويخرجن جنح اللَّيْل معتجزات) فعفى عَنهُ وَقَالَ أَخْبرنِي عَن قَوْلك وَلما رَأَتْ ركب النميري فِي كم كنت قَالَ وَالله مَا كنت إِلَّا عَلَى حمَار هزيل وَمَعِي صَاحب لي عَلَى أتان مثله والكلمة الْمَذْكُورَة نَحْو عشْرين بَيْتا وَرُوِيَ فِيهَا أَخْبَار كَثِيرَة فِي أَمر النميري وَالْحجاج بْن يُوسُف وَقَوله يخبئن بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من الخبء وَفِي الْقُرْآن {يخرج الخبء} وَفِي الحَدِيث خبأت لَك خبأ وَلَفظ يخبئن مضبوط كَذَلِك فِي كَامِل الْمبرد وَغَيره وروينا عَن الزيَادي والهيثم بْن عدي قَالا نزل بِامْرَأَة رجل من الْعَرَب وَالْمَرْأَة من بني عَامر فأكرمته وأحسنت قراه فَلَمَّا أَرَادَ الرحيل تمثل بِبَيْت يهجوها فِيهِ (لعمرك مَا تبلى سرابيل عَامر ... من اللؤم مَا دَامَت عَلَيْهَا جلودها) فَلَمَّا أنْشدهُ قَالَت لجاريتها قولي لَهُ ألم تحسن إِلَيْك وَتفعل وَتفعل هَل رَأَيْت تقصيرا قَالَ لَا قَالَت فَمَا حملك عَلَى الْبَيْت قَالَ جرى عَلَى لساني فَخرجت إِلَيْهِ جَارِيَة من بعض الأخبية فَحَدَّثته حَتَّى أنس وَاطْمَأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 ثمَّ قَالَت لَهُ مِمَّن أَنْت يَا ابْن عَم قَالَ رجل من بني تَمِيم قَالَت أتعرف الَّذِي يَقُول (تَمِيم بطرق اللؤم أهدي من القطا ... وَلَو سلكت سبل المكارم صلت) (أرى اللَّيْل يجلوه النَّهَار وَلَا أرى ... خلال المخازي عَن تَمِيم تجلت) (وَلَو أَن برغوثا عَلَى ظهر قملة ... يكر عَلَى صفي تَمِيم لولت) (وَلَو جمعت يَوْمًا تَمِيم جموعها ... عَلَى ذرة مربوطة لاستقلت) (تَمِيم كجحش السوء يرضع أمه ... ويتبعها بالرغم إِن هِيَ ولت) (ذبحنا فسمينا عَلَى مَا ذبيحنا ... وَمَا ذبحت يَوْمًا تَمِيم فَسَمت) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من تَمِيم قَالَت مَا أقبح الْكَذِب بأَهْله فَمِمَّنْ أَنْت قَالَ رجل من بني ضبة قَالَت أفتعرف الَّذِي يَقُول (لقد زرقت عَيْنَاك يَا ابْن معكبر ... كَمَا كل ضبي من اللؤم أَزْرَق) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني ضبة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني عجل قَالَت أفتعرف الْقَائِل (أرى النَّاس يُعْطون الجزيل وَإِنَّمَا ... عَطاء بني عجل ثَلَاث وَأَرْبع) (إِذا مَاتَ عجلي بِأَرْض فَإِنَّمَا ... يخط لَهُ فِيهَا ذِرَاع وإصبع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني عجل قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من الأزد قَالَت أفتعرف الْقَائِل (فَمَا جزعت أزدية من ختانها ... وَلَا أكلت لحم القنيص المعقب) (وَلَا جاءها القناص بالصيد فِي الخبا ... وَلَا شربت فِي جلد حوت معلب) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من الأزد قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني عبس قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا عبسية ولدت غُلَاما ... فبشرها بلؤم مُسْتَفَاد) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني عبس قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني فزازة قَالَت أفتعرف الْقَائِل (لَا تأمنن فزاريا خلوت بِهِ ... عَلَى قلوصك واكتبها بأسيار) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني فَزَارَة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بجيلة قَالَت أفتعرف الْقَائِل (سَأَلنَا عَن بجيلة حِين جَاءَت ... لِتُخْبِرَ أَيْن قر بهَا الْقَرار) (فَمَا تَدْرِي بجيلة إِذْ سَأَلنَا ... أقحطان أَبوهَا أم نزار) (فقد وَقعت بجيلة بَين بَين ... وَقد خلعت كَمَا خلع العذار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بجيلة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني نمير قَالَت أفتعرف الْقَائِل (فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا) (وَلَو وضعت فقاح بني نمير ... عَلَى خبث الْحَدِيد إِذا لذابا) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني نمير قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني باهلة قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا نَص الْكِرَام إِلَى الْمَعَالِي ... تنحى الْبَاهِلِيّ عَن الزحام) (إِذا ولدت حَلِيلَة باهلي ... غُلَاما زيد فِي عدد اللئام) (وَلَو كَانَ الْخَلِيفَة باهليا ... لقصر عَن مساماة الْكِرَام) (وَعرض الْبَاهِلِيّ وَإِن توقى ... عَلَيْهِ مثل منديل الطَّعَام) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من باهلة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من ثَقِيف قَالَت أفتعرف الْقَائِل (أضلّ الناسبين لنا ثَقِيف ... فَمَا لَهُم أَب إِلَّا الضلال) (فَإِن نسبت أَو انتسبت ثَقِيف ... إِلَى أحد فَذَاك هُوَ الْمحَال) (خنازير الحشوش فقاتلوهم ... فَإِن دِمَاءَهُمْ لكم حَلَال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من ثَقِيف قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من سليح قَالَت أفتعرف الْقَائِل (فَإِن سليحا شتت اللَّه شملها ... ) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من سليح قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من خُزَاعَة قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا فخرت خُزَاعَة فِي ندي ... وجدنَا فخرها شرب الْخُمُور) (وباعت كعبة الرَّحْمَن جهلا ... بزق بئس مفتخر الْفُجُور) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من خُزَاعَة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني يشْكر قَالَت أفتعرف الْقَائِل (ويشكر لَا تَسْتَطِيع الوفا ... وَلَو رامت الْغدر لم تغدر) (قَبيلَة عيشتها فِي الْكرَى ... لئام المناخر والعنصر) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من يشْكر قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني أُميَّة قَالَت أفتعرف الْقَائِل (وَهِي من أُميَّة بنياتها ... فهان عَلَى النَّاس فقدانها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 (وَكَانَت أُميَّة فِيمَا مضى ... جَريا عَلَى اللَّه سلطانها) (فَلَا آل حَرْب أطاعوا الْإِلَه ... وَلم يتق اللَّه مروانها) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني أُميَّة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من عنزة قَالَت أفتعرف الْقَائِل (مَا كنت أخْشَى وَإِن كَانَ الزَّمَان لنا ... زمَان سوء بِأَن تغتابني عنزه) (فلست من وَائِل إِن كنت ذَا حذر ... مِمَّن يضل كَمَا قد ضلت الحرزه) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من عنزة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من كِنْدَة قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا مَا افتخر الْكِنْدِيّ ... م ذُو الْبَهْجَة بالطره) (فدع كِنْدَة للنسج ... فأعلا فخرها غره) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا كِنْدَة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني أَسد قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا أسدية بلغت ذِرَاعا ... فَزَوجهَا وَلَا تأمن زنَاهَا) (وَإِن أسدية خضبت يَديهَا ... وَلما تزن أشرك والداها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني أَسد قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من هَمدَان قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا هَمدَان دارت يَوْم حَرْب ... رحاها فَوق هامات الرِّجَال) (رَأَيْتهمْ يحثون المطايا ... سرَاعًا هاربين من الْقِتَال) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من هَمدَان قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من نهد قَالَت أفتعرف الْقَائِل (نهد لئام إِذا مَا حل ضيفهم ... سود وُجُوههم كالزفت والقار) (والمستغيث بنهد عِنْد كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنَّار) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من نهد قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من قضاعة قَالَت أفتعرف الْقَائِل (لَا يفخرن قضاعي بأسرته ... فَلَيْسَ من يمن مَحْضا وَلَا مُضر) (مذبذبين فَلَا قحطان والدهم ... وَلَا نزار فسيبهم إِلَى سقر) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من قضاعة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني شَيبَان قَالَت أفتعرف الْقَائِل (شَيبَان رَهْط لَهُم عديد ... وَكلهمْ معرق لئيم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 (شربهم من فضول مَاء ... يفضل عَن أُسْوَة العميم) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من شَيبَان قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من تنوخ قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا تنوخ قطعت منهلا ... فِي طلب الغارات والثار) (أَتَت من بحري مرار الْعلي ... وشهرة فِي الْأَهْل وَالْجَار) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من تنوخ قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من ذهل قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِن ذهلا لَا يسْعد اللَّه ذهلا ... شَرّ جيل يظل تَحت السَّمَاء) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من ذهل قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من مزينة قَالَت أفتعرف الْقَائِل (وَهل مزينة إِلَّا من قَبيلَة ... لَا يرتجى كرم فِيهَا وَلَا دين) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من مزينة قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من النخع قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا النخع اللئام عدوا جَمِيعًا ... تدكدكت الْجبَال من الزحام) (وَمَا يُغني إِذا صدقت فتيلا ... وَلَا هِيَ فِي الصميم من الْكِرَام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من النخع قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من طي قَالَت أفتعرف الْقَائِل (وَمَا طيىء إِلَّا نبيط تجمعت ... فَقَالُوا طيايا كلمة فاستمرت) (وَلَو أَن عصفورا يمد جنَاحه ... عَلَى دور طي كلهَا لاستظلت) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من طي قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من عك قَالَت أفتعرف الْقَائِل (عك لئام كلهم أبك ... لَيْسَ لَهُم من الملام فك) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من عك قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من لخم قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا مَا اجتبي قوم لفضل قديمهم ... تبَاعد فَخر الْجُود عَن لخم أجمعا) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من لخم قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من جذام قَالَت أفتعرف الْقَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 (إِذا كأس المدام أدير يَوْمًا ... لمكرمة تنحى عَن جذام) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من جذام قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من كلب قَالَت أفتعرف الْقَائِل (فَلَا تقربن كَلْبا وَلَا بَاب دارها ... وَلَا يطمعن سَار يرى ضوء نارها) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من كلب قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بلقين قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا مَا سَأَلت اللؤم أَيْن مَحَله ... تصب عِنْد بلقين لَهُ طرفان) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بلقين قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني الْحَارِث بْن كَعْب قَالَت أفتعرف الْقَائِل (حَار بْن كَعْب أَلا أَحْلَام تحجزكم ... عَنَّا وَأَنْتُم من الْجوف الجماخير) (لَا عيب فِي الْقَوْم من طول وَمن عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من بني الْحَارِث بْن كَعْب قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من بني سليم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 قَالَت أفتعرف الْقَائِل (إِذا مَا سليم جِئْتهَا فِي ملمة ... رجعت كَمَا قد جِئْت خزيان نَادِما) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من سليم قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من فَارس قَالَت أفتعرف الْقَائِل (أَلا قل لمعتر وطالب حَاجَة ... يُرِيد بنجح نَفعهَا وقضاها) (فَلَا تقرب الْفرس اللئام فَإِنَّهُم ... يردون مَوْلَاهُم بخبث دراها) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من فَارس قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ من الموالى قَالَت أفتعرف الْقَائِل (أَلا من أَرَادَ اللؤم وَالْفُحْش والخنا ... فَعِنْدَ الموالى الْجيد والكتفان) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من الموالى قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ رجل من ولد حام قَالَت أفتعرف الْقَائِل (وَلَا تنْكِحُوا أَوْلَاد حام فَإِنَّهُم ... مشاويه خلق اللَّه حاشا ابْن أكوع) قَالَ لَا وَالله مَا أَنا من حام قَالَت فَمِمَّنْ قَالَ رجل من الشَّيْطَان الرَّجِيم قَالَت فَعَلَيْك لعنة اللَّه وعَلى الشَّيْطَان الرَّجِيم أفتعرف الَّذِي يَقُول (أَلا يَا عباد اللَّه هَذَا عَدوكُمْ ... وَذَا ابْن عَدو اللَّه إِبْلِيس خاسئا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 قَالَ اللَّه اللَّه أقيليني العثرة فوَاللَّه مَا ابْتليت بمثلك قطّ فَانْظُر نسَاء الْأَعْرَاب وأدبهن وَلَو أكثرنا فِي هَذَا لطال الْخطاب وَفِي شعر الخنساء وأنظارها مَا يشْهد لَهُنَّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ الْمُبَارك بْن مُحَمَّد بْن الْأُخوة خرج رجل على سَبِيل الفرجة يَعْنِي من بَغْدَاد فَقعدَ عَلَى الجسر فَأَقْبَلت امْرَأَة من جِهَة الرصافة موجهة إِلَى الْجَانِب الغربي فَاسْتَقْبلهَا شَاب فَقَالَ لَهَا رحم اللَّه عَلِيّ بْن الجهم فَقَالَت الْمَرْأَة رحم اللَّه أَبَا الْعَلَاء المعري وَمَا وَقفا وَمَرا مشرقة ومغربا فتبعت الْمَرْأَة وَقلت إِن لم تقولي مَا قَالَ لَك فضحتك وتعلقت بهَا فَقَالَت أَرَادَ الشَّاب قَول عَلِيّ بْن الجهم (عُيُون المها بَين الرصافة والجسر ... جلبن الْهوى من حَيْثُ أَدْرِي وَلَا أَدْرِي) وَأَرَدْت أَنا قَول المعري (فيا دارها بالحزن إِن مزارها ... قريب وَلَكِن دون ذَلِك أهوال) ذكرهَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي الأذكياء وَذكر أَن أَبَا بكر بْن الْعَرَبِيّ رَحمَه اللَّه قَالَ سَمِعت فتاة من بَغْدَاد تَقول لجارتها لَو كَانَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس فِي الِاسْتِثْنَاء صَحِيحا لما قَالَ اللَّه تَعَالَى لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} بل كَانَ يَقُول استثن حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاس الْقَرَافِيّ وَحكي أَن تَاجِرًا سَافر من مصر بعبدين فأرادا قَتله فِي الطَّرِيق فَقَالَ لَهما قولا لبنتي إِذا دخلتما مصر قَالَ لَكمَا أَبُو كَمَا (من مبلغ بِنْتي عني أنني ... لله دركما ودر أبيكما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 فحفظاه ثمَّ قتلاه ورجعا إِلَى مصر فَلَمَّا كَانَ بعد مُدَّة تذكرا وَصيته فجاءا إِلَى بَيت بنتيه فَقَالَا لإحداهما الْبَيْت فطلعت من بَاب الغرفة إِلَى عِنْد أُخْتهَا فحكت لَهَا الْحِكَايَة فَقَالَت أَواه إِن أَبَانَا لمقتول قَالَت وَمن أَيْن لَك قَالَت إِنَّه يُشِير إِلَى قَول الشَّاعِر (من مبلغ بِنْتي عني أنني ... أَصبَحت مقتول الفلاة مجندلا) (لله دركما ودر أبيكما ... لَا يفلت العبدان حَتَّى يقتلا) فَأخذ العبدان واستقرا فأقرا بقتْله حَكَاهُ صَاحب بَدَائِع البدائه أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يُوسُف بْن أَحْمَد الخلاطي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِالْقَاهِرَةِ أخبرنَا نَفِيس الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي الْقَاسِم سَمَاعا أَخْبَرَنَا وَالِدي سَمَاعا حَدثنَا أَبُو الْفضل عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطوسي أَخْبَرَنَا أَحْمَد يَعْنِي أَبَا الْحُسَيْن بْن عَبْد الْقَادِر الْبَغْدَادِيّ حَدثنَا حَامِد بْن سهل الْبَغَوِيّ أَبُو جَعْفَر حَدثنَا مُحَمَّد بْن كثير المصِّيصِي عَن مخلد بْن حُسَيْن عَن هِشَام بْن حسان عَن ابْن سِيرِين قَالَ كَانَ عمر بْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذكر حِكَايَة نصر بْن حجاج وَقد سَاقهَا الخرائطي عَلَى وَجه أبسط مِنْهُ وَهُوَ أَن عمر بْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَينا هُوَ يطوف فِي سكَّة من سِكَك الْمَدِينَة إِذْ سمع امْرَأَة تهتف فِي خدرها وَهِي تَقول (هَل من سَبِيل إِلَى خمر فأشربها ... أم من سَبِيل إِلَى نصر بْن حجاج) (إِلَى فَتى ماجد الأعراق مقتبل ... سهل الْمحيا كريم غير ملجاج) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 (تنمية أعراق صدق حِين تنسبه ... أخي حفاظ عَن المكروب فراج) (سامي المواطن من بهز لَهُ نهل ... تضيء صورته للحالك الداجي) فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أرى معي فِي الْمصر من تهتف بِهِ الْعَوَاتِق فِي خدورها عَلِيّ بنصر بْن حجاج وَهُوَ نصر بْن حجاج بْن علاط كَانَ وَالِده من الصَّحَابَة فَأتي بِهِ فَإِذا هُوَ من أحسن النَّاس وَجها وعينا وشعرا فَأمر بِشعرِهِ فجز فَخرجت لَهُ جبهة كَأَنَّهَا شقة قمر فَأمره أَن يعتم فاعتم فَافْتتنَ النِّسَاء بِعَيْنيهِ فَقَالَ عمر وَالله لَا تساكني ببلدة أَنا بهَا قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم قَالَ هُوَ ماأقول لَك فسيره إِلَى الْبَصْرَة وخشيت الْمَرْأَة الَّتِي سَمعهَا عمر أَن يبدر من عمر فِي حَقّهَا شَيْء فدست إِلَيْهِ أبياتا (قل للْإِمَام الَّذِي تخشى بوادره ... مَالِي وللخمر أَو نصر بْن حجاج) (إِنِّي منيت أَبَا حَفْص بِغَيْرِهِمَا ... شرب الحليب وطرف فاتر سَاج) (إِن الْهوى زمه التَّقْوَى فحبسه ... حَتَّى أقرّ بإلجام وإسراج) (مَا منية لم أرب فِيهَا بضائرة ... وَالنَّاس من صَادِق فِيهَا وَمن داج) (لَا تجْعَل الظَّن حَقًا أَو تيقنه ... إِن السَّبِيل سَبِيل الْخَائِف الراجي) قَالَ فَبكى عمر وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي حبس التَّقْوَى الْهوى قَالَ وأتى عَلَى نصر حِين وَاشْتَدَّ ألم أمه فعرضت لعمر بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة فَلَمَّا خرج يُرِيد الصَّلَاة قَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لأجاثينك بَين يَدي اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثمَّ لأخاصمنك أيبيت عَبْد اللَّه وَعَاصِم إِلَى جَنْبك وبيني وَبَين ابْني الفيافي والمفاوز فَقَالَ لَهَا يَا أم نصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 إِن عَبْد اللَّه وعاصما لم تهتف بهما الْعَوَاتِق فِي خُدُورهنَّ فَانْصَرَفت وَمضى عمر إِلَى الصَّلَاة قَالَ وأبرد عمر بريدا إِلَى الْبَصْرَة فَمَكثَ بِالْبَصْرَةِ أَيَّامًا ثمَّ نَادَى مناديه من أَرَادَ أَن يكْتب إِلَى الْمَدِينَة فليكتب فَإِن بريد الْمُسلمين خَارج فَكتب النَّاس وَكتب نصر بْن حجاج سَلام عَلَيْك أما بعد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ (لعمري لَئِن سيرتني وحرمتني ... فَمَا نلْت من عرضي عَلَيْك حرَام) (وَمَا لي ذَنْب غير ظن ظننته ... وَفِي بعض تَصْدِيق الظنون أثام) (أأن غنت الذلفاء يَوْمًا بمنية ... وَبَعض أماني النِّسَاء غرام) (ظَنَنْت بِي الْأَمر الَّذِي لَيْسَ بعده ... بَقَاء فَمَا لي فِي الندي كَلَام) (فَأَصْبَحت منفيا عَلَى غير رِيبَة ... وَقد كَانَ لي بالمكتين مقَام) (ويمنعني مِمَّا تَقول تكرمي ... وآباء صدق سَابِقُونَ كرام) (ويمنعها مِمَّا تَقول صلَاتهَا ... وَحَال لَهَا فِي قَومهَا وَصِيَام) (فهاتان حالانا فَهَل أَنْت راجعي ... فقد جب منا غارب وسنام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 فَقَالَ عمر أما ولي إِمَارَة فَلَا وأقطعه مَالا بِالْبَصْرَةِ ودارا قَالَ أَبُو بكر الخرائطي رحم اللَّه عمر مَا كَانَ أنظرهُ بِنور اللَّه فِي ذَات اللَّه وأفرسه كَانَ وَالله كَمَا قَالَ الشَّاعِر (بَصِير بأعقاب الْأُمُور بِرَأْيهِ ... كَأَن لَهُ فِي الْيَوْم عينا عَلَى غَد) وَذَلِكَ أَن نصر بْن حجاج لما نَفَاهُ عمر إِلَى الْبَصْرَة كَانَ يدْخل عَلَى مجاشع بْن مَسْعُود السّلمِيّ وَكَانَ بِهِ معجبا وَكَانَت لَهُ امْرَأَة يُقَال لَهَا الخضيرا وَكَانَت من أجمل النِّسَاء وَكَانَ لَا يصبر عَنْهَا وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير عَلَى الْبَصْرَة نِيَابَة عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَكَانَ لشغفه بهَا يجمعهما فِي مَجْلِسه فحانت يَوْمًا من مجاشع التفاتة وَنصر بْن حجاج يخط فِي الأَرْض خُطُوطًا فَقَالَت الخضيرا وَأَنا وَالله فَعلم مجاشع أَنه جَوَاب كَلَام فَقَالَ مَا قَالَ لَك قَالَت مَا أصفى لقحتكم هَذِهِ فَقَالَ مجاشع مَا أصفى لقحتكم هَذِهِ وَأَنا وَالله مَا هَذِهِ لهَذِهِ أعزم عَلَيْك لما أخبرتيني قَالَت أما إِذْ عزمت فَإِنَّهُ قَالَ مَا أحسن شوار بَيتكُمْ فَقَالَ مَا أحسن شوار بَيتكُمْ وَأَنا وَالله مَا هَذِهِ لهَذِهِ وَكَانَ مجاشع لَا يكْتب وَهِي تكْتب فَدَعَا بِإِنَاء فكفاه عَلَى الخطوط ودعا كَاتبا فقرأه فَإِذا هُوَ إِنِّي لَأحبك حبا لَو كَانَ فَوْقك لأظلك أَو تَحْتك لأقلك فَقَالَ مجاشع هَذِهِ لهَذِهِ وَبلغ نصرا مَا صنع مجاشع فاستحيا وَلزِمَ بَيته وضنى حَتَّى صَار كالفرخ فَقَالَ مجاشع لامْرَأَته اذهبي إِلَيْهِ وأسنديه إِلَى صدرك وأطعميه الطَّعَام بِيَدِك فَأَبت فعزم عَلَيْهَا فَذَهَبت إِلَيْهِ فَلَمَّا تحامل خرج من الْبَصْرَة وَكَانُوا لَا يخفون من أمرائهم شَيْئا فَأتى مجاشع أَبَا مُوسَى فَأخْبرهُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لنصر أقسم بِاللَّه مَا أخرجك أَمِير الْمُؤمنِينَ من خير اخْرُج عَنَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 فَأتى فَارس وَعَلَيْهَا عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ فَنزل عَلَى دهقانة فأعجبها فَأرْسلت إِلَيْهِ فَبلغ ذَلِك عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ فَبعث إِلَيْهِ فَقَالَ مَا أخرجك أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَبُو مُوسَى من خير أخرج عَنَّا فَقَالَ وَالله لَئِن فَعلْتُمْ لألحقن بالشرك فَكتب عُثْمَان إِلَى أَبِي مُوسَى وَكتب أَبُو مُوسَى إِلَى عمر أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَسَاكِرَ بْنِ سَعْدٍ الْقَيْسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْر أخبرنَا بَرَكَات ابْن إِبْرَاهِيمَ الْخُشُوعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ طَاهِرُ بْنُ سهل بن بشر بن أَحْمد الإسفرايني أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحِنَّائِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ حَدثنَا يُونُسُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ ح قَالَ أَحْمَدُ وَحدثنا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدثنَا ابْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي اللَّيْلِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ (تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَأَرَّقَنِي أَنْ لَا خَلِيلَ أُلاعِبُهُ) (فَوَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ أَنِّي أُرَاقِبُهُ ... لَحَرَّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ) فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ كَمْ أَكْثَرَ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا فَقَالَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَ مَالِكٌ الشَّكُّ أَرْبَعَةٌ أَوْ سِتَّةٌ لَا أَدْرِي فَقَالَ عُمَرُ لَا أَحْبِسُ أَحَدًا مِنَ الْجُيُوشِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أخبرتنا سفرى بنت يَعْقُوب بْن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن عمر بن قَاضِي الْيمن قِرَاءَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 عَلَيْهَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَت أَخْبَرَنَا جدي إِسْمَاعِيل وَأَخُوهُ إِسْحَاق قَالا أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّطِيف ابْن شيخ الشُّيُوخ أَخْبَرَنَا أَبِي شيخ الشُّيُوخ أَبُو البركات إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد بْن أَحْمَد النَّيْسَابُورِي الصُّوفِي أَخْبَرَنَا الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو الْقَاسِم عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْكُوفِي النَّيْسَابُورِي سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة سَمِعت القَاضِي أَبَا مَسْعُود يَعْنِي صَالح بْن أَحْمَد بْن الْقَاسِم بْن يُوسُف بْن منابجي يَقُول سَمِعت أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد الْبَصْرِيّ الصُّوفِي بصيدا يَقُول سَمِعت أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بن أَحْمد بن صَالح التمرا يَقُول سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بْن يَحْيَى الْعَدوي يَقُول سَمِعت عَبْد السَّمِيع بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارك يَقُول وَقد بلغه عَن ابْن علية أَنه ولي الصَّدقَات بِالْبَصْرَةِ فَكتب إِلَيْهِ بِهَذِهِ الأبيات (يَا جَاعل الْعلم لَهُ بازيا ... يصطاد أَمْوَال الْمَسَاكِين) (احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذْهب بِالدّينِ) (وصرت مَجْنُونا بهَا بَعْدَمَا ... كنت دَوَاء للمجانين) (أَيْن رواياتك فِيمَا مضى ... عَن ابْن عون وَابْن سِيرِين) (أَيْن رواياتك فِي سردها ... فِي ترك أَبْوَاب السلاطين) (إِن قلت أكرهت فَمَا كَانَ ذَا ... زل حمَار الْعلم فِي الطين) قَالَ فَلَمَّا بلغت هَذِهِ الأبيات ابْن علية بَكَى واستعفى وَأَنْشَأَ يَقُول (أُفٍّ لدُنْيَا أَبَت تواتيني ... إِلَّا بنقضي لَهَا عرى ديني) (عَيْني لحيني ضمير مقلتها ... تطلب مَا ساءها لترضيني) أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن قايماز الدقيقي وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم البطائحي قَالَ ابْن قايماز أَخْبَرَنَا أَبُو المنجا عَبْد اللَّه بْن عمر اللتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 والْحُسَيْن بْن الْمُبَارك الزبيدِيّ وَقَالَت فَاطِمَة أَخْبَرَنَا ابْن الزبيدِيّ فَقَط قَالا أَخْبَرَنَا أَبُو الْفتُوح مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ الطَّائِي قَالَ ابْن اللتي سَمَاعا وَقَالَ ابْن الزبيدِيّ إِجَازَةً أنشدنا تَاج الْإِسْلَام أَبُو بكر مُحَمَّد بْن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ أنشدنا أَبُو غَالب أنشدنا أَبُو الْقَاسِم بْن بَشرَان وَقَالَ وأنشدنا أَبُو بكر الْآجُرِيّ قَالَ كَانَ ابْن الْمُبَارك كثيرا يتَمَثَّل بِهَذِهِ الأبيات (اغتنم رَكْعَتَيْنِ زلفي إِلَى اللَّه ... إِذا كنت فَارغًا مستريحا) (وَإِذا مَا هَمَمْت بالنطق بِالْبَاطِلِ ... فَاجْعَلْ مَكَانَهُ تسبيحا) (فاغتنام السُّكُوت أفضل من خوض ... وَإِن كنت بالْكلَام فصيحا) أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس الْأَشْعَرِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان بْن حَمْزَة القَاضِي والْحَسَن بْن عَلِيّ الْخلال قَالا أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن الْهَمدَانِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر السلَفِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِم مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مَيْمُون النَّرْسِي الْحَافِظ بِالْكُوفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن الْعلوِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْمفضل مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْمطلب الشَّيْبَانِيّ قَالَ أمْلى علينا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن يَحْيَى الْجَزرِي القَاضِي بنصيبين حفظا فِي سنة سبع عشرَة وثلاثمائة قَالَ أمْلى عَلِيّ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي سكينَة البهراني من كِتَابه بحلب سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ أمْلى عَلِيّ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارك هَذِهِ الأبيات بطرسوس وودعته بِالْخرُوجِ لِلْحَجِّ وأنفذها معي إِلَى الفضيل يَعْنِي ابْن عِيَاض وَذَلِكَ سنة تسع وَسبعين وَمِائَة (يَا عَابِد الْحَرَمَيْنِ لَو أبصرتنا ... لعَلِمت أَنَّك فِي الْعِبَادَة تلعب) (من كَانَ يخضب جيده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 (أَو كَانَ يتعب خيله فِي بَاطِل ... فخيولنا يَوْم الكريهة تتعب) (ريح العبير لكم وَنحن عبيرنا ... رهج السنابك وَالْغُبَار الأطيب) (وَلَقَد أَتَانَا عَن مقَال نَبينَا ... قَول صَحِيح صَادِق لَا يكذب) (لَا يَسْتَوِي وغبار خيل اللَّه فِي ... أنف امرىء ودخان نَار تلهب) (هَذَا كتاب اللَّه ينْطق بَيْننَا ... لَيْسَ الشَّهِيد بميت لَا يكذب) وَهَذِه الأبيات من مشاهير شعر ابْن الْمُبَارك وَقد كَانَ من شعراء الْأمة وَقد اشتهرت لَهُ هَذِهِ الأبيات واشتهر لَهُ أَيْضًا قَوْله (إِنِّي امْرُؤ لَيْسَ فِي ديني لغامزة ... لين وَلست عَلَى الْإِسْلَام طعانا) (فَلَا أسب أَبَا بكر وَلَا عمرا ... وَلنْ أسب معَاذ اللَّه عثمانا) (وَلَا الزبير حوارِي الرَّسُول وَلَا ... أهدي لطلْحَة شتما عز أَو هانا) (وَلَا أَقُول عَلِيّ فِي السَّحَاب إِذا ... قد فَلت وَالله ظلما ثمَّ عُدْوانًا) (وَلَا أَقُول بقول الجهم إِن لَهُ ... قولا يضارع أهل الشّرك أَحْيَانًا) (وَلَا أَقُول تخلى من خليقته ... رب الْعباد وَولى الْأَمر شَيْطَانا) (مَا قَالَ فِرْعَوْن هَذَا فِي تجبره ... فِرْعَوْن مُوسَى وَلَا هامان طغيانا) وَهِي قصيدة طَوِيلَة مِنْهَا (اللَّه يدْفع بالسلطان معضلة ... عَن ديننَا رَحْمَة مِنْهُ ورضوانا) (لَوْلَا الْأَئِمَّة لم تأمن لنا سبل ... وَكَانَ أضعفنا نهبا لأقوانا) وَقيل إِن هَارُون الرشيد أعجبه هَذَا وَلما بلغه موت ابْن الْمُبَارك أذن للنَّاس أَن يعزوه فِيهِ وَقَالَ أَلَيْسَ هُوَ الْقَائِل الله يدْفع الْبَيْتَيْنِ قلت وأظن ان ابْن الْمُبَارك قصد بِهَذِهِ القصيدة مُعَارضَة عمرَان بن حطَّان الْخَارِجِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 (كعاقر النَّاقة الأولى الَّتِي جلبت ... عَلَى ثَمُود بِأَرْض الْحجر خسرانا) (قد كَانَ يُخْبِرهُمْ أَن سَوف يخضبها ... قبل الْمنية أزمانا فأزمانا) (فَلَا عفى اللَّه عَنهُ مَا تحمله ... وَلَا سقى قبر عمرَان بْن حطانا) (بقوله بَيت شعر ظلّ مجترما ... ونال مَا ناله ظلما وعدوانا) (من ضَرْبَة من كمي مَا أَرَادَ بهَا ... إِلَّا ليبلغ عِنْد اللَّه رضوانا) (بل ضَرْبَة من غوى أوردته لظى ... مخلدا قد أَتَى الرَّحْمَن غضبانا) (كَأَنَّهُ لم يرد قصدا بضربته ... إِلَّا ليُصَلِّي عَذَاب الْخلد نيرانا) وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ (إِنِّي لأبرأ مِمَّا أَنْت ذاكره ... عَن ابْن ملجم الملعون بهتانا) (إِنِّي لأذكره يَوْمًا فألعنه ... دينا وألعن عمرَان بْن حطانا) (عَلَيْك ثمَّ عَلَيْهِ من جماعتنا ... لعائن كثرت سرا وإعلانا) (فأنتما من كلاب النَّار جَاءَ بِهِ ... نَص الشَّرِيعَة إعلانا وتبيانا) قلت وَقد أورد القَاضِي الْحُسَيْن فِي التعليقة أَبْيَات القَاضِي أَبِي الطّيب هَذِهِ وَفِي بعض النّسخ قَالَ قَاضِي الْقُضَاة الَّذِي قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب خطأ لِأَن عمرَان صَحَابِيّ لَا تجوز اللَّعْنَة عَلَيْهِ وَفِي الْحَاشِيَة هَذَا غلو من قَاضِي الْقُضَاة فَكيف لَا يلعن عمرَان وَطول فِي هَذَا الْمَعْنى وَعَجِبت من الْأَمريْنِ اعتراضا وجوابا لبنائهما عَلَى اعْتِقَاد أَن عمرَان صَحَابِيّ وَلَيْسَ عمرَان بصحابي وَإِنَّمَا هُوَ رجل من الْخَوَارِج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وَقَالَ الإِمَام أَبُو المظفر طَاهِر بْن مُحَمَّد الإسفرايني فِي كِتَابه فِي الْملَل والنحل الْمُسَمّى بالتبصير فِي الدّين وَذكر مقالات الْمُخَالفين وَقد أجبْت عَنهُ بِهَذِهِ الأبيات (كذبت وَايْم الَّذِي حج الحجيج لَهُ ... وَقد ركبت ضلالا مِنْك بهتانا) (لتلْقين بهَا نَارا مؤججة ... يَوْم الْقِيَامَة لَا زلفى ورضوانا) (تبت يَدَاهُ لقد خابت وَقد خسرت ... وَصَارَ أبخس من فِي الْحَشْر ميزانا) (هَذَا جوابي فِي ذَا النذل مرتجلا ... أَرْجُو بِذَاكَ من الرَّحْمَن غفرانا) وَذكر القَاضِي الْجَلِيل سيف السّنة ولسان الْأمة أَبُو بكر الباقلاني رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابه الْجَلِيل الملقب مَنَاقِب الْأَئِمَّة وَهُوَ كتاب عَظِيم الْقدر حافل بَين فِيهِ أَن الصَّحَابَة كلهم مأجورون عَلَى مَا شجر بَينهم وَذكر أَبْيَات ابْن ملجم هَذِهِ وَقَالَ إِن الْحِمْيَرِي نقضهَا عَلَيْهِ بقوله (لَا در در الْمرَادِي الَّذِي سفكت ... كَفاهُ مهجة خير الْخلق إنْسَانا) (أصبح مِمَّا تعاطاه بضربته ... مِمَّا عَلَيْهِ ذَوُو الْإِسْلَام عُريَانا) (أبكى السَّمَاء لباب كَانَ يعمره ... مِنْهَا وحنت عَلَيْهِ الأَرْض تحنانا) (طورا أَقُول ابْن ملعونين ملتقط ... من نسل إِبْلِيس لَا بل كَانَ شَيْطَانا) (ويل امهِ أَيّمَا ذَا لعنة ولدت ... لَا إِن كَمَا قَالَ عمرَان بْن حطانا) (عَبْد تحمل إِثْمًا لَو تحمله ... ثهلان طرفَة عين هد ثهلانا) أَخْبَرَنَا أَبِي تغمده اللَّه برحمته مِنْ لَفْظِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بن أبي بكر ابْن حَامِد الأرموي الصُّوفِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن مكي السبط أَخْبَرَنَا جدي الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن الْمُبَارك بْن عَبْد الْجَبَّار بْن أَحْمَد الصَّيْرَفِي بِقِرَاءَتِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْوراق أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد عَبْد السَّلَام بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن طيفور الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ قَرَأت عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَعْقُوب المتوثي بِالْبَصْرَةِ وَأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن لنكك اللّغَوِيّ قَالا حَدثنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا بْن دِينَار حَدثنَا عَبْد اللَّه بْنُ مُحَمَّد يَعْنِي ابْن عَائِشَة حَدَّثَنِي أَبِي وَغَيره قَالَ حج هِشَام بْن عَبْد الْملك فِي زمن عَبْد الْملك أَو الْوَلِيد فَطَافَ بِالْبَيْتِ فجهد أَن يصل إِلَى الْحجر فيستلمه فَلم يقدر عَلَيْهِ فنصب لَهُ مِنْبَر وَجلسَ عَلَيْهِ ينظر إِلَى النَّاس وَمَعَهُ أهل الشَّام إِذْ أقبل عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم وَكَانَ من أحسن النَّاس وَجها وأطيبهم أرجا فَطَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا بلغ الْحجر تنحى لَهُ النَّاس حَتَّى يستلمه فَقَالَ رجل من أهل الشَّام من هَذَا الَّذِي قد هابه النَّاس هَذِهِ الهيبة فَقَالَ هِشَام لَا أعرفهُ مَخَافَة أَن يرغب فِيهِ أهل الشَّام وَكَانَ الفرزدق حَاضرا فَقَالَ الفرزدق لكني أعرفهُ قَالَ الشَّامي من هُوَ يَا أَبَا فراس فَقَالَ الفرزدق (هَذَا الَّذِي تعرف الْبَطْحَاء وطأته ... وَالْبَيْت يعرفهُ والحل وَالْحرم) (هَذَا ابْن خير عباد اللَّه كلهم ... هَذَا التقى النقي الطَّاهِر الْعلم) (إِذا رَأَتْهُ قُرَيْش قَالَ قَائِلهَا ... إِلَى مَكَارِم هَذَا يَنْتَهِي الْكَرم) (ينمى إِلَى ذرْوَة الْعِزّ الَّتِي قصرت ... عَن نيلها عرب الْإِسْلَام والعجم) (يكَاد يمسِكهُ عرفان رَاحَته ... ركن الْحطيم إِذا مَا جَاءَ يسْتَلم) (يغضي حَيَاء ويغضى من مهابته ... فَمَا يكلم إِلَّا حِين يبتسم) (من جده دَان فضل الْأَنْبِيَاء لَهُ ... وَفضل أمته دَانَتْ لَهُ الْأُمَم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 (ينشق نور الْهدى عَن نور غرته ... كَالشَّمْسِ ينجاب عَن إشرافها القتم) (مُشْتَقَّة من رَسُول اللَّهِ نبعته ... طابت عناصره والخيم والشيم) (هَذَا ابْن فَاطِمَة إِن كنت جاهله ... بجده أَنْبيَاء اللَّه قد ختموا) (اللَّه شرفه قدما وفضله ... جرى بِذَاكَ لَهُ فِي لوجه الْقَلَم) (فَلَيْسَ قَوْلك من هَذَا بضائره ... الْعَرَب تعرف من أنْكرت والعجم) (كلتا يَدَيْهِ غياث عَم نفعهما ... يستوكفان وَلَا يعروهما الْعَدَم) (سهل الْخَلِيفَة لَا تخشى بوادره ... يزينه اثْنَان حسن الْخلق وَالْكَرم) (حمال أثقال أَقوام إِذا قَدَحُوا ... حُلْو الشَّمَائِل تحلو عِنْده نعم) (لَا يخلف الْوَعْد مَيْمُون نقيبته ... رحب الفناء أريب حِين يعتزم) (مَا قَالَ لَا قطّ إِلَّا فِي تشهده ... لَوْلَا التَّشَهُّد كَانَت لاؤه نعم) (عَم الْبَريَّة بِالْإِحْسَانِ فانقلعت ... عَنهُ الغيابة والإملاق والعدم) (من معشر حبهم دين وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم) (إِن عد أهل التقى كَانُوا أئمتهم ... أَو قِيلَ من خير أهل الأَرْض قِيلَ هم) (لَا يَسْتَطِيع جواد بعد غايتهم ... وَلَا يدانيهم قوم وَإِن كرموا) (هم الغيوث إِذا مَا أزمة أزمت ... والأسد أَسد الشرا والبأس محتدم) (لَا ينقص الْعسر بسطا من أكفهم ... شتان ذَلِك إِن أثروا وَإِن عدموا) (يستدفع السوء والبلوى بحبهم ... ويستزاد بِهِ الْإِحْسَان وَالنعَم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 (مقدم بعد ذكر اللَّه ذكرهم ... فِي كل بَدْء ومختوم بِهِ الْكَلم) (يَأْبَى لَهُم أَن يحل الذَّم ساحتهم ... خيم كريم وأيد بالندى هضم) (أَي الْخَلَائق لَيست فِي رقابهم ... لأولية هَذَا أَو لَهُ نعم) (من يعرف اللَّه يعرف أولية ذَا ... وَالدّين من بَيت هَذَا ناله الْأُمَم) وَهَذَا بَاب يخْتَص بِيَسِير مِمَّا بلغنَا من أشعار حَكِيم الْعلمَاء وعظيم الْفُقَهَاء عَالم قُرَيْش وهادم لذات النَّفس فِي رضَا الرَّحْمَن ومانعها من الطيش ابْن عَم الْمُصْطَفى والمتجاوز قدره مَكَان الجوزاء شرفا ذُو اللُّغَة الَّتِي بهَا يحجّ والفصاحة والبلاغة اللَّذين إِلَيْهِمَا يحجّ المتفقي عَن بَيْضَة بني مُضر المترقي مَكَانَهُ بِمَا جمع من فخار ذَوي البدو والحضر إمامنا المطلبي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَحمَه اللَّه ورضى عَنْهُ حَدثنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبِي تغمده اللَّه برحمته مِنْ لَفْظِهِ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مخلوف بن جمَاعَة سَمَاعا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن رواج ح وأَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن يُوسُف بْن أَبِي مُحَمَّد الْمصْرِيّ الصَّيْرَفِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا ابْن رواج إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الإِمَام أَبُو طَاهِر أَحْمَد بْن مُحَمَّد السلَفِي الْحَافِظ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ العلاف أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عمر بْن حَفْص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 الحمامي حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن سلم الْخُتلِي حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن عَلِيّ ابْن إِسْحَاق الْقَارِي حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرو العثماني قَالَ لما دخل الشَّافِعِي إِلَى مصر كَلمه أَصْحَاب مَالك فَأَنْشَأَ يَقُول (أأنثر درا بَين راعية الْغنم ... وأنثر منظوما لراعية النعم) (لَئِن كنت قد ضيعت فِي شَرّ بَلْدَة ... فلست مضيعا بَينهم غرر الْكَلم) (فَإِن فرج اللَّه الْكَرِيم بِلُطْفِهِ ... وَأدْركت أَهلا للعلوم وللحكم) (بثثت مُفِيدا واستفدت ودادهم ... وَإِلَّا فمخزون لدي ومكتتم) (وَمن منح الْجُهَّال علما أضاعه ... وَمن منع المستوجبين فقد ظلم) أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ابْن الضياء الْحَمَوِيّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بْن البُخَارِيّ سَمَاعا أَخْبَرَنَا الإِمَام أَبُو سعد عبد الله بن عمر بن أَحْمد بْن مَنْصُور بْن الصفار النَّيْسَابُورِي أَخْبَرَنَا زَاهِر بْن طَاهِر الشحامي ح قَالَ ابْن البُخَارِيّ وأَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْح مَنْصُور بْن عَبْد الْمُنعم بْن عَبْد اللَّه الفراوي أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الْفَارِسِي قَالا أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ الخسروجردي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ حَدَّثَنِي الزبير بْن عَبْد الْوَاحِد الْحَافِظ حَدَّثَنِي حَمْزَة بْن عَلِيّ الْعَطَّار بِمصْر حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان قَالَ سُئِلَ الشَّافِعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 عَن الْقدر فَأَنْشَأَ يَقُول (فَمَا شِئْت كَانَ وَإِن لم أشأ ... وَمَا شِئْت إِن لم تشأ لم يكن) (خلقت الْعباد عَلِيّ مَا علمت ... فَفِي الْعلم يجْرِي الْفَتى والمسن) (عَلَى ذَا مننت وَهَذَا خذلت ... وَهَذَا أعنت وَذَا لم تعن) (فَمنهمْ شقي وَمِنْهُم سَعِيد ... وَمِنْهُم قَبِيح وَمِنْهُم حسن) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن قايماز الدقيقي وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم بْن جَوْهَر البطائحي قَالَ الأول أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن الْمُبَارك بْن الزبيدِيّ وَأَبُو المنجا عَبْد اللَّه بْن عمر بْن اللتي وَقَالَت فَاطِمَة أَخْبَرَنَا ابْن الزبيدِيّ فَقَط ح وَكتب إِلَيّ أَحْمَد بْن أَبِي طَالب عَن ابْن اللتي وَابْن الزبيدِيّ قَالا أَخْبَرَنَا الإِمَام أَبُو الْفتُوح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الطَّائِي أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الْهَرَوِيّ الزاهري أَخْبَرَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا زَاهِر بْن أَحْمَد أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو بْن السماك أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْبَراء عَن الْمُزنِيّ قَالَ دخلت عَلَى الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقلت كَيفَ أَصبَحت قَالَ أَصبَحت من الدُّنْيَا راحلا ولإخواني مفارقا ولسوء أفعالي ملاقيا وبكأس الْمنية شاربا فوَاللَّه مَا أَدْرِي أروحي إِلَى الْجنَّة تصير فأهنيها أَو إِلَى النَّار فأعزيها وَأنْشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 (وَلما قسا قلبِي وَضَاقَتْ مذاهبي ... جعلت رجائي نَحْو عفوك سلما) (تعاظمني ذَنبي فَلَمَّا قرنته ... بعفوك رَبِّي كَانَ عفوك أعظما) (فَمَا زلت ذَا عَفْو عَن الذَّنب لم تزل ... تجود وَتَعْفُو منَّة وتكرما) أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن عَلِيّ الْحَنْبَلِيّ إِذْنا عَن مُحَمَّد بْن عَبْد الْهَادِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر السلَفِي فِي كِتَابه أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن زَكَرِيَّا الصُّوفِي أَخْبَرَنَا هبة اللَّه بْن الْحَسَن بْن مَنْصُور الطَّبَرِيّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نعيم إِجَازَةً أَخْبَرَنَا الزبير بْن عَبْد الْوَاحِد حَدثنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْقطَّان حَدثنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّد بْن عِيَاض بْن أَبِي شحمة حَدثنَا مُحَمَّد بْن رَاشد أَبُو بكر الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بْن يَحْيَى الْمُزنِيّ يَقُول أَنْشدني الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من قيله (شهِدت بِأَن اللَّه لَا شَيْء غَيره ... وَأشْهد أَن الْبَعْث حق وأخلص) (وَأَن عري الْإِيمَان قَول مُبين ... وَفعل زكي قد يزِيد وَينْقص) (وَأَن أَبَا بكر خَليفَة ربه ... وَكَانَ أَبُو حَفْص عَلَى الْخَيْر يحرص) (وَأشْهد رَبِّي أَن عُثْمَان فَاضل ... وَأَن عليا فَضله متخصص) (أَئِمَّة قوم يهتدى بهداهم ... لحا اللَّه من إيَّاهُم يتنقص) (فَمَا لعتاة يشْهدُونَ سفاهة ... وَمَا لسفيه لَا يحيص ويحرص) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ وَغَيره عَن عمر بْن عَبْد الْمُنعم بْن القواس عَن أَبِي مَسْعُود عَبْد الْجَلِيل بْن أَبِي غَالب بْن أَبِي الْمَعَالِي السرنجاني أَخْبَرَنَا هبة اللَّه بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بْن السماك البروجردي بهمذان أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن يُوسُف الْقرشِي الهكاري أَنْشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْفَقِيه الْبَغْدَادِيّ أَنْشدني القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ قَالَ أَنْشدني بَعضهم للشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كل الْعُلُوم سوى الْقُرْآن مشغلة ... إِلَّا الحَدِيث وَإِلَّا الْفِقْه فِي الدّين) (الْعلم مَا كَانَ فِيهِ قَالَ حَدثنَا ... وَمَا سوى ذَاك وسواس الشَّيَاطِين) أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فِي كِتَابه أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن بْن البُخَارِيّ عَن أسعد بْن أَبِي طَاهِر الثَّقَفِيّ أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن عَبْد الْوَاحِد الثَّقَفِيّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحِيم الْكَاتِب أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن حَيَّان حَدثنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن معدان قَالَ سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُول اشْتريت جَارِيَة مرّة وَكنت أحبها فَقلت لَهَا (أَلَيْسَ شَدِيدا أَن تحب ... م فَلَا يحبك من تحبه) فَقَالَت لي الْجَارِيَة (ويصد عَنْك بِوَجْهِهِ ... وتلح أَنْت فَلَا تغبه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 قلت وبلغنا أَن الشَّافِعِي رأى امْرَأَة فَقَالَ (إِن النِّسَاء شياطين خُلِقْنَ لنا ... نَعُوذ بِاللَّه من شَرّ الشَّيَاطِين) فَقَالَت (إِن النِّسَاء رياحين خُلِقْنَ لكم ... وكلكم يَشْتَهِي شم الرياحين) أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس ابْن المظفر الْحَافِظ بسويقا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَبِي بكر الْخلال حَدَّثتنَا كَرِيمَة بنت عَبْد الْوَهَّاب عَن أَبِي يعلى حَمْزَة بْن عَلِيّ الحبوبي حَدثنَا الْفَقِيه نصر بْن إِبْرَاهِيم الزَّاهِد مِنْ لَفْظِهِ قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا حَامِد أَحْمَد بْن أَبِي طَاهِر يَقُول قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعلم جهل عِنْد أهل الْجَهْل كَمَا الْجَهْل جهل عِنْد أهل الْعلم وَأنْشد (ومنزلة الْفَقِيه من السَّفِيه ... كمزلة السَّفِيه من الْفَقِيه) (فَهَذَا زاهد فِي قرب هَذَا ... وَهَذَا فِيهِ أزهد مِنْهُ فِيهِ) وأَخْبَرَنَا مُتَّصِلا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن سعد اللَّه بن جمَاعَة إِجَازَةً عَن أَبِي الْفضل إِسْمَاعِيل بْن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ عَن الْحَافِظ أَبِي مُوسَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر عمر بْن أَبِي عِيسَى أَحْمَد الْمَدِينِيّ قَالَ قَرَأت عَلَى أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سَعِيد فِي إِحْدَى قدماته أَصْبَهَان عَن كتاب أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن شُجَاع الشَّيْبَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عُثْمَان الْبَغْدَادِيّ الأديب الْمَعْرُوف بالطرازي بِنَيْسَابُورَ قَالَ سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد يَقُول سَمِعت عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِي يَقُول سَمِعت الْمُزنِيّ يَقُول قَالَ لي الشَّافِعِي يَا أَبَا إِبْرَاهِيم الْعلم جهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 عِنْد أهل الْجَهْل كَمَا أَن الْجَهْل جهل عِنْد أهل الْعلم ثمَّ أنشأ الشَّافِعِي لنَفسِهِ الْبَيْتَيْنِ بعينيهما غير أَن فِي هَذِهِ الرِّوَايَة فَهَذَا زاهد فِي علم هَذَا أَخْبَرَنَا أَبِي تغمده اللَّه برحمته أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن سَالم بْن الصَّواف بِدِمَشْق أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الصَّمد السخاوي أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمَد بْن مُحَمَّد السلَفِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَليّ بن الْحسن ابْن الْحُسَيْن الموازيني عَن القَاضِي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سَلامَة بْن جَعْفَر الْقُضَاعِي الْمصْرِيّ كِتَابَة قَالَ قَرَأت عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن شَاكر الْقطَّان حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الْحلَبِي حَدَّثَنِي جداي مُحَمَّد وأَحْمَد قَالا سمعنَا جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن الرواس بِدِمَشْق يَقُول سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول خرجنَا مَعَ الشَّافِعِي من مَكَّة نُرِيد منى فَلم ننزل وَاديا وَلم نصعد شعبًا إِلَّا وَهُوَ يَقُول (يَا رَاكِبًا قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض) (سحرًا إِذا فاض الحجيج إِلَى منى ... فيضا كملتطم الْفُرَات الفائض) (إِن كَانَ رفضا حب آل مُحَمَّد ... فليشهد الثَّقَلَان أَنِّي رَافِضِي) أخبرتنا فَاطِمَة بنت أَبِي عمر إِذْنا عَن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي عَن الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن الموازيني عَن القَاضِي أَبِي عَبْد اللَّه الْقُضَاعِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْقطَّان حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن يُوسُف الصَّدَفِي حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن بشر العكري حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان قَالَ سُئِلَ الشَّافِعِي عَن مَسْأَلَة فأعجب نَفسه فَأَنْشَأَ يَقُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 (إِذا المشكلات تصدينني ... كشفت حقائقها بِالنّظرِ) (وَلست بإمعة فِي الرِّجَال ... أسائل هَذَا وَذَا مَا الْخَبَر) (ولكنني مدره الأصغرين ... فتاح خير وفراج شَرّ) قلت وَسَنذكر الْمَسْأَلَة إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْجَمَة أَبِي عَبْد اللَّه البوشنجي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن الممظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عمر بْن عَبْد الْمُنعم بْن القواس سَمَاعا أَخْبَرَنَا القَاضِي عَبْد الصَّمد بْن مُحَمَّد الحرستاني كِتَابَة أَخْبَرَنَا نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصِّيصِي أَخْبَرَنَا نصر بْن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي قَالَ أَنْشدني بعض أَصْحَابنَا وَقيل إنَّهُمَا للشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الْعلم من شَرطه لمن خدمه ... أَن يَجْعَل النَّاس كلهم خدمه) (وواجب صونه عَلَيْهِ كَمَا ... يصون فِي النَّاس عرضه وَدَمه) (فَمن حوى الْعلم ثمَّ أودعهُ ... بجهله غير أَهله ظلمه) (وَكَانَ كالمبتني الْبناء إِذا ... تمّ لَهُ مَا أَرَادَهُ هَدمه) أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن يُوسُف الْمصْرِيّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ أَخْبَرَنَا ابْن رواج إِجَازَةً أَخْبَرَنَا السلَفِي سَمَاعا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن العلاف أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن الحمامي أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الْخُتلِي حَدَّثَنِي أَبُو بكر بْن حمدَان النَّيْسَابُورِي حَدثنَا عَلِيّ بْن سراج الجرشِي حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان الْمرَادِي أنشدنا مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 (صديق لَيْسَ ينفع يَوْم بَأْس ... قريب من عَدو فِي الْقيَاس) (وَمَا يبغى الصّديق بِكُل عصر ... وَلَا الإخوان إِلَّا للتآسي) (عمرت الدَّهْر ملتمسا بجهدي ... أَخا ثِقَة فأكداه التماسي) (تنكرت الْبِلَاد عَلِيّ حَتَّى ... كَأَن أناسها لَيْسُوا بناسي) أَخْبَرَنَا قَاضِي الْقُضَاة أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الشَّافِعِي كِتَابَة عَن أَبِي الْفضل ابْن أَبِي الْعَبَّاس بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الدِّمَشْقِي عَن الإِمَام أَبِي الْخطاب عمر ابْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن معمر الدِّمَشْقِي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه الْكرْمَانِي أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الْقرشِي التفليسي قَالَ سَمِعت أَبَا عَبْد الرَّحْمَن السّلمِيّ يَقُول سَمِعت يَحْيَى بْن مَنْصُور يَقُول سَمِعت الوبري يَقُول سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول وقصده رجل يطْلب مِنْهُ شَيْئا فَأعْطَاهُ مَا أمكنه ثمَّ أنشأ يَقُول (يَا لهف نَفسِي عَلَى مَال أفرقه ... عَلَى المقلين من اهل المروآت) (إِن اعتذاري إِلَى من جَاءَ يسألني ... مَا لَيْسَ عِنْدِي من إِحْدَى المصيبات) قَرَأت عَلَى سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أَبِي عمر عَبْد الْعَزِيز بْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة قلت لَهُ أخْبرك أَبُو عمرَان مُوسَى بْن عَلِيّ بْن يُوسُف بْن سِنَان القطبي الْمقري بِقِرَاءَتِك عَلَيْهِ قريء عَلَى أَبِي الْفرج بْن أَبِي مُحَمَّد النميري وَأَنَا أَسْمَعُ عَن أَبِي المكارم اللبان وَغَيره عَن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الْحداد أخبرنَا أَبُو نعيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الْأَصْبَهَانِيّ الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو الْفضل نصر بْن أَبِي نصر الطوسي قَالَ سَمِعت أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد الْبَصْرِيّ يَقُول حَدَّثَنِي بعض شُيُوخنَا قَالَ لما أشخص الشَّافِعِي إِلَى سر من رأى دَخلهَا وَعَلِيهِ أطمار رثَّة وَطَالَ شعره فَتقدم إِلَى مزين فاستقذره لما نظر إِلَى زيه فَقَالَ لَهُ امْضِ إِلَى غَيْرِي فَاشْتَدَّ عَلى الشَّافِعِي أمره فَالْتَفت إِلَى غُلَام كَانَ مَعَه فَقَالَ إيش مَعَك من النَّفَقَة قَالَ عشرَة دَنَانِير قَالَ ادفعها إِلَى المزين فَدَفعهَا الْغُلَام إِلَيْهِ فولى الشَّافِعِي وَهُوَ يَقُول (عَلِيّ ثِيَاب لَو يُبَاع جَمِيعهَا ... بفلس لَكَانَ الْفلس مِنْهُنَّ أكثرا) (وفيهن نفس لَو يُقَاس بِمِثْلِهَا ... نفوس الورى كَانَت أجل وأخطرا) (وَمَا ضرّ نصل السَّيْف إخلاق غمده ... إِذا كَانَ غَضبا حَيْثُ أنفذته بَرى) فَإِن تكن الْأَيَّام أزرت ببزتي ... فكم من حسام فِي غلاف مكسرا) وَبِه إِلَى أَبِي نعيم قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمَد بْن الْقَاسِم البروجردي قَالَ أملي علينا الزبير بْن عَبْد الْوَاحِد الْحَافِظ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بْن مطير بِمصْر قَالَ سَمِعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول (لَيْت الْكلاب لنا كَانَت مجاورة ... وأننا لَا نرى مِمَّن نرى أحدا) (إِن الْكلاب لتهدا فِي مرابضها ... وَالنَّاس لَيْسَ بهاد شرهم أبدا) (فأنج نَفسك واستأنس بوحدتها ... تلفى سعيدا إِذا مَا كنت مُنْفَردا) وَبِه إِلَى أَبِي نعيم قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ حدث شُعَيْب بْن مُحَمَّد الدبيلي قَالَ أنشدنا الرّبيع للشَّافِعِيّ لَيْت الْكلاب الأبيات إِلَّا أَنه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فِي هَذِهِ الرِّوَايَة وليتنا لَا نرى وَقَالَ لتهدا فِي مواطنها وَقَالَ وَأَنت السعيد إِذا مَا كنت مُنْفَردا وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا أَبِي قَالَ حَدثنَا أَحْمَد حَدثنَا أَبُو نصر قَالَ سَمِعت أَبَا عبيد اللَّه ابْن أخي بْن وهب يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول (وأنطقت الدَّرَاهِم بعد صمت ... أُنَاسًا بعد أَن كَانُوا سكُوتًا) (فَمَا عطفوا عَلَى أحد بِفضل ... وَلَا عرفُوا لمكرمة بُيُوتًا) وَبِه إِلَيْهِ قَالَ سَمِعت الْحَسَن بْن سُفْيَان يَقُول سَمِعت حَرْمَلَة بْن يَحْيَى يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول (تمنى رجال أَن أَمُوت وَإِن أمت ... فَتلك سَبِيل لست فِيهَا بأوحد) (فَقل للَّذي يَبْغِي خلاف الَّذِي مضى ... تهَيَّأ لأخرى مثلهَا فَكَأَن قد) وَسبب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ كَمَا قَالَ الْحَافِظ ابْن مَنْدَه أَن الرّبيع حدث قَالَ رَأَيْت أَشهب بْن عَبْد الْعَزِيز سَاجِدا وَهُوَ يَقُول فِي سُجُوده اللَّهم أمت الشَّافِعِي وَإِلَّا يذهب علم مَالك فَبلغ الشَّافِعِي ذَلِك فَتَبَسَّمَ وَأَنْشَأَ يَقُول وَذكر الْبَيْتَيْنِ وبيتا ثَالِثا وَهُوَ (وَقد علمُوا لَو ينفع الْعلم عِنْدهم ... لَئِن مت مَا الدَّاعِي عَلِيّ بمخلد) وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا الْحَسَن بْن سَعِيد بْن جَعْفَر حَدثنَا أَبُو زُرَارَة الْحَرَّانِي قَالَ سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول كنت عِنْد الشَّافِعِي إِذْ جَاءَهُ رجل برقعة فقرأها وَوَقع فِيهَا فَمضى الرجل وتبعته إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَقلت وَالله لَا تفوتني فتيا الشَّافِعِي فَأخذت الرقعة من يَده فَوجدت فِيهَا (سل الْمُفْتِي الْمَكِّيّ هَل فِي تزاور ... وضمة مشتاق الْفُؤَاد جنَاح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 فَإِذا قد وَقع الشَّافِعِي (فَقلت معَاذ اللَّه أَن يذهب التقى ... تلاصق أكباد بِهن جراح) قَالَ الرّبيع فأنكرت عَلَى الشَّافِعِي أَن يُفْتِي لحَدث بِمثل هَذَا فَقلت يَا أَبَا عَبْد اللَّه تُفْتِي بِمثل هَذَا لمثل هَذَا الشَّاب فَقَالَ لي يَا أَبَا مُحَمَّد هَذَا رجل هاشمي قد عرس فِي هَذَا الشَّهْر يَعْنِي شهر رَمَضَان وَهُوَ حدث السن فَسَأَلَ هَل عَلَيْهِ جنَاح أَن يقبل أَو يضم من غير وَطْء فأفتيته بِهَذَا قَالَ الرّبيع فتبعت الشَّاب فَسَأَلته عَن حَاله فَذكر لي أَنه مثل مَا قَالَ الشَّافِعِي قَالَ فَمَا رَأَيْت فراسة أحسن مِنْهَا وَبِه إِلَيْهِ قَالَ سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الْبَيْضَاوِيّ الْمقري قَالَ سَمِعت أَبَا عَبْد اللَّه المأموني يَقُول سَمِعت أَبَا حَيَّان النَّيْسَابُورِي يَقُول بَلغنِي أَن عياشا الْأَزْرَق دخل عَلَى الشَّافِعِي يَوْمًا فَقَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه قد قلت أبياتا إِن أَنْت أجزت لي بِمِثْلِهَا لأتوبن أَن لَا أَقُول شعرًا أبدا فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي إيه فَأَنْشَأَ يَقُول (وَمَا همتي إِلَّا مقارعة العدا ... خلق الزَّمَان وهمتي لم تخلق) (وَالنَّاس أَعينهم إِلَى سلب الْفَتى ... لَا يسْأَلُون عَن الحجا والأولق) (لَو كَانَ بالحيل الْغنى لَوَجَدْتنِي ... بنجوم أقطار السَّمَاء تعلقي) فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي هلا قلت كَمَا أَقُول استرسالا (إِن الَّذِي رزق الْيَسَار فَلَنْ يصب ... حمدا وَلَا أجرا لغير موفق) (فالجد يدني كل أَمر شاسع ... وَالْجد يفتح كل بَاب مغلق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 (وَإِذا سَمِعت بِأَن مجدودا حوى ... عودا فأثمر فِي يَدَيْهِ فحقق) (وَإِذا سَمِعت بِأَن محروما أَتَى ... مَاء ليشربه فغاض فَصدق) (وأحق خلق اللَّه بالهم امْرُؤ ... ذُو همة يبْلى بعيش ضيق) (وَمن الدَّلِيل عَلَى الْقَضَاء وَكَونه ... بؤس اللبيب وَطيب عَيْش الأحمق) وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بْن عمر بْن غَالب حَدثنَا مُحَمَّد بْن الرّبيع بْن سُلَيْمَان بِمَكَّة حَدثنَا أَبِي قَالَ قَالَ أَبُو يَعْقُوب الْبُوَيْطِيّ قلت للشَّافِعِيّ قد قلت فِي الزّهْد فَهَل لَك فِي الْغَزل شَيْء فأنشدني (يَا كاحل الْعين بعد النّوم بالسهر ... مَا كَانَ كحلك بالمنعوت لِلْبَصَرِ) (لَو أَن عَيْني إِلَيْك الدَّهْر ناظرة ... جَاءَت وفاتي وَلم أشْبع من النّظر) (سقيا لدهر مضى مَا كَانَ أطيبه ... لَوْلَا التَّفَرُّق والتنغيص بِالسَّفرِ) (إِن الرَّسُول الَّذِي يَأْتِي بِلَا عدَّة ... مثل السَّحَاب الَّذِي يَأْتِي بِلَا مطر) وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ بْن عَبْد الرَّحِيم بالموصل يَحْكِي عَن الرّبيع قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُول فِي قصَّة ذكرهَا (لقد أَصبَحت نَفسِي تتوق إِلَى مصر ... وَمن دونهَا أَرض المهامه والقفر) (فوَاللَّه مَا أَدْرِي أللفوز والغنى ... أساق إِلَيْهَا أم أساق إِلَى قَبْرِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وأَخْبَرَنَا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بْن جمَاعَة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قلت لَهُ كتب إِلَيْكُم أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي بكر بْن الْخلال إِجَازَةً قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفضل جَعْفَر ابْن عَلِيّ الْهَمدَانِي قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمَد بْن مُحَمَّد السلَفِي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحسن بن الْحُسَيْن الموازيني قَالَ أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سَلامَة بْن جَعْفَر الْقُضَاعِي إِجَازَةً قَالَ قَرَأت عَليّ أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمر بْن شَاكر الْقطَّان قَالَ حَدثنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيل الْمَالِكِي قَالَ حَدثنَا عَلِيّ بْن جَعْفَر الرَّازِيّ حَدثنَا يُوسُف بْن عَبْد الْأَحَد القمني حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول (وأنزلني طول النوي دَار غربَة ... يجاورني من لَيْسَ مثلي يشاكله) (أحامقه حَتَّى يُقَال سجية ... وَلَو كَانَ ذَا عقل لَكُنْت أعاقله) وقرأت عَلَى ابْن جمَاعَة أَيْضًا قَالَ وأنبئت أعلا من هَذَا بدرجتين عَن أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن المقير وَغَيره عَن أَبِي الْمَعَالِي الْفضل بْن سهل الإسفرايني ح وَقَالَ ابْن جمَاعَة وانبئت عَن الْمُؤَيد الطوسي وَغَيره عَن مُحَمَّد بْن عَبْد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ كِلَاهُمَا عَن أَبِي بكر بْن عَلِيّ الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا الزبير عَن عَبْد الْوَاحِد حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْمَعْرُوف بِابْن متويه حَدثنَا الرّبيع بْن سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي رَحمَه اللَّه تَعَالَى يَقُول (وأنزلني طول النَّوَى دَار ذلة ... يصاحبني ... ... ) الْبَيْتَيْنِ وَبِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم إِلَى أَبِي نعيم قَالَ حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدثنَا أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ قَالَ سَمِعت ابْن أَبِي الصَّغِير بِمَكَّة يَقُول سَمِعت الْمُزنِيّ يَقُول قدم الشَّافِعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 بعض قدماته من مَكَّة فَخرج إخْوَان لَهُ يتلقونه وَإِذا هُوَ قد نزل منزلا وَإِلَى جَانِبه رجل جَالس وَفِي حجره عود فَلَمَّا فرغوا من السَّلَام عَلَيْهِ قَالُوا لَهُ يَا أَبَا عَبْد اللَّه أَنْت فِي مثل هَذَا الْمَكَان فَأَنْشَأَ يَقُول (وأنزلني طول النَّوَى دَار غربَة ... يجاورني من لَيْسَ مثلي يشاكله) (فحامقته حَتَّى يُقَال سجية ... وَلَو كَانَ ذَا عقل لَكُنْت أعاقله) وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى أَبِي نعيم قَالَ حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر بْن معدان قَالَ سَمِعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول اشْتريت جَارِيَة وَكنت أحبها فَقلت لَهَا (أَلَيْسَ شَدِيدا أَن تحب ... م فَلَا يحبك من تحبه) فَقَالَت الْجَارِيَة (ويصد عَنْك بِوَجْهِهِ ... وتلح أَنْت فَلَا تغبه) وَبِه إِلَيْهِ قَالَ حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يَعْقُوب حَدثنَا أَبُو حَاتِم حَدثنَا حَرْمَلَة سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول (ودع الَّذين إِذا أتوك تنسكوا ... وَإِذا خلوا فهم ذئاب حقاف) وقرأت عَلَى قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين ابْن جمَاعَة قَالَ أَخْبرنِي أَبُو عَلِيّ بْن الْخلال إِذْنا بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم إِلَى أَبِي عَبْد اللَّه الْقطَّان قَالَ حَدثنَا الْحَسَن بْن بشر الْأَزْدِيّ والْحَسَن بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الْمَالِكِي وَاللَّفْظ لَهُ قَالا حَدثنَا مُحَمَّد بْن بشر بْن عَبْد اللَّه قَالَ سَمِعت الرّبيع بْن سُلَيْمَان يَقُول جَاءَ رجل إِلَى الشَّافِعِي يسْأَله عَن مَسْأَلَة قرأي فِي عقله شَيْئا فَأَنْشَأَ الشَّافِعِي يَقُول (جنونك مَجْنُون وَلست بواجد ... طَبِيبا يداوي من جُنُون جُنُون) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَلَا معنى للإكثار من ذكر شعر الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ شَيْء قد طبق طبق الأَرْض وَخلق رِدَاء لَيْلهَا المسود ونهارها المبيض وروى الْحَافِظ أَبُو سعد فِي الذيل أَن الإِمَام أَبَا مُحَمَّد بْن حزم قَالَ من تختم بالعقيق وَقَرَأَ لأبي عَمْرو وتفقه للشَّافِعِيّ وَحفظ قصيدة ابْن زُرَيْق فقد اسْتكْمل ظرفه قلت وقصيدة عَلِيّ بْن زُرَيْق الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ غراء بديعة أَخْبَرَنَا بهَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم الخباز قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْحسن ابْن البُخَارِيّ وَأَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن شَيبَان بْن تغلب الشَّيْبَانِيّ وَزَيْنَب بنت مكي ابْن عَلِيّ الْحَرَّانِي إِجَازَةً قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن معمر بن طبرزد أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن نَبهَان الغنوي أنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي نصر الْحميدِي أَنْشدني أَبُو غَالب مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سهل النَّحْوِيّ الوَاسِطِيّ الْمَعْرُوف بِابْن بَشرَان بواسط أَنْشدني الْأَمِير أَبُو الهيجا مُحَمَّد بن عمرَان ابْن شاهين أَنْشدني عَلِيّ بْن زُرَيْق أَبُو الْحَسَن الْكَاتِب الْبَغْدَادِيّ لنَفسِهِ (لَا تعذليه فَإِن العذل يولعه ... قد قلت حَقًا وَلَكِن لَيْسَ يسمعهُ) (جَاوَزت فِي لومه حدا يضر بِهِ ... من حَيْثُ قدرت أَن اللوم يَنْفَعهُ) (فاستعملي الرِّفْق فِي تأنيبه بَدَلا ... من عنفه فَهُوَ مضني الْقلب موجعه) (قد كَانَ مضطلعا بالبين يحملهُ ... فضلعت بخطوب الْبَين أضلعه) (يَكْفِيهِ من روعة التفنيد أَن لَهُ ... من النَّوَى كل يَوْم مَا يروعه) (مَا آب من سفر إِلَّا وأزعجه ... رأى إِلَى سفر بالعزم يجمعه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 (كَأَنَّمَا هُوَ من حل ومرتحل ... مُوكل بفضاء الأَرْض يذرعه) (إِذا الزماع أرَاهُ فِي الرحيل غنى ... وَلَو إِلَى السَّنَد أضحى وَهُوَ يزمعه) (تأبى المطامع إِلَّا أَن تجشمه ... للرزق كدا وَكم مِمَّن يودعه) (وَمَا مجاهدة الْإِنْسَان واصلة ... رزقا وَلَا دعة الْإِنْسَان تقطعه) (وَالله قسم بَين الْخلق رزقهم ... لم يخلق اللَّه مخلوقا يضيعه) (لكِنهمْ ملئوا حرصا فلست ترى ... مسترزقا وَسوى الفاقات تقنعه) (والحرص فِي الرزق والأرزاق قدقسمت ... بغي أَلا إِن بغي الْمَرْء يصرعه) (والدهر يُعْطي الْفَتى مَا لَيْسَ يَطْلُبهُ ... يَوْمًا ويطعمه من حَيْثُ يمنعهُ) (أستودع اللَّه فِي بَغْدَاد لي قمرا ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه) (ودعته وبودي أَن يودعني ... صفو الْحَيَاة وَأَنِّي لَا أودعهُ) (وَكم تشفع بِي أَن لَا أفارقه ... وللضرورات حَال لَا تشفعه) (وَكم تشبث بِي يَوْم الرحيل ضحى ... وأدمعي مستهلات وأدمعه) (لَا أكذب اللَّه ثوب الْعذر منخرق ... عني بفرقته لَكِن أرقعه) (إِنِّي أوسع عُذْري فِي جِنَايَته ... بالبين عني وقلبي لَا يوسعه) (أَعْطَيْت ملكا فَلم أحسن سياسته ... وكل من لَا يسوس الْملك يخلعه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 (وَمن غَدا لابسا ثوب النَّعيم بِلَا ... شكر عَلَيْهِ فَعَنْهُ اللَّه يَنْزعهُ) (اعتضت من وَجه خلي بعد فرقته ... كأسا تجرع مِنْهَا مَا أجرعه) (كم قَائِل لي ذقت الْبَين قلت لَهُ ... الذَّنب وَالله ذَنبي لست أرقعه) (إِنِّي لأقطع أيامي وأنفذها ... بحسرة مِنْهُ فِي قلبِي تقطعه) (بِمن إِذا هجع النوام أَبَت لَهُ ... بلوعة مِنْهُ ليلى لست أهجعه) (لَا يطمئن بجنبي مَضْجَع وَكَذَا ... لَا يطمئن لَهُ مذ بنت مضجعه) (مَا كنت أَحسب ريب الدَّهْر يفجعني ... بِهِ وَلَا أَن بِي الْأَيَّام تفجعه) (حَتَّى جرى الْبَين فِيمَا بَيْننَا بيد ... عسراء تمنعني حظي وتمنعه) (بِاللَّه يَا منزل الْقصر الَّذِي درست ... آثاره وعفت مذ بنت أَرْبَعه) (هَل الزَّمَان معيد فِيك لذتنا ... أم اللَّيَالِي الَّتِي أمضت ترجعه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 (فِي ذمَّة اللَّه من أَصبَحت منزله ... وجاد غيث عَلَى مغناك يمرعه) (من عِنْده لي عهد لَا يضيعه ... كَمَا لَهُ عهد صدق لَا أضيعه) (وَمن يصدع قلبِي ذكره وَإِذا ... جرى عَلَى قلبه ذكرى يصدعه) (لأصبرن لدهر لَا يمتعني ... بِهِ كَمَا أَنه بِي لَا يمتعه) (علما بِأَن اصْطِبَارِي معقب فرجا ... فأضيق الْأَمر إِن فَكرت أوسعه) (عَسى اللَّيَالِي الَّتِي أضنت بفرقتنا ... جسمي تجمعني يَوْمًا وتجمعه) (وَإِن ينل أحد منا منيته ... فَمَا الَّذِي فِي قَضَاء اللَّه يصنعه) وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ لهَذِهِ القصيدة قصَّة عَجِيبَة فروى بِسَنَدِهِ أَن رجلا من أهل بَغْدَاد قصد أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الأندلسي وتقرب إِلَيْهِ بنسبه فَأَرَادَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن أَن يبلوه ويختبره فَأعْطَاهُ شَيْئا نزرا فَقَالَ الْبَغْدَادِيّ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون سلكت البراري والقفار والمهامه والبحار إِلَى هَذَا الرجل فَأَعْطَانِي هَذَا الْعَطاء النزر فَانْكَسَرت إِلَيْهِ نَفسه فاعتل وَمَات وشغل عَنهُ الأندلسي أَيَّامًا ثمَّ سَأَلَ عَنهُ فَخَرجُوا يطلبونه فَانْتَهوا إِلَى الخان الَّذِي هُوَ فِيهِ وسألوا الْخَانِية عَنهُ فَقَالَت إِنَّه كَانَ فِي هَذَا الْبَيْت ومذ أمس لم أبصره فَصَعِدُوا فدفعوا الْبَاب فَإِذا هُوَ ميت وَعند رَأسه رقْعَة فِيهَا مَكْتُوب (لَا تعذليه فَإِن العذل يولعه ... قد قلت حَقًا وَلَكِن لَيْسَ يسمعهُ) وَذكر أبياتا من القصيدة غير تَامَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 قَالَ فَلَمَّا وقف أَبُو عَبْد الرَّحْمَن عَلَى هَذِهِ الأبيات بَكَى حَتَّى خضب لحيته وَقَالَ وددت أَن هَذَا الرجل حَيّ وأشاطره نصف ملكي وَكَانَ فِي رقْعَة الرجل منزلي بِبَغْدَاد فِي الْموضع الْفُلَانِيّ الْمَعْرُوف بِكَذَا وَالْقَوْم يعْرفُونَ بِكَذَا فَحمل إِلَيْهِم خَمْسَة آلَاف دِينَار وعرفهم موت الرجل قلت وَعلي بْن زُرَيْق الْكَاتِب صَاحب هَذِهِ القصيدة هُوَ الْقَائِل حضرت مجْلِس القتبي صَاحب بَيت حِكْمَة الْمَأْمُون وَعِنْده فتيَان أَرْبَعَة قد نظرُوا فِي الْأَخْبَار وَرووا الْأَشْعَار وتأدبوا بفنون الْآدَاب وكل فَتى مِنْهُم ينتمي إِلَى جنس وَيَقُول بتفضيله فَقَالَ القتبي وَقد طَال بهم المراء ليقل كل وَاحِد مِنْكُم فِي مَجْلِسه بَيْتِي شعر فِي فضل قومه فَقَالَ المنتمي إِلَى الْفرس (نَحن الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك لنا ... علم السياسة وَالتَّدْبِير والكتب) (وَنحن من نسل إِسْحَاق الذَّبِيح وَفِي ... مجد النَّبِيين ظلّ الْمجد والحسب) وَقَالَ المنتمي إِلَى الْعَرَب (فِينَا الشجَاعَة طبع والسخاء كَمَا ... فِينَا الدهاء وَفينَا الظّرْف وَالْأَدب) (وَنحن من نسل إِسْمَاعِيل قاطبة ... لَا يُنكر النَّاس قولي حِين أنتسب) وَقَالَ المنتمي إِلَى الرّوم (الرّوم قوم لَهُم حلم وتجربة ... وَحسن خلق وَعلم بارع عجب) (وهم بَنو الْعيص والأملاك لاكذب ... ولبسهم شقق الديباج وَالذَّهَب) وَقَالَ المنتمي إِلَى التّرْك (التّرْك لم يملكُوا فِي دَار ملكهم ... وَالْفرس قد ملكوا وَالروم وَالْعرب) (هَذَا لعمرك فضل لَيْسَ يجحده ... إِلَّا حسود عنيد مَا لَهُ أدب) قَالَ عَلِيّ بْن زُرَيْق فعجبت من افتخار التركي عَلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 قلت لَو أَن الْعَرَبِيّ قَالَ (فِينَا الشجَاعَة طبع والسخاء كَمَا ... فِينَا الدهاء وَفينَا الظّرْف وَالْأَدب) (وأَحْمَد الْمُصْطَفى الْهَادِي النَّبِيّ وَذَا ... هُوَ الفخار الَّذِي سادت بِهِ الْعَرَب) أَو لَو قَالَ (مَا الْفرس مَا الرّوم مَا الأتراك نَحن بَنو ... عدنان فِينَا الحجا والجود وَالْأَدب) (هَذَا وَإِن لنا بالمصطفى حسبا ... بِهِ عَلَى كل ندب سادت الْعَرَب) لَكَانَ قد أفحم الْكل وافتخر عَلَيْهِم وَقَرِيب من هَذَا مَا يُعجبنِي من عَائِشَة بنت طَلْحَة بْن عبيد اللَّه وَهِي بنت أم كُلْثُوم بنت أَبِي بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ خَالَتهَا وَكَانَت هَذِهِ عَائِشَة بنت طَلْحَة عَلَى مَا يَقُول المؤرخون أجمل نسَاء زمانها وأظرفهن وأخبارها فِي هَذَا الشَّأْن كَثِيرَة وَقد تزَوجهَا مُصعب بْن الزبير وَجمع بَينهَا وَبَين سكينَة بنت الْحُسَيْن بْن عَلِيّ حجت عَائِشَة بنت طَلْحَة فِي سِتِّينَ بغلا عَلَيْهَا الهوادج وَفِي حشمة زَائِدَة وَكَانَت سكينَة أَيْضًا قد حجت مَعهَا فَكَانَت عَائِشَة أحسن آلَة وثقلا فَأخذ الحداة يتراجزون بِمن حملن فَقَالَ حادي عَائِشَة (عائش يَا ذَات البغال السِّتين ... لَا زلت مَا عِشْت كَذَا تحجين) فشق ذَلِك عَلَى سكينَة فَنزل حاديها وَقَالَ (عائش هذي ضرَّة تشكوك ... لَوْلَا أَبوهَا مَا اهْتَدَى أَبوك) فَأمرت عَائِشَة حاديها حِينَئِذٍ أَن يكف فَكف فَللَّه درها حَيْثُ كفت مَوضِع الانكفاف أدبا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كَانَ الْأَمر والمفاخرة فِي الدُّنْيَا هزلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فقلبته سكينَة بِذكر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جدا فأفحمت خصمها وأقامت عَلَيْهِ الْحجَّة فَللَّه درها من مناظرة عرفت مواقع الجدل ودر خصمتها من مذعنة للحق منقادة إِلَى الصدْق وَكَذَلِكَ لَا يستثقل حَامِل هَذِهِ الطَّبَقَات مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من كَثْرَة الْأَسَانِيد فَهِيَ لعمر اللَّه بهجة هَذَا الْكتاب وزينة هَذَا الْجَامِع لمحاسن الْأَصْحَاب وواسطة هَذَا العقد الْآخِذ بعقول أولي الْأَلْبَاب وَلَقَد يعز عَلَى أَبنَاء الزَّمَان جمعهَا وَيبعد مِنْهُم وَقد ركبُوا الهوينا وركنوا إِلَى الدعة وَضعهَا ويتعذر عَلَيْهِم وهم الَّذين قنع الْفَاضِل مِنْهُم بحاجة فِي نَفسه من اسْم التصنيف قَضَاهَا صنعها فَإِنَّهُم رفضوا طلب الحَدِيث بِالْكُلِّيَّةِ فضلا عَن جمعه بِالْأَسَانِيدِ وَنَقَضُوا قَوَاعِد الْأَئِمَّة الَّذين قَالَ مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِسْنَاد زين الحَدِيث فَمن اعتني بِهِ فَهُوَ السعيد ودحضوا قَول عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارك الْإِسْنَاد من الدّين وَقَول الثَّوْريّ قبله الْإِسْنَاد سلَاح الْمُؤمن وأَحْمَد بْن حَنْبَل بعده طلب علو الْإِسْنَاد من الدّين فباءوا بإثم عَظِيم وَعَذَاب شَدِيد فَالْحق قَول ابْن الْمُبَارك لَوْلَا الْإِسْنَاد لقَالَ من شَاءَ مَا شَاءَ وَطَرِيق حفاظ هَذَا الحَدِيث الَّذين قَالَ مِنْهُم قَائِل مثل الَّذِي يطْلب دينه بِلَا إِسْنَاد مثل الَّذِي يرتقي السَّطْح بِلَا سلم فَأنى يبلغ السَّمَاء وَقَالَ مِنْهُم الْأَوْزَاعِيّ مَا ذهَاب الْعلم إِلَّا ذهَاب الْإِسْنَاد وَقَالَ يزِيد بْن زُرَيْع لكل دين فرسَان وفرسان هَذَا الدّين أَصْحَاب الْأَسَانِيد فرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم هم الْقَوْم بهم كمل اللَّه النعماء فَأَيْنَ أهل عصرنا من حفاظ هَذِهِ الشَّرِيعَة أَبِي بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق وَعُثْمَان ذُو النورين وَعلي الرِّضَا وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَسعد وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَأبي عُبَيْدَة بْن الْجراح وَابْن مَسْعُود وَأبي بْن كَعْب وَسعد بْن معَاذ وبلال بْن رَبَاح وَزيد بْن ثَابت وَعَائِشَة وَأبي هُرَيْرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَعبد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَمن طبقَة أُخْرَى من التَّابِعين أويس الْقَرنِي وعلقمة بْن قيس وَالْأسود بْن يزِيد ومسروق بْن الأجدع وَابْن الْمسيب وَأبي الْعَالِيَة وشقيق أَبِي وَائِل وَقيس بْن أَبِي حَازِم وإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأبي الشعْثَاء والْحَسَن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين وَسَعِيد بْن جُبَير وَطَاوُس والأعرج وَعبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عتبَة وَعُرْوَة بْن الزبير وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَعَطَاء بْن يسَار وَالقَاسِم بْن مُحَمَّد وَأبي سَلمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن وثابت الْبنانِيّ وَأبي الزِّنَاد وَعَمْرو بْن دِينَار وَأبي إِسْحَاق السبيعِي وَالزهْرِيّ وَمَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر وَيزِيد بْن أَبِي حبيب وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَيحيى بْن سَعِيد وَسليمَان التَّيْمِيّ وجعفر بْن مُحَمَّد وَعبد اللَّه بْن عون وَسَعِيد بْن أَبِي عرُوبَة وَابْن جريج وَهِشَام الدستوَائي طبقَة أُخْرَى وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَمعمر بْن رَاشد وَشعْبَة بْن الْحجَّاج وَابْن أَبِي ذِئْب وَمَالك والْحَسَن بْن صَالح والحمادين وزائدة بْن قدامَة وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعبد اللَّه بْن الْمُبَارك وَابْن وهب ومعتمر بْن سُلَيْمَان ووكيع بْن الْجراح وَيزِيد ابْن زُرَيْع وَيزِيد بْن هَارُون وَأبي بكر بْن عَيَّاش أُخْرَى وَالشَّافِعِيّ وَعَفَّان بْن مُسلم وآدَم بْن أَبِي إِيَاس وَأبي الْيَمَان وَأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بْن مَنْصُور وَأبي عَاصِم النَّبِيل والقعنبي وَأبي مسْهر وَعبد الرَّزَّاق بْن همام أُخْرَى وأَحْمَد بْن حَنْبَل وأَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وأَحْمَد بْن صَالح الْمصْرِيّ وأَحْمَد بْن منيع وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه والْحَارث بْن مِسْكين وحيوة بن شُرَيْح الْحِمصِي وَخَلِيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 ابْن خياط وَزُهَيْر بْن حَرْب وشيبان بْن فروخ وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَعَمْرو بْن مُحَمَّد النَّاقِد وقُتَيْبَة بْن سعيد وَمُحَمّد بن بشار بنْدَار وَمُحَمّد ابْن الْمثنى ومسدد بْن مسرهد وَهِشَام بْن عمار وَيحيى بْن معِين وَيحيى بْن يَحْيَى النَّيْسَابُورِي أُخْرَى ومُحَمَّد بْن يَحْيَى الذهلي وَالْبُخَارِيّ وأَحْمَد بْن سيار الْمروزِي وَأبي بكر الْأَثْرَم وَعبد بْن حُمَيْد الْكشِّي وَعمر بْن شبة أُخْرَى وَأبي دَاوُد السجسْتانِي وَصَالح جزرة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه أُخْرَى وعبدان عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الْأَهْوَازِي والْحَسَن بْن سُفْيَان وجعفر الْفرْيَابِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأبي يعلى أَحْمَد بْن الْمثنى ومُحَمَّد بْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَأبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَأبي بكر عَبْد اللَّه بْن أَبِي دَاوُد وَأبي عرُوبَة الْحَرَّانِي وَأبي عوَانَة الإسفرايني وَيحيى بْن مُحَمَّد بْن صاعد أُخْرَى وَأبي بكر بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِي وَأبي حَامِد بْن مُحَمَّد بْن الشَّرْقِي وَأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَمْرو الْعقيلِيّ وَأبي الْعَبَّاس الدغولي وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم وَأبي الْعَبَّاس بْن عقدَة وخيثمة بْن سُلَيْمَان الأطرابلسي وَعبد الْبَاقِي بْن قَانِع وَأبي عَلِيّ النَّيْسَابُورِي أُخْرَى وَأبي الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ وَأبي حَاتِم مُحَمَّد بن حبَان وَأبي عَليّ ابْن السكن وَأبي بَكْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 الجعابي وَأبي بكر أَحْمَد بْن مُحَمَّد السّني الدينَوَرِي وَأبي أَحْمَد عَبْد اللَّه بْن عدي الْجِرْجَانِيّ وَأبي الشَّيْخ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن حَيَّان وَأبي بكر أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن المظفر وَأبي أَحْمَد الْحَاكِم وَأبي الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي بكر الجوزقي وَأبي حَفْص ابْن شاهين أُخْرَى وَأبي عَبْد اللَّه بْن مَنْدَه وَأبي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن بكير وَأبي عَبْد اللَّه الْحَاكِم وَعبد الْغَنِيّ بْن سَعِيد الْأَزْدِيّ وَأبي بكر بْن مرْدَوَيْه وَأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد غُنْجَار وَأبي بكر البرقاني وَأبي حَازِم البعدوي وَحَمْزَة السَّهْمِي وَأبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ أُخْرَى وَأبي عَبْد اللَّه الصُّورِي والخطيب وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن حزم وَابْن عَبْد الْبر وَأبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَأبي صَالح الْمُؤَذّن أُخْرَى وَأبي إِسْحَاق الحبال وَأبي نصر بْن مَاكُولَا وَأبي عَبْد اللَّه الْحميدِي وَأبي عَلِيّ الغساني وَأبي الْفضل مُحَمَّد بْن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَأبي عَلِيّ بْن سكرة أُخْرَى وَأبي عَامر مُحَمَّد بْن سعدون الْعَبدَرِي وَأبي الْقَاسِم التَّيْمِيّ وَأبي الْفضل بْن نَاصِر وَأبي الْعَلَاء الهمذاني وَأبي طَاهِر السلَفِي وَأبي الْقَاسِم بْن عَسَاكِر وَأبي سعد السَّمْعَانِيّ وَأبي مُوسَى الْمَدِينِيّ وَخلف بْن بشكوال وَأبي بكر الْحَازِمِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 أُخْرَى وَعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَابْن الْأَخْضَر وَعبد الْقَادِر الرهاوي وَالقَاسِم بْن عَسَاكِر أُخْرَى وَأبي بكر بْن نقطة وَابْن الزَّيْنَبِي وَأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِد بْن أَحْمَد الْمَقْدِسِي وَابْن الصّلاح وإِبْرَاهِيم الصريفيني والحافظ يُوسُف بْن خَلِيل أُخْرَى وَعبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ ورشيد الدّين الْعَطَّار وَابْن مسدي أُخْرَى وَالنَّوَوِيّ والدمياطي وَابْن الظَّاهِرِيّ وَعبيد الإسعردي ومحب الدّين الطَّبَرِيّ وَشَيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق العَبْد أُخْرَى وَالْقَاضِي سعد الدّين الْحَارِثِيّ والحافظ أَبِي الْحجَّاج الْمزي وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وَالشَّيْخ فتح الدّين بْن سيد النَّاس والحافظ قطب الدّين عَبْد الْكَرِيم الْحلَبِي والحافظ علم الدّين البرزالي وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ وَالشَّيْخ الْوَالِد أُخْرَى والحافظ أَبِي الْعَبَّاس بْن المظفر والحافظ صَلَاح الدّين العلائي فَهَؤُلَاءِ مهرَة هَذَا الْفَنّ وَقد أَغْفَلنَا كثيرا من الْأَئِمَّة وأهملنا عددا صَالحا من الْمُحدثين وَإِنَّمَا ذكرنَا من ذَكرْنَاهُ لننبه بهم عَلَى من عداهم ثمَّ أفْضى الْأَمر إِلَى طي بِسَاط الْأَسَانِيد رَأْسا وعد الأكابر مِنْهَا جَهَالَة ووسواسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَكَذَلِكَ لَا يهون الْفَقِيه أَمر مَا نحكيه من غرائب الْوُجُوه وشواذ الْأَقْوَال وعجائب الْخلاف قَائِلا حسب الْمَرْء مَا عَلَيْهِ الْفتيا فَليعلم أَن هَذَا هُوَ المضيع للفقيه أَعنِي الِاقْتِصَار عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفتيا فَإِن الْمَرْء إِذا لم يعرف علم الْخلاف والمأخذ لَا يكون فَقِيها إِلَى أَن يلج الْجمل فِي سم الْخياط وَإِنَّمَا يكون رجلا نَاقِلا نقلا مخبطا حَامِل فقه إِلَى غَيره لَا قدرَة لَهُ عَلَى تَخْرِيج حَادث بموجود وَلَا قِيَاس مُسْتَقْبل بحاضر وَلَا إِلْحَاق شَاهد بغائب وَمَا أسْرع الْخَطَأ إِلَيْهِ وَأكْثر تزاحم الْغَلَط عَلَيْهِ وَأبْعد الْفِقْه لَدَيْهِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْوَالِدُ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ بْنُ خَلِيلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَيْرِ سَلامَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْبَلِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْنَا مِنْ لَفْظِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَكَارِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِلالٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ الْكَفرطابِيُّ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبَانِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الْقُرَشِيُّ أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ الْعُذْرِيُّ بِبَيْرُوتَ أخبرنَا مُحَمَّد بن شُعَيْب ابْن شَابُورَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ وَعَاهَا وَحَمَلَهَا رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ إِخْلاصُ الْعَمَلِ للَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمْرِ وَالاعْتِصَامُ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرائِهِمْ لَيْسَ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي رَوْحٍ عَبْدِ الْمُعِزِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ حَدثنَا عُبَيْدَةُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلْمِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ وَلَفْظُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحْوَهُ وَابْنُ مَاجَهْ فِي السُّنَّةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ كِلاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مُخْتَصَرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَالْحَدِيثُ أَيْضًا مُخَرَّجٌ فِي أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث زيد ابْن ثَابِتٍ وَكَذَلِكَ لَا يستطيل علينا الْمُحدث بِكَثْرَة مَا نورده من الحكايات والكائنات فَإنَّا لم نضع الْكتاب إِلَّا حاويا مغنيا ناظره عَن الِالْتِفَات إِلَى غَيره من التواريخ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة بُسْتَان الْفُقَهَاء وربيع المناظرين وَالْمَجْمُوع الجموع والمحمول عَلَى الرُّءُوس الْمَوْضُوع الَّذِي تبرجت تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى غير متلفعات بمروطهن فَوَائده وتأرجت وَلَا أرج السحر نسمات كَلِمَاته الَّتِي لَهَا طارف الْفضل وتالده وتخرجت كَأَنَّهَا عَلَى يَد ابْن عَسَاكِر جنود أَحَادِيثه المجيدة وَمَا هِيَ إِلَّا جند الْإِسْلَام وتعلقت كَأَنَّهَا عَلَى جيد الكواعب قلائده الَّتِي تقود إِلَى الْجنَّة بِسَلام وَكَذَلِكَ لَا يستثقل النَّاظر فِي هَذَا الْمَجْمُوع حِكَايَة المناظرات بحروفها والمشاجرات عَلَى اخْتِلَاف صنوفها فلنذكر من مناظرات الْأَصْحَاب فِي محَاسِن الْجِدَال ومبارزات الفحول فِي ميادين الْمقَال وتشعب الآراء فِي محافل النّظر وتشتت الْعلمَاء فِي جحافل الْخطر وتطاعن الأقران فِي مقَام التَّحْقِيق وتشاجر الْخُصُوم عِنْد كل مضيق مَا يشْهد لمَكَان ذويها بمزيد الِارْتفَاع وعظيم الِاطِّلَاع وَالْقُدْرَة عَلَى الاستنباط وَالْقُوَّة عَلَى دفع ذِي الاشتطاط لتجري طلبة هَذَا الزَّمَان عَلَى الهمم بدل الدمع نجيعا ولتقف عِنْد مقدارها وَلَا تَقول كم ترك الأول للْآخر فقد أحرز الْأَولونَ قصب السَّبق جَمِيعًا وليعلم أَن الْجَهْل استولى عَلَى بني الزَّمَان اسْتِيلَاء الْملك فِي مَحَله وَأَن الْعلم ولى وَالله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من الْعلمَاء وَلَكِن يقبض أَهله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 أَخْبَرَنَا أَبِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِزارمَرْدَ الصِّرِيفِينِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن أخي ميمي وَأَبُو حَفْص وَعمر ابْن إِبْرَاهِيمَ الْكَتَّانِيُّ قَالا حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد الْبَغَوِيّ حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر ابْن حَرْبٍ حَدثنَا وَكِيعٌ ح وَأَخْبَرَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ سَمَاعًا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا خَلِيلُ بْنُ أَبِي الرَّجَا أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الصُّوفِيُّ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ الْعَطَّارُ النَّصِيبِيُّ بِبَغْدَادَ حَدثنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُنَاسَةَ ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْغَرَّافِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْقَطِيعِيُّ أَخْبَرَنَا جَمَالُ الإِسْلامِ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْخلّ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَطِرِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَيِّعُ حَدثنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ حَدثنَا إِسْحَاقُ بْنُ بُهْلُولٍ ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي حُضُورًا وَالْمُحِبُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ سَمَاعًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ وَشُهْدَةُ إِجَازَةً قَالَ السِّلَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الفانيدي وَأَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ السِّمْنَانِيُّ وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّمَّانُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وَقَالَت شُهْدَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَيُّوبَ وَقَالَ الْمُحِبُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ السَّيِّدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ ابْن يُوسُفَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأَسَدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدَةَ حَدثنَا عَليّ ابْن حَرْبٍ الطَّائِيُّ حَدثنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالُوا حَدثنَا هِشَام ابْن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِلْمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أويس عَن مَالك عَن هِشَام ابْن عُرْوَةَ بِهِ وَفِي الاعْتِصَامِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ تَلِيدٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ جَمِيعًا عَن أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيمِ عُرْوَةَ نَحْوَهُ وَمُسْلِمٌ فِي الْقَدَرِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ وَعَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَن حَمَّاد ابْن زَيْدٍ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ كِلاهُمَا عَنْ وَكيِعٍ وَعَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَأَبِي أُسَامَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَعَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمَدِينِيِّ وَعَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ شُعْبَةَ الثَّلاثَةَ عَشَرَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 فصل وَاعْلَم أَن أَصْحَابنَا فرق تفَرقُوا بتفرق الْبِلَاد فَمنهمْ أَصْحَابنَا بالعراق كبغداد وَمَا والاها وَأُولَئِكَ بعيد أَن تعزب عَنَّا تراجمهم فَإِنَّهُم إِمَّا من بَغْدَاد نَفسهَا أَو من الْبِلَاد الَّتِي حواليها وَالْغَالِب عَلَى من يقرب مِنْهَا أَنه يدخلهَا وَكَيف لَا وَهِي محلّة الْعلمَاء إِذْ ذَاك ودارالدنيا وحاضرة الرّبع العامر ومركز الْخلَافَة وبغداد لَهَا كتاب التَّارِيخ للْإِمَام أَبِي بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب رَحمَه اللَّه وَهُوَ من أجل الْكتب وأعودها فَائِدَة وَقد ذيل عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو سعد تَاج الْإِسْلَام ابْن السَّمْعَانِيّ فَأحْسن مَا شَاءَ وذيل عَلى ابْن السَّمْعَانِيّ الْحَافِظ أَبُو عَبْد اللَّه بْن الدبيثي ثمَّ جَاءَ الْحَافِظ مُحَمَّد بْن مَحْمُود بْن النجار فذيل عَلَى الْخَطِيب نَفسه فَجمع فأوعى عَلَى أَنه أخل بِذكر جمَاعَة كثيرين ذكرهم ابْن السَّمْعَانِيّ وَمَا أَدْرِي لم فعل ذَلِك وكل هَذِهِ التصانيف وقفت عَلَيْهَا وعَلى غَيرهَا مِمَّا يتَعَلَّق بالبغداديين فحصلنا عَلَى تراجمهم وَمِنْهُم النيسابوريون وَقد كَانَت نَيْسَابُورَ من أجل الْبِلَاد وَأَعْظَمهَا لم يكن بعد بَغْدَاد مثلهَا وَقد عمل لَهَا الْحَافِظ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم تَارِيخا تخضع لَهُ جهابذة الْحفاظ وَهُوَ عِنْدِي سيد التواريخ وتاريخ الْخَطِيب وَإِن كَانَ أَيْضًا من محَاسِن الْكتب الإسلامية إِلَّا أَن صَاحبه طَال عَلَيْهِ الْأَمر وَذَلِكَ لِأَن بَغْدَاد وَإِن كَانَت فِي الْوُجُود بعد نَيْسَابُورَ إِلَّا أَن علماءها أقدم لِأَنَّهَا كَانَت دَار علم وَبَيت رياسة قبل أَن ترْتَفع أَعْلَام نَيْسَابُورَ ثمَّ إِن الْحَاكِم قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 الْخَطِيب بدهر والخطيب جَاءَ بعده فَلم يَأْتِ إِلَّا وَقد دخل بَغْدَاد من لَا يُحْصى عددا فَاحْتَاجَ إِلَى نوع من الِاخْتِصَار فِي تراجمهم وَأما الْحَاكِم فَأكْثر من يذكرهُ من شُيُوخه أَو شُيُوخ شُيُوخه أَو مِمَّن تقَارب من دهره دهره لتقدم الْحَاكِم وَتَأَخر عُلَمَاء نَيْسَابُورَ فَلَمَّا قل الْعدَد عِنْده كثر الْمقَال وَأطَال فِي التراجم واستوفاها وللخطيب وَاضح الْعذر الَّذِي أبديناه وَقد ذيل الإِمَام البليغ عَبْد الغافر بْن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي عَلَى تَارِيخ الْحَاكِم وَلم أَقف عَلَى هَذَا الذيل إِلَى الْآن وَمَا أنقله عَنهُ فَهُوَ من كتاب التَّبْيِين لِلْحَافِظِ ابْن عَسَاكِر إِذْ الْحَافِظ ينْقل عِبَارَته أبدا بنصها أَو من منتخب الذيل لإِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الصريفيني فَإِنِّي وقفت عَلَى هَذَا الْمُنْتَخب بِخَط الْمَذْكُور وَمِنْهُم الخراسانيون والخراسانيون أَعم من النيسابوريين إِذْ كل نيسابوري خراساني وَلَا ينعكس وَلَيْسَ الخراسانيون مَعَ نَيْسَابُورَ كالعراقيين مَعَ بَغْدَاد فثم جمع يفوقون عدد الْحَصَا من خُرَاسَان لم يدخلُوا نَيْسَابُورَ بِخِلَاف الْعِرَاقِيّين لاتساع بِلَاد خُرَاسَان وَكَثْرَة المدن العامرة فِيهَا وَالْعُلَمَاء بنواحيها إِذْ من جُمْلَتهَا مرو وَهِي الْمَدِينَة الْكُبْرَى وَالدَّار الْعُظْمَى ومربع الْعلمَاء ومرتع الْمُلُوك والوزراء قد كَانَت دَار الْملك لجَماعَة من سلاطين السلجوقية ذَوي الأيد وَالْعَظَمَة دهرا طَويلا وخراسان عمدتها مَدَائِن أَرْبَعَة كَأَنَّمَا هِيَ قَوَائِمهَا المبنية عَلَيْهَا وَهِي مرو ونَيْسَابُورَ وبلخ وهراة هَذِهِ مدنها الْعِظَام وَلَا ملام عَلَيْك لَو قلت بل هِيَ مدن الْإِسْلَام إِذْ هِيَ كَانَت ديار الْعلم عَلَى اخْتِلَاف فنونه وَالْملك والوزارة عَلَى عظمتها إِذْ ذَاك ومرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَاسِطَة العقد وخلاصة النَّقْد وَكَفاك قَول أَصْحَابنَا تَارَة قَالَ الخراسانيون وَتارَة قَالَ المراوزة وهما عبارتان عِنْدهم عَن معبر وَاحِد والخراسانيون نصف الْمَذْهَب فَكَأَن مرو فِي الْحَقِيقَة نصف الْمَذْهَب وَإِنَّمَا عبروا بالمراوزة عَن الخراسانيين جَمِيعًا لِأَن أَكْثَرهم من مرو وَمَا والاها وَكَفاك بِأبي زيد الْمروزِي وتلميذه الْقفال الصَّغِير وَمن نبغ من شعابهما وَخرج من بابهما وَمِنْهُم أهل الشَّام ومصر وَهَذَانِ الإقليمان وَمَا مَعَهُمَا من عيذاب وَهِي مُنْتَهى الصَّعِيد إِلَى الْعرَاق مَرْكَز ملك الشَّافِعِيَّة مُنْذُ ظهر مَذْهَب الشَّافِعِي الْيَد الْعَالِيَة لأَصْحَابه فِي هَذِهِ الْبِلَاد لَا يكون الْقَضَاء والخطابة فِي غَيرهم ومنذ انْتَشَر مذْهبه لم يول أحد قَضَاء الديار المصرية إِلَّا عَلَى مذْهبه إِلَّا مَا كَانَ من القَاضِي بكار وَلم يول فِي الشَّام قَاض إِلَّا عَلَى مذْهبه إِلَّا البلاساغوني وَجرى لَهُ مَا جرى فَإِنَّهُ ولي دمشق وأساء السِّيرَة ثمَّ أَرَادَ أَن يعْمل فِي جَامع بني أُميَّة إِمَامًا حنفيا وجامع بني أُميَّة مُنْذُ ظُهُور مَذْهَب الشَّافِعِي لم يؤم فِيهِ إِلَّا شَافِعِيّ وَلَا صعد منبره غير شَافِعِيّ فَأَرَادَ هَذَا القَاضِي إِحْدَاث إِمَام حَنَفِيّ قَالَ ابْن عَسَاكِر فأغلق أهل دمشق الْجَامِع وَلم يمكنوه ثمَّ عزل القَاضِي واستمرت دمشق عَلَى عَادَتهَا لَا يَليهَا إِلَّا شَافِعِيّ إِلَى زمن الظَّاهِر بيبرس التركي ضم إِلَى الشَّافِعِي الْقُضَاة من الْمذَاهب الثَّلَاثَة قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَقبل ظُهُور مَذْهَب الشَّافِعِي فِي دمشق لم يكن يَلِي الْقَضَاء بهَا والخطابة والإمامة إِلَّا أوزاعي عَلَى رَأْي الإِمَام الْأَوْزَاعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 قلت وَقبل ظُهُور مَذْهَب الشَّافِعِي بالديار المصرية لم يكن يَلِي الْقَضَاء والخطابة إِلَّا من هُوَ عَلَى مَذْهَب مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلم يكن للحنفية مدْخل فِي هَذِهِ الْبِلَاد فِي وَقت من الْأَوْقَات إِلَّا القَاضِي بكار فَإِنَّهُ ولي الديار المصرية مُدَّة وَأما بِلَاد الْحجاز فَلم تَبْرَح أَيْضًا مُنْذُ ظُهُور مَذْهَب الشَّافِعِي وَإِلَى يَوْمنَا هَذَا فِي أَيدي الشَّافِعِيَّة الْقَضَاء والخطابة والإمامة بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَالنَّاس من خَمْسمِائَة وَثَلَاث وَسِتِّينَ سنة يخطبون فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيصلونَ عَلَى مَذْهَب ابْن عَمه مُحَمَّد بْن إِدْرِيس يقنتون فِي الْفجْر ويجهرون بِالتَّسْمِيَةِ ويفردون الْإِقَامَة إِلَى غير ذَلِك وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاضر يبصر وَيسمع وَفِي ذَلِك أوضح دَلِيل عَلَى أَن هَذَا الْمَذْهَب صَوَاب عِنْد اللَّه تَعَالَى وَمِنْهُم أهل الْيمن وَالْغَالِب عَلَيْهِم الشَّافِعِيَّة لَا يُوجد غير شَافِعِيّ إِلَّا أَن يكون بعض زيدية وَفِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَان يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية مَعَ اقْتِصَار أهل الْيمن عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِي دَلِيل وَاضح عَلَى أَن الْحق فِي هَذَا الْمَذْهَب المطلبي فَمَا ظَنك بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا اجْتمعت جماعات فِي بَعْضهَا قُرَيْش فَالْحق مَعَ قُرَيْش وَهِي مَعَ الْحق أخرجه القراب فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي وَالشَّافِعِيَّة جمَاعَة فِي بَعْضهَا قُرَيْش وَهُوَ إمَامهمْ المطلبي الْمشَار إِلَيْهِ بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَئِمَّة من قُرَيْش وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علام قُرَيْش يمْلَأ الأَرْض علما وَدَلَائِل أخر يطول ذكرهَا ولسنا الْآن لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وَمِنْهُم أهل فَارس قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور وَلم يبرحوا شافعية أَو ظاهرية عَلَى مَذْهَب دَاوُد وَالْغَالِب عَلَيْهِم الشَّافِعِيَّة وَهِي مَدَائِن كَثِيرَة قاعدتها شيراز قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور وَنَحْو مائَة مِنْبَر يَعْنِي مائَة مَدِينَة فِي بِلَاد أذربيجان وَمَا وَرَاءَهَا يخْتَص بالشافعية لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يذكر فِيهَا غير مَذْهَب الشَّافِعِي وَمِنْهُم خلائق من بِلَاد أخر من بِلَاد الشرق عَلَى اخْتِلَاف أقاليمه واتساع مدنه كسمرقند وبخارى وشيراز وجرجان والري وأصبهان وطوس وساوة وهمذان ودامغان وزنجان وبسطام وتبريز وبيهق وميهنة وأستراباذ وَغير ذَلِك من المدن الدَّاخِلَة فِي أقاليم مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وأذربيجان ومازندران وخوارزم وغزنة وصحاب والغور وكرمان إِلَى بِلَاد الْهِنْد وَجَمِيع مَا وَرَاء النَّهر إِلَى أَطْرَاف الصين وعراق الْعَجم وعراق الْعَرَب وَغير ذَلِك وكل هَذِهِ كَانَت تحتوي عَلَى مَدَائِن تقر الْعين وتسر الْقلب إِلَى حِين قدر اللَّه تَعَالَى وَله الْحَمد عَلَى مَا قَضَاهُ خُرُوج جنكزخان فَأهْلك الْعباد والبلاد وَوضع السَّيْف واستباح الدِّمَاء والفروج وَخرب العامر ثمَّ تلاه بنوه وذووه وأكدوا فعله الْقَبِيح وأطدوه وَزَادُوا عَلَيْهِ إِلَى أَن وصل الْحَال إِلَى مَا لَا يقوم بشرحه الْمقَال واستبيح حمى الْخلَافَة وَأخذت بَغْدَاد عَلَى يَد هولاكو بْن تولى بْن جنكزخان وَقتل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَبعده سَائِر الْمُسلمين وَرفع الصَّلِيب تَارَة عَلَى جدران بني الْعَبَّاس وَسمع الناقوس آونة من بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه وانتهكت الْمَحَارِم وَخَربَتْ الْجَوَامِع وعطلت الْمَسَاجِد وَخَربَتْ تِلْكَ الديار ومحيت تِلْكَ الرسوم والْآثَار (ثمَّ انْقَضتْ تِلْكَ الْبِلَاد وَأَهْلهَا ... فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُم أَحْلَام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَحَيْثُ استطرد الْقَلَم ذكر التتار وفعلهم الْقَبِيح فَلَا بَأْس يشْرَح حَالهم عَلَى الِاخْتِصَار ولنقتصر عَلَى الواقعتين العظيمتين وَاقعَة جنكزخان وحفيده هولاكو فَنَقُول لما كَانَت سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة كَانَ فِيهَا ظُهُور جنكزخان وَجُنُوده وعبورهم نهر جيحون وَهِي الْوَاقِعَة الَّتِي مَا سطر مثلهَا المؤرخون والمصيبة الَّتِي مَا عاينها الْأَولونَ والداهية الَّتِي مَا خطرت ببال والكاينة الَّتِي تكَاد ترجف عِنْدهَا الْجبَال أجمع النَّاس عَلَى أَن الْعَالم مذ خلق اللَّه تَعَالَى آدم إِلَى زمانها لم يبتلوا بِمِثْلِهَا وَأَن مَا فعله بخت نصر ببني إِسْرَائِيل من الْقَتْل وتخريب بَيت المنقدس يقصر عَن فعلهَا قَالَ الْحَافِظ عز الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن الثير وَمَا الْبَيْت الْمُقَدّس بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا خرب هَؤُلَاءِ الملاعين من الْبِلَاد الَّتِي كل مَدِينَة مِنْهَا أَضْعَاف الْبَيْت الْمُقَدّس وَمَا بَنو إِسْرَائِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قتلوا فَإِن أهل مَدِينَة وَاحِدَة مِمَّن قتلوا أَضْعَاف بني إِسْرَائِيل وَلَعَلَّ الْخلق لَا يرَوْنَ مثل هَذِهِ الْحَادِثَة إِلَى أَن ينقرض الْعَالم وتنفى الدُّنْيَا إِلَّا يأجودج وَمَأْجُوج وَأما الدَّجَّال فَإِنَّهُ يبْقى عَلَى من ابتعه وَيهْلك من خَالفه وَهَؤُلَاء لم يبقوا عَلَى أحد بل قتلوا النِّسَاء وَالرِّجَال والأطفال وشقوا بطُون الْحَوَامِل وَقتلُوا الأجنة فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم قلت وَحَيْثُ كُنَّا فِي أول فِي هَذَا الْكتاب ذكرنَا أَنه كتاب تَارِيخ وأدب وَفقه وَحَدِيث لَاق بِنَا أَن نشرح هَذَا الْأَمر الْعَظِيم عَلَى وَجه الِاخْتِصَار ونحكى هَذَا الْخطب الجسيم الَّذِي أظلم البصائر وأعمى الْأَبْصَار فَنَقُول كَانَ القان الْأَعْظَم جنكزخان طاغية التتار وملكهم الأول الَّذِي خرب الْبِلَاد وأباد الْعباد يُسمى تموجين وَكَانُوا ببادية الصين وهم من أَصْبِر النَّاس عَلَى الْقِتَال وأشجعهم فملكوا جنكزخان عَلَيْهِم وأطاعوه طَاعَة الْعباد المخلصين لرب الْعَالمين وَكَانَ مبدأ ملكه فِي سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بعد وقائع اتّفقت لَهُ هُنَالك تقضى الْمَرْء عِنْد سماعهَا الْعجب العجاب لَا نرى التَّطْوِيل بشرحها وَلَا زَالَ أمره يعظم وَيكبر وَكَانَ من أَعقل النَّاس وَأخْبرهمْ بالحروب وَوضع لَهُ شرعا اخترعه ودينا ابتدعه لَعنه الله الياسا لَا يحكمون إِلَّا بِهِ وَكَانَ كَافِرًا يعبد الشَّمْس وَكَانَ السُّلْطَان الْأَعْظَم للْمُسلمين هُوَ السُّلْطَان عَلَاء الدّين خوارز مَشاهُ مُحَمَّد بْن تكش وَكَانَ ملكا عَظِيما اتسعت ممالكه وعظمت هيبته وأذعنت لَهُ الْعباد وَدخلت تَحت هكمه وخلت تِلْكَ الديار من ملك سواهُ لِأَنَّهُ قهر النَّاس كلهم وَصَارَ النَّاس كلهم تَحت حكمه رجلا فَاضلا كَرِيمًا حَلِيمًا خيرا وَكَانَ لَهُ عشرَة آلَاف مَمْلُوك كل مِنْهُم يصلح للْملك وَكَانَت عساكره عدد الْحَصَا لَا يعرف أَولهَا من آخرهَا فتجبر وطغى وَأرْسل إِلَى خَليفَة الْوَقْت وَهُوَ النَّاصِر لدين اللَّه الَّذِي لَا يصطلي لمكره بِنَار وَلَا يُعَامل فِي أَحْوَاله بخداع يَقُول لَهُ كن معي كَمَا كَانَت الْخُلَفَاء قبلك مَعَ سلاطين السلجوقية كألب رسْلَان وملكشاه وأقربهم بِنَا عهدا السُّلْطَان سنجر فَيكون أَمر بَغْدَاد وَالْعراق لي وَلَا يكون لَك إِلَّا الْخطْبَة فَيُقَال وَالله أعلم إِن الْخَلِيفَة جهز رسله إِلَى جنكزخان يحركه عَلَيْهِ وَأما جنكزخان فَإِنَّهُ لما علم عَظمَة خوارزمشاه شرع فِي عقد التوادد بَينه وَبَينه علما من جنكزخان بِأَنَّهُ لَا يقدر عَلَى معاداة خوارزمشاه وَأرْسل إِلَيْهِ الْهَدَايَا المفتخرة والتقادم السّنيَّة كل ذَلِك وخوارزمشاه لَا يرضى باصطناعه وَيدل بِعظم ملكه ليقضي اللَّه أمرا كَانَ مَفْعُولا وَجَرت فِي أثْنَاء ذَلِك فُصُول يطول شرحها آخرهَا أَن خوارزمشاه منع التُّجَّار أَن تسير من بِلَاده إِلَى بِلَاد جنكرخان فَانْقَطَعت أَخْبَار بِلَاده عَن جنكزخان زَمنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 كَانَ القان الْأَعْظَم جنكزخان طاغية التتار وملكهم الأول الَّذِي خرب الْبِلَاد وأباد الْعباد يُسمى تموجين وَكَانُوا ببادية الصين وهم من أَصْبِر النَّاس عَلَى الْقِتَال وأشجعهم فملكوا جنكزخان عَلَيْهِم وأطاعوه طَاعَة الْعباد المخلصين لرب الْعَالمين وَكَانَ مبدأ ملكه فِي سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بعد وقائع اتّفقت لَهُ هُنَالك تقضى الْمَرْء عِنْد سماعهَا الْعجب العجاب لَا نرى التَّطْوِيل بشرحها وَلَا زَالَ أمره يعظم وَيكبر وَكَانَ من أَعقل النَّاس وَأخْبرهمْ بالحروب وَوضع لَهُ شرعا اخترعه ودينا ابتدعه لَعنه اللَّه سَمَّاهُ الياسا لَا يحكمون إِلَّا بِهِ وَكَانَ كَافِرًا يعبد الشَّمْس وَكَانَ السُّلْطَان الْأَعْظَم للْمُسلمين هُوَ السُّلْطَان عَلَاء الدّين خوارز مَشاهُ مُحَمَّد بْن تكش وَكَانَ ملكا عَظِيما اتسعت ممالكه وعظمت هيبته وأذعنت لَهُ الْعباد وَدخلت تَحت حكمه وخلت تِلْكَ الديار من ملك سواهُ لِأَنَّهُ قهر النَّاس كلهم وَصَارَ النَّاس كلهم تَحت حكمه وَكَانَ رجلا فَاضلا كَرِيمًا حَلِيمًا خيرا وَكَانَ لَهُ عشرَة آلَاف مَمْلُوك كل مِنْهُم يصلح للْملك وَكَانَت عساكره عدد الْحَصَا لَا يعرف أَولهَا من آخرهَا فتجبر وطغى وَأرْسل إِلَى خَليفَة الْوَقْت وَهُوَ النَّاصِر لدين اللَّه الَّذِي لَا يصطلي لمكره بِنَار وَلَا يُعَامل فِي أَحْوَاله بخداع يَقُول لَهُ كن معي كَمَا كَانَت الْخُلَفَاء قبلك مَعَ سلاطين السلجوقية كألب رسْلَان وملكشاه وأقربهم بِنَا عهدا السُّلْطَان سنجر فَيكون أَمر بَغْدَاد وَالْعراق لي وَلَا يكون لَك إِلَّا الْخطْبَة فَيُقَال وَالله أعلم إِن الْخَلِيفَة جهز رسله إِلَى جنكزخان يحركه عَلَيْهِ وَأما جنكزخان فَإِنَّهُ لما علم عَظمَة خوارزمشاه شرع فِي عقد التوادد بَينه وَبَينه علما من جنكزخان بِأَنَّهُ لَا يقدر عَلَى معاداة خوارزمشاه وَأرْسل إِلَيْهِ الْهَدَايَا المفتخرة والتقادم السّنيَّة كل ذَلِك وخوارزمشاه لَا يرضى باصطناعه وَيدل بِعظم ملكه ليقضي اللَّه أمرا كَانَ مَفْعُولا وَجَرت فِي أثْنَاء ذَلِك فُصُول يطول شرحها آخرهَا أَن خوارزمشاه منع التُّجَّار أَن تسير من بِلَاده إِلَى بِلَاد جنكزخان فَانْقَطَعت أَخْبَار بِلَاده عَن جنكزخان زَمنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَكَانَ جنكزخان لَعنه اللَّه عَلَى مَا استفاض عَنهُ فِيهِ حسن خلق وَتمسك بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ عقله من الطَّرِيقَة الَّتِي ابتدعها وَمَشى عَلَى قانون وَاحِد وَله تؤدة عَظِيمَة وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ سديد الْعقل وافر الْكَرم بِحَيْثُ إِنَّه قدم إِلَيْهِ مرّة فِي الصَّيْد بعض الفلاحين ثَلَاث بطيخات وَلم يتَّفق فِي ذَلِك الْوَقْت أَن يكون أحد من الخزندارية الَّتِي لَهُ عِنْده فَقَالَ لزوجته الخاتون أعْطِيه هذَيْن القرطين اللَّذين فِي أذنيك وَكَانَ فيهمَا جوهرتان عظيمتان جدا لَا قيمَة لَهما فشحت الْمَرْأَة بهما وَقَالَت أنظرهُ إِلَى غَد فَقَالَ إِنَّه يبيت اللَّيْلَة مبلبل الخاطر وَرُبمَا لَا يحصل لَهُ شَيْء بعد هَذَا وَإِن هذَيْن من اشتراهما لم يَسعهُ إِلَّا أَن يحضرهما إِلَيْنَا لِأَن مثلهمَا لَا يكون إِلَّا عندنَا فدفعتهما إِلَى الْفَلاح فطار عقله بهما وَذهب فباعهما لبَعض التُّجَّار بِأَلف دِينَار لِأَنَّهُ لم يعرف قيمتهمَا وَكَانَت قيمَة كل وَاحِدَة أَضْعَاف ذَلِك بِمَا لَا يُوصف فحملهما التَّاجِر إِلَيْهِ فردهما إِلَى زَوجته وحكاياته فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة وَأمر مرّة بقتل ثَلَاثَة قد اقْتَضَت الياسا قَتلهمْ وَإِذا امْرَأَة تبْكي وتصيح فأحضرها فَقَالَت هَذَا ابْني وَهَذَا أخي وَهَذَا زَوجي فَقَالَ اخْتَارِي وَاحِدًا مِنْهُم أطلقهُ فَقَالَت الزَّوْج وَالِابْن يَجِيء مثلهمَا وَالْأَخ لَا عوض لَهُ فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهَا وَأطلق لَهَا الثَّلَاثَة وَله أَشْيَاء كَثِيرَة من هَذَا كَانَ يَفْعَلهَا بسجيته وَمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ عقله وَأما خوارزمشاه فَكَانَ سعده قد تَكَامل وَرَأى من العظمة مَا لم يعْهَد مثله لملك من زمن مديد وطالت مدَّته وَلَقَد يحْكى من سعده أَنه كَانَ حسن الْغناء وَأَن شخصا فداويا جهز عَلَيْهِ ليَقْتُلهُ فَمَا صَادف لَيْلَة يُمكنهُ فِيهَا اغتياله إِلَّا لَيْلَة وَاحِدَة وخوارزمشاه فِي جمع قَلِيل من مماليكه وَهُوَ يُغني فَأَرَادَ الفداوي أَن يُبَادر إِلَيْهِ ليغتاله فَسَمعهُ يُغني فَوقف يتصنت فَإِذا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 يُغني بِالْفَارِسِيَّةِ مَا مَعْنَاهُ قد عرفت بك فَانْجُ بِنَفْسِك واهرب وَكَانَ هَذَا اتِّفَاقًا فَمَا شكّ الفداوي أَنه قد علم بِهِ فهرب إِلَّا أَن خوارزمشاه بعد ذَلِك طغت نَفسه ليقضي اللَّه مَا قدره ثمَّ إِن جمَاعَة من التُّجَّار أخذُوا مَعَهم شَيْئا من المستظرفات لما سمعُوا بمكارم جنكزخان وتحيلوا حَتَّى وصلوا إِلَى بِلَاده وَلم يعلم بهم نواب خوارزمشاه وَلَو علمُوا بهم لراحت أَرْوَاحهم ونهبت أَمْوَالهم فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ أكْرمهم غَايَة الْإِكْرَام وَقَالَ لأي شَيْء انقطعتم عَنَّا فَقَالُوا إِن السُّلْطَان خوارزمشاه منع التُّجَّار من المسافرة إِلَى بلادك وَلَو علم بِنَا لأهلكنا فَجمع أَوْلَاده فأشاروا عَلَيْهِ بِأَن يخرج لقتاله فَقَالَ لَا وَلَكنَّا نرسل إِلَيْهِ فَأرْسل رسله إِلَى خوارزمشاه وَقَالَ إِن التُّجَّار هم عمَارَة الْبِلَاد وهم الَّذين يحملون التحف والنفائس إِلَى الْمُلُوك وَمَا يَنْبَغِي أَن تمنعهم وَلَا أَنا أَيْضًا نمْنَع تجارنا عَنْك بل يَنْبَغِي لنا أَن تكون كلمتنا وَاحِدَة لتعمر الأقاليم وَأرْسل من جِهَته تجارًا مَعَهم أَمْوَال لَا تعد وَلَا تحصى فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الأترار عمد نَائِب خوارزمشاه بهَا وَهُوَ وَالِد زَوجته كسلى خَان فَكتب إِلَى خوارزمشاه بِأَن هَؤُلَاءِ التُّجَّار جَاءُوا بأموال لَا تحصى والرأي قَتلهمْ وَأخذ أَمْوَالهم فجَاء مرسوم خوارزمشاه بذلك فَعمد إِلَيْهِم فَقتل الْجَمِيع وَأخذ مَا كَانَ مَعَهم فَبلغ ذَلِك جنكزخان فَجمع أَوْلَاده ثَانِيًا وخواصه فَقَالُوا نخرج إِلَيْهِم فَقَالَ لَا وَأرْسل إِلَى خوارزمشاه هَذَا الَّذِي جرى أعلمني هَل هُوَ عَن رضى مِنْك إِن لم يكن برضاك فَنحْن نطلب بدمائهم من نَائِب الأترار ونحضره عَلَى أفحش وُجُوه الذل وَالصغَار وَإِن كَانَ برضاك فقد أَسَأْت التَّدْبِير فَإِنِّي أَنا لَا أدين بِملَّة وَلَا أستحسن فعل ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وَأَنت تنتمي إِلَى دين الْإِسْلَام وَهَؤُلَاء التُّجَّار كَانُوا عَلَى دينك فَكيف يسعك هَذَا الْأَمر الَّذِي فعلته فَلَمَّا جَاءَت الرسَالَة إِلَى خوارزمشاه لم يكن لَهُ جَوَاب سوى إِن هَذَا كَانَ بعلمي وأمري وَمَا بَيْننَا إِلَّا السَّيْف فَقَامَ وَلَده السُّلْطَان جلال الدّين وَكَانَ عَاقِلا فاستنصح بعض الرُّسُل وسألهم عَن حَال جنكزخان وَكَيف طواعية عساكره لَهُ ثمَّ أَشَارَ عَلَى وَالِده بِأَن يتلطف فِي الْجَواب ويخلي بَين جنكزخان ونائب الأترار ويسلطه عَلَى دم وَاحِد يحمي بِهِ الْمُسلمين من نهر جيحون إِلَى قريب بِلَاد الشَّام ومساجد لَا يُحْصى عَددهَا ومدارس وأمم لَا يُحصونَ وَمَدَائِن وأقاليم هِيَ خُلَاصَة الرّبع العامر وَأحسنه وأعمره وأوسعه فَأبى وَالِده إِلَّا السَّيْف وَأمر بقتل رسل جنكزخان فيالها فعلة مَا كَانَ أقبحها أجرت كل قَطْرَة من دِمَائِهِمْ سيلا من دِمَاء الْمُسلمين وَكَانَ رَحمَه اللَّه قد اخْتَلَط قَلِيلا وَطعن فِي السن وغره ملك مَا رَآهُ حصل لغيره وجيش لم يجْتَمع لأحد وَقد كَانَ هَذَانِ الشيئان من أعظم الْأَسْبَاب فِي الْإِعَانَة عَلَيْهِ فَإِن الأَرْض لما لم يبْق فِيهَا ملك سواهُ وَكسر قويت قُلُوب أُولَئِكَ الْكفَّار وصاروا يتبعونه كلما هرب ويملكون الأَرْض شَيْئا فَشَيْئًا والجيش لكثرتهم كَانَ فيهم الْمُسلمُونَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس عَلَى اخْتِلَاف بلدانهم فَلم تكن كلمتهم كلهَا متفقة مَعَه وَلَا عِنْدهم من الْخَوْف عَلَى دين الْإِسْلَام والذب عَنهُ مَا عِنْد الْمُسلمين فَلَمَّا بلغ ذَلِك جنكزخان استشاط غَضبا وَجَاءَت النَّفس الْكَافِرَة فَقَامَ وَأمر أَوْلَاده يجمع العساكر واختلى بِنَفسِهِ فِي شَاهِق جبل مَكْشُوف الرَّأْس وَاقِفًا عَلَى رجلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام عَلَى مَا يُقَال فَزعم عَثَّرَهُ اللَّه أَن الْخطاب أَتَاهُ بأنك مظلوم واخرج تنتصر عَلَى عَدوك وتملك الأَرْض برا وبحرا وَكَانَ يَقُول الأَرْض ملكي وَالله ملكني إِيَّاهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 ذكر خُرُوج السُّلْطَان الْأَعْظَم عَلَاء الدّين خوارزمشاه فِي عساكره وَذَلِكَ فِي سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة خرج فِي أُمَم لَا يحصيهم إِلَّا الَّذِي خلقهمْ فَوجدَ جنكزخان مَشْغُولًا بِقِتَال كسلى خَان فنهب خوارزمشاه أَمْوَالهم وسبى ذَرَارِيهمْ وحريمهم فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ واقتتلوا مَعَه قتالا لم يسمع بِمثلِهِ أُولَئِكَ يُقَاتلُون عَن حريمهم والمسلمون عَن أنفسهم علما بِأَنَّهُم مَتى ولوا استأصلوهم فَقتل من الْفَرِيقَيْنِ خلق كثير حَتَّى إِن الْخُيُول كَانَت تزلق فِي الدِّمَاء وَكَانَ جملَة من قتل من الْمُسلمين نَحْو عشْرين ألفا وَمن التتار أَضْعَاف ذَلِك ثمَّ تحاجز الْفَرِيقَانِ وَولى كل مِنْهُم إِلَى بِلَاده وَلَكِن بعد أَن كسر خوارزمشاه التتار ثَلَاث مَرَّات ثمَّ لَجأ خوارزمشاه فِي عساكره إِلَى بُخَارى وسمرقند فحصنهما وَبَالغ فِي كَثْرَة من ترك بهما من الْمُقَاتلَة وَرجع إِلَى خوارزم ليجهز الجيوش الْكَثِيرَة ذكر قصد القان الْأَعْظَم الطاغية الْأَكْبَر السُّلْطَان جنكزخان أُمَّهَات مَدَائِن الْمُسلمين وأقاليم عُمْدَة سُلْطَان الْمُوَحِّدين وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن التتار لما كسروا مَعَ خوارزمشاه ثَلَاث مَرَّات تشاغل حنكزخان عَن الْمُسلمين وأهمل أَمرهم وضعفوا هم أَيْضًا عِنْد السُّلْطَان خوارزمشاه فَفرق عساكره فِي الأقاليم لتحفظها وَكَانَ ذَلِك من سوء تَدْبيره فَإِنَّهُ لما فرق عساكره دهمته التتار فَلم يقدر عَلَى جمع عساكره لإعجالهم إِيَّاه عَن ذَلِك فهرب فقصد جنكزخان عِنْد ذَلِك بُخَارى وَبهَا عشرُون ألف مقَاتل فحاصرها ثَلَاثَة أَيَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فَطلب مِنْهُ أَهلهَا الْأمان فَأَمنَهُمْ ودخلها وَذَلِكَ فِي سنة عشرَة فَأحْسن السِّيرَة فِيهَا مكرا وخداعا وامتنعت عَلَيْهِ قلعتها فحاصرها واشتغل أهل الْبَلَد فِي طم خندقها فَكَانَت التتار يأْتونَ بالمنابر والختم والربعات فيطرحونها فِي الخَنْدَق فَفَتحهَا قسرا فِي أَيَّام يسيرَة فَقتل كل من كَانَ بهَا لم يبْق مِنْهُم أحدا ثمَّ عمد إِلَى الْبَلَد فاصطفى أَمْوَال تجارها ثمَّ قتل خلقا لَا يعملهم إِلَّا اللَّه وأسروا الذُّرِّيَّة وَالنِّسَاء وفسقوا بِهن بِحَضْرَة أهليهن فَمن النَّاس من قَاتل دون حريمه حَتَّى قتل وَمِنْهُم من أسر فعذب بأنواع الْعَذَاب وَكثر الْبكاء والضجيج فِي الْبَلَد ثمَّ عَمدُوا إِلَى دور بُخَارى ومدارسها ومساجدها وجوامعها فأحرقت حَتَّى صَارَت بَلَاقِع خاوية عَلَى عروشها ثمَّ صَارُوا يأْتونَ بِجَمَاعَة من الْمُسلمين وَيَقُولُونَ لَهُم نادوا أَيهَا النَّاس إِن التتار قد هربوا فاخرجوا من خباياكم فَيخرج من هُوَ تَحت الأَرْض حِين يسمع الْأَصْوَات الَّتِي يعرفهَا ظَانّا صدقهَا فيقتلون الْخَارِج والصائح لَهُ وَكَذَلِكَ فعلوا فِي كل مَدِينَة وَمَا كَانَ قصدهم إِلَّا خراب الْعَالم ثمَّ كروا رَاجِعين عَنْهَا قَاصِدين سَمَرْقَنْد وَبهَا خَمْسُونَ ألف مقَاتل من الْجند من عَسْكَر خوارزمشاه وبرز إِلَيْهِ سَبْعُونَ ألفا من الْعَامَّة فَقتل الْجَمِيع فِي سَاعَة وَاحِدَة وَألقى إِلَيْهِ الْخَمْسُونَ ألفا السّلم فسلبهم سِلَاحهمْ وَمَا يمتنعون بِهِ وقتلهم من ذَلِك الْيَوْم واستباح الْمَدِينَة فَقتل الْجَمِيع وَأخذ الْأَمْوَال وَفعل فعلته وعادته إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَأقَام هُنَالك وبلغه أَن زَوْجَة السُّلْطَان خوارزمشاه وَبنَاته فِي قلعة أيلال فدوام الْقِتَال عَلَيْهَا إِلَى أَن ملكهَا وَأخذ زَوجته وَبنَاته ومنهن وَاحِدَة كَانَت متزوجة بِبَعْض أَقَاربه لم يكن فِي الْعَجم أجمل مِنْهَا فَزَوجهَا لبَعض أَوْلَاده ثمَّ فرق الْبَنَات عَلَى أكَابِر التتار إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وجهز السَّرَايَا إِلَى الْبلدَانِ فَجهز سَرِيَّة إِلَى بِلَاد خُرَاسَان وَأرْسل أُخْرَى وَرَاء خوارزمشاه وَكَانُوا عشْرين ألفا فَقَالَ اطلبوه وأدركوه وَلَو تعلق بالسماء فساقوا إِلَى طلبه فأدركوه وَبينهمْ وَبَينه نهر جيحون فَلم يَجدوا سفنا فعملوا لَهُم أحواضا يحملون عَلَيْهَا الأسلحة وَيُرْسل أحدهم فرسه وَيَأْخُذ بذنبها فتجره الْفرس إِلَى المَاء وَهُوَ يجر الْحَوْض الَّذِي فِيهِ سلاحه حَتَّى صَارُوا كلهم فِي الْجَانِب الآخر فَلم يشْعر بهم خوارزمشاه إِلَّا وَقد خالطوه فهرب إِلَى نَيْسَابُورَ ثمَّ مِنْهَا إِلَى غَيرهَا وهم فِي أَثَره كلما دخل مَدِينَة وَأقَام فِيهَا ليجتمع ليه عساكره لحقوه وَألقى اللَّه فِي قلبه الرعب فصاروا كلما قاربوه هرب وَمَا زَالَ هَارِبا مِنْهُم حَتَّى ركب فِي بَحر طبرستان وَسَار إِلَى قلعة فِي جَزِيرَة فَكَانَت فِيهَا وَفَاته وَقيل إِنَّه لَا يعرف بعد ركُوبه الْبَحْر مَا كَانَ من أمره بل ذهب فَلَا يدرى أَيْن ذهب وَلَا كَيفَ سلك وَيُقَال مرض فِي الْبَحْر وَطلب دَوَاء فأعياه الْخَبَر حَتَّى لم يجده وَيُقَال طلب فِي الْبَحْر مَكَانا ينَام فِيهِ قدر قامته فَلم يجده فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّه بعد أَن كنت أكبر سلاطين الأَرْض ولي الْأَمر فِيهَا صرت لَا أقدر عَلَى مِقْدَار مَكَان أَنَام فِيهِ فسبحان مَالك الْملك هَذَا من ملك الخطا وَمَا وَرَاء النَّهر وخوارزم وأصفهان ومازندران وكرمان ومنجان وكش وجكان والغور وغزنة وأميان وأترار وأذربيجان إِلَى مَا يَليهَا من الْهِنْد وبلاد التّرْك وَجَمِيع مَا وَرَاء النَّهر إِلَى أَطْرَاف الصين وخطب لَهُ عَلَى مَنَابِر دربند شرْوَان وبلاد خُرَاسَان وعراق الْعَجم وَغَيرهَا من الأقاليم المتسعة والمدن الشاسعة مَعَ المكنة الزَّائِدَة وَطول الْمدَّة وَوصل إِلَى هَذَا الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَقيل إِنَّهُم وجدوا فِي خزانَة من خزائنه عشرَة آلَاف ألف دِينَار وَألف حمل من الأطلس وَهَذَا الَّذِي جرى لهَؤُلَاء التتار لعنهم اللَّه مَا جرى لأحد مُنْذُ قَامَت الدُّنْيَا فَإِن قوما خَرجُوا من أَطْرَاف الصين فقصدوا بِلَاد تركستان مثل كاشغر وبلاد ساغون ثمَّ مِنْهَا إِلَى مَا وَرَاء النَّهر مثل سَمَرْقَنْد وبخارى وَغَيرهمَا فيملكونها ويفعلون مَا شرحنا بعضه ثمَّ تعبر طَائِفَة مِنْهُم إِلَى خُرَاسَان فيفرغون مِنْهَا قتلا وسبيا وتخريبا كَمَا فعلوا فِيمَا وَرَاءَهَا ثمَّ يجاوزونها إِلَى الرّيّ وهمذان وبلاد الْجَبَل إِلَى حد الْعرَاق ثمَّ يقصدون بِلَاد أذربيجان وأران ثمَّ يملكُونَ بِلَاد دربند شرْوَان ثمَّ بِلَاد اللان وبلاد البلغار ثمَّ بِلَاد القفجاق وهم من أَكثر التّرْك عددا فيملكون عَلَيْهِم ويوسعونهم قتلا وأسرا وتسير طَائِفَة أُخْرَى إِلَى غزنة وأعمالها وَمَا يجاوزها من بِلَاد الْهِنْد وسجستان وكرمان وأفعالهم متحدة فِي الظُّلم وكل هَذَا فِي سنة أَو أَزِيد بِقَلِيل يملكُونَ أَكثر الْمَعْمُور فِي الأَرْض وَأحسنه وأعمره وَمَا لم يملكوه فأهله فِي انتظارهم وَالْخَوْف الْعَظِيم مِنْهُم هَذَا مَا لم يسمع بِمثلِهِ فَإِن إسكندر الَّذِي ملك الدُّنْيَا لم يملكهَا فِي سنة إِنَّمَا ملكهَا فِي عشر سِنِين وَلم يقتل أحدا بل رَضِي من النَّاس بِالطَّاعَةِ وَهَؤُلَاء بِخِلَاف ذَلِك وَكَانَ السَّبَب فِي هَذَا كُله سُلْطَان الْإِسْلَام عَلَاء الدّين خوارزمشاه وظنه بِنَفسِهِ وَجُنُوده فِي الأول وَلَقَد سَارُوا إِلَى مازيندران وقلاعها من أمنع القلاع بِحَيْثُ إِن الْمُسلمين لم يفتحوها إِلَّا فِي سنة تسعين فِي أَيَّام سُلَيْمَان بْن عَبْد الْملك فَفَتحهَا هَؤُلَاءِ فِي أيسر مُدَّة ونهبوا مافيها وَقتلُوا أهاليها وَسبوا وأحرقوا ثمَّ رحلوا عَنْهَا نَحْو الرّيّ فَرَأَوْا فِي الطَّرِيق أم السُّلْطَان خوارزمشاه وَكَانَت قد سَمِعت بهزيمة ابْنهَا وَهِي فِي خوارزم وخوارزم دَار ممكتهم الْعُظْمَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 فأخرجت من الْحَبْس عشْرين سُلْطَانا كَانُوا فِي سجن وَلَدهَا وقتلتهم وأودعت بعض القلاع من الْأَمْوَال مَالا يدْرك كَثْرَة ثمَّ سَارَتْ فرأوها وَمَعَهَا من الْأَمْوَال والجواهر والنفائس مَا لَا يعد كَثْرَة فاستأصلوا ذَلِك كُله ثمَّ قصدُوا الرّيّ فَدَخَلُوهَا عَلَى حِين غَفلَة من أَهلهَا فَقتلُوا وَسبوا وأحرقوا وفعلوا عوائدهم ثمَّ إِلَى همذان فملكوها ثمَّ إِلَى زنجان فَقتلُوا أَهلهَا ثمَّ إِلَى قزوين فملكوها وَقتلُوا من أَهلهَا نَحوا من أَرْبَعِينَ ألفا ثمَّ يمموا بِلَاد أذربيجان فَصَالحهُمْ سلطانها أزبك بْن البهلوان عَلَى مَال حمله إِلَيْهِم فَتَرَكُوهُ وَسَارُوا إِلَى موقان فَقَاتلهُمْ الكرج فَلم يقفوا بَين أَيْديهم طرفَة عين حَتَّى انْهَزَمت الكرج وَقتلت التتار مِنْهُم خلقا كثيرا ثمَّ قصدُوا تفليس وَهِي أكبر مدن الكرج فَقَاتلهُمْ الكرج فكسرهم التتار كسرة ثَانِيَة أقبح من الأولى ثمَّ سَارُوا إِلَى تبريز فَصَالحهُمْ أَهلهَا ثمَّ إِلَى مراغة فَقتلُوا من أَهلهَا مَا لَا يُحْصى كَثْرَة وقصدوا مَدِينَة إربل فَاشْتَدَّ الْأَمر عَلَى الْمُسلمين وَكتب الْخَلِيفَة إِلَى أهل الْموصل وجهز عسكرا ثمَّ صرف اللَّه عزم التتار عَنْهُم وَفرْقَة أُخْرَى من التتار كَانَ أرسلها جنكزخان إِلَى ترمذ فأخذتها وَأُخْرَى إِلَى فرغانة فَأَخَذُوهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وَأما الْفرْقَة الَّتِي أرسلها إِلَى خُرَاسَان فَصَالحهُمْ أهل أَكثر مدائنها كبلخ وَغَيرهَا حَتَّى انْتَهوا إِلَى الطالقان فأعجزتهم قلعتها فحاصروها سِتَّة أشهر حَتَّى عجزوا فَكَتَبُوا إِلَى جنكزخان فَقدم بِنَفسِهِ فحصرها أَرْبَعَة أشهر أُخْرَى حَتَّى فتحهَا قهرا وَقتل من فِيهَا ثمَّ قصدُوا مَدِينَة مرو وَكَانَ بهَا مِائَتَا ألف مقَاتل فَاقْتَتلُوا مَعَهم قتالا عَظِيما ثمَّ انْكَسَرَ الْمُسلمُونَ فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ثمَّ قتلوا أهل الْبَلَد وغنموهم وسبوهم وعاقبوهم بأنواع الْعَذَاب حَتَّى إِنَّهُم قتلوا فِي يَوْم وَاحِد سَبْعمِائة ألف رجل ثمَّ سَارُوا إِلَى نَيْسَابُورَ فَفَعَلُوا بهَا فعلهم بِأَهْل مرو ثمَّ إِلَى طوس ثمَّ إِلَى هراة وَالْكل يَفْعَلُونَ فيهم فعلهم الْمَاضِي فِي غَيرهَا فسبحان مُقَدّر الْأُمُور وَمن يُمْهل حَتَّى يلبس الْإِمْهَال بالإهمال عَلَى الْمَغْرُور وَلَا حَاجَة للتطويل ملكوا أَكثر عَامر الأَرْض فجعلوه خرابا وَتركُوا الْمَسَاجِد والجوامع والمدارس بَلَاقِع وحرقوا الْكتب والمصاحف وَمَا دخلُوا مَدِينَة إِلَّا وسالت أَوديتهَا بدماء أَهلهَا وَكَانُوا إِذا عجزوا عَن حمل الْأَمْتِعَة أطْلقُوا فِيهَا النيرَان حَتَّى يذهب أَثَرهَا وَكم من أحمال حَرِير أطلقت فِيهَا النيرَان وَلَا وقف لَهُم أحد إِلَّا وأوسعوا عساكره قتلا ونهبا وأسرا إِلَّا السُّلْطَان الْكَبِير جلال الدّين ابْن السُّلْطَان خوارزمشاه فَإِنَّهُ لما علم خبر سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين خوارزمشاه اجْتمع من بَقِي من عساكره عَلَى وَلَده السُّلْطَان الْأَعْظَم جلال الدّين وَكَانَ ذَلِك بِعَهْد من وَالِده فَإِنَّهُ يُقَال إِن خوارزمشاه لما حَضرته الْوَفَاة جمع أَوْلَاده وَقَالَ لَهُم اعلموا أَن عرى الْإِسْلَام قد انْقَطَعت وَلَيْسَ يَأْخُذ بالثأر من الْأَعْدَاء إِلَّا هُوَ وَإِنِّي موليه ولَايَة الْعَهْد عَلَيْكُم وَكَانَ بطلا شجاعا لَا يصطلى لَهُ بِنَار فَأَتَتْهُ التتار إِلَى بِلَاد غزنة فَقَاتلهُمْ فكسرهم فعادوا إِلَى هراة فَإِذا أَهلهَا قد نقضوا فَقَتَلُوهُمْ عَن آخِرهم ثمَّ عَادوا إِلَى ملكهم جنكزخان لعنهم اللَّه وإياه وَكَانَ أرسل طَائِفَة إِلَى مَدِينَة خوارزم فحاصروها حَتَّى فتحوها قهرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 فَقتلُوا أَهلهَا قتلا ذريعا وَأَرْسلُوا الجسر الَّذِي يمْنَع مَاء جيحون فِيهَا فغرقت دورها وَهلك جَمِيع أَهلهَا وَكَانَ جنكزخان لما عَادوا إِلَيْهِ مخيما عَلَى الطالقان فَجهز مِنْهُم طوائف إِلَى غزنة فَقَاتلهُمْ السُّلْطَان جلال الدّين وكسرهم كسرة عَظِيمَة واستنقذ مِنْهُم خلقا من أُسَارَى الْمُسلمين ثمَّ كتب إِلَى جنكزخان يطْلب مِنْهُ أَن يبرز بِنَفسِهِ لقتاله فقصده حنكزخان فتواجها وتطاعنا وتوافقت خيلاهما وَكِلَاهُمَا بَطل اللقا مقنع واقتتلوا ثَلَاثَة أَيَّام لم يعْهَد مثلهَا وَقتل فِي الْوَقْعَة دوس خَان بْن جنكزخان ثمَّ ضعف أَصْحَاب السُّلْطَان جلال الدّين وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَرَكبُوا فِي بَحر الْهِنْد فسارت التتار إِلَى غزنة وأخذوها بِلَا كلفة ثمَّ عَاد جلال الدّين بِمن بقى مَعَه من العساكر إِلَى بِلَاد خوزستان ونواحي الْعرَاق فأفسدوا وحاصروا ثمَّ استحوذ السُّلْطَان جلال الدّين على بِلَاد أذربيجان وَكَثِيرًا من بِلَاد الكرج واستفحل أمره جدا وَعظم شَأْنه وَفتح تفليس مَدِينَة الكرج الْعُظْمَى وَقيل قتل من الكرج سبعين ألفا فِي المعركة واشتغل بِهَذِهِ الْغَزْوَة عَن قصد بَغْدَاد وَقد كَانَ عزم عَلَى قصد الْخَلِيفَة لِأَنَّهُ فِيمَا زعم عمل عَلَى أَبِيه حَتَّى هلك وانزعج الْخَلِيفَة لذَلِك وحصن بَغْدَاد واستخدم الجيوش وَأنْفق الْأَمْوَال الجزيلة ثمَّ إِن أُخْت السُّلْطَان جلال الدّين الَّتِي كَانَ ابْن جنكزخان تزوج بهَا واستولدها وَمَات وَتركهَا عِنْد أَبِيه جنكزخان كَانَت تكاتب السُّلْطَان جلال الدّين وتنهي إِلَيْهِ أَخْبَار التتار فَأرْسلت إِلَيْهِ وَهُوَ يحاصر خلاط خَاتمًا من خَوَاتِم أَبِيه فصه فيروزج منقوش عَلَيْهِ اسْم السُّلْطَان مُحَمَّد أَمارَة مَعَ القاصد تعلم أخاها أَن جنكزخان بلغه عَنْك شدَّة بأسك واتساع باعك وثباتك وَكَثْرَة عساكرك وَقد عزم عَلَى مصاهرتك والمهادنة مَعَك عَلَى أَن يكون نهر جيحون بَيْنكُم وَله مِنْهُ وجاي وَلَك مِنْهُ ورايح فَإِن أَنْت وجدت من قوتك مقاواتهم وَإِلَّا فشأنك والمسالمة حَال رغبتهم فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 فَلم يرد جلال الدّين عَلَيْهَا جَوَابا وَلَا فتح للصلح بَابا وتشاغل عَنْهَا بفعلة قبيحة وَهِي حِصَار مَدِينَة خلاط فَإِنَّهُ نزل عَلَيْهَا وحاصرها حَتَّى أكل أَهلهَا لُحُوم الْكلاب ثمَّ فتحهَا ونهبها وعذب أَهلهَا أَشد الْعَذَاب وَأرْسل إِلَيْهِ الْخَلِيفَة يشفع فيهم فَلم يقبل مِنْهُ ورد جَوَابه وَرُسُله أقبح رد ثمَّ سَار حَتَّى ملك بِلَاد الرّوم فَاجْتمع عَلَيْهِ عَلَاء الدّين كيقباد صَاحب الرّوم وَالْملك الْأَشْرَف مُوسَى صَاحب خلاط فَإِنَّهُ كَانَ أَخذ مَدِينَة خلاط وَهِي للأشرف مُوسَى بْن الْعَادِل صَاحب دمشق وَأي شَيْء هِيَ مَدِينَة خلاط وَمَا قدرهَا وَمَا قدر الْأَشْرَف مُوسَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى جلال الدّين وَأي مَدِينَة فرضت من مَدَائِن جلال الدّين إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه بِقدر مملكة مُوسَى وَبني أَيُّوب كلهم ثمَّ جَاءَ الْأَشْرَف وكيقباد وانضم إِلَيْهِمَا عَسَاكِر مجمعة فَكَانُوا خَمْسَة آلَاف مقَاتل فَالْتَقوا مَعَ السُّلْطَان جلال الدّين وَهُوَ بِأَذربِيجَان فِي بقايا من عسكره نَحْو عشْرين ألف مقَاتل فكسروه عَلَى قلتهم ويكثرهم بالقلة فَإِن الْخَمْسَة آلَاف كَثِيرَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَالْعشْرُونَ ألفا أقل شَيْء يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّلْطَان جلال الدّين ثمَّ خرجت التتار مرّة أُخْرَى وَكَانَ سَبَب خُرُوجهمْ أَن الإسماعيلية كتبُوا إِلَيْهِم يخبرونهم بِضعْف جلال الدّين بن خوارزمشاه وَأَنه عادى جَمِيع الْمُلُوك الَّذين يجاورونه وَأَنه وصل من أمره أَن كَسره الْأَشْرَف بْن الْعَادِل وَكَانَ جلال الدّين قد خرب ديار الإسماعيلية وَفعل بهم كل مَا يستحقونه فَلَمَّا قدمت التتار اشْتغل بهم وَجَرت بَينهم حروب وهرب من بَين أَيْديهم وامتلأ قلبه خوفًا مِنْهُم وَصَارَ كلما سَار فِي قطر لحقوه وخربوا مَا اجتازوا بِهِ من الأقاليم حَتَّى انْتَهوا إِلَى الجزيرة وجاوزوها إِلَى سنجار وماردين وآمد يفسدون مَا قدرُوا عَلَيْهِ قتلا ونهبا وأسرا وَانْقطع خبر السُّلْطَان جلال الدّين فَلَا يدرى أَيْن سلك إِلَّا أَنه يحْكى أَنه أَتَى قَرْيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 من قرى فارقين حائرا وحيدا ظمآن جائعا تعبا فَنزل فِي بيدر من بيادرها فَلحقه فارسان من التتار فَقَتَلَهُمَا وَركب وَصعد الْجَبَل فَرَآهُ بعض الأكراد فَأنْكر حَاله لما رأى عَلَيْهِ من أبهة الْملك وَرَأى فرسه مشحونة بالجواهر وَعلم أَنه ملك فَقَالَ من أَنْت وَأَرَادَ أَن يقْتله فَقَالَ لَا تعجل أَنا السُّلْطَان جلال الدّين سُلْطَان الخوارزمية ووعده بِكُل جميل فَتَركه الرجل فِي بَيته وَمضى فجَاء بعض الأكراد وَقَالَ لأهل الْبَيْت مَا هَذَا الْخَوَارِزْمِيّ النَّائِم وَكَانَ السُّلْطَان قد نَام فَقَالُوا هُوَ رجل أعطَاهُ صَاحب الْبَيْت الْأمان فَقَالَ الْكرْدِي هَذَا هُوَ السُّلْطَان جلال الدّين وَلَقَد قتلت عساكره أَخا لي خيرا مِنْهُ وطعنه بِحَرْبَة وَهُوَ نَائِم فَقتله فِي وقته وَبلغ الْخَبَر صَاحب ميافارقين وَجَرت أُمُور يطول شرحها وتمكنت التتار من الْمُسلمين وَألقى اللَّه الرعب فِي قُلُوب الْمُسلمين مِنْهُم بِحَيْثُ كَانَ الْكَافِر يجوز عَلَى الْمِائَة من الْمُسلمين فيقتلهم وَاحِدًا وَاحِدًا وَلَا يقدر أحد مِنْهُم يَقُول لَهُ كلمة وأعناقهم تقع عَلَى الأَرْض وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى إِن امْرَأَة مِنْهُم كَانَت عَلَى زِيّ الرِّجَال قتلت عددا عَظِيما من الرِّجَال وأسرت جمَاعَة وَلم يعلمُوا أَنَّهَا امْرَأَة حَتَّى علم بهَا شخص من أُسَارَى الْمُسلمين فَقَتلهَا رَحمَه اللَّه هَذَا مُخْتَصر من أَخْبَار جنكزخان ولنذكرن فِي أثْنَاء هَذَا الْكتاب فصلا آخر إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُخْتَصرا من أَخْبَار حفيده هولاكو بْن تولى بْن جنكزخان فهما الرّجلَانِ الكافران لعنهما اللَّه وَقد أوردنا أَمرهم فِي غَايَة الِاخْتِصَار وَمن النَّاس من أفرد التصانيف لأخبارهم وَيَكْفِي الْفَقِيه مَا أوردناه فأوقات طَالب الْعلم أشرف أَن تضيع فِي أخبارهم إِلَّا للاعتبار بهَا وَمَا أوردناه عِبْرَة للمعتبرين وكاف للمتعظين ويعجبني قَول ابْن الْأَثِير فِي الْكَامِل حِين ذكر أخبارهم وَالله لَا أَشك أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 من يجىء بَعدنَا إِذا بعد الْعَهْد وَرَأى هَذِهِ الْحَادِثَة مسطورة ينكرها ويستبعدها وَالْحق فِي يَده قَالَ فَمن استبعدها فَلْينْظر أننا سطرناها فِي وَقت يعلم كل من فِيهِ هَذِهِ الْحَادِثَة قد اسْتَوَى فِي مَعْرفَتهَا الْعَالم وَالْجَاهِل لشهرتها يسر اللَّه للْمُسلمين من يحوطهم بمنه وَكَرمه ولعلنا أطلنا فِي ديباجة هَذَا الْكتاب وَخَرجْنَا من بَاب فولجنا فِي أَبْوَاب وَلَا بُد فِي ذَلِك مَعَ القشر من اللّبَاب وَقد آن الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود والنزوع بِالنَّفسِ الظامئة إِلَى المنهل المورود وَالرُّجُوع إِلَى مَا افتتحنا بِهِ الْكتاب من ذكر التراجم وَالْعود أَحْمَد وَذكر الْقَوْم مَحْمُود وَقد كَانَ عَن لنا أَن نعقد لمناقب الإِمَام الْأَعْظَم المطلبي والعالم الأقوم ابْن عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاب يقدم التراجم فَإِنَّهُ عَالم قُرَيْش الَّذِي مَلأ اللَّه بِهِ طباق الأَرْض علما وَرفع من طباقها إِلَى طباق السما بِذَاتِهِ الطاهرة من هُوَ أَعلَى من نجومها وأسما وَأثبت باسمه فِي طباق أَجْزَائِهَا اسْم من يسمع آذَانا صمًّا وَمن لَو قَالَت بَنو آدم علمه اللَّه الأسما لقيل كَمَا أبرز مِنْهُ لكم أَبَا وَمن تصانيفه أما والحبر الَّذِي أسس بعد الصَّحَابَة قَوَاعِد بَيته بَيت التبوة وأقامها وشيد مباني الْإِسْلَام بَعْدَمَا جهل النَّاس حلالها وحرامها وأيد دعائم الدّين مِنْهُ بِمن سهر فِي محو ليَالِي الشُّبُهَات إِذا سهر غَيره اللَّيَالِي فِي الشَّهَوَات أَو نامها ولكننا رَأينَا الْخطب فِي ذَلِك عَظِيما وَالْأَمر يَسْتَدْعِي مجلدات وَلَا ينْهض بمعشار مَا يحاوله من أُوتِيَ بسطة فِي الْعلم والجسم إِذْ كَانَ علماجسيما ثمَّ رَأينَا الْأَئِمَّة قبلنَا إِلَى هَذَا الْمَقْصد قد سبقوا وتنوعوا فِيمَا فَعَلُوهُ وَأَكْثرُوا القَوْل وَصَدقُوا وَأول من بَلغنِي صنف فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي الإِمَام دَاوُد بْن عَلِيّ الْأَصْفَهَانِي إِمَام أهل الظَّاهِر لَهُ مصنفات فِي ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 ثمَّ صنف زَكَرِيَّاء بْن يَحْيَى السَّاجِي وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم ثمَّ صنف أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم الآبري كتابا حافلا رتبه عَلَى أَرْبَعَة وَسبعين بَابا ثمَّ ألف الْحَاكِم أَبُو عبد الله ابْن البيع الْحَافِظ مصنفا جَامعا وصنف فِي عصره أَيْضًا أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن حمكان الْأَصْبَهَانِيّ مُخْتَصرا فِي هَذَا النَّوْع ثمَّ صنف أَبُو عَبْد اللَّه بْن شَاكر الْقطَّان مُخْتَصره الْمَشْهُور ثمَّ صنف الإِمَام الزَّاهِد إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد السَّرخسِيّ القراب مجموعا حافلا رتبه عَلَى مائَة وَسِتَّة عشر بَابا ثمَّ صنف الْأُسْتَاذ الْجَلِيل أَبُو مَنْصُور عَبْد القاهر بْن طَاهِر الْبَغْدَادِيّ كتابين أَحدهمَا كَبِير حافل يخْتَص بالمناقب وَالْآخر مُخْتَصر مُحَقّق يخْتَص بِالرَّدِّ عَلَى الْجِرْجَانِيّ الْحَنَفِيّ الَّذِي تعرض لجناب هَذَا الإِمَام ثمَّ صنف الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ كِتَابه فِي المناقب الْمَشْهُور والْحَسَن الْجَامِع الْمُحَقق وكتبا أخر فِي هَذَا النَّوْع مثل بَيَان خطإ من خطأ الشَّافِعِي وَغَيره ثمَّ صنف الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو بكر الْخَطِيب مجموعا فِي المناقب ومختصرا فِي الِاحْتِجَاج بالشافعي ثمَّ صنف الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ كِتَابه الْمَشْهُور والمرتب عَلَى أَبْوَاب وتقاسيم وصنف الْحَافِظ أَبُو عبيد اللَّه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي زيد الْأَصْبَهَانِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْمقري كتابين أَحدهمَا سَمَّاهُ شِفَاء الصُّدُور فِي محَاسِن صدر الصُّدُور وَالْآخر مُجَلد كَبِير وَهُوَ مُخْتَصر من شِفَاء الصُّدُور سَمَّاهُ الْكتاب الَّذِي أعده شَافِعِيّ فِي مَنَاقِب الإِمَام الشَّافِعِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وصنف الْحَافِظ أَبُو الْحَسَن بْن أَبِي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ الْمَعْرُوف بفندق كتابا كَبِيرا فِي المناقب وصنف إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ كتابا يخْتَص بِمَسْأَلَة تَرْجِيح مذْهبه عَلَى سَائِر الْمذَاهب وَيبين أَنه الَّذِي يجب عَلَى كل مَخْلُوق الاعتزاء إِلَيْهِ وتقليده مَا لم يكن مُجْتَهدا فَلَمَّا رَأَيْت التصانيف فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة وعيون أَوْلِيَاء اللَّه تَعَالَى بِمَا يسره عَلَى السَّابِقين قريرة وعيون النَّاس مكتفون بِمَا سبق لأَنهم أهل بَصِيرَة عدلت عَن ذَلِك وشرعت فِي مَقْصُود هَذَا الْمَجْمُوع وَهَا نَحن نَخُوض بحار الْمَقْصُود الْأَعْظَم ونجري فِي كل طبقَة عَلَى حُرُوف المعجم ونأتي بترتيب أشرح فِيهِ الِاخْتِيَار الْحَسَن والجم ونقضي لمن اسْمه مُحَمَّد أَو أَحْمَد بالتقديم ونمضي ذَلِك وَإِن كَانَ التَّرْتِيب يقْضِي لمن اسْمه إِبْرَاهِيم إجلالا لهذين الاسمين الشريفين إِلَّا عَن الِانْفِرَاد عَن غوغاء الجحفل الْعَظِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الطَّبَقَة الأولى 1 - أَحْمَد بْن خَالِد الْخلال أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ العسكري قَاضِي الثغر رَوَى عَن الشَّافِعِي وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا حدث عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا وَقَالا لَا بَأْس بِهِ قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ كَانَ خيرا فَاضلا عدلا ثِقَة صَدُوقًا رضَا وَقَالَ الْحَاكِم من جلة الْفُقَهَاء والمحدثين مَاتَ سنة سِتّ وَقيل سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ 2 - أَحْمَد بْن سِنَان بْن أَسد بْن حبَان الْقطَّان أَبُو جَعْفَر الوَاسِطِيّ الْحَافِظ لَهُ مُسْند مخرج عَلَى الرِّجَال رَوَى عَن الشَّافِعِي وَأبي مُعَاوِيَة ووكيع وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَخلق رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَيحيى بْن صاعد وَابْن خُزَيْمَة وَابْنه جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن سِنَان وَعلي بْن عَبْد اللَّه بْن مُبشر وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ فِيهِ ابْن أَبِي حَاتِم هُوَ إِمَام أهل زَمَانه 1 - أَحْمَد بْن خَالِد الْخلال أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ العسكري قَاضِي الثغر رَوَى عَن الشَّافِعِي وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا حدث عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا وَقَالا لَا بَأْس بِهِ قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ كَانَ خيرا فَاضلا عدلا ثِقَة صَدُوقًا رضَا وَقَالَ الْحَاكِم كَانَ من جلة الْفُقَهَاء والمحدثين مَاتَ سنة سِتّ وَقيل سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ 2 - أَحْمَد بْن سِنَان بْن أَسد بْن حبَان الْقطَّان أَبُو جَعْفَر الوَاسِطِيّ الْحَافِظ لَهُ مُسْند مخرج عَلَى الرِّجَال رَوَى عَن الشَّافِعِي وَأبي مُعَاوِيَة ووكيع وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَخلق رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَيحيى بْن صاعد وَابْن خُزَيْمَة وَابْنه جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن سِنَان وَعلي بْن عَبْد اللَّه بْن مُبشر وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ فِيهِ ابْن أَبِي حَاتِم هُوَ إِمَام أهل زَمَانه الحديث: 1 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 وَقَالَ أَبوهُ أَبُو حَاتِم ثِقَة صَدُوق وَقَالَ ابْن مَاكُولَا وَالدَّارَقُطْنِيّ كَانَ من الثِّقَات الْأَثْبَات وَقَالَ أَبُو عبيد الْآجُرِيّ سَأَلت أَبَا دَاوُد عَن أَحْمَد بْن سِنَان وَبُنْدَار فَقدم ابْن سِنَان عَلَى بنْدَار وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم فِي فَضَائِل الشَّافِعِي إِن بعض مشايخه بمرو حَدثهُ أَن ابْن سِنَان كَانَ يُقَاس بِابْن الْمُبَارك فِي زَمَانه قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر توفّي سنة سِتّ وَيُقَال سنة ثَمَان وَيُقَال سنة تسع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ قَالَ جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن سِنَان سَمِعت أَبِي يَقُول لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مُبْتَدع إِلَّا يبغض أَصْحَاب الحَدِيث وَإِذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحَدِيث من قلبه قَالَ ابْن أَبِي حَاتِم سَمِعت ابْن سِنَان يَقُول رَأَيْت الشَّافِعِي أَحْمَر الرَّأْس واللحية يَعْنِي أَنه اسْتعْمل الخضاب اتبَاعا للسّنة 3 - أَحْمَد بْن صَالح الْمصْرِيّ أَبُو جَعْفَر الطبرى الْحَافِظ أحد أَرْكَان الْعلم وجهابذة الْحفاظ قَالَ أَبُو سَعِيد بْن يُونُس كَانَ أَبوهُ جنديا من أجناد طبرستان فولد لَهُ أَحْمَد بِمصْر سنة سبعين وَمِائَة قلت سمع سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعبد اللَّه بْن وهب وحرمي بْن عمَارَة وعنبسة ابْن سَعِيد وَابْن أَبِي فديك وَعبد الرَّزَّاق وَعبد اللَّه بْن نَافِع وَالشَّافِعِيّ الحديث: 3 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وروى عَنهُ البُخَارِيّ وَرُبمَا رَوَى عَن رجل عَنهُ وروى عَنهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَعَمْرو النَّاقِد والذهلي ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نمير ومَحْمُود بْن غيلَان وَأَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَصَالح جزرة وَأَبُو إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ وَأَبُو بكر بْن أَبِي دَاوُد وَخلق وَدخل بَغْدَاد وناظر بهَا أَحْمَد بْن حَنْبَل قَالَ أَبُو زرْعَة سَأَلَني أَحْمَد بْن حَنْبَل من بِمصْر فَقلت أَحْمَد بْن صَالح فسر بِذكرِهِ ودعا لَهُ وَقَالَ البُخَارِيّ هُوَ ثِقَة مَا رَأَيْت أحدا يتَكَلَّم فِيهِ بِحجَّة وَقَالَ يَعْقُوب الْفَسَوِي كتبت عَن ألف شيخ وَكسر حجتي فِيمَا بيني وَبَين اللَّه رجلَانِ أَحْمَد بْن حَنْبَل وأَحْمَد بْن صَالح وَقَالَ ابْن وارة الْحَافِظ أَحْمَد بْن حَنْبَل بِبَغْدَاد وأَحْمَد بْن صَالح الْمصْرِيّ بِمصْر والنفيلي بحران وَابْن نمير بِالْكُوفَةِ هَؤُلَاءِ أَرْكَان الدّين وَقد تكلم النَّسَائِيّ فِي أَحْمَد بْن صَالح فَقَالَ لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مَأْمُون تَركه مُحَمَّد بْن يَحْيَى ورماه يَحْيَى بْن معِين بِالْكَذِبِ قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب يُقَال كَانَ آفَة أَحْمَد بْن صَالح الْكبر وشراسة الْخلق ونال النَّسَائِيّ مِنْهُ جفَاء فِي مَجْلِسه فَذَلِك الَّذِي أفسد بَينهمَا قَالَ ابْن عدي سَمِعت مُحَمَّد بْن هَارُون البرقي يَقُول حضرت مجْلِس أَحْمَد بْن صَالح وطرد النَّسَائِيّ من مَجْلِسه فَحَمله عَلَى أَن تكلم فِيهِ قَالَ ابْن عدي وَكَانَ النَّسَائِيّ يُنكر عَلَيْهِ أَحَادِيث مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ وَالْحَدِيثُ فَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ ابْن عدي وأَحْمَد من حفاظ الحَدِيث وَكَلَام ابْن معِين فِيهِ تحامل وَأَرَادَ بِكَلَام ابْن معِين مَا ذكره مُعَاوِيَة بْن صَالح عَنهُ أَنه سَأَلَهُ عَن أَحْمَد بْن صَالح فَقَالَ رَأَيْته كذابا يخْطر فِي جَامع مصر قلت وَقد ذكر أَن الَّذِي ذكر فِيهِ ابْن معِين هَذِهِ الْمقَالة هُوَ أَحْمَد بْن صَالح الشموني وَهُوَ شيخ بِمَكَّة كَانَ يضع الحَدِيث وَأَنه لم يعن أَحْمَد بْن صَالح هَذَا فَإِن هَذَا كَانَ من أقرانه فِي الْحِفْظ والإتقان ويترجح عَلَيْهِ فِي حَدِيث أهل مصر والحجاز وَذكر أَيْضًا أَنه كَانَت بَينه وَبَينه منافرة دنيوية قَالَ ابْن عدي وَأما سوء ثَنَاء النَّسَائِيّ عَلَيْهِ فَلَمَّا تقدم قَالَ وَلَوْلَا أَنِّي شرطت أَن أذكر فِي كتابي كل من تكلم فِيهِ مُتَكَلم لَكُنْت أجل أَحْمَد بْن صَالح أَن أذكرهُ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يعلى الخليلي فِي كتاب الْإِرْشَاد ابْن صَالح ثِقَة حَافظ وَاتفقَ الْحفاظ عَلَى أَن كَلَام النَّسَائِيّ فِيهِ تحامل وَلَا يقْدَح كَلَام أَمْثَاله فِيهِ وَقد نقم عَلَى النَّسَائِيّ كَلَامه فِيهِ وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي كتاب الأحوذي إِمَام ثِقَة من أَئِمَّة الملسمين لَا يُؤثر فِيهِ تجريح وَإِن هَذَا القَوْل يحط من النَّسَائِيّ أَكثر مِمَّا حط من ابْن صَالح قلت وَكَذَا قَالَ الْبَاجِيّ قلت أَحْمَد بْن صَالح ثِقَة إِمَام وَلَا الْتِفَات إِلَى كَلَام من تكلم فِيهِ وَلَكنَّا ننبهك هُنَا على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 قَاعِدَة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل ضَرُورِيَّة نافعة لَا ترَاهَا فى شئ من كتب الْأُصُول فَإنَّك إِذا سَمِعت أَن الْجرْح مقدم عَلَى التَّعْدِيل وَرَأَيْت الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكنت غرا بالأمور أَو فدما مُقْتَصرا عَلَى مَنْقُول الْأُصُول حسبت أَن الْعَمَل عَلَى جرحه فإياك ثمَّ إياك والحذر كل الحذر من هَذَا الحسبان بل الصَّوَاب عندنَا أَن من ثبتَتْ إِمَامَته وعدالته وَكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحه وَكَانَت هُنَاكَ قرينَة دَالَّة عَلَى سَبَب جرحه من تعصب مذهبي أَو غَيره فَإنَّا لَا نلتفت إِلَى الْجرْح فِيهِ ونعمل فِيهِ بِالْعَدَالَةِ وَإِلَّا فَلَو فتحنا هَذَا الْبَاب أَو أَخذنَا تَقْدِيم الْجرْح عَلَى إِطْلَاقه لما سلم لنا أحد من الْأَئِمَّة إِذْ مَا من إِمَام إِلَّا وَقد طعن فِيهِ طاعنون وَهلك فِيهِ هالكون وَقد عقد الْحَافِظ أَبُو عمر بن عبد الْبر فى الْكتاب الْعلم بَابا فِي حكم قَول الْعلمَاء بَعضهم فِي بعض بَدَأَ فِيهِ بِحَدِيث الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دب إِلَيْكُم دَاء الْأُمَم قبلكُمْ الْحَسَد والبغضاء الحَدِيث وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنه قَالَ اسْتَمعُوا علم الْعلمَاء وَلَا تصدقوا بَعضهم عَلَى بعض فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَهُم أَشد تغايرا من التيوس فِي زروبها وَعَن مَالك بْن دِينَار يُؤْخَذ بقول الْعلمَاء والقراء فى كل شئ إِلَّا قَول بَعضهم فِي بعض قلت وَرَأَيْت فِي كتاب معِين الْحُكَّام لِابْنِ عَبْد الرفيع من الْمَالِكِيَّة وَقع فِي المبسوطة من قَول عَبْد اللَّه بْن وهب أَنه لَا يجوز شَهَادَة الْقَارئ عَلَى الْقَارئ يَعْنِي الْعلمَاء لأَنهم أَشد النَّاس تحاسدا وتباغيا وَقَالَهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بْن دِينَار انْتهى وَلَعَلَّ ابْن عَبْد الْبر يرى هَذَا وَلَا بَأْس بِهِ غير أَنا لَا نَأْخُذ بِهِ عَلَى إِطْلَاقه وَلَكِن نرى أَن الضَّابِط مَا نقُوله من أَن ثَابت الْعَدَالَة لَا يلْتَفت فِيهِ إِلَى قَول من تشهد الْقَرَائِن بِأَنَّهُ مُتَحَامِل عَلَيْهِ إِمَّا لتعصب مذهبي أَو غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 ثمَّ قَالَ أَبُو عمر بعد ذَلِك الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب أَن من ثبتَتْ عَدَالَته وَصحت فِي الْعلم إِمَامَته وبالعلم عنايته لم يلْتَفت فِيهِ إِلَى قَول أحد إِلَّا أَن يَأْتِي فِي جرحته بِبَيِّنَة عادلة تصح بهَا جرحته عَلَى طَرِيق الشَّهَادَات وَاسْتدلَّ بِأَن السّلف تكلم بَعضهم فِي بعض بِكَلَام مِنْهُ مَا حمل عَلَيْهِ الْغَضَب أَو الْحَسَد وَمِنْه مَا دَعَا إِلَيْهِ التَّأْوِيل وَاخْتِلَاف الِاجْتِهَاد فِيمَا لَا يلْزم الْمَقُول فِيهِ مَا قَالَ الْقَائِل فِيهِ وَقد حمل بَعضهم عَلَى بعض بِالسَّيْفِ تَأْوِيلا واجتهادا ثمَّ انْدفع ابْن عَبْد الْبر فِي ذكر كَلَام جمَاعَة من النظراء بَعضهم فِي بعض وَعدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ لذَلِك إِلَى أَن انْتهى إِلَى كَلَام ابْن معِين فِي الشَّافِعِي وَقَالَ إِنَّه مِمَّا نقم عَلَى ابْن معِين وعيب بِهِ وَذكر قَول أَحْمَد بْن حَنْبَل من أَيْن يعرف يَحْيَى بْن معِين الشَّافِعِي هُوَ لَا يعرف الشَّافِعِي وَلَا يعرف مَا يَقُوله الشَّافِعِي وَمن جهل شَيْئا عَادَاهُ قلت وَقد قِيلَ إِن ابْن معِين لم يرد الشَّافِعِي وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْن عَمه كَمَا سنحكيه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ أَبِي مَنْصُور وَبِتَقْدِير إِرَادَته الشَّافِعِي فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَهُوَ عَار عَلَيْهِ وَقد كَانَ فِي بكاء ابْن معِين عَلَى إجَابَته الْمَأْمُون إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وتحسره عَلَى مَا فرط مِنْهُ مَا يَنْبَغِي أَن يكون شاغلا لَهُ عَن التَّعَرُّض إِلَى الإِمَام الشَّافِعِي إِمَام الْأَئِمَّة ابْن عَم الْمُصْطَفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ ذكر ابْن عَبْد الْبر كَلَام ابْن أَبِي ذيب وإِبْرَاهِيم بْن سعد فِي مَالك بْن أنس قَالَ وَقد تكلم أَيْضًا فِي مَالك عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلمَة وَعبد الرَّحْمَن بْن زيد بْن أسلم ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَابْن أَبِي يحيى وَابْن أَبِي الزِّنَاد وعابوا أَشْيَاء من مذْهبه وَقد برأَ اللَّه عز وَجل مَالِكًا عَمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد اللَّه وجيها قَالَ وَمَا مثل من تكلم فِي مَالك وَالشَّافِعِيّ ونظائرهما إِلَّا كَمَا قَالَ الْأَعْشَى (كناطح صَخْرَة يَوْمًا ليقلعها ... فَلم يَضرهَا وأوهى قرنه الوعل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 أَو كَمَا قَالَ الْحَسَن بْن حُمَيْد (يَا ناطح الْجَبَل العالي ليُكْلِمَه ... أشفِقْ عَلَى الرَّأْس لَا تُشْفِق عَلَى الْجَبَل) وَلَقَد أحسن أبوالعتاهية حَيْثُ يَقُول (وَمن ذَا الَّذِي ينجو من النَّاس سالما ... وَلِلنَّاسِ قَالٌ بالظنون وَقيل) وَقيل لِابْنِ الْمُبَارك فلَان يتَكَلَّم فِي أَبِي حنيفَة فَأَنْشد (حسدوك أَن رأوك فضلك اللَّه ... بِمَا فضلت بِهِ النجباء) وَقيل لأبي عَاصِم النَّبِيل فلَان يتَكَلَّم فِي أَبِي حنيفَة فَقَالَ هُوَ كَمَا قَالَ نصيب (سلمت وَهل حَيّ عَلَى النَّاس يسلم ... ) وَقَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي (حسدوا الْفَتى إِذْ لم ينالوا سَعْيه ... فالقوم أَعدَاء لَهُ وخصوم) ثمَّ قَالَ ابْن عَبْد الْبر فَمن أَرَادَ قبُول قَول الْعلمَاء الثِّقَات بَعضهم فِي بعض فليقبل قَول الصَّحَابَة بَعضهم فِي بعض فَإِن فعل ذَلِك فقد ضل ضلالا بَعيدا وخسر خسرانا مُبينًا قَالَ وَإِن لم يفعل وَلنْ يفعل إِن هداه اللَّه وألهمه رشده فليقف عِنْدَمَا شرطناه فِي أَن لَا يقبل فِي صَحِيح الْعَدَالَة الْمَعْلُوم بِالْعلمِ عنايته قَول قَائِل لَا برهَان لَهُ قلت هَذَا كَلَام ابْن عَبْد الْبر وَهُوَ عَلَى حسنه غير صَاف عَن القذى والكدر فَإِنَّهُ لم يزدْ فِيهِ عَلَى قَوْله إِن من ثبتَتْ عَدَالَته ومعرفته لَا يقبل قَول جارحه إِلَّا ببرهان وَهَذَا قد أَشَارَ إِلَيْهِ الْعلمَاء جَمِيعًا حَيْثُ قَالُوا لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا فَمَا الَّذِي زَاده ابْن عَبْد الْبر عَلَيْهِم وَإِن أَوْمَأ إِلَى أَن كَلَام النظير فِي النظير وَالْعُلَمَاء بَعضهم فِي بعض مَرْدُود مُطلقًا كَمَا قدمْنَاهُ عَن المبسوطة فليفصح بِهِ ثمَّ هُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ هَذَا عَلَى إِطْلَاقه بل لابد من زِيَادَة عَلَى قَوْلهم إِن الْجرْح مقدم عَلَى التَّعْدِيل ونقصان من قَوْلهم كَلَام النظير فِي النظير مَرْدُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وَالْقَاعِدَة معقودة لهَذِهِ الْجُمْلَة وَلم ينح ابْن عَبْد الْبر فِيمَا يظْهر سواهَا وَإِلَّا لصرح بِأَن كَلَام الْعلمَاء بَعضهم فِي بعض مَرْدُود أَو لَكَانَ كَلَامه غير مُفِيد فَائِدَة زَائِدَة عَلَى مَا ذكره النَّاس وَلَكِن عِبَارَته كَمَا ترى قَاصِرَة عَن المُرَاد فَإِن قلت فَمَا الْعبارَة الوافية بِمَا ترَوْنَ قلت مَا عرفناك أَولا من أَن الْجَارِح لَا يقبل مِنْهُ الْجرْح وَإِن فسره فِي حق من غلبت طاعاته عَلَى مَعَاصيه ومادحوه عَلَى ذاميه ومزكوه عَلَى جارحيه إِذا كَانَت هُنَاكَ قرينَة يشْهد الْعقل بِأَن مثلهَا حَامِل عَلَى الوقيعة فِي الذى جرحه من تعصب مذهبي أَو مُنَافَسَة دنيوية كَمَا يكون من النظراء أَو غير ذَلِك فَنَقُول مثلا لَا يلْتَفت إِلَى كَلَام ابْن أَبِي ذيب فِي مَالك وَابْن معِين فِي الشَّافِعِي وَالنَّسَائِيّ فِي أَحْمَد بْن صَالح لِأَن هَؤُلَاءِ أَئِمَّة مَشْهُورُونَ صَار الْجَارِح لَهُم كالآتي بِخَبَر غَرِيب لَو صَحَّ لتوفرت الدَّوَاعِي عَلَى نَقله وَكَانَ الْقَاطِع قَائِما عَلَى كذبه وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد عِنْد الْجرْح حَال العقائد واختلافها بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَارِح والمجروح فَرُبمَا خَالف الْجَارِح الْمَجْرُوح فِي العقيدة فجرحه لذَلِك وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرَّافِعِيّ بقوله وَيَنْبَغِي أَن يكون المزكون بُرَآء من الشحناء والعصبية فِي الْمَذْهَب خوفًا من أَن يحملهم ذَلِك عَلَى جرح عدل أَو تَزْكِيَة فَاسق وَقد وَقع هَذَا لكثير من الْأَئِمَّة جرحوا بِنَاء عَلَى معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مُصِيب وَقد أَشَارَ شيخ الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي كِتَابه الاقتراح إِلَى هَذَا الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي كِتَابه الاقتراح إِلَى هَذَا وَقَالَ أَعْرَاض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار وقف عَلَى شفيرها طَائِفَتَانِ من النَّاس المحدثون والحكام قلت وَمن أَمْثِلَة مَا قدمنَا قَول بَعضهم فِي البُخَارِيّ تَركه أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم من أجل مَسْأَلَة اللَّفْظ فيالله وَالْمُسْلِمين أَيجوزُ لأحد أَن يَقُول البُخَارِيّ مَتْرُوك وَهُوَ حَامِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 لِوَاء الصِّنَاعَة ومقدم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ثمَّ يالله وَالْمُسْلِمين أَتجْعَلُ ممادحه مذام فَإِن الْحق فِي مَسْأَلَة اللَّفْظ مَعَه إِذْ لَا يستريب عَاقل من المخلوقين فِي أَن تلفظه من أَفعاله الْحَادِثَة الَّتِي هِيَ مخلوقة لله تَعَالَى وَإِنَّمَا أنكرها الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لبشاعة لَفظهَا وَمن ذَلِك قَول بعض المجسمة فِي أَبِي حَاتِم ابْن حبَان لم يكن لَهُ كَبِير دين نَحن أخرجناه من سجستان لِأَنَّهُ أنكر الْحَد لله فياليت شعري من أَحَق بِالْإِخْرَاجِ من يَجْعَل ربه محدودا أَو من ينزهه عَن الجسمية وأمثلة هَذَا تكْثر وَهَذَا شَيخنَا الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه من هَذَا الْقَبِيل لَهُ علم وديانة وَعِنْده عَلَى أهل السّنة تحمل مفرط فَلَا يجوز أَن يعْتَمد عَلَيْهِ ونقلت من خطّ الْحَافِظ صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدى العلائي رَحمَه اللَّه مَا نَصه الشَّيْخ الْحَافِظ شمس الدّين الذَّهَبِيّ لَا أَشك فِي دينه وورعه وتحريه فِيمَا يَقُوله النَّاس وَلكنه غلب عَلَيْهِ مَذْهَب الْإِثْبَات ومنافرة التَّأْوِيل والغفلة عَن التَّنْزِيه حَتَّى أثر ذَلِك فِي طبعه انحرافا شَدِيدا عَن أهل التَّنْزِيه وميلا قَوِيا إِلَى أهل الْإِثْبَات فَإِذا ترْجم وَاحِدًا مِنْهُم يطنب فِي وَصفه بِجَمِيعِ مَا قِيلَ فِيهِ من المحاسن ويبالغ فِي وَصفه ويتغافل عَن غلطاته ويتأول لَهُ مَا أمكن وَإِذا ذكر أحدا من الطّرف الآخر كإمام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَنَحْوهمَا لَا يُبَالغ فِي وَصفه وَيكثر من قَول من طعن فِيهِ وَيُعِيد ذَلِك ويبديه ويعتقده دينا وَهُوَ لَا يشْعر ويعرض عَن محاسنهم الطافحة فَلَا يستوعبها وَإِذا ظفر لأحد مِنْهُم بغلطة ذكرهَا وَكَذَلِكَ فعله فِي أهل عصرنا إِذا لم يقدر عَلَى أحد مِنْهُم بتصريح يَقُول فِي تَرْجَمته وَالله يصلحه وَنَحْو ذَلِك وَسَببه الْمُخَالفَة فِي العقائد انْتهى وَالْحَال فِي حق شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَزِيد مِمَّا وصف وَهُوَ شَيخنَا ومعلمنا غير أَن الْحق أَحَق أَن يتبع وَقد وصل من التعصب المفرط إِلَى حد يسخر مِنْهُ وَأَنا أخْشَى عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة من غَالب عُلَمَاء الْمُسلمين وأئمتهم الَّذين حملُوا لنا الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة فَإِن غالبهم أشاعرة وَهُوَ إِذا وَقع بأشعري لَا يبقي وَلَا يذر وَالَّذِي أعتقده أَنهم خصماؤه يَوْم الْقِيَامَة عِنْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 من لَعَلَّ أَدْنَاهُم عِنْده أوجه مِنْهُ فَالله الْمَسْئُول أَن يُخَفف عَنهُ وَأَن يلهمهم الْعَفو عَنهُ وَأَن يشفعهم فِيهِ وَالَّذِي أدركنا عَلَيْهِ الْمَشَايِخ النَّهْي عَن النّظر فِي كَلَامه وَعدم اعْتِبَار قَوْله وَلم يكن يستجري أَن يظْهر كتبه التاريخية إِلَّا لمن يغلب عَلَى ظَنّه أَنه لَا ينْقل عَنهُ مَا يعاب عَلَيْهِ وَأما قَول العلائي رَحمَه اللَّه دينه وورعه وتحريه فِيمَا يَقُوله فقد كنت أعتقد ذَلِك وَأَقُول عِنْد هَذِهِ الْأَشْيَاء إِنَّه رُبمَا اعتقدها دينا وَمِنْهَا أُمُور أقطع بِأَنَّهُ يعرف بِأَنَّهَا كذب وأقطع بِأَنَّهُ لَا يختلقها وأقطع بِأَنَّهُ يحب وَضعهَا فِي كتبه لتنتشر وأقطع بِأَنَّهُ يحب أَن يعْتَقد سامعها صِحَّتهَا بغضا للمتحدث فِيهِ وتنفيرا للنَّاس عَنهُ مَعَ قلَّة مَعْرفَته بمدلولات الْأَلْفَاظ وَمَعَ اعْتِقَاده أَن هَذَا مِمَّا يُوجب نصر العقيدة الَّتِي يعتقدها هُوَ حَقًا وَمَعَ عدم ممارسته لعلوم الشَّرِيعَة غير أَنِّي لما أكثرت بعد مَوته النّظر فِي كَلَامه عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى النّظر فِيهِ توقفت فِي تحريه فِيمَا يَقُوله وَلَا أَزِيد عَلَى هَذَا غير الإحالة عَلَى كَلَامه فَلْينْظر كَلَامه من شَاءَ ثمَّ يبصر هَل الرجل متحر عِنْد غَضَبه أَو غير متحر وأعنى بغضبه وَقت تَرْجَمته لوَاحِد من عُلَمَاء الْمذَاهب الثَّلَاثَة الْمَشْهُورين من الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة فَإِنِّي أعتقد أَن الرجل كَانَ إِذا مد الْقَلَم لترجمة أحدهم غضب غَضبا مفرطا ثمَّ قرطم الْكَلَام ومزقه وَفعل من التعصب مَالا يخفى عَلَى ذِي بَصِيرَة ثمَّ هُوَ مَعَ ذَلِك غير خَبِير بمدلولات الْأَلْفَاظ كَمَا يَنْبَغِي فَرُبمَا ذكر لَفْظَة من الذَّم لَو عقل مَعْنَاهَا لما نطق بهَا ودائما أتعجب من ذكره الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي كتاب الْمِيزَان فِي الضُّعَفَاء وَكَذَلِكَ السَّيْف الْآمِدِيّ وَأَقُول يالله الْعجب هَذَانِ لَا رِوَايَة لَهما وَلَا جرحهما أحد وَلَا سمع من أحد أَنه ضعفهما فِيمَا ينقلانه من علومهما فَأَي مدْخل لَهما فِي هَذَا الْكتاب ثمَّ إِنَّا لم نسْمع أحدا يُسَمِّي الإِمَام فَخر الدّين بالفخر بل إِمَّا الإِمَام وَإِمَّا ابْن الْخَطِيب وَإِذا ترْجم كَانَ فِي المُحَمَّدين فَجعله فِي حرف الْفَاء وَسَماهُ الْفَخر ثمَّ حلف فِي آخر الْكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 أَنه لم يتَعَمَّد فِيهِ هوى نَفسه فَأَي هوى نفس أعظم من هَذَا فإمَّا أَن يكون ورى فِي يَمِينه أَو اسْتثْنى غير الروَاة فَيُقَال لَهُ فَلم ذكرت غَيرهم وَإِمَّا أَن يكون اعْتقد أَن هَذَا لَيْسَ هوى نفس وَإِذا وصل إِلَى هَذَا الْحَد وَالْعِيَاذ بِاللَّه فَهُوَ مطبوع عَلَى قلبه ولنعد إِلَى مَا كُنَّا بصدده فَنَقُول فَإِن قلت قَوْلكُم لابد من تفقد حَال العقائد هَل تعنون بِهِ أَنه لَا يقبل قَول مُخَالف عقيدة فِيمَن خَالفه مُطلقًا سَوَاء السّني عَلَى المبتدع وَعَكسه أَو غير ذَلِك قلت هَذَا مَكَان معضل يجب عَلَى طَالب التَّحْقِيق التَّوَقُّف عِنْده لفهم مَا يلقى عَلَيْهِ وَأَن لَا يُبَادر لإنكار شَيْء قبل التَّأَمُّل فِيهِ وَاعْلَم أَنا عنينا مَا هُوَ أَعم من ذَلِك ولسنا نقُول لَا تقبل شَهَادَة السّني عَن المبتدع مُطلقًا معَاذ اللَّه وَلَكِن نقُول من شهد عَلَى آخر وَهُوَ مُخَالف لَهُ فِي العقيدة أوجبت مُخَالفَته لَهُ فِي العقيدة رِيبَة عِنْد الْحَاكِم الْمُنْتَصر لَا يجدهَا إِذا كَانَت الشَّهَادَة صادرة من غير مُخَالف فِي العقيدة وَلَا يُنكر ذَلِك إِلَّا فدم أخرق ثمَّ الْمَشْهُود بِهِ يخْتَلف باخْتلَاف الْأَحْوَال والأغراض فَرُبمَا وضح غَرَض الشَّاهِد عَلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ إيضاحا لَا يخفى عَلَى أحد وَذَلِكَ لقُرْبه من نصر معتقده أَو مَا أشبه ذَلِك وَرُبمَا دق وغمض بِحَيْثُ لَا يُدْرِكهُ إِلَّا الفطن من الْحُكَّام وَرب شَاهد من أهل السّنة ساذج قد مقت المبتدع مقتا زَائِدا عَلَى مَا يَطْلُبهُ اللَّه مِنْهُ وأساء الظَّن بِهِ إساءة أوجبت لَهُ تَصْدِيق مَا يبلغهُ عَنهُ فَبَلغهُ عَنهُ شئ فغلب عَلَى ظَنّه صدقه لما قدمْنَاهُ فَشهد بِهِ فسبيل الْحَاكِم التَّوَقُّف فِي مثل هَذَا إِلَى أَن يتَبَيَّن لَهُ الْحَال فِيهِ وسبيل الشَّاهِد الْوَرع وَلَو كَانَ من أَصْلَب أهل السّنة أَن يعرض عَلَى نَفسه مَا نقل لَهُ عَن هَذَا المبتدع وَقد صدقه وعزم عَلَى أَن شهد عَلَيْهِ بِهِ أَن يعرض عَلَى نَفسه مثل هَذَا الْخَبَر بِعَيْنِه وَهَذَا الْمخبر بِعَيْنِه لَو كَانَ عَن شخص من أهل عقيدته هَل كَانَ يصدقهُ وَبِتَقْدِير أَنه كَانَ يصدقهُ فَهَل كَانَ يُبَادر إِلَى الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِهِ وَبِتَقْدِير أَنه كَانَ يُبَادر فليوازن مَا بَين المبادرتين فَإِن وجدهما سَوَاء فدونه وَإِلَّا فَليعلم أَن حَظّ النَّفس دَاخله وأزيد من ذَلِك أَن الشَّيْطَان استولى عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 فخيل لَهُ أَن هَذِهِ قربَة وَقيام فِي نصر الْحق وليعلم من هَذِهِ سَبيله أَنه أَتَى من جهل وَقلة دين وَهَذَا قَوْلنَا فِي سني يجرح مبتدعا فَمَا الظَّن بِمُبْتَدعٍ يجرح سنيا كَمَا قدمْنَاهُ وَفِي المبتدعة لَا سِيمَا المجسمة زِيَادَة لَا تُوجد فِي غَيرهم وَهُوَ أَنهم يرَوْنَ الْكَذِب لنصرة مَذْهَبهم وَالشَّهَادَة عَلَى من يخالفهم فِي العقيدة بِمَا يسوءه فِي نَفسه وَمَاله بِالْكَذِبِ تأييدا لاعتقادهم ويزداد حنقهم وتقربهم إِلَى اللَّه بِالْكَذِبِ عَلَيْهِ بِمِقْدَار زِيَادَته فِي النّيل مِنْهُم فَهَؤُلَاءِ لَا يحل لمُسلم أَن يعْتَبر كَلَامهم فَإِن قلت أَلَيْسَ أَن الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب قبُول شَهَادَة المبتدع إِذا لم نكفره قلت قبُول شَهَادَته لَا يُوجب دفع الرِّيبَة عِنْد شَهَادَته عَلَى مخالفه فِي العقيدة والريبة توجب الفحص والتكشف والتثبت وَهَذِه أُمُور تظهر الْحق إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِذا اعتمدت عَلَى مَا يَنْبَغِي وَفِي تعليقة القَاضِي الْحُسَيْن لَا يجوز أَن يبغض الرجل لِأَنَّهُ من مَذْهَب كَذَا فَإِن ذَلِك يُوجب رد الشَّهَادَة انْتهى وَمرَاده لِأَنَّهُ من مَذْهَب من الْمذَاهب المقبولة أما إِذا أبغضه لكَونه مبتدعا فَلَا ترد شَهَادَته وَاعْلَم أَن مَا ذَكرْنَاهُ من قبُول شَهَادَة المبتدع هُوَ مَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَهُوَ مصادم لنَصّ الشَّافِعِي عَلَى عدم قبُول الخطابية وَهِي طَريقَة الْأَصْحَاب وَأَصْحَاب هَذِهِ الطَّرِيقَة يَقُولُونَ لَو شهد خطابي وَذكر فِي شَهَادَته مَا يقطع احْتِمَال الِاعْتِمَاد عَلَى قَول الْمُدَّعِي بِأَن قَالَ سَمِعت فلَانا يقر بِكَذَا لفُلَان أَو رَأَيْته أقْرضهُ قبلت شَهَادَته وَهَذَا مِنْهُم بِنَاء عَلَى أَن الْخطابِيّ يرى جَوَاز الشَّهَادَة لصَاحبه إِذا سَمعه يَقُول لي عَلَى فلَان كَذَا فَصدقهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّافِعِي وَقد تزايد الْحَال بالخطابية وهم المجسمة فِي زَمَاننَا هَذَا فصاروا يرَوْنَ الْكَذِب عَلَى مخالفيهم فِي العقيدة لَا سِيمَا الْقَائِم عَلَيْهِم بِكُل مَا يسوءه فِي نَفسه وَمَاله وَبَلغنِي أَن كَبِيرهمْ استفتى فِي شَافِعِيّ أيشهد عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ فَقَالَ أَلَسْت تعتقد أَن دَمه حَلَال قَالَ نعم قَالَ فَمَا دون ذَلِك دون دَمه فاشهد وادفع فَسَاده عَن الْمُسلمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 فَهَذِهِ عقيدتهم ويرون أَنهم الْمُسلمُونَ وَأَنَّهُمْ أهل السّنة وَلَو عدوا عددا لما بلغ علماؤهم وَلَا عَالم فيهم عَلَى الْحَقِيقَة مبلغا يعْتَبر ويكفرون غَالب عُلَمَاء الْأمة ثمَّ يعتزون إِلَى الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ مِنْهُم برِئ وَلكنه كَمَا قَالَ بعض العارفين ورأيته بِخَط الشَّيْخ تقى الدّين ابْن الصّلاح إمامان ابتلاهما الله بأصحابهما وهما بريان مِنْهُم أَحْمد ابْن حَنْبَل ابْتُلِيَ بالمُجَسِّمَة وجعفر الصَّادِق ابْتُلِيَ بالرافضة ثمَّ هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ عَلَى طَريقَة النَّوَوِيّ رَحمَه اللَّه وَالَّذِي أرَاهُ أَن لَا تقبل شَهَادَتهم عَلَى سني فَإِن قلت هَل هَذَا رأى الشَّيْخ أَبِي حَامِد وَمن تَابعه أَن أهل الْأَهْوَاء كلهم لَا تقبل لَهُم شَهَادَة قلت لَا بل هَذَا قَول بِأَن شَهَادَتهم عَلَى مخالفيهم فِي العقيدة غير مَقْبُولَة وَلَو كَانَ مخالفهم فِي العقيدة مبتدعا وَهَذَا لَا أعتقد أَن النَّوَوِيّ وَلَا غَيره يُخَالف فِيهِ وَالَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ قبُول شَهَادَة المبتدع إِذا لم نكفره عَلَى الْجُمْلَة أما أَن شَهَادَته تقبل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مخالفه فِي العقيدة مَعَ مَا هُنَاكَ من الرِّيبَة فَلم يقل النَّوَوِيّ وَلَا غَيره ذَلِك فَإِن قلت غَايَة الْمُخَالفَة فِي العقيدة أَن توجب عَدَاوَة وَهِي دينية فَلَا توجب رد الشَّهَادَة قلت إِنَّمَا لَا توجب رد الشَّهَادَة من المحق عَلَى الْمُبْطل كَمَا قَالَ الْأَصْحَاب تقبل شَهَادَة السّني عَلَى المبتدع وَكَذَا من أبْغض الْفَاسِق لفسقه ثمَّ سأعرفك مَا فِيهِ وَأما عَكسه وَهُوَ المبتدع عَلَى السّني فَلم يقلهُ أحد من أَصْحَابنَا ثمَّ أَقُول فِي مَا ذكره الْأَصْحَاب من قبُول شَهَادَة السّني عَلَى المبتدع إِنَّمَا ذَلِك فِي سني لم يصل فِي حق المبتدع وبغضه لَهُ إِلَى أَن يصير عِنْده حَظّ نفس قد يحملهُ عَلَى التعصب عَلَيْهِ وَكَذَا الشَّاهِد عَلَى الْفَاسِق فَمن وصل من السّني وَالشَّاهِد عَلَى الْفَاسِق إِلَى هَذَا الْحَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 لم أقبل شَهَادَته عَلَيْهِ لِأَن عِنْدهمَا زِيَادَة عَلَى مَا طلبه الشَّارِع مِنْهُمَا أوجبت عِنْدِي الرِّيبَة فِي أَمرهمَا فكم من شَاهد رَأَيْته يبغض إنْسَانا وَيشْهد عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ تدينا وَجَاءَنِي وَأدّى الشَّهَادَة عِنْدِي باكيا وَقت تأديته الشَّهَادَة عَلَى الدّين فرقا خَائفًا أَن يخسف بِالْمُسْلِمين لوُجُود الْمَشْهُود عَلَيْهِ بَين أظهرنَا وَأَنا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أعتقد وأتيقن أَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ خير مِنْهُ وَلَا أَقُول إِنَّه كذب عَلَيْهِ عَامِدًا بل إِنَّه بنى عَلَى الظَّن وَصدق أقوالا ضَعِيفَة أبْغض الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا فمنذ أبغضه لحقه هوى النَّفس وَاسْتولى عَلَيْهِ الشَّيْطَان وَصَارَ الْحَامِل لَهُ فِي نفس الْأَمر حَظّ نَفسه وَفِيمَا يخْطر لَهُ الدّين هَذَا مَا شاهدته وأبصرته ولي فِي الْقَضَاء سِنِين عديدة فليتق اللَّه امْرُؤ وقف عَلَى حُفْرَة من حفر النَّار فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قد جعلني اللَّه قَاضِيا ومحدثا وَقد قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد أَعْرَاض النَّاس حُفْرَة من حفر النَّار وقف عَلَيْهَا المحدثون والحكام وَمِمَّا يُؤَيّد مَا قلته أَن أَصْحَابنَا قَالُوا من استباح دم غَيره من الْمُسلمين وَلم يقدر عَلَى قَتله فَشهد عَلَيْهِ بقتل لم يقتل ذكره الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فِي بَاب من تجوز شَهَادَته نقلا عَن بعض أَصْحَابنَا ساكتا عَلَيْهِ وَلَا يعرف فِي الْمَذْهَب خِلَافه فَإِن قلت قد قَالَ عقيبة وَمن شتم متأولا ثمَّ شهد عَلَيْهِ قبل أَو غير متأول فَلَا قلت يَعْنِي بِالْقبُولِ بعد الشتم متأولا الشَّهَادَة بِأَمْر معِين وَنحن نعلم أَنه لَا يحملهُ عَلَيْهَا بغض فَلَيْسَ كمن وصفناه وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد عِنْد الْجرْح أَيْضًا حَال الْجَارِح فِي الْخِبْرَة بمدلولات الْأَلْفَاظ فكثيرا مَا رَأَيْت من يسمع لَفْظَة فيفهمها عَلَى غير وَجههَا والخبرة بمدلولات الْأَلْفَاظ وَلَا سِيمَا الْأَلْفَاظ الْعُرْفِيَّة الَّتِي تخْتَلف باخْتلَاف عرف النَّاس وَتَكون فِي بعض الْأَزْمِنَة مدحا وَفِي بَعْضهَا ذما أَمر شَدِيد لَا يُدْرِكهُ إِلَّا قعيد بِالْعلمِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد أَيْضًا حَاله فِي الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة فَرب جَاهِل ظن الْحَلَال حَرَامًا فجرح بِهِ وَمن هُنَا أوجب الْفُقَهَاء التَّفْسِير ليتوضح الْحَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حضرت بِمصْر رجلا مزكيا يجرح رجلا فَسئلَ عَن سَببه وألح عَلَيْهِ فَقَالَ رَأَيْته يَبُول قَائِما قِيلَ وَمَا فِي ذَلِك قَالَ يرد الرّيح من رشاشه عَلَى يَده وثيابه فَيصَلي فِيهِ قِيلَ هَل رَأَيْته قد أَصَابَهُ الرشاش وَصلى قبل أَن يغسل مَا أَصَابَهُ قَالَ لَا وَلَكِن أرَاهُ سيفعل قَالَ صَاحب الْبَحْر وَحكي أَن رجلا جرح رجلا وَقَالَ إِنَّه طين سطحه بطين استخرج من حَوْض السَّبِيل وَمِمَّا يَنْبَغِي أَيْضًا تفقده وَقد نبه عَلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق الْعِيد الْخلاف الْوَاقِع بَين كثير من الصُّوفِيَّة وَأَصْحَاب الحَدِيث فقد أوجب كَلَام بَعضهم فِي بعض كَمَا تكلم بَعضهم فِي حق الْحَارِث المحاسبي وَغَيره وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة دَاخل فِي قسم مُخَالفَة العقائد وَإِن عده ابْن دَقِيق الْعِيد غَيره والطامة الْكُبْرَى إِنَّمَا هِيَ فِي العقائد المثيرة للتعصب والهوى نعم وَفِي المنافسات الدُّنْيَوِيَّة عَلَى حطام الدُّنْيَا وَهَذَا فِي الْمُتَأَخِّرين أَكثر مِنْهُ فِي الْمُتَقَدِّمين وَأمر العقائد سَوَاء فِي الْفَرِيقَيْنِ وَقد وصل حَال بعض المجسمة فِي زَمَاننَا إِلَى أَن كتب شرح صَحِيح مُسلم للشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ وَحذف من كَلَام النَّوَوِيّ مَا تكلم بِهِ عَلَى أَحَادِيث الصِّفَات فَإِن النَّوَوِيّ أشعري العقيدة فَلم تحمل قوى هَذَا الْكَاتِب أَن يكْتب الْكتاب عَلَى الْوَضع الَّذِي صنفه مُصَنفه وَهَذَا عِنْدِي من كَبَائِر الذُّنُوب فَإِنَّهُ تَحْرِيف للشريعة وَفتح بَاب لَا يُؤمن مَعَه بكتب النَّاس وَمَا فِي أَيْديهم من المصنفات فقبح اللَّه فَاعله وأخزاه وَقد كَانَ فِي غنية عَن كِتَابَة هَذَا الشَّرْح وَكَانَ الشَّرْح فِي غنية عَنهُ ولنعد إِلَى الْكَلَام فِي الجارحين عَلَى النَّحْو الَّذِي عرفناك فَإِن قلت فَهَذَا يعود بِالْجرْحِ عَلَى الْجَارِح حَيْثُ جرح لَا فِي مَوْضِعه قلت أما من تكلم بالهوى وَنَحْوه فَلَا شكّ فِيهِ وَأما من تكلم بمبلغ ظَنّه فَهُنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَقْفَة محتومة عَلَى طَالب التحقيقات ومزلة تَأْخُذ بأقدام من لَا يبرأ عَن حوله وقوته ويكل أمره إِلَى عَالم الخفيات فَنَقُول لَا شكّ أَن من تكلم فِي إِمَام اسْتَقر فِي الأذهان عَظمته وتناقلت الروَاة ممادحه فقد جر الملام إِلَى نَفسه وَلَكنَّا لَا نقضي أَيْضًا عَلَى من عرفت عَدَالَته إِذا جرح من لم يقبل مِنْهُ جرحه إِيَّاه بِالْفِسْقِ بل نجوز أمورا أَحدهَا أَن يكون واهما وَمن ذَا الَّذِي لَا يهم وَالثَّانِي أَن يكون مؤولا قد جرح بشئ ظَنّه جارحا وَلَا يرَاهُ الْمَجْرُوح كَذَلِك كاختلاف الْمُجْتَهدين وَالثَّالِث أَن يكون نَقله إِلَيْهِ من يرَاهُ هُوَ صَادِقا ونراه نَحن كَاذِبًا وَهَذَا لاختلافنا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَرب مَجْرُوح عِنْد عَالم معدل عِنْد غَيره فَيَقَع الِاخْتِلَاف فِي الِاحْتِجَاج حسب الِاخْتِلَاف فِي تزكيته فَلم يتَعَيَّن أَن يكون الْحَامِل للجارح عَلَى الْجرْح مُجَرّد التعصب والهوى حَتَّى يجرحه بِالْجرْحِ ومعنا أصلان نستصحبهما إِلَى أَن نتيقن خلافهما أصل عَدَالَة الإِمَام الْمَجْرُوح الَّذِي قد اسْتَقَرَّتْ عَظمته وأصل عَدَالَة الْجَارِح الَّذِي يثبت فَلَا يلْتَفت إِلَى جرحه وَلَا نجرحه بجرحه فاحفظ هَذَا الْمَكَان فَهُوَ من الْمُهِمَّات فَإِن قلت فَهَل مَا قررتموه مُخَصص لقَوْل الْأَئِمَّة إِن الْجرْح مقدم لأنكم تستثنون جارحا لمن هَذَا شَأْنه قد ندر بَين المعدلين قلت لَا فَإِن قَوْلهم الْجرْح مقدم إِنَّمَا يعنون بِهِ حَالَة تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِذا تَعَارضا لأمر من جِهَة التَّرْجِيح قدمنَا الْجرْح لما فِيهِ من زِيَادَة الْعلم وتعارضهما هُوَ تَعَارضا لأمر من جِهَة التَّرْجِيح قدمنَا الْجرْح لما فِيهِ من زِيَادَة الْعلم وتعارضهما هُوَ اسْتِوَاء الظَّن عِنْدهمَا لِأَن هَذَا شَأْن المتعارضين أما إِذا لم يَقع اسْتِوَاء الظَّن عِنْدهمَا فَلَا تعَارض بل الْعَمَل بأقوى الظنين من جرح أَو تَعْدِيل وَمَا نَحن فِيهِ لم يتعارضا لِأَن غَلَبَة الظَّن بِالْعَدَالَةِ قَائِمَة وَهَذَا كَمَا أَن عدد الْجَارِح إِذا كَانَ أَكثر قدم الْجرْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا تعَارض وَالْحَالة هَذِهِ وَلَا يَقُول منا أحد بِتَقْدِيم التَّعْدِيل لَا من قَالَ بتقديمه عِنْد التَّعَارُض وَلَا غَيره وعبارتنا فِي كتَابنَا جمع الْجَوَامِع وَهُوَ مُخْتَصر جمعناه فِي الْأَصْلَيْنِ جمع فأوعى وَالْجرْح مقدم إِن كَانَ عدد الْجَارِح أَكثر من الْمعدل إِجْمَاعًا وَكَذَا إِن تَسَاويا أَو كَانَ الْجَارِح أقل وَقَالَ ابْن شعْبَان بِطَلَب التَّرْجِيح انْتهى وَفِيه زِيَادَة عَلَى مَا فِي مختصرات أصُول الْفِقْه فَإنَّا نبهنا فِيهِ عَلَى مَكَان الْإِجْمَاع وَلم ينبهوا عَلَيْهِ وحكينا فِيهِ مقَالَة ابْن شعْبَان من الْمَالِكِيَّة وَهِي غَرِيبَة لم يشيروا إِلَيْهَا وأشرنا بقولنَا يطْلب التَّرْجِيح إِلَى أَن النزاع إِنَّمَا هُوَ فِي حَالَة التَّعَارُض لِأَن طلب التَّرْجِيح إِنَّمَا هُوَ فِي تِلْكَ الْحَالة وَهَذَا شَأْن كتَابنَا جمع الْجَوَامِع نفع اللَّه بِهِ غَالِبا ظننا أَن فِي كل مَسْأَلَة فِيهِ زيادات لَا تُوجد مَجْمُوعَة فِي غَيره مَعَ البلاغة فِي الِاخْتِصَار إِذا عرفت هَذَا علمت أَنه لَيْسَ كل جرح مقدما وَقد عقد شَيخنَا الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه تَعَالَى فصلا فِي جمَاعَة لَا يعبأ بالْكلَام فيهم بل هم ثِقَات عَلَى رغم أنف من تفوه فيهم بِمَا هم عَنهُ بُرَآء وَنحن نورد فِي تَرْجَمته محَاسِن ذَلِك الْفَصْل إِنْ شَاءَ اللَّهُ ولنختم هَذِهِ الْقَاعِدَة بفائدتين عظيمتين لَا يراهما النَّاظر أَيْضًا فِي غير كتَابنَا هَذَا إِحْدَاهمَا أَن قَوْلهم لَا يقبل الْجرْح إِلَّا مُفَسرًا إِنَّمَا هُوَ أَيْضًا فِي جرح من ثبتَتْ عَدَالَته واستقرت فَإِذا أَرَادَ رَافع رَفعهَا بِالْجرْحِ قِيلَ لَهُ ائْتِ ببرهان عَلَى هَذَا أَو فِيمَن لم يعرف حَاله وَلَكِن ابتدره جارحان ومزكيان فَيُقَال إِذْ ذَاك للجارحين فسرا مَا رميتماه بِهِ أما من ثَبت أَنه مَجْرُوح فَيقبل قَول من أطلق جرحه لجريانه عَلَى الأَصْل الْمُقَرّر عندنَا وَلَا نطالبه بالتفسير إِذْ لَا حَاجَة إِلَى طلبه والفائدة الثَّانِيَة أَنا لَا نطلب التَّفْسِير من كل أحد بل إِنَّمَا نطلبه حَيْثُ يحْتَمل الْحَال شكا إِمَّا لاخْتِلَاف فِي الِاجْتِهَاد أَو لتهمة يسيرَة فِي الْجَارِح أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يُوجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 سُقُوط قَول الْجَارِح وَلَا يَنْتَهِي إِلَى الِاعْتِبَار بِهِ عَلَى الْإِطْلَاق بل يكون بَين بَين أما إِذا انْتَفَت الظنون واندفعت التهم وَكَانَ الْجَارِح خَبرا من أَحْبَار الْأمة مبرأ عَن مظان التُّهْمَة أَو كَانَ الْمَجْرُوح مَشْهُورا بالضعف متروكا بَين النقاد فَلَا نتلعثم عِنْد جرحه وَلَا نحوج الْجَارِح إِلَى تَفْسِير بل طلب التَّفْسِير مِنْهُ وَالْحَالة هَذِهِ طلب لغيبة لَا حَاجَة إِلَيْهَا فَنحْن نقبل قَول ابْن معِين فِي إِبْرَاهِيم بن شُعَيْب المدنى شيخ روى عَنهُ ابْن وهب إِنَّه لَيْسَ بشئ وَفِي إِبْرَاهِيم بْن يزِيد الْمدنِي إِنَّه ضَعِيف وَفِي الْحُسَيْن بْن الْفرج الْخياط إِنَّه كَذَّاب يسرق الحَدِيث وعَلى هَذَا وَإِن لم يبين الْجرْح لِأَنَّهُ إِمَام مقدم فِي هَذِهِ الصِّنَاعَة جرح طَائِفَة غير ثابتي الْعَدَالَة والثبت وَلَا نقبل قَوْله فِي الشَّافِعِي وَلَو فسر وأتى بِأَلف إِيضَاح لقِيَام الْقَاطِع عَلَى أَنه غير محق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فَاعْتبر مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي ابْن معِين وَغَيره واحتفظ بِمَا ذَكرْنَاهُ تنْتَفع بِهِ وَيقرب من هَذِهِ الْقَاعِدَة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل قَاعِدَة فِي المؤرخين نافعة جدا فَإِن أهل التَّارِيخ رُبمَا وضعُوا من أنَاس وَرفعُوا أُنَاسًا إِمَّا لتعصب أَو لجهل أَو لمُجَرّد اعْتِمَاد عَلَى نقل من لَا يوثق بِهِ أَو غير ذَلِك من الْأَسْبَاب وَالْجهل فِي المؤرخين أَكثر مِنْهُ فِي أهل الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَكَذَلِكَ التعصب قل أَن رَأَيْت تَارِيخا خَالِيا من ذَلِك وَأما تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ غفر اللَّه لَهُ فَإِنَّهُ عَلَى حسنه وَجمعه مشحون بالتعصب المفرط لَا واخذه اللَّه فَلَقَد أَكثر الوقيعة فِي أهل الدّين أَعنِي الْفُقَرَاء الَّذين هم صفوة الْخلق واستطال بِلِسَانِهِ عَلَى كثير من أَئِمَّة الشافعيين والحنفيين وَمَال فأفرط عَلَى الأشاعرة ومدح فَزَاد فِي المجسمة هَذَا وَهُوَ الْحَافِظ المدره وَالْإِمَام المبجل فَمَا ظَنك بعوام المؤرخين فَالرَّأْي عندنَا أَلا يقبل مدح وَلَا ذمّ من المؤرخين إِلَّا بِمَا اشْتَرَطَهُ إِمَام الْأَئِمَّة وَحبر الْأمة وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه اللَّه حَيْثُ قَالَ ونقلته من خطه فِي مجاميعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 يشْتَرط فِي المؤرخ الصدْق وَإِذا نقل يعْتَمد اللَّفْظ دون الْمَعْنى وَألا يكون ذَلِك الَّذِي نَقله أَخذه فِي المذاكرة وَكتبه بعد ذَلِك وَأَن يُسمى الْمَنْقُول عَنهُ فَهَذِهِ شُرُوط أَرْبَعَة فِيمَا يَنْقُلهُ وَيشْتَرط فِيهِ أَيْضًا لما يترجمه من عِنْد نَفسه وَلما عساه يطول فِي التراجم من الْمَنْقُول وَيقصر أَن يكون عَارِفًا بِحَال صَاحب التَّرْجَمَة علما ودينا وَغَيرهمَا من الصِّفَات وَهَذَا عَزِيز جدا وَأَن يكون حسن الْعبارَة عَارِفًا بمدلولات الْأَلْفَاظ وَأَن يكون حسن التَّصَوُّر حَتَّى يتَصَوَّر حَال تَرْجَمته جَمِيع حَال ذَلِك الشَّخْص ويعبر عَنهُ بِعِبَارَة لَا تزيد عَلَيْهِ وَلَا تنقص عَنهُ وَأَن لَا يغلبه الْهوى فيخيل إِلَيْهِ هَوَاهُ الإطناب فِي مدح من يُحِبهُ وَالتَّقْصِير فِي غَيره بل إِمَّا أَن يكون مُجَردا عَن الْهوى وَهُوَ عَزِيز وَإِمَّا أَن يكون عِنْده من الْعدْل مَا يقهر بِهِ هَوَاهُ ويسلك طَرِيق الْإِنْصَاف فَهَذِهِ أَرْبَعَة شُرُوط أُخْرَى وَلَك أَن تجعلها خَمْسَة لِأَن حسن تصَوره وَعلمه قد لَا يحصل مَعَهُمَا الاستحضار حِين التصنيف فَيجْعَل حُضُور التَّصَوُّر زَائِدا عَلَى حسن التَّصَوُّر وَالْعلم فَهِيَ تِسْعَة شُرُوط فِي المؤرخ وأصعبها الِاطِّلَاع عَلَى حَال الشَّخْص فِي الْعلم فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى الْمُشَاركَة فِي علمه والقرب مِنْهُ حَتَّى يعرف مرتبته انْتهى وَذكر أَن كِتَابَته لهَذِهِ الشُّرُوط كَانَت بعد أَن وقف عَلَى كَلَام ابْن معِين فى الشافعى وَقَول أَحْمَد بْن حَنْبَل إِنَّه لَا يعرف الشَّافِعِي وَلَا يعرف مَا يَقُول قلت وَمَا أحسن قَوْله وَلما عساه يطول فِي التراجم من الْمَنْقُول وَيقصر فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى فَائِدَة جليلة يغْفل عَنْهَا كَثِيرُونَ ويحترز مِنْهَا الموفقون وَهِي تَطْوِيل التراجم وتقصيرها فَرب محتاط لنَفسِهِ لَا يذكر إِلَّا مَا وجده مَنْقُولًا ثمَّ يَأْتِي إِلَى من يبغضه فينقل جَمِيع مَا ذكر من مذامه ويحذف كثيرا مِمَّا نقل من ممادحه ويجئ إِلَى من يُحِبهُ فيعكس الْحَال فِيهِ ويظن الْمِسْكِين أَنه لم يَأْتِ بذنب لِأَنَّهُ لَيْسَ يجب عَلَيْهِ تَطْوِيل تَرْجَمَة أحد وَلَا اسْتِيفَاء مَا ذكر من ممادحه وَلَا يظنّ المغتر أَن تَقْصِيره لترجمته بِهَذِهِ النِّيَّة استزراء بِهِ وخيانة لله وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِلْمُؤْمنِينَ فِي تأدية مَا قيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 فِي حَقه من حمد وذم فَهُوَ كمن يذكر بَين يَدَيْهِ بعض النَّاس فَيَقُول دَعونَا مِنْهُ وَإنَّهُ عَجِيب أَو اللَّه يصلحه فيظن أَنه لم يغتبه بشئ من ذَلِك وَمَا يظنّ أَن ذَلِك من أقبح الْغَيْبَة وَلَقَد وقفت فِي تَارِيخ الذَّهَبِيّ رَحمَه اللَّه عَلَى تَرْجَمَة الشَّيْخ الْمُوفق بْن قدامَة الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ فَخر الدّين بْن عَسَاكِر وَقد أَطَالَ تِلْكَ وَقصر هَذِهِ وأتى بِمَا لَا يشك لَبِيب أَنه لم يحملهُ عَلَى ذَلِك إِلَّا أَن هَذَا أشعري وَذَاكَ حنبلي وسيقفون بَين يَدي رب الْعَالمين وَكَذَلِكَ مَا أحسن قَول الشَّيْخ الإِمَام وَأَن لَا يغلبه الْهوى فَإِن الْهوى غلاب إِلَّا لمن عصمه اللَّه وَقَوله فإمَّا أَن يتجرد عَن الْهوى أَو يكون عِنْده من الْعدْل مَا يقهر بِهِ هَوَاهُ عندنَا فِيهِ زِيَادَة فَنَقُول قد لَا يتجرد عَن الْهوى وَلَكِن لَا يَظُنّهُ هوى بل يَظُنّهُ لجهله أَو بدعته حَقًا وَذَلِكَ لَا يتطلب مَا يقهر هَوَاهُ لِأَن المستقر فِي ذهنه أَنه محق وَهَذَا كَمَا يفعل كثير من المتخالفين فِي العقائد بَعضهم فِي بعض فَلَا يَنْبَغِي أَن يقبل قَول مُخَالف فِي العقيدة عَلَى الْإِطْلَاق إِلَّا أَن يكون ثِقَة وَقد رَوَى شَيْئا مضبوطا عاينه أَو حَقَّقَهُ وَقَوْلنَا مضبوطا احترزنا بِهِ عَن رِوَايَة مَا لَا يَنْضَبِط من الترهات الَّتِي لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا عِنْد التَّأَمُّل والتحقق شئ وَقَوْلنَا عاينه أَو حَقَّقَهُ ليخرج مَا يرويهِ عَمَّن غلا أَو رخص ترويجا لعقيدته وَمَا أحسن اشْتِرَاطه الْعلم وَمَعْرِفَة مدلولات الْأَلْفَاظ فَلَقَد وَقع كَثِيرُونَ لجهلهم بِهَذَا وَفِي كتب الْمُتَقَدِّمين جرح جمَاعَة بالفلسفة ظنا مِنْهُم أَن علم الْكَلَام فلسفة إِلَى أَمْثَال ذَلِك مِمَّا يطول عده فقد قِيلَ فِي أَحْمَد بْن صَالح الَّذِي نَحن فِي تَرْجَمته إِنَّه يتفلسف وَالَّذِي قَالَ هَذَا لَا يعرف الفلسفة وَكَذَلِكَ قِيلَ فى أَبى حَاتِم الرازى وَإِنَّمَا كَانَ رجلا متكلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَقَرِيب من هَذَا قَول الذَّهَبِيّ فِي الْمزي كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْمزي فِي الطَّبَقَة السَّابِعَة أَنه يعرف مضايق الْمَعْقُول وَلم يكن الْمزي وَلَا الذَّهَبِيّ يدريان شَيْئا من الْمَعْقُول وَالَّذِي أُفْتِي بِهِ أَنه لَا يجوز الِاعْتِمَاد عَلَى كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي ذمّ أشعري وَلَا شكر حنبلي وَالله الْمُسْتَعَان توفّي أَحْمَد بْن صَالح سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ 4 - أَحْمَد بْن أَبِي سُرَيج الصَّباح النَّهْشَلِي وَقيل أَحْمَد بْن عمر بْن الصَّباح أَبُو جَعْفَر الرازى البغدادى سَمِعت شُعَيْب بْن حَرْب وَأَبا مُعَاوِيَة الضَّرِير وَابْن علية ووكيعا وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو بكر بْن أَبِي دَاوُد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهم قَالَ النَّسَائِيّ ثِقَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق الحديث: 4 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 5 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وهب بْن مُسلم الْقرشِي أَبُو عبيد اللَّه الْمصْرِيّ الملقب بِبَحْشَلٍ روى عَن عَمه عَبْد اللَّه بْن وهب وَعَن الشَّافِعِي وَجَمَاعَة حدث عَنهُ مُسلم فِي الصَّحِيح وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن جرير توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ 6 - أَحْمَد بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن السَّرْح الْقرشِي الْأمَوِي مَوْلَاهُم أَبُو الطَّاهِر المصرى الْفَقِيه روى عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَالشَّافِعِيّ وَابْن وهب وَغَيرهم وَعنهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَطَائِفَة آخِرهم أَبُو بكر بْن أَبِي دَاوُد وَكَانَ من جلة الْعلمَاء شرح موطأ مَالك وَتفرد عَن ابْن وهب بِحَدِيث فَقَالَ حَدثنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ وَالرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا) هَذَا حَدِيثٌ // صَحِيحٌ غَرِيبٌ // توفّي أَبُو الطَّاهِر لأَرْبَع عشرَة خلت من ذِي الْقعدَة سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ الحديث: 5 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 7 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل بْن هِلَال بْن أَسد بْن إِدْرِيس بْن عَبْد اللَّه بن حَيَّان ابْن عَبْد اللَّه بْن أنس بْن عَوْف بْن قاسط بْن مَازِن بْن شَيبَان بْن ذهل ابْن ثَعْلَبَة بْن عكابة بْن صَعب بْن عَلِيّ بن بكر بن وَائِل هَكَذَا نسبه وَلَده عَبْد اللَّه وَاعْتَمدهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيره وَأما قَول عَبَّاس الدوري وأبى بكر بْن أَبِي دَاوُد إِن الإِمَام أَحْمَد كَانَ من بني ذهل بْن شَيبَان فغلطهما الْخَطِيب وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ من بني شَيبَان بْن ذهل بْن ثَعْلَبَة قَالَ وَذهل بْن ثَعْلَبَة هُوَ عَم ذهل بْن شَيبَان بْن ثَعْلَبَة هُوَ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عَبْد اللَّه الشَّيْبَانِيّ الْمروزِي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ صَاحب الْمَذْهَب الصابر عَلَى المحنة النَّاصِر للسّنة شيخ الْعِصَابَة ومقتدى الطَّائِفَة وَمن قَالَ فِيهِ الشَّافِعِي فِيمَا رَوَاهُ حَرْمَلَة خرجت من بَغْدَاد وَمَا خلفت بهَا أفقه وَلَا أورع وَلَا أزهد وَلَا أعلم من أَحْمَد وَقَالَ الْمُزنِيّ أَبُو بكر يَوْم الرِّدَّة وَعمر يَوْم السَّقِيفَة وَعُثْمَان يَوْم الدَّار وعَلى يَوْم صفّين وأَحْمَد بْن حَنْبَل يَوْم المحنة وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد سَمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول كَانَ أَبوك يحفظ ألف ألف حَدِيث فَقلت وَمَا يدْريك فَقَالَ ذاكرته فَأخذت عَلَيْهِ الْأَبْوَاب وَعَن أَبى زرْعَة حزر كتب أَحْمَد يَوْم مَاتَ فبلغت اثْنَي عشر حملا وعدلا مَا كَانَ عَلَى ظهر كتاب مِنْهَا حَدِيث فلَان وَلَا فِي بَطْنه حَدثنَا فلَان وكل ذَلِك كَانَ يحفظه عَلَى ظهر قلبه الحديث: 7 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وَقَالَ قُتَيْبَة بْن سَعِيد كَانَ وَكِيع إِذا كَانَت الْعَتَمَة ينْصَرف مَعَه أَحْمَد بْن حَنْبَل فيقف عَلَى الْبَاب فيذاكره فَأخذ لَيْلَة بِعضَادَتَيْ الْبَاب ثمَّ قَالَ يَا أَبَا عَبْد اللَّه أُرِيد أَن ألقِي عَلَيْك حَدِيث سُفْيَان قَالَ هَات قَالَ تحفظ عَن سُفْيَان عَن سَلمَة بْن كهيل كَذَا قَالَ نعم حَدثنَا يَحْيَى فَيَقُول سَلمَة كَذَا وَكَذَا فَيَقُول حَدثنَا عَبْد الرَّحْمَن فَيَقُول وَعَن سَلمَة كَذَا وَكَذَا فَيَقُول أَنْت حَدَّثتنَا حَتَّى يفرغ من سَلمَة ثمَّ يَقُول أَحْمَد فتحفظ عَن سَلمَة كَذَا وَكَذَا فَيَقُول وَكِيع لَا ثمَّ يَأْخُذ فِي حَدِيث شيخ شيخ قَالَ فَلم يزل قَائِما حَتَّى جَاءَت الْجَارِيَة فَقَالَت قد طلع الْكَوْكَب أَو قَالَت الزهرة وَقَالَ عَبْد اللَّه قَالَ لي أَبِي خُذ أَي كتاب شِئْت من كتب وَكِيع فَإِن شِئْت أَن تَسْأَلنِي عَن الْكَلَام حَتَّى أخْبرك بِالْإِسْنَادِ وَإِن شِئْت بِالْإِسْنَادِ حَتَّى أخْبرك عَن الْكَلَام وَقَالَ الْخلال سَمِعت أَبَا الْقَاسِم بْن الْجبلي وَكَفاك بِهِ يَقُول أَكثر النَّاس يظنون أَن أَحْمَد إِذا سُئِلَ كَأَن علم الدُّنْيَا بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ رَأَيْت أَحْمَد كَأَن اللَّه جمع لَهُ علم الْأَوَّلين والآخرين وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق مَا رَأَيْت أفقه من أَحْمَد بْن حَنْبَل وَلَا أورع وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مهْدي مَا نظرت إِلَى أَحْمَد بْن حَنْبَل إِلَّا تذكرت بِهِ سُفْيَان الثَّوْريّ وَقَالَ قُتَيْبَة خير أهل زَمَاننَا ابْن الْمُبَارك ثمَّ هَذَا الشَّاب يَعْنِي أَحْمَد بْن حَنْبَل وَقَالَ أَيْضًا إِذا رَأَيْت الرجل يحب أَحْمَد فَاعْلَم أَنه صَاحب سنة وَقَالَ أَيْضًا وَقد قِيلَ لَهُ تضم أَحْمَد إِلَى التَّابِعين فَقَالَ إِلَى كبار التَّابِعين وَقَالَ أَيْضًا لَوْلَا الثَّوْريّ لمات الْوَرع وَلَوْلَا أَحْمَد لأحدثوا فى الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وَقَالَ أَيْضًا أَحْمَد إِمَام الدُّنْيَا وَقَالَ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي أَسمَاء من رَوَى عَن الشَّافِعِي مَاتَ الثَّوْريّ وَمَات الْوَرع وَمَات الشافعى وَمَاتَتْ السّنَن وَيَمُوت أَحْمد ابْن حَنْبَل وَتظهر الْبدع وَقَالَ أَبُو مسْهر وَقد قِيلَ لَهُ هَل تعرف أحدا يحفظ عَلَى هَذِهِ الْأمة أَمر دينهَا قَالَ لَا أعلمهُ إِلَّا شَاب فِي نَاحيَة الْمشرق يَعْنِي أَحْمَد بْن حَنْبَل وَعَن إِسْحَاق أَحْمَد حجَّة بَين اللَّه وخلقه وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَقد سُئِلَ عَن مَسْأَلَة قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حَنْبَل شَيخنَا وإمامنا فِيهَا كَذَا وَكَذَا فَهَذَا يسير من ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ولد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة بِبَغْدَاد جئ بِهِ إِلَيْهَا من مرو حملا وتفقه عَلَى الشَّافِعِي وَهُوَ الحاكي عَنهُ أَنه جوز بيع الباقلاء فِي قشريه وَأَن السَّيِّد يُلَاعن أمته وَكَانَ يَقُول أَلا تعْجبُونَ من أَبِي عَبْد اللَّه يَقُول يُلَاعن السَّيِّد عَن أم وَلَده وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي هَذَا فَمنهمْ من قطع بِخِلَافِهِ وَحمل قَول أَحْمَد عَلَى أَن مُرَاده بِأبي عَبْد اللَّه إِمَّا مَالك وَإِمَّا سُفْيَان وَضعف الرَّوْيَانِيّ هَذَا بِأَنَّهُ رَوَى عَنهُ أَنه قَالَ أَلا تعْجبُونَ من الشَّافِعِي وَمِنْهُم من تَأَوَّلَه بِتَأْوِيل آخر قَالَ حَنْبَل سَمِعت أَبَا عَبْد اللَّه يَقُول طلبت الحَدِيث سنة تسع وَسبعين قلت وَمن شُيُوخه هشيم وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وإِبْرَاهِيم بْن سعد وَجَرِير بْن عَبْد الحميد وَيحيى الْقطَّان والوليد بن مُسلم وَإِسْمَاعِيل بن علية وَعلي بْن هَاشم بْن الْبَرِيد ومعتمر بْن سُلَيْمَان وغندر وَبشر بْن الْمفضل وَزِيَاد البكائي وَيحيى بْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 أَبِي زَائِدَة وَأَبُو يُوسُف القَاضِي ووكيع وَابْن نمير وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَيزِيد بْن هَارُون وَعبد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَخلق وَمِمَّنْ رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وابناه صَالح وَعبد اللَّه وَمن شُيُوخه عَبْد الرَّزَّاق والْحَسَن بْن مُوسَى الأشيب قِيلَ وَالشَّافِعِيّ فِي بعض الْأَمَاكِن الَّتِي قَالَ فِيهَا أَخْبَرَنَا الثِّقَة وَقد كنت أَنا لما قَرَأت مُسْند الشَّافِعِي عَلَى شَيخنَا أَبِي عَبْد اللَّه الْحَافِظ سَأَلته فِي كل مَكَان من تِلْكَ فَكَانَ بَعْضهَا يتَعَيَّن أَن يكون مُرَاده بِهِ يحيى بْن حسان كَمَا قِيلَ إِنَّه الْمَقْصُود بِهِ دَائِما وَبَعضهَا يتَعَيَّن أَنه يُرِيد بِهِ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يحيى وَبَعضهَا يتَرَدَّد وَذَلِكَ مُعَلّق عِنْدِي فِي مَجْمُوع مِمَّا علقته عَن شَيخنَا رَحمَه اللَّه وأكثرها لَا يُمكن أَنه يُرِيد بِهِ أَحْمَد بْن حَنْبَل مثل قَوْله أَخْبَرَنَا الثِّقَة عَن أَبِي إِسْحَاق فَلَا يُمكن أَن يُرِيد بِهِ أَحْمَد بل إِمَّا إِبْرَاهِيم بْن سعد أَو غَيره وَمثل قَوْله أَخْبَرَنَا الثِّقَة عَن ابْن شهَاب يحْتَمل مَالِكًا وَابْن سعد وسُفْيَان ابْن عُيَيْنَة وَلَا ثَالِث لَهُم فِي أَشْيَاخ الشَّافِعِي وَمثل قَوْله الثِّقَة عَن معمر فَهُوَ إِمَّا هِشَام بْن يُوسُف الصغاني أَو عَبْد الرَّزَّاق وَمثل قَوْله الثِّقَة من أَصْحَابنَا عَن هِشَام بْن حسان قَالَ شَيخنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الْحَافِظ لَعَلَّه يَحْيَى الْقطَّان وَمثل قَوْله الثِّقَة عَن زَكَرِيَّا بْن إِسْحَاق عَن يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه قَالَ لي مُحَمَّد ابْن أَحْمَد الْحَافِظ إِنَّه يَحْيَى بْن حسان التنيسِي وَمثل مَوَاضِع أخر تركتهَا اختصارا وروى عَنهُ من أقرانه على بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بْن معِين ودحيم الشَّامي وَغَيرهم قَالَ الْخَطِيب ولد أَبُو عَبْد اللَّه بِبَغْدَاد وَنَشَأ بهَا وبهامات وَطلب الْعلم ثمَّ رَحل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 إِلَى الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَمَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وَالشَّام والجزيرة قلت وَألف مُسْنده وَهُوَ أصل من أصُول هَذِهِ الْأمة قَالَ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو مُوسَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر الْمَدِينِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْكتاب يَعْنِي مُسْند الإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ قدس اللَّه روحه أصل كَبِير ومرجع وثيق لأَصْحَاب الحَدِيث انتقي من أَحَادِيث كَثِيرَة ومسموعات وافرة فَجعل إِمَامًا ومعتمدا وَعند التَّنَازُع ملْجأ ومستندا عَلَى مَا أَخْبَرَنَا وَالِدي وَغَيره رحمهمَا اللَّه أَن الْمُبَارك بْن عَبْد الْجَبَّار أَبَا الْحُسَيْن كتب إِلَيْهِمَا من بَغْدَاد قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن عمر بْن أَحْمَد الْبَرْمَكِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمدَان بْن عمر بْن بطة قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو حَفْص عمر بْن مُحَمَّد بْن رجا حَدثنَا مُوسَى بْن حمدون الْبَزَّار قَالَ قَالَ لنا حَنْبَل بْن إِسْحَاق جَمعنَا عمي يَعْنِي الإِمَام أَحْمَد لي ولصالح ولعَبْد اللَّه وَقَرَأَ علينا الْمسند وَمَا سَمعه مِنْهُ يعْنى تَاما غَيرنَا وَقَالَ لنا إِن هَذَا الْكتاب قد جمعته وانتقيته من أَكثر من سَبْعمِائة وَخمسين ألفا فَمَا اخْتلف فِيهِ الْمُسلمُونَ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ فِيهِ وَإِلَّا لَيْسَ بِحجَّة وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما كتب أَبِي عشرَة آلَاف ألف حَدِيث لم يكْتب سوادا فِي بَيَاض إِلَّا حفظه وَقَالَ عَبْد اللَّه أَيْضًا قلت لأبي لم كرهت وضع الْكتب وَقد عملت الْمسند فَقَالَ عملت هَذَا الْكتاب إِمَامًا إِذا اخْتلف النَّاس فِي سنة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ إِلَيْهِ وَقَالَ أَيْضًا خرج أَبى الْمسند من سَبْعمِائة ألف حَدِيث قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَلم يخرج إِلَّا عَمَّن ثَبت عِنْده صدقه وديانته دون من طعن فِي أَمَانَته ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْد اللَّه ابْن الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ سَأَلت أَبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 عَن عَبْد الْعَزِيز بْن أبان فَقَالَ لم أخرج عَنهُ فِي الْمسند شَيْئا لما حدث بِحَدِيث الْمَوَاقِيت تركته قَالَ أَبُو مُوسَى فَأَما عدد أَحَادِيث الْمسند فَلم أزل أسمع من أَفْوَاه النَّاس أَنَّهَا أَرْبَعُونَ ألفا إِلَى أَن قَرَأت عَلَى أَبِي مَنْصُور بْن زُرَيْق بِبَغْدَاد قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ وَقَالَ ابْن الْمُنَادِي لم يكن فِي الدُّنْيَا أحد أروى عَن أَبِيه مِنْهُ يَعْنِي عَبْد اللَّه ابْن الإِمَام أَحْمد ابْن حَنْبَل لِأَنَّهُ سمع الْمسند وَهُوَ ثَلَاثُونَ ألفا وَالتَّفْسِير وَهُوَ مائَة ألف وَعِشْرُونَ ألفا سمع مِنْهَا ثَلَاثِينَ ألفا وَالْبَاقِي زِيَادَة فَلَا أَدْرِي هَذَا الَّذِي ذكر ابْن الْمُنَادِي أَرَادَ بِهِ مَالا مُكَرر فِيهِ أَو أَرَادَ غَيره مَعَ المكرر فَيصح الْقَوْلَانِ جَمِيعًا والاعتماد عَلَى قَول ابْن الْمُنَادِي دون غَيره قَالَ وَلَو وجدنَا فراغا لعددناه إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَما عدد الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فِيهِ فنحو من سَبْعمِائة رجل قَالَ أَبُو مُوسَى وَمن الدَّلِيل عَلَى أَن مَا أودعهُ الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُسْنده قد احتاط فِيهِ إِسْنَادًا ومتنا وَلم يُورد فِيهِ إِلَّا مَا صَحَّ سَنَده مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ قَالا أَخْبَرَنَا الْقَطِيعِيُّ حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدثنَا أَبِي حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (يُهْلِكُ أُمَّتِي هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ لِي أَبِي فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ اضْرِبْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ خِلافُ الأَحَادِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وَهَذَا مَعَ ثِقَةِ رِجَالِ إِسْنَادِهِ حِينَ شَذَّ لَفْظُهُ عَنِ الأَحَادِيثِ الْمَشَاهِيرِ أَمَرَ بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ فَكَانَ عَلَى مَا قُلْنَاهُ آخِرَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُخْتَصَرًا قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب رَحمَه اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن شُجَاع الصُّوفِي قَالَ أَخْبَرَنَا عمر بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن سلم حَدثنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ الْأَبَّار قَالَ سَمِعت سُفْيَان بْن وَكِيع يَقُول أَحْمَد عندنَا محنة من عَابَ أَحْمَد عندنَا فَهُوَ فَاسق وَقَالَ الْخَطِيب أَيْضًا حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن أَبِي طَالب حَدثنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن شَاذان حَدثنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْمقري قَالَ أنشدنا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن بدينا الْموصِلِي قَالَ أَنْشدني ابْن أعين فِي الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرضاه (أضحى ابْن حَنْبَل محنة مَأْمُونَة ... وبحب أَحْمَد يعرف المتنسك) (وَإِذا رَأَيْت لأَحْمَد متنقصا ... فَاعْلَم بِأَن ستوره ستهتك) روى كَلَام سُفْيَان بْن وَكِيع وهذين الْبَيْتَيْنِ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن عَسَاكِر رَحمَه اللَّه فِي بعض تصانيفه فَقَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مَنْصُور الْفَقِيه وَأَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك بْن خيرون قَالا أَخْبَرَنَا الْخَطِيب فذكرهما وَأما زهد الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وورعه وتقلله من الدُّنْيَا فقد سَارَتْ بأخباره الركْبَان وَقد أفرد جمَاعَة من الْأَئِمَّة التصنيف فِي مناقبه مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْفرج بْن الْجَوْزِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 توفّي رَحمَه اللَّه سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ لَا ثنتى عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول وَقد غلط ابْن قَانِع وَغَيره فَقَالُوا ربيع الآخر قَالَ الْمَرْوذِيّ مرض أَبُو عَبْد اللَّه لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لليلتين خلتا من ربيع الأول وَمرض تِسْعَة أَيَّام وَكَانَ رُبمَا أذن للنَّاس فَيدْخلُونَ عَلَيْهِ أَفْوَاجًا يسلمُونَ عَلَيْهِ وَيرد عَلَيْهِم وتسامع النَّاس وكثروا وَسمع السُّلْطَان بِكَثْرَة النَّاس فَوكل بِبَابِهِ وبباب الزقاق الرابطة وَأَصْحَاب الْأَخْبَار ثمَّ أغلق بَاب الزقاق فَكَانَ النَّاس فِي الشوارع والمساجد حَتَّى تعطل بعض الباعة وحيل بَينهم وَبَين البيع وَالشِّرَاء وَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ أَن يدْخل إِلَيْهِ رُبمَا دخل من بعض الدّور وطرز الحاكة وَرُبمَا تسلق وَجَاء أَصْحَاب الْأَخْبَار فقعدوا عَلَى الْأَبْوَاب وجاءه حَاجِب ابْن طَاهِر فَقَالَ إِن الْأَمِير يُقْرِئك السَّلَام وَهُوَ يَشْتَهِي أَن يراك فَقَالَ هَذَا مِمَّا أكره وأمير الْمُؤمنِينَ أعفاني مِمَّا أكره وَأَصْحَاب الْخَبَر يَكْتُبُونَ بِخَبَرِهِ إِلَى الْعَسْكَر وَالْبرد تخْتَلف كل يَوْم وَجَاء بَنو هَاشم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَجعلُوا يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَجَاء قوم من الْقُضَاة وَغَيرهم فَلم يُؤذن لَهُم وَدخل عَلَيْهِ شيخ فَقَالَ اذكر وقوفك بَين يَدي اللَّه فشهق أَبُو عَبْد اللَّه وسالت الدُّمُوع عَلَى خديه فَلَمَّا كَانَ قبل وَفَاته بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ قَالَ ادعوا لي الصّبيان بِلِسَان ثقيل فَجعلُوا ينضمون إِلَيْهِ فَجعل يشمهم وَيمْسَح بِيَدِهِ على رؤوسهم وعينه تَدْمَع وأدخلت الطست تَحْتَهُ فَرَأَيْت بَوْله دَمًا عبيطا لَيْسَ فِيهِ بَوْل فَقلت للطبيب فَقَالَ هَذَا رجل قد فتت الْحزن وَالْغَم جَوْفه واشتدت علته يَوْم الْخَمِيس ووضأته فَقَالَ خلل الْأَصَابِع فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة ثقل وَقبض صدر النَّهَار فصاح النَّاس وعلت الْأَصْوَات بالبكاء حَتَّى كَأَن الدُّنْيَا قد ارتجت وامتلأت السكَك والشوارع قَالَ الْمَرْوذِيّ أخرجت الْجِنَازَة بعد منصرف النَّاس من الْجُمُعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 قَالَ مُوسَى بْن هَارُون الْحَافِظ يُقَال إِن أَحْمَد لما مَاتَ مسحت الأَرْض المبسوطة الَّتِي وقف النَّاس للصَّلَاة عَلَيْهَا فحصر مقادير النَّاس بالمساحة على التَّقْدِير سِتّمائَة ألف وَأكْثر سوى مَا كَانَ فِي الْأَطْرَاف والأماكن المتفرقة قلت وَقيل فِي عدد الْمُصَلِّين عَلَيْهِ كثير قيل كَانُوا ألف ألف وثلثمائة ألف سوى من كَانَ فِي السفن فِي المَاء كَذَا رَوَاهُ خشنام بْن سَعِيد وَقَالَ ابْن أَبِي حَاتِم سَمِعت أَبَا زرْعَة يَقُول بَلغنِي أَن المتَوَكل أَمر أَن يمسح الْموضع الَّذِي وقف عَلَيْهِ النَّاس حَيْثُ صلى عَلَى أَحْمد فَبلغ مقَام ألفى ألف وَخَمْسمِائة ألف وَعَن الْوَركَانِي وَهُوَ رجل كَانَ يسكن إِلَى جوَار الإِمَام أَحْمَد قَالَ أسلم يَوْم مَاتَ أَحْمَد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس عشرُون ألفا وَفِي لفظ عشرَة آلَاف قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَهِي حِكَايَة مُنكرَة تفرد بهَا الْوَركَانِي والراوى عَنهُ قَالَ وَالْعقل يحِيل أَن يَقع مثل هَذَا الْحَادِث فِي بَغْدَاد وَلَا يرويهِ جمَاعَة تتوفر دواعيهم عَلَى نقل مَا هُوَ دونه بِكَثِير وَكَيف يَقع مثل هَذَا الْأَمر وَلَا يذكرهُ المروزى وَلَا صَالح ابْن أَحْمَد وَلَا عَبْد اللَّه وَلَا حَنْبَل الَّذين حكوا من أَخْبَار أَبِي عَبْد اللَّه جزئيات كَثِيرَة قَالَ فوَاللَّه لَو أسلم يَوْم مَوته عشرَة أنفس لَكَانَ عَظِيما يَنْبَغِي أَن يرويهِ نَحْو من عشرَة أنفس أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الْوَاسِع بن عبد الْكَافِي الْأَبْهَرِيّ إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر بْن عَلِيّ الْقرظِيّ سَمَاعا أَخْبَرَنَا الْقَاسِم بْن الْحَافِظ أَبِي الْقَاسِم عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَلِيّ بْن عَسَاكِر أَخْبَرَنَا عَبْد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري إجَازَة وَحدثنَا عَنهُ بِهِ أَبِي سَمَاعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 ح قَالَ ابْن المظفر وَأخْبرنَا يُوسُف بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ إجَازَة أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات الخشوعي سَمَاعا أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِجَازَةً أَخْبَرَنَا عَبْد الْجَبَّار الخواري حَدثنَا الإِمَام أَبُو سَعِيد الْقشيرِي إملاء حَدثنَا الْحَاكِم أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الصفار أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بْن عَبْد لله الرَّازِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد الْمَلْطِي يَقُول قَالَ الرّبيع بْن سُلَيْمَان إِن الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خرج إِلَى مصر فَقَالَ لي يَا ربيع خُذ كتابي هَذَا فَامْضِ بِهِ وَسلمهُ إِلَى أَبِي عَبْد اللَّه وائتني بِالْجَوَابِ قَالَ الرّبيع فَدخلت بَغْدَاد وَمَعِي الْكتاب فصادفت أَحْمد ابْن حَنْبَل فِي صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا انْفَتَلَ من الْمِحْرَاب سلمت إِلَيْهِ الْكتاب وَقلت هَذَا كتاب أَخِيك الشَّافِعِي من مصر فَقَالَ لي أَحْمَد نظرت فِيهِ فَقلت لَا فَكسر الْخَتْم وَقَرَأَ وتغرغرت عَيناهُ فَقلت لَهُ أيش فِيهِ أَبَا عَبْد اللَّه فَقَالَ يذكر فِيهِ أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ إِلَى أَبِي عَبْد اللَّه فاقرأ عَلَيْهِ السَّلَام وَقل لَهُ إِنَّك ستمتحن وتدعى إِلَى خلق الْقُرْآن فَلَا تجبهمْ فيرفع اللَّه لَك علما إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الرّبيع فَقلت لَهُ الْبشَارَة يَا أَبَا عَبْد اللَّه فَخلع أحد قميصيه الَّذِي يَلِي جلده فأعطانيه فَأخذت الْجَواب وَخرجت إِلَى مصر وسلمته إِلَى الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أيش الَّذِي أَعْطَاك فَقلت قَمِيصه فَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ نفجعك بِهِ وَلَكِن بله وادفع إِلَي المَاء لأتبرك بِهِ قَالَ الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدوري سَمِعت أَبَا جَعْفَر الْأَنْبَارِي يَقُول لما حمل أَحْمَد يُرَاد بِهِ الْمَأْمُون اجتزت فعبرت الْفُرَات إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ فِي الخان فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا جَعْفَر تعنيت فَقلت لَيْسَ هَذَا عناء قَالَ فَقلت لَهُ يَا هَذَا أَنْت الْيَوْم رَأس وَالنَّاس يقتدون بك فوَاللَّه إِن أجبْت إِلَى خلق الْقُرْآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق اللَّه وَإِن أَنْت لم تجب ليمتنعن خلق من النَّاس كثير وَمَعَ هَذَا فَإِن الرجل إِن لم يقتلك فَإنَّك تَمُوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 ولابد من الْمَوْت فَاتق اللَّه وَلَا تجبهمْ إِلَى شئ فَجعل أَحْمَد يبكى وَهُوَ يَقُول مَا شَاءَ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه قَالَ ثمَّ قَالَ لي أَحْمَد يَا أَبَا جَعْفَر أعد عَلِيّ مَا قلت قَالَ فَأَعَدْت عَلَيْهِ قَالَ فَجعل أَحْمَد يَقُول مَا شَاءَ اللَّه مَا شَاءَ اللَّه وَقَالَ دعْلج بْن أَحْمَد السجسْتانِي حَدثنَا أَبُو بكر السهروردي بِمَكَّة قَالَ رَأَيْت أَبَا ذَر بسهرورد وَقد قدم مَعَ واليها وَكَانَ مقطعا بالبرص يَعْنِي وَكَانَ مِمَّن ضرب أَحْمَد بَين يَدي المعتصم قَالَ دعينا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَنحن خَمْسُونَ وَمِائَة جلاد فَلَمَّا أمرنَا بضربه كُنَّا نغدوا عَلَى ضربه ونمر ثمَّ يجِئ الآخر عَلَى أَثَره ثمَّ يضْرب وَقَالَ دعْلج أَيْضًا حَدثنَا الْخضر بْن دَاوُد أَخْبرنِي أَبُو بكر النحامي قَالَ لما كَانَ فِي تِلْكَ الْغَدَاة الَّتِي ضرب فِيهَا أَحْمَد بْن حَنْبَل زلزلنا وَنحن بعبادان وَقَالَ البُخَارِيّ لما ضرب أَحْمَد كُنَّا بِالْبَصْرَةِ فَسمِعت أَبَا الْوَلِيد يَقُول لَو كَانَ هَذَا فِي بني إِسْرَائِيل لَكَانَ أحدوثة ذكر الداهية الدهياء والمصيبة الصماء وَهِي محنة عُلَمَاء الزَّمَان ودعاؤهم إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَقيام الأَحْمَدين ابْن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ وَابْن نصر الْخُزَاعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما مقَام الصديقين وَمَا اتّفق فِي تِلْكَ الكائنة من أَعَاجِيب تتناقلها الروَاة عَلَى ممر السنين كَانَ القَاضِي أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد مِمَّن نَشأ فِي الْعلم وتضلع بِعلم الْكَلَام وَصَحب فِيهِ هياج بْن الْعَلَاء السّلمِيّ صَاحب وَاصل بْن عَطاء أحد رُءُوس الْمُعْتَزلَة وَكَانَ ابْن أَبِي دؤاد رجلا فصيحا قَالَ أَبُو العيناء مَا رَأَيْت رَئِيسا قطّ أفْصح وَلَا أنطق مِنْهُ وَكَانَ كَرِيمًا ممدحا وَفِيه يَقُول بَعضهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 (لقد أنست مساوي كل دهر ... محَاسِن أَحْمَد بن دؤاد) (وَمَا طوفت فِي الْآفَاق إِلَّا ... وَمن جدواك رَاحِلَتي وزادي) (يُقيم الظَّن عنْدك والأماني ... وَإِن قلقت ركابي فِي الْبِلَاد) وَكَانَ مُعظما عِنْد الْمَأْمُون أَمِير الْمُؤمنِينَ يقبل شفاعاته ويصغي إِلَى كَلَامه وأخباره فِي هَذَا كَثِيرَة فَدس ابْن أَبِي دؤاد لَهُ القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَحسنه عِنْده وصيره يَعْتَقِدهُ حَقًا مُبينًا إِلَى أَن أجمع رَأْيه فِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ عَلَى الدُّعَاء إِلَيْهِ فَكتب إِلَى نَائِبه عَلَى بَغْدَاد إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْخُزَاعِيّ ابْن عَم طَاهِر بْن الْحُسَيْن فِي امتحان الْعلمَاء كتابا يَقُول فِيهِ وَقد عرف أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن الْجُمْهُور الْأَعْظَم والسواد الْأَكْبَر من حَشْو الرّعية وسفلة الْعَامَّة مِمَّن لَا نظر لَهُ وَلَا روية وَلَا استضاء بِنور الْعلم وبرهانه أهل جَهَالَة بِاللَّه وعمى عَنهُ وضلالة عَن حَقِيقَة دينه وقصور أَن يقدروا اللَّه حق قدره ويعرفوه كنه مَعْرفَته ويفرقوا بَينه وَبَين خلقه وَذَلِكَ أَنهم ساووا بَين اللَّه وَبَين خلقه وَبَين مَا أنزل من الْقُرْآن فأطبقوا عَلَى أَنه قديم لم يخلقه اللَّه ويخترعه وَقد قَالَ تَعَالَى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} فَكل مَا جعله اللَّه فقد خلقه كَمَا قَالَ {وَجعل الظُّلُمَات والنور} وَقَالَ {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سبق} فَأخْبرهُ أَنه قصَص لأمور أحدثه بعْدهَا وَقَالَ {أحكمت آيَاته ثمَّ فصلت} وَالله مُحكم كِتَابه ومفصله فَهُوَ خالقه ومبتدعه ثمَّ انتسبوا إِلَى السّنة وَأَنَّهُمْ أهل الْحق وَالْجَمَاعَة وَأَن من سواهُم أهل الْبَاطِل وَالْكفْر فاستطالوا بذلك وغروا بِهِ الْجُهَّال حَتَّى مَال قوم من أهل السمت الْكَاذِب والتخشع لغير اللَّه إِلَى موافقتهم فنزعوا الْحق إِلَى باطلهم وَاتَّخذُوا دون اللَّه وليجة إِلَى ضلالهم إِلَى أَن قَالَ فَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أُولَئِكَ شَرّ الْأمة المنقوصون من التَّوْحِيد حظا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 أوعية الْجَهَالَة وأعلام الْكَذِب ولسان إِبْلِيس النَّاطِق فِي أوليائه والهائل عَلَى أعدائه من أهل دين اللَّه وأحق أَن يتهم فِي صدقه وتطرح شَهَادَته وَلَا يوثق بِهِ من عمي عَن رشده وحظه من الْإِيمَان بِالتَّوْحِيدِ وَكَانَ عَمَّا سوى ذَلِك أعمى وأضل سَبِيلا ولعمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أكذب النَّاس من كذب عَلَى اللَّه ووحيه وتخرص الْبَاطِل وَلم يعرف اللَّه حق مَعْرفَته فاجمع من بحضرتك من الْقُضَاة فاقرأ عَلَيْهِم كتَابنَا وامتحنهم فِيمَا يَقُولُونَ واكشفهم عَمَّا يَعْتَقِدُونَ فِي خلق اللَّه وإحداثه وأعلمهم أَنِّي غير مستعين فِي عمل وَلَا واثق بِمن لَا يوثق بِدِينِهِ فَإِذا أقرُّوا بذلك ووافقوا فمرهم بِنَصّ من بحضرتهم من الشُّهُود ومسألتهم عَن علمهمْ فِي الْقُرْآن وَترك شَهَادَة من لم يقر أَنه مَخْلُوق واكتب إِلَيْنَا بِمَا يَأْتِيك عَن قُضَاة أهل عَمَلك فِي مسألتهم وَالْأَمر لَهُم بِمثل ذَلِك وَكتب الْمَأْمُون إِلَيْهِ أَيْضًا فِي إشخاص سَبْعَة أنفس وهم مُحَمَّد بْن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَيحيى بْن معِين وَأَبُو خَيْثَمَة وَأَبُو مُسلم مستملي يزِيد بْن هَارُون وَإِسْمَاعِيل بْن دَاوُد وَإِسْمَاعِيل بْن أَبِي مَسْعُود وأَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي فأشخصوا إِلَيْهِ فامتحنهم بِخلق الْقُرْآن فَأَجَابُوهُ فردهم من الرقة إِلَى بَغْدَاد وَسبب طَلَبهمْ أَنهم توقفوا أَولا ثمَّ أجابوه تقية وَكتب إِلَى إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بِأَن يحضر الْفُقَهَاء ومشايخ الحَدِيث ويخبرهم بِمَا أجَاب بِهِ هَؤُلَاءِ السَّبْعَة فَفعل ذَلِك فَأَجَابَهُ طَائِفَة وَامْتنع آخَرُونَ فَكَانَ يَحْيَى بْن معِين وَغَيره يَقُولُونَ أجبنا خوفًا من السَّيْف ثمَّ كتب الْمَأْمُون كتابا آخر من جنس الأول إِلَى إِسْحَاق وَأمره بإحضار من امْتنع فأحضر جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد ابْن حَنْبَل وَبشر بْن الْوَلِيد الْكِنْدِيّ وَأَبُو حسان الزيادى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وَعلي بْن أَبِي مقَاتل وَالْفضل بْن غَانِم وَعبيد اللَّه بْن عمر القواريري وَعلي بْن الْجَعْد وسجادة وَالذَّيَّال بْن الْهَيْثَم وقُتَيْبَة بْن سَعِيد وَكَانَ حِينَئِذٍ بِبَغْدَاد وسعدويه الوَاسِطِيّ وَإِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل وَابْن الهرش وَابْن علية الْأَكْبَر ومُحَمَّد بْن نوح الْعجلِيّ وَيحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْعمريّ وَأَبُو نصر التمار وَأَبُو معمر الْقطيعِي ومُحَمَّد بْن حَاتِم بْن مَيْمُون وَغَيرهم وَعرض عَلَيْهِم كتاب الْمَأْمُون فعرضوا ووروا وَلم يجيبوا وَلم ينكروا فَقَالَ لبشر بْن الْوَلِيد مَا تَقول قَالَ قد عرفت أَمِير الْمُؤمنِينَ غير مرّة قَالَ والآن فقد تجدّد من أَمِير الْمُؤمنِينَ كتاب قَالَ أَقُول كَلَام اللَّه قَالَ لم أَسأَلك عَن هَذَا أمخلوق هُوَ قَالَ مَا أحسن غير مَا قلت لَك وَقد استعهدت أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن لَا أَتكَلّم فِيهِ ثمَّ قَالَ لعَلي بْن أَبِي مقَاتل مَا تَقول قَالَ الْقُرْآن كَلَام اللَّه وَإِن أمرنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بشئ سمعنَا وأطعنا وَأجَاب أَبُو حسان الزيَادي بِنَحْوِ من ذَلِك ثمَّ قَالَ لأَحْمَد ابْن حَنْبَل مَا تَقول قَالَ كَلَام اللَّه قَالَ أمخلوق هُوَ قَالَ هُوَ كَلَام اللَّه لَا أَزِيد عَلَى هَذَا ثمَّ امتحن البَاقِينَ وَكتب بجواباتهم وَقَالَ ابْن الْبكاء الْأَكْبَر أَقُول الْقُرْآن مجعول ومحدث لوُرُود النَّص بذلك فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم والمجعول مَخْلُوق قَالَ نعم قَالَ فالقرآن مَخْلُوق قَالَ لَا أَقُول مَخْلُوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 ثمَّ وَجه بجواباتهم إِلَى الْمَأْمُون فورد عَلَيْهِ كتاب الْمَأْمُون بلغنَا مَا أجَاب بِهِ متصنعة أهل الْقبْلَة وملتمسو الرياسة فِيمَا لَيْسُوا لَهُ بِأَهْل فَمن لم يجب أَنه مَخْلُوق فامنعه من الْفَتْوَى وَالرِّوَايَة وَيَقُول فِي الْكتاب فَأَما مَا قَالَ بشر فقد كذب وَلم يكن جرى بَين أَمِير الْمُؤمنِينَ وَبَينه فِي ذَلِك عهد أَكثر من إِخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ من اعْتِقَاده كلمة الْإِخْلَاص وَالْقَوْل بِأَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَادع بِهِ إِلَيْك فَإِن تَابَ فأشهر أمره وَإِن أصر عَلَى شركه وَدفع أَن يكون الْقُرْآن مخلوقا بِكُفْرِهِ وإلحاده فَاضْرب عُنُقه وَابعث إِلَيْنَا بِرَأْسِهِ وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيم بْن الْمهْدي فامتحنه فَإِن أجَاب وَإِلَّا فَاضْرب عُنُقه وَأما عَلِيّ بْن أَبِي مقَاتل فَقل لَهُ أَلَسْت الْقَائِل لأمير الْمُؤمنِينَ إِنَّك تحلل وَتحرم وَأما الذَّيَّال فَأعلمهُ أَنه كَانَ فِي الطَّعَام الَّذِي سَرقه من الأنبار مَا يشْغلهُ وَأما أَحْمَد بْن يزِيد أَبُو الْعَوام وَقَوله إِنَّه لَا يحسن الْجَواب فِي الْقُرْآن فَأعلمهُ أَنه صبي فِي عقله لَا فِي سنه جَاهِل سيحسن الْجَواب إِذا أدب ثمَّ إِن لم يفعل كَانَ السَّيْف من وَرَاء ذَلِك وَأما أَحْمَد بْن حَنْبَل فَأعلمهُ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد عرف فحوى مقَالَته وَاسْتدلَّ عَلَى جَهله وآفته بهَا وَأما الْفضل بْن غَانِم فَأعلمهُ أَنه لم يخف عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كَانَ فِيهِ بِمصْر وَمَا اكْتسب من الْأَمْوَال فِي أقل من سنة يَعْنِي فِي ولَايَته الْقَضَاء وَأما الزيَادي فَأعلمهُ أَنه كَانَ منتحلا وَلَاء دعِي فَأنْكر أَبُو حسان أَن يكون مولى لزياد بْن أَبِيه وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الزيَادي لأمر من الْأُمُور قَالَ وَأما أَبُو نصر التمار فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ شبه خساسة عقله بخساسة متجره وَأما ابْن نوح وَابْن حَاتِم فأعلمهم أَنهم مشاغيل بِأَكْل الرِّبَا عَن الْوُقُوف عَلَى التَّوْحِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وَأَن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو لم يسْتَحل محاربتهم فِي اللَّه إِلَّا لإربائهم وَمَا نزل بِهِ كتاب اللَّه فِي أمثالهم لاستحل ذَلِك فَكيف بهم وَقد جمعُوا مَعَ الإرباء شركا وصاروا لِلنَّصَارَى شبها وَأما ابْن شُجَاع فَأعلمهُ أَنَّك صَاحبه بالْأَمْس والمستخرج مِنْهُ مَا استخرجته من المَال الَّذِي كَانَ اسْتحلَّ من مَال الْأَمِير عَلِيّ بْن هِشَام وَأما سَعْدَوَيْه الوَاسِطِيّ فَقل لَهُ قبح اللَّه رجلا بلغ بِهِ التصنع للْحَدِيث والحرص عَلَى الرياسة فِيهِ أَن يتَمَنَّى وَقت المحنة وَأما الْمَعْرُوف بسجادة وإنكاره أَن يكون سمع مِمَّن كَانَ يُجَالس من الْعلمَاء القَوْل بِأَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَأعلمهُ أَن فِي شغله بإعداد النَّوَى وحكه لإِصْلَاح سجادته وبالودائع الَّتِي دَفعهَا إِلَيْهِ عَلِيّ بْن يَحْيَى وَغَيره مَا أذهله عَن التَّوْحِيد وَأما القواريري فَفِيمَا تكشف من أَحْوَاله وقبوله الرشا والمصانعات مَا أبان عَن مذْهبه وَسُوء طَرِيقَته وسخافة عقله وَدينه وَأما يَحْيَى الْعمريّ فَإِن كَانَ من ولد عمر بْن الْخطاب فَجَوَابه مَعْرُوف وَأما مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن عَاصِم فَإِنَّهُ لَو كَانَ مقتديا بِمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة الَّتِي حكيت عَنهُ وَأَنه بعد صبي يحْتَاج إِلَى أَن يعلم وَقد كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَجه إِلَيْك الْمَعْرُوف بِأبي مسْهر بعد أَن نَصه أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن محنته فِي الْقُرْآن فجمجم عَنْهَا ولجلج فِيهَا حَتَّى دَعَاهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالسَّيْفِ فَأقر ذَمِيمًا فانصصه عَن إِقْرَاره فَإِن كَانَ مُقيما عَلَيْهِ فأشهر ذَلِك وأظهره وَمن لم يرجع عَن شركه مِمَّن سميت بعد بشر وَابْن الْمهْدي فاحملهم موثوقين إِلَى عَسْكَر أَمِير الْمُؤمنِينَ ليسألهم فَإِن لم يرجِعوا حملهمْ عَلَى السَّيْف قَالَ فَأَجَابُوا كلهم عِنْد ذَلِك إِلَّا أَحْمَد بْن حَنْبَل وسجادة ومُحَمَّد بْن نوح والقواريري فَأمر بهم إِسْحَاق فقيدوا ثمَّ سَأَلَهُمْ من الْغَد وهم فِي الْقُيُود فَأجَاب سجادة ثمَّ عاودهم ثَالِثا فَأجَاب القواريري وَوجه بأَحْمَد بْن حَنْبَل ومُحَمَّد بْن نوح الْمَضْرُوب إِلَى طرسوس ثمَّ بلغ الْمَأْمُون أَنهم أجابوا مكرهين فَغَضب وَأمر بإحضارهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 إِلَيْهِ فَلَمَّا صَارُوا إِلَى الرقة بلغتهم وَفَاة الْمَأْمُون وَكَذَا جَاءَ الْخَبَر بِمَوْت الْمَأْمُون إِلَى أَحْمَد ولطف اللَّه وَفرج وَأما مُحَمَّد بْن نوح فَكَانَ عديلا لأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي الْمحمل فَمَاتَ فَغسله أَحْمَد بالرحبة وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه رَحمَه اللَّه تَعَالَى وَأما الْمَأْمُون فَمَرض بالروم فَلَمَّا اشْتَدَّ مَرضه طلب ابْنه الْعَبَّاس ليقدم عَلَيْهِ وَهُوَ يظنّ أَنه لَا يُدْرِكهُ فَأَتَاهُ وَهُوَ مجهود وَقد نفذت الْكتب إِلَى الْبلدَانِ فِيهَا من عَبْد اللَّه الْمَأْمُون وأخيه أَبِي إِسْحَاق الْخَلِيفَة من بعده بِهَذَا النَّص فَقيل إِن ذَلِك وَقع بِأَمْر الْمَأْمُون وَقيل بل كتبُوا ذَلِك وَقت غشي أَصَابَهُ فَأَقَامَ الْعَبَّاس عِنْده أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ وَكَانَ الْمَأْمُون قد كتب وَصِيَّة تطول حكايتها ضمنهَا تحريض الْخَلِيفَة بعده عَلَى حمل الْخلق عَلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن ثمَّ توفّي فِي رَجَب وَدفن بطرسوس واستقل أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتصم بالخلافة فَكَانَ من سَعَادَة الْمَأْمُون مَوته قبل أَن يحضر أَحْمَد بْن حَنْبَل إِلَى بَين يَدَيْهِ فَلم يكن ضربه عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَت هَذِهِ الْفِتْنَة عَظِيمَة الْموقع وَأول من امتحن فِيهَا من الْعلمَاء عَفَّان بْن مُسلم الْحَافِظ وَلما دعِي وَعرض عَلَيْهِ القَوْل بِخلق الْقُرْآن فَامْتنعَ قِيلَ قد رسمنا بِقطع عطائك وَكَانَ يعْطى ألف دِرْهَم فِي كل شهر فَقَالَ {وَفِي السَّمَاءِ رزقكم وَمَا توعدون} وَكَانَت عِنْده عائلة كَبِيرَة قِيلَ فدق عَلَيْهِ الْبَاب داق فِي ذَلِك الْيَوْم لَا يعرف وَقَالَ خُذ هَذِهِ الْألف وَلَك كل شهر عِنْدِي ألف يَا أَبَا عُثْمَان ثبتك اللَّه كَمَا ثَبت الدّين ثمَّ امتحن النَّاس بعده قَالَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البوشنجي سَمِعت أَحْمَد ابْن حَنْبَل يَقُول تبينت الْإِجَابَة فِي دعوتين دَعَوْت اللَّه أَن لَا يجمع بيني وَبَين الْمَأْمُون ودعوته أَن لَا أرى المتَوَكل فَلم أر الْمَأْمُون مَاتَ بالبذندون وَهُوَ نهر الرّوم وأَحْمَد مَحْبُوس بالرقة حَتَّى بُويِعَ المعتصم بالروم وَرجع فَرد أَحْمَد إِلَى بَغْدَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 وَأما المتَوَكل فَإِنَّهُ لما أحضر أَحْمَد دَار الْخلَافَة ليحدث وَلَده قعد لَهُ المتَوَكل فِي خوخة حَتَّى نظر إِلَى أَحْمَد وَلم يره أَحْمَد قَالَ صَالح لما صدر أَبِي ومُحَمَّد بْن نوح إِلَى طرسوس ردا فِي أقيادهما فَلَمَّا صَار إِلَى الرقة حملا فِي سفينة فَلَمَّا وصلا إِلَى عانات توفّي مُحَمَّد فَأطلق عَنهُ قَيده وَصلى عَلَيْهِ أَبِي وَقَالَ حَنْبَل قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه مَا رَأَيْت أحدا عَلَى حَدَاثَة سنه وَقدر علمه أقوم بِأَمْر اللَّه من مُحَمَّد بْن نوح وَإِنِّي لأرجو أَن يكون قد ختم لَهُ بِخَير قَالَ لي ذَات يَوْم يَا أَبَا عَبْد اللَّه اللَّه اللَّه إِنَّك لست مثلي أَنْت رجل يقْتَدى بك قد مد الْخلق أَعْنَاقهم إِلَيْك لما يكون مِنْك فَاتق اللَّه واثبت لأمر اللَّه أَو نَحْو هَذَا فَمَاتَ وَصليت عَلَيْهِ ودفنته أَظُنهُ قَالَ بعانة قَالَ صَالح صَار أَبِي إِلَى بَغْدَاد مُقَيّدا فَمَكثَ بالياسرية أَيَّامًا ثمَّ حبس بدار اكتريت لَهُ عِنْد دَار عمَارَة ثمَّ نقل بعد ذَلِك إِلَى حبس الْعَامَّة فِي درب الموصلية فَقَالَ إِنِّي كنت أُصَلِّي بِأَهْل السجْن وَأَنا مُقَيّد فَلَمَّا كَانَ فِي رَمَضَان سنة تسع عشرَة حولت إِلَى دَار إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم وَأما حَنْبَل بْن إِسْحَاق فَقَالَ حبس أَبُو عَبْد اللَّه فِي دَار عمَارَة بِبَغْدَاد فِي إسطبل لمُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم أخي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم وَكَانَ فِي حبس ضيق وَمرض فِي رَمَضَان فحبس فِي ذَلِك الْحَبْس قَلِيلا ثمَّ حول إِلَى حبس الْعَامَّة فَمَكثَ فِي السجْن نَحوا من ثَلَاثِينَ شهرا فَكُنَّا نأتيه ونقرأ عَلَيْهِ كتاب الإرجاء وَغَيره فِي الْحَبْس فرأيته يُصَلِّي بِأَهْل الْحَبْس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَعَلِيهِ الْقَيْد وَكَانَ يخرج رجله من حَلقَة الْقَيْد وَقت الصَّلَاة وَالنَّوْم وَكَانَ يُوَجه إِلَي كل يَوْم برجلَيْن أَحدهمَا يُقَال لَهُ أَحْمَد بْن رَبَاح وَالْآخر أَبُو شُعَيْب الْحجام فَلَا يزَالَانِ يناظراني حَتَّى إِذا أَرَادَا الِانْصِرَاف دعِي بِقَيْد فزيد فِي قيودي قَالَ فَصَارَ فِي رجله أَرْبَعَة أقياد قَالَ أَبِي فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث دخل عَلَي أحد الرجلَيْن فناظرني فَقلت لَهُ مَا تَقول فِي علم اللَّه قَالَ علم اللَّه مَخْلُوق فَقلت لَهُ كفرت فَقَالَ الرَّسُول الَّذِي كَانَ يحضر من قبل إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم إِن هَذَا رَسُول أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقلت لَهُ إِن هَذَا قد كفر فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الرَّابِعَة وَجه يَعْنِي المعتصم ببغا الَّذِي كَانَ يُقَال لَهُ الْكَبِير إِلَى إِسْحَاق فَأمره بحملي إِلَيْهِ فأدخلت عَلَى إِسْحَاق فَقَالَ يَا أَحْمَد إِنَّهَا وَالله نَفسك إِنَّه لَا يقتلك بِالسَّيْفِ إِنَّه قد آلى إِن لم تجبه أَن يَضْرِبك ضربا بعد ضرب وَأَن يلقيك فِي مَوضِع لَا ترى فِيهِ شمس وَلَا قمر أَلَيْسَ قد قَالَ الله عز وَجل {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} أفيكون مجعولا إِلَّا مخلوقا قلت فقد قَالَ تَعَالَى {فجعلهم كعصف مَأْكُول} أفخلقهم قَالَ فَسكت فَلَمَّا صرنا إِلَى الْموضع الْمَعْرُوف بِبَاب الْبُسْتَان أخرجت وجئ بِدَابَّة فَحملت عَلَيْهَا وَعلي الأقياد مَا معي أحد يمسكني فكدت غير مرّة أَن أخر على وجهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 لثقل الْقُيُود فجِئ بِي إِلَى دَار المعتصم فأدخلت حجرَة وأدخلت إِلَى بَيت وأقفل الْبَاب عَليّ وَذَلِكَ فِي جَوف اللَّيْل وَلَيْسَ فِي الْبَيْت سراج فَأَرَدْت أَن أتمسح للصَّلَاة فمددت يَدي فَإِذا أَنا بِإِنَاء فِيهِ مَاء وطست مَوْضُوع فَتَوَضَّأت وَصليت فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أخرجت تكتي من سراويلي وشددت بهَا الأقياد أحملها وعطفت سراويلي فجَاء رَسُول المعتصم فَقَالَ أجب فَأخذ بيَدي وأدخلني عَلَيْهِ والتكة فِي يَدي أحمل بهَا الأقياد وَإِذا هُوَ جَالس وَابْن أَبِي دؤاد حَاضر وَقد جمع خلقا كثيرا من أَصْحَابه فَقَالَ لَهُ يَعْنِي المعتصم أدنه أدنه فَلم يزل يدنيني حَتَّى قربت مِنْهُ ثمَّ قَالَ لي اجْلِسْ فَجَلَست وَقد أثقلتني الأقياد فَمَكثت قَلِيلا ثمَّ قلت أتأذن لي فِي الْكَلَام فَقَالَ تكلم فَقلت إِلَى مَا دَعَا اللَّه وَرَسُوله فَسكت هنيئة ثمَّ قَالَ إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقلت فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثمَّ قلت إِن جدك ابْن عَبَّاس يَقُول لما قدم وَفد عبد الْقَيْس على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَن الْإِيمَان فَقَالَ (أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أعلم قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَأَن تعطوا الْخمس من الْمغنم) قَالَ أَبِي قَالَ يَعْنِي المعتصم لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُك فِي يَد من كَانَ قبلي مَا عرضت لَك ثمَّ قَالَ يَا عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق ألم آمُرك بِرَفْع المحنة فَقلت اللَّه أكبر إِن فِي هَذَا لفرجا للْمُسلمين ثمَّ قَالَ لَهُم ناظروه كَلمُوهُ يَا عَبْد الرَّحْمَن كَلمه فَقَالَ لي عَبْد الرَّحْمَن مَا تَقول فِي القُرْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 قلت لَهُ مَا تَقول فِي علم اللَّه فَسكت فَقَالَ لي بَعضهم أَلَيْسَ قد قَالَ الله تَعَالَى {الله خَالق كل شَيْء} وَالْقُرْآن أَلَيْسَ هُوَ شئ فَقلت قَالَ اللَّه {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبهَا} فدمرت إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّه فَقَالَ بَعضهم قَالَ اللَّه عز وَجل {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذكر من رَبهم مُحدث} أفيكون مُحدثا إِلَّا مخلوقا فَقلت قَالَ اللَّه {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} فالذكر هُوَ الْقُرْآن وَتلك لَيْسَ فِيهَا ألف وَلَا لَام وَذكر بَعضهم حَدِيث عمرَان بْن حُصَيْن أَن اللَّه عز وَجل خلق الذّكر فَقلت هَذَا خطأ حَدثنَا غير وَاحِد أَن اللَّه كتب الذّكر وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث ابْن مَسْعُود مَا خلق اللَّه من جنَّة وَلَا نَار وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض أعظم من آيَة الْكُرْسِيّ فَقلت إِنَّمَا وَقع الْخلق عَلَى الْجنَّة وَالنَّار وَالسَّمَاء وَالْأَرْض وَلم يَقع عَلَى الْقُرْآن فَقَالَ بَعضهم حَدِيث خباب يَا هنتاه تقرب إِلَى اللَّه بِمَا اسْتَطَعْت فَإنَّك لن تتقرب إِلَيْهِ بشئ أحب إِلَيْهِ من كَلَامه فَقلت هَكَذَا هُوَ قَالَ صَالح بْن أَحْمَد فَجعل أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد ينظر إِلَى أَبِي كالمغضب قَالَ أَبِي وَكَانَ يتَكَلَّم هَذَا فأرد عَلَيْهِ وَيتَكَلَّم هَذَا فأرد عَلَيْهِ فَإِذا انْقَطع الرجل مِنْهُم اعْترض ابْن أَبِي دؤاد فَيَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هُوَ وَالله ضال مضل مُبْتَدع فَيَقُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 كَلمُوهُ ناظروه فيكلمني هَذَا فأرد عَلَيْهِ ويكلمني هَذَا فأرد عَلَيْهِ فَإِذا انْقَطَعُوا يَقُول لي المعتصم وَيحك يَا أَحْمَد مَا تَقول فَأَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطوني شَيْئا من كتاب اللَّه أَو سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقُول بِهِ فَيَقُول ابْن أَبِي دؤاد أَنْت لَا تَقول إِلَّا مَا فِي كتاب اللَّه أَو سنة رَسُول اللَّهِ فَقلت لَهُ تأولت تَأْوِيلا فَأَنت أعلم وَمَا تأولت مَا يحبس عَلَيْهِ وَمَا يُقيد عَلَيْهِ ثمَّ إِن المعتصم دَعَا أَحْمَد مَرَّتَيْنِ فِي مجلسين يطول شرحهما وَهُوَ يَدعُوهُ إِلَى الْبِدْعَة وأَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْبَى عَلَيْهِ أَشد الإباء قَالَ أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلما كَانَت اللَّيْلَة الثَّالِثَة قلت خليق أَن يحدث غَدا من أمرى شئ فَقلت لبَعض من كَانَ معي الْمُوكل بِي ارْتَدَّ لي خيطا فَجَاءَنِي بخيط فشددت بِهِ الأقياد ورددت التكة إِلَى سراويلي مَخَافَة أَن يحدث من أمرى شئ فأتعرى فَلَمَّا كَانَ من الْغَد فِي الْيَوْم الثَّالِث وَجه إِلَيّ فأدخلت فَإِذا الدَّار غاصة فَجعلت أَدخل من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَقوم مَعَهم السيوف وَقوم مَعَهم السِّيَاط وَغير ذَلِك وَلم يكن فِي الْيَوْمَيْنِ الماضيين كثير أحد من هَؤُلَاءِ فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَيْهِ قَالَ اقعد ثمَّ قَالَ ناظروه كَلمُوهُ فَجعلُوا يناظروني وَيتَكَلَّم هَذَا فأرد عَلَيْهِ وَجعل صوتي يَعْلُو أَصْوَاتهم فَجعل بعض من عَلَى رَأسه قَائِم يومي إِلَيّ بِيَدِهِ فَلَمَّا طَال الْمجْلس نحاني ثمَّ خلا بهم ثمَّ نحاهم وردني إِلَى عِنْده وَقَالَ وَيحك يَا أَحْمَد أجبني حَتَّى أطلق عَنْك بيَدي فَرددت عَلَيْهِ نَحوا مِمَّا كنت أرد فَقَالَ لي عَلَيْك وَذكر اللَّعْن وَقَالَ خذوه واسحبوه واخلعوه قَالَ فسحبت ثمَّ خلعت قَالَ وَقد كَانَ صَار إِلَي شعر من شعر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كم قميصى فَوجه إِلَى إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم مَا هَذَا المصرور فِي كمك قلت شعر من شعر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 قَالَ وسعى بعض الْقَوْم إِلَى الْقَمِيص ليخرقه عَليّ فَقَالَ لَهُم يَعْنِي المعتصم لَا تخرقوه فَنزع الْقَمِيص عني قَالَ فَظَنَنْت أَنه إِنَّمَا درئ عَن الْقَمِيص الْخرق بِسَبَب الشّعْر الَّذِي كَانَ فِيهِ قَالَ وَجلسَ عَلَى كرْسِي يَعْنِي المعتصم ثمَّ قَالَ العقابين والسياط فجيء بالعقابين فمدت يداي فَقَالَ بعض من حضر خَلْفي خُذ بِأَيّ الخشبتين بيديك وَشد عَلَيْهِمَا فَلم أفهم مَا قَالَ فتخلعت يداي وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البوشنجي ذكرُوا أَن المعتصم لَان فِي أَمر أَحْمَد لما علق فِي العقابين وَرَأى ثُبُوته وتصميمه وصلابته فِي أمره حَتَّى أغراه ابْن أَبِي دؤاد وَقَالَ لَهُ إِن تركته قِيلَ إِنَّك تركت مَذْهَب الْمَأْمُون وسخطت قَوْله فهاجه ذَلِك عَلَى ضربه قَالَ صَالح قَالَ أَبى لما جئ بالسياط نظر إِلَيْهَا المعتصم وَقَالَ ائْتُونِي بغَيْرهَا ثمَّ قَالَ للجلادين تقدمُوا فَجعل يتَقَدَّم إِلَي الرجل مِنْهُم فيضربني سوطين فَيَقُول لَهُ شدّ قطع اللَّه يدك ثمَّ يتَنَحَّى ويتقدم الآخر فيضربني سوطين وَهُوَ يَقُول فِي كل ذَلِك شدّ قطع اللَّه يدك فَلَمَّا ضربت تِسْعَة عشر سَوْطًا قَامَ إِلَيّ يَعْنِي المعتصم فَقَالَ يَا أَحْمَد علام تقتل نَفسك إِنِّي وَالله عَلَيْك لشفيق قَالَ فَجعل عجيف ينخسني بقائمة سَيْفه وَيَقُول أَتُرِيدُ أَن تغلب هَؤُلَاءِ كلهم وَجعل بَعضهم يَقُول وَيلك الْخَلِيفَة عَلَى رَأسك قَائِم وَقَالَ بَعضهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دَمه فِي عنقِي اقتله وَجعلُوا يَقُولُونَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت صَائِم وَأَنت فِي الشَّمْس قَائِم فَقَالَ لي وَيحك يَا أَحْمَد مَا تَقول فَأَقُول أعطوني شَيْئا من كتاب اللَّه أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقُول بِهِ فَرجع وَجلسَ وَقَالَ للجلاد تقدم وأوجع قطع اللَّه يدك ثمَّ قَامَ الثَّانِيَة فَجعل يَقُول وَيحك يَا أَحْمَد أجبني فَجعلُوا يقبلُونَ عَلِيّ وَيَقُولُونَ يَا أَحْمَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 إمامك عَلَى رَأسك قَائِم وَجعل عَبْد الرَّحْمَن يَقُول من صنع من أَصْحَابك فِي هَذَا الْأَمر مَا تصنع وَجعل المعتصم يَقُول وَيحك أجبنى إِلَى شئ لَك فِيهِ أدني فرج حَتَّى أطلق عَنْك بيَدي فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطوني شَيْئا من كتاب اللَّه فَرجع وَقَالَ للجلادين تقدمُوا فَجعل الجلاد يتَقَدَّم ويضربني سوطين ويتنحي فِي خلال ذَلِك يَقُول شدّ قطع اللَّه يدك قَالَ أَبِي فَذهب عَقْلِي فَأَفَقْت بعد ذَلِك فَإِذا الأقياد قد أطلقت عني فَقَالَ لي رجل مِمَّن حضر إِنَّا كببناك عَلَى وَجهك وطرحناك عَلَى ظهرك ودسناك قَالَ أَبِي فَمَا شَعرت بذلك وأتوني بسويق فَقَالُوا لي اشرب وتقيأ فَقلت لَا أفطر ثمَّ جِيءَ بِي إِلَى دَار إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم فَحَضَرت صَلَاة الظّهْر فَتقدم ابْن سَمَّاعَة فصلى فَلَمَّا انْفَتَلَ من الصَّلَاة قَالَ لي صليت وَالدَّم يسيل فِي ثَوْبك فَقلت قد صلى عمر وجرحه يثغب دَمًا قَالَ صَالح ثمَّ خلي عَنهُ فَصَارَ إِلَى منزله وَكَانَ مكثه فِي السجْن مذ أَخذ وَحمل إِلَى أَن ضرب وخلي عَنهُ ثَمَانِيَة وَعشْرين شهرا وَلَقَد أَخْبرنِي أحد الرجلَيْن اللَّذين كَانَا مَعَه قَالَ يَا ابْن أخي رَحْمَة اللَّه عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه وَالله مَا رَأَيْت أحدا يُشبههُ وَلَقَد جعلت أَقُول لَهُ فِي وَقت مَا يُوَجه إِلَيْنَا بِالطَّعَامِ يَا أَبَا عَبْد اللَّه أَنْت صَائِم وَأَنت فِي مَوضِع تقية وَلَقَد عَطش فَقَالَ لصَاحب الشَّرَاب ناولني فَنَاوَلَهُ قدحا فِيهِ مَاء وثلج فَأَخذه وَنظر إِلَيْهِ هنيئه ثمَّ رده وَلم يشرب فَجعلت أتعجب من صبره عَلَى الْجُوع والعطش وَهُوَ فِيمَا هُوَ فِيهِ من الهول قَالَ صَالح كنت ألتمس وأحتال أَن أوصل إِلَيْهِ طَعَاما أَو رغيفا فِي تِلْكَ الْأَيَّام فَلم أقدر وَأَخْبرنِي رجل حَضَره أَنه تفقده فِي هَذِهِ الْأَيَّام الثَّلَاثَة وهم يناظرونه فَمَا لحن فِي كلمة قَالَ وَمَا ظَنَنْت أَن أحدا يكون فِي مثل شجاعته وَشدَّة قلبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وروى أَنه لما ضرب سَوْطًا قَالَ بِسم اللَّه فَلَمَّا ضرب الثَّانِي قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَلَمَّا ضرب الثَّالِث قَالَ الْقُرْآن كَلَام اللَّه غير مَخْلُوق فَلَمَّا ضرب الرَّابِع قَالَ {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كتب الله لنا} فَضَربهُ تِسْعَة وَعشْرين سَوْطًا وَكَانَت تكة أَحْمَد حَاشِيَة ثوب فَانْقَطَعت فَنزل السَّرَاوِيل إِلَى عانته فَرمى بطرفه إِلَى السَّمَاء وحرك شَفَتَيْه فَمَا كَانَ بأسرع من ثُبُوت السَّرَاوِيل عَلَى حَاله لم تتزحزح قَالَ الرَّاوِي فَدخلت عَلَى أَحْمَد بعد سَبْعَة أَيَّام فَقلت يَا أَبَا عَبْد اللَّه رَأَيْتُك وَقد انحل سراويلك فَرفعت طرفك نَحْو السَّمَاء فَثَبت مَا الَّذِي قلت قَالَ قلت اللَّهم إِنِّي أَسأَلك بِاسْمِك الَّذِي مَلَأت بِهِ الْعَرْش إِن كنت تعلم أَنِّي عَلَى الصَّوَاب فَلَا تهتك لي سترا وَفِي رِوَايَة لما أقبل الدَّم من أكتافه انْقَطع خيط السَّرَاوِيل وَنزل فَرفع طرفه إِلَى السَّمَاء فَعَاد من لحظته فَسئلَ أَحْمَد فَقَالَ قلت إلهي وسيدي وقفتني هَذَا الْموقف فَلَا تهتكني عَلَى رُءُوس الْخَلَائق وَرُوِيَ أَنه كَانَ كلما ضرب سَوْطًا أَبْرَأ ذمَّة المعتصم فَسئلَ فَقَالَ كرهت أَن آتِي يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال هَذَا غَرِيم ابْن عَم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَو رجل من أهل بَيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا مُخْتَصر من حَال الإِمَام أَحْمَد فِي المحنة رَحمَه اللَّه تَعَالَى وَرَضي عَنهُ وَأما الْأُسْتَاذ أَحْمَد بْن نصر الْخُزَاعِيّ ذُو الْجنان وَاللِّسَان والثبات وَإِن اضْطربَ المهند والسنان والوثبات وَإِن مَلَأت نَار الْفِتْنَة كل مَكَان فَإِنَّهُ كَانَ شَيخا جَلِيلًا قوالا بِالْحَقِّ أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاء عَن الْمُنكر وَكَانَ من أَوْلَاد الْأُمَرَاء وَكَانَت محنته عَلَى يَد الواثق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 قَالَ لَهُ مَا تَقول فِي الْقُرْآن قَالَ كَلَام اللَّه وأصر عَلَى ذَلِك غير متلعثم فَقَالَ بعض الْحَاضِرين هُوَ حَلَال الدَّم فَقَالَ ابْن أَبى دؤاد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ شيخ مختل لَعَلَّ بِهِ عاهة أَو تغير عقل يُؤَخر أمره ويستتاب فَقَالَ الواثق مَا أرَاهُ إِلَّا مُؤديا لكفره قَائِما بِمَا يَعْتَقِدهُ مِنْهُ ثمَّ دَعَا بالصمصامة وَقَالَ إِذا قُمْت إِلَيْهِ فَلَا يقومن أحد معي فَإِنِّي أحتسب خطاي إِلَى هَذَا الْكَافِر الَّذِي يعبد رَبًّا لَا نعبده وَلَا نعرفه بِالصّفةِ الَّتِي وَصفه بهَا ثمَّ أَمر بالنطع فأجلس عَلَيْهِ وَهُوَ مُقَيّد وَأمر أَن يشد رَأسه بِحَبل وَأمرهمْ أَن يمدوه وَمَشى إِلَيْهِ فَضرب عُنُقه وَأمر بِحمْل رَأسه إِلَى بَغْدَاد فَنصبت بالجانب الشَّرْقِي أَيَّامًا وَفِي الْجَانِب الغربي أَيَّامًا وتتبع رُؤُوس أَصْحَابه فسجنوا وَقَالَ الْحَسَن بْن مُحَمَّد الْخرقِيّ سَمِعت جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصَّائِغ يَقُول رَأَيْت أَحْمَد بْن نصر حَيْثُ ضربت عُنُقه قَالَ رَأسه لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ الْمَرْوذِيّ سَمِعت أَبَا عَبْد اللَّه وَذكر أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ رَحمَه اللَّه مَا كَانَ أسخاه لقد جاد بِنَفسِهِ وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ فِي تَرْجَمَة أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بْن سَعِيد الْمَرْوذِيّ وَهُوَ فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة من تَارِيخ نَيْسَابُورَ سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس السياري يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس بْن سعد يَقُول لم يصبر فِي المحنة إِلَّا أَرْبَعَة كلهم من أهل مرو أَحْمَد بْن حَنْبَل أَبُو عَبْد اللَّه وأَحْمَد بْن نصر بْن مَالك الْخُزَاعِيّ ومُحَمَّد بْن نوح بْن مَيْمُون الْمَضْرُوب ونعيم بْن حَمَّاد وَقد مَاتَ فِي السجْن مُقَيّدا فَأَما أَحْمَد بْن نصر فَضربت عُنُقه وَهَذِه نُسْخَة الرقعة الْمُعَلقَة فِي أذن أَحْمَد بْن نصر بْن مَالك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا رَأس أَحْمَد بْن نصر بْن مَالك دَعَاهُ عَبْد اللَّه الإِمَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 هَارُون وَهُوَ الواثق بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَنفي التَّشْبِيه فَأبى إِلَّا المعاندة فَجعله اللَّه إِلَى ناره وَكتب مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك وَمَات مُحَمَّد بْن نوح فى فتْنَة الْمَأْمُون والمعتصم ضرب أَحْمد ابْن حَنْبَل والواثق قتل أَحْمَد بْن نصر بْن مَالك وَكَذَلِكَ نعيم بْن حَمَّاد وَلما جلس المتَوَكل دخل عَلَيْهِ عَبْد الْعَزِيز بْن يَحْيَى الْكِنَانِي فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا رُؤِيَ أعجب من أَمر الواثق قتل أَحْمَد بْن نصر وَكَانَ لِسَانه يقْرَأ الْقُرْآن إِلَى أَن دفن قَالَ فَوجدَ المتَوَكل من ذَلِك وساءه مَا سَمعه فِي أَخِيه إِذْ دخل عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْملك الزيات فَقَالَ لَهُ يَا ابْن عَبْد الْملك فِي قلبِي من قتل أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أحرقني اللَّه بالنَّار إِن قَتله أَمِير الْمُؤمنِينَ الواثق إِلَّا كَافِرًا قَالَ وَدخل عَلَيْهِ هرثمة فَقَالَ يَا هرثمة فِي قلبِي من قتل أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قطعني اللَّه إربا إربا إِن قَتله أَمِير الْمُؤمنِينَ الواثق إِلَّا كَافِرًا قَالَ وَدخل عَلَيْهِ أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد فَقَالَ يَا أَحْمَد فِي قلبِي من قتل أَحْمَد بْن نصر فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ضَرَبَنِي اللَّه بالفالج إِن قَتله أَمِير الْمُؤمنِينَ الواثق إِلَّا كَافِرًا قَالَ المتَوَكل فَأَما الزيات فَأَنا أحرقته بالنَّار وَأما هرثمة فَإِنَّهُ هرب وتبدى واجتاز بقبيلة خُزَاعَة فَعرفهُ رجل من الْحَيّ فَقَالَ يَا معشر خُزَاعَة هَذَا الَّذِي قتل أَحْمَد بْن نصر فقطعوه إربا إربا وَأما أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد فقد سجنه اللَّه فِي جلده قلت وَبَلغنِي وَمَا أرَاهُ إِلَّا فِي تَارِيخ الْحَاكِم أَن بعض الْأُمَرَاء خرج يتصيد فَأَلْقَاهُ السّير عَلَى أَرض فَنزل بهَا فبحث بعض غلمانه فِي التُّرَاب فحفر حَتَّى رَأْي مَيتا فِي قَبره طريا وَهُوَ فِي نَاحيَة وَرَأسه فِي نَاحيَة وفى أُذُنه رقْعَة عَلَيْهَا شئ مَكْتُوب فأحضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 من قَرَأَهُ فَإِذا هُوَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا رَأس أَحْمَد بْن نصر الْكَلِمَات السَّابِقَة فَعَلمُوا أَنه رَأس أَحْمَد الْخُزَاعِيّ فَدفن وَرفع سَنَام قَبره وَكَانَ هَذَا فِي زمن الْحَاكِم أَبِي عَبْد اللَّه الْحَافِظ وَهُوَ عَلَى طراوته وَكَيف لَا وَهُوَ شَهِيد رَحمَه اللَّه وَرَضي عَنهُ وَقد طَال أَمر هَذِهِ الْفِتْنَة وطار شررها واستمرت من هَذِهِ السّنة الَّتِي هِيَ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فَرَفعهَا المتَوَكل فِي مَجْلِسه وَنهى عَن القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَكتب بذلك إِلَى الْآفَاق وتوفر دُعَاء الْخلق لَهُ وبالغوا فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ والتعظيم لَهُ حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ الْخُلَفَاء ثَلَاثَة أَبُو بكر الصّديق يَوْم الرِّدَّة وَعمر بْن عَبْد الْعَزِيز فِي رد الْمَظَالِم والمتوكل فِي إحْيَاء السّنة وَسكت النَّاس عَن ذنُوب المتَوَكل وَقد كَانَت الْعَامَّة تنقم عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه ندب لدمشق أفريدون التركي أحد مماليكه وسيره واليا عَلَيْهَا وَكَانَ ظَالِما فاتكا فَقدم فِي سَبْعَة آلَاف فَارس وأباح لَهُ المتَوَكل الْقَتْل فِي دمشق والنهب عَلَى مَا نقل إِلَيْنَا ثَلَاث سَاعَات فَنزل بِبَيْت لهيا وَأَرَادَ أَن يصبح الْبَلَد فَلَمَّا أصبح نظر إِلَى الْبَلَد وَقَالَ يَا يَوْم تصبحك مني فَقدمت لَهُ بغلة فضربته بِالزَّوْجِ فَقتلته وقبره بِبَيْت لهيا ورد الْجَيْش الَّذِي مَعَه خائبين وَبلغ المتَوَكل فصلحت نِيَّته لأهل دمشق وَالثَّانِي أَنه أَمر بهدم قبر الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهدم مَا حوله من الدّور وَأَن يعْمل مزارع وَمنع النَّاس من زيارته وحرث وَبَقِي صحراء فتألم الْمُسلمُونَ لذَلِك وَكتب أهل بَغْدَاد شَتمه عَلَى الْحِيطَان والمساجد وهجاه دعبل وَغَيره من الشُّعَرَاء وَقَالَ قَائِلهمْ (بِاللَّه إِن كَانَت أُميَّة قد أَتَت ... قتل ابْن بنت نبيها مَظْلُوما) (فَلَقَد أَتَاهُ بَنو أَبِيه بِمثلِهِ ... هَذَا لعمرك قَبره مهدوما) (أسفوا عَلَى أَن لَا يَكُونُوا شاركوا ... فِي قَتله فتتبعوه رميما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 قلت لقد كَانَت هَاتَانِ الواقعتان الفظيعتان فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَرفع المحنة قبلهَا بِسنتَيْنِ فَهِيَ ذنُوب لاحقة لرفع الْفِتْنَة لَا سَابِقَة عَلَيْهَا وَكَانَ من الْأَسْبَاب فِي رفع الْفِتْنَة أَن الواثق أُتِي بشيخ مُقَيّد فَقَالَ لَهُ ابْن أَبِي دؤاد يَا شيخ مَا تَقول فِي الْقُرْآن أمخلوق هُوَ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ لم تنصفني الْمَسْأَلَة أَنا أَسأَلك قبل الْجَواب هَذَا الذى تَقوله يَا ابْن أَبى دؤاد من خلق الْقُرْآن شئ علمه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَو جهلوه فَقَالَ بل علموه فَقَالَ فَهَل دعوا إِلَيْهِ النَّاس كَمَا دعوتهم أَنْت أَو سكتوا قَالَ بل سكتوا قَالَ فَهَلا وسعك مَا وسعهم من السُّكُوت فَسكت ابْن أَبِي دؤاد وأعجب الواثق كَلَامه وَأمر بِإِطْلَاق سَبيله وَقَامَ الواثق من مَجْلِسه وَهُوَ عَلَى مَا حكى يَقُول هلا وسعك مَا وسعهم يُكَرر هَذِهِ الْكَلِمَة وَكَانَ ذَلِك من الْأَسْبَاب فِي خمود الْفِتْنَة وَإِن كَانَ رَفعهَا بِالْكُلِّيَّةِ إِنَّمَا كَانَ عَلَى يَد المتَوَكل وَهَذَا الَّذِي أوردناه فِي هَذِهِ الْحِكَايَة هُوَ مَا ثَبت من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَمِنْهُم من زَاد فِيهَا مَا لَا يثبت فاضبط مَا أَثْبَتْنَاهُ ودع مَا عداهُ فَلَيْسَ عِنْد ابْن أَبِي دؤاد من الْجَهْل مَا يصل بِهِ إِلَى أَن يَقُول جهلوه وَإِنَّمَا نِسْبَة هَذَا إِلَيْهِ تعصب عَلَيْهِ وَالْحق وسط فَابْن أَبِي دؤاد مُبْتَدع ضال مُبْطل لَا محَالة وَلَا يَنْتَهِي أمره إِلَى أَن يَدعِي أَن شَيْئا ظهر لَهُ وخفي عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين كَمَا حُكيَ عَنهُ فِي هَذِهِ الْحِكَايَة فَهَذَا معَاذ اللَّه أَن يَقُوله أَو يَظُنّهُ أحد يتزيى بزِي الْمُسلمين وَلَو فَاه بِهِ ابْن أَبِي دؤاد لفرق الواثق من سَاعَته بَين رَأسه وبدنه وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ وَإِن كَانَ فِي تَرْجَمَة ابْن أَبِي دؤاد حكى الْحِكَايَة عَلَى الْوَجْه الَّذِي لَا نرضاه فقد أوردهَا فِي تَرْجَمَة الواثق من غير مَا وَجه عَلَى الْوَجْه الثَّابِت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 ولنقطع عنان الْكَلَام فِي هَذِهِ الْفِتْنَة فَفِيمَا أوردناه فِيهَا مقنع وبلاغ وَقد أعلمناك أَنَّهَا لَبِثت شطرا من خلَافَة الْمَأْمُون واستوعبت خلَافَة المعتصم والواثق وَارْتَفَعت فِي خلَافَة المتَوَكل وَقد كَانَ الْمَأْمُون الَّذِي افتتحت فِي أَيَّامه وَهُوَ عَبْد اللَّه الْمَأْمُون بْن هَارُون الرشيد مِمَّن عني بالفلسفة وعلوم الْأَوَائِل وَمهر فِيهَا وَاجْتمعَ عَلَيْهِ جمع من علمائها فجره ذَلِك إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَذكر المؤرخون أَنه كَانَ بارعا فِي الْفِقْه والعربية وَأَيَّام النَّاس وَلكنه كَانَ ذَا حزم وعزم وحلم وَعلم ودهاء وهيبة وذكاء وسماحة وفطنة وفصاحة وَدين قِيلَ ختم فِي رَمَضَان ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ختمة وَصعد فِي يَوْم منبرا وَحدث فأورد بِسَنَدِهِ نَحوا من ثَلَاثِينَ حَدِيثا بِحُضُور القَاضِي يَحْيَى بْن أَكْثَم ثمَّ قَالَ لَهُ يَا يَحْيَى كَيفَ رَأَيْت مَجْلِسنَا فَقَالَ أجل مجْلِس يفقه الْخَاصَّة والعامة فَقَالَ مَا رَأَيْت لَهُ حلاوة إِنَّمَا الْمجْلس لأَصْحَاب الخلقان والمحابر وَقيل تقدم إِلَيْهِ رجل غَرِيب بِيَدِهِ محبرة وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ صَاحب حَدِيث مُنْقَطع بِهِ السبل فَقَالَ مَا تحفظ فِي بَاب كَذَا فَلم يذكر شَيْئا قِيلَ فَمَا زَالَ الْمَأْمُون يَقُول حَدثنَا هشيم وَحدثنَا يَحْيَى وَحدثنَا حجاج حَتَّى ذكر الْبَاب ثمَّ سَأَلَهُ عَن بَاب آخر فَلم يذكر فِيهِ شَيْئا فَقَالَ الْمَأْمُون حَدثنَا فلَان وَحدثنَا فلَان إِلَى أَن قَالَ لأَصْحَابه يطْلب أحدهم الحَدِيث ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يَقُول أَنا من أَصْحَاب الحَدِيث أَعْطوهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم قلت وَكَانَ الْمَأْمُون من الْكَرم بمَكَان مكين بِحَيْثُ إِنَّه فرق فِي سَاعَة سِتَّة وَعشْرين ألف ألف دِرْهَم وحكايات مكارمه تستوعب الأوراق وَإِنَّمَا اقْتصر فِي عَطاء هَذَا السَّائِل فِيمَا نرَاهُ وَالله أعلم لما رأى مِنْهُ من التمعلم وَلَيْسَ هُوَ هُنَاكَ وَلَعَلَّه فهم عَنهُ التعاظم بِالْعلمِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ شَأْن كثير مِمَّن يدْخل إِلَى الْأُمَرَاء ويظنهم جهلة عَلَى الْعَادة الْغَالِبَة وَكَانَ الْمَأْمُون كثير الْعَفو والصفح وَمن كَلَامه لَو عرف النَّاس حبي للعفو لتقربوا إِلَي بالجرائم وأخاف أَن لَا أؤجر فِيهِ يَعْنِي لكَونه طبعا لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 قَالَ يَحْيَى بْن أَكْثَم كَانَ الْمَأْمُون يحلم حَتَّى يغيظنا وَقيل إِن ملاحا مر والمأمون جَالس فَقَالَ أتظنون أَن هَذَا ينبل فِي عَيْني وَقد قتل أَخَاهُ الْأمين يُشِير إِلَى الْمَأْمُون فَسَمعهُ الْمَأْمُون وَظن الْحَاضِرُونَ أَنه سيقضي عَلَيْهِ فَلم يزدْ الْمَأْمُون عَلَى أَن تَبَسم وَقَالَ مَا الْحِيلَة حَتَّى أنبل فِي عين هَذَا السَّيِّد الْجَلِيل ولسنا نستوعب تَرْجَمَة الْمَأْمُون فَإِن الأوراق تضيق بهَا وَكِتَابنَا غير مَوْضُوع لَهَا وَإِنَّمَا غرضنا أَنه كَانَ من أهل الْعلم وَالْخَيْر وجره الْقَلِيل الَّذِي كَانَ يدريه من عُلُوم الْأَوَائِل إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن كَمَا جَرّه الْيَسِير الَّذِي كَانَ يدريه فِي الْفِقْه إِلَى القَوْل بِإِبَاحَة مُتْعَة النِّسَاء ثمَّ كَانَ ملكا مُطَاعًا فَحمل النَّاس عَلَى معتقده وَلَقَد نَادَى بِإِبَاحَة مُتْعَة النِّسَاء ثمَّ لم يزل بِهِ يحيى بْن أَكْثَم رَحمَه اللَّه حَتَّى أبطلها وَرُوِيَ لَهُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنَيِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَلَمَّا صَحَّحَ لَهُ الْحَدِيثَ رَجَعَ إِلَى الْحَقِّ وَأما مسأله خلق الْقُرْآن فَلم يرجع عَنْهَا وَكَانَ قد ابْتَدَأَ بالْكلَام فِيهَا فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَلَكِن لم يصمم وَيحمل النَّاس إِلَّا فِي سنة ثَمَان عشرَة ثمَّ عوجل وَلم يُمْهل بل توجه غازيا إِلَى أَرض الرّوم فَمَرض وَمَات فِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ واستقل بالخلافة بعده أَخُوهُ المعتصم بِاللَّه مُحَمَّد بْن هَارُون الرشيد بِعَهْد مِنْهُ وَكَانَ ملكا شجاعا بطلا مهيبا وَهُوَ الَّذِي فتح عمورية وَقد كَانَ المنجمون قضوا بِأَنَّهُ يكسر فانتصر نصرا مؤزرا وَأنْشد فِيهِ أَبُو تَمام الطَّائِي قصيدته السائرة الَّتِي أَولهَا (السَّيْف أصدق أنباء من الْكتب ... فِي حَده الْحَد بَين الْجد واللعب) (وَالْعلم فِي شهب الأرماح لامعة ... بَين الخميسين لَا فِي السَّبْعَة الشهب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 (أَيْن الرِّوَايَة أم أَيْن النُّجُوم وَمَا ... صاغوه من زخرف فِيهَا وَمن كذب) (تخرصا وأحاديثا ملفقة ... لَيست بنبع إِذا عدت وَلَا غرب) وَلَقَد تضيق الأوراق عَن شرح مَا كَانَ عَلَيْهِ من الشجَاعَة والمهابة والمكارم وَالْأَمْوَال والحيل والدهاء وَكَثْرَة العساكر وَالْعدَد وَالْعدَد قَالَ الْخَطِيب ولكثرة عساكره وضيق بَغْدَاد عَنهُ بنى سر من رأى وانتقل بالعساكر إِلَيْهَا وَسميت الْعَسْكَر وَقيل بلغ عدد غلمانه الأتراك فَقَط سَبْعَة عشر ألفا وَقيل إِنَّه كَانَ عريا من الْعلم مَعَ أَنه رويت عَنهُ كَلِمَات تدل عَلَى فَصَاحَته ومعرفته قَالَ أَبُو الْفضل الرياشي كتب ملك الرّوم لَعنه اللَّه إِلَى المعتصم يهدده فَأمر بجوابه فَلَمَّا قرئَ عَلَيْهِ الْجَواب لم يرضه وَقَالَ لِلْكَاتِبِ اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أما بعد فقد قَرَأت كتابك وَسمعت خطابك وَالْجَوَاب مَا ترى لَا مَا تسمع {وَسَيعْلَمُ الْكفَّار لمن عُقبى الدَّار} وَمن كَلَامه اللَّهم إِنَّك تعلم أَنِّي أخافك من قبلي وَلَا أخافك من قبلك وأرجوك من قبلك وَلَا أرجوك من قبلي قلت وَالنَّاس يستحسنون هَذَا الْكَلَام مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَن الْخَوْف من قبلي لما اقترفته من الذُّنُوب لَا من قبلك فَإنَّك عَادل لَا تظلم فلولا الذُّنُوب لما كَانَ للخوف معنى وَأما الرَّجَاء فَمن قبلك لِأَنَّك متفضل لَا من قبلي لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي من الطَّاعَات والمحاسن مَا أرتجيك بهَا والشق الثَّانِي عندنَا صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ وَأما الأول فَإنَّا نقُول إِن الرب تَعَالَى نَخَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 من قبله كَمَا نَخَاف من قبلنَا لِأَنَّهُ الْملك القهار يخافه الطائعون والعصاة وَهَذَا وَاضح لمن تدبره قَالَ المؤرخون وَمَعَ كَونه كَانَ لَا يدْرِي شَيْئا من الْعلم حمل النَّاس عَلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن قلت لِأَن أَخَاهُ الْمَأْمُون أوصى إِلَيْهِ بذلك وانضم إِلَى ذَلِك القَاضِي أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد وَأَمْثَاله من فُقَهَاء السوء فَإِنَّمَا يتْلف السلاطين فسقة الْفُقَهَاء فَإِن الْفُقَهَاء مَا بَين صَالح وطالح فالصالح غَالِبا لَا يتَرَدَّد إِلَى أَبْوَاب الْمُلُوك والطالح غَالِبا يترامى عَلَيْهِم ثمَّ لَا يَسعهُ إِلَّا أَن يجْرِي مَعَهم عَلَى أهوائهم ويهون عَلَيْهِم العظائم وَلَهو عَلَى النَّاس شَرّ من ألف شَيْطَان كَمَا أَن صَالح الْفُقَهَاء خير من ألف عَابِد وَلَوْلَا اجْتِمَاع فُقَهَاء السوء عَلَى المعتصم لنجاه اللَّه مِمَّا فرط مِنْهُ وَلَو أَن الَّذين عِنْده من الْفُقَهَاء عَلَى حق لأروه الْحق أَبْلَج وَاضحا ولأبعدوه عَن ضرب مثل الإِمَام أَحْمَد وَلَكِن مَا الْحِيلَة وَالزَّمَان بني عَلَى هَذَا وَبِهَذَا تظهر حِكْمَة اللَّه فِي خلقه وَلَقَد كَانَ شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الْوَالِد رَحمَه اللَّه يقوم فِي الْحق ويفوه بَين يَدي الْأُمَرَاء بِمَا لَا يقوم بِهِ غَيره فيذعنون لطاعته ثمَّ إِذا خرج من عِنْدهم دخل إِلَيْهِم من فُقَهَاء السوء من يعكس ذَلِك الْأَمر وينسب الشَّيْخ الإِمَام إِلَى خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا ينْدَفع شئ من الْمَفَاسِد بل يزْدَاد الْحَال وَلَقَد قَالَ مرّة لبَعض الْأُمَرَاء وَقد رأى عَلَيْهِ طرزا من ذهب عريضا عَلَى قبَاء حَرِير يَا أَمِير أَلَيْسَ فِي الثِّيَاب الصُّوف مَا هُوَ أحسن من هَذَا الْحَرِير أَلَيْسَ فِي السكندري مَا هُوَ أظرف من هَذَا الطرز أَي لَذَّة لَك فِي لبس الْحَرِير وَالذَّهَب وعَلى أى شئ يدْخل الْمَرْء جَهَنَّم وعذله فِي ذَلِك حَتَّى قَالَ لَهُ ذَلِك الْأَمِير اشْهَدْ عَلَي أَنِّي لَا ألبس بعْدهَا حَرِيرًا وَلَا طرزا وَقد تركت ذَلِك لله عَلَى يَديك فَلَمَّا فَارقه جَاءَهُ من أعرفهُ من الْفُقَهَاء وَقَالَ لَهُ أما الطرز فقد جوز أَبُو حنيفَة مَا دون أَرْبَعَة أَصَابِع وَأما الْحَرِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 فقد أَبَاحَهُ فلَان وَأما وَأما وَرخّص لَهُ ثمَّ قَالَ لَهُ لم لَا نهى عَن المكوس لم لَا نهى عَن كَذَا وَكَذَا وَذكر مَا لَو نهى الشَّيْخ الإِمَام أَو غَيره عَنهُ لما أَفَادَ وَقَالَ لَهُ إِنَّمَا قصد بِهَذَا إهانتك وَأَن يبين للنَّاس أَنَّك تعْمل حَرَامًا فَلم يخرج من عِنْده حَتَّى عَاد إِلَى حَاله الأول وحنق عَلَى الشَّيْخ الإِمَام وظنه قصد تنقيصه عِنْد الْخلق وَلم يكن قصد هَذَا الْفَقِيه إِلَّا إِيقَاع الْفِتْنَة بَين الشَّيْخ الإِمَام والأمير وَلَا عَلَيْهِ أَن يُفْتِي بِمحرم فِي قَضَاء غَرَضه وَهَذَا الْمِسْكِين لم يكن يخفى عَلَيْهِ أَن ترك النَّهْي عَمَّا لَا يُفِيد النَّهْي عَنهُ من الْمَفَاسِد لَا يُوجب الْإِمْسَاك عَن غَيره وَلَكِن حمله هَوَاهُ عَلَى الْوُقُوع فِي هَذِهِ العظائم والأمير مِسْكين لَيْسَ لَهُ من الْعلم وَالْعقل مَا يُمَيّز بِهِ والحكايات فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة ومسك اللِّسَان أولى وَالله الْمُسْتَعَان وَمَات المعتصم فِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَولى الواثق بِاللَّه أَبُو جَعْفَر هَارُون ابْن المعتصم بْن الرشيد وَكَانَ مليح الشّعْر يرْوى أَنه كَانَ يحب خَادِمًا أهدي لَهُ من مصر فأغضبه الواثق يَوْمًا ثمَّ إِنَّه سَمعه يَقُول لبَعض الخدم وَالله إِنَّه ليروم أَن ُأكَلِّمهُ من أمس فَمَا أفعل فَقَالَ الواثق (يَا ذَا الَّذِي بعذابي ظلّ مفتخرا ... مَا أَنْت إِلَّا مليك جَار إِذْ قدرا) (لَوْلَا الْهوى لتجارينا عَلَى قدر ... وَإِن أفق مِنْهُ يَوْمًا مَا فَسَوف ترى) وَقد ظرف عبَادَة الملقب بِعبَادة المخنث حَيْثُ دخل إِلَيْهِ وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعظم اللَّه أجرك فِي الْقُرْآن قَالَ وَيلك الْقُرْآن يَمُوت قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كل مَخْلُوق يَمُوت بِاللَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من يُصَلِّي بِالنَّاسِ التَّرَاوِيح إِذا مَاتَ الْقُرْآن فَضَحِك الْخَلِيفَة وَقَالَ قَاتلك اللَّه أمسك قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ ابْن أَبِي دؤاد قد استولى عَلَيْهِ وَحمله عَلَى التَّشْدِيد فِي المحنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 قلت وَكَيف لَا يشدد الْمِسْكِين فِيهَا وَقد أقرُّوا فِي ذهنه أَنَّهَا حق يقربهُ إِلَى اللَّه حَتَّى إِنَّه لما كَانَ الْفِدَاء فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ واستفك الواثق من طاغية الرّوم أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة نفس قَالَ ابْن أَبِي دؤاد عَلَى مَا حُكيَ عَنهُ وَلَكِن لم يثبت عندنَا من قَالَ من الْأُسَارَى الْقُرْآن مَخْلُوق خلصوه وَأَعْطوهُ دينارين وَمن امْتنع دَعوه فِي الْأسر وَهَذِه الْحِكَايَة إِن صحت عَنهُ دلّت عَلَى جهل عَظِيم وإفراط فِي الْكفْر وَهَذَا من الطّراز الأول فَإِذا رأى الْخَلِيفَة قَاضِيا يَقُول هَذَا الْكَلَام أَلَيْسَ يوقعه ذَلِك فِي أَشد مِمَّا وَقع مِنْهُ فنعوذ بِاللَّه من عُلَمَاء السوء ونسأله التَّوْفِيق والإعانة ونعود إِلَى الْكَلَام فِي تَرْجَمَة الإِمَام أَحْمَد مناظرة بَين الشَّافِعِي وأَحْمَد ابْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما حُكيَ أَن أَحْمَد نَاظر الشَّافِعِي فِي تَارِك الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي يَا أَحْمَد أَتَقول إِنَّه يكفر قَالَ نعم قَالَ إِذا كَانَ كَافِرًا فَبِمَ يسلم قَالَ يَقُول لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّافِعِي فالرجل مستديم لهَذَا القَوْل لم يتْركهُ قَالَ يسلم بِأَن يُصَلِّي قَالَ صَلَاة الْكَافِر لَا تصح وَلَا يحكم بِالْإِسْلَامِ بهَا فَانْقَطع أَحْمَد وَسكت حكى هَذِهِ المناظرة أَبُو عَلِيّ الْحَسَن بْن عمار من أَصْحَابنَا وَهُوَ رجل موصلي من تلامذة فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي رَأَيْت فِي تَارِيخ نَيْسَابُورَ للْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الْحَافِظ مُحَمَّد بْن رَافع أَخْبَرَنَا أَبُو الْفضل حَدثنَا أَحْمَد بْن سَلمَة قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بْن رَافع يَقُول سَمِعت أَحْمد ابْن حَنْبَل يَقُول إِذا قَالَ الْمُؤَذّن فِي أَذَانه صلوا فِي الرّحال فلك أَن تتخلف وَإِن لم يقل فقد وَجب عَلَيْك إِذا قَالَ حَيّ عَلَى الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وَأسْندَ الرِّفَاعِي فِي أَمَالِيهِ أَن أَبَا الْوَلِيد الجرار قَالَ أنشدت بَين يَدي الإِمَام أَحْمَد ابْن حَنْبَل رَحمَه اللَّه وَرَضي عَنهُ (وأحور مَحْمُود عَلَى حسن وَجهه ... يزِيد كمالا حِين يَبْدُو عَلَى الْبَدْر) (دَعَاني بِعَيْنيهِ فَلَمَّا أَجَبْته ... رماني بنشاب الْمنية والهجر) (وكلفني صبرا عَلَيْهِ فَلم أطق ... كَمَا لم يطق مُوسَى اصطبارا عَلَى الْخضر) (شَكَوْت الْهوى يَوْمًا إِلَيْهِ فَقَالَ لي ... مُسَيْلمَة الْكذَّاب جَاءَ من الْقَبْر) (أَطَعْت الْهوى لَا بَارك اللَّه فِي الْهوى ... فأنزلني دَار المذلة والصغر) فَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل صدق الشَّاعِر لَا بَارك اللَّه فِي الْهوى وروى الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه فِي تَارِيخ نَيْسَابُورَ فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بْن نصر الْفراء وَهُوَ فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة أَنه سمع أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول حَدثنَا الشَّافِعِي عَن مَالك بْن أنس عَن ابْن عجلَان قَالَ إِذا أغفل الْعَالم لَا أَدْرِي أُصِيبَت مقاتله وَإِن أَحْمَد بْن حَنْبَل قَالَ لم يسمع مَالك من ابْن عجلَان إِلَّا هَذَا قلت هَذِهِ فَائِدَة أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ الزَّكِيِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِزِّيُّ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِمَا وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ الأَوَّلُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبٍ وَالْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيِّ ابْن كَامِلٍ الْحَرَّانِيُّ وَقَالَ الثَّانِي أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ سَمَاعًا قَالُوا أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَليّ ابْن الْمُذْهِبِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمْدَانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدثنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يبع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 بَعْضُكُم عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) وَنَهَى عَنِ النَّجَشِ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَنَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلا هَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَحْسَنُ الإِسْنَادِ لِرِوَايَةِ الأَكَابِرِ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُهُ فِي تَرْجَمَةِ الْمُزَنِيِّ وَأَنَا أُسَمِّي هَذَا الإِسْنَادَ عِقْدَ الْجَوْهَرِ وَإِذَا سُمِّيَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ سِلْسِلَةَ الذَّهَبِ فَقُلْ إِذَا شِئْتَ فِي أَحْمَدَ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالْمُزَنِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا والبويطى عَن الشافعى هَكَذَا وَهَذَا عِقْدُ الْجَوْهَرِ وَلا حَرَجَ عَلَيْكَ وَلَيْسَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ 8 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن جبلة أَبُو عَبْد اللَّه الصَّيْرَفِي الْبَغْدَادِيّ سمع الشَّافِعِي وَغَيره الحديث: 8 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 9 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْوَلِيد وَيُقَال عون بْن عقبَة بْن الْأَزْرَق بْن عَمْرو بْن الْحَارِث بْن أَبِي شمر الْأَزْرَقِيّ القواس الْمَكِّيّ أَبُو الْوَلِيد وَقيل أَبُو مُحَمَّد وَقيل أَبُو الْحَسَن وَهُوَ جد صَاحب تَارِيخ مَكَّة رَوَى عَن عَمْرو بْن يَحْيَى بْن سَعِيد الْأمَوِي وَمَالك وَعبد الْجَبَّار بْن الْورْد وإِبْرَاهِيم بْن سعد وفضيل بْن عِيَاض وَمُسلم بْن خَالِد الزنْجِي وَجَمَاعَة رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ ومُحَمَّد بْن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ وَأَبُو حَاتِم وحنبل بْن إِسْحَاق وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن نصر التِّرْمِذِيّ شيخ الشَّافِعِيَّة وَلَعَلَّه آخر من رَوَى عَنهُ توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ عَلَى مَا حَرَّره شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَوهم بَعضهم فَقَالَ سنة ثِنْتَيْ عشرَة وأظن الْوَهم سرى إِلَى هَذَا الْقَائِل من قَول البُخَارِيّ فارقته حَيا سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَقد صَحَّ أَنه كَانَ حَيا سنة سبع عشرَة وَمن ثمَّ قَالَ ابْن عَسَاكِر مَاتَ سنة سبع عشرَة أَو بعْدهَا قلت الصَّحِيح سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين 10 - أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن عَبْد الْعَزِيز الْبَغْدَادِيّ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الشَّافِعِي الْمُتَكَلّم حدث عَن الشَّافِعِي والْوَلِيد بْن مُسلم الثَّقَفِيّ روى عَنهُ أَبُو جَعْفَر الْحَضْرَمِيّ مطين الحديث: 9 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ من كبار أَصْحَاب الشَّافِعِي الملازمين لَهُ بِبَغْدَاد ثمَّ صَار من أَصْحَاب ابْن أَبِي دؤاد وَاتبعهُ عَلَى رَأْيه وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَقَالَ أَبُو عَاصِم هُوَ أحد الْحفاظ النساك الْمُفْتِينَ قَالَ وَالشَّافِعِيّ مَنعه من قِرَاءَة كتبه لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَصَره سوء وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي قلت لأبي دَاوُد السجسْتانِي من أَصْحَاب الشَّافِعِي فَقَالَ الْحميدِي وأَحْمَد والبويطي وَالربيع وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْجَارُود والزعفراني والكرابيسي والمزني وحرملة وَرجل لَيْسَ بالمَحْمُود أَبُو عَبْد الرَّحْمَن أَحْمَد بْن يَحْيَى الَّذِي يُقَال لَهُ الشَّافِعِي وَذَلِكَ أَنه بدل وَقَالَ بالاعتزال قلت وَقَالَ أَيْضًا بمنكرات من الْمسَائِل فَذهب فِيمَا نَقله أَبُو الْحَسَن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه المرشد شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ إِلَى أَن الطَّلَاق لَا يَقع بِالصِّفَاتِ محتجا بِأَنَّهُ لما لم يجز نِكَاح الْمُتْعَة لِأَنَّهُ عقد مُعَلّق بِصفة فَكَذَلِك الطَّلَاق بِصفة عقد مُعَلّق وَهَذَا قَول بَاطِل هاجم عَلَى خرق الْإِجْمَاع وَهُوَ مثل قَول الظَّاهِرِيَّة كَمَا صرح بِهِ ابْن حزم فِي الْمحلى وَغَيره أَن من قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فَأَنت طَالِق أَو ذكر وقتا مَا فَلَا تكون طَالقا بذلك لَا الْآن وَلَا إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر وَلَعَلَّ هَذَا من مُفْرَدَات الظَّاهِرِيَّة وَقد أَطَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد الْكَلَام عَلَى هَذَا وحرر مُخَالفَته للْإِجْمَاع فِي كِتَابه الرَّد عَلَى ابْن تَيْمِية فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق كتاب التَّحْقِيق الَّذِي هُوَ من أجل تصانيف الشَّيْخ الإِمَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 قَرَأْتُ عَلَى الْمُسْنِدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ أَخْبَرَكَ الْمُسْلِمُ بْنُ عَلانَ كِتَابَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوَالِيقِيُّ مِنَ الْكُوفَةِ فَذَكَرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي حُصَيْنٍ الْهَمْدَانِيَّ أَخْبَرَهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ قِرَاءَةً حَدثنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ حَدثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي حُصَيْنٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ حَدثنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ حَدثنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدثنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدثنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعٍ عَنْ رَافِعٍ قَالَ كُنَّا نُصَّلِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ فَتُجَزَّأُ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ تُطْبَخُ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 11 - أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن الْوَزير بْن سُلَيْمَان بْن المُهَاجر التجِيبِي أَبُو عَبْد اللَّه الْمصْرِيّ الْحَافِظ النَّحْوِيّ مَوْلَاهُم أحد الْأَئِمَّة رَوَى عَن عَبْد اللَّه بْن وهب وَشُعَيْب بْن اللَّيْث وَأصبغ بْن الْفرج وَجَمَاعَة رَوَى عَنهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ ثِقَة والْحُسَيْن بْن يَعْقُوب الْمصْرِيّ وَأَبُو بكر بْن أَبِي دَاوُد وَآخَرُونَ الحديث: 11 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 ولد سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة وَكَانَ من أعلم أهل زَمَانه بالشعر وَالْأَدب والغريب وَأَيَّام النَّاس وَصَحب الشَّافِعِي وتفقه لَهُ وَكَانَ يتَقَبَّل فِيمَا ذكر بَعضهم أَي يسْتَأْجر الْأَرَاضِي للزَّرْع وَيعْمل الفلاحة فانكسر عَلَيْهِ بعض الْخراج فحبسه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْمُدبر عَلَى مَا انْكَسَرَ عَلَيْهِ فَمَاتَ فِي السجْن لست خلون من شَوَّال سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فِيمَا ذكر بَعضهم وَذكر آخَرُونَ أَنه إِنَّمَا مَاتَ سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ فِي الشَّهْر الْمَذْكُور فِي السجْن بِمصْر قَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي بَلغنِي عَن مُحَمَّد بْن الْوَزير أَنه قَالَ مَا شرب الشَّافِعِي من كوز مَرَّتَيْنِ وَلَا عَاد فِي جماع جَارِيَة مَرَّتَيْنِ ذكر ذَلِك الْحَاكِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي ورأيته كَذَا بِخَط بعض الْمُحدثين مُحَمَّد بْن الْوَزير وَإِنَّمَا هُوَ أَحْمَد بْن يحيى ابْن الْوَزير 12 - أَحْمد بن أَبى شُرَيْح الرازى ذكر الْعَبَّادِيّ أَنه قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول مَا تخَلّل الْإِنْسَان بخلال من بَين أَسْنَانه فليقذفه وَمَا أخرجه بِأُصْبُعِهِ فليأكله قَالَ أَبُو عَاصِم وَفِيه أثر كلوا الوغم واطرحوا الفغم والوغم مَا تساقط من الطَّعَام والفغم مَا تعلق بَين الْأَسْنَان مِنْهُ أَي كلوا فتات الطَّعَام وَارْمُوا مَا يُخرجهُ الْخلال 13 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم بْن أعين بْن لَيْث الإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْمصْرِيّ أَخُو عَبْد الرَّحْمَن وَسعد ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة الحديث: 12 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وروى عَن عَبْد اللَّه بْن وهب وَابْن أَبِي فديك وَأبي ضَمرَة أنس بْن عِيَاض وَأَشْهَب بْن عَبْد الْعَزِيز وَالشَّافِعِيّ وَبِه تفقه وَطَائِفَة رَوَى عَنهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو الْعَبَّاس الْأَصَم وَابْن صاعد وَأَبُو بكر بْن زِيَاد النَّيْسَابُورِي وَجَمَاعَة ولازم الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُدَّة وَقيل إِن الشَّافِعِي كَانَ معجبا بِهِ لفرط ذكائه وحرصه عَلَى الْفِقْه قَالَ أَبُو عمر الصَّدَفِي رَأَيْت أهل مصر لَا يعدلُونَ بِهِ أحدا ويصفونه بِالْعلمِ وَالْفضل والتواضع وَقَالَ النَّسَائِيّ ثِقَة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر صَدُوق لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ فِي مَوضِع ثَالِث هُوَ أظرف من أَن يكذب وَقَالَ أَبُو بكر بْن خُزَيْمَة مَا رَأَيْت فِي فُقَهَاء الْإِسْلَام أعرف بأقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم وَقَالَ مرّة كَانَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم أعلم من رَأَيْت عَلَى أَدِيم الأَرْض بِمذهب مَالك وأحفظهم لَهُ سمعته يَقُول كنت أتعجب مِمَّن يَقُول فِي الْمسَائِل لَا أَدْرِي قَالَ وَأما الْإِسْنَاد فَلم يكن يحفظه قلت إِنَّمَا ذكرنَا ابْن عَبْد الحكم فِي الشافعيين تبعا للشَّيْخ أَبِي عَاصِم الْعَبَّادِيّ وللشيخ أَبِي عَمْرو بْن الصّلاح وَكَانَ الْحَامِل لَهما عَلَى ذكره حِكَايَة الْأَصْحَاب عَنهُ مسَائِل رَوَاهَا عَن الشَّافِعِي وَإِلَّا فالرجل مالكي رَجَعَ عَن مَذْهَب الشَّافِعِي قَالَ ابْن خُزَيْمَة فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْحَافِظ حسينك التَّمِيمِي عَنهُ كَانَ ابْن عَبْد الحكم من أَصْحَاب الشَّافِعِي فَوَقَعت بَينه وَبَين الْبُوَيْطِيّ وَحْشَة فِي مرض الشَّافِعِي فحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر السكرِي صديق الرّبيع قَالَ لما مرض الشَّافِعِي جَاءَ ابْن عَبْد الحكم يُنَازع الْبُوَيْطِيّ فِي مجْلِس الشَّافِعِي فَقَالَ الْبُوَيْطِيّ أَنا أَحَق بِهِ مِنْك فجَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 الْحميدِي وَكَانَ بِمصْر فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ أحد أَحَق بمجلسي من الْبُوَيْطِيّ وَلَيْسَ أحد من أَصْحَابِي أعلم مِنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبْد الحكم كذبت فَقَالَ لَهُ الْحميدِي كذبت أَنْت وَأَبُوك وأمك وَغَضب ابْن عَبْد الحكم فَترك مَذْهَب الشَّافِعِي فحَدَّثَنِي ابْن عَبْد الحكم قَالَ كَانَ الْحميدِي معي فِي الدَّار نَحوا من سنة وَأَعْطَانِي كتاب ابْن عُيَيْنَة ثمَّ أَبَوا إِلَّا أَن يوقعوا بَيْننَا مَا وَقع قلت ثمَّ انْتَهَت حَال ابْن عَبْد الحكم إِلَى أَن صنف كتابا سَمَّاهُ الرَّد عَلَى الشَّافِعِي فِيمَا خَالف فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ اسْم قَبِيح وَلَقَد نالته بعد هَذَا التصنيف محنة صعبة يطول شرحها توفّي ابْن عَبْد الحكم فِي النّصْف من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِي الْمُحدثين مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم غَيره رجل رَوَى عَن أَحْمَد بْن مَسْعُود الْمَقْدِسِي رَوَى الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ حَدِيثه فِي الْحِلْية فَقَالَ حَدثنَا أَبُو حَامِد أَحْمد ابْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْن يُوسُف بْن أَبِي مُحَمَّد الصَّيْرَفِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي ربيع الأول سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِمصْر قَالَ حَدثنَا عبد الْوَهَّاب ابْن ظافر بْن رواج إِجَازَةً ح وَحدثنَا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه اللَّه مِنْ لَفْظِهِ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْمَدْرَسَةِ العادلية الْكُبْرَى بِدِمَشْق أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مخلوف بْن جمَاعَة سَمَاعا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا بن رواج سَمَاعا قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد العلاف أَخْبرنِي عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عمر الحمامي حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن مُسلم الْخُتلِي حَدثنَا أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْحَرَّانِي حَدثنَا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد يَعْنِي ابْن الضَّحَّاك بْن يَحْيَى بِمصْر حَدثنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَحْكِي عَن إِنْسَان سَمَّاهُ أَنه سُئِلَ عَن الْعدْل فَقَالَ لَيْسَ أحد يُطِيع اللَّه عز وَجل حَتَّى لَا يعصيه وَلَا أحد يَعْصِي اللَّه عز وَجل حَتَّى لَا يطيعه وَلَكِن إِذا كَانَ أَكثر أَمر الرجل الطَّاعَة لله عز وَجل وَلم يقدم عَلَى كَبِيرَة فَهُوَ عدل قلت كَذَا جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة مُقَيّدا بقوله وَلم يقدم عَلَى كَبِيرَة وَجَاء فِي رِوَايَات أخر مُطلقًا وَالْمُطلق مَحْمُول عَلَى الْمُقَيد قَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم حَدثنَا الشَّافِعِي قَالَ ذكرت لمُحَمَّد بْن الْحَسَن الدُّعَاء فِي الصَّلَاة فَقَالَ لي لَا يجوز أَن يدعى فِي الصَّلَاة إِلَّا بِمَا فِي الْقُرْآن وَمَا أشبهه قلت لَهُ فَإِن قَالَ رجل اللَّهم أَطْعمنِي قثاء وبصلا وعدسا أَو ارزقني ذَلِك أَو أخرجه لي من أَرض أَيجوزُ ذَلِك قَالَ لَا قلت فَهَذَا فِي الْقُرْآن فَإِن كنت إِنَّمَا تجيز مَا فِي الْقُرْآن خَاصَّة فَهَذَا فِيهِ وَإِن كنت تجيز غير ذَلِك فَلم حظرت شَيْئا وأبحت شَيْئا قَالَ فَمَا تَقول أَنْت قلت كل مَا جَازَ للمرء أَن يَدْعُو اللَّه بِهِ فِي غير صَلَاة فَجَائِز أَن يَدْعُو بِهِ فِي الصَّلَاة بل أستحب ذَلِك لِأَنَّهُ مَوضِع يُرْجَى سرعَة الْإِجَابَة فِيهِ وَالصَّلَاة الْقِرَاءَة وَالدُّعَاء وَالنَّهْي عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة هُوَ كَلَام الْآدَمِيّين بَعضهم لبَعض فى غير أَمر بِصَلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 قلت فِي المناظرة رد عَلَى دَعْوَى الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد فِي منع الدُّعَاء بِجَارِيَة حسناء قَالَ ابْن عَبْد الحكم سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول لم يثبت عَن ابْن عَبَّاس فِي التَّفْسِير إِلَّا شَبيه بِمِائَة حَدِيث وَقَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول ثَلَاثَة أَشْيَاء لَيْسَ لطبيب فِيهَا حِيلَة الحماقة والطاعون والهرم قلت وَفِي آخر كتاب آدَاب الشَّافِعِي لعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم سَمِعت ابْن عَبْد الْأَعْلَى يَقُول قَالَ لي الشَّافِعِي لم أر شَيْئا أَنْفَع للوباء من البنفسج يدهن بِهِ وَيشْرب قلت والوباء غير الطَّاعُون فَلَا مُنَافَاة بَين الْأَمريْنِ 14 - مُحَمَّد بْن الشَّافِعِي إمامنا الإِمَام الْأَعْظَم المطلبي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِدْرِيس بْن الْعَبَّاس بْن عُثْمَان بْن شَافِع بْن السَّائِب بْن عبيد بْن عَبْد يزِيد بْن هَاشم بْن الْمطلب بْن عَبْد منَاف بْن قصي الشَّيْخ أَبُو عُثْمَان القَاضِي وَهُوَ أكبر أَوْلَاد الشَّافِعِي وَلما توفّي وَالِده كَانَ بَالغا مُقيما بِمَكَّة وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل إِنِّي لَأحبك لثلاث خلال أَنَّك ابْن أَبِي عَبْد اللَّه وَأَنَّك رجل من قُرَيْش وَأَنَّك من أهل السّنة سمع أَبَاهُ وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعبد الرَّزَّاق وأَحْمَد بْن حَنْبَل قَالَ الْخَطِيب وَذكر لي الْحَسَن بْن أَبِي طَالب أَنه ولي الْقَضَاء بِبَغْدَاد وَحدث عَن عَبْد الرَّزَّاق وَهَذَا القَوْل عِنْدِي // غير صَحِيح // إِنَّمَا ولي الْقَضَاء بالجزيرة وأعمالها وَهُنَاكَ أَيْضًا حدث وللجزريين عَنهُ رِوَايَة الحديث: 14 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وَولي أَيْضًا الْقَضَاء بِمَدِينَة حلب وَبَقِي بهَا سِنِين كَثِيرَة وأعقب ثَلَاثَة بَنِينَ مِنْهُم الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِدْرِيس وَأَبُو الْحَسَن مَاتَ رضيعا وَفَاطِمَة لم تعقب وَقيل للشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا اسْم أَبِي عُثْمَان فَقَالَ سميته أحب الْأَسْمَاء إِلَى مُحَمَّدا وَلأبي عُثْمَان مناظرة مَعَ الإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل فِي جُلُود الْميتَة إِذا دبغت وَقد ذكر شَيْئا من حَدِيثه الْحَافِظ أَبُو عبيد اللَّه ابْن أَبِي زيد الْمَعْرُوف بِابْن الْمقري فِي كِتَابه فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي وَأسْندَ حَدِيثه عَن عَبْد الرَّزَّاق وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا انْتهى وروى الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة أَبِي بكر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الصبغي أحد أَئِمَّة أَصْحَابنَا عَن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم قَالَ أَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد ابْن بنت الشَّافِعِي قَالَ حَدثنَا أَبِي قَالَ عَاتب مُحَمَّد بْن إِدْرِيس ابْنه أَبَا عُثْمَان فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُ فِي وعظه يَا بني وَالله لَو علمت أَن المَاء الْبَارِد يثلم من مروءتي مَا شربت إِلَّا حارا أَخْبَرَنَا عمر بْن حسن بْن مزِيد بْن أميلة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْعِزّ يُوسُف ابْن يَعْقُوب بْن المجاور إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن مُحَمَّد الْخلال حَدثنَا على ابْن الْحَسَن الجراحي حَدثنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد قَالَ حَدثنَا الْمَيْمُونِيّ قَالَ قَالَ لي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي القاضى قَالَ قَالَ لى أَحْمد ابْن حَنْبَل أَبوك أحد السِّتَّة الَّذين أَدْعُو لَهُم فِي السحر وَبِه إِلَى الْخَطِيب قَالَ وأَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن طَلْحَة الْمقري حَدثنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس حَدَّثَنِي جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصندلي حَدثنَا خطاب بْن بشر قَالَ جعلت أسأَل أَبَا عبد الله أَحْمد ابْن حَنْبَل فيجيبني ويلتفت إِلَى ابْن الشَّافِعِي وَيَقُول هَذَا مِمَّا علمنَا أَبُو عَبْد اللَّه يعْنى الشافعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 قَالَ خطاب وَسمعت أَحْمَد بْن حَنْبَل يذاكر أَبَا عُثْمَان أَمر أَبِيه فَقَالَ أَحْمَد يرحم اللَّه أَبَا عَبْد اللَّه مَا أُصَلِّي صَلَاة إِلَّا دَعَوْت فِيهَا لخمسة هُوَ أحدهم وَمَا يتقدمه مِنْهُم أحد قَالَ الْخَطِيب توفّي بالجزيرة بعد سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَللشَّافِعِيّ ولد آخر يُسمى مُحَمَّدا أَيْضًا وكنيته أَبُو الْحَسَن وَهُوَ من جَارِيَة اسْمهَا دَنَانِير ذكر أَبُو سَعِيد بْن يُونُس أَنه قدم مصر مَعَ أَبِيه وَهُوَ صَغِير فَتوفي بهَا فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمن رِوَايَات أَبِي عُثْمَان عَن أَبِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن عَن الْحَاكِم أَن أَبَا أَحْمَد بْن أَبِي الْحَسَن أخبرهُ قَالَ حَدثنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْحَنْظَلِي حَدثنَا أَبِي حَدثنَا عَبْد الْملك بْن عَبْد الحميد الْمَيْمُونِيّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِي قَالَ سَمِعت أَبِي يَقُول لَيْلَة للحميدي مَا تحتج عَلَيْهِم يَعْنِي عَلَى أهل الإرجاء بِآيَة أحج من قَوْله عز وَجل {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دين الْقيمَة} وَمِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْبَرَنَا شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ شيخ الشَّافِعِيَّة أَبى مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن إِبْرَاهِيمَ الْفَزَارِيُّ فِي كِتَابِهِ إِلَيَّ وَالْمُسْنِدُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم ابْن الْخَبَّازِ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالا أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّد بن غلان الْقَيْسِيُّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ سَمَاعًا وَقَالَ ابْنُ الْخَبَّازِ إِجَازَةً ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرَاغِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُوسُف بن يَعْقُوب بن المجاور إجَازَة قَالَا أخبرنَا أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب حَدثنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الصَّوَّافُ بِمِصْرَ مِنْ لَفْظِهِ حَدثنَا أَبُو بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّقَّاشُ حَدثنَا نُعْمَانُ بْنُ مُدْرِكٍ الرَّسْعَنِيُّ حَدثنَا أَبُو عُثْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ إِمْلاءً بِرَأْسِ الْعَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَمِّي يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجَلاحِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ أَوْ أَمَرَ فَدُعِيَ فَقَالَ (كَيْفَ قُلْتَ فِي أَيِّ الْخُرْزَتَيْنِ أَوِ الْخُرْبَتَيْنِ أَوْ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا أَمْ مِن دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ) 15 - إِبْرَاهِيم بْن خَالِد بْن أَبِي الْيَمَان أَبُو ثَوْر الكلبى البغدادى الإِمَام الْجَلِيل أحد أَصْحَابنَا البغداديين قِيلَ كنيته أَبُو عَبْد اللَّه ولقبه أَبُو ثَوْر رَوَى عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَابْن علية وَعبيدَة بْن حُمَيْد وَأبي مُعَاوِيَة ووكيع ومعاذ بْن معَاذ وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَالشَّافِعِيّ وَيزِيد بْن هَارُون وَجَمَاعَة رَوَى عَنهُ مُسلم خَارج الصَّحِيح وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَأَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَالقَاسِم بْن زَكَرِيَّا الْمُطَرز ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق السراج وَجَمَاعَة قَالَ أَبُو بكر الْأَعْين سَأَلت أَحْمَد بْن حَنْبَل مَا تَقول فِي أَبِي ثَوْر قَالَ أعرفهُ بِالسنةِ مُنْذُ خمسين سنة وَهُوَ عِنْدِي فِي مسلاخ سُفْيَان الثَّوْريّ وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا فقها وعلما وورعا وفضلا وَخيرا مِمَّن صنف الْكتب وَفرع عَلَى السّنَن وذب عَنْهَا وقمع مخالفيها الحديث: 15 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 قلت قَوْله وَخيرا بِهِ تَمام الْكَلَام وَقَوله مِمَّن صنف الْكتب ابْتِدَاء كَلَام آخر الْجَار وَالْمَجْرُور مِنْهُ فِي مَوضِع الْخَبَر والمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره وَهُوَ مِمَّن صنف إِلَى آخِره وَلَيْسَ الْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلقا بقوله وَخيرا فِيمَا يظْهر فَلَيْسَ أَبُو ثَوْر خيرا مِمَّن صنف الْكتب عَلَى الْإِطْلَاق وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ أَبُو ثَوْر أَولا يتفقه بِالرَّأْيِ وَيذْهب إِلَى قَول أهل الْعرَاق حَتَّى قدم الشَّافِعِي بَغْدَاد فَاخْتلف إِلَيْهِ وَرجع عَن الرَّأْي إِلَى الحَدِيث وَقَالَ أَبُو حَاتِم هُوَ رجل يتَكَلَّم بِالرَّأْيِ فيخطئ ويصيب وَلَيْسَ مَحَله مَحل المسمعين فِي الحَدِيث قلت هَذَا غلو من أَبِي حَاتِم وَلَيْسَ الْكَلَام فِي الرَّأْي مُوجبا للقدح فَلَا الْتِفَات إِلَى قَول أَبِي حَاتِم هَذَا وَهُوَ من الطّراز الأول الَّذِي قدمْنَاهُ فِي تَرْجَمَة أَحْمَد بْن صَالح الْمصْرِيّ وَأَبُو ثَوْر أظهر أمرا من أَن يحْتَاج إِلَى تَوْثِيق وَقد قدمنَا كَلَام أَحْمَد بْن حَنْبَل فِيهِ وَكفى بِهِ شرفا وَعَن أَحْمَد أَيْضًا أَنه سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فَقَالَ للسَّائِل سل غَيرنَا سل الْفُقَهَاء سل أَبَا ثَوْر وَقَالَ النَّسَائِيّ هُوَ أحد الْفُقَهَاء ثِقَة مَأْمُون وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم كَانَ فَقِيه أهل بَغْدَاد ومفتيهم فِي عصره وَأحد أَعْيَان الْمُحدثين المتقنين وَعَن أَحْمَد بْن حَنْبَل وَسُئِلَ عَن أَبِي ثَوْر أَنه قَالَ لم يبلغنِي إِلَّا خير إِلَّا أَنه لَا يُعجبنِي الْكَلَام الَّذِي يصيرونه فِي كتبهمْ قلت وَلَيْسَ فِي هَذَا إِن ثَبت عَن أَحْمَد حط من قدر أَبِي ثَوْر لَا سِيمَا وَقد تقدم من كَلَام أَحْمَد فِي تَعْظِيمه مَا تقدم وَقَالَ أَبُو عمر بْن عَبْد الْبر كَانَ حسن النّظر ثِقَة فِيمَا يرْوى من الْأَثر إِلَّا أَن لَهُ شذوذا فَارق فِيهِ الْجُمْهُور وَقد عدوه أحد أَئِمَّة الْفُقَهَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 قلت لَا يَعْنِي شذوذا فِي الحَدِيث بل فِي مسَائِل الْفِقْه الَّتِي أغرب بهَا وسنحكي مِنْهَا طَائِفَة وَقَوله وَقد عدوه أحد أَئِمَّة الْفُقَهَاء جَار مجْرى الِاعْتِذَار عَنهُ فِيمَا يشذ بِهِ وَأَنه بِحَيْثُ لَا يعاب عَلَى مثله الِاجْتِهَاد وَإِن أغرب فَإِنَّهُ أحد أَئِمَّة الْفُقَهَاء وَإِذا عرفت مَا قِيلَ فِيهِ علمت أَنه لم يصب بِجرح وَللَّه الْحَمد وَأَنا أجوز أَن يكون قَول أَبِي حَاتِم لَيْسَ مَحَله مَحل المسمعين فِي الحَدِيث مَعَ كَونه غير قدح مُصحفا فِي الْكتب وَأَنه إِنَّمَا قَالَ مَحل المتسعين أَي المكثرين فَإِن أَبَا ثَوْر لم يكن من المكثرين فِي الحَدِيث إكثار غَيره من الْحفاظ وَقد رَأَيْت اللَّفْظَة هَكَذَا بِخَط بعض محدثي زَمَاننَا فِي الْحِكَايَة عَن أَبِي حَاتِم وَلَا شكّ أَن الْفِقْه كَانَ أغلب عَلَيْهِ من الحَدِيث وَكَانَ المحدثون إِذا سئلوا عَن مسَائِل الْفِقْه أحالوا عَلَيْهِ وَقد قدمنَا مَا يدل عَلَى ذَلِك وَأَخْبَرَنَا الْمُسْنِدُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ ح وَأَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُظَفَّرِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عمر بن عبد الْمُنعم بن القواس أخبرنَا الْقَاضِي عَبْدُ الصَّمَدِ الْحَرَسْتَانِيُّ أَخْبَرَنَا نَصْرُ اللَّهِ الْمِصِّيصِيُّ أَخْبَرَنَا نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ حَدثنَا أَحْمد ابْن إِسْحَاقَ النُّهَاوَنْدِيُّ بِالْبَصْرَةِ حَدثنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلادٍ بِالْبَصْرَةِ حَدثنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُهَيْلٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ ذَكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ خَلادٍ وَأُنْسِيتُ أَنَا اسْمَهُ قَالَ وَقَفَتِ امْرَأَةٌ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ فِي جَمَاعَةٍ يَتَذَاكَرُونَ الْحَدِيثَ فَسَمِعَتْهُمْ يَقُولُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ فُلانٌ وَمَا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُ فُلانٍ فَسَأَلَتْهُمْ عَنِ الْحَائِضِ هَلْ تَغْسِلُ الْمَوْتَى وَكَانَتْ غَاسِلَةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 فَلَمْ يُجِبْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَكَانُوا جَمَاعَةً وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ فَأَقْبَلَ أَبُو ثَوْرٍ فَقَالُوا لَهَا عَلَيْكِ بِالْمُقْبِلِ فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ دَنَا مِنْهَا فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ نَعَمْ تَغْسِلُ لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا (إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ) وَلِقَوْلِهَا كُنْتُ أَفْرِقُ رَأْسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فَإِذَا فُرِقَ رَأْسُ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ فَقَالُوا نَعَمْ رَوَاهُ فُلانٌ وَأَخْبَرَنَاهُ فُلانٌ وَنَعْرِفُهُ مِنْ طَرِيقِ كَذَا وَخَاضُوا فِي الرِّوَايَاتِ وَالطُّرُقِ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ فَأَيْنَ أَنْتُمْ إِلَى الآنَ قَالَ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّارُ صَاحِبُ أَبِي ثَوْرٍ تُوُفِّيَ أَبُو ثَوْرٍ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمن الْمسَائِل عَن أَبِي ثَوْر والفوائد نقل الْعَبدَرِي أَن الدّين مقدم عَلَى الْوَصِيَّة عِنْد الْفُقَهَاء كلهم إِلَّا أَبَا ثَوْر فَإِنَّهُ قدم الْوَصِيَّة وَهَذَا غَرِيب مُصَرح بحكاية الْإِجْمَاع عَلَى خِلَافه فَلَعَلَّ إِجْمَاعهم لم يبلغ أَبَا ثَوْر وَلَعَلَّه يُنَازع فِي وُقُوع الْإِجْمَاع عَلَى ذَلِك أَو لَعَلَّ مَا نَقله العبدرى غير ثَابت فقد نقل ابْن الْمُنْذر عَن أَبِي ثَوْر فِيمَن أوصى بِعِتْق عَبده عَلَى أَن لَا يُفَارق وَلَده وَعَلِيهِ دين مُحِيط بِمَالِه أَنه أبطل الْوَصِيَّة وَقَالَ يُبَاع فِي الدّين فَإِن أعْتقهُ الْوَرَثَة لم يجز عتقهم وَهَذَا يُخَالف مَا نَقله الْعَبدَرِي نقل الفوراني فِي الْعمد أَن أَبَا ثَوْر قَالَ لَا تقطع الْيَد إِلَّا فِي خَمْسَة دَرَاهِم قلت وَهُوَ يشابه قَوْله أقل الصَدَاق خَمْسَة دَرَاهِم نقل ابْن الْمُنْذر أَن أَبَا ثَوْر قَالَ إِن خِيَار الرَّد بِالْعَيْبِ لَا يكون بِالرِّضَا إِلَّا بالْكلَام أَو يَأْتِي من الْفِعْل مَا يكون فِي الْمَعْقُول من اللُّغَة أَنه رضَا والمجزوم بِهِ عِنْد الْأَصْحَاب أَن خِيَار الرَّد بِالْعَيْبِ عَلَى الْفَوْر وَيلْزم من يعد مقالات أَبِي ثَوْر وُجُوهًا فِي الْمَذْهَب أَن يعد ذَلِك وَجها وَهُوَ غَرِيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 قَالَ أَبُو ثَوْر فِي رجلَيْنِ اجتهدا فِي الْقبْلَة وَأدّى أَحدهمَا اجْتِهَاده إِلَى خلاف مَا أَدَّاهُ الآخر يجوز أَن يأتم كل مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَيُصلي كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى جِهَة كمن صلى حول الْكَعْبَة فَإِن يجوز لمن يُصَلِّي إِلَى جِهَة الائتمام بِمن يُصَلِّي إِلَى جِهَة أُخْرَى نَقله صَاحب الْبَيَان قَالَ أَبُو عَاصِم سَأَلَ أَبُو ثَوْر الشَّافِعِي عَن رجل اشْترى بَيْضَة من رجل وبيضة من آخر وَوَضعهمَا فِي كمه فَانْكَسَرت إِحْدَاهمَا فَخرجت مذرة فعلى من يرد الْبَيْضَة وَقد أنكر ذَلِك قَالَ آمره حَتَّى يدعى قَالَ يَقُول لَا أَدْرِي قَالَ أَقُول لَهُ انْصَرف فَإنَّا مفتون لَا معلمون نقل أَبُو عَلِيّ الطَّبَرِيّ فِيمَا علقه عَن أَبِي عَلِيّ بْن أَبِي هُرَيْرَةَ فِي شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ أَن أَبَا ثَوْر كَانَ يلْحق الزَّيْت بِالْمَاءِ فيعتبره بالقلتين إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة غير مُغيرَة وَرَأَيْت فِي جَامع الْخلال من كتب الْحَنَابِلَة أَن الْمَرْوذِيّ ذكر لأَحْمَد أَن أَبَا ثَوْر كَانَ يلْحق السّمن وَالزَّيْت بِالْمَاءِ قلت فَابْن أَبِي هُرَيْرَةَ اقْتصر عَلَى نَقله عَن أَبِي ثَوْر فِي الزَّيْت والمروذي ذكره فِي السّمن أَيْضًا وَالظَّاهِر أَن جَمِيع الْمَائِعَات سَوَاء وَالْمَعْرُوف فِي الْمذَاهب أَن غير المَاء من الْمَائِعَات ينجس بملاقاة يسير النَّجَاسَة وَإِن بلغ قلالا قَالَ النووى فى شرح الْمُهَذّب وَهَذَا لاخلاف فِيهِ بَين أَصْحَابنَا وَلَا أعلم فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 خلافًا لأحد من الْعلمَاء وَسبق الْفرق بَينه وَبَين المَاء فِي الِاسْتِدْلَال عَلَى أَبِي حنيفَة وَحَاصِله أَنه لَا يشق حفظ الْمَائِع من النَّجَاسَة وَإِن كثر بِخِلَاف المَاء انْتهى ونقلته من خطه وَقد نقل بعد ذَلِك بِنَحْوِ عشرَة أوراق أَن صَاحب الْعدة حكى عَن أَبِي حنيفَة أَن الْمَائِع كَالْمَاءِ إِذا بلغ الْحَد الَّذِي يعتبرونه وَأما الْفرق الَّذِي ذكره فقد رَأَيْت الْقفال الْكَبِير فِي أَوَائِل كتاب محَاسِن الشَّرِيعَة فِي بَاب ذكر النَّجَاسَات أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا حَاصله إِن صون الْمَائِعَات بالتغطية مُمكن ومعتاد قَالَ وَالْمَاء خلقه اللَّه تَعَالَى يحْتَاج إِلَيْهِ جَمِيع الْحَيَوَان وَيكثر مَا لَا يكثر غَيره من الْمَائِعَات وَفِي هَذَا الْفرق إِشَارَة إِلَى اعْتِبَار الْغَلَبَة فَلَا يَنْبَغِي أَن ينجس بِيَسِير النَّجَاسَة من الْمَائِع الْكثير الزَّائِد عَلَى قدر قُلَّتَيْنِ إِلَّا مَا جرت عَادَة النَّاس بحرزه فِي الْإِنَاء أما لَو فرض أَن يخلق اللَّه بحرا من زَيْت فَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِوُقُوع مَا لَا يُغَيِّرهُ من النَّجَاسَات فَإِن الْمَحْكُوم بِنَجَاسَتِهِ إِنَّمَا هُوَ مَا يعْتَاد من الْمَائِعَات وَإِنَّمَا ذكرت هَذِهِ الصُّورَة لوُقُوع الْبَحْث فِيهَا وَظن بعض النَّاس أَن كل مَائِع ينجس بِيَسِير النَّجَاسَة فَقلت لَهُ ذَلِك فِي الْمَائِعَات الْمُعْتَادَة أما هَذِهِ الصُّورَة فَلَا وجود لَهَا وَلم يتَكَلَّم السَّابِقُونَ فِيهَا وَلَا نجد مُصَرحًا من الْأَصْحَاب بهَا بل هَذَا الْفرق يرشد إِلَى أَن الحكم فِيهَا بِخِلَاف مَا توهم قَالَ أَبُو ثَوْر سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول حضرت مَجْلِسا وَفِيه مُحَمَّد بْن الْحَسَن بالرقة وَجَمَاعَة من بني هَاشم وقريش وَغَيرهم مِمَّن ينظر فِي الْعلم فَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن قد وضعت كتابا لَو علمت أَن أحدا يرد عَلَي مِنْهُ شَيْئا تبلغنيه الْإِبِل لأتيته قَالَ فَقلت لَهُ قد نظرت فِي كتابك هَذَا فَإِذا مَا بعد الْبَسْمَلَة خطأ كُله قَالَ وَمَا ذَاك قلت لَهُ قَالَ أهل الْمَدِينَة كَذَا فَإِن أردْت كلهم فخطأ لأَنهم لم يتفقوا عَلَى مَا قلت وَإِن أردْت مَالِكًا وَحده فأظهر فِي الْخَطَأ إِذْ لَيْسَ هُوَ كل أهل الْمَدِينَة وَقد كَانَ من عُلَمَاء الْمَدِينَة فِي زَمَنه من يشْتَد نكيره عَلَيْهِ فَأَي الْأَمريْنِ قصدت فقد أَخْطَأت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 قَالَ أَبُو ثَوْر قَالَ لي الشَّافِعِي قَالَ لي الْفضل بْن الرّبيع أحب أَن أسمع مناظرتك لِلْحسنِ بْن زِيَاد اللؤْلُؤِي قَالَ الشَّافِعِي فَقلت لَهُ لَيْسَ اللؤْلُؤِي فِي هَذِهِ الْجِهَة وَلَكِن أحضر بعض أَصْحَابِي يكلمهُ بحضرتك فَقَالَ أَو ذَاك فَقَالَ أَبُو ثَوْر فَحَضَرَ الشَّافِعِي وأحضر من أَصْحَابنَا كوفيا كَانَ ينتحل قَول أَبِي حنيفَة فَصَارَ من أَصْحَابنَا قَالَ فَلَمَّا دخل اللؤْلُؤِي أقبل الْكُوفِي عَلَيْهِ وَالشَّافِعِيّ وَالْفضل بْن الرّبيع حاضران فَقَالَ لَهُ إِن أهل الْمَدِينَة يُنكرُونَ عَلَى أَصْحَابنَا بعض قَوْلهم وَأُرِيد أَن أسأَل عَن مَسْأَلَة من ذَلِك فَقَالَ لَهُ اللؤْلُؤِي سل قَالَ مَا تَقول فِي رجل قذف مُحصنَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ فَسدتْ صلَاته قَالَ فَمَا حَال طَهَارَته قَالَ هِيَ بِحَالِهَا قَالَ فَمَا تَقول إِن ضحك فِي صلَاته قَالَ يُعِيد الطَّهَارَة وَالصَّلَاة قَالَ فَقَالَ لَهُ قذف الْمُحْصنَات فِي الصَّلَاة أيسر من الضحك فِيهَا قَالَ فَقَالَ لَهُ وقعنا فِي هَذَا ثمَّ وثب فَمضى 16 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان الشافعى ابْن عَم الإِمَام الشَّافِعِي رَوَى عَن الشَّافِعِي والفضيل بْن عِيَاض وجده لأمه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن شَافِع والمنكدر بْن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدر وَحَمَّاد بْن زيد وَابْن عُيَيْنَة وَطَائِفَة الحديث: 16 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 روى عَنهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه وأَحْمَد بْن سيار الْمروزِي وَأَبُو بكر بْن أَبِي عَاصِم وَبَقِي بْن مخلد ومطين وَغَيرهم قَالَ أَبُو حَاتِم صَدُوق وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ ثِقَة مَاتَ سنة سبع وَيُقَال ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ 17 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن هرم روى عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {كَلَّا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} لما حجبهم فِي السخط كَانَ دَلِيلا عَلَى أَنهم يرونه فِي الرِّضَا وَقد رَوَاهُ غَيره أَيْضًا قَالَ الرّبيع كنت ذَات يَوْم عِنْد الشَّافِعِي وجاءه كتاب من الصَّعِيد يسألونه عَن قَوْله عز وَجل {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمئِذٍ لمحجوبون} فَكتب لما حجب قوما بالسخط دلّ عَلَى أَن قوما يرونه بِالرِّضَا قلت لَهُ أَو تدين بِهَذَا يَا سَيِّدي فَقَالَ وَالله لَو لم يُوقن مُحَمَّد بْن إِدْرِيس أَنه يرى ربه فِي الْمعَاد لما عَبده فِي الدُّنْيَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ أنبأني أَبُو الْقَاسِم الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن حبيب الْمُفَسّر إِجَازَةً قَالَ سَمِعت أَبَا عَلَى الْحُسَيْن بْن أَحْمَد الْفَسَوِي بهَا سَمِعت أَبَا نعيم عَبْد الْملك بْن مُحَمَّد بْن عدي الْجِرْجَانِيّ سَمِعت الرّبيع فَذكر الْحِكَايَة قَالَ الرّبيع كَانَ ابْن هرم يلْزم الشَّافِعِي فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْد اللَّه تملي علينا السّنَن الَّتِي صحت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الشَّافِعِي السّنَن الَّتِي تصح قَليلَة هَذَا أَبُو بكر لَا يَصح لَهُ تِسْعَة أَحَادِيث وَعمر لَا يَصح لَهُ خَمْسُونَ حَدِيثا وَعُثْمَان فَأَقل وَعلي مَعَ مَا كَانَ يحض النَّاس عَلَى الْأَخْذ عَنهُ لَا يَصح لَهُ حَدِيث كثير وَالصَّحِيح عِنْد أهل الْمعرفَة قَلِيل الحديث: 17 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 18 - إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذر بْن عَبْد اللَّه بْن الْمُنْذر بن الْمُغيرَة ابْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن حزَام بْن خويلد بْن أَسد بْن عَبْد الْعُزَّى الْحزَامِي المدنى إِمَام ثِقَة جليل حدث عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَابْن وهب ومعن بْن عِيسَى وَابْن أَبِي فديك وَأبي ضَمرَة والْوَلِيد بْن مُسلم وَخلق كثير رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ وَابْن مَاجَه وَبَقِي بْن مخلد وَابْن أَبِي الدُّنْيَا ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البوشنجي ومطين وَخلق قَالَ صَالح جزرة صَدُوق وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ إِبْرَاهِيم هَذَا فِي عداد أهل الصدْق وَإِنَّمَا حدث بِالْمَنَاكِيرِ الشُّيُوخ الَّذين رَوَى عَنْهُم فَأَما هُوَ فَهُوَ صَدُوق وَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَسَأَلته يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ عَن إِبْرَاهِيم الْحزَامِي فَقَالَ ثِقَة قلت كَانَ حصل عِنْد الإِمَام أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهُ شئ لِأَنَّهُ قِيلَ خلط فِي مَسْأَلَة الْقُرْآن كَأَنَّهُ مجمح فِي الْجَواب قلت وَأرى ذَلِك مِنْهُ تقية وخوفا وَلَكِن الإِمَام أَحْمَد شَدِيد فِي صلابته جزاه اللَّه عَن الْإِسْلَام خيرا وَلَو كلف النَّاس مَا كَانَ عَلَيْهِ أَحْمَد لم يسلم إِلَّا الْقَلِيل مَاتَ إِبْرَاهِيم فِي الْمحرم سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَكَانَ ينشد لِعبيد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبة الحديث: 18 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 (كتمت الْهوى حَتَّى أضرّ بك الكتم ... ولامك أَقوام ولومهم ظلم) (ونم عَلَيْك الكاشحون وَقَبله ... عَلَيْك الْهوى قد نم لَو ينفع النم) (وزادك إغراء بهَا طول هجرها ... عَلَيْك وأبلى لحم أعظمك الْهم) (أَلا مَا لنَفس لَا تَمُوت فينقضى ... عناها وَلَا تحيى حَيَاة لَهَا طعم) (تجنبت إتْيَان الحبيب تأثما ... أَلا إِن هجران الحبيب هُوَ الْإِثْم) (فذق هجرها قد كنت تزْعم أَنه ... رشاد أَلا يَا رُبمَا كذب الزَّعْم) قَالَ إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذر سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول رَأَيْت سُفْيَان بْن عُيَيْنَة قَائِما عَلَى بَاب كتاب فَقلت مَا تعْمل قَالَ أحب أَن أسمع كَلَام رَبِّي من فِي هَذَا الْغُلَام 19 - إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن مخلد بْن إِبْرَاهِيم بْن مطر الْحَنْظَلِي أَبُو يَعْقُوب المروزى ابْن رَاهَوَيْه أحد أَئِمَّة الدّين وأعلام الْمُسلمين وَهُدَاة الْمُؤمنِينَ الْجَامِع بَين الْفِقْه والْحَدِيث والورع وَالتَّقوى نزيل نَيْسَابُورَ وعالمها ولد سنة إِحْدَى وَقيل سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَسمع من عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارك سنة بضع وَسبعين فَترك الرِّوَايَة عَنهُ لكَونه لم يتَيَقَّن الْأَخْذ عَنهُ وارتحل فِي طلب الْعلم سنة أَربع وَثَمَانِينَ الحديث: 19 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وَسمع قبل الرحلة من ابْن الْمُبَارك كَمَا عرفت وَمن الْفضل الشَّيْبَانِيّ وَالنضْر بْن شُمَيْل وَأبي نميلَة يَحْيَى بْن وَاضح وَعمر بْن هَارُون وَسمع فِي الرحلة من جرير بْن عَبْد الحميد وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي وفضيل بْن عِيَاض ومعتمر بْن سُلَيْمَان وَابْن علية وَبَقِيَّة بْن الْوَلِيد وَحَفْص بْن غياث وَعبد الرَّحْمَن بْن مهْدي وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ والْوَلِيد بْن مُسلم وَعبد الْعَزِيز بْن عَبْد الصَّمد الْعمي وأسباط بْن مُحَمَّد وحاتم ابْن إِسْمَاعِيل وعتاب بْن بشير الْجَزرِي وغندر وَعبد الرَّزَّاق وَأبي بكر بْن عَيَّاش وَخلق سواهُم رَوَى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وأَحْمَد بْن حَنْبَل وَيحيى بْن معِين ومُحَمَّد بْن يَحْيَى الذهلي وَإِسْحَاق الكوسج والْحَسَن بْن سُفْيَان ومُحَمَّد بْن نصر الْمروزِي وَيحيى بْن آدم وَهُوَ من شُيُوخه وأَحْمَد بْن سَلمَة وإِبْرَاهِيم بْن أَبِي طَالب ومُوسَى بْن هَارُون وجعفر الْفرْيَابِيّ وَإِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم النَّيْسَابُورِي البشتي وَعبد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن شيرويه وَابْنه مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه وَخلق آخِرهم أَبُو الْعَبَّاس السراج قَالَ عَلِيّ بْن إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه ولد أَبِي من بطن أمه مثقوب الْأُذُنَيْنِ فَمضى جدي رَاهَوَيْه إِلَى الْفضل بْن مُوسَى فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ يكون ابْنك رَأْسا إِمَّا فِي الْخَيْر وَإِمَّا فِي الشَّرّ وَقَالَ أَحْمَد بْن سَلمَة سَمِعت إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم يَقُول قَالَ لي عَبْد اللَّه بْن طَاهِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 لم قِيلَ لَك ابْن رَاهَوَيْه وَمَا معنى هَذَا وَهل تكره أَن يُقَال لَك هَذَا فَقلت إِن أَبِي ولد بطرِيق مَكَّة وَقَالَت المراوزة رَاهَوَيْه بِأَنَّهُ ولد فِي الطَّرِيق وَكَانَ أَبِي يكره هَذَا وَأما أَنا فلست أكرهه قَالَ نعيم بْن حَمَّاد إِذا رَأَيْت الْخُرَاسَانِي يتَكَلَّم فِي إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه فاتهمه فِي دينه قلت إِنَّمَا قيد الْكَلَام بالخراساني لِأَن أهل إقليم الْمَرْء هم الَّذين بِحَيْثُ لَو كَانَ فِيهِ كَلَام لتكلموا فِيهِ فَكَأَنَّهُ يَقُول من تكلم فِيهِ من أهل إقليمه فَهُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ لِأَنَّهُ لَا يتَكَلَّم بِحَق لبراءته مِمَّا يشينه فِي دينه وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل لم يعبر الجسر إِلَى خُرَاسَان مثل إِسْحَاق وَقَالَ ابْن عدي ركب إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه دين فَخرج من مرو وَجَاء نَيْسَابُورَ فَكلم أَصْحَاب الحَدِيث يَحْيَى بْن يحيى فِي أَمر إِسْحَاق فَقَالَ مَا تُرِيدُونَ قَالُوا تكْتب إِلَى عَبْد اللَّه بْن طَاهِر رقْعَة وَكَانَ عَبْد اللَّه أَمِير خُرَاسَان وَكَانَ بِنَيْسَابُورَ فَقَالَ يَحْيَى مَا كتبت إِلَيْهِ قطّ فألحوا عَلَيْهِ فَكتب فِي رقْعَة إِلَى عَبْد اللَّه بْن طَاهِر أَبُو يَعْقُوب إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم رجل من أهل الْعلم وَالصَّلَاح فَحمل إِسْحَاق الرقعة إِلَى عَبْد اللَّه بْن طَاهِر فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَاب قَالَ للحاجب معي رقْعَة يَحْيَى بْن يَحْيَى إِلَى الْأَمِير فَدخل الْحَاجِب فَقَالَ لَهُ رجل بِالْبَابِ زعم أَن مَعَه رقْعَة يَحْيَى بْن يَحْيَى إِلَى الْأَمِير فَقَالَ يَحْيَى بْن يَحْيَى قَالَ نعم قَالَ أدخلهُ فَدخل إِسْحَاق وناوله الرقعة فَأَخذهَا عَبْد اللَّه وَقبلهَا وأقعد إِسْحَاق بجنبه وَقضى دينه ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وصيره من ندمائه قلت انْظُر مَا كَانَ أعظم أهل الْعلم عِنْد الْأُمَرَاء وَانْظُر مَا أدنى هَذِهِ الْكَلِمَة وأقصر هَذِهِ الرقعة وَمَا ترَتّب عَلَيْهَا من الْخَيْر وَمَا ذَلِك إِلَّا لحسن اعْتِقَاد ذَلِك الْأَمِير وصيانة أهل الْعلم أَيْضًا وَالنَّاس بزمانهم أشبه مِنْهُم بآبائهم وَقَالَ مُحَمَّد بْن أسلم الطوسي حِين مَاتَ إِسْحَاق مَا أعلم أحدا كَانَ أخْشَى لله من إِسْحَاق يَقُول اللَّه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ من عباده الْعلمَاء} وَكَانَ أعلم النَّاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 قلت كَأَن مُحَمَّد بْن أسلم يركب هَذَا من الضَّرْب الأول من الشكل الأول فِي الْمنطق فَإِنَّهُ ينْحل إِلَى قَوْلك كَانَ ابْن رَاهَوَيْه أعلم النَّاس وكل من كَانَ أعلم النَّاس كَانَ أخْشَى النَّاس ينْتج كَانَ إِسْحَاق أخْشَى النَّاس والمقدمة الصُّغْرَى يَنْبَغِي أَن تكون مُحَققَة بِاتِّفَاق أَو غَيره فَكَأَن كَونه كَانَ أعلم النَّاس أَمر مفروغ مِنْهُ حَتَّى استنتج مِنْهُ أخْشَى النَّاس قَالَ مُحَمَّد بْن أسلم وَلَو كَانَ الثَّوْريّ فِي الْحَيَاة لاحتاج إِلَى إِسْحَاق وَقَالَ الدَّارمِيّ سَاد إِسْحَاق أهل الْمشرق وَالْمغْرب بصدقه وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَذكر إِسْحَاق لَا أعرف لَهُ بالعراق نظيرا وَقَالَ مرّة وَقد سُئِلَ عَنهُ مثل إِسْحَاق يسْأَل عَنهُ إِسْحَاق عندنَا إِمَام وَقَالَ النَّسَائِيّ إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه أحد الْأَئِمَّة ثِقَة مَأْمُون سَمِعت سَعِيد بْن ذُؤَيْب يَقُول مَا أعلم عَلَى وَجه الأَرْض مثل إِسْحَاق وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة وَالله لَو كَانَ إِسْحَاق فِي التَّابِعين لأقروا لَهُ بحفظه وَعلمه وفقهه وَقَالَ عَلِيّ بْن خشرم حَدثنَا ابْن فُضَيْل عَن ابْن شبْرمَة عَن الشّعبِيّ قَالَ مَا كتبت سَوْدَاء فِي بَيْضَاء إِلَى يومي هَذَا وَلَا حَدَّثَنِي رجل بِحَدِيث قطّ إِلَّا حفظته فَحدثت بِهَذَا إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه فَقَالَ تعجب من هَذَا قلت نعم قَالَ مَا كنت أسمع شَيْئا إِلَّا حفظته وَكَأَنِّي أنظر إِلَى سبعين ألف حَدِيث أَو قَالَ أَكثر من سبعين ألف حَدِيث فِي كتبي وَقَالَ أَبُو دَاوُد الْخفاف سَمِعت إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه يَقُول لكَأَنِّي أنظر إِلَى مائَة ألف حَدِيث فِي كتبي وَثَلَاثِينَ ألفا أسردها قَالَ وأملى علينا إِسْحَاق أحد عشر ألف حَدِيث من حفظه ثمَّ قَرَأَهَا علينا فَمَا زَاد حرفا وَلَا نقص حرفا وَعَن إِسْحَاق مَا سَمِعت شَيْئا إِلَّا وحفظته وَلَا حفظت شَيْئا قطّ فَنسيته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 وَقَالَ أَبُو يزِيد مُحَمَّد بْن يَحْيَى سَمِعت إِسْحَاق يَقُول أحفظ سبعين ألف حَدِيث عَن ظهر قلبِي وَقَالَ أَحْمَد بْن سَلمَة سَمِعت أَبَا حَاتِم الرَّازِيّ يَقُول ذكرت لأبي زرْعَة إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه وَحفظه فَقَالَ أَبُو زرْعَة مَا روى أحفظ من إِسْحَاق قَالَ أَبُو حَاتِم وَالْعجب من إتقانه وسلامته من الْغَلَط مَعَ مَا رزق من الْحِفْظ قَالَ فَقلت لأبي حَاتِم إِنَّه أمْلى التَّفْسِير عَن ظهر قلبه فَقَالَ أَبُو حَاتِم وَهَذَا أعجب فَإِن ضبط الْأَحَادِيث المسندة أسهل وأهون من ضبط أَسَانِيد التَّفْسِير وألفاظها وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَهَّاب كنت مَعَ يَحْيَى بْن يَحْيَى وَإِسْحَاق نعود مَرِيضا فَلَمَّا حاذينا الْبَاب تَأَخّر إِسْحَاق وَقَالَ ليحيى تقدم فَقَالَ يَحْيَى لإسحاق بل أَنْت تقدم فَقَالَ يَا أَبَا زَكَرِيَّا أَنْت أكبر مني قَالَ نعم أَنا أكبر مِنْك وَلَكِنَّك أعلم مني قَالَ فَتقدم إِسْحَاق وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بْن النَّضر الجارودي حَدثنَا شَيخنَا وَكَبِيرنَا وَمن تعلمنا مِنْهُ وتجملنا بِهِ أَبُو يَعْقُوب إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ الْحَاكِم هُوَ إِمَام عصره فِي الْحِفْظ وَالْفَتْوَى وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ جمع بَين الحَدِيث وَالْفِقْه والورع وَقَالَ الخليلي فِي الْإِرْشَاد كَانَ يُسمى شهنشاه الحَدِيث وَقَالَ أَحْمَد بْن سَعِيد الرباطي فِي إِسْحَاق (قربي إِلَى اللَّه دَعَاني إِلَى ... حب أَبِي يَعْقُوب إِسْحَاق) (لم يَجْعَل الْقُرْآن خلقا كَمَا ... قد قَالَه زنديق فساق) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 (يَا حجَّة اللَّه عَلَى خلقه ... فِي سنة الماضين للْبَاقِي) (أَبوك إِبْرَاهِيم مَحْض التقى ... سباق مجد وَابْن سباق) قَالَ أَبُو يحيى الشعراني إِن إِسْحَاق كَانَ يخضب بالحنا قَالَ وَمَا رَأَيْت بِيَدِهِ كتابا قطّ إِنَّمَا كَانَ يحدث من حفظه وَقَالَ وَكنت إِذا ذاكرت إِسْحَاق فِي الْعلم وجدته فَردا فَإِذا جِئْت إِلَى أَمر الدُّنْيَا وجدته لَا رَأْي لَهُ توفّي إِسْحَاق لَيْلَة نصف شعْبَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ البُخَارِيّ وَله سبع وَسَبْعُونَ سنة قَالَ الْخَطِيب فَهَذَا يدل أَن مولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَفِي لَيْلَة مَوته يَقُول الشَّاعِر (يَا هدة مَا هددنا لَيْلَة الْأَحَد ... فِي نصف شعْبَان لَا تنسى مدى الْأَبَد) قَالَ أَبُو عَمْرو الْمُسْتَمْلِي النَّيْسَابُورِي أَخْبرنِي عَلِيّ بْن سَلمَة الْكَرَابِيسِي وَهُوَ من الصَّالِحين قَالَ رَأَيْت لَيْلَة مَاتَ إِسْحَاق الْحَنْظَلِي كَأَن قمرا ارْتَفع من الأَرْض إِلَى السَّمَاء من سكَّة إِسْحَاق ثمَّ نزل فَسقط فِي الْموضع الَّذِي دفن فِيهِ إِسْحَاق قَالَ وَلم أشعر بِمَوْتِهِ فَلَمَّا غَدَوْت إِذا بحفار يحْفر قبر إِسْحَاق فِي الْموضع الَّذِي رَأَيْت الْقَمَر وَقع فِيهِ قَالَ الْحَاكِم أَبُو عَبْد اللَّه إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه وَابْن الْمُبَارك ومُحَمَّد بْن يَحْيَى هَؤُلَاءِ دفنُوا كتبهمْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْنِدُ إِذْنًا خَاصًّا أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلانَ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنْدِيُّ أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ رَامِينَ الإِسْتَرَابَاذِيُّ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارٍ الإِسْتَرَابَاذِيُّ حَدثنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ حَدثنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ حَدثنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْن فَضَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ إِلا مِنْ بَأْسٍ مناظرة بَين الشَّافِعِي وَإِسْحَاق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما رُوِيَ عَن إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه قَالَ كُنَّا بِمَكَّة وَالشَّافِعِيّ بهَا وأَحْمَد بْن حَنْبَل أَيْضًا بهَا وَكَانَ أَحْمَد يُجَالس الشَّافِعِي وَكنت لَا أجالسه فَقَالَ لي أَحْمَد يَا أَبَا يَعْقُوب لم لَا تجَالس هَذَا الرجل فَقلت مَا أصنع بِهِ وسنه قريب من سننا كَيفَ أترك ابْن عُيَيْنَة وَسَائِر الْمَشَايِخ لأَجله قَالَ وَيحك إِن هَذَا يفوت وَذَلِكَ لَا يفوت قَالَ إِسْحَاق فَذَهَبت إِلَيْهِ وتناظرنا فِي كِرَاء بيُوت أهل مَكَّة وَكَانَ الشَّافِعِي تساهل فِي المناظرة وَأَنا بالغت فِي التَّقْرِير وَلما فرغت من كَلَامي وَكَانَ معي رجل من أهل مرو فَالْتَفت إِلَيْهِ وَقلت مردك هَكَذَا مردك واكمالي نيست يَقُول بِالْفَارِسِيَّةِ هَذَا الرجل لَيْسَ لَهُ كَمَال فَعلم الشَّافِعِي أَنِّي قلت فِيهِ سوءا فَقَالَ لي أتناظر قلت للمناظرة جِئْت قَالَ الشَّافِعِي قَالَ اللَّه تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أخرجُوا من دِيَارهمْ} فنسب الديار إِلَى مَالِكهَا أَو إِلَى غير مَالِكهَا وَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم فتح مَكَّة (من أغلق بَابه فَهُوَ آمن وَمن دخل دَار أَبِي سُفْيَان فَهُوَ آمن) فنسب الديار إِلَى أَرْبَابهَا أم إِلَى غير أَرْبَابهَا وَاشْترى عمر بْن الْخطاب دَارا للسجن من مَالك أَو من غير مَالك وَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهل ترك لنا عقيل من دَار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 قَالَ إِسْحَاق فَقلت الدَّلِيل عَلَى صِحَة قولي أَن بعض التَّابِعين قَالَ بِهِ فَقَالَ الشَّافِعِي لبَعض الْحَاضِرين من هَذَا فَقيل إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي فَقَالَ الشَّافِعِي أَنْت الَّذِي يزْعم أهل خُرَاسَان أَنَّك فقيههم قَالَ إِسْحَاق هَكَذَا يَزْعمُونَ فَقَالَ الشَّافِعِي مَا أحوجني أَن يكون غَيْرك فِي موضعك فَكنت آمُر بعرك أُذُنَيْهِ أَقُول قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنت تَقول قَالَ عَطاء وَطَاوُس والْحَسَن وإِبْرَاهِيم وَهل لأحد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة فَقَالَ إِسْحَاق اقْرَأ {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} فَقَالَ الشَّافِعِي هَذَا فِي الْمَسْجِد خَاصَّة وَعَن دَاوُد بْن عَلِيّ الْأَصْفَهَانِي أَنه كَانَ يَقُول إِن إِسْحَاق لم يفهم احتجاج الشَّافِعِي فَإِن غَرَض الشَّافِعِي أَن يَقُول لَو كَانَت أَرض مَكَّة مُبَاحَة للنَّاس لَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول أَي مَوضِع أدركنا فِي دَار أَي شخص نزلنَا فَإِن ذَلِك مُبَاح لنا فَلَمَّا لم يقل ذَلِك بل قَالَ (لم يتْرك لنا عقيل سكنا) دلّ ذَلِك عَلَى أَن كل من ملك مِنْهَا شَيْئا فَهُوَ مَالك لَهُ مَنعه غَيره أَو لم يمنعهُ ثمَّ يحْكى عَن إِسْحَاق أَنه كَانَ إِذا ذكر الشَّافِعِي كَانَ يَأْخُذ لحيته بِيَدِهِ وَيَقُول واحياي من مُحَمَّد بْن إِدْرِيس يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَلَا سِيمَا فِي قَوْله مردك لَا كَمَا لي نيست وَفِي رِوَايَة قَالَ إِسْحَاق لما عرفت أَنِّي أفحمت قُمْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 مناظرة أُخْرَى بَينهمَا أَخْبَرَنَا الْمُحدث أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْن يُوسُف بْن أَبِي مُحَمَّد الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِابْن الصَّيْرَفِي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فى سادس رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِمصْر قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن رواج إجَازَة قَالَ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي سَمَاعا عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا الْمُبَارك بْن عَبْد الْجَبَّار بْن أَحْمَد الصَّيْرَفِي بِبَغْدَاد قِرَاءَة أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ الفالي أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن إِسْحَاق بْن خربَان النهاوندي أَخْبَرَنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن خَلاد الرامَهُرْمُزِي حَدثنَا زَكَرِيَّا السَّاجِي حَدَّثَنِي جمَاعَة من أَصْحَابنَا أَن إِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه نَاظر الشَّافِعِي وأَحْمَد بْن حَنْبَل حَاضر فِي جُلُود الْميتَة إِذا دبغت فَقَالَ الشَّافِعِي دباغها طهورها فَقَالَ إِسْحَاق مَا الدَّلِيل فَقَالَ الشَّافِعِي حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ (هَلا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا) فَقَالَ إِسْحَاق حَدِيث ابْن عكيم كتب إِلَيْنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل مَوته بِشَهْر (لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب) أشبه أَن يكون نَاسِخا لحَدِيث مَيْمُونَة لِأَنَّهُ قبل مَوته بِشَهْر فَقَالَ الشَّافِعِي هَذَا كتاب وَذَاكَ سَماع فَقَالَ إِسْحَاق إِن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَكَانَ حجَّة عَلَيْهِم عِنْد اللَّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 فَسكت الشَّافِعِي فَلَمَّا سمع ذَلِك أَحْمَد بْن حَنْبَل ذهب إِلَى حَدِيث ابْن عكيم وَأفْتى بِهِ وَرجع إِسْحَاق إِلَى حَدِيث الشَّافِعِي فَأفْتى بِحَدِيث مَيْمُونَة قلت وَهَذِه المناظرة حَكَاهَا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَقد يظنّ قَاصِر الْفَهم أَن الشَّافِعِي انْقَطع فِيهَا مَعَ إِسْحَاق وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك ويكفيه مَعَ قُصُور فهمه أَن يتَأَمَّل رُجُوع إِسْحَاق إِلَى قَول الشَّافِعِي فَلَو كَانَت حجَّته قد نهضت عَلَى الشَّافِعِي لما رَجَعَ إِلَيْهِ ثمَّ تَحْقِيق هَذَا أَن اعْتِرَاض إِسْحَاق فَاسد الْوَضع لَا يُقَابل بِغَيْر السُّكُوت بَيَانه أَن كتاب عَبْد اللَّه بْن عكيم كتاب عَارضه سَماع وَلم يتَيَقَّن أَنه مَسْبُوق بِالسَّمَاعِ وَإِنَّمَا ظن ذَلِك ظنا لقرب التَّارِيخ وَمُجَرَّد هَذَا لَا ينْهض بالنسخ أما كتب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر فَلم يعارضها شئ بل عضدتها الْقَرَائِن وساعدها التَّوَاتُر الدَّال عَلَى أَن هَذَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بالدعوة إِلَى مَا فِي هَذَا الْكتاب فلاح بِهَذَا أَن السُّكُوت من الشَّافِعِي تسجيل عَلَى إِسْحَاق بِأَن اعتراضه فَاسد الْوَضع فَلم يسْتَحق عِنْده جَوَابا وَهَذَا شَأْن الْخَارِج عَن المبحث عِنْد الجدليين فَإِنَّهُ لَا يُقَابل بِغَيْر السُّكُوت وَرب سكُوت أبلغ من نطق وَمن ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ إِسْحَاق وَلَو كَانَ السُّكُوت لقِيَام الْحجَّة لأكد ذَلِك مَا عِنْد إِسْحَاق فَافْهَم مَا يلقى إِلَيْك مسَائِل غَرِيبَة عَن إِسْحَاق رَحمَه اللَّه تَعَالَى الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَن صَلَاة الْكَافِر لَا تصيره مُسلما سَوَاء كَانَ فِي دَار الْحَرْب أم فِي دَار الْإِسْلَام وَحُكِيَ قَول فِي الْحَرْبِيّ يُصَلِّي فِي دَار الْحَرْب وَالْمَسْأَلَة مبسوطة فِي الْمَذْهَب مُطلقَة غير مُقَيّدَة بِصَلَاة وَاحِدَة أَو بصلوات كَثِيرَة وَنقل ابْن عَبْد الْبر أَن إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه قَالَ إِن الْعلمَاء أَجمعُوا فِي الصَّلَاة عَلَى مَا لم يجمعوا عَلَيْهِ فِي سَائِر الشَّرَائِع فَقَالُوا من عرف بالْكفْر وَكَانَ لَا يصلى ثمَّ رأؤه يصلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 حَتَّى صلى صلوَات كَثِيرَة فِي وَقتهَا وَلم يعرفوا مِنْهُ إِقْرَار بِاللِّسَانِ أَنه يحكم لَهُ بِالْإِيمَان وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج انْتهى وَأقرهُ ابْن عَبْد الْبر عَلَيْهِ وَهُوَ فرع غَرِيب ظَاهر كَلَام المذهبين أَنه لَا فرق بَين أَن تكَرر مِنْهُ الصَّلَاة أَو لَا تكَرر 20 - إِسْمَاعِيل بْن يَحْيَى بْن إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو بْن إِسْحَاق الإِمَام الْجَلِيل أَبُو إِبْرَاهِيم الْمُزنِيّ نَاصِر الْمَذْهَب وَبدر سمائه ولد سنة خمس وَسبعين وَمِائَة وَحدث عَن الشَّافِعِي ونعيم بْن حَمَّاد وَغَيرهمَا رَوَى عَنهُ ابْن خُزَيْمَة والطَّحَاوِي وزَكَرِيا السَّاجِي وَابْن جوصا وَابْن أَبِي حَاتِم وَغَيرهم وَكَانَ جبل علم مناظرا محجاجا قَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَصفه لَو ناظره الشَّيْطَان لغلبه الحديث: 20 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وَكَانَ زاهد ورعا متقللا من الدُّنْيَا مجاب الدعْوَة وَكَانَ إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة فِي جمَاعَة صلاهَا خمْسا وَعشْرين مرّة وَيغسل الْمَوْتَى تعبدا واحتسابا وَيَقُول أَفعلهُ ليرق قلبِي قَالَ أَبُو الفوارس السندي كَانَ الْمُزنِيّ وَالربيع رضيعين وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ كَانَ زاهد عَالما مُجْتَهدا مناظرا محجاجا غواصا عَلَى الْمعَانِي الدقيقة صنف كتبا كَثِيرَة الْجَامِع الْكَبِير وَالْجَامِع الصَّغِير والمختصر والمنثور والمسائل الْمُعْتَبرَة وَالتَّرْغِيب فِي الْعلم وَكتاب الوثائق وَكتاب العقارب وَكتاب نِهَايَة الِاخْتِصَار قَالَ الشَّافِعِي الْمُزنِيّ نَاصِر مذهبي وَقَالَ الرّبيع بْن سُلَيْمَان دَخَلنَا عَلَى الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْد وَفَاته أَنا والبويطي والمزني ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحكم قَالَ فَنظر إِلَيْنَا الشَّافِعِي سَاعَة فَأطَال ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا فَقَالَ أما أَنْت يَا أَبَا يَعْقُوب فستموت فِي حَدِيد لَك وَأما أَنْت يَا مزني فسيكون لَك بِمصْر هَنَات وهنات ولتدركن زَمَانا تكون أَقيس أهل ذَلِك الزَّمَان وَأما أَنْت يَا مُحَمَّد فسترجع إِلَى مَذْهَب أَبِيك وَأما أَنْت يَا ربيع فَأَنت أنفعهم لي فِي نشر الْكتب قُم يَا أَبَا يَعْقُوب فتسلم الْحلقَة قَالَ الرّبيع فَكَانَ كَمَا قَالَ قلت وَذكروا أَن الْمُزنِيّ كَانَ إِذا فرغ من مَسْأَلَة فِي الْمُخْتَصر صلى رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ عَمْرو بْن عُثْمَان الْمَكِّيّ مَا رَأَيْت أحدا من المتعبدين فِي كَثْرَة من لقِيت مِنْهُم أَشد اجْتِهَادًا من الْمُزنِيّ وَلَا أدوم عَلَى الْعِبَادَة مِنْهُ وَمَا رَأَيْت أحدا أَشد تَعْظِيمًا للْعلم وَأَهله مِنْهُ وَكَانَ من أَشد النَّاس تضييقا عَلَى نَفسه فِي الْوَرع وأوسعه فِي ذَلِك عَلَى النَّاس وَكَانَ يَقُول أَنا خلق من أَخْلَاق الشَّافِعِي وَقَالَ أَبُو عَاصِم لم يتَوَضَّأ الْمُزنِيّ من حباب ابْن طولون وَلم يشرب من كيزانه قَالَ لِأَنَّهُ جعل فِيهِ سرجين وَالنَّار لَا تطهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وَقيل إِن بكار بْن قُتَيْبَة لما قدم مصر عَلَى قَضَائهَا وَهُوَ حَنَفِيّ فَاجْتمع بالمزني مرّة فَسَأَلَهُ رجل من أَصْحَاب بكار فَقَالَ قد جَاءَ فِي الْأَحَادِيث تَحْرِيم النَّبِيذ وتحليله فَلم قدمتم التَّحْرِيم على التَّحْلِيل فَقَالَ الْمُزنِيّ لم يذهب أحد إِلَى تَحْرِيم النَّبِيذ فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ تَحْلِيله لنا وَوَقع الِاتِّفَاق عَلَى أَنه كَانَ حَلَالا فَحرم فَهَذَا يعضد أَحَادِيث التَّحْرِيم فَاسْتحْسن بكار ذَلِك مِنْهُ أَخذ عَن الْمُزنِيّ خلائق من عُلَمَاء خُرَاسَان وَالْعراق وَالشَّام وَتُوفِّي لست بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَمن الرِّوَايَة عَن أَبِي إِبْرَاهِيم رَحمَه اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَنْبَلِيُّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحسن بن الْحُسَيْن بن الْبَز الأسدى سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ أَخْبَرَنَا جَدِّي الْحُسَيْنُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ سَنَةَ أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْفَرَّاءُ بِمِصْرَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَوَارِسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّابُونِيُّ سَنَةَ ثَمَان وَأَرْبَعين وثلاثمائة أَخْبَرَنَا الْمُزَنِيُّ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ فَقِيلَ إِنَّكَ تُوَاصِلُ فَقَالَ لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى وَبِهَذَا الإِسْنَادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ وَبِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى السّنة على النَّاس صَاع من تمر وَصَاع مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَهِيَ مِنَ الأَسَانِيدِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُسَمَّى عِقْدَ الْجَوْهَرِ وَلَا حرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وَقد وَقع لنا جُزْء أخرجه الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الإسفراينى فِيهِ مَا فى مُخْتَصر أَبى إِبْرَاهِيم المزنى من الْأَحَادِيث بِالْأَسَانِيدِ أخبرنَا بِهِ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج المزى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بدار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق قَالَ أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن يحيى الكرخى بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح ح قَالَ شَيخنَا وَأخْبرنَا أَيْضا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن أَبى عصرون التميمى وست الْأُمَنَاء أمينة بنت أَبى نصر عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَسَاكِر وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاسِع بن عبد الكافى الأبهرى بقراءتى عَلَيْهِم قَالُوا أخبرنَا أَبُو بكر الْقَاسِم بن أَبى سعد عبد الله ابْن عمر بن أَحْمد الصفار قَالَ ابْن الصّلاح سَمَاعا عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَاقُونَ كِتَابَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو مَنْصُور عبد الْخَالِق بن زَاهِر الشحامى أخبرنَا الرئيس أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن مُحَمَّد المحمى أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن الْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الأزهرى الإسفراينى قِرَاءَة عَلَيْهِ فى رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وثلثمائة أخبرنَا خَال أمى أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَافِظ سنة سِتّ عشرَة وثلثمائة حَدثنَا أَبُو إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن يحيى المزنى قَالَ قَالَ الشافعى أخبرنَا سُفْيَان عَن الزهرى عَن أَبى سَلمَة عَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فى الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدرى أَيْن باتت يَده) هَذَا أول أَحَادِيث الْجُزْء وَكله سَمَاعا بِهَذَا السَّنَد وَأَكْثَره بِمثل هَذَا الْإِسْنَاد الْعَظِيم فَمن أَبى نعيم إِلَى أَبى هُرَيْرَة كلهم أَئِمَّة أجلاء ثَمَانِيَة من السادات علما ودينا وإتقانا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وَمن مستغرب رِوَايَات أَبى إِبْرَاهِيم عَن الشافعى ومستظرفها قَالَ البيهقى فى كتاب أَحْكَام الْقُرْآن الذى جمعه من كَلَام الشافعى وَهُوَ كتاب نَفِيس من ظريف مصنفات البيهقى سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَبْدَانِ الكرمانى يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن أَبى إِسْمَاعِيل العلوى ببخارى يَقُول سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن حسان المصرى بِمَكَّة يَقُول سَمِعت المزنى يَقُول سُئِلَ الشافعى عَن قَول الله عز وَجل {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} قَالَ مَعْنَاهُ مَا تقدم من ذَنْب أَبِيك آدم عَلَيْهِ السَّلَام وهبته لَك وَمَا تَأَخّر من ذنُوب أمتك أدخلهم الْجنَّة بشفاعتك قَالَ البيهقى وَهَذَا قَول مستظرف قَالَ والذى وَضعه الشافعى يعْنى فى تَفْسِير هَذِه الْآيَة فى تصنيفه وَصَحَّ فى الرِّوَايَة وأشبه بِظَاهِر الْآيَة يعْنى مَا تقدم قبل الوحى وَمَا تَأَخّر أَن يعصمه فَلَا يُذنب فَعلم مَا يفعل بِهِ من رِضَاهُ عَنهُ وَأَنه أول شَافِع وَأول مُشَفع يَوْم الْقِيَامَة وَسيد الْخَلَائق كَذَا رَوَاهُ الرّبيع عَن الشافعى قلت وَقد نقل عَن عَطاء الخراسانى مثل التَّفْسِير الذى رَوَاهُ المزنى عَن الشافعى وَهُوَ أَنه قَالَ مَا تقدم من ذَنْب أَبَوَيْك آدم وحواء ببركتك وَمَا تَأَخّر من ذَنْب أمتك بدعوتك قَالَ الطحاوى حَدثنَا المزنى قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول دخل ابْن عَبَّاس على عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ أَصبَحت وَقد أفسدت من دنياى كثيرا وأصلحت من دينى قَلِيلا فَلَو كَانَ مَا أصلحت هُوَ مَا أفسدت لفزت وَلَو كَانَ ينفعنى أَن أطلب طلبت وَلَو كَانَ ينجينى أَن أهرب هربت فعظنى بموعظة أنتفع بهَا يَا ابْن أخى فَقَالَ هَيْهَات يَا أَبَا عبد الله فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن ابْن عَبَّاس يقنطنى من رحمتك فَخذ منى حَتَّى ترْضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم المزنى رَحمَه الله كنت يَوْمًا عِنْد الشافعى أسائله عَن مسَائِل بِلِسَان أهل الْكَلَام قَالَ فَجعل يسمع منى وَينظر إِلَى ثمَّ يجيبنى عَنْهَا بأحضر جَوَاب فَلَمَّا اكتفيت قَالَ لى يَا بنى أدلك على مَا هُوَ خير لَك من هَذَا قلت نعم فَقَالَ يَا بنى هَذَا علم إِن أَنْت أصبت فِيهِ لم تؤجر وَإِن أَخْطَأت فِيهِ كفرت فَهَل لَك فى علم إِن أصبت فِيهِ أجرت وَإِن أَخْطَأت لم تأثم قلت وَمَا هُوَ قَالَ الْفِقْه فَلَزِمته فتعلمت مِنْهُ الْفِقْه ودرست عَلَيْهِ قَالَ وَكنت يَوْمًا عِنْده إِذْ دخل عَلَيْهِ حَفْص الْفَرد فَسَأَلَهُ عَن سُؤَالَات كَثِيرَة فَبَيْنَمَا الْكَلَام يجرى بَينهمَا وَقد دق حَتَّى لَا أفهمهُ إِذْ الْتفت إِلَى الشافعى مسرعا فَقَالَ يَا مزنى قلت لبيْك قَالَ تدرى مَا قَالَ حَفْص قلت لَا قَالَ خير لَك أَن لَا تدرى قلت قَوْله بأحضر جَوَاب هُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة بعْدهَا ضاد منقوطة أفعل تَفْضِيل من حضر يحضر كَذَا سَمِعت والدى رَحمَه الله يلفظ بِهِ وَقد حَدثنَا بِهَذِهِ الْحِكَايَة من لَفظه أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مخلوف بن جمَاعَة أخبرنَا ابْن رواج أخبرنَا السلفى أخبرنَا العلاف أخبرنَا الحمامى أخبرنَا الختلى حَدثنِي أَبُو الْيَسَار الْأَحول سَمِعت أَبَا إِبْرَاهِيم يَقُول فَذكره قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم سَمِعت الشافعى يَقُول مَا رفعت أحدا فَوق مَنْزِلَته إِلَّا حط منى بِمِقْدَار مَا رفعت مِنْهُ قَالَ الرافعى فى بَاب الْمُسَابقَة عَن المزنى أَنه قَالَ سَأَلنَا الشافعى أَن يصنف لنا كتاب الرمى والسبق فَذكر لنا أَن فِيهِ مسَائِل صعابا ثمَّ أملاه علينا وَلم يسْبق إِلَى تصنيف هَذَا الْكتاب انْتهى قلت قَوْله وَلم يسْبق إِلَى تصنيف هَذَا الْكتاب هُوَ من كَلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 قَالَ المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول من تعلم الْقُرْآن عظمت قِيمَته وَمن نظر فِي الْفِقْه نبل قدره وَمن كتب الحَدِيث قويت حجَّته وَمن نظر فى اللُّغَة رق طبعه وَمن نظر فى الْحساب جزل رَأْيه وَمن لم يصن نَفسه لم يَنْفَعهُ علمه قَالَ ابْن خُزَيْمَة عَن المزنى سُئِلَ الشافعى عَن نعَامَة ابتلعت جَوْهَرَة لرجل فَقَالَ لست آمره بشئ وَلَكِن إِن كَانَ صَاحب الْجَوْهَرَة كيسا عدا على النعامة فذبحها واستخرج جوهرته ثمَّ ضمن لصَاحب النعامة مَا بَين قيمتهَا حَيَّة ومذبوحة قَالَ المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول رَأَيْت بِالْمَدِينَةِ أَربع عجائب رَأَيْت جدة بنت وَاحِدَة وَعشْرين سنة وَرَأَيْت رجلا فلسه القاضى فى مَدين نوى وَرَأَيْت شَيخا قد أَتَى عَلَيْهِ تسعون سنة يَدُور نَهَاره أجمع حافيا رَاجِلا على الْقَيْنَات يعلمهُنَّ الْغناء فَإِذا أَتَى الصَّلَاة صلى قَاعِدا ونسيت الرَّابِعَة قَالَ المزنى مَرَرْنَا مَعَ الشافعى إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن علية على دَار قوم وَجَارِيَة تغنيهم (خليلى مَا بَال المطايا كأننا ... نرَاهَا على الأعقاب بالقوم تنكص) فَقَالَ الشافعى ميلوا بِنَا نسْمع فَلَمَّا فرغت قَالَ الشافعى لإِبْرَاهِيم أيطربك هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَمَا بالك قَالَ الأنماطى قَالَ المزنى أَنا أنظر فى كتاب الرسَالَة مُنْذُ خمسين سنة مَا أعلم أَنى نظرت فِيهِ مرّة إِلَّا وَأَنا أستفيد شَيْئا لم أكن عَرفته قَالَ المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول الْقَدَرِيَّة الَّذين قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هم مجوس هَذِه الْأمة) الَّذين يَقُولُونَ إِن الله لَا يعلم بالمعاصى حَتَّى تكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وَقَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول أَقمت أَرْبَعِينَ سنة أسأَل الَّذين تزوجوا فَمَا مِنْهُم أحد قَالَ إِنَّه رأى خيرا قَالَ وسمعته يَقُول أظلم الظَّالِمين لنَفسِهِ من تواضع لمن لَا يُكرمهُ وَرغب فى مَوَدَّة من لَا يَنْفَعهُ وَعَن المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول لَا يحل لأحد سمع حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى رفع الْيَدَيْنِ فى افْتِتَاح الصَّلَاة وَعند الرُّكُوع وَالرَّفْع من الرُّكُوع أَن يتْرك الِاقْتِدَاء بِفِعْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت هَذَا صَرِيح فى أَنه يُوجب ذَلِك وروى الْحَافِظ أَبُو الْحسن على بن الْحسن بن حمكان فى كِتَابه فى مَنَاقِب الشافعى أَن المزنى قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول بعث إِلَى هَارُون الرشيد لَيْلًا الرّبيع فهجم على من غير إِذن فَقَالَ لى أجب فَقلت لَهُ فى مثل هَذَا الْوَقْت وَبِغير إِذن قَالَ بذلك أمرت فَخرجت مَعَه فَلَمَّا صرت بِبَاب الدَّار قَالَ لى اجْلِسْ فَلَعَلَّهُ قد نَام أَو قد سكنت سُورَة غَضَبه فَدخل فَوجدَ الرشيد منتصبا فَقَالَ مَا فعل مُحَمَّد بن إِدْرِيس قلت قد أحضرته فَخرجت فأشخصته قَالَ الشافعى فتأملنى ثمَّ قَالَ لى يَا مُحَمَّد أرعبناك فَانْصَرف راشدا يَا ربيع احْمِلْ مَعَه بدرة ودراهم قَالَ فَقلت لَا حَاجَة لى فِيهَا قَالَ أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا أَخَذتهَا فَحملت بَين يدى فَلَمَّا خرجت قَالَ لى الرّبيع بالذى سخر لَك هَذَا الرجل مَا الذى قلت فإنى أحضرتك وَأَنا أرى مَوضِع السَّيْف من قفاك فَقلت سَمِعت مَالك بن أنس يَقُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 سَمِعت نَافِعًا يَقُول سَمِعت عبد الله بن عمر رضى الله عَنْهُمَا يَقُول دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَحْزَاب بِهَذَا الدُّعَاء فَكفى وَهُوَ (اللَّهُمَّ إنى أعوذ بِنور قدسك وبركة طهارتك وَعظم جلالك من كل طَارق إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير اللَّهُمَّ أَنْت غياثى فبك أغوث وَأَنت عياذى فبك أعوذ وَأَنت ملاذى فبك ألوذ يَا من ذلت لَهُ رِقَاب الْجَبَابِرَة وخضعت لَهُ مقاليد الفراعنة أجرنى من خزيك وعقوبتك فى ليلى ونهارى ونومى وقرارى لَا إِلَه إِلَّا أَنْت تَعْظِيمًا لوجهك وتكريما لسبحاتك فاصرف عَنى شَرّ عِبَادك واجعلنى فى حفظ عنايتك وسرادقات حفظك وعد على بِخَير مِنْك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ) النّظر فى النُّجُوم وَمَا يُؤثر عَن الشافعى فى ذَلِك عَن المزنى سَمِعت الشافعى يَقُول ضَاعَ منى دَنَانِير فَجئْت بقائف فَنظر الْحِكَايَة ونظيرها قَول عبد الله بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان الشافعى يَقُول كَانَ مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى وَهُوَ حدث ينظر فى النُّجُوم الْحِكَايَة وفى آخرهَا وَقد صدق مَعَه بعض المنجمين فَجعل الشافعى على نَفسه أَن لَا ينظر فى النُّجُوم وَاعْلَم أَنه قد يعْتَرض معترض على نظر هَذَا الإِمَام فى النُّجُوم فيجيب مُجيب أَن ذَلِك كَانَ فى حَدَاثَة سنه وَلَيْسَ هَذَا بِجَوَاب والخطب فى مَسْأَلَة النّظر فى النُّجُوم جليل عسير وجماع القَوْل أَن النّظر فِيهِ لمن يحب إحاطة بِمَا عَلَيْهِ أَهله غير مُنكر أما اعْتِقَاد تَأْثِيره وَمَا يَقُوله أَهله فَهَذَا هُوَ الْمُنكر وَلم يقل بحله لَا الشافعى وَلَا غَيره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَرَأَيْت الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح ذكر فى كتاب الشَّهَادَات من تَعْلِيقه وَقد ذكر عَن الشافعى مَا ذَكرْنَاهُ إِن كَانَ المنجم يَقُول ويعتقد أَن لَا يُؤثر إِلَّا الله لَكِن أجْرى الله تَعَالَى الْعَادة بِأَنَّهُ يَقع كَذَا عِنْد كَذَا والمؤثر هُوَ الله فَهَذَا عندى لَا بَأْس بِهِ وَحَيْثُ جَاءَ الذَّم ينبغى أَن يحمل على من يعْتَقد تَأْثِير النُّجُوم وَغَيرهَا من الْمَخْلُوقَات انْتهى وَكَانَت الْمَسْأَلَة قد وَقعت فى زَمَانه فَذكر هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ وَأفْتى الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكانى بِالتَّحْرِيمِ مُطلقًا وَأطَال فِيهِ وَلَيْسَ مَا ذكره بالبين وَالظَّن أَنه لَو استحضر صَنِيع الشافعى لما أطلق لِسَانه هَذَا الْإِطْلَاق وَأفْتى ابْن الصّلاح بِتَحْرِيم الضَّرْب فى الرمل وبالحصى وَنَحْو ذَلِك وَلأَهل الْعلم على قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام {فَنظر نظرة فِي النُّجُوم فَقَالَ إِنِّي سقيم} مبَاحث ذكر الْبَحْث عَن تخريجات المزنى رَحمَه الله وآرائه هَل تلتحق بِالْمذهبِ قَالَ الرافعى فى بَاب الْوضُوء تفردات المزنى لَا تعد من الْمَذْهَب إِذا لم يُخرجهَا على أصل الشافعى وَنقل أعنى الرافعى عَمَّا علق عَن الإِمَام فى مَسْأَلَة خلع الْوَكِيل أَن المزنى لَا يُخَالف أصُول الشافعى وَأَنه لَيْسَ كأبى يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُمَا يخالفان أصُول صَاحبهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 والذى رَأَيْته فى النِّهَايَة فى هَذِه الْمَسْأَلَة والذى أرَاهُ أَن يلْحق مذْهبه فى جَمِيع الْمسَائِل بِالْمذهبِ فَإِنَّهُ مَا انحاز عَن الشافعى فى أصل يتَعَلَّق الْكَلَام فِيهِ بقاطع وَإِذا لم يُفَارق الشافعى فى أُصُوله فتخريجاته خَارِجَة على قَاعِدَة إِمَامه وَإِن كَانَ لتخريج مخرج التحاق بِالْمذهبِ فأولاها تَخْرِيج المزنى لعلو منصبه وتلقيه أصُول الشافعى وَإِنَّمَا لم يلْحق الْأَصْحَاب مذْهبه فى هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَن من صِيغَة تَخْرِيجه أَن يَقُول قِيَاس مَذْهَب الشافعى كَذَا وَكَذَا فَإِذا انْفَرد بِمذهب اسْتعْمل لَفْظَة تشعر بانحيازه وَقد قَالَ فى هَذِه الْمَسْأَلَة لما حكى جَوَاب الشافعى لَيْسَ هَذَا عندى بشئ واندفع فى تَوْجِيه مذْهبه وَالْمَسْأَلَة إِذا وكلته فى الْخلْع بمقدر فَزَاد عَلَيْهِ وأضاف فمنصوص الشافعى أَن الْبَيْنُونَة حَاصِلَة وَمذهب المزنى أَن الطَّلَاق لَا يَقع قلت وَلَعَلَّ الشهرستانى صَاحب كتاب الْملَل والنحل تلقى هَذَا الْكَلَام من الإِمَام فَإِنَّهُ ذكر فى كِتَابه أَن المزنى وَغَيره من أَصْحَاب الشافعى لَا يزِيدُونَ على اجْتِهَاده اجْتِهَادًا وَلَكِن فى كَلَام الإِمَام مَا يقتضى أَنه أعنى المزنى رُبمَا اخْتَار لنَفسِهِ وانحاز عَن الْمَذْهَب وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وينبغى أَن يكون الفيصل فى المزنى أَن تخريجاته مَعْدُودَة من الْمَذْهَب لِأَنَّهَا على قَاعِدَة الإِمَام الْأَعْظَم وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الإِمَام أَبُو المعالى بقوله إِن كَانَ لتخريج مخرج التحاق إِلَى آخِره وَأما اختياراته الْخَارِجَة عَن الْمَذْهَب فَلَا وَجه لعَدهَا أَلْبَتَّة وَأما إِذا أطلق فَذَلِك مَوضِع النّظر وَالِاحْتِمَال وَأرى أَن مَا كَانَ من تِلْكَ المطلقات فى مُخْتَصره تلتحق بِالْمذهبِ لِأَنَّهُ على أصُول الْمَذْهَب بناه وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله فى خطبَته هَذَا مُخْتَصر اختصرته من علم الشافعى وَمن معنى قَوْله وَأما مَا لَيْسَ فى الْمُخْتَصر بل هُوَ فى تصانيفه المستقلة فموضع التَّوَقُّف وَهُوَ فى مُخْتَصره الْمُسَمّى نِهَايَة الِاخْتِصَار يُصَرح بمخالفة الشافعى فى مَوَاضِع فَتلك لَا تعد من الْمَذْهَب قطعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وَقَالَ النووى فى مُقَدّمَة شرح الْمُهَذّب الْأَوْجه لأَصْحَاب الشافعى رضى الله عَنهُ المنتسبين إِلَى مذْهبه يخرجونها على أُصُوله ويستنبطونها من قَوَاعِده ويجتهدون فى بَعْضهَا وَإِن لم يأخذوه من أَصله انْتهى وَقَوله ويجتهدون فى بَعْضهَا وَإِن لم يأخذوه من أَصله يُوهم أَنه يعد من الْمَذْهَب مُطلقًا وَلَيْسَ كَذَلِك بل القَوْل الْفَصْل فِيمَا اجتهدوا فِيهِ وَلم يأخذوه من أَصله أَنه لَا يعد إِلَّا إِذا لم يناف قَوَاعِد الْمَذْهَب فَإِن نافاها لم يعد وَإِن ناسبها عد وَإِن لم يكن فِيهِ مُنَاسبَة وَلَا مُنَافَاة وَقد لَا يكون لذَلِك وجود لإحاطة الْمَذْهَب بالحوادث كلهَا ففى إِلْحَاقه بِالْمذهبِ تردد وكل تَخْرِيج أطلقهُ الْمخْرج إطلاقا فَيظْهر أَن ذَلِك الْمخْرج إِن كَانَ مِمَّن يغلب عَلَيْهِ التمذهب والتقيد كالشيخ أَبى حَامِد والقفال عد من الْمَذْهَب وَإِن كَانَ مِمَّن كثر خُرُوجه كالمحمدين الْأَرْبَعَة فَلَا يعد وَأما المزنى وَبعده ابْن سُرَيج فَبين الدرجتين لم يخرجُوا خُرُوج المحمدين وَلم يتقيدوا بِقَيْد الْعِرَاقِيّين والخراسانيين وَمن الْمسَائِل عَن أَبى إِبْرَاهِيم قَالَ أَبُو عَاصِم نَاظر أَبُو إِبْرَاهِيم فى مجْلِس ابْن طولون فى الْقَضَاء على الْغَائِب فألزم الْحَاضِر فى الْمجْلس فَقَالَ من يجوز الْقَضَاء على الْغَائِب يجوزه على الْحَاضِر قَالَ وَنَقله الشاشى إِلَى كِتَابه قَالَ وفى كتب الشافعى أَنه يجوز السماع وَلَا يحكم حَتَّى يَقُول لَهُ هَل لَك طعن قلت وهى وُجُوه مسطورة فى الْمَذْهَب أَصَحهَا الْمَنْع وَثَالِثهَا يسمع وَلَا يحكم قَالَ أَبُو عَاصِم وصنف المزنى كتاب العقارب وَقَالَ فِيهِ إِن الْقصاص فى النَّفس لَا يسْقط بعفوه عَن الْجراحَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 قلت هُوَ الْمَشْهُور عَن أَبى الطّيب بن سَلمَة ويحكى عَن تَخْرِيج ابْن سُرَيج وَقد رَأَيْته فى العقارب كَمَا نقل العبادى وَعبارَة المزنى أَنه الأقيس قَالَ العبادى وَقَالَ فِيهِ إِن الْمُضْطَر يَأْكُل الآدمى الْمَيِّت قلت قد رَأَيْته أَيْضا فى العقارب وَعبارَته وَقد سُئِلَ عَن مُضْطَر لَا يجد ميتَة وَوجد لحم إِنْسَان هَل يَأْكُلهُ إِن الْقيَاس أَن يَأْكُل فقد أَبَاحَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبّ الله تَعَالَى وَهُوَ أعظم وَأجل قَالَ (والساب لله كَافِر والمستخف بِحَق الله كَافِر غير أَن الساب لله أعظم جرما وَأطَال فِيهِ) فَأَما قَوْله (الصَّحِيح أَنه يَأْكُل) فَهُوَ الصَّحِيح فى الْمَذْهَب قَالَ إِبْرَاهِيم المروروذى إِلَّا أَن يكون الْمَيِّت نَبيا قلت كتاب العقارب مُخْتَصر فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَة وَلَدهَا المزنى وَرَوَاهَا عَنهُ الأنماطى وأظن ابْن الْحداد نسج فروعه على منوالها وَمن غرائب العقارب رَأَيْت المزنى قد نقل فِيهَا إِجْمَاع الْعلمَاء أَن من حلف ليقضين فلَانا حَقه غَدا واجتهد فعجز أَنه حانث وَاسْتشْهدَ بِهِ للرَّدّ على الشافعى وأبى حنيفَة وَمَالك فَإِنَّهُ نقل عَنْهُم فِيمَن قَالَ لامْرَأَته إِن لم أطأك اللَّيْلَة فَأَنت طَالِق فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَو مُحرمَة أَو صَائِمَة أَو كَانَ قد ظَاهر مِنْهَا وَلم يكفر أَنه لَا حنث عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا سَبِيل لَهُ إِلَى وَطئهَا ثمَّ قَالَ يدْخل عَلَيْهِم أَن يُقَال لَيْسَ التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم من الْأَيْمَان بشئ أَلا ترى أَن من حلف أَن يعْصى الله فَلم يفعل أَنه حانث وَإِن فعل بر وَقد أَجمعت الْعلمَاء أَنه من حلف ليقضين فلَانا حَقه غَدا واجتهد فعجز أَنه حانث عِنْدهم ففى هَذَا دَلِيل أَن عِلّة هَؤُلَاءِ من الْإِكْرَاه لَيْسَ بعلة انْتهى وَمَا نَقله من الْإِجْمَاع لابد أَن يُنَازع فِيهِ وَأَقل أَحْوَاله أَن يكون فِيهِ قولا الْمُكْره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وَقد نقل الرافعى فى فروع الطَّلَاق عَن العقارب مَا نَقَلْنَاهُ وَقَالَ قد قيل إِن الْمَذْهَب مَا قَالَه المزنى وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال وَقيل هُوَ على الْخلاف فى فَوَات الْبر بِالْإِكْرَاهِ قلت وَحَاصِل الْأَمر أَن هُنَا إِكْرَاها شَرْعِيًّا على عدم الْوَطْء وفى إِلْحَاقه بِالْإِكْرَاهِ الحسى نظر وَالْأَشْبَه أَنه لَا يلْتَحق بِهِ لِأَن فى الرافعى وَغَيره فِيمَن حلف لَا يُفَارق غَرِيمه حَتَّى يسْتَوْفى فأفلس ثمَّ فَارقه أَنه يَحْنَث وَإِن كَانَ الشَّرْع لَا يجوز لَهُ ملازمته بعد الإفلاس فَمَا ذكره المزنى هُوَ الْقيَاس الظَّاهِر قَالَ المزنى فى كِتَابه نِهَايَة الِاخْتِصَار وَقد وقفت مِنْهَا على أصل قديم كتب سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة إِنَّه لَا حد لأَقل الْحيض وَهُوَ كَذَلِك فى تَرْتِيب الْأَقْسَام للمرعشى وَلَعَلَّه من هَذَا الْكتاب أَخذه ثمَّ قَالَ المزنى فى النّفاس وَأَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا فى رأى الشافعى وفى رأيى أَرْبَعُونَ يَوْمًا انْتهى وَكَثِيرًا مَا يذكر فى هَذَا الْمُخْتَصر آراء نَفسه وَهُوَ مُخْتَصر جدا لَعَلَّه نَحْو ربع التَّنْبِيه أَو دونه وَذكر فِيهَا من بَاب الِاسْتِبْرَاء قَول الشافعى فِيهِ ثمَّ نَص على مذْهبه فى الِاسْتِبْرَاء المعزو إِلَيْهِ فى الرافعى وَغَيره فَقَالَ وقولى أَن لَيْسَ على أحد ملك أمة بأى وَجه ملكهَا اسْتِبْرَاء إِلَّا أَن تكون مَوْطُوءَة لم تستبرأ وَكَانَت حَامِلا انْتهى وَعبارَة الرَّوْضَة فى نقل هَذَا عَنهُ وَعَن المزنى فها هُوَ وَقد صرح بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 وَذكر فى بَاب الْكِتَابَة مَذْهَب الشافعى فى وجوب إتْيَان الْمكَاتب وَلم يُوَافقهُ وَهَذِه عبارَة نِهَايَة الِاخْتِصَار وعَلى سَيّده أَن يضع عَنهُ من كِتَابَته شَيْئا فى قَول الشافعى وَلم يحد فى ذَلِك حدا وَلَا تبين عندى أَن ذَلِك عَلَيْهِ انْتهى وَذهب المزنى إِلَى أَن العَبْد الْمكَاتب فى الْمَرَض إِن لم يخرج كُله من الثُّلُث لم يعْتق مِنْهُ شَيْء وَإِن خرج بعضه وَهَذِه عِبَارَته وَلَو كَاتب عَبده فى مرض مَوته جَازَ إِن خرج العَبْد من ثلث مَاله فَإِن لم يخرج كُله جَازَ مِنْهُ مَا خرج من الثُّلُث فى قَول الشافعى وفى رأيى إِن لم يخرج كُله من الثُّلُث لم يجز مِنْهَا شَيْء انْتهى وَمن دَقِيق مستدركات أَبى إِبْرَاهِيم شكك رَحمَه الله على قتل تَارِك الصَّلَاة مُشِيرا إِلَى أَنه لَا يتَصَوَّر لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون على ترك صَلَاة مَضَت أَو لم تأت وَالْأول بَاطِل لِأَن المقضية لَا يقتل بِتَرْكِهَا والثانى كَذَلِك لِأَنَّهُ مَا لم يخرج الْوَقْت فَلهُ التَّأْخِير فعلام يقتل قلت وَهَذَا تشكيك صَعب وأقصى مَا تحصلت فى دَفعه من كَلَام الْأَصْحَاب على ثَلَاثَة مسالك المسلك الأول أَن هَذَا يلزمكم فى حَبسه وتعزيره فَإِن المزنى يَقُول يحبس تاركها وَيُعَزر وَهَذِه طَريقَة القاضى أَبى الطّيب وَذكرهَا الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَيْضا قَالَ فَمَا كَانَ جَوَابا للمزنى عَن الْحَبْس وَالتَّعْزِير فَهُوَ جَوَابنَا عَن الْقَتْل قلت وهى طَريقَة جدلية لَا أرضاها والمسلك الثانى وَعَلِيهِ الْأَكْثَر قَالُوا بقتْله على الْمَاضِيَة لِأَنَّهُ تَركهَا بِلَا عذر وَالْقَضَاء فى هَذِه الصُّورَة على الْفَوْر فَإِذا امْتنع مِنْهُ قتل قلت وَلَا أرْضى هَذَا المسلك أَيْضا لِأَن لنا خلافًا شهيرا فى أَن الْقَضَاء هَل يجب على الْفَوْر جُمْهُور الْعِرَاقِيّين على عدم الْوُجُوب فعلى هَذِه الطَّرِيقَة يلْزم أَن يجىء خلاف فى قتل تَارِك الصَّلَاة وَذَلِكَ لَا يعرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 بل أَقُول وَقع فى كَلَام كثير من الْمُتَقَدِّمين التَّصْرِيح بِأَن الشافعى لَا يقتل بالمقضية مُطلقًا وَوجدت فى تَعْلِيق الشَّيْخ أَبى حَامِد أَن أَبَا إِسْحَاق قَالَ لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه لَا يقتل بالامتناع من الْقَضَاء والمسلك الثَّالِث وَهُوَ عندى خير المسالك أَنا نَقْتُلهُ للمؤداة فى آخر وَقتهَا وَذَلِكَ إِذا لم يبْق بَينه وَبَين آخر وَقتهَا إِلَّا قدر مَا يصلى فِيهِ فرض الْوَقْت وَهَذَا نَص عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فى التعليقة وَهُوَ جيد لَكِن يلْزم مِنْهُ أَن تكون الْمُبَادرَة إِلَى قتل تَارِك الصَّلَاة أَحَق مِنْهَا إِلَى الْمُرْتَد فَإِن الْمُرْتَد يُسْتَتَاب وَهَذَا لَا يُسْتَتَاب لِأَنَّهُ لَو أمْهل مُدَّة الاستتابة لخرج الْوَقْت وَلَو خرج لَصَارَتْ مقضية لَا مُؤَدَّاة لَا يخفى على الفطن صعوبة تشكيك المزنى رَحمَه الله تَعَالَى وَقد سلك ابْن الرّفْعَة فى فسخ الْمَرْأَة بإعسار زَوجهَا عَن نَفَقَتهَا حَيْثُ قَالَ قَالَ الْأَصْحَاب إِن الْفَسْخ يكون بِالْعَجزِ عَن نَفَقَة الْيَوْم الرَّابِع أَو بعد مضى يَوْم وَلَيْلَة وَنَازع الرافعى فى بحث لَهُ هُنَاكَ ذكره فى مَوَاضِع من بَاب نَفَقَة الزَّوْجَة فَلْينْظر وعَلى مساقة نقرر نَحن طَريقَة المزنى هَكَذَا لَو قتل بِتَرْكِهَا فإمَّا أَن يكون وَقتهَا قد خرج فَيلْزم الْقَتْل على المقضية أَو لم يخرج بل هُوَ بَاقٍ موسع وَلَا قَائِل بِهِ أَو بَاقٍ وَقد يضيق فإمَّا أَن لَا يُمْهل للاستتابة فَيلْزم أَن يكون حَاله أَشد من الْمُرْتَد أَو يُمْهل فَيلْزم أَن تعود مقضية وَإِذا عَادَتْ فإمَّا أَن يكون تَارِكًا لصَلَاة تَجَدَّدَتْ بعْدهَا وَالْقَتْل للمتجددة لَعَلَّه أولى للْإِجْمَاع على أَنه لَا يجوز إخْرَاجهَا عَن وَقتهَا بِخِلَاف المقضية فَإِن لنا خلافًا فى وجوب فعلهَا على الْفَوْر وَإِذا انْتقل الْقَتْل إِلَيْهَا فهى ذَنْب غير الذَّنب بترك تِلْكَ فليجدد لَهَا مُدَّة تَوْبَة وَهَكَذَا وَإِمَّا أَن لَا يكون تَارِكًا لصَلَاة تَجَدَّدَتْ وَهَذَا قد يلْتَزم لَكِن لَا بُد أَن يطرقه الْخلاف فى وجوب الْقَضَاء على الْفَوْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَمن مستدركات الْأَصْحَاب على أَبى إِبْرَاهِيم وَذَلِكَ كثير ثمَّ هُوَ عِنْد مُخَالفَته الشافعى ضَرْبَة لازب فلنقتصر على غَرِيب مِمَّا وَرَاءه فَمِنْهُ قَالَ المزنى فى المناضلة لَو أخرج فَخرج مَالا وَقَالَ لرام ارْمِ عشرَة فَإِن كَانَت إصابتك أَكثر فلك المَال لم يجز لِأَنَّهُ ناضل نَفسه ذكره نقلا عَن الشافعى وافترق الْأَصْحَاب فأكثرهم خطأه نقلا وتعليلا وَقَالُوا قد نَص الشافعى على الْجَوَاز ثمَّ هُوَ الْوَجْه لِأَن الْمَقْصُود من إِخْرَاج السَّبق التحريض على الرمى فَلَا فرق بَين صدوره من رام وَاحِد أَو جمَاعَة قَالُوا وَقَوله ناضل نَفسه خطأ بِلَا شكّ انْتقل فِيهِ ذهنه من مَسْأَلَة أُخْرَى قَالَهَا الشافعى وهى ارْمِ عشرَة عَن نَفسك وَعشرَة عَنى فَإِن كَانَت القرعات فى عشرتك أَكثر فلك مَا أخرجت فَهُنَا يكون مناضلا نَفسه وَفِيه نَص الشافعى على الْمَنْع لِأَنَّهُ قد يقصر فى الْعشْرَة الْمَشْرُوطَة للسبق فَيكون مناضلا نَفسه قَالُوا وَقد نقل الرّبيع الصُّورَتَيْنِ على الصَّوَاب وترقت رُتْبَة الرّبيع من أجل ذَلِك وَنَحْوه فى الْمَنْقُول لِأَنَّهُ يعْتَمد غَالِبا أَلْفَاظ الإِمَام الْأَعْظَم فَقل مَا تطرق إِلَيْهِ الْخَطَأ والمزنى رَحمَه الله رُبمَا أدلى بِعِلْمِهِ وجودة فطنته فَغير اللَّفْظ وَمن هُنَاكَ يُؤْتى حَتَّى انْتهى الرّبيع إِلَى أَن تترجح رواياته وَإِن كَانَ الْفِقْه وَرَاءَهَا كَمَا سيأتى إِن شَاءَ الله فى أَوَائِل تَرْجَمته وأقصى مَا فعله المساعدون للمزنى أَن تأولوا كَلَامه وَلَيْسَ فيهم من أَخذ بِظَاهِرِهِ فَإِن مناضلته لنَفسِهِ لَا تعقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 21 - بَحر بن نصر بن سَابق الخولانى أَبُو عبد الله المصرى مولى بنى سعد بن خولان مولده سنة ثَمَانِينَ أَو إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَقَالَ الطحاوى ولد بَحر بن نصر وَالربيع المرادى والمزنى ثَلَاثَتهمْ فى سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة روى عَن عبد الله بن وهب وَأَيوب بن سُوَيْد الرملى والشافعى وَبِه تفقه وضمرة بن ربيعَة وَأَشْهَب وَبشر بن بكر وَطَائِفَة روى عَنهُ ابْن جوصا وَأَبُو جَعْفَر الطحاوى وَأَبُو بكر بن زِيَاد النيسابورى وَعبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم وَأَبُو عوَانَة الإسفراينى وَأحمد بن مَسْعُود بن عَمْرو الزنبرى وَمُحَمّد بن بشر الزبيرى العكرى وَأَبُو الفوارس بن السندى وَأحمد بن عبد الله البهنسى الْعَطَّار وَأحمد بن على بن شُعَيْب المدينى وَأحمد بن على بن حسن المدائنى وَأحمد بن مُحَمَّد بن أسيد الأصبهانى وَأحمد بن مُحَمَّد بن فضَالة الحمصى الصفار وَأحمد بن مُحَمَّد بن شاهين وَأَبُو الْعَبَّاس الْأَصَم وَابْن خُزَيْمَة وَغَيرهم وروى النسائى فى حَدِيث مَالك الذى جمعه عَن زَكَرِيَّاء خياط السّنة عَن بَحر ابْن نصر هَذَا وثقة ابْن أَبى حَاتِم وَغَيره الحديث: 21 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 توفى بِمصْر فى شعْبَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عميرَة أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد بن البن أخبرنَا جدى أَبُو الْقَاسِم أخبرنَا على بن مُحَمَّد أخبرنَا مُحَمَّد بن نظيف حَدثنَا أَبُو الفوارس أَحْمد بن مُحَمَّد الصابونى حَدثنَا بَحر بن نصر حَدثنَا ابْن وهب عَن مَالك وَيُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للوزع الفويسق قَالَ بَحر بن نصر كُنَّا إِذا أردنَا أَن نبكى قُلْنَا بَعْضنَا لبَعض قومُوا بِنَا إِلَى هَذَا الْفَتى المطلبى يقْرَأ الْقُرْآن فَإِذا أتيناه استفتح الْقُرْآن حَتَّى نتساقط بَين يَدَيْهِ وَيكثر عجيجنا بالبكاء فَإِذا رأى ذَلِك أمسك عَن الْقِرَاءَة من حسن صَوته روى بِإِسْنَاد جيد فى حسن صَوت الشافعى رضى الله عَنهُ بِالْقُرْآنِ قَالَ بَحر سَأَلت الشافعى عَن قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرُّوا الطير فى مَكَانهَا فَقَالَ مَا سيأتى إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة يُونُس وَقَالَ بَحر سُئِلَ الشافعى عَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرعوا إِن شِئْتُم قَالَ هى الفرعة بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وَالْعين الْمُهْملَة كَانُوا ينحرون فى الْجَاهِلِيَّة لآلهتهم أول مَا تلده النَّاقة وَيُسمى الفرعة وَالْفرع فَأخْبر أَن لَا كَرَاهَة فِيهِ قَالَ وَقَوله الفرعة حق يعْنى لَيْسَ بباطل وَقَوله لَا فرع وَلَا عتيرة يعْنى لَيْسَ بِوَاجِب قلت وَقد أَشَارَ الرافعى آخر بَاب الضَّحَايَا إِلَى اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فى كَرَاهَة الْفَرْع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 وَالْعَتِيرَة وَأَن من نفى الْكَرَاهَة قَالَ الْمَنْع رَاجع إِلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَهُوَ الذّبْح لآلهتهم أَو أَن الْمَقْصُود نفى الْوُجُوب انْتهى وَقَوله إِن الْمَقْصُود نفى الْوُجُوب هُوَ هَذَا الذى نَقله بَحر بن نصر عَن الشافعى فى معنى الحَدِيث وَنَقله فى بعض نسخ الرافعى إِذْ الْمَقْصُود نفى الْوُجُوب وَلَيْسَ بجيد بل هما جوابان أَحدهمَا أَن الْمَنْع رَاجع إِلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَهُوَ الذّبْح لآلهتهم وَالْمَنْع حِينَئِذٍ منع تَحْرِيم والثانى أَن الْمَقْصُود نفى الْوُجُوب فالنفى لَيْسَ للنهى وَهُوَ مَنْقُول بَحر عَن الشافعى فاستفده 22 - الْحَارِث بن سُرَيج النقال بالنُّون أَبُو عَمْرو الخوارزمى ثمَّ البغدادى وَإِنَّمَا قيل لَهُ النقال لِأَنَّهُ نقل رِسَالَة الشافعى إِلَى عبد الرَّحْمَن بن مهدى وَحملهَا إِلَيْهِ روى عَن الشافعى وَحَمَّاد بن سَلمَة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَيزِيد بن زُرَيْع وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن أَبى الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيم بن هَاشم البغوى وَأحمد بن الْحسن الصوفى وَغَيرهم مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْحَارِث بن سُرَيج سَمِعت يحيى بن سعيد الْقطَّان يَقُول أَنا أَدْعُو الله للشافعى أخصه بِهِ وَكَذَلِكَ ذكر يحيى بن معِين أَنه سمع يحيى بن سعيد يَقُول أَنا أَدْعُو الله للشافعى فى صلاتى مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة قَالَ الْحَارِث لما حملت الرسَالَة إِلَى عبد الرَّحْمَن بن مهدى جعل يتعجب وَيَقُول لَو كَانَ أقل لنفهم لَو كَانَ أقل لنفهم الحديث: 22 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 قَالَ الإِمَام دَاوُد بن على الأصفهانى سَمِعت الْحَارِث النقال يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله الحجبى يَقُول للشافعى مَا رَأَيْت هاشميا يفضل أَبَا بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا على على كرم الله وَجهه غَيْرك فَقَالَ لَهُ الشافعى على ابْن عمى وَابْن خالتى وَأَنا رجل من عبد منَاف وَأَنت رجل من بنى عبد الدَّار وَلَو كَانَت هَذِه مكرمَة لَكُنْت أولى بهَا مِنْك قلت اسْتدلَّ الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن غَانِم بن أَبى زيد الأصبهانى الْمَعْرُوف بِابْن المقرى فى كِتَابه شِفَاء الصُّدُور فى مَنَاقِب الشافعى بِهَذَا الْكَلَام على أَن أم الشافعى لَيست من ولد على بن أَبى طَالب قَالَ لِأَنَّهُ رضى الله عَنهُ قَالَ فى على كرم الله وَجهه ابْن خالتى وَابْن عمى وَلم يقل جدى وَلَو كَانَ من أَوْلَاد على لقَالَ جدى لِأَن الجدودة أقوى من الخؤولة والعمومة قلت وسأتكلم على هَذَا فى تَرْجَمَة يُونُس بن عبد الْأَعْلَى 23 - الْحَارِث بن مِسْكين بن مُحَمَّد بن يُوسُف الأموى أَبُو عَمْرو المصرى فَقِيه مُحدث صَالح إِمَام أَخذ عَن الشافعى وَقَالَ راددته حَيْثُ يَقُول الْكَفَاءَة فى الدّين لَا فى النّسَب وَرَأى اللَّيْث بن سعد وَرَأى سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الله بن وهب وخلقا روى عَنهُ أَبُو دَاوُد والنسائى وَأَبُو يعلى الموصلى وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَطَوَائِف وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِيهِ قولا جميلا الحديث: 23 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 وَقَالَ ابْن معِين لَا بَأْس بِهِ ويروى أَن رجلا من المسرفين على أنفسهم مَاتَ فرئى فى الْمَنَام فَقَالَ إِن الله غفر لى بِحُضُور الْحَارِث بن مِسْكين جنازتى وَإنَّهُ استشفع فى فشفع وَقد قَالَ غير وَاحِد إِن الْحَارِث كَانَ فَقِيها على مَذْهَب مَالك وَلَعَلَّه الْأَشْبَه وَلَكنَّا ذَكرْنَاهُ تبعا للعبادى وَغَيره مِمَّن ذكره وَلم نطل فى تَرْجَمته لذَلِك وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِى رَوَاهَا خَارِجَة عَن جادة الْمَذْهَب توفى لثلاث بَقينَ من شهر ربيع الأول سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ مولده سنة أَربع وَخمسين وَمِائَة 24 - الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح البغدادى الإِمَام أَبُو على الزعفرانى أحد رُوَاة الْقَدِيم كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا فَقِيها مُحدثا فصيحا بليغا ثِقَة ثبتا قَالَ الماوردى هُوَ أثبت رُوَاة الْقَدِيم وَقَالَ أَبُو عَاصِم الْكتاب العراقى مَنْسُوب إِلَيْهِ وَقد سمع بقرَاءَته الْكتب على الشافعى أَحْمد وَأَبُو ثَوْر والكرابيسى قلت والزعفرانى مَنْسُوب إِلَى قَرْيَة بِالسَّوَادِ يُقَال لَهَا الزعفرانية كَذَا ذكر ابْن حبَان قلت ثمَّ سكن الْمشَار إِلَيْهِ بَغْدَاد فى بعض دروبها فنسب الدَّرْب إِلَيْهِ وَصَارَ يُقَال لَهُ درب الزعفرانى بِبَغْدَاد وفى الدَّرْب الْمَذْكُور مَسْجِد الشافعى رضى الله عَنهُ وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى يدرس فِيهِ الحديث: 24 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وَقد عكس شَيخنَا الذهبى فَذكر أَن الزعفرانى مَنْسُوب إِلَى درب الزَّعْفَرَان وَالصَّوَاب عَكسه وَهُوَ أَن درب الزَّعْفَرَان مَنْسُوب إِلَى الزَّعْفَرَانِي وَأَن الزَّعْفَرَانِي مَنْسُوب إِلَى قَرْيَة كَمَا قدمْنَاهُ عَن ابْن حبَان وسيأتى فى كَلَام أَبى على نَفسه مَا يدل عَلَيْهِ سمع الزعفرانى من سُفْيَان بن عُيَيْنَة والشافعى وَعبيدَة بن حميد وَعبد الْوَهَّاب الثقفى وَيزِيد بن هَارُون وَخلق روى عَنهُ البخارى وَأَبُو دَاوُد والترمذى والنسائى وَابْن ماجة فَلَيْسَ فى السِّتَّة من لم يرو لَهُ إِلَّا مُسلم وروى عَنهُ أَيْضا أَبُو الْقَاسِم البغوى وَابْن صاعد وزَكَرِيا الساجى وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو عوَانَة وَمُحَمّد بن مخلد وَأَبُو سعيد بن الأعرابى وَطَائِفَة قَالَ النسائى ثِقَة وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل وَأَبُو ثَوْر يحْضرَانِ عِنْد الشافعى وَكَانَ الْحسن الزعفرانى هُوَ الذى يتَوَلَّى الْقِرَاءَة وَقَالَ زَكَرِيَّا الساجى سَمِعت الزعفرانى يَقُول قدم علينا الشافعى فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ التمسوا من يقْرَأ لكم فَلم يجترئ أحد أَن يقْرَأ عَلَيْهِ غيرى وَكنت أحدث الْقَوْم سنا مَا كَانَ فى وجهى شَعْرَة وإنى لأتعجب الْيَوْم من انطلاق لسانى بَين يدى الشافعى وأتعجب من جسارتى يَوْمئِذٍ فَقَرَأت عَلَيْهِ الْكتب كلهَا إِلَّا كتابين فَإِنَّهُ قرأهما علينا كتاب الْمَنَاسِك وَكتاب الصَّلَاة وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْجراح سَمِعت الْحسن الزعفرانى يَقُول لما قَرَأت كتاب الرسَالَة على الشافعى قَالَ لى من أَي الْعَرَب أَنْت قلت مَا أَنا بعربى وَمَا أَنا إِلَّا من قَرْيَة يُقَال لَهَا الزعفرانية قَالَ فَأَنت سيد هَذِه الْقرْيَة قلت فى هَذِه الْحِكَايَة دلَالَة على مَا قدمْنَاهُ من الصَّوَاب عندنَا فى نسبته وَمِمَّا يحْكى من فصاحة الزعفرانى أَن الأنماطى قَالَ سَمِعت المزنى يَقُول سَمِعت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 الشافعى يَقُول رَأَيْت فى بَغْدَاد نبطيا يتَنَحَّى على حَتَّى كَأَنَّهُ عربى وَأَنا نبطى فَقيل لَهُ من هُوَ فَقَالَ الزعفرانى وَذكر بعض المؤرخين أَنه لم يكن فى عصر الزعفرانى أحسن صُورَة مِنْهُ وَلَا أفْصح لِسَانا وَأَنه لم يتَكَلَّم فِيهِ أحد بِسوء وَقَالَ القاضى أَبُو حَامِد المروروذى كَانَ الزعفرانى من أهل اللُّغَة توفى فى شهر رَمَضَان سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَمن الرِّوَايَة والفوائد والمسائل عَن الزعفرانى قَالَ الزعفرانى سَمِعت مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى يَقُول كنت عِنْد ابْن عُيَيْنَة وَعِنْده ابْن الْمُبَارك فَذكرُوا الْبُخْل فَقَالَ ابْن الْمُبَارك حَدثنَا سُلَيْمَان التيمى عَن أنس أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَعَوَّذ من الْبُخْل قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله غير مستبدع سَماع الشافعى من ابْن الْمُبَارك توفى ابْن الْمُبَارك سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَولد الشافعى سنة خمسين وَمِائَة وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يحجّ كل سنتَيْن قَالَ الزعفرانى عَن الشافعى رضى الله عَنهُ فى قَوْله تَعَالَى {مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه} أى من أبوين فى الْإِسْلَام قلت وَهَذَا هُوَ الذى كنت أسمعهُ من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله فى تَفْسِير الْآيَة وَمن يَقُول بِهِ لَا يرضى بقول من قَالَ فى تَفْسِيرهَا إِن الْمُنَافِقين كَانُوا يَقُولُونَ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلبان قلب مَعنا وقلب مَعَ أَصْحَابه فأكذبهم الله وَهُوَ أَيْضا مَنْقُول عَن بعض السّلف وَرُبمَا عزى إِلَى ابْن عَبَّاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 قَالَ الزعفرانى سَأَلت يحيى بن معِين عَن الشافعى فَقَالَ لَو كَانَ الْكَذِب لَهُ مُنْطَلقًا لمنعته مِنْهُ مروءته وروى الْحَافِظ أَبُو الْحسن بن حمكان أَن الزعفرانى قَالَ قَالَ الشافعى فى الرافضى يحضر الْوَقْعَة لَا يعْطى من الفىء شَيْئا لِأَن الله تَعَالَى ذكر آيَة الفىء ثمَّ قَالَ {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ} الْآيَة فَمن لم يقل بهَا لم يسْتَحق 25 - الْحُسَيْن بن على بن يزِيد أَبُو على الكرابيسى كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا جَامعا بَين الْفِقْه والْحَدِيث تفقه أَولا على مَذْهَب أهل الرأى ثمَّ تفقه للشافعى وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن يزِيد بن هَارُون وَإِسْحَاق الْأَزْرَق وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَغَيرهم روى عَنهُ عبيد بن مُحَمَّد بن خلف الْبَزَّار وَمُحَمّد بن على فستقة وَله مصنفات كَثِيرَة وَقد أجَازه الشافعى كتب الزعفرانى الحديث: 25 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 وَذَلِكَ فِيمَا أخبرنَا بِهِ يحيى بن يُوسُف بن المصرى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة عَن عبد الْوَهَّاب بن رواج أَن الْحَافِظ أَبَا طَاهِر السلفى أخبرهُ سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار أخبرنَا على بن أَحْمد القالى أخبرنَا أَبُو عبد الله أَحْمد بن إِسْحَاق بن خربَان النهاوندى القاضى أخبرنَا الْحسن بن عبد الرَّحْمَن الرامهرمزى حَدثنَا الساجى حَدثنَا دَاوُد الأصبهانى قَالَ قَالَ لى حُسَيْن الكرابيسى لما قدم الشافعى يعْنى إِلَى بَغْدَاد قَدمته فَقلت لَهُ أتأذن لى أَن أَقرَأ عَلَيْك الْكتب فَأبى وَقَالَ خُذ كتب الزعفرانى فقد أجزتها لَك فأخذتها إجَازَة قَالَ الْخَطِيب حَدِيث الكرابيسى يعز جدا وَذَلِكَ أَن أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ يتَكَلَّم فِيهِ بِسَبَب مَسْأَلَة اللَّفْظ وَهُوَ أَيْضا كَانَ يتَكَلَّم فى أَحْمد فتجنب النَّاس الْأَخْذ عَنهُ لهَذَا السَّبَب قلت كَانَ أَبُو على الكرابيسى من متكلمى أهل السّنة أستاذا فى علم الْكَلَام كَمَا هُوَ أستاذ فى الحَدِيث وَالْفِقْه وَله كتاب فى المقالات قَالَ أَيْضا الْخَطِيب وَالِد الإِمَام فَخر الدّين فى كتاب غَايَة المرام على كِتَابه فى المقالات معول الْمُتَكَلِّمين فى معرفَة مَذَاهِب الْخَوَارِج وَسَائِر أهل الْأَهْوَاء قلت والمروى أَنه قيل للكرابيسى مَا تَقول فى الْقُرْآن قَالَ كَلَام الله غير مَخْلُوق فَقَالَ لَهُ السَّائِل فَمَا تَقول فى لفظى بِالْقُرْآنِ فَقَالَ لفظك بِهِ مَخْلُوق فَمضى السَّائِل إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل فشرح لَهُ مَا جرى فَقَالَ هَذِه بِدعَة والذى عندنَا أَن أَحْمد رضى الله عَنهُ أَشَارَ بقوله هَذِه بِدعَة إِلَى الْجَواب عَن مَسْأَلَة اللَّفْظ إِذْ لَيست مِمَّا يعْنى الْمَرْء وخوض الْمَرْء فِيمَا لَا يعنيه من علم الْكَلَام بِدعَة فَكَانَ السُّكُوت عَن الْكَلَام فِيهِ أجمل وَأولى وَلَا يظنّ بِأَحْمَد رضى الله عَنهُ أَنه يدعى أَن اللَّفْظ الْخَارِج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 من بَين الشفتين قديم ومقالة الْحُسَيْن هَذِه قد نقل مثلهَا عَن البخارى والْحَارث بن أَسد المحاسبى وَمُحَمّد بن نصر المروزى وَغَيرهم وستكون لنا عودة فى تَرْجَمَة البخارى إِلَى الْكَلَام فى ذَلِك وَنقل أَن أَحْمد لما قَالَ هَذِه بِدعَة رَجَعَ السَّائِل إِلَى الْحُسَيْن فَقَالَ لَهُ تلفظك بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق فَعَاد إِلَى أَحْمد فَعرفهُ مقَالَة الْحُسَيْن ثَانِيًا فَأنْكر أَحْمد أَيْضا ذَلِك وَقَالَ هَذِه أَيْضا بِدعَة وَهَذَا يدلك على مَا نقُوله من أَن أَحْمد إِنَّمَا أَشَارَ بقوله هَذِه بِدعَة إِلَى الْكَلَام فى أصل الْمَسْأَلَة وَإِلَّا فَكيف يُنكر إِثْبَات الشئ ونفيه فَافْهَم مَا قُلْنَاهُ فَهُوَ الْحق إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَبِمَا قَالَ أَحْمد نقُول فَنَقُول الصَّوَاب عدم الْكَلَام فى الْمَسْأَلَة رَأْسا مَا لم تدع إِلَى الْكَلَام حَاجَة ماسة وَمِمَّا يدلك أَيْضا على مَا نقُوله وَأَن السّلف لَا يُنكرُونَ أَن لفظنا حَادث وَأَن سكوتهم إِنَّمَا هُوَ عَن الْكَلَام فى ذَلِك لَا عَن اعْتِقَاده أَن الروَاة رووا أَن الْحُسَيْن بلغه كَلَام أَحْمد فِيهِ فَقَالَ لأقولن مقَالَة حَتَّى يَقُول أَحْمد بِخِلَافِهَا فيكفر فَقَالَ لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق وَهَذِه الْحِكَايَة قد ذكرهَا كثير من الْحَنَابِلَة وَذكرهَا شَيخنَا الذهبى فى تَرْجَمَة الإِمَام أَحْمد وفى تَرْجَمَة الكرابيسى فَانْظُر إِلَى قَول الكرابيسى فِيهَا إِن مخالفها يكفر وَالْإِمَام أَحْمد فِيمَا نعتقده لم يُخَالِفهَا وَإِنَّمَا أنكر أَن يتَكَلَّم فى ذَلِك فَإِذا تَأَمَّلت مَا سطرناه وَنظرت قَول شَيخنَا فى غير مَوضِع من تَارِيخه إِن مَسْأَلَة اللَّفْظ مِمَّا يرجع إِلَى قَول جهم عرفت أَن الرجل لَا يدرى فى هَذِه المضايق مَا يَقُول وَقد أَكثر هُوَ وَأَصْحَابه من ذكر جهم بن صَفْوَان وَلَيْسَ قصدهم إِلَّا جعل الأشاعرة الَّذين قدر الله لقدرهم أَن يكون مَرْفُوعا وللزومهم للسّنة أَن يكون مَجْزُومًا بِهِ ومقطوعا فرقة جهمية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وَاعْلَم أَن جهما شَرّ من الْمُعْتَزلَة كَمَا يدريه من ينظر الْملَل والنحل وَيعرف عقائد الْفرق والقائلون بِخلق الْقُرْآن هم الْمُعْتَزلَة جَمِيعًا وجهم لَا خُصُوص لَهُ بِمَسْأَلَة خلق الْقُرْآن بل هُوَ شَرّ من الْقَائِلين بهَا لمشاركته إيَّاهُم فِيمَا قَالُوهُ وزيادته عَلَيْهِم بطامات فَمَا كفى الذهبى أَن يُشِير إِلَى اعْتِقَاد مَا يتبرأ الْعُقَلَاء عَن قَوْله من قدم الْأَلْفَاظ الْجَارِيَة على لِسَانه حَتَّى ينْسب هَذِه العقيدة إِلَى مثل الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره من السادات ويدعى أَن الْمُخَالف فِيهَا يرجع إِلَى قَول جهم فليته درى مَا يَقُول وَالله يغْفر لنا وَله ويتجاوز عَمَّن كَانَ السَّبَب فى خوض مثل الذهبى فى مسَائِل الْكَلَام وَإنَّهُ ليعز الْكَلَام على فى ذَلِك وَلَكِن كَيفَ يسعنا السُّكُوت وَقد مَلأ شَيخنَا تَارِيخه بِهَذِهِ العظائم الَّتِى لَو وقف عَلَيْهَا العامى لأضلته ضلالا مُبينًا وَلَقَد يعلم الله منى كَرَاهِيَة الإزراء بشيخنا فَإِنَّهُ مفيدنا ومعلمنا وَهَذَا النزر الْيَسِير الحديثى الذى عَرفْنَاهُ مِنْهُ استفدناه وَلَكِن أرى أَن التَّنْبِيه على ذَلِك حتم لَازم فى الدّين قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدى سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الله الصيرفى الشافعى يَقُول لَهُم يعْنى لتلامذته اعتبروا بِهَذَيْنِ حُسَيْن الكرابيسى وأبى ثَوْر فالحسين فى علمه وَحفظه وَأَبُو ثَوْر لَا يعشره فى علمه فَتكلم فِيهِ أَحْمد فى بَاب اللَّفْظ فَسقط وَأثْنى على أَبى ثَوْر فارتفع قلت هَذَا الْكَلَام من الصيرفى مَعَ علو قدره يدل على علو قدر الْحُسَيْن وَنَظِيره قَول أَبى عَاصِم العبادى لم يتَخَرَّج على يَد الشافعى بالعراق مثل الْحُسَيْن مَاتَ الكرابيسى سنة خمس وَأَرْبَعين وَقيل ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ كتبت إِلَى زَيْنَب بنت الْكَمَال عَن الْحَافِظ أَبى الْحجَّاج يُوسُف بن خَلِيل أخبرنَا أَبُو المكارم أَحْمد بن مُحَمَّد اللبان أخبرنَا أَبُو على الْحسن بن أَحْمد الْحداد أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله الأصبهانى حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا عبد الرَّحْمَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 ابْن دَاوُد بن مَنْصُور حَدثنَا عبيد بن خلف الْبَزَّار أَبُو مُحَمَّد حَدَّثَنى إِسْحَاق بن عبد الرَّحْمَن قَالَ سَمِعت الْحُسَيْن الكرابيسى قلت كَذَا فى السَّنَد عبيد عَن إِسْحَاق وَعبيد صَاحب الكرابيسى وَلَا يمْتَنع أَن يسمع عَنهُ كَمَا سمع مِنْهُ رَجَعَ الحَدِيث إِلَى الكرابيسى سَمِعت الشافعى يَقُول كنت أَقرَأ كتب الشّعْر فآتى البوادى فَأَسْمع مِنْهُم قَالَ فَقدمت مَكَّة مِنْهَا فَخرجت وَأَنا أتمثل بِشعر للبيد وأضرب وحشى قدمى بِالسَّوْطِ فضربنى رجل من ورائى من الحجبة فَقَالَ رجل من قُرَيْش ثمَّ ابْن الْمطلب رضى من دينه ودنياه أَن يكون معلما مَا الشّعْر هَل الشّعْر إِذا استحكمت فِيهِ إِلَّا قعدت معلما تفقه يعلك الله قَالَ فنفعنى الله بِكَلَام ذَلِك الحجبى فَرَجَعت إِلَى مَكَّة فَكتبت عَن ابْن عُيَيْنَة مَا شَاءَ الله أَن أكتب ثمَّ كنت أجالس مُسلم بن خَالِد الزنجى ثمَّ قدمت على مَالك ابْن أنس فَكتبت موطأه فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله أَقرَأ عَلَيْك قَالَ يَا ابْن أخى تأتى بِرَجُل يقرأه على فَتسمع فَقلت أَقرَأ عَلَيْك فَتسمع إِلَى كلامى فَقَالَ لى أقرأه فَلَمَّا سمع كلامى لقِرَاءَة كتبه أذن لى فَقَرَأت عَلَيْهِ حَتَّى بلغت كتاب السّير فَقَالَ لى اطوه يَا ابْن أخى تفقه تعل فَجئْت إِلَى مُصعب بن عبد الله فكلمته أَن يكلم بعض أهلنا فيعطينى شَيْئا من الدُّنْيَا فَإِنَّهُ كَانَ لى من الْفقر والفاقة مَا الله بِهِ عليم فَقَالَ لى مُصعب أتيت فلَانا فكلمته فَقَالَ لى أتكلمنى فى رجل كَانَ منا فخالفنا فأعطانى مائَة دِينَار وَقَالَ لى مُصعب إِن هَارُون الرشيد قد كتب إِلَى أَن أصير إِلَى الْيمن قَاضِيا فَتخرج مَعنا لَعَلَّ الله أَن يعوضك مَا كَانَ هَذَا الرجل يعوضك قَالَ فَخرج قَاضِيا على الْيمن فَخرجت مَعَه فَلَمَّا صرنا بِالْيمن وجالسنا النَّاس كتب مطرف بن مَازِن إِلَى هَارُون الرشيد إِن أردْت الْيمن لَا يفْسد عَلَيْك وَلَا يخرج من يَديك فَأخْرج عَنهُ مُحَمَّد بن إِدْرِيس وَذكر أَقْوَامًا من الطالبيين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 قَالَ فَبعث إِلَى حَمَّاد البربرى فأوثقت بالحديد حَتَّى قدمنَا على هَارُون بالرقة قَالَ فأدخلت على هَارُون قَالَ فأخرجت من عِنْده قَالَ وقدمت ومعى خَمْسُونَ دِينَارا قَالَ وَمُحَمّد بن الْحسن يَوْمئِذٍ بالرقة فأنفقت تِلْكَ الْخمسين دِينَارا على كتبهمْ قَالَ فَوجدت مثلهم وَمثل كتبهمْ مثل رجل كَانَ عندنَا يُقَال لَهُ فروخ وَكَانَ يحمل الدّهن فى زق لَهُ فَكَانَ إِذا قيل لَهُ عنْدك فرشنان قَالَ نعم فَإِن قيل عنْدك زئبق قَالَ نعم فَإِن قيل عنْدك خيرى قَالَ نعم فَإِذا قيل لَهُ أرنى وللزق رُءُوس كَثِيرَة فَيخرج لَهُ من تِلْكَ الرُّءُوس وَإِنَّمَا هى دهن وَاحِد وَكَذَلِكَ وجدت كتاب أَبى حنيفَة إِنَّمَا يَقُولُونَ كتاب الله وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هم مخالفون لَهُ قَالَ فَسمِعت مَا لَا أحصيه مُحَمَّد بن الْحسن يَقُول إِن تابعكم الشافعى فَمَا عَلَيْكُم من حجازى كلفة بعده فَجئْت يَوْمًا فَجَلَست إِلَيْهِ وَأَنا من أَشد النَّاس هما وغما من سخط أَمِير الْمُؤمنِينَ وزادى قد نفد قَالَ فَلَمَّا أَن جَلَست إِلَيْهِ أقبل مُحَمَّد بن الْحسن يطعن على أهل دَار الْهِجْرَة فَقلت على من تطعن على الْبَلَد أم على أَهله وَالله لَئِن طعنت على أَهله إِنَّمَا تطعن على أَبى بكر وَعمر والمهاجرين وَالْأَنْصَار وَإِن طعنت على الْبَلدة فَإِنَّهَا بلدتهم الَّتِى دَعَا لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُبَارك لَهُم فى صاعهم ومدهم وَحرمه كَمَا حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة لَا يقتل صيدها فعلى أَيهمْ تطعن فَقَالَ معَاذ الله أَن أطعن على أحد مِنْهُم أَو على بلدته وَإِنَّمَا أطعن على حكم من أَحْكَامه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 فَقلت لَهُ وَمَا هُوَ قَالَ الْيَمين مَعَ الشَّاهِد قلت لَهُ وَلم طعنت قَالَ فَإِنَّهُ مُخَالف لكتاب الله فَقلت لَهُ فَكل خبر يَأْتِيك مُخَالفا لكتاب الله أيسقط قَالَ فَقَالَ لى كَذَا يجب فَقلت لَهُ مَا تَقول فى الْوَصِيَّة للْوَالِدين فتفكر سَاعَة فَقلت لَهُ أجب فَقَالَ لَا تجب قَالَ فَقلت لَهُ فَهَذَا مُخَالف لكتاب الله لم قلت إِنَّه لَا يجوز فَقَالَ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا وَصِيَّة للْوَالِدين قَالَ فَقلت لَهُ أخبرنى عَن شَاهِدين حتم من الله قَالَ فَمَا تُرِيدُ من ذَا قَالَ فَقلت لَهُ لَئِن زعمت أَن الشَّاهِدين حتم من الله لَا غَيره كَانَ ينبغى لَك أَن تَقول إِذا زنى زَان فَشهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ إِن كَانَ مُحصنا رَجَمْته وَإِن كَانَ غير مُحصن جلدته قَالَ فَإِن قلت لَك لَيْسَ هُوَ حتما من الله قَالَ قلت لَهُ إِذا لم يكن حتما من الله فَنَنْزِل كل الْأَحْكَام مَنَازِله فى الزِّنَا أَرْبعا وفى غَيره شَاهِدين وفى غَيره رجلا وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنَّمَا أعنى فى الْقَتْل لَا يجوز إِلَّا شَاهِدَانِ فَلَمَّا رَأَيْت قتلا وقتلا أعنى بِشَهَادَة الزِّنَا وأعنى بِشَهَادَة الْقَتْل فَكَانَ هَذَا قتلا وَهَذَا قتلا غير أَن أحكامهما مُخْتَلفَة فَكَذَلِك كل حكم ننزله حَيْثُ أنزلهُ الله مِنْهَا بِأَرْبَع وَمِنْهَا بِشَاهِدين وَمِنْهَا بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وَمِنْهَا شَاهد وَالْيَمِين فرأيتك تحكم بِدُونِ هَذَا قَالَ وَمَا أحكم بِدُونِ هَذَا قَالَ فَقلت لَهُ مَا تَقول فى الرجل وَالْمَرْأَة إِذا اخْتلفَا فى مَتَاع الْبَيْت فَقَالَ أصحابى يَقُولُونَ فِيهِ مَا كَانَ للرِّجَال فَهُوَ للرِّجَال وَمَا كَانَ للنِّسَاء فَهُوَ للنِّسَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 قَالَ فَقلت أبكتاب الله هَذَا أم بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقلت لَهُ فَمَا تَقول فى الرجلَيْن إِذا اخْتلفَا فى الْحَائِط فَقَالَ فى قَول أَصْحَابنَا إِذا لم يكن لَهُم بَيِّنَة ينظر إِلَى العقد من أَيْن هُوَ الْبناء فأحكم لصَاحبه قَالَ فَقلت لَهُ أبكتاب الله قلت هَذَا أم بِسنة رَسُول الله قلت هَذَا وَقلت لَهُ مَا تَقول فى رجلَيْنِ بَينهمَا خص فيختلفان لمن يحكم إِذا لم يكن لَهما بَيِّنَة قَالَ أنظر إِلَى معاقده من أى وَجه هُوَ فأحكم لَهُ قلت لَهُ بِكِتَاب الله قلت هَذَا أم بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقلت لَهُ فَمَا تَقول فى ولادَة الْمَرْأَة إِذا لم يكن يحضرها إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة وهى الْقَابِلَة وَحدهَا وَلم يكن غَيرهَا قَالَ فَقَالَ الشَّهَادَة جَائِزَة بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا نقبلها قَالَ فَقلت لَهُ قلت هَذَا بِكِتَاب الله أم بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثمَّ قلت لَهُ من كَانَت هَذِه أَحْكَامه فَلَا يطعن على غَيره قَالَ ثمَّ قلت لَهُ أتعجب من حكم حكم بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحكم بِهِ أَبُو بكر وَعمر وَحكم بِهِ على بن أَبى طَالب بالعراق وَقضى بِهِ شُرَيْح قَالَ وَرجل من ورائى يكْتب ألفاظى وَأَنا لَا أعلم قَالَ فَأدْخل على هَارُون وقرأه عَلَيْهِ قَالَ فَقَالَ لى هرثمة بن أعين كَانَ مُتكئا فَاسْتَوَى جَالِسا قَالَ اقرأه على ثَانِيًا قَالَ فَأَنْشَأَ هَارُون يَقُول صدق الله وَرَسُوله صدق الله وَرَسُوله صدق الله وَرَسُوله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تعلمُوا من قُرَيْش وَلَا تعلموها قدمُوا قُريْشًا وَلَا تؤخروها) مَا أنكر أَن يكون مُحَمَّد بن إِدْرِيس أعلم من مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ فرضى عَنى وَأمر لى بِخَمْسِمِائَة دِينَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 قَالَ فَخرج بِهِ هرثمة وَقَالَ لى بِالسَّوْطِ هَكَذَا فاتبعته فحدثنى بالقصة وَقَالَ لى قد أَمر لَك بِخَمْسِمِائَة دِينَار وَقد أضفنا إِلَيْهِ مثله قَالَ فوَاللَّه مَا ملكت قبلهَا ألف دِينَار إِلَّا فى ذَلِك الْوَقْت قَالَ وَكنت رجلا أتشبع فكفانى الله على يدى مُصعب وَمن الْمسَائِل عَن الْحُسَيْن وقف الْوَالِد رَحمَه الله على تصنيف الْحُسَيْن فى الشَّهَادَات أَظن أَنى أَنا الذى أحضرته إِلَيْهِ فَكتب مِنْهُ فَوَائده هَا أَنا أحلهَا وَمن خطّ الشَّيْخ الإِمَام أنقلها مِنْهَا حكى الكرابيسى عَن مُعَاوِيَة أَنه قبل شَهَادَة أم سَلمَة لِابْنِ أَخِيهَا وَأَجَازَ زُرَارَة شَهَادَة أَبى مجلز وَحده وَأَجَازَ شُرَيْح شَهَادَة أَبى إِسْحَاق وَحده وَأَجَازَ شُرَيْح أَيْضا شَهَادَة أَبى قيس على مصحف وَحده قَالَ الكرابيسى إِن قَالَ قَائِل أُجِيز شَهَادَة وَاحِد وَجَبت استتابته فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل قَالَ فَإِن قَالَ قَائِل هَؤُلَاءِ من أهل الْعلم قيل لَهُ إِنَّمَا يهدم الْإِسْلَام زلَّة عَالم وَلَا يهدمه زلَّة ألف جَاهِل قد حكم بعض أهل الْعلم بِمَا لَا يحل لَهُ وَلَا يجوز فى الْإِسْلَام فقد قضى شُرَيْح بقضايا لَيْسَ عَلَيْهَا أحد من الْمُسلمين وَلَا لَهُ حجَّة من كتاب وَلَا سنة وَلَا أثر وَلَا يثبت بِجِهَة من الْجِهَات وَمِنْهَا إِذا باعت الصَدَاق وَطَلقهَا قبل الدُّخُول قَالَ مَالك لَهَا نصف مَا اشترت مَا لم تستهلك مِنْهُ شَيْئا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجب على من ولى من الْحُكَّام إبِْطَال هَذَا الحكم ورد عَلَيْهِمَا الكرابيسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وَقَالَ أَبُو يُوسُف فى الحكم بِبيع أم الْوَلَد إِنَّه ينْقض ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا ينْقض للِاخْتِلَاف فِيهِ نقل أَبُو عَاصِم أَن الْحُسَيْن قَالَ الْخَبَر إِذا رَوَاهُ عَالم من الْمُحدثين أوجب الْعلم الظَّاهِر وَالْبَاطِن كالتواتر قَالَ الْحُسَيْن سَمِعت الشافعى يَقُول يكره للرجل أَن يَقُول قَالَ الرَّسُول وَلَكِن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَكُون مُعظما رَوَاهُ البيهقى وَغَيره وَهُوَ فى كتاب أَبى عَاصِم وروى عَن الشافعى أَيْضا أَنه قَالَ اضْطر النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَجدوا تَحت أَدِيم السَّمَاء خيرا من أَبى بكر فَلذَلِك استعملوه على رِقَاب النَّاس قَالَ أَبُو عَاصِم العبادى وَهَذَا قَول مِنْهُ بِأَن إِمَامَة الْمَفْضُول لَا تجوز نقل العبادى أَن الكرابيسى قَالَ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق مثل ألف طلقت ثَلَاثَة لِأَنَّهُ شبه بِعَدَد فَصَارَ كَقَوْلِه مثل عدد نُجُوم السَّمَاء أما إِذا قَالَ مثل الْألف أى بالتعريف فَتطلق وَاحِدَة إِذا لم ينْو شَيْئا لِأَنَّهُ تَشْبِيه بعظيم فَأشبه مَا لَو قَالَ مثل الْجَبَل وفى الرافعى عَن المتولى ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 26 - الْحُسَيْن القلاس بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد اللَّام وفى آخرهَا السِّين الْمُهْملَة الْفَقِيه البغدادى وَيُقَال اسْمه الْحسن قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ من علية أَصْحَاب الحَدِيث وحفاظ مَذْهَب الشافعى هَكَذَا حَكَاهُ دَاوُد فى كتاب فَضَائِل الشافعى عَن أَبى ثَوْر وأبى على الزعفرانى انْتهى 27 - حَرْمَلَة بن يحيى بن عبد الله بن حَرْمَلَة بن عمرَان بن قراد التجيبى نِسْبَة إِلَى تجيب بِضَم التَّاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من فَوْقهَا وَكسر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وفى آخرهَا بَاء مُوَحدَة وتجيب قَبيلَة كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا رفيع الشَّأْن ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وروى عَن الشافعى وَعبد الله بن وهب وَأَيوب بن سُوَيْد الرملى وَبشر بن بكر التنيسى وَسَعِيد بن أَبى مَرْيَم وَغَيرهم روى عَنهُ مُسلم وَابْن ماجة وَغَيرهمَا وَكَانَ من أَكثر النَّاس رِوَايَة عَن ابْن وهب الحديث: 26 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 قَالَ أَبُو عمر الكندى لم يكن بِمصْر أحد أكتب مِنْهُ عَن ابْن وهب وَذَلِكَ لِأَن ابْن وهب أَقَامَ فى منزلهم سنة وَسِتَّة أشهر مستخفيا من عباد لما طلبه يوليه قَضَاء مصر وَعَن حَرْمَلَة عادنى ابْن وهب من رمد أصابنى وَقَالَ لى يَا أَبَا حَفْص إِنَّه لَا يُعَاد من الرمد وَلَكِنَّك من أهلى وَعَن أَحْمد بن صَالح المصرى صنف ابْن وهب مائَة ألف وَعشْرين ألف حَدِيث عِنْد بعض النَّاس مِنْهَا النّصْف يعْنى نَفسه وَعند بعض النَّاس الْكل يعْنى حَرْمَلَة وَقَالَ مُحَمَّد بن مُوسَى الحضرمى حَدِيث ابْن وهب كُله عِنْد حَرْمَلَة إِلَّا حديثين وَقَالَ هَارُون بن سعيد سَمِعت أَشهب وَنظر إِلَى حَرْمَلَة فَقَالَ هَذَا خير أهل الْمَسْجِد قلت تكلم بَعضهم فى حَرْمَلَة فَعَن أَبى حَاتِم لَا يحْتَج بِهِ وأنصف ابْن عدى فَقَالَ قد تبحرت حَدِيث حَرْمَلَة وفتشته الْكثير فَلم أجد فى حَدِيثه مَا يجب أَن يضعف من أَجله وَرجل توارى ابْن وهب عِنْدهم وَيكون حَدِيثه كُله عِنْده فَلَيْسَ بِبَعِيد أَن يغرب على غَيره قلت هَذَا هُوَ الْحق وحرملة ثِقَة ثَبت إِن شَاءَ الله صنف الْمَبْسُوط والمختصر وَمَات سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَمن الرِّوَايَة عَن حَرْمَلَة قَالَ حَرْمَلَة حَدثنَا الشافعى أخبرنَا مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحمى من فيح جَهَنَّم فأطفئوها بِالْمَاءِ) قَالَ الْحَاكِم هَذَا الحَدِيث لَيْسَ هُوَ فى الْمُوَطَّأ قَالَ وَكَذَلِكَ روى عَن الشافعى عَن مَالك عَن أَبى الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (العجماء جرحها جَبَّار والبئر جَبَّار والمعدن جَبَّار) وَلَيْسَ فى الْمُوَطَّأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وَمن الْفَوَائِد عَن حَرْمَلَة قَالَ حَرْمَلَة سَمِعت الشافعى يَقُول مَا حَلَفت بِاللَّه صَادِقا وَلَا كَاذِبًا قطّ قَالَ حَرْمَلَة سَمِعت الشافعى يَقُول أَئِمَّة الْعدْل أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وعَلى وَعمر بن عبد الْعَزِيز رضى الله عَنْهُم وَكَذَا رَوَاهُ عَن الشافعى الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ حَرْمَلَة وَسمعت الشافعى يَقُول إِذا رَأَيْت كوسجا فاحذره وَمَا رَأَيْت من أَزْرَق خيرا قَالَ وسمعته يَقُول مَا تقرب إِلَى الله عز وَجل بعد أَدَاء الْفَرَائِض بِأَفْضَل من طلب الْعلم قَالَ وسمعته يَقُول فى حَدِيث اشترطى لَهُم الْوَلَاء مَعْنَاهُ عَلَيْهِم قَالَ الله تَعَالَى {أُولَئِكَ لَهُم اللَّعْنَة} يعْنى عَلَيْهِم قلت وَقد روى عَن الشافعى تَضْعِيف هَذَا التَّأْوِيل وَقيل إِنَّمَا تَأَوَّلَه هَكَذَا المزنى وَقد عزاهُ حَرْمَلَة إِلَى الشافعى نَفسه فهى فَائِدَة وَقَالَ حَرْمَلَة عَن الشافعى فى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بيد أَنهم أى من أجل أَنهم قَالَ وَقَالَ الشافعى لَا يقل أحد مَا شَاءَ الله وشئت إِذْ قد جعل فاعلين بل مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت قَالَ حَرْمَلَة كَانَ الشافعى رضى الله عَنهُ وَهُوَ حدث ينظر فى النُّجُوم وَكَانَ لَهُ صديق وَعِنْده جَارِيَة قد حبلت فَقَالَ إِنَّهَا تَلد إِلَى سَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا بِولد وَيكون فى فَخذه الْأَيْسَر خَال أسود ويعيش أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ يَمُوت فجَاء الْأَمر كَمَا وصف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 فَحرق تِلْكَ الْكتب وَمَا عَاد إِلَى النّظر فى شئ مِنْهَا قَالَ حَرْمَلَة كَانَ الشافعى يخرج لِسَانه فَيبلغ أَنفه قَالَ حَرْمَلَة سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول فى تَفْسِير حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ) قَالَ يسْتَغْنى بِهِ وَقَالَ الشافعى لَيْسَ هُوَ هَكَذَا لَو كَانَ هَكَذَا لقَالَ يتغانا إِنَّمَا هُوَ يتحزن ويترنم بِهِ ويقرأه حذرا وتحزينا وَمن الْمسَائِل عَن حَرْمَلَة قَالَ الرافعى عَن نَص الشافعى فى حَرْمَلَة إِنَّه إِذا أهْدى مُشْرك إِلَى الإِمَام أَو الْأَمِير هَدِيَّة وَالْحَرب قَائِمَة فهى غنيمَة بِخِلَاف مَا إِذا أهْدى قبل أَن يرتحلوا عَن دَار الْإِسْلَام وَعَن أَبى حنيفَة أَنَّهَا للمهدى إِلَيْهِ بِكُل حَال انْتهى وَذكر النووى فى الرَّوْضَة هَذَا الْفَرْع وَقَالَ فِيهِ بِخِلَاف مَا إِذا أهْدى قبل أَن يرتحلوا عَن دَار الْإِسْلَام فَإِنَّهُ للمهدى إِلَيْهِ وَالْحكم بِكَوْنِهِ للمهدى إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ مَنْقُول الرافعى عَن أَبى حنيفَة وَأما على مَذْهَبنَا فَلم يذكرهُ الرافعى والذى ينبغى أَنه يكون فَيْئا على قِيَاس هَدَايَا الْعمَّال وفى الْبَحْر للرويانى مَا يُوَافق مَا وَقع فى الرَّوْضَة لكنه غير مُسلم نبه على ذَلِك الْوَالِد رَحمَه الله فى كتاب هَدَايَا الْعمَّال قَالَ حَرْمَلَة سَمِعت الشافعى يَقُول من زعم من أهل الْعَدَالَة أَنه يرى الْجِنّ أبطلنا شَهَادَته لقَوْل الله تَعَالَى {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} إِلَّا أَن يكون نَبيا ذكره الآبرى فى كتاب المناقب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 ذهب حَرْمَلَة فِيمَن رهن عينا عِنْد من هى عِنْده بوديعة أَو نَحْوهَا أَنه لَا حَاجَة إِلَى مضى زمَان يَتَأَتَّى فِيهِ صُورَة الْقَبْض وَقَضِيَّة كَلَام الْمُهَذّب والتتمة أَنه قَالَ نقلا عَن الشافعى لَا مذهبا لنَفسِهِ لَكِن صرح الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَجَمَاعَة كَمَا ذكر النووى أَنه إِنَّمَا قَالَ مذهبا لنَفسِهِ لَا نقلا ثمَّ جعل النووى الْمَسْأَلَة ذَات وَجْهَيْن كَقَوْل حَرْمَلَة فَإِنَّهُ وَإِن لم يَنْقُلهُ فَهُوَ صَاحب وَجه هَذَا بعد قَوْله نبهت على كَونه إِنَّمَا قَالَه مذهبا لنَفسِهِ لِئَلَّا يُغير بِهِ وَلَك أَن تَقول إِثْبَات كَونه وَجها يستدعى أَن يكون قَالَه تخريجا على أصل الشافعى وَإِلَّا فقد ينْفَرد حَرْمَلَة فى بعض الْمسَائِل وَيخرج عَن الْمَذْهَب تأصيلا وتفريعا كَمَا قد يفعل ذَلِك المزنى وَغَيره فى بعض الْأَحَايِين قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فى الرونق والمحاملى فى اللّبَاب كِلَاهُمَا فى كتاب الْأَشْرِبَة قَالَ فى حَرْمَلَة إِذا وجد مَاء طَاهِرا أَو مَاء نجسا وَاحْتَاجَ إِلَى الطَّهَارَة تَوَضَّأ بالطاهر وَشرب النَّجس قلت وَهُوَ مَا ذكره أَبُو على الزجاجى والماوردى وَغَيرهمَا لَكِن أنكرهُ الشاشى وَاخْتَارَ أَنه يشرب الطَّاهِر وَتيَمّم وَصَححهُ النووى لكنى مَا أَظُنهُ اطلع على مَا فِي حَرْمَلَة فَلَعَلَّهُ لَو اطلع عَلَيْهِ لوقف عَن تَصْحِيح شرب الطَّاهِر على أَن مَا صَححهُ هُوَ الذى يظْهر إِن كَانَ النَّجس مِمَّا يعاف اسْتِعْمَاله 132 28 - الرّبيع بن سُلَيْمَان بن دَاوُد الجيزى أَبُو مُحَمَّد الأزدى مَوْلَاهُم المصرى الْأَعْرَج وَقيل ابْن الْأَعْرَج كَانَ رجلا فَقِيها صَالحا روى عَن الشافعى وَعبد الله بن وهب وَإِسْحَاق بن وهب وَعبد الله بن يُوسُف وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو دَاوُد والنسائى وَأَبُو بكر بن أَبى دَاوُد وَأَبُو جَعْفَر الطحاوى وَغَيرهم توفى فى ذى الْحجَّة سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سبع وَخمسين وَهُوَ الذى روى عَن الشافعى أَن قِرَاءَة الْقُرْآن بالألحان مَكْرُوهَة وَأَن الشّعْر بعد الْمَمَات يتبع الذَّات قِيَاسا على حَال الْحَيَاة يعْنى أَنه يطهر بالدباغ 29 - الرّبيع بن سُلَيْمَان بن عبد الْجَبَّار بن كَامِل المرادى مَوْلَاهُم الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْمُؤَذّن صَاحب الشافعى وراوية كتبه والثقة الثبت فِيمَا يرويهِ حَتَّى لقد تعَارض هُوَ وَأَبُو إِبْرَاهِيم المزنى فى رِوَايَة فَقدم الْأَصْحَاب رِوَايَته مَعَ علو قدر أَبى إِبْرَاهِيم علما ودينا وجلالة وموافقة مَا رَوَاهُ للقواعد الحديث: 28 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 أَلا ترى أَن أَبَا إِبْرَاهِيم روى لفظا أَن الشافعى رضى الله عَنهُ قَالَ وَلَو كَانَ العَبْد مَجْنُونا عتق بأَدَاء الْكِتَابَة وَلَا يرجع أَحدهمَا على صَاحبه بشئ وَهَذَا هُوَ الْقيَاس فَإِن الْمَجْنُون وَقت العقد لَا يَصح عقد الْكِتَابَة مَعَه وَمَا هُوَ إِلَّا تَعْلِيق مَحْض فَيعتق بِوُجُود الصّفة وَلَا يُرَاجع بِالْقيمَةِ وَهَذَا هُوَ الذى يُفْتى بِهِ مذهبا وروى الرّبيع هَذِه الصُّورَة بِهَذِهِ اللَّفْظَة وَقَالَ يتراجعان بِالْقيمَةِ وَهَذَا يتَضَمَّن كَون الْكِتَابَة الْجَارِيَة مَعَ الْمَجْنُون كِتَابَة فَاسِدَة يتَعَلَّق بهَا التراجع عِنْد حُصُول الْعتْق وَهَذَا على نِهَايَة الْإِشْكَال فَإِن الْمَجْنُون وَهُوَ الْمَجْنُون لَا عبارَة لَهُ ثمَّ قَالَ ابْن سُرَيج فِيمَا نَقله الصيدلانى وجماعات الصَّحِيح مَا نَقله الرّبيع قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقد ظهر عندنَا أَن ابْن سُرَيج لم يصحح مَا رَوَاهُ الرّبيع فقها وَلكنه رَآهُ أوثق فى النَّقْل وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الصَّحِيح مَا نقل المزنى قَالَ الْمُحَقِّقُونَ من أَئِمَّتنَا وَمرَاده أَن رِوَايَة المزنى هى الصَّحِيحَة فقها لَا نقلا فَلَا تعَارض بَين مَا صَححهُ أَبُو إِسْحَاق وَمَا صَححهُ ابْن سُرَيج وَقد خرج من هَذَا مَا هُوَ مَوضِع حاجتنا من علو قدر الرّبيع فِيمَا يرويهِ ولد الرّبيع سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة واتصل بِخِدْمَة الشافعى وَحمل عَنهُ الْكثير وَحدث عَنهُ بِهِ وَعَن عبد الله بن وهب وَعبد الله بن يُوسُف التنيسى وَأَيوب بن سُوَيْد الرملى وَيحيى بن حسان وَأسد بن مُوسَى وَجَمَاعَة روى عَنهُ أَبُو دَاوُد والنسائى وَابْن ماجة وَأَبُو زرْعَة الرازى وَأَبُو حَاتِم وَابْنه عبد الرَّحْمَن وزَكَرِيا الساجى وَأَبُو جَعْفَر الطحاوى وَأَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 ابْن زِيَاد النيسابورى وَالْحسن بن حبيب الحصائرى وَابْن صاعد وَأَبُو الْعَبَّاس الْأَصَم وَآخَرُونَ آخِرهم أَبُو الفوارس السندى وروى عَنهُ الترمذى بِالْإِجَازَةِ ولد سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة وَكَانَ مُؤذنًا بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع بفسطاط مصر الْمَعْرُوف الْيَوْم بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ يقْرَأ بالألحان وَكَانَ الشافعى يُحِبهُ وَقَالَ لَهُ يَوْمًا مَا أحبك إِلَى وَقَالَ مَا خدمنى أحد قطّ مَا خدمنى الرّبيع بن سُلَيْمَان وَقَالَ لَهُ يَوْمًا يَا ربيع لَو أمكننى أَن أطعمك الْعلم لأطعمتك وَقَالَ الْقفال فى فَتَاوِيهِ كَانَ الرّبيع بطئ الْفَهم فكرر الشافعى عَلَيْهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة أَرْبَعِينَ مرّة فَلم يفهم وَقَامَ من الْمجْلس حَيَاء فَدَعَاهُ الشافعى فى خلْوَة وَكرر عَلَيْهِ حَتَّى فهم وَكَانَت الرحلة فى كتب الشافعى إِلَيْهِ من الْآفَاق نَحْو مائتى رجل وَقد كاشفه الشافعى بذلك حَيْثُ يَقُول لَهُ فِيمَا روى عَنهُ أَنْت راوية كتبى وَمن شعر الرّبيع (صبرا جميلا مَا أسْرع الفرجا ... من صدق الله فى الْأُمُور نجا) (من خشى الله لم ينله أَذَى ... وَمن رجا الله كَانَ حَيْثُ رجا) وَقيل كَانَت فِيهِ سَلامَة صدر وغفلة قلت إِلَّا أَنَّهَا باتفاقهم لم تَنْتَهِ بِهِ إِلَى التَّوَقُّف فى قبُول رِوَايَته بل هُوَ ثِقَة ثَبت خرج إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة حَدِيثه فى // صَحِيحه // وَكَذَلِكَ ابْن حبَان وَالْحَاكِم قَالَ ابْن أَبى حَاتِم سمعنَا مِنْهُ وَهُوَ صَدُوق وَسُئِلَ أَبى عَنهُ فَقَالَ صَدُوق انْتهى وَقَالَ الْخَلِيل فى الْإِرْشَاد ثِقَة // مُتَّفق عَلَيْهِ // قَالَ الطحاوى مَاتَ الرّبيع بن سُلَيْمَان مُؤذن جَامع الْفسْطَاط يَوْم الِاثْنَيْنِ وَدفن يَوْم الثُّلَاثَاء لإحدى وَعشْرين لَيْلَة خلت من شَوَّال سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَصلى عَلَيْهِ الْأَمِير خمارويه بن أَحْمد بن طولون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 قلت وعاش ابْنه أَبُو المضا مُحَمَّد بعده ثَلَاث سِنِين وَلَهُم شيخ آخر يُقَال لَهُ الرّبيع بن سُلَيْمَان مَاتَ سنة ثَلَاث وَسبعين نبهنا عَلَيْهِ لِئَلَّا يشْتَبه وَهَذِه نخب وفوائد عَن الرّبيع رَحمَه الله قَالَ أَبُو عَاصِم روى الرّبيع عَن الشافعى أَنه قَالَ فى الْأكل أَرْبَعَة أَشْيَاء فرض وَأَرْبَعَة سنة وَأَرْبَعَة أدب أما الْفَرْض فَغسل الْيَدَيْنِ والقصعة والسكين والمغرفة وَالسّنة الْجُلُوس على الرجل الْيُسْرَى وتصغير اللقم والمضغ الشَّديد ولعق الْأَصَابِع وَالْأَدب أَن لَا تمد يدك حَتَّى يمد من هُوَ أكبر مِنْك وتأكل مِمَّا يليك وَقلة النّظر فى وُجُوه النَّاس وَقلة الْكَلَام قَالَ الرّبيع دخلت على الشافعى وَهُوَ مَرِيض فَقلت قوى الله ضعفك فَقَالَ لَو قوى ضعفى قتلنى قلت وَالله مَا أردْت إِلَّا الْخَيْر قَالَ أعلم أَنَّك لَو شتمتنى لم ترد إِلَّا الْخَيْر وفى رِوَايَة قل قوى الله قوتك وَضعف ضعفك قلت أما قد جَاءَ فى أدعية النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وقو فى رضاك ضعفى) وَعَن حُبَيْش بن مُبشر حضرت مَجْلِسا بالعراق فِيهِ الشافعى فَجرى ذكر مَا يحل وَيحرم من حَيَوَان الْبَحْر فتقلد الشافعى مَذْهَب ابْن أَبى ليلى أَنه يحل كل مَا فى الْبَحْر حَتَّى الضفدع والسرطان إِلَّا شَيْئا فِيهِ سم فَتكلم فَحسن كَلَامه قَالَ الرّبيع فعلقته وعرضته عَلَيْهِ فَاسْتَحْسَنَهُ وَاخْتَارَهُ قلت هُوَ قَول للشافعى شهير وَقد نسبه الشَّيْخ أَبُو عَاصِم إِلَى رِوَايَة الرّبيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وروى أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الأسدى فى كِتَابه فى مَنَاقِب الشافعى أَن الرّبيع قَالَ كَانَ الشافعى لَا يرى الْإِجَازَة فى الحَدِيث وَأَنه قَالَ أَنا أُخَالِف الشافعى فى هَذَا قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول من استغضب فَلم يغْضب فَهُوَ حمَار وَمن اسْترْضى فَلم يرض فَهُوَ لئيم وفى لفظ شَيْطَان وَمن ذكر فَلم ينزجر فَهُوَ محروم وَمن تعرض لما لَا يعنيه فَهُوَ الملوم قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول مَا حَلَفت بِاللَّه صَادِقا وَلَا كَاذِبًا جادا وَلَا هازلا قلت روى هَذَا عَن الشافعى جماعات من أَصْحَابه الرّبيع وحرملة وَغَيرهمَا وَقد قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول وَالله الذى لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَو علمت أَنه شرب المَاء الْبَارِد ينقص مروءتى مَا شربته قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول أَنْفَع الذَّخَائِر التَّقْوَى وأضرها الْعدوان قَالَ وسمعته يَقُول لَا خير لَك فى صُحْبَة من تحْتَاج إِلَى مداراته قَالَ الرّبيع قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} لم يخْتَلف أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ فِيمَا علمت أَن السدى الذى لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى قلت وَكَذَلِكَ ذكره رضى الله عَنهُ فى الرسَالَة قرأته على الشَّيْخ الإِمَام كَذَلِك فى درس الغزالية قَالَ الرّبيع سُئِلَ الشافعى عَن الرّقية فَقَالَ لَا بَأْس أَن يرقى بِكِتَاب الله أَو ذكر الله جلّ ثَنَاؤُهُ فَقلت أيرقى أهل الْكتاب الْمُسلمين فَقَالَ نعم إِذا رقوا بِمَا يعرف من كتاب الله أَو ذكر الله فَقلت وَمَا الْحجَّة فى ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 فَقَالَ غير حجَّة فَأَما رِوَايَة صاحبنا وصاحبكم فَإِن مَالِكًا أخبرنَا عَن يحيى ابْن سعيد عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَن أَبَا بكر دخل على عَائِشَة وهى تشتكى وَيَهُودِيَّة ترقيها فَقَالَ أَبُو بكر ارقيها بِكِتَاب الله فَقلت للشافعى إِنَّا نكره رقية أهل الْكتاب فَقَالَ وَلم وَأَنْتُم تروون هَذَا عَن أَبى بكر وَلَا أعلمكُم تروون هَذَا عَن غَيره من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خِلَافه وَقد أحل الله طَعَام أهل الْكتاب ونساءهم وأحسب الرّقية إِذا رقوا بِكِتَاب الله مثل هَذَا أَو أخف قلت روى ذَلِك الْحَاكِم فى مَنَاقِب الشافعى عَن الْأَصَم عَن الرّبيع وأظن السَّائِل والمناظر للشافعى فى ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن وَقد تضمن أَن قَول الصحابى إِذا لم يعرف لَهُ مُخَالف حجَّة عِنْد من لَا يرَاهُ حجَّة إِذا خَالفه غَيره وَنَظِيره ذكر الرّبيع أَيْضا مناظرة الشافعى مَعَ مُحَمَّد بن الْحسن فى زَكَاة مَال الْيَتِيم وَقَول الشافعى فى أثْنَاء كَلَامه إِلَّا أَن أصل مَذْهَبنَا ومذهبك أَنا لَا نخالف الْوَاحِد من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَن يُخَالِفهُ غَيره مِنْهُم فى مناظرة طَوِيلَة فى الْمَسْأَلَة وَذكر الرّبيع مناظرته أَيْضا مَعَ مُحَمَّد بن الْحسن فى الْمُدبر وفيهَا قَول الشافعى لمُحَمد بن الْحسن هَل لَك أَن تَقول على غير أصل أَو قِيَاس على أصل قَالَ لَا قلت فَالْأَصْل كتاب الله أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو قَول بعض أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو إِجْمَاع النَّاس فى مناظرة طَوِيلَة قَالَ الشافعى فى آخرهَا فَرجع مُحَمَّد إِلَى قَوْلنَا فى بيع الْمُدبر قَالَ الرّبيع قَالَ الشافعى قلت لمُحَمد بن الْحسن لم زعمت أَنه إِذا أَدخل يَده فى الْإِنَاء بنية الْوضُوء ينجس المَاء وأحسب لَو قَالَ هَذَا غَيْركُمْ لقلتم عَنهُ إِنَّه مَجْنُون فَقَالَ لقد سَمِعت أَبَا يُوسُف يَقُول قَول الْحِجَازِيِّينَ فى المَاء أحسن من قَوْلنَا وَقَوْلنَا فِيهِ خطأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 قلت فَأَقَامَ عَلَيْهِ قَالَ قد رَجَعَ إِلَى قَوْلكُم نَحوا من شَهْرَيْن ثمَّ رَجَعَ قلت مَا زَاد رُجُوعه إِلَى قَوْلنَا قُوَّة وَلَا وهنه رُجُوعه عَنهُ قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول وَسَأَلَهُ رجل عَن مَسْأَلَة فَقَالَ يرْوى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ السَّائِل يَا أَبَا عبد الله أَتَقول بِهَذَا فارتعد الشافعى واصفر وَحَال لَونه وَقَالَ وَيحك أى أَرض تقلنى وأى سَمَاء تظلنى إِذا رويت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَلم أقل بِهِ نعم على الرَّأْس وَالْعين وفى لفظ مَتى رويت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا وَلم آخذ بِهِ فأشهدكم أَن عقلى قد ذهب وفى لفظ آخر رَوَاهُ الزعفرانى سَمِعت الشافعى يَقُول لمن قَالَ لَهُ أتأخذ بِهَذَا الحَدِيث ترانى فى بيعَة ترانى فى كَنِيسَة ترى على زى الْكفَّار هُوَ ذَا ترانى فى مَسْجِد الْمُسلمين على زى الْمُسلمين مُسْتَقْبل قبلتهم أروى حَدِيثا عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لَا أَقُول بِهِ وَرَوَاهُ أَيْضا الحميدى وجماعات فَكَأَنَّهُ وَقع لَهُ مَرَّات رضى الله عَنهُ قَالَ الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول إِذا ضَاقَتْ الْأَشْيَاء اتسعت وَإِذا اتسعت ضَاقَتْ قَالَ وسمعته يَقُول من صدق فى أخوة أَخِيه قبل علله وسد خلله وَعَفا عَن زلله قَالَ وسمعته يَقُول الكيسى الْعَاقِل هُوَ الفطن المتغافل وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة فِيمَا ذكره البيهقى سَمِعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشافعى يَقُول أكره أَن يَقُول أعظم الله أجرك يعْنى فى الْمُصَاب لِأَن مَعْنَاهُ أَكثر الله مصائبك ليعظم أجرك قلت لنا فى هَذَا من الْبَحْث كَمَا قدمْنَاهُ فى قوى الله ضعفك فكلاهما فى السّنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة أَيْضا حَدثنَا الرّبيع قَالَ كَانَ الشافعى إِذا أَرَادَ أَن يدْخل فى الصَّلَاة قَالَ بِسم الله مُتَوَجها لبيت الله مُؤديا لعبادة الله قَالَ الرّبيع قلت للشافعى من أقدر النَّاس على المناظرة فَقَالَ من عود لِسَانه الركض فى ميدان الْأَلْفَاظ وَلم يتلعثم إِذا رمقته الْعُيُون بالألحاظ 30 - سُلَيْمَان بن دَاوُد بن على بن عبد الله بن عَبَّاس القرشى الهاشمى أَبُو أَيُّوب البغدادى روى عَن الشافعى وَغَيره وروى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لَو قيل لى اختر للْأمة رجلا اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِم اسْتخْلفت سُلَيْمَان بن دَاوُد الهاشمى وَعَن الشافعى مَا رَأَيْت أَعقل من هذَيْن الرجلَيْن سُلَيْمَان بن دَاوُد وَأحمد بن حَنْبَل توفى سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة عشْرين أخبرنَا أَحْمد بن على الجزرى وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم فى كتابهما عَن مُحَمَّد بن عبد الهادى عَن السلفى أخبرنَا الْمُبَارك بن الطيورى أخبرنَا أَبُو الْفَتْح عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد أخبرنَا على بن عمر حَدثنَا أَبُو بكر بن زِيَاد النيسابورى حَدثنَا عبد الله ابْن أَحْمد حَدَّثَنى أَبى حَدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد الهاشمى حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى حَدثنَا يحيى بن سليم عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فى كسوف الشَّمْس رَكْعَتَيْنِ فى كل رَكْعَة رَكْعَتَيْنِ الحديث: 30 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 31 - عبد الله بن الزبير بن عِيسَى القرشى الأسدى المكى مُحدث مَكَّة وفقيهها أَبُو بكر الحميدى نِسْبَة إِلَى حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن أَسد روى عَن الشافعى وتفقه بِهِ وَذهب مَعَه إِلَى مصر وسُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ شَيخنَا الذهبى وَهُوَ أجل أَصْحَابه وَعبد الْعَزِيز الدراوردى وفضيل بن عِيَاض ووكيع وَغَيرهم روى عَنهُ البخارى وَيَعْقُوب بن سُفْيَان وَمُحَمّد بن يحيى الذهلى وَسَلَمَة بن شبيب وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم الرازيان وَخلق قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل الحميدى عندنَا إِمَام جليل وَقَالَ أَبُو حَاتِم أثبت النَّاس فى ابْن عُيَيْنَة الحميدى وَعَن الرّبيع سَمِعت الشافعى يَقُول مَا رَأَيْت صَاحب بلغم أحفظ من الحميدى كَانَ يحفظ لِابْنِ عُيَيْنَة عشرَة آلَاف حَدِيث وَقَالَ ابْن حبَان جَالس ابْن عُيَيْنَة عشْرين سنة قلت إِن كَانَ مَا قَالَه أَبُو حَاتِم والشافعى وَابْن حبَان هُوَ الْحَامِل للذهبى على قَوْله إِن الحميدى أجل أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة فَلَيْسَ ذَلِك بكاف فِيمَا قَالَ وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان حَدثنَا الحميدى وَمَا لقِيت أنصح لِلْإِسْلَامِ وَأَهله مِنْهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق المروزى سَمِعت إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول الْأَئِمَّة فى زَمَاننَا الشافعى والحميدى وَأَبُو عبيد الحديث: 31 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وَقَالَ على بن خلف سَمِعت الحميدى يَقُول مَا دمت بالحجاز وَأحمد بالعراق وَإِسْحَاق بخراسان لَا يغلبنا أحد قلت وَمن ثمَّ قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الحميدى مفتى أهل مَكَّة ومحدثهم وَهُوَ لأهل الْحجاز فى السّنة كأحمد بن حَنْبَل لأهل الْعرَاق انْتهى وَقَالَ السراج سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول الحميدى إِمَام فى الحَدِيث قَالَ ابْن سعد والبخارى توفى بِمَكَّة سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَزَاد ابْن سعد فى شهر ربيع الأول وَقد أغفل شَيخنَا المزى حِكَايَة الشَّهْر عَن ابْن سعد وَحكى عَنهُ السّنة وَمن الْفَوَائِد عَن الحميدى قَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان سَمِعت الحميدى يَقُول قدم الشافعى من صنعاء إِلَى مَكَّة بِعشْرَة آلَاف دِينَار فى منديل فَضرب خباءه فى مَوضِع خَارِجا من مَكَّة وَكَانَ أنَاس يأتونه فَمَا برح حَتَّى ذهبت كلهَا وَقَالَ الحميدى ذكر رجل للشافعى حَدِيثا وَقَالَ أَتَقول بِهِ فَقَالَ أَرَأَيْت فى وسطى زنارا أترانى خرجت من كَنِيسَة حَتَّى تَقول لى هَذَا وَمن طَرِيق الحميدى رويت المناظرة الشهيرة بَين مُحَمَّد بن الْحسن والشافعى رضى الله عَنْهُمَا وملخصها قَالَ لَهُ مُحَمَّد مَا تَقول فى رجل غصب من رجل ساجة فَبنى عَلَيْهَا بِنَاء أنْفق فِيهِ ألف دِينَار ثمَّ جَاءَ صَاحب الساجة أثبت بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ أَن هَذَا اغتصبه هَذِه الساجة وَبنى عَلَيْهَا هَذَا الْبناء مَا كنت تحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 قَالَ الشافعى أَقُول لصَاحب الساجة يجب أَن تَأْخُذ قيمتهَا فَإِن رضى حكمت لَهُ بِالْقيمَةِ وَإِن أَبى إِلَّا ساجته قلعتها ورددتها عَلَيْهِ فَقَالَ مُحَمَّد فَمَا تَقول فى رجل اغتصب من رجل خيط إبريسم فخاط بِهِ بَطْنه فجَاء صَاحب الْخَيط فَأثْبت بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ أَن هَذَا اغتصبه هَذَا الْخَيط أَكنت تنْزع الْخَيط من بَطْنه فَقَالَ الشافعى لَا فَقَالَ مُحَمَّد الله أكبر تركت قَوْلك فَقَالَ الشافعى لَا تعجل يَا مُحَمَّد أخبرنى لَو لم يغصب الساجة من أحد وَأَرَادَ أَن يقْلع عَنْهَا هَذَا الْبناء أمباح لَهُ ذَلِك أم محرم عَلَيْهِ فَقَالَ مُحَمَّد بل مُبَاح فَقَالَ الشافعى أَفَرَأَيْت لَو كَانَ الْخَيط خيط نَفسه فَأَرَادَ أَن يَنْزعهُ من بَطْنه أمباح لَهُ ذَلِك أم محرم فَقَالَ مُحَمَّد بل محرم فَقَالَ الشافعى فَكيف تقيس مُبَاحا على محرم فَقَالَ مُحَمَّد أَرَأَيْت لَو أَدخل غَاصِب الساجة فى سفينة ولجج فى الْبَحْر أَكنت تنْزع اللَّوْح من السَّفِينَة فَقَالَ الشافعى لَا بل آمره أَن يقرب سفينته إِلَى أقرب المراسى إِلَيْهِ ثمَّ أنزع اللَّوْح وأدفعه إِلَى صَاحبه فَقَالَ مُحَمَّد أَلَيْسَ قد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا ضَرَر وَلَا ضرار) فَقَالَ الشافعى هُوَ أضرّ بِنَفسِهِ لم يضر بِهِ أحد ثمَّ قَالَ الشافعى مَا تَقول فى رجل اغتصب من رجل جَارِيَة فأولدها عشرَة كلهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 قد قرأوا الْقُرْآن وخطبوا على المنابر وحكموا بَين الْمُسلمين فَأثْبت صَاحب الْجَارِيَة بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ أَن هَذَا اغتصبها مِنْهُ ناشدتك الله بِمَاذَا كنت تحكم قَالَ أحكم بِأَن أَوْلَاده أرقاء لصَاحب الْجَارِيَة فَقَالَ الشافعى أَيهمَا أعظم عَلَيْهِ ضَرَرا أَن يَجْعَل أَوْلَاده أرقاء أَو يقْلع الْبناء عَن الساجة 32 - عبد الْعَزِيز بن عمرَان بن أَيُّوب بن مِقْلَاص الإِمَام أَبُو على الخزاعى مَوْلَاهُم المصرى الْفَقِيه أَخذ عَن الشافعى وَعَن عبد الله بن وهب روى عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهمَا وَهُوَ ابْن بنت سعيد بن أَبى أَيُّوب كَانَ فَقِيها زاهدا توفى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمن الْمسَائِل عَنهُ روى ابْن مِقْلَاص عَن الشافعى أَن السويق مُخَالف للحنطة والدقيق مجانس لَهَا وَالْمَشْهُور عِنْد الْأَصْحَاب أَن السويق كالدقيق قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله وينبغى التثبت فِيمَا نقل ابْن مِقْلَاص فَإِن السويق فى هَذِه الْبِلَاد الحديث: 32 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 إِنَّمَا يسْتَعْمل من الشّعير وَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَال فى مُخَالفَته للحنطة وَإِنَّمَا يستغرب مَنْقُول ابْن مِقْلَاص إِذا صرح بِالْفرقِ بَين السويق والدقيق من جنس وَاحِد 33 - عبد الْعَزِيز بن يحيى بن عبد الْعَزِيز بن مُسلم بن مَيْمُون الكنانى المكى الذى ينْسب إِلَيْهِ كتاب الحيدة روى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة ومروان بن مُعَاوِيَة الفزارى وَعبد الله بن معَاذ الصنعانى وَمُحَمّد بن إِدْرِيس الشافعى وَبِه تخرج وَهِشَام بن سُلَيْمَان المخزومى وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو العيناء مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن خَلاد وَالْحُسَيْن بن الْفضل البجلى وَأَبُو بكر يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم التيمى وَغَيرهم وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث وَيُقَال كَانَ يلقب بالغول لدمامة منظره وَعَن أَبى العيناء لما دخل عبد الْعَزِيز المكى على الْمَأْمُون وَكَانَت خلقته شنعة جدا ضحك أَبُو إِسْحَاق المعتصم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لم يضْحك هَذَا لم يصطف الله يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لجماله وَإِنَّمَا اصطفاه الله لدينِهِ وَبَيَانه فَضَحِك الْمَأْمُون وَأَعْجَبهُ قَالَ الْخَطِيب قدم بَغْدَاد زمن الْمَأْمُون وَجَرت بَينه وَبَين بشر المريسى مناظرة فى الْقُرْآن قلت أى رد على بشر قَوْله بِخلق الْقُرْآن كَذَا بَينه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَهُوَ مَشْهُور الحديث: 33 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ من أهل الْعلم وَالْفضل وَله مصنفات عدَّة وَكَانَ مِمَّن تفقه بالشافعى واشتهر بِصُحْبَتِهِ وَقَالَ دَاوُد بن على الظاهرى كَانَ عبد الْعَزِيز بن يحيى أحد أَتبَاع الشافعى والمقتبسين عَنهُ وَقد طَالَتْ صحبته لَهُ وَخرج مَعَه إِلَى الْيمن وآثار الشافعى فى كتب عبد الْعَزِيز ظَاهِرَة وَنقل الْخَطِيب أَن عبد الْعَزِيز قَالَ دخلت على أَحْمد بن أَبى دؤاد وَهُوَ مفلوج فَقلت إنى لم آتِك عَائِدًا وَلَكِن جِئْت لِأَحْمَد الله أَن سجنك فى جِلْدك قَالَ شَيخنَا الذهبى فَهَذَا يدل على أَن عبد الْعَزِيز كَانَ حَيا فى حُدُود الْأَرْبَعين قلت وعَلى أَنه كَانَ ناصرا للسّنة فى نفى خلق الْقُرْآن كَمَا دلّت عَلَيْهِ مناظرته مَعَ بشر وَكتاب الحيدة الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فِيهِ أُمُور مستشنعة لكنه كَمَا قَالَ شَيخنَا الذهبى لم يَصح إِسْنَاده إِلَيْهِ وَلَا ثَبت أَنه من كَلَامه فَلَعَلَّهُ وضع عَلَيْهِ 34 - على بن عبد الله بن جَعْفَر بن نجيح السعدى أَبُو الْحسن ابْن المدينى الْحَافِظ أحد أَئِمَّة الحَدِيث ورفعائهم وَمن انْعَقَد الْإِجْمَاع على جلالته وإمامته وَله التصانيف الحسان مولده سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة وَسمع أَبَاهُ وَحَمَّاد بن زيد وهشيما وَابْن عُيَيْنَة والدراوردى وَابْن وهب الحديث: 34 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وَعبد الْوَارِث والوليد بن مُسلم وغندرا وَيحيى الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهدى وَابْن علية وَعبد الرَّزَّاق وخلقا سواهُم روى عَنهُ البخارى وَأَبُو دَاوُد وَأحمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن يحيى الذهلى وَإِسْمَاعِيل القاضى وَصَالح جزرة وَأَبُو خَليفَة الجمحى وَأَبُو يعلى الموصلى وَعبد الله البغوى وَخلق آخِرهم موتا عبد الله بن مُحَمَّد بن أَيُّوب الْكَاتِب وأقدمهم وَفَاة شَيْخه سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ الْخَطِيب وَبَين وفاتيهما مائَة وثمان وَعِشْرُونَ سنة وروى الترمذى والنسائى عَن رجل عَنهُ قَالَ أَبُو حَاتِم كَانَ ابْن المدينى علما فى النَّاس فى معرفَة الحَدِيث والعلل وَمَا سَمِعت أَحْمد سَمَّاهُ قطّ إِنَّمَا كَانَ يكنيه تبجيلا لَهُ وَعَن ابْن عُيَيْنَة يلوموننى على حب ابْن المدينى وَالله لما أتعلم مِنْهُ أَكثر مِمَّا يتَعَلَّم منى وَعنهُ لَوْلَا ابْن المدينى مَا جَلَست وَعَن عبد الرَّحْمَن بن مهدى أَنه قَالَ ابْن المدينى أعلم النَّاس بِحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخاصة بِحَدِيث ابْن عُيَيْنَة وَقَالَ أَبُو قدامَة السرخسى سَمِعت على بن المدينى يَقُول رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن الثريا تدلت حَتَّى تناولتها قَالَ أَبُو قدامَة فَصدق الله رُؤْيَاهُ بلغ فى الحَدِيث مبلغا لم يبلغهُ كَبِير أحد قَالَ النسائى كَأَن الله خلق على بن المدينى لهَذَا الشَّأْن وَقَالَ صَاعِقَة كَانَ ابْن المدينى إِذا قدم بَغْدَاد تصدر الْحلقَة وَجَاء يحيى وَأحمد ابْن حَنْبَل وَالنَّاس يتناظرون فَإِذا اخْتلفُوا فى شئ تكلم فِيهِ ابْن المدينى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 وَقَالَ السراج قلت للبخارى مَا تشْتَهى قَالَ أَن أقدم الْعرَاق وعَلى بن عبد الله حى فأجالسه وَعَن البخارى مَا استصغرت نفسى عِنْد أحد إِلَّا عِنْد ابْن المدينى وَقيل لأبى دَاوُد أَحْمد أعلم أم على قَالَ على أعلم باخْتلَاف الحَدِيث من أَحْمد وَقَالَ عبد الله بن أَبى زِيَاد القطوانى سَمِعت أَبَا عبيد يَقُول انْتهى الْعلم إِلَى أَرْبَعَة أَبُو بكر بن أَبى شيبَة أسردهم لَهُ وَأحمد بن حَنْبَل أفقههم فِيهِ وعَلى بن المدينى أعلمهم بِهِ وَيحيى بن معِين أكتبهم لَهُ وَكَانَ على بن المدينى مِمَّن أجَاب إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن فى المحنة فنقم ذَلِك عَلَيْهِ وَزيد عَلَيْهِ فى القَوْل وَالصَّحِيح عندنَا أَنه إِنَّمَا أجَاب خشيَة السَّيْف قَالَ ابْن عدى سَمِعت مُسَدّد بن أَبى يُوسُف القلوسى سَمِعت أَبى يَقُول قلت لِابْنِ المدينى مثلك فى علمك يُجيب إِلَى مَا أجبْت إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا يُوسُف مَا أَهْون عَلَيْك السَّيْف وَعنهُ خفت أَن أقتل وَلَو ضربت سَوْطًا وَاحِدًا لمت قلت وَمَا حكى من أَنه علل حَدِيث الرُّؤْيَة بسؤال القاضى أَحْمد بن أَبى دؤاد لَهُ وَقَوله لَهُ هَذِه حَاجَة الدَّهْر وَأَن عليا قَالَ فِيهِ من لَا يعول عَلَيْهِ قيس بن أَبى حَازِم إِنَّمَا كَانَ أَعْرَابِيًا بوالا على عَقِبَيْهِ وَأَن ابْن أَبى دؤاد قَالَ لِأَحْمَد بن حَنْبَل تحتج علينا بِحَدِيث جرير فى الرُّؤْيَة وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة قيس بن أَبى حَازِم أعرابى بوال على عَقِبَيْهِ وَأَن ابْن حَنْبَل قَالَ علمت أَن هَذَا من عمل ابْن المدينى فَهُوَ أثر لَا يَصح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وَقَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب هَذَا بَاطِل قد نزه الله ابْن المدينى عَن قَول ذَلِك فى قيس وَلَيْسَ فى التَّابِعين من أدْرك الْعشْرَة وروى عَنْهُم غَيره وَلم يحك أحد مِمَّن سَاق محنة أَحْمد أَنه نوظر فى حَدِيث الرُّؤْيَة وَقَالَ أَبُو العيناء دخل على بن المدينى إِلَى أَحْمد بن أَبى دؤاد بعد محنة أَحْمد فَنَاوَلَهُ رقْعَة وَقَالَ هَذِه طرحت فى دارى فَإِذا فِيهَا (يَا ابْن المدينى الذى شرعت لَهُ ... دنيا فجاد بِدِينِهِ لينالها) (مَاذَا دعَاك إِلَى اعْتِقَاد مقَالَة ... قد كَانَ عنْدك كَافِرًا من قَالَهَا) (أَمر بدا لَك رشده فقبلته ... أم زهرَة الدُّنْيَا أردْت نوالها) (فَلَقَد عهدتك لَا أبالك مرّة ... صَعب المقادة للتى تدعى لَهَا) (إِن الحريب لمن يصاب بِدِينِهِ ... لَا من يرزى نَاقَة وفصالها) فَقَالَ لَهُ لقد قُمْت وقمنا من حق الله بِمَا يصغر قدر الدُّنْيَا عِنْد كثير ثَوَابه ثمَّ وَصله بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم وَقَالَ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أَبى شيبَة سَمِعت على بن المدينى يَقُول قبل مَوته بشهرين الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَمن قَالَ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر وَقَالَ البخارى مَاتَ على بن المدينى ليومين بقيا من ذى الْقعدَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ الْحَارِث وَغير وَاحِد مَاتَ بسر من رأى فى ذى الْقعدَة وَغلط من قَالَ سنة ثَلَاث وَمن الْفَوَائِد عَن على رَحمَه الله روى أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظاهرى فى كتاب الِاتِّصَال أَن أَبَا مُحَمَّد حبيبا البخارى وَهُوَ صَاحب أَبى ثَوْر ثِقَة مَشْهُور قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سهل قَالَ سَمِعت على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 ابْن المدينى يَقُول دخلت على أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لى أتعرف حَدِيثا مُسْندًا فِيمَن سبّ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيقْتل فَقلت نعم فَذكرت لَهُ حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن سماك بن الْفضل عَن عُرْوَة بن مُحَمَّد عَن رجل من بلقين قَالَ كَانَ رجل يشْتم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من يكفينى عدوا لى) فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد أَنا فَبَعثه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ فَقتله فَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ هَذَا مُسْندًا هُوَ عَن رجل فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَكَذَا يعرف هَذَا الرجل وَهُوَ اسْمه وَقد أَتَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايعهُ هُوَ مَشْهُور مَعْرُوف قَالَ فَأمر لى بِأَلف دِينَار قَالَ ابْن حزم هُوَ حَدِيث صَحِيح مُسْند قلت لَا يُرِيد ابْن المدينى بقوله وَهُوَ اسْمه أَن اسْم هَذَا الرجل الْمَجْهُول رجل من بلقين وَأَن هَذَا اللَّفْظ علم عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُرِيد أَنه بذلك يعرف لَا يعرف لَهُ اسْم علم بل إِنَّمَا يعرف بقبيلته وهى الْقَيْن فَيُقَال رجل من بنى الْقَيْن يدل عَلَيْهِ مَعَ وضوحه قَوْله هَكَذَا يعرف هَذَا الرجل وَقَوله وَقد أَتَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايعهُ جَوَاب سُؤال مُقَدّر تَقْدِيره إِذا كَانَ مَجْهُولا فَكيف يحْتَج بِهِ فَأجَاب بِأَن جَهَالَة الْعين وَالِاسْم مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ صحابى لَا يقْدَح لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول وَهَذَا الرجل كَمَا ذكر ابْن المدينى لَا يعرف لَهُ اسْم وَقد روى البيهقى هَذَا الحَدِيث فى سنَنه من حَدِيث معمر هَكَذَا وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح وروى الْحَاكِم أَبُو عبد الله بِسَنَدِهِ فى كتاب مزكى الْأَخْبَار أَن عبد الله بن على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 ابْن المدينى قَالَ سَمِعت أَبى يَقُول خَمْسَة أَحَادِيث لَا أصل لَهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث (لَو صدق السَّائِل مَا أَفْلح من رده) وَحَدِيث (لَا وجع إِلَّا وجع الْعين وَلَا غم إِلَّا غم الدّين) وَحَدِيث (إِن الشَّمْس ردَّتْ على على بن أَبى طَالب) وَحَدِيث (أفطر الحاجم والمحجوم إنَّهُمَا كَانَا يغتابان) قلت هُوَ نَظِير قَول الإِمَام أَحْمد رضى الله عَنهُ أَرْبَعَة أَحَادِيث لَا أصل لَهَا حَدِيث (من آذَى ذِمِّيا فَكَأَنَّمَا آذانى) وَحَدِيث (من بشرنى بِخُرُوج آذار ضمنت لَهُ على الله الْجنَّة) وَحَدِيث (للسَّائِل حق وَلَو جَاءَ على فرس) وَحَدِيث (يَوْم صومكم يَوْم نحركم يَوْم رَأس سنتكم) 35 - الْفضل بن الرّبيع بن يُونُس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَبى فَرْوَة واسْمه كيسَان مولى عُثْمَان بن عَفَّان رضى الله عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس حَاجِب الرشيد ثمَّ وزيره كَانَ من رجال الدَّهْر رَأيا وحزما ودهاء ورياسة وَمَكَارِم وعظمة فى الدُّنْيَا ولوالده الجاه الرفيع عِنْد مخدومه أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبى جَعْفَر الْمَنْصُور وَلما آل الْأَمر إِلَى هَارُون الرشيد واستوزر البرامكة جعل الْفضل حَاجِبه وَكَانَ الْفضل يروم التَّشَبُّه بالبرامكة ومعارضتهم وَلم يكن لَهُ إِذْ ذَاك من الْمقدرَة مَا يدْرك اللحاق بهم فَمن ثمَّ كَانَت بَينهم إحن وشحناء إِلَى أَن قدر الله زَوَال نعْمَة البرامكة على يدى الْفضل فَإِنَّهُ تمكن بمجالسة الرشيد وأوغر قلبه فِيمَا يذكر عَلَيْهِم حَتَّى اتّفق لَهُ مَا تناقلته الروَاة الحديث: 35 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وَاسْتمرّ الْفضل مُتَمَكنًا عِنْد هَارُون إِلَى أَن قضى هَارُون نحبه فَقَامَ بالخلافة وَلَده مُحَمَّد الْأمين وسَاق إِلَيْهِ الخزائن بعد موت أَبِيه وَسلم إِلَيْهِ الْقَضِيب والخاتم وَأَتَاهُ بذلك من طوس وَكَانَ الْفضل هُوَ صَاحب الْحل وَالْعقد لاشتغال الْأمين باللهو وَلما تداعت دولة الْأمين ولاح عَلَيْهَا الإدبار اختفى الْفضل مُدَّة طَوِيلَة فَلَمَّا بُويِعَ إِبْرَاهِيم بن المهدى ظهر الْفضل وساس نَفسه وَلم يدْخل مَعَهم فى شئ فَلذَلِك عَفا عَنهُ الْمَأْمُون بشفاعة طَاهِر بن الْحُسَيْن وَاسْتمرّ بطالا فى دولة الْمَأْمُون لاحظ لَهُ إِلَّا السَّلامَة إِلَى أَن مَاتَ وفى تقصى أخباره طول وفصول وَلَكنَّا نذْكر فَوَائِد من أوائلها وأواخرها فَمِنْهَا قيل دخل الْفضل يَوْمًا على يحيى بن خَالِد البرمكى وَقد جلس لقَضَاء الْحَوَائِج وَبَين يَدَيْهِ وَلَده جَعْفَر يُوقع فى الْقَصَص فَعرض الْفضل عَلَيْهِ عشر رقاع للنَّاس فتعلل يحيى فى كل رقْعَة بعلة وَلم يُوقع فى شئ مِنْهَا أَلْبَتَّة فَجمع الْفضل الرّقاع وَقَالَ ارْجِعْنَ خائبات خاسئات ثمَّ خرج وَهُوَ ينشد (عَسى وَعَسَى يثنى الزَّمَان عنانه ... بتصريف حَال وَالزَّمَان عثور) (فتقضى لبانات وتشفى حسائف ... وتحدث من بعد الْأُمُور أُمُور) فَسَمعهُ يحيى فَقَالَ عزمت عَلَيْك يَا أَبَا الْعَبَّاس إِلَّا رجعت فَرجع فَوَقع لَهُ فى جَمِيع الرّقاع ثمَّ لم يمض إِلَّا الْقَلِيل ونكبت البرامكة على يَدَيْهِ وَتَوَلَّى هُوَ الوزارة بعد أَن كَانَ حاجبا وتنازع يَوْمًا جَعْفَر بن يحيى وَالْفضل بن الرّبيع بِحَضْرَة الرشيد فَقَالَ جَعْفَر للفضل يالقيط إِشَارَة إِلَى شئ كَانَ يُقَال عَن أَبِيه فَقَالَ الْفضل اشْهَدْ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ جَعْفَر للرشيد ترَاهُ عِنْد من يقيمك هَذَا الْجَاهِل شَاهدا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَنت حَاكم الْحُكَّام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وَالْفضل بن الرّبيع هُوَ الذى يَقُول فِيهِ أَبُو نواس (وَلَيْسَ لله بمستنكر ... أَن يجمع الْعَالم فى وَاحِد) من أَبْيَات مَاتَ الْفضل سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ فى عشر السّبْعين ويستحسن إِيرَاده فى أَصْحَاب الشافعى لما أخبرتنا بِهِ زَيْنَب بنت الْكَمَال المقدسية إِذْنا عَن الْحَافِظ أَبى الْحجَّاج الدمشقى أَنه قَالَ أخبرنَا أَبُو المكارم اللبان أخبرنَا الْحسن بن أَحْمد الْحداد أخبرنَا أَبُو نعيم الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد ابْن جَعْفَر البغدادى غنْدر حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبيد حَدثنَا أَبُو نصر المخزومى الكوفى حَدثنَا الْفضل بن الرّبيع حَاجِب هَارُون الرشيد أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ دخلت على هَارُون الرشيد فَإِذا بَين يَدَيْهِ ضبارة سيوف وأنواع من الْعَذَاب فَقَالَ لى يَا فضل فَقلت لبيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ على بِهَذَا الحجازى يعْنى الشافعى فَقلت إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب هَذَا الرجل قَالَ فَأتيت الشافعى فَقلت لَهُ أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أصلى رَكْعَتَيْنِ فَقلت صل فصلى ثمَّ ركب بغلة كَانَت لَهُ فسرنا مَعًا إِلَى دَار الرشيد فَلَمَّا دَخَلنَا الدهليز الأول حرك الشافعى شَفَتَيْه فَلَمَّا دَخَلنَا الدهليز الثانى حرك شَفَتَيْه فَلَمَّا وصلنا بِحَضْرَة الرشيد قَامَ إِلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ كالمشرئب لَهُ فأجلسه مَوْضِعه وَقعد بَين يَدَيْهِ يعْتَذر إِلَيْهِ وخاصة أَمِير الْمُؤمنِينَ قيام ينظرُونَ إِلَى مَا أعد لَهُ من أَنْوَاع الْعَذَاب فَإِذا هُوَ جَالس بَين يَدَيْهِ فتحدثوا طَويلا ثمَّ أذن لَهُ بالانصراف فَقَالَ لى يَا فضل قلت لبيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 فَقَالَ احْمِلْ بَين يَدَيْهِ بدرة فَحملت فَلَمَّا صرنا إِلَى الدهليز الأول لِخُرُوجِهِ قلت سَأَلتك بالذى صير غَضَبه عَلَيْك رضَا إِلَّا مَا عرفتنى مَا قلت فى وَجه أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى رضى فَقَالَ لى يَا فضل فَقلت لَهُ لبيْك أَيهَا السَّيِّد الْفَقِيه قَالَ خُذ منى واحفظ عَنى قلت {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} الْآيَة اللَّهُمَّ إنى أعوذ بِنور قدسك وببركة طهارتك وبعظمة جلالك من كل عاهة وَآفَة وطارق الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا طَارِقًا يطرقنى بِخَير يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ بك ملاذى فبك ألوذ وَبِك غياثى فبك أغوث يَا من ذلت لَهُ رِقَاب الفراعنة وخضعت لَهُ مقاليد الْجَبَابِرَة اللَّهُمَّ ذكرك شعارى ودثارى ونومى وقرارى أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت اضْرِب على سرادقات حفظك وقنى رعبى بِخَير مِنْك يَا رَحْمَن قَالَ الْفضل فكتبتها وجعلتها فى بركَة قبائى وَكَانَ الرشيد كثير الْغَضَب على وَكَانَ كلما هم أَن يغْضب أحركها فى وَجهه فيرضى فَهَذَا مِمَّا أدْركْت من بركَة الشافعى 36 - الْقَاسِم بن سَلام بتَشْديد اللَّام الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عبيد الأديب الْفَقِيه الْمُحدث صَاحب التصانيف الْكَثِيرَة فى الْقرَاءَات وَالْفِقْه واللغة وَالشعر قَرَأَ الْقُرْآن على الكسائى وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وشجاع بن أَبى نصر الحديث: 36 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وَسمع الحَدِيث من إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وهشيم بن بشير وَشريك بن عبد الله وَهُوَ أكبر شُيُوخه وَعبد الله بن الْمُبَارك وأبى بكر بن عَيَّاش وَجَرِير بن عبد الحميد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وخلائق آخِرهم موتا هِشَام ابْن عمار روى عَنهُ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدارمى ووكيع وَأَبُو بكر بن أَبى الدُّنْيَا وعباس الدورى والْحَارث بن أَبى أُسَامَة وعَلى بن عبد الْعَزِيز البغوى وَأحمد بن يحيى البلاذرى الْكَاتِب وَآخَرُونَ وتفقه على الشافعى رضى الله عَنهُ وتناظر مَعَه فى الْقُرْء هَل هُوَ حيض أَو طهر إِلَى أَن رَجَعَ كل مِنْهُمَا إِلَى مَا قَالَه الآخر كَمَا سنشرح ذَلِك ولد بهراة وَكَانَ أَبوهُ فِيمَا يذكر عبدا لبَعض أَهلهَا وتنقلت بِهِ الْبِلَاد وَولى قَضَاء طرسوس ثمَّ حج بِالآخِرَة فتوفى بِمَكَّة سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه الْحق يحب لله أَبُو عبيد أفقه منى وَأعلم منى أَبُو عبيد أوسعنا علما وأكثرنا أدبا إِنَّا نحتاج إِلَى أَبى عبيد وَأَبُو عبيد لَا يحْتَاج إِلَيْنَا قَالَ الْحَاكِم هُوَ الإِمَام المقبول عِنْد الْكل وَقَالَ أَبُو بكر الأنبارى وَكَانَ أَبُو عبيد قد جزأ اللَّيْل ثَلَاثَة أَجزَاء ثلثا ينَام وَثلثا يصلى وَثلثا يطالع الْكتب وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد كَانَ أَبُو عبيد مؤدبا صَاحب نَحْو وعربية وَطلب الحَدِيث وَالْفِقْه وَولى قَضَاء طرسوس أَيَّام ثَابت بن نصر بن مَالك وَلم يزل مَعَه وَمَعَ وَلَده وَقدم بَغْدَاد ففسر بهَا غَرِيب الحَدِيث وصنف كتبا وَحدث وَحج فتوفى بِمَكَّة سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ عَبَّاس الدوري سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول أَبُو عبيد مِمَّن يزْدَاد عندنَا كل يَوْم خيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وَقَالَ أَبُو قدامَة سَمِعت أَحْمد يَقُول أَبُو عبيد أستاذ وَقَالَ حمدَان بن سهل سَأَلت يحيى بن معِين عَن أَبى عبيد فَقَالَ مثلى يسْأَل عَن أَبى عبيد أَبُو عبيد يسْأَل عَن النَّاس وَقَالَ أَبُو دَاوُد ثِقَة مَأْمُون قَالَ الدارقطنى ثِقَة إِمَام جبل وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغنى بن سعيد فى كتاب الطَّهَارَة لأبى عبيد حديثان مَا حدث بهما غَيره وَلَا حدث بهما عَنهُ غير مُحَمَّد بن يحيى المروزى أَحدهمَا حَدِيث شُعْبَة عَن عَمْرو بن أَبى وهب وَالْآخر حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن سعيد المقبرى حدث بِهِ عَن يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله وَحدث بِهِ النَّاس عَن يحيى عَن ابْن عجلَان وَقَالَ ثَعْلَب لَو كَانَ أَبُو عبيد فى بنى إِسْرَائِيل لَكَانَ عجبا وَقَالَ القاضى أَبُو الْعَلَاء الواسطى أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر التميمى حَدثنَا أَبُو على النحوى حَدثنَا الفسطاطى قَالَ كَانَ أَبُو عبيد مَعَ عبد الله بن طَاهِر فَبعث إِلَيْهِ أَبُو دلف يستهديه أَبَا عبيد مُدَّة شَهْرَيْن فأنفذه إِلَيْهِ فَأَقَامَ شَهْرَيْن فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف وَصله بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فَلم يقبلهَا وَقَالَ أَنا فى جنَّة رجل لم يحوجنى إِلَى صلَة غَيره فَلَمَّا عَاد إِلَى ابْن طَاهِر وَصله بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير قد قبلتها وَلَكِن قد أغنيتنى بمعروفك وبرك وَقد رَأَيْت أَن أشترى بهَا سِلَاحا وخيلا وأوجه بهَا إِلَى الثغر ليَكُون الثَّوَاب متوفرا على الْأَمِير فَفعل قيل وَكَانَ أَبُو عبيد إِذا صنف كتابا أهداه إِلَى عبد الله بن طَاهِر فَيحمل إِلَيْهِ مَالا خطيرا اسْتِحْسَانًا لذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وَقَالَ عبد الله بن طَاهِر الْأَئِمَّة للنَّاس أَرْبَعَة ابْن عَبَّاس فى زَمَانه والشعبى فى زَمَانه وَالقَاسِم بن معن فى زَمَانه وَأَبُو عبيد فى زَمَانه وَقَالَ عَبْدَانِ بن مُحَمَّد المروزى حَدثنَا أَبُو سعيد الضَّرِير قَالَ كنت عِنْد عبد الله بن طَاهِر فورد عَلَيْهِ نعى أَبى عبيد فَأَنْشَأَ يَقُول (يَا طَالب الْعلم قد مَاتَ ابْن سَلام ... وَكَانَ فَارس علم غير محجام) (مَاتَ الذى كَانَ فِينَا ربع أَرْبَعَة ... لم يلق مثلهم إستار أَحْكَام) (خير الْبَريَّة عبد الله أَوَّلهمْ ... وعامر ولنعم التلو يَا عَام) (هما اللَّذَان أنافا فَوق غَيرهمَا ... والقاسمان ابْن معن وَابْن سَلام) وَمن الْفَوَائِد عَنهُ حكى الأزهرى فى التَّهْذِيب عَن أَبى عبيد الْقَاسِم بن سَلام فى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يَمُوت لمُسلم ثَلَاثَة من الْوَلَد فَتَمَسهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقسم) أَن المُرَاد بِهَذَا الْقسم قَوْله تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} فَإِذا مر بهَا متجاوزا لَهَا فقد أبر الله قسمه ثمَّ اعْتَرَضَهُ الأزهرى بِأَنَّهُ لَا قسم فى قَوْله {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} فَكيف يكون لَهُ تَحِلَّة قَالَ وَلَكِن معنى قَوْله إِلَّا تَحِلَّة الْقسم إِلَّا التعزيز الذى لَا ينداه مِنْهُ مَكْرُوه وَأَصله من قَول الْعَرَب ضَربته تحليلا وضربته تعزيرا أى لم أبالغ فى ضربه وَأَصله من تَحْلِيل الْيَمين وَهُوَ أَن يحلف الرجل ثمَّ يسْتَثْنى اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا بِالْيَمِينِ يُقَال آلى فلَان ألية لم يتَحَلَّل أى لم يسْتَثْن ثمَّ جعل ذَلِك مثلا لكل شىء قل وقته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وَمِنْه قَول الشَّاعِر (نَجَائِب وقعهن الأَرْض تَحْلِيل ... ) أى قَلِيل هَين يسير وَيُقَال للرجل إِذا أمعن فى وَعِيد أَو أفرط فى قَول حلا أَبَا فلَان أى تحلل فى يَمِينك جعله فى وعيده كحالف فَأمره بِالِاسْتِثْنَاءِ قلت وَهُوَ اعْتِرَاض عَجِيب فَإِن الْقسم مُقَدّر فى قَوْله {وَإِن مِنْكُم} لِأَن الْقسم عِنْد النُّحَاة يتلَقَّى بالنفى وَالْإِثْبَات وَالتَّقْدِير وَالله إِن مِنْكُم إِلَّا واردها أَو أقسم إِن مِنْكُم إِلَّا واردها يدل عَلَيْهِ شَيْئَانِ أَحدهمَا قَوْله تَعَالَى بعد ذَلِك {كَانَ على رَبك حتما مقضيا} قَالَ الْحسن وَقَتَادَة قسما وَاجِبا وروى عَن ابْن مَسْعُود والثانى هَذَا الحَدِيث فقد فهم الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقسم مِنْهُ وَقَول الأزهرى وَأَصله من قَوْلهم ضَربته تحليلا إِلَى قَوْله جعله فى وعيده كحالف مِمَّا يدل على مَا ذَكرْنَاهُ فَإِنَّهُ لَو لم يقدر أَنه حَالف مَا صَحَّ شىء مِمَّا ذكرنَا ذهب أَبُو عبيد إِلَى أَن من طلقت فى طهر وجامعها فِيهِ زَوجهَا لَا تنقضى عدتهَا إِلَّا بالطعن فى الْحَيْضَة الرَّابِعَة وَجعله الجيلى فى شرح التَّنْبِيه مَذْهَبنَا وَهُوَ خلاف نَص الْمُخْتَصر وتصريح الْأَصْحَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلَعَلَّ الجيلى اعْتقد أَبَا عبيد من أَصْحَابنَا فاقتصر على حِكَايَة مذْهبه قلت هَذَا كَلَام عَجِيب أَبُو عبيد لَا ريب فى أَنه من أَصْحَابنَا وَلَكِن ذَلِك لَا يسوغ حِكَايَة قَوْله مذهبا لنا مَعَ تَصْرِيح الْمَذْهَب بِخِلَافِهِ قَالَ أَبُو عبيد فى قَول الشَّاعِر (فَإِن أدع اللواتى من أنَاس ... أضاعوهن لَا أدع الذينا) الذى هُنَا لَا صلَة لَهَا وَالْمعْنَى إِن أدع ذكر النِّسَاء لَا أدع ذكر الرِّجَال قلت هَذَا الْبَيْت للكميت وَهُوَ شَاهد ذكر الْمَوْصُول بِغَيْر صلَة لقَرِينَة قَالَ أَبُو عبيد فى معنى قَول الشماخ (وَمَاء قد وَردت لوصل أروى ... عَلَيْهِ الطير كالورق اللجين) (ذعرت بِهِ القطا ونفيت عَنهُ ... مقَام الذِّئْب كَالرّجلِ اللعين) إِن فيهمَا تَقْدِيمًا وتأخيرا وَالتَّقْدِير فى الأول وَمَاء كالورق اللجين عَلَيْهِ الطير واللجين الذى قد ضرب حَتَّى تلجن وَالتَّقْدِير فى الثانى مقَام الذِّئْب اللعين كَالرّجلِ انْتهى ذكره فى كِتَابه فى معانى الشّعْر قلت فَجعل ورقه كالورق صفة لماء فَيكون قد فصل بَين الْمَوْصُوف وَالصّفة بمتعلق رب المحذوفة وَهُوَ قَوْله وَردت وَعَلِيهِ الطير جملَة وهى صفة ثَانِيَة مؤخرة عَن الصّفة الْوَاقِعَة ظرفا وَهَكَذَا أصل الْكَلَام وَيجوز أَن يكون المَاء مَوْصُوفا بِثَلَاث صِفَات هَاتين الصفتين وَقَوله قد وَردت وَيكون مُتَعَلق رب إِنَّمَا هُوَ قَوْله ذعرت بِهِ القطا وَلَا يَأْبَى هَذَا الْوَجْه قَول أَبى عبيد وَيكون إِنَّمَا قدر قَوْله كالورق مقدما ليعلمك أَنه من صلَة مَاء لِأَن مَا قبله غير صفة وَقَوله حَتَّى تلجن أى حَتَّى تلزج وَمِنْه قَوْلهم لجنت الخطمى وَنَحْوه إِذا ضَربته ليثخن وتلجن رَأسه إِذا لم ينق وسخه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 واللجين الْخبط عَن ابْن السّكيت وَهُوَ مَا سقط من الْوَرق عِنْد الْخبط وَأنْشد عَلَيْهِ الْبَيْت والذعر الْفَزع يُقَال ذعرته أذعره ذعرا أفزعته والذعر بِالضَّمِّ الِاسْم وَقَوله مقَام مَحْمُول على أَنه صلَة أى ونفيت عَنهُ الذِّئْب وَهُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ فى قَوْله سُبْحَانَهُ {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} وَقَوله اللعين لَا يتَعَيَّن أَن يكون صفة للذئب كَمَا ذكر بل يجوز أَن يكون صفة للرجل أى كَالرّجلِ المبعد الطريد وَرُبمَا يكون ذَلِك أحسن فَإِن التَّشْبِيه لَيْسَ بِالرجلِ من حَيْثُ هُوَ بل بِالرجلِ الْمَوْصُوف باللعين قَالَه الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن هِشَام فى بعض مجاميعه ذكر أَن الشافعى وَأَبا عبيد رضى الله عَنْهُمَا تناظرا فى الْقُرْء فَكَانَ الشافعى يَقُول إِنَّه الْحيض وَأَبُو عبيد يَقُول إِنَّه الطُّهْر فَلم يزل كل مِنْهُمَا يُقرر قَوْله حَتَّى تفَرقا وَقد انتحل كل وَاحِد مِنْهُمَا مَذْهَب صَاحبه وتأثر بِمَا أوردهُ من الْحجَج والشواهد قلت وَإِن صحت هَذِه الْحِكَايَة فَفِيهَا دلَالَة على عَظمَة أَبى عبيد فَلم يبلغنَا عَن أحد أَنه نَاظر الشافعى ثمَّ رَجَعَ الشافعى إِلَى مذْهبه وَقد حكى الرافعى فى شَرحه هَذِه الْحِكَايَة وَقَالَ إِنَّهَا تقتضى أَن يكون للشافعى قَول قديم أَو حَدِيث يُوَافق مَذْهَب أَبى حنيفَة قلت وَلَيْسَ ذَلِك بِلَازِم فقد يناظر الْمَرْء على مَا لَا يرَاهُ إِشَارَة للفائدة وإبرازا لَهَا وتعليما للجدل فَلَعَلَّهُ لما رأى أَبَا عبيد يعْتَقد أَنه الْحيض انتصب عَنهُ مستدلا عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 لينقطع مَعَه فَيعلم أَبُو عبيد ضعف مذْهبه فِيهِ وَلِهَذَا يتَبَيَّن أَن الشافعى لم يرجع إِلَى أَبى عبيد فى الْحَقِيقَة لِأَن المناظرة لم تكن إِلَّا لما ذَكرْنَاهُ وَقَوله حَدِيث كَذَا هُوَ بِالْحَاء والثاء لَا جَدِيد بِالْجِيم وَالدَّال لِأَن أَبَا عبيد من أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيّين فمناظرته إِن صحت كائنة بِبَغْدَاد فَيكون ذَلِك قولا قَدِيما للشافعى أَو حَدِيثا حدث لَهُ بعد أَن كَانَ يخْتَار أَنه الطُّهْر فَيكون الشافعى قَائِلا بِأَنَّهُ الطُّهْر ثمَّ بِأَنَّهُ الْحيض ثمَّ عَائِدًا إِلَى القَوْل بِأَنَّهُ الطُّهْر وَعَلِيهِ مَاتَ وَرُبمَا صحف بَعضهم حَدِيثا بجديد وَلَيْسَ بجيد ثمَّ قَالَ الرافعى لَو أعلم قَول الغزالى الْأَقْرَاء الْأَطْهَار بِالْوَاو وللمناظرة المحكية لم يكن بَعيدا وَاعْتَرضهُ الزنجانى شَارِح الْوَجِيز بِأَنَّهُ إِن قَالَ هَذَا عَن نقل فَلَا كَلَام وَإِلَّا فالحكاية لَا تدل عَلَيْهِ لِأَن الْإِنْسَان قد يناظر غَيره فِيمَا لَا يَعْتَقِدهُ قلت وَعَجِبت لَهُ من ذَلِك فَإِن الرافعى لم يعلم بِالْقَافِ حَتَّى يُقَال لَهُ هَذَا وَإِنَّمَا أعلم بِالْوَاو وَإِشَارَة إِلَى مقَالَة أَبى عبيد وعدها وَجها فى الْمَذْهَب لكَونه على الْجُمْلَة من أَصْحَابنَا فَلَا يبعد أَن تعد مقالاته وُجُوهًا وَقد لَا تعد لِأَنَّهُ يتحدث فى هَذِه الْمَسْأَلَة على قَضِيَّة اللُّغَة لَا على قَوَاعِد إِمَام الْمَذْهَب وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَه وَلذَلِك نَاظر صَاحب الْمَذْهَب نَفسه وَلَو كَانَ مخرجا على قَاعِدَته لما ناظره 37 - قحزم بن عبد الله بن قحزم أَبُو حنيفَة الأسوانى بِفَتْح الْقَاف بعْدهَا حاء مُهْملَة سَاكِنة ثمَّ زاى مَفْتُوحَة ثمَّ مِيم هُوَ آخر من صحب الشافعى موتا الحديث: 37 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 قَالَ ابْن عبد الْبر روى عَنهُ كثيرا من كتبه وَكَانَ مفتيا وَأَصله من القبط وَقَالَ ابْن يُونُس توفى فى جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ 38 - مُوسَى بن أَبى الْجَارُود أَبُو الْوَلِيد المكى راوى كتاب الأمالى عَن الشافعى وَأحد الثِّقَات من أَصْحَابه وَالْعُلَمَاء قَالَ أَبُو عَاصِم يرجع إِلَيْهِ عِنْد اخْتِلَاف الرِّوَايَة روى عَن يحيى بن معِين وأبى يَعْقُوب البويطى روى عَنهُ الزعفرانى وَالربيع وَأَبُو حَاتِم الرازى وَكَانَ فَقِيها جَلِيلًا أَقَامَ بِمَكَّة يُفْتى النَّاس على مَذْهَب الشافعى قَالَ أَبُو الْوَلِيد سَمِعت الشافعى يَقُول إِذا قلت قولا وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خِلَافه فقولى مَا قَالَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَكَذَا رَوَاهُ الحميدى وَالربيع وَأَبُو ثَوْر وَغَيرهم عَن الشافعى وَقَالَ أَيْضا قَالَ الشافعى مَا ناظرت أحدا فَأَحْبَبْت أَن يخطىء وَقَالَ كَانَ يُقَال إِن مُحَمَّد بن إِدْرِيس وَحده يحْتَج بِهِ كَمَا يحْتَج بالبطن من الْعَرَب قلت وَيُوَافِقهُ قَول الأصمعى صححت أشعار الهذليين على شَاب من قُرَيْش بِمَكَّة يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن إِدْرِيس وَقَول عبد الْملك بن هِشَام الشافعى مِمَّن تُؤْخَذ عَنهُ اللُّغَة وَقَول أَبى عُثْمَان المازنى الشافعى حجَّة عندنَا فى النَّحْو قلت وَمَسْأَلَة الِاحْتِجَاج بمنطق الشافعى فى اللُّغَة والاستشهاد بِكَلَامِهِ نظما ونثرا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ وَلم أجد من أشْبع القَوْل فِيهِ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ نَازع فِيهِ فى كتاب الحديث: 38 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 الْبُرْهَان عِنْد الْكَلَام فى مَفْهُوم الصّفة وشاققناه نَحن فى شرح مختصرابن الْحَاجِب وَسمعت أَن أَبَا حَيَّان جمعه وَالشَّيْخ الإِمَام مجْلِس وَكَانَ أَبُو حَيَّان يرى وجوب حذف خبر لَوْلَا مُطلقًا وَالشَّيْخ الإِمَام يرى رأى ابْن مَالك من الْفرق بَين كَذَا 39 - يُوسُف بن يحيى الإِمَام الْجَلِيل أَبُو يَعْقُوب البويطى المصرى وبويط من صَعِيد مصر وَهُوَ أكبر أَصْحَاب الشافعى المصريين كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا عابدا زاهدا فَقِيها عَظِيما مناظرا جبلا من جبال الْعلم وَالدّين غَالب أوقاته الذّكر والتشاغل بِالْعلمِ غَالب ليله التَّهَجُّد والتلاوة سريع الدمعة تفقه على الشافعى واختص بِصُحْبَتِهِ وَحدث عَنهُ وَعَن عبد الله بن وهب وَغَيرهمَا الحديث: 39 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 روى عَنهُ الرّبيع المرادى وَهُوَ رَفِيقه وَإِبْرَاهِيم الحربى وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل الترمذى وَأَبُو حَاتِم وَقَالَ صَدُوق وَأحمد بن إِبْرَاهِيم بن فيل وَالقَاسِم بن هِشَام السمسار وَآخَرُونَ وَله الْمُخْتَصر الْمَشْهُور والذى اخْتَصَرَهُ من كَلَام الشافعى رضى الله عَنهُ قَالَ أَبُو عَاصِم هُوَ فى غَايَة الْحسن على نظم أَبْوَاب الْمَبْسُوط قلت وقفت عَلَيْهِ وَهُوَ مَشْهُور قَالَ أَبُو عَاصِم كَانَ الشافعى رضى الله عَنهُ يعْتَمد البويطى فى الْفتيا ويحيل عَلَيْهِ إِذا جَاءَتْهُ مَسْأَلَة قَالَ واستخلفه على أَصْحَابه بعد مَوته فتخرجت على يَدَيْهِ أَئِمَّة تفَرقُوا فى الْبِلَاد ونشروا علم الشافعى فى الْآفَاق وَقَالَ الرّبيع كَانَ أَبُو يَعْقُوب من الشافعى بمَكَان مكين وَقد قدمنَا فى تَرْجَمَة ابْن عبد الحكم مَا رَوَاهُ الْحَاكِم عَن إِمَام الْأَئِمَّة أَبى بكر بن خُزَيْمَة أَنه قَالَ كَانَ ابْن عبد الحكم أعلم من رَأَيْت بِمذهب مَالك فَوَقَعت بَينه وَبَين البويطى وَحْشَة عِنْد موت الشافعى فحدثنى أَبُو جَعْفَر السكرى قَالَ تنَازع ابْن عبد الحكم والبويطى مجْلِس الشافعى فَقَالَ البويطى أَنا أَحَق بِهِ مِنْك وَقَالَ الآخر كَذَلِك فجَاء الحميدى وَكَانَ تِلْكَ الْأَيَّام بِمصْر فَقَالَ قَالَ الشافعى لَيْسَ أحد أَحَق بمجلسى من يُوسُف وَلَيْسَ أحد من أصحابى أعلم مِنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْن عبد الحكم كذبت قَالَ لَهُ كذبت أَنْت وَأَبُوك وأمك وَغَضب ابْن عبد الحكم وَجلسَ البويطى فى مجْلِس الشافعى وَجلسَ ابْن عبد الحكم فى الطاق الثَّالِث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وَعَن الرّبيع أَن البويطى وَابْن عبد الحكم تنَازعا الْحلقَة فى مرض الشافعى فَأخْبر بذلك فَقَالَ الْحلقَة البويطى وَكَانَت الْفَتَاوَى ترد على البويطى من السُّلْطَان فَمن دونه وَهُوَ متنوع فى صنائع الْمَعْرُوف كثير التِّلَاوَة لَا يمر يَوْم وَلَيْلَة غَالِبا حَتَّى يخْتم فسعى بِهِ من يحسده وَكتب فِيهِ إِلَى ابْن أَبى دؤاد بالعراق فَكتب إِلَى والى مصر أَن يمتحنه فامتحنه فَلم يجب وَكَانَ الوالى حسن الرأى فِيهِ فَقَالَ لَهُ قل فِيمَا بينى وَبَيْنك قَالَ إِنَّه يقْتَدى بى مائَة ألف وَلَا يَدْرُونَ الْمَعْنى قَالَ وَكَانَ أَمر أَن يحمل إِلَى بَغْدَاد فى أَرْبَعِينَ رَطْل حَدِيد قيل وَكَانَ المزنى وحرملة وَابْن الشافعى مِمَّن سعى بالبويطى قَالَ جَعْفَر الترمذى فحدثنى الثِّقَة عَن البويطى أَنه قَالَ برِئ النَّاس من دمى إِلَّا ثَلَاثَة حَرْمَلَة والمزنى وَآخر قلت إِن صحت هَذِه الْحِكَايَة فالذى عندنَا فى إِبْهَام الثَّالِث أَنه رَاعى فِيهِ حق وَالِده رضوَان الله عَلَيْهِ قَالَ الرّبيع كَانَ البويطى أبدا يُحَرك شَفَتَيْه بِذكر الله وَمَا أَبْصرت أحدا أنزع بِحجَّة من كتاب الله من البويطى وَلَقَد رَأَيْته على بغل وفى عُنُقه غل وفى رجلَيْهِ قيد وَبَين الغل والقيد سلسلة حَدِيد وَهُوَ يَقُول إِنَّمَا خلق الله الْخلق بكن فَإِذا كَانَت مخلوقة فَكَأَن مخلوقا خلق بمخلوق وَلَئِن أدخلت عَلَيْهِ لأصدقنه يعْنى الواثق ولأموتن فى حديدى هَذَا حَتَّى يأتى قوم يعلمُونَ أَنه قد مَاتَ فى هَذَا الشَّأْن قوم فى حديدهم وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب أَيْضا خلق الله الْخلق بكن أفتراه خلق مخلوقا بمخلوق وَالله يَقُول بعد فنَاء الْخلق {لمن الْملك الْيَوْم} وَلَا مُجيب وَلَا داعى فَيَقُول تَعَالَى {لله الْوَاحِد القهار} فَلَو كَانَ مخلوقا مجيبا لفنى حَتَّى لَا يُجيب وَكَانَ يَقُول من قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 قلت يرحم الله أَبَا يَعْقُوب لقد قَامَ مقَام الصديقين قَالَ الساجى كَانَ البويطى وَهُوَ فى الْحَبْس يغْتَسل كل جُمُعَة ويتطيب وَيغسل ثِيَابه ثمَّ يخرج إِلَى بَاب السجْن إِذا سمع النداء فَيردهُ السجان وَيَقُول ارْجع رَحِمك الله فَيَقُول البويطى اللَّهُمَّ إنى أجبْت داعيك فمنعونى وَقَالَ أَبُو عَمْرو المستملى حَضَرنَا مجْلِس مُحَمَّد بن يحيى الذهلى فَقَرَأَ علينا كتاب البويطى إِلَيْهِ وَإِذا فِيهِ والذى أَسأَلك أَن تعرض حالى على إِخْوَاننَا أهل الحَدِيث لَعَلَّ الله يخلصنى بدعائهم فإنى فى الْحَدِيد وَقد عجزت عَن أَدَاء الْفَرَائِض من الطَّهَارَة وَالصَّلَاة فَضَجَّ النَّاس بالبكاء وَالدُّعَاء لَهُ قلت انْظُر إِلَى هَذَا الحبر رَحمَه الله لم يكن أسفه إِلَّا على أَدَاء الْفَرَائِض وَلم يتأثر بالقيد وَلَا بالسجن فرضى الله عَنهُ وجزاه عَن صبره خيرا وَمَا كَانَ أَبُو يَعْقُوب ليَمُوت إِلَّا فى الْحَدِيد كَيفَ وَقد قَالَ الرّبيع كنت عِنْد الشافعى أَنا والمزنى وَأَبُو يَعْقُوب فَقَالَ لى أَنْت تَمُوت فى الحَدِيث وَقَالَ لأبى يَعْقُوب أَنْت تَمُوت فى الْحَدِيد وَقَالَ للمزنى هَذَا لَو ناظره الشَّيْطَان لقطعه قَالَ الرّبيع فَدخلت على البويطى أَيَّام المحنة فرأيته مُقَيّدا إِلَى أَنْصَاف سَاقيه مغلولة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه وَقَالَ الرّبيع أَيْضا كتب إِلَى البويطى أَن اصبر نَفسك للغرباء وَحسن خلقك لأهل حلقتك فإنى لم أزل أسمع الشافعى رَحمَه الله يكثر أَن يتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت (أهين لَهُم نفسى لكى يكرمونها ... وَلنْ تكرم النَّفس الَّتِى لَا تهينها) مَاتَ البويطى فى شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فى سجن بَغْدَاد فى الْقَيْد والغل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 وَمن الْفَوَائِد عَن أَبى يَعْقُوب قَالَ أَبُو جَعْفَر الترمذى سَمِعت البويطى يحْكى عَن الشافعى أَنه قَالَ لَيْسَ من الْمُرُوءَة أَن يخبر الرجل بسنه روى ذَلِك الْحَاكِم أَبُو عبد الله بن البيع فى مَنَاقِب الشافعى وَرَوَاهُ غَيره أَيْضا قَالَ البويطى سُئِلَ الشافعى كم أصُول الْأَحْكَام قَالَ خَمْسمِائَة قيل لَهُ وَكم أصُول السّنة قَالَ خَمْسمِائَة قيل لَهُ كم مِنْهَا عِنْد مَالك قَالَ كلهَا إِلَّا خَمْسَة وَثَلَاثِينَ قيل لَهُ كم عِنْد ابْن عُيَيْنَة مِنْهَا قَالَ كلهَا إِلَّا خَمْسَة وَهَذِه غرائب استخرجها النووى رَحمَه الله من مُخْتَصر البويطى قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ فى بَاب النُّشُوز من البويطى إِذا تزوج الْحر أمة ثمَّ خالعه سَيِّدهَا على نفس الْأمة فَجَعلهَا عوض الْخلْع لم يَصح الْخلْع وهى امْرَأَته بِحَالِهَا لِأَن الْخلْع لَا يتم إِلَّا بِملكه وَإِذا ملكهَا انْفَسَخ النِّكَاح وَصَارَت ملكا لَهُ وَلَا يَقع الطَّلَاق على ملك وفى بَاب الدَّعْوَى والبينات مِنْهُ لَو ادّعى رجل على رجل أَو امْرَأَة بالعبودية وهما معروفان بِالْحُرِّيَّةِ فأقرا بذلك لم يجز وفى الْبَاب الْمَذْكُور مِنْهُ أَيْضا لَو قَالَ رجل من رمانى أَو من دخل الْمَسْجِد أَو الْبَيْت فَهُوَ ابْن الزَّانِيَة فَرَمَاهُ رجل أَو دخل رجل لم يجب عَلَيْهِ حد الْقَذْف وَكَذَا لَو قَالَ ذَلِك لإِنْسَان بِعَيْنِه لم يجب عَلَيْهِ الْحَد لِأَنَّهُ يعرف كذبه فَإِنَّهُ لَا يكون بِدُخُولِهِ أَو رميه زَانيا وفى بَاب طَلَاق الْحر وَالْأمة الْحرَّة ثَلَاثًا إِذا كَانَت الْأمة تَحت عبد فَطلقهَا وَأَرَادَ سَيِّدهَا أَن يُسَافر بهَا سَافر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وفى الْبَاب الْمَذْكُور مِنْهُ أَيْضا وَلَو قَالَ لامْرَأَته كلما ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَولدت اثْنَيْنِ فى بطن طلقت بِالْأولِ وَانْقَضَت عدتهَا بِالْآخرِ وَإِن وضعت ثَلَاثَة طلقت ثِنْتَيْنِ وَانْقَضَت عدتهَا بالثالث وَإِن ولدت أَرْبعا طلقت بِالثلَاثِ وَانْقَضَت عدتهَا بالرابع وَهَذِه غرائب استخرجها الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله من مُخْتَصر البويطى قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله نَص الإِمَام الشافعى فى البويطى على أَن الْأكل من رَأس الثَّرِيد وَالْقرَان بَين التمرتين والتعريس على قَارِعَة الطَّرِيق أَي النُّزُول لَيْلًا واشتمال الصماء حرَام قلت وللشيخ الإِمَام تصنيف فى هَذِه الْمسَائِل ضم إِلَيْهَا أَن الشافعى نَص فى الْأُم أَيْضا على تَحْرِيم احتباء الرجل بِثَوْب وَاحِد مفضيا بِوَجْهِهِ إِلَى السَّمَاء وَتَحْرِيم أكله مِمَّا لَا يَلِيهِ وفى الرسَالَة نَحْو ذَلِك وَقد ذكره أَبُو بكر الصيرفى شارحها مصوبا لَهُ وَهَذِه غرائب استخرجتها أَنا فَأَقُول قَالَ فى البويطى فى بَاب غسل الْجُمُعَة وَهُوَ بعد بَاب التَّيَمُّم كَيفَ هُوَ وَقبل كتاب الصَّلَاة وَإِذا ولغَ الْكَلْب فى الْإِنَاء غسل سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ لَا يطهره غير ذَلِك وَكَذَلِكَ روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخِنْزِير قِيَاسا عَلَيْهِ يغسل سبعا ويهراق مَا ولغَ فِيهِ الْخِنْزِير وَالْكَلب من مَاء أَو سمن أَو عسل أَو لبن أَو غير ذَلِك إِذا كَانَ ذائبا وَإِن كَانَ جَامِدا ألْقى مَا أكلا وَأكل مَا بقى انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وَهَذَا نَص وقفت عَلَيْهِ فى حَيَاة الْوَالِد رَحمَه الله وكتبته إِذْ ذَاك فى شرح منهاج البيضاوى ثمَّ كتبته فى شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَلم أزل أغتبط بِهِ ثمَّ الْآن وقفت فى مُخْتَصر البويطى أَيْضا فى أواخره فى بَاب اخْتِلَاف مَالك والشافعى قَالَ مَالك فى الْكَلْب يلغ فى الْإِنَاء وَفِيه لبن بالبادية إِنَّه يشرب اللَّبن وَيغسل الْإِنَاء سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ انْتهى وَلَو تجرد هَذَا عَمَّا نَص عَلَيْهِ فى بَاب غسل الْجُمُعَة لقيل إِنَّه إِنَّمَا قَالَه نقلا عَن مَالك لَكِن تبين لى أَن منقوله عَن مَالك الذى أَشَارَ إِلَى مُخَالفَة الشافعى لَهُ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ شرب اللَّبن أما تعين الأولى أَو الْأُخْرَى للْغسْل فالمذهبان متوافقان عَلَيْهِ وَمن الْعجب أَن النووى فى المنثورات مَعَ تجرده لغرائب البويطى لم يذكر هَذَا النَّص وَذكر السُّؤَال الْمَشْهُور على الْأَصْحَاب فى اقتصارهم على السَّبْعَة فى إِحْدَاهُنَّ من غير تعْيين الأولى وَالْأُخْرَى فى الْمُطلق على الْمُقَيد وَأجَاب عَنهُ وَلم يشْتَغل بِذكر هَذَا النَّص فَمَا أَظُنهُ وقف عَلَيْهِ وَقد بَينا بعد الْكَشْف أَن هَذَا النَّص أَمر مفروغ مِنْهُ عِنْد الْمُتَقَدِّمين ثَابت فى كل الرِّوَايَات وَقد نَقله صَاحب جمع الْجَوَامِع أَبُو سهل بن العفريس وَلَفظ النَّص عِنْده وكل مَا أصَاب فِيهِ آدمى مُسلم أَو كَافِر يَده أَو شرب مِنْهُ أَو شربت مِنْهُ دَابَّة فَلَيْسَتْ تنجسه إِلَّا دابتان الْكَلْب وَالْخِنْزِير فَإِن شرب مِنْهُ كلب أَو خِنْزِير لم يطهر إِلَّا بِأَن يغسل سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ لَا يطهر إِلَّا بذلك انْتهى ذكره فى بَاب المَاء الراكد وهى عبارَة الشافعى رضى الله عَنهُ لِأَن أَبَا سهل لَا يُغير من الْعبارَة شَيْئا إِنَّمَا يحْكى النُّصُوص بألفاظها وَكَذَلِكَ سَائِر من يجمع النُّصُوص لَيْسَ لَهُم فى أَلْفَاظ الشافعى رضى الله عَنهُ تصرف لَكِن رَأَيْت فى أصل قديم بِكِتَاب ابْن العفريس أَو إِحْدَاهُنَّ فجوزت أَن يكون إِحْدَاهُنَّ بِالدَّال تصحفت بأخراهن بالراء كَمَا قيل مثله فى الحَدِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وَكَذَلِكَ وجدت فى كتاب الإشراف لِابْنِ الْمُنْذر مَا نَصه وَكَانَ الشافعى وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرأى يَقُولُونَ المَاء الذى ولغَ الْكلاب فِيهِ نجس يهراق وَيغسل الْإِنَاء أولَاهُنَّ أَو أخراهن بِالتُّرَابِ انْتهى أَوْلَاد الموالى وموالى الموالى هَل يدْخلُونَ فى الْوَقْف على الموالى هَذَا فرع حسن نَص البويطى على أَن أَوْلَاد الموالى يدْخلُونَ وموالى الموالى أى عتقاؤهم لَا يدْخلُونَ وَهَذِه عِبَارَته قَالَ رَحمَه الله فى أَوَاخِر بَاب الأحباس قبل بَاب بُلُوغ الرشد وَهُوَ فى أَوَاخِر الْكتاب قَالَ أَبُو يَعْقُوب وَإِذا قَالَ دارى حبس على موالى وَله موَالٍ من فَوق وَمن أَسْفَل وَلم يبين فقد قيل هُوَ بَينهمَا وَقيل بوقفه حَتَّى يصطلحوا وَإِن قَالَ موالى من أَسْفَل ولولده موَالٍ من أَسْفَل لم يدْخل فى ذَلِك إِلَّا موَالِيه خَاصَّة وَولد موَالِيه وَلم يدْخل فى ذَلِك موالى موَالِيه لِأَن الْوَلَاء لَهُم قبله وينسبون إِلَيْهِم وَأَوْلَادهمْ بِمَنْزِلَة آبَائِهِم لأَنهم موَالِيه انْتهى وَهُوَ من كَلَام أَبى يَعْقُوب لَا من كَلَام الشافعى رضى الله عَنهُ وَقَوله وَقيل بوقفه حَتَّى يصطلحوا فى الْمَسْأَلَة الأولى هُوَ القَوْل الذى حَكَاهُ الرافعى فى بَاب الْوَصِيَّة عَن حِكَايَة البويطى وَلم يذكرهُ فى كتاب الْوَقْف وَحَكَاهُ النووى فى الْوَقْف وَجها من زِيَادَته عَن حِكَايَة الدارمى ثمَّ قَالَ إِنَّه لَيْسَ بشئ وَاعْلَم أَن صَاحب الْبَحْر نقل مَسْأَلَة أَوْلَاد الموالى وموالى الموالى فَقَالَ الْأخْتَان يَجْتَمِعَانِ فى الْملك فيطأ الْمَالِك وَاحِدَة ثمَّ يطَأ الْأُخْرَى قبل أَن يحرم الأولى قَالَ أَصْحَابنَا قاطبة إِذا كَانَ لَهُ أمتان وهما أختَان فوطئ إِحْدَاهمَا حرمت الْأُخْرَى حَتَّى تحرم الأولى عَلَيْهِ بتزويج أَو كِتَابَة وَنَحْو ذَلِك فَإِن أقدم وَوَطئهَا قبل ذَلِك أَثم وَلم يجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 الْحَد للشُّبْهَة ثمَّ الثَّانِيَة مستمرة على التَّحْرِيم كَمَا كَانَت وَالْأولَى مستمرة على الْحل وَالْحرَام لَا يحرم الْحَلَال وَعَن أَبى مَنْصُور بن مهْرَان أستاذ الأودنى إِنَّه إِذا أحبل الثَّانِيَة حلت وَحرمت الْمَوْطُوءَة وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ اقْتصر الرافعى قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله فى شرح الْمِنْهَاج وفى البويطى إِذا كَانَ عِنْده أمتان أختَان فوطئهما قيل لَهُ لَا تقربهما حَتَّى تحرم فرج إِحْدَاهمَا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا يقتضى إِثْبَات قَول آخر أَنه بِوَطْء الثَّانِيَة يحرمان جَمِيعًا قلت وَقد وقفت على النَّص فى البويطى فى بَاب الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ وَهُوَ نَحْو نصف الْكتاب وَقد أَخطَأ بعض النَّاس ففهم من هَذَا النَّص أَن الْحَال بِوَطْء الثَّانِيَة يصيرهما كَمَا لَو اشتراهما ابْتِدَاء بِحَيْثُ يجوز لَهُ أَن يقدم بعده على وَطْء من شَاءَ مِنْهُمَا ثمَّ يحرم الْأُخْرَى وَهُوَ سوء فهم وفى قَوْله لَا يقربهما مَا يرد قَوْله 40 - يُونُس بن عبد الْأَعْلَى بن مُوسَى بن ميسرَة بن حَفْص بن حَيَّان الإِمَام الْكَبِير أَبُو مُوسَى الصدفى المصرى الْفَقِيه المقرى ولد فى ذى الْحجَّة سنة سبعين وَمِائَة وَقَرَأَ الْقُرْآن على ورش وَغَيره وأقرأ النَّاس وَسمع الحَدِيث من سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن وهب والوليد بن مُسلم ومعن بن عِيسَى وأبى ضَمرَة أنس بن عِيَاض والشافعى وَأخذ عَنهُ الْفِقْه وَطَائِفَة أُخْرَى الحديث: 40 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 روى عَنهُ مُسلم والنسائى وَابْن ماجة وَأَبُو عوَانَة وَأَبُو بكر بن زِيَاد النيسابورى وَأَبُو الطَّاهِر المدينى وَخلق وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم بديار مصر وروى عَن الشافعى رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ مَا رَأَيْت بِمصْر أحدا أَعقل من يُونُس ابْن عبد الْأَعْلَى وَقَالَ يحيى بن حسان يونسكم هَذَا من أَرْكَان الْإِسْلَام وَكَانَ يُونُس من جملَة الَّذين يتعاطون الشَّهَادَة أَقَامَ يشْهد عِنْد الْحُكَّام سِتِّينَ سنة قَالَ النسائى يُونُس ثِقَة وَقَالَ ابْن أَبى حَاتِم سَمِعت أَبى يوثق يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَيرْفَع من شَأْنه قلت لم يتَكَلَّم أحد فى يُونُس وَلَا نقموا عَلَيْهِ إِلَّا تفرده عَن الشافعى بِالْحَدِيثِ الذى فى مَتنه وَلَا مهدى إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم فَإِنَّهُ لم يروه عَن الشافعى غَيره وَلَكِن ذَلِك غير قَادِح فالرجل ثِقَة ثَبت وَكَانَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله يُنَبه على فَائِدَة وهى أَن حَدِيثه الْمَذْكُور عَن الشافعى إِنَّمَا قَالَ فِيهِ حدثت عَن الشافعى وَلم يقل حَدَّثَنى الشافعى قَالَ هَكَذَا هُوَ مَوْجُود فى كتاب يُونُس رِوَايَة أَبى الطَّاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد المدينى عَنهُ وَرَوَاهُ جمَاعَة عَنهُ عَن الشافعى فَكَأَنَّهُ دلسه بِلَفْظَة عَن وَأسْقط ذكر من حَدثهُ بِهِ عَن الشافعى فَالله أعلم هَذَا كَلَام شَيخنَا رَحمَه الله تَعَالَى وَأَنا أَقُول قد صرح الروَاة عَن يُونُس بِأَنَّهُ قَالَ حَدثنَا الشافعى فَأخْبرنَا مُحَمَّد بن عبد المحسن السبكى الْحَاكِم قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَ أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن على بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة بن الحبوبى سَمَاعا عَلَيْهِ عَن أَبى الْوَفَاء مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان بن مندة أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر الباغبان أخبرنَا أَبُو عَمْرو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 عبد الْوَهَّاب بن أَبى عبد الله مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن مندة أخبرنَا أَبى الإِمَام أَبُو عبد الله أخبرنَا أَبُو على الْحسن بن يُوسُف الطرائفى بِمصْر وَأحمد بن عمر وَأَبُو الطَّاهِر قَالَا حَدثنَا أَبُو مُوسَى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى بن ميسرَة الصدفى حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشافعى حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد الجندى عَن أبان بن صَالح عَن الْحسن بن أَبى الْحسن عَن أنس بن مَالك عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (لَا يزْدَاد الْأَمر إِلَّا شدَّة وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إدبارا وَلَا النَّاس إِلَّا شحا وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس وَلَا مهدى إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم) وأخبرناه أَيْضا أَبى الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن صصرى بِدِمَشْق وَإِسْمَاعِيل بن نصر الله ابْن أَحْمد بن عَسَاكِر بِالْقَاهِرَةِ قَالَا أخبرنَا أَبُو المكارم عبد الْوَاحِد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الْوَاحِد الأزدى أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الشافعى أخبرنَا أَبُو الْحسن على ابْن الْحسن بن الْحُسَيْن الموازينى أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان ابْن أَبى نصر أخبرنَا القاضى أَبُو بكر يُوسُف بن الْقَاسِم الميانجى حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة النيسابورى وَأحمد بن مُحَمَّد بن شَاكر الزنجانى بالميانج وَأَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم بالرى وزَكَرِيا بن يحيى الساجى بِالْبَصْرَةِ وَأحمد بن مُحَمَّد الطحاوى وَغَيرهم بِمصْر والقاضى عبد الله بن مُحَمَّد القزوينى قَالُوا حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى فَذكره بِلَفْظِهِ انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ ابْن ماجة فَرَوَاهُ فى سنَنه عَن يُونُس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وَقيل إِن الشافعى تفرد بِهِ عَن مُحَمَّد بن خَالِد الجندى وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ قد تَابعه عَلَيْهِ زيد بن السكن وعَلى بن الزيد اللحجى فروياه عَن مُحَمَّد بن خَالِد وَتكلم جمَاعَة فى هَذَا الحَدِيث وَالصَّحِيح فِيهِ أَن الجندى تفرد بِهِ وَذكر أَبُو عبد الله الْحَاكِم أَن الْجند رجل مَجْهُول قَالَ وَقَالَ صَامت بن معَاذ عدلت إِلَى الْجند مسيرَة يَوْمَيْنِ من صنعاء فَدخلت على مُحدث لَهُم فطلبت هَذَا الحَدِيث فَوَجَدته عِنْده عَن مُحَمَّد بن خَالِد الجندى عَن أبان بن أبي عَيَّاش وَهُوَ مَتْرُوك عَن الْحسن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُنْقَطع وَأما الشافعى فَلم يروه عَنهُ غير يُونُس وَأما يُونُس فَرَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق الإسفراينى وَابْن ماجة وَعبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم وَأَبُو بكر بن زِيَاد وَهَؤُلَاء أَئِمَّة رَحِمهم الله أَجْمَعِينَ مَاتَ يُونُس فى ربيع الآخر سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وبذكره نختتم الطَّبَقَة الأولى ونقتصر فِيهَا على من ذَكرْنَاهُ وَاعْلَم أَن فى الروَاة عَن الشافعى كَثْرَة وَقد أفردهم الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدارقطنى فى جُزْء وَنحن لم نذْكر إِلَّا من تمذهب بمذهبه أَو كَانَ كَبِير الْقدر لنبين أَنه إِنَّمَا حصل على مَا حصل بِسَبَبِهِ وَإِلَّا فقد أهملنا الْكثير من الروَاة عَنهُ وأسقطنا مَا لَا نرى لذكره معنى غير سَواد فى بَيَاض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَن يُونُس قَالَ يُونُس سَمِعت الشافعى يَقُول لَوْلَا مَالك وَابْن عُيَيْنَة لذهب علم الْحجاز قَالَ وسمعته يَقُول إِذا جَاءَ مَالك فمالك النَّجْم قَالَ يُونُس فِيمَا رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فى كتاب الْعلم سَمِعت الشافعى يَقُول إِذا سَمِعت الرجل يَقُول الِاسْم غير الْمُسَمّى أَو الِاسْم الْمُسَمّى فاشهد عَلَيْهِ أَنه من أهل الْكَلَام وَلَا دين لَهُ قلت وَهَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا روى فى ذمّ الْكَلَام وَقد روى مَا يُعَارضهُ وللحافظ ابْن عَسَاكِر فى كتاب تَبْيِين كذب المفترى على أَمْثَال هَذِه الْكَلِمَة كَلَام لَا مزِيد على حسنه ذكرت بعضه مَعَ زيادات فى كتاب منع الْمَوَانِع حكى يُونُس عَن الشافعى فى بَاب الْعدَد أَنه قَالَ اخْتلف عمر وعَلى رضى الله عَنْهُمَا فى ثَلَاث مسَائِل الْقيَاس فِيهَا مَعَ على وَبِقَوْلِهِ أَقُول إِحْدَاهَا إِذا تزوجت فى عدتهَا وَدخل بهَا الثانى حرمهَا على الثانى أبدا عمر بن الْخطاب وَبِه أَخذ مَالك وَأحمد فى رِوَايَة وَهُوَ قَول قديم وَعند على لَا تحرم على التَّأْبِيد وَهُوَ الْجَدِيد وَهَكَذَا الْخلاف فى كل وَطْء أفسد النّسَب هَل يحرم بِهِ على الْمُفْسد أبدا مثل وَطْء زَوْجَة غَيره بِشُبْهَة أَو أمة غَيره بِشُبْهَة وَوَجهه المؤيدون بِأَنَّهُ استعجل الْحق قبل وقته فحرمه الله تَعَالَى فى وقته كالميراث إِذا قتل مُوَرِثه لم يَرِثهُ وَبِأَنَّهُ سَبَب يفْسد فَيحرم بِهِ على التَّأْبِيد كاللعان وَحجَّة الْجَدِيد قَوْله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} وَهَذِه من وَرَاء ذَلِكُم وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ مُبَاحا لم يحرم بِهِ على التَّأْبِيد فَكَذَلِك إِذا كَانَ حَرَامًا بِالزِّنَا وَلِأَن الْخُصُوم فرقوا بَين الْعَالم فَلم يحرموها عَلَيْهِ أبدا قَالُوا لِأَنَّهُ جَاره بِالْحَدِّ وَالْجَاهِل فَفِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 حرموها أبدا وَالْفرق فَاسد لِأَن الْعَالم أَشد جرما وبالزنا يفْسد النّسَب أَيْضا فى كَلِمَات كَثِيرَة لعلمائنا وَوجه الشافعى كَون الْقيَاس مَعَ على كرم الله وَجهه بِأَن الْوَطْء لَا يقتضى تَحْرِيم الْمَوْطُوءَة على الواطىء بل تَحْرِيم غَيرهَا على الواطىء وتحريمها على غير الواطىء فَمَا قَالُوهُ خلاف الْأُصُول وَأطَال أَصْحَابنَا فى هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى أنكر أهل الْبَصْرَة أَن يكون للشافعى قَول قديم فِيهَا قَالُوا وَإِنَّمَا ذكره حِكَايَة لَا مذهبا الثَّانِيَة امْرَأَة الْمَفْقُود قَالَ عمر تنْكح بعد التَّرَبُّص وَهُوَ الْقَدِيم وَقَالَ على تصبر أبدا وَهُوَ الْجَدِيد وَلَفظ على إِنَّهَا امْرَأَة ابْتليت فَلتَصْبِر وَالثَّالِثَة إِذا تزوجت الرَّجْعِيَّة بعد انْقِضَاء الْعدة وَكَانَ زَوجهَا الْمُطلق غَائِبا وَدخل بهَا الثانى ثمَّ عَاد الْمُطلق وَأقَام بَيِّنَة أَنه كَانَ رَاجعهَا قبل انْقِضَاء عدتهَا قَالَ عمر الثانى أَحَق بهَا وَقَالَ على بل هى للْأولِ وَهُوَ قَوْلنَا ذكر هَذَا كُله الرويانى فِي الْبَحْر فى كتاب الْعدَد وَلم يذكرهُ الماوردى فى الحاوى مَعَ تتبعه لأمثال ذَلِك وَهُوَ ثَابت عَن الشافعى مروى بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ رَوَاهُ ابْن أَبى حَاتِم وَابْن حمكان فى مَنَاقِب الشافعى وَغَيرهمَا وروى عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم فى كِتَابه فى آدَاب الشافعى أَنه سمع يُونُس يَقُول سَمِعت الشافعى يَقُول لَو أتم مُسَافر الصَّلَاة مُتَعَمدا مُنْكرا للقصر فَعَلَيهِ إِعَادَة الصَّلَاة وَهَذَا شىء غَرِيب قَالَ ابْن خُزَيْمَة سَمِعت يُونُس وَذكر الشافعى فَقَالَ كَانَ يناظر الرجل حَتَّى يقطعهُ ثمَّ يَقُول لمناظره تقلد أَنْت الْآن قولى وأتقلد قَوْلك فيتقلد المناظر قَوْله ويتقلد الشافعى قَول المناظر فَلَا يزَال يناظره حَتَّى يقطعهُ وَكَانَ لَا يَأْخُذ فى شىء إِلَّا تَقول هَذِه صناعته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 قَالَ يُونُس قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} الْفَاحِشَة أَن تبذو على أهل زَوجهَا وَقَالَ أصح الْمعَانى فى قَوْله تَعَالَى {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} الْوَلَد والحيضة لَا تكْتم ذَلِك عَن زَوجهَا مَخَافَة أَن يُرَاجِعهَا وَقَالَ يُونُس قَالَ الشافعى فى قَوْله تَعَالَى {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة} الْآيَة كلهَا نسخت بِالْحَدِيثِ قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خُذُوا عَنى خُذُوا عَنى قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا على الْبكر جلد مائَة وتغريب عَام وعَلى الثّيّب الرَّجْم) قلت هَذَا يدل على أَن الشافعى لَا يمْنَع نسخ الْقُرْآن بِالسنةِ وَقد أطلنا فى الْكَلَام على ذَلِك فى أصُول الْفِقْه قَالَ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو الْوَلِيد النيسابورى حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود قَالَ سَأَلَ إِنْسَان يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن معنى قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أقرُّوا الطير على مكناتها) فَقَالَ إِن الله يحب الْحق إِن الشافعى قَالَ كَانَ الرجل فى الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ الْحَاجة أَتَى الطير فى وَكره فنفره فَإِن أَخذ ذَات الْيَمين مضى لِحَاجَتِهِ وَإِن أَخذ ذَات الشمَال رَجَعَ فَنهى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك قَالَ وَكَانَ الشافعى رَحمَه الله نَسِيج وَحده فى هَذِه الْمعَانى وَقَالَ مُحَمَّد بن مهَاجر سَأَلت وكيعا عَن تَفْسِير هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هُوَ صيد اللَّيْل فَذكرت لَهُ قَول الشافعى فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ مَا كُنَّا نظنه إِلَّا صيد اللَّيْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 قلت المكنات وَاحِدهَا مكنة بِكَسْر الْكَاف وَقد تفتح وهى فى الأَصْل بيض الضباب وَقيل هى هُنَا بِمَعْنى الْأَمْكِنَة وَقيل مكناتها جمع مكن وَمكن جمع مَكَان كصعدات فى صعد وحمرات فى حمر قَالَ يُونُس قلت للشافعى مَا تَقول فى رجل يصلى وَرجل قَاعد فعطس الْقَاعِد فَقَالَ لَهُ الْمصلى رَحِمك الله قَالَ لَهُ الشافعى لَا تَنْقَطِع صلَاته قَالَ لَهُ يُونُس كَيفَ وَهَذَا كَلَام قَالَ إِنَّمَا دَعَا الله لَهُ وَقد دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الصَّلَاة لقوم وعَلى آخَرين قلت وَقد صحّح الرويانى هَذَا النَّص وَصحح الْمُتَأَخّرُونَ بطلَان الصَّلَاة بِهِ قَالَ يُونُس كُنَّا فى مجْلِس الشافعى فَقَالَ مَا أبين من حى فَهُوَ ميت فَقَامَ إِلَيْهِ غُلَام لم يبلغ الْحلم فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله لَا يخْتَلف النَّاس أَن الشّعْر وَالصُّوف مجزوز من حى وَهُوَ طَاهِر فَقَالَ الشافعى لم أرد إِلَّا فى المتعبدين نَقله الآبرى فى كِتَابه وَقَالَ يعْنى بالمتعبدين الْآدَمِيّين بِخِلَاف الْبَهَائِم قَالَ يُونُس سَمِعت الشافعى يَقُول أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَا دَاوُد وعزتى وجلالى لأبترن كل شفتين تكلمتا بِخِلَاف مَا فى الْقلب قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَبى مَرْوَان يَقُول سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول سَمِعت يُونُس بن عبد الْأَعْلَى يَقُول إِن أم الشافعى رضى الله عَنهُ فَاطِمَة بنت عبيد الله بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن على بن أَبى طَالب وَإِنَّهَا هى الَّتِى حملت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 الشافعى رضى الله عَنهُ إِلَى الْيَمين وأدبته وَإِن يُونُس كَانَ يَقُول لَا أعلم هاشميا وَلدته هاشمية إِلَّا على بن أَبى طَالب والشافعى رضى الله عَنْهُمَا قلت وَهَذَا قَول من قَالَ إِن أم الشافعى رضى الله عَنهُ من ولد على كرم الله وَجهه وَعَلِيهِ الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الفارسى فَإِنَّهُ نَصره فى كِتَابه الذى صنفه فى نسب الشافعى لَكِن أنكرهُ زَكَرِيَّا الساجى وَأَبُو الْحسن الآبرى والبيهقى والخطيب والأردستانى وَزَعَمُوا أَنَّهَا كَانَت أزدية وَمِنْهُم من قَالَ أسدية وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ لما قدم مصر سَأَلَهُ بعض أَهلهَا أَن ينزل عِنْده فَأبى وَقَالَ إنى أنزل على أخوالى الأسديين قلت وَأَنا أَقُول لَا دلَالَة فِي هَذَا على أَن أمه أسدية لجَوَاز أَن تكون الأَسدِية أم أَبِيه أَو أم جده وَنَحْو ذَلِك وَيكون اقْتدى فى ذَلِك قولا وفعلا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هَاجر وَقدم الْمَدِينَة وَنزل على أخوال عبد الْمطلب إِكْرَاما لَهُم فَمَا ذكره يُونُس من أَن أمه من ولد على قَول لم يظْهر لى فَسَاده بل أَنا أميل إِلَيْهِ فَإِن قلت قد ضعفه من ذكرت من الْأَئِمَّة وَجعل البيهقى الْحمل فِيهِ على أَحْمد ابْن الْحُسَيْن ابْن أَبى مَرْوَان وَاحْتج بمخالفة سَائِر الرِّوَايَات لَهُ قلت لم يتَبَيَّن لى مخالفتها فَإِن غايتها مَا ذكرت من أَنه رضى الله عَنهُ قَالَ أنزل على أخوالى الأسديين وَقد بَينا أَنه يُمكن حمل ذَلِك على أخوال الْأَب وَنَحْوه والمصير إِلَى ذَلِك مُتَعَيّن للْجمع بَينه وَبَين هَذِه الرِّوَايَة الصَّرِيحَة فى تعْيين اسْم أمة وَسِيَاق نَسَبهَا إِلَى على كرم الله وَجهه وَضعف ابْن أَبى مَرْوَان لم يثبت عندنَا وَلَو كَانَ لم يسكت عَنهُ الْحَاكِم إِن شَاءَ الله وَالَّذين قَالُوا إِن أمه أسدية رُبمَا قَالُوا أَيْضا أزدية ثمَّ قَالُوا الأزد والأسد شىء وَاحِد وَلم يعينوا لَهَا اسْما وَلَا ساقوا نسبا وَغَايَة بَعضهم أَن كناها أم حَبِيبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 فَإِن قلت قد ذكرُوا أَن ابْن عبد الحكم قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول أمى من الأزد قلت وَقد ذكرنَا أَن يُونُس قَالَ مَا أبديناه وَالله أعلم أى الْأَمريْنِ أثبت وَالْجمع بَينهمَا عِنْد الثُّبُوت مُمكن بِالطَّرِيقِ الَّتِى ذكرنَا فَإِن قلت فقد وَافق ابْن المقرى الْجَمَاعَة على تَضْعِيف كَونهَا علوِيَّة محتجا بقول الشافعى فى حكايته مَعَ إِبْرَاهِيم الحجبى الذى تقدّمت فى تَرْجَمَة الْحَارِث النقال على ابْن عمى قَالَ وَلم يقل جدى قَالَ وَلَو كَانَ جده لذكر ذَلِك لِأَن الجدودة أقوى من الخؤولة والعمومة قلت يحْتَمل أَن يُقَال إِنَّمَا اقْتصر على كَونه ابْن عَمه لِأَنَّهَا الْقَرَابَة من جِهَة الْأَب وَأما الجدودة فَإِنَّهَا قرَابَة من جِهَة الْأُم والقرابة من جِهَة الْأُم لَا تذكر غَالِبا ثمَّ الْأَمر فى هَذِه الْمَسْأَلَة موهوم فلسنا فِيهَا على قطع وَلَا ظن غَالب وَمَا ذَكرْنَاهُ من اقْتِصَاره على أَنه ابْن عَمه للمعنى الذى أبديناه حسن فى الْجَواب لَو وَقع الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فى كل الرِّوَايَات لَكِن فى بَعْضهَا ابْن عمى وَابْن خالتى وَذكر الخؤولة يضعف مَا أبديناه وَلَا عَظِيم فى الْمَسْأَلَة وأى الْأَمريْنِ مِنْهَا ثَبت فشرفه بَين فَإِن الأزد أَيْضا قَالَ فيهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا رَوَاهُ الترمذى الأزد أَسد الله فى الأَرْض يُرِيد النَّاس أَن يضعوهم ويأبى الله إِلَّا أَن يرفعهم الحَدِيث وَكَانَت أمه رضى الله عَنْهَا بِاتِّفَاق النقلَة من العابدات القانتات وَمن أذكى الْخلق فطْرَة وهى الَّتِى شهِدت هى وَأم بشر المريسى بِمَكَّة عِنْد القاضى فَأَرَادَ أَن يفرق بَينهمَا ليسألهما منفردتين عَمَّا شهدتا بِهِ استفسارا فَقَالَت لَهُ أم الشافعى أَيهَا القاضى لَيْسَ لَك ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} فَلم يفرق بَينهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 قلت وَهَذَا فرع حسن وَمعنى قوى واستنباط جيد ومنزع غَرِيب وَالْمَعْرُوف فى مَذْهَب وَلَدهَا رضى الله عَنهُ إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْحَاكِم إِذا ارتاب بالشهود اسْتحبَّ لَهُ التَّفْرِيق بَينهم وكلامها رضى الله عَنْهَا صَرِيح فى اسْتثِْنَاء النِّسَاء للمنزع الذى ذكرته وَلَا بَأْس بِهِ فَإِن قلت هَذَا الذى جَاءَ فى بعض الرِّوَايَات من قَول الشافعى فى على كرم الله وَجهه ابْن خالتى مَا وَجهه فَإِن كَونه ابْن عَمه وَاضح وَأما كَونه ابْن خَالَته فَغير وَاضح قلت قد وجهوه بِأَن أم السَّائِب بن عبيد جد الشافعى رضى الله عَنهُ هى الشفا بنت الأرقم بن هَاشم بن عبد منَاف وَأم هَذِه الْمَرْأَة خليدة بنت أَسد بن هَاشم بن عبد منَاف وَأم على بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم ابْن عبد منَاف فَظهر أَن عليا كرم الله وَجهه ابْن خَالَة الشافعى بِمَعْنى ابْن خَالَة أم جده خَاتِمَة لهَذِهِ الطَّبَقَة الأولى اعْلَم أَن فى الروَاة عَن الشافعى رضى الله عَنهُ كَثْرَة وَقد أفردهم الْحَافِظ أَبُو الْحسن الدارقطنى بِجُزْء وَنحن اقتصرنا على من تمذهب بمذهبه أَو كَانَ كَبِير الْقدر فى نَفسه وأسقطنا ذكر من لَا نرى لذكره كَبِير معنى غير سَواد فى بَيَاض بِحَيْثُ أسقطنا ذكر جمَاعَة ذكرهم أَبُو عَاصِم العبادى وَغَيره مِمَّن صنف فى الطَّبَقَات وفيمن أَخذ علم الشافعى وعزى إِلَيْهِ وعاصره وَذكر الْأَصْحَاب فى الطَّبَقَات عبد الرَّحْمَن بن مهدى وَيحيى بن سعيد الْقطَّان أما عبد الرَّحْمَن بن مهدى بن حسان بن عبد الرَّحْمَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 الطَّبَقَة الثَّانِيَة فِيمَن توفى بعد الْمِائَتَيْنِ مِمَّن لم يصحب الشافعى وَإِنَّمَا اقتفى أَثَره وَاكْتفى بِمن استطلع خَبره وَاصْطفى طَرِيقه الذى أطلع فى دياجى الشكوك قمره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 41 - أَحْمد بن سيار بن أَيُّوب أَبُو الْحسن المروزى الزَّاهِد الْحَافِظ أحد الْأَعْلَام سمع عَفَّان وَسليمَان بن حَرْب وعبدان وَمُحَمّد بن كثير وَصَفوَان بن صَالح الدمشقى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَيحيى بن بكير وطبقتهم وروى عَنهُ النسائى وَوَثَّقَهُ وَقَالَ فى مَوضِع آخر لَيْسَ بِهِ بَأْس وَابْن خُزَيْمَة وَمُحَمّد بن نصر المروزى وحاجب الطوسى وَخلق وفى صَحِيح البخارى حَدثنَا أَحْمد حَدثنَا مُحَمَّد بن أَبى بكر المقدمى فَقيل إِن أَحْمد الْمشَار إِلَيْهِ هَذَا وَكَانَ يشبه بِابْن الْمُبَارك فى زَمَانه وَهُوَ مُصَنف تَارِيخ مرو وَتوفى فى ربيع الآخر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَقد اسْتكْمل سبعين سنة وَمن مسَائِله قَوْله إِن الْمصلى إِذا لم يرفع يَدَيْهِ للافتتاح لَا تصح صلَاته قَالَ ابْن الصّلاح وَقد نظرت فَلم أجد ذَلِك محكيا عَن أحد قلت سيأتى إِن شَاءَ الله تَعَالَى فى تَرْجَمَة ابْن خُزَيْمَة مَا يُوَافقهُ وَنَقله النووى فى تَهْذِيب الْأَسْمَاء عَن دَاوُد وَمِنْهَا أَنه قَالَ بِإِيجَاب الْأَذَان للْجُمُعَة دون غَيرهَا الحديث: 41 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 42 - أَحْمد بن عبد الله بن سيف أَبُو بكر السجستانى حكى أَنه سمع المزنى يَقُول وَقد سُئِلَ عَمَّن تزوج امْرَأَة على بَيت شعر يجوز على معنى قَول الشافعى إِذا كَانَ مثل قَول الْقَائِل (يُرِيد الْمَرْء أَن يعْطى مناه ... ويأبى الله إِلَّا مَا أَرَادَا) (يَقُول الْمَرْء فائدتى ومالى ... وتقوى الله أكْرم مَا استفادا) وروى عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن الشافعى رضى الله عَنهُ أَنه سمع رجلَيْنِ يتعاتبان والشافعى يسمع كَلَامهمَا فَقَالَ لأَحَدهمَا إِنَّك لَا تقدر أَن ترْضى النَّاس كلهم فَأصْلح مَا بَيْنك وَبَين الله وَلَا تبال بِالنَّاسِ ذكره الْحَافِظ أَبُو سعد بن السمعانى فى تَرْجَمَة الْحَافِظ أَبى مَسْعُود عبد الْجَلِيل بن مُحَمَّد بن كوتاه وروى عَن المزنى قَالَ قَالَ الشافعى فِيمَن تكشف فى الْحمام إِنَّه لَا تقبل شَهَادَته لِأَن السّتْر فرض 43 - أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سهل أَبُو بكر الفارسى صَاحب عُيُون الْمسَائِل إِمَام جليل وَهُوَ مِمَّن استبهم على أمره ففى طَبَقَات أَبى عَاصِم العبادى ذكره فى الطَّبَقَة الحديث: 42 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 الثَّانِيَة مَعَ ابْن خُزَيْمَة وأنظاره قبل أَبى عبد الله البوشنجى وَمُحَمّد بن نصر وَغَيرهمَا وَقَضِيَّة هَذَا أَن يكون أَخذ عَمَّن لقى الشافعى رضى الله عَنهُ وَيُؤَيّد ذَلِك أَن مَحْمُود الخوارزمى ذكر أَنه تفقه على المزنى وَأَنه أول من درس مَذْهَب الشافعى ببلخ بِرِوَايَة المزنى كَذَا نَص عَلَيْهِ فى تَرْجَمَة أَبى الْحَيَاة مُحَمَّد بن أَبى قَاسم عبد الله ابْن أَبى بكر مُحَمَّد بن أَبى على الْحسن بن أَبى الْحسن على بن الإِمَام أَبى بكر أَحْمد بن الْحسن بن سهل وَقَالَ سمعته يعْنى أَبَا الْحَيَاة يذكر أَن سهلا الذى فى نسبه من التَّابِعين ويوافق هَذَا قَول من قَالَ إِن أَبَا بكر الفارسى توفى سنة خمس وثلثمائة قبل ابْن سُرَيج وَهُوَ مَا ذكرته فى الطَّبَقَات الْوُسْطَى لكنى على قطع بِأَن صَاحب عُيُون الْمسَائِل توفى بعد ابْن سُرَيج لأنى رَأَيْت أصلا أصيلا من كِتَابه مَوْقُوفا بخزانة الْمدرسَة البادرائية بِدِمَشْق وَمِمَّا دلنى على أَنه كتب فى حَيَاته قَول كَاتبه فِيمَا دَعَا بِهِ لمصنفه مد الله فى عمره وأدام عزه وَذكر فى آخر الْجُزْء الأول مِنْهُ أَنه فرغ مِنْهُ لَيْلَة الْأَحَد لليلة مَضَت من ذى الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلثمائة بسمرقند فى ولَايَة الْأَمِير أَبى مُحَمَّد نوح بن نصر مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه صُورَة خطه وَذكر فى آخر الْكتاب أَنه فرغه فى شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلثمائة وَهَذِه النُّسْخَة مجزأَة ثَمَانِيَة أَجزَاء ضمن مُجَلد وَاحِد وَقد استكتبت مِنْهَا نُسْخَة ليحيى هَذَا الْكتاب فإنى لم أجد بِهِ إِلَّا هَذِه النُّسْخَة وَفِيمَا ذكرته مَا يدل على أَنه كَانَ مَوْجُودا سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلثمائة ويوافق هَذَا مَنَام لِابْنِ سُرَيج شهير مِمَّن حَكَاهُ عَنهُ أَبُو بكر الفارسى سَنذكرُهُ فى تَرْجَمَة ابْن سُرَيج إِن شَاءَ الله مَعَ قَرَائِن مُحَققَة بِأَنَّهُ من تلامذة ابْن سُرَيج وَعند هَذَا قد يقف الذِّهْن أَو يقْضى بِأَنَّهُمَا فارسيان وَلَا شكّ أَن لنا فارسيين أَحدهمَا أَبُو بكر صَاحب الْعُيُون والثانى أَبُو مُحَمَّد أَحْمد بن مَيْمُون الذى ذكره الْأَصْحَاب مِنْهُم الرافعى عِنْد نقلهم عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 أَن الْأمة إِذا سلمت لزَوجهَا فى اللَّيْل دون النَّهَار يجب لَهَا نصف النَّفَقَة أما فارسيان كل مِنْهُمَا أَبُو بكر فبعيد وبتقديره فَكل مِنْهُمَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بن سهل أبعد وبتقديره فَمَا صَاحب الْعُيُون بمتقدم على ابْن سُرَيج وَلَا بتلميذ للمزنى وَلَا بمدرك زَمَانه قطعا وَقد قضى العبادى بِأَن أَبَا بكر الفارسى هُوَ صَاحب الْعُيُون وَكتاب الانتقاد وَغَيرهمَا فَكيف هَذَا وليقع الِاكْتِفَاء بترجمة صَاحب الْعُيُون فَإِنَّهُ الْمَذْكُور فى بطُون الأوراق وَليكن ذكره فى الطَّبَقَة الثَّالِثَة فِيمَن توفى بعد الثلثمائة فَذكره هُنَاكَ أَحَق مِنْهُ هُنَا 44 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن عُثْمَان بن شَافِع بن السَّائِب الإِمَام أَبُو مُحَمَّد وَيُقَال أَبُو عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الشافعى رضى الله عَنْهُم كَذَا سَاق نسبه الشَّيْخ أَبُو زَكَرِيَّا النووى رَحمَه الله فى بَاب الْحيض من شرح الْمُهَذّب وَقَالَ إِنَّه يَقع فى اسْمه وكنيته تخبيط فى كتب الْمَذْهَب وَإِن الْمُعْتَمد هَذَا الذى ذكره وَإِن أمه زَيْنَب بنت الإِمَام الشافعى وَإنَّهُ روى عَن أَبِيه عَن الشافعى وَقَالَ كَانَ إِمَامًا مبرزا لم يكن فى آل شَافِع بعد الشافعى مثله سرت إِلَيْهِ بركَة جده قَالَ وَقد ذكرت حَاله فى تَهْذِيب الْأَسْمَاء وفى الطَّبَقَات 45 - أَحْمد بن نصر بن زِيَاد أَبُو عبد الله القرشى النيسابورى المقرى الزَّاهِد الرّحال الحديث: 44 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 روى عَن عبد الله بن نمير وَابْن أَبى فديك وأبى أُسَامَة وَالنضْر بن شُمَيْل وَجَمَاعَة سمع مِنْهُ أَبُو نعيم وَهُوَ من شُيُوخه وَحدث عَنهُ الترمذى والنسائى وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو عرُوبَة الحرانى قَالَ الْحَاكِم كَانَ فَقِيه أهل الحَدِيث فى عصره كثير الحَدِيث والرحلة رَحل إِلَى أَبى عبيد على كبر السن متفقها فَأخذ عَنهُ وَكَانَ يُفْتى بنيسابور على مذْهبه وَعَلِيهِ تفقه ابْن خُزَيْمَة قبل أَن يرحل توفى سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ أَحْمد بن الْحسن بن سهل الفارسى أَبُو بكر لِأَصْحَابِنَا فِيمَا يظْهر اثْنَان كل مِنْهُمَا أَبُو بكر الْفَارِس أَحدهمَا صَاحب عُيُون الْمسَائِل 46 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر الشَّيْخ الإِمَام أَبُو جَعْفَر الترمذى شيخ الشَّافِعِيَّة بالعراق قبل ابْن سُرَيج رَحل وَسمع يحيى بن بكير ويوسف بن عدى وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الحزامى والقواريرى وطبقتهم الحديث: 46 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 روى عَنهُ عبد الباقى بن قَانِع وَأحمد بن كَامِل وَأَبُو الْقَاسِم الطبرانى وَغَيرهم تفقه على أَصْحَاب الشافعى وَكَانَ إِمَامًا زاهدا ورعا قانعا باليسير حكى أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السرى الزّجاج أَنه كَانَ يجرى عَلَيْهِ فى الشَّهْر أَرْبَعَة دَرَاهِم قَالَ وَكَانَ لَا يسْأَل أحدا شَيْئا وَقَالَ مُحَمَّد بن مُوسَى بن حَمَّاد أخبرنى أَنه تقوت بضعَة عشر يَوْمًا بِخمْس حبات قَالَ وَلم أكن أملك غَيرهَا فاشتريت بهَا لفتا وَكنت آكل مِنْهُ قَالَ أَحْمد بن كَامِل لم يكن للشَّافِعِيَّة بالعراق أرأس مِنْهُ وَلَا أورع وَلَا أَكثر تقللا وَقَالَ الدارقطنى ثِقَة مَأْمُون ناسك توفى أَبُو جَعْفَر فى الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَقد كمل أَرْبعا وَتِسْعين سنة وَنقل أَنه اخْتَلَط بِأخرَة وَله فى المقالات كتاب سَمَّاهُ كتاب اخْتِلَاف أهل الصَّلَاة فى الْأُصُول وقف عَلَيْهِ ابْن الصّلاح وانتقى مِنْهُ فَقَالَ وَمن خطه نقلت أَن أَبَا جَعْفَر قل مَا تعرض فى هَذَا الْكتاب لما يخْتَار هُوَ وَأَنه روى فى أَوله حَدِيث تفترق أمتى على ثَلَاث وَسبعين فرقة عَن أَبى بكر بن أَبى شيبَة وَأَنه بَالغ فى الرَّد على من فضل الْغنى على الْفقر وَأَنه نقل أَن فرقة من الشِّيعَة قَالُوا أَبُو بكر وَعمر أفضل النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير أَن عليا أحب إِلَيْنَا قَالَ أَبُو جَعْفَر فَلَحقُوا بِأَهْل الْبدع حَيْثُ ابتدعوا خلاف من مضى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 47 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن على الخلالى أَبُو بكر من أَصْحَاب المزنى ذكره العبادى وَهُوَ من أَصْحَاب المزنى وَالربيع روى عَنهُ أَبُو الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن المقرى وَقَالَ هُوَ ثِقَة صَاحب المزنى وَالربيع وَقَالَ ابْن نقطة فى التَّقْيِيد إِنَّه الخلالى بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام وَزعم أَنه نقل ذَلِك من خطّ مؤتمن فى غير مَوضِع 48 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن مُوسَى وَقيل مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن أَبُو عبد الله البوشنجى العبدى شيخ أهل الحَدِيث فى زَمَانه بنيسابور سمع من إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الحزامى والْحَارث بن سُرَيج النقال وأبى جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد النفيلى وَعبد الْعَزِيز بن عمرَان بن مِقْلَاص وعَلى بن الْجَعْد وأبى كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء ومسدد بن مسرهد وَيحيى بن عبد الله بن بكير وَسَعِيد ابْن مَنْصُور وأبى نصر التمار وَغَيرهم روى عَنهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغانى وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل البخارى وهما أكبر مِنْهُ الحديث: 47 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو الْعَبَّاس الدغولى وَأَبُو حَامِد بن الشرقى وَأَبُو بكر بن إِسْحَاق الصبغى وَإِسْمَاعِيل بن نجيد وَخلق كثير وَقيل إِن البخارى روى عَنهُ حَدِيثا فى الصَّحِيح ذكر ذَلِك مُحَمَّد بن يَعْقُوب ابْن الأخرم وفى الصَّحِيح للبخارى حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا النفيلى ذكره فى تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة قَالَ شَيخنَا الذهبى فَإِن لم يكن البوشنجى وَإِلَّا فَهُوَ مُحَمَّد بن يحيى قَالَ والأغلب أَنه البوشنجى فَإِن الحَدِيث بِعَيْنِه رَوَاهُ الْحَاكِم عَن أَبى بكر بن أَبى نصر حَدثنَا البوشنجى حَدثنَا النفيلى حَدثنَا مِسْكين بن بكير حَدثنَا شُعْبَة عَن خَالِد الْحذاء عَن مَرْوَان الْأَصْفَر عَن رجل من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن عمر أَنَّهَا نسخت {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} الْآيَة قلت وَلذَلِك ذكره شَيخنَا المزى فى التَّهْذِيب وَكَانَ البوشنجى من أجل الْأَئِمَّة وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة عريضة ذَات فَوَائِد فى تَارِيخ الْحَاكِم قَالَ ابْن حمدَان سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول لَو لم يكن فى أَبى عبد الله من الْبُخْل بِالْعلمِ مَا كَانَ مَا خرجت إِلَى مصر وَكَانَ إِمَامًا فى اللُّغَة وَكَلَام الْعَرَب قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم سَمِعت أَبَا بكر بن جَعْفَر يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى يَقُول للمستملى الزم لفظى وخلاك ذمّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَقَالَ أَبُو عبد الله بن الأخرم سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى غير مرّة يَقُول حَدثنَا يحيى بن عبد الله بن بكير وَذكره بملء الْفَم وَقَالَ دعْلج حَدثنِي فَقِيه أَن أَبَا عبد الله حضر مجْلِس دَاوُد الظاهرى بِبَغْدَاد فَقَالَ دَاوُد لأَصْحَابه حضركم من يُفِيد وَلَا يَسْتَفِيد وَكَانَ أَبُو عبد الله البوشنجى قوى النَّفس أَشَارَ يَوْمًا إِلَى ابْن خُزَيْمَة فَقَالَ مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق كيس وَأَنا لَا أَقُول هَذَا لأبى ثَوْر وَلما توفى الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القبانى قدم أَبُو عبد الله للصَّلَاة عَلَيْهِ فصلى وَلما أَرَادَ أَن ينْصَرف قدمت دَابَّته وَأخذ أَبُو عَمْرو الْخفاف بلجامه وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بركابه وَأَبُو بكر الجارودى وَإِبْرَاهِيم بن أَبى طَالب يسويان عَلَيْهِ ثِيَابه فَمضى وَلم يكلم وَاحِدًا مِنْهُم وفى لفظ وَلم يمْنَع وَاحِدًا مِنْهُم وَالْمعْنَى هُنَا وَاحِد فَإِن مُرَاد من قَالَ وَلم يكلم أَنه لم يمْنَع وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد النيسابورى حَضَرنَا مجْلِس البوشنجى وَسَأَلَهُ أَبُو على الثقفى عَن مَسْأَلَة فَأجَاب فَقَالَ لَهُ أَبُو على يَا أَبَا عبد الله كَأَنَّك تَقول فِيهَا بقول أَبى عبيد فَقَالَ يَا هَذَا لم يبلغ بِنَا التَّوَاضُع أَن نقُول بقول أَبى عبيد وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة وَقد سُئِلَ عَن مَسْأَلَة بعد أَن شيع جَنَازَة أَبى عبد الله لَا أفتى حَتَّى نواريه لحده وَكَانَ البوشنجى جوادا سخيا وَكَانَ يقدم لسنانيره من كل طَعَام يَأْكُلهُ وَبَات لَيْلَة ثمَّ ذكر السنانير بعد فرَاغ طَعَامه فطبخ فى اللَّيْل من ذَلِك الطَّعَام وأطعمهم وَقَالَ السَّيِّد الْجَلِيل أَبُو عُثْمَان سعيد بن إِسْمَاعِيل تقدّمت يَوْمًا لأصافح أَبَا عبد الله البوشنجى تبركا بِهِ فَقبض يَده عَنى وَقَالَ لست هُنَاكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وَقَالَ الْحسن بن يَعْقُوب كَانَ مقَام أَبى عبد الله بنيسابور على الليثية فَلَمَّا انْقَضتْ أيامهم خرج إِلَى بُخَارى إِلَى حَضْرَة إِسْمَاعِيل الْأَمِير فالتمس مِنْهُ بعد أَن أَقَامَ عِنْده بُرْهَة أَن يكْتب أرزاقه بنيسابور قلت الليثية يَعْقُوب بن اللَّيْث الضفار وَأَخُوهُ عَمْرو وذووهما ملكوا فَارس متغلبين عَلَيْهَا وَبَلغت بهما تنقلات الْأَحْوَال إِلَى أَن بلغا دَرَجَة السلطنة بعد الصَّنْعَة فى الصفر وَجَرت لَهُم أُمُور يطول شرحها وَقَالَ الْحَاكِم سَمِعت الْحُسَيْن بن الْحسن الطوسى يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى يَقُول أخذت من الليثية سَبْعمِائة ألف دِرْهَم قيل مَاتَ أَبُو عبد الله البوشنجى فى غرَّة الْمحرم سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَقيل بل سلخ ذى الْحجَّة سنة تسعين وَدفن من الْغَد وَهُوَ الْأَشْبَه عندى وَصلى عَلَيْهِ إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة ومولده سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وَأحمد ابْن هبة الله وَزَيْنَب بنت كندى قِرَاءَة عَن الْمُؤَيد الطوسى أَن أَبَا عبد الله الفراوى أخبرهُ وَعَن عبد الْمعز الهروى أَن تميما الْمُؤَدب أخبرهُ وَعَن زَيْنَب الشعرية أَن إِسْمَاعِيل بن أَبى قَاسم أخْبرهَا قَالُوا أخبرنَا عمر بن أَحْمد بن مسرور أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن نجيد الزَّاهِد سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلثمائة حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجى حَدثنَا روح بن صَلَاح المصرى حَدثنَا مُوسَى بن على بن رَبَاح عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحَسَد فى اثْنَتَيْنِ رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن فَقَامَ بِهِ وَأحل حَلَاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وَحرم حرَامه وَرجل آتَاهُ الله مَالا فوصل مِنْهُ أقرباءه ورحمه وَعمل بِطَاعَة الله تمنى أَن يكون مثله وَمن تكن فِيهِ أَربع فَلَا يضرّهُ مَا زوى عَنهُ من الدُّنْيَا حسن خَلِيقَة وعفاف وَصدق حَدِيث وَحفظ أَمَانَة أخبرنَا الْمسند أَبُو حَفْص عمر بن الْحسن المراغى بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْحسن بن البخارى إجَازَة أخبرنَا أَبُو أَحْمد عبد الْوَهَّاب بن على بن سكينَة كِتَابَة عَن زَاهِر بن طَاهِر عَن شيخ الْإِسْلَام أَبى عُثْمَان الصابونى قَالَ أخبرنَا الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر بن أَبى نصر الداوودى بمرو حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجى بمرو حَدثنَا سليم بن مَنْصُور ابْن عمار حَدثنِي أَبى حَدثنَا يُوسُف بن الصَّباح الفزارى كوفى عَن عبد الله ابْن يُونُس بن أَبى فَرْوَة قَالَ لما أصَاب امْرَأَة الْعَزِيز الْحَاجة قيل لَهَا لَو أتيت يُوسُف فاستشارت فى ذَلِك فَقَالُوا إِنَّا نخافه عَلَيْك قَالَت كلا إنى لَا أَخَاف مِمَّن يخَاف الله فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ فرأته فى ملكه قَالَت الْحَمد لله الذى يَجْعَل العبيد ملوكا بِطَاعَة الله وَالْحَمْد لله الذى يَجْعَل الْمُلُوك عبيدا بمعصيته قَالَ فَتَزَوجهَا فَوَجَدَهَا بكرا فَقَالَ أَلَيْسَ هَذَا أحسن أَلَيْسَ هَذَا أجمل قَالَت إنى ابْتليت بك بِأَرْبَع كنت أجمل أهل زَمَانك وَكنت أجمل أهل زمانى وَكنت بكرا وَكَانَ زوجى عنينا قَالَ وَلما كَانَ من أَمر الْإِخْوَة مَا كَانَ كتب يَعْقُوب إِلَى يُوسُف وَهُوَ لَا يعلم أَنه يُوسُف بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم إِلَى عَزِيز آل فِرْعَوْن سَلام عَلَيْك فإنى أَحْمد إِلَيْك الله الذى لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَإنَّا أهل بَيت مولع بِنَا أَسبَاب الْبلَاء كَانَ جدى إِبْرَاهِيم خَلِيل الله ألْقى فى النَّار فى طَاعَة ربه فَجَعلهَا عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا وَأمر الله تَعَالَى جدى أَن يذبح أَبى فَفَدَاهُ الله بِمَا فدَاه بِهِ وَكَانَ لى ابْن وَكَانَ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 أحب النَّاس إِلَى فَفَقَدته فَأذْهب حزنى عَلَيْهِ نور بصرى وَكَانَ لى آخر من أمه كنت إِذا ذكرته ضممته إِلَى صدرى فَأذْهب عَنى بعض وجدى وَهُوَ الْمَحْبُوس عنْدك فى السّرقَة وإنى أخْبرك أَنى لم أسرق وَلم أَلد سَارِقا فَلَمَّا قَرَأَ يُوسُف الْكتاب بَكَى وَصَاح فَقَالَ {اذْهَبُوا بقميصي هَذَا فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا} وَمن شعره قَالَ أَبُو عُثْمَان الصابونى أنشدنى أَبُو مَنْصُور بن حمشاد قَالَ أنشدت لأبى عبد الله البوشنجى فى الشافعى رضى الله عَنهُ (وَمن شعب الْإِيمَان حب ابْن شَافِع ... وَفرض أكيد حبه لَا تطوع) وإنى حياتى شافعى وَإِن أمت ... فتوصيتى بعدى بِأَن تتشفعوا) ذكر الْحَاكِم بِسَنَدِهِ إِلَى أَبى عبد الله البوشنجى حَدثنَا عبد الله بن يزِيد الدمشقى حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر قَالَ رَأَيْت فى المقسلاط وَهُوَ مَوضِع بسوق الدَّقِيق من دمشق صنما من نُحَاس إِذا عَطش نزل فَشرب قَالَ البوشنجى رُبمَا تَكَلَّمت الْعلمَاء على قدر فهم الْحَاضِرين تأديبا وامتحانا فَهَذَا الرجل ابْن جَابر أحد عُلَمَاء الشَّام وَمعنى كَلَامه أَن الصَّنَم لَا يعطش وَلَو عَطش لنزل فَشرب فنفى عَنهُ النُّزُول والعطش قلت لَكِن قَوْله إِذا عَطش قد يُنَازع فى هَذَا فَإِن صِيغَة إِذا لَا تدخل إِلَّا على المتحقق فلابد وَأَن يكون صُدُور الْعَطش وَالنُّزُول مِنْهُ متحققا وَإِلَّا فَلَا يَصح الْإِتْيَان بِصِيغَة إِذا وَلَو كَانَت الْعبارَة إِن لم يكن اعْتِرَاض وَالْحَاصِل أَن الْمُمْتَنع إِذا فرض جَائِزا ترَتّب عَلَيْهِ جَوَاز مُمْتَنع آخر وَقد ظرف الْقَائِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 (وَلَو أَن مَا بى من ضنى وصبابة ... على جمل لم يدْخل النَّار كَافِر) فَإِن مَعْنَاهُ لَو كَانَ مَا بى من الصبابة بالجمل لضعف ورق وَصَارَ بِحَيْثُ يلج فى سم الْخياط وَلَو ولج فى سم الْخياط لدخل الْكَافِر الْجنَّة على مَا قَالَ تَعَالَى {وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} وَلَو دخل الْجنَّة لم يدْخل النَّار فوضح أَن مَا بى من الْحبّ لَو كَانَ بالجمل لم يدْخل النَّار كَافِر وَأَبُو عبد الله البوشنجى هُوَ النَّاقِل أَن الرّبيع ذكر أَن رجلا سَأَلَ الشافعى عَن حَالف قَالَ إِن كَانَ فى كمى دَرَاهِم أَكثر من ثَلَاثَة فعبدى حر فَكَانَ فِيهِ أَرْبَعَة لَا يعْتق لِأَنَّهُ اسْتثْنى من جملَة مَا فى يَده دَرَاهِم وَهُوَ جمع وَدِرْهَم لَا يكون دَرَاهِم فَقَالَ السَّائِل آمَنت بِمن فوهك هَذَا الْعلم فَأَنْشَأَ الشافعى يَقُول (إِذا المعضلات تصديننى ... كشفت حقائقها بِالنّظرِ) الأبيات الَّتِى سقناها فى الْبَاب الْمَعْقُود ليسير من نظم الشافعى رضى الله عَنهُ وَهَذِه فَوَائِد ونخب عَن أَبى عبد الله رَحمَه الله قَالَ الْحَاكِم أَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد بن زِيَاد حَدثنَا الْحسن بن على بن نصر الطوسى قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى بسمرقند وَسَأَلَهُ أعرابى فَقَالَ لَهُ أى شئ القرطبان قَالَ كَانَت امْرَأَة فى الْجَاهِلِيَّة يُقَال لَهَا أم أبان وَكَانَ لَهَا قرطب والقرطب هُوَ السدر وَكَانَ لَهَا تَيْس فى ذَلِك القرطب وَكَانَت تنزى تيسها بِدِرْهَمَيْنِ وَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ نَذْهَب إِلَى قرطب أم أبان ننزى تيسها على معزانا فَكثر ذَلِك فَقَالَت الْعَامَّة قرطبان قلت وَهَذِه التَّثْنِيَة مِمَّا جَاءَ على خلاف الْغَالِب فَإِن التَّثْنِيَة عِنْد الْعَرَب جعل الِاسْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الْقَابِل دَلِيل اثْنَيْنِ متفقين فى اللَّفْظ غَالِبا وفى الْمَعْنى على رأى بِزِيَادَة ألف فى آخِره رفعا وياء مَفْتُوح مَا قبلهَا جرا ونصبا يليهما نون مَكْسُورَة فتحهَا لُغَة وَقد تضم والحارثيون يلزمون الْألف قَالَ النُّحَاة فَمَتَى اخْتلفَا فى اللَّفْظ لم يجز تثنيتهما وَمَا ورد من ذَلِك يحفظ وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ قَالَ شَيخنَا أَبُو حَيَّان والذى ورد من ذَلِك إِنَّمَا روعى فِيهِ التغليب فَمن ذَلِك القمران للشمس وَالْقَمَر والعمران لأبى بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا والأبوان للْأَب وَالأُم وفى الْأَب وَالْخَالَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} والأمان للْأُم وَالْجدّة والزهدمان فى زَهْدَم وكردم ابنى قيس والعمران لعَمْرو بن حَارِثَة وَزيد بن عَمْرو والأحوصان الْأَحْوَص بن جَعْفَر وَعَمْرو بن الْأَحْوَص والمصعبان مُصعب بن الزبير وَابْنه والبحيران بحير وفراس ابْنا عبد الله بن سَلمَة والحران الْحر وَأَخُوهُ أَبى والعجاجان فى العجاج وَابْنه هَذَا جَمِيع مَا أوردهُ شَيخنَا فى شرح التسهيل وَرَأَيْت الْأَخ سيدى الشَّيْخ الإِمَام أَبَا حَامِد سلمه الله ذكر فى شرح التَّلْخِيص فى الْمعَانى وَالْبَيَان مَا ذكره أَبُو حَيَّان وَزَاد فَقَالَ والخافقان للمغرب والمشرق وَإِنَّمَا الخافق حَقِيقَة اسْم للمغرب بِمَعْنى مخفوق فِيهِ والبصرتان لِلْبَصْرَةِ والكوفة والمشرقان للمشرق وَالْمغْرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 والمغربان لَهما أَيْضا والحنيفان الحنيف وَسيف ابْنا أَوْس بن حميرى والأقرعان الْأَقْرَع بن حَابِس وَأَخُوهُ مزِيد والطليحتان طليحة بن خويلد الأسدى وَأَخُوهُ حبال والخزيميان والربيبان خُزَيْمَة وربيبة من باهلة بن عَمْرو فَهَذَا مَجْمُوع مَا ذكره الشَّيْخ وَالْأَخ وفاتهما القرطبان كَمَا عرفت والدحرضان اسْم لماءين يُقَال لأَحَدهمَا الدحرض وَللْآخر وسيع قَالَ الشَّاعِر (شربت بِمَاء الدحرضين فَأَصْبَحت ... زوراء تنفر عَن حِيَاض الديلم) (والأسودان للتمر وَالْمَاء قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الأسودان التَّمْر وَالْمَاء) والفمان للفم وَالْأنف ذكره الشَّيْخ جمال الدّين ابْن مَالك والأخوان لأخ وَأُخْت والأذانان الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بَين كل أذانين صَلَاة) أَجمعُوا أَن المُرَاد بِهِ الْأَذَان وَالْإِقَامَة والجونان مُعَاوِيَة وَحسان ابْنا الجون الكنديان ذكره أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد فى أَوَائِل الْكَامِل بعد نَحْو خمس كراريس مِنْهُ وَأنْشد عَلَيْهِ (كَأَنَّك لم تشهد لقيطا وحاجبا ... وَعَمْرو بن عَمْرو إِذْ دعوا يال دارم) (وَلم تشهد الجونين والشعب والصفا ... وشدات قيس يَوْم دير الجماجم) والعاشقان اسْم للعاشق والمعشوق وَعَلِيهِ قَول الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 (العاشقان كِلَاهُمَا متغضب ... وَكِلَاهُمَا متوجد متحبب) (صدت مغاضبة وَصد مغاضبا ... وَكِلَاهُمَا مِمَّا يعالج مُتْعب) (رَاجع أحبتك الَّذين هجرتهم ... إِن المتيم قَلما يتَجَنَّب) (إِن التباعد إِن تطاول مِنْكُمَا ... دب السلو لَهُ فعز الْمطلب) أَرَادَ بالعاشقين الْخَلِيفَة وَوَاحِدَة من حظاياه كَانَ وَقع بَينه وَبَينهَا شنآن فتهاجرا فَحدث الْعَبَّاس فى ذَلِك فأنشده هَذِه الأبيات فَقَامَ إِلَيْهَا وصالحها والأنفان اسْم للأنف والفم ذكره وَأنْشد عَلَيْهِ (إِذا مَا الْغُلَام الأحمق الْأُم سافنى ... بأطراف أنفيه اشمأز فأنزعا) وَاعْلَم أَن شَيخنَا أَبَا حَيَّان اسْتشْهد على أَن العمرين اسْم لأبى بكر وَعمر بقول الشَّاعِر (مَا كَانَ يرضى رَسُول الله فعلهم ... والعمران أَبُو بكر وَلَا عمر) وَأَنا مَا أحفظ هَذَا الْبَيْت إِلَّا والطيبان أَبُو بكر وَلَا عمر وَالْوَزْن بِهِ أتم وَاسْتشْهدَ على أَن القمرين اسْم للشمس وَالْقَمَر يَقُول الفرزدق (أَخذنَا بآفاق السَّمَاء عَلَيْكُم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع) (وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يَقُول إِنَّمَا أَرَادَ بالقمرين النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وبالنجوم الصَّحَابَة وَهَذَا مَا ذكره ابْن الشجرى فى أَمَالِيهِ وَرَأَيْت فى تَرْجَمَة هَارُون الرشيد أَنه سَأَلَ من حضر مَجْلِسه عَن المُرَاد بالقمرين فى هَذَا الْبَيْت فَأجَاب بِهَذَا الْجَواب نعم أنْشد ابْن الشجرى على القمرين للشمس وَالْقَمَر قَول المتنبى (واستقبلت قمر السَّمَاء بوجهها ... فأرتنى القمرين فى وَقت مَعًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وَقَالَ أَبُو عبد الله البوشنجى فى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (البذاذة من الْإِيمَان ثَلَاثًا الْبذاء خلاف البذاذة إِنَّمَا الْبذاء طول اللِّسَان برمى الْفَوَاحِش والبهتان يُقَال فلَان بذى اللِّسَان والبذاذة رثاثة الثِّيَاب فى الملبس والمفرش وَذَلِكَ تواضع عَن رفيع الثِّيَاب وهى ملابس أهل الزّهْد وَقَالَ الْحَاكِم حَدثنَا أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن مُحَمَّد العنبرى حَدثنَا أَبُو عبد الله البوشنجى حَدثنَا النفيلى حَدثنَا عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم الأزدى قاضى الرى عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن مُوسَى بن طَلْحَة قَالَ مَا رَأَيْت أَخطب من عَائِشَة وَلَا أعرب لقد رَأَيْتهَا يَوْم الْجمل وثار إِلَيْهَا النَّاس فَقَالُوا يَا أم الْمُؤمنِينَ حدثينا عَن عُثْمَان وَقَتله فاستجلست النَّاس ثمَّ حمدت الله وأثنت عَلَيْهِ ثمَّ قَالَت أما بعد فَإِنَّكُم نقمتم على عُثْمَان خِصَالًا ثَلَاثًا إمرة الْفَتى وضربة السَّوْط وموقع الغمامة المحماة فَلَمَّا أعتبنا مِنْهُنَّ مصتموه موصى الثَّوْب بالصابون عدوتم بِهِ الْفقر الثَّلَاث عدوتم بِهِ حُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام وَحُرْمَة الْبَلَد الْحَرَام وَحُرْمَة الْخلَافَة وَالله لعُثْمَان كَانَ أَتْقَاكُم للرب وأوصلكم للرحم وأحصنكم فرجا أَقُول قولى هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لى وَلكم قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا العنبرى وَأَبا بكر مُحَمَّد بن جَعْفَر يَقُولَانِ سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى يَقُول فى عقب هَذَا الحَدِيث أما قَوْلهَا إمرة الْفَتى فَإِن عُثْمَان ولى الْكُوفَة الْوَلِيد بن عقبَة بن أَبى معيط لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وعزل سعد بن أَبى وَقاص وَأما قَوْلهَا ضَرْبَة السَّوْط فَإِن عُثْمَان تنَاول عمار بن يَاسر وَأَبا ذَر بِبَعْض التَّقْوِيم كَمَا يُؤَدب الإِمَام رَعيته وَأما قَوْلهَا موقع الغمامة المحماة فَإِن عُثْمَان حمى أحماء فى بِلَاد الْعَرَب لإبل الصَّدَقَة وَقد كَانَ عمر حمى أحماء أَيْضا كَذَلِك فَلم يُنكر النَّاس ذَلِك على عمر فَهَذِهِ الثَّلَاث الَّتِى قالتها عَائِشَة فَلَمَّا استعتبوه مِنْهَا أعتبهم وَرجع إِلَى مُرَادهم وَهُوَ قَوْلهَا مصتموه موص الثَّوْب بالصابون والموص هُوَ الْغسْل والفقر الفرص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 يُقَال أفقر الصَّيْد إِذا وجد الصَّائِد فرصته وَكَانَ عُثْمَان آمنا أَنهم لَا يعدون عَلَيْهِ فى الشَّهْر الْحَرَام وَأَنَّهُمْ لَا يسْتَحلُّونَ حرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهى الْمَدِينَة وَكَانَت الثَّالِثَة حُرْمَة الْخلَافَة قلت وَمَعَ هَذَا لم يشر الشَّاعِر فى قَوْله (قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما ... ودعا فَلم أر مثله مخذولا) إِلَى شئ من الحرمات الثَّلَاث وَلَا حُرْمَة الْإِحْرَام فَإِن عُثْمَان لم يكن أحرم بِالْحَجِّ وَإِنَّمَا أَرَادَ على مَا ذكر الأصمعى أَنه لم يكن أَتَى محرما يحل عُقُوبَته كَمَا سَنذكرُهُ عَن الأصمعى إِن شَاءَ الله تَعَالَى فى تَرْجَمَة أَبى نصر أَحْمد بن عبد الله الثابتى البخارى فى الطَّبَقَة الرَّابِعَة وَقَوْلنَا فى سِيَاق هَذَا السَّنَد سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا وَأَبا بكر يَقُولَانِ سَمِعت أَبَا عبد الله كَذَا هُوَ فى مقتضب تَارِيخ نيسابور لِلْحَافِظِ أبي بكر الحازمى بِخَطِّهِ وَقد كتب كَمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ فَوق سَمِعت صَحَّ وَقد أَجَاد فَإِنَّهُ حاك عَن اثْنَيْنِ قَوْلهمَا فَكل مِنْهُمَا يَقُول سَمِعت فافهمه فَهُوَ دَقِيق وَيُشبه هَذَا الْأَثر عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا فى اجْتِمَاع كثير من غَرِيب اللُّغَة فِيهِ حَدِيث زبان بن قيسور الكلفى وَيُقَال زبان بن قسور قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ نَازل بوادى الشوحط وَهُوَ عِنْد إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن إِسْحَاق عَن يحيى بن عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه عَن زبان وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد لَيْسَ دون إِبْرَاهِيم بن سعد من يحْتَج بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وَقد سَاقه السهيلى فى الرَّوْض الْألف // بِدُونِ إِسْنَاد // وَنحن نرى أَن نذْكر حَدِيث زبان بن قيسور فَإِن ابْن الْأَثِير لم يذكرهُ فى نِهَايَة غَرِيب الحَدِيث مَعَ شدَّة تفحصه فَنَقُول عَن زبان بن قيسور رضى الله عَنهُ قَالَ رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ نَازل بوادى الشوحط فكلمته فَقلت يَا رَسُول الله إِن مَعنا لوبا كَانَت فى عيلم لنا بِهِ طرم وشمع فجَاء رجل فَضرب ميتين فأنتج حَيا وكفنه بالثمام ونحسه فطار اللوب هَارِبا ودلى مشواره فى العيلم فاشتار الْعَسَل فَمضى بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَلْعُون مَلْعُون من سرق شرو قوم فأضر بهم أَفلا تبعتم أَثَره وعرفتم خَبره) قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنَّه دخل فى قوم لَهُم مَنْعَة وهم جيرتنا من هُذَيْل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صبرك صبرك ترد نهر الْجنَّة وَإِن سعته كَمَا بَين اللقيقة والسحيقة يتسبسب جَريا بِعَسَل صَاف من قذاه مَا تقياه لوب وَلَا مجه نوب) حَدِيث غَرِيب وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أُوتى جَوَامِع الْكَلم فيخاطب كل قوم بلغتهم واللوب بِضَم اللَّام وَسُكُون الْوَاو النَّحْل قَالَه السهيلى وَحَكَاهُ ابْن سَيّده فى الْمُحكم وأغفله الجوهرى والأزهرى والعيلم بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون آخر الْحُرُوف قَالَ السهيلى هى الْبِئْر وَأَرَادَ بهَا هُنَا وقبة النَّحْل أَو الخلية وَقد يُقَال لموْضِع النَّحْل إِذا كَانَ صدعا فى جبل شيق وَجمعه شيقان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 والطرم بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَإِسْكَان الرَّاء الْعَسَل عَامَّة قَالَه ابْن سَيّده وَغَيره وَحكى الأزهرى عَن اللَّيْث أَنه الشهد وَقَوله فَضرب ميتين فاستخرج حَيا يُرِيد أورى نَارا من زندين ضربهما فَهُوَ من بَاب الِاسْتِعَارَة شبه الزِّنَاد وَالْحجر بالميتين وَالنَّار الَّتِى تخرج مِنْهُمَا بالحى والثمام قَالَ الجوهرى نبت ضَعِيف ذُو خوص وَرُبمَا حشى مِنْهُ أُوَسَّد بِهِ خصاص الْبيُوت فَمَعْنَى قَوْله أَنه كَفنه بالثمام أَنه ألْقى ذَلِك النبت على النَّار الَّتِى أوراها حَتَّى صَار لَهَا دُخان وَهُوَ المُرَاد بقوله نحسه قَالَ السهيلى يُقَال لكل دُخان نُحَاس وَلَا يُقَال إيام إِلَّا لدخان النَّحْل خَاصَّة يُقَال آمها يؤومها إِذا دخنها قَالَه أَبُو حنيفَة وَيُقَال شار الْعَسَل يشوره ويشتاره إِذا اجتناه من خلاياه ومواضعه والمشوار الْآلَة الَّتِى يقطف بهَا وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من سرق شرو قوم) كَذَا هُوَ فى أصل مُعْتَمد بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الرَّاء وَبعدهَا وَاو لم أجد هَذِه اللَّفْظَة فى كتب اللُّغَة وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نهر الْجنَّة سعته مَا بَين اللقيقة والسحيقة وكأنهما اسْم موضِعين يعرفهما الْمُخَاطب وألفيتهما كَذَلِك مضبوطين بِضَم أَولهمَا وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صبرك صبرك) أضمر فِيهِ الْفِعْل أى الزم صبرك وأغنى التّكْرَار عَن لُزُوم الْفِعْل كَمَا فى التحذير ويتسبسب أى يجرى قَالَ الأزهرى يُقَال سبسب إِذا سَار سيرا لينًا فَكَأَنَّهُ استعير لجَرَيَان النَّهر بِاللَّبنِ والنوب أَيْضا من أَسمَاء النَّحْل وَهُوَ بِضَم النُّون وَإِسْكَان الْوَاو قَالَ أَبُو ذُؤَيْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 (إِذا لسعته النَّحْل لم يرج لسعها ... وحالفها فى بَيت نوب عواسل) أى لم يخف لسعها قَالَ أَبُو عُبَيْدَة سميت نوبا لِأَنَّهَا تضرب إِلَى السوَاد وَمن هَذَا المهيع يُقَال لَهُ بَاب المعاياة وصنف فِيهِ الْفُقَهَاء فَأَكْثرُوا وَرووا أَن رجلا قَالَ لأبى حنيفَة مَا تَقول فى رجل قَالَ إنى لَا أَرْجُو الْجنَّة وَلَا أَخَاف النَّار وآكل الْميتَة وَالدَّم وأصدق الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَأبْغض الْحق وأهرب من رَحْمَة الله وأشرب الْخمر وَأشْهد بِمَا لم أر وَأحب الْفِتْنَة وأصلى بِغَيْر وضوء وأترك الْغسْل من الْجَنَابَة وأقتل النَّاس فَقَالَ أَبُو حنيفَة لمن حَضَره مَا تَقول فِيهِ فَقَالَ هَذَا كَافِر فَتَبَسَّمَ وَقَالَ هَذَا مُؤمن أما قَوْله لَا أَرْجُو الْجنَّة وَلَا أَخَاف النَّار فَأَرَادَ إِنَّمَا أَرْجُو وأخاف خالقهما وَأَرَادَ بِأَكْل الْميتَة وَالدَّم السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال وَبِقَوْلِهِ أصدق الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَول كل مِنْهُم إِن أَصْحَابه لَيْسُوا على شئ كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَنْهُم وَبِقَوْلِهِ أهرب من رَحْمَة الله الهروب من الْمَطَر ويقوله أبْغض الْحق يعْنى الْمَوْت لِأَن الْمَوْت حق لابد مِنْهُ وبشرب الْخمر شربه فى حَال الِاضْطِرَار وبحب الْفِتْنَة الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد على مَا قَالَ تَعَالَى {أَنما أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} وبالشهادة على مَا لم ير الشَّهَادَة بِاللَّه وَمَلَائِكَته وأنبيائه وَرُسُله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وبالصلاة بِغَيْر وضوء وَلَا تيَمّم الصَّلَاة على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبترك الْغسْل من الْجَنَابَة إِذا فقد المَاء وبالناس الَّذين يقتلهُمْ الْكفَّار وهم الَّذين سماهم الله {النَّاس} فى قَوْله {إِن النَّاس قد جمعُوا لكم} وروى أَن مُحَمَّد بن الْحسن سَأَلَ الشافعى عَن خَمْسَة زنوا بِامْرَأَة فَوَجَبَ على وَاحِد الْقَتْل وَالْآخر الرَّجْم وَالثَّالِث الْجلد وَالرَّابِع نصف الْحَد وَلم يجب على الْخَامِس شئ فَقَالَ الشافعى الأول ذمى زنى بِمسلمَة فَانْتقضَ عَهده فَيقْتل والثانى زَان مُحصن وَالثَّالِث بكر حر وَالرَّابِع عبد وَالْخَامِس مَجْنُون وروى أَن الشافعى رضى الله عَنهُ سُئِلَ عَن امْرَأَة فى فِيهَا لقْمَة قَالَ زَوجهَا إِن بلعتيها فَأَنت طَالِق وَإِن أخرجتيها فَأَنت طَالِق مَا الْحِيلَة قَالَ تبلع نصفهَا وَتخرج نصفهَا وَأَنه جَاءَ رجل إِلَى أَبى حنيفَة رضى الله عَنهُ فَقَالَ حَلَفت بِالطَّلَاق لَا أكلم امرأتى قبل أَن تكلمنى فَقَالَ وَالْعتاق لَازم لى لَا أُكَلِّمك قبل أَن تكلمنى فَكيف أصنع فَقَالَ اذْهَبْ فكلمها وَلَا حنث عَلَيْكُمَا فَذهب إِلَى سُفْيَان الثورى فجَاء سُفْيَان إِلَى أَبى حنيفَة مغضبا فَقَالَ أتبيح الْفروج قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَا ذَاك فَقص لَهُ الْقِصَّة فَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ كَذَا إِنَّهَا لما قَالَت لَهُ إِن كلمتك فعلى الْعتاق شافهته بالْكلَام فانحلت يَمِينه فَإِذا كلمها بعد لم يَقع الطَّلَاق فَقَالَ سُفْيَان إِنَّك لتكشف مَا كُنَّا عَنهُ غافلين وَعَن أَبى يُوسُف القاضى قَالَ طلبنى هَارُون الرشيد لَيْلًا فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ إِذا هُوَ جَالس وَعَن يَمِينه عِيسَى بن جَعْفَر فَقَالَ لى إِن عِنْد عِيسَى جَارِيَة وَسَأَلته أَن يَهَبهَا لى فَامْتنعَ وَسَأَلته أَن يَبِيعهَا فَامْتنعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 فَقلت وَمَا مَنعك من بيعهَا أَو هبتها لأمير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ إِن على يَمِينا أَن لَا أبيعها وَلَا أهبها فَقَالَ الرشيد فَهَل لَهُ فى ذَلِك مخرج قلت نعم يهب لَك نصفهَا ويبيعك نصفهَا فَيكون لم يَهَبهَا وَلم يبعها قَالَ عِيسَى فأشهدك أَنى قد وَهبتك نصفهَا وبعتك نصفهَا فَقَالَ الرشيد بعد ذَلِك أَيهَا القاضى بقيت وَاحِدَة فَقلت وَمَا هى فَقَالَ إِنَّهَا أمة ولابد من استبرائها ولابد أَن أطلبها فى هَذِه اللَّيْلَة فَقلت لَهُ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا فَإِن الْحرَّة لَا تستبرأ فَفعل ذَلِك فعقدت عقده عَلَيْهَا وَأمر لى بِمَال جزيل وَحَضَرت امْرَأَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَأْمُون فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أخى مَاتَ وَترك سِتّمائَة دِينَار فَلم أعْط إِلَّا دِينَارا وَاحِدًا فَقَالَ كأنى بك قد ترك أَخُوك زَوْجَة وَأما وبنتين واثنى عشر أَخا وَأَنت فَقَالَت نعم كَأَنَّك حَاضر فَقَالَ أعطوك حَقك للزَّوْجَة ثمن الستمائة وَذَلِكَ خَمْسَة وَسَبْعُونَ دِينَارا وَللْأُمّ السُّدس وَذَلِكَ مائَة دِينَار وللبنتين الثُّلُثَانِ وَذَلِكَ أَرْبَعمِائَة دِينَار وللاثنى عشر أَخا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ دِينَارا وَلَك دِينَار وَاحِد وَسُئِلَ الْقفال عَن بَالغ عَاقل مُسلم هتك حرْزا وسرق نِصَابا لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ بِوَجْه وَلَا قطع عَلَيْهِ فَقَالَ رجل دخل فَلم يجد فى الدَّار شَيْئا فَقعدَ فى دن فجَاء صَاحب الدَّار بِمَال وَوَضعه فَخرج السَّارِق وَأَخذه وَخرج فَلَا يقطع لِأَن المَال حصل بعد هتك الْحِرْز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 وَسُئِلَ بعض الْمَشَايِخ عَن رجل خرج إِلَى السُّوق وَترك امْرَأَته فى الْبَيْت ثمَّ رَجَعَ فَوجدَ عِنْدهَا رجلا فَقَالَ مَا هَذَا قَالَت هَذَا زوجى وَأَنت عبدى وَقد بِعْتُك فَقَالَ الشَّيْخ هُوَ عبد زوجه سَيّده بابنته وَدخل العَبْد بهَا ثمَّ مَاتَ سَيّده وَوَقعت الْفرْقَة لِأَنَّهَا ملكت زَوجهَا بِالْإِرْثِ ثمَّ إِنَّهَا كَانَت حَامِلا فَوضعت فانقضت الْعدة فَتزوّجت وباعت ذَلِك الزَّوْج لِأَنَّهُ صَار عَبدهَا وَسُئِلَ آخر عَن رجل نظر إِلَى امْرَأَة أول النَّهَار وهى حرَام عَلَيْهِ ثمَّ حلت ضحوة وَحرمت الظّهْر وحلت الْعَصْر وَحرمت الْمغرب وحلت الْعشَاء وَحرمت الْفجْر وحلت الضُّحَى وَحرمت الظّهْر فَقَالَ هَذَا رجل نظر إِلَى أمة غَيره بكرَة واشتراها ضحوة وَأسْقط الِاسْتِبْرَاء بحيلة فَحلت لَهُ وأعتقها الظّهْر فَحرمت عَلَيْهِ فَتَزَوجهَا الْعَصْر فَحلت فَظَاهر مِنْهَا الْمغرب فَحرمت فَكفر عَن يَمِينه الْعشَاء فَحلت فَطلقهَا عِنْد الْفجْر فَحرمت فَرَاجعهَا ضحوة فَحلت فارتدت الظّهْر فَحرمت وَلَك أَن تزيد فَتَقول ثمَّ حلت الْعَصْر ثمَّ حرمت الْمغرب حُرْمَة مُؤَبّدَة وَذَلِكَ بِأَن تكون أسلمت الْعَصْر فَبَقيت على الزَّوْجِيَّة ثمَّ لاعنها الْمغرب وَسُئِلَ آخر عَن امْرَأَة لَهَا زوجان وَيجوز أَن يَتَزَوَّجهَا ثَالِث ويطأها فَقَالَ هَذِه امْرَأَة لَهَا عبد وَأمه زوجت أَحدهمَا بِالْآخرِ فَيصدق أَنَّهَا امْرَأَة لَهَا زوجان وَاللَّام فى لَهَا للْملك وَإِذا جَاءَ ثَالِث حر أَرَادَ نِكَاحهَا فَلهُ ذَلِك وَسُئِلَ آخر عَن رجل قَالَ لامْرَأَته وهى فى مَاء جَار إِن خرجت من هَذَا المَاء فَأَنت طَالِق وَإِن لم تخرجى فَأَنت طَالِق فَقَالَ لَا تطلق خرجت أَو لم تخرج لِأَنَّهُ جرى وانفصل نَقله الرافعى فى فروع الطَّلَاق وَسُئِلَ آخر عَن رجل تكلم كلَاما فى بَغْدَاد فَوَجَبَ على امْرَأَة بِمصْر أَن تعيد صَلَاة سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 فَقَالَ هَذِه جَارِيَته أعْتقهَا بِبَغْدَاد وهى بِمصْر وَلم يبلغهَا الْخَبَر إِلَّا بعد سنة وَكَانَت تصلى مكشوفة الرَّأْس فَإِذا بلغَهَا الْخَبَر يجب عَلَيْهَا إِعَادَة الصَّلَاة لِأَن صَلَاة الْحرَّة مكشوفة الرَّأْس لَا تصح وفى الرافعى فى رجل قَالَ لامْرَأَته إِن لم أقل لَك مثل مَا تَقُولِينَ لى فى هَذَا الْمجْلس فَأَنت طَالِق فَقَالَت أَنْت طَالِق إِن الْحِيلَة فى عدم وُقُوع الطَّلَاق أَن يَقُول أَنْت تَقُولِينَ أَنْت طَالِق قلت وَفِيه نظر فَإِن صيغتها أَنْت بِفَتْح التَّاء وصيغته أَنْت بِكَسْرِهَا إِذا أَرَادَ خطابها بِالطَّلَاق فقد يُقَال يَقُول كَمَا قَالَت أَنْت طَالِق بِفَتْح التَّاء وَلَا يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ خطاب الْمُذكر فلعلها قَالَت لَهُ أَنْت طَالِق بِكَسْر التَّاء 49 - مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن الْمُنْذر بن دَاوُد بن مهْرَان الغطفانى الحنظلى أَبُو حَاتِم الرازى أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام ولد سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة سمع عبيد الله بن مُوسَى وَأَبا نعيم وطبقتهما بِالْكُوفَةِ وَمُحَمّد بن عبد الله الأنصارى والأصمعى وطبقتهما بِالْبَصْرَةِ وَعَفَّان وهوذة بن خَليفَة وطبقتهما بِبَغْدَاد وَأَبا مسْهر وَأَبا الْجمَاهِر مُحَمَّد بن عُثْمَان وطبقتهما بِدِمَشْق الحديث: 49 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وَأَبا الْيَمَان وَيحيى الوحاظى وطبقتهما بحمص وَسَعِيد بن أَبى مَرْيَم وطبقته بِمصْر وخلقا بالنواحى والثغور وَتردد فى الرحلة زَمَانا قَالَ ابْنه سَمِعت أَبى يَقُول أول سنة خرجت فى طلب الحَدِيث أَقمت سبع سِنِين أحصيت مَا مشيت على قدمى زِيَادَة على ألف فَرسَخ ثمَّ تركت الْعدَد بعد ذَلِك وَخرجت من الْبَحْرين إِلَى مصر مَاشِيا ثمَّ إِلَى الرملة مَاشِيا ثمَّ إِلَى دمشق ثمَّ إِلَى أنطاكية ثمَّ إِلَى طرسوس ثمَّ رجعت إِلَى حمص ثمَّ مِنْهَا إِلَى الرقة ثمَّ ركبت إِلَى الْعرَاق كل هَذَا وَأَنا ابْن عشْرين سنة حدث عَنهُ من شُيُوخه الصغار يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَعَبدَة بن سُلَيْمَان المروزى وَالربيع بن سُلَيْمَان المرادى وَمن أقرانه أَبُو زرْعَة الرازى وَأَبُو زرْعَة الدمشقى وَمن أَصْحَاب السّنَن أَبُو دَاوُد والنسائى وَقيل إِن البخارى وَابْن ماجة رويا عَنهُ وَلم يثبت ذَلِك وروى عَنهُ أَيْضا أَبُو بكر بن أَبى الدُّنْيَا وَابْن صاعد وَأَبُو عوَانَة والقاضى المحاملى وَأَبُو الْحسن على بن إِبْرَاهِيم الْقطَّان صَاحب ابْن ماجة وَخلق كثير قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم قَالَ لى مُوسَى بن إِسْحَاق القاضى مَا رَأَيْت أحفظ من والدك وَقَالَ أَحْمد بن سَلمَة الْحَافِظ مَا رَأَيْت بعد إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَمُحَمّد بن يحيى أحفظ للْحَدِيث من أَبى حَاتِم وَلَا أعلم بمعانيه وَقَالَ ابْن أَبى حَاتِم سَمِعت يُونُس بن عبد الْأَعْلَى يَقُول أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم إِمَامًا خُرَاسَان بقاؤهما صَلَاح للْمُسلمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَقَالَ ابْن أَبى حَاتِم سَمِعت أَبى يَقُول قلت على بَاب أَبى الْوَلِيد الطيالسى من أغرب على حَدِيثا صَحِيحا فَلهُ دِرْهَم وَكَانَ ثمَّ خلق أَبُو زرْعَة فَمن دونه وَإِنَّمَا كَانَ مرادى أَن يلقى على مَا لم أسمع بِهِ فَيَقُولُونَ هُوَ عِنْد فلَان فَأذْهب وأسمعه فَلم يتهيأ لأحد أَن يغرب على حَدِيثا وَسمعت أَبى يَقُول كَانَ مُحَمَّد بن يزِيد الأسفاطى قد ولع بالتفسير وبحفظه فَقَالَ يَوْمًا مَا تحفظون فى قَوْله تَعَالَى {فَنقبُوا فِي الْبِلَاد} فَسَكَتُوا فَقلت حَدثنَا أَبُو صَالح عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن على بن أَبى طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ ضربوا فى الْبِلَاد وَسمعت أَبى يَقُول قدم مُحَمَّد بن يحيى النيسابورى الرى فألقيت عَلَيْهِ ثَلَاثَة عشر حَدِيثا من حَدِيث الزهرى فَلم يعرف مِنْهَا إِلَّا ثَلَاثَة أَحَادِيث قَالَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله إِنَّمَا ألْقى عَلَيْهِ من حَدِيث الزهرى لِأَن مُحَمَّدًا كَانَ إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فى معرفَة حَدِيث الزهرى قد جمعه وصنفه وتتبعه حَتَّى كَانَ يُقَال لَهُ الزهرى قَالَ وَسمعت أَبى يَقُول بقيت بِالْبَصْرَةِ سنة أَربع عشرَة ثَمَانِيَة أشهر فَجعلت أبيع ثيابى حَتَّى نفدت فمضيت مَعَ صديق لى أدور على الشُّيُوخ فَانْصَرف رفيقى بالعشى وَرجعت فَجعلت أشْرب المَاء من الْجُوع ثمَّ أَصبَحت فغدا على رفيقى فطفت مَعَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 على جوع شَدِيد وانصرفت جائعا فَلَمَّا كَانَ من الْغَد غَدا على فَقلت أَنا ضَعِيف لَا يمكننى قَالَ مَا بك قلت لَا أكتمك مضى يَوْمَانِ مَا طعمت فيهمَا شَيْئا فَقَالَ قد بقى معى دِينَار فنصفه لَك ونجعل النّصْف الآخر فى الْكِرَاء فخرجنا من الْبَصْرَة وَأخذت مِنْهُ نصف الدِّينَار سَمِعت أَبى يَقُول خرجنَا من الْمَدِينَة من عِنْد دَاوُد الجعفرى وصرنا إِلَى الْجَار فَرَكبْنَا الْبَحْر فَكَانَت الرّيح فى وُجُوهنَا فبقينا فى الْبَحْر ثَلَاثَة أشهر وَضَاقَتْ صدورنا وفنى مَا كَانَ مَعنا وَخَرجْنَا إِلَى الْبر نمشى أَيَّامًا حَتَّى فنى مَا تبقى مَعنا من الزَّاد وَالْمَاء فمشينا يَوْمًا لم نَأْكُل وَلم نشرب وَالْيَوْم الثانى كَمثل وَالْيَوْم الثَّالِث فَلَمَّا كَانَ الْمسَاء صلينَا وألقينا بِأَنْفُسِنَا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا فى الْيَوْم الثَّالِث جعلنَا نمشى على قدر طاقتنا وَكُنَّا ثَلَاثَة أَنا وَشَيخ نيسابورى وَأَبُو زُهَيْر المروروذى فَسقط الشَّيْخ مغشيا عَلَيْهِ فَجِئْنَا نحركه وَهُوَ لَا يعقل فتركناه ومشينا قدر فَرسَخ فضعفت وَسَقَطت مغشيا على وَمضى صاحبى يمشى فَرَأى من بعيد قوما قربوا سفينتهم من الْبر ونزلوا على بِئْر مُوسَى فَلَمَّا عاينهم لوح بِثَوْبِهِ إِلَيْهِم فجاءوه وَمَعَهُمْ مَاء فسقوه وَأخذُوا بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُم ألْحقُوا رَفِيقَيْنِ لى فَمَا شَعرت إِلَّا بِرَجُل يصب المَاء على وجهى ففتحت عينى فَقلت اسقنى فصب من المَاء فى مشْربَته قَلِيلا فَشَرِبت وَرجعت إِلَى نفسى ثمَّ سقانى قَلِيلا وَأخذ بيدى فَقلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 ورائى شيخ ملقى فَذهب جمَاعَة إِلَيْهِ وَأخذ بيدى وَأَنا أمشى وَأجر رجلى حَتَّى إِذا بلغت عِنْد سفينتهم وَأتوا بالشيخ وأحسنوا إِلَيْنَا فبقينا أَيَّامًا حَتَّى رجعت إِلَيْنَا أَنْفُسنَا ثمَّ كتبُوا لنا كتابا إِلَى مَدِينَة يُقَال لَهَا راية إِلَى واليهم وزودونا من الكعك والسويق وَالْمَاء فَلم نزل نمشى حَتَّى نفد مَا كَانَ مَعنا من المَاء والقوت فَجعلنَا نمشى جياعا على شط الْبَحْر حَتَّى دفعنَا إِلَى سلحفاة مثل الترس فعمدنا إِلَى حجر كَبِير فضربنا على ظهرهَا فانفلق فَإِذا فِيهِ مثل صفرَة الْبيض فحسيناه حَتَّى سكن عَنَّا الْجُوع حَتَّى وصلنا إِلَى مَدِينَة الرَّايَة وأوصلنا الْكتاب إِلَى عاملها فأنزلنا فى دَاره فَكَانَ يقدم إِلَيْنَا كل يَوْم القرع وَيَقُول لِخَادِمِهِ هاتى لَهُم اليقطين الْمُبَارك فَيقدمهُ مَعَ الْخبز أَيَّامًا فَقَالَ وَاحِد منا أَلا تَدْعُو بِاللَّحْمِ المشئوم فَسمع صَاحب الدَّار فَقَالَ أَنا أحسن بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِن جدتى كَانَت هروية وأتانا بعد ذَلِك بِاللَّحْمِ ثمَّ زودنا إِلَى مصر سَمِعت أَبى يَقُول لَا أحضر كم مرّة سرت من الْكُوفَة إِلَى بَغْدَاد وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الإيادى يرثى أَبَا حَاتِم من قصيدة (أنفسى مَالك لَا تجزعينا ... وعينى مَالك لَا تدمعينا) (ألم تسمعى بكسوف الْعُلُوم ... فى شهر شعْبَان محقا مدينا) (ألم تسمعى خبر المرتضى ... أَبى حَاتِم أعلم العالمينا) توفى أَبُو حَاتِم الرازى فى شعْبَان سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَله اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سنة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ ... . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 50 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْمُغيرَة بن بردزبه بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا رَاء سَاكِنة ثمَّ دَال مَكْسُورَة مُهْملَة ثمَّ زاى سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَفْتُوحَة ثمَّ هَاء ابْن بذذبه بباء مُوَحدَة مَفْتُوحَة ثمَّ ذال مُعْجمَة مَكْسُورَة ثمَّ ذال ثَانِيَة مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة ثمَّ هَاء هَذَا مَا كُنَّا نَسْمَعهُ من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله وَقيل بدل بردزبه الْأَحْنَف وَقيل غير ذَلِك هُوَ إِمَام الْمُسلمين وقدوة الْمُوَحِّدين وَشَيخ الْمُؤمنِينَ والمعول عَلَيْهِ فى أَحَادِيث سيد الْمُرْسلين وحافظ نظام الدّين أَبُو عبد الله الجعفى مَوْلَاهُم البخارى صَاحب الْجَامِع الصَّحِيح وساحب ذيل الْفضل للمستميح (علا عَن الْمَدْح حَتَّى مَا يزان بِهِ ... كَأَنَّمَا الْمَدْح من مِقْدَاره يضع) (لَهُ الْكتاب الذى يَتْلُو الْكتاب هدى ... هذى السِّيَادَة طودا لَيْسَ ينصدع) (الْجَامِع الْمَانِع الدّين القويم وَسنة ... الشَّرِيعَة أَن تغتالها الْبدع) (قاصى الْمَرَاتِب دانى الْفضل تحسبه ... كَالشَّمْسِ يَبْدُو سناها حِين ترْتَفع) (ذلت رِقَاب جَمَاهِير الْأَنَام لَهُ ... فكلهم وَهُوَ عَال فيهم خضعوا) (لَا تسمعن حَدِيث الحاسدين لَهُ ... فَإِن ذَلِك مَوْضُوع ومنقطع) (وَقل لمن رام يحكيه اصطبارك لَا ... تعجل فَإِن الذى تبغيه مُمْتَنع) (وهبك تأتى بِمَا يحْكى شكالته ... أَلَيْسَ يحْكى محيا الْجَامِع البيع) الحديث: 50 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 كَانَ وَالِده أَبُو الْحسن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم من الْعلمَاء الورعين سمع مَالك بن أنس وَرَأى حَمَّاد بن زيد وَصَالح بن الْمُبَارك وَحدث عَن أَبى مُعَاوِيَة وَجَمَاعَة روى عَنهُ أَحْمد بن حَفْص وَقَالَ دخلت عَلَيْهِ عِنْد مَوته فَقَالَ لَا أعلم فى جَمِيع مالى درهما من شُبْهَة قَالَ أَحْمد بن حَفْص فتصاغرت إِلَى نفسى عِنْد ذَلِك ولد البخارى سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَنَشَأ يَتِيما وَأول سَمَاعه سنة خمس وَمِائَتَيْنِ وَحفظ تصانيف ابْن الْمُبَارك وحبب إِلَيْهِ الْعلم من الصغر وأعانه عَلَيْهِ ذكاؤه المفرط ورحل سنة عشر وَمِائَتَيْنِ بعد أَن سمع الْكثير بِبَلَدِهِ من مُحَمَّد بن سَلام البيكندى وَمُحَمّد بن يُوسُف البيكندى وَعبد الله بن مُحَمَّد المسندى وَهَارُون ابْن الْأَشْعَث وَطَائِفَة وَسمع ببلخ من مكى بن إِبْرَاهِيم وَيحيى بن بشر الزَّاهِد وقتيبة وَجَمَاعَة وبمرو من على بن الْحسن بن شَقِيق وعبدان وَجَمَاعَة وبنيسابور من يحيى بن يحيى وَبشر بن الحكم وَإِسْحَاق وعدة وبالرى من إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْحَافِظ وَغَيره وببغداد من شُرَيْح بن النُّعْمَان وَعَفَّان وَطَائِفَة وبالبصرة من أَبى عَاصِم النَّبِيل وَبدل بن المحبر وَمُحَمّد بن عبد الله الأنصارى وَغَيرهم وبالكوفة من أَبى نعيم وطلق بن غَنَّام وَالْحسن بن عَطِيَّة وخلاد بن يحيى وَقبيصَة وَغَيرهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 وبمكة من الحميدى وَعَلِيهِ تفقه عَن الشافعى وبالمدينة من عبد الْعَزِيز الأويسى ومطرف بن عبد الله وبواسط ومصر ودمشق وقيسارية وعسقلان وحمص من خلائق يطول سردهم ذكر أَنه سمع من ألف نفس وَقد خرج عَنْهُم مشيخة وَحدث بهَا وَلم نرها وفى تَارِيخ نيسابور للْحَاكِم أَنه سمع بالجزيرة من أَحْمد بن الْوَلِيد بن الورتنيس الحرانى وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله بن زُرَارَة الرقى وَعَمْرو بن خَالِد وَأحمد بن عبد الْملك بن وَاقد الحرانى وَهَذَا وهم فَإِنَّهُ لم يدْخل الجزيرة وَلم يسمع من أَحْمد بن الْوَلِيد إِنَّمَا روى عَن رجل عَنهُ وَلَا من ابْن زُرَارَة إِنَّمَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله الذى يرْوى عَنهُ هُوَ إِسْمَاعِيل بن أَبى أويس وَأما ابْن وَاقد فَإِنَّهُ سمع مِنْهُ بِبَغْدَاد وَعَمْرو بن خَالِد سمع مِنْهُ بِمصْر نبه على هَذَا شَيخنَا الْحَافِظ المزى فِيمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ وَأكْثر الْحَاكِم فى عد شُيُوخه وَذكر الْبِلَاد الَّتِى دَخلهَا ثمَّ قَالَ وَإِنَّمَا سميت من كل نَاحيَة جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين ليستدل بذلك على عالى إِسْنَاده فَإِن مُسلم بن الْحجَّاج لم يدْرك أحدا مِمَّن سميتهم إِلَّا أهل نيسابور وَاعْتَرضهُ شَيخنَا الذهبى كَمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ بِأَنَّهُ أدْرك أَحْمد وَعمر بن حَفْص يعْنى وهما مِمَّن عد الْحَاكِم ذكر أَبُو عَاصِم العبادى أَبَا عبد الله فى كِتَابه الطَّبَقَات وَقَالَ سمع من الزعفرانى وأبى ثَوْر والكرابيسى قلت وتفقه على الحميدى وَكلهمْ من أَصْحَاب الشافعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 قَالَ وَلم يرو عَن الشافعى فى الصَّحِيح لِأَنَّهُ أدْرك أقرانه والشافعى مَاتَ مكتهلا فَلَا يرويهِ نازلا وروى عَن الْحُسَيْن وأبى ثَوْر مسَائِل عَن الشافعى قلت وَذكر الشافعى فى موضِعين من صَحِيحه فى بَاب فى الرِّكَاز الْخمس وفى بَاب تَفْسِير الْعَرَايَا من الْبيُوع ورقم شَيخنَا المزى فى التَّهْذِيب للشافعى بِالتَّعْلِيقِ وَذكر هذَيْن المكانين حدث البخارى بالحجاز وَالْعراق وخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَكتب عَنهُ المحدثون وَمَا فى وَجهه شَعْرَة روى عَنهُ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم والترمذى وَمُسلم خَارج الصَّحِيح وَمُحَمّد بن نصر المروزى وَصَالح بن مُحَمَّد جزرة وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو الْعَبَّاس السراج وَأَبُو قُرَيْش مُحَمَّد بن جُمُعَة وَيحيى بن مُحَمَّد بن صاعد وَأَبُو حَامِد بن الشرقى وَخلق وَآخر من روى عَنهُ الْجَامِع الصَّحِيح مَنْصُور بن مُحَمَّد البزدوى الْمُتَوفَّى سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة وَآخر من زعم أَنه سَمعه مِنْهُ موتا أَبُو طهير عبد الله بن فَارس البلخى الْمُتَوفَّى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَآخر من روى حَدِيثه عَالِيا خطيب الْموصل فى الدُّعَاء للمحاملى بَينه وَبَينه ثَلَاثَة رجال وَأما كِتَابه الْجَامِع الصَّحِيح فأجل كتب الْإِسْلَام وأفضلها بعد كتاب الله وَلَا عِبْرَة بِمن يرجح عَلَيْهِ صَحِيح مُسلم فَإِن مقَالَته هَذِه شَاذَّة لَا يعول عَلَيْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 قَالَ ابْن عدى سَمِعت الْحسن بن الْحُسَيْن الْبَزَّار يَقُول رَأَيْت البخارى شَيخا نحيفا لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة إِلَّا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَقَالَ أَحْمد بن الْفضل البلخى ذهبت عينا مُحَمَّد فى صغره فرأت أمه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا هَذِه قد رد الله على ابْنك بَصَره بِكَثْرَة بكائك أَو دعائك فَأصْبح وَقد رد الله عَلَيْهِ بَصَره وَعَن جِبْرِيل بن مِيكَائِيل سَمِعت البخارى يَقُول لما بلغت خُرَاسَان أصبت ببصرى فعلمنى رجل أَن أحلق رأسى وأغلفه بالخطمى فَفعلت فَرد الله على بصرى رَوَاهَا غُنْجَار فى تَارِيخه وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم الْوراق قلت للبخارى كَيفَ كَانَ بَدْء أَمرك قَالَ ألهمت حفظ الحَدِيث فى الْمكتب ولى عشر سِنِين أَو أقل وَخرجت من الْكتاب بعد الْعشْر فَجعلت أختلف إِلَى الداخلى وَغَيره فَقَالَ يَوْمًا فِيمَا يقْرَأ على النَّاس سُفْيَان عَن أَبى الزبير عَن إِبْرَاهِيم فَقلت لَهُ إِن أَبَا الزبير لم يرو عَن إِبْرَاهِيم فانتهرنى فَقلت لَهُ ارْجع إِلَى الأَصْل فَدخل ثمَّ خرج فَقَالَ لى كَيفَ يَا غُلَام قلت هُوَ الزبير بن عدى عَن إِبْرَاهِيم فَأخذ الْقَلَم منى وَأَصْلحهُ وَقَالَ صدقت فَقَالَ للبخارى بعض أَصْحَابه ابْن كم كنت قَالَ ابْن إِحْدَى عشرَة سنة فَلَمَّا طعنت فى سِتّ عشرَة سنة حفظت كتب ابْن الْمُبَارك ووكيع وَعرفت كَلَام هَؤُلَاءِ ثمَّ خرجت مَعَ أمى وأخى أَحْمد إِلَى مَكَّة فَلَمَّا حججْت رَجَعَ أخى بهَا وَتَخَلَّفت فى طلب الحَدِيث فَلَمَّا طعنت فى ثمانى عشرَة سنة جعلت أصنف قضايا الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأقاويلهم وَذَلِكَ أَيَّام عبيد الله بن مُوسَى وصنفت كتاب التَّارِيخ إِذْ ذَاك عِنْد قبر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 فى الليالى المقمرة وَقل اسْم فى التَّارِيخ إِلَّا وَله عندى قصَّة إِلَّا أَنى كرهت تَطْوِيل الْكتاب وَقَالَ عمر بن حَفْص الْأَشْقَر كُنَّا مَعَ البخارى بِالْبَصْرَةِ نكتب الحَدِيث ففقدناه أَيَّامًا ثمَّ وَجَدْنَاهُ فى بَيت وَهُوَ عُرْيَان وَقد نفد مَا عِنْده فجمعنا لَهُ الدَّرَاهِم وكسوناه وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد البخارى سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول لقِيت أَكثر من ألف رجل من أهل الْحجاز وَالْعراق وَالشَّام ومصر وخراسان إِلَى أَن قَالَ فَمَا رَأَيْت وَاحِدًا مِنْهُم يخْتَلف فى هَذِه الْأَشْيَاء أَن الدّين قَول وَعمل وَأَن الْقُرْآن كَلَام الله وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم سمعته يَقُول دخلت بَغْدَاد ثمانى مَرَّات كل ذَلِك أجالس أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ لى آخر مَا ودعته يَا أَبَا عبد الله تتْرك الْعلم وَالنَّاس وَتصير إِلَى خُرَاسَان فَأَنا الْآن أذكر قَول أَحْمد وَقَالَ أَبُو بكر الْأَعْين كتبنَا عَن البخارى على بَاب مُحَمَّد بن يُوسُف الفريابى وَمَا فى وَجهه شَعْرَة وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم وراق البخارى سَمِعت حاشد بن إِسْمَاعِيل وَآخر يَقُولَانِ كَانَ البخارى يخْتَلف مَعنا إِلَى السماع وَهُوَ غُلَام فَلَا يكْتب حَتَّى أَتَى على ذَلِك أَيَّامًا فَكُنَّا نقُول لَهُ فَقَالَ إنَّكُمَا قد أكثرتما على فاعرضا على مَا كتبتما فأخرجنا إِلَيْهِ مَا كَانَ عندنَا فَزَاد على خَمْسَة عشر ألف حَدِيث فقرأها كلهَا على ظهر قلب حَتَّى جعلنَا نحكم كتبنَا من حفظه ثمَّ قَالَ أَتَرَوْنَ أَنى اخْتلف هدرا وأضيع أيامى فَعرفنَا أَنه لَا يتقدمه أحد قَالَا فَكَانَ أهل الْمعرفَة يعدون خَلفه فى طلب الحَدِيث وَهُوَ شَاب حَتَّى يغلبوه على نَفسه ويجلسوه فى بعض الطَّرِيق فيجتمع عَلَيْهِ أُلُوف أَكْثَرهم مِمَّن يكْتب عَنهُ وَكَانَ شَابًّا لم يخرج وَجهه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 قَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم وَسمعت سليم بن مُجَاهِد يَقُول كنت عِنْد مُحَمَّد بن سَلام البيكندى فَقَالَ لى لَو جِئْت قبل لرأيت صَبيا يحفظ سبعين ألف حَدِيث قَالَ فَخرجت فى طلبه فَلَقِيته فَقلت أَنْت الذى تَقول أَنا أحفظ سبعين ألف حَدِيث قَالَ نعم وَأكْثر وَلَا أجيئك بِحَدِيث عَن الصَّحَابَة أَو التَّابِعين إِلَّا عرفت مولد أَكْثَرهم ووفاتهم ومساكنهم وَلست أروى حَدِيثا من حَدِيث الصَّحَابَة أَو التَّابِعين إِلَّا ولى فى ذَلِك أصل أحفظه حفظا عَن كتاب الله أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ غُنْجَار حَدثنَا أَبُو عَمْرو أَحْمد بن مُحَمَّد المقرى حَدثنَا مُحَمَّد بن يَعْقُوب ابْن يُوسُف البيكندى سَمِعت على بن الْحُسَيْن بن عَاصِم البيكندى يَقُول قدم علينا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَاجْتَمَعْنَا عِنْده فَقَالَ بَعْضنَا سَمِعت إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول كأنى أنظر إِلَى سبعين ألف حَدِيث من كتابى فَقَالَ مُحَمَّد أَو تعجب من هَذَا لَعَلَّ فى هَذَا الزَّمَان من ينظر إِلَى مائتى ألف حَدِيث من كِتَابه قَالَ وَإِنَّمَا عَنى بِهِ نَفسه وَقَالَ ابْن عدى حَدَّثَنى مُحَمَّد بن أَحْمد القومسى سَمِعت مُحَمَّد بن خميرويه يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح وأحفظ مائتى ألف حَدِيث غير صَحِيح وَقَالَ إِمَام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة مَا رَأَيْت تَحت أَدِيم السَّمَاء أعلم بِالْحَدِيثِ من مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل البخارى وَقَالَ ابْن عدى سَمِعت عدَّة مَشَايِخ يحكون أَن البخارى قدم بَغْدَاد فَاجْتمع أَصْحَاب الحَدِيث فعمدوا إِلَى مائَة حَدِيث فقلبوا متونها وأسانيدها وَجعلُوا متن هَذَا لإسناد هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وَإسْنَاد هَذَا لمتن هَذَا ودفعوا إِلَى كل وَاحِد عشرَة أَحَادِيث ليلقوها على البخارى فى الْمجْلس فَاجْتمع النَّاس وانتدب أحدهم فَقَالَ وَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْعشْرَة فَقَالَ لَا أعرفهُ فَسَأَلَهُ عَن آخر فَقَالَ لَا أعرفهُ حَتَّى فرغ من الْعشْرَة فَكَانَ الْفُقَهَاء يلْتَفت بَعضهم إِلَى بعض وَيَقُولُونَ الرجل فهم وَمن كَانَ لَا يدرى قضى عَلَيْهِ بِالْعَجزِ ثمَّ انتدب آخر فَفعل كَفعل الأول والبخارى يَقُول لَا أعرفهُ إِلَى فرَاغ الْعشْرَة أنفس وَهُوَ لَا يزيدهم على لَا أعرفهُ فَلَمَّا علم أَنهم قد فرغوا الْتفت إِلَى الأول فَقَالَ أما حَدِيثك الأول فإسناده كَذَا وَكَذَا والثانى كَذَا وَكَذَا وَالثَّالِث إِلَى آخر الْعشْرَة فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده وَفعل بالثانى مثل ذَلِك إِلَى أَن فرغ فَأقر لَهُ النَّاس بِالْحِفْظِ وَقَالَ يُوسُف بن مُوسَى المروروذى كنت بِجَامِع الْبَصْرَة إِذْ سَمِعت مناديا يُنَادى يَا أهل الْعلم لقد قدم مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى فَقَامُوا فى طلبه وَكنت فيهم فَرَأَيْت رجلا شَابًّا يصلى خلف الأسطوانة فَلَمَّا فرغ أَحدقُوا بِهِ وسألوه أَن يعْقد لَهُم مَجْلِسا للإملاء فأجابهم فَلَمَّا كَانَ من الْغَد اجْتمع كَذَا وَكَذَا ألف فَجَلَسَ وَقَالَ يَا أهل الْبَصْرَة أَنا شَاب وَقد سألتمونى أَن أحدثكُم وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيث عَن أهل بلدكم تستفيدون الْكل حَدثنَا عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة بن أَبى رواد بلديكم حَدثنَا أَبى حَدثنَا شُعْبَة عَن مَنْصُور وَغَيره عَن سَالم بن أَبى الْجَعْد عَن أنس أَن أَعْرَابِيًا قَالَ يَا رَسُول الله الرجل يحب الْقَوْم ... الحَدِيث ثمَّ قَالَ لَيْسَ هَذَا عنْدكُمْ إِنَّمَا عنْدكُمْ عَن غير مَنْصُور وأملى مَجْلِسا على هَذَا النسق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 قَالَ يُوسُف وَكَانَ دخولى الْبَصْرَة أَيَّام مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَبى الشَّوَارِب وَقَالَ الترمذى لم أر أحدا بالعراق وَلَا بخراسان فى معنى الْعِلَل والتاريخ وَمَعْرِفَة الْأَسَانِيد أعلم من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَقَالَ إِسْحَاق بن أَحْمد الفارسى سَمِعت أَبَا حَاتِم يَقُول سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أعلم من دخل الْعرَاق وَمُحَمّد بن يحيى أعلم من بخراسان الْيَوْم وَمُحَمّد بن أسلم أورعهم وَعبد الله الدارمى أثبتهم وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ انْتهى الْحِفْظ إِلَى أَرْبَعَة من أهل خُرَاسَان أَبُو زرْعَة وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل والدارمى وَالْحسن بن شُجَاع البلخى وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم كَانَ البخارى أحد الْأَئِمَّة فى معرفَة الحَدِيث وَجمعه وَلَو قلت إنى لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه فى الْمُبَالغَة وَالْحسن لرجوت أَن أكون صَادِقا أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا قَالَ قَرَأت على عمر بن القواس أخْبركُم أَبُو الْقَاسِم بن الحرستانى حضورا أخبرنَا جمال الْإِسْلَام أخبرنَا ابْن طلاب أخبرنَا ابْن جَمِيع حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن آدم حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف البخارى قَالَ كنت عِنْد مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بمنزله ذَات لَيْلَة فأحصيت عَلَيْهِ أَنه قَامَ وأسرج ليستذكر أَشْيَاء يعلقها فى ليله ثمانى عشرَة مرّة وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم الْوراق كَانَ أَبُو عبد الله إِذا كنت مَعَه فى سفر يجمعنا بَيت وَاحِد إِلَّا فى القيظ أَحْيَانًا فَكنت أرَاهُ يقوم فى لَيْلَة وَاحِدَة خمس عشرَة مرّة إِلَى عشْرين مرّة فى كل ذَلِك يَأْخُذ القداحة فيورى نَارا ويسرج ثمَّ يخرج أَحَادِيث فَيعلم عَلَيْهَا ثمَّ يضع رَأسه وَكَانَ يصلى وَقت السحر ثَلَاث عشرَة رَكْعَة وَكَانَ لَا يوقظنى فى كل مَا يقوم فَقلت لَهُ إِنَّك تحمل على نَفسك فى كل هَذَا وَلَا توقظنى قَالَ أَنْت شَاب وَلَا أحب أَن أفسد عَلَيْك نومك وَقَالَ الفربرى قَالَ لى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل مَا وضعت فى الصَّحِيح حَدِيثا إِلَّا اغْتَسَلت قبل ذَلِك وَصليت رَكْعَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن معقل سمعته يَقُول كنت عِنْد إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فَقَالَ رجل لَو جمعتم كتابا مُخْتَصرا للسنن فَوَقع ذَلِك فى قلبى فَأخذت فى جمع هَذَا الْكتاب قَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ روى من وَجْهَيْن ثابتين عَن البخارى أَنه قَالَ أخرجت هَذَا الْكتاب من نَحْو سِتّمائَة ألف حَدِيث وصنفته فى سِتّ عشرَة سنة وَجَعَلته حجَّة فِيمَا بينى وَبَين الله وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن معقل سمعته يَقُول مَا أدخلت فى الْجَامِع إِلَّا مَا صَحَّ وَتركت من الصِّحَاح لأجل الطول وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم قلت لَهُ تحفظ جَمِيع مَا فى المُصَنّف قَالَ لَا يخفى على جَمِيع مَا فِيهِ وَلَو نشر بعض إسنادى هَؤُلَاءِ لم يفهموا كتاب التَّارِيخ وَلَا عرفوه ثمَّ قَالَ صنفته ثَلَاث مَرَّات وَقد أَخذه ابْن رَاهَوَيْه فَأدْخلهُ على عبد الله بن طَاهِر فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير أَلا أريك سحرًا فَنظر فِيهِ عبد الله فتعجب مِنْهُ وَقَالَ لست أفهم تصنيفه وَقَالَ الفربرى حَدَّثَنى نجم بن الفضيل وَكَانَ من أهل الْفَهم قَالَ رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى النّوم خرج من قَرْيَة وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل خَلفه فَإِذا خطا خطْوَة يخطو مُحَمَّد وَيَضَع قدمه على قدمه وَيتبع أَثَره وَقَالَ خلف الْخيام سَمِعت أَبَا عَمْرو أَحْمد بن نصر الْخفاف يَقُول مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أعلم فى الحَدِيث من أَحْمد وَإِسْحَاق بِعشْرين دَرَجَة وَمن قَالَ فِيهِ شئ فَعَلَيهِ منى ألف لعنة وَلَو دخل من هَذَا الْبَاب لملئت مِنْهُ رعْبًا وَقَالَ أَبُو عِيسَى الترمذى كَانَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عِنْد عبد الله بن مُنِير فَلَمَّا قَامَ من عِنْده قَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله جعلك الله زين هَذِه الْأمة قَالَ أَبُو عِيسَى اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد المستغفرى فى تَارِيخ نسف وَذكر البخارى لَو جَازَ لى لفضلته على من لقى من مشايخه ولقلت مَا لقى بِعَيْنِه مثل نَفسه وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْخَواص رَأَيْت أَبَا زرْعَة كالصبى جَالِسا بَين يدى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يسْأَله عَن علل الحَدِيث وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد الْقطَّان سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول كتبت عَن ألف شيخ أَو أَكثر عَن كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة آلَاف وَأكْثر مَا عندى حَدِيث إِلَّا أذكر إِسْنَاده قلت فَارق البخارى بُخَارى وَله خمس عشرَة سنة وَلم يره مُحَمَّد بن سَلام البيكندى بعد ذَلِك وَقد قَالَ سليم بن مُجَاهِد كنت عِنْد مُحَمَّد بن سَلام البيكندى فَقَالَ لَو جِئْت قبل لرأيت صَبيا يحفظ سبعين ألف حَدِيث فَخرجت حَتَّى لحقته فَقلت أَنْت تحفظ سبعين ألف حَدِيث قَالَ نعم وَأكْثر وَلَا أجيبك بِحَدِيث عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَّا عرفت مولد أَكْثَرهم ووفاتهم ومساكنهم وَلست أروى حَدِيثا من حَدِيث الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَّا ولى من ذَلِك أصل أحفظه حفظا عَن كتاب أَو سنة وَقَالَ بَعضهم كنت عِنْد مُحَمَّد بن سَلام البيكندى فَدخل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَلَمَّا خرج قَالَ مُحَمَّد بن سَلام كلما دخل على هَذَا الصبى تحيرت والتبس على أَمر الحَدِيث وَلَا أَزَال خَائفًا مَا لم يخرج وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم سَمِعت مُحَمَّد بن يُوسُف يَقُول كنت عِنْد أَبى رَجَاء يعْنى قُتَيْبَة فَسئلَ عَن طَلَاق السَّكْرَان فَقَالَ هَذَا أَحْمد بن حَنْبَل وَابْن المدينى وَابْن رَاهَوَيْه قد ساقهم الله إِلَيْك وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَكَانَ مَذْهَب مُحَمَّد أَنه إِذا كَانَ مغلوب الْعقل لَا يذكر مَا يحدث فى سكره أَنه لَا يجوز عَلَيْهِ من أمره شئ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 وَسمعت عبد الله بن سعيد يَقُول لما مَاتَ أَحْمد بن حَرْب النيسابورى ركب مُحَمَّد وَإِسْحَاق يشيعان جنَازَته فَكنت أسمع أهل الْمعرفَة بنيسابور ينظرُونَ وَيَقُولُونَ مُحَمَّد أفقه من إِسْحَاق وَعَن الفربرى رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام فَقَالَ لى أَيْن تُرِيدُ فَقلت أُرِيد البخارى فَقَالَ أقرأه منى السَّلَام وَكَانَ البخارى يخْتم الْقُرْآن كل يَوْم نَهَارا وَيقْرَأ فى اللَّيْل عِنْد السحر ثلثا من الْقُرْآن فمجموع ورده ختمة وَثلث ختمة وَكَانَ يَقُول أَرْجُو أَن ألْقى الله وَلَا يحاسبنى باغتياب أحد وَكَانَ يصلى ذَات يَوْم فلسعه الزنبور سبع عشرَة مرّة وَلم يقطع صلَاته وَلَا تغير حَاله وَعَن الإِمَام أَحْمد مَا أخرجت خُرَاسَان مثل البخارى وَقَالَ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدورقى البخارى فَقِيه هَذِه الْأمة وَقَالَ مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرازى وَقد خرج البخارى إِلَى الْعرَاق مَا خرج من خُرَاسَان أحفظ مِنْهُ وَلَا قدم الْعرَاق أعلم مِنْهُ قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد بن مُحَمَّد الْوراق يَقُول سَمِعت أَبَا حَامِد أَحْمد بن حمدون يَقُول سَمِعت مُسلم بن الْحجَّاج وَجَاء إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى فَقبل مَا بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ دعنى حَتَّى أقبل رجليك يَا أستاذ الأستاذين ومسند الْمُحدثين وَيَا طَبِيب الحَدِيث فى علله حَدثَك مُحَمَّد بن سَلام حَدثنَا مخلد بن يزِيد الحرانى قَالَ أخبرنَا ابْن جريج قَالَ حَدَّثَنى مُوسَى ابْن عقبَة عَن سُهَيْل بن أَبى صَالح عَن أَبِيه عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ البخارى وَحدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين قَالَا حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن جريج قَالَ حَدَّثَنى مُوسَى بن عقبَة عَن سُهَيْل بن أَبى صَالح عَن أَبِيه عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى كَفَّارَة الْمجْلس أَن يَقُول إِذا قَامَ من مَجْلِسه (سُبْحَانَكَ رَبنَا وَبِحَمْدِك) فَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا حَدِيث مليح وَلَا أعلم بِهَذَا الْإِسْنَاد فى الدُّنْيَا حَدِيثا غير هَذَا إِلَّا أَنه مَعْلُول حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا وهيب حَدثنَا سُهَيْل عَن عون بن عبد الله قَوْله قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا أولى وَلَا نذْكر لمُوسَى بن عقبَة مُسْندًا عَن سُهَيْل وَهُوَ سُهَيْل بن ذكْوَان مولى جوَيْرِية وهم إخْوَة سُهَيْل وَعباد وَصَالح بَنو أَبى صَالح وهم من أهل الْمَدِينَة وَقَالَ نسج بن سعيد كَانَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى إِذا كَانَ أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان تَجْتَمِع إِلَيْهِ أَصْحَابه فيصلى بهم وَيقْرَأ فى كل رَكْعَة عشْرين آيَة وَكَذَلِكَ إِلَى أَن يخْتم الْقُرْآن وَكَانَ يقْرَأ فى السحر مَا بَين النّصْف إِلَى الثُّلُث من الْقُرْآن فيختم عِنْد السحر فى كل ثَلَاث لَيَال وَكَانَ يخْتم بِالنَّهَارِ فى كل يَوْم ختمة وَيكون ختمة عِنْد الْإِفْطَار كل لَيْلَة وَيَقُول عِنْد كل ختم دَعْوَة مستجابة وَقَالَ بكر بن مُنِير سَمِعت البخارى يَقُول أَرْجُو أَن ألْقى الله وَلَا يحاسبنى أَنى اغتبت أحدا قَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ يشْهد لهَذِهِ الْمقَالة كَلَامه فى الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِنَّهُ أبلغ مَا يَقُول فِي الرجل الْمَتْرُوك أَو السَّاقِط فِيهِ نظر أَو سكتوا عَنهُ وَلَا يكَاد يَقُول فلَان كَذَّاب وَلَا فلَان يضع الحَدِيث وَهَذَا من شدَّة ورعه قلت وأبلغ تَضْعِيفه قَوْله فى الْمَجْرُوح مُنكر الحَدِيث قَالَ ابْن الْقطَّان قَالَ البخارى كل من قلت فِيهِ مُنكر الحَدِيث فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وَقَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب سُئِلَ الْعَبَّاس بن الْفضل الرازى الصايغ أَيهمَا أحفظ أَبُو زرْعَة أَو البخارى فَقَالَ لقِيت البخارى بَين حلوان وبغداد فَرَجَعت مَعَه مرحلة وجهدت أَن أجئ بِحَدِيث لَا يعرفهُ فَمَا أمكن وَأَنا أغرب على أَبى زرْعَة عدد شعرى وَقَالَ أَبُو عَمْرو أَحْمد بن نصر الْخفاف مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أعلم بِالْحَدِيثِ من إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأحمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا بِعشْرين دَرَجَة وَمن قَالَ فِيهِ شَيْئا فمنى عَلَيْهِ ألف لعنة ثمَّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التقى النقى الْعَالم الذى لم أر مثله وَقَالَ مُحَمَّد بن يَعْقُوب الأخرم سَمِعت أَصْحَابنَا يَقُولُونَ لما قدم البخارى نيسابور استقبله أَرْبَعَة آلَاف رجل على الْخَيل سوى من ركب بغلا أَو حمارا وَسوى الرجالة وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم فى الكنى عبد الله بن الديلمى أَبُو بسر وَقَالَ البخارى وَمُسلم فِيهِ أَبُو بشر بشين مُعْجمَة قَالَ الْحَاكِم وَكِلَاهُمَا أَخطَأ فى علمى إِنَّمَا هُوَ أَبُو بسر وخليق أَن يكون مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل مَعَ جلالته ومعرفته بِالْحَدِيثِ اشْتبهَ عَلَيْهِ فَلَمَّا نَقله مُسلم من كِتَابه تَابعه على زلته وَمن تَأمل كتاب مُسلم فى الْأَسْمَاء والكنى علم أَنه مَنْقُول من كتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَذْو القذة بالقذة حَتَّى لَا يزِيد عَلَيْهِ فِيهِ إِلَّا مَا يسهل عده وتجلد فى نَقله حق الجلادة إِذْ لم ينْسبهُ إِلَى قَائِله وَكتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فى التَّارِيخ كتاب لم يسْبق إِلَيْهِ وَمن ألف بعده شَيْئا من التَّارِيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 أَو الْأَسْمَاء أَو الكنى لم يسْتَغْن عَنهُ فَمنهمْ من نسبه إِلَى نَفسه مثل أَبى زرْعَة وأبى حَاتِم وَمُسلم وَمِنْهُم من حَكَاهُ عَنهُ فَالله يرحمه فَإِنَّهُ الذى أصل الْأُصُول وَذكر الْحَاكِم أَبُو أَحْمد كلَاما سوى هَذَا وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم رَأَيْت أَبَا عبد الله اسْتلْقى على قَفاهُ يَوْمًا وَنحن بفربر فى تصنيف كتاب التَّفْسِير وأتعب نَفسه يَوْمئِذٍ فَقلت إنى أَرَاك تَقول إنى مَا أتيت شَيْئا بِغَيْر علم قطّ مُنْذُ عقلت فَمَا الْفَائِدَة فى الاستلقاء قَالَ أتعبنا أَنْفُسنَا الْيَوْم وَهَذَا ثغر من الثغور خشيت أَن يحدث حدث من أَمر الْعَدو فَأَحْبَبْت أَن أستريح وآخذ أهبة فَإِن غافصنا الْعَدو كَانَ بِنَا حراك وَكَانَ يركب إِلَى الرمى فَمَا أعلم أَنى رَأَيْته فى طول مَا صحبته أَخطَأ سَهْمه الهدف إِلَّا مرَّتَيْنِ وَكَانَ لَا يسْبق وسمعته يَقُول مَا أردْت أَن أَتكَلّم بِكَلَام فِيهِ ذكر الدُّنْيَا إِلَّا بدأت بِحَمْد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ قَالَ وَكَانَ لأبى عبد الله غَرِيم قطع عَلَيْهِ مَالا كثيرا فَبَلغهُ أَنه قدم آمل وَنحن بفربر فَقُلْنَا لَهُ ينبغى أَن تعبر وتأخذه بِمَالك فَقَالَ لَيْسَ لنا أَن نروعه ثمَّ بلغ غَرِيمه فَخرج إِلَى خوارزم فَقُلْنَا ينبغى أَن تَقول لأبى سَلمَة الكشانى عَامل آمل ليكتب إِلَى خوارزم فى أَخذه فَقَالَ إِن أخذت مِنْهُم كتابا طمعوا منى فى كتاب وَلست أبيع دينى بدنياى فجهدنا فَلم يَأْخُذ حَتَّى كلمنا السُّلْطَان عَن غير أمره فَكتب إِلَى والى خوارزم فَلَمَّا بلغ أَبَا عبد الله ذَلِك وجد وجدا شَدِيدا وَقَالَ لَا تَكُونُوا أشْفق على من نفسى وَكتب كتابا وَأَرْدَفَ تِلْكَ الْكتب بكتب وَكتب إِلَى بعض أَصْحَابه بخوارزم أَن لَا يتَعَرَّض لغريمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 فَرجع غَرِيمه وَقصد نَاحيَة مرو فَاجْتمع التُّجَّار وَأخْبر السُّلْطَان فَأَرَادَ التَّشْدِيد على الْغَرِيم فكره ذَلِك أَبُو عبد الله وَصَالح غَرِيمه على أَن يُعْطِيهِ كل سنة عشرَة دَرَاهِم شَيْئا يَسِيرا وَكَانَ المَال خَمْسَة وَعشْرين ألفا وَلم يصل من ذَلِك إِلَى دِرْهَم وَلَا إِلَى أَكثر مِنْهُ سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول مَا توليت شِرَاء شئ قطّ وَلَا بَيْعه قلت فَمن يتَوَلَّى أَمرك فى أسفارك قَالَ كنت أكفى أَمر ذَلِك وَذكر بكر بن مُنِير أَنه حمل إِلَى البخارى بضَاعَة أنفذها إِلَيْهِ ابْنه أَحْمد فَاجْتمع بِهِ بعض التُّجَّار فطلبوها مِنْهُ بِرِبْح خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ انصرفوا اللَّيْلَة فَجَاءَهُ من الْغَد تجار آخَرُونَ فطلبوها مِنْهُ بِرِبْح عشرَة آلَاف دِرْهَم فَقَالَ إنى نَوَيْت البارحة بيعهَا للَّذين أَتَوا البارحة قلت وَقَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول مَا ينبغى للْمُسلمِ أَن يكون بِحَالَة إِذا دعى لم يستجب لَهُ قَالَ وسمعته يَقُول خرجت إِلَى آدم بن أَبى إِيَاس فتخلفت عَنى نفقتى حَتَّى جعلت أتناول الْحَشِيش وَلَا أخبر بذلك أحدا فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث آتانى أت لم أعرفهُ فناولنى صرة دَنَانِير وَقَالَ أنْفق على نَفسك وَسمعت سليم بن مُجَاهِد يَقُول مَا رَأَيْت بعينى مُنْذُ سِتِّينَ سنة أفقه وَلَا أورع وَلَا أزهد فى الدُّنْيَا من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَاعْلَم أَن مَنَاقِب أَبى عبد الله كَثِيرَة فَلَا مطمع فى اسْتِيعَاب غالبها والكتب مشحونة بِهِ وَفِيمَا أوردناه مقنع وبلاغ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 قصَّته مَعَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلى قَالَ الْحسن بن مُحَمَّد بن جَابر قَالَ لنا الذهلى لما ورد البخارى نيسابور اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرجل الصَّالح فَاسْمَعُوا مِنْهُ فَذهب النَّاس إِلَيْهِ وَأَقْبلُوا على السماع مِنْهُ حَتَّى ظهر الْخلَل فى مجْلِس الذهلى فحسده بعد ذَلِك وَتكلم فِيهِ وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدى ذكر لى جمَاعَة من الْمَشَايِخ أَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل لما ورد نيسابور واجتمعوا عَلَيْهِ حسده بعض الْمَشَايِخ فَقَالَ لأَصْحَاب الحَدِيث إِن مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل يَقُول اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فامتحنوه فَلَمَّا حضر النَّاس قَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله مَا تَقول فى اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق هُوَ أم غير مَخْلُوق فَأَعْرض عَنهُ وَلم يجبهُ فَأَعَادَ السُّؤَال فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ أعَاد فَالْتَفت إِلَيْهِ البخارى وَقَالَ الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وأفعال الْعباد مخلوقة والامتحان بِدعَة فشغب الرجل وشغب النَّاس وَتَفَرَّقُوا عَنهُ وَقعد البخارى فى منزله قَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف الفربرى سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يَقُول أما أَفعَال الْعباد فمخلوقة فقد حَدثنَا على بن عبد الله حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة حَدثنَا أَبُو مَالك عَن ربعى عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله يصنع كل صانع وصنعته) وَسمعت عبيد الله بن سعيد سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول مَا زلت أسمع أَصْحَابنَا يَقُولُونَ إِن أَفعَال الْعباد مخلوقة قَالَ البخارى حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فَأَما الْقُرْآن المتلو الْمُثبت فى الْمَصَاحِف المسطور الْمَكْتُوب الموعى فى الْقُلُوب فَهُوَ كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق قَالَ الله تَعَالَى {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 وَقَالَ يُقَال فلَان حسن الْقِرَاءَة وردئ الْقِرَاءَة وَلَا يُقَال حسن الْقُرْآن وَلَا ردئ الْقُرْآن وَإِنَّمَا ينْسب إِلَى الْعباد الْقِرَاءَة لِأَن الْقُرْآن كَلَام الرب وَالْقِرَاءَة فعل العَبْد وَلَيْسَ لأحد أَن يشرع فى أَمر الله بِغَيْر علم كَمَا زعم بَعضهم أَن الْقُرْآن بألفاظنا وألفاظنا بِهِ شئ وَاحِد والتلاوة هى المتلو وَالْقِرَاءَة هى المقروء فَقيل لَهُ إِن التِّلَاوَة فعل الْقَارئ وَعمل التالى فَرجع وَقَالَ ظننتهما مصدرين فَقيل لَهُ هلا أَمْسَكت كَمَا أمسك كثير من أَصْحَابك وَلَو بعثت إِلَى من كتب عَنْك واسترددت مَا أثبت وَضربت عَلَيْهِ فَزعم أَن كَيفَ يُمكن هَذَا وَقَالَ قلت وَمضى فَقلت لَهُ كَيفَ جَازَ لَك أَن تَقول فى الله شَيْئا لَا تقوم بِهِ شرحا وبيانا إِذا لم تميز بَين التِّلَاوَة والمتلو فَسكت إِذْ لم يكن عِنْده جَوَاب وَقَالَ أَبُو حَامِد الأعمشى رَأَيْت البخارى فى جَنَازَة سعيد بن مَرْوَان والذهلى يسْأَله عَن الْأَسْمَاء والكنى والعلل ويمر فِيهِ البخارى مثل السهْم فَمَا أَتَى على هَذَا شهر حَتَّى قَالَ الذهلى أَلا من يخْتَلف إِلَى مَجْلِسه فَلَا يأتينا فَإِنَّهُم كتبُوا إِلَيْنَا من بَغْدَاد أَنه تكلم فى اللَّفْظ ونهيناه فَلم ينْتَه فَلَا تقربوه قلت كَانَ البخارى على مَا روى وسنحكى مَا فِيهِ مِمَّن قَالَ لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق وَقَالَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلى من زعم أَن لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ مُبْتَدع لَا يُجَالس وَلَا يكلم وَمن زعم أَن الْقُرْآن مَخْلُوق فقد كفر وَإِنَّمَا أَرَادَ مُحَمَّد بن يحيى وَالْعلم عِنْد الله مَا أَرَادَهُ أَحْمد بن حَنْبَل كَمَا قدمْنَاهُ فى تَرْجَمَة الكرابيسى من النهى عَن الْخَوْض فى هَذَا وَلم يرد مُخَالفَة البخارى وَإِن خَالفه وَزعم أَن لَفظه الْخَارِج من بَين شَفَتَيْه المحدثتين قديم فقد بَاء بِأَمْر عَظِيم وَالظَّن بِهِ خلاف ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 وَإِنَّمَا أَرَادَ هُوَ وَأحمد وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة النهى عَن الْخَوْض فى مسَائِل الْكَلَام وَكَلَام البخارى عندنَا مَحْمُول على ذكر ذَلِك عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ فَالْكَلَام فى الْكَلَام عِنْد الِاحْتِيَاج وَاجِب وَالسُّكُوت عَنهُ عِنْد عدم الِاحْتِيَاج سنة فَافْهَم ذَلِك ودع خرافات المؤرخين وَاضْرِبْ صفحا عَن تمويهات الضَّالّين الَّذين يظنون أَنهم محدثون وَأَنَّهُمْ عِنْد السّنة واقفون وهم عَنْهَا مبعدون وَكَيف يظنّ بالبخارى أَنه يذهب إِلَى شئ من أَقْوَال الْمُعْتَزلَة وَقد صَحَّ عَنهُ فِيمَا رَوَاهُ الفربرى وَغَيره أَنه قَالَ إنى لأستجهل من لَا يكفر الْجَهْمِية وَلَا يرتاب الْمنصف فى أَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلى لحقته آفَة الْحَسَد الَّتِى لم يسلم مِنْهَا إِلَّا أهل الْعِصْمَة وَقد سَأَلَ بَعضهم البخارى عَمَّا بَينه وَبَين مُحَمَّد بن يحيى فَقَالَ البخارى كم يعترى مُحَمَّد بن يحيى الْحَسَد فى الْعلم وَالْعلم رزق الله يُعْطِيهِ من يَشَاء وَلَقَد ظرف البخارى وَأَبَان عَن عَظِيم ذكائه حَيْثُ قَالَ وَقد قَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو الْخفاف إِن النَّاس خَاضُوا فى قَوْلك لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق يَا أَبَا عَمْرو احفظ مَا أَقُول لَك من زعم من أهل نيسابور وقومس والرى وهمذان وبغداد والكوفة وَالْبَصْرَة وَمَكَّة وَالْمَدينَة أَنى قلت لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ كَذَّاب فإنى لم أَقَله إِلَّا أَنى قلت أَفعَال الْعباد مخلوقة قلت تَأمل كَلَامه مَا أذكاه وَمَعْنَاهُ وَالْعلم عِنْد الله إنى لم أقل لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق لِأَن الْكَلَام فى هَذَا خوض فى مسَائِل الْكَلَام وصفات الله الَّتِى لَا ينبغى الْخَوْض فِيهَا إِلَّا للضَّرُورَة ولكنى قلت أَفعَال الْعباد مخلوقة وهى قَاعِدَة مغنية عَن تَخْصِيص هَذِه الْمَسْأَلَة بِالذكر فَإِن كل عَاقل يعلم أَن لفظنا من جملَة أفعالنا وأفعالنا مخلوقة فألفاظنا مخلوقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 لقد أفْصح بِهَذَا الْمَعْنى فى رِوَايَة أُخْرَى صَحِيحَة عَنهُ رَوَاهَا حَاتِم بن أَحْمد بن الكندى قَالَ سَمِعت مُسلم بن الْحجَّاج فَذكر الْحِكَايَة وفيهَا أَن رجلا قَامَ إِلَى البخارى فَسَأَلَهُ عَن اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا وفى الْحِكَايَة أَنه وَقع بَين الْقَوْم إِذْ ذَاك اخْتِلَاف على البخارى فَقَالَ بَعضهم قَالَ لفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق وَقَالَ آخَرُونَ لم يقل قلت فَلم يكن الْإِنْكَار إِلَّا على من يتَكَلَّم فى الْقُرْآن فَالْحَاصِل مَا قدمْنَاهُ فى تَرْجَمَة الكرابيسى من أَن أَحْمد ابْن حَنْبَل وَغَيره من السادات الموفقين نهوا عَن الْكَلَام فى الْقُرْآن جملَة وَإِن لم يخالفوا فى مَسْأَلَة اللَّفْظ فِيمَا نظنه فيهم إجلالا لَهُم وفهما من كَلَامهم فى غير رِوَايَة ورفعا لمحلهم عَن قَول لَا يشْهد لَهُ مَعْقُول وَلَا مَنْقُول وَمن أَن الكرابيسى والبخارى وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة الموفقين أَيْضا أفصحوا بِأَن لَفظهمْ مَخْلُوق لما احتاجوا إِلَى الإفصاح هَذَا إِن ثَبت عَنْهُم الإفصاح بِهَذَا وَإِلَّا فقد نقلنا لَك قَول البخارى أَن من نقل عَنهُ هَذَا فقد كذب عَلَيْهِ فَإِن قلت إِذا كَانَ حَقًا لم لَا يفصح بِهِ قلت سُبْحَانَ الله قد أنبأناك أَن السِّرّ فِيهِ تشديدهم فى الْخَوْض فى علم الْكَلَام خشيَة أَن يجرهم الْكَلَام فِيهِ إِلَى مَا لَا ينبغى وَلَيْسَ كل علم يفصح بِهِ فاحفظ مَا نلقيه إِلَيْك وَاشْدُدْ عَلَيْهِ يَديك ويعجبنى مَا أنْشدهُ الغزالى فى منهاج العابدين لبَعض أهل الْبَيْت (إنى لأكتم من علمى جواهره ... كى لَا يرى الْحق ذُو جهل فيفتتنا) (يَا رب جَوْهَر علم لَو أبوح بِهِ ... لقيل لى أَنْت مِمَّن يعبد الوثنا) (ولاستحل رجال صَالِحُونَ دمى ... يرَوْنَ أقبح مَا يأتونه حسنا) (وَقد تقدم فى هَذَا أَبُو حسن ... إِلَى الْحُسَيْن ووصى قبله الحسنا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 ذكره النبأ عَن وَفَاته رضى الله عَنهُ قَالَ ابْن عدى سَمِعت عبد القدوس بن عبد الْجَبَّار السمرقندى يَقُول جَاءَ البخارى إِلَى خزتنك قَرْيَة من قرى سَمَرْقَنْد على فرسخين مِنْهَا وَكَانَ لَهُ بهَا أقرباء ينزل عِنْدهم قَالَ فَسَمعته لَيْلَة وَقد فرغ من صَلَاة اللَّيْل يَقُول فى دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إنى ضَاقَتْ على الأَرْض بِمَا رَحبَتْ فاقبضنى إِلَيْك قَالَ فَمَا تمّ الشَّهْر حَتَّى قَبضه الله وقبره بخرتنك وَعَن عبد الْوَاحِد بن آدم الطواويسى رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام وَمَعَهُ جمَاعَة من أَصْحَابه فَسلمت عَلَيْهِ فَرد على السَّلَام فَقلت مَا وقوفك يَا رَسُول الله فَقَالَ (أنْتَظر مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى) فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام بلغنى مَوته فَنَظَرْنَا فَإِذا هُوَ قد مَاتَ فى السَّاعَة الَّتِى رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت أَبَا صَالح خلف بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى يَقُول سَمِعت أَبَا حسان مهيب بن سليم الكرمانى يَقُول مَاتَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل رَحمَه الله عندنَا لَيْلَة الْفطر أول لَيْلَة من شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ بلغ عمره اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة غير ثنتى عشرَة لَيْلَة وَكَانَ مولده فى شَوَّال سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وَكَانَ فى بَيت وَحده فوجدناه لم أَصْبَحْنَا وَهُوَ ميت وَقَالَ بكر بن مُنِير بن خُلَيْد البخارى بعث الْأَمِير خَالِد بن أَحْمد الذهلى متولى بُخَارى إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أَن احْمِلْ إِلَى كتاب الْجَامِع والتاريخ وَغَيرهمَا لأسْمع مِنْك فَقَالَ لرَسُوله أَنا لَا أذلّ الْعلم وَلَا أحملهُ إِلَى أَبْوَاب النَّاس فَإِن كَانَ لَهُ إِلَى شئ مِنْهُ حَاجَة فليحضر فى مسجدى أَو فى دارى وَإِن لم يُعجبهُ هَذَا فَإِنَّهُ سُلْطَان فليمنعنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 من الْجُلُوس ليَكُون لى عذر عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة لِئَلَّا أكتم الْعلم فَكَانَ هَذَا سَبَب الوحشة بَينهمَا وَقَالَ أَبُو بكر بن أَبى عَمْرو البخارى كَانَ سَبَب منافرة البخارى أَن خَالِد بن أَحْمد خَليفَة الظَّاهِرِيَّة ببخارى سَأَلَهُ أَن يحضر منزله فَيقْرَأ الْجَامِع والتاريخ على أَوْلَاده فَامْتنعَ فراسله بِأَن يعْقد مَجْلِسا خَاصّا لَهُم فَامْتنعَ وَقَالَ لَا أخص أحدا فاستعان عَلَيْهِ بحريث بن أَبى الورقاء وَغَيره حَتَّى تكلمُوا فى مذْهبه ونفاه عَن الْبَلَد فَدَعَا عَلَيْهِم فَلم يَأْتِ إِلَّا شهر حَتَّى ورد أَمر الظَّاهِرِيَّة بِأَن يُنَادى على خَالِد فى الْبَلَد فنودى عَلَيْهِ على أتان وَأما حُرَيْث فَابْتلى بأَهْله وَرَأى فِيهَا مَا يجل عَن الْوَصْف وَأما فلَان فَابْتلى بأولاده رَوَاهَا الْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الضبى عَن أَبى بكر هَذَا وحريث بن أَبى الورقاء من كبار فُقَهَاء الرأى ببخارى قَالَ مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم سَمِعت غَالب بن جِبْرِيل وَهُوَ الذى نزل عَلَيْهِ أَبُو عبد الله يَقُول أَقَامَ أَبُو عبد الله عندنَا أَيَّامًا فَمَرض وَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض حَتَّى جَاءَ رَسُول إِلَى سَمَرْقَنْد بِإِخْرَاجِهِ فَلَمَّا وافى تهَيَّأ للرُّكُوب فَلبس خفيه وتعمم فَلَمَّا مَشى قدر عشْرين خطْوَة أَو نَحْوهَا وَأَنا آخذ بعضده وَرجل آخر معى يَقُود الدَّابَّة ليرْكبَهَا فَقَالَ رَحمَه الله أرسلونى فقد ضعفت فَدَعَا بدعوات ثمَّ اضْطجع فَقضى رَحمَه الله فَسَالَ مِنْهُ من الْعرق شئ لَا يُوصف فَمَا سكن مِنْهُ الْعرق إِلَى أَن أدرجناه فى ثِيَابه وَكَانَ فِيمَا قَالَ لنا وَأوصى إِلَيْنَا أَن كفنونى فى ثَلَاثَة أَثوَاب بيض لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة فَفَعَلْنَا ذَلِك فَلَمَّا دفناه فاح من تُرَاب قَبره رَائِحَة غَالِيَة فدام على ذَلِك أَيَّامًا ثمَّ علت سوارى بيض فى السَّمَاء مستطيلة بحذاء قَبره فَجعل النَّاس يَخْتَلِفُونَ ويتعجبون وَأما التُّرَاب فَإِنَّهُم كَانُوا يرفعون عَن الْقَبْر حَتَّى ظهر الْقَبْر وَلم يكن يقدر على حفظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 الْقَبْر بالحراس وغلبنا على أَنْفُسنَا فنصبنا على الْقَبْر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الْوُصُول إِلَى الْقَبْر وَأما ريح الطّيب فَإِنَّهُ تداوم أَيَّامًا كَثِيرَة حَتَّى تحدث أهل الْبَلدة وتعجبوا من ذَلِك وَظهر عِنْد مخالفيه أمره بعد وَفَاته وَخرج بعض مخالفيه إِلَى قَبره وَأظْهر التَّوْبَة والندامة قَالَ مُحَمَّد وَلم يَعش غَالب بعده إِلَّا الْقَلِيل وَدفن إِلَى جَانِبه وَقَالَ أَبُو على الغسانى الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو الْفَتْح نصر بن الْحسن السُّكْنَى السمرقندى قدم علينا بلنسية عَام أَربع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ قحط الْمَطَر عندنَا بسمرقند فى بعض الأعوام فَاسْتَسْقَى النَّاس مرَارًا فَلم يسقوا فَأتى رجل صَالح مَعْرُوف بالصلاح إِلَى قاضى سَمَرْقَنْد فَقَالَ لَهُ إنى قد رَأَيْت رَأيا أعرضه عَلَيْك قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أرى أَن تخرج وَيخرج النَّاس مَعَك إِلَى قبر الإِمَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى ونستسقى عِنْده فَعَسَى الله أَن يسقينا فَقَالَ القاضى نعم مَا رَأَيْت فَخرج القاضى وَالنَّاس مَعَه واستسقى القاضى بِالنَّاسِ وَبكى النَّاس عِنْد الْقَبْر وتشفعوا بِصَاحِبِهِ فَأرْسل الله تَعَالَى السَّمَاء بِمَاء عَظِيم غزير فَقَامَ النَّاس من أَجله بخرتنك سَبْعَة أَيَّام أَو نَحْوهَا لَا يَسْتَطِيع أحد الْوُصُول إِلَى سَمَرْقَنْد من كَثْرَة الْمَطَر وغزارته وَبَين سَمَرْقَنْد وخرتنك نَحْو ثَلَاثَة أَمْيَال قلت وَأما الْجَامِع الصَّحِيح وَكَونه ملْجأ للمعضلات ومجربا لقَضَاء الْحَوَائِج فَأمر مَشْهُور وَلَو اندفعنا فى ذكر تَفْصِيل ذَلِك وَمَا اتّفق فِيهِ لطال الشَّرْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 ذكر نخب وفوائد ولطائف عَن أَبى عبد الله قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَمن شعر البخارى قَرَأت بِخَط أَبى عَمْرو المستملى وَأنْشد البخارى (اغتنم فى الْفَرَاغ فضل رُكُوع ... فَعَسَى أَن يكون موتك بغته) (كم صَحِيح رَأَيْت من غير سقم ... ذهبت نَفسه الصَّحِيحَة قلته) قَالَ وَأنْشد البخارى (خَالق النَّاس بِخلق وَاسع ... لَا تكن كَلْبا على النَّاس تهر) قَالَ وَأنْشد أَبُو عبد الله (مثل الْبَهَائِم لَا ترى آجالها ... حَتَّى تساق إِلَى المجازر تنحر) قَالَ وَأنْشد البخارى (إِن تبْق تفجع بالأحبة كلهم ... وفناء نَفسك لَا أَبَا لَك أفجع) قلت هَذَا أحسن وَأجْمع من قَول الْقَائِل (وَمن يعمر يلق فى نَفسه ... مَا يتمناه لأعدائه) وَمن قَول الطغرائى (هَذَا جَزَاء امرىء أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الْأَجَل) وهى من قصيدته الَّتِى تسمى لامية الْعَجم وهى هَذِه (أَصَالَة الرأى صانتنى عَن الخطل ... وَحلية الْفضل زانتنى لَدَى العطل) (مجدى أخيرا ومجدى أَولا شرع ... وَالشَّمْس رأد الضخى كَالشَّمْسِ فى الطِّفْل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 (فى م الْإِقَامَة بالزوراء لَا سُكْنى ... بهَا وَلَا ناقتى فِيهَا وَلَا جملى) (ناء عَن الْأَهْل صفر الرحل مُنْفَرد ... كالسيف عرى متناه من الْخلَل) (فَلَا صديق إِلَيْهِ مشتكى حزنى ... وَلَا أنيس لَدَيْهِ مُنْتَهى جذلى) (طَال اغترابى حَتَّى حن راحلتى ... ورحلها وقرى العسالة الذبل) (وضج من لغب نضوى وعج لما ... يلقى ركابى ولج الركب فى عذلى) (أُرِيد بسطة كف أستعين بهَا ... على قَضَاء حُقُوق للعلى قبلى) (والدهر يعكس آمالى ويقنعنى ... من الْغَنِيمَة بعد الكد بالقفل) (وذى شطاط كصدر الرمْح معتقل ... لمثله غير هياب وَلَا وكل) (حُلْو الفكاهة مر الْجد قد مزجت ... بِقُوَّة الْبَأْس مِنْهُ رقة الْغَزل) (طردت سرح الْكرَى عَن ورد مقلته ... وَاللَّيْل أغرى سوام النّوم بالمقل) (والركب ميل على الأكوار من طرب ... صَاح وَآخر من خمر الْكرَى ثمل) (فَقلت أَدْعُوك للجلى لتنصرنى ... وَأَنت تخذلنى فى الْحَادِث الجلل) (تنام عينى وَعين النَّجْم ساهرة ... وتستحيل وصبغ اللَّيْل لم يحل) (فَهَل تعين على غى هَمَمْت بِهِ ... والغى يزْجر أَحْيَانًا عَن الفشل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 (إنى أُرِيد طروق الْجزع من إضم ... وَقد حماه رُمَاة الحى من ثعل) (يحْمُونَ بالبيض والسمر اللدان بِهِ ... سود الغدائر حمر الحلى وَالْحلَل) (فسر بِنَا فى ذمام اللَّيْل مهتديا ... فنفحة الطّيب تهدينا إِلَى الْحلَل) (فالحب حَيْثُ العدى والأسد رابضة ... حول الكناس لَهَا غَابَ من الأسل) (نوم ناشئة بالجزع قد سقيت ... نصالها بمياه الغنج والكحل) (قد زَاد طيب أَحَادِيث الْكِرَام بهَا ... مَا بالكرائم من جبن وَمن بخل) (تبيت نَار الْهوى مِنْهُنَّ فى كبد ... حرى ونار الْقرى مِنْهُم على القلل) (يقتلن أنضاء حب لَا حراك بِهِ ... وينحرون كرام الْخَيل وَالْإِبِل) (يشفى لديغ العوالى فى بُيُوتهم ... بنهلة من غَدِير الْخمر وَالْعَسَل) (لَعَلَّ إلمامة بالجزع ثَانِيَة ... يدب مِنْهَا نسيم الْبُرْء فى عللى) (لَا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت ... برشقة من نبال الْأَعْين النجل) (وَلَا أهاب الصفاح الْبيض تسعدنى ... باللمح من صفحات الْبيض فى الكلل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 (وَلَا أخل بغزلان أغازلها ... وَلَو دهتنى أسود الغيل بالغيل) (حب السَّلامَة يثنى هم صَاحبه ... عَن المعالى ويغرى الْمَرْء بِالْكَسَلِ) (فَإِن جنحت إِلَيْهِ فَاتخذ نفقا ... فى الأَرْض أَو مصعدا فى الجو فاعتزل) (ودع غمار العلى للمقدمين على ... ركُوبهَا واقتنع مِنْهُنَّ بالبلل) (رضَا الذَّلِيل بخفض الْعَيْش مسكنة ... والعز عِنْد رسيم الأينق الذلل) (فادرأ بهَا فى نحور البيد جافلة ... معارضات مثانى اللجم بالجدل) (إِن العلى حدثتنى وهى صَادِقَة ... فِيمَا تحدث أَن الْعِزّ فى النَّقْل) (لَو أَن فى شرف المأوى بُلُوغ علا ... لم تَبْرَح الشَّمْس يَوْمًا دارة الْحمل) (أهبت بالحظ لَو ناديت مستمعا ... والحظ عَنى بالجهال فى شغل) (لَعَلَّه إِن بدا فضلى ونقصهم ... لعَينه نَام عَنْهُم أَو تنبه لى) (أعلل النَّفس بالآمال أرقبها ... مَا أضيق الْعَيْش لَوْلَا فسحة الأمل) (لم أَرض بالعيش وَالْأَيَّام مقبلة ... فَكيف أرْضى وَقد ولت على عجل) (غالى بنفسى عرفانى بِقِيمَتِهَا ... فصنتها عَن رخيص الْقدر مبتذل) (وَعَادَة النصل أَن يزهى بجوهره ... وَلَيْسَ يعْمل إِلَّا فى يدى بَطل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 (مَا كنت أوثر أَن يَمْتَد بى زمنى ... حَتَّى أرى دولة الأوغاد والسفل) (تقدمتنى رجال كَانَ شوطهم ... وَرَاء خطوى لَو أمشى على مهل) (هَذَا جَزَاء امرىء أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الْأَجَل) (وَإِن علانى من دونى فَلَا عجب ... لى أُسْوَة بانحطاط الشَّمْس عَن زحل) (فاصبر لَهَا غير محتال وَلَا ضجر ... فى حَادث الدَّهْر مَا يغنى عَن الْحِيَل) (أعدى عَدوك أدنى من وثقت بِهِ ... فحاذر النَّاس واصحبهم على دخل) (وَإِنَّمَا رجل الدُّنْيَا وواحدها ... من لَا يعول فى الدُّنْيَا على رجل) (وَحسن ظَنك بِالْأَيَّامِ معْجزَة ... فَظن شرا وَكن مِنْهَا على وَجل) (غاض الْوَفَاء وفاض الْغدر وانفرجت ... مَسَافَة الْخلف بَين القَوْل وَالْعَمَل) (وشان صدقك عِنْد النَّاس كذبهمْ ... وَهل يُطَابق معوج بمعتدل) (إِن كَانَ ينجع شىء فى ثباتهم ... على العهود فَسبق السَّيْف للعذل) (يَا واردا سُؤْر عَيْش كُله كدر ... أنفقت صفوك فى أيامك الأول) (فى م اعتراضك لج الْبَحْر تركبه ... وَأَنت يَكْفِيك مِنْهُ مصة الوشل) (ملك القناعة لَا يخْشَى عَلَيْهِ وَلَا ... يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْأَنْصَار والخول) (ترجو الْبَقَاء بدار لَا ثبات لَهَا ... فَهَل سَمِعت بِظِل غير منتقل) (أيا خَبِيرا على الْأَسْرَار مطلعا ... اصمت ففى الصمت منجاة من الزلل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 (قد رشحوك لأمر لَو فطنت لَهُ ... فاربأ بِنَفْسِك أَن ترعى مَعَ الهمل) فى صَحِيح البخارى عَن الْحسن أَن من عَلَيْهِ صَوْم رَمَضَان إِذا مَاتَ فصَام عَنهُ ثَلَاثُونَ رجلا فى يَوْم وَاحِد أَجزَأَهُ فرع غَرِيب يَقع تَفْرِيعا على القَوْل بِأَنَّهُ يصام عَن الْمَيِّت وَقد ذكره النووى فى شرح الْمُهَذّب وَقَالَ لم أر لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كلَاما قَالَ وَهُوَ الظَّاهِر وَكَذَلِكَ قَالَ الْوَالِد فى شرح الْمِنْهَاج إِن مَا قَالَه الْحسن هُوَ الظَّاهِر الذى نعتقده اسْتدلَّ البخارى على جَوَاز النّظر إِلَى المخطوبة بقول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة رضى الله عَنْهَا (رَأَيْتُك فى الْمَنَام يجىء بك الْملك فى سَرقَة من حَرِير فَقَالَ لى هَذِه امْرَأَتك فَكشفت عَن وَجهك الثَّوْب فَإِذا أَنْت هى) قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله فى شرح الْمِنْهَاج وَهَذَا اسْتِدْلَال حسن لِأَن فعل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى النّوم واليقظة سَوَاء وَقد كشف عَن وَجههَا ذكر أَبُو عَاصِم العبادى أَن الساجى قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل عَن الْحُسَيْن عَن الشافعى أَنه قَالَ يكره أَن يَقُول الرجل قَالَ الرَّسُول بل يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَكُون مُعظما انْتهى وَالْحُسَيْن هُوَ الكرابيسى وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل هُوَ البخارى فِيمَا ذكر أَبُو عَاصِم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وَرَأَيْت بِخَط ابْن الصّلاح أَحسب أَبَا عَاصِم واهما وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا هُوَ السلمى نقلت من خطّ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله قَالَ ابْن بشكوال فى الصِّلَة فى تَارِيخ الأندلس فى تَرْجَمَة عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْبر وَالِد أَبى عمر وَقد جوز البخارى أَن يحدث الرجل عَن كتاب أَبِيه بتبيين أَنه خطه دون خطّ غَيره قَالَ الْوَالِد قَوْله دون خطّ غَيره إِن كَانَ المُرَاد بتبين أَن لَيْسَ خطّ غَيره فَهُوَ مُوَافق لما قَالَه النَّاس وَإِن كَانَ المُرَاد أَنه لَا يحدث عَن خطّ غَيره فَغير مَعْرُوف 51 - مُحَمَّد بن عَاصِم بن يحيى أَبُو عبد الله الأصبهانى كَاتب القاضى رَحل وَأخذ عَن أَصْحَاب الشافعى وَابْن وهب وَسمع من على بن حَرْب وَسَلَمَة بن شبيب روى عَنهُ أَحْمد بن بنْدَار والطبرانى وَغَيرهمَا قَالَ أَبُو الشَّيْخ صنف كتبا كَثِيرَة توفى سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ الحديث: 51 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 52 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مخلد أَبُو الْحُسَيْن الأصبهانى يعرف بِصَاحِب الشافعى وبوراق الرّبيع بن سُلَيْمَان نزل مصر وَحدث عَن قُتَيْبَة بن سعيد وَمُحَمّد بن أَبى بكر المقدمى وهانئ ابْن المتَوَكل وَدَاوُد بن رشيد وَجَمَاعَة روى عَنهُ ابْن جوصا وَغَيره توفى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو نعيم بل بعد ذَلِك 53 - مُحَمَّد بن على البجلى القيروانى ... . . الحديث: 52 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 54 - مُحَمَّد بن عقيل الفريابى أَبُو سعيد وَعقيل بِضَم الْعين ثمَّ قَاف مَفْتُوحَة من أَصْحَاب أَبى إِسْمَاعِيل المزنى وَالربيع بن سُلَيْمَان حدث بِمصْر عَن قُتَيْبَة بن سعيد وَدَاوُد بن مِخْرَاق وَجَمَاعَة وَعنهُ على بن مُحَمَّد المصرى الْوَاعِظ وَأَبُو مُحَمَّد بن الْورْد وَأَبُو طَالب أَحْمد بن نصر وَغَيرهم وَكَانَ من الْفُقَهَاء الشافعيين بِمصْر توفى بهَا فى صفر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ البيهقى فى كتاب الْمدْخل أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ أخبرنى أَبُو عبد الله الزبير بن عبد الْوَاحِد الْحَافِظ الأسداباذى قَالَ سَمِعت أَبَا سعيد مُحَمَّد بن عقيل الفريابى يَقُول قَالَ المزنى أَو الرّبيع كُنَّا يَوْمًا عِنْد الشافعى بَين الظّهْر وَالْعصر عِنْد الصحن فى الصّفة والشافعى قد اسْتندَ إِمَّا قَالَ إِلَى الأسطوانة وَإِمَّا قَالَ إِلَى غَيرهَا إِذْ جَاءَ شيخ عَلَيْهِ جُبَّة صوف وعمامة صوف وَإِزَار صوف وفى يَده عكازه قَالَ فَقَامَ الشافعى وَسوى عَلَيْهِ ثِيَابه واستوى جَالِسا قَالَ وَسلم الشَّيْخ وَجلسَ وَأخذ الشافعى ينظر إِلَى الشَّيْخ هَيْبَة لَهُ إِذْ قَالَ لَهُ الشَّيْخ أسأَل قَالَ الشافعى سل قَالَ أيش الْحجَّة فى دين الله فَقَالَ الشافعى كتاب الله الحديث: 54 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 قَالَ وماذا قَالَ وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وماذا قَالَ اتِّفَاق الْأمة قَالَ من أَيْن قلت اتِّفَاق الْأمة قَالَ من كتاب الله قَالَ من أَيْن فى كتاب الله قَالَ فَتدبر الشافعى سَاعَة فَقَالَ الشَّيْخ قد أجلتك ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها فَإِن جِئْت بِحجَّة من كتاب الله فى الِاتِّفَاق وَإِلَّا تب إِلَى الله عز وَجل قَالَ فَتغير لون الشافعى ثمَّ إِنَّه ذهب فَلم يخرج ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن قَالَ فَخرج إِلَيْنَا فى الْيَوْم الثَّالِث فى ذَلِك الْوَقْت يعْنى بَين الظّهْر وَالْعصر وَقد انتفخ وَجهه ويداه وَرجلَاهُ وَهُوَ مسقام فَجَلَسَ قَالَ فَلم يكن بأسرع من أَن جَاءَ الشَّيْخ فَسلم وَجلسَ فَقَالَ حاجتى فَقَالَ الشافعى نعم أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الله عز وَجل {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} لَا نصليه على خلاف الْمُؤمنِينَ إِلَّا وَهُوَ فرض فَقَالَ صدقت وَقَامَ وَذهب قَالَ الفريابى قَالَ المزنى أَو الرّبيع قَالَ الشافعى لما ذهب الرجل قَرَأت الْقُرْآن فى كل يَوْم وَلَيْلَة ثَلَاث مَرَّات حَتَّى وقفت عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 قلت إِن ثبتَتْ هَذِه الْحِكَايَة فَيمكن أَن يكون هَذَا الشَّيْخ الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام وَقد فهمه الشافعى حِين أَجله واستمع لَهُ وأصغى لإغلاظه فى القَوْل وَاعْتمد إِشَارَته وَسَنَد هَذِه الْحِكَايَة صَحِيح لَا غُبَار عَلَيْهِ 55 - مُحَمَّد بن على بن الْحسن بن بشر الْمُحدث الزَّاهِد أَبُو عبد الله الْحَكِيم الترمذى الصوفى صَاحب التصانيف سمع الْكثير من الحَدِيث بخراسان وَالْعراق وَحدث عَن أَبِيه وَعَن قُتَيْبَة بن سعيد وَصَالح بن عبد الله الترمذى وَصَالح بن مُحَمَّد الترمذى وعَلى بن حجر السعدى وَيَعْقُوب الدورقى وسُفْيَان بن وَكِيع وَغَيرهم روى عَنهُ يحيى بن مَنْصُور القاضى وَغَيره من عُلَمَاء نيسابور فَإِنَّهُ حدث بهَا فى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ لقى الْحَكِيم أَبُو عبد الله أَبَا تُرَاب النخشبى وَصَحب يحيى بن الْجلاء قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى نفوه من ترمذ وأخرجوه مِنْهَا وشهدوا عَلَيْهِ بالْكفْر وَذَلِكَ بِسَبَب تصنيفه كتاب ختم الْولَايَة وَكتاب علل الشَّرِيعَة وَقَالُوا إِنَّه يَقُول إِن للأولياء خَاتمًا كَمَا أَن للأنبياء خَاتمًا وَإنَّهُ يفضل الْولَايَة على النُّبُوَّة وَاحْتج بقوله عَلَيْهِ السَّلَام ? < يَغْبِطهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء > ? وَقَالَ لولم يَكُونُوا أفضل مِنْهُم لم يغبطوهم فجَاء إِلَى بَلخ فقبلوه بِسَبَب مُوَافَقَته إيَّاهُم على الْمَذْهَب ثمَّ اعتذر السلمى عَنهُ ببعد فهم الفاهمين الحديث: 55 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 قلت وَلَعَلَّ الْأَمر كَمَا زعم السلمى وَإِلَّا فَمَا نظن بِمُسلم أَنه يفضل بشرا غير الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام على الْأَنْبِيَاء وَمن تصانيف الترمذى كتاب الفروق لَا بَأْس بِهِ بل لَيْسَ فى بَابه مثله يفرق فِيهِ بَين المداراة والمداهنة والمحاجة والمجادلة والمناظرة والمغالبة والانتصار والانتقام وهلم جرا من أُمُور مُتَقَارِبَة الْمَعْنى وَله أَيْضا كتاب غرس الْمُوَحِّدين وَكتاب عود الْأُمُور وَكتاب المناهى وَكتاب شرح الصَّلَاة 56 - مُحَمَّد بن نصر المروزى الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عبد الله أحد أَعْلَام الْأمة وعقلائها وعبادها ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ بِبَغْدَاد وَنَشَأ بنيسابور وَسكن سَمَرْقَنْد وَكَانَ أَبوهُ مروزيا سمع مُحَمَّد بن نصر هِشَام بن عمار وَهِشَام بن خَالِد وَالْمُسَيب بن وَاضح وَيحيى بن يحيى وَإِسْحَاق وعَلى بن بَحر الْقطَّان وَالربيع بن سُلَيْمَان وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَعَمْرو بن زُرَارَة وعَلى بن حجر وهدبة وشيبان وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وخلقا وتفقه على أَصْحَاب الشافعى روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس السراج وَأَبُو حَامِد بن الشرقى وَمُحَمّد بن الْمُنْذر شكر وَأَبُو عبد الله بن الأخرم وَابْنه إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن نصر وَطَائِفَة الحديث: 56 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 قَالَ الْحَاكِم هُوَ الْفَقِيه العابد الْعَالم إِمَام أهل الحَدِيث فى عصره بِلَا مدافعة وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ من أعلم النَّاس باخْتلَاف الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فى الْأَحْكَام وَقَالَ ابْن حزم فى بعض تآليفه أعلم النَّاس من كَانَ أجمعهم للسنن وأضبطهم لَهَا وأذكرهم لمعانيها وأدراهم بِصِحَّتِهَا وَبِمَا أجمع النَّاس عَلَيْهِ مِمَّا اخْتلفُوا فِيهِ وَمَا نعلم هَذِه الصّفة بعد الصَّحَابَة أتم مِنْهَا فى مُحَمَّد بن نصر المروزى فَلَو قَالَ قَائِل لَيْسَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث وَلَا لأَصْحَابه إِلَّا وَهُوَ عِنْد مُحَمَّد بن نصر لما بعد عَن الصدْق وَقَالَ أَبُو ذَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف القاضى كَانَ الصَّدْر الأول من مَشَايِخنَا يَقُولُونَ رجال خُرَاسَان أَرْبَعَة ابْن الْمُبَارك وَيحيى بن يحيى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَمُحَمّد بن نصر المروزى وَقَالَ أَبُو بكر الصيرفى لَو لم يصنف المروزى إِلَّا كتاب الْقسَامَة لَكَانَ من أفقه النَّاس فَكيف وَقد صنف كتبا سواهَا وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى صنف مُحَمَّد هَذَا كتبا ضمنهَا الْآثَار وَالْفِقْه وَكَانَ من أعلم النَّاس باخْتلَاف الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فى الْأَحْكَام وصنف كتابا فِيمَا خَالف فِيهِ أَبُو حنيفَة عليا وَعبد الله رضى الله عَنْهُمَا وَقَالَ ابْن الأخرم انْصَرف مُحَمَّد بن نصر من الرحلة الثَّانِيَة سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فاستوطن نيسابور وَلم تزل تِجَارَته بنيسابور أَقَامَ مَعَ شريك لَهُ مضَارب وَهُوَ يشْتَغل بِالْعلمِ وَالْعِبَادَة ثمَّ خرج سنة خمس وَسبعين إِلَى سَمَرْقَنْد فَأَقَامَ بهَا وشريكه بنيسابور وَكَانَ وَقت مقَامه هُوَ الْمُفْتى والمقدم بعد وَفَاة مُحَمَّد ابْن يحيى فَإِن حيكان يعْنى يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى وَمن بعده أقرُّوا لَهُ بِالْفَضْلِ والتقدم قَالَ ابْن الأخرم حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن قُتَيْبَة سَمِعت مُحَمَّد بن يحيى غير مرّة إِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة يَقُول سلوا أَبَا عبد الله المروزى وَقَالَ أَبُو بكر الصبغى فِيمَا أخبرنَا بِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْفَقِيه شيخ الشَّافِعِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 برهَان الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن شيخ الشَّافِعِيَّة تَاج الدّين أَبى مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن إِبْرَاهِيم الفزارى فى كِتَابه إِلَى من دمشق وَعمر بن الْحسن المراغى بقراءتى عَلَيْهِ قَالَ الأول أخبرنَا الْمُسلم بن مُحَمَّد بن الْمُسلم القيسى سَمَاعا عَلَيْهِ وَقَالَ الثانى أخبرنَا أَبُو الْفَتْح يُوسُف بن يَعْقُوب بن المجاور إجَازَة قَالَا أخبرنَا أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الكندى سَمَاعا قَالَ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز سَمَاعا قَالَ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن على بن ثَابت الْخَطِيب قَالَ أخبرنى مُحَمَّد بن على بن يَعْقُوب الْمعدل قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله النيسابورى قَالَ سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن إِسْحَاق يَقُول أدْركْت إمامين لم أرزق السماع مِنْهُمَا أَبَا حَاتِم الرازى وَمُحَمّد بن نصر المروزى فَأَما مُحَمَّد بن نصر فَمَا رَأَيْت أحسن صَلَاة مِنْهُ وَلَقَد بلغنى أَن زنبورا قعد على جَبهته فَسَالَ الدَّم على وَجهه وَلم يَتَحَرَّك وَقَالَ ابْن الأخرم مَا رَأَيْت أحسن صَلَاة من مُحَمَّد بن نصر كَانَ الذُّبَاب يَقع على أُذُنه فيسيل الدَّم وَلَا يذبه عَن نَفسه وَلَقَد كُنَّا نتعجب من حسن صلَاته وخشوعه وهيبته للصَّلَاة كَانَ يضع ذقنه على صَدره فينتصب كَأَنَّهُ خَشَبَة مَنْصُوبَة وَكَانَ من أحسن النَّاس خلقا كَأَنَّمَا فقئ فى وَجهه حب الرُّمَّان وعَلى خديه كالورد ولحيته بَيْضَاء وَقَالَ السليمانى مُحَمَّد بن نصر إِمَام الْأَئِمَّة الْمُوفق من السَّمَاء وَقَالَ أَحْمد بن إِسْحَاق الصبغى سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الثقفى يَقُول كَانَ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد والى خُرَاسَان يصل مُحَمَّد بن نصر فى السّنة بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم ويصله أَخُوهُ إِسْحَاق بِمِثْلِهَا ويصله أهل سَمَرْقَنْد بِمِثْلِهَا فَكَانَ ينفقها من السّنة إِلَى السّنة من غير أَن يكون لَهُ عِيَال فَقيل لَهُ لَو ادخرت لنائبه فَقَالَ سُبْحَانَ الله أَنا بقيت بِمصْر كَذَا وَكَذَا سنة قوتى وثيابى وكاغدى وحبرى وَجَمِيع مَا أنفقهُ على نفسى فى السّنة عشرُون درهما فترى إِن ذهب ذَا لَا يبْقى ذَاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 قلت انْظُر حَالَة من لَا فرق بَين الْقلَّة وَالْكَثْرَة عِنْده أخبرنَا مُحَمَّد بن الْعَلامَة أَبُو إِسْحَاق الفزارى إِذْنا أخبرنَا الْمُسلم بن مُحَمَّد ح وَأخْبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن الْحسن بن مزِيد بن أميلة المراغى بقراءتى عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا يُوسُف بن يَعْقُوب بن المجاور إجَازَة قَالَا أخبرنَا أَبُو الْيمن الكندى أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا أَبُو بكر الْخَطِيب أخبرنَا الجوهرى أخبرنَا ابْن حيويه حَدثنَا عُثْمَان بن جَعْفَر اللبان حَدَّثَنى مُحَمَّد بن نصر قَالَ خرجت من مصر ومعى جَارِيَة لى فركبت الْبَحْر أُرِيد مَكَّة فغرقت فَذهب منى ألفا جُزْء وصرت إِلَى جَزِيرَة أَنا وجاريتي فَمَا رَأينَا فِيهَا أحدا وأخذنى الْعَطش فَلم أقدر على المَاء فَوضعت رأسى على فَخذ جاريتى مستسلما للْمَوْت فَإِذا رجل قد جاءنى وَمَعَهُ كوز فَقَالَ هاه فَشَرِبت وسقيتها ثمَّ مضى فَلَا أدرى من أَيْن جَاءَ وَلَا من أَيْن ذهب أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْمُنعم بن القواس أخبرنَا زيد بن الْحسن الكندى إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْحسن بن عبد السَّلَام أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن على الفيروزابادى قَالَ روى عَنهُ يعْنى مُحَمَّد بن نصر أَنه قَالَ كتبت الحَدِيث بضعا وَعشْرين سنة وَسمعت قولا ومسائل وَلم يكن لى حسن رأى فى الشافعى فَبينا أَنا قَاعد فى مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ إِذْ أغفيت إغْفَاءَة فَرَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام فَقلت يَا رَسُول الله أكتب رأى أَبى حنيفَة فَقَالَ (لَا) فَقلت رأى مَالك فَقَالَ (اكْتُبْ مَا وَافق حديثى) فَقلت أكتب رأى الشافعى فطأطأ رَأسه شبه الغضبان وَقَالَ تَقول رأى لَيْسَ هُوَ بالرأى هُوَ رد على من خَالف سنتى) قَالَ فَخرجت فى أثر هَذِه الرُّؤْيَا إِلَى مصر فَكتبت كتب الشافعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 أخبرنَا الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشافعى إجَازَة والمسند أَبُو حَفْص المراغى بقراءتى قَالَ الأول أخبرنَا أَبُو الْغَنَائِم بن عَلان سَمَاعا وَقَالَ الثانى أخبرنَا أَبُو الْفَتْح بن المجاور الشيبانى إجَازَة قَالَا أخبرنَا زيد بن الْحسن أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا أَحْمد بن على الْحَافِظ أخبرنى أَبُو الْوَلِيد الْحسن بن مُحَمَّد الدربندى أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْحَافِظ ببخارى قَالَ سَمِعت أَبَا صَخْر مُحَمَّد بن مَالك السعدى يَقُول سَمِعت أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن عبيد الله البلعمى يَقُول سَمِعت الْأَمِير أَبَا إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد يَقُول كنت بسمرقند فَجَلَست يَوْمًا للمظالم وَجلسَ أخى إِسْحَاق إِلَى جنبى إِذْ دخل أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نصر فَقُمْت لَهُ إجلالا لعلمه فَلَمَّا خرج عاتبنى أخى إِسْحَاق وَقَالَ أَنْت والى خُرَاسَان يدْخل عَلَيْك رجل من رعيتك فتقوم إِلَيْهِ وَبِهَذَا ذهَاب السياسة فَبت تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَنا منقسم الْقلب بذلك فَرَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام كأنى وَاقِف مَعَ أخى إِسْحَاق إِذْ أقبل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ بعضدى وَقَالَ يَا إِسْمَاعِيل ثَبت ملكك وَملك بنيك بإجلالك لمُحَمد بن نصر ثمَّ الْتفت إِلَى إِسْحَاق فَقَالَ ذهب ملك إِسْحَاق وَملك بنيه باستخفافه بِمُحَمد بن نصر حِكَايَة إملاق المحمدين بِمصْر قَرَأت على أَبى عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز قلت لَهُ أخْبرك أَبُو الْغَنَائِم الْمُسلم بن مُحَمَّد بن عَلان قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنت تسمع فَأقر بِهِ أخبرنَا أَبُو الْيمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 زيد بن الْحسن الكندى أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب حَدَّثَنى أَبُو الْفرج مُحَمَّد بن عبيد الله بن مُحَمَّد الخرجوشى الشيرازى لفظا سَمِعت أَحْمد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد الشيرازى يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن أَحْمد الصحاف السجستانى يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس البكرى من ولد أَبى بكر الصّديق رضى الله عَنهُ يَقُول جمعت الرحلة بَين مُحَمَّد بن جرير وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَمُحَمّد بن نصر المروزى وَمُحَمّد بن هَارُون الرويانى بِمصْر فأرملوا وَلم يبْق عِنْدهم مَا يقوتهم وأضر بهم الْجُوع فَاجْتمعُوا لَيْلَة فى منزل كَانُوا يأوون إِلَيْهِ فاتفق رَأْيهمْ على أَن يستهموا ويضربوا الْقرعَة فَمن خرجت عَلَيْهِ الْقرعَة سَأَلَ لأَصْحَابه الطَّعَام فَخرجت الْقرعَة على مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فَقَالَ لأَصْحَابه أمهلونى حَتَّى أتوضأ وأصلى صَلَاة الْخيرَة فَانْدفع فى الصَّلَاة فَإِذا هم بالشموع وخصى من قبل والى مصر يدق الْبَاب ففتحوا الْبَاب فَنزل عَن دَابَّته فَقَالَ أَيّكُم مُحَمَّد بن نصر فَقيل هُوَ هَذَا فَأخْرج صرة فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارا فَدَفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيّكُم مُحَمَّد بن جرير فَقَالُوا هُوَ ذَا فَأخْرج صرة فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارا فَدَفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيّكُم مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فَقَالُوا هُوَ هَذَا يصلى فَلَمَّا فرغ من صلَاته دفع إِلَيْهِ الصرة وفيهَا خَمْسُونَ دِينَارا ثمَّ قَالَ أَيّكُم مُحَمَّد بن هَارُون وَفعل بِهِ كَذَلِك ثمَّ قَالَ إِن الْأَمِير كَانَ قَائِلا بالْأَمْس فَرَأى فى الْمَنَام خيالا قَالَ إِن المحامد طَوَوْا كشحهم جياعا فأنفذ إِلَيْكُم هَذِه الصرار وَأقسم عَلَيْكُم إِذا نفدت فَابْعَثُوا إِلَى أحدكُم قلت ابْن نصر وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة من أَرْكَان مَذْهَبنَا وَأما مُحَمَّد بن هَارُون الرويانى فَهُوَ الْحَافِظ أَبُو بكر لَهُ مُسْند مَشْهُور روى عَن أَبى كريب وَبُنْدَار وَهَذِه الطَّبَقَة مَاتَ سنة سبع وثلثمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وَحكى أَن مُحَمَّد بن نصر كَانَ يتَمَنَّى على كبر سنه أَن يُولد لَهُ ابْن قَالَ الحاكى فَكُنَّا عِنْده يَوْمًا وَإِذا بِرَجُل من أَصْحَابه قد جَاءَ وساره فى أُذُنه فَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ {الْحَمد لله الَّذِي وهب لي على الْكبر إِسْمَاعِيل} ثمَّ مسح وَجهه بباطن كَفه وَرجع إِلَى مَا كَانَ فِيهِ قَالَ الحاكى فَرَأَيْنَا أَنه اسْتعْمل فى تِلْكَ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة ثَلَاث سنَن تَسْمِيَة الْوَلَد وَحمد الله على الموهبة وتسميته إِسْمَاعِيل لِأَنَّهُ ولد على كبر سنه وَقَالَ الله عز وَجل {أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده} قلت كَذَا أسْند هَذِه الْحِكَايَة الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَإِن كَانَ مُحَمَّد بن نصر قصد الثَّلَاث فنستفيد من هَذَا أَنه يسْتَحبّ لمن ولد لَهُ ابْن على الْكبر أَن يُسَمِّيه إِسْمَاعِيل وهى مَسْأَلَة حَسَنَة وأحسب إِسْمَاعِيل هَذَا من خنة بخاء مُعْجمَة ثمَّ نون وهى أُخْت القاضى يحيى بن أَكْثَم كَانَ مُحَمَّد بن نصر قد تزَوجهَا توفى مُحَمَّد بن نصر بسمرقند فى الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَمن غَرَائِبه ذهب إِلَى أَن صَلَاة الصُّبْح تقصر فى الْخَوْف إِلَى رَكْعَة وَأَنه يُجزئ الْمسْح على الْعِمَامَة وَنقل فى كِتَابه تَعْظِيم قدر الصَّلَاة عَن بعض أهل الْعلم أَن عِلّة النهى عَن السمر بعد الْعشَاء الْآخِرَة لِأَن مصلى الْعشَاء قد كفرت عَنهُ ذنُوبه بِصَلَاتِهِ فيخشى أَن يكون مِنْهُ الزلة فيتدنس بالذنب بعد الطَّهَارَة قلت وَعلله آخَرُونَ بِوُقُوع الصَّلَاة الَّتِى هى أفضل الْأَعْمَال خَاتِمَة عمله وَهُوَ قريب من ذَلِك وَآخَرُونَ بِأَن الله قد جعل اللَّيْل سكنا والْحَدِيث يُخرجهُ عَن ذَلِك وَآخَرُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 بِأَن نَومه يتَأَخَّر فيخاف فَوَات الصُّبْح عَن وَقتهَا أَو عَن أَوله وَآخَرُونَ بخشية من لَهُ تهجد فَوَاته قلت وَيُمكن أَن يتَعَلَّق بِكُل من هَذِه الْمعَانى بِجَوَاز اجتماعها وَلَا يُمكن أَن يقْتَصر على وَاحِد من التعليلين الْأَخيرينِ لِئَلَّا يلْزم اخْتِصَاص الْكَرَاهَة بِمن يخْشَى فَوَات الصُّبْح واختصاصهما بِمن لَهُ تهجد يخْشَى فَوَاته حَدِيث رفع عَن أمتى الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث كثر ذكره على أَلْسِنَة الْفُقَهَاء والأصوليين وتكلمت عَلَيْهِ قَدِيما فِيمَا كتبته على أَحَادِيث منهاج البيضاوى ثمَّ وقفت على كتاب اخْتِلَاف الْفُقَهَاء للْإِمَام مُحَمَّد بن نصر وَهُوَ مُخْتَصر يذكر فِيهِ خلافيات الْعلمَاء وَيبدأ فى كل مَسْأَلَة بِذكر سُفْيَان الثورى فَأَبْصَرت فِيهِ فى بَاب طَلَاق الْمُكْره وعتاقه مَا نَصه ويروى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (رفع الله عَن هَذِه الْأمة الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا أكْرهُوا عَلَيْهِ) إِلَّا أَنه // لَيْسَ لَهُ إِسْنَاد // يحْتَج بِمثلِهِ انْتهى فاستفدت من هَذَا أَن لهَذَا اللَّفْظ // إِسْنَادًا وَلكنه لَا يثبت // وَقد وَقع الْكَلَام فى هَذَا الحَدِيث قَدِيما بِدِمَشْق وَبهَا الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح شيخ الشَّافِعِيَّة ثمَّ إِذْ ذَاك وَبَالغ فى التنقيب عَنهُ وسؤال الْمُحدثين وَذكر فى تعليقته على التَّنْبِيه فى كتاب الصَّلَاة قَول النووى فى زِيَادَة الرَّوْضَة فى كتاب الطَّلَاق فى الْبَاب السَّادِس فى تَعْلِيق الطَّلَاق إِنَّه حَدِيث حسن قَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين وَلم أجد هَذَا اللَّفْظ مَعَ شهرته ثمَّ ذكر أَن فى كَامِل ابْن عدى فى تَرْجَمَة جَعْفَر بن فرقد من حَدِيثه عَن أَبِيه عَن الْحسن عَن أَبى بكرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رفع الله عز وَجل عَن هَذِه الْأمة ثَلَاثًا الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَالْأَمر يكْرهُونَ عَلَيْهِ) وجعفر بن جسر وَأَبوهُ ضعيفان قلت ثمَّ وجد رفيقنا فى طلب الحَدِيث شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الهادى الحنبلى الحَدِيث بِلَفْظِهِ فى رِوَايَة أَبى الْقَاسِم الْفضل بن جَعْفَر بن مُحَمَّد التميمى الْمُؤَذّن الْمَعْرُوف بأخى عَاصِم فَإِنَّهُ قَالَ حَدثنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد حَدثنَا مُحَمَّد بن مصفى حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا الأوزاعى عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رفع عَن أمتى الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ) لَكِن ابْن ماجة روى فى سنَنه الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد بِلَفْظ غَيره فَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن مصفى الحمصى عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الأوزاعى عَن عَطاء ابْن أَبى رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله وضع عَن أمتى الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ) وَلَفظ الْوَضع وَالرَّفْع متقاربان فَلَعَلَّ أحد الراويين روى بِالْمَعْنَى وَسُئِلَ أَحْمد بن حَنْبَل عَن الحَدِيث فَقَالَ لَا يَصح وَلَا يثبت إِسْنَاده قلت وروى من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الله تجَاوز لى عَن أمتى الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا أكْرهُوا عَلَيْهِ) كَذَا رَوَاهُ الطبرانى من حَدِيث الأوزاعى عَن عَطاء بن أَبى رَبَاح عَن عبيد بن عُمَيْر عَن ابْن عَبَّاس وَبِالْجُمْلَةِ الْأَمر فى الحَدِيث وَإِن تعدّدت أَلْفَاظه كَمَا قَالَ الإمامان أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد ابْن نصر إِنَّه غير ثَابت وَذكر الْخلال من الْحَنَابِلَة فى كتاب الْعلم أَن أَحْمد قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 من زعم أَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان مَرْفُوع فقد خَالف كتاب الله وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الله أوجب فى قتل النَّفس فى الْخَطَأ الْكَفَّارَة قلت وَلَا محمل لهَذَا الْكَلَام إِلَّا أَن يُقَال أَرَادَ بِهِ من زعم ارتفاعهما على الْعُمُوم فى خطاب الْوَضع وخطاب التَّكْلِيف وَإِلَّا فَقَائِل هَذَا الْمقَالة أشبه بوفاق الْإِجْمَاع 57 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد البلدى نقل الغزالى فى الْوَسِيط أَنه روى عَن المزنى عَن الشافعى أَنه رَجَعَ عَن تنجيس شعر الآدمى وَقد سبق الغزالى إِلَى هَذَا النَّقْل أَبُو عَاصِم العبادى والقاضى الماوردى وجماعات وَالرجل مَعْرُوف الِاسْم بَين الْمُتَقَدِّمين لَا ينبغى إِنْكَاره غير أَن تَرْجَمته عزيزة لم أَجدهَا إِلَى الْآن كَمَا فى النَّفس وَقد ذكره العبادى فى الطَّبَقَة الثَّانِيَة فى المقلين المنفردين بروايات وسيأتى مَا يُؤَيّد رِوَايَته فَإنَّا إِن شَاءَ الله سنذكر فى الطَّبَقَة الثَّالِثَة فى تَرْجَمَة مُحَمَّد بن عبد الله بن أَبى جَعْفَر قَوْله سَمِعت ابْن أَبى هُرَيْرَة يَقُول سَمِعت ابْن سُرَيج يَقُول سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الأنماطى يَقُول إِن أَبَا إِبْرَاهِيم المزنى قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول قبل وَفَاته بِشَهْر إِن الشّعْر لَا يَمُوت بِمَوْت ذَات الرّوح فقد تَابع الأنماطى البلدى وَهَذِه مُتَابعَة جَيِّدَة لم أجد فى الْبَاب مثلهَا الحديث: 57 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 58 - إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن بشر الحربى أَبُو إِسْحَاق الْفَقِيه الْحَافِظ ولد سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وَسمع هَوْذَة بن خَليفَة وَأَبا نعيم وَعبد الله بن صَالح العجلى وَعَاصِم بن على وَعَفَّان وَأَبا سَلمَة التبوذكى ومسدد بن مسرهد وَأَبا عبيد الْقَاسِم بن سَلام وشعيث بن مُحرز وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن صاعد وَأَبُو بكر النجاد وَأَبُو بكر الشافعى وَعبد الرَّحْمَن بن الْعَبَّاس المخلص وَخلق آخِرهم موتا أَبُو بكر القطيعى أَخذ الْفِقْه عَن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ الْخَطِيب كَانَ إِمَامًا فى الْعلم وإماما فى الزّهْد عَارِفًا بالفقه بَصيرًا بِالْأَحْكَامِ حَافِظًا للْحَدِيث مُمَيّزا لعلله قيمًا بالأدب جماعا للغة صنف غَرِيب الحَدِيث وكتبا كَثِيرَة أَصله من مرو وَكَانَ يَقُول أجمع عقلاء كل أمة أَنه من لم يجر مَعَ الْقدر لم يتهنأ بعيشه قَالَ وقميصى أنظف قَمِيص وإزارى أوسخ إِزَار مَا حدثت نفسى بِأَنَّهُمَا يستويان الحديث: 58 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 قطّ وفرد عُقبى صَحِيح وَالْآخر مَقْطُوع وَلَا أحدث نفسى أَنى أصلحها وَلَا شَكَوْت لأهلى وأقاربى حمى أَجدهَا ولى عشر سِنِين أبْصر بفرد عين مَا أخْبرت بِهِ أحدا وأفنيت من عمرى ثَلَاثِينَ سنة بِرَغِيفَيْنِ إِن جاءتنى بهما أمى أَو أختى وَإِلَّا بقيت جائعا إِلَى اللَّيْلَة الثَّانِيَة وأفنيت ثَلَاثِينَ سنة برغيف فى الْيَوْم وَاللَّيْلَة إِن جاءتنى بِهِ امرأتى أَو بناتى وَإِلَّا بقيت جائعا والآن آكل نصف رغيف وَأَرْبع عشرَة تَمْرَة وَقَامَ إفطارى فِي رَمَضَان هَذَا بدرهم ودانقين وَنصف قَالَ السلمى سَأَلت الدارقطنى عَن إِبْرَاهِيم الحربى فَقَالَ كَانَ يُقَاس بِأَحْمَد ابْن حَنْبَل فى زهده وَعلمه وورعه وَقَالَ الْحَاكِم سَمِعت مُحَمَّد بن صَالح القاضى يَقُول لَا نعلم أَن بَغْدَاد أخرجت مثل إِبْرَاهِيم فى الْأَدَب وَالْفِقْه والْحَدِيث والزهد وَقَالَ أَبُو بكر الشافعى سَمِعت إِبْرَاهِيم الحربى يَقُول عندى عَن على بن المدينى قمطر وَلَا أحدث عَنهُ بشىء لأنى رَأَيْته بالمغرب وَنَعله بِيَدِهِ مبادرا فَقلت إِلَى أَيْن قَالَ ألحق الصَّلَاة مَعَ أَبى عبد الله قلت من أَبُو عبد الله قَالَ ابْن أَبى دؤاد قلت نقم عَلَيْهِ اقْتِدَاؤُهُ بِابْن أَبى دؤاد الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن وَقد كَانَ ابْن المدينى مِمَّن يَقُول بذلك فَإِنَّمَا نقم عَلَيْهِ فى الْحَقِيقَة نفس الْبِدْعَة وَأَنا أَنْقم عَلَيْهِ مَعَ الْبِدْعَة مبادرته وسعيه وَالسّنة أَن يأتى الصَّلَاة وَهُوَ يمشى وَعَلِيهِ السكينَة وَلَا يَأْتِيهَا وَهُوَ يسْعَى توفى الحربى فى ذى الْحجَّة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَذكره فى الْحَنَابِلَة أولى من ذكره فى الشَّافِعِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 59 - إِسْحَاق بن مُوسَى بن عمرَان الإسفراينى الْفَقِيه الزَّاهِد أَبُو يَعْقُوب صَاحب المزنى وَالربيع تفقه على المزنى وَسمع الْمَبْسُوط مَعَ الرّبيع وَسمع من قُتَيْبَة بن سعيد وَإِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ وعَلى بن حجر وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف البلخى وجبارة بن الْمُغلس وَهِشَام بن عمار وَخلق بالعراق وَالشَّام ومصر روى عَنهُ مُؤَمل بن الْحسن وَأَبُو عوَانَة وَمُحَمّد بن عَبدك وَمُحَمّد بن الأخرم وَجَمَاعَة وَكَانَ فَقِيها مُحدثا زاهدا ورعا ذكره الْحَاكِم وَذكر أَن كنية وَالِده أَبُو عمرَان فَلذَلِك رُبمَا قيل إِسْحَاق بن أَبى عمرَان وَقَالَ أعنى الْحَاكِم كَانَ أحد أَئِمَّة الشافعيين والرحالة فى طلب الحَدِيث توفى بإسفراين سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ قلت هُنَا فَائِدَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن شَيخنَا الذهبى قَالَ إِن هَذَا الشَّيْخ هُوَ وَالِد أَبى عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن يزِيد وَإنَّهُ يظنّ أَن الْحَاكِم وهم فى تَسْمِيَة أَبِيه بمُوسَى بن عمرَان قَالَ وَقد ذكر أَن أَبَا عوَانَة روى عَنهُ وَمَا بَين أَنه وَلَده وَمَا ذكر فى تَارِيخه تَرْجَمَة أُخْرَى لوالد أَبى عوَانَة وَقد رَأَيْت أَنا فى صَحِيح أَبى عوَانَة رِوَايَته عَن أَبِيه إِسْحَاق بن أَبى عمرَان فَهُوَ أَبوهُ وَالله أعلم هَذَا كَلَام شَيخنَا الذهبى الحديث: 59 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَالثَّانيَِة أَن الذهبى قَالَ عقيب هَذِه التَّرْجَمَة إِسْحَاق بن أَبى عمرَان أَبُو يَعْقُوب اليحمدى الإستراباذى هُوَ إِسْحَاق بن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن بن عبيد الشافعى الْفَقِيه أَيْضا سمع قُتَيْبَة وَابْن رَاهَوَيْه وَهِشَام بن عمار وحرملة وطبقتهم بخراسان وَالشَّام ومصر وَالْعراق روى عَنهُ أَبُو نعيم بن عدى ووالد عبد الله بن على بن الْقطَّان ذكره حَمْزَة فى تَارِيخ جرجان انْتهى كَلَام شَيخنَا الذهبى والذى يَقع لى أَنَّهُمَا وَاحِد وَلَيْسَ هُوَ وَالِد أَبى عوَانَة بل غَيره هَذَا إِسْحَاق ابْن مُوسَى وَرُبمَا قيل ابْن أَبى عمرَان ووالد أَبى عوَانَة غَيره وَقَول شَيخنَا الذهبى مَا ظَفرت لَهُ بِرِوَايَة عَن إِسْحَاق بن أَبى عمرَان لَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون هُوَ أَبَاهُ فَإِن أَبَا عوَانَة لم يستوعب فى مُسْنده شُيُوخه هَذَا إِن صَحَّ أَنه لم يذكر فى كِتَابه إِسْحَاق بن أَبى عمرَان فَإِن قلت لَا شكّ أَن رِوَايَته عَن أَبِيه وَعدم رِوَايَته عَن إِسْحَاق بن أَبى عمرَان قرينَة قلت لَكِن ذكر الْحَاكِم لأبى عوَانَة فى الروَاة عَن هَذَا الشَّيْخ من غير تَنْبِيه عَنهُ على أَنه وَلَده قرينَة فى أَنه غَيره أقوى من تِلْكَ مَعَ مَا يَنْضَم إِلَيْهَا من أَن أَبَا عوَانَة نَفسه أَخذ عَن المزنى وَالربيع على أَن الْحَال مُحْتَمل والخطب فِيهِ يسير وَأما تَفْرِقَة شَيخنَا بَين إِسْحَاق بن مُوسَى بن عمرَان وَإِسْحَاق بن أَبى عمرَان فَلَا أَحْسبهُ إِلَّا وهما وَمَا أرى إِلَّا أَنَّهُمَا وَاحِد وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 60 - الْجُنَيْد بن مُحَمَّد بن الْجُنَيْد أَبُو الْقَاسِم النهاوندى الأَصْل البغدادى القواريرى الخزاز سيد الطَّائِفَة ومقدم الْجَمَاعَة وَإِمَام أهل الْخِرْقَة وَشَيخ طَريقَة التصوف وَعلم الْأَوْلِيَاء فى زَمَانه وبهلوان العارفين تفقه على أَبى ثَوْر وَكَانَ يُفْتى بحلقته وَله من الْعُمر عشرُون سنة وَسمع الحَدِيث من الْحسن بن عَرَفَة وَغَيره واختص بِصُحْبَة السرى السقطى والْحَارث بن أَسد المحاسبى وأبى حَمْزَة البغدادى قَالَ جَعْفَر الخلدى لم نر فى شُيُوخنَا من اجْتمع لَهُ علم وَحَال غير الْجُنَيْد إِذا رَأَيْت علمه رجحته على حَاله وَإِذا رَأَيْت حَاله رجحته على علمه وَعَن أَبى الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه تكلم يَوْمًا فأعجب بِهِ بعض الْحَاضِرين فَقَالَ ابْن سُرَيج هَذَا ببركة مجالستى لأبى الْقَاسِم الْجُنَيْد رَحمَه الله وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الكعبى الْمُتَكَلّم المعتزلى مَا رَأَتْ عيناى مثله كَانَ الكتبة يحضرونه لألفاظه والفلاسفة لدقة مَعَانِيه والمتكلمون لعلمه الحديث: 60 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 قَالَ الخلدى قَالَ الْجُنَيْد ذَات يَوْم مَا أخرج الله إِلَى الأَرْض علما وَجعل لِلْخلقِ إِلَيْهِ سَبِيلا إِلَّا وَقد جعل لى فِيهِ حظا ونصيبا قَالَ الخلدى وبلغنى أَن الْجُنَيْد كَانَ فى سوقه وَكَانَ ورده فى كل يَوْم ثَلَاثمِائَة رَكْعَة وَثَلَاثِينَ ألف تَسْبِيحَة قَالَ وسمعته يَقُول مَا نزعت ثوبى للْفراش مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة قَالَ وَكَانَ الْجُنَيْد عشْرين سنة لَا يَأْكُل إِلَّا من الْأُسْبُوع إِلَى الْأُسْبُوع وَيصلى كل لَيْلَة أَرْبَعمِائَة رَكْعَة قَالَ أَبُو الْحسن المحلبى قلت للجنيد مِمَّن اسْتَفَدْت هَذَا الْعلم قَالَ من جلوسى بَين يدى الله تَعَالَى ثَلَاثِينَ سنة تَحت تِلْكَ الدرجَة وَأَوْمَأَ إِلَى دَرَجَة فى دَاره قَالَ إِسْمَاعِيل بن نجيد كَانَ الْجُنَيْد يجىء كل يَوْم إِلَى السُّوق فَيفتح حانوته فيدخله ويسبل السّتْر وَيصلى أَرْبَعمِائَة رَكْعَة ثمَّ يرجع إِلَى بَيته قَالَ على بن مُحَمَّد الحلوانى حَدَّثَنى خير قَالَ كنت جَالِسا يَوْمًا فى بيتى فخطر لى خاطر أَن أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد بِالْبَابِ اخْرُج إِلَيْهِ فنفيت ذَلِك عَن قلبى وَقلت وَسْوَسَة فَوَقع لى خاطر ثَان فنفيته فَوَقع خاطر ثَالِث فَعلمت أَنه حق وَلَيْسَ بوسوسة ففتحت الْبَاب فَإِذا أَنا بالجنيد قَائِم فَسلم على وَقَالَ يَا خير أَلا خرجت مَعَ الخاطر الأول قَالَ أَبُو عَمْرو بن علوان خرجت يَوْمًا إِلَى سوق الرحبة فى حَاجَة فَوَقَعت عينى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 على امْرَأَة مسفرة من غير تعمد فألححت بِالنّظرِ فاسترجعت واستغفرت الله وعدت إِلَى منزلى فَقَالَت لى عَجُوز يَا سيدى مالى أرى وَجهك أسود فَأخذت الْمرْآة فَنَظَرت فَإِذا وجهى أسود فَرَجَعت إِلَى سرى أنظر من أَيْن دهيت فَذكرت النظرة فانفردت فى مَوضِع أسْتَغْفر الله وأسأله الْإِقَالَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا فخطر فى قلبى أَن زر شيخك الْجُنَيْد فانحدرت إِلَى بَغْدَاد فَلَمَّا جِئْت الْحُجْرَة الَّتِى هُوَ فِيهَا طرقت الْبَاب فَقَالَ لى ادخل يَا أَبَا عَمْرو وتذنب فى الرحبة ونستغفر لَك بِبَغْدَاد قَالَ أَبُو بكر الْعَطَّار حضرت الْجُنَيْد عِنْد الْمَوْت فى جمَاعَة من أَصْحَابنَا فَكَانَ قَاعِدا يصلى ويثنى رجله كلما أَرَادَ أَن يسْجد فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى خرجت الرّوح من رجله فَثقلَتْ عَلَيْهِ حركتها فَمد رجلَيْهِ وَقد تورمتا فَرَآهُ بعض أصدقائه فَقَالَ مَا هَذَا يَا أَبَا الْقَاسِم قَالَ هَذِه نعم الله أكبر فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد الجريرى لَو اضطجعت قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد هَذَا وَقت يُؤْخَذ مِنْهُ الله أكبر فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ وَعَن الْجُنَيْد أرقت لَيْلَة فَقُمْت إِلَى وردى فَلم أجد مَا كنت أجد من الْحَلَاوَة فَأَرَدْت النّوم فَلم أقدر فَأَرَدْت الْقعُود فَلم أطق ففتحت الْبَاب وَخرجت فَإِذا رجل ملتف فى عباءة مطروح على الطَّرِيق فَلَمَّا أحس بى رفع رَأسه وَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم إِلَى السَّاعَة فَقلت يَا سيدى من غير موعد فَقَالَ بلَى سَأَلت محرك الْقُلُوب أَن يُحَرك لى قَلْبك فَقلت مَا حَاجَتك فَقَالَ مَتى يصير دَاء النَّفس دواها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 فَقلت إِذا خَالَفت هَواهَا صَار داؤها دواها فَأقبل على نَفسه فَقَالَ اسمعى قد أَجَبْتُك بِهَذَا الْجَواب سبع مَرَّات فأبيت إِلَّا أَن تسمعيه من الْجُنَيْد فقد سَمِعت وَانْصَرف عَنى وَلم أعرفهُ وَلَا وقفت عَلَيْهِ وَقَالَ كنت جَالِسا فى مَسْجِد الشونيزية أنْتَظر جَنَازَة أصلى عَلَيْهَا وَأهل بَغْدَاد على طبقاتهم جُلُوس ينتظرون الْجِنَازَة فَرَأَيْت فَقِيرا عَلَيْهِ أثر النّسك يسْأَل النَّاس فَقلت فى نفسى لَو عمل هَذَا عملا يصون بِهِ نَفسه كَانَ أجمل بِهِ فَلَمَّا انصرفت إِلَى منزلى وَكَانَ لى شئ من الْورْد بِاللَّيْلِ من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة والبكاء فَثقلَتْ على جَمِيع أورادى فسهرت وَأَنا قَاعد فغلبتنى عيناى فَرَأَيْت ذَلِك الْفَقِير وَقد جَاءُوا بِهِ ممدودا على خوان وَقَالُوا لى كل لَحْمه فقد اغْتَبْته فكشف لى عَن الْحَال وَقلت مَا اغْتَبْته إِنَّمَا قلت شَيْئا فى نفسى فَقيل لى مَا أَنْت مِمَّن يرضى مِنْك بِمثل هَذَا اذْهَبْ إِلَيْهِ واستحله فَأَصْبَحت وَلم أزل أتردد حَتَّى رَأَيْته فى مَوضِع يلتقط من أوراق البقل فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ تعود يَا أَبَا الْقَاسِم فَقلت لَا فَقَالَ غفر الله لنا وَلَك وَمن كَلَام الْجُنَيْد رَحمَه الله الطَّرِيق إِلَى الله عز وَجل مسدود على خلقه إِلَّا على المقتفين آثَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قَالَ الله عز وَجل {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} وَقَالَ لَوْلَا أَنه يرْوى أَنه يكون فى آخر الزَّمَان زعيم الْقَوْم أرذلهم مَا تَكَلَّمت عَلَيْكُم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وَقَالَ أضرّ مَا على أهل الديانَات الدَّعَاوَى وَقَالَ الْمُرُوءَة احْتِمَال زلل الإخوان وَقيل لَهُ كَيفَ الطَّرِيق إِلَى الله فَقَالَ تَوْبَة تحل الْإِصْرَار وَخَوف يزِيل الْغرَّة ورجاء مزعج إِلَى طَرِيق الْخيرَات ومراقبة الله فى خواطر الْقُلُوب وَقَالَ لَيْسَ بشنيع مَا يرد على من الْعَالم لأنى قد أصلت أصلا وَهُوَ أَن الدَّار دَار غم وهم وبلاء وفتنة وَأَن الْعَالم كُله شَرّ وَمن حكمه أَن يتلقانى بِكُل مَا أكره وَإِن تلقانى بِمَا أحب فَهُوَ فضل وَإِلَّا فَالْأَصْل الأول وَقَالَ الزّهْد خلو الْقلب عَمَّا خلت مِنْهُ الْيَد واستصغار الدُّنْيَا ومحو آثارها من الْقلب وَقَالَ الْخَوْف توقع الْعقُوبَة مَعَ مجارى الأنفاس وَقَالَ الْخُشُوع تذلل الْقُلُوب لعلام الغيوب وَقَالَ التَّوَاضُع خفض الْجنَاح ولين الْجَانِب وَقَالَ وَسَأَلَهُ جمَاعَة أنطلب الرزق فَقَالَ إِن علمْتُم أى مَوضِع هُوَ فاطلبوه قَالُوا نسْأَل الله فِيهِ قَالَ إِن علمْتُم أَنه ينساكم فذكروه فَقَالُوا أندخل الْبَيْت ونتوكل فَقَالَ التجربة شكّ فَقَالُوا فَمَا الْحِيلَة قَالَ ترك الْحِيلَة وفى بعض الْكتب نِسْبَة هَذِه الْحِكَايَة إِلَى الْخَواص وَقَالَ الْيَقِين اسْتِقْرَار الْعلم الذى لَا يتقلب وَلَا يحول وَلَا يتَغَيَّر فى الْقلب وَقَالَ أَيْضا الْيَقِين ارْتِفَاع الريب فى مشْهد الْغَيْب فَعرف الْيَقِين بتعريفين وسيأتى عَنهُ أَيْضا للشكر تعريفان وَالْكل حق صَحِيح وَقَالَ الْمسير من الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة سهل هَين على الْمُؤمن وهجران الْخلق فى جنب الْحق شَدِيد والمسير من النَّفس إِلَى الله صَعب شَدِيد وَالصَّبْر مَعَ الله تَعَالَى أَشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وَقَالَ الصَّبْر تجرع المرارة من غير تعبيس وَقَالَ من تحقق فى المراقبة خَافَ على فَوت حَظه من الله تَعَالَى وَقَالَ وَقد قَالَ الشبلى يَوْمًا بَين يَدَيْهِ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَوْلك ذَا ضيق صدر وَهُوَ ترك للرضا بِالْقضَاءِ وَالرِّضَا رفع الِاخْتِيَار وَقيل لَهُ مَا للمريد فى مجاراة الحكايات فَقَالَ الحكايات جند من جنود الله يقوى بهَا قُلُوب المريدين فَسئلَ على ذَلِك شَاهدا فَقَالَ قَوْله تَعَالَى {وكلا نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك} وَقيل لَهُ مَا الْفرق بَين المريد وَالْمرَاد فَقَالَ المريد تتولاه سياسة الْعلم وَالْمرَاد تتولاه رِعَايَة الْحق لِأَن المريد يسير وَالْمرَاد يطير وَأَيْنَ السائر من الطَّائِر وَقَالَ الْإِخْلَاص سر بَين الله وَعَبده وَلَا يُعلمهُ ملك فيكتبه وَلَا شَيْطَان فيفسده وَلَا هوى فيميله وَقَالَ الصَّادِق يتقلب فى الْيَوْم أَرْبَعِينَ مرّة والمرائى يثبت على حَالَة وَاحِدَة أَرْبَعِينَ سنة وَسُئِلَ عَن الْحيَاء فَقَالَ رُؤْيَة الآلاء ورؤية التَّقْصِير يتَوَلَّد مِنْهُمَا حَالَة تسمى الْحيَاء وَقَالَ الفتوة كف الْأَذَى وبذل الندى وَقَالَ لَو أقبل صَادِق على الله ألف ألف سنة ثمَّ أعرض عَنهُ لَحْظَة كَانَ مَا فَاتَهُ أَكثر مِمَّا ناله قلت وَالنَّاس يستشكلون هَذِه الْكَلِمَة ويتطلبون تقريرها وَسَأَلت عَنْهَا بعض العارفين بالتصوف فَقَالَ مَعْنَاهَا يظْهر بِضَرْب مثل وَهُوَ أَن الغواص إِذا غاص فى الْبَحْر منقبا على نَفِيس الْجَوَاهِر إِلَى أَن قَارب قراره وَكَاد يحظى بمراده أعرض وَترك كَانَ مَا فَاتَهُ أَكثر مِمَّا ناله وَكَذَلِكَ من أقبل على الْحق ألف ألف سنة ثمَّ أعرض فَتلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 اللحظة الَّتِى أعرض فِيهَا لَو لم يعرض نتيجة عمل ألف ألف سنة فَلَمَّا أعرض فَاتَتْهُ تِلْكَ النتيجة الَّتِى هى غَايَة عمل ألف ألف سنة فَظهر أَن مَا فَاتَهُ أَكثر مِمَّا ناله قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى سَمِعت جدى إِسْمَاعِيل بن نجيد يَقُول دخل أَبُو الْعَبَّاس بن عَطاء على الْجُنَيْد وَهُوَ فى النزع فَسلم فَلم يرد عَلَيْهِ ثمَّ رد عَلَيْهِ بعد سَاعَة وَقَالَ اعذرنى فإنى كنت فى وردى ثمَّ حول وَجهه إِلَى الْقبْلَة وَكبر وَمَات وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الجريرى كنت وَاقِفًا على رَأس الْجُنَيْد فى وَقت وَفَاته وَكَانَ يَوْم جُمُعَة وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن فَقلت يَا أَبَا الْقَاسِم ارْفُقْ بِنَفْسِك فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد مَا رَأَيْت أحدا أحْوج إِلَيْهِ منى فى هَذَا الْوَقْت وَهُوَ ذَا تطوى صحيفتى وَيُقَال كَانَ نقش خَاتم الْجُنَيْد إِذا كنت تَأمله فَلَا تأمنه وَكَانَ يَقُول مَا أَخذنَا التصوف من القال والقيل وَلَكِن عَن الْجُوع وَترك الدُّنْيَا وَقطع المألوفات قَالَ أَبُو سهل الصعلوكى سَمِعت أَبَا مُحَمَّد المرتعش يَقُول قَالَ الْجُنَيْد كنت بَين يدى السرى السقطى أَلعَب وَأَنا ابْن سبع سِنِين وَبَين يَدَيْهِ جمَاعَة يَتَكَلَّمُونَ فى الشُّكْر فَقَالَ يَا غُلَام مَا الشُّكْر فَقلت أَن لَا تعصى الله بنعمه فَقَالَ أخْشَى أَن يكون حظك من الله لسَانك قَالَ الْجُنَيْد فَلَا أَزَال أبكى على هَذِه الْكَلِمَة الَّتِى قَالَهَا لى وَعَن الْجُنَيْد الشُّكْر أَن لَا ترى نَفسك أَهلا للنعمة وَعَن الْجُنَيْد أَعلَى دَرَجَة الْكبر أَن ترى نَفسك وَأَدْنَاهَا أَن تخطر ببالك يعْنى نَفسك قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى سَمِعت عبد الْوَاحِد بن بكر الورثانى قَالَ سَمِعت مُحَمَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 ابْن عبد الْعَزِيز يَقُول سُئِلَ الْجُنَيْد عَمَّن لم يبْق عَلَيْهِ من الدُّنْيَا إِلَّا مِقْدَار مص نواة فَقَالَ الْمكَاتب عبد مَا بقى عَلَيْهِ دِرْهَم وَمن كَلَام الْجُنَيْد بَاب كل علم نَفِيس جليل بذل المجهود وَلَيْسَ من عبد الله ببذل المجهود كمن طلبه من طَرِيق الْجُود وَقَالَ إِن الله يخلص إِلَى الْقُلُوب من بره حسب مَا خلصت الْقُلُوب بِهِ إِلَيْهِ من ذكره فَانْظُر مَاذَا خالط قَلْبك وَقَالَ أَبُو عَمْرو الزجاجى سَأَلت الْجُنَيْد عَن الْمحبَّة فَقَالَ تُرِيدُ الْإِشَارَة فَقلت لَا قَالَ تُرِيدُ الدَّعْوَى قلت لَا قَالَ فأيش تُرِيدُ قلت عين الْمحبَّة فَقَالَ أَن تحب مَا يحب الله فى عباده وَتكره مَا يكره فى عباده وَسُئِلَ عَن قرب الله تَعَالَى فَقَالَ قريب لَا بالتلاق بعيد لَا بافتراق وَقَالَ مكابدة الْعُزْلَة أيسر من مداراة الْخلطَة توفى الْجُنَيْد يَوْم السبت فى شَوَّال سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سبع وَتِسْعين قَالَ الخلدى رَأَيْته فِي النّوم فَقلت مَا فعل الله بك فَقَالَ طاحت تِلْكَ الإشارات وَغَابَتْ تِلْكَ الْعبارَات وفنيت تِلْكَ الْعُلُوم ونفدت تِلْكَ الرسوم وَمَا نفعنا إِلَّا ركيعات كُنَّا نركعها فى السحر ذكر شئ من الرِّوَايَة عَنهُ وَقد ذكر أَنه لم يحدث إِلَّا بِحَدِيث وَاحِد حدّثنَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر إملاء قَالَ أخبرنَا أَبُو الْفَتْح يُوسُف بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن المجاور إِذْنا أخبرنَا الإِمَام أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الكندى أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْقَزاز الْمَعْرُوف بِابْن زُرَيْق أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن على بن ثَابت الْخَطِيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 أخبرنَا أَبُو سعيد المالينى أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عمر بن مُحَمَّد بن مقبل أخبرنَا جَعْفَر الخلدى حَدثنَا جُنَيْد بن مُحَمَّد ح وَأخْبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا القاضى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَالم بن يُوسُف بن صاعد بن السّلم سَمَاعا أخبرنَا الْحسن بن أَحْمد بن يُوسُف الأوقى أخبرنَا أَبُو طَاهِر السلفى أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن على بن الْحسن ابْن زَكَرِيَّا الصوفى فِيمَا قَرَأت عَلَيْهِ أخبرنَا والدى أَبُو الْحسن على بن الْحسن الطريثيثى حَدثنَا أَبُو سعيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَفْص بن الْخَلِيل الهروى لفظا أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عمر بن مُحَمَّد بن مقبل حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد ابْن نصير أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة ح وبإسنادنا الْمَشْهُور إِلَى ابْن عَرَفَة حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير الكوفى عَن عَمْرو ابْن قيس الملائى عَن عَطِيَّة عَن أَبى سعيد الخدرى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله) ثمَّ قَرَأَ {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب لَا يعرف للجنيد غير هَذَا الحَدِيث قَالَ أَبُو الْفرج ابْن الجوزى وَقد رَأَيْت لَهُ حَدِيثا آخر قلت أخبرناه أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر الْحَافِظ بقراءتى عَلَيْهِ عَن أَبى الْحسن ابْن البخارى عَن أَبى الْفرج عبد الرَّحْمَن بن على بن مُحَمَّد بن الجوزى أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الباقى أخبرنَا رزق الله بن عبد الْوَهَّاب أخبرنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى حَدثنَا أَحْمد بن عَطاء الصوفى حَدثنَا مُحَمَّد بن على بن الْحُسَيْن قَالَ سُئِلَ الْجُنَيْد عَن الفراسة فَقَالَ حَدثنَا الْحسن بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 عَرَفَة حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم عَن زر عَن عبد الله قَالَ كنت أرعى غنما لعقبة بن أَبى معيط وَذكر الحَدِيث وَقَالَ فى آخِره قَالَ لى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّك غليم معلم) أخبرنَا الْمسند أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْغَنَائِم الْمُسلم بن مُحَمَّد بن عَلان القيسى سَمَاعا عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الكندى أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن زُرَيْق الشيبانى أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن على البغدادى حَدثنَا مُحَمَّد بن المظفر بن السراج من حفظه قَالَ سَمِعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدى يَقُول قَالَ لى أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد رَحمَه الله اطراح هَذِه الْأمة من الْمُرُوءَة والاستئناس بهم حجاب عَن الله تَعَالَى والطمع فيهم فقر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المظفر بن أَبى مُحَمَّد النابلسى الْحَافِظ بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أقضى الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نجم الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن يُوسُف بن صاعد بن السّلم النابلسى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الشَّيْخ تقى الدّين أَبُو على الْحسن بن أَحْمد بن يُوسُف الأوقى سَمَاعا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلفى سَمَاعا ح وَكتب إِلَى أَحْمد بن على الجزرى وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم وَغَيرهمَا عَن مُحَمَّد بن عبد الهادى عَن السلفى إجازات أخبرنى أَبُو بكر أَحْمد بن على بن الْحُسَيْن أخبرنَا والدى حَدثنَا أَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد المالينى سمعتت أَبَا الْوَزير على بن إِسْمَاعِيل الصوفى يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن المنصورى يَقُول سَأَلت الْجُنَيْد مَتى يسْتَوْجب العَبْد أَن يُقَال لَهُ عَاقل قَالَ سَمِعت سريا يَقُول هُوَ أَن لَا يظْهر فى جوارحه شئ قد ذمه مَوْلَاهُ وَبِه إِلَى المالينى سَمِعت أَبَا الْقَاسِم يُوسُف بن يحيى سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد بن مُحَمَّد يَدْعُو بموضعك فى قُلُوب العارفين دلنى على رضاك وَأخرج من قلبى مَالا ترضاه وأسكن فى قلبى رضاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 وَبِه قَالَ سَمِعت عُثْمَان بن عبد الله الزنجى يَقُول سَمِعت الْجُنَيْد بن مُحَمَّد يَقُول وَقد سُئِلَ عَن الْيَقِين مَا هُوَ فَقَالَ ترك مَا ترى لما لَا ترى وَبِه قَالَ سمع أَبَا الْحُسَيْن أَحْمد بن زيزى يَقُول قلت للجنيد من أصحب بعْدك قَالَ اصحب بعدى من تأمنه سر الله فِيك وَبِه قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن على بن أَحْمد بن قرقر يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن على بن مُحَمَّد السيروانى يَقُول سَمِعت أَبَا عَمْرو ابْن علوان يَقُول سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد بن مُحَمَّد يَقُول حضرت إملاك بعض الأبدال من النِّسَاء بِبَعْض الأبدال من الرِّجَال فَمَا كَانَ فى جمَاعَة من حضر إِلَّا من ضرب بِيَدِهِ إِلَى الْهَوَاء فَأخذ شَيْئا وَطَرحه من در وَيَاقُوت وَمَا أشبهه قَالَ أَبُو الْقَاسِم فَضربت بيدى فَأخذت زعفرانا وطرحته فَقَالَ لى الْحَضَر مَا كَانَ فى الْجَمَاعَة من أهْدى مَا يصلح للعرس غَيْرك وَبِه قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد سَمِعت إِبْرَاهِيم بن دَاوُد البردعى يَقُول سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول نِهَايَة الصابر فى حَال الصَّبْر حمل الْمُؤَن لله حَتَّى تنقضى أَوْقَات الْمَكْرُوه وَبِه قَالَ سَمِعت أَبَا الْقَاسِم يُوسُف بن يحيى يَقُول سَمِعت الْجُنَيْد يَدْعُو إِذا سَأَلَهُ إِنْسَان أَن يَدْعُو لَهُ جمع الله همك وَلَا شتت سرك وقطعك عَن كل قَاطع يقطعك عَنهُ ووصلك إِلَى كل وَاصل يوصلك إِلَيْهِ وَجعل غناهُ فى قَلْبك وشغلك بِهِ عَمَّن سواهُ ورزقك أدبا يصلح لمجالسته وَأخرج من قَلْبك مَالا يرضى وأسكن فى قَلْبك رِضَاهُ ودلك عَلَيْهِ من أقرب الطّرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا الشَّيْخَانِ أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن أَبى عبد الله بن حَمَّاد بن العسقلانى وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن حمد بن كَامِل ابْن عمر المقدسى سَمَاعا قَالَا أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد بن منينا وَعبد الْوَهَّاب بن سكينَة إجَازَة قَالَا أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الباقى الأنصارى القاضى أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بكر أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن الأهوازى قَالَ سَمِعت أَبَا حَاتِم الطبرى يَقُول سُئِلَ الْجُنَيْد رَحمَه الله تَعَالَى عَن التصوف فَقَالَ اسْتِعْمَال كل خلق سنى وَترك كل خلق دنى وَبِه إِلَى الْخَطِيب أخبرنَا بكران بن الطّيب الجرجرائى حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول لَا تكون من الصَّادِقين أَو تصدق مَكَانا لَا ينجيك إِلَّا الْكَذِب فِيهِ أخبرنَا الْمسند عز الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن ضِيَاء الدّين أَبى الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن عمر بن الحموى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْحسن ابْن البخارى أخبرنَا أَبُو حَفْص بن طبرزد أخبرنَا القاضى أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الباقى الأنصارى أخبرنَا أَبُو حَفْص هناد بن إِبْرَاهِيم أَبُو المظفر القاضى النسفى قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن الْقَاسِم الفارسى يَقُول كَانَ الْجُنَيْد بَات لَيْلَة الْعِيد فى مَوضِع غير الْموضع الذى كَانَ يعتاده فى الْبَريَّة فَلَمَّا أَن صَار وَقت السحر إِذا بشاب ملتف فى عباءة وَهُوَ يبكى وَيَقُول (بِحرْمَة غربتى كم ذَا الصدود ... أَلا تعطف على أَلا تجود) (سرُور الْعِيد قد عَم النواحى ... وضرى فى ازدياد لَا يبيد) (فَإِن كنت اقترفت خلال سوء ... فعذرى فى الْهوى أَن لَا أَعُود) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الْمَشَايِخ أَبُو بكر إِسْمَاعِيل بن الأنماطى وَأُخْته رقية وَغَيرهمَا حضورا عَن أَبى بكر بن أَبى سعد الصفار أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الْخَالِق بن زَاهِر الشحامى أخبرنَا الإِمَام أَبُو الْحسن على بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمُؤَذّن أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله ابْن باكويه أخبرنَا نصر بن أَبى نصر أخبرنَا جَعْفَر بن نصير قَالَ سَمِعت الْجُنَيْد قَالَ حججْت على الْوحدَة فجاورت بِمَكَّة فَكنت إِذا جن اللَّيْل دخلت الطّواف فَإِذا بِجَارِيَة تَطوف وَتقول (أَبى الْحبّ أَن يخفى وَكم قد كتمته ... فَأصْبح عندى قد أَنَاخَ وطنبا) (إِذا اشْتَدَّ شوقى هام قلبى بِذكرِهِ ... فَإِن رمت قربا من حبيبى تقربا) (ويبدو فأفنى ثمَّ أحيى بِهِ لَهُ ... ويسعدنى حَتَّى ألذ وأطربا) قَالَ فَقلت لَهَا يَا جَارِيَة أما تتقين الله فى مثل هَذَا الْمَكَان تتكلمين بِمثل هَذَا الْكَلَام فالتفتت إِلَى وَقَالَت يَا جُنَيْد (لَوْلَا التقى لم ترنى ... أَهجر طيب الوسن) (إِن التقى شردنى ... كَمَا ترى عَن وطنى) (أفر من وجدى بِهِ ... فحبه هيمنى) ثمَّ قَالَت يَا جُنَيْد تَطوف بِالْبَيْتِ أم بِرَبّ الْبَيْت فَقلت أَطُوف بِالْبَيْتِ فَرفعت طرفها إِلَى السَّمَاء وَقَالَت سحانك مَا أعظم مشيئتك فى خلقك خلق كالأحجار يطوفون بالأحجار ثمَّ أنشأت تَقول (يطوفون بالأحجار يَبْغُونَ قربَة ... إِلَيْك وهم أقسى قلوبا من الصخر) (وتاهوا فَلم يدروا من التيه من هم ... وحلوا مَحل الْقرب فى بَاطِن الْفِكر) (فَلَو أَخْلصُوا فى الود غَابَتْ صفاتهم ... وَقَامَت صِفَات الود للحق بِالذكر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان بن إِسْمَاعِيل القارى إجَازَة أخبرنَا هبة الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم القشيرى سَمَاعا عَلَيْهِ إملاء قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا سعيد مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الصفار قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا عبد الرَّحْمَن السلمى قَالَ سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله قَالَ سَمِعت أَبَا عمر الأنماطى قَالَ قَالَ رجل للجنيد على مَاذَا يتأسف الْمُحب من أوقاته فَقَالَ على زمَان بسط أورث قبضا أَو زمَان أنس أورث وَحْشَة ثمَّ أنشأ يَقُول (قد كَانَ لى مشرب يصفو بقربكم ... فكدرته يَد الْأَيَّام حِين صفا) وَبِه إِلَى هبة الرَّحْمَن القشيرى أخبرنَا أَبُو صَالح أَحْمد بن عبد الْملك الْمُؤَذّن أخبرنَا أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد الأصبهانى قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن على بن هَارُون بن مُحَمَّد وَأَبا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد يَقُولَانِ سمعنَا أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد ابْن مُحَمَّد غير مرّة يَقُول طريقنا مضبوط بِالْكتاب وَالسّنة من لم يحفظ الْقُرْآن وَلم يكْتب الحَدِيث وَلم يتفقه لَا يقْتَدى بِهِ وأخبرناه أَيْضا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف بن أَحْمد الخلاطى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بِالْقَاهِرَةِ أخبرنَا نَفِيس الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيم بن أَبى الْقَاسِم أخبرنَا والدى أخبرنَا أَبُو الْفضل عبد الله بن أَحْمد الطوسى أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مَرْزُوق بن عبد الرَّزَّاق الزعفرانى البغدادى قِرَاءَة عَلَيْهِ فى الْمحرم سنة سبع وَخَمْسمِائة قيل لَهُ أخْبركُم أَبُو الْحسن على بن أَحْمد بن على بن عبد الله الْحَافِظ الصقلى أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن هَارُون بن مُحَمَّد وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد قَالَا سمعنَا أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد بن مُحَمَّد رَحمَه الله يَقُول تفقهت على مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث كأبى عبيد وأبى ثَوْر وصحبت الْحَارِث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 المحاسبى وسرى بن الْمُغلس رَحْمَة الله عَلَيْهِم وَذَلِكَ كَانَ سَبَب فلاحى إِذْ علمنَا هَذَا مضبوط بِالْكتاب وَالسّنة وَمن لم يحفظ الْقُرْآن وَيكْتب الحَدِيث ويتفقه قبل سلوكه فَإِنَّهُ لَا يجوز الِاقْتِدَاء بِهِ أخبرنَا الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مخلوف بن جمَاعَة ح وَأخْبرنَا يحيى بن يُوسُف المصرى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَا أخبرنَا عبد الْوَهَّاب بن ظافر بن رواج قَالَ ابْن جمَاعَة سَمَاعا وَقَالَ شَيخنَا إجَازَة قَالَ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلفى أخبرنَا أَبُو الْحسن العلاف أخبرنَا أَبُو الْحسن الحمامى حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن جَعْفَر الختلى سَمِعت أَبَا الْقَاسِم بن بكير قَالَ سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول بنى أمرنَا هَذَا على أَربع لَا نتكلم إِلَّا عَن وجود وَلَا نَأْكُل إِلَّا عَن فاقة وَلَا ننام إِلَّا عَن غَلَبَة وَلَا نسكت إِلَّا عَن خشيَة ذكر نخب وفوائد عَن أَبى الْقَاسِم رَحمَه الله) هَل الْأَفْضَل للمحتاج أَن يَأْخُذ من الزَّكَاة أَو صَدَقَة التَّطَوُّع قَالَ الغزالى فى الْإِحْيَاء اخْتلف فِيهِ السّلف وَكَانَ الْجُنَيْد والخواص وَجَمَاعَة يَقُولُونَ الْأَخْذ من الصَّدَقَة أفضل لِئَلَّا يضيق على الْأَصْنَاف وَلِئَلَّا يخل بِشَرْط من شُرُوطهَا وَقَالَ آخَرُونَ الزَّكَاة أفضل لِأَنَّهَا إِعَانَة على وَاجِب وَلَو ترك أهل الزَّكَاة أَخذهَا أثموا وَلِأَن الزَّكَاة لَا منَّة فِيهَا قَالَ الغزالى وَالصَّوَاب أَنه يخْتَلف بالأشخاص فَإِن عرض لَهُ شُبْهَة فى اسْتِحْقَاقه لم يَأْخُذ الزَّكَاة وَإِن قطع باستحقاقه ينظر إِن كَانَ الْمُتَصَدّق إِن لم يَأْخُذهَا هَذَا لم يتَصَدَّق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 فليأخذ الصَّدَقَة فَإِن إِخْرَاج الزَّكَاة لابد مِنْهُ وَإِن كَانَ لابد من إِخْرَاج تِلْكَ الصَّدَقَة يُخَيّر قَالَ وَأخذ الزَّكَاة أَشد فى كسر النَّفس 61 - الْحَارِث بن أَسد المحاسبى أَبُو عبد الله علم العارفين فى زَمَانه وأستاذ السائرين الْجَامِع بَين علمى الْبَاطِن وَالظَّاهِر شيخ الْجُنَيْد وَيُقَال إِنَّمَا سمى المحاسبى لِكَثْرَة محاسبته لنَفسِهِ قَالَ ابْن الصّلاح ذكره الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور فى الطَّبَقَة الأولى فِيمَن صحب الشافعى وَقَالَ كَانَ إِمَام الْمُسلمين فى الْفِقْه والتصوف والْحَدِيث وَالْكَلَام وَكتبه فى هَذِه الْعُلُوم أصُول من يصنف فِيهَا وَإِلَيْهِ ينْسب أَكثر متكلمى الصفاتية ثمَّ قَالَ لَو لم يكن فِي أَصْحَاب الشافعى فى الْفِقْه وَالْكَلَام وَالْأُصُول وَالْقِيَاس والزهد والورع والمعرفة إِلَّا الْحَارِث المحاسبى لَكَانَ مغبرا فى وُجُوه مخالفيه وَالْحَمْد لله على ذَلِك قَالَ ابْن الصّلاح صحبته للشافعى لم أر أحدا ذكرهَا سواهُ وَلَيْسَ أَبُو مَنْصُور من أهل هَذَا الْفَنّ فيعتمد فِيمَا تفرد بِهِ والقرائن شاهدة بانتفائها قلت إِن كَانَ أَبُو مَنْصُور صرح بِأَنَّهُ صحب الشافعى فالاعتراض عَلَيْهِ لائح وَإِلَّا فقد يكون أَرَادَ بالطبقة الأولى من عاصر الشافعى وَكَانَ فى طبقَة الآخذين عَنهُ وَقد ذكره فى الطَّبَقَة الأولى أَيْضا أَبُو عَاصِم العبادى وَقَالَ كَانَ مِمَّن عاصر الشافعى وَاخْتَارَ مذْهبه وَلم يقل كَانَ مِمَّن صَحبه فَلَعَلَّ هَذَا الْقدر مُرَاد أَبى مَنْصُور الحديث: 61 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 روى الْحَارِث عَن يزِيد بن هَارُون وطبقته روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس بن مَسْرُوق وَأحمد بن الْحسن بن عبد الْجَبَّار الصوفى وَالشَّيْخ الْجُنَيْد وَإِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق السراج وَأَبُو على الْحُسَيْن بن خيران الْفَقِيه وَغَيرهم قَالَ الْخَطِيب لَهُ كتب كَثِيرَة فى الزّهْد وأصول الدّيانَة وَالرَّدّ على الْمُعْتَزلَة والرافضة قلت كتبه كَثِيرَة الْفَوَائِد جمة الْمَنَافِع وَقَالَ جمع من الصُّوفِيَّة إِنَّهَا تبلغ مائتى مُصَنف قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عبد الله بن خَفِيف اقتدوا بِخَمْسَة من شُيُوخنَا وَالْبَاقُونَ سلمُوا إِلَيْهِم أَحْوَالهم الْحَارِث بن أَسد المحاسبى والجنيد بن مُحَمَّد وَأَبُو مُحَمَّد رُوَيْم وَأَبُو الْعَبَّاس بن عَطاء وَعَمْرو بن عُثْمَان المكى لأَنهم جمعُوا بَين الْعلم والحقائق وَقَالَ جَعْفَر الخلدى سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول كنت كثيرا أَقُول لِلْحَارِثِ عزلتى أنسى فَيَقُول كم تَقول أنسى وعزلتى لَو أَن نصف الْخلق تقربُوا منى مَا وجدت بهم أنسا وَلَو أَن نصف الْخلق الآخر نأوا عَنى مَا استوحشت لبعدهم قَالَ وَسمعت الْجُنَيْد يَقُول كَانَ الْحَارِث كثير الضّر فاجتاز بى يَوْمًا وَأَنا جَالس على بابنا فَرَأَيْت على وَجهه زِيَادَة الضّر من الْجُوع فَقلت لَهُ يَا عَم لَو دخلت إِلَيْنَا نلْت من شئ من عندنَا وعمدت إِلَى بَيت عمى وَكَانَ أوسع من بيتنا لَا يَخْلُو من أَطْعِمَة فاخرة لَا يكون مثلهَا فى بيتنا سَرِيعا فَجئْت بأنواع كَثِيرَة من الطَّعَام فَوَضَعته بَين يَدَيْهِ فَمد يَده فَأخذ لقْمَة فَرَفعهَا إِلَى فِيهِ فرأيته يعلكها وَلَا يزدردها ثمَّ وثب وَخرج وَمَا كلمنى فَلَمَّا كَانَ الْغَد لَقيته فَقلت لَهُ يَا عَم سررتنى ثمَّ نغصت على قَالَ يَا بنى أما الْفَاقَة فَكَانَت شَدِيدَة وَقد اجتهدت فى أَن أنال من الطَّعَام الذى قَدمته إِلَى وَلَكِن بينى وَبَين الله عَلامَة إِذا لم يكن الطَّعَام مرضيا ارْتَفع إِلَى أنفى مِنْهُ زفرَة فَلم تقبله نفسى فقد رميت بِتِلْكَ اللُّقْمَة فى دهليزكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 وفى رِوَايَة أُخْرَى كَانَ إِذا مد يَده إِلَى طَعَام فِيهِ شُبْهَة تحرّك لَهُ عرق فى أُصْبُعه فَيمْتَنع مِنْهُ وَقَالَ الْجُنَيْد مَاتَ أَبُو الْحَارِث يَوْم مَاتَ وَإِن الْحَارِث لمحتاج إِلَى دانق فضَّة وَخلف أَبوهُ مَالا كثيرا وَمَا أَخذ مِنْهُ حَبَّة وَاحِدَة وَقَالَ أهل ملتين لَا يتوارثان وَكَانَ أَبوهُ رَافِضِيًّا وَقَالَ أَبُو على بن خيران الْفَقِيه رَأَيْت الْحَارِث بِبَاب الطاق فى وسط الطَّرِيق مُتَعَلقا بِأَبِيهِ وَالنَّاس قد اجْتَمعُوا عَلَيْهِ يَقُول أمى طَلقهَا فَإنَّك على دين وهى على دين غَيره وَهَذَا من الْحَارِث بِنَاء على القَوْل بتكفير الْقَدَرِيَّة فَلَعَلَّهُ كَانَ يرى ذَلِك وَأما الْحِكَايَة الْمُتَقَدّمَة فى أَنه لم يَأْخُذ من مِيرَاث أَبِيه فَلَعَلَّهُ ترك الْأَخْذ من مِيرَاثه ورعا لِأَنَّهُ فى مَحل الْخلاف إِذْ فى تَكْفِير الْقَدَرِيَّة خلاف وفى نفى التَّوَارُث بِنَاء على التَّكْفِير أَيْضا خلاف وَابْن الصّلاح جعل عدم أَخذه من مِيرَاث أَبِيه دَلِيلا مِنْهُ على أَنه يَقُول بالتكفير وَفِيه نظر لاحْتِمَال أَنه فعل ذَلِك ورعا وَقد صرح بَعضهم بذلك وَبِأَن الله عوضه عَن ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ لَا يدْخل بَطْنه إِلَّا الْحَلَال الْمَحْض كَمَا تقدم وَأما حمله أَبَاهُ على أَن يُطلق امْرَأَته فصريح فى أَنه كَانَ يرى التَّكْفِير إِذْ لَا مَحل للورع هُنَا وَقيل أنْشد قَوَّال بَين يدى الْحَارِث هَذِه الأبيات (أَنا فى الغربة أبكى ... مَا بَكت عين غَرِيب) (لم أكن يَوْم خروجى ... من بلادى بمصيب) (عجبا لى ولتركى ... وطنا فِيهِ حبيبى) فَقَامَ يتواجد ويبكى حَتَّى رَحمَه كل من حَضَره وروى الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل المحاملى القاضى قَالَ قَالَ أَبُو بكر بن هَارُون بن المجدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 سَمِعت جَعْفَر ابْن أخى أَبى ثَوْر يَقُول حضرت وَفَاة الْحَارِث فَقَالَ إِن رَأَيْت مَا أحب تبسمت إِلَيْكُم وَإِن رَأَيْت غير ذَلِك تنسمتم فى وجهى قَالَ فَتَبَسَّمَ ثمَّ مَاتَ قَوْله تنسمتم فى وجهى بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا نون ثمَّ سين ضبطناه لِئَلَّا يتصحف توفى الْحَارِث سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ ذكر الْبَحْث عَمَّا كَانَ بَينه وَبَين الإِمَام أَحْمد أول مَا نقدمه أَنه ينبغى لَك أَيهَا المسترشد أَن تسلك سَبِيل الْأَدَب مَعَ الْأَئِمَّة الماضين وَأَن لَا تنظر إِلَى كَلَام بَعضهم فى بعض إِلَّا إِذا أَتَى ببرهان وَاضح ثمَّ إِن قدرت على التَّأْوِيل وتحسين الظَّن فدونك وَإِلَّا فَاضْرب صفحا عَمَّا جرى بَينهم فَإنَّك لم تخلق لهَذَا فاشتغل بِمَا يَعْنِيك ودع مَالا يَعْنِيك وَلَا يزَال طَالب الْعلم عندى نبيلا حَتَّى يَخُوض فِيمَا جرى بَين السّلف الماضين وَيقْضى لبَعْضهِم على بعض فإياك ثمَّ إياك أَن تصغى إِلَى مَا اتّفق بَين أَبى حنيفَة وسُفْيَان الثورى أَو بَين مَالك وَابْن أَبى ذِئْب أَو بَين أَحْمد بن صَالح والنسائى أَو بَين أَحْمد ابْن حَنْبَل والْحَارث المحاسبى وهلم جرا إِلَى زمَان الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَالشَّيْخ تقى الدّين بن الصّلاح فَإنَّك إِن اشتغلت بذلك خشيت عَلَيْك الْهَلَاك فالقوم أَئِمَّة أَعْلَام ولأقوالهم محامل رُبمَا لم يفهم بَعْضهَا فَلَيْسَ لنا إِلَّا الترضى عَنْهُم وَالسُّكُوت عَمَّا جرى بَينهم كَمَا يفعل فِيمَا جرى بَين الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم إِذا عرفت ذَلِك فَاعْلَم أَن الإِمَام أَحْمد رضى الله عَنهُ كَانَ شَدِيد النكير على من يتَكَلَّم فى علم الْكَلَام خوفًا أَن يجر ذَلِك إِلَى مَا لَا ينبغى وَلَا شكّ أَن السُّكُوت عَنهُ مَا لم تدع إِلَيْهِ الْحَاجة أولى وَالْكَلَام فِيهِ عِنْد فقد الْحَاجة بِدعَة وَكَانَ الْحَارِث قد تكلم فى شئ من مسَائِل الْكَلَام قَالَ أَبُو الْقَاسِم النصراباذى بلغنى أَن أَحْمد ابْن حَنْبَل هجره بِهَذَا السَّبَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 قلت وَالظَّن بِالْحَارِثِ أَنه إِنَّمَا تكلم حِين دعت الْحَاجة وَلكُل مقصد وَالله يرحمهما وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَن أَبَا بكر أَحْمد بن إِسْحَاق الصبغى أخبرهُ قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق السراج يَقُول قَالَ لى أَحْمد بن حَنْبَل بلغنى أَن الْحَارِث هَذَا يكثر الْكَوْن عنْدك فَلَو أحضرته مَنْزِلك وأجلستنى من حَيْثُ لَا يرانى فَأَسْمع كَلَامه فقصدت الْحَارِث وَسَأَلته أَن يحضرنا تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَن يحضر أَصْحَابه فَقَالَ فيهم كَثْرَة فَلَا تزدهم على الْكسْب وَالتَّمْر فَأتيت أَبَا عبد الله فأعلمته فَحَضَرَ إِلَى غرفَة واجتهد فى ورده وَحضر الْحَارِث وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا ثمَّ صلوا الْعَتَمَة وَلم يصلوا بعْدهَا وقعدوا بَين يدى الْحَارِث لَا ينطقون إِلَى قريب نصف اللَّيْل ثمَّ ابْتَدَأَ رجل مِنْهُم فَسَأَلَ عَن مَسْأَلَة فَأخذ الْحَارِث فى الْكَلَام وَأَصْحَابه يَسْتَمِعُون كَأَن على رؤوسهم الطير فَمنهمْ من يبكى وَمِنْهُم من يحن وَمِنْهُم من يزعق وَهُوَ فى كَلَامه فَصَعدت الغرفة لأتعرف حَال أَبى عبد الله فَوَجَدته قد بَكَى حَتَّى غشى عَلَيْهِ فَانْصَرَفت إِلَيْهِم وَلم تزل تِلْكَ حَالهم حَتَّى أَصْبحُوا وذهبوا فَصَعدت إِلَى أَبى عبد الله فَقَالَ مَا أعلم أَنى رَأَيْت مثل هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَلَا سَمِعت فى علم الْحَقَائِق مثل كَلَام هَذَا الرجل وَمَعَ هَذَا فَلَا أرى لَك صحبتهم ثمَّ قَامَ وَخرج وفى رِوَايَة أُخْرَى أَن أَحْمد قَالَ لَا أنكر من هَذَا شَيْئا قلت تَأمل هَذِه الْحِكَايَة بِعَين البصيرة وَاعْلَم أَن أَحْمد بن حَنْبَل إِنَّمَا لم ير لهَذَا الرجل صحبتهم لقصوره عَن مقامهم فَإِنَّهُم فى مقَام ضيق لَا يسلكه كل أحد فيخاف على سالكه وَإِلَّا فَأَحْمَد قد بَكَى وشكر الْحَارِث هَذَا الشُّكْر وَلكُل رأى واجتهاد حشرنا الله مَعَهم أَجْمَعِينَ فى زمرة سيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه وَسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 ذكر شىء من الرِّوَايَة عَن الْحَارِث أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المظفر النابلسى بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا أقضى الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نجم الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن يُوسُف بن صاعد بن السّلم النابلسى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الشَّيْخ تقى الدّين أَبُو على الْحسن بن أَحْمد بن يُوسُف الأوقى سَمَاعا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد السلفى سَمَاعا عَلَيْهِ ح وَكتب إِلَى أَحْمد بن على الجزرى وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم وَغَيرهمَا عَن مُحَمَّد بن عبد الهادى عَن السلفى أخبرنى الشَّيْخ أَبُو بكر أَحْمد بن على بن الْحُسَيْن فِيمَا قَرَأت عَلَيْهِ من أصل سَمَاعه بِمَدِينَة السَّلَام فى ذى الْقعدَة سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا والدى أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن الطريشيثى الصوفى حَدثنَا أَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله المالينى لفظا أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد الشمشاطى حَدثنَا أَحْمد بن الْقَاسِم بن نصر أخبرنَا الْحَارِث بن أَسد المحاسبى الْعَنزي أخبرنَا يزِيد بن هَارُون عَن شُعْبَة عَن الْقَاسِم بن أَبى بزَّة عَن عَطاء الكيخارانى أَو الخراسانى عَن أم الدَّرْدَاء عَن أَبى الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أثقل مَا يوضع فى ميزَان العَبْد يَوْم الْقِيَامَة حسن الْخلق) أخبرنَا الشَّيْخ الْمسند تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن أَبى الْيُسْر قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا جدى أَبُو مُحَمَّد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا عبد اللَّطِيف بن إِسْمَاعِيل بن أَبى سعد النيسابورى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 ح وَأخْبرنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عمر بن الحموى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا ابْن البخارى أخبرنَا ابْن طبرزد ح وَأخْبرنَا الْوَالِد تغمده الله برحمته قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الدمياطى الْحَافِظ أخبرنَا يُوسُف بن خَلِيل الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الأزجى أخبرنَا أَبُو طَالب اليوسفى قَالَ النيسابورى وَابْن طبرزد أخبرنَا القاضى أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الباقى الأنصارى قَالَ سَمِعت وَقَالَ اليوسفى قَالَ النيسابورى أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن على الجوهرى سَمِعت أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبيد العسكرى يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَسْرُوق يَقُول سَمِعت حارثا المحاسبى يَقُول ثَلَاثَة أَشْيَاء عزيزة أَو مَعْدُومَة حسن الْوَجْه مَعَ الصيانة وَحسن الْخلق مَعَ الدّيانَة وَحسن الإخاء مَعَ الْأَمَانَة أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا ابْن السّلم أخبرنَا الأوقى أخبرنَا السلفى أخبرنى الشَّيْخ أَبُو بكر أَحْمد بن على بن الْحُسَيْن بن زَكَرِيَّا الصوفى فِيمَا قَرَأت عَلَيْهِ أخبرنَا والدى أَبُو الْحسن على بن الْحُسَيْن الطريثيثى الصوفى حَدثنَا أَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَفْص بن خَلِيل الهروى المالينى لفظا أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ابْن بنت أَبى حَفْص النسائى أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد الملطى أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى شيخ قَالَ قَالَ لى أَحْمد بن الْحسن الأنصارى سَأَلت الْحَارِث المحاسبى عَن الْعقل فَقَالَ هُوَ نور الغريزة مَعَ التجارب يزِيد ويقوى بِالْعلمِ والحلم قلت هَذَا الذى قَالَه الْحَارِث فى الْعقل قريب مِمَّا نقل عَنهُ أَنه غريزة يَتَأَتَّى بهَا دَرك الْعُلُوم وسنتكلم عَن ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَمن كَلِمَات الْحَارِث والفوائد عَنهُ أصل الطَّاعَة الْوَرع وأصل الْوَرع التَّقْوَى وأصل التَّقْوَى محاسبة النَّفس وأصل محاسبة النَّفس الْخَوْف والرجاء وأصل الْخَوْف والرجاء معرفَة الْوَعْد والوعيد وأصل معرفَة الْوَعْد والوعيد دَاء عَظِيم الْجَزَاء وأصل ذَلِك الفكرة وَالْعبْرَة وأصدق بَيت قالته الْعَرَب قَول حسان بن ثَابت الأنصارى رضى الله عَنهُ (وَمَا حملت من نَاقَة فَوق كورها ... أعز وأوفى ذمَّة من مُحَمَّد) قلت وَهَذَا حق وَنَظِير هَذَا الْبَيْت فى الصدْق قَول حسان أَيْضا (وَمَا فقد الماضون مثل مُحَمَّد ... وَلَا مثله حَتَّى الْقِيَامَة يفقد) وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصدق كلمة قَالَهَا لبيد (أَلا كل شىء مَا خلا الله بَاطِل ... ) ذَاك أصدق كَلِمَات لبيد نَفسه فَلَا ينافى هَذَا وَقَالَ الْحَارِث الْعلم يُورث المخافة والزهد يُورث الرَّاحَة والمعرفة تورث الْإِنَابَة وَخيَار هَذِه الْأمة الَّذين لَا تشغلهم آخرتهم عَن دنياهم وَلَا دنياهم عَن آخرتهم وَمن حسنت مُعَامَلَته فى ظَاهره مَعَ جهد بَاطِنه وَرثهُ الله الْهِدَايَة إِلَيْهِ لقَوْله عز وَجل {وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ} وَقَالَ حسن الْخلق احْتِمَال الْأَذَى وَقلة الْغَضَب وَبسط الرَّحْمَة وَطيب الْكَلَام وَلكُل شىء جَوْهَر وجوهر الْإِنْسَان الْعقل وجوهر الْعقل الصَّبْر وَالْعَمَل بحركات الْقُلُوب فى مطالعات الغيوب أشرف من الْعَمَل بحركات الْجَوَارِح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وَقَالَ إِذا أَنْت لم تسمع نِدَاء الله فَكيف تجيب دَعَاهُ وَمن اسْتغنى بشىء دون الله جهل قدر الله والظالم نادم وَإِن مدحه النَّاس والمظلوم سَالم وَإِن ذمه النَّاس والقانع غنى وَإِن جَاع والحريص فَقير وَإِن ملك وَمن لم يشْكر الله تَعَالَى على النِّعْمَة فقد استدعى زَوَالهَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فى الْبُرْهَان عِنْد الْكَلَام فى تَعْرِيف الْعقل وَمَا حوم عَلَيْهِ أحد من عُلَمَائِنَا غير الْحَارِث المحاسبى فَإِنَّهُ قَالَ الْعقل غريزة يَتَأَتَّى بهَا دَرك الْعُلُوم وَلَيْسَت مِنْهَا انْتهى وَقد ارتضى الإِمَام كَلَام الْحَارِث هَذَا كَمَا ترى وَقَالَ عَقِيبه إِنَّه صفة إِذا ثبتَتْ يَتَأَتَّى بهَا التَّوَصُّل إِلَى الْعُلُوم النظرية ومقدماتها من الضروريات الَّتِى هى من مُسْتَند النظريات انْتهى وَهُوَ مِنْهُ بِنَاء على أَن الْعقل لَيْسَ بِعلم والمعزو إِلَى الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى أَنه الْعلم وَقَالَ القاضى أَبُو بكر إِنَّه بعض الْعُلُوم الضرورية وَالْإِمَام حكى فى الشَّامِل مقَالَة الْحَارِث هَذِه الَّتِى استحسنها هُنَا وَقَالَ إِنَّا لَا نرضاها ونتهم فِيهَا النقلَة عَنهُ ثمَّ قَالَ وَلَو صَحَّ النَّقْل عَنهُ فَمَعْنَاه أَن الْعقل لَيْسَ بِمَعْرِِفَة الله تَعَالَى وَهُوَ إِذا أطلق الْمعرفَة أَرَادَ بهَا معرفَة الله فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْعقل بِنَفسِهِ بِمَعْرِِفَة الله تَعَالَى وَلكنه غريزة وعنى بالغريزة أَنه عَالم لأمر جبل الله عَلَيْهِ الْعَاقِل ويتوصل بِهِ إِلَى معرفَة الله انْتهى كَلَامه فى الشَّامِل وَالْمَنْقُول عَن الْحَارِث ثَابت عَنهُ وَقد نَص عَلَيْهِ فى كتاب الرِّعَايَة وَكَأن إِمَام الْحَرَمَيْنِ نظر كَلَام الْحَارِث بعد ذَلِك ثمَّ لَا حت لَهُ صِحَّته بَعْدَمَا كَانَ لَا يرضاه وَاعْلَم أَنه لَيْسَ فى ارتضاء مَذْهَب الْحَارِث واعتقاده مَا ينْتَقد وَلَا يلْزمه قَول بالطبائع وَلَا شىء من مقالات الفلاسفة كَمَا ظَنّه بعض شرَّاح كتاب الْبُرْهَان وَقد قَررنَا هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 فى غير هَذَا الْموضع وَقَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِنَّه أَرَادَ معرفَة الله مَمْنُوع فقد قدمنَا عَن الْحَارِث بِالْإِسْنَادِ قَوْله إِنَّه نور الغريزة يقوى وَيزِيد بالتقوى نعم الْحَارِث لَا يُرِيد بِكَوْنِهِ نورا مَا تدعيه الفلاسفة 62 - دَاوُد بن على بن خلف أَبُو سُلَيْمَان البغدادى الأصبهانى إِمَام أهل الظَّاهِر ولد سنة مِائَتَيْنِ وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وهداتهم وَله فى فَضَائِل الشافعى رَحمَه الله مصنفات سمع سُلَيْمَان بن حَرْب والقعنبى وَعَمْرو بن مَرْزُوق وَمُحَمّد بن كثير العبدى ومسددا وَأَبا ثَوْر الْفَقِيه وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه رَحل إِلَيْهِ إِلَى نيسابور فَسمع مِنْهُ الْمسند وَالتَّفْسِير وجالس الْأَئِمَّة وصنف الْكتب قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب كَانَ إِمَامًا ورعا ناسكا زاهد وفى كتبه حَدِيث كثير لَكِن الرِّوَايَة عَنهُ عزيزة جدا روى عَنهُ ابْنه مُحَمَّد وزَكَرِيا الساجى ويوسف بن يَعْقُوب الداودى الْفَقِيه وعباس بن أَحْمد الْمُذكر وَغَيرهم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَأخذ الْعلم عَن إِسْحَاق الحديث: 62 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 وأبى ثَوْر وَكَانَ زاهدا متقللا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب كَانَ دَاوُد عقله أَكثر من علمه قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَقيل كَانَ فى مَجْلِسه أَرْبَعمِائَة صَاحب طيلسان أَخْضَر وَكَانَ من المتعصبين للشافعى صنف كتابين فى فضائله وَالثنَاء عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم بِبَغْدَاد وَأَصله من أصفهان ومولده بِالْكُوفَةِ ومنشأه بِبَغْدَاد وقبره بهَا وَقَالَ أَبُو عَمْرو أَحْمد بن الْمُبَارك المستملى رَأَيْت دَاوُد بن على يرد على إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَمَا رَأَيْت أحدا قبله وَلَا بعده يرد عَلَيْهِ هَيْبَة لَهُ وَقَالَ عمر بن مُحَمَّد بن بجير سَمِعت دَاوُد بن على يَقُول دخلت على إِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه وَهُوَ يحتجم فَجَلَست فَرَأَيْت كتاب الشافعى فَأخذت أنظرفصاح أيش تنظر فَقلت {معَاذ الله أَن نَأْخُذ إِلَّا من وجدنَا متاعنا عِنْده} فَجعل يضْحك ويتبسم وَقَالَ سعيد البردعى كُنَّا عِنْد أَبى زرْعَة فَاخْتلف رجلَانِ فى أَمر دَاوُد والمزنى وَالرجلَانِ فضلك الرازى وَابْن خرَاش فَقَالَ ابْن خرَاش دَاوُد كَافِر وَقَالَ فضلك المزنى جَاهِل فَأقبل عَلَيْهِمَا أَبُو زرْعَة فوبخهما وَقَالَ مَا وَاحِد مِنْكُمَا لَهُ بِصَاحِب ثمَّ قَالَ نرى دَاوُد هَذَا لَو اقْتصر على مَا يقْتَصر عَلَيْهِ أهل الْعلم لظَنَنْت أَنه يكمد أهل الْبدع بِمَا عِنْده من الْبَيَان والأدلة وَلكنه تعدى لقد لقد قدم علينا من نيسابور فَكتب إِلَى مُحَمَّد بن رَافع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وَمُحَمّد بن يحيى وَعمر بن زُرَارَة وحسين بن مَنْصُور ومشيخة نيسابور بِمَا أحدث هُنَاكَ فكتمت ذَلِك لما خفت من عواقبه وَلم أَبَد لَهُ شَيْئا فَقدم بَغْدَاد وَكَانَ بَينه وَبَين صَالح بن أَحْمد حسن فَكلم صَالحا أَن يتلطف لَهُ فى الاسْتِئْذَان على أَبِيه فَأتى وَقَالَ سألنى رجل أَن يَأْتِيك قَالَ مَا اسْمه قَالَ دَاوُد قَالَ ابْن من قَالَ هُوَ من أهل أَصْبَهَان وَكَانَ صَالح يروغ عَن تَعْرِيفه فَمَا زَالَ أَبوهُ يفحص حَتَّى فطن بِهِ فَقَالَ هَذَا قد كتب إِلَى مُحَمَّد بن يحيى فى أمره أَنه زعم أَن الْقُرْآن مُحدث فَلَا يقربنى قَالَ إِنَّه ينتفى من هَذَا وينكره قَالَ مُحَمَّد بن يحيى أصدق مِنْهُ لَا تَأذن لَهُ قَالَ الْخلال أخبرنَا الْحُسَيْن بن عبد الله قَالَ سَأَلت المروزى عَن قصَّة دَاوُد الأصبهانى وَمَا أنكر عَلَيْهِ أَبُو عبد الله فَقَالَ كَانَ دَاوُد خرج إِلَى خُرَاسَان إِلَى ابْن رَاهَوَيْه فَتكلم بِكَلَام شهد عَلَيْهِ أَبُو نصر بن عبد الْمجِيد وَآخر شَهدا عَلَيْهِ أَنه قَالَ إِن الْقُرْآن مُحدث فَقَالَ لى أَبُو عبد الله بن دَاوُد بن على لَا فرج الله عَنهُ قلت هَذَا من غلْمَان أَبى ثَوْر قَالَ جاءنى كتاب مُحَمَّد بن يحيى النيسابورى أَن دَاوُد الأصبهانى قَالَ ببلدنا إِن الْقُرْآن مُحدث قَالَ المروزى حَدَّثَنى مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم النيسابورى أَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لما سمع كَلَام دَاوُد فى بَيته وثب عَلَيْهِ إِسْحَاق فَضَربهُ وَأنكر عَلَيْهِ قَالَ الْخلال سَمِعت أَحْمد بن مُحَمَّد بن صَدَقَة سَمِعت مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن صبيح سَمِعت دَاوُد الأصبهانى يَقُول الْقُرْآن مُحدث ولفظى بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق أخبرنَا سعيد بن أَبى مُسلم سَمِعت مُحَمَّد بن عَبدة يَقُول دخلت إِلَى دَاوُد فَغَضب على أَحْمد بن حَنْبَل فَدخلت عَلَيْهِ فَلم يكلمنى فَقَالَ لَهُ رجل يَا أَبَا عبد الله إِنَّه رد عَلَيْهِ مَسْأَلَة قَالَ وَمَا هى قَالَ قَالَ الْخُنْثَى إِذا مَاتَ من يغسلهُ فَقَالَ دَاوُد يغسلهُ الخدم فَقَالَ مُحَمَّد بن عَبدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 الخدم رجال وَلَكِن ييمم فَتَبَسَّمَ أَحْمد وَقَالَ أصَاب أصَاب مَا أَجود مَا أَجَابَهُ قلت لَيْسَ فى جَوَاب دَاوُد فى مَسْأَلَة الْخُنْثَى مَا هُوَ بَالغ فى النكرَة وفى مَذْهَبنَا وَجه أَنه ييمم وَآخر أَنه يشترى من تركته جَارِيَة لتغسله وَالصَّحِيح أَنه يغسلهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا للضَّرُورَة واستصحابا لحكم الصغر فَقَوْل دَاوُد يغسلهُ الخدم لَيْسَ بِبَعِيد فى الْقيَاس أَن يذهب إِلَيْهِ ذَاهِب وَلَا وَاصل إِلَى أَن يَجْعَل مِمَّا يضْحك مِنْهُ وَقد كَانَ دَاوُد مَوْصُوفا بِالدّينِ المتين قَالَ القاضى المحاملى رَأَيْت دَاوُد بن على يصلى فَمَا رَأَيْت مُسلما يُشبههُ فى حسن تواضعه قَالَ ابْن كَامِل توفى دَاوُد فى رَمَضَان سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ ذكر شئ من الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أَنبأَنَا ابْن سَلامَة عَن اللبان عَن الشرويى أخبرنَا عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد أَبُو نصر الشيرازى قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن حمكويه الْمُفَسّر الرويانى بآمل أخبرنَا والدى أخبرنَا أَبُو تُرَاب على بن عبد الله بن الْقَاسِم البصرى بالدينور حَدثنَا دَاوُد بن على بن خلف البغدادى الْمَعْرُوف بالأصبهانى حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة حَدثنَا بشر بن السرى حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن ابْن أَبى ليلى عَن صُهَيْب عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة نَادَى مُنَاد يَا أهل الْجنَّة الْجنَّة نَادَى مُنَاد يَا أهل الْجنَّة إِن لكم عِنْد الله موعدا يُرِيد أَن ينجزكموه فَيَقُولُونَ ألم تثقل موازيننا) الحَدِيث قلت كَذَا أورد شَيخنَا الذهبى بعض الحَدِيث على عَادَته فى كثير من الْأَوْقَات وَأَنا لَا أحب ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وعندى أَنه لَا يجوز رِوَايَته بِكَمَالِهِ وَإِنَّمَا يرْوى مِنْهُ مَا صرح بِهِ فَلهَذَا اتبعته واقتصرت على الْقدر الذى ذكره مِنْهُ وَلَو قَالَ لى عَلْقَمَة حَدَّثَنى عمر بن الْخطاب بِحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ لما قلت إِلَّا قَالَ لى عَلْقَمَة حَدَّثَنى عمر بِحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلم أقل قَالَ لى عَلْقَمَة حَدَّثَنى عمر أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امْرِئ مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ) وَلَو قلت ذَلِك لَكُنْت كَاذِبًا على عَلْقَمَة فَإِنَّهُ لم يقل لى ذَلِك بل لَو قلت إِن عَلْقَمَة حَدَّثَنى بِحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَالْحَالة هَذِه لكذبت عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يحدثنى بِهِ فَافْهَم وَاحْترز وراقب قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من كذب على مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار) فَإِن قلت قد نقل الْخَطِيب أَن أَبَا بكر الإسماعيلى سُئِلَ عَمَّن قَرَأَ إِسْنَاد الحَدِيث على الشَّيْخ ثمَّ قَالَ وَذكر الحَدِيث هَل يجوز أَن يحدث بِجَمِيعِهِ فَقَالَ أَرْجُو أَن يجوز وَذكر قَرِيبا مِنْهُ عَن أَبى على الزجاجى الطبرى قلت أفتى الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق فى الْمسَائِل الحديثية الَّتِى سَأَلَهُ عَنْهَا الْحَافِظ أَبُو سعد بن عَلَيْك بِأَن هَذَا لَا يجوز وَهَذَا هُوَ الْأَرْجَح عندى وَمن حَدِيث دَاوُد مَا رَوَاهُ أَبُو بكر مُحَمَّد ابْنه عَنهُ قَالَ حَدَّثَنى سُوَيْد بن سعيد قَالَ حَدَّثَنى على ابْن مسْهر عَن أَبى يحيى القَتَّات عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من عشق فعف فكتم فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد) قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَنا أتعجب من هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ لم يحدث بِهِ عَن سُوَيْد ابْن سعيد ثِقَة وَدَاوُد وَابْنه ثقتان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 وَمن حَدِيث دَاوُد أَيْضا من آذَى ذِمِّيا فَأَنا خَصمه وَمن كنت خَصمه خصمته يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الْخَطِيب فى تَرْجَمَة دَاوُد وَالْحمل فِيهِ على الراوى عَنهُ الْعَبَّاس بن أَحْمد بن الْمُذكر ذكر اخْتِلَاف الْعلمَاء فى أَن دَاوُد وَأَصْحَابه هَل يعْتد بخلافهم فى الْفُرُوع الذى تحصل لى فِيهِ من كَلَام الْعلمَاء ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا اعْتِبَاره مُطلقًا وَهُوَ مَا ذكر الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور البغدادى أَنه الصَّحِيح من مَذْهَبنَا وَقَالَ ابْن الصّلاح إِنَّه الذى اسْتَقر عَلَيْهِ الْأَمر آخرا والثانى عدم اعْتِبَاره مُطلقًا وَهُوَ رأى الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق الإسفراينى وَنَقله عَن الْجُمْهُور حَيْثُ قَالَ قَالَ الْجُمْهُور إِنَّهُم يعْنى نفاة الْقيَاس لَا يبلغون رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَلَا يجوز تقليدهم الْقَضَاء وَإِن ابْن أَبى هُرَيْرَة وَغَيره من الشافعيين لَا يعتدون بخلافهم فى الْفُرُوع وَهَذَا هُوَ اخْتِيَار إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَعَزاهُ إِلَى أهل التَّحْقِيق فَقَالَ والمحققون من عُلَمَاء الشَّرِيعَة لَا يُقِيمُونَ لأهل الظَّاهِر وزنا وَقَالَ فى كتاب أدب الْقَضَاء من النِّهَايَة كل مَسْلَك يخْتَص بِهِ أَصْحَاب الظَّاهِر عَن القياسيين فَالْحكم بحسنه مَنْصُوص قَالَ وبحق قَالَ حبر الْأُصُول القاضى أَبُو بكر إنى لَا أعدهم من عُلَمَاء الْأمة وَلَا أبالى بخلافهم وَلَا وفاقهم وَقَالَ فى بَاب قطع الْيَد وَالرجل فى السّرقَة كررنا فى مَوَاضِع فى الْأُصُول وَالْفُرُوع أَن أَصْحَاب الظَّاهِر لَيْسُوا من عُلَمَاء الشَّرِيعَة وَإِنَّمَا هم نقلة إِن ظَهرت الثِّقَة انْتهى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وَالثَّالِث أَن قَوْلهم مُعْتَبر إِلَّا فِيمَا خَالف الْقيَاس الجلى قلت وَهُوَ رأى الشَّيْخ أَبى عَمْرو بن الصّلاح وسماعى من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله أَن الذى صَحَّ عِنْده عَن دَاوُد أَنه لَا يُنكر الْقيَاس الجلى وَإِن نقل إِنْكَاره عَنهُ ناقلون قَالَ وَإِنَّمَا يُنكر الخفى فَقَط قَالَ ومنكر الْقيَاس مُطلقًا جليه وخفيه طَائِفَة من أَصْحَابه زعيمهم ابْن حزم قلت ووقفت لداود رَحمَه الله على رِسَالَة أرسلها إِلَى أَبى الْوَلِيد مُوسَى بن أَبى الْجَارُود طَوِيلَة دلّت على عَظِيم مَعْرفَته بالجدل وَكَثْرَة صناعته فى المناظرة وقصدى من ذكرهَا الْآن أَن مضمونها الرَّد على أَبى إِسْمَاعِيل المزنى رَحمَه الله فى رده على دَاوُد إِنْكَار الْقيَاس وشنع فِيهِ على المزنى كثيرا وَلم أجد فى هَذَا الْكتاب لَفْظَة تدل على أَنه يَقُول بشئ من الْقيَاس بل ظَاهر كَلَامه إِنْكَاره جملَة وَإِن لم يُصَرح بذلك وَهَذِه الرسَالَة الَّتِى عندى أصل صَحِيح قديم أعتقده كتب فى حُدُود سنة ثَلَاثمِائَة أَو قبلهَا بِكَثِير ثمَّ وقفت لداود رَحمَه الله على أوراق يسيرَة سَمَّاهَا الْأُصُول نقلت مِنْهَا مَا نَصه وَالْحكم بِالْقِيَاسِ لَا يجب وَالْقَوْل بالاستحسان لَا يجوز انْتهى ثمَّ قَالَ وَلَا يجوز أَن يحرم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيحرم محرم غير مَا حرم لِأَنَّهُ يُشبههُ إِلَّا أَن يوقفنا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عِلّة من أجلهَا وَقع التَّحْرِيم مثل أَن يَقُول حرمت الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّهَا مكيلة واغسل هَذَا الثَّوْب لِأَن فِيهِ دَمًا أَو اقْتُل هَذَا إِنَّه أسود يعلم بِهَذَا أَن الذى أوجب الحكم من أَجله هُوَ مَا وقف عَلَيْهِ وَمَا لم يكن ذَلِك فالبعيد وَاقع بِظَاهِر التَّوْقِيف وَمَا جَاوز ذَلِك فمسكوت عَنهُ دَاخل فى بَاب مَا عفى عَنهُ انْتهى فَكَأَنَّهُ لَا يُسمى مَنْصُوص الْعلَّة قِيَاسا وَهَذَا يُؤَيّد مَنْقُول الشَّيْخ الإِمَام وَهُوَ قريب من نقل الآمدى فالذى أرَاهُ الِاعْتِبَار بِخِلَاف دَاوُد ووفاقه نعم للظاهرية مسَائِل لَا يعْتد بِخِلَافِهِ فِيهَا لَا من حَيْثُ إِن دَاوُد غير أهل للنَّظَر بل لخرقه فِيهَا إِجْمَاعًا تقدمه وعذره أَنه لم يبلغهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 أَو دَلِيلا وَاضحا جدا وَذَلِكَ كَقَوْلِه فى التغوط فى المَاء الراكد وَقَوله لَا رَبًّا إِلَّا فى السِّتَّة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا وَغير ذَلِك من مسَائِل وجهت سِهَام الملام إِلَيْهِم وأفاضت سَبِيل الإزراء عَلَيْهِم وَوَقع فى كَلَام القاضى الْحُسَيْن شئ موهم نَقله عَنهُ ابْن الرّفْعَة فى الْكِفَايَة بِعِبَارَة تزيد إيهاما ففهمه الطّلبَة عَن ابْن الرّفْعَة فهما يزِيد على مَدْلُوله فَصَارَ غَلطا على غلط وَذَلِكَ أَن ابْن الرّفْعَة ذكر فى الْكِفَايَة فى بَاب صَلَاة الْمُسَافِر بَعْدَمَا حكى أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ ذكر أَن الْمُحَقِّقين لَا تقيم لمَذْهَب أهل الظَّاهِر وزنا مَا نَصه وَفِيه نظر فَإِن القاضى الْحُسَيْن نقل عَن الشافعى أَنه قَالَ فى الْكِتَابَة وإنى لَا أمتنع عَن كِتَابَة عبد جمع الْقُوَّة وَالْأَمَانَة وَإِنَّمَا استحبه لِلْخُرُوجِ من الْخلاف فَإِن دَاوُد أوجب كِتَابَة من جمع الْقُوَّة على الْكسْب وَالْأَمَانَة من العبيد وَدَاوُد من أهل الظَّاهِر وَقد أَقَامَ الشافعى لخلافه وزنا وَاسْتحبَّ كِتَابَة من ذكره لأجل خِلَافه انْتهى ففهم الطّلبَة مِنْهُ أَن هَذِه الْجُمْلَة كلهَا من نَص الشافعى من قَوْله قَالَ فى الْكِتَابَة إِلَى قَوْله من العبيد وقرءوا إِنَّمَا أستحب لِلْخُرُوجِ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْحَاء فعل مضارع للمتكلم وَلَيْسَت هَذِه الْعبارَة فى النَّص وَلَا يُمكن ذَلِك فَإِن دَاوُد بعد الشافعى وَرَأَيْت بِخَط الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله على حَاشِيَة الْكِفَايَة عِنْد قَوْله وَالْأَمَانَة قبيل قَوْله وَإِنَّمَا اسْتحبَّ مَا نَصه هُنَا انْتهى كَلَام الشافعى وَإِنَّمَا استحبه القاضى الْحُسَيْن وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء فى اسْتحبَّ وَلَا يحسن أَن يُرَاد بِالْخِلَافِ خلاف دَاوُد فَإِن دَاوُد بعد الشافعى وَلَعَلَّ مُرَاد القاضى الْخلاف الذى دَاوُد مُوَافق لَهُ فَلَا يلْزم أَن يكون الشافعى أَقَامَ لخلاف دَاوُد وَحده وزنا انْتهى كَلَام الْوَالِد وَأَقُول من قَوْله قَالَ فى الْكِتَابَة إِلَى وَالْأَمَانَة هُوَ النَّص كَمَا نبه عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 الشَّيْخ الإِمَام وَمن قَوْله وَإِنَّمَا اسْتحبَّ إِلَى قَوْله من العبيد هُوَ كَلَام القَاضِي حُسَيْن وَهُوَ بِفَتْح حاء اسْتحبَّ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْوَالِد وَلَا شكّ أَنه توهم أَن الشافعى رَاعى خلاف دَاوُد فَأجَاب الشَّيْخ الإِمَام عَنهُ بِأَنَّهُ رَاعى الْخلاف الذى دَاوُد مُوَافق لَهُ لَا أَنه نظر فى خُصُوص ذَلِك لعدم إِمْكَان ذَلِك فَإِن دَاوُد مُتَأَخّر عَنهُ وَمن قَوْله وَدَاوُد إِلَى قَوْله لأجل خِلَافه هُوَ كَلَام ابْن الرّفْعَة ذكره كَمَا نرى ردا على الإِمَام فى نَقله أَن الْمُحَقِّقين لَا يُقِيمُونَ لَهُ وزنا فنقضى عَلَيْهِ بِأَن إِمَام الْمُحَقِّقين وَهُوَ الشافعى أَقَامَ لداود وزنا حَيْثُ اعْتبر خِلَافه وَأثبت لأَجله حكما شَرْعِيًّا وَهُوَ اسْتِحْبَاب الْكِتَابَة وَهُوَ أَشد إيهاما إِذْ يكَاد يُصَرح بِأَن الشافعى نظر خلاف دَاوُد بِخُصُوصِهِ وَلابْن الرّفْعَة عذر وَعَن كَلَامه جَوَاب كِلَاهُمَا نبه عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام فى هَذِه الْحَاشِيَة أما عذره فَإِن مُرَاده الْخلاف الذى دَاوُد مُوَافق لَهُ فَصحت نسبته لداود بِهَذَا الِاعْتِبَار وَأما جَوَابه فَإِنَّهُ لَا يكون قد اعْتبر مَذْهَب دَاوُد لخصوصه بل إِنَّمَا اعْتبر مذهبا دَاوُد مُوَافق لَهُ وَالله أعلم وعَلى هَذَا الْحمل قَول ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب فى الْمُصراة قَالَ دَاوُد بِإِثْبَات الْخِيَار فى الْإِبِل وَالْغنم لأجل الْخَبَر وَلم يُثبتهُ فى الْبَقر لعدم وُرُود النَّص فِيهَا ومخالفته هى الَّتِى أحوجت الشافعى إِلَى آخر مَا ذكره فَالْمُرَاد بِهِ مُخَالفَة الْمَذْهَب الذى ذهب إِلَيْهِ دَاوُد وَنَظِيره قَول الإِمَام فى النِّهَايَة فى كتاب اخْتِلَاف الْحُكَّام والشهادات لَا يجب الْإِشْهَاد إِلَّا على عقد النِّكَاح وفى الرّجْعَة قَولَانِ وَأوجب دَاوُد الْإِشْهَاد وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ الشافعى بِأَن قَالَ الله تَعَالَى أثبت الْإِشْهَاد إِلَى آخر مَا ذكره وَقد يُوهم أَن الشافعى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 احْتج على دَاوُد نَفسه وَلَيْسَ كَذَلِك بل مَعْنَاهُ أَنه احْتج على الْمَذْهَب الذى ذهب إِلَيْهِ دَاوُد وَإِلَّا فإمام الْحَرَمَيْنِ لَا يخفى عَلَيْهِ تَأَخّر دَاوُد عَن عصر الشافعى وَقد قَالَ فى النِّهَايَة فى الظِّهَار فى بَاب مَا يُجزئ من الْعُيُون فى الرّقاب بعد مَا حكى أَن دَاوُد قَالَ يُجزئ كل رَقَبَة وَقد قَالَ الشافعى لم أعلم أَن أحدا مِمَّن مضى من أهل الْعلم وَلَا ذكر لى وَلَا بقى أحد إِلَّا يقسم الْعُيُوب يعْنى إِلَى مجزئ وَغير مجزئ قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا دَاوُد نَشأ بعده وعندى أَنه لَو عاصره لما عده من الْعلمَاء انْتهى وَمن مسَائِل دَاوُد الَّتِى خرجها على أصولنا قَالَ أَبُو عَاصِم العبادى من اخْتِيَار أَبى سُلَيْمَان أَنه إِذا قَالَ رجل لامرأتين إِذا ولدتما ولدا فعبدى حر يجب أَن تَلد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ولدا وَهُوَ اخْتِيَار بعض أَصْحَابنَا وَاخْتِيَار المزنى أَيَّتهمَا ولدت عتق وَاخْتِيَار غَيره أَنه محَال قلت قَول المزنى غَرِيب قَالَ أَبُو عَاصِم وَمن اخْتِيَاره أَن الْجُمُعَة تصلى فى مَسَاجِد العشائر كَقَوْل أَبى ثَوْر 63 - سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث بن إِسْحَاق بن بشير بن شَدَّاد بن عَمْرو بن عمرَان الإِمَام الْجَلِيل أَبُو دَاوُد السجستانى الأزدى صَاحب السّنَن من سجستان الإقليم الْمَعْرُوف المتاخم لبلاد الْهِنْد وَوهم ابْن خلكان فَقَالَ سجستان قَرْيَة من قرى الْبَصْرَة الحديث: 63 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 ولد سنة ثِنْتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ سمع من سَعْدَوَيْه وَعَاصِم بن على والقعنبى وَسليمَان بن حَرْب وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم وَعبد الله بن رَجَاء وأبى الْوَلِيد وأبى سَلمَة التبوذكى وَالْحسن بن الرّبيع البورانى وَأحمد بن يُونُس اليربوعى وَصَفوَان بن صَالح وَهِشَام بن عمار وقتيبة بن سعيد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وأبى جَعْفَر النفيلى وَأحمد بن أَبى شُعَيْب وَيزِيد بن عبد ربه وَخلق بالحجاز وَالْعراق وخراسان وَالشَّام ومصر والثغور روى عَنهُ الترمذى والنسائى وَابْنه أَبُو بكر بن أَبى دَاوُد وَأَبُو على اللؤلؤى وَأَبُو بكر بن داسة وَأَبُو سعيد بن الأعرابى وعَلى بن الْحسن بن العَبْد وَأَبُو أُسَامَة مُحَمَّد بن عبد الْملك الرواس وَأَبُو سَالم مُحَمَّد بن سعيد الجلودى وَأَبُو عَمْرو أَحْمد بن على وَهَؤُلَاء السَّبْعَة رووا عَنهُ سنَنه وَلابْن الأعرابى فِيهِ فَوت وَأَبُو عوَانَة الإسفراينى الْحَافِظ وَأَبُو بكر الْخلال وَأَبُو بشر الدولابى وَمُحَمّد بن مخلد وعبدان الأهوازى وزَكَرِيا الساجى وَإِسْمَاعِيل الصفار وَمُحَمّد بن يحيى الصولى وَأَبُو بكر النجاد وَخلق وَكتب عَنهُ الإِمَام أَحْمد حَدِيث العتيرة وَأحمد شَيْخه وَيُقَال إِنَّه عرض عَلَيْهِ كتاب السّنَن فَاسْتَحْسَنَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 قَالَ أَبُو بكر الصغانى أَلين لأبى دَاوُد الحَدِيث كَمَا أَلين لداود عَلَيْهِ السَّلَام الْحَدِيد وَكَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيم الحربى وَقَالَ مُوسَى بن هَارُون الْحَافِظ خلق أَبُو دَاوُد فى الدُّنْيَا للْحَدِيث وفى الْآخِرَة للجنة مَا رَأَيْت أفضل مِنْهُ وَقَالَ أَبُو بكر بن داسة سَمِعت أَبَا دَاوُد يَقُول كتبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة ألف حَدِيث انتخبت مِنْهَا مَا ضمنته كتاب السّنَن جمعت فِيهِ أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث ذكرت الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد بَينته قَالَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله تَعَالَى وَقد وفى بذلك فَإِنَّهُ بَين الضعْف الظَّاهِر وَسكت عَن الضعْف الْمُحْتَمل فَمَا سكت عَنهُ لَا يكون حسنا عِنْده ولابد بل قد يكون مِمَّا فِيهِ ضعف انْتهى وَقَالَ زَكَرِيَّا الساجى كتاب الله أصل الْإِسْلَام وَكتاب أَبى دَاوُد عهد الْإِسْلَام وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن ياسين الهروى فى تَارِيخ هراة أَبُو دَاوُد السجستانى كَانَ أحد حفاظ الْإِسْلَام لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلله وَسَنَده فى أعلا دَرَجَة النّسك والعفاف وَالصَّلَاح والورع من فرسَان الحَدِيث وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَبُو دَاوُد إِمَام أهل الحَدِيث فى عصره بِلَا مدافعة وَقَالَ أَبُو بكر الْخلال أَبُو دَاوُد الإِمَام الْمُقدم فى زَمَانه لم يسْبق إِلَى مَعْرفَته بتخريج الْعُلُوم وبصره بمواضعه رجل ورع مقدم وَقَالَ الخطابى حَدَّثَنى عبد الله بن مُحَمَّد المسكى حَدَّثَنى أَبُو بكر بن جَابر خَادِم أَبى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 دَاوُد قَالَ كنت مَعَ أَبى دَاوُد بِبَغْدَاد فَصليت الْمغرب فجَاء الْأَمِير أَبُو أَحْمد الْمُوفق فَدخل فَأقبل عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَقَالَ مَا جَاءَ بالأمير فى مثل هَذَا الْوَقْت فَقَالَ خلال ثَلَاث قَالَ وَمَا هى قَالَ تنْتَقل إِلَى الْبَصْرَة فتتخذها وطنا لترحل إِلَيْك طلبة الْعلم فتعمر بك فَإِنَّهَا قد خربَتْ وَانْقطع عَنْهَا النَّاس لما جرى عَلَيْهَا من محنة الزنج قَالَ هَذِه وَاحِدَة قَالَ وتروى لأولادى السّنَن فَقَالَ نعم هَات الثَّالِثَة قَالَ وَتفرد لَهُم مَجْلِسا فَإِن أَوْلَاد الْخُلَفَاء لَا يَقْعُدُونَ مَعَ الْعَامَّة قَالَ أما هَذِه فَلَا سَبِيل إِلَيْهَا لِأَن النَّاس فى الْعلم سَوَاء قَالَ ابْن جَابر فَكَانُوا يحْضرُون ويقعدون وَبينهمْ وَبَين الْعَامَّة ستر قَالَ شَيخنَا الذهبى رَحمَه الله تفقه أَبُو دَاوُد بِأَحْمَد بن حنل ولازمه مُدَّة قَالَ وَكَانَ يشبه بِهِ كَمَا كَانَ أَحْمد يشبه بشيخه وَكِيع وَكَانَ وَكِيع يشبه بشيخه سُفْيَان وَكَانَ سُفْيَان يشبه بشيخه مَنْصُور وَكَانَ مَنْصُور يشبه بشيخه إِبْرَاهِيم وَكَانَ إِبْرَاهِيم يشبه بشيخه عَلْقَمَة وَكَانَ عَلْقَمَة يشبه بشيخه عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ قَالَ شَيخنَا الذهبى وروى أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يشبه عبد الله بن مَسْعُود بالنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى هَدْيه ودله قلت أما أَنا فَمن ابْن مَسْعُود أسكت وَلَا أَسْتَطِيع أَن أشبه أحدا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى شئ من الْأَشْيَاء وَلَا أستحسنه وَلَا أجوزه وَغَايَة مَا تسمح بِهِ نفسى أَن أَقُول وَكَانَ عبد الله يقْتَدى برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا تنتهى إِلَيْهِ قدرته وموهبته من الله عز وَجل لَا فى كل مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن ذَلِك لَيْسَ لِابْنِ مَسْعُود وَلَا للصديق وَلَا لمن اتَّخذهُ الله خَلِيلًا حشرنا الله فى زمرتهم توفى أَبُو دَاوُد فى سادس عشر شَوَّال سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 64 - عَبْدَانِ بن مُحَمَّد بن عِيسَى الإِمَام الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد المروزى الزَّاهِد الجنوجردى وجنوجرد بِضَم الْجِيم وَالنُّون ثمَّ وَاو سَاكِنة ثمَّ جِيم مَكْسُورَة ثمَّ رَاء سَاكِنة ثمَّ دَال مُهْملَة قَرْيَة من قرى مرو كَانَ إِمَام أَصْحَاب الحَدِيث فى عصره بمرو وَهُوَ الذى أظهر بهَا مَذْهَب الشافعى وَعَلِيهِ تفقه أَبُو إِسْحَاق المروزى سمع قُتَيْبَة بن سعيد وعَلى بن حجر وَأَبا كريب وَبُنْدَار وَجُوَيْرِية وَالربيع المرادى وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود الجحدرى وَعبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء وَعبد الله بن مُنِير وَطَائِفَة بخراسان وَالْعراق والحجاز روى عَنهُ عمر بن علك وَأَبُو الْعَبَّاس الدغولى وَأَبُو حَامِد بن الشرقى وَأَبُو الْقَاسِم الطبرانى وَآخَرُونَ رَحل إِلَى مصر وتفقه على أَصْحَاب الشافعى وبرع فى الْمَذْهَب وَكَانَ يضْرب الْمثل باسمه فى الْحِفْظ والزهد وَكَانَ مُقيما بمرو وَإِلَيْهِ مرجع الْفَتْوَى بهَا بعد أَحْمد بن سيار صنف الْمُوَطَّأ وَغير ذَلِك قَالَ فِيهِ أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ وَالِد الْحَافِظ أبي سعد إِنَّه الإِمَام الزَّاهِد الْحَافِظ إِمَام أَصْحَاب الحَدِيث فى عصره بمرو وَهُوَ أول من حمل مُخْتَصر المزنى إِلَى مرو وَقَرَأَ علم الشافعى على المزنى وَالربيع وَكَانَ فَقِيها حَافِظًا للْحَدِيث وَبِسَنَد أبي بكر بن السمعانى أَنه لما خرج إِلَى الْحَج وَبلغ نيسابور أَخذ مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة ينفذ إِلَيْهِ برقاع الْفَتَاوَى وَيَقُول أَنا لَا أفتى ببلدة أستاذى فِيهَا الحديث: 64 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 قَالَ أَبُو بكر بن السمعانى وَمِمَّنْ تخرج على عَبْدَانِ فى الْفِقْه من المراوزة أَبُو بكر ابْن مُحَمَّد بن مَحْمُود المحمودى وَأَبُو الْعَبَّاس السيارى وَأَبُو إِسْحَاق الخالداباذى الْمَعْرُوف بالمروزى صَاحب الشَّرْح وبإسناده عَن بعض الْمَشَايِخ اجْتمع فى عَبْدَانِ أَرْبَعَة أَنْوَاع من المناقب الْفِقْه والإسناد والورع وَالِاجْتِهَاد انْتهى قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا نعيم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الغفارى بمرو يَقُول سَمِعت عَبْدَانِ بن مُحَمَّد الْحفاظ يَقُول ولدت سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ لَيْلَة عَرَفَة فى ذى الْحجَّة قَالَ أَبُو سعد بن السمعانى اسْم عَبْدَانِ عبيد الله وَإِن عَبْدَانِ لقب قَالَ وعبدان هُوَ الذى أظهر مَذْهَب الشافعى بمرو بعد أَحْمد بن سيار فَإِن أَحْمد بن سيار حمل كتب الشافعى إِلَى مرو وأعجب بهَا النَّاس فَنظر فى بَعْضهَا عَبْدَانِ وَأَرَادَ أَن ينسخها فَمنعهَا أَحْمد بن سيار عَنهُ فَبَاعَ ضَيْعَة لَهُ بجنوجرد وَخرج إِلَى مصر وَأدْركَ الرّبيع وَغَيره من أَصْحَاب الشافعى وَنسخ كتبه وَأدْركَ من الْمَشَايِخ وَالْفُقَهَاء مَا لم يدْرك غَيره وَحمل عَنْهُم ورحل إِلَى الشَّام وَالْعراق وَكتب عَن أهل مصر وَرجع إِلَى مرو وَكَانَ أَحْمد بن سيار فى الْأَحْيَاء فَدخل عَلَيْهِ مُسلما ومهنئا بالقدوم فَاعْتَذر أَحْمد بن سيار من منع الْكتب عَنهُ فَقَالَ عَبْدَانِ لَا تعتذر فَإِن لَك منَّة على فى ذَلِك وَذَلِكَ أَنَّك لَو دفعت إِلَى الْكتب كنت اقتصرت على ذَلِك وَمَا كنت أخرج إِلَى مصر وَلَا كنت أدْرك أَصْحَاب الشافعى ففرح بذلك أَحْمد بن سيار قَالَ أَبُو نعيم توفى عَبْدَانِ لَيْلَة عَرَفَة أَيْضا فى ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ قلت صَحَّ كَذَا مولده لَيْلَة عَرَفَة ووفاته لَيْلَة عَرَفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 65 - عبد الله بن سعيد وَيُقَال عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد بن كلاب الْقطَّان أحد أَئِمَّة الْمُتَكَلِّمين وكلاب مثل خطَّاف لفظا وَمعنى بِضَم الْكَاف وَتَشْديد اللَّام لقب بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ لقُوته فى المناظرة يجتذب من يناظره كَمَا يجتذب الْكلاب الشئ فَإِن قلت كَيفَ قيل ابْن كلاب وَهُوَ على هَذَا كلاب لَا ابْن كلاب قلت كَمَا يُقَال ابْن بجدة الشئ وَأَبُو عذرته وأنحاء ذَلِك ذكره أَبُو عَاصِم العبادى فى طبقَة أَبى بكر الصيرفى وَلم يزدْ على أَنه من الْمُتَكَلِّمين وَذكره ابْن النجار فى تَارِيخ بَغْدَاد ذكر من لَا يعرف حَاله فَقَالَ ذكره مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق النديم فى كتاب الفهرست وَقَالَ إِنَّه من أَئِمَّة الحشوية وَله مَعَ عباد بن سُلَيْمَان مناظرات وَكَانَ يَقُول إِن كَلَام الله هُوَ الله وَكَانَ عباد يَقُول إِنَّه نصرانى بِهَذَا القَوْل ثمَّ ذكر كلَاما قبيحا ثمَّ ذكر ابْن النجار بِإِسْنَادِهِ حِكَايَة طَوِيلَة بَين ابْن كلاب وَالشَّيْخ الْجُنَيْد رَحمَه الله زعم أَنَّهَا اتّفقت بَينهمَا شبه المناظرة وَرَأَيْت بِخَط شَيخنَا الذهبى على حَاشِيَة كتاب ابْن النجار بِإِزَاءِ هَذِه الْحِكَايَة مَا نَصه لَا يَصح فَإِن ابْن كلاب لَهُ ذكر فى زمَان أَحْمد بن حَنْبَل فَكيف يتم لَهُ هَذَا مَعَ الْجُنَيْد انْتهى وَالْأَمر كَمَا قَالَ ووفاة ابْن كلاب فِيمَا يظْهر بعد الْأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ بِقَلِيل وَلَيْسَ مَا ذكره ابْن النجار من شَأْنه وَلَا هُوَ من أهل هَذِه الصِّنَاعَة فَمَاله وَلها وَأما مُحَمَّد بن إِسْحَاق النديم فقد كَانَ فِيمَا أَحسب معتزليا وَله بعض الْمَسِيس بصناعة الْكَلَام وَعباد بن سُلَيْمَان من رُءُوس الاعتزال فَإِنَّمَا يذكر مَا يذكرهُ تشنيعا على ابْن الحديث: 65 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 كلاب وَابْن كلاب على كل حَال من أهل السّنة وَلَا يَقُول هُوَ وَلَا غَيره مِمَّن لَهُ أدنى تَمْيِيز إِن كَلَام الله هُوَ الله إِنَّمَا ابْن كلاب مَعَ أهل السّنة فى أَن صِفَات الذَّات لَيست هى الذَّات وَلَا غَيرهَا ثمَّ زَاد هُوَ وَأَبُو الْعَبَّاس القلانسى على سَائِر أهل السّنة فذهبا إِلَى أَن كَلَامه تَعَالَى لَا يَتَّصِف بِالْأَمر والنهى وَالْخَبَر فى الْأَزَل لحدوث هَذِه الْأُمُور وَقدم الْكَلَام النفسى وَإِنَّمَا يَتَّصِف بذلك فِيمَا لَا يزَال فألزمهما أَئِمَّتنَا أَن يكون الْقدر الْمُشْتَرك مَوْجُودا بِغَيْر وَاحِد من خصوصياته فَهَذِهِ هى مقَالَة ابْن كلاب الَّتِى ألزمهُ فِيهَا أَصْحَابنَا وجود الْجِنْس دون النَّوْع وَهُوَ غير مَعْقُول وهى الَّتِى لَعَلَّ عبادا قَالَ لَهُ فِيهَا مَا قَالَ مَعَ أَن مَا قَالَه عباد لَا يلْزمه وَإِنَّمَا عباد يَقُول ذَلِك كَمَا يَقُول سَائِر الْمُعْتَزلَة للصفاتية أعنى مثبتى الصِّفَات لقد كفرت النَّصَارَى بِثَلَاث وكفرتم بِسبع وَهُوَ تشنيع من سُفَهَاء الْمُعْتَزلَة على الصفاتية مَا كفرت الصفاتية وَلَا أشركت وَإِنَّمَا وحدت وأثبتت صِفَات قديم وَاحِد بِخِلَاف النَّصَارَى فَإِنَّهُم أثبتوا قدما فَأنى يستويان أَو يتقاربان وَرَأَيْت الإِمَام ضِيَاء الدّين الْخَطِيب وَالِد الإِمَام فَخر الدّين الرازى قد ذكر عبد الله ابْن سعيد فى آخر كِتَابه غَايَة المرام فى علم الْكَلَام فَقَالَ وَمن متكلمى أهل السّنة فى أَيَّام الْمَأْمُون عبد الله بن سعيد التميمى الذى دمر الْمُعْتَزلَة فى مجْلِس الْمَأْمُون وَفَضَحَهُمْ ببيانه وَهُوَ أَخُو يحيى بن سعيد الْقطَّان وَارِث علم الحَدِيث وَصَاحب الْجرْح وَالتَّعْدِيل انْتهى وكشفت عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان هَل لَهُ أَخ اسْمه عبد الله فَلم أتحقق إِلَى الْآن شَيْئا وَإِن تحققت شَيْئا ألحقته إِن شَاءَ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 66 - عُثْمَان بن سعيد بن بشار أَبُو الْقَاسِم الأنماطى الْأَحول صَاحب المزنى وَالربيع وَقد وهم العبادى فى كِتَابه فَزعم أَنه الحكم بن عَمْرو وَأَن لِأَصْحَابِنَا آخر يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن بشار وَلَيْسَ بأبى الْقَاسِم قَالَ ابْن الصّلاح وَأَحْسبهُ مر بِهِ ذكر أَبى الْقَاسِم الحكم بن عَمْرو من رُوَاة الحَدِيث فَاعْتقد أَنه صاحبنا قَالَ الْخَطِيب أَبُو الْقَاسِم الْأَحول الأنماطى كَانَ أحد الْفُقَهَاء على مَذْهَب الشافعى وَحدث عَن المزنى وَالربيع روى عَنهُ أَبُو بكر الشافعى وروى أَن ابْن المنادى قَالَ كَانَ للنَّاس فِيهِ مَنْفَعَة قلت هُوَ الذى اشتهرت بِهِ كتب الشافعى بِبَغْدَاد وَعَلِيهِ تفقه شيخ الْمَذْهَب أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج قَالَ أَبُو عَاصِم الأنماطى لأهل بَغْدَاد كأبى بكر بن إِسْحَاق لأهل نيسابور فَإِنَّهُ أول من حمل إِلَيْهَا علم المزنى قلت كَأَنَّهُ أَرَادَ مشابهته لأبى بكر بن إِسْحَاق فى هَذَا الْقدر وَإِلَّا فَابْن إِسْحَاق أجل قدرا وَأَرْفَع خطرا وأوسع علما فِيمَا يظْهر لنا نعم للأنماطى جلالة بِمن أَخذ عَنهُ فقد حمل عَنهُ الْعلم أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج وَأَبُو سعيد الإصطخرى وَأَبُو على ابْن خيران وَمَنْصُور التميمى وَأَبُو حَفْص بن الْوَكِيل البابشامى وَهَذِه الطَّبَقَة الْعليا وَلم يحصل لأبى بكر بن إِسْحَاق مثل هَؤُلَاءِ التلامذة الحديث: 66 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 مَاتَ الأنماطى فى شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَحكى أَن أَبَا سعيد الإصطخرى سَأَلَ الأنماطى فَقَالَ لَهُ النَّص آكِد أم الِاجْتِهَاد فَقَالَ النَّص فَقَالَ أليسى قد نَص النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الشّعير وَلم ينص على الْبر أَفَرَأَيْت لَو كَانَ قوته برا أَيجوزُ لَهُ إِخْرَاج الشّعير فَقَالَ لَا يجوز ذَلِك فَقَالَ قد قدمت الِاجْتِهَاد على النَّص فَدخل ابْن سُرَيج فَأخْبرهُ بِمَا جرى فَقَالَ إِن النَّص يقدم على اجْتِهَاد مُحْتَمل فَأَما إِذا كَانَ مَا وَقع عَلَيْهِ النَّص تَنْبِيها على مَا هُوَ أَعلَى قدم عَلَيْهِ كالضرب مَعَ التأفيف كَذَلِك قصد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك إِلَى بَيَان مَا يلْزمهُم أَن يخرجُوا فى يَوْم الْفطر وَجعل ذَلِك قوتا فَإِذا اقتات الْإِنْسَان برا لم يجز لَهُ أَن يخرج شَعِيرًا بِخِلَاف الْعَكْس لِأَنَّهُ أَعلَى مِنْهُ 67 - عُثْمَان بن سعيد بن خَالِد بن سعيد السجستانى الْحَافِظ أَبُو سعيد الدارمى مُحدث هراة وَأحد الْأَعْلَام الثِّقَات وَمن ذكره العبادى فى الطَّبَقَات قَائِلا الإِمَام فى الحَدِيث وَالْفِقْه أَخذ الْأَدَب عَن ابْن الأعرابى وَالْفِقْه عَن البويطى والْحَدِيث عَن يحيى بن معِين قلت كَانَ الدارمى وَاسع الرحلة طوف الأقاليم ولقى الْكِبَار الحديث: 67 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 سمع أَبَا الْيَمَان الحمصى وَيحيى الوحاظى وحيوة بن شُرَيْح بحمص وَسَعِيد بن أَبى مَرْيَم وَعبد الْغفار بن دَاوُد الحرانى ونعيم بن حَمَّاد وطبقتهم بِمصْر وَسليمَان بن حَرْب ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل التبوذكى وخلقا بالعراق وَهِشَام بن عمار وَطَائِفَة بِدِمَشْق روى عَنهُ أَبُو عَمْرو أَحْمد بن مُحَمَّد بن الحيرى ومؤمل بن الْحسن الماسرجسى وَأحمد بن مُحَمَّد الأزهرى وَأَبُو النَّضر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطوسى الْفَقِيه وحامد الرفا وَأحمد بن مُحَمَّد بن عَبدُوس الطرائفى وَخلق وَمن مشايخه فى الحَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل وعَلى بن المدينى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَيحيى بن معِين وَشَيْخه فى الْفِقْه البويطى قَالَ أَبُو الْفضل يَعْقُوب الهروى القراب مَا رَأينَا مثل عُثْمَان بن سعيد وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه وَعَن عُثْمَان الدارمى من لم يجمع حَدِيث شُعْبَة وسُفْيَان وَمَالك وَحَمَّاد بن زيد وَابْن عُيَيْنَة فَهُوَ مُفلس فى الحَدِيث يَعْنِي أَنه مَا بلغ رُتْبَة الْحفاظ فى الْعلم قَالَ شَيخنَا الذهبى وَلَا ريب أَن من حصل علم هَؤُلَاءِ وأحاط بمروياتهم فقد حصل على ثلثى السّنة أَو نَحْوهَا توفى الدارمى رَحمَه الله فى ذى الْحجَّة سنة ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ الذهبى وَوهم من قَالَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 وللدارمى كتاب فى الرَّد على الْجَهْمِية وَكتاب فى الرَّد على بشر المريسى ومسند كَبِير وَهُوَ الذى قَامَ على مُحَمَّد بن كرام الذى تنْسب إِلَيْهِ الكرامية وطردوه عَن هراة وَكَانَ من خبر ابْن كرام هَذَا وَهُوَ شيخ سجستانى مجسم أَنه سمع يَسِيرا من الحَدِيث وَنَشَأ بسجستان ثمَّ دخل خُرَاسَان وَأكْثر الِاخْتِلَاف إِلَى أَحْمد بن حَرْب الزَّاهِد ثمَّ جاور بِمَكَّة خمس سِنِين ثمَّ ورد نيسابور وَانْصَرف مِنْهَا إِلَى سجستان وَبَاعَ مَا كَانَ يملكهُ وَعَاد إِلَى نيسابور وباح بالتجسيم وَقَالَ إِن الْإِيمَان بالْقَوْل كَاف وَإِن لم يكن مَعَه معرفَة بِالْقَلْبِ وَكَانَ من إِظْهَار التنسك والتأله والتعبد والتقشف على جَانب عَظِيم فافترق النَّاس فِيهِ على قَوْلَيْنِ مِنْهُم المعتقد وَمِنْهُم المنتقد وعقدت لَهُ مجَالِس سُئِلَ فِيهَا عَمَّا يَقُوله فَكَانَ جَوَابه أَنه إلهام يلهمه الله ثمَّ إِن الْأَمِير مُحَمَّد بن طَاهِر بن عبيد الله بن طَاهِر حَبسه بنيسابور مُدَّة قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَكَانَ يغْتَسل كل يَوْم جُمُعَة ويتأهب لِلْخُرُوجِ إِلَى الْجَامِع ثمَّ يَقُول للسجان أتأذن لى فى الْخُرُوج فَيَقُول لَا فَيَقُول اللَّهُمَّ إنى بذلت مجهودى وَالْمَنْع من غيرى ثمَّ إِنَّه أخرج من نيسابور فى سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ بعد أَن مكث بالسجن ثَمَان سِنِين وَتوفى بِبَيْت الْمُقَدّس سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَقيل توفى بزغر وَحمل إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ الْحَاكِم لقد بلغنى أَنه كَانَ مَعَه جمَاعَة من الْفُقَرَاء وَكَانَ لِبَاسه مسك ضَأْن مدبوغ غير مخيط وعَلى رَأسه قلنسوة بَيْضَاء وَقد نصب لَهُ دكان من لبن وَكَانَ يطْرَح لَهُ قِطْعَة فرو فيجلس عَلَيْهَا فيعظ وَيذكر وَيحدث قَالَ وَقد أثنى عَلَيْهِ فِيمَا بلغنى ابْن خُزَيْمَة وَاجْتمعَ بِهِ غير مرّة وَكَذَلِكَ أَبُو سعيد عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن الْحَاكِم وهما إِمَامًا الْفَرِيقَيْنِ قلت يعْنى الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس السراج شهِدت أَبَا عبد الله البخارى وَدفع إِلَيْهِ كتاب من مُحَمَّد بن كرام سَأَلَهُ عَن أَحَادِيث مِنْهَا الزهرى عَن سَالم عَن أَبِيه رَفعه الْإِيمَان لَا يزِيد وَلَا ينقص فَكتب على ظهر كِتَابه من حدث بِهَذَا اسْتوْجبَ الضَّرْب الشَّديد وَالْحَبْس الطَّوِيل قلت وَصَاحب سجستان هُوَ الذى نَفَاهُ وَلم يكن قصد الساعين عَلَيْهِ إِلَّا إِرَاقَة دَمه وَإِنَّمَا صَاحب سجستان هاب قَتله لما رأى عَلَيْهِ من مخايل الْعِبَادَة والتقشف وَلَقَد افْتتن بِهِ خلق كثير وَهُوَ عندنَا فى مَكَان الْمَشِيئَة لله أَن يغْفر لَهُ وَأَن يؤاخذه فَإِنَّهُ مُبْتَدع لَا محَالة وَاعْلَم أَن كراما على مَا هُوَ الْمَشْهُور بتَشْديد الرَّاء ورأيتها كَذَلِك مضبوطة بِخَط شَيخنَا الذهبى وَكنت أسمع الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يحْكى أَن الشَّيْخ صدر الدّين ابْن المرحل قَرَأَ مرّة بِحَضْرَة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر جُزْءا وَفِيه ذكر مُحَمَّد بن كرام فَقَالَ كرام وخفف لَهُ الرَّاء فَرد عَلَيْهِ بعض الْحَاضِرين فَقَالَ لَا إِنَّمَا هُوَ بِالتَّخْفِيفِ فقد قَالَ الشَّاعِر (الرأى رأى أَبى حنيفَة وَحده ... وَالدّين دين مُحَمَّد بن كرام) قَالَ الْوَالِد فَظن الْحَاضِرُونَ أَن الشَّيْخ صدر الدّين وضع هَذَا الْبَيْت على البديهة وَأَنه لَا أصل لَهُ هَذَا مَا كَانَ يحكيه لنا الْوَالِد ثمَّ رَأَيْت أَنا بِخَط الشَّيْخ تقى الدّين ابْن الصّلاح فى مجاميعه أَن مُحَمَّد بن كرام بِالتَّخْفِيفِ وَأَن أَبَا الْفَتْح البستى أنْشد (إِن الَّذين نجلهم لم يتقدوا ... بِمُحَمد بن كرام غير كرام) (الرأى رأى أَبى حنيفَة وَحده ... وَالدّين دين مُحَمَّد بن كرام) فَأريت ذَلِك للوالد فأعجبه وسر بِهِ سُرُورًا كثيرا ثمَّ رَأَيْت هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بعينهما منسوبين إِلَى قائلهما البستى فى كتاب اليمينى فى سيرة السُّلْطَان يَمِين الدولة مَحْمُود بن سبكتكين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 وَمن غرائب أَبى سعيد الدارمى وفوائده قَالَ أَبُو عَاصِم إِن أَبَا سعيد ذهب إِلَى أَن الثَّعْلَب حرَام أكله وروى فِيهِ خَبرا قَالَ وروى عَن بُرَيْدَة بن سُفْيَان أَن أهل مَكَّة وَالْمَدينَة يسمون النَّبِيذ خمرًا وَهَكَذَا رَوَاهُ على بن عبد الله المدينى انْتهى قلت قَوْله بِتَحْرِيم الثَّعْلَب // غَرِيب // وَالْخَبَر الذى أَشَارَ إِلَيْهِ أوردهُ عُثْمَان بن سعيد الْمَذْكُور فى كتاب الْأَطْعِمَة من تأليفه وَلَفظه عَن عبد الرَّحْمَن السلمى قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا تَقول فى الذِّئْب قَالَ وَيَأْكُل ذَلِك أحد قلت يَا رَسُول الله مَا تَقول فى الثَّعْلَب قَالَ وَيَأْكُل ذَلِك أحد قَالَ أَبُو سعيد وَهَذَا الْإِسْنَاد لَيْسَ بِذَاكَ القوى غير أَن الذِّئْب والثعلب دخلا فى نهى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كل ذى نَاب من السبَاع فلأجل ذَلِك لَا يجوز أكلهما 68 - عَسْكَر بن الْحصين وَقيل عَسْكَر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الشَّيْخ أَبُو تُرَاب النخشبى بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْخَاء وَفتح الشين المعجمتين وفى آخرهَا الْبَاء الْمُوَحدَة نسية إِلَى نخشب بَلْدَة من بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر عربت فَقيل لَهَا نسف كَانَ شيخ عصره بِلَا مدافعة جمع بَين الْعلم وَالدّين زاهدا ورعا متقشفا متقللا متوكلا متبتلا الحديث: 68 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 صحب حاتما الْأَصَم إِلَى أَن مَاتَ وَخرج إِلَى الشَّام وَكتب الْكثير من الحَدِيث وَنظر فى كتب الشافعى وتفقه على مذْهبه وَحدث عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير ونعيم بن حَمَّاد وَأحمد بن نصر النيسابورى وَغَيرهم روى عَنهُ أَحْمد بن الْجلاء وَأَبُو بكر بن أَبى عَاصِم وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَآخَرُونَ قَالَ الدقى فِيمَا رَوَاهُ الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ سَمِعت أَبَا عبد الله بن الْجلاء يَقُول لقِيت سِتّمائَة شيخ مَا رَأَيْت فيهم مثل أَرْبَعَة أَوَّلهمْ أَبُو تُرَاب قَالَ ابْن الصّلاح وَالثَّلَاثَة الْآخرُونَ أَبوهُ يحيى الْجلاء وَأَبُو عبيد البسرى وَذُو النُّون المصرى رضى الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وروى الْخَطِيب أَن أَبَا تُرَاب قَالَ مَا تمنت على نفسى قطّ إِلَّا مرّة تمنت على خبْزًا وبيضا وَأَنا فى سفرة فعدلت من الطَّرِيق إِلَى قَرْيَة فَلَمَّا دخلت وثب إِلَى رجل فَتعلق بى وَقَالَ إِن هَذَا كَانَ مَعَ اللُّصُوص قَالَ فبطحونى فضربونى سبعين جلدَة فَوقف علينا رجل فَصَرَخَ هَذَا أَبُو تُرَاب فأقامونى وَاعْتَذَرُوا إِلَى وأدخلنى الرجل منزله وَقدم إِلَى خبْزًا وبيضا فَقلت كلهما بعد سبعين جلدَة وروى بِسَنَدِهِ إِلَى أَبى عبد الله ابْن الْجلاء قَالَ قدم أَبُو تُرَاب مرّة مَكَّة فَقلت لَهُ يَا أستاذ أَيْن أكلت فَقَالَ جِئْت بفضولك أكلت أَكلَة بِالْبَصْرَةِ وأكلة بالنباج وأكلة عنْدكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا إِلَى أَبى تُرَاب قَالَ وقفت خمْسا وَخمسين وَقْفَة فَلَمَّا كَانَ من قَابل رَأَيْت النَّاس بِعَرَفَات مَا رَأَيْت قطّ أَكثر مِنْهُم وَلَا أَكثر خشوعا وتضرعا فأعجبنى ذَلِك فَقلت اللَّهُمَّ من لم تتقبل حجَّته من هَذَا الْخلق فَاجْعَلْ ثَوَاب حجتى لَهُ وأفضنا من عَرَفَات وبتنا بِجمع فَرَأَيْت فى الْمَنَام هاتفا يَهْتِف بى تتسخى علينا وَأَنا أسخى الأسخياء وعزتى وجلالى مَا وقف هَذَا الْموقف أحد قطّ إِلَّا غفرت لَهُ فانتبهت فَرحا بِهَذِهِ الرُّؤْيَا فَرَأَيْت يحيى بن معَاذ الرازى وقصصت عَلَيْهِ الرُّؤْيَا فَقَالَ إِن صدقت رُؤْيَاك فَإنَّك تعيش أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ الراوى فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد وَأَرْبَعين جَاءُوا إِلَى يحيى بن معَاذ الرازى فَقَالُوا إِن أَبَا تُرَاب مَاتَ فَغسله وكفنه وَعَن يُوسُف بن الْحُسَيْن كنت مَعَ أَبى تُرَاب بِمَكَّة فَقَالَ أحتاج إِلَى كيس دَرَاهِم فَإِذا رجل قد صب فى حجره كيس دَرَاهِم فَجعل يفرقها على من حوله وَكَانَ فيهم فَقير يتَرَاءَى لَهُ أَن يُعْطِيهِ شَيْئا فَمَا أعطَاهُ شَيْئا فنفدت الدَّرَاهِم وَبقيت أَنا وَأَبُو تُرَاب وَالْفَقِير فَقَالَ لَهُ تراءيت لَك غير مرّة فَلم تعطنى شَيْئا فَقَالَ لَهُ أَنْت لَا تعرف الْمُعْطى وَعَن يُوسُف بن الْحُسَيْن صَحِبت أَبَا تُرَاب النخشبى خمس سِنِين وَحَجَجْت مَعَه على غيرطريق الجادة وَرَأَيْت مِنْهُ فى السّفر عجائب يقصرلسانى عَن شرح جَمِيعهَا غير أَنا كُنَّا مارين فَنظر إِلَى يَوْمًا وَأَنا جَائِع وَقد تورمت رجلاى وَأَنا أمشى بِجهْد فَقَالَ لى مَالك لَعَلَّك جعت قلت نعم قَالَ ولعلك أَسَأْت الظَّن بِرَبِّك قلت نعم قَالَ ارْجع إِلَى رَبك قلت وَأَيْنَ هُوَ قَالَ حَيْثُ خلفته فَقلت هُوَ معى فَقَالَ إِن كنت صَادِقا فَمَا هَذَا الْهم الذى أرى عَلَيْك قَالَ فَرَأَيْت الورم قد سكن والجوع قد ذهب ونشطت حَتَّى كدت أسبقه قَالَ أَبُو تُرَاب اللَّهُمَّ إِن عَبدك قد أقرّ لَك بالآفة فأطعمه وَنحن بَين جبال لَيْسَ فِيهَا مَخْلُوق فَانْتَهَيْنَا إِلَى رابية فَإِذا كوز مَاء ورغيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 مَوْضُوع فَقَالَ لى أَبُو تُرَاب دُونك دُونك فَجَلَست وأكلت وَقلت لَهُ ليش مَا تَأْكُل أَنْت قَالَ يَأْكُل من اشتهاه أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن حَمَّاد العسقلانى وَإِبْرَاهِيم بن حمد بن كَامِل المقدسى سَمَاعا قَالَا أخبرنَا عبد الْعَزِيز بن منينا وَابْن سكينَة إجَازَة قَالَا أخبرنَا مُحَمَّد ابْن عبد الباقى الأنصارى القاضى أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ أخبرنى عبيد الله ابْن أَحْمد الصيرفى حَدثنَا أَبُو الْفضل الزهرى حَدَّثَنى أَبُو الطّيب أَحْمد بن جَعْفَر الْحذاء قَالَ سَمِعت أَبَا على الْحُسَيْن بن خيران الْفَقِيه قَالَ مر أَبُو تُرَاب النخشبى بمزين فَقَالَ لَهُ تحلق رأسى لله عز وَجل فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ فَجَلَسَ فَبينا هُوَ يحلق رَأسه مر بِهِ أَمِير من أهل بَلَده فَسَأَلَ حَاشِيَته فَقَالَ لَهُم أَلَيْسَ هَذَا أَبَا تُرَاب فَقَالُوا نعم فَقَالَ أيش مَعكُمْ من الدَّنَانِير فَقَالَ لَهُ رجل من خاصته معى خريطة فِيهَا ألف دِينَار فَقَالَ إِذا قَامَ فأعطه إِيَّاهَا وَاعْتذر إِلَيْهِ وَقل لَهُ لم يكن مَعنا غير هَذِه فجَاء الْغُلَام إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ إِن الْأَمِير يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَقَالَ لَك مَا حضر مَعنا غير هَذِه فَقَالَ لَهُ ادفعها إِلَى المزين فَقَالَ المزين أيش أعمل بهَا فَقَالَ خُذْهَا فَقَالَ وَالله وَلَو أَنَّهَا ألفا دِينَار مَا أَخَذتهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو تُرَاب مر إِلَيْهِ فَقل لَهُ إِن المزين مَا أَخذهَا فَخذهَا أَنْت فاصرفها فى مهماتك قلت سقنا هَذِه الْحِكَايَة بالسند لما فِيهَا من جليل الْفَوَائِد فَمِنْهَا حَال هَذَا المزين وَعدم أَخذه الْعِوَض على عمل عمله لله تَعَالَى فَأرى الله أَبَا تُرَاب خلقا من خلقه مزينا بِهَذِهِ الصّفة وَمِنْهَا رد أَبى تُرَاب هَذَا الذَّهَب على هَذَا الْوَجْه فَإِن أَبَا تُرَاب إِن كَانَ عرف أَن هَذَا المزين لَا يَأْخُذهَا فَلَعَلَّهُ دَفعهَا إِلَيْهِ ليردها فيراه غُلَام ذَلِك الْأَمِير وَيعرف ويحكى لأستاذه أَن مزين أَبى تُرَاب لَا يرضى أَن يَأْخُذ ألف دِينَار على هَذَا الْعَمَل الْيَسِير فَمَا الظَّن بأبى تُرَاب وإعراضه عَن الدُّنْيَا وَإِن كَانَ أَبُو تُرَاب لم يعرف حَال المزين وَذَلِكَ بعيد عندنَا فَيكون رد المزين لَهَا تعريفا من الله لأبى تُرَاب بِمِقْدَار هَذَا المزين وتربية أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 لهَذَا الْأَمِير وسلوكا لأحسن طَرِيق فى رد ذهبه عَلَيْهِ وَأَنه أحْوج من أَبى تُرَاب إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يبْذل مثله لمزين ومزين أَبى تُرَاب لَا يرضى بمثليه وَلَا بأمثاله توفى أَبُو تُرَاب بالبادية قيل نهشته السبَاع وَقد قدمنَا أَن يحيى بن معَاذ تولى غسله فَلَعَلَّهُ اطلع على مَكَانَهُ وَكَانَت وَفَاة أَبى تُرَاب سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ قَالَ أَبُو عمرَان الإصطخرى رَأَيْته فى الْبَادِيَة قَائِما مَيتا لَا يمسِكهُ شىء وَمن الْفَوَائِد عَن أَبى تُرَاب رَحمَه الله تَعَالَى سُئِلَ أَبُو تُرَاب عَن صفة الْعَارِف فَقَالَ الذى لَا يكدره شىء ويصفو بِهِ كل شىء وَقَالَ أَبُو تُرَاب الْفَقِير قوته مَا وجد ولباسه مَا ستر ومسكنه حَيْثُ نزل وَقَالَ إِن الله ينْطق الْعلمَاء فى كل زمَان بِمَا يشاكل أَعمال أهل ذَلِك الزَّمَان وَقَالَ من شغل مَشْغُولًا بِاللَّه عَن الله أدْركهُ المقت من سَاعَته وَقَالَ شَرط التَّوَكُّل طرح الْبدن فى الْعُبُودِيَّة وَتعلق الْقلب بالربوبية والطمأنينة إِلَى الْكِفَايَة فَإِن أعْطى شكر وَإِن منع صَبر وَلَيْسَ ينَال الرِّضَا من للدنيا فى قلبه مِقْدَار وَقَالَ صَحِبت مائَة شيخ مَا نفعنى مثل شدّ رَأس الجراب يعْنى القناعة والتقلل من الدُّنْيَا وَقَالَ إِذا رَأَيْت الصوفى سَافر بِلَا ركوة فَاعْلَم أَنه عزم على ترك الصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 حِكَايَة تشْتَمل على تَحْقِيق التجلى قَالَ القاضى نَاصِر الدّين بن الْمُنِير المالكى فى كِتَابه المقتفى وفى الْحِكَايَة الْمُدَوَّنَة فى كتب أهل الطَّرِيق أَن أَبَا تُرَاب النخشبى كَانَ لَهُ تلميذ وَكَانَ الشَّيْخ يرفق بِهِ ويتفرس فِيهِ الْخَيْر وَكَانَ أَبُو تُرَاب كثيرا مَا يذكر أَبَا يزِيد البسطامى فَقَالَ لَهُ الْفَتى يَوْمًا لقد أكثرت من ذكر أَبى يزِيد من يتجلى لَهُ الْحق فى كل يَوْم مَرَّات مَاذَا يصنع بأبى يزِيد فَقَالَ لَهُ أَبُو تُرَاب وَيحك يَا فَتى لَو رَأَيْت أَبَا يزِيد لرأيت مرأى عَظِيما فَلم يزل يشوقه إِلَى لِقَائِه حَتَّى عزم على ذَلِك فى صُحْبَة الشَّيْخ أَبى تُرَاب فارتحلا إِلَى أَبى يزِيد فَقيل لَهما إِنَّه فى الغيضة وَكَانَت لَهُ غيضة يأوى إِلَيْهَا مَعَ السبَاع فقصدا الغيضة وجلسا على ربوة على ممر أَبى يزِيد فَلَمَّا خرج أَبُو يزِيد من الغيضة قَالَ أَبُو تُرَاب للفتى هَذَا أَبُو يزِيد فعندما وَقع بصر الْفَتى على أَبى يزِيد خر مَيتا فَحدث أَبُو تُرَاب أَبَا يزِيد بِقِصَّتِهِ وَعجب من ثُبُوته لتجلى الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعدم تماسكه لرؤية أَبى يزِيد فَقَالَ أَبُو يزِيد لأبى تُرَاب كَانَ هَذَا الْفَتى صَادِقا وَكَانَ الْحق يتجلى لَهُ على قدر مَا عِنْده فَلَمَّا رآنى تجلى لَهُ الْحق على قدرى فَلم يطق قَالَ الْفَقِيه نَاصِر الدّين واصطلاح أهل الطَّرِيق مَعْرُوف وَحَاصِله رُتْبَة من الْمعرفَة جلية وَحَالَة من الْيَقَظَة والحضرة سَرِيَّة سنية وَالْإِيمَان يزِيد وَينْقص على الصَّحِيح وَلَا تظنهم يعنون بالتجلى رُؤْيَة الْبَصَر الَّتِى قيل فِيهَا لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام على خصوصيته لن ترانى والتى قيل فِيهَا على الْعُمُوم {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} فَإِذا فهمت أَن مُرَادهم الذى أثبتوه غير الْمَعْنى الذى حصل النَّاس مِنْهُ على النَّاس فى الدُّنْيَا ووعد بِهِ الْخَواص فى الْأُخْرَى فَلَا ضير بعد ذَلِك عَلَيْك وَلَا طَرِيق لسبق الظَّن إِلَيْك وَالله يتَوَلَّى السرائر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 قلت وَكَلَام ابْن الْمُنِير هَذَا فى تَفْسِير التجلى يقرب من قَول شيخ الْإِسْلَام وسلطان الْعلمَاء أَبى مُحَمَّد بن عبد السَّلَام رَحمَه الله فى كتاب الْقَوَاعِد إِن التجلى والمشاهدة عبارَة عَن الْعلم والعرفان وَاعْلَم أَن الْقَوْم لَا يقتصرون فى تَفْسِير التجلى على الْعلم وَلَا يعنون بِهِ إِيَّاه ثمَّ لَا يفصحون بِمَا يعنون إفصاحا وَإِنَّمَا يلوحون تَلْوِيحًا ثمَّ يصرحون بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا يُوجب سوء الظَّن تَصْرِيحًا وَقد ذكر سيد الطَّائِفَة أَبُو الْقَاسِم القشيرى رَحمَه الله فى الرسَالَة بَاب السّتْر والتجلى ثمَّ بَاب الْمُشَاهدَة وَلم يفصح بتفسير التجلى كَأَنَّهُ خشى على فهم من لَيْسَ من أهل الطَّرِيق وَعرف أَن السالك يفهمهُ فَلم يحْتَج إِلَى كشفه لَهُ وَحَاصِل مَا يَقُوله متأخرو الْقَوْم أَن التجلى ضَرْبَان ضرب للعوام وَهُوَ أَن يكْشف صُورَة كَمَا جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فى صُورَة دحْيَة وكما فى الحَدِيث (رَأَيْت ربى فى صُورَة شَاب) قَالُوا وَهَذَا تجلى الصّفة ويضربون لذَلِك الْمرْآة مثلا فَيَقُولُونَ أَنْت تنظر وَجهك فى الْمرْآة وَلَيْسَت الْمرْآة محلا لوجهك وَلَا وَجهك حَالا فِيهَا وَإِنَّمَا هُنَاكَ مثالها تَعَالَى الله عَن أَن يكون لَهُ مِثَال وَإِنَّمَا يذكرُونَ هَذَا تَقْرِيبًا للأفهام وَحَدِيث فى صُورَة شَاب أَمْرَد مَوْضُوع مَكْذُوب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَضرب للخواص وَهُوَ تجلى الذَّات نَفسهَا ويذكرون هُنَا لتقريب الْفَهم الشَّمْس قَالُوا فَإنَّك ترى ضوء النَّهَار فتحكم بِوُجُود الشَّمْس وحضورها برؤيتك الضَّوْء قَالُوا وَهَذَا تقريب أَيْضا وَإِلَّا فنور البارى لَو سَطَعَ لأحرق الْوُجُود بأسره إِلَّا من ثبته الله وَقد يعتضدون بِحَدِيث أَبى ذَر رضى الله عَنهُ سَأَلت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل رَأَيْت رَبك قَالَ نور أَنى أرَاهُ وفى لفظ قَالَ رَأَيْت نورا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 أخرجه مُسلم والترمذى وَلكنه حَدِيث مؤول بِاتِّفَاق الْمُسلمين هَذَا حَاصِل كَلَام الْقَوْم وَأَنا معترف بالقصور عَن فهمه وضيق الْمحل عَن بسط الْعبارَة فِيهِ وَقد جالست فى هَذِه الْمَسْأَلَة الشَّيْخ الإِمَام الصَّالح الْعَارِف قطب الدّين بركَة الْمُسلمين مُحَمَّد بن اسفهبدا الأردبيلى أعَاد الله من بركته وَقلت لَهُ أتقولون بِأَن الذى يرَاهُ الْعَارِف فى الدُّنْيَا هُوَ الذى وعده الله فى الْآخِرَة قَالَ نعم قلت فَبِمَ تتَمَيَّز رُؤْيَة يَوْم الْقِيَامَة قَالَ بالبصر فَإِن الرُّؤْيَة فى الدُّنْيَا فى هذَيْن الضربين إِنَّمَا هى بالبصيرة دون الْبَصَر قلت فقد اخْتلف فى جَوَاز رُؤْيَة الله تَعَالَى فى الدُّنْيَا قَالَ الْحق الْجَوَاز قلت فَلَا فَارق حِينَئِذٍ وَتجوز الرُّؤْيَة بالبصر فى الدُّنْيَا قَالَ الْفَارِق أَنه فى الْآخِرَة مَعْلُوم الْوُقُوع للْمُؤْمِنين كلهم وفى الدُّنْيَا لم يثبت وُقُوعه إِلَّا للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفى بعض ذوى المقامات الْعلية هَكَذَا قَالَ وَمِمَّا قلت لَهُ وَقد ضرب الْمرْآة مثلا قد يُقَال إِن هَذَا نوع من الْحُلُول والحلول كفر قَالَ لَا فَإِن الْحُلُول مَعْنَاهُ أَن الذَّات تحل فى ذَات أُخْرَى والمرآة لَا تحل الصُّورَة فِيهَا هَذَا كَلَامه قلت لَهُ فَمَا الْمُشَاهدَة عَن التجلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 قَالَ الْمُشَاهدَة دوَام تجلى الذَّات والتجلى قد يكون مَعَه مُشَاهدَة وَهُوَ مَا إِذا دَامَ وَقد لَا يكون انْتهى وَأَقُول إِذا تَبرأ الْقَوْم من تَفْسِير التجلى بِمَا لَا يُمكن وَلَا يجوز وصف الرب تَعَالَى بِهِ فَلَا لوم عَلَيْهِم بعد ذَلِك غير أَنهم مصرحون بِأَنَّهُ غير الْعلم والعرفان حِكَايَة ثَانِيَة يبْحَث فِيهَا عَن الكرامات قَالَ أَبُو على الروذبارى سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس الرقى يَقُول كُنَّا مَعَ أَبى تُرَاب النخشبى فى طَرِيق مَكَّة فَعدل عَن الطَّرِيق إِلَى نَاحيَة فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه أَنا عطشان فَضرب بِرجلِهِ فَإِذا عين من مَاء زلال فَقَالَ الْفَتى أحب أَن أشربه فى قدح فَضرب بِيَدِهِ الأَرْض فَنَاوَلَهُ قدحا من زجاج أَبيض كأحسن مَا رَأَيْت فَشرب وسقانى وَمَا زَالَ الْقدح مَعنا إِلَى مَكَّة فَقَالَ لى أَبُو تُرَاب يَوْمًا مَا يَقُول أَصْحَابك فى هَذِه الْأُمُور الَّتِى يكرم الله بهَا عباده فَقلت مَا رَأَيْت أحدا إِلَّا وَهُوَ مُؤمن بهَا فَقَالَ من لايؤمن بهَا فَلَقَد كفر إِنَّمَا سَأَلتك من طَرِيق الْأَحْوَال فَقلت مَا أعرف لَهُم قولا فِيهِ فَقَالَ بلَى قد زعم أَصْحَابك أَنَّهَا خدع من الْحق وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك إِنَّمَا الخدع فى حَال السّكُون إِلَيْهَا فَأَما من لم يقترح ذَلِك فَتلك مرتبَة الربانيين قلت قد اشْتَمَل كَلَام أَبى تُرَاب هَذَا على فصلين مهمين أَحدهمَا أَن الكرامات والمكاشفات لسيت خدعا إِلَّا لمن يقف عِنْدهَا ويجعلها شوقه ومقصوده وَلَا شكّ فى هَذَا وَقد بَالغ قوم فى تعظيمها بِحَيْثُ سلبوا بهَا الْمَوَاهِب وَبَالغ آخَرُونَ فى امتهانها بِحَيْثُ لم يعدوها شَيْئا وَالْحق مَا ذكره تُرَاب أَبُو أَيُّوب من أَن السّكُون إِلَيْهَا نقص فَمن الْوَاضِح الجلى الذى لَا يُنكره عَارِف أَن الْعَارِف لَا يقف عِنْدهَا وَإِنَّمَا مَطْلُوبه وَرَاءَهَا وهى تقع فى طَرِيقه وَلَيْسَ للْوَاقِع فِي الطَّرِيق من الطَّرِيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 صفة وَمن وقف عِنْدهَا سقط فى مهاوى الهلكات وَمن كَانَت هى مَطْلُوبه فَهُوَ مغرور وَيبعد وُصُوله إِلَيْهَا وَإِنَّمَا يصل إِلَيْهَا من لَا يَرَاهَا فَافْهَم مَا يلقى إِلَيْك فَإِن قلت فلأى معنى يظهرها مظهروها وهى على مَا تزْعم أَشْيَاء لَا يلقون إِلَيْهَا بَالا قلت ظُهُورهَا يَقع على أنحاء رُبمَا لم يكن بِاخْتِيَار صَاحبهَا وَهُوَ كثير بل صَار بعض الْأَئِمَّة كَمَا نقل إِمَام الْحَرَمَيْنِ فى الشَّامِل إِلَى أَن الكرامات لَا تكون أبدا إِلَّا على هَذَا الْوَجْه فعلى هَذَا الْوَجْه لَا سُؤال وَلَكِن هَذَا مَذْهَب ضَعِيف غير مرضى عِنْد المحصلين وَلَا سُؤال عَلَيْهِ وَرُبمَا كَانَ هُوَ الْمظهر بهَا وَإِنَّمَا يكون ذَلِك لفائدة دينية من تربية أَو بِشَارَة أَو نذارة أَو غير ذَلِك حَيْثُ يُؤذن فِيهِ وَلَا يجوز إظهارها حَيْثُ لَا فَائِدَة فَذَلِك عِنْد الْقَوْم غير جَائِز لَهُ والفصل الثانى أَن الكرامات حق وَقَول أَبى تُرَاب من لَا يُؤمن بهَا فقد كفر بَالغ فى الْحَط من منكريها وَقد تؤول لَفْظَة الْكفْر فى كَلَامه وَتحمل على أَنه لم يعن الْكفْر الْمخْرج من الْملَّة وَلكنه كفر دون كفر وإنى لأعجب أَشد الْعجب من منكرها وأخشى عَلَيْهِ مقت الله ويزداد تعجبى عِنْد نِسْبَة إنكارها إِلَى الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق الإسفراينى وَهُوَ من أساطين أهل السّنة وَالْجَمَاعَة على أَن نِسْبَة إنكارها إِلَيْهِ على الْإِطْلَاق كذب عَلَيْهِ والذى ذكره الرجل فى مصنفاته أَن الكرامات لَا تبلغ مبلغ خرق الْعَادة قَالَ وكل مَا جَازَ تَقْدِيره معْجزَة لنبى لَا يجوز ظُهُور مثله كَرَامَة لولى قَالَ وَإِنَّمَا بَالغ الكرامات إِجَابَة دَعْوَة أَو موافاة مَاء فى بادية فى غير موقع الْمِيَاه أَو مضاهى ذَلِك مِمَّا ينحط عَن خرق الْعَادة ثمَّ مَعَ هَذَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره من أَئِمَّتنَا هَذَا الْمَذْهَب مَتْرُوك قلت وَلَيْسَ بَالغا فى البشاعة مبلغ مَذْهَب المنكرين للكرامات مُطلقًا بل هُوَ مَذْهَب مفصل بَين كَرَامَة وكرامة رأى أَن ذَلِك التَّفْصِيل هُوَ الْمُمَيز لَهَا من المعجزات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 وَقد قَالَ الْأُسْتَاذ الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم القشيرى فى الرسَالَة إِن كثيرا من المقدورات يعلم الْيَوْم قطعا أَنه لَا يجوز أَن يظْهر كَرَامَة للأولياء لضَرُورَة أَو شبه ضَرُورَة يعلم ذَلِك فَمِنْهَا حُصُول إِنْسَان لَا من أبوين وقلب جماد بَهِيمَة أَو حَيَوَانا وأمثال هَذَا يكثر انْتهى وَهُوَ حق لَا ريب فِيهِ وَبِه يَتَّضِح أَن قَول من قَالَ مَا جَازَ أَن يكون معْجزَة لنبى جَازَ أَن يكون كَرَامَة لولى لَيْسَ على عُمُومه وَأَن قَول من قَالَ لَا فَارق بَين المعجزة والكرامة إِلَّا التحدى لَيْسَ على وَجهه ولعلنا نبحث عَن هَذَا فى آخر الْفَصْل وسبيلنا حَيْثُ انتهينا إِلَى هَذَا الْفَصْل أَن نستقصى شبه المنكرين للكرامات ونستأصل شأفتهم بتقرير الرَّد عَلَيْهِم ثمَّ نذْكر الْبَرَاهِين الدَّالَّة على الْإِثْبَات ونختمها بتتمات شُبْهَة للقدرية فى منع الكرامات وَذكر فَسَادهَا قَالُوا تَجْوِيز الْكَرَامَة يفضى إِلَى السفسطة لِأَنَّهُ يقتضى تَجْوِيز انقلاب الْجَبَل ذَهَبا إبريزا أَو الْبَحْر دَمًا عبيطا وانقلاب أَوَان يَتْرُكهَا الْإِنْسَان فى بَيته أَئِمَّة فضلاء مدققين وَالْجَوَاب عَن هَذِه الشُّبْهَة من وُجُوه أَحدهَا أَنا لَا نسلم بُلُوغ الْكَرَامَة إِلَى هَذَا الْمبلغ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام القشيرى والثانى وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَام أَئِمَّتنَا أَنا نجوز بُلُوغهَا هَذَا الْمبلغ وَلَكِن لَا يقتضى ذَلِك سفسطة لِأَن مَا ذكرْتُمْ بِعَيْنِه وَارِد عَلَيْكُم فى زمَان النُّبُوَّة فَإِنَّهُ يجوز ظُهُور المعجزة بذلك وَلَا يُؤدى إِلَى سفسطة وَالثَّالِث أَن التجويزات الْعَقْلِيَّة لَا تقدح فى الْعُلُوم العادية وَجَوَاز تغيرها بِسَبَب الْكَرَامَة تَجْوِيز عقلى فَلَا يقْدَح فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 شُبْهَة ثَانِيَة لَهُم وتبيين الِانْفِصَال عَنْهَا قَالُوا لَو جَازَت الْكَرَامَة لاشتبهت بالمعجزة فَلَا تبقى للمعجزة دلَالَة على ثُبُوت النُّبُوَّة وَالْجَوَاب منع الِاشْتِبَاه وَهَذَا لِأَن المعجزة مقرونة بِدَعْوَى النُّبُوَّة وَلَا كَذَلِك الْكَرَامَة بل الْكَرَامَة مقرونة بالانقياد للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتصديقه وَالسير على طَرِيقه وَقَوْلهمْ إِنَّمَا دلّت المعجزة على تَصْدِيق النبى من حَيْثُ انخراق الْعَادة فَكَذَلِك الْكَرَامَة كَلَام سَاقِط فَإِن مُجَرّد خرق الْعَادة لَيْسَ الْمُقْتَضى للنبوة وَلَو دلّ خرق الْعَادة على النُّبُوَّة بِمُجَرَّدِهِ لوَجَبَ أَن تدل أَشْرَاط السَّاعَة وَمَا سَيظْهر مِنْهَا على ثُبُوت نبوة إِذْ العوائد تنخرق بهَا وَمن أعظم الْبَدَائِع فطْرَة السَّمَوَات والنشأة الأولى ثمَّ لم تقتض بَدَائِع الْفطْرَة فى نشأة الْخلق ثُبُوت نبى فاستبان أَن مُجَرّد خرق الْعَادة لَا يدل إِذْ لَو دلّ لاطرد بل لابد مَعَه من التحدى فَلَا اشْتِبَاه للكرامة بالمعجزة وَأَيْضًا فالمعجزة يجب على صَاحبهَا الإشهار بِخِلَاف الْكَرَامَة فَإِن مبناها على الْإخْفَاء وَلَا تظهر إِلَّا على الندرة وَالْخُصُوص لَا على الْكَثْرَة والعموم وَأَيْضًا فالمعجزة تجوز أَن تقع بِجَمِيعِ خوارق الْعَادَات والكرامات تخْتَص بِبَعْضِهَا كَمَا بَيناهُ من كَلَام القشيرى وَهُوَ الصَّحِيح ولسنا نجوز ولدا إِلَّا من أبوين وَلَا نَحْو ذَلِك كَمَا سنستقصى القَوْل فِيهِ شُبْهَة ثَالِثَة لَهُم وَوجه الِانْفِصَال عَنْهَا قَالُوا لَو ظَهرت لولى كَرَامَة لجَاز الحكم لَهُ بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ أَنه يملك حَبَّة من الْحِنْطَة أَو فلسًا وَاحِدًا من الْفُلُوس من غير بَيِّنَة لظُهُور دَرَجَته عِنْد الله تَعَالَى الْمَانِعَة من كذبه لَا سِيمَا فى هَذَا النزر الْيَسِير لكنه بَاطِل لإِجْمَاع الْمُسلمين الْمُؤَيد بقول رَسُول رب الْعَالمين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ الْبَيِّنَة على الْمُدعى وَالْيَمِين على من أنكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وَالْجَوَاب أَن الْكَرَامَة لَا توجب عصمَة الولى وَلَا صدقه فى كل الْأُمُور وَقد سُئِلَ شيخ الطَّرِيقَة ومقتدى الْحَقِيقَة أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد رَحمَه الله أيزنى الولى فَقَالَ {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} وهب أَن الظَّن حَاصِل بصدقه فِيمَا ادَّعَاهُ إِلَّا أَن الشَّارِع جعل لثُبُوت الدَّعْوَى طَرِيقا مَخْصُوصًا ورابطا مَعْرُوفا لَا يجوز تعديه وَلَا الْعُدُول عَنهُ أَلا ترى أَن كثيرا من الظنون لَا يجوز الحكم بهَا لخروجها عَن الضوابط الشَّرْعِيَّة شُبْهَة أُخْرَى لَهُم وكشف عوارها قَالُوا لَو جَازَ ظُهُور خوارق الْعَادَات على أيدى الصَّالِحين لجَاز سرا كَمَا يجوز جَهرا وَلَو جَازَ سرا لما أمكننا أَن نستدل على نبوة الْأَنْبِيَاء بظهورها على أَيْديهم فَثَبت أَن ظُهُورهَا على الصَّالِحين سرا مُمْتَنع وَإِذا لم يجز ظُهُورهَا عَلَيْهِم سرا فَأولى أَن لَا تجوز جَهرا لِأَن كل من جوز ظُهُورهَا عَلَيْهِم لم يشْتَرط أَن تظهر عَلَانيَة بل من أصُول مُعظم جماعتكم أَن الْأَوْلِيَاء لَا يظهرون الكرامات وَلَا يدعونَ بهَا وَإِنَّمَا تظهر سرا وَرَاء ستور ويتخصص بالاطلاع عَلَيْهَا آحَاد النَّاس فَثَبت أَنَّهَا لَو جَازَت لجازت سرا إِذْ لَا قَائِل بِالْفَصْلِ وَلِأَنَّهُ أولى بِالْجَوَازِ من الْعَلَانِيَة لَكِن جَوَازهَا سرا يفضى إِلَى أَن لَا يسْتَدلّ بهَا على النُّبُوَّة لِأَنَّهُ يجوز ظُهُورهَا مُتَوَالِيَة على اسْتِمْرَار وَإِن كَانَ ذَلِك مخفيا مستترا وَتَكون مَوْجُودَة مستمرة بِحَيْثُ تلتحق بِحكم الْمُعْتَاد فَإِذا ظهر نبى وتحدى بمعجزة جَازَ أَن تكون هى بعض مَا اعتاده أَوْلِيَاء عصره من الكرامات وَلَا يتَحَقَّق فى هَذَا النبى خرق العوائد فَكيف السَّبِيل إِلَى تَصْدِيقه هَذَا حَاصِل شبهتهم هَذِه ثمَّ حرروا عَنْهَا عبارَة فَقَالُوا إِذا تكَرر مَا يخرق العوائد على الْأَوْلِيَاء أفْضى ذَلِك إِلَى التحاق خوارق الْعَادَات فى حُقُوقهم بالمعتادات وَصَارَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 عاداتهم خلاف الْعَادَات فَلَو ظهر نبى فى زمنهم كَانَت عوائدهم فى انخراق العوائد فى أَحْوَالهم تصدهم عَن تَصْحِيح النّظر فى المعجزة ثمَّ أخرجُوا الشُّبْهَة على وَجه آخر فَقَالُوا لَو جَازَ إظهارها على صَالح لجَاز إظهارها على صَالح آخر إِكْرَاما لَهُ وَهَكَذَا إِلَى عدد كثير إِذْ لَيْسَ اخْتِصَاص عدد مِنْهُم بذلك أولى من عدد آخر وَحِينَئِذٍ يصير عَادَة فَلَا يبْقى ظُهُورهَا دَلِيلا على النُّبُوَّة ويطوى بِسَاط النُّبُوَّة رَأْسا وَجَمِيع مَا ذَكرُوهُ فى هَذِه الشُّبْهَة تمويه لَا حَاصِل تَحْتَهُ وَقَعْقَعَة لَا طائل فِيهَا ولأئمتنا فى ردهَا وَجْهَان فَمن أَئِمَّتنَا من منع توالى الكرامات واستمرارها حَتَّى تصير فى حكم العوائد وخلص بِهَذَا الْمَنْع عَن إلزامهم بل امْتنع بعض الْمُحَقِّقين من تصور توالى المعجزات على الرُّسُل المتعاقبين إِذْ كَانَ يُؤدى إِلَى أَن تصير المعجزات مُعْتَادَة فَهَذِهِ طَريقَة فى الرَّد على هَذِه الشُّبْهَة حاصلها أَنا إِنَّمَا نجوز ظُهُور الكرامات على وَجه لَا يصير عَادَة فاستبان أَنه خَاص بشبهتهم هَذِه وَأَنَّهَا لم تقدح فى أصل الكرامات وَإِنَّمَا تَضَمَّنت منع كرورها والتحاقها بالمعتاد وَمن أَئِمَّتنَا وهم الْمُعظم من جوز توالى الكرامات على وَجه الاختفاء بِحَيْثُ لَا تظهر وَلَا تشيع وَلَا تلتحق بالمعتاد لِئَلَّا تخرج الْكَرَامَة عَن كَونهَا كَرَامَة عِنْد عَامَّة الْخلق ثمَّ قَالُوا الْكَرَامَة وَإِن توالت على الولى حَتَّى ألفها واعتادها فَلَا يُخرجهُ ذَلِك عَن طَرِيق الرشاد وَوجه السداد فى النّظر إِذا لاحت المعجزة إِن وَافقه التَّوْفِيق وَإِن تعداه التَّوْفِيق سلب الطَّرِيق وَلم يكن بولى على التَّحْقِيق والمعجزة تتَمَيَّز عَمَّن تَكَرَّرت عَلَيْهِ الْكَرَامَة بالإظهار والإشاعة والتحدى وَدَعوى النُّبُوَّة فَإِذا تميزت الْكَرَامَة عَن المعجزة لم ينسد بَاب الطَّرِيق إِلَى معرفَة النبى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 وَمن تَمام الْكَلَام فى ذَلِك أَن أهل الْقبْلَة متفقون على أَن الكرامات لَا تظهر على الفسقة الفجرة وَإِنَّمَا تظهر على المتمسكين بِطَاعَة الله عز وَجل وَبِهَذَا لَاحَ أَن الطَّرِيق إِلَى معرفَة الْأَنْبِيَاء لَا ينسد فَإِن الولى بِتَوْفِيق الله تَعَالَى ينقاد للنبى إِذا ظَهرت المعجزة على يَدَيْهِ وَيَقُول معاشر النَّاس هَذَا نبى الله فأطيعوه وَيكون أول منقاد لَهُ وَمُؤمن بِهِ والقاضى أَبُو بكر وَإِن شَبَّبَ بِمَنْع هَذَا الْإِجْمَاع وَقَالَ لَو جوز مجوز ظُهُور بعض خوارق الْعَادَات على بعض الفسقة استدراجا لَكَانَ مذهبا كَمَا أَنه لَا يبعد ظُهُورهَا على الرهبان المتبتلين وَأَصْحَاب الصوامع على كفرهم فَهَذَا كَمَا قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِيهِ نظر ولسنا نثبت لراهب كَرَامَة وَلَا كيد وَلَا كَرَامَة وَمحل اسْتِيفَاء القَوْل على ذَلِك لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمَكَان وَالْحَاصِل أَن مَا يظْهر على يَد الرهبان لَيْسَ من الكرامات وَأما توقف القاضى فى الفسقة والفجرة فَأَنا مَعَه لَكِن لَا على الْإِطْلَاق بل أفصل فَأَقُول لَو ذهب ذَاهِب إِلَى تَجْوِيز ظُهُور الْكَرَامَة على يَد الْفَاسِق إنقاذا لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ ثمَّ يَتُوب بعْدهَا وَيثبت لَا محَالة وينتقل إِلَى الْهدى بعد الضَّلَالَة لَكَانَ مذهبا وَيقرب مِنْهُ قصَّة أَصْحَاب الْكَهْف الَّتِى سنحكيها فقد كَانُوا عَبدة أصنام ثمَّ حصل لَهُم مَا حصل إرشادا وتبصرة ثمَّ مَا ذكره الْخُصُوم من حَدِيث اشْتِبَاه النبى بِغَيْرِهِ إِذا وَافَقت المعجزة الْكَرَامَة قد تبين الِانْفِصَال عَنهُ وَأَنا أَقُول معَاذ الله أَن يتحدى نبى بكرامة تَكَرَّرت على يَد ولى بل لَا بُد أَن يأتى النبى بِمَا لَا يوقعه الله على يَد الولى وَإِن جَازَ وُقُوعه فَلَيْسَ كل جَائِز فى قضايا الْعُقُول وَاقعا وَلما كَانَت مرتبَة النبى أعلا وَأَرْفَع من مرتبَة الولى كَانَ الولى مَمْنُوعًا مِمَّا يأتى بِهِ النبى على وَجه الإعجاز والتحدى أدبا مَعَ النبى ثمَّ أَقُول حَدِيث الِاشْتِبَاه والانسداد على بُطْلَانه إِنَّمَا يَقع الْبَحْث فِيهِ حَيْثُ لم تختم النُّبُوَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 أما مَعَ مجئ خَاتم النَّبِيين الذى ثبتَتْ نبوته بأوضح الْبَرَاهِين وإخباره بِأَنَّهُ لَا نبى بعده فقد أمنا الِاشْتِبَاه فَلَو صَحَّ مَا ذكر من الِاشْتِبَاه والانسداد لَكَانَ فى حكم الْأَوْلِيَاء من الْأُمَم السالفة لَا فى حكم الْأَوْلِيَاء من هَذِه الْأمة لأمنهم من أَنه لَا نبى بعد نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا لَو صَحَّ وَلنْ يَصح أبدا شُبْهَة خَامِسَة لَهُم وَتَقْرِير بُطْلَانهَا قَالُوا لَو كَانَ للكرامات أصل لَكَانَ أولى النَّاس بهَا أهل الصَّدْر الأول وهم صفوة الْإِسْلَام وقادة الْأَنَام والمفضلون على الخليقة بعد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَلم يُؤثر عَنْهُم أَمر مستقصى وَهَذَا الذى ذَكرُوهُ تعلل بالأمانى وَهُوَ قَول مرذول مَرْدُود فَلَو حاول مستقص استقصاء كرامات الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم لأجهد نَفسه وَلم يصل إِلَى عشر الْعشْر وَلَا بَأْس هُنَا بِذكر يسير من كرامات الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم وَالْكَلَام على السِّرّ فى ظُهُورهَا وإظهارها على وَجه الِاخْتِصَار ليستفاد بكلامنا على مَا نورده من الْقَلِيل مَا يستعان بِهِ على مَا نغفله من الْكثير فَنَقُول اعْلَم أَولا أَن كل كَرَامَة ظَهرت على يَد صحابى أَو ولى أَو تظهر إِلَى يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين فَإِنَّهَا معْجزَة للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن صَاحبهَا إِنَّمَا نالها بالاقتداء بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ معترف لَهُ بِأَنَّهُ مقدم خَلِيقَة الله وصفوتهم وَسيد الْبشر الذى من بحره تستخرج الدُّرَر وَمن غيثه يسْتَنْزل الْمَطَر وَهَذَا الْمَعْنى يصلح أَن يكون سَببا إجماعيا عَاما فى الْإِظْهَار لَا سِيمَا فى عصر الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 الْكفَّار إِذا رَأَوْا مَا يظْهر على يديهم من الخوارق آمنُوا بِنَبِيِّهِمْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلمُوا أَنهم على الْحق فَرُبمَا كَانَ هَذَا سَببا فى الْإِظْهَار إِذا علمت ذَلِك فَمن الكرامات على يَد أَبى بكر الصّديق رضى الله عَنهُ مَا صَحَّ من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَن أَبَا بكر الصّديق رضى الله عَنهُ كَانَ نحلهَا جاد عشْرين وسْقا فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة قَالَ وَالله يَا بنية مَا من النَّاس أحد أحب إِلَى غنى بعدى مِنْك وَلَا أعز عَليّ فقرا بعدِي مِنْك وإنى كنت نحلتك جاد عشْرين وسْقا فَلَو كنت جددته وخزنته كَانَ لَك وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم مَال وَارِث وَإِنَّمَا هما أَخَوَاك وَأُخْتَاك فَاقْتَسمُوهُ على كتاب الله قَالَت عَائِشَة يَا أَبَت وَالله لَو كَانَ كَذَا وَكَذَا لتركته إِنَّمَا هى أَسمَاء فَمن الْأُخْرَى فَقَالَ أَبُو بكر ذُو بطن بنت أَرَاهَا جَارِيَة فَكَانَ ذَلِك قلت فِيهِ كرامتان لأبى بكر إِحْدَاهمَا إخْبَاره بِأَنَّهُ يَمُوت فى ذَلِك الْمَرَض حَيْثُ قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم مَال وَارِث وَالثَّانيَِة إخْبَاره بمولود يُولد لَهُ وَهُوَ جَارِيَة والسر فى إِظْهَار ذَلِك استطابة قلب عَائِشَة رضى الله عَنْهَا فى استرجاع مَا وهبه لَهَا وَلم تقبضه وإعلامها بِمِقْدَار مَا يَخُصهَا لتَكون على ثِقَة مِنْهُ فَأَخْبرهَا بِأَنَّهُ مَال وَارِث وَأَن مَعهَا أَخَوَيْنِ وأختين لهَذَا وَيدل على أَنه قصد استطابة قَلبهَا مَا مهده أَولا من أَنه لَا أحد أحب إِلَيْهِ غنى بعده مِنْهَا وَقَوله إِنَّمَا هما أَخَوَاك وَأُخْتَاك أى لَيْسَ ثمَّ غَرِيب وَلَا ذُو قرَابَة نائية وفى هَذَا من الترفق مَا لَيْسَ يخفى فرضى الله عَنهُ وأرضاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 وَمِنْهَا مَا فى البخارى من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر وَقَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى أهل الصّفة مرّة (من كَانَ عِنْده طَعَام اثْنَيْنِ فليذهب بثالث وَمن كَانَ عِنْده طَعَام أَرْبَعَة فليذهب بخامس) الحَدِيث وَفِيه أَن أَبَا بكر انْطلق بِثَلَاثَة وغادرهم فى بَيته وتعشى عِنْد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولبث حَتَّى صلى الْعشَاء مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء بعد مَا مضى من اللَّيْل مَا شَاءَ الله فَقَالَت لَهُ امْرَأَته مَا حَبسك عَن أضيافك قَالَ أَو مَا عشيتهم قَالَت أَبَوا حَتَّى تجىء ثمَّ قَالَ كلوا فَقَالَ قَائِلهمْ وَايْم الله مَا كُنَّا نَأْخُذ من لقْمَة إِلَّا رَبًّا من أَسْفَلهَا أَكثر مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَت أَكثر مِمَّا كَانَت قبل فَنظر أَبُو بكر فَإِذا شىء أَو أَكثر فَقَالَ لامْرَأَته يَا أُخْت بنى فراس مَا هَذَا قَالَت لَا وقرة عينى لهى الْآن أَكثر مِمَّا كَانَت قبل بِثَلَاث مَرَّات فاكل مِنْهَا أَبُو بكر ... الحَدِيث فَنَقُول السِّرّ فِيهِ وَالْعلم عِنْد الله إِن كَانَ أَبُو بكر قصد تَكْثِير الطَّعَام احْتِيَاجه إِلَى إشباع الأضياف الَّذين أمره النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهم وَإِن لم يكن قصد ذَلِك بل كثره الله ببركته فهى كَرَامَة أظهرها الله على يَدَيْهِ من غير قصد مِنْهُ فَلَا يبْحَث عَنْهَا وَمِنْهَا على يَد أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق رضى الله عَنهُ الذى قَالَ فِيهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لقد كَانَ فِيمَن قبلكُمْ نَاس محدثون فَإِن يَك فى أمتى أحد فَإِنَّهُ عمر) قصَّة سَارِيَة بن زنيم الخلجى كَانَ عمر قد أَمر سَارِيَة على جَيش من جيوش الْمُسلمين وجهزه إِلَى بِلَاد فَارس فَاشْتَدَّ على عسكره الْحَال على بَاب نهاوند وَهُوَ يحاصرها وَكَثُرت جموع الْأَعْدَاء وَكَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 الْمُسلمُونَ ينهزمون وَعمر رضى الله عَنهُ بِالْمَدِينَةِ فَصَعدَ الْمِنْبَر وخطب ثمَّ اسْتَغَاثَ فى أثْنَاء خطبَته بأعلا صَوته يَا سَارِيَة الْجَبَل يَا سَارِيَة الْجَبَل من استرعى الذِّئْب الْغنم فقد ظلم فَأَسْمع الله عز وَجل سَارِيَة وجيوشه أَجْمَعِينَ وهم على بَاب نهاوند صَوت عمر فلجأوا إِلَى الْجَبَل وَقَالُوا هَذَا صَوت أَمِير الْمُؤمنِينَ فنجوا وانتصروا هَذَا ملخصها وَسمعت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يزِيد فِيهَا أَن عليا رضى الله عَنهُ كَانَ حَاضرا فَقيل لَهُ مَا هَذَا الذى يَقُوله أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَيْنَ سَارِيَة منا الْآن فَقَالَ كرم الله وَجهه دَعوه فَمَا دخل فى أَمر إِلَّا وَخرج مِنْهُ ثمَّ تبين الْحَال بِالآخِرَة قلت عمر رضى الله عَنهُ لم يقْصد إِظْهَار هَذِه الْكَرَامَة وَإِنَّمَا كشف لَهُ وَرَأى الْقَوْم عيَانًا وَكَانَ كمن هُوَ بَين أظهرهم أَو طويت الأَرْض وَصَارَ بَين أظهرهم حَقِيقَة وَغَابَ عَن مَجْلِسه بِالْمَدِينَةِ واشتغلت حواسه بِمَا دهم الْمُسلمين بنهاوند فخاطب أَمِيرهمْ خطاب من هُوَ مَعَه إِذْ هُوَ حَقِيقَة أَو كمن هُوَ مَعَه وَاعْلَم أَن مَا يجربه الله على لِسَان أوليائه من هَذِه الْأُمُور يحْتَمل أَن يعرفوا بهَا وَيحْتَمل أَن لَا يعرفوا بهَا وهى كَرَامَة على كلا الْحَالين وَمِنْهَا قصَّة الزلزلة قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله فى كتاب الشَّامِل إِن الأَرْض زلزلت فى زمن عمر رضى الله عَنهُ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَالْأَرْض ترجف وترتج ثمَّ ضربهَا بِالدرةِ وَقَالَ أقرى ألم أعدل عَلَيْك فاستقرت من وَقتهَا قلت كَانَ عمر رضى الله عَنهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ على الْحَقِيقَة فى الظَّاهِر وَالْبَاطِن وَخَلِيفَة الله فى أرضه وفى ساكنى أرضه فَهُوَ يُعَزّر الأَرْض ويؤدبها بِمَا يصدر مِنْهَا كَمَا يُعَزّر ساكنيها على خطيئاتهم فَإِن قلت أيجب على الأَرْض تَعْزِير وهى غير مكلفة قلت هَذَا الْآن جهل وقصور على ظواهر الْفِقْه اعْلَم أَن أَمر الله وقضاءه متصرف فى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 جَمِيع مخلوقاته ثمَّ مِنْهُ ظَاهر وباطن فَالظَّاهِر مَا يبْحَث عَنهُ الْفُقَهَاء من أَحْكَام الْمُكَلّفين وَالْبَاطِن مَا اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ وَقد يطلع عَلَيْهِ بعض أصفيائه وَمِنْهُم الْفَارُوق سقى الله عَهده فَإِذا ارتجت الأَرْض بَين يدى من اسْتَوَى عِنْده الظَّاهِر وَالْبَاطِن عزرها كَمَا إِذا زل الْمَرْء بَين يدى الْحَاكِم وَانْظُر خطابه لَهَا وَقَوله (ألم أعدل عَلَيْك) وَالْمعْنَى وَالله أعلم أَنَّهَا إِذا وَقع عَلَيْهَا جور الْوُلَاة جديرة بِأَن ترتج غير ملومة على التزلزل بِمَا على ظهرهَا وَأما إِذا لم يكن جور بل كَانَ الحكم بِالْقِسْطِ قَائِما فَفِيمَ الارتجاج وعَلى م القلق وَلم يَأْتِ الْوَقْت الْمَعْلُوم فَمَا لَهَا أَن ترتج إِلَّا فى وَقْتَيْنِ أَحدهمَا الْوَقْت الْمَعْلُوم الْمشَار إِلَيْهِ فى قَوْله تَعَالَى {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} فَإِن ذَلِك إِلَيْهَا وَذَلِكَ إِذا قَالَ الْإِنْسَان مَالهَا حدثت هى بأخبارها وَذكرت أَن الله أوحى لَهَا على مَا قَالَ تَعَالَى {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا وأخرجت الأَرْض أثقالها وَقَالَ الْإِنْسَان مَا لَهَا يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا بِأَن رَبك أوحى لَهَا} والثانى وَقت وُقُوع الْجور عَلَيْهَا من الْوُلَاة فَإِنَّهَا تعذر إِذْ ذَاك فَإِن قلت من أَيْن لَك هَذَا قلت من قَول عمر الذى أَشَرنَا إِلَيْهِ وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا {تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدا أَن دعوا للرحمن ولدا} لِأَنَّهُ دلّت على الأَرْض تكَاد تَنْشَق بِالْفُجُورِ الْوَاقِع عَلَيْهَا فلولا يمْسِكهَا الله لَكَانَ وَاعْلَم أَن هَذَا الذى خضناه بَحر لَا سَاحل لَهُ والرأى أَن نمسك عنان الْكَلَام والموفق يُؤمن بِمَا نُرِيد والشقى يجهل وَلَا يجدى فِيهِ الْبَيَان وَلَا يُفِيد وَمِنْهُم شقى وَمِنْهُم سعيد وَيقرب من قصَّة الزلزلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 قصَّة النّيل وَذَلِكَ أَن النّيل كَانَ فى الْجَاهِلِيَّة لَا يجرى حَتَّى تلقى فِيهِ جَارِيَة عذراء فى كل عَام فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَجَاء وَقت جَرَيَان النّيل فَلم يجر أَتَى أهل مصر عَمْرو بن الْعَاصِ فأخبروه أَن لنيلهم سنة وَهُوَ أَنه لَا يجرى حَتَّى تلقى فِيهِ جَارِيَة بكر بَين أَبَوَيْهَا وَيجْعَل عَلَيْهَا من الحلى وَالثيَاب أفضل مَا يكون فَقَالَ لَهُم عَمْرو بن الْعَاصِ إِن هَذَا لَا يكون وَإِن الْإِسْلَام يهدم مَا قبله فأقاموا ثَلَاثَة أشهر لَا يجرى قَلِيلا وَلَا كثيرا حَتَّى هموا بالجلاء فَكتب عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى عمر بن الْخطاب بذلك فَكتب إِلَيْهِ عمر قد أصبت إِن الْإِسْلَام يهدم مَا قبله وَقد بعثت إِلَيْك بطاقة فَأَلْقِهَا فى النّيل فَفتح عَمْرو البطاقة قبل إلقائها فَإِذا فِيهَا من عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى نيل مصر أما بعد فَإِن كنت تجرى من قبلك فَلَا تجر وَإِن كَانَ الله الْوَاحِد القهار هُوَ الذى يجريك فنسأل الله الْوَاحِد القهار أَن يجريك فَألْقى عَمْرو البطاقة فى النّيل قبل يَوْم الصَّلِيب وَقد تهَيَّأ أهل مصر للجلاء وَالْخُرُوج مِنْهَا فَأَصْبحُوا وَقد أجراه الله سِتَّة عشر ذِرَاعا فى لَيْلَة فَانْظُر إِلَى عمر كَيفَ يُخَاطب المَاء ويكاتبه ويكلم الأَرْض ويؤدبها وَإِذا قَالَ لَك الْمَغْرُور أَيْن أصل ذَلِك فى السّنة قل أَيهَا المتعثر فى أذيال الجهالات أيطالب الْفَارُوق بِأَصْل وَإِن شِئْت أصلا فهاك أصولا لَا أصلا وَاحِدًا أَلَيْسَ قد حن الْجذع إِلَى الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ضمه إِلَيْهِ أَلَيْسَ شكى إِلَيْهِ الْبَعِير مَا بِهِ أَلَيْسَ فى قصَّة الظبية حجَّة وَالْأُصُول فى هَذَا النَّوْع لَا تَنْحَصِر وَسَنذكر مَالك أَن تضمه إِلَى هَذَا فى تَرْجَمَة الإِمَام فَخر الدّين فى مَسْأَلَة تَسْبِيح الجمادات حَيْثُ نرد عَلَيْهِ ثمَّ إِنْكَاره لذَلِك وَمِنْهَا قصَّة النَّار الْخَارِجَة من الْجَبَل كَانَت تخرج من كَهْف فى جبل فتحرق مَا أَصَابَت فَخرجت فى زمن عمر فَأمر أَبَا مُوسَى الأشعرى أَو تميما الدارى أَن يدخلهَا الْكَهْف فَجعل يحبسها بردائه حَتَّى أدخلها الْكَهْف فَلم تخرج بعد قلت وَلَعَلَّه قصد بذلك منع أذاها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وَمِنْهَا أَنه عرض جَيْشًا يَبْعَثهُ إِلَى الشَّام فعرضت لَهُ طَائِفَة فَأَعْرض عَنْهُم ثمَّ عرضت عَلَيْهِ ثَانِيًا فَأَعْرض عَنْهُم ثمَّ عرضت ثَالِثا فَأَعْرض فَتبين بِالآخِرَة أَنه كَانَ فيهم قَاتل عُثْمَان وَقَاتل على وَمِنْهَا على يَد عُثْمَان ذى النورين رضى الله عَنهُ دخل إِلَيْهِ رجل كَانَ قد لقى امْرَأَة فى الطَّرِيق فتأملها فَقَالَ لَهُ عُثْمَان رضى الله عَنهُ يدْخل أحدكُم وفى عَيْنَيْهِ أثر الزِّنَا فَقَالَ الرجل أوحى بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا وَلكنهَا فراسة قلت إِنَّمَا أظهر عُثْمَان هَذَا تأديبا لهَذَا الرجل وزجرا لَهُ عَن سوء صَنِيعه وَاعْلَم أَن الْمَرْء إِذا صفا قلبه صَار ينظر بِنور الله فَلَا يَقع بَصَره على كدر أَوْصَاف إِلَّا عرفه ثمَّ تخْتَلف المقامات فَمنهمْ من يعرف أَن هُنَاكَ كدرا وَلَا يدرى مَا أَصله وَمِنْهُم من يكون أعلا من هَذَا الْمقَام فيدرى أَصله كَمَا اتّفق لعُثْمَان رضى الله عَنهُ فَإِن تَأمل الرجل للْمَرْأَة أورثه كدرا فَأَبْصَرَهُ عُثْمَان وَفهم سَببه وَهنا دقيقة وَهُوَ أَن كل مَعْصِيّة لَهَا كدر وتورث نُكْتَة سَوْدَاء فى الْقلب بِقَدرِهَا فَتكون رينا على مَا قَالَ تَعَالَى {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} إِلَى أَن يستحكم وَالْعِيَاذ بِاللَّه فيظلم الْقلب وتغلق أَبْوَاب النُّور فيطبع عَلَيْهِ فَلَا يبْقى سَبِيل إِلَى تَوْبَته على مَا قَالَ تَعَالَى {وطبع على قُلُوبهم فهم لَا يفقهُونَ} وَقد أوضحنا هَذَا فى كتاب رفع الحوبة بِوَضْع التَّوْبَة فى بَاب أَن المطبوع لَا تَوْبَة لَهُ إِذا عرفت هَذَا فالصغيرة من المعاصى تورث كدرا صَغِيرا بِقَدرِهَا قريب المحو بالاستغفار وَغَيره من المكفرات وَلَا يُدْرِكهُ إِلَّا ذُو بصر حاد كعثمان رضى الله عَنهُ حَيْثُ أدْرك هَذَا الكدر الْيَسِير فَإِن تَأمل الْمَرْأَة من أيسر الذُّنُوب وأدركه عُثْمَان وَعرف أَصله وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 مقَام عَال يخضع لَهُ كثير من المقامات وَإِذا انْضَمَّ إِلَى الصَّغِيرَة صَغِيرَة أُخْرَى ازْدَادَ الكدر وَإِذا تكاثرت الذُّنُوب بِحَيْثُ وصلت وَالْعِيَاذ بِاللَّه إِلَى مَا وصفناه من ظلام الْقُلُوب صَار بِحَيْثُ يُشَاهِدهُ كل ذى بصر فَمن رأى متضمخا بالمعاصى قد أظلم قلبه وَلم يتفرس فِيهِ ذَلِك فَليعلم أَنه إِنَّمَا لم يبصره لما عِنْده أَيْضا من الْعَمى الْمَانِع للإبصار وَإِلَّا فَلَو كَانَ بَصيرًا لَأبْصر هَذَا الظلام الداجى فبقدر بَصَره يبصر فَافْهَم مَا نتحفك بِهِ وَمِنْهَا على يَد على المرتضى أَمِير الْمُؤمنِينَ رضى الله عَنهُ روى أَن عليا وولديه الْحسن وَالْحُسَيْن رضى الله عَنْهُم سمعُوا قَائِلا يَقُول فى جَوف اللَّيْل (يَا من يُجيب دَعَا الْمُضْطَر فى الظُّلم ... يَا كاشف الضّر والبلوى مَعَ السقم) (قد نَام وفدك حول الْبَيْت وانتبهوا ... وَعين جودك يَا قيوم لم تنم) (هَب لى بجودك فضل الْعَفو عَن زللى ... يَا من إِلَيْهِ رَجَاء الْخلق فى الْحرم) (إِن كَانَ عفوك لَا يرجوه ذُو خطأ ... فَمن يجود على العاصين بِالنعَم) فَقَالَ على رضى الله عَنهُ لوَلَده اطلب لى هَذَا الْقَائِل فَأَتَاهُ فَقَالَ أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأقبل يجر شقَّه حَتَّى وقف بَين يَدَيْهِ فَقَالَ قد سَمِعت خطابك فَمَا قصتك فَقَالَ إنى كنت رجلا مَشْغُولًا بالطرب والعصيان وَكَانَ والدى يعظنى وَيَقُول إِن لله سطوات ونقمات وَمَا هى من الظَّالِمين بِبَعِيد فَلَمَّا ألح فى الموعظة ضَربته فَحلف ليدعون على ويأتى مَكَّة مستغيثا إِلَى الله فَفعل ودعا فَلم يتم دعاؤه حَتَّى جف شقى الْأَيْمن فندمت على مَا كَانَ منى وداريته وأرضيته إِلَى أَن ضمن لى أَنه يَدْعُو لى حَيْثُ دَعَا على فَقدمت إِلَيْهِ نَاقَة فأركبته فنفرت النَّاقة ورمت بِهِ بَين صخرتين فَمَاتَ هُنَاكَ فَقَالَ لَهُ على رضى الله عَنهُ رضى الله عَنْك إِن كَانَ أَبوك رضى عَنْك فَقَالَ الله كَذَلِك فَقَامَ على كرم الله وَجهه وَصلى رَكْعَات ودعا بدعوات أسرها إِلَى الله عز وَجل ثمَّ قَالَ يَا مبارك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 قُم فَقَامَ وَمَشى وَعَاد إِلَى الصِّحَّة كَمَا كَانَ ثمَّ قَالَ لَوْلَا أَنَّك حَلَفت أَن أَبَاك رضى عَنْك مَا دَعَوْت لَك قلت أما الدُّعَاء فَلَا إِشْكَال فِيهِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِظْهَار كَرَامَة وَلَكنَّا نبحث فى هَذَا الْأَمر فى موضِعين أَحدهمَا فِيمَا نَحن بصدده من السِّرّ فى إِظْهَاره كرم الله وَجهه الْكَرَامَة فى قَوْله قُم فَنَقُول لَعَلَّه لما دَعَا أذن لَهُ أَن يَقُول ذَلِك أَو رأى أَن قِيَامه مَوْقُوف بِإِذن الله تَعَالَى على هَذَا الْمقَال فَلم يكن من ذكره بُد والثانى كَونه صلى رَكْعَات وَلم يقْتَصر على رَكْعَتَيْنِ فَنَقُول ينبغى للداعى أَن يبْدَأ بِعَمَل صَالح يتنور بِهِ قلبه ليعقبه الدُّعَاء وَلذَلِك كَانَ الدُّعَاء عقيب المكتوبات أقرب إِلَى الإجابات وَمن أفضل الْأَعْمَال الصَّلَاة وَقد جَاءَ فى أَحَادِيث كَثِيرَة الْأَمر بتقديمها على الدُّعَاء عِنْد الْحَاجَات وَأَقل الصَّلَاة رَكْعَتَانِ فَإِن حصل نور بهَا وأشرقت علائم الْقبُول فَالْأولى الدُّعَاء عقيبها وَإِلَّا فَليصل الْمَرْء إِلَى أَن تلوح أَمَارَات الْقبُول فَيعرض إِذْ ذَاك عَن الصَّلَاة ويفتتح الدُّعَاء فَإِنَّهُ أقرب إِلَى الْإِجَابَة وللكلام فى هَذَا الْمقَام سبح طَوِيل لسنا لَهُ الْآن وَمِنْهَا على يَد الْعَبَّاس عَم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى استسقائه عَام الرَّمَادَة وَذَلِكَ أَن الأَرْض أجدبت فى زمَان عمر رضى الله عَنهُ وَكَانَت الرّيح تذرى تُرَابا كالرماد لشدَّة الجدب فَسمى عَام الرَّمَادَة لذَلِك وَقيل إِنَّمَا سمى بذلك لِكَثْرَة من هلك فِيهِ والرمد الْهَلَاك فَخرج عمر بِالْعَبَّاسِ بن عبد الْمطلب رضى الله عَنْهُمَا يستسقى فَأخذ بضبعيه وأشخصه قَائِما ثمَّ أشخص إِلَى السَّمَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 إِنَّا نتقرب إِلَيْك بعم نبيك وقفية آبَائِهِ وَكبر رِجَاله فَإنَّك تَقول وقولك الْحق {وَأما الْجِدَار فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} فحفظتهما لصلاح أَبِيهِمَا فاحفظ اللَّهُمَّ نبيك فى عَمه فقد دلونا بِهِ إِلَيْك مستشفعين ومستغفرين ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} إِلَى قَوْله {أَنهَارًا} وَالْعَبَّاس قد طَال عمر وَعَيناهُ تَنْضَحَانِ وسبابته تجول على صَدره وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ أَنْت الراعى لَا تهمل الضَّالة وَلَا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصَّغِير ورق الْكَبِير وَارْتَفَعت الشكوى وَأَنت تعلم السِّرّ وأخفى اللَّهُمَّ فأغثهم بغياثك قبل أَن يقنطوا فيهلكوا فَإِنَّهُ لَا ييأس من روحك إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ اللَّهُمَّ فأغثهم بغياثك فقد تقرب إِلَى الْقَوْم لمكانى من نبيك عَلَيْهِ السَّلَام فَنَشَأَتْ طريرة من سَحَاب وَقَالَ النَّاس ترَوْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 ترَوْنَ ثمَّ تلامت واستتمت ومشت فِيهَا ريح ثمَّ هدت وَدرت فَمَا برح الْقَوْم حَتَّى اعتلقوا الْحذاء وقلصوا المآزر وخاضوا المَاء إِلَى الركب ولاذ النَّاس بِالْعَبَّاسِ يمسحون أردانه وَيَقُولُونَ هَنِيئًا لَك ساقى الْحَرَمَيْنِ فأمرع الله الْحباب وأخصب الْبِلَاد ورحم الْعباد قلت فَهَذِهِ دَعْوَة مستجابة ببركة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن فِيهَا قصد إِلَى إِظْهَار كَرَامَة بل استسقاء عِنْد احْتِيَاج الْخلق وهى مثل مَا ظهر على يَد سعد بن أَبى وَقاص رضى الله عَنهُ وَذَلِكَ أَنه كَانَ يَوْم الْقَادِسِيَّة متألما من دمل لم يسْتَطع الرّكُوب لأَجله فَجَلَسَ فى قصر يشرف على النَّاس فَقَالَ فى ذَلِك بعض الشُّعَرَاء مقَالا بلغه رضى الله عَنهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنَا لِسَانه وَيَده فخرس لِسَانه وشلت يَده وَكَانَ سعد رضى الله عَنهُ مجاب الدعْوَة لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا لَهُ بذلك فَقَالَ (اللَّهُمَّ سدد سَهْمه وأجب دَعوته) فَكَانَ لَا يَدْعُو بشئ إِلَّا أجَاب الله عز وَجل دعاءه فِيهِ وَكَانَ الصَّحَابَة يعْرفُونَ ذَلِك مِنْهُ وَلما عَزله عمر رضى الله عَنهُ من الْكُوفَة بشكوى أَهلهَا وَكَانَ عمر رضى الله عَنهُ قد قَالَ لَا يشكو إِلَى أهل مَوضِع عاملهم إِلَّا عزلته وَذَلِكَ وَالله أعلم لمعنيين أَحدهمَا لِأَنَّهُ رأى أَن الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم كلهم عدُول والاستبدال مُمكن والثانى أَنه لم يكن للأولين رَغْبَة فى الْولَايَة وَإِنَّمَا كَانُوا يفعلونها امتثالا لأمر أَمِير الْمُؤمنِينَ وانقيادا لطاعة الله عز وَجل وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجاء ثَوَاب الله فى إِقَامَة الْحق فَإِذا عزل أحدهم كَانَ الْعَزْل أحب إِلَيْهِ من الْولَايَة فَلَا يؤلم ذَلِك قلبه فَلذَلِك كَانَ عمر رضى الله عَنهُ وَالله أعلم يخْتَار عزل المشكو على الْإِطْلَاق بِمُجَرَّد الشكوى وَإِن كَانَ عِنْده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 عدلا ورعا منزها عَمَّا قيل فِيهِ لِأَنَّهُ يجمع بعزله بَين إِدْخَال السرُور على قلبه بالإقالة وعَلى الشاكين بِقطع النزاع وَكَانَ مَعَ ذَلِك لَا يغْفل الْبَحْث عَن أَحْوَال الراعى والرعية حَتَّى يطلع على صدق الشاكى من غَيره فَلَمَّا عزل سَعْدا وَولى مَكَانَهُ عمار بن يَاسر رضى الله عَنْهُمَا بعث مَعَ سعد من يسْأَل عَنهُ أهل الْكُوفَة فَلم يدع مَسْجِدا حَتَّى سَأَلَ عَنهُ فيثنون خيرا حَتَّى دخل مَسْجِدا لبنى عبس فَقَامَ رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ أُسَامَة بن قَتَادَة ويكنى أَبَا سعدة فَقَالَ أما إِذْ نَشَدتنَا فَإِن سَعْدا كَانَ لَا يسير بالسرية وَلَا يقسم بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يعدل فى الْقَضِيَّة فَقَالَ سعد أما وَالله لأدعون بِثَلَاث اللَّهُمَّ إِن كَانَ عَبدك هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاء وَسُمْعَة فأطل عمره وأطل فقره وَعرضه للفتن قَالَ عبد الْملك بن عُمَيْر من رُوَاة الحَدِيث فَأَنا رَأَيْته قد سقط حاجباه على عَيْنَيْهِ من الْكبر وَإنَّهُ ليتعرض للجوارى فى الطَّرِيق يغمزهن وَكَانَ بعد إِذا سُئِلَ يَقُول شيخ كَبِير مفتون أصابتنى دَعْوَة سعد وَأَرَادَ عمر رضى الله عَنهُ أَن يرد سَعْدا بعد ذَلِك إِلَى الْكُوفَة فَامْتنعَ وَأَقْبل سعد يَوْمًا بِرَجُل يسب عليا وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر رضى الله عَنْهُم فَنَهَاهُ فَكَأَنَّمَا زَاده إغراء فَقَالَ لَهُ وَيلك مَا تُرِيدُ إِلَى أَقوام خير مِنْك لتنتهين أَو لأدعون عَلَيْك فَقَالَ هاه فَكَأَنَّمَا تخوفنى يعْنى نَبيا من الْأَنْبِيَاء فَدخل سعد دَارا فَتَوَضَّأ وَدخل مَسْجِدا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن كَانَ عَبدك هَذَا يسب أَقْوَامًا قد سبقت لَهُم مِنْك الْحسنى حَتَّى أسخطك بسبه إيَّاهُم فأرنى فِيهِ الْيَوْم آيَة تكون آيَة للْمُؤْمِنين فَخرجت بُخْتِيَّة من دَار قوم وَأَقْبَلت لَا يصد صدرها شئ حَتَّى انْتَهَت إِلَيْهِ وتفرق النَّاس فَجَعَلته بَين قَوَائِمهَا ووطئته حَتَّى طفئ وَمِنْهَا على يَد ابْن عمر رضى الله عَنْهُمَا حَيْثُ قَالَ للأسد الذى منع النَّاس الطَّرِيق تَنَح فبصبص بِذَنبِهِ وَذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وعَلى يَد الْعَلَاء بن الحضرمى رضى الله عَنهُ وَقد بَعثه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى غزَاة بِجَيْش فحال بَينهم وَبَين الْموضع الْبَحْر فَدَعَا الله وَمَشوا على المَاء وَمَا جَاءَ أَنه كَانَ بَين يدى سلمَان وأبى الدَّرْدَاء رضى الله عَنْهُمَا قَصْعَة فسبحت حَتَّى سمعا التَّسْبِيح وَمَا اشْتهر أَن عمرَان بن حُصَيْن رضى الله عَنهُ كَانَ يسمع تَسْبِيح الْمَلَائِكَة حَتَّى اكتوى فانحبس ذَلِك عَنهُ ثمَّ أَعَادَهُ الله عَلَيْهِ وَمَا اشْتهر من قصَّة خَالِد بن الْوَلِيد رضى الله عَنهُ وهى أَنه شرب السم وَلم يضرّهُ فَإِن قلت مَا بَال الكرامات فى زمن الصَّحَابَة وَإِن كثرت فى نَفسهَا قَليلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يرْوى من الكرامات الكائنة بعدهمْ على يَد الْأَوْلِيَاء فَالْجَوَاب أَولا مَا أجَاب بِهِ الإِمَام الْجَلِيل أَحْمد ابْن حَنْبَل رضى الله عَنهُ حَيْثُ سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ أُولَئِكَ كَانَ إِيمَانهم قَوِيا فَمَا احتاجوا إِلَى زِيَادَة يقوى بهَا إِيمَانهم وَغَيرهم ضَعِيف الْإِيمَان فى عصره فاحتيج إِلَى تقويته بِإِظْهَار الْكَرَامَة وَنَظِيره قَول الشَّيْخ السهروردى رَحمَه الله حَيْثُ قَالَ وخرق الْعَادة إِنَّمَا يكاشف بِهِ لموْضِع ضعف يَقِين المكاشف رَحْمَة من الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْعباد ثَوابًا معجلا وَفَوق هَؤُلَاءِ قوم ارْتَفَعت الْحجب عَن قُلُوبهم فَمَا احتاجوا إِلَى ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وَثَانِيا أَن يُقَال مَا يظْهر على يدهم رُبمَا اسْتغنى عَنهُ اكْتِفَاء بعظيم مقدارهم ورؤيتهم طلعة الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولزومهم طَرِيق الاسْتقَامَة الذى هُوَ أعظم الْكَرَامَة مَعَ مَا فتح على يديهم من الدُّنْيَا وَلَا اشرأبوا لَهَا وَلَا جنحوا نَحْوهَا وَلَا استزلت وَاحِدًا فرضى الله عَنْهُم كَانَت الدُّنْيَا فى أَيْديهم أَضْعَاف مَا هى فى أيدى أهل دُنْيَانَا وَكَانَ إعراضهم عَنْهَا أَشد إِعْرَاض وَهَذَا من أعظم الكرامات وَلم يكن شوقهم إِلَّا إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَالدُّعَاء إِلَى جنابه جلّ وَعلا فَإِن قلت هَب أَنكُمْ دفعتم شبه المنكرين للكرامات فَمَا دليلكم أَنْتُم على إِثْبَاتهَا فَإِن القَوْل فى الدّين نفيا وإثباتا مُحْتَاج إِلَى الدَّلِيل قلت إِذا انْدفع مَا اسْتدلَّ بِهِ الْخُصُوم على الْمَنْع وَبَطلَت الاستحالة لم يبْق بعْدهَا إِلَّا الْجَوَاز إِذْ لَا وَاسِطَة بَين الْمَنْع والاستحالة ثمَّ فِيمَا ذَكرْنَاهُ من الْوَاقِعَات على يَد الصَّحَابَة مقنع لمن لَهُ أدنى بَصِيرَة ثمَّ إِن أَبيت إِلَّا دَلِيلا خَاصّا ليَكُون أقطع للشغب وأنفى للشبه فَنَقُول الدَّلِيل على ثُبُوت الكرامات وُجُوه أَحدهَا وَهُوَ أوحدها مَا شاع وذاع بِحَيْثُ لَا يُنكره إِلَّا جَاهِل معاند من أَنْوَاع الكرامات للْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ الجارى مجْرى شجاعة على وسخاء حَاتِم بل إِنْكَار الكرامات أعظم مباهتة فَإِنَّهُ أشهر وَأظْهر وَلَا يعاند فِيهِ إِلَّا من طمس قلبه وَالْعِيَاذ بِاللَّه والثانى قصَّة مَرْيَم من جِهَة حبلها من غير ذكر وَحُصُول الرطب الطرى من الْجذع الْيَابِس وَحُصُول الرزق عِنْدهَا فى غَيره أَوَانه وَمن غير حُضُور أَسبَابه على مَا أخبر الله تَعَالَى بقوله {كلما دخل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وجد عِنْدهَا رزقا قَالَ يَا مَرْيَم أَنى لَك هَذَا قَالَت هُوَ من عِنْد الله} وهى لم تكن نبية لَا عندنَا وَلَا عِنْد الْخُصُوم أما عندنَا فلأدلة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {مَا الْمَسِيح ابْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل وَأمه صديقَة} وَمِنْهَا الْإِجْمَاع على مَا نقل بَعضهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 وَأما عِنْد الْخصم فَلِأَنَّهُ يشْتَرط أَن يكون النبى ذكرا وَنحن لَا نخالفه فى ذَلِك بل نشترط الذُّكُورَة فى الْإِمَامَة وَالْقَضَاء فضلا عَن النُّبُوَّة هَكَذَا ذكر بعض أَئِمَّتنَا فَقَالَ القاضى لم يقم عندى من أَدِلَّة السّمع فى أَمر مَرْيَم وَجه قَاطع فى نفى نبوتها أَو إِثْبَاتهَا فَإِن قلت لم لَا يجوز أَن تكون معْجزَة لزكريا أَو يكون إرهاصا لولدها عِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام قلت لِأَن المعجزة تجب أَن تكون بمشهد من الرَّسُول وَالْقَوْم حَتَّى يُقيم الدّلَالَة عَلَيْهِم وَمَا حكيناه من كراماتها نَحْو قَول جِبْرِيل لَهَا {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنيا} لم يكن بِحُضُور أحد بِدَلِيل قَوْله {فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا فَقولِي إِنِّي نذرت للرحمن صوما} وَأَيْضًا فالمعجزة تكون بالتماس الرَّسُول وزَكَرِيا مَا كَانَ يعلم بِحُصُول ذَلِك لقَوْله {أَنى لَك هَذَا} وَأَيْضًا فَهَذِهِ الخوارق إِنَّمَا ذكرت لتعظيم شَأْن مَرْيَم فَيمْتَنع وُقُوعهَا كَرَامَة لغَيْرهَا وَلَا يجوز أَن تكون إرهاصا لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام لِأَن الإرهاص أَن يخْتَص الرَّسُول قبل رسَالَته بالكرامات فَأَما مَا يحصل بِهِ كَرَامَة الْغَيْر لأجل أَنه سيجىء بعد ذَلِك فَذَلِك هُوَ الْكَرَامَة الَّتِى يدعيها وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ ذَلِك لجَاز فى كل معْجزَة ظَهرت على يَد مدعى الرسَالَة أَن تكون إرهاصا لنبى آخر يجىء بعد ذَلِك وتجويز هَذَا يُؤدى إِلَى سد بَاب الِاسْتِدْلَال بالمعجزة على النُّبُوَّة وَقَرِيب من قصَّة مَرْيَم قصَّة أم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا كَانَ من إلهام الله تَعَالَى إِيَّاهَا حَتَّى طابت نَفسهَا بإلقاء وَلَدهَا فى اليم إِلَى غير ذَلِك مِمَّا خصت بِهِ أفترى ذَلِك سدى قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلم يصر أحد من أهل التواريخ ونقلة الأقاصيص إِلَى أَنَّهَا كَانَت نبية صَاحِبَة معْجزَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَالثَّالِث التَّمَسُّك بِقصَّة أَصْحَاب الْكَهْف فَإِن لبثهم ثَلَاث مائَة سِنِين وأزيد نياما أَحيَاء من غير آفَة مَعَ بَقَاء الْقُوَّة العادية بِلَا غذَاء وَلَا شراب من جملَة الخوارق وَلم يَكُونُوا أَنْبيَاء فَلم تكن معْجزَة فَتعين كَونهَا كَرَامَة وَادّعى إِمَام الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاق الْمُسلمين على أَنهم لم يَكُونُوا أَنْبيَاء وَإِنَّمَا كَانُوا على دين ملك فى زمانهم يعبد الْأَوْثَان فَأَرَادَ الله أَن يهْدِيهم فشرح صُدُورهمْ لِلْإِسْلَامِ وَلم يكن ذَلِك عَن دَعْوَة دَاع دعاهم وَلَكنهُمْ لما وقفُوا تَفَكَّرُوا وتدبروا ونظروا فاستبان لَهُم ضلال صَاحبهمْ وَرَأَوا أَن يُؤمنُوا بفاطر السَّمَوَات وَالْأَرضين ومبدع الْخَلَائق أَجْمَعِينَ وَلَا يُمكن أَن يَجْعَل ذَلِك معْجزَة لنبى آخر أما أَولا فلأنهم أخفوه حَيْثُ قَالُوا {وَلَا يشعرن بكم أحدا} والمعجزة لَا يُمكن إِخْفَاؤُهَا وَأما ثَانِيًا فَلِأَن المعجزة يجب الْعلم بهَا وبقاءهم هَذِه الْمدَّة لَا يُمكن علم الْخلق بِهِ لِأَن الْخلق لم يشاهدوه فَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا بإخبارهم لَو صَحَّ أَنهم يعلمُونَ ذَلِك وإخبارهم بذلك إِنَّمَا يُفِيد إِذا ثَبت صدقهم بِدَلِيل آخر وَهُوَ غير حَاصِل وَأما إِثْبَات صدقهم بِهَذَا الْأَمر فدور مُمْتَنع لِأَنَّهُ إِنَّمَا يثبت هَذَا الْأَمر إِذا ثَبت صدقهم فَلَو توقف صدقهم عَلَيْهِ لدار وَأما ثَالِثا فَإِنَّهُ لَيْسَ لذَلِك النبى ذكر وَلَا دَلِيل يدل عَلَيْهِ فإثبات المعجزة لَهُ لَا فَائِدَة فِيهِ لِأَن فَائِدَة المعجزة التَّصْدِيق وتصديق وَاحِد غير معِين محَال الرَّابِع التَّمَسُّك بقصص شَتَّى مثل قصَّة آصف بن برخيا مَعَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فى حمل عرش بلقيس إِلَيْهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْهِ طرفه على قَول أَكثر الْمُفَسّرين بِأَنَّهُ المُرَاد بالذى عِنْده علم من الْكتاب وَمَا قدمْنَاهُ عَن الصَّحَابَة وَمَا تَوَاتر عَمَّن بعدهمْ من الصَّالِحين وَخرج عَن حد الْحصْر وَلَو أَرَادَ الْمَرْء استيعابه لما كفته أوساق أحمال وَلَا أوقار جمال ومازال النَّاس فى الْأَعْصَار السَّابِقَة وهم بِحَمْد الله إِلَى الْآن فى الْأَزْمَان اللاحقة وَلَكنَّا نستدل بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ فقد كَانُوا من قبل مَا نبغ النابغون وَنَشَأ الزائغون يتفاوضون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 فى كرامات الصَّالِحين وينقلون مَا جرى من ذَلِك لعباد بنى إِسْرَائِيل فَمن بعدهمْ وَكَانَت الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم من أَكثر النَّاس خوضا فى ذَلِك الْخَامِس مَا أعطَاهُ الله تَعَالَى لعلماء هَذِه الْأمة وأوليائها من الْعُلُوم حَتَّى صنفوا كتبا كَثِيرَة لَا يُمكن غَيرهم نسخهَا فى مُدَّة عمر مصنفها مَعَ التَّوْفِيق لدقائق تخرج عَن حد الْحصْر واستنباطات تطرب ذوى النهى واستخراجات لمعان شَتَّى من الْكتاب وَالسّنة تطبق طبق الأَرْض وَتَحْقِيق للحق وَإِبْطَال للباطل وَمَا صَبَرُوا عَلَيْهِ من المجاهدات والرياضات وَالدَّعْوَى إِلَى الْحق وَالصَّبْر على أَنْوَاع الْأَذَى وعزوف أنفسهم عَن لذات الدُّنْيَا مَعَ نِهَايَة عُقُولهمْ وذكائهم وفطنتهم وَمَا حبب إِلَيْهِم من الدأب فى الْعُلُوم وكد النَّفس فى تَحْصِيلهَا بِحَيْثُ إِذا تَأمل المتأمل مَا أَعْطَاهُم الله مِنْهُ عرف أَنه أعظم من إِعْطَائِهِ بعض عبيده كسرة خبز فى أَرض مُنْقَطِعَة وشربة مَاء فى مفازة وَنَحْوهمَا مِمَّا يعد كَرَامَة فَإِن قلت قد أَكثرْتُم القَوْل فى الكرامات وَمَا أفصحتم بالمختار عنْدكُمْ من الْأَقْوَال المنقولات قلت هَذَا مقَام معضل خطر والاحتجار على مواهب الله لأوليائه عَظِيم عسر والاتساع فِي التجويز آيل إِلَى فتح بَاب على المعجزات مسدود وَالَّذِي يتَرَجَّح عِنْدِي القَوْل بتجويز الكرامات على الْإِطْلَاق إِذا لم تخرق عَادَة وبتجويز بعض خوارق العوائد دون بعض فَلَا أمنع كثيرا من الخوارق وَأَمْنَع كثيرا ولي فِي ذَلِك قدوة وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن قلت عرفني مَا تَمنعهُ ومالا تَمنعهُ ليتبين مذهبك قلت أمنع ولدا من غير أبوين وقلب جماد بَهِيمَة وَنَحْو ذَلِك وسيتضح لَك ذَلِك عِنْد ذكر الْأَنْوَاع الَّتِي أبديها على الْأَثر إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما جُمْهُور أَئِمَّتنَا فعمموا التجويز وأطلقوا القَوْل إطلاقا وَأخذ بعض الْمُتَأَخِّرين يعدد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 أَنْوَاع الْوَاقِعَات من الكرامات فَجَعلهَا عشرَة وَهِي أَكثر من ذَلِك وَأَنا أذكر مَا عِنْدِي فِيهَا النَّوْع الأول إحْيَاء الْمَوْتَى وَاسْتشْهدَ لذَلِك بِقصَّة أبي عبيد البسري فقد صَحَّ أَنه غزا وَمَعَهُ دَابَّة فَمَاتَتْ فَسَأَلَ الله أَن يُحْيِيهَا حَتَّى يرجع إِلَى بسر فَقَامَتْ الدَّابَّة تنفض أذنيها فَلَمَّا فرغ من الْغَزْوَة وَوصل إِلَى بسر أَمر خادمه أَن يَأْخُذ السرج عَن الدَّابَّة فَلَمَّا أَخذه سَقَطت ميتَة والحكايات فى هَذَا الْبَاب كَثِيرَة وَمن أواخرها أَن مفرجا الدمامينى وَكَانَ من أَوْلِيَاء الله من أهل الصَّعِيد ذكر أَنه أحضرت عِنْده فراخ مشوية فَقَالَ لَهَا طيرى فطارت أَحيَاء بِإِذن الله تَعَالَى وَأَن الشَّيْخ الأهدل كَانَت لَهُ هرة ضربهَا خادمه فَمَاتَتْ فَرمى بهَا فى خرابة فَسَأَلَ عَنْهَا الشَّيْخ بعد لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث فَقَالَ الْخَادِم لَا أدرى فَقَالَ الشَّيْخ أما تدرى ثمَّ ناداها فَجَاءَت إِلَيْهِ تجرى وحكاية الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلانى رضى الله عَنهُ وَوَضعه يَده على عِظَام دجَاجَة كَانَ قد أكلهَا وَقَوله لَهَا قومى بِإِذن الله الذى يحيى الْعِظَام وهى رَمِيم فَقَامَتْ دجَاجَة سوية حِكَايَة مَشْهُورَة وَذكروا أَن الشَّيْخ أَبَا يُوسُف الدهمانى مَاتَ لَهُ صَاحب فجزع عَلَيْهِ أَهله فَلَمَّا رأى الشَّيْخ شدَّة جزعهم جَاءَ إِلَى الْمَيِّت وَقَالَ لَهُ قُم بِإِذن الله فَقَامَ وعاش بعد ذَلِك زَمنا طَويلا وحكاية زين الدّين الفارقى الشافعى مدرس الشامية شهيرة وَقد سَمعتهَا من لفظ وَلَده ولى الله الشَّيْخ فتح الدّين يحيى فَحكى لنا مَا سنحكيه فى تَرْجَمَة وَالِده مِمَّا حَاصله أَنه وَقع فى دَاره طِفْل صَغِير من سطح فَمَاتَ فدعى الله فأحياه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 وَلَا سَبِيل إِلَى استقصاء مَا يحْكى من هَذَا النَّوْع لكثرته وَأَنا أومن بِهِ غير أَنى أَقُول لم يثبت عندى أَن وليا حيى لَهُ ميت مَاتَ من أزمان كَثِيرَة بَعْدَمَا صَار عظما رميما ثمَّ عَاشَ بعد مَا حيى لَهُ زَمَانا كثيرا هَذَا الْقدر لم يبلغنَا وَلَا أعتقده وَقع لأحد من الْأَوْلِيَاء وَلَا شكّ فى وُقُوع مثله للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام مثل هَذَا يكون معْجزَة وَلَا تنتهى إِلَيْهِ الْكَرَامَة فَيجوز أَن يجىء نبى قبل اختتام النُّبُوَّة بإحياء أُمَم انْقَضتْ قبله بدهور ثمَّ إِذا عاشوا استمروا فى قيد الْحَيَاة أزمانا وَلَا أعتقد الْآن أَن وليا يحيى لنا الشافعى وَأَبا حنيفَة حَيَاة يبقيان مَعهَا زَمَانا طَويلا كَمَا عمرا قبل الْوَفَاة بل وَلَا زَمَانا قَصِيرا يخالطان فِيهِ الْأَحْيَاء كَمَا خالطاهما قبل الْوَفَاة النَّوْع الثانى كَلَام الْمَوْتَى وَهُوَ أَكثر من النَّوْع قبله وروى مثله عَن أَبى سعيد الخراز رضى الله عَنهُ ثمَّ عَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر رضى الله عَنهُ وَعَن جمَاعَة من آخِرهم بعض مَشَايِخ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله وَلست أُسَمِّيهِ النَّوْع الثَّالِث انفلاق الْبَحْر وجفافه والمشى على المَاء وكل ذَلِك كثير وَقد اتّفق مثله لشيخ الْإِسْلَام وَسيد الْمُتَأَخِّرين تقى الدّين بن دَقِيق العَبْد الرَّابِع انقلاب الْأَعْيَان كَمَا حكى أَن الشَّيْخ عِيسَى الهتار الْيُمْنَى أرسل إِلَيْهِ شخص مستهزئا بِهِ إناءين ممتلئين خمرًا فصب أَحدهمَا فى الآخر وَقَالَ بِسم الله كلوا فَأَكَلُوا فَإِذا هُوَ سمن لم ير مثل لَونه وريحه وَقد أَكْثرُوا فى ذكر نَظِير هَذِه الْحِكَايَة الْخَامِس انزواء الأَرْض لَهُم بِحَيْثُ حكوا أَن بعض الْأَوْلِيَاء كَانَ فى جَامع طرسوس فاشتاق إِلَى زِيَارَة الْحرم فَأدْخل رَأسه فى جبته ثمَّ أخرجه وَهُوَ فى الْحرم وَالْقدر الْمُشْتَرك من الحكايات فى هَذَا النَّوْع بَالغ مبلغ التَّوَاتُر وَلَا يُنكره إِلَّا مباهت السَّادِس كَلَام الجمادات والحيوانات وَلَا شكّ فِيهِ وفى كثرته وَمِنْه مَا حكى أَن إِبْرَاهِيم بن أدهم جلس فى طَرِيق بَيت الْمُقَدّس تَحت شَجَرَة رمان فَقَالَت لَهُ يَا أَبَا إِسْحَاق أكرمنى بِأَن تَأْكُل منى شَيْئا قَالَت ذَلِك ثَلَاثًا وَكَانَت شَجَرَة قَصِيرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 ورمانها حامضا فَأكل مِنْهَا رمانة فطالت وحلا رمانها وحملت فى الْعَام مرَّتَيْنِ وَسميت رمانة العابدين وَقَالَ الشبلى عقدت أَنى لَا آكل إِلَّا من حَلَال فَكنت أدور فى البرارى فَرَأَيْت شَجَرَة تين فمددت يدى لآكل مِنْهَا فنادتنى الشَّجَرَة احفظ عَلَيْك عقدك وَلَا تَأْكُل منى فإنى ليهودى فكففت يدى السَّابِع إِبْرَاء العليل كَمَا روى عَن السرى فى حِكَايَة الرجل الذى لقِيه بِبَعْض الْجبَال يبرىء الزمنى والعميان والمرضى وكما حكى عَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر أَنه قَالَ لصبى مقْعد مفلوج أعمى مجذوم قُم بِإِذن الله فَقَامَ لَا عاهة بِهِ االثامن طَاعَة الْحَيَوَانَات لَهُم كَمَا فى حِكَايَة الْأسد مَعَ أَبى سعيد بن أَبى الْخَيْر الميهنى وَقَبله إِبْرَاهِيم الْخَواص بل وَطَاعَة الجمادات كَمَا فى حِكَايَة سُلْطَان الْعلمَاء شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام وَقَوله فى وَاقعَة الفرنج يَا ريح خُذِيهِمْ فَأَخَذتهم التَّاسِع طى الزَّمَان الْعَاشِر نشر الزَّمَان وفى تَقْرِير هذَيْن الْقسمَيْنِ عسر على الأفهام وتسليمه لأَهله أولى بذى الْإِيمَان والحكايات فيهمَا كَثِيرَة الحادى عشر استجابة الدُّعَاء وَهُوَ كثير جدا وشاهدناه من جمَاعَة الثانى عشر إمْسَاك اللِّسَان عَن الْكَلَام وانطلاقه الثَّالِث عشر جذب بعض الْقُلُوب فى مجْلِس كَانَت فِيهِ فى غَايَة النفرة الرَّابِع عشر الْإِخْبَار بِبَعْض المغيبات والكشف وَهُوَ دَرَجَات تخرج عَن حد الْحصْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 الْخَامِس عشر الصَّبْر على عدم الطَّعَام وَالشرَاب الْمدَّة الطَّوِيلَة السَّادِس عشر مقَام التصريف فقد حكى عَن جمَاعَة مِنْهُ الشئ الْكثير وَذكر أَن بَعضهم كَانَ يَبِيع الْمَطَر وَكَانَ من الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس الشاطر يَبِيع الأشغال بِالدَّرَاهِمِ وَكَثُرت الحكايات عَنهُ فى هَذَا الْبَاب بِحَيْثُ لم يبْق للذهن مساع فى إنكارها السَّابِع عشر الْقُدْرَة على تنَاول الْكثير من الْغذَاء الثَّامِن عشر الْحِفْظ عَن أكل الْحَرَام كَمَا حكى عَن الْحَارِث المحاسبى أَنه كَانَ يرْتَفع إِلَى أَنفه زفورة من المأكل الْحَرَام فَلَا يَأْكُلهُ وَقيل كَانَ يَتَحَرَّك لَهُ عرق وَحكى نَظِيره عَن الشَّيْخ أَبى الْعَبَّاس المرسى وَقيل إِن بعض النَّاس امتحنه وأحضر لَهُ مأكلا حَرَامًا فبمجرد مَا وَضعه بَين يَدَيْهِ قَالَ إِن كَانَ المحاسبى يَتَحَرَّك مِنْهُ عرق فَأَنا يَتَحَرَّك منى عِنْد حُضُور الْحَرَام سَبْعُونَ عرقا ونهض من سَاعَته وَانْصَرف التَّاسِع عشر رُؤْيَة الْمَكَان الْبعيد من وَرَاء الْحجب كَمَا قيل إِن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشيرازى كَانَ يُشَاهد الْكَعْبَة وَهُوَ بِبَغْدَاد الْعشْرُونَ الهيبة الَّتِى لبَعْضهِم بِحَيْثُ مَاتَ من شَاهده بِمُجَرَّد رُؤْيَته كصاحب أَبى يزِيد البسطامى الذى قدمنَا حكايته أَو بِحَيْثُ أفحم بَين يَدَيْهِ أَو اعْترف بِمَا لَعَلَّه كتمه عَنهُ أَو غير ذَلِك وَهُوَ كثير الحادى وَالْعشْرُونَ كِفَايَة الله إيَّاهُم شَرّ من يُرِيد بهم سوءا وانقلابه خيرا كَمَا اتّفق للشافعى رضى الله عَنهُ مَعَ هَارُون الرشيد رَحمَه الله الثَّانِي وَالْعشْرُونَ التطور بأطوار مُخْتَلفَة وَهَذَا الذى تسميه الصُّوفِيَّة بعالم الْمثل ويثبتون عَالما متوسطا بَين عالمى الْأَجْسَام والأرواح سموهُ عَالم الْمِثَال وَقَالُوا هُوَ ألطف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 من عَالم الْأَجْسَام وأكثف من عَالم الْأَرْوَاح وبنوا عَلَيْهِ تجسد الْأَرْوَاح وظهورها فى صور مُخْتَلفَة من عَالم الْمِثَال واستأنسوا لَهُ بقوله تَعَالَى {فتمثل لَهَا بشرا سويا} وَمِنْه مَا حكى عَن قضيب البان الموصلى وَكَانَ من الأبدال أَنه اتهمه بعض من لم يره يصلى بترك الصَّلَاة وشدد النكير عَلَيْهِ فتمثل لَهُ على الْفَوْر فى صور مُخْتَلفَة وَقَالَ فى أى هَذِه الصُّور رأيتنى مَا أصلى وَلَهُم من هَذَا النَّوْع حكايات كَثِيرَة وَمِمَّا // اتّفق // لبَعض الْمُتَأَخِّرين أَنه وجد فَقِيرا شَيخا كَبِيرا يتَوَضَّأ بِالْقَاهِرَةِ فى الْمدرسَة الشرفية من غير تَرْتِيب فَقَالَ لَهُ يَا شيخ تتوضأ بِلَا تَرْتِيب فَقَالَ لَهُ مَا تَوَضَّأت إِلَّا مُرَتبا وَلَكِن أَنْت مَا تبصر لَو أَبْصرت لأبصرت هَكَذَا وَأخذ بِيَدِهِ وَأرَاهُ الْكَعْبَة ثمَّ مر بِهِ إِلَى مَكَّة فَوجدَ نَفسه فى مَكَّة وَأقَام بهَا سِنِين فى حِكَايَة يطول شرحها الثَّالِث وَالْعشْرُونَ إطلاع الله إيَّاهُم على ذخائر الأَرْض كَمَا قدمْنَاهُ فى حِكَايَة أَبى تُرَاب لما ضرب بِرجلِهِ الأَرْض فَإِذا عين مَاء زلال وَعَن بَعضهم أَنه عَطش أَيْضا فى طَرِيق الْحَج فَلم يجد مَاء عِنْد أحد فَوجدَ فَقِيرا قد ركز عكازه فى مَوضِع وَالْمَاء يَنْبع من تَحت عكازه فَمَلَأ قربته وَدلّ الحجيج عَلَيْهِ فَجَاءُوا فملأوا أوانيهم من ذَلِك المَاء الرَّابِع وَالْعشْرُونَ مَا سهل لكثير من الْعلمَاء من التصانيف فى الزَّمن الْيَسِير بِحَيْثُ وزع زمَان تصنيفهم على زمَان اشتغالهم بِالْعلمِ إِلَى أَن مَاتُوا فَوجدَ لَا يفى بِهِ نسخا فضلا عَن التصنيف وَهَذَا قسم من نشر الزَّمَان الذى قدمْنَاهُ فقد اتّفق النقلَة على أَن عمر الشافعى رَحمَه الله لَا يفى بِعشر مَا أبرزه من التصانيف مَعَ مَا يثبت عَنهُ من تِلَاوَة الْقُرْآن كل يَوْم ختمة بالتدبر وفى رَمَضَان كل يَوْم ختمتين كَذَلِك واشتغاله بالدرس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 والفتاوى وَالذكر والفكر والأمراض الَّتِى كَانَت تعتوره بِحَيْثُ لم يخل رضى الله عَنهُ من عِلّة أَو علتين أَو أَكثر وَرُبمَا اجْتمع فِيهِ ثَلَاثُونَ مَرضا وَكَذَلِكَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو المعالى الجوينى رَحمَه الله حسب عمره وَمَا صنفه مَعَ مَا كَانَ يلقيه على الطّلبَة وَيذكر بِهِ فى مجَالِس التَّذْكِير فَوجدَ لَا يفى بِهِ وَقَرَأَ بَعضهم ثمانى ختمات فى الْيَوْم الْوَاحِد وأمثال هَذَا كثير وَهَذَا الإِمَام الربانى الشَّيْخ محيى الدّين النووى رَحمَه الله وزع عمره على تصانيفه فَوجدَ أَنه لَو كَانَ ينسخها فَقَط لما كفاها ذَلِك الْعُمر فضلا عَن كَونه يصنفها فضلا عَمَّا كَانَ يضمه إِلَيْهَا من أَنْوَاع الْعِبَادَات وَغَيرهَا وَهَذَا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله إِذا حسب مَا كتبه من التصانيف مَعَ مَا كَانَ يواظبه من الْعِبَادَات ويمليه من الْفَوَائِد ويذكره فى الدُّرُوس من الْعُلُوم ويكتبه على الْفَتَاوَى ويتلوه من الْقُرْآن ويشتغل بِهِ من المحاكمات عرف أَن عمره قطعا لَا يفى بِثلث ذَلِك فسبحان من يُبَارك لَهُم ويطوى لَهُم وينشر الْخَامِس وَالْعشْرُونَ عدم تَأْثِير السمومات وأنواع الْمُتْلفَات فيهم كَمَا اتّفق ذَلِك للشَّيْخ الذى قَالَ لَهُ بعض الْمُلُوك إِمَّا أَن تظهر لى آيَة وَإِلَّا قتلت الْفُقَرَاء وَكَانَ بِقُرْبِهِ بعر جمال فَقَالَ انْظُر فَإِذا هى ذهب وَعِنْده كوز لَيْسَ فِيهِ مَاء فَأَخذه وَرمى بِهِ فى الْهَوَاء فَأَخذه ورده ممتلئا مَاء وَهُوَ منكس لم يخرج مِنْهُ قَطْرَة فَقَالَ الْملك هَذَا سحر وأوقد نَارا عَظِيمَة ثمَّ أَمرهم بِالسَّمَاعِ فَلَمَّا دَار فيهم الوجد دخل الشَّيْخ والفقراء فى النَّار ثمَّ خرج فخطف ابْنا صَغِيرا للْملك فَدخل بِهِ وَغَابَ سَاعَة بِحَيْثُ كَاد الْملك يَحْتَرِق على وَلَده ثمَّ خرج بِهِ وفى إِحْدَى يدى الصبى تفاحة وفى الْأُخْرَى رمانة فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أَيْن كنت قَالَ فى بُسْتَان فَقَالَ جلساء الْملك هَذَا صَنْعَة لَا حَقِيقَة لَهُ فَقَالَ لَهُ الْملك إِن شربت هَذَا الْقدح من السم صدقتك فشربه وتمزقت ثِيَابه عَلَيْهِ ثمَّ ألقوا عَلَيْهِ غَيرهَا فتمزقت ثمَّ هَكَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 مرَارًا إِلَى أَن ثبتَتْ عَلَيْهِ الثِّيَاب وَانْقطع عَنهُ عرق كَانَ أَصَابَهُ وَلم يُؤثر فِيهِ السم ضَرَرا وأظن أَنْوَاع كراماتهم تربو على الْمِائَة وَفِيمَا أوردته دلَالَة على مَا أهملته ومقنع وبلاغ لمن زَالَت عَنهُ غفلته وَمَا من نوع من هَذِه الْأَنْوَاع إِلَّا وَقد كثرت فِيهِ الأقاصيص وَالرِّوَايَات وشاعت فِيهِ الْأَخْبَار والحكايات وماذا بعد الْحق إِلَّا الضلال وَلَا بعد بَيَان الْهدى إِلَّا الْمحَال وَلَيْسَ للموفق غير التَّسْلِيم وسؤال ربه أَن يلْحقهُ بهؤلاء الصَّالِحين فَإِنَّهُم على صِرَاط مُسْتَقِيم وَلَو حاولنا حصر مَا جراياتهم لضيقنا الأنفاس وضيعنا القرطاس 69 - الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن قَاسم بن مُحَمَّد بن سيار مولى الْوَلِيد بن عبد الْملك أَبُو مُحَمَّد الأندلسى القرطبى أحد أَعْلَام الْأمة أَخذ الْفِقْه عَن المزنى وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَمُحَمّد بن عبد الله بن عبد الحكم وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشافعى وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الحزامى والْحَارث بن مِسْكين وروى عَنْهُم روى عَنهُ أَحْمد بن خَالِد الْجبَاب وَمُحَمّد بن عمر بن لبَابَة وَابْنه مُحَمَّد بن قَاسم وَسَعِيد بن عُثْمَان الأعناقى وَغَيرهم الحديث: 69 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وصنف كتاب الْإِيضَاح فى الرَّد على المقلدين مَعَ ميله إِلَى مَذْهَب الشافعى قَالَ أَحْمد بن خَالِد مَا رَأَيْت مثل قَاسم فى الْفِقْه مِمَّن دخل الأندلس من أهل الرحل وَله مُصَنف جليل فى خبر الْوَاحِد توفى سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة سبع وَسبعين 70 - مُوسَى بن إِسْحَاق بن مُوسَى الأنصارى القاضى أَبُو بكر الخطمى نِسْبَة إِلَى بطن من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ خطمة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة ثمَّ طاء مُهْملَة سَاكِنة ثمَّ مِيم بن جشم بِضَم الْجِيم ثمَّ شين مُعْجمَة مَفْتُوحَة ثمَّ مِيم ولد سنة عشر وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ قَاضِيا مهيبا فصيحا مصمما قيل لم ير مُتَبَسِّمًا قطّ وَهُوَ الذى قَالَت لَهُ امْرَأَة أَيهَا القاضى لَا يحل لَك أَن تحكم بَين النَّاس لِأَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا يقْضى القاضى بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان وَأَنت عمرك غَضْبَان فَتَبَسَّمَ وَسَيَرِدُ نَظِير الْحِكَايَة فى تَرْجَمَة القاضى أَبى بكر الشامى فى الطَّبَقَة الرَّابِعَة سمع أَبَاهُ 71 - بِضَم الْكَاف وَفتح النُّون وَإِسْكَان آخر الْحُرُوف آخِره زاى مُعْجمَة كَانَ خَادِمًا للمنتصر بِاللَّه بن المتَوَكل الحديث: 70 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 لما مَاتَ مَوْلَاهُ خرج إِلَى مصر وَسمع من حَرْمَلَة وَالربيع بن سُلَيْمَان والزعفرانى وروى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم الطبرانى وَغَيره وَكَانَ يقرئ الْفِقْه بِجَامِع دمشق على مَذْهَب الشافعى بعد أَن أَقَامَ بِمصْر مُدَّة يذب عَن مذْهبه ويناظر المالكيين حَتَّى سعوا بِهِ إِلَى أَحْمد بن طولون وَقَالُوا إِنَّه جاسوس قدم من بَغْدَاد فحبسه فَلم يزل فى الْحَبْس إِلَى مضى سبع سِنِين وَمَات ابْن طولون فَأخْرج وَمضى إِلَى الأسكندرية وَأقَام بهَا سبع سِنِين يُعِيد كل صَلَاة صلاهَا فى الْحَبْس لِأَنَّهُ كَانَ مَحْبُوسًا فى مَكَان قذر ثمَّ ورد الشَّام 72 - نوح بن مَنْصُور بن مرداس أَبُو مُسلم السلمى سمع الْحسن بن عَرَفَة وَالْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح الزعفرانى وَغَيرهمَا ورحل إِلَى مصر وَكتب بهَا عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَالربيع بن سُلَيْمَان ثمَّ استوطن بِالآخِرَة شيراز إِلَى حِين وَفَاته وروى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم الطبرانى وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حَيَّان الملقب أَبَا الشَّيْخ وَغَيرهمَا وَكتب كتب الشافعى عَن يُونُس وَالربيع بِمصْر وَمَات بشيراز سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ الحديث: 72 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 73 - أَبُو الْفضل البتانى وبتان بِضَم الْبَاء المنقوطة بِوَاحِدَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق المخففة وفى آخرهَا النُّون من قرى طريثيث من نواحى نيسابور قَالَ ابْن مَاكُولَا أحد الزهاد والفضلاء من أَصْحَاب الشافعى يحدث عَن على ابْن إِبْرَاهِيم البتانى من أَصْحَاب عبد الله بن الْمُبَارك روى عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن البتانى قلت وَتبع ابْن السمعانى ابْن مَاكُولَا فَلم يزدْ فى تَرْجَمَة الرجل على مَا ذكره ثمَّ تبعهما شَيخنَا الذهبى فَذكره فى كتاب المشتبه مُخْتَصرا وَالرجل فى هَذِه الطَّبَقَة آخر الطَّبَقَة الثَّانِيَة الحديث: 73 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 الطَّبَقَة الثَّالِثَة 74 - أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن الْعَبَّاس أَبُو بكر الإسماعيلى إِمَام أهل جرجان والمرجوع إِلَيْهِ فى الْفِقْه والْحَدِيث وَصَاحب التصانيف ولد سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَسمع من الزَّاهِد مُحَمَّد بن عُثْمَان المقابرى الجرجانى سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَسمع قبل ذَلِك وَسمع إِبْرَاهِيم بن زُهَيْر الحلوانى وَحَمْزَة بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْكَاتِب وَأحمد بن مُحَمَّد ابْن مَسْرُوق وَمُحَمّد بن يحيى بن سُلَيْمَان المروزى وَيحيى بن مُحَمَّد الحنائى وَعبد الله ابْن نَاجِية والفريابى ويوسف بن يَعْقُوب القاضى وَمُحَمّد بن عبد الله الحضرمى وَإِبْرَاهِيم بن عبد الله المخرمى وَمُحَمّد بن عُثْمَان بن أَبى شيبَة وَمُحَمّد بن الْحسن بن سَمَّاعَة وَأَبا خَليفَة المجمحى وبهلول بن إِسْحَاق التنوخى وعبدان وَأَبا يعلى وخلقا سواهُم بِبَغْدَاد والكوفة وَالْبَصْرَة والأنبار والأهواز والموصل روى عَنهُ الْحَاكِم وَأَبُو بكر البرقانى وَحَمْزَة السهمى وَأَبُو حَازِم العبدوى وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن إِدْرِيس الجرجرائى الْحَافِظ وَخلق سواهُم قَالَ حَمْزَة سمعته يَقُول لما ورد نعى مُحَمَّد بن أَيُّوب الرازى دخلت الدَّار وبكيت وصرخت ومزقت على نفسى الْقَمِيص وَوضعت التُّرَاب على رأسى فاجمتع على أهلى وَمن فى منزلى وَقَالُوا مَا أَصَابَك قلت نعى مُحَمَّد بن أَيُّوب الرازى منعتمونى الارتحال إِلَيْهِ فَسَلُوا قلبى وأذنوا لى فى الْخُرُوج عِنْد ذَلِك وأصحبونى خالى إِلَى نسا إِلَى الْحسن بن سُفْيَان فَكَانَ ذَلِك أول رحلتى فى الحَدِيث وَرجعت الحديث: 74 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 قَالَ شَيخنَا الذهبى كَانَ ذَلِك سنة أَربع وَتِسْعين فَإِن فِيهَا توفى مُحَمَّد بن أَيُّوب قَالَ ثمَّ خرجت إِلَى بَغْدَاد سنة سِتّ وَتِسْعين وصحبنى بعض أقربائى قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق جمع يعْنى الإسماعيلى بَين الْفِقْه والْحَدِيث ورياسة الدّين وَالدُّنْيَا وَقَالَ الدارقطنى كنت عزمت غير مرّة أَن أرحل إِلَى أَبى بكر الإسماعيلى فَلم أرزق وَقَالَ الْحسن بن على الْحَافِظ كَانَ الْوَاجِب للإسماعيلى أَن يصنف لنَفسِهِ سننا ويختار على حسب اجْتِهَاده فَإِنَّهُ كَانَ يقدر عَلَيْهِ لِكَثْرَة مَا كَانَ كتب ولغزارة علمه وفهمه وجلالته وَمَا كَانَ ينبغى أَن يتبع كتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَإِنَّهُ كَانَ أجل من أَن يتبع غَيره أَو كَمَا قَالَ وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم كَانَ أَبُو بكر وَاحِد عصره وَشَيخ الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء وأجلهم فى الرياسة والمروءة والسخاء وَلَا خلاف بَين عقلاء الْفَرِيقَيْنِ من أهل الْعلم فِيهِ وَقَالَ غَيره لَهُ التصانيف الْكَثِيرَة مِنْهَا الْمُسْتَخْرج على الصَّحِيح والمعجم وَله مُسْند كَبِير فى نَحْو مائَة مُجَلد قَالَ حَمْزَة توفى فى غرَّة صفر سنة إِحْدَى وَسبعين وثلاثمائة قَول الراوى من السّنة كَذَا ذكر النووى فى خطْبَة شرح الْمُهَذّب أَن الصَّحِيح الْمَشْهُور أَن قَول الصحابى من السّنة كَذَا فى حكم الْمَرْفُوع وَأَنه مَذْهَب الجماهير وَأَن أَبَا بكر الإسماعيلى قَالَ لَهُ حكم الْمَوْقُوف على الصحابى قلت الْأَكْثَر كَمَا قَالَ النووى على أَنه حجَّة وَقد أغرب المازرى فى شرح ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 75 - أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن نومردا أَبُو بكر من أهل جرجان وَكَانَ أحد أصدقاء أَبى بكر الإسماعيلى ذكره حَمْزَة بن يُوسُف السهمى فى تَارِيخ جرجان وَقَالَ تفقه على ابْن سُرَيج قَالَ وَسمعت أَبى يُوسُف بن إِبْرَاهِيم يَقُول إِنَّه مَاتَ فَجْأَة سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة وَكَانَ قد خرج من الْحمام فَوَقع عَلَيْهِ حَائِط فَمَاتَ 76 - أَحْمد بن إِسْحَاق بن أَيُّوب بن يزِيد بن عبد الرَّحْمَن بن نوح النيسابورى الإِمَام الْجَلِيل أَبُو بكر بن إِسْحَاق الصبغى أحد الْأَئِمَّة الجامعين بَين الْفِقْه والْحَدِيث رأى يحيى الذهلى وَأَبا حَاتِم الرازى وَسمع الْفضل بن مُحَمَّد الشعرانى وَإِسْمَاعِيل بن قُتَيْبَة وَيَعْقُوب بن يُوسُف القزوينى وَمُحَمّد بن أَيُّوب وببغداد الْحَارِث بن أَبى أُسَامَة وَإِسْمَاعِيل القاضى وبالبصرة هِشَام بن على وبمكة على بن عبد الْعَزِيز وَاخْتلف إِلَى مُحَمَّد بن نصر وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا الحديث: 75 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 روى عَنهُ أَبُو على الْحَافِظ وَأَبُو بكر الإسماعيلى وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم الجرجانى وَخلق ولد سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ قد اشْتغل فى صباه بِعلم الفروسية فَلم يسمع إِلَى سنة ثَمَانِينَ قَالَ الْحَاكِم أَقَامَ يعْنى بنيسابور سبعا وَخمسين سنة لم يُؤْخَذ عَلَيْهِ فى فَتَاوِيهِ مَسْأَلَة وهم فِيهَا قَالَ وَسمعت مُحَمَّد بن حمدون يَقُول صَحِبت أَبَا بكر بن إِسْحَاق سِنِين فَمَا رَأَيْته قطّ ترك قيام اللَّيْل فى سفر وَلَا حضر قَالَ وسمعته يعْنى الصبغى يَقُول وَهُوَ يُخَاطب فَقِيها فَقَالَ حدثونا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب فَقَالَ دَعْنَا من حَدثنَا إِلَى مَتى حَدثنَا وَأخْبرنَا فَقَالَ مَا هَذَا لست أَشمّ من كلامك رَائِحَة الْإِيمَان وَلَا يحل لَك أَن تدخل دارى ثمَّ هجره حَتَّى مَاتَ قَالَ وسمعته غير مرّة إِذا أنْشد بَيْتا يُفْسِدهُ ويغيره يقْصد ذَلِك وَكَانَ يضْرب الْمثل بعقله ورأيه ورأيته غير مرّة إِذا أذن الْمُؤَذّن يَدْعُو بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة ثمَّ يبكى وَرُبمَا كَانَ يضْرب بِرَأْسِهِ الْحَائِط حَتَّى خشيت يَوْمًا أَن تدمى رَأسه وَمَا رَأَيْت فِي مَشَايِخنَا أحسن صَلَاة مِنْهُ وَكَانَ لَا يدع أحدا يغتاب فى مَجْلِسه قَالَ وَله الْكتب المطولة قَالَ وسمعته يَقُول رَأَيْت فى منامى كأنى فى دَار وَأَنا أَظن أَن أَبَا بكر الصّديق رضى الله عَنهُ فِيهَا فَدخلت وفى الدَّار بُسْتَان أردْت دُخُوله فاستقبلنى أَبُو بكر الصّديق رضى الله عَنهُ فعانقنى وَقبل وَجْهي ودعا لى وَهَذَا عِنْد ابتدائى فى تصنيف كتاب الْفَضَائِل قَالَ وسمعته يَقُول لما فرغت من تصنيف كتاب الْفَضَائِل رَأَيْت فى الْمَنَام كأنى خَارج من منزل شخص ذكره واستقبلنى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان أَو على رضى الله عَنْهُم أَحدهمَا فإنى شَككت وَلم أَشك فى أَنهم كَانُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 أَرْبَعَة فتقدمت فَسلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد على السَّلَام ثمَّ تقدم إِلَى أَبُو بكر رضى الله عَنهُ فَقبل بَين عينى وَقَالَ جَزَاك الله عَن نبيه خيرا وعنا خيرا قَالَ أَبُو بكر فأخرجت خاتمى هَذَا من أصبعى وَجَعَلته فى أصْبع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نَزَعته فَجَعَلته فى أصْبع أَبى بكر ثمَّ إِلَى آخر الْأَرْبَعَة ثمَّ قلت يَا رَسُول الله قد عظمت بركَة هَذَا الْخَاتم إِذْ دخل أصابعكم ثمَّ انْتَبَهت قَالَ الْحَاكِم وَقد كَانَ الشَّيْخ أوصى أَن يدْفن ذَلِك الْخَاتم مَعَه قلت وَهَذَا مِنْهُ فِيهِ اسْتِحْسَان لما يفعل من دفن الْمَرْء مَعَه مَا يتبرك بِهِ أَو دَفنه فِيمَا يتبرك بِهِ وسيأتى إِن شَاءَ الله تَعَالَى نَظِير هَذِه فى تَرْجَمَة عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم ضمن حِكَايَة عَنهُ وَيشْهد لَهُ قَول ... وَذكر الْحَاكِم أَن أَبَا على بن أَبى هُرَيْرَة كتب إِلَى نيسابور ليكتب لَهُ فَضَائِل الْأَرْبَعَة وَكتاب الْأَحْكَام اللَّذَان للصبغى قَالَ فَكتب وَحمل إِلَى مَدِينَة السَّلَام فَأكْثر الثَّنَاء عَلَيْهِ قَالَ الْحَاكِم ومصنفاته يعْنى الصبغى فى الْفِقْه من أدل الدَّلِيل على علمه ومصنفاته فى الْكَلَام لم يسْبقهُ إِلَى مثلهَا أحد من مَشَايِخ أهل الحَدِيث توفى الصبغى فى شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ كَانَ يرى أَن الْمَأْمُوم إِذا لم يقْرَأ الْفَاتِحَة وَأدْركَ الإِمَام وَهُوَ رَاكِع لَا يكون مدْركا للركعة وَهُوَ اخْتِيَار ابْن خُزَيْمَة وَابْن أَبى هُرَيْرَة وأبى رَحمَه الله وَيذْهب إِلَى أَن تُرَاب الولوغ يجوز أَن يكون نجسا وَهُوَ وَجه غَرِيب حَكَاهُ الرافعى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 قَالَ العبادى وَذكر أَنه ركب يَوْمًا فَأصَاب ذِرَاعَيْهِ طين من وَحل كلب فَأمر جَارِيَته بِغسْلِهِ وتعفيره فَقَالَت الْجَارِيَة أما فى الطين تُرَاب فَقَالَ أَحْسَنت أَنْت أفقه منى قَالَ الْحَاكِم سمعته وَسُئِلَ عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رجلَيْنِ صليا مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهما (أعيدا وضوءكما) قَالَا لم يَا رَسُول الله قَالَ (اغْتَبْتُمَا فلَانا) قَالَ يجوز أَن يكون أَمرهمَا بِالْوضُوءِ ليَكُون كَفَّارَة لمعصيتهما وتطهيرا لذنوبهما لِأَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر أَن الْوضُوء يحط الْخَطَايَا قَالَ وسمعته وَسُئِلَ عَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من غسل مَيتا فليغتسل وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ قَالَ إِن صَحَّ هَذَا الْخَبَر فَمَعْنَاه أَن يتَوَضَّأ قبل حمله شَفَقَة أَن تفوته الصَّلَاة بعد الْحمل كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من رَاح إِلَى الْجُمُعَة فليغتسل) أى قبل الرواح 77 - أَحْمد بن بشر بن عَامر العامرى وَعكس الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ بن عَامر بن بشر هُوَ القاضى أَبُو حَامِد المروروذى أحد رفعاء الْمَذْهَب وعظمائه ذكره أَبُو حَفْص عمر بن على المطوعى فى كِتَابه الْمُسَمّى بِالْمذهبِ فى ذكر شُيُوخ الْمَذْهَب فَقَالَ صدر من صُدُور الْفِقْه كَبِير وبحر من بحار الْعلم غزير وَهُوَ من أَصْحَاب أَبى إِسْحَاق وَمن أَعْيَان تلامذته أَبُو إِسْحَاق المهرانى وَأَبُو الْفَيَّاض البصرى وَكتابه الموسوم بالجامع أمدح لَهُ من كل لِسَان نَاطِق لإحاطته بالأصول وَالْفُرُوع الحديث: 77 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 وإتيانه على النُّصُوص وَالْوُجُوه فَهُوَ لِأَصْحَابِنَا عُمْدَة من الْعمد ومرجع فى المشكلات وَالْعقد انْتهى وَعَن القاضى أَبى حَامِد أَخذ فُقَهَاء الْبَصْرَة وَشرح مُخْتَصر المزنى وصنف فى الْأُصُول وَمن أخصائه وتلامذته أَبُو حَيَّان التوحيدى وفى كِتَابه البصائر أعنى أَبَا حَيَّان يَقُول كَانَ القاضى أَبُو حَامِد شَدِيد الازورار عَن الْكَلَام وَالْفِقْه فى أَهله قَالَ وَإِنَّمَا أولع بِذكر مَا يَقُوله هَذَا الرجل لِأَنَّهُ أنبل من رَأَيْته فى عمرى وَكَانَ بحرا يتدفق حفظا للسير وقياما بالأخبار واستنباطا للمعانى وثباتا على الجدل وصبرا فى الْخِصَام وَقَالَ فى مَكَان آخر كَانَ أَبُو حَامِد كثير الْعلم غزير الْحِفْظ قيمًا بالسير وَكَانَ يزْعم أَن السّير بَحر الْفتيا وخزانة الْقَضَاء وعَلى قدر اطلَاع الْفَقِيه عَلَيْهَا يكون استنباطه وَقَالَ فى مَكَان آخر كَانَ أَبُو حَامِد إِذا رأى تراجع الْمُتَكَلِّمين فى مسائلهم وثباتهم على مذاهبهم بعد طول جدلهم ينشد (ومهمه دَلِيله مطوح ... يدأب فِيهِ الْقَوْم حَتَّى يطلحوا) (ثمَّ يظلون كَأَن لم يبرحوا ... كَأَنَّمَا أَمْسوا بِحَيْثُ أَصْبحُوا) وَمَات القاضى أَبُو حَامِد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وثلاثمائة فَوَائِد ومسائل عَن القاضى أَبى حَامِد ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 78 - أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد أَبُو نصر الْفَقِيه مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة ثانى عشر جُمَادَى الأولى سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة ذكره ابْن باطيش 79 - أَحْمد بن حَمْزَة بن على الْحسن السلمى 80 - أَحْمد بن الْخضر بن أَحْمد الأنمارى بِفَتْح الْألف وَسُكُون النُّون وَفتح الْمِيم وفى آخرهَا الرَّاء نِسْبَة إِلَى بَلْدَة يُقَال لَهَا أَنْمَار هُوَ أَبُو الْحسن إِمَام كَبِير من أهل نيسابور سمع أَبَا عبد الله البوشنجي وَغَيره روى عَنهُ الْأُسْتَاذ أَبُو الْوَلِيد وَأَبُو على الْحَافِظ وَغَيرهمَا توفى سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة 81 - أَحْمد بن شُعَيْب بن على بن سِنَان بن بَحر الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عبد الرَّحْمَن النسائى أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا فِي الحَدِيث وَالْمَشْهُور اسْمه وَكتابه ولد سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ الحديث: 78 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 وَسمع قُتَيْبَة بن سعيد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَهِشَام بن عمار وَعِيسَى بن حَمَّاد وَالْحُسَيْن بن مَنْصُور السلمى النيسابورى وَعَمْرو بن زُرَارَة وَمُحَمّد بن النَّضر المروزى وسُويد بن نصر وَأَبا كريب وَمُحَمّد بن رَافع وعَلى بن حجر وَأَبا بريد الجرمى وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وخلقا سواهُم بخراسان وَالْعراق وَالشَّام ومصر والحجاز والجزيرة روى عَنهُ أَبُو بشر الدولابى وَأَبُو على الْحُسَيْن النيسابورى وَحَمْزَة بن مُحَمَّد الكنانى وَأَبُو بكر أَحْمد بن السّني وَمُحَمّد بن عبد الله بن حيوية وَأَبُو الْقَاسِم الطبرانى وَخلق سواهُم رَحل إِلَى قُتَيْبَة وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة وَقَالَ أَقمت عِنْده سنة وشهرين وَسكن مصر وَكَانَ يسكن بزقاق الْقَنَادِيل وَكَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَكَانَ كثير الْجِمَاع وَله أَربع زَوْجَات يقسم لَهُنَّ وَلَا يَخْلُو مَعَ ذَلِك عَن السرارى وَدخل دمشق فَسئلَ عَن مُعَاوِيَة رضى الله عَنهُ ففضل عَلَيْهِ عليا كرم الله وَجهه فَأخْرج من الْمَسْجِد وَحمل إِلَى الرملة وَأنكر عَلَيْهِ بَعضهم تصنيفه كتاب الخصائص لعلى رضى الله عَنهُ وَقيل لَهُ كَيفَ تركت تصنيف فَضَائِل الشَّيْخَيْنِ فَقَالَ دخلت إِلَى دمشق والمنحرف بهَا عَن على كثير فصنفت كتاب الخصائص رَجَاء أَن يهْدِيهم الله ثمَّ صنف بعد ذَلِك فَضَائِل الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم قَالَ أَبُو على النيسابورى حَافظ خُرَاسَان فى زَمَانه حَدثنَا الإِمَام فى الحَدِيث بِلَا مدافعة أَبُو عبد الرَّحْمَن النسائى وَقَالَ مَنْصُور الْفَقِيه وَأَبُو جَعْفَر الطحاوى رحمهمَا الله النسائى إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَقَالَ الدارقطنى أَبُو عبد الرَّحْمَن مقدم على كل من يذكر بِهَذَا الْعلم من أهل عصره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وَقَالَ ابْن طَاهِر المقدسى سَأَلت سعد بن على الزنجانى عَن رجل فوثقه فَقلت قد ضعفه النسائى فَقَالَ يَا بنى إِن لأبى عبد الرَّحْمَن شرطا فى الرِّجَال أَشد من شَرط البخارى وَمُسلم وَقَالَ مُحَمَّد بن المظفر الْحَافِظ سَمِعت مَشَايِخنَا بِمصْر يصفونَ اجْتِهَاد النسائى فى الْعِبَادَة بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَأَنه خرج إِلَى الْفِدَاء مَعَ أَمِير مصر فوصف من شهامته وإقامته السّنَن المأثورة فى فدَاء الْمُسلمين واحترازه عَن مجَالِس السُّلْطَان الذى خرج مَعَه والانبساط فى المأكل وَأَنه لم يزل ذَلِك دأبه إِلَى أَن اسْتشْهد بِدِمَشْق من جِهَة الْخَوَارِج وَقَالَ الدارقطنى كَانَ ابْن الْحداد أَبُو بكر كثير الحَدِيث وَلم يحدث عَن غير النسائى وَقَالَ رضيت بِهِ حجَّة فِيمَا بينى وَبَين الله قلت سَمِعت شَيخنَا أَبَا عبد الله الذهبى الْحَافِظ وَسَأَلته أَيهمَا أحفظ مُسلم بن الْحجَّاج صَاحب الصَّحِيح أَو النسائى فَقَالَ النسائى ثمَّ ذكرت ذَلِك للشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد تغمده الله برحمته فَوَافَقَ عَلَيْهِ وَقد اخْتلفُوا فى مَكَان موت النسائى فَالصَّحِيح أَنه أخرج من دمشق لما ذكر فَضَائِل على قيل مَا زَالُوا يدافعون فى خصيتية حَتَّى أخرج من الْمَسْجِد ثمَّ حمل إِلَى الرملة فتوفى بهَا قَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس توفى بفلسطين يَوْم الِاثْنَيْنِ لثلاث عشرَة خلت من صفر سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَقيل حمل إِلَى مَكَّة فَدفن بهَا بَين الصَّفَا والمروة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 82 - أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أَبُو الْحُسَيْن الطرائفى مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة من شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَكَانَ ابْن ثَمَان وَسبعين سنة كَذَا أورد هَذِه التَّرْجَمَة ابْن باطيش وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد فى كتاب الْأَنْسَاب أَبُو النَّصْر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن الطرائفى الْفَقِيه من أهل نيسابور سمع الحَدِيث ثمَّ تفقه على كبر السن رأى أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثقفى ثمَّ سمع الحَدِيث بعده من مثل أَبى على مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب وطبقته وَتوفى فى شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة انْتهى كَلَام أَبى سعد وَلَعَلَّهُمَا وَاحِد وَالصَّوَاب مَعَ أَبى سعد 83 - أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن بشر بن مُغفل بن حسان ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُغفل الشَّيْخ الْجَلِيل أَبُو مُحَمَّد المزنى المغفلى الهروى الملقب بالباز الْأَبْيَض قَالَ الْحَاكِم كَانَ إِمَام أهل الْعلم وَالْوُجُوه وأولياء السُّلْطَان بخراسان فى عصره بِلَا مدافعة سمع بهراة ونيسابور ومروالروذ وجرجان ونسا وبغداد وَالْبَصْرَة وَمَكَّة ومصر والأهواز وَحج بِالنَّاسِ وخطب بِمَكَّة الحديث: 82 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 وَقَالَ أَبُو النَّصْر عبد الرَّحْمَن بن عبد الْجَبَّار الفامى فِي تَارِيخ هراة كَانَ إِمَام عصره بِلَا مدافعة فى أَنْوَاع الْعُلُوم مَعَ رُتْبَة الوزارة وعلو الْقدر عِنْد السُّلْطَان وَقَالَ أَبُو سعد بن السمعانى إِنَّه الذى يُقَال لَهُ الشَّيْخ الْجَلِيل ببخارى قلت سمع على بن مُحَمَّد الجكانى وَأحمد بن نجدة بن الْعُرْيَان وَإِبْرَاهِيم بن أَبى طَالب وَعمْرَان بن مُوسَى بن مجاشع وَالْحسن بن سُفْيَان ويوسف القاضى وَأَبا خَليفَة ومطينا وعبدان وخلقا روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس بن عقدَة وَهُوَ من شُيُوخه وَأَبُو بكر الصبغى والقفال الشاشى ومشايخ عصره بخراسان وَمن الروَاة عَنهُ الْحَاكِم وَأَبُو عبد الله الحازمى وَذكر الْحَاكِم من عَظمَة الشَّيْخ الْجَلِيل أَبى مُحَمَّد المزنى أَنه كَانَ فَوق الوزراء وَأَنَّهُمْ كَانُوا يصدرون عَن رَأْيه وَقَالَ أَبُو كَامِل البصرى سَمِعت عبد الصَّمد بن نصر العاصمى يَقُول سَمِعت أَبَا بكر الأودنى يَقُول احْتَاجَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن على الْقفال الشاشى إِلَى سَماع حَدِيث وَاحِد من حَدِيث المزنى فَأَرَادَ أَن يقْرَأ عَلَيْهِ فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِلَى يَوْم الْمجْلس يَا أَبَا بكر فَقَالَ الْقفال أيد الله الشَّيْخ الْجَلِيل إنى مَعَ الْقَافِلَة وهى تخرج الْيَوْم فَإِن أذن لى بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ قَالَ قد قلت إِلَى يَوْم الْمجْلس فَلم يقدر لَهُ وَلم يقرئه وَلم يَدعه يسمع مِنْهُ ذَلِك الحَدِيث الذى فِيهِ حَاجَة الْقفال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وَمن شعر الشَّيْخ الْجَلِيل (نزلنَا مكرهين بهَا فَلَمَّا ... ألفناها خرجنَا مكرهينا) (وَمَا حب الديار بِنَا وَلَكِن ... أَمر الْعَيْش فرقة من هوينا) قيل كَانَ الشَّيْخ الْجَلِيل قَتِيل حب الوطن أمْلى مَجْلِسا فى هَذَا الْمَعْنى وَمرض عقبه وَتوفى بعد جُمُعَة فى سَابِع عشر شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة قَالَ الْحَاكِم وَرَأَيْت الْوَزير أَبَا على البلعمى وَقد حمل فى تابوته وأحضر إِلَى بَاب السُّلْطَان يعْنى ببخارى للصَّلَاة عَلَيْهِ ثمَّ حمل تابوته إِلَى هراة فَدفن بهَا فَسمِعت ابْنه بشرا يَقُول آخر كلمة تكلم بهَا أَن قبض على لحيته وَرفع يَده الْيُمْنَى إِلَى السَّمَاء وَقَالَ ارْحَمْ شيبَة شيخ جَاءَك بتوفيقك على الْفطْرَة قَالَ الْحَاكِم وَسمعت أَبَا الْفضل السليمانى وَكَانَ صَالحا يَقُول رَأَيْت أَبَا مُحَمَّد المزنى فى الْمَنَام بعد وَفَاته بليلتين وَهُوَ يتبختر فى مشيته وَيَقُول بِصَوْت عَال {وَمَا عِنْد الله خير وَأبقى} 84 - أَحْمد بن على بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفرج بن لال أَبُو بكر الهمذانى ولد سنة سبع أَو ثَمَان وثلاثمائة روى عَن أَبِيه وَالقَاسِم بن أَبى صَالح وَإِسْمَاعِيل الصفار وَعبد الباقى بن قَانِع وأبى سعيد بن الأعرابى وَخلق روى عَنهُ جَعْفَر بن مُحَمَّد الأبهرى وَحميد بن الْمَأْمُون وَأَبُو مَسْعُود أَحْمد بن مُحَمَّد الحديث: 84 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 البجلى وَخلق كثير من أهل همذان وَمن الواردين وَكَانَ إِمَامًا ثِقَة عَالما قَالَ شيرويه كَانَ ثِقَة أوحد زَمَانه مفتى الْبَلَد يعْنى همذان يحسن هَذَا الشَّأْن يعْنى الحَدِيث وَله مصنفات فى عُلُوم الحَدِيث غير أَنه كَانَ مَشْهُورا بالفقه وَرَأَيْت لَهُ كتاب السّنَن ومعجم الصَّحَابَة مَا رَأَيْت شَيْئا أحسن مِنْهُ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق حكى لى سبطه أَبُو سعد أَنه أَخذ الْفِقْه عَن أَبى إِسْحَاق وأبى على بن أَبى هُرَيْرَة وَكَانَ ورعا متعبدا أَخذ عَنهُ الْفِقْه فُقَهَاء همذان قلت اضْطربَ فى وَفَاته فَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَقيل سادس عشر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَقيل سنة تسع وَتِسْعين وَقيل وَكَانَ يَقُول اللَّهُمَّ لَا تحينى إِلَى سنة أَرْبَعمِائَة فَمَاتَ قبلهَا قيل وَالدُّعَاء عِنْد قَبره مستجاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 85 - أَحْمد بن على بن طَاهِر الجوبقى بِفَتْح الْجِيم ثمَّ وَاو سَاكِنة ثمَّ بَاء مَفْتُوحَة ثمَّ قَاف نِسْبَة إِلَى الجوبق مَوضِع بنسف أَبُو نصر الأديب الشَّاعِر من أهل نسف رَحل إِلَى الْعرَاق بعد سنة عشْرين وثلاثمائة واستكثر من شُيُوخ الْعرَاق وخراسان ودرس الْفِقْه على أَبى إِسْحَاق المروزى وعلق عَنهُ شرح مُخْتَصر المزنى ثمَّ رَجَعَ إِلَى نسف وَأقَام بهَا سنتَيْن ثمَّ أعَاد الرحلة ثمَّ خرج حَاجا فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَحج وَمَات بالبادية منصرفا من الْحَج سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة 86 - أَحْمد بن عمر بن سُرَيج القاضى أَبُو الْعَبَّاس البغدادى الباز الْأَشْهب والأسد الضارى على خصوم الْمَذْهَب شيخ الْمَذْهَب وحامل لوائه والبدر الْمشرق فى سمائه والغيث المغدق بروائه لَيْسَ من الْأَصْحَاب إِلَّا من هُوَ حائم على معينه هائم من جَوْهَر بحره بثمينه انْتَهَت إِلَيْهِ الرحلة فَضربت الْإِبِل نَحوه آباطها وعلقت بِهِ العزائم مناطها وأتته أَفْوَاج الطّلبَة لَا تعرف إِلَّا نمارق البيد بساطها تفقه على أَبى الْقَاسِم الأنماطى وَسمع الْحسن بن مُحَمَّد الزعفرانى وعباس بن مُحَمَّد الدورى وَأَبا دَاوُد السجستانى وعَلى بن إشكاب وَغَيرهم الحديث: 85 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم الطبرانى الْحَافِظ وَأَبُو الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْفَقِيه وَأَبُو أَحْمد الغطريفى وَغَيرهم قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ يُقَال لَهُ الباز الْأَشْهب وَولى الْقَضَاء بشيراز قَالَ وَكَانَ يفضل على جَمِيع أَصْحَاب الشافعى رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِم حَتَّى على المزنى قلت أَحسب أَن ولَايَته الْقَضَاء كَانَت فى مبادى شَأْنه وَأما بِالآخِرَة فقد سمر على بَابه ليلى قَضَاء الْقُضَاة فَامْتنعَ كَمَا سنحكى ذَلِك فى فصل الْفَوَائِد عَنهُ وَمن كَلَام الشَّيْخ أَبى حَامِد الإسفراينى نَحن نجرى مَعَ أَبى الْعَبَّاس فى ظواهر الْفِقْه دون دقائقه وَقَالَ أَبُو عَاصِم العبادى ابْن سُرَيج شيخ الْأَصْحَاب وَمَالك الْمعَانى وَصَاحب الْأُصُول وَالْفُرُوع والحساب وَقَالَ أَبُو حَفْص المطوعى ابْن سُرَيج سيد طبقته بإطباق الْفُقَهَاء وأجمعهم للمحاسن باجتماع الْعلمَاء ثمَّ هُوَ الصَّدْر الْكَبِير والشافعى الصَّغِير وَالْإِمَام الْمُطلق والسباق الذى لَا يلْحق وَأول من فتح بَاب النّظر وَعلم النَّاس طَرِيق الجدل وَقَالَ الإِمَام الضياء الْخَطِيب وَالِد الإِمَام فَخر الدّين فى كِتَابه غَايَة المرام إِن أَبَا الْعَبَّاس كَانَ أبرع أَصْحَاب الشافعى فى علم الْكَلَام كَمَا هُوَ أبرعهم فى الْفِقْه وَقَالَ أَبُو على بن خيران سَمِعت ابْن سُرَيج يَقُول رَأَيْت كَأَنَّمَا مُطِرْنَا كبريتا أَحْمَر فملأت أكمامى وحجرى فَعبر لى أَن أرزق علما عَزِيزًا كعزة الكبريت الْأَحْمَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وَعَن ابْن سُرَيج يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بالشافعى وَقد تعلق بالمزنى يَقُول رب هَذَا قد أفسد علومى فَأَقُول أَنا مهلا بأبى إِبْرَاهِيم فإنى لم أزل فى إصْلَاح مَا أفْسدهُ وروى الْخَطِيب أَن أَبَا الْعَبَّاس قَالَ فى علته الَّتِى مَاتَ فِيهَا أريت البارحة فى الْمَنَام كَأَن قَائِلا يَقُول لى هَذَا رَبك تَعَالَى يخاطبك قَالَ فَسمِعت الْخطاب ب {مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين} فَقلت بِالْإِيمَان والتصديق قَالَ فَقيل ب {مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين} قَالَ فَوَقع فى قلبى أَنه يُرَاد منى زِيَادَة فى الْجَواب فَقلت بِالْإِيمَان والتصديق غير أَنا أصبْنَا من هَذِه الذُّنُوب فَقَالَ أما إنى سَأَغْفِرُ لَك وفى رِوَايَة رَوَاهَا التنوخى عَن بعض أَصْحَاب ابْن سُرَيج قَالَ لنا ابْن سُرَيج يَوْمًا أَحسب أَن الْمنية قد قربت فَقُلْنَا وَكَيف قَالَ رَأَيْت البارحة كَأَن الْقِيَامَة قَامَت وَالنَّاس قد حشروا وَكَأن مناديا يُنَادى بِمَ أجبتم الْمُرْسلين فَقلت بِالْإِيمَان والتصديق فَقَالَ مَا سئلتم عَن الْأَقْوَال بل سئلتم عَن الْأَعْمَال فَقلت أما الْكَبَائِر فقد اجتنبناها وَأما الصَّغَائِر فعولنا فِيهَا على عَفْو الله وَرَحمته فَقُلْنَا لَهُ مَا فى هَذَا مَا يقتضى سرعَة الْمَوْت فَقَالَ أما سَمِعْتُمْ قَوْله {اقْترب للنَّاس حسابهم} قَالَ فَمَاتَ بعد ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَمِمَّنْ سمع هَذَا الْمَنَام من ابْن سُرَيج أَبُو بكر الفارسى صَاحب عُيُون الْمسَائِل وَرَوَاهُ عَنهُ ولأبى الْعَبَّاس مصنفات كَثِيرَة يُقَال إِنَّهَا بلغت أَرْبَعمِائَة مُصَنف وَلم نقف إِلَّا على الْيَسِير مِنْهَا وقفت لَهُ على كتاب فى الرَّد على ابْن دَاوُد فى الْقيَاس وَآخر فى الرَّد عَلَيْهِ فى مسَائِل اعْترض بهَا الشافعى وَهُوَ حافل نَفِيس وَأما كتاب الْخِصَال الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فقليل الجدوى وعندى أَنه لِابْنِهِ أَبى حَفْص عمر بن أَبى الْعَبَّاس وَقد نَاظر أَبُو الْعَبَّاس الإِمَام دَاوُد الظاهرى وَأما ابْنه مُحَمَّد بن دَاوُد فلأبى الْعَبَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 مَعَه المناظرات الْمَشْهُورَة والمجالس المروية وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس يستظهر عَلَيْهِ وَحكى أَن ابْن دَاوُد قَالَ لَهُ يَوْمًا أبلعنى ريقى فَقَالَ أبلعتك دجلة وَأَنه قَالَ لَهُ يَوْمًا أمهلنى سَاعَة فَقَالَ أمهلتك من السَّاعَة إِلَى قيام السَّاعَة وَمَات مُحَمَّد بن دَاوُد قبله فيحكى أَن أَبَا الْعَبَّاس نحى مخادة ومساوره وَجلسَ للتعزية عِنْد مَوته وَقَالَ مَا آسى إِلَّا على تُرَاب أكل لِسَان مُحَمَّد بن دَاوُد قلت كَذَا لفظ الْحِكَايَة وَلَعَلَّه من المقلوب وَالْمعْنَى إِلَّا على لِسَان مُحَمَّد بن دَاوُد كَيفَ أكله التُّرَاب وَقد جوزت النُّحَاة رفع الْمَفْعُول بِهِ وَنصب الْفَاعِل عِنْد أَمن اللّبْس وأنشدوا عَلَيْهِ (مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نَجْرَان أَو بلغت سوآتهم هجر) رفع الْمَفْعُول وَهُوَ هجر لِأَنَّهَا المبلوغة وَنصب الْفَاعِل وَهُوَ السوآت لِأَنَّهَا الْبَالِغَة لأمن اللّبْس وَمن هَذَا قَول الشَّاعِر أَيْضا (إِن سِرَاجًا لكريم مفخره ... تحلى بِهِ الْعين إِذا مَا تجهره) أى تحلى الْعين بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 قَالُوا وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى {مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة} وَقَول الْعَرَب خرق الثَّوْب المسمار وَيحْتَمل أَن تكون على فى الْحِكَايَة حرف تَعْلِيل وَالْمعْنَى بِسَبَب تُرَاب أكل لِسَان ابْن دَاوُد على حد قَول الشَّاعِر (علام تَقول الرمْح أثقل عاتقى ... إِذا أَنا لم أطعن إِذا الْخَيل كرت) وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} أى لهدايته إيَّاكُمْ قَالَ بَعضهم اجْتمع ابْن سُرَيج وَمُحَمّد بن دَاوُد فاحتج ابْن دَاوُد على أَن أم الْوَلَد تبَاع قَالَ أجمعنا أَنَّهَا كَانَت أمة تبَاع فَمن ادّعى أَن هَذَا الحكم يَزُول بولادتها فَعَلَيهِ الدَّلِيل فَقَالَ لَهُ ابْن سُرَيج وأجمعنا على أَنَّهَا لما كَانَت حَامِلا لَا تبَاع فَمن ادّعى أَنَّهَا تبَاع إِذا انْفَصل الْحمل فَعَلَيهِ الدَّلِيل فبهت أَبُو بكر قَالَ أَبُو الْوَلِيد النيسابورى الْفَقِيه سَمِعت ابْن سُرَيج يَقُول قل مَا رَأَيْت من المتفقهة من اشْتغل بالْكلَام فأفلح يفوتهُ الْفِقْه وَلَا يصل إِلَى معرفَة الْكَلَام وَقدمنَا فى خطْبَة هَذَا الْكتاب الْحِكَايَة الْمَشْهُورَة عَن ابْن سُرَيج وَأَن شَيخنَا قَامَ فى مَجْلِسه وَقَالَ أبشر أَيهَا القاضى. . الْحِكَايَة وفيهَا أَن ذَلِك كَانَ سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَاعْلَم أَن وَفَاة ابْن سُرَيج كَانَت سنة سِتّ وثلاثمائة بِإِجْمَاع وَهُوَ عَالم ذَلِك الْقرن فِيمَا قَالَه جمَاعَة وَقد تقدم فى الْخطْبَة اسْتِيعَاب القَوْل فى ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 وَكَانَ شَيخنَا الذهبى يَقُول الذى أعتقده فى حَدِيث يبْعَث الله من يجدد أَن من للْجمع لَا للمفرد وَيَقُول مثلا على رَأس الثلاثمائة ابْن سُرَيج فى الْفِقْه والأشعرى فى أصُول الدّين والنسائى فى الحَدِيث وعَلى الستمائة مثلا الْحَافِظ عبد الْغنى فى الحَدِيث وَالْإِمَام فَخر الدّين فى الْكَلَام وَنَحْو هَذَا قَالَ الْخَطِيب بلغ سنّ ابْن سُرَيج فِيمَا بلغنى سبعا وَخمسين سنة وَسِتَّة أشهر أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الْمُسلم بن مُحَمَّد ابْن عَلان القيسى إجَازَة أخبرنَا زيد بن الْحسن أَبُو الْيمن الكندى أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ أخبرنَا على بن المحسن التنوخى أخبرنَا أَبى حَدثنِي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن البخترى القاضى الداوودى حَدَّثَنى أَبُو الْحسن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمُغلس الداوودى قَالَ كَانَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن دَاوُد وَأَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج إِذا حضرا مجْلِس القاضى أَبى عمر يعْنى مُحَمَّد بن يُوسُف لم يجر بَين اثْنَيْنِ فِيمَا يتفاوضانه أحسن مِمَّا يجرى بَينهمَا وَكَانَ ابْن سُرَيج كثيرا مَا يتَقَدَّم أَبَا بكر فى الْحُضُور فى الْمجْلس فتقدمه أَبُو بكر يَوْمًا فَسَأَلَهُ حدث من الشافعيين عَن الْعود الْمُوجب لِلْكَفَّارَةِ فى الظِّهَار مَا هُوَ فَقَالَ إِنَّه إِعَادَة القَوْل ثَانِيًا وَهُوَ مذْهبه وَمذهب دَاوُد فطالبه بِالدَّلِيلِ فشرع فِيهِ وَدخل ابْن سُرَيج فاستشرحهم مَا جرى فشرحوه فَقَالَ ابْن سُرَيج لِابْنِ دَاوُد أَولا يَا أَبَا بكر أعزّك الله هَذَا قَول من من الْمُسلمين تقدمكم فِيهِ فاستشاط أَبُو بكر من ذَلِك وَقَالَ أتقدر أَن من اعتقدت أَن قَوْلهم إِجْمَاع فى هَذِه الْمَسْأَلَة إِجْمَاع عندى أحسن أَحْوَالهم أَن أعدهم خلافًا وهيهات أَن يَكُونُوا كَذَلِك فَغَضب ابْن سُرَيج وَقَالَ أَنْت يَا أَبَا بكر بِكِتَاب الزهرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 أمهر مِنْك فى هَذِه الطَّرِيقَة فَقَالَ أَبُو بكر وبكتاب الزهرة تعيرنى وَالله مَا تحسن تستتم قِرَاءَته قِرَاءَة من يفهم وَإنَّهُ لمن أحد المناقب إِذْ كنت أَقُول فِيهِ (أكرر فى روض المحاسن مقلتى ... وَأَمْنَع نفسى أَن تنَال محرما) (وينطق سرى عَن مترجم خاطرى ... فلولا اختلاسى رده لتكلما) (رَأَيْت الْهوى دَعْوَى من النَّاس كلهم ... فَمَا إِن أرى حبا صَحِيحا مُسلما) فَقَالَ لَهُ ابْن سُرَيج أَو على تَفْخَر بِهَذَا القَوْل وَأَنا الذى أَقُول (ومساهر بالغنج من لحظاته ... قد بت أمْنَعهُ لذيذ سناته) (ضنا بِحسن حَدِيثه وعتابه ... وأكرر اللحظات فى وجناته) (حَتَّى إِذا مَا الصُّبْح لَاحَ عموده ... ولى بِخَاتم ربه وبراته) فَقَالَ ابْن دَاوُد لأبى عمر أيد الله القاضى قد أقرّ بالمبيت على الْحَال الَّتِى ذكرهَا وَادّعى الْبَرَاءَة مِمَّا يُوجِبهُ فَعَلَيهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة فَقَالَ ابْن سُرَيج من مذهبى أَن الْمقر إِذا أقرّ إِقْرَارا وناطه بِصفة كَانَ إِقْرَاره موكولا إِلَى صفته فَقَالَ ابْن دَاوُد للشافعى فى هَذِه الْمَسْأَلَة قَولَانِ فَقَالَ ابْن سُرَيج فَهَذَا القَوْل الذى قلته اختيارى السَّاعَة أخبرنَا جدى القاضى أَبُو مُحَمَّد عبد الكافى بن على بن تَمام السبكى تغمده الله برحمته بِقِرَاءَة أَبى رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَأَنا حَاضر أسمع أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحِيم بن يُوسُف ابْن خطيب المزة سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا عمر بن طبرزد حضورا فى الْخَامِسَة أخبرنَا أَبُو الْمَوَاهِب أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُلُوك الْوراق والقاضى أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الباقى بن مُحَمَّد الأنصارى قَالَا أخبرنَا القاضى الْجَلِيل أَبُو الطّيب طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر الطبرى الشافعى حَدثنَا أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الغطريف الغطريفى بجرجان سنة إِحْدَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وَسبعين وثلاثمائة حَدثنَا الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن سُرَيج حَدثنَا أَبُو يحيى الضَّرِير مُحَمَّد بن سعيد الْعَطَّار حَدثنَا عُبَيْدَة بن حميد حَدثنَا الْأَعْمَش عَن حبيب بن أَبى ثَابت عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا عَن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ قَالَ كنت رجلا مذاء وَكنت أَكثر الِاغْتِسَال فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (يَكْفِيك مِنْهُ الْوضُوء) ذكر نخب وفوائد عَن أَبى الْعَبَّاس رضى الله عَنهُ قَالَ شَيخنَا أَبُو حَيَّان رَحمَه الله فى الارتشاف ركب أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج مَا دخلت عَلَيْهِ لَو تركيبا غير عربى فَقَالَ (وَلَو كلما كلب عوى ملت نَحوه ... أجاوبه إِن الْكلاب كثير) (وَلَكِن مبالاتى بِمن صَاح أَو عوى ... قَلِيل فإنى بالكلاب بَصِير) انْتهى وَلم يبين وَجه خُرُوج أَبى الْعَبَّاس عَن اللِّسَان فى هَذَا فَإِن أَرَادَ تسليطه حرف لَو على الْجُمْلَة الإسمية فَهُوَ مَذْهَب كثير من النُّحَاة مِنْهُم الشَّيْخ جمال الدّين بن مَالك جوزوا أَن يَليهَا اسْم وَيكون مَعْمُول فعل مُضْمر مُفَسّر بِظَاهِر بعد الِاسْم قَالَ فى التسهيل وَإِن وَليهَا اسْم فَهُوَ مَعْمُول فعل مُضْمر مُفَسّر بِظَاهِر بعد الِاسْم وَرُبمَا وَليهَا اسمان مرفوعان انْتهى وَمِثَال مَا إِذا وَليهَا اسْم مَا روى فى الْمثل مثل قَوْلهم لَو ذَات سوار لطمتنى وَقَول عمر رضى الله عَنهُ لَو غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة وَقَالَ الشَّاعِر (أخلاى لَو غير الْحمام أَصَابَكُم ... عتبت وَلَكِن مَا على الدَّهْر معتب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 وَقَالَ آخر (لَو غَيْركُمْ علق الزبير بحبله ... أدنى الْجوَار إِلَى بنى الْعَوام) وَقَالَ آخر (فَلَو غير أخوالى أَرَادوا نقيصتى ... جعلت لَهُم فَوق العرانين ميسما) فالأسماء الَّتِى وليت لَو فى هَذَا كُله معمولة لفعل مُضْمر يفسره مَا بعده كَأَنَّهُ قَالَ وَلَو لطمتنى ذَات سوار لطمتنى وَكَذَا نقُول فى قَول ابْن سُرَيج وَلَو كلما كلب الْمَعْنى وَلَو كَانَ كلما كلب عوى وَيدل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {قل لَو أَنْتُم تَمْلِكُونَ خَزَائِن رَحْمَة رَبِّي إِذا لأمسكتم خشيَة الْإِنْفَاق} وَلَا يلْزم من رد أَبى حَيَّان لهَذَا الْمَذْهَب ودعواه أَنه غير مَذْهَب الْبَصرِيين أَن يكون مردودا فى نَفسه وَإِن أَرَادَ حذف الْجَواب إِذْ التَّقْدِير وَلَو كَانَ كلما عوى كلب ملت نَحوه كى أجاوبه لسئمت أَو تعبت أَو نَحْو ذَلِك لِأَن الْكلاب كثير فقد نَص هُوَ وَغَيره على جَوَاز حذف جَوَاب لَو لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على النَّار} وشواهده كَثِيرَة قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد النيسابورى يَقُول سَأَلت ابْن سُرَيج مَا معنى قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قل هُوَ الله أحد تعدل ثلث الْقُرْآن فَقَالَ إِن الْقُرْآن أنزل ثلثا مِنْهُ أَحْكَام وَثلثا مِنْهُ وعد ووعيد وَثلثا أَسمَاء وصفات وَقد جمع فِي {قل هُوَ الله أحد} الْأَسْمَاء وَالصِّفَات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 قَالَ القاضى أَبُو على البندنيجى فى الذَّخِيرَة حكى عَن أَبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج أَنه كَانَ يُوصل المَاء إِلَى أُذُنَيْهِ تسع مَرَّات يغسلهما ثَلَاثًا مَعَ الْوَجْه وَيمْسَح عَلَيْهِمَا ثَلَاثًا مَعَ الرَّأْس ويفردهما بِالْمَسْحِ ثَلَاثًا قلت وَقد اسْتحْسنَ النووى فى الرَّوْضَة صنع ابْن سُرَيج هَذَا وَغلط من غلطه فِيهِ وَنَظِيره مَا حَكَاهُ القاضى الْحُسَيْن فى تَعْلِيقه فى بَاب صَلَاة الْمُسَافِر عَنهُ ضمن فرع حسن قَالَ القاضى رَحمَه الله بعد تعديد مسَائِل يسْتَحبّ فِيهَا الْخُرُوج من الْخلاف مَا نَصه فى الفصد والحجامة يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَوَضَّأ إِذا صَار وضوءه خلقا بِأَن أدّى بِهِ فرضا أَو نَافِلَة فَأَما إِذا لم يؤد بِهِ شَيْئا فَلَا يسْتَحبّ لِأَن تَجْدِيد الْوضُوء مَكْرُوه قبل أَن يُؤدى بِالْأولِ صَلَاة مَا لِأَنَّهُ يُؤدى إِلَى الزِّيَادَة على الْأَرْبَع ويحكى عَن ابْن سُرَيج أَنه كَانَ بعد مَا افتصد مس ذكره ثمَّ تَوَضَّأ وَهَذَا لَيْسَ بقوى لِأَنَّهُ لَا فرق عندنَا بَين مَا لَو أحدث أَو مس ذكره انْتهى وَمَا ذكره من عدم اسْتِحْبَاب التَّجْدِيد إِذا لم يؤد بِهِ صَلَاة لِأَن الغسلة تصير رَابِعَة حكم ظَاهر وتعليل حسن وَنَظِيره قَول الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد فى الفروق مَا نَصه إِذا تَوَضَّأ فَغسل وَجهه مرّة وَيَديه مرّة وَمسح رَأسه مرّة وَغسل رجلَيْهِ مرّة ثمَّ عَاد فَغسل وَجهه ثَانِيَة وَيَديه ثَانِيَة إِلَى آخرهَا ثمَّ فعل ذَلِك مرّة ثَالِثَة لم تجز انْتهى وسنعيد للفرع ذكرا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فى تَرْجَمَة الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد قَالَ أَبُو حَفْص المطوعى كَانَ على بن عِيسَى الْوَزير منحرفا عَن أَبى الْعَبَّاس لفضل ترفعه وتقاعده عَن زيارته منصبا بالميل إِلَى أَبى عمر المالكى القاضى لمواظبته على خدمته وَلذَلِك كَانَ مَا قَلّدهُ من الْقَضَاء وَكَانَت فى أَبى عمر نخوة على أكفائه من فُقَهَاء بَغْدَاد لعلو مرتبته فَحمل ذَلِك جمَاعَة من الْفُقَهَاء على تتبع فَتَاوِيهِ حَتَّى ظفروا لَهُ بفتوى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 خَالف فِيهَا الْجَمَاعَة وخرق الْإِجْمَاع وانهى ذَلِك إِلَى الْخَلِيفَة والوزير فعقدوا مَجْلِسا لذَلِك وَكَانَ خُذ أَبى عمر فِيهِ الأضرع وفيمن حضر أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج فَلم يزدْ على السُّكُوت فَقَالَ لَهُ الْوَزير فى ذَلِك فَقَالَ مَا أكاد أَقُول فيهم وَقد ادعوا عَلَيْهِ خرق بِالْإِجْمَاع وأعياه الِانْفِصَال عَمَّا اعْترضُوا بِهِ عَلَيْهِ ثمَّ إِن مَا أفتى بِهِ قَول عدَّة من الْعلمَاء وأعجب مَا فى الْبَاب انه قَول صَاحبه مَالك وَهُوَ مسطور فى كِتَابه الفلانى فَأمر الْوَزير بإحضار ذَلِك الْكتاب فَكَانَ الْأَمر على مَا قَالَه فأعجب بِهِ غَايَة الْإِعْجَاب وتعجب من حفظه لخلاف مذْهبه وغفلة أَبى عمر عَن مَذْهَب صَاحبه وَصَارَ هَذَا من أوكد أَسبَاب الصداقة بَينه وَبَين الْوَزير وَمَا زَالَت عناية الْوَزير بِهِ حَتَّى رشحه للْقَضَاء فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع فَقَالَ إِن امتثلت مَا مثلته لَك وَإِلَّا أجبرتك عَلَيْهِ قَالَ افْعَل مَا بدا لَك فَأمر الْوَزير حَتَّى سمر عَلَيْهِ بَابه وعاتبه النَّاس على ذَلِك فَقَالَ أردْت أَن يتسامع النَّاس أَن رجلا من أَصْحَاب الشافعى عومل على تقلد الْقَضَاء بِهَذِهِ الْمُعَامَلَة وَهُوَ مصر على إبائه زهدا فى الدُّنْيَا قلت كَانَ هَذَا فى آخر حَال ابْن سُرَيج وَكَانَ المسؤول عَلَيْهِ قَضَاء بَغْدَاد وَأما فى أول أمره فقد قدمنَا عَن الشَّيْخ أَبى إِسْحَاق أَنه ولى الْقَضَاء بِمَدِينَة شيراز وَمن شعر أَبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج فى مُخْتَصر المزنى (لصيق فؤادى مُنْذُ عشْرين حجَّة ... وصيقل ذهنى والمفرج عَن همى) (عَزِيز على مثلى إِعَارَة مثله ... لما فِيهِ من علم لطيف وَمن نظم) (جموع لأصناف الْعُلُوم بأسرها ... فأخلق بِهِ أَن لَا يُفَارِقهُ كمى) قَالَ القاضى أَبُو عَاصِم استدرك أَبُو الْعَبَّاس على مُحَمَّد بن الْحسن مَسْأَلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 فى الْحساب وَهِي إِذا خلف ابْنَيْنِ وَأوصى لرجل بِمثل نصيب أحد ابنيه إِلَّا ثلث جَمِيع المَال فَإِن مُحَمَّدًا قَالَ الْمَسْأَلَة محَال لِأَنَّهُ اسْتثْنى ثلث المَال فَسقط وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمَسْأَلَة من تِسْعَة لأحد ابنيه أَرْبَعَة والثانى مثله وَوَاحِد للْمُوصى لَهُ وَهُوَ نصيب أحد ابنيه إِلَّا ثلث جَمِيع المَال لِأَن ثلث جَمِيع المَال إِذا ضم إِلَى نصيب الْمُوصى لَهُ صَار أَرْبَعَة قلت وَهَذَا حسن بَالغ وسواه غلط وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ أَبُو الْعَبَّاس ذَلِك فِيمَا نحسب من كَلَام الشافعى رضى الله عَنهُ فى مَسْأَلَة إِن كَانَ فى كمى دَرَاهِم أَكثر من ثَلَاثَة وفى كمة أَرْبَعَة وهى الْمَسْأَلَة الَّتِى ذَكرنَاهَا فى تَرْجَمَة البوشنجى أَبى عبد الله فقد سلك أَبُو الْعَبَّاس فى هَذِه الْمَسْأَلَة مَا سلكه الشافعى فى تِلْكَ كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فى تَرْجَمَة البوشنجى وَوَجهه أَن أَبَا الْعَبَّاس جعل إِلَّا ثلث جَمِيع المَال قيدا فى مثل النَّصِيب يعْنى مثل النَّصِيب خَارِجا مِنْهُ ثلث الأَصْل كَمَا جعل الشافعى دَرَاهِم قيدا فى الزَّائِد على الثَّلَاثَة وَأما قَول أَبى الْعَبَّاس إِن الْمَسْأَلَة تصح من تِسْعَة فَظَاهر وَقد يُقَال هُوَ اسْتثِْنَاء مُسْتَغْرق وَكَأَنَّهُ اسْتثْنى ثلثا من ثلث فَتَصِح من ثَلَاثَة لكل وَاحِد سهم قَالَ ابْن الْقَاص فى كتاب أدب الْقَضَاء سَمِعت أَحْمد بن عمر بن سُرَيج ينْزع الحكم بِشَاهِد وَيَمِين من كتاب الله عز وَجل من قَوْله تَعَالَى {أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فآخران يقومان مقامهما من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان فيقسمان بِاللَّه} وسأحكى معانى مَا انتزع بِهِ وَإِن لم أجد أَلْفَاظه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 قَالَ رَحمَه الله لما قَالَ تَعَالَى {فَإِن عثر} يعْنى تبين {على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا} يعْنى بذلك الْوَصِيّين {فآخران يقومان مقامهما من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان فيقسمان} الْآيَة فيحلفان بِاللَّه يعْنى وارثى الْمَيِّت اللَّذين كَانَ الوصيان حلفا أَن مافى أَيْدِيهِمَا من الْوَصِيَّة غير مَا زَاد عَلَيْهِمَا قَالَ ابْن سُرَيج فالبيان الذى عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا بِهِ لَا يَخْلُو من أحد أَرْبَعَة معَان إِمَّا أَن يكون إِقْرَارا مِنْهُمَا بعد إنكارهما أَو يكون شاهدى عدل أَو شَاهدا وَامْرَأَتَيْنِ أَو شَاهدا وَاحِدًا وَقد أجمعنا على أَن الْإِقْرَار بعد الْإِنْكَار لَا يُوجب يَمِينا على الطالبين وَكَذَلِكَ لَو قَامَ شَاهِدَانِ أَو شَاهد وَامْرَأَتَانِ فَلم يبْق إِلَّا شَاهد وَاحِد وَكَذَلِكَ استحلاف الطالبين قَالَ ابْن الْقَاص وَقد رويت الْقِصَّة الَّتِى نزلت فِيهَا هَذِه الْآيَة بِنَحْوِ مَا فَسرهَا ابْن سُرَيج ثمَّ روى ابْن الْقَاص بِإِسْنَادِهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن تَمِيم الدارى فى هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم} الْآيَة قَالَ برىء النَّاس مِنْهَا غيرى وَغير عدى ابْن بداء وَكَانَا نَصْرَانِيين يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّام قبل الْإِسْلَام فَأتيَا الشَّام لِتِجَارَتِهِمَا وَقدم عَلَيْهِمَا مولى لبنى سهم يُقَال لَهُ بديل بن أَبى مَرْيَم بِالتِّجَارَة وَمَعَهُ جَام من فضَّة يُرِيد بِهِ الْملك وَهُوَ عَظِيم تِجَارَته فَمَرض فأوصى إِلَيْهِمَا وَأَمرهمَا أَن يبلغَا مَا ترك أَهله قَالَ تَمِيم فَلَمَّا مَاتَ أَخذنَا الْجَام فَبِعْنَاهُ بِأَلف دِرْهَم ثمَّ اقتسمناها أَنا وعدى بن بداء فَمَا جِئْنَا إِلَى أَهله دفعنَا إِلَيْهِم مَا كَانَ مَعنا وَفقدُوا الْجَام فسألوا عَنهُ فَقُلْنَا مَا ترك غير هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 قَالَ تَمِيم فَلَمَّا أسلمت بعد قدوم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة تَأَثَّمت من ذَلِك فَأتيت أَهله فَأَخْبَرتهمْ الْخَبَر وَأديت إِلَيْهِم خَمْسمِائَة دِرْهَم وَأَخْبَرتهمْ أَن عِنْد صاحبى مثلهَا فَوَثَبُوا عَلَيْهِ فَأتوا بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَة فَلم يَجدوا فَأَمرهمْ أَن يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يعظم على أهل دينه فَحلف فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى قَوْله {أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} فَقَامَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَرجل آخر مِنْهُم فَحَلفا فنزعت الْخَمْسمِائَةِ من عدى بن بداء وَهَذَا الحَدِيث هَكَذَا أخرجه الترمذى وَقَالَ غَرِيب وَقَالَ لَيْسَ إِسْنَاده بِصَحِيح وَأخرج البخارى وَأَبُو دَاوُد والترمذى أَيْضا أصل الحَدِيث من غير ذكر الْقِصَّة بِتَمَامِهَا وَفِيه إِشْكَال لِأَن أهل الْحَرْب إِذا أتلف بَعضهم على بعض مَالا لم يلْزمه ضَمَانه وَإِن أسلم وَقَضِيَّة هَذَا أَلا يلْزم تميما وَلَا عديا شىء وَبِتَقْدِير اللُّزُوم فاللازم قيمَة الْجَام بَالِغَة مَا بلغت لَا الثّمن الَّذِي بيع بِهِ وَقد يُجَاب عَن الأول بِأَنَّهُ إِنَّمَا ضمن لِأَنَّهُ مَقْبُوض بِعقد لِأَنَّهُ كَانَ فى يدهما إِمَّا بالوديعة أَو بِالْوَصِيَّةِ وَكِلَاهُمَا عقد وَأهل الْحَرْب لَا يسْقط عَنْهُم بِالْإِسْلَامِ قرض اقترضوه وَلَا مُعَاملَة تعاملوا بهَا بِخِلَاف مَحْض الْإِتْلَاف وَعَن الثانى بِأَن الْجَام لَعَلَّ قِيمَته ألف كَمَا بيع وَقد يعْتَرض على أصل اسْتِدْلَال ابْن سُرَيج بِأَن الْيَمين فى الْآيَة لَيست مَعَ شَاهد وَاحِد كَمَا هُوَ مَحل النزاع بل مَعَ شَاهِدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 وَيُجَاب بِأَن معنى {لَشَهَادَتنَا} كَشَهَادَة شاهدنا وَمَا هُوَ إِلَّا وَاحِد نعم الْمُدعى اثْنَان تَسْمِيَة الْحَاكِم الشُّهُود كَانَ ابْن سُرَيج يذهب كَمَا حَكَاهُ الماوردى فى الحاوى فى بَاب مَا على القاضى فى الْخُصُوم وَالشُّهُود إِلَى رَأْي أهل الْكُوفَة أَن الأولى للْحَاكِم إِذا ثَبت الْحق أَلا يُسمى فى سجله الشُّهُود بل يَقُول ثَبت عندى بِشَهَادَة من رَأَيْت قبُول قَوْلهمَا احْتِيَاطًا للمحكوم لَهُ فَإِنَّهُ مَتى سماهما فتح بَاب الطعْن والقدح عَلَيْهِ وَالْمَعْرُوف عَن الشَّافِعِيَّة قاطبة عَكسه احْتِيَاطًا للمحكوم عَلَيْهِ وَأَنه يَقُول ثَبت عندى بِشَهَادَة فلَان وَفُلَان وَالْمَسْأَلَة على علو شَأْنهَا غير مُصَرح بهَا فى شرح الرافعى وَلَا كتب الْمُتَأَخِّرين وَالْخلاف فِيهَا فِي الْأَوْلَوِيَّة وأى الْأَمريْنِ فعل كَانَ سائغا كَذَا ذكر الماوردى فى بَاب مَا على القاضى فى الْخُصُوم وَالشُّهُود وَلَكِن رَأَيْت الدبيلى صرح فى كتاب أدب الْقَضَاء بِأَن الْخلاف فى الْوُجُوب وَهَذِه عِبَارَته اخْتلف أَصْحَابنَا هَل يجب ذكر أسامى الشُّهُود أم لَا على وَجْهَيْن مِنْهُم من قَالَ يجب أَن يذكر وَهُوَ أولى لطلب الْمَشْهُود عَلَيْهِ جرحهم وَذكرهمْ خير لَهُ وَمِنْهُم من قَالَ إِذا قَالَ الْحَاكِم شهد عندى جمَاعَة عدُول أرضاهم وعرفتهم أَو قَالَ سَأَلت عَن عدالتهم فَرَجَعت الْمَسْأَلَة إِلَى تزكيتهم وعدالتهم فَقبلت شَهَادَتهم جَازَ وَإِن لم يذكر أسامى الشُّهُود انْتهى وَصرح الرويانى فى الْبَحْر بِالْوَجْهَيْنِ أَيْضا وَأَنه لَا يجوز إِبْهَام الْحجَّة على أَحدهمَا وَإِلَى وَجه الْمَنْع أَشَارَ إِلَيْهِ الرافعى بقوله وفى فحوى كَلَام الْأَصْحَاب إِشَارَة إِلَى وَجه مَانع من إِبْهَام الْحجَّة ذكره عِنْد الْكَلَام فى الْقَضَاء بِالْعلمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 وَقد تعانى الشروطيون الْمُتَأَخّرُونَ أَن يجمعوا بَين الْأَمريْنِ فَيَقُولُونَ بِشَهَادَة فلَان وَفُلَان وَبِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة وَبعد اعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا وَهُوَ عندى غير حسن فَإِنَّهُ إِن لم يكن للْحَاكِم مُسْتَند إِلَّا مَا صرح بِهِ وَهُوَ الْغَالِب فَذكر هَذِه الزِّيَادَة يُوهم أَن هُنَاكَ شَيْئا آخر ويسد الْبَاب على من لَعَلَّه محق فَهُوَ كذب وظلم وَإِن كَانَ لَهُ مُسْتَند آخر طواه فَلَا هُوَ الذى أبداه تتميما لرعاية الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَلَا الذى طوى غَيره مَعَه تتميما لرعاية الْمَحْكُوم لَهُ ففى هَذَا خُرُوج عَن سَبِيل الْفَرِيقَيْنِ وَالْأولَى عندنَا مُخَالفَة ابْن سُرَيج والجريان على قَول عُلَمَائِنَا فى التَّصْرِيح بالمستند إِلَّا إِن كَانَ يخَاف مجادلة من يُجَادِل بِالْبَاطِلِ فَإِن استبان للقاضى وَجه الصَّوَاب فى وَاقعَة بطرِيق الْقطع أَو الظَّن الْغَالِب وخشى إِن هُوَ صرح بالمستند أَن يُجَادِل بِالْبَاطِلِ وَيبْطل الْحق فَالْأولى كتمان الْمُسْتَند وَإِلَّا فَالصَّوَاب ذكره فَإِنَّهُ أدفَع للتُّهمَةِ وأنفى للريبة وأصون للدّين والرافعى اقْتصر على قَوْله وَيجوز أَن لَا يتَعَرَّض لأصل الشَّهَادَة فَيكْتب حكمت بِكَذَا لحجة أوجبت الحكم لِأَنَّهُ قد يحكم بِشَاهِد وَيَمِين وَقد يحكم بِعِلْمِهِ إِذا جَوَّزنَا الْقَضَاء بِالْعلمِ وَهَذِه حِيلَة يدْفع بهَا القاضى قدح أَصْحَاب الرأى إِذا حكم بِشَاهِد وَيَمِين وفى فحوى كَلَام الْأَصْحَاب وَجه مَانع من إِبْهَام الْحجَّة انْتهى وَهَذَا الْوَجْه الْمَانِع قد يرجح ذكر الْحجَّة لِئَلَّا ينْقض عَلَيْهِ قَضَاهُ إِذا لم يذكرهَا إِن كَانَ فى النَّاس من ينْقض قَضَاهُ من يبهم الْحجَّة فليحترز الْحَاكِم فى ذَلِك وَالضَّابِط أَن إبداء الْحجَّة أولى إِلَّا أَن يخَاف فَوَات حق فليحتط الْحَاكِم وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح وسنعيد فِي تَرْجَمَة الماوردى ذكر الْمَسْأَلَة وَطَرِيق الشَّافِعِيَّة وتقديمهم الدَّاخِل على الْخَارِج وتبقيتهم الْأُمُور على مَا هى عَلَيْهِ حَتَّى يتَبَيَّن خِلَافه كل ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 يقتضى توقفهم فى الْأَحْكَام ومراعاتهم جَانب من يحكم عَلَيْهِ وَطَرِيق من يقدم بَينه الْخَارِج بِالْعَكْسِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 فرع مستغرب ضمن فرع عَن أَبى الْعَبَّاس نقل الرافعى فى الْبَاب الثانى من كتاب اللَّقِيط عَن ابْن سُرَيج فِيمَن أقرّ بِالرّقِّ لزيد فكذبه فَأقر لعَمْرو تَخْرِيج الْقبُول كَمَا لَو أقرّ بِمَال لزيد فكذبه فَأقر بِهِ لعَمْرو والمقيس مُشكل ومستدرك على أَبى الْعَبَّاس فَإِن الْمَنْصُوص خِلَافه وَقد قَالَ الرافعى قبل هَذَا بِقَلِيل مَا نَصه الْحَالة الرَّابِعَة أَن يقر على نَفسه بِالرّقِّ وَهُوَ عَاقل بَالغ فَينْظر إِن كذبه الْمقر لَهُ لم يثبت الرّقّ وَلَو عَاد بعد ذَلِك فَصدقهُ لم يلْتَفت إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لما كذبه ثبتَتْ حُرِّيَّته بِالْأَصْلِ فَلَا يعود رَقِيقا وَلم يحك فِيهِ خلافًا فَإِن كَانَ ابْن سُرَيج يُوَافق عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْهُ تنَاقض لَكِن حكى الرافعى بعد ذَلِك قبل الْفَرْع وَجْهَيْن فَقَالَ وَلَو ادّعى إِنْسَان رقة فَأنكرهُ ثمَّ أقرّ لَهُ فَفِي قبُوله وَجْهَان وَأما الْمَقِيس عَلَيْهِ وَهُوَ غرضنا بِالذكر فأغرب وَلم يذكروه فى مظنته فى بَاب الْإِقْرَار فى مَسْأَلَة مَا إِذا أقرّ لمنكر فَرُبمَا وَقع ذكره فى بَاب اللَّقِيط اسْتِطْرَادًا كَمَا ترى فرع اخْتلف فِيهِ على أَبى الْعَبَّاس إِذا بلغ الصبى فى أثْنَاء الصَّلَاة فالمحكى فى الرافعى وَأكْثر الْكتب عَن ابْن سُرَيج أَنه يسْتَحبّ الْإِتْمَام وَتجب الْإِعَادَة عكس الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَلَكِن ذكر صَاحب الْبَيَان أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد رَحمَه الله قَالَ رَأَيْت فى كتاب الِانْتِصَار لأبى الْعَبَّاس وجوب الْإِتْمَام واستحباب الْإِعَادَة وَحكى عَن أَبى الْعَبَّاس عَكسه الْمَشْهُور عَن مَالك رَحمَه الله أَن من علق الطَّلَاق بِمَا يتَحَقَّق وجوده وَقع فى الْحَال احتجاجا بِأَنَّهُ إِذا أجل صَار ناكحا إِلَى مُدَّة وَهُوَ بَاطِل كالمتعة قَالَ ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب فى شرح الْمِفْتَاح لِابْنِ الْقَاص إِن أَبَا الْعَبَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ابْن سُرَيج قَالَ بِمثل قَوْله فِيمَا إِذا قَالَ إِن طلعت الشَّمْس فَأَنت طَالِق وَلَيْسَ الْمَشْهُور عَنهُ بل الْمَشْهُور عَنهُ فى قَوْله إِن لم أطلقك الْيَوْم فَأَنت طَالِق الْيَوْم ينافى ذَلِك 87 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن أَسْبَاط مولى جَعْفَر بن أَبى طَالب الدينورى الْحَافِظ هُوَ أَبُو بكر ابْن السنى صَاحب النسائى سمع مِنْهُ وَمن عمر بن أَبى غيلَان البغدادى وأبى خَليفَة وزكرياء الساجى وأبى عرُوبَة وطبقتهم بِمصْر وَالْعراق وَالشَّام والجزيرة روى عَنهُ أَبُو على أَحْمد بن عبد الله الأصبهانى وَمُحَمّد بن على العلوى وعَلى بن عمر الأسداباذى وَأحمد بن الْحُسَيْن الكسار وصنف فى القناعة وفى عمل يَوْم وَلَيْلَة وَاخْتصرَ سنَن النسائى وَكَانَ رجلا صَالحا فَقِيها شافعيا عَاشَ بضعا وَثَمَانِينَ سنة قَالَ القاضى أَبُو زرْعَة روح بن مُحَمَّد سبط ابْن السنى سَمِعت عمى على بن أَحْمد بن مُحَمَّد يَقُول كَانَ أَبى رَحمَه الله يكْتب الحَدِيث فَوضع الْقَلَم فى أنبوبة المحبرة وَرفع يَدَيْهِ يَدْعُو الله تَعَالَى فَمَاتَ وَذَلِكَ فى آخر سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلاثمائة الحديث: 87 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 88 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن نعيم الْفَقِيه أَبُو حَامِد الطوسى الإسماعيلى الْفَقِيه الْمُحدث الزَّاهِد سمع بخراسان أَبَا عبد الله البوشنجى وطبقته وبالجبال مُحَمَّد بن أَيُّوب وطبقته وبالعراق أَبَا خَليفَة وطبقته وبالكوفة أَبَا جَعْفَر الحضرمى وطبقته روى عَنهُ الْحَاكِم وَغَيره وَكَانَ من تلامذة ابْن سُرَيج قَالَ فِيهِ الْحَاكِم إِنَّه صَاحب أَبَا الْعَبَّاس ابْن سُرَيج وَإنَّهُ مفتى النَّاحِيَة وزاهدها قَالَ وَكَانَ يرد نيسابور قَدِيما وَيحدث بهَا قَالَ وَأما أَنا فَكتبت عَنهُ بالطابران توفى سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة الحديث: 88 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 89 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَاتِم الْفَقِيه أَبُو حَاتِم الْحَاتِمِي ... ... ... ... ... ... ... ... . . 90 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن الإِمَام الْحَافِظ أَبُو حَامِد بن الشرقى تلميذ مُسلم كَانَ قريع زَمَانه وحافظ وقته وَفِيه يَقُول إِمَام الْأَئِمَّة أَبُو بكر بن خُزَيْمَة حَيَاة أَبى حَامِد تحجز بَين النَّاس وَالْكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 89 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 قلت وَلَا عِبْرَة بِكَلَام من تكلم فِيهِ وَكَانَ سُكُوته أولى بِهِ قَالَ السلمى سَأَلت الدارقطنى عَن أَبى حَامِد فَقَالَ ثِقَة مَأْمُون إِمَام قلت مِمَّن تكلم فِيهِ ابْن عقدَة قَالَ سُبْحَانَ الله ترى يُؤثر فِيهِ مثل كَلَامه وَلَو كَانَ بدل ابْن عقدَة يحيى بن معِين قلت وَأَبُو على قَالَ وَمن أَبُو على حَتَّى يسمع كَلَامه فِيهِ وَقَالَ الْخَطِيب أَبُو حَامِد ثَبت حَافظ متقن قلت ولد سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَسمع مُحَمَّد بن يحيى وَأحمد بن يُوسُف وَأحمد بن الْأَزْهَر وَأحمد بن حَفْص بن عبد الله وَأَبا حَاتِم وَمُحَمّد بن إِسْحَاق الصاغانى وَعبد الله بن أَبى مَسَرَّة وخلقا روى عَنهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الباغندى وَأَبُو الْعَبَّاس ابْن عقدَة وَأَبُو أَحْمد الْعَسَّال وَأَبُو أَحْمد بن عدى وَأَبُو على الْحَافِظ وزاهر بن أَحْمد وَالْحسن بن أَحْمد المخلدى وَأَبُو بكر الجوزقى وَغَيرهم وصنف الصَّحِيح وَحج مَرَّات توفى فى شهر رَمَضَان سنة خمس وَعشْرين وثلاثمائة 91 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الْأُسْتَاذ أَبُو الْعَبَّاس النسوى الزَّاهِد الصوفى شيخ الْحرم وَصَاحب تَارِيخ الصُّوفِيَّة صحب الْأُسْتَاذ أَبَا عبد الله بن خَفِيف وَكَانَ عَارِفًا بِمذهب الشافعى وَسمع ابْن عدى وَأحمد بن عَطاء الروذبارى وَأَبا بكر الربعى وَطَائِفَة بِالشَّام وَالْعراق والعجم الحديث: 91 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 روى عَنهُ أَبُو نصر بن الخباز وَأَبُو على الأهوازى وَأَبُو يعلى إِسْحَاق الصابونى وَطَائِفَة قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة مَاتَ بَين مصر وَمَكَّة سنة سِتّ وَتِسْعين وثلاثمائة 92 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد بن إِسْمَاعِيل الْحَافِظ أَبُو سعيد بن أَبى بكر ابْن الشَّيْخ الزَّاهِد أَبى عُثْمَان الحيرى النيسابورى سمع أَبَا عَمْرو الْخفاف وَعبد الله بن شيرويه وَالْحسن بن سُفْيَان وخلقا روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَغَيره وصنف التَّفْسِير الْكَبِير وَالصَّحِيح الْمخْرج على صَحِيح مُسلم والأبواب وَغير ذَلِك وَدخل بَغْدَاد فى خلق كثير وَقَالَ وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس بهَا وَكَانَ من محبته للْحَدِيث يكْتب بِخَطِّهِ وَيسمع إِلَى أَن اسْتشْهد بطرسوس فى سنة ثَلَاث وَخمسين وثلاثمائة وَله خمس وَسِتُّونَ سنة 93 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الطّيب الصعلوكى الحنفى نسبا الشافعى مذهبا عَم الْأُسْتَاذ أَبى سهل كَانَ مقدما فى معرفَة الْفِقْه واللغة وَكَانَ مُحدثا أدْرك الْأَسَانِيد الْعَالِيَة وصنف فى الحَدِيث الحديث: 92 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 سمع يحيى بن الذهلى وَعبد الله بن أَحْمد وَمُحَمّد بن عبد الْوَهَّاب العبدى وعَلى بن الْجُنَيْد وَمُحَمّد بن أَيُّوب وَجَمَاعَة ببلاده وببغداد والرى روى عَنهُ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل والحافظ أَبُو عبد الله بن الأخرم قَالَ الْحَاكِم وَسمعت مِنْهُ حَدِيثا فى المذاكرة قَالَ وَقد كَانَ أمسك عَن الرِّوَايَة بعد أَن عمر فَكُنَّا نرَاهُ حسرة قلت عمر بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم ثمَّ الرَّاء طعن فى السن إِنَّمَا ضبطته لوُقُوعه بِخَط الْحفاظ مُصحفا فَإِنَّهُ كتب عمى مَوضِع عمر وَأرَاهُ تصحيفا توفى أَبُو الطّيب فى رَجَب سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة بنيسابور 94 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن سهل الْفَقِيه أَبُو الْحُسَيْن الطبسى ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . الحديث: 94 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 95 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن شَارك الْفَقِيه أَبُو حَامِد الهروى الشاركى عَالم هراة وإمامها ومحدثها وأديبها وفقيهها ومفسرها سمع مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السامى وَالْحسن بن سُفْيَان النسوى وَأَبا يعلى الموصلى وَجَمَاعَة روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو إِبْرَاهِيم النصراباذى وَغَيرهمَا قَالَ فِيهِ الْحَاكِم مفتى هراة فى عصره وَكَانَ من الأدباء الْمَذْكُورين قَالَ وَكَانَ حسن الحَدِيث قَالَ وَورد نيسابور سنة ثَلَاث وَخمسين وثلاثمائة على أَن يخرج إِلَى الْحَج وَكَانَ أَبُو عبد الله بن أَبى ذهل الرئيس بنيسابور فَمَنعه عَن الْخُرُوج وَقَالَ للسُّلْطَان إِن خرج هَذَا الشَّيْخ من هراة ظَهرت غيبته على السُّلْطَان والرعية فَأَقَامَ بنيسابور مُدَّة ثمَّ انْصَرف إِلَى هراة فتوفى بهَا قلت وللحافظ أَبى حَامِد الشاركى كتاب الْمخْرج على صَحِيح مُسلم لم أَقف عَلَيْهِ الحديث: 95 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 قَالَ الْحَاكِم توفى سنة خمس وَخمسين وثلاثمائة وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو النَّصْر الفامى فى مَوضِع وَقَالَ فى آخر توفى سنة ثَمَان وَخمسين وَهَذَا فِيمَا أَحسب وهم وَالصَّوَاب سنة خمس وَخمسين 96 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن زِيَاد ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 97 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَبدُوس بن حَاتِم ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الحديث: 96 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 98 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن يحيى الْقصرى أَبُو بكر السيبى أحد الْأَئِمَّة تفقه على أَبى إِسْحَاق المروزى وَنشر الْفِقْه بِبَلَدِهِ قصر ابْن هُبَيْرَة وَتوفى فى رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وثلاثمائة وَله سِتّ وَسَبْعُونَ سنة الحديث: 98 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 99 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن شهريار الشَّيْخ أَبُو على الروذبارى أحد أَئِمَّة الصُّوفِيَّة وَاخْتلف فى اسْمه وَالأَصَح مَا ذَكرْنَاهُ وإياه أورد الشَّيْخ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى والأستاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح وَقيل الْحسن بن همام وَقَالَ الْخَطِيب وَابْن السمعانى مُحَمَّد بن أَحْمد وروذبار بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو والذال الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وفى آخرهَا الرَّاء كَانَ هَذَا الشَّيْخ بغدادى الأَصْل من أَبنَاء الوزراء والرؤساء والكتبة يتَّصل نسبه بكسرى أنوشروان صحب فى التصوف الشَّيْخ الْجُنَيْد وفى الْفِقْه ابْن سُرَيج وفى النَّحْو ثعلبا وفى الحَدِيث إِبْرَاهِيم الحربى وَكَانَ يفتخر بمشايخه هَؤُلَاءِ أَقَامَ بِمصْر وَصَارَ شيخها وَكَانَ فَقِيها مُحدثا روى عَن مَسْعُود الرملى وَغَيره روى عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الله بن شَاذان الرازى وَغَيره قَالَ أَبُو على الْكَاتِب مَا رَأَيْت أحدا أجمع لعلم الشَّرِيعَة والحقيقة من الروذبارى وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى أظرف الْمَشَايِخ وأعلمهم بالطريقة توفى سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة الحديث: 99 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 وَمن كَلَامه وفوائده قَالَ فى حد الصوفى إِنَّه من لبس الصُّوف على الصَّفَا وسلك طَرِيق الْمُصْطَفى وَأطْعم الْهوى ذوق الجفا وَكَانَت الدُّنْيَا مِنْهُ على الْقَفَا وَقَالَ أَنْفَع الْيَقِين مَا عظم الْحق فى عَيْنك وَصغر مَا دونه عنْدك وَأثبت الرَّجَاء وَالْخَوْف فى قَلْبك وَسُئِلَ عَمَّن يسمع الملاهى وزعمها حَلَالا لَهُ وَقَالَ لأنى وصلت إِلَى دَرَجَة لَا يُؤثر فى اخْتِلَاف الْأَحْوَال فَقَالَ نعم قد وصل لعمرى وَلَكِن إِلَى سقر قلت وَقد توصل من حكى هَذِه الْحِكَايَة إِلَى دَعْوَى أَنه كَانَ لَا يرى السماع وَالْأَظْهَر عندى فى معنى قَوْله أَنه أنكر من هَذَا الْقَائِل إِظْهَاره الْوُصُول إِلَى هَذِه الدرجَة فَإِن الْوَاصِل إِلَى هَذِه الدرجَة لَا يتظاهر بذلك إِلَّا عَن إِذن وَلَيْسَ مُرَاد الروذبارى تَحْرِيم السماع وَلَا إِنْكَار أَن بعض النَّاس لَا يُؤثر فِيهِ اخْتِلَاف الْأَحْوَال وَكَيف يكون ذَلِك وَمن كَلَام الروذبارى أَيْضا السماع مكاشفة الْأَسْرَار إِلَى مُشَاهدَة المحبوب أسْندهُ عَنهُ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم فى الرسَالَة وَعَن الروذبارى جزت بقصر فَرَأَيْت شَابًّا حسن الْوَجْه مطروحا وَحَوله نَاس فَسَأَلت عَنهُ فَقَالُوا إِنَّه جَازَ بِهَذَا الْقصر وَجَارِيَة تغنى (كَبرت همة عبد ... طمعت فى أَن تراكا) (أَو مَا حسب لعينى ... أَن ترى من قد رآكا) أسْندهُ القشيرى أَيْضا عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وَعَن فَاطِمَة أُخْت أَبى على الرُّوذَبَارِي قَالَت لما قرب أجل أخى أَبى على وَكَانَ رَأسه فى حجرى فتح عَيْنَيْهِ وَقَالَ هَذِه أَبْوَاب السَّمَاء فتحت وَهَذِه الْجنان قد زينت وَهَذَا قَائِل يَقُول لى يَا أَبَا على قد بلغناك الرُّتْبَة القصوى وَإِن لم تردها ثمَّ أنْشد يَقُول (وحقك لَا نظرت إِلَى سواكا ... بِعَين مَوَدَّة حَتَّى أراكا) (أَرَاك معذبى بفتور لحظ ... وبالخد المورد من جناكا) ثمَّ قَالَ يَا فَاطِمَة الأول ظَاهر والثانى فِيهِ إِشْكَال كَذَا أورد الْحِكَايَة القشيرى وَغَيره وَمَا أحسن إشكاله الثانى وَلَيْسَ هُوَ عِنْد التَّحْقِيق بمشكل وَلكنه وَالله أعلم استقصر عقول النِّسَاء عَن دركه وخشى عَلَيْهِنَّ غائلة أَن يفهمن أَن الْأَمر على ظَاهره وَعَن الروذبارى رَأَيْت فى الْبَادِيَة حَدثا فَلَمَّا رآنى قَالَ أما يَكْفِيك أَنه شغفنى بحبه حَتَّى علنى ثمَّ رَأَيْته يجود بِرُوحِهِ فَقلت لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَأَنْشَأَ يَقُول (أيا من لَيْسَ لى عنة ... وَإِن عذبنى بُد) (وَيَا من نَالَ من قلبى ... منالا مَا لَهُ حد) وَعنهُ قدم علينا فَقير فَمَاتَ فدفنته وكشفت عَن وَجهه لأضعه فى التُّرَاب ليرحم الله غربته فَفتح عَيْنَيْهِ وَقَالَ يَا أَبَا على أتذللنى بَين يدى من دللنى فَقلت لَهُ يَا سيدى أحياة بعد موت فَقَالَ بل أَنا حى وكل محب لله حى لأنصرنك غَدا بجاهى يَا روذبارى وَعنهُ من الاغترار أَن تسئ فَيحسن إِلَيْك فَتتْرك الْإِنَابَة توهما أَنَّك تسَامح فى الهفوات وَترى أَن ذَلِك من بسط الْحق لَك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 وَعنهُ المريد الذى لَا يُرِيد لنَفسِهِ إِلَّا مَا أَرَادَ الله لَهُ وَالْمرَاد لَا يُرِيد من الكونين شَيْئا غَيره وَقَالَ الصول على من دُونك ضعف وعَلى من فَوْقك قحة وَقَالَ التَّوْبَة الِاعْتِرَاف والندم والإقلاع وَأنْشد لنَفسِهِ (روحى إِلَيْك بكلها قد أَجمعت ... لَو أَن فِيك هلاكها مَا أقلعت) (تبكى إِلَيْك بكلها عَن كلهَا ... حَتَّى يُقَال من الْبكاء تقطعت) (فَانْظُر إِلَيْهَا نظرة فلطالما ... متعتها من نعْمَة فتمتعت) وَقَالَ كَيفَ تشهده الْأَشْيَاء وَبِه فنيت ذواتها عَن ذواتها أم كَيفَ غَابَتْ الْأَشْيَاء عَنهُ وَبِه ظَهرت بصفاته فسبحان من لَا يشهده شئ وَلَا يغيب عَنهُ شئ وَقَالَ أظهر الْحق الأسامى وأبداها لِلْخلقِ ليسكن بهَا شوق المحبين إِلَيْهِ وتأنس قُلُوب العارفين لَهُ وَأنْشد لنَفسِهِ (إِن الْحَقِيقَة غير مَا تتوهم ... فَانْظُر لنَفسك أى حَال تعزم) (أتكون فى الْقَوْم الَّذين تَأَخَّرُوا ... عَن حَقهم أَو فى الَّذين تقدمُوا) (لَا تخدعن فَتلوم نَفسك حِين لَا ... يجدى عَلَيْك تأسف وتلوم) وَمن شعر الروذبارى (لَو كل جارحة منى لَهَا لُغَة ... تثنى عَلَيْك بِمَا أوليت من حسن) (لَكَانَ مازان شكرى إِذا أشْرب بِهِ ... إِلَيْك أجمل فى الْإِحْسَان والمنن) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 وَمِنْه (وَلَو مضى الْكل منى لم يكن عجبا ... وَإِنَّمَا عجبى للْبَعْض كَيفَ بقى) (أدْرك بَقِيَّة فِيك قد تلفت ... قبل الْفِرَاق فَهَذَا آخر الرمق) قَالَ أَبُو على التفكر على أَرْبَعَة أوجه فكرة فى آيَات الله وعلامتها تولد الْمحبَّة وفكرة فى وعد الله بثوابه وعلامتها تولد الرَّغْبَة وفكرة فى وعيده تَعَالَى بِالْعَذَابِ وعلامتها تولد الرهبة وفكرة فى جفَاء النَّفس مَعَ إِحْسَان الله وعلامتها تولد الْحيَاء من الله وَأنْشد (فَإِن شِئْتُم وَصلى فَذَاك أريده ... وَإِن شِئْتُم هجرى فَذَلِك أوثر) (أَلَسْت أرى أَهلا بِحَال يسركم ... بذلك أزهو مَا حييت وأفخر) وَمن شعره أَيْضا (بك كتمان وجده بك عَنهُ ... لَك مِنْهُ وعنك مَالك مِنْهُ) (من إِذا لَاحَ مشرقى ... هام وجدا عَلَيْك إِن لم تكنه) (وَإِذا قَالَ لَا أَقُول ببين ... بَان عَنهُ فَبَان إِن لم تبنه) (يَا فَتى الْحبّ بل فَتى الْحق سرى ... عَنْك مستودع لديك فصنه) وَقَالَ مَا ادّعى أحد قطّ إِلَّا لخلوة عَن الْحَقَائِق وَلَو تحقق فى شئ لنطقت عَنهُ الْحَقِيقَة وأغنته عَن الدَّعْوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 وَقَالَ كَانَ عندنَا بِبَغْدَاد عشرَة فتيَان مَعَهم عشرَة أَحْدَاث مَعَ كل وَاحِد وَاحِد وَكَانُوا مُجْتَمعين فى مَوضِع فوجهوا وَاحِدًا من الْأَحْدَاث ليَأْخُذ لَهُم حَاجَة فَأَبْطَأَ عَلَيْهِم وغضبوا من تَأْخِيره ثمَّ أقبل وَهُوَ يضْحك وَبِيَدِهِ بطيخة يقلبها ويشمها فَقَالُوا لَهُ احْتبست عَنَّا ثمَّ جئتنا تضحك فَقَالَ جِئتُكُمْ بفائدة رَأَيْت بشر بن الْحَارِث وضع يَده على هَذِه البطيخة فَلم أزل وَاقِفًا حَتَّى اشْتَرَيْتهَا بِعشْرين درهما أتبرك بِموضع يَده عَلَيْهَا فَأخذ كل وَاحِد مِنْهُم البطيخة وَجعل يقبلهَا ويضعها على عَيْنَيْهِ فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم بشر كَانَ مَعنا صَاحب عصبية أيش بلغ بِهِ هَذَا كُله حَتَّى تَفعلُوا بِهِ هَذَا قَالُوا تقوى الله وَالْعَمَل الصَّالح فَقَالَ أَنا أشهد الله وأشهدكم أَنى تائب إِلَى الله من كل شئ لَا يرضاه منى وَأَنا على حَالَة بشر وطريقته فَقَالُوا كلهم مثل ذَلِك فتابوا بأجمعهم وَخَرجُوا إِلَى طرسوس وغزوا واستشهدوا كلهم فى مَوضِع وَاحِد وَأنْشد أَبُو على لنَفسِهِ (فلاذوا بِهِ من بعد كل نِهَايَة ... لياذ مقرّ بالخضوع مَعَ الْحَد) (بعجز وتقصير عَن الْوَاجِب الذى ... بِهِ عرفوه للودود من الود) (وَكَانَ لَهُم بالعز فى غَايَة المنى ... شكُورًا لما أولاه من رتب الْحَمد) (وَمن بأسرار الذَّخَائِر بَينه ... وَبينهمْ عَن مُضْمر الكتم للجهد) وروى أَن أَبَا على اتخذ مرّة أحمالا من السكر الْأَبْيَض ودعا بِجَمَاعَة من الحلاوانيين حَتَّى عمِلُوا من السكر جدارا عَلَيْهِ شرافات ومحاريب على أعمدة ونقشوها كلهَا من سكر ثمَّ دَعَا الصُّوفِيَّة حَتَّى هدموها وكسروها وانتهبوها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 وَمن كَلَامه المشاهدات للقلوب والمكاشفات للأسرار والمعاينات للبصائر والمرايات للأبصار 100 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَبدة التَّمِيمِي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . . 101 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر أَبُو بشر الهروى ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . . الحديث: 100 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 102 - أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو الْعَبَّاس الديبلى الْخياط الزَّاهِد سكن مصر قَالَ ابْن الصّلاح ذكره أَبُو الْعَبَّاس النسوى فى كِتَابه وَذكر أَنه كَانَ فَقِيها جيد الْمعرفَة بالفقه على مَذْهَب الشافعى وَكَانَ قوته وَكَسبه من خياطته كَانَ يخيط قَمِيصًا فى جُمُعَة بدرهم ودانقين طَعَامه وَكسوته من ذَلِك غلاء ورخصا مَا ارتفق من أحد بِمصْر بِشَربَة مَاء وَكَانَ رجلا صَالحا من أَرْبَاب الْأَحْوَال والمكاشفات لَهُ كرامات ظَاهِرَة وأحوال سنية حضر أَبُو الْعَبَّاس النسوى وَأَبُو سعد المالينى وَفَاته فذكرا الْعجب من حُضُوره وتلاوته إِلَى أَن خرجت روحه الحديث: 102 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 مَاتَ فى سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة وَقد ظن بعض النَّاس أَنه الدبيلى صَاحب أدب الْقَضَاء وَلَيْسَ كَذَلِك ذَاك على ابْن أَحْمد وَهَذَا أَحْمد بن مُحَمَّد وَلَيْسَ فى كتاب الْأَنْسَاب لِابْنِ السمعانى وَاحِدَة من هَاتين النسبتين 103 - أَحْمد بن مَسْعُود بن عَمْرو بن إِدْرِيس بن عِكْرِمَة أَبُو بكر الزنبرى بِفَتْح الزاى ثمَّ النُّون ثمَّ الْبَاء بِنُقْطَة من تحتهَا نِسْبَة إِلَى الْجد ذكره ابْن مَاكُولَا وَابْن السمعانى وَقَالا إِنَّه سمع الرّبيع بن سُلَيْمَان وبحر بن نصر وَمُحَمّد بن عبد الله بن عبد الحكم روى عَنهُ أَبُو بكر بن المقرى وَأَبُو حَفْص ابْن شاهين وَأَبُو سعيد ابْن يُونُس وَأَبُو الْقَاسِم الطبرانى وَغَيرهم مَاتَ فى شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثلاثمائة الحديث: 103 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 وَتقدم مُحَمَّد بن بشر الزنبرى فى الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَهَذَانِ وَإِن اخْتلفَا من طبقَة وَاحِدَة غير أَن سنة وَفَاة ذَاك لم تتحرر فأوردناه مَعَ أَصْحَاب الإِمَام الْأَعْظَم 104 - أَحْمد بن مَنْصُور بن عِيسَى ... ... ... ... ... ... 105 - أَحْمد بن مُوسَى بن الْعَبَّاس بن مُجَاهِد المقرىء أَبُو بكر شيخ الْقُرَّاء فى وقته ومصنف السَّبْعَة ولد سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ سمع الرمادى وسعدان بن نصر وَمُحَمّد بن عبد الله المخرمى وَأَبا بكر الصغانى وَجَمَاعَة قَرَأَ الْقُرْآن على قنبل وأبى الزَّعْرَاء بن عَبدُوس وَغَيرهمَا الحديث: 104 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 روى عَنهُ الحَدِيث أَبُو حَفْص بن شاهين وَأَبُو بكر بن شَاذان والدارقطنى وَخلق وَكَانَ ثِقَة مَأْمُونا قَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن خلائق قَالَ عبد الْوَاحِد بن أَبى هَاشم سَأَلَ رجل ابْن مُجَاهِد لم لَا تخْتَار لنَفسك حرفا يحمل عَنْك قَالَ نَحن إِلَى أَن نعمل أَنْفُسنَا فى حفظ مَا مضى عَلَيْهِ أَئِمَّتنَا أحْوج منا إِلَى اخْتِيَار حرف يقْرَأ بِهِ من بَعدنَا وَقَالَ ثَعْلَب مَا بقى فى عصرنا أعلم بِكِتَاب الله من ابْن مُجَاهِد وَعَن عبيد الله الزهرى قَالَ انتبه أبي فَقَالَ رَأَيْت يَا بنى كَأَن من يَقُول مَاتَ مقوم وحى الله فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذا بِابْن مُجَاهِد قد مَاتَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو الدانى فاق ابْن مُجَاهِد فى عصره سَائِر نظاره من أهل صناعته مَعَ اتساع علمه وبراعة فهمه وَصدق لهجته وَظُهُور نُسكه توفى سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة وَمن كَلَامه وفوائده قَالَ من قَرَأَ لأبى عَمْرو وتمذهب للشافعى واتجر فى الْبَز وروى شعر ابْن المعتز فقد كمل ظرفه قيل إِن ابْن مُجَاهِد قَالَ للشَّيْخ أَبى بكر الشبلى رضى الله عَنهُ أَيْن فِي الْعلم إِفْسَاد مَا ينْتَفع بِهِ قَالَ لَهُ فَأَيْنَ قَوْله {فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والأعناق} وَلَكِن أَيْن مَعَك يَا مقرىء فى الْقُرْآن الْمُحب لَا يعذب حَبِيبه فَسكت قَالَ الشبلى قَوْله تَعَالَى {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 106 - أَحْمد بن أَبى أَحْمد الطبرى الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس بن الْقَاص إِمَام عصره وَصَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة التَّلْخِيص والمفتاح وأدب القاضى والمواقيت وَغَيرهَا فى الْفِقْه وَله مُصَنف فى أصُول الْفِقْه وَالْكَلَام على حَدِيث يَا أَبَا عُمَيْر رَوَاهُ عَنهُ تِلْمِيذه القاضى أَبُو على الزجاجى كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا أَخذ الْفِقْه عَن أَبى الْعَبَّاس بن سُرَيج وَحدث عَن أَبى خَليفَة وَمُحَمّد بن عبد الله المطين الحضرمى وَمُحَمّد بن عُثْمَان بن أَبى شيبَة ويوسف بن يَعْقُوب القاضى وَعبد الله بن نَاجِية وَغَيره وَحَدِيثه مَوْجُود فى أدب الْقَضَاء وَغَيره من تصانيفه أَقَامَ بطبرستان وَأخذ عَنهُ علماؤها وأظن أَبَا على الزجاجى أَخذ عَنهُ هُنَاكَ ثمَّ انْتقل بِالآخِرَة إِلَى طرسوس ليقيم على الرِّبَاط وَالْمَشْهُور أَنه ابْن الْقَاص وَجعله أَبُو سعد بن السمعانى نَفسه الْقَاص قَالَ وَإِنَّمَا سمى بذلك لدُخُوله ديار الديلم ووعظه بهَا وتذكيره فَسمى الْقَاص لِأَنَّهُ كَانَ يقص قَالَ وَكَانَ من أخشع النَّاس قلبا إِذا قصّ فَمن ذَلِك مَا يحْكى أَنه كَانَ يقص على النَّاس بطرسوس فَأَدْرَكته روعة مِمَّا كَانَ يصف من جلال الله وعظمته وملكوته من خشيَة مَا كَانَ يذكر من بأسه وسطوته فَخر مغشيا عَلَيْهِ وَمَات الحديث: 106 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 وَحكى تِلْمِيذه القاضى أَبُو على الزجاجى أَن رجلا حمل ثورا من طَرِيق قَرْيَة إِلَى قَرْيَة أُخْرَى لإِنْسَان آخر فتعرض لَهُ بعض اللُّصُوص وخوفه بِالْقَتْلِ إِن لم يُسلمهُ إِلَيْهِ فَأعْطَاهُ الثور خوفًا مِنْهُ على روحه لبَقَاء مهجته فَاخْتلف عُلَمَاء الْوَقْت فى تغريم قيمَة الثور من حمله فَأوجب أَبُو الْعَبَّاس بن الْقَاص الغرامة على حامله لِأَنَّهُ افتدى نَفسه بِمَال غَيره وَهَذَا مَا صححوه فى الْوَدِيعَة وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الحناطى لَا غَرَامَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أكره على ذَلِك فاتفق أَن أَبَا على الزجاجى الحاكى رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام وَسَأَلَهُ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ الصَّوَاب مَا قَالَ أستاذك ابْن أَبى أَحْمد ففرح القاضى أَبُو على الزجاجى لموافقة أستاذه الصَّوَاب قلت أَبُو جَعْفَر الحناطى هُوَ وَالِد أَبى الْحُسَيْن الحناطى الْمَشْهُور وَيُقَال إِنَّه قَرَأَ على ابْن الْقَاص وسنترجمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى آخر هَذِه الطَّبَقَة عِنْد ذكر المعروفين بكناهم مَاتَ ابْن الْقَاص بطرسوس سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَمن الغرائب عَنهُ قَالَ ابْن الْقَاص فى أدب الْقَضَاء فِيمَا إِذا رَجَعَ شَاهدا الأَصْل الْمَشْهُود على شَهَادَتهمَا وَقَالا مَا أشهدنا شُهُود الْفَرْع أَو سكتا وَلم يَقُولَا شَيْئا إِنَّه لَا ضَمَان عَلَيْهِمَا وَلَا على شُهُود الْفَرْع وَقَالَ قلته تخريجا وَقَالَ فِيهِ أَيْضا فى بَاب مَا لَا يجب فِيهِ الْيَمين إِن الشافعى قَالَ لَو ادّعى على رجل أَنه ارْتَدَّ وَهُوَ مُنكر لم أكشف عَن الْحَال وَقلت لَهُ اشْهَدْ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَنه برىء من كل دين خَالف الْإِسْلَام انْتهى وَهُوَ نَص حسن يُؤْخَذ مِنْهُ مَا تعم بِهِ الْبلوى فِيمَن يدعى عَلَيْهِ بالْكفْر وَهُوَ يُنكر فَلَا يتَوَقَّف الحكم بِإِسْلَامِهِ على تَقْرِيره بِهِ وَبِذَلِك أفتى الْوَالِد رَحمَه الله وصنف فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 مصنفا رد بِهِ على الشَّيْخ تقى الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد فى دَعْوَاهُ خِلَافه وَلم يكن الْوَالِد وقف على هَذَا النَّص فَلَمَّا وقفت أَنا عَلَيْهِ أريته لَهُ فأعجبه وَقَالَ ابْن الْقَاص فِي الْمِفْتَاح فى زَكَاة التِّجَارَة إِنَّهَا تجب فى الْمَوْرُوث والموهوب وَلَا يعرف من قَالَ بِهِ فى الْمَوْرُوث مُطلقًا وَلَا فى الْمَوْهُوب إِلَّا إِذا كَانَ شَرط الثَّوَاب أَو كَانَ مُطلقًا وَقُلْنَا الْمُطلقَة تقتضى الثَّوَاب وَقد تَكَلَّمت على كَلَامه من أجوبة سُؤَالَات وَردت على من حلب أرسلها الشَّيْخ شهَاب الدّين الأذرعى تتَعَلَّق بكتابى التوشيح وَغَيره وَذكرت قَول الْأُسْتَاذ أَبى مَنْصُور فِي خطْبَة شرح الْمِفْتَاح إِن هَذَا لَا يُوَافق الْمَذْهَب تَحْلِيف الْمَقْذُوف فى الرافعى والرَّوْضَة حِكَايَة قَوْلَيْنِ فى أَنه هَل للقاذف تَحْلِيف الْمَقْذُوف أَنه لم يزن وَأَن الْمُوَافق بِجَوَاب الْأَكْثَرين أَن لَهُ ذَلِك وَلم يفصحا بكيفية الْحلف على القَوْل بِهِ بل قَوْلهمَا إِنَّه لم يزن قد يشيرإلى الِاكْتِفَاء بِهَذِهِ الْعبارَة فى الْحلف وَلَا يكْتَفى بذلك فى الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ وَقع اسْتِطْرَادًا غير مَقْصُود وَلم يكن مقصودهما إِلَّا أصل ثُبُوت الْحلف لَا تَعْرِيف صيغته وَالْمَسْأَلَة مسطورة قَالَ ابْن الْقَاص يحلف بِاللَّه أَنه عفيف وَقَالَ أَبُو زيد المروزى يحلف بِاللَّه أَنه لَيْسَ بزان قلت وَوجه قَول أبي زيد وَلَعَلَّه المستقر فى نفس الرافعى وَلذَلِك عبر بِاللَّفْظِ الذى حكيناه أَنه صُورَة جَوَابه فَإِن الْمَقْذُوف إِنَّمَا يَقُول فى جَوَاب أَنْت زَان لست الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 بزان أَو نَحوه وَقد لَا يكون زَانيا وَلَا عفيفا أَلا ترى أَن من وطئ محرما مَمْلُوكَة لَهُ لَيْسَ بعفيف على الْمَذْهَب وَمن ثمَّ لَا يحد قَاذفه وَمَا هُوَ بزان للشُّبْهَة وَبِهَذَا يتَوَجَّه كَلَام ابْن الْقَاص فَإِنَّهُ يَقُول إِنَّمَا يثبت الْحَد بِوُجُود الْعِفَّة لَا بِانْتِفَاء الزِّنَا فليحلف على الْعِفَّة وَالْخلاف بَين ابْن الْقَاص وأبى زيد حَكَاهُ شُرَيْح فى أدب الْقَضَاء وَغَيره وَمن الْعجب أَن الْقفال ذكر فى أَوَائِل أدب الْقَضَاء من شرح التَّلْخِيص كَلَام أَبى زيد مُقْتَصرا عَلَيْهِ وَلم يذكر كَلَام ابْن الْقَاص فرع هَل يكفى فى الشَّهَادَة على الشَّهَادَة مُطلق الاسترعاء أَو لابد من استرعاء الشَّاهِد بِخُصُوصِهِ هَذِه الْمَسْأَلَة من مخرجات أَبى الْعَبَّاس بن الْقَاص ذكر فى كتاب أدب الْقَضَاء فى بَاب ذكر الشَّهَادَة على الشَّهَادَة أَن الشافعى وَأَبا حنيفَة اخْتلفَا فِيهَا فَقَالَ الشافعى يجوز لَهما أَن يشهدَا على شَهَادَة من سمعاه يسترعى شَاهدا وَإِن لم يسترعهما قَالَ قلته تخريجا وَبِهَذَا جزم الرافعى فَقَالَ وَإِذا حصل الاسترعاء لم يخْتَص التَّحَمُّل بِمن استرعاه بل لزيد التَّحَمُّل وَالْأَدَاء باسترعاء عَمْرو خلافًا لأبى حنيفَة وَلم يزدْ على هَذَا الْقدر مَعَ أَن الْمَسْأَلَة كَبِيرَة خلافية وَقد بسطها الإِمَام فى النِّهَايَة فَجزم بِمَا جزم بِهِ الرافعى وَبَين وَجهه فَقَالَ ثمَّ أجمع أَصْحَابنَا على أَن الاسترعاء فى عينه لَيْسَ شرطا بل إِذا جرى لفظ الشَّهَادَة من شَاهد الأَصْل على وَجه لَا يحْتَمل إِلَّا الشَّهَادَة فَيصير السَّامع فرعا لَهُ وَإِن لم يصدر من جِهَته أمرا وَأذن فى تحمل الشَّهَادَة إِلَى أَن قَالَ وَلَو أشهد شَاهد الأَصْل زيدا على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 شَهَادَته وَكَانَ عَمْرو بالحضرة فلعمرو أَن يتَحَمَّل الشَّهَادَة كَمَا لزيد المسترعى فَإِنَّهُ لما استرعى زيدا فقد تبين تَجْرِيد الْقَصْد فى الشَّهَادَة وَهُوَ الْمَطْلُوب فيتحملها عَنهُ وَإِن لم يتَعَلَّق الاسترعاء بِهِ فَإِن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة لَيست استنابة من شَاهد الأَصْل وَلَا توكيلا وَإِنَّمَا الْغَرَض مِنْهُ حُصُول الشَّهَادَة فى حَقّهَا مَقْصُودَة مُجَرّدَة مرفاة عَن احْتِمَال الْكَلَام الذى قد يجريه الْإِنْسَان من غير ثَبت انْتهى وَأَقُول اقْتصر صَاحب الْبَيَان على عزو ذَلِك إِلَى ابْن الْقَاص والمسعودى وَلَكِن جزم بِهِ أَيْضا القاضى أَبُو سعد فى الإشراف وَكَلَام طوائف من أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيّين وَغَيرهم كَالصَّرِيحِ فى اشْتِرَاط استرعاء الشَّاهِد بِخُصُوصِهِ وعَلى ذَلِك تدل عبارَة صَاحب التَّنْبِيه وَصرح القاضى شُرَيْح فى أدب الْقَضَاء بِالْخِلَافِ فِيهِ المحمدون من أهل هَذِه الطَّبَقَة 107 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف أَبُو الْحسن الْكَاتِب من أجل فقهائنا قَالَ ابْن باطيش ولد سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ بالحسنية 108 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْأَزْهَر بن طَلْحَة الهروى أَبُو مَنْصُور الأزهرى الهروى اللغوى صَاحب تَهْذِيب اللُّغَة ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ الحديث: 107 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 وَسمع بهراة من الْحُسَيْن بن إِدْرِيس وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن السامى وَطَائِفَة ثمَّ رَحل إِلَى بَغْدَاد فَسمع أَبَا الْقَاسِم البغوى وَأَبا بكر بن دَاوُد وَإِبْرَاهِيم بن عَرَفَة نفطويه وَابْن السراج وَأَبا الْفضل المنذرى وَعبد الله بن عُرْوَة وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو يَعْقُوب القراب وَأَبُو ذَر عبد بن أَحْمد وَأَبُو عُثْمَان سعيد القرشى وَالْحُسَيْن الباشانى وعَلى بن أَحْمد بن خمرويه وَغَيرهم وَكَانَ إِمَامًا فى اللُّغَة بَصيرًا بالفقه عَارِفًا بِالْمذهبِ عالى الْإِسْنَاد ثخين الْوَرع كثير الْعِبَادَة والمراقبة شَدِيد الِانْتِصَار لألفاظ الشافعى متحريا فى دينه أدْرك ابْن دُرَيْد وَامْتنع أَن يَأْخُذ عَنهُ اللُّغَة وَقد حمل اللُّغَة عَن الأزهرى جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عبيد الهروى صَاحب الغريبين وَمن مصنفات الأزهرى التَّهْذِيب عشرَة مجلدات وَكتاب التَّقْرِيب فى التَّفْسِير وَكتاب تَفْسِير أَلْفَاظ المزنى وَكتاب علل الْقرَاءَات وَكتاب الرّوح وَمَا ورد فِيهَا من الْكتاب وَالسّنة وَكتاب تَفْسِير الْأَسْمَاء الْحسنى وَتَفْسِير إصْلَاح الْمنطق وَتَفْسِير السَّبع الطول وَتَفْسِير ديوَان أَبى تَمام وَأسر مرّة أسرته القرامطة فَحكى عَن نَفسه أَنه وَقع فى أسر عرب نشأوا فى الْبَادِيَة يتتبعون مساقط الْغَيْث أَيَّام النجع ويرجعون إِلَى أعداد الْمِيَاه فى محاضرهم زمن القيظ ويتكلمون بطبائعهم البدوية وَلَا يكَاد يُوجد فى منطقهم لحن أَو خطأ فَاحش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 قَالَ فَبَقيت فى أسرهم دهرا طَويلا واستفدت مِنْهُم ألفاظا جمة ثمَّ توفى فى شهر ربيع الآخر سنة سبعين وثلاثمائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وَمن الرِّوَايَة والفوائد عَن أَبى مَنْصُور وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا أَبُو على الْخلال أخبرنَا عبد الله بن عمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 ح وَكتب إِلَى أَحْمد بن أَبى طَالب عَن ابْن عمر أخبرنَا عبد الأول بن عِيسَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 أخبرنَا أَبُو إِسْمَاعِيل عبد الله بن مُحَمَّد أخبرنَا على بن أَحْمد بن خميرويه حَدثنَا مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن الْأَزْهَر إملاء حَدثنَا عبيد الله بن عُرْوَة حَدثنَا مُحَمَّد بن الْوَلِيد عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن على بن الْحُسَيْن عَن مَرْوَان بن الحكم قَالَ شهِدت عُثْمَان وعليا فَنهى عُثْمَان عَن الْمُتْعَة وَأَن يجمع بَينهمَا فَلَمَّا رأى ذَلِك على أهل بهما فَقَالَ لبيْك بِحجَّة وَعمرَة فَقَالَ عُثْمَان ترانى أنهى النَّاس وَأَنت تَفْعَلهُ فَقَالَ لم أكن لأدع سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْل أحد من النَّاس قَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ // إِسْنَاده صَحِيح // قَالَ وَهُوَ شئ غَرِيب إِذْ فِيهِ رِوَايَة على بن الْحُسَيْن عَن مَرْوَان وَفِيه تصويب مَرْوَان اجْتِهَاد على رضى الله عَنهُ على اجْتِهَاد عُثْمَان رضى الله عَنهُ مَعَ كَون مَرْوَان عثمانيا قيل وجد على أصل كتاب التَّهْذِيب بِخَط الأزهرى (وَإِن عناء أَن تعلم جَاهِلا ... ويحسب جهلا أَنه مِنْك أعلم) (مَتى يبلغ الْبُنيان يَوْمًا تَمَامه ... إِذا كنت تبنيه وَآخر يهدم) (فَكيف بِنَاء خَلفه ألف هَادِم ... وَألف وَألف ثمَّ ألف وَأعظم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 109 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدَان بن على بن عبد الله بن سِنَان أَبُو عَمْرو ابْن الزَّاهِد أَبى جَعْفَر الحيرى النيسابورى الزَّاهِد الْمُقْرِئ الْفَقِيه الْمُحدث النحوى أدْرك أَبَا عُثْمَان الحيرى وَسمع مِنْهُ سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ سمع أَبَا بكر مُحَمَّد بن زَنْجوَيْه بن الْهَيْثَم وَأَبا عَمْرو أَحْمد بن نصر وجعفر بن أَحْمد الْحَافِظ ورحل فَسمع من الْحسن بن سُفْيَان سنة تسع وَتِسْعين مُسْنده ومسند شَيْخه أَبى بكر بن أَبى شيبَة وَسمع من أَبى يعلى الموصلى مُسْنده وَمن عَبْدَانِ الأهوازى وزكرياء الساجى وَمُحَمّد بن جرير الطبرى وأبى الْعَبَّاس بن السراج وَابْن خُزَيْمَة وَخلق روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَأَبُو نعيم الْحَافِظ وَأَبُو سعيد مُحَمَّد بن على النقاش وَأَبُو الْعَلَاء صاعد بن مُحَمَّد الهروى وَأَبُو حَفْص بن مسرور وَعبد الغافر بن مُحَمَّد الفارسى وَأَبُو سعد الكنجروذى وَأَبُو عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد البحيرى وَأَبُو سعد وَآخَرُونَ وَكَانَ الْمَسْجِد فرَاشه نيفا وَثَلَاثِينَ سنة ثمَّ لما عمى وَضعف نقل إِلَى بعض أَقَاربه بِالْحيرَةِ من نيسابور وَصَحب الزهاد الحديث: 109 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 قَالَ الْحَاكِم ولد لَهُ بنت وَهُوَ ابْن تسعين سنة وَتوفى وَزَوجته حُبْلَى فبلغنى أَنَّهَا قَالَت لَهُ عِنْد وَفَاته قد قربت ولادتى فَقَالَ سلميه إِلَى الله فقد جَاءُوا ببراءتى من السَّمَاء وَتشهد وَمَات فى الْوَقْت رَحمَه الله توفى فى الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة وَصلى عَلَيْهِ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم الْحَافِظ وَقع لنا حَدِيثه بعلو 110 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الرّبيع بن سُلَيْمَان بن أَبى مَرْيَم أَبُو رَجَاء الأسوانى أحد فقهائنا ذكره أَبُو سعيد بن يُونُس وَقَالَ كتب عَن على بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ فَقِيها على مَذْهَب الشافعى أديبا فصيح اللِّسَان وَله نظم وَمن نظمة قصيدة ذكر فِيهَا أَخْبَار الْعَالم وقصص الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَكتاب مُخْتَصر المزنى والطب والفلسفة وَغير ذَلِك سُئِلَ قبل مَوته كم بلغت قصيدتك قَالَ ثَلَاثِينَ ألفا وَمِائَة ألف بَيت وبقى على أَشْيَاء تحْتَاج إِلَى زِيَادَة توفى فى ذى الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة قلت وقفت لَهُ على كتاب جمل الْأُصُول الدَّالَّة على الْفُرُوع فى الْفِقْه فى مجلدين لطيفين وقف دَار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق ويعنى بالأصول نُصُوص الشافعى فِيمَا أَحسب ذكر أَنه اخْتَصَرَهُ من كتب الشَّافِعِي وَقد أَجَاد فِيهِ تَلْخِيص النُّصُوص وَرُبمَا اعْترض أَو نظر كَقَوْلِه فى بَاب الْوَصِيَّة مِنْهُ وَإِن أوصى لَهُ بجمل أَو بعير لم يُعْط نَاقَة وَفِيه نظر انْتهى الحديث: 110 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 فَإِن أَرَادَ التنظير بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعِير فقد قَالَه الْأَصْحَاب واستشكلوا النَّص على أَن الْبَعِير لَا يتَنَاوَل النَّاقة وصححوا أَنه يتَنَاوَلهُ وَإِن أَرَادَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجمل أَيْضا كَمَا هُوَ ظَاهر إِطْلَاقه فَغَرِيب فالمعروف عِنْد الْأَصْحَاب مَا هُوَ الْمَنْصُوص من أَن الْجمل لَا يتَنَاوَل النَّاقة وَبِالْعَكْسِ وَقَالَ فى هَذَا الْبَاب أَيْضا وَإِن أوصى بِثُلثِهِ للغازى فى سَبِيل الله أَو للْمَسَاكِين فهم الَّذين من الْبَلَد الَّذِي فِيهِ مَاله انْتهى وَهَذَا وَجه وَالصَّحِيح جَوَاز النَّقْل وَالصرْف إِلَى من فى بلد أُخْرَى وَقد نبهنا قَوْله الْبَلَد الذى فِيهِ مَاله على أَنه لَو كَانَ فى بلد وَمَاله فى آخر كَانَت الْعبْرَة عِنْد من لَا يرى النَّقْل بِبَلَد مَاله لَا بَلَده وهى مَسْأَلَة 111 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الفاشانى من قَرْيَة فاشان إِحْدَى قرى مرو بفاء مَفْتُوحَة ثمَّ ألف ثمَّ شين مُعْجمَة ثمَّ ألف ثمَّ نون هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْجَلِيل شيخ الْإِسْلَام أَبُو زيد المروزى الْمُنْقَطع القرين فَلَيْسَ من يساجله والمنقطع القرين يتْركهُ مصفرا أنامله والمنقطع إِلَى رب الْعَالمين فَلَا يعامر سواهُ وَلَا يعامله فَرد الْأمة فى عصره وَوَاحِد الزَّمَان بِاتِّفَاق أهل مصره وَغير مصره أَبُو زيد فى الْعلم وَعَمْرو وَبكر وخَالِد وَشَيخ كل صادر من المريدين ووارد أحد الْأَفْرَاد علما وورعا وَوَاحِد الْآحَاد إفرادا وجمعا مولده سنة إِحْدَى وثلاثمائة حدث عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الفربرى وَعمر بن علك المروزى وَمُحَمّد بن عبد الله السعدى وأبى الْعَبَّاس الدغولى وَأحمد بن مُحَمَّد المنكدرى وَغَيرهم الحديث: 111 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 روى عَنهُ الْهَيْثَم بن أَحْمد الصّباغ وَعبد الْوَاحِد بن مشماس وَعبد الْوَهَّاب الميدانى وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى وَغَيرهم من النيسابوريين وَأَبُو الْحسن الدارقطنى كَذَا قَالَ الذهبى مَعَ تقدمه وَلم يتَقَدَّم لَا مولدا وَلَا وَفَاة نعم هُوَ أَكثر الروَاة عَنهُ وَأَبُو بكر البرقانى وَمُحَمّد بن أَحْمد المحاملى وَغَيرهم من البغداديين والفقيه أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن إِبْرَاهِيم الْأصيلِيّ وَآخَرُونَ وَكَانَ مِمَّن أجمع النَّاس على زهده وورعه وَكَثْرَة علمه وجلالته فى الْعلم وَالدّين قَالَ الْحَاكِم كَانَ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وَمن أحفظ النَّاس لمَذْهَب الشافعى وَأَحْسَنهمْ نظرا وأزهدهم فى الدُّنْيَا سَمِعت أَبَا بكر الْبَزَّار يَقُول عادلت الْفَقِيه أَبَا زيد من نيسابور إِلَى مَكَّة فَمَا أعلم أَن الْمَلَائِكَة كتبت عَلَيْهِ خَطِيئَة وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين حَافِظًا لمَذْهَب الشافعى حسن النّظر مَشْهُورا بالزهد والورع وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب حسن النّظر مَشْهُورا بالزهد وَحدث بالجامع الصَّحِيح للبخارى قَالَ الْحَاكِم وهى من أجل الرِّوَايَات لجلالة أَبى زيد وَقَالَ الْخَطِيب أَبُو زيد أجل من روى ذَلِك الْكتاب قلت وَعَجِبت من إغفال الْحَاكِم سَماع صَحِيح البخارى مِنْهُ إِن كَانَ أغفله ثمَّ عجبت من إغفال النَّاس أَخذه عَن الْحَاكِم إِن كَانَ لم يغفله وَقد جاور أَبُو زيد بِمَكَّة على علو السن مُدَّة حَتَّى كَاد يعرفهُ ركن الْحطيم ويألفه مقَام إِبْرَاهِيم ويشكر سَعْيه الصَّفَا وَيذكر محامده إخْوَان الصَّفَا ينشر الْعلم ويشيعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 ويطوى اللَّيْل وَلَا يضيعه حَتَّى تضوع مِنْهُ مسكا بطن نعْمَان وترفع بحلوله قدرا مَا هُنَالك من الْأَركان قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْفَقِيه يَقُول سَمِعت أَبَا زيد المروزى يَقُول لما عزمت على الرُّجُوع إِلَى خُرَاسَان من مَكَّة تقسم قلبى بذلك وَكنت أَقُول مَتى يمكننى هَذَا والمسافة بعيدَة وَالْمَشَقَّة لَا أحتملها وَقد طعنت فى السن فَرَأَيْت فى الْمَنَام كَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعد فى صحن الْمَسْجِد الْحَرَام وَعَن يَمِينه شَاب فَقلت يَا رَسُول الله قد عزمت على الرُّجُوع إِلَى خُرَاسَان والمسافة بعيدَة فَالْتَفت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الشَّاب وَقَالَ (يَا روح الله آصحبه إِلَى وَطنه) وَقَالَ أَبُو زيد فَأريت أَنه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَانْصَرَفت إِلَى مرو وَلم أحس بشئ من مشقة السّفر هَذَا أَو نَحوه فإنى لم أراجع الْمَكْتُوب عندى من لفظ أَبى الْحسن انْتهى كَلَام الْحَاكِم وَفِيه كَمَا أرى أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد وَحَكَاهُ كَذَلِك عَن الْحَاكِم الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فى كتاب تَبْيِين كذب المفترى وَابْن الصّلاح فى الطَّبَقَات وَأَبُو الْحسن تقدم فى الأحمدين وَتَقَدَّمت عَنهُ هَذِه الْحِكَايَة وَتقدم قَول الْحَاكِم أخبرنى الثِّقَة أَنه أَحْمد بن مُحَمَّد فَلَا تتوهمن أَنه اثْنَان وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِد فى اسْمه اخْتِلَاف وَذكر الْحَاكِم تَرْجَمته فى موضِعين فليضبط ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وَمِمَّا يذكر من ورع الشَّيْخ أَبى زيد قَالَ القاضى الْحُسَيْن فى التعليقة قَالَ الشَّيْخ الْقفال سَأَلت الشَّيْخ أَبَا زيد لم جوز الشافعى صَلَاة النَّفْل فى السّفر رَاكِبًا وماشيا غير مُسْتَقْبل فَقَالَ إِن للنَّاس أورادا كَثِيرَة وَرُبمَا يحْتَاج الْمَرْء إِلَى الْخُرُوج إِلَى السّفر فى معاشه ومكاسبه فَلَو قُلْنَا إِنَّه لَا تجوز لَهُ النَّافِلَة فى السّفر لَأَدَّى ذَلِك إِلَى أَن يشْتَغل بالأوراد وَيَنْقَطِع عَن معايشه وَقَالَ أَيْضا سَأَلت أَبَا عبد الله الخضرى عَن هَذَا فَقَالَ رُبمَا كَانَ للْإنْسَان أوراد كَثِيرَة وَخرج إِلَى السّفر فى بعض حَوَائِجه لأمر معاشه فَلَو قُلْنَا لَا تجوز لَهُ النَّافِلَة فى السّفر لَأَدَّى ذَلِك إِلَى تَركه الأوراد واشتغاله بمعاشه قَالَ الْقفال انْظُرُوا إِلَى فضل مَا بَينهمَا فَإِن أَبَا زيد كَانَ رجلا زاهدا فَقدم أَمر الدّين على الدُّنْيَا فى الْجَواب وَكَانَ الخضرى مَشْغُولًا بالدنيا وَصلَاته كَصَلَاة الْفُقَهَاء فَقدم أَمر الدُّنْيَا قلت ثمَّ مَا كَانَ ورع الشَّيْخ أَبى زيد بِحَيْثُ يُخرجهُ إِلَى الْحَد الذى ينتهى إِلَيْهِ أهل الوسوسة من عوام المتورعين الَّذين إِذا أعْطوا يَسِيرا من الدّيانَة مَعَ الْجَهْل تنطعوا فى الجزئيات يدل على ذَلِك أَن أَصْحَابنَا يَقُولُونَ فِيمَا إِذا تنجس الْخُف بخرزه بِشعر الْخِنْزِير ثمَّ غسل سبعا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ أَنه يطهر ظَاهره دون بَاطِنه وَهُوَ مَوضِع الدروز وَقَالَ الرافعى فى أَوَاخِر بَاب الْأَطْعِمَة وَيُقَال إِن الشَّيْخ أَبَا زيد كَانَ يصلى مَعَ الْخُف النَّوَافِل دون الْفَرَائِض فَرَاجعه الْقفال فِيهِ فَقَالَ إِن الْأَمر إِذا ضَاقَ اتَّسع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 قَالَ الرافعى أَشَارَ بِهِ إِلَى كَثْرَة النَّوَافِل قَالَ النووى بل الظَّاهِر أَنه أَشَارَ إِلَى أَن هَذَا الْقدر مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى ويتعذر أَو يشق الِاحْتِرَاز مِنْهُ فعفى عَنهُ مُطلقًا وَإِنَّمَا كَانَ لَا يصلى فِيهِ الْفَرِيضَة احْتِيَاطًا لَهَا وَإِلَّا فَمُقْتَضى قَوْله الْعَفو فيهمَا وَلَا فرق بَين الْفَرْض وَالنَّفْل فى اجْتِنَاب النَّجَاسَة وَيدل على صِحَة مَا تأولته أَن الْقفال قَالَ سَأَلت أَبَا زيد عَن جَوَاز الصَّلَاة فى الْخُف يخرز بِشعر الْخِنْزِير فَقَالَ الْأَمر إِذا ضَاقَ اتَّسع قَالَ الْقفال مُرَاده أَن بِالنَّاسِ حَاجَة إِلَى الخرز بِهِ فللضرورة جَوَّزنَا ذَلِك قلت لم يَتَّضِح لى مُخَالفَة كَلَام النووى للرافعى بل قَول الرافعى إِن أَبَا زيد أَشَارَ بِهِ إِلَى كَثْرَة النَّوَافِل مَعْنَاهُ مَا ذكره النووى من أَن كثرتها اقْتَضَت أَلا يحْتَاط لَهَا كَمَا يحْتَاط للفريضة من أجل الْمَشَقَّة وَذكر ابْن الرّفْعَة فى بَاب مسح الْخُف أَن أَبَا زيد فى كَلَامه هَذَا مُتبع للشافعى قَالَ فَإِن الخطابى حَكَاهُ عَنهُ عِنْد الْكَلَام فى الذُّبَاب يَقع فى المَاء الْقَلِيل أَن مبْنى الشَّرِيعَة على أَن الْأَمر إِذا ضَاقَ اتَّسع قَالَ ابْن الرّفْعَة على أَنه يُمكن أَن يُعلل ذَلِك بِأَن الدَّاخِل من مَوَاضِع الخرز قد انسد بالخيط فَصَارَ فى حكم الْبُطُون والنجاسة فى الْبَاطِن لَا تمنع الصِّحَّة بِدَلِيل أَن ظَاهر نَص الشافعى صِحَة الصَّلَاة فى جلد الْميتَة المدبوغ وَإِن قُلْنَا الدّباغ لَا يطهر بَاطِنه وَنَصه على أَنه لَو سقى سَيْفه شَيْئا نجسا طهر بإفاضة المَاء على ظَاهره ولأجله وَالله أعلم قَالَ بعض أَصْحَابنَا إِذا حمل قَارُورَة فِيهَا نَجَاسَة بعد تصميم رَأسهَا فى صلَاته تصح انْتهى قلت وَحَاصِله محاولة أَنه مَعْفُو عَنهُ وَأَنه صَار بَاطِنا لَا يعْطى حكم النَّجَاسَة وَقد يُقَال لَو كَانَ كَذَلِك لصلى فِيهِ الْفَرْض وَالنَّفْل جَمِيعًا وَيُجَاب بِأَن القَوْل بِأَنَّهُ لَا تمْتَنع الصِّحَّة لَيْسَ قَطْعِيا بل هُوَ مظنون فاحتيط فِيهِ للْفَرض مَا لم يحتط للنفل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 توفى الشَّيْخ أَبُو زيد بمرو فى يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين وثلاثمائة ذكر نخب وفوائد ومسائل عَن الشَّيْخ أَبى زيد نقل الشَّيْخ أَبُو على قبيل كتاب الصَّلَاة من شرح الْفُرُوع أَن بعض أَصْحَابنَا قَالَ إِن الطّواف وَإِن كَانَ نفلا يلْزم بِالشُّرُوعِ فِيهِ ثمَّ ذكر مَا حَاصله أَن الشَّيْخ أَبَا زيد مُوَافق على ذَلِك وَهَذَا غَرِيب ذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ فى آخر النِّهَايَة فى الْفُرُوع المنثورة أَن الحليمى كتب إِلَى الشَّيْخ أَبى زيد يستفتيه فِيمَن اشْترى جَارِيَة فَأَتَت بِولد فَادّعى أَنَّهَا وَلدته بعد الشِّرَاء وَقَالَ البَائِع بل قبله فَأَجَابَهُ أَبُو زيد بِأَن القَوْل قَول البَائِع لِأَن الأَصْل ثُبُوت ملكه فى الْحمل وَالْأَصْل عدم البيع فى وَقت الْولادَة قَالَ الإِمَام هَكَذَا حَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو على وَلم يزدْ عَلَيْهِ قَالَ وَكَذَا حَكَاهُ الإِمَام وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَلم أر من تكلم عَلَيْهِ وَفِيه نظر وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن يكون الْحمل مَوْجُودا عِنْد البَائِع ثمَّ يُوجد الْوَلَد عِنْد الْمُشْتَرى ويشك أَكَانَت وِلَادَته قبل البيع أَو بعده والذى ينبغى أَن يُقَال إِنَّه إِن كَانَ فى يَد الْمُشْتَرى فَهُوَ لَهُ وَلَا يرفع يَده بِمُجَرَّد وجود الْحمل فى يَد البَائِع وَيشْهد لهَذَا قَول الْأَصْحَاب فى بَاب الْكِتَابَة فِيمَن زوج أمته من عَبده ثمَّ كَاتب العَبْد ثمَّ بَاعَ مِنْهُ زَوجته وَأَتَتْ بِولد فَقَالَ السَّيِّد ولدت قبل الْكِتَابَة فَهُوَ لى وَقَالَ الْمكَاتب بل بعد الْكِتَابَة وَالشِّرَاء وَقد يُكَاتب على أَن الْمكَاتب يصدق بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ يدعى ملك الْوَلَد وَيَده مقرة عَلَيْهِ وَالْيَد تدل على الْملك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 فَائِدَة أُخْرَى نقل صَاحب الْبَيَان فى بَاب سترالعورة فى فَاقِد الستْرَة إِذا صلى عُريَانا أَن الشَّيْخ أَبَا زيد قَالَ إِن كَانَ فى الْحَضَر ففى الْإِعَادَة قَولَانِ وَإِن كَانَ فى السّفر لم تلْزمهُ الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا وَقَالَ سَائِر أَصْحَابنَا لَا تلْزمهُ الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا فى سفر وَلَا فى حضر لِأَن العرى عذر عَام وَرُبمَا اتَّصل ودام وَقد يعْدم ذَلِك فى الْحَضَر كَمَا يعدمه فى السّفر فَلَو ألزمناه الْإِعَادَة لشق ذَلِك هَذَا كَلَام الْبَيَان وَالْقَوْل بالتفرقة فى لُزُوم الْإِعَادَة بَين الْحَضَر وَالسّفر شهير حَكَاهُ أَيْضا ابْن يُونُس فى شرح التَّنْبِيه وَلم يذكرهُ الرافعى وَإِنَّمَا أطلق فى آخر بَاب التَّيَمُّم حِكَايَة وَجْهَيْن أظهرهمَا عدم لُزُوم الْإِعَادَة وَالْمَسْأَلَة عِنْده تبعا للْإِمَام والغزالى فى بَاب التَّيَمُّم فى فصل الْقَضَاء وَعند صَاحب الْمُهَذّب وَأَتْبَاعه فى ستر الْعَوْرَة وَلَعَلَّه أنسب ثمَّ اخْتِلَاف الِاصْطِلَاح فى وَضعهَا رُبمَا طرق بعض التَّقْصِير فى شرحها لمن يقْتَصر نظره على أحد المكانين 112 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْحُسَيْن الملطى الْفَقِيه الْمُقْرِئ حدث عَن عدى بن عبد الباقى وخيثمة بن سُلَيْمَان وَأحمد بن مَسْعُود الْوزان وَجَمَاعَة روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن رَجَاء وَعمر بن أَحْمد الواسطى وَغَيرهمَا وَأخذ الْقِرَاءَة عرضا عَن أَبى بكر بن مُجَاهِد وأبى بكر بن الأنبارى وَجَمَاعَة وَله قصيدة فى نعت الْقِرَاءَة أَولهَا (أَقُول لأهل الْكتب وَالْفضل وَالْحجر ... مقَال مُرِيد للثَّواب وللأجر) الحديث: 112 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 مَاتَ سنة سبع وَسبعين وثلاثمائة أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا عبد الْحَافِظ بن بدارن أخبرنَا أَحْمد ابْن طَاوُوس أخبرنَا حَمْزَة بن أَحْمد السلمى أخبرنَا نصر بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه أخبرنَا عمر بن أَحْمد الْخَطِيب أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن الملطى حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس الإِمَام بحلب حَدثنَا سهل بن صَالح الأنطاكى حَدثنَا عَبدة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهِنْد (خذى من مَاله مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ) وَكَانَت قَالَت لَهُ يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح وَإنَّهُ لَا يعطينى مَا يكفينى ويكفى بنى فآخذ من مَاله وَهُوَ لَا يعلم فَهَل على مِنْهُ شئ 113 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن على بن شاهويه ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الحديث: 113 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 114 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الإِمَام الْجَلِيل أَبُو بكر بن الْحداد المصرى صَاحب الْفُرُوع وساحب ذيل الْفضل الذى هُوَ على الرؤوس مَحْمُول وعَلى الْعُيُون مَوْضُوع ذُو الفكرة المستقيمة والفطرة السليمة فكره فى محتجبات الْمعَانى سَارِيَة وفى سَمَاء المعالى سامية وقريحه عَجِيبَة الْحَال مَا أَدْرَاك مَاهِيَّة نَار حامية إِمَام لَا يدْرك مَحَله وجواد لَا يجاريه إِلَّا ظله سَارَتْ مولداته فى المغارب والمشارق وطرق فكره الأسماع وَمَا أَدْرَاك مَا الطارق وناطق قَالَ فَكَانَ لَهُ من القَوْل بسيطه ووجيزه ومصرى صَحَّ على نقد الأذهان إبريزه ووضح حليه فعوذ من شَرّ الوسواس الخناس واصطفت الْأَئِمَّة مَعَه فَقَالَ لِسَان الْحق مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ (يقف التَّوَهُّم عَنهُ حِدة ذهنه ... فَقضى على غيب الْأُمُور تَيَقنا) (أمضى إِرَادَته فَسَوف لَهُ قد ... واستقرب الْأَقْصَى فتم لَهُ هُنَا) ولد يَوْم موت المزنى وَأخذ الْفِقْه عَن أَبى سعيد مُحَمَّد بن عقيل الفريابى وَبشر بن نصر غُلَام عرق وَمَنْصُور بن إِسْمَاعِيل الضَّرِير وجالس أَبَا إِسْحَاق المروزى لما ورد مصر وَدخل بَغْدَاد سنة عشر وثلاثمائة فَاجْتمع بجرير وَأخذ عَنهُ وَاجْتمعَ أَيْضا بالصيرفى وبالإصطخرى وَلم يتهيأ لَهُ الِاجْتِمَاع بأبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج فَكَانَ يتأسف وَيَقُول وددت أَنى رَأَيْت ابْن سُرَيج وأنى أحم فى كل لَيْلَة إِلَى أَن أَمُوت الحديث: 114 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن مُحَمَّد بن ولاد وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة مِنْهُم مُحَمَّد بن عقيل الفريابى الْفَقِيه وَأَبُو يزِيد القراطيسى وَعمر بن مِقْلَاص والنسائى وَغَيرهم وَلكنه لم يحدث عَن غير النسائى قَالَ الدارقطنى كَانَ ابْن الْحداد كثير الحَدِيث وَلم يحدث عَن غير أَبى عبد الرَّحْمَن النسائى وَقَالَ جعلته حجَّة فِيمَا بينى وَبَين الله تَعَالَى وَكَانَ كثير التَّعَبُّد يخْتم كل يَوْم وَلَيْلَة ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَيخْتم يَوْم الْجُمُعَة ختمة أُخْرَى فى رَكْعَتَيْنِ فى الْجَامِع قبل الصَّلَاة سوى الَّتِى يختمها كل يَوْم وَكَانَ عَارِفًا بِالْحَدِيثِ والأسماء والكنى والنحو واللغة وَاخْتِلَاف الْفُقَهَاء وَأَيَّام النَّاس وسير الْجَاهِلِيَّة حَافظ لشئ كثير من الشّعْر وَكَانَ حسن الثِّيَاب رفيعها حسن المركوب وَولى الْقَضَاء بِمصْر نِيَابَة لِابْنِ هروان الرملى وَلغيره أَيْضا وَكَانَ نَسِيج وَحده فى حفظ الْقُرْآن إِمَام عصره فى الْفِقْه بحرا وَاسِعًا فى اللُّغَة تجمل بِهِ وجوده يجلس فى خلْوَة للشغل بِالْعلمِ فيغشى حلقته الجم الْغَفِير الَّذين يفوتون الْحصْر وَله كلمة نَافِذَة عِنْد الْمُلُوك وجاه رفيع وَأما غوصه على الْمعَانى الدقيقة وَحسن استخراجه للفروع المولدة فقد أجمع النَّاس على أَنه فَرد فى ذَلِك وَلم يلْحقهُ أحد فِيهِ وَله كتاب الباهر فى الْفِقْه قيل إِنَّه فى مائَة جُزْء وَكتاب أدب الْقَضَاء فى أَرْبَعِينَ جُزْءا وَكتاب جَامع الْفِقْه وَكتاب الْفُرُوع المولدات الْمُخْتَصر الْمَشْهُور الذى شَرحه عُظَمَاء الْأَصْحَاب مِنْهُم الْقفال وَالشَّيْخ أَبُو على السنجى والقاضى أَبُو الطّيب الطبرى والقاضى الْحُسَيْن المروزى وَغَيرهم قَالَ الرافعى فى كتاب الْعدَد من الشَّرْح وَنقل القاضى الرويانى فى جمع الْجَوَامِع أَن الإِمَام أَبَا بكر بن الْحداد كَانَ فقيد الخصية الْيُمْنَى وَكَانَ لَا ينزل وَكَانَت لحيته طَوِيلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى سَمِعت الدارقطنى يَقُول سَمِعت أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد الْمعدل النسوى الْمعدل بِمصْر يَقُول سَمِعت أَبَا بكر بن الْحداد وَذكره بِالْفَضْلِ وَالدّين وَالِاجْتِهَاد يَقُول أحدث نفسى بِمَا رَوَاهُ الرّبيع عَن الشافعى أَنه كَانَ يخْتم فى رَمَضَان سِتِّينَ ختمة سوى مَا كَانَ يقْرَأ فى الصَّلَاة فَأكْثر مَا قدرت عَلَيْهِ تسعا وَخمسين ختمة وأتيت فى غير رَمَضَان بِثَلَاثِينَ ختمة قلت وفى ابْن الْحداد يَقُول بَعضهم (الشافعى تفقها والأصمعى ... م تفننا والتابعون تزهدا) وَقَالَ ابْن زولاق فى شَوَّال سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة سلم مُحَمَّد بن طغج الإخشيد قَضَاء مصر إِلَى أَبى بكر بن الْحداد وَكَانَ أَيْضا ينظر فى الْمَظَالِم ويوقع فِيهَا فَنظر فى الحكم خلَافَة عَن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أبي زرْعَة مُحَمَّد بن عُثْمَان الدمشقى وَهُوَ لَا ينظر وَكَانَ يجلس فى الْجَامِع وفى دَاره وَرُبمَا جلس فى دَار ابْن أَبى زرْعَة وَوَقع فى الْأَحْكَام وَكَاتب خلفاء النواحي وَكَانَ فَقِيها متعبدا يحسن علوما كَثِيرَة مِنْهَا علم الْقُرْآن وَقَول الشافعى وَعلم الحَدِيث والأسماء والكنى وسير الْجَاهِلِيَّة وَالشعر وَالنّسب ويحفظ شعرًا كثيرا ويجيد الشّعْر وَيخْتم كل يَوْم وَلَيْلَة فى صَلَاة ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَيخْتم يَوْم الْجُمُعَة ختمة أُخْرَى فى رَكْعَتَيْنِ فى الْجَامِع قبل صَلَاة الْجُمُعَة سوى الَّتِى يختمها كل يَوْم حسن الثِّيَاب رفيعها حسن المركوب فصيحا غير مطعون عَلَيْهِ فى لفظ وَلَا فضل ثِقَة فى الْيَد والفرج وَاللِّسَان مجموعا على صيانته وطهارته كَانَ من محَاسِن مصر حاذقا بِعلم الْقَضَاء أَخذ ذَلِك عَن أَبى عبيد القاضى إِلَى أَن قَالَ وكل من وقف على مَا ذَكرْنَاهُ يَقُول صدقت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 ثمَّ قَالَ وَكَانَ من محبته للْحَدِيث لَا يدع المذاكرة وَكَانَ يَنْقَطِع إِلَيْهِ أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد ابْن سعد الباوردى الْحَافِظ فَأكْثر عَنهُ من مصنفاته فذاكره يَوْمًا بِأَحَادِيث فاستحسنها أَبُو بكر وَقَالَ اُكْتُبْهَا لى فكتبها لَهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا مَنْصُور اجْلِسْ فى الصّفة فَفعل فَقَامَ أَبُو بكر وَجلسَ بَين يَدَيْهِ وسمعها مِنْهُ وَقَالَ هَكَذَا يُؤْخَذ الْعلم فَاسْتحْسن النَّاس ذَلِك مِنْهُ وَكَانَت أَلْفَاظه تتبع وَأَحْكَامه تجمع ورميت لَهُ رقْعَة فِيهَا (قولا لحدادنا الْفَقِيه ... والعالم الماهر الْوَجِيه) (وليت حكما بِغَيْر عقد ... وَغير عهد نظرت فِيهِ) (ثمَّ أبحت الْفروج لما ... وَقعت فِيهَا على البديه) فى أَبْيَات يعْنى أَن مَادَّة ولَايَته من الإخشيد لَا من الْخَلِيفَة وَقد أجَاب عَن هَذِه الأبيات جمَاعَة ثمَّ قَالَ وَلم يزل ابْن الْحداد يخلف ابْن أَبى زرْعَة فى الْقَضَاء إِلَى آخر أَيَّامه وَكَانَ ابْن أَبى زرْعَة يتأدب مَعَه ويعظمه وَلَا يُخَالِفهُ فى شىء قلت وماأحسن قَول ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب فى حق ابْن الْحداد بعد مَا نَصره فى فَرعه الْمَشْهُور بِأَنَّهُ وهم فِيهِ وَهُوَ مَا إِذا أوصى بِعَبْد لِرجلَيْنِ يعْتق على أَحدهمَا الْقَصْد دفع نِسْبَة هَذَا الإِمَام الْجَلِيل عَن الْغَلَط إِلَى أَن قَالَ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الإِمَام فى حق الحليمى إِمَام غواص لَا يدْرك كنه علمه الغواصون والبلدية عِلّة جَامِعَة للنصرة فَإِنَّهُ مصرى انْتهى وَلَيْسَ هُوَ كَقَوْل الرافعى فى كتاب الطَّلَاق إِن ابْن الْحداد فَوق مَا قَالَ إِلَّا أَن الْعجب أَخذ بِرجلِهِ فزل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 حج ابْن الْحداد وَمرض فَلَمَّا وصل إِلَى الْجب توفى عِنْد الْبِئْر والجميزة يَوْم الثُّلَاثَاء لأَرْبَع بَقينَ من الْمحرم سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَقيل سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَهُوَ يَوْم دُخُول الْحَاج إِلَى مصر وعاش تسعا وَسبعين سنة وشهورا ثَمَانِينَ سنة إِلَّا قَلِيلا وَصلى عَلَيْهِ يَوْم الْأَرْبَعَاء وَدفن بسفح المقطم عِنْد قبر والدته وَحضر أَبُو الْقَاسِم الإخشيد وَأَبُو الْمسك كافور والأعيان جنَازَته وَمن الْفَوَائِد وَالْملح والمسائل عَن أَبى بكر كَادَت الْمُلَاعنَة بَين زَوْجَيْنِ تقع فى زَمَانه وَذَلِكَ أَنه تقدم إِلَيْهِ رجل أنماطى فَجحد بِنْتا من مولاة لَهُ كَانَ قد أعْتقهَا وَتَزَوجهَا فشرع أَبُو بكر فى اللّعان وتهيا لَهُ وعزم على المضى إِلَى الْجَامِع الْعَتِيق بِمصْر بعد الْعَصْر وَأَن يجلس على الْمِنْبَر وَيُقِيم الرجل وَالْمَرْأَة وَعين وَاحِدًا من جُلَسَائِهِ لِأَن يضْرب على فَم الرجل بعد فَرَاغه من الشَّهَادَة الرَّابِعَة ويخوفه من قَول الْخَامِسَة وَيَقُول إِنَّهَا مُوجبَة وَعين امْرَأَة تضرب على فَم الْمَرْأَة أَيْضا عِنْد فراغها من الشَّهَادَة الرَّابِعَة وَتقول لَهَا مثل مَا قيل للرجل وتبادر النَّاس وازدحموا على الِاجْتِمَاع وَحَضَرت الشُّهُود فحسده أَبُو الذّكر المالكى الذى كَانَ حَاكما بِمصْر قبله على شرف هَذَا الْمجْلس وترفق بِالرجلِ حَتَّى اعْترف بالبنت وَسَأَلَ الزَّوْجَة إعفاءه من الْحَد فَمَا علم أَبُو بكر بِفِعْلِهِ وَأَبُو بكر من أذكى الْخلق قريحة أَمر بِأَن تحمل الْبِنْت على كتف أَبِيهَا وَأَن يُطَاف بِهِ فى الْبَلَد وينادى عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي جحد ابْنَته فَاعْرِفُوهُ وَهَذَا التَّعْزِير على هَذَا الْوَجْه من ذكائه وَقد عمله فى مُقَابلَة مَا عمل عَلَيْهِ فى المكيدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 ولأبى بكر فى هَذَا أُسْوَة بمعلمه الْقَضَاء وَهُوَ أَبُو عبيد بن حربوية فَإِنَّهُ كَانَ يرى أَن الطِّفْل إِذا أسلمت أمه دون أَبِيه لَا يتبعهَا فِي الْإِسْلَام وَإِنَّمَا يتبع الْأَب وَهُوَ رأى شَيْخه أَبى ثَوْر فَأسْلمت امْرَأَة ذِمِّيَّة وَلها ولد طِفْل وَلم يسلم الْأَب وَمَات فَدس على أَبى عبيد من يسْأَله الحكم بِبَقَاء كفر الطِّفْل تبعا لِأَبِيهِ فتفطن إِلَى أَنه إِن فعل ذَلِك قَامَت عَلَيْهِ الغوغاء ونصحه أَبُو بكر ابْن الْحداد نَفسه وَقَالَ لَهُ لَا تعْمل بِهَذَا وَإِيَّاك وَالْخُرُوج فِيهِ عَن مَذْهَب الشافعى فَإنَّك إِن فعلت ذَلِك نالك الْأَذَى من الْخَاصَّة والعامة وَعلم أَنه إِن لم يفعل خرج عَن معتقده فَلَمَّا جلس أَبُو عبيد فى الْجَامِع اجْتمع الْخلق بِهَذَا السَّبَب الْمبيت عَلَيْهِ بلَيْل وَقَامَ رجل على سَبِيل الاحتساب وَقَالَ أيد الله القاضى هَذِه الْمَرْأَة أسلمت وَلها هَذَا الطِّفْل فَيكون مُسلما أَو على دين أَبِيه فَقَالَ أَيْن أَبوهُ وَقد كَانَ علم أَنه مَاتَ فَقَالُوا مَاتَ فَقَالَ شَاهِدين يَشْهَدَانِ أَنه مَاتَ نَصْرَانِيّا وَإِلَّا فالطفل مُسلم فَكثر الدُّعَاء لَهُ والضجيج من الْعَامَّة وَستر علمه بفهمه ذكر أَبُو عَاصِم العبادى أَن ابْن الْحداد ذكر فى فروعه أَن الذمى إِذا زنا وَهُوَ مُحصن ثمَّ نقض الْعَهْد وَلحق بدار الْحَرْب ثمَّ اسْترق أَنه يرْجم قلت وَلم أجد هَذَا فى شىء من نسخ الْفُرُوع الَّتِى وقفت عَلَيْهَا بل وجدته فى شرحها للشَّيْخ أَبى على السنجى وَعبارَته ينبغى أَن يرْجم والواقف عَلَيْهِ لَا يكَاد يشك فى أَنه من كَلَام أَبى على لَا من كَلَام ابْن الْحداد قَالَ ابْن الْحداد فى فروعه وَلَو أَن وَصِيّا على يَتِيم ولى الحكم فَشهد عَدْلَانِ بِمَال لأبى الطِّفْل على رجل وَهُوَ مُنكر لم يكن لَهُ أَن يحكم حَتَّى يصير إِلَى الإِمَام أَو الْأَمِير فيدعى على الْمَشْهُود عَلَيْهِ هَذَا لَفظه وَعلله شارحوه بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون خصما ومدعيا للصبى وَهُوَ الْحَاكِم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 وَمن كَانَ خصما فى حُكُومَة لم يجز أَن يكون حَاكما فِيهَا كَمَا لَا يجوز أَن يحكم على غَيره لنَفسِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَو شهد للصبى الذى هُوَ قيمه بِمَال لم يقبل وَمن لايجوز شَهَادَته لشخص لم يجز حكمه لَهُ قَالَ الْقفال فى شرح الْفُرُوع وَاخْتلف أَصْحَابنَا فى هَذِه الْمَسْأَلَة فَمنهمْ من وَافقه وَمِنْهُم من خَالفه لِأَن القاضى يلى أَمر الْأَيْتَام كلهم وَإِن يكن وَصِيّا من قبل فَلَا تُهْمَة هَذَا ملخص كَلَامه فى شَرحه والرافعى صحّح أَن لَهُ الحكم وَعَزاهُ إِلَى الْقفال وَتبع فِي ذَلِك الشَّيْخ أَبَا على فَإِنَّهُ ذكر فى شرح الْفُرُوع أَنه سَمعه من الْقفال وَاعْلَم أَن مَا صَححهُ الرافعى غير بَين وَلَا جُمْهُور أَئِمَّتنَا عَلَيْهِ بل الْبَين الذى يظْهر تَرْجِيحه قَول ابْن الْحداد وَقد ذكر ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب أَنه الصَّوَاب قَالَ وَالْفرق بَينه وَبَين غَيره من الْأَيْتَام أَن ولَايَة القاضى إِذا لم يكن وَصِيّا تَنْقَطِع عَن المَال الذى حكم بِهِ بِانْقِطَاع ولَايَته وَلَا كَذَلِك الوصى إِذا تولى الْقَضَاء فَإِن مَا حكم فِيهِ للْيَتِيم الَّذِي تَحت وَصيته يبْقى ولَايَته بعد الْعَزْل فَقَوِيت التُّهْمَة فى حَقه وضعفت فى حق غَيره قلت وَهَذَا فرق صَحِيح وَلَا شكّ أَن الْحَاكِم الوصى يتَصَرَّف للْيَتِيم الذى هُوَ قيمه ويجتمع فى تصرفه وصفان بَينهمَا عُمُوم وخصوص كَونه حَاكما وَكَونه وَصِيّا وَحِينَئِذٍ فينبغى أَن يكون التَّصَرُّف بِكَوْنِهِ وَصِيّا وَهُوَ وصف لَا يحكم بِهِ فَلَا سَبِيل إِلَى حكمه إِذْ لَو حكم لَكَانَ بِكَوْنِهِ حَاكما وَلَو حكم بِكَوْنِهِ حَاكما لاحتاج إِلَى مُدع وَلَا مدعى إِلَّا الوصى وَهُوَ هُوَ فَلَو كَانَ حَاكما لم يكن حَاكما وَهُوَ خلف آيل إِلَى دور وَهَذَا سر دَقِيق أوضحته فى كتاب الْأَشْبَاه والنظائر فى قَاعِدَة منع التَّعْلِيل بعلتين وبقى فى هَذَا الْفَرْع تَنْبِيه على عقدَة فى الْفَرْع لم أر من تكلم عَلَيْهَا لَا مِمَّن شرح الْفُرُوع وَلَا من غَيرهم وَذَلِكَ أَن ابْن الْحداد فرض الْفَرْع فى وصّى ولى الْقَضَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 فَشهد عِنْده شَاهِدَانِ فاقتضت عِبَارَته تَقْيِيد الْمَسْأَلَة بطرآن ولَايَة الْقَضَاء على كَونه وَصِيّا بِأَن يشْهد عِنْده شَاهِدَانِ وَتَبعهُ على التَّقْدِير من تقدم وَتَأَخر آخِرهم الرافعى والنووى وَابْن الرّفْعَة فَأَما الْقَيْد الأول وَهُوَ طرآن الْقَضَاء على الْوِصَايَة فقد يُقَال إِنَّه لَا فرق بَينه وَبَين عَكسه وَهَذَا هُوَ مُنْتَهى فهم أَكثر من بحث مَعَه فى الْمَسْأَلَة والذى ظهر لى أَن القاضى إِذا أسندت إِلَيْهِ وَصِيَّة فَإِن كَانَ مسندها أَبَا أَو جدا فَالْأَمْر كَذَلِك فَإِنَّهُ لم يكن عَلَيْهِ ولَايَة وَإِنَّمَا يَتَجَدَّد بعدهمَا فيقارن تجددهما بِالْوَصِيَّةِ تجددهما بفقدهما أَو نَحوه لكَونه حَاكما فَينْظر هُنَا فى أَنه هَل يتَصَرَّف بالوصفين عِنْد من تعلل بعلتين أَو إِنَّمَا يتَصَرَّف بالوصفين عِنْد من تعلل بعلتين أَو إِنَّمَا يتَصَرَّف بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الذى ينصره فى الْأُصُول وَإِن كَانَ مسندها وَصِيّا جعل لَهُ الْإِسْنَاد فَيحْتَمل أَن يكون كَذَلِك وَيحْتَمل أَن لَا يَتَجَدَّد لَهُ بذلك شئ لِأَن ولَايَته من قبل هَذَا الْإِسْنَاد فَإِن لَهُ مَعَ الأوصياء ولَايَة وَهَذَا الإحتمال هُوَ الذى يتَرَجَّح عندى لَكِن يظْهر على سِيَاقه أَن لَا يَصح قبُوله لهَذَا الْإِسْنَاد مَا دَامَ قَاضِيا وَلم أجسر على الحكم بِهِ فَإِن تمّ ظهر بِهِ السِّرّ فى تَقْيِيد ابْن الْحداد وَأما الْقَيْد الثانى وَهُوَ قَوْله فَشهد عِنْده شَاهِدَانِ فقد يُقَال أَيْضا لَا فَائِدَة لَهُ بل لَا فرق بَين أَن يشْهد عِنْده شَاهِدَانِ أَو يحكم هُوَ بِعِلْمِهِ وَقد يُقَال لَا يحكم هُنَا بِعِلْمِهِ جزما لشدَّة التُّهْمَة وَمَا أظنهم يسمحون بذلك وَلَا يستثنونه من الْقَضَاء بِالْعلمِ بل من يجوز لَهُ الحكم فِيمَا يظْهر لَا يفرق بَين أَن يقْضى بِالْعلمِ أَو بِالْبَيِّنَةِ كَسَائِر الْأَيْتَام وَسَائِر الْأَقْضِيَة نعم عبارَة ابْن الْحداد يشْهد عِنْده شَاهِدَانِ وَقد اختصرها الرافعى فَقَالَ هَل لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 أَن يسمع الْبَيِّنَة وَيحكم وَلَو اقْتصر على قَوْله هَل لَهُ أَن يحكم لأفاد أَنه هَل يسمع الْبَيِّنَة لِأَن من جوز سَماع الْبَيِّنَة جوز الحكم وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى أَن قَول ابْن الْحداد فَشهد عِنْده شَاهِدَانِ لَيْسَ على ظَاهره إِذْ لَا يَقُول أحد إنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عِنْده على وَجه التأدية ثمَّ لَا يحكم وَإِنَّمَا المُرَاد بِشَهَادَتِهِمَا عِنْده اختيارهما إِيَّاه فَقَوْل الرافعى هَل لَهُ أَن يسمع الْبَيِّنَة من هَذَا الْوَجْه خير من قَول ابْن الْحداد فَشهد عِنْده شَاهِدَانِ لإنهائها أَنه يسمع الْبَيِّنَة وَلَا يحكم لَكِن قَول ابْن الْحداد شَاهِدَانِ خير من إِطْلَاق الرافعى الْبَيِّنَة لِأَنَّهَا قد توهم أَن للشَّاهِد وَالْيَمِين هُنَا مدخلًا وَلَا يُمكن لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَكَانَ الْحَالِف هُوَ وَلَا سَبِيل إِلَى أَنه يحلف وَيحكم لِأَن الْحَالِف غير الْحَاكِم وَلِأَن الولى لَا يحلف وللرافعى أَن يَقُول إِنَّمَا عنيت بِالْبَيِّنَةِ الْكَامِلَة وهى شَاهِدَانِ وَأما قَول ابْن الْحداد حَتَّى يصير إِلَى الإِمَام أَو الْأَمِير فقد يُقَال من الذى يعنيه بالأمير فَإِن الْأَمِير قد يُطلق وَيُرَاد بِهِ أُمَرَاء الْعَسْكَر الَّذين لَا حكم لَهُم وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة فى مَسْأَلَة ابْن الْقطَّان وَابْن كج فِيمَا إِذا دعى الشَّاهِد إِلَى أَمِير أَو وَزِير هَل لَهُ تأدية الشَّهَادَة عِنْده أَولا لِأَن تأدية الشَّهَادَة إِنَّمَا هُوَ للحكام فأطلقا الْأَمِير على من لَيْسَ بحاكم وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْحَاكِم كَقَوْلِنَا أَمِير الْبَلَد وَالْأَظْهَر أَنه أَرَادَ الثانى فَإِن الأول لَا حكم لَهُ وَالْمرَاد أَمِير من قبل الإِمَام الْأَعْظَم جعل لَهُ الحكم وَكَذَلِكَ عبر الشَّيْخ أَبُو على عَن هَذَا الْغَرَض بقوله ينبغى للْحَاكِم أَن يأتى إِلَى الإِمَام الْأَعْظَم أَو الْأَمِير الذى ولاه الْقَضَاء أَو إِلَى حَاكم آخر انْتهى وَهَذَا على مصطلح بِلَادهمْ فى أَن أُمَرَاء الْبَلَد يولون الْقُضَاة وَقصد فى هَذَا التَّوَقُّف فى أَنه هَل يدعى هَذَا الْحَاكِم الذى هُوَ وصّى عِنْد خَلِيفَته على الحكم أَولا لكَونه خَليفَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 وَفِيه خلاف صرح بِهِ الشَّيْخ أَبُو على وَغَيره فى هَذِه الصُّورَة وَصرح بِهِ الرافعى وَغَيره فِيمَا إِذا امْتنع حكم الْحَاكِم لنَفسِهِ أَولا يُعَارضهُ هَل لَهُ أَن يتحاكم إِلَى خَلِيفَته فرع ادّعى فِيهِ تنَاقض ابْن الْحداد وَأَنا جَامع أَطْرَافه لتبددها فى كَلَام الرافعى رَحمَه الله وَمُلَخَّص القَوْل فِيهِ بِحَسب مَا اجْتمع لى إِذا وَقعت الْفرْقَة قبل الدُّخُول بَين الزَّوْجَيْنِ لَا بِسَبَب من وَاحِد مِنْهُمَا فَهَل تجْعَل كَأَنَّهَا وَاقعَة بِسَبَب الزَّوْجَة فَيسْقط الْمهْر بِالْكُلِّيَّةِ أَو كَأَنَّهَا وَاقعَة بِسَبَب من جِهَة الزَّوْج فيشطره هَذَا أصل يَقع خلافيا بَين ابْن الْحداد والقفال رحمهمَا الله ابْن الْحداد يَقُول بِالْأولِ أبدا والقفال يَقُول بالثانى وَلَعَلَّه الرَّاجِح عِنْد الرافعى تأصيلا وتفريعا أما تَفْرِيعا فَلَمَّا ستراه عِنْد ذكر الصُّور وَأما تأصيلا فلإطلاقه فى بَاب تشطير الصَدَاق أَن مَوْضِعه كل فرقة لَا بِسَبَب من الْمَرْأَة لَكِن يشبه أَن يكون مُرَاده هُنَا بِالْعَام الْخَاص أى بِكُل سَبَب من جِهَة الزَّوْج بِدَلِيل أَنه قابله بقوله فَأَما إِذا كَانَ الْفِرَاق مِنْهَا أَو بِسَبَب فِيهَا وَيكون قد سكت عَمَّا إِذا لم يكن من وَاحِد مِنْهُمَا وَفِيه صور مِنْهَا إِذا تزوج جَارِيَة مورثة كجارية أَبِيه أَو أَخِيه أَو عَمه أَو غَيرهم فَمَاتَ السَّيِّد وَزوجهَا وَارِث إِمَّا كل التَّرِكَة أَو بَعْضهَا انْفَسَخ النِّكَاح لِأَن النِّكَاح وَالْملك لَا يَجْتَمِعَانِ وَأما الْمهْر إِذا كَانَ الْمَوْت قبل الدُّخُول فَقَالَ ابْن الْحداد يسْقط وَهَذَا بِنَاء على أَصله لِأَن الْفَسْخ لم يكن من قبل الزَّوْج وَإِنَّمَا دخلت فى ملكه بِالْمِيرَاثِ أحب أَو كره قَالَ الشَّيْخ أَبُو على واشهدا على قَول الْمَرْأَة مشترى الزَّوْج من سَيّده قبل الدُّخُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 سقط لِأَنَّهُ لم يكن للزَّوْج فِيهِ صنع وَلذَلِك لَو وجدت بِالزَّوْجِ عَيْبا قبل الدُّخُول واختارت الْفَسْخ سقط الْمهْر كَذَلِك مثله فى مَسْأَلَتنَا وَقَالَ الْقفال وَمن شرح الْفُرُوع لَهُ نقلت هَذِه الطَّرِيقَة يسلكها صَاحب الْكتاب يعْنى ابْن الْحداد فى مسَائِل كَثِيرَة فَتَقول الْفُرُوع إِذا انْفَسَخ النِّكَاح وَلم يكن الزَّوْج لانفساخه متسببا فَلَا مهر عَلَيْهِ وَهَذَا عندى غلط بل الْوَاجِب أَن يُقَال إِذا انْفَسَخ النِّكَاح وَلم تكن الْمَرْأَة سَببا فى الْفَسْخ فلهَا الْمهْر انْتهى وَاسْتدلَّ بِمَا سَنذكرُهُ وَهَذِه مقَالَة الْقفال المروزى صرح بهَا كَمَا ترَاهُ فى هَذِه الْمَسْأَلَة وفى نظائرها ونقلها عَنهُ فى هَذِه الْمَسْأَلَة القاضى أَبُو الطّيب الطبرى فى شرح الْفُرُوع كَمَا سنحكى كَلَامه وَمَعَ ذَلِك لم ينقلها عَنهُ تِلْمِيذه الشَّيْخ أَبُو على فى هَذِه الصُّورَة بل قَالَ وَرَأَيْت بعض أَصْحَابنَا يَقُول لَا يسْقط كل الْمهْر فَمن الْعجب أَنه يخفى عَنهُ مَذْهَب شَيْخه مَعَ نَقله عَنهُ نَظِيره فى نَظَائِر الْمَسْأَلَة فَلَقَد قضيت من هَذَا الْعجب وَكَاد يُوجب لى توقفا فى الْعزو إِلَى الْقفال ولكنى رَأَيْته قد أفْصح بِهِ فى شرح الْفُرُوع إفصاحا وَنَقله القاضى أَبُو الطّيب عَنهُ صَرِيحًا وَنقل الشَّيْخ أَبُو على عَنهُ كَمَا سترى فى نَظَائِره مثله فَاسْتَتَمَّ لى قَضَاء الْعجب ثمَّ الْأَرْجَح من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ عِنْد الرافعى قَول الْقفال كَمَا ذكره فى كتاب النِّكَاح فى بَاب نِكَاح الْأمة وَالْعَبْد قبل فصل الدّور الحكمى وَهُوَ أَيْضا لم يفصح بِذكر الْقفال وَلَكِن حكى الْوَجْهَيْنِ وَعزا الأول لِابْنِ الْحداد وَرجح الثانى وعَلى هَذَا الرَّاجِح يكون النّصْف تَرِكَة تقضى مِنْهُ الدُّيُون وتنفذ الْوَصَايَا فَإِن لم يكن سقط إِن كَانَ النِّكَاح جَائِزا لِأَنَّهُ لَا يثبت لَهُ على نَفسه وَإِلَّا سقط نصِيبه وَللْآخر نصِيبه وَسَنذكر تَوْجِيه هَذَا الْوَجْه من كَلَام الْقفال ونتكلم عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 وَمِنْهَا إِذا تزوج ذمى ذِمِّيَّة صَغِيرَة من أَبِيهَا ثمَّ أسلم أحد أَبَوَيْهَا قبل الدُّخُول وتبعته فى الْإِسْلَام فانفسخ النِّكَاح قَالَ ابْن الْحداد يسْقط الْمهْر لِأَن سَبَب فَسَاد النِّكَاح لم يُوجد من الزَّوْج وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو على قَالَ بعض أَصْحَابنَا لَهَا نصف الْمهْر لِأَن الْفَسْخ وَإِن لم يكن من الزَّوْج فَلَيْسَ مِنْهَا أَيْضا وَإِذا لم يكن لَهَا صنع فى الْفِرَاق لم يسْقط كل الْمهْر قلت وَقَائِل ذَلِك هُوَ شَيْخه الْقفال فَمن الْعجب كَونه لم يُصَرح باسمه وَكَذَلِكَ حكى الإِمَام الْمقَالة عَن بعض الْأَصْحَاب قبيل بَاب الصَدَاق وَلم يُصَرح باسم الْقفال أَيْضا فَمن أعجب الْعجب تَصْرِيح الْقفال بمقالة فى كَلَامه أطنب فِيهَا فى شرح الْفُرُوع ثمَّ لَا يحكيها عَنهُ الحاكون للقليل وَالْكثير فى كَلَامه الحريصون على الْبعيد والقريب من أنفاسه العارفون بغالب حركاته فى الْفِقْه وسكناته وَهَذِه عِبَارَته فى شرح الْفُرُوع إِذا تزوج نصرانى صَغِيرَة ابْنة كتابيين فَأسلم أحد الْأَبَوَيْنِ انْفَسَخ نِكَاحهَا لِأَنَّهَا غير مَدْخُول بهَا وَحكم لَهَا بِالْإِسْلَامِ لإسلام أحد الْأَبَوَيْنِ ثمَّ قَالَ صَاحب الْكتاب لَا مهر لَهَا على الزَّوْج لِأَن الزَّوْج لم يكن سَببا فى الْفَسْخ وَهَذَا غلط وَهُوَ لَا يزَال يسْلك هَذِه الطَّرِيقَة بل يجب أَن يُقَال إِذا لم يحصل الْفَسْخ من جِهَة الْمَرْأَة فلهَا الْمهْر سَوَاء جَاءَ الْفَسْخ من جِهَة الزَّوْج أَو من جِهَة غَيره انْتهى ثمَّ ذكر دَلِيله على ذَلِك وسنذكره وَلم يحك القاضى أَبُو الطّيب فى شرح الْفُرُوع عَن الْقفال هُنَا شَيْئا وَإِنَّمَا عزا هَذِه الْمقَالة إِلَى بعض أَصْحَابنَا كَمَا فعل الشَّيْخ أَبُو على وَالْإِمَام رحمهمَا الله تَعَالَى والقاضى أَبُو الطّيب فى أوسع الْعذر فَإِنَّهُ أكبر من أَن يحْكى مقالات الْقفال وحكايته فى مَسْأَلَة الْمِيرَاث عَنهُ مِمَّا يستغرب وَإِنَّمَا الْعجب إغفال الشَّيْخ أَبى على وَالْإِمَام ذكر الْقفال الذى قَالَه فى كِتَابه وَحَكَاهُ عَنهُ قاضى الْعرَاق فيالله الْعجب عراقى يحْكى مقَالَة خراسانى لَا يحكيها أَصْحَابه عَنهُ مَعَ ثُبُوتهَا عَلَيْهِ وَهَذَا عندى من عقد المنقولات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 وَهَذِه الْمَسْأَلَة لم يُصَرح بهَا الرافعى فى كِتَابه وَإِنَّمَا جرم فى بَاب الْمُتْعَة فى ذِمِّيَّة صَغِيرَة تَحت ذمى أسلم أحد أَبَوَيْهَا فانفسخ النِّكَاح أَنه لَا مُتْعَة كَمَا لَو أسلمت بِنَفسِهَا وَهَذَا يُوَافق مَا رَجحه فى مَسْأَلَة الْمِيرَاث وَيسْتَمر على منوال وَاحِد فى وفَاق الْقفال وَمِنْهَا إِذا أسلم على أم وبنتها وَلم يدْخل بِوَاحِدَة مِنْهُمَا تعيّنت الْبِنْت واندفعت الْأُم على الصَّحِيح بِنَاء على صِحَة أنكحتهم وفى قَول يتَخَيَّر ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد إِن خيرناه فللمفارقة نصف الْمهْر لِأَنَّهُ دفع نِكَاحهَا بإمساك الْأُخْرَى وَإِن قُلْنَا تتَعَيَّن الْبِنْت فَلَا مهر للْأُم لاندفاع نِكَاحهَا بِغَيْر اخْتِيَاره وَقَالَ الْقفال فى شرح الْفُرُوع مَا نَصه وَقد قَالَ الشَّيْخ أَبُو زيد وَالشَّيْخ أَبُو عبد الله الخضري وأصحابنا هَذَا خطأ على أصل الشَّافِعِي وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب على عكس مَا قَالَه فى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا عندى فَإِذا قُلْنَا لَهُ الْخِيَار فَاخْتَارَ احداهما فَلَا مهر للثَّانِيَة وَإِن قُلْنَا لَا خِيَار ويمسك الْبِنْت وَيُفَارق الْأُم فلهَا الْمهْر وَالْحَال فى تَقْرِير هَذَا وَنَقله عَنهُ تِلْمِيذه الشَّيْخ أَبُو على فِي شرح الْفُرُوع سَمَاعا فَقَالَ وَسمعت شيخى رضى الله عَنهُ يَقُول الْجَواب على عكس مَا ذكره صَاحب الْكتاب واندفع فى ذكر كَلَام الْقفال وَلم يذكر أَبَا زيد وَلَا الخضرى فَعرفت من ذَلِك أَنه لم ينظر شرح شَيْخه على الْفُرُوع وَإِنَّمَا كَانُوا يتكلون على حفظهم وَمَا يسمعونه من أَفْوَاه مشايخهم رضى الله عَنْهُم وَكَأن الرافعى اقْتصر على النّظر فى شرح الشَّيْخ أَبى على فَإِنَّهُ نقل الْمَسْأَلَة عَن الْقفال وَغَيره وَأَشَارَ بقوله وَغَيره إِلَى تَرْجِيحه وَلَو وقف على شرح الْقفال لأفصح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 بِذكر أَبى زيد والخضرى وَقد نازعهم القاضى أَبُو الطّيب الطبرى وَرجح قَول ابْن الْحداد وَأطَال وأطاب والنزاع فى هَذَا الْفَرْع عَائِد إِلَى الأَصْل الْمُتَقَدّم وَرُبمَا زَاد أَن المنازع يدعى أَن إِسْلَامه سَبَب لاندفاع نِكَاح الْأُم فالفرقة من جِهَته ولعلنا نتكلم على ذَلِك فِيمَا بعد وَمِنْهَا ردتهما مَعًا لم يذكر الرافعى هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا اسْتِطْرَادًا فى بَاب نِكَاح المشركات أَشَارَ إِلَى الْوَجْهَيْنِ فِيهَا وفيهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا إِضَافَة الْفرْقَة إِلَى الزَّوْج فيتشطر والثانى إِضَافَة الْفرْقَة إِلَيْهَا لِأَنَّهَا أَتَت بِالْجِنَايَةِ الَّتِى لَو انْفَرَدت سقط حَقّهَا فَإِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ جِنَايَة الْغَيْر لَا يُؤثر فى ذَلِك كَمَا لَو قَالَ اقْطَعْ يدى فَقطع وهما مشهوران قَالَ الرويانى وَالْأول أظهر وَالثَّالِث حَكَاهُ الماوردى وَتَبعهُ الرويانى لَهَا ربع الْمهْر لاشْتِرَاكهمَا فى الْفَسْخ فَسقط من النّصْف نصفه لِأَنَّهُ فى مُقَابلَة ردة الزَّوْجَة وبقى نصفه لِأَنَّهُ فى مُقَابلَة ردة الزَّوْج وَالْمَسْأَلَة شهيرة ذكرهَا الْأَصْحَاب فى بَاب ارتداد الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ بَاب عقدَة الشافعى رضى الله عَنهُ فى كتاب النِّكَاح قبل بَاب طَلَاق الْمُشرك وَبعد نِكَاح المشركات والرافعى تبعا للغزالى لم يذكر هَذَا الْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ فَمن ثمَّ لم يستوعب مسَائِله وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا ارتدادهما مَعًا فى الْمُتْعَة وَصحح أَنه لَا مُتْعَة وَاعْلَم أَن الْوَجْهَيْنِ جاريان فى التشطير مشهوران فِيهِ وَإِن لم يذكرهما الرافعى إِلَّا اسْتِطْرَادًا وَقَالَ ابْن الرّفْعَة فِي بَاب نِكَاح المشركات إِذا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا قبل الدُّخُول ففى تشطير الْمهْر إِحَالَة على ردته أَو سُقُوط كُله إِحَالَة على ردتها وَجْهَان مشهوران وَرُبمَا يعزى الثانى مِنْهُمَا لِابْنِ الْحداد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 قلت وَهُوَ جَار على أَصله وَإِذا تَأَمَّلت مَا ذكرته علمت أَن الْفرْقَة قد تكون من جِهَته وَقد تكون من جِهَتهَا وَقد تكون من جهتهما وَقد تكون لَا من جِهَة وَاحِد مِنْهُمَا أَرْبَعَة أَحْوَال لم يذكر الرافعى فى بَاب التشطير إِلَّا الْأَوَّلين فَقَط فَإِن قلت قد قَالَ فى بَاب التشطير مَوضِع التشطير كل فرقة تحصل لَا بِسَبَب من الْمَرْأَة وَهَذَا يَشْمَل مَا إِذا كَانَت لَا بِسَبَب مِنْهُمَا ثمَّ مثل لَهُ بِمَا إِذا أرضعت أم الزَّوْجَة الزَّوْج وَهُوَ صَغِير إِلَى آخر مَا ذكره قلت مَسْأَلَة الرَّضَاع سنتكلم عَلَيْهَا وقولى لَا بِسَبَب من الْمَرْأَة إِنَّمَا نعنى بِهِ إِذا كَانَت من جِهَة الزَّوْج بِدَلِيل قَوْله بعده أما إِذا كَانَ الْفِرَاق مِنْهَا أَو بِسَبَب فِيهَا وَبِالْجُمْلَةِ لَا تَصْرِيح من الرافعى فى بَاب التشطير بِهَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِمَا فى بَاب الْمُتْعَة وفى بَاب نِكَاح العَبْد وَالْأمة وَلَو جمع شَمل النَّظَائِر فى فصل وَاحِد كَانَ أولى بل لم يُصَرح بمسألتين عظيمتين بَين الْأَصْحَاب ردتهما مَعًا هَل تشطر وَإِن كَانَ ذكر أَنَّهَا هَل تسْقط الْمُتْعَة وَإِسْلَام أَبى الزَّوْجَة الصَّغِيرَة إِذا انْفَسَخ نِكَاحهَا هَل يشطر وَإِن كَانَ ذكر أَنه هَل يمتع إِذا عرفت هَذَا كُله فقد تبين لَك أَن ابْن الْحداد يَجْعَل الْفرْقَة لَا من وَاحِد مِنْهُمَا مسقطة مُلْحقَة بِمَا إِذا كَانَت من جِهَتهَا والقفال يُخَالِفهُ ويجعلها مشطرة مُلْحقَة بِمَا إِذا كَانَت مِنْهُ ثمَّ يَقُول ابْن الْحداد وَمن صور الْقَاعِدَة أَن يَرث الزَّوْج بعض زَوجته وَهَذَا تَصْوِير لَا يُخَالف فِيهِ وَإِن أسلم على أم وبنتها وَإِن سلم فتتبعه الزَّوْجَة وَهَذَانِ يُنَازع فيهمَا تصويرا كَمَا يُنَازع فيهمَا حكما فَيُقَال لم يكن إِسْلَامه على أم وبنتها وَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 قُلْنَا يديم نِكَاح الْبِنْت وتندفع الْأُم فهى فرقة كائنة من جِهَته لِأَنَّهُ رُبمَا صَار بِإِسْلَامِهِ وإسلامه تبعا لِأَنَّهَا فرقة كائنة من جِهَتهَا وَنحن نلخص القَوْل فى المقامين أما الْمقَام الأول وَهُوَ دَعْوَى ابْن الْحداد أَن الْفرْقَة لَا من وَاحِد مِنْهُمَا مُلْحقَة بالواقعة مِنْهَا فَيسْقط فَلم يحْتَج عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ من أَن الْفَسْخ لم يكن من قبله بل هُوَ قهرى أحب أَو كره وللقفال أَن يَقُول لَهُ لم قلت إِنَّه إِذا لم يكن من قبله لَا يلْحق بِمَا يكون من قبله فَلَيْسَ قَوْلك لَا يشطر لكَونه لَيْسَ من قبله مَا يبعد من قَوْلنَا يشطر لكَونه لَيْسَ من قبلهَا بل التشطير معتضد بِالْأَصْلِ فَإِن الأَصْل بعد تَسْمِيَة الصَدَاق وُجُوبه فَلَا يسْقط إِلَّا النّصْف للفرقة قبل الدُّخُول وَيبقى النّصْف الآخر بِالْأَصْلِ مَا لم يتَحَقَّق زَوَاله بتحقق كَونه من جِهَتهَا وَاسْتشْهدَ الْقفال لعدم سُقُوط النّصْف بِمَسْأَلَة الرَّضَاع وَغَيرهَا فَقَالَ فى شرح الْفُرُوع مُشِيرا إِلَى قَول ابْن الْحداد هَذَا عندى غلط بل الْوَاجِب أَن يُقَال إِذا انْفَسَخ النِّكَاح وَلم تكن الْمَرْأَة سَببا فى الْفَسْخ فلهَا الْمهْر أَلا ترى أَن الرجل إِذا تزوج امْرَأَة وَتزَوج أَبوهُ أمهَا فغلط الابْن فوطئ امْرَأَة الْأَب وهى أم امْرَأَة الابْن انْفَسَخ نِكَاح امْرَأَة الابْن بِوَطْء أمهَا بِشُبْهَة وَوَجَب لَهَا الْمهْر لِأَنَّهَا لم تكن سَببا للْفَسْخ وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ أحداهما كَبِيرَة وَالْأُخْرَى صَغِيرَة فأرضعت الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة انْفَسَخ نِكَاح الصَّغِيرَة وَوَجَب لَهَا على الزَّوْج نصف الْمهْر وَلَيْسَ الزَّوْج هَا هُنَا سَببا للْفَسْخ إِلَّا أَن الْفَسْخ لما لم يكن بِسَبَب من الْمَرْأَة وَجب لَهَا الْمهْر فَكَذَلِك فى مَسْأَلَة الْكتاب إِذا تزوج جَارِيَة أَبِيه فَمَاتَ أَبوهُ وملكها انْفَسَخ النِّكَاح وَعَلِيهِ الْمهْر لِأَن الْمَرْأَة لم تكن سَببا للْفَسْخ إِلَّا أَن مَسْأَلَة الرَّضَاع تبَاين هَذِه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 الْمَسْأَلَة من وَجه وَهُوَ أَن فى هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا غرم الْمهْر فَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع على الْكَبِيرَة بِمَا غرم وَالْفرق بَينهمَا أَن موت الْإِنْسَان لَا يكون بِاخْتِيَارِهِ وَلَا ينتمى إِلَى جِنَايَة فَلذَلِك لَا يغرم الْمهْر وَأما الْكَبِيرَة إِذا أرضعت الصَّغِيرَة فَإِنَّهَا تنتمى إِلَى جِنَايَة فَلذَلِك يغرم الْمهْر حَتَّى إِنَّهَا لَو أرضعت من غير أَن تنْسب فى الْإِرْضَاع إِلَى جِنَايَة سقط عَنْهَا الْغرم أَيْضا مثل أَن ترى الصَّغِيرَة ملقاة فى مَوضِع لَو لم ترضعها خيف عَلَيْهَا التّلف وَلم يكن بقربها من يتعهدها فأرضعتها انْفَسَخ النِّكَاح وَلَا غرم عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَا تنْسب إِلَى جِنَايَة فى إرضاعها إِيَّاهَا فَصَارَ ذَلِك كَمَا لَو دبت الصَّغِيرَة إِلَى ثدى الْكَبِيرَة فارتضعت وهى نَائِمَة انْفَسَخ النِّكَاح وَلَا غرم عَلَيْهَا وعَلى الزَّوْج الْمهْر وَإِنَّمَا لم يجب الْمهْر فى هَذِه الْمَسْأَلَة لوُجُود فعل من الْكَبِيرَة وَسبب من الصَّغِيرَة فَيجب الْمهْر إِذا مَاتَ الْأَب فَملك جَارِيَته الْمَنْكُوحَة إِذا لم يحصل مِنْهَا سَبَب فى الْفَسْخ انْتهى كَلَام الْقفال ثمَّ أعَاد نظره بعد وَرَقَات فى مَسْأَلَة مَا إِذا أسلم أَبُو الصَّغِيرَة وَعزا مَا ذكره من أَنه لَا يجب الْغرم على كَبِيرَة أرضعت صَغِيرَة وَقت الضَّرُورَة إِلَى أَصْحَابنَا فَقَالَ قَالَ أَصْحَابنَا وَذكر الْمَسْأَلَة وهى مَسْأَلَة حَسَنَة غَرِيبَة لَا أعتقدها مسلمة وَقد عرفت مَا ذكره وَحَاصِله الاستشهاد على مَا ادَّعَاهُ بِمَسْأَلَة الرَّضَاع وَقَالَ القاضى أَبُو الطّيب الطبرى هَذَا الذى قَالَ أَبُو بكر الْقفال وَاضح وَمن قَالَ بقول صَاحب الْكتاب فَإِنَّهُ يَقُول إِذا كَانَ الْفَسْخ بِالشَّرْعِ سقط حَقّهَا أَلا ترى إِذا تزَوجهَا وَكَانَ النِّكَاح فَاسِدا بِالشَّرْعِ وَجب أَن يفرق بَينهمَا وَلَا حق لَهَا إِذا كَانَ قبل الدُّخُول بهَا لِأَن التَّحْرِيم وَالْفَسْخ بِالشَّرْعِ فَكَذَلِك هَا هُنَا فَإِن قيل إِذا كَانَ النِّكَاح فَاسِدا فَإِن الْمهْر لم يجب قيل لَهُ إِنَّمَا لم يجب لِأَن التَّحْرِيم وَالْفَسْخ بِالشَّرْعِ وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود هَا هُنَا وَيُخَالف هَذَا مَا ذكره من وَطْء الْأَب وإرضاع الْكَبِيرَة لِأَن ذَلِك لَيْسَ من جِهَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 الشَّرْع وَإِنَّمَا هُوَ بِفعل آدمى يتَعَلَّق بِهِ الضَّمَان وَلِهَذَا نقُول إِن الزَّوْج يرجع على الْأَب بِنصْف الْمهْر وَكَذَلِكَ يرجع على الْمُرضعَة فَسقط مَا قَالَه انْتهى كَلَام القاضى أَبى الطّيب ثمَّ أعَاد مثله فِيمَا بعد وَأَقُول لَا حَاجَة إِلَى استشهاده بِالنِّكَاحِ الْفَاسِد وَفِيمَا ذكره من الْفرق كِفَايَة فلابن الْحداد أَن يَقُول إِنَّمَا أَقُول بالسقوط فى مُوجب شطر يقر قراره على الزَّوْج أما مَاله مرد وَمَا الزَّوْج فِيهِ إِلَّا طَرِيق فَلَا أمْنَعهُ وَهَذَا فرق وَاضح وَيكون عِنْده هَكَذَا الْفرْقَة الْوَارِدَة لأمر مِنْهُمَا إِذا آلت إِلَى تغريم الزَّوْج شطرا لَا يرفع بِهِ لَا يُوجب عَلَيْهِ شَيْئا بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن إِلَّا طَرِيقا فَحسب فَهَذَا ملخص الْكَلَام على أصل الْقَاعِدَة وهى مصورة تصويرا وَاضحا فى مَسْأَلَة الْمِيرَاث أما إِسْلَام الْأَب فتتبعه الزَّوْجَة أَو إِسْلَام الْكَافِر على أم وبنتها فَمن قَالَ كل فرقة لَا ترد من جِهَة الْمَرْأَة تشطر سَوَاء أوردت من جِهَة الزَّوْج أم لم تنْسب إِلَى وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ الْقفال وَقَبله أَبُو زيد والخضرى وَبعده الرافعى فِيمَا يظْهر وَمن تبعه فَيَقُول بالتشطير لَا محَالة وَأما من قَالَ بقول ابْن الْحداد إِن كل فرقة لَا ترد من جِهَة الرجل تسْقط سَوَاء أوردت من جِهَة الْمَرْأَة أم لم تنْسب لوَاحِد مِنْهُمَا فقد نقُول فى هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ إِنَّهَا فرقة لَا من جِهَة وَاحِد مِنْهُمَا وَيحكم بالسقوط وَبِذَلِك صرح ابْن الْحداد وَقد نقف وندعى أَنَّهَا فرقة من جِهَتهَا فَمن ثمَّ يُقَال لِابْنِ الْحداد اذْهَبْ إِنَّا نسلم مَا تدعيه من الأَصْل لَكِن لَا نسلم أَن الْفرْقَة فى هَاتين الصُّورَتَيْنِ لَا من وَاحِد مِنْهُمَا بل هى مِنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 وَاعْلَم أَن مَسْأَلَة إِسْلَام الرجل على أم وابنتها قد أفْصح الْقفال فِيهَا بتغليط ابْن الْحداد وَزعم أَنه عكس التَّفْرِيع فَإِنَّهُ قَالَ إِن قُلْنَا باستمرار نِكَاح الْبِنْت كَمَا هُوَ الصَّحِيح سقط نِكَاح الْأُم بِنَاء على أَصله أَنَّهَا فرقة وَردت بِالشَّرْعِ قهرية فَلَا تشطر وَإِن قُلْنَا يتَخَيَّر فالمفارقة مَنْسُوب إِلَيْهِ اخْتِيَار فراقها فَقَالَ الْقفال ومتابعوه بل الْأَمر بِالْعَكْسِ بل الْجَواب على عكس مَا ذكره إِن قُلْنَا بِصِحَّة أنكحتهم فقد أفسدنا نِكَاح الْأُم بِكُل حَال للْعقد على الْبِنْت وَحِينَئِذٍ ففسخ النِّكَاح إِنَّمَا وَقع بِإِسْلَامِهِ وإسلامها جَمِيعًا وَالْفَسْخ إِذا وَقع قبل الدُّخُول بِسَبَب يشْتَرك فِيهِ الزَّوْجَانِ يجب الْمهْر كَمَا لَو تخالعا فَلَا يسْقط الْمهْر بل يتشطر وَتجب الْمُتْعَة وَأما على القَوْل الذى يَقُول يمسك أَيَّتهمَا شَاءَ فَإِذا أمسك إِحْدَاهمَا جعل الثَّانِيَة كَأَن لم ينْكِحهَا قطّ فَلَا مهر وَلَا مُتْعَة وَيجوز لِابْنِهِ أَن يتَزَوَّج بهَا وَيكون بِمَنْزِلَة من لم يعْقد عَلَيْهَا هَذَا حَاصِل مَا ذكره وَقَالَ القاضى أَبُو الطّيب الطبرى منتصرا لِابْنِ الْحداد وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا جعل الِاخْتِيَار إِلَيْهِ والوصلة والفرقة إِلَى إِرَادَته فَمن اخْتَارَهَا من أَكثر من أَربع وَمن الْمَرْأَة وعمتها أَو خَالَتهَا فنكاحها صَحِيح وَمن فَارقهَا مِنْهُنَّ وَقُلْنَا إِنَّهَا بِمَنْزِلَة من لم يعْقد عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يصير بِهَذِهِ الْمنزلَة بِاخْتِيَارِهِ وَقد كَانَ يُمكنهُ أَن يُقيم على نِكَاحهَا بِاخْتِيَارِهِ إِيَّاهَا فَأوجب عَلَيْهِ نصف الْمهْر بذلك وأجرى مجْرى الْمُطلق لهَذِهِ الْعلَّة وَيُفَارق الْمَنْكُوحَة نِكَاحا فَاسِدا فى الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يجب أَن يفرق بَينهمَا وَلَا اخْتِيَار لَهُ فِيهَا فَبَان الْفرق بَينهمَا هَذَا كَلَام القاضى أَبى الطّيب وَهُوَ مُحْتَمل جيد يحْتَمل أَن يُقَال عدم إِمْسَاكه الْوَاحِدَة مَعَ قدرته وَلَكِن الشَّارِع لَهُ من إِِمْسَاكهَا بِمَنْزِلَة طَلاقهَا وَيحْتَمل أَلا يُقَال بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 وَمَا أَظن ابْن الرّفْعَة وقف على كَلَام القاضى أَبى الطّيب هَذَا فَإِنَّهُ ذكر نَحوه بحثا لنَفسِهِ وَلَو وقف عَلَيْهِ لاستظهر بِهِ فَإِن ابْن الرّفْعَة قَالَ فى بَاب نِكَاح المشركات فِيمَا إِذا أسلم على أُخْتَيْنِ وطلق كل وَاحِدَة ثَلَاثًا وَقد نقل عَن ابْن الْحداد التَّخْيِير بَينهمَا مَعَ كَونه يمِيل فى أنكحة الْكفَّار إِلَى الْوَقْف وَأَن مُقْتَضَاهُ أَلا يجب مهر وَقد حكى عَنهُ الرافعى إِيجَاب الْمهْر وَأَن قَول الْوَقْف يُنَاسِبه أَلا يجب مهر قَالَ ابْن الرّفْعَة قد يكون مَأْخَذ ابْن الْحداد فى إِيجَاب الْمهْر للمندفعة وَإِن بَان فَسَاد النِّكَاح فِيهِ كَونه عينهَا للفراق مَعَ صلاحيتها للبقاء بِاخْتِيَارِهِ الْأُخْرَى مَعَ أَنه لَا تَرْجِيح وَمثل ذَلِك وَإِن كَانَ جَائِزا فيناط بِهِ الْإِيجَاب على رأى بعض الْأَصْحَاب فِيمَا إِذا أَفَاق الْمَجْنُون أَو طهرت الْحَائِض وَقد بقى من الْوَقْت مَا يَتَّسِع لَهَا أَو لِلظهْرِ فَقَط أَو بقى مِنْهُ مَا يدْرك بِهِ الْعَصْر وَهُوَ رَكْعَة فَإنَّا نلزمه الظّهْر وَالْعصر بِإِدْرَاك أَربع رَكْعَات على رأى صَاحب الإفصاح وبإدراك رَكْعَة فَقَط على رأى غَيره وَهُوَ الذى قيل إِنَّه الْمُصَحح فى الْمَذْهَب وكل ذَلِك مَعَ قَوْلنَا إِنَّه لَو أدْرك دون ذَلِك لَا يكون بِهِ مدْركا لوَاحِدَة من الصَّلَاتَيْنِ وَإِذا تَأَمَّلت ذَلِك وجدت إِلْزَامه للصلاتين بِمَا يلْزمه بِهِ إِحْدَاهمَا إِنَّمَا هُوَ لِأَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تقبل أَن توقع فى ذَلِك الْوَقْت على الْبَدَل لَا مَعَ الْمَعِيَّة فَكَذَا فِيمَا نَحن فِيهِ جَازَ أَن يتَعَلَّق الْإِيجَاب بالقبولية على الْبَدَل وَإِن لم يُمكن الْجمع وَيصِح هَذَا المأخذ إِن كَانَ يَقُول بِأَنَّهُ إِذا أسلم على أَكثر من أَربع وأسلمن مَعَه أَنه يجب للمندفعات بِاخْتِيَارِهِ لغيرهن الشّطْر فَإِن لم يقل بِهِ فَلَا تَمام وَالظَّاهِر أَنه يَقُول بِهِ انْتهى وَمَا ذكره من أَنه قد يكون مَأْخَذ ابْن الْحداد قد عرفت أَن القاضى أَبَا الطّيب قَالَه وللبحث فِيهِ مجَال قد يُقَال تعْيين الْفِرَاق فِيمَن لَهُ أَن يعين فِيهَا الْبَقَاء بِمَنْزِلَة الطَّلَاق وَقد يُقَال بل إِذا جعل لَهُ ذَلِك فقد جعل لَهُ أَن يعين فِيهَا انْتِفَاء للزوجية بِالْكُلِّيَّةِ فَمن أَيْن الْمهْر فَلْيتَأَمَّل فى ذَلِك فإنى لم أشبعه بحثا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 115 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مت أَبُو بكر الإشتيخنى ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 116 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى الْفَقِيه أَبُو نصر ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الحديث: 115 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 117 - مُحَمَّد بن أَحْمد المروزى الإِمَام الْكَبِير أَبُو عبد الله الخضرى نِسْبَة إِلَى الْخضر رجل من جدوده إِمَام مرو وشيخها وحبرها ومقدم الْأَصْحَاب بهَا وَهُوَ ختن أَبى على الشنوى حدث عَن القاضى أَبى عبد الله الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل المحاملى وَغَيره وَعقد مجْلِس الْإِمْلَاء والتدريس وتفقه عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم الْأُسْتَاذ أَبُو على الدقاق والفقيه حَكِيم بن مُحَمَّد الذيمونى وَكَأَنَّهُ كَانَ صَاحب مَال وثروة يدل عَلَيْهِ مَا حكيناه عَن القاضى عَن الْقفال فى تَرْجَمَة أَبى زيد وَكَانَ فِيمَا أَحسب من أَقْرَان الشَّيْخ أَبى زيد وَمَا أرى الْقفال إِلَّا من المتفقهة عَلَيْهِ وطالما قَالَ الْقفال سَأَلت أَبَا زيد وَسَأَلت الخضرى وَقَالَ القاضى فى التعليقة فى مَسْأَلَة هَل يُقَلّد الْمُرَاهق فى الْقبْلَة قَالَ الْقفال سَأَلت أَبَا زيد عَن ذَلِك فَقَالَ نَص الشافعى على أَنه يجوز تَقْلِيد الْمُرَاهق ثمَّ سَأَلت أَبَا عبد الله الخضرى عَن ذَلِك فَقَالَ لَا يجوز نصا فَأَخْبَرته بقول أَبى زيد فَقَالَ أَنا لَا أَتَّهِمهُ فى ذَلِك وَيحْتَمل أَن الشافعى أَرَادَ بذلك النَّص إِذا دله على الْمِحْرَاب فَإِنَّهُ يجوز وبالنص الثانى أَن يُخبرهُ بِجِهَة الْقبْلَة أَو يَقُول رَأَيْت القطب من هَذَا الْجَانِب فَإِنَّهُ يَأْخُذ بقوله وَيصلى إِلَى تِلْكَ الْجِهَة وَلَيْسَ هَذَا بتقليد لَهُ لِأَنَّهُ لما أخبرهُ وَلَا يُخبرهُ إِلَّا الحديث: 117 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 عَن تحر واجتهاد صَار هَذَا كالعالم أم عاميا فى مَسْأَلَة وَاحِدَة فَإِن أفتاه بِنَصّ من كتاب الله أَو سنة يجوز لَهُ أَن يُفْتى غَيره وَإِن أفتاه بِالِاجْتِهَادِ لَا يجوز بذلك الِاجْتِهَاد قلت الصَّحِيح أَنه لَا يجوز تَقْلِيد الصبى وَهُوَ النَّص الذى حَكَاهُ الخضرى وَالْفرع مَشْهُور وَفِيمَا نقل من خطّ الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد الجوينى عَن شَيْخه الْقفال إِذا تزوج امْرَأَة على ظن أَنَّهَا حرَّة فَإِذا هى أمة فَالنِّكَاح صَحِيح وَولده مِنْهَا رَقِيق وَإِن كَانَ يَطَؤُهَا على توهم الْحُرِّيَّة إِذْ التَّوَهُّم حَدِيث النَّفس فَلَا يُغير حكما قيل للشَّيْخ يعْنى الْقفال لَو أَن رجلا وطئ أمة بِالشُّبْهَةِ يتَوَهَّم أَنَّهَا امْرَأَته فَقَالَ كَانَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الخضرى يَقُول إِن كَانَت امْرَأَته حرَّة فولده من هَذِه الْأمة حر وَعَلِيهِ الْقيمَة وَإِن كَانَت امْرَأَته أمة فولده من الْمَوْطُوءَة بِالشُّبْهَةِ مَمْلُوك على حسب الْقَصْد وَالنِّيَّة قَالَ الرويانى فى الْبَحْر فى كتاب النِّكَاح وَهَذَا حسن ذكره فى بَاب الزِّنَا لَا يحرم الْحَلَال قلت وَقد أَشَارَ الْأَصْحَاب إِلَى هَذَا فى بَاب عتق أُمَّهَات الْأَوْلَاد فَقَالُوا إِذا استولد أمة الْغَيْر بِشُبْهَة ثمَّ ملكهَا فَينْظر إِن وَطئهَا على ظن أَنَّهَا زَوجته الْمَمْلُوكَة فَالْوَلَد رَقِيق وَلَا يثبت الِاسْتِيلَاء أَو أَنَّهَا زَوجته الْحرَّة أَو أمته فَالْوَلَد حر وفى ثُبُوت الِاسْتِيلَاد قَولَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 118 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الإِمَام أَبُو بكر النيسابورى نزيل مَكَّة أحد أَعْلَام هَذِه الْأمة وأحبارها كَانَ إِمَامًا مُجْتَهدا حَافِظًا ورعا سَمِعت الحَدِيث من مُحَمَّد بن مَيْمُون وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل الصَّائِغ وَمُحَمّد بن عبد الله بن عبد الحكم وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو بكر ابْن الْمُقْرِئ وَمُحَمّد بن يحيى بن عمار الدمياطى شيخ الطلمنكى وَالْحسن بن على بن شعْبَان وَأَخُوهُ الْحُسَيْن وَآخَرُونَ وَله التصانيف المفيدة السائرة كتاب الْأَوْسَط وَكتاب الإشراف فى اخْتِلَاف الْعلمَاء وَكتاب الْإِجْمَاع وَالتَّفْسِير وَكتاب السّنَن وَالْإِجْمَاع وَالِاخْتِلَاف قَالَ شَيخنَا الذهبى كَانَ على نِهَايَة من معرفَة الحَدِيث وَالِاخْتِلَاف وَكَانَ مُجْتَهدا لَا يُقَلّد أحدا قلت المحمدون الْأَرْبَعَة مُحَمَّد بن نصر وَمُحَمّد بن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر من أَصْحَابنَا وَقد بلغُوا دَرَجَة الِاجْتِهَاد الْمُطلق وَلم يخرجهم ذَلِك عَن كَونهم من أَصْحَاب الشافعى المخرجين على أُصُوله المتمذهبين بمذهبه لوفاق اجتهادهم اجْتِهَاده بل قد ادّعى من هُوَ بعد من أَصْحَابنَا الخلص كالشيخ أَبى على وَغَيره أَنهم وَافق رَأْيهمْ رأى الإِمَام الْأَعْظَم فتبعوه ونسبوا إِلَيْهِ لَا أَنهم مقلدون فَمَا ظَنك بهؤلاء الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُم وَإِن خَرجُوا عَن رأى الإِمَام الْأَعْظَم فى كثير من الْمسَائِل فَلم يخرجُوا فى الْأَغْلَب الحديث: 118 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 فاعرف ذَلِك وَاعْلَم أَنهم فى أحزاب الشَّافِعِيَّة معدودون وعَلى أُصُوله فى الْأَغْلَب مخرجون وبطريقه متهذبون وبمذهبه متمذهبون قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى توفى ابْن الْمُنْذر سنة تسع أَو عشر وثلاثمائة قَالَ شَيخنَا الذهبى وَهَذَا لَيْسَ بشئ لِأَن مُحَمَّد بن يحيى بن عمار لقِيه سنة سِتّ عشرَة وثلاثمائة وَمن الْمسَائِل والغرائب عَن ابْن الْمُنْذر ذهب إِلَى أَن الْمُسَافِر يقصر الصَّلَاة فى مسيرَة يَوْم تَامّ كَمَا قَالَ الأوزاعى وَاعْلَم أَن عِبَارَات الشافعى رضى الله عَنهُ فى حد السّفر مضطربة وَقَالَ الْأَصْحَاب على طبقاتهم الشَّيْخ أَبُو حَامِد والماوردى وَالْإِمَام وَغَيرهم المُرَاد بهَا شئ وَاحِد لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فى ذَلِك وَأَن السّفر الطَّوِيل مرحلتان فَصَاعِدا وَمَا قَالَه ابْن الْمُنْذر خَارج عَن الْمَذْهَب وَقيد كَون إِذن الْبكر فى النِّكَاح صماتها بِمَا إِذا علمت قبل أَن تستؤذن أَن إِذْنهَا صماتها وَهَذَا حسن وَقَالَ إِن الزانى الْمُحصن يجلد ثمَّ يرْجم وَأَنه لَا تجب الْكَفَّارَة فى قتل الْعمد وَأَن الْخلْع لَا يَصح إِلَّا فى حَالَة الشقاق وَنقل فى الإشراف عَن الشافعى أَنه قَالَ فِيمَن سَافر لمسافة الْقصر ثمَّ رَجَعَ إِلَى دَاره لحَاجَة قبل أَن ينتهى إِلَى مَسَافَة الْقصر إِن الأحب لَهُ أَن يتم وَإِن جَازَ الْقصر وَهَذَا غَرِيب وَالْمَعْرُوف فى الْمَذْهَب إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْقصر أفضل وَكَأن الشافعى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 رضى الله عَنهُ اسْتثْنى هَذِه الصُّورَة لِلْخُرُوجِ من خلاف الْعلمَاء فقد قَالَ سُفْيَان الثورى وَغَيره فِيمَن رَجَعَ لحَاجَة عَلَيْهِ أَن يتم قَالَ أَبُو بكر فى كتاب الإشراف مَا نَصه ذكر الإِمَام يخص نَفسه بِالدُّعَاءِ دون الْقَوْم ثَبت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِذا كبر فى الصَّلَاة قبل الْقِرَاءَة (اللَّهُمَّ باعد بينى وَبَين خطيئتى كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب اللَّهُمَّ نقنى من خطاياى كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس اللَّهُمَّ اغسلنى من خطاياى بالثلج وَالْمَاء وَالْبرد) قَالَ أَبُو بكر وَبِهَذَا نقُول وَقد روينَا عَن مُجَاهِد وَطَاوُس أَنَّهُمَا قَالَا لَا ينبغى للْإِمَام أَن يخص نَفسه بشئ من الدَّعْوَات دون الْقَوْم وَكره ذَلِك النووى والأوزاعى وَقَالَ الشافعى لَا أحب ذَلِك انْتهى وَإِنَّمَا نقلته بِحُرُوفِهِ لِأَن بعض النَّاس نقل عَنهُ أَنه نقل فى هَذَا الْفَصْل عَن الشافعى أَنه لَا يحب تَخْصِيص الإِمَام نَفسه بِالدُّعَاءِ بل يأتى بِصِيغَة الْجمع فى نَحْو اللَّهُمَّ باعد بينى وَبَين خطيئتى الحَدِيث وَهَذَا لَا يَقُوله أحد بل الْأَدْعِيَة المأثورة يُؤْتى بهَا كَمَا وَردت فَإِذا كَانَت صِيغَة إِفْرَاد لم يسْتَحبّ للْإِمَام أَن يأتى بِصِيغَة الْجمع وَلَا ينبغى لَهُ ذَلِك وَإِنَّمَا الْخَيْر كل الْخَيْر فى الْإِتْيَان بِلَفْظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام أَلا يخص نَفسه بِالدُّعَاءِ فَهُوَ أثر ذكره أَصْحَابنَا لَكِن مَعْنَاهُ فى غير الْأَدْعِيَة المأثورة وَذَلِكَ بِأَن يستفتح لنَفسِهِ دُعَاء فيفرد نَفسه بِالذكر وَأَبُو بكر إِنَّمَا صدر بِالْحَدِيثِ اسْتِشْهَادًا لما يَقُوله من جَوَاز التَّخْصِيص فَقَالَ قد خصص النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه بِهَذِهِ الْكَلِمَات الَّتِى ذكرهَا فى مَوضِع لَا تَأْمِين فِيهِ للمأمومين وَلَيْسَ مُرَاده أَن من ذكره يُخَالف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى ذَلِك معَاذ الله وَإِنَّمَا حَاصِل كَلَامه أَن التَّخْصِيص جَائِز فى غير الْمَأْثُور بِدَلِيل مَا وَقع فى الْمَأْثُور وَأَن كره التَّخْصِيص أَن يُجيب بِأَنَّهُ إِنَّمَا خصص نَفسه حَيْثُ يسر بِالدُّعَاءِ وَلَا تَأْمِين للْقَوْم فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 نقل ابْن الْمُنْذر خلافًا بَين الْأمة فى جَوَاز إطْعَام فُقَرَاء أهل الذِّمَّة من الْأُضْحِية قَالَ رخص فِيهِ الْحسن وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ مَالك غَيره أحب إِلَيْنَا وَكره مَالك أَيْضا إِعْطَاء النصرانى جلد الْأُضْحِية أَو شَيْئا من لَحمهَا وَكَرِهَهُ أَيْضا اللَّيْث فَإِن طبخ لَحمهَا فَلَا بَأْس بِأَكْل الذِّمِّيّ مَعَ الْمُسلمين مِنْهُ هَذَا كَلَام ابْن الْمُنْذر وَنَقله عَنهُ النووى فى شرح الْمُهَذّب وَقَالَ لم أر لِأَصْحَابِنَا كلَاما فِيهِ قَالَ وَمُقْتَضى الْمَذْهَب جَوَاز إطعامهم من أضْحِية التَّطَوُّع دون الْوَاجِبَة قلت نقل ابْن الرّفْعَة فى الْكِفَايَة أَن الشافعى قَالَ لَا يطعم مِنْهَا يعْنى الْأُضْحِية أحدا على غير دين الْإِسْلَام وَأَنه ذكره فى البويطى قَول الْمَرِيض لفُلَان قبلى حق فصدقوه قَالَ ابْن الْمُنْذر فى كتاب السّنَن وَالْإِجْمَاع وَالِاخْتِلَاف وَهُوَ كتاب مَبْسُوط حافل فى أَوَاخِر بَاب الْإِقْرَار مِنْهُ مَا نَصه وَإِن قَالَ لفُلَان قبلى حق فصدقوه فَإِن صدقه الْوَرَثَة بِمَا قَالَ فَإِن النُّعْمَان قَالَ أصدق الطَّالِب بِمَا بَينه وَبَين الثُّلُث أستحسن ذَلِك فَإِن أقرّ بدين مُسَمّى مَعَ ذَلِك كَانَ الدّين الْمُسَمّى أولى بِمَالِه كُله وَلَو لم يقر بدين مُسَمّى وَأوصى بِوَصِيَّة كَانَت أولى بِالثُّلثِ من ذَلِك الْإِقْرَار أَيْضا فى قَوْله وَإِذا قَالَ الْمَرِيض فى مَرضه الذى مَاتَ فِيهِ لفُلَان على حق فصدقوه فِيمَا ادّعى فَادّعى مَالا يكون أَكثر من الثُّلُث فَإِنَّهُ لَا يصدق وَله أَن يحلف الْوَرَثَة على علمهمْ فَإِن نكلوا عَن الْيَمين قضيت لَهُ بذلك وَلَو حلفوا قضيت لَهُ بِالثُّلثِ هَذَا قَول أَبى حنيفَة وأبى يُوسُف وَمُحَمّد قَالَ أَبُو بكر والذى نقُول بِهِ فى هَذَا أَن الْمُدعى يصدق فِيمَا ادّعى إِذا أقرّ الْمَرِيض بتصديقه وَذَلِكَ أَن الرجل إِذا ادّعى عَلَيْهِ قَالَ وَقَالَ الْمَرِيض صدق يُؤْخَذ بِهِ فَكَذَلِك إِذا قَالَ صدقوه أَو هُوَ صَادِق فِيمَا ادّعى كَانَ هَذَا إِقْرَارا مِنْهُ قد عقده انْتهى لَفظه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 قلت وَهُوَ فرع تعم بِهِ الْبلوى وَالنَّقْل فِيهِ عَزِيز يَقُول الْمَرْء فى مرض مَوته مهما ادّعى بِهِ فلَان فصدقوه أَو فَهُوَ صَادِق أَو لَهُ على شئ لَا أتحقق قدره فمهما عين فَهُوَ صَدُوق أَو يَقُول الْمَرْء كل من ادّعى على بعد موتى فَأَعْطوهُ مَا يَدعِيهِ وَلَا تطالبوه بِالْحجَّةِ والذى تحرر لى بعد النّظر فى هَذَا الْأَلْفَاظ أَنه تَارَة يعين الْمَرْء بشخصه كَمَا فى الصُّور الأول وَتارَة يعمم كَمَا فى الصُّورَة الْأَخِيرَة وَلَا يخفى أَن كَونه إِقْرَارا فى الصُّور الأول أولى من الْأَخِيرَة فَإِن عين فَتَارَة يَقُول مهما ادّعى بِهِ فَهُوَ صَادِق أَو فَهُوَ صَحِيح أَو حق وَتارَة يَقُول مهما ادّعى بِهِ فصدقوه وَتارَة يَقُول مهما ادّعى بِهِ فَأَعْطوهُ وَكَونه إِقْرَارا فى الأول أولى من الثَّانِيَة وفى الثَّانِيَة أولى من الثَّالِثَة والذى يظْهر فى الثَّالِثَة أَنه وَصِيَّة كَمَا فى الصُّورَة الْأَخِيرَة وَقد صرح بالصورة الْأَخِيرَة صَاحب الْبَحْر فَقَالَ فى بَاب الْوَصَايَا مَا نَصه إِذا قَالَ كل من ادّعى على بعد موتى فَأَعْطوهُ مَا يَدعِيهِ وَلَا تطالبوه بِالْحجَّةِ فَادّعى اثْنَان بعد مَوته حقين مختلفى الْمِقْدَار وَلَا حجَّة لوَاحِد مِنْهُمَا كَانَ ذَلِك كَالْوَصِيَّةِ تعْتَبر من الثُّلُث وَإِذا ضَاقَ عَن الْوَفَاء قسم بَينهمَا على قدر حقيهما الذى يدعيانه كالوصايا سَوَاء انْتهى وَأما إِذا قَالَ إِذا ادّعى فلَان أَو كل مَا يدعى بِهِ فَلَا يشك أَنه أولى بِالصِّحَّةِ من التَّعْمِيم فى قَوْله كل من ادّعى ثمَّ قد يَقُول فَأَعْطوهُ وَقد يَقُول فصدقوه وَقد يَقُول فَهُوَ صَادِق فَإِن قَالَ فَأَعْطوهُ فَيظْهر أَنه وَصِيَّة وَإِن قَالَ فصدقوه فقد رَأَيْت قَول ابْن الْمُنْذر أَنه إِقْرَار وَظَاهر كَلَامه أَنه يصدق فى كل مَا يَدعِيهِ وَإِن زَاد على الثُّلُث وعَلى مَا يُعينهُ الْوَارِث حَتَّى لَو ادّعى جَمِيع المَال يصدق وَهَذَا احْتِمَال رأى أَبى على الثقفى من أَصْحَابنَا نَقله عَنهُ القاضى أَبُو سعد فى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 كتاب الإشراف وَتَبعهُ القاضى شُرَيْح فى أدب الْقَضَاء فَقَالَ مَا نَصه إِذا قَالَ مَا يَدعِيهِ فلَان فصدقوه قَالَ الثقفى يحْتَمل أَن يصدق فى الْجَمِيع وَقَالَ الزجاجى هُوَ إِقْرَار مَجْهُول يُعينهُ الْوَارِث قَالَ أَبُو عَاصِم العبادى هَذَا أشبه بِالْحَقِّ انْتهى وَإِن قَالَ فَهُوَ صَادِق فقد رَأَيْت قَول ابْن الْمُنْذر أَيْضا وَلَا يشك أَنَّهَا أولى بِالْإِقْرَارِ من قَوْله فصدقوه فَإِن قلت هَل للمسألة شبه بِمَا إِذا قَالَ إِن شهد على فلَان بِكَذَا أَو شَاهِدَانِ بِكَذَا فَإِنَّهُمَا صادقان فَإِن الْأَصْحَاب ذكرُوا فى بَاب الْإِقْرَار أَنه إِقْرَار وَإِن لم يشهدَا على أظهر الْقَوْلَيْنِ وَإِن قَالَ إِن شَهدا صدقهما فَلَيْسَ بِإِقْرَار قطعا قلت هى مُفَارقَة لَهَا من جِهَة أَنه عين هُنَا الْمَشْهُود بِهِ كَمَا عين الشَّاهِد فَقَالَ إِن شهد بِكَذَا وَفِيمَا نَحن فِيهِ لم يعين الْمَشْهُود عَلَيْهِ بل عممه أَو جَهله فَمن ثمَّ لم يلْزم من جعله مقرا فى هَذِه جعله مقرا فى تِلْكَ وَمن ثمَّ يكون مقرا فى هَذِه فى الْحَال وَلَا يتَوَقَّف على شَهَادَة فلَان وفى مَسْأَلَتنَا لابد من الدَّعْوَى ليتَحَقَّق مَا قَالَه وَقد وَقع فى المحاكمات رجل قَالَ جَمِيع مَا يدعى بِهِ فلَان فى تركتى حق أَو نَحْو ذَلِك وَأقر لمُعين بشئ فَادّعى فلَان بِجَمِيعِ مَا وجد وَمُقْتَضى التَّصْحِيح أَن يتحاصص هُوَ والمعين الْمقر لَهُ بِمعين كبينتين تزاحمتا وَلَكِن لم أجسر على الحكم بذلك وَوجدت النَّفس تميل إِلَى تَقْدِيم الْمعِين بِجَمِيعِ مَا عين لَهُ وَلم أقدم على الحكم بذلك أَيْضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وَقَول أَبى حنيفَة الذى نَقله عَنهُ ابْن الْمُنْذر إِن الْمُسَمّى أولى يشْهد لذَلِك وَهُوَ نَظِير قَوْله إِن الْإِقْرَار بِالدّينِ فى الصِّحَّة يقدم على الْإِقْرَار بِهِ فى الْمَرَض وَهُوَ قَول عندنَا اتّفق الْأَصْحَاب على خِلَافه 119 - مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مهْرَان بن عبد الله أَبُو الْعَبَّاس السراج الثقفى مَوْلَاهُم النيسابورى الْحَافِظ مُحدث خُرَاسَان ومسندها سمع قُتَيْبَة وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف البلخى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبا كريب وَمُحَمّد ابْن بكار وَدَاوُد بن رشيد وخلقا سواهُم روى عَنهُ البخارى وَمُسلم وَأَبُو حَاتِم الرازى وَأَبُو بكر بن أَبى الدُّنْيَا وهم من شُيُوخه وَأَبُو الْعَبَّاس بن عقدَة وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَأَبُو إِسْحَاق المزكى وَأَبُو حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن بَالَوَيْهِ وَالْحسن بن أَحْمد المخلدى وَأَبُو سهل الصعلوكى وَأَبُو بكر بن مهْرَان المقرى وخلائق آخِرهم أَبُو الْحُسَيْن الْخفاف وَكَانَ شَيخا مُسْندًا صَالحا سعيدا كثير المَال وَهُوَ الذى قَرَأَ عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اثنتى عشرَة ألف ختمة وضحى عَنهُ اثنتى عشرَة ألف أضْحِية وَكَانَ يركب حِمَاره وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر) وَفِيه يَقُول الْأُسْتَاذ أَبُو سهل الصعلوكى السراج كالسراج وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل أَيْضا حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِسْحَاق الأوحد فى فنه الْأَكْمَل فى وَزنه الحديث: 119 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن نجيد رَأَيْت السراج ركب حِمَاره وعباس المستملى بَين يَدَيْهِ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر يَقُول يَا عَبَّاس غير كَذَا اكسر كَذَا وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّاء العنبرى سَمِعت أَبَا عَمْرو الْخفاف يَقُول للسراج لَو دخلت على الْأَمِير ونصحته قَالَ فجَاء وَعِنْده أَبُو عَمْرو فَقَالَ هَذَا شَيخنَا وأكبرنا وَقد حضر لينْتَفع الْأَمِير بِكَلَامِهِ فَقَالَ السراج أَيهَا الْأَمِير إِن الْإِقَامَة كَانَت فُرَادَى وهى كَذَا بالحرمين وَأما فى جامعنا فَصَارَت مثنى مثنى وَإِن الدّين خرج من الْحَرَمَيْنِ فَإِن رَأَيْت أَن تَأمر بِالْإِفْرَادِ قَالَ فَخَجِلَ الْأَمِير وَأَبُو عَمْرو وَالْجَمَاعَة إِذْ كَانُوا قصدوه فى أَمر الْبَلَد فَلَمَّا خرج عاتبوه فَقَالَ استحييت من الله أَن أسأَل أَمر الدُّنْيَا وأدع أَمر الدّين توفى السراج فى ربيع الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وثلاثمائة وَله سبع وَتسْعُونَ سنة 120 - مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة بن الْمُغيرَة بن صَالح بن بكر إِمَام الْأَئِمَّة أَبُو بكر السلمى النيسابورى الْمُجْتَهد الْمُطلق الْبَحْر العجاج والحبر الذى لَا يخاير فى الحجى وَلَا يناظر فى الْحجَّاج جمع أشتات الْعُلُوم وارتفع مِقْدَاره فتقاصرت عَنهُ طوالع النُّجُوم وَأقَام بِمَدِينَة نيسابور إمامها حَيْثُ الضراغم مزدحمة وفردها الذى رفع الْعلم بَين الْأَفْرَاد علمه والوفود تفد على ربعه لَا يتجنبه مِنْهُم إِلَّا الأشقى والفتاوى تحمل عَنهُ برا وبحرا وتشق الأَرْض شقا وعلومه تسير فتهدى فى كل سَوْدَاء مدلهمة وتمضى علما تأتم الهداة بِهِ وَكَيف لَا وَهُوَ إِمَام الْأَئِمَّة الحديث: 120 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 (كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... كرما وَيبْعَث للغريب سحائبا) مولده فى صفر سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ سمع من خلق مِنْهُم إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَمُحَمّد بن حميد الرازى وَلم يحدث عَنْهُمَا لكَونه سمع مِنْهُمَا فى الصغر وَلَكِن حدث عَن مَحْمُود بن غيلَان وَمُحَمّد بن أبان المستملى وَإِسْحَاق بن مُوسَى الخطمى وَعتبَة بن عبد الله اليحمدي وعَلى بن حجر وأبى قدامَة السرخسى وَأحمد بن منيع وَبشر بن معَاذ وَأبي كريب وَعبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَمُحَمّد بن أسلم الزَّاهِد والزعفرانى وَنصر ابْن على الجهضمى وعَلى بن خشرم وَغَيرهم وَكَانَ سَمَاعه بنيسابور فى صغره وفى رحلته بالرى وبغداد وَالْبَصْرَة والكوفة وَالشَّام والجزيرة ومصر وواسط روى عَنهُ خلق من الْكِبَار مِنْهُم البخارى وَمُسلم خَارج الصَّحِيح وَمُحَمّد ابْن عبد الله بن عبد الحكم شَيْخه وَأَبُو عَمْرو أَحْمد بن الْمُبَارك المستملى وَإِبْرَاهِيم بن أَبى طَالب وَهَؤُلَاء أكبر مِنْهُ وَيحيى بن مُحَمَّد بن صاعد وَأَبُو على النيسابورى وَإِسْحَاق بن سعد النسوى وَأَبُو عَمْرو بن حمدَان وَأَبُو حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن بَالَوَيْهِ وَأَبُو بكر أَحْمد بن مهْرَان الْمُقْرِئ وَمُحَمّد بن أَحْمد بن على بن نصير الْمعدل وحفيده مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق وخلائق وَمن الْأَخْبَار عَن حَاله قيل لِابْنِ خُزَيْمَة يَوْمًا من أَيْن أُوتيت الْعلم فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ) وإنى لما شربت مَاء زَمْزَم سَأَلت الله علما نَافِعًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وَقيل لَهُ يَوْمًا لَو قطعت لنَفسك ثيابًا تتجمل بهَا فَقَالَ مَا أذكر نفسى قطّ ولى أَكثر من قميصين قَالَ أَبُو أَحْمد الدارمى وَكَانَ لَهُ قَمِيص يلْبسهُ وقميص عِنْد الْخياط فَإِذا نزع الذى يلْبسهُ ووهبه غدوا إِلَى الْخياط وجاؤا بالقميص الآخر وَقيل لَهُ يَوْمًا لَو حلقت شعرك فى الْحمام فَقَالَ لم يثبت عندى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل حَماما قطّ وَلَا حلق شعره إِنَّمَا تَأْخُذ شعرى جَارِيَة لى بالمقراض وَقَالَ أَبُو أَحْمد الدارمى سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول مَا حللت سراويلى على حرَام قطّ وَقَالَ أَبُو بكر بن بَالَوَيْهِ سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول كنت عِنْد الْأَمِير إِسْمَاعِيل بن أَحْمد فَحدث عَن أَبِيه بِحَدِيث وهم فى إِسْنَاده فرددته عَلَيْهِ فَلَمَّا خرجت من عِنْده قَالَ أَبُو ذَر القاضى قد كُنَّا نَعْرِف أَن هَذَا الحَدِيث خطأ مُنْذُ عشْرين سنة فَلم يقدر وَاحِد منا أَن يردهُ عَلَيْهِ فَقلت لَهُ لَا يحل لى أَن أسمع حَدِيثا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ خطأ أَو تَحْرِيف فَلَا أرد قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا عَمْرو بن إِسْمَاعِيل يَقُول كنت فى مجْلِس ابْن خُزَيْمَة فاستمدنى مُدَّة فناولته بيسارى إِذْ كَانَت يمينى قد اسودت من الْكِتَابَة فَلم يَأْخُذ الْقَلَم وَأمْسك فَقَالَ لى بعض أَصْحَابه لَو ناولت الشَّيْخ بيمينك فَأخذت الْقَلَم بيمينى فناولته فَأخذ منى وَقَالَ أَبُو أَحْمد الدارمى سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يحْكى عَن على بن خشرم عَن إِسْحَاق أَنه قَالَ أحفظ سبعين ألف حَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 قَالَ أَبُو أَحْمد الدارمى فَقلت لَهُ كم يحفظ الشَّيْخ فضربنى على رأسى وَقَالَ مَا أَكثر فضولك ثمَّ قَالَ يابنى مَا كتبت سُودًا فى بَيَاض إِلَّا وَأَنا أعرفهُ مَاتَ ابْن خُزَيْمَة سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة وفى مرثيته قَالَ بعض أهل الْعلم (ياابن إِسْحَاق قد مضيت حميدا ... فسقى قبرك السَّحَاب الهتون) (مَا توليت لَا بل الْعلم ولى ... مَا دفناك بل هُوَ المدفون) وَمن أَرَادَ الْإِحَاطَة بترجمته فَعَلَيهِ بهَا فى تَارِيخ نيسابور للْحَاكِم أَبى عبد الله رَحمَه الله وَمن ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ قَالَ الْقفال الشاشى سَمِعت أَبَا بكر الصيرفى يَقُول سَمِعت ابْن سُرَيج يَقُول ابْن خُزَيْمَة يخرج النكت من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمنقاش وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان استفدنا من ابْن خُزَيْمَة أَكثر مِمَّا اسْتَفَادَ منا وَقَالَ الْحَاكِم سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البكرى يَقُول سَمِعت ابْن خُزَيْمَة يَقُول حضرت مجْلِس المزنى يَوْمًا وَسَأَلَهُ سَائل من الْعِرَاقِيّين عَن شبه الْعمد فَقَالَ السَّائِل إِن الله عز وَجل وصف الْقَتْل فى كِتَابه صنفين عمدا وَخطأ فَلم قُلْتُمْ إِنَّه على ثَلَاثَة أَصْنَاف وزدتم شبه الْعمد فَذكر الحَدِيث فَقَالَ لَهُ أتحتج بعلى بن زيد بن جدعَان فَسكت المزنى فَقلت لمناظره قد روى هَذَا الْخَبَر غير على بن زيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 فَقَالَ وَمن رَوَاهُ غير على قلت أَيُّوب السختيانى وخَالِد الْحذاء قَالَ لى فَمن عقبَة بن أَوْس قلت عقبَة بن أَوْس رجل من أهل الْبَصْرَة قد رَوَاهُ عَنهُ أَيْضا مُحَمَّد بن سِيرِين مَعَ جلالته فَقَالَ للمزنى أَنْت تناظر أَو هَذَا فَقَالَ إِذا جَاءَ الحَدِيث فَهُوَ يناظر لِأَنَّهُ أعلم بِالْحَدِيثِ منى ثمَّ أَتكَلّم أَنا انْتهى قلت الشافعى رضى الله عَنهُ لم يقْتَصر على رِوَايَة الحَدِيث من طَرِيق ابْن جدعَان بل رَوَاهُ أَيْضا عَن عبد الْوَهَّاب الثقفى عَن خَالِد الْحذاء عَن الْقَاسِم بن ربيعَة عَن عقبَة ابْن أَوْس عَن رجل من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث وَكَذَلِكَ رَوَاهُ هشيم وَبشر بن الْمفضل وَيزِيد بن زُرَيْع عَن خَالِد الْحذاء أخرجه النسائى من طريقهم إِلَّا أَن يزِيد قَالَ فِيهِ يَعْقُوب بن أَوْس وَيَعْقُوب وَعقبَة وَاحِد ثمَّ حَدِيث الشافعى عَن على بن زيد أخرجه هَكَذَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن على بن زيد بن جدعَان عَن الْقَاسِم بن ربيعَة عَن عبد الله بن عمر رضى الله عَنْهُمَا أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَلا إِن فى قَتِيل عمد الْخَطَأ بِالسَّوْطِ والعصا مائَة من الْإِبِل مُغَلّظَة مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فى بطونها أَوْلَادهَا) وَهَكَذَا // رَوَاهُ النسائى وَابْن مَاجَه من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة // الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وَأخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق عبد الْوَارِث بن عبد الصَّمد عَن على بن زيد كَذَلِك وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن على بن زيد عَن الْقَاسِم قَالَ عبد الرَّزَّاق كَانَ مرّة يَقُول الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَمرَّة ابْن ربيعَة وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن على بن زيد بن جدعَان عَن يَعْقُوب السدوسى عَن عبد الله بن عَمْرو بِهِ لم يذكر الْقَاسِم بن ربيعَة هَكَذَا ذكره ابْن أَبى حَاتِم فى كتاب الْعِلَل من طَرِيق يزِيد بن هَارُون وَأسد بن مُوسَى عَن حَمَّاد بن سَلمَة وَذكره أَيْضا هُوَ والدارقطنى من طَرِيق مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد بن سَلمَة فَقَالَ فِيهِ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ ابْن أَبى حَاتِم قلت لأبى من يَعْقُوب السدوسى قَالَ هُوَ يَعْقُوب بن أَوْس وَيُقَال عقبَة بن أَوْس وَأما حَدِيث أَيُّوب السختيانى فَأخْرجهُ النسائى وَابْن مَاجَه من طَرِيق شُعْبَة عَنهُ عَن الْقَاسِم بن ربيعَة الغطفانى عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَأما حَدِيث خَالِد الْحذاء عَن الْقَاسِم بن ربيعَة عَن عقبَة بن أَوْس فقد عرفناك طَرِيق الشافعى فِيهِ والنسائى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو دَاوُد والنسائى وَابْن مَاجَه من طَرِيق حَمَّاد بن زيد وَأَبُو دَاوُد أَيْضا من طَرِيق وهيب بن خَالِد كِلَاهُمَا عَن خَالِد الْحذاء عَن الْقَاسِم بن ربيعَة عَن عقبَة بن أَوْس عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَرَوَاهُ النسائى أَيْضا من حَدِيث خَالِد عَن الْقَاسِم عَن عقبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره مُرْسلا وَمن طَرِيق حميد الطَّوِيل عَن الْقَاسِم بن ربيعَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره مُرْسلا أَيْضا فَالْحَاصِل فى الحَدِيث الِاخْتِلَاف فى أَنه هَل هُوَ من مُسْند عبد الله بن عمر أَو ابْن عَمْرو وَذَلِكَ لَا يضر لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول وَلَا يبعد أَن يكون الحَدِيث عَنْهُمَا جَمِيعًا وَإِلَيْهِ ميل الْحَافِظ المنذرى وَأَن ابْن جدعَان مِمَّن سَمعه إِلَى غير ذَلِك مِمَّا رَأَيْت وبسببه قضى ابْن عبد الْبر باضطراب الحَدِيث وَحكم بِأَن عقبَة بن أَوْس مَجْهُول وَلَعَلَّ عرق العصبية للمالكية لحقه وَإِلَّا فَلَيْسَ عقبَة بِمَجْهُول بل مَعْرُوف روى عَنهُ ابْن سِيرِين كَمَا ذكر ابْن خُزَيْمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وروى عَنهُ أَيْضا الْقَاسِم بن ربيعَة وَابْن جدعَان وَقَالَ فِيهِ أَحْمد بن عبد الله العجلى بصرى تابعى ثِقَة وَلم يتَكَلَّم فِيهِ أحد بِجرح وَالقَاسِم بن ربيعَة مَشْهُور روى عَنهُ جمَاعَة ووثقة ابْن المدينى وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا وَكَانَ من الْعلمَاء الْمَذْكُورين للْقَضَاء وَغلط ابْن جدعَان فى اسْم أَبِيه مرّة أَو مرَارًا لَا يضر والإرسال لَا ينافى الْإِسْنَاد وَالْعَمَل على أَن الحَدِيث مُسْند صَحِيح لَا قَادِح فِيهِ وَله شَاهد أخرجه البيهقى من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم عَن ابْن جريح عَن عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَشبه الْعمد مُغَلّظَة وَلَا يقتل صَاحبه وَذَلِكَ أَن ينزو الشَّيْطَان بَين الْقَبِيلَة فَيكون بَينهم رميا بِالْحِجَارَةِ فى عميا فى غير ضغينة وَلَا حمل سلَاح) وَهُوَ من رِوَايَة أَبى حَاتِم الرازى عَن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن إِسْمَاعِيل ابْن عبيد الله المخزومى وَقد ذكره ابْن حبَان فى كِتَابه الثِّقَات وباقى رُوَاته من شُيُوخ الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 والرميا بِكَسْر الرَّاء وَالْمِيم المشددتين وَتَشْديد الْيَاء أَيْضا وَكَذَلِكَ العميا على وزن الهجيرا والخصيصا وهى مصَادر للْمُبَالَغَة فى الرمى والعمى أى يعمى أَمر الْقَتِيل عدنا إِلَى شَأْن إِمَام الْأَئِمَّة قَالَ الْحَاكِم وَسمعت الْحُسَيْن بن الْحسن يَقُول سَمِعت عمى أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى التميمى يَقُول استلقينا الْأَمِير أَبَا إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد لما ورد نيسابور مَعَ ابْن خُزَيْمَة ومعنا أَبُو بكر بن إِسْحَاق وَقد تقدمنا أَبُو عَمْرو الْخفاف وَمَعَهُ جمَاعَة من مَشَايِخ الْبَلَد فيهم أَبُو بكر الجارودى فوصلنا إِلَيْهِ وَأَبُو عَمْرو عَن يَمِينه والجارودى عَن يسَاره والأمير يتَوَهَّم أَن الجارودى هُوَ ابْن خُزَيْمَة لِأَنَّهُ لم يكن قبل ذَلِك عرفهم بأعيانهم فَلَمَّا تقدمنا إِلَيْهِ سلم ابْن خُزَيْمَة عَلَيْهِ فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ الِالْتِفَات إِلَى مثله وَكَانَ أَبُو عَمْرو يسَاره وَهُوَ يحدثه إِذْ سَأَلَهُ عَن الْفرق بَين الفىء وَالْغنيمَة فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو هَذِه من مسَائِل شَيخنَا أَبى بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَاسْتَيْقَظَ الْأَمِير مِمَّا كَانَ فِيهِ من الْغَفْلَة وَأمر الْحَاجِب أَن يقدمهُ إِلَيْهِ واستقبله وعانقه وَاعْتذر إِلَيْهِ من التَّقْصِير فى أول اللِّقَاء ثمَّ سَأَلَهُ ماالفرق بَين الفىء وَالْغنيمَة فَقَالَ قَالَ الله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} ثمَّ جعل يَقُول حَدثنَا وَأخْبرنَا ثمَّ قَالَ قَالَ الله عز وَجل {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} وَأخذ يَقُول حَدثنَا وَأخْبرنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 قَالَ عمى وعددنا مائَة ونيفا وَسبعين حَدِيثا سردها من حفظه فى الفىء وَالْغنيمَة وَقَالَ مُحَمَّد بن حبَان التميمى مَا رَأَيْت على وَجه الأَرْض من يحسن صناعَة السّنَن ويحفظ ألفاظها الصِّحَاح وزياداتها حَتَّى كَأَن السّنَن كلهَا بَين عَيْنَيْهِ إِلَّا مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَقَط وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن سهل الطوسى سَمِعت الرّبيع بن سُلَيْمَان وَقَالَ لنا هَل تعرفُون ابْن خُزَيْمَة قُلْنَا نعم قَالَ استفدنا مِنْهُ أَكثر مِمَّا اسْتَفَادَ منا وَقَالَ دعْلج سَمِعت أَبَا عبد الله البوشنجى يَقُول وَأَشَارَ إِلَى أَبى بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق كيس وَأَنا لَا أَقُول هَذَا لأبى ثَوْر نَقله الْحَاكِم فى تَرْجَمَة البوشنجى وَقَالَ أَبُو على الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْحَافِظ لم أر مثل مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ وَكَانَ ابْن خُزَيْمَة يحفظ الفقهيات من حَدِيثه كَمَا يحفظ القارىء السُّورَة وَقَالَ الدارقطنى كَانَ ابْن خُزَيْمَة إِمَامًا ثبتا مَعْدُوم النظير وَحكى أَبُو بشر الْقطَّان قَالَ رأى جَار لِابْنِ خُزَيْمَة من أهل الْعلم كَأَن لوحا عَلَيْهِ صُورَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَابْن خُزَيْمَة يصقله فَقَالَ الْمعبر هَذَا رجل يحيى سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الْحَاكِم فى عُلُوم الحَدِيث فَضَائِل ابْن خُزَيْمَة مَجْمُوعَة عندى فى أوراق كَثِيرَة ومصنفاته تزيد على مائَة وَأَرْبَعين كتابا سوى الْمسَائِل والمسائل المصنفة أَكثر من مائَة جُزْء وَله فقه حَدِيث بَرِيرَة فى ثَلَاثَة أَجزَاء وَعَن عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم وَسُئِلَ عَن ابْن خُزَيْمَة فَقَالَ وَيحكم هُوَ يسْأَل عَنَّا وَلَا نسْأَل عَنهُ هُوَ إِمَام يقْتَدى بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 قَالَ مُحَمَّد بن الْفضل كَانَ جدي أَبُو بكر لَا يدّخر شَيْئا جهده بل يُنْفِقهُ على أهل الْعلم وَلَا يعرف صنجة الْوَزْن وَلَا يُمَيّز بَين الْعشْرَة وَالْعِشْرين وَقيل إِن ابْن خُزَيْمَة عمل دَعْوَة عَظِيمَة ببستان جمع فِيهَا الْفُقَرَاء والأغنياء وَنقل كل مَا فى الْبَلَد من الْأكل والشوا والحلوا قَالَ الْحَاكِم وَكَانَ يَوْمًا مشهودا بِكَثْرَة الْخلق لَا يتهيأ مثله إِلَّا لسلطان كَبِير وَمن الْمسَائِل والفوائد عَن إِمَام الْأَئِمَّة ذهب إِلَى أَن رفع الْيَدَيْنِ ركن من أَرْكَان الصَّلَاة نَقله الْحَاكِم فى تَرْجَمَة مُحَمَّد ابْن على العلوى أبي جَعْفَر الزَّاهِد عَن أَبى على مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن نصروية المقرىء عَنهُ وَقَالَ إِن الْجَمَاعَة شَرط فى صِحَة الصَّلَاة نَقله الإِمَام وَغَيره وَإِن من صلى خلف الصَّفّ وَحده يُعِيد نَقله الدارمى فى الاستذكار وَغَيره قَالَ أَبُو عَاصِم قَالَ ابْن خُزَيْمَة فى معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله خلق آدم على صورته) فِيهِ سَبَب وَهُوَ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يضْرب وَجه رجل فَقَالَ (لَا تضرب على وَجهه فَإِن الله تَعَالَى خلق آدم على صورته) قلت دَعْوَى أَن الضَّمِير فى صورته عَائِد على رجل مَضْرُوب قَالَه غير ابْن خُزَيْمَة أَيْضا وَلكنه من ابْن خُزَيْمَة شَاهد // صَحِيح // لما لَا يرتاب فِيهِ من أَن الرجل برىء عَمَّا ينْسبهُ إِلَيْهِ المشبهة وتفتريه عَلَيْهِ الملحدة وَبَرَاءَة الرجل مِنْهُم ظَاهِرَة فى كتبه وَكَلَامه وَلَكِن الْقَوْم يخبطون عشواء ويمارون سفها وَمِمَّنْ ذكر من أَصْحَابنَا أَن الضَّمِير فى صورته عَائِد على رجل أَبُو على بن أَبى هُرَيْرَة فى تَعْلِيقه فى بَاب التَّعْزِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 121 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق بن بَحر أَبُو عبد الله الفارسى البغدادى مولده سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ روى عَن أَبى زرْعَة الدمشقى وَعُثْمَان بن خرزاذ وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الدبرى وَبكر بن سهل الدمياطى وَغَيرهم روى عَنهُ الدارقطنى فَأكْثر وَإِبْرَاهِيم بن خرشيد قَوْله وَأَبُو عمر بن مهدى مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة 122 - مُحَمَّد بن جرير بن يزِيد بن كثير بن غَالب الإِمَام الْجَلِيل الْمُجْتَهد الْمُطلق أَبُو جَعْفَر الطبرى من أهل آمل طبرستان أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا علما ودينا ومولده سنة أَربع أَو خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ طوف الأقاليم فى طلب الْعلم الحديث: 121 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 وَسمع من مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَبى الشَّوَارِب وَإِسْحَاق بن أَبى إِسْرَائِيل وَإِسْمَاعِيل ابْن مُوسَى الفزارى وأبى كريب وهناد بن السرى والوليد بن شُجَاع وَأحمد بن منيع وَمُحَمّد بن حميد الرازى وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَخلق سواهُم روى عَنهُ أَبُو شُعَيْب الحرانى وَهُوَ أكبر مِنْهُ سنا وسندا ومخلد الباقرحى والطبرانى وَعبد الْغفار الحضينى وَأَبُو عَمْرو بن حمدَان وَأحمد بن كَامِل وَطَائِفَة سواهُم وَقَرَأَ الْقُرْآن على سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن الطلحى صَاحب خَلاد وَمن تصانيفه كتاب التَّفْسِير وَكتاب التَّارِيخ وَكتاب الْقرَاءَات وَالْعدَد والتنزيل وَكتاب اخْتِلَاف الْعلمَاء وتاريخ الرِّجَال من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَكتاب أَحْكَام شرائع الْإِسْلَام أَلفه على مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَكتاب الْخَفِيف وَهُوَ مُخْتَصر فى الْفِقْه وَكتاب التبصير فى أصُول الدّين وابتدأ تصنيف كتاب تَهْذِيب الْآثَار وَهُوَ من عجائب كتبه ابْتَدَأَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو بكر الصّديق رضى الله عَنهُ كَمَا صَحَّ عِنْده بِسَنَدِهِ وَتكلم على ل حَدِيث مِنْهُ بعلله وطرقه وَمَا فِيهِ من الْفِقْه وَالسّنَن وَاخْتِلَاف الْعلمَاء وحججهم وَمَا فِيهِ من الْمعَانى والغريب فتم مِنْهُ مُسْند الْعشْرَة وَأهل الْبَيْت وَالْموالى وَمن مُسْند ابْن عَبَّاس قِطْعَة كَثِيرَة وَمَات قبل تَمَامه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وابتدأ بِكِتَاب الْبَسِيط فَخرج مِنْهُ كتاب الطَّهَارَة فى نَحْو ألف وَخَمْسمِائة ورقة وَخرج مِنْهُ أَكثر كتاب الصَّلَاة وَخرج مِنْهُ آدَاب الْحُكَّام وَكتاب المحاضر والسجلات وَغير ذَلِك قَالَ الْخَطِيب كَانَ ابْن جرير أحد الْأَئِمَّة يحكم بقوله وَيرجع إِلَى رَأْيه لمعرفته وفضله جمع من الْعُلُوم مَا لم يُشَارِكهُ فِيهِ أحد من أهل عصره فَكَانَ حَافِظًا لكتاب الله بَصيرًا بالمعانى فَقِيها فى أَحْكَام الْقُرْآن عَالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها عَارِفًا بأقوال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْمُخَالفين فى الْأَحْكَام ومسائل الْحَلَال وَالْحرَام عَارِفًا بأيام النَّاس وأخبارهم وَله الْكتاب الْمَشْهُور فى تَارِيخ الْأُمَم والملوك وَكتاب فى التَّفْسِير لم يصنف أحد مثله وَكتاب سَمَّاهُ تَهْذِيب الْآثَار لم أر سواهُ فى مَعْنَاهُ إِلَّا أَنه لم يتمه وَله فى أصُول الْفِقْه وفروعه كتب كَثِيرَة قَالَ وَسمعت على بن عبد الله عبد الْغفار اللغوى الْمَعْرُوف بالسمسمانى يحْكى أَن مُحَمَّد بن جرير مكث أَرْبَعِينَ سنة يكْتب فى كل يَوْم مِنْهَا أَرْبَعِينَ ورقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 قَالَ وبلغنى عَن الشَّيْخ أَبى حَامِد الإسفراينى أَنه قَالَ لَو سَافر رجل إِلَى الصين حَتَّى يحصل لَهُ كتاب تَفْسِير مُحَمَّد بن جرير لم يكن ذَلِك كثيرا أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ انْتهى وَذكر أَبُو مُحَمَّد الفرغانى فى صلَة التَّارِيخ أَن قوما من تلامذة مُحَمَّد بن جرير حسبوا لأبى جَعْفَر مُنْذُ بلغ الْحلم إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ قسموا على تِلْكَ الْمدَّة أوراق مصنفاته فَصَارَ لكل يَوْم أَربع عشرَة ورقة قلت وَهَذَا لَا ينافى كَلَام السمسمانى لِأَنَّهُ مُنْذُ بلغ لابد أَن يكون مَضَت لَهُ سنُون فى الطّلب لَا يصنف فِيهَا وَذكر أَن أَبَا الْعَبَّاس ابْن سُرَيج كَانَ يَقُول مُحَمَّد بن جرير الطبرى فَقِيه الْعَالم وَذكر أَن مُحَمَّد بن جرير قَالَ أظهرت فقه الشافعى وأفتيت بِهِ بِبَغْدَاد عشر سِنِين وتلقنه منى ابْن بشار الْأَحول أستاذ أَبى الْعَبَّاس بن سُرَيج وروى أَن أَبَا جَعْفَر قَالَ لأَصْحَابه أتنشطون لتفسير الْقُرْآن قَالُوا كم يكون قدره فَقَالَ ثَلَاثُونَ ألف ورقة فَقَالُوا هَذَا مِمَّا تفنى الْأَعْمَار قبل تَمَامه فَاخْتَصَرَهُ فى نَحْو ثَلَاثَة آلَاف ورقة ثمَّ قَالَ هَل تنشطون لتاريخ الْعَالم من آدم إِلَى وقتنا هَذَا قَالُوا كم قدره فَذكر نَحوا مِمَّا ذكره فى التَّفْسِير فأجوبوه بِمثل ذَلِك فَقَالَ إِنَّا لله مَاتَت الهمم فَاخْتَصَرَهُ فى نَحْو مَا اختصر التَّفْسِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا بكر بن بَالَوَيْهِ يَقُول قَالَ لى ابْن خُزَيْمَة بلغنى أَنَّك كتبت التَّفْسِير عَن ابْن جرير قلت نعم إملاء قَالَ كُله قلت نعم قَالَ فى كم سنة قلت من سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ إِلَى سنة تسعين قَالَ فاستعاره منى ابْن خُزَيْمَة ثمَّ رده بعد سِنِين ثمَّ قَالَ نظرت فِيهِ من أَوله إِلَى آخِره وَمَا أعلم على أَدِيم الأَرْض أعلم من مُحَمَّد بن جرير وَلَقَد ظلمته الْحَنَابِلَة وَقَالَ أَبُو على الطومارى كنت أحمل الْقنْدِيل فى شهر رَمَضَان بَين يدى أَبى بكر بن مُجَاهِد لصَلَاة التَّرَاوِيح فَخرج لَيْلَة من ليالى الْعشْر الْأَوَاخِر من دَاره واجتاز على مَسْجده فَلم يدْخلهُ وَأَنا مَعَه وَسَار حَتَّى انْتهى فَوقف على بَاب مَسْجِد مُحَمَّد بن جرير وَابْن جرير يقْرَأ سُورَة الرَّحْمَن فاستمع قِرَاءَته طَويلا ثمَّ انْصَرف فَقلت لَهُ يَا أستاذ تركت النَّاس ينتظرونك وَجئْت تستمع قِرَاءَة هَذَا فَقَالَ يَا أَبَا على دع هَذَا عَنْك مَا ظَنَنْت أَن الله خلق بشرا يحسن أَن يقْرَأ هَذِه الْقِرَاءَة وَذكر أَن المكتفى الْخَلِيفَة قَالَ لِلْحسنِ بن الْعَبَّاس أُرِيد أَن أوقف وَقفا تَجْتَمِع أقاويل الْعلمَاء على صِحَّته وَيسلم من الْخلاف قَالَ فأحضر ابْن جرير فأملى عَلَيْهِم كتابا لذَلِك فأخرجت لَهُ جَائِزَة سنية فَأبى أَن يقبلهَا فَقيل لَهُ لابد من جَائِزَة أَو قَضَاء حَاجَة فَقَالَ نعم الْحَاجة أسأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يتَقَدَّم إِلَى الشَّرْط أَن يمنعوا السُّؤَال من دُخُول الْمَقْصُورَة يَوْم الْجُمُعَة فَتقدم بذلك وَعظم فى نُفُوسهم قَالَ أَبُو مُحَمَّد الفرغانى صَاحب ابْن جرير أرسل الْعَبَّاس بن الْحسن الْوَزير إِلَى ابْن جرير قد أَحْبَبْت أَن أنظر فى الْفِقْه وَسَأَلَهُ أَن يعْمل لَهُ مُخْتَصرا فَعمل لَهُ كتاب الْخَفِيف وأنفذه فَوجه إِلَيْهِ ألف دِينَار فَلم يقبلهَا فَقيل لَهُ تصدق بهَا فَلم يفعل وَقَالَ حسينك بن على النيسابورى أول مَا سألنى ابْن خُزَيْمَة قَالَ كتبت عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 مُحَمَّد بن جرير قلت لَا قَالَ وَلم قلت لِأَنَّهُ كَانَ لَا يظْهر وَكَانَت الْحَنَابِلَة تمنع من الدُّخُول عَلَيْهِ فَقَالَ بئس مَا فعلت ليتك لم تكْتب عَن كل من كتبت عَنْهُم وَسمعت مِنْهُ قلت لم يكن عدم ظُهُوره ناشئا من أَنه منع وَلَا كَانَت للحنابلة شَوْكَة تقتضى ذَلِك وَكَانَ مِقْدَار ابْن جرير أرفع من أَن يقدروا على مَنعه وَإِنَّمَا ابْن جرير نَفسه كَانَ قد جمع نَفسه عَن مثل الأراذل المتعرضين إِلَى عرضه فَلم يكن يَأْذَن فى الِاجْتِمَاع بِهِ إِلَّا لمن يختاره وَيعرف أَنه على السّنة وَكَانَ الْوَارِد من الْبِلَاد مثل حسينك وَغَيره لَا يدرى حَقِيقَة حَاله فَرُبمَا أصغى إِلَى كَلَام من يتَكَلَّم فِيهِ لجهله بأَمْره فَامْتنعَ عَن الِاجْتِمَاع بِهِ وَمِمَّا يدلك على أَنه لم يمْنَع قَول ابْن خُزَيْمَة لحسينك ليتك سَمِعت مِنْهُ فَإِن فِيهِ دلَالَة أَن سَمَاعه مِنْهُ كَانَ مُمكنا وَلَو كَانَ مَمْنُوعًا لم يقل لَهُ ذَلِك وَهَذَا أوضح من أَن ننبه عَلَيْهِ وَأمر الْحَنَابِلَة فى ذَلِك الْعَصْر كَانَ أقل من ذَلِك قَالَ الفرغانى كَانَ مُحَمَّد بن جرير مِمَّن لَا تَأْخُذهُ فى الله لومة لائم مَعَ عَظِيم مَا يلْحقهُ من الْأَذَى والشناعات من جَاهِل وحاسد وملحد فَأَما أهل الْعلم وَالدّين فَغير منكرين علمه وزهده فى الدُّنْيَا ورفضه لَهَا وقناعته بِمَا كَانَ يرد عَلَيْهِ من حِصَّة خلفهَا لَهُ أَبوهُ بطبرستان يسيرَة وَلما تقلد الخاقانى الوزارة وَجه إِلَيْهِ بِمَال كثير فَأبى أَن يقبله فَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَامْتنعَ فَعَاتَبَهُ أَصْحَابه وَقَالُوا لَهُ لَك فى هَذَا ثَوَاب وتحيى سنة قد درست وطمعوا فى أَن يقبل ولَايَة الْمَظَالِم فانتهرهم وَقَالَ قد كنت أَظن أَنى لَو رغبت فى ذَلِك لنهيتمونى عَنهُ وَقَالَ الفرغانى رَحل ابْن جرير من مَدِينَة آمل لما ترعرع وسمح لَهُ أَبوهُ بِالسَّفرِ وَكَانَ طول حَيَاته ينفذ إِلَيْهِ بالشئ بعد الشئ إِلَى الْبلدَانِ فَسَمعته يَقُول أَبْطَأت عَنى نَفَقَة والدى واضطررت إِلَى أَن فتقت كمى الْقَمِيص فبعتهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وَقَالَ ابْن كَامِل توفى عَشِيَّة الْأَحَد ليومين بقيا من شَوَّال سنة عشر وثلاثمائة وَدفن فى دَاره برحبة يَعْقُوب وَلم يُغير شَيْبه وَكَانَ السوَاد فى رَأسه ولحيته كثيرا وَكَانَ أسمر إِلَى الأدمة أعين نحيف الْجِسْم مديد الْقَامَة فصيحا وَاجْتمعَ عَلَيْهِ من لَا يُحْصِيه إِلَى الله تَعَالَى وَصلى على قَبره عدَّة شهور لَيْلًا وَنَهَارًا ورثاه خلق كثير من أهل الدّين وَالْأَدب من ذَلِك قَول أَبى سعيد بن الأعرابى (حدث مفظع وخطب جليل ... دق عَن مثله اصطبار الصبور) (قَامَ ناعى الْعُلُوم أجمع لما ... قَامَ ناعى مُحَمَّد بن جرير) وَقَول ابْن دُرَيْد (إِن الْمنية لم تتْلف بِهِ رجلا ... بل أتلفت علما للدّين مَنْصُوبًا) (كَانَ الزَّمَان بِهِ تصفو مشاربه ... والآن أصبح بالتكدير مقطوبا) (كلا وأيامه الغر الَّتِى جعلت ... للْعلم نورا وللتقوى محاريبا) عَجِيبَة تَتَضَمَّن مَسْأَلَة إِذا ادّعى المقضى عَلَيْهِ أَن القاضى حكم عَلَيْهِ بِشَهَادَة فاسقين قَالَ ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب فى بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة يجب على شَاهد الْفَرْع تَسْمِيَة شُهُود الأَصْل خلافًا لمُحَمد بن جرير الطبرى الذى أفهم كَلَام صَاحب الإشراف عِنْد الْكَلَام فى دَعْوَى المقضى عَلَيْهِ أَن القاضى قضى عَلَيْهِ بِشَهَادَة فاسقين أَنه من أَصْحَابنَا انْتهى وَهَذَا كَلَام عَجِيب يُوهم أَن ابْن جرير هَذَا غير ابْن جرير الإِمَام الْمَشْهُور صَاحب التَّرْجَمَة فَإِن فى هَذَا اللَّفْظ تجهيلا عَظِيما للمسمى بِهَذَا الِاسْم وَابْن جرير إِمَام شهير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 لَا يخفى حَاله على ابْن الرّفْعَة وَلَا من دونه وَإِنَّمَا قصد ابْن الرّفْعَة بِهَذَا الْكَلَام الْإِشَارَة إِلَى أَنه وَإِن كَانَ مُجْتَهدا مُطلقًا مَعْدُود من أَصْحَابنَا بِشَهَادَة صَاحب الإشراف فليلتحق قَوْله بِهَذَا بِالْمذهبِ ويعد وَجها فِيهِ وَهَذَا أَيْضا غير لَائِق بعلو قدر ابْن الرّفْعَة فَابْن جرير مَعْدُود من أَصْحَابنَا لَا يمترى أحد فى ذَلِك وَلَو عد عَاد ذكر ابْن الرّفْعَة لَهُ ولأقواله من أَصْحَابنَا لأكْثر الْمَعْدُود فَلَا طائل تَحت كَلَامه هَذَا بل هُوَ كَلَام موهم كَانَ السُّكُوت عَنهُ أجمل بقائله وَمَا حمله عَلَيْهِ إِلَّا كَثْرَة استحضاره لما بعد وَمَا قرب وَحَيْثُ ذكره فى المظنة فَاسْتَحْضرهُ من غير المظنة وَلَو أَنه قَالَ الذى اقْتضى كَلَام صَاحب الإشراف مُوَافقَة غَيره من أَصْحَابنَا لَهُ على مقَالَته فى عدم سَماع الدَّعْوَى على القاضى بِأَنَّهُ حكم بِشَهَادَة فاسقين لَكَانَ أحسن فَإِن مُوَافقَة غير ابْن جرير من أَصْحَابنَا لَهُ تؤكد عد قَوْله من الْمَذْهَب بِخِلَاف مَا إِذا لم يُوجد لَهُ مُوَافق فَإِن النّظر إِذْ ذَاك قد يتَوَقَّف فِي إِلْحَاق أَقْوَاله بِالْمذهبِ لِأَن المحمدين الْأَرْبَعَة ابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر وَإِن كَانُوا من أَصْحَابنَا فَرُبمَا ذَهَبُوا باجتهادهم الْمُطلق إِلَى مَذَاهِب خَارِجَة عَن الْمَذْهَب فَلَا نعد تِلْكَ الْمذَاهب من مَذْهَبنَا بل سَبِيلهَا سَبِيل من خَالف إِمَامه فى شئ من الْمُتَأَخِّرين أَو الْمُتَقَدِّمين وَإِنَّمَا قلت إِن صَاحب الإشراف ذكر مُوَافقَة غير ابْن جرير لَهُ على عدم الدَّعْوَى بِأَنَّهُ حكم بِشَهَادَة فاسقين لِأَن عبارَة الإشراف فصل إِذا ادّعى المقضى عَلَيْهِ أَن القاضى قضى عَلَيْهِ بِشَهَادَة فاسقين قَالَ مُحَمَّد بن جرير وَغَيره من أَصْحَابنَا لَا ينبغى أَن يفوق سهم هَذِه الدَّعْوَى نَحْو القاضى لِأَن فِيهِ تشنيعا عَلَيْهِ وَهُوَ مستغن عَن هَذَا التشنيع عَلَيْهِ بِأَن يُقيم الْبَيِّنَة على فسق الشُّهُود وَيُفَارق إِذا ادّعى على القاضى أَنه أَخذ مِنْهُ الرِّشْوَة وفسرها وهى مَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 مبذول ليصير الْحق بَاطِلا وَالْبَاطِل حَقًا لِأَنَّهُ أَمر خفى لَا يُمكنهُ إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ دون الادعاء على القاضى فَلَمَّا لم يكن مستغنيا عَن الادعاء عَلَيْهِ جَازَ لَهُ الادعاء ليصون القاضى مَاء وَجهه فَيرد المَال عَلَيْهِ وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا دَعْوَى الطعْن على الشُّهُود مسموعة على القَاضِي لِأَنَّهُ رُبمَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة على فسق الشُّهُود انْتهى وَحكى بعده الْوَجْهَيْنِ الْمَشْهُورين فى تَحْلِيفه إِذا أنكر فَإِن قلت الْوَجْهَانِ فى الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِشَهَادَة فاسقين مشهوران قلت كلا إِنَّمَا الْمَشْهُور الْوَجْهَانِ فى إِحْضَاره إِذا ادّعى عَلَيْهِ هَكَذَا أما أصل الدَّعْوَى فَقَالَ الرافعى إِنَّهُم متفقون على سماعهَا على الْجُمْلَة وَأنكر على الغزالى جعله الْوَجْهَيْنِ فى أصل الدَّعْوَى وَكَلَام ابْن جرير هَذَا صَرِيح فى أَن الدَّعْوَى لَا تسمع فَفِيهِ تأييد عَظِيم للغزالى لَا سِيمَا مَعَ اعتضاده بموافقة بعض الْأَصْحَاب بل غالبهم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ القاضى أَبُو سعد فَإِن فى قَوْله قَالَ ابْن جرير وَغَيره من أَصْحَابنَا مَعَ قَوْله فى مُقَابِله وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا مَا يعْطى أَن الجادة على قَول ابْن جرير على خلاف دَعْوَى الرافعى الِاتِّفَاق نعم مَحل ذَلِك فصل الدَّعْوَى على القاضى الْمَعْزُول من كتاب الْأَقْضِيَة لَا بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَقَول ابْن جرير لَا يشْتَرط تَسْمِيَة شُهُود الأَصْل هُوَ الْمُخْتَص بِبَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فَكَانَ طَرِيق ابْن الرّفْعَة إِن لم يجد لَهُ من خلص الْأَصْحَاب مُتَابعًا أَن يَقُول وَلَا متابع لَهُ لكنه من أَصْحَابنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 123 - مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أَحْمد بن عِيسَى أَبُو عبد الله ابْن بنت عبد الله ابْن أَبى القاضى من عُلَمَاء خوارزم من بَيت الْعلم والزهد قَالَ صَاحب الكافى كَانَ رجلا حَلِيمًا وقورا فَاضلا رَحل فى طلب الْعلم إِلَى الْعرَاق وتفقه على أَبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج فِيمَا أَظن وَسمع الحَدِيث بهَا من مُحَمَّد بن جرير الطبرى تكلم يَوْمًا فى مَسْأَلَة مَعَ سعيد بن أَبى القاضى فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله لم يَأن لَك بعد قَالَ فَدخلت الْمنزل فأقمت فِيهِ سِتَّة أشهر حَتَّى استظهرت كتاب المزنى ثمَّ تَكَلَّمت فَقَالَ لى سعيد إيها الْآن توفى فى ربيع الآخر سنة ثَمَان عشرَة وثلاثمائة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قيل لَهُ الرجل السعيد فى دُنْيَاهُ يتَمَنَّى الْوَلَد وَلَا يتمناه فى الْجنَّة فَقَالَ تمنى النَّاس أَوْلَادًا فى الدُّنْيَا لحبهم فِيهَا حَتَّى إِذا انقرضوا يبْقى لَهُم نعيمهم بِبَقَاء الْوَلَد وَقد أمنُوا الانقراض فى الْجنَّة الحديث: 123 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وَوَقع سُؤال فى زَمَانه عَن بيع التُّرَاب على الأَرْض المسبلة فَأفْتى عَامَّة الْفُقَهَاء بِالْمَنْعِ وَرفعت الْفتيا إِلَيْهِ فَقَالَ مَا زَاد فِيهَا بعد الْوَقْف يجوز بَيْعه فَانْتَهوا لذَلِك ووافقوه ذكر ذَلِك صَاحب الكافى فِي تَارِيخ خوارزم 124 - مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن خازم الخازمى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة والزاى الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر من أهل جرجان تفقه على أَبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج وروى عَنهُ وَعَن أَبى بكر عبد الله ابْن أَبى بكر ابْن خَيْثَمَة روى عَنهُ على بن أَحْمد بن مُوسَى الجرجانى وَغَيره ويحكى أَن أَبَا الْعَبَّاس ابْن سُرَيج قَالَ مَا عبر جسر النهروان أفقه من أَبى جَعْفَر ابْن خازم وَقد اختصر الذهبى فى تَرْجَمته جدا توفى سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة الحديث: 124 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 125 - مُحَمَّد بن حبَان بن أَحْمد بن حبَان بن معَاذ بن معبد أَبُو حَاتِم بن حبَان البستى التميمى الْحَافِظ الْجَلِيل الإِمَام صَاحب التصانيف الْأَنْوَاع والتقاسيم وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل والثقات وَغير ذَلِك سمع الْحُسَيْن بن إِدْرِيس الهروى وَأَبا خَليفَة والنسائى وَعمْرَان بن مُوسَى وَأَبا يعلى وَالْحسن بن سُفْيَان وَابْن خُزَيْمَة والسراج وخلائق لَا يُحصونَ كَثْرَة بخراسان وَالْعراق والحجاز وَالشَّام ومصر والجزيرة وَغَيرهَا من الأقاليم قَالَ فى كِتَابه التقاسيم والأنواع لَعَلَّنَا كتبنَا عَن ألف شيخ مَا بَين الشاش والإسكندرية روى عَنهُ الْحَاكِم وَمَنْصُور بن عبد الله الخالدى وَأَبُو معَاذ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن رزق السختيانى وَأَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن هَارُون الزوزنى وَمُحَمّد بن أَحْمد بن مَنْصُور النوقانى وَغَيرهم قَالَ أَبُو سعد الإدريسى كَانَ على قَضَاء سَمَرْقَنْد زَمَانا وَكَانَ من فُقَهَاء الدّين الحديث: 125 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 وحفاظ الْآثَار عَالما بالطب والنجوم وفنون الْعلم ألف الْمسند الصَّحِيح والتاريخ والضعفاء وَفقه النَّاس بسمرقند وَقَالَ الْحَاكِم كَانَ من أوعية الْعلم فى الْفِقْه واللغة والْحَدِيث والوعظ وَمن عقلاء الرِّجَال ثمَّ ذكر أَنه قدم نيسابور مرَّتَيْنِ ثمَّ ولى قَضَاء نسا ثمَّ قدم نيسابور ثَالِثَة وَبنى فِيهَا خانكاه وقرئت عَلَيْهِ جملَة من مصنفاته ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه سَمَرْقَنْد وَكَانَت الرحلة إِلَيْهِ لسَمَاع مصنفاته وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة نبيلا فهما وَقَالَ ابْن السمعانى كَانَ أَبُو حَاتِم إِمَام عصره رَحل فِيمَا بَين الشاش والإسكندرية توفى لَيْلَة الْجُمُعَة لثمان بَقينَ من شَوَّال سنة أَربع وَخمسين وثلاثمائة رَحمَه الله ذكر مَا رمى بِهِ أَبُو حَاتِم وتبيين الْحَال فِيهِ قدمنَا فى الطَّبَقَة الثَّانِيَة فى تَرْجَمَة أَحْمد بن صَالح المصرى أَن مِمَّا ينبغى أَن ينظر فِيهِ ويتفقد وَقت الْجرْح وَالتَّعْدِيل حَال العقائد فَإِنَّهُ بَاب مُهِمّ وَقع بِسَبَبِهِ كَلَام بعض الْأَئِمَّة فى بعض لمُخَالفَة العقيدة إِذا تذكرت ذَلِك فَاعْلَم أَن أَبَا إِسْمَاعِيل عبد الله بن مُحَمَّد الهروى الذى تسميه المجسمة شيخ الْإِسْلَام قَالَ سَأَلت يحيى بن عمار عَن ابْن حبَان قلت رَأَيْته قَالَ وَكَيف لم أره وَنحن أخرجناه من سجستان كَانَ لَهُ علم كثير وَلم يكن لَهُ كَبِير دين قدم علينا فَأنْكر الْحَد لله فأخرجناه من سجستان انْتهى قلت انْظُر مَا أَجْهَل هَذَا الْجَارِح وليت شعرى من الْمَجْرُوح مُثبت الْحَد لله أَو نافيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وَقد رَأَيْت لِلْحَافِظِ صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدى العلائى رَحمَه الله على هَذَا كلَاما جيدا أَحْبَبْت نَقله بعبارته قَالَ رَحمَه الله وَمن خطه نقلت يَا لله الْعجب من أَحَق بِالْإِخْرَاجِ والتبديع وَقلة الدّين وَهَذِه نخب وفوائد عَن الإِمَام أَبى حَاتِم ذكر فى صَحِيحه حَدِيث أنس فى الْوِصَال وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنى لست كأحدكم إنى أطْعم وأسقى) ثمَّ قَالَ فى هَذَا الْخَبَر دَلِيل على أَن الْأَخْبَار الَّتِى فِيهَا ذكر وضع النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحجر على بَطْنه كلهَا أباطيل وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا الحجز لَا الْحجر والحجز هُوَ طرف الْإِزَار إِذْ الله عز وَجل كَانَ يطعم رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويسقيه إِذا وَاصل فَكيف يتْركهُ جائعا مَعَ عدم الْوِصَال حَتَّى احْتَاجَ إِلَى شدّ الْحجر على بَطْنه وَمَا يغنى الْحجر عَن الْجُوع قلت فى هَذَا نظر وَقد أخرج ابْن حبَان قبل هَذَا بأوراق يسيرَة حَدِيث ابْن عَبَّاس خرج أَبُو بكر بالهاجرة ... الحَدِيث وَفِيه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (والذى نفسى بِيَدِهِ مَا أخرجنى إِلَّا الْجُوع) وفى الْجُوع أَحَادِيث كَثِيرَة والجوع لَا يقتضى نقصا بل فِيهِ رفْعَة لدرجاته الْعليا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجمع بَين ذَلِك وَقَضِيَّة الْوِصَال أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت لَهُ أَحْوَال بِحَسب مَا يختاره الله تَعَالَى لَهُ ويرتضيه فَتَارَة الْجُوع وَتارَة التقوية على الصَّوْم وكل حَال بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فى وَقتهَا أكمل وَأولى هَكَذَا كَانَ خطر لى والذى أَنا عَلَيْهِ الْآن أَنى لَا أدرى من حَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْجُوع شَيْئا والذى أعتقده أَنه كَانَ جوعا اختياريا لَا اضطراريا وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقدر على طرده عَن نَفسه إِمَّا بِأَن تَنْصَرِف عَنهُ شَهْوَة الطَّعَام وَالشرَاب مَعَ بَقَاء الْقُوَّة بِإِذن الله وَإِمَّا بتغذية الله الْمُغنيَة لَهُ عَن الطَّعَام وَالشرَاب وَإِمَّا بتناول الْغذَاء فقد كَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَادِرًا على ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وسماعى مَرَّات كثيرات من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله وَهُوَ معتقدى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن فَقِيرا قطّ وَلَا كَانَت حَالَته حَالَة الْفُقَرَاء بل كَانَ أغْنى النَّاس بِاللَّه وَكَانَ الله تَعَالَى قد كَفاهُ أَمر دُنْيَاهُ فى نَفسه وَعِيَاله ومعاشه وأحفظ أَن الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله أَقَامَ من مَجْلِسه من قَالَ كَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقِيرا قيَاما صعبا وَكَاد يَسْطُو بِهِ وَمَا نجاه مِنْهُ إِلَّا أَنه استتابه واستسلمه وَكَانَ رَحمَه الله يَقُول فى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ أحينى مِسْكينا) إِن المُرَاد بِهِ استكانة الْقلب لَا المسكنة الَّتِى هى أَن يجد مَا لَا يَقع موقعا من كِفَايَته وَذكر ذَلِك فى بَاب الْوَصِيَّة من شرح الْمِنْهَاج وسمعته مِنْهُ كَذَا كَذَا مَرَّات لَا أحصى لَهَا عددا وَكَانَ رَحمَه الله يشدد النكير على من يعْتَقد ذَلِك وَالْحق مَعَه رضى الله عَنهُ فَإِن من جَاءَت إِلَيْهِ مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض وَكَانَ قَادِرًا على تنَاول مَا فِيهَا كل لَحْظَة كَيفَ يُوصف بِالْعدمِ وَنحن لَو وجدنَا من مَعَه مَال جزيل فى صندوق من جَوَانِب بَيته لَو سمناه بسمة الْغناء المفرط مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ قد يسرق أَو تغتاله غوائل الزَّمَان فَيُصْبِح فَقِيرا فَكيف لَا يُسمى من خَزَائِن الأَرْض بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أقرب من الصندوق إِلَى صَاحب الْبَيْت وهى فى يَده بِحَيْثُ لَا تَتَغَيَّر بل هُوَ آمن عَلَيْهَا بِخِلَاف صَاحب الصندوق فَمَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقِيرا من المَال قطّ وَلَا مِسْكينا نعم كَانَ أعظم النَّاس جوارا إِلَى ربه وخضوعا لَهُ وأشدهم فى أظهار الافتقار إِلَيْهِ والتمسكن بَين يَدَيْهِ ذكر أَبُو حَاتِم حَدِيث قَوَائِم الْمِنْبَر رواتب فى الْجنَّة وَبَوَّبَ عَلَيْهِ برجاء نوال الْجنان بِالطَّاعَةِ عِنْد مِنْبَر الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحَدِيث مَا بَين بيتى ومنبرى رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَبَوَّبَ عَلَيْهِ رَجَاء نوال الْمَرْء بِالطَّاعَةِ رَوْضَة من رياض الْجنَّة إِذا أَتَى بهَا بَين الْقَبْر والمنبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 ثمَّ قَالَ حَاصله أَن الْخطاب فى هذَيْن الْخَبَرَيْنِ من بَاب إِطْلَاق الْمُسَبّب على السَّبَب وَالْمعْنَى أَن الْمُسلم يُرْجَى لَهُ الْجنَّة بتقربه عِنْد هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ وَهُوَ كَحَدِيث منبرى على حوضى لرجاء الْمَرْء نوال الشّرْب من الْحَوْض بِطَاعَتِهِ فى ذَلِك الْموضع وكحديث عَائِد الْمَرِيض فى مخرفة الْجنَّة وَحَدِيث الْجنَّة تَحت ظلال السيوف ونظائره كَثِيرَة أَشَارَ أَبُو حَاتِم إِلَى أَن حج الْمَرْء بامرأته لتقضى فَرِيضَة حَجهَا إِذا لم يكن لَهَا محرم غَيره أفضل من جِهَاد التَّطَوُّع وَذكر حَدِيث اكتتبت فى غزَاة كَذَا وَخرجت امرأتى حَاجَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اذْهَبْ فحج بامرأتك) وَأَشَارَ إِلَى أَنه يسْتَحبّ للملبى عِنْد التَّلْبِيَة إِدْخَال الأصبعين فى الْأُذُنَيْنِ لحَدِيث كَأَنَّمَا أنظر إِلَى مُوسَى وَاضِعا أصبعيه فى أُذُنَيْهِ لَهُ جوَار إِلَى الله بِالتَّلْبِيَةِ 126 - مُحَمَّد بن حسان بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو مَنْصُور الْفَقِيه القرشى ابْن الْأُسْتَاذ أَبى الْوَلِيد النيسابورى قَالَ الْحَاكِم كَانَ من أفقه أَصْحَاب أَبِيه الْأُسْتَاذ أَبى الْوَلِيد وَكَانَ يَصُوم صَوْم دَاوُد قَرِيبا من ثَلَاثِينَ سنة وَسمع الحَدِيث الْكثير وصنف كتابا فى الرَّد على كتاب الرياضة سمع أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَأَبا الْعَبَّاس الماسرجسى والمؤمل بن الْحسن وَغَيرهم وَاسْتشْهدَ وَذَاكَ أَنه كَانَ منصرفا من عيد الْأَضْحَى فرفسته دَابَّة فَوَقع فى بِئْر الحديث: 126 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 وَحمل إِلَى منزله وغشى عَلَيْهِ ثمَّ توفى غَدَاة يَوْم الْأَحَد آخر أَيَّام التَّشْرِيق من سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَدفن بِجنب أَبِيه كتب عَنهُ الْحَاكِم فى التَّارِيخ 127 - مُحَمَّد بن الْحسن بن إِبْرَاهِيم الشَّيْخ الإِمَام أَبُو عبد الله الختن الفارسى ثمَّ الإستراباذى أحد أَئِمَّة الْأَصْحَاب وَعرف بالختن لِأَنَّهُ كَانَ ختن الإِمَام أَبى بكر الإسماعيلى مولده سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة قَالَ الْحَاكِم أحد أَئِمَّة الشافعيين فى عصره وَكَانَ مقدما فى الْأَدَب ومعانى الْقُرْآن والقراءات وَمن الْعلمَاء المبرزين فى النّظر والجدل سمع أَبَا نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدى وأقرانه فى بَلَده وَورد نيسابور سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَأَقَامَ عندنَا إِلَى آخر سنة تسع وَسمع أَكثر كتب مَشَايِخنَا ثمَّ دخل أَصْبَهَان فَسمع مُسْند أبي دَاوُد من عبد الله بن جَعْفَر وَسمع من سَائِر الْمَشَايِخ بهَا وَدخل الْعرَاق بعد الْأَرْبَعين وَأكْثر وَكَانَ كثير السماع والرحلة قدم نيسابور سنة تسع وَسِتِّينَ وأقم مُدَّة وانتفع النَّاس بِعُلُومِهِ وَحدث وَحضر مجْلِس الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبى سهل قلت وَأكْثر الرِّوَايَة عَن الْأَصَم وَعبد الله بن فَارس وأبى بكر الشافعى وأبى الْقَاسِم الطبرانى ودعلج وَغَيرهم وَله شرح مَشْهُور على تَلْخِيص ابْن الْقَاص الحديث: 127 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَذكر الْحَاكِم أَنه جرت بَينه وَبَين الْأُسْتَاذ أَبى سهل مناظرة فَأَغْلَظ لَهُ الْأُسْتَاذ القَوْل فَخرج أَبُو عبد الله مستوحشا فَكتب إِلَيْهِ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل (أعيذ الْفَقِيه الْحر من سطوة السخط ... مصونا عَن الأنظار يجلبها الْغَلَط) (تضايق حَتَّى لَا يسوغ لَفْظَة ... وَيَعْتِبُ من لفظ يفور على اللَّغط) (أحاكمه فِيهِ إِلَيْهِ محكما ... وأسأله عفوا لنادرة السقط) (وَمهما غَدا وَجه الصَّوَاب حفاظه ... فَإِن سداد الرأى يلْزمه النمط) (ونشرى لمطوى خلاف إمامنا ... وطيى لمنشوروفاء بِمَا شَرط) (شددت على باغى الْفساد وَلم أدع ... عَلَيْهِ من الْحبّ الْيَسِير لمن لقط) (على رمد جَاءَ القريض مرمدا ... ورائقه بِالْبرِّ قد يحمل السفط) قَالَ الْحَاكِم فأنشدنى أَبُو عبد الله جَوَابه عَنْهَا (جفَاء جرى جَهرا لَدَى النَّاس وانبسط ... وَعذر أَتَى سرا فأكد مَا فرط) (مَتى طَالب الشَّيْخ الْفَقِيه بِحقِّهِ ... وضيع حَقًا لى عَلَيْهِ فقد قسط) (سبيلى إِذا ضايقته فى الْعُلُوم أَن ... يضايقنى فِيهَا وَلَا يركب الشطط) (وعدت أناديه الَّتِى خصنى بهَا ... فَلَا حاسب أحصى وَلَا كَاتب ضبط) (فَمن أجلهَا فى دَاره إِذْ حضرتها ... سَطَا واعتدى فى القَوْل وَالْفِعْل واحتلط) (فأى ملام يلْحق الْحر بعْدهَا ... إِذا هُوَ من جِيرَانه أبدا قنط) (هجرت اقتراض الشّعْر لما انْقَضى الصِّبَا ... وَلما رَأَيْت الشيب فى عارضى وَخط) (ولولاه لَا نثالت قواف محلهَا ... صُدُور ذوى الْآدَاب لَا فارغ السفط) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وَقَالَ حَمْزَة الجرجانى كَانَ أَبُو عبد الله الختن من الْفُقَهَاء الْمَذْكُورين فى عصره درس سِنِين كَثِيرَة وَتخرج بِهِ عدَّة من الْفُقَهَاء وَكَانَ لَهُ ورع وَله أَرْبَعَة أَوْلَاد أَبُو بشر الْفضل وَأَبُو النَّضر عبيد الله وَأَبُو عَمْرو عبد الرَّحْمَن وَأَبُو الْحسن عبد الْوَاسِع وَكَانَ لَهُ إملاء من سنة سبع وَسبعين إِلَى أَن توفى بجرجان يَوْم عيد الْأَضْحَى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 128 - مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد بن عتاهية الإِمَام أَبُو بكر الأزدى البصرى نزيل بَغْدَاد مولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وتنقل فى جزائر الْبَحْر وَفَارِس فى طلب اللُّغَة وَالْأَدب وَكَانَ أَبوهُ من رُؤَسَاء زَمَانه وَأما هُوَ فَكَانَ رَأْسا فى الْعَرَبيَّة وأشعار الْعَرَب الحديث: 128 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 حدث عَن أَبى حَاتِم السجستانى وأبى الْفضل الْعَبَّاس الرياشى وَابْن أخى الأصمعى وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو سعيد السيرافى وَأَبُو بكر بن شَاذان وَأَبُو الْفرج صَاحب الأغانى وَأَبُو الْعَبَّاس إِسْمَاعِيل بن ميكال وَغَيرهم قَالَ أَحْمد بن يُوسُف الْأَزْرَق مَا رَأَيْت أحفظ من ابْن دُرَيْد وَمَا رَأَيْته قرئَ عَلَيْهِ ديوَان قطّ إِلَّا وَهُوَ يسابق إِلَى رِوَايَته لحفظه لَهُ وَعَن أَبى بكر الأسدى قَالَ كَانَ يُقَال ابْن دُرَيْد أعلم الشُّعَرَاء وأشعر الْعلمَاء وَلابْن دُرَيْد قصيدة طنانة مدح بهَا الشافعى رضى الله عَنهُ أَولهَا (بملتفتيه للمشيب مطالع ... ذوائد عَن ورد التصابى روادع) (تصرفنه طوع الْعَنَان وَرُبمَا ... دَعَاهُ الصِّبَا فاقتاده وَهُوَ طائع) (وَمن لم يزعه لبه وحياؤه ... فَلَيْسَ لَهُ من شيب فوديه وازع) وَمِنْهَا (لرَأى ابْن إِدْرِيس ابْن عَم مُحَمَّد ... ضِيَاء إِذا مَا أظلم الْخطب صادع) (إِذا المعضلات المشكلات تشابهت ... سما مِنْهُ نور فى دجاهن سَاطِع) (أَبى الله إِلَّا رَفعه وعلوه ... وَلَيْسَ لما يعليه ذُو الْعَرْش وَاضع) وَمِنْهَا (سَلام على قبر تضمن جِسْمه ... وجادت عَلَيْهِ المدجنات الهوامع) (لقد غيبت أَكْفَانه شخص ماجد ... جليل إِذا الْتفت عَلَيْهِ المجامع) وَأما قصيدته الدريدية فقد سَارَتْ بهَا الركْبَان مدح بهَا عبد الله بن مُحَمَّد بن ميكال وَابْنه أَبَا الْعَبَّاس إِسْمَاعِيل وأخاه قَالَ الْحَاكِم فى تَرْجَمَة أَبى الْعَبَّاس إِسْمَاعِيل سَمِعت أَبَا مَنْصُور الْفَقِيه يَقُول كنت بِالْيمن سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَبينا أَنا ذَات يَوْم أَسِير بِمَدِينَة عدن إِذْ رَأَيْت مؤدبا يعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 مُسْتَأْجرًا لَهُ مَقْصُورَة ابْن دُرَيْد وَقد بلغ ذكر الميكالية فَقَالَ لى يَا خراسانى أَبُو الْعَبَّاس هَذَا لَهُ عنْدكُمْ عقب فَقلت هُوَ بِنَفسِهِ حى فتعجب من هَذَا أَشد الْعجب وَقَالَ أَنا أعلم هَذِه القصيدة مُنْذُ كَذَا سنة الإقواء فى الشّعْر قَالَ أَبُو سعيد السيرافى حضرت مجْلِس أَبى بكر بن دُرَيْد وَلم يكن يعرفنى قبل ذَلِك فَجَلَست فَأَنْشد أحد الْحَاضِرين بَيْتَيْنِ يعزيان لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام (تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمن عَلَيْهَا ... فوجة الأَرْض مغبر قَبِيح) (تغير كل ذى حسن وَطيب ... وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح) فَقَالَ ابْن دُرَيْد هَذَا الشّعْر قد قيل قَدِيما وَجَاء فِيهِ الإقواء قَالَ فَقلت إِن لَهُ وَجها يُخرجهُ عَن الإقواء نصب بشاشة وَحذف التَّنْوِين مِنْهَا لالتقاء الساكنين فَيكون بِهَذَا التَّقْدِير نكرَة منتصبة على التَّمْيِيز ثمَّ رفع الْوَجْه بِإِسْنَاد قل إِلَيْهِ فَيصير اللَّفْظ وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح قَالَ فرفعنى حَتَّى أقعدنى بجانبه قلت وَحَاصِله إِنْكَار الْجَرّ وَدَعوى نصب بشاشة على التَّمْيِيز وَأَن التَّنْوِين حذف مِنْهُ للضَّرُورَة وَأَن الْوَجْه مَرْفُوع بالفاعلية والمليح على الصّفة وَهَذَا جيد لَكِن فِيهِ دعاوى كَثِيرَة وَإِذا كَانَ الإقواء وَاقعا فى كَلَامهم وَالرِّوَايَة بِالْجَرِّ فَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّكْلِيف وَقد جَاءَ فى كَلَامهم (لَا مرْحَبًا بغد وَلَا أَهلا بِهِ ... إِذْ كَانَ ترحال الْأَحِبَّة فى غَد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 (زعم البوارح أَن رحلتنا غَدا ... وبذاك خبرنَا الْغُرَاب الْأسود) وَقَالَ عبد الله بن مُسلم بن جُنْدُب الهذلى من شعراء الإسلاميين (تَعَالَوْا أعينونى على اللَّيْل إِنَّه ... على كل عين لَا تنام طَوِيل) (وَلَا تخذلونى فى الْبكاء فإننى ... لكم عِنْد طول الْجهد غير خذول) ثمَّ قَالَ فِيهَا (فويلى وعولى فَرجوا بعض كربتى ... وَإِلَّا فإنى ميت بِقَلِيل) (فَإِن كَانَ هَذَا الشوق لابد لَازِما ... وَلَيْسَ لكم فِيهِ الْغَدَاة حويل) قَوْله حويل أى مَا أحتال فِيهِ وَقَالَ آخر (أحب أَبَا مَرْوَان من أجل تمره ... وَأعلم أَن الْيمن بِالْمَرْءِ أوفق) (وَوَاللَّه لَوْلَا تمره مَا حببته ... وَلَو كَانَ أدنى من سعيد ومشرق) وَأنْشد الْأَصْحَاب مِنْهُم ابْن الصّباغ فى الشَّامِل وَقد ذكرُوا مَا شاع عَن عبد الله ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا من تَجْوِيز نِكَاح الْمُتْعَة أَن شَاعِرًا فى عصره قَالَ (قَالَت وَقد طفت سبعا حول كعبتها ... يَا صَاح هَل لَك فى فَتْوَى ابْن عَبَّاس) (تَقول هَل لَك فى بَيْضَاء بهكنة ... تكون مثواك حَتَّى يصدر النَّاس) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 غير أَنى رَأَيْت أَبَا الْعَلَاء المعرى فى رسَالَته الَّتِى سَمَّاهَا رِسَالَة الغفران قد أنكر على ابْن دُرَيْد إنشاد هَذَا الشّعْر على وَجه الإقواء وَذكر أَن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة (وغودر فى الثرى الْوَجْه الْمليح ... ) قَالَ أَبُو الْعَلَاء وَالْوَجْه الذى قَالَه أَبُو سعيد فى تَخْرِيجه شَرّ من الإقواء عشر مَرَّات وَأطَال فى هَذَا وَحكى أَبُو مُحَمَّد بن جَعْفَر البلخى فى كِتَابه أَن أَبَا مُحَمَّد يحيى بن الْمُبَارك اليزيدى النحوى سَأَلَ الكسائى عَن قَول الشَّاعِر (مَا رَأينَا خربا نقر عَنهُ الْبيض صقر ... ) (لَا يكون العير مهْرا ... لَا يكون الْمهْر مهر) فَقَالَ الكسائى يجب أَن يكون الْمهْر مَنْصُوبًا على أَنه خبر كَانَ وفى الْبَيْت على هَذَا التَّقْدِير إقواء وَقَالَ اليزيدى بل الشّعْر صَوَاب لِأَن الْكَلَام قد تمّ عِنْد قَوْله لَا يكون الثَّانِيَة وهى مُؤَكدَة للأولى ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ الْمهْر مهر ثمَّ ضرب بقلنسوته الأَرْض وَقَالَ أَنا أَبُو مُحَمَّد وَكَانَ بِحَضْرَة الْخَلِيفَة فَقَالَ يحيى البرمكى أتكتنى بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالله إِن خطأ الكسائى مَعَ حسن أدبه لأحسن من صوابك مَعَ سوء أدبك فَقَالَ اليزيدى إِن حلاوة الظفر أذهبت عَنى التحفظ وَمِمَّا ينْسب لِابْنِ دُرَيْد من الشّعْر (فَنعم فَتى الجلى ومستنبط الندى ... وملجأ مكروب ومفزع لاهث) (غياث بن عَمْرو بن الحليت بن جَابر بن ... زيد بن مَنْصُور بن حَارِث) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 129 - مُحَمَّد بن الْحسن بن سُلَيْمَان أَبُو جَعْفَر الزوزنى البحاث أحد الْفُقَهَاء المبرزين قُضَاة الْمُسلمين تولى الْقَضَاء بنواحى خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَسَماهُ الْحَاكِم فى تَارِيخ نيسابور مُحَمَّد بن على بن عبد الله وَالصَّوَاب مَا أوردناه وَلم يزدْ شَيخنَا الذهبى على أَن قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو جَعْفَر الْفَقِيه الشافعى لَهُ تَرْجَمَة طَوِيلَة عِنْد ابْن الصّلاح انْتهى وَهَذَا القاضى كَانَ من أساطين الْعلم وَكَانَ من أَقْرَان الأودنى وَكَانَ يكون بَينهمَا من المنافرة فى المناظرة مَا يكون بَين الأقران وَذكر أَن مصنفاته فى التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وأنواع الْأَدَب تربو على الْمِائَة وَقدم أَبُو جَعْفَر البحاث على الصاحب بن عباد فارتضى تصرفه فى الْعلم وتفننه فى أَنْوَاع الْفضل وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء على شَرط انتحال مذْهبه يعْنى الاعتزال فَامْتنعَ وَقَالَ لَا أبيع الدّين بالدنيا فتمثل لَهُ الصاحب بقول الْقَائِل (فَلَا تجعلنى للْقَضَاء فريسة ... فَإِن قُضَاة الْعَالمين لصوص) (مجَالِسهمْ فِينَا مجَالِس شرطة ... وأيديهم دون الشصوص شصوص) فَأَجَازَهُ البحاث بديهة بقوله (سوى عصبَة مِنْهُم تخص بعفة ... وَللَّه فى حكم الْعُمُوم خُصُوص) (خصوصهم زَان الْبِلَاد وَإِنَّمَا ... يزين خَوَاتِيم الْمُلُوك فصوص) الحديث: 129 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 والقاضى أَبُو جَعْفَر هَذَا هُوَ جد القاضى أَبى جَعْفَر مُحَمَّد بن إِسْحَاق البحاثى الأديب شيخ الباخرزى صَاحب دمية الْقصر وَكِلَاهُمَا أديب وَكَانَ القاضى أَبُو جَعْفَر الْكَبِير صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة مَعَ علو مرتبته فى الْعلم يحب منصب الْقَضَاء وَمن شعره قصيدة قَالَهَا فى الشَّيْخ العميد أَبى على مُحَمَّد بن عِيسَى يخْطب قَضَاء مَدِينَة فرغانة ويصف الرّبيع (اكتست الأَرْض وهى عُرْيَانَة ... من نشر نور الرّبيع ألوانه) (واتزرت بالنبات وانتشرت ... حِين سَقَاهَا السَّحَاب ألبانه) (فالروض يختال فى ملابسه ... مرتديا ورده وَرَيْحَانَة) (تضاحكت بعد طول عبستها ... ضحك عَجُوز تعود بهتانه) (كم سَائل لح فى مسائلتى ... عَن حالتى قلت وهى وسنانه) (قلب كسير فَمن يجْبرهُ ... قَالَ نرى من يحب جِيرَانه) (سوى الْوَزير الذى يلوذ بِهِ ... يخْدم برد الْغَدَاة إيوانه) (قلت مَتى قَالَ قد أَتَى فَدَنَا ... مفتتح الْعَام كَانَ إبانه) (فَقلت مَاذَا الذى تؤمله ... فَقَالَ أبشر قَضَاء فرغانه) وَمن شعره قَالَ الباخرزى وَهُوَ أبلغ مَا سَمِعت مِنْهُ (إِن الخزائن للملوك ذخائر ... وَلَك الْمَوَدَّة فى الْقُلُوب ذخائر) (أَنْت الزَّمَان فَإِن رضيت فخصبه ... وَإِذا غضِبت فجدبة المتعاسر) (فَإِذا رضيت فَكل شئ نَافِع ... وَإِذا غضِبت فَكل شئ ضائر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 وشعره كثير وَكَذَلِكَ شعر حفيده أَبى جَعْفَر قَالَ الْحَاكِم توفى ببخارى سنة سبعين وثلاثمائة أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الدمشقى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع عَن يُوسُف بن مُحَمَّد بن المهتار عَن الْعَلامَة أَبى عَمْرو ابْن الصّلاح قَالَ أنبئت عَن أَبى سعد ابْن السمعانى قلت وَأذن لى أَبُو عبد الله الْحَافِظ فى طَائِفَة عَن أَبى الْفضل بن عَسَاكِر عَن أَبى المظفر السمعانى عَن أَبِيه ... 130 - مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن زِيَاد بن هَارُون بن جَعْفَر بن سَنَد أَبُو بكر النقاش الموصلى ثمَّ البغدادى الإِمَام فى الْقرَاءَات وَالتَّفْسِير وَكثير من الْعُلُوم ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وعنى بالقراءات من صغره فَقَرَأَ على جمَاعَة وَطَاف فى الْأَمْصَار وجال فى الْبِلَاد وَحدث عَن أَبى مُسلم الكجى وَإِسْحَاق بن سِنِين الختلى وَمُحَمّد بن على الصَّائِغ وَالْحسن بن سُفْيَان وَغَيرهم الحديث: 130 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 روى عَنهُ ابْن مُجَاهِد وَهُوَ من شُيُوخه وجعفر الخلدى وَابْن شاهين وَأَبُو أَحْمد الفرضى وَأَبُو على ابْن شَاذان وَغَيرهم وَمن تصانيفه كتاب شِفَاء الصُّدُور فى التَّفْسِير وَفِيه مَوْضُوعَات كَثِيرَة وثقة أَبُو عَمْرو الدانى وَقَبله وزكاه وَضَعفه قوم مَعَ الِاتِّفَاق على جلالته فى الْعلم ولنذكر أَحَادِيث مِمَّا كَانَت سَبَب الْكَلَام فِيهِ فَمِنْهَا أَنه قَالَ حَدثنَا أَبُو غَالب ابْن بنت مُعَاوِيَة بن عَمْرو واسْمه على بن أَحْمد حَدثنَا جدى مُعَاوِيَة عَن زَائِدَة عَن لَيْث عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله لَا يقبل دُعَاء حبيب على حَبِيبه) قَالَ الدارقطنى أنْكرت هَذَا على النقاش وَقلت لَهُ إِن أَبَا غَالب لَيْسَ بِابْن بنت مُعَاوِيَة وَإِنَّمَا أَخُوهُ لِأَبِيهِ مُحَمَّد هُوَ ابْن بنت مُعَاوِيَة وَمُعَاوِيَة وزائدة ثقتان وَهَذَا حَدِيث مَوْضُوع فَرجع عَنهُ قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب لَا أعرف وجة قَول الدارقطنى فى أَبى غَالب أَنه لَيْسَ بِابْن بنت مُعَاوِيَة لِأَن أَبَا غَالب يذكر أَن مُعَاوِيَة جده وَقد رَوَاهُ أَبُو على الكوكبى عَن أَبى غَالب عَن جده مُعَاوِيَة بن عَمْرو فَذكره قلت فَلَيْسَ فِيهِ مَا يقتضى جرحا فى أَبى بكر النقاش وَللَّه الْحَمد وَمِنْهَا قَالَ النقاش حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد المدينى حَدثنَا إِدْرِيس بن عِيسَى الْقطَّان عَن شيخ لَهُ ثِقَة عَن الثورى عَن قَابُوس بن أَبى ظبْيَان عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 131 - مُحَمَّد بن الْحسن الطبرى أَبُو جَعْفَر الْفَقِيه قَالَ حَمْزَة السهمى إِنَّه كَانَ فَقِيها يُفْتى على مَذْهَب الشافعى وَإنَّهُ توفى سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة 132 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن عَاصِم بن عبد الله الآبرى أَبُو الْحُسَيْن السجستانى مُصَنف كتاب مَنَاقِب الشافعى وآبر من قرى سجستان وَكتابه هَذَا المناقب من أحسن مَا صنف فى هَذَا النَّوْع وَأَكْثَره أبوابا فَإِنَّهُ رتبه على خَمْسَة وَسبعين بَابا فَلَا أَكثر أبوابا مِنْهُ إِلَّا كتاب القراب فَإِن أَبْوَاب تنيف على الْمِائَة وللآبرى فى طلب الحَدِيث رحْلَة وَاسِعَة سمع أَبَا الْعَبَّاس السراج وَابْن خُزَيْمَة وَأَبا عروية الحرانى وزكرياء بن أَحْمد البلخى ومكحولا الْبَيْرُوتِي وَآخَرين روى عَنهُ على بن بشرى وَيحيى بن عمار السجستانيان وَغَيرهمَا وَمن عَجِيب مَا رَأَيْت فى كِتَابه مَنَاقِب الشافعى أَنه عد بشرا المريسى فى أَصْحَاب الحديث: 131 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 الشافعى وَلَيْسَ بشر من أَصْحَاب الشافعى بل من أعدائه لِأَنَّهُ لم يتبعهُ على رَأْيه بل خَالف وعاند وَقد قَالَ هُوَ أعنى الآبرى فى هَذَا الْكتاب إِنَّه من أهل الْإِلْحَاد وروى فِي كِتَابه أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا سُئِلَ عَن سَبَب تَسْمِيَة قُرَيْش قُريْشًا فَقَالَ قُرَيْش حوت فى الْبَحْر يغلب الْحيتَان ويقهرهم وَهُوَ أكبر دَوَاب الْبَحْر ويصطاد الْحيتَان وَسَائِر دَوَاب الْبَحْر فيأكلها فَلذَلِك سميت قُرَيْش قُريْشًا لِأَنَّهَا أغلب النَّاس وأشجعهم قلت وَيُقَال إِن فى الْبَحْر شَيْئا يُقَال لَهُ القرش يفترس الآدمى وَقد تَكَلَّمت على حل أكله فى كتابى التوشيح فَلَعَلَّ اسْمه قُرَيْش وَهُوَ هَذَا وَإِنَّمَا غَلطت الْعَامَّة فَقَالَت لَهُ القرش وفى هَذِه المناقب أَيْضا أَن حَرْمَلَة قَالَ سَمِعت الشافعى رضى الله عَنهُ يَقُول من زعم من أهل الْعَدَالَة أَنه يرى الْجِنّ أبطلنا شَهَادَته لقَوْله تَعَالَى {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} إِلَّا أَن يكون الزاعم نَبيا توفى الآبرى فى شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة 133 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن دَاوُد بن على بن الْحُسَيْن بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم ابْن الْحسن بن زيد بن الْحسن بن على بن أَبى طَالب السَّيِّد أَبُو الْحسن بن أَبى عبد الله الْحسنى النَّقِيب جد النُّقَبَاء بنيسابور رضى الله عَنهُ وَعَن أسلافه كَذَا سَاق نسبه الْحَاكِم وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ شيخ الشّرف فى عصره ذُو الهمة الْعَالِيَة وَالْعِبَادَة الظَّاهِرَة والسجايا الطاهرة الحديث: 133 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 قَالَ وَكَانَ يسْأَل التحديث فيأبى ثمَّ أجَاب آخرا وَعقد لَهُ الْحَاكِم مجْلِس الْإِمْلَاء وانتقى عَلَيْهِ ألف حَدِيث فَحدث قَالَ وَكَانَ يعد فى مجالسه ألف محبرة توفى رَحمَه الله فَجْأَة 134 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الله أَبُو بكر الأجرى الْفَقِيه الْمُحدث صَاحب المصنفات مِنْهَا الْأَرْبَعُونَ فى الحَدِيث وَقعت لنا بِإِسْنَاد عَال سمع أَبَا مُسلم الكجى وَأَبا شُعَيْب الحرانى وجعفر بن مُحَمَّد الفريابى وَأحمد بن يحيى الحلوانى وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو الْحسن الحمامى وَأَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان والحافظ أَبُو نعيم الأصبهانى وَغَيرهم وَكَانَ مُقيما بِمَكَّة شرفها الله وَبهَا توفى بالمحرم سنة سِتِّينَ وثلاثمائة قَالَ ابْن خلكان أخبرنى بعض أهل الْعلم أَنه لما دخل مَكَّة أَعْجَبته فَقَالَ اللَّهُمَّ ارزقنى الْإِقَامَة بهَا سنة فَسمع هاتفا يَقُول بل ثَلَاثِينَ سنة فَعَاشَ بعد ذَلِك ثَلَاثِينَ سنة 135 - مُحَمَّد بن خَفِيف بن إسفكشاد الشيرازى الشَّيْخ أَبُو عبد الله بن خَفِيف شيخ الْمَشَايِخ وَذُو الْقدَم الراسخ فى الْعلم وَالدّين كَانَ سيدا جَلِيلًا وإماما حفيلا الحديث: 134 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 يستمطر الْغَيْث بدعائه ويؤوب الْمصر بِكَلَامِهِ من أعلم الْمَشَايِخ بعلوم الظَّاهِر وَمِمَّنْ اتَّفقُوا على عَظِيم تمسكه بِالْكتاب وَالسّنة وَكَانَت لَهُ أسفار وبدايات وأحوال عاليات ورياضات لقى من النساك شُيُوخًا وَمن السلاك طوائف رسخ قدمهم فى الطَّرِيق رسوخا وَصَحب من أَرْبَاب الْأَحْوَال أحبارا وأخيارا وَشرب من منهل الطَّرِيق كاسات كبارًا وسافر مشرقا ومغربا وصابر النَّفس حَتَّى انقادت لَهُ فَأصْبح مبْنى الثَّنَاء عَلَيْهَا معربا صَبر على الطَّاعَة لَا يعصيه فِيهِ قلبه واستمرار على المراقبة شهيده عَلَيْهِ ربه وجنب لَا يدرى الْقَرار وَنَفس لَا تعرف المأوى إِلَّا الْبَيْدَاء وَلَا الْمسكن إِلَّا القفار كَانَ ابْن خَفِيف من أَوْلَاد الْأُمَرَاء فتزهد حَتَّى قَالَ كنت أذهب وَأجْمع الْخرق من الْمَزَابِل وأغسله وَأصْلح مِنْهُ مَا ألبسهُ حدث عَن حَمَّاد بن مدرك والنعمان بن أَحْمد الواسطى وَمُحَمّد بن جَعْفَر التمار وَالْحُسَيْن المحاملى وَجَمَاعَة وَصَحب رويما والجريرى وطاهر المقدسى وَأَبا الْعَبَّاس بن عَطاء ولقى الْحُسَيْن بن مَنْصُور وروى عَنهُ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن جَعْفَر الخزاعى وَالْحُسَيْن بن حَفْص الأندلسى وَمُحَمّد بن عبد الله بن باكويه والقاضى أَبُو بكر بن الباقلانى شيخ الأشعرية وَطَائِفَة رَحل ابْن خَفِيف إِلَى الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى وَأخذ عَنهُ وَهُوَ من أَعْيَان تلامذته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 قَالَ الْحَافِظ أَبُو نعيم كَانَ شيخ الْوَقْت حَالا وعلما قَالَ وَهُوَ الْخَفِيف الظريف لَهُ الْفُصُول فى الْأُصُول والتحقق والتثبت فى الْوُصُول وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس النسوي بلغ مَا لم يبلغهُ أحد من الْخلق فى الْعلم والجاه عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَصَارَ أوحد زَمَانه مَقْصُودا من الْآفَاق مُفِيدا فى كل نوع من الْعُلُوم مُبَارَكًا على من يَقْصِدهُ رَفِيقًا بمريديه يبلغ كَلَامه مُرَاده وصنف من الْكتب مَا لم يصنفه أحد وَعمر حَتَّى عَم نَفعه وَحكى عَنهُ أَنه قَالَ كنت فى ابتدائي بقيت أَرْبَعِينَ شهرا أفطر كل لَيْلَة بكف باقلا فمضيت يَوْمًا وافتصدت فَخرج من عرقى شَبيه مَاء اللَّحْم وغشى على فتحير الفصاد وَقَالَ مَا رَأَيْت جسدا بِلَا دم إِلَّا هَذَا وروى عَنهُ أَنه قَالَ مَا سَمِعت شَيْئا من سنَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا استعملته حَتَّى الصَّلَاة على أَطْرَاف الْأَصَابِع وَأَنه ضعف فى آخر عمره عَن الْقيام فى النَّوَافِل فَجعل بدل كل رَكْعَة من أوراده رَكْعَتَيْنِ قَاعِدا للْخَبَر (صَلَاة الْقَاعِد على النّصْف من صَلَاة الْقَائِم) وَقَالَ مرّة مَا وَجَبت على زَكَاة الْفطر أَرْبَعِينَ سنة مَعَ مالى من الْقبُول الْعَظِيم بَين الْخَاص وَالْعَام وَعنهُ رُبمَا كنت أَقرَأ فى ابْتِدَاء عمرى الْقُرْآن كُله فى رَكْعَة وَاحِدَة وَرُبمَا كنت أصلى من الْغَدَاة إِلَى الْعَصْر ألف رَكْعَة وَعنهُ وَسُئِلَ عَن فَقير يجوع ثَلَاثَة أَيَّام فَيخرج وَيسْأل بعد ذَلِك مِقْدَار كِفَايَته أيش يُقَال لَهُ فَقَالَ يُقَال لَهُ مكد ثمَّ قَالَ كلوا واسكتوا فَلَو دخل فَقير فى هَذَا الْبَاب لفضحكم وَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يخرج إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة يفرق كل مَا عِنْده من ذهب وَفِضة وَغير ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 وَيخرج فى كل سنة جَمِيع مَا عِنْده وَيخرج من الثِّيَاب حَتَّى لَا يبْقى عِنْده مَا يخرج بِهِ إِلَى النَّاس وَقَالَ بعض أَصْحَابه أمرنى ابْن خَفِيف أَن أقدم كل لَيْلَة إِلَيْهِ عشر حبات زبيب لإفطاره قَالَ فَأَشْفَقت عَلَيْهِ لَيْلَة فجعلتها خمس عشرَة حَبَّة فَنظر إِلَى وَقَالَ من أَمرك بِهَذَا وَأكل مِنْهَا عشر حبات وَترك الباقى وَقَالَ ابْن خَفِيف سَمِعت أَبَا بكر الكتانى يَقُول سرت أَنا وَأَبُو الْعَبَّاس ابْن المهتدى وَأَبُو سعيد الخراز فى بعض السنين وضللنا عَن الطَّرِيق والتقينا بحيرة فَبينا نَحن كَذَلِك إِذا بشاب قد أقبل وفى يَده محبرة وعَلى عُنُقه مخلاة فِيهَا كتب فَقُلْنَا لَهُ يَا فَتى كَيفَ الطَّرِيق فَقَالَ لنا الطَّرِيق طَرِيقَانِ فَمَا أَنْتُم عَلَيْهِ فطريق الْعَامَّة وَمَا أَنا عَلَيْهِ فطريق الْخَاصَّة وَوضع رجله فى الْبَحْر وعبره وَحكى عَن ابْن خَفِيف قَالَ دخلت بَغْدَاد قَاصِدا لِلْحَجِّ وفى رأسى نخوة الصُّوفِيَّة وَلم آكل أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلم أَدخل على الْجُنَيْد وَخرجت وَلم أشْرب وَكنت على طهارتى فَرَأَيْت ظَبْيًا فى الْبَريَّة على رَأس بِئْر وَهُوَ يشرب وَكنت عطشان فَلَمَّا دَنَوْت من الْبِئْر ولى الظبى وَإِذا المَاء فى أَسْفَل الْبِئْر فمشيت وَقلت يَا سيدى مالى عنْدك مَحل هَذَا الظبى فَسمِعت من خلفى يَقُول جربناك فَلم تصبر ارْجع فَخذ المَاء إِن الظبى جَاءَ بِلَا ركوة وَلَا حَبل وَأَنت جِئْت مَعَ الركوة وَالْحَبل فَرَجَعت فَإِذا الْبِئْر ملآن فملأت ركوتى وَكنت أشْرب مِنْهَا وأتطهر إِلَى الْمَدِينَة وَلم ينْفد المَاء فَلَمَّا رجعت من الْحَج دخلت الْجَامِع فَلَمَّا وَقع بصر الْجُنَيْد على قَالَ لَو صبرت لنبع المَاء من تَحت قدمك لَو صبرت سَاعَة قلت قَوْله نخوة الصُّوفِيَّة يعْنى شدَّة المجاهدة والذى يَقع لى فى هَذِه الْحِكَايَة أَنَّهَا منبهة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 لَهُ من الله على الْأَخْذ فى طَرِيق التَّوَكُّل وَطرح الْأَسْبَاب وَهَذَا يَقع كثيرا لأرباب العنايات من الله تَعَالَى فى أثْنَاء المجاهدات يقيض الله تَعَالَى لَهُم منبها من صَوت يسمع أَو إِشَارَة تحس أَو أنحاء ذَلِك يدلهم على مُرَاد الله تَعَالَى مِنْهُم أَو غير ذَلِك عناية بهم فقيض الله تَعَالَى هَذَا الظبى منبها لَهُ ثمَّ أكده بِكَلَام الْجُنَيْد لَهُ آخرا عِنْد عوده من الْحَج وَكَذَلِكَ أَقُول فى الْحِكَايَة قبلهَا إِن ذَاك الشَّاب قد يكون قدره الله تَعَالَى ذَلِك الْوَقْت اعتناء بِابْن خَفِيف ورفيقيه لِئَلَّا تعظم أنفسهم عَلَيْهِ فَأحب الله تَعَالَى أَن يعرفهُمْ أَن فى عباده شَابًّا وصل إِلَى مَا لم يصلوا إِلَيْهِ وَهُوَ رَآهُمْ على طَرِيق الْعَامَّة وَهَذَا من الْعِنَايَة بهم وَكَذَا أَقُول فى الْحِكَايَة الَّتِى قدمتها فى تَرْجَمَة الْجُنَيْد فى شَأْنه مَعَ تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِى أنشدته (لَوْلَا التقى لم ترنى ... أَهجر طيب الوسن) وَحكى أَن أَبَا عبد الله بن خَفِيف نَاظر بعض البراهمة فَقَالَ لَهُ البرهمى إِن كَانَ دينك حَقًا فتعال أَصْبِر أَنا وَأَنت عَن الطَّعَام أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَجَابَهُ ابْن خَفِيف فعجز البرهمى عَن إِكْمَال الْمدَّة الْمَذْكُورَة وأكملها ابْن خَفِيف وَهُوَ طيب مسرور وَأَن برهميا آخر ناظره ثمَّ دَعَاهُ إِلَى الْمكْث مَعَه تَحت المَاء مُدَّة فَمَاتَ البرهمى قبل انْتِهَاء الْمدَّة وصبر الشَّيْخ إِلَى أَن انْتَهَت وَخرج سالما لم يظْهر عَلَيْهِ تغير وَعَن ابْن خَفِيف خرجت من مصر أُرِيد الرملة للقاء أَبى على الروذبارى فَقَالَ لى عِيسَى بن يُوسُف المصرى المغربى الزَّاهِد إِن شَابًّا وكهلا قد اجْتمعَا على حَال المراقبة فَلَو نظرت إِلَيْهِمَا لَعَلَّك تستفيد مِنْهُمَا فَدخلت إِلَى صور وَأَنا جَائِع عطشان وفى وسطى خرقَة وَلَيْسَ على كتفى شئ فَدخلت الْمَسْجِد فَإِذا اثْنَان مُسْتَقْبلا الْقبْلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 عَلَيْهِمَا فَمَا أجابانى فَسلمت ثَانِيًا وثالثا فَلم أسمع الْجَواب فَقلت ناشدتكما الله إِلَّا رددتما على السَّلَام فَرفع الشَّاب رَأسه من مرقعته فَنظر إِلَى ورد السَّلَام وَقَالَ لى يَا ابْن خَفِيف الدُّنْيَا قَلِيل وَمَا بقى من الْقَلِيل إِلَّا الْقَلِيل فَخذ من الْقَلِيل الْكثير يَا ابْن خَفِيف مَا أقل شغلك حَتَّى تفرغت إِلَى لقائنا فَأخذ كليتى فَنظر إِلَى وطأطأ رَأسه فى الْمَكَان فَبَقيت عِنْده حَتَّى صلينَا الظّهْر وَالْعصر فَذهب جوعى وعطشى ونصبى فَلَمَّا كَانَ وَقت الْعَصْر قلت لَهُ عظنى فَقَالَ يَا ابْن خَفِيف نَحن أَصْحَاب المصائب لَيْسَ لنا لِسَان لعظة فَبَقيت عِنْدهمَا ثَلَاثَة أَيَّام لَا آكل وَلَا أشْرب وَلَا أَنَام وَلَا رأيتهما أكلا وَلَا شربا وَلَا نَامَا فَلَمَّا كَانَ فى الْيَوْم الثَّالِث قلت فى سرى أحلفهما أَن يعظانى لعلى أنتفع بعظتهما فَرفع الشَّاب رَأسه فَقَالَ لى يَا ابْن خَفِيف عَلَيْك بِصُحْبَة من تذكرك الله تَعَالَى رُؤْيَته وَتَقَع هيبته على قَلْبك فيعظك بِلِسَان قَوْله وَالسَّلَام قُم عَنَّا وَعَن ابْن خَفِيف قدم علينا بعض أَصْحَابنَا فاعتل بعلة الْبَطن فَكنت أخدمه وآخذ مِنْهُ الطست طول اللَّيْل فغفوت مرّة فَقَالَ لى نمت لعنك الله فَقيل لَهُ كَيفَ وجدت نَفسك عِنْد قَوْله لعنك الله قَالَ كَقَوْلِه رَحِمك الله وَعَن ابْن خَفِيف أَنه كَانَ بِهِ وجع الخاصرة فَكَانَ إِذا أَخذه أقعده عَن الْحَرَكَة فَكَانَ إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة يحمل على الظّهْر إِلَى الْمَسْجِد فَقيل لَهُ لَو خففت عَن نَفسك قَالَ إِذا سَمِعْتُمْ حى على الصَّلَاة وَلم ترونى فى الصَّفّ فاطلبونى فى الْمَقَابِر وَعَن ابْن خَفِيف تهت فى الْبَادِيَة فَمَا رجعت حَتَّى سقط لى ثَمَانِيَة أَسْنَان وانتثر شعرى ثمَّ وَقعت إِلَى فيد وأقمت بهَا حَتَّى تماثلت وصححت ثمَّ زرت الْقُدس فَنمت إِلَى جَانب دكان صباغ وَبَات معى فى الْمَسْجِد رجل بِهِ قيام فَكَانَ يدْخل وَيخرج إِلَى الصَّباح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 فَلَمَّا أَصْبَحْنَا صَاح النَّاس وَقَالَ نقب دكان الصّباغ وسرقت فجرونى وضربونى وَقَالُوا تكلم فاعتقدت التَّسْلِيم فَكَانُوا يغتاظون من سكوتى فحملونى إِلَى دكان الصّباغ وَكَانَ أثر رجل اللص فى الرماد فَقَالُوا ضع رجلك فِيهِ فَوضعت فَكَانَ على قدر رجلى فَزَادَهُم غيظا وَجَاء الْأَمِير وَنصب الْقدر وفيهَا الزَّيْت يغلى وأحضرت السكين وَمن يقطع الْيَد فَرَجَعت إِلَى نفسى فَإِذا هى سَاكِنة فَقلت إِن أَرَادوا قطع يدى سَأَلتهمْ أَن يعفوا يمينى لأكتب بهَا فبقى الْأَمِير يهددنى ويصول فَنَظَرت إِلَيْهِ فعرفته وَكَانَ مَمْلُوكا لوالدى فكلمنى بِالْعَرَبِيَّةِ وكلمته بِالْفَارِسِيَّةِ فَنظر إِلَى وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن وَكنت أكنى بهَا فى صباى فَضَحكت فعرفنى فَأخذ يلطم رَأسه وَوَجهه واشتغل النَّاس بِهِ وَإِذا بضجة عَظِيمَة وَأَن اللص قد مسك ثمَّ أَخذ الْأَمِير يُبَالغ فى الِاعْتِذَار وجهدنى أَن أقبل شَيْئا فأبيت وهربت توفى ابْن خَفِيف لَيْلَة ثَالِث رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسبعين وثلاثمائة وازدحم الْخلق على جنَازَته وَكَانَ أمرا عَظِيما وَصلى عَلَيْهِ نَحوا من مائَة مرّة وَقيل إِنَّه عَاشَ مائَة سنة وَأَرْبع سِنِين وَقيل مائَة إِلَّا خمس سِنِين وَلَعَلَّه الْأَصَح وَمن كَلِمَاته والفوائد والمحاسن عَنهُ قَالَ التَّقْوَى مجانبة مَا يبعدك من الله وَقَالَ التَّوَكُّل الِاكْتِفَاء بضمانه وَإِسْقَاط التُّهْمَة عَن قَضَائِهِ وَقَالَ لَيْسَ شئ أضرّ بالمريد من مُسَامَحَة النَّفس فى ركُوب الرُّخص وَقبُول التأويلات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وَقَالَ الْيَقِين تحقق الْأَسْرَار بِأَحْكَام المغيبات وَقَالَ الْمُشَاهدَة اطلَاع الْقلب بصفاء الْيَقِين إِلَى مَا أخبر الْحق عَن الْغَيْب وَقَالَ السكر غليان الْقلب عِنْد معارضات ذكر المحبوب وَقَالَ الزّهْد الْبرم بالدنيا وَوُجُود الرَّاحَة فى الْخُرُوج مِنْهَا وَقَالَ الْقرب طى المسافات بلطيف المداناة وَقَالَ مرّة أُخْرَى وَسُئِلَ عَن الْقرب قربك مِنْهُ بملازمة الموافقات وقربه مِنْك بدوام التَّوْفِيق وَقَالَ الوصلة من اتَّصل بمحبوبه عَن كل شئ وَغَابَ عَن كل شئ سواهُ وَقَالَ الدنف من احْتَرَقَ فى الأشجان وَمنع من بَث الشكوى وَقَالَ الانبساط الاحتشام عِنْد السُّؤَال وَدخل عَلَيْهِ فَقير فَشكى إِلَيْهِ أَن بِهِ وَسْوَسَة فَقَالَ عهدى بالصوفية يسخرون من الشَّيْطَان فَالْآن الشَّيْطَان يسخر بهم وَقيل لَهُ مَتى يَصح للْعَبد الْعُبُودِيَّة فَقَالَ إِذا طرح كُله على مَوْلَاهُ وصبر مَعَه على بلواه وَسُئِلَ عَن إقبال الْحق على العَبْد فَقَالَ علامته إدبار الدُّنْيَا عَن العَبْد وَسُئِلَ عَن الذّكر فَقَالَ الْمَذْكُور وَاحِد وَالذكر مُخْتَلف وَمحل قُلُوب الذَّاكِرِينَ مُتَفَاوِتَة وأصل الذّكر إِجَابَة الْحق من حَيْثُ اللوازم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أطَاع الله فقد ذكر الله وَإِن قلت صلَاته وصيامه وتلاوته) ثمَّ يَنْقَسِم الذّكر قسمَيْنِ ظَاهرا وَبَاطنا فَالظَّاهِر التهليل والتحميد والتمجيد وتلاوة الْقُرْآن وَالْبَاطِن تَنْبِيه الْقُلُوب على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 شَرَائِط التيقظ على معرفَة الله وأسمائه وَصِفَاته وأفعاله وَنشر إحسانه وإمضاء تَدْبيره ونفاذ تَقْدِيره على جَمِيع خلقه ثمَّ يَقع تَرْتِيب الأذكارعلى مقادير الذَّاكِرِينَ فَيكون ذكر الْخَائِفِينَ على مِقْدَار قوارع الْوَعيد وَذكر الراجين على مَا استبان لَهُم من موعده وَذكر المخبتين على قدر تصفح النعماء وَذكر المراقبين على قدر الْعلم باطلاع الله تَعَالَى إِلَيْهِم وَذكر المتوكلين على مَا انْكَشَفَ لَهُم من كِفَايَة الكافى لَهُم وَذَلِكَ مِمَّا يطول ذكره وَيكثر شَرحه فَذكر الله تَعَالَى مُنْفَرد وَهُوَ ذكر الْمَذْكُور بانفراد أحديته عَن كل مَذْكُور سواهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ربه (من ذكرنى فى نَفسه ذكرته فى نفسى) وَالْأَصْل إِفْرَاد النُّطْق بألوهيته لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أفضل الذّكر لاإله إِلَّا الله) وَعَن ابْن خَفِيف الْغنى الشاكر هُوَ الْفَقِير الصابر وَعنهُ التصوف تصفية الْقلب عَن مُوَافقَة البشرية ومفارقة الطبيعة وإخماد صِفَات البشرية ومجانبه الدَّعَاوَى النفسانية ومنازلة الصِّفَات الروحانية والتعلق بعلوم الْحَقِيقَة وَاسْتِعْمَال مَا هُوَ أولى على السرمدية والنصح لجَمِيع الْأمة وَالْوَفَاء لله تَعَالَى على الْحَقِيقَة وَاتِّبَاع الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى جَمِيع الشَّرِيعَة قَالَ أَبُو نصر عبد الله بن على الطوسي السراج فى كتاب اللمع لَهُ فى التصوف عَن الشبلى أَنه سُئِلَ عَن معنى قَوْله تَعَالَى {ومكروا ومكر الله وَالله خير الماكرين} قد علمت مَوضِع مَكْرهمْ فَمَا مَوضِع مكر الله فَقَالَ تَركهم على ماهم فِيهِ وَلَو شَاءَ أَن يُغير لغير قَالَ فَشهد الشبلى فى السَّائِل أَنه لم يغنه جَوَابه فَقَالَ أما سَمِعت بفلانة الطبرانية فى ذَلِك الْجَانِب تغنى وَتقول (ويقبح من سواك الْفِعْل عندى ... وتفعله فَيحسن مِنْك ذاكا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 قَالَ السراج وَصَاحب الْمَسْأَلَة وَالسُّؤَال أَبُو عبد الله ابْن خَفِيف وَعَن ابْن خَفِيف سَأَلنَا يَوْمًا القاضى أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج بشيراز وَكُنَّا نحضر مَجْلِسه لدرس الْفِقْه فَقَالَ لنا محبَّة الله فرض أَو غير فرض قُلْنَا فرض قَالَ وَمَا الدّلَالَة على ذَلِك فَمَا فِينَا من أَتَى بشئ فَقبل فرجعنا إِلَيْهِ وسألناه الدَّلِيل فَقَالَ قَوْله تَعَالَى {قل إِن كَانَ آباؤكم وأبناؤكم} إِلَى قَوْله {أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبيله فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره} قَالَ فتوعدهم الله عز وَجل على تَفْضِيل محبتهم لغيره على محبته ومحبة رَسُوله والوعيد لَا يَقع إِلَّا على فرض قلت وَمثل هَذَا الدَّلِيل فى الدّلَالَة على محبَّة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله (لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من نَفسه وَأَهله وَمَاله وَولده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ) أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا قَالَ حَدثنَا أَبُو المعالى الأبرقوهى أخبرنَا عمر بن كرم بِبَغْدَاد أخبرنَا أَبُو الْوَقْت السجزى حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد الثقفى أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن باكويه أخبرنَا مُحَمَّد بن خَفِيف الضبى إملاء قَالَ قرئَ على حَمَّاد بن مدرك وَأَنا أسمع أخبرنَا عَمْرو بن مَرْزُوق حَدثنَا شُعْبَة عَن أَبى عمرَان الجونى عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أَبى ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا صنعت قدرا فَأكْثر مرقها وَانْظُر أهل بَيت من جيرانك فأصبهم بِمَعْرُوف) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 وَهَذَا فصل عَن ابْن خَفِيف يتَضَمَّن رحلته إِلَى الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى رَحمَه الله رضى عَنهُ) قَالَ الإِمَام الْجَلِيل ضِيَاء الدّين الرازى أَبُو الإِمَام فَخر الدّين رحمهمَا الله فى آخر كِتَابه غَايَة المرام فى علم الْكَلَام حكى عَن الشَّيْخ أَبى عبد الله بن خَفِيف شيخ الشيرازيين وإمامهم فى وقته رَحمَه الله أَنه قَالَ دعانى أرب وَحب أدب ولوع ألب وشوق غلب وَطلب ياله من طلب أَن أحرك نَحْو الْبَصْرَة ركابى فى عنفوان شبابى لِكَثْرَة مَا بلغنى على لِسَان البدوى والحضرى من فَضَائِل شَيخنَا أَبى الْحسن الأشعرى لأستسعد بلقاء ذَلِك الوحيد وأستفيد مِمَّا فتح الله تَعَالَى عَلَيْهِ من ينابيع التَّوْحِيد إِذْ حَاز فى ذَلِك الْفَنّ قصب السباق وَكَانَ مِمَّن يشار إِلَيْهِ بالأصابع فى الْآفَاق وفَاق الْفُضَلَاء من أَبنَاء زَمَانه واشتاق الْعلمَاء إِلَى اسْتِمَاع بَيَانه وَكنت يَوْمئِذٍ لفرط اللهج بِالْعلمِ واقتباسه والطمع فى تقمص لِبَاسه أختلف إِلَى كل من جلّ وَقل وأستسقى الوابل والطل وأتعلل بعسى وَلَعَلَّ فَأخذت إِلَيْهِ أهبة السّير وخفقت إِلَيْهِ خفوق الطير حَتَّى حللت ربوعها وارتبعت ربيعها فَوَجَدتهَا على مَا تصفها الألسن وتلذ الْأَعْين لَطِيفَة الْمَكَان طريفة للسكان ترغب الْغَرِيب فى الاستيطان وتنسيه هوى الأوطان فألقيت بهَا الجران وألفيت أَهلهَا الْجِيرَان فَلَمَّا أنخت بمعناها وتنسيه هوى الأوطان فألقيت بهَا الجران وألفيت أَهلهَا الْجِيرَان فَلَمَّا أنخت بمغناها الخصيب فَأَصَبْت من مرعاها بِنَصِيب كنت أرود فى مسارح لمحاتى ومسابح غدواتى وروحاتى أحدا يشفى أوامى ويرشدنى إِلَى مرامى حَتَّى أدتنى خَاتِمَة المطاف وهدتنى فَاتِحَة الألطاف إِلَى شيخ بهى منظره شهى مخبره تعلوه حمرَة متحبب إِلَى زمرة فلمحته ببصرى وأمعنت فِيهِ نظرى فرحت بِهِ فرحة الحبيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 بالحبيب والعليل بالطبيب لما وجدت مِنْهُ ريح المحبوب كَمَا وجد من قَمِيص يُوسُف يَعْقُوب على مَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف) فناجانى فكرى بالإقدام إِلَيْهِ وتقاضانى قلبى بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ فاهتززت لذَلِك اهتزاز المحبين إِذا التقيا بعد الْبَين وحييته تَحِيَّة مُحْتَرز عَن القدرى واستخبرته عَن مغنى أَبى الْحسن الأشعرى فَرد على السَّلَام بأوفر الْأَقْسَام وأجزل السِّهَام وأجابنى بِلِسَان ذلق وَوجه طلق كَهَيئَةِ الْمُفِيد مَا الذى مِنْهُ تُرِيدُ فَقلت قد بلغنى ذكرَاهُ تقت أَن أَلْقَاهُ لأحيا بمحياه وَأطيب برياه وأستسعد بلقياه وأستفيد نفائس أنفاسه جداه وجدواه واحر قلباه وواشدة شوقاه عَسى الله أَن يجمعنى وإياه فَلَمَّا رأى الشَّيْخ أَن شغف الْحبّ زادى فى سفرى وعتادى فى حضرى وَملك خلدى واستنفد جلدى وَأَن الشوق قد بلغ المدى واللوع قد جَاوز الحدا قَالَ ابتكر إِلَى مَوضِع قدمى هَاتين غَدا فبذلت القياد وَفَارَقت على الميعاد وَبت أساهر النُّجُوم وأساور الوجوم وَمَا برح الْحبّ سمير ذكرى ونديم فكرى يستعر استعارا ويلتهب بَين ضلوعى نَارا إِلَى أَن نضى اللَّيْل جلبابه وسلب الصُّبْح خضابه فَلَمَّا رَأَيْت اللَّيْلَة قد شابت ذوائبها وذابت شوائبها وذر قرن الغزالة وَثَبت وثبة الغزالة وبرزت أنْشد للشَّيْخ البهى وأتوسم الْوُجُوه بِالنّظرِ الجلى فَأَلْفَيْته فى الْمقَام الْمَوْعُود متنكرا وَاقِفًا لى منتظرا فدلفت إِلَيْهِ لأقضى حق السَّلَام عَلَيْهِ فَلَمَّا رآنى سبقنى بِالسَّلَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 وحفى للأقدام فَقضيت الذمام وقرنت رد جَوَابه بالاستلام وَقلت حييت بالإكرام وحييت بَين كرام ثمَّ استصحبنى وَسَار فتبعته مُتَابعَة الْعَامَّة أولى الْأَبْصَار حَتَّى انْتهى إِلَى الْمَقْصد وَدخل دَار بعض وُجُوه الْبَلَد وفيهَا قد حضر جمَاعَة للنَّظَر فَلَمَّا رَآهُ الْقيام تسارعوا إِلَى الْقيام واستقبلوه إِلَى الْبَاب وتلقوه بالترحاب وبالغوا بِالسَّلَامِ وَمَا يَلِيق بِهِ من الْإِكْرَام ثمَّ عظموه وَإِلَى الصَّدْر قدموه وَأَحَاطُوا بِهِ إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر ثمَّ أَخذ الْخِصَام يتجاذبون فى المناظرة أَطْرَاف الْكَلَام وَكنت أنظر من بعيد مُتكئا على حد سعيد حَتَّى التقى الْجمع بِالْجمعِ وقرع النبع بالنبع فَبَيْنَمَا هم يرْمونَ فى عمايتهم ويخبطون فى غوايتهم إِذْ دخل الشَّيْخ دُخُول من فَازَ بنهزة الطَّالِب وفرحة الْغَالِب بِلِسَان يفتق الشُّعُور ويفلق الصخور وألفاظ كغمزات الألحاظ والكرى بعد الاستيقاظ أرق من أَدِيم الْهَوَاء وأعذب من زلال المَاء وَمَعَان كَأَنَّهَا فك عان وَبَيَان كعتاب الكعاب وَوصل الأحباب فى أَيَّام تفِيد الصم بَيَانا وتعيد الشيب شبانا تهدى إِلَى الرّوح روح الْوِصَال وتهب على النُّفُوس هبوب الشمَال وَكَانَ إِذا أنشا وشى وَإِذا عبر حبر وَإِذا أوجز أعجز وَإِذا أسهب أذهب فَلم يدع مشكلة إِلَّا أزالها وَلَا معضلة إِلَّا أزاحها وَلَا فَسَادًا إِلَّا أصلحه وَلَا عنادا إِلَّا زحزحه حَتَّى تبين الحى من اللى والرشد من الغى ورفل الْحق فى أذياله واعتدل باعتداله وَأَقْبل عَلَيْهِ الْخَاصَّة والعامة بإقباله فَلَمَّا فرغ من إنْشَاء دلَالَته بعد جولانه فى هيجاء البلاغة عَن بسالته حَار الْحَاضِرُونَ فى جَوَابه وتعجبوا من فصل خطابه وَعَاد الْخُصُوم كَأَنَّهُمْ فرَاش النَّار وخشاش الْأَبْصَار وأوباش الْأَمْصَار عَلَيْهِم الدبرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 وعَلى وُجُوههم الغبرة قلت لبَعض الْحَاضِرين من المناظرين من هَذَا الذى آثر اختلاب الْقُلُوب ونظم على هَذَا الأسلوب الذى لم ينسج على منواله وَلم تسمح قريحة بمثاله أجابنى وَقَالَ هُوَ الباز الْأَشْهب والمبارز الأشنب وَالْبَحْر الطامى والطود السامى والغيث الهامى وَاللَّيْث الحامى نَاصِر الْحق وناصح الْخلق قامع الْبِدْعَة ولسان الْحِكْمَة وَإِمَام الْأمة وقوام الْملَّة ذُو الرأى الوضى والرواء المرضى ذُو الْقلب الذكى وَالنّسب الزكى السرى ابْن السرى والنجد الجرى والسند العبقرى أَبُو الْحسن الأشعرى فسرحت طرفى فى ميسمه وأمعنت النّظر فى توسمه مُتَعَجِّبا من تلهب جذوته وتألق جلوته دَعَوْت لَهُ بامتداد الْأَجَل وارتداد الوجل فَبينا أَنا فِيهِ إِذْ شمر للانثناء بعد حِيَازَة الثَّنَاء وشحذ للتحفز غرار عزمته وَخرج يقتاد الْقُلُوب بأزمته فتبعته مقتفيا كخدمه ومنتهجا مواطئ قدمه فَالْتَفت إِلَى وَقَالَ يَا فَتى كَيفَ وجدت أَبَا الْحسن حِين أفتى فهرولت لالتزام قده واستلام يَده وَقلت (ومسحل مثل حد السَّيْف منصلت ... تزل عَن غربه الْأَلْبَاب والفكر) (طعنت بِالْحجَّةِ الغراء جيلهم ... ورمح غَيْرك مِنْهُ العى والحصر) لَا قَامَ ضدك وَلَا قعد جدك ولافض فوك وَلَا لحقك من يقفوك فوالذى سمك السَّمَاء وَعلم آدم الْأَسْمَاء لقد أبديت الْيَد الْبَيْضَاء وسكنت الضوضاء وكشفت الغماء ولحنت الدهماء وَقطعت الأحشاء وقمعت الْبدع والأهواء بِلِسَان عضب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 وَبَيَان عذب آنس من الرَّوْض الممطور والموشى المنشور وأصفى من در الأمطار وذر الْبحار وجررت ذيل الفخار على هَامة الشعرى وقدما قيل إِن من الْبَيَان لسحرا بيد أَنه قد بقى لى سُؤال لما عرانى من الْإِشْكَال فَقَالَ اذكر سؤالك وَلَا تعرض عَمَّا بدا لَك فَقلت رَأَيْت الْأَمر لم يجر على النظام لِأَنَّك مَا افتتحت فى الْكَلَام ودأب المناظر أَلا يسْأَل غَيْرك وَمثلك حَاضر قَالَ أجل لكنى فى الِابْتِدَاء لَا أذكر الدَّلِيل وَلَا أشتغل بِالتَّعْلِيلِ إِذْ فِيهِ تسبب إِلَى الجاء الْخصم فى ذكر شبهه بطرِيق الِاعْتِرَاض وَمَا أَنا بالتسبب إِلَى الْمعْصِيَة رَاض فأمهله حَتَّى يذكر ضلالته ويفرد شبهته ومقالته فَحِينَئِذٍ نَص على الْجَواب فأرجو بذلك من الله الثَّوَاب قَالَ الراوى فَلَمَّا رَأَيْت مخبره بعد أَن سَمِعت خَبره تيقنت أَنه قد جَاوز الْخَبَر الْخَبَر وَأَن مقَالَته تبر وَمَا دونه صفر قد بلغ من الدّيانَة أَعلَى النِّهَايَة وأوفى من الْأَمَانَة على كل غَايَة وَأَنه هُوَ الذى أَوْمَأ إِلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة بحيازة هَذِه الْمِنَّة فى نصر الْحق ونصح الْخلق وإعلاء الدّين والذب عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين فشاذ لى من الِاعْتِدَاد بأوفر الْأَعْدَاد وأودع بَيَاض الوداد سَواد الْفُؤَاد فتعلقت بأهدابه لخصائص آدابه ونافست فى مصافاته لنفائس صِفَاته وَلَبِثت مَعَه بُرْهَة أستفيد مِنْهُ فى كل يَوْم نزهة وأدرأ عَن نفسى للمعتزلة شُبْهَة ثمَّ ألفيت مَعَ علو دَرَجَته وتفاقم مرتبته كَانَ يقوم بتثقيف أوده من كسب يَده من اتِّخَاذ تِجَارَة للعقاقير معيشة والاكتفاء بهَا عيشة اتقاء الشُّبُهَات وإبقاء على الشَّهَوَات رضَا بالكفاف وإيثارا للعفاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 136 - مُحَمَّد دَاوُد بن سُلَيْمَان بن سيار أَبُو بكر بن بَيَان مَاتَ لثلاث بَقينَ من جمادة الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة 137 - مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَبى القاضى الإِمَام الْكَبِير أَبُو أَحْمد من تلامذة أَبى إِسْحَاق المروزى وأبى بكر الصيرفى وطبقتهما وَبَيت أَبى القاضى بخوارزم بَيت شهير وَهُوَ صَاحب كتاب الحاوى وَكتاب الْعمد القديمين فى الْفِقْه وَمِنْه أَخذ الماوردى والفورانى الاسمين قَالَ صَاحب الكافى أَبُو أَحْمد إِمَام كَبِير أحد مفاخر خوارزم والمشار إِلَيْهِ فى زَمَانه بالتقدم على أقرانه لم يكن أحد من آل القاضى فى عَهده أفضل وَلَا أفقه وَلَا أكْرم مِنْهُ قَالَ وَآل أَبى القاضى أعز بَيت وأشرفه بخوارزم وَأجْمع لخصال الْخَيْر وَأَطْنَبَ فى وصف الْبَيْت بِعِبَارَة طَوِيلَة ثمَّ قَالَ وَأَبُو أَحْمد سيدهم أَو مَا هَذَا مَعْنَاهُ ثمَّ ذكر أَن بَعضهم كَانَ يَقُول يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْكَرِيم بن الْكَرِيم بن الْكَرِيم بن الْكَرِيم وَمُحَمّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْعَالم بن الْعَالم بن الْعَالم بن الْعَالم كلهم عُلَمَاء أتقياء الحديث: 136 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 ذكر صَاحب الكافى هَذَا الْمَعْنى لَكِن بِعِبَارَة لم أستحسن حكايتها ثمَّ قَالَ خرج إِلَى الْعرَاق فتفقه على أَبى إِسْحَاق المروزى والصيرفى وطبقتهما ثمَّ رَجَعَ إِلَى خوارز وَأَقْبل على التدريس والتذكير والتصنيف فى أَنْوَاع الْعُلُوم وَأَطْنَبَ فى وَصفه بِالْعلمِ وَالدّين إِلَى أَن قَالَ وَكَانَ عَارِفًا بمذاهب عُلَمَاء السّلف وَالْخلف أصولا وفروعا رَقِيق الْقلب بكاء منكبا فى التَّذْكِير صنف فى الْأُصُول كتاب الْهِدَايَة وَهُوَ كتاب حسن نَافِع كَانَ عُلَمَاء خوارزم يتداولونه وينتفعون بِهِ وصنف فى الْفُرُوع كتاب الحاوى بناه على الْجَامِع الْكَبِير لأبى إِبْرَاهِيم المزنى وَكتاب الرَّد على الْمُخَالفين وكتبا أخر كَثِيرَة قَالَ أَبُو سعيد الكرابيسى وَكَانَت لَهُ صدقَات يتَصَدَّق بهَا فى السِّرّ حَدَّثَنى بعض أَصْحَابنَا أَنه كَانَ يُعْطِيهِ مَالا وَيَقُول اذْهَبْ إِلَى الوادى وقف على شطه حِين كَانَ يجمد ففرقه على الضُّعَفَاء الَّذِي يحملون الْحَطب على عواتقهم ويسعون فى نَفَقَة عِيَالهمْ قَالَ ثمَّ خرج إِلَى الْحَج سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثلاثمائة فجاور بِمَكَّة حَتَّى قضى الصَّلَوَات الَّتِى صلاهَا بخوارزم فى الْخفاف وَالْفراء الَّتِى اخْتلف الْعلمَاء فى الصَّلَاة مَعَهُمَا ثمَّ انْصَرف إِلَى بَغْدَاد فَمَال الْخلق إِلَيْهِ واجتمعوا عَلَيْهِ وصنف بهَا كتاب الْعمد وسألوه الْمقَام بهَا فَأبى إِلَّا الرُّجُوع إِلَى وَطنه فَرجع إِلَى خوارزم وَاسْتقر بهَا إِلَى أَن مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة وَدفن يَوْم السبت سنة نَيف وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَأكْثر النَّاس فِيهِ المراثى قَالَ صَاحب الكافى وَلَا أرى لَهُ رِوَايَة فى الحَدِيث فَلَعَلَّهُ كَانَ فَقِيها صرفا وَلَو كَانَت لَهُ أَحَادِيث لَكَانَ لَهُ ذكر فى تَارِيخ بَغْدَاد وتاريخ سَمَرْقَنْد وَلَا ذكر لَهُ فيهمَا وَفِيه لما مَاتَ يَقُول أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن قطن (ليبك دَمًا من كَانَ للدّين باكيا ... فَإِن إِمَام النَّاس أصبح ثاويا) (فَقدنَا بفقدان الْفَقِيه مُحَمَّد ... مَكَارِم غادرن الْعُيُون هواميا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وَمِنْهَا (تشبه آبَاء كراما كَأَنَّهُمْ ... مصابيح تجلو المظلمات الدواجيا) (سعيدا وَعبد الله وَالشَّيْخ ذَا النهى ... مُحَمَّدًا الْبر الْعَفِيف المواليا) (دعائم هَذَا الدّين عاشوا أعزه ... وماتوا كراما لم يحوزوا المساويا) وهى طَوِيلَة أَتَى صَاحب الكافى على عامتها قَالَ وَخلف ولدا اسْمه أَبُو بكر عبد الله كَانَ رشيدا فَاضلا بلغ دَرَجَة أسلافه فى الْعلم والورع وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ حضرت مجْلِس أَبى إِسْحَاق المروزى فَسَمعته يَقُول قَالَ لنا القاضى أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج بأى شئ يتَخَرَّج الْمَرْء فى التَّعَلُّم فأعيا أَصْحَابنَا الْجَواب فَقلت أَنا بتفكره فى الْفَائِدَة الَّتِى تجرى فى الْمجْلس فَقَالَ أصبت بِهَذَا يتَخَرَّج المتعلم قَالَ أَبُو سعيد الكرابيسى سُئِلَ عَن بيع التُّرَاب من الأَرْض قدر ذِرَاع من الأَرْض عمقا فى عرض وَطول مَعْلُوم لضرب اللَّبن فَقَالَ لَا يجوز لِأَن الأَرْض يخْتَلف ترابها 138 - مُحَمَّد بن سُفْيَان الأسبانيكثى وأسبانيكث بِضَم الْألف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر النُّون وَسُكُون آخر الْحُرُوف وَفتح الْكَاف وفى آخرهَا الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسَيَعُودُ إِن شَاءَ الله ذكر هَذِه النِّسْبَة فى تَرْجَمَة سعيد بن حَاتِم وَهَذَا كنيته أَبُو بكر ولى الْقَضَاء الحديث: 138 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 قَالَ أَبُو الْعَبَّاس المستغفرى كَانَ من أورع الْحُكَّام وأفضلهم وأنزههم قَالَ وَكَانَ القاضى نسف قَالَ وَكَانَ قد درس الْفِقْه على أَبى بكر أَحْمد بن الْحسن الفارسى وَكَانَ من جملَة فُقَهَاء الشافعى وَكَانَ قَلِيل الحَدِيث قَالَ وَسمعت الْحَاكِم أَبَا عبد الله بن أَبى شُجَاع الأسبانيكثى يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن على بن زَكَرِيَّاء الْفَقِيه الْمُفْتى بالشاش وَكَانَ من أَصْحَاب أَبى بكر الفارسى يَقُول لم يكن أحد من أَصْحَاب أَبى بكر الفارسى أَخذ مِنْهُ فقهه وَكَلَامه وتدقيقه كَمَا أَخذ أَبُو بكر الأسبانيكثى وَلَو أَن إنْسَانا سَمعه يتَكَلَّم من وَرَاء جِدَار مَا شكّ أَنه أَبُو بكر الفارسى مَاتَ سنة خمس أَو سِتّ وَسبعين وثلاثمائة بالسغد 139 - مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن هَارُون بن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم ابْن بشر الحنفى نسبا من بنى حنيفَة العجلى الإِمَام الْأُسْتَاذ الْكَبِير أَبُو سهل الصعلوكى شيخ عصره وقدوة أهل زَمَانه وَإِمَام وقته فى الْفِقْه والنحو وَالتَّفْسِير واللغة وَالشعر وَالْعرُوض وَالْكَلَام والتصوف وَغير ذَلِك من أَصْنَاف الْعُلُوم أجمع أهل عصره على أَنه بَحر الْعلم الذى لَا ينزف وَإِن كثرت الدلا وجبل المعارف الَّتِى لَا تمر بهَا الْخُصُوم إِلَّا كَمَا يمر الهوا الحديث: 139 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 ولد سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَأول سَمَاعه سنة خمس وثلاثمائة سمع ابْن خُزَيْمَة وَعنهُ حمل الحَدِيث وَأَبا الْعَبَّاس السراج وَأَبا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الماسرجسى وَأَبا قُرَيْش مُحَمَّد بن جُمُعَة وَأحمد بن عمر المحمداباذى وَأَبا مُحَمَّد بن أَبى حَاتِم وَإِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد وَأَبا بكر ابْن الأنبارى والمحاملى وَغَيرهم وتفقه على أَبى إِسْحَاق المروزى وَطلب الْعلم وتبحر فِيهِ قبل خُرُوجه إِلَى الْعرَاق بسنين قَالَ الْحَاكِم لِأَنَّهُ نَاظر فى مجْلِس أَبى الْفضل البلعمى الْوَزير سنة سبع عشرَة وثلاثمائة وَتقدم فى الْمجْلس إِذْ ذَاك ثمَّ خرج إِلَى الْعرَاق سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَهُوَ إِذْ ذَاك أوحد بَين أَصْحَابه ثمَّ دخل الْبَصْرَة ودرس بهَا سِنِين فَلَمَّا نعى إِلَيْهِ عَمه أَبُو الطّيب وَعلم أَن أهل أَصْبَهَان لَا يخلون عَنهُ فى انْصِرَافه خرج مختفيا مِنْهُم فورد نيسابور فى رَجَب سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَهُوَ على الرُّجُوع إِلَى الْأَهْل وَالْولد والمستقر من أَصْبَهَان فَلَمَّا ورد جلس لمأتم عَمه ثَلَاثَة أَيَّام فَكَانَ الشَّيْخ أَبُو بكر بن إِسْحَاق يحضر كل يَوْم فيقعد مَعَه هَذَا على قلَّة حركته وَكَذَلِكَ كل رَئِيس ومرؤوس وقاض ومفت من الْفَرِيقَيْنِ فَلَمَّا انْقَضتْ الْأَيَّام عقدوا لَهُ الْمجْلس غَدَاة كل يَوْم للتدريس وَالْإِلْقَاء ومجلس النّظر عَشِيَّة الْأَرْبَعَاء واستقرت بِهِ الدَّار وَلم يبْق فى الْبَلَد مُوَافق وَلَا مُخَالف إِلَّا وَهُوَ مقرّ لَهُ بِالْفَضْلِ والتقدم وحضره الْمَشَايِخ مرّة بعد أُخْرَى يسألونه أَن ينْقل من خَلفهم وَرَاءه بأصبهان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 فَأجَاب إِلَى ذَلِك ودرس وَأفْتى وَرَأس أَصْحَابه بنيسابور اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ يسْأَل عَن التحديث فَيمْتَنع أَشد الِامْتِنَاع إِلَى غرَّة رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة سُئِلَ فَأجَاب للإملاء وَقعد للتحديث عَشِيَّة يَوْم الْجُمُعَة قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن إِسْحَاق عَشِيَّة يَوْم الْجُمُعَة قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن إِسْحَاق الإِمَام غير مرّة وَهُوَ يعوذ الْأُسْتَاذ أَبَا سهل وينفث على دُعَائِهِ وَيَقُول بَارك الله فِيك لَا أصابتك الْعين هَذَا فى مجَالِس النّظر عَشِيَّة السبت للْكَلَام وَعَشِيَّة الثُّلَاثَاء للفقه قَالَ وَسمعت أَبَا على الإسفراينى يَقُول سَمِعت أَبَا إِسْحَاق المروزى يَقُول ذهبت الْفَائِدَة من مَجْلِسنَا بعد خُرُوج أَبى سهل النيسابورى قَالَ وَسمعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن على الْقفال الْفَقِيه ببخارى يَقُول قلت للفقيه أَبى سهل بنيسابور حِين أَرَادَ مناظرتى هَذَا ستر قد أسبله الله على فَلَا تسبق إِلَى كشفه قَالَ وَسمعت أَبَا مَنْصُور الْفَقِيه يَقُول سُئِلَ أَبُو الْوَلِيد عَن أَبى بكر الْقفال وأبى سهل أَيهمَا أرجح فَقَالَ وَمن يقدر أَن يكون مثل أَبى سهل وَعَن أَبى بكر الصيرفى خرج أَبُو سهل إِلَى خُرَاسَان وَلم ير أهل خُرَاسَان مثله وَعَن الصاحب أَبى الْقَاسِم بن عباد لَا يرى مثله وَلَا رأى هُوَ مثل نَفسه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى أَبُو سهل الصعلوكى صَاحب أَبى إِسْحَاق المروزى كَانَ فَقِيها أديبا شَاعِرًا متكلما مُفَسرًا صوفيا كَاتبا وَعنهُ أَخذ فُقَهَاء نيسابور وَابْنه أَبُو الطّيب وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن السلمى يَقُول وهب الْأُسْتَاذ أَبُو سهل جبته من إِنْسَان فى الشتَاء وَكَانَ يلبس جُبَّة النِّسَاء حِين يخرج إِلَى التدريس إِذْ لم تكن لَهُ جُبَّة أُخْرَى فَقدم الْوَفْد المعروفون من فَارس فيهم فى كل نوع إِمَام من الْفُقَهَاء والمتكلمين والنحويين فَأرْسل إِلَيْهِ صَاحب الْجَيْش وَهُوَ أَبُو الْحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وَأمره أَن يركب للاستقبال فَلبس دراعة فَوق تِلْكَ الْجُبَّة الَّتِى للنِّسَاء وَركب فَقَالَ صَاحب الْجَيْش إِنَّه يستخف بى إِمَام الْبَلَد يركب فى جُبَّة النسوان ثمَّ إِنَّه ناظرهم أَجْمَعِينَ وَظهر كَلَامه على كَلَام جَمِيعهم فى كل فن وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم سَمِعت أَبَا بكر بن إشكاب يَقُول رَأَيْت الْأُسْتَاذ أَبَا سهل فى الْمَنَام على هَيْئَة حَسَنَة لَا تُوصَف فَقلت يَا أستاذ بِمَ نلْت هَذَا فَقَالَ بِحسن ظنى بربى وَحكى أَن أَبَا نصر الْوَاعِظ وَكَانَ حنفيا فى زمَان الْأُسْتَاذ أَبى سهل انْتقل إِلَى مَذْهَب الشافعى فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام مَعَ أَصْحَابه قَاصِدا لعيادة الْأُسْتَاذ أَبى سهل وَكَانَ مَرِيضا قَالَ فتبعته وَدخلت عَلَيْهِ مَعَه وَقَعَدت بَين يدى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متفكرا فَقلت إِن هَذَا إِمَام أَصْحَاب الحَدِيث وَإِن مَاتَ أخْشَى أَن يَقع الْخلَل فيهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لى (لَا تفكر فى ذَلِك إِن الله لَا يضيع عِصَابَة أَنا سَيِّدهَا) قلت صحب الْأُسْتَاذ أَبُو سهل من أَئِمَّة التصوف المرتعش والشبلى وَأَبا على الثقفى وَغَيرهم وَحكى عَنهُ أَنه قَالَ مَا مرت بى جُمُعَة وَأَنا بِبَغْدَاد إِلَّا ولى على الشبلى وَقْفَة أَو سُؤال وَأَنه قَالَ دخل الشبلى على أَبى إِسْحَاق المروزى فرآنى عِنْده فَقَالَ ذَا الْمَجْنُون من أَصْحَابك لَا بل من أَصْحَابنَا وَقَالَ السلمى سَمِعت أَبَا سهل يَقُول مَا عقدت على شئ قطّ وَمَا كَانَ لى قفل وَلَا مِفْتَاح وَلَا صررت على فضَّة وَلَا ذهب قطّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 قَالَ الْحَاكِم توفى الْأُسْتَاذ أَبُو سهل يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر ذى الْقعدَة سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو الطّيب وَدفن فى الْمجْلس الذى كَانَ يدرس فِيهِ وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا أَحْمد بن على الجزرى بقراءتى وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم بن أَبى عمر قِرَاءَة عَلَيْهِمَا وَأَنا أسمع قَالَا أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن خَلِيل حضورا أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن على بن الْمُسلم أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن الْحسن بن الْحُسَيْن الموازينى أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى الفراتى سَمِعت الشَّيْخ أَبَا عبد الرَّحْمَن السلمى يَقُول قلت يَوْمًا للأستاذ أَبى سهل فى كَلَام يجرى بَيْننَا فَقَالَ لى أما علمت أَن من قَالَ لأستاذه لم لَا يفلح أبدا وَبِه قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا عبد الرَّحْمَن يَقُول قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل لى يَوْمًا عقوق الْوَالِدين يمحوها الاسْتِغْفَار وعقوق الأستاذين لَا يمحوها شئ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا إِن لم أكن قرأته عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْفضل أَحْمد ابْن هبة الله بن تَاج الْأُمَنَاء أخبرنَا مُحَمَّد بن يُوسُف الْحَافِظ أَن زَيْنَب بنت أَبى الْقَاسِم الشعرى أخْبرته ح قَالَ شَيخنَا وَأخْبرنَا أَبُو الْفضل أَنَّهَا كتبت إِلَيْهِ تخبره أَن إِسْمَاعِيل بن أَبى الْقَاسِم أخْبرهَا أخبرنَا عمر بن أَحْمد بن مَنْصُور قَالَ أنشدنا أَبُو سهل مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الحنفى إملاء أنشدنا أَبُو بكر الأنبارى أنشدنا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى (لقد هَتَفت فى جنح ليل حمامة ... إِلَى إلفها شوقا وإنى لنائم) (كذبت وَبَيت الله لَو كنت عَاشِقًا ... لما سبقتنى بالبكاء الحمائم) وَبِه قَالَ أنشدنا الإِمَام أَبُو سهل لنَفسِهِ (أَنَام على سَهْو وتبكى الحمائم ... وَلَيْسَ لَهَا جرم وَمنى الجرائم) (كذبت وَبَيت الله لَو كنت عَاقِلا ... لما سبقتنى بالبكاء الحمائم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَن الْأُسْتَاذ أَبى سهل قَالَ الْحَاكِم سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا سهل وَدفع إِلَيْهِ مَسْأَلَة فقرأها علينا وهى (تمنيت شهر الصَّوْم لَا لعبادة ... وَلَكِن رَجَاء أَن أرى لَيْلَة الْقدر) (فأدعو إِلَه النَّاس دَعْوَة عاشق ... عَسى أَن يرِيح العاشقين من الهجر) فَكتب أَبُو سهل فى الْحَال (تمنيت مَا لَو نلته فسد الْهوى ... وَحل بِهِ للحين قاصمة الظّهْر) (فَمَا فى الْهوى طيب وَلَا لَذَّة سوى ... معاناة مَا فِيهِ يقاسى من الهجر) قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى سَمِعت أَبَا بكر بن فورك يَقُول سُئِلَ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل عَن جَوَاز رُؤْيَة الله تَعَالَى من طَرِيق الْعقل فَقَالَ الدَّلِيل عَلَيْهِ شوق الْمُؤمنِينَ إِلَى لِقَائِه والشوق إِرَادَة مفرطة والإرادة لَا تعلق بالمحال فَقَالَ السَّائِل وَمن الذى يشتاق إِلَى لِقَائِه فَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل يشتاق إِلَيْهِ كل حر مُؤمن فَأَما من كَانَ مثلك فَلَا يشتاق روى الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْأُسْتَاذ أَبى سهل بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبى نواس قَالَ مضيت يَوْمًا إِلَى أَزْهَر السمان فَوجدت بِبَابِهِ جمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث فَجَلَست مَعَهم أنْتَظر خُرُوجه فَمَكثَ غير بعيد وَخرج ووقف بَين بابى دَاره ثمَّ قَالَ لأَصْحَاب الحَدِيث حَوَائِجكُمْ فَجعلُوا يذكرونها لَهُ ويحدثهم بِمَا يسألونه ثمَّ أقبل على وَقَالَ حَاجَتك يَا حسن فَقلت (وَلَقَد كُنْتُم رويتم ... عَن سعيد عَن قَتَادَة) (عَن سعيد بن الْمسيب ... أَن سعد بن عبَادَة) (قَالَ من مَاتَ محبا ... فَلهُ أجر الشهاده) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 قَالَ نعم يَا خليع حَدثنَا سعيد بن أَبى عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن سعد ابْن عبَادَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من مَاتَ محبا فى الله فَلهُ أجر الشَّهَادَة) 140 - مُحَمَّد بن شُعَيْب بن إِبْرَاهِيم بن شُعَيْب النيسابورى الْفِقْه العجلى أَبُو الْحسن البيهقى أحد الْأَئِمَّة الْمَشْهُورين بالفصاحة والبراعة وَالْفِقْه والإمامة قَالَ الْحَاكِم فِيهِ مفتى الشافعيين ومناظرهم ومدرسهم فى عصره وَأحد الْمَذْكُورين فى أقطار الأَرْض بالفصاحة والبراعة كَانَ اختلافه بنيسابور إِلَى أَبى بكر بن خُزَيْمَة وأقرانه ثمَّ خرج إِلَى أَبى الْعَبَّاس بن سُرَيج وَلَزِمَه إِلَى أَن تقدم فى الْعلم سمع بخراسان أَبَا عبد الله البوشنجى وَأَبا بكر الجارودى وَدَاوُد بن الْحُسَيْن وأقرانهم وبالعراق ابْن جرير وَغَيره روى عَنهُ الْأُسْتَاذ أَبُو الْوَلِيد وَغَيره سَمِعت أَبَا سهل مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْفَقِيه يَقُول حضرت مجْلِس الْوَزير أَبى الْفضل البلعمى فَلَمَّا فرغ من الْمجْلس دَعَا بأبى الْحسن البيهقى فخيره بَين قَضَاء الرى والشاش فَامْتنعَ إِلَيْهِ أَشد الِامْتِنَاع وتضرع إِلَيْهِ فِي الاستعفاء وَكَانَ آخر كلمة تكلم بهَا أَن قَالَ لَهُ الْوَزير استشر واستخر واقترح وَلَا تخَالف توفى سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة الحديث: 140 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 141 - مُحَمَّد بن صَالح بن هَانِئ أَبُو جَعْفَر الْوراق النيسابورى سمع الْكثير بنيسابور وَلم يسمع بغَيْرهَا وَكَانَ صبورا على الْفقر لَا يَأْكُل إِلَّا من كسب يَده سمع السرى ابْن خُزَيْمَة وَغَيره روى عَنهُ أَبُو بكر بن إِسْحَاق وَأَبُو على الْحَافِظ وَغَيرهمَا مَاتَ فى سلخ ربيع الأول سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة وَصلى عَلَيْهِ أَبُو عبد الله بن الأخرم الْحَافِظ وَلما دفن وقف على قَبره وترحم عَلَيْهِ وَأثْنى عَلَيْهِ وَحكى أَنه صَاحبه من سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ إِلَى حِينَئِذٍ فَمَا رَآهُ أَتَى شَيْئا لَا يرضاه الله عز وَجل وَلَا سمع مِنْهُ شَيْئا يسْأَل عَنهُ 142 - مُحَمَّد بن طَالب بن على أَبُو الْحُسَيْن النسفى الْفَقِيه إِمَام الشَّافِعِيَّة بِتِلْكَ الديار قَالَ جَعْفَر المستغفرى كَانَ فَقِيها عَارِفًا باخْتلَاف الْعلمَاء نقى الحَدِيث صَحِيحه مَا كتب إِلَّا عَن الثِّقَات سمع على بن عبد الْعَزِيز بِمَكَّة ومُوسَى بن هَارُون وَطَائِفَة توفى فى رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة بنسف الحديث: 141 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 143 - مُحَمَّد بن طَاهِر بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْوَزير أَبُو نصر الوزيرى الأديب الْمُذكر الْمُفَسّر كَانَ كثير الْعُلُوم فصيحا بَالغا فى الذّكر والوعظ سمع عبد الله بن مُحَمَّد بن الشرقى وَأَبا حَامِد بن بِلَال وَأَبا على الثَّقَفِيّ وأقرانهم توفى فى شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَكَانَ أَولا حنفى الْمَذْهَب ثمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَبنَا 144 - مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عصم بن بِلَال بن عصم أَبُو عبد الله بن أَبى ذهل الضبى الهروى العصمى بِضَم الْعين رَئِيس هراة مولده سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَسمع مُحَمَّد بن معَاذ المالينى وَأَبا نصر مُحَمَّد بن عبد الله القيسى وحاتم بن مَحْبُوب وَأَبا عَمْرو الحيرى ومؤمل بن الْحسن الماسرجسى وَيحيى بن صاعد وَعبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم وَغَيرهم الحديث: 143 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 روى عَنهُ الدارقطنى وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله وَأَبُو يَعْقُوب القراب وَأَبُو بكر البرقانى وَأَبُو الْفَتْح بن أَبى الفوارس وَغَيرهم قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة نبيلا من ذوى الأقدار الْعَالِيَة وَقَالَ سَمِعت البرقانى يَقُول كَانَ ملك هراة تَحت أَمر ابْن أَبى ذهل لقدره وأبوته وَقَالَ الْحَاكِم لقد صحبته سفرا وحضرا فَمَا رَأَيْت أحسن وضُوءًا مِنْهُ وَلَا أحسن صَلَاة وَلَا رَأَيْت فى مَشَايِخنَا أحسن تضرعا وابتهالا فى دعواته مِنْهُ لقد كنت أرَاهُ يرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء فيمدهما مدا كَأَنَّهُ يَأْخُذ شَيْئا من أَعلَى مُصَلَّاهُ وَكَانَ يضْرب لَهُ دَنَانِير وزن الدِّينَار مِنْهَا مِثْقَال وَنصف أَو أَكثر فَيتَصَدَّق بهَا وَيَقُول إنى لأفرح إِذا ناولت فَقِيرا كاغدا فيتوهم أَنه فضَّة فَإِذا فَتحه وَرَأى صفرته فَرح ثمَّ إِذا وَزنه فَزَاد على المثقال فَرح أَيْضا وَكَانَت لَهُ غلَّة كَثِيرَة لَا يدْخل دَاره إِلَّا دون عشرهَا والباقى يفرقه على المستورين وَسَائِر الْمُسْتَحقّين حَتَّى إِن جمَاعَة من أهل الْعلم لم يكن لَهُم قوت إِلَّا من غَلَّته قَالَ الْحَاكِم وَلَقَد سَأَلت عَن أعشار غلات أَبى عبد الله كم تبلغ فَقيل رُبمَا زَادَت على ألف حمل وحدثنى أَبُو أَحْمد الْكَاتِب أَن النُّسْخَة الَّتِى كَانَت عِنْده بأسماء من يقوتهم أَبُو عبد الله بهراة تزيد على خَمْسَة آلَاف بَيت وَقَالَ أَبُو النَّصْر عبد الرَّحْمَن الفامى إِن أَبَا عبد الله صنف صَحِيحا على صَحِيح البخارى وَإنَّهُ تفقه بِبَغْدَاد وَإنَّهُ لم يجْتَمع لرئيس بهراة مَا اجْتمع لَهُ من آلَات السِّيَادَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 وَحكى أَن أَبَا جَعْفَر العتبى وَزِير السُّلْطَان ألزم أَبَا عبد الله عَن أَمر السُّلْطَان أَن يتقلد ديوَان الرسائل فَامْتنعَ فَقَالَ لَهُ هَذَا قَضَاء الْقُضَاة بكور خُرَاسَان وَلَا تخرج عَن حد الْعلم وَلَو عرفت الْيَوْم فى مَشَايِخ خُرَاسَان من يدانيك فى شمائلك لأعفيتك فَبكى أَبُو عبد الله وَقَالَ لَهُ إِن أعفانى السُّلْطَان عَن هَذَا الْعَمَل فبفضله على وعَلى أصحابى بهراة وَإِن أكرهنى عَلَيْهِ لبست مرقعة وَخرجت على وجهى حَتَّى لَا يعلم بمكانى أحد فأعفى وَعَن أَبى عبد الله مَا مست يدى دِينَارا وَلَا درهما مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة هَذَا مَعَ كَثْرَة أَمْوَاله وصدقاته قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا عبد الله بن أَبى ذهل يَقُول سَمِعت أَبَا بكر الشبلى وَسُئِلَ عَن الرجل يسمع الشئ وَلَا يفهم مَعْنَاهُ فيتواجد عَلَيْهِ لم هَذَا فَأَنْشَأَ الشبلى يَقُول (رب وَرْقَاء هتوف بالضحى ... ذَات شجو صدحت فى فنن) (ذكرت إلفا ودهرا سالفا ... فَبَكَتْ حزنا فهاجت حزنى) (فبكائى رُبمَا أرقها ... وبكاها رُبمَا أرقنى) (وَلَقَد تَشْكُو فَمَا أفهمها ... وَلَقَد أَشْكُو فَمَا تفهمنى) (غير أَنى بالجوى أعرفهَا ... وهى أَيْضا بالجوى تعرفنى) اسْتشْهد ابْن أَبى ذهل فى رستاق خواف من نيسابور بعد مَا خرج من الْحمام لطخ ثَوْبه وَألبسهُ فَمَاتَ لتسْع بَقينَ من صفر سنة ثَمَان وَسبعين وثلاثمائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 145 - مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد أَبُو عبد الله الصفار الأصبهانى الْمُحدث الرجل الصَّالح سمع بِبَلَدِهِ أَحْمد بن عِصَام وَأسيد بن عَاصِم وَأحمد بن رستم وَعبيد الغزال وبفارس أَحْمد بن مهْرَان بن خَالِد وببغداد أَحْمد بن عبيد الله النرسى وَمُحَمّد بن الْفرج الْأَزْرَق وَأَبا بكر بن أَبى الدُّنْيَا وبمكة على بن عبد الْعَزِيز وَجَمَاعَة وَسمع الْمسند من عبد الله بن أَحْمد وَكتب مصنفات إِسْمَاعِيل القاضى ورحل إِلَى الْحسن بن سُفْيَان وَحصل الْمسند ومصنفات ابْن أَبى شيبَة روى عَنهُ أَبُو على الْحَافِظ وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم الجرجانى وَمُحَمّد بن مُوسَى الصيرفى وَأَبُو الْحُسَيْن الحجاجى وَأَبُو عبد الله ابْن مندة وَآخَرُونَ قَالَ الْحَاكِم هُوَ مُحدث عصره كَانَ مجاب الدعْوَة لم يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء كَمَا بلغنَا نيفا وَأَرْبَعين سنة وصنف فى الزهديات وَورد نيسابور قبل الثلاثمائة فسكنها الحديث: 145 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 قَالَ الْحَاكِم وَكَانَ وراقه أَبُو الْعَبَّاس المصرى خانه واختزل عُيُون كتبه وَأكْثر من خَمْسمِائَة جُزْء من أُصُوله فَكَانَ أَبُو عبد الله يجامله جاهدا فى استرجاعها مِنْهُ فَلم ينجع فِيهِ شئ وَكَانَ كَبِير الْمحل فى الصَّنْعَة فَذهب علمه بِدُعَاء الشَّيْخ عَلَيْهِ توفى فى ذى الْقعدَة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَله ثَمَان وَتسْعُونَ سنة 146 - مُحَمَّد بن عبد الله بن حمدون أَبُو سعيد النيسابورى الزَّاهِد الْعَالم أحد الصَّالِحين سمع من أَبى بكر مُحَمَّد بن حمدون وَمَا أدرى هَل هُوَ عَمه أَو لَا وَمن أَبى حَامِد بن الشرقى وأبى نعيم بن عدى وَغَيرهم روى عَنهُ أَحْمد بن مَنْصُور المغربى وَأَبُو عُثْمَان سعيد البحيرى وَغَيرهمَا وَحدث سِنِين وانتفع بِهِ الْخلق علما ودينا توفى بنيسابور فى ذى الْحجَّة سنة تسعين وثلاثمائة 147 - مُحَمَّد بن عبد الله بن حمشاد الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الحمشادى الإِمَام علما ودينا ذُو الدعْوَة المجابة مولده سنة سِتّ عشرَة وثلاثمائة الحديث: 146 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وتفقه بخراسان على أَبى الْوَلِيد النيسابورى وبالعراق على ابْن أَبى هُرَيْرَة وَسمع أَبَا حَامِد بن بِلَال وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن الْقطَّان وَإِسْمَاعِيل الصفار وَأَبا سعيد ابْن الأعرابى وَآخَرين وَدخل الْحجاز واليمن وَأدْركَ الْأَسَانِيد الْعَالِيَة وَقَرَأَ علم الْكَلَام على أَبى سهل الخليطى قَالَ فِيهِ الْحَاكِم الأديب الزَّاهِد من الْعلمَاء الزهاد الْمُجْتَهدين قَالَ وَكَانَ من الْمُجْتَهدين فى الْعِبَادَة الزاهدين فى الدُّنْيَا تجنب السلاطين وأولياءهم إِلَى أَن خرج من دَار الدُّنْيَا وَهُوَ ملازم لمسجده ومدرسته قد اقْتصر على أوقاف لسلفه عَلَيْهِ قوت يَوْم بِيَوْم تخرج بِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء الواعظين وَظهر لَهُ من مصنفاته أَكثر من ثَلَاثمِائَة كتاب مُصَنف قَالَ وَقد ظهر لنا فى غير شئ أَنه كَانَ مجاب الدعْوَة مرض أَبُو مَنْصُور الْفَقِيه يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر رَجَب وَاشْتَدَّ بِهِ المرضى يَوْم الثُّلَاثَاء السَّابِع من ابْتِدَاء مَرضه فبكرت إِلَيْهِ وَقد ثقل لِسَانه وَكَانَ يُشِير بِأُصْبُعِهِ بِالدُّعَاءِ ثمَّ قَالَ لى بِجهْد جهيد تذكر قصَّة مُحَمَّد بن وَاسع مَعَ قُتَيْبَة بن مُسلم فَقلت تفِيد فَقَالَ إِن قُتَيْبَة كَانَ يجرى على مُحَمَّد بن وَاسع تِلْكَ الأرزاق وَهُوَ شيخ هرم ضَعِيف فعوتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 على ذَلِك فَقَالَ أُصْبُعه فى الدُّعَاء أبلغ فى النَّصْر من رماحكم هَذِه ثمَّ عدت إِلَيْهِ يَوْم الثُّلَاثَاء فَقَالَ لى بعد جهد جهيد أَيهَا الْحَاكِم غير مُودع فإنى راحل فَكَانَ يقاسى لما احْتضرَ من الْجهد مَا يقاسيه وَأَنا أَقُول لِأَصْحَابِنَا إِنَّه يُؤْخَذ لَيْلَة الْجُمُعَة فتوفى رَحمَه الله وَقت الصُّبْح من يَوْم الْجُمُعَة الرَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وغسله أَبُو سعيد الزَّاهِد قلت أَبُو سعيد هُوَ الْمُتَقَدّم مُحَمَّد بن عبد الله بن حمدون 148 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن بشر أَبُو عبد الله المزنى الهروى أَخُو الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد المزنى الإِمَام سمع أَحْمد بن نجدة وعَلى بن مُحَمَّد بن عِيسَى الحكانى حدث بالعراق ونيسابور وهراة مَاتَ بنيسابور فى جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة وَقد قَارب الثَّمَانِينَ الحديث: 148 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 149 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن بَصِير بن ورقة البخارى الشَّيْخ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو بكر الأودنى وأودن قَرْيَة من قرى بُخَارى مَضْمُومَة الْهمزَة فِيمَا قَالَ ابْن السمعانى مَفْتُوحَة فِيمَا قَالَ ابْن مَاكُولَا وَمن تبعه سمع ببخارى أَبَا الْفضل يَعْقُوب بن يُوسُف العاصمى وأقرانه فَمن مشايخه الْهَيْثَم ابْن كُلَيْب الشاشى وَعبد الْمُؤمن بن خلف النسفى وَمُحَمّد بن صابر البخارى روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم حديثين وروى عَنهُ أَيْضا أَبُو عبد الله الحليمى وَمُحَمّد ابْن أَحْمد بن غُنْجَار وجعفر المستغفرى قَالَ فِيهِ الْحَاكِم إِمَام الشافعيين بِمَا وَرَاء النَّهر فى عصره بِلَا مدافعة قدم نيسابور سنة خمس وَسِتِّينَ وَحج ثمَّ انْصَرف فَأَقَامَ عندنَا مُدَّة فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَكَانَ من أزهد الْفُقَهَاء وأورعهم وَأَكْثَرهم اجْتِهَادًا فى الْعِبَادَة وأبكاهم على تَقْصِيره وأشدهم تواضعا وإخباتا وإنابة وَقَالَ الإِمَام فى النِّهَايَة كَانَ الأودنى من دأبه أَن يضن بالفقه على من لَا يسْتَحقّهُ وَلَا يبديه وَإِن كَانَ يظْهر أثر الِانْقِطَاع عَلَيْهِ فى المناظرة الحديث: 149 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 وَحكى أَنه كَانَ يذهب إِلَى الْوَجْه الصَّحِيح وَهُوَ أَنه لَا يجوز للعاصى بِسَفَرِهِ أَن يتَنَاوَل الْميتَة عِنْد الِاضْطِرَار لما فِيهِ من التَّخْفِيف على العاصى وَهُوَ مُتَمَكن من دفع الْهَلَاك عَن نَفسه بِأَن يَتُوب ثمَّ يَأْكُل قَالَ الإِمَام فَلَمَّا ألزم الأودنى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَأخذ الملزم يَقُول هَذَا سعى فى إهلاك نفس معصومة مصونة فَكَانَ الأودنى يَقُول لمن بِالْقربِ مِنْهُ ت ب ك ل يُرِيد تب كل مَعْنَاهُ أَنه الساعى فى دم نَفسه باستمراره على عصيانه فَإِن أَرَادَ الْميتَة فليتب ثمَّ يَأْكُل توفى الأودنى ببخارى سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة 150 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو بكر الصبغى الإِمَام الْفَقِيه الْمُحدث سمع بخراسان من أَبى عَمْرو الحيرى والمؤمل بن الْحسن ومكى بن عَبْدَانِ وَغَيرهم وبالرى من ابْن أَبى حَاتِم وَأكْثر عَنهُ وببغداد من ابْن مخلد والمحاملى وَغَيرهمَا وَأكْثر بنيسابور عَن أَبى حَامِد بن الشرقى روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فى التَّارِيخ أَرْبَعَة أَحَادِيث وحكاية قدمناها فى تَرْجَمَة ابْن الشافعى وَقَالَ كَانَ من أَعْيَان فُقَهَاء الشافعيين كثير السماع والْحَدِيث كَانَ حانوته مجمع الْحفاظ والمحدثين فى مربعة الكرمانيين على بَاب خَان مكى وَكُنَّا نَقْرَأ على أَبى عبد الله بن يَعْقُوب على بَاب حانوته الحديث: 150 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 قلت كَلَام الْحَاكِم دَال على أَن الشَّيْخ كَانَ يَبِيع الصَّبْغ بِنَفسِهِ أَو يعمله بِنَفسِهِ فى الْحَانُوت على عَادَة الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين الَّذين كَانُوا يتسببون فى المعاش توفى فى ذى الْحجَّة سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَهُوَ ابْن نَيف وَخمسين سنة وفى الرافعى فى الْقصاص فى مَسْأَلَة الْمُبَادرَة حكى عَن الماسرجسى أَنه قَالَ سَمِعت أَبَا بكر الصبغى يَقُول كررتها على نفسى ألف مرّة حَتَّى تحققتها وفى بعض النّسخ مَوضِع الصبغى الصيرفى وَلَعَلَّ الصبغى أشبه وَهُوَ فِيمَا أَحسب هَذَا لَا الإِمَام أَبُو بكر بن إِسْحَاق 151 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء بن الْحسن الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر الجوزقى النيسابورى الشيبانى وجوزق الَّتِى ينْسب إِلَيْهَا قَرْيَة من قرى نيسابور وبهراة جوزق أُخْرَى ينْسب إِلَيْهَا أَبُو الْفضل إِسْحَاق الهروى الْحَافِظ كِلَاهُمَا بِفَتْح الْجِيم ثمَّ الْوَاو الساكنة ثمَّ الزاى الْمَفْتُوحَة ثمَّ الْقَاف كَانَ أَبُو بكر أحد أَئِمَّة الْمُسلمين علما ودينا وَكَانَ مُحدث نيسابور وَابْن أُخْت محدثها أَبى إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المزكى روى عَن أَبى الْعَبَّاس السراج وأبى الْعَبَّاس الْأَصَم وأبى نعيم بن عدى الجرجانى وأبى الْعَبَّاس الدغولى رَحل إِلَيْهِ مَعَ خَاله إِلَى سرخس ومكى بن عَبْدَانِ وأبى حَامِد بن الشرقى وأخيه عبد الله بن الشرقى وأبى سعيد بن الأعرابى وأبى على الصفار وَغَيرهم بنيسابور وسرخس وهمذان والرى وَمَكَّة وبغداد وَغَيرهَا الحديث: 151 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله والكنجروذى وَسَعِيد بن مُحَمَّد البحيرى وَمُحَمّد بن على الخشاب وَسَعِيد بن أَبى سعيد الْعيار وَأحمد بن مَنْصُور بن خلف المغربى وَآخَرُونَ وصنف المنسد الصَّحِيح على كتاب مُسلم وَكتاب الْمُتَّفق وَله كتاب آخر فى الْمُتَّفق أبسط من هَذَا الْمَشْهُور فى نَحْو ثَلَاثمِائَة جُزْء يرويهِ أَبُو عُثْمَان الصابونى وَحكى عَنهُ أَنه قَالَ أنفقت فى الحَدِيث مائَة ألف دِرْهَم مَا كسبت بِهِ درهما توفى فى شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة 152 - مُحَمَّد بن عبد الله بن أَبى القاضى أَبُو سعيد قَالَ أَبُو سعيد الكرابيسى كَانَ من أجمل النَّاس وَأَحْسَنهمْ لَهُ البسطة والمكانة وَالْقَبُول عِنْد الْجَمِيع وَكَانَ إِذا خرج إِلَى الْمَسْجِد للقص على النَّاس فَرَآهُ النَّاس لم يتمالكوا عَن الْبكاء وَقَالَ صَاحب الكافى كَانَ من مشاهير عُلَمَاء منصورة وفضلاتهم وأتقيائهم من أَصْحَاب الحَدِيث قَالَ الكرابيسى تفقه بخوارزم على أَبِيه وَسمع مِنْهُ الحَدِيث ثمَّ خرج إِلَى الْعرَاق فَسمع سَعْدَان بن يزِيد وَمُحَمّد بن عبيد الله بن المنادى وَعبد الله بن حَمَّاد وَحَمَّاد ابْن المؤمل وَجَمَاعَة وَتوفى وَلَده سعيد بن مُحَمَّد وَالِد أَبى أَحْمد فى حَيَاته وَكَانَ فَاضلا قد صنف كتاب الحديث: 152 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 الْإِرْشَاد وَغَيره أعنى سعيد بن مُحَمَّد فأصيب وَالِده بمصيبتين فى وَلدين هُوَ أَحدهمَا وَالْآخر أَخُوهُ اسْمه أَبُو القاضى قتلته القرامطة فَصَبر والدهما أَبُو سعيد واحتسب توفى القاضى أَبُو سعيد سنة ثَلَاث عشرَة وثلاثمائة 153 - مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو بكر الصيرفى الإِمَام الْجَلِيل الأصولى أحد أَصْحَاب الْوُجُوه المسفرة عَن فَضله والمقالات الدَّالَّة على جلالة قدره وَكَانَ يُقَال إِنَّه أعلم خلق الله تَعَالَى بالأصول بعد الشافعى تفقه على ابْن سُرَيج وَسمع الحَدِيث من أَحْمد بن مَنْصُور الرمادى روى عَنهُ على بن مُحَمَّد الحلبى وَمن تصانيفه شرح الرسَالَة وَكتاب فى الْإِجْمَاع وَكتاب فى الشُّرُوط توفى سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَهَذِه مناظرة بَينه وَبَين الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى حكى الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الجوينى فى شرح الرسَالَة أَن الشَّيْخ أَبَا بكر الصيرفى اجْتمع بالشيخ أَبى الْحسن فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحسن أَنْت تَقول بِوُجُوب شكر الْمُنعم بِنَاء على مَا ذكرت من أَنه يحْتَمل إِرَادَة الشُّكْر فَإِذا لم يشْكر عاقبه عَلَيْهِ وقولك هَذَا مَعَ اعْتِقَاد أَن الله خلق كفر الْكَافِر وأراده متناقض فإمَّا أَن تَقول أفعالنا مخلوقة لنا أَو تَقول شكر الْمُنعم لَا يجب أبدا لمجرده الحديث: 153 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 قَالَ وَلم قَالَ مذهبك أَن الله يُرِيد كفر الْكَافِر وإرادته كفره لَا توجب الْكفْر فَهَب أَنه تَعَالَى أَرَادَ منا الشُّكْر فإرادته لَا توجب الشُّكْر كَمَا لَا توجب الْكفْر فإمَّا أَن تنفى إِرَادَة الله تَعَالَى الْكفْر وتمشى على مَذْهَب الْمُعْتَزلَة ويمشى لَك أصلك وَإِمَّا أَن تتْرك هَذَا الْمَذْهَب فَقَالَ الصيرفى ترك القَوْل بِوُجُوب الشُّكْر أَهْون فاعتقده ثمَّ كَانَ يكْتب على حواشى كتبه حَيْثُ يصير وجوب شكر الْمُنعم بِمُجَرَّدِهِ مهما قُلْنَا بِوُجُوبِهِ قُلْنَاهُ مَعَ قرينَة الشَّرْع والسمع بِهِ قلت وفى المناظرة دلَالَة على مَا قَالَ القاضى أَبُو بكر فى كتاب التَّقْرِيب والأستاذ أَبُو إِسْحَاق فى التعليقة من أَن طوائف من الْفُقَهَاء ذهبت إِلَى مَذَاهِب الْمُعْتَزلَة فى بعض الْمسَائِل غافلين عَن تشعبها عَن أصولهم الْفَاسِدَة كَمَا سنحكيه إِن شَاءَ الله فى تَرْجَمَة الْقفال الْكَبِير فى هَذِه الطَّبَقَة وَأَقُول جَوَاب الصيرفى أَن يَقُول إِيجَاب الشُّكْر لاحْتِمَال أَنه يُقَال أوجبه لَا أَنه يُقَال أَرَادَهُ وَمثل هَذَا لَا يجِئ فى الْكفْر فَإنَّا على يَقِين بِأَنَّهُ يُقَال مَا أوجبه بل حرمه وَإِن أَرَادَهُ وَلَيْسَ يلْزم من إِرَادَته إِيَّاه إِيجَابه لَهُ فَلَيْسَ فى إِيجَاب شكر الْمُنعم مناقضة لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعَالَى مُرِيد الكائنات بأسرها خَيرهَا وشرها وَمن الرِّوَايَة عَن أَبى بكر الصيرفى ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 154 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْفضل البلعمى بِفَتْح الْبَاء المنقوطة بِوَاحِدَة وَسُكُون اللَّام وَفتح الْعين الْمُهْملَة وفى آخرهَا الْمِيم وَزِير إِسْمَاعِيل بن أَحْمد صَاحب خُرَاسَان استولى جده رَجَاء على بلعم وهى بلد من بِلَاد الرّوم حِين دَخلهَا مسلمة بن عبد الْملك وَأقَام فِيهَا وَكثر نَسْله بهَا فنسبوا إِلَيْهَا وَكَانَ الْوَزير أَبُو الْفضل من أَصْحَاب مُحَمَّد بن نصر المروزى قَالَ الْحَاكِم كَانَ كثير السماع من مَشَايِخ عصره بمرو وبخارى ونيسابور وسمرقند وسرخس وَكَانَ قد سمع أَكثر الْكتب من مُحَمَّد بن نصر قَالَ وَسمعت أَبَا الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْفَقِيه غير مرّة يَقُول كَانَ الشَّيْخ أَبُو الْفضل البلعمى ينتحل مَذْهَب الحَدِيث قَالَ ابْن الصّلاح إِذا أطْلقُوا هَذَا هُنَاكَ انْصَرف إِلَى مَذْهَب الشافعى ولأبى الْفضل مصنفات كتاب تلقيح البلاغة وَكتاب المقالات قَالَ ابْن مَاكُولَا توفى فى صفر سنة تسع وَعشْرين وثلاثمائة الحديث: 154 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 155 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى المزكى أَبُو الْحسن النيسابورى سمع أَبَا الْعَبَّاس الْأَصَم وأقرانه وَحدث توفى فى شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة 156 - مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أَبى هَاشم أَبُو عمر اللغوى الْمَعْرُوف بِغُلَام ثَعْلَب ولد سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ سمع الحَدِيث من مُوسَى بن سهل الوشاء وَمُحَمّد بن يُونُس الكديمى وَأحمد بن عبيد الله النرسى وَإِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم البلدى وَأحمد بن سعيد الْجمال وَبشر بن مُوسَى الأسدى وَجَمَاعَة روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو الْحسن بن رزقويه وَأَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان وَأحمد ابْن عبد الله المحاملى وَأَبُو على بن شَاذان وَهُوَ آخر من حدث عَنهُ الحديث: 155 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 روى الْخَطِيب أَن ابْن الْمَرْزُبَان قَالَ كَانَ ابْن ماسى من دَار كَعْب ينفذ إِلَى غُلَام ثَعْلَب وقتا بعد وَقت كِفَايَته لما ينْفق على نَفسه فَقطع عَنهُ ذَلِك مُدَّة لعذرثم أنفذ إِلَيْهِ جملَة مَا كَانَ فى رسمه وَكتب إِلَيْهِ رقْعَة يعْتَذر من تَأْخِير ذَلِك فَرده وَأمر من بَين يَدَيْهِ أَن يكْتب على ظهر رقعته أكرمتنا فملكتنا ثمَّ أَعرَضت عَنَّا فأرحتنا قَالَ الْخَطِيب سَمِعت غير وَاحِد يحْكى أَن الْأَشْرَاف وَالْكتاب وَأهل الْأَدَب كَانُوا يحْضرُون عِنْد أَبى عمر الزَّاهِد ليسمعوا مِنْهُ كتب ثَعْلَب وَغَيرهَا قَالَ وَكَانَ جَمِيع شُيُوخنَا يوثقونه فِي الحَدِيث وَقَالَ أَبُو على التنوخى من الروَاة الَّذين لم ير قطّ أحفظ مِنْهُم أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب أمْلى من حفظه ثَلَاثِينَ ألف ورقة فِيمَا بلغنى حَتَّى اتَّهَمُوهُ لسعة حفظه فَكَانَ يسْأَل عَن الشئ الذى يظنّ السَّائِل أَنه قد وَضعه فَيُجِيبهُ عَنهُ ثمَّ يسْأَله غَيره عَنهُ بعد سنة فيجيب بذلك الْجَواب وَقَالَ عبد الْوَاحِد بن على بن برهَان لم يتَكَلَّم فى اللُّغَة أحد أحسن من كَلَام أَبى عمر الزَّاهِد قَالَ وَله كتاب غَرِيب الحَدِيث صنفه على مُسْند أَحْمد وَنقل أَن صناعَة أَبى عمر كَانَت التطريز وَكَانَ اشْتِغَاله بِالْعلمِ قد مَنعه من التكسب فَلم يزل مضيقا عَلَيْهِ وَله من التصانيف غَرِيب الحَدِيث وَكتاب الياقوتة وفائت الفصيح والعشرات والشورى وَتَفْسِير أَسمَاء الشُّعَرَاء وَكتاب الْقَبَائِل وَكتاب النَّوَادِر وَكتاب يَوْم وَلَيْلَة وَغير ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 وَفِيه يَقُول أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد اليشكرى (أَبُو عمر أوفى من الْعلم مرتقى ... يزل مساميه ويردى مطاوله) (فَلَو أننى أَقْسَمت مَا كنت كَاذِبًا ... بِأَن لم ير الراؤون بحرا يعادله) (إِذا قلت شارفنا أَوَاخِر علمه ... تفجر حَتَّى قلت هَذَا أَوَائِله) واتفقت لَهُ غَرِيبَة مَعَ القاضى أَبى عمر وَكَانَ أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب مؤدب ولد القاضى أَبى عمر فأملى ثَلَاثِينَ مَسْأَلَة بشواهدها وأدلتها من كَلَام الْعَرَب وَاسْتشْهدَ فى تضاعيفها ببيتين غريبين جدا فعرضهما القاضى أَبُو عمر على ابْن دُرَيْد وَابْن الأنبارى وَابْن مقسم فَلم يعرفوهما وَلَا عرفُوا غَالب مَا ذكر من الأبيات وَقَالَ ابْن دُرَيْد هَذَا مِمَّا وَضعه أَبُو عمر من عِنْده فَلَمَّا جَاءَ أَبُو عمر ذكر لَهُ القاضى مَا قَالَ ابْن دُرَيْد فَطلب من القاضى أَن يحضر لَهُ مَا فى دَاره من دواوين الْعَرَب فَلم يزل يَأْتِيهِ بِشَاهِد لما ذكره بعد شَاهد حَتَّى خرج من الثَّلَاثِينَ مَسْأَلَة ثمَّ قَالَ وَأما البيتان فَإِن ثعلبا أنشدناهما وَأَنت حَاضر فكتبتهما فى دفترك فَطلب القاضى دفتره فَإِذا هما فِيهِ فَلَمَّا بلغ ذَلِك ابْن دُرَيْد كف لِسَانه عَن أَبى عمر الزَّاهِد حَتَّى مَاتَ توفى فى ثَالِث عشر ذى الْقعدَة سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة بِبَغْدَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 157 - مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْأَحَد الإِمَام الْجَلِيل الْقدْوَة الْأُسْتَاذ أَبُو على الثقفى الْجَامِع بَين الْعلم وَالتَّقوى والمتمسك من حبال الشَّرِيعَة بِالسَّبَبِ الْأَقْوَى والسالك للطريقة الَّتِى لَا عوج فِيهَا والحاوى للصفات الَّتِى لَيْسَ سوى المصطفين الأخيار تصطفيها قَالَ فِيهِ الْحَاكِم الإِمَام المقتدى بِهِ فى الْفِقْه وَالْكَلَام والوعظ والورع وَالْعقل وَالدّين قَالَ وَطلب الْعلم على كبر السن فَإِن ابتداءه كَانَ التصوف والزهد والورع وَقَالَ غَيره كَانَ إِمَامًا فى أَكثر عُلُوم الشَّرْع مقدما فى كل فن عطل أَكثر علومه واشتغل بِعلم الصُّوفِيَّة وَتكلم عَلَيْهِم أحسن كَلَام وَبِه ظهر التصوف بنيسابور سمع بنيسابور من مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب وأقرانه وبالرى من مُوسَى بن نصر وأقرانه وببغداد من أَحْمد بن حَيَّان بن ملاعب وَمُحَمّد بن الجهم السمرى وأقرانهما روى عَنهُ أَبُو بكر بن إِسْحَاق وَغَيره من الْأَئِمَّة وتفقه على مُحَمَّد بن نصر المروزى ولقى فى التصوف أَبَا جَعْفَر وحمدون الْقصار قَالَ الْحَاكِم سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الصفار يَقُول سَمِعت أَبَا بكر ابْن إِسْحَاق الحديث: 157 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 يَقُول سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الشيروانى يَقُول مَا ولد فى الْإِسْلَام بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم أَعقل من أَبى على الثقفى وَحكى أَن أَبى بكر الشبلى بعث رجلا من أهل الْعلم قَاصِدا إِلَى نيسابور وَأمره أَن يعلق مجلسى أَبى على الثقفى بِالْغَدَاةِ والعشى لسنة كَامِلَة ويحملها إِلَى حَضرته فَحَضَرَ الرجل وَكَانَ يحضر الْمجْلس بِحَيْثُ لَا يعلم بِهِ فى غمار النَّاس ويعلق كَلَامه فى المجلسين إِلَى أَن تمت السّنة فَانْصَرف إِلَى بَغْدَاد وَعرض على الشبلى تِلْكَ الْمجَالِس وَقد أفرد مِنْهَا مجَالِس الغدوات من مجَالِس العشى فتأملها الشبلى فَقَالَ كَلَام هَذَا الرجل بالغدوات فى علم الْحَقَائِق معجز وَكَلَامه بالعشيات ردى فَاسد بعيد عَن تِلْكَ الْعُلُوم وَذَلِكَ أَنه كَانَ يَخْلُو ليله بسره فيصفو كَلَامه بالغدوات فَقَالَ لَهُ الشبلى هَل رَأَيْت بداره شَيْئا من الْفرش والأوانى الَّتِى يتجمل بهَا أهل الدُّنْيَا فَقَالَ أما الْفرش فَنعم وَكنت أرى طستا دمشقيا فى زَاوِيَة من زَوَايَا الْبَيْت فصاح الشبلى ثمَّ قَالَ فَهَذَا الذى يُغير عَلَيْهِ أَحْوَاله وروى بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن خُزَيْمَة أَنه استفتى فى مسَائِل فَدَعَا بِدَوَاةٍ ثمَّ قَالَ لأبى على الثقفى أجب فَأخذ أَبُو على الْقَلَم وَجعل يكْتب الْأَجْوِبَة ويضعها بَين يدى ابْن خُزَيْمَة وَهُوَ ينظر فِيهَا ويتأمل مَسْأَلَة مَسْأَلَة فَلَمَّا فرغ مِنْهَا قَالَ لَهُ يَا أَبَا على مَا يحل لأحد منا بخراسان أَن يُفْتى وَأَنت حى وروى عَن أَبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج أَنه قَالَ مَا جَاءَنَا من خُرَاسَان أفقه مِنْهُ وَعَن أَبى عُثْمَان الحيرى إِنَّه لينفعنى فى نفسى إِذا نظرت إِلَى خشوع هَذَا الْفَتى يعْنى أَبَا على الثقفى رَحمَه الله قَالَ الْحَاكِم توفى أَبُو على الثقفى لَيْلَة الْجُمُعَة وَدفن يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة وَهُوَ ابْن تسع وَثَمَانِينَ سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 قَالَ وَشهِدت الصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه وَلَا أذكر أَنى رَأَيْت بنيسابور بعده مثل ذَلِك الْجمع قَالَ وسمعته يَقُول فى دُعَائِهِ إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب الْوَهَّاب الْوَهَّاب وَلست أحفظ عَنهُ غَيرهَا قلت وَمن ذكائه حفظ هَذَا الْقدر فقد كَانَ عمره يَوْم وَفَاة الثقفى سبع سِنِين وَقد أَطَالَ الْحَاكِم فى تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ أَبى على وأجاد فِيهَا وَمن كَلِمَات أَبى على رَحمَه الله يَا من بَاعَ كل شئ بِلَا شئ وَاشْترى لَا شئ بِكُل شئ وَقَالَ أُفٍّ من أشغال الدُّنْيَا إِذا هى أَقبلت وأف من حسراتها إِذا هى أَدْبَرت والعاقل من لَا يركن إِلَى شئ إِذا أقبل كَانَ شغلا وَإِذا أدبر كَانَ حسرة وَقَالَ أَرْبَعَة أَشْيَاء لابد للعاقل من حفظهن الْأَمَانَة والصدق وَالْأَخ الصَّالح والسريرة وَقَالَ لَو أَن رجلا جمع الْعُلُوم كلهَا وَصَحب طوائف النَّاس لَا يبلغ مبلغ الرِّجَال إِلَّا بالرياضة من شيخ أَو إِمَام أَو مؤدب نَاصح وَمن لم يَأْخُذ أدبه من آمُر لَهُ وناه يرِيه عُيُوب أَعماله ورعونات نَفسه لَا يجوز الِاقْتِدَاء بِهِ فى تَصْحِيح الْمُعَامَلَات وَقَالَ لَيْسَ شئ أولى بِأَن تمسكه من نَفسك وَلَا شئ أولى بِأَن تغلبه من هَوَاك وَقَالَ من غَلبه هَوَاهُ توارى عَنهُ عقله وَقَالَ الْغَفْلَة وسعت على الْخلق الطَّرِيق فى مَعَايشهمْ وأفعالهم والورع واليقظة ضيقا عَلَيْهِم ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 وَقَالَ من صحب الأكابر على غير طَرِيق الْحُرْمَة حرم فوائدهم وبركات نظرهم وَلَا يظْهر عَلَيْهِ من أنوارهم شئ قَالَ بَعضهم حضرت مجْلِس أَبى على فَتكلم فى الْمحبَّة وأحوال المحبين وَأنْشد فى خلال تِلْكَ الْأَحْوَال (إِلَى كم يكون الصد فى كل سَاعَة ... وَكم لَا تملين القطيعة والهجرا) (رويدك إِن الدَّهْر فِيهِ كِفَايَة ... لتفريق ذَات الْبَين فارتقبى الدهرا) وَمن الْمسَائِل عَنهُ رَحمَه الله قَالَ أَبُو عَاصِم إِن لأبى على كتابا أجَاب فِيهِ عَن الْجَامِع الصَّغِير لمُحَمد بن الْحسن وَقَالَ وَفِيه ذكر أَنه إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت إِن كَانَ كَذَا أَو إِن شَاءَ فلَان قَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ لشَيْء مضى وَقع وَإِن كَانَ بشئ مُسْتَقْبل لم يَقع وَبَطل خِيَارهَا قَالَ الثقفى فِيهِ احْتِمَالَانِ أَحدهمَا أَنه يَقع فى الْحَال إِذا وجد فى الْمجْلس والثانى أَنه يَقع فى الْحَالين إِذا وجد فى الْمجْلس أَو بعده وَقَالَ أَبُو على الزجاجى لَا يَقع بِحَال قلت الاحتمالان غَرِيبَانِ وَمَا ذكره الزجاجى هُوَ الْمَذْهَب ووراءه وَجه فى الرافعى عَن الحناطى أَنه يَصح تَعْلِيق الْمَشِيئَة وَيَقَع الطَّلَاق إِذا قَالَ الْمُعَلق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 بمشيئته شِئْت وَلَكِن لم يتَعَرَّض الْقَائِل لهَذَا الْوَجْه إِلَى أَنه هَل يكون هَذَا دَائِما أَو يخْتَص بِالْمَجْلِسِ وَفقه أَبى حنيفَة دَقِيق وَنَظِير الْمَسْأَلَة لَو قَالَت الزَّوْجَة طلقنى بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ أَنْت طَالِق على الْألف إِن شِئْت قَالَ الْأَصْحَاب فى بَاب الْخلْع لَيْسَ بِجَوَاب لما فِيهِ من التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ بل هُوَ كَلَام يتَوَقَّف على مَشِيئَة مستأنفة قَالَ القاضى الْحُسَيْن فى أول بَاب صفة الصَّلَاة من تعليقته بعد مَا حكى قَول أَبى حنيفَة أَنه لَو نوى فى بَيته أَنه يخرج يصلى فى الْمَسْجِد صَحَّ وَإِن عزبت نِيَّته بعده مَا نَصه سَأَلت أَبَا على الثقفى عَن هَذَا فَقَالَ عندنَا أَنه يجوز ذَلِك إِذا لم يخْطر بِبَالِهِ شئ آخر إِلَى أَن يدْخل فى الصَّلَاة فَلَو كَانَ الْأَمر كَمَا ذكره لم يبْق بَيْننَا وَبَينه فِيهِ خلاف قلت أَبُو على الثقفى هَذَا رجل حنفى رَآهُ القاضى حُسَيْن أما أَبُو على صاحبنا صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة فَلم يُدْرِكهُ أَشْيَاخ القاضى فضلا عَنهُ نبهت عَلَيْهِ لِئَلَّا يَقع فِيهِ الْغَلَط 158 - مُحَمَّد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن زرْعَة الثقفى مَوْلَاهُم أَبُو زرْعَة قاضى دمشق كَانَت دَاره بنواحى بَاب الْبَرِيد وَولى قَضَاء مصر سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلم يل بعده قَضَاء مصر وَلَا قَضَاء الشَّام إِلَّا شافعى الْمَذْهَب غير ابْن خديم قاضى الشَّام فَإِنَّهُ كَانَ أوزاعى الْمَذْهَب ثمَّ لم يزل الْأَمر للشَّافِعِيَّة مصرا وشاما إِلَى أَن ضم الْملك الظَّاهِر بيبرس فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة الْقُضَاة الثَّلَاثَة إِلَى الشَّافِعِيَّة الحديث: 158 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 روى عَنهُ الْحسن الحصائرى وَغَيره وَكَانَ رجلا رَئِيسا يُقَال إِنَّه الذى أَدخل مَذْهَب الشافعى إِلَى دمشق وَإنَّهُ كَانَ يهب لمن يحفظ مُخْتَصر المزنى مائَة دِينَار وَكَانَ قد قَامَ مَعَ أَحْمد بن طولون فى خلع أَبى أَحْمد الْمُوفق ووقف عِنْد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة وَقَالَ أَيهَا النَّاس أشهدكم أَنى خلعت أَبَا أَحْمد كم يخلع الْخَاتم من الْأصْبع فالعنوه فعل ذَلِك أَبُو زرْعَة بِأَمْر أَحْمد بن طولون وَكَانَت قد جرت وقْعَة بَين ابْن الْمُوفق وَبَين خمارويه بن أَحْمد بن طولون تسمى وقْعَة الطواحين انتصر فِيهَا أَحْمد بن الْمُوفق وَرجع إِلَى دمشق وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة بنواحى الرملة فَقَالَ ابْن الْمُوفق لكَاتبه أَحْمد بن مُحَمَّد الواسطى انْظُر من كَانَ يبغضنا فَأخذ يزِيد بن عبد الصَّمد وَأَبُو زرْعَة الدمشقى والقاضى أَبُو زرْعَة مقيدين فاستحضرهم يَوْمًا فى طَرِيقه إِلَى بَغْدَاد فَقَالَ أَيّكُم الْقَائِل قد نزعت أَبَا أَحْمد فربت ألسنتهم ويئسوا من الْحَيَاة قَالَ أَبُو زرْعَة الدمشقى أما أَنا فأبلست وَأما يزِيد فخرس وَكَانَ تمتاما وَكَانَ أَبُو زرْعَة مُحَمَّد بن عُثْمَان أحدثنا سنا فَقَالَ أصلح الله الْأَمِير فَقَالَ الواسطى قف حَتَّى يتَكَلَّم أكبر مِنْك فَقُلْنَا أصلحك الله هُوَ يتَكَلَّم عَنَّا فَقَالَ تكلم فَقَالَ وَالله مَا فِينَا هاشمى صَرِيح وَلَا قرشى صَحِيح وَلَا عربى فصيح وَلَكنَّا قوم ملكنا يعْنى قهرنا ثمَّ روى أَحَادِيث فى السّمع وَالطَّاعَة وَأَحَادِيث فى الْعَفو وَالْإِحْسَان وَكَانَ هُوَ الْمُتَكَلّم بِالْكَلِمَةِ الَّتِى يُطَالب بهَا وَقَالَ إنى أشهدك إيها الْأَمِير أَن نسائى طَوَالِق وعبيدى أَحْرَار ومالى حرَام إِن كَانَ فى هَؤُلَاءِ الْقَوْم أحد قَالَ هَذِه الْكَلِمَة ووراءنا حرم وعيال وَقد تسامع النَّاس بهلاكنا وَقد قدرت وَإِنَّمَا الْعَفو بعد الْقُدْرَة فَقَالَ للواسطى أطلقهُم أطلقهُم لَا كثر الله أمثالهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 قلت وَهَذَا من حسن تصرفه فَإِنَّهُ هُوَ الْقَائِل لَا هم فصدقت يَمِينه قَالَ ابْن زولاق ولى أَبُو زرْعَة مصر سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ يذهب إِلَى قَول الشافعى ويوالى عَلَيْهِ وَكَانَ عفيفا شَدِيد التَّوَقُّف فى إِنْفَاذ الْأَحْكَام وَله مَال كثير وضياع كبار بِالشَّام قَالَ وَكَانَ يرقى من وجع الضرس وَيدْفَع إِلَى صَاحب الوجع حشيشة تُوضَع عَلَيْهِ فيسكن وَكَانَ يزن عَن الْغُرَمَاء الضعفى وَرُبمَا أَرَادَ الْقَوْم النزهة فَيَأْخُذ الْوَاحِد بيد الآخر ويحضره إِلَيْهِ يُطَالِبهُ فَيقر لَهُ ويبكى فيرحمه القاضى ويزن عَنهُ قَالَ ابْن الْحداد الْفَقِيه رَحمَه الله سَمِعت مَنْصُور بن إِسْمَاعِيل يَقُول كنت عِنْد أَبى زرْعَة القاضى فَذكر الْخُلَفَاء فَقلت لَهُ أَيهَا القاضى يجوز أَن يكون السَّفِيه وَكيلا قَالَ لَا قلت فولى امْرَأَة قَالَ لَا قلت فأمينا قَالَ لَا قلت فشاهدا قَالَ لَا قلت فَيكون خَليفَة قَالَ يَا أَبَا الْحسن هَذِه من مسَائِل الْخَوَارِج توفى أَبُو زرْعَة القاضى بِدِمَشْق سنة اثْنَتَيْنِ وثلاثمائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 159 - مُحَمَّد بن على بن أَحْمد أَبُو الْعَبَّاس الأديب الكرجى بِالْجِيم نزيل نيسابور أحد الأدباء الْعلمَاء الزهاد تفقه عِنْد أَبى عبد الله الزبيرى بِالْبَصْرَةِ ولقى أَبَا مُحَمَّد القتبى وَأخذ عَنهُ وَكَانَ عَالما بالفرائض أحد المؤذنين بنيسابور مقدما فى التَّأْدِيب وَمِمَّنْ تأدب عَلَيْهِ أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَذكره فى تَارِيخه وَحكى عَنهُ أورادا نهارية جليلة من صَلَاة وَقِرَاءَة قد كَانَ يعانيها مَعَ شغل التَّأْدِيب وَذكر أَنه اخْتلف إِلَيْهِ أَربع سِنِين فَلَمَّا رَآهُ أفطر إِلَّا فى يومى الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق وَسمع من أَبى خَليفَة وعبدان الأهوازى وأقرانهما روى عَنهُ الْحَاكِم وَسمع مِنْهُ مُخْتَصر الزبيرى توفى فى ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وثلاثمائة الحديث: 159 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 160 - مُحَمَّد بن على بن إِسْمَاعِيل الْقفال الْكَبِير الشاشى الإِمَام الْجَلِيل أحد أَئِمَّة الدَّهْر ذُو الباع الْوَاسِع فى الْعُلُوم وَالْيَد الباسطة وَالْجَلالَة التَّامَّة وَالْعَظَمَة الوافرة كَانَ إِمَامًا فى التَّفْسِير إِمَامًا فى الحَدِيث إِمَامًا فى الْكَلَام إِمَامًا فى الْأُصُول إِمَامًا فى الْفُرُوع إِمَامًا فى الزّهْد والورع إِمَامًا فى اللُّغَة وَالشعر ذَاكِرًا للعلوم محققا لما يُورِدهُ حسن التَّصَرُّف فِيمَا عِنْده فَردا من أَفْرَاد الزَّمَان قَالَ فِيهِ أَبُو عَاصِم العبادى هُوَ أفْصح الْأَصْحَاب قَلما وأثبتهم فى دقائق الْعُلُوم قدما وأسرعهم بَيَانا وأثبتهم جنَانًا وَأَعْلَاهُمْ إِسْنَادًا وأرفعهم عمادا وَقَالَ الحليمى كَانَ شَيخنَا الْقفال أعلم من لَقيته من عُلَمَاء عصره وَقَالَ فى كِتَابه شعب الْإِيمَان فى الشعبة السَّادِسَة وَالْعِشْرين فى الْجِهَاد إمامنا الذى هُوَ أَعلَى من لَقينَا من عُلَمَاء عصرنا صَاحب الْأُصُول والجدل وحافظ الْفُرُوع والعلل وناصر الدّين بِالسَّيْفِ والقلم والموفى بِالْفَضْلِ فى الْعلم على كل علم أَبُو بكر مُحَمَّد بن على الشاشى وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله هُوَ الْفَقِيه الأديب إِمَام عصره بِمَا وَرَاء النَّهر للشافعيين وأعلمهم بالأصول وَأَكْثَرهم رحْلَة فى طلب الحَدِيث وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى كَانَ إِمَامًا وَله مصنفات كَثِيرَة لَيْسَ لأحد مثلهَا وَهُوَ أول من صنف الجدل الْحسن من الْفُقَهَاء وَله كتاب فى أصُول الْفِقْه وَله شرح الرسَالَة وَعنهُ انْتَشَر فقه الشافعى بِمَا وَرَاء النَّهر وَقَالَ ابْن الصّلاح الْقفال الْكَبِير علم من أَعْلَام الْمَذْهَب رفيع وَمجمع عُلُوم هُوَ بهَا عليم وَلها جموع الحديث: 160 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 قلت سمع الْقفال من ابْن خُزَيْمَة وَابْن جرير وَعبد الله المدائنى وَمُحَمّد بن مُحَمَّد الباغندى وأبى الْقَاسِم البغوى وَأبي عرُوبَة الحرانى وطبقتهم روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَقَالَ ورد نيسابور مرّة على ابْن خُزَيْمَة ثمَّ ثَانِيًا عِنْد مُنْصَرفه من الْعرَاق ثمَّ وردهَا على كبر السن وكتبنا عَنهُ غير مرّة ثمَّ اجْتَمَعنَا ببخارى غير مرّة فَكتبت عَنهُ وَكتب عَنى بِخَط يَده وروى أَيْضا عَنهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى وَأَبُو عبد الله الحليمى وَابْن مندة وَأَبُو نصر عمر بن قَتَادَة وَغَيرهم وَذكر الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق أَنه درس على ابْن سُرَيج قَالَ ابْن الصّلاح وَالْأَظْهَر عندنَا أَنه لم يُدْرِكهُ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر بلغنى أَنه كَانَ مائلا عَن الِاعْتِدَال قَائِلا بالاعتزال فى أول مرّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَذْهَب الأشعرى قلت وَهَذِه فَائِدَة جليلة انفرجت بهَا كربَة عَظِيمَة وحسيكة فى الصَّدْر جسيمة وَذَلِكَ أَن مَذَاهِب تحكى عَن هَذَا الإِمَام فى الْأُصُول لَا تصح إِلَّا على قَوَاعِد الْمُعْتَزلَة وطالما وَقع الْبَحْث فى ذَلِك حَتَّى توهم أَنه معتزلى واستند المتوهم إِلَى مَا نقل أَن أَبَا الْحسن الصفار قَالَ سَمِعت أَبَا سهل الصعلوكى وَسُئِلَ عَن تَفْسِير الإِمَام أَبى بكر الْقفال فَقَالَ قدسه من وَجه ودنسه من وَجه أى دنسه من جِهَة نصْرَة مَذْهَب الاعتزال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 قلت وَقد انكشفت الْكُرْبَة بِمَا حَكَاهُ ابْن عَسَاكِر وَتبين لنا بهَا أَن مَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل كَقَوْلِه يجب الْعَمَل بِالْقِيَاسِ عقلا وبخبر الْوَاحِد عقلا وأنحاء ذَلِك فالذى نرَاهُ أَنه لما ذهب إِلَيْهِ كَانَ على ذَلِك الْمَذْهَب فَلَمَّا رَجَعَ لابد أَن يكون قد رَجَعَ عَنهُ فاضبط هَذَا وَقد كنت أغتبط بِكَلَام رَأَيْته للقاضى أَبى بكر فى التَّقْرِيب والإرشاد وللأستاذ أَبى إِسْحَاق الإسفراينى فى تَعْلِيقه فى أصُول الْفِقْه فى مَسْأَلَة شكر الْمُنعم وَهُوَ أَنَّهُمَا لما حكيا القَوْل بِالْوُجُوب عقلا عَن بعض فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة من الأشعرية قَالَا اعْلَم أَن هَذِه الطَّائِفَة من أَصْحَابنَا ابْن سُرَيج وَغَيره كَانُوا قد برعوا فى الْفِقْه وَلم يكن لَهُم قدم راسخ فى الْكَلَام وطالعوا على الْكبر كتب الْمُعْتَزلَة فاستحسنوا عباراتهم وَقَوْلهمْ يجب شكر الْمُنعم عقلا فَذَهَبُوا إِلَى ذَلِك غير عَالمين بِمَا تُؤَدّى إِلَيْهِ هَذِه الْمقَالة من قَبِيح الْمَذْهَب وَكنت أسمع الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يحْكى مَا أقوله عَن الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق مغتبطا بِهِ فَأَقُول لَهُ يَا سيدى قد قَالَه أَيْضا القاضى أَبُو بكر وَلَكِن ذَلِك إِنَّمَا يُقَال فى حق ابْن سُرَيج وأبى على بن خيران والإصطخرى وَغَيرهم من الْفُقَهَاء الذاهبين إِلَى ذَلِك الَّذين لَيْسَ لَهُم فى الْكَلَام قدم راسخ أما مثل الْقفال الْكَبِير الذى كَانَ أستاذا فى علم الْكَلَام وَقَالَ فِيهِ الْحَاكِم إِنَّه أعلم الشافعيين بِمَا وَرَاء النَّهر بالأصول فَكيف يحسن الِاعْتِذَار عَنهُ بِهَذَا فَلَمَّا وقفت على مَا حَكَاهُ ابْن عَسَاكِر انشرحت نفسى لَهُ وأوقع الله فِيهَا أَن هَذِه الْأُمُور أَشْيَاء كَانَ يذهب إِلَيْهَا عِنْد ذَهَابه إِلَى مَذْهَب الْقَوْم وَلَا لوم عَلَيْهِ فى ذَلِك بعد الرُّجُوع وفى شرح الرسَالَة للشَّيْخ أَبى مُحَمَّد الجوينى أَن أَصْحَابنَا اعتذروا عَن الْقفال نَفسه حَيْثُ أوجب شكر الْمُنعم بِأَنَّهُ لم يكن مَنْدُوبًا فى الْكَلَام وأصوله قلت وَهَذَا عندى غير مَقْبُول لما ذكرت وَقد ذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بعد ذَلِك فى هَذَا الْكتاب أَن الْقفال أَخذ علم الْكَلَام عَن الأشعرى وَأَن الأشعرى كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ الْفِقْه كَمَا كَانَ هُوَ يقْرَأ عَلَيْهِ الْكَلَام وَهَذِه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 الْحِكَايَة كَمَا تدل على مَعْرفَته بِعلم الْكَلَام وَذَلِكَ لَا شكّ فِيهِ كَذَلِك تدل على أَنه أشعرى وَكَأَنَّهُ لما رَجَعَ عَن الاعتزال وَأخذ فى تلقى علم الْكَلَام عَن الْأَشْعَرِيّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ على كبر السن لعلى رُتْبَة الأشعرى ورسوخ قدمه فى الْكَلَام وَقِرَاءَة الأشعرى الْفِقْه عَلَيْهِ تدل على علو مرتبته أعنى مرتبَة الْقفال وَقت قِرَاءَته على الأشعرى وَأَنه كَانَ بِحَيْثُ يحمل عَنهُ الْعلم قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق مَاتَ الْقفال سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة قَالَ ابْن الصّلاح وَهُوَ وهم قطعا قلت أرخ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَفَاته فى آخر سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة بالشاش وَهُوَ الصَّوَاب ومولده فِيمَا ذكره ابْن السمعانى سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فَيكون عمره حِين توفى ابْن سُرَيج سبع سِنِين وَيكون قد جَاوز الْعشْرين يَوْم موت الأشعرى بسنوات على الْخلاف فى وَفَاة الأشعرى وَمن الرِّوَايَة عَنهُ حَدَّثَنى الْحَافِظ أَبُو سعيد خَلِيل بن كيكلدى العلائى من لَفظه بالقدس الشريف أخبرنَا الْقَاسِم بن المظفر عَن مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُقدر أخبرنَا أَبُو عَمْرو عبد الْوَهَّاب أخبرنَا أَبى الْحَافِظ مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنَا مُحَمَّد بن على الشاشى حَدثنَا ابْن أَبى دَاوُد حَدثنَا إِسْحَاق عَن شَاذان حَدثنَا سعيد عَن الْحسن بن عمَارَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن سعيد بن الْمسيب عَن أنس بن مَالك رضى الله عَنهُ قَالَ سَمِعت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَأَنا رَدِيف أَبى طَلْحَة (لبيْك بِحجَّة وَعمرَة مَعًا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 وَمن نظم الْقفال وَقد اختصر شَيخنَا الذهبى وَأكْثر من تَرْجَمَة على قَوْله فِيمَا رَوَاهُ البيهقى عَن عمر بن قَتَادَة أَنه قَالَ أنشدنا أَبُو بكر الْقفال لنَفسِهِ (أوسع رحلى على من نزل ... وزادى مُبَاح على من أكل) (نقدم حَاضر مَا عندنَا ... وَإِن لم يكن غير بقل وخل) (فَأَما الْكَرِيم فيرضى بِهِ ... وَأما الْبَخِيل فَمن لم أبل) ووقفت لَهُ أَنا على قصيدة طنانة وَكلمَة بديعة شَأْنهَا عَجِيب وَأَنا موردها إِن شَاءَ الله أخبرنَا يُونُس بن إِبْرَاهِيم بن عبد القوى الدبابيسى إجَازَة قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَبى عبد الله بن المقير كِتَابَة عَن الْحَافِظ أَبى الْفضل ابْن نَاصِر قَالَ كتب إِلَى أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَبى نصر بن عبد الله الحميدى أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن مَنْصُور الشاشى قدم علينا بَغْدَاد وَنحن بهَا قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن بويه الزراد قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا حَاضر أسمع ببنج ده مروالروذ فى مدرسة مرست قَالَ سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن الحليمى يَقُول أخبرنى عبد الْملك بن مُحَمَّد الشَّاعِر أَنه كَانَ فِيمَن غزا الرّوم من أهل خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر عَام النفير وَفِيهِمْ يَوْمئِذٍ أَبُو بكر مُحَمَّد بن على ابْن إِسْمَاعِيل الْقفال إِمَام الْمُسلمين فوردت من نقفور عَظِيم الرّوم على الْمُسلمين قصيدة ساءتهم وَشقت عَلَيْهِم لما كَانَ اللعين أجْرى إِلَيْهِم فِيهَا من التثريب والتعيير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 وضروب الْوَعيد والتهديد وَكَانَ فى ذَلِك الْجمع غير وَاحِد من الأدباء والفصحاء وَالشعرَاء من كور خُرَاسَان وبلاد الشَّام وَمَدَائِن الْعرَاق فَلم يكمل لجوابها من بَينهم إِلَّا الشَّيْخ أَبُو بكر الْقفال وَأخْبر عبد الْملك هَذَا أَنه أسر بعد وُصُول جَوَاب الشَّيْخ إِلَيْهِم فَلَمَّا بلغ قسطنطينية اجْتمع أَحْبَارهم عَلَيْهِ يسألونه عَن الشَّيْخ من هُوَ وَمن أى بلد هُوَ ويتعجبون من قصيدته وَيَقُولُونَ مَا علمنَا أَن فى الْإِسْلَام رجلا مثله وَأَن الْوَارِدَة من نقفور عَلَيْهِ لعائن الله تَعَالَى كَانَت باسم الْفضل الإِمَام الْمُطِيع الله أَمِير الْمُؤمنِينَ رَحمَه الله وهى (من الْملك الطُّهْر المسيحى رِسَالَة ... إِلَى قَائِم بِالْملكِ من آل هَاشم) (أما سَمِعت أذناك مَا أَنا صانع ... بلَى فعداك الْعَجز عَن فعل حَازِم) (فَإِن تَكُ عَمَّا قد تقلدت نَائِما ... فإنى عَمَّا همنى غير نَائِم) (ثغوركم لم يبْق فِيهَا لوهنكم ... وضعفكم إِلَّا رسوم المعالم) (فتحنا ثغور الأرمنية كلهَا ... بفتيان صدق كالليوث الضراغم) (وَنحن جلبنا الْخَيل تعلك لجمها ... ويلعب مِنْهَا بَعْضهَا بالشكائم) (إِلَى كل ثغر بالجزيرة آهل ... إِلَى جند قنسرينكم والعواصم) (وملطى مَعَ سميساط من بعد كركر ... وفى الْبَحْر أَصْنَاف الْفتُوح القواصم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 (وبالحدث الْبَيْضَاء جالت عساكرى ... وكيسوم بعد الجعفرى المعالم) (ومرعش أذللنا أعزة أَهلهَا ... فَصَارَت لنا من بَين عبد وخادم) (وسل بسروج إِذْ خرجنَا بجمعه ... تميد بِهِ تعلو على كل قَائِم) (وَأهل الرها لاذوا بِنَا وتحزموا ... بمنديل مولى جلّ عَن وصف آدم) (وصبح رَأس الْعين منا بطارق ... ببيض عدوناها بِضَرْب الجماجم) (ودارا وميافارقين وأردنا ... صبحناهم بِالْخَيْلِ مثل الضراغم) (وملنا على طرسوس مَيْلَة غابن ... أذقناهم فِيهَا بحز الحلاقم) (وإأقريطش مَالَتْ إِلَيْهَا مراكبى ... على ظهر بَحر مُزْبِد متلاطم) (فحزناهم أسرا وسيقت نِسَاؤُهُم ... ذَوَات الشُّعُور المسبلات الفواحم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 (هُنَاكَ فتحنا عين زربة عنْوَة ... بهم فأبدنا كل طاغ وظالم) (نعم وفتحنا كل حصن ممنع ... فسكانه نهب النسور القشاعم) (إِلَى حلب حَتَّى استبحنا حريمها ... وَهدم مِنْهَا سورها كل هَادِم) (وَكم ذَات خدر حرَّة علوِيَّة ... منعمة الْأَطْرَاف غرثى المعاصم) (سبينَا وسقنا خاضعات حواسرا ... بِغَيْر مُهُور لَا وَلَا حكم حَاكم) (وَكم من قَتِيل قد تركنَا مجندلا ... يصب دَمًا بَين اللها واللهازم) (وَكم وقْعَة فى الدَّرْب ذاقت كماتكم ... فسقناكم سوقا كسوق الْبَهَائِم) (وملنا إِلَى أرتاحكم وحريمها ... بمعجزة تَحت العجاج السوالم) (فأهوت أعاليها وَبدل رسمها ... من الْأنس وحشا بعد بيض نواعم) (إِذا صَاح فِيهَا البوم جاوبه الصدى ... وأسعده فى النوح نوح الحمائم) (وأنطاك لم تبعد على وإننى ... سألحقها يَوْمًا بنزوة حَازِم) (ومسكن آبائى دمشق وَإنَّهُ ... سيرجع فِيهَا ملكهَا تَحت خاتمى) (أياقطنى الرملات وَيحكم ارْجعُوا ... إِلَى أَرض صنعاكم وَأَرْض التهائم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 (ومصر سأفتحها بسيفى عنْوَة ... وأحرز أَمْوَالًا بهَا فى غنائمى) (وكافور أغزوه بِمَا يسْتَحقّهُ ... بِمشْط ومقراض ومص المحاجم) (أَلا شمروا يَا آل حران وَيْلكُمْ ... أتتكم جيوش الرّوم مثل الغمائم) (فَإِن تهربوا تنجوا كراما أعفة ... من الْملك المغرى بترك المسالم) (أَلا شمروا يَا آل بَغْدَاد وَيْلكُمْ ... فملككم مستضعف غير دَائِم) (رَضِيتُمْ بِأَن الديلمى خَليفَة ... فصرتم عبيدا للعبيد الديالم) (فعودوا إِلَى أَرض الْحجاز أَذِلَّة ... وخلوا بِلَاد الرّوم أهل المكارم) (سألقى بجيشى نَحْو بَغْدَاد سالما ... إِلَى بَاب طاق ثمَّ كرخ القماقم) (فَأحرق أَعْلَاهَا وأهدم سورها ... وأسبى ذراريها على رغم راغم) (وَمِنْهَا إِلَى شيراز والرى فاعلموا ... خُرَاسَان قصدى بالجيوش الصوارم) (فأسرع مِنْهَا نَحْو مَكَّة سائرا ... أجر جيوشا كالليالي السواجم) (فأملكها دهرا سليما مُسلما ... وأنصب كرسيا لأَفْضَل عَالم) (وأغزو يمانا أَو بِلَاد يمامة ... وصنعاءها مَعَ صعدة والتهائم) (وأتركها قفرا يبابا بلاقعا ... خلاء من الأهلين أَرض المعالم) (وَأسرى إِلَى الْقُدس الَّتِى شرفت لنا ... عَزِيزًا مكينا ثَابتا للدعائم) (ملكنا عَلَيْكُم حِين جَار قويكم ... وعاملتم بالمنكرات العظائم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 (قضاتكم باعوا جهارا قضاءهم ... كَبيع ابْن يَعْقُوب ببخس دَرَاهِم) (شيوخكم بالزور طرا تشاهدوا ... وبالبز والبرطيل فى كل عَالم) (سأفتح أَرض الشرق طرا ومغربا ... وأنشر دين الصلب نشر العمائم) ثمَّ ذكر ثَلَاثَة أَبْيَات لم أستجز حكايتها فَأجَاب الشَّيْخ الإِمَام الْقفال الشاشى رَحمَه الله قَائِلا (أتانى مقَال لامرئ غير عَالم ... بطرق مجارى القَوْل عِنْد التخاصم) (تخرص ألقابا لَهُ جد كَاذِب ... وَعدد أثارا لَهُ جد واهم) (وأفرط إرعادا بِمَا لَا يطيقه ... وأدلى ببرهان لَهُ غير لَازم) (تسمى بطهر وَهُوَ أنجس مُشْرك ... مدنسة أثوابه بالمداسم) (وَقَالَ مسيحى وَلَيْسَ كذاكم ... أَخُو قسوة لَا يحتذى فعل رَاحِم) (وَلَيْسَ مسيحيا جهولا مثلثا ... يَقُول لعيسى جلّ عَن وصف آدم) (وَمَا الْملك الطُّهْر المسيحى غادرا ... وَلَا فَاجِرًا ركَانَة للمظالم) (تثبت هداك الله إِن كنت طَالبا ... لحق فَلَيْسَ الْخبط فعل المقاسم) (وَلَا تتكبر بالذى أَنْت لم تنَلْ ... كلابس ثوب الزُّور وسط المقاوم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 (تعدد أَيَّامًا أَتَت لوقوعها ... سنُون مَضَت من دَهْرنَا المتقادم) (سبقت بهَا دهرا وَأَنت تعدها ... لنَفسك لَا ترْضى بشرك المساهم) (وَمَا قدر أرتاح ودارا فيذكرا ... فخارا إِذا عدت مساعى القماقم) (وَمَا الْفَخر فى ركض على أهل غرَّة ... وَهل ذَاك إِلَّا من مَخَافَة هازم) (وَهل نلْت إِلَّا صقع طرسوس بعد أَن ... تسلمتها من أَهلهَا كالمسالم) (ومصيصة بالغدر قتلت أَهلهَا ... وَذَلِكَ فى الْأَدْيَان إِحْدَى العظائم) (ترى نَحن لم نوقع بكم وبلادكم ... وقائع يثنى ذكرهَا فى المواسم) (مئين ثَلَاثًا من سِنِين تَتَابَعَت ... ندوس الذرى من هامكم بالمناسم) (وَلم تفتح الأقطار شرقا ومغربا ... فتوحا تناهت فى جَمِيع الأقالم) (أَتَذكر هَذَا أم فُؤَادك هائم ... فَلَيْسَ بناس كل ذَا غير هائم) (وَمن شَرّ يَوْم للفتى هيمانه ... فيا هائما بل نَائِما شَرّ نَائِم) (وَلَو كَانَ حَقًا كل مَا قلت لم يكن ... علينا لكم فضل وفخر مَكَارِم) (فمنكم أَخذنَا كل مَا قد أَخَذْتُم ... وأضعاف أَضْعَاف لَهُ بالصماصم) (طردناكم قهرا إِلَى أَرض رومكم ... فطرتم من السامات طرد النعائم) (لجأتم إِلَيْهَا كالقنافذ جثما ... أدلاهم عَن حتفه كل حاطم) (وَلَوْلَا وَصَايَا للنبى مُحَمَّد ... بكم لم تنالوا أَمن تِلْكَ المجاثم) (فَأنْتم على خسر وَإِن عَاد بُرْهَة ... إِلَيْكُم حواشيها لغفلة قَائِم) (وَنحن على فضل بِمَا فى أكفنا ... وفخر عَلَيْكُم بالأصول الجسائم) (وَنَرْجُو وشيكا أَن يسهل رَبنَا ... لرد خوافى الريش تَحت القوادم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 (وعظمت من أَمر النِّسَاء وَعِنْدنَا ... لكم ألف ألف من إِمَاء وخادم) (وَلَكِن كرمنا إِذْ ظفرنا وَأَنْتُم ... ظفرتم فكنتم قدوة للألائم) (وَقلت ملكناكم بجور قضاتكم ... وبيعهم أحكامهم بِالدَّرَاهِمِ) (وفى ذَاك إِقْرَارا بِصِحَّة ديننَا ... وَأَنا ظلمنَا فابتلينا بظالم) (وعددت بلدانا تُرِيدُ افتتاحها ... وَتلك أَمَان سَاقهَا حلم حالم) (وَمن رام فتح الشرق والغرب ناشرا ... لدين صَلِيب فَهُوَ أَخبث رائم) (وَمن دَان للصلبان يبغى بِهِ الْهدى ... فَذَاك حمَار وسمه فى الخراطم) (وَلَيْسَ وليا للمسيح مثلث ... فيرجوه نقفور لمحو المآثم) (وَعِيسَى رَسُول الله مَوْلُود مَرْيَم ... غذته كَمَا قد غذيت بالمطاعم) (وَأما الذى فَوق السَّمَوَات عَرْشه ... فخالق عِيسَى وَهُوَ محيى الرمائم) (وَمَا يُوسُف النجار بعلا لِمَرْيَم ... كَمَا زَعَمُوا أكذب بِهِ قَول زاعم) (وإنجيلهم فِيهِ بَيَان لقولنا ... وبشرى بآت بعد للرسل خَاتم) (وَسَماهُ بارقليط يأتى بكشف مَا ... أَتَاهُم بِهِ من حمله غير كاتم) (وَكَانَ يُسمى بِابْن دَاوُد فيهم ... بِحَيْثُ إِذا يدعى بِهِ فى التكالم) (وَهل أمسك المنديل إِلَّا لحَاجَة ... وَهل حَاجَة إِلَّا لعبد وخادم) (وَإِن كَانَ قد مَاتَ النبى مُحَمَّد ... فأسوة كل الْأَنْبِيَاء الأعاظم) (وَعِيسَى لَهُ فى الْمَوْت وَقت مُؤَجل ... يَمُوت لَهُ كالرسل من آل آدم) (فَإِن دفعُوا هَذَا فقد عجلوا لَهُ ... وَفَاة بصلب وارتكاب صيالم) (صيالم من إكليل شوك وأحبل ... يجر بهَا نَحْو الصَّلِيب ولاطم) (وَإِن يَك أَوْلَاد لِأَحْمَد جرعوا ... شَدَائِد من أسر وجز جماجم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 (فعيسى على مَا تَزْعُمُونَ مجرع ... من الْقَتْل طعما مثل طعم العلاقم) (وَيحيى وزَكَرِيا وَخلق سواهُمَا ... أكارم عِنْد الله نجل أكارم) (تولتهم أيدى الطغاة فَلم تنَلْ ... قضاياهم من ذَاك وصمة واصم) (فَمن مبلغ نقفور عَنى مقالتى ... جَوَابا لما أبداه من نظم ناظم) (لَئِن كَانَ بعض الْعَرَب طارت قُلُوبهم ... أَو ارْتَدَّ مِنْهُم حشْوَة كَالْبَهَائِمِ) (لقد أسلمت بالشرق هِنْد وسندها ... وصين وأتراك الرِّجَال الْأَعَاجِم) (بتدبير مَنْصُور بن نوح وجنده ... وأشياخه أهل النهى والعزائم) (وَإِن تَكُ بَغْدَاد أُصِيبَت بملكها ... وَصَارَت عبيدا للعبيد الديالم) (فللحق أنصار وَللَّه صفوة ... يذودون عَنهُ بِالسُّيُوفِ الصوارم) (فَمن عرب غلب مُلُوك بغالب ... وَمن عجم صيد مُلُوك بهازم) (فبالدين مِنْهُم قَائِم أى قَائِم ... وللملك مِنْهُم هَاشم أى هَاشم) (جزى الله سيف الدولة الْخَيْر بَاقِيا ... وأكرمه بالفاضلات الكرائم) (وألبس مَنْصُور بن نوح سَلامَة ... تدوم لَهُ مَا عَاشَ أدوم دَائِم) (هما أمنا الْإِسْلَام من كل هاضم ... وصانا بِنَاء الدّين عَن كل هَادِم) (وَمن مبلغ نقفور عَنى نصيحة ... بتقدمة قُدَّام عض الأباهم) (أتتك خُرَاسَان تجر خيولها ... مسومة مثل الْجَرَاد السوائم) (كهول وشبان حماة أحامس ... ميامن فى الهيجاء غير مشائم) (غزَاة شروا أَرْوَاحهم من إلاههم ... بجناته وَالله أوفى مساوم) (فَإِن تعرضوا فَالْحق أَبْلَج وَاضح ... معالمه مَشْهُورَة كالمعالم) (تَعَالَوْا نحاكمكم ليحكم بَيْننَا ... إِلَى السَّيْف أَن السَّيْف أعدل حَاكم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 (سيجرى بِنَا وَالله كَاف وَعَاصِم ... لنا خير واف للعباد وَعَاصِم) (وَنَرْجُو بِفضل الله فتحا معجلا ... ننال بقسطنطين ذَات الْمَحَارِم) (هُنَاكَ ترى نقفور وَالله قَادر ... يُنَادى عَلَيْهِ قَائِما فى المقاسم) (ويجرى لنا فى الرّوم طرا وَأَهْلهَا ... وأموالها جمعا سِهَام الْمَغَانِم) (فيضحك منا سنّ جذلان باسم ... ويقرع مِنْهُ سنّ خزيان نادم) (وَإِن تسلموا فالسلم فِيهِ سَلامَة ... وأهنا عَيْش للفتى عَيْش سَالم) وَقَول الْقفال فى جَوَابه إِن نقفور تشبع بِمَا لم يُعْط صَحِيح فَإِنَّهُ افتخر بأخذهم سروج والآخذ لَهَا غَيره من الرّوم وَكَذَلِكَ جَزِيرَة إقريطش إِنَّمَا أَخذهَا ملك الرّوم أرمانوس بن قسطنطين وكل ذَلِك قبل سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة وَإِنَّمَا تملك نقفور اللعين سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة ونقفور هُوَ الدمستق فتح المصيصة بِالسَّيْفِ ثمَّ سَار إِلَى طرسوس فَطلب أَهلهَا الْأمان ودخلها وَجعل الْجَامِع اصطبلا لدوابه وَصَارَت بِأَيْدِيهِم فِيمَا أَحسب إِلَى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فتحهَا الْأَمِير سيف الدّين بيدمر الخوارزمى حَال نيابته بحلب أحسن الله جزاءه وَأما سيف الدولة بن حمدَان فقد كَانَت لَهُ الْآثَار الجميلة إِذْ ذَاك وغزا الرّوم فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فى ثَلَاثِينَ ألفا وَفتح حصونا عديدة وَقتل وسبى وغنم ثمَّ أَخذ الرّوم عَلَيْهِ الدَّرْب واستولوا على عسكره قتلا وأسرا وَله مَعَهم حروب يطول شرحها والمنديل الْمشَار إِلَيْهِ كَانَ من آثَار عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد أهل الرها يتبركون بِهِ فحاصرها إِلَى أَن صالحوه وسلموه إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 وَقد وقفت للفقيه أَبى مُحَمَّد ابْن حزم الظاهرى على جَوَاب عَن هَذِه القصيدة الملعونة أَجَاد فِيهِ وَكَأَنَّهُ لم يبلغهُ جَوَاب الْقفال فَمن جَوَاب أَبى مُحَمَّد (من المحتمى بِاللَّه رب العوالم ... وَدين رَسُول الله من آل هَاشم) (مُحَمَّد الهادى إِلَى الله بالتقى ... وبالرشد وَالْإِسْلَام أفضل قَائِم) (عَلَيْهِ من الله السَّلَام مرددا ... إِلَى أَن يوافى الْبَعْث كل العوالم) (إِلَى قَائِل بالإفك جهلا وضلة ... على النقفور المنبرى فى الْأَعَاجِم) (دَعَوْت إِمَامًا لَيْسَ من أَمر آله ... بكفيه إِلَّا كالرسوم الطواسم) (دهته الدواهى فى خِلَافَته كَمَا ... دهت قبله الْأَمْلَاك دهم الدواهم) (وَلَا عجب من نكبة أَو ملمة ... تصيب الْكَرِيم الْحر وَابْن الأكارم) (وَلَا عجب من نكبة أَو ملمة ... تصيب الْكَرِيم الْحر وَابْن الأكارم) (وَلَو أَنه فى حَال ماضى جدوده ... لجرعتم مِنْهُ سموم الأراقم) (عَسى عطفة لله فى أهل دينه ... تجدّد مِنْهُم دارسات المعالم) (فخرتم بِمَا لَو كَانَ فهم يريكم ... حقائق دين الله أحكم حَاكم) (إِذن لعرتكم خجلة عِنْد ذكره ... وأخرس مِنْكُم كل قيل مخاصم) (سلبناكم دهرا ففزتم بكرَة ... من الدَّهْر أَفعَال الضِّعَاف العزائم) (فطرتم سُرُورًا عِنْد ذَاك ونخوة ... كَفعل المهين النَّاقِص المتعاظم) (وَمَا ذَاك إِلَّا فى تضاعيف غَفلَة ... عرتنا وَصرف الدَّهْر جم الْمَلَاحِم) (وَلما تنازعنا الْأُمُور تخاذلا ... ودالت لأهل الْجَهْل دولة ظَالِم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 (وَقد شغلت فِينَا الخلائف فتْنَة ... لعبدانهم من تَركهم والديالم) (بِكفْر أياديهم وَجحد حُقُوقهم ... لمن رَفَعُوهُ من حضيض الْبَهَائِم) (وثبتم على أطرافنا عِنْد ذَلِكُم ... وثوب لصوص عِنْد غَفلَة نَائِم) (ألم ننتزع مِنْكُم بأيد وَقُوَّة ... جَمِيع بِلَاد الشَّام ضَرْبَة لَازم) (ومصر وَأَرْض القيروان بأسرها ... وأندلسا قسرا بِضَرْب الجماجم) (ألم تنتصف مِنْكُم على ضعف حَالهَا ... صقلية فى بحرها المتلاطم) (أحلّت بقسطنطينة كل نكبة ... وسامتكم سوء الْعَذَاب الملازم) (مشَاهد تقديساتكم وبيوتها ... لنا وبأيدينا على رغم راغم) (أما بَيت لحم وَالْقُمَامَة بعْدهَا ... بأيدى رجال الْمُسلمين الأعاظم) (وكرسيكم فى أَرض إسكندرية ... وكرسيكم فى الْقُدس فى أورشالم) (ضممناهم قسرا برغم أنوفكم ... كَمَا ضمت السَّاقَيْن سود الأداهم) (وكرسى أنطاكية كَانَ بُرْهَة ... ودهرا بِأَيْدِينَا وبذل الملاغم) (فَلَيْسَ سوى كرسى رومة فِيكُم ... وكرسى قسطنطينة فى المقادم) (ولابد من عود الْجَمِيع بأسره ... إِلَيْنَا بعزم قاهر متعاظم) (أَلَيْسَ يزِيد حل وسط دِيَاركُمْ ... على بَاب قسطنطينة بالصوارم) (ومسلمة قد داسها بعد ذاكم ... بِجَيْش لهام كالليوث الضراغم) (وأخدمكم بالذل مَسْجِدنَا الذى ... بنى فِيكُم فى عصرنا المتقادم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 (إِلَى جنب قصر الْملك فى أَرض ملككم ... أَلا هَذِه حَقًا صريمة صارم) (وَأدّى لهارون الرشيد مليككم ... إتاوة مغلوب وجزية غَارِم) (سلبناكم مسرى شهورا بِقُوَّة ... حبانا بهَا الرَّحْمَن أرْحم رَاحِم) (إِلَى أَرض يَعْقُوب وأرياف دومة ... إِلَى لجة الْبَحْر الْبعيد الْمَحَارِم) (فَهَل سِرْتُمْ فى أَرْضنَا قطّ جُمُعَة ... أَبى الله ذاكم يَا بقاة الهزائم) (فَمَا لكم إِلَّا الأمانى وَحدهَا ... بضائع نوكى تِلْكَ أضغاث حالم) (رويدا يعد نَحْو الْخلَافَة نورها ... ويكشف مغبر الْوُجُوه السواهم) (وَحِينَئِذٍ تَدْرُونَ كَيفَ فراركم ... إِذا صدمتكم خيل جَيش مصادم) (على سلف الْعَادَات منا ومنكم ... ليالى أَنْتُم فى عداد الْغَنَائِم) (سبيتم سَبَايَا لَيْسَ يكثر عدهَا ... وسبيكم فِينَا كقطر الغمائم) (فَلَو رام خلق عدهَا رام معجزا ... وأنى بتعداد لريش الحمائم) (بأبناء حمدَان وكافور صلتم ... أراذل أنجاس قصار المعاصم) (دعى وحجام أَتَوْكُم فتهتم ... وَمَا قدر مصاص دِمَاء المحاجم) (ليالى قدناكم كَمَا اقتاد جازر ... جمَاعَة أتياس لحز الحلاقم) (وسقنا على رسل بَنَات ملوككم ... سَبَايَا كَمَا سيقت ظباء الصرائم) (وَلَكِن سلوا عَنَّا هرقلا وَمن خلا ... لكم من مُلُوك مكرمين قماقم) (يُخْبِركُمْ عَنَّا المتوج مِنْكُم ... وقيصركم عَن سبينَا كل آيم) (وَعَما فتحنا من منيع بِلَادكُمْ ... وَعَما أَقَمْنَا فِيكُم من مسالم) (ودع كل نذل منتم لَا تعده ... إِمَامًا وَلَا من محكمات الدعائم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 (فهيهات سامرا وتكريت مِنْكُم ... إِلَى جبل تلكم أمانى هائم) (مَتى يتمناها الضَّعِيف ودونها ... تطاير هامات وحز الغلاصم) (وَمن دون بَغْدَاد سيوف حَدِيدَة ... ميسرَة للحرب من آل هَاشم) (محلّة أهل الزّهْد وَالْخَيْر والتقى ... ومنزلة محتلها كل عَالم) (دعوا الرملة الغراء عَنْكُم ودونها ... من الْمُسلمين الصَّيْد كل ملازم) (وَدون دمشق كل جَيش كَأَنَّهُ ... سحائب طير تنتحى بالقوادم) (وَضرب يلقى الرّوم كل مذلة ... كَمَا ضرب الضراب بيض الدَّرَاهِم) (وَمن دون أكناف الْحجاز جحافل ... كقطر الغيوث الهاملات السواجم) (بهَا من بنى عدنان كل سميذع ... وَمن حى قحطان كرام العمائم) (وَلَو قد لَقِيتُم من قضاعة عصبَة ... لَقِيتُم ضراما فى يبيس الهشائم) (إِذا صبحوكم ذكروكم بِمَا خلا ... لَهُم مَعكُمْ من مأزق متلاحم) (زمَان يقودون الصوافن نحوكم ... ليبغوا يسارا مِنْكُم فى الْمَغَانِم) (سَيَأْتِيكُمْ مِنْهُم قَرِيبا عصائب ... تنسيكم تذكار أَخذ العواصم) (وَأَمْوَالكُمْ فئ لَهُم ودماؤكم ... بهَا يشتفى حر النُّفُوس الحوائم) (وأرضكم حَقًا سيقتسمونها ... كَمَا فعلوا دهرا بِعدْل المقاسم) (وَلَو طرقتكم من خُرَاسَان عصبَة ... وشيراز والرى القلاع القوائم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 (لما كَانَ مِنْكُم عِنْد ذَلِك غير مَا ... عهدنا لكم ذل وعض الأباهم) (فقد طَال مَا زاروكم فى بِلَادكُمْ ... مسيرَة عَام بالخيول الصلادم) (وَأما سجستان وكرمان والألى ... بكابل حلوا فى ديار البراهم) (فمغزاهم فى الْهِنْد لَا يعرفونكم ... بِغَيْر أَحَادِيث لذكر التهازم) (وَفِي فَارس والسوس جمع عرموم ... وَفِي أَصْبَهَان كل أروع عازم) (فَلَو قد أَتَاكُم جمعهم لغدوتم ... فرائس للآساد مثل الْبَهَائِم) (وبالبصرة الزهراء والكوفة الَّتِى ... سمت وبأدنى وَاسِط كالكظائم) (جموع تسامى الرمل جم عديدهم ... فَمَا أحد ينوى لقاهم بسالم) (وَمن دون بَيت الله مَكَّة والتى ... حباها بمجد للثريا ملازم) (مَحل جَمِيع الأَرْض مِنْهَا تَيَقنا ... محلّة سفل الْخُف من فص خَاتم) (دفاع من الرَّحْمَن عَنْهَا بِحَقِّهَا ... فَمَا هُوَ عَمَّا كرّ طرف برائم) (بهَا دفع الأحبوش عَنْهَا وقبلهم ... بحصباء طير من ذرا الجو حائم) (وَجمع كموج الْبَحْر مَاض عَرَمْرَم ... حمى سرة الْبَطْحَاء ذَات الْمَحَارِم) (وَمن دون قبر الْمُصْطَفى وسط طيبَة ... جموع كمسود من اللَّيْل فَاحم) (يقودهم جَيش الْمَلَائِكَة الْعلَا ... كفاحا ودفعا عَن مصل وصائم) (فَلَو قد لقيناكم لعدتم رمائما ... بِمن فى أعالى نجدنا والحضارم) (وباليمن الْمَمْنُوع فتيَان غَارة ... إِذا مَا لقوكم كُنْتُم كالمطاعم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 (وفى حلتى أَرض الْيَمَامَة عصبَة ... مغاور أنجاد طوال البراجم) (سنفنيكم والقرمطيين دولم ... يعود لميمون النقيبة حَازِم) (خَليفَة حق ينصر الدّين حِكْمَة ... وَلَا يتقى فى الله لومة لائم) (إِلَى ولد الْعَبَّاس تنمى جدوده ... بفخر عميم أَو لزهر العباشم) (مُلُوك جرى بالنصر طَائِر سعدهم ... فأهلا بماض مِنْهُم وبقادم) (محلتهم فى مجْلِس الْقُدس أَو لَدَى ... منَازِل بَغْدَاد مَحل الأكارم) (وَإِن كَانَ من عليا عدى وتيمها ... وَمن أَسد أهل الصّلاح الحضارم) (فأهلا وسهلا ثمَّ نعمى ومرحبا ... بهم من خِيَار سالفين أقادم) (هم نصروا الْإِسْلَام نصرا مؤزرا ... وهم فتحُوا الْبلدَانِ فتح المراغم) (رويدا فوعد الله بِالصّدقِ وَارِد ... بتجريع أهل الْكفْر طعم العلاقم) (سنفتح قسطنطينة وذواتها ... ونجعلكم قوت النسور القشاعم) (ونملك أقْصَى أَرْضكُم وبلادكم ... ونلزمكم ذَلِك الجزى والمغارم) (ونفتح أَرض الصين والهند عنْوَة ... بِجَيْش بِأَرْض التّرْك والخزر حاطم) (مواعيد للرحمن فِينَا صَحِيحَة ... وَلَيْسَت كأمثال الْعُقُول السقائم) (إِلَى أَن يرى الْإِسْلَام قد عَم حكمه ... جَمِيع الْبِلَاد بالجيوش الصوارم) (أتقرن يَا مخذول دين مثلث ... بعيد عَن الْمَعْقُول بادى المآثم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 (تدين لمخلوق يدين عبَادَة ... فيا لَك سحقا لَيْسَ يخفى لكاتم) (أَنا جيلكم مصنوعة بتكاذب ... كَلَام الألى فِيمَا أَتَوا بالعظائم) (وعود صَلِيب لَا تزالون سجدا ... لَهُ يَا عقول الهاملات السوائم) (تدينون تضلالا بصلب إِلَهكُم ... بأيدى يهود أرذلين ألائم) (إِلَى مِلَّة الْإِسْلَام تَوْحِيد رَبنَا ... فَمَا دين ذى دين لنا بمقاوم) (وَصدق رسالات الذى جَاءَ بِالْهدى ... مُحَمَّد الآتى بِرَفْع الْمَظَالِم) (وأذعنت الْأَمْلَاك طَوْعًا لدينِهِ ... ببرهان صدق ظَاهر فى المواسم) (كَمَا دَان فى صنعاء يَا لَك دولة ... وَأهل عمان حَيْثُ رَهْط الجهاضم) (وَسَائِر أَمْلَاك اليمانين أَسْلمُوا ... وَمن بلد الْبَحْرين قوم اللهازم) (أجابوا لدين الله دون مَخَافَة ... وَلَا رَغْبَة تحظى بهَا كف عادم) (فحلوا عرى التيجان طَوْعًا ورغبة ... لحق يَقِين بالبراهين ناجم) (وحاباه بالنصر المليك إلاهه ... وصير من عَادَاهُ تَحت المناسم) (فَقير وحيد لم تعنه عشيرة ... وَلَا دفعُوا عَنهُ شتيمة شاتم) (وَلَا عِنْده مَال عتيد لناصر ... وَلَا دفع مرهوب وَلَا لمسالم) (وَلَا وعد الْأَنْصَار دنيا تخصهم ... بلَى كَانَ مَعْصُوما لأعظم عَاصِم) (فَلم تمتهنه قطّ هوة آسر ... وَلَا مكنت من جِسْمه يَد لاطم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 (كَمَا يفترى زورا وإفكا وضلة ... على وَجه عِيسَى مِنْكُم كل آثم) (على أَنكُمْ قد قُلْتُمْ هُوَ ربكُم ... فيالضلال فى الحماقة جاثم) (أَبى الله أَن يدعى لَهُ ابْن وَصَاحب ... ستلقى دعاة الْكفْر حَالَة نادم) (وَلكنه عبد نبى مكرم ... من النَّاس مَخْلُوق وَلَا قَول زاعم) (أيلطم وَجه الرب تَبًّا لجهلكم ... لقد فقتم فى جهلكم كل ظَالِم) (وَكم آيَة أبدى النبى مُحَمَّد ... وَكم علم أبداه للشرك حاطم) (تساوى جَمِيع النَّاس فى نصر حَقه ... فللكل من إعظامه حَال خَادِم) (فعرب وأحبوش وَترك وبربر ... وَفرس بهم قد فَازَ قدح المساهم) (وقبط وأنباط وخزر وَدَيْلَم ... وروم رموكم دونه بالقواصم) (أَبَوا كفر أسلاف لَهُم فتحنفوا ... فآبوا بحظ فى السَّعَادَة جاثم) (بِهِ دخلُوا فى مِلَّة الْحق كلهم ... ودانوا لأحكام الْإِلَه اللوازم) (بِهِ صَحَّ تَفْسِير الْمَنَام الذى أَتَى ... بِهِ دانيال قبله ختم خَاتم) (وَسَنَد وَهِنْد أَسْلمُوا وتدينوا ... بدين الْهدى فى رفض دين الْأَعَاجِم) (وشق لنا بدر السَّمَوَات آيَة ... وَأَشْبع من صَاع لَهُ كل طاعم) (وسالت عُيُون المَاء فى وسط كَفه ... فأروى بِهِ جَيْشًا كثير القماقم) (وَجَاء بِمَا تقضى الْعُقُول بصدقه ... وَلَا كدعاو غير ذَات قَوَائِم) (عَلَيْهِ سَلام الله مَا ذَر شارق ... تعاقبه ظلماء أسحم عاتم) (براهينه كَالشَّمْسِ لَا مثل قَوْلكُم ... وتخليطكم فى جَوْهَر وأقانم) (لنا كل علم من قديم ومحدث ... وَأَنْتُم حمير ذاهبات المحازم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 (أتيتم بِشعر بَارِد متخاذل ... ضَعِيف معانى النّظم جم البلاغم) (فدونكها كالعقد فِيهِ زمرد ... ودر وَيَاقُوت بإحكام حَاكم) ذكر نخب وفوائد ومسائل وغرائب عَن الْقفال الْكَبِير ... ... ... ... ... ... ... . . 161 - إِسْمَاعِيل بن عبد الْوَاحِد أَبُو هَاشم الربعى المقدسى ولى قَضَاء مصر نَحوا من شَهْرَيْن فى سنة إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة ثمَّ أَصَابَهُ فالج فتحول إِلَى الرملة وَمَات بهَا سنة خمس وَعشْرين وثلاثمائة 162 - إِسْمَاعِيل بن نجيد بن أَحْمد بن يُوسُف بن خَالِد أَبُو عَمْرو بن نجيد السلمى النيسابورى الزَّاهِد العابد شيخ الصُّوفِيَّة قَالَ فِيهِ الْحَاكِم الشَّيْخ العابد الزَّاهِد شيخ عصره فى التصوف وَالْعِبَادَة والمعاملة وَأسْندَ من بقى بخراسان فى الرِّوَايَة ورث من آبَائِهِ أَمْوَالًا جزيلة فأنفقها على الْعلمَاء ومشايخ الزّهْد وَصَحب من أَئِمَّة الْحَقَائِق الشَّيْخ الْجُنَيْد وَأَبا عُثْمَان الحيرى وَغَيرهمَا وَسمع من إِبْرَاهِيم بن أَبى طَالب وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجى وأبى مُسلم الْكَجِّي وَعبد الله بن أَحْمد ابْن حَنْبَل وَمُحَمّد بن أَيُّوب الرازى وعَلى بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد وَغَيرهم الحديث: 161 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 روى عَنهُ سبطة أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو نصر أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الصفار وَعبد القاهر بن طَاهِر الْفَقِيه وصاعد بن مُحَمَّد القاضى وَطَائِفَة آخِرهم أَبُو حَفْص عمر بن مسرور وَعَن أَبى عُثْمَان الحيرى أَنه قَالَ وَخرج من عِنْده ابْن نجيد يلومنى النَّاس فى هَذَا الْفَتى وَأَنا لَا أعرف على طَرِيقَته سواهُ وَعنهُ أَنه قَالَ أَبُو عَمْرو خلفى من بعدى وَكَانَ يُقَال أَبُو عَمْرو من أوتاد الأَرْض وَذكر الْحَاكِم أَنه سمع أَبَا سعيد بن أَبى بكر بن أَبى عُثْمَان يذكر أَن جده أَبَا عُثْمَان طلب شَيْئا لبَعض الثغور فَتَأَخر عَنهُ فَضَاقَ صَدره وَبكى على رُءُوس النَّاس فَأَتَاهُ أَبُو عَمْرو ابْن نجيد بعد الْعَتَمَة بكيس فِيهِ ألفا دِرْهَم ففرح بِهِ أَبُو عُثْمَان ودعا لَهُ وَلما جلس فى مَجْلِسه قَالَ يَا أَيهَا النَّاس لقد رَجَوْت لأبى عَمْرو فَإِنَّهُ نَاب عَن الْجَمَاعَة فى ذَلِك الْأَمر وَحمل كَذَا وَكَذَا فجزاه الله عَنى خيرا فَقَامَ أَبُو عَمْرو على رُءُوس الأشهاد وَقَالَ إِنَّمَا حملت ذَلِك من مَال أمى وهى غير راضية فينبغى أَن ترده على لأرده عَلَيْهَا فَأمر أَبُو عُثْمَان بذلك الْكيس فَأخْرج إِلَيْهِ وتفرق النَّاس فَلَمَّا جن اللَّيْل جَاءَ إِلَى أَبى عُثْمَان فى مثل ذَلِك الْوَقْت وَقَالَ يُمكن أَن تجْعَل هَذَا فى مثل ذَلِك الْوَجْه من حَيْثُ لَا يعلم بِهِ غَيرنَا فَبكى أَبُو عُثْمَان وَكَانَ بعد ذَلِك يَقُول أَنا أخْشَى من همة أَبى عَمْرو توفى ابْن نجيد فى شهر ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة بنيسابور وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى لجدى طَريقَة ينْفَرد بهَا من صور الْحَال وتلبيسه قلت كَأَن طَريقَة كَانَ ينحو نَحْو طَريقَة الملامتية الَّذين يكتمون الْأَعْمَال ويظهرون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 خلَافهَا وَيدل على ذَلِك مَا قدمْنَاهُ من حكايته فى الألفى دِرْهَم مَعَ أَبى عُثْمَان وَلكنه لَا يوافقهم من كل وَجه بل هُوَ أعلا قدما مِنْهَا فَإِن تِلْكَ الطَّرِيقَة عِنْد الأقوياء ضَعِيفَة يعتمدها من يخْشَى على نَفسه قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن سَمِعت جدى يَقُول لَا يصفو لأحد قدم فى الْعُبُودِيَّة حَتَّى تكون أَفعاله عِنْده كلهَا رِيَاء وأحواله كلهَا عِنْده دعاوى قلت وَهَذَا من الطّراز الأول قَالَ وسمعته يَقُول من قدر على إِسْقَاط جاهه عِنْد الْخلق سهل عَلَيْهِ الْإِعْرَاض عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا 163 - بنْدَار بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْمُهلب الشيرازى أَبُو الْحُسَيْن الصوفى خَادِم الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى سكن أرجان قَالَ السلمى كَانَ عَالما بالأصول لَهُ اللِّسَان الْمَشْهُور فى علم الْحَقِيقَة كَانَ الشبلى يُكرمهُ ويقدمه وَبَينه وَبَين مُحَمَّد بن خَفِيف مفاوضات فى مسَائِل رد على مُحَمَّد بن خَفِيف فى مَسْأَلَة الإغانة وَغَيرهَا حِين رد ابْن خَفِيف على أقاويل الْمَشَايِخ فصوب بنْدَار أقاويل الْمَشَايِخ الحديث: 163 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ بنْدَار من أهل الْفضل المتميزين بالمعرفة وَالْعلم وَلم يكْتب لَهُ مُسْندًا غير حَدِيث وَاحِد مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وثلاثمائة وَمن كَلَامه من مَشى فى الظلمَة إِلَى ذى النعم أجلسه على بِسَاط الْكَرم وَمن قطع لِسَانه بشفرة السُّكُوت بنى لَهُ بَيت فى الملكوت وَمن وَاصل أهل الْجَهَالَة ألبس ثوب البطالة وَمن أَكثر ذكر الله شغله عَن ذكر النَّاس وَمن هرب الذُّنُوب هرب بِهِ من النَّار وَمن رجا شَيْئا طلبه أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل إِذْنا خَاصّا أخبرنَا الْمُسلم بن مُحَمَّد بن عَلان كِتَابَة أخبرنَا أَبُو الْيمن أخبرنَا أَبُو مَسْعُود أخبرنَا الْخَطِيب أخبرنَا أَبُو سعد المالينى أخبرنَا أَبُو أَحْمد عبد الله بن عمر البكرى حَدثنَا بنْدَار بن الْحُسَيْن حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد حَدثنَا الْحُسَيْن بن الْحسن عَن عبد الرَّحْمَن بن مهدى حَدثنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد مُوسَى بن وردان عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْمَرْء على دين خَلِيله فَلْينْظر أحدكُم من يخال) 164 - أَبُو بكر المحمودى الإِمَام الْجَلِيل أحد الرفعاء من أَصْحَاب الْوُجُوه ذكره العبادى فى طبقَة أَبى على الثقفى وَأَنا أَحْسبهُ تفقه على أَبى إِسْحَاق الحديث: 164 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 المروزى تفقه الْكَبِير على الْأَكْبَر فَمن تلامذة أَبى إِسْحَاق من كَانَ يتلمذ بَين يدى أَبى بكر الا ترى قَول الشَّيْخ أَبى زيد المروزى وَقد قَالَ فى مَرِيض أعتق عبدا لَا مَال لَهُ سواهُ فَمَاتَ قبل السَّيِّد إِنَّه يَمُوت رَقِيقا كُله أجبْت بِهِ فى مجْلِس الشَّيْخ أَبى بكر المحمودى فرضيه وحمدنى عَلَيْهِ ذكر الرافعى أَن هَذَا يُؤثر عَن الشَّيْخ أَبى زيد المروزى 165 - حسان بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن هَارُون بن حسان بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَنْبَسَة بن سعيد بن الْعَاصِ القرشى الأموى الإِمَام الْجَلِيل أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا أَبُو الْوَلِيد النيسابورى تلميذ أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج ولد بعد السّبْعين وَمِائَتَيْنِ وَسمع أَحْمد بن الْحسن الصوفى وَغَيره بِبَغْدَاد وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجى وَمُحَمّد بن نعيم بنيسابور وَالْحسن بن سُفْيَان بنسا وَغَيرهم حدث عَنهُ القاضى أَبُو بكر الحيرى وَالْإِمَام أَبُو طَاهِر بن محمش الزيادى وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد السلهى الصفار وَغَيرهم قَالَ الْحَاكِم كَانَ إِمَام أهل الحَدِيث بخراسان وأزهد من رَأَيْت من الْعلمَاء الحديث: 165 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 وأعبدهم وَأَكْثَرهم تقشفا ولزوما لمدرسته وبيته وَله كتاب الْمُسْتَخْرج على صَحِيح مُسلم قَالَ الْحَاكِم أرانا أَبُو الْوَلِيد نقش خَاتمه الله ثِقَة حسان بن مُحَمَّد وَقَالَ أرانا عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدى نقش خَاتمه الله ثِقَة عبد الْملك بن مُحَمَّد وَقَالَ أرانا الرّبيع نقش خَاتمه الله ثِقَة الرّبيع بن سُلَيْمَان وَقَالَ كَانَ نقش خَاتم الشافعى رضى الله عَنهُ الله ثِقَة مُحَمَّد بن إِدْرِيس قَالَ الْحَاكِم وسمعته فى مَرضه الذى مَاتَ فِيهِ يَقُول قَالَت لى والدتى كنت حَامِلا بك وَكَانَ للْعَبَّاس بن حَمْزَة مجْلِس فاستأذنت أَبَاك أَن أحضر مَجْلِسه فى أَيَّام الْعشْر فَأذن لى فَلَمَّا كَانَ آخر الْمجْلس قَالَ الْعَبَّاس بن حَمْزَة قومُوا فَقَامُوا وَقمت مَعَهم فَأخذ الْعَبَّاس يَدْعُو فَقلت اللَّهُمَّ هَب لى ابْنا عَالما فَرَجَعت إِلَى الْمنزل فَبت تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن رجلا أتانى فَقَالَ أبشرى فَإِن الله قد اسْتَجَابَ دعوتك ووهب ولدا ذكرا وَجعله عَالما ويعيش كَمَا عَاشَ أَبوك قلت وَكَانَ أَبى عَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة قَالَ الْأُسْتَاذ وَهَذِه قد تمت لى اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سنة قَالَ الْحَاكِم فَعَاشَ الْأُسْتَاذ بعد الْحِكَايَة أَرْبَعَة أَيَّام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 قَالَ الْحَاكِم وَدخلت عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعشَاء من لَيْلَة الْجُمُعَة وَهُوَ قَاعد فَأَشَارَ إِلَى بِيَدِهِ أَن انْصَرف فقد أمسيت فَلم أنصرف إِلَى أَن صليت صَلَاة الْعَتَمَة فى منزله فَقَالَ خرج على من يحمل جنازتى إِلَى الْمِيقَات فَانْصَرَفت فَمَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَة وَقت السحر قَالَ وَسمعت أَحْمد بن عمر الزَّاهِد يَقُول رَأَيْت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد فى الْمَنَام فَسَأَلته عَن حَاله فَقَالَ قابلت أَو عارضت جَمِيع مَا قلت فَكنت أَخْطَأت فى عشْرين أَو أحد وَعشْرين الشَّك من الرائى قَالَ وَسمعت أَبَا الْحسن عبد الله بن مُحَمَّد الْفَقِيه يَقُول مَا وَقعت فى ورطة قطّ وَلَا وَقع لى أَمر مُهِمّ فقصدت قبر أَبى الْوَلِيد وتوسلت بِهِ إِلَى الله تَعَالَى إِلَّا اسْتَجَابَ الله لى قَالَ وَسمعت أَبَا سعيد الأديب يَقُول سَأَلت أَبَا على الثقفى فى مَرضه الذى مَاتَ فِيهِ من نسْأَل بعْدك فى الْحَلَال وَالْحرَام فَقَالَ أَبُو الْوَلِيد توفى الْأُسْتَاذ أَبُو الْوَلِيد لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس شهر ربيع الأول سنة تسع وَأَرْبَعين وثلاثمائة بنيسابور وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَن أَبى الْوَلِيد رَحمَه الله قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا الْوَلِيد يَقُول وَسَأَلته أَيهَا الْأُسْتَاذ قد صَحَّ عندنَا حَدِيث الثورى عَن أَبى إِسْحَاق عَن الْأسود عَن عَائِشَة رضى الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينَام وَهُوَ جنب وَلَا يمس مَاء وَكَذَا صَحَّ حَدِيث نَافِع وَعبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 ابْن عمر أَن عمر رضى الله عَنهُ قَالَ يارسول الله أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنب قَالَ نعم إِذا تَوَضَّأ فَقَالَ لى أَبُو الْوَلِيد سَأَلت ابْن سُرَيج عَن الْحَدِيثين فَقَالَ الحكم بهما جَمِيعًا أما حَدِيث عَائِشَة فَإِنَّمَا أَرَادَت أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يمس مَاء للْغسْل وَأما حَدِيث عمر فمفسر فِيهِ ذكر الْوضُوء وَبِه نَأْخُذ قَالَ الْحَاكِم وَسمعت أَبَا الْوَلِيد يحْتَج فى رفع الْيَدَيْنِ فَقَالَ إِن للصَّلَاة أفعالا كل فعل مِنْهَا أَوله مَنُوط بِذكر فينبغى أَن يكون آخِره كَذَلِك فَإِذا كَانَ الْقيام الذى هُوَ للصَّلَاة وابتداؤه بِذكر مَنُوط بهيئة وهى رفع الْيَدَيْنِ فَكَذَلِك آخر قِيَامه وَالْخُرُوج مِنْهُ لابد أَن يأتى بِذكر والهيئة مقرونة بِهِ وَلَئِن جَازَ أَن يسْقط عَن آخِره جَازَ أَن يسْقط عَن أَوله فَرفع بِلَا ذكر كَمَا ركع بِلَا هَيْئَة رفع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 166 - الْحسن بن أَحْمد بن يزِيد بن عِيسَى بن الْفضل بن بشار بن عبد الحميد ابْن عبد الله بن هَانِئ بن قبيصَة بن عَمْرو بن عَامر الإِمَام الْجَلِيل أَبُو سعيد الإصطخرى قَالَ قُم أحد الرفعاء من أَصْحَاب الْوُجُوه سمع سَعْدَان بن نصر وَأحمد بن مَنْصُور الرمادى وعباس بن مُحَمَّد الدورى وحنبل ابْن إِسْحَاق وَحَفْص بن عَمْرو الربالى وَمُحَمّد بن عبد الله بن نَوْفَل وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن المظفر وَابْن شاهين وَأَبُو الْحسن بن نَوْفَل الجندي والدارقطنى وَغَيرهم مولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْخَطِيب كَانَ أحد الْأَئِمَّة الْمَذْكُورين وَمن شُيُوخ الْفُقَهَاء الشافعيين وَكَانَ ورعا زاهدا متقللا قَالَ وحدثنى أَبُو الطّيب قَالَ حكى لى عَن الداركى أَنه قَالَ سَمِعت أَبَا إِسْحَاق المروزى يَقُول لما دخلت بَغْدَاد لم يكن بهَا من يسْتَحق أَن أدرس عَلَيْهِ إِلَّا أَبُو سعيد الإصطخرى وَأَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج قَالَ القاضى أَبُو الطّيب وَهَذَا يدل على أَن أَبَا على بن خيران لم يكن يُقَاس بهما الحديث: 166 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 قَالَ أَبُو إِسْحَاق المروزى سُئِلَ يَوْمًا أَبُو سعيد عَن الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا إِذا كَانَت حَامِلا هَل تجب لَهَا النَّفَقَة فَقَالَ نعم فَقيل لَهُ لَيْسَ هَذَا من مَذْهَب الشافعى فَلم يصدق فأروه كِتَابه فَلم يرجع وَقَالَ إِن لم يكن مذْهبه فَهُوَ مَذْهَب على وَابْن عَبَّاس قَالَ أَبُو إِسْحَاق فَحَضَرَ يَوْمًا مجْلِس النّظر مَعَ أَبى الْعَبَّاس بن سُرَيج وتناظرا وَجرى بَينهمَا كَلَام فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس أَنْت سُئِلت عَن مَسْأَلَة فأخطأت فِيهَا وَأَنت رجل كَثْرَة أكل الباقلا قد ذهب بدماغك فَقَالَ أَبُو سعيد فى الْحَال وَأَنت كَثْرَة أكل الْخلّ والمرى قد ذهب بِدينِك قَالَ القاضى أَبُو الطّيب وَكَانَ من الْوَرع وَالدّين بمَكَان وَيُقَال كَانَ قَمِيصه وسراويله وطيلسانه من شقة وَاحِدَة وَكَانَت فِيهِ حِدة وَولى حسبَة بَغْدَاد وَكَانَ القاهر الْخَلِيفَة قد استفتاه فى الصابئين فأفتاه بِقَتْلِهِم لِأَنَّهُ تبين لَهُ أَنهم يخالفون الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَأَنَّهُمْ يعْبدُونَ الْكَوَاكِب فعزم الْخَلِيفَة على ذَلِك حَتَّى جمعُوا من بَينهم مَالا كثيرا لَهُ قدر فَكف عَنْهُم قَالَ الطبرى وَحكى عَن الداركى أَنه قَالَ مَا كَانَ أَبُو إِسْحَاق المروزى يُفْتى بِحَضْرَة الإصطخرى إِلَّا بِإِذْنِهِ وَقَالَ أَبُو حَفْص عمر بن على المطوعى من خَبره يعْنى الإصطخرى أَن المقتدر استقضاه على سجستان فَسَار إِلَيْهَا وَنظر فى مناكحاتهم فَأصَاب معظمها مَبْنِيا على غير اعْتِبَار الولى فأنكرها غَايَة الْإِنْكَار وأبطلها عَن آخرهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 قلت وَمن أخباره فى قَضَائِهِ أَيْضا مَا حَكَاهُ الرافعى فى الْعدَد أَنه أَتَى بسقط لم تظهر فِيهِ الصُّورَة والتخطيط لكل أحد وَلَكِن قَالَت القوابل وَأهل الْخِبْرَة من النِّسَاء إِن فِيهِ صُورَة خُفْيَة وهى بَيِّنَة لنا وَإِن خفيت على غَيرنَا فَلم يحكم بِثُبُوت الِاسْتِيلَاد وَهَذَا خلاف مَذْهَب الشافعى قَالَ الرافعى فَجَاءَت القوابل فصببن عَلَيْهِ مَاء حارا وغسلنه فظهرت الصُّورَة قَالَ ابْن الرّفْعَة وَحكى ابْن دَاوُد فى شَرحه أَن أَبَا على بن خيران عرضت عَلَيْهِ مُضْغَة ألقتها امْرَأَة فَدَعَا بِمَاء حَار وصبه عَلَيْهَا فتبينت مِنْهَا الخطوط فَحكم بِأَنَّهُ وَلَدهَا قلت قد كَانَ ابْن خيران معاصرا لأبى سعيد وبلديه فَلَعَلَّ أَبَا سعيد لما لم يصغ إِلَى كَلَام القوابل رفعت الْمَسْأَلَة إِلَى ابْن خيران فَلَمَّا تبين الْحَال رَجَعَ أَبُو سعيد هَذَا مُحْتَمل وَتَكون الْوَاقِعَة وَاحِدَة وَمن أخباره فى حسبته أَنه كَانَ يأتى إِلَى بَاب القاضى فَإِذا لم يجده جَالِسا يفصل القضايا أَمر من يستكشف عَنهُ هَل بِهِ عذر يمنعهُ من الْجُلُوس من أكل أَو شرب أَو حَاجَة الْإِنْسَان وَنَحْو ذَلِك فَإِن لم يجد بِهِ عذرا أمره بِالْجُلُوسِ للْحكم وَمِنْهَا أَنه أحرق مَكَان الملاهى من أجل مَا يعْمل فِيهِ من الملاهى وَهَذَا مِنْهُ دَلِيل أَنه كَانَ يرى جَوَاز إِفْسَاد مَكَان الْفساد إِذا تعين طَرِيقا وَقيل كَانُوا يعْملُونَ فِيهِ من الملاهى اللّعب وفى الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة للماوردى قَالَ وَذكر الإِمَام فى النِّهَايَة عِنْد الْكَلَام فى الْأَجِير الْمُشْتَرك الإصطخرى وَقَالَ إِنَّه كثير الهفوات فى الْقَوَاعِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 وَذكر صَاحب الكافى فى تَارِيخ خوارزم فى تَرْجَمَة مُحَمَّد بن أَبى سعيد الفراتى أَنه قَالَ لما انصرفت من بَغْدَاد لقِيت أَبَا سعيد الإصطخرى بهمذان منصرفا من مَدِينَة قُم وَكَانَ قد ولى قضاءها فَحكى لنا أَنه مَاتَ بهَا رجل وَترك بِنْتا وَعَما فَتَحَاكَمُوا إِلَى فى الْمِيرَاث فَقضيت فِيهِ بِحكم الله للْبِنْت النّصْف والباقى للعم فَقَالَ أهل قُم لَا نرضى بِهَذَا الْقَضَاء أعْط الْبِنْت المَال كُله فَقلت لَا يحل هَذَا فى الشَّرِيعَة فَقَالُوا لَا نَتْرُكك هُنَا قَاضِيا قَالَ فَكَانُوا يتسورون دارى بِاللَّيْلِ ويحولون الأسرة عَن أماكنها وَأَنا لَا أشعر فَإِذا أَصبَحت عجبت من ذَلِك فَقَالَ أوليائى إِنَّهُم يرونك أَنهم إِذا قدرُوا على هَذَا قدرُوا على قَتلك فَخرجت مِنْهَا هَارِبا قَالَ وَكَانَ مَذْهَبهم مَذْهَب الغرابية المَال كُله للْبِنْت وهم قوم من شرار الروافض يذهبون إِلَى هَذِه الْمقَالة لأجل فَاطِمَة رضى الله عَنْهَا مَاتَ بِبَغْدَاد فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة وَدفن بِبَاب حَرْب وَمن الرِّوَايَة عَن أَبى سعيد أخبرنَا أَبُو سعيد خَلِيل بن كيكلدى الْحَافِظ سَمَاعا فِيمَا أَحسب فَإِن لم يكن فَهُوَ إجَازَة قَالَ أخبرنَا الْقَاسِم بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ عَن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد وَغَيره أخبرنَا عبد الْحق بن يُوسُف أخبرنَا عمى عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد أخبرنَا مُحَمَّد ابْن عبد الْملك أخبرنَا على بن عمر الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو سعيد الإصطخرى الْحسن بن أَحْمد الْفَقِيه حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نَوْفَل حَدثنَا أَبى حَدثنَا يُونُس بن بكير حَدثنَا ابْن إِسْحَاق عَن الْمنْهَال بن الْجراح عَن حبيب بن نجيح عَن عبَادَة بن نسى عَن معَاذ رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره حِين وَجهه إِلَى الْيمن أَلا يَأْخُذ من الْكسر شَيْئا (إِذا كَانَت الْوَرق مائتى دِرْهَم فَخذ مِنْهَا خَمْسَة دَرَاهِم وَلَا تَأْخُذ مِمَّا زَاد شَيْئا حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ درهما فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ درهما فَخذ مِنْهَا درهما) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 قَالَ الدارقطنى هَذَا حَدِيث // ضَعِيف // والمنهال بن الْجراح هُوَ الْجراح بن الْمنْهَال كَانَ ابْن إِسْحَاق يقلب اسْمه إِذا روى عَنهُ وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَعبادَة بن نسى لم يسمع من معَاذ رضى الله عَنهُ شَيْئا وَمن الْمسَائِل والفوائد والغرائب عَنهُ قَالَ ينْتَقض الْوضُوء بِمَسّ الْأَمْرَد وَقَالَ إِذا ولى الْقَضَاء غير مُجْتَهد وَوَافَقَ حكمه الْحق نفذت تِلْكَ الْحُكُومَة نَقله ابْن عَبْدَانِ فى كتاب شَرَائِط الْأَحْكَام وَقَالَ إِن للْأُم التَّصَرُّف فى مَال الصبى بعد الْجد مُقَدّمَة على الوصى وَقيل إِنَّمَا الثَّابِت عَنهُ أَنَّهَا تتصرف بعد الوصى حَكَاهُ ابْن يُونُس عَن بعض الْمُتَأَخِّرين واشتهر قَوْله إِن للحاضر الرَّاكِب ترك الِاسْتِقْبَال فى النَّافِلَة وَأَنه كَانَ يَفْعَله وَهُوَ على حسبَة بَغْدَاد وَاحْتج بِأَن الْمُقِيم يحْتَاج إِلَى التَّرَدُّد فى حَال إِقَامَته كالمسافر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 قَالَ الرافعى وعَلى هَذَا فالراكب والراجل سَوَاء وَلَك الْفرق بِمَشَقَّة الِاسْتِقْبَال على الرَّاكِب ثمَّ صُورَة الراجل منقولة حكى فِيهَا القاضى الْحُسَيْن وَجْهَيْن تَفْرِيعا على الرَّاكِب وَنقل النووى فى شرح الْمُهَذّب عَن الإصطخرى التجويز للراكب والماشى وَالْمَحْفُوظ عَنهُ إِنَّمَا هُوَ فى الرَّاكِب فَقَط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 قَالَ القاضى شُرَيْح فى أدب الْقَضَاء إِذا شَهدا عِنْد القاضى بِحَق فَكتب بِهِ القاضى إِلَى قَاض آخر وَأشْهد الشَّاهِدين اللَّذين شَهدا على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِالْكتاب قَالَ الإصطخرى لَا يجوز وَقَالَ غَيره يجوز وَقطع بِهِ العبادى لِأَن الْقبُول فعل القاضى فَقبلت عَلَيْهِ شَهَادَته كَمَا تقبل شَهَادَة الْمُرضعَة لِأَنَّهَا شَهَادَة على وُصُول اللَّبن إِلَى جَوف الصبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 قَالَ الزيادى وعَلى هَذَا أدْركْت الْقُضَاة من غير نَكِير من الْعلمَاء وَعَلِيهِ تفقهت وفقهت النَّاس ولولاه مَا جَازَت شَهَادَة أَب وَابْن لأجنبى قلت وَعَلِيهِ الْعَمَل إِلَى الْيَوْم يشْهد الشَّاهِدَانِ عِنْد حَاكم فَيحكم بِشَهَادَتِهِمَا ويشهدهما على حكمه فيؤديان شَهَادَتهمَا على حكمه عِنْد آخر فَينفذ حكمه بِشَهَادَتِهِمَا وَقد اقْتصر القاضى أَبُو سعد فى كتاب الإشراف على قَول العبادى وَالشَّيْخ أَبى طَاهِر وَمن كِتَابه أَخذ شُرَيْح مَا نَقله عَنْهُمَا وَزَاد شُرَيْح فَقَالَ ولأصحابنا وَجه فى الحكم بِشَهَادَة أَب وَابْن أَنه لَا يجوز قَالَ شُرَيْح وَإِذا وصل كتاب الحكم وَشهد الشَّاهِدَانِ على الْكتاب فقد قيل يلْزم الْحَاكِم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَن ينفذ حكمه وَيَقُول قبلت حكمه وكتابته وأوجبت على الْمَحْكُوم مَا أوجبه الْحَاكِم فى الْكتاب وعَلى هَذَا لَو شهد شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَهَل يحْتَاج أَولا أَن يَقُول قبلت شَهَادَة هَؤُلَاءِ الشُّهُود بِمَا شهدُوا بِهِ ثمَّ يَقُول وحكمت بِكَذَا على فلَان بِجَمِيعِ مَا أوجبته شَهَادَة الشُّهُود أم يَكْفِيهِ إِن ثبتَتْ عِنْده عَدَالَة الشُّهُود ثمَّ يَقُول حكمت بِكَذَا وَلَا يذكر قبل الحكم أَنه قبل شَهَادَة الشُّهُود وَجْهَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 وعَلى هَذَا لَو كتب الْحَاكِم إِلَى حَاكم بِأَنَّهُ شهد عندى عَدْلَانِ لرجل سَمَّاهُ على فلَان وَلم يذكر فى الْكتاب أَنه ثَبت عِنْده بِشَهَادَتِهِمَا وَلم يقل قبلت شَهَادَتهمَا وَإِنَّمَا نقل الشَّهَادَة فَقَط فَهَل يجوز للمكتوب إِلَيْهِ أَن يحكم فِيهِ وَجْهَان هَذَا كُله كَلَام شُرَيْح فى كِتَابه فى أدب الْقَضَاء وَلم أَجِدهُ بجملته فى غَيره وَفِيه غرائب وفوائد وسيأتى إِن شَاءَ الله فى تَرْجَمَة شُرَيْح قَول الإصطخرى فِيمَن اسْتَأْجر رجلا أَن يحمل لَهُ كتابا إِلَى آخر ويأتى بجوابه فأوصل الْكتاب وَلم يكْتب الْمَكْتُوب إِلَيْهِ الْجَواب أَن للحامل الْأُجْرَة بكمالها لِأَنَّهُ لَا يلْزمه أَكثر مِمَّا عمل والامتناع من غَيره قَالَ وَكَذَا لَو مَاتَ الرجل فأوصل الْكتاب إِلَى نَائِبه من وَارِث أَو وصّى أجابوه أم لم يُجِيبُوهُ إِلَى آخر كَلَامه قلت وهى مَسْأَلَة مليحة غير أَن عندنَا وَقْفَة فى كتاب مراسلة يحملهُ أَمِين مُتَبَرّع مُسْتَأْجر فَلَا يجد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِمَّا لمَوْته أَو لغير ذَلِك فَهَل لَهُ أَن يوصله إِلَى وَارثه أَو وَصِيّه أَو الْحَاكِم أَو أَهله وَنَحْو ذَلِك لقيامهم مقَامه أَو لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَن الْعَادة قد تقضى بِأَن الْكَاتِب لَا يُعجبهُ وقُوف غير الْمَكْتُوب عَلَيْهِ على مَا كتب وَكَذَلِكَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ والذى يَقع لى فى هَذَا أَنه إِن غلب على ظَنّه أَن فى الْكتاب مَا يكره الْكَاتِب أَو الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وقُوف غَيرهمَا عَلَيْهِ لم يجز لَهُ أَن يَدْفَعهُ إِلَى من ذَكرْنَاهُ وَدفعه حِينَئِذٍ خِيَانَة تسْقط أجرته بكمالها لَو كَانَ مُسْتَأْجرًا والبلوى تعم بِمثل هَذَا الْفَرْع فليتنبه لَهُ فَلَقَد حضر شخص بِكِتَاب إِلَى آخر وجده غَائِبا فأوصله إِلَى من ظَنّه يقوم مقَامه لكَونه صاحبا لَهُ فأورث ذَلِك الْكتاب فتْنَة خربَتْ بَيت الْكَاتِب والمكتوب إِلَيْهِ فَلَا ينبغى أَن يُوصل كتاب مراسلة إِلَى من يجوز الْعقل كَرَاهِيَة الْكَاتِب أَو الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وقُوف غَيرهمَا عَلَيْهِ بل ينبغى أَن يكون تَحْرِيم ذَلِك مغلظا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وَلَقَد كتب عَم والدى القاضى صدر الدّين يحيى وَهُوَ على قَضَاء بلبيس كتابا إِلَى قاضى الْقُضَاة تقى الدّين ابْن بنت الْأَعَز عِنْدَمَا عزل وَولى قاضى الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة يسْأَل عَن خاطره وَفَاء بِحقِّهِ عَلَيْهِ فَاشْتَبَهَ الْأَمر على الرَّسُول وأوصل الْكتاب إِلَى ابْن جمَاعَة فَكَانَ ذَلِك سَبَب عزل عَم الْوَالِد فى فتْنَة طَوِيلَة لم يكن منشؤها غير اتِّصَال الْكتاب إِلَى من ظن أَنه لَهُ وَكتب آخر كتابا إِلَى قاضى الْقُضَاة جلال الدّين فجَاء الرَّسُول فصادفه عزل من مصر وسافر إِلَى الشَّام فأوصل الْكتاب إِلَى قاضى الْقُضَاة إِذْ ذَاك عز الدّين بن جمَاعَة رَحمَه الله فَأوجب عزل الْكَاتِب وسقوطه من عين قاضى الْقُضَاة عز الدّين ونقصان حَظه مِنْهُ إِلَى أَن مَاتَا جَمِيعًا رحمهمَا الله فَلَا ينبغى أَن يكون الرَّسُول إِلَّا حكيما ثمَّ يوصى مَعَ كَونه حكيما وَالْوَاو فى قَوْلهم أرسل حكيما وَلَا توصه للْحَال فَافْهَم مَا نشِير إِلَيْهِ مَسْأَلَة صفة تَوْبَة الْقَاذِف حمل أَبُو سعيد الإصطخرى على ظَاهر نَص الشافعى رضى الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ فى تَوْبَة الْقَاذِف وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه فَفعل فِيهِ نَظِير مَا فعله الظَّاهِرِيَّة فى قَوْله تَعَالَى فى الْمظَاهر {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} فَقَالُوا الْعود بِاللِّسَانِ كَذَلِك قَالَ الإصطخرى إِن كَلَام الشافعى على ظَاهره وَإنَّهُ لَا تصح تَوْبَة الْقَاذِف حَتَّى يَقُول وإنى كَاذِب فى قذفى لَهُ بِالزِّنَا نَقله الْأَصْحَاب على طبقاتهم مِنْهُم صَاحب الحاوى فى كتاب الشَّهَادَات وَذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 أَن أَبَا إِسْحَاق المروزى وَابْن أَبى هُرَيْرَة خالفاه وَقَالا إكذاب نَفسه أَن يَقُول قذفى لَهُ بِالزِّنَا كَانَ بَاطِلا وَلَا يَقُول كنت كَاذِبًا فى قذفى لجَوَاز أَن يكون صَادِقا فَيصير عَاصِيا بكذبه كَمَا كَانَ عَاصِيا بقذفه وَقد عبر الرافعى رَحمَه الله عَن هَذَا فى كتاب الشَّهَادَات فى كَلَامه على التَّوْبَة بِأَن قَالَ لابد من التَّوْبَة عَن الْقَذْف بالْقَوْل قَالَ الشافعى فى الْمُخْتَصر وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه فَأخذ الإصطخرى بِظَاهِرِهِ وَشرط أَن يَقُول كذبت فِيمَا قَذَفته وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَقَالَ الْجُمْهُور لَا يُكَلف أَن يَقُول كذبت فَرُبمَا كَانَ صَادِقا فَكيف نأمره بِالْكَذِبِ وَلَكِن يَقُول الْقَذْف بَاطِل وإنى نادم على مَا فعلت وَلَا أَعُود إِلَيْهِ أَو يَقُول مَا كنت محقا فى قذفى وَقد تبت مِنْهُ وَمَا أشبه ذَلِك هَذَا كَلَام الرافعى وَفِيه كلامان أَحدهمَا أَنه نقل عَن الإصطخرى أَن يشْتَرط أَن يَقُول وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَهَذَا لَا يعرف عَنهُ وَلَا هُوَ بمتفق عَلَيْهِ إِنَّمَا الذى قَالَه الإصطخرى اشْتِرَاط قَوْله كذبت وَخَالفهُ الْجُمْهُور ثمَّ هَل يحْتَاج أَن يَقُول فى التَّوْبَة وَلَا أَعُود إِلَى مثله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يحْتَاج لِأَن الْعَزْم على ترك مثله يغنى عَنهُ والثانى لابد أَن يَقُول لَا أَعُود إِلَى مثله لِأَن القَوْل فى هَذِه التَّوْبَة مُعْتَبر والعزم لَيْسَ بقول هَكَذَا حكى أَصْحَابنَا مِنْهُم صَاحب الحاوى وَغَيره وَلَعَلَّ الْوَجْهَيْنِ مفرعان على اشْتِرَاط مَا يَقُوله الإصطخرى أَو مطلقان فَيشْتَرط أَن يَقُول وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَإِن لم يشْتَرط أَن يَقُول كذبت كل هَذَا مُحْتَمل وَبِالْجُمْلَةِ لَيست مَسْأَلَة الإصطخرى مَسْأَلَة لَا أَعُود إِلَى مثله بل تِلْكَ مَسْأَلَة مُسْتَقلَّة إِمَّا من تفاريع قَوْله وَإِمَّا مُطلقَة وَلَعَلَّه الْأَظْهر والثانى لَوْلَا شَيْء وَاحِد لَكَانَ مَا ذكره الإصطخرى عِنْدِي راجحا أما وَجه رجحانه فَلِأَنَّهُ ظَاهر النَّص ورده بِأَنَّهُ قد يكون صَادِقا فَكيف يَأْمُرهُ بِالْكَذِبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 جَوَابه أَنه وَلَو كَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ إِلَّا أَن الشَّرْع كذبه فَهُوَ كَاذِب عِنْد الله سَوَاء طابق مَا فى نفس الْأَمر أم لَا سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام غير مرّة يَقُول فى قَوْله تَعَالَى {فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} هَذَا كذب شرعى لَا يُطلق فِيهِ عدم مُطَابقَة مَا فى نفس الْأَمر لَكِن صدنى عَن الْأَخْذ بِظَاهِر النَّص أَن الشافعى رضى الله عَنهُ ذكر فى أَثْنَائِهِ مَا يعرف بِهِ أَنه لَيْسَ مُرَاده لفظ الْكَذِب لِأَنَّهُ رضى الله عَنهُ قَالَ فى الْمُخْتَصر وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه لِأَنَّهُ أذْنب بِأَن نطق بِالْقَذْفِ وَالتَّوْبَة مِنْهُ أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل انْتهى قَالَ الرويانى وفى نُسْخَة أُخْرَى وَالتَّوْبَة أكذابه نَفسه بِأَنَّهُ بِأَن نطق بِالْقَذْفِ قَالَ وهما متقاربان فى الْمَعْنى قلت الْمَعْنى على النُّسْخَة الأولى إكذابه نَفسه فَقَط وعَلى الثَّانِيَة إكذابه نَفسه بِأَن نطقت بِالْقَذْفِ فَفِيهَا تأييد لقَوْل أَبى إِسْحَاق كَمَا ستعرفه فَإِنَّهُ يَقُول الْكَذِب فى أَنه قذف لَا فى أَن الْمَقْذُوف زنا وفى هَذِه النُّسْخَة دلَالَة على تَأْوِيل لإِمَام الْحَرَمَيْنِ سنحكيه عَنهُ فلولا قَوْله التَّوْبَة مِنْهُ أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل لرجحت رأى الإصطخرى لَكِن هَذَا اللَّفْظ يقتضى الِاكْتِفَاء بِهَذِهِ الصِّيغَة وَمن ثمَّ أَقُول مَا وَقع فى الرافعى وَالْمُحَرر والمنهاج من أَنه يشْتَرط أَن يَقُول قذفى بَاطِل وَأَنا نادم عَلَيْهِ وَلَا أَعُود إِلَيْهِ انْتهى لست أقبل مِنْهُ إِلَّا قَوْله قذفى بَاطِل أما مَا زَاد عَلَيْهِ فزيادات لَيست فى النَّص وَلَا يدل لَهَا دَلِيل نعم لابد من النَّدَم وعزم أَلا يعود بِكُل تَوْبَة أما التَّلَفُّظ بهما فَمن أَيْن لَا دَلِيل يدل عَلَيْهِ وَلَا نَص يرشد إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 وَقد يَقع فى الذِّهْن أَنه لم يقْصد بهما حقيقتهما بل الْمَقْصُود لفظ يدل على إبِْطَال الْقَذْف وَيجْبر مَا كَانَ من فحشه من غير اخْتِصَاص بِهَذِهِ الصِّيَغ وَلذَلِك قَالَ الرافعى وَمَا أشبه ذَلِك فَلَا يكون ذكر هَذِه الْأَلْفَاظ لتعينها فى نَفسهَا وَلَا للتعبد بصيغها بل الْمَقْصُود لفظ يقوم مقَام لفظ حصل الْأَذَى بِهِ فَكَمَا أَذَى وَقذف بِلِسَانِهِ كَذَلِك يجْبر مَا كَانَ مِنْهُ بِلِسَانِهِ لينوب قَول عَن قَول ثمَّ ضرب الشافعى لذَلِك مثلا قَوْله الْقَذْف بَاطِل وَهُوَ صَحِيح أما إنى نادم فَلفظ غير معِين وَقل من ذكره وَأما لَا أَعُود فَفِيهِ مَا عرفت من الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا مَا حضرنى الْآن من كَلَام الْأَصْحَاب قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد شيخ الْعِرَاقِيّين فى تَعْلِيقه مَا نَصه وَإِن كَانَ قذفا فإمَّا أَن يكون قَاذِفا من طَرِيق السب والشتم أَو كَانَ قَاذِفا من طَرِيق الشَّهَادَة فَإِن كَانَ قَاذِفا من طَرِيق السب والشتم فَإِن الشافعى قَالَ تَوْبَته إكذابه نَفسه وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ فَقَالَ أَبُو سعيد الإصطخرى يَقُول كذبت فِيمَا قلت أَو أبطلت فِيمَا أخْبرت قَالَ لِأَنَّهُ إِذا أكذب نَفسه فِيمَا قَذفهَا بِهِ فقد تَابَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَعَامة أَصْحَابنَا يَقُول فى تَوْبَته الْقَذْف بَاطِل حرَام وَلَا أَعُود إِلَى مثله أبدا لِأَنَّهُ قد استباح هَذَا القَوْل لما قَذفهَا وتوبته أَن يأتى بضد الاستباحة وَهُوَ التَّحْرِيم والإبطال بِأَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت لجَوَاز أَن يكون صَادِقا فى الْقَذْف بَاطِنا فَإِذا قَالَ كذبت وَهُوَ كَانَ صَادِقا فِيهِ فقد عصى فَإِن قيل مَا الْفرق بَين الْقَاذِف وَالْمُرْتَدّ حَتَّى قُلْتُمْ الْقَاذِف يُطَالب بِأَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل حرَام وَالْمُرْتَدّ لَا يُطَالب بِأَن يَقُول الْكفْر بَاطِل حرَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 فَالْجَوَاب عَنهُ أَنه لَا فرق بَينهمَا فى الْمَعْنى وَذَلِكَ أَن الْقَاذِف مَرْدُود الشَّهَادَة لاستباحة الْقَذْف وَلَا يكون من أهل الشَّهَادَة إِلَّا بإتيانه بضده وضده أَن يحرم الْقَذْف وَالْمُرْتَدّ مَرْدُود الشَّهَادَة لكفره وَلَا يعود إِلَى حَال الشَّهَادَة إِلَّا أَن يأتى بضد الْكفْر وضده أَن يأتى بِلَفْظَة الْإِيمَان انْتهى وَفِيه فَوَائِد مِنْهَا أَن أَبَا سعيد لَا يعين لفظ الْكَذِب بل يَقُول كذبت أَو أبطلت فِيمَا أخْبرت وهى فَائِدَة لم أجد التَّصْرِيح بهَا فى كَلَام الشَّيْخ أَبى حَامِد وَمِنْهَا أَن الْكَلَام مَخْصُوص بِقَذْف السب والإيذاء وَهُوَ الصَّوَاب وسنتكلم عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو الْحسن الجورى فى كتاب المرشد وَاخْتلف أَصْحَابنَا فى تَوْبَة الْقَاذِف فَقَالَ بَعضهم هى قَوْله الْقَذْف بَاطِل وَلَا يَقُول إنى كَاذِب لِأَنَّهُ إِذا قَالَ هَذَا فَهُوَ فَاسق بِهِ السَّاعَة لكذبه وَقَالَ بَعضهم لَا فصل بَين قَوْله الْقَذْف بَاطِل وَبَين قَوْله كذبت وَقد قَالَ الشافعى التَّوْبَة إكذابه نَفسه انْتهى وَفِيه دلَالَة على أَن أَبَا سعيد إِن كَانَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله وَقَالَ بَعضهم لَا يعين لفظ الْكَذِب بل يُخَيّر بَينه وَبَين الْقَذْف بَاطِل وَغَيره يعين لفظ الْقَذْف بَاطِل وَلَا يُخَيّر لفظ الْكَذِب وَيخرج من هَذَا إِن خرج على ظَاهره ثَلَاثَة أوجه تعْيين لفظ الْكَذِب وَتَعْيِين عَدمه وتفريع كل مِنْهُمَا وَقَالَ القاضى أَبُو الطّيب فى تعليقته فى كَلَامه على قَول الشافعى وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه مَا نَصه ثمَّ ذكر بعد ذَلِك أَن التَّوْبَة قَوْله الْقَذْف بَاطِل وَاخْتلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 أَصْحَابنَا فِيهَا فَقَالَ أَبُو سعيد الإصطخرى تَوْبَته أَن يكذب نَفسه فَيَقُول كذبت فى هَذَا الْقَذْف لِأَن الشافعى قَالَ إكذابه نَفسه وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق التَّوْبَة أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل فِي جَمِيع الْأَحْوَال كَانَ صَادِقا فِيهِ أَو كَاذِبًا لِأَنَّهُ لَا يجوز لأحد أَن يقذف أحدا وَإِن كَانَ صَادِقا فى قذفه إِيَّاه لِأَن الله عز وَجل نهى عَن ذَلِك على الْإِطْلَاق وَهُوَ الصَّحِيح وأبى أَصْحَابنَا مَا قَالَه أَبُو سعيد وَقَالُوا هَذَا يُؤدى إِلَى أَن يكلفه الْكَذِب لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ صَادِقا فى الْقَذْف فَإِذا كلفناه أَن يَقُول كذبت فى الْقَذْف كَانَ كَاذِبًا لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ صَادِقا فى قذفه وَإِذا قَالَ الْقَذْف بَاطِل لم يكذب لِأَنَّهُ بَاطِل سَوَاء كَانَ صَادِقا فِيهِ أم كَاذِبًا لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يقذف أحدا بِحَال انْتهى وَقَالَ القاضى الْحُسَيْن تَوْبَة الْقَاذِف أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل أَو مَا كَانَ ينبغى لى أَن أقذف أَو لم أكن محقا فِيمَا قلت وَلَا يُكَلف أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت لاحْتِمَال أَن الْمَقْذُوف قد زنا وَأَنه صدق فِيمَا نسبه إِلَيْهِ غير أَن الْمُسلم مَأْمُور بِحِفْظ السّتْر على أَخِيه الْمُسلم فَلهَذَا صَار مؤاخذا بِالْقَذْفِ وَمعنى قَول الشافعى التَّوْبَة إكذابه نَفسه أى يكذب نَفسه فِيمَا أخبر وَيَقُول مَا كنت محقا فى ذَلِك الْخَبَر لِأَنَّهُ يتخيل للسامع من قَوْله أَنه صَادِق فَيقطع ذَلِك التَّوَهُّم بِالتَّوْبَةِ فَلهَذَا سَمَّاهُ إكذابا وَقَالَ الإصطخرى تَوْبَته أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت لظَاهِر لفظ الشافعى إكذابه نَفسه وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يَقُول قذفى حرَام بَاطِل وَقَالَ الْقفال الْقَذْف بَاطِل مَا كَانَ ينبغى لى أَن أقذفه انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 فَانْظُر كَيفَ ختم كَلَامه بقوله وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَقَالَ الْقفال وَذكر صيغتين عِنْده أَن فى كل مِنْهُمَا كِفَايَة وَلذَلِك خير فى أول كَلَامه بَين كل مِنْهُمَا وَزَاد أَو لم أكن محقا فَدلَّ أَن المُرَاد أحد هَذِه الْأَلْفَاظ أَو مَا يشبهها وَأَنه لَيْسَ الْمَقْصُود وَاحِدًا بِعَيْنِه وَلَا أَظن أَصْحَابنَا يَخْتَلِفُونَ فى ذَلِك وَلَا يعينون لفظ إنى نادم كَمَا أوهته عبارَة الرافعى وَمن يتبعهُ وَلَيْسَ مَوضِع اخْتلَافهمْ إِلَّا شَيْئَانِ أَحدهمَا لفظ الْكَذِب قَالَه أَبُو سعيد وَلَا يصدنى عَنهُ إِلَّا قَول الشافعى وَالتَّوْبَة قَوْله الْقَذْف بَاطِل والثانى لفظ لَا أَعُود لتصريح الماوردى فِيهِ بحكاية الْوَجْهَيْنِ أما لفظ إنى نادم فَلَا أعرفهُ وَلَا وَجه لَهُ وَقَالَ الماوردى رَحمَه الله أما الْقَذْف بِالزِّنَا فَلَا يكون بعد النَّدَم والعزم إِلَّا بالْقَوْل لِأَنَّهُ مَعْصِيّة بالْقَوْل كالردة فَيعْتَبر فى صِحَة تَوْبَته ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا النَّدَم على قذفه والثانى الْعَزْم على ترك مثله وَالثَّالِث إكذاب نَفسه على مَا قَالَه الشافعى فَاخْتلف أَصْحَابنَا فى تَأْوِيله على وَجْهَيْن أَحدهمَا وَهُوَ قَول أَبى سعيد الإصطخرى أَنه مَحْمُول على ظَاهره وَهُوَ أَن يَقُول وإنى كَاذِب فى قذفى لَهُ بِالزِّنَا وَقد روى عمر أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (تَوْبَة الْقَاذِف إكذابه نَفسه) وَالْوَجْه الثانى هُوَ قَول أَبى إِسْحَاق المروزى وأبى على بن أَبى هُرَيْرَة أَن إكذاب نَفسه أَن يَقُول قذفى لَهُ بِالزِّنَا كَانَ بَاطِلا وَلَا يَقُول كنت كَاذِبًا فى قذفى لجَوَاز أَن يكون صَادِقا فَيصير عَاصِيا بكذبه كَمَا كَانَ عَاصِيا بقذفه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 وَهل يحْتَاج أَن يَقُول فى التَّوْبَة وَلَا أَعُود إِلَى مثله أَولا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لِأَن الْعَزْم على ترك مثله يغنى عَنهُ وَالْوَجْه الثانى لابد أَن يَقُول لَا أَعُود إِلَى مثله لِأَن القَوْل فى هَذِه التَّوْبَة مُعْتَبر والعزم لَيْسَ بقول انْتهى وَهُوَ كالنص على أَن لفظ النَّدَم لَا يشْتَرط إِنَّمَا الْمُشْتَرط مَعْنَاهُ وَقَالَ الفورانى فى الْعمد اخْتلف أَصْحَابنَا فى التَّوْبَة مِنْهُم من قَالَ هُوَ أَن يكذب نَفسه فَيَقُول كذبت فِيمَا قلت وَمِنْهُم من قَالَ وَهُوَ الْأَصَح هَذَا لَا يكون تَوْبَة لاحتما صدقه فى الْقَذْف لَكِن التَّوْبَة أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل أى قذف النَّاس بَاطِل وَمَا كَانَ لى أَن أقذف ووَقد رجعت عَمَّا قلت وتبت عَنهُ فَلَا أَعُود إِلَيْهِ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فى الْمُهَذّب قبل بَاب عدد الشُّهُود فى التَّوْبَة من الْمعْصِيَة مَا نَصه وَإِن كَانَ قذفا فقد قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ التَّوْبَة مِنْهُ إكذابه نَفسه وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ فَقَالَ أَبُو سعيد الإصطخرى هُوَ أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَوَجهه مَا روى عَن عمر رضى الله عَنهُ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (تَوْبَة الْقَاذِف إكذابه نَفسه) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق أَبُو على ابْن أَبى هُرَيْرَة هُوَ أَن يَقُول قذفى لَهُ كَانَ بَاطِلا وَلَا يَقُول إنى كنت كَاذِبًا لجَوَاز أَن يكون صَادِقا فَيصير بكذبه عَاصِيا كَمَا كَانَ بقذفه عَاصِيا انْتهى وَفِيه مُوَافقَة الرافعى على نَقله عَن أَبى سعيد أَنه يَقُول وَلَا أَعُود إِلَى مثله لكنه قصر هَذِه اللَّفْظَة على مقَالَة أَبى سعيد وَلم يذكرهَا على مقَالَة أَبى إِسْحَاق وأبى على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 وَقَالَ ابْن الصّباغ الْمَذْهَب مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاق وَهُوَ أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل حرَام وَلَا أَعُود إِلَى مَا قلت وَقَالَ الإصطخرى يَقُول كذبت فِيمَا قلت انْتهى وَهُوَ فى لَفظه وَلَا أَعُود إِلَى مَا قلت عكس الْمُهَذّب فَإِنَّهُ جعلهَا على قَول أَبى إِسْحَاق فَإِذا أجمع الْمُهَذّب والشامل كَانَ فيهمَا تأييد لنقل الرافعى فَكَأَنَّهُ أَخذ من مجموعها أَنه لابد أَن يَقُول وَلَا أَعُود لِأَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق نقلهَا على قَول أَبى سعيد وَابْن الصّباغ نقلهَا على قَول أَبى إِسْحَاق فَكَانَت على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وعَلى ذَلِك جرى صَاحب التَّهْذِيب كَمَا ستراه فَاتبعهُ الرافعى وَقَالَ الإِمَام رضى الله عَنهُ فى النِّهَايَة قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ تَوْبَة الْقَاذِف بإكذابه نَفسه وَهَذَا لفظ فى ظَاهره إِشْكَال وفى بَيَان الْمَذْهَب يحصل الْغَرَض فالذى ذهب إِلَيْهِ جَمَاهِير الْأَصْحَاب أَن الْقَاذِف لَا يُكَلف أَن يكذب نَفسه إِذْ رُبمَا يكون صَادِقا فى نسبته الْمَقْذُوف إِلَى الزِّنَا فَلَو كلفناه أَن يكذب نَفسه لَكَانَ ذَلِك تكليفا منا إِيَّاه أَن يكذب وَهَذَا محَال فَالْوَجْه أَن يَقُول أَسَأْت فِيمَا قلت وَمَا كنت محقا وَقد تبت عَن الرُّجُوع إِلَى مثله أبدا وَلَا يُصَرح بتكذيب نَفسه إِلَّا أَن يعلم أَنه كَانَ كَاذِبًا وَهَذَا يبعد علمه وَهَؤُلَاء حملُوا قَول الشافعى على مَا سنصفه فَقَالُوا الْقَاذِف فى الْغَالِب يصف وَيرى من نَفسه أَنه قَالَ حَقًا وَأظْهر مَاله إِظْهَاره فَيرجع مَا ذكره الشافعى من الإكذاب إِلَى هَذَا فَيَقُول قد كنت قلت لى أَن أَقُول مَا قلته وَقد كذبت وأبطلت فِيمَا قدمت وَقَالَ الإصطخرى لابد أَن يكذب نَفسه وَإِن كَانَ صَادِقا فَإِنَّهُ عز من قَائِل قَالَ {فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} فَهَذَا لقب أثْبته الشَّرْع فيكذب الْقَاذِف على هَذَا التَّأْوِيل نَفسه فَإِن الشَّرْع سَمَّاهُ كَاذِبًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 وَهَذَا بعيد لَا أصل لَهُ وَهَذِه الْآيَة مَعَ آى أخر وَردت فى قصَّة الْإِفْك وتبرئة عَائِشَة رضى الله عَنْهَا وَكَانَت مبرأة عَمَّا قَذفهَا بِهِ المُنَافِقُونَ انْتهى وَلَا مزِيد على حسنه فَللَّه دره من خطيب مصقع مناضل عَن الشَّرِيعَة بِقَلْبِه وَلسَانه وَمن هُنَا وَالله أعلم أَخذ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله مَا كَانَ يَقُوله لنا من أَن الْقَاذِف كَاذِب عِنْد الله لقد لقبه الشَّرْع ووسمه بسيمة الْكَذِب وَإِن كَانَ الْأَمر على مَا وصف من اقتراف الْمَقْذُوف مَعْصِيّة الزِّنَا وفى كَلَام الإِمَام مَا يُؤْخَذ مِنْهُ تَفْصِيل بَين أَن يعلم من نَفسه الصدْق أَولا وسيكون لى عَلَيْهِ كَلَام يدل على ميل منى إِلَيْهِ وَقَالَ الغزالى رَحمَه الله فى الْوَسِيط أما الْقَاذِف فتوبته فى إكذابه نَفسه كَذَلِك قَالَ الشافعى وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ صَادِقا وَالْمعْنَى بِهِ تَكْذِيبه نَفسه فى قَوْله أَنا محق فى الْإِظْهَار والمجاهرة دون الْحجَّة فيكفى أَن يَقُول تبت وَلَا أَعُود انْتهى وَقد لخصه من كَلَام الإِمَام وَلقَائِل أَن يَقُول إِذا كَانَ الْمَعْنى بإكذابه نَفسه كذبه فى قَوْله أَنا محق فى الْإِظْهَار والمجاهرة فَلَا مَانع من أَن يَقُول كذبت وَلَا عَابَ فِيهِ أَيْضا وَلم يكلفه يكذب فَلم لَا يَقُول ذَلِك ويجرى على ظَاهر النَّص وَقَالَ صَاحب التَّهْذِيب قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ التَّوْبَة إكذابه نَفسه فَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ فَقَالَ الإصطخرى يَقُول كذبت فِيمَا قلت وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يَقُول كذبت لِأَنَّهُ رُبمَا يكون صَادِقا بل يَقُول الْقَذْف بَاطِل نَدِمت على مَا قلت رجعت عَنهُ فَلَا أَعُود إِلَيْهِ انْتهى وَمِنْه أَخذ الرافعى لفظ النَّدَم وَأَن لَا أَعُود مقولة على الْوَجْهَيْنِ وَجه أَبى سعيد وَوجه أَبى إِسْحَاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 وَقَالَ صَاحب الْبَحْر قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَيْسَ معنى قَول الشافعى أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت بل مَعْنَاهُ أَن يكذب نَفسه فى اسْتِبَاحَة الْقَذْف فَيَقُول الْقَذْف بَاطِل وإنى لَا أَعُود إِلَيْهِ وَأَنا نادم عَلَيْهِ أَو يَقُول قذفى لَهُ بِالزِّنَا كَانَ كَاذِبًا وَلَا يَقُول كنت كَاذِبًا لجَوَاز أَن يكون صَادِقا وَبِه قَالَ ابْن أَبى هُرَيْرَة فَإِن قيل فقد تقبل تَوْبَة الْمُرْتَد وَإِن لم يقل الْكفْر بَاطِل فَلم شرطتم هَا هُنَا أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل قُلْنَا لَا يقبل وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى يأتى بِمَا يضاد الأول والتوحيد يضاد الْكفْر فَاكْتفى بِهِ وَلَيْسَ مَا يضاد الْقَذْف إِلَّا أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل فَافْتَرقَا وَقَالَ الإصطخرى وَبِه قَالَ أَحْمد رضى الله عَنهُ تَوْبَة الْقَاذِف أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت وإننى كَاذِب فى قذفى لَهُ بِالزِّنَا وَهَذَا ظَاهر قَول الشافعى رضى الله عَنهُ وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه وَقد روى عَن عمر رضى الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَوْبَة الْقَاذِف إكذابه نَفسه قَالَ أَصْحَابنَا مَا قَالَه أَبُو إِسْحَاق أصح وَهُوَ الْمَذْهَب انْتهى وَقَالَ القاضى مجلى فى الذَّخَائِر وَإِن كَانَت الْمعْصِيَة قذفا فقد قَالَ الشافعى التَّوْبَة مِنْهَا إكذابه نَفسه وَاخْتلف أَصْحَابنَا فى ذَلِك فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَأَبُو على ابْن أَبى هُرَيْرَة وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب هُوَ أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل حرَام وَلَا أَعُود إِلَى مَا قلت وَقَالَ أَبُو سعيد الإصطخرى هُوَ أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَتعلق بِظَاهِر كَلَام الشافعى رَحمَه الله وَبِه قَالَ أَحْمد لما روى عَن عمر رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ تَوْبَة الْقَاذِف إكذابه نَفسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 قَالَ الْأَولونَ وَهَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون صَادِقا فى الْقَذْف فَيصير بكذبه عَاصِيا كَمَا كَانَ بقذفه عَاصِيا وَقَالَ بَعضهم هُوَ أَن يَقُول مَا كنت محقا فى الْقَذْف وَلَا أَعُود إِلَيْهِ وَكَلَام الشافعى رَحمَه الله مَحْمُول على تَكْذِيب نَفسه فى قَوْله أَنا محق فى إِظْهَاره والمجاهرة بِغَيْر حجَّة انْتهى وَقَوله الْقَذْف بَاطِل حرَام ذكره لفظ حرَام مَعَ بَاطِل تبع فِيهِ من قدمنَا ذكره إِيَّاهَا وهى لَفْظَة مَحْمُولَة على التَّوَسُّع فى الْعبارَة وَإِلَّا فَكل قذف خرج مخرج الشتم فَهُوَ حرَام وَإِن خرج مخرج الشَّهَادَة وَلم يتم الْعدَد وَقد كَانَ يحسبه تمّ فَلَيْسَ بِحرَام فَمَا للفظة موقع فَإِن قلت مَا الذى اسْتَقر عَلَيْهِ رَأْيكُمْ فى صِيغَة تَوْبَة الْقَاذِف أيترجح عنْدك قَول أَبى سعيد أم قَول الْجُمْهُور قلت إِن كَانَ الْقَاذِف يعلم أَنه كَاذِب فالأرجح عندى قَول أَبى سعيد لِأَن مدَار التَّوْبَة على نَحْو مَا مضى مَا أمكن وتدارك مَا يُمكن تَدَارُكه وَلَا يتدارك ثلبه عرض أَخِيه ونيله مِنْهُ إِلَّا بذلك فَهُوَ نَظِير وَفَاء الدّين ورد الظلامة وَلَا يغنى عَن لفظ الْكَذِب لفظ ممجمج لَيْسَ بِصَرِيح فى مَعْنَاهُ بل من نَالَ من أَخِيه قذفا وَهُوَ يعلم أَنه برِئ فتوبته بِأَن يبين للنَّاس أَنه برِئ وَلَا يبين ذَلِك إِلَّا بتسجيله على نَفسه بِصَرِيح الْكَذِب والبهت وَإِن علم أَنه صَادِق أَو شكّ فَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة يحْتَمل أَن يَكْفِيهِ قذفى بَاطِل كَمَا قَالَه الْجُمْهُور وَيدل لَهُ نَص الشافعى دلَالَة وَاضِحَة على رِوَايَة من روى فى لفظ النَّص بِأَنَّهُ أذْنب بِأَن نطق بِالْقَذْفِ إِلَى آخِره فَكَأَن الشافعى رَحمَه الله فسر إكذابه نَفسه بِهَذَا وَيحْتَمل أَن يشْتَرط لفظ الْكَذِب ليجبر مَا كَانَ مِنْهُ وَمَا ذَكرُوهُ من أَنه قد يكون صَادِقا قد قدمنَا جَوَابه وَهُوَ أَن الصدْق هُنَا لَيْسَ مُطَابقَة مَا فى نفس الْأَمر بل كل قَاذف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 إِذا لم يتم الْعدَد فَهُوَ كَاذِب لقب لقبه الرب عز من قَائِل بِهِ ووسمه سمة لَا تزايله إِلَّا بِمَا ذَكرْنَاهُ وَهَذَا فِيمَن أخرج قذفه مخرج الشتم والسب أما من أخرجه مخرج الشَّهَادَة وَلم يتم الْعدَد وَقُلْنَا بِوُجُوب الْحَد عَلَيْهِ فَلَا يظْهر لى أَن يَقُول ذَلِك وَلَا أَن الإصطخرى يُوجب عَلَيْهِ هَذَا القَوْل وَإِنَّمَا يُوجب أَبُو سعيد لفظ التَّكْذِيب على من أخرجه مخرج السب والإيذاء هَذَا مَا يدل عَلَيْهِ نقل الماوردى فى الحاوى صَرِيحًا وَغَيره تَلْوِيحًا وَإِن كَانَ كَلَام الرافعى وَمن تبعه مُطلقًا فَصَارَت الصُّور عندى ثَلَاثًا قَاذف يعلم كذبه فالراجح قَول أَبى سعيد وقاذف لَا يعلم كذبه وَلكنه أخرج قذفه مخرج الشتم والإيذاء فَفِيهِ تردد نظر وقاذف يظنّ أَو يعلم صدق نَفسه وَمَا أخرج قذفه إِلَّا مخرج الشَّهَادَة غير أَنه حد لنُقْصَان الْعدَد فالراجح فِيهِ قَول الْجُمْهُور بل لَا أعتقد فِيهِ خلافًا وَلَا أحفظ عَن الإصطخرى فِيهِ مُخَالفَة بل صَرِيح كَلَام الماوردى يدل على أَنه لَا يُخَالف فِيهِ بل لَو قَالَ هَذَا وَالْحَالة هَذِه كذبت لم تقبل شَهَادَته فى الْحَال أما إِذا قَالَ الْقَذْف بَاطِل فَإِن شَهَادَته تقبل فى الْحَال إِذا كَانَ عدلا لقَوْل عمر رضى الله عَنهُ لأبى بكرَة تب أقبل شهادتك فَكيف نلجئه أَن يَقُول كذبت وهى لَفْظَة توجب الحكم برد شَهَادَته فِيمَا يسْتَأْنف فَإِن قلت من أَيْن لَك أَنه إِذا قَالَ كذبت ترد شَهَادَته فِيمَا يسْتَأْنف وَإِن كَانَ قذفه إِنَّمَا كَانَ على وَجه الشَّهَادَة والذى قَالَه الرافعى وَمن تبعه فى الْعدْل يقذف على صُورَة الشَّهَادَة ثمَّ يَتُوب أَنه لَا يشْتَرط الِاسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب وَإِن كَانَ قذف سبّ إو إِيذَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 اشْترط على الْمَذْهَب وَلم يفضلوا فى قذف الشَّهَادَة بَين أَن تكون التَّوْبَة مِنْهُ بِلَفْظ كذبت أَو غَيره قلت هُوَ مُطلق يُقيد بِمَا إِذا لم يكن بِلَفْظ كذبت إِذْ هُوَ حِين يَقُول كذبت معترف بِفِسْقِهِ وإقدامه على شَهَادَة الزُّور فى هَذَا الْأَمر الخطير إِلَّا أَن يعْنى ب كذبت أَنى ملقب من الشَّارِع بلقب الْكَذِب كَمَا قدمْنَاهُ فَإِن هُوَ عَنى ذَلِك فَلَا كَلَام وَإِلَّا فقد اعْترف بِشَهَادَة الزُّور فَهَذَا هُوَ الذى يظْهر ثمَّ هُوَ المسطور بل لم يَجعله الإِمَام مَحل خلاف إِذْ قَالَ فى النِّهَايَة وَالْوَجْه عندنَا أَن يَقُول إِذا صرح بتكذيب نَفسه فَهَذَا يخرج عَن التفاصيل وترديد الْأَقْوَال وَيقطع فِيهِ بالاستبراء وَقَالَ صَاحب الْبَحْر فى الْقَاذِف إِذا كَانَ عدلا لَكِن لم يتم الْعدَد إِن أَصْحَابنَا قَالُوا إِن هَذَا إِذا قَالَ الْقَذْف بَاطِل وَأَنا لَا أَعُود قبلت شَهَادَته فى الْحَال إِلَى أَن قَالَ والذى قَالَ لاستبراء حَاله أَرَادَ إِذا لم يطلّ الزَّمَان أَو أَرَادَ إِن أكذب نَفسه فى الْقَذْف إِلَى أَن قَالَ وَإِن لم يكذب نَفسه وَأظْهر الندامة على قَوْله وَكَانَ عدلا من قبل لَا يحْتَاج إِلَى زمن الِاسْتِبْرَاء انْتهى مُلَخصا وَإِذا تَأَمَّلت مَا سطرته لَك فى هَذِه الْجُمْلَة حصلت مِنْهُ على فَوَائِد إِحْدَاهَا أَن لفظ كذبت لَا يشْتَرط عِنْد أَبى سعيد إِلَّا فى قذف السب والإيذاء دون الْمخْرج مخرج الشَّهَادَة على مَا دلّ عَلَيْهِ كَلَام كثير من النقلَة وَكَلَام الماوردى كَالصَّرِيحِ فِيهِ فَلْينْظر الحاوى وَلَيْسَ فى الرافعى شئ من ذَلِك بل قَالَ بعد مَا ذكر خلاف الإصطخرى وَالْجُمْهُور وَلَا فرق فى ذَلِك بَين الْقَذْف على سَبِيل السب والإيذاء وَبَين الْقَذْف على صُورَة الشَّهَادَة إِذا لم يتم عدد الشُّهُود إِن قُلْنَا بِوُجُوب الْحَد على من شهد فَإِن لم يُوجب فَلَا حَاجَة بِالشَّاهِدِ إِلَى التَّوْبَة انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وَهَذَا صَرِيح فِيمَا إِذا لم يتم الْعدَد بِأَنَّهُ على القَوْل بِوُجُوب الْحَد يطرقه خلاف أَبى سعيد فَيُوجب عَلَيْهِ أَن يَقُول كذبت وَهَذَا بعيد بل لَا أَشك فى بُطْلَانه فَإِن الْمُصَرّح بِهِ عَن أَبى سعيد خلاف ذَلِك وَقد قدمنَا كَلَام صَاحب الْبَحْر ثمَّ صرح بعد ذَلِك فَقَالَ فِيمَا إِذا نقص الْعدَد إِن قُلْنَا يحدون يحكم بفسقهم وَتجب التَّوْبَة فَيَقُول قذفى بَاطِل وَلَا يحْتَاج إِلَى النَّدَم وَترك الْعَزْم فِي الْمُسْتَقْبل لِأَنَّهَا شَهَادَة فى حق الله وَلَا يعْتَبر أَن يَقُول إنى كَاذِب وَلَا أَن يَقُول وَلَا أَعُود إِلَى مثله لِأَنَّهُ لم تمّ عدد الشُّهُود لزمَه أَن يشْهد انْتهى وَهُوَ صَحِيح لَا شكّ فِيهِ الثانى أَن لفظ حرَام فى قَوْله قذفى بَاطِل لم يَقع إِلَّا فى عبارَة الشَّيْخ أَبى حَامِد والقفال وَمن تبعهما وَمَا أظنها على سَبِيل التَّعْيِين فَلَا يغتر بهَا بل يكفى قذفى بَاطِل الثَّالِثَة أَن لفظ إنى نادم وَقع فى كَلَام من رَأَيْته وَمَا أرَاهُ على سَبِيل التَّعْيِين وَإِن كَانَت عبارَة الْمُحَرر والمنهاج تغر وتوهم أَن ذَلِك يتَعَيَّن وَالرَّابِعَة أَن لفظ وَلَا أَعُود وَقع مستطردا فى كَلَام الرافعى يكَاد يكون غير مَقْصُود وهى مَسْأَلَة ذَات وَجْهَيْن صرح بحكايتهما الماوردى فى الحاوى والرويانى فى الْبَحْر 167 - الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد الطبرى أَبُو الْحُسَيْن الجلابى قدم بَغْدَاد وَكَانَ يحضر مجْلِس الداركى ثمَّ درس فى حَيَاته وَكَانَت لَهُ معرفَة بِالْحَدِيثِ الحديث: 167 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 حدث عَن أَبى على الْحسن بن أَحْمد الْفَقِيه وأبى الْحسن بن أَبى عمرَان الجرجانى قَالَ ابْن النجار وروى عَنهُ عَامر بن مُحَمَّد البسطامى فى مُعْجم شُيُوخه فى الكنى وَلم يسمه قَالَ ابْن النجار وَقد رَأَيْت لَهُ كتابا سَمَّاهُ الْمدْخل فى الجدل وَرَأَيْت عَلَيْهِ خطه وَقد سمى نَفسه الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد وَذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فى الطَّبَقَات بكنيته وَلم يزدْ على أَن قَالَ تفقه فى بَلَده وَحضر مجْلِس الداركى ثمَّ درس فى حَيَاته وَمَات قبل الداركى بسبعة عشر يَوْمًا وَكَانَ فَقِيها فَاضلا عَارِفًا بِالْحَدِيثِ وَكَانَت وَفَاة الداركى فى الثَّالِث عشر من شَوَّال سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة فَتكون وَفَاة الجلابى فى سادس عشرى رَمَضَان وَقَالَ أَبُو عَاصِم أَبُو الْحُسَيْن بن أَحْمد الجلابى كَانَ فَقِيها جدلا ورعا وَمن الرِّوَايَة عَنهُ وَمن الغرائب عَنهُ حكى القاضى أَبُو الطّيب فى التعليقة أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد كَانَ يحْكى أَن الجلابى سُئِلَ عَن الْبَالِغين من أهل الْحَرْب إِذا أسرهم الإِمَام فَقَالَ صَارُوا أرقاء بِنَفس الْأسر كالنساء وَالصبيان قَالَ وَهَذَا غلط قَالَ القاضى أَبُو الطّيب وَأَنا رَأَيْت الجلابى وَكنت صَبيا قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلَا شكّ أَن هَذَا غلط إِن لم يثبت للْإِمَام تَخْيِير فيهم نعم إِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 قَالَ بِثُبُوت الْخِيَار فيهم بعد ذَلِك بَين الْبَقَاء على الرّقّ والمن وَالْفِدَاء وَالْقَتْل فَلَا بعد فِيهِ 168 - الْحسن بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالحداد البصرى القاضى أَبُو مُحَمَّد وَهُوَ الْمَذْكُور فى كتاب الْأَقْضِيَة من شرح الرافعى قَالَ فِيهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق أحد فُقَهَاء أَصْحَابنَا لَا أعلم على من درس وَلَا وَقت وَفَاته قَالَ وَرَأَيْت لَهُ كتابا فى أدب الْقَضَاء دلّ على فضل كَبِير قلت وقفت على الْكتاب الْمَذْكُور وَقد حدث فِيهِ عَن من لحق أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَعَن من لحق ابْن سُرَيج ووقفت لَهُ أَيْضا على كتاب فى الشَّهَادَات وَفِيهِمَا فَوَائِد 169 - الْحسن بن حبيب بن عبد الله الْملك الدمشقى الْفَقِيه أَبُو على الحصائرى إِمَام مَسْجِد بَاب الْجَابِيَة بِدِمَشْق ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ الحديث: 168 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وَحدث بِكِتَاب الإِمَام الشافعى عَن أَصْحَابه سمع الرّبيع بن سُلَيْمَان وبكار بن قُتَيْبَة القاضى وَالْعَبَّاس بن الْوَلِيد البيروتى وَصَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن عبد الله بن عبد الحكم وَأَبا أُميَّة الطرسوسى وخلقا روى عَنهُ عبد الْمُنعم بن غلبون وَابْن جَمِيع وَابْن المقرى وَأَبُو حَفْص ابْن شاهين وَتَمام الرازى وَأَبُو بكر بن أَبى الْحَدِيد وَآخَرُونَ قَالَ عبد الْعَزِيز الكتانى هُوَ ثِقَة نبيل حَافظ لمَذْهَب الشافعى مَاتَ فى ذى الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة 170 - الْحسن بن الْحُسَيْن الإِمَام الْجَلِيل القاضى أَبُو على بن أَبى هُرَيْرَة أحد عُظَمَاء الْأَصْحَاب ورفعائهم الْمَشْهُور اسْمه الطَّائِر فى الْآفَاق ذكره قَالَ فِيهِ الْخَطِيب وَقد ذكره فى تَارِيخ بَغْدَاد الْفَقِيه القاضى كَانَ أحد شُيُوخ الشافعيين وَله مسَائِل فى الْفُرُوع مَحْفُوظَة وأقواله فِيهَا مسطورة قلت شرح الْمُخْتَصر ووقفت على الشَّرْح الْمَذْكُور وتفقه على ابْن سُرَيج وأبى إِسْحَاق المروزى قَالَ أَبُو سعيد الكرابيسى الْحَافِظ سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن أَبى جَعْفَر ناقله إِلَى القاضى الخوارزمى يَقُول تغيب أَبُو الْحسن الأوزاعى عَن القاضى أَبى على الحديث: 170 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 ابْن أَبى هُرَيْرَة فى بَغْدَاد أَيَّامًا ثمَّ حَضَره فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن أَيْن كنت عَنَّا فَقَالَ كنت أَيهَا القاضى شبه العليل فَقَالَ لَهُ أَبُو على وهبك الله شبة الْعَافِيَة قَالَ الرافعى إِن ابْن أَبى هُرَيْرَة زعيم عَظِيم للفقهاء وَسَنذكر فى أَيْن قَالَ هَذَا وَمَات فى شهر رَجَب سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَمن الغرائب والفوائد عَنهُ قَالَ فِيمَن طلق وَاحِدَة من نِسَائِهِ لَا بِعَينهَا أَو بِعَينهَا ثمَّ نَسِيَهَا طَلَاقا رَجْعِيًا إِن لَهُ وَطْء الْجَمِيع وَاخْتلف النَّقْل عَنهُ فى أَن الْوَطْء تعْيين أَو لَيْسَ بِتَعْيِين فَيخرج من كَونه لَيْسَ تعيينا أَنه يطَأ كلا مِنْهُمَا وَلَا يكون وَطْء وَاحِدَة مَانِعا من وَطْء الْأُخْرَى وَلَا يُمكنهُ أَن يَقُول الطَّلَاق وَاقع من حِين اللَّفْظ لِأَن من أوقعه من حِين اللَّفْظ جعل الْوَطْء تعيينا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرافعى وَحكى الْخلاف فى ذَلِك بَين أَبى إِسْحَاق وَابْن أَبى هُرَيْرَة فَكَأَن هَذَا اللَّفْظ عِنْد ابْن أَبى هُرَيْرَة لَا يُبَاشر بِهِ الْمحل وَهَذَا قد يتَّجه فى الطَّلَاق الْمُبْهم أما فِيمَن طلق مُعينَة ثمَّ نَسِيَهَا فَلَا اتجاه لَهُ وَهُوَ آيل إِلَى وَطْء الْمُحرمَة قطعا ومنزلة هَذَا الْمَذْهَب فى الْبعد منزلَة مُقَابِله الذى حَكَاهُ الحناطى فِيمَن علق الطَّلَاق بالشهر وَذَلِكَ أَن الشاك فى الباقى من الشَّهْر لَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق لِأَنَّهُ لَا يَقع إِلَّا بِالْيَقِينِ وَحكى الحناطى وَجْهَيْن فى حل الْوَطْء فى حَال الشَّك وَجه التَّحْرِيم أَنه شَاك فى استباحتها فَأشبه مَا إِذا اشتبهت زَوجته بأجنبية قَالَ ابْن الرّفْعَة وَهَذَا التَّعْلِيل يقتضى تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ على هَذَا الْوَجْه فِيمَا إِذا شكّ هَل طلق أَو لَا وَلم نر من قَالَ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 إِذا كَانَ رَأس الشاج أَصْغَر استوعبناه وضممنا إِلَيْهِ أرش مَا بقى وَقَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة تخريجا فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ الماوردى بل نضم إِلَيْهِ أرش الْمُوَضّحَة كَامِلا قَالَ فى الحاوى فى النهى عَن تلقى الركْبَان وَكَذَلِكَ المدلس قَالَ الشافعى قد عصى الله تَعَالَى وَالْبيع لَازم وَالثمن حَلَال يُرِيد أَن التَّدْلِيس حرَام وَالثمن حَلَال وَقد كَانَ أَبُو على بن أَبى هُرَيْرَة يَقُول إِن ثمن التَّدْلِيس حرَام لَا ثمن الْمَبِيع أَلا ترى أَن الْمَبِيع إِذا فَاتَ رَجَعَ على البَائِع بِأَرْش عيب التَّدْلِيس فَدلَّ على أَنه أَخذ مِنْهُ بِغَيْر اسْتِحْقَاق انْتهى وَمَا حَكَاهُ عَن ابْن أَبى هُرَيْرَة غَرِيب وَمَعْنَاهُ أَن الزِّيَادَة بِسَبَب التَّدْلِيس مُحرمَة لَا جملَة الثّمن وَاعْلَم أَن صَاحب الْبَحْر لم ينْقل فِيهِ هَذَا مَعَ كَثْرَة اسْتِقْصَائِهِ لكَلَام الحاوى رَأَيْت فى تَعْلِيق ابْن أَبى هُرَيْرَة على الْمُخْتَصر فى الْحُدُود بعد ذكر الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا مَا نَصه أَلا ترى أَن ابْن مَسْعُود قد أنكر المعوذتين وَإِنَّمَا أنكر رسمهما لِأَنَّهُ محَال أَن يظنّ بِابْن مَسْعُود أَن يُنكر أَصلهمَا انْتهى قلت وَقد عقد القاضى أَبُو بكر فى كِتَابه الِانْتِصَار لِلْقُرْآنِ وَهُوَ الْكتاب الْعَظِيم الذى لَا ينبغى لعالم أَن يَخْلُو عَن تَحْصِيله بَابا كَبِيرا بَين فِيهِ خطأ النَّاقِل لهَذِهِ الْمقَالة عَن عبد الله بن مَسْعُود وَأَن الدَّلِيل الْقَاطِع قَائِم على كذبه على عبد الله وَبَرَاءَة عبد الله مِنْهُمَا قَالَ ابْن أَبى هُرَيْرَة الْبَحْث مَعَ الْفَاسِق لَا يجوز وَفرق الماوردى فجوزه فى الْمَعْقُول دون الْمَنْقُول قلت وَكِلَاهُمَا مُسْتَدْرك وَالصَّوَاب الْبَحْث مَعَه وَأما قبُول نَقله فَأمر آخر لِابْنِ أَبى هُرَيْرَة وَجه أَن بيع عقار الْيَتِيم للغبطة لَا يجوز وَإِنَّمَا يجوز للضَّرُورَة فَقَط رَأَيْته فى تَعْلِيقه وحكيته عَنهُ فى التوشيح بِلَفْظ فَلْينْظر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 فصل ابْن أَبى هُرَيْرَة فى تَقْدِيم الْعشَاء وتأخيرها فَقَالَ كَمَا نَقله صَاحب الحاوى إِن علم من نَفسه أَنه إِذا آخرهَا لَا يغلبه نوم وَلَا كسل فَالْأَفْضَل التَّأْخِير وَإِلَّا فالتقديم وَقَالَ الشاشى هَذَا التَّفْصِيل مُتَّجه للمنفرد دون الْجَمَاعَة لاخْتِلَاف أَحْوَالهم قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله وَمَا ذكره ابْن أَبى هُرَيْرَة فى الْحَقِيقَة اخْتِيَار للتأخير لِأَن من خشى أَن النّوم يغلبه لَا يُمكن أَن يُقَال التَّأْخِير لَهُ أفضل قَالَ ابْن أَبى هُرَيْرَة إِذا أكره الْمصلى على الْحَدث بِأَن عصر بَطْنه حَتَّى خرج بِغَيْر اخْتِيَاره لم تبطل صلَاته كَذَا نَقله عَنهُ الْوَالِد رَحمَه الله فى شرح الْمِنْهَاج وَهُوَ غَرِيب قَالَ الْوَالِد كَأَنَّهُ تَفْرِيع على القَوْل بِأَن سبق الْحَدث لَا يبطل الصَّلَاة قلت أَو أَنه على الْجَدِيد وَهُوَ وَجه صَعب شبه الْوَجْه الذَّاهِب إِلَى أَن من مس ذكره نَاسِيا لَا ينْتَقض وضوؤه وَقد حَكَاهُ الرافعى عَن حِكَايَة الحناطى نقل الماوردى فى الحاوى أَن ابْن أَبى هُرَيْرَة قَالَ إِنَّه يُبَاح وَلَا يكره عقد الْيَمين على مُبَاح اعْتِبَارا بالمحلوف عَلَيْهِ وَهَذَا مُخَالف لنَصّ الشافعى حَيْثُ قَالَ وأكره الْأَيْمَان على كل حَال إِلَّا فِيمَا كَانَ طَاعَة وَوجه ابْن أَبى هُرَيْرَة غَرِيب لم يحكه الرافعى إِنَّمَا حكى الرافعى الْأَوْجه فى الْحَالِف على مُبَاح هَل يسْتَحبّ لَهُ الْحِنْث أَو عَدمه أَو يتَخَيَّر أما نفس عقد الْيَمين فَظَاهر كَلَامه الْجَزْم بِأَنَّهُ مَكْرُوه كَمَا هُوَ ظَاهر النَّص حكى الدبيلى فى كتاب أدب الْقَضَاء أَن ابْن أَبى هُرَيْرَة قَالَ فِيمَا إِذا أسلم فى دَرَاهِم أَو دَنَانِير وَلم يصفها إِنَّه يجوز وَيحمل على نقد الْبَلَد وَأَن أَبَا إِسْحَاق قَالَ لَا يجوز لِأَن السّلم يحْتَاط فِيهِ وَأَن ابْن سُرَيج قَالَ إِن كَانَ حَالا جَازَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ قد يتَغَيَّر النَّقْد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 قلت أما مَا حَكَاهُ عَن ابْن سُرَيج فَغَرِيب حسن وَأما الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فقد أَشَارَ إِلَيْهِمَا الإِمَام فى النِّهَايَة فى أَوَائِل بَاب كتاب القاضى إِلَى القاضى مَسْأَلَة إِيقَاع الْقرعَة على العَبْد الْمُبْهم حَتَّى يعْتق أنكر على الشَّيْخ ابْن أَبى هُرَيْرَة قَوْله فِيمَا إِذا قَالَ الزَّوْج إِن كَانَ الطَّائِر غرابا فعبدى حر وَإِلَّا فزوجتى طَالِق وَمَات قبل الْبَيَان وَقُلْنَا لَا يعين الْوَارِث بل نقرع فَإِن خرجت على الْمَرْأَة لم تطلق وَالأَصَح لَا يرق العَبْد وعَلى هَذَا ففى وَجه أَن الْقرعَة تُعَاد إِلَى أَن تخرج عَلَيْهِ قَالَ الرافعى قَالَ الإِمَام وعندى يجب أَن يخرج الْقَائِل بِهِ عَن أحزاب الْفُقَهَاء وَمن قَالَ بِهِ فليقطع بِعِتْق العَبْد وليترك تَضْييع الزَّمَان فى إِخْرَاج الْقرعَة وَهَذَا قوى قويم لَكِن الحناطى حكى الْوَجْه عَن ابْن أَبى هُرَيْرَة وَهُوَ زعيم عَظِيم للفقهاء لَا يَتَأَتَّى إِخْرَاجه من أحزابهم انْتهى قلت أما كَونه زعيما عَظِيما فَلَا شكّ فِيهِ وَلَعَلَّ من أجل ذَلِك لم يبح الإِمَام باسمه بل ذكر الْوَجْه مُجَردا غير معزو إِلَى قَائِل وَكَأَنَّهُ جعل الآفة فِيهِ النقلَة عَن أَبى على وَعبارَة الإِمَام فى النِّهَايَة وفى بعض التصانيف أَن الْقرعَة تُعَاد مرّة أُخْرَى عَن بعض أَصْحَابنَا وعندى أَن صَاحب هَذِه الْمقَالة يجب أَن يخرج من أحزاب الْفُقَهَاء فَإِن الْقرعَة إِذا كَانَت تُعَاد ثَانِيَة فقد تُعَاد ثَالِثَة ثمَّ لَا يزَال الْأَمر كَذَلِك حَتَّى تقع على الْأمة فَإِن الْقرعَة ستخرج عَلَيْهَا وَحقّ صَاحب هَذَا الْمَذْهَب أَن يقطع بِعِتْق الْأمة وَهَذَا لَا سَبِيل إِلَيْهِ انْتهى وَلَا شكّ أَن الإِمَام لَا يُطلق هَذِه الْعبارَة فى حق ابْن أَبى هُرَيْرَة بل إِمَّا أَلا يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 بلغه أَن هَذَا القَوْل قَوْله أَو لَا يكون صدق النقلَة عَنهُ وَيُؤَيّد هَذَا أَنى رَأَيْت أخى الشَّيْخ أَبَا حَامِد أَحْمد أَطَالَ الله بَقَاءَهُ ذكر فى تَكْمِلَة شرح الْمِنْهَاج لفظ ابْن أَبى هُرَيْرَة فى الْمَسْأَلَة من تعليقته الَّتِى علقها عَنهُ الطبرى وَلَيْسَ فِيهِ أَنه قَالَ إِن الْقرعَة تُعَاد بل عِبَارَته فى الْقرعَة وَإِن خرجت على امْرَأَته لم تطلق وَلم يعْتق العَبْد والورع أَلا يَأْخُذ وَارثه وَيجوز لَهُ أَن يتَصَرَّف فى العَبْد انْتهى وفى قَوْله وَيجوز لَهُ أَن يتَصَرَّف فى العَبْد مَا يُؤذن بِخِلَاف مَا نَقله الحناطى ثمَّ أَقُول بِتَقْدِير ثُبُوت مَنْقُول الحناطى لَيست هَذِه الْمقَالة بَالِغَة فى النكارة إِلَى هَذَا الْحَد وَلَا يلْزمه أَن يعين العَبْد لِلْعِتْقِ ابْتِدَاء من غير قرعَة لِأَنَّهُ قد يكون من مذْهبه أَن الْقرعَة تحدث أَن الْعتْق فى الْحَال وَلَا يكون منكبة عَنهُ فقد وجدته حكى فى تعليقته فى بَاب الْقرعَة أَوَاخِر كتاب الْعتْق هَذَا الْمَذْهَب عَن مَالك رَحمَه الله لكنه رد على مَالك فى ذَلِك وَبِتَقْدِير أَلا يكون مذْهبه فَلَا يلْزمه ذَلِك أَيْضا لِأَن لَهُ أَن يَقُول لَو أَعتَقته بِلَا قرعَة لأعتقته بِلَا سَبَب بِخِلَاف مَا إِذا أَعتَقته بِقرْعَة وَإِن كنت متسببا فى خُرُوجهَا عَلَيْهِ فَإنَّا عهدنا الْقرعَة مَنْصُوبَة سَببا فى مثل ذَلِك ولأجله قُلْنَا بِالْقُرْعَةِ هُنَا لِأَنَّهَا لَو قرعت الْمَرْأَة لم تطلق فَمَا جعلت إِلَّا رَجَاء الْوُقُوع على العَبْد فَيعتق فَدلَّ أَن الْمَقْصُود بهَا محاولة الْعتْق وَهُوَ شَيْء يتشوف الشَّارِع إِلَيْهِ فَلَا يبعد إِعَادَتهَا حَتَّى تخرج عَلَيْهِ وَيعتق وَيكون عتقه مُسْندًا إِلَى الْقرعَة على الْجُمْلَة وَإِن كَانَ الْمَقْصُود بهَا التحيل عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 وَقد يسْتَأْنس بِهَذَا على الْجُمْلَة بِمَا اتّفق فى أَمر عبد الله وَالِد سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد خرج الْقدح عَلَيْهِ فزادوا الْإِبِل عشرا عشرا كلما وَقعت عَلَيْهِ الْقرعَة زادوا وعادوا الْقرعَة حَتَّى انْتَهوا إِلَى الْمِائَة وَوَقعت الْقرعَة على الْإِبِل فَمَا كَانَ ذَلِك إِلَّا توصلا إِلَى نجاة عبد الله وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْمُفَسِّرُونَ فى قصَّة يُونُس عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ لما توعده قومه الْعَذَاب انْطلق مغاضبا حَتَّى انْتهى إِلَى قوم فى سفينة فعرفوه فَحَمَلُوهُ فَلَمَّا ركب السَّفِينَة وقفت فَقَالَ مَا لسفينتكم فَقَالُوا لَا ندرى فَقَالَ لكنى أدرى فِيهَا عبد آبق من ربه وَإِنَّهَا وَالله لَا تسير حَتَّى تلقوهُ قَالُوا أما أَنْت يَا نبى الله لَا نلقيك قَالَ فاقترعوا فَمن قرع فاقترعوا فقرع يُونُس فَأَبَوا أَن يمكنوه من الْوُقُوع فعادوا إِلَى الْقرعَة حَتَّى قرع ثَلَاث مَرَّات فَهَذَا وَمَا قبله وَإِن كَانَا قبل شرعنا إِلَّا أَنه مِمَّا يسْتَأْنس بِهِ على الْجُمْلَة لمحاولة من تقرعه الْقرعَة قَول على لعمر رضى الله عَنْهُمَا فى قصَّة الْمُغيرَة فى أَبى بكرَة أَرَاك إِن جلدته رجمت صَاحبك روى أَن عمر رضى الله عَنهُ قَالَ فى قصَّة الْمُغيرَة لأبى بكره تب أقبل شهادتك فَقَالَ وَالله لَا أَتُوب وَالله زنا فهم عمر بجلده ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ على أَرَاك إِن جلدته رجمت صَاحبك فَتَركه وَلم يُخَالِفهُ فى هَذِه الْقِصَّة أحد من الصَّحَابَة وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فى معنى هَذَا الْكَلَام بعد الِاعْتِرَاف بإشكاله على وَجْهَيْن رأيتهما فى تَعْلِيق ابْن أبي هُرَيْرَة احْتِمَالَيْنِ وَهَذَا كَلَامه فى التعليقة وَكَانَ معنى قَوْله إِن جلدته فارجم صَاحبك أى أَنَّك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 إِن استحللت جلده من غير اسْتِحْقَاقه إِيَّاه فارجم صَاحبك كَمَا يُقَال من بَاعَ الْخمر فليشقص الْخَنَازِير وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ إِن كنت أَقمت هَذَا شَاهدا آخر فارجم صَاحبك لتَمام الشَّهَادَة فَإِذا كنت لَا تَجْعَلهُ شَاهدا رَابِعا حَتَّى ترْجم بِهِ صَاحبك فَلَا تَجْعَلهُ قَاذِفا رَابِعا حَتَّى تحده لِأَنَّهُ قد حددتموه انْتهى وَصرح ابْن الرّفْعَة فى الْمطلب بنقلهما خلافًا بَين الْأَصْحَاب وَذكر أَن الأول قَول الشَّيْخ أبي حَامِد وَأَن الثَّانِي أصح قَالَ ابْن الرّفْعَة وَقد قيل أَن الْمُغيرَة كَانَ تزوج بِتِلْكَ الْمَرْأَة فى السِّرّ وَكَانَ عمر لَا يُبِيح نِكَاح السِّرّ وَيُوجب الْحَد على فَاعله وَكَانَ يَقُول للْمُغِيرَة هَذِه امْرَأَتك فينكر فَظَنهُ من شهد عَلَيْهِ زَانيا لأَنهم يعْرفُونَ مِنْهُ أَنه ينكرها قَالَ وَهَذَا طَرِيق يحسن الظَّن بالصحابة قَالَ وَحِينَئِذٍ لَا يكون الشُّهُود كذبُوا وَلَا الْمُغيرَة زنا وَالْحَمْد لله 171 - الْحسن بن سُفْيَان بن عَامر بن عبد الْعَزِيز بن النُّعْمَان الشيبانى الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس النسوى مُصَنف الْمسند تفقه على أَبى ثَوْر وحرملة وَهُوَ الْقَائِل سَمِعت حَرْمَلَة يَقُول سَمِعت الشافعى يَقُول فى رجل فى فَم امْرَأَته الحديث: 171 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 تَمْرَة فَقَالَ لَهَا إِن أكلت هَذِه التمرة فَأَنت طَالِق وَإِن طرحتها فَأَنت طَالِق فَأكلت نصفهَا وطرحت نصفهَا لم تطلق سمع الْحسن بن سُفْيَان من أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الحنظلى وقتيبة وَعبد الرَّحْمَن بن سَلام الجمحى وشيبان بن فروخ وأبى بكر بن أَبى شيبَة وأبى ثَوْر وَسَهل بن عُثْمَان العسكرى وَمُحَمّد بن أَبى بكر المقدمى وَسعد بن يزِيد الْفراء وَيزِيد بن صَالح وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو بكر الإسماعيلى وَابْن حبَان وَأَبُو على الْحَافِظ وَيحيى ابْن مَنْصُور القاضى وَأَبُو عَمْرو بن حمدَان وحفيده إِسْحَاق بن سعيد النسوى وَخلق سواهُم قَالَ الْحَاكِم كَانَ مُحدث خُرَاسَان فى عصره مقدما فى الثبت وَالْكَثْرَة والفهم وَالْفِقْه وَالْأَدب وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ مِمَّن رَحل وصنف وَحدث على تيقظ مَعَ صِحَة الدّيانَة والصلابة فى السّنة وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد النيسابورى الْفَقِيه كَانَ الْحسن أديبا فَقِيها أَخذ الْأَدَب عَن أَصْحَاب النَّضر بن شُمَيْل وَالْفِقْه عَن أَبى ثَوْر وَقَالَ الْحَاكِم سَمِعت مُحَمَّد بن دَاوُد بن سُلَيْمَان يَقُول كُنَّا عِنْد الْحسن بن سُفْيَان فَدخل ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو عَمْرو الحيرى وَأَبُو بكر بن على الرازى فى جمَاعَة وهم متوجهون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 إِلَى فراوة فَقَالَ أَبُو بكر بن على قد كتبت هَذَا الطَّبَق من حَدِيثك قَالَ هَات فَأخذ يقْرَأ فَلَمَّا قَرَأَ أَحَادِيثه أَدخل إِسْنَادًا فى إِسْنَاد فَرده الْحسن ثمَّ بعد سَاعَة فعل ذَلِك فَرده الْحسن فَلَمَّا كَانَ فى الثَّالِثَة قَالَ لَهُ الْحسن مَا هَذَا قد احتملتك مرَّتَيْنِ وَهَذِه الثَّالِثَة وَأَنا ابْن تسعين سنة فَاتق الله فى الْمَشَايِخ فَرُبمَا اتّفق فِيك دَعْوَة فَقَالَ لَهُ ابْن خُزَيْمَة مَه لَا تؤذ الشَّيْخ قَالَ إِنَّمَا أردْت أَن تعلم أَن أَبَا الْعَبَّاس يعرف حَدِيثه توفى الْحسن بن سُفْيَان بقرية بالوز وَكَانَ مُقيما بهَا وهى على ثَلَاثَة فراسخ من نسا فى شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وثلاثمائة الْحسن بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَبُو على الزجاجى الإِمَام الْكَبِير أحد الْأَئِمَّة تلميذ ابْن الْقَاص والراوى عَنهُ جُزْء حَدِيث أَبى عمر وَشَيخ القاضى أَبى الطّيب أرَاهُ من أهل هَذِه الطَّبَقَة وسأذكره فى الرَّابِعَة 172 - الْحسن بن مُحَمَّد أَبُو على الطبسى قَالَ فِيهِ الْحَاكِم الْفَقِيه الأديب الزَّاهِد من أجل مَشَايِخنَا وفقهائنا بخراسان قَالَ وَكَانَ خَليفَة أَبى على بن أَبى هُرَيْرَة فى حَيَاته وَبعد وَفَاته الحديث: 172 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 كتب بخراسان والعراقين وَسمع سنَن أَبى دَاوُد من ابْن داسة قَالَ الْحَاكِم وسمعته يَقُول لما مَاتَ ابْن أَبى هُرَيْرَة وسئلت أَن أخلفه بعد وَفَاته رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى النّوم يَقُول يَا أَبَا على بلغنى أَنَّك خلفت أَبَا على ابْن أَبى هُرَيْرَة فأحسنت خِلَافَته فجزاك الله عَنى خيرا وَذكره العبادى فى الطَّبَقَات وَحكى عَن الْأُسْتَاذ أَبى طَاهِر أَنه قَالَ اجْتمع رأيى وَرَأى أَبى على على أَن كل كَلَام لَا يُوجد نظمه فى غير كتاب الله فَإِن الْجنب لَا يقرأه وَإِن وجد فى غير كتاب الله فَإِن قصد كتاب الله لم يجز وَإِن قصد غَيره جَازَ قلت والمتأخرون من الْأَصْحَاب لم يذكرُوا هَذَا التَّفْصِيل بل أطْلقُوا أَنه إِذا قَرَأَ شَيْئا لَا على قصد الْقُرْآن أَنه يجوز وَلَا بَأْس بِهَذَا التَّفْصِيل فَإِن مَا لَا يُوجد نظمه إِلَّا فى كتاب الله يبعد أَن يقْصد بِهِ قارئه غير كتاب الله قَالَ العبادى نقلا عَن أَبى على وَالْجنب لَا يَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بل يَقُول بِسم الله الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ الْحَمد لله على الْإِسْلَام وَنعمته قَالَ كَذَا روى فى الْخَبَر قلت وَهَذَا من آثَار ذَلِك التَّفْصِيل كَأَنَّهُ يَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لَا يُوجد نظمها إِلَّا فى كتاب الله وَهَذَا بعيد أعنى تَحْرِيم قَول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم على الْجنب إِذا لم يقْصد بهَا الْقُرْآن فَإِنَّهَا قد اشْتهر كَونهَا تذكر وَلَا يقْصد بهَا الْقُرْآن غير أَنَّهَا مِمَّا لَا يُوجد نظمه إِلَّا فى كتاب الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 قَالَ الْحَاكِم توفى الْفَقِيه الأوحد فى عصره أَبُو على بطبسين وَحَضَرت معزاه وَتوفى فى شعْبَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة 173 - أَبُو الْحسن المحاملى الْكَبِير من أَقْرَان أَبى سعيد الإصطخرى وأبى على بن أَبى هُرَيْرَة قَالَ العبادى لَيْسَ هُوَ جد المحاملى الْأَخير بل غَيره قَالَ وَهُوَ الْقَائِل بِأَن من وجد الزَّاد وَالرَّاحِلَة بخراسان يَوْم عَرَفَة وَمَات يقْضى عَنهُ الْحَج قلت وَهَذَا غَرِيب وَقد أهمل الغزالى ذكر إِمْكَان السّير فى شَرَائِط وجوب الْحَج فاعترضه الرافعى وَنَصره ابْن الصّلاح بِأَن إِمْكَان السّير لَيْسَ ركنا لوُجُوب الْحَج بل لاستقراره فِي الذِّمَّة وَصوب النووى قَول الرافعى مستدلا بقوله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَالْحق مَعَه وَالْكل متفقون على عدم ثُبُوته فى الذِّمَّة إِذا لم يتَمَكَّن من السّير فمقالة المحاملى غَرِيبَة ووقفت فى بعض التصانيف الْقَدِيمَة لبَعض من لم أتحقق اسْمه على مَا نَصه سَمِعت ابْن أَبى هُرَيْرَة يَقُول حضرت مجْلِس المحاملى وَقد حَضَره شيخ من أهل أَصْبَهَان نبيل الْهَيْئَة قدم الْمَوْسِم حَاجا فَأَقْبَلت عَلَيْهِ وَسَأَلته عَن مَسْأَلَة فى الطَّهَارَة فضجر الحديث: 173 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 وَقَالَ مثلى يسْأَل عَن مسَائِل الطَّهَارَة فَقلت لَا وَالله إِن سَأَلتك إِلَّا عَن الِاسْتِنْجَاء نَفسه فألقيت عَلَيْهِ هَذِه الْمَسْأَلَة فبقى متحيرا قلت وَأَشَارَ إِلَى كَيْفيَّة الِاسْتِنْجَاء إِذا أمسك ذكره بيساره وَذكر الْأَصْحَاب هَذَا المحاملى أَيْضا فى مَسْأَلَة موت الْأَجِير على الْحَج بعد الْأَخْذ فى السّير وَقبل الْإِحْرَام فَإِن الْمَذْهَب الْمَنْصُوص أَنه لَا يسْتَحق شَيْئا وَالْمَنْقُول فى الرافعى عَن الصيرفى والإصطخرى أَنه يسْتَحق شَيْئا من الْأُجْرَة لِأَنَّهُمَا أفتيا سنة حصر القرامطة الحجيج بِالْكُوفَةِ بِأَن الأجراء يسْتَحقُّونَ بِقدر مَا عمِلُوا وَرَأَيْت فى الْبَحْر للرويانى مَا نَصه حكى الماسرجسى عَن ابْن أَبى هُرَيْرَة أَنه قَالَ لما وَقع من القرامطة مَا وَقع اجْتمعت أَنا والمحاملى والإصطخرى واتفقنا على أَن نفتى بِأَن كل من كَانَ حَاجا عَن الْغَيْر لَا يسْتَحق الْأُجْرَة إِلَّا أَنه يرْضخ لَهُ بشىء هَكَذَا حَكَاهُ القاضى الطبرى وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَاتِم أَنهم أفتوا بِأَن لَهُم الْأُجْرَة بِقدر مَا قطع من الْمسَافَة هَذَا كَلَام الْبَحْر وَذكره أَيْضا فِيمَا إِذا اخْتلف الْقَابِض والدافع فى الْألف المدفوعة هَل كَانَت قرضا أَو إبضاعا وَأَن المحاملى الْكَبِير ذهب إِلَى أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ نَقله أَبُو سعد الهروى فى الإشراف وَغَيره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 174 - الْحُسَيْن بن أَحْمد بن حمدَان بن خالوية أَبُو عبد الله الهمذانى إِمَام فى اللُّغَة والعربية وَغَيرهمَا من الْعُلُوم الأدبية قدم بَغْدَاد فَأخذ عَن أَبى بكر بن الأنبارى وأبى بكر بن مُجَاهِد وَقَرَأَ عَلَيْهِ وأبى عمر غُلَام ثَعْلَب ونفطويه وأبى سعيد السيرافى وَقيل إِنَّه أدْرك ابْن دُرَيْد وَأخذ عَنهُ ثمَّ قدم الشَّام وَصَحب سيف الدولة ابْن حمدَان وأدب بعض أَوْلَاده ونفق سوقه بحلب واشتهر ذكره وقصده الطلاب أَخذ عَنهُ عبد الْمُنعم بن غلبون وَالْحسن بن سُلَيْمَان وَغَيرهمَا الحديث: 174 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 وصنف فى اللُّغَة كتاب لَيْسَ وَكتاب شرح الْمَمْدُود والمقصور وَكتاب أَسمَاء الْأسد بلغ فِيهِ إِلَى خَمْسمِائَة اسْم وَكتاب البديع فى الْقُرْآن وَكتاب الْجمل فى النَّحْو وَكتاب الِاشْتِقَاق وَغير ذَلِك وَكتاب غَرِيب الْقُرْآن وَله مَعَ أَبى الطّيب المتنبى مناظرات عديدة وَقد روى مُخْتَصر المزنى عَن أَبى بكر النَّيْسَابُورِي توفى سنة سبعين وثلاثمائة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ ابْن الصّلاح حكى فى كِتَابه إِعْرَاب ثَلَاثِينَ سُورَة مَذْهَب الشافعى فى الْبَسْمَلَة وَكَونهَا آيَة من أول كل سُورَة قَالَ وَالَّذِي صَحَّ عندى وَإِلَيْهِ أذهب مَذْهَب الشافعى قَالَ وأتى بلطيفة غَرِيبَة فَقَالَ حَدَّثَنى أَبُو سعيد الْحَافِظ وَلَعَلَّه ابْن رُمَيْح النسوى أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر النيسابورى قَالَ سَمِعت الشافعى يَقُول أول الْحَمد {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} وَأول الْبَقَرَة {الم} وَهَذَا الْوَجْه حسن وَهُوَ أَن الْبَسْمَلَة لما ثبتَتْ أَولا فى سُورَة الْفَاتِحَة فهى من السُّور إِعَادَة لَهَا وتكرير فَلَا تكون من تِلْكَ السُّور ضَرُورَة فَلَا يُقَال هى آيَة من أول كل سُورَة بل هى آيَة فى أول كل سُورَة 175 - الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحسن بن مُوسَى القاضى أَبُو على البيهقى أوردهُ شَيخنَا الذهبى كَأَنَّهُ تبع للْحَاكِم فِيمَن اسْمه الْحسن كَانَ فَقِيها أديبا قَاضِيا بنسا سمع من ابْن خُزَيْمَة وَابْن صاعد وطبقتهما الحديث: 175 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 روى عَن الْحَاكِم وَغَيره مَاتَ ببيهق سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة 176 - الْحُسَيْن بن الْحسن بن أَيُّوب أَبُو عبد الله الطوسى الأديب كَانَ من كبار الْمُحدثين وثقاتهم رَحل إِلَى أَبى حَاتِم فَأَقَامَ عِنْده مُدَّة وَجَاء بِمَكَّة فَسمع مُسْند أَبى يحيى بن أَبى مَسَرَّة مِنْهُ وَكتب أَبى عبيد من على بن عبد الْعَزِيز روى عَنهُ أَبُو على الْحَافِظ النيسابورى وَأَبُو إِسْحَاق المزكى وَأَبُو الْحُسَيْن الحجاجى وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو على الرُّوذَبَارِي وَآخَرُونَ مَاتَ بنوقان يَوْم الْأَضْحَى سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة 177 - الْحُسَيْن بن صَالح بن خيران الشَّيْخ أَبُو على أحد أَرْكَان الْمَذْهَب كَانَ إِمَامًا زاهدا ورعا تقيا نقيا متقشفا من كبار الْأَئِمَّة بِبَغْدَاد الحديث: 176 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق عرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَلم يتقلده وَكَانَ بعض وزراء المقتدر وكل بداره وخوطب الْوَزير فى ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا قصدنا ليقال فى زَمَاننَا من وكل بداره ليتقلد الْقَضَاء فَلم يفعل وَقَالَ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبيد العسكرى شاهدت الموكلين بِبَابِهِ وَختم الْبَاب بضعَة عشر يَوْمًا فَقَالَ لى أَبى يابنى انْظُر حَتَّى تحدث إِن عِشْت أَن إنْسَانا فعل بِهِ هَذَا ليلى فَامْتنعَ وَقَالَ الإِمَام أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الكشفلى أَمر على بن عِيسَى وَزِير المقتدر بِاللَّه صَاحب الْبَلَد أَن يطْلب الشَّيْخ أَبَا على بن خيران حَتَّى يعرض عَلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة فاستتر فَوكل بِبَاب دَاره رِجَاله بضعَة عشر يَوْمًا حَتَّى احْتَاجَ إِلَى المَاء فَلم يقدر عَلَيْهِ إِلَّا من عِنْد الْجِيرَان فَبلغ الْوَزير ذَلِك فَأمر بِإِزَالَة التَّوْكِيل عَنهُ وَقَالَ فى مَجْلِسه وَالنَّاس حُضُور ماأردنا بالشيخ أَبى على إِلَّا خيرا أردنَا أَن نعلم أَن فى مملكتنا رجلا يعرض عَلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة شرقا وغربا وَهُوَ لَا يقبل قَالَ القاضى أَبُو الطّيب ابْن خيران كَانَ يعيب على ابْن سُرَيج فى ولَايَته الْقَضَاء وَيَقُول هَذَا الْأَمر لم يكن فى أَصْحَابنَا إِنَّمَا كَانَ فى أَصْحَاب أَبى حنيفَة قلت يعْنى بالعراق وَإِلَّا فَلم يكن الْقَضَاء بِمصْر وَالشَّام فى أَصْحَاب أَبى حنيفَة قطّ إِلَّا أَيَّام بكار فى مصر وَإِنَّمَا كَانَ فى مصر الْمَالِكِيَّة وفى الشَّام الأوزاعية إِلَى أَن ظهر مَذْهَب الشافعى فى الإقليمين فَصَارَ فِيهِ وَصَاحب الْبَلَد الْمعِين بِهِ صَاحب الشرطة وَهُوَ الذى يُسمى الْيَوْم فى بِلَادنَا بالوالى وَكَانَ الوالى فى الزَّمَان الماضى اسْما لأمير الْمَدِينَة وَكَانَ الْأَمِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 يُسمى الوالى تَارَة وَالْعَامِل أُخْرَى وَأما الْمُسَمّى الْيَوْم بالوالى فَكَانَ يُسمى صَاحب الشرطة أَو صَاحب الْبَلَد أَو صَاحب الْخَبَر يعْنى أَنه يطالع الْأَمِير بأخبار الْمَدِينَة قَالَ الرافعى فى بَاب الْأَطْعِمَة عَن ابْن خيران أَنه قَالَ أصَاب أكار لنا كلب المَاء فى ضَيْعَة لنا فأكلناه فَإِذا طعمه طعم السّمك قَالَ شَيخنَا الذهبى لم يبلغنَا على من اشْتغل ابْن خيران وَلَا عَن من أَخذ الْعلم قَالَ وَأَظنهُ مَاتَ كهلا قَالَ وَلم يسمع شَيْئا فِيمَا أعلم قلت لَعَلَّه جَالس فى الْعلم ابْن سُرَيج وَأدْركَ مشايخه قَالَ أَبُو الْعَلَاء مُحَمَّد بن على الواسطى نقلا عَن الْحُسَيْن ابْن العسكرى توفى ابْن خيران يَوْم الثُّلَاثَاء لثلاث عشرَة بقيت من ذى الْحجَّة سنة عشْرين وثلاثمائة وَقَالَ الدارقطنى توفى فى حُدُود الْعشْر والثلاثمائة قَالَ الْخَطِيب وأظن أَبَا الْعَلَاء وهم على ابْن العسكرى وَأَرَادَ أَن يَقُول سنة عشر فَقَالَ سنة عشْرين وَقَالَ ابْن الصّلاح مَا ذكر من وَفَاته أقرب وإياه ذكر الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق قلت وأظن الْعشْرين فى كتاب الدارقطنى إِلَّا أَن النَّاسِخ أسقط الْيَاء وَالنُّون غَلطا وَلَا مُنَافَاة حِينَئِذٍ بَين التاريخين قَالَ شَيخنَا الذهبى وَيدل على مانقله أَبُو الْعَلَاء أَن أَبَا بكر بن الْحداد سَافر من مصر إِلَى بَغْدَاد يسْعَى لأبى عبيد بن حربوية القاضى أَن يُعْفَى من قَضَاء مصر فَقَالَ ابْن زولاق إِنَّه دَخلهَا سنة عشر فى شَوَّال وَشَاهد بَاب أَبى على بن خيران مسمورا لامتناعه من الْقَضَاء وَقد اشْتهر قَالَ فَكَانَ النَّاس يأْتونَ بأولادهم الصغار فَيَقُولُونَ لَهُم انْظُرُوا حَتَّى تحدثُوا بِهَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 قلت وَلَيْسَ فى الْحِكَايَة صَرَاحَة فى تَأَخّر وَفَاته عَن سنة عشر فَلَعَلَّهُ مَاتَ بعد التسمير على بَابه بِقَلِيل وَلَكِن الأثبت كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفَاته سنة عشْرين وَمن الغرائب عَن أَبى على بن خيران نقل الدارمى فى بَاب صفة الصَّلَاة من الاستذكار أَن ابْن خيران قَالَ فى عُرَاة لَيْسَ لَهُم إِلَّا ثوب وَاحِد وَإِن صلوا فِيهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد خرج الْوَقْت إِنَّهُم يتركون جَمِيعًا وَيصلونَ عُرَاة قَالَ أَبُو عَاصِم العبادى حكى السريحي أَن ابْن خيران جوز للسَّيِّد أَن يشْهد لمكاتبه وَيدْفَع إِلَيْهِ زَكَاته قلت 178 - الْحُسَيْن بن على بن مُحَمَّد بن يحيى أَبُو أَحْمد التميمى النيسابورى يُقَال لَهُ حسينك وَهُوَ حُسَيْن مَفْتُوح النُّون بعْدهَا كَاف سَاكِنة وَيعرف أَيْضا بِابْن منينة بِضَم الْمِيم بعْدهَا نون ثمَّ آخر الْحُرُوف ثمَّ نون ثَانِيَة من بَيت حشمة ورياسة تربى فى حجر الإِمَام أَبى بكر بن خُزَيْمَة وَكَانَ ابْن خُزَيْمَة فى آخر عمره إِذا تخلف عَن مجْلِس السُّلْطَان بعث بأبى أَحْمد نَائِبا عَنهُ وَكَانَ يقدمهُ على أَوْلَاده الحديث: 178 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 سمع أَبُو أَحْمد من ابْن خُزَيْمَة وأبى الْعَبَّاس السراج بنيسابور ورحل فَسمع أَيْضا عمر بن إِسْمَاعِيل بن أَبى غيلَان وَعبد الله بن مُحَمَّد البغوى وَأَبا عوَانَة الإسفراينى وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو بكر البرقانى وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَعمر بن أَحْمد بن مسرور وَأَبُو سعد مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الكنجروذى وَجَمَاعَة قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة حجَّة وَقَالَ الْحَاكِم صحبته سفرا وحضرا نَحوا من ثَلَاثِينَ سنة فَمَا رَأَيْته يتْرك قيام اللَّيْل يقْرَأ فى كل رَكْعَة سبعا وَكَانَت صدقاته دارة سرا وَعَلَانِيَة أخرج مرّة عشرَة أنفس من الْغُزَاة بآلتهم بَدَلا عَن نَفسه ورابط غير مرّة توفى فى ربيع الآخر سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بقراءتى أخبرنَا أَبُو روح إجَازَة أخبرنَا زَاهِر أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أخبرنَا أَبُو أَحْمد الْحُسَيْن بن على أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم البغوى حَدثنَا هدبه حَدثنَا حَمَّاد عَن ثَابت عَن أَبى رَافع عَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كَانَت شَجَرَة تضر بِالطَّرِيقِ فقطعها رجل فنحاها عَن الطَّرِيق فغفر لَهُ) رَوَاهُ مُسلم عَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن بهز بن أَسد عَن حَمَّاد بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 179 - الْحسن بن على بن يزِيد بن دَاوُد بن يزِيد الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو على النيسابورى شيخ الْحَاكِم ولد سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَأول سَمَاعه سنة أَربع وَتِسْعين فَسمع من إِبْرَاهِيم بن أَبى طَالب وَعلي بن الْحُسَيْن وَعبد الله بن شيرويه وجعفر ابْن أَحْمد الْحَافِظ وبهراة الْحُسَيْن بن إِدْرِيس وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن وأقرانهما قَالَ الْحَاكِم وهراة أول رحلته وبنسا الْحسن بن سُفْيَان وبجرجان عمرَان بن مُوسَى وببغداد عبد الله بن نَاجِية وَالقَاسِم الْمُطَرز وبالكوفة مُحَمَّد بن جَعْفَر القَتَّات وبالبصرة أَبَا خَليفَة وزَكَرِيا الساجى وبواسط جَعْفَر بن أَحْمد بن سِنَان وبالأهواز عَبْدَانِ وبأصبهان مُحَمَّد بن نصير وبالموصل أَبَا يعلى الحديث: 179 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وبمصر أَبَا عبد الرَّحْمَن النسائى وبغزة الْحسن بن الْفرج راوى الموطا وبمكة الْمفضل الجندى وبالشام أَصْحَاب إِبْرَاهِيم بن الْعَلَاء والمعافى بن سُلَيْمَان روى عَنهُ أَبُو بكر أَحْمد بن إِسْحَاق الصبغى وَأَبُو الْوَلِيد الْفَقِيه وهما أكبر مِنْهُ وَابْن مندة وَالْحَاكِم وَأَبُو طَاهِر بن محمش وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى وَغَيرهم قَالَ الْحَاكِم هُوَ وَاحِد عصره فى الْحِفْظ والإتقان والورع والرحلة ذكره بالشرق كذكره فى الغرب مقدم فى مذاكرة الْأَئِمَّة وَكَثْرَة التصنيف انْتهى وَكَذَلِكَ قَالَ الْخَطِيب قَالَ وَذكره الدارقطنى فَقَالَ إِمَام مهذب قَالَ الْحَاكِم وَعقد لَهُ مجْلِس الْإِمْلَاء سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة ثمَّ لم يزل يحدث بالمصنفات والشيوخ بَقِيَّة عمره وَأطَال الْحَاكِم تَرْجَمَة شَيْخه هَذَا وَأَطْنَبَ على عَادَته إِذا ترْجم كَبِيرا استوفى وحشد الْفَوَائِد والغرائب قَالَ كَانَ أَبُو على يشْتَغل بالصاغة فنصحه بعض الْعلمَاء وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْعلمِ قَالَ وَكنت أرى أَبَا على معجبا بِأبي يعلى الموصلى وإتقانه قَالَ كَانَ لَا يخفى عَلَيْهِ من حَدِيثه إِلَّا الْيُسْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 قَالَ الْحَاكِم كَانَ أَبُو على باقعة فى الْحِفْظ لَا تطاق مذاكرته وَلَا يفى بمذاكرته أحد من حفاظنا خرج إِلَى بَغْدَاد سنة عشر نَائِبا وَقد صنف وَجمع فَأَقَامَ بِبَغْدَاد وَمَا بهَا أحد أحفظ مِنْهُ إِلَّا أَن يكون أَبُو بكر الجعابى فإنى سَمِعت أَبَا على يَقُول مارأيت بِبَغْدَاد أحفظ مِنْهُ قَالَ وَسمعت أَبَا على يَقُول اجْتمعت بِبَغْدَاد مَعَ أَبى أَحْمد الْعَسَّال وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة وأبى طَالب بن نصر وَأبي بكر الجعابى فَقَالُوا أمل علينا من حَدِيث نيسابور مَجْلِسا فامتنعت فمازالوا بى حَتَّى أمليت عَلَيْهِم ثَلَاثِينَ حَدِيثا مَا أجَاب وَاحِد مِنْهُم فى حَدِيث مِنْهَا إِلَّا ابْن حَمْزَة فى حَدِيث وَاحِد قَالَ الْحَاكِم كَانَ أَبُو على يَقُول مَا رَأَيْت فى أَصْحَابنَا مثل الجعابى حيرنى حفظه فحكيت ذَلِك لأبى بكر الجعابى فَقَالَ يَقُول أَبُو على هَذَا وَهُوَ أستاذى على الْحَقِيقَة وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مندة سَمِعت أَبى أَبَا عبد الله يَقُول مَا رَأَيْت فى اخْتِلَاف الحَدِيث والإتقان أحفظ من أَبى على النيسابورى توفى أَبُو على عَشِيَّة الْخَمِيس الْخَامِس عشر من جُمَادَى الأولى سنة تسع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ كَانَ أَبُو على يرى أَن كتاب مُسلم أصح من كتاب البخارى قَالَ ابْن مندة سَمِعت أَبَا على النيسابورى وَمَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ يَقُول مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء أصح من كتاب مُسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 قلت قد شَذَّ أَبُو على بِهَذِهِ الْمقَالة وَإِن وَافقه عَلَيْهَا بعض المغاربة وَمَا بعد كتاب الله أصح من صَحِيح البخارى قَالَ أَبُو على النيسابورى خرجت إِلَى هراة سنة خمس وَتِسْعين وَحَضَرت أَبَا خَليفَة وَهُوَ يهدد وَكيلا لَهُ يَقُول تعود يالكع فَقَالَ لَا أصلحك الله فَقَالَ بل أَنْت لَا أصلحك الله قُم عَنى قلت من فصاحة الْعَرَب أَن يَأْتُوا بِالْوَاو هُنَا فَكَانَ الْأَدَب أَن يَقُول لَا وأصلحك الله لِئَلَّا يتَوَهَّم انصباب النفى على أصلحك الله فَيكون قد دَعَا عَلَيْهِ بِعَدَمِ الصّلاح فَإِذا أَتَى بِالْوَاو سلم من ذَلِك قَالَ القاضى أَبُو بكر الأبهرى سَمِعت أَبَا بكر بن دَاوُد يَقُول لأبى على النيسابورى إِبْرَاهِيم عَن إِبْرَاهِيم عَن إِبْرَاهِيم من هم فَقَالَ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن إِبْرَاهِيم بن عَامر البجلى عَن إِبْرَاهِيم النخعى فَقَالَ أَحْسَنت ياأبا على قلت وَلَهُم خلف عَن خلف سِتَّة فِيمَا أخبرنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر الْحَافِظ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر عَن أَبى روح عبد الْمعز بن مُحَمَّد الهروى قَالَ أخبرنَا زَاهِر ابْن طَاهِر أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد التميمى المروزى أخبرنَا أَبُو نصر الْحُسَيْن ابْن على بن مُحَمَّد الحفصوى بمرو أخبرنَا الْحَاكِم أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن الْحسن البخارى حَدَّثَنى أَبُو أَحْمد خلف بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن خلف أَمِير سجستان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 حَدثنَا خلف بن إِسْمَاعِيل الْخيام حَدثنَا خلف بن سُلَيْمَان النسفى حَدثنَا خلف ابْن مُحَمَّد كرْدُوس الواسطى حَدثنَا خلف بن مُوسَى بن خلف عَن أَبِيه عَن جده عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن فى الْجنَّة لغرفا لَيْسَ لَهَا معاليق من فَوْقهَا وَلَا عماد من تحتهَا) قيل يَا رَسُول الله وَكَيف يدخلهَا أَهلهَا قَالَ يدْخلُونَهَا أشباه الطير قيل يَا رَسُول الله لمن هى قَالَ لأهل الأسقام والأوجاع والبلوى 180 - الْحُسَيْن بن الْقَاسِم الإِمَام الْجَلِيل أَبُو على الطبرى صَاحب الإفصاح لَهُ الْوُجُوه الْمَشْهُورَة فى الْمَذْهَب وصنف فى أصُول الْفِقْه وفى الجدل وصنف الْمُحَرر وَهُوَ أول كتاب صنف فى الْخلاف الْمُجَرّد تفقه على أَبى على بن أَبى هُرَيْرَة وَسكن بَغْدَاد وَتوفى بهَا سنة خمسين وثلاثمائة إِذا أذن الْمُرْتَهن للرَّاهِن فى البيع أَو الْعتْق ثمَّ رَجَعَ قبل أَن يَبِيع أَو يعْتق وَلم يعلم الرَّاهِن بِالرُّجُوعِ فَبَاعَ أَو أعتق ففى صِحَّته وَجْهَان مخرجان من تصرف الْوَكِيل قبل الْعلم بعزله الحديث: 180 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 كَذَا حَكَاهُ الجماهير مِنْهُم الرافعى والنووى وَفصل فى الإفصاح فَقَالَ إِن رَجَعَ الْآذِن قبل وُقُوع البيع فَإِن كَانَ يُمكن الْوُقُوف فى مثله على رُجُوعه فعلى وَجْهَيْن وَإِن كَانَ لَا يُمكن فى مثله فعلى قَول وَاحِد أَن بَيْعه صَحِيح وَلَا معنى لرجوعه قِيَاسا على مَا قَالَ الشافعى فى الولى إِذا دفع من وَجب لَهُ حق الْقصاص إِلَى سياف فَرجع فى الْإِذْن قبل الْقَتْل قَالَ الرويانى وَهَذَا التَّفْصِيل لم يقلهُ غَيره 181 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَبى زرْعَة مُحَمَّد بن عُثْمَان الدمشقى قاضى الديار المصرية والشامية وسليل قاضيها وَهُوَ الذى كَانَ ابْن الْحداد يَنُوب عَنهُ وَكَانَ الْحُسَيْن شَابًّا وَقد ولآه الْخَلِيفَة فولى مُحَمَّد بن طغج الإخشيد ابْن الْحداد خِلَافَته فَكَانَ ابْن الْحداد هُوَ الذى يحكم وَالِاسْم لِابْنِ أَبى زرْعَة ثمَّ ورد الْعَهْد بعد سِتَّة أشهر من خلَافَة ابْن الْحداد لِابْنِ أَبى زرْعَة بِالْقضَاءِ من ابْن أَبى الشَّوَارِب قاضى بَغْدَاد فَركب ابْن أَبى زرْعَة بِالسَّوَادِ إِلَى الْجَامِع وقرىء عَهده على الْمِنْبَر وَله يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ سنة وَكَانَ عَارِفًا بِالْأَحْكَامِ منفذا ثمَّ أضيف إِلَيْهِ قَضَاء دمشق وحمص والرملة وَغير ذَلِك وَكَانَ حَاجِبه بِسيف ومنطقة وَلم يزل ابْن الْحداد يخلفه إِلَى آخر أَيَّامه وَكَانَ ابْن أَبى زرْعَة يتأدب مَعَه ثمَّ لما عزل ابْن أَبى الشَّوَارِب من قَضَاء بَغْدَاد وَولى أَبُو نصر يُوسُف بن عمر القاضى بعث الْعَهْد إِلَى ابْن أَبى زرْعَة باستمراره الحديث: 181 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 182 - حمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خطاب الإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الخطابى البستى وَيُقَال إِنَّه من سلالة زيد بن الْخطاب بن نفَيْل الْعَدْوى وَلم يثبت ذَلِك كَانَ إِمَامًا فى الْفِقْه والْحَدِيث واللغة أَخذ الْفِقْه عَن أَبى بكر الْقفال الشاشى وأبى على بن أَبى هُرَيْرَة وَسمع الحَدِيث من أَبى سعيد بن الأعرابى بِمَكَّة وأبى بكر بن داسة بِالْبَصْرَةِ وَإِسْمَاعِيل الصفار بِبَغْدَاد وأبى الْعَبَّاس الْأَصَم بنيسابور وطبقتهم روى عَنهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفراينى وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم الْحَافِظ وَأَبُو نصر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سُلَيْمَان البلخى الغزنوى وَأَبُو مَسْعُود الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الكرابيسى وَأَبُو عَمْرو مُحَمَّد بن عبد الله الرزجاهى البسطامى وَأَبُو ذَر عبد ابْن أَحْمد الهروى وَأَبُو عبيد الهروى صَاحب الغريبين وَعبد الغافر بن مُحَمَّد الفارسى وَغَيرهم وَذكره أَبُو مَنْصُور الثعالبى فى كتاب الْيَتِيمَة وَسَماهُ أَحْمد وَهُوَ غلط وَالصَّوَاب حمد الحديث: 182 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 وَذكره الإِمَام أَبُو المظفر بن السمعانى فى كتاب القواطع فى أصُول الْفِقْه عِنْد الْكَلَام على الْعلَّة وَالسَّبَب وَالشّرط وَقَالَ قد كَانَ من الْعلم بمَكَان عَظِيم وَهُوَ إِمَام من أَئِمَّة السّنة صَالح للاقتداء بِهِ والإصدار عَنهُ انْتهى وَمن تصانيفه معالم السّنَن وَهُوَ شرح سنَن أَبى دَاوُد وَله غَرِيب الحَدِيث وشرح الْأَسْمَاء الْحسنى وَكتاب الْعُزْلَة وَكتاب الغنية عَن الْكَلَام وَأَهله وَغير ذَلِك توفى ببست فى ربيع الآخر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَمن الْفَوَائِد والغرائب والأشعار عَنهُ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن اليونينى وشهدة العامرية أخبرنَا جَعْفَر الهمدانى ح وَكتب إِلَى أَحْمد بن أَبى طَالب عَن جَعْفَر وَغَيره عَن مُحَمَّد بن عبد الهادى عَن أَبى طَاهِر السلفى قَالَ جَعْفَر سَمَاعا قَالَ سَمِعت أَبَا المحاسن الرويانى بالرى يَقُول سَمِعت أَبَا نصر البلخى بغزنة يَقُول سَمِعت أَبَا سُلَيْمَان الخطابى يَقُول سَمِعت أَبَا سعيد ابْن الأعرابى وَنحن نسْمع عَلَيْهِ هَذَا الْكتاب يعْنى كتاب السّنَن لأبى دَاوُد وَأَشَارَ إِلَى النُّسْخَة الَّتِى بَين يَدَيْهِ يَقُول لَو أَن رجلا لم يكن عِنْده من الْعلم إِلَّا الْمُصحف الذى فِيهِ كتاب الله ثمَّ هَذَا الْكتاب لم يحْتَج مَعَهُمَا إِلَى شىء من الْعلم بتة أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الْوَاسِع بن عبد الكافى الأبهرى إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَبى جَعْفَر بن على القرطبى سَمَاعا أخبرنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 الْقَاسِم بن الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر حَدثنَا عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن أَحْمد الخوارى إجَازَة وَحدثنَا عَنهُ أَبى سَمَاعا ح قَالَ ابْن المظفر وَأخْبرنَا يُوسُف بن مُحَمَّد المصرى إجَازَة أخبرنَا إِبْرَاهِيم ابْن بَرَكَات الخشوعى سَمَاعا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر إجَازَة أخبرنَا عبد الْجَبَّار الخوارى أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو سعيد القشيرى أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَبْدَانِ الكرمانى أنشدنا أَبُو الْحسن بن أَبى عمر أنشدنى أَبُو سُلَيْمَان الخطابى لنَفسِهِ (ارْض للنَّاس جَمِيعًا ... مثل مَا ترْضى لنَفسك) (إِنَّمَا النَّاس جَمِيعًا ... كلهم أَبنَاء جنسك) (غير عدل أَن توخى ... وَحْشَة النَّاس بأنسك) (فَلهم نفس كنفسك ... وَلَهُم حس كحسك) وَبِه إِلَى أَبى الْحسن بن أَبى عمر وَهُوَ النوقانى قَالَ سَمِعت أَبَا سُلَيْمَان الخطابى يَقُول الْغنى مَا أَغْنَاك لَا مَا عناك قَالَ وسمعته يَقُول عش وَحدك حَتَّى تزور لحدك احفظ أسرارك وَشد عَلَيْك أزرارك وَمن شعر الخطابى غير مَا تقدم (وَمَا غربَة الْإِنْسَان فى شقة النَّوَى ... وَلكنهَا وَالله فى عدم الشكل) (وإنى غَرِيب بَين بست وَأَهْلهَا ... وَإِن كَانَ فِيهَا أسرتى وَبهَا أهلى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 وَمِنْه (فسامح وَلَا تستوف حَقك كُله ... وأبق فَلم يسْتَوْف قطّ كريم) (وَلَا تغل فى شئ من الْأَمر واقتصد ... كلا طرفى قصد الْأُمُور ذميم) ذكر الخطابى فى معالم السّنَن الحَدِيث الذى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رد شَهَادَة القانع لأهل الْبَيْت وأجازها لغَيرهم وَاقْتصر فِيهِ على قَوْله (القانع السَّائِل والمستطعم وأصل القنوع السُّؤَال وَيُقَال فى القانع إِنَّه الْمُنْقَطع إِلَى الْقَوْم يخدمهم وَيكون فى حوائجهم وَذَلِكَ مثل الْأَجِير وَالْوَكِيل وَنَحْوه) وَمعنى رد هَذِه الشَّهَادَة التُّهْمَة فى جر النَّفْع إِلَى نَفسه لِأَن القانع لأهل الْبَيْت ينْتَفع بِمَا يصير إِلَيْهِم من نفع إِلَى أَن قَالَ وَمن رد شَهَادَة القانع لأهل الْبَيْت بِسَبَب جر الْمَنْفَعَة فَقِيَاس قَوْله أَن يرد شَهَادَة الزَّوْج لزوجته لِأَن مَا بَينهمَا من التُّهْمَة فى جر النَّفْع أَكثر وَإِلَى هَذَا ذهب أَبُو حنيفَة انْتهى وَقد تبعه جمَاعَة من الْأَصْحَاب مِنْهُم القاضى الْحُسَيْن فَقَالَ فى تعليقته مَا نَصه فرع شَهَادَة القانع لأهل الْبَيْت لَا تقبل وَهُوَ الذى انْقَطع فى مكاسبه والتجأ إِلَى أهل بَيت يؤاكلهم ويرمى عَن قوسهم فَلَا تقبل شَهَادَته لَهُم لما فِيهِ وَلما هُوَ عَلَيْهِ من سُقُوط الْمُرُوءَة قَالَ القاضى رَحمَه الله وَلَو كَانَت الزَّوْجَة بِهَذِهِ الصّفة أَقُول لَا تقبل شهادتها انْتهى وَصَاحب الْبَحْر الرويانى اتبع الخطابى فى كَلَامه هَذَا والْحَدِيث ذكره من أَصْحَابنَا زَكَرِيَّا الساجى والماوردى وَلم يشبعوا عَلَيْهِ كلَاما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 والرويانى اقْتصر فِيهِ على كَلَام الخطابى وَقَالَ فى شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر الصَّحِيح عندى أَنَّهَا لَا تقبل فَفِيهَا تُهْمَة قَوِيَّة خَاصَّة فى زَمَاننَا قَالَ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الخطابى إِنَّه الْقيَاس على القانع الذى ورد بِهِ النَّص قلت وَمَسْأَلَة القانع مَعَ وُرُود حَدِيث فِيهَا لم أجد من أشبعها قولا وَقَلِيل من خصها بِالذكر وَلم أرها فى شئ من كتب الرافعى والنووى وَابْن الرّفْعَة من خصها بِالذكر وَلم أرها فى شئ من كتب الرافعى والنووى وَابْن الرّفْعَة بل لَا أحفظها مَقْصُودَة بِالذكر فى غير تعليقة القاضى وَمن بعده مِمَّن سأذكره والذى أقوله فِيهَا إِن الحَدِيث إِن صَحَّ وَكَانَ مَعْنَاهُ مَا ذكر فَلَا مدفع لَهُ وواجب الرُّجُوع إِلَيْهِ غير أَنه لَا يكَاد يثبت وَلَفظه مُضْطَرب وَمَعْنَاهُ مُخْتَلف فِيهِ أما توقفنا فى ثُبُوته فَمن قبل أَنه من حَدِيث مُحَمَّد بن رَاشد وَفِيه كَلَام عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى الدمشقى وَفِيه أَيْضا كَلَام قَالَ البخارى عِنْده مَنَاكِير عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَأما اضْطِرَاب لَفظه فَلفظ أَحْمد لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة وَلَا ذى غمر على أَخِيه وَلَا شَهَادَة القانع لأهل الْبَيْت والقانع الذى ينْفق عَلَيْهِ أهل الْبَيْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 وَلَفظ أَبى دَاوُد رد شَهَادَة الخائن والخائنة وذى الْغمر على أَخِيه ورد شَهَادَة القانع لأهل الْبَيْت وأجازها لغَيرهم وفى لفظ آخر عِنْده لم يذكر القانع بِالْكُلِّيَّةِ وَرَوَاهُ الدارقطنى من حَدِيث عَائِشَة وَلَفظه وَلَا القانع من أهل الْبَيْت لَهُم رَوَاهُ من حَدِيث يزِيد بن أَبى زِيَاد وَقَالَ يزِيد بن أَبى زِيَاد هَذَا لَا يحْتَج بِهِ قلت وَذكر ابْن أَبى حَاتِم فى الْعِلَل أَن أَبَا زرْعَة الرازى قَالَ إِنَّه حَدِيث مُنكر وَأما الِاخْتِلَاف فى مَعْنَاهُ فَمَا ذكره الخطابى اعْتمد فِيهِ على قَول أَبى عبيد القانع السَّائِل والمستطعم وَقَالَ أَيْضا قد يُقَال إِنَّه الْمُنْقَطع إِلَى الْقَوْم يخدمهم وَيكون فى حوائجهم قلت وَلَعَلَّ هَذَا أشبه بِمَعْنى الحَدِيث وَقد تقدم فى بعض أَلْفَاظه مَا يُؤَيّدهُ وَمَعَ هَذَا الِاضْطِرَاب يقف الِاحْتِجَاج بِهِ وَأما شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر وَقِيَاس أَبى سُلَيْمَان لَهَا على القانع فموضع نظر وأوضح مِنْهُ مَا ذكره القاضى من قِيَاس الزَّوْجَة على القانع لَا القانع فَإِن الزَّوْجَة هى الَّتِى تستجر النَّفْع بِمَال زَوجهَا وَمن أجل ذَلِك حكى بعض الْأَصْحَاب قولا إِن شهادتها لَهُ ترد بِخِلَاف شَهَادَته لَهَا غير أَنه ضَعِيف وبعيد الشّبَه من القانع فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَأْخُذ النَّفَقَة عوضا فَلَا يَقع بهَا من التُّهْمَة مَا يَقع للقانع وَلَا يحملهَا على مَا يحملهُ والرافعى لم يذكر القانع لَا مَقْصُودا وَلَا مستطردا وَحكى فى شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر ثَلَاثَة أَقْوَال أَصَحهَا عِنْده وَعند النووى الْقبُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 قَالَ وفى التَّهْذِيب طَريقَة قَاطِعَة بِهِ وَثَالِثهَا قبُول الزَّوْج دون الزَّوْجَة وَلم يزدْ الرافعى على ذَلِك وفى الْمَسْأَلَة وَجه رَابِع أَن شهادتها تقبل لَهُ إِن كَانَ مُوسِرًا وَإِن كَانَ مُعسرا فَوَجْهَانِ وخامس أَنَّهَا ترد فِيمَا إِذا شهِدت بِمَال هُوَ قدر قوتها ذَلِك الْيَوْم وَلَا مَال للزَّوْج غَيره لعود النَّفْع إِلَيْهَا يَقِينا وَتقبل فى غير هَذِه الْحَالة لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق عود النَّفْع إِلَيْهَا حَكَاهُمَا القاضى شُرَيْح فى كتاب أدب الْقَضَاء وَجزم فِيمَن انْقَطع إِلَى كنف رجل يراعيه وَينْفق عَلَيْهِ أَنه لَا يمْتَنع بذلك قبُول شَهَادَته قلت وَهَذَا هُوَ القانع بِعَيْنِه وَإِن لم يُصَرح بِلَفْظِهِ فَفِيهِ مُخَالفَة لما جزم بِهِ القاضى من الرَّد وَمَا ذكره من الْقبُول هُوَ الذى لَا تكَاد تَجِد سواهُ فى أذهان النَّاس وَهُوَ الْفِقْه الظَّاهِر إِن لم يثبت الحَدِيث حكى الخطابى فى معالم السّنَن عَن أَبى ثَوْر أَنه قَالَ الْجَمَاعَة فى الْجُمُعَة كَسَائِر الصَّلَوَات وَهَذَا رد على دَعْوَى ابْن الرّفْعَة أَنه لَا خلاف فى اشْتِرَاط الْجَمَاعَة الْجُمُعَة بِشَرْط أَن يكون أَبُو ثَوْر لَا يرى وجوب الْجَمَاعَة فى سَائِر الصَّلَوَات وَإِلَّا فَمَتَى رأى ذَلِك لم يكن فِيهِ دَلِيل إِلَّا على أَنه يكفى فِيهَا إِمَام ومأموم فَلم ينف عَنْهَا أصل الْجَمَاعَة ذهب الخطابى إِلَى أَن أكل الثوم والبصل لَيْسَ عذرا فى ترك الْجُمُعَة قَالَ النووى فى كَلَام الخطابى إِشَارَة إِلَى تَحْرِيم الْبَوْل فى الطَّرِيق وَهُوَ الذى ينبغى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 لحَدِيث اتَّقوا اللعانين وَلما فِيهِ من إِيذَاء الْمُسلمين وَلَكِن الْأَصْحَاب متفقون على أَن كراهيته كَرَاهِيَة تَنْزِيه كره الخطابى للْمَرْأَة لبس خَاتم الْفضة لِأَنَّهُ من شعار الرِّجَال قَالَ بِخِلَاف خَاتم الذَّهَب وَمن كَلَام الخطابى فى حَدِيث ابْن عَبَّاس الذى أخرجه أَبُو دَاوُد قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى دِيَة الْمكَاتب يقتل فيودى مَا أدّى من كِتَابَته دِيَة الْحر وَمَا بقى دِيَة الْمَمْلُوك كَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ النسائى مُرْسلا قَالَ الخطابى أجمع عَامَّة الْفُقَهَاء أَن الْمكَاتب عبد مَا بقى عَلَيْهِ دِرْهَم فى جِنَايَته وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ وَلم يذهب إِلَى الْعَمَل بِهَذَا الحَدِيث أحد فِيمَا بلغنَا إِلَّا إِبْرَاهِيم النخعى وروى فى ذَلِك شئ عَن على كرم الله وَجهه وَإِذا صَحَّ الحَدِيث وَجب الْعَمَل بِهِ إِذا لم يكن مَنْسُوخا وَلَا مُعَارضا بِمَا هُوَ أولى مِنْهُ انْتهى قلت وَقد حكى هَذَا القَوْل عَن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رضى الله عَنهُ اسْتحْسنَ ابْن السمعانى أَبُو المظفر فى كتاب القواطع قَول الخطابى لَيْسَ كل سَبَب عِلّة وَلَكِن كل عِلّة سَبَب كَمَا أَنه لَيْسَ كل دَلِيل عِلّة وَلَكِن كل عِلّة دَلِيل وَوَصفه بِمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ آنِفا من الْمَدْح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 وَهَذَا الْكَلَام حسن فى بادئ الرأى للتفرقة بَين الْعلَّة وَالسَّبَب إِلَّا أَن فِيهِ تسمحا فَإِن الْعلَّة مَا بِهِ الشئ وَالسَّبَب مَا عِنْده الشئ لَا بِهِ فهما قِسْمَانِ لَيْسَ أَحدهمَا أَعم من الآخر فَلَا يَصح هَذَا الْكَلَام وَهَذَا لَا يقبل من الخطابى وَإِن علا شَأْنه فى الْعُلُوم الَّتِى يدريها غير الْكَلَام فَلَيْسَ هُوَ من صناعته وَقد تكلمنا عَن السَّبَب وَالْعلَّة كلَاما مَبْسُوطا فى كتاب الْأَشْبَاه والنظائر وفى كتاب منع الْمَوَانِع على لِسَان أَصْحَاب هَذِه الْعُلُوم قَالَ الخطابى فى كِتَابه تَفْسِير اللُّغَة الَّتِى فى مُخْتَصر المزنى فى بَاب الشُّفْعَة بلغنى عَن إِبْرَاهِيم بن السرى الزّجاج النحوى إِنَّه كَانَ يذهب إِلَى أَن الصَّاد تبدل سينا مَعَ الْحُرُوف كلهَا لقرب مخرجهما فَحَضَرَ يَوْمًا عِنْد على ابْن عِيسَى فتذاكرا هَذِه الْمَسْأَلَة وَاخْتلفَا فِيهَا وَثَبت الزّجاج على مقَالَته فَلم يَأْتِ على ذَلِك إِلَّا قَلِيل من الْمدَّة فَاحْتَاجَ الزّجاج إِلَى كتاب إِلَى بعض الْعمَّال فى الْعِنَايَة فجَاء إِلَى على بن عِيسَى الْوَزير ينتجز الْكتاب فَلَمَّا كتب على بن عِيسَى صدر الْكتاب وانْتهى إِلَى ذكره كتب وَإِبْرَاهِيم بن السرى من أخس إخوانى فَقَالَ الرجل أَيهَا الْوَزير الله الله فى أمرى فَقَالَ لَهُ على بن عِيسَى إِنَّمَا أردْت أخص وَهَذِه لغتك فَأَنت أبْصر فَإِن رجعت وَإِلَّا أنفذت الْكتاب بِمَا فِيهِ فَقَالَ قد رجعت أَيهَا الْوَزير فَأصْلح الْحَرْف وطوى الْكتاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 183 - دعْلج بن أَحْمد بن دعْلج أَبُو مُحَمَّد السجزى الْفَقِيه الْمعدل ولد سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ أَو قبلهَا وَسمع بعد الثَّمَانِينَ من على بن عبد الْعَزِيز بِمَكَّة وَهِشَام بن على السيرافى وَعبد الْعَزِيز بن مُعَاوِيَة بِالْبَصْرَةِ وَمُحَمّد بن أَيُّوب وَابْن الْجُنَيْد بالرى وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجى وقشمرد وَمُحَمّد بن عَمْرو الحرشى وَطَائِفَة بنيسابور وَعُثْمَان بن سعيد الدارمى وَغَيره بهراة وَمُحَمّد بن غَالب وَمُحَمّد بن رمح الْبَزَّار وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان الباغندى وخلقا بِبَغْدَاد وَغَيرهَا روى عَنهُ الدارقطنى وَالْحَاكِم وَابْن رزقويه وَأَبُو على بن شَاذان والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفراينى وَخلق قَالَ الْحَاكِم أَخذ عَن ابْن خُزَيْمَة المصنفات وَكَانَ يُفْتى بمذهبه وَكَانَ شيخ أهل الحَدِيث لَهُ صدقَات دارة على أهل الحَدِيث بِمَكَّة وَالْعراق وسجستان سمعته يَقُول تقدم إِلَى لَيْلَة بِمَكَّة ثَلَاثَة فَقَالُوا أَخ لَك بخراسان قتل أخانا وَنحن نقتلك بِهِ فَقلت الحديث: 183 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 اتَّقوا الله فَإِن خُرَاسَان لَيست بِمَدِينَة وَاحِدَة فَلم أزل أداريهم إِلَى أَن اجْتمع الْخلق وخلوا عَنى فَهَذَا سَبَب انتقالى من مَكَّة إِلَى بَغْدَاد قَالَ الْحَاكِم سَمِعت الدارقطنى يَقُول صنفت لدعلج الْمسند الْكَبِير فَكَانَ إِذا شكّ فى حَدِيث ضرب عَلَيْهِ وَلم أر فى مَشَايِخنَا أثبت مِنْهُ قَالَ الْحَاكِم اشْترى دعْلج بِمَكَّة دَار العباسية بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار قَالَ وَيُقَال لم يكن فى الدُّنْيَا من التُّجَّار أيسر من دعْلج وَقَالَ الْخَطِيب بلغنى أَنه بعث بالمسند إِلَى ابْن عقدَة لينْظر فِيهِ وَجعل فى الْأَجْزَاء بَين كل ورقتين دِينَارا وَقَالَ ابْن حيويه أدخلنى دعْلج دَاره وأرانى بَدْرًا من الْأَمْوَال معبأة وَقَالَ لى يَا أَبَا عمر خُذ من هَذَا مَا شِئْت فَشَكَرت لَهُ وَقلت أَنا فى كِفَايَة وَقَالَ أَبُو ذَر الهروى خلف دعْلج ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَقَالَ أَبُو الْعَلَاء الواسطى كَانَ دعْلج يَقُول لَيْسَ فى الدُّنْيَا مثل دارى لِأَنَّهُ لَيْسَ فى الدُّنْيَا مثل بَغْدَاد وَلَا بِبَغْدَاد مثل القطيعة وَلَا بالقطيعة مثل درب أَبى خلف وَلَا فى الدَّرْب مثل دارى وَنقل الْخَطِيب أَن رجلا صلى الْجُمُعَة فَرَأى رجلا ناسكا لم يصل فَكَلمهُ فَقَالَ اسْتُرْ على إِن على لدعلج خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فَلَمَّا رَأَيْته أحدثت فى ثيابى فَبلغ دعلجا فَطلب الرجل إِلَى منزله وأبرأه مِنْهَا وَوَصله بِخَمْسَة آلَاف لكَونه روعه وَقَالَ أَحْمد بن الْحُسَيْن الْوَاعِظ فِيمَا روى الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ عَنهُ أودع أَبُو عبد الله ابْن أَبى مُوسَى الهاشمى عشرَة آلَاف دِينَار ليتيم فأنفقها فَلَمَّا كبر الصبى أَمر السُّلْطَان بِدفع المَال إِلَيْهِ قَالَ ابْن أَبى مُوسَى فضاقت على الدُّنْيَا فبكرت على بلغتى إِلَى الكرخ فوقفت على بَاب مَسْجِد دعْلج فَصليت خَلفه الْفجْر فَلَمَّا انْفَتَلَ رحب بى ودخلنا دَاره فَقدم هريسة فأكلنا وقرت فَقَالَ أَرَاك منقبضا فَأَخْبَرته فَقَالَ كل فحاجتك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 مقضية فَلَمَّا فَرغْنَا وزن لى عشرَة آلَاف دِينَار فَقُمْت أطير فَرحا ثمَّ أَعْطَيْت الصبى المَال وَعظم ثَنَاء النَّاس على فاستدعانى أَمِير من أَوْلَاد الْخَلِيفَة فَقَالَ قد رغبت فى معاملتك وتضمينك أملاكى فضمنت مِنْهُ فربحت ربحا مفرطا حَتَّى كسبت فى ثَلَاثَة أَعْوَام ثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَحملت إِلَى دعْلج ذهبه فَقَالَ مَا خرجت وَالله الدَّنَانِير عَن يدى ونويت أَن آخذ عوضهَا حل بهَا الصّبيان فَقلت أَيهَا الشَّيْخ أى شئ أصل هَذَا المَال حَتَّى تهب لى مِنْهُ عشرَة آلَاف دِينَار فَقَالَ نشأت وحفظت الْقُرْآن وَطلبت الحَدِيث وتاجرت فوافانى تَاجر فَقَالَ أَنْت دعْلج قلت نعم قَالَ قد رغبت فى تَسْلِيم مالى إِلَيْك مُضَارَبَة وَسلم إِلَى برنامجات بِأَلف ألف دِرْهَم وَقَالَ لى ابْسُطْ يدك فِيهِ وَلَا تعلم موضعا تنفقه إِلَّا حملت مِنْهُ إِلَيْهِ وَلم يزل يتَرَدَّد إِلَى سنة بعد سنة يحمل إِلَى مثل هَذَا وَالْمَال ينمى فَلَمَّا كَانَ فى آخر سنة اجْتَمَعنَا قَالَ لى أَنا كثير الْأَسْفَار فى الْبَحْر فَإِن قضى الله على قَضَاء فَهَذَا المَال كُله لَك على أَن تَتَصَدَّق مِنْهُ وتبنى الْمَسَاجِد قَالَ دعْلج فَأَنا أفعل مثل هَذَا وَقد ثَمَر الله المَال فى يدى فاكتم على مَا عِشْت توفى دعْلج فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَخمسين وثلاثمائة وَله نَيف وَتسْعُونَ سنة 184 - زَاهِر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى أَبُو على السرخسى الْفَقِيه الْمُقْرِئ الْمُحدث إِمَام من الْأَئِمَّة تفقه على أَبى إِسْحَاق المروزى ودرس الْأَدَب على أَبى بكر بن الأنبارى الحديث: 184 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وَسمع أَبى لبيد مُحَمَّد بن إِدْرِيس السامى وَأَبا الْقَاسِم البغوى وَيحيى بن صاعد ومؤمل بن الْحسن الماسرجسى وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل الصابونى وَأَبُو عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد البحيرى وكريمة الكشميهنية الْمُجَاورَة وَخلق وَأخذ علم الْكَلَام عَن الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى رضى الله عَنهُ قَالَ الْحَاكِم فِيهِ الْفَقِيه الْمُحدث شيخ عصره بخراسان سَمِعت مناظرته فى مجْلِس أَبى بكر بن إِسْحَاق الصبغى وَكَانَ قد قَرَأَ الْقُرْآن على أَبى بكر بن مُجَاهِد وَدخلت سرخس أول مَا دَخَلتهَا سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وثلاثمائة ودخلتها بعد ذَلِك سبع مَرَّات مَا من مرّة إِلَّا قصدنى زَائِرًا مَعَ جمَاعَة أَصْحَابه وَذكر أَنه لم يقدر لَهُ سَمَاعه مِنْهُ من الْأَحَادِيث المسندات شَيْئا قلت وَشَيخنَا الذهبى عد الْحَاكِم فى الروَاة عَنهُ فَلَعَلَّهُ لروايته عَنهُ من غير الْأَحَادِيث المسندة قَالَ الْحَاكِم وَكَانَت كتبه ترد على على الدَّوَام أَكثر من ثَلَاثِينَ سنة قَالَ وَتوفى يَوْم الثُّلَاثَاء سلخ شهر ربيع الآخر سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن سِتّ وَتِسْعين سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 185 - الزبير بن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن عَاصِم بن الْمُنْذر بن الزبير ابْن الْعَوام الأسدى الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عبد الله الزبيرى صَاحب الكافى والمسكت وَغَيرهمَا كَانَ إِمَامًا حَافِظًا للْمَذْهَب عَارِفًا بالأدب خَبِيرا بالأنساب وَكَانَ أعمى وَكَانَ يسكن الْبَصْرَة وَوَقع فى كَلَام بعض المصنفين أَن اسْمه أَحْمد بن سُلَيْمَان وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق والخطيب وَابْن السمعانى وَغَيرهم قَالَ الماوردى فى الحاوى فى آخر بَاب زَكَاة الحلى قَالَ أَبُو عبد الله الزبيرى وَهُوَ شيخ أَصْحَابنَا فى عصره إِذا اتخذ الحلى للإجارة وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة قولا وَاحِدًا قلت وَذَلِكَ من الزبيرى مبْنى على أصل لَهُ وَهُوَ أَن اتِّخَاذ الحلى للإجارة حرَام وَالأَصَح جَوَازه وَعدم الزَّكَاة فِيهِ وَمُرَاد الماوردى بأصحابنا فِيمَا نظن البصريون لَا جَمِيع الْأَصْحَاب والماوردى بصرى وَكَانَ الزبير عَارِفًا بالقراءات عرض على روح بن قُرَّة ورويس وَمُحَمّد ابْن يحيى القطعى وَلم يخْتم عَلَيْهِ الحديث: 185 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وَحدث بِالْحَدِيثِ عَن مُحَمَّد بن سِنَان الْقَزاز وَغَيره وروى عَنهُ أَبُو بكر النقاش وتلا عَلَيْهِ الْقُرْآن وَعمر بن بَشرَان وعَلى بن لُؤْلُؤ وَمُحَمّد بن بخيت وَمن تصانيف الزبيرى غير الكافى والمسكت كتاب النِّيَّة وَكتاب ستر الْعَوْرَة وَكتاب الْهِدَايَة وَكتاب الاستشارة والاستخارة وَكتاب رياضة المتعلم وَكتاب الْإِمَارَة مَاتَ سنة سبع عشرَة وثلاثمائة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ والغرائب قَالَ فى المسكت فِيمَن حلف لَا يَأْكُل الْفَاكِهَة يَحْنَث بالموز عندى لَا محَالة قَالَ والزعرور عندى من الْفَاكِهَة وَقَالَ فِيمَن ادّعى عَلَيْهِ دَرَاهِم فَقَالَ أتزن لم يكن إِقْرَارا وَإِن قَالَ أتزنها كَانَ إِقْرَارا هَكَذَا فرق أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيُّونَ وعندى أَنَّهُمَا سَوَاء لِأَنَّهُ إِذا قَالَ أتزن فقد يُرِيد أتزن من فلَان فَلَا فرق بَينه وَبَين أَن يَقُول أتزنها إِلَّا أَن يَقُول أتزنها منى فَإِنَّهُ عندى إِقْرَار قلت هَذَا كَلَامه فى المسكت وَقد حكيته فى كتابى التوشيح وَذكرت أَنه خلاف مَا حَكَاهُ عَنهُ الرافعى وَغَيره إِذْ حكوا عَنهُ أَن أتزنها إِقْرَار وصححوا مُخَالفَته وَقد صرح هُوَ بموافقتهم فَنقل خلاف ذَلِك عَنهُ مُسْتَدْرك فقد أريناك كَلَامه وَنَقله مَا نسب إِلَيْهِ إِلَى أَصْحَابه وَإِلَى الْعِرَاقِيّين وَمرَاده بِأَصْحَابِهِ البصريون من أَصْحَابنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 وَمَسْأَلَة أتزنها منى حَسَنَة وَلم يصرحوا بذكرها وَهَذَا مَكَان مليح قَالَ الرافعى قَالَ الشافعى رَأَيْت امْرَأَة لم تزل تحيض يَوْمًا وَلَيْلَة وروى مثله عَن عَطاء وَعَن أَبى عبد الله الزبيرى قلت وفى هَذَا النَّقْل عَن الثَّلَاثَة نظر والمحكى فى كتاب الْمُهَذّب وَغَيره من كتب الْأَصْحَاب عَن كل من عَطاء والشافعى وأبى عبد الله الزبيرى أَنهم رَأَوْا من تحيض يَوْمًا لَا تزيد عَلَيْهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الأوزاعى رَحمَه الله إِذْ قَالَ كَانَت عندنَا امْرَأَة تحيض بِالْغَدَاةِ وتطهر بالعشى وَقد عَاد الرافعى بعد ذَلِك فَنقل الرِّوَايَة على الصَّوَاب عَن عَطاء والزبيرى فَقَالَ فى كَلَامه على أَكثر الْحيض عَن عَطاء رَأَيْت من تحيض يَوْمًا وَمن تحيض خَمْسَة عشر وَعَن أَبى عبد الله الزبيرى مثل ذَلِك وَهَذَا يدْفع نَقله الْمُتَقَدّم وَهُوَ الثَّابِت إِن شَاءَ الله وقفت للزبيرى على مُصَنف لطيف فى المكاسب وَمَا يحل مِنْهَا وَمَا يحرم حكى فى أَوله قولا لبَعض النَّاس أَن المتكسب حرَام وَهَذِه عِبَارَته اخْتلف النَّاس فى المكاسب فَقَالَ بَعضهم المكاسب كلهَا حَلَال لما يحْتَاج إِلَيْهِ الْإِنْسَان فى نَفسه مِمَّا يقتاته لقُوته وَلما يجمعه من المَال وَقَالَ آخَرُونَ المكاسب كلهَا مُحرمَة وَلَيْسَ لأحد أَن يكْتَسب وَلَا يضطرب وَإِنَّمَا يَأْخُذ من الدُّنْيَا بلغَة تمسك رمقة وتعل نَفسه فَأَما أَن يكْتَسب فَلَيْسَ ذَلِك لَهُ أَن يفعل وَإِذا فعل كَانَ ذَلِك من ضعف يقينه وَقلة ثقته بربه انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 186 - زَكَرِيَّا بن أَحْمد بن يحيى بن مُوسَى خت بن عبد ربه بن سَالم القاضى الْكَبِير قاضى دمشق فى خلَافَة المقتدر بِاللَّه جَعْفَر أَبُو يحيى البلخى كَذَا سَاق نسبه الْحَافِظ فى تَارِيخ الشَّام ومُوسَى خت وَالِد جده بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا تَاء مثناه من فَوق مُشَدّدَة روى عَن يحيى بن أَبى طَالب وأبى إِسْمَاعِيل الترمذى وَبشر بن مُوسَى وأبى الزِّنْبَاع روح بن الْفَرح وأبى حَاتِم الرازى والْحَارث بن أَبى أُسَامَة وَعبد الله 6 7 8 9 10 11 12 13 14 فِيهِ بِحَسب الدَّلِيل وَأما الْعَمَل فالاحتياط فِيهِ مَطْلُوب وَالْخُرُوج من الْخلاف فى ذَلِك الحديث: 186 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 سهل بِأَن يُفَوض إِلَى نَائِبه فيزوجه أَو غَيره من الْوُلَاة فَلَمَّا وقفت عَلَيْهَا أريتها للشَّيْخ الإِمَام فَأَعْجَبتهُ لتأييدها لهَذَا الذى كَانَ يذكرهُ رَحمَه الله مَا كَانَ أورعه لقد كَانَ وقافا عِنْد كتاب الله صلبا فى احتياطه وتنقيبه عَن دينه وَمن غرائب أَبى يحيى أَيْضا قَوْله لَا يجوز أَن يرتهن الرجل أَبَاهُ وَلَا يستأجره 187 - زَكَرِيَّا بن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن بَحر بن عدى بن عبد الرَّحْمَن البصرى أَبُو يحيى الساجى الْحَافِظ كَانَ من الثِّقَات الْأَئِمَّة أَخذ عَن المزنى وَالربيع وَسمع من عبيد الله بن معَاذ العنبرى وَمُحَمّد بن بشار وهدبة بن خَالِد وأبى الرّبيع الزهرانى وطالوت بن عباد وأبى كَامِل الجحدرى وَغَيرهم ورحل إِلَى الْكُوفَة والحجاز ومصر روى عَنهُ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الأشعرى قَالَ شَيخنَا الذهبى وَأخذ عَنهُ مَذْهَب أهل الحَدِيث قلت سُبْحَانَ الله هُنَا تجْعَل الأشعرى على مَذْهَب أهل الحَدِيث وفى مَكَان آخر لَوْلَا خشيتك سِهَام الأشاعرة لصرحت بِأَنَّهُ جهمى وَمَا كَانَ أَبُو الْحسن إِلَّا شيخ السّنة وناصر الحَدِيث وقامع الْمُعْتَزلَة والمجسمة وَغَيرهم وَمَا المجسمة إِلَّا أَعدَاء دين الله وَأهل حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 187 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 وروى عَنهُ أَيْضا أَبُو أَحْمد بن عدى وَأَبُو بكر الإسماعيلى وَأَبُو عَمْرو بن حمدَان ويوسف الميانجى وَغَيرهم قَالَ شَيخنَا الذهبى كَانَ من الثِّقَات الْأَئِمَّة لَهُ كتاب جليل فى الْعِلَل يدل على تبحره وإمامته قلت وَله كتاب اخْتِلَاف الْفُقَهَاء وَكتاب اخْتِلَاف الحَدِيث وَأَظنهُ الذى سَمَّاهُ الذهبى بالعلل توفى سنة سبع وثلاثمائة وَله مُصَنف فى الْفِقْه والخلافيات سَمَّاهُ أصُول الْفِقْه استوعب فِيهِ أَبْوَاب الْفِقْه وَذكر أَنه اخْتَصَرَهُ من كِتَابه الْكَبِير فى الخلافيات وَهُوَ عندى فى مُجَلد ضخم وفى خطبَته يَقُول بعد أَن عدد الْعلمَاء الَّذين ذكر اخْتلَافهمْ وهم الشافعى وَمَالك وَأَبُو حنيفَة وَابْن أَبى ليلى وَعبيد الله بن الْحسن العنبرى وَأَبُو يُوسُف وَزفر وَابْن شبْرمَة وَأحمد وَإِسْحَاق والثورى وَرَبِيعَة وَابْن أَبى الزِّنَاد وَيحيى بن سعيد وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر قَالَ أَبُو يحيى وَإِنَّمَا بدات فى كتابى بالشافعى وَإِن كَانَ بَعضهم أسن مِنْهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها وتعلموا من قُرَيْش وَلَا تعالموها) وَلم أر أحدا فيهم أتبع لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا آخذ بِهِ من الشافعى قَالَ وَسمعت بدر بن مُجَاهِد يَقُول سَمِعت أَحْمد بن اللَّيْث يَقُول سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول إنى لأدعو الله للشافعى فى صلاتى مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لى ولوالدى ولمحمد بن إِدْرِيس الشافعى قَالَ وَسمعت أَحْمد بن مدرك الرازى يَقُول سَمِعت حَرْمَلَة بن يحيى يَقُول سَمِعت الشافعى يَقُول مَا حَلَفت بِاللَّه صَادِقا وَلَا كَاذِبًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 قَالَ وَسمعت الرّبيع يَقُول سَمِعت الشافعى يَقُول وددت أَن هَذَا الْخلق تعلمُوا الْعلم على أَلا ينْسب إِلَى مِنْهُ حرف وَذكر أَبُو يحيى فى هَذَا الْكتاب مَا يرْوى من قَول الشافعى إِذا اجْتمع خُسُوف وَعِيد وَقَالَ يعْنى الشَّافِعِي بالخسوف الزلزلة قَالَ وَذكر الخسوف خطأ من الْكَاتِب قلت تَفْسِيره الخسوف بالزلزلة حسن لَو كَانَ للزلزلة صَلَاة لَكِن لَا صَلَاة لَهَا 188 - سعيد بن مُحَمَّد الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد المطوعى رَئِيس نسا كَانَ من أَعْيَان تلامذة الشَّيْخ أَبى على بن أَبى هُرَيْرَة تفقه عَلَيْهِ بِبَغْدَاد وَسمع الحَدِيث بخراسان من أَبى حَامِد بن الشرقى وَغَيره روى عَنهُ الْحَاكِم وَغَيره توفى سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة 189 - أَبُو سهل بن العفريس الزوزنى صَاحب جمع الْجَوَامِع فى نُصُوص الشافعى هُوَ إِمَام أَوَاخِر الطَّبَقَة الثَّالِثَة أَو أَوَائِل الرَّابِعَة لِأَنَّهُ سمع من أَبى الْعَبَّاس الْأَصَم وَهُوَ رجل زوزنى من جلة أَصْحَابنَا ذكره العبادى وعندى من أول كتاب جمع الْجَوَامِع إِلَى أثْنَاء بَاب التَّفْلِيس فى مُجَلد ضخم كَانَ ملكا للشَّيْخ تقى الدّين بن الصّلاح وَهُوَ من الْأُصُول الْقَدِيمَة قد كتب مِنْهُ نَاصِر الْعُمْرَى المروزى نُسْخَة وعارضها بِهَذِهِ النُّسْخَة الحديث: 188 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 والعفريس فِيمَا كُنَّا نلفظ بِهِ بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء سَاكِنة ثمَّ رَاء مَكْسُورَة ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ سين مُهْملَة لكنى رَأَيْتهَا مضبوطة فى هَذِه النُّسْخَة الَّتِى أَشرت إِلَيْهَا بِفَتْح الْعين وَالْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء بعْدهَا نون سَاكِنة ثمَّ سين مُهْملَة وَالله أعلم أى الْأَمريْنِ صَوَاب وَقد جمع أَبُو سهل فى هَذَا الْكتاب فأوعى استوعب فِيهِ على مَا ذكر الْقَدِيم والمبسوط والأمالى وَرِوَايَة البويطى وحرملة وَابْن أبي الْجَارُود وَرِوَايَة المزنى فى الْجَامِع الْكَبِير والمختصر وَرِوَايَة أَبى ثَوْر ثمَّ إِذا فرغ من بَاب عقد بعده بَابا لما فَرعه ابْن سُرَيج وَغَيره من الْأَصْحَاب فَصَارَ الْكتاب بذلك أصلا من أصُول الْمَذْهَب وَمَا أَظن البيهقى وقف عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يذكرهُ فى رسَالَته إِلَى الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد وَمَعَ ذَلِك أستبعد عدم وُقُوفه عَلَيْهِ وَقد وقف عَلَيْهِ أَبُو عَاصِم العبادى وَنقل عَنهُ 190 - شُعَيْب بن على بن شُعَيْب بن عبد الْوَهَّاب بن الْحسن أَبُو نصر من أهل همذان من قدماء أَصْحَابنَا ولى الْقَضَاء وروى عَن أَبِيه وَعبد الرَّحْمَن بن حمدَان الحلاب وَالقَاسِم ابْن أَبى صَالح وَإِسْمَاعِيل الصفار وأبى سعيد بن الأعرابى وأبى عَمْرو ابْن السماك وَخلق روى عَنهُ حمد الزّجاج وَحمد بن سهل وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن بويه الأسداباذى وَغَيرهم قَالَ شيرويه كَانَ ثِقَة صَدُوقًا مرضيا فى حكمه الحديث: 190 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 وَقَالَ صَالح الْحَافِظ رَأَيْت فى الْمَنَام كَأَن الدُّنْيَا كلهَا ظلمَة إِلَّا حَيْثُ كَانَ القاضى شُعَيْب بن على وَاقِفًا فَقلت لَهُ يَا أَبَا نصر النُّور يَا أَبَا نصر النُّور يَا أَبَا نصر النُّور مَاتَ القاضى شُعَيْب بأسداباذ فى ذى الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة وَحمل إِلَى همذان ذكره العبادى وَقَالَ نقل عَن الْقَاسِم بن الرّبيع عَن الرّبيع عَن الشافعى أَنه قَالَ من حلف باسم الله فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة لِأَن اسْم الله غير مَخْلُوق وَمن حلف بِالْكَعْبَةِ فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مخلوقة 191 - شُعَيْب بن مُحَمَّد بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم العجلى أَبُو صَالح البيهقى سمع بخراسان أَبَا نعيم عبد الْملك بن عدى وَمُحَمّد بن حمدون وَأَبا حَامِد ابْن الشرقى ومكى بن عَبْدَانِ وبالعراق أَبَا بكر الأنبارى وَأَبا عبد الله المحاملى وروى الْكثير بنيسابور روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَأَبُو عُثْمَان سعيد البحيرى وَغَيرهمَا مولده سنة تسع أَو عشر وثلاثمائة بِخَط شَيخنَا الذهبى سنة تسع وفى نسختى من تَارِيخ الْحَاكِم سنة عشر وَتوفى فى صفر سنة سِتّ وَتِسْعين وثلاثمائة ببيهق الحديث: 191 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 192 - طَاهِر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله البغدادى نزيل نيسابور قَالَ الْحَاكِم كَانَ أظرف من رَأينَا من الْعِرَاقِيّين وأفتاهم وَأَحْسَنهمْ كِتَابَة وَأَكْثَرهم فَائِدَة سَمِعت أَبَا عبد الله ابْن أَبى ذهل يَقُول مَا رَأَيْت من البغداديين أَكثر فَائِدَة من أَبى عبد الله سمع أَبَا حَامِد الحضرمى وَأَبا بكر أَحْمد بن الْقَاسِم الفرائضى وأقرانهما توفى بنيسابور يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع من شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وروى عَنهُ الْحَاكِم وَهَذَا كَلَامه قَالَ ابْن الصّلاح وَهُوَ فِيمَا أَحسب أَبُو الْأُسْتَاذ أَبى مَنْصُور البغدادى عبد القاهر بن طَاهِر قلت مَا أوردناه من نسب هَذَا هُوَ مَا أوردهُ الْحَاكِم وَقد أسقط ابْن الصّلاح اسْم أَبى هَذَا فَقَالَ طَاهِر بن عبد الله وَذكره بعد القاضى فَكتب شَيخنَا المزى يقدم فَأَما كِتَابَته إِيَّاه بعد القاضى فصواب لِأَن القاضى طَاهِر بن عبد الله وَهَذَا طَاهِر بن مُحَمَّد وَالْعين مُقَدّمَة على الْمِيم والمزى توهمه كَمَا أورد ابْن الصّلاح طَاهِر ابْن عبد الله فَكتب يقدم وَهُوَ صَحِيح لَو كَانَ الْأَمر كَمَا توهمه لِأَن جده إِبْرَاهِيم حِينَئِذٍ وجد القاضى طَاهِر وَالْألف قبل الطَّاء والذى أرَاهُ أَن ابْن الصّلاح لم يقْصد هَذَا بل أَرَادَ أَن يكْتب طَاهِر بن مُحَمَّد فأسقط اسْم مُحَمَّد نِسْيَانا وَيدل عَلَيْهِ ذكره إِيَّاه بعد القاضى وَالله أعلم الحديث: 192 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 193 - الْعَبَّاس بن عبد الله بن أَحْمد بن عِصَام أَبُو الْفضل المزنى البغدادى روى عَن هِلَال بن الْعَلَاء وعباس الدورى وخلائق روى عَنهُ أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الْحُسَيْن وَجَمَاعَة وَتكلم فِيهِ وَقَالَ الْخَطِيب لم يكن بِثِقَة وَقَالَ غَيره قدم همذان سنة خمس وَعشْرين وثلاثمائة 194 - عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل أَبُو الْقَاسِم النسائى الْفَقِيه حدث بِبَغْدَاد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَكَانَ قد سمع من الْحسن بن سُفْيَان مُسْنده وَبِه ختمت الرِّوَايَة عَن الْحسن وَسمع مُسْند ابْن رَاهَوَيْه من عبد الله بن شيرويه عَنهُ وَسمع بالعراق من مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد الباغندى وطبقته روى عَنهُ أَحْمد بن جَعْفَر الختلى وَأَبُو الْقَاسِم عبد الله بن الثلاج وَالْحَاكِم وَغَيرهم الحديث: 193 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 قَالَ الْخَطِيب قَالَ الْحَاكِم توفى فى شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة بنسا قَالَ شَيخنَا الذهبى عندى فى تَارِيخ الْحَاكِم أَنه سنة أَربع وَثَمَانِينَ قلت نُسْخَة الذهبى من تَارِيخ الْحَاكِم هى الَّتِى عنيت وهى سقيمة والنسخ من تَارِيخ الْخَطِيب مُعْتَمدَة فالاعتماد عَلَيْهَا أولى قَالَ الْحَاكِم كَانَ شيخ الْعَدَالَة وَالْعلم بنسا وعاش نيفا وَتِسْعين سنة 195 - عبد الله بن أَحْمد بن يُوسُف الْمَعْرُوف بأبى الْقَاسِم البردعى أنْشد لَهُ الدارقطنى قصيدة من قيله يمدح بهَا الشافعى وَأَصْحَابه أورد مِنْهَا ابْن الصّلاح جملَة 196 - عبد الله بن حَامِد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن على بن رستم بن ماهان أَبُو مُحَمَّد الماهانى الأصبهانى الْوَاعِظ من أهل نيسابور وَكَانَ وَالِده من أَعْيَان التُّجَّار من الأصبهانيين نزل نيسابور وَأَبُو مُحَمَّد ولد بنيسابور وتفقه عِنْد أَبى الْحسن البيهقى ثمَّ خرج إِلَى أَبى على بن أَبى هُرَيْرَة وَتعلم الْكَلَام من أَبى على الثقفى وأعيان الشُّيُوخ الحديث: 195 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 وَسمع بنيسابور أَبَا حَامِد بن الشرقى ومكى بن عَبْدَانِ وأقرانهما روى عَنهُ الْحَاكِم وَغَيره توفى فى جُمَادَى الأولى سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة وَأشهر صلى عَلَيْهِ الْفَقِيه أَبُو بكر بن فورك 197 - عبد الله بن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل أَبُو بكر الضبى المحاملى ولى قَضَاء ميافارقين ثمَّ قَضَاء حلب وأنطاكية وَكَانَ عفيفا نزها سمع أَبَاهُ وَأَبا بكر بن زِيَاد النيسابورى وَغَيرهمَا مَاتَ سنة إِحْدَى وَسبعين وثلاثمائة 198 - عبد الله بن الإِمَام أَبى دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث بن إِسْحَاق ابْن بشير السجستانى الْحَافِظ ابْن الْحَافِظ أحد الأجلاء أَبُو بكر الأزدى ولد بسجستان سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ الحديث: 197 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 وَسمع بِبَغْدَاد ونيسابور والحرمين ومصر وَالشَّام والثغور وَالْعراق سمع أَحْمد بن صَالح المصرى وَعِيسَى بن حَمَّاد وَأَبا الطَّاهِر بن السَّرْح وَإِسْحَاق الكوسج وَمُحَمّد بن أسلم وعَلى بن خشرم وَسَلَمَة بن شبيب وَمُحَمّد بن يحيى الزمانى وَالْمُسَيب بن وَاضح وَأَبا سعيد الْأَشَج وَغَيرهم روى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم وَأَبُو بكر بن مُجَاهِد ودعلج وَمُحَمّد بن المظفر والدارقطنى وَأَبُو عمر بن حيويه وَأَبُو حَفْص بن شاهين وَأَبُو بكر الْوراق وَأَبُو الْحُسَيْن بن سمعون وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَأَبُو طَاهِر المخلص وَعِيسَى بن الْجراح وَمُحَمّد بن زنبور وَأَبُو مُسلم الْكَاتِب وَخلق وَقَالَ رَأَيْت جَنَازَة إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأول مَا سَمِعت من مُحَمَّد بن أسلم الطوسى فى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَكَانَ بطوس وَكَانَ رجلا صَالحا فسر أَبى لما كتبت عَنهُ وَقَالَ أول مَا كتبت عَن رجل صَالح وَقَالَ دخلت الْكُوفَة ومعى دِرْهَم وَاحِد فاشتريت بِهِ ثَلَاثِينَ مد باقلا فَكنت آكل مِنْهُ مدا وأكتب عَن الْأَشَج ألف حَدِيث فَكتبت عَنهُ فى الشَّهْر ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث مَا بَين مَقْطُوع ومرسل وروى الْخَطِيب عَن أَبى الْقَاسِم الأزهرى عَن ابْن شَاذان قَالَ قدم ابْن أَبى دَاوُد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 سجستان فَسَأَلُوهُ أَن يُحَدِّثهُمْ فَقَالَ مَا معى أصل فَقَالُوا ابْن أَبى دَاوُد وأصول قَالَ فأثارونى فأمليت عَلَيْهِم ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث من حفظى فَلَمَّا قدمت بَغْدَاد قَالَ البغداديون مضى ابْن أَبى دَاوُد إِلَى سجستان وَلعب بِالنَّاسِ ثمَّ فيجوا فيجا اكتروه بِسِتَّة دَنَانِير إِلَى سجستان ليكتب لَهُم النُّسْخَة فَكتبت وجئ بهَا وَعرضت على الْحفاظ فخطأونى فى سِتَّة أَحَادِيث مِنْهَا ثَلَاثَة حدثت بهَا كَمَا حدثت وَثَلَاثَة أَخْطَأت فِيهَا فى هَذِه الْحِكَايَة أَن الْإِمْلَاء كَانَ بسجستان وَقيل إِن الصَّوَاب أَنه كَانَ بأصبهان وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو على النيسابورى وَغَيره 199 - عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم ابْن هِشَام بن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة الأموى هُوَ ابْن الْخَلِيفَة النَّاصِر أَبى الْمطرف صَاحب الأندلس كَانَ فَقِيها شافعيا أديبا متنسكا شهما سمت نَفسه إِلَى طلب الْخلَافَة فى حَيَاة أَبِيه وَتَابعه قوم وأخفوا أَمرهم وبيتوا على اغتيال وَالِده وأخيه الْمُسْتَنْصر ولى عهد أَبِيه فَبلغ أَبَاهُ الْخَبَر فَمَا لبث أَن سجنه وسجن من اطلع على أمره من متابعيه ثمَّ أخرجه أخرجهم يَوْم عيد الْأَضْحَى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة من الْحَبْس وأحضره وأحضرهم الحديث: 199 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لخواصه هَذِه أضحيتى فى هَذَا الْعِيد ثمَّ أضجع لَهُ وَلَده وذبحه بِيَدِهِ وَقَالَ لأتباعه ليذبح كل أضحيته فاقتسموا أَصْحَاب وَلَده عبد الله وذبحوهم عَن آخِرهم 200 - عبد الله بن على بن الْحسن أَبُو مُحَمَّد القاضى القومسى قَالَ حَمْزَة السهمى كَانَ فَقِيها درس على أَبى إِسْحَاق المروزى وَكَانَ قاضى جرجان روى عَن أَبِيه وَعَن مُحَمَّد بن هَارُون الحضرمى والبغوى وَابْن صاعد وَغَيرهم توفى لَيْلَة الْأَحَد لست بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وثلاثمائة وَصلى عَلَيْهِ أَبُو بكر الإسماعيلى وَكَانَ ابْن ثَمَان وَتِسْعين سنة 201 - عبد الله بن مُحَمَّد بن زِيَاد بن وَاصل بن مَيْمُون الإِمَام الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو بكر النيسابورى الْفَقِيه مولى آل عُثْمَان رضى الله عَنهُ ولد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ الحديث: 200 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 سمع مُحَمَّد بن يحيى وَأحمد بن يُوسُف وَعبد الله بن هَاشم وَأحمد بن الْأَزْهَر بِبَلَدِهِ وَيُونُس وَالربيع وَأَبا إِبْرَاهِيم المزنى وَأَبا زرْعَة الرازى وَالْعَبَّاس بن الْوَلِيد البيروتى وَالْحسن بن مُحَمَّد الزعفرانى وعَلى بن حَرْب وَمُحَمّد بن عَوْف وَآخَرين روى عَنهُ ابْن عقدَة وَأَبُو على النيسابورى وَحَمْزَة الكنانى والدارقطنى وَابْن المظفر وَأَبُو إِسْحَاق بن حَمْزَة الأصبهانى وَأَبُو عمر بن حيويه وَأَبُو حَفْص الكتانى وَابْن شاهين والمخلص وَعبيد الله بن أَحْمد الصيدلانى وَإِبْرَاهِيم ابْن خرشيد قَوْله وَآخَرُونَ قَالَ الْحَاكِم كَانَ إِمَام عصره من الشَّافِعِيَّة بالعراق وَمن أحفظ النَّاس للفقهيات وَاخْتِلَاف الصَّحَابَة وَقَالَ الدارقطنى مَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ وَكَانَ يعرف زيادات الْأَلْفَاظ فى الْمُتُون وَلما قعد للتحديث قَالُوا حدث قَالَ بل سلوا فَسئلَ عَن أَحَادِيث أجَاب فِيهَا وأملاها وَكَانَ حَدثنَا عَن يُوسُف بن مُسلم عَن حجاج عَن ابْن جريج عَن أَبى الزبير عَن جَابر عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وَلَا على خَالَتهَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 ثمَّ قَالَ صَوَابه عَن أَبى الزبير عَن طَاوس مُرْسلا وَكَانَ يُقَال إِن أَبَا بكر النيسابورى أَقَامَ أَرْبَعِينَ سنة لَا ينَام اللَّيْل ويتقوت كل يَوْم بِخمْس حبات وَيصلى صَلَاة الْغَدَاة على طَهَارَة الْعشَاء الْأَخير توفى فى رَابِع ربيع الآخر سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا أَحْمد بن إِسْحَاق أخبرنَا الْفَتْح بن عبد الله أخبرنَا هبة الله بن الْحُسَيْن أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد حَدثنَا عِيسَى ابْن على حَدثنَا أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد النيسابورى إملاء حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد حَدثنِي الْأَعْمَش عَن أَبى صَالح عَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يمشى الرجل فى نعل وَاحِدَة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ فى حَدِيث أسيد بن ظهير وَقيل أسيد بن حضير عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قضى إِذا وجدت السّرقَة عِنْد الرجل غير الْمُتَّهم فَإِن شَاءَ سَيِّدهَا أَخذهَا بِالثّمن وَإِن شَاءَ اتبع صَاحبهَا مَا أعلم أحدا من الْفُقَهَاء قَالَ بِهَذَا الحَدِيث إِلَّا إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قيل لِأَحْمَد ابْن حَنْبَل تذْهب إِلَيْهِ قَالَ لَا قد اخْتلفُوا فِيهِ وأذهب إِلَى حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من وجد مَاله عِنْد رجل فَهُوَ أَحَق بِهِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله فى آخر بَاب الْغَصْب حَدِيث أسيد رَوَاهُ النسائى وَأَبُو دَاوُد فى الْمَرَاسِيل وَفِيه أَنه قضى بِهِ أَبُو بكر وَعمر قلت وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم الطبرانى فى مُعْجَمه الْكَبِير فَقَالَ حَدثنَا على بن عبد الْعَزِيز حَدثنَا هَوْذَة بن خَليفَة حَدثنَا ابْن جريج عَن عِكْرِمَة بن خَالِد أَن أسيد بن حضير بن سماك حَدثهُ قَالَ كتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان ابْن الحكم إِذا سرق الرجل فَوجدَ سَرقته فَهُوَ أَحَق بهَا إِذا وجدهَا فَكتب إِلَى مَرْوَان بذلك وَأَنا عَامله على الْيَمَامَة فَكتبت إِلَى مَرْوَان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى أَن السّرقَة إِذا وجدت عِنْد الرجل غير الْمُتَّهم فَإِن شَاءَ سَيِّدهَا أَخذهَا بِالثّمن وَإِن شَاءَ اتبع سارقه ثمَّ قضى بذلك أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان فَبعث مَرْوَان بكتابى إِلَى مُعَاوِيَة فَبعث مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان إِنَّك لست وَلَا أسيد تقضيان على فِيمَا وليت ولكنى أقضى عَلَيْكُمَا فأنفذ مَا أَمرتك بِهِ فَبعث مَرْوَان بِكِتَاب مُعَاوِيَة إِلَى فَقلت وَالله لَا أقضى بِهِ أبدا وفى لفظ النسائى أَيْضا أَنه قضى بِهِ أَبُو بكر وَعمر وَهَذَا لفظ النسائى أخبرنى هَارُون بن عبد الله حَدثنَا حَمَّاد بن مسْعدَة عَن ابْن جريج عَن عِكْرِمَة بن خَالِد حَدَّثَنى أسيد بن حضير بن سماك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى أَنه إِذا وجدهَا فى يَد الرجل غير الْمُتَّهم فَإِن شَاءَ أَخذهَا بِمَا اشْتَرَاهَا وَإِن شَاءَ اتبع سارقه وَقضى بذلك أَبُو بكر وَعمر أخبرنَا عَمْرو بن مَنْصُور حَدثنَا سعيد بن ذويب قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 عَن ابْن جريج وَلَقَد أخبرنى عِكْرِمَة بن خاد أَن أسيد بن حضير الأنصارى ثمَّ أحد بنى حَارِثَة أخبرهُ أَنه كَانَ عَاملا على الْيَمَامَة وَأَن مَرْوَان كتب إِلَيْهِ أَن مُعَاوِيَة كتب إِلَيْهِ أَن أَيّمَا رجل سرق مِنْهُ سَرقَة فَهُوَ أَحَق بهَا حَيْثُ وجدهَا ثمَّ كتب بذلك مَرْوَان إِلَى فَكتبت إِلَى مَرْوَان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِأَنَّهُ إِذا كَانَ الذى ابتاعها من الذى سَرَقهَا غير مُتَّهم يُخَيّر سَيِّدهَا فَإِن شَاءَ أَخذ الذى سرق مِنْهُ بِثمنِهَا وَإِن شَاءَ اتبع سارقها ثمَّ قضى بذلك أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان فَبعث مَرْوَان بكتابى إِلَى مُعَاوِيَة وَكتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان إِنَّك لست أَنْت وَلَا أسيد تقضيان على ولكنى أقضى فِيمَا وليت عَلَيْكُمَا فأنفذ لما أَمرتك بِهِ فَبعث مَرْوَان بِكِتَاب مُعَاوِيَة فَقلت لَا أقضى بِهِ مَا وليت بِمَا قَالَ مُعَاوِيَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فى الْمَرَاسِيل بِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنى 202 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الناصح بن شُجَاع أَبُو أَحْمد ابْن الْمُفَسّر الدمشقى نزيل مصر سمع أَحْمد بن على بن سعيد المروزى وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن الرواس وَعلي بن غَالب السكسكى وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعبد الله ابْن مُحَمَّد بن على البلخى الْحَافِظ وجنيد بن خلف السمرقندى لقى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة فى الْحَج الحديث: 202 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 وانتقى عَلَيْهِ أَبُو الْحسن الدارقطنى وَحدث عَنهُ الْحفاظ عبد الْغنى وَابْن مندة وَأحمد بن مُحَمَّد بن أَبى الْعَوام وَآخَرُونَ توفى فى رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة 203 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عدى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مبارك الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو أَحْمد الجرجانى صَاحب كتاب الْكَامِل فى معرفَة الضُّعَفَاء وَأحد الجهابذة الَّذين طافوا الْبِلَاد وهجروا الوساد وواصلوا السهاد وَقَطعُوا الْمُعْتَاد طَالِبين للْعلم لَا يعترى همتهم قُصُور وَلَا يثنى عزمهم عوارض الْأُمُور وَلَا يدع سيرهم فِي ليالى الرحلة مدلهم الديجور وَكتابه الْكَامِل طابق اسْمه مَعْنَاهُ وَوَافَقَ لَفظه فحواه من عينه انتجع المنتجعون وبشهادته حكم المحكمون وَإِلَى مَا يَقُول رَجَعَ المتقدمون والمتأخرون وَكَانَ ابْن عبدى يعرف فى بَلْدَة بِابْن الْقطَّان رَحل إِلَى الشَّام ومصر رحلتين أَولهمَا سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ سمع عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم الرواس وَأَبا عقيل أنس بن السّلم وَأَبا خَليفَة وَالْحسن ابْن سُفْيَان وبهلول بن إِسْحَاق الأنبارى وَأَبا عبد الرَّحْمَن النسائى وَمُحَمّد بن يحيى الحديث: 203 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 المروزى وعبدان وَأَبا يعلى وَأَبا عرُوبَة وزَكَرِيا الساجى والباغندى وأمما سواهُم روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس ابْن عقدَة وَهُوَ من أشياخه وَأَبُو سعد المالينى وَالْحسن ابْن رامين وَحَمْزَة السهمى وَآخَرُونَ ولد سنة سبع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَكتب الحَدِيث بِبَلَدِهِ سنة تسعين قَالَ حَمْزَة السهمى سَأَلت الدارقطنى أَن يصنف كتابا فى الضُّعَفَاء فَقَالَ أَلَيْسَ عنْدك كتاب ابْن عدى قلت نعم قَالَ فِيهِ كِفَايَة لَا يُزَاد عَلَيْهِ قلت ذكر ابْن عدى فى الْكَامِل كل من تكلم فِيهِ وَلَو من رجال الصَّحِيح وَذكر فى كل تَرْجَمَة حَدِيثا فَأكْثر من غرائب ذَاك الرجل ومناكيره وَألف على مُخْتَصر المزنى كتابا سَمَّاهُ الِانْتِصَار لَوَدِدْت لَو وقفت عَلَيْهِ وَقَالَ حَمْزَة كَانَ حَافِظًا متقنا لم يكن فى زَمَانه مثله تفرد بِأَحَادِيث وهب مِنْهَا لابْنَيْهِ عدى وأبى زرْعَة وتفردا بهَا وَقَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر كَانَ ثِقَة على لحن فِيهِ وَقَالَ شَيخنَا الذهبى كَانَ لَا يعرف الْعَرَبيَّة مَعَ عجمة فِيهِ وَأما فى الْعِلَل وَالرِّجَال فحافظ لَا يجارى توفى فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَصلى عَلَيْهِ أَبُو بكر الإسماعيلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 204 - عبد الله بن مُحَمَّد البخارى الشَّيْخ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد البافي نسبه إِلَى باف بِالْبَاء وَالْفَاء الموحدتين قَرْيَة من قرى خوارزم كَانَ من أفقه أهل زَمَانه مَعَ الْمعرفَة بالنحو وَالْأَدب فصيح اللِّسَان بليغ الْكَلَام حسن المحاضرة حُلْو الْعبارَة حَاضر البديهة يَقُول الشّعْر الْحسن من غير كلفة وَيكْتب الرسائل المطولة بِلَا روية تفقه على أَبى على بن أَبى هُرَيْرَة وأبى إِسْحَاق المروزى أَخذ عَنهُ القاضى أَبُو الطّيب والماوردى وَطَوَائِف مَاتَ فى الْمحرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وثلاثمائة وَمن الرِّوَايَة عَنهُ والفوائد والغرائب والأشعار أخبرنَا الْمسند تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن أَبى الْيُسْر بِإِسْنَادِهِ إِلَى القاضى أَبى بكر مُحَمَّد بن عبد الباقى الأنصارى حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن على لفظا حَدثنَا القاضى أَبُو الْحسن على بن مُحَمَّد بن حبيب الشافعى البصرى قَالَ أنشدنا أَبُو مُحَمَّد البافى قَول الشَّاعِر (دَخَلنَا كارهين لَهَا فَلَمَّا ... ألفناها خرجنَا مكرهينا) الحديث: 204 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 فَقَالَ يُوشك أَن يكون هَذَا فى بَغْدَاد وَأنْشد لنَفسِهِ فى معنى ذَلِك الْبَيْت وَضَمنَهُ الْبَيْت (على بَغْدَاد مَعْدن كل طيب ... ومأوى نزهة المتنزهينا) (سَلام كلما جرحت بلحظ ... عُيُون المشتهين المشتهينا) (دَخَلنَا كارهين لَهَا فَلَمَّا ... ألفناها خرجنَا مكرهينا) (وَمَا حب الديار بِنَا وَلَكِن ... أَمر الْعَيْش فرقة من هوينا) قلت الثَّالِث مضمن كَمَا رَأَيْت وَالرَّابِع مُشْتَرك من قَول الشَّاعِر (أَمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذَا الْجِدَار وَذَا الجدارا) (وَمَا حب الديار شغفن قلبى ... وَلَكِن حب من سكن الديارا) وَحكى من حضر مَجْلِسه أَنه جَاءَهُ غُلَام حدث وَبِيَدِهِ رقْعَة دَفعهَا إِلَيْهِ فقرأها مُتَبَسِّمًا وَأجَاب عَنْهَا وَكَانَ فِيهَا (عاشق خاطر حَتَّى اسْتَلَبَ ... المعشوق قبله) (أَفْتِنَا لَا زلت تفتى ... هَل يُبِيح الشَّرْع قَتله) فَأجَاب (أَيهَا السَّائِل عَمَّا ... لَا يُبِيح الشَّرْع فعله) (قبْلَة العاشق للمعشوق ... لَا توجب قَتله) قلت مَا أحسن قَوْله لَا يُبِيح الشَّرْع فعله فَإِنَّهُ نبه بِهِ على تَحْرِيم الْفِعْل خوفًا من أَن يظنّ المستفتى إِبَاحَته بِانْتِفَاء وجوب الْقَتْل وَمن شعره (عجبت من معجب بصورته ... وَكَانَ بالْأَمْس نُطْفَة مذرة) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 (وفى غَد بعد حسن هَيئته ... يصير فى الْقَبْر جيفة قذره) (وَهُوَ على عجبه ونخوته ... مَا بَين يوميه يحمل الْعذرَة) قلت وَلَعَلَّه أَخذه مِمَّا أخبرنَا بِهِ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا الشَّيْخَانِ إِسْمَاعِيل بن أَبى عبد الله بن حَمَّاد بن العسقلانى وَإِبْرَاهِيم بن حمد بن كَامِل بن عمر المقدسى قِرَاءَة عَلَيْهِمَا وَأَنا أسمع قَالَا أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد بن منينا وَعبد الْوَهَّاب بن على بن على بن سكينَة إِذْنا قَالَا أخبرنَا القاضى أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الباقى بن مُحَمَّد الأنصارى أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن على الْخَطِيب بِبَغْدَاد أخبرنَا على بن المظفر الأصبهانى الْمُقْرِئ حَدثنَا حبيب بن الْحسن حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الشطوى حَدثنَا حُسَيْن بن جَعْفَر بن سُلَيْمَان الصبغى سَمِعت أَبى جَعْفَر بن سُلَيْمَان يَقُول مر وَالِي الْبَصْرَة بِمَالك بن دِينَار يرفل فصاح بِهِ مَالك أقل من مشيتك هَذِه فهم خدمه بِهِ فَقَالَ دَعوه مَا أَرَاك تعرفنى فَقَالَ لَهُ مَالك وَمن أعرف بك منى أما أولك فنطفة مذرة وَأما آخرك فجيفة قذرة ثمَّ أَنْت بَين ذَلِك تحمل الْعذرَة فَنَكس الوالى رَأسه وَمَشى قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ فى كتاب لَهُ مُصَنف فى القَوْل فى النُّجُوم أخبرنَا القاضى أَبُو الطّيب طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر الطبرى قَالَ قيل لأبى مُحَمَّد البافى إِن منجما لقى رجلا فَقَالَ لَهُ كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ أَصبَحت أرجوا الله تَعَالَى وأخافه وأصبحت أَنْت ترجو الْمُشْتَرى وَتخَاف زحل فنظمه البافى شعرًا وأنشدناه (أَصبَحت لَا أَرْجُو وَلَا أخْشَى سوى الْجَبَّار ... فى الدُّنْيَا وَيَوْم الْمَحْشَر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 (وأراك تخشى مَا تقدر أَنه ... يأتى بِهِ زحل وترجو الْمُشْتَرى) (شتان مَا بينى وَبَيْنك فالتزم ... طرق النجَاة وخل طرق الْمُنكر) قَالَ الْخَطِيب وأخبرنى عبد الْغفار بن عبد الْوَاحِد الأرموى قَالَ أنشدنى أَبُو زرْعَة روح بن مُحَمَّد القاضى قَالَ أنشدنا عبد الله بن مُحَمَّد البافى لنَفسِهِ (وَكنت إِن بكرت فى حَاجَة ... أطالع التَّقْوِيم والزيجا) (فَأصْبح الزيج كتصحيفه ... وَأصْبح التَّقْوِيم تعويجا) 205 - عبد الله بن مُحَمَّد القزوينى الْمَذْكُور فى الرافعى فى أَوَائِل كتاب مُوجبَات الضَّمَان هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر القزوينى أَبُو الْقَاسِم القاضى ولى نِيَابَة الحكم بِدِمَشْق ثمَّ ولى قَضَاء الرملة ثمَّ سكن مصر وَحدث عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَالربيع بن سُلَيْمَان المرادى وَمُحَمّد بن عَوْف الجمحى وَجَمَاعَة روى عَنهُ عبد الله بن السقا الْحَافِظ وَأَبُو بكر بن الْمُقْرِئ وَابْن عدى ويوسف الميانجى وَمُحَمّد بن المظفر وَآخَرُونَ قَالَ ابْن يُونُس كَانَ مَحْمُودًا فِيمَا يتَوَلَّى وَكَانَت لَهُ حَلقَة للإشغال بِمصْر وللرواية وَكَانَ يظْهر عبَادَة وورعا وَكَانَ قد ثقل سَمعه شَدِيدا وَكَانَ يفهم الحَدِيث ويحفظ ويجتمع فى دَاره الْحفاظ ويملى عَلَيْهِم ويجتمع فى مَجْلِسه جمع عَظِيم الحديث: 205 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 وَقَالَ ابْن الْمُقْرِئ رَأَيْتهمْ يضعفونه وَيُنْكِرُونَ عَلَيْهِ أَشْيَاء قلت وَضَعفه الدارقطنى وَقَالَ كَذَّاب ألف سنَن الشافعى وفيهَا نَحْو مائتى حَدِيث لم يحدث بهَا الشافعى ونال مِنْهُ أَيْضا ابْن يُونُس وَقَالَ خلط فى آخر عمره وَوضع الْأَحَادِيث على متون فافتضح وأحرقت كتبه فى وَجهه وَأسْندَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر عَن أَبى سُلَيْمَان بن زبر أَنه توفى سنة خمس عشرَة وثلاثمائة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ نَص الشافعى على أَنه إِذا فَاتَ رجلا مَعَ الإِمَام رَكْعَتَانِ من ربَاعِية قضاهما بِأم الْقُرْآن وَسورَة كَمَا فَاتَهُ وَإِن كَانَت مغربا وفاتته مِنْهَا رَكْعَة قَضَاهَا بِأم الْقُرْآن وَسورَة والمزنى حكى هَذَا النَّص فى الْمُخْتَصر وَاعْتَرضهُ بِمَا حَاصله أَن مَا يُدْرِكهُ الْمَأْمُوم مَعَ الإِمَام أول صلَاته وَمَا يَقْضِيه آخرهَا وَالسورَة لَا تقرا فى الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَأطَال فى ذَلِك فى الْمُخْتَصر وَقَالَ قد جعلهَا آخِرَة أولى وَهَذَا متناقض وَقد أجَاب عبد الله القزوينى عَن ذَلِك بِأَن ذَلِك لَيْسَ بتناقض وَلَا يبْنى على القَوْل بِقِرَاءَة السُّورَة فى الرَّكْعَتَيْنِ الآخرتين بل لِأَن السُّورَة لما فَاتَتْهُ فى الْأَوليين أَمر اسْتِحْبَابا بإعادتها فى الآخرتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 قَالَ القزوينى وَقد أخبرنَا الرّبيع قَالَ أخبرنَا الشافعى قَالَ وَإِن فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ من الظّهْر وَأدْركَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ صلاهما مَعَ الإِمَام فَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن وَسورَة إِن أمكنه وَإِن لم يُمكنهُ قَرَأَ مَا أمكنه فَإِذا قَامَ قضى رَكْعَتَيْنِ فَقَرَأَ فى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِأم الْقُرْآن وَسورَة فيأتى بِمَا فَاتَهُ كَمَا فَاتَهُ وَلَو اقْتصر على أم الْقُرْآن أَجزَأَهُ وَلَو فَاتَتْهُ رَكْعَة من الْمغرب فصلى رَكْعَتَيْنِ قضى رَكْعَة بِأم الْقُرْآن وَسورَة وَلم يجْهر وَمَا أدْرك مَعَ الإِمَام أول صَلَاة نَفسه لَا يجوز لأحد عندى أَن يَقُول خلاف هَذَا انْتهى وفى هَذَا النَّص الذى نَقله القزوينى فَائِدَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن الشافعى لم يقل ذَلِك بِنَاء على قَول قِرَاءَة السُّورَة فى الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بل على كل قَول وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فَإِن الْأَصْحَاب لما ذكرُوا اعْتِرَاض المزنى هَذَا أجَاب بَعضهم بِأَن الشافعى قَالَ هَذَا بِنَاء على القَوْل الذَّاهِب إِلَى أَن السُّورَة تقْرَأ فى الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا بشئ وَأجَاب الْمُحَقِّقُونَ بِهَذَا الْجَواب الذى قَالَه القزوينى فَقَالُوا ومقدمهم أَبُو إِسْحَاق المروزى كل سنة تفوت الرجل فى صلَاته وَأمكنهُ تلافيها من غير أَن يُوقع خللا بترك سنة فِيهَا فَعَلَيهِ تداركها نَص الشافعى على أَنه لَو ترك التَّعَوُّذ فى الرَّكْعَة الأولى يَقْضِيه فى الثَّانِيَة وَنَصّ فى الْكَبِير على أَن السّنة أَن يقْرَأ سُورَة الْجُمُعَة فى الرَّكْعَة الأولى من صَلَاة الْجُمُعَة فَإِن فَاتَتْهُ قَرَأَهَا فى الثَّانِيَة مَعَ الْمُنَافِقين قَالَ القاضى الْحُسَيْن وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو ترك الرمل فى الأشواط الثَّلَاثَة لَا يَقْضِيه فى الْأَرْبَعَة لِأَنَّهُ لَا يُمكن قَضَاؤُهُ إِلَّا بترك سنة أُخْرَى وهى المشى فى الْأَرْبَعَة قلت فَخرج من هَذَا فى أَن القَوْل الذى عَلَيْهِ تفرع عدم اسْتِحْبَاب السُّورَة فى الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لَا اسْتِحْبَاب عدمهَا وَبِهَذَا يتَوَجَّه أَن من لم يَقْرَأها فى الْأَوليين أَعَادَهَا بِخِلَاف مَا لَو قُلْنَا يسْتَحبّ عدمهَا فى الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ يلْزم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 أَلا يسْتَحبّ قَضَاؤُهَا لِئَلَّا يتعارض شَيْئَانِ كالأشواط وكما أَنه لَا يجْهر لِئَلَّا تتعارض سنة الْإِسْرَار فى الآخرتين مَعَ الْجَهْر فى الْأَوليين والفائدة الثَّانِيَة أَن الْمَأْمُوم الْمَسْبُوق إِذا أمكنه أَن يقْرَأ السُّورَة فِيمَا أدْركهُ مَعَ الإِمَام قَرَأَهَا وَاقْتصر النووى فى شرح الْمُهَذّب على نقل هَذَا عَن تبصرة الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد وَقد نَقله القزوينى أَيْضا كَمَا رَأَيْت 206 - عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى أَبُو الْحسن بن أَبى إِسْحَاق المزكى من فُقَهَاء نيسابور روى عَن أَبى حَامِد بن الشرقى وَمُحَمّد بن عمر بن حَفْص وأبى الْعَبَّاس الْأَصَم وأبى بكر الْقطَّان وأبى حَامِد بن بِلَال وَغَيرهم روى عَنهُ الْحَاكِم وَعمر بن أَحْمد النيسابورى الجورى وَأحمد بن مَنْصُور المغربى وَمُحَمّد بن طَلْحَة شيخ الْخَطِيب وَغَيرهم قَالَ الْحَاكِم كَانَ من الصَّالِحين الْعباد التاركين لما لَا يعْنى قراء الْقُرْآن المكثرين من سَماع الحَدِيث توفى فى ربيع الأول سنة سبع وَتِسْعين وثلاثمائة بنيسابور وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو الطّيب الصعلوكى الحديث: 206 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 207 - عبد الرَّحْمَن بن سلمويه أَبُو بكر الرازى الْفَقِيه نزيل مصر روى عَن أَبى شُعَيْب الحرانى وَغَيره روى عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن النّحاس قَالَ ابْن يُونُس كَانَ ثِقَة لَهُ حَلقَة بِجَامِع مصر للْعلم كتب الْكثير عَن أهل بَلَده وَغَيرهم مَاتَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة 208 - عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن الْمُنْذر بن دَاوُد بن مهْرَان أَبُو مُحَمَّد التميمى الحنظلى الإِمَام ابْن الإِمَام حَافظ الرى وَابْن حافظها كَانَ بحرا فى الْعلم وَله المصنفات الْمَشْهُورَة رَحل مَعَ أَبِيه صَغِيرا وبنفسه كَبِيرا وَسمع أَبَاهُ وَابْن وارة وَأَبا زرْعَة وَالْحسن بن عَرَفَة وَأحمد بن سِنَان الْقطَّان وَأَبا سعيد الْأَشَج وَيُونُس بن عبد الْأَعْلَى وخلائق بالحجاز وَالشَّام ومصر وَالْعراق وَالْجِبَال والجزيرة روى عَنهُ الْحُسَيْن بن على حسينك التميمى وَأَبُو الشَّيْخ وعَلى بن عبد الْعَزِيز الحديث: 207 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 ابْن مردك وَأَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسد الْفَقِيه وَأَبُو على حمد بن عبد الله الأصبهانى وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد النصراباذى وعَلى بن مُحَمَّد الْقصار وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو يعلى الخليلى أَخذ علم أَبِيه وأبى زرْعَة وَكَانَ بحرا فى الْعُلُوم وَمَعْرِفَة الرِّجَال صنف فى الْفِقْه وَاخْتِلَاف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وعلماء الْأَمْصَار قَالَ وَكَانَ زاهدا يعد من الأبدال قلت من مصنفاته تَفْسِير فى أَربع مجلدات عامته آثَار مُسندَة وَكتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل الْمَشْهُور فى عدَّة مجلدات وَكتاب الرَّد على الْجَهْمِية وَكتاب الْعِلَل وَكتاب مَنَاقِب الشافعى قَالَ يحيى بن مندة صنف ابْن أَبى حَاتِم الْمسند فى ألف جُزْء وَكتاب الزّهْد وَكتاب الكنى والفوائد الْكَبِير وفوائد الرازيين وَكتاب تقدمة الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَأَشْيَاء وَقَالَ أَبُو الْحسن على بن إِبْرَاهِيم الرازى الْخَطِيب المجاور بِمَكَّة وَله مُصَنف فى تَرْجَمَة ابْن أَبى حَاتِم سَمِعت على بن الْحسن المصرى وَنحن فى جَنَازَة ابْن أَبى حَاتِم يَقُول قلنسوة عبد الرَّحْمَن من السَّمَاء وَمَا هُوَ بعجب رجل من ثَمَانِينَ سنة على وتيرة وَاحِدَة لم ينحرف عَن الطَّرِيق قَالَ وَسمعت الْعَبَّاس بن أَحْمد يَقُول بلغنى أَن أَبَا حَاتِم قَالَ وَمن يقوى على عبَادَة عبد الرَّحْمَن لَا أعرف لعبد الرَّحْمَن ذَنبا وَقَالَ وَسمعت ابْن أَبى حَاتِم يَقُول لم يدعنى أَبى أشتغل فى الحَدِيث حَتَّى قَرَأت الْقُرْآن على الْفضل بن شَاذان الرازى ثمَّ كتبت الحَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 قَالَ أَبُو الْحسن وَكَانَ عبد الرَّحْمَن قد كَسَاه الله بهاء ونورا يسر بِهِ من نظر إِلَيْهِ قَالَ وَسمعت أَبَا عبد الله القزوينى الْوَاعِظ يَقُول إِذا صليت مَعَ عبد الرَّحْمَن فَسلم نَفسك إِلَيْهِ يعْمل بهَا مَا يَشَاء وَقَالَ عمر بن إِبْرَاهِيم الزَّاهِد الهروى حَدثنَا الْحُسَيْن بن أَحْمد الصفار قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم يَقُول وَقع عندنَا الغلاء فأنفذ بعض أصدقائى حبوبا من أَصْبَهَان فَبِعْته بِعشْرين ألف دِرْهَم وسألنى أَن أشترى لَهُ دَارا عندنَا فَإِذا نزل علينا نزل فِيهَا فأنفقتها على الْفُقَرَاء وَكتب إِلَى مَا فعلت قلت اشْتريت لَك بهَا قصرا فى الْجنَّة قَالَ رضيت إِن ضمنت ذَلِك لى فتكتب على نَفسك صكا فَفعلت قَالَ فَأريت فى الْمَنَام قد وَفينَا بِمَا ضمنت وَلَا تعد لمثل هَذَا وَقَالَ أَبُو الرّبيع مُحَمَّد بن الْفضل البلخى سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن مهرويه الرازى سَمِعت على بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول إِنَّا لنطعن على أَقوام لَعَلَّهُم قد حطوا رحالهم فى الْجنَّة من مائتى سنة قَالَ ابْن مهرويه فَدخلت على ابْن أَبى حَاتِم وَهُوَ يقْرَأ على النَّاس كتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَحَدَّثته بِهَذَا فَبكى وارتعدت يَدَاهُ حَتَّى سقط الْكتاب وَجعل يستعيدنى الْحِكَايَة ويبكى مَاتَ ابْن أَبى حَاتِم وَهُوَ فى عشر التسعين فى الْمحرم سنة سبع وَعشْرين وثلاثمائة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وَمن الْفَوَائِد عَن ابْن أَبى حَاتِم روى فى كتاب مَنَاقِب الشافعى عَن الرّبيع أَن الشافعى قَالَ مَا شبعت مُنْذُ سِتّ عشرَة أَو سبع عشرَة سنة إِلَّا شبعة طرحتها وروى أَن البويطى قَالَ قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ لَا نعلم أحدا أعْطى طَاعَة الله حَتَّى لم يخلطها بمعصيته إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا وَلَا عصى الله فَلم يخلط بِطَاعَتِهِ فَإِذا كَانَ الْأَغْلَب الطَّاعَة فَهُوَ الْعدْل وَإِذا كَانَ الْأَغْلَب الْمعْصِيَة فَهُوَ الْمَجْرُوح قلت كَذَا وَقع مُطلقًا فى رِوَايَات عَن الشافعى ومقيدا فى رِوَايَة أُخْرَى بِعَدَمِ اقتراف الْكَبِيرَة فَيكون المُرَاد هُنَا بالمعصية الصَّغِيرَة وَإِلَّا فَصَاحب الْكَبِيرَة الْوَاحِدَة مَجْرُوح وَإِن كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الطَّاعَة هَذَا مَذْهَب الشافعى الذى تطابقت عَلَيْهِ كتب أَصْحَابه لَا أَقُول إِنَّهُم نصوا على ذَلِك نصا بل أطْلقُوا أَن ذَا الْكَبِيرَة مَجْرُوح وَهُوَ أَعم من أَن يغلب عَلَيْهِ الطَّاعَة أَو لَا يغلب نعم يحْكى عَن شيخ الْإِسْلَام وَسيد الْمُتَأَخِّرين تقى الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد أَنه كَانَ يمِيل فى هَذَا الزَّمَان إِلَى نَحْو من هَذَا إِذا حصلت الثِّقَة بقول الشَّاهِد فَرب من لَا يقدم على شَهَادَة الزُّور وَإِن كَانَ متلبسا بكبيرة أُخْرَى قَالَ القاضى أَبُو الطّيب الطبرى وجدت فِيمَا جمعه عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم من مَنَاقِب الشافعى يَقُول يُونُس بن عبد الْأَعْلَى سَمِعت الشافعى يَقُول فى الرجل يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 فى الصَّلَاة فيعطس رجل لَا بَأْس أَن يَقُول لَهُ الْمصلى يَرْحَمك الله قلت لَهُ وَلم قَالَ لِأَنَّهُ دُعَاء وَقد دَعَا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقوم فى الصَّلَاة ودعا على آخَرين وَهَذِه رِوَايَة صَحِيحَة فَوَجَبَ أَن يكون أولى مِمَّا قَالَه أَصْحَابنَا يعْنى من أَنه تبطل الصَّلَاة قلت وَقد وقفت على النَّص فى كتاب ابْن أَبى حَاتِم وقدمناه فى تَرْجَمَة يُونُس قَالَ صَاحب الْبَحْر وَأَنا رَأَيْت عَن الإِمَام أَبى عبد الله الحناطى حكى عَن البويطى عَن الشافعى هَكَذَا قَالَ وَهَذَا هُوَ // الصَّحِيح // عندى إِذا كَانَ قَصده الدُّعَاء لَا الْخطاب قَالَ وَالْأول أشبه بِالسنةِ انْتهى قَالَ وَإِذا عطس الْمصلى يحمد الله إِلَّا أَن الخطابى قَالَ مَذْهَب الشافعى أَنه يسْتَحبّ أَن يَقُول ذَلِك فى نَفسه قَالَ صَاحب الْبَحْر وَهَذَا // غَرِيب // 209 - عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن حمدون بن بخار البخارى أَبُو الْفضل من أهل نيسابور وَكَانَ من أَعْيَان أَصْحَاب أَبى الْوَلِيد النيسابورى والقدماء مِنْهُم وَعقد لَهُ أَبُو الْوَلِيد التدريس فى حَيَاته قَالَ أَبُو إِسْحَاق المزكى قلت لأبى الْوَلِيد سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة يخرج مَعنا السّنة جمَاعَة من الْفُقَهَاء من أَصْحَابك وَإِن وَقعت مَسْأَلَة فى الدّين إِلَى من أرجع مِنْهُم فَقَالَ إِلَى أَبى الْفضل بن بخار الحديث: 209 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 سمع بنيسابور أَبَا حَامِد وَأَبا مُحَمَّد ابنى الشرقى ومكى بن عَبْدَانِ وبسرخس أَبَا الْعَبَّاس الدغولى وببغداد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار وبمكة أَبَا سعيد بن الأعرابى وَغَيرهم روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَقَالَ اعتل أَبُو الْفضل ابْن بخار قبل مَوته بِسنتَيْنِ عِلّة من الرُّطُوبَة فَعمى وصم وَزَالَ عقله وبقى على ذَلِك قَرِيبا من ثَلَاث سِنِين ثمَّ توفى فى جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة 210 - عبد الصَّمد بن عمر بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَبُو الْقَاسِم الدينورى الْفَقِيه الْوَاعِظ الزَّاهِد سمع من أبي بكر النجاد وتفقه على أَبى سعيد الإصطخرى وروى عَنهُ الأزجى والصيمرى وَكَانَ ثِقَة صَالحا يضْرب بِهِ الْمثل فى مجاهدة النَّفس وَاسْتِعْمَال الصدْق والتقشف وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَكَانَ يدق السعد للعطارين بِالْأُجْرَةِ ويقتات من ذَلِك وَلما حَضرته الْوَفَاة جعل يَقُول سيدى لهَذِهِ السَّاعَة خبأتك الحديث: 210 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 توفى يَوْم الثُّلَاثَاء لسبع بَقينَ من ذى الْحجَّة سنة سبع وَتِسْعين وثلاثمائة بِبَغْدَاد 211 - عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز أَبُو الْقَاسِم الداركى أحد أَئِمَّة الْأَصْحَاب ورفعائهم والذى ذَكرْنَاهُ من تَسْمِيَة وَالِده بِعَبْد الله هُوَ الصَّوَاب وإياه ذكر الْخَطِيب وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَغَيرهمَا وَقَالَ الْحَاكِم فى تَارِيخ نيسابور عبد الْعَزِيز بن الْحسن وَهَذَا وهم وعذره أَن هَذَا الشَّيْخ بغدادى إِنَّمَا ورد نيسابور زَائِرًا فَلَيْسَتْ لَهُ بِهِ الْمعرفَة التَّامَّة وَإِنَّمَا الْحسن جده لأمه لَا جده لِأَبِيهِ وَهُوَ الذى كَانَ مُحدث أَصْبَهَان فى وقته وَالْحَاكِم رَحمَه الله قَالَ كَانَ أَبوهُ مُحدث أَصْبَهَان فى وقته قلت وَأرى أَن الْمُحدث جده لأمه وَلَكِن الْحَاكِم لما سمى أَبَاهُ باسم جده لأمه قَالَ هَذَا وَقد كَانَ الداركى نَفسه مُحدثا أَيْضا وَرُبمَا اجْتهد أَيْضا وَقيل لَهُ فى ذَلِك فَقَالَ نَأْخُذ بِالْحَدِيثِ وَنَدع فلَانا وَفُلَانًا الحديث: 211 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وَقد روى عَن جده لأمه الْحسن بن مُحَمَّد الداركى وَغَيره روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم الأزهرى وَعبد الْعَزِيز الأزجى وَأحمد بن مُحَمَّد العتيقى وَأَبُو الْقَاسِم التنوخى وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَغَيرهم قَالَ الْحَاكِم كَانَ من كبار فُقَهَاء الشافعيين درس بنيسابور سِنِين وَله جملَة من الْمُخْتَلفَة تقلد أوقاف أَبى عَمْرو الْخفاف ثمَّ خرج إِلَى بَغْدَاد فَصَارَ الْمجْلس لَهُ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ فَقِيها محصلا تفقه على أَبى إِسْحَاق المروزى وانْتهى التدريس إِلَيْهِ بِبَغْدَاد وَعَلِيهِ تفقه الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفراينى بعد موت أَبى الْحُسَيْن بن الْمَرْزُبَان وَأخذ عَنهُ عَامَّة شُيُوخ بَغْدَاد وَغَيرهم من أهل الْآفَاق وَقَالَ القاضى أَبُو الطّيب سَمِعت الشَّيْخ أَبَا حَامِد الإسفراينى يَقُول مَا رَأَيْت أفقه من الداركى وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة انتقى عَلَيْهِ الدارقطنى وَتوفى فى ثَالِث عشر شَوَّال سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة ودارك قَرْيَة من عمل أَصْبَهَان وَمن الرِّوَايَة عَنهُ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ قَالَ الرافعى رَحمَه الله فى بَاب الْمُسَابقَة وَلَو قَالَ كل من سبق فَلهُ دِينَار فَسبق ثَلَاثَة يعْنى وَجَاء الْبَاقُونَ بعدهمْ فَعَن الداركى أَن لكل وَاحِد مِنْهُم دِينَارا وَسكت الرافعى والنووى على هَذَا بعد الْجَزْم فِيمَا إِذا قَالَ من سبق فَلهُ دِينَار فَسبق ثَلَاثَة مَعًا وصل وَاحِد ثمَّ جَاءَ الْبَاقُونَ أَن الدِّينَار يَنْقَسِم بَين الثَّلَاثَة فَفرق الداركى بَين دُخُول كل على من وعد بِهِ وَالْفرق لائح فى بادى النّظر وَفِيه نظر عِنْد إمعان النّظر قَالَ القاضى أَبُو الطّيب الطبرى سَمِعت أَبَا مُحَمَّد البافى يَقُول ذكر لنا الداركى حَدِيث جَابر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (إِذا أرفت الْحُدُود فَلَا شُفْعَة) فى تدريسه كتاب الشُّفْعَة فَقَالَ إِذا أزفت فَسَأَلت ابْن جنى النحوى عَن هَذِه الْكَلِمَة فَلم يعرفهَا وَلَا وقفت على صِحَّتهَا فَسَأَلت الْمعَافى ابْن زَكَرِيَّا عَن الحَدِيث وَذكرت لَهُ طرقه فَلم أستتم الْمَسْأَلَة حَتَّى قَالَ إِذا أرفت والأرف المعالم يُرِيد إِذا بيّنت الْحُدُود وعينت المعالم وميزت فَلَا شُفْعَة قلت أرفت بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة ثمَّ الْفَاء أى جعلت لَهَا حُدُود كَمَا ذكر الْمعَافى رَحمَه الله وَذكر الداركى لَهَا بالزاى كَأَنَّهُ سبق لِسَان أَو لم يحرر لَفظهَا من اللُّغَة وَلَا بدع فقد خفيت على ابْن جنى وَهُوَ إِمَام فى الْأَدَب ذكر الماوردى فى الحاوى فى بَاب اللّعان أَن أَبَا سعيد الإصطخرى قَالَ اسْتحْلف إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القاضى رجلا فى حق لِرجلَيْنِ يَمِينا وَاحِدَة فأجمع فُقَهَاء زَمَاننَا على أَنه خطأ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 قَالَ الداركى فسألنا أَبَا إِسْحَاق المروزى عَن ذَلِك فَقَالَ إِن ادّعَيَا ذَلِك الْحق من جِهَة وَاحِدَة مثل أَن يدعيا دَارا أورثاها عَن أَبِيهِمَا حلف لَهما يَمِينا وَاحِدَة وَإِن كَانَ الْحق من جِهَتَيْنِ حلف لكل وَاحِد على الِانْفِرَاد قَالَ الماوردى وَقَول أَبى إِسْحَاق صَحِيح قلت ذكر ابْن الرّفْعَة فى كتاب النِّكَاح من الْمطلب هَذِه الْحِكَايَة عِنْد كَلَامه فى الرجلَيْن يدعيان نِكَاح امْرَأَة وَقد بحث فى أَنَّهَا إِذا حَلَفت فى حَال عدم رضاهما تحلف يمينين وفى حَال رضاهما تحلف يَمِينا وَاحِدَة ذكر كل ذَلِك بحثا وَذكر الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذا وَجب على الشَّخْص يَمِين لجَماعَة فرضوا بِأَن يحلف لَهُم يَمِينا وَاحِدَة وَأَن الْأَصَح أَنه لَا يجوز ثمَّ قَالَ قد يُقَال ذَلِك مَفْرُوض فى حق مُتَعَدد وَأما إِذا كَانَ الْحق وَاحِدًا فَلَا ثمَّ سَاق الْحِكَايَة ثمَّ قَالَ وَهَذَا يفهم أَن ذَلِك جَائِز عِنْد أَبى إِسْحَاق من غير رضاهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 212 - عبد الْعَزِيز بن مَالك الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم القزوينى الشافعى توفى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وثلاثمائة 213 - عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد الْفَقِيه أَبُو الْفضل النضروى قَالَ الْحَاكِم كَانَ من الْفُقَهَاء الزهاد التاركين لما لَا يعنيهم درس على أَبى الْوَلِيد على بن أَبى مَنْصُور بن مهْرَان وَلما انْصَرف الْأُسْتَاذ أَبُو سهل الحديث: 212 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 من أَصْبَهَان رَأَيْته يدرس عَلَيْهِ كتاب الرسَالَة للشافعى ودرس فى مَسْجده سِنِين وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء سمع عبد الله الشرقى وَالْحسن بن مَنْصُور وأقرانهما وَتوفى فى رَجَب سنة سبعين وثلاثمائة انْتهى وَأسْندَ عَنهُ حَدِيثا حَدثهُ إِيَّاه فى مجْلِس الْأُسْتَاذ أَبى سهل وَقَوله على أَبى الْوَلِيد على بن أَبى مَنْصُور بن مهْرَان كَذَا هُوَ فى نُسْخَة تَارِيخ نيسابور الَّتِى عندى وَلَعَلَّه على أَبى الْوَلِيد ثمَّ على أَبى مَنْصُور بن مهْرَان وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ النيسابورى القرشى الإِمَام الْكَبِير الْمَشْهُور وَأَبُو مَنْصُور بن مهْرَان من أكَابِر أَصْحَاب الْوُجُوه من أَصْحَابنَا وَإِن كَانَ الْأَمر على مَا فى النُّسْخَة فَيكون لأبى مَنْصُور بن مهْرَان ولد اسْمه أَبُو الْوَلِيد على من فقهائنا وَهُوَ غير مَعْرُوف والذى أرَاهُ أَن النُّسْخَة مغلوطة وَأَن الْأَمر على مَا وصفت وَالنُّسْخَة الَّتِى عندى وقف الخانقاه السميساطية وفيهَا غلط كثير 214 - عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدى الجرجانى أَبُو نعيم الإستراباذي أحد أَئِمَّة الْمُسلمين فقها وحديثا وَذُو الرحلة الواسعة ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَسمع عمر بن شبة وعَلى بن حَرْب والرمادى وَيزِيد بن عبد الصَّمد وَسليمَان الحديث: 214 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 ابْن سيف وَالربيع بن سُلَيْمَان وَأَبا زرْعَة الرازى وَأَبا حَاتِم وعمار بن رَجَاء وَمُحَمّد ابْن عَوْف وَغَيرهم بالعراق ومصر وَالشَّام والجزيرة والحجاز وخراسان روى عَنهُ ابْن صاعد وَأَبُو على الْحَافِظ وَأَبُو مُحَمَّد المخلدى وَأَبُو إِسْحَاق المزكى وَأَبُو بكر الجوزقى وَخلق قَالَ الْحَاكِم كَانَ من أَئِمَّة الْمُسلمين ورد نيسابور وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى بُخَارى فروى عَنهُ الْحفاظ وَسمعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد يَقُول لم يكن فى عصرنا من الْفُقَهَاء أحفظ للفقهيات وأقاويل الصَّحَابَة بخراسان من أَبى نعيم الجرجانى وَلَا بالعراق من أَبى بكر بن زِيَاد النيسابورى قَالَ وَسمعت أَبَا على الْحَافِظ يَقُول كَانَ أَبُو نعيم الجرجانى أحد الْأَئِمَّة مَا رَأَيْت بخراسان بعد ابْن خُزَيْمَة مثله أَو أفضل مِنْهُ كَانَ يحفظ الْمَوْقُوفَات والمراسيل كَمَا نَحْفَظ نَحن المسانيد وَقَالَ أَبُو سعد الإدريسى مَا أعلم نَشأ بإستراباذ مثله فى حفظه وَعلمه وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ أحد الْأَئِمَّة وَمن الْحفاظ لشرائع الدّين مَعَ صدق وورع وتيقظ وَقَالَ حَمْزَة السهمى كَانَ مقدما فى الْفِقْه والْحَدِيث وَكَانَت الرحلة إِلَيْهِ فى أَيَّامه توفّي أَبُو نعيم الجرجانى سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة وَقَالَ الْحَاكِم سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَوَقع لنا حَدِيثه بعلو فِيمَا اخبرتنا بِهِ زَيْنَب ابْنة أَحْمد بن الْكَمَال عبد الرَّحِيم قِرَاءَة عَلَيْهَا وَأَنا أسمع قَالَت أخبرنَا عبد الْخَالِق بن الأنجب النشتبرى إجَازَة أخبرنَا وجيه بن طَاهِر الشحامى كِتَابَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 أخبرنَا يَعْقُوب بن أَحْمد الصيرفى سَمَاعا أخبرنَا الْحسن بن أَحْمد المخلدى إملاء لاثنتى عشرَة خلت من صفر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدى الْفَقِيه حَدثنَا أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بن عبد الحميد البهرانى حَدثنَا أَبُو عقبَة وساج بن عقبَة حَدثنَا هِقْل بن زِيَاد عَن الأوزاعى عَن الزهرى عَن أَبى سَلمَة عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الشَّيْطَان يجرى من ابْن آدم مجْرى الدَّم) وَبِه إِلَى أَبى نعيم حَدثنَا أَبُو زيد عمر بن شبة البصرى حَدثنَا عبد الْوَهَّاب الثقفى حَدثنَا أَيُّوب عَن أَبى قلَابَة عَن أنس قَالَ أَمر بِلَال رضى الله عَنهُ أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة وَبِه إِلَى أَبى نعيم حَدثنَا أَحْمد بن عِيسَى اللخمى حَدثنَا عَمْرو بن أَبى سَلمَة حَدثنَا عبد الرَّحِيم بن زيد الْعَمى عَن أَبِيه عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (خمس دعوات يُسْتَجَاب لَهُنَّ دَعْوَة الْمَظْلُوم حَتَّى ينتصر ودعوة الْحَاج حَتَّى يصدر ودعوة الْمُجَاهِد حَتَّى يقفل ودعوة الْمَرِيض حَتَّى يبرأ ودعوة الْأَخ لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 215 - عبد الْمُنعم بن عبيد الله بن غلبون أَبُو الطّيب الحلبى الْمُقْرِئ نزيل مصر ولد سنة تسع وثلاثمائة وَقَرَأَ على أَبى الْحسن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن المستفاض الفريابى وأبى سهل صَالح ابْن إِدْرِيس وَنجم بن بدير وَنصر بن يُوسُف المجاهدى وَإِبْرَاهِيم بن عبد الرَّزَّاق الأنطاكى وخلائق أَخذ عَنهُ خلائق مولده فى رَجَب سنة تسع وثلاثمائة وَمَات بِمصْر فى جُمَادَى الأولى سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة الحديث: 215 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 216 - عبد الْوَاحِد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القاضى أَبُو الْقَاسِم الصيمرى نزيل الْبَصْرَة أحد أَئِمَّة الْمَذْهَب قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب حسن التصانيف والصيمرى بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَفتح الْمِيم وفى آخرهَا الرَّاء أرَاهُ وَالله أعلم مَنْسُوبا إِلَى نهر من أَنهَار الْبَصْرَة يُقَال لَهُ الصيمر عَلَيْهِ عدَّة قرى أما الصيمرة فبلد بَين ديار الْجَبَل وخوزستان فَمَا إخال هَذَا الصيمرى مَنْسُوبا إِلَيْهَا وبالصيمرى تخرج جمَاعَة مِنْهُم القاضى الماوردى وَمن تصانيفه الْإِيضَاح فى الْمَذْهَب نَحْو سَبْعَة مجلدات وَله كتاب الْكِفَايَة وَكتاب فى الْقيَاس والعلل وَكتاب صَغِير فى أدب الْمُفْتى والمستفتى وَكتاب فى الشُّرُوط توفى الصيمرى بعد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة الحديث: 216 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَمن الْمسَائِل عَنهُ ذهب إِلَى أَنه لَا يجوز لمن بعض بدنه نجس مس الْمُصحف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وَذهب كَمَا نقل صَاحب الْبَحْر عَنهُ فى بَاب قتل الْمُرْتَد إِلَى أَن من سبّ الصَّحَابَة مُعْتَقدًا مصرا عَلَيْهِ كفر كَمَا لَو سبّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكى فى الْبَيَان أَن الصيمرى حكى قولا أَن الْحجر المستنجى بِهِ إِذا غسل بشئ من الْمَائِعَات طهر وَحكى أَيْضا فى الْبَيَان أَن الصيمرى قَالَ عَورَة الصبى قبل سبع سِنِين السوأتان فَقَط قَالَ وتتغلظ بعد التسع قَالَ وَأما بعد الْعشْر فكالبالغ لِإِمْكَان الْبلُوغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 وفى شرح الْكِفَايَة للصيمرى إِن ادّعى الرجل الْغناء ليَأْخُذ من وقف الْأَغْنِيَاء لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة وَإِن كَانَ الْوَقْف على الْفُقَرَاء فَادّعى الْفقر قبل من غير بَيِّنَة وَذكر فى شرح الْكِفَايَة أَنه لَا يَصح بيع الْخَيل لأهل الْحَرْب وَعبارَته لَو بَاعَ سِلَاحا أَو خيلا على أهل الْحَرْب نقضنا البيع إِن قَدرنَا على ذَلِك 217 - عبيد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبيد الله الْوَاعِظ أَبُو أَحْمد الْمُذكر الحديث: 217 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 218 - عبيد مصغر وَغير مُضَاف وَرُبمَا قيل عبيد الله مُضَافا وإياه أورد ابْن باطيش فى الطَّبَقَات هُوَ عبيد بن عمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو الْقَاسِم القيسى البغدادى نزيل قرطبة وَهُوَ الْمَشْهُور بعبيد الْفَقِيه أَخذ عَن الإصطخرى وَسمع من أَبى الْقَاسِم البغوى والطحاوى وَابْن صاعد وَغَيرهم وفى الْقرَاءَات على ابْن مُجَاهِد وَابْن شنبوذ وَكَانَ صَاحب الأندلس الملقب بالمستنصر يجله ويعظمه كثيرا توفى بقرطبة فى ذى الْحجَّة سنة سِتِّينَ وثلاثمائة 219 - عتبَة بن عبيد الله بن مُوسَى بن عِيسَى بن عبيد الله الهمذانى القاضى أَبُو السَّائِب كَانَ أحد الْعلمَاء الْأَئِمَّة وَأول من ولى قَضَاء الْقُضَاة بِبَغْدَاد من الشَّافِعِيَّة وَكَانَ أَبوهُ تَاجِرًا فاشتغل هُوَ بِالْعلمِ وَغلب عَلَيْهِ فى الِابْتِدَاء التصوف وسافر فلقى الحديث: 218 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 الْجُنَيْد وَصَحب الْأَئِمَّة وَكتب الحَدِيث ثمَّ ولى قَضَاء مراغة ثمَّ تقلد قَضَاء أذربيجان كلهَا ثمَّ قَضَاء همذان ثمَّ دخل بَغْدَاد وَعظم جاهه وَولى قَضَاء الْقُضَاة حدث عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبى حَاتِم الرازى وَغَيره وَقد رَآهُ بَعضهم بعد مَوته فى الْمَنَام فَقَالَ مَا فعل الله بك فَقَالَ غفر لى وَأمر بى إِلَى الْجنَّة على مَا كَانَ منى من التَّخْلِيط وَقَالَ آلَيْت أَلا أعذب أَبنَاء الثَّمَانِينَ توفى سنة خمسين وثلاثمائة 220 - على بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن البوشنجى الصوفى الزَّاهِد الْوَرع الْعَالم الْمُجَرّد ورد نيسابور فصحب أَبَا عُثْمَان الحيرى الزَّاهِد مُدَّة ثمَّ خرج فلقى شُيُوخ التصوف بالعراقين وَالشَّام ثمَّ فِي آخر عمره اعتزل النَّاس سمع الحَدِيث من أَبى جَعْفَر السامى وَالْحُسَيْن بن إِدْرِيس الأنصارى الهرويين وَغَيرهمَا توفى بنيسابور سنة سبع وَأَرْبَعين وثلاثمائة قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا سعيد بن أَبى بكر بن أَبى عُثْمَان يَقُول ورد أَبُو الْحسن البوشنجى على أَبى عُثْمَان فَسئلَ أَن يقْرَأ فى مَجْلِسه فَقَرَأَ فَبكى أَبُو عُثْمَان حَتَّى غشى عَلَيْهِ الحديث: 220 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 وَحمل إِلَى منزله فَكَانَ يُقَال قَتله صَوت البوشنجى ثمَّ إِن أَبَا عُثْمَان توفى فى تِلْكَ الْعلَّة وَقَالَ سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد يَقُول يَوْم توفى أَبُو الْحسن دخلت عَلَيْهِ عَائِدًا فَقلت لَهُ أَلا توصى بشئ فَقَالَ بلَى أكفن فى هَذِه الخريقات وأحمل إِلَى مَقْبرَة من مَقَابِر الْمُسلمين ويتولى الصَّلَاة على رجل من الْمُسلمين قَالَ وَسمعت أَبَا الْحسن البوشنجى وَدخل على الشَّيْخ أَبى بكر بن إِسْحَاق وَرجل من المتهمين بالإلحاد يقْرَأ عَلَيْهِ فَأخذ أَبُو الْحسن ينظر إِلَيْهِ سَاعَة طَوِيلَة وَلم يكن عرفه فَلَمَّا خرج من عِنْده قَالَ لبَعض أَصْحَابه ذَاك الْقَارئ خشيت عَلَيْهِ أَنه ملحد وروى عَنهُ الْحَاكِم حَدِيثا وَاحِدًا مُسْندًا ثمَّ قَالَ مَا أرى أَن أَبَا الْحسن حدث بِحَدِيث مُسْند غير هَذَا 221 - على بن أَحْمد بن الْحسن الْفَقِيه أَبُو الْحسن العروضى قَالَ الْحَاكِم كَانَ من أَعْيَان فُقَهَاء الشافعيين من أَصْحَاب أَبى الْحسن البيهقى قَالَ وَكَانَ يدرس بنيسابور سِنِين قَالَ وَسمع بنيسابور أَبَا عَمْرو الحيرى والمؤمل بن الْحسن وأقرانهما وَكتب الْكثير عَن أَبى الْعَبَّاس الدغولى بسرخس وَاعْتَزل فى آخر عمره ورفض الْمجْلس وَحدث توفى لَيْلَة الْأَرْبَعَاء السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَسبعين وثلاثمائة روى عَنهُ الْحَاكِم حَدِيثا وَاحِدًا فى تَرْجَمته الحديث: 221 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 222 - على بن أَحْمد بن الْمَرْزُبَان بِفَتْح مِيم الْمَرْزُبَان وَضم الزاى بعْدهَا بَاء مُوَحدَة هُوَ أحد أَرْكَان الْمَذْهَب ورفعائه الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْحسن من بَغْدَاد تفقه على أَبى الْحُسَيْن بن الْقطَّان قَالَ الْخَطِيب كَانَ أحد الشُّيُوخ الأفاضل درس عَلَيْهِ أَبُو حَامِد الإسفراينى أول قدومه بَغْدَاد وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ فَقِيها ورعا حكى عَنهُ أَنه قَالَ مَا أعلم لأحد على مظْلمَة قَالَ الشَّيْخ وَقد كَانَ فَقِيها يعلم أَن الْغَيْبَة من الْمَظَالِم توفى فى رَجَب سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة بعد شَيْخه ابْن الْقطَّان بِسبع سِنِين وَمن الْفَوَائِد وغرائب الْفُرُوع عَنهُ قَالَ الدارمى إِذا نوى الْمُتَوَضِّئ إبِْطَال عُضْو مضى لم يبطل وَمَا فى الْحَال يبطل وَمَا يأتى على وَجْهَيْن قَالَه ابْن الْمَرْزُبَان وَقَالَ ابْن الْقطَّان فى جَمِيعه وَجْهَان قلت وَهَذِه غير مَسْأَلَة قطع الْوضُوء الحديث: 222 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 223 - على بن إِسْمَاعِيل بن أَبى بشر واسْمه إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل ابْن عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال بن أَبى بردة ابْن صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبى مُوسَى عبد الله بن قيس شَيخنَا وقدوتنا إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبُو الْحسن الأشعرى البصرى شيخ طَريقَة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَإِمَام الْمُتَكَلِّمين وناصر سنة سيد الْمُرْسلين والذاب عَن الدّين والساعى فى حفظ عقائد الْمُسلمين سعيا يبْقى أَثَره إِلَى يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين إِمَام حبر وتقى بر حمى جناب الشَّرْع من الحَدِيث المفترى وَقَامَ فى نَصره مِلَّة الْإِسْلَام فنصرها نصرا مؤزرا (بهمة فى الثريا إِثْر أخمصها ... وعزمة لَيْسَ من عاداتها السأم) وَمَا برح يدلج ويسير وينهض بساعد التشمير حَتَّى نقى الصُّدُور من الشّبَه كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وَوقى بأنوار الْيَقِين من الْوُقُوع فى ورطات مَا الْتبس وَقَالَ فَلم يتْرك مقَالا لقَائِل وأزاح الأباطيل وَالْحق يدْفع ترهات الْبَاطِل ولد الشَّيْخ سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَولا قد أَخذ عَن أَبى على الجبائى وَتَبعهُ فى الاعتزال يُقَال أَقَامَ على الاعتزال أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى صَار للمعتزلة إِمَامًا فَلَمَّا أَرَادَهُ الله لنصر دينه وَشرح صَدره لاتباع الْحق غَابَ عَن النَّاس فى بَيته خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ خرج إِلَى الْجَامِع وَصعد الْمِنْبَر وَقَالَ معاشر النَّاس إِنَّمَا تغيبت عَنْكُم هَذِه الْمدَّة لأنى نظرت الحديث: 223 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 فتكافأت عندى الْأَدِلَّة وَلم يترجع عندى شَيْء على شَيْء فاستهديت الله تَعَالَى فهداني الى اعْتِقَاد مَا أودعته فِي كتبي هَذِه وانخلعت من جَمِيع مَا كنت أعتقده كَمَا انخلعت من ثوبي هَذَا وانخلع من ثوب كَانَ عَلَيْهِ وَرمى بِهِ وَدفع الْكتب الَّتِى ألفها على مَذَاهِب أهل السّنة إِلَى النَّاس ويحكى من مبدأ رُجُوعه أَنه كَانَ نَائِما فى شهر رَمَضَان فَرَأى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ يَا على انصر الْمذَاهب المروية عَنى فَإِنَّهَا الْحق فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ دخل عَلَيْهِ أَمر عَظِيم وَلم يزل مفكرا مهموما من ذَلِك وَكَانَت هَذِه الرُّؤْيَا فى الْعشْر الأول فَمَا كَانَ الْعشْر الْأَوْسَط رأى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام ثَانِيًا فَقَالَ مَا فعلت فِيمَا أَمرتك بِهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله وَمَا عَسى أَن أفعل وَقد خرجت للمذاهب المروية عَنْك محامل صَحِيحَة فَقَالَ لى انصر الْمذَاهب المروية عَنى فَإِنَّهَا الْحق فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ شَدِيد الأسف والحزن وَأجْمع على ترك الْكَلَام وَاتِّبَاع الحَدِيث وملازمة تِلَاوَة الْقُرْآن فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة سبع وَعشْرين وَكَانَ من عَادَته سهر تِلْكَ اللَّيْلَة أَخذه من النعاس مَا لم يَتَمَالَك مَعَه السهر فَنَامَ وَهُوَ يتأسف على ترك الْقيام فِيهَا فَرَأى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَالِثا فَقَالَ لَهُ مَا صنعت فِيمَا أَمرتك بِهِ فَقَالَ قد تركت الْكَلَام يَا رَسُول الله ولزمت كتاب الله وسنتك فَقَالَ لَهُ أَنا مَا أَمرتك بترك الْكَلَام إِنَّمَا أَمرتك بنصرة الْمذَاهب المروية عَنى فَإِنَّهَا الْحق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله كَيفَ أدع مذهبا تصورت مسَائِله وَعرفت دلائله مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة لرؤيا قَالَ فَقَالَ لى لَوْلَا أَنى أعلم أَن الله يمدك بمدد من عِنْده لما قُمْت عَنْك حَتَّى أبين لَك وجوهها فجد فِيهِ فَإِن الله سيمدك بمدد من عِنْده فَاسْتَيْقَظَ وَقَالَ مَا بعد الْحق إِلَّا الضلال وَأخذ فى نصْرَة الْأَحَادِيث فى الرُّؤْيَة والشفاعة وَالنَّظَر وَغير ذَلِك وَكَانَ يفتح عَلَيْهِ من المباحث والبراهين بِمَا لم يسمعهُ من شيخ قطّ وَلَا اعْتَرَضَهُ بِهِ خصم وَلَا رَآهُ فى كتاب قَالَ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد العسكرى كَانَ الأشعرى تلميذا للجبائى وَكَانَ صَاحب نظر وَذَا إقدام على الْخُصُوم وَكَانَ الجبائى صَاحب تصنيف وقلم إِلَّا أَنه لم يكن قَوِيا فى المناظرة فَكَانَ إِذا عرضت مناظرة قَالَ للأشعرى نب عَنى وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل الصعلوكى حَضَرنَا مَعَ الشَّيْخ أَبى الْحسن مجْلِس علوى بِالْبَصْرَةِ فناظر الْمُعْتَزلَة خذلهم الله وَكَانُوا يعْنى كثيرا فَأتى على الْكل وَهَزَمَهُمْ كلما انْقَطع وَاحِد تنَاول الآخر حَتَّى انْقَطَعُوا عَن آخِرهم فعدنا فى الْمجْلس الثانى فَمَا عَاد مِنْهُم أحد فَقَالَ بَين يدى العلوى يَا غُلَام اكْتُبْ على الْبَاب فروا وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر الصيرفى كَانَت الْمُعْتَزلَة قد رفعوا رُءُوسهم حَتَّى أظهر الله الأشعرى فحجزهم فى أقماع السمسم وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عبد الله بن خَفِيف دخلت الْبَصْرَة أَيَّام شبابى لأرى أَبَا الْحسن الأشعرى لما بلغنى خَبره فَرَأَيْت شَيخا بهى المنظر فَقلت أَيْن منزل أَبى الْحسن الأشعرى فَقَالَ وَمَا الذى تُرِيدُ مِنْهُ فَقلت أحب أَن أَلْقَاهُ فَقَالَ ابتكر غَدا إِلَى هَذَا الْموضع قَالَ فابتكرت فَلَمَّا رَأَيْته تَبعته فَدخل دَار بعض وُجُوه الْبَلَد فَلَمَّا أبصروه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 أكْرمُوا مَحَله وَكَانَ هُنَاكَ جمع من الْعلمَاء ومجلس نظر فأقعدوه فى الصَّدْر ثمَّ سُئِلَ بضعهم مَسْأَلَة فَلَمَّا شرع فى الْجَواب دخل الشَّيْخ فَأخذ يرد عَلَيْهِ ويناظره حَتَّى أَفْحَمَهُ فَقضيت الْعجب من علمه وفصاحته فَقلت لبَعض من كَانَ عندى من هَذَا الشَّيْخ فَقَالَ أَبُو الْحسن الأشعرى فَلَمَّا قَامُوا تَبعته فَقَالَ لى يَا فَتى كَيفَ رَأَيْت الأشعرى فخدمته وَقلت يَا سيدى كَمَا هُوَ فى مَحَله وَلَكِن لم لَا تسْأَل أَنْت ابْتِدَاء فَقَالَ أَنا لَا أكلم هَؤُلَاءِ ابْتِدَاء وَلَكِن إِذا خَاضُوا فى ذكر مَا لَا يجوز فى دين الله رددنا عَلَيْهِم بِحكم مَا فرض الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علينا من الرَّد على مخالفى الْحق وَرويت هَذِه الْحِكَايَة عَن ابْن خَفِيف على وَجه آخر يشْتَرك مَعهَا بعد الدّلَالَة على عَظمَة الشَّيْخ وَمحله فى الْعلم فى أَنه كَانَ لَا يتَكَلَّم فِي علم الْكَلَام إِلَّا حَيْثُ يجب عَلَيْهِ نصرا للدّين ودفعا للمبطلين وَقد قدمنَا الْحِكَايَة على وَجه كيس من كَلَام وَالِد الإِمَام فَخر الدّين فِيمَا أَحسب أَو من كَلَام ابْن خَفِيف نَفسه فى تَرْجَمَة ابْن خَفِيف قَالَ عُلَمَاؤُنَا كَانَ الشَّيْخ صَاحب فراسة وَنظر بِنور الله وَكَانَ ابْن خَفِيف كَمَا عرف حَاله من أَرْبَاب الْأَحْوَال وسَادَة الْمَشَايِخ فَلَمَّا أبصره الشَّيْخ وَفهم عَنهُ مَا يُرِيد أحب أَلا يرَاهُ إِلَّا على أكمل أَحْوَاله من الْعلم وَهُوَ وَقت المناظرة فَإِن أول نظر يثبت فى الْقلب ويرسخ فَأَرَادَ الشَّيْخ تربية ابْن خَفِيف فَإِنَّهُ إِذا نظره فى أكمل أَحْوَاله امْتَلَأَ قلبه بعظمته فانقاد لما يَأْتِيهِ من قبله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 قَالُوا وَكَانَ الشَّيْخ رضى الله عَنهُ سيدا فى التصوف وَاعْتِبَار الْقُلُوب كَمَا هُوَ سيد فى علم الْكَلَام وأصناف الْعُلُوم وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفراينى كنت فى جنب الشَّيْخ أَبى الْحسن الباهلى كقطرة فى جنب الْبَحْر وَسمعت الباهلى يَقُول كنت فى جنب الأشعرى كقطرة فى جنب الْبَحْر وَقَالَ لِسَان الْأمة القاضى أَبُو بكر أفضل أحوالى أَن أفهم كَلَام أَبى الْحسن قَالَ أَبُو الْفضل السهلكى حكى لنا الْفَقِيه الثِّقَة أَبُو عمر الرزجاهى قَالَ سَمِعت الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبَا سهل الصعلوكى أَو الشَّيْخ الإِمَام أَبَا بكر الإسماعيلى وَالشَّكّ منى يَقُول أعَاد الله تَعَالَى هَذَا الدّين بعد مَا ذهب يعْنى أَكْثَره بِأَحْمَد ابْن حَنْبَل وأبى الْحسن الأشعرى وأبى نعيم الإستراباذى وَأما اجْتِهَاد الشَّيْخ فى الْعِبَادَة والتأله فَأمر غَرِيب ذكر من صَحبه أَنه مكث عشْرين سنة يصلى الصُّبْح بِوضُوء الْعَتَمَة وَكَانَ يَأْكُل من غلَّة قَرْيَة وَقفهَا جده بِلَال بن أَبى بردة بن أَبى مُوسَى الأشعرى على نَسْله قَالَ وَكَانَت نَفَقَته فى كل سنة سَبْعَة عشر درهما كل شهر دِرْهَم وشىء يسير وَاعْلَم أَنا لَو أردنَا اسْتِيعَاب مَنَاقِب الشَّيْخ لضاقت بِنَا الأوراق وكلت الأقلام وَمن أَرَادَ معرفَة قدره وَأَن يمتلىء قلبه من حبه فَعَلَيهِ بِكِتَاب تَبْيِين كذب المفترى فِيمَا نسب إِلَى الإِمَام أَبى الْحسن الأشعرى الذى صنفه الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَهُوَ من أجل الْكتب وَأَعْظَمهَا فَائِدَة وأحسنها فَيُقَال كل سنى لَا يكون عِنْده كتاب التَّبْيِين لِابْنِ عَسَاكِر فَلَيْسَ من أَمر نَفسه على بَصِيرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 وَيُقَال لَا يكون الْفَقِيه شافعيا على الْحَقِيقَة حَتَّى يحصل كتاب التَّبْيِين لِابْنِ عَسَاكِر وَكَانَ مشيختنا يأمرون الطّلبَة بِالنّظرِ فِيهِ وَقد زعم بعض النَّاس أَن الشَّيْخ كَانَ مالكى الْمَذْهَب وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح إِنَّمَا كَانَ شافعيا تفقه على أَبى إِسْحَاق المروزى نَص على ذَلِك الْأُسْتَاذ أَبُو بكر ابْن فورك فى طَبَقَات الْمُتَكَلِّمين والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفراينى فِيمَا نَقله عَنهُ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الجوينى فى شرح الرسَالَة والمالكى هُوَ القاضى أَبُو بكر بن الباقلانى شيخ الأشاعرة وَالصَّحِيح أَن وَفَاة الشَّيْخ بَين الْعشْرين وَالثَّلَاثِينَ بعد الثلاثمائة وَالْأَقْرَب أَنَّهَا سنة أَربع وَعشْرين وَهُوَ مَا صَححهُ ابْن عَسَاكِر وَذكره أَبُو بكر بن فورك وَيُقَال سنة نَيف وَثَلَاثِينَ وَأَنت إِذا نظرت تَرْجَمَة هَذَا الشَّيْخ الذى هُوَ شيخ السّنة وَإِمَام الطَّائِفَة فى تَارِيخ شَيخنَا الذهبى وَرَأَيْت كَيفَ مزقها وحار كَيفَ يصنع فى قدره وَلم يُمكنهُ البوح بالغض مِنْهُ خوفًا من سيف أهل الْحق وَلَا الصَّبْر عَن السُّكُوت لما جبلت عَلَيْهِ طويته من بغضه بِحَيْثُ اختصر مَا شَاءَ الله أَن يختصر فى مدحه ثمَّ قَالَ فى آخر التَّرْجَمَة من أَرَادَ أَن يتبحر فى معرفَة الأشعرى فَعَلَيهِ بِكِتَاب تَبْيِين كذب المفترى لأبى الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر اللَّهُمَّ توفنا على السّنة وأدخلنا الْجنَّة وَاجعَل أَنْفُسنَا مطمئنة نحب فِيك أولياءك ونبغض فِيك أعدائك ونستغفر للعصاة من عِبَادك ونعمل بمحكم كتابك ونؤمن بمتشابهه ونصفك بِمَا وصفت بِهِ نَفسك انْتهى فَعِنْدَ ذَلِك تقتضى الْعجب من هَذَا الذهبى وَتعلم إِلَى مَاذَا يُشِير الْمِسْكِين فويحه ثمَّ ويحه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 وَأَنا قد قلت غير مرّة إِن الذهبى أستاذى وَبِه تخرجت فى علم الحَدِيث إِلَّا أَن الْحق أَحَق أَن يتبع وَيجب على تَبْيِين الْحق فَأَقُول أما حوالتك على تَبْيِين كذب المفترى وتقصيرك فى مدح الشَّيْخ فَكيف يسعك ذَلِك مَعَ كونك لم تترجم مجسما يشبه الله بخلقه إِلَّا واستوفيت تَرْجَمته حَتَّى إِن كتابك مُشْتَمل على ذكر جمَاعَة من أصاغر الْمُتَأَخِّرين من الْحَنَابِلَة الَّذين لَا يؤبه إِلَيْهِم قد ترجمت كل وَاحِد مِنْهُم بأوراق عديدة فَهَل عجزت أَن تُعْطى تَرْجَمَة هَذَا الشَّيْخ حَقّهَا وتترجمه كَمَا ترجمت من هُوَ دونه بِأَلف ألف طبقَة فأى غَرَض وَهوى نفس أبلغ من هَذَا وَأقسم بِاللَّه يَمِينا برة مَا بك إِلَّا أَنَّك لَا تحب شياع اسْمه بِالْخَيرِ وَلَا تقدر فى بِلَاد الْمُسلمين على أَن تفصح فِيهِ بِمَا عنْدك من أمره وَمَا تضمره من الغض مِنْهُ فَإنَّك لَو أظهرت ذَلِك لتناولتك سيوف الله وَأما دعاؤك بِمَا دَعَوْت بِهِ فَهَل هَذَا مَكَانَهُ يامسكين وَأما إشارتك بِقَوْلِك ونبغض أعداءك إِلَى أَن الشَّيْخ من أَعدَاء الله وَأَنَّك تبْغضهُ فَسَوف تقف مَعَه بَين يدى الله تَعَالَى يَوْم يأتى وَبَين يَدَيْهِ طوائف الْعلمَاء من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَالصَّالِحِينَ من الصُّوفِيَّة والجهابذة الْحفاظ من الْمُحدثين وتأتى أَنْت تتكسع فى ظلم التجسيم الذى تدعى أَنَّك برِئ مِنْهُ وَأَنت من أعظم الدعاة إِلَيْهِ وتزعم أَنَّك تعرف هَذَا الْفَنّ وَأَنت لَا تفهم فِيهِ نقيرا وَلَا قطميرا وليت شعرى من الذى يصف الله بِمَا وصف بِهِ نَفسه من شبهه بخلقه أم من قَالَ {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} وَالْأولَى بى على الْخُصُوص إمْسَاك عنان الْكَلَام فى هَذَا الْمقَام فقد أبلغت ثمَّ أحفظ لشَيْخِنَا حَقه وَأمْسك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 وَقد عرفناك أَن الأوراق لَا تنهض بترجمة الشَّيْخ وأحلناك على كتاب التَّبْيِين لَا كإحالة الذهبى إِذْ نَحن نحيل إِحَالَة طَالب محرض على الازدياد من عَظمته وَذَاكَ يحِيل إِحَالَة مجهل قد سئم وتبرم بِذكر محامد من لَا يُحِبهُ وَنحن منبهون فى هَذِه التَّرْجَمَة على مهمات لَا نرى إخلاء الْكتاب عَنْهَا لاشتمالها على نصْرَة دين الله وَجمع كلمة الْمُوَحِّدين ونذكرها بعد اسْتِيفَاء مَا يخْتَص بترجمة الشَّيْخ ذكر شىء من الرِّوَايَة عَن الشَّيْخ وَالدّلَالَة على مَحَله من الحَدِيث وَالْفِقْه أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ غفر الله لَهُ بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا الشَّيْخَانِ محيى الدّين ابْن الحرستانى وتاج الدّين مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن أَبى عصرون ح وَأخْبرنَا شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج المزى إجَازَة قَالَ أخبرنَا تَاج الدّين سَمَاعا قَالَا أجازتنا أم الْمُؤَيد زَيْنَب بنت عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الشعرى قَالَت أجازنا الشَّيْخ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الفارسى أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو إِبْرَاهِيم أسعد بن مَسْعُود العتبى أخبرنَا الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور القاهر بن طَاهِر البغدادى ولى عَنهُ إجَازَة حَدثنَا القاضى أبومحمد ابْن عمر المالكى قاضى أصطخر قدم علينا رَسُولا فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلاثمائة حَدثنَا الإِمَام أَبُو الْحسن على بن إِسْمَاعِيل الأشعرى بِبَغْدَاد فى مجْلِس أَبى إِسْحَاق المروزى حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى الساجى حَدثنَا بنْدَار وَابْن الْمثنى قَالَا حَدثنَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا ابْن أَبى ذيب عَن سعيد المقبرى عَن أَبى هُرَيْرَة أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (السَّبع المثانى فَاتِحَة الْكتاب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 وَبِه إِلَى زَكَرِيَّا حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَبى الشَّوَارِب حَدثنَا خَالِد بن عبد الله الواسطى حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَاتِحَة الْكتاب السَّبع المثانى الَّتِى أعطيتهَا) وَبِه إِلَى العتبى أخبرنَا الإِمَام أَبُو مَنْصُور البغدادى سَمِعت عبد الله بن مَحْمُود بن طَاهِر الصوفى يَقُول رَأَيْت أَبَا الْحسن الأشعرى فى مَسْجِد الْبَصْرَة وَقد أبهت الْمُعْتَزلَة فى المناظرة فَقَالَ لَهُ بعض الْحَاضِرين قد عرفنَا تبحرك فى علم الْكَلَام وإنى سَائِلك عَن مَسْأَلَة ظَاهِرَة فى الْفِقْه فَقَالَ سل عَمَّا شِئْت فَقَالَ لَهُ مَا تَقول فى الصَّلَاة بِغَيْر فَاتِحَة الْكتاب فَقَالَ حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى الساجى حَدثنَا عبد الْجَبَّار حَدثنَا سُفْيَان حَدَّثَنى الزهرى عَن مَحْمُود ابْن الرّبيع عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب) وَحدثنَا زَكَرِيَّا حَدثنَا بنْدَار حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن جَعْفَر بن مَيْمُون حَدَّثَنى أَبُو عُثْمَان عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ أمرنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أنادى بِالْمَدِينَةِ أَنه لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب قَالَ فَسكت السَّائِل وَلم يقل شَيْئا قد رَأَيْت رِوَايَة الشَّيْخ هُنَا عَن زَكَرِيَّا الساجى وروى أَيْضا عَن أَبى خَليفَة الجمحى وَسَهل بن نوح وَمُحَمّد بن يَعْقُوب المقبرى وَعبد الرَّحْمَن بن خلف الضبى الْبَصرِيين وَأكْثر عَنْهُم فى تَفْسِيره وَتَفْسِيره كتاب حافل جَامع قَالَ شَيخنَا الذهبى إِنَّه لما صنفه كَانَ على الاعتزال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 قلت وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فقد وقفت على الْجُزْء الأول مِنْهُ وَكله رد على الْمُعْتَزلَة وتبيين لفساد تأويلاتهم وَكَثْرَة تحريفهم وفى مُقَدّمَة تَفْسِيره من ذَلِك مَا يقْضى ناظره الْعجب مِنْهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق مناظرة بَين الشَّيْخ أَبى الْحسن وأبى على الجبائى فى الْأَصْلَح وَالتَّعْلِيل سَأَلَ الشَّيْخ رضى الله عَنهُ أَبَا على فَقَالَ أَيهَا الشَّيْخ مَا قَوْلك فى ثَلَاثَة مُؤمن وَكَافِر وصبى فَقَالَ الْمُؤمن من أهل الدَّرَجَات وَالْكَافِر من أهل الهلكات والصبى من أهل النجَاة فَقَالَ الشَّيْخ فَإِن أَرَادَ الصبى أَن يرقى إِلَى أهل الدَّرَجَات هَل يُمكن قَالَ الجبائى لَا يُقَال لَهُ إِن الْمُؤمن إِنَّمَا نَالَ هَذِه الدرجَة بِالطَّاعَةِ وَلَيْسَ لَك مثلهَا قَالَ الشَّيْخ فَإِن قَالَ التَّقْصِير لَيْسَ منى فَلَو أحييتنى كنت عملت من الطَّاعَات كعمل الْمُؤمن قَالَ الجبائى يَقُول لَهُ الله كنت أعلم أَنَّك لَو بقيت لعصيت ولعوقبت فراعيت مصلحتك وَأمتك قبل أَن تنتهى إِلَى سنّ التَّكْلِيف قَالَ الشَّيْخ فَلَو قَالَ الْكَافِر يَا رب علمت حَاله كَمَا علمت حالى فَهَلا راعيت مصلحتى مثله فَانْقَطع الجبائى قلت هَذِه مناظرة شهيرة وَقد حَكَاهَا شَيخنَا الذهبى وهى دامغة لأصل من يقلده لِأَن الذى يقلده يَقُول إِن الله لَا يفعل شَيْئا إِلَّا بحكمة باعثة لَهُ على فعله ومصلحة وَاقعَة وَهُوَ من الْمُعْتَزلَة فى هَذِه الْمَسْأَلَة فَلَو يدرى شَيخنَا هَذَا لأضرب عَن ذكر هَذِه المناظرة صفحا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وَوَقع فى زمَان شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام استفتاء فى هَذِه الْمَسْأَلَة فَكتب عَلَيْهِ الشَّيْخ عز الدّين وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب وَطَائِفَة وَمن كَلَام الشَّيْخ عز الدّين فى الْجَواب مَا أَجْهَل من يزْعم أَن الله سُبْحَانَهُ لَا يجوز أَن يخلق شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِيهِ جلب نفع أَو دفع ضَرَر تالله لقد تيمموا شاسعا وَلَقَد تحجروا وَاسِعًا وَمن جَوَاب ابْن الْحَاجِب أى صَلَاح فى خلق مَا هُوَ السَّبَب الْمُؤَدى إِلَى الْكفْر وكأنى أحكى الجوابين إِن شَاءَ الله فى بعض تراجم الطَّبَقَة السَّابِعَة وَهَذِه مَسْأَلَة مفروغ مِنْهَا فَمن أصلنَا أَنه يُقَال لَا يجب عَلَيْهِ شئ وَلَا يفعل شَيْئا لشئ ابتعثه عَلَيْهِ بل هُوَ مَالك الْملك وَرب الأرباب لَا حجر عَلَيْهِ لَهُ نقل عباده من الْخَيْر إِلَى الشَّرّ وَمن النَّفْع إِلَى الضّر {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} وَاعْلَم أَن جَوَاب شَيخنَا أَبى الْحسن مَأْخُوذ من قَول إمامنا الشافعى رضى الله عَنهُ الْقَدَرِيَّة إِذا سلمُوا الْعلم خصموا أى إِذا سلمُوا علم الله بالعواقب مناظرة بَينهمَا فى أَن أَسمَاء الله هَل هى توقيفية دخل رجل على الجبائى فَقَالَ هَل يجوز أَن يُسمى الله تَعَالَى عَاقِلا فَقَالَ الجبائى لَا لِأَن الْعقل مُشْتَقّ من العقال وَهُوَ الْمَانِع وَالْمَنْع فى حق الله محَال فَامْتنعَ الْإِطْلَاق قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن فَقلت لَهُ فعلى قياسك لَا يُسمى الله سُبْحَانَهُ حكيما لِأَن هَذَا الِاسْم مُشْتَقّ من حِكْمَة اللجام وهى الحديدة الْمَانِعَة للدابة عَن الْخُرُوج وَيشْهد لذَلِك قَول حسان بن ثَابت رضى الله عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 (فنحكم بالقوافى من هجانا ... ونضرب حِين تختلط الدِّمَاء) وَقَول الآخر (أبنى حنيفَة حكمُوا سفهاءكم ... إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم أَن أغضبا) أى نمْنَع بالقوافى من هجانا وامنعوا سفهاءكم فَإِذا كَانَ اللَّفْظ مشتقا من الْمَنْع وَالْمَنْع على الله محَال لزمك أَن تمنع إِطْلَاق حَكِيم عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ فَلم يحر جَوَابا إِلَّا أَنه قَالَ لى فَلم منعت أَنْت أَن يُسمى الله سُبْحَانَهُ عَاقِلا وأجزت أَن يُسمى حكيما قَالَ فَقلت لَهُ لِأَن طريقى فى مَأْخَذ أَسمَاء الله الْإِذْن الشرعى دون الْقيَاس اللغوى فأطلقت حكيما لِأَن الشَّرْع أطلقهُ ومنعت عَاقِلا لَان الشَّرْع مَنعه وَلَو أطلقهُ الشَّرْع لأطلقته قلت كَذَا وَقع فى هَذِه المناظرة فى إنشاد الْبَيْت حكمُوا بِالْكَاف وَهُوَ الْمَشْهُور فى رِوَايَته وَكنت أجوز أَن يكون حلموا بِاللَّامِ لمقابلته بالسفهاء ثمَّ رَأَيْت فى كتاب الْكَامِل للمبرد رَحمَه الله تَعَالَى (أبنى حنيفَة نهنهوا سفهاءكم ... إنى أَخَاف عَلَيْكُم أَن أغضبا) (أبنى حنيفَة إننى إِن أهجكم ... أدع الْيَمَامَة لَا توارى أرنبا) وهما لجرير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 وَمن الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة عَن الشَّيْخ قَالَ الإِمَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ فى بَاب اجْتِمَاع الْوُلَاة من النِّهَايَة فى الْمَرْأَة تدعى غيبَة وَليهَا وتطلب من السُّلْطَان أَن يُزَوّجهَا وتلح فى ذَلِك اخْتلف أَرْبَاب الْأُصُول فى ذَلِك فَذهب قدوتنا فى الْأُصُول إِلَى أَنَّهَا تجاب وأقصى مَا يُمكن السُّلْطَان أَن يستمهلها فَإِن أَبَت أجابها وَذهب القاضى أَبُو بكر بن الباقلانى إِلَى أَن القاضى لَا يجيبها إِن رأى التَّأْخِير رَأيا وَيَقُول لَا تجب على إجابتك مَا لم أحتط انْتهى وَقد نقل الرافعى الْمَسْأَلَة عَن الإِمَام وَقَالَ فِيهَا وَجْهَان رَوَاهُمَا الإِمَام عَن أهل الْأُصُول وَأَنت ترى عبارَة الإِمَام لم يفصح بِذكر وَجْهَيْن وَإِنَّمَا حكى اخْتِلَاف الْأُصُولِيِّينَ وَأَرَادَ بقدوتنا فى الْأُصُول الأشعرى قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله الذى ينبغى أَن يُقَال إِن اجْتِهَاد القاضى إِن أَدَّاهُ إِلَى أَن مصلحَة الْمَرْأَة تفوت بِالتَّأْخِيرِ وَجَبت الْمُبَادرَة أَو أَن الْمصلحَة التَّأْخِير تعين وَإِن أشكل الْحَال أَو اسْتَوَى أَو كَانَ فى مهلة النّظر فَهَذَا مَوضِع التَّرَدُّد وينبغى أَلا يُبَادر ذكر تصانيف الشَّيْخ رضى الله عَنهُ ذكر أَبُو مُحَمَّد بن حزم أَنَّهَا بلغت خمْسا وَخمسين مصنفا ورد ابْن عَسَاكِر هَذَا القَوْل وَقَالَ قد ترك من عدد مصنفاته أَكثر من النّصْف وَذكر أَبُو بكر بن فورك مسميات تزيد على الضعْف انْتهى قلت ابْن حزم على مِقْدَار مَا وقف عَلَيْهِ فى بِلَاد الغرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 وَقد ذكر ابْن عَسَاكِر بعد ذَلِك عَن أَبى المعالى بن عبد الْملك القاضى أَنه سمع من يَثِق بِهِ يذكر أَنه رأى تراجم مصنفاته تزيد على مِائَتَيْنِ وثلاثمائة مُصَنف وعد ابْن عَسَاكِر من مصنفاته مِمَّا ذكره الشَّيْخ فِي كِتَابه الْعمد فى الرُّؤْيَة وَغَيره الْفُصُول فى الرَّد على الْمُلْحِدِينَ الموجز إِمَامَة الصّديق خلق الْأَعْمَال الِاسْتِطَاعَة الصِّفَات الرُّؤْيَة الْأَسْمَاء وَالْأَحْكَام الرَّد على المجسمة الْإِيضَاح اللمع الصَّغِير اللمع الْكَبِير الشَّرْح وَالتَّفْصِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 الْمُقدمَة النَّقْض على الجبائى النَّقْض على البلخى مقالات الْمُسلمين مقالات الْمُلْحِدِينَ الجوابات فى الصِّفَات على الاعتزال قَالَ ثمَّ نقضناه وأبطلناه الرَّد على ابْن الراوندى ذكر دَلِيل استنبطه عُلَمَاؤُنَا من الحَدِيث الصَّحِيح دَال على أَن أَبَا الْحسن وفئته على السّنة وَأَن سبيلهم سَبِيل الْجنَّة زعم طوائف من أَئِمَّتنَا أَن سيدنَا ومولانا وحبيبنا مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشر بالشيخ أَبى الْحسن وَأَشَارَ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فى حَدِيث الْأَشْعَرِيين حَيْثُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 (الْإِيمَان يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية أَتَاكُم أهل الْيمن هم أرق أَفْئِدَة وألين قلوبا) أخرجه البخارى وَمُسلم وفى حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يقدم قوم هم أرق أَفْئِدَة مِنْكُم) فَقدم الأشعريون فيهم أَبُو مُوسَى ... الحَدِيث وفى حَدِيث لما نزلت {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هم قوم هَذَا) وَضرب بِيَدِهِ على ظهر أَبى مُوسَى الأشعرى وَقد استوعب الْحَافِظ فى كتاب التَّبْيِين الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فى هَذَا الْبَاب وَهَذَا ملخصها قَالَ عُلَمَاؤُنَا بشر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأبى الْحسن فِيهَا إِشَارَة وتلويحا كَمَا بشر بأبى عبد الله الشافعى رضى الله عَنهُ فى حَدِيث (عَالم قُرَيْش يمْلَأ طباق الأَرْض علما) وَمَالك رضى الله عَنهُ فى حَدِيث يُوشك أَن يضْرب النَّاس آباط الْإِبِل فَلَا يَجدونَ عَالما أعلم من عَالم الْمَدِينَة وَمِمَّنْ وَافق على هَذَا التَّأْوِيل وَأخذ بِهِ من حفاظ الْمُحدثين وأئمتهم الْحَافِظ الْجَلِيل أَبُو بكر البيهقى فِيمَا أخبرنَا بِهِ يحيى بن فضل الله الْعُمْرَى فى كِتَابه عَن مكى ابْن عَلان أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الدمشقى أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الْفضل الفراوى أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن على البيهقى الْحَافِظ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 أما بعد فَإِن بعض أَئِمَّة الْأَشْعَرِيين رضى الله عَنْهُم ذاكرني بمتن الحَدِيث الذى أنبأناه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق حَدثنَا وهب بن جرير وَأَبُو عَامر العقدى قَالَا حَدثنَا شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب عَن عِيَاض الأشعرى قَالَ لما نزلت {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} أَوْمَأ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَبى مُوسَى فَقَالَ (هم قوم هَذَا) قَالَ البيهقى وَذَلِكَ لما وجد من الْفَضِيلَة الجليلة والمرتبة الشَّرِيفَة فى هَذَا الحَدِيث للْإِمَام أَبى الْحسن الأشعرى رضى الله عَنهُ فَهُوَ من قوم أَبى مُوسَى وَأَوْلَاده الَّذين أُوتُوا الْعلم ورزقوا الْفَهم مَخْصُوصًا من بَينهم بتقوية السّنة وقمع الْبِدْعَة بِإِظْهَار الْحجَّة ورد الشُّبْهَة وَالْأَشْبَه أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل قوم أَبى مُوسَى من قوم يُحِبهُمْ الله وَيُحِبُّونَهُ لما علم من صِحَة دينهم وَعرف من قُوَّة يقينهم فَمن نحا فى علم الْأُصُول نحوهم وَتبع فى نفى التَّشْبِيه مَعَ مُلَازمَة الْكتاب وَالسّنة قَوْلهم جعل من جُمْلَتهمْ هَذَا كَلَام البيهقى وَنحن نقُول وَلَا نقطع على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشبه أَن يكون نبى الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا ضرب على ظهر أَبى مُوسَى رضى الله عَنهُ فى الحَدِيث الذى قدمْنَاهُ للْإِشَارَة والبشارة بِمَا يخرج من ذَلِك الظّهْر فى تَاسِع بطن وَهُوَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن فقد كَانَت للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إشارات لَا يفهمها إِلَّا الموفقون المؤيدون بِنور من الله الراسخون فى الْعلم ذَوُو البصائر المشرقة {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 وَقد عقد ابْن عَسَاكِر فى كتاب التَّبْيِين بَابا فِيمَا روى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بشارته بأبى مُوسَى حِين قدومه من الْيمن وإشارته إِلَى مَا يظْهر من علم أَبى الْحسن وَابْن عَسَاكِر من أخيار هَذِه الْأمة علما ودينا وحفظا لم يجِئ بعد الدارقطنى أحفظ مِنْهُ اتّفق على هَذَا الْمُوَافق والمخالف وَعَن مُجَاهِد فى قَوْله تَعَالَى {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ قوم من سبأ قَالَ ابْن عَسَاكِر والأشعريون قوم من سبأ قلت وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا إِن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحدث فى أصُول الدّين أحدا بِحَدِيث حَدثهُ للأشعريين وَأَنَّهُمْ الَّذين اختصوا بسؤاله عَن ذَلِك وإجابته لَهُم ففى صَحِيح البخارى وَغَيره عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ إنى لجالس عِنْد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَهُ قوم من بنى تَمِيم فَقَالَ (اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بنى تَمِيم) فَقَالُوا قد بشرتنا فَأَعْطِنَا يَا رَسُول الله قَالَ فَدخل عَلَيْهِ نَاس من أهل الْيمن فَقَالَ (اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أهل الْيمن إِذْ لم يقبلهَا بَنو تَمِيم) قَالُوا قبلنَا يَا رَسُول الله جِئْنَا لنتفقه فى الدّين ونسألك عَن أول هَذَا الْأَمر مَا كَانَ كَذَا فى لفظ وفى لفظ البخارى جئْنَاك نَسْأَلك عَن هَذَا الْأَمر قَالَ كَانَ الله وَلم يكن شئ غَيره وفى رِوَايَة وَلم يكن شئ قبله وَكَانَ عَرْشه على المَاء ثمَّ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَكتب فى الذّكر كل شئ قَالَ وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ يَا عمرَان بن حُصَيْن راحلتك أدْرك نَاقَتك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 فقد ذهبت فَانْطَلَقت فى طلبَهَا وَإِذا السراب يَنْقَطِع دونهَا وأيم الله لَوَدِدْت أَنَّهَا ذهبت وأنى لم أقِم وَقد سَاق ابْن عَسَاكِر هَذَا الحَدِيث من طرق عدَّة ذكر أَتْبَاعه الآخذين عَنهُ والآخذين عَن من أَخذ عَنهُ وهلم جرا اعْلَم أَن أَبَا الْحسن لم يبدع رَأيا وَلم ينش مذهبا وَإِنَّمَا هُوَ مُقَرر لمذاهب السّلف مناضل عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ صحابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالانتساب إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار أَنه عقد على طَرِيق السّلف نطاقا وَتمسك بِهِ وَأقَام الْحجَج والبراهين عَلَيْهِ فَصَارَ المقتدى بِهِ فى ذَلِك السالك سَبيله فى الدَّلَائِل يُسمى أشعريا وَلَقَد قلت مرّة للشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله أَنا أعجب من الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فى عدَّة طوائف من أَتبَاع الشَّيْخ وَلم يذكر إِلَّا نزرا يَسِيرا وعددا قَلِيلا وَلَو وفى الِاسْتِيعَاب حَقه لاستوعب غَالب عُلَمَاء الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُم برأى أَبى الْحسن يدينون الله تَعَالَى فَقَالَ إِنَّمَا ذكر من اشْتهر بالمناضلة عَن أَبى الْحسن وَإِلَّا فَالْأَمْر على مَا ذكرت من أَن غَالب عُلَمَاء الْمذَاهب مَعَه وَقد ذكر الشَّيْخ شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام أَن عقيدته اجْتمع عَلَيْهَا الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة وفضلاء الْحَنَابِلَة وَوَافَقَهُ على ذَلِك من أهل عصره شيخ الْمَالِكِيَّة فى زَمَانه أَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب وَشَيخ الْحَنَفِيَّة جمال الدّين الحصيرى قلت وسنعقد لهَذَا الْفَصْل فصلا يَخُصُّهُ فِيمَا بعد قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فِيمَا يحكيه لنا وَلَقَد وقفت لبَعض الْمُعْتَزلَة على كتاب سَمَّاهُ طَبَقَات الْمُعْتَزلَة وافتتح بِذكر عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ ظنا مِنْهُ أَنه برأه الله مِنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 على عقيدتهم قَالَ وَهَذَا نِهَايَة فى التعصب فَإِنَّمَا ينْسب إِلَى الْمَرْء من مَشى على منواله قلت أَنا للشَّيْخ الإِمَام وَلَو تمّ هَذَا لَهُم لَكَانَ للأشاعرة أَن يعدوا أَبَا بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا فى جُمْلَتهمْ لأَنهم عَن عقيدتهما وعقيدة غَيرهمَا من الصَّحَابَة فِيمَا يدعونَ يناضلون وَإِيَّاهَا ينْصرُونَ وعَلى حماها يحومون فَتَبَسَّمَ وَقَالَ أَتبَاع الْمَرْء من دَان بمذهبه وَقَالَ بقوله على سَبِيل الْمُتَابَعَة والاقتفاء الذى هُوَ أخص من الْمُوَافقَة فَبين الْمُتَابَعَة والموافقة بون عَظِيم قلت وَقد بَينا البون فى شرح الْمُخْتَصر فى مَسْأَلَة الناسى وَنقل الْحَافِظ كَلَام الشَّيْخ أَبى عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى بن عمار الكلاعى المآيرقى وَهُوَ من أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة فى هَذَا الْفَصْل فاستوعبه مِنْهُ أهل السّنة من الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَأكْثر الْحَنَفِيَّة بِلِسَان أَبى الْحسن الأشعرى يَتَكَلَّمُونَ وبحجته يحتجون ثمَّ أَخذ المايرقى يُقرر أَن أَبَا الْحسن كَانَ مالكى الْمَذْهَب فى الْفُرُوع وَحكى أَنه سمع الإِمَام رَافعا الْحمال يَقُول وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك قطعا كَمَا أسلفناه وَقد وَقع لى أَن سَبَب الْوَهم فِيهِ أَن القاضى أَبَا بكر كَانَ يُقَال لَهُ الأشعرى لشدَّة قِيَامه فى نصْرَة مَذْهَب الشَّيْخ وَكَانَ مالكيا على الصَّحِيح الذى صرح بِهِ أَبُو المظفر بن السمعانى فى القواطع وَغَيره من النقلَة الْأَثْبَات خلافًا لمن زَعمه شافعيا وَرَافِع الْحمال قَرَأَ على من قَرَأَ على القاضى فأظن المآيرقى سمع رَافعا يَقُول الأشعرى مالكى فتوهمه يعْنى الشَّيْخ وَإِنَّمَا يعْنى رَافع القاضى أَبَا بكر هَذَا مَا وَقع لى وَلَا أَشك فِيهِ والمآيرقى رجل مغربى بعيد الديار عَن بِلَاد الْعرَاق مُتَأَخّر عَن زمَان أَصْحَاب الشَّيْخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 وَأَصْحَاب أَصْحَابه فيبعد عَلَيْهِ تَحْقِيق حَاله وَقد قدمنَا كَلَام الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد الجوينى عَن الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق وَكفى بِهِ فَإِنَّهُ أعرف من رَافع وَلَا أحد فى عصر الْأُسْتَاذ أخبر مِنْهُ بِحَال الشَّيْخ إِلَّا أَن يكون القاضى ابْن الباقلانى وَقد ذكر غير وَاحِد من الْأَثْبَات أَن الشَّيْخ كَانَ يَأْخُذ مَذْهَب الشافعى عَن أَبى إِسْحَاق المروزى وَأَبُو إِسْحَاق المروزى يَأْخُذ عَنهُ علم الْكَلَام وَلذَلِك كَانَ يجلس فى حلقته وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا عَقدنَا لَهُ هَذَا الْفَصْل فلنعد إِلَى غرضنا فَنَقُول قَالَ المآيرقى وَلم يكن أَبُو الْحسن أول مُتَكَلم بِلِسَان أهل السّنة إِنَّمَا جرى على سنَن غَيره وعَلى نصْرَة مَذْهَب مَعْرُوف فَزَاد الْمَذْهَب حجَّة وبيانا وَلم يبتدع مقَالَة اخترعها وَلَا مذهبا انْفَرد بِهِ أَلا ترى أَن مَذْهَب أهل الْمَدِينَة نسب إِلَى مَالك وَمن كَانَ على مَذْهَب أهل الْمَدِينَة يُقَال لَهُ مالكى وَمَالك إِنَّمَا جرى على سنَن من كَانَ قبله وَكَانَ كثير الِاتِّبَاع لَهُم إِلَّا أَنه لما زَاد الْمَذْهَب بَيَانا وبسطا عزى إِلَيْهِ كَذَلِك أَبُو الْحسن الأشعرى لَا فرق لَيْسَ لَهُ فى مَذْهَب السّلف أَكثر من بَسطه وَشَرحه وتواليفه فى نصرته وَأطَال المآيرقى فى ذَلِك ثمَّ عدد خلقا من أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة كَانُوا يناضلون عَن مَذْهَب الأشعرى ويبدعون من خَالفه وَلَا حَاجَة إِلَى شرح ذَلِك فَإِن الْمَالِكِيَّة أخص النَّاس بالأشعرى إِذْ لَا نَحْفَظ مالكيا غير أشعرى ونحفظ من غَيرهم طوائف جنحوا إِمَّا إِلَى اعتزال أَو إِلَى تَشْبِيه وَإِن كَانَ من جنح إِلَى هذَيْن من رعاع الْفرق ثمَّ ذكر المآيرقى رِسَالَة الشَّيْخ أَبى الْحسن القابسى المالكى الَّتِى يَقُول فِيهَا وَاعْلَمُوا أَن أَبَا الْحسن الأشعرى لم يَأْتِ من علم الْكَلَام إِلَّا مَا أَرَادَ بِهِ إِيضَاح السّنَن والتثبت عَلَيْهَا إِلَى أَن يَقُول القابسى وَمَا أَبُو الْحسن إِلَّا وَاحِد من جملَة القائمين فى نصْرَة الْحق مَا سمعنَا من أهل الْإِنْصَاف من يُؤَخِّرهُ عَن رُتْبَة ذَلِك وَلَا من يُؤثر عَلَيْهِ فى عصره غَيره وَمن بعده من أهل الْحق سلكوا سَبيله إِلَى أَن قَالَ لقد مَاتَ الأشعرى يَوْم مَاتَ وَأهل السّنة باكون عَلَيْهِ وَأهل الْبدع مستريحون مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وَذكر قَول الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد عبد الله بن أَبى زيد فى جَوَابه لمن لَامة فى حب الأشعرى مَا الأشعرى إِلَّا رجل مَشْهُور بِالرَّدِّ على أهل الْبدع وعَلى الْقَدَرِيَّة الْجَهْمِية متمسك بالسنن وَأطَال المايرقى وَغَيره من الْمَالِكِيَّة فى تقريظ الشَّيْخ أَبى الْحسن وَإِذا عرفت ذَلِك فَمن الآخذين عَن الشَّيْخ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل الصعلوكى والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفراينى وَالشَّيْخ أَبُو بكر الْقفال وَالشَّيْخ أَبُو زيد المروزى والأستاذ أَبُو عبد الله بن خَفِيف وزاهر بن أَحْمد السرخسى والحافظ أَبُو بكر الجرجانى الإسماعيلى وَالشَّيْخ أَبُو بكر الأودنى وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الطبرى العراقى وَأَبُو الْحسن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الطبرى الْمَعْرُوف بالدمل وَأَبُو جَعْفَر السلمى النقاش وَأَبُو عبد الله الأصبهانى الشافعى وَأَبُو مُحَمَّد القرشى الزهرى وَأَبُو مَنْصُور بن حمشاد وَرُبمَا كَانَ فى هَؤُلَاءِ من لم يثبت عندنَا أَنه جَالس الشَّيْخ وَلَكِن كلهم عاصروه وتمذهبوا بمذهبه وقرؤوا كتبه وَأَكْثَرهم جالسه وَأخذ عَنهُ شفاها وَالشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن بن سمعون الْوَاعِظ وَأَبُو عبد الرَّحْمَن الشروطى الجرجانى وأخصهم بالشيخ أَرْبَعَة ابْن مُجَاهِد وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن يَعْقُوب بن مُجَاهِد الطائى شيخ القاضى أَبى بكر الباقلانى وَكَانَ مالكى الْمَذْهَب ذكره القَاضِي عِيَاض فى الْمدْرك وَأَبُو الْحسن الباهلى العَبْد الصَّالح شيخ الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق والأستاذ أَبى بكر ابْن فورك وَشَيخ القاضى أَبى بكر أَيْضا إِلَّا أَن القاضى أَبَا بكر أخص بِابْن مُجَاهِد والأستاذان أخص بالباهلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 قَالَ القاضى أَبُو بكر كنت أَنا وَأَبُو إِسْحَاق الإسفراينى وَابْن فورك مَعًا فى درس الشَّيْخ الباهلى وَكَانَ يدرس لنا فى كل جُمُعَة مرّة وَاحِدَة وَكَانَ منا فى حجاب يرخى السّتْر بَيْننَا وَبَينه كى لَا نرَاهُ وَكَانَ من شدَّة اشْتِغَاله بِاللَّه مثل واله أَو مَجْنُون لم يكن يعرف مبلغ درسنا حَتَّى نذكرهُ ذَلِك وَقَالَ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن على السهلكى كَانَ الباهلى يسْأَل عَن سَبَب النقاب وإرساله الْحجاب بَينه وَبَين هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كاحتجابه عَن الْكل فَإِنَّهُ كَانَ يحتجب عَن كل وَاحِد فَأجَاب إِنَّهُم يرَوْنَ السوقة وهم أهل الْغَفْلَة فيروني بِالْعينِ الَّتِى يرَوْنَ أُولَئِكَ بهَا قَالَ وَكَانَت لَهُ أَيْضا جَارِيَة تخدمه فَكَانَ حَالهَا أَيْضا مَعَه كَحال غَيرهَا من الْحجاب وإرخاء السّتْر بَينه وَبَينهَا وَالثَّالِث بنْدَار خادمه وَقد تقدّمت تَرْجَمته وَالرَّابِع أَبُو الْحسن على بن مُحَمَّد بن مهدى الطبرى وَمن الطَّبَقَة الثَّانِيَة أَبُو سعد الإسماعيلى وَأَخُوهُ أَبُو نصر وَأَبُو الطّيب الصعلوكى وَأَبُو الْحسن بن دَاوُد الْمُقْرِئ الدارانى وَسيف السّنة القاضى أَبُو بكر بن الباقلانى والأستاذ أَبُو إِسْحَاق والأستاذ أَبُو بكر بن فورك والأستاذ أَبُو على الدقاق وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَالشَّيْخ أَبُو سعد الخركوشى والقاضى أَبُو عمر البسطامى وَأَبُو الْقَاسِم البجلى وَأَبُو الْحسن ابْن ماشاذه والشريف أَبُو طَالب المهتدى وَأَبُو معمر بن أَبى سعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 الإسماعيلى وَأَبُو حَازِم العبدوى الْحَافِظ الْأَعْرَج وَأَبُو على ابْن شَاذان والحافظ أَبُو نعيم الأصبهانى وَأَبُو حَامِد بن دلوية وَمن الثَّالِثَة أَبُو الْحسن السكرى وَأَبُو مَنْصُور الأيوبي النيسابورى والقاضى عبد الْوَهَّاب المالكى وَأَبُو الْحسن النعيمى وَأَبُو طَاهِر بن خراشة والأستاذ أَبُو مَنْصُور البغدادى والحافظ أَبُو ذَر الهروى وَأَبُو بكر ابْن الجرمى الزَّاهِد وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الجوينى وَأَبُو الْقَاسِم ابْن أَبى عُثْمَان الهمذانى البغدادى وَأَبُو جَعْفَر السمنانى الحنفى قاضى الْموصل وَأَبُو حَاتِم القزوينى ورشأ بن نظيف الْمُقْرِئ وَأَبُو مُحَمَّد الأصبهانى بن اللبان وسليم الرازى وَأَبُو عبد الله الخبازى وَأَبُو الْفضل بن عمروس المالكى والأستاذ أَبُو الْقَاسِم عبد الْجَبَّار بن على الإسفراينى والحافظ أَبُو بكر البيهقى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 وَمن الرَّابِعَة الْخَطِيب البغدادى الْحَافِظ والأستاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى وَأَبُو على بن أَبى حريصة الهمذاني وَأَبُو المظفر الإسفراينى وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَنصر المقدسى وَأَبُو عبد الله الطبرى وَمن الْخَامِسَة أَبُو المظفر الخوافى وإلكيا والغزالى وفخر الْإِسْلَام الشاشى وَأَبُو نصر القشيرى وَالشَّيْخ أَبُو سعيد الميهنى والشريف أَبُو عبد الله الديباجى والقاضى أَبُو الْعَبَّاس بن الرطبى وَأَبُو عبد الله الفراوى وَأَبُو سعد بن أَبى صَالح الْمُؤَذّن وَأَبُو الْحسن السلمى وَأَبُو مَنْصُور بن ماشاذه الأصبهانى وَأَبُو الْفتُوح الإسفراينى وَنصر الله المصيصى فَهَذَا جملَة من ذكر الْحَافِظ فى كتاب التَّبْيِين وَقَالَ لَوْلَا خوفى من الإملال فى الإسهاب لتتبعت ذكر جَمِيع الْأَصْحَاب وكما لَا يمكننى إحصاء نُجُوم السَّمَاء كَذَلِك لَا أتمكن من استقصاء جَمِيع الْعلمَاء مَعَ انتشارهم فى الأقطار والآفاق من الْمغرب وَالشَّام وخراسان وَالْعراق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 قلت وَلَقَد أهمل على سَعَة حفظه من الْأَعْيَان كثيرا وَترك ذكر أَقوام كَانَ ينبغى حَيْثُ ذكر هَؤُلَاءِ أَن يشمر عَن ساعد الِاجْتِهَاد فى ذكرهم تشميرا لكنه استوعب الأولى أَو كَاد واستغرق فَلم يفته إِلَّا بعض الْآحَاد وَمن الثَّانِيَة أَبُو الْحسن البليانى المالكى وَأَبُو الْفضل الممسى المالكى الْمَقْتُول ظلما وَأَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الْمُؤمن المكى المالكى تلميذ ابْن مُجَاهِد وَأَبُو بكر الأبهرى وَأَبُو مُحَمَّد بن أَبى زيد وَأَبُو مُحَمَّد بن التبَّان وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله القلانسى وَمن الثَّالِثَة من الْمَالِكِيَّة أَبُو عمرَان الفاسى وَمن الرَّابِعَة أَبُو إِسْحَاق التونسى المالكى وَأَبُو الْوَفَاء ابْن عقيل الحنبلى وقاضى الْقُضَاة الدامغانى الحنفى وقاضى الْقُضَاة أَبُو بكر الناصح الحنفى وَمن الْخَامِسَة أَبُو الْوَلِيد الباجى وَأَبُو عمر بن عبد الْبر الْحَافِظ وَأَبُو الْحسن القابسى والحافظ الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر والحافظ أَبُو الْحسن المرادى والحافظ أَبُو سعد بن السمعانى والحافظ أَبُو طَاهِر السلفى وَالْقَاضِي عِيَاض بن مُحَمَّد اليحصبى وَالْإِمَام أَبُو الْفَتْح الشهرستانى وَمن السَّادِسَة الإِمَام فَخر الدّين الرازى وَسيف الدّين الآمدى وَشَيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرو ابْن الْحَاجِب المالكى وَالشَّيْخ جمال الدّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 الحصيرى الحنفى وَصَاحب التَّحْصِيل وَالْحَاصِل والخسر وشاهى وَمن السَّابِعَة شيخ الْإِسْلَام تقى الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَالشَّيْخ عَلَاء الدّين الباجى وَالشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد وَالشَّيْخ صفى الدّين الهندى وَالشَّيْخ صدر الدّين ابْن المرحل وَابْن أَخِيه الشَّيْخ زين الدّين وَالشَّيْخ صدر الدّين سُلَيْمَان بن عبد الحكم المالكى وَالشَّيْخ شمس الدّين الحريرى الْخَطِيب وَالشَّيْخ جمال الدّين الزملكانى والقاضى جمال الدّين ابْن جملَة وَالشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن جميل وقاضى الْقُضَاة شمس الدّين السروجى الحنفى والقاضى شمس الدّين بن الحريرى الحنفى والقاضى عضد الدّين الإيجى الشيرازى ذكر بَيَان أَن طَريقَة الشَّيْخ هى الَّتِى عَلَيْهَا المعتبرون من عُلَمَاء الْإِسْلَام والمتميزون من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فى معرفَة الْحَلَال وَالْحرَام والقائمون بنصرة دين سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قد قدمنَا فى تضاعيف الْكَلَام مَا يدل على ذَلِك وحكينا لَك مقَالَة الشَّيْخ ابْن عبد السَّلَام وَمن سبقه إِلَى مثلهَا وتلاه على قَوْلهَا حَيْثُ ذكرُوا أَن الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة وفضلاء الْحَنَابِلَة أشعريون هَذِه عبارَة ابْن عبد السَّلَام شيخ الشَّافِعِيَّة وَابْن الْحَاجِب شيخ الْمَالِكِيَّة والحصيرى شيخ الْحَنَفِيَّة وَمن كَلَام ابْن عَسَاكِر حَافظ هَذِه الْأمة الثِّقَة الثبت هَل من الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة إِلَّا مُوَافق الأشعرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 ومنتسب إِلَيْهِ وراض بحميد سَعْيه فى دين الله ومثن بِكَثْرَة الْعلم عَلَيْهِ غير شرذمة قَليلَة تضمر التَّشْبِيه وتعادى كل موحد يعْتَقد التَّنْزِيه أَو تضاهى قَول الْمُعْتَزلَة فى ذمه وتباهى بِإِظْهَار جهرها بقدرة سَعَة علمه وَنحن نحكى لَك هُنَا مقالات أخر لجَماعَة من معتبرى القَوْل من الْفُقَهَاء ثمَّ ننعطف إِلَى مَا نحققه ذكر استفتاء وَقع فى زمَان الْأُسْتَاذ أَبى الْقَاسِم القشيرى بخراسان عِنْد وُقُوع الْفِتْنَة الَّتِى سنحكيها فِيمَا بعد) كتب استفتاء فِيمَا يتَعَلَّق بِحَال الشَّيْخ فَكَانَ جَوَاب القشيرى مَا نَصه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اتّفق أَصْحَاب الحَدِيث أَن أَبَا الْحسن على بن إِسْمَاعِيل الأشعرى كَانَ إِمَامًا من أَئِمَّة أَصْحَاب الحَدِيث ومذهبه مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث تكلم فى أصُول الديانَات على طَريقَة أهل السّنة ورد على الْمُخَالفين من أهل الزيغ والبدعة وَكَانَ على الْمُعْتَزلَة وَالرَّوَافِض والمبتدعين من أهل الْقبْلَة والخارجين من الْملَّة سَيْفا مسلولا وَمن طعن فِيهِ أَو قدح أَو لَعنه أَو سبه فقد بسط لِسَان السوء فى جَمِيع أهل السّنة بذلنا خطوطنا طائعين بذلك فى هَذَا الدرج فى ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَالْأَمر على هَذِه الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة فى هَذَا الذّكر وَكتبه عبد الْكَرِيم بن هوَازن القشيرى وَكتب تَحْتَهُ الخبازى كَذَلِك يعرفهُ مُحَمَّد بن على الخبازى وَهَذَا خطه وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الجوينى الْأَمر على هَذِه الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة فِيهِ وَكتبه عبد الله ابْن يُوسُف وبخط أَبى الْفَتْح الشاشى وعَلى بن أَحْمد الجوينى وناصر الْعُمْرَى وَأحمد بن مُحَمَّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 الأيوبى وأخيه على وأبى عُثْمَان الصابونى وَابْنه أَبى نصر بن أَبى عُثْمَان والشريف البكرى وَمُحَمّد بن الْحسن وأبى الْحسن الملقاباذى وَقد حكى خطوطهم ابْن عَسَاكِر وَكتب عبد الْجَبَّار الإسفراينى بِالْفَارِسِيَّةِ ابْن أَبُو الْحسن الأشعرى ان امام است كخداوند عز وَجل ابْن ايت درشان وى فرشتاد {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ومصطفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم درآن رتت بحدوى إشارات كرد بو مُوسَى أشعرى فَقَالَ (هم قوم هَذَا) كتبه عبد الْجَبَّار بن على بن مُحَمَّد الإسفراينى بِخَطِّهِ تَفْسِيره هَذَا أَبُو الْحسن كَانَ إِمَامًا وَلما أنزل الله عز وَجل قَوْله فَسَوف يأتى الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَشَارَ الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَبى مُوسَى فَقَالَ (هم قوم هَذَا) استفتاء آخر بِبَغْدَاد مَا قَول السَّادة الْأَئِمَّة الجلة فِي قوم اجْتَمعُوا على لعن فرقة الأشعرى وتكفيرهم مَا الذى يجب عَلَيْهِم فَأجَاب قاضى الْقُضَاة أَبُو عبد الله الدامغانى الحنفى قد ابتدع وارتكب مَا لَا يجوز وعَلى النَّاظر فى الْأُمُور أعز الله أنصاره الْإِنْكَار عَلَيْهِ وتأديبه بِمَا يرتدع بِهِ هُوَ وَأَمْثَاله عَن ارْتِكَاب مثله وَكتب مُحَمَّد بن على الدامغانى وَبعده كتب الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى رَحمَه الله الأشعرية أَعْيَان أهل السّنة ونصار الشَّرِيعَة انتصبوا للرَّدّ على المبتدعة من الْقَدَرِيَّة والرافضة وَغَيرهم فَمن طعن فيهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 فقد طعن على أهل السّنة وَإِذا رفع أَمر من يفعل ذَلِك إِلَى النَّاظر فى أَمر الْمُسلمين وَجب عَلَيْهِ تأديبه بِمَا يرتدع بِهِ كل أحد وَكتب إِبْرَاهِيم بن على الفيروزابادى وَبعده جوابى مثله وَكتب مُحَمَّد بن أَحْمد الشاشى وَهُوَ فَخر الْإِسْلَام أَبُو بكر تلميذ الشَّيْخ أَبى إِسْحَاق استفتاء آخر فى وَاقعَة أَبى نصر القشيرى بِبَغْدَاد سنحكى إِن شَاءَ الله هَذَا الاستفتاء والأجوبة عِنْد انتهائنا إِلَى تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ أَبى نصر ابْن الْأُسْتَاذ أَبى الْقَاسِم فى الطَّبَقَة الْخَامِسَة وَإِن من جملَة خطّ الشَّيْخ أَبى إِسْحَاق الشيرازى فِيهِ مَا نَصه وَأَبُو الْحسن الأشعرى إِمَام أهل السّنة وَعَامة أَصْحَاب الشافعى على مذْهبه ومذهبه مَذْهَب أهل الْحق وَكتب إِبْرَاهِيم بن على الفيروزابادى وَكَذَلِكَ تَحت خطّ جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة والحنابلة مِنْهُم أَبُو الْخطاب بن الحلوبى وَأَبُو عبد الله القيروانى وأسعد الميهنى وَأَبُو الْوَفَاء بن عقيل الحنبلى وَأَبُو مَنْصُور الرزاز وَأَبُو الْفرج الإسفراينى وَأَبُو الْحسن بن الْخلّ وَأَبُو الْحسن على ابْن الْحُسَيْن الغزنوى الحنفى وَأَبُو الْخَيْر القزوينى وَعمر بن أَحْمد الخطيبى الزنجانى وبقى هَذَا الاستفتاء هَكَذَا زَمَانا بعد زمَان كلما جَاءَت أمة من الْعلمَاء كتبت بالموافقة أعصرا كَثِيرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 ذكر كَلَام أَبى الْعَبَّاس قاضى الْعَسْكَر الحنفى كَانَ أَبُو الْعَبَّاس هَذَا رجلا من أَئِمَّة أَصْحَاب الْحَنَفِيَّة وَمن الْمُتَقَدِّمين فى علم الْكَلَام وَكَانَ يعرف بقاضى الْعَسْكَر وَقد حكى الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم فى كتاب التَّبْيِين جملَة من كَلَامه فَمِنْهُ قَوْله وَقد وجدت لأبى الْحسن الأشعرى كتبا كَثِيرَة فى هَذَا الْفَنّ يعْنى أصُول الدّين وهى قريب من مائتى كتاب والموجز الْكَبِير يأتى على عَامَّة مَا فى كتبه وَقد صنف الأشعرى كتابا كَبِيرا لتصحيح مَذْهَب الْمُعْتَزلَة فَإِنَّهُ كَانَ يعْتَقد مَذْهَبهم ثمَّ بَين الله لَهُ ضلالتهم فَبَان عَمَّا اعتقده من مَذْهَبهم وصنف كتابا ناقضا لما صنف للمعتزلة وَقد أَخذ عَامَّة أَصْحَاب الشافعى بِمَا اسْتَقر عَلَيْهِ مَذْهَب أَبى الْحسن الأشعرى وصنف أَصْحَاب الشافعى كتبا كَثِيرَة على وفْق مَا ذهب إِلَيْهِ الأشعرى إِلَّا أَن بعض أَصْحَابنَا من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة خطأ أَبَا الْحسن الأشعرى فى بعض الْمسَائِل مثل قَوْله التكوين والمكون وَاحِد وَنَحْوهَا على مَا نبين فى خلال الْمسَائِل إِن شَاءَ الله فَمن وقف على الْمسَائِل الَّتِى أَخطَأ فِيهَا أَبُو الْحسن وَعرف خطأه فَلَا بَأْس لَهُ بِالنّظرِ فى كتبه وَقد أمسك كتبه كثير من أَصْحَابنَا من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ونظروا فِيهَا انْتهى ذكر الْبَحْث عَن تَحْقِيق ذَلِك سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول مَا تضمنته عقيدة الطحاوى هُوَ مَا يَعْتَقِدهُ الأشعرى لَا يُخَالِفهُ إِلَّا فى ثَلَاث مسَائِل قلت أَنا أعلم أَن الْمَالِكِيَّة كلهم أشاعرة لَا أستثنى أحدا وَالشَّافِعِيَّة غالبهم أشاعرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 لَا أستثنى إِلَّا من لحق مِنْهُم بتجسيم أَو اعتزال مِمَّن لَا يعبأ الله بِهِ وَالْحَنَفِيَّة أَكْثَرهم أشاعرة أعنى يَعْتَقِدُونَ عقد الأشعرى لَا يخرج مِنْهُم إِلَّا من لحق مِنْهُم بالمعتزلة والحنابلة أَكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة لم يخرج مِنْهُم عَن عقيدة الأشعرى إِلَّا من لحق بِأَهْل التجسيم وهم فى هَذِه الْفرْقَة من الْحَنَابِلَة أَكثر من غَيرهم وَقد تَأَمَّلت عقيدة أَبى جَعْفَر الطحاوى فَوجدت الْأَمر على مَا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وعقيدة الطحاوى زعم أَنَّهَا الذى عَلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَلَقَد جود فِيهَا ثمَّ تفحصت كتب الْحَنَفِيَّة فَوجدت جَمِيع الْمسَائِل الَّتِى بَيْننَا وَبَين الْحَنَفِيَّة خلاف فِيهَا ثَلَاث عشرَة مَسْأَلَة مِنْهَا معنوى سِتّ مسَائِل والباقى لفظى وَتلك السِّت المعنوية لَا تقتضى مخالفتهم لنا وَلَا مخالفتنا لَهُم فِيهَا تكفيرا وَلَا تبديعا صرح بذلك الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور البغدادى وَغَيره من أَئِمَّتنَا وأئمتهم وَهُوَ غنى عَن التَّصْرِيح لظُهُوره وَمن كَلَام الْحَافِظ الْأَصْحَاب مَعَ اخْتلَافهمْ فى بعض الْمسَائِل كلهم أَجْمَعُونَ على ترك تَكْفِير بَعضهم بَعْضًا مجمعون بِخِلَاف من عداهم من سَائِر الطوائف وَجَمِيع الْفرق فَإِنَّهُم حِين اخْتلفت بهم مستشنعات الْأَهْوَاء والطرق كفر بَعضهم بَعْضًا وَرَأى تبريه مِمَّن خَالفه فرضا قلت وَهَذَا حق وَمَا مثل هَذِه الْمسَائِل إِلَّا مثل مسَائِل كَثِيرَة اخْتلفت الأشاعرة فِيهَا وَكلهمْ عَن حمى أَبى الْحسن يناضلون وبسيفه يُقَاتلُون أفتراهم يبدع بَعضهم بَعْضًا ثمَّ هَذِه الْمسَائِل لم يثبت جَمِيعهَا عَن الشَّيْخ وَلَا عَن أَبى حنيفَة رضى الله عَنْهُمَا كَمَا سأحكى لَك وَلَكِن الْكَلَام بِتَقْدِير الصِّحَّة ولى قصيدة نونية جمعت فِيهَا هَذِه الْمسَائِل وضممت إِلَيْهَا مسَائِل اخْتلفت الأشاعرة فِيهَا مَعَ تصويب بَعضهم بَعْضًا فى أصل العقيدة ودعواهم أَنهم أَجْمَعِينَ على السّنة وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 ولع كثير من النَّاس بِحِفْظ هَذِه القصيدة لَا سِيمَا الْحَنَفِيَّة وَشَرحهَا من أصحابى الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة نور الدّين مُحَمَّد بن أَبى الطّيب الشيرازى الشافعى وَهُوَ رجل مُقيم فى بِلَاد كيلان ورد علينا دمشق فى سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة وَأقَام يلازم حلقتى نَحْو عَام وَنصف عَام وَلم أر فِيمَن جَاءَ من الْعَجم فى هَذَا الزَّمَان أفضل مِنْهُ وَلَا أدين وَأَنا أذكر لَك قصيدتى فى هَذَا الْكتاب لتستفيد مِنْهَا مسَائِل الْخلاف وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ (الْورْد خدك صِيغ من إِنْسَان ... أم فى الخدود شقائق النُّعْمَان) (وَالسيف لحظك سل من أجفانه ... فسطا كَمثل مهند وَسنَان) (تالله مَا خلقت لحاظك بَاطِلا ... وسدى تَعَالَى الله عَن بطلَان) (وكذاك عقلك لم يركب يَا أخى ... عَبَثا ويودع دَاخل الجثمان) (لَكِن ليسعد أَو ليشقى مُؤمن ... أَو كَافِر فبنو الورى صنفان) (لَو شَاءَ رَبك لاهتدى كل وَلم ... يحْتَج إِلَى حد وَلَا برهَان) (فَانْظُر بعقلك واجتهد فالخير مَا ... تؤتاه عقل رَاجِح الْمِيزَان) (واطلب نجاتك إِن نَفسك والهوى ... بحران فى الدركات يَلْتَقِيَانِ) (نَار يَرَاهَا ذُو الْجَهَالَة جنَّة ... ويخوض مِنْهَا فى حميم آن) (ويظل فِيهَا مثل صَاحب بِدعَة ... يتخيل الجنات فى النيرَان) مِنْهَا (كذب ابْن فاعلة يَقُول لجهله ... الله جسم لَيْسَ كالجسمان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 (لَو كَانَ جسما كَانَ كالأجسام يَا ... مَجْنُون فاصغ وعد عَن بهتان) (وَاتبع صِرَاط الْمُصْطَفى فى كل مَا ... يأتى وخل وساوس الشَّيْطَان) (وَاعْلَم بِأَن الْحق مَا كَانَت عَلَيْهِ ... صحابة الْمَبْعُوث من عدنان) (من أكمل الدّين القويم وَبَين الْحجَج ... الَّتِى يهدى بهَا الثَّقَلَان) (قد نزهوا الرَّحْمَن عَن شبه وَقد ... دانوا بِمَا قد جَاءَ فى الْفرْقَان) (ومضوا على خير وَمَا عقدوا مجَالِس ... فى صِفَات الْخَالِق الديَّان) (كلا وَلَا ابتدعوا وَلَا قَالُوا الْبَنَّا ... متشابه فى شكله للبانى) (وَأَتَتْ على أَعْقَابهم عُلَمَاؤُنَا ... غرسوا ثمارا يجتنيها الجانى) (كالشافعى وَمَالك وكأحمد ... وأبى حنيفَة وَالرِّضَا سُفْيَان) (وكمثل إِسْحَاق وَدَاوُد وَمن ... يقفو طرائقهم من الْأَعْيَان) (وأتى أَبُو الْحسن الإِمَام الأشعرى م ... مُبينًا للحق أى بَيَان (ومناضلا عَمَّا عَلَيْهِ أُولَئِكَ الأسلاف ... بالتحرير والإتقان) (مَا إِن يُخَالف مَالِكًا والشافعى م ... وَأحمد بن مُحَمَّد الشيبانى) (لَكِن يُوَافق قَوْلهم ويزيده ... حسنا بتحقيق وَفضل بَيَان) (يقفو طرائقهم وَيتبع حارثا ... أعنى محاسب نَفسه بوزان) (فَلَقَد تلقى حسن منهجه عَن الْأَشْيَاخ ... أهل الدّين والعرفان) (فلذاك تَلقاهُ لأهل الله ينصر ... قَوْلهم بمهند وَسنَان) (مثل ابْن أدهم والفضيل وَهَكَذَا ... مَعْرُوف الْمَعْرُوف فى الإخوان) (ذُو النُّون أَيْضا والسرى وَبشر بن ... الْحَارِث الحافى بِلَا فقدان) (وَكَذَلِكَ الطائى ثمَّ شَقِيق البلخى ... وطيفور كَذَا الدارانى) (والتسترى وحاتم وَأَبُو تُرَاب ... عَسْكَر فاعدد بِغَيْر توان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 (وكذاك مَنْصُور بن عمار كَذَا ... يحيى سليل معَاذ الربانى) (فَلهُ بهم حسن اعْتِقَاد مثل مَا ... لَهُم بِهِ التأييد يَوْم رهان) (إِذْ يجمع الخصمان يَوْم جدالهم ... وَلما تحقق يسمع الخصمان) (لم لَا يُتَابع هَؤُلَاءِ وَشَيْخه الشَّيْخ ... الْجُنَيْد السَّيِّد الصمدانى) (عَنهُ التصوف قد تلقى فاغتذى ... وَله بِهِ وبعلمه نوران) (وَرَأى أَبَا عُثْمَان الحيرى والنمورى ... يَا لَهما هما الرّجلَانِ) (وَرَأى رويما ثمَّ رام طَرِيقه ... وَأَبا الفوارس شاها الكرمانى) (والمغربى كَذَا ابْن مَسْرُوق كَذَا البسرى ... قوم أَفرس الفرسان) (وَأَظنهُ لم يلتق الخراز بل ... قيل التقى سمنون فى سمنان) (وكذاك للجلاء لم ينظر وَلَا أبن ... عطا وَلَا الْخَواص ثمَّ بنان) (وكذاك ممشاذ مَعَ الدقى مَعَ ... خير وَهَذَا غَالب الحسبان) (وكذاك أَصْحَاب الطَّرِيقَة بعده ... ضبطوا عقائده بِكُل عنان) (وتتلمذ الشبلى بَين يَدَيْهِ وَابْن ... خَفِيف والثقفى والكتانى) (وخلائق كَثُرُوا فَلَا أحصيهم ... وربوا على الْيَاقُوت والمرجان) (الْكل معتقدون أَن إلهنا ... متوحد فَرد قديم دَان) (حى عليم قَادر مُتَكَلم ... عَال وَلَا نعنى علو مَكَان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 (باقى لَهُ سمع وإبصار يُرِيد ... جَمِيع مَا يجرى من الْإِنْسَان) (وَالشَّر من تَقْدِيره لكنه ... عَنهُ نهاك بواضح الْبُرْهَان) (قد أنزل الْقُرْآن وَهُوَ كَلَامه ... لفظت بِهِ للقارئ الشفتان) (وإلهنا لَا شئ يُشبههُ وَلَيْسَ ... بمشبه شَيْئا من الْحدثَان) (قد كَانَ مَا مَعَه قَدِيما قطّ من ... شئ وَلم يبرح بِلَا أعوان) (خلق الْجِهَات مَعَ الزَّمَان مَعَ الْمَكَان ... الْكل مَخْلُوق على الْإِمْكَان) (مَا إِن تحل بِهِ الْحَوَادِث لَا وَلَا ... كلا وَلَيْسَ يحل فى الجسمان) (كذب المجسم والحلولى الكفور ... فذان فى الْبطلَان مفتريان) (والاتحادى الجهول وَمن يقل ... بالاتحاد فَإِنَّهُ نصرانى) (وَنَبِينَا خير الْخَلَائق أَحْمد ... ذُو الجاه عِنْد الله ذى السُّلْطَان) (وَله الشَّفَاعَة والوسيلة والفضيلة ... واللواء وكوثر الظمآن) (فاسأل إلهك بالنبى مُحَمَّد ... متوسلا تظفر بِكُل أَمَان) (لَا خلق أفضل مِنْهُ لَا بشر وَلَا ... ملك وَلَا كَون من الأكوان) (مَا الْعَرْش مَا الكرسى مَا هذى السما ... عِنْد النبى الْمُصْطَفى العدنان) (وَالرسل بعد مُحَمَّد درجاتهم ... ثمَّ الملائك عابدو الرَّحْمَن) (ثمَّ الصَّحَابَة مثل مَا قد رتبوا ... فَالْأَفْضَل الصّديق ذُو الْعرْفَان) (ثمَّ الْعَزِيز السَّيِّد الْفَارُوق ثمَّ م ... اذكر محَاسِن ذى التقى عُثْمَان) (وعَلى ابْن الْعم وَالْبَاقُونَ أهل ... الْفضل وَالْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان) (والأولياء لَهُم كرامات فَلَا ... تنكر تقع فى مهمه الخذلان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 (والمؤمنون يرَوْنَ رَبهم كرؤيتهم ... لبدر لَاحَ نَحْو عيان) (هَذَا اعْتِقَاد مَشَايِخ الْإِسْلَام وَهُوَ ... الدّين فلتسمع لَهُ الأذنان) (الأشعرى عَلَيْهِ ينصره وَلَا ... يألوا جزاه الله بِالْإِحْسَانِ) (وكذاك حَالَته مَعَ النُّعْمَان لم ... ينْقض عَلَيْهِ عقائد الْإِيمَان) (يَا صَاح إِن عقيدة النُّعْمَان والأشعرى ... حَقِيقَة الإتقان) (فكلاهما وَالله صَاحب سنة ... بهدى نبى الله مقتديان) (لاذا يبدع ذَا وَلَا هَذَا وَإِن ... تحسب سواهُ وهمت فى الحسبان) (من قَالَ إِن أَبَا حنيفَة مبدع ... رَأيا فَذَلِك قَائِل الهذيان) (أَو ظن أَن الأشعرى مبدع ... فَلَقَد أَسَاءَ وباء بالخسران) (كل إِمَام مقتد ذُو سنة ... كالسيف مسلولا على الشَّيْطَان) (وَالْخلف بَينهمَا قَلِيل أمره ... سهل بِلَا بدع وَلَا كفران) (فِيمَا يقل من الْمسَائِل عده ... ويهون عِنْد تطاعن الأقران) (وَلَقَد يؤول خلَافهَا إِمَّا إِلَى ... لفظ كالاستثناء فى الْإِيمَان) الأشعرى يَقُول أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله (وكمنعه أَن السعيد يضل أَو ... يشقى ونعمة كَافِر خوان) الأشعرى يَقُول السعيد من كتب فى بطن أمه سعيدا والشقى من كتب فى بطن أمه شقيا لَا يتبدلان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 وَأَبُو حنيفَة يَقُول قد يكون سعيدا ثمَّ يَنْقَلِب وَالْعِيَاذ بِاللَّه شقيا وَبِالْعَكْسِ وَقد قَررنَا هَذِه الْمَسْأَلَة فى كتَابنَا فى شرح عقيدة الْأُسْتَاذ أَبى مَنْصُور وَبينا اخْتِلَاف السّلف فِيهَا كاختلاف الْخلف وَأَن الْخلاف لفظى لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَائِدَة والأشعرى يَقُول لَيْسَ على الْكَافِر نعْمَة وكل مَا يتقلب فِيهِ اسْتِدْرَاج وَأَبُو حنيفَة يَقُول عَلَيْهِ نعْمَة وَوَافَقَهُ من الأشاعرة القاضى أَبُو بكر بن الباقلانى فَهُوَ مَعَ الْحَنَفِيَّة فى هَذِه كالماتريدى مِنْهُم مَعنا فى مَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء (وَكَذَا الرسَالَة بعد موت إِن تكن ... صحت وَإِلَّا أجمع الشَّيْخَانِ) (وَقد ادّعى ابْن هوَازن أستاذنا ... فِيهَا افتراء من عَدو شان) (وَهُوَ الْخَبِير الثبت نقلا والإرادة ... لَيْسَ يلْزمهَا رضَا الرَّحْمَن) (فالكفر لَا يرضى بِهِ لِعِبَادِهِ ... ويريده أَمْرَانِ مفترقان) (وَأَبُو حنيفَة قَائِل إِن الْإِرَادَة ... وَالرِّضَا أَمْرَانِ متحدان) (وَعَلِيهِ أكثرنا وَلَكِن لَا يَصح م ... وَقيل مَكْذُوب على النُّعْمَان) مَسْأَلَة إِنْكَار الرسَالَة بعد الْمَوْت معزوة إِلَى الأشعرى وهى من الْكَذِب عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَكرنَاهَا وَفَاء بِمَا اشترطناه من أَنا ننظم كل مَا عزى إِلَيْهِ وَلكنه صرح بِخِلَافِهَا وَكتبه وَكتب أَصْحَابه قد طبقت طبق الأَرْض وَلَيْسَ فِيهَا شئ من ذَلِك بل فِيهَا خِلَافه وَمن عقائدنا أَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام أَحيَاء فى قُبُورهم فَأَيْنَ الْمَوْت وَقد أنكر الْأُسْتَاذ ابْن هوَازن وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم القشيرى فى كِتَابه شكاية أهل السّنة الذى سنحكيه فى هَذِه التَّرْجَمَة بِتَمَامِهِ هَذِه وَبَين أَنَّهَا مختلقة على الشَّيْخ وَكَذَلِكَ بَين ذَلِك غَيره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 وصنف البيهقى رَحمَه الله جُزْءا سمعناه فى حَيَاة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فى قُبُورهم واشتذ نَكِير الأشاعرة على من نسب هَذَا القَوْل إِلَى الشَّيْخ وَقَالُوا قد افترى عَلَيْهِ وبهته وَأما مَسْأَلَة الرِّضَا والإرادة فَاعْلَم أَن الْمَنْقُول عَن أَبى حنيفَة اتحادهما وَعَن الأشعرى افتراقهما وَقيل إِن أَبَا حنيفَة لم يقل بالاتحاد فيهمَا بل ذَلِك مَكْذُوب عَلَيْهِ فعلى هَذَا انْقَطع النزاع وَإِنَّمَا الْكَلَام بِتَقْدِير صِحَة الِاتِّحَاد عِنْده وَأكْثر الأشاعرة على مَا يعزى إِلَى أَبى حنيفَة من الِافْتِرَاق مِنْهُم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره آخِرهم الشَّيْخ محيى الدّين النَّوَوِيّ رَحمَه الله قَالَ هما شئ وَاحِد ولكنى أَنا لَا أخْتَار ذَلِك وَالْحق عندى أَنَّهُمَا مفترقان كَمَا هُوَ مَنْصُوص الشَّيْخ أَبى الْحسن (وكذاك إِيمَان الْمُقَلّد وَهُوَ مِمَّا ... أنكر ابْن هوَازن الربانى) (وَلَو أَنه مِمَّا يَصح فخلفهم ... فِيهِ للفظ عَاد دون معَان) ذكرُوا أَن شَيخنَا يَقُول إِن إِيمَان الْمُقَلّد لَا يَصح وَأنكر ذَلِك الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم وَقَالَ إِنَّه مَكْذُوب عَلَيْهِ وسنبحث عَن ذَلِك فى ذيل سِيَاق كتاب شكاية أهل السّنة وَالْقَوْل على تَقْدِير الصِّحَّة (وكذاك كسب الأشعرى وَإنَّهُ ... صَعب وَلَكِن قَامَ بالبرهان) (من لم يقل بِالْكَسْبِ مَال إِلَى اعتزال ... أَو مقَال الْجَبْر ذى الطغيان) كسب الأشعرى كَمَا هُوَ مُقَرر فى مَكَانَهُ أَمر يضْطَر إِلَيْهِ من يُنكر خلق الْأَفْعَال وَكَون العَبْد مجبرا وَالْأول اعتزال والثانى جبر فَكل أحد يثبت وَاسِطَة لَكِن يعسر التَّعْبِير عَنْهَا ويمثلونها بِالْفرقِ بَين حَرَكَة المرتعش وَالْمُخْتَار وَقد اضْطربَ الْمُحَقِّقُونَ فى تَحْرِير هَذِه الْوَاسِطَة وَالْحَنَفِيَّة سَموهَا الِاخْتِيَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 والذى تحرر لنا أَن الِاخْتِيَار وَالْكَسْب عبارتان عَن معِين وَاحِد وَلَكِن الأشعرى آثر لفظ الْكسْب على لفظ الِاخْتِيَار لكَونه مَنْطُوق الْقُرْآن وَالْقَوْم آثروا لفظ الِاخْتِيَار لما فِيهِ من إِشْعَار قدرَة للْعَبد وللقاضى أَبى بكر مَذْهَب يزِيد على مَذْهَب الأشعرى فَلَعَلَّهُ رأى الْقَوْم ولإمام الْحَرَمَيْنِ والغزالى مَذْهَب يزِيد على المذهبين جَمِيعًا ويدنوا كل الدنو من الاعتزال وَلَيْسَ هُوَ هُوَ ولسنا الْآن لتحرير هَذِه الْمَسْأَلَة الْعَظِيمَة الْخطب وَقد قررناها على وَجه مُخْتَصر فِي شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وعَلى وَجه مَبْسُوط فِيمَا كتبناه من أصُول الديانَات (أَو للمعانى وَهُوَ سِتّ مسَائِل ... هَانَتْ مداركها بِدُونِ هوان) (لله تَعْذِيب الْمُطِيع وَلَو جرى ... مَا كَانَ من ظلم وَلَا عدوان) (متصرف فى ملكه فَلهُ الذى ... يخْتَار لَكِن جاد بِالْإِحْسَانِ) (فنفى الْعقَاب وَقَالَ سَوف أثيبهم ... فَلهُ بِذَاكَ عَلَيْهِم فضلان) (هَذَا مقَال الأشعرى إمامنا ... وسواه مأثور عَن النُّعْمَان) مَا قدمنَا من الْمسَائِل وَمِنْه مَا لم يَصح كَمَا عرفت هُوَ لفظى كُله لَا فَائِدَة للْخلاف فِيهِ وَمن هُنَا الْمسَائِل المعنوية وهى سِتّ مسَائِل وَقد عرفنَا أَن الشَّيْخ الإِمَام كَانَ يَقُول إِن عقيدة الطحاوى لم تشْتَمل إِلَّا على ثَلَاث وَلَكنَّا نَحن جَمعنَا الثَّلَاث الْأُخَر من كَلَام الْقَوْم أَولهَا أَن الرب تَعَالَى لَهُ عندنَا أَن يعذب الطائعين ويثيب العاصين كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل لَا حجر عَلَيْهِ فى ملكه وَلَا داعى لَهُ إِلَى فعله وَعِنْدهم يجب تَعْذِيب العاصى وإثابة الْمُطِيع وَيمْتَنع الْعَكْس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 (وَوُجُوب معرفَة الْإِلَه الأشعرى ... يَقُول ذَاك بشرعة الديَّان) (وَالْعقل لَيْسَ بحاكم لَكِن لَهُ الْإِدْرَاك ... لَا حكم على الْحَيَوَان) (وقضوا بِأَن الْعقل يُوجِبهَا وفى ... كتب الْفُرُوع لصحبنا وَجْهَان) (وَبِأَن أَوْصَاف الفعال قديمَة ... لَيست بحادثة على الْحدثَان) (وَبِأَن مَكْتُوب الْمَصَاحِف منزل ... عين الْكَلَام الْمنزل الْقُرْآن) (وَالْبَعْض أنكر ذَا فَإِن يصدق فقد ... ذهبت من التعداد مَسْأَلَتَانِ) (هذى وَمَسْأَلَة الْإِرَادَة قبلهَا ... أَمْرَانِ فِيمَا قيل مكذوبان) (وكما انْتَفَى هَذَانِ عَنْهُم هَكَذَا ... عَنَّا انْتَفَى مِمَّا يُقَال اثْنَان) (قَالُوا وَلَيْسَ بجائز تَكْلِيف مَا ... لَا يُسْتَطَاع فَتى من الفتيان) (وَعَلِيهِ من أَصْحَابنَا شيخ العراقى ... وَحجَّة الْإِسْلَام ذُو الإتقان) (وَرَوَاهُ مُجْتَهد الزَّمَان مُحَمَّد بن ... دَقِيق عيد وَاضح السبلان) منعُوا تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق وَوَافَقَهُمْ من أَصْحَابنَا الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفراينى شيخ الْعِرَاقِيّين وَحجَّة الْإِسْلَام الغزالى وَشَيخ الْإِسْلَام تقى الدّين مُحَمَّد ابْن على بن دَقِيق الْعِيد القوصى رَحِمهم الله تَعَالَى أَجْمَعِينَ (قَالُوا وتمتنع الصَّغَائِر من نبى ... للإله وَعِنْدنَا قَولَانِ) (وَالْمَنْع مروى عَن الْأُسْتَاذ والقاضى ... عِيَاض وَهُوَ ذُو رُجْحَان) (وَبِه أَقُول وَكَانَ مَذْهَب والدى ... دفعا لرتبتهم عَن النُّقْصَان) (والأشعرى إمامنا لكننا ... فى ذَا نخالفه بِكُل لِسَان) (ونقول نَحن على طَرِيقَته وَلَكِن ... صَحبه فى ذَاك طَائِفَتَانِ) (بل قَالَ بعض الأشعرية إِنَّهُم ... بُرَآء معصومون من نِسْيَان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 (وَالْكل معدودون من أَتْبَاعه ... لَا يخرجُون بذا عَن الإذعان) (وَأَبُو حنيفَة هَكَذَا مَعَ شَيخنَا ... لَا شئ بَينهمَا من النكران) (متناصران وَذَا اخْتِلَاف هَين ... عَار عَن التبديع والخذلان) (هَذَا الإِمَام وَقَبله القَاضِي يَقُولَانِ ... البقا لحقيقة الرَّحْمَن) (وهما كَبِيرا الأشعرية وَهُوَ قَالَ ... بزائد فى الذَّات للإمكان) (وَالشَّيْخ والأستاذ متفقان فى ... عقد وفى أَشْيَاء مُخْتَلِفَانِ) (وَكَذَا ابْن فورك الشَّهِيد وَحجَّة الْإِسْلَام ... خصما الْإِفْك والبهتان) (وَابْن الْخَطِيب وَقَوله إِن الْوُجُود ... يزِيد وَهُوَ الأشعرى الثانى) (وَالِاخْتِلَاف فى الِاسْم هَل هُوَ والمسمى ... وَاحِد لَا اثْنَان أَو غيران) (والأشعرية بَينهم خلف إِذا ... عدت مسَائِله على الْإِنْسَان) (بلغت مئين وَكلهمْ ذُو سنة ... أخذت عَن الْمَبْعُوث من عدنان) (وَغدا يُنَادى كلنا من جملَة الأتباع ... للأسلاف بِالْإِحْسَانِ) (والأشعرى إمامنا وَالسّنة الغراء ... سنتنا مدى الْأَزْمَان) (وكذاك أهل الرَّأْي مَعَ أهل الحَدِيث ... فى الِاعْتِقَاد الْحق متفقان) (مَا إِن يكفر بَعضهم بَعْضًا وَلَا ... أزرى عَلَيْهِ وسامه بهوان) (إِلَّا الَّذين تمعزلوا مِنْهُم فهم ... فِيهِ تنحت عَنْهُم الفئتان) (هَذَا الصَّوَاب فَلَا تَظنن غَيره ... واعقد عَلَيْهِ بخنصر وبنان) (وَرَأَيْت مِمَّن قَالَه حبر لَهُ ... نبأ عَظِيم سَار فى الْبلدَانِ) (أعنى أَبَا مَنْصُور الْأُسْتَاذ عبد ... القاهر الْمَشْهُور فى الأكوان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 (هَذَا صِرَاط الله فَاتبعهُ تَجِد ... فى الْقلب برد حلاوة الْإِيمَان) (وتراه يَوْم الْحَشْر أَبيض وَاضحا ... يهدى إِلَيْك رسائل الغفران) (وَعَلِيهِ كَانَ السَّابِقُونَ عَلَيْهِم ... حلل الثَّنَاء وملبس الرضْوَان) (والشافعى وَمَالك وَأَبُو حنيفَة ... وَابْن حَنْبَل الْكَبِير الشان) (درجوا عَلَيْهِ وخلفونا إثرهم ... إِن نتبعهم نَجْتَمِع بجنان) (أَو نبتدع فلسوف نصلى النَّار مذمومين ... مدحورين بالعصيان) (وَالْكفْر منفى فلست مكفرا ... ذَا بِدعَة شنعاء فى النيرَان) (بل كل أهل الْقبْلَة الْإِيمَان يجمعهُمْ ... ويفترقون كالوحدان) (فأجارنا الرَّحْمَن بالهادى النبى م ... مُحَمَّد من ناره بِأَمَان) (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا وضح الضُّحَى ... وبدا بديجور الدجى النسران) (والآل والصحب الْكِرَام وَمِنْهُم الصّديق ... والفاروق مَعَ عُثْمَان) (وعَلى ابْن الْعم وَالْبَاقُونَ إِنَّهُم م ... النُّجُوم لمقتد حيران) شرح حَال الْفِتْنَة الَّتِى وَقعت بِمَدِينَة نيسابور قَاعِدَة بِلَاد خُرَاسَان إِذْ ذَاك فى الْعلم وَكَيف آلت إِلَى خُرُوج إِمَام الْحَرَمَيْنِ والحافظ البيهقى والأستاذ أَبى الْقَاسِم القشيرى من نيسابور ثمَّ كَيفَ كَانَت الدائرة على من رام مَذْهَب الأشعرى بِسوء وَكَيف قصمه الله كَانَ سُلْطَان الْوَقْت إِذْ ذَاك السُّلْطَان طغرلبك السلجوقى وَكَانَ رجلا حنفيا سنيا خيرا عادلا محببا إِلَى أهل الْعلم من كبار الْمُلُوك وعظمائهم وَهُوَ أول مُلُوك السلجوقية وَكَانَ يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَهُوَ الذى أرسل الشريف نَاصِر بن إِسْمَاعِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 رَسُولا إِلَى ملكة الرّوم فاستأذنها بِالصَّلَاةِ فى جَامع الْقُسْطَنْطِينِيَّة جمَاعَة يَوْم الْجُمُعَة فصلى وخطب للْإِمَام الْقَائِم بِأَمْر الله وتمهدت الْبِلَاد لطغرلبك وسمت نَفسه بِحَيْثُ وصل أمره إِلَى أَن سير إِلَى الْخَلِيفَة الْقَائِم يخْطب ابْنَته وَذَلِكَ فى ذَلِك الزَّمَان مقَام مهول فشق ذَلِك على الْخَلِيفَة واستعفى ثمَّ لم يجد بدا من ذَلِك لِعَظَمَة طغرلبك وَكَونه ملكا قاهرا لَا يُطَاق فَزَوجهُ بهَا وَقدم بَغْدَاد فى سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَأرْسل يطْلبهَا وَحمل مائَة ألف دِينَار برسم نقل جهازها فَعمل الْعرس فى صفر بدار المملكة وأجلست على سَرِير ملبس بِالذَّهَب وَدخل السُّلْطَان وَقبل الأَرْض بَين يَديهَا وَلم يكْشف البرقع عَن وَجههَا إِذْ ذَاك وَقدم لَهَا تحفا وخدم وَانْصَرف مَسْرُورا وَكَانَ لهَذَا السُّلْطَان وَزِير سوء وَهُوَ وزيره أَبُو نصر مَنْصُور بن مُحَمَّد الكندرى كَانَ معتزليا رَافِضِيًّا خَبِيث العقيدة لم يبلغنَا أَن أحدا جمع لَهُ من خبث العقيدة مَا اجْتمع لَهُ فَإِنَّهُ على مَا ذكر كَانَ يَقُول بِخلق الْأَفْعَال وَغَيره من قبائح الْقَدَرِيَّة وَسَب الشَّيْخَيْنِ وَسَائِر الصَّحَابَة وَغير ذَلِك من قبائح شَرّ الروافض وتشبيهه الله بخلقه وَغير ذَلِك من قبائح الكرامية والمجسمة وَكَانَ لَهُ مَعَ ذَلِك تعصب عَظِيم وانضم إِلَى كل هَذَا أَن رَئِيس الْبَلَد الْأُسْتَاذ أَبَا سهل بن الْمُوفق الذى سنذكر إِن شَاءَ الله تَرْجَمته فى الطَّبَقَة الرَّابِعَة كَانَ ممدحا جوادا ذَا أَمْوَال جزيلة وصدقات دارة وهبات هائلة رُبمَا وهب الْألف دِينَار لسائل وَكَانَ مرفوقا بالوزارة وداره مُجْتَمع الْعلمَاء ملتقى الْأَئِمَّة من الْفَرِيقَيْنِ الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة فى دَاره يتناظرون وعَلى سماطه يتلقمون وَكَانَ عَارِفًا بأصول الدّين على مَذْهَب الأشعرى قَائِما فى ذَلِك مناضلا فى الذب عَنهُ فَعظم ذَلِك على الكندرى بِمَا فى نَفسه من الْمَذْهَب وَمن بغض ابْن الْمُوفق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 بِخُصُوصِهِ وخشيته مِنْهُ أَن يثب على الوزارة فَحسن للسُّلْطَان لعن المبتدعة على المنابر فَعِنْدَ ذَلِك أَمر السُّلْطَان بِأَن تلعن المبتدعة على المنابر فَاتخذ الكندرى ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى ذكر الأشعرية وَصَارَ يقصدهم بالإهانة والأذى وَالْمَنْع عَن الْوَعْظ والتدريس وعزلهم عَن خطابة الْجَامِع واستعان بطَائفَة من الْمُعْتَزلَة الَّذين زَعَمُوا أَنهم يقلدون مَذْهَب أَبى حنيفَة أشربوا فى قُلُوبهم فضائح الْقَدَرِيَّة وَاتَّخذُوا التمذهب بِالْمذهبِ الحنفى سياجا عَلَيْهِم فحببوا إِلَى السُّلْطَان الإزراء بِمذهب الشافعى عُمُوما وبالأشعرية خُصُوصا وَهَذِه هى الْفِتْنَة الَّتِى طَار شررها فَمَلَأ الْآفَاق وَطَالَ ضررها فَشَمَلَ خُرَاسَان وَالشَّام والحجاز وَالْعراق وَعظم خطبهَا وبلاؤها وَقَامَ فِي سبّ أهل السّنة خطيبها وسفهاؤها إِذْ أدّى هَذَا الْأَمر إِلَى التَّصْرِيح بلعن أهل السّنة فى الْجمع وتوظيف سبهم على المنابر وَصَارَ لأبى الْحسن كرم الله وَجهه بهَا أُسْوَة لعلى بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه فى زمن بعض بنى أُميَّة حَيْثُ استولت النواصب على المناصب واستعلى أُولَئِكَ السُّفَهَاء فى المجامع والمراتب فَقَامَ أَبُو سهل فى عصبَة الْحق وشمر عَن ساعد الْجد بِحَقِيقَة الصدْق وَتردد إِلَى الْعَسْكَر فى دفع ذَلِك وَمَا أَفَادَ شئ من التَّدْبِير إِذْ كَانَ الْخصم الْحَاكِم وَالسُّلْطَان محجبا إِلَّا بوساطة ذَلِك الْوَزير ثمَّ جَاءَ الْأَمر من قبل السُّلْطَان طغرلبك بِالْقَبْضِ على الرئيس الفراتى والأستاذ أَبى الْقَاسِم القشيرى وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وأبى سهل بن الْمُوفق ونفيهم ومنعهم عَن المحافل وَكَانَ أَبُو سهل غَائِبا إِلَى بعض النواحى وَلما قرئَ الْكتاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 بنفيهم أغرى بهم الغاغة والأوباش فَأخذُوا بالأستاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي والفراتي يجرونهما ويستخفون بهما وحبسا بالقهندر وَأما إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ أحس بِالْأَمر واختفى وَخرج على طَرِيق كرمان الى الْحجاز وَمن ثمَّ جاور وَسمي إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَبَقِي الْقشيرِي والفراتي معترقين مسجونين أَكثر من شهر فتهيأ أَبُو سهل بن الْمُوفق من نَاحيَة باخرز وَجمع من أعوانه رجَالًا عارفين بِالْحَرْبِ وأتى بَاب الْبَلَد وَطلب إِخْرَاج الفراتى والقشيرى فَمَا أُجِيب بل هدد بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ بِمُقْتَضى مَا تقدم من مرسوم السُّلْطَان فَلم يلْتَفت وعزم على دُخُول الْبَلَد لَيْلًا وإخراجهما مجاهرة وَكَانَ متولى الْبَلَد قد تهَيَّأ للحرب فزحف أَبُو سهل لَيْلًا إِلَى قَرْيَة لَهُ على بَاب الْبَلَد وَدخل مغافصة إِلَى دَاره وَصَاح من مَعَه بالنعرات الْعَالِيَة فَلَمَّا أَصْبحُوا ترددت الرُّسُل والنصحاء فى الصُّلْح وأشاروا على الْأَمِير بِإِطْلَاق الْأُسْتَاذ والرئيس فَأبى وبرز بِرِجَالِهِ وَقصد محلّة أَبى سهل فَقَامَ وَاحِد من أعوان أَبى سهل إِلَّا أَنه بعداد ألف وضرغام إِلَّا أَنه فى زى إِنْسَان واستدعى مِنْهُ كِفَايَة تِلْكَ الثائرة وَأَتَاهُ وَأَصْحَابه وادنوا لَهُم فَالْتَقوا فى السُّوق وَثَبت هَؤُلَاءِ حَتَّى فرغ نشاب أُولَئِكَ وتأنى الْحق حَتَّى انْقَضتْ ترهات الْبَاطِل ثمَّ حمل أَصْحَاب ابْن الْمُوفق على أُولَئِكَ حَملَة رجل وَاحِد فهزموهم بِإِذن الله وجرحوا أَمِير الْبَلَد وهمو بأسره ثمَّ توَسط النَّاس ودخلوا على أَبى سهل فى تسكين الْفِتْنَة وإطفاء الثائرة وَأتوا بالأستاذ والرئيس إِلَى دَاره وَقَالُوا قد حصل الْقَصْد وَأخرج هَذَانِ من الْحَبْس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 فَلَمَّا انتصر أَبُو سهل وَتمّ لَهُ مَا ابْتغى تشَاور هُوَ وَأَصْحَابه فِيمَا بَينهم وَعَلمُوا أَن مُخَالفَة السُّلْطَان لَهَا تبعة وَأَن الْخُصُوم لَا ينامون فاتفقوا على مهاجرة الْبَلَد إِلَى نَاحيَة أستواء ثمَّ يذهبون إِلَى الْملك وبقى بعض الْأَصْحَاب بالنواحى مفرقين وَذهب أَبُو سهل إِلَى المعسكر وَكَانَ على مَدِينَة الرى وَخرج خَصمه من الْجَانِب الآخر فتوافيا بالرى وانْتهى إِلَى السُّلْطَان مَا جرى وسعى بأصحاب الشافعى وبالإمام أَبى سهل خُصُوصا فَقبض على أَبى سهل وَحبس فى بعض القلاع وَأخذت أَمْوَاله وبيعت ضيَاعه ثمَّ فرج عَنهُ وَخرج وَحج فَهَذَا مَا كَانَ من الْفِتْنَة وَكَانَ هَذَا السُّلْطَان مَعَ دينه وخيره مِمَّن لم يمهله الله بعد إِذْنه بالسب وبحبس القشيرى وَلم يمْكث بعد هَذِه الْوَاقِعَة الشنيعة واتفاق هَذِه الفضيحة الفظيعة إِلَّا زَمنا يَسِيرا وَتوفى وتسلطن بعده وَلَده السُّلْطَان الْأَعْظَم عضد الدولة أَبُو شُجَاع ألب أرسلان وَلم يلبث الكندري إِلَّا يَسِيرا وَقتل شَرّ قتلة وَجعل كل جُزْء من أَعْضَائِهِ فى نَاحيَة وَلذَلِك شرح يطول لسنا لَهُ الْآن وأسفر صباح الزَّمَان عَن طلعة الْوَزير نظام الْملك فَقَامَ فى نصْرَة الدّين قيَاما مؤزرا وَعَاد الْحق معززا موقرا وَأمر بِإِسْقَاط ذكر السب وتأديب من فعله ذكر أُمُور اتّفقت فى هَذِه الْفِتْنَة وَكَيف كَانَ حَال عُلَمَاء الْمُسلمين واغتمامهم بهَا أما أهل خُرَاسَان من نيسابور ونواحيها ومرو وَمَا والاها فَإِنَّهُم أخرجُوا فَمنهمْ من جَاءَ إِلَى الْعرَاق وَمِنْهُم من جَاءَ إِلَى الْحجاز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 فَمِمَّنْ حج الْحَافِظ أَبُو بكر البيهقى والأستاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو المعالى الجوينى وخلائق يُقَال جمعت تِلْكَ السّنة أَرْبَعمِائَة قَاض من قُضَاة الْمُسلمين من الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة هجروا بِلَادهمْ بِسَبَب هَذِه الْوَاقِعَة وتشتت فكرهم يَوْم رُجُوع الْحَاج فَمن عازم على الْمُجَاورَة وَمن محير فى أمره لَا يدرى أَيْن يذهب فاتفقت كلمتهم على أَن الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم يَعْلُو الْمِنْبَر وَيتَكَلَّم عَلَيْهِم قيل فَصَعدَ وشخص فى السَّمَاء زَمَانا وأطرق زَمَانا ثمَّ قبض على لحيته وَقَالَ يَا أهل خُرَاسَان بِلَادكُمْ بِلَادكُمْ إِن الكندرى غريمكم قطع إربا إربا وَفرقت أعضاؤه وَهَا أَنا أشاهده السَّاعَة وَأنْشد (عميد الْملك ساعدك الليالى ... على مَا شِئْت من دَرك المعالى) (فَلم يَك مِنْك شئ غير أَمر ... بلعن الْمُسلمين على التوالى) (فقابلك الْبلَاء بِمَا تلاقى ... فذق مَا تسْتَحقّ من الوبال) فضبط التَّارِيخ فَكَانَ فى ذَلِك الْيَوْم بِعَيْنِه وَتلك السَّاعَة بِعَينهَا قد أَمر السُّلْطَان بِأَن يقطع إربا إربا وَأَن يُوصل إِلَى كل مَكَان مِنْهُ عُضْو يدْفن فِيهِ فَفعل بِهِ ذَلِك ذكر استفتاء كتب فى ذَلِك وَأرْسل إِلَى الْعرَاق قد كَانَ الْحَال لَو وفْق الله ولى الْأَمر وَمن يطْلب الْحق غَنِيا عَن ذَلِك إِذْ فى وجود مثل إِمَام الْحَرَمَيْنِ على ظهر الأَرْض غنية عَن استفتاء غَيره من الْفُقَهَاء وَإنَّهُ ليقبح بِأَهْل إقليم فيهم إِمَام الْحَرَمَيْنِ بل بِأَهْل عصر أَن تقع لَهُم نازلة فَلَا يصغون إِلَى فتياه ويكتبون إِلَى النواحى يستفتون كَيفَ وَقد كَانَ مَعَه البيهقى مُحدث زَمَانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 والقشيرى سيد وقته وخلائق يطول تعدادهم من عُلَمَاء الْأمة وَبِالْجُمْلَةِ كتبُوا استفتاء وأرسلوه إِلَى بَغْدَاد فَلم يبْق حنفى وَلَا شافعى إِلَّا وَبَالغ فى الْكتاب وعظمت عَلَيْهِ هَذِه الرزية وَقد قدمنَا ذكر بعض فتاويهم وَلَا نطيل بالباقى ففى الْقَلِيل غنية عَن الْكثير ذكر كتاب البيهقى إِلَى عميد الْملك قد سَاق ابْن عَسَاكِر جَمِيعه وَنحن نأتى على أَكْثَره كَانَ البيهقى بِمَدِينَة بيهق فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ الْخَبَر شقّ عَلَيْهِ وَكَانَ مُحدث زَمَانه وَشَيخ السّنة فى وقته فَكتب إِلَى عميد الْملك مَا أخبرتنا بِهِ أَسمَاء بنت صصرى فى كتابها عَن مكى بن عَلان أَن الْحَافِظ أَبَا الْقَاسِم أنبأه قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن حبيب العامرى الْحَافِظ قَالَ أخبرنَا شيخ الْقُضَاة أَبُو على إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن الْحُسَيْن البيهقى أخبرنَا والدى الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن قَالَ سَلام الله وَرَحمته وَبَرَكَاته على الشَّيْخ العميد وإنى أَحْمد إِلَيْهِ الله الذى لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحده لَا شريك لَهُ وأصلى على رَسُوله مُحَمَّد وعَلى آله أما بعد فَإِن الله جلّ ثَنَاؤُهُ بفضله وجوده يُؤْتى من يَشَاء من عباده ملك مَا يُرِيد من بِلَاده ثمَّ يهدى من يَشَاء مِنْهُم إِلَى صراطه ويوفقه للسعى فى مرضاته وَيجْعَل لَهُ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ وَزِير صدق يومى إِلَيْهِ بِالْخَيرِ ويحض عَلَيْهِ ومعين حق يُشِير إِلَيْهِ بِالْبرِّ ويعين عَلَيْهِ ليفوز الْأَمِير والوزير مَعًا بِفضل الله فوزا عَظِيما وينالا من نعْمَته حظا جسيما وَكَانَ الْأَمِير أدام الله دولته مِمَّن آتَاهُ الله الْملك وَالْحكمَة وَالشَّيْخ العميد أدام الله سيادته مِمَّن جعل الله لَهُ وَزِير صدق إِن نسى ذكره وَإِن ذكر أَعَانَهُ كَمَا أخبر سيدنَا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كل أَمِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 أَرَادَ الله بِهِ خيرا فَعَادَت بجميل نظر الْأَمِير أدام الله أَيَّامه وَحسن رعايته وسياسته بِلَاد خُرَاسَان إِلَى الصّلاح بعد الْفساد وطرقها إِلَى الْأَمْن بعد الْخَوْف حَتَّى انْتَشَر ذكره بالجميل فى الْآفَاق وأشرقت الأَرْض بِنور عدله كل الْإِشْرَاق وَلذَلِك قَالَ سيدنَا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا روى عَنهُ (السُّلْطَان ظلّ الله وَرمحه فى الأَرْض) وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا روى عَنهُ (يَوْم من إِمَام عَادل أفضل من عبَادَة سِتِّينَ سنة) وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك (لَوْلَا الْأَئِمَّة لم تأمن لنا سبل ... وَكَانَ أضعفنا نهبا لأقوانا) زَاده الله تأييدا وتسديدا وَزَاد من يؤازره فى الْخَيْر ويحثه عَلَيْهِ تَوْفِيقًا وتسديدا ثمَّ إِنَّه أعز الله نَصره صرف همته الْعَالِيَة إِلَى نصر دين الله وقمع أَعدَاء الله بعد مَا تقرر للكافة حسن اعْتِقَاده بتقرير خطباء أهل مَمْلَكَته على لعن من اسْتوْجبَ اللَّعْن من أهل الْبدع ببدعته وأيس أهل الزيغ عَن زيغه عَن الْحق وميله عَن الْقَصْد فَألْقوا فى سَمعه مَا فِيهِ مساءة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة كَافَّة ومصيبتهم عَامَّة من الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة الَّذين لَا يذهبون فى التعطيل مَذَاهِب الْمُعْتَزلَة وَلَا يسلكون فى التَّشْبِيه طرق المجسمة فى مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا ليتسلوا بالأسوة مَعَهم فى هَذِه المساءة عَمَّا يسوؤهم من اللَّعْن والقمع فى هَذِه الدولة المنصورة ثبتها الله وَنحن نرجو عثوره عَن قريب على مَا قصدُوا ووقوفه على مَا أَرَادوا فيستدرك بِتَوْفِيق الله مَا بدر مِنْهُ فِيمَا ألْقى إِلَيْهِ وَيَأْمُر بتعزيز من زور عَلَيْهِ وقبح صُورَة الْأَئِمَّة بَين يَدَيْهِ وَكَأَنَّهُ خفى عَلَيْهِ أدام الله عزه حَال شَيخنَا أَبى الْحسن الأشعرى رَحْمَة الله عَلَيْهِ ورضوانه وَمَا يرجع إِلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 من شرف الأَصْل وَكبر الْمحل فى الْعلم وَالْفضل وَكَثْرَة الْأَصْحَاب من الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة الَّذين رَغِبُوا فى علم الْأُصُول وأحبوا معرفَة دَلَائِل الْعُقُول وَالشَّيْخ العميد أدام الله توفيقه أولى أوليائه وأحراهم بتعريفه حَاله وإعلامه فَضله لما يرجع إِلَيْهِ من الْهِدَايَة والدراية والشهامة والكفاية مَعَ صِحَة العقيدة وَحسن الطَّرِيقَة وفضائل الشَّيْخ أَبى الْحسن ومناقبه أَكثر من أَن يُمكن ذكرهَا فى هَذِه الرسَالَة لما فى الإطالة من خشيَة الملالة لكنى أذكر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى من شرفه بآبائه وأجداده وفضله بِعِلْمِهِ وَحسن اعْتِقَاده وَكبر مَحَله بِكَثْرَة أَصْحَابه مَا يحملهُ على الذب عَنهُ وَعَن أَتْبَاعه ثمَّ أَخذ البيهقى فى ذكر تَرْجَمَة الشَّيْخ وَذكر نسبه ثمَّ قَالَ إِلَى أَن بلغت النّوبَة إِلَى شَيخنَا أَبى الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله فَلم يحدث فى دين الله حَدثا وَلم يَأْتِ فِيهِ ببدعة بل أَخذ أقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة فى أصُول الدّين فنصرها بِزِيَادَة شرح وتبيين وَأَن مَا قَالُوا وَجَاء بِهِ الشَّرْع فى الْأُصُول صَحِيح فى الْعُقُول بِخِلَاف مَا زعم أهل الْأَهْوَاء من أَن بعضه لَا يَسْتَقِيم فى الآراء فَكَانَ فى بَيَانه وثبوته مَا لم يدل عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ونصرة أقاويل من مضى من الْأَئِمَّة كأبى حنيفَة وسُفْيَان الثورى من أهل الْكُوفَة والأوزاعى وَغَيره من أهل الشَّام وَمَالك والشافعى من أهل الْحَرَمَيْنِ وَمن نحا نَحْوهمَا من أهل الْحجاز وَغَيرهَا من سَائِر الْبِلَاد وكأحمد بن حَنْبَل وَغَيره من أهل الحَدِيث وَاللَّيْث بن سعد وَغَيره وأبى عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى وأبى الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النيسابورى إمامى أهل الْآثَار وحفاظ السّنَن الَّتِى عَلَيْهَا مدَار الشَّرْع إِلَى أَن قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 وَصَارَ رَأْسا فى الْعلم من أهل السّنة فى قديم الدَّهْر وَحَدِيثه وَبِذَلِك وعد سيدنَا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته فِيمَا روى عَنهُ أَبُو هُرَيْرَة أَنه قَالَ (يبْعَث الله لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا دينهَا) ثمَّ سَاق حَدِيث الْأَشْعَرِيين وَإِشَارَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَبى مُوسَى وَقد قدمنَا ذَلِك إِلَى أَن قَالَ وَحين كثرت المبتدعة فى هَذِه الْأمة وَتركُوا ظَاهر الْكتاب وَالسّنة وأنكروا مَا ورد أَنه من صِفَات الله تَعَالَى نَحْو الْحَيَاة وَالْقُدْرَة وَالْعلم والمشيئة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام والبقاء وجحدوا مادلا عَلَيْهِ من الْمِعْرَاج وَعَذَاب الْقَبْر وَالْمِيزَان وَأَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان وَأَن أهل الْإِيمَان يخرجُون من النيرَان وَمَا لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحَوْض والشفاعة وَمَا لأهل الحنة من الرُّؤْيَة وَأَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة كَانُوا محقين فِيمَا قَامُوا بِهِ من الْولَايَة وَزَعَمُوا أَن شَيْئا من ذَلِك لَا يَسْتَقِيم على الْعقل وَلَا يَصح على الرأى أخرج الله من نسل أَبى مُوسَى الأشعرى رضى الله عَنهُ إِمَامًا قَامَ بنصرة دين الله وجاهد بِلِسَانِهِ وَبَيَانه من صد عَن سَبِيل الله وَزَاد فى التَّبْيِين لأهل الْيَقِين أَن مَا جَاءَ بِهِ الْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سلف هَذِه الْأمة مُسْتَقِيم على الْعُقُول الصَّحِيحَة إِلَى أَن قَالَ بعد ذكر حَدِيث عمرَان بن الْحصين الذى قدمْنَاهُ فَمن تَأمل هَذِه الْأَحَادِيث وَعرف مَذْهَب شَيخنَا أَبى الْحسن فى علم الْأُصُول وَعرف تبحره فِيهِ أبْصر صنع الله عزت قدرته فى تَقْدِيم هَذَا الأَصْل الشريف لما ذخر لِعِبَادِهِ من هَذَا الْفَرْع المنيف الذى أَحْيَا بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة وَجعله خلف حق لسلف صدق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 ثمَّ انْدفع فى بَقِيَّة الرسَالَة وختمها بسؤاله العميد فى إطفاء الثائرة وَترك السب وتأديب من يَفْعَله وَقد سَاق الْحَافِظ الْكتاب بمجموعة كَمَا عرفناك فَإِن أردْت الْوُقُوف عَلَيْهِ كُله فَعَلَيْك بِكِتَاب التَّبْيِين وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ مِنْهُ مقنع وبلاغ وَقد تضمن هَذَا الْكتاب وقائله من علمت من الْحِفْظ وَالدّين والورع والاطلاع والمعرفة والثقة وَالْأَمَانَة والتثبت أَن الصَّحَابَة وَمن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان من عُلَمَاء الْأمة فقهائها ومحدثيها على عقيدة الأشعرى بل الأشعرى على عقيدتهم قَامَ وناضل عَنْهَا وَحمى حوزتها من أَن تنالها أيدى المبطلين وتحريف الغالين وَقد سمى من الْفُقَهَاء والمحدثين من سَمِعت ذكر رِسَالَة القشيرى إِلَى الْبِلَاد الْمُسَمَّاة شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة وَقد جالت هَذِه الرسَالَة فى الْبِلَاد وانزعجت نفوس أهل الْعلم مِنْهَا وَقَامَ كل مِنْهُم بِحَسب قوته وَدخلت بيهق فَوقف عَلَيْهَا الْحَافِظ البيهقى ولبى دعوتها وَكتب الرسَالَة إِلَى العميد الَّتِى انفصلنا الْآن عَنْهَا ثمَّ دخلت بَغْدَاد فَكتب الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى من الشَّافِعِيَّة والقاضى الدامغانى من الْحَنَفِيَّة وَغَيرهمَا من الْفَرِيقَيْنِ مَا أدَّت الْقُدْرَة إِلَيْهِ وَقد أورد الْحَافِظ بعض هَذِه الرسَالَة فى كِتَابه وَنحن نرى أَن نوردها كلهَا فَإِنَّهُ يخْشَى على مثلهَا الضّيَاع إِذا تَمَادى الزَّمَان فَإِن هَذَا شَأْن المصنفات اللطاف لَا سِيمَا مَا يغِيظ أهل الْبَاطِل فَإِنَّهُم يبادرون إِلَى إِعْمَال الْحِيلَة فى إعدامه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 لقد كَانَ عِنْد الشَّيْخ الإِمَام نُسْخَة من كتاب تَبْيِين كذب المفترى لَا يحسن الرائى أَن يقْرَأ مِنْهَا حرفا لما هُوَ مَكْتُوب فى حواشيها وَبَين أسطرها من أُمُور لَا تتَعَلَّق بِالْكتاب بِخَط بعض فضلاء الْحَنَابِلَة الَّذين يَلْمِزُونَ بِبَعْض الأشاعرة فَسَأَلت الشَّيْخ الإِمَام فَقَالَ هَذِه النُّسْخَة شريتها من تَرِكَة الْحَافِظ سعد الدّين الحارثى وَكَأَنَّهُم كَانُوا يُرِيدُونَ إعدامها وَلَكِن كتاب التَّبْيِين كثير الْعدَد 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة تخبر عَن بثة مكروب ونفثة مغلوب وَشرح ملم مؤلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 وذكرمهم موهم وَبَيَان خطب قَادِح وَشر سانح للقلوب جارح رَفعهَا عبد الْكَرِيم ابْن هوَازن القشيرى رَحمَه الله إِلَى الْعلمَاء الْأَعْلَام لجَمِيع بِلَاد الْإِسْلَام أما بعد فَإِن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ أمرا قدره فَمن ذَا الذى أمسك مَا سيره أَو قدم مَا أَخّرهُ أَو عَارض حكمه فَغَيره أَو غَلبه على أَمر فقهره كلا بل هُوَ الله الْوَاحِد القهار الْمَاجِد الْجَبَّار وَمِمَّا ظهر بِبِلَاد نيسابور من قضايا التَّقْدِير فى مفتتح سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة من الْهِجْرَة مَا دَعَا أهل الدّين إِلَى شقّ صُدُور صبرهم وكشف قناع ضيرهم بل ظلت الْملَّة الحنيفية تَشْكُو غليلها وتبدى عويلها وتنصب عزالى رَحْمَة الله على من يستمع شكوها وتصغى مَلَائِكَة السَّمَاء حَتَّى تندب شجوها ذَلِك مِمَّا أحدث من لعن إِمَام الدّين وسراج ذوى الْيَقِين محيى السّنة وقامع الْبِدْعَة وناصر الْحق وناصح الْخلق الزكى الرضى أَبى الْحسن الأشعرى قدس الله روحه وَسَقَى بِالرَّحْمَةِ ضريحه وَهُوَ الذى ذب عَن الدّين بأوضح حجج وسلك فى قمع الْمُعْتَزلَة وَسَائِر أَنْوَاع المبتدعة أبين مَنْهَج واستنفد عمره فى النَّضْح عَن الْحق فأورث الْمُسلمين بعد وَفَاته كتبه الشاهدة بِالصّدقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 وَلَقَد سَمِعت الْأُسْتَاذ الشَّهِيد أَبَا على الْحسن بن على الدقاق رَحْمَة الله عَلَيْهِ يَقُول سَمِعت أَبَا على زَاهِر بن أَحْمد الْفَقِيه رَحْمَة الله عَلَيْهِ يَقُول مَاتَ أَبُو الْحسن الأشعرى رَحمَه الله وَرَأسه فى حجرى وَكَانَ يَقُول متْنا فى حَال نَزعه من دَاخل حلقه فأدنيت إِلَيْهِ رأسى وأصغيت إِلَى مَا كَانَ يقرع سمعى وَكَانَ يَقُول لعن الله الْمُعْتَزلَة موهوا ومخرقوا وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو الْحسن الأشعرى رَحمَه الله يتَكَلَّم فى أصُول الدّين على جِهَة الرَّد على أهل الزيغ والبدع تأديا بِمَا أوجب الله سُبْحَانَهُ على الْعلمَاء من النَّضْح عَن الدّين وكشف تمويه الْمُلْحِدِينَ والمبتدعين بِمَا زَالُوا عَن النهج الْمُسْتَقيم وَلَقَد سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد الله الشيرازى الصوفى رَحمَه الله يَقُول سَمِعت بعض أَصْحَاب أَبى عبد الله بن خَفِيف الشيرازى رَحْمَة الله عَلَيْهِم يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الله بن خَفِيف رَحمَه الله يَقُول دخلت الْبَصْرَة فى أَيَّام شبابى لأرى أَبَا الْحسن الأشعرى رَحْمَة الله عَلَيْهِ لما بلغنى خَبره فَرَأَيْت شَيخا بهى المنظر فَقلت لَهُ أَيْن منزل أَبى الْحسن الأشعرى فَقَالَ وَمَا الذى تُرِيدُ مِنْهُ فَقلت أحب أَن أَلْقَاهُ فَقَالَ ابتكر غَدا إِلَى هَذَا الْموضع قَالَ فابتكرت فَلَمَّا رَأَيْته تَبعته فَدخل دَار بعض وُجُوه الْبَلَد فَلَمَّا أبصروه أكْرمُوا مَحَله وَكَانَ هُنَاكَ جمع من الْعلمَاء ومجلس نظر فأقعدوه فى الصَّدْر فَلَمَّا شرع فى الْكَلَام دخل هَذَا الشَّيْخ فَأخذ يرد عَلَيْهِ ويناظره حَتَّى أَفْحَمَهُ فَقضيت الْعجب من علمه وفصاحته فَقلت لبَعض من كَانَ عندى من هَذَا الشَّيْخ فَقَالَ أَبُو الْحسن الأشعرى فَلَمَّا قَامُوا تَبعته فَالْتَفت إِلَى وَقَالَ يَا فَتى كَيفَ رَأَيْت الأشعرى فخدمته وَقلت يَا سيدى كَمَا هُوَ فى مَحَله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 وَلَكِن مَسْأَلَة قَالَ قل يَا بنى فَقلت مثلك فى فضلك وعلو منزلتك كَيفَ لم تسال وَيسْأل غَيْرك فَقَالَ أَنا لَا أَتكَلّم مَعَ هَؤُلَاءِ ابْتِدَاء وَلَكِن إِذا خَاضُوا فى ذكر مَا لَا يجوز فى دين الله رددنا عَلَيْهِم بِحكم مَا فرض الله علينا من الرَّد على مخالفى الْحق وعَلى هَذِه الْجُمْلَة سيرة السّلف أَصْحَاب الحَدِيث الْمُتَكَلِّمين مِنْهُم فى الرَّد على الْمُخَالفين وَأهل الشّبَه والزيغ وَلما من الله الْكَرِيم على أهل الْإِسْلَام ببركات السُّلْطَان الْمُعظم الْمُحكم بِالْقُوَّةِ السماوية فى رِقَاب الْأُمَم الْملك الْأَجَل شاهنشاه يَمِين خَليفَة الله وغياث عباد الله طغرلبك أَبى طَالب مُحَمَّد بن مِيكَائِيل أَطَالَ الله عمره موفقا مَعْصُوما بقاه وأدام بالتسديد نعماه وَقَامَ بإحياء السّنة والمناضلة عَن الْملَّة حَتَّى لم يبْق من أَصْنَاف المبتدعة حزبا إِلَّا سل لاستئصالهم سَيْفا عضبا وأذاقهم ذلا وخسفا وعقب لآثارهم نسفا حرجت صُدُور أهل الزيغ عَن تحمل هَذِه النقم وضاق صدرهم عَن مقاساة هَذَا الْأَلَم ومنوا بلعن أنفسهم على رُءُوس الأشهاد بألسنتهم وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ بانفرادهم بالوقوع فى مهواة محنتهم فسولت لَهُم أنفسهم أمرا وظنوا أَنهم بِنَوْع تلبيس وَضرب تَدْلِيس يَجدونَ لعسرهم يسرا فسعوا إِلَى عالى مجْلِس السُّلْطَان الْمُعظم أعز الله نَصره بِنَوْع نميمة ونسبوا الأشعرى إِلَى مَذَاهِب ذميمة وحكوا عَنهُ مقالات لَا يُوجد فى كتبه مِنْهَا حرف وَلم ير فى المقالات المصنفة للمتكلمين الموافقين والمخالفين من وَقت الْأَوَائِل إِلَى زَمَاننَا هَذَا لشئ مِنْهَا حِكَايَة وَلَا وصف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 بل كل ذَلِك تَصْوِير بتزوير وبهتان بِغَيْر تَقْرِير وَإِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة إِذا لم تستحى فَاصْنَعْ مَا شِئْت وَلما رفعنَا إِلَى الْمجْلس العالى زَاده الله إشراقا هَذِه الظلامة وكشفنا قناع هَذِه الخطة وَذكرنَا أَن هَذِه المقالات لم تسمع من أَلْسِنَة هَذِه الزمرة وَلم يُوجد شئ فى كتبهمْ من هَذِه الْجُمْلَة وَلَا حكى فى الْكتب المصنفة فى مقالات الْمُتَكَلِّمين حرف من هَذِه الْأَقَاوِيل بل كَانَ الْجَواب إِنَّا إِنَّمَا نوعز بلعن الأشعرى الذى قَالَ هَذِه المقالات على هَذِه الصّفة فَإِن لم يبينوا بهَا وَلم يقل الأشعرى شَيْئا مِنْهَا فَلَا عَلَيْك مَا نقُول وَلَا يلحقكم ضَرَر مِمَّا نصْنَع فَقُلْنَا الأشعرى الذى هُوَ مَا حكيتم وَكَانَ بِمَا ذكرْتُمْ لم يخلقه الله بعد وَمَا مَحل هَذَا إِلَّا مَحل من حكى عَن أَئِمَّة السّلف أَنهم دانوا بالبدع ونسبهم إِلَى الضلال وَالْخَطَأ فَإِذا قيل لَهُ فى ذَلِك يَقُول إِنَّمَا أَقُول لفُلَان الذى قَالَ مَا نسبته إِلَيْهِ ودان بِهَذَا الذى قلت وَمَات عَلَيْهِ الْكيس لَا يرضى مِنْهُ بذلك وَلَا يغضى على ذَلِك ثمَّ أَخذنَا فى سَبِيل الاستعطاف جَريا فى دفع السَّيئَة بالتى هى أحسن فَلم تسمع لنا حجَّة وَلم تقض لنا حَاجَة وَلَا حِيلَة لنا فى التَّوَسُّط بَيْننَا على من بعده فى مَذْهَب وَاحِد عصره فأغضينا على قذى الِاحْتِمَال واستنمنا إِلَى مَعْهُود الْمُوَافقَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 فى أصُول الدّين بَين الْفَرِيقَيْنِ فحضرنا مَجْلِسه وَلم نشك أَنا لَا ننصرف إِلَّا وَشَمل الدّين مُنْتَظم وَشعب الْوِفَاق فى الْأُصُول ملتئم وَأَن كلنا على قمع الْمُعْتَزلَة وقهر المبتدعة يَد وَاحِدَة وَأَن لَيْسَ بَين الْفَرِيقَيْنِ فى الْأُصُول خلاف فَأول مَا سألناه بِأَن قُلْنَا هَل صَحَّ عِنْده عَن الأشعرى هَذِه المقالات الَّتِى تحكى فَقَالَ لَا غير أَنى لَا أستجيز الْخَوْض فى هَذِه الْمسَائِل الكلامية وَأَمْنَع النَّاس عَنْهَا وأنهى وَلَا يجوز اللَّعْن عندى على أهل الْقبْلَة لشئ مِنْهَا وَصرح بِأَنَّهُ لَيْسَ يعلم أَنه قَالَ هَذِه الْمسَائِل الَّتِى تحكى عَنهُ أم لَا ثمَّ قَالَ فى خلال كَلَامه إِن الأشعرى عندى مُبْتَدع وَأَنه فى الْبِدْعَة يزِيد على الْمُعْتَزلَة فحين سمعنَا ذَلِك تحيرنا ونفينا وَسَمعنَا غير مَا ظننا وشاهدنا مَا لَو أخبرنَا بِهِ مَا صدقنا ورأينا بالعيان مَا لَو رَأَيْنَاهُ فى الْمَنَام لقلنا أضغاث أَحْلَام فسبحان الله كَيفَ صرح بِأَنَّهُ لَا يعرف مَذْهَب رجل على الْحَقِيقَة وَصَحَّ عِنْده مقَالَته ثمَّ يبدعه من غير تحقق بمقالته ثمَّ انصرفنا وَمَا نقموا من الأشعرى إِلَّا أَنه قَالَ بِإِثْبَات الْقدر لله خَيره وشره ونفعه وضره وَإِثْبَات صِفَات الْجلَال لله من قدرته وَعلمه وإرادته وحياته وبقائه وسَمعه وبصره وَكَلَامه وَوَجهه وَيَده وَأَن الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَأَنه تَعَالَى مَوْجُود تجوز رُؤْيَته وَأَن إِرَادَته نَافِذَة فى مراداته وَمَا لَا يخفى من مسَائِل الْأُصُول الَّتِى تخَالف طَرِيقه طَرِيق الْمُعْتَزلَة والمجسمة فِيهَا وَإِذا لم يكن فى مَسْأَلَة لأهل الْقبْلَة غير قَول الْمُعْتَزلَة وَقَول الأشعرى قَول زَائِد فَإِذا بَطل قَول الأشعرى فَهَل يتَعَيَّن بِالصِّحَّةِ أَقْوَال الْمُعْتَزلَة وَإِذا بَطل الْقَوْلَانِ فَهَل هَذَا إِلَّا تَصْرِيح بِأَن الْحق مَعَ غير أهل الْقبْلَة وَإِذا لعن الْمُعْتَزلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 والأشعرى فى مَسْأَلَة لَا يخرج قَول الْأمة عَن قوليهما فَهَل هَذَا إِلَّا لعن جَمِيع أهل الْقبْلَة معاشر الْمُسلمين الغياث الغياث سعوا فى إبِْطَال الدّين وَرَأَوا هدم قَوَاعِد الْمُسلمين وهيهات هَيْهَات {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره} وَقد وعد الله للحق نَصره وظهوره وللباطل محقه وثبوره إِلَّا أَن كتب الأشعرى فى الْآفَاق مبثوثة ومذاهبه عِنْد أهل السّنة من الْفَرِيقَيْنِ مَعْرُوفَة مَشْهُورَة فَمن وَصفه بالبدعة علم أَنه غير محق فى دَعْوَاهُ وَجَمِيع أهل السّنة خَصمه فِيمَا افتراه فَأَما مَا حكى عَنهُ وَعَن أَصْحَابه أَنهم يَقُولُونَ إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بنبى فى قَبره وَلَا رَسُول بعد مَوته فبهتان عَظِيم وَكذب مَحْض لم ينْطق مِنْهُم أحد وَلَا سمع فى مجْلِس مناظرة ذَلِك عَنْهُم وَلَا وجد ذَلِك فى كتاب لَهُم وَكَيف يَصح ذَلِك وَعِنْدهم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى فى قَبره قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} فَأخْبر سُبْحَانَهُ بِأَن الشُّهَدَاء أَحيَاء عِنْد رَبهم والأنبياء أولى بذلك لتقاصر رُتْبَة الشَّهِيد عَن دَرَجَة النُّبُوَّة قَالَ الله تَعَالَى {فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ} فرتبة الشُّهَدَاء ثَالِث دَرَجَة النُّبُوَّة وَلَقَد وَردت الْأَخْبَار الصَّحِيحَة والْآثَار المروية بِمَا تدل الشَّهَادَة على هَذِه الْجُمْلَة فَمن ذَلِك مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو سعيد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله الأديب حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن حَاتِم حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن الصَّباح الصاغانى حَدثنَا ابْن جعْشم عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن السَّائِب عَن زَاذَان عَن ابْن مَسْعُود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن لله تَعَالَى مَلَائِكَة سياحين فى الأَرْض تبلغنى عَن أمتى السَّلَام) وَلَا يبلغ السَّلَام إِلَّا وَيكون حَيا وَأخْبرنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَقِيه أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن أَحْمد النسوى حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس الْحسن بن سُفْيَان الشيبانى النسوى حَدثنَا هِشَام ابْن خَالِد حَدثنَا الْحسن بن يحيى حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن يزِيد بن أَبى مَالك عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا من نبى يَمُوت فيقيم فى قَبره إِلَّا أَرْبَعِينَ صباحا حَتَّى ترد إِلَيْهِ روحه) وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الثقفى أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن هَارُون بن مُحَمَّد بن هَارُون الْعَطَّار حَدثنَا أَبُو على الْحسن بن على بن عِيسَى المقبرى أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ حَدثنَا حَيْوَة بن شُرَيْح عَن أَبى صَخْر المدنى عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط عَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا من أحد يسلم على إِلَّا رد الله عز وَجل على روحى حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلَام) دلّ الْخَبَر على أَن الْمَيِّت لَا يعلم حَتَّى ترد إِلَيْهِ الرّوح وَدلّ على أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى فى قَبره وَأخْبرنَا أَبُو الْحُسَيْن على بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بَشرَان بِبَغْدَاد أخبرنَا أَبُو جَعْفَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 مُحَمَّد بن عَمْرو البخترى حَدثنَا عِيسَى بن عبد الله الطيالسى حَدثنَا الْعَلَاء ابْن عَمْرو الحنفى حَدثنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن عَن الْأَعْمَش عَن أَبى صَالح عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من صلى على عِنْد قبرى سمعته وَمن صلى على نَائِيا أبلغته) وَأخْبرنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَقِيه أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن أَحْمد النسوي أخبرنَا الْحسن بن سُفْيَان حَدثنَا شَيبَان بن فروخ حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة حَدثنَا أَبُو الْمُعْتَمِر وثابت البنانى عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أتيت على مُوسَى لَيْلَة أسرى بى عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر وَهُوَ قَائِم يصلى فى قَبره) وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْكَاتِب حَدثنَا أَحْمد بن عبد الصفار حَدثنَا تمْتَام مُحَمَّد بن غَالب حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أتيت وَأَنا فى أهلى فَانْطَلقُوا بى إِلَى زَمْزَم وَشرح صدرى ثمَّ غسل بِمَاء زَمْزَم ثمَّ أتيت بطست من ذهب ممتلئة إِيمَانًا وَحكما فحشى بِهِ صدرى) قَالَ أنس وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرينا أَثَره (فعرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ الْملك قَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 قَالَ فَفتح فَإِذا آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بك من ولد ومرحبا بك من رَسُول ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا عِيسَى وَيحيى عَلَيْهِمَا السَّلَام فَقَالَا مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا أدريس عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك قَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مرْحَبًا بك من رَسُول الْخَبَر بِطُولِهِ فَدلَّ هَذَا الْخَبَر على أَنهم عَلَيْهِم السَّلَام أَحيَاء وَلَقَد روى الْحسن بن قُتَيْبَة المدائنى وعد ذَلِك فى أَفْرَاده عَن الْمُسلم بن سعيد الثقفى عَن الْحجَّاج بن الْأسود عَن ثَابت البنانى عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فى قُبُورهم يصلونَ) فَإِذا ثَبت أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى فالحى لابد من أَن يكون إِمَّا عَالما أَو جَاهِلا وَلَا يجوز أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاهِلا قَالَ تَعَالَى فى صفته {مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى} وَقَالَ {آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه} فَثَبت أَنه مُؤمن ورتبة النُّبُوَّة رُتْبَة الشّرف وعلو الْمنزلَة وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزْدَاد كل يَوْم شرفا ورتبة إِلَى الْأَبَد فَكيف لَا يكون عَارِفًا وَلَا نَبيا وَالرَّسُول فعول بِمَعْنى الْمُرْسل وَلَا نَظِير لَهُ فى اللُّغَة والإرسال كَلَام الله وَكَلَامه قديم وَهُوَ قبل أَن خلق كَانَ رَسُولا بإرسال الله وفى حَالَة الْيَوْم وَإِلَى الْأَبَد رَسُول لبَقَاء كَلَامه وَقدم قَوْله واستحالة الْبطلَان على إرْسَاله الذى هُوَ كَلَامه وَلَقَد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ مَتى كنت نَبيا فَقَالَ (وآدَم منجدل فى طينته) وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد الْكَاتِب حَدثنَا أَحْمد بن عبد الصفار حَدثنَا يَعْقُوب بن غيلَان حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهدى حَدثنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 مُعَاوِيَة بن صَالح عَن سعيد بن سُوَيْد عَن عبد الْأَعْلَى بن هِلَال السلمى عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنى لخاتم النَّبِيين وَإِن آدم منجدل فى طينته) وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد حَدثنَا أَحْمد بن عبد حَدثنَا مُحَمَّد بن غَالب حَدَّثَنى مُحَمَّد بن سِنَان حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن بديل بن ميسرَة وَعَن عبد الله بن شَقِيق عَن ميسرَة الْفجْر قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَتى كنت نَبيا قَالَ (وآدَم بَين الرّوح والجسد) فَإِن قيل فَمن أَيْن وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة إِن لم يكن لَهَا أصل قيل إِن بعض الكرامية مَلأ الله قَبره نَارا وظنى أَن الله قد فعل ألزم بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ إِذا كَانَ عنْدكُمْ الْمَيِّت فى حَال مَوته لَا يحس وَلَا يعلم فَيجب أَن يكون النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى قَبره غير مُؤمن لِأَن الْإِيمَان عنْدكُمْ الْمعرفَة والتصديق وَالْمَوْت ينافى ذَلِك فَإِذا لم يكن لَهُ علم وتصديق لَا يكون لَهُ إِيمَان وَمن لَا يكون مُؤمنا لَا يكون نَبيا وَلِأَن عِنْدهم الْإِيمَان الْإِقْرَار الْفَرد وَذَلِكَ قَوْلهم لما قَالَ الله لَهُم {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} وَزَعَمُوا أَن قَوْلهم {بلَى} بَاقٍ وَالْإِيمَان ذَلِك وفى حَال الْمَوْت عِنْدهم الْمَيِّت يحس وَيعلم وَقَوله {بلَى} بَاقٍ عينه وَهَذِه الْمذَاهب لَهُم مَعَ ركاكتها وفسادها غير ملزمة لنا مَا ألزمونا لِأَن عندنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى يحس وَيعلم وَتعرض عَلَيْهِ أَعمال الْأمة ويبلغ الصَّلَاة وَالسَّلَام على مَا بَينا ثمَّ الأشعرى لَا يخْتَص بقوله إِن الْمَيِّت لَا يحس وَلَا يعلم فَإِن أحدا من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم من الْمُتَكَلِّمين سوى الكرامية لم يقل إِن الْمَيِّت يحس وَيعلم وَغير الكرامية لم يقل أحد إِن الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار الْمُجَرّد وَهُوَ قَوْلهم {بلَى} وَلم يقل أحد سواهُم إِن ذَلِك الْإِقْرَار الذى هُوَ {بلَى} مَوْجُود وَإِن قَالَ كثير من النَّاس بِبَقَاء بعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 الْأَعْرَاض وَجَوَاب الأشعرى كجواب جَمِيع النَّاس عَن هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ ركاكتها وَفَسَاد قواعدها وَاعْلَمُوا رحمكم الله أَن مَا يلْزمه الْخصم بِدَعْوَاهُ فَيَقُول هَذَا على أصلكم وَمُقْتَضى علتكم يلزمكم فَلَا يجوز أَن ينْسب ذَلِك إِلَى صَاحب الْمَذْهَب فَيُقَال هَذَا مَذْهَب فلَان وَمَا عرُوض هَذَا إِلَّا عرُوض من قَالَ إِن مَذْهَب الحنفى أَن الْوضُوء بِالْخمرِ جَائِز فى السّفر لِأَنَّهُ إِذا جوز التوضى بالنبيذ على وصف يلْزمه أَن يجوز فى الْخمر لاشْتِرَاكهمَا فى الْعلَّة وَهُوَ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُسكر فَمثل هَذَا الْإِلْزَام لَا يَصح أَن ينْسب بِهِ الحنفى أَن يَقُول يجوز التوضى فى السّفر بِالْخمرِ عِنْد عدم المَاء كَذَلِك إِذا قَالُوا إِن مَذْهَب الأشعرى أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بِنَبِي فى قَبره لِأَنَّهُ يلْزمه حِين قَالَ إِن الْمَيِّت لَا يحس وَلَا يعلم أَن يَقُول إِنَّه لَيْسَ بعالم وَلَا نبى وَمن قَالَ هَذَا كَانَ كَاذِبًا وَكَانَ قَوْله بهتانا فَليعلم ذَلِك يزل الْإِيهَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما مَا قَالُوهُ إِن مذْهبه أَنه يَقُول إِن الله لَا يجازى المطيعين على إِيمَانهم وطاعاتهم وَلَا يعذب الْكفَّار والعصاة على كفرهم ومعاصيهم فَذَلِك أَيْضا بهتان وَتقول وَكَيف يَصح من قَول أحد يقر بِالْقُرْآنِ وَالله تَعَالَى يَقُول فى مُحكم كِتَابه {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَيَقُول {ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا} وَيَقُول {جَزَاء من رَبك عَطاء حسابا} وَيَقُول {كَذَلِك نجزي من شكر} وَغير ذَلِك من الْآيَات وَلَيْسَ الْخلاف فى ذَلِك وَإِنَّمَا الْخلاف فى أَن الْمُعْتَزلَة وَمن سلك سبيلهم فى التَّعْدِيل والتجوير زَعَمُوا أَنه يجب على الله تَعَالَى أَن يثيب المطيعين وَيجب عَلَيْهِ أَن يعذب العاصين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 فطاعة المطيعين عِلّة فى استحقاقهم ثَوَابه وزلات العاصين عِلّة فى استحقاقهم عِقَابه وَقَالَ أهل السّنة من الأشعرية وَمن جَمِيع من خَالف الْمُعْتَزلَة إِن الله سُبْحَانَهُ لَا يجب عَلَيْهِ شئ وَقَالُوا إِن الْخلق خلقه وَالْملك ملكه وَالْحكم حكمه فَلهُ أَن يتَصَرَّف فى الْعباد بِمَا يَشَاء وَله أَن يُوصل الْأَلَم إِلَى من يَشَاء ويوصل اللَّذَّة إِلَى من يَشَاء وَأَنه يثيب الْمُؤمنِينَ ووعد لَهُم الْجنَّة وَقَوله صدق فَلَا محَالة أَنه يجازيهم ويثيبهم وَلَو لم يعدهم عَن طاعاتهم الثَّوَاب لم يكن يجب للْعَبد عَلَيْهِ شئ فَإِنَّهُ توعد العصاة بالعقوبة على معاصيهم على ذَلِك لِأَن وعيده حق وَلَو لم يعذبهم وَلم يتوعدهم لَكَانَ ذَلِك جَائِزا إِلَّا أَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ فى صفة نَفسه {فعال لما يُرِيد} فالمطيعون لَا محَالة لَهُم جَزَاء الطَّاعَات وَلَكِن بِفضل الله عَلَيْهِم لَا باستحقاقهم والعاصون لَا محَالة لَهُم على معاصيهم مَا توعدهم بِهِ من الْعقَاب لَكِن لحكمة لَا باستحقاقهم فالطاعات والمعاصى عَلَامَات للثَّواب وَالْعِقَاب لَا علل وَلَا مُوجبَات وَمن صرح فى مُخَالفَة هَذَا فقد أقرّ بالإعتزال وَالْقدر وَلَقَد أخبر الله سُبْحَانَهُ عَن أهل الْجنَّة أَنهم يَقُولُونَ {الَّذِي أحلنا دَار المقامة من فَضله} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكا مِنْكُم من أحد أبدا} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا أفأنت تكره النَّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنين} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها وَلَكِن حق القَوْل مني لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} وَقَالَ تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ} أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن الْحسن بن مُحَمَّد الإسفراينى أخبرنَا أَبُو عوَانَة يَعْقُوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 ابْن إِسْحَاق حَدثنَا سعيد بن مَسْعُود المروزى السلمى أخبرنَا النَّضر عَن شهيل أخبرنَا ابْن عون عَن مُحَمَّد عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ أحد مِنْكُم ينجيه عمله) قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ (وَلَا أَنا إِلَّا إِن يتغمدنى الله مِنْهُ برحمة ومغفرة) أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَن عبد الله ابْن جَعْفَر أخْبرهُم حَدثنَا يُونُس بن حبيب حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطيالسى حَدثنَا ابْن أَبى ذِئْب عَن سعيد عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا مِنْكُم أحد ينجيه عمله) قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ (وَلَا أَنا إِلَّا إِن يتغمدنى الله مِنْهُ برحمة) وَهَذِه الْمَسْأَلَة من شعب مَسْأَلَة الْقدر وَأهل الْحق لَا يَقُولُونَ بِوُجُوب شئ على الله وَيَقُولُونَ لله أَن يحكم على عباده بِمَا يرد وَيخْتَص من يَشَاء بِالرَّحْمَةِ ويخص من يَشَاء بالألم والشدة وَلَو لم يعد أهل الطَّاعَات بالثواب لم يتَوَجَّه لأحد عَلَيْهِ حق وَلَو ابْتَدَأَ الْخلق بِالْعَذَابِ لم يلْحقهُ فِيهِ لوم وَلَقَد روى ابْن الديلمى رَحمَه الله قَالَ أتيت أَبى بن كَعْب رضى الله عَنهُ فَقلت إِنَّه وَقع فى نفسى شئ من الْقدر فحدثنى بشئ لَعَلَّ الله أَن يذهب من قلبى فَقَالَ لَو أَن الله عز وَجل عذب أهل سماواته وَأهل أرضه عذبهم وَهُوَ غير ظَالِم لَهُم وَلَو رَحِمهم كَانَت رَحمته خيرا لَهُم من أَعْمَالهم وَلَو أنفقت مثل أحد ذَهَبا مَا قبله الله عز وَجل مِنْك حَتَّى تؤمن بِالْقدرِ وَتعلم أَن مَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَمَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وَلَو مت على غير هَذَا دخلت النَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 ثمَّ لقِيت عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ مثل ذَلِك ثمَّ لقِيت حُذَيْفَة بن الْيَمَان فَقَالَ مثل ذَلِك ثمَّ لقِيت زيد بن ثَابت فحدثنى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل ذَلِك وَلَقَد أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد الأهوازى أخبرنَا أَحْمد بن عبد الصفار حَدثنَا بشر بن مُوسَى حَدثنَا حجاج حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش الحمصى حَدثنَا عمر بن عبيد الله مولى غفرة عَن رجل من الْأَنْصَار عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يكون قوم يَقُولُونَ لَا قدر أُولَئِكَ مجوس هَذِه الْأمة فَإِن مرضوا فَلَا تعودوهم وَإِن مَاتُوا فَلَا تشهدوهم فَإِنَّهُم شيعَة الدَّجَّال وَحقّ على الله أَن يلحقهم بِهِ) وَأخْبرنَا على بن أَحْمد أخبرنَا أَحْمد بن عبد حَدثنَا مُحَمَّد بن خلف بن هِشَام حَدثنَا مُحرز بن عون عَن حسان بن إِبْرَاهِيم الكرمانى عَن نصر عَن قَتَادَة عَن أَبى حسان الْأَعْرَج عَن نَاجِية بن كَعْب عَن عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خلق الله يحيى فى بطن أمه مُؤمنا وَخلق الله فِرْعَوْن فى بطن أمه كَافِرًا) فَالْحَمْد لله الذى أوضح سَبِيل الدّين بحججه وَهدى للحق سالكى نهجه وخذل أهل الْبدع حَتَّى فضحوا أنفسهم بنصرة الْبَاطِل وَظهر لجَمِيع أهل السّنة مَا كَانَ ملتبسا عَلَيْهِم من أَحْوَالهم الخافية وَأما مَا يَقُولُونَ عَن الأشعرى أَن مذْهبه أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يسمع كَلَام الله عز وَجل فسبحان الله كَيفَ لَا يستحيى من يأتى بِمثل هَذَا الْبُهْتَان الذى يشْهد بتكذيبه كل مُخَالف وموافق إِن حد مَا يجوز أَن يسمع عِنْد الأشعرى هُوَ الْمَوْجُود وَكَلَام الله عِنْده قديم فَكيف يَقُول لَا يجوز أَن يسمع كَلَام الله وَقد قَالَ الله سُبْحَانَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 {وكلم الله مُوسَى تكليما} ومذهبه أَن الله تَعَالَى أفرد مُوسَى فى وقته بِأَن أسمعهُ كَلَام نَفسه بِغَيْر وَاسِطَة وَلَا على لِسَان رَسُول وَإِنَّمَا لَا يَصح هَذَا على أصُول الْقَدَرِيَّة الَّذين يَقُولُونَ إِن كَلَام الله مَخْلُوق فى الشَّجَرَة ومُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يسمع كَلَامه وَقَالَ الأشعرى لَو كَانَ كَلَامه سُبْحَانَهُ فى الشَّجَرَة لَكَانَ الْمُتَكَلّم بذلك الْكَلَام الشَّجَرَة فالقدرية قَالُوا إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سمع كلَاما من الشَّجَرَة فلزمهم أَن يَقُولُوا إِنَّه سمع كَلَام الشَّجَرَة لَا كَلَام الله وَهَذَا كَمَا قيل فى الْمثل رمتنى بدائها وانسلت وَمن نسب إِلَى أحد قولا لم يسمعهُ يَقُوله وَلَا أحد حكى أَنه سَمعه يَقُول ذَلِك وَلَا وجد ذَلِك فى كتبه وَلم يقلهُ أحد من أَصْحَابه وَلم يناظر عَلَيْهِ أحد مِمَّن ينتحل مذْهبه وَلَا وجد فى كتب المقالات لموافق وَلَا مُخَالف أَن ذَلِك مذْهبه علم أَنه بهتان وَكذب وَقد قَالَ الله تَعَالَى فى قصَّة الْإِفْك {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} وَهَذِه مضاهية لتِلْك ونعوذ بِاللَّه من رقة الدّين وَقلة الْحيَاء وَأما مَا قَالُوا إِن مذْهبه أَن الْقُرْآن لم يكن بَين الدفتين وَلَيْسَ الْقُرْآن فى الْمُصحف عِنْده فَهَذَا أَيْضا تشنيع فظيع وتلبيس على الْعَوام إِن الأشعرى وكل مُسلم غير مُبْتَدع يَقُول إِن الْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ على الْحَقِيقَة مَكْتُوب فى الْمَصَاحِف لَا على الْمجَاز وَمن قَالَ إِن الْقُرْآن لَيْسَ فى الْمَصَاحِف على هَذَا الْإِطْلَاق فَهُوَ مُخطئ بل الْقُرْآن مَكْتُوب فى الْمُصحف على الْحَقِيقَة وَالْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ قديم غير مَخْلُوق وَلم يزل الْقَدِيم سُبْحَانَهُ بِهِ متكلما وَلَا يزَال بِهِ قَائِما وَلَا يجوز الِانْفِصَال على الْقُرْآن عَن ذَات الله وَلَا الْحُلُول فى الْمحَال وَكَون الْكَلَام مَكْتُوبًا على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 الْحَقِيقَة فى الْكتاب لَا يقتضى حُلُوله فِيهِ وَلَا انْفِصَاله عَن ذَات الْمُتَكَلّم قَالَ الله سُبْحَانَهُ {النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} فالنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحَقِيقَة مَكْتُوب فى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَكَذَلِكَ الْقُرْآن على الْحَقِيقَة مَكْتُوب فى الْمَصَاحِف مَحْفُوظ فى قُلُوب الْمُؤمنِينَ مقروء متلو على الْحَقِيقَة بألسنة القارئين من الْمُسلمين كَمَا أَن الله تَعَالَى على الْحَقِيقَة لَا على الْمجَاز معبود فى مَسَاجِدنَا مَعْلُوم فى قُلُوبنَا مَذْكُور بألسنتنا وَهَذَا وَاضح بِحَمْد الله وَمن زاغ عَن هَذِه الطَّرِيقَة فَهُوَ قدرى معتزلى يَقُول بِخلق الْقُرْآن وَأَنه حَال فى الْمُصحف نَظِير مَا قَالُوا إِنَّه لما أسمع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَلَامه خلق كَلَامه فى الشَّجَرَة وَهَذَا من فضائح الْمُعْتَزلَة الَّتِى لَا يخفى فَسَادهَا على مُحَصل وَذَلِكَ أَن عِنْد الجبائى الذى هُوَ رَئِيس الْقَدَرِيَّة البصرية أَن الْقُرْآن يحل فى جَمِيع الْمَصَاحِف وَلَا يزْدَاد بِزِيَادَة الْمَصَاحِف وَلَا ينقص بنقصانها وَهُوَ حَال فى حَالَة وَاحِدَة فى ألف ألف مصحف وَإِذا زيد فى الْمَصَاحِف يحصل فِيهَا وَإِذا نقصت الْمَصَاحِف وَبَطلَت لم يبطل الْكَلَام وَلم ينقص وَلَئِن لم يكن هَذَا قولا متناقضا فَاسِدا فَلَا محَال فى الدُّنْيَا وَأما البغداديون من الْمُعْتَزلَة فعندهم كَلَام الله عز وَجل كَانَ أعراضا حِين خلقه وَالْقُرْآن عِنْدهم كَانَ أعراضا وَلَا يجوز عِنْدهم الْبَقَاء على الْأَعْرَاض فعلى مَذْهَبهم لَيْسَ لله إِلَّا كَلَام مَوْجُود على الْحَقِيقَة وَالْقُرْآن الذى أنزلهُ الله عز وَجل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بباق الْيَوْم وَلَا مَوْجُود وَمن ينتحل مثل هَذِه الْبدع ثمَّ يرْمى خَصمه بِمَا هُوَ برِئ مِنْهُ فَالله سُبْحَانَهُ حسيبه وَجَمِيع أهل التَّحْصِيل شُهَدَاء على بَهته وَأما مَا قَالُوا إِن الأشعرى يَقُول بتكفير الْعَوام فَهُوَ أَيْضا كذب وزور وَقصد من يتعنت بذلك تحريش الجهلة وَالَّذين لَا تَحْصِيل لَهُم عَلَيْهِ كعادة من لَا تَحْصِيل لَهُ فى تَقوله بِمَا لَا أصل لَهُ وَهَذَا أَيْضا من تلبيسات الكرامية على الْعَوام وَمن لَا تَحْصِيل لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 فَإِنَّهُم يَقُولُونَ الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار الْمُجَرّد وَمن لَا يَقُول الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار انسد عَلَيْهِ طَرِيق التَّمْيِيز بَين الْمُؤمن وَبَين الْكَافِر لأَنا إِنَّمَا نفرق بَينهمَا بِهَذَا الْإِقْرَار وَغير الكرامية من غير أهل الْقبْلَة لَا يجوز هَذَا السُّؤَال وَجَمِيع أهل الْقبْلَة سوى الكرامية فى الْجَواب عَن هَذَا السُّؤَال متساوون وَذَلِكَ أَن الْإِيمَان عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث جَمِيع الطَّاعَات فَرضهَا ونفلها والانتهاء عَن جَمِيع مَا نهى الله عَنهُ تَحْرِيمًا وتنزيها وَعند أَبى الْحسن الأشعرى رَحمَه الله الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق وَهَذَا مَذْهَب أَبى حنيفَة رضى الله عَنهُ وَالظَّن بِجَمِيعِ عوام الْمُسلمين أَنهم يصدقون الله تَعَالَى فى إخْبَاره وَأَنَّهُمْ عارفون بِاللَّه مستدلون عَلَيْهِ بآياته فَأَما مَا تنطوى عَلَيْهِ العقائد ويستكن فى الْقُلُوب من الْيَقِين وَالشَّكّ فَالله تَعَالَى أعلم بِهِ وَلَيْسَ لأحد على مَا فى قلب أحد اطلَاع فَنحْن نحكم لجَمِيع عوام الْمُسلمين بِأَنَّهُم مُؤمنُونَ مُسلمُونَ فى الظَّاهِر ونحسن الظَّن بهم ونعتقد أَن لَهُم نظرا واستدلالافى أَفعَال الله وَأَنَّهُمْ يعرفونه سُبْحَانَهُ وَالله أعلم بِمَا فى قُلُوبهم وَلَيْسَ كل مَا يحكم بِهِ على النَّاس بِأَحْكَام الْمُسلمين هُوَ عين الْإِيمَان فَإِن الدَّار إِذا كَانَت دَار إِسْلَام وَوجدنَا شخصا لَيْسَ مَعَه غيار الْكفَّار فَإنَّا نَأْكُل ذَبِيحَته ونصلى خَلفه وَلَو وَجَدْنَاهُ مَيتا لغسلناه ونصلى عَلَيْهِ وندفنه فى مَقَابِر الْمُسلمين ونعقد مَعَه عقد الْمُصَاهَرَة وَإِن لم نسْمع مِنْهُ الْإِقْرَار وَكَونه بزى الْمُسلمين بالِاتِّفَاقِ لَيْسَ بِإِيمَان وَبِذَلِك نجرى عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُؤمنِينَ وَكَذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ نجرى عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَ الْإِيمَان غير الْإِقْرَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 فَإِن قيل فقد قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} {وَلَا تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا} وَإِذا أَتَى بِالْإِقْرَارِ حكمنَا بإيمانه فَعلم أَن الْإِقْرَار هُوَ الْإِيمَان قيل هَذَا كسؤال الكرامية وَلَا يخْتَص الأشعرى بجوابه فَجَمِيع من لَا يَقُول إِن الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار الْمُجَرّد مشتركون فى الْجَواب عَن هَذَا وَجَوَاب الْجُمْهُور أَنا بِإِقْرَارِهِ نحكم فى الظَّاهِر بإيمانه وَالله أعلم بِحَقِيقَة حَاله فى صدقه وَكذبه وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} ثمَّ إِذا قَالَت قد طهرت جَازَ قربانها وَإِن جَاءَ أَن يكون حَالهَا فى المغيب بِخِلَاف مَا قَالَت فَكَذَلِك هَذَا فَإِن قَالُوا فالأشعري يَقُول إِن الْعَوام إِذا لم يعلمُوا علم الْكَلَام فهم أَصْحَاب التَّقْلِيد فليسوا بمؤمنين قيل هَذَا أَيْضا تلبيس ونقول إِن الأشعرى لَا يشْتَرط فى صِحَة الْإِيمَان مَا قَالُوا من علم الْكَلَام بل هُوَ وَجَمِيع أهل التَّحْصِيل من أهل الْقبْلَة يَقُولُونَ يجب على الْمُكَلف أَن يعرف الصَّانِع المعبود بدلائله الَّتِى نصبها على توحيده وَاسْتِحْقَاق نعوت الربوبية وَلَيْسَ الْمَقْصُود اسْتِعْمَال أَلْفَاظ الْمُتَكَلِّمين من الْجَوْهَر وَالْعرض وَإِنَّمَا الْمَقْصُود حُصُول النّظر وَالِاسْتِدْلَال الْمُؤَدى إِلَى معرفَة الله عز وَجل وَإِنَّمَا اسْتعْمل المتكلمون هَذِه الْأَلْفَاظ على سَبِيل التَّقْرِيب والتسهيل على المتعلمين وَالسَّلَف الصَّالح وَإِن لم يستعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ لم يكن فى معارفهم خلل وَالْخلف الَّذين استعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ لم يكن ذَلِك مِنْهُم لطريق الْحق مباينة وَلَا فى الدّين بِدعَة كَمَا أَن الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء عَن زمَان الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ استعملوا أَلْفَاظ الْفُقَهَاء من لفظ الْعلَّة والمعلول وَالْقِيَاس وَغَيره ثمَّ لم يكن استعمالهم بذلك بِدعَة وَلَا خلو السّلف عَن ذَلِك كَانَ لَهُم نقصا وَكَذَلِكَ شَأْن النَّحْوِيين والتصريفيين ونقلة الْأَخْبَار فى أَلْفَاظ تخْتَص كل فرقة مِنْهُم بهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 فَإِن قَالُوا إِن الِاشْتِغَال بِعلم الْكَلَام بِدعَة وَمُخَالفَة لطريق السّلف قيل لَا يخْتَص بِهَذَا السُّؤَال الأشعرى دون غَيره من متكلمى أهل الْقبْلَة ثمَّ الاسترواح إِلَى مثل هَذَا الْكَلَام صفة الحشوية الَّذين لَا تَحْصِيل لَهُم وَكَيف يظنّ بسلف الْأمة أَنهم لم يسلكوا سَبِيل النّظر وَأَنَّهُمْ رَضوا بالتقليد حاش لله أَن يكون ذَلِك وَصفهم وَلَقَد كَانَ السّلف من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم مستقلين بِمَا عرفُوا من الْحق وسمعوا من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَوْصَاف المعبود وتأملوه من الْأَدِلَّة المنصوبة فى الْقُرْآن وإخبار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى مسَائِل التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ التابعون وَأَتْبَاع التَّابِعين لقرب عَهدهم من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ظهر أهل الْأَهْوَاء وَكثر أهل الْبدع من الْخَوَارِج والجهمية والمعتزلة والقدرية وأوردوا الشّبَه انتدب أَئِمَّة السّنة لمخالفتهم والانتصار للْمُسلمين بِمَا ينير طريقهم فَلَمَّا أشفقوا على الْقُلُوب أَن تخامرها شبههم شرعوا فى الرَّد عَلَيْهِم وكشف فسقهم وأجابوهم عَن أسئلتهم وتحاموا عَن دين الله بإيضاح الْحجَج وَلما قَالَ الله تَعَالَى {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} تأدبوا بآدابه سُبْحَانَهُ وَلم يَقُولُوا فى مسَائِل التَّوْحِيد إِلَّا بِمَا نبههم الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ فى مُحكم التَّنْزِيل وَالْعجب مِمَّن يَقُول لَيْسَ فى الْقُرْآن علم الْكَلَام والآيات الَّتِى فى الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والآيات الَّتِى فِيهَا علم الْأُصُول يجدهَا توفى على ذَلِك وتربى بِكَثِير وفى الْجُمْلَة لَا يجْحَد علم الْكَلَام إِلَّا أحد رجلَيْنِ جَاهِل ركن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 إِلَى التَّقْلِيد وشق عَلَيْهِ سلوك أهل التَّحْصِيل وخلا عَن طَرِيق أهل النّظر وَالنَّاس أَعدَاء مَا جهلوا فَلَمَّا انْتهى عَن التحقق بِهَذَا الْعلم نهى النَّاس ليضل غَيره كَمَا ضل أَو رجل يعْتَقد مَذَاهِب فَاسِدَة فينطوى على بدع خُفْيَة يلبس على النَّاس عوار مذْهبه ويعمى عَلَيْهِم فضائح طويته وعقيدته وَيعلم أَن أهل التَّحْصِيل من أهل النّظر هم الَّذين يهتكون السّتْر عَن بدعهم ويظهرون للنَّاس قبح مقالتهم والقلاب لَا يحب من يُمَيّز النُّقُود والخلل فِيمَا فى يَده من النُّقُود الْفَاسِدَة لَا فى الصراف ذى التَّمْيِيز والبصيرة وَقد قَالَ الله تَعَالَى {هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ} وَلما ظهر ابْتِدَاء هَذِه الْفِتْنَة بنيسابور وانتشر فى الْآفَاق خَبره وَعظم على قُلُوب كَافَّة الْمُسلمين من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَثَره وَلم يبعد أَن يخَامر قُلُوب بعض أهل السَّلامَة والوداعة توهم فى بعض هَذِه الْمسَائِل أَن لَعَلَّ أَبَا الْحسن على بن إِسْمَاعِيل الأشعرى رَحمَه الله قَالَ بِبَعْض المقالات فى بعض كتبه وَلَقَد قيل من يسمع يخل أثبتنا هَذِه الْفُصُول فى شرح هَذِه الْحَالة وأوضحنا صُورَة الْأَمر بِذكر هَذِه الْجُمْلَة ليضْرب كل من أهل السّنة إِذا وقف عَلَيْهَا بسهمه فى الِانْتِصَار لدين الله عز وَجل من دُعَاء يخلصه واهتمام يصدقهُ وكل عَن قُلُوبنَا بالاستماع إِلَى شرح هَذِه الْقِصَّة يحلمه بل ثَوَاب من الله سُبْحَانَهُ على التوجع بذلك يستوجبه وَالله غَالب على أمره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 وَله الْحَمد على مَا يمضيه من أَحْكَامه ويبرمه ويقضيه فى أَفعاله فِيمَا يُؤَخِّرهُ ويقدمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا تمت الشكاية ذكر الرسَالَة الْمُسَمَّاة زجر المفترى على أَبى الْحسن الأشعرى وَهَذِه الرسَالَة صنفها الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة ضِيَاء الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن عمر بن يُوسُف بن عمر بن عبد الْمُنعم القرطبى وَقد وَقع فى عصره من بعض المبتدعة هجو فى أَبى الْحسن فألفها ردا على الهاجى الْمَذْكُور وَبعث بهَا إِلَى شيخ الْإِسْلَام تقى الدّين أَبى الْفَتْح ابْن دَقِيق الْعِيد إِمَام أهل السّنة وَقد كَانَت بَينهمَا صداقة ليقف عَلَيْهَا فَوقف عَلَيْهَا وقرظها بِمَا سنحكيه بعد الِانْتِهَاء مِنْهَا وهى (أَسِير الْهوى ضلت خطاك عَن الْقَصْد ... فها أَنْت لَا تهدى لخير وَلَا تهدى) (سللت حساما من لسَانك كَاذِبًا ... على عَالم الْإِسْلَام وَالْعلم الْفَرد) (تمرست فى أَعْرَاض بَيت مقدس ... رمى الله مِنْك الثغر بِالْحجرِ الصلد) (ضلالك والغى اللَّذَان تألفا ... هما أورداك الْفُحْش من مورد عد) (هما أسخنا عين الدّيانَة وَالْهدى بِمَا ... نثرا من ذمّ وَاسِطَة العقد) (هما أضرما نَارا بهجوك سيدا ... ستصلى بهَا نَارا مسعرة الوقد) (وَمَا أَنْت والأنساب تقطع وَصلهَا ... وَمَا أَنْت فِيهَا من سعيد وَلَا سعد) (خطوت إِلَى عرض كريم مطهر ... أرى الله ذَاك الخطو جَامِعَة الْقد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 (أيا جَاهِلا لم يدر جهلا بجهله ... أتعلو ثغور القاع فى قنن الْمجد) (لقد طفئت نَار الْهوى من علومكم ... إِلَى لتقدح نَار هديك من زندى) (أصخ لصريخ الْحق فَالْحق وَاضح ... فَلم لَا تصخ أصميت سمعا عَن الرَّعْد) (وطهر عَن الإضلال ثَوْبك إِنَّه ... لأدنس مِمَّا مَسّه وضر الزند) (فيا قعديا عَن معالى أولى النهى ... وَيَا قَائِما بِالْجَهْلِ ضدان فى ضد) (أفق من ضلال ظلت تُوضَع نَحوه ... وتسرع إسراع المطهمة الجرد) (وَصَحَّ رويدا إِن دون إمامنا ... سيوف عُلُوم سلها الله من غمد) (لأيدى شُيُوخ حنكتهم يَد الْهدى ... وأيدى كهول فى غطارفة مرد) (يصولون بِالْعلمِ الْمُؤَيد بالتقى ... وَقد لبسوا درع الْهدى مُحكم السرد) (إِذا برزوا يَوْم الْجِدَال تخالهم ... أسود شرى لَا بل أجل من الْأسد) (وَإِن نطقوا مدت يَد الله سرهم ... بِمَا سرهم فى الدّين يالك من مد) (هم أوردونا أبحرا من علومهم ... مفجرة من غير جزر وَلَا مد) (هم الْقَوْم فاحطط رَحل دينك عِنْدهم ... لتنشد دين الله فى موطن النشد) (يجيئون إِن جَاءُوا بآيَات رَبهم ... وتأتيهم إِن جِئْت بالآى عَن مرد) (لشتان مَا بَين الْفَرِيقَيْنِ فى الْهدى ... كشتان مَا بَين اليزيدين فى الرفد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 (ضللتم عَن التَّقْوَى وظلل هديها ... علينا بفئ وارف الظل وَالْبرد) (فَنحْن بهَا فى رَوْضَة من هِدَايَة ... مفتحة الأزهار فائحة الْورْد) (تميس بهَا أعطافنا ثنى حلَّة ... خلوقية الأردان سابغة الْبرد) (نشاهده حسنا ونجنيه طيبا ... وَنَشْرَب كأس الْفضل من غير مَا جهد) (وَرَاءَك عَن هَذَا الْمحل فَإِنَّهُ ... مَحل جلال لست مِنْهُ على حد) (ودونك فالبس برد جهلك مائسا ... بعطفيك فى الإغواء يَا عَابِد البد) (فَإِن كنت بالتجسيم دنت فعندنا ... أسنة علم فى مثقفة صلد) (زعمت بِأَن الله شئ مجسم ... تبين رويدا مَا أُمَامَة من هِنْد) (فَإِن كَانَ مسلوب انْتِهَاء جعلته ... بقاذورة الأجساد وَالْمَيِّت واللحد) (وفى الْكَلْب وَالْخِنْزِير والوزغ والهبا ... وفى مثل هَذَا النَّوْع يَا وَاجِب الْقد) (وفى البق والبرغوث والذر والذى ... أجل وَأدنى مِنْهُ فى الْقد وَالْعد) (وفى حشرات الأَرْض والترب والحصى ... ضَلَالَة مَا رواكه شيخك النجدى) (وفى سَائِر الْمَوْجُود يَا أَخبث الورى ... مقَالا تَعَالَى الله يَا نَاقض الْعَهْد) (وَإِن كَانَ لَا سلب انْتِهَاء جعلته ... أقل من الْمَخْلُوق فى زعمك المردى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 (وَقلت إِلَه الْعَرْش فى الْعَرْش كَونه ... وأنى لمحدود بِمن جلّ عَن حد) (فحددته من حَيْثُ أنْكرت حَده ... ويلزمك التَّخْصِيص فى العمق وَالْقد) (وَيلْزم أَن الله مَخْلُوق خَالق ... لقد جِئْت فى الْإِسْلَام بالمعضل الأد) (وَقلت لذات الله وصف تنقل ... وَحَالَة قرب عَاقَبت حَالَة الْبعد) (وخيلت ذَات الله فى أعين الورى ... لمحسوسة الْأَجْسَام أَخْطَأت عَن عمد) (وحددت تكييفا وكيفت جَاهِلا ... أقست على حاليك فى الْعَكْس والطرد) (وَأنْكرت تَشْبِيها وشبهت لَازِما ... وَأثبت ضد الْعقل فى منتفى الضِّدّ) (حللت عرى الْإِسْلَام من عقدك الذى ... تدين فجَاء الْحل من قبل العقد) (وزيفت فى نقد اعتقادك فاغتدى ... وَقد جَاءَ زيف الدّين من قبل النَّقْد) (سللت حسام الغى فى غمدك الْهدى ... فسلك من دين الْهِدَايَة بالغمد) (بنيت ضلالا إِذْ هددت شَرِيعَة ... فأسست بُنيان الضَّلَالَة بالهد) (مددت لِسَانا للْإِمَام فقصرت ... يَد الرشد فالتقصير من جَانب الْمَدّ) (كَذَا عَن طَرِيق الدّين يَا أخفش الْهدى ... وَصرح بِمَا تخفى عَن الدّين من ضد) (فقد وضحت آثَار غيك فى الورى ... كَمَا وضحت فى سوأة خصيتا قرد) (بتبيين هَذَا الحبر من نور علمه ... دجى عقلك الهاوى وأقوالك الربد) (فَرد معانيك الخبيثة علمه ... وغادرها فى الْجَهْل صاغرة الخد) (وسل حساما من بَيَان فهومه ... فَرد سيوف الغى مفلولة الْحَد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 وَأبْدى علوما ميزت فضل فَضله ... كتمييز ذى البردين وَالْفرس الْورْد) (فَجَاءَت مجئ الصُّبْح وَالصُّبْح وَاضح ... وسارت مسير الشَّمْس وَالشَّمْس فى السعد) (وفاضت فَفَاضَتْ أنفس من عداته ... وغاضت وَمَا غاضت على كَثْرَة الْورْد) (وآضت رياض الْعلم مطلولة الثرى ... بسح غمام الْفضل منسكب الْعَهْد) (وجادت بنشر الدّين فى عَالم الْهدى ... فَجَاءَت بنشر لَا العرار وَلَا الرند) (من الحكم اللاتى تضوع عرفهَا ... فعد عَن الْورْد المضاعف والند) (سللن سيوف الْحق فى موطن الْهدى ... فغادرن صرعى الْمُلْحِدِينَ بِلَا لحد) (وأيدن دين الله فى أفق الْعلَا ... بِلَا منصل عضب وَلَا فرس نهد) (وشيدن أَعْلَام الْحَقَائِق فى الورى ... فَللَّه مِنْهَا من تجن وَمَا تبدى) (ومجدن ذَات الله تمجيد عَالم ... بِمَا يسْتَحق الله من صفة الْمجد) (وكذبن دَعْوَى كل غاو مجسم ... بِمَا رد من قَول لَهُ وَاجِب الرَّد) (وأمضين حكم النَّقْل وَالْعقل فاحتوى ... كَلَام إِمَام الْحق مجدا على مجد) (معَان إِذا جَاشَتْ ميادين فَضلهَا ... أخذن بأعناق الْأَنَام إِلَى الرشد) (وَإِن كنت عدليا يحكم عقله ... برد مُرَاد الله عَن بعض مَا قصد) (وإمضاء مَا يختاره العَبْد من هوى ... فَحكم إِلَه العَبْد دون هوى العَبْد) (وتجحد تشفيع الرَّسُول وَأَنه ... يرى الله يَوْم الْحَشْر أُفٍّ لذى الْجحْد) (وتنفى صِفَات الله جلّ جَلَاله ... وتزعم أَن الآى محدثة الْعَهْد) (وَتلْزم إِيجَابا على الله فعله ... لأصلح مَا يرضى وَأفضل مَا يجدى) (فجانب هَاتين الطَّرِيقَيْنِ علمه ... كَمَا جَانب القيسى فى النّسَب الأزدى) (وَقَالَ بِإِثْبَات الصِّفَات وذاتها ... وسلب صِفَات النَّفس عَن صَمد فَرد) (فَمن مُوجب يَوْمًا على الله حكمه ... وَمن ذَا الذى يحْتَج إِن هُوَ لم يهد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 (وَمن ذَا الذى يقْضى بِغَيْر قَضَائِهِ ... وَمن ذَا الذى عَن قهر عزته يحدى) (وَهل حَاكم فى الْخَيْر وَالشَّر غَيره ... إِذا شَاءَ أمرا لم ترده يدا رد) (هُوَ الله لَا أَيْن وَلَا كَيفَ عِنْده ... وَلَا حد يحويه وَلَا حصر ذى حد) (وَلَا الْقرب فى الْأَدْنَى وَلَا الْبعد والنوى ... يُخَالف حَالا مِنْهُ فى الْقرب والبعد) (فَمن قبل قبل الْقبل كَانَ وَبعده ... يكون بِلَا حصر لقبل وَلَا بعد) (تنزه عَن إِثْبَات جسم وسلبه ... صِفَات كَمَال فاقف رسمى أَو حدى) (تبَارك مَا يَقْضِيه يمضى وَمَا يشا ... يكون بِلَا بَدْء عَلَيْهِ ولابد) (تقدس مَوْصُوفا وَعز منزها ... وَجل عَن الأغيار منسلب الْفَقْد) (هُوَ الْوَاجِب الْأَوْصَاف والذات فاطرح ... سواهَا من الْأَقْوَال فهى الَّتِى تردى) (هُوَ الْحق لَا شئ سواهُ فَمن يزغ ... ضلالا فَإنَّا لَا نزيغ عَن الْقَصْد) (هُوَ الْفَاعِل الْمُخْتَار لَيْسَ بِمُوجب ... لشئ من الْمَخْلُوق فى أنفس الْفَرد) (وَلَيْسَ إِلَه الْخلق عِلّة خلقه ... وَلَكِن فعل الله علية الوجد) (وَلَا نِسْبَة بَين الْعباد وَبَينه ... وَهل عِلّة إِلَّا مُنَاسبَة تجدى) (هُوَ الْوَاصِل النعاب لطفا بضعفه ... على فَقده من أمه صلَة الوجد) (هُوَ الْخَالِق الأشباح فى ظلم الحشا ... هُوَ الكافل الطِّفْل الرَّضِيع لَدَى المهد) (أدر لَهُ من جلدتين لبانه ... ولولاه لم يسق اللبان من الْجلد) (فهذى فُصُول من أصُول كَثِيرَة ... على قصر النّظم المقصر عَن قصدى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 (وَإِلَّا ففى أبحاثه وعلومه ... غوامض أسرار تلوح لذى الرشد) (أيجحد فضل الأشعرى موحد ... وَمَا زَالَ يهدى من مَعَانِيه مَا يهدى) (من الْكَلم اللاتى قصمن بحدها ... عرى بَاطِل الْإِلْحَاد كالصارم الهندى) (فيا جاحدا هَذَا الإِمَام مَحَله ... من الْعلم وَالْإِيمَان وَالْعَمَل المجدى) (هى الشَّمْس لَا تخفى على عين مُسلم ... سوى مقلة عمياء أَو أعين رمد) (فوَاللَّه لَوْلَا الأشعرى لقادنا ... ضلالكم الهادى إِلَى أسوإ الْقَصْد) (جزى الله ذَاك الحبر عَنَّا بفضله ... جَزَاء يرقيه ذرى درج الْخلد) (وحمدا لربى فَهُوَ مهديه للورى ... وَللَّه أولى بالجميل وبالحمد) أَيْن حطت مطايا هَذَا الْجَاهِل الغبى والمبطل الغوى والملحد البدعى (أنخ لى إِلَى مغناه يَا بارق الْهدى ... فقد وقدت بَين الحشا نَار هِجْرَة) (وصلنى بتعريف مَحل قراره ... لأوصله منى إدامة هجره) (وأصليه من فكرى بذاكى ذكائه ... أقلبه مِنْهُ على حر جمره) (وأهديه من داجى الضلال بنير ... ينير لَهُ عندى السرى وَجه فجره) وَإِلَّا فدله على دلَالَة العصفور على حَبَّة الفخ واهده إِلَى هِدَايَة العادى إِلَى نصل الْجرْح لَا يفهم سِهَام كلامى إِلَيْهِ وأوقد سِهَام كلامى عَلَيْهِ وأفقأ بِالنّظرِ بَاب ناظريه وأفك بالبديهيات ماضغيه وأقفه من ثنايا خطاه على شفا جرف هار وأجنيه من ردايا خطله شَجَرَة خبيثة اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار وأسمه بميسم الصغار وأغره عَن الْأسود بن غفار وأعلمه أَنه فى مَذْهَب أَئِمَّة الْحق ثانى اثنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 الْكفَّار إِن لم يكن عين الْكفَّار وأنتصر للثاوى فى جنَّات الله أشرف الِانْتِصَار وأوضح لَهُ أَن لَهُ فى كل زمَان أنصارا من الْأَنْصَار (إِذا أعملوا أفكارهم نَاب قَوْلهَا ... عَن السَّيْف يَوْم الروع تدمى شفاره) (وَإِن أظلمت آفَاق خطب بدوا بِهِ ... شموس معَان فاستبان نَهَاره) وأناقش أَلْفَاظه الَّتِى باعدها من مَعَانِيهَا وأعراضه الَّتِى ثوب بِشَيْطَان الضَّلَالَة داعيها وإشارته الَّتِى نعق فى فِئَة الضَّلَالَة غاويها (كَمَا صَاح بالمهراس إزب ضَلَالَة ... وَكَانَ لدين الله عَاقِبَة النَّصْر) (وَمَا برح الْإِيمَان فى كل عصرة ... يكَاد فَهَذَا الْإِرْث فى آخر الْعَصْر) وَهَا أَنا أناديه من كثب التِّبْيَان بِلِسَان الْبَيَان وأناجيه من وُجُوه الْعلم بمقلة الحسان وأقذى عينه من عَمه قذاها وأغسل فكره من دنس أذاها وَأَرْفَع لَهُ علم إِرَادَة هداها فإمَّا رَجْعَة إِلَى سَبِيل الرشاد عَن غية وَإِمَّا صرعة على مهاد العنا من بغيه وَاعْلَم أرشدك الله أَن الله وعد مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِظْهَار دينه على الدّين كُله وَضمن لَهُ ضَمَان الْحق والصدق فى فرع الْإِيمَان وَأَصله فَتَأمل بِعَين الْإِيمَان وَقَلبه وأصخ إِلَى الْحق إصاخة مسترشد بربه كَيفَ سير الله فى الْعَالم علم هَذَا الْعَالم واستودعه فى الْمَشَارِق والمعارب قُلُوب الْأَعَاجِم والأعارب وَعم بِهِ الْمجَالِس والمدارس وأخرس عَنهُ الباغى المناقب والحاسد المنافس وَجرى بذهنه على الْإِطْلَاق جرى السَّيْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 وامتد على الْآفَاق امتداد اللَّيْل وملأ عرض الأَرْض مَا بَين السها وَسُهيْل فَلَا ينْطق ذامه إِلَّا همسا وَلَا يسمع لكَافِر فى الإعلان جرسا (والستر دون الفاحشات وَمَا ... يلقاك دون الْخَيْر من ستر) إِنَّمَا يتراضعون بغضه تراضع الفئة الْفَاجِرَة ويتواضعون ذمه تواضع من ذكر الدُّنْيَا ونسى الْآخِرَة لَا يظهرونه إِلَى الإعلان عَن الْأَسْرَار وَلَا تنطق بِهِ شفاههم إِلَّا كأخى السرَار (ويطوون دَاء الْفضل فى نشر جهلهم ... فأقبح بِذَاكَ الطى فى ذَلِك النشر) (هم سفهوا آراءنا وإمامنا ... وموعدنا وَالْقَوْم مُجْتَمع الْحَشْر) ثمَّ انْظُر إِلَى عُلَمَاء الْأمة الَّذين درجوا فى دَرَجَات الإفادة مِنْهُ وتخرجوا بِكَلِمَات الْعلم المنقولة عَنهُ كَيفَ تناقلتهم الْأَعْصَار وتهادتهم الْأَمْصَار وطلعوا فى كل أفق طُلُوع الشَّمْس ونسخوا بمحكمات علومهم كل لبس وقضوا من كشف غوامض الْكتاب وَالسّنة كل حَاجَة فى النَّفس أَئِمَّة تشد إِلَيْهِم الرّحال وتحط وعلماء تدار على أَقْوَالهم معالم الْإِيمَان وتحط كَابْن الباقلانى والإسفراينى وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَابْن العربى والغزالى والمادرى وَأَبُو الْوَلِيد والرازى وَغَيرهم مِمَّن اخْتلفت إِلَيْهِ أَعْنَاق الرفاق وملأ بِعِلْمِهِ ظُهُور الظَّوَاهِر وبطون الأوراق وطلع طُلُوع الشَّمْس فى الْآفَاق وتوازر على نَصره السَّيْف والقلم وانتشر عَنهُ الْعلم وانتشر عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ الْعلم بِمَا تأصل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 من أصُول هَذَا الإِمَام وتفرع من فروعه وتفرق فى أَعْلَام الْأمة من مَجْمُوعَة وأبانه من نجم هدايته الذى مَا أفل من حِين طلوعه وأبداه من دقائق الْعلم الَّتِى دلّت على أَن روح الْقُدس نفث فى روعه (فأطلعها شمسا أنارت بهديها ... معالم دين الله واسترشد العلما) (هدت مبصرا فى الدّين وَاضح رشده ... وضل بهَا من كَانَ فى هَذِه أعمى) إِلَى غير ذَلِك من امتداد باعهم فى الْإِمَامَة وَكَون كل منتسب إِلَى علم يَقع مِنْهُ موقع القلامة (كل صدر إِذا تصدر يَوْمًا ... شهِدت كل أمة بعلاه) (وَإِذا مَا ابتدى لفصل جِدَال ... شرف الله من هدى بهداه) فأرنى إِمَامًا من أَئِمَّة المجسمة لم يجمجم فى أَقْوَاله وَلم يخف إخفاء الْهمزَة مَا بَين حم من ضلاله إِنَّمَا يتواحر بِهِ أنحاء الْيَهُود بأنبائها إِلَى أبنائها ويتهادونه تهادى الفجرة ضَلَالَة إغوائها ويتعاوون بِهِ تعاوى الْكلاب المتجاوبة فى عوائها فأى المذهبين تكفل الله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى إعلاء كَلمته وأى الْقَوْلَيْنِ أشهر شهرة وأوضح ظهورا فى مِلَّته فاجتن مَا غرسته لَك فى رياض الْعلم ناميا واجتل حسن هديتى إِلَيْك فَإِن كنت مهتديا فقد وجدت هاديا وحذار أَن ترد البضائع مَاؤُهَا عذب وتصدر فى الظهيرة ظاميا وتزيد شمس الدّين وَاضح رشدها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 فتصد عَنْهَا أخفش متعاميا فَرد مشرع الدّين ليطف من حر نارك وتبصر عين الْيَقِين لتشف من عين عوارك فقد نشرت لَك علم الْعلم لتأتم بآثاره وأوضحت لَك بدر التم لتهتدى بأنواره وَأخذت بحجزتك عَن مهوى الْجَهْل فَلَا تصطلى بناره (فَإنَّك إِن تفعل فراشة عثة ... أَبَت بعد مس النَّار إِلَّا هلاكها) (وَقد وضحت شمس الْأَدِلَّة فاستبن ... وَلَا توثقن نفسا بِغَيْر فكاكها) فَادْخُلْ أَنْت وأشياعك من بَاب سلم التَّسْلِيم وَقُولُوا حطة وتخط بواضح هَذَا التفهيم مدرجة هَذِه الْحِنْطَة وأفق بمداواة هَذَا التَّعْلِيم من مرض هَذِه الخطة وَإِلَّا فَإِن أَعْلَام الْأَئِمَّة منشورة وسيوف الْأَدِلَّة مَشْهُورَة وجيوش عُلَمَاء الْأمة فى المواقف على الْمُلْحِدِينَ منصورة وأعداؤهم مَا بَرحت شبه ضلالتهم بحجج الْحَقَائِق مقهورة {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره} (فَخذ بيد الْإِيمَان إِن كنت مُؤمنا ... وَخذ بيد الْإِسْلَام إِن كنت مُسلما) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 (وهاك يدى عهدا عَن الله أَنه ... سيكفيك إِن تابعت رأيى جهنما) فقد وَالله محضتك النَّصِيحَة مرشدا وَأخذت بِنَفْسِك مغورا فَأخذت بك منجدا (لأشفيك يَا عَارِيا مُبْطلًا ... بطبى من دائك الممرض) (وأقضيك عَن عرض هَذَا الإِمَام ... وَإِن كنت للذل لَا تقتضى) (وأهديك من كَلِمَات الْهدى ... بهادى سنا بارق مومض) (وأكحلك بالصاب أَو بالجلا ... فَفتح لكحلى أَو غمض) وَلَو عقلت رشدك وصنت عَن الاغتياب عقدك لحسن بك أَن تتخالف عَن هَذَا المشرع الذميم وتتحلى بِهَذَا العقد النظيم من كَلِمَات الْفَاضِل الْحَكِيم (لَا تضع من شرِيف قدرا وَإِن كنت ... مشارا إِلَيْك بالتعظيم) (فالشريف الْعَظِيم ينحط قدرا ... بالتعدى على الشريف الْعَظِيم) (ولع الْخمر بالعقول رمى الْخمر ... بتنجيسها وبالتحريم) وَلَا تطرد هَذَا الْقيَاس أيدك الله فى وفيك وَخذ جَوَاب ذَلِك قبل أَن تنطق بِهِ شفتا فِيك فَإِن الله لم يدنك من رتب جلالته وَلَا رقاك إِلَى أقل جُزْء من عالى دَرَجَته (فَإنَّك لَا تدرى بأية موطن ... وَلَا أى وصف أَنْت فِيهِ من الْخلق) (سوى أَن قولا مِنْك جَاءَ فدلنا ... على أَن هَذَا القَوْل مَال عَن الْحق) (وحاد عَن التَّقْوَى وجار على الْهدى ... وجانب فى إعراضه جَانب الصدْق) (أتهجو إِمَام الْمُسلمين وَقد مضى ... إِلَى الله لَا قدست فى ذَلِك النُّطْق) (أجدك أَنى فِيك قَالَ فَلَا ترم ... مَكَانك أَو تلقى إِلَى كَمَا ألْقى) (لتَحكم فِينَا آيَة الْبعد أمرهَا ... فتأفل فى غرب وأطلع فى شَرق) (وتشرب كأسا من ضلالك بَاغِيا ... فقد أترعت جهلا من المورد الرنق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 (عذيرى لَو أَلْقَاك يَوْمًا بنجوة ... ضربتك بِالسَّيْفِ المهند فى الْفرق) وَاعجَبا لعين عميت عَن نور مَلأ شَرق الأَرْض وغربها وهداية أسبلت على فِئَة الضَّلَالَة غربها وجمعت على الائتمام بِهَذَا الإِمَام عجم الْإِسْلَام وعربها (فطبق آفَاق الورى فيض فَضله ... وَفَاء عَلَيْهِم بِالْهدى فئ ظله) (وَقَامَت بحار الْعلم مِنْهُ فَأَصْبَحت ... ووبلك مغمور بقطرة طله) (إِلَيْك فَهَذَا مورد مَا وردته ... وَرَاءَك حل الْفضل فِيهِ لأَهله) (فَلَا فرع فى الْإِسْلَام زاك كفرعه ... وَلَا أصل فى الْإِيمَان هاد كَأَصْلِهِ) (فَمَا انتصرت مِنْهُ مابحث علمه ... على عقله حَتَّى اسْتدلَّ بنقله) (وَلَا امْتَدَّ إِلَّا من عُلُوم رَسُوله ... وَلَا قَالَ إِلَّا عَن صائح فَضله) (وَلَا أم إِلَّا معجزات كِتَابه ... إِذا أم بحاث مُجَرّد عقله) (هُوَ السَّيْف ماضى الشفرتين فخله ... وَإِلَّا فمقتولا أَرَاك بنصله) هَذِه أيدك الله جالية صدأ الدّين ومقذية عَمه الْعين والعقيدة الآخذة يَمِين الْإِرْشَاد والذخيرة الهادية إِلَى سَبِيل الرشاد أنرت لَك بهَا مسالك سَبِيلك ورميت بشهاب حَقّهَا شَيْطَان تضليلك وجعلتها حجَّة على شبهك ومحجة لدليلك وأجنيتك بهَا روض الْإِيمَان لما حنظلت شجراتك ورويتها نارى الإتقان لما أمرت بمرآتك فاعش إِلَى ضوء نارها وَاقِف محَاسِن آثارها وَضعهَا غرَّة فى جبينك وَاجْعَلْهَا درة فى يَمِينك وأصخ بسمعك إِلَى داعى وَاجِب الْإِجَابَة وأمهد لنَفسك فى مغرس الْإِنَابَة ومقيل الإثابة فَإنَّك خطوت فى بهماء مظْلمَة وسعيت فى دحض مزلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 (أَسَأْت وَمن يسئ يَوْمًا يساء ... رويدك فالجزاء بهَا وَرَاء) (هجوت الأشعرى إِمَام حق ... بفيك الترب فَانْطَلق مَا تشَاء) (ستعلم أَيّنَا أهْدى سَبِيلا ... إِذا وَقع الْحساب أَو الْجَزَاء) (وأى المذهبين أصح قولا ... وتنزيها إِذا كشف الغطاء) (وَتشهد فى الْقِيَامَة أَن ربى ... سيشهد أَنه مِنْكُم برَاء) (أتزعم أَن رب الْعَرْش فِيهِ ... وتزعم أَن ذَاك لَهُ وعَاء) (فَإِن ألزمته فِيهِ قرارا ... فَذا زمن وَقد طَال الثواء) (وَيلْزم أَنه إِن كَانَ فِيهِ ... خلت مِنْهُ البسيطة وَالسَّمَاء) (وَإِن حركته مِنْهُ تَعَالَى ... فَيلْزمهُ حُدُوث وانتهاء) (وَيلْزمهُ التنقل فى محَال ... يُعَاقِبهَا خلاء أَو ملاء) (فَلم تتْرك من التَّشْبِيه شَيْئا ... سوى أَن قيل قد فقد السوَاء) (فداو الدّين من عَمه ورين ... فَإِن الْعلم وَالتَّقوى دَوَاء) (فقد صديت فهومكم وصدت ... عَن المثلى وَقد وجد الْجلاء) (وأمرضها فَسَاد الْعقل مِنْهَا ... مَعَ التَّخْلِيط وَامْتنع الشِّفَاء) (وَإِن كنت اعتزلت الدّين رَأيا ... تحالفه الشقاوة والغباء) (وَأثبت الْمَشِيئَة للبرايا ... وَلم تثبت لِرَبِّك مَا يَشَاء) (وَأنْكرت الْقَضَاء لَهُ انفرادا ... فَقلت لعَبْدِهِ أَيْضا قَضَاء) (وأوجبت الصّلاح عَلَيْهِ حكما ... يُخَالِفهُ العبيد إِذا أشاءوا) (فَمن يقْضى عَلَيْهِ إِن عصوه ... أمقهور إلهك أم مسَاء) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 (وعجزا عَنْهُم أم رفض فرض ... عَلَيْهِ إِن قَوْلكُم هزاء) (وَإِن تَكُ ملحدا فى الدّين أضحى ... على عينى كِتَابَته غشاء) (يعاند لَا لِمَعْنى يَقْتَضِيهِ ... سوى أَن جانبته الأتقياء) (ففى يمنى الشَّرِيعَة سيف حق ... يُؤَيّد نصله أَسد ظماء) (نطهر ديننَا بدماء قوم ... وَإِن نجست بِهِ تِلْكَ الدِّمَاء) (فَمَا خفيت وُجُوه الْعلم لَكِن ... هواكم عَم أَو غلب الشَّقَاء) (وَأَيْضًا غركم شَيْطَان جهل ... ألب بكم وأفئدة هَوَاء) (ودلالكم غرُورًا فى هواكم ... كَمَا دليت على الرخو الدلاء) (تَأمل يَا سقيم الْفَهم هَذَا ... فَإِن الْحق لَيْسَ بِهِ خَفَاء) (وحصرى الحكم إِثْبَاتًا ونفيا ... لمعتل الدَّلِيل بِهِ شِفَاء) (كأنى بالمجسم يَوْم حشر ... وَقد ضَاقَتْ بِهِ الأَرْض الفضاء) (فَنَكس رَأسه مِنْهُ حَيَاء ... وَلَكِن فَاتَ فى الدُّنْيَا الْحيَاء) (سيندم حِين يسْأَله رُجُوعا ... فَيسمع لَا لقد حم الْقَضَاء) صرف الله قُلُوبنَا عَن غباوة الْخَطَأ وغواية الخطل وبصرنا بهداية الْعَمَل عَن عماية الزلل وَأخذ بِأَيْدِينَا عَن معانقة الأمل إِلَى مراقبة الْأَجَل وأظلنا بِظِل عَرْشه فى الْموقف الجلل وهدانا إِلَى اتِّبَاع خير الرُّسُل وملة أشرف الْملَل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه المهتدين بِهِ والهادين إِلَى أشرف السبل وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا تمت بِحَمْد الله وعونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 ذكر رِسَالَة الشَّيْخ تقى الدّين بن دَقِيق الْعِيد المتضمنة تقريظ هَذِه الرسَالَة الْمَمْلُوك مُحَمَّد بن على يخْدم الجناب الْكَرِيم العالى المولوى السيدى العالمى العلمى الورعى الأفضلى الأكملى الأبرعى الأورعى المحسنى الضيائى لَا زَالَ بحرا وأنواع المعارف مَأْوَاه بَدْرًا وأوج السَّعَادَة سماؤه قطرا وعزمات المكارم أنواؤه صَدرا مِنْهُ مبدأ الشّرف وَإِلَيْهِ انتهاؤه (يقوم بنصر الدّين فى كل موطن ... بِهِ راية الْإِسْلَام تعلو وتنصب) (ويأتى إِلَى روض على دمنة لَهُ ... فتحرقه أنفاسه وَهُوَ معشب) (فَلَا عدم الْإِسْلَام مثلك ساعيا ... لَهُ رَاعيا مَا الله يرْعَى وَيطْلب) (إِذا أجمع البدعى فى الغى أمره ... وَأبْصر مَا يمليه فَهُوَ المذبذب) (وَإِن لَاحَ من تلقائه فى ظلامه ... سنا بارق إطفائه فَهُوَ خلب) (يُنَادِيه فى تقريبه لضلاله ... مِنْهُ عنقاء مغرب) (أَبى لى أَن يستهضم الْحق جهرة ... ويخذل أنصار لذاك ومغرب) (أُولَئِكَ قوم نَص أَن ظُهُورهمْ ... على الْحق مَا داموا النبى المقرب) خدمَة تقوم بِوَاجِب الْفَرْض ويملأ ثناها ذَات الطول وَالْعرض وَيصدق ودها فَلَا يُرْجَى عَلَيْهِ ثَوَاب وَلَا ينحى بِهِ منحى الْقَرْض وَيثبت عهدها فَإِذا غير النأى المحبين قَالَ هُوَ فَلَنْ أَبْرَح الأَرْض (دعاو لَهَا من سالف الود شَاهد ... يصدقهُ مِنْك الضَّمِير وَيقبل) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 (تدوم على الْأَيَّام والدهر ينقضى ... وتظفر بالبقيا إِذا خَابَ يذبل) (مَتى تنتهى الأفكار مِنْهُ لغاية ... نظن مداها آخرا وَهُوَ أول) (ويتلوه من إحسانك الجم شَاهد ... يُزَكِّيه طيب المنتمى ويعدل) وحسبك بِشَاهِدين مقبولين ومزكى بل حاكمين لَا يخْشَى حكمهمَا نقضا وَلَا حَدِيثهمَا تركا بل علمين شاهدهما من أقبل وَأدبر ونصيرهما من أضْحك وأبكى بل مفردين لَا يقبل إفرادهما تَثْنِيَة وَلَا توحيدهما شركا بل جملتين لَا يحكيهما متكلف وَإِن كَانَت الْجمل قد تحكى وَينْهى وُرُود الْكتاب الْكَرِيم وَالْإِحْسَان العميم وَالْفضل الذى هُوَ عِنْده وَعند الله عَظِيم قرينا للحسناء الَّتِى صادت وصدت الكاس وصدت فى مذهبها فَلم تجر على قَاعِدَة الْقيَاس ونفرت من الْمَمْلُوك وَلَقَد أعد لَهَا الإيناس قبل الإبساس وَعدلت عَن ربعه وَلَو مرت لقَالَ مَا فى وقوفك سَاعَة من باس هجرت والقلوب للهجر تدمى والعيون تتضرج ونشرت ولعهدى بالحسناء تتزين ثمَّ تتبرج وأخفت الْخَالِص من نقدها وَإِنَّمَا يخفى مَا يخَاف أَن يتبهرج ولعلها تصوفت فرجحت عَالم الْغَيْب على عَالم الشُّهُود أَو تفقهت فرأت أَن لَا حرج على الفار إِذا نوى أَن يعود أَو تأدبت فَقَالَ قد يرفض الأَصْل وَيخرج عَن الْمَعْهُود أَو تصرفت فمالت إِلَى الصلف وَمُخَالفَة مَحْبُوب ابْن دَاوُد فَبَاتَ الْمَمْلُوك ليالى بلَيْل المشوق وقلق من بعد مزاره فتعلل بلمح البروق وَكَيف حَال من أجدبت مراعيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 وأظلمت مساعيه فَهُوَ ينْتَظر سحبا تريق أَو أنوارا تروق وَلما كَانَ اسْتِقْبَال لَيْلَة عزوبة زفت الْبكر الَّتِى هى من جناب سيدنَا مألوفة وَبَين أهل الْعَصْر غَرِيبَة وأوفت والطفل جانح وَالنَّهَار جامح والغروب لآيَة الْمسَاء شَارِح وإنسان الْعين فى بَحر من العسجد سابح وَحِينَئِذٍ ترك الْمَمْلُوك عَسى وَلَعَلَّ وَرَأى نجم تَعْلِيله قد أفل وَحسن اخْتِيَاره قد اضمحل وَتحقّق أَن الصَّوَاب لمن وفْق غير بعيد وَمن رضى بِاخْتِيَار الله لَهُ فَهُوَ عين السعيد وَقَالَ لنَفسِهِ لَعَلَّ التَّأَخُّر ليجمع الله لَك فى لَيْلَة وَاحِدَة بَين ليلتى عيد فَتلقى راية وَصلهَا بِالْيَمِينِ وَشد يَده عَلَيْهَا لما ظفر بِالْعقدِ الثمين وَرَأى ألفاظها الساحرة تقسم على سلب الْأَلْبَاب فَلَا تمين فَلَو تمثلت أَنا بشئ لقلنا {إِنَّكُم كُنْتُم تأتوننا عَن الْيَمين} ولزمها لُزُوم الْخطب للمنابر والمقل للمحاجر والقيظ بِشَهْر ناجر والأعراض لمحالها من الْجَوَاهِر وَلم يقْض وَاجِب الصَّلَاة حَتَّى عرضهَا الْمَمْلُوك واستكملها وَأخذ مَأْخَذ الْعَزْم فَمَا فتر وَلَا لَهَا وَقَالَ لعَينه دُونك فتمتعى بحسناء لن ترى مثلهَا وتعقليه عقل الْأَدَب فَإِن عرض إِشْكَال فمنك وَإِن بهر إِحْسَان فلهَا ثمَّ عزم على أَن يبْنى عَلَيْهَا بِنَاء الأجساد على حليها والرياض على وسميها ووليها والفصحاء من أَبنَاء الْكِرَام على مولى النِّعْمَة ووليها ويجرى فى ذَلِك جواد اللِّسَان ويطمع أَن يَأْخُذ بِطرف من الْإِحْسَان وَحكم أَن لِسَان التَّقْصِير قصير وَمحل سيدنَا من الْفضل كَبِير والخدام فى نشر محاسنه كثير وَنشر سقط الْمَتَاع عين السَّفه وَلَو وقف الْمَمْلُوك عِنْد طوره لما فَاه ببنت شفه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 وَمن شرع فى أَمر وَلم يكمله فَمَا أنصفه وَالْعجز عَن دَرك الْإِدْرَاك نفس الْإِدْرَاك وَعين الْمعرفَة فَأطَال الله لسيدنا من الْعُمر مداه وأرغم بِهِ أنف المبتدعة فَمَا هم إِلَّا عداهُ وبيض وَجهه بِمَا حبر قلمه وادخر كرامته لما قدمت يَدَاهُ فصل وَأما مَا أَشَارَ بِهِ الجناب من رد الْمَمْلُوك على ذَلِك السَّاقِط وَلَو شِئْت لَقلت العافط وَقد كَانَ الْمَمْلُوك عِنْدَمَا رأى هذيانه وَسمع مَا سود من صَحِيفَته وَلسَانه بَادر بتضمين أَبْيَات يسيرَة أسْرع إِلَى مستمليها سيرة ورام أَن يعود عَلَيْهَا بالتنقيح والتهذيب فعجلت بِهِ بادرة الْغيرَة قَالَ (علمنَا ويك وانكشف الغطاء ... ولاح الْحق لَيْسَ بِهِ خَفَاء) (وحققنا بأنك غير شكّ ... ضَعِيف الرأى جؤجؤه هَوَاء) (يرى بتجمع الضدين جهلا ... ويجهل مَا رأى وَالْجهل دَاء) (وَيثبت مَا نَفَاهُ وَلَيْسَ يدرى ... أأثبت أم نفى فهما سَوَاء) (فَمَا متكمه لم يبد يَوْمًا ... لَهُ من ضوء بارقة ضِيَاء) (أَتَت بعد الْمَمَات لَهُ دهور ... فأفناه التمزق والعفاء) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 (بأعمى مِنْك عَن نظر صَحِيح ... دلائله كَمَا ارْتَفع الضحاء) (قَلِيل الدّين كَيفَ طعنت فِيمَا ... تناقله الثِّقَات الأتقياء) (وَأقسم لست تثبت نفى مَا قد ... نفيت وَلَو أطيل لَك النِّسَاء) (وَطعن الْمَرْء فى الْأَنْسَاب كفر ... كَمَا يرْوى فَهَل غلب الشَّقَاء) (جعلت الشَّك فِيمَا وَضعه أَن ... تَزُول بِهِ الشكوك والامتراء) (وطللت الَّذين حموك لما ... تكنفك العدى ودنا العداء) (فَلَو ردَّتْ إِلَيْك أُمُورهم فى ... مناظرة لجد بك الْبلَاء) (فقف لخطاك لَا تبلغ مداها ... مقَاما لَا تقوم بِهِ النِّسَاء) (وخل لملتقى الْأَبْطَال مِنْهُم ... أسودا لَا ينهنهها اللِّقَاء) (إِذا حَضَرُوا الجلاد أَتَوا بِنَار ... من الأذهان يوقدها الذكاء) (وأغنوا حَيْثُ لَا تغنى صفاح ... كَمَا أغنوا وَلَا أسل ظماء) (فكم من ملحد دلوه حَتَّى ... أقرّ بِمَا تَقول الْأَنْبِيَاء) (وَكم متفلسف قد سفهوه ... فَمَا لقديم فلسفة بَقَاء) (أَتَوا برواء حكمتهم فَلَمَّا ... أَتَى الْأَشْيَاخ لم تبْق الرواء) (وَكَانَ الْقَوْم فى حصن منيع ... عَصا ... ... ... ... . . الْهَوَاء) (فَلَمَّا حاولوه صَار أَرضًا ... سَمَاء الْحصن واستفل الْعَلَاء) (وَكَيف يكون حَالَة من سواهُم ... إِذا دَان الْخُصُوم الأقوياء) (وَأما الاعتزال وناصروه ... فَإِن حبال مَا ابتدعوا هباء) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 (وَكم من رافضى أوردوه ... موارد مَا هَناه بهَا الرواء) (وَكم من مرجئ أَو خارجى ... تبين أَن قَوْلهمَا هراء) (وَمثلك قد لقى مِنْهُم مقَاما ... يسود وَجهه ذَاك اللِّقَاء) (أُولَئِكَ عترتى وَمحل ودى ... وَقد يفضى إِلَى الشّرف اعتزاء) (رَأَوْا أَن الأساس أهم مِمَّا ... عداهُ فأتقنوه كَيفَ شَاءُوا) (وأفنوا مُدَّة الْأَعْمَار فِيهِ ... عناء حبذا ذَاك العناء) (فليتك إِذْ خبرتك لست عندى ... خَلِيلًا من أَمَام وَلَا وَرَاء) (بعيشك عِنْد نَفسك كَيفَ يبْنى ... بِلَا أصل يقوم بِهِ الْبناء) (هربت من ابتداع فى اعْتِقَاد ... تدين بِهِ فأوقعك الْقَضَاء) (لَعَلَّك تكره التَّنْزِيه مِمَّن ... يرَاهُ فَلَيْسَ فِيك لَهُ وَلَاء) (لَعَلَّك تحسب الرَّحْمَن جسما ... يلازمه التَّغَيُّر والفناء) (لَعَلَّ الصَّوْت عنْدكُمْ قديم ... مُكَابَرَة تجنبها الْحيَاء) (وقولا إِن تناقله الأعادى ... لنا سروا بِذَاكَ كَمَا نشَاء) (نَفينَا فخره عَنَّا وفزتم ... بِهِ فلكم برتبته الهناء) (هجوت فملت نَحْوك مستفيدا ... وَعند الله فى ذَاك الْجَزَاء) (فَلَو وافيتنا حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ ... بشيعتنا الْإِقَامَة والثواء) (وفهت بِمَا نطقت بِهِ لديهم ... أهنت هُنَاكَ إِن حضر الْجلاء) وأثناء هَذِه البارقة ترادفت الهموم فأظلم اللَّيْل وتكاثفت الأشغال فحطم السَّيْل وَقلت أكتفى للمخذول بِأَن أَقُول بِفِيهِ الْحجر وَله الويل وَلَكِن لما أصبح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 علم الْهِدَايَة لسيدنا مَنْصُوبًا وأجرى جواد الْبَيَان فى ميدان الْإِحْسَان فَكَانَ بحرا يعبوبا وقدح زناد الْفِكر وَرمى بناره شَيْطَان الْبِدْعَة فأمسى منكوبا فلابد للمملوك أَن يتبع الْأَثر وَيقْضى تِلْكَ الْحُقُوق وينصر أَبَا الرّوح كَمَا ينصر أَبَا الْجَسَد فكلاهما محرم العقوق وَيسْرق وقتا لذَلِك السَّبَب وَإِن كَانَت الْمَوَانِع تقوم والعوائق تعوق ويقطعه عَن أَمْثَاله وأشغاله وَمن الْعَجَائِب أَن يقطع الْمَسْرُوق 224 - على بن الْحسن بن مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه بن سنجان بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَإِسْكَان النُّون بعْدهَا جِيم ثمَّ ألف ثمَّ نون كَذَا ضَبطه ابْن الصّلاح بِخَطِّهِ السنجانى القاضى أَبُو الْحسن المروزى قَالَ الْحَاكِم كَانَ أحد فُقَهَاء الشافعيين سمع أَبَا الموجه مُحَمَّد بن عَمْرو الفزارى وأقرانه بمرو وبالعراق يُوسُف بن يَعْقُوب القاضى وأقرانه روى عَنهُ مَشَايِخنَا الْحِكَايَة بعد الْحِكَايَة وَلم يبلغ التحديث ورد نيسابور قَاضِيا بهَا سنة سِتّ عشرَة وثلاثمائة الحديث: 224 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 سَمِعت أَبَا الْحسن على بن أَحْمد العروضى الْفَقِيه يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن السنجانى قاضينا يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج يَقُول يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بالشافعى وَقد تعلق بالمزنى يَقُول رب هَذَا أفسد علومى فَأَقُول أَنا مهلا بأبى إِبْرَاهِيم فإنى لم أزل فى إصْلَاح مَا أفْسدهُ سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن يَقُول عرض على بنيسابور فِي حُكُومَة وَاحِدَة ألف دِرْهَم فرددتها وتعجبت من أَمر نيسابور ثمَّ قُمْت فَصليت رَكْعَتَيْنِ وشكرت الله على مَا وفقنى لَهُ هَذَا كَلَام الْحَاكِم وَذكره أَبُو حَفْص عمر بن على المطوعى فى كِتَابه الْمَذْهَب فى ذكر شُيُوخ الْمَذْهَب فَقَالَ أَبُو الْحسن على بن الْحسن بن سنجان السنجانى قَاض جليل الْقدر نابه الذّكر من أَصْحَاب أَبى الْعَبَّاس وَمن أحفظهم للأقاويل والتوجيهات وتقلد الْقَضَاء بنيسابور انْتهى وَمن خطّ ابْن الصّلاح فى الْمُنْتَخب الذى انتخبه من الْمَذْهَب نقلته وَضبط بِخَطِّهِ سنجان بِفَتْح السِّين وَإِسْكَان النُّون بعْدهَا ثمَّ الْجِيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 225 - على بن الْحُسَيْن بن حَرْب بن عِيسَى البغدادى القاضى أَبُو عبيد بن حربويه قاضى مصر وَأحد أَرْكَان الْمَذْهَب وَهُوَ من تلامذة أَبى ثَوْر وَدَاوُد إِمَام الظَّاهِر عَنْهُمَا حمل الْعلم سمع أَحْمد بن الْمِقْدَام العجلى ويوسف بن مُوسَى وَالْحسن بن عَرَفَة وَزيد ابْن أخزم وَالْحسن بن مُحَمَّد الزعفرانى روى عَنهُ أَبُو عمر بن حيويه وَأَبُو بكر بن الْمُقْرِئ وَعمر بن شاهين وَجَمَاعَة قَالَ أَبُو حَفْص المطوعى فى كتاب الْمَذْهَب إِنَّه تخرج بأبى ثَوْر قَالَ وَكَانَ من خَواص أَصْحَابه وَكَانَ يسْلك مناهجه فى الاختيارات الَّتِى اخْتصَّ بهَا والتخريجات الَّتِى تفرد باستنباطها ذكر ذَلِك فى ذكر أَبى ثَوْر ثمَّ ذكر فى ذكر ابْن حربويه قَالَ هُوَ حَسَنَة أَبى ثَوْر والسالك لسبيله وَكَانَت الْخُلَفَاء ترفع مَجْلِسه انْتهى وَقَالَ البرقانى ذكرته للدارقطنى فَذكر من جلالته وفضله وَقَالَ حدث عَنهُ النسائى فى الصَّحِيح لم يحصل لى عَنهُ حرف وَقد مَاتَ بعد أَن كتبت بِخمْس سِنِين وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس هُوَ قاضى مصر أَقَامَ بهَا طَويلا وَكَانَ شَيْئا عجيبا مَا رَأينَا مثله لَا قبله وَلَا بعده وَكَانَ يتفقه على مَذْهَب أَبى ثَوْر وعزل عَن الْقَضَاء سنة إِحْدَى عشرَة لِأَنَّهُ كتب يستعفى وَوجه بذلك رَسُولا إِلَى بَغْدَاد وأغلق بَابه وَامْتنع الحديث: 225 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 من الحكم فأعفى فَحدث حِين جَاءَ عَزله وأملى مجَالِس وَرجع إِلَى بَغْدَاد وَكَانَ ثِقَة ثبتا قلت كَانَ رَسُوله إِلَى بَغْدَاد بالاستعفاء أَبُو بكر بن الْحداد وَرجع إِلَيْهِ وَلم يعف لِأَن الْوَزير إِذْ ذَاك أَبى أَن يعفيه فَمَا عَاد ابْن الْحداد إِلَى مصر إِلَّا وَقد ولى وَزِير غير ذَلِك الْوَزير وَهُوَ ابْن الْفُرَات وَكَانَ يكره أَبَا عبيد فَصَرفهُ بعد أَن كَانَ لَهُ فى قَضَاء مصر أَزِيد من ثمانى عشرَة سنة وَكَانَ مهيبا مصمما مضبوط الْكَلِمَات قليلها وافر الْحُرْمَة لم يره أحد يَأْكُل وَلَا يشرب وَلَا يلبس وَلَا يغسل يَده إِنَّمَا يفعل ذَلِك فى خلْوَة وَهُوَ مُنْفَرد بِنَفسِهِ وَلَا رَآهُ أحد يمتخط وَلَا يبصق وَلَا يحك جِسْمه وَلَا يمسح وَجهه وَكَانَ عَلَيْهِ من الْوَقار والهيبة والحشمة مَا يتذاكره أهل بَلَده وَقَالَ ابْن زولاق كَانَ عَالما بالاختلاف والمعانى وَالْقِيَاس عَارِفًا بِعلم الْقُرْآن والْحَدِيث فصيحا عَاقِلا عفيفا قوالا بِالْحَقِّ سَمحا منقبضا وَكَانَ رزقه فى الشَّهْر مائَة وَعشْرين دِينَارا وَكَانَ يُورث ذوى الْأَحْكَام وَولى قَضَاء وَاسِط قبل مصر وَكَانَ أَمِير مصر يأتى إِلَى دَاره قَالَ وَهُوَ آخر قَاض ركب إِلَيْهِ الْأُمَرَاء بِمصْر وَلم يكن شكل أَبى عبيد بهيا فَكَانَ من رَآهُ رُبمَا استزراه حَتَّى يسمع كَلَامه وفصاحة لِسَانه فَيَقَع من قلبه إِذْ ذَاك أعظم موقع وَكَانَ ابْن الْحداد كثير المخالطة لَهُ والتعظيم لَهُ وَله بِهِ خُصُوصِيَّة قَالَ ابْن الْحداد قدم أَبُو عبيد إِلَى مصر فرأيته فى الطَّرِيق فى جملَة النظارة فَمَا أعجبنى زيه وَلَا منظره ثمَّ دخل شهر رَمَضَان وَكُنَّا عِنْد أَبى الْقَاسِم بشر بن نصر الْفَقِيه غُلَام عرق فَدخل مَنْصُور بن إِسْمَاعِيل الْفَقِيه مهنئا لَهُ بِشَهْر رَمَضَان فَقيل لَهُ من أَيْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 أَقبلت فَقَالَ من عِنْد القاضى هنأته بِدُخُول الشَّهْر قَالَ ابْن الْحداد فَقلت لَهُ كَيفَ رَأَيْت القاضى قَالَ رَأَيْت رجلا عَالما بِالْقُرْآنِ وَالْفِقْه والْحَدِيث وَالِاخْتِلَاف ووجوه المناظرات وعالما باللغة والعربية وَأَيَّام النَّاس عَاقِلا ورعا زاهدا مُتَمَكنًا فَقلت لَهُ هَذَا يحيى بن أَكْثَم فَقَالَ الذى عندى قلت لَك قَالَ ابْن الْحداد ثمَّ دخلت إِلَيْهِ فَوجدت منصورا مقصرا فى وَصفه توفى فى صفر سنة تسع عشرَة وثلاثمائة بِبَغْدَاد وَصلى عَلَيْهِ أَبُو سعيد الاصطخرى وَمن الرِّوَايَة والفوائد والغرائب وَالْملح عَنهُ أخبرنَا الْمسند أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن على الجزرى سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الهادى إجَازَة عَن أَبى طَاهِر السلفى أخبرنَا القاضى أَبُو عمر مَسْعُود ابْن على بن الْحُسَيْن الملحى بأردبيل أخبرنَا أَبُو على مُحَمَّد بن وشاح بن عبد الله الْكَاتِب بِبَغْدَاد أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عِيسَى بن على بن دَاوُد بن الْجراح الْوَزير حَدثهُ أَبُو عبيد على بن الْحُسَيْن بن حَرْب القاضى حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى الكوفى حَدَّثَنى عبد الله بن صَالح اليمانى حَدثنِي أَبُو همام القرشى عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا أَبَا هُرَيْرَة علم النَّاس الْقُرْآن وتعلمه فَإنَّك إِن مت وَأَنت كَذَلِك زارت الْمَلَائِكَة قبرك كَمَا يزار الْبَيْت الْعَتِيق وَعلم النَّاس سنتى وَإِن كَرهُوا ذَلِك وَإِن أَحْبَبْت أَن لَا توقف على الصِّرَاط طرفَة عين حَتَّى تدخل الْجنَّة فَلَا تحدث فى دين الله حَدثا بِرَأْيِك) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 لَيْسَ لطارق بن شهَاب عَن أَبى هُرَيْرَة شئ فى الْكتب السِّتَّة قيل إِن أَبَا عبيد قَالَ لأبى جَعْفَر الطحاوى وَقد رَآهُ يصمم على مقاله يَا أَبَا جَعْفَر أما علمت أَن من لَا يُخَالف إِمَامه فى شئ عصى قَالَ نعم أَيهَا القاضى وغبى نقل المطوعى والجورى أَن أَبَا عبيد أوجب الْكَفَّارَة على من حرم مَالا لَهُ من ثوب أَو دَار وَمَا أشبههما وَسوى بَين ذَلِك وَتَحْرِيم الْبضْع من الزَّوْجَة قَالَ العبادى حكم أَبُو عبيد بِأَن الْوَلَد يلْحق بالخصى إِذا لم يكن مجبوبا فَرفع الخصى الْوَلَد ونادى عَلَيْهِ بِمصْر أَلا إِن القاضى يلْحق أَوْلَاد الزِّنَا بالخدم قلت وَإِنَّمَا تعرف هَذِه الْحِكَايَة عَن أَبى عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَطِيَّة ابْن سعد العوفى قاضى الشرقية بِبَغْدَاد ثمَّ قاضى عَسْكَر المهدى وَهُوَ مُتَقَدم مَاتَ سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْحَارِث بن أَبى أُسَامَة حَدثنِي بعض أَصْحَابنَا قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى العوفى فساق الْحِكَايَة ولعلها اتّفقت للقاضيين وَالظَّاهِر فى الْمَذْهَب أَن المسلول الخصيتين الباقى الذّكر كالفحل فى لُحُوق النّسَب فَمَا حكم أَبُو عبيد إِلَّا بِالْمذهبِ الظَّاهِر وَلَعَلَّ الذى حكم بِهِ أَبُو عبيد والعوفى إِنَّمَا هُوَ فى الْمَمْسُوح وَهُوَ فَاقِد الذّكر والأنثيين جَمِيعًا بِالْكُلِّيَّةِ وَمَعَ ذَلِك هُوَ قَول للشافعى اخْتَارَهُ بعض الْأَصْحَاب وَإِلَّا فَلَو كَانَ فى الخصى الباقى الذّكر لما استغربه أَبُو عَاصِم فليحقق ذَلِك وَقد أَطَالَ ابْن زولاق فى ذكر أَخْبَار القاضى أَبى عبيد وَالثنَاء على محاسنه وَقَول أهل مصر إِنَّهُم لم يرَوا قبله وَلَا بعده قَاضِيا مثله قَالَ وَكَانَ يذهب إِلَى قَول أَبى ثَوْر ثمَّ صَار يخْتَار فَجَمِيع أَحْكَامه بِمصْر بِاخْتِيَارِهِ وَحكم بِمصْر بِأَحْكَام لَو حكم بهَا غَيره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 لأنكر عَلَيْهِ فَمَا أنكر عَلَيْهِ أحد لِأَن أَبَا عبيد كَانَ رجلا لَا يطعن عَلَيْهِ فى علم وَلَا تلْحقهُ ظنة فى رشوة وَلَا يَحِيف فى حكم وَكَانَ يُورث ذوى الْأَرْحَام قَالَ ابْن الْحداد وَمَا كَانَ أَبُو عبيد يُؤمر أحدا بل إِذا ذكر تكين أَمِير مصر يَقُول أَبُو مَنْصُور تكين وَلَا يَقُول الْأَمِير قَالَ وَكَانَ إِذا ركب لَا يلْتَفت وَلَا يتحدث مَعَ أحد وَلَا يصلح رِدَاءَهُ وَركب مرّة إِلَى أَمِير مصر تكين وَهُوَ بالجيزة فى كاينة اتّفقت لَهُ فَقيل لَهُ قد رأى القاضى النّيل فَقَالَ قد سَمِعت خرير المَاء قلت فَللَّه در قَاض أَقَامَ بِمصْر ثمانى عشرَة سنة لم يبصر النّيل وَكَانَت الكاينة الَّتِى خرج فِيهَا تكين إِلَى الجيزة قد قتل فِيهَا فى الْوَاقِعَة على ماقيل نَحْو من خمسين ألفا أَرَادَ تكين أَن يحْفر لَهُم خَنْدَقًا ويدفنهم فَخرج إِلَيْهِ القاضى وَقَالَ إِنَّك إِن فعلت ذَلِك تلفت الْمَوَارِيث وَلَكِن نَاد فى النَّاس من لَهُ قَتِيل يَأْخُذهُ فَفعل تكين مَا قَالَه قَالَ ابْن زولاق وَجرى للقاضى فى هَذَا الْخُرُوج إِلَى الجيزة خبر عَجِيب حركه الْبَوْل وَهُوَ رَاجع فَعدل إِلَى بُسْتَان فَنزل وبال واستنجى وَتَوَضَّأ من مَائه ثمَّ انْصَرف ثمَّ سَأَلَ بعد أَيَّام عَن الْبُسْتَان فَقيل لفلانة فَأرْسل إِلَيْهَا يستأذنها على الْحُضُور إِلَيْهَا فارتاعت لذَلِك وَقَالَت أَنا أركب إِلَيْهِ وَكَانَت من أهل الأقدار فَأبى فَركب إِلَيْهَا أَبُو عبيد وَقد فرشت لَهُ الدَّار وحسنتها فَقَالَ لَهَا الْبُسْتَان لَك وَحدك بِلَا شريك فَقَالَت نعم وَأَنا الَّتِى أسقيه من مائى قَالَ فَأَنا نزلت فى أرضه وتوضأت من مَائه فخذى ثمن ذَلِك فَبَكَتْ وَقَالَت أَيهَا القاضى أَنْت فى حل وَلَو علمت أَن القاضى يقبله هَدِيَّة لأهديته إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا عَن طيب نفس تركت وَلم تتركى ذَلِك لأجل القاضى وحرمته فَقَالَت نعم فَانْصَرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 وَحكى ابْن زولاق أَشْيَاء من هَذَا الْجِنْس دَالَّة على تصلبه فى الْوَرع وَأَشْيَاء أخر دَالَّة على شدته فى الْحق وَأَشْيَاء أخر دَالَّة على تصميمه ووقاره وهيبته وَأَنه كَانَ ينْهَى أَن يتَلَفَّظ لافظ فى مَجْلِسه بِذكر الطَّعَام أَو النِّسَاء قَالَ وَمكث فى مصر ثمانى عشرَة سنة وَسِتَّة أشهر مَا رَآهُ رَاء يَأْكُل وَلَا يشرب وَذكر أَن تواقيعه جمعت وكتبت لفصاحتها وبلاغتها وَأَنه كَانَ إِذا تكلم بِكَلِمَة طارت فى الْبَلَد إعجابا بهَا وَمن مليح توقيعاته رفع إِلَيْهِ أَن امْرَأَة امْتنعت من السّفر مَعَ زَوجهَا فَوَقع إِلَى كَاتبه إِن لم يكن لَهَا مهر عَلَيْهِ بَاقٍ وَلم يكن بَينهمَا شقَاق يدعوهما إِلَى مساوئ الْأَخْلَاق فَلهُ أَن يخرج بهَا إِلَى جَمِيع الْآفَاق وَكتب إِلَيْهِ خَلِيفَته الْحسن بن صَالح البهنسى إِن جمَاعَة ذمونى عِنْد القاضى فَكتب إِلَيْهِ أَبُو عبيد لَو كَانَ المادحون لَك بِعَدَد الذامين الزارين عَلَيْك لما نقصك ذَلِك عندى فَكيف والمثنون عَلَيْك أَضْعَاف الذامين وَسَأَلْتُك بِاللَّه أَلا يزيدك كتابى إِلَّا تواضعا وَلَا تقَعْقع بِكِتَاب قاضيك على رعيتك فتضعف قُلُوبهم فَإِنَّمَا قربك منى قربك من الْحق وَمَتى بَعدت مِنْهُ بَعدت من قلبى وَالسَّلَام وَكَانَ أَبُو بكر بن الْحداد كثير الإجلال للقاضى أَبى عبيد بِحَيْثُ لَا يَقُول لَهُ إِلَّا القاضى غيبَة وحضورا فى حَيَاته وَبعد وَفَاته وَإِذا قيل لَهُ من القاضى غضب وَيَقُول إِنَّمَا القاضى أَبُو عبيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 وَمن قضايا أَبى عبيد شكت إِلَيْهِ امْرَأَة كبر آلَة زَوجهَا وَأَنَّهَا لَا تُطِيقهُ فَأمر شَاهدا بالكشف عَن ذَلِك ثمَّ فرق بَينهمَا كَذَا نقل النقلَة فإمَّا أَن يكون فرق بَينهمَا بِمَعْنى أَن توَسط بَينهمَا واسترضى خاطر الزَّوْج حَتَّى طَلقهَا وَإِمَّا أَن يكون للْمَرْأَة الْفَسْخ بكبر آلَة الزَّوْج وَهَذَا غَرِيب لَا أعرف من قَالَ بِهِ وَمِمَّا يحْكى فى تصميمه أَن مؤنسا الْخَادِم وَهُوَ أكبر أُمَرَاء المقتدر وَكَانَ فى خدمته سَبْعُونَ أَمِيرا سوى أَصْحَابه وَكَانَ يخْطب لَهُ على جَمِيع المنابر مَعَ الْخَلِيفَة ورد إِلَى مصر فى عَسْكَر كَبِير فَعرض لَهُ ضعف فَأرْسل إِلَى القاضى يطْلب مِنْهُ شُهُودًا يشهدهم عَلَيْهِ أَنه أوصى بوقف قرى كَثِيرَة على سَبِيل الْبر وبعتق سِتّمائَة مَمْلُوك وبأنواع من الْخَيْر فَقَالَ القاضى حَتَّى يثبت عندى أَن مؤنسا حر هَذَا ومؤنس أكبر أُمَرَاء الْإِسْلَام فصمم القاضى وَقَالَ إِن لم يرد على كتاب المقتدر أَنه أعْتقهُ وَإِلَّا فَلَا أفعل وَمن ذَلِك أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ المقتدر كتب كتابا إِلَى القاضى فوصل الْكتاب إِلَى مؤنس فاستدعى بعض الْأُمَرَاء ليوصله إِلَى القاضى فهاب القاضى فدعى تكين أَمِير مصر وَحمله أَن يذهب إِلَى القاضى ويوصل الْكتاب إِلَيْهِ فَأتى إِلَى القاضى وأومى بِيَدِهِ إِلَى أَن نَاوَلَهُ الْكتاب فَقَالَ القاضى مَا هَذَا فَقَالَ كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أَمن يدك فَقَالَ بلَى فَقَالَ بل من يَد شَاهِدين عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنه كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 وَذكر أَن شخصا يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم أصبح فى منزله يَوْمًا جنبا لَيْسَ مَعَه شىء يدْخل بِهِ الْحمام قَالَ فَخرجت رَجَاء صديق يدخلنى الْحمام فَإِذا بغريم على بابى يطالبنى بِخَمْسَة دَنَانِير فَحَدَّثته حَدِيثي فَقَالَ مَا نفترق إِلَّا إِلَى القاضى فتوجهنا إِلَى القاضى أَبى عبيد فوجدناه خَارِجا من الْمَسْجِد وَبَين يَدَيْهِ غُلَام أسود خصى فَقَالَ لَهُ خصمى أيد الله القاضى انْظُر فى أمرى فإنى بت على بابك والقاضى مطرق لَا ينظر إِلَيْنَا حَتَّى دخل دَاره وَلَيْسَ على بَابه حَاجِب وَلَا أحد ثمَّ خرج إِلَيْنَا الْغُلَام وَقَالَ ادخلا فَدَخَلْنَا فوجدناه جَالِسا فى وسط مَجْلِسه فَقَالَ تكلما فسبقت أَنا فصرت الْمُدعى فَقَالَت أيد الله القاضى لى على هَذَا خَمْسَة دَنَانِير فَقَالَ مصرية فَقلت نعم فَقَالَ حَالَة فَقلت نعم فَقَالَ للخصم مَا تَقول فَضَحِك مُتَعَجِّبا فصاح القاضى صَيْحَة مَلَأت الدَّار وَقَالَ مِم تضحك لَا أضْحك الله سنك وَيحك تضحك فى مجْلِس الله مطلع عَلَيْك فِيهِ وَيحك تضحك وقاضيك بَين الْجنَّة وَالنَّار فأرعب القاضى الرجل وَقَالَ أَنا أدفَع إِلَيْهِ قُم فقمنا فَلَمَّا خرج قَالَ لى امْضِ فَأَنت فى حل فَقلت مَا نفترق إِلَّا بِخَمْسَة دَنَانِير ارْجع بِنَا إِلَى القاضى فأعطانى دِينَارا وَمرض ثَلَاثَة أشهر فَكنت إِذا عدته يَقُول لى صَيْحَة القاضى فى قلبى إِلَى السَّاعَة وأحسبها تقتلنى وَمن الْمسَائِل عَن القاضى أَبى عبيد مَسْأَلَة اجْتِنَاب الْحَائِض حكى الرافعى فى كتاب النِّكَاح عَن أَبى عبيد بن حربويه أَنه تتجنب الْحَائِض فى جَمِيع بدنهَا لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} وَلم يحك هَذَا فى بَاب الْحيض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 وَقَالَ النووى إِن قَول أَبى عبيد هَذَا غلط فَاحش مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اصنعوا كل شىء إِلَّا النِّكَاح) وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُبَاشر فَوق الْإِزَار قَالَ وَقد خَالف قَائِله إِجْمَاع الْمُسلمين قَالَ ابْن الرّفْعَة الْإِجْمَاع إِن صَحَّ فالغلط فَاحش وَإِن لم يَصح فَفِيهِ للبحث مجَال لِأَن الشافعى قَالَ فى الْأُم فى الْجُزْء الرَّابِع عشر فى بَاب مَا ينَال من الْحَائِض تحْتَمل الْآيَة فاعتزلوا فروجهن لما وصف من الْأَذَى وتحتمل اعتزال فروجهن وَجَمِيع أبدانهن فروجهن وَبَعض أبدانهن دون بعض وَأظْهر مَعَانِيه اعتزال أبدانهن كلهَا وَإِذا كَانَ هَذَا ظَاهر الْآيَة فَمَا ذكر من مُبَاشرَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للحائض فِيمَا فَوق الْإِزَار يجوز أَن يكون من خَصَائِصه كَيفَ وَسِيَاق الْآيَة يصرفهَا إِلَى الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} وَالظَّاهِر أَن قَوْله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} من جملَة مَا أَمر أَن يَقُوله لَهُم وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ غير دَاخل بِاللَّفْظِ فيهم وَإِن قَالَ بَعضهم إِنَّه يَشْمَلهُ الْخطاب لكنه من غير اللَّفْظ وَإِذا كَانَ غير دَاخل فيهم فَلَا يكون فعله مُبينًا لَهُ مُقَيّدا أَو مُخَصّصا لما اقْتَضَاهُ ظَاهر الْآيَة فيهم وَأما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (اصنعوا كل شىء إِلَّا النِّكَاح) فَلَعَلَّ أَبَا عبيد يحمل النِّكَاح على الْمُبَاشرَة بآلته وَهُوَ الذّكر وَلَا يَخُصُّهُ بِمحل بل يجريه فى جَمِيع الْبدن كَمَا هُوَ ظَاهر الْآيَة وَيكون قَائِلا بِإِبَاحَة الْقبْلَة والمعانقة وَنَحْوهمَا وَيحمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 وعَلى الْجُمْلَة فمذهب أَبى عبيد مَرْجُوح وَنَصّ الشافعى فى الْأُم فى الْجُزْء الرَّابِع عشر فى بَاب إتْيَان الْحَائِض على خِلَافه فَإِنَّهُ قَالَ إِن الْآيَة وَإِن احتملت الْجِمَاع وَغَيره فالجماع أظهر لِأَن الله تَعَالَى أَمر بالاعتزال ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَلَا تقربوهن} فَأشبه أَن يكون أمرا بَينا وَلِهَذَا نقُول بالاستدلال بِالسنةِ انْتهى كَلَامه فى الْمطلب قَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس اللغوى فى جُزْء لَهُ لطيف سَمَّاهُ فتيا فَقِيه الْعَرَب يرويهِ الْخَطِيب البغدادى عَن القاضى أَبى زرْعَة روح بن مُحَمَّد الرَّازِيّ عَن ابْن فَارس قَالَ سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْفَقِيه يَقُول ادّعى رجل مَالا بِحَضْرَة أَبى عبيد بن حربويه فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ مَاله على حق بِضَم اللَّام فَقَالَ أَبُو عبيد أتعرف الْإِعْرَاب قَالَ نعم قُم قد ألزمتك المَال انْتهى قَالَ وهى مَسْأَلَة غَرِيبَة وَحكمهَا مُتَّجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 226 - على بن الْحُسَيْن بن على المسعودى صَاحب التواريخ كتاب مروج الذَّهَب فى أَخْبَار الدُّنْيَا وَكتاب ذخائر الْعُلُوم وَكتاب الاستذكار لما مر من الْأَعْصَار وَكتاب التَّارِيخ فى أَخْبَار الْأُمَم وَكتاب أَخْبَار الْخَوَارِج وَكتاب المقالات فى أصُول الديانَات وَكتاب الرسائل وَغير ذَلِك قيل إِنَّه من ذُرِّيَّة عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ أَصله من بَغْدَاد وَأقَام بهَا زَمَانا وبمصر أَكثر وَكَانَ أخباريا مفتيا عَلامَة صَاحب ملح وغرائب سمع من نفطويه وَابْن زبر القاضى وَغَيرهمَا ورحل إِلَى الْبَصْرَة فلقى بهَا أَبَا خَليفَة الجمحى وَلم يعمر على ماذكر وَقيل إِنَّه كَانَ معتزلى العقيدة مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين أَو سِتّ وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَهُوَ الذى علق عَن أَبى الْعَبَّاس ابْن سُرَيج رِسَالَة الْبَيَان عَن أصُول الْأَحْكَام وَهَذِه الرسَالَة عندى نَحْو خمس عشرَة ورقة ذكر المسعودى فى أَولهَا أَنه حضر مجْلِس أَبى الْعَبَّاس بِبَغْدَاد فى علته الَّتِى مَاتَ بهَا سنة سِتّ وثلاثمائة وَقد حضر الْمجْلس لعيادة أَبى الْعَبَّاس جمَاعَة من حذاق الشافعيين والمالكيين والكوفيين والداوديين وَغَيرهم من الحديث: 226 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 أَصْنَاف الْمُخَالفين فَبَيْنَمَا أَبُو الْعَبَّاس يكلم رجلا من المالكيين إِذْ دخل عَلَيْهِ رجل مَعَه كتاب مختوم فَدفعهُ إِلَى القاضى أَبى الْعَبَّاس فقرأه على الْجَمَاعَة فَإِذا هُوَ من جمَاعَة الْفُقَهَاء المقيمين بِبِلَاد الشاش يعلمونه أَن النَّاس فى ناحيتهم أَرض شاش وفرغانة مُخْتَلفُونَ فى أصُول فُقَهَاء الْأَمْصَار مِمَّن لَهُم الْكتب المصنفة والفتيا ويسألونه رِسَالَة يذكر فِيهَا أصُول الشافعى وَمَالك وسُفْيَان الثورى وأبى حنيفَة وصاحبيه وَدَاوُد بن على الأصبهانى وَأَن يكون ذَلِك بِكَلَام وَاضح يفهمهُ العامى فَكتب القاضى هَذِه الرسَالَة ثمَّ أمْلى فِيمَا ذكر المسعودى عَلَيْهِم بَعْضهَا وَعجز لضَعْفه عَن إملاء الباقى فقرىء عَلَيْهِ والمسعودى يسمع 227 - على بن الْحسن القاضى أَبُو الْحسن الجورى والجور بِضَم الْجِيم ثمَّ الْوَاو الساكنة ثمَّ الرَّاء بَلْدَة من بِلَاد فَارس أحد الْأَئِمَّة من أَصْحَاب الْوُجُوه لقى أَبَا بكر النيسابورى وَحدث عَنهُ وَعَن جمَاعَة وَمن تصانيفه كتاب المرشد فى شرح مُخْتَصر المزنى أَكثر عَنهُ ابْن الرّفْعَة وَالْوَالِد رحمهمَا الله النَّقْل وَلم يطلع عَلَيْهِ الرافعى وَلَا النووى رحمهمَا الله وَقد أَكثر فِيهِ من ذكر أَبى على بن أَبى هُرَيْرَة وَأَضْرَابه وَذكر ابْن الصّلاح أَنه وقف على كتاب لَهُ اسْمه الموجز على تَرْتِيب الْمُخْتَصر يشْتَمل على حجاج مَعَ الْخُصُوم اعتراضا وجوابا اخْتَار فِيهِ أَن الزانى والزانية لَا يَصح الحديث: 227 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 نِكَاحهمَا إِلَّا لمن هُوَ مثلهمَا وَأَن الزِّنَا لَو طَرَأَ من أَحدهمَا بعد العقد انْفَسَخ النِّكَاح وَحكى قَوْلَيْنِ فى وجوب نَفَقَة الْكَافِر على الابْن الْمُسلم قلت الْخلاف مَشْهُور وَالصَّحِيح الْوُجُوب قلت وَحكى أَيْضا قَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا قَالَ أَنْت على حرَام أَحدهمَا تجب الْكَفَّارَة بِنَفس قَوْله أَنْت على حرَام والثانى لَا تجب إِلَّا بِالْوَطْءِ لِأَن بِهِ تقع الْمُخَالفَة كَمَا يَحْنَث فى الْيَمين وَقَالَ الصَّحِيح عندى جَوَاز عقد الشّركَة على الْعرُوض وَقَالَ فِيمَا إِذا علق الطَّلَاق على محبتها أَو بغضها فَقَالَت أَنا أحبك أَو أبغضك وكذبها إِنَّه لَا يَقع الطَّلَاق وَجزم بِهِ وَفرق بَينه وَبَين الْحيض بِأَنَّهَا مؤتمنة فِيهِ وَالْحب والبغض لَيْسَ مِمَّا ائتمنت عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَلَو قَالَ قَائِل يقبل قَوْلهَا فى ذَلِك قِيَاسا على الْحيض وَالْحمل لِأَن الْحبّ والبغض مِمَّا لَا يُوصل إِلَى علمه إِلَّا مِنْهَا لَكَانَ مذهبا انْتهى وَالْقَوْل بِقبُول قَوْلهَا هُوَ الذى جزم بِهِ الرافعى تبعا لأكْثر الْأَصْحَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 228 - على بن عبد الْعَزِيز بن الْحسن بن على بن إِسْمَاعِيل أَبُو الْحسن الجرجانى قاضى جرجان ثمَّ قاضى الرى وَالْجَامِع بَين الْفِقْه وَالشعر لَهُ ديوَان مَشْهُور وَكَانَ حسن الْخط فصيح الْعبارَة وَهُوَ مُصَنف كتاب الوساطة بَين المتنبى وخصومه ورد نيسابور سنة سبع وَثَلَاثِينَ مَعَ أَخِيه فى الصِّبَا وسمعا على الشُّيُوخ ذكره الشَّيْخَانِ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى وَقَالَ كَانَ فَقِيها شَاعِرًا وَأَبُو عَاصِم وَقَالَ صنف كتابا فى الْوكَالَة وَفِيه أَرْبَعَة آلَاف مَسْأَلَة قَالَ وَحكى عَن المزنى أَن التَّوْكِيل فى الظِّهَار وَالرَّجْعَة لَا يجوز قلت وَهُوَ وَجه مَشْهُور وَقد ولى أَبُو الْحسن هَذَا قَضَاء جرجان ثمَّ انْتقل إِلَى الرى وَولى قَضَاء الْقُضَاة بهَا ذكره أَبُو مَنْصُور الثعالبى فى الْيَتِيمَة فَقَالَ حَسَنَة جرجان وفرد الزَّمَان ونادرة الْفلك وإنسان حدقة الْعلم ودرة تَاج الْأَدَب وَفَارِس عَسْكَر الشّعْر يجمع خطّ ابْن مقلة إِلَى نثر الجاحظ ونظم البحترى وينظم عقد الإتقان وَالْإِحْسَان وَله يَقُول الصاحب (إِذا نَحن سلمنَا لَك الْعلم كُله ... فدع هَذِه الْأَلْفَاظ ننظم شذورها) هَذَا بعض كَلَام الثعالبى فى خَبره الحديث: 228 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 وَمن شعر أَبى الْحسن السائر فى الْآفَاق مَا أنشدناه الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ قَالَ أنشدنا الْحسن بن على بن مُحَمَّد بن الْخلال بقراءتى أنشدنا جَعْفَر بن على الهمذانى سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ أنشدنا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى العثمانى الديباجى الإِمَام قَالَ كتب إِلَى الْعَلامَة أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بن عمر بن مُحَمَّد الزمخشرى من مَكَّة وَأَجَازَ لى ح وَكتب إِلَى أَحْمد بن على الحنبلى وَزَيْنَب بنت الْكَمَال وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم بن أَبى عمر عَن مُحَمَّد بن عبد الهادى عَن الْحَافِظ أَبى طَاهِر السلفى عَن الزمخشرى قَالَ أنشدنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الخوارزمى قَالَ أنشدنا أَبُو سعد المحسن بن مُحَمَّد الجشمى قَالَ أنشدنا الْحَاكِم أَبُو الْفضل إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ أنشدنا القاضى أَبُو الْحسن على بن عبد الْعَزِيز الجرجانى لنَفسِهِ (يَقُولُونَ لي فِيك انقباض وَإِنَّمَا ... رَأَوْا رجلا عَن موقف الذل أحجما) (أرى النَّاس من داناهم هان عِنْدهم ... وَمن أكرمته عزة النَّفس أكرما) (وَمَا كل برق لَاحَ لى يستفزنى ... وَلَا كل من لاقيت أرضاه منعما) (وإنى إِذا مَا فاتنى الْأَمر لم أَبَت ... أقلب كفى إثره متندما) (وَلم أقض حق الْعلم إِن كَانَ كلما ... بدا طمع صيرته لى سلما) (إِذا قيل هَذَا منهل قلت قد أرى ... وَلَكِن نفس الْحر تحْتَمل الظما) (وَلم أبتذل فِي خدمَة الْعلم مهجتى ... لأخدم من لاقيت لَكِن لأخدما) (أأشقى بِهِ غرسا وأجنيه ذلة ... إِذا فاتباع الْجَهْل قد كَانَ أحزما) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 (وَلَو أَن أهل الْعلم صانوه صانهم ... وَلَو عظموه فى النُّفُوس لعظما) (وَلَكِن أهانوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حَتَّى تجهما) لله هَذَا الشّعْر مَا أبلغه وأصنعه وَمَا أَعلَى على هام الجوزاء مَوْضِعه وَمَا أنفعه لَو سَمعه من سَمعه وَهَكَذَا فَلْيَكُن وَإِلَّا فَلَا أدب كل فَقِيه ولمثل هَذَا النَّاظِم يحسن النّظم الذى لَا نَظِير لَهُ وَلَا شَبيه وَعند هَذَا ينْطق الْمنصف بعظيم الثَّنَاء على ذهنه الْخَالِص لَا بالتمويه وَقد نحا نَحوه شيخ الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين أَبُو الْفَتْح ابْن دَقِيق الْعِيد فَقَالَ لما كَانَ مُقيما بِمَدِينَة قوص (يَقُولُونَ لى هلا نهضت إِلَى الْعلَا ... فَمَا لذ عَيْش الصابر المتقنع) (وهلا شددت العيس حَتَّى تحلها ... بِمصْر إِلَى ظلّ الجناب المرفع) (فَفِيهَا من الْأَعْيَان من فيض كَفه ... إِذا شَاءَ روى سيله كل بلقع) (وفيهَا قُضَاة لَيْسَ يخفى عَلَيْهِم ... تعين كَون الْعلم غير مضيع) (وفيهَا شُيُوخ الدّين وَالْفضل والألى ... يُشِير إِلَيْهِم بالعلا كل أصْبع) (وفيهَا وفيهَا والمهانة ذلة ... فَقُمْ وَاسع واقصد بَاب رزقك واقرع) (فَقلت نعم أسعى إِذا شِئْت أَن أرى ... ذليلا مهانا مستخفا بِموضع) (وأسعى إِذْ مَا لذ لى طول موقفى ... على بَاب مَحْجُوب اللِّقَاء ممنع) (وأسعى إِذا كَانَ النِّفَاق طريقتى ... أروح وأغدو فِي ثِيَاب التصنع) (وأسعى إِذا لم يبْق فى بَقِيَّة ... أراعى بهَا حق التقى والتورع) (فكم بَين أَرْبَاب الصُّدُور مجالسا ... تشب بهَا نَار الغضى بَين أضلعى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 (وَكم بَين أَرْبَاب الْعُلُوم وَأَهْلهَا ... إِذا بحثوا فى المشكلات بمجمع) (مناظرة تحمى النُّفُوس فتنتهى ... وَقد شرعوا فِيهَا إِلَى شَرّ مشرع) (من السَّفه المزرى بِمنْصب أَهله ... أَو الصمت عَن حق هُنَاكَ مضيع) (فإمَّا توقى مَسْلَك الدّين والتقى ... وَإِمَّا تلقى غُصَّة المتجرع) وَمن شعر الجرجانى (أفدى الذى قَالَ وفى كَفه ... مثل الذى أشْرب من فِيهِ) (الْورْد قد أينع فى وجنتى ... قلت فمى باللثم يجنيه) وَلم يزل على قَضَاء الْقُضَاة بالرى إِلَى أَن توفى بهَا فى ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة وَحمل تابوته إِلَى جرجان فَدفن بهَا 229 - على بن عمر بن أَحْمد بن مهدى بن مَسْعُود بن النُّعْمَان بن دِينَار بن عبد الله الإِمَام الْجَلِيل أَبُو الْحسن الدارقطنى البغدادى الْحَافِظ الْمَشْهُور الِاسْم صَاحب المصنفات إِمَام زَمَانه وَسيد أهل عصره وَشَيخ أهل الحَدِيث مولده فى سنة سِتّ وثلاثمائة سمع من أَبى الْقَاسِم البغوى وأبى بكر بن أَبى دَاوُد وَابْن صاعد وَمُحَمّد بن هَارُون الحضرمى وعَلى بن عبد الله بن مُبشر الواسطى وأبى عمر مُحَمَّد بن يُوسُف القاضى الحديث: 229 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 وَالقَاسِم وَالْحُسَيْن ابنى المحاملى وأبى بكر بن زِيَاد النيسابورى وأبى روق الهزانى وَبدر بن الْهَيْثَم وَأحمد بن إِسْحَاق بن البهلول وَأحمد بن الْقَاسِم الفرائضى وأبى طَالب أَحْمد بن نصر الْحَافِظ وَخلق كثير بِبَغْدَاد والكوفة وَالْبَصْرَة وواسط ورحل فى الكهولة إِلَى الشَّام ومصر فَسمع القاضى أَبَا الطَّاهِر الذهلى وَهَذِه الطَّبَقَة روى عَنهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفراينى الْفَقِيه وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم وَعبد الْغنى ابْن سعيد المصرى وَتَمام الرازى وَأَبُو بكر البرقانى وَأَبُو ذَر عبد بن أَحْمد وَأَبُو نعيم الأصبهانى وَأَبُو مُحَمَّد الْخلال وَأَبُو الْقَاسِم التنوخى وَأَبُو طَاهِر بن عبد الرَّحِيم الْكَاتِب والقاضى أَبُو الطّيب الطبرى وَأَبُو الْحسن العتيقى وَحَمْزَة السهمى وَأَبُو الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأَبُو الْحُسَيْن بن المهتدى بِاللَّه وَأَبُو مُحَمَّد الجوهرى وَخلق كثير قَالَ الْحَاكِم صَار الدارقطنى أوحد عصره فى الْحِفْظ والفهم والورع وإماما فى الْقُرَّاء والنحويين وفى سنة سبع وَسِتِّينَ أَقمت بِبَغْدَاد أَرْبَعَة أشهر وَكثر اجتماعنا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فصادفته فَوق مَا وصف لى وَسَأَلته عَن الْعِلَل والشيوخ قَالَ وَأشْهد أَنه لم يخلف على أَدِيم الأَرْض مثله وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ الدارقطنى فريد عصره وقريع دهره ونسيج وَحده وَإِمَام وقته انْتهى إِلَيْهِ علم الْأَثر والمعرفة بعلل الحَدِيث وَأَسْمَاء الرِّجَال مَعَ الصدْق والثقة وَصِحَّة الِاعْتِقَاد والاضطلاع من عُلُوم سوى علم الحَدِيث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 مِنْهَا الْقرَاءَات فَإِن لَهُ فِيهَا مصنفا مُخْتَصرا جمع الْأُصُول فى أَبْوَاب عقدهَا فى أول الْكتاب وَسمعت من يعتنى بالقراءات يَقُول لم يسْبق أَبُو الْحسن إِلَى طَرِيقَته الَّتِى سلكها فى عقد الْأَبْوَاب الْمُقدمَة فى أول الْقرَاءَات وَصَارَ الْقُرَّاء بعده يسلكون ذَلِك وَمِنْهَا الْمعرفَة بمذاهب الْفُقَهَاء فَإِن كِتَابه السّنَن يدل على ذَلِك وبلغنى أَنه درس فقه الشافعى على أَبى سعيد الإصطخرى وَقيل على غَيره وَمِنْهَا الْمعرفَة بالأدب وَالشعر فَقيل إِنَّه كَانَ يحفظ دواوين جمَاعَة قَالَ وحدثنى الأزهرى قَالَ بلغنى أَن الدارقطنى حضر فى حداثته مجْلِس إِسْمَاعِيل الصفار فَجَلَسَ ينْسَخ جُزْءا والصفار يملى فَقَالَ رجل لَا يَصح سماعك وَأَنت تنسخ فَقَالَ الدارقطنى فهمى للإملاء خلاف فهمك تحفظ كم أمْلى الشَّيْخ قَالَ لَا قَالَ أمْلى ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا الحَدِيث الأول عَن فلَان عَن فلَان وَمَتنه كَذَا والْحَدِيث الثانى عَن فلَان عَن فلَان وَمَتنه كَذَا ثمَّ مر فى ذَلِك حَتَّى أَتَى على الْأَحَادِيث فتعجب النَّاس مِنْهُ أَو كَمَا قَالَ وَقَالَ رَجَاء بن مُحَمَّد الْمعدل قلت للدارقطنى رَأَيْت مثل نَفسك فَقَالَ قَالَ الله تَعَالَى {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} فألححت عَلَيْهِ فَقَالَ لم أر أحدا جمع مَا جمعت وَقَالَ أَبُو ذَر عبد بن أَحْمد قلت للْحَاكِم بن البيع هَل رَأَيْت مثل الدارقطنى فَقَالَ هُوَ لم ير مثل نَفسه فَكيف أَنا وَقَالَ أَبُو الطّيب القاضى الدَّارَقُطْنِيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ فى الحَدِيث وَقَالَ الأزهرى كَانَ الدارقطنى ذكيا إِذا ذوكر شَيْئا من الْعلم أى نوع كَانَ وجد عِنْده مِنْهُ نصيب وافر وَلَقَد حَدَّثَنى مُحَمَّد بن طَلْحَة النعالى أَنه حضر مَعَ الدارقطنى دَعْوَة فَجرى ذكر الْأكلَة فَانْدفع الدارقطنى يُورد أخبارهم ونوادرهم حَتَّى قطع أَكثر ليلته بذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 وَقَالَ الأزهرى رَأَيْت الدَّارَقُطْنِيّ أجَاب ابْن أَبى الفوارس عَن عِلّة حَدِيث أَو اسْم ثمَّ قَالَ لَهُ يَا أَبَا الْفَتْح لَيْسَ بَين الشرق والغرب من يعرف هَذَا غيرى وَقَالَ البرقانى كَانَ الدراقطنى يملى على الْعِلَل من حفظه قَالَ وَأَنا الذى جمعتها وَقرأَهَا النَّاس من نسختى قَالَ شَيخنَا الذهبى وَهَذَا شىء مدهش فَمن أَرَادَ أَن يعرف قدر ذَلِك فليطالع كتاب الْعِلَل للدراقطنى وَقَالَ الْخَطِيب حَدَّثَنى العتيقي قَالَ حضرت الدراقطنى وجاءه أَبُو الْحسن البيضاوى بغريب ليسمع مِنْهُ فَامْتنعَ واعتل بِبَعْض الْعِلَل فَقَالَ هَذَا رجل غَرِيب وَسَأَلَهُ أَن يملى عَلَيْهِ أَحَادِيث فأملى عَلَيْهِ أَبُو الْحسن من حفظه مَجْلِسا تزيد أَحَادِيثه على الْعشْرين متون أَحَادِيثه جَمِيعهَا نعم الشىء الْهَدِيَّة أَمَام الْحَاجة فَانْصَرف الرجل ثمَّ جَاءَهُ بعد وَقد أهْدى لَهُ شَيْئا فقربه وأملى عَلَيْهِ من حفظه سَبْعَة عشر حَدِيثا متون جَمِيعهَا (إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه) وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغنى بن سعيد أحسن النَّاس كلَاما على حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة على بن المدينى فى وقته ومُوسَى بن هَارُون فى وقته وعَلى ابْن عمر الدارقطنى فى وقته وَقَالَ رَجَاء بن مُحَمَّد الْمعدل كُنَّا عِنْد الدارقطنى يَوْمًا والقارىء يقْرَأ عَلَيْهِ وَهُوَ يتَنَفَّل فَمر حَدِيث فِيهِ نسير بن ذعلوق فَقَالَ القارىء بشير فسبح الدارقطنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 فَقَالَ بشير فسبح فَقَالَ بسير فَتلا الدارقطنى {ن والقلم} وَقَالَ حَمْزَة بن مُحَمَّد بن طَاهِر كنت عِنْد الدارقطنى وَهُوَ قَائِم يتَنَفَّل فَقَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو عبد الله ابْن الْكَاتِب عَمْرو بن شُعَيْب فَقَالَ عَمْرو بن سعيد فسبح الدارقطنى فَأَعَادَهُ وَقَالَ ابْن سعيد ووقف فَتلا الدارقطنى {يَا شُعَيْب أصلاتك تأمرك} فَقَالَ ابْن شُعَيْب قلت وَهَذَا فى الحكايتين مَعَ حسنه فِيهِ من أَبى الْحسن اسْتِعْمَال للمسألة الْمَشْهُورَة فِيمَن أَتَى فى الصَّلَاة بشىء من نظم الْقُرْآن قَاصِدا للْقِرَاءَة وشىء آخر فَإِن صلَاته لَا تبطل على الْأَصَح وَلَو قصد ذَلِك الشىء الآخر وَحده لبطلت وَقَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر المقدسى كَانَ للدارقطنى مَذْهَب فى التَّدْلِيس خفى يَقُول فِيمَا لم يسمعهُ من أَبى الْقَاسِم البغوى قرىء على أَبى الْقَاسِم الْبَغَوِيّ حَدثكُمْ فلَان توفى الدارقطنى يَوْم الْخَمِيس لثمان خلون من ذى الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة قَالَ أَبُو نصر بن مَاكُولَا رَأَيْت فى الْمَنَام كأنى أسأَل عَن حَال الدارقطنى فى الْآخِرَة فَقيل لى ذَاك يدعى فى الْجنَّة الإِمَام 230 - على بن مُحَمَّد بن مهدى أَبُو الْحسن الطبرى تلميذ الشَّيْخ أَبى الْحسن الأشعرى صَحبه بِالْبَصْرَةِ وَأخذ عَنهُ وَكَانَ من المبرزين فى علم الْكَلَام والقوامين بتحقيقه وَله كتاب تَأْوِيل الْأَحَادِيث الحديث: 230 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 المشكلات الواردات فى الصِّفَات وَكَانَ مفتنا فى أَصْنَاف الْعُلُوم قَالَ أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحسن الأسدى كَانَ شَيخنَا وأستاذنا أَبُو الْحسن على بن مهدى الطبرى الْفَقِيه مصنفا للكتب فى أَنْوَاع الْعُلُوم مفتنا حَافِظًا للفقه وَالْكَلَام والتفاسير والمعانى وَأَيَّام الْعَرَب فصيحا مبارزا فى النّظر مَا شوهد فى أَيَّامه مثله انْتهى قَوْله ابْن مهدى رُبمَا أوهم أَن مهديا أَبوهُ وَكَذَا وَقع فى طبقاتى الْوُسْطَى وَالصُّغْرَى ثمَّ تحققت أَنه جده وَأَن أَبَاهُ مُحَمَّد وَقد ذكر العبادى هَذَا الشَّيْخ فى طبقَة الْقفال الشاشى وَقَالَ فِيهِ صَاحب الْأُصُول وَالْعلم الْكثير وترجمة الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فى كتاب التَّبْيِين وَلم أر من أرخ وَفَاته أنشدنا يحيى بن فضل الله الْعُمْرَى فى كِتَابه عَن مكي بن عَلان أَن أَبَا الْقَاسِم الْحَافِظ أنبأه قَالَ أخبرنَا نصر الله المصيصى أخبرنَا على بن ابى الْعَلَاء المصيصى أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الفارقى الْمَعْرُوف بِابْن الضراب أخبرنَا أَبُو سعد المالينى أنشدنا أَبُو الْحسن على بن مُحَمَّد بن مهدى الطبرى لنَفسِهِ (مَا ضَاعَ من كَانَ لَهُ صَاحب ... يقدر أَن يصلح من شَأْنه) (فَإِنَّمَا الدُّنْيَا بسكانها ... وَإِنَّمَا الْمَرْء بإخوانه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 وَقَالَ وأنشدنى أَبُو الْحسن بن مهدى لنَفسِهِ أَيْضا (إِن الزَّمَان زمَان سو ... وَجَمِيع هَذَا الْخلق بو) (ذهب الْكِرَام بأسرهم ... وَبقيت فى لَيْت وَلَو) (فَإِذا سَأَلت عَن الندى ... فجوابهم عَن ذَاك وو) 231 - على بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن بشر أَبُو الْحسن الأنطاكى المقرىء كَانَ بَصيرًا بِالْعَرَبِيَّةِ والقراءات والحساب وَله حَظّ من الْفِقْه دخل بِلَاد الأندلس وَكَانَ عيشه من غزل جَارِيَته ولد بأنطاكية سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَمَات بقرطبة فى ربيع الأول سنة سبع وَسبعين وثلاثمائة 232 - عَمْرو بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو أَحْمد الإستراباذى الْفَقِيه تفقه بِمصْر على مَنْصُور بن إِسْمَاعِيل الْفَقِيه وَسمع الحَدِيث من أَبِيه أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن وَمن هميم بن همام وَعمْرَان بن مُوسَى بن مجاشع وأبى خَليفَة وَعبد الله بن نَاجِية وَابْن قُتَيْبَة العسقلانى الحديث: 231 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 روى عَنهُ أَبُو سعد عبد الرَّحْمَن الإدريسى وَله مُصَنف فى الْفِقْه وَشعر كثير توفى سنة ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وثلاثمائة 233 - عمر بن أَحْمد بن عمر بن سُرَيج الشَّيْخ أَبُو حَفْص ولد أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج ذكره الْأَصْحَاب فِيمَا إِذا كَانَت النَّجَاسَة الْوَاقِعَة فى المَاء ميتَة لَا نفس لَهَا سَائِلَة فَفِيهَا قَولَانِ مشهوران أصَحهمَا أَنَّهَا لَا تنجس المَاء قَالَ الْأَصْحَاب تَفْرِيعا على الْأَصَح فَلَو كثر هَذَا الْحَيَوَان الذى لَا نفس لَهُ سَائِلَة فَغير المَاء فَهَل يُنجسهُ فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يُنجسهُ قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد والبندنيجى والمحاملى فى الْمَجْمُوع وَأَبُو عَاصِم العبادى فى الطَّبَقَات وَصَاحب الْعدة وَغَيرهم هَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو حَفْص عمر بن أَبى الْعَبَّاس بن سُرَيج عَن أَبِيه الحديث: 233 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 234 - عمر بن أَكْثَم بن أَحْمد بن حبَان بن بشر أَبُو بشر الأسدى قاضى بَغْدَاد فى أَيَّام الْمُطِيع لله قَالَ الْخَطِيب لم يل الْقَضَاء بِبَغْدَاد من الشَّافِعِيَّة أحد قبله غير أَبى السَّائِب القاضى وَكَانَ من بَيت قَضَاء ورياسة توفى فى عشر الثَّمَانِينَ سنة سبع وَخمسين وثلاثمائة 235 - عمر بن عبد الله بن مُوسَى الإِمَام الْكَبِير أَبُو حَفْص ابْن الْوَكِيل الْبَاب شامى من متقدمى أَصْحَابنَا وَمن أَئِمَّة أَصْحَاب الْوُجُوه ذكره المطوعى فَقَالَ فَقِيه جليل الرُّتْبَة من نظراء أَبى الْعَبَّاس وَأَصْحَاب الأنماطى وَمِمَّنْ تكلم وَتصرف فِيهَا فَأحْسن مَا شَاءَ ثمَّ هُوَ من كبار الْمُحدثين والرواة وأعيان النقلَة يشْهد لَهُ بِهَذَا كتبة الحَدِيث وَيُقَال إِن المقتدر استقضاه على بعض كور الشَّام فَلذَلِك عرف بِالْبَابِ شامى لطول مقَامه بهَا انْتهى وَمن خطّ ابْن الصّلاح نقلته الحديث: 234 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 وَقَالَ ابْن السمعانى الْبَاب شامى بِالْألف بَين البائين المنقوطتين بِوَاحِدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وفى آخرهَا الْمِيم نِسْبَة إِلَى بَاب الشَّام وهى إِحْدَى الْمحَال الْأَرْبَعَة الْمَشْهُورَة الْقَدِيمَة بالجانب الغربى من بَغْدَاد قلت وَأرى هَذَا فى نسبته أصح مِمَّا قَالَه المطوعى 236 - عمر بن مُحَمَّد أَبُو غَانِم ملقى ابْن سُرَيج فِيمَا أَحسب كالمعيد الْآن أَو كالقارىء على الْمدرس أَو المستملى على المملى وَهُوَ الذى كَانَت بِهِ لثغة يسيرَة وَكَانَ بِابْن سُرَيج مثلهَا فَلَمَّا انْتهى إِلَى مَسْأَلَة إِمَامَة الألثغ استحيى أَن يَقُول لِابْنِ سُرَيج هَل تصح إمامتك فَقَالَ هَل تصح إمامتى فَقَالَ لَهُ ابْن سُرَيج نعم وإمامتى أَيْضا نقل ذَلِك الرويانى فى الْبَحْر وَغَيره وَنقل فى الْبَحْر أَيْضا فى مَسْأَلَة مَا إِذا رعف الإِمَام الْمُسَافِر فى الصَّلَاة وَخَلفه مسافرون ومقيمون عَن أَبى غَانِم الْمشَار إِلَيْهِ تَأْوِيلا فى تفاريع الْمَسْأَلَة الحديث: 236 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 237 - الْفضل بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو بشر بن أَبى عبد الله الجرجانى قَالَ فِيهِ أَبُو حَفْص المطوعى فَاضل ملْء ثَوْبه مفضل ملْء كَفه ضَارب فى الإسماعيلية بعروقه قلت يعْنى بَيت أَبى بكر الإسماعيلى وَذكره أَبُو عَاصِم العبادى فَقَالَ وَمِنْهُم القاضى أَبُو بشر الإسماعيلى وَهُوَ الحاكى فى الْمَبِيع وَفِيه خِيَار الرُّؤْيَة إِذا مَاتَ أحد الْمُتَعَاقدين أَو جن قبل الرُّؤْيَة أَنه يَنْفَسِخ العقد 238 - الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن على الشاشى صَاحب التَّقْرِيب الإِمَام الْجَلِيل أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا ولد الإِمَام الْجَلِيل الْقفال الْكَبِير ذكره العبادى فى الطَّبَقَات وَقَالَ مَشْهُور الْفضل يشْهد بذلك كِتَابه قَالَ وَبِه تخرج فُقَهَاء خُرَاسَان وازدادت طَريقَة أهل الْعرَاق بِهِ حسنا الحديث: 237 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 وَقَالَ أَبُو حَفْص عمر بن على المطوعى المنجبون من فُقَهَاء أَصْحَابنَا أَرْبَعَة أَبُو بكر الإسماعيلى حَيْثُ ولد ابْنه أَبَا سعد وَالْإِمَام أَبُو سهل حَيْثُ ولد ابْنه الإِمَام ابْن الإِمَام إِلَى أَن قَالَ وَأَبُو بكر الْقفال حَيْثُ حظى من نَسْله بِالْوَلَدِ النجيب الذى ينْسب إِلَيْهِ كتاب التَّقْرِيب وَأَبُو جَعْفَر الحناطى حَيْثُ رزق مثل الشَّيْخ أَبى عبد الله ولدا رَضِيا نجلا زكيا وَقَالَ حَمْزَة السهمى فى تَارِيخ جرجان فى تَرْجَمَة الحليمى إِن الحليمى قَالَ علق عَنى الْقَاسِم بن أَبى بكر الْقفال صَاحب التَّقْرِيب أحد عشر جُزْءا من الْفِقْه قلت وَفِيمَا حكيناه دَلِيل على مَا لاشك فِيهِ من أَن الْقَاسِم هُوَ صَاحب التَّقْرِيب وفى التذنيب لأبى الْقَاسِم الرافعى أَن بعض النَّاس وهم فَتوهم أَن صَاحب التَّقْرِيب وَالِده قلت وأورث هَذَا الْوَهم الرافعى بعض شكّ من أجل ذَلِك قَالَ وَقد ذكره وَهُوَ الْقَاسِم إِن شَاءَ الله وَهَذَا الظَّن الذى ظَنّه بعض النَّاس من أَن التَّقْرِيب لِأَبِيهِ مُتَقَدم الزَّمَان فَإِن المطوعى ذكره فى كِتَابه فى تَرْجَمَة الْقفال بل كَلَامه كالمرجح لِأَن التَّقْرِيب للوالد دون الْوَلَد وَذَلِكَ فى تَرْجَمَة الْوَالِد حَيْثُ قَالَ أما التصنيف فَهُوَ يعْنى الْقفال نظام عقده ونظام شَمله يشْهد بذلك كِتَابه المترجم بالتقريب وَإِن كَانَ بعض النَّاس ينْسبهُ إِلَى وَالِده النجيب انْتهى وَمن خطّ ابْن الصّلاح نقلته لكنه مدافع بقوله الذى حكيناه فى تَرْجَمَة الْقَاسِم هَذَا أَن التَّقْرِيب لَهُ وَهُوَ الصَّحِيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 والتقريب من أجل كتب الْمَذْهَب ذكره الإِمَام أَبُو بكر البيهقى فى رسَالَته إِلَى الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد الجوينى بعد مَا حث على حِكَايَة أَلْفَاظ الشافعى وألفاظ المزنى وَقَالَ لم أر أحدا مِنْهُم يعْنى المصنفين فى نُصُوص الشافعى رضى الله عَنهُ فِيمَا حَكَاهُ أوثق من صَاحب التَّقْرِيب وَهُوَ فى النّصْف الأول من كِتَابه أَكثر حِكَايَة لألفاظ الشافعى مِنْهُ فى النّصْف الْأَخير قَالَ وَقد غفل فى النصفين جَمِيعًا مَعَ اجْتِمَاع الْكتب لَهُ أَو أَكْثَرهَا وَذَهَاب بَعْضهَا فى عصرنا عَن حِكَايَة أَلْفَاظ لابد لنا من مَعْرفَتهَا لِئَلَّا نجترئ على تخطئة المزنى فى بعض مَا نخطئه فِيهِ وَهُوَ عَنهُ برِئ ولنتخلص بهَا عَن كثير عَن تخريجات أَصْحَابنَا انْتهى وَقد كَانَ الْقَاسِم جليل الْمِقْدَار فى حَيَاة أَبِيه يدل على ذَلِك مَا ذكره الْأَصْحَاب فى كتاب الرَّضَاع عَن الحليمى فى فروع الِاخْتِلَاط من قَول الحليمى هَذَا شئ استنبطته أَنا وَكَانَ فى قلبى مِنْهُ شئ فعرضته على الْقفال الشاشى وَابْنه الْقَاسِم فارتضياه فسكنت ثمَّ وجدته لِابْنِ سُرَيج فسكن قلبى إِلَيْهِ كل السّكُون قلت وقفت على نَحْو الثُّلُث أَو أَكثر من أَوَائِل كتاب التَّقْرِيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 وَمن الْمسَائِل والفوائد عَن صَاحب التَّقْرِيب ذكر الإِمَام فى النِّهَايَة فى بَاب قتل الْمُرْتَد أَن صَاحب التَّقْرِيب قَالَ فى الْأَسير إِذا أكره على التَّلَفُّظ بالْكفْر وَعَاد إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام وَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَأبى إِنَّا نحكم بردته قَالَ فَإِنَّهُ قد انْضَمَّ امْتِنَاعه الْآن إِلَى مَا سبق مِنْهُ من لفظ الْكفْر فَدلَّ أَنه كَانَ مُخْتَارًا قَالَ وَقطع صَاحب التَّقْرِيب بِهَذَا وَهُوَ الذى ذكره الْعِرَاقِيُّونَ قَالَ وَفِيه احْتِمَال عندى ظَاهر فَإِنَّهُ لم يسْبق مِنْهُ اخْتِيَار وَحكم الْإِسْلَام كَانَ مستمرا لَهُ وَالْمُسلم لَا يكفر بِمُجَرَّد الِامْتِنَاع عَن تَجْدِيد الْإِسْلَام انْتهى مُلَخصا وَتبع الغزالى فى الْوَسِيط إِمَامه فى استشكال هَذَا وَحَكَاهُ الرافعى عَن الإِمَام ساكتا عَلَيْهِ بعد مَا ذكر أَن الْمَنْقُول أَنه إِذا أَبى يحكم بردته كَمَا قَالَ صَاحب التَّقْرِيب والعراقيون قَالَ ابْن الرّفْعَة وَالنَّظَر الذى أبداه الإِمَام مندفع بِمَا قَرَّرَهُ صَاحب التَّقْرِيب فَإِنَّهُ قَالَ قد انْضَمَّ امْتِنَاعه الْآن إِلَى مَا سبق مِنْهُ من لفظ الْكفْر فَدلَّ أَنه كَانَ مُخْتَارًا فى ابْتِدَاء اللَّفْظ وَمن أكره على شئ فخطر لَهُ أَن يأتى بِهِ مُخْتَارًا فَلَا حكم للإكراه فَإِذا سبق مِنْهُ اللَّفْظ وَلحق الِامْتِنَاع عَن التَّلَفُّظ بِالْإِسْلَامِ كَانَ ذَلِك آيَة بَيِّنَة فى أَنه كَانَ مُخْتَارًا عِنْد لَفظه وَفَارق الْمُسلم الذى لم يصدر مِنْهُ كلمة الْكفْر حَيْثُ لَا يَجْعَل بالامتناع عَن النُّطْق بِكَلِمَة الْإِسْلَام مُرْتَدا لِأَنَّهُ لم يسْبق مِنْهُ شئ يجوز أَن يكون كفرا يقرره الِامْتِنَاع وَلَا يُقَال لكم خلاف فى الْمُكْره على التَّلَفُّظ بِالطَّلَاق إِذا نَوَاه هَل يَقع بِهِ فينبغى إجراؤه هُنَا لأَنا نقُول من لم يوقعه اعتل بِأَن اللَّفْظ هُوَ الذى يَقع بِهِ الطَّلَاق وَهُوَ مكره عَلَيْهِ فَلم يبْق إِلَّا نِيَّة مُجَرّدَة وهى لَا يَقع بهَا الطَّلَاق وَلَا كَذَلِك الرِّدَّة لِأَنَّهَا تحصل بِمُجَرَّد النِّيَّة انْتهى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 قلت وَمَا ذكره عَن التَّقْرِيب إِلَى قَوْله عِنْد لَفظه مَذْكُور فى النِّهَايَة وَقَوله وَفَارق الْمُسلم إِلَى آخِره هَذَا بحث ابْن الرّفْعَة ويلوح فى بادئ النّظر حسنه إِلَّا أَنى تَأَمَّلت بعد مَا استبعدت خَفَاء مثل هَذَا الْفرق على الإِمَام لَا سِيمَا وَكَلَام صَاحب التَّقْرِيب مسطور فى النِّهَايَة فَظهر لى فى جَوَابه مَا أَرْجُو أَنه الْحق فَأَقُول قَالَ الرافعى أطلق أَكْثَرهم الْعرض يعْنى عرض الْإِسْلَام على الْأَسير إِذا عَاد إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام وَشرط لَهُ ابْن كج أَلا يؤم الْجَمَاعَات وَلَا يقبل على الطَّاعَات بعد الْعود إِلَيْنَا فَإِن فعل ذَلِك أغنانا عَن الْعرض قلت وَمِمَّنْ أطلق وَلم يذكر مَا شَرطه ابْن كج الإِمَام والذى أعتقده أَنه إِنَّمَا يَقُول لَيْسَ الِامْتِنَاع عَن التَّجْدِيد دَلِيلا على الْكفْر فى مُمْتَنع يؤم الْجَمَاعَات وَيلْزم الطَّاعَات كَسَائِر الْمُسلمين فَذَاك هُوَ الذى لَا يكون امْتِنَاعه دَالا على الْكفْر لِأَن فى فعله أَفعَال الْمُسلمين دلَالَة بَيِّنَة على أَن تِلْكَ اللَّفْظَة لم تكن عَن اخْتِيَار أم نقُول ذَلِك فى مُمْتَنع أول رُجُوعه إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام لم يعرف مِنْهُ مُفَارقَة مظان الطَّاعَات أما من عرف مِنْهُ أَن لَا يشْهد جماعات الْمُسلمين وَلَا يؤم مَسَاجِدهمْ فَلَا شكّ أَن امْتِنَاعه دَلِيل كفره وَلَيْسَ كَالْمُسلمِ المستمر فَإِن هَذَا صدر مِنْهُ سَبَب ظَاهر مقترن بِأَفْعَال ظَاهِرَة غير أَنى لَا أعتقد أَن الإِمَام يُخَالف فى هَذَا فَإِن قلت وملازم الْجَمَاعَات لَا خلاف فِيهِ كَمَا ذكر ابْن كج قلت هَذَا الذى ذكره ابْن كج قد عرفناك أَن الْأَكْثَرين وَمِنْهُم الإِمَام لم يذكروه فَخرج من هَذَا أَن الْمُمْتَنع عَن التَّجْدِيد مَعَ الإباء عَن مشَاهد الْمُسلمين كَافِر قطعا والممتنع مَعَ شُهُود جماعات الْمُسلمين أَو من غير أَن يظْهر مِنْهُ خلاف ذَلِك هُوَ الذى يَقُول الإِمَام لَا يكون امْتِنَاعه دَلِيل كفره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 إِذا أقرّ بمجمل وَلم يفسره فَهَل يُوقف من مَاله أقل مُتَمَوّل أَو جَمِيع مَاله قيل فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إِذا مَاتَ وَقَالَ الْقَاسِم يحْتَمل أَن يُوقف فى حَال الْحَيَاة أقل الْأَشْيَاء وَبعد الْوَفَاة جَمِيع التَّرِكَة هَذَا لفظ أدب الْقُضَاة لشريح الرويانى وَقَول الْقَاسِم وَهُوَ صَاحب التَّقْرِيب حسن لِأَن التَّرِكَة مَرْهُونَة بِالدّينِ وَإِن قل عَنْهَا على الْمَذْهَب قَالَ الْقَاسِم فِيمَا إِذا شهد وَاحِد بِأَلف وَآخر بِأَلفَيْنِ إِن الْمُدعى لَا يَأْخُذ الْألف إِلَّا بِيَمِين قَالَ العبادى وَهُوَ غَرِيب قلت لَا شكّ فى غرابته إِن وَقعت الدَّعْوَى بِأَلفَيْنِ واستشهاد كل من الشَّاهِدين بِمَا يعرفهُ أما إِذا وَقعت بِأَلف فَشهد وَاحِد بِأَلفَيْنِ فهى مبادرة وفيهَا خلاف وللوالد على شبه الْمَسْأَلَة كَلَام ذَكرْنَاهُ بمزيد بسط فى النَّقْل والتفقه فى كتاب ترشيح التوشيح 239 - محَارب بن مُحَمَّد بن محَارب أَبُو الْعَلَاء القاضى توفى فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة ذكره ابْن باطيش الحديث: 239 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 240 - مَنْصُور بن إِسْمَاعِيل أَبُو الْحسن التميمى الْفَقِيه الشَّاعِر الضَّرِير المصرى أحد أَئِمَّة الْمَذْهَب قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق أَخذ الْفِقْه عَن أَصْحَاب الشافعى وَأَصْحَاب أَصْحَابه وَله مصنفات فى الْمَذْهَب مليحة مِنْهَا الْوَاجِب والمستعمل وَالْمُسَافر وَالْهِدَايَة وَغَيرهَا من الْكتب وَله شعر مليح وَهُوَ الْقَائِل (عَابَ التفقه قوم لَا عقول لَهُم ... وَمَا عَلَيْهِ إِذا عابوه من ضَرَر) (مَا ضرّ شمس الضُّحَى وَالشَّمْس طالعة ... أَلا يرى ضوءها من لَيْسَ ذَا بصر) قلت وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله فى تَرْجَمَة الْحَافِظ أَبى على النيسابورى أَنه سَمعه يَقُول سَمِعت مَنْصُور بن إِسْمَاعِيل بِمصْر ينشد لنَفسِهِ قلت وَقد أوردهما الخطابى عَنهُ فى كتاب الْعُزْلَة (قد قلت إِذْ مدحوا الْحَيَاة فَأَكْثرُوا ... للْمَوْت ألف فَضِيلَة لَا تعرف) (مِنْهَا أَمَان لِقَائِه بلقائه ... وفراق كل مصاحب لَا ينصف) قَالَ الْحَاكِم قَالَ أَبُو على رَأَيْت منصورا وَقد عمى وَرُبمَا كَانَ يركب حمارا فارها الحديث: 240 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 وَقَالَ القضاعى أَصله من رَأس عين وَكَانَ فَقِيها متصرفا فى كل علم شَاعِرًا مجودا لم يكن فى زَمَانه مثله وَذكر ابْن يُونُس فى تَارِيخ مصر أَنه كَانَ جنديا قبل أَن يعمى توفى مَنْصُور سنة سِتّ وثلاثمائة وَمن الحكايات والأشعار والفوائد والغرائب عَنهُ كَانَت لَهُ قَضِيَّة مَعَ القاضى أَبى عبيد بن حربويه طَالَتْ وعظمت وَذَلِكَ أَنه كَانَ خَالِيا بِهِ فَجرى ذكر نَفَقَة الْحَامِل الْمُطلقَة ثَلَاثًا فَقَالَ أَبُو عبيد زعم زاعم أَن لَا نَفَقَة لَهَا فَأنْكر مَنْصُور ذَلِك وَقَالَ أقائل هَذَا من أهل الْقبْلَة ثمَّ انْصَرف مَنْصُور وَحدث الطحاوى فَأَعَادَهُ على أَبى عبيد فَأنكرهُ أَبُو عبيد فَقَالَ مَنْصُور أَنا أكذبه قَالَ أَبُو بكر بن الْحداد حضر مَنْصُور فتبينت فى وَجهه النَّدَم على حُضُوره وَلَوْلَا عجلة القاضى بالْكلَام لما تكلم مَنْصُور وَلَكِن قَالَ القاضى مَا أُرِيد أحدا يدل على لَا مَنْصُور وَلَا نصار يحكون عَنَّا مَا لم نقل فَقَالَ مَنْصُور قد علم الله أَنَّك قلت فَقَالَ كذبت فَقَالَ قد علم الله من الْكَاذِب ونهض وَهُوَ أعمى فَمَا جسر أحد من هَيْبَة القاضى أَن يَأْخُذ بِيَدِهِ إِلَّا ابْن الْحداد وَكَانَت بَينه وَبَين ابْن الْحداد مقاطعة فَشكر لَهُ هَذَا الصَّنِيع وَقَالَ لَهُ أحسن الله جَزَاك وشكر فعلك وَأخذ بِيَدِك يَوْم فاقتك إِلَيْهِ ثمَّ إِن ابْن الْحداد أَشَارَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى القاضى والاعتذار فَرجع فَلم يُمكنهُ الْحَاجِب من الدُّخُول إِلَيْهِ وَدفع فى ظَهره وَقَالَ لَا سَبِيل لَك إِلَى هَذَا ثمَّ تعصب لمنصور خلق كَثِيرُونَ كَانُوا يعتقدونه وتحامل عَلَيْهِ آخَرُونَ مِنْهُم مُحَمَّد بن الرّبيع الجيزى وَكَانَ من جلة شُهُود مصر قَالَ ابْن الْحداد سمع مُحَمَّد بن الرّبيع منصورا يَقُول مقَالَة يحكيها عَن النظام فنسبها إِلَى مَنْصُور وَشهد عَلَيْهِ بهَا عِنْد القاضى فهلع مَنْصُور وبلغه أَن القاضى قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 إِن شهد عندى شَاهد آخر مثل مُحَمَّد بن الرّبيع ضربت عنق مَنْصُور فَلَزِمَ مَنْصُور جَامع ابْن طولون يأتى كل يَوْم فَلَا يخرج مِنْهُ إِلَى الْمسَاء مَحْزُونا مغموما وماج النَّاس وَكثر الْكَلَام حَتَّى قَالَ بنان العابد الزَّاهِد يَا قوم مَا فى هَذَا الْبَلَد من يتوسط بَين هَذَا القاضى وَبَين هَذَا الشَّيْخ فَقيل لَهُ فَأَنت فَقَالَ مَا أكمل لهَذَا وَلم يمض على مَنْصُور إِلَّا أَيَّام يسيرَة وَتوفى وعزم القاضى أَبُو عبيد على أَن يصلى عَلَيْهِ فَبَلغهُ أَن خلقا من الْعَسْكَر والجند حملُوا السِّلَاح وتهيأوا لقتل القاضى إِن هُوَ صلى عَلَيْهِ فَتَأَخر عَن الصَّلَاة عَلَيْهِ وَقيل كَانَ حول جنَازَته مِائَتَا سيف وآلاف من السكاكين وَأظْهر النَّاس فى الْجِنَازَة سبّ أَبى عبيد وقذفه وَقيل إِن منصورا أنْشد عِنْد مَوته (قضيت نحبى فسر قوم ... حمقى بهم غَفلَة ونوم) (كَأَن يومى على حتم ... وَلَيْسَ للشامتين يَوْم) فَبلغ ذَلِك القاضى أَبَا عبيد فنكث بِيَدِهِ الأَرْض وَقَالَ (تَمُوت قبلى وَلَو بِيَوْم ... وَنحن يَوْم النشور توم) (فقد فرحنا وَقد سررنا ... وَلَيْسَ للشامتين لوم) وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك وَقيل إِن أَبَا عبيد نَدم على مَا جرى مِنْهُ وأسف على مَا فَاتَهُ من مَنْصُور وَكَانَ أَبُو بكر بن الْحداد رَحمَه الله يَقُول لَو شِئْت لَقلت إِن دِيَة مَنْصُور على عَاقِلَة القاضى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 يُرِيد أَن أَبَا عبيد قَاتله خطأ فَإِن منصورا بلغت مِنْهُ نكاية أَبى عبيد حَتَّى جَاءَت على نَفسه وَمن شعر مَنْصُور فى علته وَإِنَّمَا يعْنى أَبَا عبيد (يَا شامتا بى لِأَن هَلَكت ... لكل حى مدى وَوقت) (وللمنايا وَإِن تناءت ... بِالْمَوْتِ يَاذَا الشمات بَغت) (وَأَنت فى غَفلَة المنايا ... تخَاف مِنْهَا الذى أمنت) (والكأس ملأى وَعَن قَلِيل ... تشرب مِنْهَا كَمَا شربت) وَقَالَ (تغابن الْأَيَّام تَقْدِير ... وَأَخذهَا جد وتشمير) كتب إِلَى أَحْمد بن أَبى طَالب عَن مُحَمَّد بن مَحْمُود الْحَافِظ أخبرنَا ضِيَاء بن أَحْمد بن أَبى على أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الباقى أخبرنَا القاضى أَبُو المظفر هناد بن إِبْرَاهِيم أنشدنى الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور عبد القاهر بن طَاهِر البغدادى بنيسابور قَالَ أنشدنا أَبُو أَحْمد بن عدى الْحَافِظ قَالَ أنشدنى مَنْصُور بن إِسْمَاعِيل الْفَقِيه لنَفسِهِ (من كَفاهُ من مساعيه ... رغيف يغتذيه) (وَله بَيت يواريه ... وثوب يكتسيه) (فعلى م يبْذل الْوَجْه ... لذى كبر وتية) (وعَلى م يبْذل الْعرض ... لمخلوق سَفِيه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كتاب القَوْل فى النُّجُوم حَدَّثَنى أَبُو عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد الْقطَّان النيسابورى قَالَ أنشدنا أَبُو على صَالح بن إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد بن رشدين المصرى قَالَ أنشدنى أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مهَاجر الْكَاتِب قَالَ أنشدنى مَنْصُور الْفَقِيه لنَفسِهِ (من كَانَ يخْشَى زحلا ... أَو كَانَ يَرْجُو الْمُشْتَرى) (فإننى مِنْهُ وَإِن ... كَانَ أَبى الْأَدْنَى بَرى) قَالَ وحدثنى مُحَمَّد بن يُوسُف أنشدنا ابْن رشد بن أَسد بن أَبى مهَاجر أنشدنى مَنْصُور الْفَقِيه لنَفسِهِ (إِذا كنت تزْعم أَن النُّجُوم ... تضر وَتَنْفَع من تحتهَا) (فَلَا تنكرن على من يَقُول ... بأنك بِاللَّه أشركتها) قَالَ الْخَطِيب ولمنصور أَيْضا فِيمَا بلغنى بِغَيْر هَذَا الْإِسْنَاد (لَيْسَ للنجم إِلَى ضرّ م ... وَلَا نفع سَبِيل) (إِنَّمَا النَّجْم على الْأَوْقَات ... والسمت دَلِيل) أورد الْحَاكِم فى تَرْجَمَة جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الْحَارِث أَبى مُحَمَّد المراغى من شعر مَنْصُور (النَّاس بَحر عميق ... والبعد عَنْهُم سفينة) (وَقد نَصَحْتُك فَانْظُر ... لنَفسك المسكينة) قلت وَمن شعره أَيْضا (لى حِيلَة فِيمَن ينم م ... وَلَيْسَ فى الْكذَّاب حيله) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 (من كَانَ يخلق مَا يَقُول ... فحيلتى فِيهِ قَلِيله) وَمِنْه (الْكَلْب أَعلَى قيمَة ... وَهُوَ النِّهَايَة فى الخساسه) (مِمَّن يُنَازع فى الرياسة ... قبل أَوْقَات الرياسة) وَمِنْه وَقد ذكره الخطابى فى كتاب الْعُزْلَة (لَيْسَ هَذَا زمَان قَوْلك مَا الحكم ... على من يَقُول أَنْت حرَام) (والحقى بَائِنا بأهلك أَو أَنْت ... عَتيق محرم يَا غُلَام) (وَمَتى تنْكح المصابة فى العدمة ... عَن شُبْهَة وَكَيف الْكَلَام) (فى حرَام أصَاب سنّ غزال ... فَتَوَلّى وللغزال بغام) (إِنَّمَا ذَا زمَان كدح إِلَى الْمَوْت ... وقوت مبلغ وَالسَّلَام) وَقَالَ وَذكره الخطابى أَيْضا عَنهُ (لَوْلَا بناتى وسيآتى ... لذبت شوقا إِلَى الْمَمَات) (لأننى فِي جوَار قوم ... بغضنى قربهم حياتى) وَقَالَ وَأوردهُ الخطابى أَيْضا (قد قلت إِذْ مدحوا الْحَيَاة فَأَكْثرُوا ... للْمَوْت ألف فَضِيلَة لَا تعرف) (مِنْهَا أَمَان لِقَائِه بلقائه ... وفراق كل معاشر لَا ينصف) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 241 - هَارُون بن مُحَمَّد بن مُوسَى الجوينى الآزاذوارى وآزاذوار بِمد الْألف وَفتح الزاى وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وفى آخرهَا الرَّاء من قرى جُوَيْن من نواحى نيسابور الْفَقِيه الأديب أَبُو مُوسَى قَالَ الْحَاكِم سمع بنيسابور أَبَا عبد الله البوشنجى وأقرانه وَكتب بالرى وبغداد قبل الْعشْر والثلاثمائة وَكَانَ إِذا ورد الْبَلَد يعْنى نيسابور تهتز مَشَايِخنَا لوروده ثمَّ روى الْحَاكِم عَنهُ حَدِيثا وَاحِدًا وَلم يزدْ فى تَرْجَمته على ذَلِك 242 - يحيى بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حسن النيسابورى أَبُو عَمْرو المخلدى كَانَ فَقِيها إِمَامًا عابدا كثير التِّلَاوَة حدث عَن مُؤَمل بن الْحسن الماسرجس وابنى الشرقى ومكي بن عَبْدَانِ وأقرانهم قَالَ الْحَاكِم وَحدث بِكِتَاب التَّارِيخ لأبى بكر بن أَبى خَيْثَمَة عَن ذَاك الشَّيْخ الواسطى عَنهُ قَالَ وَكَانَ من مَشَايِخ أهل البيوتات وَمن الْعباد الْمُجْتَهدين وَمن قراء الْقُرْآن الْعَظِيم وَكَانَ ختن يحيى بن مَنْصُور القاضى على ابْنَته روى عَنهُ الْحَاكِم وَقَالَ توفى فى شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين سنة الحديث: 241 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 243 - يحيى بن أَحْمد أَبُو زَكَرِيَّا بن أَبى طَاهِر السكرى أحد أَئِمَّة أَصْحَابنَا ذكره الْحَاكِم وَقَالَ كَانَ من صالحى أهل الْعلم والمناظرين على مَذْهَب الشافعى تفقه عِنْد أَبى الْوَلِيد وَبِه تخرج وَكَانَ يدرس نيفا وَثَلَاثِينَ سنة سمع الإِمَام أَبَا بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصبغى وَأَبا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب وأقرانهما وَخرج لَهُ الْفَوَائِد وَحدث توفى فى الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة 244 - يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله بن العنبر بن عَطاء بن صَالح بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن سُفْيَان السلمى مولى بنى حَرْب أَبُو زَكَرِيَّا العنبرى السلمى أحد الْأَئِمَّة سمع أَبَا عبد الله البوشنجى وَإِبْرَاهِيم بن أَبى طَالب وَالْحُسَيْن بن مُحَمَّد القبانى وَطَائِفَة الحديث: 243 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 روى عَنهُ أَبُو على النيسابورى الْحَافِظ وَأَبُو بكر بن عبدش وهما من أقرانه وَأَبُو الْحسن الحجاجى وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله وَغَيرهم قَالَ الْحَاكِم فِيهِ الْعدْل الأديب الْمُفَسّر الأوحد بَين أقرانه قَالَ وَسمعت أَبَا على الْحَافِظ غير مرّة يَقُول النَّاس يتعجبون من حفظنا لهَذِهِ الْأَسَانِيد وَأَبُو زَكَرِيَّاء العنبرى يحفظ من الْعُلُوم مَا لَو كلفنا حفظ شئ مِنْهَا لعجزنا عَنهُ وَمَا أعلم أَنى رَأَيْت مثله قَالَ الْحَاكِم اعتزل أَبُو زَكَرِيَّا النَّاس وَقعد عَن حُضُور المحافل بضع عشرَة سنة وَأطَال الْحَاكِم فى تَرْجَمَة العنبرى وَذكر أَنه توفى فى الثانى وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَهُوَ ابْن سِتّ وَسبعين سنة ثمَّ إِنَّه سَمعه يَقُول الشَّفق الْحمرَة لِأَن اشتقاقه من الخجل وَالْخَوْف قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين هم من خشيَة رَبهم مشفقون} أى خائفون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 245 - يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن يزِيد النيسابورى الْحَافِظ الْكَبِير الْجَلِيل صَاحب الْمسند الصَّحِيح الْمخْرج على كتاب مُسلم أَبُو عوَانَة الإسفراينى النيسابورى سمع بخراسان وَالْعراق والحجاز واليمن وَالشَّام والثغور والجزيرة وَفَارِس وأصبهان ومصر وَهُوَ أول من أَدخل مَذْهَب الشافعى إِلَى أسفراين أَخذه عَن المزنى وَالربيع سمع مُحَمَّد بن يحيى وَمُسلم بن الْحجَّاج وَيُونُس بن على الْأَعْلَى وَعمر بن شبة وعَلى بن حَرْب وعَلى بن إشكاب وسعدان بن نصر وخلقا سواهُم روى عَنهُ أَحْمد بن على الرازى الْحَافِظ وَأَبُو على النيسابورى وَعبد الله بن عدى والطبرانى وَأَبُو بكر الإسماعيلى وَخلق آخِرهم ابْن أُخْته أَبُو نعيم عبد الْملك بن الْحسن الإسفراينى الحديث: 245 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 قَالَ الْحَاكِم أَبُو عوَانَة من عُلَمَاء الحَدِيث وأثباتهم سَمِعت ابْنه مُحَمَّدًا يَقُول إِنَّه توفى سنة سِتّ عشرَة قلت وَذكر عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل أَنه توفى سنة ثَلَاث عشرَة وَالصَّحِيح الأول وعَلى قبر أَبى عوَانَة مشْهد بأسفراين يزار قيل وَهُوَ بداخل الْبَلَد 246 - يَعْقُوب بن مُوسَى أَبُو الْحسن الأردبيلى سكن بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن الْمَشَايِخ توفى فى شهر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة 247 - يُوسُف بن الْقَاسِم بن يُوسُف بن فَارس بن سوار أَبُو بكر الميانجى قاضى دمشق ومسند الشَّام فى وقته مولده قبل التسعين وَمِائَتَيْنِ وَسمع أَبَا خَليفَة وَأَبا الْعَبَّاس السراج وزَكَرِيا الساجى الحديث: 246 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 وعبدان الأهوازى وَمُحَمّد بن جرير وَالقَاسِم الْمُطَرز والباغندى وخلائق روى عَنهُ ابْن أَخِيه صَالح بن أَحْمد وَأحمد بن الْحسن الطيان وَأحمد بن سَلمَة ابْن كَامِل وَعبد الْوَهَّاب الميدانى وَأَبُو سُلَيْمَان بن زبر مَعَ تقدمه وَخلق وناب فى الْقَضَاء بِدِمَشْق عَن قاضى مصر وَالشَّام أَبى الْحسن على بن النُّعْمَان توفى فِي شعْبَان سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة آخر الطَّبَقَة الثَّالِثَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الطَّبَقَة الرَّابِعَة فِيمَن توفّي بَين الأربعمائة والخمسمائة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 248 - أَحْمد بن إِسْحَاق بن جَعْفَر بن أَحْمد بن أبي أَحْمد بن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد بن هَارُون أَبُو الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَادِر بِاللَّه وجده جَعْفَر هُوَ المقتدر بن المعتضد بن الْمُوفق بن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد مولده فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَأمه تمنى مولاة عبد الْوَاحِد بن المقتدر بُويِعَ بالخلافة عِنْد الْقَبْض على الطائع فِي حادى عشر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَكَانَ أَبيض كث اللِّحْيَة طويلها يخضب شَيْبه وَقد تفقه على أبي بشر أَحْمد بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ الشَّافِعِي قَالَ الْخَطِيب كَانَ من الدّيانَة وإدامة التَّهَجُّد وَكَثْرَة الصَّدقَات على صفة الحديث: 248 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 اشتهرت عَنهُ وصنف كتابا فِي الْأُصُول كَانَ يقْرَأ كل جُمُعَة فِي حَلقَة أَصْحَاب الحَدِيث بِجَامِع الْمهْدي وَاسْتمرّ فِي الْخلَافَة إِلَى أَن مَاتَ مُدَّة خِلَافَته إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر توفّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ وَلَده الْخَلِيفَة الْقَائِم والخلق وَرَاءه وَكبر أَرْبعا وعاش الْقَادِر سبعا وَثَمَانِينَ سنة إِلَّا شهرا وَثَمَانِية أَيَّام 249 - أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَفْص بن مُسلم ابْن يزِيد القَاضِي أَبُو بكر بن أبي عَليّ ابْن الشَّيْخ الْمُحدث أبي عَمْرو الْحِيرِي مولده سنة خمس وَعشْرين وثلاثمائة تفقه على الْأُسْتَاذ أبي الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي ودرس الْكَلَام وَالْأُصُول على أَصْحَاب الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَسمع أَبَا عَليّ مُحَمَّد بن أَحْمد الميداني وحاجب بن أَحْمد وَأَبا الْعَبَّاس الْأَصَم وَأَبا سهل بن زِيَاد وَأَبا أَحْمد بن عدي وَغَيرهم بنيسابور وَمَكَّة وبغداد والكوفة وجرجان روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَهُوَ أكبر مِنْهُ والإمامان أَبُو بكر الْخَطِيب الحديث: 249 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن وأسعد بن مَسْعُود الْعُتْبِي وخلائق آخِرهم موتا عبد الْغفار بن مُحَمَّد الشيرويى وَكَانَ كَبِير خُرَاسَان رياسة وسؤددا وثروة وعلما وعلو إِسْنَاد وَمَعْرِفَة بِمذهب الشَّافِعِي ولى قَضَاء نيسابور قَالَ عبد الغافر وأصابه وقر فِي آخر عمره توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة 250 - أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن جَعْفَر أَبُو حَامِد الْفَقِيه الهمذاني أحد أَئِمَّتنَا روى عَن أَبِيه وَمُحَمّد بن عِيسَى وَأبي نصر أَحْمد بن الْحُسَيْن الكسار وجعفر بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي قَالَ شيرويه سَمِعت مِنْهُ وَكَانَ أحد مَشَايِخ الْبَلَد ومفتيه مَاتَ سادس عشرى صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 250 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 251 - أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن عبد الله بن مُوسَى الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ النَّيْسَابُورِي الخسروجردي وخسروجرد بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخرهَا الدَّال الْمُهْملَة قَرْيَة من نَاحيَة بيهق كَانَ الإِمَام الْبَيْهَقِيّ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وَهُدَاة الْمُؤمنِينَ والدعاة إِلَى حَبل الله المتين فَقِيه جليل حَافظ كَبِير أصولي نحرير زاهد ورع قَانِت لله قَائِم بنصرة الْمَذْهَب أصولا وفروعا جبلا من جبال الْعلم ولد فِي شعْبَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَسمع الْكثير من أبي الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْعلوِي وَهُوَ أكبر شيخ لَهُ وَمن أبي طَاهِر الزيَادي وَأبي عبد الله الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أجل أَصْحَاب الْحَاكِم وَمن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأبي بكر بن فورك وَأبي عَليّ الرُّوذَبَارِي وَأبي زَكَرِيَّا الْمُزَكي وَخلق من أَصْحَاب الْأَصَم وَحج فَسمع بِبَغْدَاد من هِلَال الحفار وَأبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَجَمَاعَة وبمكة من أبي عبد الله بن نظيف وَغَيره بخراسان وَالْعراق والحجاز وَالْجِبَال الحديث: 251 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 وشيوخه أَكثر من مائَة شيخ وَلم يَقع لَهُ التِّرْمِذِيّ وَلَا النَّسَائِيّ وَلَا ابْن مَاجَه روى عَنهُ جمَاعَة كَثِيرَة مِنْهُم وَلَده إِسْمَاعِيل وحفيده أَبُو الْحسن عبيد الله بن مُحَمَّد ابْن أبي بكر وَأَبُو عبد الله الفراوي وزاهر بن طَاهِر وَعبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد الخواري وَآخَرُونَ وَأخذ الْفِقْه عَن نَاصِر الْعمريّ وَقَرَأَ علم الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ ثمَّ اشْتغل بالتصنيف بعد أَن صَار أوحد زَمَانه وَفَارِس ميدانه وأحذق الْمُحدثين وأحدهم ذهنا وأسرعهم فهما وأجودهم قريحة وَبَلغت تصانيفه ألف جُزْء وَلم يتهيأ لأحد مثلهَا أما السّنَن الْكَبِير فَمَا صنف فِي علم الحَدِيث مثله تهذيبا وترتيبا وجودة وَأما الْمعرفَة معرفَة السّنَن والْآثَار فَلَا يسْتَغْنى عَنهُ فَقِيه شَافِعِيّ وَسمعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول مُرَاده معرفَة الشَّافِعِي بالسنن والْآثَار وَأما الْمَبْسُوط فِي نُصُوص الشَّافِعِي فَمَا صنف فِي نَوعه مثله وَأما كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات فَلَا أعرف لَهُ نظيرا وَأما كتاب الِاعْتِقَاد وَكتاب دَلَائِل النُّبُوَّة وَكتاب شعب الْإِيمَان وَكتاب مَنَاقِب الشَّافِعِي وَكتاب الدَّعْوَات الْكَبِير فأقسم مَا لوَاحِد مِنْهَا نَظِير وَأما كتاب الخلافيات فَلم يسْبق إِلَى نَوعه وَلم يصنف مثله وَهُوَ طَريقَة مُسْتَقلَّة حَدِيثِيَّةٌ لَا يقدر عَلَيْهَا إِلَّا مبرز فِي الْفِقْه والْحَدِيث قيم بالنصوص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 وَله أَيْضا كتاب مَنَاقِب الإِمَام أَحْمد وَكتاب أَحْكَام الْقُرْآن للشَّافِعِيّ وَكتاب الدَّعْوَات الصَّغِير وَكتاب الْبَعْث والنشور وَكتاب الزّهْد الْكَبِير وَكتاب الِاعْتِقَاد وَكتاب الْآدَاب وَكتاب الأسرى وَكتاب السّنَن الصَّغِير وَكتاب الْأَرْبَعين وَكتاب فَضَائِل الْأَوْقَات وَغير ذَلِك وَكلهَا مصنفات نظاف مليحة التَّرْتِيب والتهذيب كَثِيرَة الْفَائِدَة يشْهد من يَرَاهَا من العارفين بِأَنَّهَا لم تتهيأ لأحد من السَّابِقين وَفِي كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَنه أول من جمع نُصُوص الشَّافِعِي وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ آخر من جمعهَا وَلذَلِك استوعب أَكثر مَا فِي كتب السَّابِقين وَلَا أعرف أحدا بعده جمع النُّصُوص لِأَنَّهُ سد الْبَاب على من بعده وَكَانَت إِقَامَته ببيهق ثمَّ استدعي إِلَى نيسابور ليقْرَأ عَلَيْهِ كِتَابه الْمعرفَة فَحَضَرَ وقرئت عَلَيْهِ بِحَضْرَة عُلَمَاء نيسابور وثنائهم عَلَيْهَا قَالَ عبد الغافر كَانَ على سيرة الْعلمَاء قانعا من الدُّنْيَا باليسير متجملا فِي زهده وورعه عَاد إِلَى النَّاحِيَة فِي آخر عمره وَكَانَت وَفَاته بهَا وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَانَ الْبَيْهَقِيّ وَاحِد زَمَانه وفرد أقرانه وحافظ أَوَانه قَالَ ودائرته فِي الحَدِيث لَيست كَبِيرَة بل بورك لَهُ فِي مروياته وَحسن تصرفه فِيهَا لحذقه وخبرته بالأبواب وَالرِّجَال وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ مَا من شَافِعِيّ إِلَّا وَللشَّافِعِيّ فِي عُنُقه منَّة إِلَّا الْبَيْهَقِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 فَإِنَّهُ لَهُ على الشَّافِعِي منَّة لتصانيفه فِي نصرته لمذهبه وأقاويله وَقَالَ شيخ الْقُضَاة أَبُو عَليّ ولد الْبَيْهَقِيّ حَدثنِي وَالِدي قَالَ حِين ابتدأت بتصنيف هَذَا الْكتاب يَعْنِي معرفَة السّنَن والْآثَار وفرغت من تَهْذِيب أَجزَاء مِنْهُ سَمِعت الْفَقِيه أَبَا مُحَمَّد أَحْمد بن عَليّ يَقُول وَهُوَ من صالحي أَصْحَابِي وَأَكْثَرهم تِلَاوَة وأصدقهم لهجة يَقُول رَأَيْت الشَّافِعِي فِي الْمَنَام وَفِي يَده أَجزَاء من هَذَا الْكتاب وَهُوَ يَقُول قد كتبت الْيَوْم من كتاب الْفَقِيه أَحْمد سَبْعَة أَجزَاء أَو قَالَ قرأتها قَالَ وَفِي صباح ذَلِك الْيَوْم رأى فَقِيه آخر من إخْوَانِي يعرف بعمر بن مُحَمَّد فِي مَنَامه الشَّافِعِي قَاعِدا على سَرِير فِي مَسْجِد الْجَامِع بخسروجرد وَهُوَ يَقُول اسْتَفَدْت الْيَوْم من كتاب الْفَقِيه أَحْمد كَذَا وَكَذَا قَالَ شيخ الْقُضَاة وَحدثنَا وَالِدي قَالَ سَمِعت الْفَقِيه أَبَا مُحَمَّد الْحُسَيْن بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي الْحَافِظ يَقُول سَمِعت الْفَقِيه أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْمروزِي الجنوجردي يَقُول رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن تابوتا علا فِي السَّمَاء يعلوه نور فَقلت مَا هَذَا فَقيل تصانيف الْبَيْهَقِيّ قيل وَكَانَ الْبَيْهَقِيّ يَصُوم الدَّهْر من قبل أَن يَمُوت بِثَلَاثِينَ سنة توفّي الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ بنيسابور فِي الْعَاشِر من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 وَحمل إِلَى خسروجرد وَهِي أكبر بِلَاد بيهق فَدفن هُنَاكَ وَمن الْمسَائِل والفوائد عَن الْبَيْهَقِيّ مَسْأَلَة صَوْم رَجَب ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي فَضَائِل الْأَوْقَات فِي الْكَلَام على صَوْم رَجَب بعد مَا ذكر حَدِيث إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صَوْم رَجَب كُله وَضَعفه ثمَّ قَالَ إِن صَحَّ فَهُوَ مَحْمُول على التَّنْزِيه لِأَن الشَّافِعِي قَالَ فِي الْقَدِيم وأكره أَن يتَّخذ الرجل صَوْم شهر يكمله من بَين الشُّهُور كَمَا يكمل رَمَضَان قَالَ وَكَذَلِكَ يَوْمًا من بَين الْأَيَّام قَالَ وَإِنَّمَا كرهته أَلا يتأسى جَاهِل فيظن أَن ذَلِك وَاجِب وَإِن فعل فَحسن قَالَ الْبَيْهَقِيّ فَبين الشَّافِعِي جِهَة الْكَرَاهِيَة ثمَّ قَالَ وَإِن فعل فَحسن وَذَلِكَ لِأَن من الْعلم الْعَام فِيمَا بَين الْمُسلمين أَلا يجب بِأَصْل الشَّرْع صَوْم غير صَوْم رَمَضَان فارتفع بذلك معنى الْكَرَاهِيَة انْتهى كَلَام الْبَيْهَقِيّ قلت وَهَذِه الزِّيَادَة وَهِي قَول الشَّافِعِي وَإِن فعل فَحسن لم أَجدهَا فِي نُصُوص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 الشَّافِعِي الْمُسَمّى ب جمع الْجَوَامِع لأبي سهل بن العفريس وَهُوَ كتاب حافل ذكر فِيهِ هَذَا النَّص عَن الْقَدِيم وَلَيْسَ فِيهِ هَذِه الزِّيَادَة وَلَو لم تكن ثَابِتَة عِنْد الْبَيْهَقِيّ لما ذكرهَا وَهُوَ من أعرف النَّاس بالنصوص وأصل النَّص على صَوْم رَجَب بِكَمَالِهِ غَرِيب وَالْمَنْقُول اسْتِحْبَاب صِيَام الْأَشْهر الْحرم وَأَن أفضلهَا الْمحرم وَذكر النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة من زياداته أَن صَاحب الْبَحْر قَالَ أفضلهَا رَجَب وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا قَالَ فِي الْبَحْر الْمحرم وَبِالْجُمْلَةِ هَذَا النَّص الَّذِي حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي فِيهِ دلَالَة بَيِّنَة على أَن صَوْم رَجَب بِكَمَالِهِ حسن وَإِذا لم يكن النَّهْي عَن تَكْمِيل صَوْمه صَحِيحا بَقِي على أصل الِاسْتِحْبَاب وَفِي ذَلِك تأييد لشيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام حَيْثُ قَالَ من نهى عَن صَوْم رَجَب فَهُوَ جَاهِل بمأخذ أَحْكَام الشَّرْع وَأطَال فِي ذَلِك قلت وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة الإِمَام أبي بكر بن السَّمْعَانِيّ وَالِد الْحَافِظ أبي سعد فِي ذَلِك شَيْء وَلَا يَنْبَغِي أَن يحْتَج على الْبَيْهَقِيّ بِمَا فِي سنَن ابْن ماجة من حَدِيث ابْن عَبَّاس نهى عَن صَوْم رَجَب فَإِنَّهُ قد قضى بِعَدَمِ صِحَّته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 لَا يقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب شَيْئا من الْقُرْآن قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمعرفَة قَالَ الشَّافِعِي وَأحب للْجنب أَلا يقْرَأ الْقُرْآن لحَدِيث لَا يُثبتهُ أهل الحَدِيث وَقد سكت الْبَيْهَقِيّ على هَذَا النَّص المقتصر على الْمحبَّة وَلم يذكر غَيره وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد وَقَالَ بِهِ ابْن الْمُنْذر من أَصْحَابنَا وَالْمَعْرُوف عندنَا الْجَزْم بِالتَّحْرِيمِ وَهَذَا النَّص غَرِيب والْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رُبمَا يَقع فِي الذِّهْن أَنه حَدِيث لَا يقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب شَيْئا من الْقُرْآن وَلَكِن لَيْسَ هُوَ إِيَّاه بل إِنَّمَا أَشَارَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَى حَدِيث عَليّ كرم الله وَجهه كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَحْجُبهُ عَن قِرَاءَة الْقُرْآن شَيْء إِلَّا أَن يكون جنبا فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذكر هَذَا الحَدِيث وَقَالَ إِن يكن أهل الحَدِيث يثبتونه قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَإِنَّمَا توقف الشَّافِعِي فِي ثُبُوته لِأَن مَدَاره على عبد الله بن سَلمَة الْكُوفِي وَكَانَ قد كبر وَأنكر من حَدِيثه وعقله بعض النكرَة وَإِنَّمَا روى هَذَا الحَدِيث بعد أَن كبر قَالَه شُعْبَة وَقد روى الحَدِيث أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَلَفظ أبي دَاوُد إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج من الْخَلَاء فيقرينا الْقُرْآن وَيَأْكُل مَعنا اللَّحْم وَلم يكن يَحْجُبهُ أَو قَالَ يحجزه عَن الْقُرْآن شَيْء لَيْسَ الْجَنَابَة وَلَفظ التِّرْمِذِيّ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقرئنا الْقُرْآن مَا لم يكن جنبا وَاعْلَم أَن مُعْتَمد الْجُمْهُور على هَذَا الحَدِيث وَفِيه مقَال من جِهَة عبد الله بن سَلمَة فَإِنَّهُ لم يرو إِلَّا من حَدِيث عَمْرو بن مرّة عَنهُ عَن عَليّ وَقد قيل فِي حَدِيثه تعرف وتنكر لما ذَكرْنَاهُ وعَلى حَدِيث لَا يقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب شَيْئا من الْقُرْآن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَهُوَ // ضَعِيف // وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف وَفِي الْبَاب أَحَادِيث أخر ضَعِيفَة وَقد يَنْتَهِي مجموعها إِلَى غلبات الظنون وَهِي كَافِيَة فِي الْمَسْأَلَة فالمختار مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَقدمنَا فِي خطْبَة هَذَا الْكتاب حَدِيثا مُرْسلا عَن عبد الله بن رَوَاحَة وَقَضيته مَعَ زَوجته فِيهِ دلَالَة على التَّحْرِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 مَسْأَلَة بيع الْمكَاتب إِذا رَضِي ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه أَن الْمكَاتب يجوز بَيْعه إِذا رَضِي ثمَّ روى حَدِيث بَرِيرَة قَالَ قَالَ الشَّافِعِي وَإِذا رَضِي أَهلهَا بِالْبيعِ ورضيت الْمُكَاتبَة بِالْبيعِ فَإِن ذَلِك ترك للكتابة انْتهى قلت وَهَذَا غَرِيب 252 - أَحْمد بن الْحُسَيْن الفناكي بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد النُّون الإِمَام أَبُو الْحُسَيْن الرَّازِيّ من كبار أَصْحَابنَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق ولد بِالريِّ وتفقه على أبي حَامِد الإسفرايني وَأبي عبد الله الْحَلِيمِيّ وَأبي طَاهِر الزيَادي وَسَهل الصعلوكي ودرس ببروجرد وَمَات بهَا سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ ابْن نَيف وَتِسْعين سنة قلت عمر دهرا ورحل إِلَى بُخَارى إِلَى الْحَلِيمِيّ وَإِلَى غَيره بغَيْرهَا وَقَالَ ابْن الصّلاح رَأَيْت لَهُ كتاب المناقضات ومضمونه الْحصْر وَالِاسْتِثْنَاء شبه مَوْضُوع تَلْخِيص ابْن الْقَاص الحديث: 252 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 قلت وَفِيه يَقُول الفناكي من اشْترى شَيْئا شِرَاء صَحِيحا لزمَه الثّمن إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهِي الْمُضْطَر يَشْتَرِي الطَّعَام بِثمن مَعْلُوم فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الثّمن وَإِنَّمَا تلْزمهُ قِيمَته ذكره أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ وَاحْتج بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الْمُضْطَر قلت وَهَذَا وَجه فِي الْمَسْأَلَة صَححهُ الرَّوْيَانِيّ وَفِي وَجه آخر جعله الرَّافِعِيّ الأقيس وَصَححهُ القَاضِي أَبُو الطّيب أَنه يلْزمه الْمُسَمّى وَفِي ثَالِث يفرق بَين زِيَادَة تشق على الْمُضْطَر وَزِيَادَة لَا تشق وَمحل الْخلاف إِذا لم يُمكن الْمُضْطَر الْأَخْذ قهرا فَإِن أمكنه وَالْتزم بِالثّمن لزمَه الْمُسَمّى بِلَا خلاف والْحَدِيث الْمشَار إِلَيْهِ فِي سَنَده مقَال ثمَّ فِي مَعْنَاهُ وَجْهَان ذكرهمَا الْخطابِيّ 253 - أَحْمد بن سهل أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي السراج ولد سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وروى عَن مُحَمَّد بن مُوسَى الصَّيْرَفِي وَأبي بكر الْحِيرِي وَغَيرهَا روى عَنهُ أَبُو سعد مُحَمَّد بن أَحْمد الخليلي النوقاني الْحَافِظ وزاهر ووجيه ابْنا الشحامي وَعبد الْخَالِق بن زَاهِر الْمَذْكُور وَجَمَاعَة الحديث: 253 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وَكَانَ يحسن الْكَلَام على فقه الحَدِيث توفّي لَيْلَة سَابِع عشرى رَمَضَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 254 - احْمَد بن عبد الله بن أَحْمد بن إِسْحَاق بن مُوسَى بن مهْرَان الإِمَام الْجَلِيل الْحَافِظ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ الصُّوفِي الْجَامِع بَين الْفِقْه والتصوف وَالنِّهَايَة فِي الْحِفْظ والضبط ولد فِي رَجَب سنة سِتّ وثلاثمائة بأصبهان وَهُوَ سبط الشَّيْخ الزَّاهِد مُحَمَّد بن يُوسُف الْبَنَّا أحد مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَأحد الْأَعْلَام الَّذين جمع الله لَهُم بَين الْعُلُوّ فِي الرِّوَايَة وَالنِّهَايَة فِي الدِّرَايَة رَحل إِلَيْهِ الْحفاظ من الأقطار واستجاز لَهُ أَبوهُ طَائِفَة من شُيُوخ الْعَصْر تفرد فِي الدُّنْيَا عَنْهُم أجَاز لَهُ من الشَّام خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان وَمن بَغْدَاد جَعْفَر الْخُلْدِيِّ الحديث: 254 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 وَمن وَاسِط عبد الله بن عمر بن شَوْذَب وَمن نيسابور الْأَصَم وَسمع سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة من عبد الله بن جَعْفَر بن أَحْمد بن فَارس وَالْقَاضِي أبي أَحْمد مُحَمَّد بن أَحْمد الْعَسَّال وَأحمد بن معبد السمسار وَأحمد بن مُحَمَّد الْقصار وَأحمد بن بنْدَار الشعار وَعبد الله بن الْحسن بن بنْدَار وَالطَّبَرَانِيّ وَأبي الشَّيْخ والجعابي ورحل سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة فَسمع بِبَغْدَاد أَبَا عَليّ بن الصَّواف وَأَبا بكر بن الْهَيْثَم الْأَنْبَارِي وَأَبا بَحر البربهاري وَعِيسَى بن مُحَمَّد الطوماري وَعبد الرَّحْمَن وَالِد المخلص وَابْن خَلاد النصيبي وحبيبا الْقَزاز وَطَائِفَة كَثِيرَة وَسمع بِمَكَّة أَبَا بكر الْآجُرِيّ وَأحمد بن إِبْرَاهِيم الْكِنْدِيّ وبالبصرة فاروق بن عبد الْكَرِيم الْخطابِيّ وَمُحَمّد بن عَليّ بن مُسلم العامري وَجَمَاعَة وبالكوفة أَبَا بكر عبد الله بن يحيى الطلحي وَجَمَاعَة وبنيسابور أَبَا أَحْمد الْحَاكِم وحسينك التَّمِيمِي وَأَصْحَاب السراج فَمن بعدهمْ روى عَنهُ كوشيار بن لياليروز الجيلي وَتُوفِّي قبله ببضع وَثَلَاثِينَ سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 وَأَبُو سعد الْمَالِينِي وَتُوفِّي قبله بثماني عشرَة سنة وَأَبُو بكر بن أبي عَليّ الذكواني وَتُوفِّي قبله بِإِحْدَى عشرَة سنة والحافظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَهُوَ من أخص تلامذته وَقد رَحل إِلَيْهِ وَأكْثر عَنهُ وَمَعَ ذَلِك لم يذكرهُ فِي تَارِيخ بَغْدَاد وَلَا يخفى عَلَيْهِ أَنه دَخلهَا وَلَكِن النسْيَان طبيعة الْإِنْسَان وَكَذَلِكَ أغفله الْحَافِظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فَلم يذكرهُ فِي الذيل وَمِمَّنْ روى عَن أبي نعيم أَيْضا الْحَافِظ أَبُو صَالح الْمُؤَذّن وَالْقَاضِي أَبُو عَليّ الوخشي ومستمليه أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْعَطَّار وَسليمَان بن إِبْرَاهِيم الْحَافِظ وَهبة الله بن مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ وَأَبُو الْفضل حمد وَأَبُو عَليّ الْحسن ابْنا أَحْمد الْحداد وَخلق كثير آخِرهم وَفَاة أَبُو طَاهِر عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الدشتج الذَّهَبِيّ وَقد روى أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ مَعَ تقدمه عَن وَاحِد عَن أبي نعيم فَقَالَ فِي كتاب طَبَقَات الصُّوفِيَّة حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الْهَاشِمِي حَدثنَا أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن حُبَيْش المقرىء بِبَغْدَاد أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سهل الأدمِيّ وَذكر حَدِيثا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن السَّمرقَنْدِي سَمِعت أَبَا بكر الْخَطِيب يَقُول لم أر أحدا أطلق عَلَيْهِ اسْم الْحِفْظ غير رجلَيْنِ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ وَأَبُو حَازِم العبدوي الْأَعْرَج وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مرْدَوَيْه كَانَ أَبُو نعيم فِي وقته مرحولا إِلَيْهِ وَلم يكن فِي أفق من الْآفَاق أسْند وَلَا أحفظ مِنْهُ كَانَ حفاظ الدُّنْيَا قد اجْتَمعُوا عِنْده فَكَانَ كل يَوْم نوبَة وَاحِد مِنْهُم يقْرَأ مَا يُريدهُ إِلَى قريب الظّهْر فَإِذا قَامَ إِلَى دَاره رُبمَا كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق جُزْء وَكَانَ لَا يضجر لم يكن لَهُ غذَاء سوى التصنيف أَو التسميع وَقَالَ حَمْزَة بن الْعَبَّاس الْعلوِي كَانَ أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ بَقِي أَبُو نعيم أَربع عشرَة سنة بِلَا نَظِير لَا يُوجد شرقا وَلَا غربا أَعلَى إِسْنَادًا مِنْهُ وَلَا أحفظ مِنْهُ وَكَانُوا يَقُولُونَ لما صنف كتاب الْحِلْية حمل إِلَى نيسابور حَال حَيَاته فاشتروه بأربعمائة دِينَار وَقَالَ ابْن الْمفضل الْحَافِظ قد جمع شَيخنَا السلَفِي أَخْبَار أبي نعيم وَذكر من حَدثهُ عَنهُ وهم نَحْو ثَمَانِينَ رجلا قَالَ لم يصنف مثل كِتَابه حلية الْأَوْلِيَاء سمعناه على أبي المظفر القاساني عَنهُ سوى فَوت يسير وَقَالَ ابْن النجار هُوَ تَاج الْمُحدثين وَأحد أَعْلَام الدّين قلت وَمن كراماته الْمَذْكُورَة أَن السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين لما استولى على أَصْبَهَان ولي عَلَيْهَا واليا من قبله ورحل عَنْهَا فَوَثَبَ أهل أَصْبَهَان وَقتلُوا الْوَالِي فَرجع مَحْمُود إِلَيْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 وأمنهم حَتَّى اطمأنوا ثمَّ قصدهم يَوْم الْجُمُعَة فِي الْجَامِع فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَكَانُوا قبل ذَلِك قد منعُوا أَبَا نعيم الْحَافِظ من الْجُلُوس فِي الْجَامِع فحصلت لَهُ كرامتان السَّلامَة مِمَّا جرى عَلَيْهِم إِذْ لَو كَانَ جَالِسا لقتل وانتقام الله تَعَالَى لَهُ مِنْهُم سَرِيعا وَمن مصنفاته حلية الْأَوْلِيَاء وَهِي من أحسن الْكتب كَانَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله كثير الثَّنَاء عَلَيْهَا وَيُحب تسميعها وَله أَيْضا كتاب معرفَة الصَّحَابَة وَكتاب دَلَائِل النُّبُوَّة وَكتاب الْمُسْتَخْرج على البُخَارِيّ وَكتاب الْمُسْتَخْرج على مُسلم وَكتاب تَارِيخ أَصْبَهَان وَكتاب صفة الْجنَّة وَكتاب فَضَائِل الصَّحَابَة وصنف شَيْئا كثيرا من المصنفات الصغار توفّي فِي الْعشْرين من الْمحرم سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَله أَربع وَتسْعُونَ سنة رَحْمَة الله عَلَيْهِ ذكر الْبَحْث عَن وَاقعَة جُزْء مُحَمَّد بن عَاصِم الَّتِي اتخذها من نَالَ من أبي نعيم رَحمَه الله ذَرِيعَة إِلَى ذَلِك قد حدث أَبُو نعيم بِهَذَا الْجُزْء وَرَوَاهُ عَنهُ الْأَثْبَات وَالرجل ثِقَة ثَبت إِمَام صَادِق وَإِذا قَالَ هَذَا سَمَاعي جَازَ الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ وَطعن بعض الْجُهَّال الطاعنين فِي أَئِمَّة الدّين فَقَالُوا إِن الرجل لم يُوجد لَهُ سَماع بِهَذَا الْجُزْء وَهَذَا الْكَلَام سبة على قَائِله فَإِن عدم وجدانهم لسماعه لَا يُوجب عدم وجوده وإخبار الثِّقَة بِسَمَاع نَفسه كَاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 ثمَّ ذكر شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ أَن شَيخنَا الْحَافِظ أَبَا الْحجَّاج الْمزي حَدثهُ أَنه رأى بِخَط الْحَافِظ ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي أَنه وجد بِخَط الْحَافِظ أبي الْحجَّاج يُوسُف بن خَلِيل أَنه قَالَ رَأَيْت أصل سَماع الْحَافِظ أبي نعيم لجزء مُحَمَّد بن عَاصِم فَبَطل مَا اعتقدوه رِيبَة ثمَّ قَالَ الطاعنون ثَانِيًا وَهَذَا الْخَطِيب أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ الحبر الَّذِي تخضع لَهُ الْأَثْبَات وَله الخصوصية الزَّائِدَة بِصُحْبَة أبي نعيم قَالَ فِيمَا كتب إِلَيّ بِهِ أَحْمد بن أبي طَالب من دمشق قَالَ كتب إِلَيّ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن النجار من بَغْدَاد قَالَ أَخْبرنِي أَبُو عبيد الله الْحَافِظ بأصبهان أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن إِسْمَاعِيل الصَّيْرَفِي أخبرنَا يحيى بن عبد الْوَهَّاب بن مندة قَالَ سَمِعت أَبَا الْفضل الْمَقْدِسِي يَقُول سَمِعت عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي يذكر أَنه وجد بِخَط الْخَطِيب سَأَلت مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْعَطَّار مستملي أبي نعيم عَن جُزْء مُحَمَّد بن عَاصِم كَيفَ قرأته على أبي نعيم وَكَيف رَأَيْت سَمَاعه فَقَالَ أخرج إِلَيّ كتابا وَقَالَ هَذَا سَمَاعي فَقَرَأته عَلَيْهِ قُلْنَا لَيْسَ فِي هَذِه الْحِكَايَة طعن على أبي نعيم بل حاصلها أَن الْخَطِيب لم يجد سَمَاعه بِهَذَا الْجُزْء فَأَرَادَ استفادة ذَلِك من مستمليه فَأخْبرهُ بِأَنَّهُ اعْتمد فِي الْقِرَاءَة على إِخْبَار الشَّيْخ وَذَلِكَ كَاف ثمَّ قَالَ الطاعنون ثَالِثا وَقد قَالَ الْخَطِيب أَيْضا رَأَيْت لأبي نعيم أَشْيَاء يتساهل فِيهَا مِنْهَا أَنه يَقُول فِي الْإِجَازَة أخبرنَا من غير أَن يبين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 قلت هَذَا لم يثبت عَن الْخَطِيب وَبِتَقْدِير ثُبُوته فَلَيْسَ بقدح ثمَّ إِطْلَاق أخبرنَا فِي الْإِجَازَة مُخْتَلف فِيهِ فَإِذا رَآهُ هَذَا الْخَبَر الْجَلِيل أَعنِي أَبَا نعيم فَكيف يعد مِنْهُ تساهلا وَلَئِن عد فَلَيْسَ من التساهل المستقبح وَلَو حجرنا على الْعلمَاء أَلا يرووا إِلَّا بِصِيغَة مجمع عَلَيْهَا لضيعنا كثيرا من السّنة وَقد دفع الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن النجار قَضِيَّة جُزْء مُحَمَّد بن عَاصِم بِأَن الْحفاظ الْأَثْبَات رَوَوْهُ عَن أبي نعيم وحكينا لَك نَحن أَن أصل سَمَاعه وجد فطاحت هَذِه الخيالات وَنحن لَا نَحْفَظ أحدا تكلم فِي أبي نعيم بقادح وَلم يذكر بِغَيْر هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي عزيت إِلَى الْخَطِيب وَقُلْنَا إِنَّهَا لم تثبت عَنهُ وَالْعَمَل على إِمَامَته وجلالته وَأَنه لَا عِبْرَة بهذيان الهاذين وأكاذيب المفترين على أَنا لَا نَحْفَظ عَن أحد فِيهِ كلَاما صَرِيحًا فِي جرح وَلَو حفظ لَكَانَ سبة على قَائِله وَقد برأَ الله أَبَا نعيم من معرته وَقَالَ الْحَافِظ ابْن النجار فِي إِسْنَاد مَا حُكيَ عَن الْخَطِيب غير وَاحِد مِمَّن يتحامل على أبي نعيم لمُخَالفَته لمذهبه وعقيدته فَلَا يقبل قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ والتساهل الَّذِي أُشير إِلَيْهِ شَيْء كَانَ يَفْعَله فِي الْإِجَازَة نَادرا قَالَ فَإِنَّهُ كثيرا مَا يَقُول كتب إِلَيّ جَعْفَر الْخُلْدِيِّ كتب إِلَيّ أَبُو الْعَبَّاس الْأَصَم أخبرنَا أَبُو الميمون بن رَاشد فِي كِتَابه قَالَ وَلَكِن رَأَيْته يَقُول أخبرنَا عبد الله بن جَعْفَر فِيمَا قرىء عَلَيْهِ قَالَ وَالظَّاهِر أَن هَذَا إجَازَة قلت إِن كَانَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ يَقُول ذَلِك فِي مَكَان غلب على ظَنّه أَن أَبَا نعيم لم يسمعهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 بِخُصُوصِهِ من عبد الله بن جَعْفَر فَالْأَمْر مُسلم إِلَيْهِ فَإِنَّهُ أعنى شَيخنَا الحبر الَّذِي لَا يلْحق شأوه فِي الْحِفْظ وَإِلَّا فَأَبُو نعيم قد سمع من عبد الله بن جَعْفَر فَمن أَيْن لنا أَنه يُطلق هَذِه الْعبارَة حَيْثُ لَا يكون سَماع ثمَّ وَإِن أطلق إِذْ ذَاك فغايته تَدْلِيس جَائِز قد اغتفر أَشد مِنْهُ لأعظم من أبي نعيم ثمَّ قَالَ الطاعنون رَابِعا قَالَ يحيى بن مندة الْحَافِظ سَمِعت أَبَا الْحُسَيْن القَاضِي يَقُول سَمِعت عبد الْعَزِيز النخشبي يَقُول لم يسمع أَبُو نعيم مُسْند الْحَارِث بن أبي أُسَامَة بِتَمَامِهِ فَحدث بِهِ كُله قُلْنَا قَالَ الْحَافِظ ابْن النجار وهم عبد الْعَزِيز فِي هَذَا فَأَنا رَأَيْت نُسْخَة من الْكتاب عتيقة وَعَلَيْهَا خطّ أبي نعيم يَقُول سمع مني فلَان إِلَى آخر سَمَاعي من هَذَا الْمسند من ابْن خَلاد فَلَعَلَّهُ روى الْبَاقِي بِالْإِجَازَةِ 255 - أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن ثَابت الإِمَام أَبُو نصر الثابتي البُخَارِيّ تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد وروى عَن أبي طَاهِر المخلص وَغَيره قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَأَصله من فسا وَله عَن الشَّيْخ أبي حَامِد تعليقة الحديث: 255 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 وصنف ودرس بِبَغْدَاد وَتُوفِّي بهَا فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ وَدفن بِبَاب حَرْب إِلَى جَانب أبي حَامِد قَالَ ابْن الصّلاح رَأَيْت من تصانيف الثابتي كتابا فِي الْفَرَائِض سهل الْعبارَة موسوما بِكِتَاب الْمُهَذّب والمقرب قلت حدث بِيَسِير عَن زَاهِر السَّرخسِيّ كتب عَنهُ الْخَطِيب رَحمَه الله 256 - أَحْمد بن عبد الله بن عَليّ بن طَاوس المقرىء أَبُو البركات ولد سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد وَقَرَأَ الْقُرْآن على أبي الْحسن على بن الْحسن الْعَطَّار وعَلى مُحَمَّد بن عَليّ بن فَارس الْخياط وَسمع عبد الله الْأَزْهَرِي وَأَبا طَالب بن بكير وَأَبا طَالب بن غيلَان والعتيقي وَجَمَاعَة وَقد دمشق بعد الْخمسين وَأَرْبَعمِائَة فسكنها وَسمع بهَا من أبي الْقَاسِم الحنائي وَجَمَاعَة الحديث: 256 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 وصنف فِي الْقرَاءَات وأقرأ النَّاس وَكَانَ إِمَامًا ماهرا روى عَنهُ الْفَقِيه نصر الْمَقْدِسِي وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَابْنه هبة الله بن طَاوس والفقيه نصر الله المصِّيصِي وَحَمْزَة بن أَحْمد بن كروس توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 257 - أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن مُوسَى الشِّيرَازِيّ أَبُو مَنْصُور الشَّافِعِي الْوَاعِظ تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ قَالَ ابْن النجار وَكَانَ واعظا مليح الْوَعْظ يغسل الْمَوْتَى سمع أَبَا الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَبدُوس بن كَامِل السراج وَأَبا مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَغَيرهمَا روى عَنهُ أَبُو الْفضل بن طَاهِر الْحَافِظ وَغَيره مولده سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَلَا اعْتِبَار بوقيعة أبي الْفضل بن نَاصِر فِيهِ فَإِنَّهُ كثير الوقيعة فِي النَّاس ورحم الله أَبَا سعد إِنَّه لينكر مِنْهُ ذَلِك الحديث: 257 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 258 - أَحْمد بن عَليّ بن حَامِد أَبُو حَامِد الْبَيْهَقِيّ من خسروجرد بليدَة ببيهق قَالَ ابْن الصّلاح ذكره أَبُو الْحسن الْخَطِيب يَعْنِي عبد الغافر الْفَارِسِي فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام الأوحد أَبُو حَامِد الْمدرس المناظر شيخ مَشْهُور ثِقَة قَالَ ورأيته كَانَ يحضر مجَالِس المناظرة وحظه فِي حفظ الْمَذْهَب أوفر مِنْهُ فِي الْخلاف وَذكر أَنه سمع من أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَعبد القاهر بن طَاهِر وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَغَيرهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي بعد سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَإِن الْحُسَيْن الفوراني سمع مِنْهُ فِي هَذِه السّنة الحديث: 258 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 259 - أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت بن أَحْمد بن مهْدي أَبُو بكر الْخَطِيب الْحَافِظ الْكَبِير أحد أَعْلَام الْحفاظ ومهرة الحَدِيث وَصَاحب التصانيف المنتشرة ولد يَوْم الْخَمِيس لست بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة وَكَانَ لوالده الْخَطِيب أبي الْحسن عَليّ إِلْمَام بِالْعلمِ وَكَانَ يخْطب بقرية درزيجان إِحْدَى قرى الْعرَاق فحض وَلَده أَبَا بكر على السماع فِي صغره فَسمع وَله إِحْدَى عشرَة سنة ورحل إِلَى الْبَصْرَة وَهُوَ ابْن عشْرين سنة وَإِلَى نيسابور ابْن ثَلَاث وَعشْرين سنة ثمَّ إِلَى أَصْبَهَان ثمَّ رَحل فِي الكهولة إِلَى الشَّام سمع أَبَا عمر بن مهْدي الْفَارِسِي وَأَبا الْحسن بن رزقويه وَأَبا سعد الْمَالِينِي وَأَبا الْفَتْح بن أبي الفوارس وهلالا الحفار وَأَبا الْحُسَيْن بن بَشرَان وَغَيرهم بِبَغْدَاد وَأَبا عمر الْهَاشِمِي رَاوِي السّنَن وَجَمَاعَة بِالْبَصْرَةِ وَأَبا بكر الْحِيرِي وَأَبا حَازِم العبدوي وَغَيرهمَا بنيسابور وَأَبا نعيم الْحَافِظ وَغَيره بأصبهان وَأحمد بن الْحُسَيْن الكسار وَغَيره بالدينور وبالكوفة والري وهمذان والحجاز وَقدم دمشق سنة خمس وَأَرْبَعين حَاجا فَسمع خلقا كثيرا وَتوجه إِلَى الْحَج ثمَّ قدمهَا سنة إِحْدَى وَخمسين فسكنها وَأخذ يصنف فِي كتبه وَحدث بهَا بتآليفه الحديث: 259 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 روى عَنهُ من شُيُوخه أَبُو بكر البرقاني وَأَبُو الْقَاسِم الْأَزْهَرِي وَغَيرهمَا وَمن أقرانه عبد الْعَزِيز بن أَحْمد الكتاني وَغَيره وَابْن مَاكُولَا وَعبد الله بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي وَمُحَمّد بن مَرْزُوق الزَّعْفَرَانِي وَأَبُو بكر بن الخاضبة وخلائق يطول سردهم ثمَّ حدث الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر عَن أَرْبَعَة وَعشْرين شَيخا حدثوه عَن الْخَطِيب مِنْهُم أَبُو مَنْصُور بن زُرَيْق وَالْقَاضِي أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَغَيرهم وَكَانَ من كبار الْفُقَهَاء تفقه على أبي الْحسن بن الْمحَامِلِي وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وعلق عَنهُ الْخلاف وَأبي نصر بن الصّباغ وَكَانَ يذهب فِي الْكَلَام إِلَى مَذْهَب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَقَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ بِمَكَّة فِي خَمْسَة أَيَّام على كَرِيمَة المروزية وَأَرَادَ الرحلة إِلَى ابْن النّحاس إِلَى مصر قَالَ فاستشرت البرقاني هَل أرحل إِلَى ابْن النّحاس إِلَى مصر أَو أخرج إِلَى نيسابور إِلَى أَصْحَاب الْأَصَم فَقَالَ إِنَّك إِن خرجت إِلَى مصر إِنَّمَا تخرج إِلَى رجل وَاحِد إِن فاتك ضَاعَت رحلتك وَإِن خرجت إِلَى نيسابور فَفِيهَا جمَاعَة إِن فاتك وَاحِد أدْركْت من بَقِي فَخرجت إِلَى نيسابور ثمَّ أَقَامَ بِبَغْدَاد وَألقى عَصا السّفر إِلَى حِين وَفَاته فَمَا طَاف سورها على نَظِيره يرْوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 عَن أفْصح من نطق بالضاد وَلَا أحاطت جوانبها بِمثلِهِ وَإِن طفح مَاء دجلتها وروى كل صَاد عَرفته أَخْبَار شَأْنهَا وأطلعته على أسرار أبنائها وأوقفته على كل موقف مِنْهَا وبنيان وخاطبته شفاها لَو أَنَّهَا ذَات لِسَان ومصنفاته تزيد على السِّتين مصنفا قَالَ ابْن مَاكُولَا كَانَ أَبُو بكر آخر الْأَعْيَان مِمَّن شَاهَدْنَاهُ معرفَة وحفظا وإتقانا وضبطا لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتفننا فِي علله وَأَسَانِيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه قَالَ وَلم يكن للبغداديين بعد أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ مثله وَقَالَ المؤتمن السَّاجِي مَا أخرجت بَغْدَاد بعد الدَّارَقُطْنِيّ أحفظ من الْخَطِيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 وَقَالَ أَبُو عَليّ البرداني لَعَلَّ الْخَطِيب لم ير مثل نَفسه وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الْخَطِيب يشبه بالدارقطني ونظرائه فِي معرفَة لحَدِيث وَحفظه وَقَالَ أَبُو الفتيان الرواسِي كَانَ الْخَطِيب إِمَام هَذِه الصَّنْعَة مَا رَأَيْت مثله وَقَالَ عبد الْعَزِيز الكتاني إِنَّه أَعنِي الْخَطِيب اسْمَع الحَدِيث وَهُوَ ابْن عشر سِنِين قَالَ وعلق الْفِقْه عَن القَاضِي أبي الطّيب وَعَن أبي نصر بن الصّباغ قلت وَهُوَ من أَقْرَان ابْن الصّباغ قَالَ وَكَانَ يذهب إِلَى مَذْهَب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ قلت وَهُوَ مَذْهَب الْمُحدثين قَدِيما وحديثا إِلَّا من ابتدع فَقَالَ بالتشبيه وَعَزاهُ إِلَى السّنة أَو من لم يدر مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فَرده بِنَاء على ظن فِيهِ ظَنّه وَالْفَرِيقَانِ من أصاغر الْمُحدثين وأبعدهم عَن الفطنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ هُنَا عقيب قَول الكتاني إِن الْخَطِيب كَانَ يذهب إِلَى مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ مَا نَصه قلت مَذْهَب الْخَطِيب فِي الصِّفَات أَنَّهَا تمر كَمَا جَاءَت صرح بذلك فِي تصانيفه قلت وَهَذَا مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فقد أُتِي الذَّهَبِيّ من عدم مَعْرفَته بِمذهب الشَّيْخ أبي الْحسن كَمَا أُتِي أَقوام آخَرُونَ وللأشعري قَول آخر بالتأويل وَقَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ كَانَ مهيبا وقورا ثِقَة متحريا حجَّة حسن الْخط كثير الضَّبْط فصيحا ختم بِهِ الْحفاظ قَالَ وَله سِتَّة وَخَمْسُونَ مصنفا وَقَالَ ابْن النجار هِيَ نَيف وَسِتُّونَ قلت وَالْجمع بَين الْكَلَامَيْنِ أَن ابْن السَّمْعَانِيّ أسقط ذكر مَا لم يُوجد مِنْهَا فَإِن بَعْضهَا احْتَرَقَ بعد مَوته قبل أَن يخرج إِلَى النَّاس وفيهَا يَقُول السلَفِي (تصانيف ابْن ثَابت الْخَطِيب ... ألذ من الصِّبَا الغض الرطيب) (يَرَاهَا إِذْ رَوَاهَا من حواها ... رياضا للفتى اليقظ اللبيب) (وَيَأْخُذ حسن مَا قد ضَاعَ مِنْهَا ... بقلب الْحَافِظ الفطن الأريب) (فأية رَاحَة ونعيم عَيْش ... يوازي عيشها بل أَي طيب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 وَكَانَ للخطيب ثروة ظَاهِرَة وصدقات على طلاب الْعلم دارة يهب الذَّهَب الْكثير للطلبة قَالَ المؤتمن السَّاجِي تحاملت الْحَنَابِلَة عَلَيْهِ قلت وابتلى مِنْهُم بِوَضْع أكاذيب عَلَيْهِ لَا يَنْبَغِي شرحها وَقَالَ غير وَاحِد مِمَّن رافق الْخَطِيب فِي الْحَج إِنَّه كَانَ يخْتم كل يَوْم ختمة إِلَى قريب الغياب قِرَاءَة ترتيل ثمَّ يجْتَمع عَلَيْهِ النَّاس وَهُوَ رَاكب يَقُولُونَ حَدثنَا فيحدثهم قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ سَمِعت مَسْعُود بن مُحَمَّد بن أبي نصر الْخَطِيب يَقُول سَمِعت الْفضل بن عمر النسوي يَقُول كنت فِي جَامع صور عِنْد الْخَطِيب فَدخل عَلَيْهِ بعض العلوية وَفِي كمه دَنَانِير وَقَالَ للخطيب فلَان يسلم عَلَيْك وَيَقُول لَك اصرف هَذَا فِي بعض مهماتك فَقَالَ الْخَطِيب لَا حَاجَة لي فِيهِ وقطب وَجهه فَقَالَ الْعلوِي كَأَنَّك تستقله ونفض كمه على سجادة الْخَطِيب وَطرح الدَّنَانِير عَلَيْهَا وَقَالَ هَذِه ثَلَاثمِائَة دِينَار فَقَامَ الْخَطِيب محمرا وَجهه وَأخذ السجادة وصب الدَّنَانِير على الأَرْض وَخرج من الْمَسْجِد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 قَالَ الْفضل مَا أنسى عز خُرُوج الْخَطِيب وذل ذَلِك الْعلوِي وَهُوَ قَاعد على الأَرْض يلتقط الدَّنَانِير من شقوق الْحَصِير ويجمعها وَيذكر أَنه لما حج شرب من مَاء زَمْزَم ثَلَاث شربات وَسَأَلَ الله ثَلَاث حاجات الأولى أَن يحدث بتاريخ بَغْدَاد وَالثَّانيَِة أَن يملي بِجَامِع الْمَنْصُور وَالثَّالِثَة أَن يدْفن إِذا مَاتَ عِنْد بشر الحافي فحصلت الثَّلَاثَة وَحكي أَن بعض الْيَهُود أظهر كتابا وَادّعى أَنه كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْقَاط الْجِزْيَة عَن أهل خَيْبَر وَفِيه شَهَادَات الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَذكروا أَن خطّ عَليّ فِيهِ فَعرض على الْخَطِيب فَتَأَمّله وَقَالَ هَذَا مزور لِأَن فِيهِ شَهَادَة مُعَاوِيَة وَهُوَ أسلم عَام الْفَتْح وخيبر فتحت قبل ذَلِك وَلم يكن مُسلما فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَا حضر مَا جرى وَفِيه شَهَادَة سعد بن معَاذ وَمَات فِي بني قُرَيْظَة بِسَهْم أَصَابَهُ فِي أكحله يَوْم الخَنْدَق وَذَلِكَ قبل فتح خَيْبَر بِسنتَيْنِ وَلما مرض وقف جَمِيع كتبه وَفرق جَمِيع مَاله فِي وُجُوه الْبر وعَلى أهل الْعلم والْحَدِيث وَكَانَ ذَا ثروة وَمَال كثير فَاسْتَأْذن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله فِي تفريقها فَأذن لَهُ وَسبب اسْتِئْذَانه أَنه لم يكن لَهُ وَارِث إِلَّا بَيت المَال وَحضر أَبُو بكر الْخَطِيب مرّة درس الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فروى الشَّيْخ حَدِيثا من رِوَايَة بَحر بن كنيز السقاء ثمَّ قَالَ للخطيب مَا تَقول فِيهِ فَقَالَ إِن أَذِنت لي ذكرت حَاله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 فَاسْتَوَى الشَّيْخ وَقعد مثل التلميذ بَين يَدي الْأُسْتَاذ يسمع كَلَام الْخَطِيب وَشرع الْخَطِيب فِي شرح أَحْوَاله وَبسط الْكَلَام كثيرا إِلَى أَن فرغ فَقَالَ الشَّيْخ هَذَا دارقطني عهدنا قَالَ السلَفِي سَأَلت أَبَا عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد البرداني الْحَافِظ بِبَغْدَاد هَل رَأَيْت مثل الْخَطِيب فَقَالَ مَا أَظن أَن الْخَطِيب رأى مثل نَفسه قَالَ المؤتمن بن أَحْمد السَّاجِي مَا أخرجت بَغْدَاد بعد الدَّارَقُطْنِيّ أحفظ من الْخَطِيب وَقَالَ أَبُو الْفرج الإسفرايني وأسنده عَنهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي التَّبْيِين قَالَ أَبُو الْقَاسِم مكي بن عبد السَّلَام الْمَقْدِسِي كنت نَائِما فِي منزل الشَّيْخ أبي الْحسن الزَّعْفَرَانِي بِبَغْدَاد فَرَأَيْت فِي الْمَنَام عِنْد السحر كأنا اجْتَمَعنَا عِنْد الْخَطِيب لقِرَاءَة التَّارِيخ فِي منزله على الْعَادة وَكَانَ الْخَطِيب جَالِسا وَعَن يَمِينه الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي وَعَن يَمِين الْفَقِيه نصر رجل لَا أعرفهُ فَقلت من هَذَا الَّذِي لم تجر عَادَته بالحضور مَعنا فَقيل لي هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ ليسمع التَّارِيخ فَقلت فِي نَفسِي هَذِه جلالة للشَّيْخ أبي بكر إِذْ حضر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَجْلِسه وَقلت فِي نَفسِي هَذَا أَيْضا رد لمن يعيب التَّارِيخ وَيذكر أَن فِيهِ تحاملا على أَقوام وشغلني التفكر فِي هَذَا عَن النهوض إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسؤاله عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 أَشْيَاء كنت قد قلت فِي نَفسِي أسأله عَنْهَا فانتبهت فِي الْحَال وَلم ُأكَلِّمهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي الْخَطِيب فِي السَّابِع من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد وَدفن بِبَاب حَرْب إِلَى جَانب بشر بن الْحَارِث وأوقف جَمِيع كتبه على الْمُسلمين وَتصدق بِمَال جزيل وَفعل مَعْرُوفا كثيرا فِي مرض مَوته وَتبع جنَازَته الجم الْغَفِير وَكَانَ لَهُ بهَا جمَاعَة ينادون هَذَا الَّذِي كَانَ يذب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الَّذِي كَانَ يَنْفِي الْكَذِب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الَّذِي كَانَ يحفظ حَدِيث رَسُول الله وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ مِمَّن حمل جنَازَته وَرَآهُ بعض الصلحاء فِي الْمَنَام وَسَأَلَهُ عَن حَاله فَقَالَ أَنا فِي روح وَرَيْحَان وجنة نعيم ورؤي لَهُ منامات كَثِيرَة تدل على مثل هَذَا وَمن شعره (الشَّمْس تشبهه والبدر يحكيه ... والدر يضْحك والمرجان من فِيهِ) (وَمن سرى وظلام اللَّيْل معتكر ... فوجهه عَن ضِيَاء الْبَدْر يُغْنِيه) فِي أَبْيَات أخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 وَمن الْفَوَائِد عَن الْخَطِيب ذكر فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عَن الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن خلق أحدكُم) الحَدِيث أَن من أول الحَدِيث إِلَى قَوْله (شقي أَو سعيد) من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا بعده إِلَى آخر الحَدِيث من كَلَام ابْن مَسْعُود وَيُؤَيِّدهُ أَن سَلمَة بن كهيل رَوَاهُ بِطُولِهِ عَن زيد بن وهب ففصل كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَلَام ابْن مَسْعُود قلت وَلَكِن حاء فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث سهل بن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن العَبْد ليعْمَل فِيمَا يرى النَّاس بِعَمَل أهل الْجنَّة وَإنَّهُ من أهل النَّار وَإنَّهُ ليعْمَل فِيمَا يرى النَّاس بِعَمَل أهل النَّار وَإنَّهُ من أهل الْجنَّة وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بالخواتم) وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد فِي بَاب لَا يَقُول فلَان شَهِيد من حَدِيث سهل بن سعد أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن الرجل ليعْمَل عمل أهل الْجنَّة فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل عمل أهل النَّار فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل الْجنَّة) انْتهى وَلم أر من تنبه لَهُ عِنْد ذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود وَإِنَّمَا تنبهوا لرِوَايَة مُسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 وَأَقُول جَائِز أَن يكون ابْن مَسْعُود سمع هَذَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا سَمعه سهل بن سعد ثمَّ أدرجه فِي هَذَا الحَدِيث وَهَذِه الزِّيَادَة وَهِي فِيمَا يَبْدُو للنَّاس أَو فِيمَا يرى النَّاس عَظِيمَة الوقع جليلة الْفَائِدَة عِنْد الأشعرية كَثِيرَة النَّفْع لأهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي مَسْأَلَة أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله فليفهم الفاهم مَا يُنَبه عَلَيْهِ 260 - أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن زَكَرِيَّاء الطريثيثي الْمسند الصُّوفِي أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ وَيُقَال لَهُ ابْن زهراء تلميذ أبي سعيد بن أبي الْخَيْر الميهني شيخ الصُّوفِيَّة بخراسان ولد فِي شَوَّال سنة اثنتى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة سمع أَبَاهُ وَأَبا الْقَاسِم اللالكائي الْحَافِظ وَأَبا الْحسن بن مخلد وَأَبا عَليّ بن شَاذان وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو الْفضل بن نَاصِر وَأَبُو الْفَتْح بن البطي وَأَبُو طَاهِر السلَفِي وَطَائِفَة آخِرهم موتا أَبُو الْفضل خطيب الْموصل قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ شيخ لَهُ قدم فِي التصوف رأى الْمَشَايِخ وَحَدَّثَهُمْ وَكَانَ حسن التِّلَاوَة صحب أَبَا سعيد النَّيْسَابُورِي الحديث: 260 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 قَالَ وَكَانَت سماعاته صَحِيحَة إِلَّا مَا أدخلهُ عَلَيْهِ أَبُو الْحسن بن مُحَمَّد الْكرْمَانِي فَحدث بِهِ اعْتِمَادًا على قَول أبي الْحسن وَحسن الظَّن بِهِ وَلم يكن يعرف طرائق الْمُحدثين وَادّعى أَنه سمع من أبي الْحسن بن رزقويه وَمَا يَصح سَمَاعه مِنْهُ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي دخلت على أَحْمد بن زهراء الطريثيثي وَهُوَ يقْرَأ عَلَيْهِ جُزْء من حَدِيث ابْن رزقويه فَقلت مَتى ولدت فَقَالَ سنة اثنتى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فَقلت وَابْن رزقوية فِي هَذِه السّنة توفّي وَأخذت الْجُزْء من يَده وَقد سمعُوا فِيهِ فَضربت على التسميع فَقَامَ وَخرج من الْمَسْجِد قلت وَمن ثمَّ قَالَ ابْن نَاصِر كَانَ كذابا لَا يحْتَج بروايته وَهَذَا من مبالغات ابْن نَاصِر الَّتِي عهِدت مِنْهُ وَلم يكن الرجل يكذب وَلَيْسَ فِيهِ غير مَا قَالَه ابْن السَّمْعَانِيّ لما أَدخل عَلَيْهِ وَلَا يُوجب ذَلِك قدحا فِيهِ وَلَا ردا لما صَحَّ من سماعاته وَلِهَذَا كَانَ السلَفِي يَقُول أخبرنَا الطريثيثي من أصل سَمَاعه وَلَو كَانَ كذابا لم يرو عَنهُ فغفر الله لِابْنِ نَاصِر كم يتعصب على الصُّوفِيَّة وعَلى فُقَهَاء الْفَرِيقَيْنِ وَقد صرح السلَفِي فِي مُعْجَمه بِأَن الطريثيثي من الثِّقَات الْأَثْبَات وَأَنه لم يقْرَأ عَلَيْهِ إِلَّا من أصُول سَمَاعه وَأَنَّهَا كَالشَّمْسِ وضوحا وَذكر أَيْضا مَا ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ مِمَّا أَدخل عَلَيْهِ توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 261 - أَحْمد بن عَليّ بن عبد الله بن مَنْصُور أَبُو بكر الطَّبَرِيّ الْمَعْرُوف بالزجاجي بِضَم الزَّاي قدم بَغْدَاد وَسمع من أبي طَاهِر المخلص وَأبي الْقَاسِم بن الصيدلاني وَغَيرهمَا واستوطن الْجَانِب الشَّرْقِي إِلَى آخر عمره كتب عَنهُ الْخَطِيب وَقَالَ كَانَ ثِقَة دينا يتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي قَالَ ابْن الصّلاح وَقَوله يتفقه يطلقهَا هُوَ وَكثير مِمَّن تقدمه من أهل الحَدِيث على من يعْنى بالفقه وَإِن لم يكن فِيهِ مبتدئا وَهِي فِي هَذَا كتطبب مَاتَ فِي آخر سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 262 - أَحْمد بن عَليّ بن عَمْرو بن أَحْمد بن عنبر بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا نون سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة الْحَافِظ أَبُو الْفضل السُّلَيْمَانِي البُخَارِيّ البيكندي ولد سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة وطوف الْبِلَاد ورحل إِلَى الْآفَاق الحديث: 261 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 وَكَانَ من الْحِفْظ والإتقان وعلو الْإِسْنَاد وَكَثْرَة التصانيف بمَكَان مكين وَقدر رفيع سمع مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه بن سهل وَعلي بن إِسْحَاق المادرائي وَمُحَمّد بن يَعْقُوب الْأَصَم ومحمود بن إِسْحَاق الْخُزَاعِيّ وَعبد الله بن جَعْفَر بن فَارس الْأَصْبَهَانِيّ وخلقا روى عَنهُ جَعْفَر بن مُحَمَّد المستغفري وَولده أَبُو ذَر مُحَمَّد بن جَعْفَر وَجَمَاعَة من أهل تِلْكَ الديار قَالَ الْحَاكِم كَانَ يحفظ الحَدِيث ورحل فِيهِ وَكَانَ من الْحفاظ الزهاد وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ لم يكن لَهُ نَظِير فِي زَمَانه إِسْنَادًا وحفظا ودراية بِالْحَدِيثِ وضبطا وإتقانا وَقَالَ وَقَوْلهمْ فِيهِ السُّلَيْمَانِي نِسْبَة إِلَى جده لأمه أَحْمد بن سُلَيْمَان وَكَانَ يصنف فِي كل جُمُعَة شَيْئا ويرحل من بيكند إِلَى بُخَارى وَيحدث بِمَا صنف توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 263 - أَحْمد بن عَليّ أَبُو سهل الأبيوردي أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا علما وَعَملا ذكره الأديب أَبُو المظفر مُحَمَّد بن أَحْمد الأبيوردي فِي مُخْتَصر لطيف سَمَّاهُ نهزة الْحفاظ ذكر فِيهِ أَنه عزم على أَن يضع تَارِيخا لابيورد ونسا وكوفن وجيران وَغَيرهَا من أُمَّهَات الْقرى بِتِلْكَ النواحي وَأَنه سُئِلَ فِي عمل هَذَا الْمُخْتَصر ليفرد فِيهِ ذكر الْأَئِمَّة الْأَعْلَام مِمَّن كَانَ فِي الْعلم مفزوعا إِلَيْهِ وَفِي الرِّوَايَة موثوقا بِهِ وَقد طَنَّتْ بِذكرِهِ الْبلدَانِ وغنت بمدحه الركْبَان كفضيل بن عِيَاض وَمَنْصُور بن عمار وَزُهَيْر بن حَرْب وَذكر فِيهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة وَأورد شَيْئا من حَدِيثهمْ وَقَالَ فِي الشَّيْخ أبي سهل إِذْ ذكره كَانَ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء سَمِعت جمَاعَة من أَصْحَابه يَقُولُونَ كَانَ أَبُو زيد الدبوسي يَقُول لَوْلَا أَبُو سهل الأبيوردي لما تركت للشَّافِعِيَّة بِمَا وَرَاء النَّهر مكشف رَأس وحَدثني أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الحديثي وَكَانَ من أَصْحَابه المبرزين فِي الْفِقْه أَنه سَمعه يَقُول كنت أتبزز فِي عنفوان شَبَابِي فَبينا أَنا فِي سوق البزازين الحديث: 263 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 بمرو رَأَيْت شيخين لَا أَعْرفهُمَا فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه لَو اشْتغل هَذَا بالفقه لَكَانَ إِمَامًا للْمُسلمين فاشتغلت حَتَّى بلغت فِيهِ مَا ترى وروى الحَدِيث عَن أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله الأودني وَأبي عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن الْحَلِيمِيّ وَأبي الْفضل السُّلَيْمَانِي الْحَافِظ وَغَيرهم هَذَا كَلَام أبي المظفر الأبيوردي ثمَّ سَاق لَهُ حَدِيثا عَن الأودني وحديثا عَن السُّلَيْمَانِي وَذكر ابْن الصّلاح فِي تَرْجَمَة الأودني أَنا أَبَا سهل قَالَ سمعته يَقُول سَمِعت شُيُوخنَا رَحِمهم الله تَعَالَى يَقُولُونَ دَلِيل طول عمر الرجل اشْتِغَاله بِأَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد رَحمَه الله فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن ثَابت الخجندي إِنَّه تفقه على أبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي وَيُوَافِقهُ مَا ذكره الذاكرون فِي تَرْجَمَة صَاحب التَّتِمَّة أَنه تفقه ببخارى على أبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي قَالَه ابْن النجار وَغَيره وَاعْلَم أَن الأودني مَاتَ سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَمُحَمّد بن ثَابت الخجندي مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَكَأَن الأبيوردي عمر دهرا طَويلا وَهَذِه التَّرْجَمَة الَّتِي لأبي سهل لَا أَرَاك بعد شدَّة الفحص تجدها فِي غير كتَابنَا وَانْظُر كَيفَ جمعناها من أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة وأبرزناها من مُصَنف غَرِيب وَهُوَ نهزة الْحفاظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 التلوط بالغلام الْمَمْلُوك ذكر القَاضِي الْحُسَيْن فِي التعليقة أَنه حُكيَ عَن الشَّيْخ ابْن سهل وَهُوَ الأبيوردي كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي بعض نسخ التعليقة وَصرح بِهِ ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة أَن الْحَد لَا يلْزم من يلوط بِغُلَام مَمْلُوك لَهُ بِخِلَاف مَمْلُوك الْغَيْر قَالَ القَاضِي وَرُبمَا قاسه على وَطْء أمته الْمَجُوسِيَّة أوأخته من الرَّضَاع وَفِيه قَولَانِ انْتهى وَهَذَا الْوَجْه محكي فِي الْبَحْر والذخائر وَغَيرهمَا من كتب الْأَصْحَاب لَكِن غير مُضَاف إِلَى قَائِل معِين وَعلله صَاحب الْبَحْر بِأَن ملكه فِيهِ يصير شُبْهَة فِي سُقُوط الْحَد وَالَّذِي جزم بِهِ الرَّافِعِيّ تبعا لأكْثر الْأَصْحَاب أَنه لَا فرق بَين مَمْلُوكه وَغَيره نعم فِي اللواط من أَصله قَول أَن مُوجبه التَّعْزِير قَالَ الرَّافِعِيّ إِنَّه مخرج من القَوْل بنظيره فِي إتْيَان الْبَهِيمَة قَالَ وَمِنْهُم من لم يُثبتهُ قلت وَقد أسقط النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة حِكَايَة هَذَا القَوْل بِالْكُلِّيَّةِ 264 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زَنْجوَيْه أَبُو بكر الزنجاني وزنجان بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون النُّون وَفتح الْجِيم وَآخِرهَا نون بَلْدَة مَعْرُوفَة أحد تلامذة القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ لَهُ رِوَايَة الحديث: 264 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 روى عَنهُ مُحَمَّد بن طَاهِر وَأَبُو طَاهِر السلَفِي قَالَ السلَفِي وَكَانَت الرحلة إِلَيْهِ لفضله وعلو إِسْنَاده سمعته يَقُول إِنِّي أُفْتِي من سنة تسع وَعشْرين قَالَ وَقيل لي عَنهُ إِنَّه لم يفت خطأ قطّ قَالَ وَأهل بَلَده يبالغون فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ الْخَواص والعوام ويذكرون ورعه وَقلة طمعه أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن الْجَزرِي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي أجازنا السلَفِي أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زَنْجوَيْه الإِمَام بزنجان وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد بن شَاذان الْبَزَّار بِبَغْدَاد أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عبد الصَّمد بن عَليّ بن مكرم الطستي أخبرنَا أَبُو سهل السّري بن سهل بن خربَان الجنديسابوري حَدثنَا عبد الله بن رشيد حَدثنَا أَبُو عُبَيْدَة مجاعَة بن الزبير الْعَتكِي عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا كَانَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلَا يتفلن أَمَامه وَلَا عَن يَمِينه وَلَكِن عَن يسَاره أَو تَحت قدمه الْيُسْرَى فَإِنَّهُ يُنَاجِي ربه عز وَجل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 265 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن غَالب أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ الْحَافِظ الْكَبِير الْمَعْرُوف بالبرقاني بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا كَانَ إِمَامًا حَافِظًا ذَا عبَادَة وفضائل جمة قَالَ الشَّيْخ تفقه فِي حداثته وصنف فِي الْفِقْه ثمَّ اشْتغل بِعلم الحَدِيث فَصَارَ فِيهِ إِمَامًا سمع من أبي عَليّ بن الصَّواف وَأبي بكر بن مَالك الْقطيعِي وَأبي مُحَمَّد بن ماسي وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي عَمْرو بن حمدَان وَأبي أَحْمد الْحَافِظ وَأبي مَنْصُور الْأَزْهَرِي وخلائق لَا يُحصونَ بِبِلَاد عديدة قَالَ الْخَطِيب واستوطن بَغْدَاد وَحدث فكتبنا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة ورعا متقنا متثبتا فهما لم نر فِي شُيُوخنَا أثبت مِنْهُ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ عَارِفًا بالفقه لَهُ حَظّ من علم الْعَرَبيَّة كثير الحَدِيث حسن الْفَهم لَهُ والبصيرة فِيهِ وصنف مُسْندًا ضمنه مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الصحيحان قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأَزْهَرِي البرقاني إِمَام وَإِذا مَاتَ ذهب هَذَا الشَّأْن يَعْنِي الحَدِيث قَالَه فِي حَيَاته وَقَالَ مَا رَأَيْت فِي الشُّيُوخ أتقن مِنْهُ الحديث: 265 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْخلال البرقاني نَسِيج وَحده وَقَالَ مُحَمَّد بن يحيى الْكرْمَانِي الْفَقِيه مَا رَأَيْت فِي أَصْحَاب الحَدِيث أَكثر عبَادَة من البرقاني ولد فِي آخر سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَمَات فِي أول يَوْم من رَجَب سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد دخل إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عَليّ الصُّورِي قبل وَفَاته بأَرْبعَة أَيَّام فَقَالَ لَهُ هَذَا الْيَوْم السَّادِس وَالْعشْرُونَ من جُمَادَى الْآخِرَة وَقد سَأَلت الله أَن يُؤَخر وفاتي حَتَّى يهل رَجَب فقد رُوِيَ أَن لله فِيهِ عُتَقَاء من النَّار عَسى أَن أكون مِنْهُم فاستجيب لَهُ 266 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أَبُو الْحسن الضَّبِّيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْمحَامِلِي الإِمَام الْجَلِيل من رفعاء أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد وبيته بَيت الْفضل وَالْجَلالَة والفقة وَالرِّوَايَة وَله التصانيف الْمَشْهُورَة كالمجموع وَالْمقنع واللباب وَغَيرهَا وَله عَن الشَّيْخ أبي حَامِد تَعْلِيقه منسوبة إِلَيْهِ وصنف فِي الْخلاف وَقَالَ فِيهِ الْخَطِيب برع فِي الْفِقْه ورزق من الذكاء وَحسن الْفَهم مَا أربى فِيهِ على أقرانه الحديث: 266 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 وَكَانَ قد سمع من مُحَمَّد بن المظفر وطبقته ورحل بِهِ أَبوهُ إِلَى الْكُوفَة فَسمع من أبي الْحسن بن أبي السّري وَغَيره وَسَأَلته غير مرّة أَن يحدثني بِشَيْء من سماعاته فَكَانَ يعدني بذلك ويرجىء الْأَمر إِلَى أَن مَاتَ وَلم أسمع مِنْهُ إِلَّا خبر مُحَمَّد بن جرير عَن قصَّة الْخُرَاسَانِي الَّذِي ضَاعَ هِمْيَانه بِمَكَّة وَلَا أعلم سمع مِنْهُ أحد غَيْرِي إِلَّا مَا حَدثنِي ابْنه أَبُو الْفضل أَن عَليّ ابْن أَحْمد الْكَاتِب قَرَأَ عَلَيْهِ رِوَايَة الْبَغَوِيّ عَن أَحْمد ابْن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ الْفَوَائِد مولد سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَقَالَ المرتضى أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحُسَيْن الموسوي دخل عَليّ أَبُو الْحسن بن الْمحَامِلِي مَعَ أبي حَامِد الإسفرايني وَلم أكن أعرفهُ فَقَالَ لي أَبُو حَامِد هَذَا أَبُو الْحسن ابْن الْمحَامِلِي وَهُوَ الْيَوْم أحفظ للفقه مني وَحكي عَن سليم أَن الْمحَامِلِي لما صنف كتبه الْمقنع والمجرد وَغَيرهمَا من تَعْلِيق أستاذه أبي حَامِد ووقف عَلَيْهَا قَالَ بتر كتبي بتر الله عمره فنفذت فِيهِ دَعْوَة أبي حَامِد وَمَا عَاشَ إِلَّا يَسِيرا وَمَات يَوْم الْأَرْبَعَاء لتسْع بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة قَالَ الْمحَامِلِي فِي الْمقنع مَا نَصه وَيسْتَحب للْمَرْأَة إِذا اغْتَسَلت من حيض أَو نِفَاس أَن تَأْخُذ قِطْعَة من مسك أَو غَيره من الطّيب فتتبع بِهِ أثر الدَّم وَهِي الْمَوَاضِع الَّتِي أَصَابَهَا الدَّم من بدنهَا انْتهى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 وَقد أغرب فِي قَوْله إِنَّهَا تتبع كل مَا أَصَابَهُ الدَّم من الْبدن والْحَدِيث الْمَرْوِيّ فِي ذَلِك أَن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْغسْل من الْحيض فَقَالَ (خذي فرْصَة من مسك فتطهري بهَا فَقَالَت كَيفَ أتطهر بهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُبْحَانَ الله تطهري بهَا قَالَت عَائِشَة قتل تتبعي بهَا أثر الدَّم) قَالَ الْأَصْحَاب أَي أثر الْحيض وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الْفرج قَالَ النَّوَوِيّ وَمَا ذكره الْمحَامِلِي لَا أعرفهُ لغيره بعد الْبَحْث عَنهُ قلت إِلَّا أَن للمحاملي أَن يَقُول هُوَ ظَاهر اللَّفْظ فِي قَوْلهَا الدَّم وتقييده بالفرج لَا بُد لَهُ عَلَيْهِ من دَلِيل وَالْمعْنَى يساعد الْمحَامِلِي لِأَن الْمَقْصُود دفع الرَّائِحَة الكريهة وَهِي لَا تخْتَص هَذَا أقْصَى مَا يتحيل بِهِ فِي مساعدة الْمحَامِلِي وَالْحق عِنْد الْإِنْصَاف مَعَ الْأَصْحَاب وَمِمَّا يُسْتَفَاد هُنَا وَلَا تعلق للمحاملي بِهِ أَن الْمَرْأَة السائلة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقع فِي صَحِيح مُسلم أَنَّهَا بنت شكل بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالْكَاف بعدهمَا لَام وَإِنَّمَا هِيَ أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن بِالسِّين الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة بعْدهَا كَاف مَفْتُوحَة ثمَّ نون فَوَقع اللَّفْظ فِي مُسلم مُصحفا مَنْسُوبا إِلَى الْجد وَهُوَ على الصَّوَاب فِي الْأَسْمَاء المبهمة للخطيب أبي بكر وَذكر بِإِسْنَادِهِ فِي الْحجَّة على ذَلِك من رِوَايَة يحيى ابْن سعيد عَن إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن أَسمَاء بنت يزِيد سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت الحَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 قَالَ الْمحَامِلِي فِي الْمقنع أَيْضا مَا نَصه وَإِن مَاتَت امْرَأَة وَفِي جوفها ولد فَإِن كَانَ يُرْجَى حَيَاة الْوَلَد إِذا أخرج شقّ جوفها وَأخرج وَإِن لم يرج ذَلِك لم يخرج وَترك على جوفها شَيْء حَتَّى يَمُوت ثمَّ تدفن انْتهى وَهَذَا مَا جرى عَلَيْهِ صَاحب التَّنْبِيه وَغَيره وَقَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ غلط وَإِن كَانَ قد حَكَاهُ جمَاعَة وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي الفتاوي أَربع مسَائِل من أَرْبَعَة كتب مَشْهُورَة مُعْتَمدَة وددت لَو محيت أَحْكَامهَا الْمَذْكُورَة وَذكر مِنْهَا قَول التَّنْبِيه ترك عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى يَمُوت وَقَالَ وَهَذَا فِي نِهَايَة الْفساد بل الصَّوَاب تَركه حَتَّى يَمُوت من غير أَن يوضع عَلَيْهِ شَيْء وَقد بَان لَك أَن صَاحب التَّنْبِيه غير مُنْفَرد بِاخْتِيَار هَذَا بل قد سبقه الْمحَامِلِي وَالْوَجْه مُحَقّق فِي الْمَذْهَب وَسَبقه أَيْضا القَاضِي حُسَيْن فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَاب عدد الْكَفَن وَلَو كَانَ فِي بَطنهَا ولد لَا يشق بَطنهَا عندنَا بل يحمل على وَلَدهَا شَيْء ثقيل حَتَّى يسكن مَا فِيهِ وَقَالَ أَبُو حنيفه يشق بَطنهَا هَذَا كَلَامه لكنه قَالَ قبل بَاب الشَّهِيد فرع إِذا مَاتَت وَفِي بَطنهَا جَنِين هَل يشق بَطنهَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يشق وَالثَّانِي يشق وَعند أبي حنيفَة يشق قَالَ وَالْأولَى أَنَّهَا إِن كَانَت فِي الطلق وَالْولد يَتَحَرَّك فِي بَطنهَا أَن يشق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 وَلَا خلاف أَنه مَا دَامَ الْوَلَد فِي بَطنهَا لَا تدفن بل يَتَأَتَّى حَتَّى تسكن الْحَرَكَة ثمَّ تدفن انْتهى وَفِيه مُخَالفَة لما تقدم وَقد صرح النَّوَوِيّ بحكاية وُجُوه ثَلَاثَة أَصَحهَا التّرْك وَالثَّانِي أَن يشق جوفها وَيخرج كَمَا فِي الْحَالة الَّتِي يُرْجَى حَيَاته وَالثَّالِث هَذَا إِلَّا أَنه غلط وَالشَّيْخ غير مُنْفَرد بِهِ وَأما قَول بعض المؤولة لكَلَام الشَّيْخ مُرَاده ترك عَلَيْهِ شَيْء من الزَّمَان حَتَّى يَمُوت وَمَعْنَاهُ الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ أَن يتْرك فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء الْمَنْقُول عَن الْمقنع وَهُوَ مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي الْمُهَذّب أَنه لَا يجوز أَن يجلس على قَبره وَهَذِه الْعبارَة ظَاهِرَة فِي التَّحْرِيم وَعبارَة الشَّافِعِي الْكَرَاهَة فَإِنَّهُ قَالَ أكره أَن يطَأ الْقَبْر وَيجْلس عَلَيْهِ أَو يتكىء عَلَيْهِ إِلَّا أَن لَا يصل إِلَى قبر ميته إِلَّا بِوَطْء قبر غَيره فيسعه ذَلِك وَكَذَلِكَ أَكثر الْأَصْحَاب وَمِنْهُم الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَالْقَوْل بِالتَّحْرِيمِ هُوَ ظَاهر النَّهْي فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تجلسوا على الْقُبُور) وَفِي حَدِيث آخر (لِأَن يجلس أحدكُم على جَمْرَة فتحرق ثَوْبه وبدنه حَتَّى تخلص إِلَيْهِ خير لَهُ من أَن يجلس على قبر) وَقد أَخذ الشَّافِعِي فِي تَفْسِير الْجُلُوس بِظَاهِر الحَدِيث فَقَالَ الْجُلُوس أَن يطأه وَمِنْهُم من فسر الْجُلُوس بِالْحَدَثِ وَمِنْهُم من فسره بالملازمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 ذكر الْمحَامِلِي أَنه لَا يدْخل عبد مُسلم فِي ملك كَافِر ابْتِدَاء إِلَّا فِي سِتّ مسَائِل قَالَ فِي اللّبَاب فِي بَاب إِزَالَة النَّجَاسَة إِذا أصَاب الأَرْض بَوْل فَإِن كَانَت صلبة صب عَلَيْهَا من المَاء سَبْعَة أَمْثَال الْبَوْل وَإِن كَانَت رخوة يقلعها هَذِه عِبَارَته وَمَا ذكره من السَّبْعَة وَجه محكي فِي الرَّافِعِيّ وَغَيره وَأما قَوْله فِيمَا إِذا كَانَت الأَرْض رخوة إِنَّه يقلعها وَإنَّهُ لَا يجزىء الصب عَلَيْهَا فَغَرِيب جدا لم أره لغيره وَذكر فِي اللّبَاب أَنه يسْتَحبّ الْوضُوء من الْغَيْبَة وَعند الْغَضَب وَأَنه يسْتَحبّ الْغسْل للحجامة ولدخول الْحمام والاستحداد وكل هَذَا غَرِيب وَلَكِن ذكره غَيره وَذكر فِي اللّبَاب فِي بَاب مسح الْخُف المسحات سَبْعَة وعد مِنْهَا مسح الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ إِذا كَانَ أقطعهما فَوق الْمفصل وَعبارَة التَّنْبِيه فِي ذَلِك الْمس وَهِي تساعد هَذَا إِذْ قَالَ اسْتحبَّ أَن يمس الْموضع مَاء وَلَكِن قَالُوا المُرَاد بالمس الْغسْل وَهَذَا الْمحَامِلِي قد صرح بِالْمَسْحِ وَذكر فِي بَاب الْحيض من اللّبَاب أَن الْحيض يتَعَلَّق بِهِ عشرُون معنى اثْنَا عشر مِنْهَا محظوراته وَثَمَانِية أَحْكَامه وعد من الْمَحْظُورَات أَن الْحَائِض لَا تحضر المحتضر قَالَ وَكَذَلِكَ النُّفَسَاء وَهَذَا من أغرب الْغَرِيب وَلَا أعرف مَا دَلِيله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 وَقد عرف قَول الْمحَامِلِي أَنه لَا يدْخل عبد مُسلم فِي ملك كَافِر ابْتِدَاء إِلَّا فِي سِتّ مسَائِل أحداها الْإِرْث وَالثَّانيَِة يسترجع بإفلاس المُشْتَرِي وَالثَّالِثَة يرجع فِي هِبته لوَلَده وَالرَّابِعَة يرد عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ على الصَّحِيح وَالْخَامِسَة الْملك الضمني إِذا قَالَ لمُسلم أعتق عَبدك عني فَأعْتقهُ وصححناه وَهُوَ الصَّحِيح وَالسَّادِسَة إِذا عجز مكَاتبه عَن النُّجُوم فَلهُ تعجيزه قَالَ النَّوَوِيّ وَفِي عد هَذِه تساهل فَإِن الْمكَاتب لَا يَزُول ملك سَيّده عَنهُ حَتَّى يَقُول عَاد قَالَ وَترك سابعة وَهِي مَا إِذا اشْترى من يعْتق عَلَيْهِ بَاطِنا كقريبه على الصَّحِيح أَو ظَاهرا كَمَا إِذا أقرّ بحريّة مُسلم فِي يَد غَيره على الرَّاجِح قَالَ الشَّيْخ صدر الدّين بن المرحل وتركا ثامنة وَهِي إِذا قُلْنَا الْإِقَالَة فسخ فَهَل ينفذ التقابل فِيهِ خلاف الرَّد بِالْعَيْبِ وتوجيه الْجَوَاز مُشكل فَإِن التَّمْلِيك فِيهِ اخْتِيَاري غير مُسْتَند إِلَى سَبَب قَالَ وَلَعَلَّ الْمحَامِلِي لم يتْرك هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا لكَونه رأى الْإِقَالَة تجْعَل العقد كَأَنَّهُ لم يكن وَلذَلِك لم تثبت بِهِ الشُّفْعَة فَهُوَ كالاستدامة وَيرد عَلَيْهِ الرَّد بِالْعَيْبِ وَأَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 الْأَصْحَاب رجحوا أَنه لَو وَكله فِي بيع عبد فَبَاعَهُ ثمَّ وجد بِهِ المُشْتَرِي عَيْبا ورده على الْوَكِيل أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يَبِيعهُ ثَانِيًا وَلم يجْعَلُوا العقد كَأَنَّهُ لم يكن وَذكروا أَنه لَو أوصى لَهُ أَن يَبِيع عَبده وَيَشْتَرِي جَارِيَة بِثمنِهِ ويعتقها فَوجدَ المُشْتَرِي بِالْعَبدِ عَيْبا فَرده على الْوَصِيّ أَن الْوَصِيّ يَبِيعهُ ثَانِيًا وَيدْفَع ثمنه للْمُشْتَرِي وَفرقُوا بَينه وَبَين الْوَكِيل بِأَن الْإِيصَاء تَوْلِيَة وتفويض كلي وَلَا كَذَلِك الْوكَالَة وَالْفرق الْمَذْكُور وَالْحكم فِي الْوَكِيل يخالفان مَا قَرَّرَهُ الرَّافِعِيّ وَغَيره من أَنه يجوز الرَّد بِالْعَيْبِ فِي العَبْد الْمُسلم على الْكَافِر وَمَا تقدم من أَن الْفَسْخ يَجْعَل العقد كَأَنَّهُ لم يكن ويقوى الْإِشْكَال فِي الْإِقَالَة قَالَ وتركا تاسعة أَيْضا وَهِي إِذا كَانَ بَين كَافِر وَمُسلم عبد مُشْتَرك فَأعتق الْكَافِر نصِيبه وَهُوَ مُوسر سرى عَلَيْهِ وَعتق سَوَاء قُلْنَا يَقع الْعتْق بِنَفس الْإِعْتَاق أَو بأَدَاء الْقيمَة لِأَنَّهُ مُتَقَوّم عَلَيْهِ شرعا لَا بِاخْتِيَارِهِ كَالْإِرْثِ قلت وَتركُوا مسَائِل مِنْهَا إِذا جَازَ لَهُ نِكَاح الْأمة بشرطها وَكَانَت لكَافِر هَل يجوز الصَّحِيح الْجَوَاز وَينْعَقد الْوَلَد مُسلما تبعا لِأَبِيهِ أَو أمه وَينْعَقد على ملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 الْكَافِر ثمَّ يُؤمر بِإِزَالَة ملكه عَنهُ بطريقة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 267 - أَحْمد بن الْفَتْح بن عبد الله أَبُو الْحسن الْموصِلِي من أَهلهَا يعرف بِابْن فرغان بِفَتْح الْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد ذكره الشَّيْخ وَقَالَ ابْن باطيش إِنَّه مَاتَ بالموصل سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 267 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 268 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَبُو إِسْحَاق النَّيْسَابُورِي الثَّعْلَبِيّ صَاحب التَّفْسِير كَانَ أوحد زَمَانه فِي علم الْقُرْآن وَله كتاب العرائس فِي قصَص الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ يُقَال لَهُ الثَّعْلَبِيّ والثعالبي وَهُوَ لقب لَا نسب روى عَن أبي طَاهِر مُحَمَّد بن الْفضل بن خُزَيْمَة وَأبي مُحَمَّد المخلدي وَأبي بكر بن هانىء وَأبي بكر بن مهْرَان المقرىء وَجَمَاعَة وَعنهُ أَخذ أَبُو الْحسن الواحدي وَقد جَاءَ عَن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي أَنه قَالَ رَأَيْت رب الْعِزَّة فِي الْمَنَام وَهُوَ يخاطبني وأخاطبه فَكَانَ فِي أثْنَاء ذَلِك أَن قَالَ الرب جلّ اسْمه أقبل الرجل الصَّالح فَالْتَفت فَإِذا أَحْمد الثَّعْلَبِيّ مقبل وَمن شعر الثَّعْلَبِيّ (وَإِنِّي لأدعو الله وَالْأَمر ضيق ... عَليّ فَمَا يَنْفَكّ أَن يتفرجا) (وَرب فَتى سدت عَلَيْهِ وجوهه ... أصَاب لَهُ فِي دَعْوَة الله مخرجا) توفّي فِي الْمحرم سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 268 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 وَمن الْمسَائِل عَنهُ ذهب الثَّعْلَبِيّ إِلَى أَن الدَّم الْبَاقِي على اللَّحْم وعظامه غير نجس قَالَ لمَشَقَّة الِاحْتِرَاز عَنهُ قَالَ وَلِأَن النهى إِنَّمَا ورد عَن الدَّم المسفوح وَهُوَ السَّائِل 269 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن حَفْص بن الْخَلِيل أَبُو سعد الْمَالِينِي الْمُحدث الْحَافِظ الزَّاهِد الصَّالح طَاوُوس الْفُقَرَاء سمع بِبِلَاد مَا وَرَاء النَّهر وبلاد خُرَاسَان والري وأصبهان وَالْبَصْرَة والكوفة وبغداد وَالشَّام ومصر وَلَقي عَامَّة الشُّيُوخ والحفاظ الَّذين عاصرهم وَحدث عَن مُحَمَّد بن عبد الله السليطي وَأبي أَحْمد بن عدي وَأبي عَمْرو بن نجيد وَأبي الشَّيْخ الْأنْصَارِيّ وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي بكر الْقطيعِي ويوسف الميانجي وخلائق يطول ذكرهم روى عَنهُ أَبُو حَازِم العبدوي والحافظ عبد الْغَنِيّ وَتَمام الرَّازِيّ وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ الحديث: 269 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 وَأَبُو بكر الْخَطِيب وَعبد الرَّحْمَن بن مندة وَأَبُو عبد الله الْقُضَاعِي وَأَبُو الْحسن الخلعي وَالْحُسَيْن بن طَلْحَة النعالي وَآخَرُونَ قَالَ الْخَطِيب كَانَ أحد الرحالين فِي طلب الحَدِيث والمكثرين مِنْهُ قَالَ وَكَانَ ثِقَة متقنا صَالحا قلت استوطن مصر بِالآخِرَة وَبهَا توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر شَوَّال سنة اثنتى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَوهم حَمْزَة السَّهْمِي فَقَالَ فِي تَارِيخ جرجان إِن وَفَاته سنة تسع وَأَرْبَعمِائَة 270 أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن دلويه أَبُو حَامِد الأستوائي سمع بنيسابور أَبَا أَحْمد الْحَاكِم وَأَبا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْأنمَاطِي وَمُحَمّد ابْن عبد الله الجوزقي وَنَحْوهم وَقدم بَغْدَاد فَسمع من الدَّارَقُطْنِيّ وطبقته واستوطنها إِلَى حِين وَفَاته وَولى الْقَضَاء بعكبرا من قبل القَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن الطّيب قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ ينتحل فِي الْفِقْه مَذْهَب الشَّافِعِي وَفِي الْأُصُول مَذْهَب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 الْأَشْعَرِيّ وَله حَظّ فِي معرفَة الْأَدَب والعربية وَحدث شَيْئا يَسِيرا وكتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا ثمَّ قَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ لَا أحقه لكنني أَظُنهُ سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة وَمَات فِي ثامن عشرى شهر ربيع الأول سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 271 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الأسفرايني الشَّيْخ أَبُو حَامِد شيخ طَريقَة الْعرَاق حَافظ الْمَذْهَب وإمامه جبل من جبال الْعلم منيع وَحبر من أَحْبَار الْأمة رفيع ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَقدم بَغْدَاد شَابًّا فتفقه على الشَّيْخَيْنِ ابْن الْمَرْزُبَان والداركي حَتَّى صَار أحد أَئِمَّة وقته وَحدث عَن عبد الله بن عدي وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَبدك الإسفرايني وَغَيرهم روى عَنهُ سليم الرَّازِيّ الحديث: 271 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الدّين وَالدُّنْيَا بِبَغْدَاد وعلق عَنهُ تعاليق فِي شرح الْمُزنِيّ وطبق الأَرْض بالأصحاب وَجمع مَجْلِسه ثَلَاثمِائَة متفقه وَاتفقَ الْمُوَافق والمخالف على تفضيله وتقديمه فِي جودة الْفِقْه وَحسن النّظر ونظافة الْعلم انْتهى وَقَالَ الْخَطِيب سَمِعت من يذكر أَنه كَانَ يحضر مَجْلِسه سَبْعمِائة متفقة وَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ لَو رَآهُ الشَّافِعِي لفرح بِهِ وَكَانَ عَظِيم الجاه عِنْد الْمُلُوك مَعَ الدّين الوافر والورع والزهد والاستيعاب للأوقات بالتدريس والمناظرة ومؤاخذة النَّفس على دَقِيق الْكَلَام ومحاسبتها على هفوات اللِّسَان وَإِن بدرت فِي أثْنَاء الْإِحْسَان قَالَ أَبُو حَيَّان التوحيدي سَمِعت الشَّيْخ أَبَا حَامِد يَقُول لطاهر الْعَبادَانِي لَا تعلق كثيرا مِمَّا تسمع مني فِي مجَالِس الجدل فَإِن الْكَلَام يجْرِي فِيهَا على ختل الْخصم ومغالطته وَدفعه ومغالبته فلسنا نتكلم لوجه الله خَالِصا وَلَو أردنَا ذَلِك لَكَانَ خطونا إِلَى الصمت أسْرع من تطاولنا فِي الْكَلَام وَإِن كُنَّا فِي كثير من هَذَا نبوء بغضب الله تَعَالَى فَإنَّا مَعَ ذَلِك نطمع فِي سَعَة رَحْمَة الله قلت وَهُوَ طمع قريب فَإِن مَا يَقع فِي المغالطات والمغالبات فِي مجَالِس النّظر يحصل بِهِ من تَعْلِيم إِقَامَة الْحجَّة وَنشر الْعلم وَبعث الهمم على طلبه مَا يعظم فِي نظر أهل الْحق ويقل عِنْده قلَّة الخلوص وتعود بركَة فَائِدَته وانتشارها على عدم الخلوص فَقرب من الْإِخْلَاص إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وَهَذِه الْحِكَايَة عَن الشَّيْخ أبي حَامِد تدل على أَن مَا كَانَ يكْتب عَنهُ بِإِذْنِهِ فقد أخْلص عَنهُ وَقد كتب عَنهُ من الْعلم مَا لم يكْتب نَظِيره عَن أحد بعده فَللَّه هَذَا الْإِخْلَاص فِي هَذِه الْكَثْرَة فَإِنَّهُ طبق الدُّنْيَا بِعِلْمِهِ وَمَا كتب عَنهُ قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ سَأَلت القَاضِي أَبَا عبد الله الصَّيْمَرِيّ وَكَانَ إِمَام أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي زَمَانه هَل رَأَيْت أنظر من الشَّيْخ أبي حَامِد فَقَالَ مَا رَأَيْت أنظر مِنْهُ وَمن أبي الْحسن الخرزي الداوودي قَالَ الشَّيْخ وَكَانَ أَبُو الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ إِمَام أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي عصرنا يعظمه ويفضله على كل أحد أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْمُنعم بن القواس أخبرنَا أَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ إجَازَة قَالَ أخبرنَا ابْن عبد السَّلَام أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الفيروزابادي قَالَ حكى لي رَئِيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى أَبُو الْقَاسِم على بن الْحُسَيْن عَن أبي الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ أَنه قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد عِنْد أفقه وَأنْظر من الشَّافِعِي قَالَ رَئِيس الرؤساء فاغتظت مِنْهُ من هَذَا القَوْل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 وَبِه إِلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق قَالَ قلت هَذَا القَوْل من أبي الْحُسَيْن حمله عَلَيْهِ اعْتِقَاده فِي الشَّيْخ أبي حَامِد وتعصبه للحنفية على الشَّافِعِي وَمَا مثل الشَّافِعِي وَمثل من بعده إِلَّا كَمَا قَالَ الشَّاعِر (نزلُوا بِمَكَّة فِي قبائل نَوْفَل ... وَنزلت بِالْبَيْدَاءِ أبعد منزل) وَعَن سليم الرَّازِيّ أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد كَانَ فِي أول أمره يحرس فِي بعض الدروب ويطالع الْعلم فِي زَيْت الحرس وَأَنه أفتى وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة وَأقَام يُفْتِي إِلَى أَن مَاتَ وَلما قربت وَفَاته قَالَ لما تفقهنا متْنا وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد رفيع الجاه فِي الدُّنْيَا وَوَقع من الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أوجب أَن كتب إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو حَامِد اعْلَم أَنَّك لست بِقَادِر على عزلي عَن ولايتي الَّتِي ولانيها الله تَعَالَى وَأَنا أقدر أَن أكتب رقْعَة إِلَى خُرَاسَان بكلمتين أَو ثَلَاث أعزلك عَن خلافتك وَحكى أَن قَارِئًا قَرَأَ فِي مَجْلِسه {للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد أما الْعُلُوّ فقد أردنَا وَأما الْفساد فَمَا أردنَا وَحكى أَنه أرسل إِلَى مصر فَاشْترى أمالي الشَّافِعِي بِمِائَة دِينَار وَمن شعر أبي الْفرج الدَّارمِيّ صَاحب الاستذكار وَقد عَاده الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي مرضة مَرضهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 (مَرضت فارتحت إِلَى عَائِد ... فعادني الْعَالم فِي وَاحِد) (ذَاك الإِمَام ابْن أبي طَاهِر ... أَحْمد ذُو الْفضل أَبُو حَامِد) وَمن شعر الشَّيْخ أبي حَامِد (لَا يغلون عَلَيْك الْحَمد فِي ثمن ... فَلَيْسَ حمد وَإِن أثمنت بالغالي) (الْحَمد يبْقى على الْأَيَّام مَا بقيت ... والدهر يذهب بالأحوال وَالْمَال) وَمن محَاسِن الشَّيْخ أبي حَامِد أَنه اتّفق فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وثلاثمائة وُقُوع فتْنَة بَين أهل السّنة والشيعة بِبَغْدَاد بِسَبَب إِخْرَاج الشِّيعَة مُصحفا قَالُوا إِنَّه مصحف ابْن مَسْعُود وَهُوَ يُخَالف الْمَصَاحِف كلهَا فثار عَلَيْهِم أهل السّنة وثاروا هم أَيْضا ثمَّ آل الْأَمر إِلَى جمع الْعلمَاء والقضاة فِي مجْلِس فَحَضَرَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وأحضر الْمُصحف الْمشَار إِلَيْهِ فَأَشَارَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالْفُقَهَاء بتحريقه فَفعل ذَلِك بِمحضر مِنْهُم فَغضِبت الشِّيعَة وَقصد جمَاعَة من أحداثهم دَار الشَّيْخ أبي حَامِد ليؤذوه فانتقل مِنْهَا ثمَّ سكن الْخَلِيفَة الْفِتْنَة وَعَاد الشَّيْخ أَبُو حَامِد إِلَى دَاره توفّي الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي شَوَّال سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بداره ثمَّ نقل سنة عشرَة إِلَى الْمقْبرَة وَعَلِيهِ تَأَول جمَاعَة من الْعلمَاء حَدِيث (يبْعَث الله لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا أَمر دينهَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 وَمن الرِّوَايَة عَن الشَّيْخ أبي حَامِد أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو عبد الله بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ الْخلال ويوسف ابْن أبي نصر الشقاري سَمَاعا قَالَا أخبرنَا الرشيد أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم ابْن الْهَادِي أخبرنَا عبد الله بن صابر السّلمِيّ أخبرنَا الشريف أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْحُسَيْنِي أخبرنَا الشَّيْخ الْفَقِيه الْفَاضِل أَبُو الْفَتْح سليم بن أَيُّوب الرَّازِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ من أصل كِتَابه أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَحْمد بن أبي طَاهِر الإسفرايني حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَبدك الشعراني أخبرنَا الْحسن بن سُفْيَان الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن المتَوَكل الْعَسْقَلَانِي حَدثنَا الْمُعْتَمِر وَشُعَيْب بن إِسْحَاق قَالَا حَدثنَا ابْن عون عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَين ذَلِك أُمُور مشتبهة لَا يعلمهَا كثير من النَّاس فَمن اتَّقى الْحَرَام كَانَ أوقى لدينِهِ وَعرضه وَمن وَقع فِي الشُّبْهَة وَقع فِي الْحَرَام كالراتع يرتع حول الْحمى وَإِن حمى الله فِي الأَرْض مَحَارمه وَمن يرتع حول الْحمى يُوشك أَن يَجْسُر) قَالَ ابْن المتَوَكل وَزَاد فِيهِ غَيره عَن زَكَرِيَّا عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَلا إِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله وَإِذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله أَلا وَهِي الْقلب فَمَا أنكر قَلْبك فَدَعْهُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 تَنْبِيه عَجِيب وَقع فِي كتاب الْملَل والنحل لأبي الْفَتْح الشهرستاني فِي أَوَائِله أَن فلاسفة الْإِسْلَام الَّذين فسروا كتب الْحِكْمَة من اليونانية إِلَى الْعَرَبيَّة وَأَكْثَرهم على رَأْي أرسطاليس حنين بن إِسْحَاق وَأَبُو الْفرج الْمُفَسّر وَأَبُو سُلَيْمَان السجْزِي وَيحيى النَّحْوِيّ وَيَعْقُوب بن إِسْحَاق الْكِنْدِيّ وَأَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن معشر الْمَقْدِسِي وَأَبُو بكر بن ثَابت بن قُرَّة الْحَرَّانِي وَأَبُو تَمام يُوسُف بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي وَأَبُو زيد أَحْمد بن سهل الْبَلْخِي وَأَبُو محَارب الْحسن بن سهل وَابْن محَارب القمي وَأَبُو حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد الإسفزاري وَأَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عدي والصيمري وَأَبُو نصر الفارابي وَطَلْحَة النَّسَفِيّ وَأَبُو الْحسن العامري والرئيس أَبُو عَليّ بن سينا انْتهى مُلَخصا وَأَبُو حَامِد الإسفزاري الْمشَار إِلَيْهِ فيلسوف من بَلْدَة إسفزار بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالفاء وَالزَّاي المكسورتين وَفِي آخرهَا الرَّاء مَدِينَة بَين هراة وسجستان وَإِنَّمَا نبهت على هَذَا لِأَنَّهُ تصحف على بعض النَّاس مِمَّن تكلم معي وَقَالَ لي كَانَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد من فلاسفة الْإِسْلَام فَقلت لَهُ إِن الشَّيْخ أَبَا حَامِد شيخ الْعرَاق لَا يدْرِي الفلسفة وَلَا هُوَ من هَذَا الْقَبِيل فأحضر إِلَيّ الْكتاب وَقد تصحف عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 الإسفزاري بالإسفرايني فعرفته ذَلِك ثمَّ أَحْبَبْت التَّنْبِيه على ذَلِك هُنَا لِئَلَّا يَقع فِيهِ غَيره كَمَا وَقع هُوَ وَمن الْمسَائِل والفوائد والغرائب عَنهُ وقفت على أَكثر تعليقة الشَّيْخ أبي حَامِد بِخَط سليم الرَّازِيّ وَهِي الْمَوْقُوفَة بخزانة الْمدرسَة الناصرية بِدِمَشْق وَالَّتِي علقها الْبَنْدَنِيجِيّ عَنهُ وَنسخ أخر مِنْهَا وَقد يَقع فِيهَا بعض تفَاوت وعَلى كِتَابه فِي أصُول الْفِقْه وعَلى الْمُخْتَصر الْمُسَمّى بالرونق الْمَنْسُوب إِلَيْهِ وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يتَوَقَّف فِي ثُبُوته عَنهُ وسمعته غير مرّة إِذا عزا النَّقْل إِلَيْهِ يَقُول الرونق الْمَنْسُوب إِلَى الشَّيْخ أبي حَامِد وَلَا يجْزم القَوْل بِأَنَّهُ لَهُ وَهَذِه فَوَائِد عَن الشَّيْخ أَبى حَامِد من هَذِه الْكتب أَو من غَيرهَا قَالَ فِي التعليقة فِي كتاب الْفَرَائِض فِي تَارِيخ نزُول الْمَوَارِيث وَعَن خطّ سليم نقلته إِن غَزْوَة خَيْبَر كَانَت فِي سنة خمس وَفِي كَلَامه مَا يشْعر أَن ذَلِك من كَلَام الشَّافِعِي وَهَذَا غَرِيب وَنقل صَاحب الْبَيَان عَن الشَّيْخ أبي حَامِد أَنه قَالَ إِذا بَاعَ كُرْسُف بَغْدَاد وخراسان وَمَا لَا يحمل إِلَّا سنة وَكَانَ جوزه قد انْعَقَد وَقَوي وتشقق حَتَّى بدا مِنْهُ الْقطن لَا يَصح البيع كالطعام فِي سنبله قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح الْمُهَذّب وَهُوَ مَحْمُول على غلط النُّسْخَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 وَفِي الرونق هَل تجب الزَّكَاة فِي اللوز والبلوط فِيهِ قَولَانِ وَهَذَا غَرِيب ذكر صَاحب الْحَاوِي فِي بَاب الْمُطلقَة ثَلَاثًا أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد ذهب إِلَى أَنه لَا يجب الْغسْل وَلَا يتَعَلَّق أَحْكَام الْوَطْء لمن أَدخل ذكره فِي الْفرج غير منتشر بِيَدِهِ لِأَنَّهُ لَا شَهْوَة إِلَّا مَعَ الانتشار ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي بَاب الْوكَالَة من تعليقته أَنه لَو شهد أَبُو الْمُوكل أَو ابناه أَبُو أَبَوَاهُ وَابْنه على الْمُوكل بِأَنَّهُ وكل لم تقبل كَذَا نَص عَلَيْهِ فِي أثْنَاء الْبَاب قَالَ لِأَن شَهَادَة الْأَب لَا تقبل لِابْنِهِ وَشَهَادَة الابْن لَا تقبل لِأَبِيهِ كَذَا رَأَيْته مَجْزُومًا بِهِ فِي عَامَّة مَا وقفت عَلَيْهِ من النّسخ بالتعليقة وَنَقله عَنهُ صَاحب الْبَيَان وَنَقله ابْن الصّباغ فِي الشَّامِل لكنه لم يُصَرح بِأَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد قَائِله بل غزاه إِلَى بَعضهم ورده وسأحكي لَفْظهمَا وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَقعت بِدِمَشْق سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة قَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح فِي كتاب الشَّهَادَات من تعليقته وَلم أَجدهَا بخصوصها منقولة وَخرج فِيهَا خلافًا من مسَائِل ثمَّ ذكر بعد ذَلِك أَنه وجدهَا فِي الْبَيَان قلت وَلَفظ ابْن الصّباغ فِيهَا فَإِن شهد للْوَكِيل أَو الْمُوكل أَبَوَاهُ أَو ابناه قَالَ أَصْحَابنَا لَا تثبت وكَالَته لِأَنَّهُ يثبت بذلك التَّصَرُّف على الْمُوكل فَهِيَ شَهَادَة لَهُ وَفِيه نظر لِأَن هَذِه الْوكَالَة تثبت بقول الْمُوكل وَيسْتَحق الْوَكِيل بذلك الْمُطَالبَة بِالْحَقِّ وَمَا يثبت بقوله يثبت بِشَهَادَة الْقَرَابَة عَلَيْهِ كَالْإِقْرَارِ انْتهى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 وَعبارَة العمراني فِي الْبَيَان وَإِن شهد بِالْوكَالَةِ أَبَوا الْمُوكل أَو ابناه فَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنَّهُمَا لَا يقبلان لِأَنَّهُمَا يثبتان بذلك التَّصَرُّف عَن الْمُوكل فَهِيَ شَهَادَة لَهُ قَالَ ابْن الصّباغ وَفِيه نظر انْتهى وَحكى بَقِيَّة كَلَام ابْن الصّباغ بنصه قلت وَقَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْمَسْأَلَة خلاف لِأَن الشَّهَادَة فِي الِابْتِدَاء لَيست للْأَب بل لأَجْنَبِيّ وَهُوَ الْوَكِيل لَكِنَّهَا تَتَضَمَّن إِثْبَات فَائِدَة للْأَب فَيكون مَأْخَذ الْخلاف أَن الْعبْرَة بِالِابْتِدَاءِ أَو بالتضمن وَكَانَ الشَّيْخ برهَان الدّين رَحمَه الله إِذْ ذَاك ابْن سِتّ وَثَلَاثِينَ سنة فَأخْرج لَهُم قبل أَن يجد مَا فِي الْبَيَان قَول الرَّافِعِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ عَن حِكَايَة قَول القَاضِي أبي سعد فِي عبد فِي يَد زيد ادّعى مُدع أَنه اشْتَرَاهُ من عَمْرو بعد مَا اشْتَرَاهُ عَمْرو بن زيد صَاحب الْيَد وَقَبضه وطالبه بِالتَّسْلِيمِ وَأنكر زيد جَمِيع ذَلِك فَشهد ابناه للْمُدَّعِي بِمَا يَقُوله فَإِن الرَّافِعِيّ قَالَ حكى القَاضِي أَبُو سعد فِيهِ قَوْلَيْنِ أَحدهمَا رد شَهَادَتهمَا لتضمنها إِثْبَات الْملك لأبيهما وأصحهما الْقبُول لِأَن الْمَقْصُود بِالشَّهَادَةِ فِي الْحَال الْمُدَّعِي وَهُوَ أَجْنَبِي عَنْهُمَا وَذكر أَيْضا من كَلَام ابْن الصّلاح فِي فَتَاوِيهِ مَا ذكر أَنه يقرب من ذَلِك قلت وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد لم يذكر فِي التعليقة من قبل نَفسه إِنَّمَا نقلهَا عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج كَذَا يظْهر لمن تَأمل أول كَلَامه وَآخره وَأَبُو الْعَبَّاس لَهُ فروع فِي الشَّهَادَة فِي الْوكَالَة ختم بهَا بَاب الْوكَالَة وخرجها على أصل الشَّافِعِي وقدماء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 الْعِرَاقِيّين يذكرونها فِي بَاب الْوكَالَة فَرُبمَا وقف عَلَيْهَا بعض المصنفين فَأحب تَأْخِيرهَا إِلَى مظنتها من كتاب الشَّهَادَات فَإِنَّهُ بهَا أنسب ثمَّ لما انْتهى إِلَى كتاب الشَّهَادَات نَسِيَهَا فَمن هُنَا جَاءَ إهمالها وَلذَلِك نَظَائِر كَثِيرَة أَتَى الإهمال فِيهَا من جِهَة التَّبْوِيب مَسْأَلَة تعقبت على الشَّيْخ أبي حَامِد اعْلَم أَنه مَا جَاءَ بعد أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج من اشتهرت تصانيفه وَكَثُرت تلامذته واتسعت أَقْوَاله وَبعد عَن القرين فِي زَمَانه كالشيخ أبي حَامِد وَبِهَذَا الْقَيْد خرجت أَئِمَّة هم أجل مِنْهُ وهم بعد ابْن سُرَيج لَكِن لم يتهيأ لَهُم هَذَا الْوَصْف فطالما تعقب الشَّيْخ أَبُو حَامِد كَلَام أبي الْعَبَّاس وَمَا جَاءَ بعد الشَّيْخ أبي حَامِد فِي الْعِرَاقِيّين مثل القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَقد تعقب كثيرا من كَلَام أبي حَامِد وَمِمَّا تعقبه قَالَ فِي تعليقته فِي بَاب الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين بعد مَا ذكر أَن الْجِنَايَة الْمُوجبَة للْقصَاص لَا تثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين مَا نَصه وَكَذَلِكَ إِذا قطعت يَده من الساعد لم يسمع فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين وَغلط أَبُو حَامِد الإسفرايني فِي هَذَا فَقَالَ يسمع فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن هَذِه الْجِنَايَة تَتَضَمَّن الْقصاص وَلَا يسمع فِيهِ الشَّاهِد وَالْيَمِين ثمَّ أَطَالَ فِي الرَّد عَلَيْهِ وَاسْتشْهدَ بِنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَإِن كَانَ الْجراح هاشمة أَو مأمومة لم أقبل مِنْهُ أقل من شَاهِدين وساقها على نَحْو المناظرة بَينه وَبَين الشَّيْخ أبي حَامِد وَلَا يبعد ذَلِك فَإِن القَاضِي أَبَا الطّيب كَانَ يحضر مجْلِس أبي حَامِد وَأَيْضًا فَإِنِّي لم أرها فِي تعليقة الشَّيْخ أبي حَامِد فَدلَّ على أَن ذَلِك كَانَ مجْلِس نظر بَينهمَا وَإِنِّي ألخص المناظرة فَأَقُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب بعد مَا اسْتشْهد بِالنَّصِّ فِي الهاشمة والمأمومة مَا حَاصله إِذا كَانَ لَا يقبل فِي الهاشمة أقل من شَاهِدين وَإِن كَانَت توجب المَال لِأَن قبلهَا الْمُوَضّحَة وفيهَا الْقصاص فَكَذَلِك قطع الْيَد من الساعد لِأَن قبلهَا الْمفصل قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الْفرق بَين المسئلتين أَن الهشم يتَضَمَّن الْإِيضَاح فَيكون مباشرا للإيضاح الَّذِي ثَبت فِيهِ الْقصاص وواضعا الحديدة فِي مَوضِع ثَبت فِيهِ الْقصاص بِخِلَاف الْقطع من ساعد فَإِنَّهُ وضع الحديدة فِي مَوضِع لَا قصاص فِيهِ قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب فَيجب على هَذَا أَن تَقول إِنَّه لَا يجب الْقصاص بِتِلْكَ الْجِنَايَة من الْمفصل وَقد أجمعنا على وُجُوبه بهَا مِنْهُ وَصَارَ فِي معنى الهشم قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد لَا أسلم أَن الْقصاص يجب بِهَذِهِ الْجِنَايَة من الْمفصل قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب غلط أَيْضا على الْمَذْهَب لِأَن الشَّافِعِي نَص على أَنه إِذا قطع يَد رجل وَيَد الْمَقْطُوع ذَات ثَلَاث أَصَابِع وَيَد الْقَاطِع كَامِلَة الْأَصَابِع لم تقطع يَده الْكَامِلَة بِيَدِهِ النَّاقِصَة فَإِن رَضِي بِأَن يقْتَصّ مِنْهُ فِي ثَلَاث أَصَابِع اقْتصّ مِنْهُ فِيهَا وَأخذ الْحُكُومَة فِي الْبَاقِي وَهَذَا يدل على بطلَان مَا قَالَه انْتهى وَهُوَ مَكَان مُهِمّ قد دارت الْمُنَازعَة فِيهِ بَين هذَيْن الْإِمَامَيْنِ الجليلين وَلم أجد للرافعي وَلَا لِابْنِ الرّفْعَة عَلَيْهِ كلَاما وَأغْرب من ذَلِك أَن ابْن أبي الدَّم قد تكلم عَلَيْهِ فِي شرح الْوَسِيط وَلم يتَعَرَّض لَهُ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب مَعَ تتبعه كَلَام ابْن أبي الدَّم وَقد قَالَ ابْن أبي الدَّم إِن مَا ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب طَريقَة لَهُ وَإِن الشَّيْخ أَبَا عَليّ قَالَ فِي شَرحه لمختصر الْمُزنِيّ وَلَو ادّعى على رجل أَنه قطع يَده من نصف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 الذِّرَاع هَل يثبت بِشَاهِد وَيَمِين فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ لَو ثَبت لثبت الْقصاص فِي الْكُوع وَالثَّانِي يثبت الْحُكُومَة فِي الذِّرَاع وَلَا يثبت فِي الْكُوع قصاص وَلَا دِيَة قَالَ فَلَو ادّعى عَلَيْهِ جِنَايَة مُوجبَة لِلْمَالِ إِلَّا أَن فِي ضمنهَا مَا يُوجب الْقود كالهاشمة والموضحة فنص الشَّافِعِي أَنه لَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة شَاهِدين وَحكى فِيهِ صَاحب التَّقْرِيب قولا آخر أَنه يثبت بِشَاهِد وَيَمِين وَيثبت بِهِ أرش الهاشمة وعَلى هَذَا هَل يثبت الْقصاص فِي الْمُوَضّحَة تبعا فِيهِ وَجْهَان فَالَّذِي قَالَه الشَّيْخ أَبُو حَامِد قَول لصَاحب الْمَذْهَب فَلَا وَجه لتغليطه هَذَا ملخص كَلَام ابْن أبي الدَّم وَمَا حَكَاهُ صَاحب التَّقْرِيب من الْوَجْهَيْنِ فِي إِثْبَات الْقصاص فِي الْمُوَضّحَة وَالْحَالة مَا ذكر مَعْرُوف بالإشكال فَإِنَّهُ كَيفَ تتبع الْمُوَضّحَة الهاشمة فِي وجوب الْقصاص والمتبوع لَا قصاص فِيهِ نعم للْخلاف فِي وجوب أرش الْمُوَضّحَة اتجاه لأَنا وجدنَا مُتَعَلقا لثُبُوت المَال وَالْمَال يستتبع المَال أما أَنه يستتبع الْقصاص فَلَا وَجَمِيع مَا ذكره ابْن أبي الدَّم عَن صَاحب التَّقْرِيب وَعَن الشَّيْخ أبي عَليّ ذكره الرَّافِعِيّ وَابْن الرّفْعَة كِلَاهُمَا فِي بَاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَلم يتعرضا لكَلَام الشَّيْخَيْنِ أبي حَامِد وَالْقَاضِي أبي الطّيب تعَارض بَين بينتي الرّقّ وَالْحريَّة ذكر أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ أَن الشَّيْخ أَبَا حَامِد قَالَ فِي مَجْهُول النّسَب أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه حر وَأقَام الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة أَنه رَقِيق إِن بَيِّنَة الرّقّ أولى لِأَنَّهُ طارىء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 قَالَ وَقَالَ غَيره إِن بَيِّنَة الْحُرِّيَّة أولى قلت وَصرح القَاضِي أَبُو سعد فِي الإشراف بِنَقْل القَوْل بِتَقْدِيم الْحُرِّيَّة عَن جَمِيع الْأَصْحَاب غير الشَّيْخ أبي حَامِد وَصرح الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِي كتاب النِّكَاح عِنْد الْكَلَام فِي خِيَار الْمُعتقَة بحكاية وَجْهَيْن أَحدهمَا التَّعَارُض وَالثَّانِي أَن بَيِّنَة الرّقّ أولى وَالَّذِي حزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي الْفُرُوع المنثورة آخر بَاب الدعاوي أَن بَيِّنَة الرّقّ أولى كَمَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَمَوْضِع الْخلاف تعَارض الرّقّ وحرية الأَصْل أما الرّقّ وَالْعِتْق فَلَا يخفى أَن الْعتْق أولى وَبِه جزم الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب النِّكَاح والرافعي فِي بَاب الدَّعَاوَى وَغَيرهمَا وَهُوَ وَاضح 272 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس الْجِرْجَانِيّ صَاحب المعاياة والشافي والتحرير وَغير ذَلِك كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه وَالْأَدب قَاضِيا بِالْبَصْرَةِ ومدرسا بهَا وَله تصانيف فِي الْأَدَب حَسَنَة مِنْهَا كتاب الأدباء وَقد سمع الحَدِيث من أبي طَالب بن غيلَان وَأبي الْحسن الْقزْوِينِي وَأبي عبد الله الصُّورِي والقاضيين أبي الطّيب وَالْمَاوَرْدِيّ والخطيب أبي بكر وَأبي بكر بن شَاذان وَغَيرهم الحديث: 272 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 روى عَنهُ أَبُو عَليّ بن سكرة الْحَافِظ وَإِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو طَاهِر أَحْمد ابْن الْحسن الكرجي وَالْحُسَيْن بن عبد الْملك الأديب وَغَيرهم وتفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِيهِ قَاضِي الْبَصْرَة رجل من الرِّجَال دخال فِي الْأُمُور خراج أحد أجلاء الزَّمَان وَقَالَ ابْن النجار لَهُ النّظم الْمليح صنف كتاب كنايات الأدباء وإشارات البلغاء جمع فِيهِ محَاسِن النّظم والنثر قلت لم يذكرهُ وَاحِد مِنْهُمَا بالفقه وَقد كَانَ فِيهِ إِمَامًا ماهرا وفارسا مقداما وتصانيفه فِيهِ تنبىء عَن ذَلِك توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 وَمن الْمسَائِل الغريبة والفوائد العجيبة عَنهُ قَالَ فِي كتاب المعاياة إِن السابي إِذا وطىء الْجَارِيَة المسبية يكون متملكا لَهَا وَتَبعهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الفروق على ذَلِك وَهُوَ غَرِيب وَقَالَ فِي الشافي إِنَّه يجوز للرجل الْخلْوَة بأمته المستبرأة وَإنَّهُ يكره لمن عَلَيْهِ صَوْم رَمَضَان أَن يتَطَوَّع بِصَوْم وَحكى وَجها أَن ضَمَان نَفَقَة الْيَوْم للزَّوْجَة لَا يَصح وَالْمَشْهُور الصِّحَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 273 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الإِمَام الْكَبِير أَبُو الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ جد صَاحب الْبَحْر وَهُوَ صَاحب الجرجانيات روى عَن الْقفال الْمروزِي أخبرنَا أَحْمد بن عَليّ الْجَزرِي عَن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي عَن أبي طَاهِر السلَفِي أخبرنَا أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ بِالريِّ سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة أخبرنَا جدي الحديث: 273 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الرَّوْيَانِيّ بآمل حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد الْفَقِيه حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم حَدثنَا أَبُو سعيد الْأَشَج حَدثنَا وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن يعلى بن مرّة عَن أَبِيه قَالَ خرجت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنزلنا منزلا فَقَالَ (إيت تينك الأشاءتين) يَعْنِي نخلتين (فَقل لَهما إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأمركما أَن تجتمعا) فأتيتهما فَقلت لَهما فَوَثَبت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَى صاحبتها فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أتاهما فاستتر بهما فَقضى حَاجته فَقَالَ لي (ائتهما فَقل لَهما ارْجِعَا) فَقلت لَهما فَرَجَعت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَى مَكَانهَا 274 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عَليّ أَبُو الْحسن الشجاعي النَّيْسَابُورِي أَمِين مجْلِس الْقَضَاء بنيسابور كَانَ من فُقَهَاء الْمَذْهَب وَكَانَت لَهُ ثروة ظَاهِرَة وحشمة عالية مولده سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة وَحدث عَن أبي بكر الْحِيرِي روى عَنهُ عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي وَمُحَمّد بن جَامع خياط الصُّوف وَعمر ابْن أَحْمد الصفار وَعبد الْخَالِق بن زَاهِر وَعبد الله بن الفراوي وَهبة الرَّحْمَن الْقشيرِي وَغَيرهم الحديث: 274 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 275 - أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن الْحسن بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَبُو بكر الفوركي سبط الإِمَام أبي بكر بن فورك من أهل نيسابور ورد بَغْدَاد واستوطنها وَكَانَ يعظ بالنظامية درس الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ على أبي الْحسن الْقَزاز وَتزَوج بابنة الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي سمع أَبَا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا الْحُسَيْن عبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي وَأَبا الْحسن بن الْمَرْزُبَان وَغَيرهم روى عَنهُ عبد الْوَهَّاب بن الْأنمَاطِي وَغَيره مولده فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وَمَات سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 276 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو نصر بن البُخَارِيّ حمو القَاضِي الصَّيْمَرِيّ تفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي حَامِد الحديث: 275 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 قَالَ الْخَطِيب ثمَّ ولي قَضَاء الْكُوفَة فَخرج إِلَيْهَا وَأقَام بهَا دهرا طَويلا وَقدم بَغْدَاد وَحدث عَن أبي الْقَاسِم المرجي الْموصِلِي كتبت عَنهُ وَكَانَ ثِقَة وبلغنا أَنه مَاتَ بِالْكُوفَةِ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ لست خلون من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 277 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبيد الله مُصَغرًا بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أَحْمد بن مُوسَى أَبُو بكر البستي من كبار أَئِمَّة نيسابور وَأولى الرياسة والحشمة حدث عَن أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ من كبار فُقَهَاء أَصْحَاب الشَّافِعِي والمدرسين المناظرين بنيسابور وَكَانَت لَهُ الْمُرُوءَة الظَّاهِرَة والثروة الوافرة بنى لأهل الْعلم مدرسة على بَاب دَاره ووقف عَلَيْهَا جملَة من مَاله وَتُوفِّي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 277 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 278 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعيد أَبُو الْعَبَّاس الأبيوردي أحد أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد سكن بَغْدَاد وَولي قَضَاء الْجَانِب الشَّرْقِي مِنْهَا وَكَانَت لَهُ حَلقَة للْفَتْوَى فِي جَامع الْمَنْصُور قَالَ الْخَطِيب وَذكر لي أَنه سمع بِبِلَاد خُرَاسَان وَلم يكن مَعَه من مسموعاته غير شَيْء يسير كتبه بِالريِّ وهمذان عَن عَليّ بن الْقَاسِم بن شَاذان القَاضِي وجعفر بن عبد الله الفناكي وَصَالح بن أَحْمد بن مُحَمَّد التَّمِيمِي قَالَ وَكَانَ حسن الِاعْتِقَاد جميل الطَّرِيقَة ثَابت الْقدَم فِي الْعلم فصيح اللِّسَان يَقُول الشّعْر ولد سنة سبع وَخمسين وثلاثمائة وَمَات فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 278 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 279 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر الْقرشِي التَّيْمِيّ المروروذي الْمَعْرُوف بالمنكدري إِمَام فَاضل تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد فِي قدمة قدمهَا إِلَى بَغْدَاد وَسمع من أبي أَحْمد الفرضي وَأبي عمر بن مهْدي وَسمع بنيسابور من الْحَاكِم أبي عبد الله وَالشَّيْخ أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَحدث بِبَغْدَاد كتب عَنهُ الْخَطِيب مولده فِي شعْبَان سنة أَربع وَسبعين وثلاثمائة وَمَات بمروالروذ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَبهَا ولد الحديث: 279 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 280 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن شُجَاع السَّرخسِيّ أَبُو حَامِد الشجاعي تفقه على الشَّيْخ أبي على السنجي ودرس مُدَّة وَكَانَ إِمَامًا مبرزا كَبِير الْقدر سمع الحَدِيث من اللَّيْث بن مُحَمَّد اللَّيْثِيّ وَغَيره روى عَنهُ ابْن أَخِيه مُحَمَّد بن مَحْمُود السره مرد وَعمر البسطامي الْحَافِظ وَجَمَاعَة من شُيُوخ ابْن السَّمْعَانِيّ وَله مجْلِس من أَمَالِيهِ مَرْوِيّ توفّي ببلخ سنة ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَسبق أَحْمد بن مُحَمَّد الشجاعي غير هَذَا 281 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن نمير الشَّيْخ الْجَلِيل أَبُو سعيد الْخَوَارِزْمِيّ الضَّرِير تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ حَافِظًا متقنا للفقه الحديث: 280 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 يُقَال لم يكن فِي عصره من الشُّيُوخ بعد أبي الطّيب الطَّبَرِيّ أفقه مِنْهُ وَكَانَ يقدم على أبي الْقَاسِم الْكَرْخِي وَأبي نصر الثابتي وَحدث عَن أبي الْقَاسِم الصيدلاني كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا مَاتَ يَوْم الِاثْنَيْنِ الْعَاشِر من صفر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن الصّلاح ذكر ابْن عقيل فِي الْفُنُون قَالَ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْفضل الهمذاني شَيخنَا فِي الْفَرَائِض ذاكرت بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة يَعْنِي قَول الرجل لامْرَأَته أَنْت طَالِق لَا كنت لي بِمرَّة حَيْثُ كثر الاستفتاء فِيهَا الشَّيْخ أَبَا سعيد الضَّرِير فَقَالَ هِيَ على ثَلَاثَة أَقسَام الأول أَن يَعْنِي لَا كنت لي بِمرَّة لوُقُوع الطَّلَاق عَلَيْك فَيَقَع مَا نَوَاه من الطَّلَاق وَإِن لم ينْو عددا وَقعت وَاحِدَة وَالثَّانِي أَن يَعْنِي لَا كنت لي بِمرَّة أَي لَا استمتعت بك فَيكون مُعَلّقا بِوَطْئِهَا فَإِن وَطئهَا وَقعت طَلْقَة الثَّالِث أَن يُرِيد أَنْت طَالِق لَا استدمت نكاحك فَإِن مضى زمَان يُمكنهُ فِيهِ الْإِبَانَة فَلم يبنها وَقعت طَلْقَة 282 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ صَاحب الغريبين فِي لُغَة الْقُرْآن ولغة الحَدِيث الحديث: 282 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 أَخذ اللُّغَة عَن الْأَزْهَرِي وَغَيره وروى الحَدِيث عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن ياسين وَأبي إِسْحَاق أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُونُس الْبَزَّاز الْحَافِظ روى عَنهُ أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي وَأَبُو عمر عبد الْوَاحِد ابْن أَحْمد المليحي توفّي لست خلون من رَجَب سنة إِحْدَى وَأَرْبَعمِائَة 283 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد أَبُو مَنْصُور بن الصّباغ الْبَغْدَادِيّ ابْن أخي الشَّيْخ أبي نصر وَزوج ابْنَته إِمَام عَالم جليل الْقدر وتفقه على القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وعَلى عَمه الشَّيْخ أبي نصر وروى الحَدِيث عَن القَاضِي أبي الطّيب وَالْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَأبي يعلى بن الْفراء وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَأبي الْقَاسِم بن الْيُسْرَى وَأبي الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وأبى على الْحسن بن أَحْمد الْحداد وَغَيرهم الحديث: 283 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 روى عَنهُ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَأَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْحسن بن الْخلّ الْفَقِيه وَغَيرهم قَالَ ابْن النجار كَانَ فَقِيها فَاضلا حَافِظًا للْمَذْهَب متدينا يَصُوم الدَّهْر وَيكثر الصَّلَاة قَالَ وَكَانَ يَنُوب عَن القَاضِي أبي مُحَمَّد بن الدَّامغَانِي فِي الْقَضَاء بِربع الكرخ ثمَّ ولي الْحِسْبَة بالجانب الغربي بِبَغْدَاد قَالَ وَله مصنفات ومجموعات حَسَنَة قَالَ وَكَانَ خطه رديئا توفّي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن من الْغَد فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب بِبَغْدَاد وَمن مسَائِل القَاضِي أبي مَنْصُور ذكر أَن إِمَامَة الأقلف تكره بعد الْبلُوغ وَلَا تكره قبله وَقَالَ أَبُو مَنْصُور فِي الْفَتَاوَى الَّتِي جمعهَا من كَلَام عَمه الشَّيْخ أبي نصر وفيهَا كثير من كَلَامه إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق لَا بُد أَن تفعلي كَذَا أَنه لم يجدهَا منصوصة قَالَ أَبُو مَنْصُور وَرَأَيْت شَيخنَا يَعْنِي أَبَا نصر بن الصّباغ يُفْتِي أَنه يكون على الْفَوْر قَالَ وَأفْتى غَيره بِأَنَّهُ يكون على التَّرَاخِي وَقَالَ أَبُو مَنْصُور أَيْضا فِي هَذِه الْفَتَاوَى فِي مَسْأَلَة العمياء هَل لَهما حضَانَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 لم أجد هَذِه الْمَسْأَلَة مسطورة وَسَأَلت شَيخنَا يَعْنِي ابْن الصّباغ فَقَالَ إِن كَانَ الطِّفْل صَغِيرا فلهَا الْحَضَانَة لِأَنَّهُ يُمكنهَا حفظه وَإِن كَانَ كَبِيرا فَلَا حضَانَة لَهَا لتعذر الْحِفْظ قلت وَالْأَمر كَمَا وصف من كَون الْمَسْأَلَة غير مسطورة وَلم يَقع الْبَحْث عَنْهَا إِلَّا فِي زمَان ابْن الصّباغ فَأفْتى بِهَذَا وَأفْتى عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي بِأَنَّهُ لَا حضَانَة لَهَا مُطلقًا وَأرَاهُ الْأَرْجَح 284 - أَحْمد بن مُحَمَّد الشَّيْخ أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ الْقَدِيم الْكَبِير هَذَا الرجل قد وَقع الْخبط فِي أمره وَجَهل أَكثر الْخلق حَاله وَأول بحثي عَن تَرْجَمته لما كنت أَقرَأ طَبَقَات الشَّيْخ أبي إِسْحَاق على شَيخنَا الذَّهَبِيّ مَرَرْت بقوله وبخراسان وَفِيمَا وَرَاء النَّهر من أَصْحَابنَا خلق كثير كالأودني وَأبي عبد الله الْحَلِيمِيّ وَأبي يَعْقُوب الأبيوردي وَأبي عَليّ السنجي وَأبي بكر الْفَارِسِي وَأبي بكر الطوسي وَأبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وناصر الْمروزِي وَأبي سليم الشَّاشِي وَالْغَزالِيّ وَأبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَغَيرهم مِمَّن لم يحضرني تَارِيخ مَوْتهمْ الحديث: 284 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 هَذَا كَلَام الشَّيْخ أبي إِسْحَاق أخبرنَا بِهِ أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ من أصل سَمَاعه وَهُوَ أصل صَحِيح قَالَ أخبرنَا عمر بن عبد الْمُنعم بن القواس أخبرنَا زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ إجَازَة أخبرنَا ابْن عبد السَّلَام أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فَذكره وَقد سَأَلت شَيخنَا الذَّهَبِيّ حَالَة الْقِرَاءَة عَلَيْهِ من هَذَا الْغَزالِيّ فَقَالَ هَذَا زِيَادَة من النَّاسِخ فَإنَّا لَا نَعْرِف غزاليا غير حجَّة الْإِسْلَام وأخيه وَيبعد كل الْبعد أَن يكون ثمَّ آخر لِأَن هَذِه نِسْبَة غَرِيبَة يقل الِاشْتِرَاك فِيهَا قَالَ وَيبعد أَن يُرِيد حجَّة الْإِسْلَام إِذْ هُوَ مثل تلامذته وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لم يذكر من أقرانه أحدا كإمام الْحَرَمَيْنِ وَابْن الصّباغ وَغَيرهمَا فَكيف يذكر من هُوَ دونهم وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ذكره قبل الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد شيخ شيخ الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ شيخ وَلَده إِمَام الْحَرَمَيْنِ شيخ الْغَزالِيّ فَكل هَذَا مِمَّا يمهد أَنه لم يرد الْغَزالِيّ فَقلت لَهُ إِذْ ذَاك وَثمّ دَلِيل آخر قَاطع على أَنه لم يرد أَبَا حَامِد حجَّة الْإِسْلَام فَقَالَ مَا هُوَ فَقلت قَوْله لم يحضرني تَارِيخ مَوْتهمْ فَإِن هَذَا دَلِيل مِنْهُ على أَنهم كَانُوا قد مَاتُوا وَلَكِن مَا عرف تَارِيخ مَوْتهمْ وَحجَّة الْإِسْلَام كَانَ مَوْجُودا بعد موت الشَّيْخ قَالَ صَحِيح ثمَّ ذكرت ذَلِك لوالدي الشَّيْخ الإِمَام تغمده الله برحمته فَذكر نَحوا مِمَّا ذكره الذَّهَبِيّ وَتَمَادَى الْأَمر وَأَنا لَا أَقف على نُسْخَة من الطَّبَقَات وأكشف عَن هَذِه الْكَلِمَة إِلَّا وأجدها فأزداد تَعَجبا وفكرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 ثمَّ وَقعت لي نُسْخَة عَلَيْهَا خطّ الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَقد كتب عَلَيْهَا بِأَنَّهَا قُرِئت عَلَيْهِ فألفيت هَذِه اللَّفْظَة فِيهَا ثمَّ وقفت فِي تعليقة الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى صَاحب الْغَزالِيّ فِي الزَّكَاة فِي مَسْأَلَة التّلف بعد التَّمَكُّن أَنه ألزم شَافِعِيّ فَقيل لَهُ أَلَيْسَ لَو تلف النّصاب قبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء سَقَطت الزَّكَاة فَكَذَلِك بعد التَّمَكُّن بِخِلَاف مَا لَو أتلف فَإِنَّهَا لَا تسْقط فَقَالَ مَسْأَلَة الْإِتْلَاف مَمْنُوعَة لَا زَكَاة عَلَيْهِ وَلَا ضَمَان وَأسْندَ هَذَا الْمَنْع إِلَى الْغَزالِيّ الْقَدِيم وَالشَّيْخ أبي عَليّ تَفْرِيعا على أَن الزَّكَاة إِنَّمَا تجب بالتمكن انْتهى ثمَّ وقفت فِي كتاب الْأَنْسَاب لِابْنِ السَّمْعَانِيّ فِي تَرْجَمَة الزَّاهِد أبي عَليّ الفارمذي على أَن أَبَا عَليّ الْمَذْكُور تفقه على أبي حَامِد الْغَزالِيّ الْكَبِير فَلَمَّا وقفت على هذَيْن الْأَمريْنِ سر قلبِي وانشرح صَدْرِي وأيقنت أَن فِي أَصْحَابنَا غزاليا آخر فطفقت أبحث عَنهُ فِي التواريخ فَلَا أَجِدهُ مَذْكُورا إِلَى أَن وقفت على مَا انتقاه ابْن الصّلاح من كتاب الْمَذْهَب فِي ذكر شُيُوخ الْمَذْهَب للمطوعي فرأيته أَعنِي المطوعي قد ذكر أَبَا طَاهِر الزيَادي وعظمه ثمَّ قَالَ وَتخرج بدرسه من لَا يُحْصى كَثْرَة كَأبي يَعْقُوب الأبيوردي صَاحب التصانيف السائرة والكتب الفائقة الساحرة وَذكره ثمَّ قَالَ وكأبي حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد الْغَزالِيّ الَّذِي أذعن لَهُ فُقَهَاء الْفَرِيقَيْنِ وَأقر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 بفضله فضلاء المشرقين والمغربين إِذا حاور الْعلمَاء كَانَ الْمُقدم وَإِن نَاظر الْخُصُوم كَانَ الْفَحْل المقرم وَله فِي الخلافيات والجدل ورءوس الْمسَائِل وَالْمذهب تصانيف انْتهى فازددت فَرحا وسرورا وحمدت الله حمدا كثيرا وَقد وَافق هَذَا الشَّيْخ حجَّة الْإِسْلَام فِي النِّسْبَة الغريبة والكنية وَاسم الْأَب ثمَّ بَلغنِي أَنه عَمه فَقيل لي أَخُو أَبِيه وَقيل عَم أَبِيه أَخُو جده ثمَّ حكى لي سيدنَا الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة ولي الله جمال الدّين عُمْدَة الْمُحَقِّقين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الجمالي حَيَّاهُ الله وبياه وأمتع ببقياه أَن قبر هَذَا الْغَزالِيّ الْقَدِيم مَعْرُوف مَشْهُور بمقبرة طوس وَأَنَّهُمْ يسمونه الْغَزالِيّ الْمَاضِي وَأَنه جرب من أمره أَنه من كَانَ بِهِ هم ودعا عِنْد قَبره اسْتُجِيبَ لَهُ 285 - أَحْمد بن مُحَمَّد الشقاني الحديث: 285 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 286 - أَحْمد بن مُحَمَّد الطوسي أَبُو حَامِد الراذكاني وراذكان برَاء مُهْملَة ثمَّ ألف سَاكِنة ثمَّ ذال مُعْجمَة مَفْتُوحَة ثمَّ كَاف ثمَّ ألف ثمَّ نون من قرى طوس وَهَذَا الراذكاني أحد أَشْيَاخ الْغَزالِيّ فِي الْفِقْه تفقه عَلَيْهِ قبل رحلته إِلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ 287 - أَحْمد بن مَنْصُور بن أبي الْفضل الْفَقِيه أَبُو الْفضل الضبعِي السَّرخسِيّ من أَهلهَا الهوذي من أقَارِب خَارِجَة بن مُصعب الضبعِي بضاد مُعْجمَة مَضْمُومَة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة مَفْتُوحَة قدم بَغْدَاد شَابًّا فتفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَسمع بهَا وبخراسان من طَائِفَة وَكَانَ بارعا مناظرا واعظا كَبِير الْقدر ذكره أَبُو الْفَتْح العياضي فِي رسَالَته فَقَالَ وَأَبُو الْفضل الهوذي فِي الْفِقْه مَا أثْبته وَفِي مجْلِس النّظر مَا أنظرهُ وعَلى الْمِنْبَر مَا أفصحه الحديث: 286 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِنَّه حدث فِي مَدِينَة سرخس ب سنَن أبي دَاوُد عَن القَاضِي أبي عمر الْهَاشِمِي وَكَانَت وِلَادَته تَقْرِيبًا فِي سنة سبعين وثلاثمائة قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ أتوهمه بَقِي إِلَى حُدُود الْخمسين وَأَرْبَعمِائَة 288 - مُحَمَّد ابْن الإِمَام أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل أَبُو نصر الْإِسْمَاعِيلِيّ كَانَ عَالما رَئِيسا رَأس فِي حَيَاة أَبِيه وَكَانَ رَئِيس مَدِينَة جرجان والمشار إِلَيْهِ ورحل فِي صباه فَسمع أَبَا الْعَبَّاس الْأَصَم ودعلج بن أَحْمد وَأَبا بكر الشَّافِعِي وَأَبا يَعْقُوب الْبُحَيْرِي وَابْن رَحِيم الْكُوفِي وخلقا روى عَنهُ حَمْزَة السَّهْمِي وَقَالَ فِي تَارِيخه كَانَ لَهُ جاه عَظِيم وَقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام فِي كثير من الْبلدَانِ وَتحل بكتابه العقد وَكَانَ يعرف الحَدِيث ويدريه وَأول مَا جلس للإملاء فِي حَيَاة وَالِده أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَفِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ فِي مَسْجِد الصفارين إِلَى أَن توفّي وَالِده ثمَّ انْتقل إِلَى الْمَسْجِد الَّذِي كَانَ وَالِده يملي فِيهِ ويملي كل سبت إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الْأَحَد وَدفن يَوْم الِاثْنَيْنِ لثلاث بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ أَبُو معمر الْإِسْمَاعِيلِيّ قلت ذكره ابْن عَسَاكِر فِي كتاب التَّبْيِين لكَونه هُوَ وَأهل بَيته من أجلاء الأشعرية الحديث: 288 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 وَقَول شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة الْمَذْكُور وَزعم ابْن عَسَاكِر أَنه كَانَ أشعريا لَا يتَوَهَّم مِنْهُ أَن الْأَمر عِنْده بِخِلَاف ذَلِك فَإِن أشعرية هَذَا الرجل وَأهل بَيته أوضح من أَن تخفى وَلَكِن شَيخنَا على عَادَته فِي الْإِيهَام غضا من الأشاعرة سامحه الله وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ بطرابلس عَن مَحْمُود بن مندة أخبرنَا أَبُو رشيد أَحْمد بن مُحَمَّد أخبرنَا عبد الْوَهَّاب بن مندة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ أخبرنَا أَحْمد بن عَمْرو بن الْخَلِيل الآملي حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ حَدثنَا عَمْرو بن عون أَنبأَنَا ابْن الْمُبَارك عَن ابْن عجلَان عَن عَامر بن عبد الله عَن عَمْرو بن سليم عَن أبي قَتَادَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس) 289 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد بن مُوسَى بن أَحْمد بن كَعْب بن زُهَيْر الْعقيلِيّ الكاثي القَاضِي أَبُو عبد الله الكعبي من عُلَمَاء خوارزم سمع بهَا من الشريف هبة الله بن الْحُسَيْن العباسي الحديث: 289 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وبمرو من أبي عبد الله الشيرنخشيري وتفقه بخوارزم على أَبِيه وبمرو على الشَّيْخ أبي الْقَاسِم الفوراني قَالَ صَاحب الْكَافِي كَانَ من مشاهير صُدُور خوارزم وفضلائها وفقهائها وبيته بخوارزم بَيت علم وديانة ورياسة وثروة تولى الْقَضَاء بكاث والخطابة ورياسة الْفَرِيقَيْنِ إِلَى أَن توفّي لَا يُنَازع فِي شَيْء مِنْهَا قَالَ وَكَانَ قَاضِيا عدلا ومناظرا فحلا وَذكر أَن أَبَا عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد الْخَوَارِزْمِيّ الْمَعْرُوف برئيس كركانج خوارزم وَكَانَ من فحول مناظري بُخَارى فِي عَهده كَانَ يَقُول لَو دخلت خوارزم وناظرت القَاضِي الكعبي لقطعته فَلَمَّا دَخلهَا اجْتمعَا وتناظرا فِي مَسْأَلَة نُقْصَان الْولادَة هَل ينجبر بِالْوَلَدِ ظهر كَلَام القَاضِي عَلَيْهِ غَايَة الظُّهُور وخجل رَئِيس كركانج قَالَ القَاضِي الكعبي سَمِعت الشيرنخشيري ينشد وَيَقُول (أقبل معاذير من يَأْتِيك معتذرا ... إِن بر عنْدك فِيمَا قَالَ أَو فجرا) (فقد أطاعك من يَأْتِيك معتذرا ... وَقد أَجلك من يعصيك مستترا) قَالَ صَاحب الْكَافِي توفّي القَاضِي الكعبي فِي مستهل صفر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بكاث وَحمل تابوته إِلَى خشراخان وَدفن بهَا فِي مَقْبرَة الْكَعْبِيَّة وَجلسَ ابْنه أَبُو سعيد مَكَانَهُ فِي الْقَضَاء والخطابة ورياسة الْفَرِيقَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 290 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن شَاكر الْقطَّان أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ الَّذِي جمع مَا انْتهى إِلَيْهِ من فَضَائِل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ روى عَن عبد الله بن جَعْفَر بن الْورْد وَالْحسن بن رَشِيق وَجَمَاعَة روى عَنهُ القَاضِي أَبُو عبد الله الْقُضَاعِي وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن سعيد الحبال وَجَمَاعَة توفّي فِي الْمحرم سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة 291 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن شاده بن جَعْفَر أَبُو عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ القَاضِي الروذدشتي القَاضِي بدجيل قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ تفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ رَضِي السِّيرَة فِي الْقَضَاء الحديث: 290 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 سمع أَبَا عمر عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن مهْدي الْفَارِسِي وَأَبا الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مخلد الْبَزَّاز ثمَّ قَالَ روى لنا عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز ويجيى بن عَليّ الطراح مَاتَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 292 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن شُعَيْب وبخط شَيخنَا الذَّهَبِيّ أبي شُعَيْب بن عبد الله بن الْفضل بن عقبَة أَبُو مَنْصُور الرَّوْيَانِيّ نزيل بَغْدَاد سمع ابْن كيسَان النَّحْوِيّ وَسَهل بن أَحْمد الديباجي روى عَنهُ الْخَطِيب مَاتَ فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 293 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْعَبَّاس الْفَارِسِي القَاضِي أَبُو بكر الْبَيْضَاوِيّ كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا لَهُ الرُّتْبَة الرفيعة فِي الْفِقْه وَله معرفَة بالأدب صنف فِي كل مِنْهُمَا وَكَانَ يعرف بالشافعي الحديث: 292 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 وَاعْلَم أَن الْبَيْضَاوِيّ فِي هَذِه الطَّبَقَة من أَصْحَابنَا ثَلَاثَة هَذَا القَاضِي وختن القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد شيخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ سيردان وَلم يذكر الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي كِتَابه غير شَيْخه وَأَبُو بكر هَذَا هُوَ مُصَنف التَّبْصِرَة فِي الْفِقْه مُخْتَصر هُوَ عِنْدِي وَله عَلَيْهِ كِتَابَانِ أَحدهمَا الْأَدِلَّة فِي تَعْلِيل مسَائِل التَّبْصِرَة ذكر ابْن الصّلاح أَنه وقف عَلَيْهِ وَالثَّانِي التَّذْكِرَة فِي شرح التَّبْصِرَة وقفت أَنا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مجلدين ذكر فِي خطبَته أَنه لما حصل بفرج سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة سُئِلَ فِيهِ وَقَالَ فِي آخِره صنفت هَذَا الْكتاب بقرح عِنْد رجوعي من بارم وَلم يكن معي كتاب أعْتَمد فِي شَيْء عَلَيْهِ أَو أرجع فِي وَقت إِلَيْهِ وارتفع ذَلِك فِي مُدَّة أَرْبَعَة أشهر مَعَ توفري كل يَوْم على التدريس ومذاكرة الْجَمَاعَة إِلَى نصف النَّهَار وَكفى بِاللَّه ثمَّ الشُّيُوخ الشَّاهِدين تأليفي هَذَا الْكتاب على مَا قلته شَهِيدا وانْتهى الْكتاب فِي الرَّابِع عشر من شَوَّال سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة هَذَا نَص كَلَامه وَهُوَ شرع حسن فِيهِ فَوَائِد وَله أَيْضا على مَا ذكر ابْن الصّلاح كتاب الْإِرْشَاد فِي شرح كِفَايَة الصَّيْمَرِيّ وَلم يذكرهُ الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد إِمَّا لِأَنَّهُ لم يدخلهَا أَو أَنه لَا رِوَايَة لَهُ أَو لغير ذَلِك وَإِنَّمَا ذكر الْبَيْضَاوِيّ الآخر مُحَمَّد بن عبد الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 ذكر نخب وفوائد من مصنفات هَذَا الرجل أما تَعْلِيل مسَائِل التَّبْصِرَة فَلم أَقف عَلَيْهِ إِلَى الْآن ووقف عَلَيْهِ ابْن الصّلاح وَذكر أَنه ذكر فِيهِ أَن الْحَائِض لَو قَالَت أَنا أتبرع بِقَضَاء مَا فَاتَ من الصَّلَوَات فِي أَيَّام الْحيض قُلْنَا لَا يجوز ذَلِك بل تصلين مَا أَحْبَبْت من النَّوَافِل فَأَما قَضَاء ذَلِك فَلَا وَاحْتج بِأَن أمْرَأَة ذكرت مثل ذَلِك لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فنهتها وَقَالَت أحرورية أَنْت قَالَ ابْن الصّلاح وَصحح فِي كتاب الْإِرْشَاد القَوْل بِأَن رب الدَّار أولى بِالْإِمَامَةِ من السُّلْطَان وَهُوَ قَول الشَّافِعِي قلت وَسَيَأْتِي فِي الطَّبَقَة السَّادِسَة فِي تَرْجَمَة القَاضِي ابْن شَدَّاد تَفْصِيله بَين الْجُمُعَة والعيد وَغَيرهمَا وَقَوله إِنَّمَا يكون الإِمَام أولى بِالْجمعَةِ والعيد وَكَانَ الْخطابِيّ سبقه إِلَيْهِ قلت وَلَا موقع لهَذَا التَّفْصِيل فَإِن الْجُمُعَة والعيد لَا يكونَانِ فِي دَار حَتَّى يُقَال السُّلْطَان أولى من رب الدَّار وَإِنَّمَا الْكَلَام فِيمَا يُقَام فِي الدّور فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة قَول بِأَن رب الدَّار أولى كَمَا صَححهُ هَذَا الْبَيْضَاوِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَسْأَلَة الصِّيغَة فِي الشَّهَادَة على الزِّنَا قد علم أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذكر فِي صيغتها أَن الشَّاهِد يَقُول دُخُول المرود فِي المكحلة إِذْ قَالَ فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ فِي بَاب حد الزِّنَا وَلَا يجوز على الزِّنَا واللواط وإتيان الْبَهَائِم إِلَّا أَرْبَعَة يَقُولُونَ رَأينَا ذَلِك مِنْهُ يدْخل فِي ذَلِك مِنْهَا دُخُول المرود فِي المكحلة انْتهى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 وَكَذَا قَالَ رَضِي الله عَنهُ فِي الْأُم وَالتَّصْرِيح بِهِ أَن يَقُولُوا رَأينَا ذَلِك مِنْهُ يدْخل فِي ذَلِك مِنْهَا دُخُول المرود فِي المكحلة إِلَى أَن قَالَ فَإِذا صَرَّحُوا بذلك فقد وَجب الْحَد قَالَ ابْن الرّفْعَة وَقد صَار إِلَى ذَلِك الفوراني وَلم يحك فِي إبانته غَيره وَيُوَافِقهُ قَول القَاضِي الْحُسَيْن وَقد قيل إِن ذَلِك التَّشْبِيه وَاجِب كَأَنَّهُ لما غلظ بِالْعدَدِ غلظ بالتشبيه ليَكُون أبلغ قَالَ لَكِن الَّذِي ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب أَنه يَكْفِي أَن يَقُول أولج ذكره فِي فرجهَا وَإِن ذكر كالمرود فِي المكحلة والإصبع فِي الْخَاتم والرشاء فِي الْبِئْر كَانَ آكِد وَهَذَا مَا أوردهُ الرَّافِعِيّ لَا غير وَعَزاهُ إِلَى القَاضِي أبي سعيد انْتهى كَلَام ابْن الرّفْعَة مُلَخصا وَأَقُول أما اقْتِصَار الفوراني فِي إبانته على ذكر هَذَا التَّشْبِيه فقد اقْتصر عَلَيْهِ أَيْضا الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي وَالْبَغوِيّ فِي التَّهْذِيب وَالْغَزالِيّ لَكِن من تَأمل كَلَامهم لم يجده نصا فِي تعْيين هَذِه اللَّفْظَة أَعنِي لَفْظَة التَّشْبِيه وَقد تَركهَا أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة فَلم يذكرهَا فِي تعليقته بل اقْتصر على قَوْله وَلَا بُد أَن يَقُولُوا رَأَيْنَاهُ يَزْنِي بهَا ورأينا ذَلِك مِنْهُ فِي ذَلِك مِنْهَا انْتهى وَكَذَلِكَ فعل الْمحَامِلِي فِي كتاب الْمقنع وَغير وَاحِد لم يذكر أحد مِنْهُم لفظ المرود فِي المكحلة بِالْكُلِّيَّةِ وَصرح صَاحب الشَّامِل بِأَن أَصْحَابنَا قَالُوا إِذا قَالَ رَأَيْت ذكره فِي فرجهَا كفى والتشبيه تَأْكِيد انْتهى وَتَبعهُ صَاحب الْبَحْر فَقَالَ قَالَ أَصْحَابنَا وَلَو قَالَ رَأينَا ذكره غَابَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 فرجهَا أجزأهم وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى قَوْلهم مثل المرود فِي المكحلة لِأَنَّهُ صَرِيح فِي هَذَا الْمَعْنى فَإِن ذَكرُوهُ كَانَ تَأْكِيدًا انْتهى وَأفَاد قبيل ذَلِك أَن قَول الشَّافِعِي ذَلِك مِنْهُ فِي ذَلِك مِنْهَا تَحْسِين للعبارة وَالْمرَاد التَّصْرِيح بِمَا يُحَقّق المُرَاد وَهَذِه عِبَارَته قَالَ الشَّافِعِي ثمَّ يتفهم الْحَاكِم حَتَّى يثبتوا أَنهم رَأَوْا ذَلِك مِنْهُ يدْخل فِي ذَلِك مِنْهَا دُخُول المرود فِي المكحلة وَهَذَا تَحْسِين للعبارة من جِهَة السّلف فَأَما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا قنع إِلَّا بِصَرِيح الْعبارَة انْتهى فَدلَّ أَن المُرَاد تَحْقِيق الْإِيلَاج خشيَة أَن يظنّ المفاخذة زنا لَا أَنا متعبدون بِلَفْظ المرود والمكحلة على خلاف مَا يتسارع إِلَى الْفَهم من كَلَام الشَّافِعِي وَمن جرى على ظَاهر نَصه فليحمل كَلَام من أطلق على مَا فسره القَاضِي أَبُو الطّيب وَالْقَاضِي أَبُو سعد وَنَقله ابْن الصّباغ وَالرُّويَانِيّ عَن الْأَصْحَاب من أَن لفظ المرود والمكحلة غير شَرط وَإِنَّمَا المُرَاد الْإِيضَاح دون التقيد بِهِ وَأما قَول ابْن الرّفْعَة إِن القَاضِي الْحُسَيْن قَالَ وَقد قيل إِن ذَلِك وَاجِب فَكَأَنَّهُ مستخرج فِي الْمَسْأَلَة خلافًا وَقد كشفت فَوجدت الْخلاف مُصَرحًا بِهِ فِي كَلَام القَاضِي أبي بكر الْبَيْضَاوِيّ قَالَ فِي بَاب الشَّهَادَة على الزِّنَا من كِتَابه شرح التَّبْصِرَة مَا نَصه قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله كدخول المرود فِي المكحلة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ ذَلِك على الْوُجُوب وَإِذا لم يَقُولُوا ذَلِك لم تتمّ الشَّهَادَة وَالأَصَح أَنه إِذا قَالُوا نشْهد أَنه زنى بهَا ورأينا الذّكر مِنْهُ قد دخل فِي الْفرج مِنْهَا تمت الشَّهَادَة لِأَن الْبَاقِي تَشْبِيه والتشبيه لَيْسَ من تَمام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 الشَّهَادَة كَمَا لَو شهدُوا أَن ذَلِك ذبح فلَانا فَلَا يحْتَاج أَن يَقُولُوا كَمَا يذبح القصاب الشَّاة انْتهى فَخرج فِي الْمَسْأَلَة وَجْهَان مُصَرح بهما بِنَقْل هَذَا الإِمَام الثبت وأصحهما كَمَا ذكر وَهُوَ الَّذِي عزا إِلَى الْأَصْحَاب عدم الِاحْتِيَاج وَحمل مَا وَقع فِي كَلَام الشَّافِعِي على الْإِيضَاح لَا التقيد وَمَا وَقع فِي كَلَام الشَّافِعِي وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِي حَدِيث مَاعِز فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ (أنكتها) قَالَ نعم قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حَتَّى غَابَ ذَلِك مِنْك فِي ذَلِك مِنْهَا) قَالَ نعم قَالَ كَمَا يغيب الْميل فِي المكحلة والرشاء فِي الْبِئْر قَالَ نعم الحَدِيث وَلَفظ الرشاء فِي الْبِئْر لم يَقع فِي كَلَام الشَّافِعِي فَدلَّ أَنه لم يفهم مِنْهُ تعين هَذِه الْأَلْفَاظ نعم أَنا أَقُول يَنْبَغِي أَن يتَعَيَّن لفظ النيك بِصَرِيح النُّون وَالْيَاء وَالْكَاف فَإِنِّي وجدته فِي غَالب الرِّوَايَات وَفِي لفظ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ أنكتها لَا يكنى قَالَ نعم الحَدِيث وَلَا أجد فِي الصراحة مَا هُوَ بَالغ مبلغ لفظ النيك وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد النَّاس حَيَاء وَأَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها فلولا تعين هَذِه اللَّفْظَة لما نطقت بهَا شفتاه هَذَا مَا يتَرَجَّح عِنْدِي وَإِن لم أَجِدهُ فِي كَلَام الْأَصْحَاب وَلَكِن كَلَامهم لَا يأباه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 ولعلهم كنوا عَنهُ بقَوْلهمْ ذَلِك مِنْهُ فِي ذَلِك مِنْهَا ويرشد إِلَى هَذَا قَول الرَّوْيَانِيّ إِنَّهُم حسنوا الْعبارَة وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقنع إِلَّا بِصَرِيح الْعبارَة فَمَا لنا أَن نقنع إِلَّا بِمَا قنع بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاعْلَم أَن أَكثر الْأَصْحَاب إِنَّمَا أوردوا تبعا للشَّافِعِيّ هَذِه الْمَسْأَلَة فِي حد الزِّنَا وَالْغَزالِيّ أوردهَا فِي الشَّهَادَات فَتَبِعَهُ الرَّافِعِيّ وَمن تَابعه 294 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْبَاقِي بن الْحسن بن مُحَمَّد بن طوق أَبُو الْفَضَائِل الربعِي الْموصِلِي تفقه على الْمَاوَرْدِيّ وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع الحَدِيث من أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عمر الْبَرْمَكِي وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَأبي الْقَاسِم التنوخي وَأبي طَالب بن غيلَان وَالْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَغَيرهم روى عَنهُ هبة الله بن عبد الْوَارِث الشِّيرَازِيّ وَأَبُو الفتيان الرواسِي وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ وَكثير بن سماليق وَأَبُو نصر الحديثي الشَّاهِد وَآخَرُونَ الحديث: 294 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ مَاتَ فِي مستهل صفر سنة أَربع وَتِسْعين وأبعمائة وَدفن فِي مَقْبرَة الشونيزي 295 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيسَى بن عبد الله القَاضِي أَبُو الْفضل السَّعْدِيّ الْبَغْدَادِيّ رَاوِي مُعْجم الصَّحَابَة لِلْبَغوِيِّ عَن ابْن بطة العكبري تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد وَسمع أَبَا بكر بن شَاذان وَأَبا طَاهِر المخلص وَابْن بطة وَغَيرهم بعدة بِلَاد وَسكن مصر وروى عَنهُ جمَاعَة توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 296 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن إِسْمَاعِيل أَبُو الْحُسَيْن الضَّبِّيّ الْمحَامِلِي سمع إِسْمَاعِيل الصفار وَعُثْمَان السماك والنجاد الحديث: 295 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ حفظ الْقُرْآن والفرائض ودرس مَذْهَب الشَّافِعِي وَكتب الحَدِيث وَهُوَ عِنْدِي مِمَّن يزْدَاد كل يَوْم خيرا قَالَ الْخَطِيب مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَمَات فِي رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة 297 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عباد الْهَرَوِيّ الإِمَام الْجَلِيل القَاضِي أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ صَاحب الزِّيَادَات وزيادات الزِّيَادَات والمبسوط وَالْهَادِي وأدب الْقَضَاء الَّذِي شَرحه أَبُو سعد الْهَرَوِيّ فِي كِتَابه الإشراف على غوامض الحكومات وَله أَيْضا طَبَقَات الْفُقَهَاء وَكتاب الرَّد على القَاضِي السَّمْعَانِيّ كَذَا رَأَيْت فِي فصل ابْن باطيش وَغير ذَلِك كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا حَافِظًا للْمَذْهَب بحرا يتدفق بِالْعلمِ وَكَانَ مَعْرُوفا بغموض الْعبارَة وتعويص الْكَلَام ضنة مِنْهُ بِالْعلمِ وحبا لاستعمال الأذهان الثاقبة فِيهِ مولده سنة خمس وَسبعين وثلاثمائة أَخذ الْعلم عَن أَرْبَعَة القَاضِي أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ بهراة وَالْقَاضِي أبي عمر البسطامي والأستاذ أبي طَاهِر الزيَادي وَأبي إِسْحَاق الإسفرايني بنيسابور الحديث: 297 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 قَالَ القَاضِي أَبُو سعد الْهَرَوِيّ لقد كَانَ يَعْنِي أَبَا عَاصِم أرفع أَبنَاء عصره فِي غزارة نكت الْفِقْه والإحاطة بغرائبه عمادا وَأَعْلَاهُمْ فِيهِ إِسْنَادًا قَالَ وتغليق الْكَلَام كَانَ من عَادَته الَّتِي لم يُصَادف على غَيرهَا فِي مُدَّة عمره قَالَ والمحصلون وَإِن أزروا عَلَيْهِ تغميض الْكَلَام وتحروا الْإِيضَاح عَلَيْهِ لَكِن جيلا من الْعلمَاء الْأَوَّلين عَمدُوا على التغميض وفضلوه على الْإِيضَاح وَكَأَنَّهُم ضنوا بالمعاني الَّتِي هِيَ الأعلاق النفيسة على غير أَهلهَا ثمَّ قَالَ مَعَ أَن السَّبَب الَّذِي دَعَاهُ إِلَى التغليق وَحمله على التغميض أَنه كَانَ من المتلقنين على الإِمَام أبي إِسْحَاق الإسفرايني وَمن تصفح مصنفات أبي إِسْحَاق لَا سِيمَا تجربة الأفهام فِي الْفِقْه ألفاها على شدَّة الغموض والإغلاق وَاعْلَم أَن الْأُسْتَاذ أَبَا إِسْحَاق أعدى الشَّيْخ أَبَا عَاصِم بدائه وَذهب بِهِ فِي مَذْهَب الْإِيضَاح عَن سوائه انْتهى كَلَام أبي سعد روى أَبُو عَاصِم عَن أبي بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سهل القراب وَغَيره وروى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن مَاتَ فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة وَمن الرِّوَايَة عَنهُ وَهِي عزيزة أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن قيم الضيائية قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 أسمع بقاسيون أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي سَمَاعا أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الْوَاحِد بن أبي المطهر الْقَاسِم بن الْفضل الصيدلاني إجَازَة أخبرنَا أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن الْحَافِظ أبي صَالح أَحْمد بن عبد الْملك النَّيْسَابُورِي أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو عَاصِم مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْعَبَّادِيّ الْهَرَوِيّ أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن سهل القراب أخبرنَا أَبُو عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن رزين الباشاني حَدثنَا عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عمَارَة بن الْقَعْقَاع عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله من أَحَق النَّاس مني بِحسن الصُّحْبَة قَالَ أمك قَالَ ثمَّ من قَالَ أمك قَالَ ثمَّ من قَالَ أَبوك فَكَانُوا يرَوْنَ أَن للْأُم الثُّلثَيْنِ وَللْأَب الثُّلُث رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن قُتَيْبَة عَن جرير عَن عمَارَة بن الْقَعْقَاع عَن أبي زرْعَة بِهِ وَقَالَ فِي عقبه وَقَالَ عبد الله بن شبْرمَة وَيحيى بن أَيُّوب حَدثنَا أَبُو زرْعَة مثله رَوَاهُ مُسلم عَن قُتَيْبَة وَزُهَيْر كِلَاهُمَا عَن جرير عَن عمَارَة بن الْقَعْقَاع بِهِ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن شريك وَعَن أبي كريب عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن أَبِيه كِلَاهُمَا عَن عمَارَة بن الْقَعْقَاع بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 وَبِه قَالَ وَحدثنَا سُفْيَان عَن زَائِدَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن ربعي عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر) أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن الْحسن بن الصَّباح الْبَزَّار عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن زَائِدَة بِهِ وَعَن أَحْمد بن منيع وَغير وَاحِد كلهم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر نَحوه وَقَالَ الْحسن وَكَانَ سُفْيَان يُدَلس فِي هَذَا فَرُبمَا ذكر زَائِدَة وَرُبمَا لم يذكرهُ وَرُوِيَ بِإِسْنَاد أتم من هَذَا وَهُوَ هَكَذَا سُفْيَان عَن زَائِدَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن هِلَال مولى ربعي عَن ربعي وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع وَعَن ابْن بشار عَن مُؤَمل كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ بِهِ وَبِه قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنِي عبد ربه عَن عمْرَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول (بِسم الله تربة أَرْضنَا بريقة بَعْضنَا يشفي سقيمنا بِإِذن رَبنَا) أخرجه البُخَارِيّ عَن عَليّ بن عبد الله وَعَن صَدَقَة بن الْفضل الْمروزِي وَمُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَابْن أبي عمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 وَأَبُو دَاوُد عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ عَن أبي قدامَة السَّرخسِيّ وَابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة سبعتهم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد ربه بن سعيد بِهِ وَمن الْمسَائِل والغرائب والفوائد عَن أبي عَاصِم قَالَ فِي الزِّيَادَات تعلم الْقدر الزَّائِد من الْقُرْآن على مَا تصح بِهِ الصَّلَاة أفضل من صَلَاة التَّطَوُّع لِأَن حفظه وَاجِب على الْأمة) وَقَالَ الْمَرِيض إِذا كَانَت عَلَيْهِ زَكَاة وَلَا مَال لَهُ يعزم على أَن يُؤدى إِن قدر على مَا فرط وَلَا يستقرض لِأَنَّهُ دين وَقَالَ شَاذان بن إِبْرَاهِيم يستقرض لِأَن حق الله تَعَالَى أَحَق وَقَالَ إِذا أولج قبل الصُّبْح فخشى فَنزع وطلع الصُّبْح فأمنى لم يفْسد صَوْمه وَهُوَ بِمَنْزِلَة الِاحْتِلَام وَقَالَ الْوَصِيّ إِذا أدّى الْمُوصى بِهِ من مَاله ليرْجع فِي التَّرِكَة جَازَ إِن كَانَ وَارِثا وَإِن لم يكن يعد وَلَا يرجع لِأَن الدّين لَا يثبت فِي ذمَّة الْمَيِّت وَفِي زيادات الزِّيَادَات على أبي عَاصِم فِيمَن وكل وكيلين بِقبُول نِكَاح امْرَأَة لَهُ وَله أَخَوان فزوج كل أَخ من وَكيل وَوَقع العقدان مَعًا قَالَ بِأَن يفْرض أَنَّهُمَا تكلما بِالْعقدِ والمؤذن يَقُول الله أكبر وَفرغ كل مِنْهُمَا عِنْد بُلُوغه حرف الرَّاء إِن العقد بَاطِل لِأَن الزَّوْج وَإِن كَانَ وَاحِدًا فالإيحاب وَالْقَبُول مُخْتَلِفَانِ لِأَن الْمُوجب لأحد الوكيلين لَو قبله مِنْهُ الثَّانِي لم يَصح فسقطا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 قلت الْمَسْأَلَة مسطورة فِي الرَّافِعِيّ وَالصَّحِيح فِيهَا الصِّحَّة غير أَنه وَقع فِي الرَّافِعِيّ أَن أَبَا الْحسن الْعَبَّادِيّ حكى عَن القَاضِي وَغَيره الْبطلَان فَرُبمَا توهم من لَا خبْرَة لَهُ أَن القَاضِي هُوَ القَاضِي الْحُسَيْن وَأغْرب من ذَلِك أَن النَّوَوِيّ أسقط فِي الرَّوْضَة لفظ أبي الْحسن وَاقْتصر على ذكر الْعَبَّادِيّ والعبادي إِذا أطلق لَا يتَبَادَر الذِّهْن مِنْهُ إِلَّا إِلَى أبي عَاصِم نَفسه فَرُبمَا توهم أَيْضا أَن أَبَا عَاصِم نقل ذَلِك عَن القَاضِي الْحُسَيْن وَأَبُو عَاصِم أقدم من القَاضِي الْحُسَيْن ولادَة ووفاة وَإِنَّمَا القَاضِي الْمشَار إِلَيْهِ فِيمَا اعْتقد هُوَ القَاضِي أَبُو عَاصِم نَفسه وَلَده أَبُو الْحسن إِذا أطلق القَاضِي فَإِنَّمَا يَعْنِي أَبَاهُ وَلَعَلَّ ذَلِك خَفِي على الرَّافِعِيّ وَإِلَّا فَكَانَ يحسن أَن يَقُول وَحكى أَبُو الْحسن الْعَبَّادِيّ عَن أَبِيه القَاضِي أبي عَاصِم وَغَيره فَإِن قلت فقد ذكر الْعَبَّادِيّ القَاضِي الْحُسَيْن فِي كتاب الطَّبَقَات فَغير بدع أَن ينْقل عَنهُ قلت ذكره لَهُ فِي الطَّبَقَات ذكر الأصاغر للأكابر وَالْقَاضِي الْحُسَيْن نقل عَن الْعَبَّادِيّ فِي غير مَوضِع وَيُمكن أَن يتَّفق الْعَكْس وَهُوَ نقل الْعَبَّادِيّ عَن القَاضِي الْحُسَيْن لَكنا لم نر ذَلِك وَلَا يظْهر فِيمَا ذَكرْنَاهُ وَلَا حَامِل على الْحمل عَلَيْهِ بعد الْبَيَان الَّذِي بَيناهُ وَعَن القَاضِي أبي عَاصِم فِي عَالم وعامي أسرا وَعند الإِمَام مَا يفْدي أَحدهمَا أَن الْعَاميّ أولى لِأَنَّهُ رُبمَا يفتن عَن دينه والعالم إِذا أكره يتَلَفَّظ وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان قَالَ بِخِلَاف مَا لَو دخل عَالم وعامي حَماما وَلَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا إِزَار وَاحِد فالعالم أولى بِهِ لِأَن الْعَالم بِعِلْمِهِ يمْتَنع عَن النّظر إِلَى عَورَة الْعَاميّ إِن كشف عَوْرَته قَالَ أَبُو عَاصِم أَنْشدني أَبُو الْفَتْح البستي الأديب لنَفسِهِ (رميتك من حكم الْقَضَاء بنظرة ... وَمَا لي عَن حكم الْقَضَاء مناص) (فَلَمَّا جرحت الخد مِنْك بنظرة ... جرحت فُؤَادِي والجروح قصاص) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 الْبَحْث عَن ثمَّ هَل هِيَ عِنْد القَاضِي أبي عَاصِم كالواو فِي اقْتِضَاء الْجمع الْمُطلق ذكر الإِمَام الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله فِي كتاب الطوالع المشرقة فِيمَن قَالَ وقفت على أَوْلَادِي ثمَّ أَوْلَاد أَوْلَادِي أَن القَاضِي الْحُسَيْن نقل عَن أبي عَاصِم أَنه لَا يَقُول بالترتيب بل يحملهُ على الْجمع قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَكَذَلِكَ نَقله ابْن أبي الدَّم وَقَالَ إِن ثمَّ عِنْده كالواو ثمَّ توقف الشَّيْخ الإِمَام فِي ثُبُوت ذَلِك عَن أبي عَاصِم مُطلقًا وَذكر أَنه لم يجده فِي كَلَامه وَأَنه إِن صَحَّ فَيحمل على أَن ثمَّ عِنْده كالواو فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَن ثمَّ إنْشَاء لَا يتَصَوَّر دُخُول تَرْتِيب فِيهِ كَقَوْلِه بِعْت هَذَا ثمَّ هَذَا لَا يَصح إِرَادَة التَّرْتِيب حَتَّى يُقَال ينْتَقل الْملك قَرِيبا بل يكون كالواو قَالَ وَأما إِنْكَار أَن ثمَّ للتَّرْتِيب مُطلقًا فيجل أَبُو عَاصِم عَنهُ فَإِن ذَلِك مِمَّا لَا خلاف فِيهِ بَين النُّحَاة والأدباء والأصوليين وَالْفُقَهَاء بل هُوَ من الْمَعْلُوم باللغة بِالضَّرُورَةِ قَالَ وَقد تكلم الْمُفَسِّرُونَ من زمَان ابْن عَبَّاس إِلَى الْيَوْم فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان} فِي الْجمع بَينهَا وَبَين قَوْله {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} وَذكروا أقوالا فِي تَأْوِيل بعد وَلم يذكر أحد مِنْهُم أَن ثمَّ لَيْسَ للتَّرْتِيب فَوَجَبَ حمل كَلَام أبي عَاصِم على مَا قُلْنَاهُ وَلِهَذَا يَقُول كثير من النُّحَاة وَغَيرهم إِنَّهَا للتَّرْتِيب فِي الْخَبَر فيقيدون الْكَلَام تَحَرُّزًا عَن الْإِنْشَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 نعم يدْخل ثمَّ أَيْضا فِي متعلقات الْإِنْشَاء مِمَّا لَيْسَ بِخَبَر كَقَوْلِك اخْتَرْت هَذَا ثمَّ هَذَا وَأطَال الشَّيْخ الإِمَام فِي هَذَا الْفَصْل قلت وَقد نقل عَن بعض النُّحَاة مِنْهُم الْفراء والأخفش وقطرب إِنْكَار كَونهَا للتَّرْتِيب فَلَا بدع أَن يوافقهم أَبُو عَاصِم غير أَن الْمَنْقُول عَنهُ أَن الْوَاو للتَّرْتِيب وَلَا يُمكن قَائِل هَذَا أَن يُنكر تَرْتِيب ثمَّ فَإِن الْجمع بَين المقالتين لَا يُمكن الذّهاب إِلَيْهِ فَمن ثمَّ توقف الْوَالِد فِي تثبيته عَلَيْهِ وَالْوَالِد أَيْضا لَا يثبت خلاف هَؤُلَاءِ وهم عِنْده محجوجون إِن ثَبت النَّقْل عَنْهُم بِزَمَان ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَمن بعده وَمن ثمَّ صرح بِنَفْي الْخلاف وزعمه مَعْلُوما فِي اللُّغَة بِالضَّرُورَةِ فَلَا تعجب مِنْهُ إِذا حمل كَلَام أبي عَاصِم على مَا حمل إِنَّمَا تعجب من بعض أَصْحَابه مِمَّن يَأْخُذ الْقدر الَّذِي يفهمهُ من كَلَامه فيفرقه فِي كتبه غير معزو إِلَيْهِ كَيفَ ينْقل الْخلاف فِي ثمَّ وَيجْعَل كَونهَا للتَّرْتِيب أمرا مُخْتَلفا فِيهِ خلافًا قَرِيبا ثمَّ ينْقل مقَالَة أبي عَاصِم وَيَقُول إِنَّمَا قَالَهَا فِي هَذِه الصُّورَة خَاصَّة وَذَلِكَ أَنه أَخذ مقَالَة أبي عَاصِم من كَلَام الْوَالِد وَرَأى فِيهِ أَنه لَعَلَّه إِنَّمَا قَالَهَا فِي هَذِه الصُّورَة بِنَاء على اعْتِقَاده وَأَن لَا خلاف فِيهَا فتابعه فِي ذَلِك غافلا عَن نَفسه وإثباتها الْخلاف وَذَلِكَ صنع من لَا يتَأَمَّل مَا يصنع وإنشاء ذكره الْوَالِد من التَّرْتِيب فِي الْإِنْشَاء فبحث نَفِيس هُوَ المخترع لَهُ وَكَانَ كثيرا مَا يردده ويطيل التفنن فِيهِ ولعلنا نشبع الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مَكَان آخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 وأذكره لَيْلَة حَضَرنَا ختمة وَكَانَ من الْحَاضِرين الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي شيخ الشُّيُوخ وَهُوَ عَلَاء الدّين الْمُتَأَخر الْحَنَفِيّ لَا السَّابِق شَارِح الْحَاوِي فَإِنِّي لم أره فَقَرَأَ القارىء {لترون الْجَحِيم ثمَّ لترونها عين الْيَقِين} فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ الإِمَام مَا معنى هَذَا التَّرْتِيب فِي الْإِنْشَاء فَلم يفهم الرجل مَا يَقُول الشَّيْخ الإِمَام بِالْكُلِّيَّةِ فَأخذ يُوضح لَهُ وَهُوَ لَا يدْرِي على فَضِيلَة كَانَت فِيهِ رَحمَه الله قَالَ أَبُو عَاصِم فِي الزِّيَادَات إِذا ختم الْقُرْآن فِي الصَّلَاة فِي الرَّكْعَة الأولى فَإِنَّهُ يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة الْفَاتِحَة وشيئا من أول سُورَة الْبَقَرَة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (خير النَّاس الْحَال المرتحل) وَفَسرهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا لما سُئِلَ عَنهُ انْتهى وَنَقله النَّوَوِيّ فِي كتاب التِّبْيَان عَن بعض الْأَصْحَاب وَسكت عَنهُ قَالَ أَبُو عَاصِم فِي أدب الْقَضَاء إِذا حجر القَاضِي على السَّفِيه وَأشْهد عَلَيْهِ لَا يتَصَرَّف إِلَّا فِي الطَّلَاق وَالْإِقْرَار بِالْقصاصِ وَغَيره من مُوجبَات الْحُدُود وَهل يُؤَاجر نَفسه فِيهِ قَولَانِ قَالَ أَبُو سعد الْهَرَوِيّ ذكره الْإِشْهَاد على سَبِيل الِاحْتِيَاط لَا أَنه ركن فِي صِحَة الْحجر فسر أَبُو عَاصِم كلمة التنصر بِشَيْء عَارضه فِيهِ القَاضِي أَبُو سعد وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ بِأَن ظَاهره غير مُسْتَقِيم وسأذكره فِي تَرْجَمَة أبي سعد آخر هَذِه الطَّبَقَة وأوجه كَلَام أبي عَاصِم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 298 - مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو الْقَاسِم الشعري الطوسي قَالَ عبد الغافر من شُيُوخ الشَّافِعِيَّة المتعصبين فِي الْمَذْهَب سمع من أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَغَيره وَخرج إِلَى نسا فَسمِعت أَنه بلغه الْخَبَر بوقعة موحشة للْإِمَام أبي الْقَاسِم بن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي على يَدي عميد خُرَاسَان مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور وَوضع من حشمته فَحزن لذَلِك وتقطعت مرارته وَمَات من ليلته فِي رَجَب سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 299 - مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو سعيد النسوي قَالَ ابْن باطيش كَانَ إِمَام وقته بِبَلَد نسا مَشْهُورا بِالْكَرمِ والبذل 300 - مُحَمَّد بن أَحْمد الْمروزِي أَبُو الْفضل التَّمِيمِي أحد أَئِمَّة مرو ورؤسائها الحديث: 298 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 301 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن عبد الله الشنشدانقي الكاثي أَبُو الْحُسَيْن قَالَ صَاحب الْكَافِي كَانَ من كبار خوارزم فضلا ورتبة وبيته بَيت الْعلم وَالصَّلَاح تفقه بمرو على الفوراني وَكَانَ فحلا فِي المناظرة فصيح المحاورة لم يكن بكاث فِي عَهده بعد الإِمَام إِسْمَاعِيل الدرغاني أنظر مِنْهُ ولي قَضَاء كاث بعد سعيد بن مُحَمَّد الكعبي وَتُوفِّي فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 302 - مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن سُلَيْمَان بن الْحسن بن ذيب أَبُو بكر الْحَافِظ من أهل جرجرايا من نواحي النهروان وَهُوَ تلميذ مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد ورحل وجال فِي الْبِلَاد سمع بِبَغْدَاد من أَحْمد بن نصر الذارع وطبقته الحديث: 301 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 وبجرجان من أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وبأصبهان من ابْن المقرىء وبدمشق من مُحَمَّد بن أَحْمد الْخلال وَعُثْمَان بن عمر الشَّافِعِي روى عَنهُ عبد الصَّمد بن إِبْرَاهِيم البُخَارِيّ الْحَافِظ وهناد النَّسَفِيّ وَأحمد بن الْفضل النَّاظر قَالَ وَأَبُو حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن ماما الْحَافِظ وَآخَرُونَ سكن بُخَارى آخر عمره وَكَانَ مَعْرُوفا بالمعرفة وَالْحِفْظ والانتخاب على الْمَشَايِخ مَاتَ فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَقد ذكره الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي التَّارِيخ مَجْهُولا لِأَنَّهُ لم يعرفهُ 303 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَافِظ أَبُو الْفضل الجارودي الْهَرَوِيّ سمع أَبَا عَليّ حَامِد بن مُحَمَّد الرفاء وَمُحَمّد بن عبد الله السليطي وَأَبا إِسْحَاق القراب وَالِد الْحَافِظ أبي يَعْقُوب وَعبد الله بن الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ الْمروزِي وَسليمَان بن أَحْمد الطَّبَرَانِيّ وَمُحَمّد بن عَليّ بن حَامِد وَإِسْمَاعِيل بن نجيد السّلمِيّ وَأحمد بن مُحَمَّد بن سلمويه النَّيْسَابُورِي وَعمر بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الْأَهْوَازِي الْبَصْرِيّ وَجَمَاعَة كَثِيرَة بنيسابور والري وهمذان وأصبهان وَالْبَصْرَة وبغداد والحجاز روى عَنهُ أَبُو عَطاء المليحي وَعبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الملقب شيخ الحديث: 303 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 الْإِسْلَام وَكَانَ إِذا حدث عَنهُ يَقُول حَدثنَا إِمَام أهل الْمشرق أَبُو الْفضل وَطَوَائِف هرويون قَالَ أَبُو النَّصْر الفامي كَانَ عديم النظير فِي الْعُلُوم خُصُوصا فِي علم الْحِفْظ والتحديث وَفِي التقلل من الدُّنْيَا والاكتفاء بالقوت وحيدا فِي الْوَرع وَقد رأى بعض النَّاس فِي نَومه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَوْصَاهُ بزيارة قبر الجارودي وَقَالَ بَعضهم هُوَ أول من سنّ بهراة تَخْرِيج الْفَوَائِد وَشرح الرِّجَال والتصحيح وَقَالَ ابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي سَمِعت أَبَا إِسْمَاعِيل عبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ يَقُول سَمِعت الجارودي يَقُول رحلت إِلَى الطَّبَرَانِيّ فقربني وأدناني وَكَانَ يتعسر عَليّ فِي الْأَخْذ فَقلت لَهُ أَيهَا الشَّيْخ تتعسر عَليّ وتبذل للآخرين فَقَالَ لِأَنَّك تعرف قدر هَذَا الشَّأْن توفّي فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة 304 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد أَبُو عبد الله الحلابي الجاساني قَالَ صَاحب الْكَافِي تفقه بِبَغْدَاد على القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ قَالَ وَله كتاب اسْمه النِّهَايَة فِي شرح الْمَذْهَب وَكتاب فِي الْمُخْتَلف اسْمه المشخص يدلان على كَمَال فَضله فِي الْفِقْه قَالَ ووفاته قريب من سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 304 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 305 - مُحَمَّد بن أَحْمد الصعلوكي كَمَال الدّين أَبُو سهل فِيمَا علقته من خطّ ابْن الصّلاح من مَجْمُوعه الَّذِي انتخبه فَوَائِد كتبهَا من كتاب الْجمع بَين الطَّرِيقَيْنِ قَالَ وَهُوَ كتاب علقه بَعضهم عَن هَذَا الشَّيْخ مِنْهَا قَالَ بعض أَصْحَاب الرَّأْي قَوْله تَعَالَى {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم} الْآيَة ورد فِي النِّسَاء على الِانْفِرَاد كالمساحقات فحدهن الْحَبْس فِي الْبيُوت وَقَوله تَعَالَى {واللذان يأتيانها مِنْكُم} ورد فِي الرِّجَال على الِانْفِرَاد وَهُوَ اللواط فحده الْإِيذَاء بِاللِّسَانِ وَلَيْسَ فِي الْآيَتَيْنِ ذكر الرِّجَال مَعَ النِّسَاء وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو سهل الصعلوكي يمِيل إِلَى هَذِه الطَّرِيقَة وَذكره فِي الدَّرْس وَقَالَ الدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه أنث اللَّفْظ فِي الْآيَة الأولى وَذكره فِي الثَّانِيَة وَأجَاب الشَّيْخ الْقفال عَن هَذَا وَقَالَ إِنَّمَا أنث فِي الأولى لِأَنَّهَا وَردت فِي الثّيّب فَتكون أَكثر الْقَصْد هُنَاكَ من الْمَرْأَة وَالْآيَة التالية وَردت فِي الْبكر وَالْبكْر تستحيي فَتكون أَكثر الْقَصْد من الرجل فَلهَذَا غلب التَّذْكِير كَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق يَقُول الْقيام بفروض الكفايات خير فِي الْأجر وَالثَّوَاب من فروض الْأَعْيَان لِأَن فِي فروض الْأَعْيَان يسْقط عَن نَفسه فَقَط وَفِي الْكِفَايَة يسْقط عَن نَفسه وَغَيره قلت وَهَذَا قَالَه أَيْضا إِمَام الْحَرَمَيْنِ الحديث: 305 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 306 - مُحَمَّد بن أَحْمد الحوفي الإِمَام أَبُو عبد الله الحمدنجي من تلامذة الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني تفقه عَلَيْهِ بِبَغْدَاد وبيته بَيت كَبِير قَالَ صَاحب الْكَافِي فِي تَارِيخ خوارزم لبيته نَحْو مِائَتَيْنِ وَخمسين سنة معمور بالعلماء وَأطَال فِي تَرْجَمته فِي تَارِيخ خوارزم وَقَالَ توفّي بعد سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 307 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الصانعي أَبُو عبد الله من أهل خوارزم رَحل مِنْهَا سنة تسعين وثلاثمائة إِلَى بَغْدَاد فتفقه بهَا على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَالشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْبَاقِي ثمَّ عَاد إِلَى خوارزم فِي سنة اثنتى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وتوطن حشراخوان قَالَ صَاحب الْكَافِي فَكَانَ هُوَ الْمُفْتِي والخطيب والواعظ والمدرس بهَا زَمَانا الحديث: 306 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 308 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن كثير الإستراباذي أَبُو حَاجِب من أهل مازندران قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ طَوِيل الباع فِي الْفِقْه وَالنَّظَر وَكَانَ حسن السِّيرَة تقيا ثِقَة صَدُوقًا وَاسع الرِّوَايَة كثير السماع رَحل وَكتب وَعمر حَتَّى حدث بالكثير سمع حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِي وَأَبا الْحسن بن رزقويه وخلقا ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ وأغفله ابْن النجار أَيْضا 309 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عَمْرو القَاضِي أَبُو عَليّ ابْن أبي عَمْرو الْعِرَاقِيّ الطوسي من أَهلهَا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ولي الْقَضَاء مُدَّة بالطابران قَصَبَة طوس ولقب بالعراقي لظرافته وَطول مقَامه بِبَغْدَاد الحديث: 308 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 قَالَ وَكَانَ فَقِيها فَاضلا مبرزا حسن السِّيرَة مفضلا مكرما مَشْهُورا بخراسان وَالْعراق تفقه بِبَغْدَاد على أبي حَامِد الإسفرايني وَسمع الحَدِيث من أبي ظَاهر المخلص وَأبي الْقَاسِم يُوسُف بن كج الدينَوَرِي وَأبي زَكَرِيَّاء عبد الله بن أَحْمد البلاذري الْحَافِظ وَجَمَاعَة سمع مِنْهُ جمَاعَة من الْعلمَاء مثل أبي مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ وَأبي الْحسن مُحَمَّد بن عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ وَأبي الْحسن مُحَمَّد بن عبد الله البسطامي وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن أسعد الفاشاني الْمروزِي وَغَيرهم قَالَ وقرأت فِي كتاب الْفُقَهَاء لأبي مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف القَاضِي الْجِرْجَانِيّ الْحَافِظ فَقَالَ أَبُو عَليّ الْعِرَاقِيّ الطابراني سمعته يَقُول أَقمت بِبَغْدَاد إِحْدَى عشرَة سنة كنت أختلف إِلَى أبي مُحَمَّد البافي ثمَّ اخْتلفت عشر سِنِين إِلَى أبي حَامِد وعلقت عَنهُ جَمِيع الْمُخْتَصر فَلَمَّا رجعت قصدت جرجان فَدخلت على الإِمَام أبي سعد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَحَضَرت مَجْلِسه وناظرت بَين يَدَيْهِ ثمَّ دخلت نيسابور وَحَضَرت مجْلِس الإِمَام أبي الطّيب الصعلوكي وناظرت فِيهِ ثمَّ رجعت إِلَى وطني توفّي سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ مِمَّن أخل ابْن النجار بِذكرِهِ مَعَ ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 310 - مُحَمَّد بن بكر بن مُحَمَّد أَبُو بكر الطوسي النوقاني من نوقان بِفَتْح النُّون ثمَّ وَاو سَاكِنة ثمَّ قَاف يَليهَا ألف ثمَّ نون إِحْدَى مَدَائِن طوس ذكره الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح فِي كتاب الْإِجَارَة وَكتاب الْجراح وَغير مَوضِع قَالَ أَبُو صَالح أَحْمد بن عبد الْملك الْمُؤَذّن هُوَ إِمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي بنيسابور وفقيههم ومدرسهم وَله الدَّرْس وَالْأَصْحَاب ومجلس النّظر وَله مَعَ ذَلِك الْوَرع والزهد والانقباض عَن النَّاس وَترك طلب الجاه وَالدُّخُول على السلاطين وَمَا لَا يَلِيق بِأَهْل الْعلم من الدُّخُول فِي الْوَصَايَا والأوقاف وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَكَانَ من أحسن النَّاس خلقا وَمن أحْسنهم سيرة وَظَهَرت بركته على أَصْحَابه وتفقه عِنْد الْأُسْتَاذ أَبى الْحسن الماسرجسى بنيسابور وببغداد عَنهُ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد البافي وَحكى عَن مُحَمَّد بن مَأْمُون قَالَ كنت مَعَ الشَّيْخ أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ بِبَغْدَاد فَقَالَ لي تعال حَتَّى أريك شَابًّا لَيْسَ فِي جملَة الصُّوفِيَّة وَلَا المتفقهة أحسن طَريقَة وَلَا أَكثر أدبا مِنْهُ فَأخذ بيَدي فَذهب إِلَى حَلقَة البافي وَأرَانِي الشَّيْخ أَبَا بكر الطوسي تفقه على الطوسي جماعات مِنْهُم الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَتُوفِّي بنوقان سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 310 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 311 - مُحَمَّد بن بَيَان بن مُحَمَّد الْآمِدِيّ الكازروني شيخ الرَّوْيَانِيّ وفخر الْإِسْلَام الشَّاشِي والفقيه نصر بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي سكن آمد وتفقه بِهِ خلق وَحدث عَن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن سهل بن خَليفَة الْبَلَدِي وَالْقَاضِي أبي عمر الْهَاشِمِي وَأبي الْفَتْح بن أبي الفوارس وَابْن رزقويه وَغَيرهم روى عَنهُ الْفَقِيه نصر بن إِبْرَاهِيم بن فَارس الْأَزْدِيّ وَأَبُو غَانِم عبد الرَّزَّاق العدي وَعبد الله بن الْحسن بن النّحاس مَاتَ سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة الْمُحدث بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا أخبرنَا الغرافي أخبرنَا الْقطيعِي أخبرنَا ابْن الْخلّ أخبرنَا فَخر الْإِسْلَام أَبُو بكر الشَّاشِي قِرَاءَة علينا من كِتَابه أخبرنَا مُحَمَّد بن بَيَان الكازروني قِرَاءَة عَلَيْهِ فِي جَامع ميافارقين أخبرنَا أَبُو عمر عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن مهْدي الْفَارِسِي قِرَاءَة عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل القَاضِي حَدثنَا أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الْمدنِي حَدثنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله نُودي فِي الْجنَّة الحديث: 311 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 يَا عبد الله هَذَا خير فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بَاب الْجِهَاد وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعِي من بَاب الصَّدَقَة وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعِي من بَاب الريان) فَقَالَ أَبُو بكر بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا على أحد مِمَّن دعِي من تِلْكَ الْأَبْوَاب من ضَرُورَة فَهَل يدعى أحد من تِلْكَ الْأَبْوَاب كلهَا قَالَ نعم وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم وَأخرجه البُخَارِيّ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب وَعَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن معن بن عِيسَى عَن مَالك وَمُسلم عَن أبي الطَّاهِر وحرملة كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن يُونُس وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَالْحسن الْحلْوانِي وَعبد بن حميد ثَلَاثَتهمْ عَن يَعْقُوب ابْن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن صَالح وَعَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر خمستهم عَن الزُّهْرِيّ بِهِ 312 - مُحَمَّد بن ثَابت بن الْحسن بن عَليّ أَبُو بكر الخجندي نزيل أَصْبَهَان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام غزير الْفضل حسن السِّيرَة الحديث: 312 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 تفقه فبرع فِي الْفِقْه حَتَّى صَار من جملَة رُؤَسَاء الْأَئِمَّة حشمة ونعمة وَتخرج بِهِ وبكلامه جمَاعَة من أهل الْعلم وانتشر علمه فِي الْآفَاق وولاه نظام الْملك مدرسته الَّتِي بناها بأصبهان درس الْفِقْه بهَا مُدَّة وَكَانَت لَهُ يَد باسطة فِي النّظر وَالْأُصُول سمع الحَدِيث من أَبِيه أبي مُحَمَّد ثَابت بن الْحسن وَأبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الإسترابادي وَعبد الصَّمد بن نصر العاصمي وَأبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي وَكَانَ أستاذه فِي الْفِقْه روى لنا عَنهُ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل الطلحي وَأَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْمُنعم بن فاذشاه وَأحمد بن الْفضل الْمُمَيز وَغَيرهم هَذَا كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ وَذكر لَهُ حَدِيثا وأناشيد مُسندَة توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَعَلِيهِ تفقه أَبُو الْعَبَّاس بن الرطبي وَأَبُو عَليّ الْحسن بن سلمَان الْأَصْفَهَانِي قلت وَأَظنهُ صَاحب كتاب زواهر الدُّرَر فِي نقض جَوَاهِر النّظر وَهَذَا الْكتاب يرويهِ فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي عَنهُ رَوَاهُ عباد بن سرحان بن مُسلم بن سيد النَّاس من فضلاء الْمغرب دخل بَغْدَاد وَسمع بهَا من رزق الله بن التَّمِيمِي وَغَيره وَقد روى هَذَا الْكتاب عَن الشَّاشِي عَنهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 ذكر ذَلِك ابْن الصّلاح فِي تَرْجَمَة الشَّاشِي وَقد أخل ابْن النجار فِي الذيل بِذكر الخجندي مَعَ ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ لَهُ وَنقل القَاضِي مجلى فِي ذخائره وَجْهَيْن عَن رَوْضَة المناظر للخجندي وَمَا أرَاهُ إِلَّا هَذَا فِيمَن نذر صَلَاة مُؤَقَّتَة وأخرجها عَن وَقتهَا هَل تقبل وَلَكِن الْمَذْهَب أَنَّهَا لَا تقبل وَهَذَا الْوَجْه المستغرب ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي النكت احْتِمَالا لنَفسِهِ وَفِي فتاوي ابْن الصّباغ أَن وَاقعَة وَقعت بأصبهان وَهِي حَاكم حكم بِقِيَاس ثمَّ ظهر لَهُ أَنه مَنْصُوص بِنَصّ يُوَافق مَا حكم بِهِ فَأفْتى الخجندي بِأَن الحكم نَافِذ وَقَالَ ابْن الصّباغ نَافِذ من حِين الحكم قلت وَقد ثَبت فِي كتاب الْأَشْبَاه والنظائر أَن مَا قَالَه الخجندي أصح 313 - مُحَمَّد بن حَامِد أَبُو عبد الله بن حنار ذكر أَبُو عَليّ بن الْبناء فِي طَبَقَات الْفُقَهَاء كَمَا نَقله عَنهُ ابْن النجار أَن لَهُ الْقدر العالي فِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْقُرْآن وَالْأَدب وَأَنه مَاتَ فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة فِي صفر 314 - مُحَمَّد بن حسان بن الْحسن بن مكي أَبُو المحاسن الختام الْوَاعِظ مَاتَ بِالريِّ سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 313 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 315 - مُحَمَّد بن الْحسن بن الْحُسَيْن أَبُو عبد الله الْمروزِي المهربندقشايي كَانَ إِمَامًا ورعا عَارِفًا عابدا وَسمع الْكثير من الْقفال وَمُسلم بن الْحسن الْكَاتِب ورحل إِلَى هراة فَسمع أَبَا الْفضل عمر بن إِبْرَاهِيم بن أبي سعد وَأحمد بن مُحَمَّد ابْن الْخَلِيل وَغَيرهمَا توفّي سنة أَربع وَقيل سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 316 - مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ أَبُو جَعْفَر الطوسي فَقِيه الشِّيعَة ومصنفهم كَانَ ينتمي إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي لَهُ تَفْسِير الْقُرْآن وأملى أَحَادِيث وحكايات تشْتَمل على مجلدين قدم بَغْدَاد وتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَقَرَأَ الْأُصُول وَالْكَلَام على أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن النُّعْمَان الْمَعْرُوف بالمفيد فَقِيه الإمامية الحديث: 315 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 وَحدث عَن هِلَال الحفار روى عَنهُ ابْنه أَبُو عَليّ الْحسن وَقد أحرقت كتبه عدَّة نوب بِمحضر من النَّاس توفّي بِالْكُوفَةِ سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 317 - مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك الْأُسْتَاذ أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ الْأَصْبَهَانِيّ الإِمَام الْجَلِيل والحبر الَّذِي لَا يجارى فقها وأصولا وكلاما ووعظا ونحوا مَعَ مهابة وجلالة وورع بَالغ رفض الدُّنْيَا وَرَاء ظَهره وعامل الله فِي سره وجهره وصمم على دينه (مصمم لَيْسَ تلويه عواذله ... فِي الدّين ثَبت قوي بأسه عسر) وحوم على الْمنية فِي نصْرَة الْحق لَا يخَاف الْأسد فِي عرينه (وَلَا يلين لغير الْحق يتبعهُ ... حَتَّى يلين لضرس الماضغ الْحجر) وشمر عَن سَاق الِاجْتِهَاد (بهمة فِي الثريا إِثْر أخمصها ... وعزمة لَيْسَ من عاداتها السأم) الحديث: 317 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 وَدَمرَ ديار الْأَعْدَاء ذَوي الْفساد (وَعمر الدّين عزم مِنْهُ معتضد ... بِاللَّه تشرق من أنواره الظُّلم) وصبر وَالسيف يقطر دَمًا (وَالصَّبْر أجمل إِلَّا أَنه صَبر ... وَرُبمَا جنت الأعقاب من عسله) وَبدر بجنان لَا يخادعه حب الْحَيَاة وَلَا تشوقه الحاظ الدمى (لكنه مغرم بِالْحَقِّ يتبعهُ ... لله فِي الله هَذَا مُنْتَهى أمله) أَقَامَ أَولا بالعراق إِلَى أَن درس بهَا مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ على أبي الْحسن الْبَاهِلِيّ ثمَّ لما ورد الرّيّ وشت بِهِ المبتدعة وَسعوا عَلَيْهِ قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فتقدمنا إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدولة أبي الْحسن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم والتمسنا مِنْهُ المراسلة فِي توجهه إِلَى نيسابور فَبنى لَهُ الدَّار والمدرسة من خانقاه أبي الْحسن البوشنجي وَأَحْيَا الله بِهِ فِي بلدنا أنواعا من الْعُلُوم لما استوطنها وَظَهَرت بركته على جمَاعَة من المتفقهة وتخرجوا بِهِ سمع عبد الله بن جَعْفَر الْأَصْفَهَانِي وَكثر سَمَاعه بِالْبَصْرَةِ وبغداد وَحدث بنيسابور هَذَا كَلَام الْحَاكِم وروى عَنهُ حَدِيثا وَاحِدًا قَالَ عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل سَمِعت أَبَا صَالح الْمُؤَذّن يَقُول كَانَ الْأُسْتَاذ أوحد وقته أَبُو عَليّ الدقاق يعْقد الْمجْلس وَيَدْعُو للحاضرين والغائبين من أَعْيَان الْبَلَد وأئمتهم فَقيل لَهُ يَوْمًا قد نسيت ابْن فورك وَلم تدع لَهُ فَقَالَ كَيفَ أَدْعُو لَهُ وَكنت أقسم على الله البارحة بإيمانه أَن يشفي علتي وَكَانَ بِهِ وجع الْبَطن تِلْكَ اللَّيْلَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 وَلما حضرت الْوَفَاة وَاحِد عصره وَسيد وقته أَبَا عُثْمَان المغربي أوصى بِأَن يُصَلِّي عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو بكر بن فورك وَذَلِكَ سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة وَذكر الإِمَام الشَّهِيد أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن دوناس الفندلاوي الْمَالِكِي المدفون خَارج بَاب الصَّغِير بِدِمَشْق وقبره ظَاهر مَعْرُوف باستجابة الدُّعَاء عِنْده أَنه رُوِيَ أَن الإِمَام أَبَا بكر بن فورك مَا نَام فِي بَيت فِيهِ مصحف قطّ وَإِذا أَرَادَ النّوم انْتقل عَن الْمَكَان الَّذِي فِيهِ إعظاما لكتاب الله عز وَجل نقلت هَذِه الْحِكَايَة من خطّ شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْعَبَّاس بن المظفر قَالَ عبد الغافر بلغت تصانيفه فِي أصُول الدّين وأصول الْفِقْه ومعاني الْقُرْآن قَرِيبا من الْمِائَة وَحكى عَن ابْن فورك أَنه قَالَ كَانَ سَبَب اشتغالي بِعلم الْكَلَام أَنِّي كنت بأصبهان أختلف إِلَى فَقِيه فَسمِعت أَن الْحجر يَمِين الله فِي الأَرْض فَسَأَلت ذَلِك الْفَقِيه عَن مَعْنَاهُ فَلم يجب بِجَوَاب شاف فأرشدت إِلَى فلَان من الْمُتَكَلِّمين فَسَأَلته فَأجَاب بِجَوَاب شاف فَقلت لَا بُد من معرفَة هَذَا الْعلم فاشتغلت بِهِ وَقد سمع ابْن فورك من عبد الله بن جَعْفَر الْأَصْبَهَانِيّ الْمَذْكُور فِي كَلَام الْحَاكِم جَمِيع مُسْند الطَّيَالِسِيّ وَسمع أَيْضا من ابْن خرزاذ الْأَهْوَازِي روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ والأستاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبُو بكر أَحْمد ابْن عَليّ بن خلف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 ودعي إِلَى مَدِينَة غزنة وَجَرت لَهُ بهَا مناظرات وَلما عَاد مِنْهَا سم فِي الطَّرِيق فَتوفي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة حميدا شَهِيدا وَنقل إِلَى نيسابور وَدفن بِالْحيرَةِ وقبره ظَاهر قَالَ عبد الغافر يستسقى بِهِ ويستجاب الدُّعَاء عِنْده وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي تِلْمِيذه سَمِعت الإِمَام أَبَا بكر بن فورك يَقُول حملت مُقَيّدا إِلَى شيراز لفتنة فِي الدّين فوافيت بَاب الْبَلَد مصبحا وَكنت مهموم الْقلب فَلَمَّا أَسْفر النَّهَار وَقع بَصرِي على محراب فِي مَسْجِد على بَاب الْبَلَد مَكْتُوب عَلَيْهِ {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} وَحصل لي تَعْرِيف من باطني أَنِّي أكفى عَن قريب فَكَانَ كَذَلِك وَكَانَ شَدِيد الرَّد على أبي عبد الله بن كرام وأذكر أَن سَبَب مَا حصل لَهُ من المحنة من شغب أَصْحَاب ابْن كرام وشيعتهم المجسمة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وصحابته أَجْمَعِينَ ذكر شرح حَال المحنة الْمشَار إِلَيْهَا اعْلَم أَنه يعز علينا شرح هَذِه الْأُمُور لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن كتمانها وسترها أولى من إظهارها وكشفها لما فِي ذَلِك من فتح الأذهان لما هِيَ غافلة عَنهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي التفطن لَهُ وَالثَّانِي مَا يَدْعُو إِلَيْهِ كشفها من تَبْيِين معرة أَقوام وكشف عوارهم وَقد كَانَ الصمت أزين وَلَكِن لما رَأينَا المبتدعة تشمخ بآنافها وتزيد وتنقص على حسب أغراضها وأهوائها تعين لذَلِك ضبط الْحَال وكشفه مَعَ مُرَاعَاة النصفة فَنَقُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 كَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو بكر بن فورك كَمَا عرفناك شَدِيدا فِي الله قَائِما فِي نصْرَة الدّين وَمن ذَلِك أَنه فَوق نَحْو المشبهة الكرامية سهاما لَا قبل لَهُم بهَا فتحزبوا عَلَيْهِ ونموا غير مرّة وَهُوَ ينتصر عَلَيْهِم وَآخر الْأَمر أَنهم أنهوا إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين أَن هَذَا الَّذِي يؤلب علينا عنْدك أعظم منا بِدعَة وَكفرا وَذَلِكَ أَنه يعْتَقد أَن نَبينَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ نَبيا الْيَوْم وَأَن رسَالَته انْقَطَعت بِمَوْتِهِ فَاسْأَلْهُ عَن ذَلِك فَعظم على السُّلْطَان هَذَا الْأَمر وَقَالَ إِن صَحَّ هَذَا عَنهُ لأقتلنه وَأمر بِطَلَبِهِ وَالَّذِي لَاحَ لنا من كَلَام المحررين لما ينقلون الواعين لما يحفظون الَّذين يَتَّقُونَ الله فِيمَا يحكون أَنه لما حضر بَين يَدَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك كذب النَّاقِل وَقَالَ مَا هُوَ مُعْتَقد الأشاعرة على الْإِطْلَاق أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ فِي قَبره رَسُول الله أَبَد الآباد على الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز وَأَنه كَانَ نَبيا وآدَم بَين المَاء والطين وَلم تَبْرَح نبوته بَاقِيَة وَلَا تزَال وَعند ذَلِك وضح للسُّلْطَان الْأَمر وَأمر بإعزازه وإكرامه ورجوعه إِلَى وَطنه فَلَمَّا أَيِست الكرامية وَعلمت أَن مَا وشت بِهِ لم يتم وَأَن حيلها ومكايدها قد وهت عدلت إِلَى السَّعْي فِي مَوته والراحة من تَعبه فسلطوا عَلَيْهِ من سمه فَمضى حميدا شَهِيدا هَذَا خُلَاصَة المحنة وَالْمَسْأَلَة الْمشَار إِلَيْهَا وَهِي انْقِطَاع الرسَالَة بعد الْمَوْت مكذوبة قَدِيما على الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ نَفسه وَقد مضى الْكَلَام عَلَيْهَا فِي تَرْجَمته إِذا عرفت هَذَا فَاعْلَم أَن أَبَا مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ ذكر فِي النصائح أَن ابْن سبكتكين قتل ابْن فورك بقوله لهَذِهِ الْمَسْأَلَة ثمَّ زعم ابْن حزم أَنَّهَا قَول جَمِيع الأشعرية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 قلت وَابْن حزم لَا يدْرِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَلَا يفرق بَينهم وَبَين الْجَهْمِية لجهلهم بِمَا يَعْتَقِدُونَ وَقد حكى ابْن الصّلاح مَا ذكره ابْن حزم ثمَّ قَالَ لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعم بل هُوَ تشنيع على الأشعرية أثارته الكرامية فِيمَا حَكَاهُ الْقشيرِي قلت وَقد أسلفنا كَلَام الْقشيرِي فِي ذَلِك فِي تَرْجَمَة الْأَشْعَرِيّ وَذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَلَام ابْن حزم وَحكى أَن السُّلْطَان أَمر بقتل ابْن فورك فشفع إِلَيْهِ وَقيل هُوَ رجل لَهُ سنّ فَأمر بقتْله بالسم فسقي السم ثمَّ قَالَ وَقد دَعَا ابْن حزم للسُّلْطَان مَحْمُود أَن وفْق لقتل ابْن فورك وَقَالَ وَفِي الْجُمْلَة ابْن فورك خير من ابْن حزم وَأجل وَأحسن نحلة وَقَالَ قبل ذَلِك أَعنِي شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَانَ ابْن فورك رجلا صَالحا ثمَّ قَالَ كَانَ مَعَ دينه صَاحب فلتة وبدعة انْتهى قلت أما السُّلْطَان أَمر بقتْله فشفع إِلَيْهِ إِلَى آخر الْحِكَايَة فأكذوبة سمجة ظَاهِرَة الْكَذِب من جِهَات مُتعَدِّدَة مِنْهَا أَن ابْن فورك لَا يعْتَقد مَا نقل عَنهُ بل يكفر قَائِله فَكيف يعْتَرف على نَفسه بِمَا هُوَ كفر وَإِذا لم يعْتَرف فَكيف يَأْمر السُّلْطَان بقتْله وَهَذَا أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي أخص النَّاس بِابْن فورك فَهَل نقل هَذِه الْوَاقِعَة بل ذكر أَن من عزى إِلَى الأشعرية هَذِه الْمَسْأَلَة فقد افترى عَلَيْهِم وَأَنه لَا يَقُول بهَا أحد مِنْهُم وَمِنْهَا أَنه بِتَقْدِير اعترافه وَأمره بقتْله كَيفَ ترك ذَلِك لسنه وَهل قَالَ مُسلم إِن السن مَانع من الْقَتْل بالْكفْر على وَجه الشُّهْرَة أَو مُطلقًا ثمَّ لَيْت الحاكي ضم إِلَى السن الْعلم وَإِن كَانَ أَيْضا لَا يمْنَع الْقَتْل وَلكنه لبغضه فِيهِ لم يَجْعَل لَهُ خصْلَة يمت بهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 غير أَنه شيخ مسن فيا سُبْحَانَ الله أما كَانَ رجلا عَالما أما كَانَ اسْمه مَلأ بِلَاد خُرَاسَان وَالْعراق أما كَانَ تلامذته قد طبقت طبق الأَرْض فَهَذَا من ابْن حزم مُجَرّد تحامل وحكاية لأكذوبة سمجة كَانَ مِقْدَاره أجل من أَن يحكيها وَأما قَول شَيخنَا الذَّهَبِيّ إِنَّه مَعَ دينه صَاحب فلتة وبدعة فَكَلَام متهافت فَإِنَّهُ يشْهد بالصلاح وَالدّين لمن يقْضِي عَلَيْهِ بالبدعة ثمَّ لَيْت شعري مَا الَّذِي يَعْنِي بالفلتة إِن كَانَت قِيَامه فِي الْحق كَمَا نعتقد نَحن فِيهِ فَتلك من الدّين وَإِن كَانَت فِي الْبَاطِل فَهِيَ تنَافِي الدّين وَأما حكمه بِأَن ابْن فورك خير من ابْن حزم فَهَذَا التَّفْضِيل أمره إِلَى الله تَعَالَى ونقول لشَيْخِنَا إِن كنت تعتقد فِيهِ مَا حكيت من انْقِطَاع الرسَالَة فَلَا خير فِيهِ أَلْبَتَّة وَإِلَّا فَلم لَا نبهت على أَن ذَلِك مَكْذُوب عَلَيْهِ لِئَلَّا يغتر بِهِ وَمن الرِّوَايَة عَنهُ من حَدِيثه عَن ابْن خرزاذ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس ابْن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الشَّيْخَانِ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن المطهر بن أبي عصرون وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر سَمَاعا عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا أَبُو روح عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم زَاهِر بن طَاهِر الشحامي أخبرنَا الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم عبد الْكَرِيم بن هوَازن الْقشيرِي أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن خرزاذ الْأَهْوَازِي بهَا حَدثنَا أَحْمد بن سهل بن أَيُّوب حَدثنَا خَالِد يَعْنِي ابْن يزِيد حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ وَشريك بن عبد الله وسُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 سُلَيْمَان عَن خَيْثَمَة عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (لَا ترْضينَ أحدا بسخط الله وَلَا تحمدن أحدا على فضل الله وَلَا تذمن أحدا على مَا لم يؤتك الله فَإِن رزق الله لَا يَسُوقهُ حرص حَرِيص وَلَا يردهُ عَنْك كَرَاهَة كَارِه وَإِن الله بعدله وقسطه جعل الرّوح والفرح فِي الرِّضَا وَالْيَقِين وَجعل الْهم والحزن فِي الشَّك والسخط وَمن حَدِيثه عَن عبد الله بن جَعْفَر وَبِه إِلَى ابْن فورك أخبرنَا عبد الله بن جَعْفَر حَدثنَا يُونُس بن حبيب حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا همام عَن قَتَادَة سمع أنسا يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ) وَمن كَلَام الْأُسْتَاذ أبي بكر قَالَ كل مَوضِع ترى فِيهِ اجْتِهَادًا وَلم يكن عَلَيْهِ نور فَاعْلَم أَنه بِدعَة خُفْيَة قلت وَهَذَا كَلَام بَالغ فِي الْحسن دَال على أَن الْأُسْتَاذ كثير الذَّوْق وَأَصله قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْبر مَا اطمأنت إِلَيْهِ النَّفس) وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَنهُ قيل تناظر هُوَ وَأَبُو عُثْمَان المغربي الَّذِي ذكرنَا أَنه أوصى عِنْد مَوته أَن ابْن فورك يصلى عَلَيْهِ فِي أَن الْوَلِيّ هَل يجوز أَن يعرف أَنه ولي فَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو بكر لَا يجوز ذَلِك لِأَنَّهُ يسلبه الْخَوْف وَيُوجب لَهُ الْأَمْن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 قيل وَكَانَ أَبُو عُثْمَان يَقُول بِجَوَازِهِ قلت وَالَّذِي نَقله الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم فِي الرسَالَة أَن الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّمَا هُوَ بَين الأستاذين أبي بكر بن فورك وَأبي عَليّ الدقاق وَأَن الدقاق قَالَ بِالْجَوَازِ قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم وَهُوَ الَّذِي نؤثره ونختاره ونقول بِهِ قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم وَلَا يجب ذَلِك فِي جَمِيع الْأَوْلِيَاء بل يجوز أَن يعلم بَعضهم وَيكون علمه كَرَامَة زَائِدَة لَهُ وَألا يعلم آخَرُونَ ثمَّ رد قَول ابْن فورك إِن الْعلم بذلك يسْقط الْخَوْف بِأَن الَّذِي يجدونه من الهيبة والإجلال يزِيد ويربي على كثير من الْخَوْف قلت وَمَا ذكره أَبُو الْقَاسِم هُوَ الْحق الَّذِي لَا مرية فِيهِ وَالْعلم بِالْولَايَةِ لَا يُنَافِي الْخَوْف بل وَلَا النُّبُوَّة أَلا ترى أَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أَشد النَّاس خوفًا لرَبهم تَعَالَى وهم يعلمُونَ أَنهم أَنْبيَاء فمقالة ابْن فورك ضَعِيفَة شَاذَّة وَالْوَلِيّ مَا دَامَ إحساسه حَاضرا وَهُوَ غير مصطلم يخَاف الْمَكْر وَذَلِكَ من أعظم الْخَوْف وَذكر الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم بعد ذَلِك أَنه يجوز أَن يعلم أَنه مَأْمُون الْعَاقِبَة قلت وَمَعَ ذَلِك لَا يزايله الْخَوْف كَمَا قُلْنَا فِي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَإِنَّهُم يعلمُونَ أَنهم مأمونو العواقب وهم أَشد خوفًا وَالْعشرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ كَذَلِك وَقد قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَو أَن رجْلي الْوَاحِدَة دَاخل الْجنَّة وَالْأُخْرَى خَارِجهَا مَا أمنت مكر الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 318 - مُحَمَّد بن القَاضِي الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد المروالروذي أَبُو بكر بن القَاضِي الْحُسَيْن أما وَالِده فَهُوَ الإِمَام الْمَشْهُور بِالذكر وَأما هُوَ فقد حدث عَن أبي مَسْعُود أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله البَجلِيّ الرَّازِيّ الْحَافِظ وَغَيره سمع مِنْهُ أَبُو عبد الله الْحميدِي وَأَبُو بكر بن الخاضبة وَغَيرهمَا ولد سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَلم أعلم لوفاته تَارِيخا ذكره الشَّيْخ فِي شرح الْمِنْهَاج فِي النِّكَاح فِي شُرُوط الْكِفَايَة 319 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم الروذراوري الْوَزير أَبُو شُجَاع ولد سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ وَالِده من أهل روذراور وَصَحب الْأَمِير كرشاسف بن عَلَاء الدولة صَاحب همذان وأصبهان وبلاد الْجَبَل وَكَانَ ينقاد لَهُ وَصَحب الْأَمِير هرارست الحديث: 318 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 أَمِير خوزستان وَالْبَصْرَة وواسط ثمَّ استوحش مِنْهُ وجهز أَمْوَاله إِلَى بَغْدَاد وأخفى نَفسه وَولده وَخرج إِلَى حلب ثمَّ توجه إِلَى همذان ثمَّ إِن الْقَائِم بِأَمْر الله صرف وزيره ابْن جهير عَن الوزارة وصور فِي نَفسه أَن يستوزره فورد الْخَبَر بوفاته فَقَالَ الْخَلِيفَة عولنا على هَذَا الدارج فِي وزارتنا فحالت الأقدار بَيْننَا وَبَين الإيثار وَقد عرفنَا تميز وَلَده إِلَّا أَن السن لم ينْتَه بِهِ إِلَى هَذَا المنصب فرقاه وَلَا يزَال أَبُو شُجَاع يترقى إِلَى أَن انْتَهَت الْخلَافَة إِلَى المقتدى وتزايد عَظمَة وترقت بِهِ الْحَال فَوق مَا كَانَت ثمَّ إِن نظام الْملك كَاتب المقتدى فِي إبعاد أبي شُجَاع فَإِنَّهُ كَانَ يكرههُ فَكتب الْخَلِيفَة الْجَواب بِخَطِّهِ وَعرف نظام الْملك منزلَة أبي شُجَاع عِنْده وفضله وَدينه وأكد عَلَيْهِ فِي الْوِصَايَة بِهِ وَترك الِالْتِفَات إِلَى قَول أعدائه وَأمر الْوَزير أَبَا شُجَاع بِالْخرُوجِ إِلَى أَصْبَهَان إِلَى خدمَة نظام الْملك وأصحبه بعض خدمه فَتَلقاهُ نظام الْملك بالبشر وَأَعَادَهُ إِلَى بَغْدَاد مكرما فَعَاد وَخرج إِلَيْهِ عَسْكَر الْخَلِيفَة مستلقين ثمَّ لما عزل المقتدى بِاللَّه عميد الدولة أَبَا مَنْصُور ابْن جهير من وزارته ولاها ظهير الدّين أَبَا شُجَاع وخلع عَلَيْهِ فِي النّصْف من شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وتوالت السَّعَادَة فِي وزارته وَمَا زَالَ يتَقَدَّم فِي كل يَوْم تقدما لم يكن لغيره وَصَارَ الْأَمر أمره والمقبول من ارْتَضَاهُ والمدفوع من أَبَاهُ وَعظم الْحق وانتشر الْعدْل وَكَانَ لَا يخرج من بَيته حَتَّى يقْرَأ شَيْئا من الْقُرْآن وَيُصلي وَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر وَيجْلس للمظالم إِلَى وَقت الْعَصْر وحجابه تنادي أَيْن أَصْحَاب الْحَوَائِج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 قَالَ النقلَة فَلم يطْمع فِي أَيَّامه طامع وَلم يحدث نَفسه بالظلم ظَالِم وَكَانَ من سعادته أَن قَاضِي الْقُضَاة الشَّامي ذَاك الرجل الْعَالم الصَّالح هُوَ القَاضِي فِي أَيَّامه فانتظم أَمر بَغْدَاد كَمَا يَنْبَغِي واستدعى يَوْمًا بعض كبار الْأُمَرَاء بالنواحي فَجَاءَهُ فِي خَمْسمِائَة فَارس من الْأُمَرَاء والسلارية فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِن بعض أعوانك أَخذ عِمَامَة رجل فَقَالَ يَا مَوْلَانَا إِنَّك تتعمد الغض مني وَالنَّقْص من محلي وَهَذَا مِمَّا يسْأَل عَنهُ من استنبته فِي الشرطة من أَصْحَابِي والمستخدمون على أبوابي فَقَالَ لَهُ الْوَزير وَإِذا سَأَلَك الله تَعَالَى فِي الْموقف الَّذِي يَسْأَلك فِيهِ عَن اللَّفْظَة واللحظة ومثقال الذّرة يكون هَذَا جوابك فَخرج ذَلِك الْملك واستبحث عَن الْعِمَامَة حَتَّى عَادَتْ وأخباره فِي ذَلِك ونظائره مَشْهُورَة كَثِيرَة ثمَّ لَاحَ لَهُ توفيق إلهي فحاسب نَفسه على زَكَاة مَاله وَعلم أَنه أخل بأدائها فِيمَا تقدم واحتاط بِأَن أخرجهَا عَن وَالِده سِنِين كَثِيرَة ورأوه عدَّة أَيَّام خَالِيا يكْتب ويحسب فأشفق عَلَيْهِ بعض الأصدقاء وأرجف بِهِ الْأَعْدَاء وَقَالُوا خولط وَلَحِقتهُ السَّوْدَاء وَأما مَا كَانَ يَفْعَله من صنائع الْبر والتنوع فِي صلَة الْمَعْرُوف فعجيب كثير وَحكي أَنه استدعى بعض أخصائه فِي يَوْم بَارِد وَعرض عَلَيْهِ رقْعَة من بعض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 الصَّالِحين يذكر فِيهَا أَن فِي الدَّار الْفُلَانِيَّة امْرَأَة مَعهَا أَرْبَعَة أَطْفَال أَيْتَام وهم عُرَاة جِيَاع فَقَالَ لَهُ امْضِ الْآن وابتع لَهُم جَمِيع مَا يصلح لَهُم ثمَّ خلع أثوابه وَقَالَ وَالله لَا لبستها وَلَا أكلت حَتَّى تعود وتخبرني أَنَّك كسوتهم وأشبعتهم وَبَقِي يرعد بالبرد إِلَى حَيْثُ قضى الْأَمر وَعَاد إِلَيْهِ وَأخْبرهُ وَقَالَ بعض من كَانَ يتَوَلَّى صدقاته إِنَّه حسب مَا انْصَرف على يَده من صلَاته فَاشْتَمَلَ على مائَة ألف دِينَار وَعشْرين ألف دِينَار قَالَ وَكنت وَاحِدًا من عشرَة يتولون صدقاته ثمَّ إِن السُّلْطَان ملكشاه سَأَلَ الْخَلِيفَة فِي عزلة فَعَزله فِي ربيع الأول سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَأَنْشد أَبُو شُجَاع فِي حَال انْصِرَافه (تولاها وَلَيْسَ لَهُ عَدو ... وفارقها وَلَيْسَ لَهُ صديق) وَخرج إِلَى الْجَامِع يَوْم الْجُمُعَة وأمالت الْعَامَّة عَلَيْهِ تصافحه وَتَدْعُو لَهُ وَأقَام فِي دَاره مكرما مُحْتَرما وَبنى على بَابهَا مَسْجِدا وَاسْتمرّ إِلَى أَن أذن لَهُ الْخَلِيفَة فِي الْحَج فِي موسم سنة أَربع وَثَمَانِينَ فَلَمَّا عَاد مَعَ الحجيج فِي سنة خمس تَلقاهُ من أَصْحَاب السُّلْطَان من مَنعه من دُخُول الْعرَاق وَسَار بِهِ إِلَى روذراور فَأَقَامَ بهَا إِلَى سنة سبع وَثَمَانِينَ وَتوجه مِنْهَا إِلَى الْحَج وَدخل بعد وَفَاة الْمُقْتَدِي وَالسُّلْطَان ملكشاه ونظام الْملك فَأَقَامَ بِمَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأضرب عَن الْعِزّ والجاه والأهل والوطن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وَمَات أحد خدام رَوْضَة الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يكنس الْمَسْجِد ويفرش الْحصْر ويشعل المصابيح وَكتب إِلَى وَلَده أبي مَنْصُور بِأَن يقف عَنهُ مدرسة على أَصْحَاب الشَّافِعِي وَكَانَ رجلا فَاضلا أديبا لَهُ شعر كثير حسن وَقد كتب إِلَيْهِ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي الصَّقْر الوَاسِطِيّ يلْتَمس شعره لينْظر فِيهِ بقصيدة يَقُول فِيهَا (يَا ماجدا لَو رمت مدح سواهُ لم ... أقدر على بَيت وَلَا مصراع) (اُمْنُنْ عَليّ بشعرك الدّرّ الَّذِي ... شعر الرضى لَهُ من الأتباع) فَأَجَابَهُ (لَو كنت أرْضى مَا جمعت شتيته ... مَا صنت معرضه عَن الأسماع) (لَكِن شعري شبه شوهاء اتقت ... عيابها فتسترت بقناع) توفّي فِي منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بِالبَقِيعِ عِنْد قبر إِبْرَاهِيم بن سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 320 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْهَيْثَم بن الْقَاسِم بن مَالك القَاضِي أَبُو عمر البسطامي وبسطام بِفَتْح الْبَاء قَاضِي نيسابور الحديث: 320 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 كَانَ أحد الْأَئِمَّة من أَصْحَابنَا والرفعاء من عُلَمَائهمْ قدم بَغْدَاد فِي حَيَاة الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد يجله ويعظمه وَكَانَ القَاضِي أَبُو عمر نَظِير أبي الطّيب الصعلوكي حشمة وجاها وعلما فصاهره أَبُو الطّيب وَجَاء من بَينهمَا فضلاء أَئِمَّة سمع القَاضِي أَبُو عمر الحَدِيث بالعراق والأهواز وأصبهان وسجستان وأملى وَحدث عَن أبي الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ وَأحمد بن عبد الرَّحْمَن بن الْجَارُود الرقي وَأبي بكر الْقطيعِي وَعلي بن حَمَّاد الْأَهْوَازِي وَأحمد بن مَحْمُود بن خرزاذ القَاضِي وَأبي مُحَمَّد بن ماسي وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم مَعَ تقدمه وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عبيد الله الصرام وسُفْيَان وَمُحَمّد ابْنا الْحُسَيْن بن فتحويه ويوسف الهمذاني وَغَيرهم ذكره الْحَاكِم فِي التَّارِيخ فَقَالَ الْفَقِيه الْمُتَكَلّم البارع الْوَاعِظ ثمَّ قَالَ وَورد لَهُ الْعَهْد بِقَضَاء نيسابور وقرىء علينا الْعَهْد غَدَاة الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وأجلس فِي مجْلِس الْقَضَاء فِي مَسْجِد رجا فِي تِلْكَ السَّاعَة وَأظْهر أهل الحَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 من الْفَرح والاستبشار والنثار مَا يطول شَرحه وكتبنا بِالدُّعَاءِ وَالشُّكْر إِلَى السُّلْطَان أيده الله وَإِلَى أوليائه وَذكره أَبُو عَليّ الْحسن بن نصر بن كاكا المرندي فَقَالَ كَانَ مُنْفَردا بلطائف السِّيَادَة مُعْتَمدًا لمواقف الْوِفَادَة سفر بَين السُّلْطَان الْمُعظم ومجلس الْخلَافَة أَيَّام الْقَادِر بِاللَّه فأفتن أهل بَغْدَاد بِلِسَانِهِ وإحسانه وبزهم فِي إِيرَاده وإصداره بِصِحَّة إتقانه ونكت فِي ذَلِك المشهد النَّبَوِيّ والمحفل الإمامي أَشْيَاء أعجب بهَا كفاته وَسلم الْفضل لَهُ فِيهَا حماته وَقَالُوا مثله فَلْيَكُن نَائِبا عَن ذَلِك السُّلْطَان الْمُؤَيد بالتوفيق والنصرة وافدا على مثل هَذِه الحضرة حَتَّى صدر وحقائبه مَمْلُوءَة من أَصْنَاف الْإِكْرَام وسهامه فائزة بأقصى المرام ثمَّ كَانَ شَافِعِيّ الْعلم شريحي الحكم سحباني الْبَيَان سحار اللِّسَان وَذكر الْخَطِيب أَن أَبَا صَالح الْمُؤَذّن وَأَبا بكر مُحَمَّد بن يحيى بن إِبْرَاهِيم النَّيْسَابُورِي أخبراه أَن القَاضِي أَبَا عمر توفّي بنيسابور سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة وَقَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي إِنَّه توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وَقَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي إِنَّه توفى. سنة ثَمَان واربعمائة وأعقب الْمُوفق والمؤيد وَلدين إمامين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد بن الْقيم سَمَاعا عَلَيْهِ أَن أَبَا الْحسن بن البُخَارِيّ أخبرهُ عَن عبد الْوَاحِد بن أبي المطهر الصيدلاني أخبرنَا أَبُو سعيد بن أبي صَالح الْحَافِظ الْمُؤَذّن أخبرنَا السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم قدم علينا من هراة سنة سبع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا القَاضِي أَبُو عمر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد البسطامي أخبرنَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الْجَارُود الرقي بعسكر مكرم حَدثنَا يزِيد بن سِنَان الْبَصْرِيّ بِمصْر حَدثنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان حَدثنَا يحيى بن الْعَلَاء عَن طَلْحَة الْعقيلِيّ عَن الْحسن ابْن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نعم الْمِفْتَاح الْهَدِيَّة أَمَام الْحَاجة) لم يرو هَذَا الحَدِيث من حَدِيث الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة 321 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى الْأَزْدِيّ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ جدا لِأَنَّهُ سبط أبي عَمْرو إِسْمَاعِيل بن نجيد السّلمِيّ النَّيْسَابُورِي بَلَدا كَانَ شيخ الصُّوفِيَّة وعالمهم بخراسان لَهُ الْيَد الطُّولى فِي التَّصَرُّف وَالْعلم الغزير وَالسير على سنَن السّلف سمع من أبي الْعَبَّاس الْأَصَم وَأحمد بن عَليّ بن حسنويه المقرىء وَأحمد بن مُحَمَّد بن عَبدُوس وَمُحَمّد بن أَحْمد بن سعيد الرَّازِيّ صَاحب ابْن وارة وَأبي ظهير عبد الله بن فَارس الْعمريّ الْبَلْخِي وَمُحَمّد بن المؤمل الماسرجسي والحافظ أبي عَليّ الْحُسَيْن الحديث: 321 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 ابْن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي وَسَعِيد بن الْقَاسِم البردعي وَأحمد بن مُحَمَّد بن رُمَيْح النسوي وجده أبي عَمْرو روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَأَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو سعيد ابْن رامش وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن يحيى الْمُزَكي وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن وَأَبُو بكر ابْن خلف وعَلى بن أَحْمد الْمَدِينِيّ الْمُؤَذّن وَالقَاسِم بن الْفضل الثَّقَفِيّ وَخلق سواهُم وَقع لنا الْكثير من حَدِيثه بعلو وَاخْتلف فِي مولده فَالْمَشْهُور أَنه فِي رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَقيل بل سنة خمس وَعشْرين وثلاثمائة ذكره الْحَافِظ عبد الغافر فِي السِّيَاق فَقَالَ شيخ الطَّرِيقَة فِي وقته الْمُوفق فِي جَمِيع عُلُوم الْحَقَائِق وَمَعْرِفَة طَرِيق التصوف وَصَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة العجيبة فِي علم الْقَوْم وَقد ورث التصوف عَن أَبِيه وجده وَجمع من الْكتب مَا لم يسْبق إِلَى ترتيبه حَتَّى بلغ فهرست تصانيفه الْمِائَة وَأكْثر وَحدث أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة إملاء وَقِرَاءَة وَكتب الحَدِيث بنيسابور ومرو وَالْعراق والحجاز وانتخب عَلَيْهِ الْحفاظ الْكِبَار توفّي فِي شعْبَان سنة اثنتى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَمن القَوْل فِيهِ لَهُ وَعَلِيهِ قَالَ الْخَطِيب قَالَ لي مُحَمَّد بن يُوسُف النَّيْسَابُورِي الْقطَّان كَانَ السّلمِيّ غير ثِقَة وَكَانَ يضع للصوفية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 قَالَ الْخَطِيب قدر أبي عبد الرَّحْمَن عِنْد أهل بَلَده جليل وَكَانَ مَعَ ذَلِك مَحْمُودًا صَاحب حَدِيث قلت قَول الْخَطِيب فِيهِ هُوَ الصَّحِيح وَأَبُو عبد الرَّحْمَن ثِقَة وَلَا عِبْرَة بِهَذَا الْكَلَام فِيهِ قَالَ الْخَطِيب وَأخْبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي قَالَ كنت بَين يَدي أبي على الدقاق فَجرى حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَنه يقوم فِي السماع مُوَافقَة للْفُقَرَاء فَقَالَ أَبُو عَليّ مثله فِي حَاله لَعَلَّ السّكُون أولى بِهِ امْضِ إِلَيْهِ فستجده قَاعِدا فِي بَيت كتبه وعَلى وَجه الْكتب مجلدة صَغِيرَة مربعة فِيهَا أشعار الْحُسَيْن بن مَنْصُور فهاتها وَلَا تقل لَهُ شَيْئا قَالَ فَدخلت عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ فِي بَيت كتبه والمجلدة بِحَيْثُ ذكر أَبُو عَليّ فَلَمَّا قعدت أَخذ فِي الحَدِيث وَقَالَ كَانَ بعض النَّاس يُنكر على وَاحِد من الْعلمَاء حركته فِي السماع فرئى ذَلِك الْإِنْسَان يَوْمًا خَالِيا فِي بَيت وَهُوَ يَدُور كالمتواجد فَسئلَ عَن حَاله فَقَالَ كَانَت مَسْأَلَة مشكلة عَليّ فَتبين لي مَعْنَاهَا فَلم أتمالك من السرُور حَتَّى قُمْت أدور فَقل لَهُ مثل هَذَا يكون حَالهم فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك مِنْهُمَا تحيرت كَيفَ أفعل بَينهمَا فَقلت لَا وَجه إِلَّا الصدْق فَقلت إِن أَبَا عَليّ وصف هَذِه المجلدة وَقَالَ احملها إِلَيّ من غير أَن يعلم الشَّيْخ وَأَنا أخافك وَلَيْسَ يمكنني مُخَالفَته فأيش تَأمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 فَأخْرج أَجزَاء من كَلَام الْحُسَيْن بن مَنْصُور وفيهَا تصنيف لَهُ سَمَّاهُ الصيهور فِي نقض الدهور وَقَالَ احْمِلْ هَذِه إِلَيْهِ قلت الَّذِي أفهمهُ من هَذِه الْحِكَايَة أَن أَبَا عبد الرَّحْمَن يَقُول جَوَابا لأبي عَليّ عَن قَوْله إِن مثله فِي حَاله لَعَلَّ السّكُون أولى بِهِ مَا حَاصله أَن الْحَرَكَة لم ينشئها السماع وأنى لست بِحَيْثُ يَأْخُذ مني السماع وَلَكِن يعرض لي أَمر لَا مدْخل للسماع فِيهِ فَيحصل مَعَه من السرُور مَا يتعقبه بالحركة من غير تمالك وَلَا اخْتِيَار وَلَيْسَ للسماع هُنَاكَ أثر لِأَن مثله يتَّفق للْإنْسَان وَهُوَ خَال فِي بَيت مُفْرد ثمَّ يُوجد متواجدا لذَلِك فَمثل هَذَا حَالي وَلَيْسَ كَمَا توهم فِي أَن السماع يَأْخُذ مني فَإِن حَالي كَمَا ذكر أَبُو عَليّ أرفع وَأما إرْسَاله كتاب الصيهور فِي نقض الدهور فَلَعَلَّ فِيهِ إِشَارَة خُفْيَة بَين الشَّيْخَيْنِ لم أفهمها وَلم يكن وَالله أعلم أَبُو عبد الرَّحْمَن وَإِن أَبَاحَ السماع بِحَيْثُ يتأثر بِهِ وَقد أنكر بِقَلْبِه على أستاذه أبي سهل فِيمَا حَكَاهُ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا عبد الرَّحْمَن يَقُول خرجت إِلَى مرو يَعْنِي من نيسابور فِي حَيَاة الْأُسْتَاذ أبي سهل الصعلوكي وَكَانَ لَهُ قبل خروجي أَيَّام الْجُمُعَة بالغدوات مجْلِس دور الْقُرْآن يخْتم بِهِ فَوَجَدته عِنْد رجوعي قد رفع ذَلِك الْمجْلس وَعقد لِابْنِ العقابي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 فِي ذَلِك الْوَقْت مجْلِس القَوْل فداخلني من ذَلِك شَيْء وَكنت أَقُول فِي نَفسِي قد استبدل مجْلِس الْخَتْم بِمَجْلِس القَوْل فَقَالَ لي يَوْمًا أيش يَقُول النَّاس فِي قلت يَقُولُونَ رفع مجْلِس الْقُرْآن وَوضع مجْلِس القَوْل فَقَالَ من قَالَ لأستاذه لم لَا يفلح أبدا وَقَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ كَانَ يَعْنِي السّلمِيّ وافر الْجَلالَة لَهُ أَمْلَاك ورثهَا من أمه وورثتها هِيَ من أَبِيهَا وتصانيفه يُقَال إِنَّهَا ألف جُزْء وَله كتاب سَمَّاهُ حقائق التَّفْسِير ليته لم يصنفه فَإِنَّهُ تَحْرِيف وقرمطة فدونك الْكتاب فسترى الْعجب انْتهى قلت لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يصف بالجلالة من يَدعِي فِيهِ التحريف والقرمطة وَكتاب حقائق التَّفْسِير الْمشَار إِلَيْهِ قد كثر الْكَلَام فِيهِ من قبل أَنه اقْتصر فِيهِ على ذكر تأويلات ومحال للصوفية ينبو عَنْهَا ظَاهر اللَّفْظ 322 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أبي أَيُّوب الْأُسْتَاذ حجَّة الدّين أَبُو مَنْصُور الْمُتَكَلّم تلميذ ابْن فورك وَخَتنه وَهُوَ صَاحب كتاب تَلْخِيص الدَّلَائِل توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 322 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 323 - مُحَمَّد بن دَاوُد بن مُحَمَّد الدَّاودِيّ أَبُو بكر شَارِح مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَهُوَ الصيدلاني تلميذ الإِمَام أبي بكر الْقفال الْمروزِي كَذَا تحققناه بعد أَن كُنَّا شاكين فِيهِ قَالَ ابْن الرّفْعَة أَكثر النَّقْل عَنهُ فِي الْمطلب وتوهمه غير الصيدلاني وَقَالَ فِي كَلَامه على دِيَة الْجَنِين ابْن دَاوُد مُتَقَدم على الْقفال الْمروزِي ونقلت أَنا ذَلِك عَنهُ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى وَالصُّغْرَى ثمَّ رَأَيْت فِي الْأَنْسَاب لِابْنِ السَّمْعَانِيّ فِي تَرْجَمَة الدَّاودِيّ مَا نَصه وَأَبُو المظفر سُلَيْمَان بن دَاوُد بن مُحَمَّد بن دَاوُد الصيدلاني الْمَعْرُوف بالداودي نِسْبَة إِلَى جده الحديث: 323 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 الْأَعْلَى وَهُوَ نَافِلَة الإِمَام أبي بكر الصيدلاني صَاحب أبي بكر الْقفال انْتهى ثمَّ وقفت على مجلدين من شَرحه للمزني وَفِي أَوله اسْمه أَبُو بكر مُحَمَّد بن دَاوُد الْمروزِي الْمَعْرُوف بالصيدلاني ثمَّ وَقع لي فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة ربع الْجِنَايَات من شَرحه وَقد كتبه كَاتبه فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَقَالَ إِنَّه طَريقَة الشَّيْخ أبي بكر الْقفال الْمروزِي الَّتِي حررها الشَّيْخ أَبُو بكر بن دَاوُد الدَّاودِيّ الصيدلاني فتحققت بِهَذَا أَن الدَّاودِيّ هُوَ الصيدلاني وَهُوَ الَّذِي علق على الْمُزنِيّ شرحا مُسَمّى عِنْد الخراسانيين بطريقة الصيدلاني لِأَنَّهُ علقه على طَريقَة الْقفال الَّتِي كَانَ يسْمعهَا عَنهُ مَعَ زيادات يذكرهَا من قبله وصرت على قطع من ذَلِك وَللَّه الْحَمد 324 - مُحَمَّد بن زُهَيْر بن أخطل أَبُو بكر النَّسَائِيّ إِمَام نسا وخطيبها الحديث: 324 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 325 - مُحَمَّد بن سَلامَة بن جَعْفَر بن عَليّ القَاضِي أَبُو عبد الله الْقُضَاعِي الْفَقِيه قَاضِي مصر مُصَنف كتاب الشهَاب سمع أَبَا مُسلم مُحَمَّد بن أَحْمد الْكَاتِب وَأحمد بن ثرثال وَأَبا الْحسن بن جَهْضَم وَأَبا مُحَمَّد بن النّحاس وَآخَرين روى عَنهُ الْحميدِي وأبوعبد الْجَلِيل الساوي وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن بَرَكَات السعيدي وَسَهل بن بشر الإسفرايني وَأَبُو عبد الله الرَّازِيّ فِي مشيخته والخطيب وَابْن مَاكُولَا وَآخَرُونَ قَالَ الْأَمِير ابْن مَاكُولَا كَانَ متفننا فِي عدَّة عُلُوم وَلم أر فِي مصر من يجْرِي مجْرَاه الحديث: 325 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 وَقَالَ السلَفِي كَانَ من الثِّقَات الْأَثْبَات شَافِعِيّ الْمَذْهَب والاعتقاد مرضِي الْجُمْلَة قلت وَقد ذهب إِلَى الرّوم رَسُولا وَمن عَجِيب مَا اتّفق لَهُ أَنه لَقِي شَيخا بِمَدِينَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَسمع مِنْهُ بهَا ثمَّ حدث عَنهُ 326 - مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى البسطامي الرزجاهي ورزجاه بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة كَذَا ذكر أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَقيل بضَمهَا ثمَّ سُكُون الزَّاي ثمَّ جِيم وَفِي آخرهَا هَاء قَرْيَة من قرى بسطَام كَانَ فَقِيها أديبا مُحدثا تفقه على الْأُسْتَاذ أبي سهل الصعلوكي وَسمع أَبَا بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا أَحْمد بن عدي الجرجانيين وَأَبا أَحْمد الْحَاكِم الْحفاظ وَأَبا أَحْمد الغطريفي وَأَبا عَليّ بن الْمُغيرَة الحديث: 326 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو عبد الله الثَّقَفِيّ وَأَبُو سعيد بن أبي صَادِق وَأَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد الفقاعي وَآخَرُونَ مولده سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَكَانَ يجلس لإسماع الحَدِيث وَالْأَدب وَله حَلقَة وانتقل فِي آخر عمره إِلَى بسطَام وَمَات بهَا فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة 327 - مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد القَاضِي أَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ ولي الْقَضَاء بِربع الكرخ من بَغْدَاد وَحدث بِيَسِير عَن أبي بكر ابْن مَالك الْقطيعِي وَالْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبيد العسكري قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ ثِقَة صَدُوقًا دينا سديدا وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق تفقه على الداركي وَحَضَرت مَجْلِسه وعلقت عَنهُ وَكَانَ ورعا حَافِظًا للْمَذْهَب وَالْخلاف موفقا فِي الْفَتَاوَى انْتهى الحديث: 327 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 مَاتَ فَجْأَة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر رَجَب سنة أَربع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بمقبرة بَاب حَرْب قَالَ ابْن الصّلاح أَظُنهُ من بَيْضَاء فَارس قَالَ ابْن الصّلاح أَيْضا قَرَأت بِخَط القَاضِي أبي مَنْصُور بن الصّباغ فِي كِتَابه كتاب الْإِشْعَار بِمَعْرِِفَة اخْتِلَاف عُلَمَاء الْأَمْصَار وَإِذا رأى فِي ثَوْبه نَجَاسَة ثمَّ خفيت عَلَيْهِ فِيمَا يغلب عَلَيْهِ ظَنِّي أَنِّي سَمِعت قَاضِي الْقُضَاة أَبَا عبد الله الدَّامغَانِي أَو وجدته فِي كِتَابه أَنه استفتي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي زمَان أبي عبد الله الْبَيْضَاوِيّ وَأَن جمَاعَة فُقَهَاء الْوَقْت أفتوا بِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِ غسل جَمِيعه إِلَّا الْبَيْضَاوِيّ فَإِنَّهُ أفتى بِأَنَّهُ يجب غسل مَا رَآهُ فِي الثَّوْب فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ قَالَ ابْن الصّلاح وَهَذَا فِيهِ غموض وكشفه أَن النَّجَاسَة لم تحقق إِلَّا فِيمَا رأى فالاشتباه لَا يتعداه فَلَا يتعداه الْغسْل إِلَى مَا لم يره وَهَذَا الْخلاف خلاف مَا يُقَال إِذا أصَاب الثَّوْب نَجَاسَة وخفي موضعهَا غسله كُله قلت هَذَا فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ خلافًا لما أفتوا بِهِ فَإِنَّهُ لَو عرض عَلَيْهِم لقبلوه وَإِنَّمَا الذِّهْن السَّرِيع الْإِدْرَاك يُبَادر إِلَيْهِ فَهُوَ دَلِيل على حسن بديهة الْبَيْضَاوِيّ واتقاد ذهنه وَمثل هَذَا مَا وَقع فِي عصرنا وَردت عَليّ فتيا صورتهَا رجل وقف على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَابْن ابْنه فَقير فَهَل يدْفع إِلَيْهِ من مَال الْوَقْف وَيكون أَحَق من الْأَجَانِب فَكتبت الْأَفْضَل الدّفع إِلَيْهِ ووافقني جمَاعَة من الْمُفْتِينَ ثمَّ حضرت وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى وَقد وَردت عَلَيْهِ الْفتيا مشحونة بخطوط الْمُفْتِينَ فَكتب تَحْتهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 فِي الْوَقْت الْحَاضِر الْأَجْوِبَة الْمَذْكُورَة صَحِيحَة بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن لَا يكون الْوَقْف فِي مرض الْمَوْت وَيكون ابْن ابْنه وَارِثا فَمَتَى كَانَ كَذَلِك لَا يصرف إِلَيْهِ شَيْء وَالثَّانِي أَن يحصل الصّرْف إِلَى خَمْسَة سواهُ اثْنَيْنِ من الْفُقَرَاء وَثَلَاثَة من الْمَسَاكِين ليحصل حَقِيقَة الْجمع الَّتِي دلّ عَلَيْهَا لفظ الْفُقَرَاء وَلَفظ الْمَسَاكِين فَإِذا اجْتمع هَذَانِ الشرطان كَانَ الْأَفْضَل الصّرْف إِلَيْهِ 328 - مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن الإِمَام أَبُو الْحُسَيْن بن اللبان الفرضي الْفَقِيه إِمَام عصره فِي الْفَرَائِض وَقِسْمَة التركات وَله فِي ذَلِك التصانيف الْمَشْهُورَة سمع أَبَا الْعَبَّاس الْأَثْرَم وَالْحسن بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الْفَسَوِي وَأَبا بكر بن داسة وَغَيرهم وَحدث بِبَغْدَاد سمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو الطّيب مُحَمَّد بن بكر الطَّبَرِيّ سنَن أبي دَاوُد سَمَاعه من ابْن داسة عَن أبي دَاوُد قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ ابْن اللبان إِمَامًا فِي الْفِقْه والفرائض صنف فِيهَا كتبا كَثِيرَة لَيْسَ لأحد مثلهَا وَعنهُ أَخذ النَّاس الحديث: 328 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 مِمَّن أَخذ عَنهُ أَبُو أَحْمد بن أبي مُسلم الفرضي وَأَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن يحيى الكازروني الَّذِي لم يكن فِي زَمَانه أفرض مِنْهُ وَلَا أَحسب انْتهى وَقَالَ الْخَطِيب انْتهى إِلَيْهِ علم الْفَرَائِض وَرُوِيَ أَنه كَانَ يَقُول لَيْسَ فِي الدُّنْيَا فَرضِي إِلَّا من أَصْحَابِي أَو أَصْحَاب أَصْحَابِي أَو لَا يحسن شَيْئا 329 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه بن نعيم بن الحكم الضَّبِّيّ الطهماني النَّيْسَابُورِي الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحَاكِم الْمَعْرُوف بِابْن البيع صَاحب التصانيف فِي عُلُوم الحَدِيث مِنْهَا تَارِيخ نيسابور وَهُوَ عِنْدِي أَعُود التواريخ على الْفُقَهَاء بفائدة وَمن نظره عرف تفنن الرجل فِي الْعُلُوم جَمِيعهَا وَله الحديث: 329 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ وعلوم الحَدِيث وَكتاب مزكى الْأَخْبَار وَكتاب الإكليل وَكتاب فَضَائِل الشَّافِعِي وَغير ذَلِك كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا وحافظا حفيلا اتّفق على إِمَامَته وجلالته وَعظم قدره ولد صَبِيحَة الثَّالِث من شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة وَطلب الْعلم من الصغر باعتناء وَالِده وخاله فَأول سَمَاعه سنة ثَلَاثِينَ واستملى على أبي حَاتِم بن حبَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ ورحل من نيسابور إِلَى الْعرَاق سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين بعد موت إِسْمَاعِيل الصفار بأشهر وَحج وجال فِي بِلَاد خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَأكْثر وشيوخه الَّذين سمع مِنْهُم بنيسابور وَحدهَا نَحْو ألف شيخ وَسمع بغَيْرهَا من نَحْو ألف شيخ أَيْضا روى عَن مُحَمَّد بن عَليّ الْمُذكر وَمُحَمّد بن يَعْقُوب الْأَصَم وَمُحَمّد بن يَعْقُوب بن الأخرم وَمُحَمّد بن عبد الله بن أَحْمد الْأَصْبَهَانِيّ الصفار نزيل نيسابور وَأبي حَامِد بن حسنويه المقرىء وَأبي بكر بن إِسْحَاق الصبغي الْفَقِيه وَأبي النَّصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 يُوسُف الْفَقِيه وَأبي عَمْرو عُثْمَان بن السماك وَأبي بكر النجار وَأبي عَليّ النَّيْسَابُورِي الْحَافِظ وَبِه تخرج وَأبي الْوَلِيد الْفَقِيه وَعبد الْبَاقِي بن قَانِع الْحَافِظ وَخلق وَكتب عَن غير وَاحِد أَصْغَر مِنْهُ سنا وسندا روى عَنهُ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ من شُيُوخه وَأَبُو الْفَتْح بن أبي الفوارس وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ والأستاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن وَجَمَاعَة آخِرهم أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن خلف الشِّيرَازِيّ وانتخب على خلق كثير وتفقه على أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَأبي سهل الصعلوكي وَأبي الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي وَصَحب فِي التصوف أَبَا عمر بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الْخُلْدِيِّ وَأَبا عُثْمَان المغربي وَجَمَاعَة ورحل إِلَيْهِ من الْبِلَاد لسعة علمه وَرِوَايَته واتفاق الْعلمَاء على أَنه من أعلم الْأَئِمَّة الَّذين حفظ الله بهم هَذَا الدّين وَحدث عَنهُ فِي حَيَاته وَكتب أَبُو عمر الطلمنكي عُلُوم الحَدِيث للْحَاكِم عَن شيخ لَهُ سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة بِسَمَاعِهِ من صَاحب الْحَاكِم عَن الْحَاكِم كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب عَن جَعْفَر الْهَمدَانِي أخبرنَا أَبُو طَاهِر السلَفِي قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن عبد الْجَبَّار القَاضِي بقزوين يَقُول سَمِعت الْخَلِيل بن عبد الله الْحَافِظ يَقُول فَذكر الْحَاكِم أَبَا عبد الله وعظمه وَقَالَ لَهُ رحلتان إِلَى الْعرَاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 والحجاز الرحلة الثَّانِيَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وناظر الدَّارَقُطْنِيّ فرضيه وَهُوَ ثِقَة وَاسع الْعلم بلغت تصانيفه قَرِيبا من خَمْسمِائَة جُزْء وَقَالَ أَبُو حَازِم عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم العبدوي الْحَافِظ إِن الْحَاكِم أَبَا عبد الله قلد قَضَاء نسا سنة تسع وَخمسين فِي أَيَّام السامانية ووزارة الْعُتْبِي فَدخل الْخَلِيل بن أَحْمد السجْزِي القَاضِي على أبي جَعْفَر الْعُتْبِي فَقَالَ هَنأ الله الشَّيْخ فقد جهز إِلَى نسا ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتهلل وَجهه قَالَ وقلد بعد ذَلِك قَضَاء جرجان فَامْتنعَ قَالَ وَسمعت مشيختنا يَقُولُونَ كَانَ الشَّيْخ أَبُو بكر بن إِسْحَاق وَأَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي يرجعان إِلَى أبي عبد الله الْحَاكِم فِي السُّؤَال عَن الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَعلل الحَدِيث وَصَحِيحه وسقيمه قَالَ وأقمت عِنْد الشَّيْخ أبي عبد الله العصمي قَرِيبا من ثَلَاث سِنِين وَلم أر فِي جملَة مَشَايِخنَا أتقى مِنْهُ وَلَا أَكثر تنقيرا فَكَانَ إِذا أشكل عَلَيْهِ شَيْء أَمرنِي أَن أكتب إِلَى الْحَاكِم أبي عبد الله وَإِذا ورد عَلَيْهِ جَوَابه حكم بِهِ وَقطع بقوله وانتخب على الْمَشَايِخ خمسين سنة وَحكى القَاضِي أَبُو بكر الْحِيرِي أَن شَيخا من الصَّالِحين حكى أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم قَالَ فَقلت لَهُ يَا رَسُول الله بَلغنِي أَنَّك قلت ولدت فِي زمن الْملك الْعَادِل وَإِنِّي سَأَلت الْحَاكِم أَبَا عبد الله عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ هَذَا كذب وَلم يقلهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (صدق أَبُو عبد الله) قَالَ أَبُو حَازِم أول من اشْتهر بِحِفْظ الحَدِيث وَعلله بنيسابور بعد الإِمَام مُسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 ابْن الْحجَّاج إِبْرَاهِيم بن أبي طَالب وَكَانَ يُقَابله النَّسَائِيّ وجعفر الْفرْيَابِيّ ثمَّ أَبُو حَامِد بن الشَّرْقِي وَكَانَ يُقَابله أَبُو بكر بن زِيَاد النَّيْسَابُورِي وَأَبُو الْعَبَّاس بن سعد ثمَّ أَبُو عَليّ الْحَافِظ وَكَانَ يُقَابله أَبُو أَحْمد الْعَسَّال وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة ثمَّ الشَّيْخَانِ أَبُو الْحُسَيْن الْحجَّاج وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَكَانَ يقابلهما فِي عصرهما ابْن عدي وَابْن المظفر وَالدَّارَقُطْنِيّ وَتفرد الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي عصرنا من غير أَن يُقَابله أحد بالحجاز وَالشَّام والعراقين وَالْجِبَال والري وطبرستان وقومس وخراسان بأسرها وَمَا وَرَاء النَّهر هَذَا بعض كَلَام أبي حَازِم ذكره فِي حَيَاة الْحَاكِم وَقَالَ فِي آخِره جعلنَا الله لهَذِهِ النِّعْمَة من الشَّاكِرِينَ وَذكر أَنه سَمعه يَقُول شربت مَاء زَمْزَم وَسَأَلت الله أَن يَرْزُقنِي حسن التصنيف وَقَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي إِن الْحَاكِم اخْتصَّ بِصُحْبَة إِمَام وقته أبي بكر أَحْمد بن إِسْحَاق الصبغي وَإنَّهُ كَانَ يُرَاجِعهُ فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل والعلل وَأَنه أوصى إِلَيْهِ فِي أُمُور مدرسته دَار السّنة وفوض إِلَيْهِ تَوْلِيَة أوقافه فِي ذَلِك وَسمعت مَشَايِخنَا يذكرُونَ أَيَّامه ويحكون أَن مقدمي عصره مثل الإِمَام أبي سهل الصعلوكي وَالْإِمَام ابْن فورك وَسَائِر الْأَئِمَّة يقدمونه على أنفسهم ويراعون حق فَضله ويوفون لَهُ الْحُرْمَة الأكيدة بِسَبَب تفرده بحفظه ومعرفته وَكَانَ إِذا حضر مجْلِس سَماع محتو على مَشَايِخ وصدور يؤنسهم بمحاضرته ويطيب أوقاتهم بحكاياته بِحَيْثُ يظْهر صفاء كَلَامه على الْحَاضِرين فيأنسون بِحُضُورِهِ قَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر الْحَافِظ سَأَلت سَعْدا الزنجاني الْحَافِظ بِمَكَّة قلت لَهُ أَرْبَعَة من الْحفاظ تعاصروا أَيهمْ أحفظ فَقَالَ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 قلت الدَّارَقُطْنِيّ بِبَغْدَاد وَعبد الْغَنِيّ بِمصْر وَأَبُو عبد الله بن مندة بأصبهان وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم بنيسابور فَسكت فألححت عَلَيْهِ فَقَالَ أما الدَّارَقُطْنِيّ فأعلمهم بالعلل وَأما عبد الْغَنِيّ فأعلمهم بالأنساب وَأما ابْن مندة فأكثرهم حَدِيثا مَعَ معرفَة تَامَّة وَأما الْحَاكِم فأحسنهم تصنيفا وَحكي أَن أَبَا الْفضل الهمذاني الأديب لما ورد نيسابور وتعصبوا لَهُ ولقب بديع الزَّمَان أعجب بِنَفسِهِ إِذْ كَانَ يحفظ الْمِائَة بَيت إِذا أنشدت بَين يَدَيْهِ مرّة وينشدها من آخرهَا إِلَى أَولهَا مَقْلُوبَة فَأنْكر على النَّاس قَوْلهم فلَان الْحَافِظ فِي الحَدِيث ثمَّ قَالَ وَحفظ الحَدِيث مِمَّا يذكر فَسمع بِهِ الْحَاكِم ابْن البيع فَوجه إِلَيْهِ بِجُزْء وأجله جُمُعَة فِي حفظه فَرد إِلَيْهِ الْجُزْء بعد الْجُمُعَة وَقَالَ من يحفظ هَذَا مُحَمَّد بن فلَان وجعفر بن فلَان عَن فلَان أسامي مُخْتَلفَة وألفاظ متباينة فَقَالَ لَهُ الْحَاكِم فاعرف نَفسك وَاعْلَم أَن حفظ هَذَا أضيق مِمَّا أَنْت فِيهِ قلت وَذكر الْحَاكِم فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة الْحَافِظ أَبى عَليّ النَّيْسَابُورِي قَالَ تَذَاكرنَا يَوْمًا روى سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أنس فمررت أَنا فِي التَّرْجَمَة وَكَانَ بِحَضْرَة أبي عَليّ وَجَمَاعَة من الْمَشَايِخ إِلَى أَن ذكرت حَدِيث (لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤمن) فَحمل بَعضهم عَليّ فَقَالَ أَبُو عَليّ لَهُ لَا تفعل فَمَا رَأَيْت أَنْت وَلَا نَحن فِي سنه مثله وَأَنا أَقُول إِذا رَأَيْته رَأَيْت ألف رجل من أَصْحَاب الحَدِيث الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 وروى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ أَن الْحَاكِم أَبَا عبد الله دخل الْحمام واغتسل وَخرج وَقَالَ آه وَقبض روحه وَهُوَ متزر لم يلبس قَمِيصه بعد وَذَلِكَ فِي ثَالِث صفر سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة يَوْم الْأَرْبَعَاء وَدفن بعد الْعَصْر وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو بكر الْحِيرِي وَقَالَ الْحسن بن أَشْعَث الْقرشِي رَأَيْت الْحَاكِم فِي الْمَنَام على فرس فِي هَيْئَة حَسَنَة وَهُوَ يَقُول النجَاة فَقلت لَهُ أَيهَا الْحَاكِم فِيمَا ذَا قَالَ فِي كتبة الحَدِيث قلت كَذَا صَحَّ وَثبتت وَفَاته سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة وَوهم من قَالَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة رَحمَه الله ذكر الْبَحْث عَمَّا رمي بِهِ الْحَاكِم من التَّشَيُّع وَمَا زَادَت أعداؤه ونقصت أوداؤه رَحمَه الله تَعَالَى والنصفة بَين الفئتين أول مَا يَنْبَغِي لَك أَيهَا الْمنصف إِذا سَمِعت الطعْن فِي رجل أَن تبحث عَن خلطائه وَالَّذين عَنْهُم أَخذ مَا ينتحل وَعَن مرباه وسبيله ثمَّ تنظر كَلَام أهل بَلَده وعشيريته من معاصريه العارفين بِهِ بعد الْبَحْث عَن الصّديق مِنْهُم لَهُ والعدو الْخَالِي عَن الْميل إِلَى إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ وَذَلِكَ قَلِيل فِي المتعاصرين المجتمعين فِي بلد وَقد رمي هَذَا الإِمَام الْجَلِيل بالتشيع وَقيل إِنَّه يذهب إِلَى تَقْدِيم عَليّ من غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 أَن يطعن فِي وَاحِد من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَنَظَرْنَا فَإِذا الرجل مُحدث لَا يخْتَلف فِي ذَلِك وَهَذِه العقيدة تبعد على مُحدث فَإِن التَّشَيُّع فيهم نَادِر وَإِن وجد فِي أَفْرَاد قليلين ثمَّ نَظرنَا مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم الْعلم وَكَانَت لَهُ بهم خُصُوصِيَّة فوجدناهم من كبار أهل السّنة وَمن المتصلبة فِي عقيدة أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ كالشيخ أبي بكر بن إِسْحَاق الصبغي والأستاذ أبي بكر بن فورك والأستاذ أبي سهل الصعلوكي وأمثالهم وَهَؤُلَاء هم الَّذين كَانَ يجالسهم فِي الْبَحْث وَيتَكَلَّم مَعَهم فِي أصُول الديانَات وَمَا يجْرِي مجْراهَا ثمَّ نَظرنَا تراجم أهل السّنة فِي تَارِيخه فوجدناه يعطيهم حَقهم من الإعظام وَالثنَاء مَعَ مَا ينتحلون وَإِذا شِئْت فَانْظُر تَرْجَمَة أبي سهل الصعلوكي وَأبي بكر بن إِسْحَاق وَغَيرهمَا من كِتَابه وَلَا يظْهر عَلَيْهِ شَيْء من الغمز على عقائدهم وَقد استقريت فَلم أجد مؤرخا ينتحل عقيدة ويخلو كِتَابه عَن الغمز مِمَّن يحيد عَنْهَا سنة الله فِي المؤرخين وعادته فِي النقلَة وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بحبله المتين ثمَّ رَأينَا الْحَافِظ الثبت أَبَا الْقَاسِم بن عَسَاكِر أثْبته فِي عداد الْأَشْعَرِيين الَّذين يبدعون أهل التَّشَيُّع ويبرءون إِلَى الله مِنْهُم فَحصل لنا الريب فِيمَا رمي بِهِ هَذَا الرجل على الْجُمْلَة ثمَّ نَظرنَا تفاصيله فَوَجَدنَا الطاعنين يذكرُونَ أَن مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي ذكر أَنه سَأَلَ أَبَا إِسْمَاعِيل عبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ عَن الْحَاكِم أبي عبد الله فَقَالَ ثِقَة فِي الحَدِيث رَافِضِي خَبِيث وَأَن ابْن طَاهِر هَذَا قَالَ إِنَّه كَانَ شَدِيد التعصب للشيعة فِي الْبَاطِن وَكَانَ يظْهر التسنن فِي التَّقْدِيم والخلافة وَكَانَ منحرفا غاليا عَن مُعَاوِيَة وَأهل بَيته يتظاهر بِهِ وَلَا يتَعَذَّر مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 فَسمِعت أَبَا الْفَتْح ابْن سمكويه بهراة يَقُول سَمِعت عبد الْوَاحِد المليحي يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ يَقُول دخلت على أبي عبد الله الْحَاكِم وَهُوَ فِي دَاره لَا يُمكنهُ الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد من أَصْحَاب أبي عبد الله بن كرام وَذَلِكَ أَنهم كسروا منبره ومنعوه من الْخُرُوج فَقلت لَهُ لَو خرجت وأمليت فِي فَضَائِل هَذَا الرجل حَدِيثا لاسترحت من هَذِه الْفِتْنَة فَقَالَ لَا يَجِيء من قلبِي يَعْنِي مُعَاوِيَة وَأَنه قَالَ أَيْضا سَمِعت أَبَا مُحَمَّد بن السَّمرقَنْدِي يَقُول بَلغنِي أَن مُسْتَدْرك الْحَاكِم ذكر بَين يَدي الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ نعم يسْتَدرك عَلَيْهِمَا حَدِيث الطير فَبلغ ذَلِك الْحَاكِم فَأخْرج الحَدِيث من الْكتاب هَذَا مَا يذكرهُ الطاعنون وَقد استخرت الله كثيرا واستهديته التَّوْفِيق وَقطعت القَوْل بِأَن كَلَام أبي إِسْمَاعِيل وَابْن الطَّاهِر لَا يجوز قبُوله فِي حق هَذَا الإِمَام لما بَينهم من مُخَالفَة العقيدة وَمَا يرميان بِهِ من التجسيم أشهر مِمَّا يرْمى بِهِ الْحَاكِم من الرَّفْض وَلَا يغرنك قَول أبي إِسْمَاعِيل قبل الطعْن فِيهِ إِنَّه ثِقَة فِي الحَدِيث فَمثل هَذَا الثَّنَاء يقدمهُ من يُرِيد الإزراء بالكبار قبل الإزراء عَلَيْهِم ليوهم الْبَرَاءَة من الْغَرَض وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَالْغَالِب على ظَنِّي أَن مَا عزي إِلَى أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ كذب عَلَيْهِ وَلم يبلغنَا أَن الْحَاكِم ينَال من مُعَاوِيَة وَلَا يظنّ ذَلِك فِيهِ وَغَايَة مَا قيل فِيهِ الإفراط فِي وَلَاء عَليّ كرم الله وَجهه ومقام الْحَاكِم عندنَا أجل من ذَلِك وَأما ابْن كرام فَكَانَ دَاعِيَة إِلَى التجسيم لَا يُنكر أحد ذَلِك ثمَّ إِن هَذِه حِكَايَة لَا يحكيها إِلَّا هَذَا الَّذِي يُخَالف الْحَاكِم فِي المعتقد فَكيف يسع الْمَرْء بَين يَدي الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 أَن يقبل قَوْله فِيهَا أَو يعْتَمد على نَقله ثمَّ أَنى لَهُ اطلَاع على بَاطِن الْحَاكِم حَتَّى يقْضِي بِأَنَّهُ كَانَ يتعصب للشيعة بَاطِنا وَأما مَا رَوَاهُ الروَاة عَن الدَّارَقُطْنِيّ إِن صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَرْمِي بِهِ الْحَاكِم بل غَايَته أَنه استقبح مِنْهُ ذكر حَدِيث الطير فِي الْمُسْتَدْرك وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيح فَهُوَ يكثر من الْأَحَادِيث الَّتِي أخرجهَا فِي الْمُسْتَدْرك واستدركت عَلَيْهِ ثمَّ قَول ابْن طَاهِر إِن الْحَاكِم أخرج حَدِيث الطير من الْمُسْتَدْرك فِيهِ وَقْفَة فَإِن حَدِيث الطير مَوْجُود فِي الْمُسْتَدْرك إِلَى الْآن وليته أخرجه مِنْهُ فَإِن إِدْخَاله فِيهِ من الأوهام الَّتِي تستقبح ثمَّ لَو دلّت كلمة الدَّارَقُطْنِيّ على وضع من الْحَاكِم لم يعْتد بهَا لما ذكر الْخَطِيب فِي تَارِيخه من أَن الْأَزْهَرِي حَدثهُ أَن الْحَاكِم ورد بَغْدَاد قَدِيما فَقَالَ ذكر لي أَن حافظكم يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ خرج لشيخ وَاحِد خَمْسمِائَة جُزْء فأروني بَعْضهَا فَحمل إِلَيْهِ مِنْهَا وَذَلِكَ مِمَّا خرجه لأبي إِسْحَاق الطَّبَرِيّ فَنظر فِي أول الْجُزْء الأول حَدِيثا لعطية الْعَوْفِيّ فَقَالَ استفتح بشيخ ضَعِيف ثمَّ رمى الْجُزْء من يَده وَلم ينظر فِي الْبَاقِي فَهَذِهِ كلمة من الْحَاكِم فِي الدَّارَقُطْنِيّ تقَابل كلمة الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ وَلَيْسَ على وَاحِد مِنْهَا فضاحة غير أَنه يُؤْخَذ مِنْهُمَا أَنه قد يكون بَينهمَا مَا قد يكون بَين الأقران الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 وَقد قدمنَا فِي الطَّبَقَة الأولى فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن صَالح أَن كَلَام النظير فِي النظير عِنْد ذَلِك غير مَقْبُول وَلَا يُوجب طَعنا على الْقَائِل وَلَا الْمَقُول فِيهِ وحققنا فِي ذَلِك جملَة صَالِحَة وَذَلِكَ كُله بِتَقْدِير ثُبُوت الْحِكَايَة وَأَن فِيهَا تعريضا من الدَّارَقُطْنِيّ بغمز الْحَاكِم بِسوء العقيدة وَلَا يسلم وَاحِد من الْأَمريْنِ وَإِنَّمَا فِيهَا عندنَا الغمز من كتاب الْمُسْتَدْرك لما فِيهِ مِمَّا يسْتَدرك وَهُوَ غمز صَحِيح ثمَّ قَالَ ابْن طَاهِر وَسمعت المظفر بن حَمْزَة بجرجان يَقُول سَمِعت أَبَا سعد الْمَالِينِي يَقُول طالعت الْمُسْتَدْرك فَلم أجد فِيهِ حَدِيثا على شَرط الشَّيْخَيْنِ قلت لَيْسَ فِي هَذَا تعرض للتشيع بِنَفْي وَلَا إِثْبَات ثمَّ هُوَ غير مُسلم قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ بل هُوَ غلو وإِسْرَاف من الْمَالِينِي فَفِي الْمُسْتَدْرك جملَة وافرة على شَرطهمَا وَجُمْلَة كَبِيرَة على شَرط أَحدهمَا قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ لَعَلَّ مَجْمُوع ذَلِك نَحْو نصف الْكتاب قَالَ وَفِيه نَحْو الرّبع صَحَّ سَنَده وَإِن كَانَ فِيهِ عِلّة قَالَ وَمَا بَقِي وَهُوَ نَحْو الرّبع فَهُوَ مَنَاكِير وواهيات لَا تصح وَفِي بعض ذَلِك مَوْضُوعَات ثمَّ ذكر ابْن طَاهِر أَنه رأى بِخَط الْحَاكِم حَدِيث الطير فِي جُزْء ضخم جمعه وَقَالَ وَقد كتبته للتعجب قُلْنَا وَغَايَة جمع هَذَا الحَدِيث أَن يدل على أَن الْحَاكِم يحكم بِصِحَّتِهِ وَلَوْلَا ذَلِك لما أودعهُ الْمُسْتَدْرك وَلَا يدل ذَلِك مِنْهُ على تَقْدِيم عَليّ رَضِي الله عَنهُ على شيخ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ إِذْ لَهُ معَارض أقوى لَا يقدر على دَفعه وَكَيف يظنّ بالحاكم مَعَ سَعَة حفظه تَقْدِيم عَليّ وَمن قدمه على أبي بكر فقد طعن على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فمعاذ الله أَن يظنّ ذَلِك بالحاكم ثمَّ يَنْبَغِي أَن يتعجب من ابْن طَاهِر فِي كِتَابَته هَذَا الْجُزْء مَعَ اعْتِقَاده بطلَان الحَدِيث وَمَعَ أَن كِتَابَته سَبَب شياع هَذَا الْخَبَر الْبَاطِل واغترار الْجُهَّال بِهِ أَكثر مِمَّا يتعجب من الْحَاكِم مِمَّن يُخرجهُ وَهُوَ يعْتَقد صِحَّته وَحكى شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَلَام ابْن طَاهِر وذيل عَلَيْهِ أَن للْحَاكِم جُزْءا فِي فَضَائِل فَاطِمَة وَهَذَا لَا يلْزم مِنْهُ رفض وَلَا تشيع وَمن ذَا الَّذِي يُنكر فضائلها رَضِي الله عَنْهَا فَإِن قلت فَهَل يُنكر أَن يكون عِنْد الْحَاكِم شَيْء من التَّشَيُّع قلت الْآن حصحص الْحق وَالْحق أَحَق أَن يتبع وسلوك طَرِيق الْإِنْصَاف أَجْدَر بذوي الْعقل من ركُوب طَرِيق الاعتساف فَأَقُول لَو انْفَرد مَا حكيته عَن أبي إِسْمَاعِيل وَعَن ابْن طَاهِر لَقطعت بِأَن نِسْبَة التَّشَيُّع إِلَيْهِ كذب عَلَيْهِ وَلَكِنِّي رَأَيْت الْخَطِيب أَبَا بكر رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِيمَا أَخْبرنِي بِهِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْمسند إِذْنا خَاصّا والحافظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي إجَازَة قَالَا أخبرنَا مُسلم بن مُحَمَّد بن عَلان قَالَ الأول إجَازَة وَقَالَ الثَّانِي سَمَاعا أخبرنَا أَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز أخبرنَا أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ أَبُو عبد الله بن البيع الْحَاكِم كَانَ ثِقَة أول سَمَاعه فِي سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَكَانَ يمِيل إِلَى التَّشَيُّع فَحَدثني إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الأرموي بنيسابور وَكَانَ صَالحا عَالما قَالَ جمع أَبُو عبد الله الْحَاكِم أَحَادِيث وَزعم أَنَّهَا صِحَاح على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم مِنْهَا حَدِيث الطير وَمن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَأنْكر عَلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث ذَلِك وَلم يلتفتوا إِلَى قَوْله انْتهى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 قلت والخطيب ثِقَة ضَابِط فتأملت مَعَ مَا فِي النَّفس من الْحَاكِم من تَخْرِيجه حَدِيث الطير فِي الْمُسْتَدْرك وَإِن كَانَ خرج أَشْيَاء غير مَوْضُوعَة لَا تعلق لَهَا بتشيع وَلَا غَيره فأوقع الله فِي نَفسِي أَن الرجل كَانَ عِنْده ميل إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ يزِيد على الْميل الَّذِي يطْلب شرعا وَلَا أَقُول إِنَّه يَنْتَهِي بِهِ إِلَى أَن يضع من أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم وَلَا إِنَّه يفضل عليا على الشَّيْخَيْنِ بل أستبعد أَن يفضله على عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِنِّي رَأَيْته فِي كِتَابه الْأَرْبَعين عقد بَابا لتفضيل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان واختصهم من بَين الصَّحَابَة وَقدم فِي الْمُسْتَدْرك ذكر عُثْمَان على عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا وروى فِيهِ من حَدِيث أَحْمد بن أخي ابْن وهب حَدثنَا عمي حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب حَدثنَا هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت أول حجر حمله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبِنَاء الْمَسْجِد ثمَّ حمل أَبُو بكر ثمَّ حمل عمر حجرا ثمَّ حمل عُثْمَان حجرا فَقلت يَا رَسُول الله أَلا ترى إِلَى هَؤُلَاءِ كَيفَ يسعدونك فَقَالَ (يَا عَائِشَة هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء من بعدِي) قَالَ الْحَاكِم على شَرطهمَا وَإِنَّمَا اشْتهر من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة فَلذَلِك هجر قلت وَقد حكم شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه تَلْخِيص الْمُسْتَدْرك بِأَن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح لِأَن عَائِشَة لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل بهَا إِذْ ذَاك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 قَالَ وَأحمد مُنكر الحَدِيث وَإِن كَانَ مُسلم خرج لَهُ فِي الصَّحِيح وَيحيى وَإِن كَانَ ثِقَة فِيهِ ضعف قلت فَمن يخرج هَذَا الحَدِيث الَّذِي يكَاد يكون نصا فِي خلَافَة الثَّلَاثَة مَعَ مَا فِي إِخْرَاجه من الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ يظنّ بِهِ الرَّفْض وَخرج أَيْضا فِي فَضَائِل عُثْمَان حَدِيث لينهض كل رجل مِنْكُم إِلَى كفئه فَنَهَضَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عُثْمَان وَقَالَ (أَنْت ولي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) وَصَححهُ مَعَ أَن فِي سَنَده مقالات وَأخرج غير ذَلِك من الْأَحَادِيث الدَّالَّة على أَفضَلِيَّة عُثْمَان مَعَ مَا فِي بَعْضهَا من الِاسْتِدْرَاك عَلَيْهِ وَذكر فَضَائِل طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فقد غلب على الظَّن أَنه لَيْسَ فِيهِ وَللَّه الْحَمد شَيْء مِمَّا يستنكر عَلَيْهِ إفراط فِي ميل لَا يَنْتَهِي إِلَى بِدعَة وَأَنا أجوز أَن يكون الْخَطِيب إِنَّمَا يَعْنِي بالميل إِلَى ذَلِك وَلذَلِك حكم بِأَن الْحَاكِم ثِقَة وَلَو كَانَ يعْتَقد فِيهِ رفضا لجرحه بِهِ لَا سِيمَا على مَذْهَب من يرى رد رِوَايَة المبتدع مُطلقًا فَكَلَام الْخَطِيب عندنَا يقرب من الصَّوَاب وَأما قَول من قَالَ إِنَّه رَافِضِي خَبِيث وَمن قَالَ إِنَّه شَدِيد التعصب للشيعة فَلَا يعبأ بهما كَمَا عرفناك هَذَا مَا ظهر لي وَالله أعلم وَحكى شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَن الْحَاكِم سُئِلَ عَن حَدِيث الطير فَقَالَ لَا يَصح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 وَلَو صَحَّ لما كَانَ أحد أفضل من عَليّ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ شَيخنَا وَهَذِه الْحِكَايَة سندها صَحِيح فَمَا باله أخرج حَدِيث الطير فِي الْمُسْتَدْرك ثمَّ قَالَ فَلَعَلَّهُ تغير رَأْيه قلت وَكَلَام شَيخنَا حق وإدخاله حَدِيث الطير فِي الْمُسْتَدْرك مُسْتَدْرك وَقد جوزت أَن يكون زيد فِي كِتَابه وَألا يكون هُوَ أخرجه وبحثت عَن نسخ قديمَة من الْمُسْتَدْرك فَلم أجد مَا ينشرح الصَّدْر لعدمه وتذكرت قَول الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّه يسْتَدرك حَدِيث الطير فغلب على ظَنِّي أَنه لم يوضع عَلَيْهِ ثمَّ تَأَمَّلت قَول من قَالَ إِنَّه أخرجه من الْكتاب فجوزت أَن يكون خرجه ثمَّ أخرجه من الْكتاب وَبَقِي فِي بعض النّسخ فَإِن ثَبت هَذَا صحت الحكايات وَيكون خرجه فِي الْكتاب قبل أَن يظْهر لَهُ بُطْلَانه ثمَّ أخرجه مِنْهُ لاعْتِقَاده عدم صِحَّته كَمَا فِي هَذِه الْحِكَايَة الَّتِي صحّح الذَّهَبِيّ سندها وَلكنه بَقِي فِي بعض النّسخ إِمَّا لانتشار النّسخ بِالْكتاب أَو لإدخال بعض الطاعنين إِيَّاه فِيهِ فَكل هَذَا جَائِز وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى وَأما الحكم على حَدِيث الطير بِالْوَضْعِ فَغير جيد وَرَأَيْت لصاحبنا الْحَافِظ صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلائي عَلَيْهِ كلَاما قَالَ فِيهِ بعد مَا ذكر تَخْرِيج التِّرْمِذِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 لَهُ وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ فِي خَصَائِص عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِن الْحق فِي الحَدِيث أَنه رُبمَا يَنْتَهِي إِلَى دَرَجَة الْحسن أَو يكون ضَعِيفا يحْتَمل ضعفه قَالَ فَأَما كَونه يَنْتَهِي إِلَى أَنه مَوْضُوع من جَمِيع طرقه فَلَا قَالَ وَقد خرجه الْحَاكِم من رِوَايَة مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيَاض قَالَ حَدثنَا أبي حَدثنَا يحيى بن حسان عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ وَرِجَال هَذَا السَّنَد كلهم ثقاة معروفون سوى أَحْمد بن عِيَاض فَلم أر من ذكره بتوثيق وَلَا جرح وَيقرب من حَدِيث الطير حَدِيث عَليّ خير الْبشر من أبي فقد كفر أخرجه الْحَاكِم أَيْضا فَقَالَ حَدثنَا السَّيِّد أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن يحيى العلوى حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الشَّيْبَانِيّ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْهَاشِمِي قَالَ قلت للْحرّ بن سعيد النَّخعِيّ أحَدثك شريك قَالَ حَدثنِي شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره وَهُوَ مِمَّا يُنكر على الْحَاكِم إِخْرَاجه وَقد رَوَاهُ الْخَطِيب أَبُو بكر من وَجه آخر فَقَالَ أخبرنَا الْحسن بن أبي طَالب حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْقطيعِي حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد بن يحيى صَاحب كتاب النّسَب حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا عبد الرَّزَّاق حَدثنَا الثَّوْريّ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ بِلَفْظِهِ إِلَّا أَن الْخَطِيب تعقبه بقوله هَذَا حَدِيث مُنكر مَا رَوَاهُ سوى الْعلوِي بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَيْسَ بِثَابِت وَلم يعجب شَيخنَا الذَّهَبِيّ اقْتِصَار الْخَطِيب على هَذِه الْعبارَة وَقَالَ يَنْبَغِي أَن يَأْتِي بأبلغ مِنْهَا مِمَّا يدل على أَن هَذَا حَدِيث جلي الْبطلَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 وَأخرج الْحَاكِم أَيْضا حَدِيث مُحَمَّد بن دِينَار من أهل السَّاحِل فِي شَأْن تزوج عَليّ بفاطمة رَضِي الله عَنْهَا أخرجه بِطُولِهِ ساكتا عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْضُوع وَلَعَلَّ وَاضعه مُحَمَّد بن دِينَار فَإِنَّهُ الَّذِي يُقَال لَهُ العرقي لَا يعرف 330 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مَسْعُود بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَسْعُود المَسْعُودِيّ الإِمَام أَبُو عبد الله الْمروزِي أحد أَئِمَّة أَصْحَاب الْقفال الْمروزِي كَانَ إِمَامًا مبرزا زاهدا ورعا حَافِظًا للْمَذْهَب شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَسمع الْقَلِيل من أستاذه أبي بكر الْقفال وَتُوفِّي سنة نَيف وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة بمرو وَقَالَ ابْن الصّلاح وحكاية من صحب الْقفال من الْأَئِمَّة عَن المَسْعُودِيّ تشعر بجلالة قدره قلت كَانَ المَسْعُودِيّ إِن لم يكن من أَقْرَان الْقفال كَمَا دلّ عَلَيْهِ كَلَام الفوراني فِي خطْبَة الْإِبَانَة فَهُوَ من أكبر تلامذته وَالَّذِي يَقع لي أَنه من أَقْرَان الصيدلاني وَفَوق دَرَجَة الفوراني الحديث: 330 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 وَسُئِلَ الْقفال وَهُوَ يتَكَلَّم عَن الْعَوام عَن رجل حلف بِطَلَاق زَوجته لَا يَأْكُل الْبيض فَلَقِيَهُ إِنْسَان وَفِي كمه شَيْء فَقَالَ إِن لم آكل مِمَّا فِي كم فلَان فامرأتي طَالِق وَكَانَ الَّذِي فِي كمه الْبيض فَمَا الْحِيلَة فِي أَلا يَقع طَلَاقه ففكر الْقفال وَلم يحضرهُ الْجَواب فَلَمَّا نزل قَالَ المَسْعُودِيّ يَجْعَل ذَلِك الْبيض فِي القبيطاء يَعْنِي الْحَلَاوَة الناطف ثمَّ يَأْكُلهُ وَلَا يَقع طَلَاقه قلت وَمِمَّا حَكَاهُ الفوراني عَن المَسْعُودِيّ فِي الْعمد أَن الْمُصَلِّي صَلَاة الْعِيد يَقُول بَين كل تكبيرتين من التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تبَارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَجل ثناؤك وَلَا إِلَه غَيْرك وَقد نَقله النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة عَن المَسْعُودِيّ لَكِن فِي نقل الفوراني إِيَّاه عَن المَسْعُودِيّ كَمَا فِي نقل مَسْأَلَة الناطف مِمَّا يشْعر بجلالة المَسْعُودِيّ وَرب قرين لقوم يكَاد يكون لَهُم شَيخا فَهُوَ بَينهم وَبَين الشَّيْخ الْأُسْتَاذ كالمعيد فَكَأَن المَسْعُودِيّ كَانَ معيدا بَين يَدي الْقفال فَكَذَلِك كَانَ صَاحب التَّقْرِيب بَين يَدي وَالِده الْقفال الْكَبِير وَلذَلِك كَانَ تلامذة أَبِيه كالحليمي يرجعُونَ إِلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 الْبَحْث عَن حَال المَسْعُودِيّ المتكرر ذكره فِي كتاب الْبَيَان قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح كل مَا يُوجد فِي كتاب الْبَيَان للعمراني مَنْسُوبا إِلَى المَسْعُودِيّ فَإِنَّهُ غير صَحِيح النِّسْبَة إِلَيْهِ وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ صَاحب الْإِبَانَة أَبُو الْقَاسِم الفوراني قَالَ وَذَلِكَ أَن الْإِبَانَة وَقعت فِي الْيمن منسوبة إِلَى المَسْعُودِيّ على جِهَة الْغَلَط لتباعد الديار قلت وَقَالَ أَبُو عبد الله الطَّبَرِيّ صَاحب الْعدة فِي أَولهَا بعد أَن ذكر مَا ذكره ابْن الصّلاح إِن الْإِبَانَة تنْسب فِي بعض بِلَاد خُرَاسَان إِلَى الصفار وَفِي بَعْضهَا إِلَى الشَّاشِي وَمَا ذكره ابْن الصّلاح من أَن كل مَا يُوجد عَن المَسْعُودِيّ فِي الْبَيَان فَهُوَ عَن الْإِبَانَة مُشكل بمواضع مِنْهَا أَن صَاحب الْبَيَان نقل فِيهِ أَن المَسْعُودِيّ قَالَ إِذا اشْترى مَالا شُفْعَة فِيهِ أصلا لَا بِالْأَصَالَةِ وَلَا بالتبعية كالسيف وَمَا فِيهِ شُفْعَة أَنه لَا تثبت الشُّفْعَة فِي الشّقص لتفرق الصَّفْقَة فِي الشّقص على المُشْتَرِي وَقد كشفت الْإِبَانَة فَلم أجد ذَلِك فِيهَا ولعلنا نزيد الْكَلَام على هَذَا الْوَجْه بسطة فِي تَرْجَمَة ابْن أبي الدَّم إِذا أنتهينا إِلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِنْهَا نقل فِي الْبَيَان عَن المَسْعُودِيّ أَنه إِذا ابْتَاعَ بِثمن مُؤَجل فَلهُ أَن يَبِيع وَلَا يخبر بالأجل وَهَذَا يُوَافقهُ قَول سليم فِي الْمُجَرّد إِنَّه يكره لَهُ أَن يَبِيعهُ وَلَا يذكر الْأَجَل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 وَقد صرح الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر بحكايته وَجها عَن الخراسانيين إِلَّا أَنِّي كشفت الْإِبَانَة للفوراني فَلم أر ذَلِك فِيهَا وَمِنْهَا قَالَ فِي الْبَيَان قَالَ المَسْعُودِيّ فِي الْأَب هَل يُزَوّج ابْنه الصَّغِير وَجْهَان الْأَصَح لَا لِأَنَّهُ لَا حَاجَة لَهُ إِلَيْهِ وَهَذَا لم يُوجد فِي الْإِبَانَة وَقد وَقع فِي الرَّوْضَة أَن الفوراني حكى وَجها وَصَححهُ أَن الْأَب لَا يملك تَزْوِيج الابْن الصَّغِير الْعَاقِل قَالَ وَهُوَ غلط قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب وَلم أر الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الْإِبَانَة هُنَا قلت مَا أَظن النَّوَوِيّ أُتِي إِلَّا من قبل ابْن الصّلاح فَإِنَّهُ لما اسْتَقر فِي نَفسه مَا ذكره من أَن كل مَا ينْسب فِي الْبَيَان إِلَى المَسْعُودِيّ فَهُوَ إِلَى الفوراني وَوجد هَذَا مَنْسُوبا إِلَى المَسْعُودِيّ نسبه إِلَى الفوراني وَهُوَ مَكَان كيس قد ذَكرْنَاهُ مَعَ نَظَائِر لَهُ فِي الْكتاب الَّذِي لقبناه خَادِم الرَّافِعِيّ فِي بَاب وهم على وهم وَمن الْغَلَط عَن المَسْعُودِيّ نقل ابْن يُونُس فِي شرح التَّنْبِيه عَن المَسْعُودِيّ أَنه لَا يسمع شَهَادَة الْفَرْع إِلَّا عِنْد موت شُهُود الأَصْل وَهَذَا تَصْحِيف إِنَّمَا هُوَ الشّعبِيّ أما أَصْحَابنَا فَلم يقل مِنْهُم بذلك قَائِل لَا المَسْعُودِيّ وَلَا غَيره نبه عَلَيْهِ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 331 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عَليّ أَبُو عمر النسوي أقضى الْقُضَاة ولد سنة ثَمَان وَسبعين وثلاثمائة وَكَانَ يعرف بِالْقَاضِي الرئيس وَذكره كل وَاحِد من عبد الله بن مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة وَأبي سعد السَّمْعَانِيّ فِي الذيل ومحمود الْخَوَارِزْمِيّ فِي تَارِيخ خوارزم قَالَ الْجِرْجَانِيّ هُوَ قَاضِي الْقُضَاة بخوارزم وفراوة ونسا أَخذ الْفِقْه بِبَلَدِهِ عَن القاضى الْحسن الداماني النسوي ثمَّ رَحل إِلَى الْعرَاق ومصر وَحصل الْعلم وولاه أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله الْقَضَاء بالنواحي الْمَذْكُورَة ولقبه بأقضى الْقُضَاة صنف كتبا فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير حسن السِّيرَة فِي الْقَضَاء مرضِي الطَّرِيقَة وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ الْمَعْرُوف بِالْقَاضِي الرئيس كَانَ من أكَابِر أهل عصره فضلا وحشمة وقبولا عِنْد الْمُلُوك بعث رَسُولا إِلَى دَار الْخلَافَة بِبَغْدَاد من جِهَة الْأَمِير طغرلبك وَله آثَار وجدت بخراسان وخوارزم وَولي قضاءها مُدَّة وَبنى بهَا مدرسة سَافر الْكثير وَسمع بنيسابور الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الإسفرايني الْجِرْجَانِيّ وَأَبا معمر الْإِسْمَاعِيلِيّ الحديث: 331 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 وبمصر أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل بن نظيف الْفراء وبدمشق أَبَا الْحسن بن عَليّ بن مُوسَى السمسار وبمكة أَبَا ذَر الْهَرَوِيّ وبنسا أَبَا بكر مُحَمَّد بن زُهَيْر بن أخطل النَّسَائِيّ وأملى الْمجْلس وَتكلم على الْأَحَادِيث وروى عَنهُ أَبُو عبد الله الفراوي وَعبد الْمُنعم الْقشيرِي وَغَيرهم وَقَالَ الْخَوَارِزْمِيّ فاق أهل عصره فضلا وإفضالا وَتقدم على أَبنَاء دهره رُتْبَة وجلالة وحشمة ونعمة وقولا وإقبالا لَهُ الْفضل الوافر فِي فنون الْعُلُوم الدِّينِيَّة وأنواعها الشَّرْعِيَّة وَكَانَ لغويا نحويا مُفَسرًا مدرسا فَقِيها مفتيا مناظرا شَاعِرًا مُحدثا إِلَى أَن قَالَ وَله الدّين المتين الْوَازِع عَن ارْتِكَاب مَا يشين إِلَى أَن قَالَ وَكَانَ سلاطين السلجوقية يعتمدونه فِيمَا يعن لَهُم من الْمُهِمَّات وَذكر أَن السُّلْطَان ملك شاه بن أرسلان استحضره بِإِشَارَة نظام الْملك من خوارزم إِلَى أَصْبَهَان وجهزه إِلَى الْخَلِيفَة ليخطب لَهُ ابْنَته فَلَمَّا مثل بَين يَدي الْخَلِيفَة وضعُوا لَهُ كرسيا جلس عَلَيْهِ والخليفة على السرير فَلَمَّا بلغ من إبلاغ الرسَالَة نزل عَن السرير وَقَالَ هَذِه الرسَالَة وَبقيت النَّصِيحَة قَالَ قل قَالَ لَا تخلط بَيْتك الطَّاهِر النَّبَوِيّ بالتركمانية فَقَالَ الْخَلِيفَة سمعنَا رِسَالَتك وَقَبلنَا نصيحتك فَرجع عَن حَضْرَة الْخَلِيفَة وَقد بلغ الْوَزير نظام الْملك الْخَبَر قبل وُصُوله إِلَيْهِ فَلَمَّا دخل إِلَى أَصْبَهَان قَالَ لَهُ دعوناك من خوارزم لإِصْلَاح أَمر أفسدته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الدّين النَّصِيحَة وَأَنا لَا أبيع الدّين بالدنيا وَلم تنتقص حشمته بذلك) وَمن شعره قَوْله (من رام عِنْد الْإِلَه منزلَة ... فليطع الله حق طَاعَته) (وَحقّ طاعاته الْقيام بهَا ... مبالغا فِيهِ وسع طاقته) وَمِنْه (اتخذ طَاعَة الْإِلَه سَبِيلا ... تَجِد الْفَوْز بالجنان وتنجو) (وأترك الْإِثْم وَالْفَوَاحِش طرا ... يؤتك الله مَا تروم وترجو) قَالَ مَحْمُود الْخَوَارِزْمِيّ وَلم يكن لَهُ كل قَضَاء خوارزم إِنَّمَا كَانَ قَاضِيا بالجانب الشَّرْقِي مِنْهَا قَالَ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود الزَّمَخْشَرِيّ يَحْكِي أَنه كَانَ لَا يذكر أحدا إِلَّا بِخَير وَأَنه ذكر لَهُ فَقِيه كثير المساوىء فَقَالَ لَا تَقولُوا ذَلِك فَإِنَّهُ يتعمم حسنا يَعْنِي لم يجد وَصفا جميلا إِلَّا حسن عمته فَذكره بِهِ وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَلم يذكرهُ ابْن النجار 332 - مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق الماخواني الْمَذْكُور فِي أَوَائِل الْبَاب الثَّانِي فِي أَرْكَان الطَّلَاق من شرح الرَّافِعِيّ من قَرْيَة ماخوان بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالنون من قرى مرو الحديث: 332 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وَهُوَ الإِمَام الْكَبِير أَبُو الْفضل الْمروزِي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل متبحر فِي مَذْهَب الشَّافِعِي تفقه على أبي طَاهِر الشنجي وروى الحَدِيث عَن أبي عَليّ السنجي روى لنا عَنهُ ابناه عَتيق وَعبد الرَّزَّاق وَعبد الرَّحْمَن بن عَليّ الْعمي الْعدْل وَغَيرهم توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 333 - مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو عبد الرَّحْمَن النيلي أحد أَئِمَّة خُرَاسَان كَانَ فَقِيها صَالحا زاهدا وَله ديوَان شعر حدث عَن أبي عَمْرو بن حمدَان وَأبي احْمَد الْحَاكِم وَغَيرهمَا روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن عبد الغافر وَأحمد بن عبد الْملك الْمُؤَذّن وَغَيرهمَا وأملى الحَدِيث مُدَّة وَعمر ثَمَانِينَ سنة مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 333 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 وَمن الْفَوَائِد عَنهُ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ إجَازَة أخبرنَا الْجُنَيْد بن مُحَمَّد القايني أَنبأَنَا أَبُو الْفضل الطبسي أَنبأَنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن النيلي فِيمَا أنْشدهُ لنَفسِهِ (مَا حَال من أسر الْهوى ألبابه ... مَا حَاله من كسر التصابي بَابه) (نَادَى الْهوى أسماعه فَأَجَابَهُ ... حَتَّى إِذا مَا جَازَ أغلق بَابه) (أَهْوى لتمزيق الْفُؤَاد فَلم يجد ... فِي صَدره قلبا فشق ثِيَابه) 334 - مُحَمَّد بن عبد الْملك بن خلف أَبُو خلف الطَّبَرِيّ السّلمِيّ من أَئِمَّة أَصْحَابنَا تفقه على الشَّيْخَيْنِ الْقفال وَأبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ الْقَائِل بِأَنَّهُ تجب الْكَفَّارَة بِكُل مَا يَأْثَم بِهِ الصَّائِم من أكل أَو شرب أَو جماع وَنَحْوهَا وَكَانَ فَقِيها صوفيا وقفت لَهُ على كتاب سلوة العارفين وَأنس المشتاقين فِي التصوف وَهُوَ كتاب جليل فِي بَابه أعجبت بِهِ جدا صنفه للرئيس أبي عَليّ حسان الحديث: 334 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 ابْن سعيد المنيعي ورتبه على اثْنَيْنِ وَسبعين بَابا أَولهَا فِي معنى التصوف وَآخِرهَا على بَيَان طَبَقَات الصُّوفِيَّة وتراجمهم وَمَا أرَاهُ إِلَّا حاكي رِسَالَة أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَلَعَلَّ خمول هَذَا الْكتاب بِهَذَا السَّبَب وَإِلَّا فَهُوَ حسن جدا وَلم أَقف مِنْهُ قطّ إِلَّا على النُّسْخَة الَّتِي قدمهَا هُوَ للمنيعي نَفسهَا وَهِي خطّ مليح مضبوط وَقفهَا الْملك الْأَشْرَف مُوسَى فِي خزانَة كتبه بدار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق وَقد خَاضَ أَبُو خلف فِي هَذَا الْكتاب مَعَ الصُّوفِيَّة فِي أَحْوَالهم وَأَبَان عَن معرفَة جَيِّدَة بِهَذِهِ الطَّرِيقَة وتكيف بهَا وَذكر أَنه فرغ من تصنيفه فِي ربيع الآخر سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَذكر ابْن باطيش أَن أَبَا خلف توفّي فِي حُدُود سنة سبعين وَأَرْبَعمِائَة وَمن الْفَوَائِد عَن أبي خلف ... 335 - مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبيد الله بن أَحْمد بن الْمفضل بن شهريار الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو الْحسن الْأَصْبَهَانِيّ الأردستاني وأردستان بِفَتْح الْألف وَسُكُون الراء وَفتح الدَّال وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفتح التَّاء المنقوطة من فَوْقهَا بِاثْنَتَيْنِ وَفِي آخرهَا نون الحديث: 335 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 وَقيل بل بِكَسْر الْألف وَالدَّال وَهِي بلد على ثَمَانِيَة عشر فرسخا من أَصْبَهَان هُوَ مُصَنف كتاب الدَّلَائِل السمعية على الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة فِي ثَلَاث مجلدات جود فِيهَا وَنصب الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة وَمَالك وروى فِيهِ عَن عبيد الله بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن جميل من مُسْند أَحْمد بن منيع قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَهُوَ أكبر شيخ لَهُ وروى أَيْضا عَن الْحسن بن أَحْمد بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ وَأحمد بن إِبْرَاهِيم العبقسي الْمَكِّيّ وَأبي عبد الله بن مندة وَالْحسن بن عُثْمَان بن بكران وَأبي عمر بن مهْدي الْفَارِسِي وَإِبْرَاهِيم بن عبد الله بن خرشيد قولة وَأبي الطَّاهِر إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الذَّهَبِيّ صَاحب ابْن الْأَعرَابِي وَمُحَمّد بن أَحْمد بن جشنس وَأحمد بن مُحَمَّد بن الصَّلْت الْمُجبر وَأبي أَحْمد الفرضي وَإِسْمَاعِيل بن الْحسن الْبَصْرِيّ وَأبي بكر بن مرْدَوَيْه وَمُحَمّد بن أَحْمد بن الْفضل صَاحب ابْن أبي حَاتِم وَأبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ الْحَافِظ وَأبي ذَر الطَّبَرِيّ وهما من أَصْغَر شُيُوخه وَخلق روى عَنهُ أَبُو عَليّ الْحداد وَغَيره وَقد روى هَذَا الْكتاب عَنهُ الْحَافِظ أَبُو مَسْعُود وَسليمَان بن إِبْرَاهِيم الْأَصْبَهَانِيّ سَمَاعا وَسمع الْكتاب الْمَذْكُور على أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَا شَاذَّة بإجازته من سُلَيْمَان وَذكر الأردستاني أَنه فرغ من تأليف هَذَا الْكتاب سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فَتكون وَفَاته بعد ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 وَقد ترْجم الْحَافِظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فِي كتاب الْأَنْسَاب جده عبيد الله بن أَحْمد وَلم يترجمه هُوَ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا يُوسُف بن خَلِيل الْحَافِظ ح وكتبت إِلَيّ زَيْنَب بنت الْكَمَال عَن ابْن خَلِيل أخبرنَا مَسْعُود الْجمال أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحداد أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبيد الله بن أَحْمد بن الْفضل بن شهريار الإِمَام أخبرنَا ابْن المقرىء فِي صفر سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة حَدثنَا عَبْدَانِ حَدثنَا زَاهِر بن نوح حَدثنَا أَبُو همام عَن هدبة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ (إِذا صلت الْمَرْأَة خمسها وحصنت فرجهَا وأطاعت بَعْلهَا دخلت من أَي أَبْوَاب الْجنَّة) وَمن الْفَوَائِد عَنهُ 336 - مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عمر بن الميمون الشَّيْخ الإِمَام الْجَلِيل أَبُو الْفرج الدَّارمِيّ صَاحب الاستذكار وَقد صنف هَذَا الْكتاب فِي صباه وسنحكي كَلَامه فِيهِ وَله أَيْضا تصنيف حافل فِي أَحْكَام الْمُتَحَيِّرَة وَكَانَ بَدَأَ فِي كتاب سَمَّاهُ جَامع الْجَوَامِع ومودع الْبَدَائِع حافل جدا ذكر فِيهِ الحديث: 336 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 الدَّلَائِل مبسوطة وَجمع فِيهِ منقولات الْمَذْهَب فَأكْثر وقفت على الْجُزْء الأول وَالثَّانِي مِنْهُ بِخَطِّهِ وهما جزآن لطيفان ووقفت لَهُ أَيْضا على كتاب فِي الدّور الْحكمِي كَانَ إِمَامًا كَبِيرا ذكي النظرة تفقه على أبي الْحسن بن الأردبيلي قَالَ الْخَطِيب كَانَ أحد الفهماء مَوْصُوفا بالذكاء والفطنة يحسن الْفِقْه والحساب وَيتَكَلَّم فِي دقائق الْمسَائِل وَيَقُول الشّعْر وانتقل من بَغْدَاد إِلَى الرحبة فسكنها مُدَّة ثمَّ تحول إِلَى دمشق فاستوطنها روى عَن أبي مُحَمَّد بن ماسي وَأبي بكر الْوراق وَمُحَمّد بن المظفر وَأبي بكر بن شَاذان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو عَليّ الْأَهْوَازِي وَعبد الْعَزِيز الكتاني وَأَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الحنائي والحافظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيرهم وَذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي الطَّبَقَات وَقَالَ كَانَ فَقِيها حاسبا شَاعِرًا مَا رَأَيْت أفْصح مِنْهُ لهجة قَالَ لي مَرضت فعادني الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفرايني فَقلت (مَرضت فارتحت إِلَى عَائِد ... فعادني الْعَالم فِي وَاحِد) (ذَاك الإِمَام ابْن أبي طَاهِر ... أَحْمد ذُو الْفضل أَبُو حَامِد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 قلت وَمن شعره مَا رَأَيْته بِخَطِّهِ على كِتَابه الدّور الْحكمِي (فِي الشَّرْع دوران غير وهم ... دور حِسَاب ودور حكمي) (وَقد شرحت الْحكمِي مِنْهُ ... فاستمعوه اسْتِمَاع فهم) (فللفتى الدَّارمِيّ فِيهِ ... صِحَة معنى وَحسن وسم) ولد الدَّارمِيّ فِي يَوْم السبت الْخَامِس وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة وَمَات بِدِمَشْق يَوْم الْجُمُعَة أول ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَمن الغرائب عَنهُ مِمَّا جمعت من كتاب الاستذكار وَهَذَا الْكتاب عِنْدِي مِنْهُ أصل صَحِيح عَلَيْهِ خطة وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح نَفِيس كثير الْفَوَائِد ذُو نَوَادِر وغرائب لَا تصلح مطالعته إِلَّا لعارف بِالْمذهبِ قلت غرائب فِي السَّنَد عَنهُ توقفا لما رَأَيْته بِخَط مُصَنفه آخِره على النُّسْخَة الَّتِي عِنْدِي فنقلت من خطّ أبي الْفرج الدَّارمِيّ مَا نَصه جمعت هَذَا الْكتاب فِي صباي من كتب أَصْحَابنَا رَحِمهم الله وَكَانَ أَكثر ذَلِك على مَا ذكرُوا وبدأت بِذكر دَلَائِل ثمَّ اختصرت بِتَرْكِهَا لأجمع الْخلاف بدلائله مُفردا وزدت بعض مَا وجدت من الزلل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 فَلَمَّا كثرت رَأَيْت كَثْرَة الزلل فِيمَا ذكرُوا فَذكرت من ذَلِك مَا سهله الله وَأَرْجُو أَن يعين على جمع جَمِيع مَا أوتره وَهَذَا الْكتاب وَإِن كَانَ فِيهِ مَا ذكرته فَهُوَ فِي الْغَايَة فِي الِاخْتِصَار يقف على ذَلِك من قَرَأَهُ وَقَرَأَ غَيره وَمن أحب التَّحْقِيق نظر فِيمَا جمعناه بعده من الغوامض والدقائق والمشكلات وَكتبه مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عمر بن الميمون الدَّارمِيّ الْبَغْدَادِيّ بِدِمَشْق سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَصلى الله على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وَآله وَسلم تَسْلِيمًا انْتهى وَهَذِه فَوَائِد حضرتني من كتاب الاستذكار أذكرها على غير تَرْتِيب بِحَسب استحضارها إِذا أسلم ذمِّي كَانَ زنى فَهَل يحد على وَجْهَيْن قلت القَوْل بِسُقُوط الْحَد هُوَ مَا نَقله ابْن الْمُنْذر عَن النَّص وَهُوَ من فَوَائِد النَّوَوِيّ وَالْقَوْل بِوُجُوبِهِ لم نَكُنْ نعرفه إِلَّا عَن أبي ثَوْر فَمَا للتصريح بحكايته وَجه فَائِدَة إِذا قَالَ للدباغ ادبغه وَلم يكن آجره فَمنهمْ من قلب قَول أبي إِسْحَاق وَقَالَ إِذا ابْتَدَأَ الْمَعْمُول لَهُ فَلَا تلْزمهُ أُجْرَة وَإِذا قَالَ لَهُ الصَّانِع ابْتِدَاء لزمَه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 وَقَالَ الدَّارمِيّ فِي بَاب الْحَدث من كتاب الاستذكار كل مَا يُوجب الْوضُوء عمده وسهوه سَوَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 وَحكى القيصري عَن قوم أَنه لَا ينْقض سَهْوه لأَنا فرقنا فِي الصَّلَاة دليلنا الظَّوَاهِر وَالْأَخْبَار هَذِه عبارَة الاستذكار واستفدنا من ذَلِك أَن القيصري مُتَقَدم عَلَيْهِ فِي الْوُجُود وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى ذكر القيصري فِي آخر الْكتاب وَأما الْقَوْم الْمشَار إِلَيْهِم فَالظَّاهِر أَنهم من غير عُلَمَاء الْمَذْهَب والرافعي حكى فِي مس الذّكر نَاسِيا وَجْهَيْن عَن الحناطي إِن نوى غسل الْجُمُعَة فَقَط لم يُجزئهُ عَن الْجَنَابَة وَهل يُجزئهُ عَن الْجُمُعَة على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه لَا يُجزئهُ لِأَن عَلَيْهِ فرضا فَلَا يحْسب لَهُ نفل إِذا تيممت الْحَائِض وَوَطئهَا فَإِذا دخل وَقت صَلَاة أُخْرَى فَهَل يَطَؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ الأول على وَجْهَيْن إِن تيممت فرأت المَاء فَفِي وَطئهَا وَجْهَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 إِن أذن كَافِر أسلم بِشَهَادَتِهِ وَلَا يجزىء أَذَانه لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِه قبل أَوَانه قَالَ بعض أَصْحَابنَا إِن العاري يلْزمه قبُول هبة الثَّوْب وَلَا يلْزمه قبُول الْعَارِية عكس الْمَشْهُور إِن قَرَأَ فِي رُكُوعه جَاهِلا بِالنَّهْي لم تفْسد وَإِن كَانَ عَالما مُعْتَقدًا لإبطالها بطلت وَإِن علم واعتقد أَنَّهَا لَا تبطل فَوَجْهَانِ وَكَذَلِكَ فِي السُّجُود وَإِذا سلم الإِمَام وَبَقِي الْمَأْمُوم يُطِيل التَّشَهُّد كرهناه وَلم تفْسد صلَاته مَا لم يطلّ 337 - مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو طَاهِر البيع الْمَعْرُوف بِابْن الصّباغ وَهُوَ أَبُو صَاحب الشَّامِل سمع أَبَا حَفْص بن شاهين وَعلي بن عبد الْعَزِيز بن مردك وَأَبا الْقَاسِم بن حبابة وَغَيرهم روى عَنهُ أبي النَّرْسِي والحافظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَقَالَ كَانَ ثِقَة فَاضلا درس الْفِقْه على أبي حَامِد الإسفرايني وَكَانَت لَهُ حَلقَة للْفَتْوَى الحديث: 337 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 قَالَ وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَمَات فِي يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْمسند بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الْمُسلم بن عَلان كِتَابَة أخبرنَا زيد بن الْحسن أخبرنَا أَبُو مَنْصُور أخبرنَا أَبُو بكر الْخَطِيب أَخْبرنِي أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن مردك الْبَزَّار البردعي حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم حَدثنَا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم الْمصْرِيّ حَدثنَا يحيى بن حسان التنيسِي حَدثنِي يحيى بن حَمْزَة حَدثنِي يحيى بن الْحَارِث الذمارِي عَن أبي أَسمَاء الرَّحبِي عَن ثَوْبَان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (صِيَام رَمَضَان بِعشْرَة أشهر وَصِيَام سِتَّة أَيَّام بشهرين فَذَلِك صِيَام سنة) يَعْنِي شهر رَمَضَان وَسِتَّة أَيَّام بعده قَالَ الْخَطِيب لَا نَحْفَظ حَدِيثا رُوِيَ عَن يحيى عَن يحيى عَن يحيى غير هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 338 - مُحَمَّد بن عَليّ بن حَامِد الإِمَام أَبُو بكر الشَّاشِي تفقه على أبي بكر السنجي ببلاده ثمَّ ارتحل إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان بغزنة فَحصل لَهُ إقبال زَائِد وَكَانَ من أنظر أهل زَمَانه وَأقَام بغزنة وَولد لَهُ بهَا أَوْلَاد وَظَهَرت تصانيفه ثمَّ استدعاه نظام الْملك فِي آخر أمره إِلَى هراة فشق ذَلِك على أهل غزنة لما رَأَوْا من علمه وَلَكِن لم يَجدوا بدا من امْتِثَال أَمر الْوَزير فجهزوه مكرما بأولاده وَأَهله إِلَى مَدِينَة هراة فدرس بهَا بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بهَا ثمَّ قصد نيسابور زَائِرًا قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي فَأكْرم أهل نيسابور مقدمه غير أَنه لم يَقع مِنْهُم الْموقع الَّذِي كَانُوا يعتقدونه فِيهِ فَإِن اسْمه كَانَ فَوق علمه ثمَّ عَاد إِلَى هراة وَحدث عَن مَنْصُور الكاغذي عَن الْهَيْثَم بن كُلَيْب مولده بالشاش سنة سبع وَتِسْعين وثلاثمائة وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَوَقع فِي كَلَام عبد الغافر أَنه توفّي فِي سنة خمس وَتِسْعين وَلَيْسَ كَذَلِك الحديث: 338 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن عمر أَبُو الْحسن بن أبي الصَّقْر الوَاسِطِيّ الأديب من أَهلهَا تفقه بِبَغْدَاد عَن أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وعلق عَنهُ تعليقات وَسمع مِنْهُ وَمن أبي بكر الْخَطِيب وَأبي سعد الْمُتَوَلِي روى عَنهُ أَبُو غَالب الذهلي وَمُحَمّد بن نَاصِر الْحَافِظ وَأَبُو مَنْصُور بن الجواليقي وَغَيرهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه أديب شَاعِر ظريف مولده فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَأَرْبَعمِائَة وَمن شعره (من قَالَ لي جاه ولي حشمة ... ولي قبُول عِنْد مَوْلَانَا) (وَلم يعد ذَاك بنفع على ... صديقه لَا كَانَ من كَانَا) وَمن شعره أَيْضا (من عَارض الله فِي مَشِيئَته ... فَمَا من الدّين عِنْده خبر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 (لَا يقدر النَّاس باجتهادهم ... إِلَّا على مَا جرى بِهِ الْقدر) وَمن شعره (كل مرء إِذا تفكرت فِيهِ ... وتأملته رَأَيْت ظريفا) (كنت أَمْشِي على اثْنَتَيْنِ قَوِيا ... صرت أَمْشِي على ثَلَاث ضَعِيفا) توفّي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة بواسط 340 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن جَعْفَر أَبُو غَالب بن الصّباغ تفقه على ابْن عَمه الإِمَام أبي نصر بن الصّباغ وَسمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قفرجل وَأبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عمر بن أَحْمد الْبَرْمَكِي وَحدث باليسير مَاتَ فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 340 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 341 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر أَبُو بكر بن الرَّاعِي 342 - مُحَمَّد بن الْفرج بن مَنْصُور بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن الْحسن السّلمِيّ الشَّيْخ أَبُو الْغَنَائِم الفارقي أحد الْأَئِمَّة الرفعاء من تلامذة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ قدم بَغْدَاد مَعَ أَبِيه سنة نَيف وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة فتفقه على الشَّيْخ وبرع فِي الْمَذْهَب الحديث: 341 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 وَسمع الحَدِيث من عبد الْعَزِيز الْأَزجيّ وَأبي إِسْحَاق الْبَرْمَكِي وَالْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَالْقَاضِي أبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَغَيرهم وَعَاد إِلَى ديار بكر ثمَّ قدم بعد حِين ودرس ثمَّ عَاد فسكن جَزِيرَة ابْن عمر وَحدث روى عَنهُ أَبُو الْفَتْح بن البطي وَكَانَ فَقِيها زاهدا مَوْصُوفا بِالْعلمِ وَالدّين توفّي يَوْم الْخَمِيس مستهل شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَوَقع فِي تَرْجَمَة تِلْمِيذه ابْن الْمدْرك من تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَن أَبَا الْغَنَائِم مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَهُوَ وهم 343 - مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن حبيب بن عَبدُوس أَبُو بكر يعرف بالصفار أحد الْفُقَهَاء الصفارين بنيسابور تفقه على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَكَانَ مكثرا من الحَدِيث ورد بَغْدَاد حَاجا وَعَاد إِلَى بَلَده وأملى وَحدث وَكَتَبُوا عَنهُ الحديث: 343 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 سمع أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ وَأَبا مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف بن مامويه الْأَصْبَهَانِيّ وَأَبا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَبا طَاهِر الزيَادي وَأَبا بكر الْحِيرِي وَغَيرهم روى عَنهُ زَاهِر ووجيه ابْنا طَاهِر الشحامي وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي وَغَيرهم وَذكره أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ الْحَافِظ فِي كتاب الْفُقَهَاء وَذكر أَنه تفقه على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَأَنه كَانَ خَلِيفَته حِين خرج إِلَى الْحَج قَالَ وَسمعت الإِمَام أَبَا عَاصِم الْعَبَّادِيّ يَقُول للْقَاضِي أبي الْعَلَاء مَا رَأَيْت بنيسابور أحسن فتيا وأصوب مِنْهُ توفّي منتصف شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 344 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الإِمَام أَبُو سعيد الناصحي النَّيْسَابُورِي أحد أَعْلَام الْأَئِمَّة علما وورعا تفقه على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَسمع الحَدِيث من أبي طَاهِر الزيَادي وَعبد الله بن يُوسُف بن مامويه وَكَانَ زاهدا ورعا توفّي كهلا سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 344 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 345 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد القَاضِي أَبُو الْحسن الْبَيْضَاوِيّ ختن القَاضِي أبي الطّيب قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا توفّي فِي شعْبَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة عَن سِتّ وَسبعين سنة 346 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْهَرَوِيّ القَاضِي أَبُو مَنْصُور الْأَزْدِيّ المهلبي وَهُوَ من ولد الْمُهلب بن أبي صفرَة فَإِنَّهُ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن مقَاتل بن صبيح بن ربيع بن يزِيد بن عبد الْملك بن يزِيد بن الْمُهلب بن أبي صفرَة كَانَ أحد أَئِمَّة الْأَصْحَاب الجامعين بَين الْفِقْه والْحَدِيث وَمن أجل تلامذة الشَّيْخ أبي زيد الْمروزِي الحديث: 345 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 وَكَانَت الرحلة إِلَى هراة فقها وحديثا من أَجله سمع مُحَمَّد بن عَليّ بن دُحَيْم الشَّيْبَانِيّ ودعلج بن أَحْمد وَالْحسن بن عمرَان الْحَنْظَلِي وَأحمد بن عُثْمَان الأدمِيّ روى عَنهُ ابْن حمدين وَعبد الرَّحْمَن بن أبي عَاصِم الْجَوْهَرِي وَأَبُو سعد يحيى بن أبي نصر الْعدْل وَأَبُو إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ وَخلق وأملي الحَدِيث وَطَالَ عمره مَعَ اتساع الرِّوَايَة وَهُوَ الَّذِي أرسل إِلَيْهِ السُّلْطَان مَحْمُود بغلة الإسماعيلية ليرْكبَهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة مَحْمُود وَقد ذكر أَبُو عَاصِم القَاضِي أَبَا مَنْصُور وَقَالَ كَانَ للْمَذْهَب سدادا وعَلى أهل الْبدع حساما وَخرج من مَجْلِسه عدَّة فُقَهَاء وَكَانَ قَاضِيا بهراة وَحج قَرِيبا من ثَلَاثِينَ حجَّة وَالنَّاس لَهُ تبع توفّي القَاضِي أَبُو مَنْصُور فِي الْمحرم سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة فَجْأَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 347 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن اليمني أَبُو حَامِد صَاحب كتاب المرشد فِي الْفِقْه فِي سفرين وقفت على الأول مِنْهُمَا وَقد ذكر فِي تَارِيخه أَنه فرغ مِنْهُ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 348 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن محمش بِفَتْح الْمِيم بعْدهَا حاء مُهْملَة سَاكِنة ثمَّ مِيم مَكْسُورَة ثمَّ شين مُعْجمَة بن عَليّ ابْن دَاوُد الْفَقِيه الشَّيْخ أَبُو طَاهِر الزيَادي إِمَام الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء بنيسابور فِي زَمَانه وَكَانَ شَيخا أديبا عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ سلمت إِلَيْهِ الْفُقَهَاء الْفتيا بِمَدِينَة نيسابور والمشيخة وَله يَد طولى فِي معرفَة الشُّرُوط وصنف فِيهِ كتابا وَكَانَ مَعَ ذَلِك فَقِيرا وَبَقِي يملى ثَلَاث سِنِين ولد سنة سبع عشرَة وثلاثمائة الحديث: 347 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 وَسمع الحَدِيث سنة خمس وَعشْرين وثلاثمائة وَبعدهَا وتفقه سنة ثَمَان وَعشْرين سمع من أبي حَامِد بن بِلَال وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن الْقطَّان وَعبد الله بن يَعْقُوب الْكرْمَانِي وَالْعَبَّاس بن قوهيار وَمُحَمّد بن الْحسن المحمداباذي وَأبي عُثْمَان عَمْرو ابْن عبد الله الْبَصْرِيّ وَأبي عَليّ الميداني وحاجب بن أَحْمد الطوسي وَعلي بن حمشاد وَأبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْأَصَم وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الصفار وَأدْركَ أَبَا حَامِد الشَّرْقِي وَلم يسمع مِنْهُ روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَذكره فِي تَارِيخه وَقد مَاتَ قبله والحافظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن والأستاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَعبد الْجَبَّار بن بَرزَة وَمُحَمّد بن مُحَمَّد الساماني وَعلي بن أَحْمد الواحدي وَأَبُو سعد بن رامش وَأَبُو بكر بن يحيى الْمُزَكي وَالقَاسِم بن الْفضل الثَّقَفِيّ وَحَدِيثه يَعْلُو فِي الثقفيات وَخلق يطول ذكرهم وَأخذ الْفِقْه عَن أبي الْوَلِيد وَأبي سهل وَعنهُ أَخذ أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ وَغَيره وَكَانَ وَالِده من الْعباد الصَّالِحين وَإِنَّمَا عرف بالزيادي فِيمَا يظْهر من كَلَام أبي سعد لِأَن زيادا اسْم لبَعض أجداده وَيُؤَيِّدهُ تَصْرِيح أبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ بِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى بشير بن زِيَاد وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ تبعا لعبد الغافر الْفَارِسِي إِنَّمَا قيل لَهُ الزيَادي لِأَن سكن ميدان زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن بنيسابور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 قلت وَيُشبه أَن يكون مَا ذكره أَبُو عَاصِم تَصْرِيحًا وَأَبُو سعد تَلْوِيحًا أصح مِمَّا ذكره عبد الغافر ذكره أَبُو عَاصِم فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة وَكَانَ من حَقه أَن يذكر فِي الرَّابِعَة وَلكنه قَالَ إِنَّمَا أَخَّرته إِلَى الْخَامِسَة لامتداد عمره أثنى عَلَيْهِ أَبُو عَاصِم وَقَالَ الْفِقْه مطيته يَقُود بزمامه طَرِيقه لَهُ معبدة وخفيه ظَاهر وغامضه سهل وعسيره يسير ورأيته يناظر وَيَضَع الهناء مَوَاضِع النقب قَالَ وَأخذ الْعلم عَن أبي الْوَلِيد فَلَمَّا توفّي انْتقل إِلَى أبي سهل انْتهى وَذكره عبد الغافر فَقَالَ إِمَام أَصْحَاب الحَدِيث بخراسان وفقيههم ومفتيهم بالِاتِّفَاقِ بِلَا مدافعه توفّي الْأُسْتَاذ أَبُو طَاهِر فِي شعْبَان سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة وَحكى ابْن الصّلاح فِي كتاب أدب الْفتيا أَنه وجد بِخَط بعض أَصْحَاب القَاضِي الْحُسَيْن أَنه سمع أَبَا عَاصِم الْعَبَّادِيّ يذكر أَنه كَانَ عِنْد الاستاذ أبي طَاهِر الزيَادي حِين احْتضرَ فَسئلَ عَن ضَمَان الدَّرك وَكَانَ فِي النزع فَقَالَ إِن قبض الثّمن فَيصح وَإِلَّا فَلَا يَصح قَالَ لِأَنَّهُ بعد قبض الثّمن يكون ضَمَان مَا وَجب قلت وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الْمَذْهَب وَلم يرد بحكايته أَنه غَرِيب بل حُضُور ذهن هَذَا الْأُسْتَاذ عِنْد النزع لمسائل الْفِقْه وَلذَلِك قَالَ ابْن الصّلاح إِن هَذِه الْحِكَايَة من أعجب مَا يحْكى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 فَوَائِد ومسائل عَن أبي طَاهِر قَالَ أَبُو عَاصِم سَأَلته عَن رجل أَقَامَ بَيِّنَة على شخص ميت أَنَّهَا امْرَأَته وَهَذِه الْأَوْلَاد مِنْهَا وأقامت امْرَأَة بَيِّنَة أَنه زَوجهَا وَأَوْلَاده مِنْهَا وكشف عَنهُ فَإِذا هُوَ خُنْثَى فَقَالَ أفتى أَبُو حنيفَة بِأَن المَال بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَبِه أَخذ الشَّافِعِي بعده قَالَ أَبُو طَاهِر وَعِنْدِي أَن بَيِّنَة الرجل أولى لِأَن الْولادَة أَمر يَقِين والإلحاق بِالْأَبِ مُجْتَهد فِيهِ قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن فِي التعليقة فِي مَسْأَلَة الْكَفَّارَة فِي الصَّوْم على الْمَرْأَة إِذا جومعت وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو طَاهِر يَقُول لَا يتَصَوَّر الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَن فطرها سبق الْجِمَاع لِأَنَّهَا أفطرت بوصول الْوَاصِل إِلَى جوفها فَصَارَ كَمَا لَو ابتلعت حَصَاة فَإِن تغييب بعض الْحَشَفَة يبطل صَومهَا وَلَا يحصل الْجِمَاع إِلَّا بتغييب جَمِيع الْحَشَفَة وَلَو أَدخل الإصبع فِي الْفرج بَطل صَومهَا إِلَّا أَنهم يصورونه بِمَا لَو جومعت مُكْرَهَة فطاوعت فِي أَثْنَائِهِ أَو ناسية فَذكرت فِي خلاله فأصرت على ذَلِك ففطرها يَوْمئِذٍ حصل بِالْجِمَاعِ لَا محَالة انْتهى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 349 - مُحَمَّد بن المظفر بن بكران بن عبد الصَّمد بن سُلَيْمَان الْحَمَوِيّ القَاضِي أَبُو بكر الشَّامي الزَّاهِد الْوَرع أحد الْأَئِمَّة ولد بحماة سنة أَرْبَعمِائَة ورحل إِلَى بَغْدَاد فسكنها وتفقه على القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَسمع الحَدِيث من عُثْمَان بن دوست وَأبي الْقَاسِم بن بَشرَان وَأبي طَالب بن غيلَان وَأبي الْحسن العتيقي وَآخَرين روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَافِظ وَهبة الله بن طَاوس المقرىء وَغَيرهم ووقفت على نُسْخَة قديمَة من كتاب الضُّعَفَاء لأبي جَعْفَر الْعقيلِيّ وفيهَا سَمَاعه للْكتاب كُله على أبي الْحسن العتيقي وَقد حدث بِهِ سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ أحد المتقنين لمَذْهَب الشَّافِعِي وَله اطلَاع على أسرار الْفِقْه الحديث: 349 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 وَكَانَ ورعا زاهدا متقنا جرت أَحْكَامه على السداد ولي قَضَاء الْقُضَاة بِبَغْدَاد بعد موت أبي عبد الله الدَّامغَانِي سنة ثَمَان وَسبعين إِلَى أَن تغير عَلَيْهِ المقتدى بِاللَّه لأمر فَمنع الشُّهُود من حُضُور مَجْلِسه مُدَّة فَكَانَ يَقُول مَا أنعزل حَتَّى يتَحَقَّق على الْفسق قلت لَعَلَّه كَانَ يرى ذَلِك وَالْمذهب أَنه يَنْعَزِل وَإِن لم يفسق ثمَّ إِن الْخَلِيفَة خلع عَلَيْهِ واستقام أمره وَقَالَ أَبُو عَليّ بن سكرة ورع زاهد وَأما الْعلم فَكَانَ يُقَال لَو رفع مَذْهَب الشَّافِعِي أمكنه أَن يمليه من صَدره وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْملك الهمذاني كَانَ حَافِظًا لتعليقة القَاضِي أبي الطّيب كَأَنَّهَا بَين عَيْنَيْهِ قلت وَكَانَ من قُضَاة الْعدْل واتفقت مِنْهُ محَاسِن أَيَّام قَضَائِهِ وَكَانَ الَّذِي أَشَارَ على الْخَلِيفَة بولايته عِنْد موت الدَّامغَانِي الْوَزير أَبُو شُجَاع فَامْتنعَ الشَّامي من الْقبُول فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى تقلده وَشرط أَن لَا يَأْخُذ رزقا وَلَا يقبل شَفَاعَة وَلَا يُغير ملبوسه فَأُجِيب إِلَى ذَلِك قَالَ عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي لم يكن الشَّامي يتبسم فِي مَجْلِسه قطّ قَالَ وَلما منعت الشُّهُود من حُضُور مَجْلِسه وَقعد فِي بَيته نقل إِلَيْهِ القَاضِي أَبُو يُوسُف الْقزْوِينِي المعتزلي مَا عزلك الْخَلِيفَة إِنَّمَا عزلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 قَالَ وَكَيف ذَلِك قَالَ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يقْضِي القَاضِي بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان وَأَنت طول عمرك غَضْبَان وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْملك الهمذاني كَانَ لَا يقبل من سُلْطَان عَطِيَّة وَلَا من صديق هَدِيَّة وَكَانَ يعاب بالحدة وَسُوء الْخلق وَقَالَ ابْن النجار مَا استناب أحدا فِي الْقَضَاء وَكَانَ يُسَوِّي بَين الوضيع والشريف فِي الحكم وَيُقِيم جاه الشَّرْع فَكَانَ هَذَا سَبَب انقلاب الأكابر عَنهُ فألصقوا بِهِ مَا كَانَ مِنْهُ بَرِيئًا من أَحَادِيث ملفقة ومعايب مزورة وَقَالَ الْفَقِيه أَحْمد بن عبد الله بن الآبنوسي جَاءَ أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى قَاضِي الْقُضَاة الشَّامي فَادّعى شَيْئا وَقَالَ بينتي فلَان والمشطب الفرغاني الْفَقِيه فَقَالَ لَا أقبل شَهَادَة المشطب لِأَنَّهُ يلبس الْحَرِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 فَقَالَ السُّلْطَان ملكشاه ووزيره نظام الْملك يلبسانه فَقَالَ لَو شَهدا عِنْدِي مَا قبلت شَهَادَتهمَا أَيْضا قَالَ ابْن الآبنوسي كَانَ لَهُ كيسَان أَحدهمَا يَجْعَل فِيهِ عمَامَته وقميصه والعمامة كتَّان والقميص قطن خشن فَإِذا خرج لبسهما والكيس الآخر فِيهِ فتيت فَإِذا أَرَادَ الْأكل جعل مِنْهُ فِي قَصْعَة وَقَلِيل من المَاء وَأكل مِنْهُ وَكَانَ لَهُ كِرَاء بَيت فِي الشَّهْر بِدِينَار وَنصف كَانَ مِنْهُ قوته فَلَمَّا ولي الْقَضَاء جَاءَ إِنْسَان فَدفع فِيهِ أَرْبَعَة دَنَانِير فَأبى وَقَالَ لَا أغير سَاكِني وَقد ارتبت بك لم لَا كَانَت هَذِه الزِّيَادَة قبل الْقَضَاء وَكَانَ يشد فِي وَسطه مئزرا ويخلع فِي بَيته ثِيَابه ثمَّ يجلس وَكَانَ يَقُول مَا دخلت فِي الْقَضَاء حَتَّى وَجب عَليّ توفّي فِي عَاشر شعْبَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن عِنْد أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 350 - مُحَمَّد بن مَنْصُور بن عمر بن عَليّ الْكَرْخِي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْفَقِيه أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ ولد الإِمَام أبي الْقَاسِم مَنْصُور بن عمر الْكَرْخِي أحد أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد ووالد أبي الْبَدْر إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْكَرْخِي أحد رُوَاة الحَدِيث قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ كَانَ يسكن قطيعة الرّبيع من الكرخ وَكَانَ صَالحا متدينا يرجع إِلَى فضل وَعلم سمع أَبَا عَليّ بن شَاذان وَأَبا الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْبَزَّاز وَغَيرهمَا روى لنا عَنهُ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر وَعبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك بن أَحْمد الحافظان قَالَ وَذكر ابْن نَاصِر الْحَافِظ أَنه مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة وَحمل من الْغَد إِلَى جَامع الْمَدِينَة فَصلي عَلَيْهِ فِيهِ ثَانِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب الحديث: 350 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 351 - مُحَمَّد بن هبة الله بن ثَابت أَبُو نصر الْبَنْدَنِيجِيّ نزيل مَكَّة وَيعرف بفقيه الْحرم كَانَ من كبار أَصْحَاب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَقد سمع الحَدِيث وَحدث عَنهُ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَافِظ وَغَيره وَكَانَ يقْرَأ فِي كل أُسْبُوع سِتَّة آلَاف مرّة {قل هُوَ الله أحد} ويعتمر فِي رَمَضَان ثَلَاثِينَ عمْرَة وَهُوَ ضَرِير يُؤْخَذ بِيَدِهِ توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ قَالَ أَبُو نصر الْبَنْدَنِيجِيّ فِي الْمُعْتَمد لَيْسَ للشَّافِعِيّ نَص فِي غير الْغنم فِي الْعَقِيقَة وَعِنْدِي لَا يجزىء غَيرهَا 352 - مُحَمَّد بن هبة الله بن الْحسن بن مَنْصُور اللالكائي أَبُو بكر بن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم الطَّبَرِيّ الْبَغْدَادِيّ قَالَ ابْن الصّلاح كثير السماع وَاسع الرِّوَايَة صَدُوق مَأْمُون الحديث: 351 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 سمع هلالا الحفار وَأَبا الْحُسَيْن بن بَشرَان وَأَبا الْحُسَيْن بن الْفضل الْقطَّان وَغَيرهم سمع مِنْهُ أَبُو الْقَاسِم الرميلي الْحَافِظ وَغَيره من الْحفاظ قلت وَإِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي وَعبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي وَطَائِفَة قَالَ ابْن الصّلاح وَسُئِلَ عَن مولده فَقَالَ فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد بدرب الْمروزِي قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ فَيكون سَمَاعه من الحفار حضورا قلت لِأَن الحفار مَاتَ سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَقد بَادر من ذكر هَذَا الرجل فِي عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ قلت قد أوردهُ ابْن الصّلاح فِي الشَّافِعِيَّة مَاتَ بِبَغْدَاد فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 353 - مُحَمَّد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الإِمَام الْكَبِير أَبُو سهل ولد جمال الْإِسْلَام أبي مُحَمَّد بن القَاضِي أبي عمر البسطامي ثمَّ النَّيْسَابُورِي وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ أَبُو سهل بن الْمُوفق والموفق لقب وَالِده جمال الْإِسْلَام ولد سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ فِيهِ عبد الغافر سلالة الْإِمَامَة وقرة عين أَصْحَاب الحَدِيث انْتَهَت إِلَيْهِ زعامة الشَّافِعِيَّة بعد أَبِيه فأجراها أحسن مجْرى وَوَقعت فِي أَيَّامه محن ووقائع للأصحاب وَكَانَ يُقيم رسم التدريس الحديث: 353 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 وَسمع من مَشَايِخ وقته بخراسان وَالْعراق مثل النصروي وَأبي حسان الْمُزَكي وَأبي حَفْص بن مسرور وَكَانَ بَيتهمْ مجمع الْعلمَاء وملتقى الْأَئِمَّة توفّي أَبوهُ سنة أَرْبَعِينَ فاحتف بِهِ الْأَصْحَاب وراعوا فِيهِ حق وَالِده وقدموه للرياسة وَقَامَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي فِي تهيئة أَسبَابه واستدعى الْكل إِلَى مُتَابَعَته وَطلب من السُّلْطَان ذَلِك فَأُجِيب وَأرْسل إِلَيْهِ الْخلْع ولقب بلقب أَبِيه جمال الْإِسْلَام وَصَارَ ذَا رَأْي وشجاعة ودهاء وَظهر لَهُ الْقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام حَتَّى حسده الأكابر وخاصموه فَكَانَ يخصمهم ويتسلط عَلَيْهِم فَبَدَا لَهُ خصوم واستظهروا بالسلطان عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه وَصَارَت الأشعرية مقصودين بالإهانة وَالْمَنْع عَن الْوَعْظ والتدريس وعزلوا من خطابة الْجَامِع ونبغ من الْحَنَفِيَّة طَائِفَة أشربوا فِي قُلُوبهم الاعتزال والتشيع فخيلوا إِلَى ولي الْأَمر الإزراء بِمذهب الشَّافِعِي عُمُوما وبالأشعرية خُصُوصا وَهَذِه هِيَ الْفِتْنَة الَّتِي طَار شررها وَطَالَ ضررها وَعظم خطبهَا وَقَامَ فِي سبّ أهل السّنة خطيبها فَإِن هَذَا الْأَمر أدّى إِلَى التَّصْرِيح بلعن أهل السّنة فِي الْجمع وتوظيف سبهم على المنابر وَصَارَ لأبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ بهَا أُسْوَة بعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ واستعلى أُولَئِكَ فِي المجامع فَقَامَ أَبُو سهل فِي نصر السّنة قيَاما مؤزرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 وَتردد إِلَى الْعَسْكَر فِي ذَلِك وَلم يفد وَجَاء الْأَمر من قبل السُّلْطَان طغرلبك بِالْقَبْضِ على الرئيس الفراتي والأستاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَأبي سهل بن الْمُوفق ونفيهم ومنعهم عَن المحافل وَكَانَ أَبُو سهل غَائِبا فِي بعض النواحي فَلَمَّا قرىء الْكتاب بنفيهم أغري بهم الغاغة والأوباش وَأخذُوا بالأستاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي والفراتي يجرونهما ويستخفون بهما وحبسا بالقهندز وَأما إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ أحس بِالْأَمر فاختفى وَخرج على طَرِيق كرمان إِلَى الْحجاز وبقيا فِي السجْن معترقين أَكثر من شهر فتهيأ أَبُو سهل من نَاحيَة باخرز وَجمع من أعوانه رجَالًا عارفين بِالْحَرْبِ وأتى بَاب الْبَلَد وَطلب إِخْرَاج الفراتي والقشيري فَمَا أُجِيب بل هدد بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَمَا الْتفت وعزم على دُخُول الْبَلَد لَيْلًا والاشتغال بإخراجهما مجاهرة وَكَانَ مُتَوَلِّي الْبَلَد قد تهَيَّأ للحرب فزحف أَبُو سهل لَيْلًا إِلَى قَرْيَة لَهُ على بَاب الْبَلَد وَدخل الْبَلَد مغافصة إِلَى دَاره وَصَاح من مَعَه بالنعرات الْعَالِيَة وَرفعُوا عقائرهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 354 - مُحَمَّد بن يحيى بن سراقَة أَبُو الْحسن العامري الْبَصْرِيّ الْفَقِيه الفرضي الْمُحدث صَاحب التصانيف فِي الْفِقْه والفرائض والشهادات وَأَسْمَاء الضُّعَفَاء والمتروكين أَقَامَ بآمد مُدَّة وَدخل فِي الحَدِيث وَذكر لَهُ أَبُو الْفَتْح الْموصِلِي بالموصل فانحدر إِلَيْهِ وَسمع مِنْهُ تصانيفه وَأخذ عَن أبي الْفَتْح كِتَابه فِي الضُّعَفَاء ثمَّ نسخه وراجع فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ وروى عَن ابْن داسة والهجيمي وَابْن عباد وَدخل فَارس وأصبهان والدينور والأهواز وَكَانَ حَيا سنة أَرْبَعمِائَة وَأرَاهُ توفّي فِي حُدُود سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 354 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 وَمن الغرائب والفوائد عَنهُ قَالَ فِي كتاب لَهُ سَمَّاهُ الْأَعْدَاد وقف عَلَيْهِ ابْن الصّلاح وَكتب مِنْهُ فَوَائِد وغرائب مِنْهَا قَوْله الْخطب الْمُعْتَادَة عشر وسماها ثمَّ قَالَ وَكلهَا سنة إِلَّا الْجُمُعَة وخطبة عَرَفَة فهما فرضان يفْعَلَانِ قبل الصَّلَاة وَبعد الزَّوَال قَالَ ابْن الصّلاح وَذكر هَذَا فِي مَوضِع آخر قلت ووقفت من تصانيفه على كتاب أدب الشَّاهِد وَمَا يثبت من الْحق على الجاحد وَقد ذكر فِي خطبَته أَنه صنف قبله كتابا فِي أدب الْقُضَاة ذكر فِيهِ أَن الْوَقْف وَالْعِتْق وَالْوَلَاء لَا يجوز الشَّهَادَة عَلَيْهَا بالاستفاضة وَأَن أَبَا سعيد الْإِصْطَخْرِي جوز ذَلِك إِلَّا أَن تكون الشَّهَادَة فِي حُقُوقه وَسِيلَة وَالْولَايَة عَلَيْهِ فَلَا يجوز إِلَّا بالمعاينة وَأَن أَبَا عَليّ بن أبي هُرَيْرَة قَالَ تقبل بالاستفاضة أَنَّهَا مولاة فلَان لَا أَن فلَانا أعْتقهَا وَأَنه وقف فلَان لَا أَن فلَانا أوقفهُ قَالَ كَمَا يقبل أَنَّهَا زَوْجَة فلَان لَا أَن فلَانا زَوجهَا لِأَنَّهَا شَهَادَة على عقد فَلَا تقبل إِلَّا بالمعاينة قلت الَّذِي صَححهُ النَّوَوِيّ وَعَلِيهِ الْعَمَل قَول الْإِصْطَخْرِي وَتوقف الْوَالِد رَحمَه الله عَن أَن يرجح فِي الْمَسْأَلَة شَيْئا ذكر ذَلِك فِي كتاب الحلبيات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 قَالَ وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يتحرر مِنْهُ إِلَّا إِذا دعت الْحَاجة من إحْيَاء وقف مختف أَو انْتِزَاعه من يَد ظَالِم وَنَحْوه وَيضم إِلَيْهِ طَرِيق آخر من يَد وَنَحْوهَا قلت وَاعْلَم أَن فِيمَا حكيته من كَلَام ابْن سراقَة عَنهُ فَوَائِد إِحْدَاهَا أَنه تضمن أَن شَرَائِط الْوَقْف لَا تثبت بالاستفاضة جزما وَهُوَ مَا أفتى بِهِ النَّوَوِيّ وَفِي كثير من الأذهان أَنه غير مَنْقُول وَهَا هُوَ مَنْقُول فِي كَلَام هَذَا الرجل الْمُتَقَدّم وَالثَّانيَِة مَا حَكَاهُ عَن ابْن أبي هُرَيْرَة من التَّفْصِيل والمحكي عَنهُ فِي الرَّافِعِيّ وَغَيره إِنَّمَا هُوَ قَول الْإِصْطَخْرِي وَهَذَا وَجه ثَالِث مفصل حسن واستشهاده عَلَيْهِ بِالزَّوْجَةِ أَيْضا حسن فالمعروف أَن الْخلاف فِي الزَّوْجَة كالخلاف فِي الثَّلَاثَة وَفِي الرَّافِعِيّ عَن الْقفال مَا يُؤَيّد هَذَا التَّفْصِيل غير أَن فِيهِ نظرا فَلَا فرق بَين أَن يَقُول أشهد أَن فلَانا وَقفه أَو أَنه وقف فلَان وَلَا يتخيل أَنه فِيمَا إِذا قَالَ إِنَّه وَقفه شهد على العقد نَفسه فَإِن الشَّاهِد بِأَنَّهُ وقف فلَان مثله وكما شهد بِأَنَّهُ وَقفه بِالتَّسَامُعِ شهد أَنه وَقفه لَا فرق وَالثَّالِثَة أَن التَّصْرِيح باسم الْوَاقِف لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ مَا فِي فتاوي الْقفال وَالْبَغوِيّ أَيْضا وَذكره الْوَالِد فِي الحلبيات وَقَالَ إِنَّه قَول الْقَائِلين بِثُبُوت الْوَقْف بالاستفاضة وَالْأَمر كَذَلِك غير أَن عِنْدِي نظرا فِي هَذَا الشَّرْط وَإِن قُلْنَا بِثُبُوتِهِ بالاستفاضة فَلم لَا يثبت كَون هَذِه الأَرْض وَقفا وَإِن لم يعرف واقفها وَمن فتاوي ابْن الصّلاح أَن الظَّاهِر ثُبُوت الشَّرْط ضمنا تبعا للشَّهَادَة بِأَصْل الْوَقْف لَا اسْتِقْلَالا قَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح فِي تَعْلِيقه وَهُوَ أولى مِمَّا قَالَه النَّوَوِيّ وَفِي الْحَاوِي للماوردي وَالْبَحْر للروياني عبارَة مشكلة فَنَذْكُر مَا فِي لفظ الْحَاوِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 قَالَ وَأما الْوَقْف فِي تظاهر الْخَبَر بِهِ إِذا سمع على مُرُور الْأَوْقَات فَلَا يثبت وَقفه بِسَمَاع الْخَبَر الظَّاهِر لِأَنَّهُ عَن لفظ يفْتَقر إِلَى سَمَاعه من عاقده فَلم يجز أَن يعْمل على تظاهر الْخَبَر بِهِ فَأَما ثُبُوته وَقفا مُطلقًا وَالشَّهَادَة أَن هَذَا وقف آل فلَان أوقف على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي ثُبُوته انْتهى قَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين وَالظَّاهِر أَنه قصد أَنه لَا يشْهد بالاستفاضة أَن فلَانا قَالَ وقفت هَذَا بِخِلَاف هَذَا وقف 355 - مُحَمَّد بن يُوسُف بن الْفضل الشالنجي بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَاللَّام بَينهمَا ألف وَالنُّون الساكنة وَفِي آخرهَا الْجِيم وَهَذِه النِّسْبَة إِلَى بيع مَا يعْمل من الشّعْر كالمخلاة والمقود وَنَحْوهمَا أَبُو بكر الْجِرْجَانِيّ القَاضِي كَانَ من مشاهير أَئِمَّة جرجان عَلَيْهِ بهَا مدَار التدريس والفتيا والإملاء والوعظ سمع الْكثير من ابْن عدي وَأحمد بن الْحسن بن مَاجَه الْقزْوِينِي ونعيم بن عبد الْملك الْجِرْجَانِيّ وَمُحَمّد بن حمدَان وَغَيرهم روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن مسْعدَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيره توفّي بجرجان فِي ثامن ذِي الْحجَّة سنة ثَمَانِي عشرَة وَأَرْبَعمِائَة عَن إِحْدَى وَتِسْعين سنة 356 - مُحَمَّد بن أبي سهل الطوسي مَاتَ سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 355 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 357 - إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن يُوسُف الفيروزاباذي بِكَسْر الْفَاء أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ صَاحب التَّنْبِيه والمهذب فِي الْفِقْه والنكت فِي الْخلاف واللمع وَشَرحه والتبصرة فِي أصُول الْفِقْه والملخص والمعونة فِي الجدل وطبقات الْفُقَهَاء ونصح أهل الْعلم وَغير ذَلِك هُوَ الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام صَاحب التصانيف الَّتِي سَارَتْ كمسير الشَّمْس ودارت الدُّنْيَا فَمَا جحد فَضلهَا إِلَّا الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس بعذوبة لفظ أحلى من الشهد بِلَا نحله وحلاوة تصانيف فَكَأَنَّمَا عناها البحتري بقوله (وَإِذا دجت أقلامه ثمَّ انتحت ... برقتْ مصابيح الدجى فِي كتبه) (بِاللَّفْظِ يقرب فهمه فِي بعده ... منا وَيبعد نيله فِي قربه) (حكم سحائبها خلال بنانه ... هطالة وقليبها فِي قلبه) (فالروض مُخْتَلف بحمرة نوره ... وَبَيَاض زهرته وخضرة عشبه) (وَكَأَنَّهَا والسمع مَعْقُود بهَا ... شخص الحبيب بدا لعين محبه) الحديث: 357 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 وَقد كَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي الفصاحة والمناظرة وَأقرب شَاهد على ذَلِك قَول سلار الْعقيلِيّ أوحد شعراء عصره (كفاني إِذا عَن الْحَوَادِث صارم ... ينيلني المأمول بالإثر والأثر) (يقد ويفرى فِي اللِّقَاء كَأَنَّهُ ... لِسَان أبي إِسْحَاق فِي مجْلِس النّظر) وَكَانَت الطّلبَة ترحل من الْمشرق وَالْمغْرب إِلَيْهِ والفتاوي تحمل من الْبر وَالْبَحْر إِلَى بَين يَدَيْهِ وَالْفِقْه تتلاطم أمواج بحاره وَلَا يسْتَقرّ إِلَّا لَدَيْهِ ويتعاظم لابس شعاره إِلَّا عَلَيْهِ حَتَّى ذكرُوا أَنه كَانَ يجْرِي مجْرى ابْن سُرَيج فِي تأصيل الْفِقْه وتفريعه ويحاكيه فِي انتشار الطّلبَة فِي الرّبع العامر جَمِيعه قَالَ حيدر بن مَحْمُود بن حيدر الشِّيرَازِيّ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق يَقُول خرجت إِلَى خُرَاسَان فَمَا دخلت بَلْدَة وَلَا قَرْيَة إِلَّا وَكَانَ قاضيها أَو مفتيها أَو خطيبها تلميذي أَو من أَصْحَابِي وَأما الجدل فَكَانَ ملكه الْآخِذ بزمامه وإمامه إِذا أَتَى كل وَاحِد بإمامه وَبدر سمائه الَّذِي لَا يغتاله النُّقْصَان عِنْد تَمَامه وَأما الْوَرع المتين وسلوك سَبِيل الْمُتَّقِينَ وَالْمَشْي على سنَن السَّادة السالفين فَذَلِك أشهر من أَن يذكرهُ الذاكر وَأكْثر من أَن يحاط لَهُ بِأول وَآخر لن يُنكر تقلب وَجهه فِي الساجدين وَلَا قِيَامه فِي جَوف الدجى وَكَيف والنجوم من جملَة الشَّاهِدين (يهوى الدياجي إِذا الْمَغْرُور أغفلها ... كَأَن شهب الدياجي أعين نجل) وَكَانَ يُقَال إِنَّه مستجاب الدعْوَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 وَقَالَ أَبُو بكر بن الخاضبة سَمِعت بعض أَصْحَاب أبي إِسْحَاق بِبَغْدَاد يَقُول كَانَ الشَّيْخ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْد فرَاغ كل فصل من الْمُهَذّب وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِنَّه سمع بَعضهم يَقُول دخل أَبُو إِسْحَاق يَوْمًا مَسْجِدا ليتغدى فنسى دِينَارا ثمَّ ذكر فَرجع فَوَجَدَهُ ففكر ثمَّ قَالَ لَعَلَّه وَقع من غَيْرِي فَتَركه هَذَا هُوَ الزّهْد هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا لَا وَهَذَا هُوَ الْوَرع وَليكن الْمَرْء هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا يؤمل من الْجنَّة آمالا وَهَذَا هُوَ خُلَاصَة النَّاس وَهَذَا هُوَ الْحلِيّ وَمَا يظنّ أَنه نَظِيره فَذَاك هُوَ الوسواس فَإِن كَانَ صَالح ترتجى بركاته فَهَذَا وَإِن كَانَ سيد يؤمل فِي الشدائد فحسبك هُوَ ملاذا وَإِن كَانَ تَقِيّ فَهَذَا الْعَمَل الأتقى وَإِن كَانَت مُوالَاة فلمثل هَذِه الشيم الَّتِي لَا يتجنبها إِلَّا الأشقى ولد الشَّيْخ بفيروزاباذ وَهِي بليدَة بِفَارِس سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة وَنَشَأ بهَا ثمَّ دخل شيراز وَقَرَأَ الْفِقْه على أبي عبد الله الْبَيْضَاوِيّ وعَلى ابْن رامين صَاحِبي أبي الْقَاسِم الداركي تلميذ أبي إِسْحَاق الْمروزِي صَاحب ابْن سُرَيج ثمَّ دخل الْبَصْرَة وَقَرَأَ الْفِقْه بهَا على الخرزي ثمَّ دخل بَغْدَاد فِي سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَقَرَأَ على القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ ولازمه واشتهر بِهِ وَصَارَ أعظم أَصْحَابه ومعيد درسه وَقَرَأَ الْأُصُول على أبي حَاتِم الْقزْوِينِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 وَقَرَأَ الْفِقْه أَيْضا على الزجاجي وَطَائِفَة آخَرين وَمَا برح يدأب ويجهد حَتَّى صَار أنظر أهل زَمَانه وَفَارِس ميدانه والمقدم على أقرانه وامتدت إِلَيْهِ الْأَعْين وانتشر صيته فِي الْبلدَانِ ورحل إِلَيْهِ فِي كل مَكَان وَلَقَد كَانَ اشْتِغَاله أول طلبه أمرا عجابا وَعَملا دَائِما يَقُول من شَاهده عجبا لهَذَا الْقلب والكبد كَيفَ مَا ذابا يُقَال إِنَّه اشْتهى ثريدا بِمَاء الباقلاء قَالَ فَمَا صَحَّ لي أكله لاشتغالي بالدرس وأخذى النّوبَة وَقَالَ لي كنت أُعِيد كل قِيَاس ألف مرّة فَإِذا فرغت مِنْهُ أخذت قِيَاسا آخر وَهَكَذَا وَكنت أُعِيد كل درس ألف مرّة فَإِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة بَيت يستشهد بِهِ حفظت القصيدة وَسمع الشَّيْخ الحَدِيث بِبَغْدَاد من أبي بكر البرقاني وَأبي عَليّ بن شَاذان وَأبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ الْخَطِيب وَأَبُو عبد الله بن مُحَمَّد بن أَبى نصر الْحميدِي وَأَبُو بكر بن الخاضبة وَأَبُو الْحسن بن عبد السَّلَام وَأَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو الْبَدْر بن الْكَرْخِي وَغَيرهم وَكَانَ الشَّيْخ أَولا يدرس فِي مَسْجِد بِبَاب الْمَرَاتِب إِلَى أَن بنى لَهُ الْوَزير نظام الْمَالِك الْمدرسَة على شاطىء دجلة فانتقل إِلَيْهَا ودرس بهَا بعد تمنع شَدِيد فِي يَوْم السبت مستهل ذِي الْحجَّة سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 قَالَ القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس الْجِرْجَانِيّ صَاحب المعاياة وَغَيرهَا كَانَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ لَا يملك شَيْئا من الدُّنْيَا فَبلغ بِهِ الْفقر حَتَّى كَانَ لَا يجد قوتا وَلَا ملبسا قَالَ وَلَقَد كُنَّا نأتيه وَهُوَ سَاكن فِي القطيعة فَيقوم لنا نصف قومة لَيْسَ يعتدل قَائِما من العرى كي لَا يظْهر مِنْهُ شَيْء وَقيل كَانَ إِذا بَقِي مُدَّة لَا يَأْكُل شَيْئا جَاءَ إِلَى صديق لَهُ باقلاني فَكَانَ يثرد لَهُ رغيفا ويثريه بِمَاء الباقلاء فَرُبمَا أَتَاهُ وَكَانَ قد فرغ من بيع الباقلاء فيقف أَبُو إِسْحَاق وَيَقُول {تِلْكَ إِذا كرة خاسرة} وَيرجع وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ البروجردي أخرج أَبُو إِسْحَاق يَوْمًا قرصين من بَيته فَقَالَ لبَعض أَصْحَابه وَكلتك فِي أَن تشتري لي الدبس والراشي بِهَذِهِ القرصة على وَجه هَذِه القرصة الْأُخْرَى فَمضى الرجل وَشك بِأَيّ القرصين اشْترى فَمَا أكل الشَّيْخ ذَلِك وَقَالَ لَا أَدْرِي اشْترى الَّذِي وكلته أم بِالْأُخْرَى وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ حملت يَوْمًا فتيا إِلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق فرأيته وَهُوَ يمشي فَسلمت عَلَيْهِ فَمضى إِلَى دكان خباز وَأخذ قلمه ودواته مِنْهُ وَكتب الْجَواب فِي الْحَال وَمسح الْقَلَم فِي ثَوْبه وَأَعْطَانِي الْفَتْوَى وَقد دخل الشَّيْخ خُرَاسَان وَعبر نيسابور وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المقتدى بِاللَّه تشوش من العميد أبي الْفَتْح بن أبي اللَّيْث فَدَعَا الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق وشافهه بالشكوى مِنْهُ وَأَن أهل الْبَلَد حصل لَهُم الْأَذَى بِهِ وَأمره بِالْخرُوجِ إِلَى الْعَسْكَر وَشرح الْحَال بَين يَدي السُّلْطَان وَبَين يدى الْوَزير نظام الْملك فَتوجه الشَّيْخ وَمَعَهُ جمال الدولة عفيف وَهُوَ خَادِم من خدام الْخَلِيفَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 قَالَ أَبُو الْحسن الهمذاني وَكَانَ عِنْد وُصُوله إِلَى بِلَاد الْعَجم يخرج أَهلهَا بنسائهم وَأَوْلَادهمْ فيمسحون أَرْكَانه وَيَأْخُذُونَ تُرَاب نَعْلَيْه يستشفون بِهِ وَكَانَ يخرج من كل بلد أَصْحَاب الصَّنَائِع بصنائعهم وينثرونها مَا بَين حلوى وَفَاكِهَة وَثيَاب وفرا وَغير ذَلِك وَهُوَ ينهاهم حَتَّى انْتَهوا إِلَى الأساكفة فَجعلُوا ينثرون المتاعات وَهِي تقع على رُؤُوس النَّاس وَالشَّيْخ يتعجب وَلما انْتَهوا جعل الشَّيْخ يداعب أَصْحَابه وَيَقُول رَأَيْتُمْ النثار مَا أحْسنه وأيش وصل إِلَيْكُم يَا أَوْلَادِي مِنْهُ قلت وَكَانَ مِمَّن صَحبه فِي هَذِه السفرة من أَصْحَابه فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي وَالْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ صَاحب الْعدة وَابْن بَيَان والميانجي وَأَبُو معَاذ والبندليني وَأَبُو ثَعْلَب الوَاسِطِيّ وَعبد الْملك الشابرخواستي وَأَبُو الْحسن الْآمِدِيّ وَأَبُو الْقَاسِم الزنجاني وَأَبُو عَليّ الفارقي وَأَبُو الْعَبَّاس بن الرطبي وَغَيرهم قلت وَخرج إِلَيْهِ صوفيات الْبَلَد وَمَا فِيهِنَّ إِلَّا من مَعهَا سبْحَة وألقين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 الْجَمِيع إِلَى المحفة وَكَانَ قصدهن أَن يلمسها فَتحصل لَهُنَّ الْبركَة فَجعل يمرها على يَدَيْهِ وَجَسَده ويتبرك بِهن ويقصد فِي حقهن مَا قصدن فِي حَقه وَكَانَ هَذَا الْحَال بساوة من بِلَاد الْعَجم وَلما بلغ بسطَام قيل للشَّيْخ قد أَتَى فلَان الصُّوفِي فَنَهَضَ الشَّيْخ من مَكَانَهُ وَعدا إِلَيْهِ وَإِذا بِهِ شيخ كَبِير هم وَهُوَ رَاكب بَهِيمَة وَخَلفه خلق من الصُّوفِيَّة بمرقعات جميلَة فَقيل لَهُ قد أَتَاك الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فَرمى نَفسه عَن الْبَهِيمَة وَقبل يَده وَقبل الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق رجله وَقَالَ لَهُ الصُّوفِي قتلتني يَا سَيِّدي فَمَا يمكنني أَمْشِي مَعَك وَلَكِن تتقدم إِلَى مجلسك وَلما وصل جلس الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق بَين يَدَيْهِ وَأظْهر كل وَاحِد مِنْهُمَا من تَعْظِيم صَاحبه مَا جَاوز الْحَد ثمَّ أخرج الصُّوفِي خرقتين فِي إِحْدَاهمَا حِنْطَة وَقَالَ هَذِه حِنْطَة نتوارثها عَن أبي يزِيد البسطامي وَفِي الْأُخْرَى ملح فأعجب الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق ذَلِك وودعه وَانْصَرف قَالَ ابْن الهمذاني وحَدثني الشَّيْخ أَبُو الْفَضَائِل أَن ابْن بَيَان مدرس الْبَصْرَة قَالَ هَذَا الشَّيْخ الصُّوفِي الَّذِي قصد الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق يعرف بالسهلكي وَحكى فِي ذَلِك الْمجْلس أَن هَذِه الْبَلدة يَعْنِي بَلْدَة بسطَام لَا تَخْلُو من ولي لله فَكَانُوا يرَوْنَ أَن الْولَايَة انْتَهَت إِلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 ثمَّ إِن الشَّيْخ دخل نيسابور وتلقاه أَهلهَا على الْعَادة المألوفة مِمَّن وَرَاءَهُمْ من بِلَاد خُرَاسَان وَحمل شيخ الْبَلَد إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ غاشيته وَمَشى بَين يَدَيْهِ كالخديم وَقَالَ أفتخر بِهَذَا وتناظر هُوَ وإياه فِي مسَائِل انْتهى إِلَيْنَا بَعْضهَا وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق غضنفرا فِي المناظرة لَا يصطلى لَهُ بِنَار وَقد قيل إِنَّه كَانَ يحفظ مسَائِل الْخلاف كَمَا يحفظ أحدكُم الْفَاتِحَة وَقيل إِن سَبَب تصنيفه الْمُهَذّب أَنه بلغه أَن ابْن الصّباغ قَالَ إِذا اصْطلحَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة ذهب علم أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ يَعْنِي أَن علمه هُوَ مسَائِل الْخلاف بَينهمَا فَإِذا اتفقَا ارْتَفع فصنف الشَّيْخ حِينَئِذٍ الْمُهَذّب حكى ذَلِك ابْن سَمُرَة فِي طَبَقَات اليمنيين وَذكر أَن الشَّيْخ صنف الْمُهَذّب مرَارًا فَلَمَّا لم يُوَافق مَقْصُوده رمى بِهِ فِي دجلة وَأجْمع رَأْيه على هَذِه النُّسْخَة الْمجمع عَلَيْهَا ثمَّ عَاد الشَّيْخ إِلَى بَغْدَاد وصحبته كتب السُّلْطَان الْأَعْظَم ملكشاه بن السُّلْطَان ألب أرسلان السلجوقي والوزير نظام الْملك قلت وأظن الشَّيْخ فِي هَذِه السفرة خطب للخليفة بنت السُّلْطَان وَكَانَ السفير فِي ذَلِك وَمَا أرَاهُ إِلَّا فِي هَذِه السفرة فَتزَوج بهَا الْخَلِيفَة وأولدها جعفرا وَكَانَ قَصده بِهَذَا التَّقَرُّب إِلَى خاطر ملكشاه فَلم يزده ذَلِك إِلَّا بعدا وَتغَير عَلَيْهِ خاطر السُّلْطَان ملكشاه بعد زمن قريب وَكَانَ قد جعل وَلَده المستظهر بِاللَّه ولي الْعَهْد فألزمه أَن يعزله وَيجْعَل ابْن بنته جعفرا ولي الْعَهْد وَأَن يسلم بَغْدَاد إِلَى السُّلْطَان وَيخرج إِلَى الْبَصْرَة فشق ذَلِك على الْخَلِيفَة وَبَالغ فِي استنزال السُّلْطَان ملكشاه عَن هَذَا الرَّأْي فَأبى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 فاستمهله عشرَة أَيَّام ليتجهز فَقيل أَنه جعل يَصُوم ويطوي وَإِذا أفطر جلس على الرماد وَيَدْعُو على ملكشاه فَلم يفلح ملكشاه بل مَاتَ بعد أَيَّام يسيرَة وَلم يتم لَهُ شَيْء مِمَّا أَرَادَهُ وَكَانَ هَذَا الْخَلِيفَة الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله كَبِير الإجلال للشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق سَببا فِي جعله خَليفَة قَالَ ابْن سَمُرَة قَالَ القَاضِي طَاهِر بن يحيى قلت هُوَ ابْن صَاحب الْبَيَان وَكَانَ مَعَ الزّهْد المتين والورع الشَّديد طلق الْوَجْه دَائِم الْبشر حسن المجالسة مليح المحاورة يحْكى الحكايات الْحَسَنَة والأشعار المليحة ويحفظ مِنْهَا كثيرا وَرُبمَا أنْشد على البديهة لنَفسِهِ مثل قَوْله مرّة لِخَادِمِهِ فِي الْمدرسَة النظامية أبي طَاهِر بن شَيبَان بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي (وَشَيخنَا الشَّيْخ أَبُو طَاهِر ... جمالنا فِي السِّرّ وَالظَّاهِر) وَمِنْه قَوْله وَهُوَ ماش فِي الوحل يَوْمًا وَقد أَكثر الإنشاد من الْأَشْعَار فَقَالَ (إنشادنا الْأَشْعَار فِي الوحل ... هَذَا لعمري غَايَة الْجَهْل) قَالَ تِلْمِيذه عَليّ بن حسكويه وَكَانَ مَعَه يَا سَيِّدي بل هَذَا لعمري غَايَة الْفضل وَقَالَ عَليّ بن حسكويه اجْتمع الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق والرئيس أَبُو الْخطاب عَليّ بن عبد الرَّحْمَن فَأتيَا بثلجية فِيهَا مَاء بَارِد فَأَنْشَأَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق قَوْله (ممنع وَهُوَ فِي الثلاج ... فَكيف لَو كَانَ فِي الزّجاج) فَأَجَابَهُ الرئيس أَبُو الْخطاب (مَاء صفا رقة وطيبا ... لَيْسَ بملح وَلَا أجاج) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 وَحكى أَبُو نصر أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر خطيب الْموصل قَالَ لما جِئْت إِلَى بَغْدَاد قَاصِدا الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق رحب بِي وَقَالَ من أَي الْبِلَاد أَنْت فَقلت من الْموصل فَقَالَ مرْحَبًا بلديى فَقلت يَا سيدنَا أَنا من الْموصل وَأَنت من فيروزاباذ فَقَالَ يَا وَلَدي أما جمعتنَا سفينة نوح وَله أدب أعذب من الزلَال مازجته المدام وأزهر من الرَّوْض باكره مَاء الْغَمَام وأبهى من المنثور هَذَا مَعَ أَنه لَا يَتلون وأزهى من صفحات الخدود وَإِن كَانَ آس العذار على جَوَانِب ورده تكون لَو سَمعه ديك الْجِنّ لصاح كَأَنَّهُ مصروع وَلَو تَأمل مقاطيعة ابْن قلاقس لأصبح وَهُوَ ذُو قلب مَقْطُوع فَمِنْهُ (سَأَلت النَّاس عَن خل وَفِي ... فَقَالُوا مَا إِلَى هَذَا سَبِيل) (تمسك إِن ظَفرت بود حر ... فَإِن الْحر فِي الدُّنْيَا قَلِيل) وَمِنْه (إِذا تخلفت عَن صديق ... وَلم يعاتبك فِي التَّخَلُّف) (فَلَا تعد بعْدهَا إِلَيْهِ ... فَإِنَّمَا وده تكلّف) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 وَمِنْه فِي غريق (غريق كَأَن الْمَوْت رق لفقده ... فلَان لَهُ فِي صُورَة المَاء جَانِبه) (أَبى الله أَن أنساه دهري لِأَنَّهُ ... توفاه فِي المَاء الَّذِي أَنا شَاربه) وَمِنْه أَيْضا (لبست ثوب الرجا وَالنَّاس قد رقدوا ... وَقمت أَشْكُو إِلَى مولَايَ مَا أجد) (وَقلت يَا عدتي فِي كل نائبة ... وَمن عَلَيْهِ لكشف الضّر أعْتَمد) (أَشْكُو إِلَيْك أمورا أَنْت تعلمهَا ... مَالِي على حملهَا صَبر وَلَا جلد) (وَقد مددت يَدي بالضر مبتهلا ... إِلَيْك يَا خير من مدت إِلَيْهِ يَد) (فَلَا تردنها يَا رب خائبة ... فبحر جودك يروي كل من يرد) قَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي كِتَابه فِي القَوْل فِي النُّجُوم أنشدنا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الفيروزابادي لنَفسِهِ (حَكِيم رأى أَن النُّجُوم حَقِيقَة ... وَيذْهب فِي أَحْكَامهَا كل مَذْهَب) (يخبر عَن أفلاكها وبروجها ... وَمَا عِنْده علم بِمَا فِي المغيب) وَحكي أَن الشَّيْخ قَالَ كنت نَائِما فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَمَعَهُ صَاحِبَاه أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقلت يَا رَسُول الله بَلغنِي عَنْك أَحَادِيث كَثِيرَة عَن ناقلي الْأَخْبَار فَأُرِيد أَن أسمع مِنْك خَبرا أتشرف بِهِ فِي الدُّنْيَا وأجعله ذخيرة فِي الْآخِرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 فَقَالَ لي يَا شيخ وسماني شَيخا وخاطبني بِهِ وَكَانَ الشَّيْخ يفرح بِهَذَا وَيَقُول سماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيخا قَالَ الشَّيْخ ثمَّ قَالَ لي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَرَادَ السَّلامَة فليطلبها فِي سَلامَة غَيره قلت وَمثل هَذِه الْحِكَايَة حِكَايَة شَيْخه القَاضِي أبي الطّيب فِي رُؤْيَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وتسميته إِيَّاه فَقِيها وَكَانَ القَاضِي أَيْضا يفتخر بذلك وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق يَقُول من قَرَأَ عَليّ مَسْأَلَة فَهُوَ وَلَدي وَيَقُول الْعَوام ينسبون بالأولاد والأغنياء بالأموال وَالْعُلَمَاء بِالْعلمِ وَكَانَ يَقُول الْعلم الَّذِي لَا ينْتَفع بِهِ صَاحبه أَن يكون الرجل عَالما وَلَا يكون عَاملا وينشد لنَفسِهِ (علمت مَا حلل الْمولى وَحرمه ... فاعمل بعلمك إِن الْعلم بِالْعَمَلِ) وَكَانَ يَقُول الْجَاهِل بالعالم يَقْتَدِي فَإِذا كَانَ الْعَالم لَا يعْمل بِعِلْمِهِ فالجاهل مَا يَرْجُو من نَفسه فَالله الله يَا أَوْلَادِي نَعُوذ بِاللَّه من علم يصير حجَّة علينا وَكَانَ يمشي بعض أَصْحَابه مَعَه فِي طَرِيق فَعرض لَهما كلب فَقَالَ الْفَقِيه لذَلِك الْكَلْب اخْسَأْ وزجره فَنَهَاهُ الشَّيْخ وَقَالَ لم طردته عَن الطَّرِيق أما علمت أَن الطَّرِيق بيني وَبَينه مُشْتَرك ومنام الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن نصر بن كاكا المؤيدي مَشْهُور وَهُوَ مَا ذكره فَقَالَ رَأَيْت فِي الْعشْر الْأَوْسَط من الْمحرم سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة لَيْلَة الْجُمُعَة الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق طول الله عمره فِي مَنَامِي يطير مَعَ أَصْحَابه فِي السَّمَاء الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة فتحيرت فِي نَفسِي وَقلت هَذَا هُوَ الشَّيْخ الإِمَام مَعَ أَصْحَابه يطير وَأَنا مَعَهم استعظاما لتِلْك الْحَال والرؤية فَكنت فِي هَذِه الفكرة إِذْ تلقى الشَّيْخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 الإِمَام ملك وَسلم عَلَيْهِ عَن الله تبَارك وَتَعَالَى وَقَالَ لَهُ إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول مَاذَا تدرس لأصحابك فَقَالَ الشَّيْخ أدرس مَا نقل عَن صَاحب الشَّرْع فَقَالَ لَهُ الْملك فاقرأ عَليّ شَيْئا من ذَلِك لأسمعه فَقَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخ مَسْأَلَة لَا أذكرها فاستمع لَهُ الْملك وَانْصَرف وَأخذ الشَّيْخ يطير وَأَصْحَابه مَعَه فَرجع الْملك بعد سَاعَة وَقَالَ للشَّيْخ إِن الله تَعَالَى يَقُول الْحق مَا أَنْت عَلَيْهِ وَأَصْحَابك فَادْخُلْ الْجنَّة مَعَهم وَكَانَ الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن حَامِد الشَّاشِي يَقُول الشَّيْخ الشِّيرَازِيّ حجَّة الله على أَئِمَّة الْعَصْر وَقَالَ الإِمَام أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ صَاحب الْحَاوِي وَقد اجْتمع بالشيخ وَسمع كَلَامه فِي مَسْأَلَة مَا رَأَيْت كَأبي إِسْحَاق لَو رَآهُ الشَّافِعِي لتجمل بِهِ وَقَالَ الْمُوفق الْحَنَفِيّ إِمَام أَصْحَاب الرَّأْي أَبُو إِسْحَاق إِمَام الْمُؤمنِينَ فِي الْفُقَهَاء وَكَانَ عميد الدولة بن جهير الْوَزير يَقُول هُوَ وحيد عصره وفريد دهره مستجاب الدعْوَة وَقَالَ القَاضِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد الماهاني إمامان مَا اتّفق لَهما الْحَج الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وقاضي الْقُضَاة أَبُو عبد الله الدَّامغَانِي فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق مَا كَانَ لَهُ استطاعة الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلَكِن لَو أَرَادَ الْحَج لحملوه على الأحداق إِلَى مَكَّة والدامغاني لَو أَرَادَ أَن يحجّ على السندس والإستبرق لأمكنه ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 وَكَانَ الشَّيْخ إِذا أَخطَأ بَين يَدَيْهِ المباحث فِي كلمة قَالَ أَي سكتة فاتتك وَرُبمَا تكلم فِي مَسْأَلَة فَسَأَلَهُ السَّائِل سؤالا غير مُتَوَجّه فَيَقُول (سَارَتْ مشرقة وسرت مغربا ... شتان بَين مشرق ومغرب) قَالَ أَبُو البركات عبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي كَانَ الشَّيْخ يتَوَضَّأ فِي الشط فَنزل المشرعة يَوْمًا وَكَانَ يشك فِي غسل وَجهه ويكرر حَتَّى غسل نوبا عدَّة فوصل إِلَيْهِ بعض الْعَوام وَقَالَ لَهُ يَا شيخ أما تَسْتَحي تغسل وَجهك كَذَا وَكَذَا نوبَة وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من زَاد على الثَّلَاث فقد أسرف) فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ لَو صَحَّ لي الثَّلَاث مَا زِدْت عَلَيْهَا فَمضى وخلاه فَقَالَ لَهُ وَاحِد أيش قلت لذَلِك الشَّيْخ الَّذِي كَانَ يتَوَضَّأ فَقَالَ الرجل ذَاك شيخ موسوس قلت لَهُ كَذَا على كَذَا فَقَالَ لَهُ يَا رجل أما تعرفه فَقَالَ لَا قَالَ ذَاك إِمَام الدُّنْيَا وَشَيخ الْمُسلمين ومفتي أَصْحَاب الشَّافِعِي فَرجع ذَلِك الرجل خجلا إِلَى الشَّيْخ وَقَالَ يَا سَيِّدي تعذرني فَإِنِّي قد أَخْطَأت وَمَا عرفتك فَقَالَ الشَّيْخ الَّذِي قلت صَحِيح فَإِنَّهُ لَا يجوز الزِّيَادَة على الثَّلَاث وَالَّذِي أَجَبْتُك بِهِ أَيْضا صَحِيح لَو صَحَّ لي الثَّلَاث مَا زِدْت عَلَيْهَا كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب عَن مُحَمَّد بن مَحْمُود الْحَافِظ أَن عبد الْوَهَّاب بن عَليّ أنبأه عَن أبي صَالح عبد الصَّمد بن عَليّ الْفَقِيه أَن أَبَا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 الخاضبة قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق يَقُول لَو عرض هَذَا الْكتاب الَّذِي صنفته وَهُوَ الْمُهَذّب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَالَ هَذَا شريعتي الَّتِي أمرت بهَا أمتِي أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن الشّحْنَة إِذْنا أَن الْحَافِظ أَبَا عبد الله الْبَغْدَادِيّ قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ النَّسَائِيّ بأصبهان يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الرشيد بن مُحَمَّد يَقُول سَمِعت الْحسن بن الْعَبَّاس الرستمي يَقُول سَمِعت الْحسن الطَّبَرِيّ الإِمَام يَقُول سَمِعت صَوتا من الْكَعْبَة أَو من جَوف الْكَعْبَة من أَرَادَ أَن يتَنَبَّه فِي الدّين فَعَلَيهِ بالتنبيه توفّي فِي اللَّيْلَة الَّتِي صبيحتها يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وغسله أَبُو الْوَفَاء بن عقيل الْحَنْبَلِيّ وَدفن من الْغَد بمقبرة بَاب حَرْب وَمن الرِّوَايَات والفوائد عَنهُ أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس الْأَشْعَرِيّ الْحَافِظ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله بن المهتار سَمَاعا أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْمُبَارك بن ماسويه أخبرنَا أَبُو الْخَيْر مَسْعُود بن عَليّ بن صَدَقَة بن مطرز الخباز قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْكَرم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 خَمِيس بن عَليّ بن أَحْمد الْحَوْزِيِّ إملاء بواسط أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ ابْن يُوسُف شيخ الشافعيين بِبَغْدَاد حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب البرقاني حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدَان النَّيْسَابُورِي الْحَافِظ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجي حَدثنَا يحيى بن عبد الله بن بكير حَدثنَا يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الإسْكَنْدراني عَن مُوسَى بن عقبَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ من دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك وتحول عافيتك وَمن فَجْأَة نقمتك وَمن جَمِيع سخطك وغضبك) صَحِيح انْفَرد مُسلم بِإِخْرَاجِهِ فِي صَحِيحه عَن أبي زرْعَة الرَّازِيّ الْحَافِظ عَن يحيى ابْن عبد الله بن بكير كَمَا أخرجناه وَلَيْسَ لمُسلم عَن أبي زرْعَة فِي صَحِيحه سوى هَذَا الحَدِيث والبوشنجي وَهُوَ الإِمَام أَبُو عبد الله تقدم فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة أخبرنَا أَحْمد بن المظفر الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا القَاضِي أَبُو الْفضل سُلَيْمَان بن أَحْمد الْمَقْدِسِي بِقِرَاءَتِي أخبرنَا الْحَافِظ الضياء مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْفضل بن الْقَاسِم أَنبأَنَا الإِمَام أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن الْحَافِظ أبي صَالح أَحْمد بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 عبد الْملك النَّيْسَابُورِي نزيل كرمان أخبرنَا الإِمَام أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الشِّيرَازِيّ أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب الْحَافِظ أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدَان حَدثنَا مُحَمَّد بن أَيُّوب حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد حَدثنَا همام قَالَ سَمِعت إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة يَقُول سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (إِن عبدا أذْنب ذَنبا فَقَالَ أَي رب أذنبت ذَنبا فَاغْفِر لي فَقَالَ الله تَعَالَى علم عَبدِي أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بِهِ قد غفرت لعبدي ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله ثمَّ أذْنب ذَنبا آخر ثمَّ قَالَ أَي رب أذنبت ذَنبا فَاغْفِر لي فَقَالَ ربه علم عَبدِي أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بِهِ قد غفرت لعبدي حَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا عَن أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر أَن أَبَا المظفر ابْن السَّمْعَانِيّ أنبأه قَالَ أخبرنَا أبي الْحَافِظ أَبُو سعد أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مَرْزُوق بن عبد الرَّزَّاق الزَّعْفَرَانِي إجَازَة وأنشدنا عَنهُ أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الْإِصْطَخْرِي الْفَقِيه قَالَ أنشدنا الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ بِبَغْدَاد وَلم يسم قَائِلا (صبرت على بعض الْأَذَى خوف كُله ... وألزمت نَفسِي صبرها فاستقرت) (وجرعتها الْمَكْرُوه حَتَّى تدربت ... وَلَو حَملته جملَة لاشمأزت) (فيا رب عز جر للنَّفس ذلة ... وَيَا رب نفس بالتذلل عزت) (وَمَا الْعِزّ إِلَّا خيفة الله وَحده ... وَمن خَافَ مِنْهُ خافه مَا أقلت) (فيا صدق نَفسِي إِن فِي الصدْق حَاجَتي ... فأرضى بدنياي وَإِن هِيَ قلت) (وأهجر أَبْوَاب الْمُلُوك فإنني ... أرى الْحِرْص جلابا لكل مذلة) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 (إِذا مَا مددت الْكَفّ ألتمس الْغنى ... إِلَى غير من قَالَ اسألوني فشلت) (إِذا طرقتني الحادثات بنكبة ... تذكرت مَا عوقبت مِنْهُ فَقلت) (وَمَا نكبة إِلَّا وَللَّه منَّة ... إِذا قابلتها أَدْبَرت واضمحلت) (تبَارك رزاق الْبَريَّة كلهَا ... على مَا أَرَادَ لَا على مَا اسْتحقَّت) (فكم عَاقل لَا يستبيت وجاهل ... ترقت بِهِ أَحْوَاله وتعلت) (وَكم من جليل لَا يرام حجابه ... بدار غرور أَدْبَرت وتولت) (تشوب القذى بالصفو والصفو بالقذى ... وَلَو أَحْسَنت فِي كل حَال لملت) قلت قَوْله تبَارك رزاق الْبَريَّة الْبَيْتَيْنِ أصدق من قَول أبي الْعَلَاء المعري (كم عَاقل عَاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جَاهِل تَلقاهُ مرزوقا) (هَذَا الَّذِي ترك الأوهام حائرة ... وصير الْعَالم النحرير زنديقا) فقبحه الله مَا أجرأه على الله عزوجل وَقد أحسن الَّذِي قَالَ نقصضا عَلَيْهِ (كم عَاقل عَاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جَاهِل شعْبَان ريانا) (هَذَا الَّذِي زَاد أهل الْكفْر لَا سلمُوا ... كفرا وَزَاد أولي الْإِيمَان إِيمَانًا) أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس النابلسي الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا عَن أَحْمد بن هبة الله عَن عبد الرَّحِيم وَعبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور أَن أَبَاهُ أخبرهُ قَالَ أنشدنا أَبُو المظفر شبيب بن الْحُسَيْن القَاضِي إملاء ببروجرد أنشدنا الإِمَام الْكَبِير أَبُو إِسْحَاق الفيروزابادي أَنْشدني الْمُطَرز الْبَغْدَادِيّ لنَفسِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 (وَلما وقفنا بالضراب عَشِيَّة ... حيارى لتوديع ورد سَلام) (وقفنا على رغم الحسود وكلنَا ... نفض عَن الأثواب كل ختام) (وسوغني عِنْد الْوَدَاع عناقه ... فَلَمَّا رأى وجدي بِهِ وغرامي) (تلثم مُرْتَابا بِفضل رِدَائه ... فَقلت هِلَال بعد بدر تَمام) (وقبلته فَوق اللثام فَقَالَ لي ... هِيَ الْخمر إِلَّا أَنَّهَا بفدام) أخبرنَا أَبُو عبد الله وَأَبُو الْعَبَّاس الحافظان فِي كتابهما عَن أبي الْفضل العساكري أَن عبد الرَّحِيم بن أبي سعد أنبأه أَن وَالِده الْحَافِظ قَالَ لَهُ سَمِعت سيدنَا القَاضِي يَقُول عقب هَذَا ثمَّ قَالَ لي الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق يَا بني قد رويت عَن هَذَا الرجل فِي النسيب شَيْئا فأودعني مَا يمحو ذَلِك وأنشدني لنَفسِهِ (يَا عبد كم لَك من ذَنْب ومعصية ... إِن كنت ناسيها فَالله أحصاها) (يَا عبد لَا بُد من ذَنْب تقوم لَهُ ... ووقفة مِنْك تدمي الْكَفّ ذكرَاهَا) (إِذا عرضت على نَفسِي تذكرها ... وساء ظَنِّي قلت اسْتغْفر الله) أخبرنَا أَحْمد بن المظفر الْحَافِظ رَحمَه الله إِذْنا خَاصّا عَن أَحْمد بن هبة الله عَن أبي المظفر السَّمْعَانِيّ أَن وَالِده الْحَافِظ أَبَا سعد أخبرهُ قَالَ أنشدنا شبيب بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 الْحُسَيْن قَاض ببروجرد قَالَ أَنْشدني أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأَظنهُ قَالَ هِيَ للمطرز (وحديثها السحر الْحَلَال لَو أَنه ... لم يجن قتل الْمُسلم المتحرز) (إِن طَال لم يملل وَإِن هِيَ أوجزت ... ود الْمُحدث أَنَّهَا لم توجز) (شرف النُّفُوس ونزهة مَا مثلهَا ... للمطمئن وعقلة المستوفز) ذكر الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي النكت احْتِمَالا لنَفسِهِ فِيمَا إِذا نذر صَلَاة مُؤَقَّتَة وأخرجها عَن وَقتهَا أَنه يقبل وَهُوَ وَجه مُصَرح بحكايته فِي بعض نسخ الذَّخَائِر عَن رَوْضَة المناظر وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق مجمعا عَلَيْهِ من أهل عصره علما ودينا رفيع الجاه بِسَبَب ذَلِك محببا إِلَى غَالب الْخلق لَا يقدر أحد أَن يرميه بِسوء لحسن سيرته وشهرتها عِنْد الْخلق وَزَعَمت الْحَنَابِلَة فِي وَاقعَة ابْن الْقشيرِي أَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق أَرَادَ أَن يبطل مَذْهَبهم لما وَقعت الْفِتْنَة بَين الْحَنَابِلَة والأشعرية وَقَامَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي نصر أبي نصر بن الْقشيرِي لنصره لمَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَكَاتب نظام الْملك فِي ذَلِك وَكَانَ من ذَلِك أَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق اشْتَدَّ غَضَبه على الْحَنَابِلَة وعزم على الرحلة من بَغْدَاد لما نَالَ الْأَشْعَرِيّ من سبّ الْحَنَابِلَة إِيَّاه وَمَا نَالَ أَبَا نصر بن الْقشيرِي من أذاهم فَأرْسل الْخَلِيفَة إِلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق يسكنهُ ويخفف مَا عِنْده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 ثمَّ كتب الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق رِسَالَة إِلَى نظام الْملك يشكو الْحَنَابِلَة وَيذكر مَا فَعَلُوهُ من الْفِتَن وَأَن ذَلِك من عاداتهم ويسأله المعونة فَعَاد جَوَاب نظام الْملك إِلَى فَخر الدولة وَله بإنكار مَا وَقع وَالتَّشْدِيد على خصوم ابْن الْقشيرِي وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فسكن الْحَال قَلِيلا ثمَّ أَخذ الشريف أَبُو جَعْفَر بن أبي مُوسَى وَهُوَ شيخ الْحَنَابِلَة إِذْ ذَاك وجماعته يَتَكَلَّمُونَ فِي الشَّيْخ أبي إِسْحَاق ويبلغونه الْأَذَى بألسنتهم فَأمر الْخَلِيفَة بِجَمْعِهِمْ وَالصُّلْح بَينهم بعد مَا ثارت بَينهم فِي ذَلِك فتْنَة هائلة قتل فِيهَا نَحْو من عشْرين قَتِيلا فَلَمَّا وَقع الصُّلْح وَسكن الْأَمر أَخذ الْحَنَابِلَة يشيعون أَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق تَبرأ من مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فَغَضب الشَّيْخ لذَلِك غَضبا لم يصل أحد إِلَى تسكينه وَكَاتب نظام الْملك فَقَالَت الْحَنَابِلَة إِنَّه كتب يسْأَله فِي إبِْطَال مَذْهَبهم وَلم يكن الْأَمر على هَذِه الصُّورَة وَإِنَّمَا كتب يشكو أهل الْفِتَن فَعَاد جَوَاب نظام الْملك فِي سنة سبعين وَأَرْبَعمِائَة إِلَى الشَّيْخ باستجلاب خاطره وتعظيمه وَالْأَمر بالانتقام من الَّذين أثاروا الْفِتْنَة وَبِأَن يسجن الشريف أَبُو جَعْفَر وَكَانَ الْخَلِيفَة قد حَبسه بدار الْخلَافَة عِنْد مَا شكاه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق قَالُوا وَمن كتاب نظام الْملك إِلَى الشَّيْخ وَأَنه لَا يُمكن تَغْيِير الْمذَاهب وَلَا نقل أَهلهَا عَنْهَا وَالْغَالِب على تِلْكَ النَّاحِيَة مَذْهَب أَحْمد وَمحله مَعْرُوف عِنْد الْأَئِمَّة وَقدره مَعْلُوم فِي السّنة فِي كَلَام طَوِيل سكن بِهِ جأش الشَّيْخ وَأَنا لَا أعتقد أَن الشَّيْخ أَرَادَ إبِْطَال مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَلَيْسَ الشَّيْخ مِمَّن يُنكر مِقْدَار هَذَا الإِمَام الْجَلِيل الْمجمع على علو مَحَله من الْعلم وَالدّين وَلَا مِقْدَار الْأَئِمَّة من أَصْحَابه أهل السّنة والورع وَإِنَّمَا أنكر على قوم عزوا أنفسهم إِلَيْهِ وَهُوَ مِنْهُم بَرِيء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 وأطالوا ألسنتهم فِي سبّ الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ كَبِير أهل السّنة بعده وعقيدته وعقيدة الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله وَاحِدَة لَا شكّ فِي ذَلِك وَلَا ارتياب وَبِه صرح الْأَشْعَرِيّ فِي تصانيفه وَكرر غير مَا مرّة أَن عقيدتي هِيَ عقيدة الإِمَام المبجل أَحْمد بن حَنْبَل هَذِه عبارَة الشَّيْخ أبي الْحسن فِي غير مَوضِع من كَلَامه قَالَ الْفَقِيه أَبُو يعلى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن صَالح العباسي الْمَعْرُوف بِابْن الهبارية فِي كِتَابه فلك الْمَعَالِي وَهُوَ كتاب عمله للوزير أبي نصر سعيد بن المؤمل رُتْبَة على اثنى عشر بَابا على تَرْتِيب البروج وَمن خطّ ابْن الصّلاح نقلت لما توفّي قَاضِي الْقُضَاة أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن جَعْفَر بن مَاكُولَا بِبَغْدَاد أكره الْقَائِم بِأَمْر الله الشَّيْخ الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الفيروزابادي على أَن يتقلد لَهُ النّظر فِي الإحكام والمظالم شرقا وغربا فَامْتنعَ فَوكل بِهِ فَكتب إِلَيْهِ ألم يكفك أَن هَلَكت حَتَّى تهلكني مَعَك فَبكى الْقَائِم بِأَمْر الله وَقَالَ هَكَذَا فَلْيَكُن الْعلمَاء إِنَّمَا أردنَا أَن يُقَال إِنَّه كَانَ فِي عصرنا من وكل بِهِ وأكره على الْقَضَاء فَامْتنعَ وَقد أعفيناه قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر ... الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 مناظرة بَين الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَالشَّيْخ أبي عبد الله الدَّامغَانِي وَكَانَا قد اجْتمعَا فِي عزاء بِبَغْدَاد سُئِلَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي عَن الذِّمِّيّ إِذا أسلم هَل تسْقط عَنهُ الْجِزْيَة لما مضى فَمنع من ذَلِك وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي فَسئلَ الدَّلِيل فاستدل على ذَلِك بِأَنَّهُ أحد الخراجين فَإِذا وَجب فِي حَال الْكفْر لم يسْقط بِالْإِسْلَامِ أَصله خراج الأَرْض فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي لَا يمْتَنع أَن يكون نَوْعَانِ من الْخراج ثمَّ يشْتَرط فِي أَحدهمَا مَالا يشْتَرط فِي الآخر كَمَا أَن زَكَاة الْفطر وَزَكَاة المَال نَوْعَانِ من الزَّكَاة ثمَّ يشْتَرط فِي أَحدهمَا النّصاب وَلَا يشْتَرط فِي الآخر وَالسُّؤَال الثَّانِي لَا يمْنَع أَن يكون حقان متعلقان بالْكفْر ثمَّ أَحدهمَا يسْقط بِالْإِسْلَامِ وَالْآخر لَا يسْقط أَلا ترى أَن الاسترقاق وَالْقَتْل حقان متعلقان بالْكفْر ثمَّ أَحدهمَا يسْقط بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ الْقَتْل وَالْآخر لَا يسْقط بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ الاسترقاق وَالسُّؤَال الثَّالِث الْمَعْنى فِي الأَصْل أَن الْخراج يجب بِسَبَب التَّمَكُّن من الِانْتِفَاع بِالْأَرْضِ وَيجوز أَن يجب بِمثل هَذَا السَّبَب حق عَلَيْهِ فِي حَال الْإِسْلَام وَهُوَ الْعشْر فَلهَذَا جَازَ أَن يبْقى مَا وَجب عَلَيْهِ مِنْهُ حَال الْكفْر وَلَيْسَ ذَلِك هَا هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ يجب بِمثل نسبته حق فِي حَال الْإِسْلَام فَلهَذَا سقط مَا وَجب فِي حَال الْكفْر فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق على الْفَصْل الأول وَهُوَ اعْتِبَار نِصَاب فِي زَكَاة المَال دون زَكَاة الْفطر ثَلَاثَة أَشْيَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 أَحدهمَا أَن مَا ذكرت حجَّة لنا لِأَن زَكَاة الْفطر وَزَكَاة المَال لما كَانَ سَبَب إيجابهما الْإِسْلَام وَالْكفْر ينافيهما كَانَ تَأْثِير الْكفْر فِي إسقاطهما مؤثرا وَاحِدًا حَتَّى إِنَّه إِذا وَجَبت عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر وارتد عِنْدهم سقط عَنهُ ذَلِك كَمَا إِذا وَجَبت عَلَيْهِ زَكَاة المَال ثمَّ ارْتَدَّ سَقَطت عَنهُ الزَّكَاة فَكَانَ تَأْثِير الْبَاقِي فِي إسقاطهما على وَجه وَاحِد فَكَذَلِك هَهُنَا لما كَانَ سَبَب الخراجين هُوَ الْكفْر وَالْإِسْلَام ينافيهما فَيجب أَن يكون تَأْثِير الْإِسْلَام فِي إسقاطهما وَاحِدًا وَقد ثَبت أَن أَحدهمَا لَا يسْقط بِالْإِسْلَامِ فَكَذَلِك الآخر جَوَاب ثَان أَن الزكاتين افترقتا لِأَن زَكَاة الْفطر فَارَقت سَائِر الزكوات فِي تعلقهَا بِالذِّمةِ ففارقها فِي اعْتِبَار النّصاب وَلَيْسَ كَذَلِك الخراجان فَإِنَّهُمَا سَوَاء فِي اعْتِبَار الْكفْر فِي وجوبهما ومنافاة الْإِسْلَام لَهما فَلَو سقط أَحدهمَا بِالْإِسْلَامِ سقط الآخر جَوَاب ثَالِث وَهُوَ أَن زَكَاة الْفطر لَا تزداد بِزِيَادَة المَال فَلهَذَا لم يعْتَبر فِيهَا النّصاب وَلَيْسَ كَذَلِك سَائِر الزكوات فَإِنَّهَا تخْتَلف باخْتلَاف المَال وتزداد بِزِيَادَتِهِ فَلهَذَا اعْتبر فِيهَا النّصاب وَأما حَال الخراجين فَإِنَّهُمَا على مَا ذكرت سَوَاء فَوَجَبَ أَن يتساويا فِي الْإِسْلَام وَأما الْفَصْل الثَّانِي وَهُوَ الْقَتْل والاسترقاق فَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْقَتْل والاسترقاق جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمَعَ اخْتِلَاف الْأَجْنَاس يجوز أَن تخْتَلف الْأَحْكَام فَأَما فِي مَسْأَلَتنَا فالخراجان من جنس وَاحِد يجبان بِسَبَب الْكفْر فَلَا يجوز أَن يخْتَلف حكمهمَا وَالثَّانِي الاسترقاق إِذا حصل فِي حَال الْكفْر كَانَ مَا بعد الْإِسْلَام اسْتِدَامَة للرق وَبَقَاء عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِك الْقَتْل فَإِنَّهُ ابْتِدَاء عُقُوبَة فَجَاز أَن يختلفا وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فحال الخراجين وَاحِد من اسْتِيفَاء مَا تقدم وُجُوبه فَإِذا لم يسْقط أَحدهمَا لم يسْقط الآخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 وَأما الْفَصْل الثَّالِث وَهُوَ الْمُعَاوضَة فَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا إِن قَالَ لَا أسلم أَن بِمثل سَبَب الْخراج يجب على الْمُسلم حق فَإِن الْخراج إِنَّمَا وَجب بِسَبَب التَّمَكُّن من الِانْتِفَاع مَعَ الْكفْر وَالْعشر إِنَّمَا لزم للْأَرْض بِحَق الله وَهُوَ الْإِسْلَام وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ هُنَاكَ حق يجب بِمثل سَبَب الْخراج فَيحسن أَن يجْرِي عَلَيْهِ الَّذِي فِي حَال الْإِسْلَام فَلهَذَا جَازَ أَن يبْقى مَا تقدم وُجُوبه فِي حَال الْكفْر فَكَذَلِك فِي مَسْأَلَتنَا يجب بِمثل سَبَب الْجِزْيَة حق حَتَّى يجْرِي عَلَيْهِ فِي حَال الْإِسْلَام وَهُوَ زَكَاة الْفطر فَإِن الزَّكَاة وَزَكَاة الْفطر تجب عَن الرَّقَبَة فَيجب أَن الْجِزْيَة تجب عَن الرَّقَبَة وَأَن يبْقى مَا وَجب من ذَلِك فِي حَال الْكفْر فَلَا فرق بَينهمَا فَقَالَ أَبُو عبد الله الدَّامغَانِي على فصل الزَّكَاة على الْجَواب الأول وَهُوَ قَالَ فِيهِ إِن ذَلِك حجَّة فَإِنَّهُمَا يستويان فِي اعْتِبَار الْإِسْلَام فِي حَال وَاحِد من الزكاتين فَقَالَ لَا يمْتَنع أَن يكون الْكفْر يعْتَبر فِي كل وَاحِد من الخراجين ثمَّ يخْتَلف حكمهمَا بعد ذَلِك فِي الِاسْتِيفَاء كَمَا أَن زَكَاة الْفطر وَزَكَاة المَال يستويان فِي أَن المَال مُعْتَبر فِي حَال وَاحِدَة فيهمَا ثمَّ يَخْتَلِفَانِ فِي كَيْفيَّة الِاعْتِبَار فَالْمُعْتَبر فِي زَكَاة الْفطر أَن مَعَه مَا يُؤَدِّي فَاضلا عَن كِفَايَته عنْدكُمْ وَالْمُعْتَبر فِي سَائِر الزكوات أَن يكون مَالِكًا لنصاب فَكَذَلِك هَاهُنَا يجوز أَن يَسْتَوِي الخراجان فِي اعْتِبَار الْكفْر فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا ثمَّ يخْتَلف حكمهمَا عِنْد الِاسْتِيفَاء فَيعْتَبر الْبَقَاء على الْكفْر فِي أَحدهمَا دون الآخر وَجَوَاب ثَان أَن الزكاتين إِنَّمَا أثر الْكفْر فيهمَا على وَجه وَاحِد لِأَنَّهُمَا يجبان على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 سَبِيل الْعِبَادَة فَلَا يجوز استيفاؤهما بعد الْكفْر لِأَن الْكَافِر لَا تثبت فِي حَقه الْعِبَادَات وَلَيْسَ كَذَلِك فِي مَسْأَلَتنَا فَإِن الْجِزْيَة تجب على سَبِيل الصغار لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} وَبعد الْإِسْلَام لم يُوجد الصغار فَلَا يَصح استيفاؤهما وَكَذَلِكَ الْخراج فِي الأَرْض لَا يجب على سَبِيل الصغار وَلِهَذَا يجوز أَن يُوجد باسمه من الْمُسلمين وَهُوَ الَّذِي ضربه عمر رَضِي الله عَنهُ على الأَرْض السوَاد وَتكلم على الْجَواب الثَّانِي عَن هَذَا الْفَصْل وَهُوَ أَن زَكَاة الْفطر تتَعَلَّق بِالذِّمةِ فَقَالَ لَا يمْتَنع أَن يكون أَحدهمَا فِي الذِّمَّة وَالْآخر فِي المَال ثمَّ يستويان فِي النّصاب كَمَا أَن أرش الْجِنَايَة يتَعَلَّق بِعَين الْجَانِي وَزَكَاة الْفطر تتَعَلَّق بِالذِّمةِ ثمَّ لَا يعْتَبر النّصاب فِي وَاحِد مِنْهُمَا وَأَيْضًا فقد اخْتلف قَول الشَّافِعِي فِي أَن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالْعينِ أَو الذِّمَّة فَدلَّ على أَنه لَيْسَ الْعلَّة فِيهِ مَا ذكرت وَتكلم على الْجَواب الثَّالِث فِي هَذَا الْفَصْل وَهُوَ أَن زَكَاة الْفطر لَا تزداد بِزِيَادَة المَال فَقَالَ لما جَازَ أَن لَا تزداد بِزِيَادَة المَال ثمَّ لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب ثمَّ هَذَا يبطل بِمَا زَاد على نِصَاب الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم عنْدك فَإِنَّهُ يزْدَاد بِزِيَادَة المَال ثمَّ لَا يعْتَبر فِيهَا النّصاب وَتكلم على الْفَصْل الثَّانِي وَهُوَ الاسترقاق وَالْقَتْل حَيْثُ قَالَ إنَّهُمَا جِنْسَانِ يَخْتَلِفَانِ وَهَاهُنَا جنس وَاحِد فَقَالَ إنَّهُمَا وَإِن كَانَا جِنْسَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا يجبان بِسَبَب الْكفْر وَكَانَ يجب أَن يكون تَأْثِير الْإِسْلَام فيهمَا وَاحِدًا كَمَا قُلْنَا فِي الخراجين وَالثَّانِي أَن الخراجين وَإِن كَانَا جِنْسا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يجب أَن يستوفيا فِي حَال الْإِسْلَام كالخراج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 الَّذِي وَضعه عمر رَضِي الله عَنهُ مَعَ الْخراج فهما خراجان ثمَّ يجوز ابْتِدَاء أَحدهمَا بعد الْإِسْلَام فَلَا يجوز ابْتِدَاء الآخر فَكَذَلِك هَاهُنَا وَأجَاب عَن الْجَواب الثَّانِي فِي هَذَا الْفَصْل وَهُوَ أَن الاسترقاق اسْتِدَامَة وَالْقَتْل ابْتِدَاء فعل فَقَالَ الْقَتْل والجزية سَوَاء لِأَن الْقَتْل قد تقدم وُجُوبه وَلَكِن بَقِي بعد الْإِسْلَام الِاسْتِيفَاء كَمَا وَجَبت الْجِزْيَة وَتقدم وُجُوبهَا وَبَقِي الِاسْتِيفَاء وَإِن كَانَ الْقَتْل لَا يجوز بعد الْإِسْلَام لِأَنَّهُ ابْتِدَاء مَعَ مَا تقدم وُجُوبه فِي حَال الْكفْر فهما سَوَاء وَتكلم على الْمُعَاوضَة على الْجَواب الأول أَن الْعشْر لَا يجب بِالسَّبَبِ الَّذِي يجب بِهِ الْخراج فَقَالَ الْخراج يجب بِإِمْكَان الِانْتِفَاع بِالْأَرْضِ وَلذَلِك لَا يجب فِيمَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ من الأَرْض كالمستغدر وَمَا يبطل مِنْهُ الِانْتِفَاع بِهِ كَمَا يجب الْعشْر بِإِمْكَان الِانْتِفَاع فهما يجبان بِسَبَب وَاحِد فَإِذا جَازَ ابْتِدَاء أَحدهمَا بعد الْإِسْلَام جَازَ الْبَقَاء على الآخر بعد الْإِسْلَام وَتكلم على الْفَصْل الثَّانِي وَهُوَ زَكَاة الْفطر فَقَالَ الْجِزْيَة لَا تجب بِالْمَعْنَى الَّذِي تجب بِهِ زَكَاة الْفطر لِأَن زَكَاة الْفطر تجب على سَبِيل الْعِبَادَة والجزية تجب على وَجه الصغار فسببهما مُخْتَلف فَتكلم الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق على الْجَواب الأول بِأَن ذَلِك حجَّة لي فَقَالَ أما قَوْلك أَنه يجوز أَن يشْتَرك الحقان فِي اعْتِبَار الْإِسْلَام ثمَّ يَخْتَلِفَانِ فِي الْكَيْفِيَّة وَالتَّفْصِيل كَمَا اسْتَوَى زَكَاة الْفطر وَزَكَاة المَال فِي اعْتِبَار المَال وَاخْتلفَا فِي كَيْفيَّة الِاعْتِبَار فَهَذَا صَحِيح فِي اعْتِبَار المَال فَأَما فِي اعْتِبَار الدّين فَلَا يجوز أَن يخْتَلف جَازَ الِابْتِدَاء والاستيفاء أَلا ترى أَن زَكَاة الْفطر خَالَفت سَائِر الزكوات فِي التَّفْصِيل فِي اعْتِبَار المَال ثمَّ الْكفْر لما كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 مباينا لَهما وَالْإِسْلَام مُعْتَبر فيهمَا لم يخْتَلف اعْتِبَار ذَلِك فيهمَا لَا فِي الِابْتِدَاء وَلَا فِي الِاسْتِيفَاء بل إِذا زَالَ الْإِسْلَام الَّذِي هُوَ شَرط فِي وجوبهما أثر الْكفْر فِي إِسْقَاط كل وَاحِد مِنْهُمَا وَمنع من استيفائهما فَكَذَلِك هَاهُنَا لما كَانَ الْإِسْلَام منافيا للخراجين وَالْكفْر شَرط فِي وجوبهما وَجب أَن يكون حَالهمَا وَاحِدًا فِي اعْتِبَار الْكفْر فِي الِابْتِدَاء والاستيفاء كَمَا قُلْنَا فِي زَكَاة الْفطر وَزَكَاة المَال وَأما الْكَلَام الثَّانِي الَّذِي ذكرت على هَذَا بِأَن زَكَاة الْفطر وَزَكَاة المَال يجبان على سَبِيل الْعِبَادَة فنافاهما الْكفْر وَأَن الْجِزْيَة على سَبِيل الصغار فَغير صَحِيح لِأَنَّهُ كَمَا تجب الْجِزْيَة على سَبِيل الصغار فخراج الأَرْض كَذَلِك فَإِذا نافى الْإِسْلَام أَحدهمَا وَمنع من الِاسْتِيفَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَال صغَار وَجب أَن ينافى الآخر أَيْضا ووجوبه على سَبِيل الصغار وَالثَّانِي أَنا لَا نعلم أَن الْجِزْيَة تجب على سَبِيل الصغار بل هِيَ مُعَاوضَة وَلِهَذَا الْمَعْنى تعْتَبر فِيهَا الْمدَّة كَمَا تعْتَبر فِي الْمُعَاوَضَات وَلَو كَانَ ذَلِك صغَارًا لم تعْتَبر فِيهَا الْمدَّة كَمَا تعْتَبر فِي الاسترقاق وَالْقَتْل وَيدل عَلَيْهِ أَنَّهَا تجب فِي مُقَابلَة معوض لَهُم وَهُوَ الحقن والمساكنة فِي دَار الْإِسْلَام وَمَا سلم لَهُم معوضه دلّ على أَنه يجب على سَبِيل الْعِوَض وَأما قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} فقد قيل فِي التَّفْسِير إِن المُرَاد بِهِ أَنهم ملتزمون لأحكام الْإِسْلَام وَالثَّالِث أَن الصغار إِنَّمَا يعْتَبر فِي الْوُجُوب فَأَما فِي الِاسْتِيفَاء فَلَا يعْتَبر أَلا ترى أَنه لَو ضمن عَنهُ مُسلم جَازَ أَن يَسْتَوْفِي عَنهُ وَإِن لم يجب على الْمُسلم فِي ذَلِك صغَار فَدلَّ على بطلَان مَا قَالُوهُ وَأَيْضًا فَإِن الصغار قد يعْتَبر فِي إِيجَاب الشَّيْء وَلَا يعْتَبر فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 اسْتِيفَائه كَمَا أَن الْحُدُود تجب على سَبِيل التنكيل بِالْمَعَاصِي وَلِهَذَا قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {جَزَاء بِمَا كسبا نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم} فَذكر النكال عقب ذكر الْحَد كَمَا ذكر الصغار عقيب ذكر النكال فقد رُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ) فَكَذَلِك هَاهُنَا وَأما الْكَلَام عَن الْجَواب الثَّانِي من هَذَا الْفَصْل وَهُوَ أَن زَكَاة الْفطر تتَعَلَّق بِالْعينِ فَصَحِيح وَمَا ذكرت من التَّفْصِيل فَلَا يلْزم لِأَنِّي لم أقل إِن كل حق يتَعَلَّق بِالْعينِ يعْتَبر فِيهِ النّصاب وَإِنَّمَا قلت إِن الزَّكَاة إِذا تعلّقت بِالْعينِ اقْتَضَت النّصاب وَزَكَاة الْفطر تخَالف سَائِر الزكوات فِي تعلقهَا بِالْعينِ فخالفتها فِي اعْتِبَار النّصاب فَلَا يلْزم عَلَيْهِ سَائِر الْحُقُوق وَأما قَوْلك إِن النّصاب مُعْتَبر فِي سَائِر الزكوات من غير اخْتِلَاف وَفِي تعلق الزَّكَاة بِالْعينِ قَولَانِ فَغير صَحِيح لِأَن القَوْل بِهِ فَاسد وَبِهَذَا يسْتَدلّ على فَسَاده لِأَنَّهُ لَو كَانَ تعلق بِالذِّمةِ لما اعْتبر فِيهِ النّصاب وَأما الْجَواب الثَّالِث عَن هَذَا الْفَصْل أَن زَكَاة الْفطر لَا تزداد بِزِيَادَة المَال وَسَائِر الزكوات تزداد بِزِيَادَة المَال فَهُوَ صَحِيح وَمَا ذكرت من أَنه لَو كَانَ ذَلِك صَحِيحا لما اعْتبر فِيهِ وجود صَاع فَاضلا عَن الْكِفَايَة فَبَاطِل لِأَنَّهُ يعْتَبر فِيهَا النّصاب وَلَا يزْدَاد بِزِيَادَة المَال وَأما قَوْلك إِنَّه يبطل هَذَا بِمَا زَاد على نِصَاب الْأَثْمَان وَالْعشر فَلَا يلْزم لِأَنِّي جعلت ذَلِك عِلّة فِي اعْتِبَار النّصاب الثَّانِي إِلَّا لدفع الضَّرَر فِيمَا يدْخل الضَّرَر فِيهِ وَهُوَ تبعيض الْحَيَوَان والمشاركة فِيهِ وَهَذَا لَا يُوجد فِي الْحُبُوب وَلَا فِي الْعين فَسقط اعْتِبَاره وَأما الْكَلَام فِي الْفَصْل الثَّانِي وَهُوَ الاسترقاق فَمَا ذكرته من الْجَواب أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 الاسترقاق وَالْقَتْل جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَهَاهُنَا جنس وَاحِد فَصَحِيح وقولك إنَّهُمَا وَإِن كَانَا جِنْسَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا يجبان بِسَبَب الْكفْر وَلَوْلَا الْكفْر لم يجبا فَكَانَ يجب أَن يُؤثر الْإِسْلَام فِي إسقاطهما فَغير صَحِيح لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ وجوبهما بِسَبَب وَاحِد إِلَّا أَنَّهُمَا حقان مُخْتَلِفَانِ وَإِذا اخْتلفت الْحُقُوق يجوز أَن تخْتَلف أَحْكَامهَا أَلا ترى أَن الْجُمُعَة وَالْخطْبَة تجبان لِمَعْنى وَاحِد إِلَّا أَنَّهُمَا لما اخْتلفَا فِي الجنسية اخْتلفَا فِي الْأَحْكَام فَكَذَا هُنَا الاسترقاق وَالْقَتْل وَإِن وجبا بِسَبَب الْكفْر إِلَّا أَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَيجوز أَن يخْتَلف حكمهمَا وَأما قَوْلك إِن هَذَا يبطل بخراج السوَاد وجزية الرّقاب فَإِنَّهُمَا خراجان لم يبتدىء أَحدهمَا بعد الْإِسْلَام وَلَا يبتدىء الآخر فخطأ لِأَنِّي لم أقل إنَّهُمَا جنس وَاحِد سَوَاء بل قلت إنَّهُمَا جنس وَاحِد وسببهما الْكفْر وَإِنَّمَا هُوَ البيع وَالْإِجَارَة على اخْتِلَاف الْمَذْهَب وَهَاهُنَا كل من الخراجين وَجب لحق الْكفْر فَلم يختلفا وَأما الْجَواب الثَّانِي عَن هَذَا الْفَصْل وَهُوَ أَن الاسترقاق اسْتِدَامَة وَالْقَتْل ابْتِدَاء عُقُوبَة فَصَحِيح وقولك إِن الْقَتْل اسْتِيفَاء مَا تقدم فَغير صَحِيح لِأَنِّي قلت إِن الْقَتْل ابْتِدَاء عُقُوبَة والاسترقاق اسْتِدَامَة لِأَنَّهُ قد تقدم فعل الاسترقاق فِي حَال الْكفْر وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا لِأَنَّهُ كالخراجين اسْتِيفَاء مَا تقدم وَإِن جَازَ أَحدهمَا جَازَ الآخر وَلَيْسَ فِي الْقَتْل مثل هَذَا أَلا ترى أَنه لَيْسَ فِي جنسه مَا يُسَاوِيه فِي الِاسْتِيفَاء بِحَق الْكفْر ثمَّ بعد الْإِسْلَام وَهَاهُنَا من جنسه مَا يسْتَوْفى بعد الْإِسْلَام وَهُوَ خراج الأَرْض فَلَو لم يجز اسْتِيفَاء الْجِزْيَة بعد الْإِسْلَام لوَجَبَ أَن يُقَال لَا يجوز اسْتِيفَاء الْخراج وَأما الْفَصْل الثَّالِث وَهُوَ الْمُعَاوضَة فَمَا ذكرت من الْمَنْع صَحِيح لِأَن الْخراج يجب بِسَبَب الْكفْر وَيعْتَبر فِيهِ التَّمْكِين من الِانْتِفَاع بِالْأَرْضِ وَالْعشر يجب بِحَق الْإِسْلَام وَيعْتَبر فِيهِ الْخراج فأحدهما لَا يجب بِالسَّبَبِ الَّذِي يجب بِهِ الآخر وَيدل على أَنه لَا يَصح اجْتِمَاعهمَا فِي حَال الْكفْر وَلَا فِي حَال الْإِسْلَام لِأَنَّهُ فِي حَال الْكفْر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 يجب الْخراج وَلَا يجب الْعشْر وَفِي حَال الْإِسْلَام يجب وَلَا يجب الْخراج فَدلَّ على أَنَّهَا متنافيان وَلَا يجوز أَن يسْتَدلّ من وجوب أَحدهمَا بعد الْإِسْلَام على بَقَاء الآخر بعد الْإِسْلَام وَالثَّانِي مَا ذكرت من زَكَاة الْفطر فَهُوَ صَحِيح فِي الْفَرْع لِأَنَّهُ كَمَا يجب بِسَبَب مَنْفَعَة الأَرْض حق مُبْتَدأ على الْمُسلم فبسبب الرَّقَبَة يجب حق مُبْتَدأ على الْمُسلم وَهُوَ زَكَاة الْفطر وقولك إِن زَكَاة الْفطر على سَبِيل الْعِبَادَة والجزية وَالْخَرَاج على سَبِيل الْكفْر وَالصغَار فَلَا يجوز أَن يسْتَدلّ بِأَحَدِهِمَا بعد الْإِسْلَام على بَقَاء الآخر كَذَلِك يجوز أَن يسْتَدلّ بِوُجُوب زَكَاة الْفطر حَال الْإِسْلَام على بَقَاء الْجِزْيَة وَالله أعلم مناظرة أَيْضا بِبَغْدَاد بَين أبي إِسْحَاق وَأبي عبد الله الدَّامغَانِي رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ الْمَالِكِي رَحمَه الله وَقد شَاهد هَذِه المناظرة وحضرها الْعَادة بِبَغْدَاد أَن من أُصِيب بوفاة أحد مِمَّن يكرم عَلَيْهِ قعد أَيَّامًا فِي مَسْجِد ربضه يجالسه فِيهَا جِيرَانه وإخوانه فَإِذا مَضَت أَيَّام عزوه وعزموا عَلَيْهِ فِي التسلي والعودة إِلَى عَادَته من تصرفه فَتلك الْأَيَّام الَّتِي يقْعد فِيهَا فِي مَسْجده للعزاء مَعَ إخوانه وجيرانه لَا تقطع فِي الْأَغْلَب إِلَّا بِقِرَاءَة الْقُرْآن أَو بمناظرة الْفُقَهَاء فِي الْمسَائِل فَتُوُفِّيَتْ زَوْجَة القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَهُوَ شيخ الْفُقَهَاء ذَلِك الْوَقْت بِبَغْدَاد وَكَبِيرهمْ فاحتفل النَّاس بمجالسته وَلم يكد يبْقى أحد منتم إِلَى علم إِلَّا حضر ذَلِك الْمجْلس وَكَانَ مِمَّن حضر ذَلِك الْمجْلس القَاضِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 أَبُو عبد الله الصَّيْمَرِيّ وَكَانَ زعيم الْحَنَفِيَّة وشيخهم وَهُوَ الَّذِي كَانَ يوازي أَبَا الطّيب فِي الْعلم والشيخوخة والتقدم فَرغب جمَاعَة من الطّلبَة إِلَى القاضيين أَن يتكلما فِي مَسْأَلَة من الْفِقْه يسْمعهَا الْجَمَاعَة مِنْهُمَا وتنقلها عَنْهُمَا وَقُلْنَا لَهما إِن أَكثر من فِي الْمجْلس غَرِيب قصد إِلَى التَّبَرُّك بهما وَالْأَخْذ عَنْهُمَا وَلم يتَّفق لمن ورد مُنْذُ أَعْوَام جمة أَن يسمع تناظرهما إِذْ كَانَا قد تركا ذَلِك مُنْذُ أَعْوَام وفوضا الْأَمر فِي ذَلِك إِلَى تلاميذهما وَنحن نرغب أَن يتصدقا على الْجمع بكلامهما فِي مَسْأَلَة يتجمل بنقلها وحفظها وروايتها فَأَما القَاضِي أَبُو الطّيب فأظهر الْإِسْعَاف بالإجابة وَأما القَاضِي أَبُو عبد الله فَامْتنعَ من ذَلِك وَقَالَ من كَانَ لَهُ تلميذ مثل أبي عبد الله يُرِيد الدَّامغَانِي لَا يخرج إِلَى الْكَلَام وَهَا هُوَ حَاضر من أَرَادَ أَن يكلمهُ فَلْيفْعَل فَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب عِنْد ذَلِك وَهَذَا أَبُو إِسْحَاق من تلامذتي يَنُوب عني فَلَمَّا تقرر الْأَمر على ذَلِك انتدب شَاب من أهل كازرون يدعى أَبَا الْوَزير يسْأَل أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ هَل يُوجب الْخِيَار للزَّوْجَة فَأَجَابَهُ الشَّيْخ أَنه يُوجب الْخِيَار وَهُوَ مَذْهَب مَالك خلافًا لأبي حنيفَة فِي قَوْله إِنَّه لَا يُوجِبهُ لَهَا فطالبه السَّائِل بِالدَّلِيلِ على صِحَة مَا ذهب إِلَيْهِ فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الدَّلِيل على صِحَة مَا ذهبت إِلَيْهِ أَن النِّكَاح نوع ملك يسْتَحق بِهِ الْإِنْفَاق فَوَجَبَ أَن يكون الْإِعْسَار بِالْإِنْفَاقِ يُؤثر فِي إِزَالَته كملك الْيَمين فاعترضه السَّائِل باعتراضات وَوَقع الِانْفِصَال عَنْهَا ثمَّ تنَاول الْكَلَام على وَجه النِّيَابَة عَنهُ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه أهل النّظر المذنب الشَّيْخ أَبُو عبد الله الدامعاني فَقَالَ هَذَا غير صَحِيح لِأَنَّهُ لَا يمْنَع أَن يستويا فِي أَن كل وَاحِد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 مِنْهُمَا يسْتَحق بِهِ النَّفَقَة ثمَّ يَخْتَلِفَانِ فِي الْإِزَالَة أَلا ترى أَن البيع وَالنِّكَاح يستويان فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق بِهِ الْملك ثمَّ فَوَات التَّسْلِيم بِالْهَلَاكِ فِي أَحدهمَا يُوجب بطلَان العقد وَهُوَ البيع لِأَنَّهُ إِذا هلك الْمَبِيع قبل التَّسْلِيم بَطل البيع وَفِي النِّكَاح لَا يبطل العقد وتنفذ أَحْكَام الزَّوْجِيَّة بعد الْمَوْت فَكَذَلِك فِي الْفَرْع يجب أَن يتساويا فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق بِهِ النَّفَقَة ثمَّ الْعَجز عَن الْإِنْفَاق فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ يُوجب الْإِزَالَة وَفِي الْفَرْع لَا يُمكن نقل الْملك عَنهُ إِلَى الْغَيْر فَوَجَبَ أَلا تجب الْإِزَالَة بالإعسار كَمَا يُقَال فِي أم الْوَلَد فَأجَاب الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق عَن الْفَصْل الأول بفصلين أَحدهمَا أَنه قَالَ إِن هَذَا الْمَعْنى لَيْسَ بإلزام صَحِيح لِأَنِّي لم أقل إِنَّه إِذا تساوى الْملكَانِ فِي معنى وَجب أَن يتساويا فِي جَمِيع الْأَحْكَام لِأَن الإملاك والعقود تخْتَلف أَحْكَامهَا وموجباتها وَإِنَّمَا جمعت بَينهمَا بِهَذَا الْمَعْنى الَّذِي هُوَ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة ثمَّ الْعَجز عَن هَذِه النَّفَقَة الَّتِي لملك الْيَمين يُوجب إِزَالَة الْملك فَوَجَبَ أَن يكون الآخر مثله وَالثَّانِي أَن النِّكَاح إِنَّمَا خَالف البيع فِيمَا ذكره لِأَن الْمَقْصُود بِهِ الوصلة والمصاهرة إِلَى الْمَوْت فَإِذا مَاتَ أَحدهمَا فقد تمت الوصلة وانْتهى العقد إِلَى منتهاه فَمن الْمحَال أَن يكون مَعَ تَمام العقد نحكم بِإِبْطَال العقد كَمَا نقُول فِي الْإِجَارَة إِذا عقدت إِلَى أمد ثمَّ انْقَضتْ الْمدَّة لم يجز أَن يُقَال إِن الْأَحْكَام قد بطلت بِانْقِضَاء الْمدَّة وتمامها فَكَذَلِك النِّكَاح وَلَيْسَ كَذَلِك البيع فَإِن الْمَقْصُود بِهِ التَّصَرُّف فِي الْمعَانِي الَّتِي تثبت الْملك من الاقتناء وَالتَّصَرُّف والاستخدام فَإِذا هلك الْمَبِيع قبل التَّسْلِيم فَإِن الْمَعْنى الْمَقْصُود قد فَاتَ فَلهَذَا تبطل وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فالملكان على هَذَا وَاحِد فِي الِاسْتِحْقَاق للنَّفَقَة فَإِذا وَجَبت الْإِزَالَة فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ بِالْعَجزِ عَن الْإِنْفَاق وَجب أَن يكون فِي الْموضع الآخر مثله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 وَأما الْمُعَاوضَة الَّتِي ذكرتها فَلَا تصح لِأَنَّهُ إِن جَازَ أَن يُقَال فِي العَبْد إِنَّه يَزُول ملكه عَنهُ لِأَنَّهُ تمكن إِزَالَة الْملك فِيهِ بِالنَّقْلِ إِلَى غَيره فَفِي الزَّوْجَة أَيْضا يُمكن إِزَالَة الْملك إِلَى غَيره بِالطَّلَاق فَوَجَبَ أَن يزَال وعَلى هَذَا تبطل بِهِ إِذا عجز الزَّوْج عَن الْوَطْء فَإِنَّهُ يثبت لَهَا الْخِيَار فِي مُفَارقَة الزَّوْج وَإِن كَانَ لَا يَصح الْملك فِيهَا أَلا ترى أَنا نفرق بَينهمَا بالعنة فَكَذَلِك هَاهُنَا فَأَما الْكَلَام فِي أم الْوَلَد فَإنَّا لَا نسلمه فَإِن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّه يجب إعْتَاقهَا مَتى عجز عَن الْإِنْفَاق فعلى هَذَا لَا نسلمه وَإِن سلمت فَالْمَعْنى فِيهَا أَنه لَا يُمكنهَا أَن تتوصل إِلَى تَحْصِيل النَّفَقَة بِمثل ذَلِك السَّبَب إِذا أزيل ملكه عَنْهَا وهى هَا هُنَا يُمكنهَا التَّوَصُّل إِلَى تَحْصِيل النَّفَقَة بِمثل ذَلِك السَّبَب إِذا أزيل ملكه عَنْهَا وَذَلِكَ بِأَن تتَزَوَّج آخر وَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا ذكرت من العَبْد الْقِنّ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الدَّامغَانِي على الْفَصْل الأول إِذا كَانَ قد اسْتَويَا فِي مَسْأَلَتنَا فِي اسْتِحْقَاق النَّفَقَة بِالْملكِ فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا وَأوجب ذَلِك التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي إِزَالَة الْملك فيهمَا لزمك أَنه قد اسْتَوَى البيع وَالنِّكَاح فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يسْتَحق بِهِ الْملك فَوَجَبَ أَن يستويا فِي إِبْطَاله بِفَوَات التَّسْلِيم وَأما قَوْلك إِن الْمَقْصُود بِالنِّكَاحِ هُوَ الوصلة وَقد حصلت فَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الْمَقْصُود فِي النِّكَاح هُوَ الْوَطْء لِأَن الزَّوْج إِنَّمَا يتَزَوَّج للاستمتاع لَا بِقصد الوصلة من غير استمتاع وعَلى أَنه إِن كَانَ الْمَقْصُود فِي النِّكَاح هُوَ الوصلة فَفِي البيع أَيْضا هُوَ الْملك دون الاقتناء والاستخدام بِدَلِيل أَنه إِذا اشْترى أَبَاهُ يحكم بِصِحَّة البيع وَإِن لم يحصل الِاسْتِخْدَام وَلَكِن لما حصل الْملك حكمنَا بِجَوَازِهِ وعَلى أَن فِي مَسْأَلَتنَا أَيْضا النِّكَاح مُخَالف لملك الْيَمين فِي بَاب النَّفَقَة أَلا ترى أَن كل نَفَقَة وَاجِبَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 \ @ 249 @ فِي ملك الْيَمين يسْتَحق بهَا الْإِزَالَة وَقد تجب فِي النِّكَاح نفقات وَاجِبَة يحبس عَلَيْهَا وَلَا يسْتَحق عَلَيْهَا الْإِزَالَة وَهِي النَّفَقَة الْمَاضِيَة وَنَفَقَة الْخَادِم فَدلَّ ذَلِك على الْفرق بَينهمَا وَأما الْفَصْل الثَّانِي وَهِي الْمُعَاوضَة فَهِيَ صَحِيحَة وَقَوله إِن هَاهُنَا أَيْضا يُمكن إِزَالَة الْملك بِالطَّلَاق فَغير صَحِيح لِأَن الطَّلَاق إِزَالَة ملك بِغَيْر عوض وَهَذَا لَا يُوجِبهُ الْعَجز عَن النَّفَقَة كَمَا لَا يجب إِعْتَاق عَبده للعجز عَن النَّفَقَة وَأما مَا ألزمت من الْوَطْء إِذا عجز عَنهُ الزَّوْج فَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن فِي الْوَطْء لَا يُمكنهَا تَحْصِيله وَأما النَّفَقَة فيمكنها تَحْصِيلهَا بالاستقراض والاستخدام وَغير ذَلِك وتنفق على نَفسهَا وَأما مَا قلت فِي أم الْوَلَد إِنِّي لَا أسلمه فَإِنَّهُ لَا خلاف أَنه لَا يجوز إعْتَاقهَا وقولك إِنَّه لَا يتَوَصَّل إِلَى مثله بِمثل هَذَا السَّبَب وَهَاهُنَا يُمكنهُ التَّوَصُّل غير صَحِيح لِأَنَّهُ لَا يُمكنهَا أَن تتوصل حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وتتزوج زوجا آخر وَرُبمَا كَانَ الزَّوْج الثَّانِي مثل الزَّوْج الأول فِي الْفقر فَتَركهَا عِنْد الأول أولى قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق على الْفَصْل الأول إِنَّمَا جمعت بَين الْملكَيْنِ وَجَعَلته مؤثرا فِي بَاب الْإِزَالَة وَهُوَ اسْتِحْقَاق النَّفَقَة فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِذا حصل الْعَجز وَوَجَبَت الْإِزَالَة فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ وَجب فِي الْموضع الآخر مثله وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة الْمُسَاوَاة فِي البيع وَالنِّكَاح فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُوجب الْملك لِأَنَّهُمَا وَإِن تَسَاويا فِي الْملك إِلَّا أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي التَّسْلِيم أَلا ترى أَن التَّسْلِيم مُسْتَحقّ بعد البيع وَغير مُسْتَحقّ بعد النِّكَاح وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنه إِذا بَاعَ عبدا آبقا لم يَصح العقد فَدلَّ على أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي وجوب التَّسْلِيم فَجَاز أَن يختلفا فِي جَوَاز التَّسْلِيم وَفِي مَسْأَلَتنَا اسْتَويَا فِي وجوب النَّفَقَة فَوَجَبَ أَن يتساويا فِي الْإِزَالَة عِنْد الْعَجز عَنْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 وَأما مَا ذكرت من الْفرق بَين البيع وَالنِّكَاح فِي الْمَقْصُود وَقلت إِن الْمَقْصُود من النِّكَاح هُوَ الوصلة والمصاهرة فَإِذا فرق الْمَوْت بَينهمَا فقد حصل الْمَقْصُود وتمت الوصلة فَلهَذَا قُلْنَا إِنَّه لَا يبطل وَفِي البيع الْمَقْصُود هُوَ التَّصَرُّف والاقتناء فَإِذا هلك التَّسْلِيم فَإِن الْمَقْصُود قد فَاتَ وقولك إِن الرجل يقْصد بِالنِّكَاحِ الِاسْتِمْتَاع فَهُوَ صَحِيح إِلَّا أَنه لَا يمْتَنع أَن يكون لَهُ مَقَاصِد أخر وَلَيْسَ كَذَلِك البيع فَإِن عَامَّة مقاصده قد فَاتَت بِفَوَات التَّسْلِيم فَافْتَرقَا وَأما مَا ذكرت من أَن البيع الْمَقْصُود مِنْهُ أَيْضا هُوَ الْملك وَقد حصل بِدَلِيل أَنه يجوز لَهُ أَن يَشْتَرِي أَبَاهُ فَيعتق عَلَيْهِ فَهَذَا نَادِر وشاذ فِي بَاب البيع وَالْمَقْصُود من الْبياعَات والأشرية مَا ذكرت فَلَا يجوز إبِْطَال مَا وضع عَلَيْهِ الْبَاب بأشذ وأندر على أَن هُنَاكَ قد حصل الْمَقْصُود لِأَن الْمَقْصُود فِي شِرَاء الْوَالِد أَن يعْتق عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يَجْزِي ولد والدا إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه) وَلَيْسَ كَذَلِك هَاهُنَا إِذا مَاتَ قبل التَّسْلِيم فَإِنَّهُ لَا يحصل الْمَقْصُود فَافْتَرقَا وَأما قَوْلك فِي ملك النِّكَاح أَيْضا إِنَّه مُخَالف للْملك فِي بَاب النَّفَقَة بِدَلِيل أَن كل نَفَقَة وَاجِبَة فِي ملك الْيَمين يزَال بِالْعَجزِ عَنْهَا الْملك وَلَا يزَال الْملك فِي النِّكَاح بِكُل نَفَقَة وَاجِبَة وَهِي النَّفَقَة الْمَاضِيَة وَنَفَقَة الْخَادِم فَغير صَحِيح لِأَنَّهُ للبر فِي نَفَقَة الْخَادِم وَالنَّفقَة الْمَاضِيَة الْوَاجِبَة غير أَنه لَا ضَرَر فِي الِامْتِنَاع من ذَلِك فَلم يثبت لَهَا الْخِيَار وَعَلَيْهَا ضَرَر فِي الِامْتِنَاع من نَفَقَة الْحَال فَصَارَت هَذِه النَّفَقَة مثل نَفَقَة العَبْد سَوَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 وَأما الْمُعَارضَة بِمَا ذكرت أَنه لَا يُمكن إِزَالَة الْملك هَاهُنَا بِالطَّلَاق وقولك إِن الطَّلَاق إِزَالَة ملك بِغَيْر الْعتْق وَهُوَ أَن يُبَاع فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إِزَالَة الْملك فِيهِ بِالْعِتْقِ وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الزَّوْجَة فَإِنَّهُ لَا يُمكن إِزَالَة الْملك فِيهَا بِالْبيعِ وَنقل الْملك فأزيل بِالطَّلَاق وَلِهَذَا قلت فِي أم الْوَلَد إِنَّه لما لم يُمكن إِزَالَة الْملك فِيهَا بِالْبيعِ أزلنا ذَلِك بِالْعِتْقِ على مَذْهَب بعض أَصْحَابنَا وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي يَعْقُوب وَأما مَا التزمت من الْوَطْء إِذا عجز فَهُوَ صَحِيح وَهُوَ فصل فِي الْمَسْأَلَة قَالَ فَإِن الَّذِي يلْحق الْمَرْأَة فِي ترك النَّفَقَة أعظم من الضَّرَر فِي ترك الْجِمَاع فَإِن الْجِمَاع قد تصبر الْمَرْأَة لفقده وَالنَّفقَة لَا بُد مِنْهَا وَبهَا يقوم الْبدن وَالنَّفس ثمَّ قُلْنَا إِنَّه يثبت الْخِيَار وَإِن كَانَ لَا يُمكن نقل الْملك فِيهَا بعوض فَكَذَلِك هَاهُنَا وَأما قَوْلكُم فِي الْجِمَاع لَا تتوصل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِزَالَة الْملك وَهَاهُنَا تتوصل إِلَيْهِ بِأَن تستقرض فَغير صَحِيح فَإِنَّهُ يلْحقهُ الضَّرَر بالاستقراض وَيطْلب وَيحبس عَلَيْهِ وَإِن ألزمناها ذَلِك يجب أَن نلزمها أَن تكري لنَفسهَا وَفِي ذَلِك مشقة عَظِيمَة وَلَا يجب إلزامها وَأما مَا ذكرت فِي أم الْوَلَد أَنى لَا أسلمه فَهُوَ صَحِيح وقولك إِنِّي أَقيس عَلَيْهِ إِذا كَانَ لَهَا كسب فَلَا يلْزم لِأَنَّهَا إِذا كَانَ لَهَا كسب فَلَيْسَ هُنَاكَ إعسار بِالنَّفَقَةِ فَإِن كسبها يكون لمولاها ويمكنه أَن ينْفق عَلَيْهَا وَفِي مَسْأَلَتنَا عجز عَن الْإِنْفَاق على مَا ذكرت وَأما الْفرق الَّذِي ذكرت فَهُوَ صَحِيح وقولك إِنَّه لَا تتوصل إِلَى تَحْصِيل النَّفَقَة إِلَّا بِانْقِضَاء عدَّة فَتزَوج آخر فَغير صَحِيح لِأَنَّهُ لَو كَانَ لهَذَا الْمَعْنى لوَجَبَ أَن يفرق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 فِيهَا قبل الدُّخُول وَبعده وَلِأَنَّهُ إِذا كَانَ قبل الدُّخُول توصل إِلَى تَحْصِيل النَّفَقَة فِي الْحَال فَسقط مَا قلته وعَلى هَذَا إِن كَانَ لَا يُوجب إِزَالَة الْملك لهَذَا الْمَعْنى فَيجب أَن يكون فِي الْوَطْء لَا يثبت لَهَا الْخِيَار فَإِنَّهَا لَا تتوصل أَيْضا إِلَى تَحْصِيل الْجِمَاع حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وتتزوج زوجا آخر وَرُبمَا كَانَ الثَّانِي مثل الأول فِي الْعَجز عَن الْجِمَاع وَلما ثَبت أَنه يَزُول الْملك للعجز عَن الْجِمَاع بَطل مَا قُلْتُمْ وَالله الْمُوفق للصَّوَاب مناظرة بَين إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَبَين الشَّيْخ أبي إِسْحَاق بنيسابور فِي اخْتِيَار الْبكر الْبَالِغ بِأَن قَالَ بَاقِيَة على بكارة الأَصْل فَجَاز للْأَب تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا أَصله إِذا كَانَت صَغِيرَة فَقَالَ السَّائِل جعلت صُورَة هَذِه الْمَسْأَلَة عِلّة فِي الأَصْل وَذَلِكَ لَا يجوز فَقَالَ لَا يَصح لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنى مَا جعلت صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة فِي الأَصْل وَأَن صُورَة الْمَسْأَلَة تَزْوِيج الْبكر الْبَالِغَة من غير إِذن وعلتي أَنَّهَا بَاقِيَة على بكارة وَلَيْسَ هَذَا صُورَة الْمَسْأَلَة لِأَن هَذِه الْعلَّة غير مَقْصُورَة على الْبكر الْبَالِغَة بل هِيَ عَامَّة فِي كل بكر وَلِهَذَا قست على الصَّغِيرَة الثَّانِي قَوْلك لَا يجوز أَن تجْعَل صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَمَا الْمَانِع من ذَلِك الثَّالِث أَن الْعِلَل شَرْعِيَّة كَمَا أَن الْأَحْكَام شَرْعِيَّة وَلَا يُنكر فِي الشَّرْع أَن يعلق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 الشَّارِع الحكم على الصُّورَة مرّة كَمَا يعلق على سَائِر الصِّفَات فَلَا معنى للْمَنْع من ذَلِك فَإِن كَانَ عنْدك أَنه لَا دَلِيل على صِحَّتهَا فطالبني بِالدَّلِيلِ على صِحَّتهَا من جِهَة الشَّرْع فَقَالَ السَّائِل مَا الدَّلِيل على صِحَّتهَا من الشَّرْع فَقَالَ الدَّلِيل على صِحَة هَذِه الْعلَّة الْخَبَر وَالنَّظَر أما الْخَبَر فَمَا رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وَالْمرَاد بِهِ الثّيّب لِأَنَّهُ قابلها بالبكر فَقَالَ (وَالْبكْر تستأمر) فَدلَّ على أَن غير الثّيّب وَهِي الْبكر لَيست أَحَق بِنَفسِهَا وَأقوى طَرِيق تثبت بِهِ الْعلَّة مَا نطق بِهِ صَاحب الشَّرْع وَأما النّظر فَلَا خلاف أَن الْبكر يجوز أَن تزَوجهَا من غير نطق لبكارتها وَلَو كَانَت ثَيِّبًا لم يجز تَزْوِيجهَا من غير نطق أَو مَا يقوم مقَام النُّطْق عِنْده وَهُوَ الْكِتَابَة وَلَو لم يكن تَزْوِيجهَا إِلَى الْوَلِيّ لما جَازَ تَزْوِيجهَا من غير نطق اعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي فَقَالَ الْمعول فِي الدَّلِيل على مَا ذكرت من الْخَبَر وَالنَّظَر فَأَما الْخَبَر فَإِنَّهُ يحْتَمل التَّأْوِيل فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ أَن الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا لِأَنَّهُ لَا يملك تَزْوِيجهَا إِلَّا بالنطق وَالْبكْر بِخِلَافِهَا وَإِذا احْتمل التَّأْوِيل أولناه على مَا ذكرت بطرِيق يُوجب الْعلم وَهُوَ أَنه قد اجْتمع للبكر الْبَالِغَة الْأَسْبَاب الَّتِي يسْقط مَعهَا ولَايَة الْوَلِيّ وتستقل بِنَفسِهَا فِي التَّصَرُّف فِي حق نَفسهَا لِأَن الْمَرْأَة إِنَّمَا تفْتَقر إِلَى الْوَلِيّ لعدم استقلالها بِنَفسِهَا لصِغَر أَو جُنُون فَإِذا اجْتمع فِيهَا الْأَسْبَاب الَّتِي تَسْتَغْنِي بهَا عَن ولَايَة الْوَلِيّ لم يجز ثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهَا فِي التَّزْوِيج بِغَيْر إِذْنهَا وَلِأَن فِي الْخَبَر مَا يدل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه ذكر الْوَلِيّ وَأطلق وَلم يفصل بَين الْأَب وَالْجد وَغَيرهمَا من الْأَوْلِيَاء وَلَو كَانَ المُرَاد ولَايَة الْإِجْبَار لم يُطلق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 الْولَايَة لِأَن غير الْأَب وَالْجد لَا يملك الْإِجْبَار بِالْإِجْمَاع فَثَبت أَنه أَرَادَ بِهِ اعْتِبَار النُّطْق فِي حق الثّيّب وسقوطه فِي حق الْبكر وَلِأَنَّهُ قَالَ وَالْبكْر تستأمر وإذنها صماتها فَدلَّ أَنه أَرَادَ فِي الثّيّب اعْتِبَار النُّطْق أجَاب الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ لَا يجوز حمله على مَا ذكرت من اعْتِبَار النُّطْق لِأَنَّهُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَحَق بِنَفسِهَا) وَقد اقْتضى أَنَّهَا أَحَق بِنَفسِهَا فِي العقد وَالتَّصَرُّف دون النُّطْق وقولك إِنَّه أطلق الْوَلِيّ فَإِنَّهُ عُمُوم مَا حمله على الْأَب وَالْجد بِدَلِيل التَّعْلِيل الَّذِي ذكره فِي الثّيّب فَإِنَّهُ قَالَ وَالثَّيِّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وَذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل وَالتَّعْلِيل بِمَنْزِلَة النَّص فيخص بِهِ الْعُمُوم كَمَا يخص بِالْقِيَاسِ وقولك إِنَّه ذكر الصمات فِي حق الْبكر فَدلَّ على أَنه أَرَادَ بِهِ النُّطْق فِي حق الثّيّب لَا يَصح بل هُوَ الْحجَّة عَلَيْك لِأَنَّهُ لما ذكر الْبكر صفة إِذْنهَا وَأَنه الصمات وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ فِي الثّيّب النُّطْق لما احْتَاجَ إِلَى إِعَادَة الصمات فِي قَوْله (وَالْبكْر تستأمر) وَأما قَوْله إِن هَاهُنَا دَلِيلا يُوجب الْقطع غير صَحِيح وَإِنَّمَا هُوَ قِيَاس على سَائِر الولايات وَالْقِيَاس يتْرك بِالنَّصِّ فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تَدعِي أَنه نَص ودعواه لَا تصح لِأَن النَّص مَا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل فَإِذا بَطل أَنه نَص جَازَ التَّأْوِيل بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذكرت وَأما قَوْلك إِنِّي أحمل الْوَلِيّ على الْأَب وَالْجد بِدَلِيل التَّعْلِيل الَّذِي ذكره فِي الْخَبَر فَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن ذكر الصّفة فِي الحكم إِنَّمَا يكون تعليلا إِذا كَانَ مناسبا للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ كالسرقة فِي إِيجَاب الْقطع والثيوبة غير مُنَاسبَة للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهَا وَهِي أَنَّهَا أَحَق بِنَفسِهَا فَلَا يجوز أَن تكون عِلّة وَلِأَن مَا ذكرت لَيْسَ بِقِيَاس وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيق آخر فَجَاز أَن يتْرك لَهُ التَّعْلِيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 أجَاب الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ أما التَّأْوِيل فَلَا يَصح دَعْوَاهُ لِأَن التَّأْوِيل صرف الْكَلَام عَن ظَاهره إِلَى وَجه يحْتَملهُ كَقَوْل الرجل رَأَيْت حمارا وَأَرَادَ بِهِ الرجل البليد فَإِن هَذَا مُسْتَعْمل فَصَارَ صرف الْكَلَام إِلَيْهِ فَأَما مَا لَا يسْتَعْمل اللَّفْظ فِيهِ فَلَا يَصح تَأْوِيل اللَّفْظ عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ رَأَيْت بغلا ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ رجلا بليدا لم يقبل لِأَن الْبَغْل لَا يسْتَعْمل فِي الرِّجَال بِحَال فَكَذَلِك هَاهُنَا قَوْله (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وقولك لَيْسَ بتعليل لِأَنَّهُ لَا يُنَاسب الحكم فَلَا يَصح لِأَن ذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل فِي كَلَام الْعَرَب أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ اقْطَعُوا السَّارِق كَانَ مَعْنَاهُ لسرقته وَإِذا قَالَ جَالس الْعلمَاء مَعْنَاهُ لعلمهم وقولك إِنَّه إِنَّمَا يجوز فِيمَا يصلح أَن يكون تعليلا للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ كالسرقة فِي إِيجَاب الْقطع إِلَّا أَن التَّعْلِيل للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ طَرِيقه الشَّرْع وَلَا يُنكر فِي الشَّرْع أَن تجْعَل الثيوبة عِلّة لإِسْقَاط الْولَايَة كَمَا لَا يُنكر أَن تجْعَل السّرقَة عِلّة لإِيجَاب الْقطع وَالزِّنَا للحد وقولك هَذَا الَّذِي ذكرت لَيْسَ بِقِيَاس خطأ بل جعلت استقلالها بِهَذِهِ الصِّفَات معينا على الْولَايَة وَلَا يَصح بِهَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا بِالْإِسْنَادِ إِلَى الولايات الثَّابِتَة فِي الشَّرْع والولايات الثَّابِتَة فِي الشَّرْع إِنَّمَا زَالَت بِهَذِهِ الصِّفَات فِي الأَصْل فَحملت ولَايَة النِّكَاح عَلَيْهَا وَذَلِكَ يحصل بِالْقِيَاسِ وَلَو لم يكن هَذَا الأَصْل لما صَحَّ لَك دَعْوَى الِاسْتِقْلَال بِهَذِهِ الصِّفَات فَإِنَّهُ لَا يسلم أَن الْولَايَة تثبت فِي حق الْمَجْنُون وَالصَّغِير بِمُقْتَضى الْعقل وَإِنَّمَا يثبت ذَلِك بِالشَّرْعِ وَالشَّرْع مَا ورد إِلَّا فِي الْأَمْوَال فَكَانَ حمل النِّكَاح عَلَيْهِ قياسيا وَالْقِيَاس لَا يُعَارض النَّص وَقد ثَبت أَن الْخَبَر نَص لَا يحْتَمل التَّأْوِيل فَلَا يجوز تَركه بِالْقِيَاسِ وَلِأَن هَذَا طَرِيق تعارضه مَسْأَلَة وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَت الْأُصُول مَوْضُوعَة على ثُبُوت الْولَايَة للْحَاجة وسقوطها بالاستقلال بِهَذِهِ الصِّفَات فالأصول مَوْضُوعَة على أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 النُّطْق لَا يعْتَبر إِلَّا فِي مَوضِع لَا يثبت فِيهِ الْولَايَة وَقد ثَبت أَن النُّطْق قد سقط فِي حق الْبكر فَوَجَبَ أَن تثبت الْولَايَة عَلَيْهَا فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي رَحمَه الله النُّطْق سقط أَيْضا فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق هَذَا تَأْكِيد لِأَن سُقُوطه بِالنَّصِّ دَلِيل على مَا ذكرت وَهَذَا آخر مَا جرى بَينهمَا وَالله أعلم 358 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مهْرَان الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني أحد أَئِمَّة الدّين كلَاما وأصولا وفروعا جمع أشتات الْعُلُوم واتفقت الْأَئِمَّة على تبجيله وتعظيمه وَجمعه شَرَائِط الْإِمَامَة قَالَ الْحَاكِم انْصَرف من الْعرَاق بعد الْمقَام بهَا وَقد أقرّ لَهُ أهل الْعلم بالعراق وخراسان بالتقدم وَالْفضل فَاخْتَارَ الوطن إِلَى أَن خرج بعد الْجهد إِلَى نيسابور وَبنى لَهُ الْمدرسَة الَّتِي لم يبن قبلهَا بنيسابور مثلهَا ودرس فِيهَا وَحدث سمع بخراسان الشَّيْخ أَبَا بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وبالعراق أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله الشَّافِعِي ودعلج بن أَحْمد وأقرانهما روى عَنهُ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبُو السنابل هبة الله بن أبي الصَّهْبَاء وَمُحَمّد بن الْحسن البالوي وَجَمَاعَة الحديث: 358 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 قيل وَكَانَ يلقب ركن الدّين وَله التصانيف الفائقة مِنْهَا كتاب الْجَامِع فِي أصُول الدّين وَالرَّدّ على الْمُلْحِدِينَ ومسائل الدّور وتعليقة فِي أصُول الْفِقْه وَغير ذَلِك قَالَ عبد الغافر كَانَ أَبُو إِسْحَاق طراز نَاحيَة الْمشرق فضلا عَن نيسابور ونواحيها ثمَّ كَانَ من الْمُجْتَهدين فِي الْعِبَادَة المبالغين فِي الْوَرع انتخب عَلَيْهِ أَبُو عبد الله الْحَاكِم عشرَة أَجزَاء وَذكره فِي تَارِيخه لجلالته قَالَ وَكَانَ ثِقَة ثبتا فِي الحَدِيث وَقَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر حكى لي من أَثِق بِهِ أَن الصاحب بن عباد كَانَ إِذا انْتهى إِلَى ذكر ابْن الباقلاني وَابْن فورك والإسفرايني وَكَانُوا متعاصرين من أَصْحَاب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ قَالَ لأَصْحَابه ابْن الباقلاني بَحر مغرق وَابْن فورك صل مطرق والإسفرايني نَار تحرق وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ درس عَلَيْهِ شَيخنَا القَاضِي أَبُو الطّيب وَعنهُ أَخذ الْكَلَام وَالْأُصُول عَامَّة شُيُوخ نيسابور وَقَالَ أَبُو صَالح الْمُؤَذّن سَمِعت أَبَا حَازِم العبدوي يَقُول كَانَ الْأُسْتَاذ يَقُول لي بعد مَا رَجَعَ من أسفراين أشتهي أَن يكون موتى بنيسابور حَتَّى يُصَلِّي على جَمِيع أهل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 نيسابور فَتوفي بعد هَذَا الْكَلَام بِنَحْوِ من خَمْسَة أشهر يَوْم عَاشُورَاء سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَ أَنبأَنَا الشَّيْخَانِ أَبُو بكر مُحَمَّد ورقية ابْنا إِسْمَاعِيل الْأنمَاطِي حضورا وَغَيرهمَا قَالُوا حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي سعد الصفار كِتَابَة أَنبأَنَا أَبُو مَنْصُور عبد الْخَالِق بن زَاهِر الشحامي سَمَاعا أَنبأَنَا الشَّيْخ أَبُو إِبْرَاهِيم مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد البالوي أَنبأَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الإسفرايني أَنبأَنَا أَبُو مُحَمَّد دعْلج ابْن أَحْمد السجْزِي بِبَغْدَاد حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ حَدثنَا أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن كَعْب بن مَالك عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مثل الْمُؤمن كَمثل الخامة من الزَّرْع يميلها الرِّيَاح مرّة هَكَذَا وَمرَّة هَكَذَا وَمثل الْمُنَافِق كَمثل الأرزة المجذية على الأَرْض حَتَّى يكون انجعافها) أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله الدِّمَشْقِي عَن أبي بكر الْقَاسِم بن أبي سعد عبد الله بن عمر الصفار وَأبي المظفر عبد الرَّحِيم بن أبي سعد عبد الْكَرِيم بن السَّمْعَانِيّ قَالَا أنبأتنا عَائِشَة ابْنة أبي نصر أَحْمد بن مَنْصُور بن الصفار قِرَاءَة عَلَيْهَا وَنحن نسْمع قَالَت أَنبأَنَا الشريف أَبُو السنابل هبة الله ابْن أبي الصَّهْبَاء مُحَمَّد بن حيدر الْقرشِي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع حَدثنَا الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المهرجاني الإسفرايني إملاء فِي مَسْجِد عقيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 بعد صَلَاة الْعَصْر يَوْم الْخَمِيس فِي الْمحرم سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ أول إملاء عقد لَهُ أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة حَدثنَا أَحْمد بن طَارق حَدثنَا مُسلم بن خَالِد حَدثنَا زِيَاد بن سعد عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن صَفْوَان بن سليم عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بعثت على أثر ثَمَانِيَة آلَاف نَبِي مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف من بني إِسْرَائِيل) ذكر نخب وفوائد عَنهُ تكلم الْأُسْتَاذ الإسفرايني فِي كتاب الْحلِيّ فِي أصُول الدّين على قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْإِيمَان لَا يشركهُ الشّرك والشرك يشركهُ الشّرك بِمَا حَاصله أَن الْإِيمَان لَو قارنه اعْتِقَاد قدم الْعَالم أَو نَحوه من الكفران ارْتَفع بجملته وَالْكفْر كالتثليث مثلا لَو قارنه اعْتِقَاد خُرُوج الشَّيْطَان على الرَّحْمَن ومغالبته كَمَا يَقُول الْمَجُوس لم يرْتَفع شركه بالنصرانية بل ازْدَادَ شركا بالمجوسية وَأطَال فِي ذَلِك قلت فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْإِيمَان لَا يزِيد وَلَا ينقص وَأَن الْكفْر يزِيد وَينْقص فَتَأمل ذَلِك وَمن الْمسَائِل الحديثية الَّتِي سَأَلَهَا الْحَافِظ أَبُو سعد عبد الرَّحْمَن بن الْحسن ابْن عَلَيْك النَّيْسَابُورِي من الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق إِذا روى عَن الشَّيْخ الْأَحَادِيث الطوَال وَقَالَ فِيهِ وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ ثمَّ أحب هَذَا أَن يروي الحَدِيث بِطُولِهِ وَلَا يختصر هَل لَهُ ذَلِك أجَاب الْأُسْتَاذ أَن ذَلِك لَا يجوز قلت وَهَذَا الَّذِي أرَاهُ وَقد قَدمته فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة فِي تَرْجَمَة دَاوُد الظَّاهِرِيّ وَذكرت مَا فِيهِ عَن أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي عَليّ الزجاجي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 وفيهَا أَنه لَا يرجح الذُّكُورَة عَن الْأُنُوثَة فِي الرِّوَايَة بل هما سَوَاء وَأَنه إِذا سقط من الأسناد رجل يعلم أَنه غلط من الْكَاتِب لم يجز أَن يثبت اسْم ذَلِك الرجل وَقَالَ الْأُسْتَاذ وَمن فعله سقط فِي جَمِيع أَحَادِيثه وَأَنه إِذا قلب الأسناد والمتن على حَاله فَجعل بدل شُعْبَة سعيدا وَمَا أشبهه يُرِيد أَن يَجْعَل الحَدِيث مرغوبا فِيهِ غَرِيبا يصير دجالًا كذابا تسْقط بِهِ جَمِيع أَحَادِيثه وَإِن رَوَاهَا على وَجههَا نقل الرَّافِعِيّ عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق أَن الْأُم تعْتق إِذا أعتق حملهَا مَالِكهَا كَمَا يعْتق هُوَ بِعتْقِهَا وَهَذَا مُشكل فَإِنَّهُ لَا تتخيل فِيهِ السَّرَايَة فَإِن السَّرَايَة فِي الأشقاص لَا فِي الْأَشْخَاص وَالْحمل إِنَّمَا يتبع الْأُم إِذا أعْتقهَا مَالِكهَا لِأَن الْحمل تَابع للْأُم لَا للسراية لما ذَكرْنَاهُ وَكَيف تتبع الْأُم الْحمل وَالتَّابِع كَيفَ يَنْقَلِب متبوعا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 مناظرة بَين الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإسفرايني وَالْقَاضِي عبد الْجَبَّار المعتزلي قَالَ عبد الْجَبَّار فِي ابْتِدَاء جُلُوسه للمناظرة سُبْحَانَ من تنزه عَن الْفَحْشَاء فَقَالَ الْأُسْتَاذ مجيبا سُبْحَانَ من لَا يَقع فِي ملكه إِلَّا مَا يَشَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 فَقَالَ عبد الْجَبَّار أفيشاء رَبنَا أَن يعْصى فَقَالَ الْأُسْتَاذ أيعصى رَبنَا قهرا فَقَالَ عبد الْجَبَّار أَفَرَأَيْت إِن مَنَعَنِي الْهدى وَقضى عَليّ بالردى أحسن إِلَيّ أم أسا فَقَالَ الْأُسْتَاذ إِن كَانَ مَنعك مَا هُوَ لَك فقد أسا وَإِن مَنعك مَا هُوَ لَهُ فَيخْتَص برحمته من يشا فَانْقَطع عبد الْجَبَّار 359 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف أَبُو إِسْحَاق الطوسي الْفَقِيه النظار أحد كبراء الْأَصْحَاب ومناظريهم وَمن لَهُ الثروة الزَّائِدَة والجاه الوافر تفقه على الْأُسْتَاذ أبي الْوَلِيد الْفَقِيه وروى عَنهُ وَعَن أبي الْعَبَّاس الْأَصَم وَغَيرهمَا الحديث: 359 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 روى عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَقع لنا حَدِيثه فِي الْأَرْبَعين الصُّغْرَى للبيهقي 360 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن هَارُون بن الْفضل بن هَارُون أَبُو إِسْحَاق المطهري السروي بِالسِّين الْمُهْملَة وَالرَّاء المفتوحتين نِسْبَة إِلَى سَارِيَة بَلْدَة من بِلَاد مازندران وَرُبمَا نسب إِلَيْهَا الساري والمطهري نِسْبَة إِلَى مطهر قَرْيَة من قرى سَارِيَة وَهِي بِفَتْح الْهَاء اسْم لمفعول طهر لَهُ تصانيف كَثِيرَة فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول والفرائض تفقه بِبَلَدِهِ على أبي مُحَمَّد بن أبي يحيى وببغداد على أبي حَامِد الإسفرايني وَقَرَأَ الْفَرَائِض على ابْن اللبان وَولي قَضَاء سَارِيَة والتدريس وَالْفَتْوَى وَسمع المخلص وَأَبا الْعَبَّاس النسوي وَأَبا نصر بن الإِمَام أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وأملى الحَدِيث وَتُوفِّي عَن مائَة فِي صفر سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 360 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 361 - إِبْرَاهِيم بن المظفر الشهرستاني أَبُو إِسْحَاق الْفَقِيه درس الْفِقْه على أبي الْقَاسِم البوشنجي قَالَ عبد الغافر وَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 362 - إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْحَافِظ أَبُو يَعْقُوب القراب السَّرخسِيّ ثمَّ الْهَرَوِيّ الإِمَام الْجَلِيل مُحدث هراة صَاحب المصنفات الْكَثِيرَة ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة وَطلب الحَدِيث فَأكْثر قَالَ أَبُو النَّصْر الفامي حَتَّى إِن عدد شُيُوخه زَاد على ألف ومائتي نفس وَله تَارِيخ السنين الَّذِي صنفه فِي وفيات أهل الْعلم من زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سنة وَفَاته سنة تسع وَعشْرين وَمن تصانيفه أَيْضا كتاب نسيم المهج وَكتاب الْأنس والسلوة وَكتاب شمائل الْعباد قَالَ وَكَانَ زاهدا مقلا من الدُّنْيَا الحديث: 361 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 قلت وَمن مشايخه الْعَبَّاس بن الْفضل النضروي وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عبد الله اليساري وَعبد الله بن أَحْمد بن حمويه السَّرخسِيّ وزاهر بن أَحْمد الْفَقِيه وَأحمد بن عبد الله النعيمي والخليل بن أَحْمد القَاضِي وَكتب عَمَّن هُوَ أَصْغَر مِنْهُ وَحدث عَن الْحَافِظ أبي عَليّ الوخشي وَهُوَ من أَصْحَابه روى عَنهُ أَبُو إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن أبي عَاصِم الصيدلاني وَالْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن مت وَغَيرهم توفّي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة 363 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عبد الله أَبُو عبد الرَّحْمَن الضَّرِير الْحِيرِي النَّيْسَابُورِي صَاحب الْكِفَايَة فِي التَّفْسِير وَغَيرهَا ولد سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَقَرَأَ الْخَطِيب عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ كَامِلا فِي ثَلَاثَة مجَالِس الحديث: 363 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 حدث عَن زَاهِر السَّرخسِيّ وَغَيره مَاتَ بعد سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 364 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد النوكاني الطريثيثي من تلامذة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وقفت بِخَطِّهِ على شرح عُيُون الْمسَائِل للفارسي علقه عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد بنيسابور فِي مجلدة وَاحِدَة ... 365 - إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن القراب أَبُو مُحَمَّد الْفَقِيه المقرىء السَّرخسِيّ ثمَّ الْهَرَوِيّ أَخُو الْحَافِظ إِسْحَاق هَذَا مُصَنف كتاب مَنَاقِب الشَّافِعِي الَّذِي رتبه على مائَة وَسِتَّة عشر بَابا أَولهَا فِي نسب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يرجع إِلَيْهِ نسب الشَّافِعِي وَآخِرهَا أَرْبَعُونَ بَابا جمع فِيهَا أَرْبَعِينَ حَدِيثا من أَحَادِيث الْأَحْكَام من رِوَايَة الشَّافِعِي بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ كتاب حافل رَأَيْت مِنْهُ نُسْخَة فِي مجلدين فِي خزانَة كتب دَار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق الحديث: 364 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 وَله مصنفات فِي عُلُوم أخر كتاب دَرَجَات التائبين وَكتاب الشافي فِي الْقرَاءَات وَكتاب الْكَافِي وَكتاب الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ إِمَامًا فِي عدَّة عُلُوم زاهدا ورعا تفقه على الداركي وَسمع الحَدِيث من أبي بكر الإسماعلي بجرجان وَمَنْصُور بن الْعَبَّاس بهراة وَأحمد بن مُحَمَّد بن مقسم بِبَغْدَاد وَمن مُحَمَّد بن عبد الله الساري وَأبي عَمْرو بن حمدَان وَعلي بن عِيسَى العاصمي وَأبي أَحْمد الغطريفي ومخلد بن جَعْفَر الباقرحي وَبشر بن أَحْمد الإسفرايني وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن زيد الصفار وَعلي بن الْحسن بن عَليّ الجراحي وَمُحَمّد بن عبد الله أبي عبد الله بن الْحَاكِم وَغَيرهم وروى عَنهُ الْأنْصَارِيّ صَاحب كتاب ذمّ الْكَلَام وَأَبُو عَطاء عبد الْأَعْلَى بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد المليحي وَغَيرهمَا وَكَانَ إِمَامًا مبرزا فِي عدَّة عُلُوم زاهدا ورعا ذكره أَبُو نصر الفامي ويوسف بن أَحْمد الشِّيرَازِيّ الحافظان وَقَالا كَانَ فِي عدَّة عُلُوم إِمَامًا مِنْهَا الحَدِيث والقراءات ومعاني الْقُرْآن وَالْفِقْه وَالْأَدب وَله تصانيف كلهَا حَسَنَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 قَالَا وَكَانَ فِي الزّهْد والتقلل من الدُّنْيَا آيَة قَالَا وَلم يجد سوق فَضله بهراة نفَاقًا لِأَن الِاسْم كَانَ لغيره قَالَ ابْن الصّلاح وَقد رَأَيْت بنيسابور كِتَابه الْكَافِي فِي الْقرَاءَات وَهُوَ كتاب يشْتَمل على علم كثير فِي مجلدات عدَّة وَفِي كِتَابه المناقب يَقُول لقِيت جمَاعَة من أَصْحَاب أبي الْعَبَّاس يَعْنِي ابْن سُرَيج فَمنهمْ من سمع الحَدِيث مِنْهُ وَمِنْهُم من تفقه عَلَيْهِ وَمِنْهُم من حكى لي عَنهُ حكايات قَالَ ابْن الصّلاح وَوجدت عَن الْحَاكِم أبي عبد الله أَنه ذكره فَقَالَ كَانَ من صالحي أهل الْعلم والمقدمين فِي معرفَة الْقرَاءَات طلب الْعلم بخراسان وَالْعراق وَكَانَ من أجل بَيت لأهل الحَدِيث بهراة انْتهى قلت وَقد تَأَخَّرت وَفَاته عَن الْحَاكِم فَإِنَّهُ مَاتَ فِي شعْبَان سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَمَات الْحَاكِم سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة وَقد حدث هُوَ أَيْضا فِي كِتَابه المناقب عَن الْحَاكِم وَأكْثر فِيهِ النَّقْل عَنهُ وَقد نقلت من كتاب المناقب هَذَا فَوَائِد استعذبتها فَمِنْهَا قَالَ سَمِعت أَبَا الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن عبد الله الداركي يَقُول بِبَغْدَاد فِي درسه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 حُكيَ لَهُ أَنه صلى على أَحْمد بن حَنْبَل سِتّمائَة ألف رجل وَسِتُّونَ ألف امْرَأَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 وَذكر ذَلِك فِي الْبَاب الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من الْجُزْء الثَّانِي من المناقب والجزء الثَّانِي مُشْتَمل على ثَلَاثَة وَسبعين بَابا فَإِنَّهُ جزأ كِتَابه جزئين أَولهَا أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ بَابا أَولهَا فِي النّسَب الزكي وَآخِرهَا فِي أَلْفَاظ رويت عَن الشَّافِعِي فِي فضل الْعلم وَالْعُلَمَاء وَذَلِكَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ أَولهَا فِي تبحر الشَّافِعِي فِي اللُّغَة والعربية وَآخِرهَا حَدِيث من رِوَايَته فِي الْوَعْظ والتذكير هُوَ آخر الْأَرْبَعين الَّتِي هِيَ آخر الْكتاب 366 - إِسْمَاعِيل بن زَاهِر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم النوقاني ثمَّ النَّيْسَابُورِي تلميذ أبي بكر الطوسي الحديث: 366 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 قَالَ فِيهِ عبد الغافر الْفَقِيه الإِمَام فَاضل جليل نبيه ثِقَة أَمِين من أَرْكَان فُقَهَاء أَصْحَاب الشَّافِعِي درس الْفِقْه على أبي بكر الطوسي قَدِيما قَالَ وسافر إِلَى الْعرَاق وَحج مَعَ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وزين الْإِسْلَام يَعْنِي الْقشيرِي أَبَا الْقَاسِم وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ شَيخا فَقِيها حسن السِّيرَة صَالحا دينا كثير السماع وَالرِّوَايَة ثِقَة صَدُوقًا سمع أَبَا الطّيب سهل بن مُحَمَّد الصعلوكي وَالْقَاضِي أَبَا عمر البسطامي وَالشَّيْخ أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَبا بكر الْحِيرِي وخلائق وَذكر عبد الغافر أَن مولده سنة سبع وَتِسْعين وثلاثمائة وَذكر غَيره أَنه ولد سنة خمس وَتِسْعين قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَالْأول أشبه قَالَ وَسمعت أَبَا الْحسن عَليّ بن جَعْفَر الْكَاتِب يَقُول يُقَال إِنَّه توفّي سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 367 - إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم ابْن عَامر بن عَابِد شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي الْفَقِيه الْمُحدث الْمُفَسّر الْخَطِيب الْوَاعِظ الْمَشْهُور الِاسْم الملقب بشيخ الْإِسْلَام لقبه أهل السّنة فِي بِلَاد خُرَاسَان فَلَا يعنون عِنْد إِطْلَاقهم هَذِه اللَّفْظَة غَيره الحديث: 367 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 وَأما المجسمة بِمَدِينَة هراة فَلَمَّا ثارت نُفُوسهم من هَذَا اللقب عَمدُوا إِلَى أبي إِسْمَاعِيل عبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ صَاحب كتاب ذمّ الْكَلَام فلقبوه بشيخ الْإِسْلَام وَكَانَ الْأنْصَارِيّ الْمشَار إِلَيْهِ رجلا كثير الْعِبَادَة مُحدثا إِلَّا أَنه يتظاهر بالتجسيم والتشبيه وينال من أهل السّنة وَقد بَالغ فِي كِتَابه ذمّ الْكَلَام حَتَّى ذكر أَن ذَبَائِح الأشعرية لَا تحل وَكنت أرى الشَّيْخ الإِمَام يضْرب على مَوَاضِع من كتاب ذمّ الْكَلَام وَينْهى عَن النّظر فِيهِ وللأنصاري أَيْضا كتاب الْأَرْبَعين سمتها أهل الْبِدْعَة الْأَرْبَعُونَ فِي السّنة يَقُول فِيهَا بَاب إِثْبَات الْقدَم لله بَاب إِثْبَات كَذَا وَكَذَا وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ لَا يسْتَحق هَذَا اللقب وَإِنَّمَا لقب بِهِ تعصبا وتشبيها لَهُ بِأبي عُثْمَان وَلَيْسَ هُوَ هُنَاكَ وَكَانَ أهل هراة فِي عصره فئتين فِئَة تعتقده وتبالغ فِيهِ لما عِنْده من التقشف والتعبد وَفِئَة تكفره لما يظهره من التَّشْبِيه وَمن مصنفاته الَّتِي فوقت نَحوه سِهَام أهل الْإِسْلَام كتاب ذمّ الْكَلَام وَكتاب الْفَارُوق فِي الصِّفَات وَكتاب الْأَرْبَعين وَهَذِه الْكتب الثَّلَاثَة أبان فِيهَا عَن اعْتِقَاد التَّشْبِيه وأفصح وَله قصيدة فِي الِاعْتِقَاد تنبىء عَن العظائم فِي هَذَا الْمَعْنى وَله أَيْضا كتاب منَازِل السائرين فِي التصوف وَكَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس ابْن تَيْمِية مَعَ ميله إِلَيْهِ يضع من هَذَا الْكتاب أَعنِي منَازِل السائرين قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَكَانَ يَرْمِي أَبَا إِسْمَاعِيل بالعظائم بِسَبَب هَذَا الْكتاب وَيَقُول إِنَّه مُشْتَمل على الِاتِّحَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 قلت والأشاعرة يرمونه بالتشبيه وَيَقُولُونَ إِنَّه كَانَ يلعن شيخ السّنة أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَنا لَا أعتقد فِيهِ أَنه يعْتَقد الِاتِّحَاد وَإِنَّمَا أعتقد أَنه يعْتَقد التَّشْبِيه وَأَنه ينَال من الأشاعرة وَأَن ذَلِك بجهله بِعلم الْكَلَام وبعقيدة الأشعرية فقد رَأَيْت أَقْوَامًا أَتَوا من ذَلِك وَكَانَ شَدِيد التعصب للْفرق الحنبلية بِحَيْثُ كَانَ ينشد على الْمِنْبَر على مَا حكى عَنهُ تِلْمِيذه مُحَمَّد بن طَاهِر (أَنا حنبلي مَا حييت وَإِن أمت ... فوصيتي للنَّاس أَن يتحنبلوا) وَترك الرِّوَايَة عَن شَيْخه القَاضِي أبي بكر الْحِيرِي لكَونه أشعريا وكل هَذَا تعصب زَائِد برأنا الله من الْأَهْوَاء وَذكر أبي إِسْمَاعِيل خَارج عَن غَرَض هَذَا الْكتاب فَإِنَّمَا أردنَا أَن ننبه على الْفرق بَينه وَبَين شيخ الْإِسْلَام على الْحَقِيقَة أبي عُثْمَان نترجمه الْآن فلنعد إِلَى تَرْجَمته فَنَقُول ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق فَقَالَ هُوَ الْأُسْتَاذ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان الْخَطِيب الْمُفَسّر الْمُحدث الْوَاعِظ أوحد وقته فِي طَرِيقَته وعظ الْمُسلمين فِي مجَالِس التَّذْكِير سبعين سنة وخطب وَصلى فِي الْجَامِع يَعْنِي بنيسابور نَحوا من عشْرين سنة ثمَّ قَالَ ورزق الْعِزّ والجاه فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَكَانَ جمالا للبلد زينا للمحافل والمجالس مَقْبُولًا عِنْد الْمُوَافق والمخالف مجمعا على أَنه عديم النظير وَسيف السّنة ودافع الْبِدْعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 وَهُوَ النسيب المعم المخول المدلي من جِهَة الأمومة إِلَى الْحَنَفِيَّة والفضلية والشيبانية والقرشية والتميمية والمزنية والضبية من الشّعب النَّازِلَة إِلَى الشَّيْخ أبي سعد يحيى بن مَنْصُور بن حسنويه السّلمِيّ الزَّاهِد الْأَكْبَر على مَا هُوَ مَشْهُور من أنسابهم عِنْد جمَاعَة من العارفين بالأنساب لِأَنَّهُ أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن زين الْبَيْت ابْنة الشَّيْخ أبي سعد الزَّاهِد بن أَحْمد بن مَرْيَم بنت أبي سعد الْأَكْبَر الزَّاهِد وَأما من جِهَة الْأَب فَهُوَ الأَصْل الَّذِي لَا يحْتَاج نسبه إِلَى زِيَادَة فَقَالَ وَكَانَ أَبوهُ أَبُو نصر من كبار الواعظين بنيسابور ففتك بِهِ لأجل التعصب وَالْمذهب وقلد الْأمة صَبيا بعد حول سبع سِنِين فاستدعى أَن يذكر صَبيا دعِي للختم على رَأس قبر أَبِيه كل يَوْم وأقعد بِمَجْلِس الْوَعْظ مقَام أَبِيه وَحضر أَئِمَّة الْوَقْت مجالسه وَأخذ الإِمَام أَبُو الطّيب سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصعلوكي فِي تَرْبِيَته وتهيئة أَسبَابه وترتيب حشمته ونوبه وَكَانَ يحضر مجالسه ويثني عَلَيْهِ مَعَ تكبره فِي نَفسه وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَئِمَّة كالأستاذ الإِمَام أبي إِسْحَاق الإسفرايني والأستاذ أبي بكر بن فورك وَسَائِر الْأَئِمَّة كَانُوا يحْضرُون مجْلِس تذكيره ويتعجبون من كَمَال ذكائه وعقله وَحسن إِيرَاده الْكَلَام عربيه وفارسيه وَحفظه الْأَحَادِيث حَتَّى كبر وَبلغ مبلغ الرِّجَال وَقَامَ مقَام أسلافه فِي جَمِيع مَا كَانَ إِلَيْهِم من النوب وَلم يزل يرْتَفع شَأْنه حَتَّى صَار إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ من الحشمة التَّامَّة والجاه العريض وَهُوَ فِي جَمِيع أوقاته مشتغل بِكَثْرَة الْعِبَادَات ووظائف الطَّاعَات بَالغ فِي العفاف والسداد وصيانة النَّفس مَعْرُوف بِحسن الصَّلَاة وَطول الْقُنُوت واستشعار الهيبة حَتَّى كَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي ذَلِك وَكَانَ مُحْتَرما للْحَدِيث ولثبت الْكتب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 قَرَأت من خطّ الْفَقِيه أبي سعيد السكرِي أَنه حكى عَن بعض من يوثق بقوله من الصَّالِحين أَن شيخ الْإِسْلَام قَالَ مَا رويت خَبرا وَلَا أثرا فِي الْمجْلس إِلَّا وَعِنْدِي إِسْنَاده وَمَا دخلت بَيت الْكتب قطّ إِلَّا على طَهَارَة وَمَا رويت الحَدِيث وَلَا عقدت الْمجْلس وَلَا قعدت للتدريس قطّ إِلَّا على الطَّهَارَة وَقَالَ مُنْذُ صَحَّ عِنْدِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ بِسُورَة الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ فِي رَكْعَتي صَلَاة الْعشَاء لَيْلَة الْجُمُعَة مَا تركت قراءتهما فيهمَا قَالَ وَقد كنت فِي بعض الْأَسْفَار المخوفة وَكَانَ أَصْحَابِي يفرقون من اللُّصُوص وقطاع الطَّرِيق وَيُنْكِرُونَ على فِي التَّطْوِيل بِقِرَاءَة السورتين وَغير ذَلِك فَلم أمتنع عَن ذَلِك وَلم أنقص شَيْئا مِمَّا كنت أواظب عَلَيْهِ فِي الْحَضَر فتولانا الله بحفظه وَلم تلحقنا آفَة وقرأت من خطّ السكرِي أَيْضا قَالَ قَرَأت فِي كتاب كتبه الإِمَام سهل الصعلوكي إِلَى زَاهِر بن أَحْمد الإِمَام بسرخس حِين قصد الْأُسْتَاذ الإِمَام إِسْمَاعِيل أَن يرحل إِلَيْهِ لسَمَاع الحَدِيث فِي صباه بعد مَا قتل أَبوهُ شَهِيدا وَفِي الْكتاب بعد الْخطاب وَإِذا عدت الْأَحْدَاث الَّتِي كَانَت فِي هَذِه السنين الخالية قطارا أَرْسَالًا ومتصلة اتِّصَالًا ومتوالية حَالا فحالا كَانَ أعظمها نكاية فِي الدّين وَجِنَايَة عَلَيْهِ مَا جرى من الفتك بِأبي نصر الصَّابُونِي رَحمَه الله نَهَارا وَالْمَكْر الَّذِي مكر بِهِ كبارًا كَمَا إِذا عدت غرائب الْوَقْت وعجائبه فِي الْحسن كَانَ بولده الْوَلَد الْفَقِيه أبي عُثْمَان إِسْمَاعِيل أدام الله بقاه وسلامته الِابْتِدَاء وبذكره الِافْتِتَاح فَإِنَّهُ بلغ وَلم يبلغ بِالسِّنِّ مَا تقصر عَنهُ الأمنية والاقتراح من التدبر والتعلم والوجاهة والتقدم على التحفظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 والتورع والتيقظ وَقد كَانَ فِي نَفسه لذكائه وكيسه وفطنته وهدايته وعقله الرحلة إِلَى الشَّيْخ فَذكر فصلا فِيهِ ثمَّ قَالَ وَلَا نشك أَنه يُصَادف مِنْهُ فِي الْإِكْرَام والتقديم والتعظيم مَا يَلِيق بصفاته وإنجابه ودرجاته وَأَنا شريك فِي الامتنان لذَلِك كُله وراغب فِي تَعْجِيل إصداره إِلَى مَوْضِعه ومكانه فِي عمَارَة الْعلم بقعوده للتذكير والتبصير وَمَا يحصل بِهِ من النَّفْع الْكثير فَإِن الرُّجُوع لغيبته شَدِيد والاقتضاء بِالْعُمُومِ لعوده أكيد وَالسَّلَام وَذكر عَن الشَّيْخ أَحْمد الْبَيْهَقِيّ أَنه قَالَ عهدي بالحاكم الإِمَام أبي عبد الله مَعَ تقدمه فِي السن وَالْحِفْظ والإتقان أَنه يقوم للأستاذ عِنْد دُخُوله إِلَيْهِ ويخاطبه بالأستاذ الأوحد وينشر علمه وفضله وَيُعِيد كَلَامه فِي وعظه مُتَعَجِّبا من حسنه معتدا بِكَوْنِهِ من أَصْحَابه قَالَ السكرِي وَرَأَيْت كتاب الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي إِسْحَاق الإسفرايني الَّذِي كتبه بِخَطِّهِ وخاطبه بالأستاذ الْجَلِيل سيف السّنة وَفِي كتاب آخر غيظ أهل الزيغ وَحكى الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الصَّيْرَفِي الْمُتَكَلّم أَن الإِمَام أَبَا بكر بن فورك كَانَ رَجَعَ عَن مَجْلِسه يَوْمًا فَقَالَ تعجبت الْيَوْم من كَلَام هَذَا الشَّاب تكلم بِكَلَام مهذب عذب بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية وَحكى عَن الشَّيْخ الإِمَام سهل أَيْضا أَنه كَانَ يَقُول لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ أبي سرايخ براتيش است بيش است قَرَأت بِخَط السكرِي أَن الْأُسْتَاذ أَبَا عُثْمَان كَانَ يتَكَلَّم بَين يَدي الإِمَام سهل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 الصعلوكي وَكَانَ ينحرف بِوَجْهِهِ عَن جَانِبه فصاح بِهِ الإِمَام سهل استقبلني واترك الانحراف عني فَقَالَ إِنِّي أستحيي أَن أَتكَلّم فِي حر وَجهك فَقَالَ الإِمَام سهل انْظُرُوا إِلَى عقله وَلَقَد أَكثر الْأَئِمَّة الثَّنَاء عَلَيْهِ وَلذَلِك مدحه الشُّعَرَاء فِي صباه إِلَى وَقت شبابه ومشيبه بِمَا يطول ذكره فَمن ذَلِك مَا قَالَ فِيهِ بعض من ذكر من أَئِمَّة الْأَصْحَاب (بَينا الْمُهَذّب إِسْمَاعِيل أرجحهم ... علما وحلما وَلم يبلغ مدى الْحلم) وَكتب أَبُو المظفر الجُمَحِي إِلَيْهِ بعد أَن سمع خطبَته بِهَذِهِ الأبيات (أستدفع الله عَنهُ آفَة الْعين ... وَكم قَرَأت عَلَيْهِ آيَة الْعين) (الْعلم يفخر والآداب فاخرة ... منيرة يَهْتَدِي فِيهَا ذَوُو الشين) (لَو عَاد سحبان حَيا قَالَ من عجب ... عين الْإِلَه على عين الْفَرِيقَيْنِ) (قد كَانَ ديني على إتْمَام رُؤْيَته ... لما رَأَيْت محياه قضي ديني) (قل للَّذي زانه علم وَمَعْرِفَة ... كم للعلوم بِإِسْمَاعِيل من زين) وَقَالَ فِيهِ البارع الزوزني (مَاذَا اخْتِلَاف النَّاس فِي متفنن ... لم يبصروا للقدح فِيهِ سَبِيلا) (وَالله مَا رقي المنابر خَاطب ... أَو واعظ كالحبر إسماعيلا) وَلَقَد عَاشَ عَيْشًا حميدا بعد مَا قتل أَبوهُ شَهِيدا إِلَى آخر عمره فَكَانَ من قَضَاء الله تَعَالَى أَنه كَانَ يعْقد الْمجْلس فِيمَا حَكَاهُ الْأَثْبَات والثقات يَوْم الْجُمُعَة فِي جَانب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 الْحُسَيْن على الْعَادة المألوفة مُنْذُ نَيف وَسِتِّينَ سنة ويعظ النَّاس فَبَالغ فِيهِ وَدفع إِلَيْهِ كتاب ورد من بُخَارى مُشْتَمل على ذكر وباء عَظِيم وَقع بهَا واستدعي فِيهِ أَغْنِيَاء الْمُسلمين بِالدُّعَاءِ على رُءُوس الأملاء فِي كشف ذَلِك الْبلَاء عَنْهُم وَوصف فِيهِ أَن وَاحِدًا تقدم إِلَى خباز يَشْتَرِي الْخبز فَدفع الدَّرَاهِم إِلَى صَاحب الْحَانُوت فَكَانَ يزنها والخباز يخبز وَالْمُشْتَرِي وَاقِف فَمَاتَ الثَّلَاثَة فِي الْحَال فَاشْتَدَّ الْأَمر على عَامَّة النَّاس فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب هاله ذَلِك واستقرأ من القارىء قَوْله تَعَالَى {أفأمن الَّذين مكروا السَّيِّئَات أَن يخسف الله بهم الأَرْض} ونظائرها وَبَالغ فِي التخويف والتحذير وَأثر فِيهِ ذَلِك وَتغَير فِي الْحَال وغلبه وجع الْبَطن من سَاعَته وَأنزل من الْمِنْبَر فَكَانَ يَصِيح من الوجع وَحمل إِلَى الْحمام إِلَى قريب من غرُوب الشَّمْس فَكَانَ يتقلب ظهرا لبطن ويصيح ويئن فَلم يسكن مَا بِهِ فَحمل إِلَى بَيته وَبَقِي فِيهِ سِتَّة أَيَّام لم يَنْفَعهُ علاج فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس سَابِع مَرضه ظَهرت آثَار سكر الْمَوْت عَلَيْهِ وودع أَوْلَاده وأوصاهم بِالْخَيرِ ونهاهم عَن لطم الخدود وشق الْجُيُوب والنياحة وَرفع الصَّوْت بالبكاء ثمَّ دَعَا بالمقرىء أبي عبد الله خاصته حَتَّى قَرَأَ سُورَة يس وَتغَير حَاله وطاب وقته وَكَانَ يعالج سَكَرَات الْمَوْت إِلَى أَن قَرَأَ إِسْنَادًا فِيهِ مَا رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة) ثمَّ توفّي من سَاعَته عصر يَوْم الْخَمِيس وحملت جنَازَته من الْغَد عصر يَوْم الْجُمُعَة إِلَى ميدان الْحُسَيْن الرَّابِع من الْمحرم سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَاجْتمعَ من الْخَلَائق مَا الله أعلم بعددهم وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو بكر ثمَّ أَخُوهُ أَبُو يعلى ثمَّ نقل إِلَى مشْهد أَبِيه فِي سكَّة حَرْب وَدفن بَين يَدي أَبِيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 وَكَانَ مولده سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة وَكَانَ وَفَاته طاعنا فِي سنة سبع وَسبعين من سنته وَسمعت الإِمَام خَالِي أَبَا سعيد يذكر مَجْلِسه فِي موسم من ذَلِك الْعَام على مَلأ عَظِيم من الْخلق وَأَنه يَصِيح بِصَوْت عَال مرَارًا وَيَقُول لنَفسِهِ يَا إِسْمَاعِيل هفتا دوهفت هفتا دو هفت بِالْفَارِسِيَّةِ فَلم يَأْتِ عَلَيْهِ إِلَّا أَيَّام قَلَائِل ثمَّ توفّي لِأَنَّهُ كَانَ يذكر الْمَشَايِخ الَّذين مَاتُوا فِي هَذِه السن من أعمارهم ثمَّ قَرَأت فِي المنامات الَّتِي رؤيت لَهُ فِي حَيَاته وَبعد مماته أَجزَاء لَو حكيتها لطال النَّفس فِيهَا فأقتصر على شَيْء من ذَلِك وَمن جملَته مَا حَكَاهُ الْفَقِيه أَبُو المحاسن بن الشَّيْخ أبي الْحسن الْقطَّان فِي عزاء شيخ الْإِسْلَام أَنه رأى فِي النّوم كَأَنَّهُ فِي خَان الْحسن وَشَيخ الْإِسْلَام على الْمِنْبَر مُسْتَقْبل الْقبْلَة يذكر النَّاس إِذْ نعس نعسة ثمَّ انتبه وَقَالَ نَعَست نعسة فَلَقِيت رَبِّي ورحمني ورحم أَهلِي ورحم من شيعني وَحكى الثِّقَات عَن المقرىء أبي عبد الله الْمَخْصُوص بِهِ أَنه رأى قبيل مرض شيخ الْإِسْلَام كَأَن منبره خَال عَنهُ وَقد أحدق النَّاس بالمقرىء ينتظرون قِرَاءَته فجَاء على لِسَانه {وَأَن عَسى أَن يكون قد اقْترب أَجلهم} الْآيَة قَالَ فانتبهت وَلم أر أحدا فَمَا مَضَت إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى بَدَأَ مَرضه وَتُوفِّي مِنْهُ وَحكى بعض الصَّالِحين أَنه رأى أَبَا بكر بن أبي نصر الْمُفَسّر الْحَنَفِيّ جَالِسا على كرْسِي وَبِيَدِهِ جُزْء يَقْرَؤُهُ فَسَأَلَهُ عَمَّا فِيهِ فَقَالَ إِذا احْتَاجَ الْمَلَائِكَة إِلَى الْحَج وزيارة بَيت الله الْعَتِيق جَاءُوا إِلَى زِيَارَة قبر إِسْمَاعِيل الصَّابُونِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 وقرأت من خطّ الْفَقِيه أبي سعد السكرِي أَنه حكى عَن السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن بن ظفر الْحُسَيْنِي أَنه قَالَ رَأَيْت فِي النّوم السَّيِّد النَّقِيب زيد بن أبي الْحسن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَبَين يَدَيْهِ طبق عَلَيْهِ من الْجَوَاهِر مَا شَاءَ الله فَسَأَلته فَقَالَ أتحفت بِهَذَا مِمَّا نثر على روح إِسْمَاعِيل الصَّابُونِي وَحكى المقرىء مُحَمَّد بن عبد الحميد الأبيوردي الرجل الصَّالح عَن الإِمَام فَخر الْإِسْلَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ أَنه رأى فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ قيل لَهُ عد عقائد أهل الْحق قَالَ فَكنت أذكرها إِذْ سَمِعت نِدَاء كَانَ مفهومي مِنْهُ أَنى أسمعهُ من الْحق تبَارك وَتَعَالَى يَقُول ألم نقل إِن ابْن الصَّابُونِي رجل مُسلم وقرأت أَيْضا من خطّ السكرِي حِكَايَة رُؤْيا رَآهَا الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس الشقاني واستدعى مِنْهُ شيخ الْإِسْلَام أَن يَكْتُبهَا فَكتب يَقُول أَحْمد بن مُحَمَّد الحسنوي لَوْلَا امْتنَاع خروجي عَن طَاعَة الْأُسْتَاذ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام لوُجُوبهَا عَليّ لم أكن لأحكي شَيْئا من هَذِه الرُّؤْيَا هَيْبَة لَهَا لما فِيهَا مِمَّا لَا أستجيز ذكرهَا فرقا مِنْهَا ثمَّ ذكر زيارته لتربة الإِمَام مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة يَوْمًا وَأَنه طَابَ وقته عِنْدهَا فَرجع إِلَى بَيته ونام وَقت الهاجرة فَرَأى الْحق تبَارك وَتَعَالَى فِي مَنَامه ذكر الإِمَام بِمَا قَالَ وَلم يحك ذَلِك ثمَّ عقب ذَلِك بِحَدِيث الْأُسْتَاذ الإِمَام وَذكر أَشْيَاء نسيت بَعْضهَا وَالَّذِي أذكر مِنْهَا أَنه قَالَ وَأما ابْن ذَلِك الْمَظْلُوم فَإِن لَهُ عندنَا قرى ونعمى وزلفى إِلَى آخر مَا كَانَ مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 ثمَّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاس كتبته وَحقّ الْحق لِحُرْمَتِهِ وَطَاعَة لأَمره وقرأت من خطّ قديم مَعْرُوف أَنه حُكيَ عَن يَهُودِيّ أَنه قَالَ اغتممت لوفاة أبي نصر الصَّابُونِي وَقَتله فاستغفرت لَهُ ونمت فرأيته فِي الْمَنَام وَعَلِيهِ ثِيَاب خضر مَا رَأَيْت مثلهَا قطّ وَهُوَ جَالس على كرْسِي بَين يَدَيْهِ جمَاعَة كَثِيرَة من الْمَلَائِكَة وَعَلَيْهِم ثِيَاب خضر فَقلت يَا أستاذ أَلَيْسَ قد قتلوك قَالَ فعلوا بِي مَا رَأَيْت فَقلت مَا فعل بك رَبك قَالَ يَا أَبَا حوايمرد كلمة بِالْفَارِسِيَّةِ لمثلي يُقَال هَذَا غفر لي وَغفر لمن صلى عَليّ كَبِيرهمْ وصغيرهم وَمن يكون على طريقي قلت أما أَنا فَلم أصل عَلَيْك قَالَ لِأَنَّك لم تكن على طريقي فَقلت إيش أفعل لأَكُون على طريقك فَقَالَ قل أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقلت ذَلِك ثمَّ قلت أَنا مَوْلَاك قَالَ لَا أَنْت مولى الله قَالَ فانتبهت فجَاء من عِنْده إِلَى قَبره وَذكر مَا رأى فِي الْمَنَام وَقَالَ أَنا مَوْلَاهُ وَأسلم عِنْد قَبره وَلم يَأْخُذ شَيْئا من أحد وَقَالَ إِنِّي غَنِي أسلمت لوجه الله لَا لوجه المَال وَحكى أَبُو سهل بن هَارُون قَالَ قَالَ أَبُو بكر الصيدلاني وَكَانَ من الصَّالِحين كنت حَاضرا قَبره حِين جَاءَ الْيَهُودِيّ فَأسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 وقرأت من مَضْمُون كتاب كتبه الإِمَام زين الْإِسْلَام من طوس فِي تَعْزِيَة شيخ الْإِسْلَام أبي عُثْمَان فصولا كتبت مِنْهَا هَذِه الْكَلِمَات اختصارا يَا لَيْلَة فَتْرَة الشَّرِيعَة ليتك ترى الإصباح وَيَا محنة أهل السّنة أنخت بكلكلك لَعَلَّه لَا براح وَيَا مِعْرَاج السَّمَاء لَيْت شعري كَيفَ حالك وَقد خلوت من صواعد دعوات مجْلِس شيخ الْإِسْلَام وَيَا ضلة الْإِسْلَام لَوْلَا أَنَّك مَحْكُوم لَك بالدوام لقلنا فنيت عَن كل النظام وَيَا أَصْحَاب المحابر حطوا رحالكُمْ فقد استتر بخلال التُّرَاب من كَانَ عَلَيْهِ إلمامكم وَيَا أَرْبَاب المنابر أعظم الله أجوركم فَلَقَد مضى سيدكم وإمامكم (وَقَالُوا الإِمَام قضى نحبه ... وصيحة من قد نعاه علت) (فَقلت فَمَا وَاحِد قد مضى ... وَلكنه أمة قد خلت) وَفِيه فِي فصل آخر أَلَيْسَ لم يَجْسُر مفتر أَن يكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وقته أليست السّنة كَانَت بمكانة منصورة والبدعة لفرط حشمته مقهورة أَلَيْسَ كَانَ دَاعيا إِلَى الله هاديا عباد الله شَابًّا لَا صبوة لَهُ ثمَّ كهلا لَا كبوة لَهُ ثمَّ شَيخا لَا هفوة لَهُ أَلَيْسَ دموع أُلُوف من الْمُسلمين كل مجْلِس بِذكرِهِ كَانَت تتبرج وَقُلُوبهمْ بتأثير وعظة كَانَت تتوهج ترى أَن الْمَلَائِكَة لم يؤمروا باستقباله والأنبياء وَالصديقين لم يستبشروا بقدومه عَلَيْهِم وإقباله قلت وَلما انْقَلب إِلَى رَحْمَة الله كثرت فِيهِ الْمرَائِي والأشعار وَكَانَت حَاله كَمَا قيل (لقد حسنت فِيك المراثي وَذكرهَا ... كَمَا حسنت من قبل فِيك المدائح) وَمن أحسن مَا قيل فِيهِ مَا كتبته بهراة فِي مرثيته للْإِمَام جمال الْإِسْلَام أبي الْحسن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الداوودي البوشنجي حَيْثُ يَقُول (أودى الإِمَام الحبر إِسْمَاعِيل ... لهفي عَلَيْهِ فَلَيْسَ مِنْهُ بديل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 (بَكت السما وَالْأَرْض يَوْم وَفَاته ... وَبكى عَلَيْهِ الْوَحْي والتنزيل) (وَالشَّمْس وَالْقَمَر الْمُنِير تناوحا ... حزنا عَلَيْهِ وللنجوم عويل) (وَالْأَرْض خاشعة تبْكي شجوها ... ويلي تولول أَيْن إِسْمَاعِيل) (أَيْن الإِمَام الْفَرد فِي آدابه ... مَا إِن لَهُ فِي الْعَالمين عديل) (لَا تخدعنك مني الْحَيَاة فَإِنَّهَا ... تلهي وتنسي والمنى تضليل) (وتأهبن للْمَوْت قبل نُزُوله ... فالموت حتم والبقاء قَلِيل) هَذَا كَلَام عبد الغافر وَقد اشْتَمَل من تَرْجَمَة شيخ الْإِسْلَام على مَا فِيهِ مقنع وبلاغ ذكره أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَيْضا وَأَطْنَبَ فِي وَصفه وَقَالَ زرت قَبره مَا لَا أحصيه كَثْرَة وَرَأَيْت أثر الْإِجَابَة لكل دُعَاء دَعوته ثمَّ وَذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كتاب الأمالي وَقَالَ نشر الْعلم إملاء وتصنيفا وتذكيرا واستفاد مِنْهُ النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم قلت وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ مجمعا على دينه وسيادته وَعلمه لَا يخْتَلف عَلَيْهِ أحد من الْفرق وَقد حدث عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ من أقرانه وَقَالَ فِيهِ إِنَّه إِمَام الْمُسلمين حَقًا وَشَيخ الْإِسْلَام صدقا وَأهل عصره كلهم مذعنون لعلو شَأْنه فِي الدّين والسيادة وَحسن الِاعْتِقَاد وَكَثْرَة الْعلم وَلُزُوم طَريقَة السّلف وَقَالَ أَبُو عبد الله الْمَالِكِي أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي مِمَّن شهِدت لَهُ أَعْيَان الرِّجَال بالكمال فِي الْحِفْظ وَالتَّفْسِير وَغَيرهمَا حدث عَن زَاهِر بن أَحْمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 السَّرخسِيّ وَأبي سعيد عبد الله بن مُحَمَّد الرَّازِيّ وَالْحسن بن أَحْمد المخلدي وَأبي بكر ابْن مهْرَان المقرىء وَأبي طَاهِر بن خُزَيْمَة وَأبي الْحُسَيْن الْخفاف وَعبد الرَّحْمَن بن أبي شريخ وَالْحَاكِم أبي عبد الله الْحَافِظ وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله الجوزقي وَغَيرهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَسمع مِنْهُ عَالم لَا يُحصونَ قلت مِنْهُم عبد الْعَزِيز الكتاني وَعلي بن الْحسن بن صصرى وَأَبُو الْقَاسِم المصِّيصِي وَنصر الله الخشنامي وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَخلق آخِرهم أَبُو عبد الله الفراوي وَتقدم فِي كَلَام عبد الغافر أَنه توفّي لأَرْبَع لَيَال مضين من الْمحرم سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَلَو لم يكن فِي تَرْجَمَة هَذَا الرجل إِلَّا مَا حكيناه من قَول الْبَيْهَقِيّ فِيهِ إِنَّه إِمَام الْمُسلمين حَقًا وَشَيخ الْإِسْلَام صدقا لكفى فِي الدّلَالَة على علو شَأْنه فَمَا ظَنك بِمَا تقدم من كَلَام أَئِمَّة عصره وَبِه قَالَ زين الْإِسْلَام وَكتبه من طوس وزين الْإِسْلَام الْمشَار إِلَيْهِ لَيْسَ هُوَ فِيمَا أَظن بالغزالي فَإِن الْغَزالِيّ لم يكن ولد هَذَا الزَّمَان وَيبعد أَن يكون كتب كتابا للتعزية فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 مَعَ وَفَاته قبل ميلاده وَلَعَلَّه أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي كَانَ بنيسابور فَإِنَّهُ كَانَ وَقت وَفَاة أبي عُثْمَان كَانَ بطوس وَلَيْسَ بِبَعِيد وَالله أعلم وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي من فضائله نظم الشّعْر على مَا يَلِيق بالعلماء وَمن غير مُبَالغَة فِي تعمق يلْحقهُ بالمنهي وَقد أنْشد لَهُ الثعالبي فِي تَتِمَّة الْيَتِيمَة (إِذا لم أصب أَمْوَالكُم ونوالكم ... وَلم أنل الْمَعْرُوف مِنْكُم وَلَا البرا) (وكنتم عبيدا للَّذي أَنا عَبده ... فَمن أجل مَاذَا أتعب الْبدن الحرا) وَهَذِه وَصيته وَقد وجدت بهَا بِدِمَشْق عِنْد دُخُوله إِلَيْهَا حَاجا هَذَا مَا أوصى بِهِ إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي الْوَاعِظ غير المتعظ الموقظ غير المتيقظ الْآمِر غير المؤتمر الزاجر غير المنزجر المتعلم الْمُعْتَرف الْمُنْذر الْمخوف المخلط المفرط المسرف المقترف للسيئات المغترف الواثق مَعَ ذَلِك برحمة ربه الراجي لمغفرته الْمُحب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشيعته الدَّاعِي النَّاس إِلَى التَّمَسُّك بسنته وشريعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصى وَهُوَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ إِلَهًا وَاحِدًا أحدا فَردا صمدا لم يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا وَلم يُشْرك فِي حكمه أحدا الأول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن الْحَيّ القيوم الْبَاقِي بعد فنَاء خلقه المطلع على عباده الْعَالم بخفيات الغيوب الْخَبِير بضمائر الْقُلُوب المبدىء المعيد الغفور الْوَدُود ذُو الْعَرْش الْمجِيد الفعال لما يُرِيد {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} هُوَ مَوْلَانَا فَنعم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 الْمولى وَنعم النصير يشْهد بذلك كُله مَعَ الشَّاهِدين مقرا بِلِسَانِهِ عَن صِحَة اعْتِقَاد وَصدق يَقِين ويتحملها عَن المنكرين الجاحدين ويعدها ليَوْم الدّين {يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} {يَوْم لَا يُغني مولى عَن مولى شَيْئا وَلَا هم ينْصرُونَ إِلَّا من رحم الله إِنَّه هُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم} وَيشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ وَيشْهد أَن الْجنَّة حق وَجُمْلَة مَا أعد الله تبَارك وَتَعَالَى فِيهَا لأوليائه حق وَيسْأل مَوْلَاهُ الْكَرِيم جلّ جَلَاله أَن يَجْعَلهَا مَأْوَاه ومثواه فضلا مِنْهُ وكرما وَيشْهد أَن النَّار وَمَا أعد الله فِيهَا لأعدائه حق وَيسْأل الله مَوْلَاهُ أَن يجيره مِنْهَا ويزحزحه عَنْهَا ويجعله من الفائزين قَالَ الله عز وَجل {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور} وَيشْهد أَن صلَاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أَمر وَهُوَ من الْمُسلمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَأَنه رَضِي بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا على ذَلِك يحيي وَعَلِيهِ يَمُوت إِن شَاءَ الله عز وَجل وَيشْهد أَن الْمَلَائِكَة حق وَأَن النَّبِيين حق وَأَن السَّاعَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور وَيشْهد أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قدر الْخَيْر وَأمر بِهِ ورضيه وأحبه وَأَرَادَ كَونه من فَاعله ووعد حسن الثَّوَاب على فعله وَقدر الشَّرّ وزجر عَنهُ وَلم يرضه وَلم يُحِبهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 وَأَرَادَ كَونه من مرتكبه غير رَاض بِهِ وَلَا محب لَهُ تَعَالَى رَبنَا عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا وتقدس أَن يَأْمر بالمعصية أَو يُحِبهَا ويرضاها وَجل أَن يقدر العَبْد على فعل شَيْء لم يقدره عَلَيْهِ أَو يحدث من العَبْد مَا لَا يُريدهُ وَلَا يشاؤه وَيشْهد أَن الْقُرْآن كتاب الله وَكَلَامه ووحيه وتنزيله غير مَخْلُوق وَهُوَ الَّذِي فِي الْمَصَاحِف مَكْتُوب وبالألسنة مقروء وَفِي الصُّدُور مَحْفُوظ وبالآذان مسموع قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} وَقَالَ {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} وَقَالَ {إِن الَّذين يَتلون كتاب الله} وَقَالَ {إِن هُوَ إِلَّا ذكر وَقُرْآن مُبين} وَيشْهد أَن الْإِيمَان تَصْدِيق بِالْقَلْبِ بِمَا أَمر الله أَن يصدق بِهِ وَإِقْرَار بِاللِّسَانِ بِمَا أَمر الله أَن يقر بِهِ وَعمل بالجوارح بِمَا أَمر الله أَن يعْمل بِهِ وانزجار عَمَّا زجر عَنهُ من كسب قلب وَقَول لِسَان وَعمل جوارح وأركان وَيشْهد أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مستو على عَرْشه اسْتَوَى عَلَيْهِ كَمَا بَينه فِي كِتَابه فِي قَوْله تَعَالَى {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} وَقَوله {اسْتَوَى على الْعَرْش الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا} فِي آيَات أخر وَالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا ذكره فِيمَا نقل عَنهُ من غير أَن يكيف استواءه عَلَيْهِ أَو يَجعله لفعله وفهمه أَو وهمه سَبِيلا إِلَى إِثْبَات كيفيته إِذْ الْكَيْفِيَّة عَن صِفَات رَبنَا منفية قَالَ إِمَام الْمُسلمين فِي عصره أَبُو عبد الله مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي جَوَاب من سَأَلَهُ عَن كَيْفيَّة الاسْتوَاء الاسْتوَاء مَعْلُوم والكيف مَجْهُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وأظنك زنديقا أَخْرجُوهُ من الْمَسْجِد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 وَيشْهد أَن الله تَعَالَى مَوْصُوف بِصِفَات العلى الَّتِي وصف بهَا نَفسه فِي كِتَابه وعَلى لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا لَا يَنْفِي شَيْئا مِنْهَا وَلَا يعْتَقد شبها لَهُ بِصِفَات خلقه بل يَقُول إِن صِفَاته لَا تشبه صِفَات المربوبين كَمَا لَا تشبه ذَاته ذَوَات الْمُحدثين تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول المعطلة والمشبهة علوا كَبِيرا ويسلك فِي الْآيَات الَّتِي وَردت فِي ذكر صِفَات البارىء جلّ جَلَاله وَالْأَخْبَار الَّتِي صحت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَابهَا كآيات مَجِيء الرب يَوْم الْقِيَامَة وإتيان الله فِي ظلل من الْغَمَام وَخلق آدم بِيَدِهِ واستوائه على عَرْشه وكأخبار نُزُوله كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا والضحك والنجوى وَوضع الكنف على من يناجيه يَوْم الْقِيَامَة وَغَيرهَا مَسْلَك السّلف الصَّالح وأئمة الدّين من قبُولهَا وروايتها على وَجههَا بعد صِحَة سندها وإيرادها على ظَاهرهَا والتصديق بهَا وَالتَّسْلِيم لَهَا واتقاء اعْتِقَاد التكييف والتشبيه فِيهَا وَاجْتنَاب مَا يُؤَدِّي إِلَى القَوْل بردهَا وَترك قبُولهَا أَو تحريفها بِتَأْوِيل يستنكر وَلم ينزل الله بِهِ سُلْطَانا وَلم يجر بِهِ للصحابة وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَف الصَّالِحين لِسَان وَينْهى فِي الْجُمْلَة عَن الْخَوْض فِي الْكَلَام والتعمق فِيهِ وَفِي الِاشْتِغَال بِمَا كره السّلف رَحِمهم الله الِاشْتِغَال بِهِ ونهوا وزجروا عَنهُ فَإِن الْجِدَال فِيهِ والتعمق فِي دقائقه والتخبط فِي ظلماته كل ذَلِك يفْسد الْقلب وَيسْقط مِنْهُ هَيْبَة الرب جلّ جَلَاله ويوقع الشّبَه الْكَبِيرَة فِيهِ ويسلب الْبركَة فِي الْحَال وَيهْدِي إِلَى الْبَاطِل والمحال وَالْخُصُومَة فِي الدّين والجدال وَكَثْرَة القيل والقال فِي الرب ذِي الْجلَال الْكَبِير المتعال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا وَالْحَمْد لله على مَا هدَانَا من دينه وَسنة نبيه صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ حمدا كثيرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 وَيشْهد أَن الْقِيَامَة حق وكل مَا ورد بِهِ الْكتاب وَالْأَخْبَار الصِّحَاح من أشراطها وأهوالها وَمَا وعدنا بِهِ وأوعدنا بِهِ فِيهَا فَهُوَ حق نؤمن بِهِ ونصدق الله سُبْحَانَهُ وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أخبر بِهِ عَنهُ كالحوض وَالْمِيزَان والصراط وَقِرَاءَة الْكتب والحساب وَالسُّؤَال وَالْعرض وَالْوُقُوف والصدر عَن الْمَحْشَر إِلَى جنَّة أَو إِلَى نَار مَعَ الشَّفَاعَة الموعودة لأهل التَّوْحِيد وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مُبين فِي الْكتاب ومدون فِي الْكتب الجامعة لصحاح الْأَخْبَار وَيشْهد بذلك كُله فِي الشَّاهِدين ويستعين بِاللَّه تبَارك وَتَعَالَى فِي الثَّبَات على هَذِه الشَّهَادَات إِلَى الْمَمَات حَتَّى يتوفى عَلَيْهَا فِي جملَة الْمُسلمين الْمُؤمنِينَ الموقنين الْمُوَحِّدين وَيشْهد أَن الله تبَارك وَتَعَالَى يمن على أوليائه بِوُجُوه ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة ويرونه عيَانًا فِي دَار الْبَقَاء لَا يضارون فِي رُؤْيَته وَلَا يمارون وَلَا يضامون وَيسْأل الله تبَارك وَتَعَالَى أَن يَجْعَل وَجهه من تِلْكَ الْوُجُوه ويقيه كل بلَاء وَسُوء ومكروه ويبلغه كل مَا يؤمله من فَضله ويرجوه بمنه وَيشْهد أَن خير النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر الصّديق ثمَّ عمر الْفَارُوق ثمَّ عُثْمَان بن عَفَّان ثمَّ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ويترحم على جَمِيع الصَّحَابَة ويتولاهم ويستغفر لَهُم وَكَذَلِكَ ذُريَّته وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَيسْأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يَجعله مَعَهم ويرجو أَن يَفْعَله بِهِ فَإِنَّهُ قد صَحَّ عِنْده من طرق شَتَّى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْمَرْء مَعَ من أحب) ويوصي إِلَى من يخلفه من ولد وَأَخ وَأهل وَقَرِيب وصديق وَجَمِيع من يقبل وَصيته من الْمُسلمين عَامَّة أَن يشْهدُوا بِجَمِيعِ مَا شهد بِهِ وَأَن يتقوا الله حق تُقَاته وَألا يموتوا إِلَّا وهم مُسلمُونَ {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 ويوصيهم بصلاح ذَات الْبَين وصلَة الْأَرْحَام وَالْإِحْسَان إِلَى الْجِيرَان والأقارب والإخوان وَمَعْرِفَة حق الأكابر وَالرَّحْمَة على الأصاغر وينهاهم عَن التدابر والتباغض والتقاطع والتحاسد وَيَأْمُرهُمْ أَن يَكُونُوا إخْوَانًا على الْخيرَات أعوانا وَأَن يعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا يتفرقوا ويتبعوا الْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ عُلَمَاء الْأمة وأئمة الْملَّة كمالك بن أنس وَالشَّافِعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَيحيى بن يحيى وَغَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين وعلماء الدّين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَجمع بَيْننَا وَبينهمْ فِي ظلّ طُوبَى ومستراح العابدين أوصى بِهَذَا كُله إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي إِلَى أَوْلَاده وَأَهله وَأَصْحَابه ومختلفة مجالسه وَأوصى أَنه إِذا نزلت بِهِ الْمنية الَّتِي لَا شكّ أَنَّهَا نازلة وَالله يسْأَل خير ذَلِك الْيَوْم الَّذِي تنزل الْمنية بِهِ فِيهِ وَخير تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي تنزل بِهِ فِيهِ وَخير تِلْكَ السَّاعَة وَخير مَا قبلهَا وَخير مَا بعْدهَا أَن يلبس لباسا طيبا حسنا طَاهِرا نقيا وَيُوضَع على رَأسه الْعِمَامَة الَّتِي كَانَ يشدها فِي حَال حَيَاته وضعا على الْهَيْئَة الَّتِي كَانَ يَضَعهَا على رَأسه أَيَّام حَيَاته وَيُوضَع الرِّدَاء على عَاتِقيهِ ويضجع مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ موجها إِلَى الْقبْلَة وتجلس أَوْلَاده عِنْد رَأسه ويضعوا الْمَصَاحِف على حجورهم ويقرءوا الْقُرْآن جَهرا وحرج عَلَيْهِم أَلا يمكنوا امْرَأَة لَا قرَابَة بَينه وَبَينهَا وَلَا نسب وَلَا سَبَب من طَرِيق الزَّوْجِيَّة تقرب من مضجعه تِلْكَ السَّاعَة أَو تدخل بَيْتا يكون فِيهِ وَكَذَلِكَ يحرج عَلَيْهِم أَن يأذنوا لأحد من الرِّجَال فِي الدُّخُول عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّاعَة بل يأمرون الْأَخ والأحباب وَغَيرهم أَن يجلسوا فِي الْمدرسَة وَلَا يدخلُوا الدَّار وليساعدوا الْأَصْحَاب فِي قِرَاءَة الْقُرْآن وإمداده بِالدُّعَاءِ فَلَعَلَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يهون عَلَيْهِ سَكَرَات الْمَوْت ويسهل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 لَهُ اقتحام عقبَة الْمَوْت على الْإِسْلَام وَالسّنة فِي سَلامَة وعافية وَأوصى إِذا قضى نحبه وَأجَاب ربه وَفَارَقت روحه جسده أَن يشد ذقنه وَتغمضُ عَيناهُ وتمد أعضاؤه ويسجى بِثَوْب وَلَا يكْشف عَن وَجهه لينْظر إِلَيْهِ إِلَّا أَن يَأْتِيهِ غاسله فيحمله إِلَى مغتسله جعل الله ذَلِك الْحمل مُبَارَكًا عَلَيْهِ وَنظر بِعَين الرَّحْمَة إِلَيْهِ وَغفر لَهُ مَا قدمه من الْأَعْمَال السَّيئَة بَين يَدَيْهِ وَأوصى أَلا يناح عَلَيْهِ وَأَن يمْنَع أولياؤه وأقرباؤه وأحباؤه وَجَمِيع النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء أنفسهم عَن الشق وَالْحلق والتخريق للثياب والتمزيق وَألا يبكوا عَلَيْهِ إِلَّا بكاء حزن قلب ودموع عين لَا يقدرُونَ على ردهما ودفعهما وَأما دُعَاء بويل ورن شَيْطَان وخمش وُجُوه وَحلق شعر ونتفه وتخريق ثوب وتمزيقه وفتقه فَلَا وَهُوَ بَرِيء مِمَّن فعل شَيْئا من ذَلِك كَمَا برىء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم وَأوصى أَن يعجل تَجْهِيزه وغسله وتكفينه وَحمله إِلَى حفرته وَلَا يحبس وَلَا يبطأ بِهِ وَإِن مَاتَ ضحوة النَّهَار أَو وَقت الزَّوَال أَو بكرَة فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر تَجْهِيزه إِلَى الْغَد وَلَا يتْرك مَيتا بَين أَهله بِاللَّيْلِ أصلا بل يعجل أمره فينقل إِلَى حفرته نقلا بعد أَن يغسل وترا وَيجْعَل فِي آخر غسله من غسلاته كافور ويكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة إِن وجدت فَإِن لم تُوجد سحُولِيَّة كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة ويجمر كَفنه وترا لَا شفعا قبل أَن يلف عَلَيْهِ ويسرع بالسير بجنازته كَمَا أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحمل للصَّلَاة عَلَيْهِ إِلَى ميدان الْحُسَيْن وَيُصلي عَلَيْهِ وَلَده أَبُو نصر إِن كَانَ حَاضرا فَإِن عجز عَن الْقيام بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَأمر الصَّلَاة عَلَيْهِ إِلَى أَخِيه أبي يعلى ثمَّ يرد إِلَى الْمدرسَة فيدفن فِيهَا بَين يَدي وَالِده الشَّهِيد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ويلحد لَهُ لحد وَينصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 وَلَا يشق لَهُ شقّ وَلَا يتَّخذ لَهُ تَابُوت أصلا وَلَا يوضع فِي التابوت للْحَمْل إِلَى الْمصلى وليوضع على الْجِنَازَة ملفوفا فِي الْكَفَن مسجى بِثَوْب أَبيض لَيْسَ فِيهِ إبريسم بِحَال وَلَا يطين قَبره وَلَا يجصص ويرش عَلَيْهِ المَاء وَيُوضَع عَلَيْهِ الْحَصَا وَيمْكث عِنْد قَبره مِقْدَار مَا ينْحَر جزور وَيقسم لَحْمه حَتَّى يعلم مَا يُرَاجع بِهِ رسل ربه جلّ وَعلا وَيسْأل الله تَعَالَى على رَأس قَبره لَهُ التثبيت الْمَوْعُود لجملة الْمُؤمنِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} ويستغفر لَهُ ولوالديه وَلِجَمِيعِ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات وَلَا ينسى بل يذكر بِالدُّعَاءِ فَإِن الْمُؤمن إِذا قبر كَانَ كالغريق المغتوت ينْتَظر دَعْوَة صَالِحَة تلْحقهُ وَلَا يُمكن أحد من الْجَوَارِي والنسوان أَن يكشفن رءوسهن وَأَن يندبنه فِي ذَلِك الْوَقْت بل يشْتَغل الْكل بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَار لَعَلَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يهون عَلَيْهِ الْأَمر فِي ذَلِك الْوَقْت وييسر خُرُوج مُنكر وَنَكِير من قَبره على الرِّضَا مِنْهُ وينصرفان عَنهُ وَقد قَالَا لَهُ نم نومَة الْعَرُوس فَلَا روعة عَلَيْك ويفتحان فِي قَبره بَابا من الْجنَّة فضلا من الله ومنة فيفوز فوزا عَظِيما ويحوز ثَوابًا كَرِيمًا ويلقى روحا وريحانا وَربا كَرِيمًا رحِيما آخر الْوَصِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 368 - إِسْمَاعِيل بن عبد القاهر بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْإِسْمَاعِيلِيّ أَبُو سعد الأطروش من أهل جرجان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ وافر الْعلم والزهد درس الْقُرْآن وَالْفِقْه وَكَانَ مُجْتَهدا فِي الطَّاعَة ثِقَة صَدُوقًا أصيلا مَأْمُونا سمع أَبَا الْحَارِث مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الأسواني وَعبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي وَغَيرهمَا قَالَ وَتُوفِّي بعد سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 369 - إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن الْمثنى أَبُو سعد الإستراباذي الْوَاعِظ الصُّوفِي الْعَنْبَري قدم نيسابور قَدِيما وَبنى بهَا مدرسة لأَصْحَاب الشَّافِعِي تنْسب إِلَيْهِ وروى عَن أَبِيه وَعَن عَليّ بن الْحسن بن حيوية روى عَنهُ أَحْمد بن أبي جَعْفَر القَاضِي وَأَبُو بكر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ وَأحمد الموسياباذي وَغَيرهم الحديث: 368 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 مَاتَ فِي حُدُود سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة 370 - إِسْمَاعِيل بن الْفضل أَبُو مُحَمَّد الفضيلي وَالِد الإِمَام أبي عَاصِم الصَّغِير الْهَرَوِيّ ذكره أَبُو النَّصْر عبد الرَّحْمَن الْهَرَوِيّ فِي تَارِيخه فَقَالَ هُوَ الْفَحْل المقرم وَالْإِمَام الْمُقدم فِي فنون الْفضل وأنواع الْعلم توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة والفضيلي بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي آخرهَا اللَّام نِسْبَة إِلَى الفضيل اسْم جده وَالله تَعَالَى أعلم 371 - إِسْمَاعِيل بن مسْعدَة بن إِسْمَاعِيل بن الإِمَام أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم ابْن إِسْمَاعِيل الْإِسْمَاعِيلِيّ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم من أهل جرجان من بَيت الْعلم وَالْفضل والرياسة الحديث: 370 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 كَانَ صَدرا رَئِيسا وعالما كَبِيرا يعظ ويملي على فهم ودراية وديانة جيد الْفِقْه مليح الْوَعْظ وَالنّظم والنثر ولد سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة وَقيل سنة سِتّ بجرجان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَالْأول أشبه سمع أَبَاهُ وَعَمه الْمفضل وَحَمْزَة السَّهْمِي وَالْقَاضِي أَبَا بكر مُحَمَّد بن يُوسُف الشالنجي وَأحمد بن إِسْمَاعِيل الرباطي وَجَمَاعَة وَالْقَاضِي أَبَا عمر البسطامي وخلقا وروى عَنهُ زَاهِر ووجيه ابْنا الشحامي وَإِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو مَنْصُور ابْن حمدون وَأَبُو الْبَدْر الْكَرْخِي وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ فِيهِ أوحد عصره وفريد وقته فِي الْفِقْه وَالْأَدب والورع والزهد سمع جواد مراع لحقوق الْفُضَلَاء والغرباء والواردين أَخذ الْفِقْه عَن عَمه أبي الْعَلَاء وَأبي نصر الشعيري وَله شعر وَترسل وَحسن خطّ وَإِلَيْهِ الْيَوْم الدَّرْس وَالْفَتْوَى والإملاء انْتهى وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَافر الْبِلَاد ودخلها وروى الحَدِيث بهَا مثل نيسابور والري وأصبهان وَدخل بَغْدَاد حَاجا وَحدث بالكامل لِابْنِ عدي وتاريخ جرجان وَغَيرهمَا انْتهى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 وَلما دخل أَبُو الْقَاسِم هَذَا بَغْدَاد دخل عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ مُسلما فَقَامَ إِلَيْهِ واستقبله وَقَالَ لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنا أَشد فَرحا بدخولي مَدِينَة السَّلَام أَو رُؤْيَة الشَّيْخ الإِمَام فَاسْتحْسن أهل بَغْدَاد قَوْله توفّي بجرجان سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 372 - باي بن جَعْفَر بن باي أَبُو مَنْصُور الجيلي وباي بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَآخِرهَا آخر الْحُرُوف مُشَدّدَة وَوهم من زَعمه بباءين أَو بباء مَفْتُوحَة بدل آخر الْحُرُوف تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد وَكَانَ من مدرسي أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد وَحكى أَنه لما آن أَن يجلس فِي الْحلقَة قيل للخليفة كَيفَ تُعْطى الْحلقَة من اسْمه هَذَا فَغَيره وصيره عبد الله قَالَ الْخَطِيب سمع الحَدِيث من أبي الْحسن بن الجندي بِضَم الْجِيم وَأبي الْقَاسِم الصيدلاني وَغَيرهمَا قَالَ وكتبنا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة مَاتَ فِي أول محرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 372 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 373 - بديل بن عَليّ بن بديل بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الدَّال ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ لَام البرزندي وبرزند بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا رَاء سَاكِنة ثمَّ زَاي ثمَّ نون ثمَّ دَال كنيته أَبُو مُحَمَّد وَيُقَال أَبُو الْقَاسِم وَأَبُو عبد الله تفقه بِبَغْدَاد وَسمع القَاضِي أَبَا الطّيب وَالْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَأَبا الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَغَيرهم روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو الْعِزّ بن كادش وَجَمَاعَة مَاتَ سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَالله تَعَالَى أعلم 374 - جَعْفَر بن باي أَبُو مُسلم الجيلي أحد أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد وَهُوَ وَالِد الشَّيْخ أبي مَنْصُور الْمُتَقَدّم سمع الحَدِيث من أبي بكر المقرىء وَابْن بطة العكبري الحديث: 373 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 روى عَنهُ الْخَطِيب وَقَالَ مَاتَ سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة بقرية بزيذي بباء مُوَحدَة ثمَّ زَاي مَكْسُورَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة ثمَّ ذال مُعْجمَة 375 - جَعْفَر بن الْقَاسِم بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد بن الْعَبَّاس بن عبد الْوَاحِد ابْن جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس القَاضِي أَبُو مُحَمَّد بن القَاضِي أبي عمر بن القَاضِي أبي الْقَاسِم قَالَ الشَّيْخ ولد سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَمَات سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة بعد موت أَبِيه بِسنة وتفقه على أبي الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ وَكَانَ ظريفا عفيفا أديبا فَقِيها جَامعا للمحاسن وَله ديوَان شعر قيل إِنَّه غسله قبل مَوته الحديث: 375 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 376 - جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عُثْمَان والفقيه أَبُو الْخَيْر الْمروزِي قدم معرة النُّعْمَان فِي سنة ثَمَانِي عشرَة وَأَرْبَعمِائَة واستوطنها ودرس بهَا وَحمل عَنهُ أَهلهَا الْفِقْه وصنف فِي الْمَذْهَب كتابا سَمَّاهُ الذَّخِيرَة لم أَقف عَلَيْهِ إِنَّمَا الْمَشْهُور ذخيرة الْبَنْدَنِيجِيّ توفّي أَبُو الْخَيْر سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 377 - حسان بن سعيد بن حسان بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن منيع بن خَالِد بن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي الرئيس أَبُو عَليّ المنيعي الحاجي أما المنيعي فنسبة إِلَى جده منيع بن خَالِد وَأما الحاجي فلغة الْعَجم فِي النِّسْبَة إِلَى من حج يَقُولُونَ للْحَاج إِلَى بَيت الله الْحَرَام حاجي وَأَبُو عَليّ هَذَا هُوَ وَاقِف الْجَامِع المنيعي بنيسابور الَّذِي كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ خَطِيبه وَقَبله أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي شيخ الْإِسْلَام وَكَانَ الرئيس أَبُو عَليّ من أهل مرو الروذ وَكَانَ فِي أول أمره تَاجِرًا إِلَى أَن نما مَاله وتزايدت النعم عَلَيْهِ وعلت مَنْزِلَته وَصَارَ مشارا إِلَيْهِ عِنْد السلاطين الحديث: 376 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 وَفقه الله تَعَالَى فحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام ثمَّ عَاد وَأنْفق أَمْوَالًا جزيلة فِي بِنَاء الْمَسَاجِد والربط وتنوع فِي الْمَعْرُوف وَبنى جَامعا بمرو الروذ تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة قَالَ عبد الغافر عَم الْآفَاق بخيره وبره وَكَانَ يدْخل نيسابور فِي أَوَائِل أمره ويعامل أَهلهَا فَلَمَّا رأى اضْطِرَاب الْأُمُور وتزايد التعصب من الْفَرِيقَيْنِ قبل أَن يجلس السُّلْطَان ألب أرسلان على سَرِير ملكه ويزين وَجه الْآفَاق بطلعة نظام ملكه انْقَطع حَتَّى انْقَطَعت مَادَّة الْأَهْوَاء وطوي بِسَاط العصبية بذب نظام الْملك عَن حَرِيم الْملَّة الحنيفية ومساعدة السُّلْطَان الَّذِي هُوَ سُلْطَان الْوَقْت المذعن إِلَى الْخَيْر المنقاد إِلَى الْمَعْرُوف ألب أرسلان وَعند ذَلِك سَأَلَ الرئيس أَبُو عَليّ السُّلْطَان والوزير فِي بِنَاء الْجَامِع المنيعي بنيسابور فَأُجِيب إِلَى مَسْأَلته فَعمد إِلَى خَالص مَاله وَأنْفق فِي بنائِهِ الْأَمْوَال الجزيلة وَكَانَ لَا يفتر آونة من ليل وَلَا سَاعَة من نَهَار مَخَافَة تغير الْأُمُور واضطراب الآراء إِلَى أَن تمّ وأقيمت الْجُمُعَة فِيهِ وَصَارَ جَامع الْبَلَد الْمَشْهُور وَهُوَ الَّذِي كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ خَطِيبه قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ بَلغنِي أَن عجوزا جَاءَتْهُ وَهُوَ يَبْنِي جَامع نيسابور وَمَعَهَا ثوب يُسَاوِي نصف دِينَار وَقَالَت سَمِعت أَنَّك تبني الْجَامِع فَأَرَدْت أَن يكون لي فِي النَّفَقَة الْمُبَارَكَة أثر فَدَعَا خازنه واستحضر ألف دِينَار وَاشْترى بهَا مِنْهَا الثَّوْب وَسلم الْمبلغ إِلَيْهَا ثمَّ قبض مِنْهَا الخازن ثمَّ قَالَ لَهُ أنْفق هَذِه الْألف مِنْهَا فِي بِنَاء الْمَسْجِد وَقَالَ احفظ هَذَا الثَّوْب لكفني ألْقى الله فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 وَكَانَ أَبُو عَليّ على قدم عَظِيم من الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة والتواضع وَالْبر وَكَثْرَة الصَّدقَات وَالصَّلَاة يقوم اللَّيْل ويصوم النَّهَار ويلبس خشن الثِّيَاب مَعَ كَثْرَة الْأَمْوَال الجزيلة والجاه العريض فِي الدُّنْيَا ونفاذ الْكَلِمَة وَلما وَقع الْقَحْط بِتِلْكَ الْبِلَاد فِي شهور سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة أنْفق أَمْوَالًا عَظِيمَة وَكَانَ ينصب الْقدر وَيفرق أَكثر من ألف من خبْزًا كل يَوْم للْفُقَرَاء أَو ينصب الْقُدُور وَيفرق طَعَاما كثيرا كل ذَلِك غير مَا يتَصَدَّق بِهِ سرا وَكَانَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر والملوك تسْعَى إِلَيْهِ وتحترمه حَتَّى قيل إِن السُّلْطَان ألب أرسلان قَالَ فِي مملكتي من لَا يخافني وَإِنَّمَا يخَاف من الله مُشِيرا إِلَيْهِ وَكَانَ كلما أقبل الشتَاء يتَّخذ الْجبَاب والقمص والسراويلات ويكسو قَرِيبا من ألف فَقير وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ كثير المحاسن وَقد سمع من أبي طَاهِر الزيَادي وَأبي الْقَاسِم بن حبيب وَأبي الْحسن السقا وَجَمَاعَة روى عَنهُ محيى السّنة الْبَغَوِيّ وَأَبُو المظفر عبد الْمُنعم الْقشيرِي ووجيه الشحامي وَغَيرهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي لَو تتبعنا مَا ظهر من آثاره وحسناته لعجزنا توفّي فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرى ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي لقنه القَاضِي الْحُسَيْن مَسْأَلَة ليغالط بهَا فُقَهَاء مرو إِذا قدم عَلَيْهِم وَصورتهَا رجل غصب حِنْطَة فِي زمن الغلاء وَفِي زمن الرُّخص طَالبه الْمَالِك فَهَل يُطَالب بِالْمثلِ أَو الْقيمَة فَمن قَالَ إِنَّه يُطَالب بِالْمثلِ فَقَط غلط وَمن قَالَ يُطَالب بِالْقيمَةِ غلط لِأَن فِي الْمَسْأَلَة تَفْصِيلًا إِذا تلفت الْحِنْطَة فِي يَده كَمَا هِيَ قبل الطَّحْن كَمَا إِذا احترقت وَجب الْمثل وَإِن طحن وعجن وخبز وَأكل فَعَلَيهِ الْقيمَة لِأَن الطَّحْن والعجن وَالْخبْز من ذَوَات الْقيم وَقد نقل ذَلِك أَبُو سعد الْهَرَوِيّ فِي الإشراف والرافعي فِي الشَّرْح 378 - الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن اللَّيْث الْحَافِظ أَبُو عَليّ الْكشِّي ثمَّ الشِّيرَازِيّ سمع بِبَغْدَاد من إِسْمَاعِيل الصفار وَعبد الله بن درسْتوَيْه الحديث: 378 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 وبنيسابور من الْأَصَم وَابْن الأخرم الشَّيْبَانِيّ وبفارس من الْحسن بن عبد الرَّحْمَن الرامَهُرْمُزِي سمع مِنْهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَقَالَ هُوَ مقدم فِي معرفَة الْقرَاءَات حَافظ للْحَدِيث رحال قدم علينا أَيَّام الْأَصَم ثمَّ قدم علينا سنة ثَلَاث وَخمسين وَسمع مِنْهُ أَيْضا أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ وَغير وَاحِد ورحل إِلَى هراة وَمَعَهُ ابناه اللَّيْث وَأَبُو بكر فَسَمِعُوا بهَا الحَدِيث من أبي الْفضل بن خميرويه توفّي فِي شعْبَان سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة 379 - الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد الحديث: 379 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 380 - الْحسن بن الْحُسَيْن بن حمكان أَبُو عَليّ الهمذاني صَاحب أبي حَامِد المروروذي قَالَ الشَّيْخ سكن بَغْدَاد ودرس بهَا قلت روى عَن أبي بكر النقاش وَغَيره من خلائق يطول تعدادهم وروى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم الْأَزْهَرِي وَكَانَ يُضعفهُ فِي الحَدِيث وَله كتاب فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ توفّي فِي سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة 381 - الْحسن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رامين القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الإستراباذي نزيل بَغْدَاد حدث عَن ابْن عدي ويوسف بن الْقَاسِم الميانجي وَخلف بن مُحَمَّد الْخيام وَأبي بكر الْقطيعِي وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد وَبشر بن أَحْمد الإسفرايني وَغَيرهم روى عَنهُ الْخَطِيب أَبُو بكر الْحَافِظ وَعبد الْوَاحِد بن علوان بن عقيل وطاهر بن أَحْمد الْفَارِسِي نزيل دمشق الحديث: 380 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا فَاضلا صَالحا سَافر الْكثير وَلَقي شُيُوخ الصوفيه وَكَانَ يفهم الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَالْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي مَاتَ سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة 382 - الْحسن بن عبد الله وَقيل عبيد الله مُصَغرًا هُوَ القَاضِي أَبُو عَليّ الْبَنْدَنِيجِيّ صَاحب الذَّخِيرَة وَأحد العظماء من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي حَامِد وَله عَنهُ تعليقة مَشْهُورَة كَانَ فَقِيها عَظِيما غواصا على المشكلات صَالحا ورعا قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب وَقَالَ الْخَطِيب كَانَت لَهُ حَلقَة فِي جَامع الْمَنْصُور للْفَتْوَى وَكَانَ صَالحا دينا ورعا سَمِعت أَبَا عبد الْكَرِيم بن عَليّ القصري يَقُول لم أر فِيمَن صحب أَبَا حَامِد أدين من أبي عَليّ الْبَنْدَنِيجِيّ الحديث: 382 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 قَالَ الْخَطِيب وَخرج بِأخرَة إِلَى البندنيجين فَمَاتَ بهَا فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَالله أعلم وَمن الْفَوَائِد والغرائب عَنهُ حكى فِي الذَّخِيرَة وَجْهَيْن فِيمَن دخل الْمَسْجِد فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة لَا لغَرَض هَل يجوز لَهُ صَلَاة التَّحِيَّة والرافعي وَالْأَكْثَر خصصوا الْوَجْهَيْنِ بِمَا إِذا دخل لغَرَض التَّحِيَّة فَقَط وَقَالُوا الأقيس الْكَرَاهَة فالصور إِذا ثَلَاثَة من دخل لغَرَض مَا من درس أَو اعْتِكَاف أَو غَيرهمَا فيصليهما إِمَّا بِلَا خلاف أَو على الصَّحِيح عِنْد من يثبت الْخلاف فِي هَذِه الصُّورَة وَمن دخل لَا لحَاجَة بل ليُصَلِّي التَّحِيَّة وفيهَا الْوَجْهَانِ فِي الرَّافِعِيّ وَغَيره وَمن دخل لَا لحَاجَة أصلا وَهِي صُورَة الْبَنْدَنِيجِيّ إِلَّا أَن ينزل كَلَامه على مَا صور الرَّافِعِيّ وَالْأَظْهَر عِنْدِي الْعَكْس وَهُوَ أَن ينزل كَلَام الرَّافِعِيّ على كَلَام الْبَنْدَنِيجِيّ وَيُقَال الْوَجْهَانِ فِيمَن دخل لَا لغَرَض غير التَّحِيَّة سَوَاء دخل لغَرَض التَّحِيَّة أم لَا لغَرَض أصلا وَيظْهر عِنْدِي تَرْجِيح الْكَرَاهَة فِيمَن دخل لأجل التَّحِيَّة وَهُوَ مَا صور الرَّافِعِيّ وَرجح وترجيح عدم كَرَاهَة الصَّلَاة فِيمَن دخل لَا لغَرَض أصلا فليبحث عَن ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 نقل الْبَنْدَنِيجِيّ عَن الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب أَن الْمُسَافِر إِذا جمع بَين الظّهْر وَالْعصر تَقْدِيمًا حرم عَلَيْهِ أَن يتَنَفَّل بعد ذَلِك فِي وَقت الظّهْر قَالَ لِأَنَّهَا نَافِلَة بعد الْعَصْر وَلم أره فِي الذَّخِيرَة وَكَأَنَّهُ حَكَاهُ فِي التعليقة وَقد أفتى الشَّيْخ الْعِمَاد بن يُونُس بِخِلَاف ذَلِك وَكَأَنَّهُ لم ير كَلَام الْبَنْدَنِيجِيّ مَعَ أَن الْمَسْأَلَة مُحْتَملَة 383 - الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن عمر بن حَفْص بن زيد النيهي نِسْبَة إِلَى نيه بِكَسْر النُّون وَسُكُون آخر الْحُرُوف وَفِي آخرهَا الْهَاء بَلْدَة صَغِيرَة بَين سجستان وأسفراين هُوَ الْفَقِيه الْجَلِيل أَبُو مُحَمَّد تلميذ القَاضِي الْحُسَيْن وَشَيخ إِبْرَاهِيم المروروذي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل ورع عَارِف بِالْمذهبِ انْتَشَر عَنهُ الْأَصْحَاب سمع الحَدِيث من أستاذه يَعْنِي القَاضِي الْحُسَيْن وَمن أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن الْعَلَاء الْبَغَوِيّ وَغَيرهمَا وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ الرَّافِعِيّ فِي أَوَائِل حد الْقَذْف من كتاب مُوجبَات الضَّمَان وَلَو قَالَ لَهُ يَا مؤاجر فَلَيْسَ بِصَرِيح فِي الْقَذْف بِأَنَّهُ يُؤْتى وَعَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم المروروذي أَنه حكى عَن أستاذه النيهي أَنه قَالَ هُوَ صَرِيح لاعتياد النَّاس الْقَذْف بِهِ انْتهى الحديث: 383 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 وَقد تصحف النيهي فِي نسخ الرَّافِعِيّ بالتيمي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا آخر الْحُرُوف ثمَّ الْمِيم وَإِنَّمَا هُوَ النيهي هَذَا فاضبط ذَلِك والفرح مسطور فِي تعليقة الشَّيْخ إِبْرَاهِيم وَفِيه مقَالَة ثَالِثَة عَن عبد الله أخي الْحسن النيهي فَإِن إِبْرَاهِيم فِي تعليقته ذكر فِي بَاب حد الْقَذْف أَن الْأَصْحَاب قَالُوا إِنَّه كِنَايَة إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا معنى الْإِجَارَة وَالْإِنْسَان قد يُؤَاجر نَفسه لبَعض الْأَعْمَال ثمَّ قَالَ وَقَالَ شيخى الإِمَام الْحسن النيهي هُوَ صَرِيح فِي الْقَذْف لاعتياد النَّاس الْقَذْف بِهِ وَقَالَ أَخُوهُ الشَّيْخ الإِمَام عبد الله يحْتَمل أَن يَجْعَل هَذَا كِنَايَة من الْمُمَيز صَرِيحًا من الْعَاميّ كَقَوْلِه حَلَال الله عَليّ حرَام انْتهى وَذكره القَاضِي الْحُسَيْن فِي التعليقة وَقَالَ إِنَّه صَرِيح لجَرَيَان الْعرف بِالْقَذْفِ بِهِ وَمِنْه فِيمَا أَحسب أَخذ الْحسن النيهي وَحَكَاهُ صَاحب الْعمد فِي بَاب حد الْقَذْف عَن الْقفال فقد بَان أَن الْقفال قَائِل هَذِه الْمقَالة وَمِنْه أَخذهَا تِلْمِيذه القَاضِي الْحُسَيْن وَمِنْه أَخذهَا تِلْمِيذه النيهي وَلَعَلَّ هَذَا فِي بِلَادهمْ أما بِلَادنَا فَلَا عرف لهَذِهِ اللَّفْظَة فِيهَا فالأشبه أَن لَا تجْعَل صَرِيحًا وَلَا كِنَايَة وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 384 - الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق بن الْعَبَّاس الطوسي الْوَزير الْكَبِير الْعَالم الْعَادِل أَبُو عَليّ الملقب نظام الْملك وَزِير غالى الْمُلُوك فِي سَمعتهَا وغالب الضراغم وَكَانَت لَهُ النُّصْرَة مَعَ شدَّة منعتها وضاهى الْخُلَفَاء فِي عطائها وباهى الفراقد فَكَانَ فَوق سمائها ملك طَائِفَة الْفُقَهَاء بإحسانه وسلك فِي سَبِيل الْبر مَعَهم سَبِيلا لم يعْهَد قبل زَمَانه هُوَ أشهر من بنى لَهُم الْمدَارِس وشيد أركانهم ولولاه خيف أَن يكون كالطلال الدارس كَانَ جوادا يخجل لَدَيْهِ كل ذِي جبين وضاح ويتنافس على أريج ثنائه مسك اللَّيْل وكافور الصَّباح طمس ذكر من كُنَّا نسْمع فِي المكارم من الْمُلُوك خَبره وغرس فِي الْقُلُوب شجرات إحسانه المثمرة دولته كلهَا فضل وأيامه جَمِيعهَا عدل وَوَقته وابل بالسماح مغدق ومجلسه بِجَمَاعَة الْعلمَاء صباح مشرق كل يَوْم من أَيَّامه مِقْدَاره ألف سنة وكل معدلة من أَحْكَامه أنامت الْأَنَام فأمن كل واستطاب وسنه لَو هدد الدَّهْر بعدله لما تعدى بصروفه وَلَو عرض نداه فِي كل نَاد من الْخُلَفَاء لعرف من بَينهم بمعروفه الحديث: 384 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 إِن جلس بَين الْعلمَاء جلس وَعَلِيهِ سِيمَا الْوَقار وَله من التأدب مَعَهم مَا شهِدت بِهِ فِي التواريخ الْأَخْبَار يتضاءل بَين الْعلمَاء ويتنازل وَإِن كَانَ منزله أعلا من نجم السَّمَاء خلق أرق من النسيم ومحيا تعرف فِيهِ نَضرة النَّعيم (تنبي طلاقة بشره عَن جوده ... فيكاد يلقى النجح قبل لِقَائِه) (وضياء وَجه لَو تَأمله امْرُؤ ... صادي الجوانح لارتوى من مَائه) وَإِن قعد للمظالم أَقَامَ بِالْكتاب وَالسّنة وأخاف فِي الله ببطشه كل ذِي يَد عَادِية تَغْدُو بعْدهَا النُّفُوس مطمئنة حَتَّى أقرَّت لَهُ بِالْعَدْلِ عُظَمَاء السلاطين واستقرت فِي أَيَّامه بالأمن النَّاس لَا يَخْشونَ نازلة المتعالين وَإِن أَفَاضَ جوده أخجل الْغَمَام وأجزل كل عَطاء جزل لم تره النَّفس إِلَّا فِي آمال الْيَقَظَة أَو أَحْلَام الْمَنَام (لَيْسَ التَّعَجُّب من مواهب مَاله ... بل من سلامتها إِلَى أَوْقَاتهَا) وَإِن ركب الهيجاء لم يكن لَهُ حَاجِب إِلَّا مواضي الصفاح وَلَا طَلِيعَة إِلَّا شهب الأسنة على رُءُوس الرماح (وَلَا كتب إِلَّا المشرفية عِنْده ... وَلَا رسل إِلَّا الْخَمِيس العرمرم) (وَلم يخل من نصر لَهُ من لَهُ يَد ... وَلم يخل من شكر لَهُ من لَهُ فَم) (وَلم يخل من أَسْمَائِهِ عود مِنْبَر ... وَلم يخل دِينَار وَلم يخل دِرْهَم) يرفع لِوَاء الْإِسْلَام وَيسمع نوح الْحمام على أُمَم أنزل بهم الْحمام وَيقوم فيقعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 كل كمى ويرعف أنف كل مشرفي وسمهري (على عاتق الْملك الْأَعَز نجاده ... وَفِي يَد جَبَّار السَّمَوَات قائمه) يُقَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا ويناضل فَلَا يدع فِي حَيّ الْأَعْدَاء حَيا ويبارز حَيْثُ تتأخر الْجِيَاد السنابك ويجاوز فَلَا تسمع إِلَّا من يَقُول وَمَا النَّاس إِلَّا هَالك وَابْن هَالك (فِي جحفل ستر الْعُيُون غباره ... فَكَأَنَّمَا يبصرن بالآذان) (قد سودت روس الْجبَال شُعُورهمْ ... فَكَأَن فِيهِ مسفة الْغرْبَان) (إِن السيوف مَعَ الَّذين قُلُوبهم ... كقلوبهم إِذا التقى الْجَمْعَانِ) (يلقى الحسام على جَرَاءَة حَده ... مثل الجبان بكف كل جبان) أسنة مسنونة وَسنة مسنونة وَأَيَّام بعدله مَأْمُونَة وزمن بالنعماء مشحون وَفَوق الزَّمن السالف إِذا اعْتبرت السنون وَأجل وَكَيف وَفِي ذَلِك فَرد أَمِين ومأمون وكل أحد فِي زمن هَذَا أَمِين ومأمون (فَلَا عقرب إِلَّا بخد مليحة ... وَلَا جور إِلَّا فِي ولَايَة سَاق) وَملك هُوَ نظامه وسلك هُوَ واسطته إِذا عدت أَيَّامه وإفك هُوَ ماحيه إِذا دجى ظلامه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 بَطل شُجَاع وَرجل يخافه على صافناتها الْأَبْطَال وَفَوق سريرها الْمُلُوك وَفِي أجماتها السبَاع مقدم العساكر ومقدامها وَأسد الممالك وضرغامها وَأسد الْأَبْطَال رَأيا وهمامها لَا تضع الْحَرْب عِنْده أَوزَارهَا حَتَّى يضع العصاة أَوزَارهَا وَترجع إِلَى الله تَعَالَى رَجْعَة نفوس لَا تبالي ولى عَنْهَا شيطانها أَوزَارهَا ولد نظام الْملك سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ من أَوْلَاد الدهاقين الَّذين يعْملُونَ فِي الْبَسَاتِين بنواحي طوس فحفظه أَبوهُ الْقُرْآن وشغله فِي التفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي ثمَّ خرج من عِنْد أَبِيه إِلَى غزنة وخدم فِي الدِّيوَان السلطاني ورقت بِهِ الْأَحْوَال سفرا وحضرا وخدم فِي الدَّوَاوِين بخراسان وغزنة واختص بِأبي عَليّ بن شَاذان وَزِير السُّلْطَان ألب رسْلَان فَلَمَّا حانت وَفَاة ابْن شَاذان أوصى ألب أرسلان بِهِ وَذكر لَهُ كفاءته وأمانته فنصبه مَكَانَهُ فِي الوزارة وَلم يزل السعد يَخْدمه والأمور تجْرِي على وفْق مُرَاده وَاتفقَ فِي أَيَّامه من محَاسِن الْأَفْعَال وَنشر الْعدْل وَضبط الْأَحْوَال مَا سَارَتْ بِهِ الركْبَان وتناقلته الْأَلْسِنَة وَصَارَ بَابه محط الرّحال ومنتهى الآمال وَأخذ فِي بِنَاء الْمَسَاجِد والمدارس والرباطات وَفعل أَصْنَاف الْمَعْرُوف بتنوع أقسامه وَاخْتِلَاف أَنْوَاعه واشتدت مَعَ ذَلِك وطأته وعظمت مكانته وتزايدت هيبته إِلَى أَن انْقَضتْ دولة ألب أرسلان فَملك بعده السُّلْطَان الْكَبِير ملكشاه بتدبير نظام الْملك وكفايته فازدادت حرمته وتصاعدت مرتبته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 وَقدم بَغْدَاد مرَارًا مَعَ السُّلْطَان وقوبل من الْخَلِيفَة بنهاية الإجلال والتعظيم وَبنى بِبَغْدَاد مدرسة ورباطا وَتوجه مَعَ السُّلْطَان ملكشاه إِلَى الْغُزَاة بِبِلَاد الرّوم وَفتح عدَّة بِلَاد من ديار بكر وَرَبِيعَة والجزيرة وحلب ومنبج ثمَّ عَاد إِلَى خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَجَرت أُمُوره على السداد نَافِذَة أُمُوره فِي أقطار الأَرْض إِلَيْهِ يرجع النَّاس بأمورهم وَهُوَ الْحَاكِم لَا كلمة لغيره ومجالسه معمورة بالعلماء مأهولة بالأئمة والزهاد لم يتَّفق لغيره مَا اتّفق لَهُ من ازدحام الْعلمَاء عَلَيْهِ وتردادهم إِلَى بَابه وثنائهم على عدله وتصنيفهم الْكتب باسمه يحضر سماطه مثل أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهم وَذكر النقلَة أَنه لم يكن فِي زَمَانه أكفأ مِنْهُ فِي صناعَة الْحساب وصناعة الْإِنْشَاء ووصفوه بسداد الْأَلْفَاظ فيهمَا عَرَبِيَّة وفارسية وَكَانَ من أخلاقه أَنه مَا جلس قطّ إِلَّا على وضوء وَلَا تَوَضَّأ إِلَّا وتنفل وَيقْرَأ الْقُرْآن وَلَا يتلوه مُسْتَندا إعظاما لَهُ ويستصحب الْمُصحف مَعَه أَيْنَمَا توجه وَإِذا أذن الْمُؤَذّن أمسك عَن كل شغل هُوَ فِيهِ وأجابه ويصوم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَلَا يمْنَع أحدا من الدُّخُول عَلَيْهِ لَا وَقت الطَّعَام وَلَا غَيره إِذا جلس وهجمت امْرَأَة عَلَيْهِ مرّة وَقت الطَّعَام وَمَعَهَا قَضِيَّة فزبرها بعض الْحجاب فحانت مِنْهُ التفاتة إِلَيْهِ فَلَقِيَهُ بالْكلَام الصعب وَقَالَ إِنَّمَا أريدك وأمثالك لإيصال مثل هَذِه وَأما المحتشمون فهم يوصلون نُفُوسهم وَبنى مدرسة بِبَغْدَاد ومدرسة ببلخ ومدرسة بنيسابور ومدرسة بهراة ومدرسة بأصبهان ومدرسة بِالْبَصْرَةِ ومدرسة بمرو ومدرسة بآمل طبرستان ومدرسة بالموصل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 وَيُقَال إِن لَهُ فِي كل مَدِينَة بالعراق وخراسان مدرسة وَله بيمارستان بنيسابور ورباط بِبَغْدَاد قلت وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ زعم أَنه أول من بنى الْمدَارِس وَلَيْسَ كَذَلِك فقد كَانَت الْمدرسَة البيهقية بنيسابور قبل أَن يُولد نظام الْملك والمدرسة السعدية بنيسابور أَيْضا بناها الْأَمِير نصر بن سبكتكين أَخُو السُّلْطَان مَحْمُود لما كَانَ واليا بنيسابور ومدرسة ثَالِثَة بنيسابور بناها أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن الْمثنى الإستراباذي الْوَاعِظ الصُّوفِي شيخ الْخَطِيب ومدرسة رَابِعَة بنيسابور أَيْضا بنيت للأستاذ أبي إِسْحَاق الإسفرايني وَقد قَالَ الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ لم يبن بنيسابور قبلهَا يَعْنِي مدرسة الْأُسْتَاذ مثلهَا وَهَذَا صَرِيح فِي أَنه بني قبلهَا غَيرهَا وَقد أدرت فكري وَغلب على ظَنِّي أَن نظام الْملك أول من قدر المعاليم للطلبة فَإِنَّهُ لم يَتَّضِح لي هَل كَانَت الْمدَارِس قبله بمعاليم للطلبة أَو لَا وَالْأَظْهَر أَنه لم يكن لَهُم مَعْلُوم ونقلت من خطّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي خطْبَة الغياثي مَا قَالَه يصف نظام الْملك سيد الورى ومؤيد الدّين وَالدُّنْيَا ملاذ الْأُمَم مستخدم للسيف والقلم وَمن ظلّ ظلّ الْملك بيمن مساعيه ممدودا ولواء النَّصْر معقودا فكم بَاشر أوزار الْحَرْب وأدار رحى الطعْن وَالضَّرْب فَلَا يَده ارْتَدَّت وَلَا طلعته البهية أربدت وَلَا عزمه انثنى وَلَا حَده نبا قد سدت مسالك المهالك صوارمه وحصنت الممالك صرائمه وحلت شكائم العدى عَزَائِمه وتحصنت المملكة بنصله وتحسنت الدُّنْيَا بأفضاله وفضله وَعم ببره آفَاق الْبِلَاد وَنفى الغي عَنْهَا بالرشاد وجلى ظلام الظُّلم عدله وَكسر فقار الْفقر بذله وَكَانَت خطة الْإِسْلَام شاغرة وأفواه الخطوب إِلَيْهَا فاغرة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 فَجمع الله بِرَأْيهِ الثاقب شملها وَوصل بيمن نقيبته حبلها وأصبحت الرعايا فِي رعايته وَادعَة وأعين الْحَوَادِث عَنْهَا هاجعة وَالدّين يزهى بتهلل أساريره وإشراق جَبينه وَالسيف يفخر فِي يَمِينه يرجوه الآيس البائس فِي أدراج أنينه ويركع لَهُ تَاج كل شامخ بعرنينه ويهابه اللَّيْث المزمجر فِي عرينه انْتهى وَهَذَا من هَذَا الإِمَام الْجَلِيل وَإِن لم يخل عَن بعض الْمُبَالغَة شَاهد عدل لعلو مِقْدَار نظام الْملك عِنْد هَذَا الحبر الَّذِي يحْتَج بكلماته المتقدمون والمتأخرون وَعنهُ انتشرت شَرِيعَة الله أصولا وفروعا وَحكى الْأَمِير أَبُو نصر بن مَاكُولَا قَالَ حضرت مجْلِس نظام الْملك وَقد رمى بعض أَرْبَاب الْحَوَائِج رقْعَة إِلَيْهِ فَوَقَعت على دواته وَكَانَ مدادها كثيرا فنال المداد عمَامَته وثيابه فاسودت فَلم يقطب وَلم يتَغَيَّر وَمد يَده إِلَى الرقعة فَأَخذهَا وَوَقع عَلَيْهَا فتعجبت من حلمه فحكيت لأستاذ دَاره فَقَالَ الَّذِي جرى فِي بارحتنا أعجب كَانَ فِي نوبتنا أَرْبَعُونَ فراشا فَهبت ريح شديده أَلْقَت التُّرَاب على بساطه الْخَاص فَالْتمست أحدهم ليكنسه فَلم أَجِدهُ فاسودت الدُّنْيَا فِي عَيْني وَقلت أقل مَا يجْرِي صرفي وعقوبتهم فأظهرت الْغَضَب فَقَالَ نظام الْملك لَعَلَّ أسبابا لَهُم اتّفقت منعتهم من الْوُقُوف بَين أَيْدِينَا وَمَا يَخْلُو الْإِنْسَان من عذر مَانع وشغل قَاطع يصده عَن تأدية الْفَرْض وَمَا هم إِلَّا بشر مثلنَا يألمون كَمَا نألم ويحتاجون إِلَى مَا نحتاج إِلَيْهِ وَقد فضلنَا الله عَلَيْهِم فَلَا نجْعَل شكر نعْمَته مؤاخذتهم على ذَنْب يسير قَالَ فعجبت من حلمه ويحكى عَنهُ من هَذَا الْبَاب لطائف كَثِيرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 قلت وَفِي هَذِه الْحِكَايَة أَيْضا دلَالَة على كَثْرَة مَا كَانَ فِيهِ من الحشمة لدلالتها على أَن نوبَة الفراشين عِنْده أَرْبَعُونَ نفسا فَإِن كَانَ يعْمل النوب ثَلَاثًا كعادة السلاطين فِي بِلَادنَا فَيدل على أَن لَهُ مائَة وَعشْرين فراشا وَإِن كَانَ يعملها نوبتين كعادة نواب السلطنة والأمراء الْكِبَار فَيدل على أَن لَهُ ثَمَانِينَ فراشا وَهَذَا أَمر عَظِيم فنائب الشَّام وَهُوَ أعظم نواب سُلْطَان الْإِسْلَام فِي هَذَا الزَّمَان لَيْسَ لَهُ غير سِتَّة عشر فراشا كل نوبَة ثَمَانِيَة هَذَا حَاله وَحَال من قبله من زمَان تنكز إِلَى الْآن لَا يزِيدُونَ على هَذَا الْقدر وَأَكْثَرهم ينقص عَنهُ وَكَانَ من قبل تنكز دونه وَمِمَّا يدل أَيْضا على عَظمته وحشمته مَعَ ديانته مَا حُكيَ أَن الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي دخل عَلَيْهِ مرّة فَوجدَ بَين يَدَيْهِ الجمدارية قد اصطفت ميمنة وميسرة وَكَانُوا ثَمَانِينَ جمدارا ملبسين أحسن الملابس وَكلهمْ مرد ملاح فقطب الْأُسْتَاذ ففهم نظام الْملك أَن الْأُسْتَاذ أنكر هَذِه الْحَالة فَقَالَ لَهُ يَا أستاذ مَا فِي هَؤُلَاءِ المماليك الثَّمَانِينَ إِلَّا من شِرَاؤُهُ فَوق الثَّمَانِينَ ألفا وَمَعَ ذَلِك وَالله مَا حللت سراويلي على حرَام قطّ وَلَكِن حُرْمَة الوزارة وَالْملك تَقْتَضِي هَذَا فَهَذِهِ الْحِكَايَة تدل على أَن لَهُ إِمَّا مائَة وَسِتِّينَ جمدارا إِن كَانَ يعْمل نوبتين أَو أَكثر إِن كَانَ أَكثر من نوبتين وَإِن كَانَ هَذَا عدد الجمدارية وهم عبارَة عَن مماليك مردان يكونُونَ مَعَ الْمُلُوك فِي غَالب أَحْوَالهم فَمَا يكون عدد مماليكه الَّذين يعدهم للحرب وكل ذَلِك خَارج عَن أجناده المجندة فَإِن أُولَئِكَ مضافون إِلَى السُّلْطَان لَا إِلَيْهِ وَإِن كَانُوا فِي خدمته ومؤتمرين بأَمْره وَقد كَانَت حَالَته تَقْتَضِي أَكثر من ذَلِك فَإِنَّهُ مكث فِي الوزارة ثَلَاثِينَ سنة وَلم تكن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 وزارته وزارة بل فَوق السلطنة فَإِن السُّلْطَان جلال الدولة ملكشاه بن ألب أرسلان اتسعت ممالكه فَكَانَت تَحت ملكه بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر وبلاد الهياطلة وَبَاب الْأَبْوَاب وخراسان وَالْعراق وَالشَّام وَالروم والجزيرة فمملكته من كاشغر وَهِي أقْصَى مَدَائِن التّرْك إِلَى بَيت الْمُقَدّس طولا وَمن قرب قسطنطينية إِلَى بَحر الْهِنْد عرضا وَلم يكن مَعَ ذَلِك لملكشاه مَعَ نظام الْملك غير الِاسْم والأبهة والتنوع فِي اللَّذَّات وَكَانَ مَشْغُولًا بالصيد واللذة ونظام الْملك هُوَ الْآمِر الْمُتَصَرف لَا يجْرِي جليل وَلَا حقير إِلَّا بأَمْره مستبدا بذلك وَيُقَال إِن نظام الْملك أول من فرق الإقطاعات على الْجند وَلم يكن عَادَة الْخُلَفَاء والسلاطين من لدن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا أَن الْأَمْوَال كلهَا تجبى إِلَى الدِّيوَان ثمَّ تفرق العطايا على الْأُمَرَاء والأجناد على حسب الْمُقَرّر لَهُم فَلَمَّا اتسعت مملكة نظام الْملك رأى أَن يسلم إِلَى كل مقطع قَرْيَة أَو أَكثر أَو أقل على قدر إقطاعه قَالَ فَإِن فِيهِ أَنه إِذا تسلمها وَلَيْسَ لَهُ غَيرهَا عمرها واعتنى بهَا بِخِلَاف مَا إِذا شَمل الْكل ديوَان وَاحِد فَإِن الْخرق يَتَّسِع فَفعل ذَلِك فَكَانَ سَبَب عمَارَة الْبِلَاد وَكَثْرَة الغلات وتناقلته الْمُلُوك بعده واستمرت إِلَى الْيَوْم فِي بِلَاد الْإِسْلَام وَأما بِلَاد الْعَجم وممالك نظام الْملك كلهَا الْآن فَمَا أظنها على هَذَا الْوَجْه بل تَغَيَّرت أحوالها لِكَثْرَة التغيرات وَحكى أَخُوهُ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق أَنه كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْخُرُوج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 إِلَى عَرَفَات فَأخْبرهُ رجل أَن إنْسَانا من الخراسانية مَاتَ بِبَعْض الزوايا وَأَنه انتفخ وَفَسَد وَلزِمَ الْقيام بِحقِّهِ قَامَ فَمَكثت لذَلِك فرآني بعض من كَانَ يأتمنه نظام الْملك على أُمُور الْحَاج فَقَالَ لي مَا وقوفك هَا هُنَا وَالْقَوْم قد رحلوا فحكيت لَهُ الْقِصَّة فَقَالَ اذْهَبْ وَلَا تهتم لأمر هَذَا الْمَيِّت فَإِن عِنْدِي خمسين ألف ذِرَاع من الكرباس لتكفين الْمَوْتَى من جِهَة الصاحب نظام الْملك قَالَ وَكَانَ أخي نظام الْملك يملي الحَدِيث بِالريِّ فَلَمَّا فرغ قَالَ إِنِّي لست أَهلا لما أتولاه من الْإِمْلَاء لكني أُرِيد أَن أربط نَفسِي على قطار نقلة حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت وَقد سمع الحَدِيث بأصبهان من مُحَمَّد بن عَليّ بن مهريزد الأديب وَأبي مَنْصُور شُجَاع بن عَليّ بن شُجَاع وبنيسابور من الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وببغداد من أبي الْخطاب بن البطر وَغَيره وأملى بِبَغْدَاد مجلسين أَحدهمَا بِجَامِع الْمهْدي بالرصافة وَالْآخر بمدرسته وَحضر إملاءه الْأَئِمَّة وروى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم نصر بن نصر العكبري وَعلي بن طراد الزَّيْنَبِي وَأَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ وَغَيرهم قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل فِي الْفُنُون أَيَّامه الَّتِي شاهدناها تربي على كل أَيَّام سمعنَا بهَا وصدقنا بِمَا رَأَيْنَاهُ مَا سمعناه وَإِن كُنَّا قبل ذَلِك مستبعدين لَهُ ناسبين مَا ذكر فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 التواريخ إِلَى نوع تَحْسِين من الْكَذِب فأبهرت الْعُقُول سيرته جودا وكرما وعدلا وإحياء لمعالم الدّين بنى الْمدَارِس ووقف الْوُقُوف ونعش من الْعلم وَأَهله مَا كَانَ خاملا مهملا فِي أَيَّام من قبله وَفتح طَرِيق الْحَج وعمره وَعمر الْحَرَمَيْنِ واستقام الحجيج وابتاع الْكتب بأوفر الْأَثْمَان وأدر الجرايات للخزان وَكَانَت سوق الْعلم فِي أَيَّامه قَائِمَة وَالنعَم على أَهله دارة وَكَانُوا مستطيلين على صُدُور أَرْبَاب الدولة أرفع النَّاس فِي مَجْلِسه لَا يحجبون عَن بَابه بتوسل بهم النَّاس فِي حوائجهم هَذَا بعض كَلَام ابْن عقيل وَحكى عبد الله الساوجي أَن نظام الْملك اسْتَأْذن السُّلْطَان ملكشاه فِي الْحَج فَأذن لَهُ وَهُوَ إِذْ ذَاك بِبَغْدَاد فَعبر دجلة وعبروا بالآلات والأقمشة وَضربت الْخيام على شط دجلة قَالَ فَأَرَدْت يَوْمًا أَن أَدخل عَلَيْهِ فَرَأَيْت بِبَاب الْخَيْمَة فَقِيرا يلوح عَلَيْهِ سِيمَا الْقَوْم فَقَالَ لي يَا شيخ أَمَانَة توصلها إِلَى الصاحب قلت نعم فَأَعْطَانِي رقْعَة مطوية فَدخلت بهَا وَلم أنظر فِيهَا حفظا للأمانة ووضعتها بَين يَدي الْوَزير فَنظر فِيهَا وَبكى بكاء شَدِيدا حَتَّى نَدِمت وَقلت فِي نَفسِي لَيْتَني نظرت فِيهَا فَإِن كَانَ مَا فِيهَا يسوءه لم أدفعها إِلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 ثمَّ قَالَ لي يَا شيخ أَدخل عَليّ صَاحب هَذِه الرقعة فَخرجت فَلم أَجِدهُ وطلبته فَلم أظفر بِهِ فَأخْبرت الْوَزير بذلك فَدفع إِلَيّ الرقعة فَإِذا فِيهَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لي (اذْهَبْ إِلَى الْحسن وَقل لَهُ أَيْن تذْهب إِلَى مَكَّة حجك هَا هُنَا أما قلت لَك أقِم بَين يَدي هَذَا التركي وأعن أَصْحَاب الْحَوَائِج من أمتِي) فَرجع نظام الْملك وَكَانَ يَقُول لَو رَأَيْت ذَلِك الْفَقِير حَتَّى أتبرك بِهِ قَالَ فرأيته على شط دجلة وَهُوَ يغسل خريقات لَهُ فَقلت لَهُ إِن الصاحب يطلبك فَقَالَ مَا لي وللصاحب إِنَّمَا كَانَت عِنْدِي أَمَانَة فأديتها قَالَ ابْن الصّلاح الساوجي هَذَا كَانَ خيرا كثير الْمَعْرُوف يعرف بشيخ الشُّيُوخ وَحكى الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم أَخُو نظام الْملك أَنه كَانَ عِنْده لَيْلَة على أحد جانبيه والعميد خَليفَة على الْجَانِب الآخر وبجنبه فَقير مَقْطُوع الْيُمْنَى قَالَ فشرفني الصاحب بالمواكلة وَجعل يلحظ العميد خَليفَة كَيفَ يُلَاحظ الْفَقِير قَالَ فتنزه خَليفَة من مواكلة الْفَقِير لما رَآهُ يَأْكُل بيساره فَقَالَ لخليفة تحول إِلَى هَذَا الْجَانِب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وَقَالَ للْفَقِير إِن خَليفَة رجل كَبِير فِي نَفسه مستنكف من مواكلتك فَتقدم إِلَيّ وَأخذ يواكله وَحكي عَنهُ أَنه كَانَ بهمذان وَقدم عَلَيْهِ ابْنه مؤيد الْملك من بَلخ فَإِنَّهُ كَانَ استقدمه لينفذه إِلَى بَغْدَاد حِين زوجه فَدخل عَلَيْهِ ووقف بَين يَدَيْهِ سَاعَة وَقضى للنَّاس حوائجهم فَلَمَّا أذن الْمُؤَذّن لصَلَاة الظّهْر وتفرق النَّاس نظر إِلَى ابْنه واستدناه فَجعل يقبل الأَرْض وَيَدْنُو فضمه إِلَيْهِ وَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا بني توجه إِلَى بَيْتك إِلَى بَغْدَاد فِي ساعتك هَذِه فودعه وَقبل يَده وَسَار من سَاعَته والتفت نظام الْملك إِلَى من عِنْده وَقد تغرغرت عينه بالدموع وَقَالَ إِن عَيْش أحد البقالين أصلح من عيشي يخرج إِلَى دكانه غدْوَة وَيروح عَشِيَّة وَمَعَهُ مَا قسم لَهُ من الرزق فيجتمع هُوَ وَأَوْلَاده على طَعَامه وَيسر بقربهم مِنْهُ وحضورهم مَعَه وَهَذَا وَلَدي مَا رَأَيْته مُنْذُ ولد غير أَوْقَات يسيرَة وَقد نَشأ هَذَا المنشأ وَمَا يظْهر على مَا عِنْدِي من الحنو والشفقة فنهاري بَين أخطار وتكلف ومشاق وليلى بَين سهر وفكر تَارَة لتدبير الممالك والبلدان وَمن أرتب فِي كل صقع وَمَكَان وَمَا يخرج لكل وَاحِد من الْعَطاء وَالْإِحْسَان وَكَيف أرْضى هَذَا السُّلْطَان حَتَّى يمِيل إِلَيّ وَلَا يتَغَيَّر عَليّ وَبِأَيِّ أَمر أدفَع شَرّ من يقصدني فَمَتَى يكون لي زمَان ألتذ فِيهِ بنعمتي وأستدرك أفعالي بِمَا يَنْفَعنِي عِنْد لِقَاء رَبِّي وَبكى بكاء شَدِيدا وَقَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْملك الهمذاني قدم نظام الْملك إِلَى بَغْدَاد مرَّتَيْنِ وَكَانَ يباكر دَار السُّلْطَان وَيعود من الدِّيوَان إِذا أضحى النَّهَار فيخلو بِنَفسِهِ إِلَى وَقت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 الظّهْر وَيُصلي فيجلس ويحضر النَّاس وَيقْرَأ بَين يَدَيْهِ جُزْء من الحَدِيث على شيخ كَبِير عالي السَّنَد ويكرمه ويجلسه إِلَى جَانِبه وَيتَكَلَّم الْفُقَهَاء فِي الْمسَائِل وَيقْعد نظام الْملك مطأطأ الرَّأْس وَهُوَ يسمع جَمِيع مَا يجْرِي فِي الْمجْلس وَيسْأل الْحَوَائِج فِي أثْنَاء ذَلِك الْوَقْت ويجيب عَنْهَا وينعم بالأموال الطائلة والهبات الجزيلة وَيُقَال كَانَ يتَصَدَّق فِي بكرَة كل يَوْم بِمِائَة دِينَار وَلم تَبْرَح أُمُوره على مَا شرحناه وَفَوق مَا وصفناه إِلَى أَن خرج مَعَ السُّلْطَان من بَغْدَاد إِلَى أَصْبَهَان فِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَأَقَامَ بهَا شهورا فَلَمَّا انْقَضى الْحر توجها إِلَى بَغْدَاد فِي شهر رَمَضَان وَقد تغير السُّلْطَان على نظام الْملك بِأُمُور مِنْهَا مَا هُوَ من محَاسِن نظام الْملك وَهُوَ تَعْظِيمه لأمر الْخَلِيفَة وَكَانَ نظام الْملك يتَقرَّب بذلك إِلَى الله تَعَالَى وَلما دخل على أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُقْتَدِي بِاللَّه أذن لَهُ فِي الْجُلُوس بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا حسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْك بِرِضا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَنْك وَكَانَ نظام الْملك يستبشر بِهَذَا ويفرح وَيَقُول أَرْجُو أَن الله تَعَالَى يستجيب دعاءه وانضم إِلَى ذَلِك أَن تَاج الْملك أَبَا الْغَنَائِم استولى على قلب السُّلْطَان وتوصل إِلَى أَن حظي بالمنزلة الرفيعة عِنْده وَلم يكن للسُّلْطَان من الْقُدْرَة أَن يعْزل نظام الْملك لشدَّة اسْتِيلَاء نظام الْملك على السلطنة فَلَمَّا انفصلوا عَن نهاوند وعسكروا بجانبها فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر شهر رَمَضَان وحان وَقت الْإِفْطَار اتّفق فِي ليلته قتل نظام الْملك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 شرح حَال مقتل نظام الْملك رَحمَه الله تَعَالَى صلى نظام الْملك الْمغرب فِي هَذِه اللَّيْلَة وَجلسَ على السماط وَعِنْده خلق كثير من الْفُقَهَاء والقراء والصوفية وَأَصْحَاب الْحَوَائِج فَجعل يذكر شرف الْمَكَان الَّذِي نزلوه من أَرض نهاوند وأخبار الْوَقْعَة الَّتِي كَانَت بِهِ بَين الْفرس وَالْمُسْلِمين فِي زمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمن اسْتشْهد هُنَاكَ من الْأَعْيَان وَيَقُول طُوبَى لمن لحق بهم فَلَمَّا فرغ من إفطاره خرج من مَكَانَهُ قَاصِدا مضرب حرمه فبدر إِلَيْهِ حدث ديلمي كَأَنَّهُ مستميح أَو مستغيث فعلق بِهِ وضربه وَحمل إِلَى مضرب الْحرم فَيُقَال إِنَّه أول مقتول قتلته الإسماعيلية المسمون عندنَا بالفداوية فانبث الْخَبَر فِي الْجَيْش وصاحت الْأَصْوَات وَجَاء السُّلْطَان ملكشاه حِين بلغه الْخَبَر مظْهرا الْحزن والنحيب والبكاء وَجلسَ عِنْد نظام الْملك سَاعَة وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ حَتَّى مَاتَ فَعَاشَ سعيدا وَمَات شَهِيدا فقيدا حميدا وَكَانَ قَاتله قد تعثر بأطناب الْخَيْمَة فَلحقه مماليك نظام الْملك وقتلوه وَقَالَ بعض خُدَّامه كَانَ آخر كَلَام نظام الْملك أَن قَالَ لَا تقتلُوا قاتلي فَإِنِّي قد عَفَوْت عَنهُ وَتشهد وَمَات قَالَ فمضيت أَنا فَإِذا هُوَ قد قتل وَلَو قلت لما قبل قولي ثمَّ اخْتلفت الْأَقَاوِيل فِي الْجَيْش فَمن قَائِل إِن الباطنية جهزوا إِلَيْهِ من قَتله فَإِن ابْن صباح رَأس الباطنية فِي ذَلِك الْوَقْت دخل على الْمُسْتَنْصر صَاحب مصر فَأكْرمه وَأمره أَن يَدْعُو إِلَى إِمَامَته فَعَاد إِلَى خُرَاسَان ونواحي الشرق يضل النَّاس وَأقَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 بقلعة ألموت بِنَاحِيَة قزوين وَأظْهر الزّهْد إغواء للنَّاس وتسلم القلعة الْمَذْكُورَة بِالْجَبَلِ فَبلغ نظام الْملك فَأرْسل لَهُ عسكرا ضايقوه فَبعث هُوَ لما علم أَنه لَا قبل لَهُ بنظام الْملك من قتل نظام الْملك وَصَارَ الْإِقْدَام على الْقَتْل سنة للباطنية واستفحل أَمرهم بعد الصاحب وَهَذَا القَوْل هُوَ الْأَقْرَب عِنْدِي إِلَى الصِّحَّة وَمن قَائِل إِن السُّلْطَان هُوَ الَّذِي دس عَلَيْهِ هَذَا الْقَاتِل وَذكروا لذَلِك أسبابا ظَهرت على السُّلْطَان حاصلها أَنه كَانَ بَينهمَا وَحْشَة من قبل أَن نظام الْملك كَانَ يعظم أَمر الْخَلِيفَة كَمَا قدمْنَاهُ وَكلما أَرَادَ السُّلْطَان نزع الْخَلِيفَة مَنعه النظام وَأرْسل فِي الْبَاطِن إِلَى الْخَلِيفَة ينبهه ويرشده إِلَى استمالة خاطر السُّلْطَان وَلم يكن النظام يفعل ذَلِك إِلَّا تدينا وذبا عَن حَرِيم الْخلَافَة وَإِلَّا فقد كَانَت حَالَته وحشمته إضعاف أَحْوَال الْخُلَفَاء وَفِي حُدُود سنة سبعين لما فهم النظام التَّغَيُّر من السُّلْطَان على الْخَلِيفَة أرسل إِلَى الْخَلِيفَة وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يخْطب ابْنة السُّلْطَان لينسج الود بَينهمَا فَخَطَبَهَا وَكَانَ السفير بَينهمَا الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ صَاحب التَّنْبِيه فَتزَوج بهَا وَدخل بهَا فِي أول سنة ثَمَانِينَ وَكَانَ عرسا هائلا تناقل أخباره المؤرخون فاستمرت مَعَه إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ أرْسلت إِلَى والدها تَشْكُو من الْخَلِيفَة كَثْرَة اطراحه لَهَا فَأرْسل يطْلب بنته مِنْهُ طلبا لَا بُد مِنْهُ فأرسلها الْخَلِيفَة وَمَعَهَا وَلَدهَا جَعْفَر فَذَهَبت فَمَاتَتْ بأصبهان فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ فَلَمَّا كَانَ شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ توجه السُّلْطَان من أَصْبَهَان إِلَى بَغْدَاد عَازِمًا على تَغْيِير الْخَلِيفَة وَعرف أَن ذَلِك لَا يتم لَهُ ونظام الْملك فِي الْحَيَاة فَعمل على قَتله قبل الْوُصُول إِلَى بَغْدَاد حَسْبَمَا شرحناه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 وَكَانَ من ذنُوب نظام الْملك عِنْده غير مَا ذَكرْنَاهُ اسْتِيلَاء أَوْلَاده على الممالك وَشدَّة وطأته وَأَنه بِالآخِرَة ولى ابْن ابْنه مرو فَتوجه إِلَيْهَا وَمَعَهُ شحنة السُّلْطَان فَجرى بَين شحنة السُّلْطَان بمرو وَبَين ولد نظام الْملك مَا أغضبهُ عَلَيْهِ فَعمل ابْن نظام الْملك وَقبض على الشّحْنَة فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان الْخَبَر غضب وَبعث جمَاعَة إِلَى نظام الْملك يعتبه ويوبخه وَيَقُول إِن كنت شَرِيكي فِي الْملك فَلذَلِك حكم وَهَؤُلَاء أولادك قد استولى كل وَاحِد مِنْهُم على إقليم كَبِير وَلم يَكفهمْ حَتَّى تجاوزا أَمر السياسة فأدوا الرسَالَة إِلَى نظام الْملك فَيُقَال إِنَّه قوى نَفسه وَأخذ يُجيب بِأُمُور وَأَنه قَالَ فِي آخر كَلَامه إِن كَانَ لم يعلم أَنِّي شَرِيكه فِي الْملك فَليعلم فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان وَعمل عَلَيْهِ الْحِيلَة سِنِين حَتَّى تمت لَهُ فِي هَذِه السّنة وَيُقَال إِن أول تَغْيِير خاطره عَلَيْهِ من سنة سِتّ وَسبعين وَمِمَّنْ كَانَ غير خاطره عَلَيْهِ فِي هَذِه السّنة سيد الرؤساء أَبُو المحاسن ابْن كَمَال الدّين ابْن ابي الرِّضَا وَهُوَ رجل تقرب إِلَى خاطر السُّلْطَان فِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ أَبوهُ كَمَال الْملك يكْتب الْإِنْشَاء للسُّلْطَان وَكَانَ أَبُو المحاسن هَذَا عِنْده جَرَاءَة فَقَالَ للسُّلْطَان أَيهَا الْملك سلم إِلَيّ نظام الْملك وَأَنا أُعْطِيك ألف ألف دِينَار فَإِنَّهُم قد أكلُوا الْبِلَاد فَبلغ ذَلِك نظام الْملك فَمد سماطا وَأقَام عَلَيْهِ مماليكه وهم أُلُوف من الأتراك وَأقَام سِلَاحهمْ وخيلهم ودعا السُّلْطَان فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ إِنِّي خدمتك وخدمت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 أَبَاك وَجدك ولي حق خدمَة وَقد بلغك أخذي لأموالك وَصدق الْقَائِل أَنا آخذ المَال وأعطيه لهَؤُلَاء الغلمان الَّذين جعلتهم لَك وأصرفه أَيْضا فِي الصَّدقَات وَالْوُقُوف والصلات الَّتِي مُعظم ذكرهَا لَك وأجرها لَك وأموالي وَجَمِيع مَا أملكهُ بَين يَديك وَأَنا أقنع بمرقعة وزاوية فصفا لَهُ السُّلْطَان وَأمر أَن تسمل عينا أبي المحاسن ونفذه إِلَى قلعة ساوة فَسمع أَبوهُ كَمَال الْملك الْخَبَر فَاسْتَجَارَ بنظام الْملك وَحمل مِائَتي ألف دِينَار وعزل عَن الطغراء يَعْنِي كِتَابَة السِّرّ ووليها مؤيد الْملك بن نظام الْملك وَمن قَائِل لم يصف لَهُ السُّلْطَان بَاطِنا وَلَكِن عرف عَجزه عَنهُ وَهَذِه الْحِكَايَة حَكَاهَا ابْن الْأَثِير وأظن نظام الْملك كَانَ أعظم من أَن يطْلب مِنْهُ ألف ألف دِينَار وَلَعَلَّ هَذَا الْمبلغ يسير مِمَّا يصل إِلَيْهِ كل عَام ثمَّ لم يمتع السُّلْطَان بعد قتل نظام الْملك وَلم يلذ لَهُ عَيْش بل تنكدت أَحْوَاله وتعكست أُمُوره وَأما نظام الْملك فَحمل مَيتا إِلَى أَصْبَهَان وَدفن هُنَاكَ بمحلة لَهُ فَأَما السُّلْطَان فاستمر ذَاهِبًا إِلَى بَغْدَاد واستوزر تَاج الْملك أَبَا الْغَنَائِم وَقدم بَغْدَاد متمرضا وَهِي الْمُقدمَة الثَّالِثَة فَإِنَّهُ لم يعبرها غير ثَلَاث مَرَّات وَوجد المقتدى قد جعل وَلَده المستظهر بِاللَّه ولي الْعَهْد فألزمه أَن يعزله وَيجْعَل ابْن بنته جعفرا ولي الْعَهْد وَكَانَ طفْلا وَأَن يسلم بَغْدَاد لَهُ وَيخرج إِلَى الْبَصْرَة تكون دَار خِلَافَته فشق ذَلِك على الْخَلِيفَة وَبَالغ فِي استعطاف ملكشاه واستنزله عَن هَذَا الرَّأْي فَلم يفعل فاستمهله عشرَة أَيَّام ليتجهز فَقيل إِن الْخَلِيفَة جعل يَصُوم ويطوي وَإِذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه فقوي مَرضه وَمَات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 وَالْحَاصِل أَنه بعد نظام الْملك لم يمتع بِملكه وَلم يَعش غير شهر وَاحِد وَأَن الْوَزير تَاج الْملك أَيْضا وَكَانَ رجلا خيرا كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمته لم يمتع وَيُقَال من سَعَادَة ذِي المنصب أَلا يَلِيهِ بعده كفو لَهُ فصادف أَنه ولي مَكَان نظام الْملك فمقته الْخلق مَعَ جودته وَجرى لَهُ مَا سنشرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته وَوصل الْخَبَر إِلَى بَغْدَاد بوفاة نظام الْملك فَجَلَسَ الْوَزير عميد الدولة للعزاء وَحضر النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم وَرَأى صَاحب الْعدة الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ فِي مَنَامه حِين توفّي نظام الْملك مَكْتُوبًا على أَدِيم السَّمَاء بالنجوم رفع الْعدْل عَن أهل الأَرْض وَرَآهُ آخر فِي الْمَنَام وَهُوَ متوج بتاج مرصع بجوهر قَالَ فَقلت لَهُ بِأَيّ شَيْء بلغت هَذِه الْمنزلَة فَقَالَ بِفضل الله وَحده وَمَات نظام الْملك وَله سبع وَسَبْعُونَ سنة وَمن الرِّوَايَة والفوائد عَن نظام الْملك أخبرنَا عبد الْغَالِب بن مُحَمَّد بن عبد القاهر الماكسيني بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِدِمَشْق أخبرنَا عبد الْمُنعم بن يحيى بن إِبْرَاهِيم الزُّهْرِيّ الْخَطِيب أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْمَعَالِي عبد الله بن جَامع الْبناء الصُّوفِي فِي سنة ثَمَان وسِتمِائَة أخبرنَا نصر بن نصر العكبري أخبرنَا نظام الْملك أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق الْوَزير أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد ابْن مَنْصُور بن خلف أخبرنَا أَبُو طَاهِر بن خُزَيْمَة حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السراج حَدثنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 قُتَيْبَة حَدثنَا مَالك بن أنس عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير عَن عَمْرو بن سليم الْأنْصَارِيّ عَن أبي قَتَادَة السّلمِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا جَاءَ أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس) قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ قَرَأت فِي كتاب سر السرُور لصديقنا القَاضِي أبي الْعَلَاء مُحَمَّد بن مَحْمُود الغزنوي أَن نظام الْملك صَادف فِي سفر رجلا فِي زِيّ الْعلمَاء قد مَسّه الكلال فَقَالَ لَهُ أَيهَا الشَّيْخ أعييت أم أعييت فَقَالَ أعييت فَتقدم إِلَى حَاجِبه بِتَقْدِيم بعض الجنائب إِلَيْهِ والإصلاح من شَأْنه وَأخذ فِي اصطناعه وَإِنَّمَا أَرَادَ بسؤاله اختباره فَإِن عيى فِي اللِّسَان وأعيى كل وتعب قَالَ أَبُو الْخَيْر دلف بن عبد الله بن مُحَمَّد التبَّان الْبَغْدَادِيّ سَمِعت الإِمَام عبد الرَّحِيم ابْن الشَّافِعِي الْقزْوِينِي بقزوين يَقُول دخل أَبُو عَليّ القومساني على نظام الْملك أبي عَليّ الْوَزير فِي مرضة مَرضهَا يعودهُ فَأَنْشَأَ يَقُول (إِذا مرضنا نوينا كل صَالِحَة ... فَإِن شفينا فمنا الزيغ والزلل) (نرجو الْإِلَه إِذا خفنا ونسخطه ... إِذا أمنا فَمَا يزكو لنا عمل) فَبكى نظام الْملك وَقَالَ هُوَ كَمَا يَقُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 385 - الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن عبد الرَّحِيم بن أَحْمد الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ الدقاق شيخ الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي تفقه على الخضري والقفال وَصَحب فِي التصوف أَبَا الْقَاسِم النصراباذي وَسمع الحَدِيث من أبي عَمْرو بن حمدَان وَأبي الْهَيْثَم مُحَمَّد بن مكي الْكشميهني وَأبي عَليّ مُحَمَّد بن عمر الشبويى وَغَيرهم روى عَنهُ الْقشيرِي وَغَيره قَالَ عبد الغافر هُوَ لِسَان وقته وَإِمَام عصره نيسابوري الأَصْل تعلم الْعَرَبيَّة وَحصل علم الْأُصُول وَخرج إِلَى مرو وتفقه بهَا على الخضري وبرع فِي الْفِقْه وَأعَاد على الشَّيْخ أبي بكر الْقفال الْمروزِي فِي درس الخضري وَلما اسْتمع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْعُلُوم أَخذ فِي الْعَمَل وسلك طَرِيق التصوف وَصَحب الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم النصراباذي الحديث: 385 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ لَا يسْتَند إِلَى شَيْء كَأَنَّهُ يعود نَفسه ترك الرَّفَاهِيَة قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي كنت فِي ابْتِدَاء وصلتي بالأستاذ أبي عَليّ عقد لي الْمجْلس فِي مَسْجِد الْمُطَرز فاستأذنته وَقت الْخُرُوج إِلَى نسا فَأذن لي فَكنت أَمْشِي مَعَه يَوْمًا فِي طَرِيق مَجْلِسه فخطر ببالي ليته يَنُوب عني فِي الْأُسْبُوع يَوْمَيْنِ بل ليته يقْتَصر على يَوْم وَاحِد فِي الْأُسْبُوع فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ إِن لم يمكني فِي الْأُسْبُوع يَوْمَيْنِ أنوب مرّة وَاحِدَة فمشيت قَلِيلا فخطر لي شَيْء ثَالِث فَالْتَفت إِلَيّ وَصرح بالإخبار عَنهُ على الْقطع توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة وَوهم من قَالَ سنة سِتّ وَمن كَلَامه أَنبأَنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الإِمَام شهَاب الدّين أَبُو بكر الْقَاسِم بن الإِمَام أبي سعد عبد الله بن عمر بن الصفار إجَازَة أخبرنَا جدي عِصَام الدّين أَبُو حَفْص عمر بن أَحْمد بن مَنْصُور بن الصفار سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ سَمِعت جدي ابْن الْفَارِسِي يَقُول سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي يَقُول سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عَليّ الدقاق يَقُول من استهان بأدب من آدَاب الْإِسْلَام عُوقِبَ بحرمان السّنة وَمن ترك سنة عُوقِبَ بحرمان الْفَرِيضَة وَمن استهان بالفرائض قيض الله لَهُ مبتدعا يذكر عِنْده بَاطِلا فيوقع فِي قلبه شُبْهَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 قَالَ أَبُو عَليّ فِيمَا رُوِيَ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أكْرم غَنِيا لغناه ذهب ثلثا دينه) إِنَّمَا ذَلِك لِأَن المرأ بِقَلْبِه وَلسَانه وَنَفسه فَإِذا تواضع لَغَنِيّ بِلِسَانِهِ وَنَفسه ذهب ثلثا دينه فَإِن اعْتقد فَضله بِقَلْبِه كَمَا تواضع لَهُ بِلِسَانِهِ وَنَفسه ذهب دينه كُله وَقَالَ تكلم النَّاس فِي الْفقر والغنى أَيهمَا أفضل وَعِنْدِي الْأَفْضَل أَن يعْطى الرجل كِفَايَته ثمَّ يصان فِيهِ 386 - الْحسن بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس القَاضِي الإِمَام الْجَلِيل أَبُو عَليّ الزجاجي أحد أَئِمَّة الْأَصْحَاب لم أجد لَهُ تَرْجَمَة تشفي الغليل وَقد كَانَ أجل اَوْ من أجل تلامذة أبي الْعَبَّاس ابْن الْقَاص وَمن أجل مَشَايِخ القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق لَهُ كتاب زِيَادَة الْمِفْتَاح وَعنهُ أَخذ فُقَهَاء آمل قلت وَله أَيْضا كتاب فِي الدّور علقه عَن ابْن الْقَاص قلت وَأرَاهُ توفّي فِي حد الأربعائة إِمَّا قبلهَا وَإِمَّا بعْدهَا وَلَعَلَّ الْأَشْبَه أَن يكون قبل الأربعائة وَلذَلِك ذَكرْنَاهُ فِي الثَّالِثَة ثمَّ أعدنا ذكره هُنَا استظهارا وَقد وَقع لنا حَدِيثه لِأَن روى عَن شَيْخه ابْن الْقَاص جُزْءا فِي الْكَلَام على حَدِيث أبي عمر الحديث: 386 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 وَمن الْفَوَائِد والغرائب عَنهُ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي مسَائِل الدّور أصل هَذِه الْمسَائِل كلهَا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثا} فَعير من نقض شَيْئا بعد إثْبَاته لَهُ فَدلَّ أَن كل مَا أدّى إثْبَاته إِلَى نقضه بَاطِل إِذا قَاسم الْوَصِيّ الْوَرَثَة وَأخذ الثُّلُث الْمُوصى بِهِ لغير مُعينين فَتلف فِي يَده قَالَ أَبُو عَليّ الزجاجي لَيست هَذِه الْقِسْمَة إِلَى الْوَصِيّ كَمَا لَيْسَ إِلَيْهِ الْقِسْمَة فِي حق الْغَائِب ويؤتمن فِي ولَايَته فَإِذا تلف المَال فَإِن كَانَ بِغَيْر تعديه فَتَصِير الْقِسْمَة كَأَن لم تكن فَيخرج الثُّلُث ثَانِيًا وَقَالَ أَبُو عَليّ الثَّقَفِيّ صحت الْقِسْمَة وَبَطلَت الْوَصِيَّة نَقله القَاضِي أَبُو سعد فِي الإشراف وَالْقَاضِي شُرَيْح فِي أدب الْقَضَاء وَرجح أَبُو سعد قَول الثَّقَفِيّ وَقَالَ هُوَ كَزَكَاة وَاحِد دَفعهَا إِلَى الْعَامِل فَتلفت فِي يَده من غير تَفْرِيط 387 - الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو عَليّ الساوي الْفَقِيه الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ حدث بِدِمَشْق عَن أبي طَالب بن غيلَان وَأبي ذَر الْهَرَوِيّ وَغَيرهمَا روى عَنهُ نصر الْمَقْدِسِي وَهُوَ من أقرانه وَغَيره توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة عَن سِتّ وَسبعين سنة الحديث: 387 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 388 - الْحُسَيْن بن أَحْمد بن عَليّ أَبُو عبد الله بن الْبَقَّال تفقه على القَاضِي أبي الطّيب قَالَ ابْن النجار وَكَانَت لَهُ مقامات سنية فِي النّظر والجدال وَكَانَ فَقِيها فَاضلا بارعا كَامِلا مدققا حسن النّظر محققا جميل الطَّرِيقَة زاهدا متعبدا عفيفا نزها على طَريقَة السّلف ولي الْقَضَاء بحريم دَار الْخلَافَة عَن أبي عبد الله الدَّامغَانِي مولده سنة إِحْدَى وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 389 - الْحُسَيْن بن الْحسن بن مُحَمَّد بن حَلِيم بِاللَّامِ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ أحد أَئِمَّة الدَّهْر وَشَيخ الشافعيين بِمَا وَرَاء النَّهر قَالَ فِيهِ الْحَاكِم الْفَقِيه القَاضِي أَبُو عبد الله بن أبي مُحَمَّد أوحد الشافعيين بِمَا وَرَاء النَّهر وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر الْقفال وَأبي بكر الأودني قدم نيسابور سنة سبع وَسبعين حَاجا فَحدث وَخرجت لَهُ الْفَوَائِد ثمَّ قدمهَا سنة خمس وَثَمَانِينَ رَسُولا من السُّلْطَان فعقدنا لَهُ الْإِمْلَاء وَحدث مُدَّة مقَامه بنيسابور الحديث: 388 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 وروى عَنهُ الْحَاكِم وَعَن أَخِيه أبي الْفضل الْحسن بن أبي مُحَمَّد الْحسن الْحَلِيمِيّ وَفِي تَرْجَمَة الشَّيْخ أبي عبد الله ثمَّ قَالَ توفّي الْحَاكِم الْعَالم أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة قلت ومولده سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَكَذَلِكَ مولد أَخِيه أبي الْفضل الْحسن ولدا فِي سنة وَاحِدَة ببخارى كَذَا ذكره الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة أبي الْفضل قَالَ وَأَبُو عبد الله من حرَّة جرجانية وَأَبُو الْفضل من جَارِيَة تركية قَالَ وَأَبُو عبد الله حدث وَقضى فِي بِلَاد خُرَاسَان قلت وروى عَنهُ أَبُو سعد الكنجروذي ذَلِك وَقد وَقع لنا حَدِيثه من طَرِيقه أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أجازنا أَبُو روح أخبرنَا زَاهِر بن طَاهِر أخبرنَا الإِمَام أَبُو سعد مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن بن مُحَمَّد الْحَلِيمِيّ أخبرنَا أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن حمدَان الصَّيْرَفِي حَدثنَا أحيد بن الْحُسَيْن أخبرنَا مقَاتل بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا نوح بن أبي مَرْيَم عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لصَاحب الْقُرْآن دَعْوَة مستجابة عِنْد خَتمه) تفرد بِهِ نوح بن أبي مَرْيَم وَهُوَ نوح بن يزِيد قَاضِي مرو الْجَامِع أَبُو عصمَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 روى التِّرْمِذِيّ قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وضع نوح الْجَامِع حَدِيث فَضَائِل الْقُرْآن الطَّوِيل وروى عَن الزُّهْرِيّ وعدة وَقَالَ فِيهِ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث قلت وَقد نقل ابْن الْقطَّان أَن البُخَارِيّ قَالَ كل من قلت فِيهِ مُنكر الحَدِيث فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ وَمن مصنفات الْحَلِيمِيّ كتاب الْمِنْهَاج فِي شعب الْإِيمَان وَهُوَ من أحسن الْكتب وَفِيه مَا نَصه وَشرب الْخمر من الْكَبَائِر فَإِن استكثر الشَّارِب مِنْهُ حَتَّى سكر أَو جاهر بِهِ فَذَاك من الْفَوَاحِش فَإِن مزج خمرًا بِمِثْلِهَا من المَاء فَذَهَبت شرتها وشربها فَذَاك من الصَّغَائِر انْتهى والغرابة فِي قَوْله مزج فَذَاك من الصَّغَائِر وَلَعَلَّه أَرَادَ مزجا يصير الْمَجْمُوع بِهِ غير مُسكر أما إِذا مزج بِالْمَاءِ قدرا من الْخمر لَا يُخرجهُ المَاء بالمزج عَن كَونه مُسكرا فَلَا يظْهر إِلَّا أَنه من الْكَبَائِر جزما وَقَالَ فِيهِ أَيْضا قذف الْمُحْصنَات كَبِيرَة فَإِن كَانَت المقذوفة أما أَو أُخْتا أَو امْرَأَة قانتة كَانَ فَاحِشَة وَقذف الصَّغِيرَة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصَّغَائِر وَقَالَ أَيْضا أما الخدشة أَو الضَّرْبَة بالعصا مرّة أَو مرَّتَيْنِ فَمن الصَّغَائِر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 قَالَ الْأَصْحَاب إِذا اشْترك جمَاعَة فِي قتل وَاحِد إِن دم كل وَاحِد مِنْهُم مُسْتَحقّ للْوَلِيّ وَقَالَ الْحَلِيمِيّ الْقصاص مفضوض عَلَيْهِم فَإِذا قتل عشرَة وَاحِدًا فالمستحق للْوَلِيّ الْعشْر من دم كل وَاحِد إِلَّا أَنه لَا يُمكن اسْتِيفَاؤهُ إِلَّا بِاسْتِيفَاء الْبَاقِي وَقد يسْتَوْفى من الْمُتَعَدِّي غير الْمُسْتَحق إِذا لم يُمكن اسْتِيفَاء الْمُسْتَحق إِلَّا بِهِ كَمَا إِذا أَدخل الْغَاصِب الْمَغْصُوب فِي بَيت ضيق واحتيج فِي رده إِلَى قلع الْبَاب وَهدم الْجِدَار وكما إِذا وَقع دِينَار فِي محبرة وَلَا يُمكن إِخْرَاجه إِلَّا بِكَسْرِهَا فَإِنَّهَا تكسر وَلذَلِك نَظَائِر كَثِيرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 وَتظهر فَائِدَة الْخلاف بَين الْحَلِيمِيّ وَالْجُمْهُور فِي مسَائِل مِنْهَا لَو اشْتَركُوا فِي مُوضحَة وَاحِدَة فَهَل يقْتَصّ من كل وَاحِد بِقدر جَمِيع مَا أوضحه أَو توزع عَلَيْهِم ويوضح من كل بِقسْطِهِ وَفِيه احْتِمَالَانِ للْإِمَام وبالأول مِنْهُمَا قطع فِي التَّهْذِيب وَهُوَ يُوَافق قَول الْجُمْهُور بِخِلَاف الثَّانِي وَمِنْهَا لَو اشْتَركُوا فِي قتل خطأ فَإِن قُلْنَا بقول الْجُمْهُور ضرب على عَاقِلَة كل وَاحِد مَا يَخُصُّهُ فِي ثَلَاث سِنِين لِأَنَّهُ بدل النَّفس فَأشبه بدل النَّفس النَّاقِصَة وَإِن قُلْنَا بقول الْحَلِيمِيّ ضرب مَا يخص كل وَاحِد فِي سنة كأرش الطّرف وَمِنْهَا إِذا اشْتَركُوا فِي قتل خطأ فَهَل يجب على كل وَاحِد كَفَّارَة أَو على الْكل كَفَّارَة وَاحِدَة فِيهِ قَولَانِ أَولهمَا يُوَافق قَول الْجُمْهُور وَالثَّانِي قَول الْحَلِيمِيّ وَقد عورض الْحَلِيمِيّ فِي مقَالَته بِوُجُوه ثَلَاثَة الأول قَالَ الإِمَام إِن استدلاله بِالدِّيَةِ يبطل بقتل الرجل الْمَرْأَة فَإِنَّهُ يقتل بهَا وَإِذا آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة لم يجب إِلَّا نصفهَا وَأجَاب عَنهُ ابْن الرّفْعَة بِأَن نفس الْمَرْأَة جعلهَا الشَّرْع مَضْمُونَة بقصاص أَو دِيَة فِي نصف دِيَة الرجل فَمن انْفَرد بإتلافها ضمن كل الْبَدَل وَالرجل إِذا قَتلهَا ينْفَرد بِالْإِتْلَافِ بِخِلَاف مَا نَحن فِيهِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا أتلف الْعشْر فَوَجَبَ أَن لَا يضمن إِلَّا نصف الْمُقدر من الْقصاص كَمَا لَا يضمن إِلَّا عشر الْمُقدر من المَال وَالثَّانِي قَالَ الإِمَام قَوْله إِن الزَّائِد يسْتَوْفى تبعا بَاطِل كَمَا لَو قطع شخص يدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 من نصف الساعد فَإِنَّهُ لَا يجْرِي الْقصاص فِيهِ خوفًا من اسْتِيفَاء زِيَادَة على الْجِنَايَة بِجُزْء يسير فَكيف يريق تِسْعَة أعشار الدَّم من غير اسْتِحْقَاق لِاسْتِيفَاء عشر وَاحِد وَأجَاب عَنهُ ابْن الرّفْعَة بِأَن الْقيَاس الْمَنْع وَلَكِن وَجب حسم مَادَّة إهدار النُّفُوس وَذَلِكَ مَفْقُود فِي قطع نصف الساعد لِأَن الْقصاص مَشْرُوع وَالْحَالة هَذِه فِي الْكَفّ وَبِه تحصل صِيَانة الْعُضْو عَن الإهدار وعصمته قَالَ فِي الْمطلب وَهَذَا الْجَواب لَا محيص عَنهُ وَالثَّالِث ذكره ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة وَهُوَ أَن الْحَلِيمِيّ نَاقض أَصله إِذْ قَالَ فِيمَا إِذا قتل وَاحِد جمَاعَة وتمالأ على الْقَاتِل أَوْلِيَاء الْقَتِيل فَقَتَلُوهُ جَمِيعًا إِنَّه يكْتَفى بِهِ عَن جَمِيعهم وَلَا رُجُوع إِلَى الدِّيَة محتجا لَهُ بِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة الَّتِي هِيَ عكس هَذِه يَجْعَل كل وَاحِد كالمنفرد بِالْقَتْلِ فَلَمَّا جعل كالمنفرد فِي الاعتداء فَكَذَلِك فِي الِاسْتِيفَاء فَيُقَال للحليمي أَنْت لم تجْعَل كل وَاحِد فِي تِلْكَ كالمنفرد بل صَاحب عشر قلت لَعَلَّ الْحَلِيمِيّ لم يبن هُنَا كَلَامه على مقَالَته بل على مقَالَة الْأَصْحَاب وَإِن بنى على أَصله فقد يَقُول كَمَا نزل الشَّارِع من اعْتدى على عشر دم منزلَة المعتدى على كُله فِي وجوب الْقصاص كَذَلِك ينزل من استوفى مَعَ آخر منزلَة الْمُنْفَرد بِالِاسْتِيفَاءِ وَمن مسَائِل الْحَلِيمِيّ أَنه يسْتَحبّ الْغسْل لكل لَيْلَة من رَمَضَان وَأَن الْقَيْء إِذا خرج غير متغير فَهُوَ طَاهِر كالإنفحة وَكَذَلِكَ فِي التَّتِمَّة والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة أَن الْقَيْء نجس من غير تَفْصِيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 وَأَن الْإِنْسَان إِذا خرج مِنْهُ ريح فَإِن كَانَت ثِيَابه رطبَة تنجست وَإِن كَانَت يابسة فَلَا وَكَذَا قَالَ القَاضِي لَو أصَاب دُخان النَّجَاسَة ثوبا فَإِن كَانَ رطبا نجسه وَإِن كَانَ يَابسا فَوَجْهَانِ وَلَو دخل الإصطبل وراثت الدَّوَابّ وَخرج مِنْهَا دُخان فَإِن أصَاب ثوبا رطبا نجسه أَو يَابسا فَوَجْهَانِ وَمن غرائب الْحَلِيمِيّ أَيْضا قَوْله إِنَّا إِذا قُلْنَا بِإِبَاحَة الدُّف فَلَا يجوز تعاطيه إِلَّا للنِّسَاء وَالْجُمْهُور لم يفرقُوا بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله وَفرق الْحَلِيمِيّ ضَعِيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 وَقَالَ فِي الْمِنْهَاج فِي بَاب الْحَث على ترك الْحَسَد إِن تمني الْكفْر لَا يكون كفرا إِلَّا إِذا كَانَ على وَجه الِاسْتِحْسَان لَهُ وَاسْتدلَّ بِدُعَاء مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على فِرْعَوْن وَقَومه حَيْثُ قَالَ {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم} قَالَ فاستقباح الْإِنْسَان الْكفْر هُوَ الَّذِي يحملهُ أَن يَدْعُو بِهِ على عدوه أَو يتمناه لَهُ واستحسانه الْإِسْلَام هُوَ الَّذِي يحملهُ على أَن يكرههُ لَهُ هَذَا ملخص كَلَامه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 390 - الْحُسَيْن بن شُعَيْب بن مُحَمَّد السنجي من قَرْيَة سنج بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا نون سَاكِنة ثمَّ جِيم وَهِي من أكبر قرى مرو وَهَذَا هُوَ الإِمَام الْجَلِيل الشَّيْخ أَبُو عَليّ السنجي فَقِيه الْعَصْر وعالم خُرَاسَان وَأول من جمع بَين طريقتي الْعرَاق وخراسان وَهُوَ وَالْقَاضِي الْحُسَيْن أَنْجَب تلامذة الْقفال وَقد تفقه على شيخ الْعِرَاقِيّين الشَّيْخ أبي حَامِد بِبَغْدَاد وعَلى شيخ الخراسانيين أبي بكر الْقفال بمرو وَهُوَ أخص بِهِ كتب بنيسابور عَن السَّيِّد أبي الْحسن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْعلوِي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ وببغداد عَن أَصْحَاب الْمحَامِلِي وصنف شرح الْمُخْتَصر وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه إِمَام الْحَرَمَيْنِ بِالْمذهبِ الْكَبِير وَشرح تَلْخِيص ابْن الْقَاص وَشرح فروع ابْن الْحداد قَالَ بعض أَصْحَابنَا بنيسابور الْأَئِمَّة بخراسان ثَلَاثَة مكثر مُحَقّق ومقل مُحَقّق ومكثر غير مُحَقّق فَأَما المكثر الْمُحَقق فالشيخ أَبُو عَليّ السنجي وَأما الْمقل الْمُحَقق فالشيخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالْمُكثر غير الْمُحَقق فالفقيه نَاصِر الْعمريّ الْمروزِي وَمن مستحسن الْكَلَام الشَّيْخ وَالْقَاضِي زِينَة خُرَاسَان وَالشَّيْخ وَالْقَاضِي زِينَة الْعرَاق وهم الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْن وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب الحديث: 390 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 توفّي فِي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وقبره بِجنب أستاذه الْقفال بمقبرة مرو وَمن الْمسَائِل والغرائب والفوائد عَن الشَّيْخ أبي عَليّ حكى فِي شرح الْفُرُوع وَجها فِي فرع ابْن الْحداد الشهير وَهُوَ أول فروعه أَنه إِن مس الْكَلْب نفس الْإِنَاء لم يطهر بِطَهَارَة المَاء وَإِن مس المَاء دون الْإِنَاء فَإِذا طهر المَاء طهر الْإِنَاء وَهَذَا وَجه غَرِيب وَقد يشبه بِالْوَجْهِ الضَّعِيف فِي الصبة المفرق بَين أَن يلاقي مَحل الشّرْب فَيحرم أَو لَا فَلَا وَلَقَد أحسن الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي شرح هَذَا الْفَرْع وَهُوَ كلب ولغَ فِي إِنَاء فِيهِ مَاء اقل من قُلَّتَيْنِ ثمَّ صب فِي ذَلِك الْإِنَاء مَاء حَتَّى بلغ بِالْمَاءِ الأول قُلَّتَيْنِ فالماء طَاهِر مَا دَامَ قُلَّتَيْنِ فَإِن نقص فسد فَإِن الْإِنَاء نجس بِحَالهِ حَتَّى يغسل تَمام سبع إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِأَن الْإِنَاء لَو ولغَ فِيهِ الْكَلْب فألقي فِي الْبَحْر ثمَّ أخرج لم يطهر وَلم يكن إلقاؤه فِي الْبَحْر إِلَّا كغسلة وَاحِدَة هَذَا مَذْهَب ابْن الْحداد وَفِي الْمَسْأَلَة وَجه ثَالِث أَن الْإِنَاء يطهر وأجاد الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي الشَّرْح الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي من أشهر الْمسَائِل بَين الْأَصْحَاب وَمن أشهر مولدات ابْن الْحداد ثمَّ لَيست هِيَ فِي الرَّافِعِيّ وَإِنَّمَا تُؤْخَذ من كَلَامه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 قَالَ فِي الرَّوْضَة من زياداته فِي بَاب الْوضُوء وَلَو نسي لمْعَة فِي وضوئِهِ أَو فى غسله ثمَّ نسي أَنه تَوَضَّأ أَو اغْتسل فَأَعَادَ الْوضُوء أَو الْغسْل بنية الْحَدث أَجزَأَهُ وتكمل طَهَارَته بِلَا خلاف انْتهى وَقد حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ الْخلاف فِي شرح الْفُرُوع فَقَالَ رَأَيْت بعض أَصْحَابنَا قَالَ هَذَا على القَوْل الَّذِي يجوز تَفْرِيق الطَّهَارَة لِأَنَّهُ غسل قدر اللمْعَة فِي الْمرة الثَّانِيَة دون الأولى فَهَل تُجزئه على قَوْلَيْنِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَهَذَا غلط جدا لأَنا إِن لم نجوز التَّفْرِيق فَهُوَ قد غسل جَمِيع بدنه بنية الْجَنَابَة فأجزأ الْكل كَمَا أَجْزَأَ قدر اللمْعَة قَالَ وَمثل هَذِه الْمَسْأَلَة مَا قَالَ الْمُزنِيّ لَو أَن رجلا صلى الظّهْر وَنسي سَجْدَة مِنْهَا ثمَّ أدْرك تِلْكَ الصَّلَاة بِعَينهَا تصلى جمَاعَة فَصلاهَا وَعِنْده أَنه قد أَدَّاهَا مرّة على الْكَمَال لم يجزه مَا فعل عَن الْفَرْض وَعَلِيهِ أَن يُعِيد مرّة ثَالِثَة إِذا علم أَنه قد ترك سَجْدَة من الفعلة الأولى وَلَو كَانَت الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا صلى الظّهْر وَترك مِنْهَا سَجْدَة ثمَّ أدْرك تِلْكَ الصَّلَاة بِعَينهَا وَقد نسي أَن يكون صلى وَاحِدَة فَصلاهَا على أَنَّهَا عَلَيْهِ ثمَّ تذكر أَنه كَانَ قد صلاهَا مرّة وَترك سَجْدَة مِنْهَا أَجزَأَهُ الثَّانِي وَلم يضرّهُ مَا أغفله مِنْهَا فِي الْمرة الأولى وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا إِذا اغْتَسَلت الْمَرْأَة بعد الْحيض لتمكين الزَّوْج فَقَط هَل يرْتَفع حدثها وَالْمَسْأَلَة فِيهَا وُجُوه كَثِيرَة مَشْهُورَة إِلَّا أَن الصَّحِيح عِنْد الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام أَن الْحَدث يرْتَفع فنقله الشَّيْخ أَبُو عَليّ عَن شَيْخه وَهُوَ الْقفال ثمَّ قَالَ رَأَيْت للكثير من أَصْحَابنَا أَنه لَا يَصح انْتهى فَتكون الْجَمَاعَة قد صححوا خلاف مَا عَلَيْهِ الْكثير من الْأَصْحَاب على مَا نقل الشَّيْخ أَبُو عَليّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 وَبَعض النَّاس سَأَلَ أما هَذِه الْمَسْأَلَة أَعنِي مَا إِذا نَوَت تَمْكِين الزَّوْج فَقَط غير الْمَسْأَلَة الْمَشْهُورَة إِذا نوى رفع بعض الْأَحْدَاث وعينها ذَات الْأَوْجه وَالْجَوَاب أَن الْفَارِق أَن الَّذِي لَا يصحح هُنَا علته كَمَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ أَن اغتسالها وَقع لما ينْقضه وَهُوَ الْجِمَاع فَلَيْسَ فِي ضمنه رفع الْحَدث وَلَا يُوجب صِحَّته فِي حق الْوَطْء أَن يَصح فِي حق الصَّلَاة وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو عَليّ بِالْمذهبِ فِي أَن الذِّمِّيَّة إِذا اغْتَسَلت لتحل لزَوجهَا الْمُسلم يَصح فِي إِبَاحَة الْوَطْء دون الصَّلَاة لَو أسلمت قلت وَيشْهد لَهُ أَن الْمَرْأَة الَّتِي زَالَ حَيْضهَا لَو نَوَت بِالْغسْلِ الصَّلَاة فَقَط لجَاز للزَّوْج الْوَطْء بِلَا شكّ على هَذَا فَدلَّ على أَن المأخذ لَيْسَ هُوَ اسْتِبَاحَة بعض مَا يستباح وَحده قَالَ الإِمَام فِي الأساليب فِي تَقْوِيم الطَّعَام الْمَغْصُوب الْإِنْسَان إِذا أَشَارَ إِلَى طَعَام غَيره فَقَالَ أَلِي وَذكر لآخر ذَلِك وأباح لَهُ أكله فَإِذا غرمه رَجَعَ على من غره وَإِن لم تثبت يَد الْغَار عَلَيْهِ تعويلا على الْغرُور وَهَذَا مَذْهَب حَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو عَليّ وارتضاه لنَفسِهِ وَهُوَ جَار على طرق قِيَاس الْغرُور انْتهى كَلَام الأساليب قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي شرح التَّلْخِيص بعد مَا حكى الْخلاف فِي التَّفْرِيق بَين الْجَارِيَة وَوَلدهَا الْمَرْهُونَة بِالْبيعِ مَا نَصه وَلَو كَانَ للرَّاهِن سوى الْجَارِيَة وَوَلدهَا كلف قَضَاء الدّين مِنْهُ وَلَا تبَاع لِأَن بيعهَا دون الْوَلَد أَو مَعَ الْوَلَد وَلَيْسَ برهن كِلَاهُمَا ضَرُورَة فَلَا يُصَار إِلَيْهِ مَعَ وجود المَال ويحكى هَذَا عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 نَقله عَنهُ صَاحب التَّعْجِيز فِي شَرحه للوجيز وَهُوَ غَرِيب حسن لَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِيهِ قطع نَبَات الْحرم غير الْإِذْخر حكى الإِمَام فِي النِّهَايَة عَن شرح التخليص للشَّيْخ أبي عَليّ وَجْهَيْن فِيمَا لَو احْتِيجَ إِلَى قطع نَبَات غير الْإِذْخر من الْحرم للدواء هَل يجوز قطعه قِيَاسا على الْإِذْخر وَتَبعهُ الْغَزالِيّ والرافعي وَمن بعدهمَا وَلم أر فِي شرح التَّلْخِيص للشَّيْخ أبي عَليّ عَن حِكَايَة الْوَجْهَيْنِ إِلَّا فِي وجوب الْجَزَاء أما الْقطع فَجزم بِجَوَازِهِ 391 - حُسَيْن بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الحديث: 391 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 392 - الْحُسَيْن بن عَليّ بن جَعْفَر بن علكان ابْن الْأَمِير أبي دلف الْعجلِيّ أَبُو عبد الله الجرباذقاني الْمَعْرُوف بِابْن مَاكُولَا ولي قَضَاء الْقُضَاة بِبَغْدَاد من قبل الْقَادِر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ قد ولي قبلهَا قَضَاء الْبَصْرَة قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ نزها عفيفا لم نر قَاضِيا أعظم نزاهة مِنْهُ وَلَا أظلف نفسا وسمعته يذكر أَنه سمع الحَدِيث بأصبهان من أبي عبد الله بن مندة الْحَافِظ مَاتَ فِي ثامن عشر شَوَّال سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَقيل إِن مولده سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة 393 - الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ صَاحب الْعدة الْمَوْضُوعَة شرحا على إبانة الفوراني إِمَام كَبِير الحديث: 392 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 تفقه على نَاصِر الْعمريّ بخراسان وعَلى القَاضِي أبي الطّيب بِبَغْدَاد صَغِيرا ولازم بعده الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وبرع وَصَارَ من عُظَمَاء أَصْحَابه ودرس بالنظامية بعد أبي الْقَاسِم الدبوسي مُنْفَردا ثمَّ اشْترك فِيهَا مَعَ أبي مُحَمَّد الفامي فَكَانَ يدرس كل مِنْهُمَا يَوْمًا إِلَى أَن قدم الْغَزالِيّ فعزلا جَمِيعًا بِهِ إِلَى أَن ترك الْغَزالِيّ تدريسها فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة فأعيد صَاحب الْعدة إِلَى التدريس وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا أشعري العقيدة جرت بَينه وَبَين الْحَنَابِلَة الْقَائِلين بالحرف وَالصَّوْت خطوب وَسمع الحَدِيث من القَاضِي أبي الطّيب وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَغَيرهمَا وَسمع صَحِيح مُسلم من عبد الغافر الْفَارِسِي روى عَنهُ إِسْمَاعِيل الْحَافِظ والسلفي وَآخَرُونَ وجاور بِمَكَّة وَصَارَ لَهُ بهَا أعقاب وَأَوْلَاد وَالْأَقْرَب أَنه توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة لَا أَدْرِي بِمَكَّة أم بأصبهان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 وَهَذَا الَّذِي ذكرته فِي تَرْجَمته ملخص من اخْتِلَاف كثير وَقع نبهت عَلَيْهِ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى واقتصرت هُنَا على مَا وَقع لي أَنه الصَّوَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 وَمن الْمسَائِل والغرائب عَنهُ مَسْأَلَة تعمد الْكَذِب هَل هُوَ من الصَّغَائِر أَو الْكَبَائِر حَتَّى ترد الشَّهَادَة بالمرة الْوَاحِدَة مِنْهُ هَذِه الْمَسْأَلَة قد استبهم عَليّ وَجه النَّقْل فِيهَا فقضية مَا وجدته فِي أَكثر الْكتب أَي كتب الْمُتَقَدِّمين من أَصْحَابنَا يشْهد لكَونه كَبِيرَة وَقَضِيَّة مَا وجدته فِي أَكثر كتب الْمُتَأَخِّرين يشْهد لكَونه صَغِيرَة وَالنَّفس إِلَى الأول أميل لِكَثْرَة الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي التحذير مِنْهُ وَقد جمعت فِي الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِيهِ مَجْلِسا جَامعا وَقد لخص الْكَلَام بكذب فِيهِ ضَرَر وَأما مَا لَا ضَرَر فِيهِ وَفِيه غَرَض صَحِيح فَلَا يخفى لِخُرُوجِهِ عَن الْمعْصِيَة مُطلقًا وَأما مَا لَا غَرَض فِيهِ صَحِيح وَلَا ضَرَر فقد يُقَال إِنَّه صَغِيرَة وَلكنه مسْقط للمروءة فَترد بِهِ الشَّهَادَة من هَذَا الْوَجْه وَقد يُقَال بل مَا فِيهِ ضَرَر كَبِيرَة وَمَا لَا ضَرَر فِيهِ مَوضِع النّظر فِي أَنه كَبِيرَة أم صَغِيرَة وَبِالْجُمْلَةِ الْكَلَام فِي الْكَذِب من حَيْثُ هُوَ كذب ذكر الرَّافِعِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات أَن صَاحب الْعدة عد من الصَّغَائِر الْكَذِب الَّذِي لَا حد فِيهِ وَلَا ضَرَر وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي بَاب الرَّهْن وَفِي الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع وَلَو زعم كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه مَا رهن نصِيبه وَأَن شَرِيكه رهن وَشهد عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ وَيُقَال قَولَانِ أَحدهمَا وَبِه قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه لَا تقبل شَهَادَة وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن الْمُدَّعِي يزْعم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا كَاذِب ظَالِم بالجحود وَطعن الْمَشْهُود لَهُ فِي الشَّاهِد يمْنَع قبُول شَهَادَته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 وَالثَّانِي تقبل وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُمَا رُبمَا نسيا وَإِن تعمدا فالكذبة الْوَاحِدَة لَا توجب الْفسق وَلِهَذَا لَو تخاصم رجلَانِ فِي شَيْء ثمَّ شَهدا فِي حَادِثَة تقبل شَهَادَتهمَا وَإِن كَانَ أَحدهمَا كَاذِبًا فِي ذَلِك التخاصم انْتهى وَقَالَ فِي كتاب الشَّهَادَات بعد كَلَامه الْمُتَقَدّم فِيمَن يمدح النَّاس ويطري إِذا كَانَ كذبا مَحْضا عَامَّة الْأَصْحَاب وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي أَنه كَسَائِر أَنْوَاع الْكَذِب حَتَّى إِذا أَكثر مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته كَمَا إِذا أَكثر الْكَذِب فِي غير الشّعْر وَعَن الْقفال والصيدلاني لَا يلْتَحق بِالْكَذِبِ لِأَن الْكَاذِب يرى الْكَذِب صدقا ويروجه وَلَيْسَ غَرَض الشَّاعِر أَن يصدق فِي شعره وَإِنَّمَا هُوَ صناعَة وعَلى هَذَا فَلَا فرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَهَذَا حسن بَالغ انْتهى وَلست على ثِقَة بِأَن قَوْله حَتَّى إِذا أَكثر مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته إِلَى آخِره من منقوله عَن عَامَّة الْأَصْحَاب بل قد يكون زِيَادَة من عِنْده فرعها على قَول الْأَكْثَرين أَنه كَسَائِر أَنْوَاع الْكَذِب فَلَمَّا كَانَ فِي ذهنه مَعَ ذَلِك أَن سَائِر أَنْوَاع الْكَذِب يفرق بَين قَلِيله وَكَثِيره ذكر هَذِه الزِّيَادَة كَذَا أَحسب وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فرع لَو كذب عَن قصد ردَّتْ شَهَادَته وَإِن لم يكن فِيمَا يَقُوله من الْكَذِب ضَرَر على غَيره من نميمة أَو بهتان لِأَن الْكَذِب حرَام بِكُل حَال قَالَ الْقفال إِلَّا أَن يَقُول ذَلِك على مَذْهَب الْكتاب وَالشعرَاء وَفِي الْمُبَالغَة فِي الْكَلَام مثل أَن يشبه الرجل فِي الشجَاعَة بالأسد وَلَعَلَّه من أجبن النَّاس وبالبدر حسنا وَإِنَّمَا يعد تنزيلنا للْكَلَام وَهُوَ بِمَنْزِلَة لَغْو الْيَمين لَا حكم لَهُ وَقد روى مُوسَى بن شيبَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبطل شَهَادَة رجل من كذبة كذبهَا وَهَذَا مُرْسل انْتهى لفظ الْبَحْر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 وَبِه تبين أَيْضا أَن قَول الرَّافِعِيّ وعَلى هَذَا لَا فرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير بحث مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ من كَلَام الْقفال والصيدلاني لِأَن الْقفال أطلق القَوْل وَلم يبين تعميمه وَقد يفرق مَعَ ذَلِك بَين الْقَلِيل وَالْكثير فَلْينْظر من هَذَا مَسْأَلَة إِدْخَال المجانين وَالصغَار الْمَسْجِد ذكر الرَّافِعِيّ عَن صَاحب الْعدة ساكتا عَلَيْهِ أَنه عد من صغَار الذُّنُوب إِدْخَال الصغار والمجانين والنجاسات الْمَسْجِد فَأَما النَّجَاسَات فَوَاضِح كَونه مَعْصِيّة وَأما إِدْخَال الصغار والمجانين فَلَعَلَّ المُرَاد إدخالهم مَعَ الْغَفْلَة عَنْهُم بِحَيْثُ لَا يُؤمن أذاهم فِي الْمَسْجِد وَإِلَّا فمجرد إدخالهم لَا يظْهر تَحْرِيمه عد فِي الْعدة أَيْضا التغوط فِي طَرِيق الْمُسلمين وكشف الْعَوْرَة فِي الْحمام من صغائر الذُّنُوب كَمَا نَقله عَنهُ الرَّافِعِيّ ساكتا عَلَيْهِ فرع من بَاب صول الْفَحْل قَالَ صَاحب الْعدة فِيهَا فِي الْبَاب الثَّانِي من أَبْوَاب ثَلَاثَة عقدهَا فِي الضمانات وَهُوَ بَاب صول الْفَحْل مَا نَصه فَإِن قطع يَد رجل عِنْد الْقَصْد فَلَمَّا تولى تبعه وَقَتله كَانَ لوَلِيِّه الْقصاص فِي النَّفس لِأَنَّهُ حِين ولى عَنهُ لم يكن لَهُ أَن يقْتله ولورثة الْمَقْصُود أَن يرجِعوا فِي تَركه القاصد بِنصْف الدِّيَة لِأَن الْقصاص سقط عَنهُ بهلاكه اهـ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 وَهُوَ صَحِيح وَالضَّمِير فِي قَوْله قطع عَائِد على القاصد وَفِي تبعه عَائِد على الْمَقْصُود إِلَى أَن قَالَ الصَّائِل قطع يَد رجل صيالا ثمَّ تولى فَتَبِعَهُ الْمَقْطُوع الْمَقْصُود فَقتله فورثه الْمَقْتُول وَهُوَ الصَّائِل ترجع على وَرَثَة الْمَقْطُوع وَهُوَ المصول عَلَيْهِ ابْتِدَاء بِالْقصاصِ وَترجع وَرَثَة الْمَقْطُوع إِذا قتل قصاصا على وَرَثَة الْمَقْتُول بِنصْف الدِّيَة ليد مُورثهم المقطوعة ظلما بالصيال فَهَذَا صَحِيح وَقد نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْأُم فَقَالَ قبل مَا جَاءَ فِي الرجل يقتل ابْنه من جراح الْعمد مَا نَصه وَلَو شهدُوا أَنه أقبل إِلَيْهِ فِي صحراء بسلاح فَضَربهُ فَقطع يَدي الَّذِي ارْتَدَّ ثمَّ ولى عَنهُ فأدركه فذبحه أقدته مِنْهُ وضمنت الْمَقْتُول دِيَة يَدي الْقَاتِل اهـ وَالْمَسْأَلَة من مشهورات المنصوصات وَقد وَقع فِيهَا شَيْء عَجِيب وَذَلِكَ أَن صَاحب الْبَيَان فهم أَن الْمَقْطُوع هُوَ الْمَقْتُول وَهُوَ الصَّائِل فَاعْترضَ باعتراض صَحِيح لَو كَانَ الْأَمر على مَا فهمه وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ رحمهمَا الله وَهَذِه عبارَة الْبَيَان وَإِن قَصده فَقطع يَده فولى عَنهُ ثمَّ تبعه فَقتله كَانَ لوَلِيِّه الْقصاص فِي النَّفس لِأَنَّهُ لما ولى عَنهُ لم يكن لَهُ قَتله قَالَ فِي الْعدة ولورثة الْمَقْصُود أَن يرجِعوا فِي تَرِكَة القاصد بِنصْف الدِّيَة لِأَن الْقصاص سقط عَنهُ بهلاكه وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَنهم لَا يرجعُونَ بِشَيْء كَمَا لَو اقْتصّ مِنْهُ فَقطع يَده ثمَّ قَتله فَلِأَن النَّفس لَا تنقص بِنُقْصَان الْيَد وَلِهَذَا لَو قتل رجل لَهُ يدان رجلا لَيْسَ لَهُ إِلَّا يَد وَاحِدَة قتل بِهِ وَلَا شَيْء لوَرَثَة الْقَاتِل اهـ لَفظه والاعتراض ناشىء عَن فهمه أَن الْمَقْطُوع يَده هُوَ الصَّائِل وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ وَاقْتصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 على عزو الْمَسْأَلَة إِلَى الْبَيَان وَصرح بِأَن الْمَقْطُوع يَده هُوَ الصَّائِل فَقَالَ وَفِي الْبَيَان أَنه لَو قطع يَد الصَّائِل فِي الدّفع إِلَى آخر كَلَام الْبَيَان وَسكت عَلَيْهِ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وهما معذوران وَلَو نظرا النَّص لقالا وَلَو قطع يَد المصول عَلَيْهِ وتعلما أَن اعْتِرَاض العمراني فِي الْبَيَان ناشىء عَن تَصْوِير الْمَسْأَلَة على غير وَجههَا 394 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عَليّ القَاضِي المروروذي الإِمَام الْجَلِيل أحد رفعاء الْأَصْحَاب وَمن لَهُ الصيت فِي آفَاق الْأَرْضين وَهُوَ صَاحب التعليقة الْمَشْهُورَة وساحب ذيول الفخار المرفوعة المجرورة وجالب التَّحْقِيق إِلَى سوق الْمعَانِي حَتَّى يخرج الْوَجْه من صُورَة إِلَى صُورَة السَّامِي على آفَاق السَّمَاء والعالي على مِقْدَار النَّجْم فِي اللَّيْلَة الظلماء وَالْحَال فَوق فرق الفرقد وَكَذَا تكون عزائم الْعلمَاء قَاض مكمل الْفضل فَلَو يتعرف بِهِ النُّحَاة لما قَالَت فِي قَاض إِنَّه مَنْقُوص وبحر علم زخرت فَوَائده فعمت النَّاس وتعميم الْفُقَهَاء بهَا للخصوص وَإِمَام تصطف الْأَئِمَّة خَلفه كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص كَانَ القَاضِي جبل فقه منيعا صاعدا وَرجل علم من يساجله يساجل ماجدا الحديث: 394 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 وَبَطل بحث يتْرك الْقرن مصفرا أنامله قَائِما وَقَاعِدا روى الحَدِيث عَن أبي نعيم عبد الْملك الإسفرايني روى عَنهُ عبد الرَّزَّاق المنيعي وتلميذه محيي السّنة الْبَغَوِيّ وَغَيرهمَا وتفقه على الْقفال الْمروزِي وَهُوَ وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ أَنْجَب تلامذته وأوسعهم فِي الْفِقْه دَائِرَة وأشهرهم بِهِ اسْما وَأَكْثَرهم لَهُ تَحْقِيقا وللقاضي رَحمَه الله مَعَ ذَلِك الغوص على الْمعَانِي الدقيقة وَكَثْرَة التَّحْرِير وسداد النّظر ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق وَقَالَ فِيهِ فَقِيه خُرَاسَان قَالَ وَكَانَ عصره تَارِيخا بِهِ قَالَ الرَّافِعِيّ وَكَانَ يُقَال لَهُ حبر الْأمة قلت وَفِي كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه حبر الْمَذْهَب على الْحَقِيقَة وَتخرج عَلَيْهِ من الْأَئِمَّة عدد كثير مِنْهُم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَصَاحب التَّتِمَّة والتهذيب الْمُتَوَلِي وَالْبَغوِيّ وَغَيرهم قَالَ الرَّافِعِيّ سَمِعت سبطه الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن القَاضِي الْحُسَيْن يَقُول أَتَى القَاضِي رَحمَه الله رجل فَقَالَ حَلَفت بِالطَّلَاق أَنه لَيْسَ أحد فِي الْفِقْه وَالْعلم مثلك فَأَطْرَقَ رَأسه سَاعَة وَبكى ثمَّ قَالَ هَكَذَا يفعل موت الرِّجَال لَا يَقع طَلَاقك وَقد تكلمنا على هَذِه الْحِكَايَة فِي أول ديباجة هَذَا الْكتاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 توفّي القَاضِي رَحمَه الله فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمن شعره (إِذا مَا رماك الدَّهْر يَوْمًا بنكبة ... فأوسع لَهَا صَدرا وَأحسن لَهَا صبرا) (فَإِن إِلَه الْعَالمين بفضله ... سيعقب بعد الْعسر من فَضله يسرا) وَمن الرِّوَايَة عَنهُ وَهِي عزيزة أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْحَمَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن مُحَمَّد البعلي أخبرنَا أَبُو الْمجد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الْقزْوِينِي أخبرنَا الإِمَام أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بحفدة العطاري ح وَأخْبرنَا جمَاعَة من مَشَايِخنَا مِنْهُم الحافظان أَبُو الْحجَّاج الْمزي وَأَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ عَن أبي الْحسن بن البُخَارِيّ عَن فضل الله بن مُحَمَّد النوقاني قَالَا أخبرنَا الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ قَالَ حفدة سَمَاعا وَقَالَ فضل الله إجَازَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القَاضِي أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الشَّاة حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد حفيد الْعَبَّاس بن حَمْزَة حَدثنَا جدي الْعَبَّاس بن حَمْزَة حَدثنَا مُحَمَّد بن مهَاجر حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة وَعبد الله بن نمير وَأَبُو أُسَامَة قَالُوا حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من سلك طَرِيقا يَبْتَغِي فِيهِ علما سهل الله لَهُ بِهِ طَرِيقا إِلَى الْجنَّة) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 561 - يَعْقُوب بن سُلَيْمَان بن دَاوُد أَبُو يُوسُف الإسفرايني خَازِن كتب الْمدرسَة النظامية بِبَغْدَاد 562 - يُوسُف بن أَحْمد بن كج القَاضِي الإِمَام أحد أَرْكَان الْمَذْهَب أَبُو الْقَاسِم الدينَوَرِي صَاحب أبي الْحُسَيْن بن الْقطَّان وَحضر مجْلِس الداركي وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي حفظ الْمَذْهَب وارتحل النَّاس إِلَيْهِ من الْآفَاق وأطنبوا فِي وَصفه بِحَيْثُ يفضله بَعضهم على الشَّيْخ أبي حَامِد وَقَالَ لَهُ فَقِيه يَا أستاذ الِاسْم لأبي حَامِد وَالْعلم لَك قَالَ ذَاك رفعته بَغْدَاد وحطتني الدينور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 وَجْهَيْن الْجَوَاز لِأَنَّهُ اسْتقْبل الْقبْلَة وَالْمَنْع لِأَن قبلته وَجه دَابَّته أقرّ فِي مرض مَوته بِأَن مَا فِي هَذَا الدَّار لفُلَان وَمَات فَتَنَازَعَ الْمقر لَهُ وَالْوَرَثَة فِي بعض أَمْتعَة الدَّار فَقَالَ الْوَرَثَة لم يكن هَذَا فِي الدَّار وَقت الْإِقْرَار أجَاب القَاضِي الْحُسَيْن بِأَن القَوْل قَول الْمقر لَهُ لِأَنَّهُ أقرّ لَهُ بِمَا فِي الدَّار وَقد وجدنَا هَذَا الشَّيْء مَوْضُوعا فِيهَا بعد الْإِقْرَار وَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا تسمع الدَّعْوَى على أَنه كَانَ فِي الدَّار لِأَن كَونه فِي الدَّار غير مَقْصُود بل يَدعِي أَن الْأَب أقرّ لي بِهِ وَالْقَوْل قَول الْوَارِث مَعَ يَمِينه يحلف أَنه لَا يعلم إِقْرَار الْأَب بِهِ قلت نَظِير الْمَسْأَلَة أَن يقر بِمَا فِي يَده ثمَّ يتنازع مَعَ الْمقر لَهُ فِي شَيْء هَل كَانَ فِي يَده وَقت الْإِقْرَار والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة أَن القَوْل قَول الْمقر وَهُوَ يشْهد لما قَالَه الْبَغَوِيّ هُنَا رجل ضل شمشكه فِي ضِيَافَة وَترك هُنَاكَ شمشك آخر قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن لَيْسَ لَهُ لبسه وَإِن علم أَنه شمشك من أَخذ شمشكه وَإِن فعل عصى الله وَقع فِي شرح الْمِنْهَاج للوالد رَحمَه الله أَن القَاضِي الْحُسَيْن منع اسْتِئْجَار الْوَالِد وَلَده للْخدمَة وَالَّذِي فِي تعليقة القَاضِي نقل ذَلِك عَن أبي حنيفَة فَقَط وَمن الغرائب أَن مثل هَذَا وَقع للنووي فِي الرَّوْضَة فحكاه وَجها وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ عزوه إِلَى أبي حنيفَة فَقَط فِي فتاوي القَاضِي أَنه لَو دخل سَارِق دَار إِنْسَان فَلم يُمكنهُ الْخُرُوج زَمَانا وَبَقِي مختفيا لَا يجب عَلَيْهِ أُجْرَة الْمثل لِأَنَّهُ لم يستول عَلَيْهَا بِإِزَالَة يَد الْمَالِك بِخِلَاف الْغَاصِب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 قلت وَقد تنَازع فِي هَذَا القَوْل صَاحب التَّتِمَّة فِيمَن جلس مَعَ غَيره على بساطه بِغَيْر إِذْنه أَنه يلْزمه الْأُجْرَة وَإِن لم يزعج الْمَالِك وَلَكِن الْفرق أَن الْجَالِس على الْبسَاط قَاصد الِانْتِفَاع بِخِلَاف السَّارِق فَإِن الضَّرُورَة أرهقته وَمن مَسْأَلَة التَّتِمَّة لَا مَسْأَلَة القَاضِي يُؤْخَذ فرع كثير الْوُقُوع شخص يدْخل دَار غَيره على سَبِيل التَّنَزُّه دون الْغَصْب فَالظَّاهِر وجوب الْأُجْرَة عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَمَسْأَلَة السّرقَة وبل هُوَ أولى بِالْوُجُوب من مَسْأَلَة التَّتِمَّة قَالَ القَاضِي فِي التعليقة عِنْد نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة إِذا عين الْخُرُوج عَن غير مَا هُوَ فِيهِ عَامِدًا بطلت سَوَاء اشترطنا نِيَّة الْخُرُوج أم لم نشترطها لِأَنَّهُ أبطل مَا هُوَ فِيهِ بنية الْخُرُوج عَن غَيره وخرجه فِيمَا إِذا كَانَ سَاهِيا على وجوب نِيَّة الْخُرُوج وَالَّذِي جزم بِهِ الرَّافِعِيّ تَفْرِيعا على وجوب نِيَّة الْخُرُوج إِنَّمَا هُوَ الْبطلَان عِنْد التعمد لَا عِنْد السَّهْو وتفريعا على عدم الْوُجُوب أَنه لَا يضر الْخَطَأ فِي التَّعْيِين فرع مُهِمّ فِي الدّين فِيهِ خلاف بَين الْقفال وَالْقَاضِي قَالَ القَاضِي فِي التعليقة فِي بَاب صفة الصَّلَاة بعد كَلَامه على التَّشَهُّد فِي الْمَرْء يتَيَقَّن أَنه ترك فِي عمره صلوَات لَا يدْرِي كم عَددهَا مَا نَصه فرع رجل عَلَيْهِ فوائت لَا يدْرِي قدرهَا وَلَا عَددهَا كَانَ الْقفال يَقُول يُقَال لَهُ قدم وهمك وَخذ بِمَا تتيقن فَمَا تيقنت وُجُوبه فِي ذِمَّتك فَعَلَيْك قَضَاؤُهُ وَمَا شَككت فِي وُجُوبه فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 بِخِلَاف مَا لَو شكّ فِي أَدَاء فرض الْوَقْت يلْزمه فعله لِأَن الأَصْل وُجُوبه فِي الذِّمَّة وَوَقع الشَّك فِي سُقُوطه عَن ذمَّته وَفِيمَا نَحن فِيهِ شكّ فِي أصل الْوُجُوب قبل الْيَقِين وَالطَّرِيق فِيهِ أَن يُقَال لَهُ إِذا كَانَ عدد من الصُّبْح أَو الظّهْر هَل تتيقن أَنه صبح أَو ظهر وَاحِد فَإِن قَالَ نعم قُلْنَا عَلَيْك فعلهَا ثمَّ نقُول هَل تتيقن أَنَّهَا صبحان أَو ظهران فَإِن قَالَ نعم قُلْنَا عَلَيْك فعلهَا وَهَكَذَا إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى حَال يشك فِيهِ فنطرح عَنهُ الْمَشْكُوك ونكلفه أَدَاء الْيَقِين قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن وَعِنْدِي يُقَال للْمُصَلِّي كم تيقنت من فَرَائض هَذِه السّنة قد أديتها فَالَّذِي تيقنت سقط عَنْك وَالْبَاقِي فِي ذِمَّتك لِأَن الأَصْل اشْتِغَال ذِمَّتك بالفريضة وَمَا قَالَه الْقفال يخرج على القَوْل الْقَدِيم أَنه لَو شكّ أَنه هَل ترك ركنا من أَرْكَان الصَّلَاة فعلى قَوْله الْقَدِيم الأَصْل مضيه على السَّلامَة وَفِي الْجَدِيد يلْزمه الِاسْتِئْنَاف لِأَن الأَصْل اشْتِغَال ذمَّته بِهِ وَلَو أَنه على الشَّك قضى فَائِتَة فَالَّذِي يُرْجَى فِيهِ من فضل الله تَعَالَى أَن يجْبر بهَا خللا فِي الْفَرَائِض ويحسبها لَهُ نفلا سَمِعت بعض أَصْحَاب القَاضِي أبي عَاصِم يَقُول إِنَّه قضى صلوَات عمره كلهَا مرّة وَقد اسْتَأْنف قضاءها ثَانِيًا وَمن مَذْهَب أبي حنيفَة لَو مرت عَلَيْهِ فوائت فَأَرَادَ أَن يَقْضِيهَا يَنْوِي أَولا أول صبح فَاتَهُ أَو أول ظهر ثمَّ بعد ذَلِك يَنْوِي مَا يَلِيهِ أَو يَنْوِي آخر ظهر أَو آخر صبح ثمَّ يَنْوِي مَا يَلِيهِ فَيُسْتَحَب أَن يَنْوِي على هَذَا الْوَجْه وَلَو أطلق النِّيَّة فَنوى قَضَاء فَائِتَة الصُّبْح أَو الظّهْر جَازَ انْتهى كَلَامه فِي التعليقة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 مَسْأَلَة من بَاب الدَّعْوَى فِي الْمِيرَاث إِذا مَاتَ مَجْهُول الدّين وَله ولدان مُسلم وَنَصْرَانِي قَالَ كل مِنْهُمَا لم يزل على ديني حَتَّى مَاتَ جعلت التَّرِكَة كَمَال فِي يَد اثْنَيْنِ تنازعاه وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن إِن كَانَ فِي يَد أَحدهمَا فَالْقَوْل قَوْله قَالَ الْغَزالِيّ وَهَذِه زلَّة لِأَنَّهُ معترف بِأَن يَده من جِهَة الْمِيرَاث فَلَا أثر ليده مَعَ ذَلِك وَاعْلَم أَن الْغَزالِيّ تلقى هَذَا الْكَلَام من إِمَامه غير أَن إِمَامه جعل الْحمل فِيهِ على النَّاقِل عَن القَاضِي مَعَ تصريحه بِأَن القَاضِي قَالَه وَهَذَا عَجِيب وَهَذِه عبارَة النِّهَايَة وَقد ذكر القَاضِي أَنا نَنْظُر إِلَى الْيَد فَإِن كَانَت التَّرِكَة فِي يَد أَحدهمَا فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَهَذَا وهم وزلل من النَّاقِل عَنهُ انْتهى فَكَأَنَّهُ وَإِن أبصره فِي كتاب القَاضِي لم يتَحَقَّق أَنه من قبله لعلو فهم القَاضِي عِنْده وَضعف هَذِه الْمقَالة فأضاف الزلل إِلَى الْمُعَلق وَقد خلا كَلَام الْغَزالِيّ عَن هَذِه الزِّيَادَة لَا سِيمَا وَفِي بعض نسخ الْوَسِيط وَهَذِه زلَّة من كَبِير وَهَذَا يكَاد يُصَرح بثبوتها على القَاضِي وَهُوَ شَيْء فر مِنْهُ الإِمَام لَكِن مَا عزي للْقَاضِي هُوَ قَول الشَّيْخ أبي حَامِد شيخ الْعِرَاقِيّين وَجَمَاعَة كَمَا قَالَ الرَّافِعِيّ وليت شعري لم جعل زللا وَمَا جعل جعلهم القَوْل قَول الثَّالِث إِذا كَانَ المَال فِي يَده زللا وَكَانَ الْقيَاس إِذا أقرّ بِهِ لأَحَدهمَا أَن يكون الحكم كَمَا لَو كَانَ فِي يدهما نظرا لما أبطل بِهِ الإِمَام كَلَام القَاضِي وَقد أطنب ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب فِي تأييد كَلَام القَاضِي وَذكر هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَغَيره وَلَكِنِّي أَقُول الإِمَام فِي النِّهَايَة لم يذكر مَا إِذا كَانَ المَال فِي يَد غَيرهمَا والرافعي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 وَإِن كَانَ جزم بِأَن القَوْل قَول الثَّالِث لَكنا لَا نَدْرِي مَا حَال هَذَا الْجَزْم عِنْد الإِمَام وَقد ذكر ابْن الرّفْعَة أَن القَاضِي عماد الدّين بن السكرِي اعْترض فِي حَوَاشِي الْوَسِيط قَائِلا يُمكن أَن يُقَال يُوقف فَإِن بَيت المَال يَقُول لَعَلَّه مَاتَ على غير دينكما فَيحْتَاج كل مُدع إِلَى إِثْبَات مَا يَدعِيهِ وَلَيْسَ المَال فِي يدهما بل قد علم أَن المَال كَانَ فِي يَد الْمَيِّت الَّذِي لم يعرف حَاله وَنقل عَن صَاحب الشَّامِل أَنه ذكر وَجها يُوَافق هَذَا الْبَحْث لَكِن ابْن الرّفْعَة قَالَ إِن هَذِه الْأَوْجه لَهُ لِأَن مَا أبداه يحْتَمل فِيمَا إِذا توافقا أَنه مَاتَ على دينهما أَو كَانَ وَاحِد وَمَعَ ذَلِك لَا يُوَافق اتِّفَاقًا فرع فِي بَاب صفة الصَّلَاة قَالَ القَاضِي فِي التعليقة وَلَو قَالَ سَلام عَلَيْكُم من غير ألف وَلَام لم يتَحَلَّل بِهِ من الصَّلَاة نَص الشَّافِعِي على أَنه إِذا نقص حرفا مِنْهُ تبطل بِهِ صلَاته وَلَو قَالَ سَلام عَلَيْكُم وَزَاد التَّنْوِين وَنقص الْألف وَاللَّام فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يقوم التَّنْوِين مقَامه فَيَقَع بِهِ التَّحَلُّل وَالثَّانِي لَا وَلَو قَالَ سَلام عَلَيْكُم من غير التَّنْوِين ترَتّب على التَّنْوِين أَن قُلْنَا لَا يخرج بِهِ عَن صَلَاة فَهُنَا أولى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يخرج من الصَّلَاة كَذَلِك لِأَن إِسْقَاط التَّنْوِين لَا يُغير مَعْنَاهُ فَهُوَ كَمَا لَو قَالَه منونا انْتهى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 وَمَسْأَلَة سَلام عَلَيْكُم مُنْكرا منونا مَشْهُورَة وَرجح الرَّافِعِيّ فِيهَا الْإِجْزَاء وَالنَّوَوِيّ عدم الْإِجْزَاء وَقَالَ إِنَّه الْمَنْصُوص أما مَسْأَلَة سَلام مُنْكرا غير منون فَغَرِيبَة وَمن الْعجب أَن الشَّيْخ برهَان الدّين ابْن الفركا نقل فِيهَا فِي تَعْلِيقه على التَّنْبِيه أَن القَاضِي قَالَ لَا يجزىء وَكَأَنَّهُ نظر أول مَا حكيناه من كَلَامه وَلَو تَأمل آخِره لوجده قد حكى فِيهَا وَجْهَيْن كَمَا رَأَيْت وَفِي كتاب سر الصِّنَاعَة لِابْنِ جني أَن أَبَا الْحسن حكى عَنْهُم سَلام عَلَيْكُم غير منون وَوَجهه بِأَن اللَّفْظَة كثرت فِي كَلَامهم فَحذف تنوينها تَخْفِيفًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 395 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الفوراني الإِمَام أَبُو عَليّ الْبَيْهَقِيّ قَالَ عبد الغافر فِيهِ ركن من أَرْكَان أَصْحَاب الشَّافِعِي بِنَاحِيَة بيهق مدرسهم ومفتيهم ومذكرهم والمرجوع إِلَيْهِ فِي مهمات الْأُمُور دينا وَدُنْيا فيهم هَذَا مَا ذكره عبد الغافر نقلته من منتخب كِتَابه وَذكره فِي طبقَة القَاضِي الْحُسَيْن وأقرانه 396 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو الْقَاسِم الْفَارِسِي مَاتَ فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 397 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن إِبْرَاهِيم أَبُو عَليّ الدلفي الْمَقْدِسِي الْبَغْدَادِيّ تفقه على ابْن الصّباغ قَالَ أَبُو عَليّ بن سكرة لم ألق بِبَغْدَاد أصلح مِنْهُ وَلَا أزهد الحديث: 395 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 كَانَ فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 398 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الله الشَّيْخ الإِمَام الْكَبِير أَبُو عبد الله الحناطي الطَّبَرِيّ والحناطي بحاء مُهْملَة بعْدهَا نون مُشَدّدَة وَهَذِه النِّسْبَة لجَماعَة من أهل طبرستان مِنْهُم هَذَا الإِمَام وَلَعَلَّ بعض آبَائِهِ كَانَ يَبِيع الْحِنْطَة كَانَ الحناطي إِمَامًا جَلِيلًا لَهُ المصنفات وَالْأَوْجه المنظورة قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن عبد الله بن عدي وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَنَحْوهمَا قَالَ الْخَطِيب حَدثنَا عَنهُ أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن شُعَيْب الرَّوْيَانِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ قلت وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب فِي تعليقته فِي بَاب التحفظ فِي الشَّهَادَة عِنْد الْكَلَام على الحناطي كَانَ الحناطي رجلا حَافِظًا لكتب الشَّافِعِي ولكتب أبي الْعَبَّاس انْتهى ذكره بعد مَا قَالَ الَّذِي شاهدت عَلَيْهِ أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيّين أَنهم يَقُولُونَ إِن الْمَذْهَب أَن شَهَادَته لَا تسمع وَأَن ابْن سُرَيج قَالَ تسمع وَأَنه سمع الحناطي يعكس وَيَقُول الْمَذْهَب أَنَّهَا تسمع وَابْن سُرَيج يَقُول لَا تسمع الحديث: 398 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 قلت وَالْأول مَا نَقله الْحسن بن أَحْمد الْبَصْرِيّ فِي كتاب أدب الْقَضَاء فَإِنَّهُ ذكر أَن أَكثر أَصْحَابنَا قَالُوا لَا تقبل وَإِن ابْن سُرَيج قَالَ تقبل قَالَ وَهُوَ الْقيَاس قلت ووفاة الحناطي فِيمَا يظْهر بعد الأربعمائة بِقَلِيل أَو قبلهَا بِقَلِيل وَالْأول أظهر وَمن الغرائب والمسائل عَن الحناطي رَأَيْت فِي فَتَاوِيهِ أَنه لَا يجوز جعل الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي كاغد كتب عَلَيْهِ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} وأوقفت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد على ذَلِك فأقره وفيهَا أَن من صلى فِي فضاء من الأَرْض بِأَذَان وَإِقَامَة ثمَّ حلف أَنه صلى فِي جمَاعَة أَنه يبر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الْمَلَائِكَة تصلي خَلفه) وَوَافَقَهُ الشَّيْخ الإِمَام أبي رَحمَه الله وَأَنه لَو قَالَ لغريمه أحللتك فِي الدُّنْيَا دون الْآخِرَة برىء فِي الدَّاريْنِ لِأَن الْبَرَاءَة فِي الْآخِرَة تَابِعَة للبراءة فِي الدُّنْيَا قلت وَقد يُنَازع فِي ذَلِك وَيُقَال لَا يلْزم من الْبَرَاءَة فِي الدُّنْيَا الْبَرَاءَة فِي الْآخِرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 وَإِنَّمَا هُوَ كتأجيل الدّين وَلَا أَعنِي صَيْرُورَته مُؤَجّلا وَأَن الْحَال لَا يُؤَجل وَإِنَّمَا أَعنِي نَحْو الْوَصِيَّة أَو نذر تَأْخِير الْمُطَالبَة وَكَأَنَّهُ ترك حَقه من الْمُطَالبَة فِي الدُّنْيَا نعم يتَّجه أَن يُقَال لَا يبرأ مُطلقًا وَيبقى الدّين فِي ذمَّته كَمَا كَانَ غير أَن الدَّائِن لَا يسْتَحق الْمُطَالبَة بِهِ فِي الدُّنْيَا وَإِن أحب الْمَدِين الْبَرَاءَة الْكُلية الَّتِي لَا يتبعهُ مَعهَا فِي دنيا وَلَا أُخْرَى وَفِي الدَّائِن دينه ثمَّ للدائن أَخذه وَلَا يمنعهُ إبراؤه فِي الدُّنْيَا لأَنا قد قُلْنَا إِن معنى الْإِبْرَاء فِي الدُّنْيَا ترك حق الْمُطَالبَة فغايته تَأْجِيل الْحَال ثمَّ من لَهُ دين مُؤَجل قد يعجل لَهُ فَإِن قلت أيصح رد كَلَام الحناطي بِأَن يعكس قَوْله لما أَبرَأَهُ فِي الدُّنْيَا بَرِيء فِي الْآخِرَة وَيُقَال لما لم يبرأ فِي الْآخِرَة لم يبرأ فِي الدُّنْيَا يعين مَا قَالَه فَإِنَّهُ علله بِأَن الْآخِرَة تَابِعَة وكما لَا ينْفَصل التَّابِع عَن الْمَتْبُوع كَذَلِك لَا ينْفَصل الْمَتْبُوع عَن التَّابِع وَذَلِكَ شَأْن المتلازمين قلت لَا يَصح ذَلِك لِأَن إِعْمَال قَوْله أَبْرَأتك فِي الدُّنْيَا أولى من إِعْمَال لم أبرئك فِي الْآخِرَة فَإِن قَوْله دون الْأُخْرَى لَا يزِيد على أَنه بَقِي الْأَمر فِي الْآخِرَة على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مُسْتَفَاد من قبل الْإِبْرَاء وَهُوَ إِنَّمَا أصدر الْإِبْرَاء فِي الدُّنْيَا وَجعل صدر كَلَامه مَكَانَهُ أولى بِأَن ينظر إِلَيْهِ ويحذف مَا بعده لوُقُوعه كالمعارض لَهُ فَهُوَ يشبه رفع الشَّيْء بعد ثُبُوته فَلَا يسمع كألف من ثمن خمر وَأَنه سُئِلَ عَن مَرِيض تحقق مَوته فِي مَرضه هَل تصح وَصيته فَقَالَ لَا تصح وَلَا قصاص على قَاتله وَإِن أَثم انْتهى وَمرَاده من انْتهى إِلَى حَرَكَة المذبوحين وَلم يبْق فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَلَا يحمل التَّأْخِير لَحْظَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 وَبِذَلِك صرح الْعِرَاقِيُّونَ فِي كتاب الْوَصَايَا فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد إِذا كَانَ فِي النزع وَقد شخص بَصَره وانتصبت عَيناهُ فَلَا قَود وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة وَتَبعهُ جماعات مِنْهُم الْمُتَوَلِي والرافعي وَالنَّوَوِيّ لكِنهمْ جَمِيعًا صَرَّحُوا فِي كتاب الْجراح بِوُجُوب الْقود فَقَالُوا والعبارة للْإِمَام رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَو انْتهى الْمَرِيض إِلَى سَكَرَات الْمَوْت وبدت مخايله وتغيرت الأنفاس فِي الشراسيف فَلَا يحكم لَهُ بِالْمَوْتِ وَإِن كَانَ يظنّ أَنه فِي حَالَة المقدود لِأَن بُلُوغه إِلَى تِلْكَ الْحَالة غير مَقْطُوع وَقد يظنّ بِهِ ذَلِك ثمَّ يشفى بِخِلَاف المقدود قَالَ الإِمَام وَكم من مذفف شقّ عَلَيْهِ الْجُيُوب وَشد حنكه ثمَّ تثور قوته وتعود فَلَا يتَصَوَّر الحكم بِالْمَوْتِ على ثِقَة مَا لم يخمد ويفض نَفسه فَإِذا ضرب ضَارب رقبته وَهُوَ يتنفس فنجعله قَاتلا على التَّحْقِيق هَذَا كَلَام الإِمَام وَتَبعهُ الْأَصْحَاب وَسَبقه غَيره وَهُوَ مَنْصُوص للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَلقَائِل أَن يَقُول التَّعْبِير بِأَنَّهُ فِي سَكَرَات الْمَوْت وَأَنه انْتهى إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح مَعَ تفرقتهم بِأَن بُلُوغه إِلَى تِلْكَ الْحَالة غير مَقْطُوع لَيْسَ بصواب بل الصَّوَاب التَّعْبِير بِعِبَارَة صَاحب الْمُهَذّب فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُم من جنى على رجل يرى من حَضَره أَنه فِي السِّيَاق وَأَنه يقبض مَكَانَهُ فَضَربهُ بحديدة فَمَاتَ فَعَلَيهِ فِيهِ الْقود لِأَنَّهُ قد يعِيش بعد مَا يرى أَنه يَمُوت انْتهى وَأَنه وصل إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح قد لَا يكون فِي نفس الْأَمر كَذَلِك فَيجب الْقصاص على قَاتله وَهُوَ مَا جزم بِهِ الْأَصْحَاب فِي كتاب الْجراح وَمن تَيَقنا أَنه انْتهى إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح وَأَن الْحَيَاة فِيهِ غير مُسْتَقِرَّة فَلَا قصاص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 فِيهِ وَهُوَ مَا ذكره فِي بَاب الْوَصَايَا فَلَا تنَاقض بَين الْمَوْضِعَيْنِ وَمن شككنا أَنه وصل إِلَى هَذِه الْحَالة فَالصَّوَاب أَلا يحكم بوصوله إِلَيْهَا وَأَن نوجب الْقصاص على قَاتله جَريا على الأَصْل هَذَا مَا يظْهر وَبِه يجْتَمع كَلَام الْأَصْحَاب فِي الْوَصَايَا والجراح وَلَا يعد تناقضا وَإِنَّمَا أُتِي من أُتِي من سوء التَّعْبِير فَإِذا قَالَ قَائِل يجب الْقصاص على قَاتل الْمَرِيض وَإِن ظن انتهاؤه إل حَرَكَة الْمَذْبُوح بِخِلَاف من تَيَقّن أَنه انْتهى إِلَى هَذِه الْحَالة كَمَا صَرَّحُوا بِالْأولِ فِي الْجراح وَبِالثَّانِي فِي الْوَصَايَا كَانَ مصيبا وَإِذا زَاد فَقَالَ لَكِن مَا ذَكرُوهُ فِي بَاب الْوَصَايَا لَا يتَحَقَّق مَحَله لِأَن تِلْكَ الْحَالة لَا يتَحَقَّق الِانْتِهَاء إِلَيْهَا فإطلاق وجوب الْقصاص صَحِيح كَانَ مصيبا أَيْضا وَهَذَا مُخْتَصر من جملَة مُطَوَّلَة متشعبة فِي كَلَام الْأَصْحَاب قد لخصتها لَك هُنَا خرج لَك منا أَن مَا ذكره الحناطي فِي فَتَاوِيهِ وَإِن كَانَ حَقًا فِي نفس الْأَمر إِذا حمل على من تَيَقّن أَنه انْتهى إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح وَقع ألفاظا وفقا لما ذكره فِي بَاب الْوَصَايَا لكنه غير مَعْمُول بِهِ لعدم تَيَقّن تِلْكَ الْحَالة وَأما الظَّن بالحناطي أَنه يَقُول لَا قصاص وَإِن لم ينْتَه إِلَى حَرَكَة الْمَذْبُوح إِذا تَيَقنا مَوته بذلك الْمَرَض فَهَذَا ظن بَاطِل إِذْ لَا يَقُول بذلك عَاقل بل لَو تَيَقنا مَوته بذلك الْمَرَض وَأَنه لَا يعِيش إِلَّا لَحْظَة وَاحِدَة فَقتله قَاتل وَجب عَلَيْهِ الْقود جزما لِأَن الْمَوْت محَال على قَتله فَإِن الْمَرَض قد كَانَ يبقيه تِلْكَ اللحظة ففوتها الْقَاتِل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ الْقَاتِل عندنَا معاشر أهل السّنة لَا يقطع أَََجَلًا لَكِن ذَلِك وَاد آخر من غير هَذَا الْوَادي الفقهي الَّذِي نَحن الْآن نمشي فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 399 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ الشَّيْخ أَبُو عبد الله الإِمَام الكشفلي وكشفل بِفَتْح الْكَاف وَضم الْفَاء بَينهمَا شين مُعْجمَة سَاكِنة وَآخِرهَا اللَّام من قرى آمل طبرستان تفقه على أبي الْقَاسِم الداركي وتفقه قبله على أبي عبد الله الحناطي قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ فَقِيها مجودا مَوْصُوفا بجودة النّظر الحديث: 399 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ من فُقَهَاء الشافعيين قَالَ ودرس فِي مَسْجِد عبد الله بن الْمُبَارك بعد موت أبي حَامِد الإسفرايني قَالَ وَكَانَ فهما فَاضلا صَالحا متقللا زاهدا وَحكي أَن بعض طلبته اشْتَكَى إِلَيْهِ فاقة وَأَنه تَأَخَّرت عَنهُ نَفَقَته الَّتِي ترد عَلَيْهِ من أَبِيه فَأخذ الكشفلي بِيَدِهِ وَذهب إِلَى بعض التُّجَّار بقطيعة الرّبيع فَاسْتقْرض لَهُ مِنْهُ خمسين دِينَارا فَقَالَ حَتَّى نَأْكُل شَيْئا فَمد السماط فَأَكَلُوا ثمَّ قَالَ يَا جَارِيَة هَاتِي المَال فأحضرت جَارِيَته شَيْئا من المَال فوزن مِنْهُ خمسين دِينَارا وَدفعهَا إِلَى الشَّيْخ فَلَمَّا قاما إِذا بِوَجْه الْفَقِيه قد تغير فَقَالَ لَهُ الكشفلي مَا لَك فَقَالَ يَا سَيِّدي قد سكن قلبِي حب هَذِه الْجَارِيَة فَرجع بِهِ إِلَى التَّاجِر فَقَالَ وَقد وقعنا فِي فتْنَة أُخْرَى قَالَ مَا هِيَ قَالَ إِن الْفَقِيه قد هوي الْجَارِيَة فَأمر التَّاجِر بِأَن تخرج وَسلمهَا إِلَيْهِ وَقَالَ رُبمَا تكون قد وَقع فِي قَلبهَا مِنْهُ مثل الَّذِي وَقع فِي قلبه مِنْهَا فَلَمَّا كَانَ بعد لَيَال قدمت على الْفَقِيه نَفَقَة من أَبِيه سِتّمائَة دِينَار فوفى التَّاجِر مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ من ثمن الْجَارِيَة وَالْقَرْض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 مَاتَ الكشفلي فِي ربيع الآخر سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بمقبرة بَاب حَرْب 400 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الوني بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد النُّون الشَّيْخ أَبُو عبد الله الفرضي كَانَ مُتَقَدما فِي علم الْفَرَائِض لَهُ فِيهِ تصانيف جَيِّدَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَكَانَت لَهُ يَد فِي عُلُوم أخر وَكَانَ حسن الذكاء سمع الحَدِيث من أَصْحَاب أبي عَليّ الصفار وَأبي جَعْفَر بن البخْترِي وَغَيرهمَا وَسمع مِنْهُ أَبُو حَكِيم الخبري وَغَيره قَالَ ابْن مَاكُولَا سَمِعت أَبَا بكر الْخَطِيب يَقُول حَضَرنَا مجْلِس بعض الْمُحدثين وَكَانَ مَعنا أَبُو عبد الله الوني فأملى أَحَادِيث ونهضنا وَقد حفظ الوني مِنْهَا بضعَة عشر حَدِيثا قتل الوني بِبَغْدَاد فِي فتْنَة البساسيري سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 400 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 401 - الْحُسَيْن بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْقطَّان صَاحب المطارحات ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْغَصْب وَحكى قَوْله فِي المطارحات فِيمَا إِذا وطىء الْغَاصِب الْمَغْصُوبَة وأحبلها المُشْتَرِي ثمَّ مَاتَت فِي الْولادَة فِي يَد الْمَالِك أَنه إِن كَانَ عَالما فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ أَي لَا يلْحقهُ حَتَّى يُقَال مَاتَت لولادة وَلَده وَنقل فِي صُورَة الْجَهْل قَوْلَيْنِ لِأَن الْوَلَد لَاحق بِهِ فَيصح أَن يُقَال مَاتَت من الْولادَة الَّتِي كَانَت مِنْهُ وَالَّذِي أطلقهُ الْمُتَوَلِي وَصَححهُ النَّوَوِيّ القَوْل بِوُجُوب الضَّمَان وَقد وقفت على المطارحات وَرَأَيْت ذَلِك فِيهَا وَهَذِه عبارتها مَسْأَلَة رجل غصب جَارِيَة وباعها وأحبلها المُشْتَرِي ثمَّ اسْتحقَّهَا الْمَغْصُوب مِنْهُ وَردت عَلَيْهِ ثمَّ مَاتَت فِي الْولادَة الْجَواب إِن كَانَ المُشْتَرِي عَالما بِالْغَصْبِ لم يضمن الْجَارِيَة لِأَن الْوَلَد الَّذِي تلده لَا يلْحقهُ وَلَا يَصح أَن يُقَال مَاتَت من ولادَة الْوَلَد الَّذِي مِنْهُ وَإِن كَانَ غير عَالم ضمن قيمَة الْجَارِيَة فِي مَاله لِأَنَّهُ إِذا لم يكن عَالما بِالْغَصْبِ فَالْوَلَد لَاحق بِهِ فَيصح أَن يُقَال مَاتَت من الْولادَة الَّتِي كَانَت مِنْهُ وَفِي ذَلِك قَول آخر أَن قيمَة الْجَارِيَة على عَاقِلَته انْتهى وَفِي المطارحات رجل فِي يَده قَمِيص قَالَ خاطه لي فلَان فَقَالَ فلَان بل هَذَا قَمِيصِي إِن القَوْل قَول من فِي يَده الْقَمِيص إِلَّا أَن يَقُول أَخَذته من هَذَا الْخياط فَالْقَوْل قَول الْخياط حِينَئِذٍ وَالْفرق أَنه فِي الأول يحْتَمل أَن يكون خاطه فِي يَده الحديث: 401 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 أَو فِي دَاره فَيكون الْخياط مُدعيًا وَالْقَوْل لصَاحب الْيَد بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ أَخَذته من هَذَا الْخياط فَإِنَّهُ مقرّ للخياط بِالْيَدِ 402 - حمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن مُوسَى يتَّصل نسبه بالزبير بن الْعَوام أَبُو عبد الله الزبيرِي لَيْسَ أَبَا عبد الله الْمَشْهُور ذَاك اسْمه الزبير وَهَذَا رجل سمع الحَدِيث الْكثير وسافر فِي طلبه إِلَى خُرَاسَان وَلَقي الْأَئِمَّة وتفقه على نَاصِر الْعمريّ وَولي قَضَاء طبرستان وإستراباذ وناظر الْأَئِمَّة وَحدث عَن أبي بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن الْحَافِظ وَأبي عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُزَكي وناصر الْعمريّ وَالشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَأبي عُثْمَان سعيد بن سعيد الْعيار وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم السَّمرقَنْدِي وَغَيره قَالَ شيرويه قدم علينا همذان وَسمعت مِنْهُ بِبَغْدَاد وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ولد قبل الْعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي بنيسابور لَيْلَة الْجُمُعَة لخمس بَقينَ من ربيع الأول سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَحمل تابوته إِلَى آمل وَدفن بهَا الحديث: 402 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 403 - حَكِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن حَكِيم الذيموني الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد منتسب إِلَى ذيمون بِالْمُعْجَمَةِ وَسُكُون الْيَاء المنقوطة من تحتهَا بِاثْنَتَيْنِ وَضم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بعْدهَا ثمَّ النُّون على فرسخين وَنصف من بُخَارى تفقه أَبُو مُحَمَّد هَذَا على أبي عبد الله الخضري ودرس الْكَلَام على الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وَكَانَ بَصيرًا بِمذهب الْأَشْعَرِيّ قيمًا بِمذهب الشَّافِعِي توفّي ببخارى فِي شهر ربيع الأول سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة 404 - رَافع بن نصر أَبُو الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه الزَّاهِد الْمَعْرُوف بالحمال روى عَن أبي عمر بن مهْدي الْفَارِسِي وَأبي الْحسن بن رزقويه وَغَيرهمَا حدث عَن سهل بن بشر الإسفرايني وجعفر السراج وَغَيرهمَا الحديث: 403 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 وَكَانَ فَقِيها متكلما تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَأخذ علم الْأُصُول عَن القَاضِي أبي بكر قَالَ هياج بن عبيد كَانَ لرافع الْحمال فِي الزّهْد قدم وَإِنَّمَا تفقه أَبُو الْحسن رَافع على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَمن شعره يَقُول (اقْطَعْ الآمال عَن فضل ... بني آدم طرا) (أَنْت مَا اسْتَغْنَيْت عَن مثلك ... أعلا النَّاس قدرا) توفّي بهَا سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب أَنبأَنَا الْحَافِظ مُحَمَّد بن مَحْمُود أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي الْمَعَالِي المقرىء أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن عبد الْقَادِر ابْن مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ سَمِعت رَافعا الْحمال الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه وَنحن نطوف بِالْبَيْتِ يَقُول سَمِعت بكرا الْوَاعِظ يَقُول وَقد سُئِلَ أَيهمَا أفضل مُحَمَّد أَو مُوسَى فَقَالَ مُحَمَّد فَقيل لَهُ فَمَا الدَّلِيل على ذَلِك فَقَالَ إِنَّه تَعَالَى أَدخل بَينه وَبَين مُوسَى لَام الْملك فَقَالَ {واصطنعتك لنَفْسي} وَقَالَ لمُحَمد {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله} فَفرق بَين من أَقَامَ وَصفه بوصفه وَمن أَقَامَهُ مقَام نَفسه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 405 - روح بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق القَاضِي أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ حفيد الإِمَام أبي بكر بن السّني الْحَافِظ الدينَوَرِي كتب عَنهُ الْخَطِيب وَقَالَ كَانَ صَدُوقًا فهما أديبا يتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي قَالَ ابْن الصّلاح يُطلق هُوَ وَغَيره لَفْظَة يتفقه على من لَيْسَ بمبتدىء فِي الْفِقْه سمع أَبُو زرْعَة من أبي زرْعَة أَحْمد بن الْحُسَيْن الرَّازِيّ وجعفر الفناكي وَابْن فَارس اللّغَوِيّ وأقرانهم روى عَنهُ الْخَطِيب وَغَيره مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة 406 - زُهَيْر بن الْحسن بن عَليّ أَبُو نصر السَّرخسِيّ ولد بعد السّبْعين وثلاثمائة وَسمع من زَاهِر السَّرخسِيّ وتفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني الحديث: 405 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 وروى السّنَن عَن أبي عمر الْهَاشِمِي وَكَانَ رَئِيس الْمُحدثين بسرخس توفّي فِي شَوَّال سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة 407 - سَالم بن عبد الله أَبُو معمر بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْعين الْهَرَوِيّ وَيعرف بغولجه بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالجيم لُغَة هروية وَهُوَ تَصْغِير غول كَانَ أحد أَئِمَّة الدّين وعلماء الْمُسلمين ذكره الْعَبَّادِيّ فِي طبقَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وناصر الْمروزِي وشبههما وَذكره أَبُو النَّصْر فِي تَارِيخ هراة فَقَالَ وَكَانَ إِمَامًا فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَهُوَ الَّذِي قيل فِيهِ مَا عبر جسر بَغْدَاد مثل سَالم صنف كتاب اللمع فِي الرَّد على أهل الْبدع فِي مسَائِل أصُول الِاعْتِقَاد وَمَا يُخَالف فِيهِ أهل السّنة أهل الاعتزال والإلحاد روى عَنهُ الْحَاكِم توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 407 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 408 - السّري بن إِسْمَاعِيل بن الإِمَام أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ أَبُو الْعَلَاء الْجِرْجَانِيّ شيخ عصره فِي الْعلم وَالْأَدب رَحل وَسمع بِالريِّ وهمذان والكوفة وبغداد وروى عَن جده وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأبي أَحْمد الغطريفي وَأبي حَفْص بن شاهين وَغَيرهم وَكَانَ مفتي جرجان بعد وَالِده الإِمَام أبي سعد تفقه بِهِ جمَاعَة توفّي فِي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 409 - سرخاب بن يُوسُف بن مُحَمَّد أَبُو طَاهِر البريدي من أهل الرّيّ الحديث: 408 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 تفقه بِبَغْدَاد وَسمع من أبي عبد الله أَحْمد بن عبد الله بن الْحُسَيْن الْمحَامِلِي وَأبي الْقَاسِم بن بَشرَان وَغَيرهمَا روى عَنهُ الْخَطِيب 410 - سعد بن عبد الرَّحْمَن الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد الإستراباذي الْمَذْكُور فِي الْبَاب الثَّانِي فِي أَرْكَان الطَّلَاق من شرح الرَّافِعِيّ وَفِي فروع الطَّلَاق أَيْضا تفقه بنيسابور على نَاصِر الْعمريّ وبمروالروذ على القَاضِي الْحُسَيْن ثمَّ لَازم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَصَارَ من أخصائه وَكَانَ إِمَامًا بارعا سمع أَبَا الْحُسَيْن الْفَارِسِي وَأَبا حَفْص بن مسرور والكنجروذي قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي هُوَ الْفَقِيه البارع أحد أَرْكَان الْفِقْه المختصين بِإِمَام الْحَرَمَيْنِ بعد أَن درس الْفِقْه قَدِيما على نَاصِر وَغَيره من فُقَهَاء نيسابور ثمَّ خرج إِلَى القَاضِي الْحُسَيْن بمروالروذ وَأقَام عِنْده وَتخرج بِهِ توفّي لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر شَوَّال سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 410 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 411 - سعد بن عَليّ بن الْحسن أَبُو مَنْصُور الْعجلِيّ الأسداباذي نزيل همذان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ ثِقَة مفتنا حسن المناظرة كثير الْعلم وَالْعَمَل وَكَانَ مفتي همذان سمع القَاضِي أَبَا الطّيب وَأَبا إِسْحَاق الْبَرْمَكِي وَسمع بِمَكَّة كَرِيمَة المروزية روى عَنهُ إِسْمَاعِيل التَّيْمِيّ والسلفي إجَازَة قَالَ شيرويه قَرَأت عَلَيْهِ شَيْئا من الْفِقْه وَكَانَ حسن المناظرة هيوبا مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 412 - سعد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الشَّيْخ الْحَافِظ الزَّاهِد الْوَرع أَبُو الْقَاسِم الزنجاني سمع بِمصْر أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل بن نظيف وَغَيره وبزنجان مُحَمَّد بن أبي عبيد وبدمشق عبد الرَّحْمَن بن يَاسر وَغَيره الحديث: 411 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 روى عَنهُ الْخَطِيب وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَأَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ وَمُحَمّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَعبد الْمُنعم بن الْقشيرِي وَآخَرُونَ جاور بِمَكَّة مُدَّة وَصَارَ شيخ حرمهَا قَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أبي طَالب الكرجي سَأَلت مُحَمَّد بن طَاهِر عَن أفضل من رأى فَقَالَ سعد الزنجاني وَعبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ فَسَأَلته أَيهمَا أفضل فَقَالَ عبد الله كَانَ متفننا وَأما الزنجاني فَكَانَ أعرف بِالْحَدِيثِ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنِّي كنت أَقرَأ على عبد الله فأترك شَيْئا لأجربه فَفِي بعض يرد وَفِي بعض يسكت والزنجاني كنت إِذا تركت اسْم رجل يَقُول تركت بَين فلَان وَفُلَان اسْم فلَان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ صدق كَانَ سعد أعرف بحَديثه لقلته وَكَانَ عبد الله مكثرا قَالَ أَبُو سعد سَمِعت بعض مشايخي يَقُول كَانَ جدك أَبُو المظفر قد عزم على أَن يُقيم بِمَكَّة ويجاور بهَا صُحْبَة الإِمَام سعد بن عَليّ فَرَأى لَيْلَة من اللَّيَالِي والدته كَأَنَّهَا قد كشفت رَأسهَا وَقَالَت لَهُ يَا بني بحقي عَلَيْك إِلَّا مَا رجعت إِلَى مرو فَإِنِّي لَا أُطِيق فراقك فانتبهت مغموما وَقلت أشاور الشَّيْخ سَعْدا وَهُوَ قَاعد فِي الْحرم وَلم أقدر من الزحام أَن ُأكَلِّمهُ فَلَمَّا تفرق النَّاس وَقَامَ تَبعته إِلَى دَاره فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ يَا أَبَا المظفر الْعَجُوز تنتظرك وَدخل الْبَيْت فَعرفت أَنه تكلم على ضميري فَرَجَعت مَعَ الْحَاج تِلْكَ السّنة قَالَ أَبُو سعد كَانَ الزنجاني حَافِظًا متقنا ثِقَة ورعا كثير الْعِبَادَة صَاحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 كرامات وآيات وَإِذا خرج إِلَى الْحرم يَخْلُو المطاف ويقبلون يَده أَكثر مِمَّا يقبلُونَ الْحجر الْأسود وَقَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر مَا رَأَيْت مثله سَمِعت أَبَا إِسْحَاق الحبال يَقُول لم يكن فِي الدُّنْيَا مثل أبي الْقَاسِم الزنجاني فِي الْفضل وَكَانَ يحضر مَعنا الْمجَالِس وَيقْرَأ الْخَطَأ بَين يَدَيْهِ فَلَا يرد على أحد إِلَّا أَن يسْأَل فيجيب قَالَ ابْن طَاهِر وَسمعت هياج بن عبيد إِمَام الْحَرَمَيْنِ ومفتيه يَقُول يَوْم لَا أرى فِيهِ سعد بن عَليّ لَا أَعْتَد أَنِّي عملت خيرا وَكَانَ هياج من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وفضلاء عصره وَقَالَ ابْن طَاهِر وَكَانَ الشَّيْخ سعد لما عزم على الْمُجَاورَة عزم على نَيف وَعشْرين عَزِيمَة أَنه يلْزمهَا نَفسه من المجاهدات والعبادات وَمَات بعد ذَلِك بِأَرْبَعِينَ سنة وَلم يخل بِوَاحِدَة مِنْهَا قَالَ وَدخلت عَلَيْهِ وَأَنا ضيق الصَّدْر من رجل من أهل شيراز لَا أذكرهُ فَأخذت يَده فَقَبلتهَا فَقَالَ لي ابْتِدَاء من غير أَن أعلمهُ بِمَا أَنا فِيهِ يَا أَبَا الْفضل لَا تضيق صدرك عندنَا فِي بِلَاد الْعَجم مثل يضْرب يُقَال بخل أهوازي وحماقة شيرازي وَكَثْرَة كَلَام رازي وَدخلت عَلَيْهِ لما عزمت على الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق حَتَّى أودعهُ وَلم يكن عِنْده خبر من خروجي فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ قَالَ أراحلون فنبكي أم مقيمونا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 فَقلت مَا أَمر الشَّيْخ لَا نتعداه فَقَالَ على أَي شَيْء عزمت قلت على الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق لألحق مَشَايِخ خُرَاسَان فَقَالَ تدخل خُرَاسَان وَتبقى بهَا وتفوتك مصر وَتبقى فِي قَلْبك فَاخْرُج إِلَى مصر ثمَّ مِنْهَا إِلَى الْعرَاق وخراسان فَإِنَّهُ لَا يفوتك شَيْء فَفعلت وَكَانَ فِي ذَلِك الْبركَة ولد سعد فِي حُدُود سنة ثَمَانِينَ وثلاثمائة أَو قبلهَا وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَسبعين أَو فِي آخر سنة سبعين بِمَكَّة 413 - سعد بن أبي سعد مُحَمَّد بن مَنْصُور أَبُو المحاسن الجولكي بِضَم الْجِيم بعْدهَا الْوَاو الساكنة ثمَّ اللَّام الْمَفْتُوحَة وَفِي آخرهَا الْكَاف نِسْبَة إِلَى جولك رجل من الْغُزَاة اسْتشْهد على بَاب رِبَاط دهستان كَانَ وَالِده أَبُو سعد رجلا رَئِيسا من أهل جرجان ولي الرياسة بهَا إِلَى أَن توفّي فوليها بعده وَلَده هَذَا وَكَانَ وَلَده هَذَا يكنى أَبَا المحاسن وَكَانَ فَقِيها بارعا محققا مناظرا خلف أَبَاهُ فِي حَيَاته وَهُوَ ابْن ثَمَان عشرَة سنة وتخرجت بِهِ الْفُقَهَاء الحديث: 413 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 وروى عَن جده لأمه أبي سعد وَأبي نصر الْإِسْمَاعِيلِيّ ووالده أبي سعد الجولكي وَغَيره ولد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَكَانَ الْأَمِير فلك الْمَعَالِي منوجهر بن قَابُوس وشمكير أَمِير جرجان وَجهه إِلَى غزنة رَسُولا سنة إِحْدَى عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فَخرج وَعقد لَهُ مجْلِس النّظر بنيسابور وهراة وغزنة وَرجع سالما غانما موقرا قتل ظلما بأستراباذ فِي رَجَب سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة 414 - سعيد بن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو سهل النيلي أَخُو الشَّيْخ أبي عبد الرَّحْمَن فَقِيه شَاعِر إِمَام فِي الطِّبّ ثِقَة فِي الحَدِيث وروى عَن أبي عَمْرو بن حمدَان وَغَيره مَاتَ فَجْأَة سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة عَن سبع وَسِتِّينَ سنة الحديث: 414 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 415 - سليم بن أَيُّوب بن سليم الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْفَتْح الرَّازِيّ اشْتغل قبل الْفِقْه بالتفسير والْحَدِيث واللغة ثمَّ سَافر إِلَى بَغْدَاد فتفقه بهَا على الشَّيْخ أبي حَامِد حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَصَارَ إِمَامًا لَا يشق غباره وفارسا لَا تلْحق آثاره ومجدا لَا يعرفهُ بِغَيْر الدأب فِي الْعلم وَالْعِبَادَة ليله ونهاره وعلق عَن الشَّيْخ أبي حَامِد التعليقة وَلما توفّي الشَّيْخ أَبُو حَامِد درس مَكَانَهُ ثمَّ سَافر إِلَى الشَّام وَأقَام بثغر صور مرابطا محتسبا ينشر الْعلم سمع أَبَا الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس اللّغَوِيّ وَشَيْخه أَبَا حَامِد الإسفرايني وَأحمد بن عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ وَأحمد بن مُحَمَّد الْبَصِير الرَّازِيّ وَمُحَمّد بن عبد الله الْجعْفِيّ وَمُحَمّد ابْن جَعْفَر التَّمِيمِي الْكُوفِيّين وَأحمد بن مُحَمَّد الْمُجبر وَجَمَاعَة روى عَنهُ الكتاني وَأَبُو بكر الْخَطِيب والفقيه نصر الْمَقْدِسِي وَأَبُو نصر الحديث: 415 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 الطريثيثي وَعبد الرَّحْمَن بن عَليّ الكاملي وَسَهل بن بشر الإسفرايني وَخلق وَقع لنا الْكثير من حَدِيثه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 قَالَ سهل الإسفرايني حَدثنِي سليم أَنه كَانَ فِي سفرة بِالريِّ وَله نَحْو عشر سِنِين فَحَضَرَ بعض الشُّيُوخ وَهُوَ يلقن فَقَالَ لي تقدم فاقرأ فجهدت أَن أَقرَأ الْفَاتِحَة فَلم أقدر على ذَلِك لانغلاق لساني فَقَالَ أَلَك وَالِدَة قلت نعم قَالَ قل لَهَا تَدْعُو لَك أَن يرزقك الله الْقُرْآن وَالْعلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 فَرَجَعت فسألتها الدُّعَاء فدعَتْ لي ثمَّ إِنِّي كَبرت وَدخلت بَغْدَاد فَقَرَأت بهَا الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه ثمَّ عدت إِلَى الرّيّ فَبينا أَنا فِي الْجَامِع أقابل مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَإِذا الشَّيْخ قد حضر وَسلم علينا وَهُوَ لَا يعرفنِي فَسمع مقالتنا وَهُوَ لَا يعلم مَا نقُول ثمَّ قَالَ مَتى نتعلم مثل هَذَا فَأَرَدْت أَن أَقُول إِن كَانَت لَك وَالِدَة قل لَهَا تَدْعُو لَك فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ أَو كَمَا قَالَ 416 - سهل بن أَحْمد بن عَليّ الْحَاكِم أَبُو الْفَتْح الأرغياني صَاحب الفتاوي وأرغيان بِفَتْح الْألف وَسُكُون الرَّاء وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَفِي آخرهَا النُّون اسْم لناحية من نواحي نيسابور بهَا عدَّة من الْقرى وَسَهل هَذَا هُوَ الْحَاكِم أَبُو الْفَتْح من قَرْيَة بَان بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة من تَحت وَفِي آخرهَا النُّون وَهِي من جملَة أرغيان وَلَك أَن تَقول فِيهِ الْبَانِي والأرغياني قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل حسن السِّيرَة تفقه على القَاضِي الْحُسَيْن بمرو الروذ وَأقَام عِنْده حَتَّى حصل طَرِيقَته ذكر أَنه مَا علق شَيْئا من الْمَذْهَب إِلَّا على طَهَارَة وَدخل طوس وَقَرَأَ التَّفْسِير وَالْأُصُول على شهفور الإسفرايني ثمَّ دخل نيسابور وَقَرَأَ الْكَلَام على إِمَام الْحَرَمَيْنِ الحديث: 416 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 وَعَاد إِلَى ناحيته وَولي الْقَضَاء بهَا وحمدت سيرته فِي ولَايَته ثمَّ ترك الْقَضَاء وانزوى بعد مَا حج واشتغل بِالْعبَادَة سمع ينيسابور أَبَا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا حَفْص بن مسرور وَأَبا سعد الكنجروذي وطبقتهم وببوشنج أَبَا الْحسن الداوودي وبهراة أَبَا عمر المليحي روى لنا عَنهُ أَبُو طَاهِر السنجي وَكَانَت وِلَادَته سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي أول يَوْم من محرم سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة ببان وَأوصى أَن يدْفن فِي الصَّحرَاء هَذَا كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ 417 - سهل بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَامِد بن أَسد بن إِبْرَاهِيم الطوسي ثمَّ الأبيوردي أَبُو عبيد قَالَ عبد الغافر فَاضل فَقِيه من أفاضل فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة سمع من المخلدي وطبقته وَهُوَ من بَيت الْعلم والْحَدِيث وَالدّين مَاتَ فِي حد الكهولة الحديث: 417 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 418 - سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُوسَى بن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم الْعجلِيّ الْحَنَفِيّ نسبا الْأُسْتَاذ الْكَبِير وَالْبَحْر الْوَاسِع أَبُو الطّيب الصعلوكي ولد الْأُسْتَاذ أبي سهل هُوَ الْفَقِيه الأديب مفتي نيسابور النجيب ابْن النجيب الصعلوكي إِلَّا أَنه الْغَنِيّ الَّذِي لَا يسْأَل إِلَّا ويجيب مَا أمه الطَّالِب إِلَّا وجده سهلا وَلَا أمله الرَّاغِب إِلَّا وتلقاه بالبشر وَقَالَ لَهُ أَهلا جمع بَين رياستي الدّين وَالدُّنْيَا وَاتفقَ عُلَمَاء عصره على إِمَامَته وسيادته وَجمعه بَين الْعلم وَالْعَمَل والأصالة والرياسة يضْرب الْمثل باسمه وتضرب أكباد الْإِبِل للرحلة إِلَى مَجْلِسه وَكَانَ يلقب شمس الْإِسْلَام سمع أَبَاهُ الْأُسْتَاذ أَبَا سهل وَبِه تفقه وَعَلِيهِ تخرج ولديه رَبِّي وَمُحَمّد بن يَعْقُوب الْأَصَم وَأَبا عَمْرو بن نجيد وَأَبا عَليّ الرفاء وَغَيرهم الحديث: 418 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 روى عَنهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله والحافظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَمُحَمّد بن سهل وَأَبُو نصر الشاذياخي وَآخَرُونَ قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كَانَ فَقِيها أديبا جمع رياسة الدّين وَالدُّنْيَا وَأخذ عَنهُ فُقَهَاء نيسابور وَقَالَ الْحَاكِم الْفَقِيه الأديب مفتي نيسابور وَابْن مفتيها وأكتب من رَأَيْنَاهُ من علمائها وأنظرهم قَالَ وَقد كَانَ بعض مَشَايِخنَا يَقُول من أَرَادَ أَن يعلم النجيب ابْن النجيب يكون بِمَشِيئَة الله تَعَالَى فَلْينْظر إِلَى سهل بن أبي سهل وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْخلق الْيَوْم الْخَامِس من وَفَاة الْأُسْتَاذ أبي سهل سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَقد تخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء بنيسابور وَسَائِر مدن خُرَاسَان وتصدى للْفَتْوَى وَالْقَضَاء والتدريس قَالَ وَخرجت لَهُ الْفَوَائِد من سماعاته وَحدث وأملى قَالَ وَبَلغنِي أَنه وضع فِي مَجْلِسه أَكثر من خَمْسمِائَة محبرة عَشِيَّة الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 وَكَانَ أَبوهُ يَقُول سهل وَالِد وَدخلت على الْأُسْتَاذ فِي ابْتِدَاء مَرضه وَسَهل غَائِب إِلَى بعض ضيَاعه وَكَانَ الْأُسْتَاذ يشكو مَا هُوَ فِيهِ فَقَالَ غيبَة سهل أَشد عَليّ من هَذَا الَّذِي أَنا فِيهِ وَسمعت الرئيس أَبَا مُحَمَّد الميكالي يَقُول النَّاس يتعجبون من كِتَابَة الْأُسْتَاذ أبي سهل وَسَهل أكتب مِنْهُ وَسمعت أَبَا الْأَصْبَغ عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك وَانْصَرف إِلَيْنَا من نيسابور وَنحن ببخارى فَسَأَلْنَاهُ مَا الَّذِي اسْتَفَدْت هَذِه الكرة بنيسابور فَقَالَ رُؤْيَة سهل بن أبي سهل فَإِنِّي مُنْذُ فَارَقت وطني بأقصى الْمغرب وَجئْت إِلَى أقْصَى الْمشرق مَا رَأَيْت مثله وَقَالَ أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ هُوَ الإِمَام فِي الْأَدَب وَالْفِقْه وَالْكَلَام والنحو والبارع فِي النّظر وَقَالَ الْحَافِظ الإِمَام أثير الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن غَانِم بن أبي زيد المقرىء فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الْكتاب الَّذِي أعده شَافِعِيّ فِي مَنَاقِب الإِمَام الشَّافِعِي سهل بن مُحَمَّد الصعلوكي كَانَ فِيمَا قيل عَالما فِي شخص وَأمة فِي نفس وَإِمَام الدُّنْيَا بِالْإِطْلَاقِ وشافعي عصره بالإطباق وَمن لَو رَآهُ الشَّافِعِي لقرت عينه وَشهد أَنه صدر الْمَذْهَب وعينه وَأَنا إِن شَاءَ الله أذكر محَاسِن هَذَا الإِمَام فِي كتاب شِفَاء الصُّدُور فِي طبقَة الْأَصْحَاب ليقف على حَاله الْجَاهِل والعالم فَإِن فضائله أشهر وَأكْثر من أَن يحملهَا هَذَا الْموضع انْتهى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 ذكره بعد أَن أنْشد الأبيات الَّتِي أَنْشَأَهَا المطوعي وسنذكرها قلت وَقد كتبت هَذَا من خطّ شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْعَبَّاس بن المظفر وَلم يثبت أَن الْحَافِظ أثير الدّين الْمشَار إِلَيْهِ نَقله من المطوعي فِي كتاب الْمَذْهَب وَأَن المطوعي صنف الْكتاب الْمَذْكُور للْإِمَام سهل الْمَذْكُور وَأسْندَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي كتاب التَّبْيِين إِلَى الْحَاكِم أبي عبد الله قَالَ سَمِعت الشَّيْخ أَبَا الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد فَذكر حِكَايَة ابْن سُرَيج والأبيات الَّتِي أنشدها فِي أَنه عَالم الْمِائَة الثَّالِثَة ثمَّ كَلَام الْحَاكِم فِي سهل والأبيات الَّتِي أنشدت فِيهِ وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى فِي تَرْجَمَة سهل وَلم نذكرهُ فِي هَذَا الْكتاب فِي تَرْجَمته لأَنا قدمْنَاهُ فِي ديباجة الْكتاب والأبيات الَّتِي ذيلناها عَلَيْهِ فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِعَادَة نعم نذكرها نظما فِي هَذَا الْمَعْنى الَّذِي لم يسْبق لَهُ ذكر فَنَقُول وَذكر أَبُو حَفْص عمر بن عَليّ المطوعي فِي كتاب الْمَذْهَب فِي ذكر مَشَايِخ الْمَذْهَب عَن بعض أهل عصره (إِنَّا روينَا عَن نَبِي الْهدى ... فِي السّنة الْوَاضِحَة السامية) (بِأَن لله امْرأ قَائِما ... بِالدّينِ فِي كل تناهي مائَة) (فعمر الحبر حَلِيف العلى ... قَامَ بِهِ فِي الْمِائَة البادئة) (وَالشَّافِعِيّ المرتضى بعده ... قَرَّرَهُ فِي الْمِائَة الثَّانِيَة) (وَابْن سُرَيج فراج لَهُ ... فِي الْمِائَة الثَّالِثَة التالية) (وَالشَّيْخ سهل عُمْدَة للورى ... فِي الْمِائَة الرَّابِعَة الحالية) مَاتَ الْأُسْتَاذ أَبُو الطّيب فِي شهر رَجَب سنة أَربع وَأَرْبَعمِائَة بنيسابور وَقَالَ أَبُو سعيد الشحام رَأَيْته فِي الْمَنَام فَقلت أَيهَا الشَّيْخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 فَقَالَ دع الشَّيْخ فَقلت وَتلك الْأَحْوَال الَّتِي شاهدتها فَقَالَ لم تغن عَنَّا فَقلت مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي بمسائل كَانَت تسْأَل عَنْهَا الْعَجز وَمن الرِّوَايَة عَن الْأُسْتَاذ سهل بن أبي سهل أَنبأَنَا الْمسند أَبُو التقى صَالح بن مُخْتَار الْإِسْنَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بِالْقَاهِرَةِ والخطيب عز الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعِزّ إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي عمر سَمَاعا عَلَيْهِ بقاسيون قَالَا أَنبأَنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الدَّائِم بن نعْمَة الْمَقْدِسِي قَالَ الأول سَمَاعا وَقَالَ الثَّانِي حضورا أَنبأَنَا يحيى بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ أخبرنَا جدي الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ أخبرنَا أَبُو نصر مُحَمَّد بن سهل السراج حَدثنَا أَبُو الطّيب سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصعلوكي حَدثنَا أَبُو سهل بشر بن يحيى المهرجاني حَدثنَا عبد الله بن نَاجِية حَدثنَا أَحْمد بن يحيى الْجلاب حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن عَن سُفْيَان عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن رَجَاء بن حَيْوَة عَن أبي الدَّرْدَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّمَا الْحلم بالتحلم وَإِنَّمَا الْعلم بالتعلم وَمن يتحر الْخَيْر يُعْطه وَمن يتوق الشَّرّ يوقه) وَمن شعره وَقد أنْشدهُ أَبُو عَاصِم فِي الطَّبَقَات (سلوت عَن الدُّنْيَا عَزِيزًا قبلتها ... وجدت بهَا لما تناهت بآمالي) (علمت مصير الدَّهْر كَيفَ سَبيله ... فزايلتها قبل الزَّوَال بأحوالي) وَمن كَلَامه ورشيق عباراته فِي حكمه وَفِي فَتَاوِيهِ فَمن حَكِيم كَلَامه من تصدر قبل أَوَانه فقد تصدى لهوانه وَقد أوردهُ الْعَبَّادِيّ فِي الطَّبَقَات فِي تَرْجَمته عَنهُ وَفِي تَرْجَمَة أَبِيه الْأُسْتَاذ أبي سهل عَنهُ وَقد قيل أَخذه من مَنْصُور الْفَقِيه حَيْثُ قَالَ الْكَلْب أغْلى قيمَة الْبَيْتَيْنِ اللَّذين قدمناهما فِي تَرْجَمَة مَنْصُور فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة وَمِنْه إِذا كَانَ رضَا الْخلق معسورة لَا يدْرك كَانَ ميسوره لَا يتْرك قلت أرشق مِنْهُ قَول الْفُقَهَاء الميسور لَا يسْقط بالمعسور وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول أفْصح من نطق بالضاد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) وَمِنْه إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى إخْوَان الْعشْرَة لزمان الْعسرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 وَمن رَشِيق فَتَاوِيهِ أجَاب وَقد سُئِلَ عَمَّن مَاتَ وَلم تُوجد الْوَدِيعَة فِي تركته هَل يضمنهَا لَا إِن مَاتَ عرضا نعم إِن مَاتَ مَرضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 وَعَن لعب الشطرنج إِذا سلم المَال من الخسران وَالصَّلَاة عَن النسْيَان فَذَلِك أنس بَين الخلان كتبه سهل بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَقَالَ مستدلا على أَن وَطْء الثّيّب لَا يمْنَع المُشْتَرِي من الرَّد بِالْعَيْبِ إِلْمَام من غير إيلام فَلَا يمْنَع قِيَاسا على الِاسْتِخْدَام وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ قَالَ ابْن الصّلاح روينَا عَن الإِمَام سهل أَنه قَالَ فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام) أَرَادَ فضل ثريد عَمْرو العلى الَّذِي عظم نَفعه وَقدره وَعم خَيره وبره وَبَقِي لَهُ ولعقبه ذكره حَتَّى قَالَ الْقَائِل فِيهِ (عَمْرو العلى هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ ... وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف) (سنت إِلَيْهِ الرحلتان كِلَاهُمَا ... سفر الشتَاء ورحلة الأضياف) قَالَ ابْن الصّلاح أبعد سهل فِي تَأْوِيل الحَدِيث وَالَّذِي أرَاهُ أَن مَعْنَاهُ تَفْضِيل ثريد كل طَعَام على بَاقِي ذَلِك الطَّعَام وَسَائِر بِمَعْنى بَاقٍ وَهُوَ كَذَلِك فَإِن خير اللَّحْم حصل فِيهِ فَهُوَ أفضل مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 قلت إِذا كَانَ يُرِيد عَمْرو العلى فِي ذَلِك الزَّمَان هُوَ الْمَشْهُور فَمَا أبعد سهل بل مَا قَالَه هُوَ الصَّوَاب وَالْألف وَاللَّام فِي الثَّرِيد تَنْصَرِف إِلَى الْمَعْهُود والمعهود عِنْدهم الْمَشْهُور لديهم ثريد عَمْرو العلى ثمَّ أَنْت ترى الْبَيْت كَيفَ أوردهُ ابْن الصّلاح وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف وَمن خطّ شَيخنَا الْحَافِظ الثبت أَبى الْحجَّاج الْمزي نقلته وَالْقَصِيدَة مَكْسُورَة الْفَاء فَيحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى التَّحَمُّل والتأويل فِي كسر الْفَاء من عجاف وَهِي صفة لمسنتون الَّذِي هُوَ خبر رجال مَكَّة وَالنَّاس كَذَلِك ينشدون الْبَيْت ويستشكلونه وَالَّذِي رَأَيْته فِي السِّيرَة فِي أصُول مُعْتَمدَة صَحِيحَة مَا نَصه (عَمْرو العلى هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ ... قوم بِمَكَّة مُسنَّتَيْنِ عجاف) (سنت إِلَيْهِ الرحلتان كِلَاهُمَا ... سفر الشتَاء ورحلة الأضياف) وعزاهما ابْن إِسْحَاق لشاعر من قُرَيْش لم يُعينهُ وعَلى هَذَا لَا إِشْكَال فِيهِ فرع من بَاب الْإِقْرَار عَن الْأُسْتَاذ أبي الطّيب قَالَ القَاضِي أَبُو سعد الْهَرَوِيّ إِن الشَّيْخ أَبَا الطّيب يَعْنِي سهلا الصعلوكي فِيمَا أَحسب وَافق أَبَا حنيفَة على أَن من قَالَ فِي جَوَاب الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ مَا غصبت من أحد قبلك وَلَا بعْدك يكون مقرا لَهُ بِالْغَصْبِ والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَشرح الْمِنْهَاج للوالد أَنه لَيْسَ بِإِقْرَار وناقل هَذِه الْمقَالة عَن ابْن الصعلوكي فِيمَا أَحسب هُوَ القَاضِي أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ فَتَبِعَهُ تِلْمِيذه القَاضِي أَبُو سعد وَقد وَافق أَبُو الطّيب أَبَا حنيفَة فِي مسَائِل من هَذَا النَّوْع ينكرها بعض أَصْحَابنَا أَو كثير مِنْهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 مِنْهَا لَو قَالَ أَعْطِنِي الْألف الَّتِي لي عَلَيْك فَقَالَ نعم وَافق أَبُو الطّيب الصعلوكي أَبَا حنيفَة أَنه إِقْرَار وَمِنْهَا لَو قَالَ فِي الْجَواب لقد عممتني بِهَذَا أَو مَا أَكثر مَا يتقاضاني بِهِ أَو وَالله لأقضينك وَافق أَبُو الطّيب أَبَا حنيفَة على أَنه إِقْرَار وَفِي الرَّافِعِيّ بعد أَن نقل عَن أبي حنيفَة فِي هَذِه الصُّورَة وَمَا شابهها قَوْله بِأَنَّهَا إِقْرَار إِن أَصْحَابنَا مُخْتَلفُونَ والميل إِلَى مُوَافَقَته فِي أَكثر الصُّور أَكثر وَلم يبين الْأَكْثَر الَّذِي ميلهم إِلَى مُوَافَقَته فِيهِ أما لَو قَالَ عَليّ ألف إِلَّا أَن يَبْدُو لي فَهَل هُوَ إِقْرَار هَذِه الْمَسْأَلَة لَيست فِي الرَّافِعِيّ وَحكى النَّوَوِيّ فِيهَا وَجْهَيْن فِي زَوَائِد الرَّوْضَة عَن الْعدة وَالْبَيَان وَقَالَ لَعَلَّ الْأَصَح أَنه إِقْرَار وَجزم الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج بِتَصْحِيحِهِ فَقَالَ إِقْرَار فِي الْأَصَح وَالْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب الْمَنْصُوص خلاف مَا صححناه وَلَا نَعْرِف مَا صححناه عَن أحد من أَصْحَابنَا إِلَّا عَن أبي الطّيب الصعلوكي وَهُوَ مَعْرُوف بِهِ وَإِنَّمَا أَشَارَ صاحبا الْعدة وَالْبَيَان بِالْوَجْهَيْنِ إِلَى قَوْله مَعَ مُقَابِله قَالَ القَاضِي أَبُو سعد فِي الإشراف إِذا قَالَ عَليّ ألف إِلَّا أَن يَبْدُو لي فَهُوَ اسْتثِْنَاء صَحِيح نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّيْخ أَبُو الطّيب لم يصحح هَذَا الِاسْتِثْنَاء فَجعله بِمَنْزِلَة عَليّ عشرَة إِلَّا عشرَة لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء يدْفع الْجَمِيع وَالشَّافِعِيّ قاسه على قَوْله إِن شَاءَ الله وَهُوَ يمْنَع الْوُجُوب انْتهى فَهَذَا الْمَنْقُول فِي الْمَسْأَلَة غير أَن قياسها على إِن شَاءَ الله لَا يَتَّضِح كل الوضوح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 فَإِن بَينهمَا فارقا من جِهَة أَن قَوْله إِلَّا أَن يَبْدُو لي مَعَ قَوْله على ألف مِمَّا يتهافت فَإِن ثُبُوت الشَّيْء على الْمَرْء لَا يتَوَقَّف على أَن يَبْدُو لَهُ بِخِلَاف مَشِيئَة الله فَلَعَلَّ مَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَشَيخنَا أوجه غير أَن الظَّن أَنَّهُمَا لَو اطلعا على أَن الْمَنْصُوص الْمَشْهُور خِلَافه لوقفا عَن التَّصْحِيح أَو لأمعنا النّظر فِي الْمَسْأَلَة إمعانا زَائِدا فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَمد تصحيحهما فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا بعد إحكام النّظر وَنَظِير الْمَسْأَلَة لَو قَالَ مَتى تقضي حَقي فَقَالَ غَدا جعلهَا الرَّافِعِيّ مثل الصُّور الَّتِي قَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّهَا إِقْرَار وَأَن الْأَصْحَاب مُخْتَلفُونَ وميلهم إِلَى وفاقه فِي الْأَكْثَر أَكثر والمقتصر على النّظر فِي كَلَامه هَذَا يحْسب أَن الرَّاجِح عندنَا فِي هَذِه الصُّورَة أَنَّهَا إِقْرَار ومنقول الْمَذْهَب أَنَّهَا غير إِقْرَار قَالَ القَاضِي أَبُو سعد يحْتَمل أَنه أَرَادَ غَدا فِي نَار الله تَعَالَى أَقْْضِي حَقك لِأَنَّك ظلمتني فِي هَذِه الدَّعْوَى وَيحْتَمل أُجِيب غَدا أَو غَدا يتَبَيَّن خطؤك وَقَالَ القَاضِي يشْرَح الرَّوْيَانِيّ يحْتَمل أَن يُرِيد غَدا يكون غَائِبا أَو مَيتا قلت وهب أَنَّهَا احتمالات بعيدَة إِلَّا أَن الْإِقْرَار يبْنى على الْيَقِين وَمِنْهَا لَو قَالَ أَسْرج دَابَّة فلَان هَذِه قَالَ نعم أَو أَخْبرنِي زيد أَن لي عَلَيْك ألفا فَقَالَ نعم قَضِيَّة كَلَام الرَّافِعِيّ أَنه إِقْرَار وصريح كَلَام القَاضِي أبي سعد أَنه على الْخلاف وَظَاهره أَن جادة الْمَذْهَب أَنه غير إِقْرَار وَأَنه لَا يَقُول بِكَوْنِهِ إِقْرَارا من أَصْحَابنَا غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 أبي الطّيب الصعلوكي وَأَنه وَافق فِيهِ أَبَا حنيفَة فَلْينْظر النَّاظر هَذِه الْأَلْفَاظ وليشبعها فكرا وكشفا فَإِنِّي لم أستوعب النّظر فِيهَا وَلم أمعن فِيهَا كتب الْمَذْهَب وَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يقْتَصر فِيهَا على الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة فَإِن كَلَام من ذَكرْنَاهُ يدل على أَن جادة الْمَذْهَب على خلاف مَا يفهمانه،،، انْتهى بِحَمْد الله الْجُزْء الرَّابِع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 419 - شبيب بن عُثْمَان بن صَالح الْفَقِيه أَبُو الْمَعَالِي الرَّحبِي من أهل رحبة الشَّام سمع بهَا أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن سعدون الْموصِلِي وَغَيره ورحل إِلَى بَغْدَاد فِي طلب الْعلم فَسمع أَبَا الْخطاب نصر بن أَحْمد بن البطر وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن طَلْحَة النعالي ورزق الله بن عبد الْوَهَّاب التَّمِيمِي وَأَبا عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر الْحميدِي وَغَيرهم وَحدث بِيَسِير حدث عَنهُ نصر بن نَاصِر الحدادي المراغي وَغَيره بِشَيْء حدث بِهِ بِالْمَدْرَسَةِ التاجية بِبَغْدَاد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمِنْه حِكَايَة أبي إِسْحَاق الْمروزِي فِي الرجل البقلي فِي مَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء الحديث: 419 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 وَقد قدمناها فِي تَرْجَمَة أبي إِسْحَاق قلت وشبيب هَذَا من تلامذة أبي مَنْصُور ابْن أخي الشَّيْخ أبي نصر بن الصّباغ وَهُوَ مَذْكُور فِي فتاوي ابْن الصّباغ أَنه جمع شَيْئا من تِلْكَ الفتاوي وَرَأَيْت لشبيب فَوَائِد علقها من كَلَام ابْن الصّباغ غير مَا فِي الفتاوي مِمَّا وَقع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 لِابْنِ الصّباغ فِي مناظراته وفوائد علقها أَيْضا من كتاب الْكَافِي فِي شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ لأبي الْحسن الْمَاوَرْدِيّ صَاحب الْحَاوِي وَأَنا أذكر هُنَا نبذة مِمَّا انتقيته مِنْهَا قَالَ شبيب نقلا عَن الْكَافِي للماوردي يجوز السّلم فِي السلجم والجزر بعد قطع ورقه لِأَنَّهُ لَا ضَرَر فِي قطعه وَهُوَ مَعَه مَجْهُول قَالَ شبيب قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْكَافِي إِذا ادّعى الشَّرِيك تلف المَال يَوْم الْجُمُعَة فَشهد شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأيا المَال بِعَيْنِه بعد الْجُمُعَة فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يلْزمه غرم المَال وَإِن حلف على كذبه لظُهُور كذبه وَالثَّانِي وَهُوَ قَول ابْن الْقَاص إِن شَهدا قبل إحلافه حكم عَلَيْهِ بالغرم وَإِن شَهدا بعده لم يبطل حكم يَمِينه إِلَّا بعد سُؤَاله وَإِن ذكر وَجها مُحْتملا سلم بِهِ يَمِينه وَلَا تكذبه الشَّهَادَة حكم بِالْيَمِينِ وبرأ بِهِ وَإِن لم يذكر غرم وَسقط حكم الْيَمين قَالَ شبيب قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْكَافِي إِذا قَالَ لزيد عَليّ دِرْهَم مَعَ عَمْرو فَلهُ احْتِمَالَانِ أَحدهمَا أَن يُرِيد الْإِقْرَار لزيد بدرهم مَعَ عَمْرو أَي فِي يَده وَالثَّانِي أَن يُرِيد الْإِقْرَار لَهما بالدرهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 وَالْأول أقوى فَأَيّهمَا أَرَادَهُ قبل مِنْهُ وَإِن لم يكن لَهُ إِرَادَة لم يلْزمه إِلَّا الْيَقِين وَمثله فِي الطَّلَاق أَن يَقُول يَا هِنْد أَنْت طَالِق مَعَ زَيْنَب فَتطلق هِنْد وَلَا تطلق زَيْنَب إِلَّا أَن يريدها بِالطَّلَاق وَهَكَذَا لَو قَالَ يَا هِنْد قد بنت مَعَ زَيْنَب كَأَنَّهُ قَالَ لهِنْد دون زَيْنَب قلت مَسْأَلَة الْإِقْرَار ظَاهِرَة وَأما قَوْله إِن لم يكن لَهُ إِرَادَة لم يلْزمه إِلَّا الْيَقِين فقد يُقَال لَا يَقِين هُنَا وَإِن كَانَ يَعْنِي بِالْيَقِينِ لُزُوم الدِّرْهَم لزيد فَفِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِذا احْتمل نِصْفَيْنِ بَين زيد وَعَمْرو فالمتيقن نصف لزيد وَنصف آخر مُتَرَدّد بَينه وَبَين عَمْرو فَيَنْبَغِي أَن يرجع إِلَى بَيَانه وَأما مَسْأَلَة الطَّلَاق فقد يُقَال إِنَّهَا لَيست كَمَسْأَلَة الْإِقْرَار لِأَن طَلَاق وَاحِدَة لَا يكون مَعَ الْأُخْرَى بل يتَعَيَّن أَن يَقع عَلَيْهِمَا مَعًا وَقد يُقَال جَازَ كَون طَلاقهَا مَعَ صاحبتها بِمَعْنى أَنَّهَا تُؤدِّي خَبره إِلَيْهَا وَنَحْو ذَلِك وَحِينَئِذٍ فالمتيقن الْوُقُوع على هِنْد وَأما زَيْنَب فَيحْتَاج فِيهَا إِلَى نِيَّة أخذا بالمتيقن 420 - شعْبَان بن الْحَاج الْمُؤَذّن أَبُو الْفضل من أهل شرْوَان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا زاهدا تفقه بآمل طبرستان على القَاضِي أبي ليلى بنْدَار بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ وَعَاد إِلَى بَلَده وانتفع النَّاس بِهِ فَسمع من أبي بكر الطَّبَرِيّ الحديث: 420 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 بآمل وَفَاطِمَة بنت الدقاق بنيسابور وَغَيرهمَا مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 421 - شهفور بن طَاهِر بن مُحَمَّد الإسفرايني أَبُو المظفر الإِمَام الأصولي الْفَقِيه الْمُفَسّر ارتبطه نظام الْملك بطوس قَالَ عبد الغافر وصنف التَّفْسِير الْكَبِير الْمَشْهُور وصنف فِي الْأُصُول وسافر فِي طلب الْعلم قَالَ وَسمع من أَصْحَاب الْأَصَم قَالَ وَكَانَ لَهُ اتِّصَال مصاهرة بالأستاذ أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 422 - طَاهِر بن أَحْمد بن عَليّ بن مَحْمُود المحمودي القايني من بَلْدَة قاين بِفَتْح الْقَاف وَالْيَاء آخر الْحُرُوف بعد الْألف وَفِي آخرهَا النُّون وَهِي قَرْيَة من طبسين بَين نيسابور وأصبهان هُوَ الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن سمع الحَدِيث بخراسان وَغَيرهمَا فَمن شُيُوخه أَبُو الْفضل مَنْصُور بن نصر بن عبد الرَّحِيم بن مت الكاغدي وَأَبُو سعد عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن عَلَيْك الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي والفقيه نَاصِر الْعمريّ وَيحيى بن عَليّ بن الطَّبِيب الدسكري وَأَبُو الْحسن بن رزقويه وَغَيرهم الحديث: 421 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 روى عَنهُ نصر الله الْمَقْدِسِي وَأَبُو طَاهِر الجنائي وَأَبُو الْحُسَيْن بن الموازيني وَهبة الله بن الْأَكْفَانِيِّ وَآخَرُونَ توفّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 423 - طَاهِر بن عبد الله بن طَاهِر بن عمر الإِمَام الْجَلِيل القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ أحد حَملَة الْمَذْهَب ورفعائه كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا بحرا غواصا متسع الدائرة عَظِيم الْعلم جليل الْقدر كَبِير الْمحل تفرد فِي زَمَانه وتوحد وَالزَّمَان مشحون بأخدانه واشتهر اسْمه فَمَلَأ الأقطار وشاع ذكره فَكَانَ أَكثر حَدِيث السمار وطاب ثَنَاؤُهُ فَكَانَ أحسن من مسك اللَّيْل وكافور النَّهَار وَالْقَاضِي فَوق وصف الواصف ومدحه وَقدره رَبًّا على بسيط الْقَائِل وَشَرحه وَعنهُ أَخذ الْعِرَاقِيُّونَ الْعلم وحملوا الْمَذْهَب ولد القَاضِي بآمل طبرستان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وثلاثمائة وَسمع بجرجان من أبي أَحْمد الغطريفي وَقد وَقع لنا جُزْء أبي أَحْمد من طَرِيقه الحديث: 423 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 وبنيسابور من شَيْخه أبي الْحسن الماسرجسي وببغداد من الْحَافِظ أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَأسْندَ عَنهُ كثيرا فِي كِتَابه الْمِنْهَاج وَمن مُوسَى بن عَرَفَة والمعافى ابْن زَكَرِيَّا وَعلي بن عمر الْحَرْبِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَهُوَ أخص تلامذته بِهِ وَأَبُو مُحَمَّد بن الآبنوسي وَأَبُو نصر أَحْمد بن الْحسن الشِّيرَازِيّ وَأحمد ابْن عبد الْجَبَّار الطيوري وَأَبُو الْمَوَاهِب أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُلُوك وَأَبُو نصر مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد العكبري وَأَبُو الْعِزّ أَحْمد بن عبيد الله بن كادش وَأَبُو الْقَاسِم بن الْحُسَيْن وَخلق آخِرهم موتا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ ذكره تِلْمِيذه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ فِيمَا أخبرناه أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا ابْن القواس أخبرنَا الْكِنْدِيّ إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْحسن بن عبد السَّلَام أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ الشِّيرَازِيّ قَالَ وَمِنْهُم شَيخنَا وأستاذنا أَبُو الطّيب توفّي عَن مائَة وسنتين لم يخْتل عقله وَلَا تغير فهمه يُفْتى مَعَ الْفُقَهَاء ويستدرك عَلَيْهِم الْخَطَأ وَيَقْضِي وَيشْهد ويحضر المواكب إِلَى أَن مَاتَ تفقه بآمل على أبي عَليّ الزجاجي صَاحب ابْن الْقَاص وَقَرَأَ على أبي سعد الْإِسْمَاعِيلِيّ وعَلى القَاضِي أبي الْقَاسِم بن كج بجرجان ثمَّ ارتحل إِلَى نيسابور وَأدْركَ أَبَا الْحسن الماسرجسي وَتَبعهُ وَصَحبه أَربع سِنِين ثمَّ ارتحل إِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 بَغْدَاد وعلق عَن أبي مُحَمَّد الْبَاقِي الْخَوَارِزْمِيّ صَاحب الداركي وَحضر مجْلِس الشَّيْخ أبي حَامِد وَلم أر فِيمَن رَأَيْت أكمل اجْتِهَادًا وَأسد تَحْقِيقا وأجود نظرا مِنْهُ شرح الْمُزنِيّ وصنف فِي الْخلاف وَالْمذهب وَالْأُصُول والجدل كتبا كَثِيرَة لَيْسَ لأحد مثلهَا ولازمت مَجْلِسه بضع عشرَة سنة ودرست أَصْحَابه فِي مَسْجده سِنِين بِإِذْنِهِ ورتبني فِي حلقته وسألني أَن أَجْلِس فِي مَسْجِد التدريس فَفعلت فِي سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة أحسن الله تَعَالَى عني جزاءه وَرَضي عَنهُ وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ أَبُو الطّيب ورعا عَارِفًا بالأصول وَالْفُرُوع محققا حسن الْخلق صَحِيح الْمَذْهَب اخْتلفت إِلَيْهِ وعلقت الْفِقْه عَنهُ سِنِين وَذكره أَبُو عَاصِم فِي آخر الطَّبَقَة السَّادِسَة وَهُوَ آخر مَذْكُور فِي كِتَابه وَقَالَ فِيهِ فَاتِحَة هَذِه الطَّبَقَة شيخ الْعرَاق أَبُو الطّيب طَاهِر بن عبد الله الطَّبَرِيّ وَقَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله القَاضِي ابْتَدَأَ القَاضِي أَبُو الطّيب يدرس الْفِقْه ويتعلم الْعلم وَله أَربع عشرَة سنة فَلم يخل بِهِ يَوْمًا وَاحِدًا إِلَى أَن مَاتَ وَعَن أبي مُحَمَّد البافي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ أفقه من أبي حَامِد الإسفرايني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر الشَّامي قلت للْقَاضِي أبي الطّيب شَيخنَا وَقد عمر لقد متعت بجوارحك فَقَالَ لم لَا وَمَا عصيت الله بِوَاحِدَة مِنْهَا قطّ وَعَن القَاضِي أبي الطّيب أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَقَالَ لَهُ يَا فَقِيه وَأَنه كَانَ يفرح بذلك وَيَقُول سماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقِيها وَعَن القَاضِي أبي الطّيب خرجت إِلَى جرجان للقاء أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فقدمتها يَوْم الْخَمِيس فَدخلت الْحمام فَلَمَّا كَانَ من الْغَد لقِيت أَبَا سعد ابْن الشَّيْخ أبي بكر فَأَخْبرنِي أَن وَالِده قد شرب دَوَاء لمَرض كَانَ بِهِ وَقَالَ لي تَجِيء فِي صَبِيحَة غَد فَتسمع مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ فِي بكرَة السبت غَدَوْت للموعد فَسمِعت النَّاس يَقُولُونَ مَاتَ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَعَن القَاضِي أبي الطّيب رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقلت يَا رَسُول الله أَرَأَيْت من روى عَنْك أَنَّك قلت (نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها) الحَدِيث أَحَق هُوَ قَالَ نعم وَكَانَ القَاضِي أَبُو الطّيب حسن الْخلق مليح المزاح والفكاهة حُلْو الشّعْر قيل إِنَّه دفع خفه إِلَى من يصلحه فَأَبْطَأَ بِهِ عَلَيْهِ وَصَارَ القَاضِي كلما أَتَاهُ يتقاضاه فِيهِ يغمسه الصَّانِع فِي المَاء حِين يرى القَاضِي وَيَقُول السَّاعَة أصلحه فَلَمَّا طَال على القَاضِي ذَلِك قَالَ إِنَّمَا دَفعته إِلَيْهِ لتصلحه لَا لتعلمه السباحة وَكَانَ القَاضِي أَبُو الطّيب قد ولي الْقَضَاء بِربع الكرخ بعد موت القَاضِي الصَّيْمَرِيّ فَإِذا أطلق الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَشبهه من الْعِرَاقِيّين لفظ القَاضِي مُطلقًا فِي فن الْفِقْه فإياه يعنون كَمَا أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره من الخراسانيين يعنون بِالْقَاضِي القَاضِي الْحُسَيْن والأشعرية فِي الْأُصُول يعنون القَاضِي أَبَا بكر بن الطّيب الباقلاني والمعتزلة يعنون عبد الْجَبَّار الأسداباذي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 توفّي القَاضِي يَوْم السبت وَدفن يَوْم الْأَحَد الْعشْرين من شهر ربيع الأول سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَمن شعره رَحمَه الله تَعَالَى (ألابس علم الْفِقْه وَهُوَ مرامه ... شَدِيد وَفِي إِدْرَاكه الكذ والكد) (فَتَاوِيهِ مَا بَين المضيء طَرِيقه ... وَبَين خَفِي فِي طرائقه جهد) (إِذا اجْتهد الْمفْتُون فِيهِ تباينوا ... فيدركه عَمْرو ويخطئه زيد) (لقد كدني مأثوره وفروعه ... وتعليله والنقض وَالْعَكْس والطرد) (لَهُ شعب من كل علم تحوطه ... وَمَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ مستبعد رد) (وعادته مذ لم يزل فقر أَهله ... وَمن كَانَ ذَا وجد فَمن غَيره الوجد) (وأنى يكون الْيُسْر مِنْهُ وَإنَّهُ ... لداع إِلَى الإقلال غَايَته الزّهْد) وَكتب إِلَيْهِ استفتاء صورته (يأيها الْعَالم مَاذَا ترى ... فِي عاشق ذاب من الوجد) (من حب ظَبْي أهيف أغيد ... سهل الْمحيا حسن الْقد) (فَهَل ترى تقبيله جَائِزا ... فِي النَّحْر والعينين والخد) (من غير مَا فحش وَلَا رِيبَة ... بل بعناق جَائِز الْحَد) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 (إِن أَنْت لم تفت فَإِنِّي إِذا ... أصيح من وجدي وأستعدي) فَأجَاب (يأيها السَّائِل إِنِّي أرى ... تقبيلك المعشوق فِي الخد) (يُفْضِي إِلَى مَا بعده فاجتنب ... قبلته بالجد والجهد) (فَإِن من يرتع حول الْحمى ... يُوشك أَن يجني من الْورْد) (تغنيك عَنهُ كاعب ناهد ... تحضر بِالْملكِ أَو العقد) (تنَال مِنْهَا كل مَا تشْتَهي ... من غير مَا فحش وَلَا صد) (هَذَا جوابي لقتيل الْهوى ... فَلَا تكن فِي ذَاك تستعدي) وَمن شعره (لَا تحسبن سُرُورًا دَائِما أبدا ... من سره زمن ساءته أزمان) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 (لَا تغترر بشباب آنق خضل ... فكم تقدم قبل الشيب شُبَّان) وَيَا أَخا الشيب لَو ناصحت نَفسك لم ... يكن لمثلك فِي اللَّذَّات إمعان) هَب الشبيبة تملى عذر صَاحبهَا ... مَا عذر شيب ليستهويه شَيْطَان) أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن البُخَارِيّ إجَازَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الْجَوْزِيّ إجَازَة أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن نَاصِر إجَازَة أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار ابْن أَحْمد الصَّيْرَفِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا القَاضِي الإِمَام أَبُو الطّيب طَاهِر ابْن عبد الله بن طَاهِر الطَّبَرِيّ كَانَ ابْن بابك الشَّاعِر دخل الدينور وَكَانَ يتفقه عِنْد أبي الْحُسَيْن الْقطَّان مَعَ القَاضِي أبي الْقَاسِم بن كج فِي مجْلِس أبي الْحُسَيْن الْقطَّان فَعَاتَبَهُ القَاضِي أَبُو الْقَاسِم بن كج على ترك الْفِقْه واشتغاله بالأدب وَقَالَ لَهُ والدك يَحُثُّك على الْفِقْه وَيُحِبهُ فَتركت مَا كَانَ أَبوك يختاره واشتغلت بِغَيْرِهِ فَعمِلت قصيدة سَأَلَني إنشادها فِي مَجْلِسه عَلَيْهِ (أناها أَيهَا القَاضِي الْجَلِيل ... فقد كشف التَّأَمُّل مَا أَقُول) (رَأَيْت الشَّرْع مسموعا مؤدى ... تناقله البصائر والعقول) (تحلى الشّرْب من سوم المبادي ... عَلَيْهِ لكل مُجْتَهد دَلِيل) (ترَاض لَهُ القرائح وَهِي شوس ... وتدركه العرائد وَهِي ميل) (إِذا استفتيت فِيهِ وَأَنت صدر ... يقلدك الورى فِيمَا تَقول) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 (أحلّت على نُصُوص واضحات ... أَتَاك بهَا كتاب أَو رَسُول) (ونظم الشّعْر مُمْتَنع الدَّوَاعِي ... فَلَيْسَ إِلَى مضايقه وُصُول) (إِذا التَّنْزِيل أشكل مِنْهُ لفظ ... فشاهد ذَلِك الشّعْر الْمَقُول) (ينَال بِهِ الْغنى طورا وطورا ... ينَال بِهِ الطوائل وَالدُّخُول) (تسالمه الْمُلُوك وتتقيه ... وَذَاكَ لعمرك الْخطب الْجَلِيل) (فلولا الْحَمد مَا زكتْ الأيادي ... وَلَوْلَا الذَّم مَا عرف الْبَخِيل) (وَقد ذكر امْرأ الْقَيْس بن حجر ... فأسهب فِي مناقبه الرَّسُول) (وَحمله لِوَاء الشّعْر حَتَّى ... تجاذب عَن عقيرته الحمول (وَأخْبر أَن فِي التِّبْيَان سحرًا ... وَتلك شَهَادَة لَا تستحيل) (وَقد مدح النَّبِي بِهن حَتَّى ... جرى فِي مَاء بهجته الْقبُول) (بِشعر يسترق بِهِ الغواني ... وتعبث فِي مناسبه الشُّمُول) (وَمَا أسرى إِلَى الْأَعْدَاء إِلَّا ... تقدمه من الشُّعَرَاء جيل) (فلولا الشّعْر مَا عز ابْن أُنْثَى ... إِلَى مجد وَلَا وسم الذَّلِيل) (وَلَا انتمت الرِّيَاح إِلَى قراها ... وَلَا انتسبت إِلَى الْعتْق الْخُيُول) (وَلَا وصف الكمي إِذا تَلَوت ... عجاجته وَلَا ندب الْقَتِيل) (إِذا كرم الْفَتى أَو عز بَأْسا ... فبالتقريظ ينعم أَو يديل) (وَمَا يعصون عَن ذل وَلَكِن ... جبال الثَّلج تجرفها السُّيُول) (وَيملك أنفس العظماء قهرا ... ويملكنا الرَّحِيق السلسبيل) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 (يصانع بالصواهل والغواني ... ويبرز عِنْد ذِي الصل الجزيل) (فَزَاد الشَّاعِر النعم الصوافي ... وَزَاد الْعَالم الصَّبْر الْجَمِيل) (وَإِن تكن الْقِيَامَة وعد قوم ... فللعثرات يَوْمئِذٍ مقيل) (فقصرك لَا تطل عيب ابْن ود ... رماك بِطيبَة الْبَرْق الْمُحِيل) (إِذا فتشت عَنهُ رَأَيْت شخصا ... لَهُ فِي كل سارحة مثول) (بِخَير عناية أجْرى إِلَيْهَا ... فأدركها وَلَيْسَ لَهُ رسيل) (يكد بهَا غَنِي أمل قصير ... وذيل من مناصبة طَوِيل) (وجدت أبي أَخا مَال صَحِيح ... يسف وَرَاءه وَهن عليل) (لمعمعة على تَغْيِير سم ... كَمَا يتعظم الْفَحْل الصؤول) (ينبهني وناظره سؤوب ... ويشحذني وخاطره كليل) تهويني إِلَى العلياء نفس ... بهَا لَا بلات لذاتي أصُول) (ظَفرت بمرمق عبقت شذاه ... إِلَيْهِ وأعين الرائين حول) (وَلم أحرز عَلَيْهِ بِذَاكَ عارا ... بلَى عَار الغبينة لَا يَزُول) (حميت مرابضي ونباح كَلْبِي ... فَمَا للركب عَن أرضي قفول) (يجوز إِذا أردْت أسود برج ... وينفر عَن شقاشقتي الفحول) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 (إِذا الْملك اشرأب إِلَى ثنائي ... فعمت فرفضت مِنْهُ الشُّمُول) (فدونك نفثة المصدور واسلم ... فَأَنت لكل مرتزق وَكيل) (إِذا مَا الدَّهْر أيسر كل راج ... فَأَنت بنجعة الراجي كَفِيل) (إِذا مَا عَم أهل الأَرْض طرا ... نداك فقد بدأت بِمن تعول) (جعلت الْبشر وَالْإِحْسَان دينا ... فَمَا يَنْفَكّ ينفس أَو يسيل) (فَأَنت لكل ذِي قُرَّة حميم ... وَأَنت لكل ذِي ود خَلِيل) (كَأَن الأَرْض دَارك حِين تدني ... قرانا وَأَهْلهَا ركب نزُول) (بنيت الْأَمر حَتَّى كل وَاد ... بمهبطه مبيت أَو مقيل) (أعرت الأَرْض زينتها فجاست ... خلال رياضها الرّيح الْقبُول) (ودان لَك الْمُلُوك فَكل دَان ... وَقاص صادر عَمَّا تَقول) (فَأَنت الْحَاكِم الْعدْل التقي ... الْعَالم الْبر الْوُصُول) قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب فَقَالَ القَاضِي أَبُو الْقَاسِم بن كج أجب عَنهُ ورد عَلَيْهِ فأجبت عَلَيْهِ بِهَذَا (بإذنك أَيهَا القَاضِي الْجَلِيل ... أرد على ابْن بابك مَا يَقُول) (وَلَوْلَا مدْخل الْمَأْثُور فِيهِ ... ورغبة شَاعِر فِيمَا تنيل) (لما أطرقت سَمعك مِنْهُ حرفا ... رَأَيْت بِهِ إِلَيْهِ أستقيل) (وصنتك عَن مقَالَة مستبد ... بِرَأْي لَا يساعده الْقبُول) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 (وَشعر أشعر الإنحاس مِنْهُ ... وخطب ضمه قَالَ وَقيل) (فكم للقاك مِنْهُ كل يَوْم ... صداع من أَذَاهُ لَا يَزُول) (وَكم فِيهِ قواف صادرات ... عَن الْفُقَهَاء أصدرها الذحول) (وعذري فِي رِوَايَته جميل ... وَأَرْجُو أَن يكون لَهُ قبُول) (ذممت طَرِيقه وَنَصَحْت فِيهِ ... فأحرج صَدره النصح الْجَمِيل) (وشق عَلَيْهِ إِن الْحق مر ... على الْإِنْسَان مورده ثقيل) (فطال لِسَانه فَأَفَاضَ فِيهِ ... لِأَن لِسَان مصدور طَوِيل) (يعظم بَين أهل الشَّرْع شعرًا ... وَيَزْعُم أَنه علم جليل) (ويمدحه ويغلو فِي هَوَاهُ ... وَيعلم أَنه فِيهِ محيل) (لِأَن الله ذمهم جَمِيعًا ... وَأنزل فِيهِ مَا وضح الدَّلِيل) (وَلَو كَانَ الْفَضِيلَة كَانَ مِنْهَا ... لأَفْضَل خلقه الْحَظ الجزيل) (وَلما أَن نَهَاهُ الله عَنهُ ... علمت بِأَنَّهُ نزر قَلِيل) (فَكيف تَسَاويا وَالْفِقْه أصل ... موثق من معاقده الْأُصُول) (بِهِ عبد الْإِلَه وَكَانَ فِيهِ ... صَلَاح الْكل وَالدّين الْأَصِيل) (إِذا عدل الْمُكَلف عَنهُ يَوْمًا ... أضلّ طَرِيقه ذَاك الْعُدُول) (وَإِن لزم الْحفاظ عَلَيْهِ أولي ... نعيما مَا لآخره أفول) (كفى الْفُقَهَاء أَنهم هداة ... وأعلام كَمَا كَانَ الرَّسُول) (مدَار الدّين وَالدُّنْيَا عَلَيْهِم ... وَفرض النَّاس قَوْلهم الْمَقُول) (وَأما الشّعْر مدح أَو هجاء ... وَأعظم مَا يُرَاد بِهِ الفضول) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 (لذَلِك مَوضِع الشُّعَرَاء أقْصَى ... مجالسنا وموقفهم ذليل) (كَفاهُ أَنه يهجو أَبَاهُ ... وَقد رباه وَهُوَ لَهُ سليل) (يصول بهجوه وَيَقُول فِيهِ ... مقَالا مَا لَهُ مِنْهُ مقيل) (وجدت أَبى أَخا مَال صَحِيح ... يسف وَرَاءه وَهن عليل) (ينبهني وناظره متور ... ويشحذني وخاطره كليل) (وَلَو سَمِعت بِهِ أذنا أَبِيه ... نَفَاهُ وَهُوَ وَالِده الْوُصُول) (على أَنِّي رَأَيْت الشّعْر سهلا ... مآخذه بِلَا تَعب يطول) (يحس إِذا اجتباه الْمَرْء طبعا ... تساوى الحبر فِيهِ والجهول) (وَعلم الْفِقْه معتاص الْمعَانِي ... يقصر دونهَا البطل الصؤول) (وَمن هَذَا ابْن بابك فر مِنْهُ ... وَولى فهمه وَبِه فلول) (رأى بحرا وَلم ير منتهاه ... بعيد الْغَوْر لَيْسَ لَهُ وُصُول) (وَلَو عاناه كَانَ الله عونا ... وَعون الله فِي هَذَا كَفِيل) (يقرب مَا تبَاعد مِنْهُ حدا ... ويسهل من بوارقه السقيل) (فَهَذَا عينه فِيمَا حباه ... ومدحك بغيتي فِيمَا أَقُول) (نوالك للورى غيث هطول ... وجاهك مِنْهُم ظلّ ظَلِيل) (عممت الْكل بالنعما فأضحوا ... يؤمك مِنْهُم جيل فجيل) (وَسَار بعلمك الركْبَان حَتَّى ... لَهُ فِي كل نَاحيَة نزُول) (لسَانك فِي خصومك مستطيل ... ورأيك فيهم سيف صقيل) (إِذا ناظرتهم كَانُوا جَمِيعًا ... ثعالب بَينهَا أَسد يصول) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرتنا سِتّ الْأَهْل بنت علوان بن سعيد وَأَبُو الْحسن النوسي قَالَا أخبرنَا أَبُو الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْمَقْدِسِي أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّزَّاق بن نصر بن مُسلم النجار قِرَاءَة عَلَيْهِ غير مرّة أخبرنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن الْحسن بن الحنيفر بن عَليّ السّلمِيّ أخبرنَا القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلامَة بن جَعْفَر الْقُضَاعِي إجَازَة أخبرنَا أَبُو مُسلم مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن ابْن دُرَيْد حَدثنِي الْحسن بن خضر أَخْبرنِي رجل من أهل بَغْدَاد عَن أبي هَاشم الْمُذكر قَالَ أردْت الْبَصْرَة فَجئْت إِلَى سفينة أكتريها وفيهَا رجل وَمَعَهُ جَارِيَة فَقَالَ الرجل لَيْسَ هَا هُنَا مَوضِع فَسَأَلته أَن يحملني مناظرة جرت بِبَغْدَاد فِي جَامع الْمَنْصُور نفعنا الله بِهِ بَين شَيْخي الْفَرِيقَيْنِ القَاضِي أبي الطّيب وَأبي الْحسن الطَّالقَانِي قَاضِي بَلخ من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة سُئِلَ القَاضِي أَبُو الْحسن عَن تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث فَأجَاب بِأَن ذَلِك لَا يجزىء وَهُوَ مَذْهَبهم فَسئلَ الدَّلِيل فاستدل بِأَنَّهُ أدّى الْكَفَّارَة قبل وُجُوبهَا وَقبل وجود سَبَب وُجُوبهَا فَوَجَبَ أَلا تُجزئه كَمَا لَو أخرج كَفَّارَة الْجِمَاع بعد الصَّوْم وَقبل الْجِمَاع وَأخرج كَفَّارَة الطّيب واللباس بعد الْإِحْرَام وَقبل ارْتِكَاب أَسبَابهَا فَكَلمهُ القَاضِي أَبُو الطّيب ناصرا جَوَاز ذَلِك كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأورد عَلَيْهِ فصلين أَحدهمَا مانعه الْوَصْف فَقَالَ لَا أسلم أَنه لم يُوجد سَبَب وجوده الْكَفَّارَة فَإِن الْيَمين عِنْدِي سَبَب فاليمينية مثبتة فِي الْحَالين على هَذَا الأَصْل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 وَالثَّانِي أَنه يبطل بِمَا إِذا أخرج كَفَّارَة الْقَتْل بعد الْجرْح وَقبل الْمَوْت فَإِنَّهُ أخرجهَا قبل وُجُوبهَا وَقبل وجود سَبَب وُجُوبهَا ثمَّ يُجزئهُ أجَاب القَاضِي أَبُو الْحسن بِأَن قَالَ أَنا أدل على الْوَصْف وَيدل عَلَيْهِ أَن الْيَمين يمْنَع الْحِنْث وَمَا منع من السَّبَب الَّذِي تجب بِهِ الْكَفَّارَة لم يجز أَن يكون سَببا لوُجُوبهَا كَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَام لما منعا السَّبَب الَّذِي تجب عِنْده الْكَفَّارَة من الْوَطْء وَغَيره لم يجز أَن يُقَال إنَّهُمَا سببان فِي إِيجَابهَا كَذَلِك هَاهُنَا مثله فَأجَاب القَاضِي أَبُو الطّيب عَن هَذَا الْفَصْل أَيْضا وَقَالَ لَا أسلم أَن الْيَمين يمْنَع الْحِنْث فَقَالَ أَنا أدل عَلَيْهِ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله عز وَجل {واحفظوا أَيْمَانكُم} وَهَذَا أَمر بِحِفْظ الْيَمين وَترك الْحِنْث وعَلى أَن الْيَمين إِنَّمَا وضعت للْمَنْع لِأَن الْإِنْسَان إِنَّمَا يقْصد بِالْيَمِينِ منع نَفسه من الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا ذكرت من الصَّوْم وَالْإِحْرَام فِي منع الْجِمَاع وَغَيره وَيدل على ذَلِك أَن الْكَفَّارَة وضعت لتغطية المآثم وتكفير الذُّنُوب وَاسْمهَا يدل على ذَلِك وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحُدُود كَفَّارَات لأَهْلهَا) وَإِنَّمَا سَمَّاهَا كَفَّارَة لِأَنَّهَا تكفر الذُّنُوب وتغطيها وَمَعْلُوم أَنه لَا يَأْثَم فِي نفس الْأَمر أَي فِي الْيَمين فَيحْتَاج إِلَى تَغْطِيَة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه كَانُوا يحلفُونَ وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَالله لأغزون قُريْشًا) وأعادها ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ (إِن شَاءَ الله تَعَالَى) وَنحن نعلم أَنه لَا يجوز فِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصفَة أَصْحَابه أَن يقصدوا إِلَى مَا يتَعَلَّق الْإِثْم بِهِ إِلَى الْكَفَّارَة فَثَبت أَنه لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي الْيَمين وَإِذا لم يكن فِي الْيَمين إِثْم وَجب أَن يكون مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْكَفَّارَة مَوْضُوعَة لتكفير الْإِثْم الْمُتَعَلّق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 بِالْحِنْثِ وَهَذَا يدل على أَنه مَمْنُوع من الْحِنْث غير أَن من جملَة الْأَيْمَان مَا نقضهَا أولى من الْوَفَاء بهَا وَذَلِكَ إِذا حلف لَا يُصَلِّي فقد ابتلى ببلاءين بَين أَن يَفِي بِيَمِينِهِ فيأثم بترك الصَّلَاة وَبَين أَن ينْقض يَمِينه فَيحنث فيأثم بالمخالفة وللمخالفة بدل يرجع إِلَيْهِ وَلَيْسَ لترك الصَّلَاة بدل يرجع إِلَيْهِ وعَلى هَذَا يدل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه) فَشرط فِي الْحِنْث أَن يكون فعله خيرا من تَركه وَأما الْفَصْل الثَّانِي وَهُوَ النَّقْض فَلَا يلْزَمنِي لِأَنِّي قلت لم يُوجد سَببهَا وَهُنَاكَ قد وجد سَببهَا وَذَلِكَ أَن الْجرْح سَبَب فِي إِتْلَاف النَّفس وَهَذَا سَبَب الْإِثْم وَالْكَفَّارَة وَجَبت لتكفير الذَّنب وتغطية الْإِثْم وَالْجرْح سَبَب الْإِثْم فَإِذا وجد جَازَ إِخْرَاج الْكَفَّارَة وَتكلم القَاضِي أَبُو الطّيب على الْفَصْل الأول فَقَالَ أما الْيَمين فَلَا يجوز أَن تكون مَانِعَة من الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَلَا يجوز أَن تكون مُغيرَة لحكمه بل إِذا كَانَ الشَّيْء مُبَاحا فَهُوَ بعد الْيَمين بَاقٍ على حكمه وَإِن كَانَ مَحْظُورًا فَهُوَ بعد الْيَمين بَاقٍ على حظره يبين صِحَة هَذَا أَنه لَو حلف أَنه لَا يشرب المَاء لم يحرم عَلَيْهِ شرب المَاء وَلم يتَغَيَّر عَن صفته فِي الْإِبَاحَة وَكَذَلِكَ لَو حلف ليقْتلن مُسلما لم يحل لَهُ قَتله وَلم يتَغَيَّر الْقَتْل عَن صفة التَّحْرِيم وَهَذَا لَا أجد فِيهِ خلافًا بَين الْمُسلمين وعَلى هَذَا يدل قَول الله عز وَجل {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك تبتغي مرضات أَزوَاجك} ثمَّ قَالَ {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} فَعَاتَبَهُ الله على كل تَحْرِيم وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه) وَهَذَا يدل على مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْيَمين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 لَا تغير الشَّيْء عَن صفته فِي الْإِبَاحَة وَالتَّحْرِيم وَيبين صِحَة هَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} كفر عَن يَمِينه وَرُوِيَ أَنه آلى من نسائة شهرا وَلم يَحْنَث فَدلَّ على أَن الْإِبَاحَة كَانَت بَاقِيَة على صفتهَا وَأما قَوْله تَعَالَى {واحفظوا أَيْمَانكُم} فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْأَمر بتقليل الْيَمين حفظا كَمَا قَالَ الشَّاعِر (قَلِيل الألايا حَافظ ليمينه ... وَإِن بدرت مِنْهُ الألية برت) وَمَعْلُوم أَنه لم يرد حفظ الْيَمين من الْحِنْث والمخالفة لِأَن ذَلِك قد ذكره فِي المصراع الثَّانِي فَثَبت أَنه أَرَادَ بذلك التقليل وَأما قَوْله إِن الْيَمين مَوْضُوعَة للْمَنْع فَلَا يجوز أَن تكون سَببا لما يتَعَلَّق بِهِ الْكَفَّارَة فَبَاطِل بِمَا لَو قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار أَو كلمت زيدا فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ قصد الْمَنْع بِهَذِهِ الْيَمين من الدُّخُول ثمَّ هِيَ سَبَب فِيمَا يتَعَلَّق بهَا من الطَّلَاق وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَو شهد شَاهِدَانِ على رجل أَنه قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار أَو كلمت زيدا فَأَنت طَالِق وَشهد آخرَانِ أَنَّهَا دخلت الدَّار ثمَّ رجعُوا عَن الشَّهَادَة إِن الضَّمَان يجب على شُهُود الْيَمين وَهَذَا دَلِيل وَاضح على أَن الْيَمين هُوَ السَّبَب لِأَنَّهَا لَو لم تكن سَببا فِي إِيقَاع الطَّلَاق لما تعلق الضَّمَان عَلَيْهِم فَلَمَّا أوجب الضَّمَان على شُهُود الْيَمين علم أَن الْيَمين كَانَت سَببا فِي إِتْلَاف الْبضْع وإيقاع الطَّلَاق فَانْتقضَ مَا ذكرت من الدَّلِيل وَأما قَوْلك إِن الْكَفَّارَة مَوْضُوعَة لتغطية المآثم وَرفع الْجنَاح فَلَا يَصح وَكَيف يُقَال إِنَّهَا تجب لهَذَا الْمَعْنى وَنحن نوجبها على قَاتل الْخَطَأ مَعَ علمنَا أَنه لَا إِثْم عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ تجب على الْيَمين وَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَأما النَّقْض فلازم وَذَلِكَ أَن الْجرْح لَا يجوز أَن يكون سَببا لإِيجَاب الْكَفَّارَة وَإِنَّمَا السَّبَب فِي إِيجَابهَا فَوَات الرّوح وَالَّذِي يبين صِحَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 هَذَا هُوَ أَنه لَو جرحه ألف جِرَاحَة فاندملت لم تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فَثَبت أَن الْكَفَّارَة تتَعَلَّق بِالْقَتْلِ وَأَن الْجرْح لَيْسَ بِسَبَب وَلَا جُزْء من السَّبَب ثمَّ جَوَّزنَا إِخْرَاج الْكَفَّارَة فَدلَّ على مَا قُلْنَاهُ فَأجَاب القَاضِي أَبُو الْحسن الطَّالقَانِي عَن الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ أما قَول القَاضِي الإِمَام أدام الله تأييده إِن الْيَمين لَا يُغير الشَّيْء عَن صفته فِي الْإِبَاحَة بل يبْقى الشَّيْء بعد الْيَمين على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْيَمين فَهُوَ كَمَا قَالَ وَالْيَمِين لَا تثبت تَحْرِيمًا فِيمَا لَا يحرم وَلكنهَا لَا توجب منعا وَالشَّيْء تَارَة يكون الْمَنْع مِنْهُ لتَحْرِيم عينه كَمَا نقُول فِي الْخمر وَالْخِنْزِير إِنَّه يمْتَنع بيعهمَا لتَحْرِيم أعيانهما وَتارَة يمْتَنع مِنْهُ لِمَعْنى فِي غَيره كَمَا يمْنَع من أكل مَال الْغَيْر بِحَق مَاله لِأَن الشَّيْء فِي نَفسه غير محرم فَكَذَلِك هَاهُنَا فداخله القَاضِي أَبُو الطّيب فِي هَذَا الْفَصْل فَقَالَ فَيجب أَن نقُول إِنَّه يَأْثَم بِشرب المَاء كَمَا يَأْثَم بتناول مَال الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه فَقَالَ هَكَذَا أَقُول إِنَّه يَأْثَم بشربه كَمَا يَأْثَم بتناول الْغَيْر وَأما قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم} فَهُوَ الْحجَّة عَلَيْهِ لِأَن الله تَعَالَى أخبر أَنه حرمهَا على نَفسه وَهَذَا يدل على إِثْبَات التَّحْرِيم وَمَا ذَكرْنَاهُ من تَأْوِيل الْآيَة وَحملهَا على تقليل الْيَمين وَتركهَا فَهُوَ خلاف الظَّاهِر وَذَلِكَ أَن الْآيَة تَقْتَضِي حفظ يَمِين مَوْجُودَة وَإِذا حملناها على مَا ذكر من ترك الْيَمين كَانَ ذَلِك حفظا لِمَعْنى غير مَوْجُود فَلَا يكون ذَلِك حملا للفظ على غير ظَاهره وَحَقِيقَته ومراعاة الظَّاهِر والحقيقة أولى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 وَأما الشّعْر فَلَا حجَّة فِيهِ لِأَن الْحِفْظ هُنَاكَ أَرَادَ بِهِ الْحِفْظ من الْحِنْث والمخالفة وَقَوله إِن الْحِفْظ من الْمُخَالفَة والحنث قد علم من آخر الْبَيْت لَا يَصح لِأَنَّهُ إِذا حمله على تقليل الْيَمين حمل أَيْضا على مَا علم من أول الْبَيْت لِأَنَّهُ قَالَ قَلِيل الألايا فقد تساوينا فِي الِاحْتِجَاج بِالْبَيْتِ واشتركنا فِي الاستشهاد بِهِ على مَا يَدعِيهِ كل وَاحِد منا من المُرَاد بِهِ وَأما الدَّلِيل الثَّانِي الَّذِي ذكرته فَهُوَ صَحِيح وَقَوله إِن هَذَا يبطل بِمَسْأَلَة الْيَمين فِي الطَّلَاق فَلَا يلْزم وَذَلِكَ أَن السَّبَب هُنَاكَ هُوَ الْيَمين لِأَن الطَّلَاق بِهِ يَقع أَلا ترى أَنه يفصح فِي الْيَمين بإيقاع الطَّلَاق فَيَقُول إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَإِنَّمَا دخل الشَّرْط لتأخير الْإِيقَاع لَا لتغييره وَلذَلِك قَالُوا الشَّرْط يُؤَخر وَلَا يُغير فحين كَانَ الطَّلَاق وَاقعا بِالْيَمِينِ كَانَت هِيَ السَّبَب فَكَانَ الضَّمَان على شهودها لِأَن الْإِيقَاع حصل بِشَهَادَتِهِم وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فاليمين لَيْسَ فِي لَفظهَا مَا يُوجب الْكَفَّارَة فَلم يجز أَن تكون سَببا فِي إِيجَابهَا وَأما الدَّلِيل الثَّالِث الذى ذكرته من كَون الْكَفَّارَة مَوْضُوعَة لتكفير الذَّنب فَصَحِيح وَمَا ذكرته من أَن الْكَفَّارَة تجب مَعَ عدم المأثم وَهُوَ فِي قتل الْخَطَأ وَيجب فِي الْيَمين على الناسى وَالْمكْره وَعِنْدنَا لَا إِثْم على وَاحِد مِنْهُم فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَن فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَا وَجَبت إِلَّا لضرب من التَّفْرِيط وَذَلِكَ أَن الخاطىء هُوَ الَّذِي يَرْمِي إِلَى غَرَض فَيُصِيب رجلا فيقتله أَو يَرْمِي رجلا مُشْركًا ثمَّ يتَبَيَّن أَنه كَانَ مُسلما فَتجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 لِأَنَّهُ قد اجترأ عَلَيْهِ بظنه فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَترك التَّحَرُّز فِي الرَّمْي وَإِذا أصَاب مُسلما فَقتله علمنَا أَنه فرط وَترك الِاسْتِظْهَار فِي الرَّمْي فَكَانَ إِيجَاب الْكَفَّارَة لما حصل من جِهَته من التَّفْرِيط وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَة قتل الْخَطَأ {فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين تَوْبَة من الله} وَهَذَا يدل على أَن كَفَّارَة قتل الْخَطَأ على وَجه التَّطْهِير وَالتَّوْبَة وَأما الْفَصْل الثَّانِي وَهُوَ النَّقْض فَلَا يلْزم وَذَلِكَ أَن الْجرْح هُوَ السَّبَب فِي فَوَات الرّوح وَإِذا وجد الْجرْح وسرى إِلَى النَّفس اسْتندَ فَوَات الرّوح إِلَى ذَلِك الْجرْح فَصَارَ قَاتلا بِهِ فَيكون الْجرْح سَبَب إِيجَاب الْكَفَّارَة وَتكلم القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ قد ثَبت أَن الْيَمين لَا يجوز أَن يُغير صفة الْمَحْلُوف عَلَيْهِ ودللت عَلَيْهِ بِمَا ذكرت وَلنَا قَوْلك إِنَّمَا يُوجب الْمَنْع من فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَإِذا فعل فَكَأَنَّهُ أَثم فَكَأَنِّي أدلك فِي هَذَا الْإِجْمَاع وَذَلِكَ أَنِّي لَا أعلم خلافًا للأئمة أَنه إِذا حلف لَا يشرب المَاء أَو لَا يَأْكُل الْخبز أَنه يجوز الْإِقْدَام وَأَنه لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَهَذَا الْقدر مِنْهُ فِيهِ كِفَايَة وَالَّذِي يبين فَسَاد هَذَا وَأَنه لَا يجوز أَن يكون فِيهِ إِثْم هُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آلى من نِسَائِهِ وَكفر عَن يَمِينه وَلَا يجوز أَن ينْسب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه فعل مَا أَثم عَلَيْهِ وَأما الْآيَة الَّتِي اسْتدلَّ بهَا فقد ثَبت تَأْوِيلهَا وَأَن المُرَاد بهَا ترك الْيَمين وَقَوله إِن هَذَا يَقْتَضِي حفظ يَمِين مَوْجُودَة فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يجوز أَن يسْتَعْمل ذَلِك فِيمَا لَيْسَ بموجود أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ احفظ لسَانك وَالْمرَاد بِهِ احفظ كلامك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 وَالْكَلَام لَيْسَ مَوْجُودا وَالدَّلِيل على أَنهم يُرِيدُونَ بِهِ احفظ كلامك قَول الشَّاعِر (احفظ لسَانك لَا تَقول فتبتلى ... إِن الْبلَاء مُوكل بالْمَنْطق) وَالَّذِي يدل على صِحَّته مَا ذكرت من الشّعْر وَهُوَ قَوْله (قَلِيل الألايا حَافظ ليمينه ... ) وقولك فِي ذَلِك أَرَادَ بِهِ حفظ الْيَمين من الْحِنْث والمخالفة فقد ثَبت أَن ذَلِك قد بَينه فِي آخر الْبَيْت بقوله (وَإِن بدرت مِنْهُ الألية برت ... ) فَلَا يجوز حمل اللَّفْظ على التّكْرَار إِذا أمكن حمله على غير التّكْرَار وقولك إِن مثل هَذَا يلزمك فِي تأويلك فَلَا يَصح لِأَن قَوْله (قَلِيل الألايا حَافظ ليمينه ... ) جملَة وَاحِدَة وَالْمرَاد بِهِ معنى وَاحِد وَالثَّانِي مِنْهُمَا يُفَسر الأول وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنه لم يعْطف أَحدهمَا على الآخر وَلَيْسَ كَذَلِك مَا ذكرت من الدَّلِيل فِي المصراع الثَّانِي لِأَن هُنَاكَ اسْتَأْنف الْكَلَام وَعطف على مَا قبله بِالْوَاو فَدلَّ على أَن المُرَاد بِهِ معنى غير الأول وَهُوَ الْحِفْظ من الْحِنْث والمخالفة فَلَا يتساوى فِي الِاحْتِجَاج بِالْبَيْتِ وَمَا ذكرت من الدَّلِيل الثَّانِي أَن الْيَمين قد يمْنَع الْحِنْث فقد نقضته بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاق الْمُعَلق على دُخُول الدَّار وَهُوَ نقض لَازم وَذَلِكَ أَن وُقُوع الطَّلَاق يُوجب الْحِنْث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 كالكفارة من جِهَة الْحِنْث فَإِذا كَانَ الطَّلَاق الْوَاقِع بِالْحِنْثِ يسْتَند إِلَى الْيَمين فَيجب مَا يتَعَلَّق بِهِ من الضَّمَان على شُهُود الْيَمين بِحَيْثُ دلك أَن تكون الْكَفَّارَة الْوَاجِبَة بِالْحِنْثِ تستند إِلَى الْيَمين فَيتَعَلَّق وُجُوبهَا بهَا فَيكون الْيَمين والحنث بِمَنْزِلَة الْحول والنصاب حَيْثُ كَانَا سببين فِي إِيجَاب الزَّكَاة إِذا وجد أَحدهمَا حَال إِخْرَاج الزَّكَاة قبل وجود السَّبَب الآخر وَأما انفصالك عَنهُ بِأَن الطَّلَاق مفصح بِهِ فِي لفظ الْيَمين فَكَانَ وَاقعا وَإِنَّمَا دخل الشَّرْط لتأخير مَا أوقعه بِالْيَمِينِ فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَ الطَّلَاق مفصحا بِهِ فِي لفظ الْحَالِف فالكفارة فِي مَسْأَلَتنَا مضمنة فِي الْيَمين بِالشَّرْعِ وَذَلِكَ أَن الشَّرْع علق الْكَفَّارَة على مَا علق الْحَالِف بِالطَّلَاق الطَّلَاق عَلَيْهِ فِيمَا علق بِهِ الطَّلَاق بالتزامه وعقده فَوَجَبَ أَن تتَعَلَّق بِهِ الْكَفَّارَة فِي الشَّرْع فِي الْيَمين بِاللَّه عز وَجل فداخله القَاضِي أَبُو الْحسن بِأَن قَالَ من أَصْحَابنَا من قَالَ إِن الزَّكَاة تجب بالنصاب والحول تَأْجِيل والحقوق المؤجلة يجوز تَعْجِيلهَا كالديون المؤجلة فَقَالَ لَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب هَذَا لَا يَصح وَذَلِكَ أَن الزَّكَاة لَو كَانَت وَاجِبَة بالنصاب وَكَانَ الْحول تأجيلا لَهَا لوَجَبَ إِذا ملك أَرْبَعِينَ شَاة فَعجل مِنْهَا شَاة قبل الْحول وَبَقِي المَال نَاقِصا إِلَى آخر الْحول أَن يُجزئهُ لِأَن النّصاب كَانَ مَوْجُودا حَال الْوُجُوب وَلما قُلْتُمْ إِذا حَال الْحول وَالْمَال بَاقٍ على نقصانه عَن النّصاب أَنه لَا يُجزئهُ وجعلتم الْعلَّة فِيهِ أَنه إِذا جَاءَ وَقت الْوُجُوب وَلَيْسَ عِنْده نِصَاب دلّ على أَن الْوُجُوب عِنْد حُلُول الْحول لَا ملك النّصاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 وَأما دليلك الثَّالِث على هَذَا الْفَصْل فقد بَينا بُطْلَانه بِمَا ذَكرْنَاهُ من أَن الخاطىء وَالنَّاسِي وقولك إِن الخاطىء أَيْضا مَا وَجب عَلَيْهِ إِلَّا لضرب من التَّفْرِيط حصل من جِهَته فَلَا يَصح لِأَنِّي ألزمك مَا لَا تَفْرِيط فِيهِ وَهُوَ الرجل إِذا رمى وسدد الرَّمْي وَرمى وَعرضت لَهُ ريح فعدلت بِالسَّهْمِ إِلَى رجل فَقتلته أَو رمى إِلَى دَار الْحَرْب فَأصَاب مُسلما فَإِن الرَّمْي مُبَاح مُطلق وَالدَّار دَار مُبَاحَة وَلِهَذَا يجوز مباغتتهم لَيْلًا وَنصب المنجنيق عَلَيْهِم وَلَا يلْزم التحفظ مَعَ إِبَاحَة الرَّمْي على الْإِطْلَاق ثمَّ أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فَدلَّ على أَنه لَيْسَ طَرِيق إيجابنا الْكَفَّارَة مَا ذَكرُوهُ من الْإِثْم ويدلك على ذَلِك أَن النَّاسِي لَيْسَ من جِهَته تَفْرِيط وَلَا إِثْم وَكَذَلِكَ من استكره عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَفا الله لأمتي عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ) ثمَّ أوجب عَلَيْهِم الْكَفَّارَة فَدلَّ هَذَا كُله على مَا ذكرت على أَنه لَا اعْتِبَار فِي إِيجَاب الْكَفَّارَة بالإثم والتفريط وَيبين صِحَة هَذَا لَو حلف لَا يُطِيع الله تَعَالَى أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْحِنْث والمخالفة وألزمناه الْكَفَّارَة وَمن الْمحَال أَن تكون الْكَفَّارَة وَاجِبَة للإثم وتغطية الذَّنب ثمَّ نوجبها فِي الْموضع الَّذِي نوجب عَلَيْهِ أَن يَحْنَث وَأما النَّقْض فَلم يجز فِيهِ أَكثر مِمَّا تقدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 فَأجَاب القَاضِي أَبُو الْحسن الطَّالقَانِي عَن الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ أما ادِّعَاء الْإِجْمَاع فَلَا يَصح لِأَن أَصْحَابنَا كلهم مخالفون وَلَا نَعْرِف إِجْمَاعًا دونهم وَأما تَأْوِيل الْآيَة على ترك الْيَمين فَهُوَ مجَاز لِأَن حفظ الْيَمين يَقْتَضِي وجود الْيَمين وَقَوْلهمْ احفظ لسَانك إِنَّمَا قَالُوهُ لأَنهم أَمرُوهُ بِحِفْظ اللِّسَان وَاللِّسَان مَوْجُود وَهَاهُنَا الْيَمين الَّتِي تأولت الْآيَة عَلَيْهَا غير مَوْجُودَة وَمَا ذَكرُوهُ من الشّعْر فقد ذكرت أَنه مُشْتَرك الِاحْتِجَاج وَمَا ذَكرُوهُ من الْعَطف فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يجوز الْجمع بِالْوَاو كَمَا يجوز بغَيْرهَا وَأما الدَّلِيل الثَّانِي فَلَا يلْزم عَلَيْهِ مَا ذكرت من الْيَمين بِالطَّلَاق وَذَلِكَ أَن الْإِيقَاع هُنَاكَ بِالْيَمِينِ وَلِهَذَا أفْصح بِهِ فِي لفظ الْيَمين وأفصح بِهِ شُهُود الْيَمين وَأما الدُّخُول فَهُوَ شَرط يُوجب التَّأْخِير فَإِذا وجد الشَّرْط وَقع الطَّلَاق بِالْيَمِينِ وَيكون كالموجود حكما فِي حَال الْوُقُوع وَهُوَ عِنْد الشَّرْط وَلِهَذَا علقنا الضَّمَان عَلَيْهِ وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فَإِن لفظ الْيَمين لَا يُوجب الْكَفَّارَة أَلا ترى أَنه لَو قَالَ ألف سنة وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لم يجب عَلَيْهِ كَفَّارَة وَإِذا لم يكن فِي لَفظه مَا يُوجب الْكَفَّارَة وَجب أَن نقف إيحابها على مَا تعلق الْمَنْع مِنْهُ وَهُوَ الْحِنْث والمخالفة وَأما مَسْأَلَة الزَّكَاة فَلَا تصح لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون الْوُجُوب بِملك النّصاب ثمَّ يسْقط هَذَا الْوُجُوب بِنُقْصَان النّصاب فِي آخر الْحول وَمثل هَذَا لَا يمْتَنع على أصولنا أَلا ترى أَن من صلى الظّهْر فِي بَيته صحت صلَاته فَإِذا سعى إِلَى الْجُمُعَة ارْتَفَعت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 وَورد عَلَيْهِ بعد الحكم بِصِحَّتِهَا مَا نقضهَا كَذَلِك فِي مَسْأَلَة الزَّكَاة لَا يمْتَنع أَن يكون مثله وَأما الدَّلِيل الثَّالِث فَهُوَ صَحِيح وَمَا ذَكرُوهُ من تسديد الرَّمْي والرامي إِلَى دَار الْحَرْب فَلَا يلْزم وَذَلِكَ أَن القَاضِي أعزه الله إِن فرض الْكَلَام فِي هَذَا الْموضع فرضت الْكَلَام فِي الْغَالِب مِنْهَا وَالْعَام وَالْغَالِب أَن الْقَتْل الَّذِي يُوجب الْكَفَّارَة لَا يكون إِلَّا بِضَرْب من التَّفْرِيط فَإِن اتّفق فِي النَّادِر من يسدد الرَّمْي وَتحفظ ثمَّ يقتل من تجب الْكَفَّارَة بقتْله فَإِن ذَلِك نَادِر والنادر من الْجُمْلَة يلْحق بِالْجُمْلَةِ اعْتِبَارا بالغالب وَأما النَّاسِي فَفِي حَقه ضرب من التَّفْرِيط وَهُوَ ترك الْحِفْظ لِأَنَّهُ كَانَ من سَبيله أَن يتحفظ فَلَا ينسى فَحَيْثُ لم يفعل ذَلِك حَتَّى نسي فَقتل أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَة تَطْهِيرا لَهُ على أَنه قد قيل إِنَّه كَانَ فِي شرع من قبلنَا حكم النَّاسِي والعامد والنائم سَوَاء فرحم الله هَذِه الْأمة ببركة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرفع المأثم عَن النَّاسِي وَأوجب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ بَدَلا عَن الْإِثْم فَلَا يجوز أَن تكون الْكَفَّارَة مَوْضُوعَة لرفع المأثم وَأما قَوْله إِنَّه لَو حلف أَن لَا يُطِيع الله فَإنَّا نأمره بِالْحِنْثِ فَلَا يجوز أَن نأمره ثمَّ نوجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة على وَجه تَكْفِير الذَّنب فَلَا يَصح لِأَنِّي قد قدمت فِي صدر الْمَسْأَلَة من الْكَلَام مَا فِيهِ جَوَاب عَن هَذَا وَذَلِكَ أَن الْكَفَّارَة تجب لتكفير المأثم غير أَنه قد يكون من الْأَيْمَان مَا نقضهَا أولى من الْوَفَاء بهَا وَذَلِكَ أَن يحلف على مَا لَا يجوز من الْكفْر وَقتل الْوَالِدين وَغير ذَلِك من الْمعاصِي فَيكون الْأَفْضَل ارْتِكَاب أدنى الْأَمريْنِ وَهُوَ الْحِنْث والمخالفة لِأَنَّهُ يرجع من هَذَا الْإِثْم إِلَى مَا يكفره وَلَا يرجع فِي الآخر إِلَى مَا يكفره فَيجْعَل ارْتِكَاب الْحِنْث أولى لما فِي الارتكاب من الْإِثْم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 المغلظ وَالْعَذَاب الشَّديد وعَلى هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه) مناظرة أُخْرَى بَين أبي الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ من الْحَنَفِيَّة وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ اسْتدلَّ الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ الْحَنَفِيّ فِي المختلعة أَنه يلْحقهَا الطَّلَاق بِأَنَّهَا مُعْتَدَّة من طَلَاق فَجَاز أَن يلْحقهَا مَا بَقِي من عدد الطَّلَاق كالرجعية فَكَلمهُ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي وَأورد عَلَيْهِ فصلين أَحدهمَا أَنه قَالَ لَا تَأْثِير لِقَوْلِك مُعْتَدَّة من طَلَاق لِأَن الزَّوْجَة لَيست بمعتدة ويلحقها الطَّلَاق فَإِذا كَانَت الْمُعْتَدَّة وَالزَّوْجَة الَّتِي لَيست بمعتدة فِي لحاق الطَّلَاق سَوَاء ثَبت أَن قَوْلك الْمُعْتَدَّة لَا تَأْثِير لَهُ وَلَا يتَعَلَّق الحكم بِهِ وَيكون تَعْلِيق الحكم على كَونهَا مُعْتَدَّة كتعليقه على كَونه متظاهرا مِنْهَا وموليا عَنْهَا وَلما لم يَصح تَعْلِيق طَلاقهَا على الْعدة كَانَ حَال الْعدة وَمَا قبلهَا سَوَاء وَمن زعم أَن الحكم يتَعَلَّق بذلك كَانَ مُحْتَاجا إِلَى دَلِيل يدل على تَعْلِيق الحكم بِهِ وَأما الْفَصْل الثَّانِي فَإِن فِي الأَصْل أَنَّهَا زَوْجَة وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنه يستبيح وَطأهَا من غير عقد جَدِيد فَجَاز أَن يلْحقهَا مَا بَقِي من عدد الطَّلَاق وَفِي مَسْأَلَتنَا هَذِه لَيست بِزَوْجَة بِدَلِيل أَنه لَا يستبيح وَطأهَا من غير عقد جَدِيد فَهِيَ كالمطلقة قبل الدُّخُول تكلم الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن على الْفَصْل الأول بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه قَالَ لَا يَخْلُو القَاضِي أيده الله تَعَالَى فِي هَذَا الْفَصْل من أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون مطالبا بتصحيح الْعلَّة وَالدّلَالَة على صِحَّتهَا فَأَنا ألتزم بذلك وأدل لصِحَّته وَلكنه مُحْتَاج أَلا يخرج الْمُطَالبَة بتصحيح الْعلَّة وَالدّلَالَة على صِحَّتهَا مخرج الْمُعْتَرض عَلَيْهَا بِعَدَمِ التَّأْثِير أَو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 يعْتَرض عَلَيْهَا بالإفساد من جِهَة عدم التَّأْثِير فَإِذا كَانَ الْإِلْزَام على هَذَا الْوَجْه لم يلْزم لِأَن أَكثر مَا فِي ذَلِك أَن هَذِه الْعلَّة لم تعم جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي يثبت فِيهَا الطَّلَاق وَأَن الحكم يجوز أَن يثبت فِي مَوضِع مَعَ عدم هَذِه الْعلَّة وَهَذَا لَا يجوز أَن يكون قادحا فِي الْعلَّة مُفْسِدا لَهَا يبين صِحَة هَذَا أَن عِلّة الرِّبَا الَّتِي يضْرب بهَا الْأَمْثَال فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع لَا تعم جَمِيع المعلولات لأَنا نجْعَل الْعلَّة فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة الْكَيْل مَعَ الْجِنْس ثمَّ نثبت الرِّبَا فِي الْأَثْمَان مَعَ عدم هَذِه الْعلَّة وَلم يقل أحد مِمَّن ذهب إِلَى أَن عِلّة الرِّبَا معنى وَاحِد إِن علتكم لَا تعم جَمِيع المعلولات وَلَا تتَنَاوَل جَمِيع الْأَعْيَان الَّتِي يتَعَلَّق بهَا تَحْرِيم التَّفَاضُل فَيجب أَن يكون ذَلِك مُوجبا لفسادها فَإِذا جَازَ لنا بالِاتِّفَاقِ منا ومنكم أَن نعلل الْأَعْيَان السِّتَّة بعلتين يُوجد الحكم مَعَ وجود كل وَاحِد مِنْهُمَا وَمَعَ عدمهما وَلم يلْتَفت إِلَى قَول من قَالَ لنا إِن هَذِه الْعِلَل لَا تعم جَمِيع الْمَوَاضِع فَوَجَبَ أَن يكون قَاعِدَة وَجب أَن يكون فِي مَسْأَلَتنَا مثله وَمَا أجَاب بِهِ القَاضِي الْجَلِيل عَن قَول هَذَا الْقَائِل فَهُوَ الَّذِي نجيب بِهِ عَن السُّؤَال الَّذِي ذكره وَأَيْضًا فَإِنِّي أدل على صِحَة الْعلَّة وَالَّذِي يدل على صِحَّتهَا أننا أجمعنا على أَن الْأُصُول كلهَا معللة بعلل وَقد اتفقنا على أَن هَذَا الأَصْل الَّذِي هُوَ الرَّجْعِيَّة مُعَلل أَيْضا غير أننا اخْتَلَفْنَا فِي عينهَا فقلتم أَنْتُم إِن الْعلَّة فِيهَا بَقَاء الزَّوْجِيَّة وَقُلْنَا الْعلَّة وجود الْعدة من طَلَاق وَمَعْلُوم أننا إِذا عللناه بِمَا ذكرْتُمْ من الزَّوْجِيَّة لم يَتَعَدَّ وَإِذا عللناه بِمَا ذكرته من الْعلَّة تعدت إِلَى المختلعة فَيجب أَن تكون الْعلَّة هِيَ المتعدية دون الْأُخْرَى وَأما معارضتك فِي الأَصْل فَهِيَ عِلّة مدعاة وَيحْتَاج أَن يدل على صِحَّتهَا كَمَا طالبتني بِالدّلَالَةِ على صِحَة علتي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 وَأما منع الْفَرْع فَلَا نسلم أَنَّهَا زَوْجَة فَإِن الطَّلَاق وضع لحل العقد وَمَا وضع للْحلّ إِذا وجد ارْتَفع العقد كَمَا قُلْنَا فِي فسخ سَائِر الْعُقُود وَتكلم القَاضِي أَبُو الطّيب على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ قصدي بِمَا أوردتك من الْمُطَالبَة بتصحيح الْوَصْف والمطالبة فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ من جِهَة الشَّرْع وَأَن الحكم تَابع لَهُ غير أَنِّي كشفت عَن طَرِيق الشَّرْع لَهُ وَقلت لَهُ إِذا كَانَ الحكم يثبت مَعَ وجود هَذِه الْعلَّة وَيثبت مَعَ عدمهَا لم يكن ذَلِك عِلّة فِي الظَّاهِر إِلَّا أَن يدل الدَّلِيل على أَن هَذَا الْوَصْف مُؤثر فِي إِثْبَات هَذَا الحكم فِي الشَّرْع فَحِينَئِذٍ يجوز أَن يعلق الحكم عَلَيْهِ وَمَتى لم يدل الدَّلِيل على ذَلِك وَكَانَ الحكم ثَابتا مَعَ وجوده وَمَعَ علته وَلَيْسَ مَعَه مَا يدل على صِحَة اعْتِبَاره دلّ على أَنه لَيْسَ بعلة وَأما مَا ذكره الشَّيْخ الْجَلِيل من عِلّة الرِّبَا وَقَوله إِنَّهَا أحد الْعِلَل فَلَيْسَ كَذَلِك بل هِيَ وَغَيرهَا من مَعَاني الْأُصُول سَوَاء فَلَا معنى لهَذَا الْكَلَام وَهُوَ حجَّة عَلَيْك وَذَلِكَ أَن النَّاس لما اخْتلفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَل وَادعت كل طَائِفَة معنى طلبُوا مَا يدل على صِحَة مَا ادعوهُ وَلم يقتصروا فِيهَا على مُجَرّد الدَّعْوَى فَكَانَ يجب أَن يعْمل فِي عِلّة الرَّجْعِيَّة مثل ذَلِك لِأَن هَذَا تَعْلِيل أصل مجمع عَلَيْهِ فَكَمَا وَجب الدّلَالَة على صِحَة عِلّة الرِّبَا وَلم يقتصروا فِيهَا على مُجَرّد الدَّعْوَى فَكَانَ يجب أَن يدل أَيْضا على صِحَة عِلّة الرَّجْعِيَّة وَأما جَرَيَان الرِّبَا مَعَ الْأَثْمَان مَعَ عدم عِلّة الْأَرْبَعَة فعلة أُخْرَى تثبت بِالدَّلِيلِ وَهِي عِلّة الْأَثْمَان وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فَلم يثبت كَون الْعدة عِلّة فِي فرع الطَّلَاق فَلم يَصح تَعْلِيق الحكم عَلَيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 وَأما الْفَصْل الثَّانِي فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَنَّك ادعيت أَن الْأُصُول كلهَا معللة وَهِي دَعْوَى تحْتَاج أَن يدل عَلَيْهَا وَأَنا لَا أسلمه لِأَن الأَصْل الْمُعَلل عِنْدِي مَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل وَأما كَلَام الشَّيْخ الْجَلِيل أيده الله تَعَالَى على الْفَصْل الثَّانِي فَإِن طالبتني بتصحيح الْعلَّة فَأَنا أدل على صِحَّتهَا وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه إِذا طلق امْرَأَة أَجْنَبِيَّة لم يتَعَلَّق بذلك حكم فَإِن عقد عَلَيْهَا وحصلت زَوْجَة لَهُ فَطلقهَا وَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق فَلَو طَلقهَا قبل الدُّخُول طَلْقَة ثمَّ طَلقهَا لم يلْحقهَا لِأَنَّهَا خرجت عَن الزَّوْجِيَّة فَلَو أَنه عَاد فَتَزَوجهَا ثمَّ طَلقهَا لحقه طَلْقَة فَدلَّ على الْعلَّة فَفِيهَا مَا ذكرت وَلَيْسَ فِي دَعْوَى علتك مثل هَذَا الدَّلِيل وَأما إِنْكَاره لِمَعْنى الْفَرْع فَلَا يَصح لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن عِنْده أَن الطَّلَاق لَا يُفِيد أَكثر من نُقْصَان الْعدة وَلَا يزِيل الْملك فَهَذَا لَا يتَعَلَّق بِهِ تَحْرِيم الْوَطْء وَمن الْمحَال أَن يكون العقد مرتفعا وَيحل لَهُ وَطْؤُهَا وَالثَّانِي أَنِّي أبطل هَذَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ قد ارْتَفع العقد لوَجَبَ أَن لَا يستبيح وَطأهَا إِلَّا بِعقد جَدِيد يُوجد بشرائطه من الشَّهَادَة وَالرِّضَا وَغير ذَلِك لِأَن الْحرَّة لَا تستباح إِلَّا بِنِكَاح وَلما أجمعنا على أَنه يستبيح وَطأهَا من غير عقد لأحد دلّ على أَن العقد بَاقٍ وَأَن الزَّوْجِيَّة ثَابِتَة تكلم الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ أما قَوْلك إِنِّي مطَالب بِالدّلَالَةِ على صِحَة الْعلَّة فَلَا يَصح وَالْجمع بَين الْمُطَالبَة بِصِحَّة الْعلَّة وَعدم التَّأْثِير متناقض وَذَلِكَ أَن الْعلَّة إِمَّا أَن تكون مَقْطُوعًا بِكَوْنِهَا مُؤثرَة فَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى الدّلَالَة على صِحَّتهَا لِأَن مَا يدل على صِحَّتهَا يدل على كَونهَا مُؤثرَة وَلَا يجوز أَن يرد الشَّرْع بتعليق حكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 على مَا لَا تَأْثِير لَهُ من الْمعَانِي وَإِنَّمَا ورد الشَّرْع بتعليق الحكم على الْمعَانِي المؤثرة فِي الحكم وَإِذا كَانَت الصُّورَة على هَذَا يجوز أَن يُقَال هَذَا لَا تَأْثِير لَهُ وَلَكِن دلّ على صِحَّته إِن كَانَت الْعلَّة مشكوكا فِي كَونهَا مُؤثرَة فِي الحكم لم يجز الْقطع على أَنَّهَا غير مُؤثرَة وَقد قطع القَاضِي أيده الله بِأَن هَذِه الْعلَّة غير مُؤثرَة فَبَان بِهَذِهِ الْجُمْلَة أَنه لَا يجوز أَن يعْتَرض عَلَيْهَا من جِهَة عدم التَّأْثِير وَيحكم بفسادها بِسَبَبِهِ ثمَّ تطالبني مَعَ هَذَا بتصحيحها لِأَن ذَلِك طلب محَال جدا وَأما مَا ذكرت من عِلّة الرِّبَا فَهُوَ استشهاد صَحِيح وَمَا ذكر من ذَلِك حجَّة عَليّ لِأَن كل من ادّعى عِلّة من الرِّبَا دلّ على صِحَّتهَا فَيجب أَن يكون هَاهُنَا مثله فَلَا يلْزم لِأَنِّي أمتنع من الدّلَالَة على صِحَة الْعلَّة بل أَقُول إِن كل عِلّة ادَّعَاهَا المسؤول فِي مَسْأَلَة من مسَائِل الْخلاف فطولب بِالدّلَالَةِ على صِحَّتهَا لزمَه إِقَامَة الدَّلِيل عَلَيْهَا وَإِنَّمَا امْتنع أَن يَجْعَل الطَّرِيق المسؤول لَهَا وجود الحكم مَعَ عدمهَا وَأَنَّهَا لَا تعم جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي يثبت فِيهَا ذَلِك الحكم وَهُوَ أبقاه الله جعل الْمُفْسد لهَذِهِ الْعلَّة وجود نُفُوذ الطَّلَاق مَعَ عدم الْعلَّة وَذَلِكَ غير جَائِز كَمَا قُلْنَا فِي عِلّة الرِّبَا فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة إِنَّهَا تفقد وَيبقى الحكم وَأما إِذا طالبتني بتصحيح الْعلَّة واقتصرت على ذَلِك فَإِنِّي أدل عَلَيْهَا كَمَا أدل على صِحَة الْعلَّة الَّتِي ادعيتها فِي مَسْأَلَة الرِّبَا وَأما الْفضل الثَّانِي وَهُوَ الدّلَالَة على صِحَة الْعلَّة فَإِن القَاضِي أيده الله تعلق من كَلَامي بطرفه وَلم يتَعَرَّض لمقصوده وَذَلِكَ أَنِّي قلت إِن الْأُصُول كلهَا معللة وَإِن هَذَا الأَصْل مُعَلل بِالْإِجْمَاع بيني وَبَينه وَأما الِاخْتِلَاف فِي غير الْعلَّة فَيجب أَن يكون بِمَا ذَكرْنَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 هُوَ الْعلَّة لِأَنَّهَا تتعدى فَترك الْكَلَام على هَذَا كُله وَأخذ يتَكَلَّم فِي أَن من الْأُصُول مَا لَا يُعلل وَأَنه لَا خلاف فِيهِ وَهَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا خلاف أَن الْأُصُول كلهَا معللة وَإِن كَانَ فِي هَذَا خلاف فَأَنا أدل عَلَيْهِ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ هُوَ أَن الظَّوَاهِر الْوَارِدَة فِي جَوَاز الْقيَاس مُطلقَة وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وَكَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ فَإِن اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر) وعَلى أَنِّي قد خرجت من عَهده بِأَن قلت إِن الأَصْل الَّذِي تنازعنا عَلَيْهِ مُعَلل بِالْإِجْمَاع فَلَا يضرني مُخَالفَة من خَالفه فِي سَائِر الْأُصُول وَأما الْمُعَارضَة فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى فِي الأَصْل مَا ذكرت من ملك النِّكَاح وَوُجُود الزَّوْجِيَّة يدل على ذَلِك أَن هَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا ينفذ طلاقهما فَثَبت أَن ذَلِك لَيْسَ بعلة وَإِنَّمَا الْعلَّة ملك إِيقَاع الطَّلَاق مَعَ وجود مَحل موقعه وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي المختلعة فَيجب أَن يلْحقهَا وَأما معنى الْفَرْع فَلَا أسلمه وَأما مَا ذكرت من إِبَاحَة الْوَطْء فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يَطَؤُهَا وَهِي زَوْجَة لِأَنَّهُ يجوز لَهُ مراجعتها بِالْفِعْلِ فَإِذا ابْتَدَأَ الْمُبَاشرَة حصلت الرّجْعَة فصادفها الْوَطْء وَهِي زَوْجَة وَأما أَن يُبِيح وَطأهَا وَهِي خَارِجَة عَن الزَّوْجِيَّة فَلَا وَأما قَوْله لَو كَانَ قد ارْتَفع العقد لوَجَبَ أَن لَا يستبيحها من غير عقد كَمَا قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن بَاعَ عصيرا وَصَارَ فِي يَد البَائِع خمرًا ثمَّ تخَلّل إِن البيع يعود بَعْدَمَا ارْتَفع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 وعَلى أصلكم إِذا رهن عصيرا فَصَارَ خمرًا ارْتَفع الرَّهْن فَإِذا تخَلّل عَاد الرَّهْن وَكَذَلِكَ هَاهُنَا مثله تكلم القَاضِي أَبُو الطّيب على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ لَيْسَ فِي الْجمع بَين الْمُطَالبَة بِالدَّلِيلِ على صِحَة الْعلَّة وَبَين عدم التَّأْثِير مناقضة وَذَلِكَ أَنى إِذا رَأَيْت الحكم ثَبت مَعَ وجود هَذِه الْعلَّة وَمَعَ عدمهَا على وَجه وَاحِد كَانَ الظَّاهِر أَن هَذَا لَيْسَ بعلة للْحكم إِلَّا أَن يظْهر دَلِيل على أَنه عِلّة فنصير إِلَيْهِ وَهَذَا كَمَا نقُول فِي الْقيَاس إِنَّه دَلِيل على الْأَحْكَام إِلَّا أَن يُعَارضهُ مَا هُوَ أقوى مِنْهُ فَيجب تَركه وَكَذَلِكَ خبر الْوَاحِد دَلِيل فِي الظَّاهِر يجب الْمصير إِلَيْهِ إِلَّا أَن يظْهر مَا هُوَ أقوى مِنْهُ من نَص قُرْآن أَو خبر متواتر فَيجب الْمصير إِلَيْهِ كَذَلِك هَاهُنَا الظَّاهِر بِمَا ذكرته أَنه دَلِيل على ذَلِك لَيْسَ بعلة إِلَّا أَن تقيم دَلِيلا على صِحَّته فنصير إِلَيْهِ وَأما عِلّة الرِّبَا فقد عَاد الْكَلَام إِلَى هَذَا الْفَصْل الَّذِي ذكرت وَقد تَكَلَّمت عَلَيْهِ بِمَا يُغني عَن إِعَادَته وَأما الْفَصْل الثَّانِي فقد تَكَلَّمت عَلَيْهِ بِمَا سَمِعت من كَلَام الشَّيْخ الْجَلِيل أيده الله وَهُوَ أَنه قَالَ الْأُصُول كلهَا معللة وَأما هَذِه الزِّيَادَة فَالْآن سَمعتهَا وَأَنا أَتكَلّم على الْجَمِيع وَأما دليلك على أَن الْأُصُول كلهَا معللة فَلَا يَصح لِأَن الظَّوَاهِر الَّتِي وَردت فِي جَوَاز الْقيَاس كلهَا حجَّة عَلَيْك لِأَنَّهَا وَردت بِالْأَمر بِالِاجْتِهَادِ فَمَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل فَهُوَ عِلّة يجب الحكم بهَا وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَن كل أصل مُعَلل وَأما قَوْلك إِن هَذَا الأَصْل مجمع على تَعْلِيله وَقد اتفقنا على أَن الْعلَّة فِيهِ أحد الْمَعْنيين إِمَّا الْمَعْنى الَّذِي ذكرته وَإِمَّا الْمَعْنى الَّذِي ذكرته وَأَحَدهمَا يتَعَدَّى وَالْآخر لَا يتَعَدَّى فَيجب أَن تكون الْعلَّة فيهمَا مَا يتَعَدَّى فَلَا يَصح لِأَن اتفاقي مَعَك على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 أَن الْعلَّة أحد الْمَعْنيين لَا يَكْفِي فِي الدّلَالَة على صِحَة الْعلَّة وَأَن الحكم مُعَلّق بِهَذَا الْمَعْنى لِأَن إجماعنا لَيْسَ بِحجَّة لِأَنَّهُ يجوز الْخَطَأ علينا وَإِنَّمَا تقوم الْحجَّة بِمَا يقطع عَلَيْهِ اتِّفَاق الْأمة الَّتِي أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعصمتها وَأما قَوْلك إِن علتي متعدية فَلَا يَصح لِأَن التَّعَدِّي إِنَّمَا يذكر لترجيح إِحْدَى العلتين على الْأُخْرَى وَفِي ذَلِك نظر عِنْدِي أَيْضا وَأما أَن يسْتَدلّ بِالتَّعَدِّي على صِحَة الْعلَّة فَلَا وَلِهَذَا لم نحتج نَحن وَإِيَّاكُم على مَالك فِي عِلّة الرِّبَا علتنا تتعدى إِلَى مَا لَا تتعدى علته وَلَا ذكر أحد فِي تَصْحِيح عِلّة الرِّبَا ذَلِك فَلَا يجوز الِاسْتِدْلَال بِهِ وَأما فصل الْمُعَارضَة فَإِن الْعلَّة فِي الأَصْل مَا ذكرت وَأما الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا يلزمان لِأَن التَّعْلِيل وَاقع لِكَوْنِهِمَا محلا لوُقُوع الطَّلَاق وَيجوز أَن يلحقهما الطَّلَاق وَلَيْسَ التَّعْلِيل للْوُجُوب فَيلْزم عَلَيْهِ الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَهَذَا كَمَا نقُول إِن الْقَتْل عِلّة إِيجَاب الْقصاص ثمَّ نَحن نعلم أَن الصَّبِي لَا يسْتَوْفى مِنْهُ الْقصاص حَتَّى يبلغ وَامْتِنَاع اسْتِيفَائه من الصَّبِي وَالْمَجْنُون لَا يدل على أَن الْقَتْل لَيْسَ بعلة لإِيجَاب الْقصاص كَذَلِك هَاهُنَا يجوز أَن تكون الْعلَّة فِي الرَّجْعِيَّة كَونهَا زَوْجَة فَإِن كَانَ لَا يلْحقهَا الطَّلَاق من جِهَة الصَّبِي لِأَن هَذَا إِن لزمني على اعْتِبَار الزَّوْجِيَّة لزمك على اعْتِبَار الِاعْتِدَاد لِأَنَّك جعلت الْعلَّة فِي وُقُوع الطَّلَاق كَونهَا مُعْتَدَّة وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي حق الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا ينفذ طلاقهما ثمَّ لَا يدل ذَلِك على أَن ذَلِك لَيْسَ بعلة وكل جَوَاب لَهُ عَن الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي اعْتِبَاره الْعدة فَهُوَ جَوَابنَا فِي اعْتِبَار الزَّوْجِيَّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 وَأما عِلّة الْفَرْع فصحيحة أَيْضا وإنكارك لَهَا لَا يَصح لما ثَبت أَن من أصلك أَن الطَّلَاق لَا يُفِيد أَكثر من نُقْصَان الْعدَد وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ جَوَاز وَطْء الرَّجْعِيَّة وَمَا زعمت من أَن الرّجْعَة تصح مِنْهُ بِالْمُبَاشرَةِ غلط لِأَنَّهُ يبتدىء بمباشرتها وَهِي أَجْنَبِيَّة فَكَانَ يجب أَن يكون ذَلِك محرما وَيكون تَحْرِيمه تَحْرِيم الزِّنَا كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (العينان تزنيان وَالْيَدَانِ تزنيان وَيصدق ذَلِك الْفرج) وَلما قُلْتُمْ إِنَّه يجوز أَن يقدم على مباشرتها دلّ على أَنَّهَا بَاقِيَة على الزَّوْجِيَّة وَأما مَا ذكرت من مَسْأَلَة الْعصير فَلَا يلْزم لِأَن الْعُقُود كلهَا لَا تعود معقودة إِلَّا بِعقد جَدِيد يبين صِحَة هَذَا البيع والإجارات وَالصُّلْح وَالشَّرِكَة والمضاربات وَسَائِر الْعُقُود فَإِذا كَانَت عَامَّة الْعُقُود على مَا ذَكرْنَاهُ من أَنَّهَا إِذا ارْتَفَعت لم تعد إِلَّا باستئناف أَمْثَالهَا لم يجز إبِْطَال هَذَا بِمَسْأَلَة شَاذَّة عَن الْأُصُول وَهَذَا كَمَا قلت لأبي عبد الله الْجِرْجَانِيّ وَفرقت بَين إِزَالَة النَّجَاسَة وَالْوُضُوء بِأَن إِزَالَة النَّجَاسَة طريقها التروك والتروك مَوْضُوعَة على أَنَّهَا لَا تفْتَقر إِلَى النِّيَّة كَتَرْكِ الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَغير ذَلِك فألزمني على ذَلِك الصَّوْم فَقلت لَهُ غَالب التروك وعامتها مَوْضُوعَة على مَا ذكرت فَإِذا شَذَّ مِنْهَا وَاحِد لم ينْتَقض بِهِ غَالب الْأُصُول وَوَجَب رد الْمُخْتَلف فِيهِ إِلَى مَا شهد لَهُ عَامَّة الْأُصُول وغالبها لِأَنَّهُ أقوى فِي الظَّن وعَلى أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِن العقد لَا يَنْفَسِخ فِي الرَّهْن بل هُوَ مَوْقُوف مراعى فعلى هَذَا لَا أسلمه وَلِأَن أصل أبي حنيفَة أَن العقد لَا يَزُول وَالْملك لَا يرْتَفع تكلم الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ قد ثَبت أَن الْجمع بَين الْمُطَالبَة بتصحيح الْعلَّة وَعدم التَّأْثِير غير جَائِز وَأما مَا ذكرت من أَن هَذَا دَلِيل مَا لم يظْهر مَا هُوَ أقوى مِنْهُ كَمَا نقُول فِي الْقيَاس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 وَخبر الْوَاحِد فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَنا لَا نقُول إِن كل قِيَاس دَلِيل وَحجَّة فَإِذا حصل الْقيَاس فِي بعض الْمَوَاضِع فعارضه إِجْمَاع لم نقل إِن ذَلِك قِيَاس صَحِيح بل نقُول هُوَ قِيَاس بَاطِل وَكَذَلِكَ لَا نقُول إِن ذَلِك الْخَبَر حجَّة وَدَلِيل فَأَما القَاضِي أيده الله فقد قطع فِي هَذَا الْموضع بِأَن هَذَا لَا تَأْثِير لَهُ فَلَا يَصح مُطَالبَته بِالدَّلِيلِ على صِحَة الْعلَّة وَأما الْفَصْل الآخر وَهُوَ الدّلَالَة على أَن الْأُصُول معللة فقد أعَاد فِيهِ مَا ذكره أَولا من وُرُود الظَّوَاهِر وَلم يزدْ عَلَيْهِ شَيْئا يحْكى وَأما قَوْلك إِن إجماعي وَإِيَّاك لَيْسَ بِحجَّة فَإِنِّي لم أذكرهُ لِأَنِّي جعلته حجَّة وَإِنَّمَا ذكرت اتفاقنا لقطع الْمُنَازعَة وَأما فصل التَّعَدِّي فَصَحِيح وَذَلِكَ أَنِّي ذكرت فِي الأَصْل عِلّة متعدية وَلَا خلاف أَن المتعدية يجوز أَن تكون عِلّة وعارضني أيده الله بعلة غير متعدية وَعِنْدِي أَن الواقفة لَيست بعلة وَعِنْده أَن المتعدية أولى من الواقفة فَلَا يجوز أَن يعارضني وَذَلِكَ يُوجب بَقَاء علتي على صِحَّتهَا وَأما الْمُعَارضَة فَإِن قَوْلك إِن التَّعْلِيل للْجُوَاز كَمَا قُلْنَا فِي الْقصاص فَلَا يَصح لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عِلّة ملك إِيقَاع الطَّلَاق ملك النِّكَاح وَقد علمنَا أَن ملك الصَّبِي ثَابت وَجب إِيقَاع طَلَاقه فَإِذا لم يَقع دلّ على أَن ذَلِك الْعقل لَيْسَ بعلة وَأما الْقصاص فَلَا يلْزم لِأَن هُنَاكَ لما ثَبت لَهُ الْقصاص وَكَانَ الْقَتْل هُوَ الْعلَّة فِي وُجُوبه جَازَ أَن يسْتَوْفى لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 لِأَن الْوَلِيّ يَسْتَوْفِي لَهُ الْقصاص وَكَانَ الْعقل هُوَ الْعلَّة وَأما قَوْلك إِن مثل هَذَا يلْزم على علتي فَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنِّي قلت مُعْتَدَّة من طَلَاق فَلَا يتَصَوَّر أَن يُطلق الصَّبِي فَتكون امْرَأَته مُعْتَدَّة من طَلَاق فألزمه القَاضِي الْمَجْنُون إِذا طلق امْرَأَته وَمن الغرائب والفوائد عَن القَاضِي أبي الطّيب حكى القَاضِي أَبُو الطّيب فِي التعليقة وَجها أَن الْقَضَاء سنة وَلَيْسَ بِفَرْض كِفَايَة قَالَ ابْن الرّفْعَة لم أره لغيره نقل النَّوَوِيّ رَحمَه الله فِي المنثورات أَن القَاضِي أَبَا الطّيب قَالَ فِي شرح الْفُرُوع إِن من صلى فَرِيضَة ثمَّ أدْركهَا فِي جمَاعَة فَصلاهَا ثمَّ تذكر أَنه نسي سَجْدَة من الصَّلَاة الأولى لزمَه أَن يُعِيدهَا لِأَن الأولى بترك السَّجْدَة قد بطلت وَلم يحْتَسب لَهُ بِمَا بعْدهَا لِأَن التَّرْتِيب مُسْتَحقّ فِي أَفعَال الصَّلَاة وَأَن ذَلِك لَا يتَخَرَّج على الْخلاف فِي أَن الأولى الْفَرْض أَو الثَّانِيَة قلت وَهَذَا هُوَ الْفِقْه الَّذِي يَنْبَغِي غير أَنِّي لم أجد كَلَام القَاضِي أبي الطّيب فِي شرح الْفُرُوع صَرِيحًا فِي أَنه لَا يتَخَرَّج على الْخلاف بل قَالَ وَأما الثَّانِيَة فَلَا يحْتَسب بهَا لِأَنَّهُ فعلهَا بنية التَّطَوُّع ثمَّ قَالَ فَإِن قَالَ قَائِل أَلَيْسَ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يحْتَسب الله بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَالْجَوَاب أَن أَبَا إِسْحَاق الْمروزِي قَالَ قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم لَا يُقَال إِن الله يحْتَسب مَا شَاءَ وَلم يقل إِن الثَّانِيَة يَفْعَلهَا بنية التَّطَوُّع وَرجع عَن هَذَا فِي الْجَدِيد وَقَالَ الأولى فَرْضه وَالثَّانيَِة سنة وَالْحَال فِيمَا يدل على أَن الثَّانِيَة سنة لَا فرض وَهَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 الْكَلَام يدل على أَن من يمْنَع كَون الثَّانِيَة سنة يمْنَع لُزُوم الْإِعَادَة وَفِي السُّؤَال الأول من فتاوي الْغَزالِيّ الْمَشْهُورَة مَا يَقْتَضِي النزاع من أَنه لَو صلى فِي بَيته ثمَّ أَتَى الْجَمَاعَة فَأَعَادَهَا ثمَّ بَان أَن الصَّلَاة الأولى كَانَت فَاسِدَة أَن الصَّلَاة الْمُعَادَة تُجزئه وَسكت عَلَيْهِ الْغَزالِيّ قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب فِي تعليقته فِي كتاب الشَّهَادَات فرع السَّائِل هَل تقبل شَهَادَته أَو لَا ينظر فَإِن كَانَ يسْأَل النَّاس من حَاجَة لم ترد شَهَادَته لِأَنَّهُ إِذا لم يكن لَهُ قُوَّة أَمر بالسؤال وَإِن كَانَ يسْأَل النَّاس من غير حَاجَة لم تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ يكذب فِي قَوْله إِنَّه مُحْتَاج لِأَنَّهُ لَو لم يقل ذَلِك لم يدْفع إِلَيْهِ شَيْء وَأما إِذا كَانَ مِمَّن لَا يسْأَل وَلَكِن النَّاس يحملون إِلَيْهِ الصَّدقَات فَإِنَّهُ ينظر فَإِن كَانُوا يحملون إِلَيْهِ من الصَّدقَات النَّفْل والتطوع لم ترد شَهَادَته لِأَن ذَلِك يجْرِي مجْرى الهبات والهبات لَا تمنع من قبُول الشَّهَادَة وَإِن كَانَت الصَّدقَات من الْفَرَائِض فَلَا يَخْلُو من أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون غَنِيا أَو فَقِيرا فَإِن كَانَ فَقِيرا حل لَهُ ذَلِك وَقبلت شَهَادَته وَإِن كَانَ غَنِيا لم يخل من أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون جَاهِلا أَو عَالما فَإِن كَانَ جَاهِلا لَا يعلم أَنه لَا يجوز لَهُ أَخذ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة مَعَ الْغنى لم ترد شَهَادَته لِأَن ذَلِك خطأ وَالْخَطَأ لَا يُوجب رد الشَّهَادَة وَإِن كَانَ عَالما فَإِنَّهُ لَا تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ يَأْكُل مَالا حَرَامًا وَهُوَ مستغن عَنهُ وَله مستحقون غَيره انْتهى بنصه وَلَفظه وَهِي مسَائِل مُتَقَارِبَة شَهَادَة القانع وَقد قدمنَا الْكَلَام عَلَيْهَا فِي تَرْجَمَة الْخطابِيّ وَهُوَ السَّائِل إِلَّا أَن الْكَلَام على شَهَادَته لأهل الْبَيْت الَّذين بيناهم لَا مُطلقًا وَشَهَادَة السَّائِل مُطلقًا وَشَهَادَة الطفيلي وَمن يختطف النثار فِي الأفراح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 وَالْفرق بَين هَذِه الصُّور وَشَهَادَة القانع أَن المأخذ فِي منع شَهَادَة القانع عِنْد من منعهَا التُّهْمَة وجلب النَّفْع والمأخذ فِي هَذِه الْمسَائِل قلَّة الْمُرُوءَة أَو أكل مَا لَا يسْتَحق وَقد جمع صَاحب الْبَحْر أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ هَذِه الْمسَائِل وَاقْتضى إِيرَاده أَنَّهَا منصوصات فَقَالَ فرع قَالَ فِي الْأُم وَمن ثَبت عَلَيْهِ أَنه يغشى الدعْوَة بِغَيْر دُعَاء من غير ضَرُورَة وَلَا يسْتَحل من صَاحب الطَّعَام وتتابع ذَلِك مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته لِأَنَّهُ يَأْكُل محرما إِذا كَانَت الدعْوَة دَعْوَة رجل بِعَيْنِه فَإِن كَانَ طَعَام سُلْطَان أَو رجل ينْسب للسُّلْطَان فَدَعَا النَّاس إِلَيْهِ فَهَذَا طَعَام عَام مُبَاح وَلَا بَأْس بِهِ قَالَ أَصْحَابنَا إِنَّمَا اعْتبر تكَرر ذَلِك لِأَنَّهُ قد يكون لَهُ شُبْهَة حَيْثُ لم يمنعهُ صَاحب الطَّعَام وَإِذا تكَرر صَار دناءة وسفها فرع قَالَ وَلَو ذهب مَال الرجل بجائحة حلت لَهُ الْمَسْأَلَة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي مصلحَة وَإِذا أَخذهَا لم أرد شَهَادَته لِأَنَّهُ يَأْخُذهَا بِحَق فَإِن كَانَ يسْأَل النَّاس طول عمره أَو بعضه وَهُوَ غَنِي لَا أقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ يَأْخُذ الصَّدَقَة بِغَيْر حق ويكذب أبدا فَيَقُول إِنِّي مُحْتَاج وَلَيْسَ بمحتاج فَإِن أعطي الصَّدَقَة من غير سُؤال ينظر فَإِن كَانَت صَدَقَة تطوع فَلَا بَأْس وَلَا ترد شَهَادَته وَإِن كَانَت صَدَقَة وَاجِبَة فَإِن لم يكن علم تَحْرِيمهَا فَلَا ترد وَإِن علم بتحريمها ردَّتْ شَهَادَته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 فرع وَإِذا نثر على النَّاس فِي الْفَرح فَأخذ من حضر لم يكن فِي هَذَا مَا يخرج عَن الشَّهَادَة لِأَن كثيرا يزْعم أَن هَذَا حَلَال مُبَاح لِأَن مَالِكه إِنَّمَا طَرحه لمن يَأْخُذهُ فَأَما أَنا فأكرهه لمن أَخذه من قبل أَنه يَأْخُذهُ من أَخذه وَلَا يَأْخُذهُ إِلَّا بِغَلَبَة لمن حَضَره إِمَّا بِفضل قُوَّة وَإِمَّا بِفضل قلَّة حَيَاء وَالْمَالِك لم يقْصد بِهِ قَصده وَإِنَّمَا قصد بِهِ الْجَمَاعَة فأكرهه انْتهى لفظ الْبَحْر والرافعي رَحمَه الله اقْتصر على مَسْأَلَة السَّائِل فَذكر أَن شَهَادَة الطّواف على الْأَبْوَاب وَسَائِر السُّؤَال تقبل شَهَادَتهم إِلَّا أَن يكثر الْكَذِب فِي دَعْوَى الْحَاجة وَهُوَ غير مُحْتَاج أَو يَأْخُذ مَا لَا يحل لَهُ أَخذه فيفسق قَالَ وَمُقْتَضى الْوَجْه الذَّاهِب إِلَى رد شَهَادَة أهل الْحَرْف رد شَهَادَته لدلالته على خسته قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله سَمِعت القَاضِي أَبَا الْفرج الْمعَافى بن زَكَرِيَّا رَحمَه الله يَقُول كنت أحضر مجْلِس أبي الْحسن بن أبي عمر يَوْم النّظر فَحَضَرت يَوْمًا أَنا وَجَمَاعَة بِالْبَابِ ننتظره ليخرج فَدخل أَعْرَابِي فَجَلَسَ بِالْقربِ منا وَإِذا بغراب سقط على نَخْلَة فِي الدَّار وَصَاح ثمَّ طَار فَقَالَ الْأَعرَابِي إِن هَذَا الْغُرَاب يَقُول إِن صَاحب هَذِه الدَّار يَمُوت بعد سَبْعَة أَيَّام قَالَ فصحنا عَلَيْهِ وزبرناه فَقَامَ وَانْصَرف ثمَّ دَخَلنَا إِلَى أبي الْحسن فَإِذا بِهِ متغير اللَّوْن فَقَالَ أحدثكُم بِأَمْر شغل بالي إِنِّي رَأَيْت البارحة فِي الْمَنَام شخصا وَهُوَ يَقُول (منَازِل آل حَمَّاد بن زيد ... على أهليك وَالنعَم السَّلَام) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 وَقد ضَاقَ صَدْرِي لذَلِك فدعونا لَهُ وانصرفنا فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم السَّابِع توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَالله أعلم 424 - طَاهِر بن عبد الله الإيلاقي بِكَسْر الْألف وَسُكُون الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَفِي آخرهَا الْقَاف إيلاق هِيَ بِلَاد الشاش الْمُتَّصِلَة بِالتّرْكِ وَهَذَا هُوَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الرّبيع كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه متضلعا بِهِ تفقه على الْحَلِيمِيّ وَأبي طَاهِر الزيَادي وَقَرَأَ الْأُصُول على الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وروى الحَدِيث عَن أستاذيه وَأبي نعيم عبد الْملك بن الْحسن الْأَزْهَرِي وَغَيرهم تفقه عَلَيْهِ أهل الشاش وَتُوفِّي عَن سِتّ وَتِسْعين سنة فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 424 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 طَاهِر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الْبَغْدَادِيّ نزيل بنيسابور قَالَ الْحَاكِم كَانَ أظرف من رَأينَا من الْعِرَاقِيّين وأفتاهم وَأَحْسَنهمْ كِتَابَة وَأَكْثَرهم فَائِدَة سَمِعت أَبَا عبد الله بن أبي ذهل يَقُول مَا رَأَيْت من البغداديين أَكثر فَائِدَة من أبي عبد الله سمع أَبَا حَامِد الْحَضْرَمِيّ وَأَبا بكر أَحْمد بن الْقَاسِم الْفَرَائِضِي وأقرانهما توفّي بنيسابور يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن من ربيع الأول سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وروى عَنهُ الْحَاكِم وَهَذَا كَلَامه قَالَ ابْن الصّلاح وَهُوَ فِيمَا أَحسب أَبُو الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ عبد القاهر ابْن طَاهِر قلت مَا أوردناه من نسب هَذَا هُوَ مَا أوردهُ الْحَاكِم وَقد أسقط ابْن الصّلاح اسْم أبي هَذَا فَقَالَ طَاهِر بن عبد الله وَذكره بعد القَاضِي فَكتب شَيخنَا الْمزي يقدم فَأَما كِتَابَته إِيَّاه بعد القَاضِي فصواب لِأَن القَاضِي طَاهِر بن عبد الله وَهَذَا طَاهِر بن مُحَمَّد وَالْعين مُقَدّمَة على الْمِيم والمزي توهمه كَمَا أوردهُ ابْن الصّلاح طَاهِر بن عبد الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 فَكتب يقدم وَهُوَ صَحِيح لَو كَانَ الْأَمر كَمَا توهم لِأَن جده إِبْرَاهِيم حِينَئِذٍ وجد القَاضِي طَاهِر وَالْألف قبل الطَّاء وَالَّذِي أرَاهُ أَن ابْن الصّلاح لم يقْصد هَذَا بل أَرَادَ أَن يكْتب طَاهِر بن مُحَمَّد فأسقط اسْم مُحَمَّد نِسْيَانا وَيدل عَلَيْهِ ذكره إِيَّاه بعد القَاضِي وَالله تَعَالَى أعلم 425 - ظفر بن مظفر بن عبد الله بن كتنه أَبُو الْحسن الْحلَبِي الناصري سمع عبد الرَّحْمَن بن عمر بن نصر وَعبيد الله الْوراق روى عَنهُ السمان وَعبد الْعَزِيز الكتاني وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أبي الصَّقْر الْأَنْبَارِي مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة 426 - الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَاهِر أَبُو مُحَمَّد العباسي يعرف بِابْن الرحا مولده سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 425 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 427 - عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله الإِمَام الزَّاهِد الْجَلِيل الْبَحْر أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا يعرف بالقفال الصَّغِير الْمروزِي شيخ الخراسانيين وَلَيْسَ هُوَ الْقفال الْكَبِير هَذَا أَكثر ذكرا فِي الْكتب أَي كتب الْفِقْه وَلَا يذكر غَالِبا إِلَّا مُطلقًا وَذَاكَ إِذا أطلق قيد بالشاشي وَرُبمَا أطلق فِي طَريقَة الْعِرَاقِيّين لقلَّة ذكرهم لهَذَا والشاشي أَكثر ذكرا فِيمَا عدا الْفِقْه من الْأُصُول وَالتَّفْسِير وَغَيرهمَا كَانَ الْقفال الْمروزِي هَذَا من أعظم محَاسِن خُرَاسَان إِمَامًا كَبِيرا وبحرا عميقا غواصا على الْمعَانِي الدقيقة نقي القريحة ثاقب الْفَهم عَظِيم الْمحل كَبِير الشَّأْن دَقِيق النّظر عديم النظير فَارِسًا لَا يشق غباره وَلَا تلْحق آثاره بطلا لَا يصطلي لَهُ بِنَار أسدا مَا بَين يَدَيْهِ لواقف إِلَّا الْفِرَار تفقه على الشَّيْخ أبي زيد الْمروزِي وَسمع مِنْهُ وَمن الْخَلِيل بن أَحْمد القَاضِي وَجَمَاعَة وَحدث وأملى ذكره الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ فَقَالَ كَانَ وحيد زَمَانه فقها وحفظا وورعا وزهدا وَله فِي فقه الشَّافِعِي وَغَيره من الْآثَار مَا لَيْسَ لغيره من أهل عصره قَالَ وطريقته المهدية فِي مَذْهَب الشَّافِعِي الَّتِي حملهَا عَنهُ فُقَهَاء الحديث: 427 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 أَصْحَابه من أهل الْبِلَاد أمتن طَريقَة وأوضحها تهذيبا وأكثرها تَحْقِيقا رَحل إِلَيْهِ من الْبِلَاد للتفقه عَلَيْهِ فظهرت بركته على مختلفيه حَتَّى تخرج بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة صَارُوا أَئِمَّة فِي الْبِلَاد نشرُوا علمه ودرسوا قَوْله هَذَا كَلَامه والقفال رَضِي الله عَنهُ أَزِيد مِمَّا وصف وأبلغ مِمَّا ذكر وَقد صَار مُعْتَمد الْمَذْهَب على طَريقَة الْعرَاق وحامل لوائها أَبُو حَامِد الإسفرايني وَطَرِيقَة خُرَاسَان والقائم بأعبائها الْقفال الْمروزِي هما رحمهمَا الله شَيخا الطريقتين إِلَيْهِمَا الْمرجع وَعَلَيْهِمَا الْمعول وَكَانَ الْقفال رَحمَه الله قد ابْتَدَأَ التَّعَلُّم على كبر السن بَعْدَمَا أفنى شبيبته فِي صناعَة الأقفال وَكَانَ ماهرا فِيهَا رُوِيَ عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ أَنه قَالَ كَانَ الْقفال صنع قفلا مَعَ جَمِيع آلاته من وزن أَربع حبات من حَدِيد قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أخرج الْقفال يَده فَإِذا على ظهر كَفه آثَار المجل فَقَالَ هَذَا من آثَار عَمَلي فِي ابْتِدَاء شَبَابِي قَالَ السَّمْعَانِيّ أَبُو بكر وَسمعت جمَاعَة من مشيختنا يذكرُونَ أَنه ابْتَدَأَ التَّعَلُّم وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة فَبَارك الله تَعَالَى لَهُ حَتَّى أربي على أهل عصره وَصَارَ أفقه أهل زَمَانه قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَسمعت الْقفال يَقُول ابتدأت التَّعَلُّم وَأَنا لَا أفرق بَين اختصرت واختصرت قَالَ ابْن الصّلاح أَظن أَنه أَرَادَ بِهَذَا الْكَلِمَة الأولى من مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَهُوَ قَوْله اختصرت هَذَا من علم الشَّافِعِي وَأَرَادَ أَنه لم يكن يدرى من اللِّسَان الْعَرَبِيّ مَا يفرق بِهِ بَين ضم تَاء الضَّمِير وَفتحهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 وَقَالَ نَاصِر الْعمريّ لم يكن فِي زمَان أبي بكر الْقفال أفقه مِنْهُ وَلَا يكون بعده مثله وَكُنَّا نقُول إِنَّه ملك فِي صُورَة إِنْسَان وَكَانَ الْقفال رَحمَه الله مصابا بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ قَالَ أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ سَمِعت الإِمَام وَالِدي يَقُول سُئِلَ الْقفال رَحمَه الله فِي مجْلِس وعظه هَل يقْضِي الله على عَبده بِسوء الْقَضَاء فَقَالَ نعم فقد أدركني سوء الْقَضَاء وعور إِحْدَى عَيْني وَقَالَ القَاضِي الْحُسَيْن كنت عِنْد الْقفال فَأَتَاهُ رجل قروي وشكا إِلَيْهِ أَن حِمَاره أَخذه بعض أَصْحَاب السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ الْقفال اذْهَبْ فاغتسل وادخل الْمَسْجِد وصل رَكْعَتَيْنِ واسأل الله تَعَالَى أَن يرد عَلَيْك حِمَارك فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَرَوِي كَلَامه فَأَعَادَ الْقفال فَذهب الْقَرَوِي فَفعل مَا أمره بِهِ وَكَانَ الْقفال قد بعث من يرد حِمَاره فَلَمَّا فرغ من صلَاته رد الْحمار فَلَمَّا رَآهُ على بَاب الْمَسْجِد خرج وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي رد عَليّ حماري فَلَمَّا انْصَرف سُئِلَ الْقفال عَن ذَلِك فَقَالَ أردْت أَن أحفظ عَلَيْهِ دينه كي يحمد الله تَعَالَى وَقَالَ نَاصِر الْعمريّ احتسب بعض الْفُقَهَاء الْمُخْتَلِفين إِلَى الْقفال على بعض أَتبَاع الْأَمِير بمرو فَرفع الْأَمِير الْأَمر إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود وَذكر أَن الْفُقَهَاء أساءوا الْأَدَب فِي مُوَاجهَة الدِّيوَان بِمَا فعلوا فَكتب مَحْمُود هَل يَأْخُذ الْقفال شَيْئا من ديواننا فَقيل لَا فَقَالَ فَهَل يتلبس من أُمُور الْأَوْقَاف بِشَيْء فَقيل لَا قَالَ فَإِن الاحتساب لَهُم سَائِغ فَدَعْهُمْ وَقَالَ القَاضِي الْحُسَيْن كَانَ الْقفال فِي كثير من الْأَوْقَات فِي الدَّرْس يَقع عَلَيْهِ الْبكاء ثمَّ يرفع رَأسه وَيَقُول مَا أَغْفَلنَا عَمَّا يُرَاد بِنَا رَضِي الله عَنهُ تفقه الْقفال على جمَاعَة وَكَانَ تخرجه على يَد الشَّيْخ أبي زيد وَسمع الحَدِيث بمرو وببخارى وبيكند وهراة وَحدث فِي آخر عمره وأملى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 وَمَات سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ ابْن تسعين سنة وَدفن بسجستان وقبره بهَا مَعْرُوف يزار رَحْمَة الله ورضوانه عَلَيْهِ آمين وَمن الرِّوَايَة عَن الشَّيْخ الْقفال أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس ابْن المظفر سَمَاعا عَلَيْهِ أَنبأَنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر أخبرنَا أَبُو روح إجَازَة أخبرنَا أَبُو زَاهِر بن طَاهِر أخبرنَا القَاضِي أَبُو سعد عبد الْكَرِيم بن أَحْمد الْوزان إملاء قدم علينا من الرّيّ سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر عبد الله بن أَحْمد الْقفال الْمروزِي بهَا أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْغِفَارِيّ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْدَانِ بن مُحَمَّد بن عِيسَى حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عمار الدِّمَشْقِي حَدثنَا صَدَقَة بن خَالِد عَن هِشَام بن الْغَار أَخْبرنِي حبَان أَبُو النَّصْر قَالَ سَمِعت وَاثِلَة بن الْأَسْقَع يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث عَن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ (أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي فليظن بِي مَا شَاءَ) كتب إِلَيّ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي أَن أَبَا الْفرج عبد الرَّحْمَن ابْن أبي عمر وَأَبا الْحسن بن البُخَارِيّ أنبآه عَن فضل الله النوقاني عَن الْحُسَيْن ابْن مَسْعُود الْبَغَوِيّ ح وأنبأني الْمشَار إِلَيْهِ فِي غير وَاحِد من مشيختنا أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعد وَإِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن بن عَمْرو الْفراء وَغَيرهمَا سَمَاعا بِقِرَاءَة الْمزي قَالُوا أخبرنَا أَبُو الْمجد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد الْقزْوِينِي سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أسعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 ابْن مُحَمَّد حفدة العطاري أخبرنَا محيى السّنة أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي رَافع الْأنمَاطِي حَدثنَا أَبُو بكر عبد الله بن أَحْمد الْقفال أخبرنَا أَبُو نعيم هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْدَانِ بن مُحَمَّد حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا الْوَلِيد هُوَ ابْن مُسلم قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر يَقُول حَدثنِي بسر بن عبيد الله الْحَضْرَمِيّ أَنه سمع أَبَا إِدْرِيس الْخَولَانِيّ يَقُول سَمِعت النواس بن سمْعَان الْكلابِي يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (مَا من قلب إِلَّا وَهُوَ بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع رب الْعَالمين إِذا شَاءَ أَن يقيمه أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أَن يزيغه أزاغه) قَالَ فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك وَالْمِيزَان بيد الرَّحْمَن يرفع قوما وَيَضَع آخَرين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة) وَهَذِه نخب وفوائد ومسائل عَن الشَّيْخ الْقفال قَالَ الإِمَام فِي النِّهَايَة فِي كتاب اللّعان قبل بَاب أَيْن يكون اللّعان لما ذكر أَن قذف الصَّبِي وَإِن لم يُوجب عَلَيْهِ حدا وَلَا تعزيرا للمقذوف يتَعَلَّق بطلبته وَلَكِن يعزره الْقَائِم عَلَيْهِ لإساءة أدبه كَمَا يفعل ذَلِك فِي سَائِر جِهَات التَّأْدِيب إِن الْقفال قَالَ إِذا هم بتأديب الْمُرَاهق فَبلغ انكف عَنهُ وَإِن كَانَ واليا لِأَن الْبلُوغ أكمل الروادع وَالْعقل الَّذِي قضى الشَّرْع بِكَمَالِهِ أبين رادع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 قَالَ يَعْنِي الْقفال وَلِهَذَا نأمر الطِّفْل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ من الصَّلَوَات مَا دَامَ طفْلا فَإِذا بلغ كففنا الطّلب عَنهُ انْتهى والمسألتان غريبتان المستشهد عَلَيْهَا والمستشهد بهَا ذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَنه لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه إِذا وقف الإِمَام على الأَرْض فِي الدَّار وَالْمَأْمُوم على سطح الدَّار أَن صلَاته أَي الْمَأْمُوم بَاطِلَة وَلَا تصح الصَّلَاة على السَّطْح بِصَلَاة الإِمَام على الأَرْض إِلَّا فِي الْمَسْجِد قَالَ حَتَّى كَانَ الشَّيْخ الْقفال يستزل النَّاس عَن جِدَار الْمصلى يَوْم الْعِيد لِأَن مصلى أهل مرو بقْعَة مَغْصُوبَة وكل مَسْجِد بني فِي بقْعَة مَغْصُوبَة فَلَيْسَ بِمَسْجِد انْتهى قلت وَلَعَلَّ مصلى أهل مرو اتخذ مَسْجِدا وَإِلَّا فمجرد كَونه مصلى وَلَو لم يكن مَغْصُوبًا لَا يعْطى حكم الْمَسْجِد كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ فِي الفتاوي وَهُوَ وَاضح وَقد تنبهت من هَذِه الْحِكَايَة عَن الْقفال لفائدة كَانَت تَدور فِي خلدي فإنني لما سَمِعت هَذِه الْحِكَايَة انْتقل ذهني إِلَى أَن الْقفال منع النَّاس عَن الصَّلَاة فِي الْمصلى لِأَن الصَّلَاة فِي الْمَغْصُوب حرَام فَكَمَا مَنعهم عَمَّا لَا يَصح كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يمنعهُم عَمَّا يحرم ثمَّ فَكرت فِي أَن هَذِه الْبقْعَة جَازَ أَن يكون مستحقها قد مَاتَ وَمَاتَتْ ورثته وانتقلت إِلَى بَيت المَال كَمَا هُوَ الْغَالِب على كثير من المغصوبات الَّتِي يتمادى عَلَيْهَا الزَّمَان وَأَقُول فِي مثل ذَلِك إِذا انْتَقَلت إِلَى بَيت المَال خرجت عَن حكم الْغَصْب وَلم تصر مَسْجِدا لِأَنَّهَا لم تبن وَقت الِاسْتِحْقَاق مَسْجِدا فَلَمَّا وقفت مَسْجِدا كَانَ الْوَقْف بَاطِلا لِأَن حكم الْغَصْب قد كَانَ بَاقِيا وَهَذَا شَيْء كَانَ يَدُور فِي خلدي ثمَّ تأيد بِهَذِهِ الْحِكَايَة وَكَانَ سَبَب دورانه فِي خلدي أَنه حُكيَ لي عَن الْوَالِد رَحمَه الله أَنه كَانَ فِي أول أمرة لَا يدْخل إِلَى الْمدرسَة المنصورية لِأَنَّهُ قيل إِن الْملك الْمَنْصُور قلاوون غصب ساحتها ثمَّ لما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 ولي الْوَالِد تدريسها سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة صَار يدْخل للدرس ففكرت مَعَ علمي من حَاله بِأَن الدُّنْيَا لم تكن تحمله على الوقيعة فِي شُبْهَة عَن جَوَاب عَمَّا لَعَلَّه يُقَال كَيفَ دَخلهَا عِنْد ولَايَة التدريس وَترك التورع الَّذِي كَانَ يَفْعَله فَوَقع لي أَنه لَعَلَّ الْمَغْصُوب مِنْهُ أَو ورثته كَانُوا موجودين فِي أَوَائِل أَمر الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله أَو كَانَ وجودهم مُحْتملا ثمَّ تحقق فقدهم وانتقال الساحة إِلَى بَيت المَال فَصَارَ يدخلهَا لكَونهَا أَرض بَيت المَال واشترك الْمُسلمُونَ فِيهَا وَهَذَا يعتضد بِمَا ذكرت عَن الْقفال وَيحْتَمل أَيْضا أَن الدُّخُول حَيْثُ لم يكن مدرسا دُخُول فِي الشُّبْهَة لَا لغَرَض ديني وَبعد التدريس دُخُول لغَرَض لَعَلَّه أهم فِي نظر الشَّارِع من الْوَرع فهذان جوابان قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن فِي تعليقته من بَاب صَلَاة التَّطَوُّع كَانَ الْقفال يَقُول وددت أَن أجد قَول من سلف الْقُنُوت فِي الْوتر فِي جَمِيع السّنة لكني تفحصت عَنهُ فَمَا وجدت أحدا قَالَ بِهِ قَالَ الْقفال وَقد اشْتريت كتاب ابْن الْمُنْذر فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء لهَذِهِ الْمَسْأَلَة خَاصَّة ففحصت عَنْهَا فَلم أجد أحدا قَالَ بِهِ إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ بِالْقُنُوتِ فِي الْوتر فِي جَمِيع شهر رَمَضَان دون غَيره من الشُّهُور قلت كَأَنَّهُ يَعْنِي بالسلف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ إِلَى زمَان مَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِلَّا فقد قَالَ بالوتر فِي جَمِيع السّنة من أَصْحَابنَا أَرْبَعَة مِنْهُم اثْنَان أستبعد خَفَاء قَوْلهمَا على الْقفال وهما أَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي وَأَبُو عبد الله الزبيرِي وَأَبُو مَنْصُور بن مهْرَان وَأَبُو الْفضل بن عَبْدَانِ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيّ فِي تَحْقِيق الْمَذْهَب وَلَكِن توقف الْوَالِد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 رَحمَه الله فِي مُوَافَقَته على اخْتِيَاره قَالَ إِذْ لَيْسَ فِي الحَدِيث تَصْرِيح بِهِ وَلما رَأَيْت فحص الْقفال عَن أقاويل السّلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَكشفت أوعب الْكتب لأقاويلهم وَهُوَ مُصَنف ابْن أبي شيبَة فَوَجَدته قَالَ حَدثنَا أَزْهَر السمان عَن ابْن عون عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله أَنه كَانَ يَقُول الْقُنُوت فِي السّنة كلهَا قَالَ وَكَانَ ابْن سِيرِين لَا يرَاهُ إِلَّا فِي النّصْف من رَمَضَان ثمَّ روى عَن الْحسن أَن الإِمَام يقنت فِي النّصْف وَالْمُنْفَرد يقنت الشَّهْر كُله ثمَّ روى بِسَنَدِهِ إِلَى إِبْرَاهِيم قَالَ كَانَ عبد الله لَا يقنت السّنة كلهَا فِي الْفجْر ويقنت فِي الْوتر كل لَيْلَة قبل الرُّكُوع قَالَ أَبُو بكر هَذَا القَوْل عندنَا قلت فَهَذَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة قد نقل عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله وَهُوَ ابْن مَسْعُود أَنه يقنت فِي الْوتر فِي السّنة كلهَا وَقَالَ بِهِ إِبْرَاهِيم نَفسه وَهُوَ النَّخعِيّ وارتضاه أَبُو بكر وَهُوَ ابْن أبي شيبَة فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة من السّلف وَقد ذكر ابْن أبي شيبَة ذَلِك فِي فصل من قَالَ الْقُنُوت فِي النّصْف من رَمَضَان فِي فُصُول الْوتر وقنوته ذكر الْقفال فِي فَتَاوِيهِ فِيمَن اشْترى أمة فَوَطِئَهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا أَنه لَا يحْسب لَهَا الِاسْتِبْرَاء مَا دَامَت تَحْتَهُ يفترشها بل لَا بُد من أَن يتجانب عَنْهَا حَتَّى تمر بهَا حَيْضَة قَالَ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَا يَطَؤُهَا إِلَّا أَنه يلمسها ويعاشرها والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَأكْثر الْكتب أَنه لَا يمْنَع الِاسْتِبْرَاء إِلَّا الْوَطْء لَا الْمُلَامسَة والمعاشرة لِأَن الْملك لم يمْنَع الاحتساب فَكَذَا المعاشرة بِخِلَاف الْعدة وَذكر فِي الفتاوي أَيْضا أَنا إِذا رَأينَا فِي يَد رجل ضَيْعَة يَدعِي أَنَّهَا وقف عَلَيْهِ لَا تصير وَقفا وَله بيعهَا بعد ذَلِك قَالَ كَمَا لَو كَانَ بِيَدِهِ مَال فَقَالَ هَذَا وَدِيعَة عِنْدِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 ثمَّ بَاعه فَلهُ ذَلِك قَالَ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ وَقفهَا عَليّ فلَان فَإِنَّهُ لَا يجوز بيعهَا قلت أما عدم تَجْوِيز بيع من قَالَ وَقفهَا عَليّ فلَان فَظَاهر وَأما تَجْوِيز بيع من قَالَ هَذِه الْعين وَدِيعَة عِنْدِي فمتجه أَيْضا لِأَن القَوْل فِي الْعُقُود قَول أَرْبَابهَا وَلَعَلَّ الْمُودع أذن لَهُ أَن يَبِيع فلسنا ننقب عَن ذَلِك وَأما تَمْكِين من قَالَ هَذِه وقف عَليّ من البيع فموضع نظر يحْتَمل أَن يُقَال بِمَا قَالَه الْقفال وَيحْتَمل أَن يُخَالف وَيحمل كَلَامه على أَن لَهُ بيعهَا فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا كَانَ كَاذِبًا لَا أَنا نملكه أَو على أَنا نعلم أَنه يَعْنِي بِكَوْنِهَا وَقفا عَلَيْهِ أَنه هُوَ واقفها على نَفسه وبمقتضى هَذَا لَهُ البيع لِأَن الْوَقْف بَاطِل وَيدل لهَذَا أَن الْقفال قَالَ فِي تَوْجِيه قَوْله لَا تصير وَقفا إِن الْإِنْسَان لَا يقدر أَن يقف على نَفسه فَكَأَن الْيَد لما كَانَت تدل على الْملك فدعوى الوقفية بعد ذَلِك لَا يكون مَعْنَاهَا أَن غَيره وَقفهَا عَلَيْهِ لِئَلَّا يُعَارض دلَالَة الْيَد فَلم يبْق إِلَّا أَن يكون هُوَ الَّذِي وَقفهَا وَذَلِكَ بَاطِل وَإِن لم يحمل كَلَام الْقفال على مَا ذَكرْنَاهُ فَهُوَ مُشكل وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ تأييد لِابْنِ الصّلاح قَالَ الْقفال فِي فَتَاوِيهِ فِيمَن قَالَ إِذا مت فاشتروا من ثُلثي حانوتا يبلغ غَلَّته كل شهر خمسين درهما واجعلوه وَقفا على أَن عشرَة لطالبي الْعلم وَعشرَة للْفُقَرَاء وَعشرَة لِلْيَتَامَى وَعشْرين لأبناء السَّبِيل قَالَ الْقفال يَصح وَيعْتَبر يَوْم الشِّرَاء فيشترى حانوتا وَيُوقف خمسه على طالبي الْعلم وخمسه على الْفُقَرَاء وخمسه على الْيَتَامَى وخمسيه على أَبنَاء السَّبِيل ويقفه الْوَصِيّ هَكَذَا أَخْمَاسًا فَإِن زَادَت غلَّة الْحَانُوت من بعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 فَإِنَّهُ يقسم بَينهم وَتصرف الزِّيَادَة مصرف الأَصْل وَإِن نقص خمسه نقص على هَذَا الْقيَاس انْتهى قلت وَهَذَا صَرِيح فِي أَن من وقف مدرسة وَنَحْوهَا وَقدر لأرباب الْوَظَائِف مقادير بِحَسب ريع الْوَقْف يَوْم وَقفه فَزَاد بعد ذَلِك أَن الزِّيَادَة تبسط عَلَيْهِم على النِّسْبَة فَلَو كَانَ ارتياع الْوَقْف مائَة وَخمسين فَقدر للمدرس خمسين ولعشرة فُقَهَاء كل فَقِيه عشرَة كَانَ للمدرس الثُّلُث وللفقهاء الثُّلُثَانِ بَالغا مَا بلغ وناقصا مَا نقص على النِّسْبَة الْمَذْكُورَة وَهَذَا فِي جَانب النُّقْصَان صَحِيح ظَاهر وَأما فِي جَانب الزِّيَادَة فَلَا يظْهر بل الذى يظْهر أَن الزِّيَادَة لَا ترد عَلَيْهِم وَإِلَّا لضاع تَقْيِيد الْوَاقِف الْمِقْدَار بالخمسين وبالعشرة بل لَهُ أَن يرصد الفائض أَو ينزل عَلَيْهِ فُقَهَاء أَو يصرف مصرف الْمُنْقَطع وَلَعَلَّ الْأَصْلَح الزِّيَادَة فِي عدد الْفُقَهَاء والأقيس إرصاده وَقد رَأينَا فِي حكام هَذَا الْعَصْر الْأَخير من حكم بِنَحْوِ مَا أفتى بِهِ الْقفال وَمَا أَظُنهُ بلغته فتيا الْقفال وفيهَا تأييد لَهُ ولسنا عَلَيْهَا بموافقين وَلَا لفظ الْقفال أَيْضا بِالصَّرِيحِ فِيهَا كل الصراحة فَلْيتَأَمَّل فِيهِ وَالله تَعَالَى أعلم 428 - عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله أَبُو حَكِيم الخبري نِسْبَة إِلَى خبر بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء المنقوطة بِوَاحِدَة فِي آخرهَا الرَّاء الْمُهْملَة وَهِي نَاحيَة بنواحي شيراز الحديث: 428 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 تفقه الشَّيْخ أَبُو حَكِيم على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وبرع فِي الْفَرَائِض والحساب وَله فيهمَا المصنفات الفائقة وَكَانَ يعرف الْعَرَبيَّة وَيكْتب الْخط الْحسن ويضبط الضَّبْط الصَّحِيح وَشرح الحماسة وعدة دواوين كالبحتري والمتنبي والرضي الموسوي وَغير ذَلِك وَسمع الحَدِيث الْكثير وَحدث باليسير وروى عَنهُ سبطه أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر السلَامِي الْحَافِظ وَكَانَ يكْتب الْمَصَاحِف ويحكى أَنه كَانَ ذَات يَوْم قَاعِدا مُسْتَندا يكْتب فِي الْمُصحف فَوضع الْقَلَم من يَده واستند وَقَالَ وَالله إِن هَذَا موت طيب هني ثمَّ مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة عبد الله بن جَعْفَر بن عبد الله أَبُو مَنْصُور الجيلي توفّي فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة 429 - عبد الله بن طَاهِر بن مُحَمَّد بن شهفور الإِمَام أَبُو الْقَاسِم التَّمِيمِي من أهل أسفراين نزل بَلخ فاستوطنها فدرس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بهَا وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفُرُوع وَالْخلاف وَالْأُصُول وَله الجاه وَالْمَال الْكثير والوجاهة الزَّائِدَة والمنزلة الرفيعة والسخاء والجود حُكيَ أَنه لما قدم الْأنْصَارِيّ إِلَى بَلخ أهْدى إِلَيْهِ مَا قِيمَته ألف دِينَار الحديث: 429 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 وَقد سمع الحَدِيث من جده لأمه الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَمن أبي حسان مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُزَكي وناصر الْعمريّ وَغَيرهم توفّي ببلخ فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 430 - عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عمر ابْن حَفْص بن زيد النيهي الشَّيْخ الإِمَام الْجَلِيل أَخُو الإِمَام الْحسن أَبُو عبد الرَّحْمَن النيهي تقدّمت تَرْجَمَة أَخِيه وَسَتَأْتِي تَرْجَمَة وَلَده عبد الرَّحْمَن بن عبد الله وَابْن السَّمْعَانِيّ رَحمَه الله ترْجم كلا من الْحسن وَعبد الرَّحْمَن ولد أَخِيه عبد الله وَلم يذكر لعبد الله هَذَا تَرْجَمَة وَقد ذكره الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْمَرْوذِيّ فِي تعليقته فِي بَاب حد الْقَذْف فِي مَسْأَلَة يَا مؤاجر وَقَول عبد الله هَذَا إِنَّهَا صَرِيح فِي الْقَذْف من الْعَاميّ كِنَايَة من الْمُمَيز وَهُوَ توَسط بَين مقَالَة أَخِيه الْحسن بالصراحة مُطلقًا الَّتِي قدمناها وَذكرنَا أَن الْقفال وَالْقَاضِي الْحُسَيْن سبقاه إِلَيْهَا ومقالة غَيرهم من الْأَصْحَاب بِأَنَّهُ كِنَايَة الحديث: 430 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 431 - عبد الله بن الْعَبَّاس بن أبي يحيى بن أبي مَنْصُور بن عبد الله بن عَبدُوس مَاتَ فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بسرخس 432 - عبد الله بن عَبْدَانِ بن مُحَمَّد بن عَبْدَانِ الشَّيْخ أَبُو الْفضل شيخ همذان ومفتيها وعالمها قَالَ شيرويه بن شهردار روى عَن صَالح بن أَحْمد وَجِبْرِيل وعَلى بن الْحسن بن الرّبيع وَجَمَاعَة وَسمع بِبَغْدَاد من أبي الْحُسَيْن بن أخي ميمى وَابْن حبابة وَعُثْمَان بن القَتَّات وَأبي حَفْص الكتاني والمخلص حَدثنَا عَنهُ مُحَمَّد بن عُثْمَان وَأحمد بن عمر وَالْحُسَيْن بن عَبدُوس وَأَبوهُ وَعلي بن الْحُسَيْن وَكَانَ ثِقَة فَقِيها ورعا جليل الْقدر مِمَّن يشار إِلَيْهِ سَمِعت ابْن عُثْمَان يَقُول لما أغار التّرْك على همذان أَسرُّوا ابْن عَبْدَانِ ثمَّ إِنَّهُم عرفوه فَقَالَ بَعضهم لَا تعذبوه وَلَكِن حلفوه بِاللَّه ليخبرنا بِمَا لَهُ فَإِنَّهُ لَا يكذب فاستحلفوه فَأخْبرهُم الحديث: 431 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 بمتاعه حَتَّى قَالَ لَهُم على خرقَة فِيهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ دِينَارا رميناها فِي هَذَا الْبِئْر فَمَا قدرُوا على إخْرَاجهَا قَالَ فَمَا سلم لَهُ غَيرهَا قَالَ وَرَأَيْت بِخَط ابْن عَبْدَانِ رَأَيْت فِي الْمَنَام رب الْعِزَّة تَعَالَى وتقدست أسماؤه فَقَالَ لي كلَاما يدل على أَنه يخَاف عَليّ الافتخار بِمَا أولانيه فَقلت لَهُ أَنا فِي نَفسِي أخس وَوَقع فِي ضميري أخس من الروث ثمَّ قَالَ لي أفضل مَا يدعى بِهِ {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} مَاتَ ابْن عَبْدَانِ فِي صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ وقفت لَهُ على كتاب فِي الْعِبَادَات مُخْتَصر سَمَّاهُ شرح الْعِبَادَات رَأَيْت بِهِ أصلا صَحِيحا قَدِيما مَوْقُوفا بخزانة وقف ابْن عُرْوَة فِي الْجَامِع الْأمَوِي قَالَ فِيهِ ويقنت عِنْدِي فِي الْوتر فِي جَمِيع السّنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 قلت وَهُوَ اخْتِيَار النَّوَوِيّ ذكره فِي تَحْقِيق الْمَذْهَب وَعَلِيهِ من أَصْحَابنَا هَذَا الرجل والزبيري وَأَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي وَأَبُو مَنْصُور بن مهْرَان نَقله الْأَصْحَاب عَن الْأَرْبَعَة وَتوقف الْوَالِد رَحمَه الله فِي اخْتِيَاره قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيث الْقُنُوت تَصْرِيح بِأَنَّهُ فِي جَمِيع السّنة قلت وَتقدم قَرِيبا فِي تَرْجَمَة الْقفال فِيهِ حِكَايَة سنيته بِالْإِجْمَاع وَوَقفه عَن اخْتِيَاره وَفِي شرح الْعِبَادَات لِابْنِ عَبْدَانِ أَلْفَاظ يجب تَأْوِيلهَا واعتقاد أَنه لم يرد ظَاهرهَا مِنْهَا قَوْله فِي بَاب صَلَاة التَّطَوُّع إِن رَكْعَتي الْفجْر مسنونة مُؤَكدَة لَا يجوز للمنفرد وَلَا الإِمَام وَلَا الْمَأْمُوم تَركهَا بِحَال فَقَوله لَا يجوز تَركهَا يؤول للْإِجْمَاع على أَنَّهَا سنة وَبِقَوْلِهِ قبل ذَلِك إِنَّهَا سنة وَذكره إِيَّاهَا فِي التَّطَوُّع وَوَقع لَهُ مثله فِي بَاب صَلَاة التَّرَاوِيح فَقَالَ صَلَاة التَّرَاوِيح مسنونة لَا يجوز تَركهَا فِي الْمَسَاجِد غير أَن هَذَا قد يُمكن إجراؤه على ظَاهره فلقائل أَن يَقُول يجب على الإِمَام أَو أَئِمَّة الْمَسَاجِد الْإِتْيَان بهَا لكَونهَا من مصَالح الدّين وَحِينَئِذٍ لَا يجوز تَركهَا لكَونهَا شعارا فتلحق بفرائض الكفايات أَو السّنَن الَّتِي صَارَت شعارا فقوتل عَلَيْهَا تاركها على الْخلاف فِيهَا كَصَلَاة الْعِيد إِذا اتّفق أهل بلد على تَركهَا وَذكر فِي أَوَائِل هَذَا الْكتاب فِي شرح الْإِيمَان وَالْإِسْلَام عقيدة لَا بَأْس بهَا عقيدة رجل أشعري على السّنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 وَمِنْهَا فِي أواخرها وَلَا يسوغ لأحد أَن يَقُول إِنِّي مُؤمن حَقًا حَتَّى يَقُول إِن شَاءَ الله تَعَالَى لِأَن عواقب الْمُؤمنِينَ غيب عَنْهُم انْتهى وَفِيه فَائِدَتَانِ التَّصْرِيح بِوُجُوب الِاسْتِثْنَاء غير أَنه قيد الْمَسْأَلَة بِمن يَقُول مُؤمن حَقًا لَا بِمن يُطلق مُؤمن فَلْيتَأَمَّل وَالتَّصْرِيح بِأَن الشَّك فِي الخاتمة وَهُوَ أحسن تَأْوِيل للقائل بِالِاسْتِثْنَاءِ وَذكر فِيهِ بَعْدَمَا ذكر أَن الشَّك فِي الْكفْر وَلَو بعد مائَة سنة كفر مَا نَصه وَكَذَلِكَ لَو تفكر وَقَالَ فِي نَفسه أكفر أَو لَا فقد كفر انْتهى وَهَذَا التفكر إِن كَانَ شكا أَو نِيَّة فقد سبقا فِي كَلَامه وَإِلَّا فَأَي شَيْء هُوَ غير حَدِيث النَّفس المتجاوز عَنهُ أَو هُوَ صَرِيح الْإِسْلَام وَالْإِيمَان فَلْيتَأَمَّل 433 - عبد الله بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن يعرف بِأبي سعد الْقشيرِي أكبر أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم كَانَ إِمَامًا كَبِيرا جيد القريحة لَهُ النَّصِيب الوافر والحظ الْجَلِيل الجزيل من التصريف أصوليا نحويا سمع أَبَا بكر الْحِيرِي وَأَبا سعيد الصَّيْرَفِي وَهَذِه الطَّبَقَة وَقدم بَغْدَاد مَعَ وَالِده فَسمع من القَاضِي أبي الطّيب وَغَيره الحديث: 433 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 مولده سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ وَالِده يعامله مُعَاملَة الأقران ويحترمه لما يرَاهُ عَلَيْهِ من الطَّرِيقَة الصَّالِحَة روى عَنهُ ابْن أُخْته عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي وَقَالَ كَانَ رَضِيع أَبِيه فِي الطَّرِيقَة وفخر ذويه وَأَهله على الْحَقِيقَة وأكبر أَوْلَاد زين الْإِسْلَام الْمَذْكُور من لَا ترى الْعُيُون مثله فِي الدهور ذُو حَظّ وافر من الْعَرَبيَّة كَانَ يذكر دروسا من الْأُصُول وَالتَّفْسِير بِعِبَارَة مهذبة لَا يتخطرف لِسَانه إِلَى لحن وَلَا يعثر لضعف فِي مَعْرفَته ووهن وَقد حصل الْفِقْه وَكَانَت الْمسَائِل على حفظه بأصولها ونكتها وبرع فِي علم الْأُصُول بطبع سيال وخاطر إِلَى مواقع الْإِشْكَال ميال سباق إِلَى دَرك الْمعَانِي وقاف على المدارك والمباني وَأما عُلُوم الْحَقَائِق فَهُوَ فِيهَا يشق الشّعْر ثمَّ قَالَ يصف مجْلِس وعظه وَصَارَ مَجْلِسه رَوْضَة الْحَقَائِق والدقائق وكلماته محرقة الأكباد والقلوب ومواجيده مقطرة الدِّمَاء من الجفون مَكَان الدُّمُوع ومفطرة الصُّدُور بالتخويف وَالتَّفْزِيع انْتهى وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَت أوقاته ظَاهرا مستغرقة فِي الطَّهَارَة وَالِاحْتِيَاط ثمَّ فِي الصَّلَوَات وَالْمُبَالغَة فِي وصل التَّكْبِير وَبَاطنا فِي مراقبة الْحق ومشاهدة أَحْكَام الْغَيْب لَا يَخْلُو وقته عَن تنفس الصعداء وتذكر البرحاء وترنم بِكَلَام منظوم أَو منثور يتَذَكَّر وقتا مضى انْتهى توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة قبل أمه السيدة فَاطِمَة بنت الدقاق بِأَرْبَع سِنِين وَالله أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 434 - عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق أَخُو الْوَزير نظام الْملك أَبُو الْقَاسِم من أهل طوس دخل نيسابور فِي شبابه لطلب الْعلم وَحُضُور مجَالِس الحَدِيث واستوطنها إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ عفيفا نزها كثير فعل الْخَيْر مواظبا على قِرَاءَة الْقُرْآن غير مدَاخِل لِأَخِيهِ فِي شَيْء من أُمُور السُّلْطَان سمع أَبَا حسان الْمُزَكي وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا حَفْص بن مسرور وناصرا الْعمريّ وَعبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي والأستاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيرهم روى عَنهُ جمَاعَة ولد سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 435 - عبد الله بن عَليّ بن عَوْف أَبُو مُحَمَّد السّني من أهل السن بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة تفقه على القَاضِي أبي الطّيب وَكَانَ يحضر درس أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ إِلَى حِين وَفَاته وَقد ناهز الثَّمَانِينَ وَسمع أَبَا عَليّ بن شَاذان وَغَيره الحديث: 434 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 وَحدث بِيَسِير وَهُوَ الَّذِي يَقُول لَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب وَقد اسْتعَار مِنْهُ شَيْئا (يَا أَيهَا الشَّيْخ الْجَلِيل السّني ... ارْدُدْ عَليّ مَا استعرت مني) توفّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 436 - عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم البحاثي القَاضِي قَالَ عبد الغافر من عُيُون الْفُقَهَاء وأرباب الْفَتْوَى حَافظ للْمَذْهَب من تلامذة أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَمن بَيت الْعلم والْحَدِيث بِنَاحِيَة زوزن وَالله أعلم 437 - عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَسد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ أَبُو الْقَاسِم كَانَ بِمصْر قَالَ ابْن الصّلاح وَوَقع فِي بعض الْمَوَاضِع عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسد وَفِي بَعْضهَا عبد الله بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس قَالَ وَذَلِكَ اخْتِصَار لما ذَكرْنَاهُ روى عَن ابْن أبي حَاتِم روى عَنهُ الْمقري أَبُو عمر الطلمنكي 438 - عبد الله بن مُحَمَّد بن سَالم قَالَ المطري أَخذ الْفِقْه عَن أَبِيه وَولد فِي شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 436 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 وَمَات بِذِي أشرق سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 439 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الْأَصْفَهَانِي الْمَعْرُوف بِابْن اللبان قَالَ فِيهِ الْخَطِيب أحد أوعية الْعلم وَأهل الدّين وَالْفضل سمع بأصبهان أَبَا بكر الْمقري وَغَيره وببغداد أَبَا طَاهِر المخلص وبمكة أَبَا الْحسن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن فراس وتفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد ودرس على القَاضِي أبي بكر الْأَصْلَيْنِ وَحدث وَسمع مِنْهُ الْخَطِيب قَالَ وَكَانَ من أحسن النَّاس تِلَاوَة لِلْقُرْآنِ وَمن أوجز النَّاس عبارَة فِي المناظرة مَعَ تدين جميل وَعبادَة كَثِيرَة وورع بَين وتقشف ظَاهر وَحسن خلق وسمعته يَقُول حفظت الْقُرْآن ولي خمس سِنِين وَله كتب كَثِيرَة مصنفة وَقد أدْرك ابْن اللبان شهر رَمَضَان من سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ بِبَغْدَاد فصلى بِالنَّاسِ صَلَاة التَّرَاوِيح فِي جَمِيع الشَّهْر وَكَانَ إِذا فرغ من صلَاته بِالنَّاسِ فِي كل لَيْلَة لَا يزَال قَائِما فِي الْمَسْجِد يُصَلِّي حَتَّى يطلع الْفجْر فَإِذا صلى دارس أَصْحَابه قَالَ وسمعته يَقُول لم أَضَع جَنْبي للنوم فِي هَذَا الشَّهْر لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَكَانَ الحديث: 439 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 ورده كل لَيْلَة فِيمَا يُصَلِّي لنَفسِهِ سبعا من الْقُرْآن يقرأه بترتيل وتمهل مَاتَ بأصبهان فِي جُمَادَى الْآخِرَة من سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 440 - عبد الله بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن حيوية الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالِد إِمَام الْحَرَمَيْنِ أوحد زَمَانه علما ودينا وزهدا وتقشفا زَائِدا وتحريا فِي الْعِبَادَات كَانَ يلقب بِرُكْن الْإِسْلَام لَهُ الْمعرفَة التَّامَّة بالفقه وَالْأُصُول والنحو وَالتَّفْسِير وَالْأَدب وَكَانَ لفرط الدّيانَة مهيبا لَا يجْرِي بَين يَدَيْهِ إِلَّا الْجد وَالْكَلَام إِمَّا فِي علم أَو زهد وتحريض على التَّحْصِيل سمع الحَدِيث من الْقفال وعدنان بن مُحَمَّد الضَّبِّيّ وَأبي نعيم عبد الْملك بن الْحسن وَابْن محمش وببغداد من أبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَجَمَاعَة روى عَنهُ ابْنه إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَسَهل بن إِبْرَاهِيم المسجدي وعَلى بن أَحْمد الْمَدِينِيّ وَغَيرهم تفقه أَولا على أبي يَعْقُوب الأبيوردي بِنَاحِيَة جُوَيْن ثمَّ قدم نيسابور واجتهد فِي التفقه على أبي الطّيب الصعلوكي ثمَّ ارتحل إِلَى مرو قَاصِدا الْقفال الْمروزِي فلازمه حَتَّى تخرج بِهِ مذهبا وَخِلَافًا وأتقن طَرِيقَته وَعَاد إِلَى نيسابور سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 440 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 وَقعد للتدريس وَالْفَتْوَى ومجلس المناظرة وَتَعْلِيم الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ ماهرا فِي إِلْقَاء الدُّرُوس وَأما زهده وورعه فإليه الْمُنْتَهى قَالَ الإِمَام أَبُو سعيد بن الإِمَام أبي الْقَاسِم الْقشيرِي كَانَ أَئِمَّتنَا فِي عصره والمحققون من أَصْحَابنَا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ من الْكَمَال وَالْفضل والخصال الحميدة أَنه لَو جَازَ أَن يبْعَث الله نَبيا فِي عصره لما كَانَ إِلَّا هُوَ من حسن طَرِيقَته وزهده وَكَمَال فَضله وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي لَو كَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي بني إِسْرَائِيل لنقل إِلَيْنَا شمائله ولافتخروا بِهِ وَمن ورعه أَنه مَا كَانَ يسْتَند فِي دَاره الْمَمْلُوكَة لَهُ إِلَى الْجِدَار الْمُشْتَرك بَينه وَبَين جِيرَانه وَلَا يدق فِيهِ وتدا وَأَنه كَانَ يحْتَاط فِي أَدَاء الزَّكَاة حَتَّى كَانَ يُؤَدِّي فِي سنة وَاحِدَة مرَّتَيْنِ حذرا من نِسْيَان النِّيَّة أَو دَفعهَا إِلَى غير الْمُسْتَحق وَعَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد أَنه قَالَ نَحن من الْعَرَب من قَبيلَة يُقَال لَهَا سِنْبِسٍ وَمن ظريف مَا يحْكى مَا ذكره أَبُو عبد الله الفراوي قَالَ سَمِعت إِمَام الْحَرَمَيْنِ يَقُول كَانَ وَالِدي يَقُول فِي دُعَاء قنوت الصُّبْح اللَّهُمَّ لَا تعقنا عَن الْعلم بعائق وَلَا تَمْنَعنَا عَنهُ بمانع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم السياري يَوْمًا اقْتدى بوالدي فِي صَلَاة الصُّبْح وَقد سبق بِرَكْعَة فَلَمَّا قَضَاهَا قَالَ فِي دُعَاء الْقُنُوت هَذَا الدُّعَاء فَقلت لَهُ لَا تقل هَذَا فِي دُعَاء الْقُنُوت فَقَالَ أَنْت تخرج على كل أحد حَتَّى على أَبِيك قلت كَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يرى أَن الِاعْتِدَال ركن قصير فَلَا يُزَاد فِيهِ على الْمَأْثُور لِأَنَّهُ يطول بِهِ وَفِي بطلَان الصَّلَاة بتطويل اعْتِدَال الرُّكُوع خلاف مَعْرُوف بَين الْأَصْحَاب مَبْنِيّ على قصره أَو طوله بل بَالغ الإِمَام أَي إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ فِي قلبِي من الطُّمَأْنِينَة فِي الِاعْتِدَال شَيْء وَأَشَارَ غَيره إِلَى تردد فِيهَا وَالْمَعْرُوف الصَّوَاب وُجُوبهَا. . وَرُوِيَ أَن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد رأى إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَنَام فَأَوْمأ لتقبيل رجلَيْهِ فَمَنعه ذَلِك تكريما لَهُ قَالَ فَقبلت عَقِبَيْهِ وأولت ذَلِك الْبركَة والرفعة تكون فِي عَقبي قلت فَأَي بركَة ورفعة مثل إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَده توفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة بنيسابور قَالَ الْحَافِظ أَبُو صَالح الْمُؤَذّن غسلته فَلَمَّا لففته فِي الأكفان رَأَيْت يَده الْيُمْنَى إِلَى الْإِبِط زهراء منيرة من غير سوء كَأَنَّهَا تتلألأ تلألؤ الْقَمَر فتحيرت وَقلت هَذِه من بَرَكَات فَتَاوِيهِ وَمن تصانيفه الفروق والسلسلة والتبصرة والتذكرة ومختصر الْمُخْتَصر وَشرح الرسَالَة وَله مُخْتَصر فِي موقف الإِمَام وَالْمَأْمُوم ووقفت على شرح على كتاب عُيُون الْمسَائِل الَّتِي صنفها أَبُو بكر الْفَارِسِي ذكر كَاتبه وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 النوكاني الطريثيثي أَنه علقه عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَقد قدمت ذكر هَذَا الشَّرْح فِي تَرْجَمَة الْفَارِسِي لكني رَأَيْت الرَّوْيَانِيّ ينْقل فِي الْبَحْر أَشْيَاء جمة عَن شرح عُيُون الْمسَائِل للقفال أَخذهَا بألفاظها فِي هَذَا الشَّرْح وَرُبمَا أَتَت على سطور كَثِيرَة كَمَا قَالَ فِي الْبَحْر فِي انْعِقَاد النِّكَاح بالمكاتبة إِن الْقفال قَالَ فِي شرح عُيُون الْمسَائِل فَذكر أسطرا كَثِيرَة هِيَ بعبارتها مَوْجُودَة فِي هَذَا الشَّرْح وَمثل هَذَا كثير فتحيرت لِأَن وجدان هَذَا الأَصْل بِخَط الْمُعَلق نَفسه يعين أَنه كَلَام الشَّيْخ أبي مُحَمَّد وَنقل الرَّوْيَانِيّ يقتضى أَنه كَلَام الْقفال وَلَعَلَّ الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد أملاه عَن شَيْخه الْقفال ليجتمع هَذَانِ الْأَمْرَانِ وَإِلَّا فَكيف السَّبِيل إِلَى الْجمع وَله تَفْسِير كَبِير يشْتَمل على عشرَة أَنْوَاع فِي كل آيَة وَكتاب الْمُحِيط وسنشرح خَبره وَمن شعره يرثي بعض أصدقائه وَلم أسمع لَهُ غَيرهمَا رَحمَه الله تَعَالَى (رَأَيْت الْعلم بكاء حَزينًا ... ونادى الْفضل واحزنا وبوسى) (سألتهما بِذَاكَ فَقيل أودى ... أَبُو سهل مُحَمَّد بن مُوسَى) ذكر الْبَحْث عَن حَال المُصَنّف الَّذِي كَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قد بَدَأَ فِيهِ ثمَّ رَجَعَ عَن إِتْمَامه لكَلَام أرْسلهُ إِلَيْهِ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى كَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قد شرع فِي كتاب سَمَّاهُ الْمُحِيط عزم فِيهِ على عدم التقيد بِالْمذهبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 وَأَنه يقف على مورد الْأَحَادِيث لَا يعدوها ويتجنب جَانب العصبية للمذاهب فَوَقع إِلَى الْحَافِظ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ مِنْهُ ثَلَاثَة أَجزَاء فانتقد عَلَيْهِ أوهاما حَدِيثِيَّةٌ وَبَين أَن الْآخِذ بِالْحَدِيثِ الْوَاقِف عِنْده هُوَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَن رغبته عَن الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد إِنَّمَا هِيَ لعلل فِيهَا يعرفهَا من يتقن صناعَة الْمُحدثين فَلَمَّا وصلت الرسَالَة إِلَى الشَّيْخ أبي مُحَمَّد قَالَ هَذِه بركَة الْعلم ودعا للبيهقي وَترك إتْمَام التصنيف فرضى الله عَنْهُمَا لم يكن قصدهما غير الْحق والنصيحة للْمُسلمين وَقد حصل عِنْد الْبَيْهَقِيّ مِمَّا فعله الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَمر عَظِيم كَمَا يظْهر من كَلَامه فِي هَذِه الرسَالَة وَأَنا أرى أَن أسوقها بكمالها لتستفاد فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَة على فَوَائِد مهمة ودالة على عَظِيم قدر الْبَيْهَقِيّ وفيهَا أَيْضا مَوَاضِع من كتاب الْمُحِيط انتقدها الْبَيْهَقِيّ فتستفاد أَيْضا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ذكر صُورَة الرسَالَة الَّتِي أرسلها إِلَيْهِ الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ كتب إِلَيّ أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَخلق من مشيختنا عَن أبي الْفضل بن عَسَاكِر عَن أبي روح الْهَرَوِيّ عَن أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ عَن أَبِيه الْحَافِظ أبي سعد قَالَ أخبرنَا أَبُو نصر عَليّ بن مَسْعُود بن مُحَمَّد الشجاعي إِذْنا قَالَ حَدثنَا الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ قَالَ سَلام الله وَرَحمته على الشَّيْخ الإِمَام وَإِنِّي أَحْمد إِلَيْهِ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحده لَا شريك لَهُ وأصلي على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد عصمنا الله بِطَاعَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 وَأَكْرمنَا بالاعتصام بِسنة خيرته من بريته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأعاننا على الِاقْتِدَاء بالسلف الصَّالِحين من أمته وعافانا فِي ديننَا ودنيانا وكفانا كل هول دون الْجنَّة بفضله وَرَحمته إِنَّه وَاسع الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة وَبِه التَّوْفِيق والعصمة فقلبي للشَّيْخ أدام الله عصمته وأيد أَيَّامه مقتد ولساني لَهُ بِالْخَيرِ ذَاكر وَللَّه تَعَالَى على حسن توفيقه إِيَّاه شَاكر وَالله جلّ ثَنَاؤُهُ يزِيدهُ تَوْفِيقًا وتأييدا وتسديدا وَقد علم الشَّيْخ أدام الله توفيقه اشتغالي بِالْحَدِيثِ واجتهادي فِي طلبه مُعظم مقصودي مِنْهُ فِي الِابْتِدَاء التَّمْيِيز بَين مَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ من الْأَخْبَار وَبَين مَا لَا يَصح حَتَّى رَأَيْت الْمُحدثين من أَصْحَابنَا يرسلونها فِي الْمسَائِل على مَا يحضرهم من ألفاظها من غير تَمْيِيز مِنْهُم بَين صحيحها وسقيمها ثمَّ إِذا احْتج عَلَيْهِم بعض مخالفيهم بِحَدِيث شقّ عَلَيْهِم تَأْوِيله أخذُوا فِي تَعْلِيله بِمَا وجدوه فِي كتب الْمُتَقَدِّمين من أَصْحَابنَا تقليدا وَلَو عرفوه معرفتهم لميزوا صَحِيح مَا يُوَافق أَقْوَالهم من سقيمه ولأمسكوا عَن كثير مِمَّا يحتجون بِهِ وَإِن كَانَ يُطَابق آراءهم ولاقتدوا فِي ترك الِاحْتِجَاج بِرِوَايَة الضُّعَفَاء والمجهولين بإمامهم فشرطه فِيمَن يقبل خَبره عِنْد من يعتنى بمعرفته مَشْهُور وَهُوَ بشرحه فِي كتاب الرسَالَة مسطور وَمَا ورد من الْأَخْبَار بِضعْف رِوَايَته أَو انْقِطَاع إِسْنَاده كثير وَالْعلم بِهِ على من جَاهد فِيهِ سهل يسير وَقد أحتج فِي ترك الِاحْتِجَاج بالمجهولين بِمَا أَنبأَنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا الشَّافِعِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج وَحَدثُوا عني وَلَا تكذبوا عَليّ) قَالَ الشَّافِعِي أحَاط الْعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْمر أحدا بِحَال أَن يكذب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 على بني إِسْرَائِيل وَلَا على غَيرهم فَإذْ أَبَاحَ الحَدِيث عَن بني إِسْرَائِيل فَلَيْسَ أَن يقبلُوا الحَدِيث الْكَذِب على بني إِسْرَائِيل لِأَنَّهُ يرْوى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (من حدث بِحَدِيث وَهُوَ يرَاهُ كذبا فَهُوَ أحد الْكَاذِبين) وَإِنَّمَا أَبَاحَ قبُول ذَلِك عَمَّن حدث بِهِ مِمَّن يجهل صدقه وَكذبه قَالَ وَإِذ فرق بَين الحَدِيث عَنهُ والْحَدِيث عَن بني إِسْرَائِيل فَقَالَ (حدثوا عني وَلَا تكذبوا عَليّ) فالعلم إِن شَاءَ الله يُحِيط أَن الْكَذِب الَّذِي نَهَاهُم عَنهُ هُوَ الْكَذِب الْخَفي وَذَلِكَ الحَدِيث عَمَّن لَا يعرف صدقه ثمَّ حكى الشَّافِعِي فِي رد حَدِيث الضُّعَفَاء عَن ابْن عمر وَعَن عُرْوَة بن الزبير وَسعد بن إِبْرَاهِيم وَحَكَاهُ فِي كتاب الْعمريّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَطَاوُس وَابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ ثمَّ قَالَ وَلَا لقِيت وَلَا علمت أحدا من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يُخَالف هَذَا الْمَذْهَب قَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه أَحْمد وَإِنَّمَا يُخَالِفهُ بعض من لَا يعد من أهل الحَدِيث فَيرى قبُول رِوَايَة المجهولين مَا لم يعلم مَا يُوجب رد خبرهم وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أول كتاب الطَّهَارَة حِين ذكر مَا تكون بِهِ الطَّهَارَة من المَاء وَاعْتمد فِيهِ على ظَاهر الْقُرْآن وَقد رُوِيَ فِيهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث يُوَافق ظَاهر الْقُرْآن فِي إِسْنَاده من لَا أعرفهُ ثمَّ ذكر حَدِيثه عَن مَالك عَن صَفْوَان بن سليم عَن سعيد بن سَلمَة عَن الْمُغيرَة بن أبي بردة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبَحْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 وَعَسَى لم يخْطر ببال فَقِيه من فُقَهَاء عصرنا ريب فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث وإمامه يَقُول فِي إِسْنَاده من لَا أعرفهُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لاخْتِلَاف وَقع فِي اسْم الْمُغيرَة ابْن أبي بردة ثمَّ فِي وَصله بِذكر أبي هُرَيْرَة مَعَ إِيدَاع مَالك بن أنس إِيَّاه كِتَابه الْمُوَطَّأ ومشهور فِيمَا بَين الْحفاظ أَنه لم يودعه رِوَايَة من يرغب عَنهُ إِلَّا رِوَايَة عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي فقد رغب عَنْهُمَا غَيره وَتوقف الشَّافِعِي فِي إِيجَاب الْغسْل من غسل الْمَيِّت وَاعْتذر بِأَن بعض الْحفاظ أَدخل بَين أبي صَالح وَبَين أبي هُرَيْرَة إِسْحَاق مولى زَائِدَة وَأَنه لَا يعرفهُ وَلَعَلَّه أَن يكون ثِقَة وَتوقف فِي إِثْبَات الْوَقْت الثَّانِي لصَلَاة الْمغرب مَعَ أَحَادِيث صِحَاح رويت فِيهِ بعد إِمَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين لم يثبت عِنْده من عَدَالَة رواتها مَا يُوجب قبُول خبرهم وَكَأَنَّهُ وَقع لمُحَمد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ رَحمَه الله بعده مَا وَقع لَهُ حَتَّى لم يخرج شَيْئا من تِلْكَ الْأَحَادِيث فِي كِتَابه ووقف مُسلم بن الْحجَّاج رَحمَه الله على مَا يُوجب قبُول خبرهم ووثق بِحِفْظ من رفع الْمُخْتَلف فِي رَفعه مِنْهَا فَقبله وأخرجها فِي الصَّحِيح وَهُوَ فِي حَدِيث أبي مُوسَى وبريرة وَعبد الله بن عَمْرو وَاحْتج الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب أَحْكَام الْقُرْآن بِرِوَايَة عَائِشَة فِي أَن زوج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 بَرِيرَة كَانَ عبدا وَأَن بعض من تكلم مَعَه قَالَ لَهُ هَل تروون عَن غير عَائِشَة أَنه كَانَ عبدا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمُعتقَة وَهِي أعلم بِهِ من غَيرهَا وَقد رُوِيَ من وَجْهَيْن قد أثبت أَنْت مَا هُوَ أَضْعَف مِنْهُمَا وَنحن إِنَّمَا نثبت مَا هُوَ أقوى مِنْهُمَا فَذكر حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وَحَدِيث الْقَاسِم الْعمريّ عَن عبد الله ابْن دِينَار عَن ابْن عَمْرو أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا وَحَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قد أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح إِلَّا أَن عِكْرِمَة مُخْتَلف فِي عَدَالَته كَانَ مَالك بن أنس رحمنا الله وإياه لَا يرضاه وَتكلم فِيهِ سعيد بن الْمسيب وَعَطَاء وَجَمَاعَة من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَلذَلِك ترك مُسلم بن الْحجَّاج الِاحْتِجَاج بروايته فِي كِتَابه وَالقَاسِم الْعمريّ ضَعِيف عِنْدهم قَالَ الشَّافِعِي لخصمه نَحن إِنَّمَا نثبت مَا هُوَ أقوى مِنْهُمَا وَقَالَ فِي أثرين ذكرهمَا فِي كتاب الْحُدُود وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ وَإِن لم يخالفانا غير معروفتين وَنحن نرجو أَلا نَكُون مِمَّن تَدعُوهُ الْحجَّة على من خَالفه إِلَى قبُول خبر من لَا يثبت خَبره بمعرفته عِنْده وَله من هَذَا أَشْيَاء كَثِيرَة يَكْتَفِي بِأَقَلّ من هَذَا من سلك سَبِيل النصفة فَهَذَا مذْهبه فِي قبُول الْأَخْبَار وَهُوَ مَذْهَب القدماء من أهل الْآثَار قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ وَكنت أسمع رَغْبَة الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ فِي سَماع الحَدِيث وَالنَّظَر فِي كتب أَهله فأشكر إِلَيْهِ وأشكر الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَأَقُول فِي نَفسِي ثمَّ فِيمَا بَين النَّاس قد جَاءَ الله عز وَجل بِمن يرغب فِي الحَدِيث ويرغب فِيهِ من بَين الْفُقَهَاء ويميز فِيمَا يرويهِ ويحتج بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 الصَّحِيح من السقيم من جملَة الْعلمَاء وَأَرْجُو من الله أَن يحيي سنة إمامنا المطلبي فِي قبُول الْآثَار حَيْثُ أماتها أَكثر فُقَهَاء الْأَمْصَار بعد من مضى من الْأَئِمَّة الْكِبَار الَّذين جمعُوا بَين نَوْعي علمي الْفِقْه وَالْأَخْبَار ثمَّ لم يرض بَعضهم بِالْجَهْلِ بِهِ حَتَّى رَأَيْته حمل الْعَالم بِهِ بالوقوع فِيهِ والإزراء بِهِ والضحك مِنْهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا يعظم صَاحب مذْهبه ويجله وَيَزْعُم أَنه لَا يُفَارق فِي منصوصاته قَوْله ثمَّ يدع فِي كَيْفيَّة قبُول الحَدِيث ورده طَرِيقَته وَلَا يسْلك فِيهَا سيرته لقلَّة مَعْرفَته بِمَا عرف وَكَثْرَة غفلته عَمَّا عَلَيْهِ وقف هلا نظر فِي كتبه ثمَّ اعْتبر باحتياطه فِي انتقاده لرواة خَبره واعتماده فِيمَن اشْتبهَ عَلَيْهِ حَاله على رِوَايَة غَيره فنرى سلوك مذْهبه مَعَ دلَالَة الْعقل والسمع وَاجِبا على كل من انتصب للفتيا فإمَّا أَن يجْتَهد فِي تعلمه أَو يسكت عَن الْوُقُوع فِيمَن يُعلمهُ وَلَا يجْتَمع عَلَيْهِ وزران حَيْثُ فَاتَهُ الأجران وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان ثمَّ إِن بعض أَصْحَاب الشَّيْخ أدام الله عزه وَقع إِلَى هَذِه النَّاحِيَة فَعرض عَليّ أَجزَاء ثَلَاثَة مِمَّا أملاه من كِتَابه الْمُسَمّى بالمحيط فسررت بِهِ ورجوت أَن يكون الْأَمر فِيمَا يُورِدهُ من الْأَخْبَار على طَريقَة من مضى من الْأَئِمَّة الْكِبَار لائقا بِمَا خص بِهِ من علم الأَصْل وَالْفرع مُوَافقا لما ميز بِهِ من فضل الْعلم والورع فَإِذا أول حَدِيث وَقع عَلَيْهِ بَصرِي الحَدِيث الْمَرْفُوع فِي النَّهْي عَن الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ المشمس فَقلت فِي نَفسِي يُورِدهُ ثمَّ يُضعفهُ أَو يصحح القَوْل فِيهِ فرأيته قد أمْلى وَالْخَبَر فِيهِ مَا روى مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة فَقلت هلا قَالَ رُوِيَ عَن عَائِشَة أَو رُوِيَ عَن ابْن وهب عَن مَالك أَو رُوِيَ عَن مَالك أَو رُوِيَ عَن إِسْمَاعِيل بن عَمْرو الْكُوفِي عَن ابْن وهب عَن مَالك أَو روى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 خَالِد بن إِسْمَاعِيل أَو وهب بن وهب أَبُو البخْترِي عَن هِشَام بن عُرْوَة أَو روى عَمْرو بن مُحَمَّد الأعسم عَن فليح عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة ليَكُون الحَدِيث مُضَافا إِلَى مَا يَلِيق بِهِ مثل هَذِه الرِّوَايَة وَلَا يكون فِي مثل هَذَا عَن مَالك بن أنس من أَظُنهُ يبرأ إِلَى الله تَعَالَى من رِوَايَته ظنا مَقْرُونا بِعلم ثمَّ إِنِّي رَأَيْته أدام الله عصمته أول حَدِيث التَّسْمِيَة وَضعف مَا رُوِيَ عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن فِي تَأْوِيله بِحَدِيث شهد بِهِ على الْأَعْمَش أَنه رَوَاهُ عَن شَقِيق ابْن سَلمَة عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَن تَوَضَّأ وسمى وفيمن تَوَضَّأ وَلم سم وَهَذَا حَدِيث تفرد بِهِ يحيى بن هَاشم السمسار عَن الْأَعْمَش وَلَا يشك أحد فِي ضعفه وَرَوَاهُ أَيْضا عبد الله بن حَكِيم أَبُو بكر الداهري عَن عَاصِم بن مُحَمَّد عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا وَأَبُو بكر الداهري ضَعِيف لَا يحْتَج بِخَبَرِهِ وَرُوِيَ من وَجه آخر مَجْهُول عَن أبي هُرَيْرَة وَلَا يثبت وَحَدِيث التَّسْمِيَة قد رُوِيَ من أوجه مَا وَجه من وجوهها إِلَّا وَهُوَ مثل إِسْنَاد من أَسَانِيد مَا رُوِيَ فِي مُقَابلَته وَمَعَ ذَلِك فَأَحْمَد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ يَقُول لَا أعلم فِيهِ حَدِيثا ثَابتا فَقلت فِي نَفسِي قد ترك الشَّيْخ حرس الله مهجته الْقَوْم فِيمَا أَحْدَثُوا من المساهلة فِي رِوَايَة الْأَحَادِيث وَأَحْسبهُ سلك هَذِه الطَّرِيقَة فِيمَا حكى لي عَنهُ من مَسحه وَجهه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 بيدَيْهِ فِي قنوت صَلَاة الصُّبْح وَأحسن الظَّن بِرِوَايَة من روى مسح الْوَجْه باليدين بعد الدُّعَاء مَعَ مَا أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر الخراجي قَالَ حَدثنَا سَارِيَة حَدثنَا عبد الْكَرِيم السكرِي قَالَ حَدثنَا وهب بن زَمعَة أَخْبرنِي على الناسائي قَالَ سَأَلت عبد الله بن الْمُبَارك عَن الَّذِي إِذا دَعَا مسح وَجهه فَلم يجب قَالَ عَليّ وَلم أره يفعل ذَلِك قَالَ عَليّ وَكَانَ عبد الله يقنت بعد الرُّكُوع فِي الْوتر وَكَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الْقُنُوت وَأخْبرنَا أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي حَدثنَا أَبُو بكر بن داسة قَالَ قَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن مُحَمَّد بن كَعْب كلهَا واهية وَهَذَا الطَّرِيق أمثلها وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا يُرِيد بِهِ حَدِيث عبد الله بن يَعْقُوب عَمَّن حَدثهُ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سلوا الله ببطون أكفكم وَلَا تسألوه بظهورها فَإِذا فَرَغْتُمْ فامسحوا بهَا وُجُوهكُم) وَرُوِيَ ذَلِك من أوجه أخر كلهَا أَضْعَف من رِوَايَة من رَوَاهَا عَن ابْن عَبَّاس وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل ينكرها وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ فِي الصَّلَاة لَا وَلَا بَأْس بِهِ فِي غير الصَّلَاة قَالَ الْفَقِيه وَهَذَا لما فِي اسْتِعْمَاله فِي الصَّلَاة من إِدْخَال عمل عَلَيْهَا لم يثبت بِهِ أثر وَقد يَدْعُو فِي آخر تشهده ثمَّ لَا يرفع يَدَيْهِ وَلَا يمسحهما بِوَجْهِهِ إِذْ لم يرد بهما أثر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 فَكَذَا فِي دُعَاء الْقُنُوت يرفع يَدَيْهِ لوُرُود الْأَثر بِهِ وَلَا يمسح بهما وَجهه إِذْ لم يثبت فِيهِ أثر وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَعِنْدِي أَن من سلك من الْفُقَهَاء هَذِه الطَّرِيقَة فِي المساهلة أنكر عَلَيْهِ قَوْله مَعَ كَثْرَة مَا رُوِيَ من الْأَحَادِيث فِي خِلَافه وَإِذا كَانَ هَذَا اخْتِيَاره فسبيله أدام الله توفيقه يملي فِي مثل هَذِه الْأَحَادِيث رُوِيَ عَن فلَان وَلَا يَقُول روى فلَان لِئَلَّا يكون شَاهدا على فلَان بروايته من غير ثَبت وَهُوَ إِن فعل ذَلِك وجد نَفسه مُتبعا فقد أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْوَلِيد الْفَقِيه يَقُول لما سمع أَبُو عُثْمَان الْحِيرِي من أبي جَعْفَر بن حمدَان كِتَابه الْمخْرج على كتاب مُسلم كَانَ يديم النّظر فِيهِ فَكَانَ إِذا جلس للذّكر يَقُول فِي بعض مَا يذكر من الحَدِيث قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول فِي بعضه رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَنَظَرْنَا فَإِذا بِهِ قد حفظ مَا فِي الْكتاب حَتَّى ميز بَين صَحِيح الْأَخْبَار وسقيمها وَأَبُو عُثْمَان الْحِيرِي يحْتَاط فِي هَذَا النَّوْع من الِاحْتِيَاط فِيمَا يُدِير من الْأَخْبَار فِي المواعظ وَفِي فَضَائِل الْأَعْمَال فَالَّذِي يديرها فِي الْفَرْض وَالنَّفْل ويحتج بهَا فِي الْحَرَام والحلال أولى بِالِاحْتِيَاطِ وأحوج إِلَيْهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ الْفَقِيه وَقد رَأَيْت بعض من أوردت عَلَيْهِ شَيْئا من هَذِه الطَّرِيقَة فزع فِي ردهَا إِلَى اخْتِلَاف الْحفاظ فِي تَصْحِيح الْأَخْبَار وتضعيفها وَلَو عرف حَقِيقَة اخْتلَافهمْ لعلم أَن لَا فرج لَهُ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ كَمَا لَا فرج لمن خَالَفنَا فِي أصُول الديانَات فِي الِاحْتِجَاج علينا باختلافنا فِي المجتهدات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 وَاخْتِلَاف الْحفاظ فِي ذَلِك لَا يُوجب رد الْجَمِيع وَلَا قبُول الْجَمِيع وَكَانَ من سَبيله أَن يعلم أَن الْأَحَادِيث المروية على ثَلَاثَة أَنْوَاع نوع اتّفق أهل الْعلم بِهِ على صِحَّته وَنَوع اتَّفقُوا على ضعفه وَنَوع اخْتلفُوا فِي ثُبُوته فبعضهم يضعف بعض رُوَاته بِجرح ظهر لَهُ وخفي على غَيره أَو لم يظْهر لَهُ من عَدَالَته مَا يُوجب قبُول خَبره وَقد ظهر لغيره أَو عرف مِنْهُ معنى يُوجب عِنْده رد خَبره وَذَلِكَ الْمَعْنى لَا يُوجِبهُ عِنْد غَيره أَو عرف أَحدهمَا عِلّة حَدِيث ظهر بهَا انْقِطَاعه أَو انْقِطَاع بعض أَلْفَاظه أَو إدراج لفظ من أَلْفَاظ من رَوَاهُ فِي مَتنه أَو دُخُول إِسْنَاد حَدِيث فِي إِسْنَاد غَيره خفيت تِلْكَ الْعلَّة على غَيره فَإِذا علم هَذَا وَعرف معنى رد من رد مِنْهُم خَبرا أَو قبُول من قبله مِنْهُم هداه الْوُقُوف عَلَيْهِ والمعرفة بِهِ إِلَى اخْتِيَار أصح الْقَوْلَيْنِ إِن شَاءَ الله قَالَ الْفَقِيه وَكنت أدام الله عز الشَّيْخ أنظر فِي كتب بعض أَصْحَابنَا وحكايات من حكى مِنْهُم عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نصا وَأنْظر اخْتلَافهمْ فِي بَعْضهَا فيضيق قلبِي بالاختلاف مَعَ كَرَاهِيَة الْحِكَايَة من غير ثَبت فَحَمَلَنِي ذَلِك على نقل مَبْسُوط مَا اخْتَصَرَهُ الْمُزنِيّ رَحمَه الله على تَرْتِيب الْمُخْتَصر ثمَّ نظرت فِي كتاب التَّقْرِيب وَكتاب جمع الْجَوَامِع وعيون الْمسَائِل وَغَيرهَا فَلم أر أحدا مِنْهُم فِيمَا حَكَاهُ أوثق من صَاحب التَّقْرِيب وَهُوَ فِي النّصْف الأول من كِتَابه أَكثر حِكَايَة لألفاظ الشَّافِعِي مِنْهُ فِي النّصْف الْأَخير وَقد غفل فِي النصفين جَمِيعًا مَعَ اجْتِمَاع الْكتب لَهُ أَو أَكْثَرهَا وَذَهَاب بَعْضهَا فِي عصرنا عَن حِكَايَة أَلْفَاظ لَا بُد لنا من مَعْرفَتهَا لِئَلَّا نجترىء على تخطئة الْمُزنِيّ فِي بعض مَا نخطئه فِيهِ وَهُوَ عَنهُ بَرِيء ولنتخلص بهَا عَن كثير من تخريجات أَصْحَابنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 وَمِثَال ذَلِك من الْأَجْزَاء الَّتِي رَأَيْتهَا من كتاب الْمُحِيط من أَوله إِلَى مَسْأَلَة التَّفْرِيق أَن أَكثر أَصْحَابنَا وَالشَّيْخ أدام الله عزه مَعَهم يوردون الذَّنب فِي تَسْمِيَة الْبَحْر بالمالح إِلَى أبي إِبْرَاهِيم الْمُزنِيّ ويزعمون أَنَّهَا لم تُوجد للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قد سمي الشَّافِعِي الْبَحْر مالحا فِي كتابين قَالَ الشَّافِعِي فِي آمالي الْحَج فِي مَسْأَلَة كَون الْمحرم فِي صيد الْبَحْر كالحلال وَالْبَحْر إِمَّا العذب وَإِمَّا المالح قَالَ الله تَعَالَى {هَذَا عذب فرات سَائِغ شرابه وَهَذَا ملح أجاج} وَقَالَ فِي كتاب الْمَنَاسِك الْكَبِير فِي الْآيَة دَلِيل أَن الْبَحْر العذب والمالح وَذكر الشَّيْخ أبقاه الله حَدثنَا الشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر رَحمَه الله أحد قولي الشَّافِعِي فِي أكل الْجلد المدبوغ على مَا بنى عَلَيْهِ ثمَّ ذكر الشَّيْخ حفظه الله تَصْحِيح القَوْل بِمَنْع الْأكل من عِنْد نَفسه بإيراد حجَّته وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم وَفِي رِوَايَة حَرْمَلَة على مَا هداه إِلَيْهِ خاطره المتين قَالَ الزَّعْفَرَانِي قَالَ أَبُو عبد الله الشَّافِعِي فِي كَلَام ذكره يحل أَن يتَوَضَّأ فِي جلدهَا إِذا دبغ وَذَلِكَ الَّذِي أَبَاحَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فأبحناه كَمَا أَبَاحَهُ ونهينا عَن أكله بِحمْلِهِ أَنه من ميتَة وَلم يرخص فِي غير مَا رخص فِيهِ خَاصَّة ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ مَا حل لنا الِاسْتِمْتَاع بِبَعْضِه بِخَبَر بِالَّذِي يُبِيح لنا مَا نهينَا عَنهُ من ذَلِك الشَّيْء بِعَيْنِه بِخَبَر أَلا ترى أَنا لَا نعلم اخْتِلَافا فِي أَنه يحل شِرَاء الْحمر والهر والاستمتاع بهَا وَلَا يُبِيح أكلهَا وَإِنَّمَا نُبيح مَا يُبِيح ونحظر مَا حظر وَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْمَلَة يحل الِاسْتِمْتَاع بِهِ بِالْحَدِيثِ وَلَا يحل أكله بِأَصْل أَنه من ميتَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 ورأيته أدام الله عصمته اخْتَار فِي تحلية الدَّابَّة بِالْفِضَّةِ جَوَازهَا وَأَظنهُ علم كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كتاب مُخْتَصر الْبُوَيْطِيّ وَالربيع وَرِوَايَة مُوسَى بن أبي الْجَارُود حَيْثُ يَقُول وَإِن اتخذ رجل أَو أمْرَأَة آنِية من فضَّة أَو من ذهب أَو ضببا بهما آنِية أَو ركباه على مشجب أَو سرج فعلَيْهِمَا الزَّكَاة وَكَذَلِكَ اللجم والركب هَذَا مَعَ قَوْله فِي روايتهم لَا زَكَاة فِي الْحلِيّ الْمُبَاح وَحَيْثُ لم يخص بِهِ الذَّهَب بِعَيْنِه فَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ بِهِ كليهمَا جَمِيعًا وَإِن كَانَت الْكِنَايَة بالتذكير يحْتَمل أَن تكون رَاجِعَة إِلَى الذَّهَب دون الْفضة كَمَا قَالَ الله عز وَجل {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله} فَالظَّاهِر عِنْد أَكثر أهل الْعلم أَنه أَرَادَ بِهِ كليهمَا مَعًا وَإِن كَانَت الْكِنَايَة بالتأنيث يحْتَمل أَن تكون رَاجِعَة إِلَى الْفضة دون الذَّهَب وَقد علم الشَّيْخ أبقاه الله وُرُود التَّحْرِيم فِي الْأَوَانِي المتخذة من الذَّهَب وَالْفِضَّة عَامَّة ثمَّ وُرُود الْإِبَاحَة فِي تحلية النِّسَاء بهما وتختم الرِّجَال بِالْفِضَّةِ خَاصَّة ووقف على اخْتِلَاف الصَّدْر الأول رَضِي الله عَنْهُم فِي حلية السيوف واحتجاج كل فريق مِنْهُم لقَوْله بِخَبَر فَنحْن وَإِن رجحنا قَول من قَالَ بإباحتها بِنَوْع من وُجُوه الترجيحات ثمَّ حظرنا تحلية السَّيْف والسرير وَسَائِر الْآلَات وَلم نقسها على التَّخَتُّم بِالْفِضَّةِ وَلَا على حلية السيوف فتصحيح إِبَاحَة تحلية الدَّابَّة بِالْفِضَّةِ من غير وُرُود أثر صَحِيح مِمَّا يشق ويتعذر وَهُوَ أدام الله توفيقه أهل أَن يجْتَهد وَيتَخَيَّر وَمَا اسْتدلَّ بِهِ من الْخَبَر بِأَن أَبَا سُفْيَان أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعِيرًا برته من فضَّة فَغير مشتهر وَهُوَ إِن كَانَ فَلَا دلَالَة لَهُ فِي فعل أبي سُفْيَان إِذْ لم يثبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تَركه ثمَّ رَكبه أَو أركبه غَيره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 وَإِنَّمَا الحَدِيث الْمَشْهُور عندنَا مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أهْدى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَدِيَّة جملا لأبي جهل فِي أَنفه برة فضَّة ليغيظ بِهِ الْمُشْركين أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْجَبَّار حَدثنَا يُونُس بن بكير عَن ابْن إِسْحَاق. . الحَدِيث وَكَانَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ يَقُول كنت أرى هَذَا من صَحِيح حَدِيث ابْن إِسْحَاق فَإِذا هُوَ قد دلسه حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي من لَا أتهم عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فَإِذا الحَدِيث مُضْطَرب أخبرنَا بِهَذِهِ الْحِكَايَة مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن صَالح الْهَاشِمِي حَدثنَا أَبُو جَعْفَر السبيعِي حَدثنَا عبد الله بن عَليّ الْمَدِينِيّ قَالَ حَدثنِي أبي فَذكرهَا وَقد رُوِيَ الحَدِيث عَن جرير بن حَازِم عَن ابْن أبي نجيح وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقد أخبرنَا مُحَمَّد بن مُوسَى بن الْفضل أخبرنَا أَبُو عبد الله الصفار حَدثنَا أَحْمد ابْن مُحَمَّد البرتي القَاضِي حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمنْهَال حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى جملا لأبي جهل يَوْم الْحُدَيْبِيَة كَانَ استلبه يَوْم بدر وَفِي أَنفه برة من ذهب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي فِي كتاب السّنَن عَن مُحَمَّد بن الْمنْهَال برة من ذهب أخبرنَا أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي أخبرنَا أَبُو بكر بن داسة حَدثنَا أَبُو دَاوُد فَذكره وَقَالَ عَام الْحُدَيْبِيَة وَلم يذكر قصَّة بدر وَقد أجمعنا على منع تحلية الدَّابَّة بِالذَّهَب وَلم نَدع فِيهَا ظَاهر الْكتاب بِإِيجَاب الزَّكَاة فِيهِ وعدة إِذا لم يُخرجهَا من الْكُنُوز بِهَذَا الْخَبَر وَكَذَلِكَ لَا ندعه فِي الْفضة وَلَيْسَ فِي الْخَبَر إِن ثَبت فِي الْفضة صَرِيح دلَالَة فِي الْمَسْأَلَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق والعصمة وَقد حُكيَ لي عَن الشَّيْخ أدام الله عزه أَنه اخْتَار جَوَاز الْمَكْتُوبَة على الرَّاحِلَة الواقفة إِذا تمكن من الْإِتْيَان بشرائطها مَعَ مَا فِي النُّزُول للمكتوبة فِي غير شدَّة الْخَوْف من الْأَخْبَار والْآثَار الثَّابِتَة وَعدم ثُبُوت مَا رُوِيَ فِي مقابلتها دون الشَّرَائِط الَّتِي اعتبرها وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْإِمْلَاء وَلَا يُصَلِّي الْمُسَافِر الْمَكْتُوبَة بِحَال أبدا إِلَّا حَالا وَاحِدًا إِلَّا نازلا فِي الأَرْض أَو على مَا هُوَ ثَابت على الأَرْض لَا يَزُول بِنَفسِهِ مثل الْبسَاط والسرير والسفينة فِي الْبَحْر وَلَا يُصَلِّي وَمن الْفَوَائِد والغرائب والمسائل عَنهُ قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي كِتَابه فِي موقف الإِمَام وَالْمَأْمُوم إِن الْوَاحِد من أهل الْعلم إِذا سَأَلَ النَّاس مَالا واستجداهم وَقَالَ أَنا أطلب ذَلِك لبِنَاء مدرسة لم يكن لَهُ أَن يصرفهُ فِي غير ذَلِك وَلَا أَن يَجْعَلهَا مَسْجِدا وَلَا أَن يَجْعَلهَا ملكا لَهُ قَالَ بل الْوَاجِب الصّرْف فِي تِلْكَ الْجِهَة وَإِن جعلهَا مَسْجِدا لم تصر مَسْجِدا وَصَارَت بِنَفس الشِّرَاء مدرسة لما تقدم من النيات الْمُتَقَدّمَة وَالتَّقْيِيد السَّابِق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 قَالَ وَإِنَّمَا ذكرنَا هَذَا الْجَواب عَن أصل مَنْصُوص للشَّافِعِيّ فِي بعض كتبه إِلَى أَن قَالَ وَهَذِه طَريقَة ابْن سُرَيج انْتهى مُلَخصا وَالْحكم بصيرورتها مدرسة من غير أَن يتَلَفَّظ بإيقافها كَذَلِك اعْتِمَادًا على النيات السَّابِقَة غَرِيب وَأما تعين صرف المَال فِي تِلْكَ الْجِهَة فَهُوَ مَسْأَلَة أبي زيد فِيمَن أعْطى درهما وَقيل لَهُ اغسل ثَوْبك بِهِ قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب مَا نَصه فرع قَالَ أَصْحَابنَا الْمرة نَجِسَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي كِتَابه الفروق فِي مسَائِل الْمِيَاه المرارة بِمَا فِيهَا من الْمرة نَجِسَة انْتهى كَلَام النَّوَوِيّ قلت الْمرة هِيَ مَا فِي بَاطِن المرارة ونجاستها هُوَ مَا ذكره فِي زِيَادَة الرَّوْضَة وَأما المرارة فَفِي الحكم بنجاستها إِشْكَال ووقفت على عبارَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد فِي الفروق فَلم أَجدهَا صَرِيحَة فِي ذَلِك فَإِنَّهُ قَالَ بعد مَا فرق بَين المترشح وَغَيره وَأما اللَّبن فِي الْبَاطِن فَلَيْسَ يحصل على جِهَة الترشح وَلَكِن لَهُ فِي الْبَاطِن مُجْتَمع مَعْلُوم ومستقر يسْتَقرّ فِيهِ وَمَا كَانَ من هَذَا الْجِنْس فِي الْبَاطِن فَهُوَ مَحْكُوم بِنَجَاسَتِهِ كالمرارة بِمَا فِيهَا والمثانة والمعدة إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ نَص الشَّرِيعَة فخالفنا فِيهِ بواطن الْقيَاس وَهُوَ لبن مَا يُؤْكَل لَحْمه انْتهى وَمَا أرَاهُ أَرَادَ إِلَّا مَا فِي بَاطِن المرارة من الْمرة وَمَا فِي بَاطِن المثانة والمعدة وَقَوله المرارة بِمَا فِيهَا حِينَئِذٍ مَحْمُول على مَا فِيهَا دونهَا وَكَذَلِكَ المثانة والمعدة لَكِن رَأَيْت فِي الْبَحْر للروياني التَّصْرِيح بِأَن الْمعدة نَفسهَا نَجِسَة ذكره أثْنَاء فرع فِي أَوَائِل بَاب الْحَدث وَهُوَ أَيْضا غَرِيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب مَا نَصه وَمن خطه نقلته فرع قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ فِي الفروق تَوَضَّأ فَغسل الْأَعْضَاء مرّة مرّة ثمَّ عَاد فغسلها مرّة مرّة ثمَّ عَاد فغسلها كَذَلِك ثَالِثَة لم يجز قَالَ وَلَو فعل مثل ذَلِك فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق جَازَ قَالَ وَالْفرق أَن الْوَجْه وَالْيَد متباعدان ينْفَصل حكم أَحدهمَا عَن الآخر فَيَنْبَغِي أَن يفرغ من أَحدهمَا ثمَّ ينْتَقل إِلَى الآخر وَأما الْفَم وَالْأنف فكعضو فَجَاز تطهيرهما مَعًا كاليدين انْتهى وَكَذَا رَأَيْته بِخَطِّهِ لم يجز وتطهيرهما وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا أَحسب لم يجزىء يَعْنِي عَن تأدية الغسلة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَإِلَّا فَعدم الْجَوَاز لَا وَجه لَهُ وَإِن دلّ عَلَيْهِ قَوْله فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق جَازَ إِلَّا أَن يُرَاد بِالْجَوَازِ تأدية السّنة أَي لم تتأد السّنة وَمَعَ ذَلِك فِيهِ نظر قد يُقَال بل يتَأَدَّى بِهِ السّنة وَأما قَوْله فَجَاز تطهيرهما فَسبق قلم بِلَا شكّ وَمرَاده نظيرهما وَقد رَأَيْت لفظ الفروق وَهُوَ يشْهد لما قلته وَعبارَته إِذا تَوَضَّأ فَغسل وَجهه مرّة وَيَديه مرّة وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة وَغسل رجلَيْهِ مرّة ثمَّ عَاد فَغسل وَجهه ثَانِيَة وَيَديه ثَانِيَة إِلَى آخرهَا ثمَّ فعل ذَلِك مرّة ثَالِثَة لم يجز وَلَو أَنه تمضمض مرّة ثمَّ استنشق مرّة ثمَّ تمضمض ثَانِيَة ثمَّ استنشق ثَانِيَة وَكَذَلِكَ الثَّالِثَة كَانَ جَائِزا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْفرق بَينهمَا أَن الْوَجْه مَعَ الْيَدَيْنِ عضوان متباعدان ينْفَصل حكم أَحدهمَا عَن الثَّانِي وَالسّنة أَن يفرغ من سنة أَحدهمَا ثمَّ ينْتَقل إِلَى الثَّانِي وَأما الْفَم وَالْأنف فهما فِي تقاربهما وتماثلهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 فِي حكمهمَا كالعضو الْوَاحِد فَجَاز أَن يوضئهما مَعًا إِلَى آخر مَا ذكره وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يرى تَجْدِيد الْوضُوء حَتَّى يُؤَدِّي بِالْأولِ عبَادَة مَا فَكَأَن هَذِه الغسلة تكون تجديدا لِأَن الغسلة الرَّابِعَة الموصولة فِي حكم التَّجْدِيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 441 - عبد الله بن يُوسُف القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ الْمُحدث الْفَقِيه مُصَنف فَضَائِل الشَّافِعِي وفضائل أَحْمد بن حَنْبَل وطبقات الشَّافِعِيَّة وَغير ذَلِك سمع من عمر بن مسرور وَأبي الْحُسَيْن الْفَارِسِي وَأبي سعد الكنجروذي وَأبي عُثْمَان الْحِيرِي وَحَمْزَة السَّهْمِي وَأحمد بن مُحَمَّد الخندقي وَمُحَمّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الحديث: 441 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 الطَّبَرِيّ وكريمة بنت مُحَمَّد المغازلي وَأبي نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد الإستراباذي الصَّغِير صَاحب الْإِسْمَاعِيلِيّ وَعبد الْملك بن مُحَمَّد بن شَاذان الْجِرْجَانِيّ وَأبي معمر الْمفضل بن إِسْمَاعِيل الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ وجيه الشحامي وَعبد الغافر الْفَارِسِي والجنيد بن مُحَمَّد القايني وَهبة الرَّحْمَن الْقشيرِي وَآخَرُونَ ولد بجرجان سنة تسع وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 442 - عبد الله بن أبي نصر بن أبي عَليّ أَبُو بكر الطرازي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا مناظرا مبرزا يذب عَن مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ يملي الحَدِيث ببخارى ويروي عَن عَمه وَغَيره روى عَنهُ أَبُو الْوَلِيد وصاعد بن عبد الرَّحْمَن القَاضِي ثمَّ قَالَ توفّي الطرازي بعد سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 442 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 443 - عبد الْبَاقِي بن يُوسُف بن عَليّ بن صَالح بن عبد الْملك بن هَارُون أَبُو تُرَاب المراغي نزيل نيسابور كَانَ إِمَامًا فَاضلا زاهدا حسن السِّيرَة قوي النَّفس تفقه بِبَغْدَاد على القَاضِي أبي الطّيب وَبِه تخرج واشتهر قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ثمَّ ورد نيسابور وَصَارَ الْمُفْتِي بهَا سمع أَبَا عَليّ بن شَاذان وَأَبا الْقَاسِم بن بَشرَان وَغَيرهمَا روى عَنهُ زَاهِر الشحامي وَابْنه عبد الْخَالِق بن زَاهِر وَآخَرُونَ وَكَانَ ورعا تَارِكًا للدنيا جَاءَهُ التَّقْلِيد بِقَضَاء همذان فَأبى أَن يقبله وَقَالَ أَنا فِي انْتِظَار المنشور من الله تَعَالَى على يَدي عَبده ملك الْمَوْت وقدومي على الْآخِرَة أَنا بِهَذَا المنشور أليق من منشور الْقَضَاء ثمَّ قَالَ قعودي فِي هَذَا الْمَسْجِد سَاعَة أحب إِلَيّ من أَن أكون ملك العراقين وَمَسْأَلَة من الْعلم يستفيدها مني طَالب أحب الي من عمل الثقلَيْن توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 443 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 444 - عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن الْخَلِيل بن عبد الله القَاضِي أَبُو الْحسن الهمذاني الأسداباذي وَهُوَ الَّذِي تلقبه الْمُعْتَزلَة قَاضِي الْقُضَاة وَلَا يطلقون هَذَا اللقب على سواهُ وَلَا يعنون بِهِ عِنْد الْإِطْلَاق غَيره كَانَ إِمَام أهل الاعتزال فِي زَمَانه وَكَانَ ينتحل مَذْهَب الشَّافِعِي فِي الْفُرُوع وَله التصانيف السائرة وَالذكر الشَّائِع بَين الْأُصُولِيِّينَ عمر دهرا طَويلا حَتَّى ظهر لَهُ الْأَصْحَاب وَبعد صيته ورحلت إِلَيْهِ الطلاب وَولى قَضَاء الرّيّ وأعمالها سمع الحَدِيث من أبي الْحسن بن سَلمَة الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن حمدَان الْجلاب وَعبد الله بن جَعْفَر بن فَارس وَالزُّبَيْر بن عبد الْوَاحِد الأسداباذي وَغَيرهم روى عَنهُ القَاضِي أَبُو يُوسُف عبد السَّلَام بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْقزْوِينِي الْمُفَسّر المعتزلي وَأَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ الصَّيْمَرِيّ وَأَبُو الْقَاسِم عَليّ بن المحسن التنوخي توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة بِالريِّ وَدفن فِي دَاره الحديث: 444 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 وَمن ظريف مَا يحْكى أَن الْأُسْتَاذ أَبَا إِسْحَاق نزل بِهِ ضيفا فَقَالَ سُبْحَانَ من لَا يُرِيد الْمَكْرُوه من الْفجار فَقَالَ الْأُسْتَاذ سُبْحَانَ من لَا يَقع فِي ملكه إِلَّا مَا يخْتَار وَهَذَا جَوَاب حَاضر وَهُوَ شَبيه بِمَا ذكر أَن بعض الروافض قَالَ لشخص من أهل السّنة يَسْتَفْهِمهُ اسْتِفْهَام إِنْكَار من أفضل من أَرْبَعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خامسهم يُشِير إِلَى عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَعلي حِين لف عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الكساء فَقَالَ لَهُ السّني اثْنَان الله ثالثهما يُشِير إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَضِيَّة الْغَار وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما) 445 - عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن يُوسُف الرَّازِيّ أَبُو الْقَاسِم الزَّاهِد وَقد سَمَّاهُ شَيخنَا الذَّهَبِيّ عبد الْجَلِيل تفقه على الخجندي بأصبهان ثمَّ استوطن بَغْدَاد مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى بَيت الْمُقَدّس وسلك سَبِيل الْوَرع والانقطاع إِلَى الله إِلَى أَن اسْتشْهد على يَد الفرنج خذلهم الله سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة فِي شعْبَان الحديث: 445 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 446 - عبد الْجَبَّار بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حسكان الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الإسفرايني الإسكاف أستاذ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْكَلَام قَالَ فِيهِ عبد الغافر شيخ جليل كَبِير من أفاضل الْعَصْر ورءوس الْفُقَهَاء والمتكلمين من أَصْحَاب الْأَشْعَرِيّ إِمَام دويرة الْبَيْهَقِيّ لَهُ اللِّسَان فِي النّظر والتدريس والتقدم فِي الْفَتْوَى مَعَ لُزُوم طَريقَة السّلف من الزّهْد والفقر والورع كَانَ عديم النظير فِي وقته مَا رئي مثله قَرَأَ عَلَيْهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْأُصُول وَتخرج بطريقته عَاشَ عَالما عَاملا وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن وَالْعِشْرين من صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن الصّلاح رَأَيْت فِي تَرْجَمَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ بِخَط بعض المعلقين عَنهُ سمعته يَقُول عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق لَو أَن وَاحِدًا وطىء زَوجته واعتقد أَنَّهَا أَجْنَبِيَّة فَعَلَيهِ الْحَد قَالَ ابْن الصّلاح وَهَذَا يُبَادر الْفَقِيه إِلَى إِنْكَاره وَلَكِن الْحَقَائِق الْأُصُولِيَّة آخذة بضبعه فَإِن الْأَحْكَام لَيست صِفَات للأعيان قلت وَهَذَا فِيهِ نظر وَقَوله الْأَحْكَام لَيست صِفَات للأعيان مُسلم وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَن هَذَا الْوَطْء حرَام يُعَاقب عَلَيْهِ وَلَو كَانَت صِفَات للأعيان لم نحرمه وَأما انْتِفَاء الحديث: 446 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 الْحَد فَإِنَّمَا كَانَ لأجل الشُّبْهَة فَإِن أقل أَحْوَال كَونهَا فِي نفس الْأَمر زَوجته أَن تكون شُبْهَة ينفى الْحَد بِمِثْلِهَا والأصولي لَا يُنكر أَن الشُّبُهَات تدرأ الْحُدُود فَهَذِهِ مقَالَة ضَعِيفَة لَا يشْهد لَهَا فقه وَلَا أصُول 447 - عبد الْجَلِيل بن عبد الْجَبَّار بن عبد الله بن طَلْحَة الْمروزِي القَاضِي أَبُو المظفر نزيل دمشق قدمهَا وَقد كَانَ تفقه على الكازروني قَالَ الْحَافِظ ولي الْقَضَاء بِدِمَشْق سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة حِين دخل التّرْك دمشق وَكَانَ توليه الْقَضَاء فِي الشَّهْر الَّذِي توفّي فِيهِ القَاضِي أَبُو الْحسن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد النصيبي وَهُوَ ذُو الْقعدَة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَكَانَ عفيفا نزها مهيبا قيل إِنَّه لم ير قطّ فِي سِقَايَة ثمَّ عزل عَن الْقَضَاء بِابْن أبي حَصِينَة المغربي وَحدث بِدِمَشْق عَن القَاضِي أبي المظفر مُحَمَّد بن أَحْمد التَّمِيمِي وَأبي عَليّ الْحسن ابْن عَليّ بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بآمد وَذكر غَيرهمَا ثمَّ قَالَ وَحدثنَا عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن طَاوس توفّي فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 447 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 448 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن علك أَبُو طَاهِر الساوي أحد الْأَئِمَّة ولد بأصبهان بعد الثَّلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَحمل إِلَى سَمَرْقَنْد فتفقه بهَا وَصَحب عبد الْعَزِيز النخشبي وَأخذ عَنهُ علم الحَدِيث سمع أَبَا الرّبيع طَاهِر بن عبد الله الإيلاقي وَأحمد بن مَنْصُور المغربي النَّيْسَابُورِي وَأَبا الْحُسَيْن بن النقور وَغَيرهم روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي وَمُحَمّد بن عَليّ الإسفرايني نزيل مرو توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد وشيع نظام الْملك جنَازَته وَلم يتبع الْجِنَازَة رَاكب غَيره وَاعْتذر بعلو السن 449 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن زاز بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن زاز ابْن حميد بن أبي عبد الله السَّرخسِيّ النويزي الْأُسْتَاذ أَبُو الْفرج الزاز صَاحب التعليقة إِمَام أَصْحَابنَا بمرو وَأحد الأجلاء من الْأَئِمَّة وَله الزّهْد والورع الحديث: 448 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 رحلت إِلَيْهِ الطّلبَة من الأقطار وَسَار اسْمه مسير الشَّمْس فِي الْأَمْصَار مولده سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على القَاضِي الْحُسَيْن وَسمع أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي وَالْحسن بن عَليّ المطوعي وَأَبا المظفر مُحَمَّد بن أَحْمد التَّمِيمِي وَآخَرين روى عَنهُ أَبُو طَاهِر السنجي وَعمر بن أبي مُطِيع وَأحمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل النَّيْسَابُورِي وَغَيرهم قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ أحد أَئِمَّة الْإِسْلَام وَمن يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْآفَاق بِحِفْظ مَذْهَب الشَّافِعِي الإِمَام ومعرفته وتصنيفه الَّذِي سَمَّاهُ الْإِمْلَاء سَار فِي الأقطار مسير الشَّمْس ورحل إِلَيْهِ الْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء من كل جَانب وحصلوه واعتمدوا عَلَيْهِ وَمن تَأمله عرف أَن الرجل كَانَ مِمَّن لَا يشق غباره فِي الْعلم وَلَا يثنى عنانه فِي الْفَتْوَى وَمَعَ وفور فَضله وغزارة علمه كَانَ متدينا ورعا محتاطا فِي الْمَأْكُول والملبوس قَالَ وَسمعت زَوجته وَهِي حرَّة بنت عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ السنجاني تَقول إِنَّه كَانَ لَا يَأْكُل الْأرز لِأَنَّهُ يحْتَاج إِذا زرع إِلَى مَاء كثير وَصَاحبه قل أَلا يظلم غَيره فِي سقِِي المَاء قَالَ وَسمعتهَا تَقول سرق كل شَيْء فِي دَاري من ملبوسي حَتَّى المرط الَّذِي كنت أُصَلِّي عَلَيْهِ وَكَانَت طاقية الإِمَام عبد الرَّحْمَن زَوجي على حَبل فِي صحن الدَّار لم تُؤْخَذ فَوجدَ السَّارِق فَقبض عَلَيْهِ بعد خَمْسَة أشهر ورد علينا أَكثر الْمَسْرُوق وَلم يضع إِلَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 الْقَلِيل فاتفق أَن الإِمَام عبد الرَّحْمَن سَأَلَ السَّارِق لم لم تَأْخُذ الطاقية فَقَالَ أَيهَا الشَّيْخ تِلْكَ الطاقية أَخَذتهَا تِلْكَ اللَّيْلَة مَرَّات فَكل مرّة إِذا قربت مِنْهَا كَانَت النَّار تشتعل مِنْهَا حَتَّى كَادَت أَن تحرقني فتركتها على الْحَبل وَخرجت وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَن شَيْخه أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الخرجردي كَانَ إِذا حَدثهمْ عَن الشَّيْخ أبي الْفرج قَالَ أخبرنَا الإِمَام حبر الْأمة وفقيهها أَبُو الْفرج الزاز قلت وَأَبُو الْفرج فِيمَا أَحسب نويزي بِضَم النُّون وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي آخرهَا زَاي وَهِي فِيمَا أَحسب أَيْضا من قرى سرخس وإليها ينْسب غياث بن حَمْزَة النويزي أحد الروَاة عَن يزِيد بن هَارُون وَقد فَاتَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ ذكرهَا فِي المؤتلف والمختلف مَعَ اشتباهها بالنويري بالراء والتويزي بمثناة وزاي وَأغْرب من ذَلِك أَن شَيخنَا الذَّهَبِيّ ذكر أَبَا الْفرج هَذَا فِيمَن توفّي بعد الْخَمْسمِائَةِ وَضبط النوبزي بِضَم النُّون وَإِسْكَان الْوَاو بعْدهَا نون مَفْتُوحَة ثمَّ رَاء سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة كَذَا رَأَيْت بِخَطِّهِ فَإِن صَحَّ هَذَا فَهِيَ نِسْبَة أُخْرَى شَبيهَة بِمَا ذَكرْنَاهُ وَأما دَعْوَاهُ أَن الزاز توفّي بعد الْخَمْسمِائَةِ فَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَتِسْعين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 وَأَرْبَعمِائَة وَقد ذكر الذَّهَبِيّ وَفَاته فِي مَوضِع آخر على الصَّوَاب فِيمَا أَحسب 450 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه الرئيس أَبُو مُحَمَّد الشيرنخشيري وشيرنخشير بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة بعْدهَا آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ رَاء ثمَّ نون مفتوحتين ثمَّ خاء مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ شين مُعْجمَة مَكْسُورَة ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ رَاء من قرى مرو كَانَ فَقِيها مُحدثا قَالَ أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة أَصْحَاب الحَدِيث بمرو فِي عصره وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ أبي زيد الفاشاني والْحَدِيث عَن أبي الْعَبَّاس النضري بالنُّون وبالضاد الْمُعْجَمَة وَأبي مُحَمَّد بن حَلِيم بِاللَّامِ وَسمع مِنْهُمَا وَمن مُحَمَّد ابْن المظفر الْحَافِظ وأملى بمرو وهراة روى عَنهُ عبد الْوَاحِد المليحي وَابْنه أَبُو عَطاء وَعَطَاء القراب وقرىء عَلَيْهِ الحَدِيث بِبَغْدَاد بِحَضْرَة ابْن المظفر وَالدَّارَقُطْنِيّ كَانَ لَهُ مجْلِس إملاء فِي دَاره بمرو قلت قَوْله أَصْحَاب الحَدِيث يَعْنِي الشَّافِعِيَّة وَهَذَا اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين لَا سِيمَا أهل الحديث: 450 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 خُرَاسَان إِذا أطْلقُوا أَصْحَاب الحَدِيث يعنون الشَّافِعِيَّة توفّي هَذَا الشَّيْخ سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة 451 - عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن الغندجاني أَبُو أَحْمد قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق علقت عَنهُ بشيراز والغندجان وَكَانَ من أَصْحَاب أبي حَامِد الإسفرايني 452 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سحنويه أَبُو بكر بن أبي مُحَمَّد بن حمشاد توفّي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس شهر رَمَضَان الْمُعظم سنة أَرْبَعمِائَة 453 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن أَبُو مَنْصُور الْقشيرِي أحد أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم من السيدة الطاهرة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق كَانَ أَبُو مَنْصُور هَذَا جميل السِّيرَة ورعا عفيفا فَاضلا محتاطا لنَفسِهِ فِي مطعمه ومشربه وملبسه مستوعب الْعُمر بِالْعبَادَة مُسْتَغْرق الْأَوْقَات بالخلوة سمع الْكثير من وَالِده وَمن أبي حَفْص عمر بن أَحْمد بن مسرور وَأبي سعيد زَاهِر بن مُحَمَّد بن عبد الله النوقاني وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن باكوية الشِّيرَازِيّ وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى الْمُزَكي وَغَيرهم الحديث: 451 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 وَورد بَغْدَاد مَعَ وَالِده وَسمع بهَا من القَاضِي أبي الطّيب وَالْمَاوَرْدِيّ وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن بَشرَان وَسمع بمرو وبسرخس والري وهمذان ثمَّ ورد بَغْدَاد حَاجا فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَحدث بهَا روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم ابْن السَّمرقَنْدِي وَغَيره ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفيت والدته السيدة الْخيرَة الصَّالِحَة فَاطِمَة بنت السَّيِّد وَزَوْجَة السَّيِّد وَأم السادات رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَكَانَت وفاتها فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَانِينَ فَعَاد إِلَى بَغْدَاد طَالبا لِلْحَجِّ وَمضى إِلَى مَكَّة وجاور بهَا وَبهَا مَاتَ مولده فِي صفر سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة ووفاته فِي شعْبَان لسنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 454 - عبد الرَّحْمَن بن مَأْمُون بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الشَّيْخ الإِمَام أَبُو سعد بن أبي سعيد الْمُتَوَلِي صَاحب التَّتِمَّة أحد الْأَئِمَّة الرفعاء من أَصْحَابنَا مولده سنة سِتّ أَو سبع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة أَخذ الْفِقْه عَن ثَلَاثَة من الْأَئِمَّة بِثَلَاثَة من الْبِلَاد عَن القَاضِي الْحُسَيْن بمرو الروذ الحديث: 454 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 وَعَن أبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي ببخارى وَعَن الفوراني بمرو وبرع فِي الْمَذْهَب وَبعد صيته وَله كتاب التَّتِمَّة على إبانة شَيْخه الفوراني وصل فِيهَا إِلَى الْحُدُود وَمَات وَله مُخْتَصر فِي الْفَرَائِض وَكتاب فِي الْخلاف ومصنف فِي أصُول الدّين على طَرِيق الْأَشْعَرِيّ وَسمع الحَدِيث من الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي عُثْمَان الصَّابُونِي وَأبي الْحُسَيْن عبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي وَغَيرهم وَحدث بِشَيْء يسير وروى عَنهُ جمَاعَة ودرس بالنظامية بعد الشَّيْخ أبي إِسْحَاق ثمَّ عزل بِابْن الصّباغ ثمَّ أُعِيد وَاسْتمرّ إِلَى حِين وَفَاته توفّي لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّامِن عشر من شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَمن الْفَوَائِد عَن أبي سعد رَحمَه الله لَو جنى على ثديها فَانْقَطع لَبنهَا فَعَلَيهِ الْحُكُومَة وَكَذَا لَو لم يكن لَهَا ولد عِنْد الْجِنَايَة وَولدت بعد ذَلِك فَلم يدر لَهَا لبن إِذا قَالَ أهل الْبَصَر إِن الِانْقِطَاع بِسَبَب الْجِنَايَة أَو جوزوا أَن يكون بِسَبَبِهَا قَالَ الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام احْتِمَال أَنه تجب الدِّيَة بِإِبْطَال مَنْفَعَة الْإِرْضَاع يَعْنِي كَمَا تجب بِإِبْطَال الإمناء قلت هَذَا الِاحْتِمَال هُوَ المجزوم بِهِ فِي التَّتِمَّة فِي الْكَلَام على الثديين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 وَذكر الرَّافِعِيّ فِي بَاب الْوَلِيمَة قَول الْقفال إِن الضَّيْف لَا يملك مَا يَأْكُلهُ بل هُوَ إِتْلَاف بِإِبَاحَة الْمَالِك وَقَول أَكْثَرهم إِنَّه يملك ثمَّ اخْتلَافهمْ فِي أَنه هَل يملك بِالْوَضْعِ أَو بِالْأَخْذِ أَو بالازدراد يتَبَيَّن أَنه ملك قبله ثمَّ قَالَ وزيف الْمُتَوَلِي مَا سوى الْوَجْه الْأَخير وَذَلِكَ يقتضى تَرْجِيحه وَمن اقْتصر على كَلَام الرَّافِعِيّ هَذَا تخيل أَن الْمُتَوَلِي زيف قَول الْقفال وَكَذَلِكَ فهم الْوَالِد فِي بَاب الْقَرْض من شرح الْمُهَذّب عَن الرَّافِعِيّ وَأَنا أَقُول إِنَّمَا أَرَادَ الرَّافِعِيّ أَن صَاحب التَّتِمَّة زيف مَا عدا الْوَجْه الْأَخير من وجود الْملك أما قَول الْقفال فَلم يُضعفهُ فَإِنِّي كشفت التَّتِمَّة فَلم أَجِدهُ ضعفه بل سِيَاق كَلَامه يقتضى تقويته ثمَّ صرح فِي كتاب الْأَيْمَان أَنه الصَّحِيح وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي كتاب الْأَيْمَان على ذَلِك فِي مَسْأَلَة الْحَالِف أَلا يهب قَول الْأَصْحَاب إِن الْخمر إِذا انقلبت بِنَفسِهَا خلا طهرت قَيده صَاحب التَّتِمَّة بِمَا إِذا لم يَقع فِيهَا نَجَاسَة أُخْرَى فَإِن وَقعت فِي الْخمر نَجَاسَة من عظم ميتَة وَنَحْوه فأخرجت مِنْهَا ثمَّ انقلبت الْخمر خلا لم تطهر بِلَا خلاف وَنَقله النَّوَوِيّ فِي كتاب المنثورات وعيون الْمسَائِل والفتاوي الْمُهِمَّات عَن الْمُتَوَلِي ساكتا عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّه ذكره فِي بَاب الاستطابة وَنَظِيره إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء مُتَنَجّس بالبول فَلَا يطهر وَإِن زَالَت نَجَاسَة الْبَوْل حَتَّى يعفر لأجل الولوغ وَكَذَلِكَ إِذا استنجى بروث فَيتَعَيَّن اسْتِعْمَال المَاء وَلَو دبغ الْجلد بِالنَّجَاسَةِ حصل الدّباغ على الْأَصَح ثمَّ يجب غسله بعد ذَلِك لَا محَالة بِخِلَاف المدبوغ بالشَّيْء الطَّاهِر فَإِن فِي وجوب غسله خلافًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 455 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حبيب بن اللَّيْث بن شبيب أَبُو زيد القَاضِي قَالَ فِيهِ عبد الغافر الإِمَام أحد أَئِمَّة أَصْحَاب الشَّافِعِي ومدرسيهم حدث عَن الْأَصَم وَأبي بكر الصبغي وَأبي الْوَلِيد الْقرشِي وَذكر غَيرهم ثمَّ قَالَ روى عَنهُ زين الْإِسْلَام يَعْنِي الْقشيرِي وَذكر غَيره قَالَ وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة 456 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن فوران الفوراني بِضَم الْفَاء الإِمَام الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم الْمروزِي صَاحب الْإِبَانَة والعمد وَغَيرهمَا من التصانيف من أهل مرو كَانَ إِمَامًا حَافِظًا للْمَذْهَب من كبار تلامذة أبي بكر الْقفال وَأبي بكر المَسْعُودِيّ سمع الحَدِيث من عَليّ بن عبد الله الطيسفوني وأستاذه أبي بكر الْقفال روى عَنهُ الْبَغَوِيّ صَاحب التَّهْذِيب وَعبد الْمُنعم بن أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وزاهر الحديث: 455 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 ابْن طَاهِر وَعبد الرَّحْمَن بن عمر الْمروزِي وَأَبُو سعد بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وَغَيرهم وَكَانَ شيخ أهل مرو وَعنهُ أَخذ الْفِقْه صَاحب التَّتِمَّة وَغَيره وَكَانَ كثير النَّقْل وَالنَّاس يعْجبُونَ من كَثْرَة حط إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِ وَقَوله فِي مَوَاضِع من النِّهَايَة إِن الرجل غير موثوق بنقله وَالَّذِي أقطع بِهِ أَن الإِمَام لم يرد تَضْعِيفه فِي النَّقْل من قبل كذب معَاذ الله وَإِنَّمَا الإِمَام كَانَ رجلا محققا مدققا يغلب بعقله على نَقله وَكَانَ الفوراني رجلا نقالا فَكَانَ الإِمَام يُشِير إِلَى استضعاف تفقهه فَعنده أَنه رُبمَا أُتِي من سوء الْفَهم فِي بعض الْمسَائِل هَذَا أقْصَى مَا لَعَلَّ الإِمَام يَقُوله وَبِالْجُمْلَةِ مَا الْكَلَام فِي الفوراني بمقبول وَإِنَّمَا هُوَ علم من أَعْلَام هَذَا الْمَذْهَب وَقد حمل عَنهُ الْعلم جبال راسيات وأئمة ثِقَات وَقد كَانَ من التفقه أَيْضا بِحَيْثُ ذكر فِي خطْبَة الْإِبَانَة أَنه يبين الْأَصَح من الْأَقْوَال وَالْوُجُوه وَهُوَ من أقدم المنتدبين لهَذَا الْأَمر توفّي بمرو فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمن الْمسَائِل والفوائد والغرائب عَن الفوراني قَالَ فِي الْعمد مَا نَصه إطالة الْقِرَاءَة فِي الْوَقْت تسْتَحب وَإِلَى أَن خرج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 الْوَقْت وَجْهَان أَحدهمَا لَا وَالثَّانِي مَا لم يضق عَلَيْهِ وَقت صَلَاة أُخْرَى انْتهى وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَن الْوَجْهَيْنِ فِي الِاسْتِحْبَاب وَهُوَ عَجِيب وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يحْتَمل أَن يكون معنى ذَلِك إِذا خرج الْوَقْت مَا حكمه وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجوز وَالثَّانِي يجوز مَا لم يضق عَلَيْهِ وَقت صَلَاة أُخْرَى وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنه على القَوْل بِالْجَوَازِ يسْتَمر حكم الإطالة من الِاسْتِحْبَاب لَا أَنه مُسْتَحبّ بِخُصُوصِهِ فَإِن ذَلِك بَاطِل قطعا لعدم الدَّلِيل عَلَيْهِ فِي إبانة الفوراني مَا نَصه لَو كَانَ الْمَبِيع مضبوط الْأَوْصَاف بِخَبَر التَّوَاتُر فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا هُوَ كالمرئي وَالثَّانِي كالغائب وَفِيه قَولَانِ قلت الْوَجْه الأول غَرِيب جدا لَو اقْتدى بحنفي فِي الصُّبْح فَلم يقنت هَل على الْمَأْمُوم سُجُود للسَّهْو قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن فِي التعليقة سَأَلَني الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الفوراني عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقلت لَهُ لَا يسْجد للسَّهْو وَالَّذِي يَقع لي الْآن أَنه يلْزمه السُّجُود قلت وهما وَجْهَان مبنيان على أَن الِاعْتِبَار باعتقاد الإِمَام أَو الْمَأْمُوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 شرح حَالَة الْإِبَانَة قدمنَا فِي تَرْجَمَة المَسْعُودِيّ كَلَام صَاحب الْعدة فِي الِاخْتِلَاف فِي عزو الْإِبَانَة إِلَى الفوراني ثمَّ كَلَام ابْن الصّلاح وتنبيهه على أَن جَمِيع مَا يُوجد فِي كتاب الْبَيَان مَنْسُوبا إِلَى المَسْعُودِيّ فَهُوَ إِلَى الفوراني وَذكرنَا أَن ذَلِك لَا يسْتَمر على الْعُمُوم وَبينا نقضه بصور ونزيد الْآن أَن الَّذِي يَقع فِي النَّفس وَبِه يَسْتَقِيم كَلَام ابْن الصّلاح أَن بعض مَا هُوَ مَنْسُوب فِي الْبَيَان إِلَى المَسْعُودِيّ فَالْمُرَاد بِهِ الفوراني وَذَلِكَ أَن صَاحب الْبَيَان وَقع لَهُ كتاب المَسْعُودِيّ حَقِيقَة وَوَقعت لَهُ الْإِبَانَة منسوبة إِلَى المَسْعُودِيّ فَصَارَ ينْسب إِلَى المَسْعُودِيّ تَارَة من الْإِبَانَة وَتارَة من كِتَابه فَلَيْسَ كل مَا ذكر المَسْعُودِيّ يكون هُوَ الفوراني فَاعْلَم ذَلِك علم الْيَقِين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 فرع من بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة إِذا لم يعرف الْفَرْع الْمَشْهُود عَلَيْهِ تحمل على الِاسْم وَالنّسب فَإِن لم يعرفهُ بعد ذَلِك أدّى على الْعين وَإِن حضر شخص ادّعى أَنه الْمَشْهُود لَهُ قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن والفوراني فَعَلَيهِ أَن يُؤَدِّي الشَّهَادَة على الِاسْم وَالنّسب ثمَّ ينظر فَإِن أقرّ الْخصم فَذَاك وَإِن تناكرا فعلى الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على اسْمه وَنسبه فَإِن قَامَت بَيِّنَة بِذَاكَ حكم لَهُ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَفِي فتاوي القَاضِي حُسَيْن أَنه لَو أقرّ رجل فَقَالَ لفُلَان ابْن فلَان عَليّ كَذَا فجَاء رجل وَقَالَ أَنا فلَان بن فلَان الَّذِي أقرّ لي بِالْحَقِّ عندكما فاشهدا لي فَلَيْسَ لَهما أَن يشهدَا حَتَّى يعرفا أَنه هُوَ الْمقر لَهُ فَلَو أَقَامَ الرجل بَيِّنَة عِنْد القَاضِي أَنه فلَان بن فلَان حِينَئِذٍ يَشْهَدَانِ لَهُ بِهِ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَهَذَا مُنَاقض لما تقدم فَلْيَكُن فِي الْمَسْأَلَة جوابان قلت هَذَا كَلَام ابْن الرّفْعَة وَكَأَنَّهُ فهم أَن الفوراني وَالْقَاضِي أَولا يَقُولَانِ لَا تتَوَقَّف تأديتهما الشَّهَادَة على تحققهما أَن هَذَا الْمُدَّعِي فلَان بن فلَان الْمقر لَهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَشْهَدَانِ بنسبه وَإِنَّمَا يَشْهَدَانِ بِالْحَقِّ لهَذَا الِاسْم فيؤديان الشَّهَادَة هَكَذَا وَفِي هَذَا إِشْكَال لِأَن تأدية الشَّهَادَة لَا تقع فِي وَجه مُدع عرف أَنه الْمقر لَهُ فَلَا يكونَانِ قد أديا للْمُدَّعِي وَإِنَّمَا أديا لمسمى بِهَذَا الِاسْم الَّذِي يحْتَمل أَلا يكون هُوَ هَذَا الْمُدَّعِي فَمن ثمَّ يَقُول القَاضِي لَا يؤديان حَتَّى يعرفا أَنه فلَان بن فلَان وَجعل من طَرِيق معرفتهما قيام الْبَيِّنَة عِنْد الْحَاكِم بذلك فَحِينَئِذٍ يَشْهَدَانِ فَمَعْنَى الجوابين هَكَذَا أَحدهمَا أَن التأدية تسبق ثُبُوت كَونه فلَان بن فلَان لِأَنَّهَا لَا تقع على شخصه وَإِنَّمَا تقع للمسمى بِهَذَا الِاسْم فَلم يضر كَونهَا سَابِقَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 وَالثَّانِي أَن كَونهَا سَابِقَة يُوجب كَونهَا لم تقع ضمن دَعْوَى من يتحققان أَنه الْمَشْهُود لَهُ فَيضر وَلَا يؤديان حَتَّى يعرفانه وَيبقى النّظر بعد ذَلِك فِي أَنَّهُمَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ فلَان بن فلَان هَل يَشْهَدَانِ أَنه الْمقر لَهُ أَو إِنَّمَا يَشْهَدَانِ أَنه أقرّ لفُلَان بن فلَان وَلَا يذكران أَنه هَذَا لِأَن قيام الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ هُوَ لَا يُوجب لَهما الْعلم بِأَنَّهُ هُوَ هَذَا مَحل نظر ظَاهر كَلَام القَاضِي يدل للْأولِ وَقد يخرج ذَلِك على طَريقَة من يَكْتَفِي بِالتَّسَامُعِ فِي ثُبُوت النّسَب من عَدْلَيْنِ كَمَا هِيَ طَريقَة الشَّيْخ أبي حَامِد لَا سِيمَا وَقد تَأَكد ذَلِك بِقِيَام الْبَيِّنَة عِنْد الْحَاكِم وَالْأَظْهَر عِنْدِي أَن يحمل كَلَامه على الثَّانِي وَيُقَال إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ للمسمى بِهَذَا الِاسْم وَيكون الضَّمِير فِي قَول القَاضِي لَهُ عَائِدًا على فلَان بن فلَان لَا على هَذَا الشَّخْص لِأَنَّهُمَا لَا يعرفانه بِهَذَا النّسَب فَكيف يَشْهَدَانِ لشخصه وَالْمَسْأَلَة لَيست مسوقة للشَّهَادَة بِالنّسَبِ بل للشَّهَادَة بِالْمَالِ ومصورة بِمَا إِذا قَالَ فلَان بن فلَان بن فلَان فَإِنَّهُ لَا بُد من اسْم الْأَب وَالْجد وَلذَلِك تلفظ بهما القَاضِي فِي الفتاوي وَحذف ابْن الرّفْعَة اسْم الْجد اختصارا لِأَنَّهُ مَعْرُوف فِي مَكَانَهُ وَقد رَأَيْت الْمَسْأَلَة فِي فتاوي القَاضِي وَقد قَالَ جَامعهَا الْبَغَوِيّ عَقبهَا قلت عِنْدِي لَا يجوز لَهما أَن يشهدَا بِالْمَالِ بِشَهَادَة الشُّهُود أَنه فلَان بن فلَان حَتَّى يعلماه يَقِينا وَلَا يتَيَقَّن بقول الشُّهُود فَإِن عرفا يَقِينا أَنه الْمقر لَهُ وَوَقع الِاخْتِلَاف فِي النّسَب حِينَئِذٍ يثبت النّسَب بقول الشُّهُود انْتهى وَابْن الرّفْعَة حذف كَلَام الْبَغَوِيّ هَذَا فَلم يذكرهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ من الْبَغَوِيّ دَلِيل على أَنه فهم أَن الْمَسْأَلَة فِي أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ بِالْمَالِ لشخصه بعد قيام الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ هُوَ فلَان ابْن فلَان فالعجب من ابْن الرّفْعَة فِي حذفه كَلَام الْبَغَوِيّ وَهُوَ ذكر الْمَسْأَلَة فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 الْكِفَايَة وَفِي الْمطلب وَكَأَنَّهُ فِي الْمطلب تلقاها من كَلَامه فِي الْكِفَايَة وَلم يعاود فتاوي القَاضِي 457 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن ثَابت أَبُو الْقَاسِم الثابتي الْخرقِيّ وخرق بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَفِي آخرهَا الْقَاف قَرْيَة على ثَلَاثَة فراسخ من مرو بهَا جَامع كَبِير حسن كَانَ فَقِيها ورعا زاهدا يعرف بمفتي الْحَرَمَيْنِ من قَرْيَة خرق بمرو تفقه على الفوراني بمرو ثمَّ على القَاضِي الْحُسَيْن بمروالروذ ثمَّ على أبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي ببخارى ثمَّ بعد ذَلِك صحب أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ بِبَغْدَاد وَحج وَرجع إِلَى قريته مُنْقَطِعًا على الْعلم وَالْعِبَادَة وَقد سمع الحَدِيث من أبي عُثْمَان الصَّابُونِي وناصر الْعمريّ والأستاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيرهم توفّي فِي ربيع الأول سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 458 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو مُحَمَّد الْفَارِسِي الْمَعْرُوف بالدوغي أحد الْفُقَهَاء المدرسين من أَصْحَاب أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ مَاتَ سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 457 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 459 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَليّ الْوَاعِظ أَبُو سعيد الْعَارِض قَالَ عبد الغافر مَعْرُوف من أهل الْعلم ثِقَة عفيف حسن الْوَعْظ مرضِي السِّيرَة سمع بنيسابور وَالْعراق والحجاز وكف فِي آخر عمره وَكَانَ مولده سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 460 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن حمدَان أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي النَّيْسَابُورِي السراج روى عَن أبي الْعَبَّاس الْأَصَم وَأبي مَنْصُور مُحَمَّد بن الْقَاسِم الصبغي وَأحمد ابْن مُحَمَّد بن عَبدُوس الطرائفي وَجَمَاعَة روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن وَفَاطِمَة بنت الدقاق وَجَمَاعَة وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا تفقه على الْأُسْتَاذ أبي الْوَلِيد وَمَات فِي صفر سنة ثَمَان عشرَة وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 459 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 461 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سوره بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْوَاو وَبعدهَا رَاء ثمَّ هَاء ابْن سعيد النَّيْسَابُورِي من أَهلهَا أَبُو سعد قَالَ فِيهِ عبد الغافر الْفَقِيه الْمُتَكَلّم الْأَشْعَرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن أبي سوره أحد الْعلمَاء الثِّقَات الْأَثْبَات قَالَ وَكتب فِي صباه اسْمه أَحْمد وَفِي حَال الْكبر عبد الرَّحْمَن وَكِلَاهُمَا مَوْجُود بِخَطِّهِ انْتهى وَذكر الْخَطِيب أَنه قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا عَن ابْن نجيد وَأبي طَاهِر حفيد ابْن خُزَيْمَة وَتُوفِّي 462 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن المظفر بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن أَحْمد بن معَاذ ابْن سهل بن الحكم بن شيرزاذ أَبُو الْحسن الداوودي البوسنجي الَّذِي روى عَنهُ أَبُو الْوَقْت صَحِيح البُخَارِيّ من أهل بوسنج بباء مُوَحدَة مَضْمُومَة ثمَّ وَاو سَاكِنة ثمَّ سين مُهْملَة الحديث: 461 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 مَفْتُوحَة ثمَّ نون سَاكِنة ثمَّ جِيم بَلْدَة بنواحي هراة ولد سنة أَربع وَسبعين وثلاثمائة تفقه على أبي بكر الْقفال وَأبي الطّيب الصعلوكي وَأبي طَاهِر الزيَادي وَأبي حَامِد الإسفرايني وَأبي الْحسن الطبسي وَمَا أَظن شافعيا اجْتمع لَهُ مثل هَؤُلَاءِ الشُّيُوخ وَسمع عبد الله بن أَحْمد بن حمويه السَّرخسِيّ وَهُوَ آخر الروَاة عَنهُ وَأَبا مُحَمَّد ابْن أبي شُرَيْح وَأَبا عبد الله الْحَاكِم وَأَبا طَاهِر الزيَادي وَأَبا عمر بن مهْدي وَعلي بن عمر التمار وَغَيرهم ببوشنج وهراة ونيسابور وبغداد روى عَنهُ أَبُو الْوَقْت ومسافر بن مُحَمَّد وَعَائِشَة بنت عبد الله البوشنجية وَأَبُو المحاسن أسعد بن زِيَاد الْمَالِينِي وَغَيرهم وَكَانَ فَقِيها إِمَامًا صَالحا زاهدا ورعا شَاعِرًا أديبا صوفيا صحب الْأُسْتَاذ أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَبا عَليّ الدقاق وَغَيرهمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 قيل إِنَّه كَانَ يحمل مَا يَأْكُلهُ وَقت تفقهه بِبَغْدَاد وَغَيرهَا من الْبِلَاد من بَلَده بوشنج احْتِيَاطًا وَقد سمع مَشَايِخ عدَّة وَكَانَ يصنف ويفتي ويعظ وَيكْتب الرسائل الْحَسَنَة ويحكى أَنه كَانَ لَا تسكن شفتاه من ذكر الله عز وَجل وَأَن مزينا جَاءَ ليقص شَاربه فَقَالَ لَهُ أَيهَا الإِمَام يجب أَن تسكن شفتيك فَقَالَ قل للزمان حَتَّى يسكن وَدخل إِلَيْهِ نظام الْملك وتواضع مَعَه غَايَة التَّوَاضُع فَلم يزده على أَن قَالَ أَيهَا الرجل إِن الله سلطك على عبيده فَانْظُر كَيفَ تجيبه إِذا سَأَلَك عَنْهُم وَذكره الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ فَقَالَ شيخ عصره وأوحد دهره وَالْإِمَام الْمُقدم فِي الْفِقْه وَالْأَدب وَالتَّفْسِير وَكَانَ زاهدا ورعا حسن السمت بَقِيَّة الْمَشَايِخ بخراسان وَأَعْلَاهُمْ إِسْنَادًا أَخذ عَنهُ فُقَهَاء بوشنج ولد فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسبعين وثلاثمائة وَتُوفِّي ببوشنج فِي شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة وَكَانَ سَمَاعه للصحيح فِي صفر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَهُوَ ابْن سِتّ سِنِين هَذَا كَلَام الْجِرْجَانِيّ وَرُوِيَ أَن أَبَا الْحسن عبد الغافر الْفَارِسِي كَانَ قد سمع الصَّحِيح من أبي سهل الحفصي وَله إجَازَة من الدَّاودِيّ فَكَانَ يَقُول الْإِجَازَة من الدَّاودِيّ أحب إِلَيّ من السماع من الحفصي وَمن شعره مَا أنْشدهُ للشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني رَحمَه الله تَعَالَى (سَلام أَيهَا الشَّيْخ الإِمَام ... عَلَيْك وَقل من مثلي السَّلَام) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 (سَلام مثل رَائِحَة الخزامى ... إِذا مَا صابها سحرًا غمام) (سَلام مثل رَائِحَة الغوالي ... إِذا مَا فض من مسك ختام) (رحلت إِلَيْك من بوشنج أَرْجُو ... بك الْعِزّ الَّذِي لَا يستضام) وَمِنْه (كَانَ فِي الِاجْتِمَاع من قبل نور ... فَمضى النُّور وادلهم الظلام) (فسد النَّاس وَالزَّمَان جَمِيعًا ... فعلى النَّاس وَالزَّمَان السَّلَام) وَمِنْه (إِن شِئْت عَيْشًا طيبا ... صفوا بِلَا مُنَازع) (فاقنع بِمَا أُوتِيتهُ ... فالعيش عَيْش القانع) 463 - عبد السَّلَام بن إِسْحَاق بن الْمُهْتَدي الحامدي الآفراني بِمد الْألف وَضم الْفَاء وَالرَّاء فِي آخرهَا نون نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بنسف يُقَال لَهَا آفران يكنى أَبَا تَمام كَانَ أديبا شَاعِرًا فَقِيها سمع أَبَا الْحسن المحمودي وَالشَّيْخ أَبَا زيد الْفَقِيه الْمروزِي وَغَيرهمَا مَاتَ فِي شَوَّال سنة أَرْبَعمِائَة الحديث: 463 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 464 - عبد السَّلَام بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن بنْدَار أَبُو يُوسُف الْقزْوِينِي المعتزلي الْمُفَسّر وَقيل إِنَّه كَانَ زيدي الْمَذْهَب فِي الْفُرُوع مولده سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة بقزوين أَخذ عَن القَاضِي عبد الْجَبَّار المعتزلي وجالس القَاضِي أَبَا الْقَاسِم بن كج وَسمع مِنْهُمَا الحَدِيث وَمن غَيرهمَا وَحدث عَنهُ جماعات وَله تَفْسِير كَبِير قيل إِنَّه فِي سَبْعمِائة مُجَلد كبار وَكَانَ قد اجْتمع لَهُ من الْكتب شَيْء كثير فَإِنَّهُ سكن بَغْدَاد ثمَّ سَافر إِلَى الشَّام ثمَّ إِلَى مصر وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَهُوَ يحصل فِي ذَلِك الْكتب وَقيل إِنَّه حصل غالبها من مصر فِي عَام الغلاء المفرط وَكَانَ يَقُول ملكت سِتِّينَ تَفْسِيرا مِنْهَا تَفْسِير ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي أَرْبَعِينَ مجلدا وَتَفْسِير أبي الْقَاسِم الْبَلْخِي وَأبي عَليّ الجبائي وَابْنه أبي هَاشم وَأبي مُسلم بن بَحر وَغَيرهم وَأهْدى إِلَى نظام الْملك أَرْبَعَة أَشْيَاء لم يكن لأحد مثلهَا غَرِيب الحَدِيث لإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ بِخَط أبي عمر بن حيويه فِي عشر مجلدات فَوَقفهُ نظام الْملك بدار الْكتب بِبَغْدَاد الحديث: 464 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 وَمِنْهَا شعر الْكُمَيْت بن زيد بِخَط أبي مَنْصُور فِي ثَلَاثَة عشر مجلدا وَمِنْهَا عهد القَاضِي عبد الْجَبَّار بِخَط الصاحب بن عباد وإنشائه قيل كَانَ سَبْعمِائة سطر كل سطر فِي ورقة سمرقندي وَله غلاف آبنوس يطبق كالأسطوانة الغليظة وَالرَّابِع مصحف بِخَط بعض الْكتاب المجودين بالخط الْوَاضِح وَقد كتب كَاتبه اخْتِلَاف الْقُرَّاء بَين سطوره بالحمرة وَتَفْسِير غَرِيبه بالخضرة وَإِعْرَابه بالزرقة وَكتب بِالذَّهَب العلامات على الْآيَات الَّتِي تصلح للانتزاعات فِي العهود والمكاتبات وآيات الْوَعْد والوعيد وَمَا يكْتب فِي التعازي والتهاني وَبِالْجُمْلَةِ كِتَابَة مصحف على هَذَا الْوَجْه بِدعَة مَكْرُوهَة وَقيل دخل إِلَى بَغْدَاد من مصر وَمِمَّا مَعَه عشرَة جمال عَلَيْهَا كتب بالخطوط المنسوبة فِي فنون الْعلم وَكَانَت عِنْده قُوَّة نفس وَرُبمَا نَالَ من بعض أهل الْعلم بِلِسَانِهِ وَكَانَ يفتخر بالاعتزال ويتظاهر بِهِ حَتَّى على بَاب نظام الْملك فَيَقُول لمن يسْتَأْذن عَلَيْهِ قل أَبُو يُوسُف الْقزْوِينِي المعتزلي توفّي بِبَغْدَاد فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 465 - عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن جَعْفَر أَبُو نصر بن الصّباغ صَاحب الشَّامِل والكامل وعدة الْعَالم وَالطَّرِيق السَّالِم الحديث: 465 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 وكفاية السَّائِل والفتاوي كَانَ إِمَامًا مقدما وفارسا لَا يدْرك السُّوق وَرَاءه قدما وحبرا يتعالى قدره على السما وبحرا لَا ينزف بِكَثْرَة الدلا تصبب فقها فَكَأَنَّهُ لم يطعم سواهُ وَلم يكن غَيره بلغه وتشخص فَقِيها فَإِذا رَآهُ الْمُحَقق قَالَ ابْن الصّباغ صبغ من الصفر كَذَا وَمن أحسن من الله صبغة انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الْأَصْحَاب وَكَانَ ورعا نزها تقيا نقيا صَالحا زاهدا فَقِيها أصوليا محققا سمع الحَدِيث من أبي عَليّ بن شَاذان وَمن أبي الْحُسَيْن بن الْفضل سمع مِنْهُ جُزْء ابْن عَرَفَة وَحدث بِهِ بِبَغْدَاد وأصبهان روى عَنهُ الْخَطِيب فِي التَّارِيخ وَهُوَ أكبر مِنْهُ سنا وَأَبُو بكر مُحَمَّد ابْن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي وَابْنه أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عبد السَّيِّد وَآخَرُونَ ولد الشَّيْخ أَبُو نصر سنة أَرْبَعمِائَة وتفقه على القَاضِي أبي الطّيب قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل الْحَنْبَلِيّ لم أدْرك فِيمَن رَأَيْت وحاضرت من الْعلمَاء على اخْتِلَاف مذاهبهم من كملت لَهُ شَرَائِط الِاجْتِهَاد الْمُطلق إِلَّا ثَلَاثَة أَبَا يعلى بن الْفراء وَأَبا الْفضل الهمذاني الفرضي وَأَبا نصر بن الصّباغ وَقَالَ غَيره كَانَ ابْن الصّباغ يضاهي أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وإليهما كَانَت الرحلة فِي الْمُتَّفق والمختلف قلت مضاهاته لَهُ فِي الْمُتَّفق ظَاهِرَة وَأما الْمُخْتَلف فَمَا كَانَ أحد يضاهي أَبَا إِسْحَاق فِي عصره فِيهِ وَالْمرَاد بالمتفق مسَائِل الْمَذْهَب وبالمختلف الخلافيات بَين الْإِمَامَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 وَقَالَ بَعضهم كَانَ ابْن الصّباغ يُحَاسب نَفسه فَمن ذَلِك أَنه قَالَ اعْتبرت نَفسِي فِي مجيئها من بَاب الْمَرَاتِب إِلَى النظامية من غير كلفة ومشقة واعتبرتها فِي طواف الْكَعْبَة سبعا وكلفتها ومشقتها فَعلمت أَن الطّواف حق لسيدي على نَفسِي وَأَن سعيي من بَاب الْمَرَاتِب إِلَى الْمدرسَة لحظ نَفسِي فَمن ثمَّ زَالَت عني فِيهِ الكلفة وَالْمَشَقَّة قلت بَاب الْمَرَاتِب مَكَان بِبَغْدَاد فِيهِ دَار ابْن الصّباغ وَكَانَ ابْن الصّباغ أول من درس بنظامية بَغْدَاد فَإِن نظام الْملك وَإِن كَانَ إِنَّمَا بناها لأجل الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ إِلَّا أَن أَبَا إِسْحَاق امْتنع أَولا أَن يدرس فِيهَا وَلما جلس للنَّاس أول يَوْم للتدريس أرسل إِلَى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَكرر سُؤَاله فَلم يحضر فَأذن للشَّيْخ أبي نصر فدرس يويمات يسيرَة ثمَّ وَقع التّكْرَار فِي سُؤال الشَّيْخ أبي إِسْحَاق فَأجَاب ودرس بهَا بَقِيَّة حَيَاته فَلَمَّا توفّي أَبُو إِسْحَاق وَليهَا صَاحب التَّتِمَّة أَبُو سعد الْمُتَوَلِي ثمَّ عزل وأعيد ابْن الصّباغ ثمَّ صرف ابْن الصّباغ فِي سنة سبع وَسبعين فَحَمله أَهله على طلبَهَا فَخرج إِلَى أَصْبَهَان إِلَى نظام الْملك فَلم يجب سُؤَاله بل أَمر أَن يبْنى لَهُ غَيرهَا وَعَاد من أَصْبَهَان فَمَاتَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء وَدفن يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بداره ثمَّ نقل إِلَى بَاب حَرْب وَكَانَ قد كف بَصَره قبل وَفَاته بسنين وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا صَالح بن مُخْتَار الأشنوي بِمصْر والعز أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله ابْن الشَّيْخ أبي عمر بِالشَّام سَمَاعا عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الدَّائِم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 ابْن نعْمَة الْمَقْدِسِي قَالَ الأول سَمَاعا وَقَالَ الثَّانِي حضورا فِي الثَّالِثَة أخبرنَا أَبُو الْفرج يحيى بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ سَمَاعا أخبرنَا جدي الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الصفار التَّيْمِيّ الْأَصْبَهَانِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو نصر عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفضل أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة حَدثنَا عمر بن عبد الرَّحْمَن أَبُو حَفْص الْإِيَادِي عَن مُحَمَّد بن جحادة عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن عبد الله ابْن عَمْرو رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إيَّاكُمْ وَالظُّلم فَإِن الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة وَإِيَّاكُم وَالْفُحْش فَإِن الله تَعَالَى لَا يحب الْفُحْش وَلَا التَّفَحُّش وَإِيَّاكُم وَالشح فَإِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ الشُّح أَمرهم بِالْكَذِبِ فكذبوا وَأمرهمْ بالقطيعة فَقطعُوا وَأمرهمْ بالظلم فظلموا قَالَ فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أَي الْإِسْلَام أفضل قَالَ أَن يسلم الْمُسلمُونَ من لسَانك ويدك قَالَ فَأَي الْجِهَاد أفضل قَالَ يهراق دمك ويعقر جوادك قَالَ فَأَي الْهِجْرَة أفضل قَالَ تهجر مَا كره رَبك) وَأخْبرنَا أَبُو نعيم أَحْمد ويدعى بكارا ابْن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم عبيد بن مُحَمَّد وتاج الدّين عبد الْغفار بن مُحَمَّد السَّعْدِيّ والقطب إِبْرَاهِيم بن الْمُجَاهِد إِسْحَاق ابْن صَاحب الْموصل لُؤْلُؤ وَعبد المحسن بن أَحْمد الصَّابُونِي وَمُحَمّد بن عبد الْغَنِيّ بن مُحَمَّد الضبعِي وَعَمه أَحْمد ابْن مُحَمَّد وَمُحَمّد بن عبد الْوَهَّاب بن مرتضى البهنسي وَأحمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حسام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 الكلوتاتي والشرف يَعْقُوب بن عوض الْمُؤَذّن والمحدث بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن خَالِد الفارقي قِرَاءَة عَلَيْهِم وَأَنا أسمع بِالْقَاهِرَةِ قَالُوا كلهم أخبرنَا النجيب الْحَرَّانِي سَمَاعا أخبرنَا عبد الْمُنعم بن عبد الْوَهَّاب بن كُلَيْب أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن بَيَان أخبرنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مخلد الْبَزَّار أخبرنَا ابْن عَرَفَة فَذكره وأخبرناه أَيْضا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ غير مرّة وبقراءة الشَّيْخ الإِمَام عَلَيْهِ أَيْضا وَأَنا أسمع قَالَ أخبرنَا ابْن عبد الدَّائِم حضورا فِي الأولى قَالَ أخبرنَا ابْن كُلَيْب فَذكره وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَن أبي نصر رَحمَه الله قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي القبس فِي حَدِيث إِذا أقبل اللَّيْل من هَاهُنَا وَأدبر النَّهَار من هَاهُنَا فقد أفطر الصَّائِم وَقعت بِبَغْدَاد نازلة وَهِي أَن رجلا قَالَ بِبَغْدَاد وَهُوَ صَائِم امْرَأَتي طَالِق إِن أفطرت على حَار أَو بَارِد فَرفعت الْمَسْأَلَة إِلَى أبي نصر بن الصّباغ إِمَام الشَّافِعِيَّة بالجانب الغربي فَقَالَ هُوَ حانث إِذْ لَا بُد من الْفطر على أحد هذَيْن وَرفعت الْمَسْأَلَة إِلَى أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ بِالْمَدْرَسَةِ فَقَالَ لَا حنث عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قد أفطر على غير هذَيْن وَهُوَ دُخُول اللَّيْل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسَاق الحَدِيث إِلَى (فقد أفطر الصَّائِم) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 قلت وَقد يُقَال إِن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق مَسْبُوق إِلَى ذَلِك سبقه بِهِ شَيْخه القَاضِي أَبُو الطّيب فنص فِي التعليقة على أَن الْفطر يحصل بالغروب أكل الصَّائِم أم لم يَأْكُل وَاحْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فِي آخر بَاب الْوِصَال وَنَقله الرَّافِعِيّ قبيل بَاب الْقَضَاء عَن فتاوي الْغَزالِيّ وَكَلَامهم أَجْمَعِينَ صَرِيح فِي حُصُول الْفطر بالغروب وَمَسْأَلَة هذَيْن الشَّيْخَيْنِ فِي قَول الْقَائِل إِن أفطرت على حَار أَو بَارِد وَلَا فرق لِأَن هَذِه الْعبارَة يقْصد بهَا فِي الْعرف التَّعْمِيم وَمُطلق الْفطر وَقد يُقَال عمومها بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يدْخل الْجوف من المفطرات سَوَاء حارها وباردها وَغير ذَلِك قلت مَسْأَلَة القَاضِي أبي الطّيب وجماعته بالغروب وَإِن حصل بِهِ الْفطر لَكِن لَا يُقَال أفطر على حَار أَو بَارِد بل ذَلِك فطر شَرْعِي لَا يداخل الْجوف فَالَّذِي يتَّجه عِنْدِي مَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو نصر وَمِمَّا نقلته من فتاوي ابْن الصّباغ الَّتِي جمعهَا ابْن أَخِيه القَاضِي أَبُو مَنْصُور أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد من الغرائب إِذا كَانَ لَهُ حِصَّة فِي أَرض مشاعة وَهِي لَا تَنْقَسِم فَجَعلهَا مَسْجِدا لم يَصح وَقَالَ إِن ابْن الصّباغ ذكرهَا فِي كِتَابه الْكَامِل قلت فِي ذَلِك تأييد لِابْنِ الرّفْعَة فَإِنَّهُ قَالَ الَّذِي يظْهر أَنه لَا يَصح إِن قُلْنَا الْقِسْمَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 بيع وَكَذَا إِن قُلْنَا إِقْرَار وَلم يجوز قسْمَة الْوَقْف من الْمُطلق قَالَ وَإِن جوزناه فَيُشبه أَن يَأْتِي فِي صِحَّته إِذا أمكن الْإِجْبَار على الْقِسْمَة احْتِمَال وَلَكِن الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله ضعف هَذَا وَذكر أَنه يَصح وَقفه مَسْجِدا قَالَ وَتَكون الصَّلَاة فِيهِ أَكثر أجرا من مَوضِع كُله غير مَسْجِد وَالْقَوْل بِالصِّحَّةِ هُوَ مَا أفتى بِهِ ابْن الصّلاح إِلَّا أَنه قَالَ ثمَّ تجب الْقِسْمَة وَالشَّيْخ الإِمَام خَالفه فِي وجوب الْقِسْمَة وَمن تفاريع الصِّحَّة أَنه يحرم الْمكْث فِيهِ على الْجنب كَذَا أفتى بِهِ ابْن الصّلاح وَوَافَقَهُ الشَّيْخ الإِمَام تَغْلِيبًا للْمَنْع وَذكر أَن القَاضِي شرف الدّين بن الْبَارِزِيّ أفتى بِجَوَاز الْمكْث كَمَا يجوز للْجنب حمل حمل الْمُصحف مَعَ أَمْتعَة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح لِأَن مَحل جَوَاز حمل الْمُصحف إِذا كَانَ الْمَقْصُود هُوَ الْأَمْتِعَة وَنَظِير مَسْأَلَتنَا أَن يكون كل مِنْهُمَا مَقْصُودا وَفِي فتاوي ابْن الصّباغ يسْتَحبّ الْوضُوء لمن قصّ شَاربه وفيهَا أَن ابْن الصّباغ ذكر فِي كِتَابه الْكَامِل أَنه إِذا قَالَ بِعْتُك إِذا قبلت لَا يَصح البيع لتعليق الْإِيجَاب قلت وَقد يخرج فِيهِ الْخلاف فِي بِعْتُك إِن شِئْت وَالأَصَح ثمَّ الصِّحَّة وفيهَا إِذا دفع ثوبا إِلَى خياط فَقَالَ إِن كَانَ يقطع قَمِيصًا فاقطعه فَلَمَّا قطعه لم يكفه قَالَ الشَّيْخ يَعْنِي ابْن الصّباغ يحْتَمل أَن يضمن وَيحْتَمل أَلا يضمن وَحكى عَن أبي ثَوْر أَنه لَا يضمن قلت المجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة وَغَيرهمَا الضَّمَان فِي هَذِه الصُّورَة بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ هَل يَكْفِينِي قَمِيصًا فَقَالَ نعم فَقَالَ اقطعه فَقَطعه فَلم يكف فَإِنَّهُ لَا ضَمَان لِأَن الْإِذْن مُطلق وفيهَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا على سَائِر الْمذَاهب قَالَ القَاضِي أَبُو مَنْصُور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 لم أَجدهَا مسطورة فَسَأَلت شَيخنَا يَعْنِي ابْن الصّباغ فَقَالَ يَقع فِي الْحَال قَالَ القَاضِي أَبُو مَنْصُور وَسمعت من رجل ثِقَة كَانَ يحضر عِنْد القَاضِي أبي الطّيب أَن القَاضِي قَالَ لَا يَقع لِأَنَّهُ لَا يكون أوقع ذَلِك على الْمذَاهب كلهَا قَالَ القَاضِي أَبُو مَنْصُور وَلَا بَأْس بِهَذَا القَوْل لِأَن الطَّلَاق يَصح تَعْلِيقه على الشُّرُوط الصَّحِيحَة والفاسدة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق على مَذْهَب فلَان وَفُلَان يعْتد بِخِلَافِهِ يَنْبَغِي أَن يُقَال يَقع فِي الْحَال وَلَا أَظن ذَلِك لِأَن الرجل لم يُوقع طَلَاقه بل علقه اسْتشْكل ابْن الصّباغ قَول الْأَصْحَاب إِن من نذر صوما لزمَه صَوْم يَوْم قَائِلا لَا يَنْبَغِي أَن يكْتَفى بِصَوْم يَوْم إِذا حملنَا النّذر على وَاجِب الشَّرْع فَإِن أقل مَا وَجب بِالشَّرْعِ ثَلَاثَة أَيَّام والاستشكال مَعْرُوف بِهِ وَقد سبقه إِلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ فَقَالَ وَلَو قيل يلْزمه صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام كَانَ مذهبا لِأَنَّهُ أقل صَوْم ورد فِي الشَّرْع نصا وَحَكَاهُ عَنهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر ساكتا عَلَيْهِ وَاحْترز بقوله نصا عَمَّا وَجب بِسَبَب من الْمُكَلف كَصَوْم يَوْم فِي جَزَاء الصَّيْد وَعند إفاقة الْمَجْنُون وبلوغ الصَّبِي قبل طُلُوع فجر آخر يَوْم من رَمَضَان وحاول ابْن الرّفْعَة دفع هَذَا الْإِشْكَال فَقَالَ لَا نسلم أَن أقل صَوْم وَجب بِالشَّرْعِ ثَلَاثَة أَيَّام ابْتِدَاء وَلَئِن سلمنَا أَن ذَلِك يَشْمَل مَا وَجب بِإِيجَاب الشَّرْع ابْتِدَاء أَو بِسَبَب من الْمُكَلف فصوم يَوْم فَقَط يجب بِالشَّرْعِ فِي جَزَاء الصَّيْد وَعند إفاقة الْمَجْنُون وبلوغ الصَّبِي قبل طُلُوع فجر آخر يَوْم من رَمَضَان ثمَّ حكى كَلَام الْمَاوَرْدِيّ وَقَالَ احْتَرز بقوله نصا عَمَّا ذَكرْنَاهُ قلت وَعَجِبت من الْمُعْتَرض والمجيب فَإِن أقل صَوْم وَجب بِالشَّرْعِ ابْتِدَاء نصا صَوْم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 يَوْم فَإِن رَمَضَان عندنَا معاشر الشَّافِعِيَّة ثَلَاثُونَ عبَادَة وَهُوَ أصل بَيْننَا وَبَين الْمَالِكِيَّة قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ ثَلَاثُونَ عبَادَة كل مِنْهَا مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَخَالفهُم الْمَالِكِيَّة فَقَالُوا بل صَوْم رَمَضَان كُله عبَادَة وَاحِدَة وَخرج على الْخلاف وجوب النِّيَّة عندنَا لكل يَوْم والاكتفاء عِنْدهم بنية وَاحِدَة لجَمِيع الشَّهْر وَاحْتج أَصْحَابنَا بِأَنَّهُ لَا يجب التَّتَابُع فِي قَضَائِهِ وَمن يَقُول هَذَا الأَصْل فَكيف يُنكر أَن أقل صَوْم وَجب بِالشَّرْعِ ابْتِدَاء صَوْم يَوْم فعجبت من خَفَاء هَذَا على الْمَاوَرْدِيّ وَابْن الصّباغ ثمَّ عجبت من عدم اعْتِرَاض ابْن الرّفْعَة بِهِ قَالَ الْأَصْحَاب يشْتَرط فِي الْقَاسِم إِذا كَانَ مَنْصُوبًا من جِهَة القَاضِي أَن يكون حرا بَالغا عَاقِلا عدلا عَالما بِالْقِسْمَةِ وَلَا يشْتَرط فِي مَنْصُوب الشُّرَكَاء الْعَدَالَة وَالْحريَّة فَإِنَّهُ وَكيل من جهتهم قَالَ الرَّافِعِيّ كَذَا أَطْلقُوهُ وَيَنْبَغِي أَن يكون تَوْكِيل العَبْد فِي الْقِسْمَة على الْخلاف فِي تَوْكِيله فِي البيع وَالشِّرَاء وَلَو حكم الشُّرَكَاء رجلا ليقسم بَينهم قَالَ أَصْحَابنَا الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ على الْقَوْلَيْنِ فِي التَّحْكِيم إِن جوزناه فَيكون الَّذِي حكموه كمنصوب القَاضِي انْتهى وَفِيه كلامان أَحدهمَا قَوْله يَنْبَغِي أَن يكون تَوْكِيل العَبْد فِي الْقِسْمَة على الْخلاف فِي تَوْكِيله فِي البيع وَالشِّرَاء فِيهِ نظر فَإِن البيع وَالشِّرَاء تتَعَلَّق الْعهْدَة فِيهِ بالوكيل وَلَا كَذَلِك التَّوْكِيل فَلَا يلْزم من منع التَّوْكِيل فيهمَا مَنعه فِي الْقِسْمَة وَبِتَقْدِير استوائهما فَكَانَ صَوَاب الْعبارَة أَن يَقُول على الْخلاف وَالتَّفْصِيل فَإِن الْخلاف فِي تَوْكِيل العَبْد فِي البيع وَالشِّرَاء إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ بِغَيْر إِذن السَّيِّد أما بِإِذْنِهِ فَيجوز جزما فَإِن كَانَت الْقِسْمَة مثلهمَا فَيَنْبَغِي أَن يفصل هَكَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 وَالثَّانِي قَوْله فِي الْمُحكم إِنَّه على القَوْل بِجَوَاز التَّحْكِيم كمنصوب القَاضِي وَإِن الْعِرَاقِيّين ذكرُوا ذَلِك مُرَاده بتخصيصهم بِالذكر أَن غَيرهم سَاكِت عَنهُ لَا أَن غَيرهم مُخَالف ثمَّ الْجَزْم بِأَنَّهُ كمنصوب القَاضِي قد يسْتَدرك بقول صَاحب الْبَيَان مَا نَصه يجوز أَن يكون الَّذِي ينصبه الشريكان عبدا أَو فَاسِقًا لِأَنَّهُ وَكيل لَهما هَكَذَا ذكره أَكثر أَصْحَابنَا وَقَالَ ابْن الصّباغ إِذا نصب الشريكان قاسما فقسم بَينهمَا لم تلْزمهُ قسمته إِلَّا بتراضيهما بقسمته بعد الْقرعَة وَجَاز أَن يكون عبدا أَو فَاسِقًا وَإِن حكما رجلا ليقسم بَينهمَا فقسم فَقَوْلَانِ كالقولين فِي التَّحْكِيم فَإِذا قُلْنَا يلْزم وَجب أَن يكون على الشَّرَائِط الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي قسم القَاضِي وَإِن قُلْنَا لَا تلْزم قسمته إِلَّا بتراضيهما بعد الْقرعَة جَازَ أَن يكون عبدا أَو فَاسِقًا فَفرق بَين النصب والتحكيم وَالطَّرِيق الأول أَقيس انْتهى لفظ الْبَيَان وَخرج فِيهِ أَنه لَا يتَعَيَّن على القَوْل بالتحكيم أَن يكون كمنصوب القَاضِي بل وَرَاءه شَيْء آخر وَهُوَ أَن حكم الْمُحكم هَل يتَوَقَّف على التَّرَاضِي فَيصير مَنْصُوب القَاضِي شَرط مِنْهُ الْعَدَالَة وَالْحريَّة جزما وَلَا كَذَلِك منصوبهما جزما أما محكمها فَيشْتَرط فِيهِ ذَلِك إِن قُلْنَا إِن حكمه يلْزم وَإِن قُلْنَا يتَوَقَّف على الرِّضَا فَهُوَ كمنصوبهما غير أَن عبارَة ابْن الصّباغ فِي الشَّامِل لَا تَقْتَضِي أَنه قَالَ ذَلِك نقلا بل إِنَّمَا قَالَه بحثا بعد أَن اعْترف بِأَن النَّقْل خِلَافه وَهَذَا لَفظه قَالَ فِي أول بَاب الْقَاسِم من الشَّامِل وَإِذا حكمُوا رجلا ليقسم بَينهم كَانَ على الْقَوْلَيْنِ إِذا حكمُوا رجلا ليحكم بَينهم فَإِن قُلْنَا يَصح وَجب أَن يكون على الشَّرَائِط الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي قسم القَاضِي وَإِذا قسم وأقرع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 فَهَل يلْزمهُمَا فِيهِ وَجْهَان وَيَنْبَغِي إِذا قُلْنَا لَا يلْزمهُمَا إِلَّا بتراضيهما أَلا يشْتَرط فِي الِابْتِدَاء الْحُرِّيَّة وَالْعَدَالَة انْتهى وَخرج مِنْهُ أَن مَنْقُول الرَّافِعِيّ صَحِيح وَلم يفته إِلَّا بحث لِابْنِ الصّباغ وَفِي هَذَا الْبَحْث تَطْوِيل يَنْبَغِي اشْتِرَاطه وَإِن قُلْنَا لَا يلْزم إِلَّا بِالتَّرَاضِي فَإنَّا سنبين توقفنا فِي عدم اشْتِرَاطه وَإِن كَانَ مَنْصُوبًا من جهتهم غير مُحكم فَنَقُول كَلَام الرَّافِعِيّ أحسن من كَلَام صَاحب الْبَيَان من الْوَجْه الَّذِي أبديناه فَإِن صَاحب الْبَيَان نقل عَن ابْن الصّباغ مَا يُوهم أَنه قَالَه نقلا وَإِنَّمَا قَالَه بحثا وَكَلَام الْبَيَان أحسن من كَلَام الرَّافِعِيّ من جِهَة أَنه بَين أَن الْأَكْثَرين أطْلقُوا اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَالْحريَّة فِي الْقَاسِم من غير تعرض إِلَى التَّفْصِيل بَين مَنْصُوب القَاضِي ومنصوب الشُّرَكَاء وَالْأَمر كَذَلِك فَإِن الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَذكره الجماهير إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْقَاسِم شَرطه الْعَدَالَة وَمِمَّنْ أطلق ذَلِك الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْبَحْر وَغَيرهمَا وَقَيده ابْن الصّباغ وَصَاحب التَّهْذِيب بِمَا إِذا كَانَ مَنْصُوب الْحَاكِم وصرحا فِيمَا إِذا كَانَ مَنْصُوب الشُّرَكَاء بِجَوَاز كَونه عبدا أَو فَاسِقًا وَأما إِذا كَانَ محكما فَلم يذكرهُ صَاحب التَّهْذِيب وَذكره ابْن الصّباغ وَقد أريناك كَلَامه وَهُوَ صَرِيح أَو كَالصَّرِيحِ فِي أَن الْمَنْقُول فِيهِ اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَالْحريَّة وَأَن لَهُ بحثا أبداه فِيهِ بِنَاء على أَن حكم الْمُحكم لَا يلْزم إِلَّا بِالتَّرَاضِي فَجرى الرَّافِعِيّ على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 منقوله دون بَحثه فَإِنَّهُ أعرض عَن ذكره إِمَّا لضَعْفه عِنْده أَو لكَونه مخرجا على ضَعِيف أَو لغير ذَلِك وَاعْلَم أَن تَجْوِيز كَونه فَاسِقًا أَو عبدا إِذا كَانَ مَنْصُوب الشُّرَكَاء خلاف ظَاهر إِطْلَاقهم وَدَعوى الرَّافِعِيّ أَنهم أطْلقُوا اشْتِرَاط الْعَدَالَة وَالْحريَّة فِي مَنْصُوب القَاضِي وأطلقوا عدم اشتراطهما فِي مَنْصُوب الشُّرَكَاء مُسْتَدْرك فَإِنَّهُم لم يطلقوا عدم اشتراطهما فِي مَنْصُوب الشُّرَكَاء وَإِنَّمَا أطْلقُوا اشتراطهما فِي الْقَاسِم فقيده ابْن الصّباغ وَالْبَغوِيّ بمنصوب الْحَاكِم فأحد الشقين مُسلم للرافعي وَأما الشق الثَّانِي وَهُوَ دَعْوَاهُ إِطْلَاقهم عدم اشتراطهما فِي مَنْصُوب الشُّرَكَاء الَّذِي بنى عَلَيْهِ بَحثه الْمُتَقَدّم غير مُسلم وَقد صرح صَاحب الْبَيَان بِخِلَافِهِ كَمَا رَأَيْت وَهُوَ أَنهم أطْلقُوا اشتراطهما فِي مُطلق الْقَاسِم من غير تَقْيِيد بمنصوب الْحَاكِم وَأَن الَّذِي فصل إِنَّمَا هُوَ ابْن الصّباغ وَأَن طَرِيق الْإِطْلَاق أَقيس فَخرج مِنْهُ أَنه يرجح تَعْمِيم الْإِطْلَاق وَاشْتِرَاط الْعَدَالَة وَالْحريَّة فِي كل قَاسم سَوَاء مَنْصُوب الشُّرَكَاء وَغَيره وَإِذا كَانَ هَذَا فِي منصوبهم وَإِن لم يكن محكما فَمَا الظَّن بالمحكم فَإِن قلت هَل لهَذَا من وَجه فَإِن مَنْصُوب الشُّرَكَاء وَكيل وَقد يُوكل العَبْد وَالْفَاسِق قلت الْقَاسِم وَإِن كَانَ مَنْصُوب الشُّرَكَاء فَلَيْسَ هُوَ وَكيلا على الْحَقِيقَة فَإِن الْوَكِيل لَا يتَوَلَّى الطَّرفَيْنِ وَهَذَا يتَوَلَّى الطَّرفَيْنِ فَإِنَّهُ يقسم لهَذَا وَلِهَذَا فَيَأْخُذ من هَذَا لهَذَا مَا يَأْخُذ فِي مُقَابلَته من هَذَا لهَذَا أَو يعين ثمَّ يَأْخُذ الشُّرَكَاء بعد الإقراع لِأَن رضاهم لَا بُد مِنْهُ بعد الْقرعَة فِي هَذِه الصُّورَة فَكَأَن الْقِسْمَة على كل حَال فِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 نوع من الْولَايَة الَّتِي لَا يصلح لَهَا العبيد وَلذَلِك اخْتلف الْأَصْحَاب كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْوَسِيط إِلَى أَن منصبه منصب الْحَاكِم أَو الشَّاهِد وَإِن كَانَ لَك أَن تَقول إِن هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي مَنْصُوب الْحَاكِم لَكِن يظْهر أَن يُقَال إِنَّهَا لما ذَكرْنَاهُ ولَايَة وَبِالْجُمْلَةِ مَا تَجْوِيز كَونه فَاسِقًا أَو عبدا وَإِن كَانَ مَنْصُوب الشُّرَكَاء مُصَرح بِهِ فِي كَلَام غير ابْن الصّباغ وَالْبَغوِيّ وَمن تبعهما حَتَّى يَقُول الرَّافِعِيّ إِن الْأَصْحَاب أطْلقُوا تجويزه بل إِنَّمَا أطْلقُوا عدم تجويزه عِنْد إِطْلَاقهم لفظ الْقَاسِم ثمَّ اخْتلف ابْن الصّباغ وَالْبَغوِيّ والعمراني فَقَالَ الْأَوَّلَانِ إِن اطلاقهم مُقَيّد بِغَيْر مَنْصُوب الشُّرَكَاء وَقَالَ الثَّالِث إِنَّه مُطلق وَلقَوْله اتجاه مَا على الْجُمْلَة 466 - عبد الْغفار بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن زيرك بزاي مَكْسُورَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة ثمَّ كَاف وَهُوَ غير مَصْرُوف ابْن مُحَمَّد بن كثير بن عبد الله التَّمِيمِي أَبُو سعد شيخ همذان قَالَ شيرويه كَانَ ثِقَة صَدُوقًا فَقِيها عَالما لَهُ يَد فِي الْأَدَب وَكَانَ يعظ النَّاس وَيتَكَلَّم فِي عُلُوم الْقَوْم يَعْنِي الصُّوفِيَّة وَكَانَ ذَا شَأْن وخطر عِنْد النَّاس الْخَاص وَالْعَام وَله مصنفات عزيزة فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَلم يحمل عَنهُ إِلَّا الْقَلِيل وعاجله الْمَوْت روى عَن أَبِيه أبي سهل وَالْإِمَام أبي بكر بن لال وَغَيرهمَا من الهمذانيين وَأبي الْفَتْح بن أبي الفوارس وَأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقطَّان الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا من البغداديين الحديث: 466 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 وَالدَّارَقُطْنِيّ هَذَا غير الدَّارَقُطْنِيّ الإِمَام الْمَشْهُور حدث عَنهُ ابْن أُخْته أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن عُثْمَان القومساني وَغَيره وَحكى أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَكَسَاهُ ثوبا فَسَأَلَ معبرا فَقَالَ لَهُ إِن الله تَعَالَى يرزقك الْعلم وَتَكون إِمَامًا فِي عصرك فَكَانَ كَمَا قَالَ وَذهب اسْمه فِي الْآفَاق توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 467 - عبد الْغَنِيّ بن نَازل بن يحيى بن الْحسن بن يحيى بن شاهي الألواحي أَبُو مُحَمَّد الْمصْرِيّ من أهل الواح بليدَة من بِلَاد مصر قدم بَغْدَاد وتفقه بهَا وَسمع أَبَا طَالب بن غيلَان وَأَبا إِسْحَاق الْبَرْمَكِي وَأَبا مُحَمَّد الْجَوْهَرِي وَالْقَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ وَأَبا الْحُسَيْن بن النَّرْسِي وَالْقَاضِي أَبَا الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وَأَبا يعلى بن الْفراء وَغَيرهم وَسمع بواسط وهمذان والري وسمنان وبسطام ونيسابور من جماعات الحديث: 467 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 وسادات مِنْهُم أَبُو عُثْمَان الْبُحَيْرِي وَأَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَخلق ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد واستوطنها وَحدث بهَا فروى عَنهُ أَبُو الْفَتْح بن البطي وَخلق قَالَ ابْن النجار كَانَ شَيخا صَالحا دينا حسن الطَّرِيقَة صبورا فَقِيرا قَالَ وقرأت فِي كتاب أبي الْفضل كماد بن نَاصِر بن نصر الحدادي المراغي أَنه توفّي فِي الثَّالِث عشر من الْمحرم سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي هَذَا الْيَوْم وَصلى عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو بكر الشَّاشِي قلت وَوَقع فِي تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَنه توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَالْأَشْبَه مَا فِي تَارِيخ ابْن النجار 468 - عبد القاهر بن طَاهِر بن مُحَمَّد التَّمِيمِي الإِمَام الْكَبِير الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ إِمَام عَظِيم الْقدر جليل الْمحل كثير الْعلم حبر لَا يساجل فِي الْفِقْه وأصوله والفرائض والحساب وَعلم الْكَلَام اشْتهر اسْمه وَبعد صيته وَحمل عَنهُ الْعلم أَكثر أهل خُرَاسَان الحديث: 468 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 سمع أَبَا عَمْرو بن نجيد وَأَبا عَمْرو مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مطر وَأَبا بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا أَحْمد بن عدي وَغَيرهم روى عَنهُ الْبَيْهَقِيّ والقشيري وَعبد الْغفار بن مُحَمَّد بن شيرويه وَغَيرهم وَكَانَ يدرس فِي سَبْعَة عشر فَنًّا وَله حشمة وافرة وَقَالَ جِبْرِيل قَالَ شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي كَانَ من أَئِمَّة الْأُصُول وصدور الْإِسْلَام بِإِجْمَاع أهل الْفضل والتحصيل بديع التَّرْتِيب غَرِيب التَّأْلِيف والتهذيب ترَاهُ الجلة صَدرا مقدما وَتَدْعُوهُ الْأَئِمَّة إِمَامًا مفخما وَمن خراب نيسابور اضطرار مثله إِلَى مفارقتها قلت فَارق نيسابور بِسَبَب فتْنَة وَقعت بهَا من التركمان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 وَقَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي هُوَ الْأُسْتَاذ الإِمَام الْكَامِل ذُو الْفُنُون الْفَقِيه الأصولي الأديب الشَّاعِر النَّحْوِيّ الماهر فِي علم الْحساب الْعَارِف بالعروض ورد نيسابور مَعَ أَبِيه أبي عبد الله طَاهِر وَكَانَ ذَا مَال وثروة ومروءة وأنفقه على أهل الْعلم والْحَدِيث حَتَّى افْتقر صنف فِي الْعُلُوم وأربى على أقرانه فِي الْفُنُون ودرس فِي سَبْعَة عشر نوعا من الْعُلُوم وَكَانَ قد درس على الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وَأَقْعَدَهُ بعده للإملاء مَكَانَهُ وأملى سِنِين وَاخْتلف إِلَيْهِ الْأَئِمَّة وقرأوا عَلَيْهِ مثل نَاصِر الْمروزِي وَأبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيرهمَا قَالَ وَخرج من نيسابور فِي أَيَّام التركمانية وفتنتهم إِلَى أسفراين فَمَاتَ بهَا وَقَالَ الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي كتاب الرياض المونقة كَانَ يَعْنِي أَبَا مَنْصُور الإسفرايني يسير فِي الرَّد على الْمُخَالفين سير الْآجَال فِي الآمال وَكَانَ عَلامَة الْعَالم فِي الْحساب والمقدرات وَالْكَلَام وَالْفِقْه والفرائض وأصول الْفِقْه وَلَو لم يكن لَهُ إِلَّا كتاب التكملة فِي الْحساب لكفاه وَقَالَ أَبُو عَليّ الْحسن بن نصر المرندي الْفَقِيه وحَدثني أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن عبد الله الْفَقِيه قَالَ لما حصل أَبُو مَنْصُور بأسفراين ابتهج النَّاس بمقدمه إِلَى الْحَد الَّذِي لَا يُوصف فَلم يبْق بهَا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى مَاتَ وَاتفقَ أهل الْعلم على دَفنه إِلَى جَانب الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق فقبراهما متجاوران تجاور تلاصق كَأَنَّهُمَا نجمان جَمعهمَا مطلع وكوكبان ضمهما برج مُرْتَفع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَوَقع فِي تَارِيخ ابْن النجار سنة سبع وَعشْرين وَهُوَ تَصْحِيف من النَّاسِخ أَو وهم من المُصَنّف وَمن شعره (يَا من عدى ثمَّ اعْتدى ثمَّ اقْتَرَف ... ثمَّ انْتهى ثمَّ ارعوى ثمَّ اعْترف) (أبشر بقول الله فِي آيَاته ... إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف) قلت فِي اسْتِعْمَال مثل الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور مثل هَذَا الاقتباس فِي شعره فَائِدَة فَإِنَّهُ قدوة فِي الْعلم وَالدّين وَبَعض أهل الْعلم ينْهَى عَن مثل ذَلِك وَرُبمَا شدد فِيهِ وجنح إِلَى تَحْرِيمه وَالصَّوَاب الْجَوَاز ثمَّ الْأَحْسَن تَركه تأدبا مَعَ الْكتاب الْعَزِيز وَنَظِيره ضرب الْأَمْثَال من الْقُرْآن وتنزيله فِي النكت الأدبية وَهَذَا فن لَا تسمح نفس الأديب بِتَرْكِهِ واللائق بالتقوى أَن يتْرك وَأكْثر النَّاس رَأَيْت تشددا فِي ذَلِك الْمَالِكِيَّة وَمَعَ هَذَا فقد فعله كثير من فقهائهم حَتَّى رَأَيْت فِي كتاب المدارك فِي أَصْحَاب مَالك للْقَاضِي عِيَاض فِي تَرْجَمَة ابْن الْعَطَّار وَهُوَ من قدماء أَصْحَابهم أَنه سُئِلَ عَن مَسْأَلَة من سُجُود السَّهْو فَأفْتى بِالسُّجُود فَقَالَ السَّائِل إِن أصبغ لم ير عَليّ سجودا فَقَالَ {لَا تطعه واسجد واقترب} وعد القَاضِي عِيَاض ذَلِك من ملحه ونوادره وَمِمَّا أنْشدهُ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير فِي تَرْجَمَة الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بعباسة (لَا تعترض فِيمَا قضى ... واشكر لَعَلَّك ترتضى) (اصبر على مر القضا ... إِن كنت تعبد من قضى) وَمِنْه (يَا فاتحا لي كل بَاب مرتج ... إِنِّي لعفو مِنْك عني مرتج) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 (فَامْنُنْ عَليّ بِمَا يُفِيد سعادتي ... فسعادتي طَوْعًا مَتى تَأمر تجي) وَمن تصانيفه كتاب التَّفْسِير وَكتاب فضائح الْمُعْتَزلَة وَكتاب الْفرق بَين الْفرق وَكتاب التَّحْصِيل فِي أصُول الْفِقْه وَكتاب تَفْضِيل الْفَقِير الصابر على الْغنى الشاكر وَكتاب فضائح الكرامية وَكتاب تَأْوِيل متشابه الْأَخْبَار وَكتاب الْملَل والنحل مُخْتَصر لَيْسَ فِي هَذَا النَّوْع مثله وَكتاب نفي خلق الْقُرْآن وَكتاب الصِّفَات وَكتاب الْإِيمَان وأصوله وَكتاب بُلُوغ المدى عَن أصُول الْهدى وَكتاب إبِْطَال القَوْل بالتولد وَكتاب الْعِمَاد فِي مَوَارِيث الْعباد لَيْسَ فِي الْفَرَائِض والحساب لَهُ نَظِير وَكتاب التكملة فِي الْحساب وَهُوَ الَّذِي أثنى عَلَيْهِ الإِمَام فَخر الدّين فِي كتاب الرياض المونقة وَكتاب شرح مِفْتَاح ابْن الْقَاص وَهُوَ الَّذِي نقل عَنهُ الرَّافِعِيّ فِي آخر بَاب الرّجْعَة وَغَيره وَكتاب نقض مَا عمله أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ فِي تَرْجِيح مَذْهَب أبي حنيفَة وَكتاب أَحْكَام الْوَطْء التَّام وَهُوَ الْمَعْرُوف بالتقاء الختانين فِي أَرْبَعَة أَجزَاء قَالَ ابْن الصّلاح وَرَأَيْت لَهُ كتابا فِي معنى لفظتي التصوف والصوفي جمع فِيهِ من أَقْوَال الصُّوفِيَّة ألف قَول مرتبَة على حُرُوف المعجم وَجَمِيع تصانيفه بَالِغَة فِي الْحسن أقْصَى الغايات وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْبَزْدَوِيّ الْمُقِيم أَبوهُ بالضيائية قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بقاسيون أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي سَمَاعا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الْوَاحِد بن أبي المطهر أخبرنَا الْقَاسِم بن الْفضل الصيدلاني إجَازَة أخبرنَا أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن الْحَافِظ أبي صَالح أَحْمد بن عبد الْملك النَّيْسَابُورِي أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الرَّجَاء خلف بن عمر بن عبد الْعَزِيز الْفَارِسِي ثمَّ النَّيْسَابُورِي أخبرنَا الشَّيْخ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور عبد القاهر بن طَاهِر الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو عَمْرو مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مطر أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن عَليّ الذهلي حَدثنَا يحيى بن يحيى التَّمِيمِي حَدثنَا هشيم بن بشير عَن سيار عَن يزِيد الْفَقِير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد قبلي كَانَ كل نَبِي يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة وَبعثت إِلَى كل أَحْمَر وأسود وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي وَجعلت لي الأَرْض طيبَة ومسجدا وَطهُورًا فأيما رجل أَدْرَكته الصَّلَاة صلى حَيْثُ كَانَ ونصرت بِالرُّعْبِ بَين يَدي مسيرَة شهر وَأعْطيت الشَّفَاعَة) رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن سِنَان وَعَن سعيد بن النَّضر وَرَوَاهُ مُسلم عَن يحيى بن يحيى وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة بِتَمَامِهِ وَفِي الصَّلَاة بِبَعْضِه عَن الْحسن بن إِسْمَاعِيل بن سُلَيْمَان خمستهم عَن هشيم بن بشير بِهِ أنشدنا الْوَالِد رَحمَه الله مرّة من لَفظه للأستاذ أبي مَنْصُور مَا كتب بِهِ إِلَيّ أَحْمد بن أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 طَالب من دمشق أَن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْحسن الْحَافِظ كتب إِلَيْهِ من مَدِينَة السَّلَام قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن حَامِد الضَّرِير الْمقري بأصبهان أَن أَبَا نصر أَحْمد بن عمر الْغَازِي أخبرهُ قَالَ أَنْشدني أَبُو سعيد مَسْعُود بن نَاصِر والسجزي قَالَ أنشدنا الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور لنَفسِهِ (طلبت من الحبيب زَكَاة حسن ... على صغر من الْقد الْبَهِي) (فَقَالَ وَهل على مثلى زَكَاة ... على قَول الْعِرَاقِيّ الكمي) (فَقلت الشَّافِعِي لنا إِمَام ... وَقد فرض الزَّكَاة على الصَّبِي) ثمَّ ذيل عَلَيْهَا الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ فَقَالَ (فَقَالَ اذْهَبْ إِذا فاقبض زكاتي ... بقول الشَّافِعِي من الْوَلِيّ) (فَقلت لَهُ فديتك من فَقِيه ... أيطلب بِالزَّكَاةِ سوى الملي) (نِصَاب الْحسن عنْدك ذُو اتساع ... بلحظك والقوام السمهري) فَإِن (أَعطيتنَا طَوْعًا وَإِلَّا ... أخذناه بقول الشَّافِعِي) أخبرنَا أَحْمد بن أبي طَالب قَالَ كتب إِلَيّ مُحَمَّد بن مَحْمُود قَالَ أَنبأَنَا القَاضِي أَبُو الْفَتْح الوَاسِطِيّ قَالَ كتب إِلَيّ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي عَليّ الهمذاني قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 أنشدنا أسعد بن مَسْعُود بن عَليّ الْعُتْبِي الْكَاتِب قَالَ أَنْشدني أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ لنَفسِهِ (يَا سائلي عَن قصتي ... دَعْنِي أمت فِي غصتي) (المَال فِي أَيدي الورى ... واليأس مِنْهُ حصتي) وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ فِي شرح الْمِفْتَاح فِي التَّسْمِيَة المسنونة فِي الْوضُوء إِنَّهَا بِسم الله وَبِاللَّهِ وعَلى مِلَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد غسل الْكَفَّيْنِ وَحكى أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ لَا تشْتَرط الطَّهَارَة فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة وَقَالَ فِي الْإِقَامَة من سنتها الإدراج وَلَا يبرح من موقفه حَتَّى يَقُول قد قَامَت الصَّلَاة قلت وَظَاهره أَن يتَحَوَّل حِينَئِذٍ وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَا يتَحَوَّل حَتَّى يتممها وَقَالَ فِي كتاب الْوَطْء التَّام من لف ذكره بحريرة وأولجه فِي فرج وَلم ينزل لَا غسل عَلَيْهِ وَلَا حد على الْأَصَح إِن كَانَ فِي حرَام وَلَا يفْسد بِهِ شَيْء من الْعِبَادَات وَعَن أبي حَامِد الْمَرْوذِيّ إِيجَاب ذَلِك انْتهى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 وَفِي مَسْأَلَة الْغسْل وُجُوه شهيرة أَصَحهَا وجوب الْغسْل وَثَالِثهَا الْفرق بَين الْخِرْقَة الخشنة والناعمة قَالَ النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة قَالَ صَاحب الْبَحْر وتجري هَذِه الْأَوْجه فِي إِفْسَاد الْحَج بِهِ وَيَنْبَغِي أَن تجْرِي فِي جَمِيع الْأَحْكَام انْتهى قلت وَقَوله وَيَنْبَغِي أَن تجْرِي فِي جَمِيع الْأَحْكَام هُوَ من كَلَام النَّوَوِيّ وَلَيْسَ من كَلَام صَاحب الْبَحْر وَفِيه على عُمُومه نظر إِذْ يلْزمه أَن يحل الْإِيلَاج فِي خرقَة فِي فرج أَجْنَبِيَّة وَلَا أعتقد أحدا يَقُول بِهِ وَإِن اخْتلف فِي وجوب الْحَد وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يجْرِي الْخلاف فِي جَمِيع الْعِبَادَات هَل تفْسد بِهِ وَبِه صرح الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور كَمَا رَأينَا وَلم يرد النَّوَوِيّ إِن شَاءَ الله سواهُ إِذا قَالَ الْمَرِيض أوصيت لزيد بِمَا يخص فلَانا أحد وراثي من ثلثى لَو لم أوص فَهَل تصح هَذِه مَسْأَلَة مليحة يحْتَمل أَن يُقَال بِالصِّحَّةِ لِأَن لَهُ أَن يُوصي بِكَمَال الثُّلُث وَبَعضه موزعا على كل الْوَرَثَة وَإِذا كَانَ لَهُ أَن يُوصي بِتَمَامِهِ فَلهُ مَعَ كل وَارِث ثلث مَا يَرِثهُ فَلهُ أَن يَضَعهُ فِي وَاحِد معِين مِنْهُم وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يَصح بل لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَن يُوصي بِالْقدرِ الْمُطلق لَهُ من الثُّلُث فَمَا دونه مقسوما بَين ورثته على مِقْدَار مواريثهم وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَقعت فِي زمَان الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور وَذكرهَا القَاضِي الْحُسَيْن فِي فَتَاوِيهِ وبالاحتمال الثَّانِي أفتى أَبُو مَنْصُور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 وَذَلِكَ أَن وَاحِدًا ترك ابْنا وبنتا وَأوصى بِثلث مَاله بعد نصيب الْبِنْت بِحَيْثُ لَا ينقص عَلَيْهَا شَيْء وَأَرَادَ أَن يَجْعَل الْمُوصي بِهِ ثلث مَا يخص الابْن وَهُوَ أقل من أصل الثُّلُث وَأَن يحْسب على الابْن وَحده بِحَيْثُ لَا يدْخل نقص على الْبِنْت فَاخْتلف على الابْن فُقَهَاء ذَلِك الْوَقْت فِي الْفتيا هَل يدْخل النَّقْص عَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَو يخص بِهِ الابْن كَمَا أوصى بِهِ الْمَيِّت فَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور بل يدْخل عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَتَكون الْمَسْأَلَة من تِسْعَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 _ _ _ _ _ _ _ _ _ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 _ _ _ _ _ _ _ _ _ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 _ _ _ _ _ _ _ _ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 469 - عبد القاهر بن عبد الرَّحْمَن الشَّيْخ أَبُو بكر الْجِرْجَانِيّ النَّحْوِيّ الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ الْفَقِيه على مَذْهَب الشَّافِعِي أَخذ النَّحْو بجرجان عَن أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْحسن الْفَارِسِي ابْن أُخْت الشَّيْخ أبي عَليّ الْفَارِسِي وَصَارَ الإِمَام الْمَشْهُور الْمَقْصُود من جَمِيع الْجِهَات مَعَ الدّين المتين والورع والسكون قَالَ السلَفِي كَانَ ورعا قانعا دخل عَلَيْهِ لص وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَأخذ مَا وجد وَعبد القاهر ينظر وَلم يقطع صلَاته الحديث: 469 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 قَالَ وَسمعت أَبَا مُحَمَّد الأبيوردي يَقُول مَا مقلت عَيْني لغويا وَأما فِي النَّحْو فعبد القاهر وَمن مصنفاته كتاب الْمُغنِي فِي شرح الْإِيضَاح فِي نَحْو من ثَلَاثِينَ مجلدا وَكتاب المقتصد فِي شرح الْإِيضَاح أَيْضا ثَلَاث مجلدات وَكتاب إعجاز الْقُرْآن الْكَبِير وإعجاز الْقُرْآن الصَّغِير والعوامل الْمِائَة والمفتاح وَشرح الْفَاتِحَة والعمدة فِي التصريف وَكتاب الْجمل الْمُخْتَصر الْمَشْهُور وَكتاب التَّلْخِيص فِي شرح هَذَا الْجمل وَمن شعره (كبر على الْعلم لَا ترمه ... ومل إِلَى الْجَهْل ميل هائم) (وعش حمارا تعش سعيدا ... فالسعد فِي طالع الْبَهَائِم) توفّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَقيل أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 470 - عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن الْحسن بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ أَبُو عبد الله الشالوسي من قَرْيَة شالوس بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَضم اللَّام بعد الْألف بعْدهَا وَاو سَاكِنة ثمَّ سين مُهْملَة وَهِي من نواحي آمل طبرستان الحديث: 470 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 كَانَ من الْأَئِمَّة فِي الْعلم وَالدّين قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أَبُو عبد الله فَقِيه عصره بآمل ومفتيها ومدرسها وَكَانَ واعظا زاهدا وبيته بَيت الزّهْد وَالْعلم سمع الحَدِيث وَعمر حَتَّى حدث ثمَّ ورد بَغْدَاد وَخرج إِلَى الْحجاز وَسمع أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل بن نظيف الْفراء إِمَّا بِمَكَّة أَو بِمصْر وَقَالَ أَعنِي ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب غَالب ظَنِّي أَنه سمع مِنْهُ بِمَكَّة قَالَ وَقد سمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ الْحَافِظ وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر أَنه سمع من ابْن نظيف بِمصْر قلت الشالوسي شيخ دوير الْكَرْخِي وَكِلَاهُمَا مَذْكُور فِي فتاوي الحناطي فِي مَسْأَلَة وُصُول الْقِرَاءَة إِلَى الْمَيِّت توفّي الشالوسي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 471 - عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن طَاهِر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم القَاضِي أَبُو سعد الطَّبَرِيّ التَّيْمِيّ بميم وَاحِدَة يعرف بالوزان من أهل طبرستان نزل الرّيّ من رُؤَسَاء عصره وكبرائهم فضلا وحشمة وجاها ونعمة قَالَ عبد الغافر وَكَانَ لَهُ الْقدَم الراسخ فِي المناظرة وإفحام الْخُصُوم وَالْكَرم الباذخ الراقي إِلَى منَاط النُّجُوم وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَنه تفقه بمرو على الإِمَام أبي بكر الْقفال الْمروزِي وبرع فِي الْفِقْه الحديث: 471 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 وَقَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْحَافِظ إِنَّه ولي قَضَاء ساوة ثمَّ قَضَاء همذان سمع الْقفال الْمروزِي والأستاذ أَبَا إِسْحَاق الإسفرايني وَأَبا بكر أَحْمد بن الْحسن الْحِيرِي والأستاذ أَبَا مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ زَاهِر بن طَاهِر وَغَيره قَالَ عبد الغافر توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقَالَ عبد الله بن يُوسُف الْجِرْجَانِيّ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَالله أعلم 472 - عبد الْكَرِيم بن عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْقطَّان الْمَعْرُوف بِأبي معشر الطَّبَرِيّ الإِمَام فِي الْقرَاءَات مُصَنف التَّلْخِيص وسوق الْعَرُوس فِي الْقرَاءَات الْمَشْهُورَة والغريبة وَكتاب الدُّرَر فِي التَّفْسِير وعيون الْمسَائِل وطبقات الْقُرَّاء وَغير ذَلِك وَكَانَ مقرىء أهل مَكَّة فِي عصره وَقد روى تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ عَن المُصَنّف ومسند الإِمَام أَحْمد وَتَفْسِير النقاش عَن شَيْخه الزيدي وروى عَن أبي عبد الله بن نظيف وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَغَيرهمَا وَحدث عَنهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي وَغَيره الحديث: 472 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 وَكَانَ من فضلاء الشَّافِعِيَّة توفّي سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بِمَكَّة 473 - عبد الْكَرِيم بن هوَازن بن عبد الْملك بن طَلْحَة بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي الملقب زين الْإِسْلَام الإِمَام مُطلقًا وَصَاحب الرسَالَة الَّتِي سَارَتْ مغربا ومشرقا والبسالة الَّتِي أصبح بهَا نجم سعادته مشرقا والأصالة الَّتِي تجَاوز بهَا فَوق الفرقد ورقى أحد أَئِمَّة الْمُسلمين علما وَعَملا وأركان الْملَّة فعلا ومقولا إِمَام الْأَئِمَّة ومجلي ظلمات الضلال المدلهمة أحد من يقْتَدى بِهِ فِي السّنة ويتوضح بِكَلَامِهِ طرق النَّار وطرق الْجنَّة شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة الْجَامِع بَين أشتات الْعُلُوم ولد فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة وَسمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن الْخفاف وَأبي نعيم الإسفرايني وَأبي بكر بن عَبدُوس الْمُزَكي وَأبي نعيم أَحْمد بن مُحَمَّد المهرجاني وَعلي بن أَحْمد الْأَهْوَازِي وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَابْن باكوية الشِّيرَازِيّ وَالْحَاكِم وَابْن فورك وَأبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَغَيرهم الحديث: 473 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 روى عَنهُ ابْنه عبد الْمُنعم وَابْن ابْنه أَبُو الأسعد هبة الرَّحْمَن وَأَبُو عبد الله الفراوي وزاهر الشحامي وَعبد الْوَهَّاب بن شاه الشاذياخي ووجيه الشحامي وَعبد الْجَبَّار الخواري وَخلق وروى عَنهُ من القدماء أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيره وَوَقع لنا الْكثير من حَدِيثه وَأخذ الْفِقْه عَن أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي وَعلم الْكَلَام عَن الْأُسْتَاذ أبي بكر بن فورك وَاخْتلف أَيْضا يَسِيرا إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وَأخذ التصوف عَن أستاذه أبي عَليّ الدقاق وَكَانَ فَقِيها بارعا أصوليا محققا متكلما سنيا مُحدثا حَافِظًا مُفَسرًا متفننا نحويا لغويا أديبا كَاتبا شَاعِرًا مليح الْخط جدا شجاعا بطلا لَهُ فِي الفروسية وَاسْتِعْمَال السِّلَاح الْآثَار الجميلة أجمع أهل عصره على أَنه سيد زَمَانه وقدوة وقته وبركة الْمُسلمين فِي ذَلِك الْعَصْر قَالَ الْخَطِيب حدث بِبَغْدَاد وكتبنا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة وَكَانَ يعظ وَكَانَ حسن المواعظة مليح الْإِشَارَة وَكَانَ يعرف الْأُصُول على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَالْفُرُوع على مَذْهَب الشَّافِعِي وَقَالَ عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل فِيهِ الإِمَام مُطلقًا الْفَقِيه الْمُتَكَلّم الأصولي الْمُفَسّر الأديب النَّحْوِيّ الْكَاتِب الشَّاعِر لِسَان عصره وَسيد وقته وسر الله بَين خلقه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة ومقصود سالكي الطَّرِيقَة وَبُنْدَار الْحَقِيقَة وَعين السَّعَادَة وَحَقِيقَة الملاحة لم ير مثل نَفسه وَلَا رأى الراءون مثله فِي كَمَاله وبراعته جمع بَين علم الشَّرِيعَة والحقيقة وَشرح أحسن الشَّرْح أصُول الطَّرِيقَة أَصله من نَاحيَة أستوا من الْعَرَب الَّذين وردوا خُرَاسَان وَسَكنُوا النواحي فَهُوَ قشيري الْأَب سلمي الْأُم وخاله أَبُو عقيل السّلمِيّ من وُجُوه دهاقين نَاحيَة أستوا توفّي أَبوهُ وَهُوَ طِفْل فَوَقع إِلَى أبي الْقَاسِم الأليماني فَقَرَأَ الْأَدَب والعربية عَلَيْهِ بِسَبَب اتِّصَاله بهم وَقَرَأَ على غَيره وَحضر الْبَلَد وَاتفقَ حُضُوره مجْلِس الْأُسْتَاذ الشَّهِيد أبي عَليّ الْحسن بن عَليّ الدقاق وَكَانَ لِسَان وقته فَاسْتحْسن كَلَامه وسلك طَرِيق الْإِرَادَة فَقبله الْأُسْتَاذ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بتَعَلُّم الْعلم فَخرج إِلَى درس الشَّيْخ الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي وَشرع فِي الْفِقْه حَتَّى فرغ من التَّعْلِيق ثمَّ اخْتلف بإشارته إِلَى الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي بكر بن فورك وَكَانَ الْمُقدم فِي الْأُصُول حَتَّى حصلها وبرع فِيهَا وَصَارَ من أوجه تلامذته وأشدهم تَحْقِيقا وضبطا وَقَرَأَ عَلَيْهِ أصُول الْفِقْه وَفرغ مِنْهُ ثمَّ بعد وَفَاة الْأُسْتَاذ أبي بكر اخْتلف إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإسفرايني وَقعد يسمع جَمِيع دروسه وأتى عَلَيْهِ أَيَّام فَقَالَ لَهُ الْأُسْتَاذ هَذَا الْعلم لَا يحصل بِالسَّمَاعِ وَمَا توهم فِيهِ ضبط مَا يسمع فَأَعَادَ عِنْده مَا سَمعه مِنْهُ وَقَررهُ أحسن تَقْرِير من غير إخلال بِشَيْء فتعجب مِنْهُ وَعرف مَحَله فَأكْرمه وَقَالَ مَا كنت أَدْرِي أَنَّك بلغت هَذَا الْمحل فلست تحْتَاج إِلَى درسي يَكْفِيك أَن تطالع مصنفاتي وَتنظر فِي طريقي وَإِن أشكل عَلَيْك شَيْء طالعتني بِهِ فَفعل ذَلِك وَجَمِيع بَين طَرِيقَته وَطَرِيقَة ابْن فورك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 ثمَّ نظر بعد ذَلِك فِي كتب القَاضِي أبي بكر ابْن الطّيب وَهُوَ مَعَ ذَلِك يحضر مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عَليّ إِلَى أَن اخْتَارَهُ لكريمته فَزَوجهَا مِنْهُ وَبعد وَفَاة الْأُسْتَاذ عَاشر أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ إِلَى أَن صَار أستاذ خُرَاسَان وَأخذ فِي التصنيف فصنف التَّفْسِير الْكَبِير قبل الْعشْر وَأَرْبَعمِائَة ورتب الْمجَالِس وَخرج إِلَى الْحَج فِي رفْقَة فِيهَا أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالشَّيْخ أَحْمد الْبَيْهَقِيّ وَجَمَاعَة من الْمَشَاهِير فَسمع مَعَهم الحَدِيث بِبَغْدَاد والحجاز من مَشَايِخ عصره وَكَانَ فِي علم الفروسية وَاسْتِعْمَال السِّلَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من أَفْرَاد الْعَصْر وَله فِي ذَلِك الْفَنّ دقائق وعلوم انْفَرد بهَا وَأما الْمجَالِس فِي التَّذْكِير وَالْقعُود فِيمَا بَين المريدين وأسئلتهم عَن الوقائع وخوضه فِي الْأَجْوِبَة وجريان الْأَحْوَال العجيبة فَكلهَا مِنْهُ وَإِلَيْهِ أجمع أهل الْعَصْر على أَنه عديم النظير فِيهَا غير مشارك فِي أساليب الْكَلَام على الْمسَائِل وتطييب الْقُلُوب والإشارات اللطيفة المستنبطة من الْآيَات وَالْأَخْبَار من كَلَام الْمَشَايِخ والرموز الدقيقة وتصانيفه فِيهَا الْمَشْهُورَة إِلَى غير ذَلِك من نظم الْأَشْعَار اللطيفة على لِسَان الطَّرِيقَة وَلَقَد عقد لنَفسِهِ مجْلِس الْإِمْلَاء فِي الحَدِيث سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ يملي إِلَى سنة خمس وَسِتِّينَ يُذنب أَمَالِيهِ بأبياته وَرُبمَا كَانَ يتَكَلَّم على الحَدِيث بإشاراته ولطائفه وَله فِي الْكِتَابَة طَريقَة أنيقة رشيقة تبري على النّظم وَلَقَد قَرَأت فصلا ذكره عَليّ بن الْحسن فِي دمية الْقصر وَهُوَ أَن قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 الإِمَام زين الْإِسْلَام أَبُو الْقَاسِم جَامع لأنواع المحاسن تنقاد لَهُ صعابها ذلل المراسن فَلَو قرع الصخر بِسَوْط تحذيره لذاب وَلَو ربط إِبْلِيس فِي مجْلِس تذكيره لتاب وَله فصل الْخطاب فِي فضل النُّطْق المستطاب ماهر فِي التَّكَلُّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ خَارج فِي إحاطته بالعلوم على الْحَد البشري كَلِمَاته للمستفيدين فَوَائِد وفرائد وعتبات منبره للعارفين وسائد وَله شعر يتوج بِهِ رُؤُوس معاليه إِذا ختمت بِهِ أَذْنَاب أَمَالِيهِ قَالَ عبد الغافر وَقد أَخذ طَرِيق التصوف من الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق وَأَخذهَا أَبُو عَليّ عَن أبي الْقَاسِم النصراباذي والنصراباذي عَن الشبلي والشبلي عَن الْجُنَيْد والجنيد عَن السّري السَّقطِي وَالسري عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي ومعروف عَن دَاوُد الطَّائِي وَدَاوُد لَقِي التَّابِعين هَكَذَا كَانَ يذكر إِسْنَاد طَرِيقَته وَمن جملَة أَحْوَاله مَا خص بِهِ من المحنة فِي الدّين والاعتقاد وَظُهُور التعصب بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي عشر سنة أَرْبَعِينَ إِلَى خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وميل بعض الْوُلَاة إِلَى الْأَهْوَاء وسعى بعض الرؤساء والقضاة إِلَيْهِ بالتخليط حَتَّى أدّى ذَلِك إِلَى رفع الْمجَالِس وتفرق شَمل الْأَصْحَاب وَكَانَ هُوَ الْمَقْصُود من بَينهم حسدا حَتَّى اضطرته الْحَال إِلَى مُفَارقَة الأوطان وامتد فِي أثْنَاء ذَلِك إِلَى بَغْدَاد وَورد على أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله ولقى فِيهَا قبولا وَعقد لَهُ الْمجْلس فِي مَنَازِله المختصة بِهِ وَكَانَ ذَلِك بِمحضر ومرأى مِنْهُ وَوَقع كَلَامه فِي مَجْلِسه الْموقع وَخرج الْأَمر بإعزازه وإكرامه وَعَاد إِلَى نيسابور وَكَانَ يخْتَلف مِنْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 إِلَى طوس بأَهْله وَبَعض أَوْلَاده حَتَّى طلع صبح النّوبَة الْمُبَارَكَة دولة السُّلْطَان ألب أرسلان فِي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَبَقيَ عشر سِنِين فِي آخر عمره مرفها مُحْتَرما مُطَاعًا مُعظما وَأكْثر صَفوه فِي آخر أَيَّامه الَّتِي شَاهَدْنَاهُ فِيهَا أخيرا إِلَى أَن تقْرَأ عَلَيْهِ كتبه وتصانيفه وَالْأَحَادِيث المسموعة لَهُ وَمَا يؤول إِلَى نصْرَة الْمَذْهَب بلغ المنتمون إِلَيْهِ الافا فأملوا بِذكرِهِ وتصانيفه أطرافا انْتهى كَلَام عبد الغافر قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت أَبَا بشر مُصعب بن عبد الرَّزَّاق بن مُصعب المصعبي بمرو يَقُول حضر الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم مجْلِس بعض الْأَئِمَّة الْكِبَار وَكَانَ قَاضِيا بمرو وَأَظنهُ قَالَ القَاضِي عَليّ الدهْقَان وَقت قدومه علينا فَلَمَّا دخل الْأُسْتَاذ قَامَ القَاضِي على رَأس السرير وَأخذ مخدة كَانَ يسْتَند عَلَيْهَا على السرير وَقَالَ لبَعض من كَانَ قَاعِدا على دَرَجَة الْمِنْبَر احملها إِلَى الْأُسْتَاذ الإِمَام ليقعد عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس حججْت سنة من السنين وَكَانَ قد اتّفق أَن حج تِلْكَ السّنة هَذَا الإِمَام الْكَبِير وَأَشَارَ إِلَى الْأُسْتَاذ وَكَانَ يُقَال لتِلْك السّنة سنة الْقُضَاة وَكَانَ حج تِلْكَ السّنة أَرْبَعمِائَة نفس من قُضَاة الْمُسلمين وأئمتهم من أقطار الْبلدَانِ وأقاصي الأَرْض وَأَرَادُوا أَن يتَكَلَّم وَاحِد مِنْهُم فِي حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فاتفق الْكل على الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم فَتكلم هُوَ بِاتِّفَاق مِنْهُم قلت من سمع هَذِه الْحِكَايَة لم يستنكر مَا ذكره الْغَزالِيّ فِي بَاب الْوَلَاء فِي مَسْأَلَة أَرْبَعمِائَة قَاض وبلغنا أَنه مرض للأستاذ أبي الْقَاسِم ولد مَرضا شَدِيدا بِحَيْثُ أيس مِنْهُ فشق ذَلِك على الْأُسْتَاذ فَرَأى الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَنَام فَشكى إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اجْمَعْ آيَات الشِّفَاء واقرأها عَلَيْهِ واكتبها فِي إِنَاء وَاجعَل فِيهِ مشروبا واسقه إِيَّاه فَفعل ذَلِك فَعُوفِيَ الْوَلَد وآيات الشِّفَاء فِي الْقُرْآن سِتّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 {ويشف صُدُور قوم مُؤمنين} {وشفاء لما فِي الصُّدُور} {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} {وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين} {وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين} {قل هُوَ للَّذين آمنُوا هدى وشفاء} وَرَأَيْت كثيرا من الْمَشَايِخ يَكْتُبُونَ هَذِه الْآيَات للْمَرِيض ويسقاها فِي الْإِنَاء طلبا للعافية وَمن تصانيف الْأُسْتَاذ التَّفْسِير الْكَبِير وَهُوَ من أَجود التفاسير وأوضحها والرسالة الْمَشْهُورَة الْمُبَارَكَة الَّتِي قيل مَا تكون فِي بَيت وينكب والتحبير فِي التَّذْكِير وآداب الصُّوفِيَّة ولطائف الإشارات وَكتاب الْجَوَاهِر وعيون الْأَجْوِبَة فِي فنون الأسئلة وَكتاب الْمُنَاجَاة وَكتاب نكت أولي النهى وَكتاب نَحْو الْقُلُوب الْكَبِير وَكتاب نَحْو الْقُلُوب الصَّغِير وَكتاب أَحْكَام السماع وَكتاب الْأَرْبَعين فِي الحَدِيث وَقع لنا بِالسَّمَاعِ الْمُتَّصِل وَغير ذَلِك وَخلف من الْبَنِينَ سِتَّة ذَكَرْنَاهُمْ فِي هَذِه الطَّبَقَات عبادلة كلهم من السيدة الجليلة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق قَالَ النقلَة وَلما مرض لم تفته وَلَا رَكْعَة قَائِما بل كَانَ يُصَلِّي قَائِما إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله فِي صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد السَّادِس عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي الْمدرسَة إِلَى جَانب أستاذه أبي عَليّ الدقاق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 قَالَ أَبُو تُرَاب المراغي رَأَيْته فِي النّوم فَقَالَ أَنا فِي أطيب عَيْش وأكمل رَاحَة وَقَالَ غَيره كَانَت للأستاذ فرس يركبهَا فَلَمَّا مَاتَ امْتنعت عَن الْعلف وَلم تطعم شَيْئا وَلم تمكن رَاكِبًا من ركُوبهَا وَمَكَثت أَيَّامًا قَلَائِل على هَذَا بعده إِلَى أَن مَاتَت وَمن رَشِيق كَلَامه ومليح شعره وجليل الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ عبد الْمُنعم بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم سَمِعت وَالِدي يَقُول المريد لَا يفتر آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار فَهُوَ فِي الظَّاهِر بنعت المجاهدات وَفِي الْبَاطِن بِوَصْف المكابدات فَارق الْفراش ولازم الانكماش وَتحمل المصاعب وَركب المتاعب وعالج الْأَخْلَاق ومارس المشاق وَعَانَقَ الْأَهْوَال وَفَارق الأشكال كَمَا قيل (ثمَّ قطعت اللَّيْل فِي مهمة ... لَا أسدا أخْشَى وَلَا ذيبا) (يغلبني شوقي فأطوي السرى ... وَلم يزل ذُو الشوق مَغْلُوبًا) وَمن شعر الْأُسْتَاذ (يَا من تقاصر شكري عَن أياديه ... وكل كل لِسَان عَن معاليه) (وجوده لم يزل فَردا بِلَا شبه ... علا عَن الْوَقْت ماضيه وآتيه) (لَا دهر يخلقه لَا قهر يلْحقهُ ... لَا كشف يظهره لَا ستر يخفيه) (لَا عد يجمعه لَا ضد يمنعهُ ... لَا حد يقطعهُ لَا قطر يحويه) (لَا كَون يحصره لَا عون ينصره ... وَلَيْسَ فِي الْوَهم مَعْلُوم يضاهيه) (جَلَاله أزلي لَا زَوَال لَهُ ... وَملكه دَائِم لَا شَيْء يفنيه) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 وَقَالَ أَيْضا (لَو كنت سَاعَة بَيْننَا مَا بَيْننَا ... وَشهِدت حِين نكرر التوديعا) (أيقنت أَن من الدُّمُوع مُحدثا ... وَعلمت أَن من الحَدِيث دموعا) وَقَالَ أَيْضا (وَإِذا سقيت من الْمحبَّة مصة ... ألقيت من فرط الْخمار خماري) (كم تبت قصدا ثمَّ لَاحَ عذاره ... فخلعت من ذَاك العذار عِذَارَيْ) وَقَالَ أَيْضا (أَيهَا الباحث عَن دين الْهدى ... طَالبا حجَّة مَا يَعْتَقِدهُ) (إِن مَا تطلبه مُجْتَهدا ... غير دين الشَّافِعِي لَا تَجدهُ) وَقَالَ أَيْضا (لَا تدع خدمَة الأكابر وَاعْلَم ... أَن فِي عشرَة الصغار صغَارًا) (وابغ من فِي يَمِينه لَك يمن ... وَترى فِي الْيَسَار مِنْهُ اليسارا) قلت ذكرت هُنَا قولي قَدِيما (قَبِيح بِي وَرب الْعَرْش رَبِّي ... أَخَاف الضّر أَو أخْشَى افتقارا) (وَكَيف وَإِن أمد لَهُ يَمِينا ... لتدعو ظلّ يمنحها اليسارا) وَقَالَ أَيْضا (جنباني المجون يَا صاحبيا ... واتلوا سُورَة الصَّلَاة عليا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 (قد أجبنا لزاجر الْعقل طَوْعًا ... وَتَركنَا حَدِيث سلمى وميا) (ومنحنا لموجب الشَّرْع نشرا ... وشرعنا لموجب اللَّهْو طيا) (وَوجدنَا إِلَى القناعة بَابا ... فَوَضَعْنَا على المطامع كيا) (كنت فِي حر وحشتي لاختياري ... فتعوضت بالرضى مِنْهُ فيا) (إِن من يَهْتَدِي لقطع هَوَاهُ ... فَهُوَ فِي الْعِزّ حَاز أوج الثريا) (وَالَّذين ارتووا بكأس مُنَاهُمْ ... فعلى الصد سَوف يلقون غيا) 474 - عبد الْكَرِيم بن يُونُس بن مُحَمَّد بن مَنْصُور أَبُو الْفضل الأزجاهي نِسْبَة إِلَى أزجاه بِفَتْح الْألف وَسُكُون الزَّاي وَفتح الْجِيم وَفِي آخرهَا الْهَاء وَهِي إِحْدَى قرى خابران من خُرَاسَان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل ورع متقن حَافظ لمَذْهَب الشَّافِعِي متصرف فِيهِ تفقه بنيسابور على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد ثمَّ بمرو على أبي طَاهِر السنجي وبمرو الروذ على القَاضِي الْحُسَيْن وَسمع الحَدِيث وأملى قَالَ وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 475 - عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد أَبُو الْفضل الهمذاني الفرضي الْمَعْرُوف بالمقدسي من أهل همذان سكن بَغْدَاد إِلَى حِين وَفَاته الحديث: 474 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 سمع أَبَا نصر بن هُبَيْرَة وَأَبا الْفضل بن عَبْدَانِ الْفَقِيه وَأَبا مُحَمَّد عبد الله بن جَعْفَر الجناري وَغَيرهم وَحدث باليسير وَكَانَ من أَئِمَّة الدّين وأوعية الْعلم وَقيل إِنَّه كَانَ يحفظ مُجمل اللُّغَة لِابْنِ فَارس وغريب الحَدِيث لأبي عبيد وَكَانَ زاهدا ناسكا عابدا ورعا وَأما الْفَرَائِض والحساب وَقِسْمَة التركات فَكَانَ قيم عصره بهَا وَأُرِيد على أَن يَلِي قَضَاء الْقُضَاة فَامْتنعَ وَلم يعرف أَنه اغتاب أحدا قطّ وَلَا ذكره بِمَا يستحيى مِنْهُ وَقيل إِنَّه كَانَ على مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَقد قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل إِنَّه قَالَ لم أر فِيمَن رَأَيْت استجمع شَرَائِط الِاجْتِهَاد إِلَّا أَبَا يعلى وَابْن الصّباغ وَعبد الْملك بن إِبْرَاهِيم وَكَانَ ظريفا لطيفا مَعَ الْوَرع ومحاسبة النَّفس والتدقيق فِي الْعَمَل ذكره وَلَده مُحَمَّد بن عبد الْملك فِي تَارِيخه وَقَالَ كَانَ أبي إِذا أَرَادَ يؤدبني يَأْخُذ الْعَصَا بِيَدِهِ وَيَقُول نَوَيْت أَن أضْرب وَلَدي تأديبا كَمَا أَمر الله ثمَّ يضربني قَالَ وَرُبمَا هربت قبل أَن يتم النِّيَّة وَكَانَ عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم قد تفقه على القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقد قَارب الثَّمَانِينَ وَلم يكن يخبر بمولده على مَا ذكره وَلَده أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْملك وَله فتيا وقفت عَلَيْهَا وفيهَا أَنه لَا حضَانَة للعمياء وَقد ذكرنَا الْمَسْأَلَة فِي تَرْجَمَة ابْن الصّباغ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 وفيهَا أَن الْفطر فِي رَمَضَان لأجل إنقاذ الغريق إِنَّمَا يجب على من تعين عَلَيْهِ إنقاذه وَالْأَصْحَاب أطْلقُوا الْوُجُوب قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فِي شرح الْمِنْهَاج وَفِي هَذَا التَّقْيِيد نظر لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التواكل 476 - عبد الْملك بن عبد الله بن مَحْمُود بن صُهَيْب بن مِسْكين أَبُو الْحسن الْمصْرِيّ الْفَقِيه روى عَن أَبيض بن مُحَمَّد الفِهري صَاحب النَّسَائِيّ وَعبيد الله بن مُحَمَّد بن أبي غَالب الْبَزَّار وَأبي بكر بن المهندس وَأبي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن أبي هُرَيْرَة وَعلي بن الْحسن الْأَنْطَاكِي قَاضِي أذنة وَغَيرهم روى عَنهُ الرَّازِيّ فِي مشيخته وَذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَنه كَانَ يعرف أَيْضا بالزجاج مَاتَ سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 476 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 477 - عبد الْملك بن عبد الله بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حيوية الْجُوَيْنِيّ النَّيْسَابُورِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي ولد الشَّيْخ أبي مُحَمَّد هُوَ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام الْبَحْر الحبر المدقق الْمُحَقق النظار الأصولي الْمُتَكَلّم البليغ الفصيح الأديب الْعلم الْفَرد زِينَة الْمُحَقِّقين إِمَام الْأَئِمَّة على الْإِطْلَاق عجما وعربا وَصَاحب الشُّهْرَة الَّتِي سَارَتْ السراة والحداة بهَا شرقا وغربا هُوَ الْبَحْر وعلومه درره الفاخرة وَالسَّمَاء وفوائده الَّتِي أنارت الْوُجُود نجومها الزاهرة يمل الْحَدِيد من الْحَدِيد وذهنه لَا يمل من نصْرَة الدّين فولاذه وتكل الْأَنْفس وقلمه يسح وابل دمعه ورذاذه ويدجو اللَّيْل البهيم وَلَا ترى بَدْرًا إِلَّا وَجهه فِي محرابه وَلَا نَاظرا طرفه نَاظرا فِي كِتَابه بَطل علم إِذا رَآهُ النظار أفحموا وَقَالُوا {وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم} وَفَارِس بحث يضيق على خصمائه الفضاء الْوَاسِع حَتَّى لَا يفوتهُ الهارب مِنْهُم فِي الأَرْض يحور وَلَو أَنه الطَّائِر فِي السَّمَاء يحوم تفد المشكلات إِلَيْهِ فيصدها وَترد السؤالات عَلَيْهِ فَلَا يردهَا (أبدا على طرف اللِّسَان جَوَابه ... فَكَأَنَّمَا هِيَ دفْعَة من صيب) (يَغْدُو مساجله بعزة صَافح ... وَيروح معترفا بذلة مذنب) الحديث: 477 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 وَمَا برح يدأب لَا يتْرك سامية إِلَّا علاها وَلَا غَايَة إِلَّا قطع دونهَا أنفاس الْمجَاز وَقطع مُنْتَهَاهَا بذهن صَحَّ على نقد الْفِكر إبريزه ووضح فِي ميدان الْجِدَال تبريزه حَتَّى قَالَ لَهُ الدَّهْر لقد اشْتبهَ يَوْمك بأمسك وَقَالَت العلياء هَذَا حدي قف عِنْده على رسلك ارْفُقْ بِنَفْسِك وَأمْسك هَذَا إِلَى لفظ غرَّة سحر إِلَّا أَنه حل وبل ودره يَتِيم إِلَّا أَنه لَا يذل بفصيح كلم قَالَت النُّحَاة هَذَا مَا عجز عَنهُ زيد وَعَمْرو وخَالِد وبليغ قَول قَالَت البلغاء قصر عَن مداه طريف الفصاحة والتالد (وَمَا أرى أحدا فِي النَّاس يُشبههُ ... وَمَا أحاشي من الأقوام من أحد) أجل وَالله إِنَّه لذُو حَظّ عَظِيم وَقدر إِذا أنصفت العداة أصبح وَإِذا الَّذِي بَينه وَبَينه عَدَاوَة كَأَنَّهُ ولي حميم وعظمة أمست ديار الْأَعْدَاء بهَا وَهِي محلات مآتم وجلالة قَالَ القَاضِي لَا يكتمها الشَّاهِد الْمعدل عِنْدِي وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم ومهابة يتضاءل النَّجْم دونهَا وتود الْأسود أَن تكونها وَلَا تكون إِلَّا دونهَا وفخار لَو رَأَتْهُ الْأُم لقالت قري عينا أيتها النَّفس بِهَذَا الْوَلَد أَو الْمُزنِيّ لعلم أَن بَنَات قرائحه انْتَهَت إِلَيْهِ أَبْكَارًا وَاتخذ مِنْهَا مَا عز كل وَاحِد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 وأبحاث لَو عارضها الْقفال شيخ الخراسانيين لقيل هَذَا يضْرب فِي حَدِيد بَارِد وَلَو عرضت على شيخ الْعِرَاقِيّين لقَالَ ابْن أبي طَاهِر أَنا شيخ الطَّائِفَة وَأَنا حَامِد وَأَبُو حَامِد وشعار أَوَى الْأَشْعَرِيّ مِنْهُ إِلَى ركن شَدِيد وَاعْتَزل المعتزلي المناظرة علما أَنه مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد إِذا صعد الْمِنْبَر مد يَده إِلَى الفراقد وأنشده الْفضل (وَلما رَأَيْت النَّاس دون مَحَله ... تيقنت أَن الدَّهْر للنَّاس ناقد) وَإِذا وعظ ألبس الْأَنْفس من الخشية ثوبا جَدِيدا ونادته الْقُلُوب إننا بشر فَأَسْجِحْ فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا وَإِذا نَاظر قعد الْأسد فَلَا يَسْتَطِيع أَن يقوم وَقَامَ الْحق بِحَيْثُ يحضر أندية الدّين وَسُهيْل قد نبذ بالعراء كَأَنَّهُ مَذْمُوم وَإِذا قصد رباع المبتدعة هد شبهها ببراهين قَائِمَة على عمد وَأنْشد من رَآهَا (أمست خلاء وَأمسى أَهلهَا احتملوا ... أخنى عَلَيْهَا الَّذِي أخنى على لبد) رَبِّي فِي حجر الْعلم رشيدا حَتَّى رَبًّا وارتضع ثدي الْفضل فَكَانَ فطامه هَذَا النبا وَأحكم الْعَرَبيَّة وَمَا يتَعَلَّق بهَا من عُلُوم الْأَدَب وأوتي من الفصاحة والبلاغة مَا عجز الفصحاء وحير البلغاء وَسكت من نطق ودأب وَكَانَ يذكر دروسا كل درس مِنْهَا تضيق الأوراق العديدة عَن استيعابه وَيقصر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 مد الْبَحْر عَن مدى عبابه غير متلعثم فِي الْكَلَام وَلَا مُحْتَاج إِلَى اسْتِدْرَاك عَثْرَة فِي لَفْظَة جرت على غير النظام بل جَار كالسيل منحدرا والبرق إِذا سرى يعلم المتعمقون أَنه لَا يدْرك لَهُ حد ويعترف المبرزون بِأَنَّهُ عمل صَالحا وَأحسن فِي السرد قَالَ الثِّقَات إِن مَا يُوجد فِي مصنفاته من الْعبارَات قَطْرَة من سيل كَانَ يجريه لِسَانه على شَفَتَيْه عِنْد المذاكرة وغرفة من بَحر كَانَ يفِيض من فَمه فِي مجَالِس المناظرة وَأَقُول من ظن أَن فِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة من يداني فَصَاحَته فَلَيْسَ على بَصِيرَة من أمره وَمن حسب أَن فِي المصنفين من يحاكي بلاغته فَلَيْسَ يدْرِي مَا يَقُول شرح حَال ابْتِدَاء الإِمَام ولد فِي ثامن عشر الْمحرم سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة واعتنى بِهِ وَالِده من صغره لَا بل من قبل مولده وَذَلِكَ أَن أَبَاهُ اكْتسب من عمل يَده مَالا خَالِصا من الشُّبْهَة اتَّصل بِهِ إِلَى والدته فَلَمَّا وَلدته لَهُ حرص على أَن لَا يطعمهُ مَا فِيهِ شُبْهَة فَلم يمازح بَاطِنه إِلَّا الْحَلَال الْخَالِص حَتَّى يحْكى أَنه تلجلج مرّة فِي مجْلِس مناظرة فَقيل لَهُ يَا إِمَام مَا هَذَا الَّذِي لم يعْهَد مِنْك فَقَالَ مَا أَرَاهَا إِلَّا آثَار بقايا المصة قيل وَمَا نبأ هَذِه المصة قَالَ إِن أُمِّي اشتغلت فِي طَعَام تطبخه لأبي وَأَنا رَضِيع فَبَكَيْت وَكَانَت عندنَا جَارِيَة مُرْضِعَة لجيراننا فأرضعتني مصة أَو مصتين وَدخل وَالِدي فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ هَذِه الْجَارِيَة لَيست ملكا لنا وَلَيْسَ لَهَا أَن تتصرف فِي لَبنهَا وأصحابها لم يأذنوا فِي ذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 وقلبني وفوعني حَتَّى لم يدع فِي باطني شَيْئا إِلَّا أخرجه وَهَذِه اللجلجة من بقايا تِلْكَ الْآثَار فَانْظُر إِلَى هَذَا الْأَمر العجيب وَإِلَى هَذَا الرجل الْغَرِيب الَّذِي يُحَاسب نَفسه على يسير جرى فِي زمن الصِّبَا الَّذِي لَا تَكْلِيف فِيهِ وَهَذَا يدنو مِمَّا حُكيَ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ثمَّ أَخذ الإِمَام فِي الْفِقْه على وَالِده وَكَانَ وَالِده يعجب بِهِ وَيسر لما يرى فِيهِ من مخايل النجابة وأمارات الْفَلاح وجد واجتهد فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والأصولين وَغَيرهَا وشاع اسْمه واشتهر فِي صباه وَضربت باسمه الْأَمْثَال حَتَّى صَار إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ وأوقف عُلَمَاء الْمشرق وَالْمغْرب معترفين بِالْعَجزِ بَين يَدَيْهِ وسلك طَرِيق الْبَحْث وَالنَّظَر وَالتَّحْقِيق بِحَيْثُ أربى على كثير من الْمُتَقَدِّمين وأنسى تَصَرُّفَات الْأَوَّلين وسعى فِي دين الله سعيا يبْقى أَثَره إِلَى يَوْم الدّين وَلَا يشك ذُو خبْرَة أَنه كَانَ أعلم أهل الأَرْض بالْكلَام وَالْأُصُول وَالْفِقْه وَأَكْثَرهم تَحْقِيقا بل الْكل من بحره يَغْتَرِفُونَ وَأَن الْوُجُود مَا أخرج بعده لَهُ نظيرا وَأما التَّفْضِيل الَّذِي كَانَ بَينه وَبَين من تقدمه فقد طَال الشَّرْح فِيهِ فِي عصره وَلَا نرى للبحث عَن ذَلِك معنى ثمَّ توفّي وَالِده وسنه نَحْو الْعشْرين وَهُوَ مَعَ ذَلِك من الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين فَأقْعدَ مَكَانَهُ فِي التدريس فَكَانَ يدرس ثمَّ يذهب بعد ذَلِك إِلَى مدرسة الْبَيْهَقِيّ حَتَّى حصل الْأُصُول عِنْد أستاذه أبي الْقَاسِم الإسكاف الإسفرايني وَكَانَ يواظب على مَجْلِسه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي وَقد سمعته يَقُول فِي أثْنَاء كَلَامه كنت علقت عَلَيْهِ فِي الْأُصُول أَجزَاء مَعْدُودَة وطالعت فِي نَفسِي مائَة مجلدة وَكَانَ يصل اللَّيْل بِالنَّهَارِ فِي التَّحْصِيل ويبكر كل يَوْم قبل الِاشْتِغَال بدرس نَفسه إِلَى مَسْجِد أبي عبد الله الْخَبَّازِي يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن ويقتبس من كل نوع من الْعُلُوم مَا يُمكنهُ مَعَ مواظبته على التدريس وَينْفق مَا وَرثهُ وَمَا كَانَ يدْخل لَهُ على المتفقهة ويجتهد فِي المناظرة ويواظب عَلَيْهَا إِلَى أَن ظهر التعصب بَين الْفَرِيقَيْنِ واضطربت الْأَحْوَال والأمور قَالَ عبد الغافر فاضطر إِلَى السّفر وَالْخُرُوج عَن الْبَلَد فَخرج مَعَ الْمَشَايِخ إِلَى المعسكر وَخرج إِلَى بَغْدَاد يطوف مَعَ المعسكر ويلتقي بالأكابر من الْعلمَاء ويدارسهم ويناظرهم حَتَّى طَار ذكره فِي الأقطار وشاع ذكره واسْمه فَمَلَأ الديار ثمَّ زَمْزَم لَهُ الْحَادِي بِذكر زَمْزَم وناداه على بعد الديار الْبَيْت الْحَرَام فلبى وَأحرم وَتوجه حَاجا وجاور بِمَكَّة أَربع سِنِين يدرس ويفتي ويجتهد فِي الْعِبَادَة وَنشر الْعلم حَتَّى شرف بِهِ ذَلِك النادي وأشرقت تلاع ذَلِك الْوَادي وأسبلت عَلَيْهِ الْكَعْبَة ستورها وَأَقْبَلت عَلَيْهِ وَهُوَ يطوف بهَا كلما اسود جنح اللَّيَالِي بيض بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَة ديجورها وصفت نِيَّته مَعَ الله فَلَو كَانَت الصَّفَا ذَات لِسَان لشافهته جهارا وشكر لَهُ الْمَسْعَى بَين الصَّفَا والمروة إقبالا وإدبارا ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور بعد ولَايَة السُّلْطَان ألب أرسلان وتزين وَجه الْملك بِإِشَارَة نظام الْملك واستقرت أُمُور الْفَرِيقَيْنِ وَانْقطع التعصب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 وَقد قدمنَا حِكَايَة الْفِتْنَة فِي تَرْجَمَة أبي سهل بن الْمُوفق فبنيت لَهُ الْمدرسَة النظامية بنيسابور وأقعد للتدريس فِيهَا واستقامت أُمُور الطّلبَة وَبَقِي على ذَلِك قَرِيبا من ثَلَاثِينَ سنة غير مُزَاحم وَلَا مدافع مُسلما لَهُ الْمِحْرَاب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس التَّذْكِير يَوْم الْجُمُعَة والمناظرة وهجرت الْمجَالِس من أَجله وانغمر غَيره من الْفُقَهَاء بِعِلْمِهِ وكسدت الْأَسْوَاق فِي جنبه ونفق سوق الْمُحَقِّقين من خواصه وتلامذته فظهرت تصانيفه وَحضر درسه الأكابر وَالْجمع الْعَظِيم من الطّلبَة وَكَانَ يقْعد بَين يَدَيْهِ كل يَوْم نَحْو من ثَلَاثمِائَة رجل من الْأَئِمَّة وَمن الطّلبَة وَاتفقَ لَهُ من الْمُوَاظبَة على التدريس والمناظرة مَا لم يعْهَد لغيره مَعَ الوجاهة الزَّائِدَة فِي الدُّنْيَا وَسمع الحَدِيث فِي صباه من وَالِده وَمن أبي حسان مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُزَكي وَأبي سعد عبد الرَّحْمَن بن حمدَان النصروي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يحيى الْمُزَكي وَأبي سعد عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن عَلَيْك وَأبي عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد ابْن عبد الْعَزِيز النيلي وَغَيرهم وَأَجَازَ لَهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ وَحدث وروى عَنهُ زَاهِر الشحامي وَأَبُو عبد الله الفراوي وَإِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وَغَيرهم وَمن تصانيفه النِّهَايَة فِي الْفِقْه لم يصنف فِي الْمَذْهَب مثلهَا فِيمَا أَجْزم بِهِ والشامل فِي أصُول الدّين والبرهان فِي أصُول الْفِقْه والإرشاد فِي أصُول الدّين وَالتَّلْخِيص مُخْتَصر التَّقْرِيب والإرشاد أصُول فقه أَيْضا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 والورقات فِيهِ أَيْضا وغياث الْأُمَم ومغيث الْخلق فِي تَرْجِيح مَذْهَب الشَّافِعِي والرسالة النظامية ومدارك الْعُقُول وَله ديوَان خطب مَشْهُور وَله مُخْتَصر النِّهَايَة اختصرها بِنَفسِهِ وَهُوَ عَزِيز الْوُقُوع من محَاسِن كتبه قَالَ هُوَ نَفسه فِيهِ إِنَّه يَقع فِي الحجم من النِّهَايَة أقل من النّصْف وَفِي الْمَعْنى أَكثر من الضعْف ذكر شَيْء من ثَنَاء أهل عصره عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ تمَتَّعُوا بِهَذَا الإِمَام فَإِنَّهُ نزهة هَذَا الزَّمَان يَعْنِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ لَهُ مرّة يَا مُفِيد أهل الْمشرق وَالْمغْرب لقد اسْتَفَادَ من علمك الْأَولونَ وَالْآخرُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 وَقَالَ لَهُ مرّة أُخْرَى أَنْت الْيَوْم إِمَام الْأَئِمَّة وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي وَقد سمع كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي بعض المحافل صرف الله المكاره عَن هَذَا الإِمَام فَهُوَ الْيَوْم قُرَّة عين الْإِسْلَام والذاب عَنهُ بِحسن الْكَلَام ولعلي بن الْحسن الباخرزي فِيهِ وَهُوَ شَاب كَلَام سيمر بك فِي أثْنَاء كَلَام عبد الغافر الْفَارِسِي ونقلت من خطّ ابْن الصّلاح أنْشد بعض من رأى إِمَام الْحَرَمَيْنِ (لم تَرَ عَيْني أحدا ... تَحت أَدِيم الْفلك) (مثل إِمَام الْحَرَمَيْنِ ... النّدب عبد الْملك) وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ هُوَ إِمَام عصره ونسيج وَحده ونادرة دهره عديم الْمثل فِي حفظه وَبَيَانه وَلسَانه قَالَ وَإِلَيْهِ الرحلة من خُرَاسَان وَالْعراق والحجاز وَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة أَبُو سعيد الطَّبَرِيّ وَقد قيل لَهُ إِنَّه لقب إِمَام الْحَرَمَيْنِ بل هُوَ إِمَام خُرَاسَان وَالْعراق لفضله وتقدمه فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَكَانَ الْفَقِيه الإِمَام غَانِم الموشيلي ينشد لغيره فِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ (دعوا لبس الْمَعَالِي فَهُوَ ثوب ... على مِقْدَار قد أَبى الْمَعَالِي) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 وروى ابْن السَّمْعَانِيّ أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ نَاظر فيلسوفا فِي مَسْأَلَة خلق الْقُرْآن فقذف بِالْحَقِّ على باطله ودمغه دمغا ودحض شبهه دحضا ووضح كَلَامه فِي الْمَسْأَلَة حَتَّى اعْترف الْمُوَافق والمخالف لَهُ بالغلبة وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي لَو ادّعى إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْيَوْم النُّبُوَّة لاستغنى بِكَلَامِهِ هَذَا عَن إِظْهَاره المعجزة ذكر كَلَام عبد الغافر الْفَارِسِي فِيهِ وَهُوَ آتٍ بغالب التَّرْجَمَة وَلَا علينا إِذا تكَرر بعض مَا مضى ذكره قَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي الْحَافِظ فِي سِيَاق نيسابور إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَخر الْإِسْلَام إِمَام الْأَئِمَّة على الْإِطْلَاق حبر الشَّرِيعَة الْمجمع على إِمَامَته شرقا وغربا الْمقر بفضله السراة والحداة عجما وعربا من لم تَرَ الْعُيُون مثله قبله وَلَا ترى بعده رباه حجر الْإِمَامَة وحرك ساعد السَّعَادَة مهده وأرضعه ثدي الْعلم والورع إِلَى أَن ترعرع فِيهِ ويفع أَخذ من الْعَرَبيَّة وَمَا يتَعَلَّق بهَا أوفر حَظّ وَنصِيب فَزَاد فِيهَا على كل أديب ورزق من التَّوَسُّع فِي الْعبارَة وعلوها مَا لم يعْهَد من غَيره حَتَّى أنسى ذكر سحبان وفَاق فِيهَا الأقران وَحمل الْقُرْآن فأعجز الفصحاء اللد وَجَاوَزَ الْوَصْف وَالْحَد وكل من سمع خَبره وَرَأى أَثَره فَإِذا شَاهده أقرّ بِأَن خَبره يزِيد كثيرا على الْخَبَر ويبر على مَا عهد من الْأَثر وَكَانَ يذكر دروسا يَقع كل وَاحِد مِنْهَا فِي أطباق وأوراق لَا يتلعثم فِي كلمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 وَلَا يحْتَاج إِلَى اسْتِدْرَاك عَثْرَة مرا فِيهَا كالبرق الخاطف بِصَوْت مُطَابق كالرعد القاصف ينزف فِيهِ لَهُ المبرزون وَلَا يدْرك شأوه المتشدقون المتعمقون وَمَا يُوجد مِنْهُ فِي كتبه من الْعبارَات الْبَالِغَة كنه الفصاحة غيض من فيض مَا كَانَ على لِسَانه وغرفة من أمواج مَا كَانَ يعْهَد من بَيَانه تفقه فِي صباه على وَالِده ركن الْإِسْلَام فَكَانَ يزهى بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وكياسة غريزته لما يرى فِيهِ من المخايل فخلفه فِيهِ من بعد وَفَاته وأتى على جَمِيع مصنفاته فقلبها ظهرا لبطن وَتصرف فِيهَا وَخرج الْمسَائِل بَعْضهَا على بعض ودرس سِنِين وَلم يرض فِي شبابه بتقليد وَالِده وَأَصْحَابه حَتَّى أَخذ فِي التَّحْقِيق وجد واجتهد فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف ومجلس النّظر حَتَّى ظَهرت نجابته ولاح على أَيَّامه همة أَبِيه وفراسته وسلك طَرِيق المباحثة وَجمع الطّرق بالمطالعة والمناظرة والمناقشة حَتَّى أربى على الْمُتَقَدِّمين وأنسى تَصَرُّفَات الْأَوَّلين وسعى فِي دين الله سعيا يبْقى أَثَره إِلَى يَوْم الدّين وَمن ابْتِدَاء أمره أَنه لما توفّي أَبوهُ كَانَ سنه دون الْعشْرين أَو قَرِيبا مِنْهُ فَأقْعدَ مَكَانَهُ للتدريس فَكَانَ يُقيم الرَّسْم فِي درسه وَيقوم مِنْهُ وَيخرج إِلَى مدرسة الْبَيْهَقِيّ حَتَّى حصل الْأُصُول وأصول الْفِقْه على الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي الْقَاسِم الإسكاف الإسفرايني وَكَانَ يواظب على مَجْلِسه وَقد سمعته يَقُول فِي أثْنَاء كَلَامه كنت علقت عَلَيْهِ فِي الْأُصُول أَجزَاء مَعْدُودَة وطالعت فِي نَفسِي مائَة مجلدة وَكَانَ يصل اللَّيْل بِالنَّهَارِ فِي التَّحْصِيل حَتَّى فرغ مِنْهُ ويبكر كل يَوْم قبل الِاشْتِغَال بدرس نَفسه إِلَى مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عبد الله الْخَبَّازِي يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن ويقتبس من كل نوع من الْعُلُوم مَا يُمكنهُ مَعَ مواظبته على التدريس وَينْفق مَا وَرثهُ وَمَا كَانَ لَهُ من الدخل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 على إِجْرَاء المتفقهة ويجتهد فِي ذَلِك ويواظب على المناظرة إِلَى أَن ظهر التعصب بَين الْفَرِيقَيْنِ واضطربت الْأَحْوَال والأمور فاضطر إِلَى السّفر وَالْخُرُوج عَن الْبَلَد فَخرج مَعَ الْمَشَايِخ إِلَى المعسكر وَخرج إِلَى بَغْدَاد يطوف مَعَ المعسكر ويلتقي بالأكابر من الْعلمَاء ويدارسهم ويناظرهم حَتَّى تهذب فِي النّظر وشاع ذكره ثمَّ خرج إِلَى الْحجاز وجاور بِمَكَّة أَربع سِنِين يدرس ويفتي وَيجمع طرق الْمَذْهَب وَيقبل على التَّحْصِيل إِلَى أَن اتّفق رُجُوعه بعد مُضِيّ نوبَة التعصب فَعَاد إِلَى نيسابور وَقد ظَهرت نوبَة ولَايَة السُّلْطَان ألب أرسلان وتزين وَجه الْملك بِإِشَارَة نظام الْملك واستقرت أُمُور الْفَرِيقَيْنِ وَانْقطع التعصب فَعَاد إِلَى التدريس وَكَانَ بَالغا فِي الْعلم نهايته مستجمعا أَسبَابه فبنيت الْمدرسَة الميمونة النظامية وأقعد للتدريس فِيهَا واستقامت أُمُور الطّلبَة وَبَقِي على ذَلِك قَرِيبا من ثَلَاثِينَ سنة غير مُزَاحم وَلَا مدافع مُسلما لَهُ الْمِحْرَاب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس التَّذْكِير يَوْم الْجُمُعَة والمناظرة وهجرت لَهُ الْمجَالِس وانغمر غَيره من الْفُقَهَاء بِعِلْمِهِ وتسلطه وكسدت الْأَسْوَاق فِي جنبه ونفق سوق الْمُحَقِّقين من خواصه وتلامذته وَظَهَرت تصانيفه وَحضر درسه الأكابر والجم الْعَظِيم من الطّلبَة وَكَانَ يقْعد بَين يَدَيْهِ كل يَوْم نَحْو من ثَلَاثمِائَة رجل من الْأَئِمَّة وَمن الطّلبَة وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة والفحول وَأَوْلَاد الصُّدُور حَتَّى بلغُوا مَحل التدريس فِي زَمَانه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 وانتظم بإقباله على الْعلم ومواظبته على التدريس والمناظرة والمباحثة أَسبَاب ومحافل ومجامع وإمعان فِي طلب الْعلم وسوق نافقة لأَهله لم تعهد قبله واتصل بِهِ مَا يَلِيق بمنصبه من الْقبُول عِنْد السُّلْطَان والوزير والأركان ووفور الحشمة عِنْدهم بِحَيْثُ لَا يذكر غَيره فَكَانَ الْمُخَاطب والمشار إِلَيْهِ والمقبول من قبله والمهجور من هجره والمصدر فِي الْمجَالِس من ينتمي إِلَى خدمته والمنظور إِلَيْهِ من يغترف فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع من طَرِيقَته وَاتفقَ مِنْهُ تصانيف برسم الحضرة النظامية مثل النظامي والغياثي وإنفاذها إِلَى الحضرة ووقوعها موقع الْقبُول ومقابلتها بِمَا يَلِيق بهَا من الشُّكْر وَالرِّضَا وَالْخلْع الفائقة والمراكب المثمنة والهدايا والمرسومات وَكَذَلِكَ إِلَى أَن قلد زعامة الْأَصْحَاب ورياسة الطَّائِفَة وفوض إِلَيْهِ أُمُور الْأَوْقَاف وَصَارَت حشمته وزر الْعلمَاء وَالْأَئِمَّة والقضاة وَقَوله فِي الْفَتْوَى مرجع العظماء والأكابر والولاة واتفقت لَهُ نهضة فِي أَعلَى مَا كَانَ من أَيَّامه إِلَى أَصْبَهَان بِسَبَب مُخَالفَة بعض من الْأَصْحَاب فلقي بهَا من الْمجْلس النظامي مَا كَانَ اللَّائِق بمنصبه من الاستبشار والإعزاز وَالْإِكْرَام بأنواع المبار وَأجِيب بِمَا كَانَ فَوق مَطْلُوبه وَعَاد مكرما إِلَى نيسابور وَصَارَ أَكثر عنايته مصروفا إِلَى تصنيف الْمَذْهَب الْكَبِير الْمُسَمّى بنهاية الْمطلب فِي دراية الْمَذْهَب حَتَّى حَرَّره وأملاه وأتى فِيهِ من الْبَحْث والتقرير والسبك والتنقير والتدقيق وَالتَّحْقِيق بِمَا شفى الغليل وأوضح السَّبِيل وَنبهَ على قدره وَمحله فِي علم الشَّرِيعَة ودرس ذَلِك للخواص من التلامذة وَفرغ مِنْهُ وَمن إِتْمَامه فعقد مَجْلِسا لتتمة الْكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 حَضَره الْأَئِمَّة والكبار وَختم الْكتاب على رسم الْإِمْلَاء والاستملاء وتبجح الْجَمَاعَة بذلك ودعوا لَهُ وأثنوا عَلَيْهِ وَكَانَ من الْمُعْتَدِينَ بإتمام ذَلِك الشَّاكِرِينَ لله عَلَيْهِ فَمَا صنف فِي الْإِسْلَام قبله مثله وَلَا اتّفق لأحد مَا اتّفق لَهُ وَمن قَاس طَرِيقَته بطريقة الْمُتَقَدِّمين فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وأنصف أقرّ بعلو منصبه ووفور تَعبه ونصبه فِي الدّين وَكَثْرَة سهره فِي استنباط الغوامض وَتَحْقِيق الْمسَائِل وترتيب الدَّلَائِل وَلَقَد قَرَأت فصلا ذكره عَليّ بن الْحسن بن أبي الطّيب الباخرزي فِي كتاب دمية الْقصر مُشْتَمِلًا على حَاله وَهُوَ فقد كَانَ فِي عصر الشَّبَاب غير مُسْتَكْمل مَا عهدناه عَلَيْهِ من اتساق الْأَسْبَاب وَهُوَ أَن قَالَ فَتى الفتيان وَمن أَنْجَب بِهِ الفتيان وَلم يخرج مثله المفتيان عنيت النُّعْمَان بن ثَابت وَمُحَمّد بن إِدْرِيس فالفقه فقه الشَّافِعِي وَالْأَدب أدب الْأَصْمَعِي وَحسن بَصَره بالوعظ لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ وكيفما كَانَ فَهُوَ إِمَام كل إِمَام والمستعلي بهمته على كل همام والفائز بالظفر على إرغام كل ضرغام إِذا تصدر للفقه فالمزني من مزنته قَطْرَة وَإِذا تكلم فالأشعري من وفرته شعره وَإِذا خطب ألْجم الفصحاء بالعي شقاشقه الهادرة ولثم البلغاء بِالصَّمْتِ حقائقه البادرة وَلَوْلَا سَده مَكَان أَبِيه بسده الَّذِي أفرغ على قطره قطر تأبيه لأصبح مَذْهَب الحَدِيث حَدِيثا وَلم يجد المستغيث مِنْهُم مغيثا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 قَالَ أَبُو الْحسن هَذَا وَهُوَ وَحقّ الْحق فَوق مَا ذكره وَأَعْلَى مِمَّا وَصفه فكم من فصل مُشْتَمل على الْعبارَات الفصيحة الْعَالِيَة والنكت البديعة النادرة فِي المحافل مِنْهُ سمعناه وَكم من مسَائِل فِي النّظر شهدناه ورأينا مِنْهُ إفحام الْخُصُوم وعهدناه وَكم من مجْلِس فِي التَّذْكِير للعوام مسلسل الْمسَائِل مشحون بالنكت المستنبطة من مسَائِل الْفِقْه مُشْتَمِلَة على حقائق الْأُصُول مبكية فِي التحذير مفرجة فِي التبشير مختومة بالدعوات وفنون الْمُنَاجَاة حضرناه وَكم من مجمع للتدريس حاو للكبار من الْأَئِمَّة وإلقاء الْمسَائِل عَلَيْهِم والمباحثة فِي غورها رَأَيْنَاهُ وحصلنا بعض مَا أمكننا مِنْهُ وعلقناه وَلم نقدر مَا كُنَّا فِيهِ من نَضرة أَيَّامه وزهرة شهوره وأعوامه حق قدره وَلم نشكر الله عَلَيْهِ حق شكره حَتَّى فقدناه وسلبناه وسمعته فِي أثْنَاء كَلَام يَقُول أَنا لَا أَنَام وَلَا آكل عَادَة وَإِنَّمَا أَنَام إِذا غلبني النّوم لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا وآكل إِذا اشْتهيت الطَّعَام أَي وَقت كَانَ وَكَانَ لذته ولهوه ونزهته فِي مذاكرة الْعلم وَطلب الْفَائِدَة من أَي نوع كَانَ وَلَقَد سَمِعت الشَّيْخ أَبَا الْحسن عَليّ بن فضال بن عَليّ الْمُجَاشِعِي النَّحْوِيّ القادم علينا سنة تسع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة يَقُول وَقد قبله الإِمَام فَخر الْإِسْلَام وقابله بالإكرام وَأخذ فِي قِرَاءَة النَّحْو عَلَيْهِ والتلمذة لَهُ بعد أَن كَانَ إِمَام الْأَئِمَّة فِي وقته وَكَانَ يحملهُ كل يَوْم إِلَى دَاره وَيقْرَأ عَلَيْهِ كتاب إكسير الذَّهَب فِي صناعَة الْأَدَب من تصنيفه فَكَانَ يَحْكِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 يَوْمًا وَيَقُول مَا رَأَيْت عَاشِقًا للْعلم أَي نوع كَانَ مثل هَذَا الإِمَام فَإِنَّهُ يطْلب الْعلم للْعلم وَكَانَ كَذَلِك وَمن حميد سيرته أَنه مَا كَانَ يستصغر أحدا حَتَّى يسمع كَلَامه شاديا كَانَ أَو متناهيا فَإِن أصَاب كياسة فِي طبع أَو جَريا على منهاج الْحَقِيقَة اسْتَفَادَ مِنْهُ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا وَلَا يستنكف عَن أَن يعزى الْفَائِدَة المستفادة إِلَى قَائِلهَا وَيَقُول إِن هَذِه الْفَائِدَة مِمَّا استفدته من فلَان وَلَا يحابي أحدا فِي التزييف إِذا لم يرض كلَاما وَلَو كَانَ أَبَاهُ أَو أحدا من الْأَئِمَّة الْمَشْهُورين وَكَانَ من التَّوَاضُع لكل أحد بِمحل يتخيل مِنْهُ الِاسْتِهْزَاء لمبالغته فِيهِ وَمن رقة الْقلب بِحَيْثُ يبكي إِذا سمع بَيْتا أَو تفكر فِي نَفسه سَاعَة وَإِذا شرع فِي حِكَايَة الْأَحْوَال وخاض فِي عُلُوم الصُّوفِيَّة فِي فُصُول مجالسه بالغدوات أبكى الْحَاضِرين ببكائه وقطر الدِّمَاء من الجفون بزعقاته ونعراته وإشاراته لاحتراقه فِي نَفسه وتحققه بِمَا يجْرِي من دقائق الْأَسْرَار هَذِه الْجُمْلَة نبذ مِمَّا عهدناه مِنْهُ إِلَى انْتِهَاء أَجله فأدركه قَضَاء الله الَّذِي لَا بُد مِنْهُ بعد مَا مرض قبل ذَلِك مرض اليرقان وَبَقِي بِهِ أَيَّامًا ثمَّ برأَ مِنْهُ وَعَاد إِلَى الدَّرْس والمجلس وَأظْهر النَّاس من الْخَواص والعوام السرُور بِصِحَّتِهِ وإقباله من علته فَبعد ذَلِك بِعَهْد قريب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 مرض المرضة الَّتِي توفّي فِيهَا وَبَقِي فِيهَا أَيَّامًا وغلبت عَلَيْهِ الْحَرَارَة الَّتِي كَانَت تَدور فِي طبعه إِلَى أَن ضعف وَحمل إِلَى بشتنقان لاعتدال الْهَوَاء وخفة المَاء فَزَاد الضعْف وبدت عَلَيْهِ مخايل الْمَوْت وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بعد صَلَاة الْعَتَمَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر من سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَنقل فِي اللَّيْلَة إِلَى الْبَلَد وَقَامَ الصياح من كل جَانب وجزع الْفرق عَلَيْهِ جزعا لم يعْهَد مثله وَحمل بَين الصَّلَاتَيْنِ من يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى ميدان الْحُسَيْن وَلم تفتح الْأَبْوَاب فِي الْبَلَد وَوضعت المناديل عَن الرُّءُوس عَاما بِحَيْثُ مَا اجترأ أحد على ستر رَأسه من الرُّءُوس والكبار وَصلى عَلَيْهِ ابْنه الإِمَام أَبُو الْقَاسِم بعد جهد جهيد حَتَّى حمل إِلَى دَاره من شدَّة الزحمة وَقت التطفيل وَدفن فِي دَاره وَبعد سِنِين نقل إِلَى مَقْبرَة الْحُسَيْن وَكسر منبره فِي الْجَامِع المنيعي وَقعد النَّاس للعزاء أَيَّامًا عزاء عَاما وَأكْثر الشُّعَرَاء المراثي فِيهِ وَكَانَ الطّلبَة قَرِيبا من أَرْبَعمِائَة نفر يطوفون فِي الْبَلَد نائحين عَلَيْهِ مكسرين المحابر والأقلام مبالغين فِي الصياح والجزع وَكَانَ مولده ثامن عشر الْمحرم سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن تسع وَخمسين سنة سمع الحَدِيث الْكثير فِي صباه من مَشَايِخ مثل الشَّيْخ أبي حسان وَأبي سعد ابْن عَلَيْك وَأبي سعد النصروي وَمَنْصُور بن رامش وَجمع لَهُ كتاب الْأَرْبَعين فسمعناه مِنْهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 وَقد سمع سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من أبي سعد بن عَلَيْك وَكَانَ يعْتَمد تِلْكَ الْأَحَادِيث فِي مسَائِل الْخلاف وَيذكر الْجرْح وَالتَّعْدِيل مِنْهَا فِي الروَاة وظني أَن آثَار جده واجتهاده فِي دين الله يَدُوم إِلَى يَوْم السَّاعَة وَإِن انْقَطع نَسْله من جِهَة الذُّكُور ظَاهرا فنشر علمه يقوم مقَام كل نسب ويغنيه عَن كل نشب مكتسب وَالله تَعَالَى يسْقِي فِي كل لَحْظَة جَدِيدَة تِلْكَ الرَّوْضَة الشَّرِيفَة عزالي رَحمته وَيزِيد فِي ألطافه وكرامته بفضله ومنته إِنَّه ولي كل خير وَمِمَّا قيل عِنْد وَفَاته (قُلُوب الْعَالمين على المقالي ... وَأَيَّام الورى شبه اللَّيَالِي) (أيثمر غُصْن أهل الْفضل يَوْمًا ... وَقد مَاتَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي) انْتهى كَلَام عبد الغافر وَقد سَاقه بِكَمَالِهِ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي كتاب التَّبْيِين وَأما شَيخنَا الذَّهَبِيّ غفر الله لَهُ فَإِنَّهُ حَار كَيفَ يصنع فِي تَرْجَمَة هَذَا الإِمَام الَّذِي هُوَ من محَاسِن هَذِه الْأمة المحمدية وَكَيف يمزقها فقرطم مَا أمكنه ثمَّ قَالَ وَقد ذكره عبد الغافر فأسهب وَأَطْنَبَ إِلَى أَن قَالَ وَكَانَ يذكر دروسا وسَاق نَحْو ثَلَاثَة أسطر من أخريات كَلَام عبد الغافر ثمَّ كَأَنَّهُ سئم ومل لِأَن مثله مثل مَحْمُول على تقريظ عَدو لَهُ فَقَالَ بعد أَن انْتهى من ذكر السطور الثَّلَاثَة الَّتِي حَكَاهَا مَا نَصه وَذكر التَّرْجَمَة بِطُولِهَا انْتهى فَيُقَال لَهُ هلا زينت كتابك بهَا وطرزته بمحاسنها فَإِنَّهُ أولى من خرافات تحكيها لأقوام لَا يعبأ الله بهم بل ذكر أمورا سنبحث عَنْهَا بعد أَن نتكلم على أَلْفَاظ غَرِيبَة وَقعت فِي هَذِه التَّرْجَمَة قَوْله ترعرع أَي تحرّك وَنَشَأ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 قَوْله يفع كَذَا وجدته وَصَوَابه أَيفع بِهَمْزَة يُقَال أَيفع الْغُلَام أَي ارْتَفع فَهُوَ يافع وَغُلَام يفع أَي مُرْتَفع قَوْله يبر على مَا عهد من الْأَثر أَي يزِيد ويعلو وَهُوَ بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَأبر فلَان على أَصْحَابه أَي علاهم قَول الباخرزي فِي دمية الْقصر حقائقه البادرة أَي الحادة والبادرة الحدة أَو البديهة فَإِن البادرة تطلق عَلَيْهِمَا قَوْله وَلَوْلَا سَده مَكَان أَبِيه سد بِفَتْح السِّين وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْفَاعِل وَمَكَان مَفْعُوله قَوْله بسده بِضَم السِّين وَيجوز فتحهَا أَي بحاجزه والسد الْجَبَل والحاجز قَوْله أفرغ على قطره الْقطر بِضَم الْقَاف هُوَ النَّاحِيَة قَوْله قطر بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الطَّاء وَهُوَ النّحاس الْمُذَاب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أفرغ عَلَيْهِ قطرا} وَمذهب الحَدِيث مَذْهَب الشَّافِعِيَّة وَذَلِكَ اصْطِلَاح أهل خُرَاسَان إِذا أطْلقُوا أَصْحَاب الحَدِيث يعنون الشَّافِعِيَّة وَتَمام كَلَام الباخرزي بعد ذَلِك فِي دمية الْقصر وَله يَعْنِي لإِمَام الْحَرَمَيْنِ شعر لَا يكَاد يبديه وَأَرْجُو أَن يضيفه قبل إِلَى سوالف أياديه وَأطَال فِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 وَذكر أَنه بيض صحفه عساه ينشده من شعره شَيْئا يَكْتُبهُ فِيهَا وَمَا كَانَ الإِمَام يسمح بإنشاد شعر نَفسه اقتفاء بأثر وَالِده وبشتنقان بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة وَالنُّون الساكنة وَالْقَاف قَرْيَة على نصف فَرسَخ من مَدِينَة نيسابور وَقد حكى شَيخنَا الذَّهَبِيّ كسر الْمِنْبَر والأقلام والمحابر وَأَنَّهُمْ أَقَامُوا على ذَلِك حولا ثمَّ قَالَ وَهَذَا من فعل الْجَاهِلِيَّة والأعاجم لَا من فعل أهل السّنة والأتباع قلت وَقد حَار هَذَا الرجل مَا الَّذِي يُؤْذِي بِهِ هَذَا الإِمَام وَهَذَا لم يَفْعَله الإِمَام وَلَا أوصى بِهِ أَن يفعل حَتَّى يكون غضا مِنْهُ وَإِنَّمَا حَكَاهُ الحاكون إِظْهَارًا لِعَظَمَة الإِمَام عِنْد أهل عصره وَأَنه حصل لأهل الْعلم على كثرتهم فقد كَانُوا نَحْو أَرْبَعمِائَة تلميذ مَا لم يتمالكوا مَعَه الصَّبْر بل أداهم إِلَى هَذَا الْفِعْل وَلَا يخفى أَنه لَو لم تكن الْمُصِيبَة عِنْدهم بَالِغَة أقْصَى الغايات لما وَقَعُوا فِي ذَلِك وَفِي هَذَا أوضح دلَالَة لمن وَفقه الله على حَال هَذَا الإِمَام رَضِي الله عَنهُ وَكَيف كَانَ شَأْنه فِيمَا بَين أهل الْعلم فِي ذَلِك الْعَصْر المشحون بالعلماء والزهاد ذكر زيادات أخر فِي تَرْجَمَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ جمعناها من متفرقات الْكتب عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالِد الإِمَام قَالَ رَأَيْت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَنَام فَأَهْوَيْت لأقبل رجله فَمَنَعَنِي من ذَلِك تكريما لي فاستدبرت فَقبلت عَقِبَيْهِ فأولت ذَلِك الرّفْعَة وَالْبركَة تبقى فِي عَقبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 قلت وَأي رفْعَة وبركة أعظم من هَذَا الإِمَام الَّذِي طبق ذكره طبق الأَرْض وَعم نَفعه فِي مشارقها وَمَغَارِبهَا وَعَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ مَا تَكَلَّمت فِي علم الْكَلَام كلمة حَتَّى حفظت من كَلَام القَاضِي أبي بكر وَحده اثنى عشر ألف ورقة سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام يَحْكِي ذَلِك قلت انْظُر هَذَا الْأَمر الْعَظِيم وَهَذِه المجلدات الْكَثِيرَة الَّتِي حفظهَا من كَلَام شخص وَاحِد فِي علم وَاحِد فبقى كَلَام غَيره والعلوم الْأُخَر الَّتِي لَهُ فِيهَا الْيَد الباسطة والتصانيف المستكثرة فقها وأصولا وَغَيرهمَا وَكَأن مُرَاده بِالْحِفْظِ فهم تِلْكَ واستحضارها لِكَثْرَة المعاودة وَأما الدَّرْس عَلَيْهَا كَمَا يدرس الْإِنْسَان المختصرات فأظن القوى تعجز عَن ذَلِك ويحكى أَنه قَالَ يَوْمًا للغزالي يَا فَقِيه فَرَأى فِي وَجهه التَّغَيُّر كَأَنَّهُ اسْتَقل هَذِه اللَّفْظَة على نَفسه فَقَالَ لَهُ افْتَحْ هَذَا الْبَيْت فَفتح مَكَانا وجده مملوءا بالكتب فَقَالَ لَهُ مَا قيل لي يَا فَقِيه حَتَّى أتيت على هَذِه الْكتب كلهَا وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَبُو سعد فِي الذيل أَنه قَرَأَ بِخَط أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي عَليّ بن مُحَمَّد الهمذاني الْحَافِظ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ يَقُول لقد قَرَأت خمسين ألفا فِي خمسين ألفا ثمَّ خليت أهل الْإِسْلَام بِإِسْلَامِهِمْ فِيهَا وعلومهم الظَّاهِرَة وَركبت الْبَحْر الخضم وغصت فِي الَّذِي نهى أهل الْإِسْلَام عَنْهَا كل ذَلِك فِي طلب الْحق وَكنت أهرب فِي سالف الدَّهْر من التَّقْلِيد والآن قد رجعت عَن الْكل إِلَى كلمة الْحق عَلَيْكُم بدين الْعَجَائِز فَإِن لم يدركني الْحق بلطف بره فأموت على دين الْعَجَائِز وتختم عَاقِبَة أَمْرِي عِنْد الرحيل على نزهة أهل الْحق وَكلمَة الْإِخْلَاص لَا إِلَه إِلَّا الله فالويل لِابْنِ الْجُوَيْنِيّ يُرِيد نَفسه قلت ظَاهر هَذِه الْحِكَايَة عِنْد من لَا تَحْقِيق عِنْده البشاعة وَأَنه خلى الْإِسْلَام وَأَهله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 وَلَيْسَ هَذَا مَعْنَاهَا بل مُرَاده أَنه أنزل الْمذَاهب كلهَا فِي منزلَة النّظر وَالِاعْتِبَار غير متعصب لوَاحِد مِنْهَا بِحَيْثُ لَا يكون عِنْده ميل يَقُودهُ إِلَى مَذْهَب معِين من غير برهَان ثمَّ توضح لَهُ الْحق وَأَنه الْإِسْلَام فَكَانَ على هَذِه الْملَّة عَن اجْتِهَاد وبصيرة لَا عَن تَقْلِيد وَلَا يخفى أَن هَذَا مقَام عَظِيم لَا يتهيأ إِلَّا لمثل هَذَا الإِمَام وَلَيْسَ يسمع بِهِ لكل أحد فَإِن غائلته تخشى إِلَّا على من برز فِي الْعُلُوم وَبلغ فِي صِحَة الذِّهْن مبلغ هَذَا الرجل الْعَظِيم فأرشد إِلَى أَن الَّذِي يَنْبَغِي عدم الْخَوْض فِي هَذَا وَاسْتِعْمَال دين الْعَجَائِز ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه مَعَ بُلُوغه هَذَا الْمبلغ وَأَخذه الْحق عَن الِاجْتِهَاد والبصيرة لَا يَأْمَن مكر الله بل يعْتَقد أَن الْحق إِن لم يُدْرِكهُ بِلُطْفِهِ وَيخْتم لَهُ بِكَلِمَة الْإِخْلَاص فالويل لَهُ وَلَا يَنْفَعهُ إِذْ ذَاك علومه وَإِن كَانَت مثل مدد الْبَحْر فَانْظُر هَذِه الْحِكَايَة مَا أحْسنهَا وأدلها على عَظمَة هَذَا الإِمَام وتسليمه لرَبه تَعَالَى وتفويضه الْأَمر إِلَيْهِ وَعدم اتكاله على علومه ثمَّ تعجب بعْدهَا من جَاهِل يفهم مِنْهَا غير المُرَاد ثمَّ يخبط خبط عشواء وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَيْضا أَنه سمع أَبَا الْعَلَاء أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ بأصبهان ذكر عَن مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْحسن القيرواني الأديب بنيسابور وَكَانَ مِمَّن يخْتَلف إِلَى درس إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه قَالَ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي يَقُول لَا تشتغلوا بالْكلَام فَلَو عرفت أَن الْكَلَام يبلغ بِي مَا بلغ مَا اشتغلت بِهِ قلت أَنا يشبه أَن تكون هَذِه الْحِكَايَة مكذوبة وَابْن طَاهِر عِنْده تحامل على إِمَام الْحَرَمَيْنِ والقيرواني الْمشَار إِلَيْهِ رجل مَجْهُول ثمَّ هَذَا الإِمَام الْعَظِيم الَّذِي مَلَأت تلامذته الأَرْض لَا ينْقل هَذِه الْحِكَايَة عَنهُ غير رجل مَجْهُول وَلَا تعرف من غير طَرِيق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 ابْن طَاهِر إِن هَذَا لعجيب وأغلب ظَنِّي أَنَّهَا كذبة افتعلها من لَا يستحي وَمَا الَّذِي بلغ بِهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ علم الْكَلَام أَلَيْسَ قد أعز الله بِهِ الْحق وَأظْهر بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة ثمَّ نقُول لهَذَا الَّذِي لَا يفهم إِن كَانَ علم الْكَلَام بلغ بِهِ الْحق فَلَا ينْدَم على الِاشْتِغَال بِهِ وَإِن بلغ بِهِ الْبَاطِل فَإِن لم يعرف أَنه على الْبَاطِل وَظن أَنه على الْحق فَكَذَلِك لَا ينْدَم وَإِن عرف أَنه على بَاطِل فمعرفته بِأَنَّهُ على بَاطِل مُوجبَة لرجوعه عَنهُ فَلَيْسَ ثمَّ مَا ينْتَقد ذكر مَا وَقع من التخبيط فِي كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ والتحامل على هَذَا الإِمَام الْعَظِيم فِي أَمر هَذَا الإِمَام الَّذِي هُوَ من أساطين هَذِه الْملَّة المحمدية نضرها الله قد قدمنَا لَك من تحامل الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ فِي تمزيقه كَلَام عبد الغافر وإنكاره مَا فعل تلامذة الإِمَام عِنْد مَوته وَأَنت إِذا عرفت حَال الذَّهَبِيّ لم تحتج إِلَى دَلِيل يدل على أَنه قد تحامل عَلَيْهِ (وَلَيْسَ يَصح فِي الأذهان شَيْء ... إِذا احْتَاجَ النَّهَار إِلَى دَلِيل) فَمن كَلَام الذَّهَبِيّ وَكَانَ أَبُو الْمَعَالِي مَعَ تبحره فِي الْفِقْه وأصوله لَا يدْرِي الحَدِيث ذكر فِي كتاب الْبُرْهَان حَدِيث معَاذ فِي الْقيَاس فَقَالَ هُوَ مدون فِي الصِّحَاح مُتَّفق على صِحَّته كَذَا قَالَ وأنى لَهُ فِي الصِّحَّة ومداره على الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول عَن رجال من أهل حمص لَا يدرى من هم عَن معَاذ انْتهى فَأَما قَوْله كَانَ لَا يدْرِي الحَدِيث فإساءة على مثل هَذَا الإِمَام لَا تنبغي وَقد تقدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 فِي كَلَام عبد الغافر اعْتِمَاده الْأَحَادِيث فِي مسَائِل الْخلاف وَذكره الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِيهَا وَعبد الغافر أعرف بشيخه من الذَّهَبِيّ وَمن يكون بِهَذِهِ المثابة كَيفَ يُقَال عَنهُ لَا يدْرِي الحَدِيث وهب أَنه زل فِي حَدِيث أَو حديثين أَو أَكثر فَلَا يُوجب ذَلِك أَن يَقُول لَا يدْرِي الْفَنّ وَمَا هَذَا الحَدِيث وَحده ادّعى الإِمَام صِحَّته وَلَيْسَ بِصَحِيح بل قد ادّعى ذَلِك فِي أَحَادِيث غَيره وَلم يُوجب ذَلِك عندنَا الغض مِنْهُ وَلَا إنزاله عَن مرتبته الصاعدة فَوق آفَاق السَّمَاء ثمَّ الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وهما من دواوين الْإِسْلَام وَالْفُقَهَاء لَا يتحاشون من إِطْلَاق لفظ الصِّحَاح عَلَيْهِمَا لَا سِيمَا سنَن أبي دَاوُد فَلَيْسَ هَذَا كَبِير أَمر وَمن قَبِيح كَلَامه قَالَ وَقَالَ الْمَازرِيّ فِي شرح الْبُرْهَان فِي قَوْله إِن الله يعلم الكليات لَا الجزئيات وددت لَو محوتها بدمي قلت هَذِه لَفْظَة ملعونة قَالَ ابْن دحْيَة هِيَ كلمة مكذبة للْكتاب وَالسّنة يكفر بهَا هجره عَلَيْهَا جمَاعَة وَحلف الْقشيرِي لَا يكلمهُ بِسَبَبِهَا مُدَّة فجاوز وَتَابَ انْتهى مَا أقبحه فصلا مُشْتَمِلًا على الْكَذِب الصراح وَقلة الْحق مستحلا على قَائِله بِالْجَهْلِ بِالْعلمِ وَالْعُلَمَاء وَقد كَانَ الذَّهَبِيّ لَا يدْرِي شرح الْبُرْهَان وَلَا هَذِه الصِّنَاعَة وَلكنه يسمع خرافات من طلبة الْحَنَابِلَة فيعتقدها حَقًا ويودعها تصانيفه أما قَوْله إِن الإِمَام قَالَ إِن الله يعلم الكليات لَا الجزئيات يُقَال لَهُ مَا أجرأك على الله مَتى قَالَ الإِمَام هَذَا وَلَا خلاف بَين أَئِمَّتنَا فِي تَكْفِير من يعْتَقد هَذِه الْمقَالة وَقد نَص الإِمَام فِي كتبه الكلامية بأسرها على كفر من يُنكر الْعلم بالجزئيات وَإِنَّمَا وَقع فِي الْبُرْهَان فِي أصُول الْفِقْه شَيْء استطرده الْقَلَم إِلَيْهِ فهم مِنْهُ الْمَازرِيّ ثمَّ أَمر هَذَا وَذكر مَا سنحكيه عَنهُ وسنجيب عَن ذَلِك ونعقد لَهُ فصلا مُسْتقِلّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 وَأما قَوْله قلت هَذِه لَفْظَة ملعونة فَنَقُول لعن الله قَائِلهَا وَأما قَوْله قَالَ ابْن دحْيَة إِلَى آخر مَا حَكَاهُ عَنهُ فَنَقُول هَل يحتاح مثل هَذِه الْمقَالة إِلَى كَلَام ابْن دحْيَة وَلَو قَرَأَ الرجل شَيْئا من علم الْكَلَام لما احْتَاجَ إِلَى ذَلِك فَلَا خلاف بَين الْمُسلمين فِي تَكْفِير منكري الْعلم بالجزئيات وَهِي إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي كفرت بهَا الفلاسفة وَأما قَوْله وَحلف الْقشيرِي لَا يكلمهُ بِسَبَبِهَا مُدَّة فَمن نقل لَهُ ذَلِك وَفِي أَي كتاب رَآهُ وَأقسم بِاللَّه يَمِينا بارة إِن هَذِه مختلقة على الْقشيرِي وَقد كَانَ الْقشيرِي من أَكثر الْخلق تَعْظِيمًا للْإِمَام وَقدمنَا عَنهُ عبارَة المدرجوركيه وَهِي قَوْله فِي حَقه لَو ادّعى النُّبُوَّة لأغناه كَلَامه عَن إِظْهَار المعجزة وَابْن دحْيَة لَا تقبل رِوَايَته فَإِنَّهُ مُتَّهم بِالْوَضْعِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا ظَنك بِالْوَضْعِ على غَيره والذهبي نَفسه معترف بِأَنَّهُ ضَعِيف وَقد بَالغ فِي تَرْجَمته فِي الإزراء عَلَيْهِ وَتَقْرِير أَنه كَذَّاب وَنقل تَضْعِيفه عَن الْحَافِظ أَيْضا وَعَن ابْن نقطة وَغير وَاحِد وَأخْبر النَّاس بِهِ الْحَافِظ ابْن النجار اجْتمع بِهِ وجالسه وَقَالَ فِي تَرْجَمته رَأَيْت النَّاس مُجْمِعِينَ على كذبه وَضَعفه قَالَ وَكَانَت أَمَارَات ذَلِك لائحة عَلَيْهِ وَأطَال فِي ذَلِك وَبِالْجُمْلَةِ لَا أعرف مُحدثا إِلَّا وَقد ضعف ابْن دحْيَة وَكذبه لَا الذَّهَبِيّ وَلَا غَيره وَكلهمْ يصفه بالوقيعة فِي الْأَئِمَّة والاختلاق عَلَيْهِم وَكفى بذلك وَأما قَوْله وَبَقِي بِسَبَبِهَا مُدَّة مجاورا وَتَابَ فَمن البهت لم ينف الإِمَام أحد وَإِنَّمَا هُوَ خرج وَمَعَهُ الْقشيرِي وَخلق فِي وَاقعَة الكندري الَّتِي حكيتها فِي تَرْجَمَة الْأَشْعَرِيّ وَفِي تَرْجَمَة أبي سهل بن الْمُوفق وَهِي وَاقعَة مَشْهُورَة خرج بِسَبَبِهَا الإِمَام والقشيري الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 والحافظ الْبَيْهَقِيّ وَخلق كَانَ سَببهَا أَن الكندري أَمر بلعن الْأَشْعَرِيّ على المنابر لَيْسَ غير ذَلِك وَمن ادّعى غير ذَلِك فقد احْتمل بهتانا وإثما مُبينًا وَمن كَلَامه أَيْضا أخبرنَا يحيى بن أبي مَنْصُور الْفَقِيه وَغَيره من كِتَابهمْ عَن الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي عَن أبي الْعَلَاء الْحَافِظ الهمذاني أخبرهُ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو جَعْفَر الهمذاني الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَقد سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} فَقَالَ كَانَ الله وَلَا عرش وَجعل يتخبط فِي الْكَلَام فَقلت قد علمنَا مَا أَشرت إِلَيْهِ فَهَل عِنْد الضرورات من حِيلَة فَقَالَ مَا تُرِيدُ بِهَذَا القَوْل وَمَا تَعْنِي بِهَذِهِ الْإِشَارَة قلت مَا قَالَ عَارِف قطّ يَا رباه إِلَّا قبل أَن يَتَحَرَّك لِسَانه قَامَ من بَاطِنه قصد لَا يلْتَفت يمنة وَلَا يسرة يقْصد الْفَوْقِيَّة فَهَل لهَذَا الْقَصْد الضَّرُورِيّ عنْدك من حِيلَة فبينها نتخلص من الفوق والتحت وبكيت وَبكى الْخلق فَضرب بِيَدِهِ على السرير وَصَاح بِالْحيرَةِ وخرق مَا كَانَ عَلَيْهِ وَصَارَت قِيَامَة فِي الْمَسْجِد فَنزل وَلَا يجبني إِلَّا بتأفيف الدهشة والحيرة وَسمعت بعد هَذَا أَصْحَابه يَقُولُونَ سمعناه يَقُول حيرني الهمذاني انْتهى قلت قد تكلّف لهَذِهِ الْحِكَايَة وأسندها بِإِجَازَة على إجَازَة مَعَ مَا فِي إسنادها مِمَّن لَا يخفى محاطة على الْأَشْعَرِيّ وَعدم مَعْرفَته بِعلم الْكَلَام ثمَّ أَقُول يَا لله وَيَا للْمُسلمين أيقال عَن الإِمَام إِنَّه يتخبط عِنْد سُؤال سَأَلَهُ إِيَّاه هَذَا الْمُحدث وَهُوَ أستاذ المناظرين وَعلم الْمُتَكَلِّمين أَو كَانَ الإِمَام عَاجِزا عَن أَن يَقُول لَهُ كذبت يَا مَلْعُون فَإِن الْعَارِف لَا يحدث نَفسه بفوقية الجسمية وَلَا يحدد ذَلِك إِلَّا جَاهِل يعْتَقد الْجِهَة بل نقُول لَا يَقُول عَارِف يَا رباه إِلَّا وَقد غَابَتْ عَنهُ الْجِهَات وَلَو كَانَت جِهَة فَوق مَطْلُوبَة لما منع الْمُصَلِّي من النّظر إِلَيْهَا وشدد عَلَيْهِ فِي الْوَعيد عَلَيْهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 وَأما قَوْله صَاح بِالْحيرَةِ وَكَانَ يَقُول حيرني الهمذاني فكذب مِمَّن لَا يستحيي وليت شعري أَي شُبْهَة أوردهَا وَأي دَلِيل اعْتَرَضَهُ حَتَّى يَقُول حيرني الهمذاني ثمَّ أَقُول إِن كَانَ الإِمَام متحيرا لَا يدْرِي مَا يعْتَقد فواها على أَئِمَّة الْمُسلمين من سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة إِلَى الْيَوْم فَإِن الأَرْض لم تخرج من لدن عَهده أعرف مِنْهُ بِاللَّه وَلَا أعرف مِنْهُ فيالله مَاذَا يكون حَال الذَّهَبِيّ وَأَمْثَاله إِذا كَانَ مثل الإِمَام متحيرا إِن هَذَا لخزي عَظِيم ثمَّ لَيْت شعري من أَبُو جَعْفَر الهمذاني فِي أَئِمَّة النّظر وَالْكَلَام وَمن هُوَ من ذَوي التَّحْقِيق من عُلَمَاء الْمُسلمين ثمَّ أعَاد الذَّهَبِيّ الْحِكَايَة عَن مُحَمَّد بن طَاهِر عَن أبي جَعْفَر وَكِلَاهُمَا لَا يقبل نَقله وَزَاد فِيهَا أَن الإِمَام صَار يَقُول يَا حَبِيبِي مَا ثمَّ إِلَّا الْحيرَة فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون لقد ابتلى الْمُسلمُونَ من هَؤُلَاءِ الجهلة بمصيبة لَا عزاء بهَا ثمَّ ذكر أَن أَبَا عبد الله الْحسن بن الْعَبَّاس الرستمي قَالَ حكى لنا أَبُو الْفَتْح الطَّبَرِيّ الْفَقِيه قَالَ دَخَلنَا على أبي الْمَعَالِي فِي مَرضه فَقَالَ اشْهَدُوا عَليّ أَنِّي رجعت عَن كل مقَالَة يُخَالف فِيهَا السّلف وَأَنِّي أَمُوت على مَا يَمُوت عَلَيْهِ عَجَائِز نيسابور انْتهى وَهَذِه الْحِكَايَة لَيْسَ فِيهَا شَيْء مستنكر إِلَّا مَا يُوهم أَنه كَانَ على خلاف السّلف وَنقل فِي الْعبارَة زِيَادَة على عبارَة الإِمَام ثمَّ أَقُول للأشاعرة قَولَانِ مشهوران فِي إِثْبَات الصِّفَات هَل تمر على ظَاهرهَا مَعَ اعْتِقَاد التَّنْزِيه أَو تؤول وَالْقَوْل بالإمرار مَعَ اعْتِقَاد التَّنْزِيه هُوَ المعزو إِلَى السّلف وَهُوَ اخْتِيَار الإِمَام فِي الرسَالَة النظامية وَفِي مَوَاضِع من كَلَامه فرجوعه مَعْنَاهُ الرُّجُوع عَن التَّأْوِيل إِلَى التَّفْوِيض وَلَا إِنْكَار فِي هَذَا وَلَا فِي مُقَابلَة فَإِنَّهَا مَسْأَلَة اجتهادية أَعنِي مَسْأَلَة التَّأْوِيل أَو التَّفْوِيض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 مَعَ اعْتِقَاد التَّنْزِيه إِنَّمَا الْمُصِيبَة الْكُبْرَى والداهية الدهياء الإمرار على الظَّاهِر والاعتقاد أَنه المُرَاد وَأَنه لَا يَسْتَحِيل على الْبَارِي فَذَلِك قَول المجسمة عباد الوثن الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ يحملهم الزيغ على اتِّبَاع الْمُتَشَابه ابْتِغَاء الْفِتْنَة عَلَيْهِم لعائن الله تترى وَاحِدَة بعد أُخْرَى مَا أجرأهم على الْكَذِب وَأَقل فهمهم للحقائق شرح حَال مَسْأَلَة الاسترسال الَّتِي وَقعت فِي كتاب الْبُرْهَان اعْلَم أَن هَذَا الْكتاب وَضعه الإِمَام فِي أصُول الْفِقْه على أسلوب غَرِيب لم يقتد فِيهِ بِأحد وَأَنا أُسَمِّيهِ لغز الْأمة لما فِيهِ مصاعب الْأُمُور وَأَنه لَا يخلي مَسْأَلَة عَن إِشْكَال وَلَا يخرج إِلَّا عَن اخْتِيَار يخترعه لنَفسِهِ وتحقيقات يستبد بهَا وَهَذَا الْكتاب من مفتخرات الشَّافِعِيَّة وَأَنا أعجب لَهُم فَلَيْسَ مِنْهُم من انتدب لشرحه وَلَا للْكَلَام عَلَيْهِ إِلَّا مَوَاضِع يسيرَة تكلم عَلَيْهَا أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ فِي كتاب القواطع وردهَا على الإِمَام وَإِنَّمَا انتدب لَهُ الْمَالِكِيَّة فشرحه الإِمَام أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ شرحا لم يتمه وَعمل عَلَيْهِ أَيْضا مشكلات ثمَّ شَرحه أَيْضا أَبُو الْحسن الْأَنْبَارِي من الْمَالِكِيَّة ثمَّ جَاءَ شخص مغربي يُقَال لَهُ الشريف أَبُو يحيى جمع بَين الشرحين وَهَؤُلَاء كلهم عِنْدهم بعض تحامل على الإِمَام من جِهَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَنهم يستصعبون مُخَالفَة الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ويرونها هجنة عَظِيمَة وَالْإِمَام لَا يتَقَيَّد لَا بالأشعري وَلَا بالشافعي لَا سِيمَا فِي الْبُرْهَان وَإِنَّمَا يتَكَلَّم على حسب تأيدة نظره واجتهاده وَرُبمَا خَالف الْأَشْعَرِيّ وأتى بِعِبَارَة عالية على عَادَة فَصَاحَته فَلَا تحمل المغاربة أَن يُقَال مثلهَا فِي حق الْأَشْعَرِيّ وَقد حكينا كثيرا من ذَلِك فِي شرحنا على مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 وَالثَّانيَِة أَنه رُبمَا نَالَ من الإِمَام مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا فعل فِي مَسْأَلَة الاستصلاح والمصالح الْمُرْسلَة وَغَيرهَا وبهاتين الصفتين يحصل للمغاربة بعض التحامل عَلَيْهِ مَعَ اعترافهم بعلو قدره واقتصارهم لَا سِيمَا فِي علم الْكَلَام على كتبه ونهيهم عَن كتب غَيره ثمَّ اعْلَم أَن لهَذَا الإِمَام من الْحُقُوق فِي الْإِسْلَام والمناضلة فِي علم الْكَلَام عَن الدّين الحنيفي مَا لَا يخفى على ذِي تَحْصِيل وَقد فهم عَنهُ الْمَازرِيّ إِنْكَار الْعلم بالجزئيات وَأنكر وأفرط فِي التَّغْلِيظ عَلَيْهِ وَأَشْبع القَوْل فِي تَقْرِير إحاطة الْعلم الْقَدِيم بالجزئيات وَلَا حَاجَة بِهِ إِلَيْهِ فَإِن أحدا لم ينازعه فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ تصور أَن الإِمَام ينازعه فِيهِ ومعاذ الله أَن يكون ذَلِك وَلَقَد سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله غير مرّة يَقُول لم يفهم الْمَازرِيّ كَلَام الإِمَام وَلم أسمع مِنْهُ زِيَادَة على هَذَا وَقلت أَنا لَهُ رَحمَه الله إِذْ ذَاك لَو كَانَ الإِمَام على هَذِه العقيدة لم يحْتَج إِلَى أَن يدأب نَفسه فِي تصنيف النِّهَايَة فِي الْفِقْه وَفِيه جزئيات لَا تَنْحَصِر وَالْعلم غير مُتَعَلق على هَذَا التَّقْدِير عِنْده بهَا وَقلت لَهُ أَيْضا هَذَا كتاب الشَّامِل للْإِمَام فِي مجلدات عدَّة فِي علم الْكَلَام وَالْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة حَقّهَا أَن تقرر فِيهِ لَا فِي الْبُرْهَان فَلم لَا يكْشف عَن عقيدته فِيهِ فأعجبه ذَلِك وَأَقُول الْآن قبل الْخَوْض فِي كَلَام الإِمَام والمازري لقد فحصت عَن كَلِمَات هَذَا الإِمَام فِي كتبه الكلامية فَوجدت إحاطة علم الله تَعَالَى عِنْده بالجزئيات أمرا مفروغا مِنْهُ وأصلا مقررا يكفر من خَالفه فِيهِ وَهَذِه مَوَاضِع من كَلَامه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 قَالَ فِي الشَّامِل فِي القَوْل فِي إِقَامَة الدَّلَائِل على الْحَيَاة وَالْعلم بعد أَن قرر إِجْمَاع الْأمة على بطلَان قَول من يثبت علمين قديمين مَا نَصه فَلم يبْق إِلَّا مَا صَار إِلَيْهِ أهل الْحق من إِثْبَات علم وَاحِد قديم مُتَعَلق بِجَمِيعِ المعلومات انْتهى ثمَّ قَالَ فَإِن قَالَ قَائِل إِذا جوزتم أَن يُخَالف علم الْقَدِيم الْعلم الْحَادِث وَلم تمنعوا أَن يتَعَلَّق الْعلم الْوَاحِد بِمَا لَا يتناهى ومنعتم ذَلِك فِي الْعلم الْحَادِث واندفع فِي سُؤال أوردهُ ثمَّ قَالَ قُلْنَا الدّلَالَة دلّت على وجوب كَون الْقَدِيم عَالما بِجَمِيعِ المعلومات ثمَّ قَالَ فَإِن قيل مَا دليلكم على وجوب كَونه عَالما بِكُل المعلومات وَبِمَ تنكرون على من يَأْبَى ذَلِك قلت قد تدبرت كَلَام الْمَشَايِخ فِي كتبهمْ ومصنفاتهم وأحطت فِي غَالب ظَنِّي بِكُل مَا قَالُوهُ وَذكر طَريقَة ارتضاها فِي الدّلَالَة على ذَلِك وختمها بِمَا نَصه فَهَذِهِ هِيَ الدّلَالَة القاطعة على وجوب كَون الْإِلَه سُبْحَانَهُ عَالما بِكُل مَعْلُوم انْتهى وَقَالَ فِي بَاب القَوْل فِي أَن الْعلم الْحَادِث هَل يتَعَلَّق بمعلومين مَا نَصه إِذا علم الْعَالم منا أَن مَعْلُومَات الْبَارِي لَا تتناهى انبهر وَكرر فِي هَذَا الْفَصْل أَنه تَعَالَى يعلم مَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل غير مَا مرّة وَلَا معنى للتطويل فِي ذَلِك وَكتبه مشحونه بِهِ وَقَالَ فِي الْإِرْشَاد فِي مَسْأَلَة تَقْرِير الْعلم الْقَدِيم مَا نَصه وَمِمَّا يتمسكون بِهِ أَن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 قَالُوا علم الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على زعمك يتَعَلَّق بِمَا لَا يتناهى من المعلومات على التَّفْصِيل انْتهى ثمَّ لما أجَاب عَن شُبْهَة الْقَوْم قرر هَذَا التَّقْرِير وَهُوَ عِنْده مفروغ مِنْهُ وَكَذَلِكَ فِي الْبُرْهَان فِي بَاب النّسخ صرح بِأَن الله تَعَالَى يعلم على سَبِيل التَّفْصِيل كل شَيْء إِذا عرفت ذَلِك فَأَنا على قطع بِأَنَّهُ معترف بإحاطة الْعلم بالجزئيات فَإِن قلت وَمَا بَيَان هَذَا الْكَلَام الْوَاقِع فِي الْبُرْهَان قلت الْعَالم من يَدْعُو الْوَاضِح وَاضحا والمشكل مُشكلا وَهُوَ كَلَام مُشكل بِحَيْثُ أبهم أمره على الْمَازرِيّ مَعَ فرط ذكائه وتضلعه بعلوم الشَّرِيعَة وَأَنا أحكيه ثمَّ أقرره وَأبين لَك أَن الْقَوْم لم يفهموا إِيرَاد الإِمَام وَأَن كَلَامه الْمشَار إِلَيْهِ مَبْنِيّ على إحاطة الْعلم الْقَدِيم بالجزئيات فَكيف يُؤْخَذ مِنْهُ خِلَافه فَأَقُول قَالَ الإِمَام وَأما الْمُمَيز بَين الْجَوَاز الْمَحْكُوم بِهِ وَالْجَوَاز بِمَعْنى التَّرَدُّد وَالشَّكّ فلائح ومثاله أَن الْعقل يقْضِي بِجَوَاز تحرّك جسم وَهَذَا الْجَوَاز ثَبت بِحكم الْعقل وَهُوَ نقيض الاستحالة وَأما الْجَوَاز المتردد فكثير وَنحن نكتفي فِيهِ بمثال وَاحِد ونقول تردد المتكلمون فِي انحصار الْأَجْنَاس كالألوان فَقطع القاطعون بِأَنَّهَا غير متناهية فِي الْإِمْكَان كآحاد كل جنس وَزعم آخَرُونَ أَنَّهَا منحصرة وَقَالَ المقتصدون لَا نَدْرِي أَنَّهَا منحصرة لم يبنوا مَذْهَبهم على بَصِيرَة وَتَحْقِيق وَالَّذِي أرَاهُ قطعا أَنَّهَا منحصرة فَإِنَّهَا لَو كَانَت غير منحصرة لتَعلق الْعلم مِنْهَا بآحاد على التَّفْصِيل وَذَلِكَ مُسْتَحِيل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 فَإِن استنكر الجهلة ذَلِك وشمخوا بآنافهم وَقَالُوا الْبَارِي تَعَالَى عَالم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل سفهنا عُقُولهمْ وأحلنا تَقْرِير هَذَا الْفَنّ على أَحْكَام الصِّفَات وَبِالْجُمْلَةِ علم الله تَعَالَى إِذا تعلق بجواهر لَا نِهَايَة لَهَا فَمَعْنَى تعلقه بهَا استرساله عَلَيْهَا من غير تعرض لتفصيل الْآحَاد مَعَ نفي النِّهَايَة فَإِن مَا يحِيل دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود يحِيل وُقُوع تقريرات غير متناهية فِي الْعلم والأجناس الْمُخْتَلفَة الَّتِي فِيهَا الْكَلَام يَسْتَحِيل استرسال الْكَلَام عَلَيْهَا فَإِنَّهَا متباينة الْجَوَاهِر وَتعلق الْعلم بهَا على التَّفْصِيل مَعَ نفي النِّهَايَة محَال وَإِذا لاحت الْحَقَائِق فَلْيقل الأخرق بعْدهَا مَا شَاءَ انْتهى كَلَامه فِي الْبُرْهَان وَالَّذِي أرَاهُ لنَفْسي وَلمن أحبه الِاقْتِصَار على اعْتِقَاد أَن علم الله تَعَالَى مُحِيط بالكليات والجزئيات جليلها وحقيرها وتكفير من يُخَالف فِي وَاحِد من الْفَصْلَيْنِ واعتقاد أَن هَذَا الإِمَام بَرِيء من الْمُخَالفَة فِي وَاحِد مِنْهُمَا بِدَلِيل تصريحه فِي كتبه الكلامية بذلك وَأَن أحدا من الأشاعرة لم ينْقل هَذَا عَنهُ مَعَ تتبعهم لكَلَامه وَمَعَ أَن تلامذته وتصانيفه مَلَأت الدُّنْيَا وَلم يعرف أَن أحدا عزا ذَلِك إِلَيْهِ وَهَذَا برهَان قَاطع على كذب من تفرد بِنَقْل ذَلِك عَنهُ فَإِنَّهُ لَو كَانَ صَحِيحا لتوفرت الدَّوَاعِي على نَقله ثمَّ إِذا عرض هَذَا الْكَلَام نقُول هَذَا مُشكل نضرب عَنهُ صفحا مَعَ اعْتِقَاد أَن مَا فهم مِنْهُ من أَن الْعلم الْقَدِيم لَا يُحِيط بالجزئيات لَيْسَ بِصَحِيح وَلَكِن هُنَاكَ معنى غير ذَلِك لسنا مكلفين بالبحث عَنهُ وَإِذا دفعنَا إِلَى هَذَا الزَّمَان الَّذِي شمخت الْجُهَّال فِيهِ بأنوفها وَأَرَادُوا الضعة من قدر هَذَا الإِمَام وأشاعوا أَن هَذَا الْكَلَام مِنْهُ دَال على أَن الْعلم الْقَدِيم لَا يُحِيط بالجزئيات أحوجنا ذَلِك إِلَى الدفاع عَنهُ وَبَيَان سوء فهمهم واندفعنا فِي تَقْرِير كَلَامه وإيضاح مَعْنَاهُ فَنَقُول مَقْصُود الإِمَام بِهَذَا الْكَلَام الْفرق بَين إِمْكَان الشَّيْء فِي نَفسه وَهُوَ كَونه لَيْسَ بمستحيل وَعبر عَنهُ بِالْجَوَازِ الْمَحْكُوم بِهِ وَمثل لَهُ بِجَوَاز تحرّك جسم سَاكن وَبَين الْإِمْكَان الذهْنِي وَهُوَ الشَّك والتوقف وَعدم الْعلم بالشَّيْء وَإِن كَانَ الشَّيْء فِي نَفسه مستحيلا وَعبر عَنهُ بِالْجَوَازِ بِمَعْنى التَّرَدُّد وَمثل لَهُ بِالشَّكِّ فِي تناهي الْأَجْنَاس وَعدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 تناهيها عِنْد الشاكين مَعَ أَن عدم تناهيها يَسْتَحِيل عِنْده وَإِلَى استحالته أَشَارَ بقوله وَالَّذِي أرَاهُ قطعا أَنَّهَا منحصرة وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَنَّهَا لَو كَانَت غير منحصرة لتَعلق الْعلم بآحاد لَا تتناهى على التَّفْصِيل لِأَن الله تَعَالَى عَالم بِكُل شَيْء فَإِذا كَانَت الْأَجْنَاس غير متناهية وَجب أَن يعلمهَا غير متناهية لِأَنَّهُ يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَهِي لَا تَفْصِيل لَهَا حَتَّى يُعلمهُ على التَّفْصِيل فالرب تَعَالَى يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ إِن مجملة فمجملة وَإِن مفصلة فمفصلة والأجناس الْمُخْتَلفَة متباينة بحقائقها فَإِذا علم وَجب أَن يعلمهَا مفصلة متمايزة بَعْضهَا عَن بعض وَأما أَن ذَلِك يَسْتَحِيل فَلِأَن كل مَعْلُوم على التَّفْصِيل فَهُوَ منحصر متناه كَمَا أَنه مَوْجُود فِي الْخَارِج فَهُوَ منحصر متناه لوُجُوب تشخصها فِي الذِّهْن كَمَا فِي الْخَارِج وَاعْلَم أَن الإِمَام إِنَّمَا سكت عَن بَيَان الْمُلَازمَة لِأَن دليلها كالمفروغ مِنْهُ وَقَوله فَإِن استنكر الجهلة ذَلِك وَقَالُوا الباريء عَالم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل هُوَ إِشَارَة إِلَى اعْتِرَاض على قَوْله وَذَلِكَ مُسْتَحِيل تَقْرِيره أَن البارىء تَعَالَى عَالم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل وَهَذَا أصل مفروغ مِنْهُ وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقولك إِن تعلق الْعلم بِمَا لَا يتناهى مُسْتَحِيل قَول مَمْنُوع وَقَوله سفهنا عُقُولهمْ هُوَ جَوَاب الِاعْتِرَاض وَقَوله وأحلنا تَقْرِير هَذَا الْفَنّ على أَحْكَام الصِّفَات إِشَارَة إِلَى أَن تَقْرِير اسْتِحَالَة تعلق الْعلم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل مَذْكُور فِي بَاب أَحْكَام الصِّفَات وَكتب أصُول الدّين وَقَوله وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ بَيَان لكيفية تعلق علم الله تَعَالَى بِمَا لَا يتناهى مَعَ صَلَاحِية كَونه جَوَابا عَن الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور وَتَقْرِيره أَن علم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذا تعلق بجواهر لَا نِهَايَة لَهَا كَانَ معنى تعلقه بهَا استرساله عَلَيْهَا وَمعنى استرساله عَلَيْهَا وَالله أعلم هُوَ أَن علمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتَعَلَّق بِالْعلمِ الْكُلِّي الشَّامِل لَهَا على سَبِيل التَّفْصِيل فيسترسل عَلَيْهَا من غير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 تَفْصِيل الْآحَاد لتَعَلُّقه بالشامل لَهَا من غير تَمْيِيز بَعْضهَا عَن بعض تعلقه بهَا على هَذَا الْوَجْه وَعدم تعلقه بهَا على سَبِيل التَّفْصِيل لَيْسَ بِنَقص فِي التَّفْصِيل فِيهَا مَعَ نفي النِّهَايَة مُسْتَحِيل فَإِذا وَجب أَن تكون غير مفصلة وَوَجَب أَن يعلمهَا غير مفصلة لوُجُوب تعلق الْعلم بالشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَقَوله فَإِن مَا يحِيل دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود يحِيل وُقُوع تقديرات غير متناهية فِي الْعلم أَي إِنَّمَا تعلق علمه بهَا على سَبِيل الاسترسال لَا على سَبِيل التَّفْصِيل لِأَن الْمَعْلُوم على التَّفْصِيل يَسْتَحِيل أَن يكون غير متناه كَمَا أَن الْمَوْجُود يَسْتَحِيل أَن يكون غير متناه فَمَا لَيْسَ بمتناه يَسْتَحِيل أَن يكون مفصلا متميزا بعضه عَن بعض فَإِذا تعلق الْعلم بِهِ وَجب أَن يكون معنى تعلقه استرساله عَلَيْهِ لوُجُوب تعلق الْعلم بالشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ من إِجْمَال أَو تَفْصِيل قَوْله والأجناس الْمُخْتَلفَة الَّتِي فِيهَا الْكَلَام يَسْتَحِيل استرسال الْعلم عَلَيْهَا جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر من جِهَة الْمُعْتَرض تَقْرِير السُّؤَال إِذا جَازَ استرسال الْعلم على الْجَوَاهِر الَّتِي لَا نِهَايَة لَهَا فَلم لَا تكون الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة الَّتِي فِيهَا الْكَلَام يَسْتَحِيل استرسال الْعلم عَلَيْهَا فَإِنَّهَا متباينة بالخواص أَي بالحقائق فَلَيْسَ بَينهَا قدر مُشْتَرك بنقلها يسترسل الْعلم بِسَبَب تعلقه عَلَيْهَا وَلقَائِل أَن يَقُول لم قلت إِنَّه لَيْسَ بَينهَا مدرك مسترسل وَقَوله وَتعلق الْعلم بهَا على التَّفْصِيل مَعَ نفي النِّهَايَة محَال قد سبق فِي أول الدَّلِيل وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا لِأَنَّهُ مَعَ الْكَلَام الْمَذْكُور آنِفا يصلح أَن يكون دَلِيلا على الْمَطْلُوب أَعنِي أَن الْأَجْنَاس متناهية وَتَقْرِيره أَن الْأَجْنَاس إِذا كَانَ استرسال الْعلم عَلَيْهَا مستحيلا وَجب أَن تكون مَعْلُومَة على التَّفْصِيل وَإِلَّا لم تكن مَعْلُومَة لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتعلق الْعلم بهَا على التَّفْصِيل مَعَ نفي النِّهَايَة محَال فَوَجَبَ أَن تكون محصورة متناهية وَإِذا ظهر مَقْصُود الإِمَام أَولا وَهُوَ الْفرق بَين الإمكانين وَثَانِيا وَهُوَ أَن الْأَجْنَاس متناهية وَدَلِيله على هَذَا وَجَوَابه غير مَا اعْترض بِهِ عَلَيْهِ تبين أَنه بنى دَلِيله على قَوَاعِد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 إِحْدَاهمَا أَن الله عز وَجل عَالم بِكُل شَيْء الجزئيات والكليات لَا تخفى عَلَيْهِ خافية وَالثَّانيَِة أَن الله تَعَالَى يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فَيعلم الْأَشْيَاء المجملة الَّتِي لَا يتَمَيَّز بَعْضهَا عَن بعض مفصلة وَهَذَا خلاف مَذْهَب ابْن سينا حَيْثُ زعم أَنه تَعَالَى لَا يعلم الجزئيات الشخصية إِلَّا على الْوَجْه الْكُلِّي وَذَلِكَ كفر صراح وَالثَّالِثَة أَن المعلومات الْجُزْئِيَّة المتميزة المفصلة لَا يُمكن أَن تكون غير متناهية تَشْبِيها للوجود الذهْنِي بالوجود الْخَارِجِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله فَإِن مَا يحِيل دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود يحِيل وُقُوع تقديرات غير متناهية فِي الْعلم وَالرَّابِعَة أَن الْأَجْنَاس الْمُخْتَلفَة الَّتِي فِيهَا الْكَلَام متناهية بخواصها أَي بحقائقها متميز بَعْضهَا عَن بعض وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه بنى كَلَامه على الْقَوَاعِد الْمَذْكُورَة لِأَنَّهُ لَو لم يكن الرب عز وَجل عَالما بِكُل شَيْء لم يجب أَن يعلم الْأَجْنَاس وَلِأَنَّهُ لَو لم يعلم الْأَجْنَاس أَي الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ لم يجب إِذا كَانَت غير متناهية أَن يعلمهَا غير متناهية وَلَا إِذا كَانَت متميزة بَعْضهَا عَن بعض أَن يعلمهَا مفصلة وَلِأَنَّهُ لَو لم تكن الْأَجْنَاس الَّتِي فِيهَا الْكَلَام متباينة بحقائقها لم يجب أَن يعلمهَا على التَّفْصِيل فَظهر أَن قَوْله لَو كَانَت غير منحصرة تعلق الْعلم بِمَا لَا يتناهى على التَّفْصِيل وَهُوَ الْمُلَازمَة مَبْنِيّ على هَذِه الْقَوَاعِد الثَّلَاث وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الْجَواب عَن الِاعْتِرَاض إِن معنى تعلق الْعلم بالجواهر الَّتِي لَا تتناهى هُوَ استرساله عَلَيْهَا مَبْنِيّ على أَنه يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فَإِن مَا لَا يتناهى لَا يتَمَيَّز بعضه عَن بعض وَأما قَوْله إِن تعلق الْعلم على التَّفْصِيل بِمَا لَا يتناهى محَال وَهُوَ انْتِفَاء التَّالِي فَهُوَ مَبْنِيّ على وجوب تعلق الْعلم بالشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ وعَلى أَن كل متميز بعضه عَن بعض متناه فَإِنَّهُ لَو لم يجب أَن يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ لوَجَبَ أَن يكون المتميز بعضه عَن بعض غير متناه وَلم يَصح قَوْله وَتعلق الْعلم على التَّفْصِيل بِمَا لَا يتناهى محَال وَالله أعلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 إِن خرق الْمَسْأَلَة أَن مَا لَا يتناهى هَل هُوَ فِي نَفسه متميز بعضه عَن بعض أَولا فَإِن كَانَ وَجب اعْتِقَاد أَن الرب تَعَالَى يُعلمهُ على التَّفْصِيل وَالْإِمَام يُخَالف فِي ذَلِك وَإِن لم يكن لم يجز أَن يُعلمهُ على التَّفْصِيل كَيْلا يلْزم الْجَهْل وَهُوَ الْعلم بالشَّيْء على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَا يُخَالف فِي ذَلِك عَاقل وَلَا يشك فِي احْتِيَاج الإِمَام إِلَى دلَالَة على أَن مَا لَا يتناهى لَا تَفْصِيل لَهُ وَلَا يتَمَيَّز حَتَّى يسلم لَهُ مُرَاده وَهُوَ مَمْنُوع وَقد سبقه إِلَيْهِ أَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ من أَئِمَّة أَصْحَابنَا فَقَالَ فِي كتاب الْمِنْهَاج الْمَعْرُوف بشعب الْإِيمَان فِي الشعبة التَّاسِعَة فَإِن قَالَ قَائِل أَلَيْسَ الله بِكُل شَيْء عليما قُلْنَا بلَى فَإِن قَالَ أفيعلم مبلغ حركات أهل الْجنَّة وَأهل النَّار قيل إِنَّهَا لَا مبلغ لَهَا وَإِنَّمَا يعرف مَاله مبلغ فَأَما مَا لَا مبلغ لَهُ فيستحيل أَن يُوصف بِأَن يعلم مبلغه واندفع الْحَلِيمِيّ فِي هَذَا بِعِبَارَة أبسط من عبارَة الإِمَام وَهَذَا الْحَلِيمِيّ كَانَ إِمَامًا فِي الْعلم وَالدّين حبرًا كَبِيرا وَلَكنَّا لَا نوافقه على هَذَا ونمانعه ممانعة تتبين هُنَا فِي تضاعيف كلامنا وَإِنَّمَا أردنَا بحكاية كَلَامه التَّنْبِيه على أَن الإِمَام مَسْبُوق بِمَا ذكره سبقه إِلَيْهِ بعض عُظَمَاء أهل السّنة وَإِذا تبين من كَلَام الإِمَام مَا قَصده وَظهر من الْقَوَاعِد مَا بنى عَلَيْهِ غَرَضه علم أَن من شنع عَلَيْهِ وَأَوْمَأَ بالْكفْر إِلَيْهِ غير سَالم من أَن يشنع عَلَيْهِ وَأَن ينْسب الْخَطَأ فِي فهم كَلَام الإِمَام إِلَيْهِ وَالَّذِي تحرر من كَلَام الإِمَام دَعْوَاهُ عدم تَفْصِيل مَا لَا يتناهى وَلَيْسَ فِي اعْتِقَاد هَذَا الْقدر كفر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 وَقد أفرط أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ فِي ذَلِك ظنا مِنْهُ أَن الإِمَام يَنْفِي الْعلم بالجزئيات وَأَن كَلَامه هَذَا لَا يحْتَمل غير ذَلِك وَلَا يقبل التَّأْوِيل وَقَالَ أول مَا نقدمه تحذير الْوَاقِف على كِتَابه هَذَا أَن يصغي إِلَى هَذَا الْمَذْهَب إِلَى أَن قَالَ وددت لَو محوت هَذَا من هَذَا الْكتاب بِمَاء بَصرِي لِأَن هَذَا الرجل لَهُ سَابِقَة قديمَة وآثار كَرِيمَة فِي عقائد الْإِسْلَام والذب عَنْهَا وتشييدها وتحسين الْعبارَة عَن حقائقها وَإِظْهَار مَا أخفاه الْعلمَاء من أسراراها وَلكنه فِي آخر أمره ذكر أَنه خَاضَ فِي فنون من علم الفلسفة وذاكر أحد أئمتها فَإِن ثَبت هَذَا القَوْل عَلَيْهِ وَقطع بِإِضَافَة هَذَا الْمَذْهَب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَيْهِ فَإِنَّمَا سهل عَلَيْهِ ركُوب هَذَا الْمَذْهَب إدمانه النّظر فِي مَذْهَب أُولَئِكَ ثمَّ قَالَ وَمن الْعَظِيمَة فِي الدّين أَن يَقُول مُسلم إِن الله سُبْحَانَهُ تخفى عَلَيْهِ خافية إِلَى قَوْله والمسلمون لَو سمعُوا أحدا يبوح بذلك لتبرءوا مِنْهُ وأخرجوه من جُمْلَتهمْ إِلَى قَوْله إِذا كَانَ خطابي مَعَ موحد مُسلم نقُول لَهُ إِن زعمت أَن الله سُبْحَانَهُ تخفى عَلَيْهِ خافية أَو يتَصَوَّر الْعقل معنى أَو يثبت فِي الْوُجُود صفة أَو مَوْصُوف أَو عرض أَو جَوْهَر أَو حقائق نفسية أَو معنوية وَهُوَ تَعَالَى غير عَالم بِهِ فقد فَارق الْإِسْلَام وَإِن كَانَ كلامنا مَعَ ملحد فنرد عَلَيْهِ بالأدلة الْعَقْلِيَّة قلت هَذِه الْعبارَات من الْمَازرِيّ تدل على أَنه لم يفهم كَلَام الإِمَام أَو فهم وَقصد أَن يشنع وَهَذَا بعيد على الرجل فَإِنَّهُ من أَئِمَّة الْعلم وَالدّين فالأغلب على ظَنِّي أَنه لم يفهم وَكَيف يفهم كَلَام الإِمَام وَلم يقْصد التشنيع عَلَيْهِ من نسبته إِلَى اعْتِقَاد الفلاسفة وَأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تخفى عَلَيْهِ خافية أَو أَن الْعقل يتَصَوَّر معنى وَالله عَالم بِهِ أَو يثبت فِي الْوُجُود صفة أَو مَوْصُوف أَو جَوْهَر أَو عرض أَو حقائق نفسية أَو معنوية والرب غير عَالم بِهِ أَو أَنه لَا يعلم الْجِهَات إِلَّا على الْوَجْه الْكُلِّي الَّذِي هُوَ مَذْهَب الفلاسفة وَقد بنى دَلِيله كَمَا سبق على أَن الله عَالم بِكُل شَيْء لَا تخفى عَلَيْهِ خافية وَأَنه يعلم الْأَشْيَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 على مَا هِيَ عَلَيْهِ إِن مجملة وَإِن مفصلة فمفصلة هَذَا مَا لَا يُمكن وَمَعَ تصريحه فِي مَوَاضِع شَتَّى بِأَن الله تَعَالَى يعلم كل شَيْء وَقد بَالغ فِي الشَّامِل فِي الرَّد على من يعْتَقد أَنه يعلم بعض المعلومات دون بعض ثمَّ إِن الْمَازرِيّ وَمن تبعه من شرَّاح الْبُرْهَان أخذُوا فِي تَقْرِير مَسْأَلَة الْعلم بالجزيئات وَهُوَ أَمر مفروغ مِنْهُ عِنْد الْمُسلمين وَكَانَ الأولى بهم صرف الْعِنَايَة إِلَى فهم كَلَام الإِمَام لَا أَن سَيعْلَمُ بِمَا لَا يخفى فهمه فِيهِ الإِمَام وَلَا غَيره فَالَّذِي يَنْبَغِي للمنصف الْوَاقِف على كَلَام الإِمَام أَن يتأمله ليظْهر لَهُ أَن الإِمَام إِنَّمَا منع من تعلق الْعلم التفصيلي بِمَا لَا تَفْصِيل لَهُ وَهِي الْأُمُور الَّتِي لَا تتناهى باعتقاد عدم تَمْيِيز بَعْضهَا عَن بعض وَأَن مَا لَا يتناهى لَا يُمكن أَن يتَمَيَّز بعضه عَن بعض لَا لكَونهَا غير متناهية وَالْمَانِع عِنْده من تعلق التَّفْصِيل بهَا هُوَ عدم تَمْيِيز بَعْضهَا عَن بعض لَا لكَونهَا غير متناهية وَإِنَّمَا تمنع من تعلق الْعلم التفصيلي بهَا وَالْحَالة هَذِه لِأَن الرب الْعَلِيم الْخَبِير إِنَّمَا يعلم الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ وَالله أعلم وَأما الاستنباط الَّذِي ذكره الْمَازرِيّ من الْقطع بِفساد مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام من مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فِي أَن الْعلم بالشَّيْء مُجملا لَا يضاد الْعلم بِهِ مفصلا ففاسد لِأَن الإِمَام لم يمْنَع من تعلق الْعلم التفصيلي بِمَا لَا يتناهى لحد تعلق الْعلم الإجمالي بِهِ حَتَّى يتَوَهَّم متوهم أَنه يعْتَقد التضاد وَقد صرح فِي الشَّامِل أَنَّهُمَا غير متضادين بل إِنَّمَا منع من ذَلِك لِأَن مَا لَا يتناهى لَا يكون فِي نَفسه إِلَّا مُجملا غير متميز بعضه عَن بعض فَإِنَّهُ إِذا امْتنع أَن يكون فِي نَفسه متميزا امْتنع تعلق الْعلم التفصيلي بِهِ لِأَن الْعلم إِنَّمَا يتَعَلَّق بالشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ من إِجْمَال أَو تَفْصِيل وَإِلَّا كَانَ جهلا وَأما الْأُمُور المتناهية الْمَعْلُومَة على سَبِيل الْإِجْمَال فَإِن الإِمَام قد لَا يمْنَع الْعلم بهَا على سَبِيل التَّفْصِيل إِذا كَانَت متميزة بَعْضهَا عَن بعض كالسواد وَالْبَيَاض والحمرة وَغَيرهَا من أَجنَاس الألوان فَإِنَّهَا مَعْلُومَة لرب الْعَالمين على سَبِيل الْإِجْمَال من حَيْثُ كَونهَا أعراضا وألوانا وعَلى سَبِيل التَّفْصِيل من حَيْثُ كَونهَا سوادا وبَيَاضًا وَكَذَلِكَ شرب زيد فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 الْجنَّة من الكأس الْفُلَانِيّ الْمَوْصُوف بصفاته المختصة بِهِ للْإِمَام أَن يَقُول هُوَ مَعْلُوم لله تَعَالَى إِجْمَالا من حَيْثُ اندراجه تَحت مُطلق الشّرْب من كأس مَاء من فضَّة أَو ذهب المندرج تَحت مُطلق النَّعيم وَمَعْلُوم على التَّفْصِيل وَهنا وَقْفَة فِي كَيْفيَّة ذَلِك الْعلم التفصيلي بحث عَن مَعْرفَتهَا الإِمَام الْمُتَكَلّم بهاء الدّين عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن الْمصْرِيّ الإخميمي وَكَانَت لَهُ يَد باسطة فِي علم الْكَلَام وَكَانَ يَقُول يعلم الله تَعَالَى ذَلِك على التَّفْصِيل حَيْثُ تعلق الْإِرَادَة بِهِ وَحين تعلق الْقُدْرَة بِهِ فَإِنَّهُ إِذا علمه أَرَادَهُ وَإِذا أَرَادَهُ أوجده كالمعلوم على التَّفْصِيل لَا يكون إِلَّا متناهيا وَأنْكرت أَنا عَلَيْهِ ذَلِك وَقلت إِنَّه يلْزمه تجدّد الْعلم الْقَدِيم وَلَكِن للْإِمَام أَن يَقُول يعلم على التَّفْصِيل الْخَارِج مِنْهُ إِلَى الْوُجُود لِأَنَّهُ يعلم مَا سيخرج مِنْهُ وَهنا نظر دَقِيق وَهُوَ أَنَّك تَقول إِذا كَانَ نعيم أهل الْجنَّة لَا يتناهى وَمَا لَا يتناهى عِنْده لَا تَفْصِيل لَهُ فَكيف تَقول إِنَّه يُعلمهُ مفصلا وَالْفَرْض أَن لَا يفصل وَالْجَوَاب أَن مَا لَا يتناهى لَهُ حالتان حَالَة فِي الْعَدَم وَلَا كَون لَهُ إِذْ ذَاك وَلَا تَفْصِيل عِنْد الإِمَام وَحَالَة خُرُوجه من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَهُوَ مفصل يُعلمهُ الرب تَعَالَى مفصلا وَهَذَا رد على الْمَازرِيّ على قَاعِدَة مَذْهَب شَيخنَا أبي الْحسن ثمَّ نقُول مَذْهَب إِمَام الْحَرَمَيْنِ الَّذِي صرح بِهِ فِي الشَّامِل أَنه يَسْتَحِيل اجْتِمَاع الْعلم بِالْجُمْلَةِ وَالْعلم بالتفصيل فَإِن من أحَاط بالتفصيل اسْتَحَالَ فِي حَقه تَقْدِير الْعلم بِالْجُمْلَةِ قَالَ فِي الشَّامِل فَإِن قيل فيلزمكم من ذَلِك أحد أَمريْن إِمَّا أَن تصفوا الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكَوْنِهِ عَالما بِالْجُمْلَةِ على الْوَجْه الَّذِي يُعلمهُ وَإِمَّا أَن تَقولُوا لَا يَتَّصِف الرب بِكَوْنِهِ عَالما بِالْجُمْلَةِ فَإِن وصفتموه بِكَوْنِهِ عَالما بِالْجُمْلَةِ لزم عَن طرد ذَلِك وَصفه بِالْجَهْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 بالتفصيل تَعَالَى وتقدس وَإِن لم تصفوه بِكَوْنِهِ عَالما بِالْجُمْلَةِ فقد أثبتم للْعَبد مَعْلُوما وحكمتم بِأَنَّهُ لَا يثبت مَعْلُوما للرب تَعَالَى سُبْحَانَهُ وَهَذَا مستنكر فِي الدّين مستعظم فِي إِجْمَاع الْمُسلمين إِذْ الْأمة مجمعة على أَن الرب عَالم بِكُل مَعْلُوم لنا فَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن نقُول لَا سَبِيل إِلَى وصف الرب تَعَالَى بِكَوْنِهِ عَالما بالمعلومات على الْجُمْلَة فَإِن ذَلِك مُتَضَمّن جهلا بالتفصيل والرب تَعَالَى يتقدس عَنهُ عَالم بتفاصيل المعلومات وَهِي مُمَيزَة مُنْفَصِلَة الْبَعْض عَن الْبَعْض فِي قَضِيَّة علمه وَالْعلم بالتفصيل يُنَاقض الْعلم على الْجُمْلَة فَلم يبْق إِلَّا مَا استبعده الشَّامِل من تصور مَعْلُوم فِي حق الْمَخْلُوق وَلَا يتَصَوَّر مثله فِي قَضِيَّة علم الله تَعَالَى وَهَذَا مَا لَا استنكار فِيهِ وَلَيْسَ بيد الْخصم إِلَّا التشنيع الْمُجَرّد انْتهى وَفِيه تَصْرِيح بِأَن الرب يعلم مَا لَا يتناهى مفصلا ثمَّ صرح بِأَن الْعلم بِالْجُمْلَةِ يُخَالف الْعلم بالتفصيل وأنهما غير متضادين قَالَ وَلَكِن لما افْتقر الْعلم بِالْجُمْلَةِ إِلَى ثُبُوت جهل بالتفصيل أَو شكّ أَو غَيرهمَا من أضداد الْعُلُوم فيؤول إِلَى المضادة ثمَّ نقل آخرا عَن الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ أَن الرب تَعَالَى عَالم بِالْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيل ثمَّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا أستخير الله فِيهِ وَصرح فِي هَذَا الْفَصْل فِي غير مَوضِع بِأَن الرب تَعَالَى يعلم مَا لَا يتناهى مفصلا وَاسْتدلَّ أَيْضا الْمَازرِيّ على فَسَاد مَا ذهب إِلَيْهِ الإِمَام من أَن الْعلم التفصيلي لَا يتَعَلَّق بِمَا لَا يتناهى بِأَن مَا استرسل إِلَيْهِ علم الله تَعَالَى إِمَّا أَن يخرج مِنْهُ إِلَى الْوُجُود أَو لَا فَإِن لم يخرج مِنْهُ شَيْء منعنَا نعيم أهل الْجنَّة الثَّابِت بِالشَّرْعِ وَإِن خرج مِنْهُ فردان أَو ثَلَاثَة فَإِن لم يعلمهَا الرب سُبْحَانَهُ على سَبِيل التَّفْصِيل يلْزم أَن يكون جَاهِلا بِكُل شَيْء وَإِن علمهَا على التَّفْصِيل بِعلم حَادث فَهَذَا مَذْهَب الْجَهْمِية الْقَائِلين بِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلم المعلومات بعلوم محدثة وَهُوَ بَاطِل فَلم يبْق إِلَّا أَن يعلمهَا بِعِلْمِهِ الْقَدِيم الْوَاحِد على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 التَّفْصِيل ويفرض ذَلِك فِي كل مَا خرج مِنْهَا إِلَى الْوُجُود حَتَّى يُؤَدِّي إِلَى إِثْبَات علمه بالتفصيل فِيمَا لَا يتناهى كَمَا قَالَ الْمُسلمُونَ انْتهى وَللْإِمَام أَن يَقُول يعلمهَا بِالْعلمِ الْقَدِيم الْوَاحِد إِلَّا أَن الْعلم الْقَدِيم يشملها مَعْدُومَة على سَبِيل الْإِجْمَال لعدم تفصيلها حَالَة الْعَدَم فِي نَفسهَا ويشملها مَوْجُودَة على سَبِيل التَّفْصِيل وَإِن لم تتناه فَلَا جهل وَلَا جهمية وَلَا علم تَفْصِيل بِمَا لَا تَفْصِيل لَهُ هَذَا أقْصَى مَا عِنْدِي فِي تَقْرِير كَلَام الإِمَام ثمَّ أَنا لَا أوافقه على أَن مَا لَا يتناهى لَا تَفْصِيل وَلَا تَمْيِيز لَهُ بل هُوَ مفصل مُمَيّز وَقد صرح الإِمَام بذلك فِي الشَّامِل ودعواه أَن مِمَّا يحِيل دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود وُقُوع تقديرات غير متناهية فِي الْعلم دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا فَمن أَيْن يلْزم من كَون الْمَوْجُود متناهي الْعدَد أَن يكون الْمَعْلُوم متناهيا وَقَوله إِن دُخُول مَا لَا يتناهى فِي الْوُجُود مُسْتَحِيل كَلَام ممجمج فَإِنَّهُ دخل وَخرج عَن كَونه غير متناه وَلَئِن عَنى بِغَيْر المتناهي الَّذِي لَا آخر لَهُ فنعيم أهل الْجنَّة يدْخل فِي الْوُجُود وَهُوَ لَا يتناهى وَإِن عَنى مَا لَا يُحِيط الْعلم بجملته فَإِن أَرَادَ علم الْبشر فَصَحِيح لِأَن علمهمْ يقصر عَن إِدْرَاك مَا لَا يتناهى مفصلا وَإِن عَنى علم الْبَارِي فَمَمْنُوع بل هُوَ مُحِيط بِمَا لَا يتناهى مفصلا وَسمعت بعض الْفُضَلَاء يَقُول إِن الإِمَام لم يتَكَلَّم فِي هَذَا الْفَصْل إِلَّا فِي الْعلم الْحَادِث دون الْعلم الْقَدِيم وَفِي هَذَا نظر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 فَهَذَا مُنْتَهى الْكَلَام على كَلَامه وَلَا أَقُول إِنَّه مُرَاده وَإِنَّمَا أَقُول هَذَا مَا يدل عَلَيْهِ كَلَامه هُنَا وَلَيْسَ هُوَ من الْعَظِيمَة فِي الدّين فِي شَيْء وَلَا خَارِجا عَن قَول الْمُسلمين حَتَّى يجعلهم فِي جَانب وَالْإِمَام فِي جَانب وَإِنَّمَا الْعَظِيمَة فِي الدّين وَالسوء فِي الْفَهم أَن يظنّ الْعَاقِل انسلال إِمَام الْحَرَمَيْنِ من ربقة الْمُسلمين وَلَا يحل لأحد أَن ينْسب إِلَيْهِ أَنه قَالَ إِن الله لَا يُحِيط علما بالجزئيات من هَذَا الْكَلَام وَأما اعتذار الْمَازرِيّ بِأَنَّهُ خَاضَ فِي عُلُوم من الفلسفة إِلَى آخِره فَهَذَا الْعذر أَشد من الذَّنب ثمَّ قَالَ الْمَازرِيّ فِي آخر كَلَامه لَعَلَّ أَبَا الْمَعَالِي لَا يُخَالف فِي شَيْء من هَذِه الْحَقَائِق وَإِنَّمَا يُرِيد الْإِشَارَة إِلَى معنى آخر وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يحْتَملهُ قَوْله إِلَّا على استكراه وتعنيف وَنحن نقُول إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى معنى آخر وَقد أريناكه وَاضحا وَقَالَ الشريف أَبُو يحيى بعد مَا نَالَ من الإِمَام وأفرط تبعا للمازري يُمكن الِاعْتِذَار عَن الإِمَام فِي قَوْله يَسْتَحِيل تعلق علم الْبَارِي تَعَالَى بِمَا لَا يتناهى آحادا على التَّفْصِيل بل يسترسل عَلَيْهَا استرسالا بتمهيد أَمر وَهُوَ أَن الْحَد الْحَقِيقِيّ فِي المثلين أَن يُقَال هما الموجودان اللَّذَان تعددا فِي الْحس واتحدا فِي الْعقل وحد الخلافين أَنَّهُمَا الموجودان المتعددان فِي الْحس وَالْعقل أَلا ترى أَن البياضين والسوادين وَغَيرهمَا من المثلين متعددان فِي الْحس بِالْمحل وَفِي الْعقل متحدان والسواد وَالْبَيَاض وَغير ذَلِك من المختلفات متعددان حسا وعقلا وَإِذا تقرر هَذَا فَيمكن أَن يُقَال إِنَّمَا أَرَادَ بقوله يسترسل عَلَيْهَا استرسالا للأمثال المتفقة فِي الْحَقِيقَة فَإِن الْعلم يتَعَلَّق بهَا بِاعْتِبَار حَقِيقَتهَا تعلقا وَاحِدًا فَإِن حَقِيقَتهَا وَاحِدَة كالبياض مثلا فَإِن آحاده لَا تخْتَلف حَقِيقَة فَعبر عَن هَذَا بتعلق الْعلم بالأمثال جملَة يُرِيد الْعلم بالحادث وَإِن كَانَ الْعلم الْقَدِيم يفصل مَا يَقع مِنْهَا مِمَّا علم أَنه يَقع فِي زمَان دون زمَان وَمحل دون مَحل انْتهى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 وَأَقُول هَذَا رَاجِح إِلَى مَا قُلْنَاهُ بل هُوَ زَائِد عَن كَلَام الإِمَام لِأَنَّهُ يَدعِي أَن المماثلات لَا تعرف إِلَّا بحقيقتها وَلَا شكّ أَنَّهَا ممتازة بخواصها ثمَّ قَالَ أَبُو يحيى وَالَّذِي يعضد هَذَا التَّأْوِيل مَا ذكره فِي الْكَلَام مَعَ الْيَهُود فِي النّسخ حَيْثُ قَالَ فَإِن الرب تَعَالَى كَانَ عَالما فِي الْأَزَل بتفاصيل مَا لم يَقع فَكيف يذكر فِي أول الْكتاب أمرا وينقضه فِي آخِره هَذَا بعيد مِمَّن لَهُ أدنى فطنة فِي الْعُلُوم فَكيف بِهَذَا الرجل المتبحر فِي الْعُلُوم فَيكون هَذَا تعضيد مَا ذَكرْنَاهُ من التَّأْوِيل لَهُ وَإِن كَانَ الْكَلَام الأول قلقا جدا وَظَاهره شنيع أَو يكون مَا ذكره آخرا من التَّصْرِيح بِعَدَمِ تعلق الْعلم بِمَا لَا يتناهى تَفْصِيلًا مِمَّا تَقول عَلَيْهِ ودس عَلَيْهِ فِي كِتَابه وَقد يعقل ذَلِك وَالله أعلم بِمَا وَقع من ذَلِك انْتهى قلت وَإِنِّي أستبعد أَن يكون كَمَا ذكر من أَنه افترى عَلَيْهِ ودس فِي كِتَابه وَيشْهد لذَلِك تصريحه فِي الشَّامِل بِأَنَّهُ تَعَالَى يعلم مَا لَا يتناهى على سَبِيل التَّفْصِيل وَأَنه متميز بعضه عَن بعض وَقد أطلنا الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَلَوْلَا يستعيب السُّفَهَاء على هَذَا الإِمَام بهَا لما تكلمنا عَلَيْهَا ذكر بقايا من تَرْجَمَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن يحيى السُّبْكِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عَليّ بن عمر الواني سَمَاعا أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الموبيني سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا الشريف قوام الدّين عربشاه بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الْعلوِي قَاضِي نهاوند سَمَاعا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 ح وقرأت على أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن ابْن شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْحجَّاج يُوسُف ابْن عبد الرَّحْمَن الْمزي أَخْبَرتك حريَّة بنت عَامر بن إِسْمَاعِيل بِقِرَاءَة ولد لَك عَلَيْهَا وَأَنت حَاضر فِي الثَّالِثَة قَالَت أخبرنَا عربشاه إجَازَة أخبرنَا الْحوَاري قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بنيسابور سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فِي شهر رَمَضَان أخبرنَا الإِمَام فَخر الْإِسْلَام ركن الدّين إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي عبد الْملك ابْن عبد الله بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ الْخَطِيب رَحمَه الله أخبرنَا وَالِدي الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن الْحسن الْأَزْهَرِي أخبرنَا أَبُو عوانه يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْحَافِظ حَدثنَا عمر بن شبة النميري حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ قَالَ سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول أَخْبرنِي مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم قَالَ سَمِعت عَلْقَمَة بن وَقاص اللَّيْثِيّ يَقُول سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ وَمن شعر إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى وَقد قدمنَا من كَلَام الباخرزي مَا يدل على أَنه كَانَ لَا يسمح بِإِخْرَاجِهِ وَلَكِن أنشدوا لَهُ (أصخ لن تنَال الْعلم إِلَّا بِسِتَّة ... سأنبئك عَن تفصيلها بِبَيَان) (ذكاء وحرص وافتقار وغربة ... وتلقين أستاذ وَطول زمَان) وَوجدت بخطة رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته للغياثي وَهُوَ عِنْدِي بِخَطِّهِ مِمَّا خَاطب بِهِ نظام الْملك وَمن خطه نقلت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 (فَلَا زَالَ ركب المعتفين منيخة ... لذروتك الْعليا وَلَا زلت مقصدا) (تدين لَك الشم الأنوف تخضعا ... وَلَو أَن زهر الْأُفق أبدت تمردا) (لجاءتك أقطار السَّمَاء تجرها ... إِلَيْك لتعفو أَو لتوردها الردى) (وَمَا أَنا إِلَّا دوحة قد غرستها ... وسقيتها حَتَّى تَمَادى بهَا المدى) (فَلَمَّا اقشعر الْعود مِنْهَا وصوحت ... أتتك بأغصان لَهَا تطلب الندى) ثمَّ رَأَيْته قد ضرب على الْبَيْتَيْنِ الْأَخيرينِ وسررت بذلك فَإِنِّي سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَحْكِي عَن شَيخنَا أبي حَيَّان أَنه كَانَ يتعاظمهما وَيَقُول كَيفَ يرضى الإِمَام أَن يُخَاطب النظام بِهَذَا الْخطاب ثمَّ يذم الدُّنْيَا الَّتِي تحوج مثل الإِمَام إِلَى مثل ذَلِك مناظرتان اتفقتا بِمَدِينَة نيسابور بَين إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ عِنْد دُخُول الشَّيْخ رَسُولا إِلَى نيسابور نقلتهما من خطّ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أبي عَمْرو بن الصّلاح فِي مَجْمُوع لَهُ سُئِلَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ عَمَّن اجْتهد فِي الْقبْلَة وَصلى ثمَّ تَيَقّن الْخَطَأ فاستدل فِيهَا بِأَنَّهُ تعين لَهُ يَقِين الْخَطَأ فِي شَرط من شُرُوط الصَّلَاة فَلَزِمَهُ الْإِعَادَة كَمَا لَو تَيَقّن الْخَطَأ فِي الْوَقْت اعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ بِأَن قَالَ لَا يجوز اعْتِبَار الْقبْلَة بِالْوَقْتِ فَإِن أَمر الْقبْلَة أخف من أَمر الْوَقْت وَالدَّلِيل عَلَيْهِ شيآن أَحدهمَا أَن الْقبْلَة يجوز تَركهَا فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَالْوَقْت لَا يجوز تَركه فِي النَّوَافِل المؤقتة كَصَلَاة الْعِيد وَسنة الْفجْر فِي السّفر وَإِن اسْتَويَا فِي كَونهمَا شرطين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 وَالثَّانِي أَن الْقبْلَة يجوز تَركهَا فِي الْفَرْض فِي شدَّة الْحَرْب وَالْوَقْت لَا يجوز تَركه فِي شدَّة الْحَرْب فِي الْفَرْض فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي لَا خلاف بَين أهل النّظر أَنه لَيْسَ من شَرط الْقيَاس أَن يشابه الْفَرْع الأَصْل من جَمِيع الْوُجُوه وَإِنَّمَا شَرطه أَن يُسَاوِيه فِي عِلّة الحكم فَإِذا اسْتَويَا فِي عِلّة الحكم لم يضر افتراقهما فِيمَا سواهَا فَإِنَّهُ لَو اعْتبر تساويهما فِي كل شَيْء لم يَصح الْقيَاس لِأَنَّهُ مَا من شَيْء يشبه شَيْئا فِي أَمر إِلَّا وَيُخَالِفهُ فِي أَمر ثمَّ كَون أَحدهمَا أخف وَالْآخر آكِد لَا يمْنَع الِاعْتِبَار أَلا ترى أَنا نقيس الْفَرْض على النَّفْل وَالنَّفْل على الْفَرْض وَإِن كَانَ أَحدهمَا أخف وَالْآخر آكِد ونقيس الْعِبَادَات بَعْضهَا على بعض مَعَ افتراقها فِي الْقُوَّة والضعف ونقيس الْحُقُوق بَعْضهَا على بعض وَإِن كَانَ بَعْضهَا أخف وَبَعضهَا آكِد فَكَذَلِك هُنَا يجوز أَن أعتبر الْقبْلَة بِالْوَقْتِ وَإِن كَانَ أَحدهمَا آكِد وَالْآخر أخف وَجَوَاب آخر أَنه كَمَا يجوز ترك الْقبْلَة مَعَ الْعلم فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَالْحَرب فالوقت أَيْضا يجوز تَركه فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر وَلَا فَارق بَينه وَبَين الْقبْلَة بل الْقبْلَة آكِد من الْوَقْت أَلا ترى أَنه لَو دخل فِي صَلَاة الْفَرْض قبل دُخُول الْوَقْت مَعَ الْعلم انقلبت صلَاته نفلا وَلَو دخل فِي الْفَرْض إِلَى غير الْقبْلَة لم تَنْعَقِد نفلا فَدلَّ على أَن الْقبْلَة آكِد من الْوَقْت فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق أما قَوْلك إِنَّه لَيْسَ من شَرط الْقيَاس أَن يُسَاوِي الْفَرْع الأَصْل من كل وَجه بل يَكْفِي أَن يُسَاوِيه فِي عِلّة الحكم وَلَا يضر افتراقهما فِيمَا سواهُ يُعَارضهُ أَن من شَرط الْقيَاس أَن يرد الْفَرْع إِلَى نَظِيره وَهَذَا الأَصْل لَيْسَ بنظير للفرع بِدَلِيل مَا ذكرت فَلم يَصح الْقيَاس وَلِأَن افتراقهما فِيمَا ذكرت من جَوَاز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَشدَّة الْحَرْب وَأَن ذَلِك لَا يجوز فِي الْوَقْت دَلِيل على أَنَّهُمَا لَا يستويان فِي الْعلَّة لِأَنَّهُمَا لَو اسْتَويَا فِي الْعلَّة لاستويا فِي النظير وَإِذ لم يستويا فِي الْعلَّة لم يَصح الْقيَاس وقولك لم إِذا كَانَ أَحدهمَا أخف وَالْآخر آكِد لم يجز قِيَاس أَحدهمَا على الآخر لِأَنَّهُ إِذا كَانَ أَحدهمَا آكِد وَالْآخر أخف دلّ على أَن أَحدهمَا لَيْسَ بنظير للْآخر وَلَا يجوز قِيَاس الشَّيْء على غير نَظِيره وقولك إِنَّا نقيس النَّفْل على الْفَرْض وَأَحَدهمَا آكِد ونقيس الْعِبَادَات بَعْضهَا على بعض والحقوق بَعْضهَا على بعض مَعَ اختلافها غير صَحِيح لِأَنَّهُ إِذا اتّفق فِيهَا مثل مَا اتّفق هَاهُنَا فَأَنا أمنع من الْقيَاس وَإِنَّمَا نجيز الْقيَاس فِي الْجُمْلَة فَإِذا بلغ الْأَمر إِلَى التَّفْصِيل وَقيس الشَّيْء على غير نَظِيره لم أجوز ذَلِك وَهَذَا كَمَا نقُول إِن الْقيَاس فِي الْجُمْلَة جَائِز ثمَّ إِذا اتّفق مِنْهُ مَا خَالف النَّص لم يجز وَلَا نقُول إِن الْقيَاس فِي الْجُمْلَة جَائِز فَوَجَبَ أَن يجوز مَا اتّفق مِنْهُ مُخَالفا للنَّص وقولك إِنَّه يَكْفِي أَن يستويا فِي عِلّة الحكم وَلَا يضر افتراقهما بعد ذَلِك لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي أَن يستويا فِي عِلّة الحكم غير أَنِّي لَا أسلم أَنَّهُمَا اسْتَويَا فِي عِلّة الحكم لِأَن افتراقهما فِيمَا ذكرت يدل على أَنَّهُمَا لم يستويا فِي عِلّة الحكم وقولك إِنَّه لَيْسَ من شَرط الْقيَاس أَن يَسْتَوِي الأَصْل وَالْفرع فِي جَمِيع الْأَحْكَام لِأَنَّهُ لَو شَرط ذَلِك انسد بَاب الْقيَاس يُعَارضهُ أَنه لَيْسَ من شَرط الْفرق أَن يُفَارق الْفَرْع الأَصْل فِي جَمِيع الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ لَو شَرط ذَلِك انسد بَاب الْفرق وَالْفرق مَانع كَمَا أَن الْقيَاس جَامع وَأما قَوْلك إِنَّه كَمَا يجوز ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَشدَّة الْحَرْب فَكَذَلِك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 يجوز ترك الْوَقْت فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ لَا يَصح لِأَن ترك الْوَقْت فِي الْجمع لَيْسَ على سَبِيل التَّخْفِيف لموْضِع الْعذر وَإِنَّمَا هُوَ من سنَن النّسك فَلَا يدل ذَلِك على التَّخْفِيف كَمَا لَا يدل الِاقْتِصَار فِي الصُّبْح على الرَّكْعَتَيْنِ على أَنَّهَا أَضْعَف من الظّهْر وَالْعصر وَلَيْسَ كَذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ من ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَالْفَرِيضَة فِي الْحَرْب لِأَن ذَلِك أُجِيز لتخفيف أَمر الْقبْلَة فِي الْعذر فَهُوَ كالقصر فِي الظّهْر وَالْعصر فِي السّفر وَأما قَوْلك إِنَّه إِذا دخل فِي الْفَرْض قبل الْوَقْت انْعَقَد نفلا وَلَو دخل فِيهِ وَهُوَ غير مُسْتَقْبل الْقبْلَة لم تَنْعَقِد لَهُ الصَّلَاة نفلا فَإِن مَا قبل الْوَقْت وَقت للنفل وَغير الْقبْلَة لَيْسَ بِموضع للنفل من غير عذر فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي أما قَوْلك إِنِّي لَا أسلم أَن هَذَا عِلّة الأَصْل فَهَذَا من أهم الأسولة وأجودها وَلَكِن كَانَ من سَبِيلك أَن تطالبني بِهِ وتصرح بِهِ وَلَا تكنى عَنهُ فَلَا أقبله بعد ذَلِك وَأما قَوْلك إِنَّه إِن كَانَ مَا ذكرت يسد بَاب الْقيَاس لِأَنَّهُ مَا من فرع يشابه أصلا فِي شَيْء إِلَّا ويفارقه فِي أَشْيَاء فَمَا ذكرت أَيْضا يمْنَع الْفرق لِأَنَّهُ مَا من فرع يُفَارق أصلا فِي شَيْء إِلَّا ويساويه فِي أَشْيَاء فَصَحِيح إِلَّا أَنَّك إِذا أردْت الْفرق فَيجب أَن تبين الْفرق وتدل عَلَيْهِ وترده إِلَى أصل وَلم تفعل ذَلِك وَإِن تركت مَا ذكرت واستأنف فرقا تَكَلَّمت عَلَيْهِ وَأما قَوْلك إِن هَذَا نَظِير لِأَنَّهُ ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة فِي السّفر وَفِي الْفَرْض فِي الْحَرْب فَغير صَحِيح لِأَن فِيمَا ذكرت تتْرك الْقبْلَة لعذر من جِهَة الْعَجز فَجَاز أَن يسْقط الْفَرْض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 مَعَه وَهَا هُنَا ترك للاشتباه وَلَيْسَ التّرْك للعجز كالترك للاشتباه أَلا ترى أَن الْمُسْتَحَاضَة وَمن بِهِ سَلس الْبَوْل يصليان مَعَ قيام الْحَدث وَلَو ظن أَنه متطهر وَصلى لم يسْقط الْفَرْض وَأما قَوْلك إِن ترك الْوَقْت فِي الْجمع لحق النّسك على وَجه الْعِبَادَة فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَو كَانَ لهَذَا الْمَعْنى لوَجَبَ إِذا أخر الْعَصْر إِلَى وَقتهَا أَلا يَصح لِأَنَّهُ فعل الْعِبَادَة على غير وَجههَا فَدلَّ على أَنه على وَجه التَّخْفِيف لحق الْعذر وَجَوَاب آخر من حَيْثُ الْفِقْه أَنا فرقنا بَين الْوَقْت والقبلة لِأَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَى ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة لعذر السّفر لأَنا لَو قُلْنَا إِنَّه لَا يجوز ترك الْقبْلَة أدّى إِلَى تحمل الْمَشَقَّة إِن صلاهَا أَو تَركهَا وَلَا مشقة فِي ترك الْوَقْت لِأَن السّنَن الرَّاتِبَة مَعَ الْفَرَائِض تَابِعَة للفرائض فيصليها فِي أَوْقَاتهَا وَكَذَلِكَ فِي شدَّة الْحَرْب الْحَاجة دَاعِيَة إِلَى ترك الْقبْلَة فَإنَّا لَو ألزمناهم اسْتِقْبَال الْقبْلَة أدّى إِلَى هزيمتهم أَو قَتلهمْ وَلَا حَاجَة بهم إِلَى ترك الْوَقْت فَإِنَّهُ يُصليهَا فِي وَقتهَا وَهُوَ يُقَاتل فَقلت لَهُ أما قَوْلك إِنَّه كَانَ يجب أَن تطالبني بتصحيح الْعلَّة وتصرح وَلَا تكني فَلَا يَصح لِأَنِّي بِالْخِيَارِ بَين أَن أطالبك بتصحيح الْعلَّة وَبَين أَن أذكر مَا يدل على فَسَادهَا كَمَا أَن القائس بِالْخِيَارِ بَين أَن يذكر عِلّة الْمَسْأَلَة وَبَين أَن يذكر مَا يدل على الْعلَّة والجميع جَائِز فَكَذَلِك هَا هُنَا وَأما قَوْلك إِن الْجمع لَو كَانَ لِلْعِبَادَةِ لما جَازَ التَّأْخِير لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يجوز التَّأْخِير لِأَنَّهُ يَفْعَلهَا فِي وَقتهَا وتقديمها أفضل لِأَنَّهُ وَقت لَهَا على سَبِيل الْقرْبَة والفضيلة وَأما قَوْلك إِن ترك الْقبْلَة فِي النَّافِلَة وَالْحَرب للعجز أَو الْمَشَقَّة فَلَا يَصح لِأَنَّهُ كَانَ يجب لهَذَا الْعَجز أَن يتْرك الْوَقْت فتؤخر الصَّلَاة فِي شدَّة الْخَوْف ليؤديها على حَال الْكَمَال ويتوفر على الْقِتَال وَلما لم يجز ترك الْوَقْت وَجَاز ترك الْقبْلَة دلّ على أَن فرض الْقبْلَة أخف من فرض الْوَقْت فَجَاز أَن يكون الِاشْتِبَاه عذرا فِي سُقُوط فرض الْقبْلَة وَلَا يكون عذرا فِي ترك الْوَقْت وَهَذَا آخرهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 قَالَ ابْن الصّلاح نقلتها من خطّ الشَّيْخ أبي عَليّ بن عمار وَقَالَ نقلتها من خطّ رجل من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَذكر فِي آخر الْخط أَنه كتبهَا من خطّ الشَّيْخ الإِمَام أبي إِسْحَاق وَقَوله فِيهَا فَقلت لَهُ هَذَا حِكَايَة قَول الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَهُوَ دَلِيل أَنَّهَا نقلت من خطه قلت وَقَول الشَّيْخ أبي إِسْحَاق فِي جَوَابه ترك الْوَقْت فِي الْجمع لَيْسَ للتَّخْفِيف بل هُوَ من سنَن النّسك يَقْتَضِي أَنه فهم عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه إِنَّمَا اسْتدلَّ بِالْجمعِ الَّذِي هُوَ من سنَن النّسك لَا مُطلق الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر إِذْ ذَاك على سَبِيل التَّخْفِيف بِلَا إِشْكَال وَهُوَ فهم صَحِيح عَن الإِمَام فَإِنَّهُ لم يرد سواهُ كَمَا يشْهد بِهِ كَلَامه فِي أجوبته وَلم يَتَّضِح لي وَجه التَّخْصِيص بِجمع النّسك وَلم لَا وَقع الِاسْتِدْلَال بِمُطلق الْجمع لعذر السّفر وَيَنْبَغِي أَن يتَأَمَّل هَذَا فَإِن الشَّيْخَيْنِ مَا عدلا عَن ذَلِك إِلَّا لِمَعْنى وَلم نفهمه نَحن المناظرة الثَّانِيَة اسْتدلَّ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله بنيسابور فِي إِجْبَار الْبكر الْبَالِغَة بِأَن قَالَ بَاقِيَة على بكارة الأَصْل فَجَاز للْأَب تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا أَصله إِذا كَانَت صَغِيرَة فَقَالَ السَّائِل جعلت صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة فِي الأَصْل وَذَلِكَ لَا يجوز فَقَالَ هَذَا لَا يَصح لثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَنِّي مَا جعلت صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة فِي الأَصْل لِأَن صُورَة الْمَسْأَلَة تَزْوِيج الْبكر الْبَالِغَة من غير إِذن وعلتي أَنَّهَا بَاقِيَة على بكارة الأَصْل وَلَيْسَ هَذَا صُورَة الْمَسْأَلَة لِأَن هَذِه الْعلَّة غير مَقْصُورَة على الْبكر الْبَالِغَة بل هِيَ عَامَّة فِي كل بكر وَلِهَذَا قست على الصَّغِيرَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 الثَّانِي قَوْلك لَا يجوز أَن تجْعَل صُورَة الْمَسْأَلَة عِلّة دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَمَا الْمَانِع من ذَلِك الثَّالِث أَن الْعِلَل شَرْعِيَّة كَمَا أَن الْأَحْكَام شَرْعِيَّة وَلَا يُنكر فِي الشَّرْع أَن يعلق الشَّارِع الحكم على الصُّورَة مرّة كَمَا يعلق على سَائِر الصِّفَات فَلَا معنى للْمَنْع من ذَلِك فَإِن كَانَ عنْدك أَنه لَا دَلِيل على صِحَّتهَا فطالبني بِالدَّلِيلِ على صِحَّتهَا من جِهَة الشَّرْع فَقَالَ السَّائِل دلّ على صِحَّتهَا من الشَّرْع فَقَالَ الدَّلِيل على صِحَة هَذِه الْعلَّة الْخَبَر وَالنَّظَر أما الْخَبَر فَمَا رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وَالْمرَاد بِهِ الثّيّب لِأَنَّهُ قابلها بالبكر فَقَالَ (وَالْبكْر تستأمر) فَدلَّ على أَن غير الثّيّب وَهِي الْبكر لَيست أَحَق بِنَفسِهَا وَأقوى طَرِيق تثبت بِهِ الْعلَّة نطق صَاحب الشَّرْع وَأما النّظر فَلَا خلاف أَن الْبكر يجوز أَن يُزَوّجهَا من غير نطق لبكارتها وَلَو كَانَت ثَيِّبًا لم يجز تَزْوِيجهَا من غير نطق أَو مَا يقوم مقَام النُّطْق عِنْده وَهُوَ الْكِتَابَة وَلَو لم يكن تَزْوِيجهَا إِلَى الْوَلِيّ لما جَازَ تَزْوِيجهَا من غير نطق اعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي ابْن الْجُوَيْنِيّ فَقَالَ الْمعول فِي الدَّلِيل على مَا ذكرت من الْخَبَر وَالنَّظَر فَأَما الْخَبَر فَإِنَّهُ يحْتَمل التَّأْوِيل فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ أَن الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا لِأَنَّهُ لَا يملك تَزْوِيجهَا إِلَّا بالنطق وَالْبكْر بِخِلَافِهَا وَإِذا احْتمل التَّأْوِيل أولنا على مَا ذكرت بطرِيق يُوجب الْعلم وَهُوَ أَنه قد اجْتمع للبكر الْبَالِغَة الْأَسْبَاب الَّتِي تسْقط مَعهَا ولَايَة الْوَلِيّ وتستقل بِنَفسِهَا فِي التَّصَرُّف فِي حق نَفسهَا لِأَن الْمَرْأَة إِنَّمَا تفْتَقر إِلَى الْوَلِيّ لعدم استقلالها بِنَفسِهَا لصِغَر أَو جُنُون فَإِذا اجْتمع فِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 الْأَسْبَاب الَّتِي تَسْتَغْنِي بهَا عَن ولَايَة الْوَلِيّ لم يجز ثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهَا فِي التَّزْوِيج بِغَيْر إِذْنهَا وَلِأَن فِي الْخَبَر مَا يدل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه ذكر الْوَلِيّ وَأطلق وَلم يفصل بَين الْأَب وَالْجد وَغَيرهمَا من الْأَوْلِيَاء وَلَو كَانَ المُرَاد ولَايَة الْإِجْبَار لم يُطلق الْولَايَة لِأَن غير الْأَب وَالْجد لَا يملك الْإِجْبَار بِالْإِجْمَاع فَثَبت أَنه أَرَادَ بِهِ اعْتِبَار النُّطْق فِي حق الثّيّب وسقوطه فِي حق الْبكر وَلِأَنَّهُ قَالَ وَالْبكْر تستأمر وإذنها صماتها فَدلَّ أَنه أَرَادَ فِي الثّيّب اعْتِبَار النُّطْق أجَاب الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ لَا يجوز حمله على مَا ذكرت من اعْتِبَار النُّطْق لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا أَحَق بِنَفسِهَا فِي العقد وَالتَّصَرُّف دون النُّطْق وَقَوله إِنَّه أطلق الْوَلِيّ فَإِنَّهُ عُمُوم فأحمله على الْأَب وَالْجد بِدَلِيل التَّعْلِيل الَّذِي ذكره فِي الثّيّب فَإِنَّهُ قَالَ (وَالثَّيِّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وَذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل وَالتَّعْلِيل بِمَنْزِلَة النَّص فيخص بِهِ الْعُمُوم كَمَا يخص بِالْقِيَاسِ وقولك إِنَّه ذكر الصمات فِي حق الْبكر فَدلَّ على إِرَادَته النُّطْق فِي حق الثّيّب لَا يَصح بل هُوَ الْحجَّة عَلَيْك لِأَنَّهُ لما ذكر الْبكر ذكر صفة إِذْنهَا وَأَنه الصمات فَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ فِي الثّيّب النُّطْق لما احْتَاجَ إِلَى إِعَادَة الصمات فِي قَوْله (وَالْبكْر تستأمر) وَأما قَوْله إِن هَاهُنَا دَلِيلا يُوجب الْقطع غير صَحِيح وَإِنَّمَا هُوَ قِيَاس على سَائِر الولايات وَالْقِيَاس يتْرك بِالنَّصِّ فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تَدعِي أَنه نَص ودعواه لَا تصح لِأَن النَّص مَا لَا يحْتَمل التَّأْوِيل فَإِذا بَطل أَنه نَص جَازَ التَّأْوِيل بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذكرت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 وَأما قَوْلك إِنِّي أحمل الْوَلِيّ على الْأَب وَالْجد بِدَلِيل التَّعْلِيل الَّذِي ذكره فِي الْخَبَر فَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن ذكر الصّفة فِي الحكم إِنَّمَا يكون تعليلا إِذا كَانَ مناسبا للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ كالسرقة فِي إِيجَاب الْقطع والثيوبة غير مُنَاسبَة للْحكم الذِي علق عَلَيْهَا وَهِي أَنَّهَا أَحَق بِنَفسِهَا فَلَا يجوز أَن تكون عِلّة وَلِأَن مَا ذكرت لَيْسَ بِقِيَاس وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيق آخر فَجَاز أَن يتْرك لَهُ التَّعْلِيل أجَاب الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ أما التَّأْوِيل فَلَا تصح دَعْوَاهُ لِأَن التَّأْوِيل صرف الْكَلَام عَن ظَاهره إِلَى وَجه يحْتَملهُ كَقَوْل الرجل رَأَيْت حمارا وَأَرَادَ بِهِ الرجل البليد فَإِن هَذَا مُسْتَعْمل فَجَاز صرف الْكَلَام إِلَيْهِ فَأَما مَا لَا يسْتَعْمل اللَّفْظ فِيهِ فَلَا يَصح تَأْوِيل اللَّفْظ عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ رَأَيْت بغلا ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ رجلا بليدا لم يقبل لِأَن الْبَغْل لَا يسْتَعْمل فِي الرجل بِحَال فَكَذَلِك هَاهُنَا قَوْله (الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا) وقولك لَيْسَ بتعليل لِأَنَّهُ لَا يُنَاسب الحكم لَا يَصح لِأَن ذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل فِي كَلَام الْعَرَب أَلا ترى أَنه إِذا قَالَ اقْطَعُوا السَّارِق كَانَ مَعْنَاهُ لسرقته وَإِذا قَالَ جَالس الْعلمَاء كَانَ مَعْنَاهُ لعلمهم وقولك إِنَّه إِنَّمَا يجوز فِيمَا يصلح أَن يكون تعليلا للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ كالسرقة فِي إِيجَاب الْقطع لَا يَصح لِأَن التَّعْلِيل للْحكم الَّذِي علق عَلَيْهِ طَرِيقه الشَّرْع وَلَا يُنكر فِي الشَّرْع أَن تجْعَل الثيوبة عِلّة لإِسْقَاط الْولَايَة كَمَا لَا يُنكر أَن تجْعَل السّرقَة عِلّة لإِيجَاب الْقطع وَالزِّنَا للجلد وقولك هَذَا الَّذِي ذكرت لَيْسَ بِقِيَاس خطأ بل جعلت استقلالها بِهَذِهِ الصِّفَات مغنيا عَن الْولَايَة وَلَا تصح هَذِه الدَّعْوَى إِلَّا بِالْإِسْنَادِ إِلَى الولايات الثَّابِتَة فِي الشَّرْع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 والولايات الثَّابِتَة فِي الشَّرْع إِنَّمَا زَالَت بِهَذِهِ الصِّفَات فِي الأَصْل فَحملت ولَايَة النِّكَاح عَلَيْهَا وَذَلِكَ يحصل بِالْقِيَاسِ وَلَو لم يكن هَذَا الأَصْل لما صَحَّ لَك دَعْوَى الِاسْتِقْلَال بِهَذِهِ الصِّفَات فَإِنَّهُ لَا يسلم أَن الْولَايَة تثبت فِي حق الْمَجْنُون وَالصَّغِير بِمُقْتَضى الْعقل وَإِنَّمَا يثبت ذَلِك بِالشَّرْعِ وَالشَّرْع مَا ورد إِلَّا فِي الْأَمْوَال فَكَانَ حمل النِّكَاح عَلَيْهِ قِيَاسا وَالْقِيَاس لَا يُعَارض النَّص وَقد ثَبت أَن الْخَبَر نَص لَا يحْتَمل التَّأْوِيل فَلَا يجوز تَركه بِالْقِيَاسِ وَلِأَن هَذَا طَرِيق يُعَارضهُ مثله وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَت الْأُصُول مَوْضُوعَة على ثُبُوت الْولَايَة للْحَاجة وسقوطها بالاستقلال بِهَذِهِ الصِّفَات فالأصول مَوْضُوعَة على أَن النُّطْق لَا يعْتَبر إِلَّا فِي مَوضِع لَا يثبت فِيهِ الْولَايَة وَقد ثَبت أَن النُّطْق سقط فِي حق الْبكر فَوَجَبَ أَن تثبت الْولَايَة عَلَيْهَا فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي النُّطْق سقط نصا فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق هَذَا تَأْكِيد لِأَن سُقُوطه بِالنَّصِّ دَلِيل على مَا ذكرت وَهَذَا آخر مَا جرى بَينهمَا وَالله أعلم وَمن الْفَوَائِد والمسائل والغرائب عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله قَالَ فِي النِّهَايَة فِي بَاب دِيَة الْجَنِين فِيمَا إِذا أَلْقَت الْمَرْأَة لَحْمًا وَذكر القوابل أَنَّهُنَّ لَا يدرين هَل هُوَ أصل للْوَلَد أَو لَا لَا يتَعَلَّق بِهِ أُميَّة الْوَلَد وَلَا وجوب الْغرَّة وَلَا الْكَفَّارَة وَهل يتَعَلَّق بِهِ انْقِضَاء الْعدة ذكر الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 لَا يتَعَلَّق بِهِ انقضاؤها وَهُوَ الْأَصَح لأَنا نفرع على اتِّبَاع قَول القوابل وَلَو قُلْنَ إِنَّه لَيْسَ لحم ولد فَلَا يتَعَلَّق بِهِ انْقِضَاء الْعدة فَإِذا قُلْنَ لَا نَدْرِي فَالْأَصْل بَقَاء الْعدة فَخرج مِمَّا ذَكرْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْل أَن القوابل لَو قُلْنَ فِي الْعلقَة إِنَّهَا أصل الْوَلَد فَفِي انْقِضَاء الْعدة بوضعها خلاف وَلَو شككن فِي اللَّحْم فَفِي تعلق انْقِضَاء الْعدة بِهِ وَجْهَان للعراقيين وَالْخلاف فِي الْكتاب مَكْتُوبَة الْهمزَة على سف وَالأَصَح على ألف جَمِيعًا بعيد انْتهى فقد صرح فِي حَالَة شكهن بحكاية وَجْهَيْن وَكرر ذكر ذَلِك وَبِه يسْتَدرك على الرَّافِعِيّ ثمَّ النَّوَوِيّ دعواهما أَنه لَا خلاف فِي صُورَة الشَّك وَأَنه لَا يحصل انْقِضَاء الْعدة بِهِ ذكر الإِمَام فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالمدارك أَن الطَّلَاق فِي الْحيض لَيْسَ حَرَامًا قَالَ وَإِنَّمَا الْحَرَام تَطْوِيل الْعدة وَهَذَا يُؤَيّد أحد وَجْهَيْن حَكَاهُمَا النَّوَوِيّ عَن حِكَايَة شَيْخه الْكَمَال سلار فِيمَا إِذا رَاجع بعد طَلَاقه فِي الْحيض هَل يرْتَفع الْإِثْم وَالْمَشْهُور أَن طَلَاق الْحَائِض حرَام لَو غصب العَبْد الْمُرْتَد غَاصِب فَقتله فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن مَاتَ فِي يَده قَالَ الإِمَام فِي النِّهَايَة فِي أثْنَاء السّير فِي بَاب إِظْهَار دين الله إِنَّه يجب الضَّمَان قَالَ الإِمَام فِي بَاب زَكَاة الْفطر من النِّهَايَة وَقد ذكر الْقُدْرَة على بعض الصَّاع كل أصل ذِي بدل فالقدرة على بعض الأَصْل لَا حكم لَهَا وسبيل الْقَادِر على الْبَعْض كسبيل الْعَاجِز عَن الْكل ثمَّ ذكر مَا يسْتَثْنى من هَذَا الضَّابِط إِلَى أَن قَالَ وَكَذَلِكَ إِذا انتقضت الطَّهَارَة بانتقاض بعض الْمحل فَالْوَجْه الْقطع بالإتيان بالمقدور عَلَيْهِ وَقد ذكر بعض الْأَصْحَاب فِيهِ اخْتِلَافا بَعيدا انْتهى وَمِنْه أَخذ شَارِح التَّعْجِيز مُصَنف ابْن يُونُس إِثْبَات خلاف فِي الْمَسْأَلَة وَقد تكلمنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 عَلَيْهِ فِي جَوَاب أسئلة سَأَلَني عَنْهَا الشَّيْخ شهَاب الدّين الْأَذْرَعِيّ فَقِيه أهل حلب نفع الله بِهِ قَالَ الإِمَام رَحمَه الله قبيل بَاب الرّجْعَة من النِّهَايَة فرع الزَّوْج إِذا ادّعى اختلاع امْرَأَته بِأَلف دِرْهَم فأنكرته فَأَقَامَ شَاهدا وَحلف مَعَه أَو شَاهدا وَامْرَأَتَيْنِ ثَبت المَال فَإِن المَال يثبت بِمَا ذَكرْنَاهُ أما الْفرْقَة فقد ثبتَتْ بقوله وَلَو ادَّعَت الْمَرْأَة الْخلْع فَأنْكر الزَّوْج فَلَا بُد من شَاهِدين فَإِن غرضها إِثْبَات الْفرْقَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ لَو ادّعى على الْمَرْأَة الْوَطْء فِي النِّكَاح وغرضه إِثْبَات الْعدة وَالرَّجْعَة فَلَا يقبل مِنْهُ إِلَّا شَاهِدَانِ إِن أَرَادَ إِقَامَة الْبَيِّنَة وَلَو ادَّعَت الْمَرْأَة مهْرا فِي النِّكَاح وَأنكر الزَّوْج أصل النِّكَاح فأقامت شَاهدا وَحلفت يَمِينا على النِّكَاح وغرضها إِثْبَات الْمهْر قَالَ الشَّيْخ لم يثبت شَيْء بِخِلَاف مَا قدمْنَاهُ وَذَلِكَ أَن النِّكَاح لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهُ إِثْبَات المَال وَإِنَّمَا المَال تَابع وَالنِّكَاح لَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ وَكَانَ شَيْخي يَقُول يثبت الْمهْر إِذا قصدته وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو عَليّ أفقه فَإِنَّهَا وَإِن أبدت مَقْصُود المَال فمقودها فِي النِّكَاح غير المَال وَالشَّاهِد لهَذَا أَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يقْض بانعقاد النِّكَاح بِحُضُور رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَهَذَا يشْعر بِأَن النِّكَاح من الْجَانِبَيْنِ لَا يثبت إِلَّا بعدلين فَلَا يثبت شَيْء من مقاصده وَفِي الْمَسْأَلَة احْتِمَال على حَال وسأجمع بِتَوْفِيق الله فِي الدعاوي والبينات قَوَاعِد الْمَذْهَب فِيمَا يثبت بِالشَّاهِدِ والمرأتين وَمَا لَا يثبت إِلَّا بعدلين وَإِلَى الله الابتهال فِي تَصْدِيق الرَّجَاء وَتَحْقِيق الأمل وَصرف مَا سعيت فِيهِ إِلَى نفع الْمُسلمين انْتهى ذكره آخر الطَّلَاق وقبيل الرّجْعَة وَالْمَقْصُود مِنْهُ أَنه حكى وَجْهَيْن فِي ثُبُوت الصَدَاق بِشَاهِد وَيَمِين وَأَن الأفقه عِنْده عدم ثُبُوته وَهُوَ خلاف مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَمن تبعه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 فِي كتاب الشَّهَادَات فَإِنَّهُم جزموا بِأَنَّهُ يثبت بِشَاهِد وَيَمِين وَلعدم الثُّبُوت اتجاه ظَاهر فَإِن الْمَذْهَب فِي رجل وَامْرَأَتَيْنِ شهدُوا بهاشمة قبلهَا إِيضَاح عدم وجوب أرش الهاشمة لِأَن الْمُوَضّحَة الَّتِي قبلهَا واجبها الْقصاص وَهُوَ مِمَّا لَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فَرددْنَا شَهَادَتهم فِي أرش الهاشمة مَعَ صَلَاحِية الْبَيِّنَة لَهَا لِأَنَّهَا مُوجبَة مَال وَإِنَّمَا رددناها لكَونهَا بعض فعل لَا يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وَهَذَا دَلِيل على أَنا نردها فِي الصَدَاق الْمُسَمّى الَّذِي ثُبُوته فرع ثُبُوت النِّكَاح وَإِذا لم يثبت الْمَلْزُوم بِهَذِهِ الشَّهَادَة فَكيف يثبت اللَّازِم فليحمل جزمهم بِأَن الصَدَاق يثبت بِشَاهِد وَيَمِين على مَا إِذا وَقعت الدَّعْوَى بِهِ مُجَرّدَة مَعَ التصادق على أصل النِّكَاح أما إِذا وَقعت بِأَصْل النِّكَاح فَلَا يثبت الصَدَاق إِلَّا على مَا نَقله الإِمَام عَن شَيْخه وَالَّذِي يظْهر وَذكر الإِمَام أَنه الأفقه كَمَا رَأَيْت خِلَافه وَبِذَلِك صرح الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا فَقَالَ إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي الصَدَاق مَعَ اتِّفَاقهمَا على النِّكَاح سمع فِيهِ شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَلَو اخْتلفَا فِي النِّكَاح لم يسمع فِيهِ إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ لِأَن الصَدَاق مَال وَالنِّكَاح عقد وَيصِح انفرادها بِهِ وَلَو ادَّعَت الزَّوْجَة الْخلْع وَأنكر لم تسمع فِيهِ إِلَّا شَهَادَة شَاهِدين وَلَو ادَّعَاهُ الزَّوْج وأنكرته الزَّوْجَة سمع فِيهِ شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَالْفرق بَينهمَا أَن بَيِّنَة الزَّوْجَة لإِثْبَات الطَّلَاق وَبَيِّنَة الزَّوْج لإِثْبَات المَال انْتهى لفظ الْحَاوِي فَيظْهر أَن ثُبُوت الصَدَاق إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَة مُجَردا عَن دَعْوَى النِّكَاح فَإِن قلت كَيفَ يحمل جزمهم على مَا إِذا وَقعت الدَّعْوَى بِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَقد قَالَ الرَّافِعِيّ لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على صدَاق فِي النِّكَاح يثبت الصَدَاق لِأَنَّهُ الْمَقْصُود قلت يحمل على الدَّعْوَى بهما أَو بِالنِّكَاحِ لَا على الصَدَاق بِمُجَرَّدِهِ لقَوْله فِي نِكَاح وَلَكِن يصدني عَن هَذَا الْحمل أَن ابْن الرّفْعَة صرح بِأَن المُرَاد بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة مَا إِذا ادَّعَت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 النِّكَاح لإِثْبَات الْمهْر وَنبهَ على مَا ذَكرْنَاهُ من كَلَام الإِمَام وَأَشَارَ بِهِ إِلَى اخْتِلَاف كَلَامه فَإِن الَّذِي جزم بِهِ فِي الشَّهَادَات أَنه يثبت وَعَلِيهِ دلّت عبارَة الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْوَسِيط ثمَّ ليعلم أَن النِّكَاح إِن لم يثبت بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ ثَبت فِي حق الْمهْر 478 - عبد الْملك بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَبُو سعد بن أبي عُثْمَان الخركوشي وخركوش بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَضم الْكَاف ثمَّ وَاو سَاكِنة ثمَّ شين مُعْجمَة سكَّة بِمَدِينَة نيسابور أَبُو سعد النيسابوري روى عَن حَامِد بن مُحَمَّد الرفاء وَيحيى بن مَنْصُور القَاضِي وَإِسْمَاعِيل بن نجيد وَأبي عَمْرو بن مطر وَغَيرهم روى عَنهُ الْحَاكِم وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَالْحسن بن مُحَمَّد الْخلال وَعبد الْعَزِيز الْأَزجيّ وَأَبُو عَليّ التنوخي وَعلي بن مُحَمَّد الحنائي وَأَبُو عَليّ الْأَهْوَازِي والحافظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْمُهْتَدي بِاللَّه وَأحمد بن عَليّ بن خلف الشِّيرَازِيّ وَآخَرُونَ وَكَانَ فَقِيها زاهدا من أَئِمَّة الدّين وأعلام الْمُؤمنِينَ ترتجى الرَّحْمَة بِذكرِهِ الحديث: 478 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 قَالَ فِيهِ الْحَاكِم إِنَّه الْوَاعِظ الزَّاهِد ابْن الزَّاهِد وَإنَّهُ تفقه فِي حَدَاثَة سنة وتزهد وجالس الزهاد والمجردين إِلَى أَن جعله الله خلف الْجَمَاعَة مِمَّن تقدمه من الْعباد الْمُجْتَهدين والزهاد القانعين قَالَ وتفقه على أبي الْحسن الماسرجسي قَالَ وجاور بحرم الله ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه نيسابور وَقد أنْجز الله لَهُ وعده على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله إِذا أحب عبدا نَادَى جِبْرِيل بذلك فِي السَّمَاء فَيُحِبهُ أهل السَّمَاء ثمَّ يوضع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض) فَلَزِمَ منزله ومجلسه وبذل النَّفس وَالْمَال والجاه للمستورين من الغرباء والمنقطعين والفقراء حَتَّى صَار الْفُقَرَاء فِي مجالسه كَمَا حدثونا عَن إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن عون قَالَ حَدثنَا يحيى بن الْيَمَان قَالَ كَانَ الْفُقَرَاء فِي مجْلِس سُفْيَان الثَّوْريّ أُمَرَاء فقد وَفقه الله لعمارة الْمَسَاجِد والحياض والقناطر والدروب وَكِسْوَة الْفُقَرَاء العراة من الغرباء والبلدية حَتَّى بنى دَارا للمرضى بعد أَن خربَتْ الدّور الْقَدِيمَة بنيسابور ووكل جمَاعَة من أَصْحَابه لتمريضهم وَحمل مَا بهم إِلَى الْأَطِبَّاء وَشِرَاء الْأَدْوِيَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 479 - عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن أَبُو سعد الدسكري تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه صَالح دين ورع برع فِي الْفِقْه وَكَانَت لَهُ معرفَة بالأدب وارتقت دَرَجَته وَارْتَفَعت روى عَن أبي عَليّ الْحسن بن عَليّ بن الْمَذْهَب وَغَيره قلت وَقد حج وَأنْفق مَالا صَالحا على المجاورين الْفُقَرَاء بالحرمين وَحكي أَن الْحَاج عطشوا فِي تِلْكَ السّنة فَسَأَلُوهُ أَن يَسْتَسْقِي لَهُم فَتقدم وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَن هَذَا بدن لم يعصك قطّ فِي لَذَّة ثمَّ استسقى فسقي النَّاس مَاتَ فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 479 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 480 - عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد البوشنجي وَهُوَ وَالِد الإِمَام إِسْمَاعِيل البوشنجي وَعَلِيهِ تفقه أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن ذكره عبد الغافر وَقَالَ فِيهِ الْفَقِيه الْفَاضِل الْوَرع الدّين من وُجُوه الْفُقَهَاء والمدرسين والمناظرين والعاملين بعلمهم الجارين على منهاج السّلف الصَّالِحين فِي لُزُوم الْفضل والاشتغال بِالْعلمِ وَلُزُوم الْفقر والقناعة تفقه على أبي إِبْرَاهِيم الْفَقِيه الضَّرِير ثمَّ قَالَ توفّي كهلا فِي سَابِع عشرى الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 481 - عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن الْأُسْتَاذ أَبُو سعيد ابْن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي الملقب ركن الْإِسْلَام وَسَعِيد فِي كنيته بِالْيَاءِ أما أَبُو سعد بِإِسْكَان الْعين فَذَاك أَخُوهُ عبد الله كِلَاهُمَا ولد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم وشبل ذَلِك الْأسد الَّذِي تجم دونه الضراغم وقرة عين تِلْكَ الذَّات الطاهرة وَأحد وَلدين بل أحد سِتَّة نُجُوم زاهرة ولد عبد الْوَاحِد سنة ثَمَانِي عشرَة وَأَرْبَعمِائَة قبل إِمَام الْحَرَمَيْنِ بِسنة وَنَشَأ فِي الْعلم وَالْعِبَادَة وَأخذ حظا وافرا من الْأَدَب وَكَانَ مداوما على تِلَاوَة الْقُرْآن سمع الحَدِيث من وَالِده وَأبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الطرازي وَأبي سعد عبد الرَّحْمَن الحديث: 480 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 ابْن حمدَان النصروي وَأبي حسان مُحَمَّد بن أَحْمد بن جَعْفَر الْمُزَكي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن باكوية الشِّيرَازِيّ وَأبي عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز النيلي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يحيى الْمُزَكي وَأبي نصر مَنْصُور بن رامش وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَالْقَاضِي أبي الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وَأبي بكر ابْن بَشرَان وَأبي يعلى بن الْفراء وَخلق بنيسابور والري وبغداد وهمذان روى عَنهُ وَلَده هبة الرَّحْمَن وَأَبُو طَاهِر السنجي وَغَيرهمَا وَكَانَ سَمَاعه من الطرازي حضورا فِي الرَّابِعَة أَو نَحْوهَا ذكره عبد الغافر فَقَالَ نَاصِر السّنة أوحد عصره فضلا ونفسا وَحَالا وَبَقِيَّة مَشَايِخ الْعَصْر فِي الْحَقِيقَة والشريعة نَشأ صَبيا فِي عبَادَة الله تَعَالَى وَفِي التَّعَلُّم خطب الْمُسلمين قَرِيبا من خمس عشرَة سنة ينشىء الْخطب كل جُمُعَة خطْبَة جَدِيدَة جَامِعَة للفوائد مَعْدُودَة من الفرائد انْتهى قلت أَظُنهُ ولي خطابة الْجَامِع المنيعي بنيسابور بعد موت إِمَام الْحَرَمَيْنِ فاستمر بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ وَالِد الْحَافِظ أبي سعد فِيهِ شيخ نيسابور علما وزهدا وورعا وصيانة لَا بل شيخ خُرَاسَان وَهُوَ فَاضل ملْء ثَوْبه وورع ملْء قلبه لم أر فِي مشايخي أورع مِنْهُ وَأَشد اجْتِهَادًا انْتهى وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد كَانَ ذَا عناية بتقييد أنفاس وَالِده وفوائده وَضبط حركاته وسكناته وَمَا جرى لَهُ فِي أَحْوَاله معنيا بحكايتها فِي مجالسه ومحاوراته حَافِظًا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم تلاء لَهُ يتلوه رَاكِبًا وماشيا وَقَاعِدا صَار فِي آخر عمره سيد عشيرته وَحج مثنيا أَي مرّة ثَانِيَة بعد الثَّمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة انْتهى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 قلت وَعَاد إِلَى وَطنه نيسابور وَبَقِي بهَا مُنْفَردا عَن أقرانه قَائِما بوظائف الْعِبَادَة لَا يفتر إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي مدرستهم عَن أَبِيه وَإِخْوَته وجده لأمه أبي عَليّ الدقاق وَمن الْفَوَائِد وَالشعر عَنهُ قَالَ عبد الغافر عقد لنَفسِهِ مجْلِس الْإِمْلَاء عشيات الْجمع فِي الْمدرسَة النظامية بنيسابور فَكَانَ يخرج مجَالِس الحَدِيث وَيتَكَلَّم على الْمُتُون فيستخرج المشكلات ويستنبط الْمعَانِي والإشارات ويزينها بالحكايات والأبيات وَكَانَ عقد مَجْلِسه زمَان الْأُسْتَاذ زين الْإِسْلَام يَعْنِي أَبَاهُ مَقْصُورا على جَوَاب السَّائِل وَرِوَايَات الْأَخْبَار وحكايات السّلف والمشايخ من غير خوض فِي الطَّرِيقَة ودقائقها والغوص فِي حقائقها احتراما لأيام الإِمَام انْتهى وَمن شعره يَقُول (خليلي كفا عَن عتابي فإنني ... خلعت عِذَارَيْ فِي الْهوى وعناني) (تصاممت عَن كل الملام لأنني ... شغلت بِمَا قد نابني وعناني) وَمِنْه (لعمري لَئِن حل المشيب بمفرقي ... ورثت قوى جسمي ورق عِظَامِي) (فَإِن عرام الشوق بَاقٍ بِحَالهِ ... إِلَى الْحَشْر مِنْهُ لَا يكون فطامي) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 وَمِنْه (يَا شاكيا فرقة شهر الصّيام ... تفيض عَيناهُ كفيض الْغَمَام) (ذَلِك من أَوْصَاف من لم يزل ... حُضُوره الْبَاب بنعت الدَّوَام) (دم حَاضرا بِالْبَابِ مستيقظا ... وكل شهر لَك شهر الصّيام) 482 - عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم القَاضِي أَبُو الْقَاسِم بن أبي عمر البَجلِيّ يُقَال إِنَّه من نسل جرير بن عبد الله البَجلِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الْفِقْه وأصوله سمع أَحْمد بن سلمَان النجاد وجعفر الْخُلْدِيِّ وَمُحَمّد بن الْحسن بن زِيَاد النقاش وَغَيرهم قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ ثِقَة تقلد الْقَضَاء من قبل أبي عَليّ التنوخي على دقوقا وخانيجار وَذكر أَنه تقلد أَيْضا قَضَاء جازر ثمَّ عكبرى قَالَ وسمعته أمْلى عَليّ نسبه فَقَالَ أبي مُحَمَّد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن خَالِد بن إِسْحَاق بن الزبْرِقَان بن خَالِد بن عبد الْملك بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ الحديث: 482 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 قَالَ وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ الرَّابِع عشر من رَجَب سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة وَدفن من الْغَد فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب 483 - عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن داوريد أَبُو حنيفَة الْفَارِسِي الملحمي الْفَقِيه الفرضي قَالَ الْخَطِيب حَدثنَا عَن الْمعَافى الْجريرِي وَكَانَ عَارِفًا بالقراءات والفرائض حَافِظًا لظَاهِر فقه الشَّافِعِي مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 484 - عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد أَبُو الْفرج الفامي الشِّيرَازِيّ من أهل شيراز ذكره ولد وَلَده القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الشِّيرَازِيّ الحديث: 483 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 فِي كِتَابه تَارِيخ الْفُقَهَاء وَقَالَ إِنَّه توفّي فِي سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة قَالَ وفيهَا ولدت 485 - عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن رامين الْبَغْدَادِيّ الشَّيْخ أَبُو أَحْمد تلميذ الداركي وَشَيخ الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ ذكره فِي الطَّبَقَات وَقَالَ قَرَأَ عَليّ الداركي وعَلى أبي الْحسن بن خيران وَسكن الْبَصْرَة ودرس بهَا وَكَانَ فَقِيها أصوليا لَهُ مصنفات حَسَنَة فِي الْأُصُول انْتهى وَقَالَ ابْن النجار إِنَّه سمع من الدَّارَقُطْنِيّ وَحدث بِالْبَصْرَةِ وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 486 - عبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور بن أَحْمد أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن المُشْتَرِي الْأَهْوَازِي كَانَ إِلَيْهِ قَضَاء الأهواز وَكَانَ لَهُ منزلَة عِنْد السلاطين مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة تَرْجمهُ ابْن باطيش الحديث: 485 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 487 - عبيد الله بن أَحْمد بن عبد الْأَعْلَى بن مُحَمَّد بن مَرْوَان أَبُو الْقَاسِم الرقي الْمَعْرُوف بِابْن الْحَرَّانِي قَالَ الْخَطِيب سَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وتفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَسمع بالموصل من نصر بن أَحْمد بن الْخَلِيل المرجي وَأبي نصر الملاحمي وَابْن حبابة والمخلص وَأبي حَفْص الكتاني وَغَيرهم روى عَنهُ الْخَطِيب وَوَثَّقَهُ وَعبد الْعَزِيز الكتاني وَغَيرهمَا قَالَ الْخَطِيب مَاتَ بالرحبة وَكَانَ قد سكنها إِلَى أَن توفّي فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 487 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 488 - عبيد الله بن أَحْمد بن عُثْمَان بن الْفرج الْأَزْهَرِي أَبُو الْقَاسِم بن أبي الْفَتْح وَهُوَ الْأَزْهَرِي الَّذِي يكثر الْخَطِيب الرِّوَايَة عَنهُ وَيعرف أَيْضا بِابْن السوادي ولد سنة خمس وَخمسين وثلاثمائة وَحدث عَن أبي بكر الْقطيعِي وَابْن ماسي والعسكري وَابْن المظفر وَخلق كثير قَالَ الْخَطِيب وَكَانَ أحد الْمَعْنيين بِالْحَدِيثِ والجامعين لَهُ مَعَ صدق واستقامة ودوام درس الْقُرْآن سمعنَا مِنْهُ المصنفات الْكِبَار توفّي فِي صفر سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقد بلغ ثَمَانِينَ سنة بل جاوزها بِعشْرَة أَيَّام 489 - عبيد الله بن سَلامَة بن عبيد الله بن مخلد أَبُو مُحَمَّد الْكَرْخِي الْمَعْرُوف بِابْن الرطبي أَخُو أَحْمد الَّذِي قدمنَا ذكره كَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الحديث: 488 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَولى قَضَاء شهراباد والبندنيجين توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 490 - عبيد الله بن عمر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل المقرىء الْمَعْرُوف بِابْن الْبَقَّال بِالْبَاء الْمُوَحدَة من أهل بَغْدَاد كَانَ فِيهَا مقرئا سمع أَبَا بكر النجاد وَأَبا عَليّ الصَّواف وَأَبا بكر الشَّافِعِي وَغَيرهم روى عَنهُ الْبَيْهَقِيّ والثقفي وَأَبُو بكر الْخَطِيب وَقَالَ سمعنَا مِنْهُ بانتقاء ابْن أبي الفوارس وَكَانَ فَقِيها ثِقَة مَاتَ سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فِي صفر ببغدد 491 - عبيد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مهْرَان الإِمَام أَبُو أَحْمد بن أبي مُسلم الفرضي المقرىء الْبَغْدَادِيّ أحد شُيُوخ الْعرَاق السائر ذكرهم سمع الْمحَامِلِي ويوسف بن البهلول الْأَزْرَق وَحضر مجْلِس أبي بكر الْأَنْبَارِي الحديث: 490 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 وَقَرَأَ الْقُرْآن على أَحْمد بن عُثْمَان بن بويان وَهُوَ آخر من قَرَأَ فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِ وَحدث عَنهُ أَبُو مُحَمَّد الْخلال وَعمر بن عبد الله الْبَقَّال وَأحمد بن عَليّ بن أبي عُثْمَان الدقاق وَعلي بن أَحْمد بن البسري وَعلي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْأَخْضَر الْأَنْبَارِي وَآخَرُونَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن نصر بن عبد الْعَزِيز الْفَارِسِي نزيل مصر وَأَبُو عَليّ الْحسن ابْن الْقَاسِم غُلَام الهراس وَالْحسن بن عَليّ الْعَطَّار وَغَيرهم قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة ورعا دينا قَالَ وَحدثنَا مَنْصُور بن عمر الْفَقِيه قَالَ لم أر فِي الشُّيُوخ من يعلم لله غير أبي أَحْمد الفرضي قَالَ وَكَانَ قد اجْتمعت فِيهِ أدوات الرياسة من علم وَقُرْآن وَإسْنَاد وَحَالَة متسعة من الدُّنْيَا وَكَانَ مَعَ ذَلِك أورع الْخلق وَكَانَ يقْرَأ الحَدِيث علينا بِنَفسِهِ وَكنت أطيل الْقعُود مَعَه وَهُوَ على حَالَة وَاحِدَة لَا يَتَحَرَّك وَلَا يعبث بِشَيْء وَلم أر فِي الشُّيُوخ مثله وَقَالَ العتيقي مَا رَأينَا فِي مَعْنَاهُ مثله وَقَالَ عبيد الله الْأَزْهَرِي فِيهِ إِمَام الْأَئِمَّة وَقَالَ عِيسَى بن أَحْمد الهمذاني كَانَ أَبُو أَحْمد إِذا جَاءَ إِلَى الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني قَامَ من مَجْلِسه وَمَشى إِلَى بَاب مَسْجده حافيا مُسْتَقْبلا لَهُ قلت توفّي فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 492 - عزيزي بن عبد الْملك بن مَنْصُور أَبُو الْمَعَالِي الْوَاعِظ ويلقب بشيذلة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون آخر الْحُرُوف وَفتح الذَّال وَاللَّام بعْدهَا كَانَ من أهل جيلان سمع أَبَا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا حَاتِم مَحْمُود بن الْحسن الْقزْوِينِي وَأَبا طَالب ابْن غيلَان وَالْقَاضِي أَبَا الطّيب وَأَبا عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الصُّورِي وَإِبْرَاهِيم ابْن عمر الْبَرْمَكِي وخلقا سواهُم روى عَنهُ أَبُو الْحسن بن الْخلّ الْفَقِيه وشهدة بنت الإبري وَأَبُو عَليّ بن سكرة وَقَالَ كَانَ زاهدا متقللا من الدُّنْيَا وَكَانَ شيخ الوعاظ ومعلمهم الْوَعْظ بتصانيفه وتدريسه قلت كَانَ فَقِيها فَاضلا فصيحا أصوليا متكلما صوفيا وَمن نوادره أَنه كَانَ جيلانيا أشعري العقيدة وَله تصانيف كَثِيرَة وَولي قَضَاء بَغْدَاد نِيَابَة عَن القَاضِي أَي قَاضِي الْقُضَاة أبي بكر الشَّامي توفّي فِي سَابِع عشر صفر سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد الحديث: 492 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 وَمن الرِّوَايَة والفوائد عَنهُ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد الْعلوِي أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقطيعِي أخبرنَا الإِمَام أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن الْخلّ أخبرنَا الإِمَام القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي عزيزي بن عبد الْملك شيذلة قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عمر بن أَحْمد الْبَرْمَكِي الْفَقِيه أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن أَيُّوب بن ماسي الْبَزَّاز قِرَاءَة عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو مُسلم إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن مُسلم الْبَصْرِيّ حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا هِشَام يَعْنِي الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يتقدمن أحدكُم رَمَضَان بِيَوْم وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا أَن يكون صوما كَانَ يَصُومهُ رجل فليصم ذَلِك الْيَوْم) أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم أخبرتنا أم عبد الله زَيْنَب بنت الْكَمَال أَحْمد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الْمَقْدِسِي قِرَاءَة عَلَيْهَا وَأَنا أسمع قَالَت أَنبأَنَا الشُّيُوخ الْأَرْبَعَة ابْن الْخَيْر وَابْن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 السيدي وَابْن العليق وَابْن الْمَنِيّ إجَازَة قَالُوا أنبأتنا شهدة بنت أَحْمد ابْن الْفرج الإبري سَمَاعا قَالَت سَمِعت القَاضِي الإِمَام عزيزي بن عبد الْملك من لَفظه فِي سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة يَقُول اللَّهُمَّ يَا وَاسع الْمَغْفِرَة وَيَا باسط الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ افْعَل بِي مَا أَنْت أَهله إلهي أذنبت فِي بعض الْأَوْقَات وَآمَنت بك فِي كل الْأَوْقَات فيكف يغلب بعض عمري مذنبا جَمِيع عمري مُؤمنا إلهي لَو سَأَلتنِي حسناتي لجعلتها لَك مَعَ شدَّة حَاجَتي إِلَيْهَا وَأَنا عبد فَكيف لَا أَرْجُو أَن تهب لي سيئاتي مَعَ غناك عَنْهَا وَأَنت رب فيامن أَعْطَانَا خير مَا فِي خزائنه وَهُوَ الْإِيمَان بِهِ قبل السُّؤَال لَا تَمْنَعنَا أوسع مَا فِي خزائنك وَهُوَ الْعَفو مَعَ السُّؤَال إلهي حجتي حَاجَتي وعدتي فَاقَتِي فارحمني إلهي كَيفَ أمتنع بالذنب من الدُّعَاء وَلَا أَرَاك تمنع مَعَ الذَّنب من الْعَطاء فَإِن غفرت فَخير رَاحِم أَنْت وَإِن عذبت فَغير ظَالِم أَنْت إلهي أَسأَلك تذللا فَأعْطِنِي تفضلا 493 - عَليّ بن أَحْمد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن نعيم أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ الْأَشْعَرِيّ النعيمي بِضَم النُّون نزيل بَغْدَاد الحديث: 493 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 حدث عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الْأَسْفَاطِي وَأحمد بن عبيد الله النهرديري وَمُحَمّد بن عدي بن زحر وَعلي بن عمر الْحَرْبِيّ قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ حَافِظًا عَارِفًا متكلما شَاعِرًا وَقد حَدثنَا عَنهُ أَبُو بكر البرقاني بِحَدِيث وَسمعت الْأَزْهَرِي يَقُول وضع النعيمي على ابْن المظفر حَدِيثا ثمَّ بَينه أَصْحَاب الحَدِيث لَهُ فَخرج من بَغْدَاد لهَذَا السَّبَب فَغَاب حَتَّى مَاتَ ابْن المظفر وَمَات من عرف قصَّته فِي الحَدِيث وَوَضعه ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد سَمِعت أَبَا عبد الله الصُّورِي يَقُول لم أر بِبَغْدَاد أكمل من النعيمي كَانَ قد جمع معرفَة الحَدِيث وَالْكَلَام وَالْأَدب قَالَ وَكَانَ البرقاني يَقُول هُوَ كَامِل فِي كل شَيْء لَوْلَا بِأَو فِيهِ قَالَ النَّوَوِيّ البأو بباء مُوَحدَة بعْدهَا همزَة هُوَ الْعجب وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ درس بالأهواز وَكَانَ فَقِيها عَالما بِالْحَدِيثِ متكلما متأدبا مَاتَ فِي مستهل ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَكَانَ فِي عشر الثَّمَانِينَ وَكَانَ يحدث من حفظه قَالَ وَتلك الهفوة يَعْنِي الَّتِي حَكَاهَا الْخَطِيب عَن الْأَزْهَرِي كَانَت فِي شبيبته وَتَابَ وَمن شعره السائر (إِذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعا وريا) (فَكُن رجلا رجله فِي الثرى ... وَهَامة همته فِي الثريا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 (أَبَيَا لنائل ذِي ثروة ... ترَاهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ أَبَيَا) (فَإِن إِرَاقَة مَاء الْحَيَاة ... دون إِرَاقَة مَاء الْمحيا) 494 - عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ الرَّوْيَانِيّ سكن بُخَارى قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَارِفًا بِمذهب الشَّافِعِي تفقه على الإِمَام أبي الْقَاسِم الفوراني وَأبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي وَغَيرهمَا روى لنا عَنهُ أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عَليّ البيكندي وَمَات ببخارى فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 495 - عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن الْحَاكِم أَبُو الْحسن الإستراباذي قَالَ الإِمَام أَبُو حَفْص عمر النَّسَفِيّ الْحَنَفِيّ كَانَ من كبار أَئِمَّة الحَدِيث بسمرقند قَالَ ابْن الصّلاح يَعْنِي أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة على قَاعِدَة عرف أهل تِلْكَ الْبِلَاد إِذا أطلق أهل الحَدِيث لَا يُرَاد غير الشَّافِعِيَّة قَالَ النَّسَفِيّ وَكَانَ الإستراباذي مُجْتَهدا بمرو وَكَانَ يكْتب عَامَّة النَّهَار وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن ظَاهرا وَكَانَ لَا يمنعهُ أحد الْأَمريْنِ عَن الآخر وَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ أحد فَأكْثر الحديث: 494 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 قطع كَلَامه وَجعل يقْرَأ الْقُرْآن وَكَانَ سَأَلَ الله تَعَالَى فِي الْكَعْبَة كَمَال الْقُدْرَة على قِرَاءَة الْقُرْآن وإتيان النسوان فاستجيب لَهُ الدعوتان قَالَ النَّسَفِيّ وَحدث سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ لَهُ الدَّرْس وَالْفَتْوَى ومجلس النّظر والتوسط وَمَعَ ذَلِك كَانَ يخْتم كل يَوْم ختمة وَقَالَ الإِمَام نَاصِر الْعمريّ مَا رَأَيْت مثل الْحَاكِم أبي الْحسن فِي فَضله وزهده 496 - عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الواحدي النَّيْسَابُورِي الإِمَام الْكَبِير أَبُو الْحسن من أَوْلَاد التُّجَّار أَصله من ساوة وَله أَخ اسْمه عبد الرَّحْمَن قد تفقه وَحدث أَيْضا كَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْحسن وَاحِد عصره فِي التَّفْسِير لَازم أَبَا إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ الْمُفَسّر وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن أبي الْحسن القهندزي الضَّرِير واللغة عَن أبي الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْعَرُوضِي صَاحب أبي مَنْصُور الْأَزْهَرِي ودأب فِي الْعُلُوم وَسمع أَبَا طَاهِر بن محمش الزيَادي وَأَبا بكر أَحْمد بن الْحسن الْحِيرِي الحديث: 496 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 وَأَنا إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْوَاعِظ وَعبد الرَّحْمَن بن حمدَان النصرويي وَأحمد بن إِبْرَاهِيم النجار وخلقا روى عَنهُ أَحْمد بن عمر الأرغياني وَعبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد الخواري وَطَائِفَة من الْعلمَاء صنف التصانيف الثَّلَاثَة فِي التَّفْسِير الْبَسِيط والوسيط وَالْوَجِيز وصنف أَيْضا أَسبَاب النُّزُول والتحبير فِي شرح الْأَسْمَاء الْحسنى وَشرح ديوَان المتنبي وَكتاب الدَّعْوَات وَكتاب الْمَغَازِي وَكتاب الْإِعْرَاب فِي علم الْإِعْرَاب وَكتاب تَفْسِير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتاب نفي التحريف عَن الْقُرْآن الشريف وَله شعر مليح قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فِي كتاب التَّذْكِرَة كَانَ الواحدي حَقِيقا بِكُل احترام وإعظام لَكِن كَانَ فِيهِ بسط اللِّسَان فِي الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين حَتَّى سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن بشار بنيسابور مذاكرة يَقُول كَانَ عَليّ بن أَحْمد الواحدي يَقُول صنف أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ كتاب حقائق التَّفْسِير وَلَو قَالَ إِن ذَلِك تَفْسِير لِلْقُرْآنِ لكفر بِهِ توفّي بنيسابور فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ الواحدي فِي الْوَسِيط فِي تَفْسِير سُورَة الْقِتَال عِنْد الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 {وَسقوا مَاء حميما فَقطع أمعاءهم} أَخْبرنِي أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْفضل بن يحيى عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الْكَاتِب قَالَ قدمت مَكَّة فَلَمَّا وصلت إِلَى طيزناباذ ذكرت بَيت أبي نواس (بطيزناباذ كرم مَا مَرَرْت بِهِ ... إِلَّا تعجبت مِمَّن يشرب المَاء) فَهَتَفَ بِي هَاتِف أسمع صَوته وَلَا أرَاهُ (وَفِي الْجَحِيم حميم لَا تجرعه ... حلق فأبقى لَهُ فِي الْبَطن أمعاء) وَقَالَ فِي تَفْسِير {ألم نشرح} بِسَنَدِهِ لِابْنِ الْعُتْبِي قَالَ كنت ذَات لَيْلَة فِي الْبَادِيَة بِحَالَة من الْغم فألقي فِي روعي بَيت من الشّعْر فَقلت (أرى الْمَوْت لمن أصبح ... مغموما لَهُ أروح) فَلَمَّا جن اللَّيْل سَمِعت هاتفا يَهْتِف فِي الْهَوَاء (أَلا يَا أَيهَا الْمَرْء الَّذِي ... الْهم بِهِ برح) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 (وَقد أنْشد بَيْتا لم ... يزل فِي فكره يسبح) (إِذا اشْتَدَّ بك الْعسر ... ففكر فِي ألم نشرح) (فعسر بَين يسرين ... إِذا أبصرته فافرح) 497 - عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد الدبيلي صَاحب كتاب أدب الْقَضَاء رَأَيْت على نُسْخَة من كِتَابه تكنيته بِأبي إِسْحَاق وعَلى أُخْرَى بِأبي الْحسن وَقد انبهم عَليّ أَمر هَذَا الشَّيْخ وَالَّذِي على الْأَلْسِنَة أَنه الزبيلي بِفَتْح الزَّاي ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة وَرَأَيْت من يشك فِي ذَلِك وَيَقُول لَعَلَّه الدبيلي بِفَتْح الدَّال بعْدهَا بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة ثمَّ آخر الْحُرُوف يَاء سَاكِنة وَيدل لذَلِك أَنِّي رَأَيْت على بعض نسخ كِتَابه أَنه سبط الْمقري وَلَهُم أَبُو عبد الله الدبيلي بِالدَّال مقرىء الشَّام وَأحمد بن مُحَمَّد الرَّازِيّ كِلَاهُمَا فِي حُدُود الثلاثمائة وَلَعَلَّه سبط الأول وَأرى أَن هَذَا الشَّيْخ فِي هَذِه الْمِائَة لِأَنِّي وجدته يروي فِي أدب الْقَضَاء عَن بعض أَصْحَاب الْأَصَم فروى الْكثير من مُسْند الشَّافِعِي عَن أبي الْحسن عَن ابْن هَارُون بن بنْدَار الْجُوَيْنِيّ عَن أبي الْعَبَّاس الْأَصَم وروى أَيْضا عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُوسَى الوتار الدبيلي وَآخَرُونَ وَهَذَا الْكتاب هُوَ الَّذِي حكى عَنهُ ابْن الرّفْعَة أَن الْمُوكل يقف مَعَ وَكيله فِي مجْلِس الْقَضَاء وَقد رَأَيْته فِيهِ وَعبارَته وَإِن كَانَ أحد الْخَصْمَيْنِ وكل وَكيلا يتَكَلَّم عَنهُ وَحضر مجْلِس القَاضِي فَيجب أَن يكون الْوَكِيل وَالْمُوكل والخصم يَجْلِسُونَ بَين يَدَيْهِ الحديث: 497 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 وَلَا يجوز أَن يجلس الْمُوكل بِجنب القَاضِي وَيَقُول وَكيلِي جَالس مَعَ خصمي ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشّعبِيّ أَن عمر بن الْخطاب تحاكم وَهُوَ على خِلَافَته هُوَ وَأبي بن كَعْب فَذكر مَا لَيْسَ صَرِيحًا فِيمَا رامه غير أَن الحكم الَّذِي ذكره هُوَ الْوَجْه وَلَا بُد أَن يكون مَبْنِيا على وَجه التَّسْوِيَة وَهُوَ فقه حسن لَا يعرف فِي الْمَذْهَب خِلَافه وَقد وَافق عَلَيْهِ الْوَالِد وترجمه بِأَن الْمُوكل هُوَ الْمَحْكُوم لَهُ أَو عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يحلف ويستوفى مِنْهُ الْحق قلت وَقَرِيب من ذَلِك أَن يكون أحد الْخَصْمَيْنِ من سفلَة النَّاس الَّذين عَادَة مثلهم الْوُقُوف بَين يَدي القَاضِي دون الجُلُوس وَجَرت عَادَة الْحُكَّام فِي هَذَا إِذا تحاكم مَعَ رَئِيس أَن يجلسوه مَعَه وَهَذِه يحْتَمل أَن يُقَال هَذَا حسن لِأَن الشَّرْع قد سوى بَينهمَا فليستويا فِي مجْلِس التحاكم وَلَا يضر معرفَة النَّاس بِأَنَّهُ لَوْلَا المحاكمة لما جَالس بَينهمَا وَيحْتَمل أَن يُقَال بل يَنْبَغِي أَن يتَعَيَّن إيقاف الرئيس مَعَه لِأَن إجلاس السافل مَعَ الرئيس اعتناء بالرئيس فِي الْحَقِيقَة إِلَّا أَن يُقَال إِن أصل الْوُقُوف بِدعَة فيفرض فِي رَئِيس بِمَجْلِس بالبعد من الْحَاكِم وَرَئِيس بِمَجْلِس الرياسة ويصنع مثل هَذَا الصنع وَأَنا أجد نَفسِي تنفر حِين إجلاس المرءوس وتجنح إِلَى إيقاف الرئيس أَو إخلاء مجْلِس المرءوس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 فَلْينْظر هَذَا فَإِنِّي لم أجد فِيهِ شِفَاء للغليل من مَنْقُول وَلَا مَعْقُول وَقَالَ الدبيلي إِذا حضرت امْرَأَة إِلَى القَاضِي ووليها غَائِب مَسَافَة الْقصر فَأَذنت فِي تَزْوِيجهَا من رجل بِعَيْنِه أجابها وَلم يسْأَل عَن كَونه كُفؤًا لِأَن الْحق لَهَا وَقد رضيت فَإِذا حضر وَليهَا وَلم يكن الزَّوْج دخل بهَا فَلهُ الْفَسْخ وَجزم بِالْوَجْهِ الْمَشْهُور الذَّاهِب إِلَى أَن القَاضِي إِذا فسق ثمَّ تَابَ رَجَعَ إِلَى ولَايَته من غير تَجْدِيد ولَايَة وَأفَاد أَن ذَلِك مُقَيّد بِمَا إِذا لم يول غَيره لتضمن ولَايَة غَيره عزلة وَهَذَا حسن فَلَا يتَّجه أَن يكون مَوضِع الْخلاف إِلَّا إِذا لم يول غَيره وَهُوَ قَضِيَّة كَلَامهم وَإِن لم يصرحوا بِهِ تَصْرِيحًا قَالَ الدبيلي وَإِن كَانَ فسقه قد يُعلمهُ النَّاس نفذت أقضيته وَصحت مَعَ مشقة غير أَنه آثم فِي نَفسه وَحكى وَجها فِيمَن عمل من الثَّرِيد خمرًا وَأكله أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الْحَد والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَغَيره الْوُجُوب وَقَالَ إِن الْخلاف فِي أَن عمد الصَّبِي وَالْمَجْنُون عمد أَو خطأ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجِنَايَات الَّتِي تلْزم الْعَاقِلَة وَمن ثمَّ إِذا أتلفا شَيْئا كَانَ الْغرم عَلَيْهِمَا وَلَا يخرج على الْخلاف قلت الْخلاف فِي أَن عمدهما عمد خطأ لَا يخْتَص بالجنايات الَّتِي تلْزم الْعَاقِلَة لأَنهم أجروه فِيمَا لَو تطيب الصَّبِي أَو الْمَجْنُون فِي الْإِحْرَام أَو لبس أَو جَامع وَكَذَا لَو حلق أَو قلم أَو قتل صيدا عَامِدًا وَقُلْنَا يفْتَرق حكم الْعمد والسهو فِيهَا وكل ذَلِك مِمَّا لَا مدْخل لعاقلة فِيهِ فَالْخِلَاف فِي أَن عمدهما عمد يعم كل مَا يفْتَرق الْحَال فِيهِ بَين الْعمد وَالْخَطَأ وَمن ثمَّ لَا مِمَّا ذكره الدبيلي وَجب فِي مَا لَهما ضَمَان الْمُتْلفَات أسلم فِي رطب حَالا فِي وَقت لَا يُوجد فِيهِ بَطل وَقيل يَصح وللمسلم الْفَسْخ إِن شَاءَ أَو يصبر وَكِلَاهُمَا كالقولين فِيمَا لَو انْقَطع الْمُسلم فِيهِ أسلم فِي ثوب طوله عشرَة أَذْرع فجَاء بِهِ أحد عشر وَجب قبُوله بِخِلَاف مَا لَو كَانَ خَشَبَة لِإِمْكَان قطع الثَّوْب بِلَا مشقة وقبوله الزَّائِد لَا يضرّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 أوصى لَهُ بسالم وَله عبيد اسْم كل وَاحِد مِنْهُم سَالم وَمَات قيل تبطل الْوَصِيَّة للْجَهْل وَقيل يعين الْوَارِث وَلَو أوصى بِعِتْق سَالم وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا فالقرعة وَحكى فِي تَقْوِيم الْمُتْلفَات وَجها أَنه لَا يقبل فِيهِ شَاهد وَامْرَأَتَانِ وَلَا شَاهد وَيَمِين وَاسْتدلَّ على أَن الْإِجْمَاع حجَّة بقوله تَعَالَى {لَو أنفقت مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مَا ألفت بَين قُلُوبهم} 498 - عَليّ بن أَحْمد السُّهيْلي أَبُو الْحسن الإسفرايني أحد الْأَئِمَّة وقفت لَهُ على كتابين أَحدهمَا كتاب أدب الجدل وَفِيه غرائب من أصُول الْفِقْه وَغَيره وَالْآخر فِي الرَّد على الْمُعْتَزلَة وَبَيَان عجزهم وأحسب أَنه فِي حُدُود الأربعمائة إِن لم يكن قبلهَا بِيَسِير فبعدها بِيَسِير وَالله تَعَالَى أعلم 499 - عَليّ بن أَحْمد الْفَسَوِي القَاضِي أَبُو الْحسن شَارِح الْمِفْتَاح وَفِيمَا رَأَيْته بِخَط ابْن الصّلاح فِي الْمَجْمُوع الَّذِي انتقيت مِنْهُ مِمَّا نَقله من هَذَا الْكتاب قَالَ ابْن سُرَيج الشَّرِيعَة تَقْتَضِي أَنه لَيْسَ فِي بَاطِن الْإِنْسَان نَجَاسَة قلت وَمَسْأَلَة الْخَيط وَقَول الْأَصْحَاب فِيهِ إِذا كَانَ مُتَّصِلا بِالنَّجَاسَةِ إِلَى آخر مَا ذَكرُوهُ يُنَازع فِي هَذَا الحديث: 498 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 قَالَ الدَّلِيل على قتل تَارِك الصَّلَاة قَوْله تَعَالَى {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة} الْآيَة فَلَا يجوز تخليتهم إِلَّا بِالشّرطِ وَالله تَعَالَى أعلم 500 - عَليّ بن الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر أَبُو الْقَاسِم بن الْمسلمَة وَزِير الْقَائِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ لقبه الْقَائِم رَئِيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى وَقد حكى عَنهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق حِكَايَة ولقبه بِهَذَا اللقب وَتلك منقبة ولد فِي شعْبَان سنة سبع وَتِسْعين وثلاثمائة سمع إِسْمَاعِيل بن الْحسن بن هِشَام الصرصري وَأَبا أَحْمد الفرضي وَغَيرهمَا وروى عَنهُ الْخَطِيب وَكَانَ خصيصا بِهِ وَقَالَ كتبت عَنهُ وَكَانَ ثِقَة قد اجْتمع فِيهِ من الْآلَات مَا لم يجْتَمع فِي أحد قبله مَعَ سداد مَذْهَب وَحسن اعْتِقَاد ووفور عقل وأصالة رَأْي قَالَ وسمعته يَقُول رَأَيْت فِي الْمَنَام وَأَنا حدث كَأَنِّي أَعْطَيْت شبه النبقة الْكَبِيرَة وَقد مَلَأت كفي وَأُلْقِي فِي روعي أَنَّهَا من الْجنَّة فعضضت مِنْهَا عضة ونويت بذلك حفظ الْقُرْآن وعضضت أُخْرَى ونويت درس الْفِقْه وعضضت أُخْرَى ونويت درس الْفَرَائِض وعضضت أُخْرَى ونويت درس النَّحْو وعضضت أُخْرَى ونويت درس الْعرُوض فَمَا من علم من هَذِه الْعُلُوم إِلَّا وَقد رَزَقَنِي الله مِنْهُ نَصِيبا الحديث: 500 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 قَالَ الْخَطِيب قتل الْوَزير ابْن الْمسلمَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة قَتله أَبُو الْحَارِث البساسيري التركي وصلبه ثمَّ قتل البساسيري وطيف بِرَأْسِهِ بِبَغْدَاد فِي يَوْم الْخَامِس عشر من ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَخمسين شرح حَال مقتل هَذَا الْوَزير كَانَ هَذَا الْوَزير قد ارْتَفَعت دَرَجَته وَتمكن من قلب الْخَلِيفَة وَكَانَ السُّلْطَان فِي ذَلِك الْوَقْت الْملك الرَّحِيم ابْن بويه فَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَهِي ابْتِدَاء الدولة السلجوقية سقى الله عهدها ضعف أَمر الْملك الرَّحِيم لاستيلاء أبي الْحَارِث أرسلان التركي الْمَعْرُوف بالبساسيري والبساسيري بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَألف بَين سينين مهملتين أولاهما مَفْتُوحَة وأخراهما مَكْسُورَة بعْدهَا آخر الْحُرُوف سَاكِنة وَفِي آخرهَا الرَّاء نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بِفَارِس يُقَال لَهَا بسا وبالعربية فسا وَالنِّسْبَة إِلَيْهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ فسوي وَلَكِن أهل فَارس يَقُولُونَ البساسيري وَكَانَ هَذَا البساسيري يتحلم على الْقَائِم بِأَمْر الله واستفحل أمره وَلم يبْق للْملك الرَّحِيم مَعَه إِلَّا مُجَرّد الِاسْم ثمَّ عَن لَهُ الْخُرُوج على الْخَلِيفَة بِأَسْبَاب أكدها مكاتبات الْمُسْتَنْصر العبيدي لَهُ من مصر فَبلغ ذَلِك الْقَائِم فكاتب السُّلْطَان طغرلبك بن مِيكَائِيل بن سلجوق يستنجد بِهِ على البساسيري ويعده بالسلطنة ويحضه على الْقدوم وَكَانَ طغرلبك بِالريِّ وَقد استولى على الممالك الخراسانية وَغَيرهَا وَكَانَ البساسيري يَوْمئِذٍ بواسط وَمَعَهُ أَصْحَابه ففارقه طَائِفَة مِنْهُم وَرَجَعُوا إِلَى بَغْدَاد فَوَثَبُوا على دَار البساسيري فنهبوها وأحرقوها وَذَلِكَ بِرَأْي رَئِيس الرؤساء وسعيه وَكَانَ رَئِيس الرؤساء هُوَ الْقَائِم عِنْد الْقَائِم فِي إبعاد البساسيري وَهُوَ الَّذِي أعلمهُ بِأَنَّهُ يُكَاتب المصريين ويكاتبونه فَقدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 السُّلْطَان طغرلبك فِي رَمَضَان بجيوشه فَذهب البساسيري من الْعرَاق وَقصد الشَّام وَوصل إِلَى الرحبة وَكَاتب الْمُسْتَنْصر العبيدي الشيعي الرافضي صَاحب مصر وَاسْتولى على الرحبة وخطب للمستنصر بهَا فأمده الْمُسْتَنْصر بالأموال وَأما بَغْدَاد فَخَطب بهَا للسُّلْطَان طغرلبك بعد الْقَائِم ثمَّ ذكر بعده الْملك الرَّحِيم وَذَلِكَ بشفاعة الْقَائِم فِيهِ إِلَى طغرلبك ثمَّ إِن السُّلْطَان قبض على الْملك الرَّحِيم بعد أَيَّام وَقطعت خطبَته فِي سلخ رَمَضَان وانقرضت دولة بني بويه وَكَانَت مدَّتهَا مائَة وَسبعا وَعشْرين سنة وَقَامَت دولة بني سلجوق فسبحان مبدي الْأُمَم ومبيدها وَدخل طغرلبك بَغْدَاد فِي جمع عَظِيم وتجمل هائل وَدخل مَعَه ثَمَانِيَة عشر فيلا وَنزل بدار المملكة وَكَانَ قدومه فِي الظَّاهِر أَنه أَتَى من غَزْو الرّوم إِلَى همذان فأظهر أَنه يُرِيد الْحَج وَإِصْلَاح طَرِيق مَكَّة والمضي إِلَى الشَّام من الْحَج ليأخذها وَيَأْخُذ مصر ويزيل دولة الشِّيعَة بهَا فراج هَذَا على عَامَّة النَّاس وَكَانَ رَئِيس الرؤساء يُؤثر تملكه وَزَوَال دولة بني بويه فَقدم الْملك الرَّحِيم من وَاسِط وراسلوا طغرلبك بِالطَّاعَةِ وَاسْتمرّ أَمر طغرلبك فِي ازدياد إِلَى سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة توجه إِلَى رحبة الْموصل ونصيبين وَغَيرهمَا واشتغل بحصار طَائِفَة عَصَتْ عَلَيْهِ وَسلم مَدِينَة الْموصل إِلَى أَخِيه إِبْرَاهِيم ينَال وَتوجه ليفتح الجزيرة فراسل البساسيري إِبْرَاهِيم ينَال أَخا السُّلْطَان يعده ويمنيه ويطمعه فِي الْملك فأصغى إِلَيْهِ وَخَالف أَخَاهُ وَسَار فِي طَائِفَة من الْعَسْكَر إِلَى الرّيّ فانزعج السُّلْطَان وَسَار وَرَاءه وَترك بعض الْعَسْكَر بديار بكر مَعَ زَوجته ووزيره عميد الْملك الكندري وربيبه أنوشروان فتفرقت العساكر وعادت زَوجته الخاتون إِلَى بَغْدَاد فَأَما السُّلْطَان فَالتقى هُوَ وَأَخُوهُ فَظهر عَلَيْهِ أَخُوهُ فَدخل السُّلْطَان همذان فنازله أَخُوهُ وحاصره فعزمت الخاتون على إنجاد زَوجهَا واختبطت بَغْدَاد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 واستفحل الْبلَاء وَقَامَت الْفِتْنَة على سَاق وَتمّ للبساسيري مَا دبر من الْمَكْر وأرجف النَّاس بمجيء البساسيري إِلَى بَغْدَاد وَنَفر الْوَزير الكندري وأنو شرْوَان إِلَى الْجَانِب الغربي وقطعا الجسر ونهبت الغز دَار الخاتون وَأكل الْقوي الضَّعِيف ثمَّ دخل البساسيري بَغْدَاد فِي ثامن ذِي الْقعدَة بالرايات المستنصرية عَلَيْهَا ألقاب الْمُسْتَنْصر فَمَال إِلَيْهِ أهل بَاب الكرخ لرفضهم وفرحوا بِهِ وتشفوا بِأَهْل السّنة وشمخت أنوف الرافضة وأعلنوا بِالْأَذَانِ بحي على خير الْعَمَل وَاجْتمعَ خلق من أهل السّنة أَيَّام إِلَى الْقَائِم بِأَمْر الله وقاتلوا مَعَه ونشبت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي السفن أَرْبَعَة أَيَّام وخطب يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة بِبَغْدَاد للمستنصر العبيدي بِجَامِع الْمَنْصُور وأذنوا بحي على خير الْعَمَل وَعقد الجسر وعبرت عَسَاكِر البساسيري وتفلل عَن الْقَائِم أَكثر النَّاس فَاسْتَجَارَ بِقُرَيْش بن بدران أَمِير الْعَرَب وَكَانَ مَعَ البساسيري فأجاره وَمن مَعَه وَأخرجه إِلَى مخيمه وَقبض البساسيري على وَزِير الْقَائِم رَئِيس الرؤساء أبي الْقَاسِم بن الْمسلمَة وَقَيده وشهره على جمل عَلَيْهِ طرطور وعباءة وَجعل فِي رقبته قلائد كالمسخرة وطيف بِهِ فِي الشوارع وَخَلفه من يصفعه ثمَّ سلخ لَهُ ثَوْر وألبس جلده وخيط عَلَيْهِ وَجعلت قُرُون الثور بجلدها فِي رَأسه ثمَّ علق على خَشَبَة وَعمل فِي فِيهِ كلابان وَلم يزل يضطرب حَتَّى مَاتَ وَنصب للقائم خيمة صَغِيرَة بالجانب الشَّرْقِي فِي المعسكر ونهبت الْعَامَّة دَار الْخلَافَة وَأخذُوا مِنْهَا أَمْوَالًا جزيلة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع ذِي الْحجَّة لم تصل الْجُمُعَة بِجَامِع الْخَلِيفَة وخطب بِسَائِر الْجَوَامِع للمستنصر وَقطعت الْخطْبَة العباسية بالعراق ثمَّ حمل الْقَائِم بِأَمْر الله إِلَى حَدِيثَة عانة فاعتقل بهَا وَسلم إِلَى صَاحبهَا مهارش وَذَلِكَ لِأَن البساسيري وقريش بن بدران اخْتلفَا فِي أمره ثمَّ وَقع اتِّفَاقهمَا على أَن يكون عِنْد مهارش إِلَى أَن يتَّفقَا على مَا يفْعَلَانِ بِهِ ثمَّ جمع البساسيري الْقُضَاة والأشراف وَأخذ عَلَيْهِم الْبيعَة للمستنصر صَاحب مصر فَبَايعُوا قهرا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَانَ ذَلِك بِسوء تَدْبِير حَاشِيَة الْخَلِيفَة الْقَائِم واستعجالهم على الْحَرْب وَلَو طاولوا حَتَّى ينجدهم طغرلبك لما تمّ ذَلِك على مَا قيل وَذكر أَن رَئِيس الرؤساء كَانَ لَا يدْرِي الْحَرْب وَكَانَ الْأَمر بِيَدِهِ فَلم يحسن التَّدْبِير ثمَّ لما انْهَزمُوا لم يشْتَغل بِنَفسِهِ بل بالخليفة فَإِنَّهُ صَاح يَا علم الدّين يَعْنِي قُريْشًا أَمِير الْمُؤمنِينَ يستدنيك فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ قد أنالك الله منزلَة لم ينلها أمثالك أَمِير الْمُؤمنِينَ يستذم مِنْك على نَفسه وَأَصْحَابه بذمام الله وذمام رَسُوله وذمام الْعَرَب فَقَالَ قد أَذمّ الله تَعَالَى لَهُ قَالَ ولي وَلمن مَعَه قَالَ نعم وخلع قلنسوته فَأَعْطَاهَا للخليفة وَأعْطى رَئِيس الرؤساء مخصرة ذماما فَنزل إِلَيْهِ الْخَلِيفَة وَرَئِيس الرؤساء فسارا مَعَه فَأرْسل إِلَيْهِ البساسيري أتخالف مَا اسْتَقر بَيْننَا وَاخْتلفَا ثمَّ اتفقَا على أَن يسلم إِلَيْهِ رَئِيس الرؤساء وَيتْرك الْخَلِيفَة عِنْده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 وَسَار حَاشِيَة الْخَلِيفَة على حامية إِلَى السُّلْطَان طغرلبك بِالْخَيرِ مستفزين لَهُ ثمَّ أرسل البساسيري رسله بالبشارة إِلَى صَاحب مصر وإعلامه الْخَبَر وَكَانَ وَزِير مصر أَبَا الْفرج ابْن أخي أبي الْقَاسِم المغربي وَكَانَ سنيا وَهُوَ مِمَّن هرب من البساسيري فذم فعله وَخَوف من سوء عاقبته فَتركت أجوبته مُدَّة ثمَّ عَادَتْ بِغَيْر الَّذِي أمله وَصَارَ البساسيري إِلَى وَاسِط وَالْبَصْرَة فملكهما وخطب للمصريين وَأما طغرلبك فَكَانَ مَشْغُولًا بأَخيه إِلَى أَن انتصر عَلَيْهِ وَقَتله وكر رَاجعا إِلَى الْعرَاق وَقد بلغه الْأَخْبَار فجَاء لَيْسَ لَهُ هم إِلَّا إِعَادَة الْخَلِيفَة إِلَى رتبته فَلَمَّا وصل إِلَى الْعرَاق وَكَانَ وُصُوله إِلَيْهَا فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة هرب جمَاعَة البساسيري وَانْهَزَمَ أهل الكرخ وَكَانَت مُدَّة أَيَّام البساسيري سنة كَامِلَة ثمَّ بعث السُّلْطَان الإِمَام أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَيُّوب بن فورك إِلَى قُرَيْش ليَبْعَث مَعَه أَمِير الْمُؤمنِينَ ويشكره على مَا فعل فَكَانَ رَأْيه أَن يَأْخُذ الْخَلِيفَة وَيدخل بِهِ الْبَريَّة فَلم يُوَافقهُ مهارش بل سَار بالخليفة فَلَمَّا سمع السُّلْطَان طغرلبك بوصول الْخَلِيفَة إِلَى بِلَاد بدر بن مهلهل أرسل وزيره عميد الْملك الكندري والأمراء والحجاب بالسرادقات الْعَظِيمَة والأهبة التَّامَّة فوصلوا وخدموا الْخَلِيفَة فوصل النهروان فِي رَابِع عشرى ذِي الْقعدَة وبرز السُّلْطَان إِلَى خدمته وَقبل الأَرْض وهنأه بالسلامة وَاعْتذر عَن تَأَخره بعصيان أَخِيه وَأَن قَتله عُقُوبَة لما جرى مِنْهُ من الوهن على الدولة العباسية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 وَقَالَ أَنا أمضي خلف هَذَا الْكَلْب يَعْنِي البساسيري إِلَى الشَّام وأفعل فِي حق صَاحب مصر مَا أجازى بِهِ فقلده الْخَلِيفَة سَيْفا كَانَ فِي يَده وَقَالَ لم يبْق مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ من دَاره سواهُ فَنزل بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ وكشف غشاء الخركاه حَتَّى رَآهُ الْأُمَرَاء فخدموه وَدخل بَغْدَاد وَكَانَ يَوْمًا مشهودا ثمَّ جهز السُّلْطَان عسكرا خلف البساسيري فَثَبت لَهُم البساسيري وَقَاتل إِلَى أَن جَاءَهُ سهم ضربه بِهِ قُرَيْش فَوَقع فَنزل إِلَيْهِ دوادار عميد الْملك فحز رَأسه وَحمل على رمح إِلَى بَغْدَاد وطيف بِهِ ثمَّ علق فِي السُّوق 501 - عَليّ بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القَاضِي أَبُو الْحسن الخلعي العَبْد الصَّالح موصلي الأَصْل مصري الدَّار ولد بِمصْر فِي أول سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عمر النّحاس وَأَبا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحَاج الإشبيلي وَأَبا الْحسن الْحصيب بن عبد الله بن مُحَمَّد القَاضِي وَأَبا سعد أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَالِينِي وَأَبا عبد الله بن نظيف الْفراء وَجَمَاعَة روى عَنهُ الْحميدِي وَمَات قبله بِمدَّة وَأَبُو عَليّ بن سكرة وَأَبُو الْفضل بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَأَبُو الْفَتْح سُلْطَان بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه وَخلق سواهُم آخِرهم عبد الله بن رِفَاعَة السَّعْدِيّ خادمه وَكَانَ أَعنِي الخلعي مُسْند ديار مصر فِي وقته قَالَ فِيهِ ابْن سكرة فَقِيه لَهُ تصانيف ولي الْقَضَاء وَحكم يَوْمًا وَاحِدًا واستعفى وانزوى بالقرافة وَكَانَ مُسْند مصر بعد الحبال الحديث: 501 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 قلت وقفت لَهُ قَدِيما على كتاب فِي الْفِقْه وسمه بالمغنى بَين الْبسط والاختصار وَقَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ شيخ معتزل بالقرافة لَهُ علو فِي الرِّوَايَة وَعِنْده فَوَائِد وَقيل كَانَ يَبِيع الْخلْع لأَوْلَاد الْمُلُوك بِمصْر وَكَانَ رجلا صَالحا مكينا قيل كَانَ يحكم بَين الْجِنّ وَأَنَّهُمْ أبطأوا عَلَيْهِ قدر جُمُعَة ثمَّ أَتَوْهُ وَقَالُوا كَانَ فِي بَيْتك شَيْء من هَذَا الأترج وَنحن لَا ندخل مَكَانا يكون فِيهِ وَعَن أبي الْفضل الْجَوْهَرِي الْوَاعِظ كنت أتردد إِلَى الخلعي فَقُمْت فِي لَيْلَة مُقْمِرَة ظَنَنْت أَن الْفجْر قد طلع فَلَمَّا جِئْت بَاب مَسْجده وجدت فرسا حَسَنَة على بَابه فَصَعدت فَوجدت بَين يَدَيْهِ شَابًّا لم أر أحسن مِنْهُ يقْرَأ الْقُرْآن فَجَلَست أسمع إِلَى أَن قَرَأَ جُزْءا ثمَّ قَالَ للشَّيْخ آجرك الله فَقَالَ لَهُ نفعك الله ثمَّ نزل فَنزلت خَلفه من علو الْمَسْجِد فَلَمَّا اسْتَوَى على الْفرس طارت بِهِ فَغشيَ عَليّ من الرعب وَالْقَاضِي يَصِيح بِي اصْعَدْ يَا أَبَا الْفضل فَصَعدت فَقَالَ هَذَا من مؤمني الْجِنّ الَّذين آمنُوا بنصيبين وَإنَّهُ يَأْتِي فِي الْأُسْبُوع مرّة يقْرَأ جُزْءا ويمضي وَقَالَ ابْن الْأنمَاطِي قبر الخلعي بالقرافة يعرف بِقَبْر قَاضِي الْجِنّ وَالْإِنْس وَيعرف بإجابة الدُّعَاء عِنْده وَقَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد العابد سَمِعت الشَّيْخ بن نحيساه قَالَ كُنَّا ندخل على القَاضِي أبي الْحسن الخلعي فِي مَجْلِسه فنجده فِي الشتَاء والصيف وَعَلِيهِ قَمِيص وَاحِد وَوَجهه فِي غَايَة الْحسن لَا يتَغَيَّر من الْبرد وَلَا من الْحر فَسَأَلته عَن ذَلِك وَقلت يَا سيدنَا إِنَّا لنكثر من الثِّيَاب فِي هَذِه الْأَيَّام وَمَا يُغني ذَلِك عَنَّا من شدَّة الْبرد ونراك على حَالَة وَاحِدَة فِي الشتَاء والصيف لَا تزيد على قَمِيص وَاحِد فبالله يَا سَيِّدي أَخْبرنِي فَتغير وَجهه ودمعت عَيناهُ ثمَّ قَالَ أتكتم عَليّ قلت نعم قَالَ غشيتني حمى يَوْمًا فَنمت فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَهَتَفَ بِي هَاتِف ناداني باسمي فَقلت لبيْك دَاعِي الله فَقَالَ لَا بل قل لبيْك رَبِّي الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 مَا تَجِد من الْأَلَم فَقلت إلهي وسيدي ومولاي قد أخذت مني الْحمى مَا قد علمت فَقَالَ قد أَمَرتهَا أَن تقلع عَنْك فَقلت إلهي وَالْبرد أَيْضا فَقَالَ قد أمرت الْبرد أَيْضا أَن يقْلع عَنْك فَلَا تَجِد ألم الْبرد وَلَا الْحر قَالَ فوَاللَّه مَا أحس مَا أَنْتُم فِيهِ من الْحر وَلَا من الْبرد قَالَ ابْن الْأَكْفَانِيِّ توفّي فِي سادس عشرى ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 502 - على بن الْحسن بن على أَبُو الْحسن الميانجي قَاضِي همذان كَانَ مَشْهُورا بِالْفَضْلِ والنبل حسن الْمعرفَة بالفقه وَالْأَدب تفقه بِبَغْدَاد على القَاضِي أبي الطّيب وَسمع من أبي الْحسن عَليّ بن عمر الْقزْوِينِي وَالْحسن بن مُحَمَّد الْخلال وَغَيرهمَا وَهَذَا هُوَ وَالِد الميانجي الَّذِي سَافر مَعَ الشَّيْخ أبي إِسْحَاق إِلَى بِلَاد الْعَجم وَقد وَقع الْوَهم وَظن أَن الْمُسَافِر فِي خدمَة الشَّيْخ إِنَّمَا هُوَ هَذَا نَفسه وَلَيْسَ كَذَلِك الحديث: 502 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 وَقد وَقع التَّنْبِيه على هَذَا من قبل فِي تَرْجَمَة وَلَده وَإِلَى هَذَا كتب الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق كتابا صفته كتابي أَطَالَ الله بَقَاء سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة الْأَجَل الْعَالم الأوحد وأدام علوه وتمكينه ورفعته وبسطته وكبت أعداءه وحساده من بَغْدَاد وَنعم الله تَعَالَى مُتَوَالِيَة وَله الْحَمد ومنذ مُدَّة لم أَقف على كتاب وَأَنا متوقع لما يرد من جِهَته لأسر بِهِ وأسكن إِلَيْهِ وَكتب عنوانه شاكره والمفتخر بِهِ والداعي لَهُ إِبْرَاهِيم بن عَليّ الفيروزاباذي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قتل القَاضِي الميانجي فِي مَسْجده فِي صَلَاة الصُّبْح فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 503 - عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن أبي الطّيب أَبُو الْحسن الباخرزي الأديب مُصَنف دمية الْقصر وباخرز نَاحيَة من نواحي نيسابور الدِّيَة ذيل عَليّ يتيمة الثعالبي تفقه على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ ثمَّ أَخذ فِي الْأَدَب وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن قتل بباخرز فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 503 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 وَمن شعره (يَا فالق الصُّبْح من لألاء غرته ... وجاعل اللَّيْل من أصداغه سكنا) (بِصُورَة الوثن استعبدتني وَبهَا ... فتنتني وقديما هجت لي شجنا) (لَا غرو أَن أحرقت نَار الْهوى كَبِدِي ... فَالنَّار حق على من يعبد الوثنا) وَقَالَ أَيْضا (عجبت من دمعتي وعيني ... من قبل بَين وَبعد بَين) (قد كَانَ عَيْني بِغَيْر دمع ... فَصَارَ دمعي بِغَيْر عين) وَقَالَ أَيْضا (أَصبَحت عبدا لشمس ... وَلست من عبد شمس) (إِنِّي لأعشق ستي ... وَحقّ من شقّ خمسي) 504 - عَليّ بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحرز بن أبي عُثْمَان الْمَعْرُوف بِأبي الْحسن الْعَبدَرِي لَهُ مُخْتَصر الْكِفَايَة فِي خلافيات الْعلمَاء وَقد وقفت عَلَيْهَا بِخَطِّهِ من بنى عبد الدَّار وَمن أهل ميورقة من بِلَاد الأندلس كَانَ رجلا عَالما مفتيا عَارِفًا باخْتلَاف الْعلمَاء أَخذ عَن أبي مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ وَأخذ عَنهُ ابْن حزم أَيْضا ثمَّ جَاءَ إِلَى الْمشرق وَحج وَدخل بَغْدَاد وَترك مَذْهَب ابْن حزم وتفقه للشَّافِعِيّ على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَبعده على أبي بكر الشَّاشِي الحديث: 504 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 وَسمع الحَدِيث من القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَالْقَاضِي أبي الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وَأبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي وَغَيرهم وَحدث باليسير روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عطاف وَسعد الْخَيْر بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم توفّي بِبَغْدَاد يَوْم السبت سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 505 - عَليّ بن سعيد الْإِصْطَخْرِي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ القَاضِي أَبُو الْحسن الْمُتَكَلّم حدث عَن إِسْمَاعِيل الصفار توفّي يَوْم الْأَحَد لثلاث بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَأَرْبَعمِائَة 506 - عَليّ بن سهل بن الْعَبَّاس بن سهل أَبُو الْحسن الْمُفَسّر من أهل نيسابور قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا زاهدا حسن السِّيرَة مرضِي الطَّرِيقَة جميل الْأَثر عَارِفًا بالتفسير الحديث: 505 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 قَالَ وَجمع كتابا فِي التَّفْسِير وَجمع شَيْئا سَمَّاهُ زَاد الْحَاضِر والبادي وَكتاب مَكَارِم الْأَخْلَاق سمع أَبَا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا عُثْمَان الْبُحَيْرِي وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبا صَالح الْمُؤَذّن وَعبد الغافر الْفَارِسِي وخلقا توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 507 - عَليّ بن عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن الْبَرْمَكِي أَخُو إِبْرَاهِيم وَأحمد وَكَانَ عَليّ أَصْغَرهم سمع أَبَا الْفَتْح القواس وَأَبا الْحُسَيْن بن سمعون وَأَبا الْقَاسِم بن حبابة والمعافى بن زَكَرِيَّا وَمُحَمّد بن عبد الله بن أخي ميمي قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ وَكَانَ ثِقَة وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة ودرس على أبي حَامِد الإسفرايني مَذْهَب الشَّافِعِي وَتُوفِّي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن ذِي الْحجَّة سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 507 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 508 - عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن الْحسن الْحَرْبِيّ أَبُو الْحسن بن الْقزْوِينِي أحد أَوْلِيَاء الله المكاشفين بالأسرار الْمُتَكَلِّمين على الخواطر تفقه على الداركي قَالَ الْخَطِيب كتبنَا عَنهُ وَكَانَ أحد الزهاد الْمَذْكُورين وَمن عباد الله الصَّالِحين يقْرَأ الْقُرْآن ويروي الحَدِيث وَلَا يخرج من بَيته إِلَّا للصَّلَاة وَكَانَ وافر الْعقل صَحِيح الرَّأْي رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَالَ لي ولدت سنة سِتِّينَ وثلاثمائة قلت سمع أَبَا حَفْص بن الزيات وَالْقَاضِي أَبَا الْحسن الجراحي وَأَبا عمر ابْن حيويه وَأَبا بكر بن شَاذان وطبقتهم روى عَنهُ أَبُو عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد البرداني وَأَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد بن شَاكر الطرسوسي وجعفر بن أَحْمد السراج وَالْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الباقرحي وَأَبُو مَنْصُور أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي وَعلي بن عبد الْوَاحِد الدينَوَرِي وَهبة الله بن أَحْمد الرَّحبِي وَغَيرهم وَله مجَالِس مَشْهُورَة يَرْوِيهَا النجيب الْحَرَّانِي وَقد أَطَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح تَرْجَمَة هَذَا الشَّيْخ فِي كِتَابه لَيْسَ فِي كِتَابه تَرْجَمَة أطول مِنْهَا لِأَنَّهُ انتخب فِيهَا نبذا من كتاب جمعه أَبُو نصر هبة الله ابْن عَليّ بن المجلي فِي أَخْبَار ابْن الْقزْوِينِي وفضائله الحديث: 508 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 فَمِنْهُ أَن جَمِيع النَّاس فِي عصره أَجمعُوا مَعَ اخْتِلَاف آرائهم وتشعب أنحائهم على حسن مُعْتَقد هَذَا الشَّيْخ وزهده وورعه وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأمين وَكَانَ مِمَّن استملى على ابْن الْقزْوِينِي مَا كَانَ أَبُو الْحسن يخرج الْمجْلس لنَفسِهِ عَن شُيُوخه وَلَا يدع أحدا يُخرجهُ إِنَّمَا كَانَ يدْخل إِلَى منزله وَأي جُزْء وَقع بِيَدِهِ خرج بِهِ وأملى مِنْهُ عَن شيخ وَاحِد جَمِيع الْمجْلس وَيَقُول حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينتقى وَكَانَ أَكثر أُصُوله بِخَطِّهِ وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحسن الْبَيْضَاوِيّ حَدثنِي أبي أَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ قَالَ كَانَ ثِقَة يتفقه مَعنا على الداركي وَهُوَ حَدِيث السن وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة ملازما للصمت قل أَن يتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه وَمضى على ذَلِك سنُون وَلم أجتمع بِهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْم شيعت جَنَازَة إِلَى بَاب حَرْب ثمَّ رجعت من الْجِنَازَة فَدخلت مَسْجِدا فِي الحربية صليت فِيهِ جمَاعَة فافتقدت الإِمَام فَإِذا بِهِ أَبُو الْحسن بن الْقزْوِينِي فَسلمت عَلَيْهِ وَقلت من تِلْكَ السنين مَا رَأَيْنَاك فَقَالَ تفقهنا جَمِيعًا وكل بعد ذَلِك سلك طَرِيقا أَو كَمَا قَالَ وَعَن ابْن الْقزْوِينِي أَنه سمع الشَّاة تذكر الله تَعَالَى سَمعهَا تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ جَالِسا فِي منزله يتَوَضَّأ لصَلَاة الْعَصْر فَقَالَ لأهل دَاره لَا تخرج هَذِه الشَّاة غَدا إِلَى الرَّعْي فَأَصْبَحت ميتَة وَعَن بَعضهم مضيت لزيارة قبر ابْن الْقزْوِينِي فخطر لي مَا يذكر النَّاس عِنْده من الكرامات فَقلت ترى أيش مَنْزِلَته عِنْد الله تَعَالَى وعَلى قَبره مصاحف فحدثتني نَفسِي بِأخذ وَاحِد مِنْهَا وفتحه فَأَي شَيْء كَانَ فِي أول ورقة من الْقُرْآن فَهُوَ فِيهِ ففتحته فَكَانَ فِي أول ورقة مِنْهُ {وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن المقربين} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الدهان اللّغَوِيّ كنت مِمَّن يقْرَأ على ابْن الْقزْوِينِي فَقلت يَوْمًا فِي نَفسِي أُرِيد أَن أسأله من أَي شَيْء يَأْكُل وأسأله أَن يطعمني مِنْهُ فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَرَأت ثمَّ هَمَمْت أَن أسأله فلحقني لَهُ هَيْبَة عَظِيمَة فَنَهَضت فَأمرنِي بِالْجُلُوسِ فَجَلَست إِلَى أَن فرغ من الإقراء ثمَّ قَالَ بِسم الله فَقُمْت مَعَه فَأَدْخلنِي دَاره وَأخرج إِلَيّ رغيفين سميذا وَبَينهمَا عدس ورغيفين وَبَينهمَا تمر أَو تين وَقَالَ كل فَمن هَذَا نَأْكُل وَعَن القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ صليت يَوْمًا خلف ابْن الْقزْوِينِي فَرَأَيْت عَلَيْهِ قَمِيصًا أنقى مَا يكون من الثِّيَاب وَهُوَ مطرز فَقلت فِي نَفسِي أَيْن الطرز من الزّهْد فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ سُبْحَانَ الله الطرز لَا ينقص أَحْكَام الزّهْد الطرز لَا ينقص أَحْكَام الزّهْد مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَعَن أبي بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقَزاز قَالَ كَانَ ينزل بنهر طابق رجل صَالح زاهد على طَريقَة حَسَنَة يلبس الصُّوف وَيَأْكُل الشّعير بالملح الجريش وَكَانَ يبلغهُ أَن ابْن الْقزْوِينِي يَأْكُل طيب الطَّعَام ويلبس رَقِيق الثِّيَاب فَقَالَ يَا سُبْحَانَ الله رجل زاهد مجمع على زهده لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان يَأْكُل هَذَا الْمَأْكُول ويلبس هَذَا الملبوس أشتهى أَن أرَاهُ فجَاء إِلَى الحربية فَدخل مَسْجِد الْقزْوِينِي وَهُوَ فِي منزله ثمَّ إِنَّه خرج فَأذن وَدخل الْمَسْجِد وَفِيه ذَلِك الرجل وَجَمَاعَة غَيره فَقَالَ الْقزْوِينِي سُبْحَانَ الله رجل يومأ إِلَيْهِ بالزهد والورع يُعَارض الله فِي أَفعاله أَو فِيمَا يجْرِي فِيهِ عُبَيْدَة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَمَا هَاهُنَا محرم وَلَا مُنكر بِحَمْد الله فَطَفِقَ ذَلِك الرجل يتشاهق ويبكي بكاء شَدِيدا وَالْجَمَاعَة ينظرُونَ إِلَيْهِ لَا يَدْرُونَ مَا الْخَبَر وَصلى الْقزْوِينِي الظّهْر فَلَمَّا فرغ من صلَاته خرج الرجل من الْمَسْجِد يُهَرْوِل حافيا إِلَى أَن خرج من الحربية فَلَمَّا قضى الْقزْوِينِي رُكُوعه الْتفت إِلَى أبي طَالب فَقَالَ لَهُ بَين الحربية والمشهد حَائِط وضع ليَكُون سورا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 وَمَا تمّ تمْضِي إِلَيْهِ وَتحمل هَذَا المداس مَعَك وَتقول لذَلِك الشَّخْص الْجَالِس عَلَيْهِ لَا يكون لَك عودة أَو كَمَا قَالَ قَالَ أَبُو طَالب وَوَاللَّه مَا أعلم أَن ثمَّ حَائِطا غير متموم كَذَا قَالَ وَالصَّوَاب متمم وَلَا رَأَيْته قطّ فَإِذا الرجل بِعَيْنِه جَالس على الْحَائِط يبكي ويتشاهق فَوضعت المداس بَين يَدَيْهِ وانصرفت وَقَالَ أَبُو نصر بن الصّباغ رَحمَه الله حضرت الْقزْوِينِي يَوْمًا وَدخل عَلَيْهِ أَبُو بكر بن الرَّحبِي فَقَالَ لَهُ أَيهَا الشَّيْخ أَي شَيْء أَمرتنِي نَفسِي أخالفها فَقَالَ لَهُ إِن كنت مرِيدا فَنعم وَإِن كنت عَارِفًا فَلَا فَلَمَّا انكفأت من عِنْده فَكرت فِي قَوْله وكأنني لم أصوبه فَرَأَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة فِي مَنَامِي شَيْئا أزعجني وَكَأن قَائِلا يَقُول لي هَذَا بِسَبَب الْقزْوِينِي يَعْنِي لما أخذت فِي نَفسك عَلَيْهِ أَو كَمَا قَالَ قَالَ ابْن الصّلاح ذَلِك لِأَن الْعَارِف ملك نَفسه فأمن عَلَيْهَا من أَن تَدعُوهُ إِلَى مَحْذُور بِخِلَاف المريد فَإِن نَفسه بِحَالِهَا أَمارَة بالسوء فليخالفها كَذَلِك وَعَن مُحَمَّد بن هبة الله خَادِم ابْن الْقزْوِينِي صليت لَيْلَة مَعَ ابْن الْقزْوِينِي صَلَاة عشَاء الْآخِرَة فأمسى فِي رُكُوعه وَلم يبْق فِي الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيره فَلَمَّا قضى صلَاته أخذت الْقنْدِيل بَين يَدَيْهِ ومشينا فرأيته قد عبر منزله فمشيت بَين يَدَيْهِ فَخرج من الحربية وَأَنا مَعَه وَقد صلى فِي مَسْجِدهَا الآخر رَكْعَتَيْنِ فَلم أَعقل بِشَيْء إِذا أَنا بِموضع أَطُوف بِهِ مَعَ جمَاعَة خَلفه حَتَّى مضى هوي من اللَّيْل ثمَّ أَخذ بيَدي وَقَالَ لي بِسم الله ومشيت مَعَه فَلم أَعقل بِشَيْء إِلَّا وَأَنا على بَاب الحربية فدخلناها قبل الْفجْر فَسَأَلته وَأَقْسَمت عَلَيْهِ أَيْن كُنَّا فَقَالَ لي {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} ذَلِك الْبَيْت الْحَرَام أَو بَيت الْمُقَدّس رَاوِي الْحِكَايَة يشك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 قَالَ النَّوَوِيّ أَمْسَى فِي رُكُوعه يَعْنِي صلَاته وَالصَّلَاة تسمى رُكُوعًا قَالَ وَلَفظ الطّواف يدل على أَنه الْبَيْت الْحَرَام فَإِن الطّواف لَا يشرع لغيره قلت عِبَارَته أَطُوف بِهِ فَيحْتَمل أَن يُرِيد الطّواف الشَّرْعِيّ وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنه يَدُور فِي جوانبه فَلَا يتَعَيَّن أَن يكون هُوَ الطّواف الشَّرْعِيّ حَتَّى يتَعَيَّن أَن يكون هُوَ الْبَيْت الْحَرَام ثمَّ سَاق جَامع فَضَائِل الْقزْوِينِي حكايات كَثِيرَة تدل على أَن الله تَعَالَى أكْرمه بِهَذِهِ المنقبة وَهِي طَيء الأَرْض لَهُ وَعَن أبي نصر عبد الْملك بن الْحُسَيْن الدَّلال قَالَ كنت أَقرَأ على أبي طَاهِر ابْن فضلان المقرىء وَكنت إِذْ ذَاك أَقرَأ على أبي الْحسن بن الْقزْوِينِي فَقَالَ لي ابْن فضلان يَوْمًا وَقد جرى ذكر كرامات الْقزْوِينِي لَا تعتقد أَن أحدا يعلم مَا فِي قَلْبك فَخرجت من عِنْده إِلَى ابْن الْقزْوِينِي فَقَالَ سُبْحَانَ الله مقاومة مُعَارضَة رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (إِن تَحت الْعَرْش ريحًا هفافة تهب إِلَى قُلُوب العارفين) وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (قد كَانَ فِيمَن خلا قبلكُمْ نَاس محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي فعمر بن الْخطاب) وَعَن بَعضهم أَصبَحت يَوْمًا لَا أملك شَيْئا فَقلت فِي نَفسِي أشتهي أَن أجد السَّاعَة فِي وسط الحربية دِينَارا أَعُود بِهِ إِلَى عيالي ومشيت فوافيت الْقزْوِينِي يخرج من منزله فصاح بِي فَجئْت إِلَيْهِ فَقَالَ لي أما علمت أَن اللّقطَة إِذا لم تعرف فَهِيَ حرَام وَأخرج لي دِينَارا فَوَضعه فِي كفي وَقَالَ خُذْهُ حَلَالا وَعَن آخر دخلت مَسْجده وَقد حمل إِلَيْهِ تفاح ومشمش كثير جدا وَهُوَ يفرق على ضعفاء الحربية فكأنني استكثرته وَقلت فِي نَفسِي قد بَقِي فِي النَّاس لله بعد شَيْء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 فَرفع الْقزْوِينِي رَأسه إِلَيّ فِي الْحَال وَقَالَ سُبْحَانَ الله يستكثر لله شَيْء لَو رَأَيْتُمْ مَا ينْفق فِي معاصي الله وَعَن بَعضهم أصابني ريح المفاصل حَتَّى رميت لأَجلهَا فَأمر الْقزْوِينِي يَده من وَرَاء كمه عَلَيْهَا فَقُمْت من سَاعَتِي معافى وَذكر ابْن الصّلاح كرامات أخر كَثِيرَة حذفتها اختصارا لدلَالَة مَا ذَكرْنَاهُ عَلَيْهَا لكَونهَا من نَوعه مَاتَ ابْن الْقزْوِينِي فِي لَيْلَة الْأَحَد لخمس خلون من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ عَن الشَّيْخ أبي نصر بن الصّباغ الْفَقِيه رَحمَه الله حضرت الْقزْوِينِي للسلام عَلَيْهِ فَقلت فِي نَفسِي قد حُكيَ لَهُ أنني أشعري فَرُبمَا رَأَيْت مِنْهُ فِي ذَلِك شَيْئا فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَالَ لي لَا نقُول إِلَّا خيرا لَا نقُول إِلَّا خيرا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ الْتفت إِلَيّ وَقَالَ لي من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط وَمن تبعها حَتَّى تدفن فَلهُ فيراطان مَعَ القيراط أَو غير القيراط قَالَ قلت مَعَ القيراط قَالَ جيد بَالغ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 ونهض فَدخل مَسْجده وطالبني أهل الْمَسْجِد بِالدَّلِيلِ فَقلت لَهُم فِي الْقُرْآن مثله قَالَ الله تَعَالَى {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أندادا ذَلِك رب الْعَالمين وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام} مَعَ الْيَوْمَيْنِ قلت وَنَظِير هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نصف اللَّيْل وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْل كُله) وَقد اخْتلف فِيمَن صلاهَا جمَاعَة هَل يكون كمن قَالَ لَيْلَة وَنصف لَيْلَة والأرجح لَا يكون قَالَ أَبُو طَاهِر بن جحشويه أردْت سفرا وحنت وَكنت خَائفًا مِنْهُ فَدخلت إِلَى الْقزْوِينِي أسأله الدُّعَاء فَقَالَ ابْتِدَاء من أَرَادَ سفرا فَفَزعَ من عَدو أَو وَحش فليقرأ {لِإِيلَافِ قُرَيْش} فَإِنَّهَا أَمَان من كل سوء فقرأتها فَلم يعرض لي عَارض حَتَّى الْآن 509 - عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن سعيد الْمحَامِلِي أَبُو الْقَاسِم بن أبي الْفضل بن أبي الْحسن بن أبي الْحُسَيْن تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع من الْخَطِيب وَغَيره وَأعَاد عِنْد فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 509 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 510 - عَليّ بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْعِرَاقِيّ تفقه على أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَولي الْقَضَاء بطوس وَسمع أَبَا حَفْص بن مسرور وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وَغَيرهمَا توفّي بطوس فِي مستهل شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة عَن أَربع وَثَمَانِينَ سنة 511 - عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الإِمَام الْجَلِيل الْقدر الرفيع الشان أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ صَاحب الْحَاوِي والإقناع فِي الْفِقْه وأدب الدّين وَالدُّنْيَا وَالتَّفْسِير وَدَلَائِل النُّبُوَّة وَالْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة وقانون الوزارة وسياسة الْملك وَغير ذَلِك روى عَن الْحسن بن عَليّ الْجبلي صَاحب أبي خَليفَة وَمُحَمّد بن عدي الْمنْقري وَمُحَمّد ابْن المعلي الْأَزْدِيّ وجعفر بن مُحَمَّد بن الْفضل الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَجَمَاعَة آخِرهم أَبُو الْعِزّ بن كادش الحديث: 510 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 وتفقه بِالْبَصْرَةِ على الصَّيْمَرِيّ ثمَّ رَحل إِلَى الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني بِبَغْدَاد وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا رفيع الشَّأْن لَهُ الْيَد الباسطة فِي الْمَذْهَب والتفنن التَّام فِي سَائِر الْعُلُوم قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق درس بِالْبَصْرَةِ وبغداد سِنِين كَثِيرَة وَله مصنفات كَثِيرَة فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير وأصول الْفِقْه والآداب وَكَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب انْتهى وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ من وُجُوه الْفُقَهَاء الشافعيين وَله تصانيف عدَّة فِي أصُول الْفِقْه وفروعه وَغير ذَلِك قَالَ وَجعل إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء ببلدان كَثِيرَة وَقَالَ ابْن خيرون كَانَ رجلا عَظِيم الْقدر مقدما عِنْد السُّلْطَان أحد الْأَئِمَّة لَهُ التصانيف الحسان فِي كل فن من الْعلم بَينه وَبَين القَاضِي أبي الطّيب فِي الْوَفَاة أحد عشر يَوْمًا وَقيل إِنَّه لم يظْهر شَيْئا من تصانيفه فِي حَيَاته وَجَمعهَا فِي مَوضِع فَلَمَّا دنت وَفَاته قَالَ لمن يَثِق بِهِ الْكتب الَّتِي فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ كلهَا تصنيفي وَإِنَّمَا لم أظهرها لِأَنِّي لم أجد نِيَّة خَالِصَة فَإِذا عَايَنت الْمَوْت وَوَقعت فِي النزع فَاجْعَلْ يدك فِي يَدي فَإِن قبضت عَلَيْهَا وعصرتها فَاعْلَم أَنه لم يقبل مني شَيْء مِنْهَا فاعمد إِلَى الْكتب وألقها فِي دجلة وَإِن بسطت يَدي وَلم أَقبض على يدك فَاعْلَم أَنَّهَا قد قبلت وَأَنِّي قد ظَفرت بِمَا كنت أرجوه من النِّيَّة قَالَ ذَلِك الشَّخْص فَلَمَّا قاربت الْمَوْت وضعت يَدي فِي يَده فبسطها وَلم يقبض على يَدي فَعلمت أَنَّهَا عَلامَة الْقبُول فأظهرت كتبه بعده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 قلت لَعَلَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَاوِي وَإِلَّا فقد رَأَيْت من مصنفاته غَيره كثيرا وَعَلِيهِ خطه وَمِنْه مَا أكملت قِرَاءَته عَلَيْهِ فِي حَيَاته وَمن كَلَام الْمَاوَرْدِيّ الدَّال على دينه ومجاهدته لنَفسِهِ مَا ذكره فِي كتاب أدب الدّين وَالدُّنْيَا فَقَالَ وَمِمَّا أنذرك بِهِ من حَالي أَنِّي صنفت فِي الْبيُوع كتابا جمعته مَا اسْتَطَعْت من كتب النَّاس وأجهدت فِيهِ نَفسِي وكددت فِيهِ خاطري حَتَّى إِذا تهذب واستكمل وكدت أعجب بِهِ وتصورت أَنِّي أَشد النَّاس اطلاعا بِعِلْمِهِ حضرني وَأَنا فِي مجلسي أَعْرَابِيَّانِ فسألاني عَن بيع عقداه فِي الْبَادِيَة على شُرُوط تَضَمَّنت أَربع مسَائِل وَلم أعرف لشَيْء مِنْهَا جَوَابا فأطرقت مفكرا وبحالي وحالهما مُعْتَبرا فَقَالَا أما عنْدك فِيمَا سألناك جَوَاب وَأَنت زعيم هَذِه الْجَمَاعَة فَقلت لَا فَقَالَا إيها لَك وانصرفا ثمَّ أَتَيَا من قد يتقدمه فِي الْعلم كثير من أَصْحَابِي فَسَأَلَاهُ فأجابهما مسرعا بِمَا أقنعهما فانصرفا عَنهُ راضيين بجوابه حامدين لعلمه إِلَى أَن قَالَ فَكَانَ ذَلِك زاجر نصيحة ونذير عظة تذلل لَهما قياد النَّفس وانخفض لَهما جنَاح الْعجب قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة مَاتَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سلخ شهر ربيع الأول سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن من الْغَد فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب قَالَ وَكَانَ قد بلغ سِتا وَثَمَانِينَ سنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 ذكر الْبَحْث عَمَّا رمي بِهِ الْمَاوَرْدِيّ من الاعتزال قَالَ ابْن الصّلاح هَذَا الْمَاوَرْدِيّ عَفا الله عَنهُ يتهم بالاعتزال وَقد كنت لَا أتحقق ذَلِك عَلَيْهِ وأتأول لَهُ وأعتذر عَنهُ فِي كَونه يُورد فِي تَفْسِيره فِي الْآيَات الَّتِي يخْتَلف فِيهَا أهل التَّفْسِير تَفْسِير أهل السّنة وَتَفْسِير الْمُعْتَزلَة غير متعرض لبَيَان مَا هُوَ الْحق مِنْهَا وَأَقُول لَعَلَّ قَصده إِيرَاد كل مَا قيل من حق أَو بَاطِل وَلِهَذَا يُورد من أَقْوَال المشبهة أَشْيَاء مثل هَذَا الْإِيرَاد حَتَّى وجدته يخْتَار فِي بعض الْمَوَاضِع قَول الْمُعْتَزلَة وَمَا بنوه على أصولهم الْفَاسِدَة وَمن ذَلِك مصيره فِي الْأَعْرَاف إِلَى أَن الله لَا يَشَاء عبَادَة الْأَوْثَان وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} وَجْهَان فِي جعلنَا أَحدهمَا مَعْنَاهُ حكمنَا بِأَنَّهُم أَعدَاء وَالثَّانِي تركناهم على الْعَدَاوَة فَلم نمنعهم مِنْهَا وَتَفْسِيره عَظِيم الضَّرَر لكَونه مشحونا بتأويلات أهل الْبَاطِل تلبيسا وتدسيسا على وَجه لَا يفْطن لَهُ غير أهل الْعلم وَالتَّحْقِيق مَعَ أَنه تأليف رجل لَا يتظاهر بالانتساب إِلَى الْمُعْتَزلَة بل يجْتَهد فِي كتمان موافقتهم فِيمَا هُوَ لَهُم فِيهِ مُوَافق ثمَّ هُوَ لَيْسَ معتزليا مُطلقًا فَإِنَّهُ لَا يوافقهم فِي جَمِيع أصولهم مثل خلق الْقُرْآن كَمَا دلّ عَلَيْهِ تَفْسِيره فِي قَوْله عز وَجل {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} وَغير ذَلِك ويوافقهم فِي الْقدر وَهِي البلية الَّتِي غلبت على الْبَصرِيين وعيبوا بهَا قَدِيما انْتهى شرح حَال الْفتيا الْوَاقِعَة فِي زمَان الْمَاوَرْدِيّ فِيمَن لقب بشاهنشاه وَهِي من محَاسِن الْمَاوَرْدِيّ وَقد سَاقهَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي الْفضل عبد الْملك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 ابْن إِبْرَاهِيم الهمذاني فِي ذيله الَّذِي ذيله على تَارِيخ أبي شُجَاع مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْوَزير الْعَالم وَأَبُو شُجَاع أَيْضا مذيل على تَارِيخ مُتَقَدم وحاصلها أَنه فِي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة فِي شهر رَمَضَان أَمر الْخَلِيفَة أَن يُزَاد فِي ألقاب جلال الدولة ابْن بويه شاهنشاه الْأَعْظَم ملك الْمُلُوك وخطب لَهُ بذلك فَأفْتى بعض الْفُقَهَاء بِالْمَنْعِ وَأَنه لَا يُقَال ملك الْمُلُوك إِلَّا لله وتبعهم الْعَوام ورموا الخطباء بالآجر وَكتب إِلَى الْفُقَهَاء فِي ذَلِك فَكتب الصَّيْمَرِيّ الْحَنَفِيّ أَن هَذِه الْأَسْمَاء يعْتَبر فِيهَا الْقَصْد وَالنِّيَّة وَكتب القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ بِأَن إِطْلَاق ملك الْمُلُوك جَائِز وَمَعْنَاهُ ملك مُلُوك الأَرْض قَالَ وَإِذا جَازَ أَن يُقَال قَاضِي الْقُضَاة جَازَ أَن يُقَال ملك الْمُلُوك وَوَافَقَهُ التَّمِيمِي من الْحَنَابِلَة وَأفْتى الْمَاوَرْدِيّ بِالْمَنْعِ وشدد فِي ذَلِك وَكَانَ الْمَاوَرْدِيّ من خَواص جلال الدولة فَلَمَّا أفتى بِالْمَنْعِ انْقَطع عَنهُ فَطَلَبه جلال الدولة فَمضى إِلَيْهِ على وَجل شَدِيد فَلَمَّا دخل قَالَ لَهُ أَنا أتحقق أَنَّك لَو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وَبَيْنك وَمَا حملك إِلَّا الدّين فَزَاد بذلك محلك عِنْدِي قلت وَمَا ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب هُوَ قِيَاس الْفِقْه إِلَّا أَن كَلَام الْمَاوَرْدِيّ يدل لَهُ حَدِيث ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أخنع اسْم عِنْد الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة رجل يُسمى ملك الْأَمْلَاك) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَقَالَ سَأَلت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن أخنع فَقَالَ أوضع والْحَدِيث فِي صَحِيح البُخَارِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 وَفِي حَدِيث عَوْف عَن خلاس عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اشْتَدَّ غضب الله على من قتل نَفسه وَاشْتَدَّ غضب الله على رجل تسمى بِملك الْمُلُوك لَا ملك إِلَّا الله تَعَالَى) قلت وَلم تمكث دولة بني بويه بعد هَذَا اللقب إِلَّا قَلِيلا ثمَّ زَالَت كَأَن لم تكن وَلم يَعش جلال الدولة بعد هَذَا اللقب إِلَّا أشهرا يسيرَة ثمَّ ولي الْملك الرَّحِيم مِنْهُم وَبِه انقرضت دولتهم وَمن الرِّوَايَة عَن الْمَاوَرْدِيّ أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا إِسْحَاق بن أبي بكر الْأَسدي سَمَاعا أَنبأَنَا أَبُو الْبَقَاء يعِيش بن عَليّ النَّحْوِيّ حَدثنَا الْخَطِيب أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر الطوسي أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن بدران الْحلْوانِي أخبرنَا أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الْمَاوَرْدِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد الْجبلي حَدثنَا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحباب الجُمَحِي حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ سَمِعت الْبَراء رَضِي الله عَنهُ يَقُول كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل مَعنا التُّرَاب يَوْم الْأَحْزَاب وَقد وارى التُّرَاب بَيَاض بَطْنه وَهُوَ يَقُول (اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 (فأنزلن سكينَة علينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا) (إِن الألى قد بغوا علينا ... إِذا أَرَادوا فتْنَة أَبينَا) أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان القارىء إجَازَة أخبرنَا هبة الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد الْقشيرِي إملاء حَدثنَا الإِمَام ركن الْإِسْلَام وَالِدي إملاء أخبرنَا أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَاوَرْدِيّ بِبَغْدَاد حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم جَعْفَر بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ بِالْبَصْرَةِ حَدثنَا أَبُو الفوارس الْعَطَّار بِمصْر أخبرنَا الْمُزنِيّ حَدثنَا الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أروا لَيْلَة الْقدر فِي الْمَنَام فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَقَالَ إِنِّي أرى رؤياكم قد تواطأت فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَمن كَانَ مِنْكُم متحريا فليتحرها فِي السَّبع الْأَوَاخِر وَمن الْفَوَائِد عَن الْمَاوَرْدِيّ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات من الْحَاوِي فِي الْكَلَام على قَول الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِن كَانَ يديم الْغناء كتب إِلَى أخي من الْبَصْرَة وَقد اشْتَدَّ شوقه إِلَى لقائي بِبَغْدَاد شعرًا (طيب الْهَوَاء بِبَغْدَاد يشوقني ... قدما إِلَيْهَا وَإِن عاقت مقادير) (فَكيف صبري عَنْهَا الْآن إِذْ جمعت ... طيب الهواءين مَمْدُود ومقصور) قَالَ النَّوَوِيّ قَوْله طيب الهواءين لحن عِنْد النَّحْوِيين لأَنهم لَا يجيزون تَثْنِيَة الْمُخْتَلِفين فِي الصِّيغَة إِلَّا فِي أَلْفَاظ سَمِعت من الْعَرَب كالأبوين والعمرين وَشبهه من المسموع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 قلت فِي ال ْمَسْأَلَة مَذَاهِب للنحاة فَمن قَائِل يمْتَنع مُطلقًا ويؤول مَا ورد من ذَلِك وَهُوَ اخْتِيَار شَيخنَا أبي حَيَّان وَمن قَائِل يجوز مُطلقًا وَهُوَ اخْتِيَار ابْن مَالك وَقَالَ ابْن عُصْفُور إِن اتفقَا فِي الْمَعْنى الْمُوجب للتسمية كالأحمرين لِلذَّهَبِ والزعفران والأطيبين للشباب وَالنِّكَاح وَإِلَّا فَلَا ولي على هَذِه الْمَسْأَلَة كَلَام مُفْرد فِي جَوَاب سُؤال سألنيه صاحبنا الإِمَام الأديب صَلَاح الدّين خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي على قَول الحريري صَاحب المقامات (جاد بِالْعينِ حِين أعمى هَوَاهُ ... عينه فانثنى بِلَا عينين) وَهُوَ الْبَيْت الَّذِي لحنه المانعون فِيهِ ولعلنا نتكلم على ذَلِك فِي تَرْجَمَة الحريري إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ قَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة يجوز أَن يكون وَزِير التَّنْفِيذ ذِمِّيا بِخِلَاف وَزِير التَّفْوِيض وَفرق بِأَن وَزِير التَّفْوِيض يولي ويعزل ويباشر الحكم ويسير الْجَيْش ويتصرف فِي بَيت المَال بِخِلَاف وَزِير التَّنْفِيذ وَقَالَ إِذا استسقى كَافِر تخير الْأَمِير بَين سقيه وَمنعه كَمَا يتَخَيَّر بَين قَتله وَتَركه وَقَالَ إِذا غَابَ إِمَام الْمَسْجِد وَلم يستنب استؤذن الإِمَام فَإِن تعذر اسْتِئْذَانه تراضى أهل الْبَلَد يؤمهم فَإِذا حضرت صَلَاة أُخْرَى وَالْإِمَام على غيبته فقد قيل المرتضى فِي الصَّلَاة الأولى أولى فِي الثَّانِيَة وَمَا بعد إِلَى أَن يحضر الإِمَام وَقيل بل يخْتَار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 للثَّانِيَة ثَان يرتضى غير الأول لِئَلَّا يصير هَذَا الِاخْتِيَار تقليدا سلطانيا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ ورأيي أَن يُرَاعِي حَال الْجَمَاعَة فِي الثَّانِيَة فَإِن حضرها من حضر فِي الأولى كَانَ المرتضى فِي الأولى أَحَق وَإِن حضرها غَيرهم كَانَ الأول كأحدهم واستأنفوا اخْتِيَار إِمَام قلد السُّلْطَان إمامين فِي مَسْجِد وَلم يخص أَحدهمَا بِزَمن وَلَا صلوَات فَأَيّهمَا سبق كَانَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ وَلَيْسَ للْآخر أَن يؤم فِي تِلْكَ الصَّلَاة بِقوم آخَرين لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن تُقَام فِي الْمَسَاجِد السُّلْطَانِيَّة جماعتان فِي صَلَاة وَاحِدَة وَاخْتلف فِي السَّبق الَّذِي يسْتَحق بِهِ التَّقَدُّم على وَجْهَيْن أَحدهمَا سبقه بالحضور إِلَى الْمَسْجِد وَالثَّانِي بِالْإِمَامَةِ فِيهِ فَإِن حضرا مَعًا وَلم يتَّفقَا على تَقْدِيم أَحدهمَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يقرع وَالثَّانِي يخْتَار أهل النَّاحِيَة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِيمَا إِذا قَالَ قارضتك على أَن لَك سدس عشر تسع الرِّبْح وَالأَصَح فِيهِ الصِّحَّة لِأَنَّهُ مَعْلُوم من الصِّيغَة يُمكن الِاطِّلَاع عَلَيْهِ غير أَنا نستحب لَهما أَن يعدلا عَن هَذِه الْعبارَة الغامضة إِلَى مَا يعرف على البديهة من أول وهلة لِأَن هَذِه عبارَة قد توضح للإخفاء والإغماض قَالَ الشَّاعِر (لَك الثُّلُثَانِ من قلبِي ... وَثلثا ثلثه الْبَاقِي) (وَثلثا ثلث مَا يبْقى ... وَثلث الثُّلُث للساقي) (وَتبقى أسْهم سِتّ ... تقسم بَين عشاقي) فَانْظُر إِلَى هَذَا الشَّاعِر وبلاغته وتحسين عِبَارَته كَيفَ أغمض كَلَامه وَقسم قلبه وَجعله مجزأ على أحد وَثَمَانِينَ جُزْءا هِيَ مَضْرُوب ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة ليَصِح مِنْهَا مخرج ثلث ثلث الثُّلُث فَجعل لمن خاطبه أَرْبَعَة وَسبعين جُزْءا من قلبه وَجعل للساقي جُزْءا وَبَقِي السِّتَّة الْأَجْزَاء ففرقها فِيمَن يحب وَلَيْسَ للإغماض فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات وَجه مرضِي وَلَا حَال يسْتَحبّ غير أَن العقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 لَا يخرج بِهِ عَن حكم الصِّحَّة إِلَى الْفساد وَلَا عَن حَال الْجَوَاز إِلَى الْمَنْع لِأَنَّهُ قد يؤول بهما إِلَى الْعلم وَلَا يجهل عِنْد الحكم انْتهى كَلَام الْمَاوَرْدِيّ وَقد أورثه حب الْأَدَب إِدْخَال هَذِه الأبيات الغزلية فِي الْفِقْه وَقَوله جزأ قلبه على أحد وَثَمَانِينَ جُزْءا وَجهه ظَاهر وَقد أعطَاهُ فِي الأول أَرْبَعَة وَخمسين وَهِي ثلثا الْقدر الْمَذْكُور ثمَّ ثلثى الثُّلُث الثَّالِث وَهِي ثَمَانِيَة عشر وَبقيت تِسْعَة فَأعْطَاهُ ثلثى ثلثهَا وَهُوَ اثْنَان وَيبقى سَبْعَة وَاحِد وَهُوَ ثلث الثُّلُث الْبَاقِي للساقي وَسِتَّة مقسومة وَقَوله لَيْسَ للإغماض فِي الْمُعَاوَضَات حَال مرضِي فَمَمْنُوع فقد يقْصد المتعاقدان إخفاء مَا يتعاقدان عَلَيْهِ عَن سامعه لغَرَض مَا وَمثله مَذْكُور فِي بِعْتُك مثل مَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي يجب فِي سلخ جلد ابْن آدم حُكُومَة لَا تبلغ دِيَة النَّفس ذكره قبل بَاب اصطدام الفارسين بأوراق وَهُوَ خلاف مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ أَنه تجب الدِّيَة فِيهِ وَفِي الْحَاوِي فِي بَاب كَيْفيَّة اللّعان لَو قَالَ لِابْنِهِ أَنْت ولد زنا كَانَ قَاذِفا لأمه انْتهى وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة تعم بهَا الْبلوى ذكرهَا ابْن الصّلاح فِي فَتَاوِيهِ بحثا من قبل نَفسه وَكَأَنَّهُ لم يطلع فِيهَا على نقل وَزَاد ابْن الصّلاح أَنه يعزز للمشتوم وَقَالَ عِنْد كَلَامه على إِمَامَة العَبْد إِمَامَة الْحر الضَّرِير أولى من إِمَامَة العَبْد الْبَصِير لِأَن الرّقّ نقص انْتهى وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ فَإِنَّهُ قطع بِأَن الْبَصِير أولى من الْأَعْمَى كَمَا يَقُول صَاحب التَّنْبِيه فَهَذِهِ صُورَة تقع مُسْتَثْنَاة من ذَلِك وَقيد فِي بَاب اخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم الصَّبِي الَّذِي يَصح أَن يؤم الْبَالِغين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 بالمراهق وَلم أر لَفْظَة الْمُرَاهق لغيره إِنَّمَا عبارَة الْأَصْحَاب الْمُمَيز فَإِن أَرَادَ بالمراهق الْمُمَيز وَهُوَ الظَّاهِر فقد وضع الْمُقَيد مَوضِع الْمُطلق لِأَن التَّمْيِيز أَعم من سنّ الْمُرَاهق وَإِلَّا فَلَا أعرف لَهُ قدوة فَإِن كل من أجَاز إِمَامَة الصَّبِي قنع بالتمييز قَالَ فِي الْحَاوِي قبيل بَاب قتل الْمحرم صيدا فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة منذورة لَو اُسْتُؤْجِرَ رجلَانِ ليحجا عَنهُ فِي عَام وَاحِد أَحدهمَا يحرم بِحجَّة الْإِسْلَام وَالْآخر بِحجَّة النّذر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجوز لِأَن حج الْأَجِير يقوم مقَام حجه وَهُوَ لَا يقدر على حجَّتَيْنِ فِي عَام وَاحِد فَكَذَا لَا يَصح أَن يحجّ عَنهُ رجلَانِ فِي عَام وَاحِد وَالْوَجْه الثَّانِي أَن ذَلِك جَائِز لِأَنَّهُ إِنَّمَا لم يَصح مِنْهُ حجتان فِي عَام لِاسْتِحَالَة وقوعهما مِنْهُ والأجيران قد يَصح مِنْهُمَا حجتان فِي عَام فاختلفا فعلى هَذَا أَي الأجيرين سبق بِالْإِحْرَامِ كَانَ إِحْرَامه مُتَعَيّنا لحجة الْإِسْلَام وإحرام الَّذِي بعده مُتَعَيّنا لحجة النّذر فَإِن أحرما مَعًا فِي حَالَة وَاحِدَة من غير أَن يسْبق أَحدهمَا الآخر احْتمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أسبقهما إِجَارَة وإذنا فَينْعَقد إِحْرَامه بِحجَّة الْإِسْلَام وَالَّذِي بعده بِحجَّة النّذر وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى يحْتَسب لَهُ بِإِحْدَاهُمَا عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا بِعَينهَا وَالْأُخْرَى عَن حجَّة النّذر انْتهى وَقد تضمن اسْتِحَالَة حجَّتَيْنِ فِي عَام وَاحِد من رجل وَاحِد وَأَنه مفروغ مِنْهُ وَهُوَ حق وَعَلِيهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ومتوهم خِلَافه مخطىء كَمَا قَرَّرَهُ الْوَالِد الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَمن الْعجب أَن صَاحب الْبَحْر أهمل فِيهِ مَعَ كَثْرَة تتبعه للحاوي أول هَذَا الْفَصْل وَاقْتصر على قَوْله مَا نَصه فرع لَو كَانَت عَلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة النّذر فاستأجر رجلَيْنِ فِي عَام وَاحِد وأحرما عَنهُ فِي حَالَة وَاحِدَة من غير أَن يسْبق أَحدهمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 الآخر يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أسبقهما إِجَارَة وإذنا فَينْعَقد إِحْرَامه بِحجَّة الْإِسْلَام وَمَا بعده بِحجَّة النّذر وَالثَّانِي يحْتَسب لَهُ بِإِحْدَاهُمَا عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا بِعَينهَا وَالْأُخْرَى عَن حجَّة النّذر انْتهى ذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي وَتَبعهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَنه لَو أسلم إِلَيْهِ فِي جَارِيَة بِصفة فَأَتَاهُ بهَا على تِلْكَ الصّفة وَهِي زَوجته لم يلْزمه قبُولهَا لِأَنَّهُ لَو قبلهَا بَطل نِكَاحه فَيدْخل عَلَيْهِ بقبولها نقض قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا أسلمت فأحضر إِلَيْهَا زَوجهَا لم يلْزمهَا الْقبُول لما فِيهِ من فسخ النِّكَاح وَاعْتَرضهُ ابْن الرّفْعَة بِأَن الزواج عيب فِي الزَّوْج وَالْأمة فَعدم إِيجَاب الْقبُول لوُجُود الْعَيْب لَا لخوف الضَّرَر بِفَسْخ النِّكَاح قلت وَهُوَ اعْتِرَاض صَحِيح إِن لم تكن صُورَة الْمَسْأَلَة أَنه أسلم فِي أمة ذَات زوج وَالَّذِي يظْهر وَعَلِيهِ جرى الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج أَن الْمَسْأَلَة مصورة بِمن أسلم فِي أمة ذَات زوج ثمَّ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَإِذا كَانَ كَذَلِك أمكن أَن يُقَال إِذا قبض الْمحْضر وَلم يعرف الْمُسلم الصُّورَة فَإِن لم يرد انْفَسَخ النِّكَاح وَلَو رد وَلم يرض بِهِ يكون فِي انفساخه خلاف مَبْنِيّ على أَن الدّين النَّاقِص هَل يملك بِالْقَبْضِ ويرتد بِالرَّدِّ أَو لَا يملك إِلَّا بِالرِّضَا بعده فعلى الأول يَنْفَسِخ النِّكَاح وعَلى الثَّانِي لَا يَنْفَسِخ وَقد يُجَاب بِأَن النِّكَاح لما كَانَ يرْتَفع بِالتَّسْلِيمِ وَإِن كَانَ عَيْبا قدر عَدمه فِي الْحَال نظرا لما جعل الْمُحَقق الْوُقُوع كالواقع والمشرف على الزَّوَال كالزائد وَيشْهد لذَلِك أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه إِذا اشْترى جَارِيَة وَزوجهَا وَقَالَ لَهَا الزَّوْج إِن ردك المُشْتَرِي بِعَيْب فَأَنت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 طَالِق فَإِن للْمُشْتَرِي ردهَا بِمَا اطلع عَلَيْهِ من عيبها لِأَن الزَّوْجِيَّة تَزُول بِالرَّدِّ وقدرت كالمعدومة وَالثَّانِي أَنه لَو قتل أمة مُزَوّجَة يلْزمه قيمتهَا خلية عَن الزَّوْج قلت والفرعان المستشهد بهما ممنوعان أما قَول الزَّوْج إِن ردك المُشْتَرِي بِعَيْب فَأَنت طَالِق فَهُوَ شَيْء قَالَه وَالِد الرَّوْيَانِيّ وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ وَقد قَالَ الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج الْأَقْرَب خِلَافه وَأما من قتل أمة مُزَوّجَة فَالظَّاهِر أَنه إِنَّمَا يلْزمه قيمتهَا ذَات زوج وَحكى الْمَاوَرْدِيّ ثمَّ الرَّوْيَانِيّ وَجْهَيْن فِيمَا لَو أسلم إِلَيْهِ فِي عبد فَأَتَاهُ بأَخيه أَو عَمه وَجْهَيْن فِي أَنه هَل لَهُ الِامْتِنَاع من قبُوله لِأَن من الْحُكَّام من يحكم بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ فَيكون قبُوله ضَرَرا أما لَو أَتَاهُ بِأَبِيهِ أَو جده فَلَا يلْزمه الْقبُول قطعا فَإِن قَبضه وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم فَفِي صِحَة الْقبُول وَجْهَان قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَذكر فِي الْيَمين الْغمُوس أَنَّهَا أوجبت الْكَفَّارَة وَهِي محلولة غير منعقدة وَبِه جزم ابْن الصّلاح فِي شرح مُشكل الْوَسِيط وَقَالَ إِنَّمَا وَجَبت الْكَفَّارَة بِمُجَرَّد العقد وَهُوَ كَونه حلف والحنث وَهُوَ كَونه كذب وَالَّذِي صرح بِهِ صَاحب الْبَحْر أَنَّهَا منعقدة وَهُوَ قَضِيَّة تَصْرِيح صَاحب التَّنْبِيه والرافعي وَغَيرهمَا وَهُوَ الْأَشْبَه واللائق لمن يُوجب الْكَفَّارَة وَكَلَام ابْن الصّلاح يؤول إِلَى أَنه لَا يلْزم من عقد انْعِقَاد وَفِيه نظر وَذكر الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا فِي كَلَامه على الْيَمين الْغمُوس فِي أثْنَاء الْحجَّاج أَن الْحلف بالمخلوق حرَام وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام أَن الْأَصَح الْقطع بِأَنَّهُ غير محرم وَإِنَّمَا هُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 مَكْرُوه وَعبارَة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أخْشَى بِأَنَّهُ يكون الْحلف بِغَيْر الله مَعْصِيّة وَقد اقْتصر الْمَاوَرْدِيّ عِنْد كَلَامه فِي هَذَا النَّص على الْكَرَاهَة كَمَا فعله الْمُعظم نقل الرَّافِعِيّ أَن الْمَاوَرْدِيّ قَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة إِن للْقَاضِي أَن يحكم على عدوه بِخِلَاف الشَّهَادَة عَلَيْهِ لِأَن أَسبَاب الحكم ظَاهِرَة وَأَسْبَاب الْعَدَاوَة خافية وَهُوَ كَمَا نَقله فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة لكنه أطلق فِي الْمَسْأَلَة فِي الْحَاوِي عِنْد الْكَلَام فِي التَّحْكِيم ثَلَاثَة أوجه ثَالِثهَا الْفرق بَين الحكم والتحكيم فَيجوز على الْعَدو لاختياره وَالْحكم بِولَايَة الْقَضَاء فَلَا يجوز وَلم يرجح فِيهَا شَيْئا وَقيد الْمَسْأَلَة قبل ذَلِك وَهَذِه عِبَارَته قَالَ قبل بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض وَيجوز أَن يحكم لعَدوه على عدوه وَجها وَاحِدًا وَإِن لم يشْهد عَلَيْهِ بِخِلَاف الْوَالِدين والمولودين لوُقُوع الْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَسبَاب الْعَدَاوَة طارئة تَزُول بعد وجودهَا الْحَادِث بعد عدمهَا وَأَسْبَاب الْأَنْسَاب لَازمه لَا تَزُول وَلَا تحور فغلظت هَذِه وخففت تِلْكَ الثَّانِي أَن الْأَنْسَاب محصورة متعينة والعداوة منتشرة مُبْهمَة فيفضي ترك الحكم مَعهَا إِلَى امْتنَاع كل مَطْلُوب بِمَا يَدعِيهِ من الْعَدَاوَة انْتهى غير أَن هذَيْن الفرقين يقتضيان جَوَاز الحكم على الْعَدو مُطلقًا كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ وَإِذا تَأَمَّلت الفرقين عرفت اندفاع قَول الشَّافِعِي مشككا عَلَيْهِ وَهَذَا يشكل بالتسوية بَينهمَا فِي حق الأبعاض وَغَيره وَعرفت أَيْضا أَنه إِن لم يكن الْأَمر كَمَا نَقله من جَوَاز الحكم على الْعَدو مُطلقًا وَإِلَّا فالعلة عَامَّة وَالدَّعْوَى خَاصَّة فَإِنَّهُ قد يُقَال يقْضِي لعَدوه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 على عدوه كَمَا يقْضِي لِلْأُصُولِ على الْفُرُوع وَبِالْعَكْسِ على الْخلاف فِيهِ وَإِن لم يقْض عَلَيْهِ مُطلقًا وَاقْتصر الرَّافِعِيّ فِي الْقَضَاء لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوع على وَجْهَيْن وَفِي الْحَاوِي وَجه ثَالِث أَنه يقْضى لَهُم بِالْإِقْرَارِ لبعد التُّهْمَة فِيهِ وَلَا يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِي بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض فِي أواخره وَلَو لم يذكر القَاضِي فِي كِتَابه سَبَب حكمه وَقَالَ ثَبت عِنْدِي بِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق وَسَأَلَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ عَن السَّبَب الَّذِي حكم بِهِ عَلَيْهِ نظر فَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لم يلْزمه أَن يذكرهُ لِأَنَّهُ لَا يقدر على دَفعه بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَيَمِين الطَّالِب يلْزمه أَن يذكرهُ لِأَنَّهُ يقدر على دَفعه بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِن كَانَ الحكم بِحَق فِي الذِّمَّة لم يلْزمه ذكره لِأَنَّهُ لَا يقدر على دَفعهَا بِمِثْلِهَا وَإِن كَانَ الحكم بِعَين قَائِمَة لزمَه أَن يذكرهَا لِأَنَّهُ يقدر على مقابلتها بِمِثْلِهَا وتترجح بَيِّنَة الْيَد فَيكون وجوب التَّبْيِين مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْأَقْسَام انْتهى وَقد أَخذ صَاحب الْبَحْر قَوْله فَيكون وجوب التَّبْيِين مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْأَقْسَام مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَقَالَ وَإِن لم يذكر القَاضِي مَا حكم بِهِ مِنْهَا فِي كِتَابه وَقَالَ ثَبت عِنْدِي بِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق فَهَل يجوز وَجْهَان قلت وَهَذَا الْوَجْه الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بعد الْجَوَاز هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ عِنْد قَوْله فِي الرُّكْن الثَّالِث فِي كَيْفيَّة إنهاء الحكم إِلَى قَاض آخر وَفِي فحوى كَلَام الْأَصْحَاب مَانع من إِبْهَام الْحجَّة لما فِيهِ من سد بَاب الطعْن والقدح على الْخصم وَبِهَذَا الْوَجْه يتسلق إِلَى منازعته فِي جزمه قبل ذَلِك قَالَ القَاضِي لَو قَالَ على سَبِيل الحكم نسَاء هَذِه الْقرْيَة طَوَالِق من أَزوَاجهنَّ يقبل وَلَا حَاجَة إِلَى حجَّة ذكره فِي آخر الثَّالِثَة من الْفَصْل الثَّانِي فِي الْعَزْل ثمَّ قَالَ مَسْأَلَة عِنْد الْكَلَام فِي الْقَضَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 بِالْعلمِ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَجَابُوا عَن معنى التُّهْمَة قَالَ القَاضِي لَو قَالَ ثَبت عِنْدِي وَصَحَّ لدي كَذَا لزم قبُوله وَلم يبْحَث عَمَّا صَحَّ وَثَبت وَاعْلَم أَن الأَصْل فِي تَسْمِيَة القَاضِي الشُّهُود الَّذين حكم بِشَهَادَتِهِم فِيهِ للنَّاس خلاف قديم بَين الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْبَحْر وَغَيرهمَا كَانَ الشَّافِعِيَّة يَقُولُونَ الأولى التَّسْمِيَة وَذَاكَ أحوط للمحكوم عَلَيْهِ وَكَانَ الْحَنَفِيَّة يَقُولُونَ الأولى تَركه وَهُوَ أحوط للْمَشْهُود عَلَيْهِ وَالْمَاوَرْدِيّ ذكر الْمَسْأَلَة فِي بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض وَحكى فِي بَاب مَا على القَاضِي فِي الْخُصُوم وَالشُّهُود أَن أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج كَانَ يخْتَار مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي ذَلِك قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فَإِن لم يسمهما قَالَ شهد عِنْدِي رجلَانِ حران عرفهما بِمَا يجوز بِهِ قبُول شَهَادَتهمَا وَإِن سماهما قَالَ شهد عِنْدِي فلَان وَفُلَان وَقد ثَبت عِنْدِي عدالتهما قلت فيجتمع من الْكَلَامَيْنِ فِي التَّسْمِيَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن تَركه أولى وَهُوَ رَأْي ابْن سُرَيج وَالثَّانِي أَن ذكره أولى وَلَكِن لَا يجب وَالثَّالِث أَنه وَاجِب وعَلى الْوُجُوب لَا يخفى إِيجَابه إبداء الْمُسْتَند إِذا طُولِبَ بِهِ وعَلى عدم الْوُجُوب هَل يجب إبداؤه إِذا سُئِلَ فِيهِ مَا تقدم من تَفْصِيل الْمَاوَرْدِيّ غير أَن قَوْله فِي الْيَمين الْمَرْدُودَة يبْنى على أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ أَو كالبينة فَهِيَ لَا تخرج عَنْهُمَا وَإِن كَانَ الْإِقْرَار فِيهَا ضمنا وَقد سبق فِي تَرْجَمَة ابْن سُرَيج مَا إِذا ضم إِلَيْهِ هَذَا صَار كلَاما فِي الْمَسْأَلَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 مَسْأَلَة الْمُرْتَد يعود إِلَى الْإِسْلَام هَل تقبل شَهَادَته بِمُجَرَّد عوده أَو يحْتَاج إِلَى الِاسْتِبْرَاء كالفاسق يَتُوب وَهِي مَسْأَلَة مهمة وللنظر فِيهَا وَقْفَة فَإِنَّهُ قد يستصعب عدم استبرائه مَعَ كَون مَعْصِيَته أغْلظ الْمعاصِي ويستصعب استبراؤه وَالْإِسْلَام يجب مَا قبله وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام فقهائنا قاطبة الْجَزْم بِعَدَمِ استبرائه وَأَنه يعود بِالشَّهَادَتَيْنِ إِلَى حَاله قبل ردته وَادّعى ابْن الرّفْعَة نفي الْخلاف فِي ذَلِك وَحكى عَن الْأَصْحَاب أَنهم فرقوا بِأَنَّهُ إِذا أسلم فقد أَتَى بضد الْكفْر فَلم يبْق بعده احْتِمَال وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا أظهر التَّوْبَة بعد الزِّنَا وَالشرب لِأَن التَّوْبَة لَيست مُقَيّدَة بالمعصية بِحَيْثُ ينفيها من غير احْتِمَال فَلهَذَا اعْتبرنَا فِي سَائِر الْمعاصِي صَلَاح الْعَمَل وَحكى هَذَا الْفرق عَن القَاضِي أبي الطّيب وَغَيره قلت وَالْحَاصِل أَن الْمُرْتَد بِإِسْلَامِهِ تحققنا أَنه جَاءَ بضد الرِّدَّة وَلَا كَذَلِك التائب من الزِّنَا وَنَحْوه وَقد أَشَارَ إِلَى هَذَا الْفرق الشَّيْخ أَبُو حَامِد فَقَالَ فِي تعليقته فِي الْكَلَام على تَوْبَة الْقَاذِف مَا نَصه فَإِن قيل مَا الْفرق بَين الْقَاذِف وَالْمُرْتَدّ حَتَّى قُلْتُمْ الْقَاذِف يُطَالب بِأَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل وَالْمُرْتَدّ لَا يُطَالب بِأَن يَقُول الْكفْر بَاطِل أجَاب بِأَنَّهُ لَا فرق فِي الْمَعْنى وَذكر نَحْو ذَلِك وَقد قدمنَا عِبَارَته عَن هَذَا فِي تَرْجَمَة الْإِصْطَخْرِي فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة وَمَا نَقله ابْن الرّفْعَة عَن القَاضِي أبي الطّيب رَأَيْته فِي تعليقته كَمَا نَقله وَلَفظه فَإِن قيل فَكيف اعتبرتم صَلَاح الْعَمَل فِي التَّوْبَة الَّتِي هِيَ فعل وَلم تعتبروه هَاهُنَا فَالْجَوَاب أَنه إِذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 أسلم فقد أَتَى بضد الْكفْر وَلم يبْق بعد ذَلِك احْتِمَال وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا كَانَ قد زنى أَو سرق ثمَّ تَابَ لِأَن تَوْبَته لَيست مضادة لمعصيته بِحَيْثُ يَتْرُكهَا من غير احْتِمَال فَلهَذَا اعْتبرنَا فِيهِ صَلَاح الْعَمَل انْتهى ذكره فِي الْكَلَام على تَوْبَة الْقَاذِف فِي بَاب شَهَادَة الْقَاذِف وَهُوَ صَحِيح لَكنا نفيدك هُنَا أَن الْمَاوَرْدِيّ لم يسلم أَن الْمُرْتَد لَا يستبرأ مُطلقًا بل فصل فِيهِ فَقَالَ فِي الْحَاوِي فِي بَاب شَهَادَة الْقَاذِف مَا نَصه فَإِذا أَتَى الْمُرْتَد بِمَا يكون بِهِ تَائِبًا عَاد إِلَى حَاله قبل ردته فَإِن كَانَ مِمَّن لَا تقبل شَهَادَته قبل ردته لم تقبل بعد تَوْبَته حَتَّى يظْهر مِنْهُ شُرُوط الْعَدَالَة وَإِن كَانَ مِمَّن تقبل شَهَادَته قبل الرِّدَّة نظر فِي التَّوْبَة فَإِن كَانَت عِنْد اتقائه للْقَتْل لم تقبل شَهَادَته بعد التَّوْبَة إِلَّا أَن يظْهر مِنْهُ شُرُوط الْعَدَالَة باستبراء حَاله وَصَلَاح عمله وَإِن تَابَ من الرِّدَّة عفوا غير متق بهَا الْقَتْل عَاد بعد التَّوْبَة إِلَى عَدَالَته انْتهى وَذكره الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَيْضا بقريب من هَذَا أَبُو بِلَفْظِهِ سَوَاء وقولهما عِنْد اتقائه للْقَتْل هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق أَي عِنْد إِسْلَامه تقية وَإِنَّمَا نبهت على ذَلِك لِأَنِّي وجدت من صحفه فَجعل مَوضِع التَّاء لاما وقرأه عِنْد إلقائه للْقَتْل ثمَّ فسره بالتقديم إِلَى الْقَتْل وَلَيْسَ كَذَلِك بل عِنْد الْإِسْلَام تقية من الْقَتْل سَوَاء كَانَ عِنْد التَّقْدِيم للْقَتْل أَو قبل وَفِي أدب الْقَضَاء لشريح الرَّوْيَانِيّ مَا نَصه وَإِذا أسلم الْكَافِر هَل تقبل شَهَادَته فِي الْحَال من غير اسْتِبْرَاء قد قيل فِيهِ وَجْهَان وَقيل إِذا أسلم الْمُرْتَد لَا تقبل شَهَادَته إِلَّا بعد اسْتِبْرَاء حَاله وَغَيره إِذا أسلم تقبل شَهَادَته فِي الْحَال وَالْفرق أَن كفره مغلظ انْتهى فَتخرج من كَلَامه مَعَ مَا تقدم فِي الْمُرْتَد يسلم ثَلَاثَة أوجه فِي وجوب الِاسْتِبْرَاء ثَالِثهَا الْفرق بَين الْإِسْلَام تقية وَغَيره وَأما الْكَافِر الْأَصْلِيّ فالوجهان فِيهِ غَرِيبَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 ويوافق مَا ذكره فِيهِ قَول الدَّارمِيّ فِي استذكاره بعد الْكَلَام على تَوْبَة الْقَاذِف وَكَذَلِكَ تختبر الْكفَّار إِذا أَسْلمُوا فقد أطلق اختبار الْكفَّار مَسْأَلَة الْوَصِيَّة لسَيِّد النَّاس ولأعلمهم قَالَ فِي الْحَاوِي قبل بَاب الْوَصِيَّة لَو قَالَ اعطوا ثُلثي مَالِي لأصلح النَّاس ولأعلمهم كَانَ مصروفا فِي الْفُقَهَاء لاضطلاعهم بعلوم الشَّرِيعَة الَّتِي هِيَ بِأَكْثَرَ الْعُلُوم مُتَعَلقَة وَلَو أوصى بِثُلثِهِ لسَيِّد النَّاس كَانَ للخليفة رَأَيْت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَنَام فَجَلَست مَعَه ثمَّ قُمْت أماشيه فَضَاقَ الطَّرِيق بِنَا فَوقف فَقلت لَهُ تقدم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإنَّك سيد النَّاس فَقَالَ لَا تقل هَكَذَا فَقلت بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا ترى أَن رجلا لَو أوصى بِثُلثِهِ لسَيِّد النَّاس كَانَ للخليفة أَنا أفتيكم بِهَذَا فَخط خطي بِهِ وَلم أكن سَمِعت هَذِه الْمَسْأَلَة قبل الْمَنَام وَلَيْسَ الْجَواب إِلَّا كَذَلِك لِأَن سيد النَّاس هُوَ الْمُتَقَدّم عَلَيْهِم والمطاع فيهم وَهَذِه صفة الْخَلِيفَة الْمُتَقَدّم على جَمِيع الْأمة انْتهى مَسْأَلَة الْجَهْر فِي قنوت الصُّبْح وَأفَاد الْمَاوَرْدِيّ أَن الْجَهْر بقنوت الصُّبْح دون جهر الْقِرَاءَة وَهِي مَسْأَلَة نافعة مليحة فِي الِاسْتِدْلَال على مَشْرُوعِيَّة الْقُنُوت وَهَذَا لفظ الْحَاوِي فِي الْقُنُوت وَإِن كَانَ إِمَامًا فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا يسر بِهِ لِأَنَّهُ دُعَاء إِلَى أَن قَالَ مَا نَصه وَالْوَجْه الثَّانِي يجْهر بِهِ كَمَا يجْهر بقوله سمع الله لمن حَمده لَكِن دون جهر الْقِرَاءَة انْتهى والرافعي اقْتصر تبعا لغير وَاحِد على حِكَايَة الْوَجْهَيْنِ فِي الْجَهْر من غير تَبْيِين لكيفيته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 512 - عَليّ بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَبُو حَيَّان التوحيدي الْمُتَكَلّم الصُّوفِي صَاحب المصنفات شيرازي الأَصْل وَقيل نيسابوري وَقيل واسطي كَانَ إِمَامًا فِي النَّحْو واللغة والتصوف فَقِيها مؤرخا صنف البصائر والإشارات وَغَيرهمَا وتفقه على القَاضِي أبي حَامِد المروروذي وَسمع الحَدِيث من أبي بكر الشَّافِعِي وَأبي سعيد السيرافي وجعفر الْخُلْدِيِّ الحديث: 512 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 وَلَعَلَّه أَخذ عَنهُ التصوف وَغَيرهم روى عَنهُ عَليّ بن يُوسُف الفامي وَمُحَمّد بن مَنْصُور بن جيكان وَعبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد الدَّاودِيّ وَنصر بن عبد الْعَزِيز الْمصْرِيّ الْفَارِسِي وَمُحَمّد ابْن إِبْرَاهِيم ابْن فَارس الشيرازيون وَسمع مِنْهُ أَبُو سعد عبد الرَّحْمَن بن ممجة الْأَصْبَهَانِيّ بشيراز فِي سنة أَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن النجار لَهُ المصنفات الْحَسَنَة كالبصائر وَغَيرهَا قَالَ وَكَانَ فَقِيرا صَابِرًا متدينا قَالَ وَكَانَ صَحِيح العقيدة وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ بل كَانَ عَدو الله خبيثا وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَيْضا كَانَ سيء الِاعْتِقَاد ثمَّ نقل قَول ابْن فَارس فِي كتاب الفريدة والخريدة كَانَ أَبُو حَيَّان كذابا قَلِيل الدّين والورع عَن الْقَذْف والمجاهرة بالبهتان تعرض لأمور جسام من الْقدح فِي الشَّرِيعَة وَالْقَوْل بالتعطيل وَلَقَد وقف سيدنَا الصاحب كَافِي الكفاة على بعض مَا كَانَ يدغله ويخفيه من سوء الِاعْتِقَاد فَطَلَبه ليَقْتُلهُ فهرب والتجأ إِلَى أعدائه ونفق عَلَيْهِم بزخرفه وإفكه ثمَّ عثروا مِنْهُ على قَبِيح دَخلته وَسُوء عقيدته وَمَا يبطنه من الْإِلْحَاد ويرومه فِي الْإِسْلَام من الْفساد وَمَا يلصقه بأعلام الصَّحَابَة من القبائح ويضيفه إِلَى السّلف الصَّالح من الفضائح فَطَلَبه الْوَزير المهلبي فاستتر مِنْهُ وَمَات فِي الاستتار وأراح الله مِنْهُ وَلم يُؤثر عَنهُ إِلَّا مثلبة أَو مخزية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 وَقَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي تَارِيخه زنادقة الْإِسْلَام ثَلَاثَة ابْن الراوندي وَأَبُو حَيَّان التوحيدي وَأَبُو الْعَلَاء قَالَ وأشدهم على الْإِسْلَام أَبُو حَيَّان لِأَنَّهُ مجمج وَلم يُصَرح قلت الْحَامِل للذهبي على الوقيعة فِي التوحيدي مَعَ مَا يبطنه من بغض الصُّوفِيَّة هَذَانِ الكلامان وَلم يثبت عِنْدِي إِلَى الْآن من حَال أبي حَيَّان مَا يُوجب الوقيعة فِيهِ ووقفت على كثير من كَلَامه فَلم أجد فِيهِ إِلَّا مَا يدل على أَنه كَانَ قوي النَّفس مزدريا بِأَهْل عصره لَا يُوجب هَذَا الْقدر أَن ينَال مِنْهُ هَذَا النّيل وَسُئِلَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله عَنهُ فَأجَاب بقريب مِمَّا أَقُول وَمن غرائب الْفَوَائِد عَن أبي حَيَّان قَالَ فِي كِتَابه الإمتاع والمؤانسة إِن الدَّاء الَّذِي يعتري كثيرا من الْكلاب وَيُقَال لَهُ الْكَلْب يعرض للجمال أَيْضا قَالَ فَإِذا كلب الْجمل نحر وَلم يُؤْكَل لَحْمه انْتهى وَأَبُو حَيَّان قد نقل عَنهُ الرَّافِعِيّ فِي مَسْأَلَة الرِّبَا فِي الزَّعْفَرَان وَهُوَ عِنْده فَوَائِد ومسائل كَثِيرَة عَن القَاضِي أبي حَامِد المروروذي وَمِنْهَا مَسْأَلَة الزَّعْفَرَان وَلَكِنِّي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 لَا أعرف لَهُ من قبل نَفسه كلَاما فِي الْفِقْه وَمَا ذكره من عدم الْأكل ظَاهر إِن قَالَت الْأَطِبَّاء إِنَّه مؤذ وَأما النَّحْر لغير مأكله فَفِيهِ وَقْفَة وَالَّذِي يَنْبَغِي عُمُوم الْقَتْل كَقَتل سَائِر المضرات لَا خُصُوص النَّحْر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 513 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن أبي الْعَلَاء الْمَعْرُوف بالمصيصي أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي فَقِيه فَرضِي من أَصْحَاب القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ الحديث: 513 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 ولد فِي رَجَب سنة أَرْبَعمِائَة بِمصْر وَسمع بهَا وبدمشق وبغداد من جمَاعَة وروى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَهُوَ أكبر مِنْهُ وَجَمَاعَة وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 514 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن المزوج أَبُو الْحسن الشِّيرَازِيّ سمع من الْخَطِيب وَغَيره روى عَنهُ أَبُو البركات بن السَّقطِي وَقَالَ مَاتَ فِي طاعون سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة 515 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ القَاضِي أَبُو الْحسن الطَّبَرِيّ الآملي من آمل طبرستان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا وَحدث وَسمع بِبَلَدِهِ عبد الله بن جَعْفَر الجناري الْحَافِظ وببغداد أَبَا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأَبا جَعْفَر بن الْمسلمَة وَابْن النقور روى عَنهُ ابْن أَخِيه أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أميركا القَاضِي بطبرستان الحديث: 514 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 وَقد اشْترك أَبُو الْحسن هَذَا وإلكيا الإِمَام فِي الِاسْم والكنية وَاسم الْأَب وَالْجد والطبرستية وَهُوَ أسن من إِلْكيَا فَإِنَّهُ سمع إملاء الْحَافِظ الجناري سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة ومولد إِلْكيَا سنة خمسين 516 - عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو الْقَاسِم الْبَيْضَاوِيّ ابْن أبي الْحسن بن أبي عبد الله سبط القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ مَاتَ شَابًّا فِي شهر رَمَضَان سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة قبل وَالِده 517 - عَليّ بن مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ أبوالحسن الْفَقِيه قَالَ عبد الغافر ظريف فَاضل من أَرْكَان أَصْحَاب الشَّافِعِي توفّي فِي نَيف وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 518 - عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الطلحي الْكُوفِي نزيل نيسابور فَقِيه أديب شَاعِر قَالَ الْحَاكِم الحديث: 516 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 519 - عَليّ بن مُحَمَّد وَقيل عَليّ بن أَحْمد ثمَّ قيل اسْم جده حُسَيْن بن يُوسُف بن عبد الْعَزِيز وَقيل الْحسن هُوَ أديب زَمَانه أَبُو الْفَتْح البستي قَالَ الْحَاكِم هُوَ وَاحِد عصره حَدثنِي أَنه سمع الْكثير من أبي حَاتِم بن حبَان روى عَنهُ الْحَاكِم وَأَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي وَالْحُسَيْن بن عَليّ البردعي قَالَ الْحَاكِم ورد نيسابور غير مرّة فَأفَاد حَتَّى أقرّ لَهُ الْجَمَاعَة بِالْفَضْلِ قلت هُوَ من بست بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَإِسْكَان السِّين وَآخِرهَا التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق كَانَ أديبا مُطلقًا نظما ونثرا وَله فِي الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ مدائح كَثِيرَة كَانَ صديقا لبلدية أبي سُلَيْمَان الْخطابِيّ قَالَ ابْن الصّلاح وَهُوَ على ذَلِك من الشُّعَرَاء الَّذين هم فِي كل وَاد يهيمون وَلكُل برق يشيمون فَلذَلِك جَاءَ عَنهُ فِي تَحْلِيل النَّبِيذ أَبْيَات ولتزكية الكرامية أَبْيَات وَلَكِن عِنْدَمَا علت بخراسان كلمتهم وشاكت أهل السّنة شوكتهم مَاتَ فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعمِائَة ببخارى الحديث: 519 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 وَمن نثره من أصلح فاسده أرْغم حاسده عادات السادات سَادَات الْعَادَات لم يكن لنا طمع فِي دَرك دَرك فأعفنا من شرك شرك يَا جهل من كَانَ على السُّلْطَان مدلا وللإخوان مذلا إِذا صَحَّ مَا قاتك فَلَا تيأس على مَا فاتك المعاسرة ترك المعاسرة من سَعَادَة جدك وقوفك عِنْد حدك وَمن شعره أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن بن دَاوُد الْكرْدِي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع عَن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي عَن الْحَافِظ أبي طَاهِر بن سلفة أخبرنَا الإِمَام أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ أخبرنَا الإِمَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي بنيسابور أنشدنا أَبُو الْفَتْح البستي لنَفسِهِ قَالَ (كل الذُّنُوب فَإِن الله يغفرها ... إِن شيع الْمَرْء إخلاص وإيمان) (وكل كسر فَإِن الله يجْبرهُ ... وَمَا لكسر قناة الدّين جبران) قلت وَهَذَانِ البيتان من كلمة طيبَة لأبي الْفَتْح تسمى عنوان الحكم مطْلعهَا (زِيَادَة الْمَرْء فِي دُنْيَاهُ نُقْصَان ... وَربحه غير مَحْض الْخَيْر خسران) (وكل وجدان حَظّ لَا ثبات لَهُ ... فَإِن مَعْنَاهُ فِي التَّحْقِيق فقدان) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 (يَا عَامِرًا لخراب الدَّار مُجْتَهدا ... بِاللَّه هَل لخراب الْعُمر عمرَان) (وَيَا حَرِيصًا على الْأَمْوَال يجمعها ... أقصر فَإِن سرُور المَال أحزان) (دع الْفُؤَاد عَن الدُّنْيَا وزخرفها ... فصفوها كدر والوصل هجران) (وأرع سَمعك أَمْثَالًا أفصلها ... كَمَا يفصل ياقوت ومرجان) (أحسن إِلَى النَّاس تستعبد قُلُوبهم ... فطالما استعبد الْإِنْسَان إِحْسَان) (وَإِن أَسَاءَ مسيء فَلْيَكُن لَك فِي ... عرُوض زلته صفح وغفران) (وَاشْدُدْ يَديك بِحَبل الله معتصما ... فَإِنَّهُ الرُّكْن إِن خانتك أَرْكَان) (من اسْتَعَانَ بِغَيْر الله فِي طلب ... فَإِن ناصره عجز وخذلان) (من جاد بِالْمَالِ مَال النَّاس قاطبة ... إِلَيْهِ وَالْمَال للْإنْسَان فتان) (من سَالم النَّاس يسلم من غوائلهم ... وعاش وَهُوَ قرير الْعين جذلان) (وَالنَّاس أعوان من واتته دولته ... وهم عَلَيْهِ إِذا خانته أعوان) (يَا ظَالِما فَرحا بالسعد ساعده ... إِن كنت فِي سنة فالدهر يقظان) (لَا تحسبن سُرُورًا دَائِما أبدا ... من سره زمن ساءته أزمان) (لَا تغترر بشباب رائق خضل ... فكم تقدم قبل الشيب شُبَّان) (وَيَا أَخا الشيب لَو ناصحت نَفسك لم ... يكن لمثلك فِي اللَّذَّات إمعان) (هَب الشبيبة تبدي عذر صَاحبهَا ... مَا عذر أشيب يستهويه شَيْطَان) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 وَله أَيْضا (إِذا بَرى قَلما يَوْمًا ليعمله ... تَقول هز غَدَاة الروع عَامله) (وَإِن أقرّ على رق أنامله ... أقرّ بِالرّقِّ كتاب الْأَنَام لَهُ) وَله أَيْضا (إِذا قنعت بميسور من الْقُوت ... بقيت فِي النَّاس حرا غير ممقوت) (يَا قوت يومي إِذا مَا در خَلفك لي ... فلست آسى على در وَيَاقُوت) 520 - عَليّ بن المظفر بن حَمْزَة بن زيد بن حَمْزَة بن مُحَمَّد الْعلوِي الْحُسَيْنِي أَبُو الْقَاسِم بن أبي يعلى الدبوسي من أهل دبوسية بَلْدَة بَين بُخَارى وسمرقند وَهُوَ من ذُرِّيَّة الْحُسَيْن الْأَصْغَر بن زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ الحديث: 520 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 كَانَ إِمَامًا جليل الْقدر فِي الْفِقْه وَالْأُصُول واللغة والنحو وَالنَّظَر والجدل أمْلى مجَالِس بِبَغْدَاد سمع أَبَا عَمْرو مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْقَنْطَرِي وَأَبا سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي وَأَبا مَسْعُود أَحْمد بن مُحَمَّد البَجلِيّ وَجَمَاعَة روى عَنهُ عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي وَأَبُو غَانِم مظفر البروجردي وَأَبُو البركات ابْن السَّقطِي وَقَالَ فِيهِ إِمَام الشَّافِعِيَّة والقائم بِالْمَدْرَسَةِ النظامية كَانَ متوحدا متفردا قَرَأَ الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول واللغة الْعَرَبيَّة وَكَانَ قطبا فِي الِاجْتِهَاد وَله التَّوَسُّع فِي الْكَلَام والفصاحة والجدل وَالْخِصَام أقوم النَّاس بالمناظرة وَتَحْقِيق الدُّرُوس وَكَانَ موفقا فِي فتواه وَقد شاهدت لَهُ مقامات فِي النّظر أبان فِيهَا عَن كِفَايَة وَفضل وافر جمل فِيهَا آل أبي طَالب وَقَالَ ابْن النجار كَانَ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء كَامِل الْمعرفَة بالفقه وَالْأُصُول وَله يَد قَوِيَّة فِي الْأَدَب وَبَاعَ ممتد فِي المناظرة وَمَعْرِفَة الْخلاف وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْكَرمِ والعفاف وَحسن الْخلق والخلق قدم بَغْدَاد فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة للتدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية فدرس بهَا يَوْم الْأَحَد مستهل جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة وَلم يزل على التدريس إِلَى حِين وَفَاته وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت من أَثِق بِهِ يَقُول تكلم الدبوسي مَعَ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ بنيسابور فِي مَسْأَلَة فآذاه أَصْحَاب أبي الْمَعَالِي حَتَّى خَرجُوا إِلَى المخاشنة فَاحْتمل الدبوسي وَمَا قابلهم بِشَيْء وَخرج إِلَى أَصْبَهَان فاتفق خُرُوج أبي المعالى إِلَيْهَا فِي أَثَره فِي مُهِمّ يرفعهُ إِلَى نظام الْملك فَجرى بَينهمَا مَسْأَلَة بِحَضْرَة الْوَزير نظام الْملك فَظهر كَلَام الدبوسي عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَيْن كلابك الضارية توفّي السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم فِي الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 وَكَانَ قد انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الشَّافِعِيَّة مَعَ التفنن فِي أَصْنَاف الْعُلُوم وَحسن المعتقد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب عَن ابْن النجار الْحَافِظ أَنبأَنَا شهَاب الْحَاتِمِي بهراة أنشدنا عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور أنشدنا عبد الرَّحْمَن بن الْحسن ابْن عَليّ الشرابي أنشدنا أَبُو الْقَاسِم الدبوسي لنَفسِهِ (أَقُول بنصح يَا ابْن دنياك لَا تنم ... عَن الْخَيْر مَا دَامَت فَإنَّك عادم) (وَإِن الَّذِي لم يصنع الْعرف فِي غنى ... إِذْ مَا علاهُ الْفقر لَا شكّ نادم) (فَقدم صنيعا عِنْد يَسُرك واغتنم ... فَأَنت عَلَيْهِ عِنْد عسرك قادم) 521 - عَليّ بن يُوسُف بن عبد الله بن يُوسُف الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَم إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحل فِي طلب الْعلم وَسمع الْكثير وَعقد لَهُ مجْلِس إملاء بخراسان قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ الْمَعْرُوف بشيخ الْحجاز صوفي لطيف ظريف فَاضل مشتغل بِالْعلمِ والْحَدِيث صنف كتابا حسنا فِي علم الصُّوفِيَّة مُرَتبا مبوبا سَمَّاهُ كتاب السلوة قَالَ وَسمع أَبَا نعيم عبد الْملك بن الْحسن الإسفرايني وَأَبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن عمر بن النّحاس وَأَبا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَبا عَليّ بن شَاذان وَأَبا عبد الله مُحَمَّد الحديث: 521 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 ابْن الْفضل بن نظيف الْفراء وَطَائِفَة بنيسابور وبغداد وَمَكَّة ومصر روى عَنهُ الإِمَام مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي وزاهر ووجيه ابْنا طَاهِر الشحامي وَغَيرهم مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 523 - عمر بن إِبْرَاهِيم بن سعيد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن بجاد بن مُوسَى بن سعد ابْن أبي وَقاص صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا سَاق نسبه الْخَطِيب وضبب الْمزي فَوق مُوسَى هُوَ أَبُو طَالب الزُّهْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن حمامة سمع ابْن مَالك الْقطيعِي وَأَبا مُحَمَّد بن ماسي وَأَبا الْقَاسِم الداركي وَأَبا بكر ابْن شَاذان وَأَبا حَفْص بن الزيات وَغَيرهم قَالَ الشَّيْخ درس على الداركي وَله مصنفات فِي الْمَنَاسِك حَسَنَة قَالَ الْخَطِيب كتبنَا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة قَالَ وَقَالَ لنا أهل الْمعرفَة بِالنّسَبِ يَقُولُونَ فِي نسبي نجاد بن مُوسَى بالنُّون وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ بجاد الْبَاء مولده سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وثلاثمائة الحديث: 523 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 وَمَات فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة من سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 522 - عمر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبدويه بن سدوس بن عَليّ بن عبد الله ابْن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود الْهُذلِيّ الْحَافِظ أَبُو حَازِم العبدوي الْأَعْرَج النَّيْسَابُورِي أحد حفاظ خُرَاسَان سَمعه أَبوهُ من أبي الْعَبَّاس الصبغي وَأبي عَليّ الرفاء وطبقتهما فَلم يحدث عَنْهُم تورعا وَقَالَ لست أذكرهم وَسمع هُوَ بِنَفسِهِ من إِسْمَاعِيل بن نجيد وَمُحَمّد بن عبد الله بن عَبده السليطي وَأبي عَمْرو بن مطر وَأبي الْفضل بن خميرويه الْهَرَوِيّ وَأبي الْحسن السراج وَأبي أَحْمد الغطريفي وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَبشر بن أَحْمد الإسفرايني وطبقتهم سمع مِنْهُ أَبُو الْفَتْح بن أبي الفوارس وَأحمد بن الآبنوسي كِلَاهُمَا بِبَغْدَاد سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَأَبُو الْقَاسِم التنوخي والحافظ أَبُو بكر الْخَطِيب وَأَبُو عبد الله الثَّقَفِيّ وخلائق قَالَ الْخَطِيب كتبت عَنهُ الْكثير وَكَانَ ثِقَة عَارِفًا صَادِقا حَافِظًا يسمع النَّاس بإفادته ويكتبون بانتخابه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 وَذكر عبد الغافر فِي السِّيَاق أَن أَبَا صَالح الْمُؤَذّن قَالَ سَمِعت أَبَا حَازِم يَقُول كتبت بخطي عَن عشرَة من شيوخي عشرَة آلَاف جُزْء عَن كل شيخ ألف جُزْء وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن السَّمرقَنْدِي سَمِعت أَبَا بكر الْخَطِيب يَقُول لم أر أحدا أطلق عَلَيْهِ اسْم الْحِفْظ غير رجلَيْنِ أَبُو نعيم وَأَبُو حَازِم العبدوي توفّي الْحَافِظ أَبُو حَازِم يَوْم عيد الْفطر سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة 524 - عمر بن عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الفاشاني الْمروزِي الشَّيْخ الإِمَام أَبُو طَاهِر ولد سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وتفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَقَرَأَ الْكَلَام على أبي جَعْفَر السمناني صَاحب القَاضِي أبي بكر وَسمع بِالْبَصْرَةِ سنَن أبي دَاوُد من القَاضِي أبي عمر الْهَاشِمِي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا فَقِيها بارعا متكلما مفلقا وَكَانَت لَهُ معرفَة بالتواريخ وَأَيَّام النَّاس وَغلب غليه علم الْأُصُول وَالْكَلَام حَتَّى عرف بِهِ وَحدث عَنهُ الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء وَغَيره توفّي بمرو فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وقبر بقريته فاشان بِالْفَاءِ والشين الْمُعْجَمَة وَهِي من قرى مرو الحديث: 524 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 525 - عمر بن عبد الْملك بن عمر بن خلف بن عبد الْعَزِيز الرزاز أَبُو الْقَاسِم الزَّاهِد أحد عدُول بَغْدَاد وفقهائها سمع من أبي الْحسن بن رزقويه وَأبي عَليّ بن شَاذان وَعبد الْكَرِيم بن بَشرَان وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَغَيره مولد سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 526 - عمر بن على بن أَحْمد بن أَحْمد أَبُو حَفْص الزنجانى تفقه على القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَقَرَأَ الْكَلَام على أبي جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد السمناني وَسمع مِنْهُمَا الحَدِيث وَسمع بِدِمَشْق أَبَا نصر الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن طلاب وَحدث بِدِمَشْق وصور وبغداد وَغَيرهمَا واستوطن بِالآخِرَة بَغْدَاد إِلَى أَن توفّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن جُمَادَى الأولى سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن بِجَانِب ابْن سُرَيج الحديث: 525 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 527 - عمر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو الْمَعَالِي وَهُوَ الْمُؤَيد بن القَاضِي أبي عمر البسطامي وسبط الإِمَام الْجَلِيل أبي الطّيب الصعلوكي سمع أَبَا الْحُسَيْن الْخفاف وَأَبا الْحسن الْعلوِي وأملى مجَالِس روى عَنهُ سبطه هبة الله بن سهل السيدي وزاهر ووجيه ابْنا طَاهِر الشحامي وَغَيرهم مَاتَ فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 528 - غَانِم بن عبد الْوَاحِد بن عبد الرَّحِيم أَبُو سكر الْأَصْبَهَانِيّ إِمَام جَامع أَصْبَهَان أحد الْعلمَاء سمع مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْجِرْجَانِيّ روى عَنهُ الرستمي وَجَمَاعَة توفّي فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 529 - الْفضل بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رامغان بن عَليّ ابْن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ الْمَعْرُوف بالبصري من أهل أهل طبرستان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ غزير الْفضل وافر الْعقل تفقه على الْفَقِيه أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن الحديث: 527 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 حَامِد الشَّاشِي بغزنة وَأقَام بهَا مُدَّة وسافر إِلَى ديار مصر وَالشَّام وَأقَام بِمَكَّة وَسمع بِبَغْدَاد من القَاضِي أبي الطّيب وَسمع من جمَاعَة غَيره روى عَنهُ الإِمَام أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ وَغَيره ولد فِي شَوَّال سنة سبع وَتِسْعين وثلاثمة الْفضل بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو بشر بن أبي عبد الله الْجِرْجَانِيّ ذكره أَبُو حَفْص المطوعي فِي الْمَذْهَب بعد ذكر أَبِيه وَقَالَ فِيهِ فَاضل ملْء ثَوْبه مفضل ملْء كَفه ضَارب فِي الإسماعيلية بعروقه وَذكره أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ فَقَالَ وَمِنْهُم القَاضِي أَبُو بشر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَهُوَ الحاكي فِي الْمَبِيع وَفِيه خِيَار الرُّؤْيَة إِذا مَاتَ أحد الْمُتَعَاقدين أَو جن قبل الرُّؤْيَة أَنه يَنْفَسِخ العقد 530 - الْفضل بن مُحَمَّد بن عَليّ الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو عَليّ الفارمذي من أهل طوس وفارمذ إِحْدَى قراها وَهِي بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء بَينهمَا الْألف ثمَّ مِيم مَفْتُوحَة فِيمَا ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ وَقد تسكن ثمَّ ذال مُعْجمَة سمع من أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن باكويه الشِّيرَازِيّ وَأبي مَنْصُور الحديث: 530 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 التَّمِيمِي وَأبي حَامِد الْغَزالِيّ الْكَبِير وَأبي عبد الرَّحْمَن النيلي وَأبي عُثْمَان الصَّابُونِي وَغَيرهم روى عَنهُ عبد الغافر الْفَارِسِي وَعبد الله بن عَليّ الخركوشي وَعبد الله بن مُحَمَّد الْكُوفِي الْعلوِي وَأَبُو الْخَيْر جَامع الشِّفَاء وَآخَرُونَ مولده فِي سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ الْكَبِير صَاحب التصانيف ذكره عبد الغافر فَقَالَ هُوَ شيخ فِي عصره الْمُنْفَرد بطريقته فِي التَّذْكِير الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا فِي عِبَارَته وتهذيبه وَحسن أدبه ومليح استعارته ودقيق إِشَارَته ورقة أَلْفَاظه وَوَقع كَلَامه فِي الْقُلُوب دخل نيسابور وَصَحب زين الْإِسْلَام أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي وَأخذ فِي الِاجْتِهَاد الْبَالِغ وَكَانَ ملحوظا من الْقشيرِي بِعَين الْعِنَايَة موقرا عَلَيْهِ من طَرِيق الْهِدَايَة وَقد مارس فِي الْمدرسَة أنواعا من الْخدمَة وَقعد سِنِين فِي التفكر وَعبر قناطر المجاهدة حَتَّى فتح عَلَيْهِ لوامع من أنوار الْمُشَاهدَة ثمَّ عَاد إِلَى طوس واتصل بالشيخ أبي الْقَاسِم الكركاني الزَّاهِد مصاهرة وصحبة وَجلسَ للتذكير وَعفى على من كَانَ قبله بطريقته بِحَيْثُ لم يعْهَد قبله مثله فِي التَّذْكِير وَصَارَ من مذكوري الزَّمَان ومشهوري الْمَشَايِخ ثمَّ قدم نيسابور وَعقد الْمجْلس وَوَقع كَلَامه فِي الْقُلُوب وَحصل لَهُ قبُول عِنْد نظام الْملك خَارج عَن الْحَد وَكَذَلِكَ عِنْد الْكِبَار وَسمعت مِمَّن أَثِق بِهِ أَن الصاحب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 خدمه بأنواع من الْخدمَة حَتَّى تعجب الْحَاضِرُونَ مِنْهُ وَكَانَ ينْفق على الصُّوفِيَّة أَكثر مَا يفتح لَهُ بِهِ وَكَانَ مقصدا من الأقطار للصوفية والغرباء والطارئين بالإرادة وَكَانَ لِسَان الْوَقْت وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ لِسَان خُرَاسَان وشيخها وَصَاحب الطَّرِيقَة الْحَسَنَة من تربية المريدين وَالْأَصْحَاب وَكَانَ مجْلِس وعظه على مَا ذكرت رَوْضَة فِيهَا أَنْوَاع من الأزهار توفّي بطوس فِي ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة قلت صَحبه حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة 531 - فضل الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد الميهني وَمِنْهُم من يُسَمِّيه الْفضل وإياه أورد السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي التَّارِيخ وَالَّذِي أوردناه أشبه بِالصَّوَابِ هُوَ الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد التقي الْوَلِيّ ذُو الكرامات الباهرات والآيات الظاهرات أَبُو سعيد بن أبي الْخَيْر روى عَن زَاهِر بن أَحْمد السَّرخسِيّ الْفَقِيه وَغَيره روى عَنهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَأَبُو الْقَاسِم سلمَان بن نَاصِر الْأنْصَارِيّ وَالْحسن بن أبي طَاهِر الجيلي وَعبد الْغفار الشيرويي وَآخَرُونَ الحديث: 531 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 وَكَانَ صَحِيح الِاعْتِقَاد حسن الطَّرِيقَة أَحْوَاله تبهر الْعُقُول اهْتَدَى بِهِ فرق من النَّاس وجالس أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق فَقَالَ شيخ الْوَقْت أَبُو سعيد بن أبي الْخَيْر الميهني مقدم شُيُوخ الصُّوفِيَّة وَأهل الْمعرفَة فِي وقته سني الْحَال عَجِيب الشان أوحد الزَّمَان لم ير فِي طَرِيقَته مثله مجاهدة فِي الشَّبَاب وإقبالا على الْعَمَل وتجردا عَن الْأَسْبَاب وإيثارا للخلوة ثمَّ انفرادا عَن الأقران فِي الكهولة والمشيب واشتهارا بالإصابة فِي الفراسة وَظُهُور الكرامات والعجائب وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ صَاحب كرامات وآيات توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة بقريته ميهنه قلت وَمَعَ صِحَة اعْتِقَاده لم يسلم من كَلَام الشَّيْخ ابْن حزم بل تكلم فِيهِ بِغَيْر حق وَتَبعهُ شَيخنَا الذَّهَبِيّ تقليدا فَقَالَ فِي اعْتِقَاده شَيْء تكلم فِيهِ ابْن حزم انْتهى قلت لم يظْهر لنا وَلم يثبت عَنهُ إِلَّا صِحَة الِاعْتِقَاد وَلكنه أشعري صوفي فَمن ثمَّ نَالَ مِنْهُ الرّجلَانِ وباءا بإثمه وَمِمَّا يُؤثر من كراماته وَمن فَوَائده وَمن الرِّوَايَة عَنهُ قَالَ أَبُو سعيد التصوف طرح النَّفس فِي الْعُبُودِيَّة وَتعلق الْقلب بالربوبية وَالنَّظَر إِلَى الله بِالْكُلِّيَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 532 - الفضيل بن يحيى بن الفضيل أَبُو عَاصِم الفضيلي الْهَرَوِيّ الْفَقِيه رَاوِي الْمِائَة وَغَيرهَا عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي شُرَيْح وأقرانه الحديث: 532 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 مولده سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثلاثمائة روى عَن أبي عَليّ مَنْصُور بن عبد الله الخالدي وَأبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَغَيرهمَا روى عَنهُ أَبُو الْوَقْت وَغَيره قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها مزكيا صَدُوقًا ثِقَة عمر حَتَّى حمل عَنهُ الْكثير توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 533 - الْقَاسِم بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد بن الْعَبَّاس بن عبد الْوَاحِد بن جَعْفَر ابْن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب القَاضِي أَبُو عمر الْهَاشِمِي الْبَصْرِيّ رَاوِي سنَن أبي دَاوُد ولد فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة سمع عبد الغافر بن سَلامَة الْحِمصِي وَأَبا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَثْرَم وَعلي ابْن إِسْحَاق المادرائي وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن الزَّعْفَرَانِي الوَاسِطِيّ وَالْحُسَيْن بن يحيى بن عَيَّاش الْقطَّان وَيزِيد بن إِسْمَاعِيل الْخلال صَاحب الرَّمَادِي وَأَبا عَليّ اللؤْلُؤِي وَالْحسن بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الْفَسَوِي وَجَمَاعَة روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَأَبُو عَليّ الوخشي وهناد بن إِبْرَاهِيم النَّسَفِيّ وسليم الحديث: 533 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 ابْن أَيُّوب الرَّازِيّ وَالْمُسَيب بن مُحَمَّد الأرغياني وَأَبُو الْقَاسِم عبد الْملك بن شغبة وجعفر بن مُحَمَّد العبداني وَآخَرُونَ وَعنهُ أحضرني وَالِدي سَماع سنَن أبي دَاوُد وَأَنا ابْن ثَمَانِي سِنِين فَأثْبت حضوري وَلم يثبت السماع ثمَّ أحضرني وَأَنا ابْن تسع فَأثْبت حضوري وَلم يثبت السماع ثمَّ سَمِعت وَأَنا ابْن عشر سِنِين فَأثْبت حِينَئِذٍ سَمَاعي وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ أَبُو عمر ثِقَة أَمينا ولي الْقَضَاء بِالْبَصْرَةِ وَسمعت مِنْهُ بهَا سنَن أبي دَاوُد وَغَيرهَا مَاتَ فِي تَاسِع عشرى ذِي الْقعدَة سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة 534 - الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن عبيد الله أَبُو الْحُسَيْن بن السوادي الوَاسِطِيّ الْفَقِيه نزل نيسابور قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ من أَرْكَان الْفُقَهَاء المكثرين الحافظين للْمَذْهَب وَالْخلاف تفقه بواسط وببغداد على القَاضِي أبي الطّيب ثمَّ خرج إِلَى نيسابور ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المشطبية قَالَ وَكَانَت لَهُ يَد قَوِيَّة فِي النّظر ويحضر الْمجَالِس ويناطح الْخُصُوم وَكَانَ يحفظ طَريقَة الْعِرَاقِيّين سمع الحَدِيث بواسط وَالْبَصْرَة وبغداد ومصر فَمن شُيُوخه أَبُو عَليّ بن شَاذان وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل بن نظيف الْفراء وَغَيرهمَا الحديث: 534 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَافِظ وَغَيره وأضر فِي آخر عمره توفّي فَجْأَة فِي ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَله سبع وَثَمَانُونَ سنة 535 - المحسن بن عِيسَى بن شهفيروز أَبُو طَالب الْبَغْدَادِيّ حدث عَن الْمعَافى بن زَكَرِيَّا الْجريرِي وَأبي طَاهِر المخلص توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة 536 - مَحْمُود بن الْحسن بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن عِكْرِمَة بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ الطَّبَرِيّ الإِمَام الْعلم أحد أَئِمَّة أَصْحَاب الْوُجُوه هُوَ أَبُو حَاتِم الْقزْوِينِي من مَدِينَة آمل طبرستان تفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَقَرَأَ الْفَرَائِض على ابْن اللبان وَالْأُصُول على القَاضِي أبي بكر بن الباقلاني وَله المصنفات الْكَثِيرَة وَالْوُجُوه المسطورة وَمن مصنفاته تَجْرِيد التَّجْرِيد الَّذِي أَلفه رَفِيقه الْمحَامِلِي وَقَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَقَالَ لم أنتفع بِأحد فِي الرحلة كَمَا انتفعت بِهِ وبالقاضي أبي الطّيب الحديث: 535 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 قَالَ وَكَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب وَالْخلاف صنف كتبا كَثِيرَة فِي الْخلاف والمذاهب والاصول والجدل ودرس بِبَغْدَاد وآمل وَتُوفِّي بآمل وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرناأبو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان الذَّهَبِيّ الْحَافِظ وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة الْمُحدث بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالَا قَرَأنَا على على بن أَحْمد الْعِرَاقِيّ أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقطيعِي بِبَغْدَاد قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن الْخلّ أخبرنَا الشَّيْخ الامام أَبُو الْفرج مُحَمَّد ابْن محمودبن الْحسن بن محمدبن يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد بن عِكْرِمَة بن أنس ابْن مَالك الْأنْصَارِيّ قدم علينا بَغْدَاد قَالَ أخبرنَا وَالِدي أَبُو حَاتِم مَحْمُود بن الْحسن الْقزْوِينِي الشَّافِعِي أخبرنَا ابو عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الصَّلْت حَدثنَا أَبُو اسحق ابراهيم بن عبد الصَّمد الْهَاشِمِي لسبع بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة املاء حَدثنَا أَبُو مُصعب أَحْمد بن أبي بكر الزُّهْرِيّ عَن مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن انس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا تباغضوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تدابروا وَكُونُوا عباد الله إخْوَانًا وَلَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث لَيَال) وَمن الغرائب عَنهُ قَالَ فِي تَجْرِيد التَّجْرِيد فِي فصل السُّجُود فِي الصَّلَاة ويخفف فِي الدُّعَاء إِن كَانَ إِمَامًا انْتهى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 وَهُوَ صَرِيح فِي أَن الإِمَام يَدْعُو فِي السُّجُود وَهُوَ الصَّوَاب لما فِي الصَّحِيحَيْنِ من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي) والْحَدِيث صَرِيح فِي أَنه يَدْعُو فِي الرُّكُوع أَيْضا وَرُبمَا أفهمت عبارَة الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ أَن لَا دُعَاء فِي الرُّكُوع وَأَنه لَا يَدْعُو فِي السُّجُود إِلَّا الْمُنْفَرد وَلَيْسَ كَذَلِك وَالْمرَاد أَن لَا يتَأَكَّد إِلَّا فِي السُّجُود وَلَا يَنْبَغِي تطويله فِيهِ إِلَّا للمنفرد وَأما إخلاء السُّجُود عَن الدُّعَاء مُطلقًا وَهُوَ أقرب مَا يكون العَبْد من ربه فَلَا يكَاد يَقُول بِهِ قَائِل وَالله تَعَالَى أعلم ذكر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الصَّلَاة فِي التَّشَهُّد حكى أَبُو حَاتِم وَجْهَيْن فِي كتاب تَجْرِيد التَّجْرِيد فِي أَنه هَل يتَعَيَّن الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد وَذكر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِأَن يَقُول كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِلَى آخِره أَو يَكْفِي قَوْله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد قلت وَلَعَلَّ التَّعْيِين أرجح وَإِن كَانَ غَرِيبا فِي النَّقْل لأَنهم قَالُوا كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا كَذَلِك 537 - مَحْمُود بن سبكتكين السُّلْطَان الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم سيف الدولة بن الْأَمِير نَاصِر الدولة أبي مَنْصُور أحد أَئِمَّة الْعدْل وَمن دَانَتْ لَهُ الْبِلَاد والعباد وَظَهَرت محَاسِن آثاره الحديث: 537 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 وَكَانَ يلقب قبل السلطنة سيف الدولة وَأما بعْدهَا فلقب بِيَمِين الدولة وَبِهَذَا اللقب سمي الْكتاب اليميني الَّذِي صنفه أَبُو النَّصْر مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار الْعُتْبِي فِي سيرة هَذَا السُّلْطَان وَأهل خوارزم وَمَا والاها يعتنون بِهَذَا الْكتاب ويضبطون أَلْفَاظه أَشد من اعتناء أهل بِلَادنَا بمقامات الحريري كَانَ هَذَا السُّلْطَان إِمَامًا عادلا شجاعا مفرطا فَقِيها فهما سَمحا جوادا سعيدا مؤيدا وَقد اعْتبرت فَوجدت أَرْبَعَة لَا خَامِس لَهُم فِي الْعدْل بعد عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا أَن يكون بعض أنَاس لم تطل لَهُم مُدَّة وَلَا ظَهرت عَنْهُم آثَار ممتدة وهم سلطانان وَملك ووزيره فِي الْعَجم وهما هَذَا السُّلْطَان والوزير نظام الْملك وَبَينهمَا فِي الزَّمَان مُدَّة وسلطان وَملك فِي بِلَادنَا وهما السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فاتح بَيت الْمُقَدّس وَقَبله الْملك نور الدّين مَحْمُود بن زنكي الشَّهِيد وَلَا أَسْتَطِيع أَن أُسَمِّيهِ سُلْطَانا لِأَنَّهُ لم يسم بذلك وَسبب هَذَا أَن مصطلح الدول أَن السُّلْطَان من ملك إقليمين فَصَاعِدا فَإِن كَانَ لَا يملك إِلَّا إقليما وَاحِدًا سمي بِالْملكِ وَإِن اقْتصر على مَدِينَة وَاحِدَة لَا يُسمى لَا بِالْملكِ وَلَا بالسلطان بل بأمير الْبَلَد وصاحبها وَمن ثمَّ يعرف خطأ كتاب زَمَاننَا حَيْثُ يسمون صَاحب حماة سُلْطَانا وَلَا يَنْبَغِي أَن يُسمى لَا سُلْطَانا وَلَا ملكا لِأَن حكمه لَا يعدوها فكأنهم خَرجُوا عَن المصطلح وَمن شَرط السُّلْطَان أَلا يكون فَوق يَده يَد وَكَذَلِكَ الْملك وَلَا كَذَلِك صَاحب الْبَلدة الْوَاحِدَة فَإِن السُّلْطَان يحكم عَلَيْهِ وَأما حكم السُّلْطَان على الْملك وَعدم حكمه فيختلف باخْتلَاف الْقُوَّة والضعف ثمَّ نور الدّين خطب لَهُ على مَنَابِر ديار مصر لما افتتحها صَلَاح الدّين وَبِهَذَا سمي بالسلطان وَلذَلِك قَالَ بعض من امتدحه إِذْ ذَاك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 وملكت إقليمين ثمت ثَالِثا فَدُعِيت بعد الْملك بالسلطان عدنا إِلَى ذكر يَمِين الدولة فَنَقُول كَانَ أَولا حَنَفِيّ الْمَذْهَب ثمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي لما صلى الْقفال بَين يَدَيْهِ صَلَاة لَا يجوز الشَّافِعِي دونهَا وَصَلَاة لَا يجوز أَبُو حنيفَة دونهَا وَقد سَاق الْقفال الْحِكَايَة فِي فَتَاوِيهِ ثمَّ حَكَاهَا من بعده إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره شرح مبدأ حَاله كَانَ وَالِده سبكتكين قد ورد بُخَارى فِي أَيَّام الْأَمِير نوح بن نصر الساماني فَعرفهُ كبراء تِلْكَ الدولة بالشجاعة والشهامة وتوسموا فِيهِ الرّفْعَة وَكَانَ قدومه صُحْبَة ابْن ألبتكين فَخرج ابْن ألبتكين إِلَى غزنة أَمِيرا عَلَيْهَا وَخرج سبكتكين فِي خدمته فَلم يلبث ابْن ألبتكين أَن توفّي وَاحْتَاجَ النَّاس إِلَى من يتَوَلَّى أَمرهم فاتفقوا على سبكتكين وأمروه عَلَيْهِم فَتمكن وَأخذ فِي الإغارات على أَطْرَاف الْهِنْد وَجَرت بَينه وَبَين الهنود حروب وعظمت سطوته وافتتح قلاعا منيعة وَفتح نَاحيَة بست واتصل بِهِ أَبُو الْفَتْح البستي الْكَاتِب فاعتمد عَلَيْهِ وَأسر إِلَيْهِ أُمُوره ثمَّ مرض سبكتكين ببلخ فاشتاق إِلَى غزنة فسافر إِلَيْهَا فَمَاتَ فِي الطَّرِيق سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَجعل ولي عَهده وَلَده إِسْمَاعِيل وَكَانَ مَحْمُود غَائِبا ببلخ فَلَمَّا بلغه نعي أَبِيه كتب إِلَى أَخِيه ولاطفه على أَن يكون بغزنة وَأَن يكون مَحْمُود بخراسان فَلم يُوَافق إِسْمَاعِيل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 قَالَ النقلَة وَكَانَ إِسْمَاعِيل جَبَانًا فطمع فِيهِ الْجند وشغبوا عَلَيْهِ وطالبوه بالعطاء فأنفق فيهم الخزائن فَدَعَا مَحْمُود عَمه إِلَى مُوَافَقَته فَأَجَابَهُ وَكَانَ الْأَخ الثَّالِث نصر بن سبكتكين أَمِيرا على بست فكاتبه مَحْمُود فَأَجَابَهُ فقوي بِعَمِّهِ وأخيه وَقصد غزنه فِي جَيش عَظِيم وحاصرها إِلَى أَن افتتحها وَأنزل أَخَاهُ من قلعتها بالأمان ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلخ وَحبس أَخَاهُ بِبَعْض الْحُصُون حبسا خَفِيفا ووسع عَلَيْهِ فِي النفقه والخدم وَكَانَ فِي خُرَاسَان نواب لصَاحب مَا وَرَاء النَّهر من الْمُلُوك السامانية فحاربهم مَحْمُود وانتصر عَلَيْهِم وَاسْتولى على ممالك خُرَاسَان وانقطعت الدولة السامانية فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ فسير إِلَيْهِ الْقَادِر بِاللَّه خلعة السلطنة وَعظم ملكه وَفرض على نَفسه كل سنة غَزْو الْهِنْد فَافْتتحَ مِنْهَا بلادا وَاسِعَة وَكسر الصَّنَم الْمَعْرُوف بسومنات وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنه يحيي وَيُمِيت ويقصدونه من الْبِلَاد وافتتن بِهِ أُمَم لَا يُحصونَ وَلم يبْق ملك وَلَا ذُو ثروة إِلَّا وَقد قرب لَهُ قربانا من نَفِيس مَاله حَتَّى بلغت أوقافه عشرَة آلَاف قَرْيَة وامتلأت خزائنه من أَصْنَاف الْأَمْوَال والجواهر وَكَانَ فِي خدمَة الصَّنَم ألف رجل من البراهمة يخدمونه وثلاثمائة رجل يحلقون رُؤُوس الْحجَّاج إِلَيْهِ ولحاهم عِنْد الْقدوم وثلاثمائة رجل وَخَمْسمِائة امْرَأَة يغنون ويرقصون عِنْد بَابه وَكَانَ بَين بِلَاد الْإِسْلَام والقلعة الَّتِي فِيهَا هَذَا الوثن مسيرَة شهر فِي مفازة صعبة فِي نِهَايَة الْمَشَقَّة فَسَار إِلَيْهَا السُّلْطَان مَحْمُود فِي ثَلَاثِينَ ألف فَارس جَرِيدَة وَأنْفق فيهم الْأَمْوَال الجزيلة فَأتوا القلعة فوجدوها منيعة فسهل الله عَلَيْهِ وافتتحها فِي ثَلَاثَة أَيَّام ودخلوا هيكل الصَّنَم فَإِذا حوله من أَصْنَاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 الْأَصْنَام الذَّهَب وَالْفِضَّة المرصعة بالحواهر شَيْء كثير مُحِيط بِعَرْشِهِ يَزْعمُونَ أَنَّهَا الْمَلَائِكَة فأحرقوا الصَّنَم الْأَعْظَم ووجدوا فِي أُذُنَيْهِ نيفا وَثَلَاثِينَ حَلقَة فَسَأَلَهُمْ مَحْمُود عَن معنى ذَلِك فَقَالُوا لَهُ كل حَلقَة عبَادَة ألف سنة وَعَاد مَحْمُود مظفرا منصورا وَكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَادِر بِاللَّه كتابا يشْرَح فِيهِ الْحَال وَيَقُول فِيهِ لقد كَانَ العَبْد يتَمَنَّى قلع هَذَا الصَّنَم ويتعرف الْأَحْوَال فتوصف لَهُ المفاوز إِلَيْهِ وَقلة المَاء وَكَثْرَة الرمال فاستخار العَبْد الله فِي الانتداب لهَذَا الْوَاجِب طلبا لِلْأجرِ ونهض فِي شعْبَان سنة سِتّ عشرَة فِي ثَلَاثِينَ ألف فَارس سوى المطوعة وَفرق فِي المطوعة خمسين ألف دِينَار مَعُونَة وَقضى الله بالوصول إِلَى بلد الصَّنَم وأعان حَتَّى ملك الْبَلَد وَقلع الوثن وَأوقدت عَلَيْهِ النَّار حَتَّى تقطع وَقتل خَمْسُونَ ألفا من أهل الْبَلَد وَقد كَانَ مَحْمُود افْتتح قبل ذَلِك من الْهِنْد أَمَاكِن منيعة وغنم أَمْوَالًا كَثِيرَة وَكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن كتاب العَبْد صدر فِي غزنة لنصف الْمحرم سنة عشر وَالدّين مَخْصُوص بمزيد الْإِظْهَار والشرك مقهور بِجَمِيعِ الأقطار وانتدب العَبْد لتنفيذ الْأَوَامِر وتابع الوقائع على كفار السَّنَد والهند فرتب بنواحي غزنة العَبْد مُحَمَّدًا مَعَ خَمْسَة عشر ألف فَارس وَعشرَة آلَاف راجل وشحن بَلخ وطخارستان بأرسلان الْحَاجِب مَعَ اثنى عشر ألف فَارس وَعشرَة آلَاف راجل وانضم إِلَيْهِ جَمَاهِير المطوعة وَخرج العَبْد من غزنة فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع بقلب منشرح لطلب السَّعَادَة وَنَفس مشتاقة إِلَى دَرك الشَّهَادَة فَفتح قلاعا وحصونا وَأسلم زهاء عشْرين ألفا من عباد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 الوثن وسلموا قدر ألف ألف من الْوَرق وَوَقع الاحتواء على ثَلَاثِينَ فيلا وَبلغ عدد الهالكين مِنْهُم خمسين ألفا ووافى العَبْد مَدِينَة لَهُم عاين فِيهَا زهاء ألف قصر مشيد وَألف بَيت للأصنام ومبلغ مَا فِي الصَّنَم ثَمَانِيَة وَتسْعُونَ ألف مِثْقَال وَقلع من الْأَصْنَام الْفضة زِيَادَة على ألف صنم وَلَهُم صنم مُعظم يؤرخون مدَّته بجهالتهم الْعَظِيمَة بثلاثمائة ألف عَام وَقد بنوا حول تِلْكَ الْأَصْنَام المنصوبة زهاء عشرَة آلَاف بَيت فعني العَبْد بتخريب تِلْكَ الْمَدِينَة اعتناء تَاما وعمها المجاهدون بالإحراق فَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا الرسوم وَحين وجد الْفَرَاغ لِاسْتِيفَاء الْغَنَائِم حصل مِنْهَا عشْرين ألف ألف دِرْهَم وأفرد خمس الرَّقِيق فَبلغ ثَلَاثًا وَخمسين ألفا واستعرض ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة وَخمسين فيلا وَمن مَنَاقِب السُّلْطَان مَحْمُود أَن الْعِرَاقِيّين لم يخرج ركبهمْ إِلَى الْحَج فِي سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة وَسنة إِحْدَى عشرَة فَلَمَّا كَانَت سنة اثنتى عشرَة قصد طَائِفَة يَمِين الدولة مَحْمُودًا وَقَالُوا أَنْت سُلْطَان الْإِسْلَام وَأعظم مُلُوك الأَرْض وَفِي كل سنة تفتح من بِلَاد الْكفْر نَاحيَة وَالثَّوَاب فِي فتح طَرِيق الْحَج عَظِيم فاهتم بِهَذَا الْأَمر وَتقدم إِلَى قاضيه بالتأهب لِلْحَجِّ ونادى فِي أَعمال خُرَاسَان بذلك وَأطلق للْعَرَب فِي الْبَادِيَة من خَاص مَاله ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَذكر أَبُو النَّصْر الفامي فِي تَارِيخ هراة وَلَيْسَ هُوَ أَبَا النَّصْر الْعُتْبِي ذَاك أديب مُتَقَدم صنف الْكتاب اليميني الَّذِي ذَكرْنَاهُ أول التَّرْجَمَة وَهَذَا مُحدث مُتَأَخّر من أَقْرَان ابْن السَّمْعَانِيّ لَهُ تَارِيخ هراة وسنذكره فِي الطَّبَقَة الْخَامِسَة أَنه لما قدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 التاهرتي الدَّاعِي من مصر على السُّلْطَان مَحْمُود لِيَدْعُوهُ سرا إِلَى مَذْهَب الباطنية وَكَانَ يركب الْبَغْل الَّذِي أَتَى بِهِ مَعَه وَكَانَ الْبَغْل يَتلون كل سَاعَة من كل لون ووقف السُّلْطَان مَحْمُود على سر مَا دَعَا إِلَيْهِ وَعلم بطلَان مَا ندب إِلَيْهِ أَمر بقتْله وَأهْدى بغله إِلَى القَاضِي أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ شيخ هراة وَقَالَ كَانَ يركبه رَأس الْمُلْحِدِينَ فليركبه رَأس الْمُوَحِّدين وَحكى غير وَاحِد أَن رجلا اشْتَكَى إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود أَن ابْن أُخْت السُّلْطَان يهجم على أَهلِي فِي كل وَقت ويخرجني من دَاري ويختلي بامرأتي وَقد حرت فِي أَمْرِي وشكوت إِلَى أَوْلِيَاء الْأُمُور من دولتك فَلم يتجاسر أحد مِنْهُم على إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ يهابون السُّلْطَان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان وَيحك مَتى جَاءَ بَادر بإعلامي وَلَا تسمعن من أحد يمنعك الْوُصُول إِلَيّ وَلَو كَانَ فِي اللَّيْل وَتقدم إِلَى الحجبة بِأَن أحدا لَا يمنعهُ فَذهب الرجل فَمَا كَانَ غير لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث حَتَّى هجم عَلَيْهِ ذَلِك الشَّاب فَأخْرجهُ واختلى بأَهْله فَذهب باكيا إِلَى دَار الْملك فَقيل لَهُ إِن الْملك نَائِم فَقَالَ قد تقدم إِلَيْكُم بِمَا علمْتُم فأنبهوه فَاسْتَيْقَظَ وَخرج مَعَه بِنَفسِهِ وَحده وَجَاء إِلَى منزله فَنظر إِلَى الْغُلَام وهونائم مَعَ الْمَرْأَة فِي فرَاش الرجل وَعِنْدَهُمَا شمعة تقد فَتقدم السُّلْطَان فأطفأ الضؤ ثمَّ جَاءَ فاحتز رَأس الْغُلَام ثمَّ قَالَ للرجل وَيحك أدركني بِشَربَة مَاء فَسَقَاهُ ثمَّ انْطلق ليذْهب فَقَالَ لَهُ الرجل سَأَلتك بِاللَّه لم أطفأت الشمعة فَقَالَ وَيحك إِنَّه ابْن أُخْتِي كرهت أَن أشاهده حَالَة الذّبْح فَقَالَ وَلم طلبت المَاء سَرِيعا فَقَالَ إِنِّي آلَيْت مُنْذُ أَخْبَرتنِي أَلا أطْعم طَعَاما وَلَا أشْرب شرابًا حَتَّى أقوم بحقك وَكنت عطشان هَذِه الْأَيَّام حَتَّى كَانَ مَا رَأَيْت قلت وَفِي هَذِه الْوَاقِعَة من هَذَا السُّلْطَان مَا يدل على حسن نِيَّته وتحريه الْعدْل غير أَنَّهَا ممزوج عدلها بِالْجَهْلِ بالشريعة فَلم يكن لَهُ لَو ثَبت عِنْده أَنه زنى بعد الْإِحْصَان أَن يتَعَدَّى الرَّجْم إِلَى حز الرَّقَبَة ثمَّ لَيْسَ فِي الْحِكَايَة مَا يَقْتَضِي ثُبُوت الزِّنَا عِنْده فَإِنَّهُ لم يُشَاهِدهُ يَزْنِي وَلَو فرضت مشاهدته إِيَّاه زَانيا وَأَنه علم زِنَاهُ وتحققه بالقرائن فَهِيَ مَسْأَلَة الْقَضَاء فِي الْحُدُود بِالْعلمِ وَمن هَذَا وأشباهه يعرف سر الشَّرِيعَة فِي اشْتِرَاط كَون السُّلْطَان مُجْتَهدا لِأَن غير الْعَالم إِذا تحرى الْعدْل لَا يَتَأَتَّى لَهُ إِلَّا بصعوبة شَدِيدَة بِخِلَاف الْعَالم فَإِنَّهُ يعرف مَا يَأْتِي وَمَا يذر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 شرح حَال فتوحات يَمِين الدولة وغزواته بِاخْتِصَار كَانَ مبدأ ملكه سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَكَانَ محببا إِلَى النَّاس لعدله وَدينه وشجاعته ومعرفته فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ وَكَانَ من أَمر إخْوَته مَا حكيناه فِي صدر التَّرْجَمَة قصد مَحْمُود فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ بِلَاد خُرَاسَان فاستلب ملكهَا من أَيدي السامانية وواقعهم مَرَّات مُتعَدِّدَة حَتَّى أَزَال اسمهم ورسمهم وانقرضت دولتهم بِالْكُلِّيَّةِ على يَدَيْهِ ثمَّ انتهض لقِتَال الْكفَّار فَنَهَضَ ليملك ملك التّرْك بِمَا وَرَاء النَّهر وَذَلِكَ بعد موت القان الْكَبِير الَّذِي يُقَال لَهُ فائق فجرت لَهُ مَعَهم حروب وخطوب يطول شرحها وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة غزا بِلَاد الْهِنْد وَقصد ملكهَا جيبال فِي جَيش عَظِيم فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا وَفتح الله على يَدَيْهِ وَكسر الهنود وَأسر ملكهم وَأخذ من عُنُقه قلادة قيمتهَا ثَمَانُون ألف دِينَار وغنم الْمُسلمُونَ مِنْهُم أَمْوَالًا عَظِيمَة وفتحوا بلادا كَثِيرَة ثمَّ أطلق مَحْمُود ملك الْهِنْد احتقارا لَهُ واستهانة بأَمْره مَعَ شدَّة بأسه وَعظم اسْمه فوصل ذليلا مكسورا إِلَى بِلَاده وَقيل إِنَّه لما وصل ألْقى نَفسه فِي النَّار الَّتِي يعبدونها من دون الله فَهَلَك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 ثمَّ غزا الْهِنْد أَيْضا فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وثلاثمائة فَافْتتحَ مدنا كَثِيرَة كبارًا وغنم مَا لَا يُحْصى من الْأَمْوَال وَأسر بعض مُلُوكهمْ وَهُوَ ملك كراسي حِين هرب مِنْهُ لما افتتحها وَكسر أصنامها فألبسه منْطقَة شدها على وَسطه بعد تمنع شَدِيد وَقطع خِنْصره ثمَّ أطلقهُ إهانة لَهُ وإظهارا لِعَظَمَة الْإِسْلَام وَأَهله ثمَّ غزا عَبدة الْأَصْنَام ثَالِثا فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَفتح حصونا كَثِيرَة وَأخذ أَمْوَالًا جمة وجواهر نفيسة وَكَانَ فِي جملَة مَا وجد بَيت طوله ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَعرضه خَمْسَة عشر ذِرَاعا مَمْلُوءَة فضَّة وَلما رَجَعَ إِلَى غزنة بسط الحواصل فِي صحن دَاره وَأذن لرسل الْمُلُوك فَدَخَلُوا عَلَيْهِ قرأوا مَا هالهم وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة أَو سنة إِحْدَى غزا الْكفَّار أَيْضا وَقطع مفازة عَظِيمَة أَصَابَهُ فِيهَا عَطش مفرط كَاد يهْلك عسكره ثمَّ من الله بمطر عَظِيم رواهم ووصلوا إِلَى الْكفَّار وهم خلائق لَا يُحصونَ وَمَعَهُمْ سِتّمائَة فيل فنصر عَلَيْهِم وغنم شَيْئا عَظِيما وَعَاد ثمَّ غزا فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة فغره أدلته وأضلوه عَن الطَّرِيق فَحصل فِي مائية فاضت من الْبَحْر وغرق كثير مِمَّن كَانَ مَعَه وخاض المَاء بِنَفسِهِ أَيَّامًا ثمَّ تخلص وَعَاد إِلَى خُرَاسَان ثمَّ غزا فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وافتتح بلادا كَثِيرَة ثمَّ عَاد الْغَزْو فِي سنة تسع وَأَرْبَعمِائَة وجال فِي بِلَاد الْكفَّار مسيرَة ثَلَاثَة أشهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 عَن غزنة وَفِي هَذِه السّنة افْتتح المدينتين العظيمتين مهرَة وقنوج وَكَانَ فتحا عَظِيما عَزِيزًا قَالَ أَبُو النَّصْر الفامي وقنوج هِيَ الَّتِي أعيت الْمُلُوك غير كشتاسب على مَا زعمته الْمَجُوس وَهُوَ ملك الْمُلُوك فِي زَمَانه فزحف السُّلْطَان مَحْمُود بعساكره وَعبر مياه سيحون وَتلك الأودية الَّتِي تجل أعماقها عَن الْوَصْف وَلم يطَأ مملكة من تِلْكَ الممالك إِلَّا أَتَاهُ الرَّسُول وَاضِعا خد الطَّاعَة عارضا فِي الْخدمَة كنه الِاسْتِطَاعَة إِلَى أَن جَاءَهُ جنكي بن سمهي صَاحب درب قشمير عَالما بِأَنَّهُ بعث الله الَّذِي لَا يرضيه إِلَّا الْإِسْلَام أَو الحسام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 فضمن إرشاد الطَّرِيق وَسَار أَمَامه هاديا فَمَا زَالَ يفْتَتح الصَّيَاصِي والقلاع حَتَّى مر بقلعة هردب فَلَمَّا رأى ملكهَا الأَرْض تموج بأنصار الله وَمن حولهَا الْمَلَائِكَة زلزلت قدمه وأشفق أَن يراق دَمه وَنزل فِي عشرَة آلَاف منادين بدعوة الْإِسْلَام ثمَّ سَار بجُنُوده إِلَى قلعة كلجند وَهُوَ من رُءُوس الشَّيَاطِين فَكَانَت لَهُ مَعَه ملحمة عَظِيمَة هلك فِيهَا من الْكفَّار خَمْسُونَ ألفا من بَين قَتِيل وغريق فَعمد كلجند إِلَى زَوجته فَقَتلهَا ثمَّ ألحق بهَا نَفسه وغنم السُّلْطَان مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ فيلا ثمَّ عطف إِلَى الْبَلَد الَّذِي يُسمى المتعبد وَهُوَ مهرَة الْهِنْد يطالع أبنيتها الَّتِي ذكر أَهلهَا أَنَّهَا من بِنَاء الجان فَرَأى مَا يُخَالف الْعَادَات وَهِي مُشْتَمِلَة على بيُوت أصنام بنقوش مبدعة وتزاويق تخطف الْبَصَر وَكَانَ فِيمَا كتب بِهِ السُّلْطَان أَنه لَو أَرَادَ مُرِيد أَن يَبْنِي مَا يعادل تِلْكَ الْأَبْنِيَة لعجز عَنْهَا بإنفاق مائَة ألف ألف دِرْهَم فِي مِائَتي سنة على أَيدي عملة كملة ومهرة سحرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 وَفِي جملَة الْأَصْنَام خَمْسَة من الذَّهَب معمولة طول خَمْسَة أَذْرع عينا وَاحِد مِنْهَا ياقوتتان قيمتهَا أَزِيد من خمسين ألف دِينَار وعَلى آخر ياقوتة زرقاء وَزنهَا أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ مِثْقَالا وَكَانَ جملَة الذهبيات الْمَوْجُودَة على الْأَصْنَام ثَمَانِيَة وَسبعين ألف مِثْقَال قَالَ ثمَّ أَمر السُّلْطَان بِسَائِر الْأَصْنَام فَضربت بالنفط وَحَازَ من السبايا والنهاب مَا يعجز عَنهُ أنامل الْحساب ثمَّ سَار إِلَى قنوج وَخلف مُعظم الْعَسْكَر فوصل إِلَيْهِ فِي شعْبَان سنة تسع وَقد فَارقهَا الْملك راجيبال مُنْهَزِمًا فتتبع السُّلْطَان قلاعها وَكَانَت على سيف الْبَحْر وفيهَا قريب من عشرَة آلَاف بَيت للأصنام يزْعم الْمُشْركُونَ أَنَّهَا متوارثة مُنْذُ مِائَتي ألف سنة إِلَى ثَلَاثمِائَة ألف سنة كذبا وزورا فَفَتحهَا كلهَا فِي يَوْم وَاحِد ثمَّ أَبَاحَهَا لجيشه فانتهبوها ثمَّ ركض مِنْهَا إِلَى قلعة البراهمة فافتتحها وَقتل بهَا خلقا كثيرا ثمَّ افْتتح قلعة جندراي وَهِي الَّتِي تضرب الْأَمْثَال بحصانتها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 وَهَذَا هُوَ الْفَتْح الْعَزِيز من فتوحاته سَاقه صَاحب اليميني بأفصح عبارَة وأحلاها فلينظره فِيهِ من أَرَادَهُ وَهُوَ الَّذِي عَاد مِنْهُ فِي سنة عشر وَأرْسل كِتَابه إِلَى الْقَادِر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد ذكرنَا بعضه ثمَّ كَانَ لَهُ فِي سنة أَربع عشرَة فتح أعظم من هَذَا أوغل فِيهِ فِي بِلَاد الْهِنْد حَتَّى جَاءَ إِلَى قلعة فِيهَا سِتّمائَة صنم وَقَالَ أتيت قلعة لَيْسَ لَهَا فِي الدُّنْيَا نَظِير وَمَا الظَّن بقلعة تسع خَمْسمِائَة فيل وَعشْرين ألف دَابَّة وَمن يقوم بعلف هَؤُلَاءِ وَمن يحملونه وأعان الله حَتَّى طلبُوا الْأمان فأمنت ملكهم وأقررته على ولَايَته بخراج ضرب عَلَيْهِ 538 - مَحْمُود بن الْقَاسِم بن القَاضِي أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ المهلبي القَاضِي أَبُو عَامر الْأَزْدِيّ الْهَرَوِيّ أحد الْأَئِمَّة كَانَ إِمَامًا زاهدا ورعا ولد سنة أَرْبَعمِائَة وَحدث بِجَامِع التِّرْمِذِيّ عَن عبد الْجَبَّار الجراحي وَسمع أَيْضا جده القَاضِي أَبَا مَنْصُور القَاضِي أَبَا عمر البسطامي وَبكر بن مُحَمَّد المروروذي وَجَمَاعَة الحديث: 538 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 روى عَنهُ المؤتمن السَّاجِي وَمُحَمّد بن طَاهِر وَأَبُو نصر اليونارتي وَأَبُو الْعَلَاء صاعد بن سيار وزاهر الشحامي وَأَبُو عبد الله الفراوي وَخلق آخِرهم موتا أَبُو الْفَتْح نصر بن سيار قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ جليل الْقدر كَبِير الْمحل عَالم فَاضل وَقَالَ أَبُو النَّصْر الفامي عديم النّظر زهدا وصلاحا وعفة وَلم يزل على ذَلِك من ابْتِدَاء عمره إِلَى انتهائه وَكَانَت الرحلة إِلَيْهِ من الأقطار وَالْقَصْد لأسانيده وَقَالَ أَبُو جَعْفَر بن أبي عَليّ الهمذاني وَهُوَ من الروَاة عَنهُ كَانَ شَيخنَا أَبُو عَامر من أَرْكَان مَذْهَب الشَّافِعِي بهراة قَالَ وَكَانَ نظام الْملك يَقُول لَوْلَا هَذَا الإِمَام فِي هَذِه الْبَلدة لَكَانَ لي وَلَهُم شَأْن يهددهم بِهِ وَكَانَ يَعْتَقِدهُ لزهده وورعه وَحسن عقيدته وَكَانَت هراة بِأبي إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ قد غلب عَلَيْهَا التجسيم فنقم عَلَيْهِم نظام الْملك وَكَانَ أَبُو إِسْمَاعِيل يزور أَبَا عَامر ويتبرك بِهِ إِمَّا اعتقادا فِيهِ وَإِمَّا إِظْهَارًا لمحبة مَا النَّاس عَلَيْهِ من تَعْظِيم هَذَا الرجل فَإِنَّهُ كَانَ مُعظما عِنْد الْمُوَافق والمخالف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 539 - الْمَرْزُبَان بن خسر فَيْرُوز أَبُو الْغَنَائِم الْوَزير الملقب تَاج الْملك الحديث: 539 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 540 - مُسَدّد بن مُحَمَّد بن علكان 541 - مظفر بن عبد الْملك بن عبد الله الْجُوَيْنِيّ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم بن إِمَام الْحَرَمَيْنِ الحديث: 540 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 542 - معمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن أبان أَبُو مَنْصُور اللنباني الْأَصْبَهَانِيّ 543 - الْمفضل بن أبي سعد إِسْمَاعِيل بن أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ الإِمَام ابْن الإِمَام ابْن الإِمَام أَبُو معمر الْجِرْجَانِيّ مفتي جرجان وعالمها وَابْن عالمها ورئيسها وَابْن رئيسها ومسندها روى الْكثير عَن جده ورحل بِهِ وَالِده فَأكْثر عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي حَفْص الحديث: 542 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 ابْن شاهين بِبَغْدَاد وَعَن يُوسُف بن الدخيل وَأبي زرْعَة مُحَمَّد بن يُوسُف بِمَكَّة وَحدث بالكثير وأملى بعد موت عَمه أبي نصر وَكَانَ أحد من يُوصف بالذكاء حفظ الْقُرْآن وَقطعَة من الْفِقْه وَهُوَ ابْن سبع سِنِين فِي حَيَاة جده وبيته بَيت الْعلم وَالدّين والسؤدد توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة 544 - مكي بن عبد السَّلَام بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَبُو الْقَاسِم الرميلي الْحَافِظ من أهل بَيت الْمُقَدّس قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ أحد الجوالين فِي الْآفَاق وَكَانَ كثير النصب والسهر والتعب طلب وتغرب وَجمع وَكَانَ ثِقَة متحريا ورعا ضابطا شرع فِي تَارِيخ بَيت الْمُقَدّس وفضائله وَجمع فِيهِ شَيْئا وَحدث باليسير لِأَنَّهُ قتل قبل الشيخوخة سمع بالمقدس مُحَمَّد بن عَليّ بن يحيى بن سلوان الْمَازِني وَأَبا عُثْمَان بن وَرْقَاء وَعبد الْعَزِيز بن أَحْمد النصيبيني الحديث: 544 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 وبمصر عبد الْبَاقِي بن فَارس المقرى وَعبد الْعَزِيز بن الْحسن الضراب وبدمشق أَبَا الْقَاسِم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الحنائي وَعلي بن الْخضر وبعسقلان أَحْمد بن الْحُسَيْن الشماع وبصور أَبَا بكر الْخَطِيب وَعبد الرَّحْمَن بن عَليّ الكاملي وبأطرابلس الْحُسَيْن بن أَحْمد وببغداد أَبَا جَعْفَر بن الْمسلمَة وَعبد الصَّمد بن الْمَأْمُون وطبقتهما وَسمع بِالْبَصْرَةِ والكوفة وواسط وتكريت والموصل وآمد وميافارقين سمع مِنْهُ هبة الله الشِّيرَازِيّ وَعمر الرواسِي وَحدث عَنهُ مُحَمَّد بن عَليّ المهرجاني بمرو وَأَبُو سعيد عمار بن طَاهِر التَّاجِر بهمذان وَإِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي بِمَدِينَة السَّلَام وَحَمْزَة بن كروس وغالب بن أَحْمد وَغَيرهمَا بِدِمَشْق ولد يَوْم عَاشُورَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ المؤتمن السَّاجِي كَانَت الفتاوي تجيئه من مصر والساحل ودمشق قتلته الفرنج لعنهم الله بِبَيْت الْمُقَدّس وَذَلِكَ أَنهم قبضوا عَلَيْهِ أَسِيرًا فَلَمَّا علمُوا أَنه من عُلَمَاء الْمُسلمين نُودي عَلَيْهِ ليفتدى بِأَلف مِثْقَال فَلم يفتده أحد فَقتل فِي الْيَوْم الثَّانِي عشر من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَفِيه استولى الفرنج على بَيت الْمُقَدّس وَقتلُوا مِنْهُ عَالما لَا يحصيهم إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 545 - مَنْصُور بن عمر بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الْكَرْخِي أحد الْأَئِمَّة من أهل كرخ جدان تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني وَله عَنهُ تعليقة وروى عَن أبي طَاهِر المخلص وَأبي الْقَاسِم الصيدلاني روى عَنهُ الْخَطِيب وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ الْفِقْه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَذكره فِي طبقاته وَقَالَ لَهُ فِي الْمَذْهَب كتاب الغنية وَغَيره ودرس بِبَغْدَاد وَبهَا مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 545 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 546 - مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أَحْمد ابْن عبد الْجَبَّار بن الْفضل بن الرّبيع بن مُسلم بن عبد الله التَّمِيمِي الإِمَام الْجَلِيل الْعلم الزَّاهِد الْوَرع أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا أَبُو المظفر بن الإِمَام أبي مَنْصُور ابْن السَّمْعَانِيّ الرفيع الْقدر الْعَظِيم الْمحل الْمَشْهُور الذّكر أحد من طبق الأَرْض ذكره وعبق الْكَوْن نشره ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع الحَدِيث فِي صغره وَكبره سمع أَبَاهُ وَأَبا غَانِم أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الكراعي وَأَبا بكر مُحَمَّد بن عبد الصَّمد الترابي الْمَعْرُوف بِأبي الْهَيْثَم وَأَبا صَالح الْمُؤَذّن وَأَبا حَاجِب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الإستراباذي وَأَبا الْحُسَيْن ابْن الْمُهْتَدي وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأَبا جَعْفَر بن الْمسلمَة الحديث: 546 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 وَابْن هزارمرد الصريفيني وسعدا الزنجاني وهياجا الحطيني وخلقا بخراسان والعراقين والحجاز روى عَنهُ أَوْلَاده وَأَبُو طَاهِر السنجي وَإِبْرَاهِيم المروروذي وَعمر بن مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَمُحَمّد بن أبي بكر السنجي وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد التَّمِيمِي الْحَافِظ وَخلق شرح ابْتِدَاء حَاله وانتهاء حَده فِي اشْتِغَاله كَانَ الإِمَام أَبُو مَنْصُور وَالِده من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة فولد لَهُ ولدان أَحدهمَا أَبُو المظفر هَذَا وَالثَّانِي أَبُو الْقَاسِم عَليّ وتفقها عَلَيْهِ وبرعا فِي مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَرَأس أَبُو الْقَاسِم وَحصل على جاه عَظِيم ونعمة زَائِدَة وَولد لَهُ أَبُو الْعَلَاء عالي بن عَليّ بن الإِمَام أبي مَنْصُور مُحَمَّد وتفقه وبرع أَيْضا فِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَدخل أَبُو المظفر بَغْدَاد فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وناظر بهَا الْفُقَهَاء وَجَرت بَينه وَبَين أبي نصر بن الصّباغ مناظرة أَجَاد فِيهَا الْكَلَام وَاجْتمعَ بالشيخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَهُوَ إِذْ ذَاك حَنَفِيّ ثمَّ خرج إِلَى الْحجاز على غير الطَّرِيق الْمُعْتَاد فَإِن الطَّرِيق كَانَ قد انْقَطع بِسَبَب اسْتِيلَاء الْعَرَب فَقطع عَلَيْهِ وعَلى رفقته الطَّرِيق وأسروا وَاسْتمرّ أَبُو المظفر مأسورا فِي أَيدي عرب الْبَادِيَة صَابِرًا إِلَى أَن خلصه الله تَعَالَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 فحكي أَنه لما دخل الْبَادِيَة وأخذته الْعَرَب كَانَ يخرج مَعَ جمَالهَا إِلَى الرَّعْي قَالَ وَلم أقل لَهُم إِنِّي أعرف شَيْئا من الْعلم فاتفق أَن مقدم الْعَرَب أَرَادَ أَن يتَزَوَّج فَقَالُوا نخرج إِلَى بعض الْبِلَاد ليعقد هَذَا العقد بعض الْفُقَهَاء فَقَالَ أحد الأسراء هَذَا الرجل الَّذِي يخرج مَعَ جمالكم إِلَى الصَّحرَاء فَقِيه خُرَاسَان فاستدعوني وسألوني عَن أَشْيَاء فأجبتهم وكلمتهم بِالْعَرَبِيَّةِ فخجلوا وَاعْتَذَرُوا وعقدت لَهُم العقد فَفَرِحُوا وسألوني أَن أقبل مِنْهُم شَيْئا فامتنعت وسألتهم فحملوني إِلَى مَكَّة فِي وسط السّنة وَبقيت بهَا مجاورا وصحبت فِي تِلْكَ الْمدَّة سَعْدا الزنجاني وَقَالَ الْحُسَيْن بن الْحسن الصُّوفِي رَفِيق أبي المظفر إِلَى الْحَج اكترينا حمارا رَكبه الإِمَام أَبُو المظفر من مرو إِلَى خرق وَهِي على ثَلَاثَة فراسخ من مرو فنزلنا بهَا وَقلت مَا مَعنا إِلَّا إبريق خزف فَلَو اشترينا آخر فَأخْرج من جيبه خَمْسَة دَرَاهِم وَقَالَ يَا حُسَيْن لَيْسَ معي إِلَّا هَذِه خُذ واشتر مَا شِئْت وَلَا تطلب مني بعد هَذَا شَيْئا قَالَ فخرجنا على التَّجْرِيد وَفتح الله لنا ثمَّ لما قضى أَبُو المظفر حجه وَأتم نُسكه عَاد إِلَى خُرَاسَان وَدخل مرو فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فَلَمَّا ألْقى عَصا السّفر بهَا وَاسْتقر قلد الشَّافِعِي وَرجع عَن مَذْهَب أبي حنيفَة رحمهمَا الله وَترك طَرِيقَته الَّتِي نَاظر عَلَيْهَا أَكثر من ثَلَاثِينَ سنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 ذكر ابْتِدَاء ذَلِك وَمَا كَانَ من مُقَدمَات هَذِه النتيجة الَّتِي تمت هُنَالك قَالَ أَبُو المظفر فِيمَا يحكيه عَن نَفسه لما اختلج فِي ذهني تَقْلِيد الشَّافِعِي وَزَاد التَّرَدُّد عِنْدِي رَأَيْت رب الْعِزَّة جلّ جَلَاله فِي الْمَنَام فَقَالَ عد إِلَيْنَا يَا أَبَا المظفر فانتبهت وَعلمت أَنه يُرِيد مَذْهَب الشَّافِعِي فَرَجَعت إِلَيْهِ وَعَن أبي المظفر كنت فِي الطّواف بِمَكَّة فوصلت إِلَى الْحجر والملتزم وَالْمقَام وزمزم وَإِذا أَنا بِرَجُل قد أَخذ بِطرف رِدَائي من ورائي فَالْتَفت فَإِذا أَنا بالشيخ الإِمَام سعد الزنجاني فتبسمت إِلَيْهِ فَقَالَ أما ترى أَيْن أَنْت قلت لَا قَالَ أعز مَكَان وأشرفه هَذَا الْمقَام مقَام الْأَنْبِيَاء والأولياء ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ كَمَا وصلته إِلَى أعز مَكَان فأعطه أشرف عز فِي كل مَكَان وَحين وزمان ثمَّ ضحك إِلَيّ وَقَالَ لَا تخالفني فِي سرك وارفع معي يَديك إِلَى رَبك وَلَا تقولن أَلْبَتَّة شَيْئا واجمع لي همتك حَتَّى أَدْعُو لَك وَأمن أَنْت فَبَكَيْت وَرفعت مَعَه يَدي وحرك شَفَتَيْه وَأمنت مَعَه ثمَّ أرسل يَدي وَقَالَ لي سر فِي حفظ الله فقد أُجِيب فِيك صَالح دُعَاء الْأمة فمضيت من عِنْده وَمَا شَيْء أبْغض إِلَيّ من مَذْهَب الْمُخَالفين وَعَن الْحسن بن أَحْمد الْمروزِي قَالَ خرجت مَعَ الشَّيْخ أبي المظفر إِلَى الْحَج فَكلما دَخَلنَا بَلْدَة نزل على الصُّوفِيَّة وَطلب الحَدِيث من المشيخة وَلم يزل يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ بَين لي الْحق من الْبَاطِل فَلَمَّا دَخَلنَا مَكَّة نزل على أَحْمد ابْن عَليّ بن أَسد الكوجي وَدخل فِي صُحْبَة سعد الزنجاني وَلم يزل مَعَه حَتَّى صَار ببركته من أَصْحَاب الحَدِيث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 وَعَن أبي نصر الأبيوردي كنت قد قُمْت لَيْلَة على وردي فركعت مَا كتب الله لي فغلبني النّوم فَرَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي على سطح عَال بِمَدِينَة مرو وَإِذا أَبْوَاب السَّمَاء قد فتحت وَرَأَيْت الْمَلَائِكَة قد جَاءُوا بزينة عَظِيمَة وَرَأَيْت نورا قد سَطَعَ من ذَلِك الْبَاب وَخرج حَتَّى صَار كَأَنَّهُ طَرِيق مُسْتَقِيم فوصل إِلَى السَّطْح وَرَأَيْت الْخَلَائق مُتَمَسِّكِينَ بِهِ يصعدون إِلَيْهِ إِلَى السَّمَاء والنور يسطع فَوْقهم فَقلت لرجل كَانَ معي مَا هَذِه العلامات فَقَالَ أما ترى مَا نَحن فِيهِ مُنْذُ اللَّيْلَة هَذَا سطح دَار ابْن السَّمْعَانِيّ الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ وَهَذَا الطَّرِيق الَّذِي أَخذ بِهِ إِلَى الْحق وَهَذَا الْخلق تبعوه يطْلبُونَ مَعَه الْحق فَقلت هَل وصلوا أَو هم بعد فِي السّير فَقَالَ بل وصلوا وَأَعْطَاهُ الله عز وَجل السَّبِيل الْمُسْتَقيم فانتبهت فَزعًا فَأَصْبَحت واكتريت دَابَّة وَجئْت إِلَى مرو فَوَجَدته قد انْتقل إِلَى مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث وَعَن سعد بن أبي الْخَيْر الميهني كنت بميهنة بَين النَّائِم وَالْيَقظَان فَرَأَيْت نورا ساطعا من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَقلت مَا هَذَا فَقَالَ لي قَائِل من المشهد هَذَا نور بَينه الله لِعِبَادِهِ من بَين المراوزة فَرَأَيْت خُرَاسَان بأسرها قد أَصَابَهَا ذَلِك النُّور فَلَمَّا أَصْبَحْنَا حكيت للصوفية وَإِذا بِابْن السَّمْعَانِيّ قد انْتقل من مذْهبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 وَعَن أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد الإِمَام النسوي رَأَيْت لَيْلَة فِي الْمَنَام كَأَنِّي أَمْشِي فِي الصَّحرَاء فانتهيت إِلَى مَوضِع يتشعب مِنْهُ طرق مُخْتَلفَة فَإِذا أَنا بِالْإِمَامِ أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَهُوَ وَاقِف على رَأس الطّرق كالمتحير يلْتَفت يمنة ويسرة فَسمِعت صائحا يَصِيح يَا أَبَا المظفر أقبل إِلَيّ فَإِن الجادة هَذِه فَمضى الإِمَام أَبُو المظفر على يَمِينه نَحْو الصَّوْت وتبعته وَهُوَ يترنم بِبَيْت من الشّعْر (الطّرق شَتَّى طَرِيق الْحق مُنْفَرد ... والسالكون سَبِيل الْحق أَفْرَاد) فانتهيت إِلَى مَوضِع نزه فَإِذا نَحن بشاب حسن الْوَجْه طيب الرَّائِحَة وَاقِف على بُسْتَان فِيهِ أَشجَار وأنهار مَا رَأَيْت أحسن مِنْهُ وَإِذا حوالي الْبُسْتَان قُصُور فِي نِهَايَة الْحسن فَدخل الإِمَام أَبُو المظفر الْبُسْتَان واستقبله جوَار وغلمان وأظهروا السرُور بقدومه فَسَأَلت بعض من يليني من هَذَا الْوَاقِف على الْبَاب فَقَالَ رضوَان خَازِن الْجنَّة وَهَذِه الْقُصُور والبساتين لأبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ فانتبهت فَبعد ذَلِك بأيام بلغنَا انْتِقَاله إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَلما اسْتَقر انْتِقَاله إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وانفصاله عَن الرَّأْي النعماني قَامَت الْحَرْب على سَاق واضطربت بَين الْفَرِيقَيْنِ نيران فتْنَة كَادَت تملأ مَا بَين خُرَاسَان وَالْعراق واضطرب أهل مرو لذَلِك اضطرابا وَفتح المخالفون للمشاقة أبوابا وَتعلق أهل الرَّأْي بِأَهْل الحَدِيث وَسَارُوا إِلَى بَاب السُّلْطَان السّير الحثيث وَلم يرجِعوا إِلَى ذَوي الرَّأْي وَالنَّهْي وَلَا وقفُوا عِنْد مقَالَة من أَمر وَنهى وَعدلُوا وَمَا عدلوا وحملوا حَملَة رجل وَاحِد وَعَن الصَّوَاب عدلوا وراموا إخفاء ضوء الْبَدْر وَقد برزت ضمائره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 وقصدوا كتم الصَّباح وكركيه مجاب على مُدَّة محلق يمْلَأ الدُّنْيَا بشائره وَالشَّيْخ أَبُو المظفر ثَابت على رُجُوعه غير ملتفت إِلَى مَحْمُول الْكَلم وموضوعه مُسْتَقر على الِانْتِقَال مُسْتَمر على الارتحال هجره لذَلِك أَخُوهُ أَبُو الْقَاسِم فزجره وَلم يلو على لوم اللائم وَكتب إِلَيْهِ كَيفَ خَالَفت مَذْهَب الْوَالِد فِي كَلِمَات كَانَ غير نَاظر إناها وَلَا قَائِل فِي جوابها إِلَّا (وَكنت امْرأ لَا أسمع الدَّهْر سبة ... أمس بهَا وَإِلَّا كشفت غطاها) وتعاتبا وَلم يزدْ أَحدهمَا أَخَاهُ إِلَّا امتناعا وَكَانَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر (بليت بِصَاحِب إِن أدن شبْرًا ... يزدني فِي مباعدة ذِرَاعا) (كِلَانَا جَاهد أدنو وينأى ... فَذَلِك مَا اسْتَطَعْت وَمَا استطاعا) ثمَّ قبل أَبُو الْقَاسِم عذر أبي المظفر وَوجه إِلَيْهِ ابْنه أَبَا الْعَلَاء عالي بن عَليّ بن مُحَمَّد للتفقه عَلَيْهِ وَصَارَت السمعانية شافعية بعد أَن كَانُوا حنفيه فالحنفيه من السمعانية الإِمَام أَبُو مَنْصُور وَولده أَبُو الْقَاسِم عَليّ وَولده أَبُو الْعَلَاء عالي وَالشَّافِعِيَّة الإِمَام أَبُو المظفر وَأَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده وكل سمعاني جَاءَ بعده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 وَمن ثَنَاء الْأَئِمَّة على الشَّيْخ أبي المظفر قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَو كَانَ الْفِقْه ثوبا طاويا لَكَانَ أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ طرازه وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ شَافِعِيّ وقته وَقَالَ عَليّ بن أبي الْقَاسِم الصفار إِذا ناظرت أَبَا المظفر فَكَأَنِّي أناظر رجلا من التَّابِعين وَقَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي أَبُو المظفر وحيد عصره فِي وقته فضلا وَطَرِيقَة وزهدا وورعا وَقَالَ ابْن ابْنه الْحَافِظ أَبُو سعد ابْن الإِمَام أبي بكر بن أبي المظفر السَّمْعَانِيّ هُوَ إِمَام عصره بِلَا مدافعة وعديم النّظر فِي وقته وَلَا أقدر على أَن أصف بعض مناقبه وَمن طالع تصانيفه وأنصف عرف مَحَله من الْعلم صنف التَّفْسِير الْحسن الْمليح الَّذِي استحسنه كل من طالعه وأملى الْمجَالِس فِي الحَدِيث وَتكلم على كل حَدِيث بِكَلَام مُفِيد وصنف التصانيف فِي الحَدِيث مثل منهاج أهل السّنة والانتصار وَالرَّدّ على الْقَدَرِيَّة وَغَيرهَا وصنف فِي أصُول الْفِقْه القواطع وَهُوَ يُغني عَن كل مَا صنف فِي ذَلِك الْفَنّ وَفِي الْخلاف الْبُرْهَان وَهُوَ مُشْتَمل على قريب من ألف مَسْأَلَة خلافية والأوساط والمختصر الَّذِي سَار فِي الأقطار الْمُسَمّى بالاصطلام رد فِيهِ على أبي يَد الدبوسي وَأجَاب عَن الْأَسْرَار الَّتِي جمعهَا انْتهى ذكره فِي الْأَنْسَاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 قلت وَلَا أعرف فِي أصُول الْفِقْه أحسن من كتاب القواطع وَلَا اجْمَعْ كَمَا لَا أعرف فِيهِ أجل وَلَا أفحل من برهَان إِمَام الْحَرَمَيْنِ فبينهما فِي الْحسن عُمُوم وخصوص الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 وَكَانَ رُجُوع أبي المظفر عَن مَذْهَب أبي حنيفَة فِي دَار ولي الْبَلَد ملكانك بِحُضُور أَئِمَّة الْفَرِيقَيْنِ فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة واضطرب أهل مرو وَأدّى الْأَمر إِلَى تشويش الْعَوام وَالْخُصُومَة بَين أهل المذهبين وأغلق بَاب الْجَامِع الأقدم وَترك الشَّافِعِيَّة الْجُمُعَة إِلَى أَن وَردت الْكتب من جِهَة ملكانك من بَلخ فِي شَأْنه وَالتَّشْدِيد عَلَيْهِ فَخرج عَن مرو لَيْلَة الْجُمُعَة أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وصحبة الشَّيْخ الْأَجَل ذُو المجدين أَبُو الْقَاسِم الموسوي وَطَائِفَة من الْأَصْحَاب وَسَار إِلَى طوس ثمَّ قصد نيسابور واستقبلوه اسْتِقْبَالًا عَظِيما حسنا وَكَانَ فِي نوبَة نظام الْملك وعميد الحضرة أبي سعيد مُحَمَّد بن مَنْصُور فأكرموا مورده وأنزلوه فِي عز وحشمة وَعقد لَهُ مجْلِس التَّذْكِير وَكَانَ بحرا فِيهِ حَافِظًا لكثير من الحكايات والنكت والأشعار فَظهر لَهُ الْقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام واستحكم أمره فِي مَذْهَب الشَّافِعِي ثمَّ عَاد إِلَى مرو وَعقد لَهُ مجْلِس التدريس فِي مدرسة أَصْحَاب الشَّافِعِي والتذكير وَعلا شَأْنه وَقدمه نظام الْملك على أقرانه وَكَانَ خليقا بذلك من أَئِمَّة الْمُسلمين وأعلام الدّين يَقُول مَا حفظت شَيْئا فَنسيته وَجَمِيع تصانيفه على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يُوجد لَهُ شَيْء على مَذْهَب أبي حنيفَة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 توفّي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرى ربيع الأول سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بمرو وَمن الْمسَائِل والفوائد عَن أبي المظفر ومستحسن كَلَامه ونفتتح بدعائه فِي خطْبَة كِتَابه الاصطلام قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل صَدْرِي خزانَة توحيدك ولساني مِفْتَاح تمجيدك وجوارحي خدم طَاعَتك فَإِنَّهُ لَا عز إِلَّا فِي الذل لَك وَلَا غنى إِلَّا فِي الْفقر إِلَيْك وَلَا أَمن إِلَّا فِي الْخَوْف مِنْك وَلَا قَرَار إِلَّا فِي القلق نَحْوك وَلَا روح إِلَّا فِي النّظر إِلَى وَجهك وَلَا رَاحَة إِلَّا فِي الرِّضَا بقسمك وَلَا عَيْش إِلَّا فِي جوَار المقربين عنْدك وَقَالَ فِي بَاب الرِّبَا فِي مَسْأَلَة أَن الْعلَّة الطّعْم الْفِقْه صَعب مرامه شَدِيد مراسه لَا يعْطى مقاده لكل أحد وَلَا ينساق لكل طَالب وَلَا يلين فِي كل حَدِيد بل لَا يلين إِلَّا لمن أيد بِنور الله فِي بَصَره وبصيرته ولطف مِنْهُ فِي عقيدته وسريرته وَعِنْدِي أَن الْفِقْه أولى بِهَذَا النّظر من النَّحْو حَيْثُ قَالَ قَائِلهمْ (النَّحْو صَعب وطويل سلمه ... إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لَا يُعلمهُ) (زل إِلَى الحضيض مِنْهُ قدمه ... يُرِيد أَن يعربه فيعجمه) وَرجح القَوْل بِأَن الصَّفْقَة متحدة وَإِن تعدد المُشْتَرِي ثمَّ أبعد فَقَالَ بالاتحاد وَإِن جَوَّزنَا إِفْرَاد أَحدهمَا حِصَّته بِالرَّدِّ وَالْمَعْرُوف أَن هَذَا القَوْل مَأْخُوذ من القَوْل بِمَنْع الْإِفْرَاد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الرسَالَة القوامية وَكَانَ صنفها لنظام الْملك فِي تَقْدِيم أَدِلَّة الْإِمَامَة قَالَ أهل السّنة أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أفضل الصَّحَابَة فِي جَمِيع الْأَشْيَاء قَالَ وَجُمْلَة من وسم بالنفاق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَيف وَثَمَانُونَ رجلا 547 - مَنْصُور بن القَاضِي أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ الْهَرَوِيّ أَبُو أَحْمد قَاضِي هراة كَانَ فَقِيها شَاعِرًا مجيدا لَا يعتري شعره عجمة مَعَ كَونه من أَهلهَا تفقه على الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني بِبَغْدَاد وامتدح أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَادِر بِاللَّه وَكَانَ يخْتم الْقُرْآن فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَسمع الْعَبَّاس بن الْفضل النضروي وَأَبا الْفضل بن خميرويه توفّي سنة أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمن شعره (خشف من التّرْك مثل الْبَدْر طلعته ... يجوز ضدين من ليل وإصباح) (كَأَن عَيْنَيْهِ والتفتير غنجهما ... آثَار ظفر بدا فِي صحن تفاح) وَمِنْه أَيْضا (طلع البنفسج زَائِرًا أَهلا بِهِ ... من وَافد سر الْقُلُوب وزائر) (فَكَأَنَّمَا النقاش قطع لي بِهِ ... من أَزْرَق الديباج صُورَة طَائِر) الحديث: 547 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 وَله أَيْضا (شمائل مشرقة عذبة ... تعادل رقتها والصفا) وَمِنْه (فهن العتاب وَهن الدُّمُوع ... وَهن المدام وَهن الْهوى) وَمِنْه (أدر المدامة يَا غُلَام فإننا ... فِي مجْلِس بيد الرّبيع منجد) (والورد أصفره يلوح كَأَنَّهُ ... أقداح تبر كفتت بزبرجد) وَمِمَّا وَقع لنا إِسْنَاده مِنْهُ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الْوَاسِع بن عبد الْكَافِي الْأَبْهَرِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 548 - مهْدي بن عَليّ الإسفرايني القَاضِي أَبُو عبد الله رَأَيْت لَهُ مُخْتَصرا لطيفا فِي الْفِقْه سَمَّاهُ الِاسْتِغْنَاء ذكر فِيهِ واضحات الْمسَائِل وَحدث فِي أَوله عَن أبي الْقَاسِم عبد الْملك بن بَشرَان بِحَدِيث إِن الْمَلَائِكَة لتَضَع أَجْنِحَتهَا لطَالب الْعلم رضَا بِمَا يصنع ذكر أَنه سَمعه مِنْهُ بِبَغْدَاد سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَحدث فِيهِ أَيْضا عَن الْمَاوَرْدِيّ والخطيب الْبَغْدَادِيّ بِشعر ذكره فِي خطْبَة كِتَابه فَذكر أَن الْمَاوَرْدِيّ أنْشدهُ لبَعض أهل الْبَصْرَة (وَفِي الْجَهْل قبل الْمَوْت موت لأَهله ... فأجسادهم قبل الْقُبُور قُبُور) (وَإِن امْرأ لم يحي بِالْعلمِ ميت ... فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النشور نشور) وَأَن أَبَا بكر الْخَطِيب أنْشدهُ لبَعْضهِم (بِفقه تستطيل على الرِّجَال ... وتزهو فِي المحافل بالكمال) (إِذا وَقع الْقيَاس بِكُل علم ... فحال الْفِقْه يَعْلُو كل حَال) (وَمن طلب التفقه وانتحاه ... أناف بِرَأْسِهِ تَاج الْجمال) الحديث: 548 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 (فَخذ بالشافعي وَقل بقول ... سديد عَنهُ مُخْتَلف الْمقَال) (ففضل الشَّافِعِي على سواهُ ... كفضل الشَّمْس قيست بالهلال) 549 - مَيْمُون بن سهل بن عَليّ الوَاسِطِيّ أَبُو نجيب من تلامذة أبي الْقَاسِم الداركي كَذَا قَالَ الْعَبَّادِيّ فِي الطَّبَقَات قَالَ ابْن الصّلاح لَهُ ذكر فِي غير مَوضِع من يتيمة الدَّهْر وَفِي مشيخة ابْن بشرى قلت روى عَن أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد وَأبي الْقَاسِم بكر بن أَحْمد روى عَنهُ ابْنه نجيب وَأَبُو عَليّ جهابدار مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة 550 - نَاصِر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس أَبُو نصر الطوسي الحديث: 549 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 551 - نَاصِر بن إِسْمَاعِيل 552 - نَاصِر بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْقَاسِم بن عمر بن يحيى بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن سَالم بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب كَذَا سَاق نسبه عبد الغافر هُوَ الشريف الْعمريّ أَبُو الْفَتْح الْقرشِي الْمروزِي أحد أَئِمَّة الدّين تفقه على الْقفال وَأبي الطّيب الصعلوكي وَأبي طَاهِر الزيَادي وروى عَن أبي الْعَبَّاس السَّرخسِيّ وَأبي مُحَمَّد المخلدي وَأبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن أبي شُرَيْح الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم الحديث: 551 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 روى عَنهُ مَسْعُود بن نَاصِر السجْزِي وَأَبُو صَالح الْمُؤَذّن وَعبد الغافر الْفَارِسِي وَطَائِفَة وَكَانَ إِمَامًا ورعا زاهدا فَقِيرا قانعا باليسير مشارا إِلَيْهِ فِي الْعلم عَلَيْهِ مدَار الْفَتْوَى والمناظرة مُحدثا جلس للتحديث والإملاء فأملى الْكثير مُعظما درس فِي حَيَاة أشياخه أبي طَاهِر بن محمش وَأبي الطّيب الصعلوكي وَغَيرهمَا وتفقه بِهِ خلق مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ وصنف مصنفات كَثِيرَة وَكتب بِخَطِّهِ الْكثير عِنْدِي بِخَطِّهِ النّصْف الأول من جمع الْجَوَامِع لِابْنِ العفريس توفّي بنيسابور فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 553 - نصر بن إِبْرَاهِيم بن نصر بن إِبْرَاهِيم بن دَاوُد الْمَقْدِسِي الْفَقِيه أَبُو الْفَتْح الْمَعْرُوف قَدِيما بِابْن أبي حَافظ وَالْمَشْهُور الْآن بالشيخ أبي نصر الزَّاهِد الْجَامِع بَين الْعلم وَالدّين مُصَنف كتاب الانتخاب الدِّمَشْقِي وَهُوَ فِيمَا بَلغنِي كَبِير فِي بضعَة عشر مجلدا وَكتاب الْحجَّة على تَارِك المحجة وَكتاب الحديث: 553 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 التَّهْذِيب وَكتاب الْمَقْصُود وَكتاب الْكَافِي وَكتاب شرح الْإِشَارَة الَّتِي صنفها سليم الرَّازِيّ وَغير ذَلِك تفقه على الْفَقِيه سليم بصور ثمَّ دخل إِلَى ديار بكر وتفقه على مُحَمَّد بن بَيَان الكازروني ودرس الْعلم بِبَيْت الْمُقَدّس مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى صور وَأقَام بهَا عشر سِنِين ينشر الْعلم مَعَ كَثْرَة الْمُخَالفين لَهُ من الرافضة ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى دمشق فَأَقَامَ بهَا تسع سِنِين يحدث ويفتي ويدرس وَهُوَ على طَريقَة وَاحِدَة من الزّهْد والتقشف وسلوك منهاج السّلف متقشفا متجنبا وُلَاة الْأُمُور وَمَا يَأْتِي من الرزق على أَيْديهم قانعا باليسير من غلَّة أَرض كَانَت لَهُ بنابلس يَأْتِيهِ مِنْهَا مَا يقتاته وَلَا يقبل من أحد شَيْئا وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وَحدث كثيرا سمع بِدِمَشْق من عبد الرَّحْمَن بن الطبيز وَعلي بن السمسار وَمُحَمّد بن عَوْف الْمزي وَابْن سلوان وَأبي عَليّ الْأَهْوَازِي وبغزة من مُحَمَّد بن جَعْفَر الميماسي وبآمد من هبة الله بن سلمَان وبصور من الْفَقِيه سليم وَسمع أَيْضا من خلق كثيرين وأملى مجَالِس وَوَقع لنا بَعْضهَا روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَهُوَ من شُيُوخه وَأَبُو الْقَاسِم النسيب وَأَبُو الْفضل يحيى بن عَليّ وجمال الْإِسْلَام أَبُو الْحسن السّلمِيّ وَأَبُو الْفَتْح نصر الله المصِّيصِي وهما من أخص تلامذته وأخصهما بِهِ نصر الله وَأَبُو يعلى حَمْزَة بن الحبوبي وَخلق قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر سَمِعت من يَحْكِي أَن تَاج الدولة تتش بن ألب أرسلان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 زَارَهُ يَوْمًا فَلم يقم لَهُ وَسَأَلَهُ عَن أحل الْأَمْوَال الَّتِي يتَصَرَّف فِيهَا السُّلْطَان فَقَالَ الْفَقِيه نصر أحلهَا أَمْوَال الْجِزْيَة فَخرج من عِنْده وَأرْسل إِلَيْهِ بمبلغ من المَال وَقَالَ هَذَا من مَال الْجِزْيَة ففرقه على الْأَصْحَاب فَلم يقبله وَقَالَ لَا حَاجَة بِنَا إِلَيْهِ فَلَمَّا ذهب الرَّسُول لامه الْفَقِيه أَبُو الْفَتْح نصر الله بن مُحَمَّد وَقَالَ لَهُ قد علمت حاجتنا إِلَيْهِ فَلَو كنت قبلته وفرقته فِينَا فَقَالَ لَا تجزع من فَوته فَسَوف يَأْتِيك من الدُّنْيَا مَا يَكْفِيك فِيمَا بعد فَكَانَ كَمَا تفرس فِيهِ قَالَ وَسمعت بعض من صَحبه يَقُول لَو كَانَ الْفَقِيه أَبُو الْفَتْح فِي السّلف لم تقصر دَرَجَته عَن وَاحِد مِنْهُم لكِنهمْ فاتوه بِالسَّبقِ وَكَانَت أوقاته كلهَا مستغرقة فِي عمل الْخَيْر من علم وَعمل وَحكي عَن بعض أهل الْعلم أَنه قَالَ صَحِبت إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ بخراسان ثمَّ قدمت الْعرَاق فصحبت أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فَكَانَت طَرِيقَته أفضل من طَريقَة أبي الْمَعَالِي ثمَّ قدمت الشَّام فَرَأَيْت الْفَقِيه أَبَا الْفَتْح فَكَانَت طَرِيقَته أحسن من طريقتهما جَمِيعًا توفّي الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح نصر يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع الْمحرم سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة بِدِمَشْق وَخَرجُوا بجنازته وَقت الظّهْر فَلم يُمكنهُم دَفنه إِلَّا قريب الْغُرُوب لِكَثْرَة النَّاس وقبره مَعْرُوف فِي بَاب الصَّغِير تَحت قبر مُعَاوِيَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ النَّوَوِيّ سمعنَا الشُّيُوخ يَقُولُونَ الدُّعَاء عِنْد قَبره يَوْم السبت مستجاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 554 - نصر بن بشر بن عَليّ الْعِرَاقِيّ أَبُو الْقَاسِم نزيل الْبَصْرَة ولي الْقَضَاء بِبَعْض نَوَاحِيهَا سمع أَبَا الْقَاسِم بن بَشرَان وَأَبا عَليّ بن شَاذان وَجَمَاعَة روى عَنهُ هبة الله بن السَّقطِي والْحميدِي وشجاع الذهلي وَآخَرُونَ تفقه على القَاضِي أبي الطّيب قَالَ أَبُو الْفضل بن نَاصِر مَاتَ بِالْبَصْرَةِ فِي ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 555 - نصر بن نَاصِر بن الْحُسَيْن الْعمريّ أَبُو المظفر بن الإِمَام الشريف الْمُتَقَدّم ذكره تفقه على أَبِيه قَالَ عبد الغافر مولده سنة سبع عشرَة قَالَ وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 556 - هبة الله بن القَاضِي أبي عمر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البسطامي الحديث: 554 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 557 - هياج بن عبيد بن الْحُسَيْن الحديث: 557 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 558 - الْهَيْثَم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مسلمة أَبُو الْفرج الْقرشِي الحديث: 558 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 559 - يحيى بن عَليّ بن الطّيب الْعجلِيّ أَبُو طَالب الدسكري الصُّوفِي الْمُقِيم بحلوان شيخ الْبَلَد وخادم الْفُقَرَاء بهَا 560 - يحيى بن عَليّ بن مُحَمَّد الحمدوني الْكشميهني الحديث: 559 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 561 - يَعْقُوب بن سُلَيْمَان بن دَاوُد أَبُو يُوسُف الإسفرايني خَازِن كتب الْمدرسَة النظامية بِبَغْدَاد 562 - يُوسُف بن أَحْمد بن كج القَاضِي الإِمَام أحد أَرْكَان الْمَذْهَب أَبُو الْقَاسِم الدينَوَرِي صَاحب أبي الْحُسَيْن بن الْقطَّان وَحضر مجْلِس الداركي وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي حفظ الْمَذْهَب وارتحل النَّاس إِلَيْهِ من الْآفَاق وأطنبوا فِي وَصفه بِحَيْثُ يفضله بَعضهم على الشَّيْخ أبي حَامِد وَقَالَ لَهُ فَقِيه يَا أستاذ الِاسْم لأبي حَامِد وَالْعلم لَك قَالَ ذَاك رفعته بَغْدَاد وحطتني الدينور الحديث: 561 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 وَذكره الْعَبَّادِيّ قبل الشَّيْخ أبي حَامِد وجعلهم ثَلَاثَة أَقْرَان ابْن كج وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد والكشفلي وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ ذكر الرَّافِعِيّ فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي التسامع من كتاب الشَّهَادَات أَن ابْن كج ذكر أَنه تجوز الشَّهَادَة بالاستفاضة قَالَ الرَّافِعِيّ وَقد يُنَازع لِإِمْكَان مُشَاهدَة الْيَد قلت بل جزم قبل ذَلِك بِنَحْوِ أَربع وَرَقَات بمنازعته فَقَالَ فِي أَوَائِل الْبَاب الثَّالِث فِي مُسْتَند علم الشَّاهِد وَالثَّانِي مَا يَكْفِي فِيهِ الإبصار وَهُوَ الْأَفْعَال كَالزِّنَا وَالشرب والإتلاف والولادة وَالرّضَاع والاصطياد والإحياء وَكَون المَال فِي يَد شخص فَيشْتَرط فِيهَا الرُّؤْيَة المتعلقه بهَا وبفاعلها وَلَا يجوز منا الشَّهَادَة فِيهَا على السماع من الْغَيْر انْتهى وَهُوَ صَرِيح فِيمَا قَالَه ابْن كج لَكِن الَّذِي قَالَه ابْن كج هُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ نَقله أَبُو الْحسن الْجُورِي فِي كتاب المرشد وَذكر أَنه مُتَّفق عَلَيْهِ وَإِن اخْتلف فِي ثُبُوت الْملك بالاستفاضة وَتلك فَائِدَة جليلة وَهَذِه صُورَة النَّص قَالَ الشَّافِعِي قَالَ الله عز وَجل {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَقَالَ عز من قَائِل {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ} وَالْعلم الَّذِي تثبت بِهِ الشَّهَادَة من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الرُّؤْيَة الْمُجَرَّدَة وَهُوَ بِأَن شهد بِأَنَّهُ سرق أَو زنى أَو فعل وَالثَّانِي السّمع الْمُجَرّد والثبوت فِي الْقلب وَهُوَ تظاهر الْأَخْبَار أَن زيد بن عبد الله وَسَائِر الْأَنْسَاب وَأَن هَذِه الدَّار فِي يَده فَيجوز لَهُ الشَّهَادَة بذلك وَإِن لم يحضر الْولادَة وَلَا الْيَد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 وَالثَّالِث مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى السّمع وَالْبَصَر جَمِيعًا وسَاق النَّص بِطُولِهِ ثمَّ قَالَ الْجُورِي أما الشَّهَادَة على النّسَب وَالدّين بِظَاهِر الْأَخْبَار فمتفق عَلَيْهِ وَإِذا تظاهرت الْأَخْبَار بِالْيَدِ فَلَا تسمع الشَّهَادَة بِالْملكِ من أصل الْيَد فَإِن الْيَد قد تكون عَن يَد وَدِيعَة وَيَد عَارِية وَيَد غصب فَلَا تسمع الشَّهَادَة إِلَّا على الْيَد كَمَا سمعُوا فَإِن تظاهرت الْأَخْبَار عِنْده على الْملك وَسعه الشَّهَادَة عِنْده على الْملك أَيْضا انْتهى 563 - يُوسُف بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن التفكري الزنجاني الحديث: 563 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 يُوسُف بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الزنجاني الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم 564 - يُوسُف بن مُحَمَّد الشيج أَبُو يَعْقُوب الأبيوردي أحد الْأَئِمَّة من تلامذة الشَّيْخ أبي طَاهِر الزيَادي وَمن أَقْرَان الْقفال فكثيرا مَا وَقع ذكره فِي فتاوي الْقفال وَمن مَشَايِخ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَمن صُدُور أهل خُرَاسَان علما وتوقد ذكاء قَالَ أَبُو المظفر الأبيوردي فِي كِتَابه على أبيورد كَانَ من مشاهير الْعلمَاء لحق بالأئمة الْأَعْلَام وجاذب الفحول أهداب الْكَلَام ودرس وَأفْتى وصنف وَله كتاب الْمسَائِل فِي الْفِقْه تفزع إِلَيْهِ الْفُقَهَاء وتتنافس فِيهِ الْعلمَاء الحديث: 564 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 وَقَالَ المطوعي مَا زَالَت بِهِ حرارة ذهنه وسلاطة وهمه وذكاء قلبه حَتَّى احْتَرَقَ جِسْمه واهتصر غصنه قلت أَحْسبهُ توفّي فِي حُدُود الأربعمائة إِن لم يكن بعْدهَا فقبلها بِقَلِيل وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْخلْع إِذا قَالَ الزَّوْج خالعتك بِأَلف دِرْهَم فَقَالَت قبلت الْألف فَفِي فتاوي الْقفال أَنه يَصح وَيلْزم المَال وَإِن لم تقل اخْتلعت وَكَذَا لَو قَالَ لأَجْنَبِيّ خالعت زَوْجَتي على كَذَا فَقبل مِنْهُ وَإِن أَبَا يَعْقُوب غلط فَقَالَ فِي حق الْمَرْأَة لَا بُد أَن تَقول اخْتلعت وَالْأَجْنَبِيّ لَا يحْتَاج إِلَيْهِ انْتهى وَأَبُو يَعْقُوب هُوَ الأبيوردي وَقَول الرَّافِعِيّ فِي الْحِكَايَة عَنهُ لابد أَن تَقول اخْتلعت يفهم أَنه يُوجب ذكر هَذِه اللَّفْظَة وَلَا يَكْتَفِي بقبلت بل لابد من توَافق اللَّفْظَيْنِ غير أَن قَوْله فِي صدر الْمَسْأَلَة قبلت الْألف مَعَ تَفْرِقَة أبي يَعْقُوب بَين الْمَرْأَة وَالْأَجْنَبِيّ مِمَّا يفهم أَن مُرَاده لَيْسَ توَافق اللَّفْظَيْنِ فَإِنَّهُ لَو أَرَادَ توَافق اللَّفْظَيْنِ لم يحْتَج إِلَى إِعَادَة ذكر الْألف فِي قَوْلهَا قبلت الْألف وَلَا كَانَ يفرق بَين الْأَمريْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 أَبُو بكر الصيدلاني إِمَام جليل الْقدر عَظِيم الشَّأْن من أَئِمَّة أَصْحَاب الْوُجُوه الخراسانيين وَمن عُظَمَاء تلامذة الْقفال الْمروزِي واسْمه مُحَمَّد بن دَاوُد لِأَن أَبَا سعد بن السَّمْعَانِيّ ذكر فِي كتاب الْأَنْسَاب فِي بَاب الدَّال فِي تَرْجَمَة الدَّاودِيّ مَا نَصه وَأَبُو المظفر سُلَيْمَان بن دَاوُد بن مُحَمَّد ابْن دَاوُد الصيدلاني الْمَعْرُوف بالداودي نِسْبَة إل جده الْأَعْلَى وَهُوَ نَافِلَة الإِمَام أبي بكر الصيدلاني صَاحب أبي بكر الْقفال انْتهى وَهَذَا صَرِيح فِي أَنه يتَأَخَّر عَن الْقفال وَكَذَلِكَ قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْبَسِيط فِي تصرف الْحَاكِم فِي مَال الأجنة إِن الصيدلاني حكى عَن الْقفال أَنه كَانَ يقف جَمِيع التَّرِكَة إِلَى انْفِصَال الْجَنِين وَوَقع فِي كَلَام ابْن الرّفْعَة أَن ابْن دَاوُد مُتَقَدم على الْقفال 565 - أَبُو الْحسن الْعَبَّادِيّ صَاحب الرقم الحديث: 565 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 566 - أَبُو سعد بن أَحْمد بن أبي يُوسُف الْهَرَوِيّ تلميذ القَاضِي أبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ وقاضي همذان وَله شرح أدب الْقَضَاء للعبادي وَهُوَ الْمُسَمّى بالإشراف على غوامض الحكومات كَانَ أحد الْأَئِمَّة وَهُوَ فِي حُدُود الْخَمْسمِائَةِ إِمَّا قبلهَا بِيَسِير وَهُوَ الْأَقْرَب وَلذَلِك ذَكرْنَاهُ فِي الطَّبَقَة الرَّابِعَة وَإِمَّا بعْدهَا بِيَسِير وَهُوَ الَّذِي تحمل مَعَ أبي سعد الْمُتَوَلِي صَاحب التَّتِمَّة شَهَادَة على كتاب حكمي من قَاضِي هراة إِلَى مجْلِس القَاضِي الْحُسَيْن وَكَانَت الشَّهَادَة على الْخَتْم والعنوان إِلَى كل من يصل إِلَيْهِ من قُضَاة الْمُسلمين فَرد القَاضِي الْكتاب وَقَالَ الشَّهَادَة على الْخَتْم دون مَضْمُون الْكتاب غير مَقْبُولَة عِنْد الشَّافِعِي والعنوان دون تعْيين الْمَكْتُوب إِلَيْهِ غير جَائِز عِنْد أبي حنيفَة فَلَا أقبل كتابا اجْتمع الإمامان على رده كَمَا أَن من احْتجم وَمَسّ ذكره وَصلى لَا تصح صلَاته على المذهبين وَبَين القَاضِي أبي سعد وَأبي الْحسن بن أبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ صَاحب الرقم مناظرات الحديث: 566 ¦ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 وَمن فَوَائِد كتاب الإشراف ذكر أَن القَاضِي إِذا رأى الْحَبْس تعزيرا لم يبلغ بالمحبوس سنة ورأيته مَنْصُوصا للشَّافِعِيّ فِي الْأُم وَمن غرائب أبي سعد دَعْوَاهُ أَن الْقيَاس الَّذِي لَا يجوز غَيره أَن الْإِقْرَار الْمُطلق للبالغ لَا يحكم بِهِ للْمقر وَلَا بُد من بَيَان السَّبَب قَالَ غير أَن النَّاس ألفوا تَصْحِيحه مُطلقًا من غير بَيَان السَّبَب وَهُوَ خلاف قِيَاس الْمَذْهَب نَقله عَنهُ الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج ورده عَلَيْهِ وَقَالَ بل قِيَاس الْمَذْهَب خِلَافه وَلَا شَاهد لما ادَّعَاهُ لَا من دَلِيل وَلَا مَذْهَب وَذكر فِي كتاب الإشراف نقلا عَن تَعْلِيق الْبَنْدَنِيجِيّ أَن الشَّافِعِي نَص فِي اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين تَفْرِيعا على القَوْل بِأَن الشُّفْعَة على الْفَوْر وَأَن فِيهَا خِيَار الْمجْلس وَأَنه لَو عُفيَ عَنْهَا كَانَ لَهُ الْخِيَار مَا دَامَ فِي الْمجْلس قَالَ أَبُو سعد وَهَذِه غَرِيبَة وَذكر أَبُو الْعَبَّاس أَن الْعَفو لَا خِيَار فِيهِ لِأَنَّهُ كالإبراء قَالَ أَبُو سعد وَيبعد فِي الْقيَاس إِثْبَات الْخِيَار فِي الْعَفو ثمَّ أَخذ يوجهه بِأَن الْعَفو سَبَب لتقرير ملك المُشْتَرِي فيعقب بِخِيَار الْمجْلس كالشراء الَّذِي كَانَ سَببا لإِيجَاب الْملك فِيهِ وَعَكسه الْإِبْرَاء فَإِنَّهُ إِسْقَاط مَحْض لم يتَضَمَّن تَقْرِير ملك فِي عين فَلم يعقب بِخِيَار الْمجْلس ثمَّ قَالَ أَبُو سعد أشبعت هَذَا الْفَصْل بَيَانا لذهول حذاق الإصحاب عَنهُ قلت وَلَا بَيَان بِمَا ذكره فَإِن الْعَفو وَإِن قرر الْملك فَلَيْسَ هُوَ التَّمَلُّك وَلَعَلَّ الْإِبْرَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 أولى بِخِيَار الْمجْلس مِنْهُ أما إِن قُلْنَا تمْلِيك فَوَاضِح وَأما إِن قُلْنَا إِنَّه إِسْقَاط فلكونه أثر فِي السُّقُوط وَالْعَفو لم يُؤثر فِي الْملك شَيْئا قَالَ أَبُو سعد وَقد حكى أَن أَبَا عَاصِم حكى القَوْل الْقَدِيم أَن الِاسْتِثْنَاء لَا يَصح فِي الظِّهَار لم أسمع هَذَا القَوْل من أحد وَلَعَلَّ سَببه أَن الْمعاصِي عِنْد أهل السّنة وَإِن وَقعت بِمَشِيئَة الله فَلَيْسَ من الْأَدَب إضافتها إِلَى مَشِيئَته كَمَا أَن خلق القردة والخنازير من الله وَلَا يحسن فِي أدب الْعُبُودِيَّة إضافتها إِلَى الله ثمَّ قَالَ وَلَا يتَحَقَّق هَذَا الْوَجْه إِلَّا على قَول الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا وُقُوع الْمعاصِي بِمَشِيئَة العَبْد قَالَ أَبُو سعد فَالْأَصَحّ أَن يُقَال وَقع تَصْحِيف فِي الْكتب وَإِنَّمَا هُوَ لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّهَارَة بَيَانه إِذا تطهر ليُصَلِّي صَلَاة الظّهْر وَلم يتَعَرَّض لغَيْرهَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات فالطهارة صَحِيحَة فِي حق جَمِيع الصَّلَوَات وَإِن نفي غَيرهَا فأوجه الْبطلَان وَالصِّحَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع الصَّلَوَات وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْقَدِيم أَنه لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّهَارَة وَالثَّالِث الِاسْتِثْنَاء صَحِيح فَتَصِح تِلْكَ الصَّلَاة دون غَيرهَا قلت هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو سعد غَرِيب وَالْمَعْرُوف فِي تَوْجِيه هَذَا القَوْل أَن الظِّهَار إِخْبَار لَا إنْشَاء وَهُوَ أَيْضا تَوْجِيه ضَعِيف وَقد أَطَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي فِي كِتَابه الفروق الْكَلَام على قَول من قَالَ الظِّهَار خبر لَا إنْشَاء لقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا} وَسَأَلت أَنا الْوَالِد رَحمَه الله عَن ذَلِك وبحثت فِيهِ فَكتب مَا لخصته أَنا فِي كتاب ترشيح التوشيح فَلْينْظر فِيهِ والرافعي ذكر فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمَشِيئَة من كتاب الطَّلَاق فِي أَوَائِله عَن بَعضهم هَذَا التَّوْجِيه وَسكت عَلَيْهِ لكنه لما تكلم فِي كتاب الظِّهَار على قَول الْغَزالِيّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 فِي الْوَجِيز إِنَّه إِخْبَار قَالَ إِنَّه مَمْنُوع وَالظِّهَار تصرف منشأ كَالطَّلَاقِ كَذَا فِي نُسْخَة وَفِي بعض النّسخ وَالظَّاهِر أَنه تصرف مُبْتَدأ كَالطَّلَاقِ على أَن الْغَزالِيّ غير جازم بِكَوْنِهِ خَبرا بل عِنْده فِيهِ توقف أَلا ترَاهُ قَالَ فِي الْوَسِيط مَوضِع قَوْله فِي الْوَجِيز إِخْبَار إِن فِيهِ مشابهة الْإِخْبَار وَبِالْجُمْلَةِ القَوْل بإنه مَذْكُورَة فِي الْكتاب إِخْبَار لَا ينبو عَنهُ الذِّهْن فِي بَادِي الرَّأْي عِنْد سَمَاعه وَلَوْلَا ذَاك التَّقْرِير النفيس الَّذِي تلقيناه من الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله لَكنا مصممين على إِنْكَار هَذَا القَوْل كَيفَ وَقد قَالَ بِهِ فَحل هَذَا الْمَذْهَب وأسنده أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ عِنْد حكايته إِيَّاه فِي كتاب الطَّلَاق وَلست أرى لذكر مَا لَا أفهمهُ وَجها قَالَ أَبُو سعد لَا تصح دَعْوَى الشُّفْعَة إِلَّا بِأَرْبَع شَرَائِط دَعْوَى البيع وَذكر الشّركَة بِالْملكِ الَّذِي بِهِ يَأْخُذهُ وَذكر الثّمن بِقَدرِهِ وَصفته وَالدُّعَاء إِلَى تَسْلِيم الشُّفْعَة قَالَ وَأما دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق فَغير مسموعة قلت أما قَوْله فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق فقد خَالفه الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله وَأَشَارَ فِي بَاب الشُّفْعَة إِلَى أَنَّهَا تسمع وَإِن كَانَ مُقْتَضى كَلَام الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ الْجَزْم بِأَنَّهَا لَا تسمع وَأما قَوْله لَا تصح دَعْوَى الشُّفْعَة إِلَّا بِذكر الثّمن إِذا أوصى لعَمْرو بِمِائَة ولزيد بِمِائَة وَقَالَ لخَالِد أَشْرَكتك مَعَهُمَا فَلهُ نصف مَا لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي قَول وَثلثه فِي قَول حكى الْقَوْلَيْنِ القَاضِي أَبُو سعد فِي الإشراف وَالْقَاضِي شُرَيْح فِي أدب الْقَضَاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 إِذا قَالَ أوصيت بِثلث مَالِي لرجل وَقد سميته لوصيين بكر وخَالِد هما يسميانه فاختلفا وهما عَدْلَانِ فعين كل مِنْهُمَا غير الَّذِي عينه صَاحبه وَشهد لَهُ وهما عَدْلَانِ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا تبطل الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ لم يوص لوَاحِد وَالثَّانِي يحلف كل مِنْهُمَا مَعَ شَاهده وَهُوَ بَينهمَا وَتَبعهُ على حِكَايَة الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة القَاضِي شُرَيْح أَيْضا وَقد حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ فِي أَوَاخِر بَاب الْوَصِيَّة عَن شرح أدب الْقَضَاء لأبي عَاصِم وَالشَّرْح هُوَ كتاب الإشراف إِذا قَالَ ضع ثُلثي حَيْثُ شِئْت قَالَ الشَّافِعِي لَا يَضَعهُ فِي زَوجته وَلَا فِيمَا لَا مصلحَة للْمَيت فِي وَضعه فِيهِ وَلَا فِي وَرَثَة الْمُوصي فَإِن وَضعه فِي وَرَثَة الْمُوصي لم يَصح الِاخْتِيَار وَلَا يخْتَار ثَانِيًا لِأَنَّهُ انعزال وَيحْتَمل أَنه كوكيل بَاعَ بِغَبن فَإِنَّهُ لَا يَصح ثمَّ إِذا بَاعَ بِثمن الْمثل صَحَّ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ هَذَا كَلَام أبي سعد وَالْقَائِل وَيحْتَمل هُوَ أَبُو عَاصِم كَذَا بَينه القَاضِي شُرَيْح قَالَ الرَّافِعِيّ فِي بَاب الدَّعْوَى والبينات فسر أَبُو عَاصِم كلمة التنصر بِمَا إِذا شهِدت الْبَيِّنَة بِأَن آخر مَا تكلم بِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله عِيسَى رَسُول الله قَالَ القَاضِي أَبُو سعد وَفِيه إِشْكَال ظَاهر لِأَن الْمُسلمين يثبتون نبوة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَإِثْبَات نبوته لَيْسَ نفيا لنبوة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سِيمَا عِنْد منكري الْمَفْهُوم فَيجب أَن يُفَسر بِمَا يخْتَص بِهِ النَّصَارَى قَالَ ابْن الرّفْعَة الَّذِي حَكَاهُ فِي الإشراف عَن أبي عَاصِم وَلَو شهِدت أَن آخر مَا نطق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 بِهِ لَا إِلَه الله عِيسَى رَسُول الله وَأَنه بَرِيء من كل دين سواهُ كَانَ فِي معنى ذَلِك فَإِن كَانَت الصِّيغَة كَمَا ذكرنَا فَلَا إِشْكَال لِأَن من تَبرأ من كل دين سواهُ نَصْرَانِيّ وَإِن كَانَت كَمَا هِيَ مَوْجُودَة فِي الرَّافِعِيّ فَلَا إِشْكَال فِي وجود الْإِشْكَال قلت قد يُقَال وَلَو كَانَت الصِّيغَة كَمَا ذكر ابْن الرّفْعَة فالإشكال بَاقٍ لِأَن التبري من كل دين سوى الِاعْتِرَاف بنبوة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يبرأ من الْإِسْلَام فإشكال أبي سعد بَاقٍ فَإِن قلت ذكر التبري هُنَا قرينَة إِرَادَة النَّصْرَانِيَّة ظَاهرا قلت وَكَذَا ذكر عِيسَى بمفرده خَالِيا عَن ذكر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الظَّاهِر أَن من يَجْعَل آخر كَلَامه عِيسَى غير معترف وَلَا مهتم بشأن نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن ثمَّ قضى بنصرانيته لِأَن هَذَا دَلِيل عَلَيْهَا قَاطع بل أَمارَة ظَاهِرَة وَإِن لم يكن فِي هَذِه الصِّيغَة خُصُوص التنصر بل قد يُقَال إِنَّهَا مُنَافِيَة لخُصُوص التنصر فَإِن خُصُوص التنصر دَعْوَى ألوهية عِيسَى لَا رسَالَته فَفِي الْحَقِيقَة هُوَ فِي قَوْله إِن عِيسَى رَسُول الله آتٍ بِخِلَاف مُعْتَقد النَّصَارَى وَإِنَّمَا القَاضِي أَبُو عَاصِم لَعَلَّه لاحظ مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ من أَن ذكر عِيسَى فِي آخر كلمة نطق بهَا دَلِيل على اهتمامه بِهِ فَإِن الْإِنْسَان لَا يهتم فِي ذَلِك الْوَقْت إِلَّا بِمَا هُوَ مطمح معتقده ومنتهى نظره وَلَو أَن عِنْد هَذَا من نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عِنْد الْمُسلمين لما عدل عَن ذكره وَذكر مَا ذكره فَإِن قلت غَايَته السُّكُوت عَن ذكر نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت بل هُوَ بِذكر مَا يشبه الْمُنَافَاة غير سَاكِت فَلْيتَأَمَّل مَا أبديته فَلَعَلَّهُ مُرَاد أبي عَاصِم وَإِلَّا فَلَا وَجه لكَلَامه بِالْكُلِّيَّةِ وَالرجل أجل قدرا من أَن يخفى عَلَيْهِ هَذَا الْقدر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 وَرجح القَاضِي أَبُو سعد القَوْل بِأَن الْإِقْرَار للْوَارِث غير صَحِيح وَقَالَ أَنا أُفْتِي بِهِ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم،،، تمّ بِحَمْد الله،،،، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 الطَّبَقَة الْخَامِسَة من أَصْحَاب الإِمَام المطلبي أبي عبد الله الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من مَاتَ بعد الْخَمْسمِائَةِ 565 - أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الشَّيْخ أَبُو الْخَيْر الْقزْوِينِي الطَّالقَانِي الشَّيْخ الإِمَام الْفَقِيه الصُّوفِي الْوَاعِظ الملقب رضى الدّين أحد الْأَعْلَام ولد فِي سنة اثنتى عشرَة وَخَمْسمِائة بقزوين وَقيل سنة إِحْدَى عشرَة وتفقه بهَا على ملكداد بن عَليّ ثمَّ ارتحل إِلَى نيسابور وتفقه على مُحَمَّد بن يحيى وَسمع الكثيرمن أَبِيه وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي وزاهر الشحامي وَعبد الْمُنعم بن الْقشيرِي وَعبد الغافر الْفَارِسِي وَعبد الْجَبَّار الخواري وَهبة الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 ابْن السيدي ووجيه بن طَاهِر وَأبي الْفَتْح بن البطي وَغَيرهم بنيسابور وبغداد وَغَيرهمَا روى عَنهُ ابْن الدبيثي وَمُحَمّد بن عَليّ بن أبي السهل الوَاسِطِيّ والموفق عبد اللَّطِيف ابْن يُوسُف وَالْإِمَام الرَّافِعِيّ وَغَيرهم درس بِبَلَدِهِ مُدَّة ثمَّ بِبَغْدَاد ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد ودرس بالنظامية وَحدث بكبار الْكتب ك تَارِيخ الْحَاكِم وَسنَن الْبَيْهَقِيّ وصحيح مُسلم ومُسْند إِسْحَاق وَغَيرهَا وأملى عدَّة مجَالِس قَالَ ابْن النجار كَانَ رَئِيس أَصْحَاب الشَّافِعِي وَكَانَ إِمَامًا فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير والوعظ والزهد وَحدث عَنهُ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي أَمَالِيهِ وَقَالَ فِيهِ إِمَام كثير الْخَيْر موفر الْحَظ من عُلُوم الشَّرْع حفظا وجمعا ونشرا بالتعليم والتذكير والتصنيف وَكَانَ لِسَانه لَا يزَال رطبا من ذكر الله وَمن تِلَاوَة الْقُرْآن وَرُبمَا قرىء عَلَيْهِ الحَدِيث وَهُوَ يُصَلِّي ويصغي إِلَى مَا يَقُول القارىء وينبهه إِذا زل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 قلت وَأطَال ابْن النجار فِي تَرْجَمته وَالثنَاء على علمه وَدينه وروى بِإِسْنَادِهِ حِكَايَة مبسوطة ذكر أَنه عربها من العجمي إِلَى الْعَرَبيَّة حاصلها أَن الطَّالقَانِي حكى عَن نَفسه أَنه كَانَ بليد الذِّهْن فِي الْحِفْظ وَأَنه كَانَ عِنْد الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى فِي الْمدرسَة وَكَانَ من عَادَة ابْن يحيى أَن يستعرض الْفُقَهَاء كل جُمُعَة وَيَأْخُذ عَلَيْهِم مَا حفظوه فَمن وجده مقصرا أخرجه فَوجدَ الطَّالقَانِي مقصرا فَأخْرجهُ فَخرج فِي اللَّيْل وَهُوَ لَا يدْرِي إِلَى أَيْن يذهب فَنَامَ فِي أتون حمام فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتفل فِي فَمه مرَّتَيْنِ وَأمره بِالْعودِ إِلَى الْمدرسَة فَعَاد وَوجد الْمَاضِي مَحْفُوظًا واحتد ذهنه جدا قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ من عَادَة الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى أَن يمْضِي إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة فِي جمع من طلبته فَيصَلي عِنْد الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الأكاف الزَّاهِد قَالَ فمضيت مَعَه فَلَمَّا جلس مَعَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن تكلم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن فِي شَيْء من مسَائِل الْخلاف وَالْجَمَاعَة ساكتون تأدبا مَعَه وَأَنا لصِغَر سني وحدة ذهني أعترض عَلَيْهِ وأنازعه وَالْفُقَهَاء يشيرون إِلَى بالإمساك وَأَنا لَا ألتفت فَقَالَ لَهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن دَعوه فَإِن هَذَا الْكَلَام الَّذِي يَقُوله لَيْسَ هُوَ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ من الَّذِي علمه قَالَ وَلم يعلم الْجَمَاعَة مَا أَرَادَ وفهمت أَنا وَعلمت أَنه مكاشف قَالَ ابْن النجار وَقيل إِنَّه كَانَ مَعَ كَثْرَة اشْتِغَاله يداوم الصّيام وَيفْطر كل لَيْلَة على قرص وَاحِد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 وَحكى أَنه لما دعى إِلَى تدريس النظامية جَاءَ بالخلعة وَحَوله الْفُقَهَاء وَهُنَاكَ المدرسون والصدور والأعيان فَلَمَّا اسْتَقر على كرْسِي التدريس وقرئت الربعة الشَّرِيفَة ودعى دُعَاء الختمة الْتفت إِلَى الْجَمَاعَة قبل الشُّرُوع فِي إِلْقَاء الدَّرْس وَقَالَ من أَي كتب التفاسير تحبون أَن أذكر فعينوا كتابا فَقَالَ من أَي سُورَة تُرِيدُونَ فعينوا وَذكر لَهُم مَا أَرَادوا وَكَذَلِكَ فعل فِي الْفِقْه وَالْخلاف لم يذكر إِلَّا مَا عين الْجَمَاعَة لَهُ فعجبوا لِكَثْرَة استحضاره قَالَ ابْن النجار حَدثنِي شَيخنَا أَبُو الْقَاسِم الصُّوفِي قَالَ صلى شَيخنَا الْقزْوِينِي بِالنَّاسِ التَّرَاوِيح فِي ليَالِي شهر رَمَضَان وَكَانَ يحضر عِنْده خلق كثير فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْخَتْم دَعَا وَشرع فِي تَفْسِير الْقُرْآن من أَوله وَلم يزل يُفَسر سُورَة سُورَة حَتَّى طلع الْفجْر فصلى بِالنَّاسِ صَلَاة الْفجْر بِوضُوء الْعشَاء وَخرج من الْغَد إِلَى الْمدرسَة النظامية وَكَانَ نوبَته فِي الْجُلُوس بهَا فَلَمَّا تكلم فِي الْمِنْبَر على عَادَته وطَابَ النَّاس وَكَانَ فِي الْمجْلس الْأَمِير قطب الدّين قيماز والأعيان فَذكرُوا لَهُم أَن الشَّيْخ لَيْلَة إِذْ فسر الْقُرْآن كُله فِي مجْلِس وَاحِد فَقَالَ قطب الدّين الغرامة على الشَّيْخ واجبه فَالْتَفت الشَّيْخ وَقَالَ إِن الْأَمِير أوجب علينا شَيْئا فَإِن كَانَ لَا يشق عَلَيْكُم وَفينَا بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 فَقَالُوا لَا بل نؤثر ذَلِك فشرع وَفسّر الْقُرْآن من أَوله إِلَى أَخّرهُ من غير أَن يُعِيد كلمة مِمَّا ذكر لَيْلًا فَأبْلسَ النَّاس من قُوَّة حفظه وغزارة علمه قَالَ أَبُو أَحْمد بن سكينَة لما أظهر ابْن الصاحب الرَّفْض بِبَغْدَاد جَاءَنِي الْقزْوِينِي لَيْلًا فودعني وَذكر أَنه مُتَوَجّه إِلَى بِلَاده فَقلت إِنَّك هَهُنَا طيب وَتَنْفَع النَّاس فَقَالَ معَاذ الله أَن أقيم ببلدة يجْهر فِيهَا بسب أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ خرج من بَغْدَاد إِلَى قزوين وَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ قلت أَقَامَ بقزوين مُعظما مُحْتَرما إِلَى أَن توفى بهَا قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الأمالي كَانَ يعْقد الْمجْلس للعامة ثَلَاث مَرَّات فِي الْأُسْبُوع إِحْدَاهَا صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة فَتكلم على عَادَته يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر الْمحرم سنة تسعين وَخَمْسمِائة فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} وَذكر أَنَّهَا من أَوَاخِر مَا نزل وعد الْآيَات الْمنزلَة آخرا مِنْهَا {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وَمِنْهَا سُورَة النَّصْر وَقَوله تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} وَذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عَاشَ بعد نزُول هَذِه الْآيَة إِلَّا سَبْعَة أَيَّام قَالَ الرَّافِعِيّ وَلما نزل من الْمِنْبَر حم وَمَات فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَلم يَعش بعد ذَلِك إِلَّا سَبْعَة أَيَّام قَالَ وَذَلِكَ من عَجِيب الاتفاقات قَالَ وَكَأَنَّهُ أعلم بِالْحَال وَأَنه حَان وَقت الارتحال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 وَدفن يَوْم السبت قَالَ وَلَقَد خرجت من الدَّار بكرَة ذَلِك الْيَوْم على قصد التَّعْزِيَة وَأَنا فِي شَأْنه متفكر وَمِمَّا أَصَابَهُ منكسر إِذْ وَقع فِي خلدي من غير نِيَّة وفكر روية (بَكت الْعُلُوم بويلها وعويلها ... لوفاة أحمدها ابْن إسماعيلها) كَأَن أحدا يكلمني بذلك ثمَّ أضفت إِلَيْهِ أبياتا بالروية ذهبت عني انْتهى وَمن الْفَوَائِد عَن أبي الْخَيْر رَحمَه الله لَهُ مُصَنف سَمَّاهُ حظائر الْقُدس عد فِيهِ لشهر رَمَضَان أَرْبَعَة وَسِتِّينَ اسْما وَنقل فِيهِ فِي معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يحكيه عَن ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الصَّوْم لي وَأَنا أجزى بِهِ خَمْسَة وَخمسين قولا من أغربها مَا نَقله عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وناهيك بِهِ أَن يَوْم الْقِيَامَة يتَعَلَّق خصماؤه بِجَمِيعِ أَعماله إِلَّا الصَّوْم فَلَا سَبِيل لَهُم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لله تَعَالَى وَإِذا لم يبْق إِلَّا الصَّوْم يتَحَمَّل الله تَعَالَى مَا بَقِي من الْمَظَالِم ويدخله بِالصَّوْمِ الْجنَّة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ فِي بَاب صَوْم التَّطَوُّع وَهَذَا إِن صَحَّ فِيهِ تَوْقِيف فَهُوَ فِي غَايَة الْحسن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 قلت قد يرد عَلَيْهِ بِمَا فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَتَدْرُونَ من الْمُفلس) قَالُوا من لَا دِرْهَم لَهُ وَلَا مَتَاع قَالَ (إِن الْمُفلس من أمتِي من يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة قد شتم هَذَا وَقذف هَذَا وَأكل مَال هَذَا وَسَفك دم هَذَا وَضرب هَذَا فيعطي هَذَا من حَسَنَاته وَهَذَا من حَسَنَاته فَإِن فنيت حَسَنَاته أَخذ من خطاياهم وطرحت عَلَيْهِ ثمَّ طرح فِي النَّار) الحَدِيث ظَاهره أَنه يُؤْخَذ من الصَّوْم فَإِن قلت الصَّوْم لَيْسَ من حَسَنَاته وَإِنَّمَا هُوَ لله تَعَالَى لَا يُضَاف إِلَى العَبْد قلت هَذَا حسن غير أَن قَوْله ثمَّ طرح فِي النَّار مَعَ أَن لَهُ صياما يدل على أَن الصَّوْم وَإِن بَقِي سالما لم يتَعَلَّق الْخُصُوم مِنْهُ بِشَيْء لَا يتَعَيَّن مَعَه دُخُول الْجنَّة بل يَقع مَعَه دُخُول النَّار فَلَا بُد لِسُفْيَان من تَوْقِيف وَإِلَّا فَهَذَا الحَدِيث ظَاهر يرد عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 566 - أَحْمد بن بختيار بن عَليّ بن مُحَمَّد القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس المندائي الوَاسِطِيّ ولد فِي سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة ورحل إِلَى بَغْدَاد وَسمع من أبي الْقَاسِم بن بَيَان وَأبي عَليّ بن نَبهَان وَغَيرهمَا وَكَانَ فَقِيها عَارِفًا باللغة وَالْأَدب ولي قَضَاء وَاسِط مُدَّة وصنف كتاب الْقُضَاة وَغير ذَلِك توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة وَهُوَ وَالِد أبي الْفَتْح المندائي روى عَنهُ ابْنه وَجَمَاعَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 567 - أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد الْأَصْبَهَانِيّ القَاضِي أَبُو شُجَاع صَاحب الْغَايَة فِي الِاخْتِصَار ووقفت لَهُ على شرح الْإِقْنَاع الَّذِي أَلفه القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ قَالَ ياقوت فِي الْبلدَانِ فِي الْكَلَام على عبادان مَا نَصه وإليها ينْسب القَاضِي أَبُو شُجَاع أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد الشَّافِعِي الْعَبادَانِي روى عَنهُ السلَفِي وَقَالَ هُوَ من أَوْلَاد الدَّهْر درس بِالْبَصْرَةِ أَزِيد من أَرْبَعِينَ سنة فِي مَذْهَب الشَّافِعِي قَالَ ذكر لي ذَلِك فِي سنة خَمْسمِائَة وعاش بعد ذَلِك مَا لَا أتحققه وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة بِالْبَصْرَةِ وَأَن وَالِده مولده أَصْبَهَان الحديث: 567 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 568 - أَحْمد بن حَمْزَة بن أَحْمد التنوخي العرقي بِكَسْر أَوله وَسُكُون ثَانِيه قَالَ السلَفِي قَرَأَ على كثيرا من الحَدِيث وعلقت عَنهُ فَوَائِد أدبية سمع الحَدِيث وَقَرَأَ الْقُرْآن على أبي الْحُسَيْن الخشاب واللغة على ابْن القطاع والنحو على مَسْعُود الدولة الدِّمَشْقِي وَكَانَ أَبوهُ ولي الْقَضَاء بِمصْر ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي بالإسكندرية ثمَّ حمل لمصر وَدفن بهَا وَكَانَ شافعيا بارعا فِي الْأَدَب وَلم يذكر السلَفِي وَفَاته ذكر ذَلِك ياقوت فِي الْبلدَانِ فِي الْكَلَام على بلد عرقة بلد بشرقي طرابلس فِي آخر أَعمال دمشق 569 - أَحْمد بن زر بن كم بن عقيل أَبُو نصر الْكَمَال السمناني أَبوهُ زر بِكَسْر الزَّاي بعْدهَا رَاء مُشَدّدَة الحديث: 568 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 وجده كم بِضَم الْكَاف بعْدهَا مِيم مُشَدّدَة كَذَا أحفظه وَسمعت من يَقُول بل وَالِده زرين كم بِفَتْح الزَّاي ثمَّ الرَّاء الساكنة الْخَفِيفَة ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ نون ثمَّ كَاف مَضْمُومَة ثمَّ مِيم مُشَدّدَة قَالَ وَهُوَ اسْم عجمي على هَيْئَة مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ وجده عقيل 570 - أَحْمد بن سعد بن عَليّ بن الْحسن بن الْقَاسِم بن عنان أَبُو عَليّ ابْن الإِمَام أبي مَنْصُور الْعجلِيّ الهمذاني الْمَعْرُوف بالبديع ولد سنة ثَمَان وَخمسين الحديث: 570 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 وسَمعه أَبوهُ ثمَّ رَحل هُوَ بِنَفسِهِ إِلَى أَصْبَهَان وبغداد والكوفة والري سمع أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ ويوسف بن مُحَمَّد الهمذاني الْخَطِيب وَأَبا الْفرج بن عبد الحميد وَأَبا طَاهِر بن الزَّاهِد وغالب الهمذانيين وَسليمَان بن إِبْرَاهِيم الْحَافِظ وَالقَاسِم بن الْفضل الرئيس بأصبهان وَابْن البطر وَجَمَاعَة بِبَغْدَاد ومكي بن عَلان بالكرج روى عَنهُ ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ وَطَائِفَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ شيخ إِمَام فَاضل ثِقَة كَبِير جليل الْقدر وَاسع الرِّوَايَة حسن المعاشرة وَله شعر جيد توفّي فِي رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وقبره يزار 571 - أَحْمد بن سَلامَة بن عبيد الله بن مخلد بن إِبْرَاهِيم البَجلِيّ الْكَرْخِي أَبُو الْعَبَّاس ابْن الرطبي كَانَ أحد الْأَئِمَّة وَمن يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْخلاف وَالنَّظَر الحديث: 571 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأبي نصر بن الصّباغ ثمَّ خرج إِلَى أَصْبَهَان فَأخذ عَن مُحَمَّد بن ثَابت الخجندي وَولي الْقَضَاء بِالْحَرِيمِ الظَّاهِرِيّ بِبَغْدَاد والحسبة سمع أَبَا الْقَاسِم بن البسري وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي وَغَيرهمَا روى عَنهُ عَليّ بن أَحْمد اليزدي وَيحيى بن ثَابت الْبَقَّال وَيحيى بن بوش وَغَيرهم وَكَانَ يُؤَدب الراشد بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَثِيرًا من أَوْلَاد الْخُلَفَاء ولد فِي أَوَاخِر سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 572 - أَحْمد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن شمر الخمقري القَاضِي أَبُو نصر البهوني من أهل بهونة إِحْدَى الْقرى الْخمس الَّتِي يُقَال لَهَا بنج دِيَة من قرى مرو وَيُقَال لمن ينْسب إِلَيْهَا خمقري بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الْقَاف وَفِي آخرهَا الرَّاء ثمَّ يَاء النّسَب وَهَذِه الْقرى خمس مجتمعة وَهِي ابغاني ومرست ويزد وكريكان وبهونة وَيُقَال لَهَا خمس قرى هَكَذَا يَقُولُونَ هَذِه خمس قرى وَرَأَيْت خمس قرى ومررت بِخمْس قرى وَيُقَال لَهَا أَيْضا بنج ديه ولد فِي الْعشْرين من شعْبَان سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على أسعد الميهني وَأبي بكر السَّمْعَانِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي كتاب التحبير وتفقه بطوس أَيْضا على حجَّة الْإِسْلَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ وَسمع هبة الله بن عبد الْوَارِث الشِّيرَازِيّ وَأَبا سعيد مُحَمَّد بن عَليّ الْبَغَوِيّ وَغَيرهمَا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا متفننا مناظرا مبرزا عَارِفًا بالأدب واللغة مليح الشّعْر نظر فِي عُلُوم الْأَوَائِل وَحصل مِنْهَا طرفا مَعَ حسن الِاعْتِقَاد وَسُرْعَة الدمعة والمواظبة على الصَّلَاة الحديث: 572 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 سَمِعت مِنْهُ كتاب فَضِيلَة الْعلم وَالْعُلَمَاء من جمع هبة الله الشِّيرَازِيّ بروايته عَنهُ وَكَانَ قد اخْتَلَّ فِي آخر عمره وَاخْتَلَطَ وخف دماغه توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بِخمْس قرى وَهِي بنج ديه هَذَا كَلَامه فِي التحبير وَلم يذكرهُ فِي الْأَنْسَاب وَإِنَّمَا ذكر شَيخا خمقريا غَيره يُقَال لَهُ عبد الله بن سعيد سمع أَيْضا من هبة الله الشِّيرَازِيّ وَتُوفِّي قبل هَذَا بِسنة 573 - أَحْمد بن عبد الله بن عَليّ بن عبد الله أَبُو الْحسن ابْن الآبنوسي الْبَغْدَادِيّ الْوَكِيل ولد سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا الْقَاسِم بن البسري وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي وَجَمَاعَة حدث عَنهُ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ وَأَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَغَيرهمَا وتفقه على القَاضِي أبي بكر الشَّامي وَأبي الْفضل الهمذاني وَكَانَ يعرف الْمَذْهَب وَالْخلاف والفرائض والحساب توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة الحديث: 573 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 574 - أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد الشَّاشِي أَبُو نصر بن أبي مُحَمَّد بن الإِمَام أبي بكر تفقه على أبي الْحسن ابْن الْخلّ وَسمع مِنْهُ وَمن أبي الْوَقْت عبد الأول بن عِيسَى وَحدث بِيَسِير مَاتَ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر شَوَّال سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة 575 - أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الْأَشْرَف الْبكْرِيّ الْمروزِي الْوَاعِظ ذكره الْحَافِظ أَبُو سعد فِي شُيُوخه وَذكره ابْن باطيش 576 - أَحْمد بن عبد الرَّزَّاق بن حسان بن سعيد بن حسان المنيعي من بَيت الرياسة التَّامَّة والحشمة الزَّائِدَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا مبرزا رَحل إِلَيْهِ الْفُقَهَاء ودرسوا عَلَيْهِ وَبنى الْمدرسَة الْكَبِيرَة بِبَلَدِهِ مرو الروذ وَحدث عَن جمَاعَة وَتُوفِّي سنة نَيف وَعشرَة وَخَمْسمِائة بمرو الروذ الحديث: 574 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 577 - أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد ابْن دِينَار الْأَصْغَر بن مُحَمَّد بن دِينَار الْأَكْبَر وصل ابْن النجار نسبه إِلَى كسْرَى أنوشروان أَبُو الْعَبَّاس بن أبي يعلى بن أبي الْقَاسِم من أهل البندنيجين وَكَانَ قاضيها سمع بِبَغْدَاد من أبي الْقَاسِم بن الْحصين وَغَيره ولد فِي لَيْلَة الْعِيد الْأَكْبَر سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي حُدُود سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة بالبندنيجين 578 - أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن يحيى بن حَازِم بن عَليّ بن رِفَاعَة الشَّيْخ الزَّاهِد الْكَبِير أحد أَوْلِيَاء الله العارفين والسادات المشمرين أهل الكرامات الباهرة أَبُو الْعَبَّاس بن أبي الْحسن بن الرِّفَاعِي المغربي الحديث: 577 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 قدم أَبوهُ إِلَى الْعرَاق وَسكن بِبَعْض الْقرى وَتزَوج بأخت الشَّيْخ مَنْصُور الزَّاهِد ورزق مِنْهَا أَوْلَادًا مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد هَذَا لكنه مَاتَ وَأحمد حمل فَلَمَّا ولد رباه وأدبه خَاله مَنْصُور وَكَانَ مولده فِي الْمحرم سنة خَمْسمِائَة وتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ كِتَابه التَّنْبِيه وَلَو أردنَا اسْتِيعَاب فضائله لضاق الْوَقْت وَلَكنَّا نورد مَا فِيهِ بَلَاغ قَالَ الشَّيْخ يَعْقُوب بن كراز وَهُوَ من أخص أَصْحَاب الشَّيْخ أَحْمد كَانَ سَيِّدي أَحْمد فِي الْمجْلس فَقَالَ لأَصْحَابه أَي سادة أَقْسَمت عَلَيْكُم بالعزيز سُبْحَانَهُ من كَانَ يعلم فِي عَيْبا فليقله فَقَامَ الشَّيْخ عمر الفاروثي فَقَالَ أَنا أعلم عيبك إِن مثلنَا من أَصْحَابك فَبكى الشَّيْخ والفقراء وَقَالَ أَي عمر إِن سلم الْمركب حمل من فِيهِ فِي التَّعْدِيَة وَقيل إِن هرة نَامَتْ على كم الشَّيْخ وَجَاء وَقت الصَّلَاة فَقص كمه وَلم يزعجها وَعَاد من الصَّلَاة فَوَجَدَهَا قد قَامَت فوصل الْكمّ بِالثَّوْبِ وخيطه وَقَالَ مَا تغير شَيْء وَعَن يَعْقُوب دخلت على سَيِّدي أَحْمد فِي يَوْم بَارِد وَقد تَوَضَّأ وَيَده ممدودة فَبَقيَ زَمَانا لَا يُحَرك يَده فتقدمت إِلَى تقبيلها فَقَالَ أَي يَعْقُوب شوشت على هَذِه الضعيفة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 قلت من هِيَ قَالَ الْبَعُوضَة كَانَت تَأْكُل رزقها من يَدي فهربت مِنْك قَالَ ورأيته مرّة يتَكَلَّم وَيَقُول يَا مباركة مَا علمت بك أبعدتك عَن وطنك فَنَظَرت فَإِذا جَرَادَة تعلّقت بثوبة وَهُوَ يعْتَذر إِلَيْهَا رَحْمَة لَهَا وَقَالَ الشَّيْخ أَحْمد سلكت كل طَرِيق فَمَا رَأَيْت أقرب وَلَا أسهل وَلَا أصلح من الذل والافتقار والانكسار لتعظيم أَمر الله والشفقة على خلق الله والاقتداء بِسنة سَيِّدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يجمع الْحَطب ويحمله إِلَى بيُوت الأرامل وَالْمَسَاكِين وَرُبمَا كَانَ يمْلَأ المَاء لَهُم قَالَ يَعْقُوب قَالَ لي سَيِّدي أَحْمد لما بُويِعَ مَنْصُور قيل لَهُ مَنْصُور اطلب فَقَالَ أَصْحَابِي فَقَالَ رجل لسيدي أَحْمد يَا سَيِّدي فَأَنت أيش فَبكى وَقَالَ أَي فَقير وَمن أَنا فِي الْبَين ثَبت نسب واطلب مِيرَاث فَقلت يَا سَيِّدي أقسم عَلَيْك بالعزيز أيش أَنْت قَالَ يَعْقُوب لما اجْتمع الْقَوْم وَطلب كل وَاحِد شَيْئا دارت النّوبَة إِلَى هَذَا اللاش أَحْمد وَقيل أَي أَحْمد اطلب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 قلت أَي رب علمك مُحِيط بطلبي فكرر عَليّ القَوْل فَقلت أَي مولَايَ أُرِيد أَلا أُرِيد وأختار أَلا يكون لي خِيَار فَأَجَابَنِي وَصَارَ الْأَمر لَهُ وَعَن يَعْقُوب مر سَيِّدي أَحْمد على دَار الطَّعَام فَرَأى الْكلاب يَأْكُلُون التَّمْر من القوصرة وهم يتحارشون فَوقف على الْبَاب لِئَلَّا يدْخل إِلَيْهِم أحد يؤذيهم وَعنهُ لَو أَن عَن يَمِيني خَمْسمِائَة يروحوني بمراوح الند وَالطّيب وهم من أقرب النَّاس إِلَيّ وَعَن يساري مثلهم وهم من أبْغض النَّاس لي مَعَهم مقاريض يقرضون بهَا لحمى مَا زَاد هَؤُلَاءِ عِنْدِي وَلَا نقص هَؤُلَاءِ عِنْدِي بِمَا فَعَلُوهُ ثمَّ قَرَأَ {لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم وَالله لَا يحب كل مختال فخور} وَكَانَ لايجمع بَين قميصين لَا فِي شتاء وَلَا صيف وَلَا يَأْكُل إِلَّا بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَكلَة وأحضر بعض الأكابر مَرِيضا ليدعو لَهُ الشَّيْخ فَبَقيَ أَيَّامًا لم يكلمهُ فَقَالَ يَعْقُوب أَي سَيِّدي مَا تَدْعُو لهَذَا الْمَرِيض فَقَالَ أَي يَعْقُوب وَعزة الْعَزِيز لِأَحْمَد كل يَوْم عَلَيْهِ حَاجَة مقضية وَمَا سَأَلته مِنْهَا حَاجَة وَاحِدَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 فَقلت أَي سَيِّدي فَتكون وَاحِدَة لهَذَا الْمَرِيض الْمِسْكِين فَقَالَ لَا كَرَامَة وَلَا غزازة تريدني أكون سيىء الْأَدَب لي إِرَادَة وَله إِرَادَة ثمَّ قَرَأَ {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين} أَي يَعْقُوب الرجل الْمِسْكِين المتمكن فِي أَحْوَاله إِذا سَأَلَ الله حَاجَة وقضيت لَهُ نقص تمكنه دَرَجَة فَقلت أَرَاك تَدْعُو عقيب الصَّلَوَات وكل وَقت قَالَ ذَاك الدُّعَاء تعبد وامتثال وَدُعَاء الْحَاجَات لَهُ شُرُوط وَهُوَ غير هَذَا الدُّعَاء ثمَّ بعد يَوْمَيْنِ تعافى ذَاك الْمَرِيض وَعَن يَعْقُوب وَسُئِلَ عَن أوراد سَيِّدي أَحْمد فَقَالَ كَانَ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات بِأَلف قل هُوَ الله أحد ويستغفر كل يَوْم ألف مرّة واستغفاره أَن يَقُول {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} عملت سوءا وظلمت نَفسِي وأسرفت فِي أَمْرِي وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي وَتب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم يَا حَيّ يَا قيوم لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَذكر غير ذَلِك توفّي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة ومناقبة أَكثر من أَن تحصر وَقد أفرد لَهَا بعض الصلحاء كتابا يَخُصهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 579 - أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس الطَّيِّبِيّ قَاضِي الطّيب بِكَسْر الطَّاء وَإِسْكَان الْيَاء أخر الْحُرُوف تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَسمع الحَدِيث من ابْن الْمُهْتَدي وَابْن الْمَأْمُون ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وروى عَنهُ أَبُو الْحسن اليزدي وَغَيره وَاسْتشْهدَ بالطيب بعد سنة خَمْسمِائَة 580 - أَحْمد بن عَليّ بن بدران أَبُو بكر الْحلْوانِي الْمَذْكُور فِي بَاب قسم الصَّدقَات من شرح الرَّافِعِيّ أَنه سمع أَبَا إِسْحَق الشِّيرَازِيّ يَقُول فِي اخْتِيَاره ورأيه إِنَّه يجوز صرف زَكَاة الْفطر إِلَى النَّفس الْوَاحِدَة الحديث: 579 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 نقل الرَّافِعِيّ ذَلِك من خطه عَن الشَّيْخ أبي إِسْحَق وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ بغداديا صَالحا يعرف بخالوه ولد فِي حُدُود سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع الْكثير من الحَدِيث من القَاضِي أبي الطّيب وَالْمَاوَرْدِيّ والجوهري وَآخَرين روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي والسلفي وخطيب الْموصل أَبُو الْفضل وَخلق أخرهم ابْن كُلَيْب قَالَ السلَفِي كَانَ مِمَّن يشار إِلَيْهِ بالصلاح والعفة وَقد خرج الْحميدِي من حَدِيثه فَوَائِد سمعناها عَلَيْهِ توفّي سنة سبع وَخَمْسمِائة وَمن تصانيفه كتاب لطائف المعارف وَفِيه يَقُول أول ماظهر من الظُّلم فِي هَذِه الْأمة قَوْلهم تَنَح عَن الطَّرِيق يُقَال إِن ذَلِك حدث فِي زمَان عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أول من اتخذ البيمارستان الْوَلِيد بن عبد الْملك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 581 - أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن برهَان الأصولي وبرهان بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْفَتْح كَانَ أَولا حنبلي الْمَذْهَب ثمَّ انْتقل وتفقه على الشَّاشِي وَالْغَزالِيّ وإلكيا وَكَانَ حاذق الذِّهْن عَجِيب الْفطْرَة لَا يكَاد يسمع شَيْئا إِلَّا حفظه وَتعلق بذهنه وَلم يزل مواظبا على الْعلم حَتَّى ضرب الْمثل باسمه وَولى تدريس النظامية مُدَّة يسيرَة ثمَّ عزل ثمَّ وَليهَا يَوْمًا وَاحِدًا ثمَّ عزل ثَانِيًا وَكَانَت الرحلة قد انْتَهَت إِلَيْهِ وتزاحمت الطلاب على بَابه حَتَّى انْتهى حَاله إِلَى أَن صَار جَمِيع نَهَاره وقطعه من ليله مستوعبا فِي الِاشْتِغَال يجلس من وَقت السحر إِلَى وَقت الْعشَاء الْآخِرَة ويتأخر أَيْضا بعْدهَا وَحكي أَن جمَاعَة سَأَلُوهُ أَن يذكر لَهُم درسا من كتاب الْإِحْيَاء للغزالي فَقَالَ لَا أجد لكم وقتا الحديث: 581 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 فَكَانُوا يعينون الْوَقْت فَيَقُول فِي هَذَا الْوَقْت أذكر الدَّرْس الْفُلَانِيّ إِلَى أَن قرروا مَعَه أَن يذكر لَهُم درسا من الْإِحْيَاء نصف اللَّيْل وَقد سمع الحَدِيث من أبي الْخطاب بن البطر وَأبي عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن طَلْحَة النعالي وَغَيرهمَا وَقَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ عَليّ أبي طَالب الزَّيْنَبِي ولد فِي شَوَّال سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة وَله مصنفات فِي أصُول الْفِقْه مِنْهَا الْأَوْسَط والْوَجِيز وَغير ذَلِك وَحكى فِي الْوَجِيز قولا ثَالِثا فِي مَفْهُوم اللقب عَن بعض عُلَمَائِنَا أَنه إِن كَانَ اسْم ذَات كَقَوْلِك قَامَ زيد فَهُوَ غير حجَّة وَإِن كَانَ اسْم نوع كَقَوْلِك تجب الزَّكَاة فِي النعم فحجة 582 - أَحْمد بن عمر بن الْحسن الْكرْدِي أَبُو الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بالوجيه قَالَ ابْن النجار قَرَأَ الْفِقْه بتبريز على فقيهها ابْن أبي عَمْرو حَتَّى برع فِيهِ وَيُقَال إِنَّه كَانَ يحفظ كتاب الْمُهَذّب لأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ جَمِيعه. . قدم بَغْدَاد واستوطنها إِلَى حِين وَفَاته ورتب معيدا بِالْمَدْرَسَةِ النظامية قَالَ وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ والزهد والديانة وَالتَّقوى الحديث: 582 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 رَأَيْته غير مرّة وَكَانَ عَلَيْهِ مهابة وجلالة وأنوار الْعلم وَالصَّلَاح ظَاهِرَة عَلَيْهِ توفّي فِي ذِي الْحجَّة من سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 583 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سلفة الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو ظَاهر بن أبي أَحْمد السلَفِي الْأَصْبَهَانِيّ الجراوآني وجروآن بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الرَّاء ثمَّ الْوَاو ثمَّ الْألف الممدودة ثمَّ النُّون محلّة بأصبهان وسلفة فِيمَا ذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ لقب لِأَحْمَد وَفِيمَا كنت أحفظه اسْم لوالد إِبْرَاهِيم وَلَعَلَّ الأثبت مَا ذكر شَيخنَا الحديث: 583 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 كَانَ حَافِظًا جَلِيلًا وإماما كَبِيرا وَاسع الرحلة دينا ورعا حجَّة ثبتا فقهيا لغويا انْتهى إِلَيْهِ علو الْإِسْنَاد مَعَ الْحِفْظ والإتقان قيل مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة تخمينا لَا يَقِينا وَقيل سنة خمس وَسبعين وَقيل سنة ثَمَان وَسبعين وَهُوَ قَول سَاقِط فَإِن السلَفِي جَاوز الْمِائَة بِلَا ريب وَقد طلب الحَدِيث وَكتب الْأَجْزَاء وَقَرَأَ بالروايات فِي سنة تسعين وَبعدهَا وَحكى عَن نَفسه إِنَّه حدث سنة اثنيتن وَتِسْعين وَمَا فِي وَجهه شَعْرَة وَأَنه كَانَ ابْن سبع عشرَة سنة أَو نَحْوهَا وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ سمعته يَقُول أَنا أذكر قتل نظام الْملك فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَكَانَ عمري نَحْو عشر سِنِين وَقد كتبُوا عني فِي أول سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَنا ابْن سبع عشرَة سنة أَو أَكثر أَو أقل وَلَيْسَ فِي وَجْهي شَعْرَة كالبخاري يَعْنِي لما كتبُوا عَنهُ وَأول سَماع السلَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ سمع من الْقَاسِم بن الْفضل الثَّقَفِيّ وَسمع من عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن يُوسُف السمسار وَسَعِيد بن مُحَمَّد الْجَوْهَرِي وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْمَدِينِيّ وَالْفضل بن عَليّ الْحَنَفِيّ ومكي بن مَنْصُور بن عَلان الكرجي وَمعمر بن أَحْمد اللنباني وَعمل معجما حافلا لشيوخه الأصبهانيين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 ثمَّ رَحل فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين إِلَى بَغْدَاد وَأدْركَ نصرا ابْن البطر قَالَ فِيمَا يَحْكِي عَن نَفسه دَخَلتهَا فِي رَابِع شهر شَوَّال فَلم يكن لي همة سَاعَة دُخُولهَا إِلَّا الْمُضِيّ إِلَى ابْن البطر فَدخلت عَلَيْهِ شَيخا عسرا فَقلت قد وصلت من أَصْبَهَان لِأَجلِك فَقَالَ اقْرَأ جعل بدل الرَّاء غينا فَقَرَأت عَلَيْهِ وَأَنا متك لأجل دَمًا مل بِي فَقَالَ أبْصر ذَا الْكَلْب فاعتذرت إِلَيْهِ بالدماميل وبكيت من كَلَامه وقرأت سَبْعَة عشر حَدِيثا وَخرجت ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ نَحوا من خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا وَلم يكن بِذَاكَ وَسمع بِبَغْدَاد أَيْضا من أبي بكر الطريثيثي وَأبي عبد الله بن البسرى وثابت بن بنْدَار والموجودين بهَا إِذْ ذَاك وَعمل معجما لشيوخها ثمَّ حج وَسمع فِي طَرِيقه بِالْكُوفَةِ من أبي الْبَقَاء المعمر بن مُحَمَّد الحبال وبمكة من الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ وبالمدينة من أبي الْفرج الْقزْوِينِي وَعَاد إِلَى بَغْدَاد فتفقه بهَا واشتغل بِالْعَرَبِيَّةِ ثمَّ رَحل إِلَى الْبَصْرَة سنة خَمْسمِائَة فَسمع من مُحَمَّد بن جَعْفَر العسكري وَجَمَاعَة وبزنجان من أبي بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن زنجوية وبهمذان من أبي غَالب أَحْمد بن مُحَمَّد الْمُزَكي وَطَائِفَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 وجال فِي الْجبَال ومذنها وَسمع بِالريِّ والدينور وقزوين وساوة ونهاوند وَكَذَلِكَ طَاف بِلَاد أذربيجان إِلَى دربند فَسمع بأماكن وَعَاد إِلَى الجزيرة من ثغر آمد وَسمع بخلاط ونصيبين والرحبة وَقدم دمشق سنة تسع وَخَمْسمِائة بِعلم جم فَأَقَامَ بهَا عَاميْنِ وَسمع بهَا من أبي طَاهِر الحنائي وَأبي الْحسن ابْن الموازيني وَخلق ثمَّ مضى إِلَى صور وَركب مِنْهَا الْبَحْر الْأَخْضَر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة واستوطنها إِلَى الْمَوْت لم يخرج مِنْهَا إِلَّا مرّة فِي سنة سبع عشرَة إِلَى مصر فَسمع من أبي صَادِق الْمَدِينِيّ والموجودين بهَا وَعَاد وَجمع معجما ثَالِثا لشيوخه فِيمَا عدا بَغْدَاد وأصبهان سمع مِنْهُ بِبَغْدَاد من شُيُوخه ورفاقه أَبُو عَليّ البرداني وهزارسب بن عوض وَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي وَعبد الْملك بن يُوسُف وَسعد الْخَيْر الأندلسي وروى عَنهُ شيخة الْحَافِظ مُحَمَّد بن طَاهِر وسبطة أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مكي وَبَينهمَا فِي الْمَوْت مائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ سنة وروى عَنهُ أَيْضا الْحَافِظ سعد الْخَيْر وَعلي بن إِبْرَاهِيم السَّرقسْطِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 وَأَبُو الْعِزّ مُحَمَّد بن عَليّ الملقاباذي وَالطّيب بن مُحَمَّد الْمروزِي وَقد روى عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَنهُ الْحَافِظ أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ وَمَات ابْن السَّمْعَانِيّ قبله بِأَرْبَع عشرَة سنة وروى عَنهُ أَيْضا الصائن هبة الله بن عَسَاكِر وَيحيى بن سعدون الْقُرْطُبِيّ وروى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ جمَاعَة مَاتُوا قبله مِنْهُم القَاضِي عِيَاض وَحدث عَنهُ أُمَم مِنْهُم حَمَّاد الْحَرَّانِي والحفاظ عَليّ بن الْمفضل وَعبد الْغَنِيّ وَعبد الْقَادِر الرهاوي والفقيه بهاء الدّين بن الجميزي والسبط وخلائق آخِرهم أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن السفاقسي ابْن أُخْت الْحَافِظ عَليّ ابْن الْمفضل الْمُتَوفَّى سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة روى عَن السلَفِي المسلسل بالأولية حضورا وَلم يكن عِنْده سواهُ قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ لَا أعلم أحدا فِي الدُّنْيَا حدث نيفا وَثَمَانِينَ سنة سوى السلَفِي تفقه السلَفِي على إِلْكيَا أبي الْحسن الطَّبَرِيّ وفخر الْإِسْلَام الشَّاشِي ويوسف ابْن عَليّ الزنجاني وَأخذ الْأَدَب عَن أبي زَكَرِيَّا التبريزي وَغَيره وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 ذكره ابْن عَسَاكِر فَقَالَ سمع من لَا يُحْصى وَحدث بِدِمَشْق فَسمع مِنْهُ أَصْحَابنَا وَلم أظفر بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَسمعت بقرأءته من شُيُوخ عدَّة ثمَّ خرج إِلَى مصر واستوطن الْإسْكَنْدَريَّة وَتزَوج بهَا امْرَأَة ذَات يسَار وحصلت لَهُ ثروة بعد فقر وتصوف وَصَارَت لَهُ بالإسكندرية وجاهة وَبنى لَهُ الْعَادِل عَليّ بن إِسْحَاق ابْن السلار أَمِير مصر مدرسة بالإسكندرية وحَدثني عَنهُ أخي وَأَجَازَ لي انْتهى وَابْن السلار وَزِير الْخَلِيفَة الظافر العبيدي صَاحب مصر وَهَذِه عَادَة وزراء العبيديين يسمون بالملوك وَكَانَ ابْن السلار هَذَا سنيا شافعيا ولي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة مُدَّة قبل الوزراء وَبنى الْمدرسَة إِذْ ذَاك وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ ثِقَة ورع متقن مُثبت حَافظ فهم لَهُ حَظّ من الْعَرَبيَّة كثير الحَدِيث حسن الْفَهم والبصيرة فِيهِ وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي سَمِعت من يَحْكِي عَن الْحَافِظ ابْن نَاصِر أَنه قَالَ عَن السلَفِي كَانَ بِبَغْدَاد كَأَنَّهُ شعلة نَار فِي تَحْصِيل الحَدِيث قَالَ عبد الْقَادِر وَكَانَ لَهُ عِنْد مُلُوك مصر الجاه والكلمة النافذة مَعَ مُخَالفَته لَهُم فِي الْمَذْهَب وَكَانَ لَا تبدو مِنْهُ جفوة لأحد وَيجْلس للْحَدِيث فَلَا يشرب مَاء وَلَا يبصق وَلَا يتورك وَلَا يبدوا لَهُ قدم وَقد جَاوز الْمِائَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 بَلغنِي أَن سُلْطَان مصر حضر عِنْده للسماع فَجعل يتحدث مَعَ أَخِيه فزبرهما وَقَالَ أيش هَذَا نَحن نَقْرَأ الحَدِيث وأنتما تتحدثان قَالَ وَبَلغنِي أَنه فِي مُدَّة مقَامه بالإسكندرية وَهِي أَربع وَسِتُّونَ سنة مَا خرج إِلَى بُسْتَان وَلَا فُرْجَة غير مرّة وَاحِدَة بل كَانَ عَامَّة دهره ملازما مدرسته وَمَا كُنَّا نكاد ندخل عَلَيْهِ إِلَّا نرَاهُ مطالعا فِي شَيْء وَكَانَ حَلِيمًا متحملا كفاء الغرباء وَقد سَمِعت بعض فضلاء همذان يَقُول السلَفِي أحفظ الْحفاظ قَالَ عبد الْقَادِر وَكَانَ آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر أَزَال من جواره مُنكرَات كَثِيرَة وَجَاء جمَاعَة من المقرئين بالألحان فأرادوا أَن يقرءوا فَمَنعهُمْ من ذَلِك وَقَالَ هَذِه الْقِرَاءَة بِدعَة بل اقْرَءُوا ترتيلا فقرءوا كَمَا أَمرهم قلت الْقِرَاءَة بالألحان جَائِزَة مَا لم يفرط بِحَيْثُ يزِيد حرفا أَو ينقص حرفا وَقَالَ ابْن نقطة فِي السلَفِي كَانَ حَافِظًا ثِقَة جوالا فِي الْآفَاق سآلا عَن أَحْوَال الرِّجَال شجاعا سمع الذهلي والمؤتمن السَّاجِي وَأَبا عَليّ البرداني وَأَبا الْغَنَائِم النَّرْسِي وخميسا الْحَوْزِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 وحَدثني عَنهُ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ الْحَافِظ قَالَ لما أَرَادوا قِرَاءَة سنَن النَّسَائِيّ على السلَفِي أَتَوْهُ بنسخة سعد الْخَيْر وَهِي مصححة قد سَمعهَا من الدوني فَقَالَ اسْمِي فِيهَا فَقَالُوا لَا فاجتذبها من يَد القارىء بغيظ وَقَالَ لَا أحدث إِلَّا من أصل فِيهِ اسْمِي وَلم يحدث بِالْكتاب وَقَالَ لي عبد الْعَظِيم إِن أَبَا الْحسن الْمَقْدِسِي قَالَ حفظت أَسمَاء وكنى وَجئْت إِلَى السلفى وذاكراته بهَا فَجعل يذكرهَا من حفظه وَمَا قَالَ لي أَحْسَنت وَقَالَ مَا هَذَا شَيْء مليح أَنا شيخ كَبِير فِي هَذِه الْبَلدة هَذِه السنين لَا يذاكرني أحد وحفظي هَكَذَا انْتهى ويحكى عَن السلَفِي أَنه كَانَ إِذا اشْتَدَّ الطلق بِامْرَأَة جَاءَ أَهلهَا إِلَيْهِ فَكتب لَهُم ورقة تعلق عَلَيْهَا فتخلص بِإِذن الله تَعَالَى وَلَا يعلم مَا يكْتب فِيهَا ثمَّ كشف عَن ذَلِك فَإِذا هُوَ يكْتب فِيهَا اللَّهُمَّ إِنَّهُم ظنُّوا بِنَا خيرا فَلَا تخيبنا وَلَا تكذب ظنهم وَكَانَ السلَفِي مغرى بِجمع الْكتب حصل مِنْهَا الْكثير وَكتب بِخَطِّهِ لَا سِيمَا من الْأَجْزَاء مَا لَا يعد كَثْرَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 توفّي صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس من شهر ربيع الآخر سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة فَجْأَة وَله مائَة وست سِنِين على مَا يظْهر وَلم يزل يقْرَأ عَلَيْهِ الحَدِيث إِلَى أَن غربت الشَّمْس من لَيْلَة وَفَاته وَهُوَ يرد على القارىء اللّحن الْخَفي وَصلى يَوْم الْجُمُعَة الصُّبْح عِنْد انفجار الْفجْر وَتُوفِّي عقيبة فَجْأَة وَمن شعره رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ أَبُو شامة سَمِعت الإِمَام علم الدّين السخاوي يَقُول سَمِعت أَبَا طَاهِر السلَفِي يَوْمًا ينشد لنَفسِهِ شعرًا قَالَه قَدِيما وَهُوَ (أَنا من أهل الحَدِيث ... وهم خير فِئَة) (جزت تسعين وَأَرْجُو ... أَن أجوزن الْمِائَة) فَقيل لَهُ قد حقق الله رجاءك فَعلمت أَنه قد جَاوز الْمِائَة وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة كتبت إِلَى زَيْنَب بنت الْكَمَال وَأحمد بن عَليّ الْجَزرِي وَفَاطِمَة بنت أبي عمر عَن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي عَن السلَفِي رَحمَه الله (لَيْسَ حسن الحَدِيث قرب رجال ... عِنْد أَرْبَاب علمه النقاد) (بل علو الحَدِيث عِنْد أولى الإتقان ... وَالْحِفْظ صِحَة الْإِسْنَاد) (فَإِذا مَا تجمعَا فِي حَدِيث ... فاغتنمه فَذَاك أقْصَى المُرَاد) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 وَبِالْإِسْنَادِ قَالَ (ضل المجسم والمعطل مثله ... عَن مَنْهَج الْحق الْمُبين ضلالا) (وأتى أماثلهم بنكر لارعوا ... من معشر قد حاولوا الإشكالا) (وغدوا يقيسون الْأُمُور برأيهم ... ويدلسون على الورى الأقوالا) (فالأولون تعدوا الْحق الَّذِي ... قد حد فِي وصف الْإِلَه تَعَالَى) (وتصوروه صُورَة من جنسنا ... جسما وَلَيْسَ الله عز مِثَالا) (وَالْآخرُونَ فعطلوا مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن ... أقبح بالمقال مقَالا) (وأبوا حَدِيث الْمُصْطَفى أَن يقبلُوا ... ورأوه حَشْوًا لَا يُفِيد منالا) وَبِالْإِسْنَادِ أَيْضا (غرضي من الدُّنْيَا صديق ... لي صَدُوق فِي المقه) (يرْعَى الْجَمِيل وعينه ... عَن كل عيب مطرقه) (وَإِذا تغير من تغير ... كنت مِنْهُ على ثقه) ذكر استفتاء وَقع فِي زمَان الْحَافِظ أبي طَاهِر وَمن نبأ هَذِه الْفتيا أَن الْيَهُود قبحهم الله رفعوا قصَّة إِلَى السُّلْطَان صَلَاح الدّين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 رَحمَه الله أنهوا فِيهَا أَن عَادَتهم لم تزل بِحمْل أُمُورهم على مَا يرَاهُ مقدم شريعتهم فهم يتحاكمون إِلَيْهِ ويتوارثون على حسب شرعهم من غير أَن يعترضهم فِي ذَلِك معترض وَإِن كَانَ فِي الْوَرَثَة صَغِير أَو غَائِب كَانَ المحتاط على نصِيبه مقدمهم وسؤالهم حمل الْأَمر على الْعَادة فَكتب السُّلْطَان مَا نَصه ليذكر السَّادة الْأَئِمَّة وفقهم الله مَا عِنْدهم على مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا فَكتب أَبُو طَاهِر بن عَوْف الإسكندري وَجَمَاعَة مالكية مَا عِنْدهم وَكتب الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي مَا نَصه الحكم بَين أهل الذِّمَّة إِلَى حاكمهم إِذا كَانَ مرضيا بِاتِّفَاق مِنْهُم كلهم وَلَيْسَ لحَاكم الْمُسلمين النّظر فِي ذَلِك إِلَّا إِذا أَتَاهُ الْفَرِيقَانِ وَهُوَ إِذا مُخَيّر كَمَا فِي التَّنْزِيل {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} وَأما مَال الْغَائِب والطفل فَهُوَ مَرْدُود إِلَى حاكمهم وَلَيْسَ لحَاكم الْمُسلمين فِيهِ نظر إِلَّا بعد جرحه بِبَيِّنَة عَلَيْهِ وجباية ظَاهِرَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَكتبه أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ قلت وَقد ذكر الإِمَام الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله هَذِه الْفتيا فِي كِتَابه الْمُسَمّى كشف الْغُمَّة فِي مِيرَاث أهل الذِّمَّة وَحكى خطوط الْجَمَاعَة كلهم وَذكر أَنه وقف عَلَيْهِ أحضرهُ لَهُ بعض الْيَهُود ليستفتيه فِي هَذَا الْمَعْنى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 قَالَ الْوَالِد فَإِن كَانُوا زوروه فهم عريقون فِي التزوير وَإِلَّا فنتكلم عَلَيْهِ ثمَّ تكلم على كَلَام وَاحِد وَاحِد إِلَى أَن انْتهى إِلَى السلَفِي فَقَالَ وَأما السلَفِي فَهُوَ مُحدث جليل وحافظ كَبِير وَمَاله وللفتوى وَمَا رَأَيْت لَهُ قطّ فَتْوَى غير هَذِه وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يكْتب فَإِن لكل عمل رجَالًا وَقَوله يتَخَيَّر الْحَاكِم فِي الحكم بَينهم هُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَلَعَلَّه لما كَانَ مُقيما بالإسكندرية وَلَيْسَ فِيهَا إِذْ ذَاك إِلَّا مَذْهَب مَالك وَنَظره فِي الْفِقْه قَلِيل أَو مَفْقُود اعْتقد أَن الرَّاجِح عِنْد الشَّافِعِيَّة التَّخْيِير كالمالكية وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة وجوب الحكم لقَوْله تَعَالَى {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} وَقَوله فِي مَال الْغَائِب والطفل لَعَلَّه تَقْيِيد وَحسن ظن بِمن قَالَه من الْمَالِكِيَّة أما الشَّافِعِيَّة الَّذين هُوَ متمذهب بمذهبهم فَلم يقل بِهِ أحد مِنْهُم انْتهى وَسبب تصنيف الْوَالِد رَحمَه الله هَذَا الْكتاب أَنه وَردت عَلَيْهِ فتيا فِي ذمى مَاتَ عَن زَوْجَة وَثَلَاث بَنَات هَل لوكيل بَيت المَال أَن يَدعِي بِمَا يقي عَن ثمن الزَّوْجَة وثلثي الْبَنَات فيأ لبيت مَال الْمُسلمين وَيحكم القَاضِي بذلك فَكتب أَن لَهُ ذَلِك وصنف فِيهِ الْكتاب الْمَذْكُور وَذكر فِيهِ أَن الاستفتاء رفع إِلَى الشَّيْخ زين الدّين بن الكتناني على صُورَة أُخْرَى وَهِي ذمِّي مَاتَ وَخلف وَرَثَة يستوعبون مِيرَاثه على مُقْتَضى شرعهم فَأَرَادَ وَكيل بَيت المَال التَّعَرُّض لَهُم فَكتب ابْن الكتناني لَيْسَ لوكيل بَيت المَال التَّعَرُّض وَالْحَالة هَذِه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فَإِن كَانَ مُسْتَند ابْن الكتناني الرَّد أَو تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام فَهُوَ لم يذكر لَهُ فِي السُّؤَال تعْيين الْوَرَثَة بل قَالُوا على مُقْتَضى شريعتهم وحاروا أَن يَكُونُوا يرَوْنَ تَوْرِيث ورثته واستيعابهم مِمَّن يجمع الْمُسلمُونَ على عدم توريثهم وَإِن كَانَ مُسْتَنده فَسَاد بَيت المَال فالمتأخرون إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك فِي الرَّد وَذَوي الْأَرْحَام وَهُوَ لم يسْأَل عَن ذَلِك بل أطلق السَّائِل سُؤَاله فَشَمَلَ ذَلِك وَغَيره وَإِن كَانَ مُسْتَنده تقريرهم على مُقْتَضى شرعهم فَلَيْسَ لَهُ سلف من الشَّافِعِيَّة يَقُول بِهِ قَالَ فَجَوَابه خطأ على كل تَقْدِير يفْرض قَالَ وَحَضَرت إِلَى فتيا عَلَيْهَا خطوط أَرْبَعَة من الشاميين بِالْحملِ على مُقْتَضى مواريثهم قَالَ وَهُوَ إِطْلَاق لَا يُمكن حمله على وَجه من وُجُوه الصَّوَاب إِلَّا بِأَن يُرَاد إِذا خلف وَرَثَة مستوعبين بِمُقْتَضى شَرِيعَة الْإِسْلَام وَلم يترافعوا إِلَيْنَا فَلَا نتعرض لَهُم فِي قسمتهم وَإِطْلَاق تِلْكَ الْفَتَاوَى وَإِرَادَة هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة خطأ وتجهيل وإغراء بِالْجَهْلِ 584 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن المظفر الْهَرَوِيّ الشَّيْخ أَبُو مُطِيع بن أبي المظفر بن أبي مُطِيع كَانَ جده أَبُو مُطِيع من أَصْحَاب الإِمَام أبي الْقَاسِم الفوراني وَأما أَبُو مُطِيع هَذَا فَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير ولد قبل الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة نصف ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 584 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 قَالَ وَكَانَ شَيخا عَالما بهي المنظر كثير الْمَحْفُوظ واعظا مليح الْوَعْظ يحفظ الحكايات وأحوال النَّاس سمع بمرو أَبَا الْفرج الزاز السَّرخسِيّ وَأَبا عَمْرو الْفضل بن أَحْمد بن متويه الكاكويي وبسرخس أَبَا حَامِد بن عبد الْجَبَّار بن عَليّ الحمكاني وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَولده عبد الرَّحِيم بن أبي سعد وَقَالَ توفّي يَوْم السبت رَابِع عشر ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة 585 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عمر أَبُو المظفر ابْن فَخر الْإِسْلَام أبي بكر الشَّاشِي تفقه على أَبِيه وَسمع من أبي عبد الله بن طَلْحَة وَحدث باليسير روى عَنهُ أَبُو بكر بن كَامِل والحافظ ابْن عَسَاكِر توفّي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر رَجَب سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة بِبَغْدَاد وَدفن فِي دَاره عِنْد جَامع الْقصر الحديث: 585 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 وَمن الرِّوَايَة عَنهُ كتب إِلَى أَحْمد بن أبي طَالب عَن الْحَافِظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْحسن المؤرخ أَخْبرنِي عمر بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ بِدِمَشْق أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن الْحَافِظ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن ابْن عمر أَبُو المظفر بن أبي بكر الشَّاشِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِبَغْدَاد وَأخْبرنَا عَليّ بن أبي مُحَمَّد بن رشيد الْبَزَّار أخبرنَا عبد الْوَاحِد بن الْحُسَيْن الْبَزَّاز قَالَا قِرَاءَة أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن طَلْحَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 النعالي قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بَشرَان أخبرنَا إِسْمَاعِيل ابْن مُحَمَّد النَّحْوِيّ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْحَارِثِيّ حَدثنَا يحيى ابْن سعيد الْقطَّان حَدثنَا ثَوْر هُوَ ابْن يزِيد عَن خَاله وَهُوَ ابْن معدان عَن أبي أُمَامَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رفعت الْمَائِدَة قَالَ (الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ غير مكفى وَلَا مُودع وَلَا مستغني عَنهُ رَبنَا) وَمن الْفَوَائِد عَنهُ أَيْضا أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زَنْجوَيْه أَبُو بكر الزنجاني وزنجان بِفَتْح الزَّاي وَإِسْكَان النُّون ثمَّ جِيم وَآخِرهَا نون بَلْدَة فِي الْعَجم مَعْرُوفَة أحد تلامذه القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ لَهُ رِوَايَة روى عَنهُ مُحَمَّد بن طَاهِر وَأَبُو طَاهِر السلَفِي قَالَ السلَفِي وَكَانَت الرحلة إِلَيْهِ لفضله وعلو إِسْنَاده سمعته يَقُول لي أُفْتِي من سنة تسع وَعشْرين قَالَ وَقيل لي عَنهُ إِنَّه لم يفت خطأ قطّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 قَالَ وَأهل بَلَده يبالغون فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ الْخَواص والعوام ويذكرون ورعه وَقلة طمعه 586 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَالح الحديثي من الحديثة بَلْدَة بالعراق على الْفُرَات أَبُو نصر الشَّاهِد وَالِد قَاضِي الْقُضَاة روح مولده سنة سبع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع النَّقِيب أَبَا الفوارس طراد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِي وَأَبا الْفَضَائِل مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْبَاقِي ابْن طوق الْموصِلِي وَحدث باليسير روى عَنهُ ابْن ابْنه عبد الْملك بن روح وَالْمبَارك بن كَامِل الْخفاف فِي مُعْجم شُيُوخه والحافظ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ توفّي لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 587 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي يَاسر بن عَليّ بن السّري الدوري بِضَم الدَّال وَسُكُون الْوَاو من الدّور الْأَسْفَل بَين سامرا وتكريت أَبُو الْعَبَّاس بن عون الحديث: 586 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 ذكره ابْن باطيش فِي الفيصل وَابْن النجار فِي التَّارِيخ وَابْن باطيش أعرف بِهِ قَالَ كَانَ يعرف بِابْن عون وَكَانَ فَقِيها فَاضلا أديبا شَاعِرًا منشئا كَاتبا حاسبا أصوليا متكلما مليح الْخط عَارِفًا بعلوم الْأَوَائِل حُلْو الْكَلَام فِي المناظرة قَرَأت عَلَيْهِ أصُول الْفِقْه وَسمعت بقرَاءَته عَليّ ابْن سكينَة تَفْسِير الواحدى وغَرِيب الحَدِيث لِابْنِ قُتَيْبَة وَقَالَ ابْن النجار قَرَأَ الْفِقْه وَالْخلاف والأصولين على المجير الْبَغْدَادِيّ وَمن شعره قَالَ (رضيت إِن كَانَ أحبابي فديتهم ... بِمَا أقاسيه من نَار الغرام رَضوا) (إِن يقتلوني بِلَا ذَنْب فقد علمُوا ... أَن لَيْسَ لي فِي حَيَاة بعدهمْ غَرَض) وَمن شعره مِمَّا كتب بِهِ تِلْمِيذه ابْن باطيش جَوَابا (وافى كتابك بعد طول ترقب ... فأبل من مرضِي وبل غليلا) (فلثمته فَرحا بِهِ وصبابة ... حَتَّى محوت مدادة تقبيلا) (وَلَو أَن روحي فِي يَدي بذلتها ... بشرى لحامله وَكَانَ قَلِيلا) (فكتاب إِسْمَاعِيل أفراحي بِهِ ... فَرح الْخَلِيل بكبش إسماعيلا) توفّي بِبَغْدَاد فِي صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 588 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن بشار الخرجردى البوشنجي أَبُو بكر الإِمَام العابد سَاق لَهُ صَاحبه ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير نسبا طَويلا ولد سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وتفقه بهراة على فَقِيه الشاش أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ الشَّاشِي ثمَّ على الإِمَام أبي الممظفر بن السَّمْعَانِيّ وعلق عَلَيْهِ الْخلاف وَالْأُصُول وَكتب تصانيفه جَمِيعهَا بِخَطِّهِ وَقَرَأَ الْمَذْهَب بمرو على الشَّيْخ أبي الْفرج الزاز وَسمع الحَدِيث من شَيْخه أبي بكر الشَّاشِي وَأبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَمن أبي تُرَاب عبد الْبَاقِي بن يُوسُف المراغي وَخلق كثير سمع مِنْهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَسمع بقرَاءَته الْكثير وَقَالَ كَانَ إِمَامًا فَاضلا ورعا مفتيا متفننا عَاد إِلَى نيسابور واشتغل بِالْعبَادَة وانزوى عَن الْخلق وَأعْرض عَنْهُم وَمَا كَانَ يخرج إِلَّا أَيَّام الْجُمُعَات وَكَانَت أوقاته مستغرقة بِالْعبَادَة الحديث: 588 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 قَالَ وَخرج عَازِمًا على الْحَج وَانْصَرف من طبرستان إِلَى نيسابور بِسَبَب وُقُوع الْخلَل فِي الْوضُوء وَالطَّهَارَة قَالَ وَتُوفِّي بنيسابور يَوْم الْخَمِيس السَّابِع من شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ عصبَة الإِمَام إِسْمَاعِيل البوشنجي ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَفِي الْأَنْسَاب 589 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت بن الْحسن بن عَليّ الخجندي أَبُو سعد بن أبي بكر ولد الإِمَام أبي بكر تفقه على وَالِده ودرس بالنظامية وَسمع أَبَا الْقَاسِم بن عَلَيْك وَغَيره وَعمر حَتَّى ناطح الثَّمَانِينَ روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ توفّي يَوْم السبت غرَّة شعْبَان سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بأصبهان الحديث: 589 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 590 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ الطاي الْمَعْرُوف بِابْن طلاي من أهل وَاسِط تفقه عَليّ القَاضِي أبي عَليّ الفارقي وَسمع الحَدِيث من أبي الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَغَيرهم روى عَنهُ يُوسُف بن مُحَمَّد بن مقلد الدِّمَشْقِي وَذكر أَنه كَانَ شَيخا صَالحا توفّي سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة بأصبهان 591 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن القَاضِي أَبُو بكر الأرجاني الشَّاعِر الملقب نَاصح الدّين الحديث: 590 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 كَانَ قَاضِي مَدِينَة تستر وشاعر عصره أَصله من شيراز ولد فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَسمع الحَدِيث بأصبهان مَعَ أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن مَاجَه وبكرمان من الشريف أبي يعلى بن الهبارية روى عَنهُ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن المظفر بن الشهرزوري وَعبد الرَّحِيم بن أَحْمد ابْن الْأُخوة وَابْن الخشاب النَّحْوِيّ وَغَيرهم قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ توفّي بتستر سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَمن الرِّوَايَة عَنهُ كتب إِلَيّ أَبُو الْعَبَّاس بن الشّحْنَة عَن أبي عبد الله بن النجار الْحَافِظ قَالَ قَرَأت على أبي الْقَاسِم عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الْوراق عَن أبي مُحَمَّد بن الخشاب قَالَ أَخْبرنِي القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الأرجاني بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الشريف أَبُو يعلى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن صَالح الْهَاشِمِي بكرمان قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن الْفراء الْبَغْدَادِيّ بهَا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن أبي الفوارس أخبرنَا عمر بن جَعْفَر بن سلم حَدثنَا مُحَمَّد بن يُونُس حَدثنَا حَاتِم بن سَالم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 حَدثنَا زنفل أَبُو عبد الله الْعرفِيّ من أهل عَرَفَات ح وَأخْبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات بن أبي الْفضل البعلبكي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن عبد الله اليونيني سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو طَاهِر بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الخشوعي عَن الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الأديب أخبرنَا أَبُو تَمام مُحَمَّد بن الْحسن الْمقري حَدثنَا عَليّ بن أبي عَليّ بن وصيف الْقطَّان حَدثنَا القَاضِي أَبُو عمر مُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد بن دِرْهَم حَدثنَا مُحَمَّد بن إشكاب حَدثنَا مُحَمَّد ابْن ابي الْوَزير أَبُو الْمطرف حَدثنَا أَبُو عبد الله الْعرفِيّ عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أمرا قَالَ (اللَّهُمَّ خر لي واختر لي) تفرد التِّرْمِذِيّ بتخريجه من هَذَا الْوَجْه فراوة عَن مُحَمَّد بن بشار عَن إِبْرَاهِيم بن أبي الْوَزير أخي مُحَمَّد بن أبي الْوَزير الْمَذْكُور عَن أبي عبد الله زنفل بن عبد الله وَقبل زنفل ابْن شَدَّاد الْعرفِيّ بِهِ وَقَالَ ضَعِيف لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث زنفل وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث وَلَيْسَ لَهُ نقل فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة سوى هَذَا الحَدِيث وَمن شعر الارجاني (أَنا أشعر الْفُقَهَاء غير مدافع ... فِي الْعَصْر أَو أَنا أفقه الشُّعَرَاء) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 (شعري إِذا مَا قلت دونه الورى ... بالطبع لَا بتكلف الْإِلْقَاء) (كالصوت فِي ظلل الْجبَال إِذا علا ... للسمع هاج تجاوب الأصداء) وَله من قصيدة (أأحبتي الشاكين طول تغيبي ... والذاهبين على الْهوى فِي مذهبي) (لَا تحسبوا أَنِّي جعلت على المدى ... لجنابكم بالإختيار تجنبي) (مَا جبت آفَاق الْبِلَاد مطوفا ... إِلَّا وَأَنْتُم فِي الورى متطلبي) (سعيى إِلَيْكُم فِي الْحَقِيقِيَّة وَالَّذِي ... تَجِدُونَ منى فَهُوَ سعى الدهربي) (أنحوكم وَيرد وَجْهي الْقَهْقَرِي ... سيرى فسيرى مثل سير الْكَوْكَب) (فالقصد نَحْو الْمشرق الْأَقْصَى لَهُ ... وَالسير رأى الْعين نَحْو الْمغرب) (تالله مَا صدق الوشاة بِمَا حكوا ... أَنِّي نسيت الْعَهْد عِنْد تغربي) (هان الْمَمَات على بعد فراقكم ... والصعب يسهل عِنْد حمل الأصعب) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 وَله أَيْضا (وَلَقَد دفعت إِلَى الهموم تنوبني ... مِنْهَا ثَلَاث شَدَائِد جمعن لي) (أَسف على ماضي الزَّمَان وحيرة ... فِي الْحَال مِنْهُ وخشية الْمُسْتَقْبل) (مَا إِن وصلت إِلَى زمَان آخر ... إِلَّا بَكَيْت على الزَّمَان الأول) وَله أَيْضا (حَيْثُ انْتَهَت من الهجران فِي فقف ... وَمن وَرَاء دمى بيض الظبا فخف) (يَا عابثا بعدات الْوَصْل يخلفها ... حَتَّى إِذا جَاءَ ميعاد الْفِرَاق يَفِي) (اعْدِلْ كفاتن قد مِنْك معتدل ... واعطف كمائل غُصْن مِنْك منعطف) (وَيَا عذولي وَمن يصغي إِلَى عذل ... إِذا رنا أَحول الْعَينَيْنِ لَا تقف) (يلوم قلبِي أَن أصماه ناظره ... فيمَ اعتراضك بَين السهْم والهدف) (سلوا عقائل هَذَا الْحَيّ أَي دم ... للأعين النجل عِنْد الْأَعْين الذرف) (يستوصفون لساني عَن محبتهم ... وَأَنت أصدق يَا دمعي لَهُم فَصف) (لَيست دموعي لنار الشوق مطفئة ... فَكيف وَالْمَاء باد واللهيب خفى) (فِي ذمَّة الله ذَاك الركب إِنَّهُم ... سَارُوا وَفِيهِمْ حَيَاة المغرم الدنف) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 (فَإِن أعش بعدهمْ فَردا فوا عجبا ... وَإِن أمت وجدا فيا أسفي) 592 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري القَاضِي محيى الدّين ابْن القَاضِي كَمَال الدّين ولد بالموصل سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَولى الْقَضَاء بهَا وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَخَمْسمِائة ذكره ابْن باطيش 593 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْعَبَّاس الشارقي الْأنْصَارِيّ الْوَاعِظ من تلامذة أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ تفقه عَلَيْهِ وَحج وَسمع من كَرِيمَة وَدخل الْعرَاق وَفَارِس ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاد الغرب وَسكن سبتة وفاس الحديث: 592 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 قَالَ ابْن بشكوال كَانَ صَالحا دينا ذَاكِرًا بكاء واعظا توفّي بشرق الأندلس فِي نَحْو الْخَمْسمِائَةِ 594 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر بن هِشَام الطوسي أَبُو نصر خطيب الْموصل مولده سنة سبع أَو ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَسمع من أبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأبي بكر الْخَطِيب وَابْن النقور وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو الْفضل بن نَاصِر وَأَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ وَابْنه أَبُو الْفضل خطيب الْموصل وَآخَرُونَ سمع مِنْهُ أَبُو الْفضل ابْن نَاصِر وَغَيره كتب إِلَيْهِ القَاضِي المرتضى أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري يَقُول (وفيت لَهُ بالعهد دهري وَمَا وفا ... وأصفيته مَحْض الوداد وَمَا صفا) (وعاملته بالود والوصل وَالرِّضَا ... وعاملني بالهجر والسخط والجفا) (وأعطف إِن ولى وأحنو إِذا قسا ... وَأقرب إِذْ ينأى وأعفو إِذا هفا) (وأوليته منى الْجَمِيل تحننا ... وأنسا وإرفاقا بِهِ وتعطفا) الحديث: 594 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 (فَمَا زَاده إِلَّا جفَاء وغلظة ... فَإِن لَان يَوْمًا كَانَ ذَاك تكلفا) (فوف بكأس الود من حاول الوفا ... ودع حَظّ من يهوى الْخلاف ليخلفا) فَأَجَابَهُ أَبُو نصر ارتجالا (يَا من وفيت لَهُ العهود وَمَا وفا ... أصفيته منى الوداد وَمَا صفا) (وأطعته جهدي فقابل طَاعَتي ... بالصد مِنْهُ وبالقطيعة والجفا) (مَا كَانَ ظَنِّي فِي ودادك أَنه ... يزْدَاد لي إِلَّا الصفاء فأخلفا) (قابلت مَحْض مودتي بقطيعة ... وهجرتني طبعا وزدت تكلفا) (فلأجعلن الصَّبْر عَنْك مطيتي ... فَلَعَلَّ قَلْبك أَن يلين ويعطفا) فَأَجَابَهُ القَاضِي المرتضى (حَلَفت بِرَبّ الْبَيْت والركن والصفا ... يَمِين صَدُوق لَا يحول عَن الوفا) (لَئِن قربت بعد التنائي دِيَارهمْ ... وحالوا عَن الهجران والغدر والجفا) (وعادوا إِلَى مَا كنت أَعهد مِنْهُم ... من الود وَالْإِخْلَاص والصدق والوفا) (تجاوزت عَن ذَنْب اللَّيَالِي وجرمها ... وَعَن كل مَا يهفو الزَّمَان وَمَا هفا) شعر القَاضِي المرتضى أَولا وآخرا من بَحر الطَّوِيل وَشعر الْخَطِيب من بَحر الْكَامِل وَكَانَ الْأَحْسَن للخطيب أَن يُجيب من الْبَحْر الَّذِي سُئِلَ مِنْهُ وَلَقَد شعر جيدا وَمَا أرق قَوْله (وهجرتني طبعا وزدت تكلفا) مولده سنة سبع أَو ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات بالموصل سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 595 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الطوسي الشَّيْخ أَبُو الْفتُوح أَخُو الْغَزالِيّ واعظ صوفي عَالم عَارِف طَاف الْبِلَاد وخدم الصُّوفِيَّة وتفقه ثمَّ غلب عَلَيْهِ التصوف والوعظ وَاخْتصرَ الْإِحْيَاء الَّذِي صنفه أَخُوهُ فِي مُجَلد سَمَّاهُ لباب الْإِحْيَاء وصنف أَيْضا الذَّخِيرَة فِي علم البصيرة وَغير ذَلِك قَالَ الْحَافِظ السلَفِي حضرت مجْلِس وعظه بهمذان وَكُنَّا فِي رِبَاط وَاحِد وبيننا ألفة وتودد وَكَانَ أذكى خلق الله وأقدرهم على الْكَلَام فَاضلا فِي الْفِقْه وَغَيره انْتهى وَقَالَ ابْن النجار من أحسن النَّاس كلَاما فِي الْوَعْظ وأرشقهم عبارَة مليح التَّصَرُّف فِيمَا يُورِدهُ حُلْو الاستشهاد أظرف أهل زَمَانه وألطفهم طبعا خدم الصُّوفِيَّة فِي عنفوان شبابه وَصَحب الْمَشَايِخ وَاخْتَارَ الْخلْوَة وَالْعُزْلَة حَتَّى انْفَتح لَهُ الْكَلَام على طَريقَة الْقَوْم ثمَّ خرج إِلَى الْعرَاق ومالت إِلَيْهِ قُلُوب النَّاس وأحبوه وَدخل بَغْدَاد وَعقد مجْلِس الْوَعْظ وَظهر لَهُ الْقبُول التَّام وازدحم النَّاس على حُضُور مَجْلِسه وَدون مجالسه صاعد بن فَارس اللبان بِبَغْدَاد فبلغت ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ مَجْلِسا كتبهَا بِخَطِّهِ فِي مجلدين الحديث: 595 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 وَقَالَ ابْن خلكان كَانَ واعظا مليح الْوَعْظ حسن المنظر صَاحب كرامات وإشارات وَكَانَ من الْفُقَهَاء غير أَنه مَال إِلَى الْوَعْظ فغلب عَلَيْهِ ودرس بالنظامية نِيَابَة عَن أَخِيه لما تزهد وَتركهَا وَمن كَلِمَاته اللطيفة من كَانَ فِي الله تلفه كَانَ على الله خَلفه وَقَرَأَ القارىء يَوْمًا بَين يَدَيْهِ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله} الْآيَة فَقَالَ شرفهم بياء الْإِضَافَة إِلَى نَفسه بقوله {يَا عبَادي} ثمَّ أنْشد (وَهَان على اللوم فِي جنب حبها ... وَقَول الأعادي إِنَّه لخليع) (أَصمّ إِذا نوديت باسمي وإنني ... إِذا قيل لي يَا عَبدهَا لسميع) وَسُئِلَ فِي مجْلِس وعظه عَن قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم وَجهه لَو كشف الغطاء مَا ازددت يَقِينا والخليل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَقُول {أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى قَالَ أَو لم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} فَقَالَ الْيَقِين يتَصَوَّر عَلَيْهِ الْجُحُود والطمأنينة لَا يتَصَوَّر عَلَيْهَا الْجُحُود قَالَ الله تَعَالَى {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 وَكَانَ يدْخل الْقرى والضياع ويعظ لأهل الْبَوَادِي تقربا إِلَى الله تَعَالَى وَيحصل لَهُ فِي وعظه حَال وَحكى يَوْمًا فِي مجْلِس وعظه أَن بعض العشاق كَانَ مَشْغُولًا بِحسن الصُّورَة وَكَانَ ذَلِك مُوَافقا لَهُ فاتفق أَن جَاءَ لَهُ يَوْمًا بكرَة وَقَالَ لَهُ أنظر إِلَى وَجْهي فَأَنا الْيَوْم أحسن من كل يَوْم فَقَالَ وَكَيف ذَلِك قَالَ نظرت فِي الْمرْآة فاستحسنت وَجْهي فَأَرَدْت أَن تنظر إِلَيْهِ فَقَالَ بعد إِن نظرت إِلَى وَجهك قبلي لَا يصلح لي وَكَانَ يلقب بلقب أَخِيه زين الدّين حجَّة الْإِسْلَام قَالَ ابْن الصّلاح وَرَأَيْت مِمَّا دون من مجالسة مجلدات أَرْبعا وَحكى يَوْمًا على رَأس منبره عَن أَخِيه حجَّة الْإِسْلَام أثرا غَرِيبا فَقَالَ سَمِعت أخي حجَّة الْإِسْلَام قدس الله روحه يَقُول إِن الْمَيِّت من حِين يوضع على النعش يُوقف فِي أَرْبَعِينَ موقفا يسائله ربه عز وَجل نسْأَل الله أَن يثبتنا على دينه وَيخْتم لنا بِخَير بمنه وفضله وَمن شعر أخي الْغَزالِيّ (إِذا صَحِبت الْمُلُوك فالبس ... من التوقي أعز ملبس) (وادخل إِذا مَا دخلت أعمى ... واخرج إِذا مَا خرجت أخرس) قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ توفّي أَحْمد الْغَزالِيّ فِي حُدُود سنة عشْرين وَخَمْسمِائة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 596 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن المظفر الإِمَام أَبُو المظفر الخوافي وخواف بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَآخِرهَا فَاء بعد الْوَاو وَالْألف قَرْيَة من أَعمال نيسابور تفقه على أبي إِبْرَاهِيم الضَّرِير ثمَّ على إِمَام الْحَرَمَيْنِ ولازمه فَكَانَ من عُظَمَاء أَصْحَابه وأخصاء طلابه يذاكره فِي ليله ونهاره ويسامره عَلَانيَة إِذا دجا اللَّيْل وماج فِي أسراره وَالْإِمَام يعجب بفصاحته ويثنى على حسن مناظرته ويصفه بِالْفَضْلِ ثمَّ درس فِي حَيَاة الإِمَام وَولى قَضَاء طوس ثمَّ صرف عَنْهَا وَكَانَ دينا ورعا ناسكا لم تعرف لَهُ هناة سمع الحَدِيث من أبي صَالح الْمُؤَذّن وَغَيره كَانَ فِي المناظرة أسدا لَا يصطلى لَهُ بِنَار قَادِرًا على قهر الْخُصُوم وإرهاقهم إِلَى الِانْقِطَاع قَالَ معاصروه زرق من السعد فِي المناظرة كَمَا رزق الْغَزالِيّ من السعد فِي المصنفات تفقه عَلَيْهِ عمر السُّلْطَان وَمُحَمّد بن يحيى وَغَيرهمَا توفّي بطوس سنة خَمْسمِائَة الحديث: 596 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 597 - أَحْمد بن المظفر بن الْحُسَيْن أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي عرف بِابْن زين التُّجَّار مدرس الْمدرسَة الناصرية الصلاحية الْمُجَاورَة للجامع الْعَتِيق بِمصْر وَبِه تعرف الْمدرسَة توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 598 - أَحْمد بن المظفر السراجي أَبُو عبد الله من أهل سجستان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِيهِ إِمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي بهَا فِي عصره تفقه بمرو على وَالِدي وَأقَام عِنْده مُدَّة وبرع فِي الْفِقْه وَله يَد باسطة فِي النّظر وَسمع الْكثير وَحدث بِبَلَدِهِ وَكتب لي بإلإجازة 599 - أَحْمد بن مَنْصُور بن أَحْمد بن عبد الله بن جَعْفَر أَبُو الْعَبَّاس الْفَقِيه من أهل كازرون أحد بِلَاد فَارس قدم بَغْدَاد فِي صباه للتفقه فِي سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة فَسمع بهَا من جمَاعَة كثيرين وَجمع معجما لمشايخه فِي سَبْعَة أَجزَاء الحديث: 597 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 قَالَ ابْن النجار وَولى الْقَضَاء بِبَلَدِهِ ثمَّ سكن شيراز إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ فَقِيها فَاضلا ومُحدثا صَدُوقًا قدم بَغْدَاد رَسُولا إِلَى الدِّيوَان من جِهَة صَاحب شيراز فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 600 - أَحْمد بن مَنْصُور بن عبد الْجَبَّار بن السَّمْعَانِيّ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم ابْن الإِمَام الْجَلِيل أبي المظفر ابْن الإِمَام أبي مَنْصُور عَم الْحَافِظ أبي سعد وأخو وَالِده الإِمَام أبي بكر قَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما مناظرا مفتيا واعظا مليح الْوَعْظ شَاعِرًا حسن الشّعْر لَهُ فَضَائِل جمة ومناقب كَثِيرَة وَذكر أَنه تفقه على وَالِده يَعْنِي أَبَا بكر مُحَمَّدًا أَخا أَحْمد وَأخذ عَنهُ الْعلم وَخَلفه بعده فِيمَا كَانَ مفوضا إِلَيْهِ وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن كامكار بن عبد الرَّزَّاق الأديب وَأبي نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الماهاني وطبقتهم الحديث: 600 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 قَالَ وانتخبت عَلَيْهِ أوراقا وقرأت عَلَيْهِ عَن شُيُوخه وَخرجت مَعَه إِلَى سرخس وانصرفنا إِلَى مرو وَخَرجْنَا فِي شَوَّال سنة تسع وَعشْرين إِلَى نيسابور وَكَانَ خُرُوجه بسبببي لِأَنِّي رغبت فِي الرحلة لسَمَاع صَحِيح مُسلم فَسمع معي الصَّحِيح وعزم على الْخُرُوج إِلَى الوطن وتأخرت عَنهُ مختفيا لأقيم بنيسابور بعد خُرُوجه فَصَبر إِلَى أَن ظَهرت وَرجعت مَعَه إِلَى طوس وانصرفت بِإِذْنِهِ إِلَى نيسابور وَرجع هُوَ إِلَى مرو وأقمت أَنا بنيسابور سنة وَخرجت مِنْهَا إِلَى أَصْبَهَان وَلم أره بعد ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَوصل إِلَى نعيه وَأَنا بِبَغْدَاد 601 - أَحْمد بن مُوسَى بن جوشين بن زغانم بن أَحْمد أَبُو الْعَبَّاس الأشنهي دخل بَغْدَاد وتفقه على أبي سعد الْمُتَوَلِي صَاحب التَّتِمَّة وَسمع أَبَا الْغَنَائِم الدقاق وَأَبا جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَامِد النجاري وَغَيرهمَا وَحدث بِكِتَاب تَنْبِيه الغافلين الحديث: 601 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 روى عَنهُ أَبُو بكر الْمُبَارك وَأَبُو الْقَاسِم ذَاكر ابْنا كَامِل بن أبي غَالب الْخفاف وَكَانَ فَقِيها فَاضلا ذكره ابْن باطيش فِي الطَّبَقَات وَابْن النجار فِي التَّارِيخ وَقَالَ كَانَ غزير الْفضل متدينا صَالحا وَقَالَ الْمُبَارك بن كَامِل كَانَ زاهدا ورعا فَقِيها مفتيا لم أر فِي أَصْحَابنَا مثله مولده سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي لَيْلَة السبت ثَانِي ذِي الْحجَّة سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة وَدفن يَوْم السبت بِجنب شَيْخه أبي سعد الْمُتَوَلِي 602 - أَحْمد بن نصر بن الْحُسَيْن أَبُو الْعَبَّاس الْأَنْبَارِي الْمَعْرُوف بالشمس الدنبلي بِضَم الدَّال وَسُكُون النُّون وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة كَذَا ضَبطه ابْن باطيش فِي كتاب الفيصل وَكَانَ هَذَا الرجل من عُلَمَاء الْموصل قَالَ ابْن باطيش تفقه على جمَاعَة وَأعَاد درس الشَّيْخ أبي المظفر بن مهَاجر وَكَانَت لَهُ معرفَة تَامَّة بِالْمذهبِ ودرس بالنظامية العتيقة بالموصل وبالمدرسة الكمالية القضوية وَولي قبل ذَلِك نِيَابَة الْقَضَاء بِبَغْدَاد عَن القَاضِي الشهرزوري قَالَ وَكَانَ كثير النَّقْل للمسائل مُسَددًا فِي الْفَتَاوَى معتنيا بوسيط الْغَزالِيّ لم يزل يدرس ويفتي إِلَى أَن توفّي بالموصل سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة قَالَ وَحَضَرت دَفنه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ الحديث: 602 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 603 - أَحْمد بن يحيى بن عبد الْبَاقِي بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْفضل الزُّهْرِيّ الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن شقران معيد الْمدرسَة النظامية بِبَغْدَاد كَانَ إِمَامًا واعظا صوفيا سمع أَبَا الْحسن بن العلان وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمُهْتَدي بِاللَّه وَأَبا الْقَاسِم بن بَيَان الرزاز وَغَيرهم روى عَنهُ إِبْرَاهِيم الشعار وَأحمد بن مَنْصُور الكازروني وَعبد الْعَزِيز بن الْأَخْضَر وَغَيرهم توفّي فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة د وَكَانَت وِلَادَته سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 603 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 المحمدون من أهل الطَّبَقَة الْخَامِسَة 604 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْفضل بن أَحْمد بن حَفْص أَبُو الْفضل الماهياني الحديث: 604 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 605 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عمر الإِمَام الْكَبِير فَخر الْإِسْلَام أَبُو بكر الشَّاشِي ولد بميافارقين فِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا حَافِظًا لمعاقد الْمَذْهَب وشوارده ورعا زاهدا متقشفا مهيبا وقورا متواضعا من العاملين القانتين يضْرب الْمثل باسمه تفقه عَليّ مُحَمَّد بن بَيَان الكازروني وعَلى القَاضِي أبي مَنْصُور الطوسي صَاحب الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ إِلَى أَن عزل أَبُو مَنْصُور عَن قَضَاء ميافارقين وَرجع إِلَى طوس فَرَحل فَخر الْإِسْلَام إِلَى الْعرَاق قبل وَفَاة شَيْخه الكازروني وَدخل بَغْدَاد ولازم الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَعرف بِهِ وَصَارَ معيد درسه وتفقه بهَا أَيْضا على أبي نصر بن الصّباغ وجد واجتهد حَتَّى صَار الإِمَام الْمشَار إِلَيْهِ وَسمع الحَدِيث من مُحَمَّد بن بَيَان الكازروني بميافارقين الحديث: 605 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 وقاسم بن أَحْمد الْخياط بآمد وَأَبا بكر الْخَطِيب وَأَبا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأَبا جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمسلمَة وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأَبا يعلى بن الْفراء وَغَيرهم بِبَغْدَاد وَهياج بن مُحَمَّد الحطيني بِمَكَّة روى عَنهُ أَبُو المعمر الْأَزجيّ وَأَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد اليزدي وَأَبُو بكر ابْن النقور وشهده الكاتبة وَأَبُو طَاهِر السلَفِي وَغَيرهم قَالَ أَبُو الْقَاسِم الزنجاني كَانَ أَبُو بكر الشَّاشِي يتفقه مَعنا وَكَانَ يُسمى الْجُنَيْد لدينِهِ وورعه وَعلمه وزهده وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله الْقُرْطُبِيّ الْفَقِيه حضرت أَبَا بكر الشَّاشِي وَقد أُغمي عَلَيْهِ فِي مرض مَوته فَلَمَّا أَفَاق أحضر لَهُ مَاء ليشربه فَقَالَ لَا أحتاج قد سقاني الْآن ملك شربة أغنتني عَن الطَّعَام وَالشرَاب ثمَّ مَاتَ من سَاعَته وَقَالَ أَبُو الْعِزّ الْوَاعِظ كنت مشرفا على غسله وَلما قلب الْغَاسِل عَلَيْهِ المَاء انكشفت الْخِرْقَة عَن عَوْرَته فَوضع يَده على عَوْرَته وسترها توفّي فَخر الْإِسْلَام يَوْم السبت خَامِس عشرى شَوَّال سنة سبع وَخَمْسمِائة وَدفن بِبَاب أبرز مَعَ شَيْخه أبي إِسْحَاق فِي قبر وَاحِد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 وَخلف وَلدين إمامين فِي الْمَذْهَب وَالنَّظَر أَحْمد وَعبد الله وَكَانَ فَخر الْإِسْلَام يدرس أَولا فِي مدرسة لنَفسِهِ لَطِيفَة بناها بقراح ظفر فَلَمَّا بنى تَاج الْملك أَبُو الْغَنَائِم مدرسته بِبَاب أبزر رتبه مدرسا بهَا ثمَّ لما مَاتَ إِلْكيَا الهراسي درس بالنظامية وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ وَمن مصنفاته المستظهري الَّذِي صنفه لأمير الْمُؤمنِينَ المستظهر بِاللَّه وَهُوَ الْمُسَمّى حلية الْعلمَاء وَالْمُعْتَمد وَهُوَ كالشرح لَهُ وَالتَّرْغِيب فِي الْمَذْهَب والشافي فِي شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ والعمدة الْمُخْتَصر الْمَشْهُور وصنف أَيْضا الشافي فِي شرح الشَّامِل وَكَانَ بَقِي من إكماله نَحْو الْخمس هَذَا فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة كَذَا ذكر ابْن الصّلاح وَلَعَلَّه هُوَ شرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا الْمَشَايِخ وَالِدي الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله فِيمَا قَرَأَهُ علينا من لَفظه والمسندة زَيْنَب بنت الْكَمَال أَحْمد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي قِرَاءَة عَلَيْهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 وَأَنا أسمع وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي عمر بِهَذِهِ الْقِرَاءَة الَّتِي قَرَأَهَا وَالِدي رَحمَه الله عَلَيْهَا وَأَنا أسمع لَهُ قَارِئًا ومستمعا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أخبرنَا عبد الْمُؤمن بن خلف الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْبَدْر بن مقبل بن فتيَان بن المنى وَغَيره سَمَاعا عَن شهدة بنت أَحْمد بن الْفرج الإبري سَمَاعا عَلَيْهَا وَقَالَت زَيْنَب أخبرنَا الْمَشَايِخ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن السيدي وَإِبْرَاهِيم بن مَحْمُود بن سَالم بن الْخَيْر والأعز بن الْفَضَائِل بن العليق وَمُحَمّد بن الْمَنِيّ إجَازَة قَالُوا أخبرتنا شهدة سَمَاعا وَقَالَت فَاطِمَة أجازنا مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي أجازتنا شهدة قَالَت حَدثنَا الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الشَّاشِي أخبرنَا الشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن سَلامَة أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن بحشل حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن الْقَاسِم الْمقري حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن حبَان حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَلمَة حَدثنَا سَلمَة بن شبيب حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا الْفضل بن الْمُوفق ابْن عَم سُفْيَان الثَّوْريّ أنبانا الْأَعْمَش قَالَ سَمِعت أَبَا وَائِل يَقُول إِن أهل بَيت يُوجد على مائدتهم رغيف حَلَال لأهل بَيت غرباء وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد الغرافي سَمَاعا أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقطيعِي بِبَغْدَاد أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن الْخلّ سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا شَيخنَا الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 ابْن أَحْمد بن الْحُسَيْن الشَّاشِي قِرَاءَة علينا من كِتَابه أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن بَيَان بن مُحَمَّد الكازروني قِرَاءَة عَلَيْهِ فِي جَامع ميافارقين أخبرنَا أَبُو عمر عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن مهْدي الْفَارِسِي قِرَاءَة عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل القَاضِي حَدثنَا أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الْمدنِي حَدثنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله نُودي فِي الْجنَّة يَا عبد الله هَذَا خير فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بَاب الْجِهَاد وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعِي من بَاب الصَّدَقَة وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعِي من بَاب الريان) فَقَالَ أَبُو بكر بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا على أحد مِمَّن دعِي من تِلْكَ الْأَبْوَاب من ضَرُورَة فَهَل يَدعِي أحد من تِلْكَ الْأَبْوَاب كلهَا قَالَ (نعم وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم) كَذَا وَقع فِي الأَصْل نُودي فِي الْجنَّة وَمن الغرائب والفوائد والمسائل عَنهُ قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة إِن الشَّاشِي ذكر فِي الْحِلْية أَنه رُوِيَ عَن الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء أَن الْمُسلم يقتل بالمستأمن قلت وَالَّذِي فِي الْحِلْية نقل ذَلِك عَن الْإِمْلَاء عَن أبي حنيفَة أَو عَن أبي يُوسُف لَا عَن الشَّافِعِي وَهَذَا نَص الْحِلْية لَا يقتل الْمُسلم بالكافر وَبِه قَالَ عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد وَأَبُو ثَوْر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل الْمُسلم بالذمي وَلَا يقتل بالمستأمن وَبِه قَالَ الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أبي يُوسُف وروى عَنهُ فِي الْإِمْلَاء أَنه يقتل الْمُسلم بالمستأمن انْتهى فَالضَّمِير فِي عَنهُ يعود على أبي يُوسُف وَأبي حنيفَة وَأما الشَّافِعِي فَلم يقل بِذَاكَ لَا فِي قديم وَلَا فِي جَدِيد بل نقل الْإِجْمَاع على خِلَافه فِي الْأُم قَالَ ابْن الرّفْعَة أَيْضا فِي الْكِفَايَة إِن الشَّاشِي نقل فِي الْحِلْية وَجها عَن بعض الْعِرَاقِيّين أَنه لَا يَصح نِكَاح الْمُسلم الحربية قلت وهَذَا كَالْأولِ وَلَيْسَ فِي الْحِلْية نقل ذَلِك إِلَّا عَن الْعِرَاقِيّين وَلم يقل إِنَّه وَجه فِي الْمَذْهَب إِنَّمَا مُرَاده بالعراقيين الْحَنَفِيَّة وَمن الْحَاوِي للماوردي أَخذه إِذْ فِي الْحَاوِي وأبطل الْعِرَاقِيُّونَ نِكَاحهَا فِي دَار الْحَرْب بِنَاء على أصولهم فِي أَن عُقُود دَار الْحَرْب بَاطِلَة وَهِي عندنَا صَحِيحَة انْتهى كَلَام الْحَاوِي وَلذَلِك لم يحكه صَاحب الْبَحْر مَعَ كَثْرَة اسْتِقْصَائِهِ للحاوي وَإِنَّمَا ذَلِك لكَونه لَا يستوعب غَالِبا إِلَّا مَنْقُول الْمَذْهَب دون مَذَاهِب الْمُخَالفين قَالَ فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي فِي المستظهري اخْتلف فِي وجوب الْإِشْهَاد على الشَّهَادَة فَقَالَ بعض فُقَهَاء الْعرَاق يجب وَمذهب الشَّافِعِي أَنه لَا يجب على الشَّاهِد أَن يشْهد على شَهَادَته قَالَ القَاضِي أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ أولى المذهبين عِنْدِي أَن يعْتَبر بِالْحَقِّ الْمَشْهُود بِهِ فَإِن كَانَ مِمَّا ينْتَقل إِلَى الأعقاب كالموقف المؤبد لزمَه الْإِشْهَاد على شَهَادَته وأما الْحُقُوق المعجلة فَلَا يلْزم فِيهَا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه لَو بنى على وجوب الإسجال على الْحَاكِم فيماحكم وَكتبه الْمحْضر كَانَ أشبه انْتهى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 وَالشَّيْخ الإِمَام الْمشَار إِلَيْهِ فيمايظهر هُوَ الشَّاشِي كَأَن نَاسخ الْكتاب عبر عَنهُ بذلك وعَلى هَذَا أجر ابْن الرّفْعَة لم يفهم سواهُ فعزا النبأ إِلَى الشَّاشِي وَفهم صَاحب الذَّخَائِر أَنه أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ صَاحب التَّنْبِيه شيخ الشَّاشِي لِأَن من عَادَة الشَّاشِي أَن يُطلق عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام وَلَكِن لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك هُنَا فِيمَا أَحسب وَهَذَا من آفَات النساخ يغيرون أَلْفَاظ المصنفين فيوقعون خللا كَبِيرا وَكَانَ الْوَاجِب تبقية صُورَة خطّ المُصَنّف على حَالهَا قَالَ فَخر الْإِسْلَام فِي كِتَابه الْعُمْدَة الْمُخْتَصر الْمَشْهُور إِذا كَانَ فِي صَلَاة الصُّبْح وَرفع رَأسه من الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة إِنَّه يقنت بعد قَوْله ربناولك الْحَمد بِتَمَامِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيب وَحكى ابْن الرّفْعَة عَن النبدينجي أَنه يَقُوله بعد الذّكر الرَّاتِب قَالَ ابْن الرّفْعَة وَهُوَ سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك الْحَمد كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهَذَا يتقضى أَنه لَا يَقُول مَا بعد ذَلِك وَقد يُنَازع فِي ذَلِك قَول الشَّاشِي وَالْبَغوِيّ إِنَّه يَقُوله بِتَمَامِهِ فَظَاهر التَّمام أَنه يَقُول مَا بعد ذَلِك وَلم أجد فِي الْمَسْأَلَة صَرِيح نقل فِي الطَّرفَيْنِ وَيظْهر أَن يُقَال إِنَّه يَقُول الذّكر كُله لَا سِيمَا على القَوْل بِأَن الِاعْتِدَال ركن يطول سَوَاء كَانَ طَويلا فِي نَفسه أم قَصِيرا وَفِي حلية الشَّاشِي أَنه إِذا بَاعَ صبرَة طَعَام بصبرة طَعَام مكايلة صَاعا بِصَاع فخرجتا سَوَاء أَنا إِن قُلْنَا فِيمَا إِذا خرجتا متفاضلتين يبطل فها هُنَا وَجْهَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 وَتوقف الْوَالِد فِي إِثْبَات هَذَا الْخلاف وَقَالَ أخْشَى أَن يكون وهما والمجزوم بِهِ عِنْد الْأَصْحَاب الصِّحَّة قَالَ صَاحب الْبَيَان إِذا أَرَادَ الرجل وَطْء امْرَأَته فَقَالَت أَنا حَائِض وَلم يعلم بحيضها فَاخْتلف أَصْحَابنَا فَمنهمْ من قَالَ إِن كَانَت فاسقة لم يقبل قَوْلهَا وَإِن كَانَت عفيفية قبل قَوْلهَا وَقَالَ الشَّاشِي إِن كَانَت بِحَيْثُ يُمكن صدقهَا قبل وَإِن كَانَت فاسقة كَمَا يقبل فِي الْعدة انْتهى وَلَا فرق بَين الزَّوْجَة وَالْأمة قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب قَالَ وَالْمذهب الأول وَلَيْسَ كَمَا إِذا علق طَلاقهَا على حَيْضهَا حَيْثُ يقبل قَوْلهَا فِي الْحيض وَإِن كَانَت فاسقة قَالَ القَاضِي لِأَن الزَّوْج مقصر فِي تَعْلِيقه بِمَا لَا يعرف إِلَّا من جِهَتهَا قلت لَا يَنْبَغِي أَن يدار الحكم هَذَا على فسقها وَعَدَمه بل على ظَنّه صدقهَا وَعَدَمه وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي شرح الْمُهَذّب فَمَتَى اتهمها بِالْكَذِبِ وَطئهَا لأصل الْحل وَمَتى ظن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 صدقهَا وَإِن كَانَت فِي نَفسهَا فاسقة يَنْبَغِي أَن يحرم لِأَن مثل هَذَا لَا يكذب فِيهِ الحليلة حَيْثُ لَا يظْهر غَرَض وَهُوَ لَا يعلم إِلَّا من جِهَتهَا وَمن شعر الشَّاشِي (إِنِّي وَإِن بَعدت دَاري لمقترب ... مِنْكُم بمحض مُوالَاة وإخلاص) (وَرب دَان وَإِن دَامَت مودته ... أدنى إِلَى الْقلب مِنْهُ النازح القاصي) وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي سمعته يَقُول رَأَيْت فِي النّوم كَأَنِّي أنْشد (قد نادت الدُّنْيَا على نَفسهَا ... لَو كَانَ فِي الْعَالم من يسمع) (كم واثق بالعمر أفنيته ... وجامع بددت مَا يجمع) وَمن شعره أَيْضا (لحا الله دهر سدتم فِيهِ أَهله ... وأفضى إِلَيْكُم فيهم النهى وَالْأَمر) (فَلم تسعدوا إِلَّا وَقد أنحس الورى ... وَلم ترأسوا إِلَّا وَقد خرف الدَّهْر) (إِذا لم يكن نفع وضر لديكم ... فَأنْتم سَوَاء وَالَّذِي ضمه الْقَبْر) أما (لَو قيل لي وهجير الصَّيف متقد ... وَفِي فُؤَادِي جوى للْحرّ يضطرم) (أهم أحب إِلَيْك الْيَوْم تبصرهم ... أم شربة من زلال المَاء قلت هم) فَإِنَّهُمَا ليساله وَإِنَّمَا رَوَاهُمَا عَن غَيره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 606 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أبي بشر الْخرقِيّ من أهل خرق إِحْدَى قرى مرو وَهُوَ الإِمَام أَبُو بكر الْمروزِي ولد بقرية خرق فِيمَا ذكر صَاحبه ابْن السَّمْعَانِيّ بعد السّبْعين وَأَرْبَعمِائَة تَقْديرا ورحل إِلَى نيسابور وتفقه بهَا فقها وأصولا وكلاما واشتهر بِعلم الْكَلَام وَسمع من أبي بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَجَمَاعَة روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ فَقِيه فَاضل مُتَكَلم عَاد إِلَى قريته وَكَانَ يعظ فِي الْقرى وبقرية خرق مَاتَ فِي شَوَّال أَو ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 607 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مَنْصُور التوثي الْمروزِي الْمَعْرُوف بفقيه التوث وَهِي قَرْيَة بمرو بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق فِي آخرهَا ثاء مُثَلّثَة وَرُبمَا جعلت الْمُعْجَمَة ذالا مُعْجمَة ولد فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها صَالحا عفيفا متزهدا متقشفا الحديث: 606 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 تفقه على الإِمَام عبد الرَّزَّاق الماخواني وَكتب الحَدِيث الْكثير سمع جدي أَبَا المظفر وَأَبا الْفرج السَّرخسِيّ وَمُحَمّد بن عبد الرَّزَّاق الماخواني وَغَيرهم كتبت عَنهُ الْأَرْبَعين للْإِمَام أبي الْفرج السَّرخسِيّ وَغَيرهَا توفّي لَيْلَة السبت الثَّانِي عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُجَاهِد الْخلال أَبُو بكر من أَصْحَاب الْمُزنِيّ ذكره أَبُو عَاصِم الْعَبَّادِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 608 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن الْحسن ابْن مَنْصُور بن مُعَاوِيَة الْأَصْغَر بن مُحَمَّد بن عُثْمَان وَهُوَ المنكوب ابْن عَنْبَسَة الْأَصْغَر بن عتبَة الْأَشْرَاف بن عُثْمَان بن عَنْبَسَة ابْن أبي سُفْيَان بن صَخْر بن حَرْب الْأمَوِي كَذَا أورد نسبه الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ الأديب الماهر الْمجمع على علمه وذكائه وَقُوَّة نَفسه وَكَثْرَة تعففه أَبُو المظفر الأبيوردي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أوحد عصره وفريد دهره فِي معرفَة اللُّغَة والأنساب وَغير ذَلِك أورد فِي شعره مَا عجز عَنهُ الْأَوَائِل من معَان لم يسْبق إِلَيْهَا وأليق مَا وصف بِهِ بَيت أبي الْعَلَاء المعري (وَإِنِّي وان كنت الْأَخير زَمَانه ... لآت بِمَا لم تستطعه الْأَوَائِل) الحديث: 608 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا تَارِيخ ابيوردونسا والمختلف والمؤتلف وطبقات الْعلم هَذَا بعض كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ وَذكره عبد الغافر فَقَالَ فَخر الْعَرَب أَبُو المظفر الأبيوردي الكوفني الرئيس الْكَاتِب الأديب النسابة من مفاخر الْعَصْر وأفاضل الدَّهْر وَأطَال فِي مدحه سمع أَبُو المظفر الحَدِيث من إِسْمَاعِيل بن مسْعدَة الأسماعيلي وَأبي بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَمَالك بن أَحْمد البانياسي وَعبد القاهر الْجِرْجَانِيّ النَّحْوِيّ روى عَنهُ السلَفِي وَأَبُو بكر بن الخاضبة وَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وامتدحه بقصائد بديعة وَأثْنى عَلَيْهِ غير وَاحِد بِحسن العقيدة وَجَمِيل الطَّرِيقَة وَكَمَال الْفَضِيلَة حَتَّى قَالَ السلَفِي كَانَ الأبيوردي وَالله من أهل الدّين وَالْخَيْر وَالصَّلَاح وَالْفِقْه قَالَ لي وَالله مَا نمت فِي بَيت فِيهِ كتاب الله أَو حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احتراما لَهما قَالُوا إِلَّا أَنه كَانَ ذَا نفس أبيَّة تحدثه بالخلافة وبأمور رفيعة فَلذَلِك نسبت إِلَى نقص فِي الْعقل قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت غير وَاحِد من شيوخي يَقُولُونَ إِنَّه إِذا صلى يَقُول اللَّهُمَّ ملكني مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 وَمن شعره الدَّال على قُوَّة نَفسه (يَا من يساجلني وَلَيْسَ بمدرك ... شأوي وَأَيْنَ لَهُ جلالة منصبي) (لَا تتبعن فدون مَا حاولته ... خرط القتادة وامتطاء الْكَوْكَب) (وَالْمجد يعلم أننا خير أَبَا ... فَاسْأَلْهُ تعلم أَي ذِي حسب أبي) (جدي مُعَاوِيَة الْأَغَر سَمِعت بِهِ ... جرثومة من طينها خلق النَّبِي) (وورثته شرفا رفعت مَنَارَة ... فبنو أُميَّة يفخرون بِهِ وَبِي) وترجمه الْحَافِظ السلَفِي فِي جُزْء مُفْرد وعظمه كثيرا وَذكر أَنه فوض إِلَيْهِ إشراف الممالك بخراسان كلهَا وأحضر عِنْد السُّلْطَان أبي شُجَاع مُحَمَّد بن ملكشاة لتشخيصه وَهُوَ على سَرِير ملكه فارتعد وَوَقع وَرفع مَيتا وَلَعَلَّ ذَلِك من الله مُقَابلَة لَهُ لقُوَّة نَفسه وَمن شعره أَيْضا (تنكر لي دهري وَلم يدر أنني ... أعز وأحدث الزَّمَان تهون) (فَبَاتَ يريني الْخطب كَيفَ اعتداؤه ... وَبت أريه الصَّبْر كَيفَ يكون) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 قَالَ عبد الغافر حصلت لَهُ من السُّلْطَان مَكَانَهُ ونعمة ثمَّ كَانَ يرشح من كَلَامه نوع تشبيب بالخلافة ودعوة إِلَى اتِّبَاع فَضله وادعاء اسْتِحْقَاق الْإِمَامَة يبيض وسواس الشَّيْطَان فِي رَأسه ويفرخ وَيرْفَع الْكبر بِأَنْفِهِ ويشمخ فاضطره الْحَال إِلَى مُفَارقَة بَغْدَاد وَرجع إِلَى همذان فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفيد ويصنف مُدَّة توفّي مسموما بأصبهان فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَخَمْسمِائة كتب إِلَى أَحْمد بن أبي طَالب عَن ابْن النجار أَن القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن الْعمريّ حَدثهُ عَن أبي عَامر مُحَمَّد بن سعدون بن مرجي الْعَبدَرِي قَالَ حَدثنَا أَبُو المظفر الأبيوردي من لَفظه بِبَغْدَاد فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن عبد القاهر بن عبد الرَّحْمَن الْجِرْجَانِيّ بجرجان أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي حَدثنَا أَبُو أَحْمد الجلودي حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان حَدثنَا مُسلم بن الْحجَّاج حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن علية عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايتمنين أحدكُم الْمَوْت لضر نزل بِهِ فَإِن كَانَ لَا بُد متمنيا فَلْيقل اللَّهُمَّ أحيني مَا كَانَت الْحَيَاة خير لي وتوفني إِذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 609 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْخَلِيل بن أَحْمد أَبُو سعد الخليلي النوقاني ولد فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ روى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ توفّي بنوقان فِي أَوَاخِر الْمحرم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 610 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر أَبُو عبد الله الكردرانخاسي من أهل خوارزم تفقه بهَا ثمَّ ارتحل إِلَى مرو فتفقه على الشَّيْخَيْنِ أبي بكر السَّمْعَانِيّ وَإِبْرَاهِيم المروروذي وَسمع الحَدِيث من أبي بكر السَّمْعَانِيّ سمع مِنْهُ صَاحب الْكَافِي وَحدث عَنهُ فِي تَارِيخ خوارزم الحديث: 609 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 وَقَالَ فِيهِ الشَّيْخ الْفَقِيه الدّين الْوَرع قَالَ وَأقَام بقريته كردرانخاسية فَكَانَ هُوَ الْعَالم والواعظ والخطيب بهَا وَكَانَ ثِقَة صَالحا توفّي فِي شهر شَوَّال سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة 611 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْكَرْخِي أَبُو طَاهِر الْمَعْرُوف بشرف الْقُضَاة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ شَافِعِيّ الْمَذْهَب هُوَ أحد نواب قَاضِي الْقُضَاة الزَّيْنَبِي بِبَغْدَاد مرضِي الطَّرِيقَة فِي الْقَضَاء وَالْأَحْكَام وَحسن المعاشرة ملح المجالسة سمع أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن طَلْحَة النعالي وَأَبا عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ بن أَحْمد البسري وَغَيرهمَا سمع مِنْهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة الحديث: 611 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 612 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن السَّمْعَانِيّ أَبُو بكر بن أبي الْقَاسِم أبي المظفر قَالَ صَاحب الْكَافِي فِي تَارِيخ خوارزم شَاب رفيع الشَّأْن من صُدُور خُرَاسَان وَمن أَفْرَاد الزَّمَان بلطافة الْبَيَان وفصاحة اللِّسَان عديم النظير فِي التَّذْكِير دخل خوارزم مرَّتَيْنِ وَكَانَ يروي الْأَحَادِيث مُسندَة عَن أَبِيه وَهُوَ ابْن عَم الْحَافِظ أبي سعد قَالَ صَاحب الْكَافِي سمعته يَقُول على الْمِنْبَر احفظ إيمانك حفظ الْعِمَامَة على رَأسك لَا تكن الْعِمَامَة أعز عَلَيْك من إيمانك أَو كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ ذكره بِالْفَارِسِيَّةِ وَأَنا تَرْجَمته وَأنْشد على رَأس الْمِنْبَر شعرًا يَقُول (وقفت وَقْفَة بِبَاب الطاق ... قينة من مخدرات الْعرَاق) (بنت عشر وَأَرْبع وَثَلَاث ... هِيَ حتف المتيم المشتاق) (قلت من أَنْت يَا خلوب فَقَالَت ... أَنا من لطف صَنْعَة الخلاق) (لَا تعرض لنا فَهَذَا بنان ... قد خضبناه من دم العشاق) الحديث: 612 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 613 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن حييّ أَبُو عبد الله العثماني الديباجي من ولد الديباج مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان من أهل نابلس مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة ببيروت تفقه على الْفَقِيه نصر الْمَقْدِسِي وَسمع الحَدِيث مِنْهُ وَمن الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ بِمَكَّة وَمن مكي بن عبد السَّلَام الْمَقْدِسِي وَجَمَاعَة روى عَنهُ يحيى بن اِسْعَدْ بن بوش وَإِسْمَاعِيل بن أبي تُرَاب الْقطَّان وَغَيرهمَا وَكَانَ إِمَامًا زاهذا ورعا جَامعا بَين الْعلم وَالْعَمَل مقدما فِي الْفِقْه وَعلم الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ قَالَ يُوسُف الدِّمَشْقِي كَانَ الديباجي سيدنَا فِي علم الْأُصُول ومقدمنا فِي الزّهْد وَالسّنة وَالْمَنْقُول وَعَن الْحَافِظ أبي الْفضل بن نَاصِر مَا رَأَيْت من جمع لَهُ بَين العفاف والورع فِي الْوَعْظ كالديباجي الحديث: 613 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 وَعَن أبي الْحسن سعد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمقري مَا صعد كرْسِي وعظ فِيمَا رَأَيْنَاهُ لَا أعلم وَلَا أعف وَلَا أروع من الشريف الديباجي وَقَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر كَانَ يعْقد الْمجْلس فِي جَامع الْخَلِيفَة وبالمدرسة النظامية ويناظر فِي مسَائِل الْخلاف نظرا حسنا ويفتي على مَذْهَب الشَّافِعِي وَله حُرْمَة عِنْد الْخَلِيفَة وَعند الْعَامَّة لتصونه وتعففه ولزومه مَسْجده توفّي يَوْم الْأَحَد ثامن عشري صفر سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة 614 - مُحَمَّد بن أَحْمد السعيدي أَبُو بكر الْخَبَّازِي الآشي خطيب قَرْيَة آش وفقيهها تفقه بمرو على مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق الماخواني وبمرو الروذ على القَاضِي الْحُسَيْن قَالَ صَاحب الْكَافِي توفّي بقريته بانهدام جِدَار عَلَيْهِ سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة الحديث: 614 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 615 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن ثَابت بن فرج أَبُو عبد الله بن الكيزاني الْمَشْهُور فِي الديار المصرية بِالْعلمِ والزهد والتجسيم سمع من أبي الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عمر الْموصِلِي الْفراء وَأبي عَليّ الْحسن ابْن مُحَمَّد بن حسن الجيلي روى عَنهُ جماعات وَلابْن الْمفضل مِنْهُ إجَازَة وَكَانَ مَشْهُور بالبدعة متظاهرا فِيمَا يذكر بالتجسيم دفن لما مَاتَ بِالْقربِ من الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأخْرج ونبش ثمَّ أُعِيد ثمَّ أخرج الشَّيْخ الْعَالم الزَّاهِد الخبوشاني رَحمَه الله عِظَامه وَقَالَ لَا يدْفن صديق وزنديق وَاسْتقر بمكانه الْمَشْهُور بالقرافة توفّي فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَمن شعره (إِن كنت لَا بُد المخالط للورى ... فاصبر فَإِن من الحجا أَن تصبرا) الحديث: 615 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 (وَإِذا لقوك بمنكر من فعلهم ... فتلق الْمَعْرُوف ذَاك المنكرا) (كالأرض تلقى فَوْقهَا أقذارها ... أبدا وتنبت مَا يروق المنظرا) 616 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن مُحَمَّد دأدأ أَبُو جَعْفَر الجرباذقاني فَقِيه فَاضل مُحدث حَافظ متدين كثير الْعِبَادَة سمع من أبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن عمر الأرموي وَغَيرهم ولازم أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر مولده سنة سبع وَخَمْسمِائة وَمَات سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة الحديث: 616 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 617 - مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم العطاري الطوسي أَبُو مَنْصُور الْوَاعِظ الملقب حفدة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة من أهل نيسابور وَأَصله من طوس ولد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وتفقه بطوس على حجَّة الْإِسْلَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ وبمرو على الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن مَنْصُور بن السَّمْعَانِيّ وبمر الروذ عَليّ الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء الْبَغَوِيّ وأتقن الْمَذْهَب وَالْأُصُول وَالْخلاف وَكَانَ من أَئِمَّة الدّين وأعلام الْفُقَهَاء الْمَشْهُورين سمع الْكثير من شَيْخه الْبَغَوِيّ وَحدث عَنهُ بشرح السّنة ومعالم التَّنْزِيل وَسمع أَيْضا من أبي الفتيان عمر بن ابي الْحسن الدهستاني وناصر بن أَحْمد الحديث: 617 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 ابْن مُحَمَّد العياضي وَعبد الْغفار بن مُحَمَّد الشيرويي وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصري وَأَبُو أَحْمد بن سكينَة وَعبد الْعَزِيز بن الْأَخْضَر وَأَبُو الْمجد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقزْوِينِي وَالْقَاضِي أَبُو المحاسن يُوسُف بن رَافع بن شَدَّاد وَغَيرهم قَالَ ابْن النجار وَكَانَ قد أَقَامَ مُدَّة بمرو يعظ ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى نيسابور فَلَمَّا وَقعت حَادِثَة الغز بهَا فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة سَافر إِلَى الْعرَاق وَمِنْهَا إِلَى أذربيجان وَدخل بِلَاد الجزيرة وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس بِسَبَب الْوَعْظ وَحدث بِجَمِيعِ الْبِلَاد الَّتِي دَخلهَا وروى عَنهُ أَهلهَا ثمَّ إِنَّه سكن تبريز إِلَى حِين وَفَاته قلت أصح الْقَوْلَيْنِ أَنه توفّي بهَا سنة ثَلَاث وَسبعين وَخَمْسمِائة وَقيل سنة إِحْدَى وَسبعين وَقد وقفت لَهُ على أجوبة مسَائِل سَأَلَهُ إِيَّاهَا يُوسُف بن مقلد الدِّمَشْقِي فقهية وصوفية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 618 - مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد النوقاني أَبُو سعد تفقه على الْغَزالِيّ وَقتل فِي مشْهد عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة فِي وَاقعَة الغز وَكَانَ يلقب بالسديد تَرْجَمَة ابْن باطيش 619 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله بن ودعة الْبَقَّال أَبُو عبد الله قَالَ ابْن النجار كَانَ فقهيا فَاضلا حسن الْمعرفَة بِالْمذهبِ وَالْخلاف مليح الْكَلَام فِي النّظر والجدل ورتب معيدا بِالْمَدْرَسَةِ النظامية قَالَ ثمَّ إِنَّه خرج عَن بَغْدَاد مُتَوَجها إِلَى الشَّام وناظر الْفُقَهَاء فِي الْبِلَاد الَّتِي دَخلهَا وَظهر كَلَامه عَلَيْهِم قَالَ وَوصل إِلَى دمشق مَرِيضا فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا وَتُوفِّي قَالَ وَكَانَ قد صنف كتابا مليحا فِي اللّعب بالبندق وقسمه على تَقْسِيم كتب الْفِقْه على أَلْسِنَة الرُّمَاة فجَاء حسنا فِي فنه وَأَظنهُ قصد بِهِ الإِمَام النَّاصِر لدين الله الحديث: 618 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 مَاتَ فِي النّصْف من شعْبَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ شَابًّا وَكَانَ وَالِده حَيا 620 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن الْحَافِظ أبي صَالح أَحْمد بن عبد الْملك النَّيْسَابُورِي الْمُؤَذّن الإِمَام أَبُو عبد الله فَقِيه مناظر كَبِير ولد سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة سمع أَبَا بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَعلي بن أَحْمد الْمَدِينِيّ روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْنه عبد الرَّحِيم وَعبد الْوَاحِد بن عبد السَّلَام بن سُلْطَان البيع وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن صَالح بن شَافِع وَغَيرهم وَكَانَ قد انْتقل بِهِ أَبوهُ إِلَى كرمان فَأَقَامَ بهَا قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ قدم إِلَى بَغْدَاد رَسُولا من صَاحب كرمان فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقدم رَسُولا إِلَى السُّلْطَان فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَقَالَ ابْن النجار قدم إِلَى بَغْدَاد رَسُولا غير مرّة توفّي بكرمان فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 621 - مُحَمَّد بن أميركا أَبُو عبد الله الجيلي وَقيل مُحَمَّد بن أَحْمد بن أميركا نزيل الدواليب على وَادي مرو الحديث: 620 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 سمع من أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَغَيره روى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ ولد سنة سبعين وَأَرْبَعمِائَة بمرو وَتُوفِّي فِي نصف الْمحرم سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 622 - مُحَمَّد بن حَاتِم بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِي أَبُو الْحسن من أهل طوس ورد نيسابور وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وسافر إِلَى الْعرَاق وَالشَّام والحجاز والثغور وَسمع بهَا الحَدِيث وَرجع إِلَى نيسابور وسكنها إِلَى أَن مَاتَ سمع رزق الله التَّمِيمِي وَمَالك بن أَحْمد البانياسي وَأَبا الْخطاب بن البطر وَنصر الْمَقْدِسِي وَالْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ وخلقا يطول ذكرهم روى عَنهُ أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ وَأَجَازَ لِابْنِهِ أبي سعد الْحَافِظ وَتُوفِّي بعد استهلال جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ وَلم يذكرهُ ابْن النجار الحديث: 622 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 623 - مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ بن الْقَاسِم الشهرزوري أَبُو المحاسن قَاضِي الرحبة ثمَّ قَاضِي الْموصل ولد سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وَحكم نَحوا من ثَلَاثِينَ سنة كَذَا ذكره ابْن باطيش وَذكر أَنه مَاتَ سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة 624 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن بنْدَار هُوَ أَبُو الْعِزّ الْمقري الْمَعْرُوف بالقلانسي من أهل وَاسِط قَرَأَ الْقُرْآن على جمَاعَة وتفقه عَليّ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع من أبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَأبي الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَجَمَاعَة وَعمر حَتَّى قَرَأَ عَلَيْهِ النَّاس الْكثير وقصدوه من الْبلدَانِ الحديث: 623 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 حدث عَنهُ ذَاكر بن كَامِل الْحذاء وَغَيره توفّي فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة 625 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عمر أَبُو بكر الأرموي قدم بَغْدَاد سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وتفقه عَليّ الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَسمع من أبي الْحُسَيْن بن النقور وَغَيره وَحدث باليسير روى عَنهُ أَبُو معمر الْأنْصَارِيّ فِي مُعْجم شُيُوخه وَابْن السَّمْعَانِيّ فِي ذيله توفّي فِي الْمحرم سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَدفن بالكرخ عِنْد الْفُقَهَاء ابْن سُرَيج وَغَيره الحديث: 625 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 626 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن يَعْقُوب الْمروزِي الزاغولي وزاغول بِفَتْح الزَّاي بعْدهَا ألف يتلوها غين مُعْجمَة مَضْمُومَة بعْدهَا وَاو فِي آخرهَا اللَّام قَرْيَة من قرى خُرَاسَان تفقه بمرو على الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ والموفق بن عبد الْكَرِيم الْهَرَوِيّ وَقَالَ أَبُو سعد وَكَانَ صَالحا فَاضلا سديد السِّيرَة خشن الْعَيْش قانعا باليسير عَارِفًا بِالْحَدِيثِ وطرقه اشْتغل بِطَلَبِهِ وَجمعه طول عمره وَنظر فِي الْأَدَب والكتب وَجمع مجموعات لَعَلَّهَا بلغت أَرْبَعمِائَة مجلدة سَمَّاهَا قيد الأوابد جمع فِيهَا الْعُلُوم ورتبها وَكَانَ قد سَافر إِلَى هراة ونيسابور وَسمع بهما الحَدِيث سمع بهراة أَبَا الْفَتْح نصر بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْحَنَفِيّ وَأَبا عبد الله عِيسَى بن شُعَيْب بن إِسْحَاق السجْزِي وَأَبا سعد مُحَمَّد بن أبي الرّبيع الجيلي الحديث: 626 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 وبمرو الروذ أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن الْحسن الطبسي الْحَافِظ وَالْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ الْفراء وبمرو الإِمَام وَالِدي وَأَبا سعيد مُحَمَّد بن عَليّ الدهان وَجَمَاعَة كَثِيرَة كتبت عَنهُ وَسمعت بقرَاءَته وإفادته الْكثير على الشُّيُوخ وَكَانَ حَرِيصًا على طلب الْعلم ونسخه مَعَ كبر السن سَأَلته عَن مولده غير مرّة فَقَالَ لَا أَحَق وَولده بِهَذِهِ الْقرْيَة أَعنِي زاغول قبل سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة انْتهى وَمَات فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة 627 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مَنْصُور أَبُو بكر الْفَقِيه من أهل الْبَصْرَة حدث عَن أبي الْحسن بن أَحْمد الْحداد الْأَصْبَهَانِيّ وَغَيره قَالَ أَبُو بكر المارستاني كَانَ إِمَام الشَّافِعِيَّة بِالْبَصْرَةِ فَقِيها مفتيا توفّي بِالْبَصْرَةِ فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 627 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 628 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السمنجاني بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَالْمِيم وَسُكُون النُّون وبالجيم بَلْدَة من وَرَاء بَلخ أَبُو جَعْفَر تفقه على أبي سهل الأبيوردي ببخارى وَالْقَاضِي الْحُسَيْن بمرو الروذ وأملى ببلخ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ حَدثنِي عَنهُ جمَاعَة بخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَتُوفِّي سنة أَربع وَخَمْسمِائة ببلخ 629 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو بكر القَاضِي الْمَعْرُوف بفخر الْقُضَاة يضْرب بِهِ الْمثل فِي علم النّظر مَاتَ يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة تَرْجَمَة ابْن باطيش 630 - مُحَمَّد بن حمد بن خلف بن الْحُسَيْن بن أبي المنى أَبُو بكر الْبَنْدَنِيجِيّ الْمَعْرُوف بحنفش الحديث: 628 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 سمع من أبي مُحَمَّد الصرييفني وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَغَيرهمَا روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَغَيرهمَا تفقه على المتولى وَمَات سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 631 - مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الموازيني أَبُو الْمَعَالِي ابْن الشَّيْخ أبي الْحسن السّلمِيّ الدِّمَشْقِي الْمعدل تفقه على جمال الْإِسْلَام وَسمع بِبَغْدَاد من أبي الْقَاسِم بن بَيَان وبدمشق من هبة الله بن الْأَكْفَانِيِّ روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن صصري وزين الْأُمَنَاء أَبُو البركات قَالَ الْحَافِظ كَانَ متجملا حسن الِاعْتِقَاد بَاعَ أملاكه وأنفقها على نَفسه مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 631 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 632 - مُحَمَّد بن خلف بن سعد أَبُو شَاكر التكريتي 633 - مُحَمَّد بن دَاوُد بن رضوَان الإيلاقي أَبُو عبد الله تفقه على الْبَغَوِيّ بمرو الروذ وعَلى مُحَمَّد بن يحيى بنيسابور وَسمع بهَا من أبي عبد الله الفراوي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قدم علينا مرو وَأقَام عِنْدِي فِي مدرستي مُدَّة وَسمعت مِنْهُ أَحَادِيث وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 632 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 634 - مُحَمَّد بن سعد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن سعيد بن الْحسن بن عمر بن مُحَمَّد ابْن سعد المشاط أَبُو جَعْفَر الْوَاعِظ من أهل الرّيّ حدث بِبَغْدَاد عَن أَبِيه أبي الْفَضَائِل بِيَسِير سمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو المحاسن عمر بن عَليّ بن الْخضر الْقرشِي وَذكر أَنه كَانَ أحد الْأَئِمَّة القائمين بِعلم الْأُصُول الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ مولده فِي عَاشر صفر سنة سِتّ وَخَمْسمِائة 635 - مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن عمر بن الْحُسَيْن أَبُو سعد بن الرزاز ولد فِي ثَانِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة وتفقه على وَالِده وَسمع أَبَا عَليّ بن نَبهَان وَأَبا لقاسم بن بَيَان الرزاز وَهبة الله بن مُحَمَّد بن الْحصين وزاهر بن طَاهِر الشحامي وَغَيرهم قَالَ ابْن النجار روى لنا عَنهُ أَبُو نصر عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد الصُّوفِي قَالَ ابْن النجار ورتب نَاظرا فِي ديوَان التركات الحشرية فَلم تحمد طَرِيقَته وذمت أَفعاله وَأجْمع النَّاس على سوء سيرته حَتَّى صَار الْمثل يضْرب بهفي الظُّلم والجور الحديث: 634 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 وَمن شعره (وَمن لم يكن فِي الدَّهْر أَلْقَاهُ مسعدا ... وَلم يلف يَوْم الْحَشْر وَهُوَ شَفِيع) (وَلم يَك خلا فِي الْمَوَدَّة مخلصا ... أرَاهُ إِذا أَدْعُوهُ وَهُوَ مُطِيع) (وَكنت إِذا مَا السِّرّ أبداه حَافِظًا ... ومخفي أسراري لَدَيْهِ تشيع) (وأصبحت لَا أَرْجُو جزيل نواله ... وَلَا لي مرعى من نداه مريع) (فَلَا زَالَ يوليني الصدود مَعَ القلي ... وَيَا لَيْت حَبل الْوَصْل مِنْهُ قطيع) وَقَالَ أَيْضا (طمع الرِّجَال ذَوُو الْغنى أَن يسعدوا ... فِي فضل مَا ادخروا من الْأَمْوَال) (كذبتهم الأطماع حَتَّى إِنَّهُم ... أنسوا بهَا إِذْ أوعدت بمحال) (أمل يقربهُ الرَّجَاء إِلَى المنى ... كم تسخر الْآجَال بالآمال) توفّي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْحجَّة سنة اثِنْتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة 636 - مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الْحسن بن عَمْرو أَبُو عبد الله الفنديني بِضَم الْفَاء وَسُكُون النُّون وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَفِي آخرهَا النُّون نِسْبَة إِلَى فندين قَرْيَة بمرو قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها زاهدا ورعا عابدا متهجدا تَارِكًا للتكلف تفقه على الإِمَام عبد الرَّحْمَن الزاز الحديث: 636 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 وَسمع مِنْهُ وَمن أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن حَامِد الشَّاشِي وَأبي المظفر السَّمْعَانِيّ روى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي بفندين فِي عشْرين من الْمحرم سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 637 - مُحَمَّد بن طرخان بن يلتكين بن بجكم التركي أَبُو بكر الشَّيْخ الْفَقِيه الزَّاهِد الْوَرع مولده سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَقَرَأَ الْفَرَائِض عَليّ أبي حَكِيم الخبري وَالْكَلَام على أبي عبد الله القيرواني الحديث: 637 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 وَسمع من أبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَأبي الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَخلق وَحدث بِيَسِير لِأَنَّهُ مَاتَ فِي الكهولة وروى عَنهُ السلَفِي وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ الأندلسي وَأَبُو مَسْعُود عبد الْجَلِيل كوتاه وَجَمَاعَة وَكَانَ يُقَال إِنَّه مستجاب الدعْوَة مَاتَ فِي ثامن عشر صفر سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة 638 - مُحَمَّد بن عَبَّاس بن أرسلان الْخَوَارِزْمِيّ أَبُو مُحَمَّد بن أبي الْفضل العباسي أَبُو صَاحب الْكَافِي أطنب وَلَده فِي وَصفه فِي تَارِيخ خوارزم وَقَالَ قَرَأَ الْأُصُول وَالْفُرُوع على الإِمَام أبي إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن الْحُسَيْن الدرغاني مهر فِي الْأُصُول وَصَارَ فريد الزَّمَان فِي انطلاق اللِّسَان وَحسن الْبَيَان وانتزاع الْبُرْهَان من الْأُصُول الْعَقْلِيَّة وَالْقُرْآن وأضحى نادرة الْأَيَّام فِي إفحام فحول الْمُجَاهدين وَقت الْخِصَام بأقطع الْإِلْزَام وَقَرَأَ شرح الْمُهَذّب لأبي بكر الصيدلاني فِي مجلدات وأتى على حفظ جَمِيعه فَرُبمَا كَانَ يسْأَل عَن مائَة مَسْأَلَة فِي مَجْلِسه فِي مَوَاضِع مُخْتَلفَة ويجيب عَنْهَا على الْفَوْر الحديث: 638 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 من غير تردد وَلَا تخبط وَيذكر مَا فِيهَا من الْقَوْلَيْنِ والتنبيه على الجوابين وَيذكر عللها قَالَ وَحفظ تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ جَمِيعه فَكَانَ إِذا سُئِلَ فِي مَجْلِسه عَن عشر آيَات فِي مَوَاضِع مُتَفَاوِتَة ذكر تَفْسِيرهَا باخْتلَاف أَقْوَال الْمُفَسّرين من غير غلط وَلَا خطأ ثمَّ قَالَ توفّي وَالِدي يَوْم الإربعاء رَابِع صفر سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ وأشهرا 639 - مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الأرغياني أَبُو نصر ورد نيسابور وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وبرع فِي الْفِقْه وَكَانَ إِمَامًا متنسكا كثير الْعِبَادَة حسن السِّيرَة مشتغلا بِنَفسِهِ وَكَانَ مفتى أَصْحَابنَا فِي وقته سمع أَبَا الْحسن الواحدي وَأَبا بكر أَحْمد بن عَليّ بن خلف الشِّيرَازِيّ وَأَبا عَليّ بن نَبهَان الْكَاتِب وخلقا روى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ بِالْإِجَازَةِ مولده سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَدفن بِظَاهِر نيسابور الحديث: 639 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 640 - مُحَمَّد بن عبد الله بن تومرت أَبُو عبد الله الملقب بالمهدي المصمودي الهرغي المغربي صَاحب دَعْوَة السُّلْطَان عبد الْمُؤمن ملك الْمغرب كَانَ رجلا صَالحا زاهدا ورعا فَقِيها أَصله من جبل السوس من أقْصَى الْمغرب وَهُنَاكَ نَشأ ثمَّ رَحل إِلَى الْمشرق لطلب الْعلم فتفقه على الْغَزالِيّ وإليكا أبي الْحسن الهراسي وَكَانَ أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاء عَن الْمُنكر خشن الْعَيْش كثير الْعِبَادَة شجاعا بطلا قوي النَّفس صَادِق الهمة فصيح اللِّسَان كثير الصَّبْر على الْأَذَى يعرف الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي وينصر الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَكَانَ كثير الْأَسْفَار وَلَا يستصحب إِلَّا عَصا وركوة الحديث: 640 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 وَلَا يصبر عَن النهى عَن الْمُنكر وأوذي بذلك مَرَّات دخل إِلَى مصر وَبَالغ فِي الْإِنْكَار فبالغوا فِي أَذَاهُ وطرده وَكَانَ رُبمَا أوهم أَن بِهِ جنونا وَذَلِكَ عِنْد خشيَة الْقَتْل ثمَّ خرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ ركب الْبَحْر وَمضى إِلَى بِلَاده وَكَانَ قد رأى فِي مَنَامه وَهُوَ بالمشرق كَأَنَّهُ قد شرب مَاء الْبَحْر جَمِيعه كرتين فَلَمَّا ركب السَّفِينَة شرع يُنكر وألزمهم بِالصَّلَاةِ والتلاوة فَلَمَّا انْتهى إِلَى المهدية وصاحبها يَوْمئِذٍ يحيى بن تَمِيم الصنهاجي وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَخَمْسمِائة نزل بهَا فِي مَسْجِد مُعَلّق على الطَّرِيق وَكَانَ يجلس فِي طاقته فَلَا يرى مُنْكرا من آلَة الملاهي أَو أواني الْخمر إِلَّا نزل وكسره فتسامع بِهِ النَّاس وَجَاءُوا إِلَيْهِ وقرءوا عَلَيْهِ كتبا فِي أصُول الدّين وَبلغ خَبره الْأَمِير يحيى فاستدعاه مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء فَلَمَّا رأى سمته وَسمع كَلَامه أكْرمه وَسَأَلَهُ الدُّعَاء فَقَالَ لَهُ أصلحك الله لرعيتك ثمَّ نزح عَن الْبَلَد إِلَى بجاية فَأَقَامَ بهَا يُنكر كدأبة فَأخْرج مِنْهَا إِلَى قَرْيَة ملالة فَوجدَ بهَا عبد الْمُؤمن بن عَليّ الْقَيْسِي فَيُقَال إِن ابْن تومرت كَانَ قد وَقع بِكِتَاب فِيهِ صفة عبد الْمُؤمن واسْمه وَصفته رجل يظْهر بالمغرب الْأَقْصَى من ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو إِلَى الله يكون مقَامه ومدفنه بِموضع من الْمغرب يُسمى ت ى ن م ل ويجاوز وقته الْمِائَة الْخَامِسَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 فالقى فِي ذهنه أَنه هُوَ وَأَن الله ألْقى فِي روعه ذَلِك كُله من غير أَن يجده فِي كتاب فقد كَانَ رجلا صَالحا مُتَمَكنًا ثمَّ إِنَّه أَخذ يتطلب صفة عبد الْمُؤمن فَرَأى فِي الطَّرِيق شَابًّا قد بلغ أشده على الصّفة الَّتِي ألقيت فِي روعه فَقَالَ يَا شَاب مَا اسْمك فَقَالَ عبد الْمُؤمن فَقَالَ الله أكبر أَنْت بغيتي فَأَيْنَ مقصدك قَالَ الْمشرق لطلب الْعلم قَالَ قد وجدت علما وشرفا اصحبني تنله ثمَّ نظر فِي حليته فوافقته فَألْقى إِلَيْهِ سره ثمَّ اجْتمع على ابْن تومرت جمع كثير لما رَأَوْهُ من قوته فِي الْحق وَصَبره على طلب الْمَعيشَة وورعه وَعلمه فَدخل مراكش وملكها عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين وَكَانَ حَلِيمًا متواضعا فَأخذ ابْن تومرت فِي الْإِنْكَار على عَادَته حَتَّى أنكر على ابْنه الْملك وَذَلِكَ فِي قصَّة طَوِيلَة فَبلغ خَبره الْملك وَذكر أَنه تحدث فِي تَغْيِير الدولة فَتكلم مَالك بن وهيب الأندلسي الْفَقِيه فِي أمره وَقَالَ نَخَاف من فتح بَاب يعسر علينا سَده وَكَانَ ابْن تومرت وَأَصْحَابه مقيمين بِمَسْجِد خراب بِظَاهِر الْبَلَد فأحضروا فِي محفل من الْعلمَاء فَقَالَ الْملك سلوا هَذَا مَا يَبْغِي فكلموه وَقَالُوا مَا الَّذِي يذكر عَنْك من القَوْل فِي حق هَذَا الْملك الْعَادِل الْحَلِيم المنقاد إِلَى الْحق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 فَقَالَ أماما نقل عني فقد قلته ولى من وَرَائه أَقْوَال وَكَانَ من قَول القَاضِي فِي مساءلة ابْن تومرت أَن الْملك يُؤثر طَاعَة الله على هَوَاهُ وينقاد إِلَى الْحق فَقَالَ ابْن تومرت فَأَما قَوْلك إِنَّه يوثر طَاعَة الله على هَوَاهُ وينقاد إِلَى الْحق فقد حضر اعْتِبَار صِحَة هَذَا القَوْل عَلَيْهِ ليعلم بتعريه عَن هَذِه الصّفة أَنه مغرور بِمَا تَقولُونَ لَهُ وتطرونه بِهِ مَعَ علمكُم أَن الْحجَّة عَلَيْهِ متوجهة فَهَل بلغك يَا قَاضِي أَن الْخمر تبَاع جهارا وتمشي الْخَنَازِير بَين الْمُسلمين وَتُؤْخَذ أَمْوَال الْيَتَامَى وَعدد كثيرا من ذَلِك حَتَّى ذرفت عينا الْملك وأطرق حَيَاء فَقَالَ مَالك بن وهيب إِن عِنْدِي نصيحة إِن قبلهَا الْملك حمد عَاقبَتهَا وَإِن تَركهَا لم آمن عَلَيْهِ فَقَالَ وَمَا هِيَ قَالَ إِنِّي خَائِف عَلَيْك من هَذَا الرجل وَأرى أَن تسجنه وتسجن أَصْحَابه وتنفق عَلَيْهِم كل يَوْم دِينَارا وَإِلَّا أنفقت عَلَيْهِ خزائنك فوافقه الْملك فَقَالَ الْوَزير أَيهَا الْملك يقبح أَن تبْكي من موعظة هَذَا ثمَّ تسيء إِلَيْهِ فِي مجْلِس وَاحِد وَأَن يظْهر مِنْك الْخَوْف مَعَ عظم ملكك وَهُوَ رجل فَقير لَا يملك سد جوعه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 فانقاد الْملك لكَلَام الْوَزير وَصَرفه وَسَأَلَهُ الدُّعَاء فَقيل إِن ابْن تومرت لما خرج من عِنْده لم يزل وَجهه تِلْقَاء وَجهه إِلَى أَن فَارقه فَقيل لَهُ نرَاك تأدبت مَعَ الْملك فَقَالَ أردْت أَلا يُفَارق وَجْهي الْبَاطِل حَتَّى أغيره مَا اسْتَطَعْت وَلما خرج قَالَ لأَصْحَابه لَا مقَام لنا بمراكش مَعَ وجود مَالك بن وهيب وَإِن لنا بأغمات أَخا فِي الله فنقصده فَلَنْ نعدم مِنْهُ رَأيا وَدُعَاء وَهُوَ الْفَقِيه عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم المصمودي فسافر فِي جماعته إِلَيْهِ فأنزلهم فَبَثَّ إِلَيْهِ سره وَمَا اتّفق لَهُ فَقَالَ هَذَا الْموضع لَا يحميكم وَإِن أحصن الْأَمَاكِن المجاوة لهَذَا الْبَلَد تينملل وَهُوَ مسيرَة يَوْم فِي هَذَا الْجَبَل فانقطعوا فِيهِ مُدَّة ريثما ينسى ذكركُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 فَلَمَّا سمع ابْن تومرت بِهَذَا الِاسْم تجدّد لَهُ ذكر اسْم الْموضع الَّذِي رَآهُ فِي الْكتاب فقصده مَعَ أَصْحَابه فَلَمَّا أَتَوْهُ ورآهم أهل ذَلِك الْمَكَان على تِلْكَ الصُّورَة فَعَلمُوا أَنهم طلاب علم فتلقوهم وأكرموهم وأنزلوهم وَبلغ الْملك سفرهم فسر بذلك وتسامع أهل الْجَبَل بوصول ابْن تومرت فجاؤوه من النواحي يتبركون بِهِ وَكَانَ كل من أَتَاهُ استدناه وَعرض عَلَيْهِ مَا فِي نَفسه فَإِن أَجَابَهُ أَضَافَهُ إِلَى خواصه وَإِن خَالفه أعرض عَنهُ وَكَثُرت أَتْبَاعه وَمن كَلَام عبد الْوَاحِد بن عَليّ التَّمِيمِي المراكشي صَاحب كتاب المعجب أَن ابْن تومرت لما ركب الْبَحْر وَأخذ يُنكر على أهل الْمركب مَا يرَاهُ من المناكر ألقوه فِي الْبَحْر وَأقَام نصف يَوْم يجْرِي فِي المَاء مَعَ السَّفِينَة وَلم يغرق فأنزلوه إِلَيْهِ من أطلعه وعظموه إِلَى أَن نزل ببجاية وَوعظ بهَا ودرس وَحصل لَهُ الْقبُول فَأمره صَاحبهَا بِالْخرُوجِ منهاخوفا مِنْهُ فَخرج وَوَقع بعيد الْمُؤمن وَكَانَ بارعا فِي خطّ الرمل وَوَقع بجفر فِيمَا قيل وصحبهما من ملالة عبد الْوَاحِد المشرقي فَتوجه الثَّلَاثَة إِلَى أقْصَى الْمغرب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 وَقيل إِنَّه لَقِي عبد الْمُؤمن بِبِلَاد متيجة فَرَآهُ يعلم الصّبيان فَأسر إِلَيْهِ وعرفه بالعلامات وَكَانَ عبد الْمُؤمن قد رأى رُؤْيا وَهِي أَنه يَأْكُل مَعَ أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي صَحْفَة قَالَ ثمَّ زَاد أكلي على أكله ثمَّ اختطفت الصحفة مِنْهُ فقصصتها على عَابِر فَقَالَ هَذِه لَا يَنْبَغِي أَن تكون لَك إِنَّمَا هِيَ لرجل ثَائِر يثور على أَمِير الْمُسلمين إِلَى أَن يغلب على بِلَاده وَسَار ابْن تومرت إِلَى أَن نزل فِي مَسْجِد لظَاهِر تلمسان وَكَانَ قد وضع لَهُ هَيْبَة فِي النُّفُوس وَكَانَ طَوِيل الصمت كثير الانقباض إِذا انْفَصل عَن مجْلِس الْعلم لَا يكَاد يتَكَلَّم أَخْبرنِي شيخ عَن رجل من الصَّالِحين كَانَ معتكفا فِي ذَلِك الْمَسْجِد أَن ابْن تومرت خرج لَيْلَة فَقَالَ أَيْن فلَان قَالُوا مسجون فَمضى من وقته وَمَعَهُ رجل حَتَّى أَتَى بَاب الْمَدِينَة فدق على البواب دقا عنيفا فَفتح لَهُ بِسُرْعَة فَدخل حَتَّى أَتَى الْحَبْس وابتدر إِلَيْهِ السجانون يتمسحون بِهِ ونادى يَا فلَان فَأجَاب فَقَالَ اخْرُج فَخرج والسجانون باهتون لَا يمنعونه وَخرج بِهِ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد وَكَانَت هَذِه عَادَته فِي كل مَا يُريدهُ لَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ قدسخرت لَهُ الرِّجَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 وَعظم شَأْنه بتلمسان إِلَى أَن انْفَصل عَنْهَا وَقد استحوذ على قُلُوب كبرائها فَأتى فاس فأظهر الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَكَانَ جلّ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ علم الِاعْتِقَاد على طَريقَة الأشعرية وَكَانَ أهل الْمغرب ينافرون هَذِه الْعُلُوم ويعادون من ظَهرت عَلَيْهِ فَجمع وَالِي فاس الْفُقَهَاء لَهُ فناظرهم فَظهر عَلَيْهِم لِأَنَّهُ وجد جوا خَالِيا وناسا لَا علم لَهُم بالْكلَام فأشاروا على الْمُتَوَلِي بِإِخْرَاجِهِ فَسَار إِلَى مراكش وكتبوه بِخَبَرِهِ إِلَى ابْن تاشفين فَجمع لَهُ الْفُقَهَاء فَلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إِلَّا مَالك ابْن وهيب وَكَانَ متفننا قد نظر فِي الفلسفة فَلَمَّا سمع كَلَامه استشعر حِدته وذكاءه فَأَشَارَ على أَمِير الْمُسلمين ابْن تاشفين بقتْله وَقَالَ هَذَا لَا تؤمن غائلته وَإِن وَقع فِي بِلَاد المصامدة قوى شَره فتوقف عَن قَتله دينا فَأَشَارَ عَلَيْهِ بحبسه فَقَالَ غُلَام أسجن مؤمنالم يتَعَيَّن لنا عَلَيْهِ حق وَلَكِن يخرج عَنَّا فَخرج هُوَ وَأَصْحَابه إِلَى السوس وَنزل بتينملل وَمن هَذَا الْموضع قَامَ أمره وَبِه قَبره فَلَمَّا نزله اجْتمع إِلَيْهِ وُجُوه المصامدة فشرع فِي بَث الْعلم وَالدُّعَاء إِلَى الْخَيْر وكتم أمره وصنف لَهُ عقيدة بلسانهم وَعظم فِي أَعينهم وأحبته قُلُوبهم فَلَمَّا استوثق مِنْهُم دَعَا إِلَى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ونهاهم عَن سفك الدِّمَاء فأقاموا على ذَلِك مُدَّة وَأمر رجَالًا مِنْهُم مِمَّن استصلح عُقُولهمْ بِنصب الدعْوَة واستمالة رُؤَسَاء الْقَبَائِل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 وَأخذ يذكر الْمهْدي ويشوق إِلَيْهِ وَجمع الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِي فَضله فَلَمَّا قرر عِنْدهم عَظمَة الْمهْدي وَنسبه ونعته ادّعى ذَلِك لنَفسِهِ وَقَالَ أَنا مُحَمَّد ابْن عبد الله وسرد لَهُ نسبا إِلَى عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَصرح بِدَعْوَى الْعِصْمَة لنَفسِهِ وَأَنه الْمهْدي الْمَعْصُوم وَبسط يَده للمبايعة فَبَايعُوهُ فَقَالَ أُبَايِعكُم على مَا بَايع عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ صنف لَهُم تصانيف فِي الْعلم مِنْهَا كتاب سَمَّاهُ أعز مَا يطْلب وعقائد على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فِي أَكثر الْمسَائِل إِلَّا فِي إِثْبَات الصِّفَات فَإِنَّهُ وَافق الْمُعْتَزلَة فِي نَفيهَا وَفِي مسَائِل قَليلَة غَيرهَا وَكَانَ يبطن شَيْئا من التَّشَيُّع ورتب أَصْحَابه طَبَقَات فَجعل مِنْهُم الْعشْرَة ... 641 - مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ أَبُو الْفضل بن أبي مُحَمَّد الشهرزوري الْموصِلِي قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين ولد سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه بِبَغْدَاد على أسعد الميهني الحديث: 641 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 وَسمع من أبي طَالب الزَّيْنَبِي وَأبي البركات بن خَمِيس وجده لأمه عَليّ بن أَحْمد ابْن طوق وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصرى وَأَخُوهُ أَبُو الْقَاسِم ابْن صصرى وَالشَّيْخ الْمُوفق ابْن قدامَة وَآخَرُونَ ولى قَضَاء الْموصل وَكَانَ يتَرَدَّد بَينهَا وَبَين بَغْدَاد رَسُولا من صَاحبهَا إِلَى الْخَلِيفَة ثمَّ قدم الشَّام وافدا على نور الدّين فَبَالغ فِي إكرامه وولاه قَضَاء دمشق وَنظر الْأَوْقَاف وَنظر أَمْوَال السُّلْطَان وَغير ذَلِك فاستناب ابْنه القَاضِي أَبَا حَامِد بحلب وَابْن أَخِيه أَبَا الْقَاسِم بحماة وَابْن أَخِيه الآخر بحمص وَكَانَ فقهيا أصوليا أديبا شَاعِرًا ظريفا ذَا أفضال وقف أوقافا كَثِيرَة مِنْهَا مدرسة بالموصل ومدرسة بنصيبين ورباطا بِمَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتمكن فِي الْأَيَّام النورية تمَكنا بَالغا فَلَمَّا تملك السُّلْطَان صَلَاح الدّين أقره على مَا كَانَ عَلَيْهِ ونال مَا لم ينله أحد من الْفُقَهَاء من التَّقَدُّم ونفاذ الْكَلِمَة وَلما قدم صَلَاح الدّين دمشق سنة سبعين لأجل أَخذهَا نزل بدار العقيقي وتعسرت عَلَيْهِ القلعة أَيَّامًا مَشى بِنَفسِهِ إِلَى دَار قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين زَائِرًا مستشيرا فَتَلقاهُ وجالسه وباسطه وَقَالَ طب نفسا وقر عينا فَالْأَمْر أَمرك والبلد بلدك وَفِي هَذَا من الدّلَالَة على جلالة قدر القَاضِي مَا لَا يخفى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 وَكَانَ يهب الْألف دِينَار فَمَا فَوْقهَا وَهُوَ الَّذِي وقف الْحصَّة من قَرْيَة الهامة على المقادسة وَفِيمَا أحفظه من محَاسِن الثَّلَاثَة السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَالْقَاضِي الْفَاضِل وقاضي الْقُضَاة كَمَال الدّين أَن السُّلْطَان لما جَاءَ إِلَى الشَّام كتبت قصَص كَثِيرَة فِي كَمَال الدّين ومرافعات شَتَّى وَنسب إِلَى أُمُور مِمَّا جرت عَادَة المرافعين بِنِسْبَة الْحُكَّام إِلَيْهَا وَقيل إِن القَاضِي الْفَاضِل كَانَ يكره القَاضِي كَمَال الدّين فَأدى الْقَصَص إِلَى السُّلْطَان فِي كَمَال الدّين فِي أثْنَاء الطَّرِيق فَلم يصل السُّلْطَان إِلَى الْكسْوَة إلأ وَقد حصل عِنْده من كَمَال الدّين شَيْء مَعَ مَا قيل إِنَّه كَانَ لَا يُحِبهُ من أَيَّام نور الدّين فَاجْتمع أَصْحَاب كَمَال الدّين إِلَيْهِ وأشاروا عَلَيْهِ بِالْخرُوجِ لتلقي السُّلْطَان فَأبى جَريا على مَا أَلفه فِي أَيَّام نور الدّين من تردد النَّاس إِلَيْهِ وَعدم تردده إِلَى النَّاس فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة دُخُول السُّلْطَان دمشق تحزب أَصْحَاب كَمَال الدّين عَلَيْهِ وَقَالُوا هَذَا السُّلْطَان من الأَصْل لَا يحبك ومدبر دولته القَاضِي الْفَاضِل كَذَلِك وأعداؤك قد تحزبوا عَلَيْك وَمَا كنت تعرفه من الرّفْعَة قد زَالَ بِزَوَال دولة نور الدّين وَالسُّلْطَان بكرَة غَد يدْخل الْبَلَد وَقد دخل القَاضِي الْفَاضِل الْبَلَد اللَّيْلَة ونرى أَن تمشي إِلَيْهِ فأظهر تألما كثيرا لذَلِك فألزم وَرُبمَا حلف عَلَيْهِ فَمضى وَمَعَهُ اثْنَان أَحدهمَا وَلَده وَالْآخر بعض من أَشَارَ عَلَيْهِ وَفِي ذهنه أَنه من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 حِين يقبل على دَار القَاضِي الْفَاضِل يخرج لتلقيه فَقعدَ على الْبَاب زَمَانا طَويلا ليؤذن لَهُ فَأَما الرجل الَّذِي كَانَ مَعَه وَأَشَارَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ هرب حَيَاء من القَاضِي كَمَال الدّين وَصَارَ كَمَال الدّين وَولده فَخرج الطواشي وَذكر أَن الْفَاضِل نَائِم فَقَامَ كَمَال الدّين وَعَاد إِلَى دَار فِي أَسْوَأ حَال وسرى القَاضِي الْفَاضِل فِي أثْنَاء اللَّيْل لتلقي صَلَاح الدّين وجاراه الْكَلَام حَتَّى انْتهى إِلَى ذكر كَمَال الدّين فَقَالَ ياخوند هَذَا رجل مُعظم فِي الْعلم والسؤدد وأفعال نور الدّين عِنْد النَّاس مسددة وَكَانَ مِنْهَا تَعْظِيم هَذَا الرجل وغالب مَا ينْسب إِلَيْهِ كذب وَأما مَا ذكر من كَثْرَة دخله فَهُوَ وَإِن كثر دون كثير من أُمَرَاء المملكة وَلَعَلَّه أَحَق بِبَيْت المَال وأمواله من كثير مِنْهُم فَالَّذِي أرَاهُ تَعْظِيمه وَكَذَا وَكَذَا وَعَاد إِلَى الْبَلَد مصبحا قبل دُخُول صَلَاح الدّين وَتوجه إِلَى دَار كَمَال الدّين فَجَلَسَ على الْبَاب وَطلب الْإِذْن فَلَمَّا دخل الْخَادِم ليستأذن كَمَال الدّين عَلَيْهِ مضى وَلم يلبث علما مِنْهُ بِأَن كَمَال الدّين سيجازيه على عدم خُرُوجه لَهُ وَلَا يخرج لقُوَّة نفس كَمَال الدّين فَكَانَ كَذَلِك دخل الْخَادِم إِلَى كَمَال الدّين فاعتل بعلة وَلم يخرج فَخرج الْخَادِم فَلم يجد الْفَاضِل ثمَّ لما عبر السُّلْطَان الْبَلَد وَبَدَأَ بالجامع فصلى فِيهِ قيل إِن الْفَاضِل أَخذه من الْجَامِع وَجَاء بِهِ إِلَى دَار كَمَال الدّين وَصَارَت لَهُ الْيَد الْبَيْضَاء عِنْد كَمَال الدّين بِهَذِهِ الْوَاقِعَة وتصادقا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 فإمَّا أَن يكون صَلَاح الدّين توجه إِلَى بَيت كَمَال الدّين مرَّتَيْنِ مرّة أول قدومه وَهِي هَذِه وَمرَّة بِسَبَب القلعة وَإِمَّا أَن يكون مرّة وَاحِدَة وَهُوَ الْأَقْرَب وَمن شعر كَمَال الدّين (وَجَاءُوا عشَاء يهرعون وَقد بدا ... بجسمي من دَاء الصبابة ألوان) (فَقَالُوا وكل مُعظم بعض مَا رأى ... أصابتك عين قلت عين وأجفان) وَقَالَ أَيْضا ولي كتائب أنفاس أجهزها ... إِلَى جنابك إِلَّا أَنَّهَا كتب) (ولي أَحَادِيث من نَفسِي أسر بهَا ... إِذا ذكرتك إِلَّا أَنَّهَا كذب) توفّي فِي سادس الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة 642 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن أَسد ابْن نصر الشِّيرَازِيّ الْمَعْرُوف بِابْن فوران الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح ولد فِي شَوَّال سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَهُوَ من الرّيّ وَأَصله من شيراز وَسكن آمل طبرستان وَكَانَ فَقِيها واعظا شَاعِرًا مليح الشّعْر سمع بِالريِّ أَبَا الْفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الفراوي الْوَاعِظ وَغَيره الحديث: 642 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 كتبت عَنهُ بآمل شَيْئا يَسِيرا من شعره توفّي بآمل طبرستان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 643 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عموية أَبُو جَعْفَر السهروردي أَخُو الشَّيْخ أبي النجيب تفقه عَليّ أسعد الميهني قَالَ يُوسُف الدِّمَشْقِي كَانَ لَهُ حَظّ وافر من الْعلم وَكَانَ حسن الْوَعْظ وَتَوَلَّى قَضَاء شهرزور وَقتل بهَا فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 644 - مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي صَالح البسطامي أَبُو عَليّ الْمَعْرُوف بِإِمَام بَغْدَاد تفقه عَليّ إِلْكيَا الهراسي ورحل إِلَى خُرَاسَان واستوطنها قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا مناظرا وشاعرا مجودا قَالَ وَسمع من أبي الْقَاسِم بن بَيَان وَأبي الْحسن بن العلاف وَأبي عَليّ بن نَبهَان وَغَيرهم الحديث: 643 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 وروى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ إِنَّه سَأَلَهُ عَن مولده فَقَالَ بِبَغْدَاد فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي ببلخ فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَمن شعره (إِذا كنت فِي دَار القناعة ثاويا ... فَذَلِك كنز فِي يَديك عتيد) (وَإِن ساءك الْآتِي بِمَا لَا تريده ... فَذَلِك هم لَا يزَال يزِيد) 645 - مُحَمَّد عبد الله بن أبي الْحسن أَبُو جَعْفَر الصائغي الْمروزِي الْمَعْرُوف بالسديد ولد فِي حُدُود سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فِي صفر تَرْجمهُ ابْن باطيش 646 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الإِمَام أَبُو الْفَتْح البنجديهي الحمدويني الْمروزِي الْفَقِيه تفقه على أبي بكر مُحَمَّد بن ابي المظفر السَّمْعَانِيّ الحديث: 645 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 وَسمع من إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الْبَيْهَقِيّ وَهبة الله بن عبد الْوَارِث الْحَافِظ وَغَيرهمَا سمع مِنْهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ مولده سنة بضع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي عشر الْخمسين وَخَمْسمِائة 647 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو طَالب الكنجروذي النَّيْسَابُورِي سمع ابا الْحسن أَحْمد بن عبد الرَّحِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَمُحَمّد ابْن إِسْمَاعِيل التفليسي وَغَيرهم ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْنه عبد الرَّحِيم وَقَالَ توفّي فِي خَامِس شهر رَجَب سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 648 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي تَوْبَة أَبُو الْفَتْح الْكشميهني الْخَطِيب شيخ الصُّوفِيَّة بمرو مولده إِمَّا سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ أَو اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 647 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 وَهُوَ آخر من روى فِي الدُّنْيَا عَن أبي الخيرمحمد بن أبي عمرَان سمع مِنْهُ صَحِيح البُخَارِيّ وَسمع أَيْضا من أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَهبة الله بن عبد الْوَارِث وَغَيرهمَا وتفقه على أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَحدث بالكثير روى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَابْنه عبد الرَّحِيم بن أبي سعد ومسعود بن مَحْمُود المنيعي وَشَرِيفَةٌ بنت أَحْمد بن عَليّ الْغَازِي وَغَيرهم قَالَ أَبُو سعد كَانَ عَالما حسن السِّيرَة جميل الْأَمر سخيا مكرما للغرباء توفّي فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 649 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن يُوسُف الخلوقي الْمروزِي إِمَام عَارِف بِالْمذهبِ الحديث: 649 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 سمع أَبَا الْخَيْر الصفار وَمُحَمّد بن الْحسن الْمهْر بندقشايي وَجَمَاعَة 650 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ صَاحب كتاب الْإِكْمَال لما وَقع فِي التَّنْبِيه من الْإِشْكَال والإجمال 651 - مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الحديث: 650 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 652 - مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن طَاهِر الْوزان أَبُو عبد الله بن أبي سعد بن أبي الْعَبَّاس بن أبي سعد من أهل الرّيّ رئيسها وَابْن رؤسائها والمقدم على سَائِر الطوائف بهَا كَانَ من كبار الْفُقَهَاء على مَذْهَب الشَّافِعِي وَذَا مكانة رفيعة عِنْد الْمُلُوك وَمن شعره (لكَلْب عقور أسود اللَّوْن حالك ... على صدر سَوْدَاء الذوائب كاعب) (أحب إِلَيْهَا من معانقة الَّذِي ... لَهُ لحية بَيْضَاء فَوق الترائب) توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ومولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة هَذَا مُخْتَصر من تَارِيخ ابْن النجار (لقد فاق فِي الْآفَاق كل موفق ... أَفَاق بهَا من سكرها صحابها) (فسل جَامع الْأَمْوَال فِيهَا بحرصه ... أخلفها من بعده أم سرى بهَا) (هِيَ الْآل فاحذرها وذرها لأَهْلهَا ... وَمَا الْآل إِلَّا لمْعَة من سرابها) (وَكم أَسد سَاد البرايا ببره ... وَلَو نابها خطب إِذا مَا وني بهَا) (فَأصْبح فِيهَا عِبْرَة لأولى النهى ... بمخلبها قد مزقته ونابها) الحديث: 652 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 وَفِي كتاب الطَّبَقَات الْوُسْطَى وَالصُّغْرَى مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن طَاهِر الْوزان لَقِي أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وتفقه على وَالِده ثمَّ على أبي بكر الخجندي بأصبهان وَسمع بِبَغْدَاد عَليّ ابْن النقور وَمَات فِي حُدُود سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة بِالريِّ وَهَذَا مُخْتَصر من كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ وَلم يذكرهُ ابْن النجار وَإِنَّمَا ذكر من صدرنا التَّرْجَمَة باسمه وَعِنْدِي أَن هَذَا جد ذَاك فَيكون صَاحب التَّرْجَمَة مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم لَا مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم ابْن أَحْمد وَلَكِن وَقع فِي تَارِيخ ابْن النجار أَحْمد مَوضِع مُحَمَّد فَليُحرر ذَلِك وَالْحَاصِل أَنَّهُمَا فقيهان ترْجم الْمُتَأَخر مِنْهُمَا ابْن النجار وَلم يترجم الْمُتَقَدّم وَعكس ابْن السَّمْعَانِيّ وللمتأخر مِنْهُمَا شرح على وجيز الغزالبي 653 - مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد أَبُو الْفَتْح الْمَعْرُوف بالشهر ستاني صَاحب كتاب الْملَل والنحل وَهُوَ عِنْدِي خير كتاب صنف فِي هَذَا الْكتاب الحديث: 653 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 ومصنف ابْن حزم وَإِن كَانَ أبسط مِنْهُ إِلَّا أَنه مبدد لَيْسَ لَهُ نظام ثمَّ فِيهِ من الْحَط على أَئِمَّة السّنة وَنسبَة الأشاعرة إِلَى مَا هم بريؤون مِنْهُ مَا يكثر تعداده ثمَّ ابْن حزم نَفسه لَا يدْرِي علم الْكَلَام حق الدِّرَايَة على طَرِيق أَهله وللشهر ستاني أَيْضا كتاب نِهَايَة الْإِقْدَام فِي علم الْكَلَام وَغَيرهمَا كَانَ إِمَامًا مبرزا مقدما فِي علم الْكَلَام وَالنَّظَر برع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْكَلَام وتفقه على أَحْمد الخوافي وَأخذ أصُول الْكَلَام على الْأُسْتَاذ أبي نصر بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَقَرَأَ الْكَلَام أَيْضا على الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ورد بَغْدَاد فِي سنة عشر وَخَمْسمِائة وَأقَام بهَا ثَلَاث سِنِين وَكَانَ بعظ بهَا وَيظْهر لَهُ قبُول عِنْد الْعَوام وَقد سمع بنيسابور من أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْمَدِينِيّ وَغَيره سَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة هَذَا كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الذيل وَقد حَكَاهُ ابْن الصّلاح فِي الطَّبَقَات ووقفت على الذيل وَعِنْدِي مِنْهُ نسختان فَلم أجد فِي التَّرْجَمَة زِيَادَة على مَا حكيت إِلَّا أَنه روى عَنهُ حَدِيثا وحكايتين مسندتين وَذكر أَنه سَمعه يَقُول فِي المذاكرة سُئِلت بِبَغْدَاد فِي الْمجْلس عَن مُوسَى فَقلت الْتفت مُوسَى 13 يَمِينا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 ويسار فَمَا رأى من يسْتَأْنس بِهِ وَلَا جارا فآنس من جَانب الطّور نَارا (خرجنَا نبتغي مَكَّة ... حجاجا وَعمَّارًا ( (فَلَمَّا بلغ الْحيرَة ... حادى جملي حارا) (فصادفنا بهَا ديرا ... وَرُهْبَانًا وخمارا) هَذَا ملخص مَا فِي ذيل ابْن السَّمْعَانِيّ وَفِي تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَن ابْن السَّمْعَانِيّ ذكر أَنه كَانَ مُتَّهمًا بالميل إِلَى أهل القلاع يَعْنِي الإسماعيلية والدعوة إِلَيْهِم والنصرة لطاماتهم وَأَنه قَالَ فِي التجير إِنَّه مُتَّهم بالإلحاد والميل إِلَيْهِم غال فِي التَّشَيُّع انْتهى مُخْتَصرا فَأَما الذيل فَلَا شَيْء فِيهِ من ذَلِك وَإِنَّمَا ذَلِك فِي التحبير وَمَا أَدْرِي من أَيْن ذَلِك لِابْنِ السَّمْعَانِيّ فَإِن تصانيف أبي الْفَتْح دَالَّة على خلاف ذَلِك وَيَقَع لي هَذَا دس على ابْن السَّمْعَانِيّ فِي كِتَابَة التحبير وَإِلَّا فَلم لم يذكرهُ فِي الذيل لَكِن قريب مِنْهُ قَول صَاحب الْكَافِي لَوْلَا تخبطه فِي الِاعْتِقَاد وميله إِلَى أهل الزيغ والإلحاد لَكَانَ هُوَ الإِمَام فِي الْإِسْلَام وَأطَال فِي النّيل مِنْهُ وَقَالَ كَانَت بَيْننَا محاورات ومفاوضات فَكَانَ يُبَالغ فِي نصْرَة مَذَاهِب الفلاسفة والذب عَنْهُم هَذَا كَلَام الْخَوَارِزْمِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 654 - مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن الْفضل بن الْحسن بن الْحُسَيْن الْقزْوِينِي أَبُو الإِمَام الرَّافِعِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا روى عَن أبي البركات الفراوي وَعبد الْخَالِق الشحامي وَسعد الْخَيْر مُحَمَّد بن طراد الزَّيْنَبِي وَغَيرهم وتفقه بقزوين على ملكداد بن عَليّ وبنيسابور على مُحَمَّد بن يحيى وببغداد على أبي مَنْصُور بن الرزاز ذكره وَلَده الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كتاب الأمالي وَأكْثر فِيهِ الرِّوَايَة عَنهُ وَفرق تَرْجَمته على الْمجَالِس الَّتِي رُوِيَ عَنهُ فِيهَا فَذكر فِي كل مجْلِس غير مَا فِي الْمجْلس الْمُتَقَدّم عَنهُ وَقَالَ فِيهِ وَالِدي مِمَّن خص بعفة الذيل وَحسن السِّيرَة وَالْجد فِي الْعلم وَالْعِبَادَة وذلاقة اللِّسَان وَقُوَّة الْجنان والصلابة فِي الدّين والمهابة عِنْد النَّاس والبراعة فِي الْعلم حفظا وضبطا ثمَّ إتقانا وبيانا وفهما ودراية ثمَّ أَدَاء وَرِوَايَة قَالَ وَأَقْبَلت عَلَيْهِ المتفقهة بقزوين فدرس وَأفَاد وصنف فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير وَكَانَ جيد الْحِفْظ الحديث: 654 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 سمعته يَقُول سهرت البارحة مفكرا فِيمَا أحفظ من الأبيات المفردة والمقطوعات خَاصَّة فَذكر آلافا قَالَ وَحكي لي الْحُسَيْن بن عبد الرَّحِيم الْمُؤَذّن وَهُوَ رجل صَالح أَن وَالِدي خرج لَيْلَة لصَلَاة الْعشَاء وَكَانَت لَيْلَة مظْلمَة فَرَأَيْت نورا فحسبت أَن مَعَه سِرَاجًا فَلَمَّا وصل إِلَيّ لم أجد مَعَه شَيْئا فَذكرت لَهُ فَلم يُعجبهُ وُقُوفِي على حَاله وَقَالَ لي أقبل عَليّ شَأْنك قلت وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة وَلَده مَا يشبه هَذِه الْحِكَايَة فَلَعَلَّ نوع هَذِه الْكَرَامَة فِي الْوَالِد وَالْولد قَالَ الرَّافِعِيّ وَلَعَلَّ الله أَن يوفقني لما هَمَمْت بِهِ من جمع مُخْتَصر فِي مناقبه قلت وَقد نقل عَنهُ فِي الشَّرْح فِي مَوَاضِع كَثِيرَة مِنْهَا التَّيَمُّم وفِي الْجَنَائِز فِي موضِعين وَالْبيع والشهادات وَفِي الصَّلَاة فِي إِشَارَة الْأَخْرَس فِيهَا نقل أَن الْغَزالِيّ أجَاب فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 الْفَتَاوَى بِأَنَّهَا تبطل وَأَنه رأى بِخَط وَالِده حِكَايَة وَجه أَنَّهَا لَا تبطل ثمَّ حكى هُوَ أَعنِي الرَّافِعِيّ وَجْهَيْن فِي الْمَسْأَلَة فِي كتاب الطَّلَاق وَصحح عدم الْبطلَان توفّي وَالِد الرَّافِعِيّ فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 655 - مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن ثَابت بن الْحسن بن عَليّ أَبُو بكر المهلبي من أَوْلَاد الْمُهلب بن أبي صفرَة على مَا ذكر بَعضهم صدر الدّين الخجندي أَبُو بكر من أهل أَصْبَهَان كَانَ رئيسها والمقدم عِنْد السلاطين قدم بَغْدَاد وَولي تدريس النظامية وَكَانَ يعظ بهَا وبجامع الْقصر وَسمع بأصبهان أَبَا عَليّ الْحداد وغانم بن أَحْمد وَأَبا الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن الْفضل بن أَحْمد السراج وطبقتهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا مناظرا فحلا واعظا مليح الْوَعْظ سخي النَّفس جوادا قَالَ وَكَانَ بالوزراء أشبه من الْعلمَاء ثمَّ قَالَ وَكَانَ يروي الحَدِيث على رَأس الْمِنْبَر من حفظه الحديث: 655 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 قلت وَمن شعره (أنْفق جسورا واسترق الورى ... وَلَا تخف خشيَة إملاق) (النَّاس أكفاء إِذا قوبلوا ... إِن فاق شخص فبإنفاق) وَكَانَ مَوْصُوفا بِحسن المناظرة وتحرير الْعبارَة فِيهَا وَكَانَ لرياسته يمشي وَحَوله السيوف خرج إِلَى أَصْبَهَان من بَغْدَاد فَنزل قَرْيَة بَين همذان والكرج نَام فِي عَافِيَة وَأصْبح مَيتا فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة قَالَ ابْن الْأَثِير وَقعت لمَوْته فتْنَة عَظِيمَة قتل فِيهَا خلق بأصبهان 656 - مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف الخجدي ولد ولد الْمُقدم ذكره كَانَ يلقب بلقب جده صدر الدّين قَالَ ابْن باطيش انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الشَّافِعِيَّة بأصبهان بعد موت أَبِيه ورد بَغْدَاد فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة واستوطنها وأنعم عَلَيْهِ الْخَلِيفَة بِمَا لم ينعم بِهِ على أحد من أَمْثَاله وَولي النّظر فِي أوقاف النظاتمية وَصَارَ مُعظما الحديث: 656 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 ثمَّ خرج مَعَ الْوَزير مؤيد الدّين بن القصاب مُتَوَجها إِلَى خوزستان ثمَّ إِلَى أَصْبَهَان وملكها وَأذن لَهُ فِي الْمقَام بأصبهان وَبهَا الْأَمِير سنقر فجرت بَينهمَا أُمُور أدَّت إِلَى الوحشة بَينهمَا فَيُقَال إِنَّه دس على ابْن الخجندي من قَتله وَذَلِكَ فِي إِحْدَى الجماديين من سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ قد سمع شَيْئا من الحَدِيث إِلَّا أَنه لم يبلغ سنّ الرِّوَايَة 657 - مُحَمَّد بن عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم الهمذاني الْمَقْدِسِي أَبُو الْحسن بن الشَّيْخ أبي الْفضل ولد فِي نصف شعْبَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا الْحُسَيْن بن النقور وطراد الزَّيْنَبِي وَغَيرهمَا وروى عَنهُ الْحَافِظ ابْن العساكر وَغَيره وَله تصانيف كَثِيرَة قَالَ ابْن النجار بِهِ ختم فن التَّارِيخ وَله الذيل على تَارِيخ ابْن جرير الحديث: 657 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 والذيل على الذيل الَّذِي عمله الْوَزير أَبُو شُجَاع لتاريخ ابْن مسكويه وعنوان السّير وأخبار الوزراء وطبقات الْفُقَهَاء توفّي فَجْأَة فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة 658 - مُحَمَّد بن عبد الْملك بن عبد الحميد أَبُو عبد الله بن أبي الْحسن الفارقي الشَّيْخ الصَّالح الْعَارِف صَاحب الْأَحْوَال السّنيَّة مولده سنة ثَمَان وَخمسين وَقدم بَغْدَاد فِي صباه واستوطنها وَقد أَطَالَ ابْن النجار تَرْجَمته وَذكر أَن بَعضهم دون كَلَامه فِي التصوف وَأَنه من تلامذة أبي الْبَقَاء الْمُبَارك بن الْخلّ وَأَنه حدث عَنهُ وَمن كَلَامه الْمُحب بسطوة سُلْطَان الْجمال مغلوب وبحسام الْحسن مَضْرُوب مَأْخُوذ عَنهُ مسلوب نجم رغبته غارب عَن كل مَرْغُوب طالع فِي آفَاق الغيوب الحديث: 658 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 مِصْبَاح حبه يتوهج فِي زجاجة وجده بِنَار الوله بالمحبوب شهَاب شوقه وكمده فِي قلبه وكبده سَاطِع فِي الألهوب وَمن شعره (إِذا أفادك إِنْسَان بفائدة ... من الْعُلُوم فَأكْثر شكره أبدا) (وَقل فلَان جزاه الله صَالِحَة ... أفادنيها وألق الْكبر والحسدا) قَالَ ابْن النجار كَانَ يتَكَلَّم على النَّاس فِي كل جُمُعَة بعد الصَّلَاة بِجَامِع الْقصر يجلس على آجرتين وَيقوم قَائِما إِذا حمى فِي الْكَلَام وَسُئِلَ أَنه يعْمل لَهُ كرْسِي فَأبى وَكَانَ زاهدا مخشوشنا مَاتَ فِي رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 659 - مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد الكرجي بِالْجِيم أَبُو الْحسن بن أبي طَالب ولد سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع الحَدِيث من مكي بن عَلان الكرجي وَأبي الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد بن بَيَان الرزاز وَأبي عَليّ مُحَمَّد بن سعيد بن نَبهَان الْكَاتِب وَأبي الْحسن بن العلاف وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَجَمَاعَة الحديث: 659 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 وصنف تصانيف فِي الْمَذْهَب وَالتَّفْسِير ووقفت لَهُ على كتاب الذرائع فِي علم الشَّرَائِع وسأذكر مِنْهُ مسَائِل إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِيهِ أَبُو الْحسن من أهل الكرج رَأَيْته بهَا إِمَام ورع عَالم عَاقل فَقِيه مفت مُحدث شَاعِر أديب لَهُ مَجْمُوع حسن أفنى طول عمره فِي جمع الْعلم ونشره وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب إِلَّا أَنه كَانَ لَا يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح وَكَانَ يَقُول إمامنا الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فاتركوا قولى وخذوا بِالْحَدِيثِ وَقد صَحَّ عِنْدِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح قلت وَكَذَلِكَ رَأَيْته قَالَ فِي كِتَابه الذرائع الْقُنُوت فِي الصُّبْح غير ثَابت فِي الحَدِيث بل مَنْهِيّ عَنهُ وَلم أرتض أَنا مِنْهُ ذَلِك فَإِنَّهُ يصنف الْكتاب على مَذْهَب الشَّافِعِي ثمَّ يُفْتِي فِيهِ بِخِلَاف مذْهبه ظنا مِنْهُ صِحَة الحَدِيث وأمامه عقبتان فِي غَايَة الصعوبة صِحَة الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 وهيهات إِن الْوُصُول إِلَى ذَلِك لشديد عَلَيْهِ عسير وَكَونه يصير مذهبا للشَّافِعِيّ وَهُوَ أَيْضا صَعب وَقد جاريت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد فِي هَذَا وَكَانَ سَببا لتصنيفه مُصَنفه الْمُسَمّى بِمَعْنى قَول الإِمَام المطلبي إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وَذكر كَلَام مُحَمَّد بن عبد الْملك هَذَا وَأَنه ترك لأَجله قنوت الصُّبْح ثمَّ تبين لَهُ عدم صِحَّته وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتْرك قنوت الصُّبْح وَإِنَّمَا ترك الْقُنُوت على رعل وذكوان وَأطَال الشَّيْخ الإِمَام فِيهِ وأطاب فلينظره من أَرَادَهُ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَحكى لي الكرجي قَالَ رَأَيْت لَيْلَة الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق فِي النّوم فَسلمت عَلَيْهِ وَأَرَدْت أَن أقبل يَده فَأَعْرض عني وَامْتنع فَقلت لَهُ يَا سيدنَا أَن من جملَة غلمانك وأذكر الْمُهَذّب من تصنيفك فِي الدَّرْس فَقَالَ لي لم تركت الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح فَقلت لَهُ إِن الشَّافِعِي قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وشرعت مَعَه فِي شرح الحَدِيث وَهُوَ يصغي إِلَيّ إِلَى أَن تَبَسم فِي وَجْهي انْتهى قلت وَقد حكى الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطى هَذِه الْحِكَايَة وَذكر أَن هَذَا الكرجي من أكَابِر أَصْحَاب الشَّيْخ أَبى إِسْحَاق وَلَعَلَّه أَخذ ذَلِك من قَوْله أَنا من غلمانك وَالْمَذْكُور لم يصحب أَبَا إِسْحَاق وَلَا رَآهُ وَإِنَّمَا اعتزى إِلَيْهِ لتدريسه كِتَابه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 وَقد حكى لي وَالِدي رَحمَه الله عَن شَيْخه الدمياطي هَذَا فَقلت لَهُ لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَلم يكن وَالِدي يعرف تَرْجَمَة هَذَا الكرجي فَكتب عني هَذَا فِي كِتَابه معنى قَول الإِمَام المطلبي إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وَقَالَ قَالَ لي ابْني عبد الْوَهَّاب إِنَّه لَيْسَ من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَلَكِن من أَصْحَاب أَصْحَابه وَكَانَ يدرس كِتَابه وَكَانَ الْوَالِد رَحمَه الله يعْتَمد مَا أقوله فَلذَلِك يعز إِلَيّ غَالِبا فِي تصانيفه مَا كَانَ يسمعهُ مني وَيَقَع مِنْهُ موقع الِاسْتِحْسَان أحسن الله جزاءه وَقد ذكر هَذَا الشَّيْخ فِي كِتَابه الذرائع أَنه أَخذ الْفِقْه عَن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ عَن الإِمَام أبي بكر عبد الله بن أَحْمد الزاذقاني عَن الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني ثمَّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَله قصيدة بائية فِي السّنة شرح فِيهَا اعْتِقَاده واعتقاد السّلف تزيد على مِائَتي بَيت قرأتها عَلَيْهِ فِي دَاره بالكرج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 قلت ثَبت لنا بِهَذَا الْكَلَام إِن ثَبت أَن ابْن السَّمْعَانِيّ قَالَه أَن لهَذَا الرجل قصيدة فِي الِاعْتِقَاد على مَذْهَب السّلف مُوَافقَة للسّنة وَابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ أشعري العقيدة فَلَا نعترف بِأَن القصيدة على السّنة واعتقاد السّلف إِلَّا إِذا وَافَقت مَا نعتقد أَنه كَذَلِك وَهُوَ رأى الْأَشْعَرِيّ إِذا عرف هَذَا فَاعْلَم أَنا وقفنا على قصيدة تعزى إِلَى هَذَا الشَّيْخ وتلقب بعروس القصائد فِي شموس العقائد نَالَ فِيهَا من أهل السّنة وباح بالتجسيم فَلَا حَيا الله معتقدها وَلَا حيى قَائِلهَا كَائِنا من كَانَ وَتكلم فِيهَا فِي الْأَشْعَرِيّ أقبح كَلَام وافترى عَلَيْهِ أَي افتراء ثمَّ رَأَيْت شَيخنَا الذَّهَبِيّ حكى كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ الَّذِي حكيته ثمَّ قَالَ قلت أَولهَا (محَاسِن جسمي بدلت بالمعايب ... وشيب فودي شوب وصل الحبائب) وَمِنْهَا (عقائدهم أَن الْإِلَه بِذَاتِهِ ... على عَرْشه مَعَ علمه بالغوائب) وَمِنْهَا (فَفِي كرج الله من خوف أَهلهَا ... يذوب بهَا البدعي يَا شَرّ ذائب) (يَمُوت وَلَا يقوى لإِظْهَار بِدعَة ... مَخَافَة حز الرَّأْس من كل جَانب) انْتهى مَا حَكَاهُ الذَّهَبِيّ وَكَانَ يتَمَنَّى فِيمَا أعرفهُ مِنْهُ أَن يحْكى الأبيات الْأُخَر ذَات الطَّامَّات الْكبر الَّتِي سأذكرها لَك وَلَكِن يخْشَى صولة الشَّافِعِيَّة وَسيف السّنة المحمدية وَأَقُول أَولا أَنِّي ارتبت فِي أمره هَذِه القصيدة وَصِحَّة نسبتها إِلَى هَذَا الرجل وَغلب على طني أَنَّهَا إِمَّا مكذوبة عَلَيْهِ كلهَا أَو بَعْضهَا وَالَّذِي يرجح أَنَّهَا مكذوبة عَلَيْهِ كلهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 أَن ابْن الصّلاح ترْجم هَذَا الرجل وَحكى كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ إِلَّا فِيمَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ القصيدة فَلم يذكرهُ فَيجوز أَن يكون ذَلِك قد دس فِي كتاب ابْن السَّمْعَانِيّ ليصحح بِهِ نِسْبَة القصيدة إِلَى الكرجي وَقد جرى كثير مثل ذَلِك وَيُؤَيّد هَذِه أَيْضا أَن ابْن السَّمْعَانِيّ سَاق كثيرا من شعره وَلم يذكر من هَذِه القصيدة بَيْتا وَاحِدًا وَلَو كَانَ قد قَرَأَهَا عَلَيْهِ لَكَانَ يُوشك أَن يذكر وَلَو بَعْضهَا وَيحْتَمل أَن يكون لَهُ بَعْضهَا وَلَكِن زيدت الأبيات الْمُقْتَضِيَة للتجسيم وللكلام فِي الأشاعرة وَيُؤَيّد ذَلِك أَن القصيدة الْمشَار إِلَيْهَا تزيد على الْمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَابْن السَّمْعَانِيّ قَالَ تزيد على الْمِائَتَيْنِ وَظَاهر هَذِه الْعبارَة أَنَّهَا تزيد بِدُونِ عقد وَأَنَّهَا لَو كَانَت مِائَتَيْنِ وأزيد من أَرْبَعِينَ لقَالَ نزيد على الْمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن أبياتها غير متناسبة فَإِن بَعْضهَا شعر مَقْبُول وَأَظنهُ شعره وَبَعضهَا وَهُوَ الْمُشْتَمل على القبائح فِي غَايَة الرداءة لَا يرضى بِهِ من يحسن الشّعْر وَهَا أَنا أحكي لَك بَعْضهَا فأولها يَقُول (محَاسِن جسمي شانها بالمعايب ... وشيب فودي شوب وصل الحبائب) (وَأَقْبل شيبي والشبيبة أَدْبَرت ... وَقرب من أحزاننا كل غارب) وَمِنْهَا أَيْضا (وَلَيْسَ يرد الْعُمر مَا قلت آهة ... وَلَا الْحزن يدني قاصيات الشبائب) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 وَهَذَا كُله شعر مَقْبُول لَا يصل إِلَى دَرَجَة الْحسن وَلَا ينزل إِلَى دَرَجَة الرَّد كَمَا يعرف ذَلِك من يَذُوق الْأَدَب مِنْهَا أَيْضا (عقائدهم أَن الْإِلَه بِذَاتِهِ ... على عَرْشه مَعَ علمه بالغوائب) وَهَذَا من أسهل مَا فِيهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُنكر مَعْنَاهُ إِلَّا قَوْله بِذَاتِهِ وَهِي عبارَة سبقه إِلَيْهَا ابْن أبي زيد الْمَالِكِي فِي الرسَالَة إِلَّا أَنه بَيت سمج مَرْدُود فَإِن قَوْله على عَرْشه مَعَ علمه بالغوائب كَلَام لَا ارتباط لبعضه بِبَعْض فَإِنَّهُ لَا ارتباط لعلم الْغَيْب بِمَسْأَلَة الاسْتوَاء وَقَوله بالغوائب إِن أَرَادَ جمع غيب فَهُوَ لحن فَإِن الْغَيْب لَا يثني وَلَا يجمع لِأَنَّهُ اسْم جنس وَلَئِن جمع فَجَمعه غيوب وَإِن أَرَادَ جمع غَائِبَة لحن عَلَيْهِ ثمَّ سَاق أبياتا فِي الْيَدَيْنِ والكيف وَالصَّوْت والضحك وَوضع الْقدَم والأصابع وَالصُّورَة والغيرة وَالْحيَاء وأنحاء ذَلِك وَلَيْسَ فِيهِ كَبِير أَمر إِلَّا أَن جمعهَا دَلِيل مِنْهُ على محاولة التجسيم فَإِنَّهَا لم ترد فِي الشَّرِيعَة مَجْمُوعَة بل مفرقة وَفِي كل مَكَان قرينَة ترشد إِلَى المُرَاد فَإِذا جمعهَا جَامع أضلّ ضلالا مُبينًا ثمَّ ذكر التجسيم والتجهم والاعتزال والرفض والإرجاء وَجمع الْكل فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 (طرائق تجسيم وطرق تجهم ... وسبل اعتزال مثل نسج العناكب) (وَفِي قدر والرفض طرق عمية ... وَمَا قيل فِي الإرجاء من نعب ناعب) ثمَّ قَالَ (وخبث مقَال الْأَشْعَرِيّ تخنث ... يضاهي تلويه تلوي الشغازب) (يزين هَذَا الْأَشْعَرِيّ مقاله ... ويقشبه بالسم ياشر قاشب) (فينفي تفاصيلا وَيثبت جملَة ... كناقصه من بعد شدّ الذوائب) يؤول آيَات الصِّفَات بِرَأْيهِ ... فجرأته فِي الدّين جرْأَة خارب) (ويجزم بالتأويل من سنَن الْهدى ... ويخلب أَغْمَارًا فأشئم بخالب) وَهَذَا كَلَام من لَا يستحيي من الله وَالْغَرَض على كَلَامه لائح فَإِن أهل الْبدع الَّذين هم أهل الْبدع حَقًا بِلَا خلاف بَين الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء هم المجسمة والمعتزلة والقدرية وهم المجسمة والجهمية والرافضة والمرجئة لم يشْتَغل بهم إِلَّا فِي بَيْتَيْنِ وَأطَال فِي الأشاعرة وَلَا يخفى أَن الأشاعرة إِنَّمَا هم نفس أهل السّنة أَو هم أقرب النَّاس إِلَى أهل السّنة ثمَّ إِن قَوْله مقَال الْأَشْعَرِيّ تخنث من ردىء الْكَلَام وَمن أعظم الافتراء ويعجبني من كَلَام الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكاني فِي رده على ابْن تَيْمِية قَوْله إِن كَانَت الأشاعرة الَّذين فيهم القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وهلم جرا إِلَى الإِمَام فَخر الدّين مخانيث فَلَيْسَ بعد الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة فَحل وَأَقُول إِن كَانَ هَؤُلَاءِ أَغْمَارًا والأشعري يخلبهم فَلَيْسَ بعد الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة فطن فيالله وَالْمُسْلِمين ثمَّ قَالَ يَعْنِي الْأَشْعَرِيّ (وَلم يَك ذَا علم وَدين وَإِنَّمَا ... بضاعته كَانَت مخوق مداعب) وَفِي هَذَا الْبَيْت من الْكَذِب مَا لَا يخفى على لَبِيب فَإِن أحدا من الطوائف لم يُنكر علم الْأَشْعَرِيّ بل اتَّفقُوا على أَنه كَانَ أوحد عصره لَا يخْتَلف فِي ذَلِك لَا من ينْسبهُ إِلَى السّنة وَلَا من ينْسبهُ إِلَى الْبِدْعَة وَأما دينه فاتفقوا على زهده وورعه ثمَّ قَالَ (وَكَانَ كلاميا بالاحساء مَوته ... بِأَسْوَأ موت ماته ذُو السوائب) وَهَذَا أَيْضا كذب وَلم يبلغنَا أَنه مَاتَ إِلَّا كَمَا مَاتَ غَيره من الصَّالِحين وَلم يمت بالأحساء ثمَّ قَالَ (كَذَا كل رَأس للضلالة قد مضى ... بقتل وصلب باللحى والشوارب) كجعد وجهم والمريسي بعده ... وَذَا الْأَشْعَرِيّ الْمُبْتَلى شَرّ دائب) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 فقبحه الله مَا أجرأه على الله أَي بلية ابتلى بهَا الْأَشْعَرِيّ وَقد مَاتَ فرَاشه حتف أَنفه وَمَات يَوْم بعد يَوْم مَاتَ والمسلمون باكون وَأهل السّنة ينوحون وَأي صلب أَو قتل كَانَ وَكَيف يجمع بَينه وَبَين جعد وجهم والمريسي وَهَؤُلَاء ثَلَاثَة لَا يخْتَلف فِي بدعتهم وَسُوء طريقتهم وَمَا أبرد هَذَا الشّعْر وأسمجه ثمَّ قَالَ هَذَا الْبَيْت (معايبهم توفّي على مدح غَيرهم ... وَذَا الْمُبْتَلى الْمفْتُون عيب المعايب) فقبحه الله جعل شيخ السّنة شرا من هَؤُلَاءِ المبتدعين فَهَذَا مَا أردْت حكايته مِنْهَا وَلَو أمكن إعدامها من الْوُجُود كَانَ أولى والأغلب على الظَّن أَنَّهَا ملفقة مَوْضُوعَة وضع مَا فِيهَا من الخرافات من لَا يستحي ثمَّ أَقُول قبح الله قَائِلهَا كَائِنا من كَانَ وَإِن يكن هُوَ هَذَا الكرجي فَنحْن نبرأ إِلَى الله مِنْهُ إِلَّا أَنِّي على قطع بِأَن ابْن السَّمْعَانِيّ لَا يقْرَأ هَذِه الأبيات وَلَا يسْتَحل رِوَايَتهَا وَقد بيّنت لَك من الْقَرَائِن الدَّالَّة على أَنَّهَا مَوْضُوعَة مَا فِيهِ كِفَايَة توفّي الكرجي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَأورد ابْن السَّمْعَانِيّ كثيرا من شعره وَكله لَا بَأْس بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا إِذا وقف عَلَيْهِ أديب وعَلى الأبيات القبيحة الَّتِي اشْتَمَلت عَلَيْهَا هَذِه القصيدة قضى بِأَن قَائِلهَا هَذَا غير قَائِل ذَاك قَالَ أَبُو الْحسن الكرجي فِي كِتَابه الذرائع إِن خلاف المعاطاة فِي البيع جَار فِي الْإِجَارَة وَهَذَا عزاهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب إِلَى الْمُتَوَلِي وَآخَرين وَأَنَّهُمْ قَالُوا خلاف المعاطاة يجْرِي فِي الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْهِبَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 قلت وَيَنْبَغِي أَن يكون الْأَصَح فِي الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْمُخْتَار وَالرَّاجِح عدم الِاكْتِفَاء إِذْ لَا عرف فيهمَا وَلَا عَادَة بِخِلَاف البيع وَالْهِبَة وَذكر فِي كتاب الذرائع أَنه يحرم أكل الشواء الَّذِي يغطى حارا فيحتبس بخارة فِيهِ لِأَنَّهُ سم قَاتل وكل مَا يستقذر فِي الْغَالِب إِلَّا المَاء الآجن وَاللَّحم المنتن انْتهى وَقد حكى فِي الرَّوْضَة وَجها أَيْضا أَنه يحرم أكل اللَّحْم المنتن أَيْضا وَأَن العمراني قَالَ إِنَّه نجس على هَذَا الْوَجْه وَلم أر هَذِه الزِّيَادَة فِي كَلَام العمراني وَمَا ذكره الكرجي فِي الشواء إِن صَحَّ أَنه قَاتل فَظَاهر لَا شكّ فِيهِ 660 - مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُحَمَّد الجوسقاني أَبُو حَامِد الإسفرايني وجوسقان محلّة مِنْهَا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل متدين حسن السِّيرَة قَلِيل الِاخْتِلَاط بِالنَّاسِ تفقه على الْغَزالِيّ بِبَغْدَاد وَسمع من أبي عبد الله الْحميدِي الْحَافِظ الحديث: 660 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 قَالَ ولقيته بأسفراين وَدخلت عَلَيْهِ متبركا بِهِ مغتنما دَعَاهُ فَكتبت عَنهُ بَيْتَيْنِ لَا غير أنشدنيهما قَالَ أَنْشدني أَبُو نصر عبد الرَّحِيم الْقشيرِي لنَفسِهِ (رب أَخ سمته فراقي ... وَكنت من قبل أصطفيه) (ذَاك لِأَنِّي ارتجيت راشدا ... فلاح أَن لَا فلاح فِيهِ) 661 - مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد ابْن جَعْفَر بن أَحْمد بن الصّباغ أَبُو جَعْفَر بن أبي المظفر بن أبي غَالب من بَيت الْفِقْه وَالرِّوَايَة وَالْقَضَاء ولد يَوْم السبت ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَخَمْسمِائة وتفقه على أسعد الميهني وَأبي مَنْصُور بن الرزاز وَسمع الحَدِيث من هبة الله بن مُحَمَّد بن الْحصين وَأبي السعادات بن المتَوَكل على الله وَالْقَاضِي أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأبي مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الْملك ابْن خيرون وَأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي سمع مِنْهُ عمر بن عَليّ الْقرشِي وَسَعِيد بن هبة الله وَمُحَمّد بن النفيس الْأَزجيّ وَغَيرهم وَكَانَت لَهُ إجَازَة من ابْن بَيَان الرزاز وَولى الْقَضَاء بحريم دَار الْخلَافَة ثمَّ عزل لِأَن سيرته على مَا ذكر ابْن النجار لم تحمد الحديث: 661 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 ودرس بالنظامية نِيَابَة عِنْد موت يُوسُف الدِّمَشْقِي مَاتَ فِي الثَّانِي عشر من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 662 - مُحَمَّد بن عشير بن مَعْرُوف أَبُو بكر الشرواني نزيل بَغْدَاد تفقه على إِلْكيَا وَسمع من هبة الله بن الْمُبَارك بن السفطي وَغَيره روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره وشروان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء بِفَتْح الْوَاو وَفِي آخرهَا النُّون من نواحي دربند وعشير بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا شين مُعْجمَة ثمَّ يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ رَاء توفّي فِي شَوَّال سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 663 - مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن نظام الْملك الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق الطوسي أَبُو نصر ابْن أبي الْحسن بن الْوَزير نظام الْملك أبي عَليّ تفقه على أسعد الميهني وعَلى غَيره وبرع فِي الْفِقْه وَتَوَلَّى التدريس بمدرسة جد وَالِده ثمَّ عزل مِنْهَا ثمَّ أُعِيد وفوض إِلَيْهِ النّظر فِي أوقافها الحديث: 662 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 وَكَانَ لَهُ جاه عريض وَحُرْمَة وافرة ثمَّ عزل عَنْهَا ثَانِيًا واعتقل مديدة ثمَّ أفرج عَنهُ فحج وَعَاد إِلَى بَغْدَاد ثمَّ قدم دمشق ودرس يالغزالية وَأقَام بهَا إِلَى حِين وَفَاته سمع الحَدِيث من أبي مَنْصُور بن خيرون وَأبي الْوَقْت السجْزِي وَأبي زرْعَة طَاهِر بن مُحَمَّد الْمَقْدِسِي قَالَ ابْن النجار وَمَا أَظُنهُ روى شَيْئا لِأَنَّهُ مَاتَ شَابًّا مَاتَ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 664 - مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن أَحْمد بن عَليّ بن الشهرزوري أَبُو المظفر الفرضي من أهل بَغْدَاد سمع أَبَا الْخطاب بن البطر وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن طَلْحَة وَأَبا الْفضل بن خيرون وَغَيرهم روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ شيخ فَاضل ثِقَة دين خير لَهُ معرفَة تَامَّة بالفرائض والحساب وَكَانَ لَهُ دكان فِي سوق الريحانيين يَبِيع فِيهِ الْعطر والأدوية وَكَانَ الْفُقَهَاء يقرأون عَلَيْهِ الْفَرَائِض فِي دكانه قَالَ وَكَانَت وِلَادَته فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 664 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 هَذَا كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب وَزَاد فِي الذيل أَنه رَكبه دين فَخرج إِلَى بِلَاد الْموصل ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى بعض ثغور أذربيجان وَمَات بهَا قَالَ ابْن النجار قَرَأت بِخَط أبي الْفضل أَحْمد بن صَالح بن شَافِع الشَّاهِد اتَّصل بِنَا الْخَبَر بوفاة هَذَا الرجل بخلاط فِي سنة خمس وَخمسين وخسمائة قيل فِي رَجَب 665 - مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن القَاضِي أَبُو بكر الميانجي الهمذاني قَالَ ابْن الصّلاح فَاضل وَابْن فَاضل وَأَبُو فَاضل فَهُوَ ابْن القَاضِي عَليّ الميانجي وَأَبُو عين الْقُضَاة عبد الله صحب الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب إِنَّه ولي الْقَضَاء بهمذان قَالَ وَكَانَ فَاضلا ذكيا حسن الظَّاهِر روى لنا عَنهُ أَبُو الْفتُوح مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر الطَّائِي بهمذان قَالَ الْحَافِظ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي فِي المنثورات سَمِعت القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ الميانجي بهمذان يَقُول كنت مَعَ أبي إِسْحَاق الفيروزاباذي بنيسابور فَلَمَّا كَانَ يَوْم النّظر سَأَلَهُ بعض المتفقهة عَن مَسْأَلَة فَأجَاب فطالبه بِالدَّلِيلِ وَكَانَ أَبُو الْمَعَالِي ابْن الْجُوَيْنِيّ حَاضرا فَقَالَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وإذنها صماتها) الحديث: 665 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي لم أستدل قطّ بِهَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْمَسْأَلَة لِأَنِّي لم أعرف صِحَّته فَالْآن أستدل بِهِ فِيمَا بعد لَا ستدلال الشَّيْخ بِهِ قَالَ ابْن الصّلاح لَعَلَّه عني صِحَة الِاسْتِدْلَال لَا صِحَة الحَدِيث فِي نَفسه فَإِنَّهُ لَا يحسن فِيهِ مثل هَذَا مِنْهُ قلت وَالدَّلِيل على أَنه لم يعن غير ذَلِك قَوْله لم أستدل بِهِ قطّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِن هَذَا الْقَيْد يفهم أَنه يسْتَدلّ بِهِ فِي غَيرهَا وَلَو كَانَ عدم استدلاله بِهِ لضَعْفه لم يسْتَدلّ بِهِ لَا فِيهَا وَلَا فِي غَيرهَا وَفِي تَرْجَمَة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق عَن بَعضهم أَن الشَّيْخ حِين خرج إِلَى خُرَاسَان رَسُولا صُحْبَة جمَاعَة من أَصْحَابه الْفُضَلَاء مِنْهُم عَليّ الميانجي وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْن عَليّ الميانجي هَذَا فغلط فِي اسْمه فَإِن عليا الميانجي مَاتَ قبل ذَلِك سنة إِحْدَى وَسبعين 666 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن أَحْمد بن حمدَان أَبُو سعيد الجاواني الحلوي الْعِرَاقِيّ وجاوان قَبيلَة من الأكراد سكنوا الْحلَّة وَقد كني بِأبي عبد الله أَيْضا تفقه بِبَغْدَاد على الْغَزالِيّ والشاشي وإلكيا وبرع وتميز وَسمع من أبي عبد الله الْحميدِي وَأبي سعيد عبد الْوَاحِد ابْن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي بكر الشَّامي القَاضِي وَقَرَأَ المقامات على مؤلفها الْقَاسِم الحريري الحديث: 666 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 وَله شرح المقامات وعيوب الشّعْر وَالْفرق بَين الرَّاء والغين وَحدث بِكِتَاب الْجَام الْعَوام للغزالي عَنهُ وَمن شعره (سَلام على عهد الْهوى المتقادم ... وأيامنا اللَّاتِي بجرعاء جاسم) (وَدَار ألفنا الوجد فِيهَا ومسكن ... نعمنا بِهِ مَعَ كل حوراء ناعم) (مرابع أنسي فِي الْهوى ومنازل ... للهو الصِّبَا والوصل راسي الدعائم) قَالَ ابْن النجار بَلغنِي أَن مولده فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَلم يؤرخ وَفَاته وَلَهُم مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله أَبُو عبد الله الْعِرَاقِيّ الْبَغْدَادِيّ من تلامذة الْغَزالِيّ والشاشي وإلكيا وَأبي بكر الشَّامي لقِيه الْمُحدث أَبُو الفوارس الْحسن بن عبد الله بن شَافِع الدِّمَشْقِي بإربل وَسمع مِنْهُ ذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَنه بَقِي إِلَى بعد الْأَرْبَعين وَخَمْسمِائة فَلَا أَدْرِي هَل هُوَ هَذَا أَو غَيره 667 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن يَاسر الْأنْصَارِيّ أَبُو بكر من أهل جيان إِحْدَى بِلَاد الأندلس دخل ديار مصر وَالشَّام وَالْعراق وخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر الحديث: 667 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 وَلَقي الْأَئِمَّة وتفقه بسنجار حَتَّى مهر فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والجدل ثمَّ اشْتغل بِالْحَدِيثِ وَسكن بَلخ مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد بعد فتْنَة الغز وَتوجه إِلَى مَكَّة وَحج وانصراف إِلَى الشَّام واستوطن مَدِينَة حلب إِلَى أَن توفّي بهَا سمع بِدِمَشْق أَبَا الْحسن عَليّ بن الْمُسلم السّلمِيّ وببغداد أَبَا الْقَاسِم بن الْحصين وبنيسابور أَبَا الْقَاسِم سهل بن إِبْرَاهِيم المسجدي وبمرو أَبَا مَنْصُور مُحَمَّد بن عَليّ الكراعي روى عَنهُ أَبُو المظفر عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ وَغَيره توفّي بحلب فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 668 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد أَبُو رشيد من آمل طبرستان كَانَ زاهدا مُنْقَطِعًا فِي بعض الجزائر وَحده سِنِين عديدة ثمَّ رَجَعَ إِلَى آمل الحديث: 668 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 وَتُوفِّي بهَا لَيْلَة الْأَحَد لثلاث بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة وقبره مَعْرُوف هُنَاكَ يزار ويتبرك بِهِ وَقد ولد سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة تَرْجمهُ ابْن باطيش 669 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الْخَطِيب أَبُو بكر من أهل بروجرد قدم بَغْدَاد وتفقه على أسعد الميهني ثمَّ سَافر إِلَى خُرَاسَان وَأقَام بمرو مُدَّة يتفقه حَتَّى برع وَسمع الحَدِيث هُنَاكَ من جمَاعَة ثمَّ صحب الشَّيْخ يُوسُف بن أَيُّوب الزَّاهِد وسلك طَرِيق الزّهْد وَالْخلْوَة والانقطاع إِلَى الله تَعَالَى وَحج مولده سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة 670 - مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي عَليّ القلعي صَاحب كتاب احترازات الْمُهَذّب وَله كتاب آخر فِي مستغرب أَلْفَاظه وَفِي أَسمَاء رِجَاله الحديث: 669 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 وَله مُصَنف حافل فِي الْفَرَائِض كَانَ من أهل الْيمن 671 - مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو عبد الله الرَّحبِي الْمَعْرُوف بِابْن المتقنة فَقِيه فَاضل صنف كتبا مَاتَ بالرحبة بكرَة الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة عَن ثَمَانِينَ سنة أرخه ابْن باطيش الحديث: 671 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 672 - مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن شهفيروز اللارزي بتَشْديد اللَّام وَكسر الرَّاء وَالزَّاي نِسْبَة إِلَى لارز قَرْيَة من طبرستان أَبُو جَعْفَر قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ شَاب صَالح دين حَرِيص على طلب الحَدِيث قَالَ وَسمع بنيسابور أَبَا سعد الْحِيرِي وَعبد الْغفار الشيروي وببلدة آمل أَبَا المحاسن الرَّوْيَانِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن كَامِل الْمُبَارك الْخفاف وَكَانَت وَفَاته بِبَغْدَاد فِي تَاسِع عشر الْمحرم سنة ثَمَانِي عشرَة وَخَمْسمِائة بالمارستان العضدي 673 - مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عَليّ قَاضِي قُضَاة الشَّام محيي الدّين أَبُو الْمَعَالِي ابْن قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين بن قَاضِي الْقُضَاة الْمُنْتَخب ابْن قَاضِي الْقُضَاة أبي الْفضل الْقرشِي العثماني على مَا يذكرُونَ ابْن الزكي ولد سنة خمسين وَخَمْسمِائة وَقَرَأَ الْمَذْهَب على جمَاعَة الحديث: 672 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 وَسمع من وَالِده وَعبد الرَّحْمَن بن أبي الْحسن الدَّارَانِي والصائن هبة الله ابْن عَسَاكِر وَجَمَاعَة روى عَنهُ شهَاب القوصي وَالْمجد ابْن عَسَاكِر وَجَمَاعَة وَحدث عَنهُ بِالْإِجَازَةِ أَحْمد بن أبي الْخَيْر وَكَانَ فَقِيها أديبا منشئا بليغا فصيحا قَالَ أَبُو شامة كَانَ عَالما صَارِمًا حسن الْخط وَاللَّفْظ وَشهد فتح بَيت الْمُقَدّس فَكَانَ أول من خطب بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد مَا تطاول كثير من الْحَاضِرين لَهَا فَلم يتَقَدَّم عَلَيْهِ غَيره وأتى بِتِلْكَ الْخطْبَة البديعة المفتتحة بتحميدات الْكتاب الْعَزِيز ثمَّ قَالَ الْحَمد لله معز الْإِسْلَام بنصره ومذل الشّرك بقهره إِلَى آخر الْخطْبَة وَكَانَ لَهُ من الْعُمر يَوْمئِذٍ ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَ يتَوَلَّى نظر الْجَامِع الْأمَوِي بِنَفسِهِ واسْمه إِلَى الْآن مَوْجُود على يَمِين قبَّة النسْر بِخَط كُوفِي بفص أَبيض وَهُوَ ظَاهر فِي الْجِهَة الشرقية فِيهِ أَن ذَلِك فصص فِي مُبَاشَرَته وَكَانَ قوي النَّفس نَاب فِي أول أمره فِي الحكم عَن ابْن عصرون ثمَّ تظاهر بترك النِّيَابَة فَأرْسل السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى ابْن أبي عصرون وَأمره أَن يضْرب على علامته فِي مجْلِس حكمه فَفعل بِهِ ذَلِك فَلَزِمَ بَيته حَيَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 وَطلب ابْن أبي عصرون من يَنُوب عَنهُ فأشير عَلَيْهِ بالخطيب ضِيَاء الدّين الدولعي فَأرْسل إِلَيْهِ خلعة النِّيَابَة فَلم يقبل فأرسلها إِلَى جمال الدّين بن الحرستاني فَقبل وناب عَنهُ وَاسْتمرّ ابْن الزكي ملازما لبيته إِلَى أَن توفّي ابْن أبي عصرون فولاه السُّلْطَان الْقَضَاء وعظمت رتبته عِنْده ثمَّ اضْطربَ حَاله فِي آخر عمره وَجَرت لَهُ قَضِيَّة مَعَ الإسماعلية بِسَبَب قتل شخص مِنْهُم فَلذَلِك فتح بَابا سريا إِلَى الْجَامِع من دَاره الَّتِي بِبَاب الْبَرِيد لأجل صَلَاة الْجُمُعَة توفّي سَابِع شعْبَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَله ثَمَان وَأَرْبَعُونَ سنة 674 - مُحَمَّد بن عَليّ بن مهْرَان الخولي أَبُو عبد الله الْفَقِيه الزَّاهِد الْجَزرِي تفقه على إِلْكيَا أبي الْحسن الهراسي بِبَغْدَاد وَعَاد إِلَى بَلَده الجزيرة العمرية وَاسْتقر بزاوية لَهُ مَعْرُوفَة بِهِ فِي الجزيرة الحديث: 674 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 قَالَ ابْن باطيش وَظَهَرت لَهُ آثَار جميلَة وكرامات كَثِيرَة قَالَ وَله أَصْحَاب فيهم كَثْرَة قَالَ وَتُوفِّي فِي ديار بكر فِي سنة نَيف وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 675 - مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد بن أبي عِيسَى الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ الْأَصْبَهَانِيّ صَاحب التصانيف ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة وَسمع حضورا فِي سنة ثَلَاث باعتناء وَالِده من أبي سعد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمُطَرز وَمَات الْمُطَرز تِلْكَ السّنة وَسمع أَيْضا من أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الله بن مندوية الشُّرُوطِي وغانم الْبُرْجِي وَأبي عَليّ الْحداد وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر الْحَافِظ وَأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ وَبِه تخرج وَهبة الله بن الْحصين وَفَاطِمَة الجوزدانية وَأبي الْعِزّ بن كادش وَخلق كثير بِبَلَدِهِ وببغداد وهمذان الحديث: 675 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُوسَى الْحَازِمِي والحافظ عبد الْغَنِيّ والحافط عبد الْقَادِر الرهاوي والحافظ مُحَمَّد بن مكي وَالْحسن بن أبي معشر الْأَصْبَهَانِيّ والناصح بن الْحَنْبَلِيّ وَخلق كثير وَمن مصنفاته الْكتاب الْمَشْهُور فِي تَتِمَّة معرفَة الصَّحَابَة الَّذِي ذيل بِهِ عَليّ أبي نعيم وَكتاب الْأَخْبَار الطوالات مُجَلد وَكتاب تَتِمَّة الغريبين وَكتاب اللطائف فِي المعارف وَكتاب الْوَظَائِف وَكتاب عَوَالٍ التَّابِعين وَغير ذَلِك وَعرض من حفظه كتاب عُلُوم الحَدِيث للْحَاكِم عَليّ إِسْمَاعِيل الْحَافِظ قَالَ ابْن الدبيثي عَاشَ حَتَّى صَار أوحد وقته وَشَيخ زَمَانه إِسْنَادًا وحفظا وَقَالَ ابْن النجار انْتَشَر حفظه وَعلمه فِي الْآفَاق وَكتب عَنهُ الْحفاظ وَاجْتمعَ لَهُ مَا لم يجْتَمع لغيره من الْحِفْظ وَالْعلم والثقة والإتقان وَالدّين وَالصَّلَاح وسديد الطَّرِيقَة وَصِحَّة الضَّبْط وَالنَّقْل وَحسن التصانيف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 قَالَ وتفقه على أبي عبد الله الْحسن بن الْعَبَّاس الرستمي قَالَ وَمهر فِي النَّحْو واللغة قَالَ وَسمعت أَبَا عبد الله بن خمارتاش يَقُول كَانَ الْحَافِظ أَبُو مَسْعُود كوتاه يَقُول أَبُو مُوسَى كنز مخفي وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي حصل من المسموعات بأصبهان خَاصَّة مَا لم يتَحَصَّل لأحد فِي زَمَانه وانضم إِلَى كَثْرَة مسموعاته الْحِفْظ والإتقان قَالَ وتعففه الَّذِي لم نره لأحد من حفاظ الحَدِيث فِي زَمَاننَا لَهُ شَيْء يسير يتربح بِهِ وَينْفق مِنْهُ وَلَا يقبل من أحد شَيْئا قطّ وَقَالَ الْحُسَيْن بن يوحن بن النُّعْمَان الباوري كنت فِي مَدِينَة الخان فَجَاءَنِي رجل فَسَأَلَنِي عَن رُؤْيا قَالَ رَأَيْت كَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي فَقلت هَذِه رُؤْيا الْكِبَار وَإِن صدقت رُؤْيَاك يَمُوت إِمَام لَا نَظِير لَهُ فِي زَمَانه فَإِن هَذَا الْمَنَام رؤى حَالَة وَفَاة الشَّافِعِي وَالثَّوْري وَأحمد بن حَنْبَل قَالَ فَمَا أمسينا حَتَّى جَاءَنَا الْخَبَر بوفاة الْحَافِظ أبي مُوسَى وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد الخجندي لما دفن أَبُو مُوسَى لم يكادوا يفرعون حَتَّى جَاءَ مطر عَظِيم فِي الْحر الشَّديد وَكَانَ المَاء قَلِيلا بأصبهان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 قَالَ وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى قد ذكر فِي آخر إملاء أملاه أَنه مَتى مَاتَ فِي كل أمة من لَهُ منزلَة عِنْد الله رفيعة بعث الله سحابا يَوْم مَوته عَلامَة للمغفرة لَهُ وَلمن صلى عَلَيْهِ فَوَقع لَهُ ذَلِك عِنْد مَوته كَمَا كَانَ حدث فِي حَيَاته توفّي رَحمَه الله بأصبهان يَوْم الْأَرْبَعَاء منتصف النَّهَار تَاسِع جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَدفن بالمصلى خلف محراب الْجَامِع قَالَ أَبُو البركات مُحَمَّد بن مَحْمُود الرويدشتي وصنفت الْأَئِمَّة فِي مناقبه تصانيف كَثِيرَة وَمن الغرائب والفوائد عَنهُ نقل ابْن الْأَثِير أَن أَبَا مُوسَى الْحَافِظ رَحمَه الله حدث عَن مكي بن أَحْمد البردعي عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الطوسي أَنه قَالَ رَأَيْت سرباتك ملك الْهِنْد بِمَدِينَة قنوج فَقَالَ لي أَتَت عَليّ تِسْعمائَة سنة وَخمْس وَعِشْرُونَ سنة وَزعم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل إِلَيْهِ كتابا مَعَ عشرَة من أَصْحَابه فيهم أُسَامَة وَحُذَيْفَة وسفينة وصهيب وَعَمْرو ابْن الْعَاصِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأَنه قبل كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسلم قلت سرباتك بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة ثمَّ رَاء سَاكِنة ثمَّ بَاء مُوَحدَة وَبعدهَا ألف سَاكِنة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق مَفْتُوحَة وَقد أنكر ابْن الْأَثِير على أبي مُوسَى ذكره لهَذَا فِي الصَّحَابَة وَهُوَ مَوضِع الْإِنْكَار عَليّ مثل أبي مُوسَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 676 - مُحَمَّد بن عمر بن عبد الله بن مُحَمَّد الأرغياني أَبُو شُجَاع الراونيري ابْن أخي الإِمَام أبي نصر الأرغياني ولد بقرية راونير من نَاحيَة أرغيان سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَلم يؤرخ وَفَاته وَقَالَ فَقِيه فَاضل عَارِف بِالْمذهبِ حَافظ لَهُ مناظر حسن السِّيرَة دين ورع تفقه على الْإِمَامَيْنِ عمر بن مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَإِبْرَاهِيم المروروذي وَأقَام بمرو مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى نيسابور وَولى إِمَامَة مَسْجِد عقيل بعد عَمه وَبَقِي يعظ النَّاس سمع أَبَا بكر الشيروي وَغَيره قَالَ سَمِعت مِنْهُ أَحَادِيث يسيرَة بنيسابور الحديث: 676 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 677 - مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الشَّاشِي من الْفُقَهَاء الْعباد تفقه بمرو عَليّ الْبَغَوِيّ وَحدث عَنهُ بالأربعين الصُّغْرَى لَهُ رَوَاهَا عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ توفّي فِي شعْبَان سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة وَله بضع وَسَبْعُونَ سنة 678 - مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف بن مُحَمَّد الأرموي القَاضِي أَبُو الْفضل من أهل أرمية ولد فِي صفر سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة بِبَغْدَاد وَسمع صَغِيرا من أبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي بِاللَّه وَعبد الصَّمد بن الْمَأْمُون وَتفرد عَنْهُم بِالسَّمَاعِ وَسمع أَيْضا من أبي الْحُسَيْن بن النقور وَأبي نصر الزَّيْنَبِي وَغَيرهمَا الحديث: 677 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 حدث عَنهُ ابْن عَسَاكِر والسلفي وَابْن السَّمْعَانِيّ وَعبد الْخَالِق بن أَسد وَعمر ابْن طبرزد وأسعد بن المنجا وخلائق آخِرهم الْفَتْح بن عبد السَّلَام وَكَانَ أسْند من بَقِي بِبَغْدَاد فَقِيها فَاضلا من تلامذة أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ فَقِيه إِمَام متدين ثِقَة صَالح حسن الْكَلَام فِي الْمسَائِل كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ قلت وَولي قَضَاء دير العاقول مُدَّة وَمَات فِي رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 679 - مُحَمَّد بن الْفضل بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الْعَبَّاس أَبُو عبد الله الفراوي ثمَّ النَّيْسَابُورِي الملقب بفقيه الْحرم مولده تَقْديرا سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة بنيسابور وَسمع صَحِيح مُسلم من عبد الغافر الْفَارِسِي وَسمع جُزْء ابْن نجيد من عمر بن مسرور وَسمع من شيخ الْإِسْلَام أبي عُثْمَان الصَّابُونِي أجَاز لَهُ وَسمع مِنْهُ فِي هَذِه السّنة الَّتِي قُلْنَا إِنَّه ولد تَقْديرا فِيهَا الحديث: 679 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 وَسمع أَيْضا من أبي سعد الكنجروذي وَأبي بكر الْبَيْهَقِيّ وَسَعِيد الْعيار وَأبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي سهل الحفصي وَأبي عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد الْبُحَيْرِي وَأبي يعلى إِسْحَاق أخي الصَّابُونِي وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ لما قدم إِلَى نيسابور رَسُولا وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وببغداد من أبي نصر الزَّيْنَبِي وَعَاصِم بن الْحسن وَقد أخل ابْن النجار بِذكرِهِ فِي الذيل مَعَ ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ لَهُ وَتفرد بِمُسلم وبدلائل النُّبُوَّة للبيهقي والأسماء وَالصِّفَات لَهُ والدعوات لَهُ والبعث لَهُ روى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ إِمَام مفت مناظر واعظ حسن الْأَخْلَاق والمعاشرة كثير التبسم مكرم للغرباء مَا رَأَيْت فِي شيوخي مثله والحافظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَبُو الْعَلَاء الهمذاني وَأَبُو الْحسن الْمرَادِي وَمُحَمّد بن عَليّ بن يَاسر الجياني وَمُحَمّد بن عَليّ بن صَدَقَة الْحَرَّانِي وَأحمد بن إِسْمَاعِيل الْقزْوِينِي وَأَبُو سعيد عبد الله بن عمر الصفار وَعبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن الشعري وَمَنْصُور بن عبد الْمُنعم الفراوي وَخلق آخِرهم وَفَاة الْمُؤَيد الطوسي ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق فَقَالَ فِيهِ فَقِيه الْحرم البارع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول الْحَافِظ للقواعد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 نَشأ بَين الصُّوفِيَّة وَوصل إِلَيْهِ بَرَكَات أنفاسهم درس على زين الْإِسْلَام الْقشيرِي الْأُصُول وَالتَّفْسِير ثمَّ اخْتلف إِلَى مجْلِس إِمَام الْحَرَمَيْنِ ولازم درسه مَا عَاشَ وتفقه عَلَيْهِ وعلق عَنهُ الْأُصُول وَصَارَ من جملَة الْمَذْكُورين من أَصْحَابه وَحج وَعقد الْمجْلس بِبَغْدَاد وَسَائِر الْبِلَاد وَأظْهر الْعلم بالحرمين وَكَانَ مِنْهُ بهما أثر وَذكر وَنشر الْعلم وَعَاد إِلَى نيسابور وَمَا تعدى قطّ حد الْعلمَاء وَلَا سيرة الصَّالِحين من التَّوَاضُع والتبذل فِي الملابس والمعاش وتستر بِكِتَابَة الشُّرُوط لاتصاله بالزمرة الشحامية مصاهرة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الناصحية وَأم بِمَسْجِد الْمُطَرز وَعقد مجْلِس الْإِمْلَاء يَوْم الْأَحَد وَله مجَالِس الْوَعْظ المشحونة بالفوائد وَالْمُبَالغَة فِي النصح وَحدث بالصحيحين وغريب الْخطابِيّ وَغير ذَلِك وَالله يزِيد مدَّته ويفسح فِي مهلته إمتاعا للْمُسلمين بفائدته وَقَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ سَمِعت عبد الرشيد بن عَليّ الطَّبَرِيّ بمرو يَقُول الفراوي ألف رَاوِي قَالَ أَبُو سعد وَسمعت الفراوي يَقُول كُنَّا نسْمع مُسْند أبي عوَانَة عَليّ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَكَانَ يحضر رجل من المحتشمين يجلس بِجنب الشَّيْخ وَكَانَ القارىء أبي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 فاتفق أَنه بعد قِرَاءَة جملَة من الْكتاب انْقَطع ذَلِك المحتشم يَوْمًا وَخرج الشَّيْخ على الْعَادة وَكَانَ فِي أَكثر الْأَوْقَات يخرج وَيقْعد وَعَلِيهِ قَمِيص أسود خشن وعمامة صَغِيرَة وَكنت أَظن أَن وَالِدي يقْرَأ الْكتاب على ذَلِك الرئيس فشرع أبي فِي الْقِرَاءَة فَقلت يَا سَيِّدي على من تقْرَأ وَالشَّيْخ مَا يحضر فَقَالَ وكأنك تظن أَن شيخك ذَلِك الشَّخْص قلت نعم فَضَاقَ صَدره واسترجع وَقَالَ يَا بني شيخك هَذَا الْقَاعِد وَعلم ذَلِك الْمَكَان ثمَّ أعَاد لي من أول الْكتاب إِلَيْهِ قَالَ أَبُو سعد سَمِعت عبد الرَّزَّاق بن أبي نصر الطبسي يَقُول قَرَأت صَحِيح مُسلم على الفراوي سبع عشرَة نوبَة فَفِي آخر الْأَيَّام قَالَ لي إِذا أَنا مت أوصيك أَن تحضر غسْلي وَأَن تصلي أَنْت بِمن فِي الدَّار وَأَن تدخل لسَانك فِي فِي فَإنَّك قَرَأت بِهِ كثيرا حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت أملي الفراوي أَكثر من ألف مجْلِس وَانْفَرَدَ بعلو الْإِسْنَاد مَعَ الْبَصَر بِالْعلمِ والديانة المتينة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وأذكر أَنا خرجنَا فِي رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ وحملنا محفته على رقابنا إِلَى قبر مُسلم بن الْحجَّاج بنصر أباذ لإتمام الصَّحِيح عِنْد قبر المُصَنّف فَبعد أَن فرغ القارىء من قِرَاءَة الْكتاب بَكَى ودعا وأبكى الْحَاضِرين وَقَالَ لَعَلَّ هَذَا الْكتاب لَا يقْرَأ عَليّ بعد هَذَا وَكَانَ قَوْله هَذَا فِي شهر رَمَضَان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 وَمَا قرىء عَلَيْهِ الْكتاب بعد ذَلِك بل توفّي فِي شَوَّال ضحوة يَوْم الْخَمِيس الْحَادِي وَالْعِشْرين من سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَدفن عِنْد ابْن خُزَيْمَة وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَنهُ 680 - مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد بن الْمُعْتَمد الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْفتُوح الإسفرايني أحد الْأَئِمَّة المشمرين فِي الْعباد الناصرين للسّنة الصابرين على مَا ينوبهم من الاذى فِي ذَلِك الحديث: 680 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 مولده فِي سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بأسفراين سمع بنيسابور أَبَا الْحسن الْمَدِينِيّ وبهمذان شيرويه بن شهردار وَغَيرهمَا روى عَنهُ الحافظان ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهمَا قَالَ ابْن عَسَاكِر هُوَ آخر من رَأَيْته أفْصح لِسَانا وَأَكْثَرهم فِيمَا يُورد إعرابا وإحسانا وأسرعهم عِنْد السُّؤَال جَوَابا وأسلسهم عِنْد الْإِيرَاد خطابا مَعَ مَا رزق بعد صِحَة العقيدة من السجايا الْكَرِيمَة والخصال الحميدة من قلَّة المراآة لأبناء الدُّنْيَا وَعدم المبالاة بذوي الرتب الْعليا والإقبال على إرشاد الْخلق وبذل النَّفس فِي نصْرَة الْحق والصلابة فِي الدّين وَإِظْهَار صِحَة الْيَقِين وَمَا ينضاف إِلَى هَذِه الشيم من سَعَة النَّفس وَشدَّة الْكَرم والتحلي بالتصوف والزهادة والتخلي لوظائف الْعِبَادَة والاستحقاق لوصف السِّيَادَة والفوز فِي آخر عمره بِالشَّهَادَةِ وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام واعظ حُلْو الْكَلَام حسن الْوَعْظ فصيح الْعبارَة ظريف الْجُمْلَة وَقَالَ ابْن النجار كَانَ من أَفْرَاد الدَّهْر فِي الْوَعْظ فصيح الْعبارَة ظريف الْإِشَارَة حُلْو الْإِيرَاد وَكَانَ أوحد وقته فِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَله فِي التصوف قدم راسخ وَكَلَام دَقِيق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 صنف فِي الْحَقِيقَة كتبا مِنْهَا كشف الْأَسْرَار وَبَيَان التقلب وَبث الْأَسْرَار وعد غير ذَلِك قَالَ وَورد بَغْدَاد سنة خمس عشرَة وَظهر لَهُ الْقبُول التَّام من الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ يتَكَلَّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فثارت عَلَيْهِ الْحَنَابِلَة وَوَقعت فتن فَأمر المسترشد بِإِخْرَاجِهِ فَخرج إِلَى أَن ولي المقتفى فَعَاد واستوطن بَغْدَاد فَلم يزل يعظ وَيظْهر مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ إِلَى أَن عَادَتْ الْفِتَن على حَالهَا فَأخْرج ثَانِي مرّة وأدركه أَجله قَالَ الْحَافِظ بَلغنِي أَنه لماوقعت لَهُ الْوَاقِعَة بِبَغْدَاد اجْتمعت إِلَيْهِ جمَاعَة من أَصْحَابه وشكو إِلَيْهِ مَا يتوقعونه من وَحْشَة فِرَاقه فَقَالَ لَعَلَّ فِي ذَلِك خيرة قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ خرج من بَغْدَاد مُتَوَجها إِلَى خُرَاسَان فَأَصَابَهُ مرض الْبَطن فَمَاتَ غَرِيبا مبطونا شَهِيدا وَدفن ببسطام إِلَى جنب قبر أبي يزِيد البسطامي فِي شهور سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَحكى جمَاعَة من أهل بسطَام أَن قيم مَسْجِد أبي يزِيد رَآهُ فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول لَهُ غَدا يَجِيء أخي وَيكون فِي ضيافتي فَقدم الشَّيْخ أَبُو الْفتُوح وَعمل لَهُ وَقت وَأقَام ثَلَاثَة أَيَّام ببسطام ثمَّ مَاتَ قَالَ وَبَلغنِي من وَجه آخر أَن قيم مَسْجِد أبي يزِيد رأى أَبَا يزِيد فِي النّوم فِي اللَّيْلَة الَّتِي فِي صبيحتها دفن الإِمَام أَبُو الْفتُوح وَهُوَ يَقُول لَهُ غَدا يقبر إِلَى جَنْبي رجل صَالح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 فاحفر لَهُ قبرا فَأصْبح الْقيم وحفر الْقَبْر وتلقى الصُّحْبَة الَّتِي قدم بِهِ فِيهَا فَوَجَدَهُ قد مَاتَ فدفنه إِلَى جنبه وَمن وَجه آخر رأى أَبَا يزِيد يكنس الرِّبَاط ويملأ الْآنِية الَّتِي فِيهِ مَاء فَقلت أَنا أكفيك فَقَالَ إِنَّه يقدم فِي غَد ضيف أحب أَن أتولى خدمته فاسيقظت فَوجدت الْآنِية ملأى مَاء وَقدم الشَّيْخ أَبُو الْفتُوح قَالَ الْحَافِظ وَسمعت خطيب بسطَام يَقُول نزلت فِي حُفْرَة الشَّيْخ أبي الْفتُوح فَكَانَ بَين حافتي الْقَبْر وصدري أَربع أَصَابِع فتناولته وتحيرت من الضيقة فَإِذا أَنا بعد ذَلِك بسعة كَثِيرَة فِي الْقَبْر وَكَأَنَّهُ أَخذ من يَدي فأخذني الغشي وأصعدت من الْقَبْر وَأَنا لَا أَعقل وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقد ذكره إِمَام واعظ حُلْو الْكَلَام حسن الْوَعْظ فصيح الْعبارَة ظريف الْجُمْلَة 681 - مُحَمَّد بن الْفضل بن عَليّ المارشكي الإِمَام أَبُو الْفَتْح ومارشك بِفَتْح الْمِيم بعْدهَا ألف سَاكِنة ثمَّ رَاء مَكْسُورَة ثمَّ كَاف من قرى طوس وَهُوَ من نجباء تلامذة الْغَزالِيّ الحديث: 681 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 سمع أَبَا الفتيان الرواسِي وَنصر الله بن أَحْمد الخشنامي وَأَبا عَمْرو عُثْمَان بن مُحَمَّد الطرازي وَغَيرهم سمع مِنْهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَولده عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ قَالَ أَبُو سعد برع فِي الْفِقْه وَكَانَ مصيبا فِي الْفَتَاوَى حسن الْكَلَام فِي الْمسَائِل عَارِفًا بالأصول قلت وَهُوَ شيخ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد الطوسي وَكَانَ يلقب بالفخر توفّي يَوْم عيد الْفطر أَو فِي رَمَضَان سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة فِي فتْنَة الغز قيل مَاتَ من شدَّة الْخَوْف 682 - مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ الشهرزوري الْموصِلِي أَبُو بكر قَاضِي الْخَافِقين كَذَا كَانَ يلقب ولد بإربل سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة أَو سنة أَربع الحديث: 682 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 وتفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع مِنْهُ وَمن أبي نصر الزَّيْنَبِي وَعبد الْعَزِيز بن عَليّ الْأنمَاطِي وَأبي بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَأبي حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد الشجاعي وَغَيرهم بِبَغْدَاد وبلاد خُرَاسَان روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَعمر بن طبرزد وَجَمَاعَة ولي الْقَضَاء بعدة بِلَاد من بِلَاد الجزيرة وَالشَّام قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ أحد الْفُضَلَاء المعروفين توفّي بِبَغْدَاد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 683 - مُحَمَّد بن قنان بن حَامِد بن الطّيب أَبُو الْفضل الْأَنْبَارِي تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَكَانَ من أَعْيَان تلامذته وَكَانَ صهرا لفخر الْإِسْلَام أبي بكر الشَّاشِي وخالا لأولاده ولد سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَولي قَضَاء الْبَصْرَة والتدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية حدث بِيَسِير عَن شَيْخه أبي إِسْحَاق روى عَنهُ وَلَده القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد توفّي بِالْبَصْرَةِ لَيْلَة الْجُمُعَة وَدفن يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر رَجَب سنة ثَلَاث وَخَمْسمِائة الحديث: 683 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 684 - مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن ابْن أبي الْبَقَاء ابْن الْخلّ الْبَغْدَادِيّ أحد أَئِمَّة الْمَذْهَب ولد سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَحدث عَن أبي عبد الله النعالي وَأبي الْخطاب نصر بن البطر وثابت بن بنْدَار وَأبي عبد الله البسري وجعفر السراج وَأبي بكر الطوسي وَأبي غَالب الباقلاني وَأبي الْحُسَيْن بن الطيوري وَآخَرين روى عَنهُ عبد الْخَالِق بن أَسد وَأَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَأحمد بن طَارق الكركي وَالْفَتْح بن عبد السَّلَام وَجَمَاعَة آخِرهم وَفَاة أَبُو الْحسن الْقطيعِي وتفقه على فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي وصنف تَوْجِيه التَّنْبِيه وَهُوَ أول شرح وضع على التَّنْبِيه وَكَانَ بديع الْخط يتحيل النَّاس على أَخذ خطة فِي الْفَتَاوَى لحسن خطه لَا للْحَاجة للفتيا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ أحد الْأَئِمَّة الشَّافِعِيَّة بِبَغْدَاد الحديث: 684 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 برع فِي الْعلم وَهُوَ مُصِيب فِي فَتَاوِيهِ وَله السِّيرَة الحسنه والطريقة الجميلة خشن الْعَيْش تَارِك للتكلف على طَريقَة السّلف حلْس مَسْجده الَّذِي بالرحبة لَا يخرج مِنْهُ إِلَّا بِقدر الْحَاجة وَقَالَ ابْن النجار كَانَ إِمَامًا كَبِيرا فِي معرفَة الْمَذْهَب وَنقل نُصُوص الشَّافِعِي ووجوه أَصْحَابه وَله فِي النّظر وَالْخلاف الْيَد الباسطة وَكَانَ من الْوَرع والزهد والتقشف فِي غَايَة وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ الَّذِي تفرد بالفتوى السريجية السَّاعَة بِبَغْدَاد قلت كَانَ قد تلقى الْمَسْأَلَة السريجية من شَيْخه فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي وفخر الْإِسْلَام تلقى ذَلِك من شَيْخه أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأَبُو إِسْحَاق تلقى ذَلِك من شَيْخه القَاضِي أبي الطّيب وَقد خرج أَبُو الرِّضَا أَحْمد بن طَارق بن سِنَان الكركي لِابْنِ الْخلّ مشيخة عَن كل شيخ حَدِيث وَاحِد بِالسَّمَاعِ وَقع لنا مِنْهَا بعلو الْجُزْء الأول وَمن شعر ابْن الْخلّ من أَبْيَات (بلغه عني بِأَنِّي بعد فرقته ... مَاء الشؤون شرابي والضنا زادي) (يَا منية النَّفس لَا تنسى مَوَدَّة من ... فِي قلبه مِنْك هم رائح غاد) توفّي فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة أخبرنَا ... ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 685 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن الرسولي أَبُو السعادات سَافر إِلَى خُرَاسَان وجال فِي بلادها واستوطن بِالآخِرَة أسفراين إِلَى أَن توفّي بهَا سمع جعفرا السراج وَأَبا الْقَاسِم ابْن بَيَان وَحدث بنيسابور روى عَنهُ ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ وَله شعر حسن وتفقه على إِلْكيَا الهراسي توفّي بأسفراين سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 686 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَليّ بن مَحْمُود ابْن هبة الله ابْن أَله بِضَم الْهمزَة وَاللَّام الحديث: 685 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 الْعِمَاد الْكَاتِب وَيعرف بِابْن أخي الْعَزِيز من أهل أَصْبَهَان من بَيت الرياسة والسؤدد وَهُوَ أحد من مهر فِي الْأَدَب نظما ونثرا وشاع فِيهِ اسْمه ولد بأصبهان فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع عشرَة وَخَمْسمِائة وَقدم بَغْدَاد فتفقه على أبي مَنْصُور بن الرزاز وأتقن الْخلاف والنحو وَالْأَدب وَسمع من ابْن الرزاز وَأبي مَنْصُور ابْن خيرون وَأبي الْحسن عَليّ بن عبد السَّلَام وَأبي بكر بن الْأَشْقَر وَأبي الْقَاسِم عَليّ ابْن الصّباغ وَطَائِفَة وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الْقَاسِم بن الْحصين وَأَبُو عبد الله الفراوي ثمَّ عَاد إِلَى أَصْبَهَان وتفقه بهَا أَيْضا عَليّ أبي الْمَعَالِي الْوَركَانِي وَمُحَمّد بن عبد اللَّطِيف الخجندي ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد واشتغل بصناعة الْكِتَابَة وَقدم مصر وَسمع من السلَفِي وَغَيره روى عَنهُ ابْن خَلِيل والشهاب القوصي والعز عبد الْعَزِيز بن عُثْمَان الإربلي والشرف مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ الْأنْصَارِيّ والتاج الْقُرْطُبِيّ وَآخَرُونَ ورد إِلَى دمشق فِي أَيَّام الْملك نور الدّين ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الْعمادِيَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْعرَاق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 ثمَّ لما أَخذ صَلَاح الدّين الشَّام عَاد إِلَيْهَا ومدحه وَلزِمَ ركابه إِلَى أَن اسْتَكْتَبَهُ وَصَارَ يضاهي الوزراء ومرتبته تضاهي مرتبَة القَاضِي الْفَاضِل وَإِذا انْقَطع الْفَاضِل بشغل يعرض لَازم هُوَ السُّلْطَان وَلم يزل عِنْد السُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي أعز جَانب وأنعم نعْمَة وَالدُّنْيَا تخدمه والأرزاق يتَصَرَّف فِيهَا لِسَانه وقلمه إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان صَلَاح الدّين وبارت سوق الْعلم وَالدّين بوفاته استوطن دمشق وَلزِمَ مدرسته الْعمادِيَّة وَمن تصانيفه الخريدة والبرق الشَّامي وَالْفَتْح الْقُدسِي وَغير ذَلِك قَالَ ابْن النجار وَكَانَ من الْعلمَاء المتقنين فقها وَخِلَافًا وأصولا ونحوا ولغة وَمَعْرِفَة بالتواريخ وَأَيَّام النَّاس قَالَ وَكَانَ من محَاسِن الزَّمَان لم تَرَ الْعُيُون مثله ثمَّ وَصفه بالأدب وَصفا كثيرا وَهُوَ فِيهِ كَمَا قَالَ وأزيد وَأكْثر مَا يعاب عَلَيْهِ كَثْرَة اسْتِعْمَاله للجناس لَا سِيمَا فِي النثر بِحَيْثُ تضيق بِهِ الأنفاس ويكاد لَا يتْرك للفظة الْوَاحِدَة مجالا وَإِنَّمَا يحسن الجناس إِذا خف على الْقلب وَاللِّسَان وَلم يَتَعَدَّ الْمَرَّتَيْنِ وَقد ذكره صاحبنا شيخ الْأَدَب القَاضِي صَلَاح الدّين خَلِيل بن أَبِيك الصَّفَدِي رَحمَه الله وَقَالَ بعد أَن ذكر قدرته على كل من النّظم والنثر أرى أَن شعره ألطف من نثره لإكثار الجناس فِي نثره وَأما النّظم فَكَانَ الْوَزْن فِيهِ يضايقه فَلَا يَدعه يتَمَكَّن من الجناس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 ثمَّ ذكر من كَلَام الْعِمَاد الْخَالِي عَن الجناس قَوْله فَلَمَّا أَرَادَ الله السَّاعَة الَّتِي جلاها لوَقْتهَا وَالْآيَة الَّتِي لَا أُخْت لَهَا فَنَقُول هِيَ أكبر من أُخْتهَا أفضت اللَّيْلَة الماطلة إِلَى فجرها ووصلت الدُّنْيَا الْحَامِل إِلَى تَمام شهرها وَجَاءَت بواحدها الَّذِي تُضَاف إِلَيْهِ الْأَعْدَاد وملكها الَّذِي لَهُ الأَرْض بِسَاط وَالسَّمَاء خيمة والحبك أطناب وَالْجِبَال أوتاد وَالشَّمْس دِينَار والقطر دَرَاهِم والأفلاك خدم والنجوم أَوْلَاد وَقَالَ هَذَا لما كَانَ خَالِيا من الجناس عذب فِي السّمع وقعه واتسع فِي الْإِحْسَان صقعه ورشفه اللب مدامه وَكَانَ عِنْد من لَهُ ذوق أطيب من تغريد حمامه ثمَّ ذكر من كَلَامه الْمُشْتَمل على الجناس قَوْله من جَوَاب مُكَاتبَة فَوقف الْخَادِم عَلَيْهِ وأفاض فِي شكر فيض فَضله المستفيض وتبلج وَجه وجاهته وتأرج نبأ نباهته مَا عرفه من عوارفه الْبيض ثمَّ قَالَ فَانْظُر إِلَى قلق هَذَا التَّرْكِيب وتعسفه فِي هَذَا التَّرْتِيب قلت وَالْأَمر كَمَا وصف وَلَقَد يمج سَمْعِي فواتح أَبْوَاب الخريدة لما يكثر فِيهَا الجناس ورد الْعَجز على الصَّدْر وَلَكِن قد يَقع لَهُ الجناس المطبوع وَأكْثر مَا يكون ذَلِك فِي شعره كَقَوْلِه فِي مطلع قصيدة يمتدح الْفَاضِل ... ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 وَكَقَوْلِه وَقد ساير القَاضِي الْفَاضِل فِي الفضاء وَقد انْتَشَر الْغُبَار لِكَثْرَة فرسَان الْعَسْكَر (أما الْغُبَار فَإِنَّهُ ... مِمَّا أثارته السنابك) (وَالْحق مِنْهُ مظلم ... لَكِن أنارته السنابك) (يَا دهر لي عبد الرَّحِيم ... فلست أخْشَى مس نابك) وَبَينه وَبَين القَاضِي الْفَاضِل أدبيات يطول شرحها وَمن لطائفها قَوْله للْقَاضِي الْفَاضِل وَهُوَ يسايره سر فَلَا كبا بك الْفرس فَأَجَابَهُ القَاضِي بقوله دَامَ علا الْعِمَاد وَلَا يخفى أَن جَوَاب القَاضِي أرشق وَأحلى من كَلَام الْعِمَاد وَأَن بَين كلاميهما كَمَا بَينهمَا توفّي الْعِمَاد بِدِمَشْق فِي مستهل شهر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَمن شعره وَذَلِكَ بَحر لَا سَاحل لَهُ غير أَنا نورد من حسنه قَلِيلا قَالَ يمتدح المستنجد بِاللَّه (وَمَا كل شعر مثل شعري فِيكُم ... وَمن ذَا يقيس البازل الْعود بِالنَّقْضِ) (وَمَا عز حَتَّى هان شعر ابْن هانىء ... وللسنة الغراء عز على الرَّفْض) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 وَقَالَ (أفدي الَّذِي خلبت قلبِي لواحظه ... وخلفت لذعات الْحبّ فِي كَبِدِي) (صِفَات ناظرة سقم بِلَا ألم ... سكر بِلَا قدح جرح بِلَا قَود (معشق الدل من تيه وَمن صلف ... مرنح الْعَطف من لين وَمن سد) (على محياه من نَار الصِّبَا شعل ... وَورد خديه من مَاء الْحَيَاة ندى) وَقَالَ (وَمَا هَذِه الْأَيَّام إِلَّا صَحَائِف ... يورخ فِيهَا ثمَّ يمحى ويمحق) (وَلم أر فِي دهرى كدائرة المنى ... توسعها الآمال والعمر ضيق) وَقَالَ (اقنع وَلَا تطمع فَإِن الْفَتى ... كَمَاله فِي عزة النَّفس) (وَإِنَّمَا ينقص بدر الدجى ... لأَخذه الضَّوْء من الشَّمْس) وَقَالَ (أبصرني مكبلا ... من الغرام ممتحن) (فَقَالَ من قَاتله ... قلت لَهُ قَائِل من) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 687 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن حنكويه بن مرْدَوَيْه ابْن هندويه الْفَارِسِي أَبُو عبد الله بن أبي نصر من أهل فَارس تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع أَبَا الْحُسَيْن ابْن النقور وَعبد الله بن مُحَمَّد الصريفيني وَأَبا الْقَاسِم بن البسري وَعبد الْعَزِيز بن عَليّ الْأنمَاطِي وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو عَامر الْعَبدَرِي وَمُحَمّد بن نَاصِر الحافظان وَغَيرهمَا وَله مجموعات وتواليف وتخاريج مولده سنة أَرْبَعِينَ وَمَات فِي شَوَّال سنة سبع وَخَمْسمِائة وَدفن عِنْد قبر أَبِيه 688 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن طَاهِر بن سعيد بن الشَّيْخ فضل الله الميهني أَبُو المكارم الحديث: 687 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 689 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عِيسَى أَبُو هَاشم الساوي قَاضِي مَدِينَة ساوة مولده يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة 690 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين أَبُو حَامِد ابْن قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين أبي الْفضل ابْن الشهرزوري الْموصِلِي تفقه بِبَغْدَاد على أبي مَنْصُور بن الرزاز وَسمع من عَم أَبِيه أبي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم كتب عَنهُ القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الْأنْصَارِيّ الحديث: 689 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 قدم الشَّام وناب فِي الحكم عَن أَبِيه ثمَّ ولي قَضَاء حلب ثمَّ انْتقل إِلَى الْموصل وَولي قضاءها ودرس بمدرسة أَبِيه وبالمدرسة النظامية بهَا وَتمكن من الْملك عز الدّين مَسْعُود بن زنكي وَكَانَ جوادا سريا قيل إِنَّه أنعم فِي بعض رسائله إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة الآف دِينَار أميرية على الْفُقَهَاء والأدباء وَالشعرَاء وَيُقَال إِنَّه فِي مُدَّة حكمه بالموصل لم يعتقل غريما على دينارين فَمَا دونهمَا بل كَانَ يوفيهما عَنهُ وَمن شعره فِي جَرَادَة (لَهَا فخذا بكر وساقا نعَامَة ... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم) (حبتها أفاعي الرمل بَطنا وأنعمت ... عَلَيْهَا جِيَاد الْخَيل بِالرَّأْسِ والفم) وَقَالَ أَيْضا (قَامَت بِإِثْبَات الصِّفَات أَدِلَّة ... قصمت ظُهُور جمَاعَة التعطيل) (وطلائع التَّنْزِيه لما أَقبلت ... هزمت ذَوي التَّشْبِيه والتمثيل) (فَالْحق مَا صرنا إِلَيْهِ جَمِيعًا ... بأدلة الْأَخْبَار والتنزيل) (من لم يكن بِالشَّرْعِ مقتديا فقد ... أَلْقَاهُ فرط الْجَهْل بالتضليل) توفّي فِي رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَله اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة بالموصل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 691 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي سهل بن أبي طَلْحَة الْمروزِي الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السنجي الْمُؤَذّن الْخَطِيب ولد بقرية سنج الْعُظْمَى فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة أَو قبلهَا وَسمع الْكثير ورحل إِلَى نيسابور وبغداد وأصبهان وتفقه على الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَعلي أبي الْفرج الزاز وَسمع إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الزاهري وَأَبا بكر مُحَمَّد بن عَليّ الشَّاشِي الْفَقِيه وَعلي بن أَحْمد الْمَدِينِيّ وَنصر الله بن أَحْمد الخشنامي وفيد بن عبد الرَّحْمَن الشعراني وثابت ابْن بنْدَار وجعفر السراج وَأَبا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحَافِظ بن مرْدَوَيْه وخلقا سواهُم روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَولده عبد الرَّحِيم قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ كَانَ من أخص أَصْحَاب وَالِدي فِي الْحَضَر وَالسّفر سمع الْكثير مَعَه وَنسخ لنَفسِهِ وَلغيره الحديث: 691 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 وَله معرفَة بِالْحَدِيثِ وَهُوَ ثِقَة دين قَانِع بِمَا هُوَ فِيهِ كثير التِّلَاوَة حج مَعَ وَالِدي وَكَانَ يتَوَلَّى أموري بعد وَالِدي وَسمعت من لَفظه الْكثير وَكَانَ يتَوَلَّى الخطابة بمرو فِي الْجَامِع الأقدم توفّي فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة قلت وَلَهُم شيخ آخر اسْمه مُحَمَّد بن أبي بكر بن عُثْمَان أَبُو طَاهِر السبخي فَقِيه صَالح من أَصْحَاب يُوسُف الهمذاني الزَّاهِد وَإِبْرَاهِيم الصفار الزَّاهِد وَهُوَ أَيْضا من شُيُوخ ابْن السَّمْعَانِيّ وَولده عبد الرَّحِيم مَاتَ ببخارى سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة فَيَنْبَغِي أَن يتفطن لَهُ لِئَلَّا يشْتَبه بِهَذَا 692 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الهمذاني أَبُو الْفتُوح الطَّائِي صَاحب الْأَرْبَعين الطائية الَّتِي أخبرنَا بجميعها أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بالسند إِلَيْهِ وَقد خرجنَا مِنْهَا الْكثير فِي هَذَا الْكتاب وَهِي من أحلى مَا وضع فِي النَّوْع ولدفي سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بهمذان الحديث: 692 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 وَسمع فيد بن عبد الرَّحْمَن الشعراني وَعبد الرَّحْمَن بن حمد الدوني وظريف بن مُحَمَّد وَعبد الْغفار الشيروي وَالرُّويَانِيّ وتاج الْإِسْلَام أَبَا بكر بن السَّمْعَانِيّ وشيرويه الديلمي وَابْن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَأَبا الْقَاسِم بن بَيَان الرزاز روى عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْبناء الصُّوفِي وَالْحُسَيْن بن الزبيدِيّ وَجَمَاعَة آخِرهم ابْن اللتي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ يرجع إِلَى نصيب من الْعُلُوم فقها وحديثا وأدبا ووعظا وَغير ذَلِك تفقه على وَالِدي بمرو وَأقَام عِنْده سِنِين كتبت عَنهُ فِي الرحلة إِلَى همذان توفّي سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 693 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الخزيمي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة المضمومة وَالزَّاي مَنْسُوب إِلَى ابْن خُزَيْمَة لكَونه من ذُريَّته الفراوي أَبُو الْفَتْح الْوَاعِظ نزيل الرّيّ عقد لَهُ بِبَغْدَاد مجْلِس الْوَعْظ والْحَدِيث واستملى عَلَيْهِ أَبُو بكر بن الخاضبة سمع عبد الغافر الْفَارِسِي وَأَبا الْخَيْر مُحَمَّد بن أبي عمرَان الصفار وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي روى عَنهُ مُحَمَّد بن عَليّ بن هبة الله بن عبد السَّلَام وَسعد الله بن مُحَمَّد الدقاق وَغَيرهمَا وَكَانَ حسن الْوَعْظ مليح الْإِشَارَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ لكنه كَانَ روى الْكثير من الموضوعات قَالَ وَكَذَلِكَ مجَالِس الْغَزالِيّ وَابْن الْعَبَّادِيّ فِيهَا الْعَجَائِب والمعاني الَّتِي لَا توَافق الشَّرِيعَة وَأطَال فِي ذَلِك وَلَيْسَ الْأَمر مُسلما لِابْنِ الْجَوْزِيّ فَلم نر فِي كَلَام أحد مِنْهُم مَا يُخَالف الشَّرْع وَأما راوية الحَدِيث الْمَوْضُوع فقد يَقع فِي كَلَامهم وَمَا ذَلِك إِلَّا لعدم معرفتهم بِكَوْنِهِ الحديث: 693 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 مَوْضُوعا فَلَا يعاب عَلَيْهِم وَالْحَالة هَذِه وَلَيْسَ ابْن الْجَوْزِيّ عندنَا بِحَيْثُ يتَكَلَّم فِي مثل هَؤُلَاءِ توفّي الخزيمي بِالريِّ فِي الْمحرم سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة 694 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الطوسي الإِمَام الْجَلِيل أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ حجَّة الْإِسْلَام ومحجة الدّين الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى دَار السَّلَام جَامع أشتات الْعُلُوم والمبرز فِي الْمَنْقُول مِنْهَا وَالْمَفْهُوم الحديث: 694 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 جرت الْأَئِمَّة قبله بشأو وَلم تقع مِنْهُ بالغاية وَلَا وقف عِنْد مطلب وَرَاءه مطلب لأَصْحَاب النِّهَايَة والبداية (حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة ... وَلَيْسَ وَرَاء الله للمرء مَذْهَب) حَتَّى أخمل من القرناء كل خصم بلغ مبلغ السها وأخمد من نيران الْبدع كل مَا لَا تَسْتَطِيع أَيدي المجالدين مَسهَا كَانَ رَضِي الله عَنهُ ضرغاما إِلَّا أَن الْأسود تتضاءل بَين يَدَيْهِ وتتوارى وبدرا تَمامًا إِلَّا أَن هداه يشرق نَهَارا وبشرا من الْخلق وَلكنه الطود الْعَظِيم وَبَعض الْخلق لكل مثل مَا بعض الْحجر الدّرّ النظيم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 جَاءَ وَالنَّاس إِلَى رد فِرْيَة الفلاسفة أحْوج من الظلماء لمصابيح السَّمَاء وأفقر من الجدباء إِلَى قطرات المَاء فَلم يزل يناضل عَن الدّين الحنيفي بجلاد مقاله ويحمى حوزه الدّين وَلَا يلطخ بِدَم الْمُعْتَدِينَ حد نصاله حَتَّى أصبح الدّين وثيق العرى وانكشفت غياهب الشُّبُهَات وَمَا كَانَت إِلَّا حَدِيثا مفترى هَذَا مَعَ ورع طوى عَلَيْهِ ضَمِيره وخلوة لم يتَّخذ فِيهَا غير الطَّاعَة سميره وَتَجْرِيد ترَاهُ بِهِ وَقد توَحد فِي بَحر التَّوْحِيد وباهى (ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفف رَحْله ... والزاد حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا) ترك الدُّنْيَا وَرَاء ظَهره وَأَقْبل على الله يعامله فِي سره وجهره ولد بطوس سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ وَالِده يغزل الصُّوف ويبيعه فِي دكانه بطوس فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة وصّى بِهِ وبأخيه أَحْمد إِلَى صديق لَهُ متصوف من أهل الْخَيْر وَقَالَ لَهُ إِن لي لتأسفا عَظِيما على تعلم الْخط وأشتهى استدارك مَا فَاتَنِي فِي وَلَدي هذَيْن فعلمهما وَلَا عَلَيْك أَن تنفذ فِي ذَلِك جَمِيع مَا أخلفه لَهما فَلَمَّا مَاتَ أقبل الصُّوفِي على تعليمهما إِلَى أَن فنى ذَلِك النزر الْيَسِير الَّذِي كَانَ خَلفه لَهما أَبوهُمَا وَتعذر على الصُّوفِي الْقيام بقوتهما فَقَالَ لَهما اعلما أَنِّي قد أنفقت عَلَيْكُمَا مَا كَانَ لَكمَا وَأَنا رجل من الْفقر والتجريد بِحَيْثُ لَا مَال لي فأواسيكما بِهِ وَأصْلح مَا أرى لَكمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 أَن تلجآ إِلَى مدرسة كأنكما من طلبة الْعلم فَيحصل لَكمَا قوت يعينكما على وقتكما ففعلا ذَلِك وَكَانَ هُوَ السَّبَب فِي سعادتهما وعلو درجتهما وَكَانَ الْغَزالِيّ يَحْكِي هَذَا وَيَقُول طلبنا الْعلم لغير الله فَأبى أَن يكون إِلَّا لله ويحكى أَن أَبَاهُ كَانَ فَقِيرا صَالحا لَا يَأْكُل إِلَّا من كسب يَده فِي عمل غزل الصُّوف وَيَطوف على المتفقهة ويجالسهم ويتوفر على خدمتهم ويجد فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِم وَالنَّفقَة بِمَا يُمكنهُ وَأَنه كَانَ إِذا سمع كَلَامهم بَكَى وتضرع وَسَأَلَ الله أَن يرزقه ابْنا ويجعله فقهيا ويحضر مجَالِس الْوَعْظ فَإِذا طَابَ وقته بَكَى وَسَأَلَ الله أَن يرزقه ابْنا واعظا فَاسْتَجَاب الله دعوتيه أما أَبُو حَامِد فَكَانَ أفقه أقرانه وَإِمَام أهل زَمَانه وَفَارِس ميدانه كَلمته شهد بهَا الْمُوَافق والمخالف وَأقر بحقيتها المعادى والمحالف وَأما أَحْمد فَكَانَ واعظا تنفلق الصم الصخور عِنْد اسْتِمَاع تحذيره وترعد فَرَائض الْحَاضِرين فِي مجَالِس تذكيره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 مبدأ طلب حجَّة الْإِسْلَام الْعلم قَرَأَ فِي صباه طرفا من الْفِقْه بِبَلَدِهِ على أَحْمد بن مُحَمَّد الراذكاني ثمَّ سَافر إِلَى جرجان إِلَى الإِمَام أبي نصر الْإِسْمَاعِيلِيّ وعلق عَنهُ التعليقة ثمَّ رَجَعَ إِلَى طوس قَالَ الإِمَام أسعد الميهني فَسَمعته يَقُول قطعت علينا الطَّرِيق وَأخذ العيارون جَمِيع مَا معي ومضوا فتبعتهم فَالْتَفت إِلَى مقدمهم وَقَالَ ارْجع وَيحك وَإِلَّا هَلَكت فَقلت لَهُ أَسأَلك بِالَّذِي ترجو السَّلامَة مِنْهُ أَن ترد على تعليقتي فَقَط فَمَا هِيَ بِشَيْء تنتفعون بِهِ فَقَالَ لي وَمَا هِيَ تعليقتك فَقلت كتبت فِي تِلْكَ المخلاة هَاجَرت لسماعها وكتابتها وَمَعْرِفَة علمهَا فَضَحِك وَقَالَ كَيفَ تَدعِي أَنَّك عرفت علمهَا وَقد أخذناها مِنْك فتجردت من مَعْرفَتهَا وَبقيت بِلَا علم ثمَّ أَمر بعض أَصْحَابه فَسلم إِلَى المخلاة قَالَ الْغَزالِيّ فَقلت هَذَا مستنطق أنطقه الله ليرشدني بِهِ فِي أَمْرِي فَلَمَّا وافيت طوس أَقبلت على الِاشْتِغَال ثَلَاث سِنِين حَتَّى حفظت جَمِيع مَا علقته وصرت بِحَيْثُ لَو قطع على الطَّرِيق لم أتجرد من علمي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 وَقد روى هَذِه الْحِكَايَة عَن الْغَزالِيّ أَيْضا الْوَزير نظام الْملك كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي تَرْجَمَة نظام الْملك من ذيل ابْن السَّمْعَانِيّ ثمَّ إِن الْغَزالِيّ قدم نيسابور ولازم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وجد واجتهد حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والجدل والأصلين والمنطق وَقَرَأَ الْحِكْمَة والفلسفة وَأحكم كل ذَلِك وَفهم كَلَام أَرْبَاب هَذِه الْعُلُوم وتصدى للرَّدّ على مبطليهم وَإِبْطَال دعاويهم وصنف فِي كل فن من هَذِه الْعُلُوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد وَضعهَا وترصيفها كَذَا نقل النقلَة وَأَنا لم أر لَهُ مصنفا فِي أصُول الدّين بعد شدَّة الفحص إِلَّا أَن يكون قَوَاعِد العقائد وعقائد صغرى وَأما كتاب مُسْتَقل على قَاعِدَة الْمُتَكَلِّمين فَلم أره وسأعقد فصلا لأسماء مَا وقفت عَلَيْهِ من تصانيفه وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ شَدِيد الذكاء سديد النّظر عَجِيب الْفطْرَة مفرط الْإِدْرَاك قوي الحافظة بعيد الْغَوْر غواصا على الْمعَانِي الدقيقة جبل علم مناظرا محجاجا وَكَانَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ يصف تلامذته فَيَقُول الْغَزالِيّ بَحر مغدق وإليكا أَسد مخرق والخوافي نَار تحرق وَيُقَال إِن الإِمَام كَانَ بِالآخِرَة يمتعض مِنْهُ فِي الْبَاطِن وَإِن كَانَ يظْهر التبجح بِهِ فِي الظَّاهِر ثمَّ لما مَاتَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ خرج الْغَزالِيّ إِلَى المعسكر قَاصِدا للوزير نظام الْملك إِذْ كَانَ مَجْلِسه مجمع أهل الْعلم وملاذهم فناظر الْأَئِمَّة الْعلمَاء فِي مَجْلِسه وقهر الْخُصُوم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 وَظهر كَلَامه عَلَيْهِم واعترفوا بفضله وتلقاه الصاحب بالتعظيم والتبجيل وولاه تدريس مدرستة بِبَغْدَاد وَأمره بالتوجه إِلَيْهَا فَقدم بَغْدَاد فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة ودرس بالنظامية وأعجب الْخلق حسن كَلَامه وَكَمَال فَضله وفصاحة لِسَانه ونكته الدقيقة وإشاراته اللطيفة وأحبوه وَأقَام على التدريس وتدريس الْعلم ونشره بالتعليم والفتيا والتصنيف مُدَّة عَظِيم الجاه زَائِد الحشمة عالي الرُّتْبَة مسموع الْكَلِمَة مَشْهُور الِاسْم تضرب بِهِ الْأَمْثَال وتشد إِلَيْهِ الرّحال إِلَى أَن عزفت نَفسه عَن رذائل الدُّنْيَا فرفض مَا فِيهَا من التَّقَدُّم والجاه وَترك كل ذَلِك وَرَاء ظَهره وَقصد بَيت الله الْحَرَام فَخرج إِلَى الْحَج فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ واستناب أَخَاهُ فِي التدريس وَدخل دمشق فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ فَلبث فِيهَا يويمات يسيرَة على قدم الْفقر ثمَّ توجه إِلَى بَيت الْمُقَدّس فجاور بِهِ مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وَاعْتَكف بالمنارة الغربية من الْجَامِع وَبهَا كَانَت إِقَامَته على مَا ذكر الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِيمَا نَقله عَنهُ الذَّهَبِيّ وَلم أَجِدهُ فِي كَلَامه وَكَانَ الْغَزالِيّ يكثر الْجُلُوس فِي زَاوِيَة الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي بالجامع الْأمَوِي الْمَعْرُوفَة الْيَوْم بالغزالية نِسْبَة إِلَيْهِ وَكَانَت تعرف قبْلَة بالشيخ نصر الْمَقْدِسِي قَالَ لحافظ ابْن عَسَاكِر أَقَامَ الْغَزالِيّ بِالشَّام نَحوا من عشْرين سنة كَذَا نقل شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَلم أجد ذَلِك فِي كَلَام ابْن عَسَاكِر لَا فِي تَارِيخ الشَّام وَلَا فِي التَّبْيِين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 ويحكى هُنَا حكايات مِنْهَا أَنه قصد الِاجْتِمَاع بالشيخ نصر وَأَنه لم يدْخل دمشق إِلَّا يَوْم وَفَاته فصادف أَنه دخل إِلَى الْجَامِع وَهُوَ لابس زِيّ الْفُقَرَاء فاتفق جُلُوسه فِي الزاوية الْمشَار إِلَيْهَا فَبعد هنيهة أَتَى جمَاعَة من طلبة الْعلم وشاكلوه فِي الْعُلُوم بعد أَن تأملوه ونظروا إِلَيْهِ مَلِيًّا فوجدوه بحرا لَا ينزف فَقَالَ لَهُم مَا فعل الشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي قَالُوا توفّي وَهَذَا مجيئنا من مدفنه وَكَانَ لما حَضرته الْوَفَاة سألناه من يخلفك فِي حلقتك فَقَالَ إِذا فَرَغْتُمْ من دفني عودوا إِلَى الزاوية تَجدوا شخصا أعجميا ووصفك لنا أَقروهُ منى السَّلَام وَهُوَ خليفتي وَهَذِه الْحِكَايَة لم تثبت عِنْدِي ووفاة الشَّيْخ نصر كَانَت سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة وَإِن صحت فَلَعَلَّ ذَلِك عِنْد عوده إِلَى دمشق من الْقُدس وَإِلَّا فقد كَانَ اجتماعه بِهِ مُمكنا لما دخل دمشق سنة تسع وَثَمَانِينَ قبل وَفَاة الشَّيْخ نصر بِسنة وَصرح شَيخنَا الذَّهَبِيّ بِأَن الغزالى جَالس نصرا قلت وَالَّذِي أوصى نصر الْمَقْدِسِي بِهِ أَن يخلفه بعده هُوَ نصر الله المصِّيصِي تِلْمِيذه وَمِنْهَا أَنه لما دَخلهَا على زِيّ الْفُقَرَاء جلس على بَاب الخانقاه السميساطية إِلَى أَن أذن لَهُ فَقير مَجْهُول لَا يعرف وابتدأ بكنس الميضات ألتي للخانقاه وَخدمتهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 وَاتفقَ أَن جلس يَوْمًا فِي صحن الْجَامِع الْأمَوِي وَجَمَاعَة من الْمُفْتِينَ يتمشون فِي الصحن وَإِذا بقروي أَتَاهُم مستفتيا وَلم يردوا عَلَيْهِ جَوَابا وَالْغَزالِيّ يتَأَمَّل فَلَمَّا رأى الْغَزالِيّ أَنه لَا أحد عِنْده جَوَابه ويعز عَلَيْهِ عدم إرشاده دَعَاهُ وأجابه فَأخذ الْقَرَوِي يهزأ بِهِ وَيَقُول إِن كبار الْمُفْتِينَ مَا أجابوني وَهَذَا فَقير عَامي كَيفَ يجيبني وَأُولَئِكَ الْمفْتُون ينظرونه فَلَمَّا فرغ من كَلَامه مَعَه دعوا الْقَرَوِي وسألوه مَا الَّذِي حَدثَك بِهِ هَذَا الْعَاميّ فشرح لَهُم الْحَال فَجَاءُوا إِلَيْهِ وتعرفوا بِهِ واحتاطوا بِهِ وسألوه أَن يعْقد لَهُم مَجْلِسا فَوَعَدَهُمْ إِلَى ثَانِي يَوْم وسافر من ليلته رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهَا أَنه صَادف دُخُوله يَوْمًا الْمدرسَة الأمينية فَوجدَ الْمدرس يَقُول قَالَ الْغَزالِيّ وَهُوَ يدرس من كَلَامه فخشي الْغَزالِيّ على نَفسه الْعجب فَفَارَقَ دمشق وَأخذ يجول فِي الْبِلَاد فَدخل مِنْهَا إِلَى مصر وَتوجه مِنْهَا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَأَقَامَ بهَا مُدَّة وَقيل إِنَّه عزم على الْمُضِيّ إِلَى السُّلْطَان يُوسُف بن تاشفين سُلْطَان الْمغرب لما بلغه من عدله فَبَلغهُ مَوته وَاسْتمرّ يجول فِي الْبلدَانِ ويزور الْمشَاهد وَيَطوف على التُّرَاب والمساجد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 ويأوى القفار ويروض نَفسه ويجاهدها جِهَاد الْأَبْرَار ويكلفها مشاق الْعِبَادَات بأنواع الْقرب والطاعات إِلَى أَن صَار قطب الْوُجُود وَالْبركَة الْعَامَّة بِكُل مَوْجُود وَالطَّرِيق الموصلة إِلَى رضَا الرَّحْمَن والسبيل الْمَنْصُوب إِلَى مَرْكَز الْإِيمَان ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَغْدَاد وَعقد بهَا مجْلِس الْوَعْظ وَتكلم على لِسَان أهل الْحَقِيقَة وَحدث بِكِتَاب الْإِحْيَاء قَالَ ابْن النجار وَلم يكن لَهُ إِسْنَاد وَلَا طلب شَيْئا من الحَدِيث لم أر لَهُ إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا سَيَأْتِي ذكره فِي هَذَا الْكتاب يَعْنِي تَارِيخه قلت وَلم أره ذكر هَذَا الحَدِيث بعد ذَلِك وَقد أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِحَدِيث من حَدِيثه سَنذكرُهُ وَذكر الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر أَنه سمع صَحِيح البُخَارِيّ من أبي سهل مُحَمَّد ابْن عبد الله الحفصي وَذكر عبد الغافر لَهُ مسموعات سنذكرها فِي كَلَام عبد الغافر ثمَّ عَاد الْغَزالِيّ إِلَى خُرَاسَان ودرس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بنيسابور مُدَّة يسيرَة وكل قلبه مُعَلّق بِمَا فتح عَلَيْهِ من الطَّرِيق ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة طوس وَاتخذ إِلَى جَانب دَاره مدرسة للفقهاء وخانقاه للصوفية ووزع أوقاته على وظائف من ختم الْقُرْآن ومجالسة أَرْبَاب الْقُلُوب والتدريس لطلبة الْعلم وإدامة الصَّلَاة وَالصِّيَام وَسَائِر الْعِبَادَات إِلَى أَن انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 ورضوانه طيب الثَّنَاء أَعلَى منزلَة من نجم السَّمَاء لَا يكرههُ إِلَّا حَاسِد أَو زنديق وَلَا يسومه بِسوء إِلَّا حائد عَن سَوَاء الطَّرِيق ينشدهم لِسَان حَاله (وَإِن تكنفني من شرهم غسق ... فالبدر أحسن إشراقا مَعَ الظُّلم) (وَإِن رَأَوْا بخس فضلى حق قِيمَته ... فالدر در وَإِن لم يشر بالقيم) وَكَانَت وَفَاته قدس الله روحه بطوس يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخَمْسمِائة ومشهده بهَا يزار بمقبرة الطابران قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الثَّبَات عِنْد الْمَمَات قَالَ أَحْمد أَخُو الإِمَام الْغَزالِيّ لماكان يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقت الصُّبْح تَوَضَّأ أخي أَبُو حَامِد وَصلى وَقَالَ عَليّ بالكفن فَأَخذه وَقَبله وَوَضعه على عَيْنَيْهِ وَقَالَ سمعا وَطَاعَة للدخول على الْملك ثمَّ مدرجليه واستقبل الْقبْلَة وَمَات قبل الْإِسْفَار قدس الله روحه فَهَذِهِ تَرْجَمَة مختصرة يقنع بهَا طَالب الِاخْتِصَار وَإِذا أَبيت إِلَّا الْبسط فِي شرح حَال هَذَا النَّجْم الَّذِي تشرف الأوراق يذاكره ويعبق الْوُجُود برياه فَنَقُول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 وَمن كَلَام أهل عصره فِيهِ قد قدمنَا كَلَام شَيْخه إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقَوله الْغَزالِيّ بَحر مغدق وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي سَمِعت الْفُقَهَاء يَقُولُونَ كَانَ الْجُوَيْنِيّ يَعْنِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ يَقُول فِي تلامذته إِذا ناظروا التَّحْقِيق للخوافي والحدسيات للغزالي وَالْبَيَان للكيا وَقَالَ تِلْمِيذه الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى الْغَزالِيّ هُوَ الشَّافِعِي الثَّانِي وَقَالَ أسعد الميهني لَا يصل إِلَى معرفَة علم الْغَزالِيّ وفضله إِلَّا من بلغ أَو كَاد يبلغ الْكَمَال فِي عقله قلت يُعجبنِي هَذَا الْكَلَام فَإِن الَّذِي يحب أَن يطلع على منزله من هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِي الْعلم يحْتَاج إِلَى الْعقل والفهم فبالعقل يُمَيّز وبالفهم يقْضِي وَلما كَانَ علم الْغَزالِيّ فِي الْغَايَة القصوى احْتَاجَ من يُرِيد الِاطِّلَاع على مِقْدَاره فِيهِ أَن يكون هُوَ تَامّ الْعقل وَأَقُول لَا بُد مَعَ تَمام الْعقل من مداناة مرتبته فِي الْعلم لمرتبة الآخر وَحِينَئِذٍ فَلَا يعرف أحد مِمَّن جَاءَ بعد الْغَزالِيّ قدر الْغَزالِيّ وَلَا مِقْدَار علم الْغَزالِيّ إِلَّا بِمِقْدَار علمه أما بِمِقْدَار علم الْغَزالِيّ فَلَا إِذْ لم يَجِيء بعده مثله ثمَّ المداني لَهُ إِنَّمَا يعرف قدره بِقدر مَا عِنْده لَا بِقدر الْغَزالِيّ فِي نَفسه سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول لَا يعرف قدر الشَّخْص فِي الْعلم إِلَّا من ساواه فِي رتبته وخالطه مَعَ ذَلِك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 قَالَ وَإِنَّمَا يعرف قدره بِمِقْدَار مَا أوتيه هُوَ وَكَانَ يَقُول لنا لَا أحد من الْأَصْحَاب يعرف قدر الشَّافِعِي كَمَا يعرفهُ الْمُزنِيّ قَالَ وَإِنَّمَا يعرف الْمُزنِيّ من قدر الشَّافِعِي بِمِقْدَار قوى الْمُزنِيّ وَالزَّائِد عَلَيْهَا من قوى الشَّافِعِي لم يُدْرِكهُ الْمُزنِيّ وَكَانَ يَقُول لنا أَيْضا لَا يقدر أحد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق قدره إِلَّا الله تَعَالَى وَإِنَّمَا يعرف كل وَاحِد من مِقْدَاره بِقدر مَا عِنْده هُوَ قَالَ فأعرف الْأمة بِقَدرِهِ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ أفضل الْأمة قَالَ وَإِنَّمَا يعرف أَبُو بكر من مِقْدَار الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تصل إِلَيْهِ قوى أبي بكر وَثمّ أُمُور تقصر عَنْهَا قواه لم يحط بهَا علمه ومحيط بهَا علم الله ذكر كَلَام عبد الغافر الْفَارِسِي وَأَنا أرى أَن أسوقه بِكَمَالِهِ على نَصه حرفا فَإِن عبد الغافر ثِقَة معاصر عَارِف وَقد تخرب الحاكون لكَلَامه حزبين فَمن ناقل لبَعض الممادح وحاك لجَمِيع مَا أوردهُ مِمَّا عيب على حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ وَذَلِكَ صَنِيع من يتعصب على حجَّة الْإِسْلَام وَهُوَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ فَإِنَّهُ ذكر بعض الممادح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 نقلا معجرف اللَّفْظ محكيا بِالْمَعْنَى غير مُطَابق فِي الْأَكْثَر وَلما انْتهى إِلَى مَا ذكره عبد الغافر مِمَّا عيب عَلَيْهِ اسْتَوْفَاهُ ثمَّ زَاد ووشح وَبسط وَرشح وَمن ناقل لكل الممادح سَاكِت عَن ذكر مَا عيب بِهِ وَهُوَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وسأبحث عَن سَبَب فعله ذَلِك وَأما أَنا فأورد جَمِيعه ثمَّ أَتكَلّم عَلَيْهِ وأسأل الله التَّوْفِيق والحماية من الْميل قَالَ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْخَطِيب الْفَارِسِي خطيب نيسابور مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ حجَّة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين إِمَام أَئِمَّة الدّين من لم تَرَ الْعُيُون مثله لِسَانا وبيانا ونطقا وخاطرا وذكاء وطبعا شدا طرفا فِي صباه بطوس من الْفِقْه على الإِمَام أَحْمد الراذكاني ثمَّ قدم نيسابور مُخْتَلفا إِلَى درس إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي طَائِفَة من الشبَّان من طوس وجد واجتهد حَتَّى تخرج عَن مُدَّة قريبَة وبذ الأقران وَحمل الْقُرْآن وَصَارَ أنظر أهل زَمَانه وَوَاحِد أقرانه فِي أَيَّام إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ الطّلبَة يستفيدون مِنْهُ ويدرس لَهُم ويرشدهم ويجتهد فِي نَفسه وَبلغ الْأَمر بِهِ إِلَى أَن أَخذ فِي التصنيف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 وَكَانَ الإِمَام مَعَ علو دَرَجَته وسمو عِبَارَته وَسُرْعَة جريه فِي النُّطْق وَالْكَلَام لَا يصفي نظره إِلَى الْغَزالِيّ سرا لإنافته عَلَيْهِ فِي سرعَة الْعبارَة وَقُوَّة الطَّبْع وَلَا يطيب لَهُ تصدية للتصانيف وَإِن كَانَ متخرجا بِهِ منتسبا إِلَيْهِ كَمَا لَا يخفى من طبع الْبشر وَلكنه يظْهر التبجح بِهِ والاعتداد بمكانه ظَاهرا خلاف مَا يضمره ثمَّ بَقِي كَذَلِك إِلَى انْقِضَاء أَيَّام الإِمَام فَخرج من نيسابور وَصَارَ إِلَى المعسكر واحتل من مجْلِس نظام الْملك مَحل الْقبُول وَأَقْبل عَلَيْهِ الصاحب لعلو دَرَجَته وَظُهُور اسْمه وَحسن مناظرته وجري عِبَارَته وَكَانَت تِلْكَ الحضرة محط رحال الْعلمَاء ومقصد الْأَئِمَّة والفصحاء فَوَقَعت للغزالي اتفاقات حَسَنَة من الاحتكاك بالأئمة وملاقاة الْخُصُوم اللد ومناظرة الفحول ومنافرة الْكِبَار وَظهر اسْمه فِي الْآفَاق وارتفق بذلك أكمل الارتفاق حَتَّى أدَّت الْحَال بِهِ إِلَى أَن رسم للمصير إِلَى بَغْدَاد للْقِيَام بتدريس الْمدرسَة الميمونة النظامية بهَا فَصَارَ إِلَيْهَا وأعجب الْكل بتدريسه ومناظرته وَمَا لَقِي مثل نَفسه وَصَارَ بعد إِمَامَة خُرَاسَان إِمَام الْعرَاق ثمَّ نظر فِي علم الْأُصُول وَكَانَ قد أحكمها فصنف فِيهِ تصانيف وجدد الْمَذْهَب فِي الْفِقْه فصنف فِي تصانيف وسبك الْخلاف فحرر فِيهِ أَيْضا تصانيف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 وعلت حشمته ودرجته فِي بَغْدَاد حَتَّى كَانَت تغلب حشمة الأكابر والأمراء وَدَار الْخلَافَة فَانْقَلَبَ الْأَمر من وَجه آخر وَظهر عَلَيْهِ بعد مطالعة الْعُلُوم الدقيقة وممارسة الْكتب المصنفة فِيهَا وسلك طَرِيق التزهد والتأله وَترك الحشمة وَطرح مَا نَالَ من الدرجَة والاشتغال باسباب التَّقْوَى وَزَاد الْآخِرَة فَخرج عَمَّا كَانَ فِيهِ وَقصد بَيت الله وَحج ثمَّ دخل الشَّام وَأقَام فِي تِلْكَ الديار قَرِيبا من عشر سِنِين يطوف ويزور الْمشَاهد المعظمة وَأخذ فِي التصانيف الْمَشْهُورَة الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا مثل إحْيَاء عُلُوم الدّين والكتب المختصرة مِنْهَا مثل الْأَرْبَعين وَغَيرهَا من الرسائل الَّتِي من تأملها علم مَحل الرجل من فنون الْعلم وَأخذ فِي مجاهدة النَّفس وتغيير الْأَخْلَاق وتحسين الشَّمَائِل وتهذيب المعاش فَانْقَلَبَ شَيْطَان الرعونة وَطلب الرياسة والجاه والتخلق بالأخلاق الذميمة إِلَى سُكُون النَّفس وكرم الْأَخْلَاق والفراغ عَن الرسوم والترتيبات والتزيى بزِي الصَّالِحين وَقصر الأمل ووقف الْأَوْقَات على هِدَايَة الْخلق ودعائهم إِلَى مَا يعنيهم من أَمر الْآخِرَة وتبغيض الدُّنْيَا والاشتغال بهَا على السالكين والاستعداد للرحيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 إِلَى الدَّار الْبَاقِيَة والانقياد لكل من يتوسم فِيهِ أَو يشم مِنْهُ رَائِحَة الْمعرفَة أَو التيقظ لشَيْء من أنوار الْمُشَاهدَة حَتَّى مرن على ذَلِك ولان ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه لَازِما بَيته مشتغلا بالتفكير ملازما للْوَقْت مَقْصُودا نفيسا وذخرا للقلوب وَلكُل من يَقْصِدهُ وَيدخل عَلَيْهِ إِلَى أَن أَتَى على ذَلِك مُدَّة وَظَهَرت التصانيف وفشت الْكتب وَلم تبد فِي أَيَّامه مناقضة لما كَانَ فِيهِ وَلَا اعْتِرَاض لأحد على مَا آثره حَتَّى انْتَهَت نوبَة الوزارة إِلَى الْأَجَل فَخر الْملك جمال الشُّهَدَاء تغمده الله برحمته وتزينت خُرَاسَان بحشمته ودولته وَقد سمع وَتحقّق بمَكَان الْغَزالِيّ ودرجته وَكَمَال فَضله وحالته وصفاء عقيدته ونقاء سيرته فتبرك بِهِ وحضره وَسمع كَلَامه فاستدعى مِنْهُ أَن لَا يبقي أنفاسه وفوائده عقيمة لَا استفادة مِنْهَا وَلَا اقتباس من أنوارها وألح عَلَيْهِ كل الإلحاح وتشدد فِي الاقتراح إِلَى أَن أجَاب إِلَى الْخُرُوج وَحمل إِلَى نيسابور وَكَانَ اللَّيْث غَائِبا عَن عرينه وَالْأَمر خافيا فِي مَسْتُور قَضَاء الله ومكنونه فأشير عَلَيْهِ بالتدريس فِي الْمدرسَة الميمونة النظامية عمرها الله فَلم يجد بدا من الإذغان للولاة وَنوى بِإِظْهَار مَا اشْتغل بِهِ هِدَايَة الشداة وإفادة القاصدين دون الرُّجُوع إِلَى مَا انخلع عَنهُ وتحرر عَن رقة من طلب الجاه ومماراة الأقران الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 ومكابرة المعاندين وَكم قرع عصاة بِالْخِلَافِ والوقوع فِيهِ والطعن فِيمَا يذره ويأتيه والسعاية بِهِ والتشنيع عَلَيْهِ فَمَا تأثر بِهِ وَلَا اشْتغل بِجَوَاب الطاعنين وَلَا أظهر استيحاشا بغميزة المخلطين وَلَقَد زرته مرَارًا وَمَا كنت أحدس فِي نَفسِي مَعَ مَا عهدته فِي سالف الزَّمَان عَلَيْهِ من الزعارة وإيحاش النَّاس وَالنَّظَر اليهم بِعَين الازدراء وَالِاسْتِخْفَاف بهم كبرا وخيلاء واغترارا بِمَا رزق من البسطة فِي النُّطْق والخاطر والعبارة وَطلب الجاه والعلو فِي الْمنزلَة أَنه صَار على الضِّدّ وتصفى عَن تِلْكَ الكدورات وَكنت أَظن أَنه متلفع بجلباب التَّكَلُّف متنمس بِمَا صَار إِلَيْهِ فتحققت بعد السبر والتنقير أَن الْأَمر على خلاف المظنون وَأَن الرجل أَفَاق بعد الْجُنُون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 وَحكى لنا فِي لَيَال كَيْفيَّة أَحْوَاله من ابْتِدَاء مَا ظهر لَهُ سلوك طَرِيق التأله وغلبت الْحَال عَلَيْهِ بعد تبحره فِي الْعُلُوم واستطالته على الْكل بِكَلَامِهِ والاستعداد الَّذِي خصّه الله بِهِ فِي تَحْصِيل أَنْوَاع الْعُلُوم وتمكنه من الْبَحْث وَالنَّظَر حَتَّى تبرم من الِاشْتِغَال بالعلوم الْعرية عَن الْمُعَامَلَة وتفكر فِي الْعَاقِبَة وَمَا يجدي وَمَا ينفع فِي الْآخِرَة فابتدأ بِصُحْبَة الفارمذي وَأخذ مِنْهُ استفتاح الطَّرِيقَة وامتثل ماكان يُشِير بِهِ عَلَيْهِ من الْقيام بوظائف الْعِبَادَات والإمعان فِي النَّوَافِل واستدامة الْأَذْكَار وَالْجد وَالِاجْتِهَاد طلبا للنجاة إِلَى أَن جَازَ تِلْكَ العقبات وتكلف تِلْكَ المشاق وَمَا تحصل على مَا كَانَ يَطْلُبهُ من مَقْصُوده ثمَّ حكى أَنه رَاجع الْعُلُوم وخاض فِي الْفُنُون وعاود الْجد وَالِاجْتِهَاد فِي كتب الْعُلُوم الدقيقة والتقى بأربابهاحتى انْفَتح لَهُ أَبْوَابهَا وَبَقِي مُدَّة فِي الوقائع وتكافؤ الْأَدِلَّة وأطراف الْمسَائِل ثمَّ حكى أَنه فتح عَلَيْهِ بَاب من الْخَوْف بِحَيْثُ شغله عَن كل شَيْء وَحمله على الْإِعْرَاض عَمَّا سواهُ حَتَّى سهل ذَلِك وَهَكَذَا هَكَذَا إِلَى أَن ارتاض كل الرياضة وَظَهَرت لَهُ الْحَقَائِق وَصَارَ مَا كُنَّا نظن بِهِ ناموسا وتخلقا طبعا وتحققا وَأَن ذَلِك أثر السَّعَادَة الْمقدرَة لَهُ من الله تَعَالَى ثمَّ سألناه عَن كَيْفيَّة رغبته فِي الْخُرُوج من بَيته وَالرُّجُوع إِلَى مَا دعِي إِلَيْهِ من أَمر نيسابور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 فَقَالَ معتذرا عَنهُ مَا كنت أجوز فِي ديني أَن أَقف عَن الدعْوَة وَمَنْفَعَة الطالبين بالإفادة وَقد حق عَليّ أَن أبوح بِالْحَقِّ وأنطق بِهِ وأدعو إِلَيْهِ وَكَانَ صَادِقا فِي ذَلِك ثمَّ ترك ذَلِك قبل أَن يتْرك وَعَاد إِلَيّ بَيته وَاتخذ فِي جواره مدرسة لطلبة الْعلم وخانقاه للصوفية وَكَانَ قد وزع أوقاته على وظائف الْحَاضِرين من ختم الْقُرْآن ومجالسة أهل الْقُلُوب وَالْقعُود للتدريس بِحَيْثُ لَا تَخْلُو لَحْظَة من لحظاته ولحظات من مَعَه عَن فَائِدَة إِلَى أَن أَصَابَهُ عين الزَّمَان وضنت الْأَيَّام بِهِ على أهل عصره فنقله الله إِلَى كريم جواره بعد مقاساة أَنْوَاع من الْقَصْد والمناوأة من الْخُصُوم وَالسَّعْي بِهِ إِلَى الْمُلُوك وكفاية الله بِهِ وَحفظه وصيانته عَن أَن تنوشه أَيدي النكبات أَو ينهتك ستر دينه بِشَيْء من الزلات وَكَانَت خَاتِمَة أمره إقباله على حَدِيث الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومجالسة أَهله ومطالعة الصَّحِيحَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم اللَّذين هما حجَّة الْإِسْلَام وَلَو عَاشَ لسبق الْكل فِي ذَلِك الْفَنّ بِيَسِير من الْأَيَّام يستفرغه فِي تَحْصِيله وَلَا شكّ أَنه سمع الْأَحَادِيث فِي الْأَيَّام الْمَاضِيَة واشتغل فِي آخر عمره بسماعها وَلم تتفق لَهُ الرِّوَايَة وَلَا ضَرَر فِيمَا خَلفه من الْكتب المصنفة فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَسَائِر الْأَنْوَاع تخلد ذكره وتقرر عِنْد المطالعين المستفيدين مِنْهَا أَنه لم يخلف مثله بعده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 مضى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى يَوْم الِاثْنَيْنِ الرَّابِع عشر من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخَمْسمِائة وَدفن بِظَاهِر قَصَبَة طابران وَالله تَعَالَى يَخُصُّهُ بأنواع الْكَرَامَة فِي آخرته كَمَا خصّه بفنون الْعلم فِي دُنْيَاهُ بمنه وَلم يعقب إِلَّا الْبَنَات وَكَانَ لَهُ من الْأَسْبَاب إِرْثا وكسبا مَا يقوم بكفايته وَنَفَقَة أَهله وَأَوْلَاده فَمَا كَانَ يباسط أحد فِي الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة وَقد عرضت عَلَيْهِ أَمْوَال فَمَا قبلهَا وَأعْرض عَنْهَا وَاكْتفى بِالْقدرِ الَّذِي يصون بِهِ دينه وَلَا يحْتَاج مَعَه إِلَى التَّعَرُّض لسؤال ومنال من غَيره وَمِمَّا كَانَ يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ وُقُوع خلل من جِهَة النَّحْو يَقع فِي أثْنَاء كَلَامه وروجع فِيهِ فأنصف من نَفسه واعترف بِأَنَّهُ مَا مارس ذَلِك الْفَنّ وَاكْتفى بِمَا كَانَ يحْتَاج إِلَيْهِ فِي كَلَامه مَعَ أَنه كَانَ يؤلف الْخطب ويشرح الْكتب بالعبارات الَّتِي تعجز الأدباء والفصحاء عَن أَمْثَالهَا وَأذن للَّذين يطالعون كتبه فيعثرون على خلل فِيهَا من جِهَة اللَّفْظ أَن يصلحوه ويعذروه فَمَا كَانَ قَصده إِلَّا الْمعَانِي وتحقيقها دون الْأَلْفَاظ وتلفيقها وَمِمَّا نقم عَلَيْهِ مَا ذكر من الْأَلْفَاظ المستبشعة بِالْفَارِسِيَّةِ فِي كتاب كيمياء السَّعَادَة والعلوم وَشرح بعض الصُّور والمسائل بِحَيْثُ لَا يُوَافق مراسم الشَّرْع وظواهر مَا عَلَيْهِ قَوَاعِد الْإِسْلَام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 وَكَانَ الأولى بِهِ وَالْحق أَحَق أَن يُقَال ترك ذَلِك التصنيف والإعراض عَن الشَّرْح بِهِ فَإِن الْعَوام رُبمَا لَا يحكمون أصُول الْقَوَاعِد بالبراهين والحجج فَإِذا سمعُوا شَيْئا من ذَلِك تخيلوا مِنْهُ مَا هُوَ المضر بعقائدهم وينسبون ذَلِك إِلَى بَيَان مَذَاهِب الْأَوَائِل على أَن المُصَنّف اللبيب إِذا رَجَعَ إِلَى نَفسه علم أَن أَكثر مَا ذكره مِمَّا رمز إِلَيْهِ إشارات الشَّرْع وَإِن لم يبح بِهِ وَيُوجد أَمْثَاله فِي كَلَام مَشَايِخ الطَّرِيقَة مرموزة ومصرحا بهَا مُتَفَرِّقَة وَلَيْسَ لفظ مِنْهُ إِلَّا وكما يشْعر أحد وجوهه بِكَلَام موهم فَإِنَّهُ يشْعر سَائِر وجوهه بِمَا يُوَافق عقائد أهل الْملَّة فَلَا يجب إِذا حمله إِلَّا على مَا يُوَافق وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَعَلَّق بِهِ فِي الرَّد عَلَيْهِ مُتَعَلق إِذا أمكنه أَن يبين لَهُ وَجها فِي الصِّحَّة يُوَافق الْأُصُول على أَن هَذَا الْقدر يحْتَاج إِلَى من يظهره وَكَانَ الأولى أَن يتْرك الإفصاح بذلك كَمَا تقدم مَا ذكره وَلَيْسَ كَمَا يَتَقَرَّر ويتمشى لأحد تَقْرِيره يَنْبَغِي أَن يظهره بل أَكثر الْأَشْيَاء مِمَّا يدْرِي ويطوي وَلَا يحْكى فعلى ذَلِك درج الْأَولونَ وَعبر السّلف الصالحون إبْقَاء على مراسم الشَّرْع وصيانة لمعالم الدّين عَن طعن الطاعنين وعيره المارقين الجاحدين وَالله الْمُوفق للصَّوَاب وَقد سَمِعت أَنه سمع من سنَن أبي دَاوُد السجسْتانِي عَن الْحَاكِم أبي الْفَتْح الحاكمي الطوسي وَمَا عثرت على سَمَاعه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 وَسمع من الْأَحَادِيث المتفرقة اتِّفَاقًا مَعَ الْفُقَهَاء فمما عثرت عَلَيْهِ مَا سَمعه من كتاب لمولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تأليف أبي بكر أَحْمد ابْن عَمْرو بن أبي عَاصِم الشَّيْبَانِيّ رِوَايَة الشَّيْخ أبي بكر مُحَمَّد بن الْحَارِث الْأَصْبَهَانِيّ الإِمَام عَن أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حَيَّان عَن المُصَنّف وَقد سَمعه الإِمَام الْغَزالِيّ من الشَّيْخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري خوار طبران رَحمَه الله مَعَ ابنيه الشَّيْخَيْنِ عبد الْجَبَّار وَعبد الحميد وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء وَمن ذَلِك مَا قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري أخبرنَا أَبُو بكر بن الْحَارِث الْأَصْبَهَانِيّ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد بن حَيَّان أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي ثَابت حَدثنَا الزبير ابْن مُوسَى عَن أبي الْحُوَيْرِث قَالَ سَمِعت عبد الْملك بن مَرْوَان سَأَلَ قباث بن أَشْيَم الْكِنَانِي أَنْت أكبر أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكبر مني وَأَنا أسن مِنْهُ ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفِيل وَتَمام الْكتاب فِي جزأين مسموع لَهُ انْتهى كَلَام عبد الغافر وَقد سَاق الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر من أَوله إِلَى قَوْله وَمِمَّا كَانَ يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ وَترك الْبَاقِي فعل ذَلِك فِي تَارِيخ الشَّام وَفِي كتاب التَّبْيِين فَإِن قلت هَل ذَلِك من الْحَافِظ تعصب لَهُ كَمَا أَن مَا فعله الذَّهَبِيّ تعصب عَلَيْهِ قلت يحْتَمل أَن يكون الْأَمر كَذَلِك وَيحْتَمل أَن يكون لكَونه لم ير إِشَاعَة ذَلِك عَن مثل هَذَا الإِمَام مَعَ الْقطع بِأَنَّهُ غير قَادِح فِيهِ وَأما الذَّهَبِيّ فَإِنَّهُ ذكر ذَلِك وَضم إِلَيْهِ مَا شَاءَ وسأوقفك عَلَيْهِ وسأتكلم على مَا عيب بِهِ هَذَا الإِمَام بعد نجاز الْغَرَض من ذكر مَا أَنا بصدده إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن كَلَام المترجمين لحجة الْإِسْلَام رَحمَه الله وَأَكْثَرهم اجتزأ بِكَلَام عبد الغافر قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر كَانَ إِمَامًا فِي علم الْفِقْه مذهبا وَخِلَافًا وَفِي أصُول الديانَات وَسمع صَحِيح البُخَارِيّ من أبي سهل مُحَمَّد بن عبد الله الحفصي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 وَولي التدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بِبَغْدَاد ثمَّ خرج إِلَى الشَّام زائر لبيت الْمُقَدّس فَقدم دمشق فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَأقَام بهَا مُدَّة وَبَلغنِي أَنه صنف بهَا بعض مصنفاته ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَغْدَاد وَمضى إِلَى خُرَاسَان ودرس مُدَّة بطوس ثمَّ ترك التدريس والمناظرة واشتغل بِالْعبَادَة وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فِيهِ من لم تَرَ الْعُيُون مثله لِسَانا وبيانا ونطقا وخاطرا وذكاء وطبعا ثمَّ انْدفع فِي نَحْو مِمَّا ذكره عبد الغافر من الممادح وَلم يتَعَرَّض لذكر شَيْء من الْفَصْل الْأَخير وَذكر أَنه استدعى بِأبي الفتيان عمر بن أبي الْحسن الرواسِي الْحَافِظ الطوسي وأكرمه وَسمع عَلَيْهِ صحيحي البُخَارِيّ وَمُسلم قَالَ وَمَا أَظن أَنه حدث بِشَيْء وَإِن حدث فيسير لِأَن رِوَايَة الحَدِيث مَا انتشرت عَنهُ انْتهى وَقد أوجب لي عدم ذكره لشَيْء من الْفَصْل الْأَخير الَّذِي ذكره عبد الغافر وَكَذَلِكَ عدم ذكر ابْن عَسَاكِر لَهُ مَعَ تبري ابْن عَسَاكِر دَائِما حَيْثُ أمكنه عَن الْغَرَض وَنَقله أبدا مَاله وَمَا عَلَيْهِ وَمَعَ تعرضه لما ذكره عبد الغافر فِي الْفَصْل الْأَخير لسَمَاع الْغَزالِيّ مَا اسْمَعْهُ واقتصاره على أَنه استدعى الرواسِي لسَمَاع الصَّحِيحَيْنِ مَعَ كَون هَذَا الْفَصْل لم يذكرهُ عبد الغافر إِلَّا بعد نجاز التَّرْجَمَة وَذكر الْوَفَاة وَلَيْسَ ذَلِك بمعتاد والمعتاد ختم التراجم بالوفاه وَمَوْضِع هَذَا الْفَصْل أثْنَاء التَّرْجَمَة كل ذَلِك أَن أَظن أَنه اختلق على عبد الغافر ودس فِي كِتَابه فَالله أعلم بذلك على أَنه لَيْسَ فِيهِ كَبِير أَمر كَمَا سنبحث عَنهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 وَقَالَ ابْن النجار إِمَام الْفُقَهَاء على الْإِطْلَاق ورباني الْأمة بالِاتِّفَاقِ ومجتهد زَمَانه وَعين وقته وأوانه وَمن شاع ذكره فِي الْبِلَاد واشتهر فَضله بَين الْعباد واتفقت الطوائف على تبجيله وتعظيمه وتوقيره وتكريمه وخافه المخالفون وانقهر بحججه وأدلته المناظرون وَظَهَرت بتنقيحاته فضائح المبتدعة والمخالفين وَقَامَ بنصر السّنة وَإِظْهَار الدّين وسارت مصنفاته فِي الدُّنْيَا مسير الشَّمْس فِي الْبَهْجَة وَالْجمال وَشهد لَهُ الْمُخَالف والموافق بالتقدم والكمال انْتهى وَفِي كَلَام المترجمين كَثْرَة فَلَا نطيل فَفِيمَا ذَكرْنَاهُ مقنع وبلاغ ذكر بقايا من تَرْجَمته رَضِي الله عَنهُ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قَرَأت فِي كتاب كتبه الْغَزالِيّ إِلَى أبي حَامِد بن أَحْمد بن سَلامَة بالموصل فَقَالَ فِي خلال فصوله أما الْوَعْظ فلست أرى نَفسِي أَهلا لَهُ لِأَن الْوَعْظ زَكَاة نصابه الاتعاظ فَمن لَا نِصَاب لَهُ كَيفَ يخرج الزَّكَاة وفاقد الثَّوْب كَيفَ يستر بِهِ غَيره وَمَتى يَسْتَقِيم الظل وَالْعود أَعْوَج وَقد أوحى الله تَعَالَى إِلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام عظ نَفسك فَإِن اتعظت فعظ النَّاس وَإِلَّا فاستحي مني وَقَالَ أَيْضا سَمِعت أَبَا سعيد مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد بن الْخَلِيل النوقاني بمرو ومذاكرة فِي دَارنَا يَقُول حضرت درس الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ لكتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين فَأَنْشد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 (وحبب أوطان الرِّجَال إِلَيْهِم ... مآرب قَضَاهَا الْفُؤَاد هنالكا) (إِذا ذكرُوا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصِّبَا فِيهَا فحنوا لذلكا) قَالَ فَبكى وأبكى الْحَاضِرين وَقَالَ أَيْضا سَمِعت أَبَا نصر الْفضل بن الْحسن بن عَليّ الْمقري مذاكرة بمرو يَقُول دخلت على الإِمَام الْغَزالِيّ مودعا فَقَالَ لي احْمِلْ هَذَا الْكتاب إِلَى الْمعِين النَّائِب أبي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ ثمَّ قَالَ لي وَفِيه شكاية على الْعَزِيز الْمُتَوَلِي للأوقاف بطوس وَكَانَ ابْن أخي الْمعِين فَقلت لَهُ كنت بهراة عِنْد عَمه الْمعِين وَكَانَ الْعِمَاد الطوسي جَاءَ بِمحضر فِي الثَّنَاء على الْعَزِيز وَعَلِيهِ خطك وَكَانَ عَمه قد طرده وهجره فَلَمَّا رأى شكرك وثناءك عَلَيْهِ قربه ورضى عَنهُ فَقَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ سلم الْكتاب إِلَى الْمعِين واقرأ عَلَيْهِ هَذَا الْبَيْت وَأنْشد (وَلم أر ظلما مثل ظلم ينالنا ... يساء إِلَيْنَا ثمَّ نؤمر بالشكر) وَقَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الْمُنعم الْعَبدَرِي الْمُؤَذّن رَأَيْت بالإسكندرية فِي سنة خَمْسمِائَة فِي إِحْدَى شَهْري الْمحرم أَو صفر فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن الشَّمْس طلعت من مغْرِبهَا فَعبر ذَلِك بعض المعبرين ببدعة تحدث فيهم فَبعد أَيَّام وصلت المراكب بإحراق كتب الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ بالمرية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 وَعَن الإِمَام فَخر الْإِسْلَام أبي بكر الشَّاشِي لما ولي نظام الْملك أَبَا حَامِد درس النظامية بِبَغْدَاد وَقدم إِلَيْهَا فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة اجْتمع عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وَقَالُوا لَهُ قد علم سيدنَا أَن الْعَادة أَن من درس بِهَذِهِ الْبقْعَة عمل دَعْوَة للفقهاء ويحضرهم سَمَاعا ونريد أَن تكون دعوتك كرتبتك فِي الْعلم فَقَالَ الْغَزالِيّ سمعا وَطَاعَة لَكِن على أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون التَّقْدِير إِلَيْكُم وَالتَّعْيِين لي أَو بِالْعَكْسِ فَقَالُوا بل التَّقْدِير إِلَيْك والتعين لنا فنريد الدعْوَة الْيَوْم فَقَالَ لَهُم فالتقدير حِينَئِذٍ مني على حسب مَا يمكنني وَهُوَ خبز وخل وبقل فَقَالُوا لَا وَالله بل التَّعْيِين لَك وَالتَّقْدِير لنا ونريد أَن يكون فِي هَذِه الدعْوَة من الدَّجَاج كَذَا وَمن الحلو كَذَا فَقَالَ سمعا وَطَاعَة وَالتَّعْيِين بعد سنتَيْن فَقَالُوا قد عجزنا وَسلمنَا الْكل إِلَيْك لعلمنا أننا إِن جرينا مَعَك على قَاعِدَة النّظر حلت بَيْننَا وَبَين الظفر من هَذِه الدعْوَة بِقَضَاء الوطر وَكَانَ فِي زَمَاننَا شخص يكره الْغَزالِيّ يذمه ويستعيبه فِي الديار المصرية فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَأَبا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا بجانبه وَالْغَزالِيّ جَالس بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول يَا رَسُول الله هَذَا يتَكَلَّم فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هاتوا السِّيَاط وَأمر بِهِ فَضرب لأجل الْغَزالِيّ وَقَامَ هَذَا الرجل من النّوم وَأثر السِّيَاط على ظَهره وَلم يزل وَكَانَ يبكي ويحكيه للنَّاس وسنحكي مَنَام أبي الْحسن بن حرزهم المغربي الْمُتَعَلّق بِكِتَاب الْإِحْيَاء وَهُوَ نَظِير هَذَا وَحكى لي بعض الْفُقَهَاء أهل الْخَيْر بالديار المصرية أَن شخصا تكلم فِي الْغَزالِيّ فِي درس الشَّافِعِي وسبه فَحمل هَذَا الحاكي من ذَلِك هما مفرطا وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأى الْغَزالِيّ فِي النّوم فَذكر لَهُ مَا وجد من ذَلِك فَقَالَ لَا تحمل هما غَدا يَمُوت فَلَمَّا أصبح توجه إِلَى درس الشَّافِعِي فَوجدَ ذَلِك الْفَقِيه قد حضر طيبا فِي عَافِيَة ثمَّ خرج من الدَّرْس فَلم يصل إِلَى بَيته إِلَّا وَقد وَقع من على الدَّابَّة وَدخل بَيته فِي حَال التّلف وَتُوفِّي آخر ذَلِك النَّهَار وَمِمَّا يعد من كرامات الْغَزالِيّ أَيْضا أَن السُّلْطَان عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين صَاحب الْمغرب الملقب بأمير الْمُسلمين وَكَانَ أَمِيرا عادلا نزها فَاضلا عَارِفًا بِمذهب مَالك خيل إِلَيْهِ لما دخلت مصنفات الْغَزالِيّ إِلَى الْمغرب أَنَّهَا مُشْتَمِلَة على الفلسفة المحضه وَكَانَ الْمَذْكُور يكره هَذِه الْعُلُوم فَأمر بإحراق كتب الْغَزالِيّ وتوعد بِالْقَتْلِ من وجد عِنْده شَيْء مِنْهَا فاختلت حَاله وَظَهَرت فِي بِلَاده مَنَاكِير كَثِيرَة وقويت عَلَيْهِ الْجند وَعلم من نَفسه الْعَجز بِحَيْثُ كَانَ يَدْعُو الله بِأَن يقيض للْمُسلمين سُلْطَانا يقوى على أَمرهم وَقَوي عَلَيْهِ عبد الْمُؤمن بن عَليّ وَلم يزل من حِين فعل بكتب الْغَزالِيّ مَا فعل فِي عكس ونكد إِلَى أَن توفّي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 وَمن الرِّوَايَة عَن حجَّة الْإِسْلَام سقى الله عَهده قَرَأت على عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْحَافِظ فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي عَن الْحَافِظ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ أَنبأَنَا الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور فتح بن خلف السَّعْدِيّ أخبرنَا الإِمَام شهَاب الدّين ابو الْفَتْح مُحَمَّد بن مَحْمُود الطوسي أخبرنَا مُحي الدّين مُحَمَّد بن يحيى الْفَقِيه أخبرنَا حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْغَزالِيّ حَدثنَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد الشجاعي الزوزني بزوزن فِي دَاره قِرَاءَة عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم الْحسن بن مُحَمَّد بن حبيب الْمُفَسّر حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد حفيد الْعَبَّاس بن حَمْزَة حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن عبد الله بن عَامر الطَّائِي بِالْبَصْرَةِ حَدثنِي أبي فِي سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ حَدثنِي عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة حَدثنِي أبي مُوسَى بن جَعْفَر حَدثنِي أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد حَدثنِي أبي مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنِي أبي عَليّ بن الْحُسَيْن حَدثنِي أبي الْحُسَيْن بن عَليّ حَدثنِي أبي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يظْهر قوم لَا خلاق لَهُم فِي الدّين شابههم فَاسق وشيخهم مارق وصبيهم عَارِم الْآمِر بِالْمَعْرُوفِ والناهي عَن الْمُنكر فِيمَا بَينهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 مستضعف وَالْفَاسِق وَالْمُنَافِق فِيمَا بَينهم مشرف إِن كنت غَنِيا وقروك وَإِن كنت فَقِيرا حقروك همازون لمازون يَمْشُونَ بالنميمة ويدسون بالخديعة أُولَئِكَ فرَاش نَار وذباب طمع وَعند ذَلِك يوليهم الله أُمَرَاء ظلمَة ووزراء خونة ورفقاء غشمة وتوقع عِنْد ذَلِك جَرَادًا شَامِلًا وَغَلَاء متلفا ورخصا مجحفا ويتتابع الْبلَاء كَمَا يتتابع الخرز من الخيظ إِذا انْقَطع) هَذَا حَدِيث ضَعِيف واه أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس الْأَشْعَرِيّ إِذْنا خَاصّا عَن أبي الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر عَن أبي المظفر عبد الرَّحِيم قَالَ أخبرنَا وَالِدي الْحَافِظ أَبُو سعد عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور أنشدنا أَبُو سعد مُحَمَّد بن أبي الْعَبَّاس الخليلي إملاء بنوقان فِي الْجَامِع أنشدنا الإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ (ارفه ببال امرىء يمس على ثِقَة ... أَن الَّذِي خلق الأرزاق يرزقه) (فالعرض مِنْهُ مصون لَا يدنسه ... وَالْوَجْه مِنْهُ جَدِيد لَيْسَ يخلقه) (إِن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق فِي دهره شَيْئا يؤرقه) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب الْمسند عَن الْحَافِظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن مَحْمُود عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الزُّهْرِيّ قَالَ أَنْشدني أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن عبد الْملك بن مويه الْعَبدَرِي قَالَ أَنْشدني أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ قَالَ أَنْشدني أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ لنَفسِهِ (سقمي فِي الْحبّ عافيتي ... ووجودي فِي الْهوى عدمي) (وَعَذَاب يرتضون بِهِ ... فِي فمي أحلى من النعم) (مَا لضر فِي محبتكم ... عندنَا وَالله من ألم) وَبِالسَّنَدِ إِلَى الْحَافِظ أبي عبد الله قَالَ قَرَأت على أبي الْقَاسِم بن الأسعد الْبَزَّار عَن يُوسُف بن أَحْمد الْحَافِظ قَالَ أنشدنا مُحَمَّد بن أبي عبد الله الْجَوْهَرِي قَالَ أنشدنا لأبي حَامِد (فقهاؤنا كذبالة النبراس ... هِيَ فِي الْحَرِيق وضوءها للنَّاس) (خبر دميم تَحت رائق منظر ... كالفضة الْبَيْضَاء فَوق نُحَاس) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 أخبرنَا عَليّ بن الْفضل الْحَافِظ أَنْشدني أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الأندي أَنْشدني أُميَّة بن أبي الصَّلْت أَنْشدني أَبُو مُحَمَّد التكريتي أَنْشدني أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ لنَفسِهِ (حلت عقارب صُدْغه من خَدّه ... قمرا فجل بهَا عَن التَّشْبِيه) (وَلَقَد عهدناه يحل ببرجها ... وَمن الْعَجَائِب كَيفَ حلت فِيهِ) وَمِمَّا أنْشد فِيهِ أنْشد أَبُو حَفْص عَمْرو بن عبد الْعَزِيز بن عبيد بن يُوسُف الطرابلسي لنَفسِهِ (هذب الْمَذْهَب حبر ... أحسن الله خلاصه) (ببسيط ووسيط ... ووجيز وخلاصه) وَقَالَ أَبُو المظفر الأبيوردي يرثيه (بَكَى على حجَّة الْإِسْلَام حِين ثوى ... من كل حَيّ عَظِيم الْقدر أشرفه) (فَمَا لمن يمتري فِي الله عبرته ... على أبي حَامِد لَاحَ يعنفه) (تِلْكَ الرزية تستوهي قوي جلدي ... فالطرف تسهره والدمع تنزفه) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 (فَمَاله خله فِي الزّهْد تنكره ... وَمَا لَهُ شُبْهَة فِي الْعلم تعرفه) (مضى فأعظم مَفْقُود فجعت بِهِ ... من لَا نَظِير لَهُ فِي النَّاس يخلفه) وَقَالَ القَاضِي عبد الْملك بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمعَافى رَحِمهم الله تَعَالَى (بَكَيْت بعيني واجم الْقلب واله ... فَتى لم يوال الْحق من لم يواله) (وسيبت دمعا طَال مَا قد حَبسته ... وَقلت لجفني واله ثمَّ واله (أَبَا حَامِد مُحي الْعُلُوم وَمن بَقِي ... صدى الدّين وَالْإِسْلَام وفْق مقاله) ذكر عدد مصنفاته لَهُ فِي الْمَذْهَب الْوَسِيط والبسيط وَالْوَجِيز وَالْخُلَاصَة وَفِي سَائِر الْعُلُوم كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين وَكتاب الْأَرْبَعين وَكتاب الْأَسْمَاء الْحسنى والمستصفى فِي أصُول الْفِقْه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 والمنخول فِي أصُول الْفِقْه أَلفه فِي حَيَاة أستاذه إِمَام الْحَرَمَيْنِ وبداية الْهِدَايَة والمآخذ فِي الخلافيات وتحصين المآخذ وكيمياء السَّعَادَة بِالْفَارِسِيَّةِ والمنقذ من الضلال واللباب المنتخل فِي الجدل وشفاء الغليل فِي بَيَان مسالك التَّعْلِيل والاقتصاد فِي الِاعْتِقَاد ومعيار النّظر ومحك النّظر وَبَيَان الْقَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ ومشكاة الْأَنْوَار والمستظهري فِي الرَّد على الباطنية وتهافت الفلاسفة والمقاصد فِي بَيَان اعْتِقَاد الْأَوَائِل وَهُوَ مَقَاصِد الفلاسفة وإلجام الْعَوام فِي علم الْكَلَام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 والغاية القصوي وجواهر الْقُرْآن وَبَيَان فضائح الإمامية وغور الدّور فِي الْمَسْأَلَة السرجية وَهُوَ الْمُخْتَصر الْأَخير فِيهَا رَجَعَ فِيهِ عَن مُصَنفه الأول فِيهَا الْمُسَمّى بغاية الْغَوْر فِي دراية الدّور وكشف عُلُوم الْآخِرَة والرسالة القدسية والفتاوى وميزان الْعَمَل وقواصم الباطنية وَهُوَ غير المستظهري فِي الرَّد عَلَيْهِم وَحَقِيقَة الرّوح وَكتاب أسرار معاملات الدّين وعقيدة الْمِصْبَاح والمنهج الْأَعْلَى وأخلاق الْأَنْوَار والمعراج وَحجَّة الْحق وتنبيه الغافلين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 والمكنون فِي الْأُصُول ورسالة الأقطاب وَمُسلم السلاطين والقانون الْكُلِّي والقربة إِلَى الله ومعيار الْعلم ومفصل الْخلاف فِي أصُول الْقيَاس وأسرار اتِّبَاع السّنة وتلبيس إِبْلِيس والمبادى والغايات والأجوبة وَكتاب عجائب صنع الله ورسالة الطير الرَّد على من طَغى ذكر الْمَنَام الَّذِي أبصره الإِمَام عَامر الساوي بِمَكَّة قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي كتاب التَّبْيِين سَمِعت الشَّيْخ الْفَقِيه الإِمَام أَبَا الْقَاسِم سعد بن عَليّ بن أبي الْقَاسِم بن أبي هُرَيْرَة الإسفرايني الصُّوفِي بِدِمَشْق قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الأوحد زين الْقُرَّاء جمال الْحرم أَبَا الْفَتْح عَامر بن نجا بن عَامر الْعَرَبِيّ الساوي بِمَكَّة حرسها الله يَقُول دخلت الْمَسْجِد الْحَرَام يَوْم الْأَحَد فِيمَا بَين الظّهْر وَالْعصر الرَّابِع عشر من شَوَّال سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ بِي نوعا تكسر ودوران رَأس بِحَيْثُ أَنِّي لَا أقدر أَن أَقف أوأجلس لشدَّة مَا بِي فَكنت أطلب موضعا أستريح فِيهِ سَاعَة على جَنْبي فَرَأَيْت بَاب بَيت الْجَمَاعَة للرباط الرامشتي عِنْد بَاب الْحَزْوَرَة مَفْتُوحًا فقصدته وَدخلت فِيهِ وَوَقعت على جَنْبي الْأَيْمن بحذاء الْكَعْبَة المشرفة مفترشا يَدي تَحت خدي لكَي لَا يأخذني النّوم فتنتقض طهارتي فَإِذا رجل من أهل الْبِدْعَة مَعْرُوف بهَا جَاءَ وَنشر مُصَلَّاهُ على بَاب ذَلِك الْبَيْت وَأخرج لويحا من جيبه أَظُنهُ كَانَ من الْحجر وَعَلِيهِ كِتَابَة فَقبله وَوَضعه بَين يَدَيْهِ وَصلى صَلَاة طَوِيلَة مُرْسلا يَدَيْهِ فِيهَا على عَادَتهم وَكَانَ يسْجد على ذَلِك اللويح فِي كل مرّة وَإِذا فرغ من صلَاته سجد عَلَيْهِ وَأطَال فِيهِ وَكَانَ يمعك خَدّه من الْجَانِبَيْنِ عَلَيْهِ ويتضرع فِي الدُّعَاء ثمَّ رفع رَأسه وفيله وَوَضعه على عَيْنَيْهِ ثمَّ قبله ثَانِيًا وَأدْخلهُ فِي جيبه كَمَا كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 قَالَ فَمَا رَأَيْت ذَلِك كرهته وَاسْتَوْحَشْت مِنْهُ ذَلِك وَقلت فِي نَفسِي لَيْت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيا فِيمَا بَيْننَا ليخبرهم بِسوء صنيعهم وَمَا هم عَلَيْهِ من الْبِدْعَة وَمَعَ هَذَا التفكر كنت أطْرد النّوم عَن نَفسِي كي لَا يأخذني فتفسد طهارتي فَبينا أَنا كَذَلِك إِذْ طَرَأَ عَليّ النعاس وغلبني فَكَأَنِّي بَين الْيَقَظَة والمنام فَرَأَيْت عَرصَة وَاسِعَة فِيهَا نَاس كَثِيرُونَ واقفون وَفِي يَد كل وَاحِد مِنْهُم كتاب مُجَلد وَقد تحلقوا كلهم على شخص فَسَأَلت النَّاس عَن حَالهم وَعَمن فِي الْحلقَة فَقَالُوا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَؤُلَاء أَصْحَاب الْمذَاهب يُرِيدُونَ أَن يقرءوا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهمْ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويصححوها عَلَيْهِ قَالَ فَبينا أَنا كَذَلِك أنظر إِلَى الْقَوْم إِذْ جَاءَ وَاحِد من أهل الْحلقَة وَبِيَدِهِ كتاب قيل إِن هَذَا هُوَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَدخل فِي وسط الْحلقَة وَسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جماله وكماله متلبسا بالثياب الْبيض المغسولة النظيفة من الْعِمَامَة والقميص وَسَائِر الثِّيَاب على زِيّ أهل التصوف فَرد عَلَيْهِ الْجَواب ورحب بِهِ وَقعد الشَّافِعِي بَين يَدَيْهِ وَقَرَأَ من الْكتاب مذْهبه واعتقاده عَلَيْهِ وَبعد ذَلِك جَاءَ شخص آخر قيل هُوَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَبِيَدِهِ كتاب فَسلم وَقعد بِجنب الشَّافِعِي وَقَرَأَ من الْكتاب مذْهبه واعتقاده عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 ثمَّ أَتَى بعده كل صَاحب مَذْهَب إِلَى أَن لم يبْق إِلَّا الْقَلِيل وكل من يقْرَأ يعْقد بِجنب الآخر فَلَمَّا فرغوا إِذا وَاحِد من المبتدعة الملقبة بالرافضة قد جَاءَ وَفِي يَده كراريس غير مجلدة فِيهَا ذكر عقائدهم الْبَاطِلَة وهم أَن يدْخل الْحلقَة ويقرأها عل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج وَاحِد مِمَّن كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ وزجره وَأخذ الكراريس من يَده وَرمى بهَا إِلَى خَارج الْحلقَة وطرده وأهانه قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت أَن الْقَوْم قد فرغوا وَمَا بَقِي أحد يقْرَأ عَلَيْهِ شَيْئا تقدّمت قَلِيلا وَكَانَ فِي يَدي كتاب مُجَلد فناديت وَقلت يَا رَسُول الله هَذَا الْكتاب معتقدي ومعتقد أهل السّنة لَو أَذِنت لي حَتَّى أقرأه عَلَيْك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأي شَيْء ذَاك قلت يَا رَسُول الله هُوَ قَوَاعِد العقائد الَّذِي صنفه الْغَزالِيّ فَإِذن لي بِالْقِرَاءَةِ فَقَعَدت وابتدأت بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب قَوَاعِد العقائد وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي تَرْجَمَة عقيدة أهل السّنة فِي كلمتي الشَّهَادَة الَّتِي هِيَ أحد مباني الْإِسْلَام فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْحَمد لله المبدئ المعيد الفعال لما يُرِيد ذِي الْعَرْش الْمجِيد والبطش الشَّديد الْهَادِي صفوة العبيد إِلَى الْمنْهَج الرشيد والمسلك السديد الْمُنعم عَلَيْهِم بعد شَهَادَة التَّوْحِيد بحراسة عقائدهم عَن ظلمات التشكيك والترديد السَّائِق بهم إِلَى اتِّبَاع رَسُوله الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واقتفاء صَحبه الأكرمين بالتأبيد والتسديد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 المتحلى لَهُم فِي ذَاته وأفعاله بمحاسن أَوْصَافه الَّتِي لَا يُدْرِكهَا إِلَّا من ألقِي السّمع وَهُوَ شَهِيد الْمُعَرّف إيَّاهُم فِي ذَاته أَنه وَاحِد لَا شريك لَهُ فَرد لامثل لَهُ صَمد لَا ضد لَهُ متفرد لاند لَهُ وَأَنه قديم لَا أول لَهُ أزلي لَا بداية لَهُ مُسْتَمر الْوُجُود لَا آخر لَهُ أبدي لَا نِهَايَة لَهُ قيوم لَا انْقِطَاع لَهُ دَائِم لَا انصرام لَهُ لم يزل وَلَا يزَال مَوْصُوفا بنعوت الْجلَال لَا يقْضى عَلَيْهِ بالانقضاء تصرم الآباد وانقراض الْآجَال بل هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن التَّنْزِيه وَأَنه لَيْسَ بجسم مُصَور وَلَا جَوْهَر مَحْدُود مُقَدّر وَأَنه لَا يماثل الْأَجْسَام لَا فِي التَّقْدِير وَلَا فِي قبُول الانقسام وَأَنه لَيْسَ بجوهر وَلَا تحله الْجَوَاهِر وَلَا بِعرْض وَلَا تحله الْأَعْرَاض بل لَا يماثل مَوْجُودا وَلَا يماثله مَوْجُود ولَيْسَ كمثله شَيْء ولاهو مثل شَيْء وَأَنه لَا يحده الْمِقْدَار وَلَا تحويه الأقطار وَلَا تحيط بِهِ الْجِهَات وَلَا تكتنفه الأرضون وَالسَّمَوَات وَأَنه اسْتَوَى على الْعَرْش على الْوَجْه الَّذِي قَالَه وبالمعنى الَّذِي أَرَادَهُ اسْتِوَاء منزها عَن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لَا يحملهُ الْعَرْش بل الْعَرْش وَحَمَلته محمولون بلطف قدرته ومقهورون فِي قَبضته وَهُوَ فَوق الْعَرْش وَفَوق كل شَيْء إِلَى تخوم الثرى فوقيه لَا تزيده قربا إِلَى الْعَرْش وَالسَّمَاء بل هُوَ رفيع الدَّرَجَات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 عَن الْعَرْش والسما كَمَا أَنه رفيع الدَّرَجَات عَن الثرى وَهُوَ مَعَ ذَلِك قريب من كل مَوْجُود وَهُوَ أقرب إِلَى العبيد من حَبل الوريد وَهُوَ على كل شَيْء شَهِيد إِذْ لَا يماثل قربه قرب الْأَجْسَام كَمَا لَا ثماثل ذَاته ذَات الْأَجْسَام وَأَنه لَا يحل فِي شَيْء وَلَا يحل فِيهِ شَيْء تَعَالَى عَن أَن يحويه مَكَان كَمَا تقدس عَن أَن يحويه زمَان بل كَانَ قبل أَن خلق الزَّمَان وَالْمَكَان وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ وَأَنه بَائِن من خلقه بصفاته وَلَيْسَ فِي ذَاته سواهُ وَلَا فِي سواهُ ذَاته وَأَنه مقدس عَن التَّغَيُّر والانتقال لَا تحله الْحَوَادِث وَلَا تغيره الْعَوَارِض بل لَا يزَال فِي نعوت جَلَاله منزها عَن الزَّوَال وَفِي صِفَات كَمَاله مستغنيا عَن زِيَادَة الاستكمال وَأَنه فِي ذَاته مَعْلُوم الْوُجُود بالعقول مرئي الذَّات بالأبصار نعْمَة مِنْهُ ولطفا بالأبرار فِي دَار الْقَرار وإتماما للنعيم بِالنّظرِ إِلَى وَجهه الْكَرِيم الْقُدْرَة وَأَنه حَيّ قَادر جَبَّار قاهر لَا يَعْتَرِيه قُصُور وَلَا عجز وَلَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم وَلَا يُعَارضهُ فنَاء وَلَا موت وَأَنه ذُو الْملك والملكوت والعزة والجبروت لَهُ السُّلْطَان والقهر والخلق وَالْأَمر السَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ وَالْخَلَائِق مقهورون فِي قَبضته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 وَأَنه المتفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالإيجاد والإبداع خلق الْخلق وأعمالهم وَقد أَرْزَاقهم وآجالهم لَا يشذ عَن قَبضته مَقْدُور وَلَا يعزب عَن قدرته تصاريف الْأُمُور لَا تحصى مقدوراته وَلَا تتناهى معلوماته الْعلم وَأَنه عَالم بِجَمِيعِ المعلومات مُحِيط علمه بِمَا يجْرِي فِي تخوم الْأَرْضين إِلَى أَعلَى السَّمَوَات لَا يعزب عَن علمه مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء بل يعلم دَبِيب النملة السَّوْدَاء على الصَّخْرَة الصماء فِي اللَّيْلَة الظلماء وَيدْرك حَرَكَة الذَّر فِي جو الْهَوَاء وَيعلم السِّرّ وأخفى ويطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر وخفيات السرائر بِعلم قديم أزلي لم يزل مَوْصُوفا فِي أزل الآزال لَا بِعلم متجدد حَاصِل فِي ذَاته بالحلول والانتقال الْإِرَادَة وَأَنه مُرِيد للكائنات مُدبر للحادثات لَا يجْرِي فِي الْملك والملكوت قَلِيل أَو كثير صَغِير أَو كَبِير خير أَو شَرّ نفع أَو ضرّ إِيمَان أَو كفر عرفان أَو نكر فوز أَو خسر زِيَادَة أَو نُقْصَان طَاعَة أَو عصيان كفر أَو إِيمَان إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقدره وَحكمه ومشيئته فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن لَا يخرج عَن مَشِيئَته لفتة نَاظر وَلَا فلتة خاطر بل هُوَ المبدئ المعيد الفعال لما يُرِيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 لَا راد لحكمة ولامعقب لقضائه وَلَا مهرب لعبد عَن مَعْصِيَته إِلَّا بتوفيقه وَرَحمته وَلَا قُوَّة على طَاعَته إِلَّا بمحبته وإرادته لَو اجْتمع الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين على أَن يحركوا فِي الْعَالم ذرة أَو يسكنوها دون إِرَادَته ومشيئة عجزوا عَنهُ وَأَن إِرَادَته قَائِمَة بِذَاتِهِ فِي جملَة صِفَاته لم يزل كَذَلِك مَوْصُوفا بهَا مرِيدا فِي أزله لوُجُود الْأَشْيَاء فِي أَوْقَاتهَا الَّتِي قدرهَا فَوجدت فِي أَوْقَاتهَا كَمَا أَرَادَهُ فِي أزله من غير تقدم وَتَأَخر بل وَقعت على وفْق علمه وإرادته من غير تَبْدِيل وتغيير دبر الْأُمُور لَا بترتيب افتكار وتربص زمَان فَلذَلِك لم يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن السّمع وَالْبَصَر وَأَنه تَعَالَى سميع بَصِير يسمع وَيرى لَا يعزب عَن سَمعه مسموع وَإِن خفى ولايغيب عَن رُؤْيَته مرئي وَإِن دق لَا يحجب سَمعه بعد ولايدفع رُؤْيَته ظلام يرى من غير حدقة وأجفان وَيسمع من غير أَصْمِخَة وآذان كَمَا يعلم بِغَيْر قلب ويبطش بِغَيْر جارحة ويخلق بِغَيْر آله إِذْ لَا تشبه صِفَاته صِفَات الْخلق كَمَا لَا تشبه ذَاته ذَات الْخلق الْكَلَام وَأَنه مُتَكَلم آمُر ناه وَاعد متوعد بِكَلَام أزلي قديم قَائِم بِذَاتِهِ لَا يشبه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 كَلَام الْخلق فَلَيْسَ بِصَوْت يحدث من انسلال هَوَاء أَو اصطكاك أجرام وَلَا بِحرف يَنْقَطِع بإطباق شفة أَو تَحْرِيك لِسَان وَأَن الْقُرْآن والتوارة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور كتبه الْمنزلَة على رسله وَأَن الْقُرْآن مقروء بالألسنة مَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف مَحْفُوظ فِي الْقُلُوب وَأَنه مَعَ ذَلِك قديم قَائِم بِذَات الله تَعَالَى لَا يقبل الِانْفِصَال والفراق بالانتقال إِلَى الْقُلُوب والأوراق وَأَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سمع كَلَام الله بِغَيْر صَوت وَلَا بِحرف كَمَا يرى الْأَبْرَار ذَات الله تَعَالَى من غير جَوْهَر وَلَا عرض وَإِذ كَانَت لَهُ هَذِه الصِّفَات كَانَ حَيا عَالما قَادِرًا مرِيدا سميعا بَصيرًا متكلما بِالْحَيَاةِ وَالْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام لَا بِمُجَرَّد الذَّات الْأَفْعَال وَأَنه لَا مَوْجُود سواهُ إِلَّا وَهُوَ حَادث بِفِعْلِهِ وفائض من عدله على أحسن الْوُجُوه وأكملها وأتمها وأعدلها وَأَنه حَكِيم فِي أَفعاله عَادل فِي أقضيته وَلَا يُقَاس عدله بِعدْل الْعباد إِذْ العَبْد يتَصَوَّر مِنْهُ الظُّلم بتصرفه فِي ملك غَيره وَلَا يتَصَوَّر الظُّلم من الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يُصَادف لغيره ملكا حَتَّى يكون تصرفه فِيهِ ظلما فَكل ماسواه من جن وإنس وَشَيْطَان وَملك وسماء وَأَرْض وحيوان ونبات وجوهر وَعرض ومدرك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 ومحسوس حَادث اخترعه بقدرته بعد الْعَدَم اختراعا وأنشأه بعد أَن لم يكن شَيْئا إِذْ كَانَ فِي الْأَزَل مَوْجُودا وَحده وَلم يكن مَعَه غَيره فأحدث الْخلق بعده إِظْهَار لقدرته وتحقيقا لماسبق من إِرَادَته وَحقّ فِي الْأَزَل من كَلمته لَا لافتقاره إِلَيْهِ وَحَاجته وَأَنه تَعَالَى متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لَا عَن وجوب ومتطول بالإنعام والإصلاح لَا عَن لُزُوم فَلهُ الْفضل وَالْإِحْسَان وَالنعْمَة والامتنان إِذْ كَانَ قَادِرًا على أَن يصب على عباده أَنْوَاع الْعَذَاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب وَلَو فعل ذَلِك لَكَانَ مِنْهُ عدلا وَلم يكن قبيحا ولاظلما وَأَنه يثيب عباده على الطَّاعَات بِحكم الْكَرم والوعد لَا بِحكم الِاسْتِحْقَاق واللزوم إِذْ لَا يجب عَلَيْهِ فعل وَلَا يتَصَوَّر مِنْهُ ظلم وَلَا يجب لأحد عَلَيْهِ حق وَأَن حَقه فِي الطَّاعَات وَجب على الْخلق بإيجابه على لِسَانه أنبيائه لَا بِمُجَرَّد الْعقل وَلكنه بعث الرُّسُل وَأظْهر صدقهم بالمعجزات الظَّاهِرَة فبلغوا أمره وَنَهْيه ووعده ووعيده فَوَجَبَ على الْخلق تصديقهم فِيمَا جَاءُوا بِهِ معنى الْكَلِمَة الثَّانِيَة وَهِي شَهَادَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه تَعَالَى بعث النَّبِي الْأُمِّي الْقرشِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برسالته إِلَى كَافَّة الْعَرَب والعجم وَالْجِنّ وَالْإِنْس قَالَ فَلَمَّا بلغت إِلَى هَذَا رَأَيْت البشاشة والبشر فِي وَجهه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 إِذْ انْتَهَيْت إِلَى نَعته وَصفته فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ أَيْن الْغَزالِيّ فَإِذا بالغزالي كَأَنَّهُ وَاقِف على الْحلقَة بَين يَدَيْهِ فَقَالَ هَا أَنا ذَا يَا رَسُول الله وَتقدم وَسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد عَلَيْهِ الْجَواب وناوله يَده العزيزة وَالْغَزالِيّ يقبل يَده وَيَضَع خديه عَلَيْهَا تبركا بِهِ وَبِيَدِهِ العزيزة الْمُبَارَكَة ثمَّ قعد قَالَ فَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر استبشارا بِقِرَاءَة أحد مثل مَا كَانَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَوَاعِد العقائد ثمَّ انْتَبَهت من النّوم وعَلى عَيْني أثر الدمع مِمَّا رَأَيْت من تِلْكَ الْأَحْوَال والمشاهدات والكرامات فَإِنَّهَا كَانَت نعْمَة جسيمة من الله تَعَالَى سِيمَا فِي أخر الزَّمَان مَعَ كَثْرَة الْأَهْوَاء فنسأل الله تَعَالَى أَن يثبتنا على عقيدة أهل الْحق ويحيينا عَلَيْهَا ويمتنا عَلَيْهَا ويحشرنا مَعَهم وَمَعَ الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا فَإِنَّهُ بِالْفَضْلِ جدير وعَلى مَا يَشَاء قدير قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم الإسفرايني هَذَا معنى ماحكى لي أَبُو الْفَتْح الساوي أَنه رَآهُ فِي الْمَنَام لِأَنَّهُ حَكَاهُ لي بالفارسة وترجمته أَنا بِالْعَرَبِيَّةِ وتتمة الْفَصْل الأول من فُصُول قَوَاعِد العقائد الَّذِي يتم الِاعْتِقَاد بِهِ وَلم يتَّفق قِرَاءَته إِيَّاه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن الْمصلحَة إثْبَاته ليَكُون الِاعْتِقَاد تَاما فِي نَفسه غير نَاقص لمن أَرَادَ تَحْصِيله وَحفظه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 بعد قَوْله وَأَنه تَعَالَى بعث النَّبِي الْأُمِّي الْقرشِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برسالته إِلَى كَافَّة الْعَرَب والعجم وَالْجِنّ وَالْإِنْس فنسخ بشرعة الشَّرَائِع إِلَّا ماقرر وفضله على سَائِر الْأَنْبِيَاء وَجعله سيد الْبشر وَمنع كَمَال الْإِيمَان بِشَهَادَة التَّوْحِيد وَهُوَ قَول لَا إِلَه إِلَّا الله مَا لم تقترن بِهِ شَهَادَة الرَّسُول وَهُوَ قَول مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألزم الْخلق تَصْدِيقه فِي جَمِيع مَا أخبر عَنهُ من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَنه لَا يتَقَبَّل إِيمَان عبد حَتَّى يُوقن بِمَا أخبر عَنهُ بعد الْمَوْت وأوله سُؤال مُنكر وَنَكِير وهما شخصان مهيبان هائلان يعقدان العَبْد فِي قَبره سويا ذَا روح وجسد فيسألانه عَن التَّوْحِيد والرسالة ويقولان من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك وهما فتانا الْقَبْر وسؤالهما أول فتْنَة الْقَبْر بعد الْمَوْت وَأَن يُؤمن بِعَذَاب الْقَبْر وَأَنه حق وَحكمه عدل على الْجِسْم وَالروح على مَا يَشَاء ويؤمن بالميزان ذِي الكفتين وَاللِّسَان وَصفته فِي الْعظم أَنه مثل طباق السَّمَوَات وَالْأَرْض توزن فِيهِ الْأَعْمَال بقدرة الله تَعَالَى والسنج يَوْمئِذٍ مَثَاقِيل الذَّر والخردل تَحْقِيقا لتَمام الْعدْل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 وتطرح صَحَائِف الْحَسَنَات فِي صُورَة حَسَنَة فِي كفة النُّور فيثقل بهَا الْمِيزَان على قدر درجاتها عِنْد الله بِفضل الله تَعَالَى وتطرح صَحَائِف السَّيِّئَات فِي كفة الظلمَة فيخف بهَا الْمِيزَان بِعدْل الله تَعَالَى وَأَن يُؤمن بِأَن الصِّرَاط حق وَهُوَ جسر مَمْدُود على متن جَهَنَّم أحد من السَّيْف وأدق من الشعرة تزل عَلَيْهِ أَقْدَام الْكَافرين بِحكم الله فيهوى بهم إِلَى النَّار وَتثبت عَلَيْهِ أَقْدَام الْمُؤمنِينَ فيساقون إِلَى دَار الْقَرار وَأَن يُؤمن بالحوض المورود حَوْض مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ قبل دُخُول الْجنَّة وَبعد جَوَاز الصِّرَاط من شرب مِنْهُ شربة لم يظمأ بعْدهَا أبدا عرضه مسيرَة شهر مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل حوله أَبَارِيق عَددهَا عدد نُجُوم السَّمَاء فِيهِ مِيزَابَانِ يصبَّانِ من الْكَوْثَر ويؤمن بِيَوْم الْحساب وتفاوت الْخلق فِيهِ إِلَى مناقش فِي الْحساب وإِلَى مسامح فِيهِ وإِلَى من يدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وهم المقربون فَيسْأَل من شَاءَ من الْأَنْبِيَاء عَن تَبْلِيغ الرسَالَة وَمن شَاءَ من الْكفَّار عَن تَكْذِيب الْمُرْسلين وَيسْأل المبتدعة عَن السّنة وَيسْأل الْمُسلمين عَن الْأَعْمَال ويؤمن بِإِخْرَاج الْمُوَحِّدين من النَّار بعد الانتقام حَتَّى لَا يبْقى فِي جَهَنَّم موحد بِفضل الله تَعَالَى ويؤمن بشفاعة الْأَنْبِيَاء ثمَّ الْعلمَاء ثمَّ الشُّهَدَاء ثمَّ سَائِر الْمُؤمنِينَ كل على حسب جاهه ومنزلته وَمن بَقِي من الْمُؤمنِينَ وَلم يكن لَهُ شَفِيع أخرج بِفضل الله تَعَالَى وَلَا يخلد فِي النَّار مُؤمن بل يخرج مِنْهَا من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان وَأَن يعْتَقد فضل الصَّحَابَة وتربيتهم وَأَن أفضل النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ رَضِي الله عَنْهُم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 وَأَن يحسن الظَّن بِجَمِيعِ الصَّحَابَة ويثنى عَلَيْهِم كَمَا أثنى الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَكل ذَلِك مِمَّا وَردت بِهِ السّنة وَشهِدت بِهِ الْآثَار فَمن اعْتقد جَمِيع ذَلِك موقنا بِهِ كَانَ من أهل الْحق وعصابة السّنة وَفَارق رَهْط الضلال والبدعة فنسأل الله تَعَالَى كَمَال الْيَقِين والثبات فِي الدّين لنا ولكافة الْمُسلمين إِنَّه أرْحم الرَّاحِمِينَ وصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ ذكر كَلَام الطاعنين على هَذَا الإِمَام ورده وَنقض عرى باطله وهده قَالَ الإِمَام أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ الْمَالِكِي مجيبا لمن سَأَلَهُ عَن حَال كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين ومصنفه هَذَا الرجل يَعْنِي الْغَزالِيّ وَإِن لم أكن قَرَأت كِتَابه فقد رَأَيْت تلامذته وَأَصْحَابه فَكل مِنْهُم يَحْكِي لي نوعا من حَاله وطريقته فأتلوح بهَا من مذْهبه وَسيرَته ماقام لي مقَام العيان فَأَنا أقتصر على ذكر حَال الرجل وَحَال كِتَابه وَذكر جمل من مَذَاهِب الْمُوَحِّدين والفلاسفة والمتصوفة وَأَصْحَاب الإشارات فَإِن كِتَابه مُتَرَدّد بَين هَذِه الطرائق لَا يعدوها ثمَّ أتبع ذَلِك بِذكر حيل أهل مَذْهَب على أهل مَذْهَب آخر ثمَّ أبين عَن طرق الْغرُور وأكشف عَمَّا دفن من حبال الْبَاطِل ليحذر من الْوُقُوع فِي حبالة صائدة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 ثمَّ أثنى على الْغَزالِيّ فِي الْكَشْف وَقَالَ هُوَ أعرف بالفقه مِنْهُ بأصوله وَأما علم الْكَلَام الَّذِي هُوَ أصُول الدّين فَإِنَّهُ صنف فِيهِ أَيْضا وَلَيْسَ بالمستبحر فِيهَا وَلَقَد فطنت لسَبَب عدم استبحاره فِيهَا وَذَلِكَ أَنه قَرَأَ علم الفلسفة قبل استبحاره فِي فن أصُول الدّين فكسبته قِرَاءَة الفلسفة جَرَاءَة على الْمعَانِي وتسهيلا للهجوم على الْحَقَائِق لِأَن الفلاسفة تمر مَعَ خواطرها وَلَيْسَ لَهَا حكم شرع ترعاه وَلَا تخَاف من مُخَالفَة أَئِمَّة تتبعها وعرفني بعض أَصْحَابه أَنه كَانَ لَهُ عكوف على رسائل إخْوَان الصَّفَا وَهِي إِحْدَى وَخَمْسُونَ رِسَالَة ومصنفها فيلسوف قد خَاضَ فِي علم الشَّرْع وَالْعقل فمزج مَا بَين العلمين وَذكر الفلسفة وحسنها فِي قُلُوب أهل الشَّرْع بِأَبْيَات يتلوها عِنْدهَا وَأَحَادِيث يذكرهَا ثمَّ كَانَ فِي هَذَا الزَّمَان الْمُتَأَخر رجل من الفلاسفة يعرف بِابْن سينا مَلأ الدُّنْيَا تآليف فِي علم الفلسفة وَهُوَ فِيهَا إِمَام كَبِير وَقد أدته قوته فِي الفلسفة إِلَى أَن حاول رد أصُول العقائد إِلَى علم الفلسفة وتلطف جهده حَتَّى تمّ لَهُ مَا لم يتم لغيره وَقد رَأَيْت جملا من دواوينه وَرَأَيْت هَذَا الْغَزالِيّ يعول عَلَيْهِ فِي أَكثر مَا يُشِير عَلَيْهِ من الفلسفة ثمَّ قَالَ وَأما مَذَاهِب الصُّوفِيَّة فلست أَدْرِي على من عول فِيهَا ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه عول على أبي حَيَّان التوحيدي ثمَّ ذكر توهية أَكثر مَا فِي الْإِحْيَاء من الْأَحَادِيث وَقَالَ عَادَة المتورعين أَن لَا يَقُولُوا قَالَ مَالك قَالَ الشَّافِعِي فيما لم يثبت عِنْدهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه يستحسن أَشْيَاء مبناها على مَا لا حَقِيقِيَّة لَهُ مثل قَوْله فِي قصّ الْأَظْفَار أَن تبدأ بالسبابة لِأَن لَهَا الْفضل على بَقِيَّة الْأَصَابِع لكَونهَا المسبحة إِلَى أخر مَا ذكر من الْكَيْفِيَّة وَذكر فِيهِ أثرا وَقَالَ من مَاتَ بعد بُلُوغه وَلم يعلم أَن الْبَارِي قديم مَاتَ مُسلما إِجْمَاعًا قَالَ وَمن تساهل فِي حِكَايَة هَذَا الْإِجْمَاع الَّذِي الْأَقْرَب أَن يكون فِيهِ الْإِجْمَاع بعكس مَا قَالَ فحقيق أَن لَا يوثق بِمَا نقل وَقد رَأَيْت لَهُ أَنه ذكر أَن فِي علومه هَذِه مَا لَا يسوغ أَن يودع فِي كتاب فليت شعري أَحَق هُوَ أَو بَاطِل فَإِن كَانَ بَاطِلا فَصدق وَإِن كَانَ حَقًا وَهُوَ مُرَاده بِلَا شكّ فَلم لَا يودع فِي الْكتب ألغموضه ودقته قَالَ فَإِن كَانَ هُوَ فَمَا الْمَانِع أَن يفهمهُ عَلَيْهِ هَذَا ملخص كَلَام الْمَازرِيّ وَسَبقه إِلَى قريب مِنْهُ من الْمَالِكِيَّة أَبُو الْوَلِيد الطرطوشي فَذكر فِي رِسَالَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 إِلَى ابْن مظفر فَأَما مَا ذكرت من أَمر الْغَزالِيّ فَرَأَيْت الرجل وكلمته فرأيته رجلا من أهل الْعلم قد نهضت بِهِ فضائله وَاجْتمعَ فِيهِ الْعقل والفهم وممارسة الْعُلُوم طول زَمَانه ثمَّ بدا لَهُ الِانْصِرَاف عَن طَرِيق الْعلمَاء وَدخل فِي غمار الْعمَّال ثمَّ تصوف فَهجر الْعُلُوم وَأَهْلهَا وَدخل فِي عُلُوم الخواطر وأرباب الْقُلُوب ووساوس الشَّيْطَان ثمَّ شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج وَجعل يطعن على الْفُقَهَاء والمتكلمين وَلَقَد كَاد يَنْسَلِخ من الدّين فَلَمَّا عمل الْإِحْيَاء عمد يتَكَلَّم فِي عُلُوم الْأَحْوَال ومرامز الصُّوفِيَّة وَكَانَ غير أنيس بهَا وَلَا خَبِير بمعرفتها فَسقط على أم رَأسه وشحن كِتَابه بالموضوعات انْتهى وَأَنا أَتكَلّم على كَلَامهمَا ثمَّ أذكر كَلَام غَيرهمَا وأتعقبه أَيْضا وأجتهد أَن لَا أَتعدى طور الْإِنْصَاف وَأَن لَا يلحقني عرق الحمية والاعتساف وأسأل الله الْإِمْدَاد بذلك والإسعاف فَمَا أحد مِنْهُم معاصرا لنا وَلَا قَرِيبا وَلَا بَيْننَا إِلَّا وصلَة الْعلم ودعوة الْخلق إِلَى جناب الْحق فَأَقُول أما الْمَازرِيّ فَقبل الْخَوْض مَعَه فِي الْكَلَام أقدم لَك مُقَدّمَة وَهِي أَن هَذَا الرجل كَانَ من أذكى المغاربة قريحة وأحدهم ذهنا بِحَيْثُ اجترأ على شرح الْبُرْهَان لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ لغز الْأمة الَّذِي لَا يحوم نَحْو حماه وَلَا يدندن حول مغزاة إِلَّا غواص على الْمعَانِي ثاقب الذِّهْن مبرز فِي الْعلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 وَكَانَ مصمما على مقالات الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ جليلها وحقيرها كبيرها وصغيرها لَا يتعداها ويبدع من خَالفه وَلَو فِي النزر الْيَسِير وَالشَّيْء الحقير ثمَّ هُوَ مَعَ ذَلِك مالكي الْمَذْهَب شَدِيد الْميل إِلَى مذْهبه كثير المناضلة عَنهُ وَهَذَانِ الإمامان أَعنِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ وتلميذه الْغَزالِيّ وصلا من التَّحْقِيق وسعة الدائرة فِي الْعلم إِلَى الْمبلغ الَّذِي يعرف كل منصف بِأَنَّهُ مَا انْتهى إِلَيْهِ أحد بعدهمَا وَرُبمَا خالفا أَبَا الْحسن فِي مسَائِل من علم الْكَلَام وَالْقَوْم أَعنِي الأشاعرة لَا سِيمَا المغاربة مِنْهُم يستصعبون هَذَا الصنع وَلَا يرَوْنَ مُخَالفَة أبي الْحسن فِي نقير وَلَا قطمير وكأنما عناه الْغَزالِيّ بقوله ... وَرُبمَا ضعفا مَذْهَب مَالك فِي كثير من الْمسَائِل كَمَا فعلا فِي مَسْأَلَة الْمصَالح الْمُرْسلَة وَعند ذكر التَّرْجِيح بَين الْمذَاهب فهذان أَمْرَانِ نفر الْمَازرِيّ مِنْهُمَا وينضم إِلَى ذَلِك أَن الطّرق شَتَّى مُخْتَلفَة وَقل مَا رَأَيْت سالك طَرِيق إِلَّا ويستقبح الطَّرِيق الَّتِي لم يسلكها وَلم يفتح عَلَيْهِ من قبلهَا وَيَضَع عِنْد ذَلِك من غَيره لَا ينجو من ذَلِك إِلَّا الْقَلِيل من أهل الْمعرفَة والتمكين وَلَقَد وجدت هَذَا واعتبرته حَتَّى فِي مَشَايِخ الطَّرِيقَة وَلَا يخفى أَن طَريقَة الْغَزالِيّ التصوف والتعمق فِي الْحَقَائِق ومحبة إشارات الْقَوْم وَطَرِيقَة الْمَازرِيّ الجمود على الْعبارَات الظَّاهِرَة وَالْوُقُوف مَعهَا وَالْكل حسن وَللَّه الْحَمد إِلَّا أَن اخْتِلَاف الطَّرِيقَيْنِ يُوجب تبَاين المزاجين وَبعد مابين القلبين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 لَا سِيمَا وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِ مَا ذَكرْنَاهُ من الْمُخَالفَة فِي الْمَذْهَب وتوهم الْمَازرِيّ أَنه يضع من مذْهبه وَأَنه يُخَالف شيخ السّنة أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ حَتَّى رَأَيْته أَعنِي الْمَازرِيّ قَالَ فِي شرح الْبُرْهَان فِي مَسْأَلَة خَالف فِيهَا إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَلَيْسَت من الْقَوَاعِد الْمُعْتَبرَة وَلَا الْمسَائِل المهمة من خطأ شيخ السّنة أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ فَهُوَ المخطأ وَأطَال فِي هَذَا وَقَالَ فِي الْكَلَام على مَاهِيَّة الْعقل فِي أَوَائِل الْبُرْهَان وَقد حكى عَن الْأَشْعَرِيّ أَنه يَقُول الْعقل هُوَ الْعلم وَأَن الإِمَام رَضِي الله عَنهُ قَالَ مقَالَة الْحَارِث المحاسبي إِنَّه غريزة بعد أَن كَانَ فِي الشَّامِل ينكرها وَإنَّهُ إِنَّمَا رضيها لكَونه فِي آخر عمره قرع بَاب قوم آخَرين يُشِير إِلَى الفلاسفة فليت شعري مَا فِي هَذِه الْمقَالة مِمَّا يدل على ذَلِك وأعجب من هَذَا أَنه أَعنِي الْمَازرِيّ فِي أخر كَلَامه اعْترف بِأَن الإِمَام لَا ينحو نحوهم وَأخذ يجل من قدرَة وَله من هَذَا الْجِنْس كثير فَهَذِهِ أُمُور توجب التنافر بَينهم وَتحمل الْمنصف على أَن لَا يسمع كَلَام الْمَازرِيّ فيهمَا إِلَّا بعد حجَّة ظَاهِرَة وَلَا تحسب أننا نَفْعل ذَلِك إزراء بالمازري وحطا من قدره لَا وَالله بل بَينا بطرِيق الْوَهم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مَعْذُور فَإِن الْمَرْء إِذا ظن بشخص سوءا قَلما أمعن بعد ذَلِك فِي النّظر إِلَى كَلَامه بل يصير بِأَدْنَى لمحة أدلت يحمل أمره على السوء وَيكون مخطئا فِي ذَلِك إِلَّا من وفْق الله تَعَالَى مِمَّن برىء عَن الْأَغْرَاض وَلم يظنّ إِلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 الْخَيْر وَتوقف عِنْد سَماع كل كلمة وَذَلِكَ مقَام لم يصل إِلَيْهِ إِلَّا الْآحَاد من الْخلق وَلَيْسَ الْمَازرِيّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هذَيْن الْإِمَامَيْنِ من هَذَا الْقَبِيل وَقد رَأَيْت فعله فِي حق إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي مَسْأَلَة الاسترسال الَّتِي حكيناها فِي تَرْجَمَة الإِمَام فِي الطَّبَقَة الرَّابِعَة وَكَيف وهم على الإِمَام وَفهم عَنهُ مَالا يفهمهُ عَنهُ الْعَوام وَفَوق نَحوه سِهَام الملام إِذا عرفت هَذِه الْمُقدمَة فَأَقُول إِن مَا ادَّعَاهُ من أَنه عرف مذْهبه بِحَيْثُ قَامَ لَهُ مقَام العيان هُوَ كَلَام عَجِيب فَإنَّا لَا نستجير أَن نحكم على عقيدة أحد بِهَذَا الحكم فَإِن ذَلِك لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا الله وَلنْ تَنْتَهِي إِلَيْهِ القوانين وَالْأَخْبَار أبدا وَقد وقفنا نَحن على غَالب كَلَام الْغَزالِيّ وتأملنا كتب أَصْحَابه الَّذين شاهدوه وتناقلوا أخباره وهم بِهِ أعراف من الْمَازرِيّ ثمَّ لم ننته إِلَى أَكثر من غَلَبَة الظَّن بِأَنَّهُ رجل أشعري المعتقد خَاضَ فِي كَلَام الصُّوفِيَّة وَأما قَوْله وَذكر جملا من مَذَاهِب الْمُوَحِّدين والفلاسفة والمتصوفة وَأَصْحَاب الإشارات فَأَقُول إِن عني بالموحدين الَّذين يوحدون الله فالمسلمون أول دَاخل فيهم ثمَّ عطف الصُّوفِيَّة عَلَيْهِم يُوهم أَنهم لَيْسُوا مُسلمين وحاشا لله وَإِن عني بِهِ أهل التَّوَكُّل على الله فهم من خير فرق الصُّوفِيَّة الَّذين هم من خير الْمُسلمين فَمَا وَجه عطف الصُّوفِيَّة عَلَيْهِم بعد ذَلِك وَإِن أَرَادَ أهل الْوحدَة الْمُطلقَة الْمَنْسُوب كثير مِنْهُم إِلَى الْإِلْحَاد والحلول فمعاذ الله لَيْسَ الرجل فِي هَذَا الصوب وَهُوَ مُصَرح بتكفير هَذِه الفئة وَلَيْسَ فِي كِتَابه شَيْء من معتقداتهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 وَأما قَوْله الْغَزالِيّ لَيْسَ بالمتبحر فِي علم الْكَلَام فَأَنا أوافقه على ذَلِك لكني أَقُول إِن قدمه فِيهِ راسخ وَلَكِن لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قدمه فِي بَقِيَّة علومه هَذَا ظَنِّي وَأما قَوْله إِنَّه اشْتغل فِي الفلسفة قبل استبحاره فِي فن الْأُصُول فَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك بل لم ينظر فِي الفلسفة إِلَّا بعد مَا استبحر فِي فن الْأُصُول وَقد أَشَارَ هُوَ أَعنِي الْغَزالِيّ إِلَى ذَلِك فِي كِتَابه المنقذ من الضلال وَصرح بِأَنَّهُ توغل فِي علم الْكَلَام قبل الفسلفة ثمَّ قَول الْمَازرِيّ قَرَأَ علم الفلسفة قبل استبحاره فِي علم الْأُصُول بعد قَوْله إِنَّه لم يكن بالمستبحر فِي الْأُصُول كَلَام يُنَاقض أَوله آخِره وَأما دَعْوَاهُ أَنه تجرأ على الْمعَانِي فَلَيْسَتْ لَهُ جرْأَة إِلَّا حَيْثُ دله الشَّرْع ويدعى خلاف ذَلِك من لَا يعرف الْغَزالِيّ ولايدري مَعَ من يتحدث وَمن الْجَهْل بِحَالهِ دَعْوَى أَنه اعْتمد على كتب أبي حَيَّان التوحيدي وَالْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَلم يكن عمدته فِي الْإِحْيَاء بعد معارفة وعلومه وتحقيقاته الَّتِي جمع بهَا شَمل الْكتاب ونظم بهَا محاسنه إِلَّا على كتاب قوت الْقُلُوب لأبي طَالب الْمَكِّيّ وَكتاب الرسَالَة للأستاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي الْمجمع على جلالتهما وجلالة مصنفيهما وَأما ابْن سينا فالغزالي يكفره فَكيف يُقَال إِنَّه يقْتَدى بِهِ وَلَقَد صرح فِي كتاب المنقذ من الضلال أَنه لَا شيخ لَهُ فِي الفلسفة وسنحكي كَلَامه فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَوله لَا أَدْرِي على من عول فِي التصوف قلت عول على كتاب الْقُوت والرسَالَة مَعَ مَا ضم إِلَيْهِمَا من كَلَام مشايخه أَي على العلائي وَأَمْثَاله وَمَعَ مَا زَاده من قبل نَفسه بفكره وَنَظره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 وَمَا فتح بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدِي أغلب مَا فِي الْكتاب وَلَيْسَ فِي الْكتاب للفلاسفة مدْخل وَلم يصنفه إِلَّا بعد مَا ازدرى علومهم وَنهى عَن النّظر فِي كتبهمْ وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي غير مَوضِع من الْإِحْيَاء ثمَّ فِي كتاب المنقذ من الضلال مَا نَصه ثمَّ إِنِّي لما ابتدأت بعد الْفَرَاغ من علم الْكَلَام بِعلم الفلسفة وَعلمت يَقِينا أَنه لَا يقف على فَسَاد نوع من الْعُلُوم من لَا يقف على مُنْتَهى ذَلِك الْعلم حَتَّى يُسَاوِي أعلمهم فِي أصل الْعلم ثمَّ يزِيد عَلَيْهِ ويجاوز دَرَجَته فَيطلع على مَا لم يطلع عَلَيْهِ صَاحب الْعلم من غور وغائلة فَإذْ ذَاك يُمكن أَن يكون مَا يَدعِيهِ من فَسَاده حَقًا وَلم أر أحدا من عُلَمَاء الْإِسْلَام وَجه عنايته إِلَى ذَلِك وَلم يكن فِي كتب الْمُتَكَلِّمين من كَلَامهم حَيْثُ اشتغلوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِم إِلَّا كَلِمَات معقدة مبددة ظَاهِرَة النتاقض وَالْفساد وَلَا يظنّ الِاعْتِرَاف بهَا عَاقل عَامي فضلا عَمَّن يَدعِي دقائق الْعُلُوم فَعلمت أَن رد هَذَا الْمَذْهَب قبل فهمه والاطلاع على كنهه يَرْمِي فِي عماية فشمرت عَن سَاق الْجد فِي تَحْصِيل ذَلِك الْعلم من الْكتب بِمُجَرَّد المطالعة من غير استعانة بأستاذ وَتعلم فَأَقْبَلت على ذَلِك فِي أَوْقَات فراغي من التدريس والتصنيف فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَأَنا مهتم بالتدريس والإفادة لبل غلَّة نفر من الطّلبَة بِبَغْدَاد فأطلعني الله تَعَالَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 بِمُجَرَّد المطالعة فِي هَذِه الْأَوْقَات على مُنْتَهى علومهم فِي أقل من سنتَيْن ثمَّ لم أزل أواظب على التفكر فِيهِ بعد فهمه قَرِيبا من سنة أعاوده وأراودوه وأتفقد غوائله وأغواره حَتَّى اطَّلَعت على مَا فِيهِ من خداع وتلبيس وَتَحْقِيق وتحيل اطلاعا لم أَشك فِيهِ فاسمع الْآن حكايتي وحكاية حَاصِل علومهم فَإِنِّي رَأَيْت أصنافا وَرَأَيْت علومهم أقساما وهم على كَثْرَة أصنافهم تلزمهم وجهة الْكفْر والإلحاد وَإِن كَانَ بَين القدماء مِنْهُم والأقدمين والأواخر مِنْهُم والأوائل تفَاوت عَظِيم فِي الْبعد عَن الْحق والقرب مِنْهُ انْتهى وَقَالَ بعده فصل فِي بَيَان أصنافهم وشمول سمة الْكفْر كافتهم واندفع فِي ذَلِك فَهَذَا رجل يُنَادي على كَافَّة الفلاسفة بالْكفْر وَله فِي الرَّد عَلَيْهِم الْكتب الفائقة وَفِي الذب عَن حَرِيم الْإِسْلَام الْكَلِمَات الرائقة ثمَّ يُقَال إِنَّه بني كِتَابه على نالتهم فيا لله وَيَا للْمُسلمين نَعُوذ بِاللَّه من تعصب يحمل على الوقيعة فِي أَئِمَّة الدّين وَأما مَا عَابَ بِهِ الْإِحْيَاء من توهنه بعض الْأَحَادِيث فالغزالي مَعْرُوف بِأَنَّهُ لم تكن لَهُ فِي الحَدِيث يَد باسطة وَعَامة مَا فِي الْإِحْيَاء من الْأَخْبَار والْآثَار مبدد فِي كتب من سبقه من الصُّوفِيَّة وَالْفُقَهَاء وَلم يسند الرجل لحَدِيث وَاحِد وَقد اعتنى بتخريج أَحَادِيث الاحياء بعض أَصْحَابنَا فَلم يشذ عَنهُ إِلَّا الْيَسِير وسأذكر جملَة من أَحَادِيثه الشاذة استفادة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 وَأما مَا ذَكرُوهُ فِي بعض قصّ الْأَظْفَار فَالْأَمْر الْمشَار إِلَيْهِ يروي عَن عَليّ كرم الله وَجهه غير أَنه لم يثبت وَلَيْسَ فِي ذَلِك كَبِير أَمر وَلَا مُخَالفَة شرع وَقد سَمِعت جمَاعَة من الْفُقَرَاء يذكرُونَ أَنهم جربوه فوجدوه لَا يخطىء من داومة أَمن من وجع الْعين ويروون من شعر عَليّ كرم الله وَجهه هَذَا (أبدا بيمناك وبالخنصر ... فِي قصّ أظفارك واستبصر) (وَاخْتِمْ بسبابتها هَكَذَا ... لَا تفعل فِي الرجل ولاتمتر) (وابدا ليسراك بإبهامها ... والأصبع الْوُسْطَى وبالخنصر) (وَيتبع الْخِنْصر سبابة ... بنصرها خَاتِمَة الْأَيْسَر) (هَذَا أَمَان لَك قد حُزْته ... من رمد الْعين كَمَا قد قرى) وَأما قَول الْمَازرِيّ عَادَة المتورعين أَن لَا يَقُولُوا قَالَ مَالك إِلَى آخِره فَلَيْسَ مَا قَالَ الْغَزالِيّ قَالَ سَوَّلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَبِيل الْجَزْم وَإِنَّمَا يَقُول عزو بِتَقْدِير الْجَزْم فَلَو لم يغلب على ظَنّه لم يقلهُ وغايته أَنه لَيْسَ الْأَمر على مَا ظن وسنعقد فضلا للأحاديث الْمُنكرَة فِي كتاب الْإِحْيَاء وَأما مَسْأَلَة من مَاتَ وَلم يعلم قدم الْبَارِي فَفرق بَين عدم اعْتِقَاد بالقدم واعتقاد أَن لَا قدم وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي أَجمعُوا على تكفيره من اعتقده فَمن استحضر بذهنه صفة الْقدَم ونفاها عَن الْبَارِي وأوجبهَا منفية أوشك فِي انتفائها كَانَ كَافِرًا وَأما الساذج فِي مَسْأَلَة الْقدَم الْخَالِي الْخُلُو الْمُؤمن بِاللَّه على الْجُمْلَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 فَهُوَ الَّذِي ادّعى الْغَزالِيّ الْإِجْمَاع على أَنه مُؤمن على الْجُمْلَة نَاجٍ من حَيْثُ مُطلق الْإِيمَان الْجملِي وَمن البلية الْعُظْمَى والمصيبة الْكُبْرَى أَن يُقَال عَن مثل الْغَزالِيّ إِنَّه غير موثوق بنقله فَمَا أَدْرِي مَا أَقُول وَلَا بِأَنِّي يلقى الله يعْتَقد ذَلِك فِي هَذَا الإِمَام وَأما تَقْسِيم الْمَازرِيّ فِي الْعلم الَّذِي أَشَارَ حجَّة الْإِسْلَام أَنه لَا يودع فِي كتاب فوددت لَو لم يذكرهُ فَإِنَّهُ شبه عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَازرِيّ كَانَ رجلا فَاضلا ركنا ذكيا وَمَا كنت أَحْسبهُ يَقع فِي مثل هَذَا أَو خَفِي عَلَيْهِ أَن للعلوم دقائق نهى الْعلمَاء عَن الإفصاح بهَا خشيَة على ضعفاء الْخلق وَأُمُور أخر لاتحيط بهَا الْعبارَات وَلَا يعرفهَا إِلَّا أهل الذَّوْق وَأُمُور أخر لم يَأْذَن الله فِي إظهارها لحكم تكْثر عَن الإحصاء وماذا يَقُول الْمَازرِيّ فِيمَا خرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي الطُّفَيْل سَمِعت عليا رَضِي الله عَنهُ يَقُول حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ أتحبون أَن يكذب الله وَرَسُوله وَكم مَسْأَلَة نَص الْعلمَاء عَن عدم الإفصاح بهَا خشيَة على إفضاح من لَا يفهمها وَهَذَا إمامنا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول إِن الْأَجِير الْمُشْتَرك لَا يضمن قَالَ الرّبيع وَكَانَ لَا يبوح بِهِ خوفًا من أجِير السوء قَالَ الرّبيع أَيْضا وَكَانَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يذهب إِلَى أَن القَاضِي يقْضِي بِعِلْمِهِ وَكَانَ لَا يبوح بِهِ مَخَافَة قُضَاة السوء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 فقد لَاحَ لَك بِهَذَا أَنه رُبمَا وَقع السُّكُوت عَن بعض الْعلم خشيَة من الْوُقُوع فِي مَحْذُور وَمثل ذَلِك يكثر وَأما كَلَام الطرطوشي فَمن الدعاوي الْعَارِية عَن الْأَدِلَّة وَمَا أَدْرِي كَيفَ استجار فِي دينه أَن ينْسب هَذَا الحبر إِلَى أَنه دخل فِي وسواس الشَّيْطَان وَلَا من أَيْن أطلع على ذَلِك وَأما قَوْله شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج فَلَا أَدْرِي أَي رموز فِي هَذَا الْكتاب غير إشارات الْقَوْم الَّتِي لَا ينكرها عَارِف وَلَيْسَ للحلاج رموز يعرف بهَا وَأما قَوْله كَاد يَنْسَلِخ من الدّين فيالها كلمة وقانا الله شَرها وَأما دَعْوَاهُ أَنه غير أنيس بعلوم الصُّوفِيَّة فَمن الْكَلَام الْبَارِد فَإِنَّهُ لَا يرتاب ذُو نظر بِأَن الْغَزالِيّ كَانَ ذَا قدم راسخ فِي التصوف وليت شعري إِن لم يكن الْغَزالِيّ يدْرِي التصوف فَمن يدريه وَأما دَعْوَاهُ أَنه سقط على أم رَأسه فوقيعة فِي الْعلمَاء يُغير دلَالَة فَإِنَّهُ لم يذكر لنا بِمَاذَا سقط كَفاهُ الله وإيانا غائلة التعصب وَأما الموضوعات فِي كِتَابه فليت شعري أهوَ واضعها حَتَّى يُنكر عَلَيْهِ إِن هَذَا إِلَّا تعصب بَارِد وتشنيع بِمَا لَا يرتضيه ناقد وَلَقَد ماجوا فِي هَذَا الْإِحْيَاء الَّذِي لَا يَنْبَغِي لعالم أَن يُنكر مكانته فِي الْحسن والإفادة وَلَقَد قَالَ بعض الْمُحَقِّقين لَو لم يكن للنَّاس فِي الْكتب الَّتِي صنفها الْفُقَهَاء الجامعون فِي تصانيفهم بَين النَّقْل وَالنَّظَر والفكر والأثر غَيره لكفى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 وَهُوَ من الْكتب الَّتِي يَنْبَغِي للْمُسلمين الاعتناء بهَا وإشاعتها ليهتدي بهَا كثير من الْخلق وقلما ينظر فِيهِ نَاظرا إِلَّا وتيقظ بِهِ فِي الْحَال رزقنا الله بَصِيرَة ترينا وَجه الصَّوَاب ووقانا شَرّ مَا هُوَ بَيْننَا وَبَينه حجاب وللشيخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح فِي حق الْغَزالِيّ كَلَام لَا نرتضيه ذكره على الْمنطق تكلمنا عَلَيْهِ فِي أَوَائِل شرحنا للمختصر لِابْنِ الْحَاجِب وَكتب إِلَى مرّة الخافظ عفيف الدّين المطري الْمُقِيم بِمَدِينَة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا سَأَلَني أَن أسَال الشَّيْخ الإِمَام رَأْيه فَذكرت لَهُ ذَلِك فَكتب إِلَيّ الْجَواب بِمَا نَصه الْحَمد لله الْوَلَد عبد الْوَهَّاب بَارك الله فِيهِ وقفت على مَا ذكرت مِمَّا سَأَلَ عَنهُ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْقدْوَة عفيف الدّين المطري نفع الله بِهِ فِي تَرْجَمَة الْغَزالِيّ وَأبي حَيَّان التوحيدي وَمَا ذكرته أَنْت فِي الطَّبَقَات فِي تَرْجَمَة التوحيدي وَمَا عِنْدِي فِيهِ أَكثر من ذَلِك فتكتبه لَهُ وَكَذَلِكَ الْغَزالِيّ مَا عِنْدِي فِيهِ زِيَادَة على مَا ذكره ابْن عَسَاكِر وَغَيره مِمَّن تَرْجمهُ وماذا يَقُول الْإِنْسَان فِيهِ وفضله واسْمه قد طبق الأَرْض وَمن خبر كَلَامه عرف أَنه فَوق اسْمه وَأما مَا ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح وَمَا ذكره من عِنْد نَفسه وَمن كَلَام يُوسُف الدِّمَشْقِي والمازري فَمَا أشبه هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة رَحِمهم الله إلابقوم متعبدين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 سليمَة قُلُوبهم قد ركنوا إِلَى الهوينا فَرَأَوْا فَارِسًا عَظِيما من الْمُسلمين قد رأى عدوا عَظِيما لأهل الْإِسْلَام فَحمل عَلَيْهِم وانغمس فِي صفوفهم وَمَا زَالَ فِي غمرتهم حَتَّى فل شوكتهم وكسرهم وَفرق جموعهم شذر بذر وفلق هام كَثِيرَة مِنْهُم فَأَصَابَهُ يسير من دِمَائِهِمْ وَعَاد سالما فرأوه وَهُوَ يغسل الدَّم عَنهُ ثمَّ دخل مَعَهم فِي صلَاتهم وعبادتهم فتوهموا أَيْضا أثر الدَّم عَلَيْهِ فأنكروا عَلَيْهِ هَذَا حَال الْغَزالِيّ وحالهم وَالْكل إِن شَاءَ الله مجتمعون فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر وَأما الْمَازرِيّ ... ... لِأَنَّهُ مغربي وَكَانَت المغاربة لما وَقع بهم كتاب الْإِحْيَاء لم يفهموه فحرفوه فَمن تِلْكَ الْحَالة تكلم الْمَازرِيّ ثمَّ إِن المغاربة بعد ذَلِك أَقبلُوا عَلَيْهِ ومدحوه بقصائد مِنْهُ قصيدة (أباحامد أَنْت الْمُخَصّص بِالْحَمْد ... وَأَنت الَّذِي علمتنا سنَن الرشد) (وضعت لنا الْإِحْيَاء تحي نفوسنا ... وتنقدنا من ربقة المارد المردي) وَهِي طَوِيلَة وَإِن كنت لَا أرتضي قَوْله أَنْت الْمُخَصّص بِالْحَمْد ويتأول لفاعليه أَنه من بَين أقرانه أَو من بَين من يتَكَلَّم فِيهِ وَأَيْنَ نَحن من فَوْقنَا وفوقهم من فهم كَلَام الْغَزالِيّ أَو الْوُقُوف على مرتبته فِي الْعلم وَالدّين والتأله وَلَا يُنكر فضل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وفقهه وَحَدِيثه وَدينه وقصده الْخَيْر وَلَكِن لكل عمل رجال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 وَلَا يُنكر علو مرتبَة الْمَازرِيّ وَلَكِن كل حَال لَا يعرفهُ من لم يذقه أَو يشرف عَلَيْهِ وكل أحد إِنَّمَا يتكيف بِمَا نَشأ عَلَيْهِ وَوصل إِلَيْهِ وأمامن ذكر أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي هَذَا الْمقَام فَالله يوفقنا وأياه لفهم مقامهما على قَدرنَا وَأما على قدرهما فمستحيل بل وَسَائِر الصَّحَابَة لَا يصل أحد مِمَّن بعدهمْ إِلَى مرتبتهم لِأَن أَكثر الْعُلُوم الَّتِي نَحن نبحث وندأب فِيهَا اللَّيْل وَالنَّهَار حَاصِلَة عِنْدهم بِأَصْل الْخلقَة من اللُّغَة والنحو والتصريف وأصول الْفِقْه مَا عِنْدهم من الْعُقُول الراجحة وَمَا أَفَاضَ الله عَلَيْهِم من نور النُّبُوَّة العاصم من الْخَطَأ فِي الْفِكر يُغني عَن الْمنطق وَغَيره من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَمَا ألف الله بَين قُلُوبهم حَتَّى صَارُوا بنعمته أخوانا يُغني عَن الاستعداد للمناظرة والمجادلة فَلم يكن يَحْتَاجُونَ فِي علومهم إِلَّا إِلَى مايسمعونه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْكتاب وَالسّنة فيفهمونه أحسن فهم ويحملونه على أحسن محمل وينزلونه مَنْزِلَته وَلَيْسَ بَينهم من يمارى فِيهِ وَلَا يُجَادِل وَلَا بِدعَة وَلَا ضَلَالَة ثمَّ التابعون على مَنَازِلهمْ ومنوالهم قَرِيبا مِنْهُم ثمَّ أتباعهم وهم الْقُرُون الثَّلَاثَة الَّتِي شهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهَا بِأَنَّهَا خير الْقُرُون بعده ثمَّ نَشأ بعدهمْ وَكَانَ قَلِيلا فِي أثْنَاء الثَّانِي وَالثَّالِث أَصْحَاب بدع وضلالات فاحتاجت الْعلمَاء من أهل السّنة إِلَى مقاومتهم ومجادلتهم ومناظرتهم حَتَّى لَا يلبسوا على الضُّعَفَاء أَمر دينهم وَلَا يدخلُوا فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ وَدخل فِي الْكَلَام أهل الْبدع من كَلَام المنطقين وَغَيرهم من أهل الْإِلْحَاد شَيْء كثير ورتبوا علينا شبها كَثِيرَة فَإِن تركناهم وَمَا يصنعون استولوا على كثير من الضُّعَفَاء وعوام الْمُسلمين والقاصرين من فقهائهم وعلمائهم فأضلوهم وغيروا مَا عِنْدهم من الاعتقادات الصَّحِيحَة وانتشرت الْبدع والحوادث وَلم يُمكن كل وَاحِد أَن يقاومهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 وَقد لَا يفهم كَلَامهم لعدم اشْتِغَاله بِهِ وَإِنَّمَا يرد الْكَلَام من يفهمهُ وَمَتى لم يرد عَلَيْهِ تعلو كَلمته ويعتقد الجهلاء والأمراء والملوك والمستولون على الرّعية صِحَة كَلَام ذَلِك المبتدع كَمَا اتّفق فِي كثير من الْأَعْصَار وَقصرت همم النَّاس عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ المتقدمون فَكَانَ الوجب أَن يكون فِي النَّاس من يحفظ الله بِهِ عقائد عباده الصَّالِحين وَيدْفَع بِهِ شبه الْمُلْحِدِينَ وأجره أعظم من أجر الْمُجَاهِد بِكَثِير ويحفظ أجر بَقِيَّة النَّاس عبادات المتعبدين واشتغال الْفُقَهَاء والمحدثين والمقرئين والمفسرين وَانْقِطَاع الزاهدين (لَا يعرف الشوق إِلَّا من يكابده ... وَلَا الصبابة إِلَّا من يعانيها) واللائق بِابْن الصّلاح وَأَمْثَاله أَن يشْكر الله على مَا أنعم بِهِ من الْخَيْر وَمَا قيض الله لَهُ من الْغَزالِيّ وَأَمْثَاله الَّذين تقدموه حَتَّى حفظوا لَهُ مايتعبد بِهِ وَمَا يشْتَغل بِهِ وَمَا يحْتَمل هَذَا الْموضع بسط القَوْل فِي ذَلِك وَإِذا كَانَ فِي الْإِحْيَاء أَشْيَاء يسيرَة تنتقد لَا تدفع محَاسِن أَكْثَره الَّتِي لَا تُوجد فِي كتاب غَيره وَكم من مِنْهُ للغزالي وَسَوَاء عرف من أَخذ عَنهُ التصوف أم لَا فالاعتقادات هِيَ هبة من الله تَعَالَى وَلَيْسَت رِوَايَة انْتهى وَمَا أَشرت إِلَيْهِ من كَلَام ابْن الصّلاح فِي الْغَزالِيّ هُوَ مَا ذكره فِي الطَّبَقَات من إِنْكَاره عَلَيْهِ الْمنطق وَقَوله فِي أول الْمُسْتَصْفى هَذِه مُقَدّمَة الْعُلُوم كلهَا وَمن لَا يُحِيط بهَا فَلَا ثِقَة بمعلومه أصلا ثمَّ حكايته كَلَام الْمَازرِيّ وَقد أوردناه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 وَذكر ابْن الصّلاح أَن كتاب المضنون الْمَنْسُوب إِلَيْهِ معَاذ الله أَن يكون لَهُ وَبَين سَبَب كَونه مُخْتَلفا مَوْضُوعا عَلَيْهِ وَالْأَمر كَمَا قَالَ وَقد اشْتَمَل المضنون على التَّصْرِيح بقدم الْعَالم وَنفى الْعلم الْقَدِيم بالجزئيات وَنفى الصِّفَات وكل وَاحِدَة من هَذِه يكفر الْغَزالِيّ قَائِلهَا هُوَ وَأهل السّنة أَجْمَعُونَ وَكَيف يتَصَوَّر أَنه يَقُولهَا وَمِمَّا حكى واشتهر عَن الشَّيْخ الْعَارِف أبي الْحسن الشاذلي وَكَانَ سيد عصره وبركة زَمَانه أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم وَقد باهى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام بإلإمام الْغَزالِيّ وَقَالَ أَفِي أمتيكما حبر كَهَذا قَالَا لَا وَسُئِلَ السَّيِّد الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه سيد وقته أَيْضا أَبُو الْعَبَّاس المرسي تلميذ الشَّيْخ أبي الْحسن عَن الْغَزالِيّ فَقَالَ أَنا أشهد لَهُ بالصديقية الْعُظْمَى وَعَن الشَّيْخ الْكَبِير الْجَلِيل الْعَارِف بِاللَّه أوحد الْأَوْلِيَاء أبي الْعَبَّاس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 أَحْمد بن أبي الْخَيْر اليمني الْمَعْرُوف بالصياد وَهُوَ من أَوْلِيَاء الله بِبِلَاد الْيمن أرَاهُ فِي حُدُود الْخمسين والخمسمائة أَنه رأى فِي بعض الْأَيَّام وَهُوَ قَاعد أَبْوَاب السَّمَاء مفتحة وَإِذا بعصبة من الْمَلَائِكَة قد نزلُوا إِلَى الأَرْض وَمَعَهُمْ خلع خضر ودابة من الدَّوَابّ فوقفوا على رَأس قبرمن الْقُبُور وأخرجوا شخصا من قَبره وألبسوه الْخلْع وأركبوه على الدَّابَّة وصعدوا بِهِ إِلَى السَّمَاء ثمَّ لم يزَالُوا يصعدون بِهِ من سَمَاء إِلَى سَمَاء حَتَّى جاوزا السَّبع السَّمَوَات كلهاوخرق بعْدهَا سبعين حِجَابا قَالَ فتعجبت من ذَلِك وَأَرَدْت معرفَة ذَلِك الرَّاكِب فَقيل لي هُوَ الْغَزالِيّ وَلَا علم لي إِلَى أَيْن بلغ انتهاؤه قلت فَإِذا كَانَ هَذَا كَلَام أهل الله ومرائيهم فِي هَذَا الحبر وَقد قدمنَا كَلَام أهل الْعلم من معاصريه فَمن بعدهمْ فِيهِ وَذكرنَا الْيَسِير من سيرته فَكيف يسوغ أَن يُقَال إِنَّه كَاد يَنْسَلِخ من الدّين وَلَقَد وَقعت فِي بِلَاد الْمغرب بِسَبَب الْإِحْيَاء فتن كَثِيرَة وتعصب أُدي إِلَى أَنهم كَادُوا يحرقونه وَرُبمَا وَقع إحراق يسير وَقد قدمنَا من ذَلِك شَيْئا ذكر مَنَام أبي الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن حرزهم وَهُوَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن بن حرزهم بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا زَاي وَرُبمَا قيل ابْن حرازهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 لماوقف على الْإِحْيَاء تَأمل فِيهِ ثمَّ قَالَ هَذَا بِدعَة مُخَالف للسّنة وَكَانَ شَيخا مُطَاعًا فِي بِلَاد الْمغرب فَأمر بإحضار كل مَا فِيهَا من نسخ الْإِحْيَاء وَطلب من السُّلْطَان أَن يلْزم النَّاس بذلك فَكتب إِلَى النواحي وشدد فِي ذَلِك وتوعد من أخْفى شَيْئا مِنْهُ فأحضر النَّاس مَا عِنْدهم وَاجْتمعَ الْفُقَهَاء ونظروا فِيهِ ثمَّ أجمعوا على إحراقه يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْخَمِيس فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْجُمُعَة رأى أَبُو الْحسن المذعور فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ دخل من بَاب الْجَامِع الَّذِي عَادَته يدْخل مِنْهُ فَرَأى فِي ركن الْمَسْجِد نورا وَإِذا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا جُلُوس وَالْإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ قَائِم وَبِيَدِهِ الْإِحْيَاء فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذَا خصمي ثمَّ جثا على رُكْبَتَيْهِ وزحف عَلَيْهِمَا إِلَى أَن وصل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَاوَلَهُ كتاب الْإِحْيَاء وَقَالَ يَا رَسُول الله انْظُر فِيهِ فَإِن كَانَ بِدعَة مُخَالفا لسنتك كَمَا زعم تبت إِلَى الله تَعَالَى وَإِن كَانَ شَيْئا تستحسنه حصل لي من بركتك فأنصفني من خصمي فَنظر فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورقة ورقة إِلَى آخِره ثمَّ قَالَ وَالله إِن هَذَا شَيْء حسن ثمَّ نَاوَلَهُ أَبَا بكر فَنظر فِيهِ كَذَلِك ثمَّ قَالَ نعم وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ يَا رَسُول الله إِنَّه لحسن ثمَّ نَاوَلَهُ عمر فَنظر فِيهِ كَذَلِك ثمَّ قَالَ كَمَا قَالَ أبوبكر ثمَّ فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتجريد أبي الْحسن من ثِيَابه وضربه حد المفترى فَجرد وَضرب ثمَّ شفع فِيهِ أَبُو بكر بعد خَمْسَة أسواط وَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّمَا فعل هَذَا اجْتِهَادا فِي سنتك وتعظيما فَعَفَا عَنهُ أَبُو حَامِد عِنْد ذَلِك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ من مَنَامه وَأصْبح أعلم أَصْحَابه بِمَا جرى وَمكث قَرِيبا من الشَّهْر متألما من الضَّرْب ثمَّ سكن عَنهُ الْأَلَم وَمكث إِلَى أَن مَاتَ وَأثر السِّيَاط على ظَهره وَصَارَ ينظر كتاب الْإِحْيَاء ويعظمه ويبجله أصلا أصلا وَهَذَا حِكَايَة صحيحة حَكَاهَا لنا جمَاعَة من ثِقَات مشيختنا عَن الشَّيْخ الْعَارِف ولي الله ياقوت الشاذلي عَن شَيْخه السَّيِّد الْكَبِير ولي الله تَعَالَى أبي الْعَبَّاس المرسي عَن شَيْخه الشَّيْخ الْكَبِير ولي الله أبي الْحسن الشاذلي رَحِمهم الله تَعَالَى أَجْمَعِينَ رِسَالَة الإِمَام حجَّة الْإِسْلَام رَضِي الله عَنهُ الَّتِي كتبهَا إِلَى بعض أهل عصره وَنَصهَا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا الْمُرْسلين سيدنَا مُحَمَّد وَآله وصحبة أَجْمَعِينَ أما بعد فقد انتسخ بيني وَبَين الشَّيْخ الْأَجَل مُعْتَمد الْملك أَمِين الدولة حرس الله تأييده بِوَاسِطَة القَاضِي الْجَلِيل الإِمَام مَرْوَان زَاده الله تَوْفِيقًا من الوداد وَحسن الِاعْتِقَاد مَا يجْرِي مجْرى الْقَرَابَة وَيَقْتَضِي دوَام الْمُكَاتبَة والمواصلة وَإِنِّي لَا أَصله بصلَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 هِيَ أفضل من نصيحة توصله إِلَى الله وتقربه لرَبه زلفى وتحله الفردوس الْأَعْلَى فالنصيحة هِيَ هَدِيَّة الْعلمَاء وَإنَّهُ لن يهدي إِلَى تحفة أكْرم من قبُوله لَهَا وإصغائه بقلب فارغ عَن ظلمات الدُّنْيَا إِلَيْهَا وَإِنِّي أحذره إِذا ميزت عِنْد أَرْبَاب الْقُلُوب أَحْرَار النَّاس أَن يكون إِلَّا فِي زمرة الْكِرَام الأكياس فقد قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أكْرم النَّاس فَقَالَ (أَتْقَاهُم) فَقيل من أَكيس النَّاس فَقَالَ (أَكْثَرهم للْمَوْت ذكراو أَشَّدهم لَهُ اسْتِعْدَادًا) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْكيس من دَان نَفسه وَعمل لما بعد الْمَوْت والأحمق من أتبع نَفسه هَواهَا وَتمنى على الله الْمَغْفِرَة) وَأَشد النَّاس غباوة وجهلا من تهمه أُمُور دُنْيَاهُ الَّتِي يختطفها عَنهُ الْمَوْت وَلَا يهمه أَن يعرف أَنه من أهل الْجنَّة أَو النَّار وَقد عرفه الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم} وَقَالَ {فَأَما من طَغى وآثر الْحَيَاة الدُّنْيَا} الْآيَة وَقَالَ {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا} إِلَى قَوْله {وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 وَإِنِّي أوصيه أَن يصرف هَذَا المهم همته وَأَن يُحَاسب نَفسه قبل أَن يُحَاسب ويراقب سَرِيرَته وقصده وهمته وأفعاله وأقواله وإصداره وإيراده أَهِي مَقْصُورَة على مَا يقربهُ من الله تَعَالَى ويوصله إِلَى سَعَادَة الْأَبَد أَو هِيَ مصروفة إِلَى مَا يعمر دُنْيَاهُ ويصلحها لَهُ إصلاحا منغصا مشوبا بالكدورات مشحونا بالهموم والغموم ثمَّ يختمها بالشقاوة وَالْعِيَاذ بِاللَّه فليفتح عَن بصيرته لتنظر نفس مَا قدمت لغد وليعلم أَنه لَا مُشفق وَلَا نَاظر لنَفسِهِ سواهُ وليتدبر مَا هُوَ بصدده فَإِن كَانَ مَشْغُولًا بعمارة ضَيْعَة فَلْينْظر كم من قُرَّة أهلكها الله تَعَالَى وَهِي ظالمة فَهِيَ خاوية على عروشها بعد عمارتها وَإِن كَانَ مُقبلا على اسْتِخْرَاج مَاء وَعمارَة نهر فليفكر كم من بِئْر معطلة وَقصر مشيد بعد عمارتها وَإِن كَانَ مهتما بتأسيس بِنَاء فَلْيتَأَمَّل كم من قُصُور مشيدة الْبُنيان محكمَة الْقَوَاعِد والأركان أظلمت بعد سكانها وَإِن كَانَ معتنيا بعمارة الحدائق الْبَسَاتِين فليعتبر {كم تركُوا من جنَّات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة} الْآيَة وليقرأ قَوْله {أَفَرَأَيْت إِن متعناهم سِنِين ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون مَا أغْنى عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون} الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 وَإِن كَانَ مشغوفا وَالْعِيَاذ بِاللَّه بِخِدْمَة سُلْطَان فليذكر مَا ورد فِي الْخَبَر أَنه يُنَادي مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة أَيْن الظلمَة وأعوانهم فَلَا يبْقى أحد مِنْهُم مد لَهُم دَوَاة وبرى لَهُم قَلما فَمَا فَوق ذَلِك إِلَّا أحضروا فَيجْمَعُونَ فِي تَابُوت من نَار فيلقون فِي جَهَنَّم وعَلى الْجُمْلَة فَالنَّاس كلهم إِلَّا من عصم الله نسوا الله فنسيهم وأعرضوا عَن التزود للآخرة وَأَقْبلُوا على طلب أَمريْن الجاه وَالْمَال فَإِن كَانَ هُوَ فِي طلب جاه ورياسة فليتذكر مَا ورد بِهِ الْخَبَر أَن الْأُمَرَاء يحشرون يَوْم الْقِيَامَة فِي صور الذَّر تَحت أَقْدَام النَّاس يطؤونهم بأقدامهم وليقرأ مَا قَالَه تَعَالَى فِي كل متكبر جَبَّار وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يكْتب الرجل جبارا وَمَا يملك إِلَّا أهل بَيته) أَي إِذا طلب الرياسة بَينهم وتكبر عَلَيْهِم وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (مَا ذئبان ضاريان أرسلا فِي زريبة غنم بِأَكْثَرَ فَسَادًا من حب الشّرف فِي دين الرجل الْمُسلم) وَإِن كَانَ فِي طلب المَال وَجمعه فَلْيتَأَمَّل قَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَا معشر الحواريين الْعين مَسَرَّة فِي الدُّنْيَا مضرَّة فِي الْآخِرَة بِحَق أَقُول لَا يدْخل الْأَغْنِيَاء ملكوت السَّمَاء وَقد قَالَ نَبيا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يحْشر الْأَغْنِيَاء يَوْم الْقِيَامَة أَربع فرق رجل جمع مَالا من حرَام وأنفقه فِي حرَام فَيُقَال اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار وَرجل جمع مَال من حرَام وأنفقه فِي حَلَال فَيُقَال اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 وَرجل جمع مَالا من حَلَال وأنفقه فِي حرَام فَيُقَال اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار وَرجل جمع مَالا من حَلَال وأنفقه فِي حَلَال فَيُقَال قفوا هَذَا واسألوه لَعَلَّه ضيع بِسَبَب غناهُ فِيمَا فرضناه عَلَيْهِ أوقصر فِي صلَاته أَو فِي وضوئها أَو فِي سجودها أَو خشوعها أَو ضيع شَيْئا من فرض الزَّكَاة وَالْحج فَيَقُول الرجل جمعت المَال من حَلَال وأنفقته فِي حَلَال وَمَا صنيعت شَيْئا من حُدُود الْفَرَائِض بل أتيتها بِتَمَامِهَا قيقال لَعَلَّك باهيت واختلت فِي شَيْء من ثِيَابك فَيَقُول يارب مَا باهيت بِمَالي وَلَا اختلت فِي ثِيَابِي فَيُقَال لَعَلَّك فرطت فِيمَا أمرناك من صلَة الرَّحِم وَحقّ الْجِيرَان وَالْمَسَاكِين وَقصرت فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير والتفضيل وَالتَّعْدِيل ويحيط هَؤُلَاءِ بِهِ فَيَقُولُونَ رَبنَا أغنيته بَين أظهرنَا وأحوجتنا إِلَيْهِ فقصر فِي حَقنا فَإِن ظهر تَقْصِير ذهب بِهِ إِلَى النَّار وَإِلَّا قيل لَهُ قف هَات الْآن شكر كل نعْمَة وكل شربة وكل أَكلَة وكل لَذَّة فَلَا يزَال يسْأَل وَيسْأل) فَهَذِهِ حَال الْأَغْنِيَاء الصَّالِحين المصلحين القائمين بِحُقُوق الله تَعَالَى أَن يطول وقوفهم فِي العرصات فَكيف حَال المفرطين المنهمكين فِي الْحَرَام والشبهات والمكاثرين بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 المتنعمين بشهواتهم الَّذين قيل فيهم {أَلْهَاكُم التكاثر حَتَّى زرتم الْمَقَابِر} فَهَذِهِ المطالب الْفَاسِدَة هِيَ الَّتِي استولت على قُلُوب الْخلق فسخرها للشَّيْطَان وَجعلهَا ضحكة لَهُ فَعَلَيهِ وعَلى كل مُسْتَمر فِي عَدَاوَة نَفسه أَن يتَعَلَّم علاج هَذَا الْمَرَض الَّذِي حل بالقلوب فعلاج مرض الْقلب أهم من علاج مرض الْأَبدَان وَلَا ينجو إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم وَله دواءان أَحدهمَا مُلَازمَة ذكر الْمَوْت وَطول التَّأَمُّل فِيهِ مَعَ الِاعْتِبَار بخاتمة الْمُلُوك وأرباب الدُّنْيَا أَنهم كَيفَ جمعُوا كثيرا وبنوا قصورا وفرحوا بالدنيا بطرا وغرورا فَصَارَت قصورهم قبورا وَأصْبح جمعهم هباء منثورا {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} {أولم يهد لَهُم كم أهلكنا من قبلهم من الْقُرُون يَمْشُونَ فِي مساكنهم إِن فِي ذَلِك لآيَات أَفلا يسمعُونَ} فقصورهم وأملاكهم ومساكنهم صوامت ناطقة تشهد بِلِسَان حَالهَا على غرور عمالها فَانْظُر الْآن فِي جَمِيعهم {هَل تحس مِنْهُم من أحد أَو تسمع لَهُم ركزا} الدَّوَاء الثَّانِي تدبر كتاب الله تَعَالَى فَفِيهِ شِفَاء وَرَحْمَة للْعَالمين وَقد أوصى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بملازمة هذَيْن الواعظين فَقَالَ (تركت فِيكُم واعظين صامتا وناطقا والصامت الْمَوْت والناطق الْقُرْآن) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 وَقد أصبح أَكثر النَّاس أَمْوَاتًا عَن كتاب الله تَعَالَى وَإِن كَانُوا أَحيَاء فِي مَعَايشهمْ وبكما عَن كتاب الله تَعَالَى وَإِن كَانُوا يتلونه بألسنتهم وصما عَن سَمَاعه وَإِن كَانُوا يسمعونه بآذانهم وعميا عَن عجائبه وَإِن كَانُوا ينظرُونَ إِلَيْهِ فِي صحائفهم ومصاحفهم نائمين عَن أسراره وَإِن كَانُوا يشرحونه عَن تفاسيرهم فاحذر أَن تكون مِنْهُم وتدبر أَمرك وَأمر من لم يتدبر كَيفَ يقوم ويحشر وَانْظُر فِي أَمرك وَأمر من لم ينظر فِي أَمر نَفسه كَيفَ خَابَ عِنْد الْمَوْت وخسر واتعظ بِآيَة وَاحِدَة من كتاب الله فَفِيهِ مقنع وبلاغ لكل ذِي بَصِيرَة قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله وَمن يفعل ذَلِك فَأُولَئِك هم الخاسرون} إِلَى آخرهَا وَإِيَّاك ثمَّ إياك أَن تشتغل بِجمع المَال فَإِن فرحك بِهِ ينسيك أَمر الْآخِرَة وَينْزع حلاوة الْإِيمَان من قَلْبك قَالَ عِيسَى صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه لَا تنظروا إِلَى أَمْوَال أهل الدُّنْيَا فَإِن بريق أَمْوَالهم يذهب بحلاوة إيمَانكُمْ وَهَذِه ثَمَرَة مُجَرّد النّظر فَكيف عَاقِبَة الْجمع والطغيان وَالنَّظَر وَأما القَاضِي الْجَلِيل الإِمَام مَرْوَان أَكثر الله فِي أهل الْعلم أَمْثَاله فَهُوَ قُرَّة الْعين وَقد جمع بَين الفضلين الْعلم وَالتَّقوى وَلَكِن الإستتمام بالدوام وَلَا يتم الدَّوَام إِلَّا بمساعدة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 من جِهَته ومعاونة لَهُ عَلَيْهِ فِيمَا يزِيد فِي رغبته وَمن أنعم الله عَلَيْهِ بِمثل هَذَا الْوَلَد النجيب فَيَنْبَغِي أَن يَتَّخِذهُ ذخْرا للآخرة ووسيلة عِنْد الله تَعَالَى وَأَن يسْعَى فِي فرَاغ قلبه لعبادة الله تَعَالَى وَلَا يقطع عَلَيْهِ الطَّرِيق إِلَى الله تَعَالَى وَأول الطَّرِيق إِلَى الله طلب الْحَلَال والقناعة بِقدر الْقُوت من المَال وسلوك سَبِيل التَّوَاضُع والخمول والنزوع عَن رعونات أهل الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ مصائد الشَّيْطَان هَذَا مَعَ الْهَرَب عَن مخالطه الْأُمَرَاء والسلاطين فَفِي الْخَبَر إِن الْفُقَهَاء أُمَنَاء الله مَا لم يدخلُوا فِي الدُّنْيَا فَإِذا دخلوها فاتهموهم على دينكُمْ وَهَذِه أُمُور قد هداه الله إِلَيْهَا ويسرها عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن يمده ببركة الرِّضَا ويمده بِالدُّعَاءِ فدعاء الْوَالِد أعظم ذخْرا وعدة فِي الْآخِرَة وَالْأولَى وَيَنْبَغِي أَن أَن تَقْتَضِي بِهِ فِيمَا يؤثره من النُّزُوع عَن الدُّنْيَا فَالْوَلَد وَإِن كَانَ فرعا فَرُبمَا صَار بمزيد الْعلم أصلا وَلذَلِك قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام {يَا أَبَت إِنِّي قد جَاءَنِي من الْعلم مَا لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا} وليجتهد أَن يجْبر تَقْصِيره فِي الْقِيَامَة بتوقيره وَلَده الَّذِي هُوَ فلذة كبده فأعظم حسرة أهل النَّار فقدهم فِي الْقِيَامَة حميما يشفع لَهُم قَالَ الله تَعَالَى {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَا هُنَا حميم} الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 أسَال الله أَن يصغر فِي عينه الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ صَغِيرَة عِنْد الله وَأَن يعظم فِي عينه الَّذِي هُوَ عَظِيم عِنْد الله وَأَن يوفقنا وإياه لمرضاته ويحله الفردوس الْأَعْلَى من جناته بمنه وفضله وَكَرمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن الْفَتَاوَى عَن حجَّة الْإِسْلَام غير مَا تضمنته فَتَاوِيهِ الْمَجْمُوعَة الْمَشْهُورَة كتب لَهُ بعض الزائغين مَا قَوْله متع الله الْمُسلمين بِبَقَائِهِ ونفع الطالبين بمشاهدته ولقائه ومنحه الله أفضل مَا منح بِهِ خاصته من أصفيائه وأوليائه فِي قلب خصّه الْحق سُبْحَانَهُ بأنواع من الطّرف والهدايا ومنح أصنافا من الْأَنْوَار والعطايا يسْتَمر لَهُ ذَلِك فِي جَمِيع الْأَوْقَات وَالْأَحْوَال متزايدة مَعَ عدم الْعَوَائِق والآفات مَعَ كَون ظَاهِرَة معمورا بِأَحْكَام الشَّرْع وآدابه منزها عَن مآثمه ومخالفاته ويجد فِي الْبَاطِن مكاشفات وأنوارا عَجِيبَة ثمَّ إِنَّه انْكَشَفَ لَهُ نوع تَعْرِيف أَن الْمَقْصُود من التكاليف الشَّرْعِيَّة والرياضيات التأديبية هُوَ الْفِطَام عَمَّا سوى الْحق كَمَا قيل لمُوسَى أخل قَلْبك فَإِنِّي أُرِيد أَن أنزل فِيهِ فَإِذا تمّ الْفِطَام وَحصل الْمَقْصُود بالوصول إِلَى الْقرْبَة ودوام الترقى من غير فَتْرَة حَتَّى إِنَّه لَو اشْتغل بوظائف الشَّرْع وظواهره انْقَطع عَن حفظ الْبَاطِن وتشوش عَلَيْهِ بالالتفات عَن أَنْوَاع الواردات الْبَاطِنَة إِلَى مُرَاعَاة أَمر الظَّاهِر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 وَهَذَا الرجل لَا ينْزع يَده من التَّكْلِيف الظَّاهِر وَلَا يقصر فِي أَحْكَام الشَّرِيعَة لَكِن الِاعْتِقَاد الَّذِي كَانَ لَهُ فِي الظَّوَاهِر والتكاليف تناقص وتقاصر عَمَّا كَانَ فِي الِابْتِدَاء من التَّعْظِيم لموقعها عِنْده وَلكنه يُبَاشِرهَا ويواظب عَلَيْهَا عَادَة لَا لأجل الْخلق نظرهم وَحفظ ومراقبة إنكارهم بل صَارَت إلفا لَهُ وَإِن نقص اعْتِقَاده فِيهَا وتعظيمها مَا حكمهَا ثمَّ إِن عرضت لهَذَا شُبْهَة أَن الْمَقْصُود من الدَّاعِي والدعوة حُصُول الْمعرفَة والقربة وَإِذا حصل هَذَا اسْتغنى عَن الدَّاعِي والواسطة كَيفَ معالجته فَإِن قُلْنَا الْمعرفَة لَا تتناهى أبدا بل تقبل الزِّيَادَة أبدا فَلَا يسْتَغْنى عَن الدَّاعِي أبدا لَا محَالة فَرُبمَا قَالَ الدَّاعِي قد تبين مَا احْتِيجَ إِلَى بَيَانه وَشرح معالم الطّرق وَذهب فَلَو احْتَاجَ السالك إِلَى مُرَاجعَته فِي زَوَائِد واردت لم تمكن الْمُرَاجَعَة فِي هَذِه الْحَالة فَيَقُول مَا هُوَ طَبِيب علتي فِي هَذِه الْحَالة لِأَنَّهُ غَابَ عَن إِمْكَان الْمُرَاجَعَة فَمَا علاجه ينعم بِالْجَوَابِ مُسْتَوفى حسب مَا عود من شافي بَيَانه الْجَواب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق يَنْبَغِي أَن يتَحَقَّق المريد هُنَا أَن من ظن أَن الْمَقْصُود من التكاليف والتعبد بالفرائض الْفِطَام عَمَّا سوى الله تَعَالَى والتجرد لَهُ فَهُوَ مُصِيب فِي ظَنّه أَن ذَلِك مَقْصُود ومخطىء فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 ظَنّه أَنه كل الْمَقْصُود وَلَا مَقْصُود سواهُ بل لله تَعَالَى فِي الْفَرَائِض الَّتِي استعبد بهَا الْخلق أسرار سوى الْفِطَام تقصر بضَاعَة الْعقل عَن دركها وَمثل هَذَا الرجل المنخدع بِهَذَا الظَّن مثل رجل بنى لَهُ أَبوهُ قصرا على رَأس جبل وَوضع فِيهِ شدَّة من حشيش طيب الرَّائِحَة وأكد الْوَصِيَّة على وَلَده مرّة بعد أُخْرَى أَن لَا يخلي هَذَا الْقصر عَن هَذَا الْحَشِيش طول عمره وَقَالَ إياك أَن تسكن هَذَا الْقصر سَاعَة من ليل أَو نَهَار إِلَّا وَهَذَا الْحَشِيش فِيهِ فزرع الْوَلَد حول الْقصر أنواعا من الرياحين وجلب من الْبر وَالْبَحْر أوقارا من الْعود والعنبر والمسك وَجمع فِي قصره جَمِيع ذَلِك مَعَ شدات كَثِيرَة من الرياحين الطّيبَة الرَّائِحَة فانغمرت رَائِحَة الْحَشِيش لما فاحت هَذِه الروائح فَقَالَ لَا أَشك أَن وَالِدي مَا أَوْصَانِي بِحِفْظ هَذَا الْحَشِيش إِلَّا لطيب رَائِحَته والآن قد اسْتَغْنَيْت بِهَذِهِ الرياحين عَن رَائِحَته فَلَا فَائِدَة فِيهِ الْآن إِلَّا أَن يضيق على الْمَكَان فَرمي من الْقصر فَلَمَّا خلا الْقصر عَن الْحَشِيش ظهر من بعض ثقب الْقصر حَيَّة هائلة وضربته ضَرْبَة أشرف بهَا على الْهَلَاك فتفطن وتنبه حَيْثُ لم يَنْفَعهُ التنبه أَن الْحَشِيش كَانَ من خاصيته دفع هَذِه الْحَيَّة الْمهْلكَة وَكَانَ لِأَبِيهِ فِي الْوَصِيَّة بالحشيش غرضان أَحدهمَا انْتِفَاع الْوَلَد برائحته وَذَلِكَ قد أدْركهُ الْوَلَد بعقله وَالثَّانِي اندفاع الْحَيَّات الْمهْلكَة برائحته وَذَلِكَ مِمَّا قصر عَن دركه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 بَصِيرَة الْوَلَد فاغتر الْوَلَد بِمَا عِنْده من الْعلم وَظن أَنه لَا سر وَرَاء معلومه ومعقوله كَمَا قَالَ تَعَالَى {ذَلِك مبلغهم من الْعلم} وَقَالَ {فَلَمَّا جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فرحوا بِمَا عِنْدهم من الْعلم} والمغرور من اغْترَّ بعقله فَظن أَن مَا هُوَ مُنْتَفٍ عَن علمه فَهُوَ مُنْتَفٍ فِي نَفسه وَلَقَد عرف أهل الْكَمَال أَن قالب الْآدَمِيّ كَذَلِك الْقصر وَأَنه معشش حيات وعقارب مهلكات وَإِنَّمَا رقيتها وقيدها بطرِيق الخاصية المكتوبات الْمَشْرُوعَة بقوله سُبْحَانَهُ {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} وَقَوله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الصّيام} فَكَمَا أَن الْكَلِمَات الملفوظة والمكتوبة فِي الرّقية تُؤثر بالخاصية فِي اسْتِخْرَاج الْحَيَّات بل فِي استسخار الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَبَعض الْأَدْعِيَة الْمَنْظُومَة المأثورة تُؤثر فِي استمالة الْمَلَائِكَة إِلَى السَّعْي فِي إِجَابَة الدَّاعِي وَيقصر الْعقل عَن إِدْرَاك كيفيته وخاصيته وَإِنَّمَا يدْرك ذَلِك بِقُوَّة النُّبُوَّة إِذا كوشف النَّبِي بهَا من اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَكَذَلِك صُورَة الصَّلَاة الْمُشْتَملَة على رُكُوع وَاحِد وسجودين وَعدد مَخْصُوص وألفاظ معينه من الْقُرْآن متلوه مُخْتَلفَة الْمَقَادِير عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَعند الزَّوَال والغروب تُؤثر بالخاصية فِي تسكين التنين المستكن فِي قالب الْآدَمِيّ الَّذِي يتشعب مِنْهُ حيات كَثِيرَة الرُّءُوس بعد أَخْلَاق الْآدَمِيّ يلدغه وينهشه فِي الْقَبْر مُتَمَكنًا من جَوْهَر الرّوح وذاته أَشد إيلاما من لدغ مُتَمَكن من القالب أَولا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 ثمَّ يسري أَثَره إِلَى الرّوح وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يُسَلط على الْكَافِر فِي قَبره تنين لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ رَأْسا صفته كَذَا وَكَذَا) الحَدِيث وَيكثر مثل هَذَا التنين فِي خلقَة الْآدَمِيّ وَلَا يقمعه إِلَّا الْفَرَائِض الْمَكْتُوبَة فَهِيَ المنجيات عَن المهلكات وَهِي أَنْوَاع كَثِيرَة بِعَدَد الْأَخْلَاق المذمومة {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ} فَإِذن فِي التَّكْلِيف غرضان أدْرك هَذَا الْمَغْرُور أَحدهمَا وغفل عَن الآخر وَقد وَقع لأبي حنيفَة مثل هَذَا الظَّن فِي الفقهيات فَقَالَ أوجب الله فِي أَرْبَعِينَ شَاة شَاة وَقصد بِهِ إِزَالَة الْفقر وَالشَّاة آلَة فِي الْإِزَالَة فَإِذا حصل بِمَال آخر فقد حصل تَمام الْمَقْصُود فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ صدقت فِي قَوْلك إِن هَذَا مَقْصُود وَركبت متن الْخطر فِي حكمك بِأَنَّهُ لَا مَقْصُود سواهُ فَبِمَ تأمن أَن يُقَال لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كَانَ لنا سر فِي إشراك الْغَنِيّ الْفَقِير مَعَ نَفسه فِي جنس مَاله كَمَا كَانَ فِي رمي سَبْعَة أَحْجَار فِي الْحَج لَو رمى بدله خَمْسَة لآل أَو خمس سَكَرَات لم يقبله وَإِذا جَازَ أَن يتمحض التَّقْيِيد فِي الْحَج وَأَن يتمحض الْمَعْنى الْمَعْقُول فِي معاملات الْخلق فَلم يَسْتَحِيل أَن يجمع الْمَعْقُول وَالتَّقْيِيد جَمِيعًا فِي الزَّكَاة فَتكون إِزَالَة الْفقر معقولة والسر الآخر غير مَعْقُول وَزَاد أَبُو حنيفَة على هَذَا فَقَالَ الْمَقْصُود من كلمة التَّكْبِير الثَّنَاء على الله تَعَالَى بالكبرياء فَلَا فرق بَينه وَبَين تَرْجَمته بِكُل لِسَان وَبَين قَوْله الله أعظم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 فَقَالَ الشَّافِعِي وَبِمَ علمت أَنه لَا فرق فِي صِفَات الله بَين العظمة والكبرياء مَعَ أَنه تَعَالَى يَقُول العظمة إزَارِي والكبرياء رِدَائي والرداء أشرف من الْإِزَار وهلا استنبطت مَقْصُود الخضوع من الرُّكُوع وأقمت مقَامه السُّجُود لِأَنَّهُ أبلغ مِنْهُ فِي الاستكانة فَإِن قلت لَعَلَّ لله تَعَالَى سرا فِي الرُّكُوع خَاصَّة سوى مَا فهمناه فَلم يَسْتَحِيل أَن يكون لَهُ سر فِي كلمة السَّلَام فَلَا يقوم مقَامه الحَدِيث وكل خطاب للآدمي وَأَن يكون لَهُ سر فِي الْقُرْآن المعجز فَلَا يقوم مقَامه غَيره وَقد أَقَامَ التَّرْجَمَة مقَامه وَأَن يكون لَهُ سر فِي الْفَاتِحَة وَقد أَقَامَ مقَامهَا سَائِر الْقُرْآن فَإِن كَانَ يَقُول الْمَقْصُود مَعَاني الْقُرْآن وتأثر الْقلب لَا حُرُوفه وأصواته فَإِنَّهَا آلَات فَهَلا قَالَ وَالْمَقْصُود من حَرَكَة اللِّسَان تأثر الْقلب فلتكف الْقِرَاءَة بِالْقَلْبِ دون اللِّسَان وَالْمَقْصُود من الصَّلَاة التَّوَاضُع والتعظيم وملازمة ذكر الله فليكف الْجُلُوس مَعَ الله تَعَالَى على هَيْئَة الإجلال وَالذكر وليترك صُورَة الصَّلَاة وَجَمِيع مَا ذكره أَبُو حنيفَة بُطْلَانه مظنون غير مَقْطُوع أما إِقَامَة الْقِرَاءَة بِالْقَلْبِ مَعَ ترك حَرَكَة اللِّسَان وملازمة الذّكر مَعَ ترك الرُّكُوع وَالسُّجُود وَصُورَة الصَّلَاة مَقْطُوع ببطلانها بِالْإِجْمَاع وَهَذَا الْمَغْرُور انجر بِهِ ذَلِك الخيال الضَّعِيف إِلَى خرق الْإِجْمَاع وَمُخَالفَة الشَّرْع الْقَاطِع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 فَإِذا المبتدىء فِي الْمعرفَة يجرد الْمعَانِي عَن الصُّور ويطرح الصُّور فيطفىء نور مَعْرفَته نور ورعه فيثور عَلَيْهِ التنين فِي قَبره فيتعجب مِنْهُ ويبدو لَهُ من الله مَا لم يكم يحْتَسب فَإِذا أَصَابَته ضَرْبَة التنين قَالَ مَا هَذَا فَيُقَال إِنَّمَا كَانَ ترياق هَذَا التِّين صور الْفَرَائِض الْمَكْتُوبَة وإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِمَا يرْوى إِن الْمَيِّت يوضع فِي قَبره فَتَأْتِيه مَلَائِكَة الْعَذَاب من جِهَة رَأسه فيدفعه الْقُرْآن فَتَأْتِيه من قبل رجلَيْهِ فيدفعه الْحَج الحَدِيث فَإِن أصر هَذَا الْمَغْرُور على جهالته وَقَالَ من بلغ رُتْبَة الْكَمَال كَمَا بلغت أَمن هَذَا التنين وطهر بَاطِنه عَنهُ فَيُقَال لَهُ أَنْت مغرور فِي أمنك {فَلَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون} فَبِمَ تأمن أَن يكون التنين مستكنا فِي صميم الْفُؤَاد استكنان الْجَمْر تَحت الرماد واستكنان النَّار فِي الزِّنَاد وَإِن مَاتَ فَيَعُود حَيا فَإِن منبته ومنبعه هَذَا القالب الَّذِي هُوَ ظَنّه الشَّهَوَات وَالصِّفَات البشرية وَقلع الْحَشِيش من الأَرْض لَا يُؤمن عوده مرّة أُخْرَى بِأَن يَتَجَدَّد نَبَاته مهما كَانَت الأَرْض معرضة لانصباب المَاء إِلَيْهَا من منابعها فَكَذَلِك القالب مَا دَامَ مصبا لواردات المحسوسات والشهوات لم يُؤمن فِيهَا عود النَّبَات بعد الِانْقِطَاع والانبتات وننبهه على هَذِه الْمعرفَة والتأمل فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول بداية حَال إِبْلِيس وَأَنه كَيفَ وصف بِأَنَّهُ كَانَ معلم الْمَلَائِكَة ثمَّ سقط الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 عَن دَرَجَة الْكَمَال بمخالفة أَمر وَاحِد اغترار بِمَا عِنْده من الْعلم والغفلة عَن أسرار الله تَعَالَى فِي الاستبعاد وَلم يسْقط عَن دَرَجَته إِلَّا بكياسته وتمسكه بمعقوله فِي كَونه خيرا من آدم عَلَيْهِ السَّلَام فنبه الْخلق بِهَذَا الرَّمْز على أَن البلاهة أدنى إِلَى الْخَلَاص من فطانة بتراء وكياسة نَاقِصَة الثَّانِي حَال آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنه لم يخرج من الْجنَّة إِلَّا بركوبه نهيا وَاحِدًا ليعلم أَن ركُوب النَّهْي فِي إبِْطَال إِكْمَال كمخالفة الْأَمر الثَّالِث حَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن هَذَا الْمَغْرُور لَعَلَّه لم تسلم لَهُ رُتْبَة الْكَمَال ثمَّ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يلازم الْحُدُود ويواظب على المكتوبات إِلَى آخر أنفاسه بل زيد فِي فَرَائِضه وَأوجب عَلَيْهِ التَّهَجُّد وَلم يُوجب على غَيره وَقيل لَهُ {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا نصفه أَو انقص مِنْهُ قَلِيلا} وَإِنَّمَا أوجبت عَلَيْهِ هَذِه الزِّيَادَة لِأَن الخزانة كلما ازْدَادَ جوهرها نفاسة وشرفا فَيَنْبَغِي أَن يُزَاد حصنها إحكاما وعلوا فَلذَلِك قيل لَهُ فِي تَعْلِيل إِيجَاب التَّهَجُّد {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا إِن ناشئة اللَّيْل هِيَ أَشد وطأ وأقوم قيلا} فَتبين لَهُ أَن هَذِه الصَّلَوَات هِيَ حصن الْكَمَال فَلَا يبقي إِلَّا بِهِ وَلَعَلَّ هَذَا الْمَغْرُور الْمَعْتُوه يَقُول إِنَّه إِنَّمَا كَانَ يواظب عَلَيْهِ أشفاقا على الْخلق لأجل الِاقْتِدَاء لَا لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ فِي حفظ الْكَمَال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 فَيُقَال لَهُ فَلم زَاد عَلَيْهِ فِي التَّهَجُّد وجوبا هلا قَالَ إِن من بلغ دَرَجَة النُّبُوَّة يسْتَغْنى عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ غَيره وَلَو قَالَ لقبل مِنْهُ كَمَا قبل مِنْهُ أَنه أحل لَهُ تِسْعَة من النِّسَاء بل مَا شَاءَ فَإِنَّهُ بِقُوَّة النُّبُوَّة يقوى على الْعدْل مَعَ كَثْرَة النِّسَاء كَمَا قبل من الْمدرس أَن يَأْمر تلامذته بالتكرار السهر لَيْلًا وَهُوَ ينَام وَيَقُول إِنِّي قد بلغت دَرَجَة اسْتَغْنَيْت عَن ذَلِك وَلَيْسَ يتْرك أحد تكراره بِهَذِهِ الشُّبْهَة وَلَعَلَّ هَذَا الْمَغْرُور إِذا صَار ضحكة للشَّيْطَان سخر مِنْهُ وَقَالَ لَهُ أَنْت أكمل من النَّبِي وَالصديق وكل من واظب على الْفَرَائِض وَعند هَذَا نقطع الطمع من صَلَاحه فَهُوَ مِمَّن قَالَ فيهم {وَإِن تَدعهُمْ إِلَى الْهدى فَلَنْ يهتدوا إِذا أبدا} مَسْأَلَة أما مَا ذكره من أَنه لَو اشْتغل بالتكاليف لشغله ذَلِك عَن الْقرْبَة الَّتِي نالها والكمال الَّذِي بلغه فَهُوَ كذب صَرِيح ومحال فَاحش قَبِيح لِأَن التكاليف قِسْمَانِ أَمر وَنهي فَأَما المنهيات مثل الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْقَتْل وَالضَّرْب والغيبة وَالْكذب وَالْقَذْف فَترك ذَلِك كَيفَ يشغل عَن الْكَمَال وَكَيف يحجب عَن الْقرْبَة وَأي كَمَال يكون مَوْقُوفا على ركُوب هَذِه القاذورات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 وَأما المأمورات فكالزكاة وَالصَّوْم وَالصَّلَاة فَكيف تحجبه الزَّكَاة وَلَو أنْفق جَمِيع مَاله فقد دفع الشواغل عَن نَفسه وَلَو صَامَ جَمِيع دهره فَهَل يفوتهُ بذلك إِلَّا سلطنة الشَّهْوَة فَمَا الَّذِي يفوت من الْكَمَال بترك الْأكل صخوة النَّهَار فِي شهر وَاحِد هُوَ رَمَضَان وَأما الصَّلَاة فتنقسم إِلَى أَفعَال وأذكار وأفعاله قيام وركوع وَسُجُود وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يخرج من الْقرْبَة بالأفعال الْمُعْتَادَة فَإِنَّهُ إِن لم يصل فسيكون إِمَّا قَائِما أَو قَاعِدا أَو مُضْطَجعا وَغير الْمُعْتَاد هُوَ السُّجُود وَالرُّكُوع وَكَيف يحجب عَن الْقرْبَة مَا هُوَ سَبَب الْقرْبَة قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {واسجد واقترب} وَمن عشق ملكا ذَا جمال فَإِذا وضع خَدّه على التُّرَاب بَين يَدَيْهِ استكانة لَهُ وجد فِي قلبه مزِيد روح وراحة وَقرب وَلذَلِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة) فاستدامه حَال الْقرْبَة واستزادتها فِي السُّجُود وأيسر مِنْهُ فِي الِاضْطِجَاع وَالْقعُود وَمهما ألقِي فِي قلبه أَن السُّجُود سَبَب حرمانه عَن الْقرب كَانَ ذَلِك أنموذجا من حَال إِبْلِيس حَيْثُ ألقِي فِي نَفسه أَن السُّجُود بِحكم الْأَمر سَبَب زَوَال قربته وكماله فَكل ولي سقط من دَرَجَة الْقرْبَة إِلَى دَرَجَة اللَّعْنَة فسببه ترك السُّجُود ومقتداه وإمامه إِبْلِيس وكل ولي أسعد بالترقي إِلَى دَرَجَات الْقرب قيل لَهُ اسجد واقترب ومقتداه وإمامه الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 مح حفظ طَرِيقه وألحانه بل يجد من نَفسه فِي ذَلِك هزة ونشاطا فَكيف لَا تكون قُرَّة عين العَبْد فِي مُنَاجَاة محبوبة وخدمته الَّتِي رسمها وارتضاها لَهُ مَسْأَلَة بل معنى ارْتِفَاع التَّكْلِيف من الْوَلِيّ أَن العباده تصير قُرَّة عينه وغذاء روحه بِحَيْثُ لَا يصبر عَنهُ فَلَا يكون عَلَيْهِ كلفة فِيهِ وَهُوَ كَالصَّبِيِّ يُكَلف حُضُور الْمكتب وَيحمل على ذَلِك قهرا فَإِذا أنس بِالْعلمِ صَار ذَلِك ألذ الْأَشْيَاء عِنْده وَلم يصبر عَنهُ فَلم يكن فِيهِ كلفة وتكليف الجائع تنَاول الطَّعَام اللذيد محَال لِأَنَّهُ يَأْكُلهُ بشهوته ويلتذ بِهِ فَأَي معنى لتكليفه فَإِذا تَكْلِيف الْوَلِيّ محَال والتكليف مُرْتَفع عَن الْوَلِيّ بِهَذَا الْمَعْنى لَا بِمَعْنى أَنه لَا يَصُوم وَلَا يُصَلِّي وَيشْرب ويزني وكما يَسْتَحِيل تَكْلِيف العاشق النّظر إِلَى معشوقه وتقبيل قَدَمَيْهِ والتواضع لَهُ لِأَن ذَلِك مُنْتَهى لذته وشهوته فَكَذَلِك غذَاء روح الْوَلِيّ فِي مُلَازمَة ذكره وامتثال أمره والتواضع لَهُ بِقَلْبِه لَا يُمكنهُ إشراك القالب مَعَ الْقلب فِي الخضوع إِلَّا بِصُورَة السُّجُود فَيكون ذَلِك كمالا للذة الخضوع والتعظيم حَتَّى يشْتَرك فِي الالتذاذ قلبه وقالبه كَمَا قيل (أَلا فاسقني ضمرا وَقل لي هِيَ الْخمر ... أَي ليدرك سَمْعِي لَذَّة اسْمه كَمَا أدْرك ذوقي طعمه) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 بل تَنْتَهِي لَذَّة الْوَلِيّ من الْقيام لله قَانِتًا مناجيا إِلَى أَن لَا يدْرك ألم الورم فِي الْقدَم فَيُقَال لَهُ ألم يغْفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر فَيَقُول أَفلا أكون عبدا شكُورًا مَسْأَلَة أما قَوْلك إِنَّه إِذا تكلّف الْمُوَاظبَة على الْعِبَادَات الْمَشْرُوعَة وَقد تغير اعْتِقَاده فِيهَا وَسقط وقعها من قلبه فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك فَاعْلَم أَنه لَو لم يعْتَقد أَنه لَا فرق بَين وجودهَا وَعدمهَا فِي حفظ دَرَجَة الْكَمَال والقرب أَو دفع مهلكات الْبَاطِن وَجوز أَن يكون لله تَعَالَى سر فِيهَا لَيْسَ يطلع عَلَيْهِ هُوَ فعبادته صَحِيحَة وَإِن اعْتقد أَنه لَا فرق بَين وجوده وَعَدَمه وَأَنه لَا يتَصَوَّر أَن يكون تَحت خاصيته سر هُوَ لَا يطلع عَلَيْهِ فعبادته بَاطِلَة بل إيمَانه بالإلهية والنبوة مختل بَاطِل فَإِنَّهُ إِذا لم يجوز فِي كَمَال قدرَة الله تَعَالَى بِعَيْنِه سرا من الْأَسْرَار وخاصيته من الْخَواص فِي الْأَعْمَال والأذكار فَلَيْسَ مُؤمنا بِكَمَال الْقُدْرَة وَيرى الْقُدْرَة قَاصِرَة على قدر عقله وَهُوَ كفر صَرِيح وَإِن جوز ذَلِك وَلَكِن اعْتقد أَنه لم يُكَلف بِهِ فَهُوَ كَافِر بِالنُّبُوَّةِ جَاهِل بِمَا علم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 بِالضَّرُورَةِ من الشَّرِيعَة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغ قَوْله تَعَالَى {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} وَفهم الصَّحَابَة وَأهل الْإِجْمَاع وجوب الصَّلَاة على الْعُمُوم من غير اسْتثِْنَاء فَإِن شكّ فِي إِيجَاب الرَّسُول فَلْيتَأَمَّل الْقُرْآن وَالْأَخْبَار وَإِن شكّ أَن فِي قدرَة الله تَعَالَى على نَفسه سرا فِي الْأَعْمَال والأذكار تكون الْفَرِيضَة لأَجله كالحصن لدرجة الْكَمَال وكالحراسة عَن المهلكات الْبَاطِنَة فَليرْجع إِلَى نَفسه وليطالبها أَنَّهَا عرفت اسْتِحَالَة ذَلِك بضرورة الْعقل أَو نظره وَأَنه كَيفَ يعْتَقد ذَلِك وَيرى فِي عجائب صنع الله تَعَالَى مَا هُوَ أبدع مِنْهُ حَتَّى إِن هَذَا الشكل الْمُشْتَمل كل ضلع مِنْهُ على خَمْسَة عشر عددا من حِسَاب الْجمل إِذا أثبت رقومه على خزف لم يصبهُ المَاء بِشَرْط مَخْصُوص وَأعْطِي الْمَرْأَة الَّتِي تعسر عَلَيْهَا الْولادَة عِنْد الطلق سهلت عَلَيْهَا الْولادَة وَعرف ذَلِك بالتجربة وَأَنه يُؤثر بخاصية تقصر عقول الْأَوَّلين والآخرين عَن إِدْرَاك وَجه مناسبته وَيكثر مثل هَذَا فِي عجائب الْخَواص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 فَمن أَيْن يَسْتَحِيل أَن يكون لنظم الْكَلِمَات الإلهية فِي الْفَاتِحَة مَعَ الْجمع بَين أَعمال جَمِيع الْمَلَائِكَة من الْقيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْقعُود فَإِن كل وَاحِد عمل صنف وَاحِد من الْمَلَائِكَة خاصية فِي النجَاة الأخروية أَو فِي حفظ دَرَجَة الْكَمَال والقرب أَو دفع المهلكات الْبَاطِنَة الَّتِي تلدغ فِي الْقلب لدغا أَشد من لدغ الْحَيَّات والعقارب أَو مُؤثر فِي سَعَادَة الْآدَمِيّ بِوَجْه آخر من الْوُجُوه يقصر الْعقل عَن إِدْرَاكه فَمن لم يُؤمن بِإِمْكَان هَذَا فَهُوَ عديم الْإِيمَان وَالْعقل جَمِيعًا مَسْأَلَة أما قَوْله الْمَقْصُود الْمعرفَة والاستواء على طَرِيق السّير إِلَى الله تَعَالَى فقد اسْتَوَى هَذَا السالك على الطَّرِيق وَعرف الله تَعَالَى وَكَانَ التَّكْلِيف وَسِيلَة الْوُصُول لَهُ إِلَى هَذَا الْمَقْصُود وَقد وصل وَاسْتغْنى عَن الْوَسِيلَة والمرشد وَإِن احْتَاجَ فقد توفّي المرشد وَتعذر مُرَاجعَته فَهَذَا أَيْضا يفهم جَوَابه مِمَّا سبق لِأَن جَمِيع ذَلِك صادر عَن ظَنّه أَن مَا لَيْسَ حَاصِلا فِي علمه فَلَيْسَ حَاصِلا فِي نَفسه وَهُوَ كعجوز ظنت أَن مَا تخلوا عَنهُ حُجْرَتهَا تَخْلُو عَنهُ خزانَة الْملك ومملكته وكنملة ظنت أَنه لَيْسَ فِي الْعَالم إِلَّا سقف بَيتهَا وَلَا أَرض إِلَّا عَرصَة بَيتهَا وَهَذَا جهل عَظِيم فَإِن جَمِيع مَا وصل إِلَيْهِ الْأَوْلِيَاء بِالْإِضَافَة إِلَى مقدورات الله تَعَالَى أقل من قَطْرَة فِي بَحر وَإِن سلم لَهُ وُصُول دَرَجَة الْكَمَال فَيجوز أَن تكون صُورَة الصَّلَوَات الْخمس بطرِيق الخاصية سَببا للترقي إِلَى دَرَجَات الْكَمَال الَّتِي لَا نِهَايَة لَهَا أَو يكون سَببا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 لبَقَاء الْكَمَال ودوامه أَو يكون سَببا لرسوخه حَتَّى لَا يتزلزل فِي سَكَرَات الْمَوْت فَإِن لم يواظب عَلَيْهَا فعساه يودعه الْكَمَال عِنْد الْمَوْت وَيُقَال لَهُ إِنَّه إِنَّمَا كَانَ يثبت هَذَا إِذا عصفت ريَاح الْمَوْت بالمسامير الْخمس الَّتِي هِيَ المكتوبات وَكَانَ يستحكم بهَا فَلَمَّا خلا عَن المسامير تزعزع وَانْقطع فقد خبت وخسرت إِذا فرحت بِمَا عنْدك من الْعلم وسيقال لكم يَوْم الْقِيَامَة معاشر أهل الْإِبَاحَة {مَا سلككم فِي سقر} فسيقولون {لم نك من الْمُصَلِّين} فعلاج هَذَا الْمَغْرُور الضَّعِيف الْعقل الْمَرِيض الْقلب أَن يتَأَمَّل هَذِه الْأُمُور وَيجوز الْخَطَأ على نَفسه وَالسَّلَام وَمن غرائب الْمسَائِل عَن حجَّة الْإِسْلَام إِذا قَالَ من رد عَبدِي فَلهُ دِرْهَم قبله بَطل كَمَا إِذا قَالَ إِذا جَاءَ رَأس الشَّهْر فلفلان على دِرْهَم لَا يَصح لِأَن التَّعْلِيق إِنَّمَا يكون للاستحقاق بِعَمَل مَقْصُود هُوَ عوض الدِّرْهَم والموجب لَا يتَقَدَّم على الْمُوجب والمتقدم على الْعَمَل زمَان وَالزَّمَان لَا يصلح لِأَن يعلق بِهِ اسْتِحْقَاق المَال قَالَه الْغَزالِيّ فِي كتاب علم الْغَوْر فِي دراية الدّور إِذا قَالَت الْمُطلقَة انْقَضتْ عدتي وَقَبلنَا قَوْلهَا ثمَّ أَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون الْعلُوق بِهِ فِي النِّكَاح لحق النّسَب إِلَّا إِذا تزوجت وَاحْتمل أَن يكون من الثَّانِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 فَلَو قَالَت نكحت زوجا آخر وَلم يظْهر لنا قَالَ الْغَزالِيّ فِي كتاب التحصين فَلَا نَص فِيهِ وَفِيه احْتِمَال وَنظر مذهبي انْتهى إِذا قَالَ الزَّوْج لامْرَأَته أحللت أختك لي وَنوى الطَّلَاق فَهَل يَقع وَيكون هَذَا اللَّفْظ كِنَايَة عَن طَلاقهَا لِأَن حل أُخْتهَا يتَضَمَّن تَحْرِيمهَا الْمُؤَذّن بِطَلَاقِهَا قَالَ الْغَزالِيّ فِي التحصين فِي مَسْأَلَة أَنا مِنْك طَالِق هَذِه الْمَسْأَلَة غير منصوصة وَإِنَّمَا وَلَدهَا الخاطر ثمَّ ذكر مَا حَاصله التَّرَدُّد فِي أَنَّهَا هَل تلْحق بقوله اعْتدى لِأَن الْعدة حل شَرْعِي وَكَذَلِكَ حل الْأُخْت أَو يفرق بَينهمَا بِأَن دلَالَة الْعدة على الطَّلَاق أظهر من حل الْأُخْت لغلبته وحضوره فِي الذِّهْن يلْزم الْمُسَافِر أَن يَشْتَرِي المَاء للطَّهَارَة بِثمن الْمثل وَقيل ثمن الْمثل هُوَ مؤاجرة نَقله إِلَى مَوضِع الشِّرَاء أخذا من أَن المَاء لَا يملك بعد الْحَوْز فِي الْإِنَاء وَهُوَ بعيد جدا لَا يعرف إِلَّا فِي النِّهَايَة وَالْغَزالِيّ ذهب إِلَيْهِ فِي كتبه وَادّعى أَنه جَار وإِن قُلْنَا المَاء مَمْلُوك فأبعد وَزَاد فِي الْبعد قَالَ الرَّافِعِيّ وَلم أر من رَجحه غَيره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 صَلَاة فِي جمَاعَة بِلَا خشوع وَفِي انْفِرَاد بخشوع سُئِلَ الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى عَمَّن يتَحَقَّق من نَفسه أَنه يخشع فِي صلَاته إِذا كَانَ مُنْفَردا وَإِن صلى فِي جمَاعَة تشتتت همته وَلم يُمكنهُ الْخُشُوع مَا الأولى فَأجَاب رَحمَه الله بِأَن الِانْفِرَاد حِينَئِذٍ أولى وَأَصَح لحَدِيث يُصَلِّي العَبْد وَلَا يكْتب لَهُ من الصَّلَاة عشرهَا قَالَ وَفضل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْجَمَاعَة على الِانْفِرَاد بِسبع وَعشْرين دَرَجَة فَكَأَنَّهُ لَو خضع فِي صَلَاة الْجَمَاعَة فِي لَحْظَة كَمَا لَو خضع فِي الانفرد فِي سبع وَعشْرين لَحْظَة فَإِن كَانَت نِسْبَة خضوعه فِي الْجَمَاعَة إِلَى خضوعه مُنْفَردا أقل من نِسْبَة وَاحِدَة إِلَى سَبْعَة وَعشْرين فالانفراد أولى وَإِن كَانَ أَكثر من ذَلِك فالجماعة أولى انْتهى مُلَخصا وسلك الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام هَذَا المسلك فَأفْتى فِيمَن إِذا حضر الْجَمَاعَة مرائيا أَن الِانْفِرَاد لَهُ أولى وَهَذَانِ الإمامان إِذا عرض عَلَيْهِمَا حَدِيث ابْن مَسْعُود وَلَقَد رَأَيْتنَا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا يَعْنِي الْجَمَاعَة إِلَّا مُنَافِق مَعْلُوم النِّفَاق وَلَقَد كَانَ يُؤْتى بِالرجلِ يهادي بَين اثْنَيْنِ حِين يُقَام فِي الصَّفّ الحَدِيث أوشك أَن يَقُولَا إِنَّه لم يكن فِي السّلف من تذْهب الْجَمَاعَة حُضُوره وخشوعه وخضوعه بِخِلَاف الْمَسْئُول عَنهُ فَمَا الْمَسْأَلَة الْمَسْئُول عَنْهَا بواقعة فِي السّلف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 وَأَنا أَقُول مَعَ ذَلِك الَّذِي يظْهر أَن حُضُور الْجَمَاعَة أفضل مُطلقًا وبركتها تربي على ذهَاب الْخُشُوع الَّذِي حصل للسَّائِل وَالزَّمَان الَّذِي ذكره الْغَزالِيّ رَحمَه الله لاعْتِبَار الموازنة أبعد عَن الْحُضُور من زمَان الْجَمَاعَة فَأن يشْتَغل بِالْجَمَاعَة خير لَهُ من أَن يشْتَغل بِاعْتِبَار هَذِه الموازنة وَمُجَرَّد تردده فِي أَنه هَل يحصل لَهُ من الْخُشُوع فِي الْجَمَاعَة مَا يحصل فِي الِانْفِرَاد نوع من الْخُشُوع وَالْجَمَاعَة بِكُل سَبِيل أولى ثمَّ هَذَا الَّذِي قَالَه الْغَزالِيّ مَعَ كَونه غير مُسلم فِي حق وَاحِد من الْآحَاد يتَّفق لَهُ ذَلِك فِي بعض الْأَحَايِين أما جمع كثير يتفقون على ذَلِك أَو وَاحِد يتْرك الْجَمَاعَة دَائِما مُعْتَلًّا بِهَذِهِ الْعلَّة فَلَا يسمع مِنْهُم وَلَا مِنْهُ وَلَا تتْرك سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي افترضها قوم وَشَرطهَا آخَرُونَ لصِحَّة الصَّلَاة لمثل هَذِه الخيالات وَلَا يفتح لإبليس هَذَا الْبَاب بل الْبركَة كل الْبركَة فِي الِاتِّبَاع ومجاهدة النَّفس على الْخُشُوع فَإِن يَأْتِ فبها ونعمت وَإِلَّا فَترك الْخُشُوع لمتابعة السّنة خشوع خير من الْخُشُوع الْحَاصِل مَعَ الِانْفِرَاد فَتَأمل ذَلِك فَهُوَ حسن دَقِيق وَحَاصِله أَن السّنة وَإِن وَقعت نَاقِصَة وَهِي الْجَمَاعَة بِلَا خشوع خير من لَا سنة بِالْكُلِّيَّةِ وَإِن وَقع فِيهَا سنة أُخْرَى وَهِي الْخُشُوع وَقد أغري بعض محبي الْخلْوَة بترك الْجَمَاعَة لمثل ذَلِك وَذَلِكَ عندنَا أَمر مُنكر بل خُرُوجه إِلَى الْجَمَاعَة وَإِن كَانَ سنة سَاعَة خير لَهُ من ألف سَاعَة مَعَ ترك السّنة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم الْوَلِيّ الْخَلَاص عَن خداع إِبْلِيس مادام فِي هَذِه الْحَيَاة بل لَا ينجو عَنهُ الْأَنْبِيَاء حَتَّى أجري على لِسَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الغرانيق الْعلَا وَإِن شفاعتهن لترتجى) لَكِن النَّبِي لَا يُقرر على الْخَطَأ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته فَينْسَخ الله مَا يلقِي الشَّيْطَان ثمَّ يحكم الله آيَاته} الْآيَة وَأما أذكار الصَّلَاة فتكبير وفاتحة وَتشهد لَا فَرِيضَة إِلَّا هَذَا فَمَا وَجه الضَّرُورَة فِي قَوْله الله أكبر وَفِي الْحَمد لله والالتجاء إِلَيْهِ والاستعانة وَطلب الْهِدَايَة إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَهَذَا مَضْمُون الْفَاتِحَة وكل ذَلِك مُنَاجَاة مَعَ الله تَعَالَى وَإِن صَحَّ مَا يَقُوله مثلا فَكل يَوْم الآف نفس فليصرف هَذِه الأنفاس المعدودة إِلَى الذّكر وَالسُّجُود ولينقص هَذِه اللحظات من دَرَجَات كَمَاله ليأمن بِهَذِهِ المكتوبات عَن ضَرَر التنين الَّذِي لَا يعْتد بشر سواهُ ويتخلص من خطر الْخَطَأ فِي هَذَا الِاعْتِقَاد وَلَا شكّ فِي أَن الْخَطَأ مُمكن فِيهِ إِن لم يكن مَقْطُوعًا بِهِ وَإِن قَالَ إِن صرف الْقلب إِلَى حفظ تَرْتِيب الْأَفْعَال والأذكار هُوَ الَّذِي يشغلني عَن دَرَجَة الْقرب فَهُوَ دَعْوَى محَال لِأَن المقتدى لَا يحْتَاج إِلَى تكلّف الْحِفْظ بل المشتهر غَيره إِذا حفظ بَيْتا مرّة يُنَاسب حَاله لم يعسر التَّغَنِّي بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 وَإِن دقق مدقق وَقَالَ لَا نسلم ثُبُوت السّنة هُنَا فَهُوَ محجوج بالظواهر الدَّالَّة على طلب الْجَمَاعَة على الْإِطْلَاق من غير فرق بَين خاشع ومشتت السّنة بعد صَلَاة الْجُمُعَة قَالَ ابْن الصّلاح من تفردات الْغَزالِيّ أَنه ذكر فِي بداية الْهِدَايَة فِي سنة الْجُمُعَة بعْدهَا أَن لَهُ أَن يُصليهَا رَكْعَتَيْنِ وأربعا وستا قَالَ فأبعد فِي سِتّ وشذ قَالَ النَّوَوِيّ روى الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ فِي كتاب عَليّ وَابْن مَسْعُود عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من كَانَ مِنْكُم مُصَليا بعد الْجُمُعَة فَليصل بعْدهَا سِتّ رَكْعَات قلت وَهَذَا الْمَرْوِيّ عَن عَليّ كرم الله وَجهه محكى عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَعَطَاء وَمُجاهد وَحميد بن عبد الرَّحْمَن وسُفْيَان الثَّوْريّ وَرِوَايَة عَن أَحْمد وَأغْرب صَاحب الْكَافِي فَقَالَ فِيهِ الْأَفْضَل أَن يُصَلِّي بعْدهَا سِتا أخذا بِالْأَكْثَرِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَرْبعا بِسَلام وَاحِد انْتهى لفظ الْخَوَارِزْمِيّ فِي الْكَافِي وَهَذَا فصل جمعت فِيهِ جَمِيع مَا فِي كتاب الْإِحْيَاء من الْأَحَادِيث الَّتِي لم أجد لَهَا إِسْنَادًا من كتاب الْعلم حَدِيث أفضل النَّاس الْمُؤمن الْعَالم إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ نفع الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 حَدِيث أوحى الله إِلَى إِبْرَاهِيم إِنِّي عليم أحب كل عليم حَدِيث بَاب من الْعلم يتعلمه الرجل خير لَهُ من الدُّنْيَا حَدِيث من يحدث بَابا من الْعلم لتعلم النَّاس أعطي ثَوَاب سبعين نَبيا وصديقا حَدِيث كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمِّيا حَدِيث الْإِثْم حزاز الْقُلُوب حَدِيث وَلَكِن بِشَيْء وقر فِي صَدره يَقُوله فِي فضل الصّديق رَضِي الله عَنهُ حَدِيث قَلِيل من التَّوْفِيق خير من كثير من الْعلم حَدِيث إياك والسجع يَا ابْن رَوَاحَة. . الحَدِيث حَدِيث كلموا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ. . الحَدِيث حَدِيث كلمة من الْحِكْمَة يتعلمها الرجل خير لَهُ من الدُّنْيَا حَدِيث المتمسكون بِمَا أَنْتُم عَلَيْهِ. . الحَدِيث حَدِيث الغرباء نَاس قَلِيلُونَ صَالِحُونَ. . الحَدِيث حَدِيث إِنَّكُم فِي زمَان ألهمتم فِيهِ الْعَمَل حَدِيث مَا أُوتِيَ قوم الْمنطق إِلَّا منعُوا الْعَمَل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 حَدِيث الْمُؤمن لَيْسَ بحقود حَدِيث إِذا تعلم النَّاس الْعلم وَتركُوا الْعَمَل وتحابوا بالألسن. . الحَدِيث حَدِيث بني الدّين على النَّظَافَة حَدِيث يحْشر الممزق لأعراض النَّاس كَلْبا ضاريا والشرة إِلَى أَمْوَالهم ذئبا عاديا والمتكبر عَلَيْهِم فِي صُورَة نمر وطالب الرياسه فِي صُورَة أَسد حَدِيث لَو وزن ايمان أبي بكر بِإِيمَان الْعَالمين لرجح حَدِيث لَو منع النَّاس عَن فت البعر لفتوه وَقَالُوا مَا نهينَا عَنهُ إِلَّا وَفِيه شَيْء حَدِيث لَا يكون الْمَرْء عَالما حَتَّى يكون بِعِلْمِهِ عَاملا حَدِيث من ازْدَادَ علما وَلم يَزْدَدْ هدى لم يَزْدَدْ من الله إِلَّا بعدا حَدِيث إِن الْعَالم يعذب عذَابا يضيق بِهِ أهل النَّار استعظاما لشدَّة عَذَابه حَدِيث إِن الْمَرْء لينشر لَهُ من الثَّنَاء مَا يمْلَأ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَمَا يزن عِنْد الله جنَاح بعوضة حَدِيث هَلَاك أمتِي عَالم فَاجر وجاهل عَاقل وَشر الشرار شرار الْعلمَاء وَخير الْخِيَار خِيَار الْعلمَاء حَدِيث مَكْحُول عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم حَدِيث عشرَة من الصَّحَابَة كُنَّا نتدارس الْعلم فِي مَسْجِد قبَاء إِذْ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (تعلمُوا مَا شِئْتُم أَن تعلمُوا فَلَنْ يَأْجُركُمْ الله حَتَّى تعملوا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 حَدِيث شرار الْعلمَاء الَّذين يأْتونَ الْأُمَرَاء وَخيَار الْأُمَرَاء الَّذين يأْتونَ الْعلمَاء فِي ابْن ماجة وشطره الأول بِلَفْظ آخر حَدِيث من عمل بِمَا علم وَرثهُ الله علم مَا لم يعلم حَدِيث تعلمُوا الْيَقِين حَدِيث من أقل مَا أُوتِيتُمْ الْيَقِين وعزيمة الصَّبْر. . الحَدِيث حَدِيث قيل يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ اجْتِنَاب الْمَحَارِم وَلَا يزَال فوك رطبا من ذكر الله. . الحَدِيث حَدِيث إِن أَكثر النَّاس أَمَانًا يَوْم الْقِيَامَة أَكْثَرهم خوفًا فِي الدُّنْيَا حَدِيث كُنَّا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوتينا الْإِيمَان قبل الْقُرْآن. . الحَدِيث حَدِيث سُئِلَ حُذَيْفَة نرَاك تَتَكَلَّم بِكَلَام لَا نَسْمَعهُ من غَيْرك من الصَّحَابَة الحَدِيث فِي علمه بالمنافقين حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا مَوْقُوفا إِنَّمَا هم اثْنَتَانِ الْكَلَام وَالْهدى لَا نَعْرِف الْمَرْفُوع وروى الطَّبَرَانِيّ الْمَوْقُوف حَدِيث كَانَ يتَوَكَّأ فِي خطْبَة الْعِيد وَالِاسْتِسْقَاء على قَوس أَو عَصا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 حَدِيث من غش أمتِي فَعَلَيهِ لعنة الله الحَدِيث فِي الابتداع حَدِيث إِن لله ملكا يُنَادى كل يَوْم من خَالف السّنة لم تنله الشَّفَاعَة حَدِيث عَلَيْكُم بالنمط الْأَوْسَط. . الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب مَوْقُوفا عَن عَليّ & الْبَاب السَّابِع فِي الْعقل & إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي أحب من أَحْبَبْت. . الحَدِيث = كتاب قَوَاعِد العقائد = الْفَصْل الثَّانِي مِنْهُ حَدِيث إِن لله سبعين حِجَابا من نور. . الحَدِيث حَدِيث إِن الْمَسْجِد لينزوي من النخامة. . الحَدِيث حَدِيث إِنِّي لأجد نفس الرَّحْمَن من جَانب الْيمن الْفَصْل الثَّالِث حَدِيث إِن الله أخبر نبيه بِأَن أَبَا جهل لَا يصدقهُ ثمَّ أمره بِأَن يَأْمُرهُ بِأَن يصدقهُ حَدِيث كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمع كَلَام جِبْرِيل ويشاهده وَمن حوله لَا يسمعونه وَلَا يرونه الْفَصْل الرَّابِع حَدِيث سُئِلَ مرّة عَن الْإِيمَان فَأجَاب بِهَذِهِ الْخمس يَعْنِي الْخمس الَّتِي هِيَ مباني الْإِسْلَام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 حَدِيث سُئِلَ أَي الْأَعْمَال أفضل فَقَالَ الْإِسْلَام. . الحَدِيث حَدِيث لَا يكفر أحد إِلَّا بجحوده بِمَا أقرّ بِهِ حَدِيث حُذَيْفَة المُنَافِقُونَ الْيَوْم أَكثر مِنْهُم على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . الحَدِيث حَدِيث كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ (اللَّهُمَّ أَنِّي أستغفرك لما علمت وَمَا لم أعلم) . . الحَدِيث حَدِيث من قَالَ أَنا مُؤمن فَهُوَ كَافِر. . الحَدِيث = كتاب أسرار الطَّهَارَة = حَدِيث بني الدّين على النَّظَافَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره من أهل الصّفة كُنَّا نَأْكُل الشواء فتقام الصَّلَاة الحَدِيث حَدِيث عمر مَا كُنَّا نَعْرِف الأشنان على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث إِدْخَال الْأصْبع فِي محاجر الْعَينَيْنِ وَمَوْضِع القذي حَدِيث مسح الرَّقَبَة أَمَان من الغل يَوْم الْقِيَامَة حَدِيث من وَهن علم الرجل ولوعه بِالْمَاءِ فِي الطّهُور حَدِيث الْوضُوء على الْوضُوء نور على نور حَدِيث الطَّاهِر كالصائم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 حَدِيث ادهنوا غبا حَدِيث كَانَ يسرح لحيته فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ حَدِيث كَانَ كث اللِّحْيَة حَدِيث تنظيف الرواجب قصَّة يحيى بن أَكْثَم حِين سُئِلَ كم سنّ القَاضِي وفيهَا حديثان حَدِيث لَا يحل للرجل أَن يدْخل حليلته الْحمام حَدِيث حرَام على الرِّجَال دُخُول الْحمام إِلَّا بمئزر. . الحَدِيث حَدِيث يَا أَبَا هُرَيْرَة قلم أظفارك فَإِن الشَّيْطَان يقْعد على مَا طَال مِنْهَا حَدِيث أَنه لم يَأْمر من تَحت أَظْفَاره وسخ بِإِعَادَة الصَّلَاة حَدِيث قصّ الْأَظْفَار = كتاب أسرار الصَّلَاة = حَدِيث من لَقِي الله مضيعا للصَّلَاة لم يعبإ الله بِشَيْء من عمله حَدِيث مَا افْترض الله على خلقه بعد التَّوْحِيد شَيْئا أحب إِلَيْهِ من الصَّلَاة. . الحَدِيث حَدِيث يَا أَبَا هُرَيْرَة مر أهلك بِالصَّلَاةِ فَإِن الله يَأْتِيك بالرزق. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 حَدِيث يزِيد الرقاشِي كَانَت صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستوية كَأَنَّهَا موزونة حَدِيث إِن الرجلَيْن من أمتِي ليقومان إِلَى الصَّلَاة وركوعهما وسجودهما وَاحِد وَإِن مَا بَين صلاتيهما مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَدِيث أما يخْشَى الَّذِي يحول وَجهه فِي الصَّلَاة ... الحَدِيث حَدِيث من صلى صَلَاة فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قد مَلأ نَحره عبَادَة حَدِيث مَا تقرب العَبْد إِلَى الله بِشَيْء أفضل من سُجُود خَفِي رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَالرَّقَائِق مُرْسلا حَدِيث عَائِشَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدثنا ونحدثه فَإِذا حضرت الصَّلَاة كَأَنَّهُ لم يعرفنا وَلم نعرفه حَدِيث لَا ينظر الله إِلَى صَلَاة لَا يحضر الرجل فِيهَا قلبه مَعَ بدنه حَدِيث من ألف الْمَسْجِد أَلفه الله تَعَالَى حَدِيث الحَدِيث فِي الْمَسْجِد يَأْكُل الْحَسَنَات كَمَا تَأْكُل الْبَهِيمَة الْحَشِيش حَدِيث سَبْعَة أَشْيَاء من الشَّيَاطِين فِي الصَّلَاة حَدِيث لَيْسَ للْعَبد من صلَاته إِلَّا مَا عقل حَدِيث أَنه احتذى نعلا فَأَعْجَبتهُ فَسجدَ حَدِيث إِذا قَامَ العَبْد إِلَى صلَاته وَكَانَ وَجهه وهواه إِلَى الله انْصَرف كَيَوْم وَلدته أمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 قَول أبي هُرَيْرَة كَيفَ الْحيَاء من الله قَالَ تَسْتَحي مِنْهُ كَمَا تَسْتَحي من الرجل الصَّالح حَدِيث اللَّهُمَّ أصلح الرَّاعِي والرعية حَدِيث إِن العَبْد إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع الله الْحجاب بَينه وَبَين عَبده ... . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث لَا ينجو منى عَبدِي إِلَّا بأَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ حَدِيث الإِمَام أَمِين فَإِذا ركع فاركعوا حَدِيث من أذن فِي مَسْجِد سبع سِنِين وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن أذن أَرْبَعِينَ عَاما دخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب عَن التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من أذن سبع سِنِين محتسبا كتبت لَهُ بَرَاءَة من النَّار حَدِيث فضل أول الْوَقْت على آخِره كفضل الْآخِرَة على الدُّنْيَا حَدِيث إِن العَبْد ليُصَلِّي الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا وَلما فَاتَهُ من أول وَقتهَا خير لَهُ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا هُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ خير لَهُ من أَهله وَمَاله حَدِيث أَنه قَرَأَ بعض سُورَة يُونُس فَلَمَّا انْتهى إِلَى ذكر مُوسَى وَفرْعَوْن قطع وَركع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 الْمَعْرُوف قِرَاءَة سُورَة الْمُؤْمِنُونَ وَلَيْسَ فِيهَا ذكر فِرْعَوْن وَإِنَّمَا هُوَ مُوسَى وَهَارُون حَدِيث أَنهم كَانُوا يسبحون وَرَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السُّجُود وَالرُّكُوع عشرا حَدِيث الدُّعَاء فِي آخر الصَّلَاة وَإِذا أردْت بِقوم فتْنَة فاقبضنا غير مفتونين حَدِيث رفع الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوت حَدِيث من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير عذر فقد نبذ الْإِسْلَام وَرَاء ظَهره حَدِيث لِأَن يكون الرجل رَمَادا تَذْرُوهُ الرِّيَاح خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدي الْمُصَلِّي حَدِيث لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِك لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ سنة خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ حَدِيث ادن واستمع حَدِيث إِن هَذِه الْأمة مَرْحُومَة مَنْظُور إِلَيْهَا بَين الْأُمَم وَإِن الله إِذا نظر لعبد فِي الصَّلَاة غفر لَهُ وَلمن وَرَاءه من النَّاس حَدِيث عَليّ وَعبد الله فِي الصَّلَاة بعد الْجُمُعَة سِتا هُوَ عِنْد الْبَيْهَقِيّ مَوْقُوف على عَليّ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة فِي قِرَاءَة سُورَة الْكَهْف لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة حَدِيث ويل للْعَالم من الْجَاهِل من حَيْثُ لَا يُعلمهُ حَدِيث إِن بِلَالًا كَانَ يُسَوِّي الصُّفُوف وَيضْرب عراقيبهم بِالدرةِ حَدِيث من صلى أَربع رَكْعَات بعد زَوَال الشَّمْس يحسن قراءتهن وركوعهن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 وسجودهن صلى مَعَه سَبْعُونَ ألف ملك يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى اللَّيْل حَدِيث أنس فِي الْوتر ثَلَاث رَكْعَات حَدِيث كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يدْخل فرَاشه زحف إِلَيْهِ وَصلى رَكْعَتَيْنِ حَدِيث الْوتر سبع عشرَة رَكْعَة قَالَ المُصَنّف إِنَّه حَدِيث شَاذ رَوَاهُ الصفار فِي كتاب الصَّلَاة حَدِيث كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى سِتّ رَكْعَات حَدِيث من عكف نَفسه فِيمَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي مَسْجِد جمَاعَة لم يتَكَلَّم إِلَّا بِصَلَاة أَو قُرْآن ... . الحَدِيث أَحَادِيث صلوَات يَوْم الْجُمُعَة وليلتها قَول سُفْيَان من السّنة أَن يُصَلِّي بعد الْفطر اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة وَبعد الْأَضْحَى سِتّ رَكْعَات حَدِيث فضل صَلَاة التَّطَوُّع فِي بَيته على صلَاته فِي الْمَسْجِد كفضل صَلَاة الْمَكْتُوبَة فِي الْمَسْجِد على صلَاته فِي الْبَيْت حَدِيث صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من ألف صَلَاة فِي مَسْجِدي وَأفضل من هَذَا كُله رجل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي زَاوِيَة بَيته. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد الصفار فِي كتاب الصَّلَاة حَدِيث صَلَاة الرغائب فِي رَجَب وَقد تكلم فِيهِ ابْن عبد السَّلَام وَابْن الصّلاح أَيْضا فَلهُ أصل على الْجُمْلَة وَلكنه مَوْضُوع حَدِيث صَلَاة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان حَدِيث من عبد الله تَعَالَى عبَادَة ثمَّ تَركهَا ملالا مقته الله حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة إِذا خرجت من مَنْزِلك فصل رَكْعَتَيْنِ يمنعانك مخرج السوء وَإِذا دخلت مَنْزِلك فصل رَكْعَتَيْنِ يمنعانك مدْخل السوء حَدِيث فعله رَكْعَتَيْنِ عِنْد ابْتِدَاء السّفر حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي صَلَاة الْحَاجة اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة = كتاب أسرار الزَّكَاة = حَدِيث أَدّوا صَدَقَة الْفطر عَمَّن تمونون حَدِيث لَا يقبل الله من مسمع وَلَا مراء وَلَا منان حَدِيث لَا يقبل الله صَدَقَة منان حَدِيث لَا تَأْكُل إِلَّا طَعَام تَقِيّ حَدِيث أَنه بعث مَعْرُوفا إِلَى بعض الْفُقَرَاء وَقَالَ للرسول احفظ مَا يَقُول فَلَمَّا أَخذ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي لَا ينسى من ذكره. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 حَدِيث كَانَ يُعْطي الْعَطاء على مِقْدَار الْعيلَة حَدِيث أفضل مَا أهْدى الرجل إِلَى أَخِيه وَرقا أَو يطعمهُ خبْزًا = كتاب أسرار الصّيام = حَدِيث يَا ملائكتي انْظُرُوا إِلَى عَبدِي ترك شَهْوَته ولذته وَطَعَامه وَشَرَابه من أَجلي حَدِيث إِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِن زَاد فِيهِ فضيقوا مجاريه بِالْجُوعِ وَذَلِكَ لَا يعرف حَدِيث داومي قرع بَاب الْجنَّة بِالْجُوعِ يَقُوله لعَائِشَة حَدِيث كَانَ لَا يخرج إِلَّا لِحَاجَتِهِ وَلَا يسْأَل عَن الْمَرِيض إِلَّا مارا فِي السّنَن وَالصَّحِيح مُلَفقًا مَعَ اخْتِلَاف حَدِيث المغتاب والمستمع شريكان فِي الْإِثْم حَدِيث إِنَّمَا الصَّوْم أَمَانَة فَلْيحْفَظ أحدكُم أَمَانَته حَدِيث لماتلا {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وضع يَده على سَمعه وبصره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 حَدِيث كَانَ يصل صِيَام شعْبَان حَتَّى كَانَ يظنّ أَنه من رَمَضَان قَوْله حَتَّى كَانَ غَرِيب لَا يعرف وَلَعَلَّه حَتَّى كَانَ يصله برمضان وأصل الحَدِيث فِي الصَّحِيح حَدِيث صَوْم يَوْم من شهر حرَام أفضل من صَوْم ثَلَاثِينَ من غَيره ... الحَدِيث حَدِيث وصل شعْبَان برمضان مرّة وفصله مرَارًا حَدِيث فضل الْعَمَل فِي أَيَّام الْعشْر وَفِيه إِلَّا من عقر جَوَاده وَأُهْرِيقَ دَمه = كتاب أسرار الْحَج = حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد أسْندهُ من الذُّنُوب ذنُوب لَا يكفرهَا إِلَّا الْوُقُوف بِعَرَفَة حَدِيث الْحجَّاج والعمار وَفد إِن سَأَلُوا أَعْطَاهُم وَإِن شفعوا شفعوا حَدِيث أهل الْبَيْت مُسْندًا أعظم النَّاس ذَنبا من وقف بِعَرَفَة فَظن أَن الله لم يغْفر لَهُ حَدِيث استكثروا من الطّواف بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ حَدِيث من طَاف أسبوعا حاسرا حافيا كَانَ كعتق رَقَبَة وَمن طَاف أسبوعا فِي الْمَطَر غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه حَدِيث إِن الله قد وعد هَذَا الْبَيْت أَن يَحْجُبهُ فِي كل سنة سِتّمائَة ألف. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 حَدِيث كَانَ يقبل الْحجر كثيرا حَدِيث عَليّ مَرْفُوعا عَن الله إِذا أردْت أَن أخرب الدُّنْيَا بدأت ببيتي فخربته ثمَّ أخرب الدُّنْيَا على أَثَره حَدِيث ابْن عَبَّاس صَلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة بِعشْرَة آلَاف صَلَاة حَدِيث الْبِلَاد بِلَاد الله والعباد عباده فَأَي مَوضِع رَأَيْت فِيهِ رفقا فأقم وَاحْمَدْ الله حَدِيث السّنة أَن يتناوب الرّفْقَة فِي الحراسة حَدِيث كَانَ إِذا أعجبه شَيْء قَالَ لبيْك إِن الْعَيْش عَيْش الْآخِرَة فِي الْمُسْتَدْرك نَحوه حَدِيث من وجد سَعَة وَلم يغد إِلَيّ فقد جفاني) حَدِيث كل قَطْرَة من دَمهَا حَسَنَة وَإِنَّهَا لتوضع فِي الْمِيزَان فأبشروا حَدِيث أَنه يعْتق بِكُل جُزْء من الْأُضْحِية جُزْء من المضحي من النَّار = كتاب آدَاب تِلَاوَة الْقُرْآن = حَدِيث مَا من شَفِيع أعظم عِنْد الله منزلَة من الْقُرْآن حَدِيث الدُّعَاء عِنْد ختم الْقُرْآن اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِالْقُرْآنِ واجعله لي إِمَامًا ... الحَدِيث حَدِيث إِذا عظمت أمتِي الدِّينَار وَالدِّرْهَم نزع مِنْهَا هَيْبَة الْإِسْلَام وَإِذا تركُوا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ حرمُوا برمة الْوَحْي حَدِيث لَا يسمع الْقُرْآن من أحد أشهى مِمَّن يخْشَى الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 حَدِيث لتفترق أمتِي على أصل دينهَا وجماعتها على اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة كلهَا ضَالَّة مضلة يدعونَ إِلَى النَّار فَإِذا كَانَ ذَلِك فَعَلَيْكُم بِكِتَاب الله) الحَدِيث حَدِيث النَّهْي عَن تَفْسِير الْقُرْآن بِالرَّأْيِ = كتاب الْأَذْكَار والدعوات = حَدِيث الْمجْلس الصَّالح يكفر عَن الْمُؤمن ألف ألف مجْلِس من مجَالِس السوء حَدِيث يَا أَبَا هُرَيْرَة كل حَسَنَة تعملها توزن يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهَا لَا تُوضَع فِي ميزَان ... الحَدِيث حَدِيث لَو جَاءَ قَائِل لَا إِلَه إِلَّا الله صَادِقا بقراب الأَرْض ذنوبا لغفر لَهُ حَدِيث يَا أَبَا هُرَيْرَة لقن الْمَوْتَى لَا إِلَه إِلَّا الله لِأَنَّهَا تهدم الذُّنُوب ... الحَدِيث حَدِيث لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة التَّوْحِيد وَكلمَة الْإِخْلَاص وَكلمَة التَّقْوَى والكلمة الطّيبَة ودعوة الْحق والعروة الوثقى وَهِي ثمن الْجنَّة حَدِيث إِن العَبْد إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله أَتَت على صَحِيفَته فَلَا تمر على خَطِيئَة إِلَّا محتها حَتَّى تَجِد حَسَنَة مثلهَا تجْلِس إِلَيْهَا حَدِيث إِن رجلا قَالَ تولت عني الدُّنْيَا وَقلت ذَات يَدي قَالَ فَأَيْنَ أَنْت من صَلَاة الْمَلَائِكَة وتسبيح الْخَلَائق وَبهَا يرْزقُونَ ... الحَدِيث حَدِيث إِذا قَالَ العَبْد الْحَمد لله مَلَأت مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَإِذا قَالَ الثَّانِيَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 مَلَأت مَا بَين السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى الأَرْض السُّفْلى فَإِذا قَالَ الثَّالِثَة قَالَ الله سل تعط حَدِيث أبي ذَر فِي أهل الدُّثُور وَفِيه وتكبر أَرْبعا وَثَلَاثِينَ حَدِيث إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي أحبب من أَحْبَبْت حَدِيث إيَّاكُمْ والسجع فِي الدُّعَاء بِحَسب أحدكُم أَن يَقُول ... الحَدِيث حَدِيث إِذا سَأَلْتُم الله حَاجَة فابدأوا بِالصَّلَاةِ عَليّ قَول عمر بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنت كَذَا كنت كَذَا فَذكر كلَاما طَويلا نَحْو ورقة حَدِيث إِن رجلا لم يعْمل خيرا قطّ نظر إِلَى السَّمَاء فَقَالَ إِن لي رَبًّا ... الحَدِيث حَدِيث دُعَاء الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام اللَّهُمَّ إِن هَذَا خلق جَدِيد ... الحَدِيث دُعَاء عِيسَى اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَسْتَطِيع دفع مَا أكره ... الحَدِيث حَدِيث إِن الله يمجد نَفسه كل يَوْم وَيَقُول إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا الْحَيّ القيوم ... الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث اللَّهُمَّ لَا تؤمني مكرك وَلَا تولني غَيْرك ... الحَدِيث حَدِيث اللَّهُمَّ املأ وُجُوهنَا مِنْك حَيَاء وقلوبنا بك فَرحا حَدِيث اللَّهُمَّ اجْعَل أول يَوْمنَا رَحْمَة وأوسطه نعْمَة وَآخره مكرمَة حَدِيث اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَنَبِيك وَرَسُولك النَّبِي الْأُمِّي. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 حَدِيث اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا من أوليائك الْمُتَّقِينَ وحزبك المفلحين ... الحَدِيث حَدِيث نَسْأَلك جَوَامِع الْخَيْر وفواتحه وخواتمه. . الحَدِيث حَدِيث اللَّهُمَّ بقدرتك عَليّ تب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم. . الحَدِيث حَدِيث يَا من لَا تضره الذُّنُوب وَلَا تنقصه الْمَغْفِرَة ... الحَدِيث حَدِيث وَأَعُوذ بك من أَن أَمُوت لطلب دنيا حَدِيث اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خير هَذَا الشَّهْر وَخير الْقدر وَأَعُوذ بك من شَرّ يَوْم الْحَشْر حَدِيث يَقُول عِنْد الصَّدَقَة {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} وَعند الخسران {عَسى رَبنَا أَن يبدلنا خيرا مِنْهَا} وَعند ابْتِدَاء الْأُمُور {رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا} {رب اشرح لي صَدْرِي وَيسر لي أَمْرِي} وَعند النّظر فِي السَّمَاء {رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فقنا عَذَاب النَّار} {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجا وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمرا منيرا} حَدِيث سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته يَقُوله عِنْد صَوت الرَّعْد حَدِيث إِذا أَصَابَهُ وجع وضع عَلَيْهِ يَده وَقَالَ {بِسم الله} ثَلَاثًا حَدِيث اللَّهُمَّ أيقظني فِي أحب السَّاعَات إِلَيْك حَدِيث اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك أَن تبعثنا فِي هَذَا الْيَوْم إِلَى كل خير) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 حَدِيث اللَّهُمَّ فالق الإصباح وجاعل اللَّيْل سكنا. . الحَدِيث حَدِيث {رَبنَا عَلَيْك توكلنا وَإِلَيْك أنبنا وَإِلَيْك الْمصير} يَقُولهَا عِنْد الصَّباح حَدِيث أعوذ بِكَلِمَات الله التامات وأسمائه كلهَا من شَرّ مَا ذَرأ وبرأ ... الحَدِيث = كتاب الأوراد = حَدِيث انس مَرْفُوعا فِي صَلَاة الصُّبْح من تَوَضَّأ ثمَّ توجه إِلَى الْمَسْجِد ليُصَلِّي فِيهِ الصَّلَاة كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة حَسَنَة ومحي عَنهُ سَيِّئَة والحسنة بِعشر أَمْثَالهَا فَإِذا صلى ثمَّ انْصَرف عِنْد طُلُوع الشَّمْس كتب لَهُ بِكُل شَعْرَة فِي جسده حَسَنَة وانقلب بِحجَّة مبرورة فَإِن جلس حَتَّى يرْكَع الضُّحَى كتب لَهُ بِكُل رَكْعَة ألف ألف حَسَنَة وَمن صلى الْعَتَمَة فَلهُ مثل ذَلِك وانقلب بِحجَّة مبرورة قَول أبي هُرَيْرَة فِي الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد قبل طُلُوع الشَّمْس إِنَّا كُنَّا نعد خروجنا وقعودنا فِي الْمَسْجِد فِي هَذِه السَّاعَة بِمَنْزِلَة غَزْوَة فِي سَبِيل الله أَو قَالَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث الْحسن مَرْفُوعا فِيمَا يذكر من رَحْمَة ربه أَنه قَالَ يَا ابْن آدم اذْكُرْنِي من بعد صَلَاة الْفجْر سَاعَة وَبعد صَلَاة الْعَصْر سَاعَة أكفك مَا بَينهمَا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 حَدِيث كَلِمَات ورد فِي تكرارها فَضَائِل وَهِي عشر الأولى لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ إِلَى آخِره الثَّانِيَة سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله إِلَى آخِره الثَّالِثَة سبوح قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح الرَّابِعَة الله الْعَظِيم سُبْحَانَ وَبِحَمْدِهِ الْخَامِسَة أسْتَغْفر الله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم وأسأله التَّوْبَة وَالسَّادِسَة اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت إِلَى آخِره السَّابِعَة لَا إِلَه إِلَّا الله الْملك الْحق الْمُبين الثَّامِنَة بِسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْمه شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء إِلَى آخِره التَّاسِعَة اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَنَبِيك وَرَسُولك النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد الْعَاشِرَة أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم الْوَارِد فِي فضل قِرَاءَة {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} إِلَى آخر السُّورَة وَفِي فضل قِرَاءَة {الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا} إِلَى آخر السُّورَة وَفِي قِرَاءَة أول الْحَدِيد حَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكثر قِرَاءَة سُورَة يس وَسورَة الدُّخان والواقعة حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} حَدِيث النَّهْي عَن نقض الْوتر حَدِيث إِذا نَام العَبْد على الطَّهَارَة رفع بِرُوحِهِ إِلَى الْعَرْش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْأَيْمَان مَوْقُوفا على عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ حَدِيث نوم الْعَالم عبَادَة وَنَفسه تَسْبِيح حَدِيث من أَوَى إِلَى فرَاشه لَا يَنْوِي ظلم أحد وَلَا يحقد على أحد غفر لَهُ مَا أجرم حَدِيث لَا تكابدوا اللَّيْل حَدِيث اهتزاز الْعَرْش وانتشار الرِّيَاح من جنَّات عدن فِي آخر اللَّيْل حَدِيث صَلَاة الْمغرب أوترت صَلَاة النَّهَار فأوتروا صَلَاة اللَّيْل حَدِيث أبي ذَر حُضُور مجْلِس الْعلم أفضل من صَلَاة ألف رَكْعَة وشهود ألف جَنَازَة وعيادة ألف مَرِيض حَدِيث إِن من جمع فِي يَوْم بَين صَوْم وَصدقَة وعيادة مَرِيض وشهود جَنَازَة غفر لَهُ وَفِي رِوَايَة دخل الْجنَّة حَدِيث عَائِشَة أفضل الصَّلَاة عِنْد الله صَلَاة الْمغرب وَفِيه من صلى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ بنى الله لَهُ قَصْرَيْنِ فِي الْجنَّة وَمن صلى بعْدهَا أَربع رَكْعَات غفر لَهُ الله ذنُوب عشْرين أَو قَالَ أَرْبَعِينَ سنة حَدِيث أم سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا من صلى سِتّ رَكْعَات بعد الْمغرب عدلت لَهُ عبَادَة سنة أَو كَأَنَّهُ صلى لَيْلَة الْقدر حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا من عكف نَفسه مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي مَسْجِد جمَاعَة لم يتَكَلَّم إِلَّا بِصَلَاة أَو قُرْآن كَانَ حَقًا على الله أَن يَبْنِي لَهُ قَصْرَيْنِ فِي الْجنَّة مسيرَة كل قصر مِنْهُمَا مائَة عَام ويغرس لَهُ بَينهمَا غراسا لَو طافه أهل الدُّنْيَا لوسعهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 = كتاب آدَاب الْأكل = حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يَأْكُل وَحده حَدِيث من أكل مَا يسْقط من الْمَائِدَة عَاشَ فِي سَعَة وعوفى فِي وَلَده حَدِيث إِن الإخوان إِذا رفعوا أَيْديهم عَن الطَّعَام لَا يُحَاسب من أكل من فضل ذَلِك الطَّعَام حَدِيث لَا حِسَاب على مَا يَأْكُلهُ مَعَ إخوانه حَدِيث جَابر لَوْلَا أننا نهينَا عَن التَّكَلُّف لتكلفت لكم حَدِيث جرير مَرْفُوعا من لذذ أَخَاهُ بِمَا يَشْتَهِي كتب الله لَهُ ألف ألف حَسَنَة ومحا عَنهُ ألف ألف سَيِّئَة وَرفع لَهُ ألف ألف دَرَجَة وأطعمه من ثَلَاث جنَّات جنَّة الفرودس وجنة عدن وجنة الْخلد حَدِيث لَا تتكلفوا للضيف فتبغضوه من أبْغض الضَّيْف فقد أبْغض الله وَمن أبْغض الله أبغضه الله حَدِيث مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل لَهُ إبل وبقر كَثِيرَة فَلم يضفه وَمر بِامْرَأَة لَهَا شويهات فذبحت لَهُ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (انْظُرُوا إِلَيْهِمَا إِنَّمَا هَذِه الْأَخْلَاق بيد الله فَمن شَاءَ أَن يمنحه خلقا حسنا فعل) حَدِيث أبي رَافع مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نزل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضيف فَقَالَ (قل لفُلَان الْيَهُودِيّ نزل بِي ضيف فأسلفني شَيْئا من الدَّقِيق) . . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 حَدِيث مَا الْإِيمَان قَالَ إطْعَام الطَّعَام وبذل السَّلَام حَدِيث لَيْسَ من السّنة إِجَابَة من يطعم الطَّعَام مباهاة وتكلفا حَدِيث قصره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بلغ كرَاع الغميم حَدِيث حَاتِم الْأَصَم العجلة من الشَّيْطَان إِلَّا فِي خَمْسَة فَإِنَّهَا سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إطْعَام الضَّيْف وتجهيز الْمَيِّت وتزويج الْبكر وَقَضَاء الدّين) الحَدِيث وَفِي الْخَبَر أَن الْمَائِدَة الَّتِي أنزلت على بني إِسْرَائِيل كَانَ فِيهَا كل الْبُقُول إِلَّا الكراث وَكَانَ عَلَيْهَا الْخبز حَدِيث ابْن مَسْعُود نهينَا أَن نجيب من يباهي بطعامه حَدِيث قطع الْعُرُوق مسقمة وَترك الْعشَاء مهرمة = كتاب آدَاب النِّكَاح = حَدِيث تناكحوا تكثروا فَإِنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى بِالسقطِ حَدِيث من ترك التَّزْوِيج مَخَافَة الْعيلَة فَلَيْسَ منا حَدِيث من نكح لله وأنكح لله فقد اسْتحق ولَايَة الله حَدِيث الْحَصِير فِي نَاحيَة الْبَيْت خير من امْرَأَة لَا تَلد حَدِيث الطِّفْل يجر بأبويه إِلَى الْجنَّة حَدِيث إِن الْأَطْفَال يجمعُونَ فِي موقف الْقِيَامَة عِنْد عرض الْخَلَائق لِلْحسابِ فَيُقَال للْمَلَائكَة اذْهَبُوا بهؤلاء إِلَى الْجنَّة. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 حَدِيث إِن العَبْد ليوقف عِنْد الْمِيزَان وَله من الْحَسَنَات أَمْثَال الْجبَال فَيسْأَل عَن رِعَايَة عِيَاله الحَدِيث حَدِيث لَا يلقى الله سُبْحَانَهُ أحد بذنب أعظم من جَهَالَة أَهله حَدِيث من نكح الْمَرْأَة لمالها وجمالها حرم مَالهَا وجمالها وَمن نكح لدينها رزقه الله مَالهَا وجمالها حَدِيث إِن الله يبغض الثرثارين المتشدقين حَدِيث خير النِّسَاء أحسنهن وُجُوهًا وأرخصهن مهورا حَدِيث النَّهْي عَن المغالاة فِي الْمهْر حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولم على بعض نِسَائِهِ بمدى تمر ومدى سويق حَدِيث تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ فَإِن الْعرق دساس وَقيل نزاع حَدِيث لَا تنْكِحُوا الْقَرَابَة الْقَرِيبَة فَإِن الْوَلَد يخلق ضاويا حَدِيث النِّكَاح رق فَلْينْظر أحدكُم أَيْن يضع كريمته حَدِيث من صَبر على سوء خلق امْرَأَته أعطَاهُ الله من الْأجر مثل مَا أعْطى أَيُّوب على بلائه وَمن صبرت على سوء خلق زَوجهَا أَعْطَاهَا الله مثل ثَوَاب آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن حَدِيث أَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دفعت فِي صَدره فزبرتها أمهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دعيها فَإِنَّهُنَّ يصنعن أَكثر من ذَلِك) حَدِيث أَن عَائِشَة قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت الَّذِي تزْعم أَنَّك رَسُول الله فَتَبَسَّمَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 حَدِيث تعس عبد الزَّوْجَة حَدِيث أَنِّي لغيور وَمَا من امرىء لَا يغار إِلَّا منكوس الْقلب حَدِيث لَا يقعن أحدكُم على امْرَأَته كَمَا تقع الْبَهِيمَة ليكن بَينهمَا رَسُول قيل وَمَا الرَّسُول فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقبْلَة وَالْكَلَام حَدِيث إِن الرجل ليجامع أَهله فَيكْتب لَهُ من جمَاعَة أجر ولد ذكر قَاتل فِي سَبِيل الله فَقتل حَدِيث أنس مَرْفُوعا من خرج إِلَى سوق من أسواق الْمُسلمين فَاشْترى لَحْمًا فَحَمله إِلَى بَيته فَخص بِهِ الْإِنَاث دون الذُّكُور نظر الله إِلَيْهِ وَمن نظر الله إِلَيْهِ لم يعذبه حَدِيث سمي رجل أَبَا عِيسَى فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن عِيسَى لَا أَب لَهُ) = كتاب آدَاب الْكسْب والمعاش = حَدِيث من طلب الدُّنْيَا حَلَالا تعففا عَن الْمَسْأَلَة وسعيا على عِيَاله وتعطفا على جَاره لَقِي الله وَوَجهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر حَدِيث إِن الله يحب العَبْد يتَّخذ المهنة يَسْتَغْنِي بهَا عَن النَّاس وَيبغض العَبْد يتَعَلَّم الْعلم فيتخذه مهنة حَدِيث عَلَيْكُم بِالتِّجَارَة فَإِن فِيهَا تِسْعَة أعشار الرزق حَدِيث الْأَسْوَاق مَوَائِد الله فَمن أَتَاهَا أصَاب مِنْهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 حَدِيث مَا أوحى الله إِلَى أَن اجْمَعْ المَال وَكن من الساجدين وَلَكِن أوحى إِلَيّ {فسبح بِحَمْد رَبك وَكن من الساجدين} رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْحِيلَة وَأَبُو الشَّيْخ ابْن حَيَّان والخطيب فِي الْجُزْء الْخَامِس من الْمُتَّفق من حَدِيث حُذَيْفَة بن أويس حَدِيث من احتكر الطَّعَام أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تصدق بِهِ لم تكن صَدَقَة كَفَّارَة للاحتكار حَدِيث من جلب طَعَاما فَبَاعَهُ بِسعْر يَوْمه فَكَأَنَّمَا تصدق بِهِ وَفِي لفظ آخر وكأنما أعتق رَقَبَة حَدِيث خُذ حَقك عَن عفاف واف أَو غير واف حَدِيث من أدان دينا وَهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ وكل بِهِ مَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ ويدعونه لَهُ حَتَّى يَقْضِيه حَدِيث خير تجارتكم الْبَز وَخير صنائعكم الخرز حَدِيث شَرّ الْبِقَاع الْأَسْوَاق وَشر أَهلهَا أَوَّلهمْ دُخُولا وَآخرهمْ خُرُوجًا مِنْهَا حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يسْأَل عَن كل مَا يحمل إِلَيْهِ حَدِيث من دَعَا لظَالِم بطول الْبَقَاء فقد أحب أَن يَعْصِي الله فِي أرضه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 حَدِيث من أكْرم فَاسِقًا فقد أعَان على هدم الْإِسْلَام = كتاب الْحَلَال وَالْحرَام = حَدِيث من سعى على عِيَاله من حلّه فَهُوَ كالمجاهد فِي سَبِيل الله وَمن طلب الدُّنْيَا حَلَالا من عفاف كَانَ فِي دَرَجَة الشُّهَدَاء حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا إِن لله ملكا على بَيت الْمُقَدّس يُنَادى كل لَيْلَة من أكل حَرَامًا لم يقبل مِنْهُ صرف وَلَا عدل حَدِيث من لم يبال من أَيْن اكْتسب المَال لم يبال الله من أَيْن أدخلهُ النَّار حَدِيث الْعِبَادَة عشرَة أَجزَاء تِسْعَة مِنْهَا فِي طلب الْحَلَال حَدِيث من أَمْسَى وَاقِفًا فِي طلب الْحَلَال بَات مغفورا لَهُ وَأصْبح وَالله عَنهُ رَاض حَدِيث من أصَاب مَالا من مأثم فوصل بِهِ رحما أَو تصدق بِهِ أَو أنفقهُ فِي سَبِيل الله جمع الله ذَلِك جَمِيعًا ثمَّ قذفه فِي النَّار حَدِيث من لَقِي الله سُبْحَانَهُ ورعا أعطَاهُ ثَوَاب الْإِسْلَام كُله حَدِيث أَن أَبَا بكر تقيأ طَعَاما فِيهِ شُبْهَة فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَقَالَ أَو مَا علمْتُم أَن الصّديق لَا يدْخل جَوْفه إِلَّا طيب حَدِيث كل مَا أصميت ودع مَا أنميت حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَن يكحل الْمَسْجِد فَقَالَ (لَا عَرِيش كعريش مُوسَى) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 حَدِيث عَائِشَة أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأرنب فَقَالَ رميتي عرفت فِيهَا سهمي فَقَالَ أصميت أَو أنميت) فَقَالَ بل أنميت قَالَ إِن اللَّيْل خلق من خلق الله لَا يقدر قدرَة إِلَّا الَّذِي خلقه لَعَلَّه أعَان على قَتله شَيْء حَدِيث الْمُغيرَة مَرْفُوعا لعن الله الْيَهُود حرمت عَلَيْهِم الْخُمُور فَبَاعُوهَا حَدِيث الْمُسلم يذبح على اسْم الله سمى أَو لم يسم حَدِيث يَا معشر الْمُهَاجِرين لَا تدْخلُوا على أهل الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مسخطة للرزق حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة مَرْفُوعا إِن الْعَالم إِذا أَرَادَ بِعِلْمِهِ وَجه الله هابه كل شَيْء وَإِن أَرَادَ أَن يكنز بِهِ الْكُنُوز هاب كل شَيْء حَدِيث أبي ذَر مَرْفُوعا إِن الرجل إِذا ولى ولَايَة تبَاعد الله عز وَجل عَنهُ حَدِيث اللَّهُمَّ لَا تجْعَل لِفَاجِر على يدا فَيُحِبهُ قلبِي حَدِيث آكل الرِّبَا وموكله وَشَاهده وكاتبه مَلْعُون على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث يُقَال للشرطي دع سَوْطك وادخل النَّار حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا لعن الله عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل إِذْ خالطوا فِي مَعَايشهمْ حَدِيث يَأْتِي على النَّاس زمَان يسْتَحل فِيهِ السُّحت بالهدية وَالْقَتْل بِالْمَوْعِظَةِ يقتل البريء لتوعظ بِهِ الْعَامَّة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 = كتاب آدَاب الصُّحْبَة = حَدِيث من أَرَادَ الله بِهِ خيرا رزقه الله أَخا صَالحا إِن نسي ذكره وَإِن ذكر أَعَانَهُ حَدِيث مثل الْأَخَوَيْنِ إِذا التقيا مثل الْيَدَيْنِ يغسل إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى وَمَا التقى المؤمنان قطّ إِلَّا أَفَادَ الله أَحدهمَا من صَاحبه خيرا روى الشّطْر الأول مِنْهُ السّلمِيّ فِي آدَاب الصُّحْبَة من حَدِيث أنس بِإِسْنَاد ضَعِيف حَدِيث من آخى أَخا فِي الله رَفعه الله دَرَجَة فِي الْجنَّة لَا ينالها بِشَيْء من عمله حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا إِن حول الْعَرْش مَنَابِر من نور عَلَيْهَا قوم لباسهم. . الحَدِيث حَدِيث إِن الله حرم من الْمُؤمن دَمه وَمَاله وَعرضه وَأَن يظنّ بِهِ السوء رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك حَدِيث الْمُؤمن سريع الْغَضَب سريع الرِّضَا حَدِيث إِن لله ملكا نصفه من نَار وَنصفه من ثلج. . الحَدِيث حَدِيث يُسْتَجَاب للرجل فِي أَخِيه مَا لَا يُسْتَجَاب لَهُ فِي نَفسه حَدِيث إِذا مَاتَ العَبْد قَالَ النَّاس مَا خلف وَقَالَت الْمَلَائِكَة مَا قدم حَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجتبى سواكين فَدفع الْمُسْتَقيم لصَاحبه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 حَدِيث أَلا وَإِن لله أواني فِي أرضه وَهِي الْقُلُوب حَدِيث مثل الْمَيِّت فِي قَبره مثل الغريق يتَعَلَّق بِكُل شَيْء ينْتَظر دَعْوَة من ولد أَو وَالِد أَو أَخ أَو قريب وَأَنه ليدْخل على قُبُور الْأَمْوَات من الْأَحْيَاء من الْأَنْوَار أَمْثَال الْجبَال حَدِيث إِذا صنع الرجل فِي بَيت أَخِيه أَربع خِصَال فقد تمّ أنسه بِهِ إِذا أكل عِنْده وَدخل الْخَلَاء ونام وَصلى حَدِيث معَاذ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أوصيك بتقوى الله وَصدق الحَدِيث ووفاء الْعَهْد وَأَدَاء الْأَمَانَة وَترك الْخِيَانَة وَحفظ الْجَار وَرَحْمَة الْيَتِيم ولين الْكَلَام وبذل السَّلَام وخفض الْجنَاح حَدِيث يَا أَبَا الدَّرْدَاء أحسن مجاورة من جاورك تكن مُؤمنا وَأحب للنَّاس مَا تحب لنَفسك تكن مُسلما حَدِيث أفضل الصَّدَقَة إصْلَاح ذَات الْبَين حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُبمَا نزع وسادته فَأكْرم بهَا من يَأْتِيهِ حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا لَا يرى أمرؤ فِي أَخِيه عَورَة ويسترها عَلَيْهِ إِلَّا دخل الْجنَّة حَدِيث إِن سلم الْمُسلم على الْمُسلم فَرد عَلَيْهِ صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة سبعين مرّة حَدِيث الْمَلَائِكَة تعجب من مُسلم يمر على الْمُسلم فَلَا يسلم عَلَيْهِ حَدِيث أنس مَرْفُوعا إِذا التقى المسلمان فتصافحا قسمت بَينهمَا مائَة رَحْمَة تِسْعَة وَتسْعُونَ لأحسنهما بشرا حَدِيث إيَّاكُمْ ومجالسة الْمَوْتَى قيل وَمَا الْمَوْتَى قَالَ الْأَغْنِيَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 حَدِيث الْمُؤمن يحب لِلْمُؤمنِ مَا يحب لنَفسِهِ حَدِيث من أقرّ عين مُؤمن أقرّ الله عينه يَوْم الْقِيَامَة خصلتان فَوْقهمَا شَيْء من الشَّرّ الشّرك بِاللَّه والضر لعباد الله وخصلتان لَيْسَ فَوْقهمَا شَيْء من الْخَيْر الْإِيمَان بِاللَّه والنفع لعباد الله حَدِيث زيد بن أسلم لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة عرض لَهُ رجل فَقَالَ إِن كنت تُرِيدُ النِّسَاء الْبيض والنوق الْأدم فَعَلَيْك ببني مُدْلِج فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله مَنَعَنِي من بني مُدْلِج لصلتهم الرَّحِم) حَدِيث بر الْوَالِدين أفضل من الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالْعمْرَة وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله حَدِيث إِن الْجنَّة يُوجد رِيحهَا من مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَلَا يجد رِيحهَا عَاق وَلَا قَاطع رحم حَدِيث بر الوالده على الْوَلَد ضعفان حَدِيث الوالدة أسْرع إِجَابَة قيل وَلم يَا رَسُول الله قَالَ (هِيَ أرْحم من الْأَب ودعوة الرَّحِم لَا تسْقط) حَدِيث سَأَلَ رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله من أبر قَالَ (والديك) قَالَ لَيْسَ لي والدان فَقَالَ (بر ولدك فَكَمَا أَن لوالديك عَلَيْك حَقًا كَذَلِك لولدك عَلَيْك حق) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 حَدِيث رحم الله والدا أعَان وَلَده على بره حَدِيث أنس مَرْفُوعا الْغُلَام يعق عَنهُ يَوْم السَّابِع وَيُسمى ويماط عَنهُ الْأَذَى فَإِذا بلغ سِتّ سِنِين أدب فَإِذا بلغ تسع سِنِين عزل فرَاشه فَإِذا بلغ ثَلَاث عشرَة ضرب على الصَّلَاة وَالصَّوْم فَإِذا بلغ سِتّ عشرَة زَوْجَة أَبوهُ ثمَّ أَخذ بِيَدِهِ وَقَالَ أدبتك وعلمتك وأنكحتك أعوذ بِاللَّه من فتنتك فِي الدُّنْيَا وعذابك فِي الْآخِرَة حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي وَهُوَ مَرِيض قل (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك تَعْجِيل عافيتك) حَدِيث أَلا أخْبرك بِأَمْر هُوَ حق من تكلم بِهِ فِي أول مضجعه من مَرضه نجاه الله من النَّار) قَالَ بلَى يَا رَسُول الله قَالَ (تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت) . . الحَدِيث حَدِيث مَا من لَيْلَة إِلَّا يُنَادي مُنَاد يَا أهل الْقُبُور من تغبطون فَيَقُولُونَ أهل الْمَسَاجِد إِنَّهُم يصلونَ وَلَا نصلي وَيَصُومُونَ وَلَا نَصُوم ويذكرون الله وَلَا نذكرهُ حَدِيث إِذا أَنْت رميت كلب جَارك فقد آذيته حَدِيث الْيمن والشؤم فِي الْمَرْأَة والمسكن وَالْفرس فِيمَن الْمَرْأَة خفَّة مهرهَا وشؤمها غلاء مهرهَا. . الحَدِيث حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا اغسلي وَجه أُسَامَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 حَدِيث إِذا استصعبت على أحدكُم دَابَّته أَو سَاءَ خلق زَوجته أَو أحد من أهل بَيته فليؤذن فِي أُذُنه حَدِيث معَاذ إِذا ابْتَاعَ أحدكُم الْخَادِم فَلْيَكُن من أول شَيْء يطعمهُ الحلو. . الحَدِيث حَدِيث فضَالة بن عبيد ثَلَاثَة لَا يسْأَل عَنْهُم رجل فَارق الْجَمَاعَة. . الحَدِيث = كتاب الْعُزْلَة = حَدِيث من هجر أَخَاهُ سِتَّة أَيَّام فَهُوَ كسافك دَمه كَذَا وَقع فِي الْإِحْيَاء وَلم يُوجد فِيهِ لفظ أَيَّام وَلَا يدْرِي هَل هُوَ بِالتَّاءِ أَو سنة بالنُّون حَدِيث هجر عَائِشَة ذَا الْحجَّة وَالْمحرم وَبَعض صفر حَدِيث عَائِشَة لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاثَة إِلَّا أَن يكون مِمَّن لَا تؤمن بوائقه حَدِيث لما طَاف بِالْبَيْتِ عدل إِلَى زَمْزَم فَشرب مِنْهَا فَإِذا التَّمْر منتفع فِي حِيَاض من الْأدم وَقد مغثه النَّاس بِأَيْدِيهِم. . الحَدِيث حَدِيث الْأَعْمَش من سلب كريمته عوض عَنْهُمَا مَا هُوَ خير مِنْهُمَا حَدِيث آفَة الْعلم الْخُيَلَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 = كتاب آدَاب السّفر = حَدِيث الثَّلَاثَة حَدِيث أنس أَن رجلا قَالَ أُرِيد سفرا وَقد كتبت وصيتي فَإلَى أَي الثَّلَاثَة أدفعها إِلَى ابْني أم أخي أم أبي فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اسْتخْلف عبد فِي أَهله من خلفية أحب إِلَى الله من أَربع رَكْعَات. . الحَدِيث حَدِيث جَابر فِي الْخُرُوج لتبوك يَوْم الْخَمِيس حَدِيث صُهَيْب عَلَيْكُم بالإثمد عِنْد مضجعكم فَإِنَّهُ يزِيد فِي الْبَصَر وينبت الشّعْر وَفِي رِوَايَة كَانَ يكتحل لليمنى ثَلَاثًا وللسيرى ثنيتن = كتاب السماع والوجد = حَدِيث إِن دَاوُد كَانَ حسن الصَّوْت فِي النِّيَاحَة على نَفسه وَفِي تِلَاوَة الزبُور. . الحَدِيث حَدِيث الْمَنْع من الملاهي والأوتار والمزامير حَدِيث عَائِشَة فِي لعب الْحَبَشَة وَنهي عمر لَهُم وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمنا يَا بني أرفدة) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 وَهُوَ فِي مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة دون قَوْله (أمنا يَا بني أرفدة) حَدِيث كَانَ إِبْلِيس أول من ناح وَأول من نعى حَدِيث أبي أُمَامَة مَا رفع أحد صَوته بغناء إِلَّا بعث الله شَيْطَانَيْنِ على مَنْكِبَيْه. . الحَدِيث حَدِيث أَنه قَالَ لعَائِشَة أتحبين أَن تنظري لدف الْحَبَشَة = كتاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر = حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عذب أهل قَرْيَة فِيهَا ثَمَانِيَة عشر ألفا عَمَلهم عمل الْأَنْبِيَاء. . الحَدِيث حَدِيث أبي ذَر قَالَ أَبُو بكر هَل من جِهَاد غير قتال الْمُشْركين قَالَ نعم يَا أَبَا بكر إِن لله مجاهدين فِي الأَرْض أفضل من الشُّهَدَاء. . الحَدِيث بِطُولِهِ فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ حَدِيث أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَي الشُّهَدَاء أكْرم على الله قَالَ رجل قَامَ إِلَى وَال جَائِر. . الحَدِيث حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ أفضل شُهَدَاء أمتِي رجل قَامَ إِلَى وَال جَائِر فَأمره بِالْمَعْرُوفِ. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 حَدِيث وَصفَة عمر قرن من حَدِيد لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم تَركه الْحق وَمَاله من صديق = كتاب آدَاب الْمَعيشَة وأخلاق النُّبُوَّة = حَدِيث معَاذ حف الْإِسْلَام بمكارم الْأَخْلَاق ومحاسن الْأَعْمَال. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث أنس لم يدع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصيحة جميلَة إِلَّا وَقد دَعَانَا إِلَيْهَا. . الحَدِيث وَفِيه يَكْفِي من ذَلِك {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} حَدِيث كَانَ أحكم النَّاس وَأَعْدل النَّاس وأعف النَّاس حَدِيث كَانَ يُؤثر مِمَّا ادخر لِعِيَالِهِ من قوت السّنة حَدِيث كَانَ لَا يثبت بَصَره فِي وَجه أحد حَدِيث كَانَ يقبل الْهَدِيَّة وَلَو أَنَّهَا جرعة لبن أَو فَخذ أرنب حَدِيث كَانَ يَأْكُل مَا حضر وَلَا يرد مَا وجد. . الحَدِيث بتفاصيله حَدِيث كَانَ منديله بَاطِن قدمه حَدِيث كَانَ يُجيب الْوَلِيمَة حَدِيث كَانَ أَشد النَّاس تواضعا وأسكنهم من غير تكبر وأبلغهم من غير تَطْوِيل. . الحَدِيث حَدِيث لبسه الشملة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 حَدِيث لبسه الْخَاتم فِي خِنْصره الْأَيْمن حَدِيث كَانَ يرفد عَبده حَدِيث كَانَ يكره الروائح الكريهة حَدِيث كَانَ يُجَالس الْفُقَرَاء ويؤاكل الْمَسَاكِين وَيكرم أهل الْفضل فِي أَخْلَاقهم. . الحَدِيث حَدِيث كَانَ يصل رَحمَه من غير أَن يؤثرهم على من هُوَ أفضل مِنْهُم حَدِيث كَانَ لَا يجفو على أحد حَدِيث ترفع الْأَصْوَات عِنْده فيصبر حَدِيث كَانَ لَهُ لقاح وغنم يتقوت هُوَ وَأَهله من أَلْبَانهَا حَدِيث كَانَ لَهُ عبيد وإماء فَلَا يرْتَفع عَلَيْهِم فِي مأكل وَلَا ملبس حَدِيث كَانَ لَا يحتقر مِسْكينا لفقره وزمانته وَلَا يهاب ملكا لملكه. . الحَدِيث حَدِيث قد جمع الله لَهُ السِّيرَة الفاضلة والسياسة التَّامَّة. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث مَا لعن امْرَأَة قطّ وَلَا خَادِمًا يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث مَا عَابَ مضجعا إِن فرشوا لَهُ اضْطجع وَإِن لم يفرشوا لَهُ اضْطجع على الأَرْض حَدِيث كَانَ إِذا لَقِي أحدا من أَصْحَابه بدأه بالمصافحة ثمَّ أَخذ بِيَدِهِ فشابكه ثمَّ شدّ قَبضته عَلَيْهَا حَدِيث كَانَ لَا يجلس إِلَيْهِ أحد وَهُوَ يُصَلِّي إِلَّا خفف صلَاته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 حَدِيث مَا رؤى مَادًّا رجلَيْهِ بَين أَصْحَابه إِلَّا أَن يكون الْمَكَان وَاسِعًا. . الحَدِيث لم أجد فِي هَذَا الحَدِيث هَذَا الِاسْتِثْنَاء حَدِيث كَانَ أَكثر مَا يجلس مُسْتَقْبل الْقبْلَة حَدِيث كَانَ مَجْلِسه وسَمعه وَحَدِيثه ولطف مَجْلِسه وتوجهه للمجالس إِلَيْهِ حَدِيث كَانَ أبعد النَّاس غَضبا وأسرعهم رضَا حَدِيث كَانَ أرأف النَّاس وَخير النَّاس للنَّاس وأنفع النَّاس للنَّاس هُوَ حق حَدِيث أَنا أفْصح الْعَرَب حَدِيث كَانَ نزر الْكَلَام سمح الْمقَالة حَدِيث عَائِشَة كَانَ كَلَامه نزرا وَأَنْتُم تنثرونه نثرا حَدِيث كَانَ أوجز النَّاس كلَاما وَبِذَلِك جَاءَهُ جِبْرِيل حَدِيث كَانَ كَلَامه يتبع بعضه بَعْضًا بَين كَلَامه توقف ليحفظه سامعه ويعيه حَدِيث كَانَ جهير الصَّوْت أحسن النَّاس نَغمَة حَدِيث كَانَ لَا يَقُول الْمُنكر وَلَا يَقُول فِي الرِّضَا وَالْغَضَب إِلَّا الْحق يعرض عَمَّن تكلم بِغَيْر جميل حَدِيث كَانَ ضحك أَصْحَابه عِنْده التبسم اقْتِدَاء بِهِ وتوقيرا لَهُ حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي قَالَ بلغنَا أَن الْمَسِيح الدَّجَّال يَأْتِي النَّاس بالثريد وَقد هَلَكُوا جوعا أفترى أَن أكف عَن ثريده. . الحَدِيث فِي تَبَسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 حَدِيث كَانَ إِذا سر وَرَضي فَهُوَ أحسن النَّاس رضَا وَإِن وعظ وعظ بجد كَذَلِك كَانَ فِي أُمُوره كلهَا حَدِيث اللَّهُمَّ أَرِنِي الْحق حَقًا فَأتبعهُ. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث أحب الطَّعَام إِلَيْهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ ضيف حَدِيث كَانَ إِذا وضعت الْمَائِدَة قَالَ بِسم الله اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا نعْمَة مشكورة تصل بهَا نعيم الْجنَّة حَدِيث كَانَ إِذا أكل يجمع بَين رُكْبَتَيْهِ وَبَين يَدَيْهِ كَمَا يجلس الْمُصَلِّي إِلَّا أَن الرّكْبَة تكون فَوق الرّكْبَة والقدم فَوق الْقدَم حَدِيث كَانَ يَقُول فِي الطَّعَام الْحَار إِنَّه غير ذِي بركَة وَرُبمَا اسْتَعَانَ بالأصبع الرَّابِعَة فِي الْأكل حَدِيث أَن عُثْمَان جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بفالوذج قلت الْمَعْرُوف الخبيص كَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان حَدِيث كَانَ أحب الْفَوَاكِه إِلَيْهِ الْبِطِّيخ وَالْعِنَب لم أجد فِيهِ ذكر الْعِنَب حَدِيث كَانَ يَأْكُل الْبِطِّيخ بالخبز وَالسكر حَدِيث أكل رطبا فِي يَمِينه وَكَانَ يحفظ النَّوَى فِي يسَاره فمرت شَاة فَأَشَارَ إِلَيْهَا فَجعلت تَأْكُل النَّوَى فِي يسَاره. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 حَدِيث أكل الْعِنَب خرطا يَرْمِي دقله حَتَّى إِنَّه يتحدر على لحيته كتحدر اللُّؤْلُؤ لم أجد مَا بعد قَوْله خرطا حَدِيث كَانَ أحب الطَّعَام إِلَيْهِ اللَّحْم وَيَقُول هُوَ يزِيد فِي السّمع وَلَو سَأَلت رَبِّي أَن يطعمينه كل يَوْم لفعل حَدِيث كَانَ يحب القرع حَدِيث عَائِشَة إِذا طبختم قدرا فَأَكْثرُوا فِيهَا من الدُّبَّاء فَإِنَّهَا تشد قلب الحزين حَدِيث كَانَ يَأْكُل لحم الطير الَّذِي يصاد وَكَانَ لَا يتبعهُ وَلَا يصيده ويحب أَن يصاد لَهُ وَيُؤْتى بِهِ فيأكله حَدِيث كَانَ إِذا أكل اللَّحْم لم يُطَأْطِئ رَأسه إِلَيْهِ وَيَرْفَعهُ إِلَى فِيهِ رفعا ثمَّ ينتهشه انتهاشا حَدِيث دَعَا فِي الْعَجْوَة بِالْبركَةِ حَدِيث كَانَ يحب من الْبُقُول الهندبا والباذروج والبقلة الحمقاء الَّتِي يُقَال لَهَا الرجلة حَدِيث كَانَ لَا يَأْكُل الثوم وَلَا البصل وَلَا الكراث حَدِيث كَانَ يعاف الطحال وَلَا يحرمه حَدِيث كَانَ يعلق الصفحة حَدِيث كَانَ يعلق أَصَابِعه حَتَّى تحمر حَدِيث كَانَ إِذا أكل الْخبز وَاللَّحم خَاصَّة غسل يَدَيْهِ غسلا ثمَّ يمسح بِفضل المَاء على وَجهه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 حَدِيث كَانَ يمص المَاء مصا وَلَا يعب عبا لم أجد قَوْله وَلَا يعب عبا وَلَكِن هُوَ لَازم لَهُ حَدِيث رُبمَا شرب فِي نفس وَاحِد حَتَّى يفرغ لم أَجِدهُ إِلَّا من قَوْله حَدِيث كَانَ لَا يتنفس فِي الْإِنَاء حَتَّى ينحرف عَنهُ لم أَجِدهُ إِلَّا من قَوْله حَدِيث أُتِي بِإِنَاء فِيهِ لبن وَعسل فَأبى أَن يشربه وَقَالَ شربتان فِي شربة وإدامان فِي إِنَاء وَاحِد ثمَّ قَالَ لَا أحرمهُ وَلَكِنِّي أكره الْفَخر والحساب بِفُضُول الدُّنْيَا. . الحَدِيث حَدِيث كَانَ فِي بَيته أَشد حَيَاء من العاتق لَا يسألهم طَعَاما وَلَا يتشهاه عَلَيْهِم إِن أطعموه أكل وَمَا أَعْطوهُ قبل وَمَا سقوه شرب حَدِيث رُبمَا قَامَ فَأخذ مَا يَأْكُل أَو يشرب بِنَفسِهِ حَدِيث كَانَ أَكثر لِبَاسه الْبيَاض حَدِيث كَانَ يلبس القباء المحشو للحرب وَغير الْحَرْب حَدِيث كَانَ لَهُ قبَاء سندس فيلبسه فتحسن خضرته على بَيَاض لَونه لم أجد قَوْله فتحسن خضرته على بَيَاض لَونه حَدِيث كَانَ قيمصه مشدود الأزرار حَدِيث رُبمَا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي ملحفة مصبوغة بالزعفران وَحدهَا أَو كسَاء وَحده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 حَدِيث كَانَ لَهُ كسَاء ملبد يلْبسهُ وَيَقُول إِنَّمَا أَنا عبد ألبس كَمَا يلبس العبيد حَدِيث كَانَ لَهُ ثَوْبَان لجمعته خَاصَّة حَدِيث رُبمَا أم النَّاس فِي الْجَنَائِز فِي الْإِزَار الْوَاحِد لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره يعْقد طرفه بَين كَتفيهِ حَدِيث رُبمَا صلى فِي بَيته فِي إِزَار وَاحِد ملتحفا بِهِ قد جَامع فِيهِ يَوْمئِذٍ حَدِيث رُبمَا صلى بِاللَّيْلِ فِي الْإِزَار ويرتدي بِبَعْض الثَّوْب مِمَّا يَلِي هدبة وَبَعضه على بعض نِسَائِهِ لم أجد قَوْله مِمَّا يَلِي هدبة حَدِيث كَانَ لَهُ كسَاء أسود فوهبه فَقَالَت لَهُ أم سَلمَة مَا فعل الكساء. . الحَدِيث حَدِيث أنس رُبمَا رَأَيْته يُصَلِّي بِنَا الظّهْر فِي شملة عاقدا بَين طرفيها حَدِيث الْخَاتم على الْكتاب خير من التُّهْمَة حَدِيث كَانَ يلبس القلانس تَحت العمائم وَبِغير عِمَامَة لم أجد فِيهِ ذكر العمائم حَدِيث رُبمَا نزع قلنسوته فَجَعلهَا ستْرَة بَين يَدَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي إِلَيْهَا حَدِيث شدّ الْعِصَابَة على رَأسه وعَلى جَبهته حَدِيث كَانَت لَهُ عِمَامَة تسمى السَّحَاب فَوَهَبَهَا من عَليّ فَكَانَ يَقُول أَتَاكُم عَليّ فِي السَّحَاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 حَدِيث كَانَ إِذا نزع ثَوْبه أخرجه من مياسره حَدِيث كَانَ إِذا لبس جَدِيدا أعْطى خلق ثِيَابه مِسْكينا ثمَّ يَقُول مَا من مُسلم يكسو مُسلما من سمل ثِيَابه. . الحَدِيث حَدِيث كَانَ طول فرَاشه ذراعين وَعرضه ذِرَاع وشبر أَو نَحوه حَدِيث كَانَ لَهُ سيف يُسمى المخذم وَآخر يُقَال لَهُ الرسوب وَآخر يُقَال لَهُ الْقَضِيب حَدِيث كَانَ اسْم قوسه الكتوم وجعبته الكافور حَدِيث كَانَ اسْم شاته الَّتِي يشرب لَبنهَا عينة حَدِيث كَانَ لَهُ مطهرة من فخار وَيُرْسل النَّاس أَوْلَادهم فَيدْخلُونَ فيشربون مِنْهَا ويمسحون وجوهم وأجسادهم للبركة حَدِيث كَانَ رَقِيق الْبشرَة لطيف الظَّاهِر وَالْبَاطِن يعرف فِي وَجهه غَضَبه وَرضَاهُ حَدِيث كَانَ إِذا أَمر النَّاس بِالْقِتَالِ تشمر حَدِيث كَانَ قوى الْبَطْش حَدِيث رُبمَا جعل شعره على أُذُنَيْهِ فتبدو سوالفه تتلألأ حَدِيث كَانَ أحسن النَّاس وَجها وأنورهم لم يصفه واصف إِلَّا شبهه بالقمر لَيْلَة الْبَدْر حَدِيث شعر الصّديق فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمِين مصطفى للخير يَدْعُو كضوء الْبَدْر زايله الظلام حَدِيث طَوِيل فِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 حَدِيث وَأَنا قثم حَدِيث أطْعم مرّة ثَمَانِينَ من أَرْبَعَة أَمْدَاد شعير وعناق حَدِيث أطْعم أهل الْجَيْش من تمر يسير ساقته بنت بشير فِي يَديهَا. . الحَدِيث حَدِيث إخْبَاره بمقتل الْأسود الْعَنسِي لَيْلَة قتل وَمن قَتله حَدِيث أَنه خرج على مائَة من قُرَيْش فَوضع التُّرَاب على رؤوسهم وَلم يروه لم أر فِيهِ أَنهم كَانُوا مائَة حَدِيث قَالَ لنفر من أَصْحَابه أحدكُم ضرسه فِي النَّار مثل أحد. . الحَدِيث ذكره الدراقطني فِي المؤتلف والمختلف من حَدِيث أبي هُرَيْرَة تَعْلِيقا حَدِيث مسح يَد طَلْحَة يَوْم أحد لما رأى بهَا دَمًا من شلل أَصَابَهَا حَدِيث خطب امْرَأَة فَقَالَ أَبوهَا إِن بهَا برصا وَلم يكن فَقَالَ فلتكن كَذَلِك فبرصت وَهِي أم شبيب الَّذِي يعرف بِابْن البرصاء الشَّاعِر وَالله أعلم = كتاب شرح عجائب الْقلب = حَدِيث يُقَال يَوْم الْقِيَامَة يَا راعي السوء أكلت اللَّحْم وشربت اللَّبن وَلم ترد الضَّالة. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 حَدِيث يَقُول الله تَعَالَى لقد طَال شوق الْأَبْرَار إِلَى لقائي. . الحَدِيث حَدِيث إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا جعل لَهُ واعظا من قلبه ذكره فِي الفردوس من حَدِيث أم سَلمَة حَدِيث من كَانَ لَهُ من قلبه واعظ كَانَ عَلَيْهِ من الله حَافظ حَدِيث من قارف ذَنبا فَارقه عقل لَا يعود إِلَيْهِ أبدا حَدِيث ابْن عمر قيل يَا رَسُول الله أَيْن الله قَالَ (فِي قُلُوب عباده الْمُؤمنِينَ) حَدِيث لم تسعني أرضي وَلَا سمائي ووسعني قلب عَبدِي الْمُؤمن الْبر الوادع حَدِيث إِذا تقرب النَّاس إِلَى الله بأنواع الْبر فتقرب أَنْت بعقلك لقَوْله تَعَالَى حَدِيث سبق المفردون وَفِي آخِره وضع الذّكر أوزارهم فَوَرَدُوا الْقِيَامَة خفافا ثمَّ قَالَ فِي وَصفهم أقبل عَلَيْهِم بوجهي. . الحَدِيث حَدِيث أخرجُوا من النَّار من كَانَ فِي قلبه ربع مِثْقَال من إِيمَان حَدِيث إِذا بلغ الرجل أَرْبَعِينَ سنة وَلم يتب مسح الشَّيْطَان بِيَدِهِ وَجهه فَقَالَ يَا وَجه لَا تفلح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 حَدِيث اتَّقوا مَوَاضِع التُّهْمَة حَدِيث عُثْمَان بن مَظْعُون يَا رَسُول الله نَفسِي تُحَدِّثنِي أَن أطلق خَوْلَة قَالَ (مهلا إِن من سنتي النِّكَاح) . . الحَدِيث حَدِيث مَا من عبد إِلَّا وَله أَرْبَعَة أعين عينان فِي رَأسه يبصر بهما أَمر دُنْيَاهُ وعينان فِي قلبه يبصر بهما أَمر دينه = كتاب رياضة النَّفس = حَدِيث جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَين يَدَيْهِ فَقَالَ مَا الدّين قَالَ (حسن الْخلق) . . الحَدِيث حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أول مَا يوضع فِي الْمِيزَان حسن الْخلق والسخاء وَلما خلق الله الْإِيمَان قَالَ اللَّهُمَّ قوني فقواه بِحسن الْخلق والسخاء وَلما خلق الله الْكفْر. . الحَدِيث حَدِيث سوء الْخلق ذَنْب لَا يغْفر وَسُوء الظَّن خَطِيئَة تنوح فِي حَدِيث الفرغاني من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا مَا من ذَنْب إِلَّا وَله تَوْبَة إِلَّا سوء الْخلق. . الحَدِيث حَدِيث حسنوا أخلاقكم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 حَدِيث الْمُؤمن بَين خمس شَدَائِد مُؤمن يحسده ومنافق يبغضه. . الحَدِيث حَدِيث كف أذاك عَن نَفسك وَلَا تتَابع هَواهَا فِي مَعْصِيّة الله إِذْ تخاصمك يَوْم الْقِيَامَة فيلعن بعضك بَعْضًا إِلَّا أَن يغْفر الله وَيسْتر حَدِيث إِذا رَأَيْتُمْ الْمُؤمن صموتا وقورا فادنوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يلقن الْحِكْمَة هُوَ عِنْد ابْن مَاجَه بِلَفْظ آخر حَدِيث سُئِلَ عَن عَلامَة الْمُؤمن وَالْمُنَافِق فَقَالَ إِن الْمُؤمن همته فِي الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْعِبَادَة وَالْمُنَافِق همته فِي الطَّعَام وَالشرَاب كالبهيمة حَدِيث عَلَيْكُم بدين الْعَجَائِز قَالَ ابْن طَاهِر لم أَقف لَهُ على أصل = كتاب كسر الشهوتين = حَدِيث جاهدوا أَنفسكُم بِالْجُوعِ والعطش. . الحَدِيث حَدِيث ابْن عَبَّاس لَا يدْخل ملكوت السَّمَاء من مَلأ بَطْنه حَدِيث أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ من قل طعمه وضحكة وَرَضي بِمَا يستر عَوْرَته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 حَدِيث سيد الْأَعْمَال الْجُوع وذل النَّفس لِبَاس الصُّوف حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ البسوا وَاشْرَبُوا وكلوا فِي أَنْصَاف الْبُطُون فَإِنَّهُ جُزْء من النُّبُوَّة حَدِيث الْحسن أفضلكم عِنْد الله عز وَجل أطولكم جوعا فِي تفكر. . الحَدِيث حَدِيث لَا تميتوا الْقلب بِكَثْرَة الطَّعَام وَالشرَاب. . الحَدِيث حَدِيث أبي هُرَيْرَة أقرب النَّاس من الله يَوْم الْقِيَامَة من طَال جوعه وعطشه وحزنه فِي الدُّنْيَا الأتقياء الأخفياء. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة البسوا الصُّوف وشمروا وكلوا فِي أَنْصَاف الْبُطُون تدْخلُوا فِي ملكوت السَّمَاء حَدِيث طَاوس أجيعوا أكبادكم واعروا أجسادكم لَعَلَّ قُلُوبكُمْ ترى الله حَدِيث الْأكل على الشِّبَع يُورث البرص حَدِيث عَائِشَة أديموا قرع بَاب الْجنَّة بِالْجُوعِ حَدِيث عَائِشَة لم يمتلىء قطّ شبعا وَرُبمَا بَكَيْت رَحْمَة لَهُ مِمَّا أرى بِهِ من الْجُوع. . الحَدِيث حَدِيث إِن أهل الْجُوع فِي الدُّنْيَا هم أهل الشِّبَع فِي الْآخِرَة. . الحَدِيث حَدِيث أحيوا قُلُوبكُمْ بقلة الضحك وطهروها بِالْجُوعِ تصفو وترق حَدِيث من أجاع بَطْنه عظمت فكرته وفطن قلبه حَدِيث من شبع ونام قسا قلبه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 حَدِيث إِن لكل شَيْء زَكَاة وَزَكَاة الْجَسَد الْجُوع حَدِيث نور الْحِكْمَة الْجُوع والتباعد من الله الشِّبَع. . الحَدِيث حَدِيث البطنة أصل الدَّاء وَالْحمية رَأس الدَّوَاء وعودوا كل بدن مَا اعْتَادَ حَدِيث أبي ذَر نخل لكم الشّعير وَلم يكن ينخل وخبزتم المرقق وجمعتم بَين إدامين إِلَى آخِره حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ كَانَ إِذا تغدى لم يتعش وَإِذا تعشى لم يتغد حَدِيث عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَا قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيامكم هَذَا قطّ وَإِن كَانَ ليقوم حَتَّى تورم قدماه. . الحَدِيث هُوَ عِنْد النَّسَائِيّ مُخْتَصرا حَدِيث عَائِشَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يواصل إِلَى السحر حَدِيث شرار أمتِي الَّذين يَأْكُلُون مخ الْحِنْطَة حَدِيث ابْن عمر أَيّمَا امرىء اشْتهى شَهْوَة فَرد شَهْوَته وآثر بهَا على نَفسه غفر الله لَهُ ذكره ابْن حَيَّان فِي الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن خَالِد غير مَوْصُول الْإِسْنَاد حَدِيث لَا يستدير الرَّغِيف وَيُوضَع بَين يَديك حَتَّى يعْمل فِيهِ ثلثمِائة وَسِتُّونَ صانعا. . الحَدِيث أثر عمر عرض عَلَيْهِ مَاء ممزوج بِعَسَل فَتَركه وَفِي أَوله حَدِيث حبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَسَل الْمَرْفُوع مِنْهُ فِي الصَّحِيح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 حَدِيث تَفْسِير {وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب} هُوَ الذّكر إِذا دخل حَدِيث كَانَ يضْرب فَخذ عَائِشَة أَحْيَانًا وَيَقُول (كلميني يَا عَائِشَة) حَدِيث من عشق فعف فكتم فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيد ذكره ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء فِي تَرْجَمَة سُوَيْد بن سعيد = كتاب آفَات اللِّسَان = حَدِيث من وقِي شَرّ قبقبة وذبذبه ولقلقه فقد وقِي وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود النَّاس ثَلَاثَة غَانِم وَسَالم وشاحب ... الحَدِيث حَدِيث إِن لِسَان الْمُؤمن وَرَاء قلبه فَإِذا أَرَادَ أَن يتَكَلَّم بِشَيْء تدبره. . الحَدِيث حَدِيث من كثر سقطه. . الحَدِيث يكْتب من الْمِيزَان من تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم بن الْأَشْعَث وَأَظنهُ فِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ حَدِيث الْمُؤمن لَا يكون صمته إِلَّا فكرا وَنَظره إِلَّا عِبْرَة ونطقه إِلَّا ذكرا حَدِيث مَا أُوتِيَ رجل شرا من فضل فِي لِسَان ذكره ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصمت مُنْقَطع الْإِسْنَاد من وَسطه غير مَوْصُول حَدِيث ذَروا المراء فَإِنَّهُ لَا تفهم حكمته وَلَا تؤمن فتنته لم أجد قَوْله لَا تفهم حكمته إِلَّا من قَول ابْن مَسْعُود وَقَالَ لَا تقبل بدل لَا تفهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 حَدِيث سِتّ من كن فِيهِ قد بلغ حَقِيقَة الْإِيمَان الصّيام فِي الصَّيف وَضرب أَعدَاء الله عز وَجل بِالسَّيْفِ وتعجيل الصَّلَاة فِي يَوْم الدجن وَالصَّبْر على المصيبات وإسباغ الْوضُوء على المكاره وَترك المراء وَهُوَ صَادِق وَحَدِيث تَكْفِير كل لحاء رَكْعَتَانِ حَدِيث يمكنكم من الْجنَّة طيب الْكَلَام وإطعام الطَّعَام لم أره بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا من قَول ابْن الْمُنْكَدر حَدِيث مَا شهد رجل على رجل بالْكفْر إِلَّا بَاء بِهِ أَحدهمَا. . الحَدِيث ينظر فِي الْأَدَب للْبُخَارِيّ حَدِيث معَاذ أَنهَاك أَن تَشْتُم مُسلما أَو تَعْصِي إِمَامًا عادلا رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية حَدِيث أَيهَا النَّاس احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وإخواني وأصهاري وَلَا تسبوهم أَيهَا النَّاس إِذا مَاتَ الْمَيِّت فاذكروا مِنْهُ خيرا حَدِيث إِن الْمَظْلُوم ليدعو على الظَّالِم حَتَّى يُكَافِئهُ ثمَّ يبْقى للظالم عِنْده فضل يَوْم الْقِيَامَة حَدِيث عَائِشَة فِي تمثلها فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشعر أبي كَبِير الْهُذلِيّ ومبرأ من كل غبر إِلَى آخِره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 حَدِيث شعر عَبَّاس بن مرداس وَمَا كَانَ وفِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اقْطَعُوا عني لِسَانه) وَذكر مَا فِي الحَدِيث وَفِيه (لَا تدع الْعَرَب الشّعْر حَتَّى تدع الْإِبِل الحنين) أصل الحَدِيث عِنْد مُسلم مُخْتَصرا حَدِيث عَطاء عَن ابْن عَبَّاس كسا ذَات يَوْم امْرَأَة من نِسَائِهِ ثوبا وَاسِعًا فَقَالَ لَهَا ألبسيه واحمدي وَجرى مِنْهُ ذيلا كذيل الْعَرُوس حَدِيث عَائِشَة خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة بدر فَقَالَ (تَعَالَى حَتَّى أسابقك) . . الحَدِيث وَفِيه فَقَالَ (هَذِه مَكَان ذِي الْمجَاز) حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا لطخت وَجه سَوْدَة بحريره فِي حَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث إِن الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدِي امْرَأَتَانِ أحسن من هَذِه الْحُمَيْرَاء أَفلا أنزل لَك عَن إِحْدَاهمَا الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن عُيَيْنَة بن بدر الْفَزارِيّ قَالَ وَالله لَيَكُونن لي الابْن قد تزوج وبقل وَجهه مَا قبلته قطّ ... الحَدِيث حَدِيث كَانَ إِذا وعد وَعدا قَالَ عَسى حَدِيث وعد أَبَا الْهَيْثَم خَادِمًا فَأَتَتْهُ فَاطِمَة تسأله خَادِمًا فَقَالَ كَيفَ بموعدي لأبي الْهَيْثَم وآثره عَلَيْهَا لم أجد فِيهِ ذكر فَاطِمَة حَدِيث بَينا هُوَ يقسم غَنَائِم هوَازن بحنين قَالَ لَهُ رجل إِن لي عنْدك موعدا قَالَ أحتكم ثَمَانِينَ ضائنة وراعيها قَالَ هِيَ لَك وَقَالَ احتكمت يَسِيرا ولصاحبه مُوسَى الَّتِي دلته على عِظَام يُوسُف كَانَت أحزم مِنْك. . الحَدِيث لم أجد فِيهِ أَنه بحنين وَلَا أَنه تمنى ثَمَانِينَ ضائنة وراعيها وأصل الحَدِيث عِنْد ابْن حبَان وَالْحَاكِم حَدِيث إِذا وعد الرجل أَخَاهُ وَفِي نِيَّته أَن يَفِي فَلم يجد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ حَدِيث رَأَيْت كَأَن جَاءَنِي رجل فَقَالَ لي قُم فَقُمْت مَعَه فَإِذا أَنا برجلَيْن أَحدهمَا قَائِم بِيَدِهِ كَلوب من حَدِيد ... الحَدِيث فَقَالَ هَذَا رجل كَذَّاب يعذب فِي قَبره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 حَدِيث أبي سعيد اللَّهُمَّ طهر قلبِي من النِّفَاق وفرجي من الزِّنَا ولساني من الْكَذِب حَدِيث النواس بن سمْعَان (مَالِي أَرَاكُم تتهافتون فِي الْكَذِب تهافت الْفراش فِي النَّار حَدِيث من تطعم بِمَا لَا يطعم أَو قَالَ لي وَلَيْسَ لَهُ أَو أَعْطَيْت وَلم يُعْط كَانَ كلابس ثوبي زور يَوْم الْقِيَامَة حَدِيث إِن من أعظم الْفِرْيَة أَن يدعى الرجل إِلَى غير أَبِيه أَو يرى عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَام مَا لم ير أَو يَقُول على مَا لم أقل فِي البُخَارِيّ من الحَدِيث ابْن عمر إِن من أفرى الفرى أَن يرى عَيْنَيْهِ مَا لم تَرَ حَدِيث المستمع أحد المغتابين حَدِيث مَا النَّار فِي اليبس بأسرع من الْغَيْبَة فِي حَسَنَات العَبْد حَدِيث ثَلَاث فِي الْمُؤمن وَله مِنْهُنَّ مخرج حَدِيث رد شَهَادَة الْأَب حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أَيّمَا رجل أشاع على رجل كلمة وَهُوَ مِنْهَا بَرِيء ... الحَدِيث وَلم أره إِلَّا مَوْقُوفا على أبي الدَّرْدَاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 رَوَاهُ كَذَلِك ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصمت حَدِيث ابْن عمر إِن الله لما خلق الْجنَّة قَالَ لَهَا تكلمي قَالَت سعد من دخلني فَقَالَ وَعِزَّتِي لَا يسكن فِيك ثَمَانِيَة نفر مدمن الْخمر. . الحَدِيث حَدِيث أبْغض خَلِيقَة الله إِلَى الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة الكذابون والمستكبرون وَالَّذين يكثرون الْبغضَاء لإخوانهم فِي صُدُورهمْ فَإِذا لقوهم تملقوا لَهُم ... الحَدِيث حَدِيث حب الجاه وَالْمَال ينبتان النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء البقل حَدِيث قَالَ لمن مدح رجلا عقرت الرجل عقرك الله حَدِيث لَو مَشى رجل إِلَى رجل بسكين مرهف كَانَ خيرا لَهُ من أَن يثني عَلَيْهِ فِي وَجهه حَدِيث لَو لم أبْعث لبعث عمر حَدِيث جَابر مَا نزلت آيَة التلاعن إِلَّا لِكَثْرَة السُّؤَال = كتاب ذمّ الْغَضَب والحقد = حَدِيث ابْن عمر قل لي قولا وأقلل لعَلي أعقله فَقَالَ لَا تغْضب ... الحَدِيث حَدِيث مَا غضب أحد إِلَّا أشفي على جَهَنَّم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 حَدِيث قَالَ لَهُ رجل أَي شَيْء أَشد عَليّ قَالَ غضب الله عز وَجل حَدِيث الْغَضَب من النَّار حَدِيث لَوْلَا الْقصاص لأوجعتك حَدِيث أبي هُرَيْرَة كَانَ إِذا غضب وَهُوَ قَائِم جلس وَإِذا غضب وَهُوَ جَالس اضْطجع هُوَ عِنْد أبي دَاوُد من قَوْله لَا من فعله من حَدِيث أبي ذَر حَدِيث أَشدّكُم من ملك نَفسه عِنْد الْغَضَب وأحلمكم من عَفا عِنْد الْمقدرَة لم أجد الشّطْر الْأَخير مِنْهُ حَدِيث اللَّهُمَّ أغنني بِالْعلمِ وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية حَدِيث أبي هُرَيْرَة ابْتَغوا الرّفْعَة عِنْد الله قَالُوا وَمَا هِيَ قَالَ تصل من قَطعك لم أجد صدر الحَدِيث حَدِيث إِن الرجل الْمُسلم ليدرك بالحلم دَرَجَة الصَّائِم لم أجد قَوْله بالحلم وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف بِحسن خلقه حَدِيث ابْن عمر فِي حَدِيث طَوِيل حَتَّى ترى النَّاس كلهم حمقى فِي ذَات الله عز وَجل حَدِيث عَائِشَة فِي بعث أَزوَاجه زَيْنَب بنت جحش وَقَول عَائِشَة فسببتها حَتَّى جف لساني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 لم أجد قَول عَائِشَة هَذَا بِهَذَا اللَّفْظ حَدِيث جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشكو مظْلمَة. . الحَدِيث وَفِيه إِن المظلومين هم المفلحون يَوْم الْقِيَامَة فَأبى أَن يَأْخُذهَا حِين سمع. . الحَدِيث حَدِيث سُهَيْل بن عَمْرو يَا معشر قُرَيْش مَا تَقولُونَ ... الحَدِيث وَفِيه أَقُول كَمَا قَالَ أخي يُوسُف {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} . . الْآيَة حَدِيث أَيّمَا وَال ولي ولَايَة ورفق رفق الله بِهِ يَوْم الْقِيَامَة. . الحَدِيث ذكره المُصَنّف فِي آخر كتاب الْحَسَد من رِوَايَة الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث ثَلَاث لَا ينجو مِنْهُنَّ أحد الظَّن والطيرة والحسد وَسَأُحَدِّثُكُمْ بالمخرج من ذَلِك ... الحَدِيث حَدِيث إِنَّه سيصيب أمتِي دَاء الْأُمَم قبلهَا الأشر والبطر وَالتَّكَاثُر ... الحَدِيث حَدِيث أخوف مَا أَخَاف على أمتِي أَن يكثر عَلَيْهِم المَال فيتحاسدون ويقتتلون فِي مُسلم نَحوه من حَدِيث عَمْرو بن عَوْف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 حَدِيث إِن لنعم الله أَعدَاء فَقيل وَمن هم قَالَ (الَّذين يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله حَدِيث سِتَّة يدْخلُونَ النَّار قبل الْحساب بِسنة الْأُمَرَاء بالجور ... الحَدِيث حَدِيث إِن الْمُؤمن يغبط وَالْمُنَافِق يحْسد حَدِيث حسد كثير من الْكفَّار لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَالُوا {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} حَدِيث أهل الْجنَّة ثَلَاثَة المحسن والمحب لَهُ وَالْكَاف عَنهُ = كتاب ذمّ الدُّنْيَا = حَدِيث يَا عجبا كل الْعجب لمصدق بدار الْحَيَوَان وَهُوَ يسْعَى لدار الْغرُور حَدِيث أَنه وقف على مزبلة وَقَالَ هلموا إِلَى الدُّنْيَا وَذكره المُصَنّف بعد مطولا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الزّهْد لِابْنِ الْمُبَارك من قَول أبي هُرَيْرَة مُخْتَصرا وَمن حَدِيث الْحسن مُرْسلا حَدِيث إِن الله لم يخلق خلقا أبْغض إِلَيْهِ من الدُّنْيَا وَإنَّهُ مُنْذُ خلقهَا لم ينظر إِلَيْهَا حَدِيث الدُّنْيَا دَار من لَا دَار لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 وَفِيه وَعَلَيْهَا يعادى من لَا علم لَهُ وَعَلَيْهَا يحْسد من لَا فقه لَهُ وَلها يسْعَى من لَا يَقِين لَهُ لم أجد هَذِه الزِّيَادَة حَدِيث الدُّنْيَا مَوْقُوفَة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مُنْذُ خلقهَا الله لَا ينظر إِلَيْهَا ... الحَدِيث حَدِيث إِذا عرض لَهُم شَيْء من الدُّنْيَا وَثبُوا عَلَيْهِ حَدِيث احْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَسحر من هاروت وماروت حَدِيث الْحسن هَل فِيكُم من يُرِيد أَن يذهب الله عَنهُ الْعَمى ويجعله بَصيرًا ... الحَدِيث حَدِيث لَا تشْغَلُوا قُلُوبكُمْ بِذكر الدُّنْيَا حَدِيث أبي الدَّرْدَاء لَو تعلمُونَ مَا أعلم وَفِيه لهانت عَلَيْكُم الدُّنْيَا ولآثرتم الْآخِرَة لم أجد هَذِه الزِّيَادَة حَدِيث لتأتينكم بعدِي دنيا تَأْكُل إيمَانكُمْ كَمَا تَأْكُل النَّار الْحَطب حَدِيث زهد وتحذيره أَصْحَابه من فتْنَة الدُّنْيَا حَدِيث الدُّنْيَا حلم وَأَهْلهَا عَلَيْهَا مجازون ومعاقبون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 حَدِيث مثل هَذِه الدُّنْيَا مثل ثوب شقّ من أَوله إِلَى أَخّرهُ حَدِيث حلالها حِسَاب وحرامها عَذَاب حَدِيث إِنِّي لأجد نفس الرَّحْمَن من جِهَة الْيمن إِشَارَة إِلَى أويس حَدِيث وَمن الْفرْقَة النَّاجِية قَالَ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة = كتاب ذمّ المَال وَالْبخل = قيل أَي أمتك أشر قَالَ الْأَغْنِيَاء حَدِيث سَيَأْتِي بعدِي قوم يَأْكُلُون لطائف الدُّنْيَا وألوانها. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث (أخلاء ابْن آدم ثَلَاثَة وَاحِد يتبعهُ إِلَى قبض روحه وَهُوَ مَاله لم أَجِدهُ بِهَذَا اللَّفْظ والْحَدِيث فِي كتاب الْإِيمَان من الْمُسْتَدْرك حَدِيث سلمَان يجاء بِصَاحِب الدُّنْيَا الَّذِي أطَاع الله فِيهَا وَمَاله بَين يَدَيْهِ كلما تكفأ بِهِ الصِّرَاط قَالَ لَهُ امْضِ. . الحَدِيث حَدِيث أبي مُوسَى نزلت سُورَة نَحْو بَرَاءَة ثمَّ رفعت حفظ مِنْهَا إِن الله يُؤَيّد هَذَا الدّين بِقوم لَا خلاق لَهُم الحَدِيث أَصله فِي مُسلم وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 حَدِيث ابْن عمر خصلتان يحبهما الله حسن الْخلق والسخاء. . الحَدِيث حَدِيث ابْن مَسْعُود الرزق إِلَى مطعم الطَّعَام أسْرع من السكين إِلَى ذرْوَة الْبَعِير. . الحَدِيث لم أره من حَدِيث ابْن مَسْعُود حَدِيث ابْن عمر إِن لله عبادا يخصهم بِالنعَم لمنافع النَّاس. . الحَدِيث حَدِيث الْهِلَالِي أُتِي بأسرى من بني العنبر فَأمر بِقَتْلِهِم فأفرد مِنْهُم رجلا. . الحَدِيث فِي السخاء حَدِيث إِن لكل شَيْء ثَمَرَة وثمره الْمَعْرُوف تَعْجِيل السراح حَدِيث ابْن عَبَّاس الْجُود من جود الله فجودوا يجد الله لكم ... الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث السخاء شَجَرَة تنْبت فِي الْجنَّة فَلَا يلج الْجنَّة إِلَّا سخي ... الحَدِيث حَدِيث عَليّ إِن الله ليبغض الْبَخِيل فِي حَيَاته السخي عِنْد مَوته حَدِيث لَا يَنْبَغِي لمُؤْمِن أَن يكون جَبَانًا وَلَا بَخِيلًا حَدِيث يَقُول قائلكم الشَّيْخ أعذر من الظَّالِم وَأي ظلم أظلم من الشُّح ... الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 حَدِيث كَانَ يطوف فَإِذا رجل مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَهُوَ يَقُول بحرمه الْبَيْت إِلَّا غفرت لي فَقَالَ وَمَا ذَنْبك صفه لي قَالَ هُوَ أعظم. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث إِنَّك لبخيل حَدِيث بَات عَليّ على فرَاش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل (إِنِّي آخيت بَيْنكُمَا وَجعلت عمر أَحَدكُمَا أطول من الآخر فأيكما يُؤثر صَاحبه بِالْحَيَاةِ ... الحَدِيث فِي نزُول قَوْله تَعَالَى {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله} حَدِيث قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف أما إِنَّك أول من يدْخل الْجنَّة من أَغْنِيَاء أمتِي وَمَا كدت أَن تدْخلهَا إِلَّا حبوا لم أره بِهَذَا اللَّفْظ حَدِيث من أَسف على دنيا فَأَتَتْهُ اقْترب من النَّار مسيرَة سنة حَدِيث من أحب الدُّنْيَا وسر بهَا ذهب خوف الْآخِرَة من قبله حَدِيث يُؤْتى بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة وَقد جمع مَالا من حرَام وأنفقه فِي حرَام ... الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث يدْخل فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ الْجنَّة قبل أغنيائهم فيتمتعون ويأكلون وَالْآخرُونَ جثاة على ركبهمْ فَيَقُول قبلكُمْ طلبتي أَنْتُم حكام النَّاس وملوكهم فأروني ماصنعتم فِيمَا أعطيتم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 حَدِيث سادت الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة من إِذا تغدى لم يجد عشَاء ... الحَدِيث حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن كَانَت لي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منزلَة وجاه فَقَالَ يَا عمرَان هَل لَك فِي عِيَادَة فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . الحَدِيث بِطُولِهِ = كتاب ذمّ الجاه والرياء = حَدِيث جَابر بِحَسب امْرِئ من الشَّرّ إِلَّا من عصمه الله من السوء أَن يُشِير النَّاس إِلَيْهِ بالأصابع فِي دينه ودنياه إِن الله لَا ينظر إِلَى صوركُمْ. . الحَدِيث حَدِيث ابْن مَسْعُود رب ذِي طمرين لَا يؤبه لَهُ ... الحَدِيث لم أَجِدهُ مُسْندًا من حَدِيثه حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِن أهل الْجنَّة كل أَشْعَث أغبر ذِي طمرين لَا يؤبه لَهُ الَّذين إِذا اسْتَأْذنُوا على الْأُمَرَاء لم يُؤذن لَهُم وَإِذا خطبوا النِّسَاء لم ينكحوا. . الحَدِيث هُوَ فِي مُسلم مُخْتَصر بِلَفْظ آخر من رِوَايَة الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة حَدِيث إِن من أمتِي من لَو أَتَى أحدكُم فَسَأَلَهُ دِينَارا لم يُعْطه إِيَّاه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 وَلَو سَأَلَهُ درهما لم يُعْطه إِيَّاه وَلَو سَأَلَهُ فلسًا لم يُعْطه إِيَّاه وَلَو سَأَلَ الله تَعَالَى الْجنَّة لأعطاه. . الحَدِيث حَدِيث قَالَ لعَلي إِنَّمَا هَلَاك أمتِي بِاتِّبَاع الْهوى وَحب الثَّنَاء حَدِيث أَن رجلا أثنى على رجل فَقَالَ لَو كَانَ صَاحبك حَاضرا فَرضِي الَّذِي قلت وَمَات على ذَلِك دخل النَّار حَدِيث لَو سَمعك مَا فلح إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لم أجد قَوْله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة حَدِيث رَأس التَّوَاضُع أَن يكره أَن يذكر بِالْبرِّ وَالتَّقوى حَدِيث ويل للصَّائِم وويل للقائم وويل لصَاحب الصُّوف إِلَّا من تنزهت نَفسه عَن الدُّنْيَا وَأبْغض المدحة وَاسْتحبَّ المذمة حَدِيث فيمَ النجَاة قَالَ أَن لَا يعْمل العَبْد بِطَاعَة الله يُرِيد بهَا النَّاس حَدِيث ابْن عمر من رايا رايا الله بِهِ حَدِيث لَا يقبل الله عملا فِيهِ مِثْقَال ذرة من رِيَاء حَدِيث لما خلق الله الأَرْض فمادت بِأَهْلِهَا فخلق الْجبَال فصيرها أوتادا. . الحَدِيث هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ آخر أوردهُ فِي آخر كتاب الْقدر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 حَدِيث مَا ستر الله على عبد ذَنبا فِي الدُّنْيَا إِلَّا ستر عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة هُوَ فِي التِّرْمِذِيّ حَدِيث قَالَ لَهُ رجل صمت الدَّهْر فَقَالَ مَا صمت وَلَا أفطرت حَدِيث الْعَمَل كالوعاء إِذا طَابَ آخِره طَابَ أَوله لم أره إِلَّا بِلَفْظ إِذا طَابَ أَسْفَله طَابَ أَعْلَاهُ حَدِيث من رايا بِعَمَلِهِ سَاعَة حَبط عمله الَّذِي كَانَ قبله حَدِيث جَابر بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت الشَّجَرَة على أَن لَا نفر وَلم نُبَايِعهُ على الْمَوْت فأنسيناها يَوْم حنين حَتَّى نودينا يَا أَصْحَاب الشَّجَرَة فَرَجَعُوا لم أجد من قَوْله فأنسيناها حَدِيث يُضَاعف عمل الْعَلَانِيَة إِذا اسْتنَّ بعامله على عمل السِّرّ سبعين ضعفا روى بَقِيَّة عَن عبد الْملك بن مهْرَان عَن عُثْمَان بن زَائِدَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَرْفُوعا السِّرّ أفضل من الْعَلَانِيَة والعلانيه أفضل لمن أَرَادَ الِاقْتِدَاء أوردهُ فِي الْمِيزَان فِي تَرْجَمَة عبد الْملك وَكَانَ من ضعفاء الْعقيلِيّ حَدِيث ازهد فِي الدُّنْيَا يحبك الله وانبذ إِلَيْهِم هَذَا الحطام يحبوك لم أجد الشّطْر الثَّانِي بِهَذَا اللَّفْظ حَدِيث أول من يدْخل الْجنَّة ثَلَاثَة الإِمَام المقسط أحدهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 حَدِيث أبي سعيد أقرب النَّاس مني مَجْلِسا يَوْم الْقِيَامَة إِمَام عَادل الْأَصْفَهَانِي فِي التَّرْغِيب بِلَفْظ إِن أحب النَّاس إِلَى الله وأقربهم مني مَجْلِسا الإِمَام الْعَادِل حَدِيث الْحسن أَن رجلا ولاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ للنَّبِي خر لي قَالَ اجْلِسْ حَدِيث نعمت الْمُرضعَة وبئست الفاطمة رَوَاهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِلَّا أَنه قَالَ بئست فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَدِيث نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْقَضَاء حَدِيث الْحجَّاج الثَّقَفِيّ إِن مجَالِس الذّكر رياض الْجنَّة حَدِيث إِن الرِّيَاء سَبْعُونَ بَابا = كتاب ذمّ الْكبر وَالْعجب = حَدِيث اللَّهُمَّ أعوذ بك من نفحة الْكِبْرِيَاء حَدِيث زيد بن أسلم دخلت عَليّ ابْن عمر فَمر عَلَيْهِ عبد الله بن وَاقد عَلَيْهِ ثوب جَدِيد فَذكر حَدِيث لَا ينظرن الله إِلَى من جر إزَاره لم أجد فِيهِ ذكر عبد الله بن وَاقد والْحَدِيث عِنْد مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ حَدِيث أبي سَلمَة الْمَدِينِيّ عَن أَبِيه عَن جده كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عندنَا بقباء وَكَانَ صَائِما فأتيناه عِنْد إفطاره بقدح من لبن وَجَعَلنَا فِيهِ شَيْئا من عسل. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 وَفِيه أما إِنِّي لَا أحرمهُ وَمن تواضع لله رَفعه الله وَمن تكبر وَضعه الله وَمن اقتصده أغناه الله. . الحَدِيث حَدِيث قَامَ سَائل على الْبَاب وَبِه زَمَانه فَإِذن لَهُ فأجلسه على فَخذه ثمَّ قَالَ اطعم. . الحَدِيث حَدِيث إِذا هدى الله عبدا لِلْإِسْلَامِ وَحسن صورته وَجعله فِي مَوضِع غير شائن لَهُ ورزقه مَعَ ذَلِك تواضعا فَذَلِك من صفوة الله روى الطَّبَرَانِيّ نَحوه مَوْقُوفا على ابْن مَسْعُود حَدِيث أَربع لَا يعطيهن الله إِلَّا من يحب الصمت والتوكل والتواضع والزهد فِي الدُّنْيَا فِي المعجم الْكَبِير للطبراني والمستدرك نَحوه من حَدِيث أنس إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا بدل التَّوَكُّل ذكر الله وَبدل الزّهْد فِي الدُّنْيَا قلَّة الشَّيْء وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا حَدِيث كَانَ يطعم فَجَاءَهُ رجل أسود بِهِ جدري فأجلسه إِلَى جنبه حَدِيث إِنَّه ليعجبني أَن يحمل الرجل الشَّيْء فِي يَده فَيكون مهنة لأَهله يدْفع بِهِ الْكبر عَن نَفسه حَدِيث مَالِي لَا أرى عَلَيْكُم حلاوة الْعِبَادَة قَالُوا وَمَا هِيَ قَالَ التَّوَاضُع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 حَدِيث إِذا رَأَيْتُمْ المتواضعين من أمتِي فتواضعوا لَهُم وَإِذا رَأَيْتُمْ المتكبرين فتكبروا عَلَيْهِم. . الحَدِيث حَدِيث كفى بِالْمَرْءِ شرا أَن يحقر أَخَاهُ الْمُسلم هُوَ عِنْد مُسلم بِلَفْظ بِحَسب امرىء من الشَّرّ. . الحَدِيث حَدِيث أَن رجلَيْنِ تفاخر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَحدهمَا أَنا فلَان بن فلَان فَمن أَنْت لَا أم لَك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افتخر رجلَانِ عِنْد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام. . الحَدِيث حَدِيث كَانَ يمشي مَعَ أَصْحَابه فيأمرهم بالتقدم وَيَمْشي فِي الغمار حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ كَانَ يعلف الناضح وَيعْقل الْبَعِير ويقم الْبَيْت. . الحَدِيث بِطُولِهِ وَفِي آخِره حَدِيث لعَائِشَة فِي صفته أَيْضا حَدِيث من حمل الْفَاكِهَة وَالشَّيْء فقد برىء من الْكبر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِلَفْظ من حمل بضاعته قَول عمر مَا زَالَ يعرف فِي طَلْحَة بِأَو مُنْذُ أُصِيبَت أُصْبُعه مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث إِن صَلَاة المدل لَا ترفع فَوق رَأسه وَلِأَن تضحك وَأَنت معترف بذنبك خير من أَن تبْكي وَأَنت مدل بعملك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 حَدِيث أَذَان بِلَال على ظهر الْكَعْبَة ونزول {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} أما أَذَان بِلَال يَوْمئِذٍ فراوة ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة وَعقد لَهُ الْبَيْهَقِيّ بَابا فِي دَلَائِل النُّبُوَّة وَلَيْسَ فِيهِ ذكر أَن ذَلِك سَبَب نزُول الْآيَة = كتاب ذمّ الْغرُور = حَدِيث إِن الْغَزْو سيغلب على آخر هَذِه الْأمة حَدِيث معقل بن يسَار مُرْسلا يَأْتِي على النَّاس زمَان يخلق فِيهِ الْقُرْآن فِي قُلُوب الرِّجَال. . الحَدِيث حَدِيث شَرّ النَّاس عُلَمَاء السوء حَدِيث أبي الدردار إِذا زخرفتم مَسَاجِدكُمْ وحليتم مصاحفكم فالدمار عَلَيْكُم روينَاهُ فِي كتاب الْمَصَاحِف لِابْنِ أبي دَاوُد مَوْقُوفا على أبي الدَّرْدَاء وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَلم أره مَرْفُوعا حَدِيث لما أَرَادَ أَن يَبْنِي مَسْجِد الْمَدِينَة أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ ابْنه سَبْعَة أَذْرع طولا فِي السَّمَاء وَلَا تزخرفه وَلَا تنقشه حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أَرَأَيْت الرجل يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل ويحج ويعتمر. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 وَفِيه فَقَالَ إِنَّمَا يجزى على قدر عقله لم أره إِلَّا من حَدِيث ابْن عمر مَعَ اخْتِلَاف = كتاب التَّوْبَة = حَدِيث التائب حبيب الله حَدِيث إِن أَكثر صياح أهل النَّار من التسويف حَدِيث إِن حَبَشِيًّا قَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي كنت أعمل الْفَوَاحِش فَهَل لي من تَوْبَة فَقَالَ (نعم) فولى ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ أَكَانَ يراني وَأَنا أعملها قَالَ (نعم) فصاح صَيْحَة خرجت فِيهَا نَفسه حَدِيث قَالَ إِبْلِيس وَعزَّتك لَا خرجت من قلب ابْن آدم مَا دَامَ فِيهِ الرّوح فَقَالَ الله وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا حجبت عَنهُ التَّوْبَة مَا دَامَ فِيهِ الرّوح هُوَ فِي الْمُسْتَدْرك بِلَفْظ آخر من حَدِيث أبي سعيد حَدِيث إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات كَمَا يذهب المَاء الْوَسخ حَدِيث من الْكَبَائِر السبتان بالسبة وَمن الْكَبَائِر استطالة الرجل فِي عرض أَخِيه الْمُسلم حَدِيث الدُّنْيَا مزرعة الْآخِرَة روى الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد من رِوَايَة قيس بن حَازِم عَن جرير قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من يتزود فِي الدُّنْيَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 حَدِيث النَّاس نيام فَإِذا مَاتُوا انتبهوا حَدِيث إِن أخر من يخرج من النَّار يُقيم فِيهَا سَبْعَة الآف سنة حَدِيث الْغَضَب قطعه من النَّار هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد بِلَفْظ إِن الْغَضَب جَمْرَة فِي قلب ابْن آدم حَدِيث الْبلَاء مُوكل بالأنبياء ثمَّ الألياء ثمَّ الأمثل فالأمثل الْمَعْرُوف فِي لَفظه أَشد النَّاس بلَاء الْأَنْبِيَاء ثمَّ الصالحون ثمَّ الأمثل فالأمثل حَدِيث جالسوا التوابين فَإِنَّهُم أرق أَفْئِدَة حَدِيث أما إِنِّي لَا أنسى وَلَكِن أنسي لأشرع ذكره مَالك بلاغا وَلم يُوجد مُتَّصِلا حَدِيث إِذا عملت سَيِّئَة فأتبعتها حَسَنَة تكفرها السِّرّ بالسر وَالْعَلَانِيَة بالعلانية فِي المعجم الْكَبِير للطبراني من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَمَا عملت من سوء فأحدث لله تَوْبَة السِّرّ بالسر وَالْعَلَانِيَة بالعلانية حَدِيث حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين ينظر إِن كَانَ حَدِيثا فَإِن المُصَنّف قَالَ قَالَ الْقَائِل الصَّادِق فَينْظر من أَرَادَ حَدِيث مَا من يَوْم طلع فجره وَلَا لَيْلَة غَابَ شفقها إِلَّا وملكان يتجاوبان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 بأَرْبعَة أصوات فَيَقُول أَحدهمَا يَا لَيْت هَذَا الْخلق لم يخلقوا. . الحَدِيث حَدِيث عمر الطابع مُعَلّق بقائمة الْعَرْش فَإِذا انتهكت الحرمات الحَدِيث لم أره إِلَّا من حَدِيث ابْن عمر رَوَاهُ ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء حَدِيث مُجَاهِد الْقلب مثل الْكَفّ الْمَفْتُوحَة كلما أذْنب ذَنبا انقبضت أصْبع. . الحَدِيث لم أره إِلَّا من قَول حُذَيْفَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب حَدِيث مَا خلف دِينَارا وَلَا درهما إِنَّمَا خلف الْعلم وَالْحكمَة = كتاب الصَّبْر وَالشُّكْر = حَدِيث من أقل مَا أوتيم الْيَقِين وعزيمة الصَّبْر. . الحَدِيث بِطُولِهِ وَقد تقدم بعضه فِي الْعلم وَلم أَجِدهُ حَدِيث الصَّبْر كنز من كنوز الْجنَّة حَدِيث سُئِلَ مرّة مَا الْإِيمَان فَقَالَ الصَّبْر حَدِيث أفضل الْإِيمَان مَا أكرهت عَلَيْهِ النُّفُوس لم أره إِلَّا من قَول عمر بن عبد الْعَزِيز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 حَدِيث عَطاء عَن ابْن عَبَّاس دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْأَنْصَار فَقَالَ (أَمُؤْمِنُونَ أَنْتُم) فَسَكَتُوا فَقَالَ عمر نعم فَقَالَ (وَمَا علاقَة إيمَانكُمْ) فَقَالَ نشكر على الرخَاء وَنَصْبِر على الْبلَاء. . الحَدِيث حَدِيث من مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته حَدِيث أنس قَالَ الله يَا جِبْرِيل مَا جَزَاء من سلبت كريمته قَالَ سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا قَالَ جَزَاؤُهُ الخلود فِي دَاري وَالنَّظَر إِلَى وَجْهي حَدِيث من إجلال الله وَمَعْرِفَة حَقه أَن لَا تَشْكُو وجعك وَلَا تذكر مصيبتك حَدِيث إِن الله يبغض الشَّاب الفارغ حَدِيث يُنَادى مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة ليقمْ الْحَمَّادُونَ. . الحَدِيث فِي الطَّبَرَانِيّ نَحوه من حَدِيث ابْن عَبَّاس مُخْتَصرا حَدِيث الْحَمد رِدَاء الرَّحْمَن حَدِيث لَيْسَ شَيْء من الْأَذْكَار يُضَاعف مَا يُضَاعف الْحَمد لله حَدِيث قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عِيسَى مَشى على المَاء فَقَالَ لَو ازْدَادَ يَقِينا لمشى على الْهَوَاء حَدِيث سَيكون عَلَيْكُم أُمَرَاء يفسدون وَمَا يصلح الله بهم أَكثر فَإِن أَحْسنُوا. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 حَدِيث نعم العون على الدّين الْمَرْأَة الصَّالِحَة حَدِيث كَانَ من أكْرم أرومة فِي نسب آدم حَدِيث ويل لمن قَرَأَ هَذِه الْآيَة ثمَّ مسح بهَا سبلته يَعْنِي قَوْله {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي الْمَلَائِكَة الموكلين بالسماء وَالْأَرْض والنبات وَالْحَيَوَان والمطر حَدِيث إِن الْبقْعَة الَّتِي يجْتَمع فِيهَا النَّاس إِمَّا أَن تلعنهم إِذا تفَرقُوا أَو تستغفر لَهُم حَدِيث لعن الْمَلَائِكَة للعصاة حَدِيث من لم يسْتَغْن بآيَات الله فَلَا أغناه الله حَدِيث كفى بِالْيَقِينِ غنى لم أره إِلَّا من قَول عمار بن يَاسر حَدِيث مَا عظمت نعْمَة الله على عبد إِلَّا كثرت حوائج النَّاس إِلَيْهِ فَمن تهاون بهم عرض تِلْكَ النِّعْمَة للزوال هُوَ فِي الضُّعَفَاء لِابْنِ حبَان من حَدِيث معَاذ إِلَّا أَن لَفظه إِلَّا عظمت مُؤنَة النَّاس عَلَيْهِ فَمن لم يحْتَمل تِلْكَ الْمُؤْنَة فقد عرض. . الحَدِيث حَدِيث إِن العَبْد إِذا أذْنب ذَنبا فأصابته شدَّة أَو بلَاء فِي الدُّنْيَا فَالله أكْرم من أَن يعذبه ثَانِيًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 هُوَ مَوْجُود بِلَفْظ قريب مِنْهُ وَلم أره بِهَذَا اللَّفْظ حَدِيث إِن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله ذهب مَالِي وسقم جَسَدِي فَقَالَ (لَا خير فِي عبد لَا يذهب مَاله وَلَا يسقم جسده إِن الله إِذا أحب عبدا ابتلاه وَإِذا ابتلاه صبره) حَدِيث أنس مَا تجرع عبد قطّ جرعتين أحب إِلَى الله من جرعة غيظ ردهَا بحلم وجرعة مُصِيبَة يصبر الرجل لَهَا وَلَا قطرت قَطْرَة وَفِيه وَمَا خطا عبد. . الحَدِيث حَدِيث وعافيتك أحب إِلَيّ هُوَ فِي السِّيرَة بِلَفْظ أوسع لي حَدِيث يُؤْتى بأشكر أهل الأَرْض فيجزيه الله جَزَاء الشَّاكِرِينَ وَيُؤْتى بأصبر أهل الأَرْض فَيُقَال أترضى أَن نجزيك كَمَا جزينا هَذَا الشاكر فَيَقُول نعم يَا رب فَيَقُول الله تَعَالَى كلا أَنْعَمت عَلَيْهِ فَشكر وابتليتك فَصَبَرت لأضعفن لَك الْأجر عَلَيْهِ فَيعْطى أَضْعَاف جَزَاء الشَّاكِرِينَ حَدِيث الْجُمُعَة حج الْمَسَاكِين وَجِهَاد الْمَرْأَة حسن التبعل حَدِيث آخر الْأَنْبِيَاء دُخُولا الْجنَّة سُلَيْمَان بن دَاوُد وَآخر أَصْحَابِي دُخُولا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 حَدِيث يدْخل سُلَيْمَان بعد الْأَنْبِيَاء بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا حَدِيث أَبْوَاب الْجنَّة كلهَا مصراعان إِلَّا بَاب الصَّبْر فَإِنَّهُ بَاب وَاحِد وَإِن من يدْخلهُ أهل الْبلَاء إمَامهمْ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام = كتاب الرَّجَاء وَالْخَوْف = حَدِيث زيد الْخَيل جِئْت لأسألك عَن عَلامَة الله فِيمَن يُرِيد. . الحَدِيث حَدِيث أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أحب من يجبني وحببني إِلَى خلقي قَالَ رب كَيفَ. . الحَدِيث حَدِيث أَن رجلا من بني إِسْرَائِيل كَانَ يقنط النَّاس ويشدد عَلَيْهِم فَيَقُول الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة الْيَوْم أويسك من رَحْمَتي كَمَا كنت تقنط عبَادي مِنْهَا حَدِيث لم يزل يسْأَل فِي أمته حَتَّى قيل لَهُ أما ترْضى وَقد أنزلت عَلَيْك {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} . . الحَدِيث حَدِيث أنس أَنه سَأَلَ ربه فِي ذنُوب أمته فَقَالَ يَا رب اجْعَل حسابهم إِلَيّ لِئَلَّا يطلع على مساويهم غَيْرِي. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 حَدِيث قَالَ يَوْمًا يَا كريم الْعَفو فَقَالَ جِبْرِيل أَتَدْرِي مَا تَفْسِير يَا كريم الْعَفو. . الحَدِيث لم أره إِلَّا من خطاب جِبْرِيل لإِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِمَا وَسلم رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان حَدِيث لَو أذْنب العَبْد حَتَّى تبلغ ذنُوبه عنان السَّمَاء. . الحَدِيث هُوَ فِي التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ يَا ابْن آدم لَو بلغت ذنوبك عنان السَّمَاء ثمَّ استغفرتني غفرت لَك حَدِيث لَو لَقِيَنِي عَبدِي بقراب الأَرْض. . الحَدِيث هُوَ أَيْضا فِي الترمذى بِلَفْظ يَا ابْن آدم لَو لقيتنى الحَدِيث حَدِيث إِذا عمل العَبْد السَّيئَة وكتبت وَعمل حَسَنَة قَالَ صَاحب الْيَمين لصَاحب الشمَال وَهُوَ أَمِير عَلَيْهِ ألق هَذِه السَّيئَة حَتَّى ألقِي من حَسَنَاته وَاحِدَة من تَضْعِيف الْعشْر. . الحَدِيث حَدِيث أنس إِذا أذْنب العَبْد ذَنبا كتب عَلَيْهِ فَقَالَ الاعرابي فَإِن تَابَ عَنهُ قَالَ مُحي عَنهُ قَالَ فَإِن عَاد قَالَ يكْتب عَلَيْهِ قَالَ فَإِن تَابَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 قَالَ مُحي عَنهُ من صَحِيفَته. . الحَدِيث بِطُولِهِ هُوَ فِي شعب الْإِيمَان مُخْتَصرا مَعَ اخْتِلَاف وَنَحْوه من حَدِيث عقبَة بن عَامر حَدِيث أنس الطَّوِيل أَن أَعْرَابِيًا قَالَ يَا رَسُول الله من يَلِي حِسَاب الْخلق قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ هُوَ بِنَفسِهِ قَالَ نعم فَتَبَسَّمَ الْأَعرَابِي إِن الْكَرِيم إِذا قدر عَفا حَدِيث الْمُؤمن أفضل من الْكَعْبَة وَالْمُؤمن طيب طَاهِر أكْرم على الله من الْمَلَائِكَة روى الثُّلُث الْأَخير مِنْهُ ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء حَدِيث خلق الله من فضل رَحمته سَوْطًا يَسُوق بِهِ عباده إِلَى الْجنَّة حَدِيث أبي سعيد مَا خلق الله شَيْئا إِلَّا جعل لَهُ مَا يغلبه وَجعل رَحمته تغلب غَضَبه حَدِيث أنس مَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَمن كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله لم تمسه النَّار وَمن لَقِي الله لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا حرمت عَلَيْهِ النَّار وَلَا يدخلهَا من فِي قلبه وزن ذرة من إِيمَان حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَن عَليّ فِي قَوْله تَعَالَى {فاصفح الصفح الْجَمِيل} . . الحَدِيث فِي بكاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبكاء جِبْرِيل ونزول مِيكَائِيل إِلَيْهِمَا حَدِيث سلوا الله الدَّرَجَات العلى فَإِنَّمَا تسْأَلُون كَرِيمًا حَدِيث إِذا سَأَلْتُم فأعظموا الرَّغْبَة واسألوا الفردوس الْأَعْلَى فَإِن الله لَا يتعاظمه شَيْء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 حَدِيث أَنا أخوفكم بِاللَّه حَدِيث أوحى الله إِلَى دَاوُد يَا دَاوُد خفني كَمَا تخَاف السَّبع الضاري حَدِيث إِن أردْت أَن تَلقانِي فَأكْثر من الْخَوْف بعدِي يَقُوله لِابْنِ مَسْعُود حَدِيث أتمكم عقلا أَشدّكُم لله خوفًا. . الحَدِيث حَدِيث إِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة خمسين سنة ... الحَدِيث حَدِيث ابْن عمر سمع رجلا يذم الْحجَّاج فَقَالَ أَرَأَيْت لَو كَانَ الْحجَّاج حَاضرا أَكنت تَتَكَلَّم بِمَا تَكَلَّمت بِهِ قَالَ لَا ... الحَدِيث تقدم فِي قَوَاعِد العقائد حَدِيث (إِن جمَاعَة قعدوا على بَاب حُذَيْفَة ينتظرونه وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي شَيْء من شَأْنه فَلَمَّا خرج عَلَيْهِم سكتوا حَيَاء مِنْهُ. . الحَدِيث حَدِيث إِنَّه قد يفتح إِلَى قبر المعذب سَبْعُونَ بَابا من الْجَحِيم حَدِيث أَنه قَرَأَ سُورَة الحاقة فَصعِقَ = كتاب الْفقر والزهد = حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا قَالَ لأَصْحَابه أَي النَّاس خير فَقَالُوا مُوسر من المَال يُعْطي حق فِي نَفسه وَمَاله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 فَقَالَ نعم الرجل هَذَا وَلَيْسَ بِهِ قَالُوا فَمن خير النَّاس يَا رَسُول الله قَالَ فَقير يُعْطي جهده حَدِيث خير هَذِه الْأمة فقراؤها واسرعها تضجعا فِي الْجنَّة ضعفاؤها حَدِيث إِن لي حرفتين اثْنَتَيْنِ فَمن أحبهما فقد أَحبَّنِي وَمن أبغضهما فقد أبغضني الْفقر وَالْجهَاد حَدِيث نزل جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول أَتُحِبُّ أَن أجعَل هَذِه الْجبَال من ذهب وَتَكون مَعَك أَيْنَمَا كنت فَأَطْرَقَ ثمَّ قَالَ يَا جِبْرِيل الدُّنْيَا دَار من لَا دَار لَهُ حَدِيث اطَّلَعت فِي النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا الْأَغْنِيَاء حَدِيث إِذا رَأَيْت الْفقر مُقبلا فَقل مرْحَبًا بشعار الصَّالِحين لم أره إِلَّا فِي الْإسْرَائِيلِيات أَن الله أوحى إِلَى مُوسَى بن عمرَان كَذَلِك ذكره مُحَمَّد بن خَفِيف فِي كتاب شرف الْفُقَرَاء وَرَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب تضيع الْعُمر وَالْأَيَّام قَالَ أخبرنَا أَبُو عَليّ سنة سِتّ حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن سدي الْحداد حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْقطَّان حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عِيسَى الْعَطَّار حَدثنَا إِسْحَاق بن بشير عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن كَعْب قَالَ فِيمَا كَلمه ربه تبَارك وَتَعَالَى يَعْنِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَا مُوسَى إِذا رَأَيْت الْفقر مُقبلا فَذكره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 حَدِيث كَانَ لِبَاس أهل الصّفة الصُّوف فَإِذا عرقوا فاحت الروائح من ثِيَابهمْ فَاشْتَدَّ ذَلِك على الْأَغْنِيَاء. . الحَدِيث قَوْله تَعَالَى {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم} حدث يُؤْتِي بِالْعَبدِ يَوْم الْقِيَامَة فيعتذر الله تَعَالَى إِلَيْهِ كَمَا يعْتَذر الرجل إِلَى الرجل فِي الدُّنْيَا فَيَقُول وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مازويت الدُّنْيَا عَنْك لهوانك ... الحَدِيث وَفِيه أخرج إِلَى هَذِه الصُّوف فَمن أطعمك فِي ... الحَدِيث حَدِيث أَكْثرُوا معرفَة الْفُقَرَاء وَاتَّخذُوا عِنْدهم الأيادي فَإِن لَهُم دولة ... . الحَدِيث حَدِيث دخل رجل فَقير فَقَالَ لَو قسم نور هَذَا على أهل الأَرْض لوسعهم حَدِيث إِذا أبْغض النَّاس فقراءهم وأظهروا عمَارَة ديناهم. . الحَدِيث حَدِيث سعيد بن عَامر يدْخل فُقَرَاء الْمُسلمين الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء بِخَمْسِمِائَة عَام الحَدِيث لم أجد فِيهِ إِلَّا سبعين أَو أَرْبَعِينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 حَدِيث يَا معشر الْفُقَرَاء أعْطوا الله الرِّضَا من قُلُوبكُمْ تظفروا بِثَوَاب فقركم وَإِلَّا فَلَا حَدِيث عَليّ (أحب الْعباد إِلَى الله الْفَقِير القانع برزقه الراضي عَن الله عز وَجل حَدِيث لَا أحد أفضل من الْفَقِير إِذا كَانَ رَاضِيا حَدِيث يَقُول الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة أَيْن صفوتي من خلقي فَتَقول الْمَلَائِكَة من هم يَا رَبنَا فَيَقُول فُقَرَاء الْمُسلمين القانعين بعطائي الراضين بقدري أدخلوهم الْجنَّة ... . الحَدِيث حَدِيث زيد بن أسلم عَن أنس بن مَالك قَالَ بعث الْفُقَرَاء رَسُولا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا إِن الْأَغْنِيَاء ذَهَبُوا بِالْخَيرِ ... الحَدِيث وَفِيه إِذا قَالَ الْغَنِيّ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَقَالَ الْفَقِير مثل ذَلِك لم يلْحق الْغَنِيّ الْفَقِير وَإِن أنْفق عشرَة آلَاف دِرْهَم ... الحَدِيث حَدِيث لكل أمة عجل وَعجل هَذِه الْأمة الدِّينَار وَالدِّرْهَم فِي الفردوس من حَدِيث حُذَيْفَة حَدِيث زيد بن أسلم مُرْسلا دِرْهَم من الصَّدَقَة أفضل عِنْد الله من مائَة ألف دِرْهَم قيل وَكَيف قَالَ (أخرج رجل من عرض مَاله) الحَدِيث لم أره مُرْسلا وَقد تقدم فِي الزَّكَاة مُتَّصِلا بِنَحْوِهِ حَدِيث أهدي إِلَيْهِ سمن وأقط وكبش فَقبل السّمن والأقط ورد الْكَبْش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 حَدِيث كَانَ يقبل من بعض النَّاس وَيرد على بعض حَدِيث فتح الْموصِلِي عَن عَطاء مُرْسلا من أَتَاهُ رزق من غير مَسْأَلَة فَرده فَإِنَّمَا يردهُ على الله عز وَجل قَالَ وَكَانَ الْحسن أَيْضا يروي هَذَا الحَدِيث حَدِيث مَسْأَلَة النَّاس من الْفَوَاحِش مَا أحل من الْفَوَاحِش غَيرهَا حَدِيث استغنوا عَن النَّاس وَمَا قل من السُّؤَال فَهُوَ خير قَالُوا ومنك قَالَ وَمنى حَدِيث إِنَّمَا أحكم بِالظَّاهِرِ وَالله يتَوَلَّى السرائر حَدِيث قَالَ رجل اللَّهُمَّ أَرِنِي الدُّنْيَا كَمَا ترَاهَا فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تقل هَكَذَا وَلَكِن قل أَرِنِي الدُّنْيَا كَمَا أريتها الصَّالِحين من عِبَادك) حَدِيث قَالَ الْمُسلمُونَ إِنَّا نحب رَبنَا وَلَو علمنَا فِي أَي شَيْء محبته لفعلناه حَتَّى نزل {وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم أَو اخْرُجُوا من دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} ... الْآيَة وَفِيه أَنه قَالَ لِابْنِ مَسْعُود (أَنْت من الْقَلِيل) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 حَدِيث الْوَرع والزهد يجولان فِي الْقلب كل لَيْلَة ... . الحَدِيث من طَرِيق أهل الْبَيْت حَدِيث جَابر من جَاءَ بِلَا إِلَه إِلَّا الله لَا يخلط مَعهَا غَيرهَا وَجَبت لَهُ الْجنَّة لم أره إِلَّا من حَدِيث زيد بن أَرقم حَدِيث السخاء من الْيَقِين وَلَا يدْخل النَّار موقن وَالْبخل من الشَّك وَلَا يدْخل الْجنَّة من شكّ حَدِيث ابْن الْمسيب عَن أبي ذَر من زهد فِي الدُّنْيَا أَدخل الله الْحِكْمَة قلبه. . الحَدِيث لم أره إِلَّا من حَدِيث صَفْوَان بن سليم مُرْسلا رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ذمّ الدُّنْيَا حَدِيث مر بعشار من النوق فَأَعْرض عَنْهَا. . الحَدِيث فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا} حَدِيث مَسْرُوق عَن عَائِشَة قلت يَا رَسُول الله أَلا تستطعم رَبك. . الحَدِيث فِي قَوْله تَعَالَى {فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل} حَدِيث عمر حِين قَالَت لَهُ حَفْصَة البس لين الثِّيَاب فَقَالَ ناشدتك الله هَل تعلمين أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يشْبع هُوَ وَأهل بَيته غدْوَة إِلَّا جَاعُوا عَشِيَّة ... الحَدِيث بِطُولِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 حَدِيث عمر لما نزل قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَ تَبًّا للدنيا ... الحَدِيث حَدِيث حُذَيْفَة من آثر الدُّنْيَا على الْآخِرَة ابتلاه الله بِثَلَاث هما لَا يُفَارق قلبه. . الحَدِيث حَدِيث قيل لَو أمرتنا أَن نَبْنِي بَيْتا نعْبد الله فِيهِ قَالَ ابْنُوا بَيْتا على المَاء ... الحَدِيث حَدِيث إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا زهذه فِي الدُّنْيَا. . الحَدِيث حَدِيث من أَرَادَ أَن يؤتيه الله علما بِغَيْر تعلم وَهدى بِغَيْر هِدَايَة فليزهد فِي الدُّنْيَا حَدِيث إِن الرجل ليوقف فِي الْحساب حَتَّى لَو وَردت مائَة بعير عطاشا على عرقه لصدرت رواء حَدِيث عَائِشَة كَانَت تَأتي أَرْبَعُونَ لَيْلَة وَمَا يُوقد فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِصْبَاح ... الحَدِيث لم أر فِيهِ ذكر الْأَرْبَعين حَدِيث الْفضل مَا شبع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 هُوَ مَشْهُور من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة وَلم أره من حَدِيث الْفضل معضلا حَدِيث إِن الله يحب المبتذل الَّذِي لَا يُبَالِي مَا لبس قَول عَمْرو بن الْأسود الْعَنسِي لَا ألبس مَشْهُورا أبدا. . إِلَى آخِره حَدِيث اشْترى ثوبا بأَرْبعَة دَرَاهِم حَدِيث كَانَ قيمَة ثويبه عشرَة حَدِيث إشترى سَرَاوِيل بِثَلَاثَة دَرَاهِم حَدِيث كَانَ يلبس شملتين بيضاوين من صوف ... الحَدِيث حَدِيث رُبمَا كَانَ يلبس بردين يمانيين أَو سَحُولِيَّيْنِ من هَذِه الْغِلَاظ حَدِيث لبسه الثَّوْب السندس الَّذِي أهداه لَهُ الْمُقَوْقس وَأَن قِيمَته مِائَتَا دِرْهَم لم أر فِي الحَدِيث مِقْدَار قِيمَته حَدِيث سِنَان بن سعد حيكت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جُبَّة من صوف. . الحَدِيث الْمَعْرُوف حَدِيث سهل بن سعد حَدِيث أبي سُلَيْمَان لَا يلبس الشّعْر من أمتِي إِلَّا الأحمق) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 حَدِيث فرشت لَهُ عَائِشَة فراشا جَدِيدا وَكَانَ ينَام على عباءة مثنية فَمَا زَالَ يتقلب ليلته ... الحَدِيث لم أر فِيهِ أَنه عَلَيْهِ من حَدِيث عَائِشَة وَإِنَّمَا هُوَ من حَدِيث حَفْصَة = كتاب التَّوْحِيد والتوكل = حَدِيث كَانَ إِذا أصَاب أَهله خصَاصَة قَالَ (قومُوا لله وَيَقُول (بِهَذَا أَمرنِي رَبِّي {وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ} الْآيَة حَدِيث إِن ملك الْأَرْحَام يدْخل الرَّحِم فَيَأْخُذ النُّطْفَة فِي يَده ثمَّ يصورها. . الحَدِيث حَدِيث إِن ملكي الْمَوْت والحياة تناظرا فَقَالَ ملك الْمَوْت أَنا أميت الْأَحْيَاء ... الحَدِيث حَدِيث لَو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم ... الحَدِيث وَفِيه (ولزالت بدعائكم الْجبَال) لم أر هَذِه الزِّيَادَة حَدِيث إِن العَبْد ليهم من اللَّيْل بِأَمْر من أُمُور التِّجَارَة مِمَّا لوفعله لَكَانَ فِيهِ هَلَاكه. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 حَدِيث (خمر طِينَة آدم بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ صباحا) حَدِيث الْفَقِير الَّذِي أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا أَو أُسَامَة فَغسله وكفنه ... الحَدِيث وَفِيه إِنَّه يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة وَجهه كَالْقَمَرِ وَلَوْلَا خصْلَة كَانَت فِيهِ لبعث وَجهه كَالشَّمْسِ كَانَ إِذا جَاءَ الشتَاء ادخر حلَّة الصَّيف ... الحَدِيث حَدِيث نهي بِلَالًا عَن ادخار كسرة خبز ليفطر عَلَيْهَا. . الحَدِيث حَدِيث (من ترك الْعَزْل وَأقر النُّطْفَة قَرَارهَا كَانَ لَهُ أجر غُلَام ولد من ذَلِك الْجِمَاع حَدِيث من طَرِيق أهل الْبَيْت كَانَ يكتحل كل لَيْلَة ويحتجم كل شهر وَيشْرب ... الحَدِيث حَدِيث تداوي غير مرّة من الْعَقْرَب وَغَيرهَا حَدِيث جعل على قرحَة خرجت بِهِ تُرَابا حَدِيث نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء أَشد النَّاس بلَاء ... لحَدِيث لم أره بِلَفْظ نَحن معاشر حَدِيث من طَرِيق أهل الْبَيْت إِذا أحب الله عبدا ابتلاه ... الحَدِيث لم أره من طَرِيق أهل الْبَيْت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 حَدِيث لَا تزَال الْحمى والمليلة ... الحَدِيث لم أره بِلَفْظ الْحمى حَدِيث لما ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَفَّارَة الذُّنُوب بالحمى سَأَلَ زيد بن ثَابت أَن لَا يزَال محموما حَدِيث لما قَالَ من أذهب الله كريمتيه كَانَ فِي الْأَنْصَار من يتَمَنَّى الْعَمى لم أر فِيهِ تمني الْأَنْصَار حَدِيث انس وَعَائِشَة هَل يكون مَعَ الشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة غَيرهم قَالَ من ذكر الْمَوْت كل يَوْم عشْرين مرّة وَفِي لفظ آخر الَّذِي يذكر ذنُوبه فتحزنه وَالله أعلم = كتاب الْمحبَّة والشوق وَالرِّضَا = حَدِيث قَول إِبْرَاهِيم الْخَلِيل لملك الْمَوْت هَل رَأَيْت خَلِيلًا يُمِيت خَلِيله ... الحَدِيث حَدِيث كَانَ يُعجبهُ الخضرة وَالْمَاء الْجَارِي حَدِيث (لَا يكونن أحدكُم كالأجير السوء حَدِيث إِن الشُّهَدَاء يتمنون لَو كَانُوا عُلَمَاء حَدِيث أقْصَى مكث الْمُؤمنِينَ فِي النَّار سَبْعَة آلَاف سنة حَدِيث أنس إِذا أحب الله عبدا لم يضرّهُ ذَنْب حَدِيث من تواضع لله ... الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 وَفِيه وَمن أَكثر ذكر الله أحبه الله حَدِيث إِذا أحب الله عبدا جعل لَهُ واعظا من نَفسه حَدِيث إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا بَصَره بعيوب نَفسه حَدِيث لما زوج أَبُو حُذَيْفَة أُخْته من سَالم عاتبته قُرَيْش ... الحَدِيث حَدِيث من اسْتَوَى يوماه فَهُوَ مغبون ... الحَدِيث هَذَا رُؤْيا نوم عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَسَأَلَهُ فَقَالَ ذَلِك هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد حَدِيث أبي مُوسَى يكون فِي أمتِي قوم شعثة رؤوسهم ... الحَدِيث وَفِيه أَي فِي أَوله قصه حَدِيث أوحى الله إِلَى عبد تَدَارُكه كم من ذَنْب واجهتني بِهِ ... الحَدِيث حَدِيث إِن الله يتجلى للْمُؤْمِنين فَيَقُول سلوني فَيَقُولُونَ رضاك حَدِيث (إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أنبت الله لطائفة من أمتِي أَجْنِحَة) . . الحَدِيث وَفِيه كُنَّا إِذا خلونا نستحي أَن نعصيه ... الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 حَدِيث قدرت الْمَقَادِير ودبرت التَّدْبِير فَمن رَضِي فَلهُ الرِّضَا حَتَّى يلقاني ... الحَدِيث حَدِيث الدَّال على الشَّرّ كفاعله حَدِيث لَو أَن عبدا قتل بالمشرق وَرَضي بقتْله آخر فِي الْمغرب كَانَ شَرِيكا فِي قَتله حَدِيث إِن الله أَخذ الْمِيثَاق على كل مُؤمن أَن يبغض كل مُنَافِق. . الحَدِيث حَدِيث من أحب قوما ووالاهم حشر مَعَهم يَوْم الْقِيَامَة حَدِيث الْقدر سر فَلَا تفشوه حَدِيث لَا يستكمل العَبْد الْإِيمَان حَتَّى يكون قلَّة الشَّيْء أحب إِلَيْهِ من كثرته. . الحَدِيث حَدِيث ثَلَاثَة من كن فِيهِ اسْتكْمل إيمَانه لَا يخَاف فِي الله لومة لائم. . الحَدِيث حَدِيث لَا يكمل إِيمَانًا العَبْد حَتَّى يكون فِيهِ ثَلَاث خِصَال إِذا غضب لم يُخرجهُ غَضَبه من الْحق. . الحَدِيث حَدِيث ثَلَاث من أوتيهن فقد أُوتِيَ مَا أُوتِيَ آل دَاوُد الْعدْل فِي الرِّضَا الْغَضَب. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 حَدِيث أوحى الله إِلَى بعض أنبيائه إِنَّمَا أَتَّخِذ لخلتي من لَا يصبر عَن ذكري حَدِيث قَالَ للصديق إِن الله قد أَعْطَاك مثل إِيمَان كل من آمن بِي. . الحَدِيث حَدِيث إِن لله ثلثمِائة خلق وَفِيه وأحبها إِلَى الله السخاء حَدِيث عَليّ الْمعرفَة رَأس مَالِي وَالْعقل أصل ديني. . الحَدِيث = كتاب النِّيَّة وَالْإِخْلَاص والصدق = حَدِيث إِن بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا قَطعنَا وَاديا وَلَا وطئنا موطئا يغِيظ الْكفَّار وَلَا أنفقنا نَفَقَة وَلَا أصابتنا مَخْمَصَة. . الحَدِيث لم أره بِهَذَا الطول حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي مهَاجر أم قيس ذكره ابْن مندة وَأَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة غير موصل الْإِسْنَاد حَدِيث الْحسن أَن رجلا قتل فِي سَبِيل الله فَكَانَ يدعى قَتِيل الْحمار. . الحَدِيث حَدِيث إِذا التقى الصفان نزلت الْمَلَائِكَة تكْتب الْخلق على مَرَاتِبهمْ. . الحَدِيث ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد مَوْقُوفا على ابْن مَسْعُود بِنَحْوِهِ حَدِيث من تزوج امْرَأَة على صدَاق لَا يَنْوِي أَدَاة فَهُوَ زَان. . الحَدِيث لم أره إِلَّا من حَدِيث صُهَيْب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 حَدِيث من تطيب لله جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وريحه أطيب من الْمسك. . الحَدِيث حَدِيث لَا يعْذر الْجَاهِل على الْجَهْل حَدِيث رَهْبَانِيَّة أمتِي الْقعُود فِي الْمَسَاجِد حَدِيث من غَدا إِلَى الْمَسْجِد يذكر الله أَو يذكر بِهِ كَانَ كالمجاهد فِي سَبِيل الله تَعَالَى حَدِيث معَاذ إِن العَبْد ليسئل يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى عَن كحل عَيْنَيْهِ. . الحَدِيث حَدِيث إِن العَبْد ليحاسب فَتبْطل أَعماله لدُخُول الآفة فِيهَا حَتَّى يسْتَوْجب النَّار ثمَّ يَتَيَسَّر لَهُ من الْأَعْمَال الْحَسَنَة مَا يسْتَوْجب بِهِ الْجنَّة فيتعجب فَيُقَال هَذِه أَعمال الَّذين اغتابوك وظلموك قَول عَليّ لَا تهتموا لقلَّة الْعَمَل واهتموا للقبول حَدِيث أبي هُرَيْرَة أول من يسئل يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة. . الحَدِيث وَفِيه فَحدث بِهِ مُعَاوِيَة فَبكى حَتَّى كَادَت نَفسه تزهق ثمَّ قَالَ صدق الله {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا} . . الْآيَة هُوَ فِي مُسلم دون قصَّة مُعَاوِيَة حَدِيث سُئِلَ عَن الْإِخْلَاص قَالَ أَن تَقول رَبِّي الله ثمَّ تستقيم كَمَا أمرت الْأَخْبَار الدَّالَّة على عدم ثَوَاب الْعَمَل المشوب ومعارضها حَدِيث ابْن مَسْعُود من هَاجر يبتغى شَيْئا من الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ حَدِيث ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن الْكَمَال فَقَالَ قَول الْحق وَالْعَمَل بِالصّدقِ حَدِيث اللَّهُمَّ اجْعَل سريرتي خيرا من علانيتي وَاجعَل علانيتي صَالِحَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 حَدِيث أبي ذَر سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْإِيمَان فَقَرَأَ {وَلَكِن الْبر من آمن بِاللَّه} . . الْآيَة حَدِيث قَالَ لجبريل أحب أَن أَرَاك فِي صُورَتك وَفِيه رَآهُ فَخر مغشيا عَلَيْهِ وَفِيه إِن جِبْرِيل قَالَ فَكيف لَو رَأَيْت إسْرَافيل إِن الْعَرْش لعلى كَاهِله وَإِن رجلَيْهِ قد مزقتا تخوم الأَرْض السُّفْلى وَإنَّهُ ليتصاغر من عَظمَة الله حَتَّى يصير كالوصع يَعْنِي العصفور الصَّغِير حَدِيث جَابر مَرَرْت لَيْلَة أسرِي بِي وَجِبْرِيل بالملأ الْأَعْلَى كالحلس الْبَالِي لم أره من حَدِيث أنس حَدِيث لَا يبلغ عبد حَقِيقَة الْإِيمَان حَتَّى ينظر إِلَى النَّاس كالأباعر فِي جنب الله الحَدِيث = كتاب المحاسبة والمراقبة = حَدِيث ينشر للْعَبد فِي كل يَوْم وَلَيْلَة أَربع وَعِشْرُونَ خزانَة مَنْصُوبَة فتفتح لَهُ خزانَة فيراها مَمْلُوءَة من حَسَنَاته. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث اعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد من حَدِيث أنس بِلَفْظ اعْمَلْ لله رأى الْعين كَأَنَّك ترَاهُ. . الحَدِيث حَدِيث ينشر للْعَبد فِي كل حَرَكَة من حركاته ثَلَاثَة دواوين الأول لم وَالثَّانِي كَيفَ وَالثَّالِث نعم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 حَدِيث أَنْتُم الْيَوْم فِي زمَان خَيركُمْ فِيهِ المسارع وَسَيَأْتِي زمَان خَيركُمْ فِيهِ المتثبت حَدِيث اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أَقُول فِي الدّين بِغَيْر علم حَدِيث رحم الله أَقْوَامًا يَحْسبهُم النَّاس مرضى وَمَا هم بمرضى = كتاب التفكر = حَدِيث خرج على أَصْحَابه وهم يتفكرون فَقَالَ تَفَكَّرُوا فِي خلقه وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِيهِ فَإِن بِهَذِهِ الْمغرب أَرضًا بَيْضَاء. . الحَدِيث وَفِيه لَا يَدْرُونَ خلق آدم أم لَا الْأَخْبَار الدَّالَّة على عظم الشَّمْس حَدِيث أَنه قَالَ لجبريل هَل زَالَت الشَّمْس فَقَالَ لَا نعم. . الحَدِيث = كتاب ذكر الْمَوْت = حَدِيث عَطاء الْخُرَاسَانِي مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَجْلِس قد استعلاه الضحك فَقَالَ (شوبوا مجالسكم بِذكر هاذم اللَّذَّات) حَدِيث أَكْثرُوا من ذكر الْمَوْت فَإِنَّهُ يمحص الذُّنُوب ويزهد فِي الدُّنْيَا حَدِيث خرج إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا قوم يتحدثون وَيضْحَكُونَ فَقَالَ اذْكروا الْمَوْت. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 حَدِيث الشَّيْخ شَاب فِي حب الدُّنْيَا وَإِن الْتَقت ترقوتاه من الْكبر إِلَّا الَّذين آمنُوا. . الحَدِيث حَدِيث كَانَ إِذا أنس من أَصْحَابه غَفلَة نَادَى فيهم صَوت رفيع أتتكم الْمنية راتبة لَازِمَة. . الحَدِيث حَدِيث ابْن عمر خرج وَالشَّمْس على أَطْرَاف السعف فَقَالَ مَا بَقِي من الدُّنْيَا إِلَّا مثل مَا بَقِي من يَوْمنَا. . الحَدِيث حَدِيث اللَّهُمَّ إِنَّك تَأْخُذ الرّوح من العصب. . الحَدِيث حَدِيث سُئِلَ عَن الْمَوْت فَقَالَ أهونه بمنزله حسكة فِي صوف. . الحَدِيث حَدِيث مَكْحُول لَو أَن شَعْرَة من شعر الْمَيِّت وضعت على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض. . الحَدِيث حَدِيث لَو أَن قَطْرَة من الْمَوْت وضعت على جبال الدُّنْيَا كلهَا لذابت حَدِيث لن يخرج أحدكُم من الدُّنْيَا حَتَّى يعلم أَيْن مصيره. . الحَدِيث حَدِيث إِن الله إِذا رضى عَن عبد قَالَ يَا ملك الْمَوْت اذْهَبْ فأتنى بِرُوحِهِ لأريحه حَدِيث ارقبوا الْمَيِّت عِنْد ثَلَاث إِذا رشح جَبينه. . الحَدِيث رَوَاهُ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي النَّوَادِر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 حَدِيث قَالَ لجبريل عِنْد مَوته من لأمتي بعدِي فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل بشره أَنِّي لَا أخذله فِي أمته. . الحَدِيث حَدِيث سعيد بن عبد الله عَن أَبِيه لما رَأَتْ الْأَنْصَار أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزْدَاد ثقلا أطافوا بِالْمَسْجِدِ فَدخل الْعَبَّاس فَأعلمهُ بمكانهم. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث عَائِشَة لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَوْا مِنْهُ خفَّة فِي أول النَّهَار فَتفرق عَنهُ الرِّجَال إِلَى مَنَازِلهمْ. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث لما مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقتحم النَّاس حَتَّى ارْتَفَعت. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث أبي جَعْفَر فرش لحده بمفرشه وقطيفته وفرشت ثِيَابه عَلَيْهَا وَفِيه وَلَا بنى فِي حَيَاته لبنة على لبنة. . الحَدِيث بِطُولِهِ حَدِيث الضَّحَّاك قَالَ رجل من أزهد النَّاس قَالَ من لم ينس الْقَبْر والبلى. . الحَدِيث حَدِيث لِأَن أقدم سقطا أحب إِلَى من أَن أخلف مائَة فَارس. . الحَدِيث لم أر فِيهِ ذكر مائَة فَارس وَالْمَعْرُوف أحب إِلَيّ من فَارس أخلفه خَلْفي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 حَدِيث ابْن أبي مليكَة أَقبلت عَائِشَة من الْمَقَابِر فَقلت من أَيْن قَالَت من قبر أخي عبد الرَّحْمَن فَقلت أَلَيْسَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنْهَا قَالَت نعم ثمَّ أَمر بهَا حَدِيث إِن الرجل ليَمُوت والداه وَهُوَ عَاق لَهما فيدعوا لَهما من بعدهمَا فيكتبه الله من البارين حَدِيث مَا الْمَيِّت فِي قَبره إِلَّا كالغريق. . الحَدِيث حَدِيث عَائِشَة إِذا مَاتَ صَاحبكُم فَدَعوهُ وَلَا تقعوا فِيهِ حَدِيث لَا تَذكرُوا مَوْتَاكُم إِلَّا بِخَير فَإِنَّهُم إِن يَكُونُوا من أهل الْخَيْر تأثموا. . الحَدِيث حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِن العَبْد ليَمُوت فيثنى عَلَيْهِ الْقَوْم الثَّنَاء يعلم الله مِنْهُ غَيره فَيَقُول الله أشهدكم أَنِّي قبلت شَهَادَة عَبِيدِي حَدِيث قَالَ لرجل مَاتَ أصبح هَذَا مرتحلا من الدُّنْيَا وَتركهَا لأَهْلهَا حَدِيث إِن مثل الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا كَمثل الْجَنِين فِي بطن أمه. . الحَدِيث حَدِيث إِنَّه لم يبْق إِلَّا مثل الذُّبَاب يمور فِي جوها فَالله الله فِي إخْوَانكُمْ من أهل الْقُبُور حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا تفضحوا مَوْتَاكُم بسيآت أَعمالكُم فَإِنَّهَا تعرض. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 حَدِيث عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر إِن الْمَيِّت يقْعد وَهُوَ يسمع خطو مشيعيه. . الحَدِيث فِي الزّهْد لِابْنِ الْمُبَارك بلاغا لم أر فِيهِ ذكرا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث صَاحب الدِّرْهَم أخف حسابا من صَاحب الدرهمين حَدِيث عَطاء بن يسَار قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر (كَيفَ بك إِذا أَنْت مت فَانْطَلق بك قَوْمك. . الحَدِيث حَدِيث سَوْدَة يبْعَث النَّاس حُفَاة عُرَاة غرلًا فَقَالَت سَوْدَة واسوأتاه هُوَ مَعْرُوف من حَدِيث عَائِشَة وَهِي القائلة واسوأتاه حَدِيث حشر الْخلق قيَاما شاخصة أَبْصَارهم أَرْبَعِينَ سنة إِلَى السَّمَاء. . الحَدِيث روى مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق أخبرنَا عَبدة ابْن سُلَيْمَان الْكلابِي حديثنا إِسْمَاعِيل بن رَافع الْمدنِي عَن مُحَمَّد بن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ عَن رجل من الْأَنْصَار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَن الله لما خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض خلق الصُّور) فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ وَفِيه يوقفون موقفا وَاحِدًا مِقْدَار سبعين عَاما حُفَاة عُرَاة غلفًا غرلًا لَا ينظر إِلَيْكُم وَلَا يقْضِي بَيْنكُم يضجون فَيَقُولُونَ من يشفع لنا فَذكر الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 وروى مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة من رِوَايَة الْمنْهَال بن عَمْرو حَدثنَا قيس بن السكن وَأَبُو عُبَيْدَة بن عبد الله حدث عمر بن الْخطاب هَذَا الحَدِيث قَالَ إِذا حشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة قَامُوا أَرْبَعِينَ عَاما على رؤوسهم الشَّمْس شاخصة أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء ينتظرون الْفَصْل كل بر مِنْهُم وَفَاجِر لَا يتَكَلَّم مِنْهُم بشر فَذكر حَدِيثا حَدِيث ابْن عمر تَلا {يَوْم يقوم النَّاس} ثمَّ قَالَ كَيفَ بكم إِذا جمعكم الله كَمَا يجمع النبل فِي الكنانة خمسين ألف سنة لَا ينظر إِلَيْكُم حَدِيث إِن لله ملكا مَا بَين شفرى عَيْنَيْهِ خَمْسمِائَة عَام حَدِيث ابْن مَسْعُود إِن الشَّيْطَان قد يئس أَن تعبد الْأَصْنَام بِأَرْض الْعَرَب وَلَكِن سيرضى مِنْكُم بالمحقرات وَهُوَ الموبقات فَاتَّقُوا الظُّلم. . الحَدِيث وَفِيه مثل المحقرات مثل سفر نزلُوا بِأَرْض فلاة حَدِيث أنس يحْشر الله الْعباد عُرَاة غبرا بهما. . الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ من حَدِيث عبد الله بن أنيس حَدِيث ابْن عَبَّاس يبْعَث للأنبياء مَنَابِر من ذهب وَيبقى منبري لَا أَجْلِس عَلَيْهِ قَائِما بَين يَدي رَبِّي. . الحَدِيث فِي الشَّفَاعَة وَفِيه حَتَّى يَقُول مَالك مَا تركت النَّار لغضب رَبك فِي أمتك من بَقِيَّة حَدِيث إِن رجلا من أهل الْجنَّة يشرف على أهل النَّار فيناديه رجل يَا فلَان هَل تعرفنِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 فَيَقُول لَا فَيَقُول أَنا الَّذِي مَرَرْت بِي فاستسقيتني شربة مَاء. . الحَدِيث حَدِيث إِن فِي جَهَنَّم سبعين ألف وَاد فِي كل وَاد سَبْعُونَ ألف شعب. . الحَدِيث حَدِيث إِن نَار الدُّنْيَا غسلت بسبعين مَاء من مياه الرَّحْمَة حَدِيث أنس ارغبوا فِيمَا رغبتكم فِيهِ واحذروا وخافوا ماخوفتكم بِهِ من عَذَابه وعقابه فَإِنَّهُ لَو كَانَت قَطْرَة من الْجنَّة. . الحَدِيث حَدِيث إِن فِي النَّار لحيات مثل أَعْنَاق البخت. . الحَدِيث حَدِيث يُؤمر يَوْم الْقِيَامَة بناس من النَّار إِلَى الْجنَّة حَتَّى إِذا دنوا مِنْهَا واستنشقوا روائحها. . الحَدِيث حَدِيث سُئِلَ عَن تربة الْجنَّة فَقَالَ درمكة بَيْضَاء مسك خَالص حَدِيث أبي هُرَيْرَة من سره أَن يسْقِيه الله الْخمر فِي الْآخِرَة فليتركها فِي الدُّنْيَا. . الحَدِيث حَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم. . الحَدِيث هُوَ فِي الزّهْد لِابْنِ الْمُبَارك من رِوَايَة سليم بن عَامر مُرْسلا لَيْسَ فِيهِ ذكر لأبي أُمَامَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 حَدِيث لما أسرِي بِي دخلت فِي الْجنَّة موضعا يُسمى الصرح عَلَيْهِ خيام اللُّؤْلُؤ. . الحَدِيث وَفِيه مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ هُوَ المقصورات فِي الْخيام فطفن يقلن نَحن الحَدِيث حَدِيث إِن الرجل من أهل الْجنَّة ليتزوج خَمْسمِائَة حوراء وَأَرْبَعَة آلَاف بكر وَثَمَانِية الآف ثيب. . الحَدِيث فِي العظمة لأبي الشَّيْخ نَحوه من حَدِيث ابْن أبي أوفى حَدِيث أبي أُمَامَة مَا من عبد يدْخل الْجنَّة إِلَّا وَيجْلس عِنْد رَأسه وَعند رجلَيْهِ ثِنْتَانِ من الْحور الْعين. . الحَدِيث حَدِيث أهل الْجنَّة جرد. . الحَدِيث وَفِيه طولهم سِتُّونَ ذِرَاعا فِي عرض سَبْعَة أَذْرع حَدِيث نظرت فِي الْجنَّة فَإِذا الرمانة من رمانها كخلف الْبَعِير المقتب. . الحَدِيث حَدِيث إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أخرج الله كتابا من تَحت الْعَرْش. . الحَدِيث الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 وَفِيه فَيخرج من النَّار مثل أهل الْجنَّة 695 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عبد الله الْمَدِينِيّ من أهل أَصْبَهَان تفقه بِبَغْدَاد عَليّ الْحسن بن سُلَيْمَان وَسمع الْكثير بِنَفسِهِ بِبَغْدَاد وَالْبَصْرَة وخوزستان وأصبهان وطبرستان وخراسان وَغَيرهمَا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سمع بِقِرَاءَتِي الْكثير من الفراوي والسيدي والشحامي وَغَيرهم قَالَ وَتُوفِّي بعسكر مكرم وَهُوَ على الْقَضَاء بهَا فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 696 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل أَبُو مَنْصُور الْفَقِيه البروي الطوسي وَمِنْهُم من كناه أَبَا حَامِد وَمِنْهُم من كناه أَبَا المظفر وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله وَمِنْهُم من قَالَ بل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سعد الحديث: 695 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 هُوَ صَاحب التعليقة فِي الْخلاف والجدل الْمَشْهُور كَانَ أحد أَئِمَّة الدّين فقها وأصولا وكلاما ووعظا ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة وتفقه عَليّ مُحَمَّد بن يحيى تلميذ الْغَزالِيّ زسمع مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي وَعبد الْوَهَّاب بن شاه الشاذياخي وَدخل بَغْدَاد وصادف الْقبُول من الْخَاص وَالْعَام ودرس بِالْمَدْرَسَةِ البهائية وَعقد حَلقَة للمناظرة ومجلسا للوعظ والتذكير وَدخل دمشق وَنزل بالخانقاه السميساطية ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد قَالَ ابْن الدبيثي كَانَ أحد عُلَمَاء عصره والمشار إِلَيْهِ بالتقدم فِي معرفَة الْفِقْه وَالْكَلَام وَالنَّظَر وَحسن الْعبارَة والبلاغة وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ قدم علينا بَغْدَاد وَجلسَ للوعظ وَأظْهر مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وناظر عَلَيْهِ وتعصب على الْحَنَابِلَة وَبَالغ وَقَالَ ابْن الْأَثِير أَصَابَهُ إسهال فَمَاتَ فَقيل إِن الْحَنَابِلَة أهدوا لَهُ حلواء فَأكل مِنْهَا فَمَاتَ هُوَ وكل من أكل مِنْهَا وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ يُقَال إِن الْحَنَابِلَة دسوا عَلَيْهِ امْرَأَة جَاءَتْهُ فِي اللَّيْل بِصَحْنِ جلواء مَسْمُوم وَقَالَت هَذَا يَا سَيِّدي من غزلي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 فَأكل هُوَ وَامْرَأَته وَولد صَغِير فَأَصْبحُوا موتى مَاتَ بِبَغْدَاد فِي رَمَضَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 697 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو ثَعْلَب الوَاسِطِيّ القَاضِي تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ مَاتَ بواسط فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 698 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي بكر السهلكي خطيب بسطَام الْفَقِيه أَبُو الْحُسَيْن تفقه بِبَغْدَاد على السَّيِّد أبي الْقَاسِم عَليّ بن أبي يعلى الدبوسي وَكَانَ فَقِيها أديبا سمع الحَدِيث من رزق الله التَّمِيمِي ونظام الْملك الْوَزير وَغَيرهمَا وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كتبت عَنهُ شَيْئا يَسِيرا وَكَانَت وِلَادَته فِيمَا أَظن فِي حُدُود سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة ببسطام 699 - مُحَمَّد ين مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْخَلِيل أَبُو نصر الفاشاني الْمروزِي وفاشان بِفَتْح الْفَاء والشين الْمُعْجَمَة وَالنُّون من قرى مرو الحديث: 697 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 وَكَانَ أحد الْأَئِمَّة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام مفت أديب مُحدث غزير الْفضل حسن السِّيرَة عفيف ورع تفقه عَليّ مُحَمَّد الماخواني سمع من أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَمُحَمّد الماخواني وَمصْعَب بن عبد الرَّزَّاق وَمُحَمّد بن الْحسن المهرنبدقشابي وَغَيرهم حدث عَنهُ الْحَافِظ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ وَقَالَ سَمِعت مِنْهُ الْكثير قَالَ وَتُوفِّي فِي سَابِع عشر الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَله خمس وَسَبْعُونَ سنة ذكره فِي التحبير أَيْضا وَقَالَ إِنَّه أَخذ الْأَدَب عَن أبي مُطِيع الْهَرَوِيّ وَإنَّهُ كَانَ رَاغِبًا فِي بِنَاء الْمَسَاجِد والرباطات والحياض قلت بِخَط شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَنه سمع من مُصعب بن عبد الرَّزَّاق وَفِي تحبير ابْن السَّمْعَانِيّ عبد الرَّزَّاق بن مُصعب وَهُوَ الصَّوَاب فَإِن مُصعب بن عبد الرَّزَّاق بن مُصعب بن بشر المصعبي من مَشَايِخ ابْن السَّمْعَانِيّ ذكر فِي التحبير أَنه توفّي فِي سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة فِي السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَبُو نصر الفاشاني فَمَا أرَاهُ شَيْخه وَإِنَّمَا أرى شَيْخه وَالِده عبد الرَّزَّاق بن مُصعب وَعبد الرَّزَّاق بن مُصعب كَانَ راوية سمع مِنْهُ جمَاعَة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 700 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن أبي الفوارس البراني البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالنجيب أَخُو الْحَلِيمِيّ والبراني بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة وبالنون نِسْبَة إِلَى قَرْيَة ببخارى يُقَال لَهَا البرانية ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَفِي الْأَنْسَاب وَقَالَ كَانَ فَقِيها صَالحا سديد السِّيرَة سكن بنج ديه وَكَانَ يرجع إِلَيْهِ بهَا فِي الْفَتَاوَى والوقائع الشَّرْعِيَّة وَكَانَ يتَكَلَّم فِي الْمسَائِل الخلافية سمع أَبَاهُ أَبَا عبد الله البراني سَمِعت مِنْهُ أَجزَاء منتخبة من كتاب السَّفِينَة لأبي حَفْص البجيري توفّي بمرست سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَأما أَخُوهُ الْحَلِيمِيّ فَعرف بالحليمي فِيمَا أَحسب لِأَن اسْمه عبد الْحَلِيم وَهُوَ أَيْضا من مَشَايِخ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ يكنى أَبَا مُحَمَّد كَانَ أديبا فَقِيها مقرئا الحديث: 700 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 701 - مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْحسن بن مُحَمَّد بن يُوسُف أَبُو الْفرج ابْن الشَّيْخ أبي حَاتِم الْقزْوِينِي الْأنْصَارِيّ من آمل طبرستان أما أَبوهُ فقد تقدم فِي الطَّبَقَة الرَّابِعَة وَأما هُوَ فَكَانَ فَقِيها زاهدا صَالحا سمع أَبَا مَنْصُور بن إِسْحَاق الْحَافِظ وَسَهل بن ربيعَة وَأَبا عَليّ الْحُسَيْنِي وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن نَاصِر والسلفي وَابْن الْخلّ وشهده الإبرية وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ بارع فِي الْفِقْه والفرائض وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه فَاضل دين خير وَهُوَ صَاحب الْكَرَامَة فِي ضيَاع ابْنه فِي طَرِيق الْحَج وَذَلِكَ أَنه حج سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة فَضَاعَ وَلَده قبل وُصُوله إِلَى المدنية الشَّرِيفَة فَلَمَّا وصل إِلَى الْمَسْجِد الشريف أَخذ يتمرغ فِي الْبَاب ويبكي والخلق مجتمعون حوله وَهُوَ يَقُول يَا رَسُول الله جئْتُك من بلد بعيد زَائِرًا وَقد ضَاعَ ابْني لَا أرجع حَتَّى ترد عَليّ ابْني فَمَا زَالَ يردد هَذَا القَوْل حَتَّى دخل ابْنه من بَاب الْمَسْجِد فاعتنقا وتباكى الْخلق توفّي بآمل فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة الحديث: 701 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 702 - مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عَليّ بن شُجَاع أَبُو نصر الشجاعي السَّرخسِيّ السره مرد بِفَتْح السِّين وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء الثَّانِيَة بعْدهَا دَال لقب مولده سنة ثِنْتَيْنِ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة قدم من خُرَاسَان إِلَى بَغْدَاد وتفقه على السَّيِّد عَليّ بن أبي يعلى الدبوسي وَسمع أَبَا نصر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي آخر أَصْحَاب زَاهِر بن أَحْمد وَأَبا الْقَاسِم العبدوسي وَعَمه أَبَا حَامِد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الشجاعي الْفَقِيه وَأَبا الْقَاسِم الفوراني الْفَقِيه ونظام الْملك الْوَزير وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَأَبُو الْفتُوح الطَّائِي وَغَيرهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ شيخ مسن كَبِير الْقدر فَاضل ورع كثير التَّهَجُّد وَالصِّيَام وَالذكر كَانَ يُفْتِي ويناظر ويذب عَن مَذْهَب الشَّافِعِي توفّي بسرخس فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 703 - مُحَمَّد بن مَحْمُود بن عَليّ أَبُو الرضى الطرازي من أهل بُخَارى قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا دينا ورعا تقيا بكاء بِاللَّيْلِ بساما بِالنَّهَارِ الحديث: 702 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 أنفد أوقاته فِي نشر الْعلم وإلقاء الدُّرُوس كثير التَّهَجُّد لَا أعرف أحدا أجمع لخصال الْخَيْر مِنْهُ تفقه ببخارى على وَالِده وَعبد الْعَزِيز بن عمر الْمَعْرُوف بالبرهان ثمَّ رَحل إِلَى خُرَاسَان وَأقَام بمرو الروذ مُدَّة حَتَّى علق طَريقَة القَاضِي الْحُسَيْن على الْحسن بن مَسْعُود الْفراء أخي مُحي السّنة الْحُسَيْن وَأحكم الطَّرِيقَة عَلَيْهِ سمع أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الدقاق الْأَصْفَهَانِي الْحَافِظ وأستاذه الْحسن ابْن مَسْعُود الْفراء وَأَبا طَاهِر السنجي وَمُحَمّد بن نَاصِر السلَامِي وَجَمَاعَة ببخارى وهراة ونيسابور ومرو الروذ وبغداد مولده ببخارى فِي خَامِس شعْبَان سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة هَذَا مُخْتَصر من كرم ابْن السَّمْعَانِيّ وَلم يُقيد وَفَاته 704 - مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد الشَّيْخ الْعَلامَة الإِمَام شهَاب الدّين الطوسي أَبُو الْفَتْح ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخَمْسمِائة وتفقه عَليّ مُحَمَّد بن يحيى وَغَيره من أَصْحَاب الْغَزالِيّ وَحدث عَن أبي الْوَقْت وَغَيره روى عَنهُ ابْن الجميزي وَغَيره برع فِي الْعلم الحديث: 704 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 وَقدم إِلَى مصر فنشر الْعلم وَرفع علمه وَوعظ وَذكر وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا زاهدا ورعا متقشفا على طَرِيق السّلف مَعَ رياسة تَامَّة وعظمة عِنْد الْخَاصَّة والعامة كَلمته نَافِذَة ومدار الْفتيا بديار مصر عَلَيْهِ وَمِمَّا يُؤثر من عَظمته وجلاله أَنه جَاءَ يَوْم عيد وَالسُّلْطَان فِي الميدان فَأقبل وَبَين يَدَيْهِ الغاشية مَحْمُولَة على الْأَصَابِع والمنادى يُنَادي هَذَا ملك الْعلمَاء وَالسُّلْطَان يسمع ويستبشر وَلَا يُنكر وَكَانَ أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاء عَن الْمُنكر قَائِما بنصره مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 وَكَانَ مَعَ عَظمته يتضاءل للخبوشاني ويعترف بعلو قدره توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَحمل أَوْلَاد السُّلْطَان نعشه على رقابهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 وَمن شعره وملح كَلَامه ومليح فَتَاوِيهِ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو العابس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد بن يُوسُف المقدسيان وَأَبُو الْحُسَيْن بن اليونيني قَالُوا أخبرنَا الْفَقِيه ابْن الجميزي قَالَ أنشدنا الإِمَام أَبُو الْفَتْح الطوسي لنَفسِهِ (طلعت على بَغْدَاد وَالْعلم طالع ... كَمَا طلعت شمس من السرطان) (ومصر كجدي منزل لهبوطه ... كَذَا الْحُوت فِي الْحَالين للحدثان) وَمعنى هذَيْن الْبَيْتَيْنِ أَنه طلع على بَغْدَاد وَالْعلم فِي ارتفاعه مشابه ارْتِفَاع الشَّمْس فِي أوجها الْمُخْتَص بالسرطان فزاده مَعَ ذَلِك رفْعَة وطلع على مصر وَالْعلم هابط مثل هبوط الشَّمْس فِي برجي الجدي والحوت فرجعه إِلَى ارتفاعه وَأطلق لفظ الجدين 705 - مُحَمَّد بن مَرْزُوق بن عبد الرَّزَّاق بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن الزَّعْفَرَانِي الْبَغْدَادِيّ الْجلاب الْفَقِيه الْمُحدث الْوَرع تفقه عَليّ الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الحديث: 705 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 وصنف عدَّة كتب ورحل إِلَى أَصْبَهَان وَالشَّام ومصر وَالْبَصْرَة روى الْكثير عَن الْخَطِيب وَأبي جَعْفَر ابْن الْمسلمَة وَابْن الْمَأْمُون وَأبي الْحُسَيْن ابْن المهتدى بِاللَّه وطبقتهم روى عَنهُ السلَفِي وَطَائِفَة مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي صفر سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة 706 - مُحَمَّد بن منجح بن عبد الله الْفَقِيه أَبُو شُجَاع الصُّوفِي الْوَاعِظ ولد سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة وَسمع من قَاضِي المرستان وَأَجَازَ لَهُ ابْن طَاهِر وتفقه بالجزيرة على ابْن البزري وببغداد عَليّ أبي مُحَمَّد عبد الله بن فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي وَقدم الشَّام وَولى قَضَاء بعلبك ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَله شعر حسن توفّي بِبَغْدَاد فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 706 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 707 - مُحَمَّد بن الْمُنْتَصر بن حَفْص بن أَحْمد بن حَفْص الْمُتَوَلِي النوقاني الْمَعْرُوف بِمُحَمد ابْن أبي سعد من أهل طوس تفقه على فَقِيه الشاش بهراة وَعلي أبي حَامِد الشجاعي ببلخ وَسمع بنوقان القَاضِي أَبَا سعيد مُحَمَّد بن سعيد الفرخراذي وبمرو أَبَا بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن حَامِد الشَّاشِي قلت وَهُوَ شَيْخه الْمَعْرُوف بفقيه الشاش وبهراة أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الْعمريّ وَغَيرهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كتبت عَنهُ وَسمعت مِنْهُ تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ الْمُسَمّى بالكشف وَالْبَيَان رِوَايَته عَن الفرخراذي عَنهُ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا عفيفا حسن السِّيرَة جميل الْأَمر ورعا زاهدا يحفظ الْمَذْهَب ويفتي ولد بنوقان وَبهَا توفّي يَوْم الْأَحَد الْحَادِي وَالْعِشْرين من رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَدفن بمقبرة بَاب المنقب انْتهى الْجُزْء السَّادِس من طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الْكُبْرَى لِابْنِ السُّبْكِيّ ويليه الْجُزْء السَّابِع وأوله تَرْجَمَة مُحَمَّد بن مَنْصُور مُحَمَّد تَاج الدّين ابْن السَّمْعَانِيّ من بَقِيَّة الطَّبَقَة الْخَامِس الحديث: 707 ¦ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 بَقِيَّة الطَّبَقَة الْخَامِسَة فِيمَن توفّي بَين الْخَمْسمِائَةِ والستمائة 708 - مُحَمَّد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أَحْمد ابْن عبد الْجَبَّار بن الْفضل بن الرّبيع بن مُسلم بن عبد الله بن عبد الْمجِيد الإِمَام الْكَبِير أَبُو بكر بن الإِمَام أبي المظفر بن الإِمَام أبي مَنْصُور بن السَّمْعَانِيّ الْفَقِيه الأديب الْمُحدث الْحَافِظ الْوَاعِظ الْخَطِيب المبرز فِي علم الحَدِيث رجَالًا وأسانيد ومتونا وَغير ذَلِك جَامع لأشتات الْعُلُوم وَهُوَ أَبُو الْحَافِظ الْكَبِير تَاج الْإِسْلَام أبي سعد عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد وَكَانَ هُوَ أَيْضا يلقب تَاج الْإِسْلَام مولده فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة سمع وَالِده أَبَا المظفر وَعبد الْوَاحِد بن أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَنصر الله بن أَحْمد الخشنامي وأسعد بن مَسْعُود الْعُتْبِي وَأَبا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد العلاف وَمُحَمّد بن عبد الْكَرِيم بن خشيش الْحَافِظ وَأَبا الْغَنَائِم النَّرْسِي الْحَافِظ وَغَيرهم بمرو ونيسابور والرّيّ وهمذان وبغداد والكوفة وأصبهان وَمَكَّة وَغَيرهَا روى عَنهُ السلَفِي وَأَبُو الْفتُوح الطَّائِي وَغَيرهمَا ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق وَقَالَ فِيهِ الإِمَام ابْن الإِمَام ابْن الإِمَام شَاب نَشأ فِي عبَادَة الله وَفِي التَّحْصِيل من صباه إِلَى أَن أرْضى أَبَاهُ حظي من الْعَرَبيَّة وَالْأَدب والنحو وثمرتها نظما ونثرا بِأَعْلَى الْمَرَاتِب الحديث: 708 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 ينفث إِذا خطّ بأقلامه عقد السحر وينظم من مَعَاني كَلَامه عُقُود الدّرّ متصرفا فِي الْفُنُون بِمَا يَشَاء كَيفَ يَشَاء مُطيعًا لَهُ على البديهة الْإِنْشَاء ثمَّ برع فِي الْفِقْه مستدرا أخلافه من أَبِيه بَالغا فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف أقْصَى مراميه وَزَاد على أقرانه وَأهل عصره بالتبحر فِي علم الحَدِيث وَمَعْرِفَة الرِّجَال والأسانيد وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْجرْح وَالتَّعْدِيل والتحريف والتبديل وَضبط الْمُتُون والمشكلات من الْمعَانِي مَعَ الْإِحَاطَة بالتواريخ والأنساب وطرز أكمام بمجالس تذكيره الَّذِي تتصدع صم الصخور عِنْد تحذيره وتتجمع أشتات الْعِظَام النخرة عِنْد تبشيره وتصغي آذان الْحفظَة لمجاري نُكْتَة وتختطف الْمَلَائِكَة لفاظه إشاراته من شفته ويخترق حجب الشداد السَّبع صواعد دعواته ويطفئ أطباق الْجَحِيم سوابق عبراته وَهُوَ مَعَ ذَلِك متخلق بِأَحْسَن الْأَخْلَاق مُتَمَكن بتواضعه وتودده من الأحداق رافل فِي جلابيب أهل الصَّفَا مراع لعهود الأسلاف بِحسن الوفا مَجْمُوع لَهُ الْأَخْلَاق الحميده ثَابت لَهُ الْحُقُوق الأكيدة خلف أَبَاهُ ببلدته فِي مجَالِس التدريس وَالنَّظَر والتذكير وَزَاد عَلَيْهِ فِي الخطابة وَالْقَبُول التَّام بَين الْخَاص وَالْعَام وصبر على مكابدة الْخُصُوم اللد ومقاومة المعاندين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 والمخالفين ونفق سوق تقواه وورعه عِنْد الْمُلُوك والأكابر حَتَّى عظموا خدمته وتبركوا بِهِ وبنصحه وَكَلَامه وَصَارَ قطب قطره حشمة وَحرمه وجاها ومنزلة مستغنيا بكافة وَمَا آتَاهُ الله من غير منَّة مَخْلُوق عَن التَّعَرُّض لمنال شَيْء من الحطام قاصرا همه وأيامه على الإفادة وَنشر الْعلم مد الله فِي عَزِيز أنفاسه وأبقاه حجَّة على الْعلمَاء هَذَا كَلَام عبد الغافر وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد رَحمَه الله أمْلى وَالِدي مائَة وَأَرْبَعين مَجْلِسا فِي غَايَة الْحسن والفوائد بِجَامِع مرو واعترف بِأَنَّهُ لم يسْبق إِلَى مثلهَا وصنف تصانيف فِي الحَدِيث قلت ووقفت على كثير من إمْلَائِهِ وَهُوَ دَال على علو شَأْنه فِي الْفِقْه والْحَدِيث واللغة قَالَ وَلَده وَكَانَ يملي فِي مجْلِس وعظه الْأَحَادِيث بأسانيدها فَاعْترضَ عَلَيْهِ بعض المنازعين وَقَالَ مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ يصعد الْمِنْبَر ويعد الْأَسَامِي وَنحن لَا نَعْرِف وَلَعَلَّه يَضَعهَا فِي الْحَال وَكتب هَذَا الْكَلَام فِي رقْعَة وَأعْطيت لَهُ بعد أَن صعد الْمِنْبَر فَنظر فِيهَا وروى حَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار بنيف وَتِسْعين طَرِيقا ثمَّ قَالَ إِن لم يكن فِي هَذَا الْبَلَد أحد يعرف الحَدِيث فنعوذ بِاللَّه من الْمقَام بِبَلَد مَا فِيهَا من يعرف الحَدِيث وَإِن كَانَ فليكتب عشرَة أَحَادِيث بأسانيدها وَيتْرك اسْما أَو اسْمَيْنِ من كل إِسْنَاد ويخلط الْأَسَانِيد بَعْضهَا بِبَعْض فَإِن لم أميز بَينهَا وأضع كل اسْم مِنْهَا مَكَانَهُ فَهُوَ كَمَا يَدعِيهِ وفعلوا ذَلِك امتحانا فَرد كل اسْم إِلَى مَوْضِعه وَطلب الْقُرَّاء الَّذين يقرءُون فِي مَجْلِسه فِي ذَلِك الْيَوْم شَيْئا فَأَعْطَاهُمْ الْحَاضِرُونَ ألف دِينَار قَالَ أَبُو سعد هَذَا كُله من مُحَمَّد بن أبي بكر السنجي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 قَالَ وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم عيدا لأهل السّنة وَكَانَ وَالِده الإِمَام أَبُو المظفر إِذا جرى شَيْء يتَعَلَّق بالأدب أَو اللُّغَة أَو سُئِلَ عَن شَيْء من ذَلِك يَقُول سلو ابْني مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ أعرف باللغة مني قَالَ صَاحب الْكَافِي سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن المرداخواني وَكَانَ من تلامذة الْأَمَام أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ يَقُول كنت شريك ابْنه أبي بكر مُحَمَّد ومعيدنا أَبُو عبد الله النَّيْسَابُورِي فَتَأَخر حُضُور مُحَمَّد يَوْمًا ثمَّ جَاءَ وَقد احْمَرَّتْ عَيناهُ من الْبكاء فَقَالَ لَهُ أَبُو عبد الله مَا الَّذِي خَلفك وَمَا شَأْنك فَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فناولني قدحا مملوءا مَاء وَقَالَ لي اشرب فَأَخَذته وشربته كُله وانتبهت وَقد أثر ذَلِك فِي عروقي وَسَائِر جَسَدِي فَنَهَضَ الإِمَام أَبُو عبد الله مسرعا إِلَى الصّفة الَّتِي فِيهَا الإِمَام أَبُو المظفر وَهُوَ يَقُول الْبشَارَة الْبشَارَة وَأخْبرهُ بالمنام فَقَالَ الإِمَام أَبُو المظفر الْحَمد لله وَقَالَ إِنِّي رَأَيْت مثل هَذَا الْمَنَام وَلَكِنِّي مَا شربت جَمِيع المَاء بل بعضه وَهُوَ شرب جَمِيعه فيجتمع عِنْده جَمِيع أَحَادِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَللْإِمَام أبي بكر شعر كثير ويحكى أَنه غسل قبل مَوته جَمِيع المسودات الَّتِي فِيهَا شعره فَلم يُوجد لَهُ إِلَّا مَا كَانَ على ظُهُور الدفاتر من الْأَجْزَاء ويحكى أَن شخصا كتب إِلَيْهِ رقْعَة وفيهَا أَبْيَات شعر وَأَرَادَ جوابها فَقَالَ أما الأبيات فقد أسلم شَيْطَان شعري فَلَا جَوَاب لَهَا وَمن مليح شعره (أقلى النَّهَار إِذا أَضَاء صباحه ... وأظل أنْتَظر الظلام الدامسا) (فالصبح يشمت بِي فَيقبل ضَاحِكا ... وَاللَّيْل يرثي لي فيدبر عَابِسا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 وَله أَيْضا (وظبي فَوق طرف ظلّ يَرْمِي ... بِسَهْم اللحظ قلب الصب طرفه) (يُؤثر طرفه فِي الْقلب مَا لَا ... يُؤثر فِي الْحَصَى والترب طرفه) وَله مَا أورد أَبُو سعد فِي كتاب التحبير فِي تَرْجَمَة أبي حَامِد أَحْمد بن عبد الله الفازي الصُّوفِي الْمَعْرُوف بالأوحد وَذكر أَنه قَالَ فِي قَرْيَة فَازَ إِحْدَى قرى طوس (نزلنَا بقْعَة تدعى بفاز ... فَكَانَ ألذ من نيل المفاز) (وقست إِلَى ثراها كل أَرض ... فَكَانَت كالحقيقة فِي الْمجَاز) وَفِي أبي بكر السَّمْعَانِيّ يَقُول الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي (هُوَ الْمُزنِيّ إبان الْفَتَاوَى ... وَفِي علم الحَدِيث التِّرْمِذِيّ) (وجاحظ عصره فِي النثر صدقا ... وَفِي وَقت التشاعر بحتري) (وَفِي النَّحْو الْخَلِيل بِلَا خلاف ... وَفِي حفظ اللُّغَات الْأَصْمَعِي) قلت وددت لَو قَالَ وَفِي الشّعْر الأديب البحتري وَسلم من لفظ التشاعر وَمن تنكر البحتري وَقَالَ آخر فِيمَا ذكر السلَفِي (يَا سائلي عَن علم الزَّمَان ... وعالم الْعَصْر لَدَى الْأَعْيَان) (لست ترى فِي عَالم العيان ... كَابْن أبي المظفر السَّمْعَانِيّ) وَقدم القَاضِي يحيى بن صاعد الْهَرَوِيّ نيسابور وَكَانَ أَبُو بكر بن السَّمْعَانِيّ بهَا فَدخل عَلَيْهِ زَائِرًا فَأَطْرَقَ يحيى بن صاعد رَأسه سَاعَة ثمَّ رَفعه وَأنْشد يَقُول (قل للْإِمَام بن الإِمَام مُحَمَّد بن ... مظفر بن مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 (عشقتك عَيْني مذ رأتك وَكَانَ من ... قبل اللِّقَاء يحبك السمعان) فَأَجَابَهُ أَبُو بكر على البديهة (حييت بِيَحْيَى إِذْ رزقت لقاءه ... ونلت بِهِ جدا لأمري مساعدا) (فَلَا زَالَ يحيى واسْمه فال عمره ... وكاسم أَبِيه نجمه دَامَ صاعدا) وَالِد أبي بكر اسْمه مَنْصُور وكنيته أَبُو المظفر فَحذف القَاضِي يحيى لفظ الْأَب لمَكَان الْوَزْن قَالَ الْحَافِظ أَبُو سعد من عَجِيب مَا اتّفق أَن آخر مجْلِس أملاه كَانَ افتتاحه بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن أمامكم عقبَة كئودا لَا يجوزها المثقلون فَأَنا أحب أَن أتخفف لتِلْك الْعقبَة) وَكَانَ قد وصل فِي التَّفْسِير الَّذِي يذكرهُ فِي مجْلِس الْوَعْظ إِلَى قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} الْآيَة وَتُوفِّي عقيب ذَلِك ابْن ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة فِي بوم الْجُمُعَة ثَانِي صفر سنة عشر وَخَمْسمِائة وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَن تَاج الْإِسْلَام أبي بكر ... . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 709 - مُحَمَّد بن مكي بن الْحسن الفامي أَبُو بكر البابشامي يعرف بِابْن دوست قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه فَاضل تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن بَشرَان وَأَبا مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي قلت وَالْقَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَأَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ وَغَيرهمَا وَأَجَازَ لِابْنِ كُلَيْب مَاتَ فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَخَمْسمِائة الحديث: 709 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 710 - مُحَمَّد بن مُوسَى بن عُثْمَان بن مُوسَى بن عُثْمَان بن حَازِم الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي الهمذاني إِمَام متقن مبرز ولد سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَقيل سنة تسع وَأَرْبَعين وَسمع بهمذان من أبي الْوَقْت حضورا وَمن شهردار بن شيرويه وَأبي زرْعَة طَاهِر وَأبي الْعَلَاء الْعَطَّار وَمعمر بن الفاخر وَغَيرهم ورحل إِلَى بَغْدَاد والموصل وواسط وَالْبَصْرَة وأصبهان والجزيرة والحجاز فَسمع من خلق مِنْهُم خطيب الْموصل أَبُو الْفضل وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ الْحَافِظ وَله إجَازَة من السلَفِي وَابْن السَّمْعَانِيّ وَأبي عبد الله الرستمي روى عَنهُ أَبُو عبد الله الدبيثي وَابْن أبي جَعْفَر والتقى عَليّ بن ماسويه المقرىء وَغَيرهم قَالَ ابْن الدبيثي قدم بَغْدَاد عِنْد بُلُوغه واستوطنها وتفقه بهَا على مَذْهَب الشَّافِعِي وجالس علماءها وتميز وَفهم وَصَارَ من أحفظ النَّاس للْحَدِيث وَأَسَانِيده وَرِجَاله مَعَ زهد وَتعبد ورياضة وَذكر صنف فِي علم الحَدِيث مصنفات وأملى عدَّة مجَالِس قَالَ وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ معرفَة أحاديت الْأَحْكَام وأملى طرق الْأَحَادِيث الَّتِي فِي كتاب الْمُهَذّب للشَّيْخ أبي إِسْحَاق وأسندها وَلم يتمه الحديث: 710 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 وَقَالَ ابْن النجار كَانَ من الْأَئِمَّة الْحفاظ الْعَالمين بِفقه الحَدِيث ومعانيه وَرِجَاله ألف النَّاسِخ والمنسوخ وَكتاب عجالة المبتدى فِي الْأَنْسَاب والمؤتلف والمختلف فِي أَسمَاء الْبلدَانِ قَالَ وَكَانَ ثِقَة حجَّة نبيلا زاهدا ورعا ملازما للخلوة والتصنيف وَنشر الْعلم أدْركهُ أَجله شَابًّا توفّي ثامن عشرى جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 711 - مُحَمَّد بن الْمُوفق بن سعيد بن عَليّ بن الْحسن بن عبد الله الخبوشاني الْفَقِيه الصُّوفِي أحد الْأَئِمَّة علما ودينا وورعا وزهدا وخبوشان بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخرهَا نون بليدَة بِنَاحِيَة نيسابور ولد بهَا فِي رَجَب سنة عشر وَخَمْسمِائة وتفقه بنيسابور على مُحَمَّد بن يحيى ثمَّ قيل إِنَّه كَانَ يستحضر كِتَابه الْمُحِيط وَأَنه عدم الْكتاب فأملاه من خاطره وَقدم مصر سنة خمس وَسِتِّينَ فَأَقَامَ بمسجده بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة ثمَّ تحول إِلَى تربة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وتبتل لعمارة التربة الْمَذْكُورَة والمدرسة ودرس بهَا مُدَّة وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا كَبِير الْمحل فِي الْوَرع قل أَن ترى الْعُيُون مثله زهدا وعلما وأمرا بِالْمَعْرُوفِ وتصميما على الْحق وَمن تصانيفه كتاب تَحْقِيق الْمُحِيط فِي سِتَّة عشر مجلدا الحديث: 711 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 وَحدث بِالْقَاهِرَةِ عَن أبي الأسعد هبة الرَّحْمَن بن الْقشيرِي وَكَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين رَضِي الله عَنهُ حسن العقيدة فِي الشَّيْخ الخبوشاني وَكَانَ الخبوشاني لَهُ حَال غَرِيبَة وَمحل مكين ومقام فِي الدّين وَكَانَ يَقُول بملء فِيهِ أصعد إِلَى مصر وأزيل ملك بني عبيد الْيَهُودِيّ فصعدها وَصرح بلعنهم وحاروا فِي أمره وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ بِمَال عَظِيم قيل مبلغه أَرْبَعَة الآف دِينَار فَلَمَّا وَقع نظره على رسولهم وَهُوَ بالزي الْمَعْرُوف نَهَضَ إِلَيْهِ بأشد الْغَضَب وَقَالَ وَيلك مَا هَذِه الْبِدْعَة وَكَانَ الرجل قد زور فِي نَفسه كلَاما يلاطفه بِهِ فأعجله عَن ذَلِك فَرمى عَن الدَّنَانِير بَين يَدَيْهِ فَضَربهُ على رَأسه فَصَارَت عمَامَته حلقا فِي عُنُقه وأنزله من السّلم وَهُوَ يَرْمِي بِالدَّنَانِيرِ على رَأسه ويسب أهل الْقصر ثمَّ إِن العاضد توفّي وتهيب صَلَاح الدّين خوفًا من الْخطْبَة لبني الْعَبَّاس وحذرا من الشِّيعَة فَوقف الخبوشاني أَمَام الْمِنْبَر بعصاة وَأمر الْخَطِيب أَن يذكر بني الْعَبَّاس فَفعل وَلم يكن إِلَّا الْخَيْر وَوصل إِلَى بَغْدَاد الْخَبَر فزينوها وأظهروا من الْفَرح فَوق الْوَصْف وَأخذ الخبوشاني فِي بِنَاء الضريح الشريف وَكَانَ ابْن الكيزاني رجل من المشبهة مَدْفُونا عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الخبوشاني لَا يكون صديق وزنديق فِي مَوضِع وَاحِد وَجعل ينبش وَيَرْمِي عِظَامه وَعِظَام الْمَوْتَى الَّذين حوله من أَتْبَاعه وتعصبت المشبهة عَلَيْهِ وَلم يبال بهم وَمَا زَالَ حَتَّى بنى الْقَبْر والمدرسة ودرس بهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 وَلَعَلَّ النَّاظر يقف على كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي هَذَا الْموضع من تَرْجَمَة الخبوشاني فَلَا يحفل بِهِ وَبِقَوْلِهِ فِي ابْن الكيزاني إِنَّه من أهل السّنة فالذهبي رَحمَه الله متعصب جلد وَهُوَ شَيخنَا وَله علينا حُقُوق إِلَّا أَن حق الله مقدم على حَقه وَالَّذِي نقُوله إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يسمع كَلَامه فِي حَنَفِيّ وَلَا شَافِعِيّ وَلَا تُؤْخَذ تراجمهم من كتبه فَإِنَّهُ يتعصب عَلَيْهِم كثيرا وَمن ورع الخبوشاني انه كَانَ يركب الْحمار وَيجْعَل تَحْتَهُ أكسية لِئَلَّا يصل إِلَيْهِ عرقه وَجَاء الْملك الْعَزِيز إِلَى زيارته وَصَافحهُ فاستدعى بِمَاء وَغسل يَدَيْهِ وَقَالَ يَا وَلَدي أَنْت تمسك الْعَنَان وَلَا يتوقى الغلمان عَلَيْهِ فَقَالَ اغسل وَجهك فَإنَّك بعد المصافحة لمست وَجهك فَقَالَ نعم وَغسل وَجهه وَلما خرج صَلَاح الدّين إِلَى الإفرنج نوبَة الرملة جَاءَ الشَّيْخ الخبوشاني إِلَى وداعه وَالْتمس مِنْهُ أمورا من المكوس يُسْقِطهَا عَن النَّاس فَلم يفعل فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ قُم لَا نصرك الله ووكزه بعصاة فَوَقَعت قلنسوة السُّلْطَان عَن رَأسه فَوَجَمَ لَهَا ثمَّ توجه إِلَى الْحَرْب فَكسر وَعَاد إِلَى الشَّيْخ فَقبل يَده وَعرف أَن ذَلِك بِسَبَب دَعوته وَانْظُر إِلَى كَلَام الذَّهَبِيّ هُنَا فِي تَارِيخه وَقَوله ظن السُّلْطَان أَن ذَلِك بدعوته وَلَو كَانَت هَذِه الْحِكَايَة لمن هُوَ على معتقده من المبتدعة لهول أمرهَا وَقَالَ جرى على صَلَاح الدّين بدعائه مَا جرى وَاسْتقر كَلَامه يثبت عنْدك مَا نقُوله وَكَانَ تَقِيّ الدّين عمر بن أخي السُّلْطَان لَهُ مَوَاضِع يُبَاع فِيهَا المزر فَكتب الشَّيْخ ورقة إِلَى صَلَاح الدّين إِن هَذَا عمر لَا جبرة الله يَبِيع المزر فسيرها صَلَاح الدّين إِلَى عمر وَقَالَ لَا طَاقَة لنا بِهَذَا الشَّيْخ فأرضه فَركب إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ حَاجِبه قف بِبَاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 الْمدرسَة حَتَّى أسبقك إِلَيْهِ فأوطئ لَك فَدخل وَقَالَ إِن تَقِيّ الدّين يسلم عَلَيْك فَقَالَ الشَّيْخ بل شقي الدّين لاسلم الله عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّه يعْتَذر وَيَقُول لَيْسَ لي مَوضِع يُبَاع فِيهِ المزر فَقَالَ يكذب فَقَالَ إِن كَانَ هُنَاكَ مَوضِع مزر فأرناه فَقَالَ الشَّيْخ ادن وَأمْسك ذؤابتيه وَجعل يلطم على وَجهه وخديه وَيَقُول لست مزارا فأعرف مَوَاضِع المزر فخلصوه من يَده وَخرج إِلَى تَقِيّ الدّين وَقَالَ فديتك بنفسي وعاش الشَّيْخ نجم الدّين عمره لم يَأْكُل من وقف الْمدرسَة لقْمَة وَلَا أَخذ من مَال الْمُلُوك درهما وَدفن فِي الكساء الَّذِي صَحبه من خبوشان وَكَانَ بِمصْر رجل تَاجر من بَلَده يَأْكُل من مَاله وَدخل يَوْمًا القَاضِي الْفَاضِل وَزِير السُّلْطَان لزيارة الشَّافِعِي فَوَجَدَهُ يلقِي الدَّرْس على كرْسِي ضيق فَجَلَسَ على طرفه وجنبه إِلَى الْقَبْر فصاح الشَّيْخ فِيهِ قُم قُم ظهرك إِلَى الإِمَام فَقَالَ الْفَاضِل إِن كنت مستدبرة بقالبي فَأَنا مُسْتَقْبلَة بقلبي فصاح فِيهِ أُخْرَى وَقَالَ مَا تعبدنا بِهَذَا فَخرج وَهُوَ لَا يعقل توفّي الشَّيْخ نجم الدّين فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وعَلى يَده كَانَ خراب بَيت العبيديين الرفضة الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم فاطميون وَإِنَّمَا هم منتسبون إِلَى شخص اسْمه عبيد قيل إِنَّه يَهُودِيّ وَقيل مَجُوسِيّ من أهل سلمية دخل الْمغرب وملكها وَبنى المهدية وتلقب بالمهدى وَكَانَ زنديقا خبيثا عدوا لِلْإِسْلَامِ قتل من الْفُقَهَاء والمحدثين أمما وَبَقِي هَذِه الْبلَاء على الْإِسْلَام من أول دولتهم إِلَى آخرهَا وَذَلِكَ من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 وَقد بَين نسبهم جمَاعَة مِنْهُم القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني فَإِنَّهُ كشف فِي أول كِتَابه الْمُسَمّى بكشف أسرار الباطنية بطلَان نسب هَؤُلَاءِ إِلَى الإِمَام عَليّ كرم الله وَجهه وهم أَرْبَعَة عشر رجلا مِنْهُم ثَلَاثَة بإفريقية وهم الملقبون بالمهدي والقائم والمنصور وَأحد عشر بِمصْر وهم الْمعز والعزيز وَالْحَاكِم وَالظَّاهِر والمستنصر والمستعلي والآمر والحافظ والظافر والقائم والعاضد وَهُوَ آخِرهم ولقدحكي أَن العاضد رأى فِي مَنَامه أَن حَيَّة خرجت من مَسْجِد مَعْرُوف بِمصْر ولسعته فَأرْسل جمَاعَة فِي صَبِيحَة ليلته إِلَى ذَلِك الْمَسْجِد فَمَا رَأَوْا فِيهِ إِلَّا شخصا أعجميا فَقِيرا فَردُّوا إِلَيْهِ وَقَالُوا لم نر إِلَّا فَقِيرا أعجميا وتكررت الرُّؤْيَا وَهُوَ يُرْسل فَلَا يرَوْنَ إِلَّا ذَلِك الأعجمي فَقيل لَهُ هَذِه أضغاث أَحْلَام وَكَانَ الأعجمي هُوَ الخبوشاني وَكَانَ للعاضد وَزِير يُسمى بِالْملكِ الصَّالح على عَادَة وزراء الفاطميين أخيرا يسمون أنفسهم بالملوك وَهُوَ أَبُو الغارات طلائع بن رزيك فَقتله العاضد ثمَّ استوزر شاور ثمَّ قَتله وَذَلِكَ أَن أَسد الدّين شيركوه دخل الْقَاهِرَة وَقَامَ شاور بضيافته وضيافة عسكره وَتردد إِلَى خدمته فَطلب مِنْهُ أَسد الدّين مَالا يُنْفِقهُ على جَيْشه فماطله فَأرْسل إِلَيْهِ يَقُول قد ماطلت بنفقات الْجَيْش وهم يطالبون فَإِذا أتيتني فَكُن على حذر مِنْهُم فَلم يُؤثر هَذَا عِنْد شاور وَركب على عَادَته وَأتي أَسد الدّين مسترسلا وَقيل إِنَّه تمارض فجَاء شاور يعودهُ فاعترضه صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء النورية فقبضوا عَلَيْهِ فَجَاءَهُمْ رَسُول العاضد يطْلب رَأس شاور فذبح وَحمل رَأسه إِلَيْهِ واستقل أَسد الدّين وَلم يلبث أَن حَضرته الْمنية بعد خَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا من ولَايَته فقلد العاضد صَلَاح الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 يُوسُف ولقبه الْملك النَّاصِر وَكتب تَقْلِيده القَاضِي الْفَاضِل وبدت سَعَادَة صَلَاح الدّين وَضعف أَمر العاضد وَكَانَ مبدأ ضعفه أَن الفرنج خذلهم الله قصدُوا مصر فِي جمع عَظِيم وجحفل كَبِير واستباحوا بلبيس وأناخوا على مصر وأحرق شاور مصر خوفًا عَلَيْهَا مِنْهُم وَبقيت النَّار تعْمل فِيهَا أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا ثمَّ عرف الْعَجز وَشرع فِي الْحِيَل وَأرْسل إِلَيْهِم يصالحهم على ألف ألف دِينَار مصرية نصفهَا خَمْسمِائَة ألف دِينَار ليرحلوا عَنهُ وَأرْسل إِلَيْهِم مائَة ألف دِينَار حِيلَة وخداعا وواصل بكتبه الْملك نور الدّين من حَيْثُ لَا يعلم الفرنج يطْلب مِنْهُ الْغَوْث وَيَقُول إِن الفرنج قد استحكم طَلَبهمْ وطمعهم فِي الْبِلَاد المصرية فَجهز نور الدّين أسدا الدّين فِي عَسْكَر عَظِيم فرحلت الفرنج لما سَمِعت بِخَبَر الْعَسْكَر وَدخل أَسد الدّين مصر وتأكدت الصداقة بَينه وَبَين شاور وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى حِين ولَايَة صَلَاح الدّين واستمراره إِلَى مستهل سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فَخَطب لبنى الْعَبَّاس بِالْقَاهِرَةِ وَسَائِر بلادها وَكَانَت خطبتهم مُنْقَطِعَة مِنْهَا هَذِه الْمدَّة المديدة والدول السخيفة بعد أَن كَانَ جبن عَن ذَلِك واستعظم خطبه وَكَانَ العاضد لما ضعف أمره وتنسم الخمول أرسل كتابا إِلَى نور الدّين يطْلب الاستقالة من الأتراك فِي مصر خوفًا مِنْهُم والاقتصار على صَلَاح الدّين فَكتب إِلَيْهِ نور الدّين الْخَادِم يهنى بِمَا سناه الله من الظفر الَّذِي أضْحك سنّ الْإِيمَان يُشِير إِلَى نصْرَة الْمُسلمين على الفرنج فِي نوبَة دمياط وَيَقُول إِن الفرنج لَا تؤمن غائلتهم والرأي إبْقَاء التّرْك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 بديار مصر فَبَقيت التّرْك إِلَى المستهل من السّنة الْمَذْكُورَة فَقطعت خطبه الفاطميين وخطب لأمير الْمُؤمنِينَ المستضيء وَأرْسل إِلَى بَغْدَاد بالْخبر وَتُوفِّي العاضد بعد ذَلِك فِي يَوْم عَاشُورَاء بِالْقصرِ وَجلسَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين بعد ذَلِك للعزاء وَأغْرب فِي الْحزن والبكاء وتسلم الْقصر بِمَا فِيهِ من خَزَائِن ودفائن وأموال لَا تعد وَلَا تحصى وأمتعته اسْتمرّ البيع فِيهَا بَعْدَمَا أهْدى ووهب وَأطلق وادخر عشر سِنِين ويحكى أَن صَلَاح الدّين قَالَ لَو علمت أَن العاضد يَمُوت بعد عشرَة أَيَّام مَا قطعت خطبَته وَأَنه قَالَ مارأيت أكْرم من العاضد أرْسلت إِلَيْهِ مُدَّة مقَام الإفرنج على دمياط أطلب مِنْهُ نَفَقَة فَأرْسل إِلَيّ ألف ألف دِينَار مصرية نصفهَا خَمْسمِائَة ألف دِينَار غير الثِّيَاب والأمتعة ثمَّ أودع صَلَاح الدّين أقَارِب العاضد السجْن وَقرر لَهُم النَّفَقَات وزائد الصلات واستفحل أمره وَكَانَ على يَده فتح بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ الْفَتْح الَّذِي اشْتهر بِهِ شرقا وغربا وَحصل من الْجنَّة والقلوب قربا وَأبقى لَهُ إِلَى يَوْم الدّين ثَنَاء حسنا رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ وَكتب فِي سنة سبعين وَخَمْسمِائة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ المستضيء بِأَمْر الله كتابا من إنْشَاء القَاضِي الْفَاضِل يعدد مَاله من الفتوحات وَمن جِهَاد الفرنج مَعَ نور الدّين وفعالهم الْحَسَنَة وإقامتهم الْخطْبَة لأمير الْمُؤمنِينَ وَلَا عهدنا قِيَامهَا مُنْذُ دهر واستيلاءه على الْبِلَاد الْكَثِيرَة من أَطْرَاف الْمغرب إِلَى أقْصَى الْيمن وَأَن فِي هَذِه السّنة كَانَ عندنَا وَفد نَحْو سبعين رَاكِبًا كلهم يطْلب لسلطان بَلَده تقليدا ويرجو منا وَعدا وَيخَاف وعيدا وَأكْثر من ذَلِك إِلَى أَن قَالَ وَالْمرَاد الْآن تَقْلِيد جَامع بِمصْر واليمن وَالْمغْرب وَالشَّام وكل مَا تشْتَمل عَلَيْهِ الْولَايَة النورية يَعْنِي ولَايَة نور الدّين مَحْمُود وكل مَا يَفْتَحهُ الله للدولة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 العباسية بسيوفنا وَلمن يَنْضَم من أَخ وَولد من بَعدنَا تقليدا يضمن للنعمة تخليدا وَعظم خطْبَة بِحَيْثُ إِنَّه لما مَاتَ المستضيء وَولى النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ لم تكن لَهُ قدرَة عَلَيْهِ مَعَ مَا كَانَ النَّاصِر عَلَيْهِ من عَظمَة لَا توازى وخضوع مُلُوك الأَرْض لَهُ شرقا وغربا وقهره الكافة بعدا وقربا وَأرْسل إِلَى صَلَاح الدّين كتابا يعاتبه على أُمُور مِنْهَا تَسْمِيَته بِالْملكِ النَّاصِر وَأَنه لَا يَنْبَغِي لَك يَا صَلَاح الدّين أَن تتسمى باسمي فَإِن مَا يصلح للْمولى على العَبْد حرَام فَأَجَابَهُ بِأَن هَذِه التَّسْمِيَة من زمن المستضيء قبل أَن يكون مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خَليفَة وَكَانَ هَذَا الْجَواب من القَاضِي الْفَاضِل وتلاطف بِهِ فَإِن القَاضِي الْفَاضِل كَانَ يهاب العباسيين لَا سِيمَا النَّاصِر لدين الله فَمَا أمكنه أَن يجِيبه إِلَّا بلطف وَقَالَ أخْشَى أَن أذبح على فِرَاشِي وَفِي مأمني وَيكون الذَّابِح لي النَّاصِر لدين الله وَهُوَ بِبَغْدَاد وَاسْتقر صَلَاح الدّين إِلَّا أَنه تضعضعت تَسْمِيَته بِالْملكِ النَّاصِر بِحَيْثُ إِنَّه إِلَى الْيَوْم لَا يعرف إِلَّا بصلاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب مَعَ جلالته وعظمته وَلَو لم يكن لَهُ إِلَّا الحسنتان العظيمتان اللَّتَان برز بهما على الْأَوَّلين من السلاطين والآخرين وهما فتح بَيت الْمُقَدّس وإبادة الفاطميين وَقد علم النَّاس سيرتهم كَيفَ كَانَت وسبهم الصَّحَابَة وفعالهم القبيحة الَّتِي لَا تعد وَلَا تحصى من عدم مبالاتهم بِأُمُور الدّين وَقلة نظرهم إِلَّا فِي فَسَاد الْمُسلمين وَلَو لم يكن إِلَّا الْحَاكِم وفعاله الَّتِي صَارَت تواريخ وتسويته تَارَة بَين جَمِيع الْأَدْيَان وَحكمه آوانه بِخِلَاف ماأنزل الرَّحْمَن وَحمله النَّاس على مَا يوسوس بِهِ الشَّيْطَان وَلَقَد كَاد يَدعِي الإلهية وَرُبمَا ادَّعَاهَا وَمن أَرَادَ أَن ينظر الْعجب فَلْينْظر إِلَى تَرْجَمته فِي التواريخ المبسوطة وَلَقَد أطلنا فِي هَذِه التَّرْجَمَة وَلَا بُد من فَائِدَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 712 - مُحَمَّد بن نَاصِر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي عِيَاض أَبُو نصر السَّرخسِيّ العياضي الْفَقِيه الْوَاعِظ ولد بسرخس سنة أَربع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات بهَا فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 713 - مُحَمَّد بن نصر بن مَنْصُور أَبُو سعد الْهَرَوِيّ القَاضِي أحد الْفُقَهَاء الرؤساء وَهُوَ الَّذِي أرْسلهُ الْخَلِيفَة ليخطب لَهُ بنت السُّلْطَان سنجر فَقتلته الباطنية بهمذان ولي الْقَضَاء بمدن كَثِيرَة من بِلَاد الْعَجم وَولي قَضَاء الشَّام مُدَّة وَقَضَاء بَغْدَاد مُدَّة وترقت بِهِ الْحَال وَعظم رُتْبَة وعلاصيتا وَمن شعره (الْبَحْر أَنْت سماحة وفصاحة ... والدر ينثر من يَديك وفيكا) (والبدر أَنْت صباحة وملاحة ... وَالْخَيْر مَجْمُوع لديك وفيكا) قتل سنة تسع عشرَة وَخَمْسمِائة وَفِي تَارِيخ شَيخنَا الذَّهَبِيّ سنة ثَمَان عشرَة وَفِي تَارِيخه أَيْضا أَنه حَنَفِيّ الحديث: 712 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 714 - مُحَمَّد بن هبة الله بن عبد الله الشَّيْخ سديد الدّين السلماسي كَانَ إِمَامًا نظارا جدليا تخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ النظامية توفّي فِي شعْبَان سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة 715 - مُحَمَّد بن هبة الله بن مكي الْحَمَوِيّ الإِمَام تَاج الدّين كَانَ فَقِيها فرضيا نحويا متكلما أشعري العقيدة إِمَامًا من أَئِمَّة الْمُسلمين إِلَيْهِ مرجع أهل الديار المصرية فِي فتاويهم وَله نظم كثير مِنْهُ أرجوزة سَمَّاهَا حدائق الْفُصُول وجواهر الْأُصُول صنفها للسُّلْطَان صَلَاح الدّين وَهِي حَسَنَة جدا نافعة عذبة النّظم وَفِي خطبتها يَقُول (فَهَذِهِ قَوَاعِد العقائد ... ذكرت فِيهَا مُعظم الْمَقَاصِد) وَمِنْهَا (حكيت مِنْهَا أعدل الْمذَاهب ... لِأَنَّهُ أشهى مُرَاد الطَّالِب) (جمعتها للْملك الْأمين ... النَّاصِر الْغَازِي صَلَاح الدّين) (عَزِيز مصر قَيْصر الشَّام وَمن ... ملكه الله الْحجاز واليمن) (ذِي الْعدْل والجود مَعًا والباس ... يُوسُف محيى دولة الْعَبَّاس) (ابْن الْأَجَل السَّيِّد الْكَبِير ... أَيُّوب نجم الدّين ذِي التَّدْبِير) الحديث: 714 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 وَمن آخرهَا (ثمَّ انْتهى تحريرها فِي شهر ... ربيع الأول بعد عشر) (وَقد مضى من هِجْرَة النَّبِي ... مُحَمَّد ذِي الشّرف الْعلي) (سَبْعُونَ عَاما قبلهَا خَمْسمِائَة ... فاعجب من اللَّفْظ وَفضل منشئه) وَله أرجوزة أُخْرَى فِي الْفَرَائِض سَمَّاهَا رَوْضَة المرتاض ونزهة الفراض قَالَ فِيهَا (جمعتها لجامع الْفَضَائِل ... الأوحد القَاضِي الْأَجَل الْفَاضِل) (محيي موَات الْفضل ذِي الْجد الْعلي ... عبد الرَّحِيم بن أبي الْمجد عَليّ) (أهدي إِلَيْهِ قَطْرَة من بحره ... إِذْ كل مَا أنظمه من نثره) (وَهُوَ الَّذِي أجمع كل عَالم ... فِي عصرنا من ناثر وناظم) بِأَنَّهُ الحبر النسيج وَحده ... فِي علمه وَدينه وزهده) ووقفت لَهُ على مَا كتبه فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} وَكَانَ قد اجْتمع مَعَ الإِمَام أبي مُحَمَّد بن بري النَّحْوِيّ فَقَالَ ابْن بري كَيفَ يكون الصَدَاق نحلة والنحلة فِي اللُّغَة الْهِبَة من غير عوض وَالصَّدَاق تستحقه الْمَرْأَة اتِّفَاقًا لَا على وَجه التَّبَرُّع وَطلب المعني الفقهي فِي ذَلِك على مُقْتَضى مَذْهَب الشَّافِعِي وَسَأَلَ عَن الصَدَاق وَهل هُوَ من أَرْكَان العقد فَأجَاب الْحَمَوِيّ بِكَلَام وقفت عَلَيْهِ علقه عَنهُ بعض تلامذته فِي سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة وجدت بِخَط ابْن القليوبي فِي كِتَابه الْعلم الظَّاهِر كَانَ الشَّيْخ تَاج الدّين الْحَمَوِيّ مدرسا بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية وخطيبا بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ كثير الِاشْتِغَال بِالْعلمِ دَائِم التَّحْصِيل لَهُ وَسمعت الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم يَقُول دخلت عَلَيْهِ يَوْمًا وَهُوَ فِي سرب تَحت الأَرْض لأجل شدَّة الْحر وَهُوَ يشْتَغل قَالَ فَقلت لَهُ فِي هَذَا الْمَكَان وعَلى هَذَا الْحَال فَقَالَ إِذا لم أشتغل بِالْعلمِ مَاذَا أصنع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 وسمعته أَيْضا يَقُول وجد فِي تركته محابر تسع إِحْدَاهُنَّ تِسْعَة أَرْطَال وَالْأُخْرَى أحد عشر رطلا وَالْأُخْرَى ثَمَانِيَة وَوجد فِي تركته أَيْضا خَمْسُونَ ديوانا خطبا وَسمعت أَن لَهُ ديونا لم أَقف عَلَيْهِ وَكَانَ حسن الْخط جيد الانتقاد رَأَيْت كتاب الْبَيَان للعمراني بِخَطِّهِ وحواشيه أَيْضا بِخَطِّهِ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة يُنَبه عَلَيْهَا تدل عَلَيْهَا وفور علمه وَكَثْرَة اطِّلَاعه قَالَ الشَّيْخ الْحَافِظ وَكَانَ يَأْخُذ الْكتاب بِالثّمن الْيَسِير فَلَا يزَال يَخْدمه حَتَّى يصير من الْأُمَّهَات انْتهى مَا وجدته ونقلته من خطّ الشَّيْخ كَمَال الدّين بن القليوبي ونقلت من خطّ الشَّيْخ تَاج الدّين الْحَمَوِيّ من نظمه نفعنا الله بِهِ (اثْنَان من بعدهمَا تِسْعَة ... وَسَبْعَة من قبلهَا أَربع) (وَخَمْسَة ثمَّ ثَلَاث وَمن ... بعد ثَلَاث سِتَّة تتبع) (ثمَّ ثَمَان قبلهَا وَاحِد ... فرتب الْأَعْدَاد إِذْ تجمع) تكْتب على خرقتين لم يصبهما مَاء وتضعهما الطَّلقَة تَحت قدميها تضع بِإِذن الله تَعَالَى عز وَجل وَهَذِه صورتهَا انْتهى مَا نقلته من خطه على صورته 716 - مُحَمَّد بن يحيى بن مَنْصُور الإِمَام الْمُعظم الشَّهِيد أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي تلميذ الْغَزالِيّ ولد سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على الْغَزالِيّ وَبِه عرف وعَلى أبي المظفر الخوافي الحديث: 716 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 سمع الحَدِيث من أبي حَامِد بن عَليّ بن عَبدُوس وَنصر الله الخشنامي وَجَمَاعَة كَثِيرَة وَخرجت لَهُ أَرْبَعُونَ حَدِيثا وَقعت لنا بِالسَّمَاعِ وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا الْمُحِيط فِي شرح الْوَسِيط والإنصاف فِي مسَائِل الْخلاف وتعليقة أُخْرَى فِي الخلافيات كَثِيرَة التَّحْقِيق وَكَانَ إِمَامًا مناظرا ورعا زاهدا متقشفا وَكَانَ وَالِده من أهل حيرة قدم نيسابور لأجل الْقشيرِي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فصحبه مُدَّة وجاور وَتعبد قَالَ وَأما وَلَده فَكَانَ أنظر الخراسانيين فِي عصره وَمن شعر مُحَمَّد بن يحيى (وَقَالُوا يصير الشّعْر فِي المَاء حَيَّة ... إِذا الشَّمْس لاقته فَمَا خلته حَقًا) (فَلَمَّا التوى صدغاه فِي مَاء وَجهه ... وَقد لسعا قلبِي تيقنته صدقا) قتل مُحَمَّد بن يحيى فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة قَتله الغز فَمَاتَ شَهِيدا قيل إِنَّهُم دسوا فِي فِيهِ التُّرَاب حَتَّى مَاتَ وَذَلِكَ لما خَرجُوا على السُّلْطَان الْكَبِير أعظم مُلُوك السلجوقية سنجر بن ملكشاه السلجوقي وفعلوا العظائم واقتحموا الجرائم وَكَانَت واقعتهم من أعظم الوقائع وأغربها وَقتل فِيهَا أُمَم لَا يحصيهم إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي خلقهمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ رَأَيْت مُحَمَّد بن يحيى فِي الْمَنَام فَسَأَلته عَن حَاله فَقَالَ غفر لي وَقَالَ عَليّ بن أبي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ يرثي مُحَمَّد بن يحيى وَقد قتل (يَا سافكا دم عَالم متبحر ... قد طَار فِي أقْصَى الممالك صيته) (بِاللَّه قل لي يَا ظلوم وَلَا تخف ... من كَانَ يحيى الدّين كَيفَ تميته) وَقَالَ آخر يمدحه (رفات الدّين وَالْإِسْلَام تحيى ... بمحيى الدّين مَوْلَانَا ابْن يحيى) (كَأَن الله رب الْعَرْش يلقى ... عَلَيْهِ حِين يلقِي الدَّرْس وَحيا) وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ مُحَمَّد بن يحيى فِي مَسْأَلَة الْعينَة بعد مَا ذكر اعْتِرَاض الْخُصُوم بِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى الرِّبَا ووسيلة إِلَى مَقْصُود الرِّبَا وَهُوَ الْفضل أَو إِلَى عين الرِّبَا وَهُوَ مُقَابِله الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ الثَّانِي مَمْنُوع وَهُوَ الْمحرم فِي سَائِر الْمعاصِي أَعنِي وَسِيلَة الْقَتْل وَالزِّنَا وَمَا يُفْضِي بِالآخِرَة إِلَى حَقِيقَة تِلْكَ الْجِنَايَة وَالْأول مُسلم وَلَا تَحْرِيم فِيهِ فَإِن النِّكَاح يُفِيد مثل مَقْصُود الزِّنَا وَهُوَ مَشْرُوع وَجوز الْحَنَفِيَّة بيع صبرَة بصبرة كل حفْنَة بحفنتين وَهُوَ مُحَصل لمقصود الرِّبَا وَهَذَا كَلَام حسن كَانَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى يبديه تفقها وَأَصله مَوْجُود فِي كَلَام الْغَزالِيّ حَيْثُ يَقُول وَلَا نظر إِلَى الزِّيَادَة عِنْد عدم الْمُقَابلَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 اسْتِئْجَار البياع على كلمة لَا تتعب ذكر الرَّافِعِيّ أَنه فَاسد وَأَنَّهُمْ لم يَجْعَلُوهُ من صور الْوَجْهَيْنِ ثمَّ قَالَ لَكِن المحكي عَن الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى أَن ذَلِك فِي الْمَبِيع المستقر قِيمَته فِي الْبَلَد كالخبز وَاللَّحم وَأما الثِّيَاب وَالْعَبِيد وَمَا يخْتَلف قدر الثّمن فِيهِ باخْتلَاف قدر الْمُتَعَاقدين فَلَا 717 - مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عبد الله الطيان الْمروزِي الرَّمَادِي أَبُو عبد الله قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير فَقِيه فَاضل زاهد حَافظ لِلْقُرْآنِ كثير التِّلَاوَة قَرَأَ بالروايات وَكَانَ من الأخيار الزاهدين الورعين يعرف بالفقيه الزَّاهِد سمع بمرو جدي أَبَا المظفر وأسعد بن أبي سعيد الميهني وبنيسابور أَبَا بكر السروي وَإِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الْفَارِسِي وَغَيرهم سَمِعت مِنْهُ وقرأت عَلَيْهِ الْقُرْآن ختمات بِحرف ابْن ذكْوَان عَن عبد الله بن عَامر توفّي فِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَدفن بسنجدان الحديث: 717 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 718 - مُحَمَّد بن أبي عَليّ بن أبي نصر بن أبي سعيد الشَّيْخ فَخر الدّين النوقاني من أهل نوقان طوس درس الْفِقْه بنيسابور على مُحَمَّد بن يحيى ثمَّ قدم بَغْدَاد واستوطنها ودرس بِالْمَدْرَسَةِ القيصرية بهَا مُدَّة إِلَى أَن أنشأت أم الإِمَام النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ مدرسة بالجانب الغربي فَجَعَلته مدرسا بهَا قَالَ ابْن النجار كَانَ من كبار الْأَئِمَّة وأعيان فُقَهَاء الْأمة عَالما كَامِلا نبيلا بارعا لَهُ الْيَد الباسطة فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والباع الممتد فِي حسن الْكَلَام فِي المناظرة وإيراد مَا يُورِدهُ من الجدل والمنطق وَله معرفَة تَامَّة بالتفسير قَالَ وَأكْثر الْفُقَهَاء والمدرسين بِبَغْدَاد من الشَّافِعِيَّة والحنابلة تلامذته قَالَ وَكَانَ مَعَ فَضله صَالحا متدينا حَافِظًا لأوقاته لَا يذهب سَاعَة من عمره إِلَّا فِي أشغال أَو اشْتِغَال أَو نسخ أَو مطالعة حدث بِبَغْدَاد بِكِتَاب الْأَرْبَعين لشيخه مُحَمَّد بن يحيى عَنهُ قَالَ وَسمعت الْفَقِيه أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن الدباس يَقُول فِيهِ كَانَ وليا لله وَيذكر أَشْيَاء من كَلَامه كَانَ يعده بهَا وَرَآهَا مولده بنوقان فِي شَوَّال سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة الحديث: 718 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 719 - مُحَمَّد بن أبي سعيد بن مُحَمَّد السَّعْدِيّ الإِمَام أَبُو المظفر الخواري صَاحب التعليقة فِي الْخلاف الْمُسَمَّاة الْمُعْتَرض 720 - مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن عبيد الغولقاني الْمروزِي من قَرْيَة غولقان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ولد بهَا فِي حُدُود سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ وَكَانَ فَقِيها فَاضلا عَالما زاهدا ورعا حسن الْمعرفَة بِالْمذهبِ حَافِظًا لَهُ سمع أَبَا الْخَيْر مُحَمَّد بن مُوسَى الصفار وَالْإِمَام أَبَا المظفر وَأَبا بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي تَوْبَة الْخَطِيب الْكشميهني وَأَبا الْفتُوح عبد الغافر بن الْحُسَيْن الألمعي الكاشغري الْحَافِظ وَغَيرهم كتبت عَنهُ بمرو وَسمعت مِنْهُ كتاب دور من ذكر مرو لأبي الْفَتْح الألمعي الْحَافِظ بروايته عَنهُ وَغير ذَلِك توفّي بغولقان فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة مُحَمَّد الماخواني هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق تقدم فِي هَذِه الطَّبَقَة الحديث: 719 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 721 - إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَطاء المروروذي الإِمَام أَبُو إِسْحَاق ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ أحد أَئِمَّة الْمُسلمين وَمن كبار الْعلمَاء العاملين تفقه على الْحسن النيهي وَالْإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَسمع الحَدِيث الْكثير وَحدث بالكتب الْكِبَار وَأَصله من قَرْيَة يُقَال لَهَا فلخار من قرى مرو الروذ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سمع بمرو الروذ أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْعَلَاء الْبَغَوِيّ وَسمع أَيْضا أَبَا المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَأَبا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الدقاق الْحَافِظ الْأَصْبَهَانِيّ وَغَيرهم بمرو وَغَيرهَا حدث عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ سَمِعت مِنْهُ الْكثير قَالَ وَكَانَ إِمَامًا متقنا مفتيا مصيبا ومناظرا ورعا محتاطا فِي الْمَأْكُول والملبوس حاد الخاطر حسن المحاورة كثير الْمَحْفُوظ ذَا رَأْي ونباهة وإصابة فِي التَّدْبِير وَكَانَ الأكابر يصادقونه ويستضيئون بِرَأْيهِ ويزورونه الحديث: 721 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 قَالَ وَكَانَ وَالِدي لما توفّي فوض النّظر فِي مصالحي إِلَيْهِ وَفِي مصَالح أخي وَجعله وَصِيّا قَالَ وَكَانَ إِذا دخل مدرستنا لَا يشرب المَاء فِي زاويتنا وَلَا فِي دَارنَا ويحتاط فِي ذَلِك قَالَ وَقتل فِي الْوَقْعَة الخوارزمشاهية فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة أَصَابَهُ سَهْمَان فَبَقيَ بعدهمَا ثَلَاثَة أَيَّام وَمَات 722 - إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن طَاهِر أَبُو طَاهِر الْحَمَوِيّ الْمَعْرُوف بالحصني من فُقَهَاء دمشق ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بحماة وتفقه بِبَغْدَاد وَسمع أَبَا عَليّ بن نَبهَان الْكَاتِب وَأَبا طَالب الزَّيْنَبِي وَأَبا طَاهِر الحنائي وَابْن الموازيني وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَابْنه الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَبُو الْقَاسِم بن صصرى وَأَبُو نصر بن الشِّيرَازِيّ وَغَيرهم وَقدم دمشق وَاجْتمعَ بِالْملكِ الْعَادِل نور الدّين وَحكى عَن نَفسه أَنه كَانَ عِنْده يَوْمًا الحديث: 722 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 بقلعة دمشق وَأَن نور الدّين الْتفت إِلَى كَاتبه وَقَالَ اكْتُبْ إِلَى نائبنا بمعرة النُّعْمَان ليقْبض على جَمِيع أَمْلَاك أَهلهَا فقد صَحَّ عِنْدِي أَن أهل المعرة يتقارضون الشَّهَادَة فَيشْهد أحدهم لصَاحبه فِي ملك ليشهد لَهُ ذَلِك فِي ملك آخر فَجَمِيع مَا فِي أَيْديهم بِهَذَا الطَّرِيق قَالَ فَقلت لَهُ اتَّقِ الله فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر أَن يتمالأ أهل بلد على شَهَادَة الزُّور فَقَالَ صَحَّ عِنْدِي ذَلِك فَكتب الْكَاتِب الْكتاب وَدفعه إِلَيْهِ ليعلم عَلَيْهِ وَإِذا بصبي رَاكب بَهِيمَة على نهر بردى وَهُوَ ينشد (اعدلوا مَا دَامَ أَمركُم ... نَافِذا فِي النَّفْع وَالضَّرَر) (واحفظوا أَيَّام دولتكم ... إِنَّكُم مِنْهَا على خطر) (إِنَّمَا الدُّنْيَا وَزينتهَا ... حسن مَا يبْقى من الْخَبَر) قَالَ فَاسْتَدَارَ إِلَى الْقبْلَة وَسجد واستغفر الله ثمَّ مزق الْكتاب وتلا قَوْله تَعَالَى {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف وَأمره إِلَى الله} توفّي الحصني بِدِمَشْق فِي صفر سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 723 - إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن مَحْفُوظ بن مَنْصُور ابْن معَاذ بن يحيى الحديث: 723 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 724 - إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ الحديث: 724 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 725 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن إِبْرَاهِيم بن مهْرَان الْجَزرِي أَبُو طَاهِر مولده فِي الْمحرم سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة وَكَانَ فَقِيها زاهدا من كبار تلامذة ابْن البزري سمع الحَدِيث بِبَغْدَاد من أبي الْفَتْح الكروخي وَغَيره قَالَ ابْن باطيش فِي الفيصل عَاد من بَغْدَاد إِلَى الجزيرة فِي أَيَّام شَيْخه أبي الْقَاسِم بن البزري ولازم التدريس والإفادة إِلَى أَن صَار إِمَام وقته مشارا إِلَيْهِ فِي التدريس وَالْفَتْوَى وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَظَهَرت بركته عَلَيْهِم وَتُوفِّي بالجزيرة لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس الْمحرم سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة الحديث: 725 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 726 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن نَبهَان بن مُحرز أَبُو إِسْحَاق الغنوي الرقي الصُّوفِي ولد سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع رزق الله التَّمِيمِي وَغَيره وتفقه على حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ وفخر الْإِسْلَام الشَّاشِي وَكتب الْكثير من تصانيف الْغَزالِيّ وروى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو الْيمن زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ وَعمر بن طبرزد وَآخَرُونَ توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 727 - إيراهيم بن المطهر أَبُو طَاهِر الشباك الْجِرْجَانِيّ حضر دروس إِمَام الْحَرَمَيْنِ بنيسابور ثمَّ صحب الْغَزالِيّ وسافر مَعَه إِلَى الْعرَاق والحجاز وَالشَّام ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه بجرجان وَأخذ فِي التدريس والوعظ وَظهر لَهُ الْقبُول وبنيت لَهُ مدرسة ثمَّ قتل بَغْتَة وَمَات شَهِيدا سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة الحديث: 726 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 728 - إِبْرَاهِيم بن مَنْصُور بن مُسلم أَبُو إِسْحَاق الْعِرَاقِيّ الْفَقِيه الْمصْرِيّ شَارِع الْمُهَذّب إِمَام الْجَامِع الْعَتِيق بِمصْر وخطيبه كَانَ فِي مبدأ عمره يعْمل النشاب فِي الْقَاهِرَة قَالَ ابْن القليوبي فِي مَنَاقِب الْفَقِيه أبي الطَّاهِر سَمِعت وَالِدي يَقُول كَانَ سَبَب اشْتِغَاله بِالْعلمِ أَنه اشْترى جَارِيَة وباتت عِنْده فَلَمَّا أصبح أَتَى إِلَى حانوته على عَادَته فَقَالَ لَهُ بعض جِيرَانه كَيفَ وجدت جاريتك البارحة فَقَالَ لَهُ آخر كَيفَ يجْتَمع مَعهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا فَقَالَ وَمَا الِاسْتِبْرَاء فَقَالَ أَن تحيض فِي ملكك فتجرد لطلب الْعلم ورحل إِلَى الْعرَاق وَفتح عَلَيْهِ هُنَاكَ وَأقَام مُدَّة ثمَّ قدم مصر وَمن ثمَّ عرف بالعراقي قلت تفقه بالعراق على أبي بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الأرموي صَاحب أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وعَلى أبي الْحسن بن الْخلّ وبمصر عَليّ القَاضِي مجلي ولد سنة عشر وَخَمْسمِائة من تصانيفه شرح الْمُهَذّب الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ وَغَيره وَكَانَ مُعظما فِي الْقَاهِرَة وَعنهُ أَخذ فقهاؤها مِنْهُم الْفَقِيه أَبُو الطَّاهِر خطيب مصر وَغَيره الحديث: 728 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 وَكَانَ رجلا ورعا ذَا حَال حَسَنَة حكى تِلْمِيذه الْفَقِيه أَبُو الطَّاهِر قَالَ اشتهت نَفسِي لَيْلَة قطائف وَلم يكن عِنْدِي شَيْء واشتدت مُطَالبَة النَّفس بهَا فَقلت لَا شَيْء عِنْدِي فَقَالَت البياع الَّذِي تستجر مِنْهُ مجاور صَاحب القطايف يَأْخُذ لَك مِنْهُ مَا تحب ويعطيك الْعَسَل على جاري عَادَته فَخرجت بِهَذَا الْقَصْد لأقول لَهُ ذَلِك فَبينا أَنا وَاقِف عَلَيْهِ والشهوة تبْعَث على الطّلب وَالنَّفس تأبى وَإِذا بالشيخ أبي إِسْحَاق الْعِرَاقِيّ ناولني كاغدة وَقَالَ لي لطائف أحلى من القطائف فأخرجت مِنْهَا مَا قضيت بِهِ حَاجَتي كَذَا أسْند هَذِه الْحِكَايَة ابْن القليوبي فِي مآثر أبي الطَّاهِر وَكَانَ أَبُو إِسْحَاق الْعِرَاقِيّ من الْفضل بِحَيْثُ لَا يتعجب من مثل هَذِه الْوَاقِعَة مِنْهُ توفّي فِي إِحْدَى الجماديين سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَولى الخطابة بعده وَلَده ولولده ديوَان خطب مَشْهُور قَالَ ابْن القليوبي يُقَال إِن وَلَده كَانَ فِي جَنَازَة وَالِده ينشىء الْخطْبَة الَّتِي يخْطب بهَا وَكَانَ مفتتحها الْحَمد لله الَّذِي شتت بِالْمَوْتِ شَمل الأحبا وأورث الْبَنِينَ مناصب الآبا قَالَ وَقَرَأَ فِيهَا {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله حَنِيفا وَلم يَك من الْمُشْركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين} قلت وَولى الخطابة بعد ابْن أبي إِسْحَاق الْفَقِيه أَبُو الطَّاهِر الْمحلى الرجل الصَّالح وَكَانَ قبل ذَلِك يؤم بِالْمَسْجِدِ الْمُعَلق بسوق الْغَزل بِمصْر الَّذِي يُقَال من أم فِيهِ خطب فِي هَذَا الْجَامِع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 قَالَ ابْن القليوبي وَرَأَيْت من الِاتِّفَاق العجيب أم فِيهِ الشَّيْخ أَبُو الطَّاهِر فَأم بالجامع وخطب وَأم فِيهِ الشَّيْخ أَبُو الْمجد فَأم بالجامع وخطب وَأم فِيهِ الْكَمَال عبد الرَّزَّاق خَليفَة الحكم بِمصْر فَأم بالجامع وخطب قَالَ وَرَأَيْت من هَذَا الاستقراء عجبا وَمن الْفَوَائِد عَن أبي إِسْحَاق حكى فِي شرح الْمُهَذّب فِي مَسْأَلَة اشْتِبَاه الْإِنَاء الطَّاهِر بِالنَّجسِ وَجها أَنه يعْتَبر الْملك فَإِن كَانَ الإناءان ملكا لرجل تحرى فيهمَا وَإِن كَانَا لِرجلَيْنِ لم يجب التَّحَرِّي وَجَاز لكل وَاحِد أَن يتَوَضَّأ بإنائه من غير تحر لِأَن الأَصْل الطَّهَارَة وَقد شكّ فِي نَجَاسَته فَلَا يزَال تَيَقّن الطَّهَارَة بِالشَّكِّ كَمَا لَو قَالَ رجل إِن كَانَ هَذَا الطَّائِر غرابا فَأَنت طَالِق وَقَالَ آخر إِن لم يكن غرابا فامرأتي طَالِق ثمَّ طَار وَلم يعلم وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن التوضي بِملك الْغَيْر كالتوضي بِملكه فَلَيْسَ يستدعى صِحَة الْوضُوء ملكا بِخِلَاف الْوَطْء فَإِنَّهُ لَا يحل إِلَّا فِي ملك فَافْتَرقَا هَذِه عِبَارَته فِي شرح الْمُهَذّب وفيهَا بعض المدافعة فَأول كَلَامه يدل على أَن الْوَجْه فِي تحري الرجلَيْن فِي إنائهما وَهَذَا غير غَرِيب بل هُوَ الْحق فَلَا يجب على كل وَاحِد أَن يتحَرَّى فِي إِنَاء نَفسه لنَفسِهِ وَآخر يدل على أَن مُرَاده أَنه فِي تحري الرجلَيْن فِي إناءين يملك أَحدهمَا وَالْآخر ملك لغيره فَإِن كَانَ فِي هَذِه الصُّورَة فَهُوَ وَجه غير بعيد وَالَّذِي أَحْسبهُ أَنه سقط من الْكَلَام شَيْء لَعَلَّ آفته النَّاسِخ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 729 - إِدْرِيس بن حَمْزَة بن عَليّ الشَّامي الرَّمْلِيّ أَبُو الْحسن من أهل الرملة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا مبرزا فصيحا عَالما من فحول الْأمة تفقه أَولا بِبَيْت الْمُقَدّس على الْفَقِيه نصر بن إِبْرَاهِيم لمقدسي ثمَّ بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَدخل خُرَاسَان وَخرج إِلَى مَا وَرَاء النَّهر وَسكن سمر قند وفوض إِلَيْهِ التدريس لأَصْحَاب الشَّافِعِي فِي مَسْجِد المنارة وسكنها إِلَى أَن توفّي بهَا قَالَ وَسمعت جمَاعَة من عُلَمَاء سَمَرْقَنْد يفخمون أمره ويذكرونه بالتعظيم وَيَقُولُونَ كَانَ عُلَمَاء سَمَرْقَنْد مثل السَّيِّد الْأَشْرَف والكاسي يهابون الْكَلَام مَعَه فِي الْمسَائِل الحديث: 729 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 لفصاحته وفضله وجريه ذكره الْحَافِظ أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد النَّسَفِيّ وَقَالَ كَانَ من فحول المناظرين وَذكر الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر أَنه سمع أَبَا الْحسن إِدْرِيس بن حَمْزَة هَذَا بمرو يَقُول لما دخلت بَغْدَاد واشتغلت بالدرس فِي حَلقَة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق دخل عَليّ فِي بعض الْأَيَّام فَرَأى فِي يَدي شَيْئا مِمَّا علقته عَن الشَّيْخ نصر فأعجب بِهِ وَقَالَ لم أكن أَظن أَنه بِهَدِّهِ الدرجَة وَذكر النَّسَفِيّ أَنه توفّي فِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّامِن عشر من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَخَمْسمِائة 730 - أسعد بن أَحْمد بن يُوسُف بن أَحْمد بن يُوسُف أَبُو الْغَنَائِم البامنجي الْخَطِيب ولد فِي صفر سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وروى عَن عمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْخَلِيل الْبَغَوِيّ روى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ تفقه عَليّ مُحي السّنة الْبَغَوِيّ والموفق الْهَرَوِيّ مَاتَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة الحديث: 730 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 731 - أسعد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي سعد بن عَليّ أَبُو سعد الثابتي من أهل بنج ديه ولد سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 732 - أسعد بن مُحَمَّد بن أبي نصر أَبُو الْفَتْح الميهني بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء المنقوطة من تحتهَا بِاثْنَتَيْنِ وَفِي آخرهَا النُّون بعد الْهَاء نِسْبَة إِلَى ميهنة قَرْيَة بَين سرخس وأبيورد هُوَ الإِمَام الْكَبِير النظار صَاحب الطَّرِيقَة الْمُتَّفق على أَنه الْفَرد فِي علم الْخلاف كنيته أَبُو الْفَتْح تفقه على الإِمَام أبي المظفر مَنْصُور بن مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ وعَلى الْمُوفق الْهَرَوِيّ بمرو الحديث: 731 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 وَقَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ برع فِي الْفِقْه وفَاق أقرانه فِي حِدة الخاطر والاعتراض وَجرى اللِّسَان وقهر الْخُصُوم وَكَانَ وَالِدي استنابه فِي التدريس بالنظامية بمرو فَتَوَلّى ذَلِك وتفقه عَلَيْهِ جمَاعَة ثمَّ خرج من مرو إِلَى غزنة وَأكْرم مورده وَبلغ إِلَى لوهور وشاع ذكره بِالْفَضْلِ وَالنَّظَر فِي تِلْكَ الديار وَحصل لَهُ مبلغ من الْأَمْوَال العبيد والخدم وَانْصَرف مِنْهَا وَقصد الْعرَاق فورد الْعرَاق ودرس بالنظامية بهَا وعلق عَلَيْهِ تعليقة الْخلاف وانتشر ذكره فِي الأقطار ورحل إِلَيْهِ طلبة الْعلم من الْأَمْصَار وَصَارَ مقصدا للْكُلّ قَالَ وَسمع بنيسابور بِقِرَاءَة وَالِدي قَالَ وَمَا أَظُنهُ روى شَيْئا من الحَدِيث قَالَ وَرجع من خُرَاسَان إِلَى الْعرَاق يَعْنِي بعد أَن أنفذ إِلَيْهَا رَسُولا من جِهَة السُّلْطَان مَحْمُود إِلَى مرو وَكَانَ قد فتر سوقه وَمَا زَالَ حَاله يصعد وَينزل إِلَى أَن أَدْرَكته منيته بهمذان بعد الْعشْرين وَخَمْسمِائة قَالَ وَسمعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الْخَطِيب يَقُول سَمِعت فَقِيها من أهل قزوين وَكَانَ يخْدم الإِمَام أسعد فِي آخر عمره بهمذان قَالَ كُنَّا مَعَه فِي بَيت وَقت أَن قرب ارتحاله فَقَالَ لنا اخْرُجُوا من هَا هُنَا فخرجنا فوقفت على الْبَاب وتسمعت فَسَمعته يلطم وَجهه وَيَقُول واحسرتا على مَا فرطت فِي جنب الله وَجعل يبكي ويلطم وَجهه ويردد هَذِه الْكَلِمَة إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 733 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الخسروجردي شيخ الْقُضَاة أَبُو عَليّ ولد الإِمَام الْجَلِيل الْحَافِظ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ مولده بخسروجرد سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَاهُ وَأَبا حَفْص بن مسرور وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وَعبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي وناصر بن الْحُسَيْن الْعمريّ وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وإِسْمَاعِيل بن ابي سعد الصُّوفِي وَغَيرهمَا تفقه على أَبِيه وَتخرج بِهِ فِي الحَدِيث وسافر الْكثير وَدخل خوارزم فسكن بهَا مُدَّة وَولى بهَا الخطابة وتدريس الشَّافِعِيَّة وَالْقَضَاء من وَرَاء جيحون الَّذِي كَانَ برسم أَصْحَاب الشَّافِعِي ثمَّ سَافر إِلَى بَلخ وَأقَام بهامدة ثمَّ عَاد إِلَى بيهق بعد مَا غَابَ عَنْهَا نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَتُوفِّي بهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَخَمْسمِائة 734 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عبد الْملك بن عَليّ بن عبد الصَّمد النَّيْسَابُورِي أَبُو سعد بن أبي صَالح الْمُؤَذّن أما وَالِده أَبُو صَالح الْمُؤَذّن فمحدث شهير وَأما أَبُو سعد ففقيه كَبِير إِمَام من الْأَئِمَّة ولد سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة أَو سنة اثْنَتَيْنِ الحديث: 733 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَأبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَسمع أَبَاهُ وَأَبا حَامِد أَحْمد بن الْحسن الْأَزْهَرِي وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبا الْعَلَاء صاعد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ الْهَرَوِيّ والفقيه ابا الْحسن عَليّ بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ وَأَبا سهل مُحَمَّد بن أَحْمد الحفصي وَغَيرهم وَأَجَازَ لَهُ أَبُو سعد الكنجروذي وروى عَنهُ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي مَعَ تقدمه وَأَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَأَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ وقاضي الْقُضَاة أَبُو سعد بن أبي عصرون وَآخَرُونَ قَالَ ابْن عَسَاكِر كَانَ إِمَامًا فِي الْأُصُول وَالْفِقْه حسن النّظر مقدما فِي التَّذْكِير وجيها عِنْد سُلْطَان كرمان مُعظما بَين أَهلهَا مُحْتَرما بَين الْعلمَاء وَسَائِر الْبِلَاد قَرَأَ الْإِرْشَاد على مُصَنفه إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ ذَا رَأْي وعقل وتدبير وَفضل وافر وَعلم غزير ظهر لَهُ الْعِزّ والجاه والثروة وَبَقِي مكرما بكرمان قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ توفّي لَيْلَة عيد الْفطر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي فِي آخر يَوْم من شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة ببردسير كرمان وَدفن يَوْم الْفطر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 735 - إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر بن أبي الْأَشْعَث السَّمرقَنْدِي الْحَافِظ الْمسند أَبُو الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي ولد بِدِمَشْق فِي رَمَضَان سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا بكر الْخَطِيب وَأَبا نصر بن طلاب وَعبد الْعَزِيز الْكِنَانِي وَابْن هزار مرد الصريفيني وَابْن النقور وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي وَابْن البسرى وخلقا بِالشَّام وَالْعراق روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَعمر بن طبرزد وَأَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ وَعبد الْعَزِيز بن الْأَخْضَر وخلائق فَإِنَّهُ عمر وَعلا سَنَده قَالَ أَبُو شُجَاع عمر البسطامى أَبُو الْقَاسِم إِسْنَاد خُرَاسَان كُله وَالْعراق وَإسْنَاد بنُون يَعْنِي مُسْنده توفّي فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة ذكره ابْن الصّلاح فتابعناه فِي إِيرَاده الحديث: 735 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 736 - إِسْمَاعِيل بن عبد الْملك بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم الحاكمى من أهل طوس من تلامذة إِمَام الْحَرَمَيْنِ سمع أَبَا حَامِد أَحْمد بن الْحسن الْأَزْهَرِي وَأَبا صَالح الْمُؤَذّن وَعَمه نصر بن عَليّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ برع فِي الْفِقْه وَكَانَ إِمَامًا ورعا بارعا حسن السِّيرَة سَافر إِلَى الْعرَاق وَالشَّام مَعَ الْغَزالِيّ وَكَانَ شَرِيكا لَهُ فِي الدَّرْس وَكَانَ أكبر سنا مِنْهُ قَالَ وَسمعت أَن الْغَزالِيّ كَانَ يُكرمهُ غَايَة الْإِكْرَام ويقدمه على نَفسه وَفِي بعض الْأَوْقَات يَخْدمه وأظن أَنَّهُمَا خرجا متعادلين من بَغْدَاد إِلَى الْحجاز توفّي سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَدفن إِلَى جَانب الْغَزالِيّ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا مُحَمَّد بن قايماز وَفَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم قَالَا أخبرنَا الْحسن بن الزبيدِيّ زَاد ابْن قايماز وَأَبُو المنجا بن اللتي قَالَا أخبرنَا أَبُو الْفتُوح الطَّائِي أخبرنَا الشَّيْخ الْجَلِيل أَبُو الْقَاسِم الحاكمي أخبرنَا عمي الزكي الْحَاكِم أَبُو الْفَتْح نصر بن عَليّ بن أَحْمد أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن بكر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق التمار الْمَعْرُوف بِابْن داسة الْبَصْرِيّ قَالَ أخبرنَا الحديث: 736 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 أَبُو دَاوُد السجسْتانِي قَالَ حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ قيل لَهُ لقد علمكُم نَبِيكُم كل شَيْء حَتَّى الخراءة قلت أجل لقد نَهَانَا أَن نستقبل الْقبْلَة بغائط أَو بَوْل وَأَن لَا نستنجي بِالْيَمِينِ وَأَن لَا يستنجى أَحَدنَا بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار أَو نستنجى برجيع أَو عظم وَفِي رِوَايَة بروث أَو رمة نقلت من خطّ الْحَافِظ أبي سعد بن السَّمْعَانِيّ فِي كِتَابه لفتة المشتاق إِلَى سَاكِني الْعرَاق مَا صورته سَمِعت أَبَا الْفتُوح نصر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم المراغي مذاكرة بآمل طبرستان يَقُول اجْتمع الإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ وَإِسْمَاعِيل الحاكمي وَأَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم الشباك الْجِرْجَانِيّ وَجَمَاعَة كَثِيرَة من الغرباء والصلحاء فِي مهد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِبَيْت الْمُقَدّس فَأَنْشد قَوَّال هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (فديتك لَوْلَا الْحبّ كنت فديتني ... وَلَكِن بِسحر المقلتين سبيتني) (أَتَيْتُك لما ضَاقَ صَدْرِي من الْهوى ... وَلَو كنت تَدْرِي كَيفَ شوقي أتيتني) فتواجد أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ وجدا أثر فِي الْحَاضِرين وَتُوفِّي مُحَمَّد الكازروني من بَين الْجَمَاعَة فِي الوجد قَالَ المراغي وَكنت مَعَهم حَاضرا وشاهدت ذَلِك 737 - إِسْمَاعِيل بن عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد البوشنجي الإِمَام أَبُو سعيد بن أبي الْقَاسِم نزيل هراة الحديث: 737 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 قَالَ الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْخلْع من الشَّرْح إِمَام غواص من الْمُتَأَخِّرين لقِيه من لقيناه وَقَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي شَاب نَشأ فِي عبَادَة الله تَعَالَى مرضِي السِّيرَة والطريقة جَار على منوال أَبِيه أبي الْقَاسِم البوشنجي الْفَقِيه وَهُوَ فَقِيه مدرس مناظر ورع زاهد دخل نيسابور وَحضر مجَالِس النّظر فارتضاه الْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل غزير الْفضل حسن الْمعرفَة بِمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جميل السِّيرَة مرضِي الطَّرِيقَة كثير الْعِبَادَة دَائِم الذّكر خشن الْعَيْش قَانِع باليسير رَاغِب فِي نشر الْعلم لَازم للسّنة غير ملتفت إِلَى الْأُمَرَاء وَأَبْنَاء الدُّنْيَا ورد بَغْدَاد حَاجا فَسمع من أبي عَليّ بن نَبهَان وَأبي الْقَاسِم بن بَيَان الرزاز وَغَيرهمَا وَسمع مِنْهُ الحَدِيث قَالَ وَقدم علينا مرو وَنزل الْمدرسَة النظامية وَسمعت مِنْهُ وَسمع هُوَ بنيسابور أَبَا صَالح الْمُؤَذّن وَأَبا بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَسكن هراة إِلَى حِين وَفَاته وصنف فِي الْمَذْهَب وَكَانَ مفتيهم قَالَ وقرأت بِخَط زَاهِر بن طَاهِر أَن مولد إِسْمَاعِيل البوشنجي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ وَسمعت مُحَمَّد بن أبي نصر الْهَرَوِيّ بِالريِّ يَقُول إِنَّه توفّي بهراة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة قلت البوشنجي بِضَم الْبَاء بعْدهَا وَاو سَاكِنة ثمَّ شين مُعْجمَة مَفْتُوحَة ثمَّ نون سَاكِنة ثمَّ الْجِيم نِسْبَة إِلَى بوشنج بَلْدَة قديمَة على سَبْعَة فراسخ من هراة وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا بوشنجي وفوشنجي بِالْفَاءِ وَالْبَاء الْمُوَحدَة من تَحت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 وَإِسْمَاعِيل هَذَا مَشْهُور عِنْد الْفُقَهَاء بالبوشنجي وَعند الْمُحدثين على مَا رَأَيْته فِي تصانيف الإِمَام أبي سعد بن السَّمْعَانِيّ بالخرجردي بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَكسر الْجِيم وَسُكُون الرَّاء الْأُخْرَى وَكسر الدَّال الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى خرجرد بَلْدَة من بِلَاده بوشنج هراة وَهَؤُلَاء الخرجردية البوشنجية بَيت فضل أَبُو الْقَاسِم وَالِد إِسْمَاعِيل هَذَا وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَإِسْمَاعِيل صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ واسطه العقد وَابْن عمته أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد تقدم وقرابتهم أَبُو نصر عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف سَوف يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى نقل الرَّافِعِيّ عَن البوشنجي فِي رجل قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق للسّنة وَهِي طَاهِر ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَ جامعتك فِي هَذَا الطُّهْر فَلم يَقع طَلَاق فِي الْحَال وَقَالَت لم تجامعني وَقد وَقع أَن مُقْتَضى الْمَذْهَب أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح وكما لَو قَالَ الْمولى والعنين وطِئت قلت وَهَذَا يصير من الْمسَائِل المستثناه من قَوْلنَا القَوْل قَول نافى الْوَطْء لاعتضاده بِالْأَصْلِ وَقد قَالَ الرَّافِعِيّ إِن الْأَصْحَاب استثنوا مَوَاضِع أَحدهَا إِذا ادَّعَت عنته وَقَالَ أصبتها فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ وَالثَّانِي إِذا طالبته فِي الْإِيلَاء بالفيئة أَو الطَّلَاق فَقَالَ وَطئتك فَالْقَوْل قَوْله اسْتِدَامَة للنِّكَاح وَالثَّالِث إِذا أَتَت بِولد يُمكن أَن يكون مِنْهُ وَادعت الْوَطْء وَأنكر هُوَ فَهَل القَوْل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 قَوْله أَو قَوْلهَا فِيهِ قَولَانِ مشهوران فِي التَّنْبِيه وَغَيره أصَحهمَا أَن القَوْل قَوْلهَا وَلم يحك الرَّافِعِيّ سواهُ وَالرَّابِع إِذا اتفقَا على الْخلْوَة وَاخْتلفَا فِي الْإِصَابَة فَقَوْلَانِ أظهرهمَا أَنه الْمُصدق وَالثَّانِي تصدق هِيَ وعَلى هَذَا يَصح الِاسْتِثْنَاء وَلم يذكر الرَّافِعِيّ إِلَّا هَذِه الْمَوَاضِع وأغفل مَوَاضِع غَيرهَا فَنَقُول الْخَامِس إِذا قُلْنَا إِن خِيَار الْأمة فِي الْعتْق يسْقط بِالْوَطْءِ فَادّعى الزَّوْج أَنه وطئ وَأنْكرت هَل القَوْل قَوْله أَو قَوْلهَا فِيهِ وَجْهَان وَالسَّادِس مَا قدمْنَاهُ عَن البوشنجي وَالسَّابِع مَا فِي الرَّافِعِيّ عَن فَتَاوَى الْبَغَوِيّ من أَنه لَو تزَوجهَا بِشَرْط الْبكارَة فَوجدت ثَيِّبًا ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَت كنت بكرا فافتضني فَقَالَ بل كنت ثَيِّبًا فَالْقَوْل قَوْلهَا بِيَمِينِهَا لدفع الْفَسْخ وَقَوله لدفع كَمَال الْمهْر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 738 - إِسْمَاعِيل بن عَمْرو بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد الْبُحَيْرِي النَّيْسَابُورِي أَبُو سعيد بن أبي عبد الرَّحْمَن من بَيت الحَدِيث وَالْفضل تفقه على نَاصِر الْعمريّ وَكَانَ يقْرَأ دَائِما صَحِيح مُسلم للغرباء والرحالة على عبد الغافر الْفَارِسِي قَرَأَهُ عَلَيْهِ أَكثر من عشْرين مرّة وكف بَصَره بِأخرَة سمع من أبي بكر بن منجوية الْحَافِظ وَأبي حسان الْمُزَكي وَغَيرهمَا روى عَنهُ أَبُو شُجَاع البسطامي ولد سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي آخر سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة وَقد أمْلى مجَالِس بنيسابور 739 - إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم أَبُو الْفضل الجنزوي أصلا الدِّمَشْقِي مولدا ودارا الْفَقِيه الشُّرُوطِي الفرضي وَيُقَال فِيهِ أَيْضا الجنزي الحديث: 738 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 ولد سنة ثَمَان وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على جمال الْإِسْلَام أبي الْحسن بن الْمُسلم وَنصر الله المصِّيصِي وَسمع مِنْهُمَا وَمن هبة الله بن الْأَكْفَانِيِّ وَجَمَاعَة كثيرين روى عَنهُ أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم ابْن الْحَافِظ وَعبد الْعَزِيز بن الْأَخْضَر وَعبد الْقَادِر وَغَيرهم توفّي فِي سلخ جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 740 - إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن عبيد الْموصِلِي أَبُو الْفِدَاء الْوَاعِظ الشَّافِعِي سَافر الْكثير وَسمع مَاتَ بالموصل فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 741 - بدر بن أَحْمد أَبُو النَّجْم الإستراباذي تفقه بواسط على القَاضِي أبي عَليّ الفارقي وَمَات بهَا فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ذكره ابْن باطيش الحديث: 740 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 742 - جَعْفَر بن ابي طَالب أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عوَانَة أَبُو الْفَخر القايني من أهل هراة ولد فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة سمع من أبي إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ وروى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَابْنه عبد الرَّحِيم وَولى الْقَضَاء بغورج قَرْيَة على بَاب هراة وَمَات بهَا سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 743 - الْجُنَيْد بن مُحَمَّد بن عَليّ القايني الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم بن أبي مَنْصُور الْفَقِيه الصُّوفِي شَارك فِي الِاسْم والكنية وَاسم الْأَب والصوفية والتفقه سيد الطَّائِفَة أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ وَالِده يعرف بالدباغ مولد هذاسنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة سمع بطبس أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد الطبسي الْحَافِظ وبقاين وَالِده أَبَا مَنْصُور الدّباغ وَسمع أَيْضا نظام الْملك الْوَزير وَمُحَمّد بن عبد الرَّزَّاق الماخواني الْفَقِيه وَأَبا الْفَتْح المطهر بن مُحَمَّد بن جَعْفَر البيع وخلائق بأصبهان ونيسابور ومرو وهراة روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ والحافظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر والحافظ أَبُو الْفضل بن نَاصِر وَغَيرهم تفقه على الشَّيْخَيْنِ الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَالشَّيْخ أبي الْفرج الزاز وَغَيرهمَا وَصَحب فِي التصوف عبد الْعَزِيز بن عبد الله القايني الحديث: 742 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا متقنا ورعا عَالما عَاملا بِعِلْمِهِ كثير الْعِبَادَة دَائِم التَّهَجُّد والتلاوة قَالَ وَكَانَ الشَّيْخ الصُّوفِيَّة فِي رِبَاط فيروزاباد بِظَاهِر هراة أَرْبَعِينَ سنة ومقدمهم واطنب فِي وَصفه فِي كتاب التحبير وَقَالَ توفّي بهراة لَيْلَة الِاثْنَيْنِ وَدفن من الْغَد الرَّابِع عشر من شَوَّال سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بِبَيْت الرّيح وَصلى عَلَيْهِ فِي الْجَامِع أخبرنَا غير وَاحِد إِذْنا عَن أبي الْفضل بن عَسَاكِر عَن أبي الطّيب بن سعد بن السَّمْعَانِيّ أخبرنَا الْجُنَيْد بن مُحَمَّد الصُّوفِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد الطبسي الْحَافِظ بقاين أخبرنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْفَارِسِي سَمِعت أَحْمد بن يَعْقُوب بن عبد الْجَبَّار الْقرشِي يَقُول دخلت مَعَ خَالِي بَغْدَاد سنة ثَلَاث وثلاثمائة وبغداد تغلى بالعلماء والأدباء وَالشعرَاء وَأَصْحَاب الحَدِيث وَأهل الْأَخْبَار والمجالس عامرة وَأَهْلهَا متوافرون فَأَرَدْت أَن أَطُوف الْمجَالِس كلهَا وَأخْبر أَخْبَارهَا فَقيل لي إِن هَاهُنَا شَيخا يُقَال لَهُ أَبُو العبر طز أَمْلَح النَّاس يحدث بالأعاجيب فَقلت لخالي مل بِنَا ندخل على الشَّيْخ فَقَالَ إِنَّه مهوس يضْحك مِنْهُ النَّاس فارتحلنا من بَغْدَاد وَلم ندخل عَلَيْهِ وَكنت أجد فِي الْقلب من ذَلِك مَا أجد حَتَّى إِذا كَانَ انحداري من الشَّام بعد طول من الْمدَّة فَلَمَّا دخلت بَغْدَاد سَأَلت عَنهُ فَقيل إِنَّه يعِيش وَله مجْلِس فَقُمْت وعمدت إِلَى الكاغد والمحبرة وقصدت الشَّيْخ فَإِذا الدَّار مَمْلُوءَة من أَوْلَاد الْمُلُوك والأغنياء بِأَيْدِيهِم الأقلام يَكْتُبُونَ وَإِذا مستمل قَائِم فِي صحن الدَّار وَإِذا شيخ فِي صحن الدَّار ذُو جمال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 وهيبة قد وضع فِي رَأسه طاق خف مقلوب مُشْتَمل بِفَرْوٍ أسود وَجعل الْجلد مِمَّا يَلِي بدنه فَجَلَست فِي أخريات الْقَوْم وأخرجت الكاغد وانتظرت مَا يذكر من الْإِسْنَاد فَلَمَّا فرغوا قَالَ الشَّيْخ حَدثنَا الأول عَن الثَّانِي عَن الثَّالِث أَن الزنج والزط كلهم سود وحَدثني حرياق عَن يقاق عَن رياق قَالَ مطر الرّبيع مَاء كُله وحَدثني دُرَيْد عَن وريد عَن رشيد قَالَ الضَّرِير يمشي رويد قَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن يَعْقُوب فتعجبت من أمره وتطلبت بِهِ خلْوَة فِي أَيَّام أَعُود إِلَيْهِ كل يَوْم فَلَا أصل إِلَيْهِ حَتَّى كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي يخرج فِيهَا النَّاس إِلَى الغدير اجتزت بِبَاب دَاره فَإِذا الدَّار لَيْسَ فِيهَا أحد فَدخلت فَإِذا أَنا بالشيخ وَحده جَالس فِي صدر الدَّار فدنوت مِنْهُ فَسلمت عَلَيْهِ فَرَحَّبَ بِي وأدناني وَجعل يسألني وَرَأَيْت مِنْهُ من جميل المحيار وَالْعقل والظرافة وَالْأَدب مَا تحيرت فَقَالَ لي هَل من حَاجَة فَقلت نعم تحيرت فِي أَمر الشَّيْخ وَمَا هُوَ مَدْفُوع إِلَيْهِ مِمَّا لَا يَلِيق بعقله وَحسن أدبه وفصاحته فتنفس تنفسا شَدِيدا ثمَّ قَالَ يَا بني إِن الِاضْطِرَار رفع الِاخْتِيَار إِن السُّلْطَان أرادني على عمل لم أكن أُطِيقهُ وحبسني فِي المطبق أَيَّام حَيَاته فَلَمَّا ولى ابْنه عرض عَليّ مَا عرضه أَبوهُ فأبيت فردني إِلَى أَسْوَأ حَال وَذهب من يَدي مَا كنت أملكهُ فاخترت سَلامَة الدّين وَلم أتعرض لشَيْء من الدُّنْيَا بِشَيْء من ديني وصنت الْعلم عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ وَلم أجد وَجها للخلاص فتحامقت ونجوت فها أَنا ذَا فِي رغد من الْعَيْش الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 744 - الْحسن بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن برهون القَاضِي أَبُو عَليّ الفارقي من أهل ميافارقين ولد فِي عَاشر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وتفقه فِي صباه على أبي عبد الله مُحَمَّد بن بَيَان الكازروني ثمَّ على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأبي نصر بن الصّباغ ولازمهما حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَصَارَ من أحفظ أهل زَمَانه لَهُ وَسمع الحَدِيث من أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْمسلمَة وَعبد الله بن مُحَمَّد الصريفيني وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَغَيرهم روى عَنهُ الصائن ابْن عَسَاكِر وَأَبُو سعد بن أبي عصرون وَغَيرهمَا وَولى الْقَضَاء بواسط وأعمالها فَأَقَامَ بهَا مُدَّة مديدة ثمَّ عَزله فَأَقَامَ بواسط بعد عَزله إِلَى حِين وَفَاته يدرس الْفِقْه ويروي الحَدِيث وَكَانَ ورعا زاهدا وقورا مهيبا لَا تَأْخُذهُ فِي الْحق لومة لائم وَلَا يُرَاعِي أحدا فِي حُكُومَة قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ سَمِعت ... الحديث: 744 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 وَمن الْمسَائِل عَن القَاضِي أبي عَليّ الفارقي ذكر فِي فَتَاوِيهِ أَنه يرى حلق القزع من الْمَيِّت وَإِن لم يقل بحلق رَأسه جَمِيعه قَالَ لِأَنَّهُ يكره تَركه من الْحَيّ فَكَذَلِك من الْمَيِّت وَفِي فَتَاوِيهِ أَيْضا إِذا تولد بَين مَأْكُول وَحشِي وَغَيره كالضبع وَالذِّئْب وَالْحمار الوحشي والأهلي حَيَوَان وَجب ضَمَانه تَغْلِيبًا لجَانب الْحُرْمَة وتغليب بَرَاءَة الذِّمَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 أولى ثمَّ إِذا وَجب الضَّمَان يَنْبَغِي أَن يضمن مَا يُقَابل الْمَضْمُون وَهُوَ النّصْف أما الْجَمِيع فَلم. . هَذَا لَفظه وَفِي النُّسْخَة نقص وَحَاصِله أَنه تردد فِي وجوب الضَّمَان وبتقديره قَالَ يَنْبَغِي النّصْف لَا الْجَمِيع وَهَذَا غَرِيب بل المجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَغَيره إِطْلَاق وجوب الْجَزَاء وَهُوَ الْوَجْه 745 - الْحسن بن أَحْمد بن عبد الله أَبُو عَليّ الوَاسِطِيّ درس بواسط بمدرسة ابْن ورام وَبهَا مَاتَ فِي حادي عشر الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة 746 - الْحسن بن سعد بن الْحسن الخونجي أَبُو المحاسن تفقه على إِلْكيَا الهراسي وَكَانَ يَنُوب عَن الْوَزير أبي نصر بن نظام الْملك فِي نظر النظامية مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة 747 - الْحسن بن سعيد بن أَحْمد بن عَمْرو بن الْمَأْمُون ابْن عَمْرو بن الْمَأْمُون بن المؤمل أَبُو عَليّ الْقرشِي من أَوْلَاد عتبَة بن أبي سُفْيَان بن حَرْب الحديث: 745 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 من أهل الجزيرة تفقه بِبَغْدَاد وَسمع من أَبَوي الْقَاسِم بن الْأنمَاطِي وَابْن البسري وَغَيرهمَا ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاده وَولي الْقَضَاء بِجَزِيرَة ابْن عمر مُدَّة ثمَّ عزل وَسكن آمد مولده فِي سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي بهَا فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 748 - الْحسن بن سعيد بن عبد الله بن بنْدَار أَبُو عَليّ الديار بكري الشاتاني وشاتان قلعة من ديار بكر كَانَ مُقيما بالموصل تفقه بِبَغْدَاد على أبي عَليّ الْحسن بن سُلَيْمَان ثمَّ على أبي مَنْصُور الرزاز وَالْقَاضِي أبي عَليّ الفارقي وَسمع الحَدِيث من هبة الله بن الْحصين وَمُحَمّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأبي مَنْصُور الْقَزاز وَغَيرهم وَمن شعره (أهْدى إِلَى جَسَدِي الضني فأعله ... وَعَسَى يرق لعَبْدِهِ وَلَعَلَّه) (مَا كنت أَحسب أَن عقد تجلدي ... ينْحل بالهجران حَتَّى حلّه) الحديث: 748 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 (يَا وَيْح قلبِي أَيْن أطلبه وَقد ... نَادَى بِهِ دَاعِي الْهوى فأضله) (وَأَشد مَا يلقاه من ألم الْهوى ... قَول العواذل إِنَّه قد مله) مولده بشاتان سنة عشر وَخَمْسمِائة وَمَات فِي شعْبَان سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة 749 - الْحسن بن سلمَان بن عبد الله بن الْفَتى النهرواني أَبُو عَليّ الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ الْحَافِظ فِي التَّبْيِين إِنَّه تفقه على أبي بكر مُحَمَّد بن ثَابت الخجندي مدرس النظامية بأصبهان وعَلى غَيره وَولى قَضَاء خوزستان ثمَّ تدريس النظامية بِبَغْدَاد قَالَ كَانَ مِمَّن يمْلَأ الْعين جمالا وَالْأُذن بَيَانا ويربي على أقرانه فِي النّظر لِأَنَّهُ كَانَ أفصحهم لِسَانا سُئِلَ فِي بعض مجالسه الَّتِي كَانَ يجلس فِيهَا للتذكير عَن عَلامَة قبُول الصَّوْم فَقَالَ أَن يَمُوت فِي شَوَّال قبل التَّلَبُّس بسيىء الْأَعْمَال فَمَاتَ فِي شَوَّال بعد تأدية فرض رَمَضَان يَوْم الِاثْنَيْنِ الْخَامِس من شَوَّال سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَدفن بتربة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَقَالَ ابْن النجار سمع الحَدِيث من أَبِيه وَمن الْقَاسِم بن الْفضل الثَّقَفِيّ وَغَيرهمَا روى عَنهُ أَبُو المعمر الْمُبَارك بن أَحْمد الْأنْصَارِيّ وَقَالَ لم ترعيناي مثله وَأَبُو بكر الْمُبَارك الحديث: 749 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 ابْن كَامِل الْخفاف والحافظ وَغَيرهم 750 - الْحسن بن صافي بن عبد الله أَبُو نزار الملقب بِملك النجَاة هكذاكان يلقب نَفسه تفقه على أَحْمد الأشنهي وَقَرَأَ أصُول الدّين على أبي عبد الله القيرواني وأصول الْفِقْه على أبي الْفَتْح بن برهَان وَالْخلاف على أسعد الميهني والنحو على أبي الْحسن عَليّ بن أبي زيد الفصيحي وبرع فِيهِ وسافر إِلَى خُرَاسَان وكرمان وغزنة ثمَّ استوطن دمشق إِلَى حِين وَفَاته ولد بِبَغْدَاد سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمن مصنفاته فِي النَّحْو الْحَاوِي والعمد والمنتخب وَله مُصَنف فِي الْفِقْه سَمَّاهُ الْحَاكِم ومختصر فِي أصُول الْفِقْه ومختصر فِي أصُول الدّين وَشعر كثير مَجْمُوع فِي ديوَان قَالَ ابْن النجار كَانَ من أَئِمَّة النُّحَاة غزير الْفضل متفننا فِي الْعُلُوم وَسمع الحَدِيث من الشريف أبي طَالب الزَّيْنَبِي الحديث: 750 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّامِن من شَوَّال سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَدفن بمقبرة الْبَاب الصَّغِير 751 - الْحسن بن الْعَبَّاس بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن الْحسن بن عَليّ بن رستم أَبُو عبد الله الرستمي من أهل أَصْبَهَان قَالَ ابْن النجار أحد الْأَئِمَّة الْفُقَهَاء على مَذْهَب الشَّافِعِي درس وَأفْتى أَكثر من خمسين سنة وَكَانَ من الزهاد الورعين الخاشعين البكائين عِنْد الذّكر سمع من عبد الْوَهَّاب بن مندة وخلائق كثيرين وَعمر حَتَّى حدث بالكثير وانتشرت عَنهُ الرِّوَايَة روى عَنهُ أَبُو مَسْعُود عبد الْجَلِيل بن مُحَمَّد الْحَافِظ الْمَعْرُوف بكوتاه فِي مُعْجم شُيُوخه وَهُوَ من أقرانه والحفاظ ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَغَيرهم وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل ورع مفتي الشَّافِعِيَّة وَله السِّيرَة الْحَسَنَة والطريقة المرضية يذهب أَكثر أوقاته فِي نشر الْعلم وإلقاء الدُّرُوس على أَصْحَابه وَهُوَ على طَريقَة السّلف فِي طرح التَّكَلُّف والتواضع وَقَالَ السلَفِي سَمِعت بعض أَصْحَابنَا الأصبهانيين يَحْكِي عَنهُ أَنه كَانَ فِي كل جُمُعَة ينْفَرد فِي مَوضِع ويبكي فِيهِ فَبكى حَتَّى ذهبت عَيناهُ الحديث: 751 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى مُحَمَّد بن أبي بكر الْمَدِينِيّ توفّي أستاذنا الإِمَام أَبُو عبد الله الرستمي فِي ثَانِي صفر سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكنت سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي صفر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 752 - الْحسن بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن الْحسن بن عمار الْموصِلِي الشَّيْخ أَبُو البركات شيخ ابْن صَلَاح ولد بالموصل سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه بِبَغْدَاد على إِلْكيَا والشاشي وأسعد الميهني وَمَات بالموصل فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة 753 - الْحسن بن عَليّ بن الْقَاسِم الشهرزوري أَبُو عَليّ القَاضِي ولد فِي شعْبَان سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على الشَّيْخ أبي مَنْصُور الرزاز ودرس بالموصل وَمَات فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة تَرْجمهُ ابْن باطيش 754 - الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد الْمُتَوَلِي النَّيْسَابُورِي معيد الْمدرسَة النظامية بِبَغْدَاد عِنْد أسعد المهني سمع أَبَا عَليّ الْحداد وَغَيره الحديث: 752 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 755 - الْحسن بن الْفضل بن الْحسن بن الْفضل بن الْحسن بن عَليّ الأدمِيّ أَبُو عَليّ من أهل أَصْبَهَان فَقِيه مُحدث واعظ شَاعِر مَاتَ بأصبهان سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 756 - الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد بن يحيى بن وثاب الْوَركَانِي من وركان بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا كَاف وَفِي آخرهَا النُّون الشَّيْخ فَخر الدّين أَبُو الْمَعَالِي مدرس نظامية أَصْبَهَان نِيَابَة عَن أَوْلَاد الخجندي ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير والعماد الْكَاتِب فِي الخريده قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا مناظرا أصوليا عَارِفًا بالأدب لِأَن أَبَاهُ كَانَ أديبا سمع أَبَا بكر مُحَمَّد بن ثَابت الخجندي وَالقَاسِم بن الْفضل الثَّقَفِيّ وَأَبا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن مَاجَه الْأَبْهَرِيّ وَغَيرهم وَلَقي الْأَئِمَّة واقتبس مِنْهُم وَقَالَ الْعِمَاد كَانَ فصيحا لَا يشق غباره فِي المناظره وَلَا يلْحق شاره فِي المجادلة بِعِبَارَة يصبو الصابي إِلَيْهَا ويصحبه الصاحب لَدَيْهَا مفت لَو رَآهُ الشَّافِعِي فِي زَمَانه الحديث: 755 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 لتبجح بمكانه ألْقى إِلَيْهِ الْخُصُوم فِي الْعلم مقاليد السّلم توفّي فِي سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة عَن نَيف وَثَمَانِينَ سنة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 757 - الْحسن بن مَسْعُود الْفراء أَبُو عَليّ الْبَغَوِيّ أَخُو مُحي السّنة مولده سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع من أبي بكر بن خلف وَأبي الْقَاسِم الواحدي الْمُفَسّر وَأبي تُرَاب المراغي وَالْحسن بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي وَغَيرهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير كَانَ إِمَامًا فَاضلا ظريفا لطيفا رَقِيق الطَّبْع كثير الْمَحْفُوظ قَالَ وَكَانَ أَخُوهُ الْحُسَيْن قد رباه وَأحسن تَرْبِيَته ولقنه الْفِقْه حَتَّى حفظ الْمَذْهَب وَكَانَ مصيبا فِي الْفَتَاوَى قَالَ وَأَجَازَ لي جَمِيع مسموعاته قلت ثمَّ روى عَنهُ فِي التحبير حِكَايَة بِالْإِجَازَةِ رَوَاهَا فِي الذيل بِالسَّمَاعِ عَن رجل عَنهُ وَقَالَ توفّي فِي صفر سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة بمرو الروذ وَقيل كَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وَعشْرين وَالْأَشْبَه مَا قَالَه ابْن السَّمْعَانِيّ قيل وَكَانَ النَّاس يَمْشُونَ فِي تشييع جنَازَته حفاه على الثَّلج الحديث: 757 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 758 - الْحسن بن مَنْصُور بن عبد الْجَبَّار السَّمْعَانِيّ الإِمَام أَبُو مُحَمَّد بن الإِمَام أبي المظفر ذكره ابْن أَخِيه الْحَافِظ أَبُو سعد فَقَالَ كَانَ إِمَامًا زاهدا ورعا كثير الْعِبَادَة والتهجد نظيفا منورا مليح الشيبة منقبضا عَن الْخلق قَلما يخرج من دَاره إِلَّا فِي أَيَّام الْجمع للصَّلَاة تفقه على وَالِده وَكَانَ تلو وَالِدي وَسمع مَعَه الحَدِيث وظني أَنه ولد بعده بِسنتَيْنِ ورحل مَعَه إِلَى نيسابور سمع بمرو أَبَاهُ وَغَيره وبنيسابور أَبَا الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَدِينِيّ وَأَبا سعيد عبد الْوَاحِد بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبا عَليّ نصر الله بن أَحْمد الخشنامي وَجَمَاعَة سواهُم سمع مِنْهُ ابْن أَخِيه الْحَافِظ أَبُو سعد وَغَيره قَالَ أَبُو سعد ورزق ثَوَاب الشَّهَادَة فِي آخر عمره دخل عَلَيْهِ اللُّصُوص لوديعة كَانَت لإِنْسَان عِنْد زَوجته وخنقوه لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 758 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 759 - الْحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الْحُسَيْن الشَّافِعِي الشَّيْخ الصَّالح أَبُو مُحَمَّد بن أبي الْحُسَيْن وَالِد حَافظ الْإِسْلَام ابْن عَسَاكِر صحب نصر الْمَقْدِسِي وَسمع مِنْهُ مَاتَ فِي شهر رَمَضَان سنة تسع عشرَة وَخَمْسمِائة وبيته الْبَيْت الْمَعْمُور بالأئمة فَمنهمْ ولداه الْفَقِيه الْحَافِظ الصائن هبة الله بن الْحسن يَأْتِي ذكره وحافظ الْإِسْلَام عَليّ بن الْحسن وَهُوَ واسطه العقد يَأْتِي وَالقَاسِم بن الْحَافِظ يَأْتِي أَيْضا وَأَخُوهُ أَبُو الْفَتْح الْحسن بن الْحَافِظ عَليّ بن الْحسن سمع عَليّ وَالِده الْحَافِظ أبي الْقَاسِم وَعَمه الْفَقِيه الصائن وَحَمْزَة بن عَليّ بن الحبوبي وَغَيرهم مَاتَ سنة إِحْدَى وسِتمِائَة وتاج الْأُمَنَاء أَبُو الْفضل أَحْمد بن القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله بن عبد الله ابْن الْحُسَيْن مولده فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَسمع من عَمه الْحَافِظ أبي الْقَاسِم والفقيه أبي الْحُسَيْن وَغَيرهمَا وَحدث وَكَانَ كثير الدّيانَة يحضر الْغَزَوَات وَكَانَ مُعظما مُحْتَرما وصنف كتاب الْأنس فِي فضل الْقُدس وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة عشر وسِتمِائَة وزين الْأُمَنَاء الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن سبق وَأَبُو المظفر عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحسن يَأْتِي الحديث: 759 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 وفقيه أهل الشَّام فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن يَأْتِي وَأَبُو نصر عبد الرَّحِيم بن القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله مولده سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة وَسمع الْكثير على عَمه الْحَافِظ توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله حَافظ نسابه مؤرخ شَاعِر سمع من عَم أَبِيه الْحَافِظ وَغَيره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 760 - الْحسن بن هبة الله بن يحيى بن الْحسن بن أَحْمد البوقي من أهل وَاسِط قَالَ ابْن النجار كَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْكِبَار سديد الْفَتَاوَى حَافِظًا لمَذْهَب الشَّافِعِي حسن الْكَلَام فِي المناظرة غزير الْفضل حسن الْأَخْلَاق سمع بِبَغْدَاد من أبي زرْعَة الْمَقْدِسِي وَأبي الْفَتْح ابْن البطي وَغَيرهمَا قَالَ وَبَلغنِي أَنه توفّي فِي عَشِيَّة الثُّلَاثَاء لست خلون من شعْبَان سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 761 - الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن محموية أَبُو عَليّ من أهل يزدْ الحديث: 760 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 استوطن بَغْدَاد حدث عَن أبي الْقَاسِم السَّمرقَنْدِي وَغَيره روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره قَالَ ابْن النجار وَكَانَ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء الورعين المتعبدين توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة 762 - الْحُسَيْن بن أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن فطيمة أَبُو عبد الله الْبَيْهَقِيّ تفقه على أبي المظفر السَّمْعَانِيّ مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 763 - الْحُسَيْن بن أَحْمد أَبُو عبد الله بن الشقاق الْبَغْدَادِيّ الفرضي سمع من أبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي بِاللَّه وَغَيره روى عَنهُ ابْن نَاصِر وخطيب الْموصل وَغَيرهمَا وَأخذ الْفِقْه والفرائض عَن عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم الهمذاني وَعَلِيهِ تفقه أَبُو حَكِيم الخبري قَالَ السلَفِي كَانَ آيَة من آيَات الزَّمَان ونادرة من نَوَادِر الدَّهْر مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى عشرَة وَخَمْسمِائة عَن إِحْدَى وَتِسْعين سنة 764 - الْحُسَيْن بن الْحسن أَبُو عبد الله الشهرستاني قَاضِي دمشق الحديث: 762 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 سمع بنيسابور من الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وبجرجان من إِسْمَاعِيل بن مسْعدَة وبالعراق من ابْن هزارمرد الصريفيني قَالَ ابْن عَسَاكِر حَدثنَا عَنهُ هبة الله بن طَاوس وَكَانَ حسن السِّيرَة فِي الْأَحْكَام شَدِيدا على من خَالف الْحق وَاسْتشْهدَ بِظَاهِر أنطاكية بيد الفرنج 765 - الْحُسَيْن بن حمد بن مُحَمَّد بن عمرويه العمروي من أهل أَصْبَهَان ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَقَالَ فَقِيه الشَّافِعِيَّة كَانَ إِمَامًا فَاضلا مناظرا حسن السِّيرَة متوددا قَالَ وَكَانَت وِلَادَته فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة إِن شَاءَ الله وَسمع أَبَا عِيسَى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى بن زِيَاد وَأَبا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن من مَاجَه الْأَبْهَرِيّ وَغَيرهمَا كتبت عَنهُ بأصبهان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي بأصبهان فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 765 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 766 - الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ بن الشهرزوري أَبُو عبد الله من أهل الْموصل استوطن بَغْدَاد وولاه الإِمَام المستنجد بِاللَّه الْقَضَاء بحريم دَار الْخلَافَة وَحدث بِبَغْدَاد عَن أبي البركات مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَمِيس الْجُهَنِيّ توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة 767 - الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْبَغَوِيّ صَاحب التَّهْذِيب الملقب مُحي السّنة من مصنفاته شرح السّنة والمصابيح وَالتَّفْسِير الْمُسَمّى معالم التَّنْزِيل وَله فَتَاوَى مَشْهُورَة لنَفسِهِ غير فَتَاوَى القَاضِي الْحُسَيْن الَّتِي علقها هُوَ عَنهُ كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا ورعا زاهد فَقِيها مُحدثا مُفَسرًا جَامعا بَين الْعلم وَالْعَمَل سالكا سَبِيل السّلف لَهُ فِي الْفِقْه الْيَد الباسطة تفقه على القَاضِي الْحُسَيْن وَهُوَ أخص تلامذته بِهِ وَكَانَ رجلا مخشوشنا يَأْكُل الْخبز وَحده فعذل فِي ذَلِك فَصَارَ يَأْكُلهُ بالزيت وَكَانَ لَا يلقِي الدَّرْس إِلَّا على طَهَارَة سمع الحَدِيث من جماعات مِنْهُم أَبُو عمر عبد الْوَاحِد المليحي وَأَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن الحديث: 766 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 ابْن مُحَمَّد الدَّاودِيّ وَأَبُو بكر يَعْقُوب بن أَحْمد الصَّيْرَفِي وَأَبُو الْحسن عَليّ بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ وَأَبُو الْفضل زِيَاد بن مُحَمَّد الْحَنَفِيّ وَأحمد بن أبي نصر الكوفاني وَحسان بن مُحَمَّد المنيعي وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن الْهَيْثَم الترابي وَأَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشيرزي وَشَيْخه القَاضِي الْحُسَيْن وَغَيرهم وسماعاته بعد السِّتين وَأَرْبَعمِائَة وروى عَنهُ أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أسعد العطاري الْمَعْرُوف بحفدة وَأَبُو الْفتُوح مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطَّائِي وَجَمَاعَة آخِرهم أَبُو المكارم فضل الله بن مُحَمَّد النوقاني روى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ وَبَقِي إِلَى سنة سِتّمائَة وَأَجَازَ للشَّيْخ الْفَخر بن البخارى فلنا رِوَايَة تصانيف الْبَغَوِيّ عَن أَصْحَاب الْفَخر عَنهُ عَنهُ وَكَانَ الْبَغَوِيّ يلقب بمحيي السّنة وبركن الدّين وَلم يدْخل بَغْدَاد وَلَو دَخلهَا لاتسعت تَرْجَمته وَقدره عَال فِي الدّين وَفِي التَّفْسِير وَفِي الحَدِيث وَفِي الْفِقْه متسع الدائرة نقلا وتحقيقا كَانَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يجل مِقْدَاره جدا ويصفه بالتحقيق مَعَ كَثْرَة النَّقْل وَقَالَ فِي بَاب الرَّهْن من تَكْمِلَة شرح الْمُهَذّب اعْلَم أَن صَاحب التَّهْذِيب قل أَن رَأَيْنَاهُ يخْتَار شَيْئا إِلَّا وَإِذا بحث عَنهُ وجد أقوى من غَيره هَذَا مَعَ اخْتِصَار كَلَامه وَهُوَ يدل على نبل كَبِير وَهُوَ حري بذلك فَإِنَّهُ جَامع لعلوم الْقُرْآن وَالسّنة وَالْفِقْه رَحمَه الله ورحمنا بِهِ إِذا صرنا إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ انْتهى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 توفّي الْبَغَوِيّ فِي شَوَّال سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة بمرو الروذ وَبهَا كَانَت إِقَامَته وَدفن عِنْد شَيْخه القَاضِي الْحُسَيْن قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَلم يحجّ قَالَ وَأَظنهُ جَاوز الثَّمَانِينَ قلت هما إمامان من تلامذة القَاضِي صَاحب التَّتِمَّة لم يتَجَاوَز اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة وَصَاحب التَّهْذِيب أَظُنهُ أشرف على التسعين وَمن غرائب الْفَرْع عَن الْبَغَوِيّ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي مسائلة الَّتِي خرجها فِي صَلَاة الْجِنَازَة لَو لم يكن إِلَّا النِّسَاء لم تجب عَلَيْهِنَّ وَذهب فِي فَتَاوِيهِ إِلَى أَن من لَا جُمُعَة عَلَيْهِ أَو أَرَادَ أَن يُصَلِّي الظّهْر خلف من يُصَلِّي الْجُمُعَة فَإِن كَانَ صَبيا جَازَ وَإِن كَانَ بَالغا لم يجز قَالَ لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْجمعَةِ وَذهب كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي التَّهْذِيب إِلَى وجوب مسح قدر الناصية من الرَّأْس فِي الْوضُوء وَنَقله فَخر الدّين عَنهُ فِي المناقب ظَانّا أَنه مَذْهَب أبي حنيفَة وَلَا شكّ أَن ذَلِك مُتَوَقف على أَن الْبَغَوِيّ يُصَرح بِتَقْدِير الناصية بِالربعِ كَمَا فعلت الْحَنَفِيَّة وَإِلَّا فاختياره خَارج عَن الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَهُوَ أقرب من مَذْهَب أبي حنيفَة قَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيب فِي بَاب الْأَوَانِي وتطهير النَّجَاسَات فِي أثْنَاء فصل فِي بَيَان النَّجَاسَات وَفِي البلغم وَجْهَان أَحدهمَا طَاهِر كالنخامة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّانِي نجس كالمرة وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف انْتهى وَقَالَ شَيْخه القَاضِي الْحُسَيْن فِي الْفَتَاوَى النخامة النَّازِلَة من الرَّأْس أَو من الْحلق طَاهِرَة وَإِن خرجت من الْمعدة نَجِسَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 قَالَ وَلَا تخرج من الْمعدة إِلَّا بالاستقاءة والتكلف واما مَا يخرج على الْعَادة فَهُوَ طَاهِر ذكره فِي مسَائِل الصَّلَاة وَذكر الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ مَسْأَلَة غَرِيبَة من بَاب الْخلْع وَهِي أَنَّهَا إِذا قَالَت لوكيلها اختلعني بِمَا استصوبت لم يكن لَهُ أَن يخالع على عين من أَعْيَان مَالهَا لِأَن كل مَا يُفَوض إِلَى الرَّأْي ينْصَرف إِلَى الذِّمَّة عَادَة وَهُوَ فرع غَرِيب وَفقه جيد وَذكر فِي فَتَاوِيهِ أَيْضا مَسْأَلَة تعم البلوي بهَا من كتاب النِّكَاح وَهِي امْرَأَة تحضر إِلَى القَاضِي تستدعي تَزْوِيجهَا وَقَالَت كنت زوجا لفُلَان الْغَائِب فطلقني وَانْقَضَت عدتي أَو مَاتَ قَالَ القَاضِي حُسَيْن لَا يُزَوّجهَا حَتَّى تقيم الْحجَّة على الطَّلَاق أَو الْمَوْت لِأَنَّهَا أقرب بِالنِّكَاحِ لفُلَان قلت وَفِي كتاب أدب الْقَضَاء لأبي الْحسن الدبيلي من أَصْحَابنَا مانصه مَسْأَلَة إِذا جَاءَت غَرِيبَة إِلَى القَاضِي فَقَالَت كَانَ لي زوج بِبَلَد آخر فطلقني ثَلَاثًا أَو مَاتَ فاعتددت فَزَوجنِي من هَذَا الرجل فَإِنَّهُ يقبل قَوْلهَا وَلَا يَمِين عَلَيْهَا وَلَا بَيِّنَة لِأَنَّهَا مالكة لأمرها بَالِغَة عَاقِلَة فَلَا تمنع التَّصَرُّف فِي نَفسهَا بِعقد التَّزْوِيج فَإِن كَانَت صَادِقَة فَذَاك وَإِن ورد زَوجهَا وَصحح التَّزْوِيج وَحلف أَنه لم يُطلق فسخنا النِّكَاح ورددناها عَلَيْهِ بعد الْعدة إِن كَانَ دخل بهَا وَقُلْنَا يصحح النِّكَاح لِأَن إِقْرَار الْمَرْأَة بعد عقد الثَّانِي لَا يسمع وكل امْرَأَة قَالَت لَا ولي لي يجب أَن يقبل قَوْلهَا وَإِن كُنَّا نعلم أَنه لَا تَخْلُو امْرَأَة من أَب وجد فِي غَالب الْأَحْوَال فَلم يلْزمنَا مطالبتها بِمَوْت أَبِيهَا أَو جدها وَكَذَلِكَ فِي سَائِر الْأَوْلِيَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا قَالَ اشْتريت هَذِه الْجَارِيَة من فلَان جَازَ أَن يَشْتَرِي مِنْهُ وَلم يجز أَن يُقَال قد اعْترفت أَن الْجَارِيَة كَانَت لفُلَان فصحح شراءك مِنْهُ فَكَذَلِك لَا يُقَال للْمَرْأَة صححي طَلَاقك من زَوجك أَو مَوته بل يعْقد لَهَا على مَا ذَكرْنَاهُ فَأَما إِذا كَانَ الزَّوْج فِي الْبَلَد وَلَيْسَت بغريبة تَدعِي الطَّلَاق أَو الْمَوْت فَلَا يعْقد الْحَاكِم حَتَّى تصحح ذَلِك انْتهى نقلته من أَوَائِل الْكتاب بعد نَحْو سبع وَرَقَات من أَوله وَقد حَكَاهُ ابْن الرّفْعَة عَنهُ مُقْتَصرا عَلَيْهِ وَلم يحك كَلَام الْبَغَوِيّ وَالَّذِي يظْهر لي أَنه لَا مُخَالفَة بَينهمَا بل كَلَام الْبَغَوِيّ الَّذِي قدمْنَاهُ فِيمَا إِذا ذكرت زوجا معينا وَكَلَام الدبيلي فِيمَا إِذا ذكرت مَجْهُولا وَفرق بَين الْمعِين والمجهول غير أَن قَول الدبيلي آخرا فَأَما إِذا كَانَ الزَّوْج فِي الْبَلَد ... إِلَى آخِره قد يفهم أَنه لَا فرق فِيمَا ذكره بَين الْمَجْهُول والمعين فَإِن لم يكن كَذَلِك فَكَلَام القَاضِي الَّذِي نَقله الْبَغَوِيّ يُخَالِفهُ وَالْوَجْه مَا قَالَه القَاضِي الْحُسَيْن ثمَّ رَأَيْت الْوَالِد رَحمَه الله قد ذكر فِي شرح الْمِنْهَاج كلا من كَلَام الدبيلي وَالْقَاضِي وَقَالَ كَلَام القَاضِي أولى ثمَّ قَالَ إِن كَلَام القَاضِي فِي الْمعِين وَكَلَام الدبيلي فِي الْمَجْهُول كَمَا قلته سَوَاء ثمَّ قَالَ وتفرقته بَين الْغَائِب الْحَاضِر فِي الْبَلَد لَا وَجه لَهُ بل إِن كَانَ غير معِين قبل قَوْلهَا مُطلقًا وَإِن كَانَ معينا لم يقبل مُطلقًا إِلَّا بنيه انْتهى فرع من بَاب صَلَاة الْمُسَافِر قَالَ النَّوَوِيّ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة فِي آخر هَذَا الْبَاب لَو نوى الْكَافِر وَالصَّبِيّ السّفر إِلَى مَسَافَة الْقصر ثمَّ أسلم وَبلغ فِي أثْنَاء الطَّرِيق فَلهُ الْقصر فِي بَقِيَّته انْتهى وَهُوَ فِي الصَّبِي مُشكل فَإِنَّهُ كَانَ من أهل الْقصر قبل الْبلُوغ وَقد غلط من فهم عَن الْبَيَان أَنه لَا يَصح من الصَّبِي الْقصر وَالصَّوَاب أَنه من أهل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 ثمَّ قَالَ فِي التَّعْزِير بِالْحَبْسِ إِن من النَّاس من يحبس يَوْمًا وَمِنْهُم من يحبس إِلَى غَايَة لَا تقدر لَكِن بِحَسب تأدية الِاجْتِهَاد وَيُرَاد بهَا الْمصلحَة وَقَالَ الزبيرِي من أَصْحَابنَا تقدر غَايَته بشهور الِاسْتِبْرَاء والكشف وبستة أشهر للتأديب والتقويم والمرتبة الثَّالِثَة النَّفْي اخْتلف فِي غَايَته ظَاهر الْمَذْهَب أَن أَكْثَره مَا دون السّنة انْتهى وَهَذَا مِنْهُ وَمن الشَّاشِي قبله تَصْرِيح بِجَوَاز التَّعْزِير بِالنَّفْيِ والإخراج عَن الْبَلَد وَقد صنعه عمر رَضِي الله عَنهُ وَلَا شكّ فِي جَوَازه وَأَشَارَ إِلَى جَوَازه أَيْضا القَاضِي الْحُسَيْن غير أَنه وَقع فِي عبارَة الرَّافِعِيّ أما جنسه يَعْنِي التَّعْزِير من الْحَبْس أَو الضَّرْب جلدا أَو صفعا فَهُوَ إِلَى رَأْي الإِمَام وَلم يُصَرح بِالنَّفْيِ فَصَارَ كثير من الطّلبَة يستغرب مَسْأَلَة النَّفْي وَلَا غرابة فِيهَا وَالْحق أَن ولي الْأَمر إِذا رَآهُ مصلحَة جَازَ لَهُ التَّعْزِير بِهِ وَقد صرح بِهِ الشَّاشِي ومجلي وَهُوَ وَاضح ثمَّ رَأَيْته مُصَرحًا بِهِ أَيْضا فِي الْحَاوِي للماوردي وَالْبَحْر للروياني وَكلهمْ صَرَّحُوا بِأَن ظَاهر الْمَذْهَب أَن النَّفْي ينقص عَن سنة قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي حَتَّى لَا يصير مُسَاوِيا للتغريب فِي الزِّنَا قَالَ فِي الذَّخَائِر بعد أَن ذكر قبُول رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي المَال فِي كتاب الشَّهَادَات مَا نَصه وَيقبل الرجل والمرأتان مَعَ وجود الرجلَيْن وَمَعَ عدمهما وَحكى فِي الْحَاوِي أَنه لَا يقبل الرجل والمرأتان إِلَّا مَعَ عدم الرجلَيْن وَالْمذهب الأول انْتهى والواقف على هَذَا يتَوَهَّم أَن صَاحب الْحَاوِي حَكَاهُ عَن مَذْهَبنَا لقَوْله وَالْمذهب الأول وَذَلِكَ غير مَعْرُوف فِي مَذْهَبنَا وَلَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنهُ إِنَّمَا حَكَاهُ عَن مَالك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 الْقصر وَالْجمع نعم إِذا جمع تَقْدِيمًا ثمَّ بلغ وَالْوَقْت بَاقٍ قد يحْتَمل أَن يُقَال يُعِيدهَا وَالْمَنْقُول أَنه لَا يُعِيدهَا أَيْضا وَكَلَام الرَّوْضَة هَذَا مَأْخُوذ من كَلَام العمراني أَو الرَّوْيَانِيّ فَإِن العمراني حَكَاهُ عَن الرَّوْيَانِيّ وَلَعَلَّ المُرَاد بِهِ الْكَافِر وَذكر الصَّبِي مَعَه خشيَة أَن يُقَاس أَحدهمَا بِالْآخرِ فَإِن الْمُذكر فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَن الصَّبِي يقصر دون من أسلم وَلَعَلَّ الْفرق أَن الصَّبِي من أهل الصَّلَاة وَمن أهل الْقصر فَلم يَتَجَدَّد بِبُلُوغِهِ شَيْء بِخِلَاف الْكَافِر وَكَأن الْبَغَوِيّ إِنَّمَا ذكر مَسْأَلَة الصَّبِي ليفصل بَينهَا وَبَين مَسْأَلَة الْكَافِر ثمَّ لما خَالفه الرَّوْيَانِيّ فِي الْكَافِر ذكر الصَّبِي مَعَه كَأَنَّهُ مستشهد بِهِ فَصَارَ مَفْهُوم الْكَلَام أَنه لَا يقصر قبل بُلُوغه وَلَكِن لَيْسَ الْمَفْهُوم بِصَحِيح لِأَن الصَّبِي إِنَّمَا ذكر لما ذَكرْنَاهُ لَا لِأَنَّهُ لَا يقصر مَا دَامَ صَبيا 768 - الْحُسَيْن بن نصر بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن عَلان بن عمرَان النهاوندي أَبُو عبد الله بن أبي الْفَتْح تفقه بِبَغْدَاد على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع الحَدِيث من أبي يعلى بن الْفراء وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَأبي مُحَمَّد الصريفيني والخطيب وَغَيرهم روى عَنهُ السلَفِي وَغَيره وَولي قَضَاء نهاوند مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات بنهاوند سنة تسع وَخَمْسمِائة الحديث: 768 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 769 - الْحُسَيْن بن نصر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ابْن خَمِيس بن عَامر الْجُهَنِيّ الكعبي أَبُو عبد الله بن خَمِيس من أهل الْموصل تفقه على الْغَزالِيّ وَسمع من طراد الزَّيْنَبِي وَابْن البطر وَغَيرهمَا وَولي قَضَاء رحبة مَالك بن طوق قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل دين قَالَ وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي الْعشْرين من الْمحرم سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بالموصل وَقَالَ أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن عمار الْوَاعِظ توفّي ابْن خمسين فِي ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة قَالَ وَله من المصنفات مَنْهَج التَّوْحِيد مَنْهَج المريد تَحْرِيم الْغَيْبَة فَرح الموضح على مَذْهَب زيد بن ثَابت وَذكر غير ذَلِك الحديث: 769 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 770 - حمد بن عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو الْقَاسِم ابْن الإِمَام الْكَبِير أبي المحاسن صَاحب الْبَحْر الرَّوْيَانِيّ تفقه على وَالِده بآمل طبرستان وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن عَمه أبي مُسلم مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَجَمَاعَة وسافر فِي طلب الْعلم وَسمع بجرجان ونيسابور وبسطام والري وَغَيرهَا وَسمع مِنْهُ الْحَافِظ ابْن نَاصِر وَغَيره لم أعلم وَقت وَفَاته وَالله أعلم 771 - الْخضر بن ثروان بن أَحْمد بن أبي عبد الله الثَّعْلَبِيّ أَبُو الْعَبَّاس الضَّرِير من بعض بِلَاد الجزيرة تفقه بِبَغْدَاد وَله شعر جيد فَمِنْهُ (سلوا صُدْغه المسكي كَيفَ ثباته ... على جمر خديه وَكَيف يكون) (أيشرب من مَاء الرضاب مُعَلّقا ... على لَهب إِن الْجُنُون فنون) مَاتَ ببخارى فِي سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 770 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 772 - الْخضر بن شبْل بن عبد الْفَقِيه أَبُو البركات الْحَارِثِيّ الدِّمَشْقِي خطيب دمشق ومدرس الغزالية والمجاهدية كَانَ من أكَابِر الْفُقَهَاء بنى لَهُ نور الدّين مدرسة ودرس بهَا سمع من ابْن الموازيني وَجَمَاعَة روى عَنهُ ابْن عَسَاكِر وَابْنه وزين الْأُمَنَاء وَغَيرهم توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 773 - الْخضر بن نصر بن عقيل أَبُو الْعَبَّاس الإربلي تفقه بِبَغْدَاد على الشَّاشِي وإلكيا وَكَانَ من الْأَئِمَّة وصنف فِي التَّفْسِير وَالْفِقْه مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 774 - خلف بن أَحْمد إِمَام فَاضل من أَصْحَاب الْغَزالِيّ لَهُ عَنهُ تعليقة ذكره ابْن الصّلاح فِي شرح مُشكل الْوَسِيط وَقَالَ بَلغنِي أَنه توفّي قبل الْغَزالِيّ الحديث: 772 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 775 - ذَاكر بن أبي بكر بن أبي أَحْمد السنجي الغرابيلي أَبُو أَحْمد من أهل قَرْيَة سنج ولد فِي حُدُود سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة ذكره ابْن باطيش فِي الطَّبَقَات تبعا لِابْنِ السَّمْعَانِيّ فَإِنَّهُ ذكره فِي التحبير وَمن عَادَة ابْن باطيش اسْتِيعَاب مَا فِي التحبير وَابْن السَّمْعَانِيّ لم يصف هَذَا الشَّيْخ بالفقه وَإِنَّمَا قَالَ كَانَ شَيخا صَالحا من أهل الْقُرْآن حسن الصَّلَاة وَالطَّهَارَة تفقه على وَالِدي وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الدقاق وَغَيرهمَا قلت فَأخذ ابْن باطيش من قَوْله تفقه على وَالِدي أَنه فَقِيه وَلَو فتحنا هَذَا الْبَاب لذكرنا وقر بعير من الْأَسْمَاء قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ مَاتَ بقرية سنج فِي أحد الربيعين سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 776 - رستم بن سعد بن سلمك الخواري ... . الحديث: 775 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 777 - زيد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَيْمُون بن عبد الله بن عبد الحميد ابْن أَيُّوب الْيَمَانِيّ الفايشي جمع علوما فِي التَّفْسِير وَالْقُرْآن الحَدِيث واللغة والنحو وَالْكَلَام وَالْفِقْه وَالْخلاف والدور والحساب وَكَانَ كثير الْحَج والمجاورة تفقه ببلدة المشيرق بِأَسْعَد بن الْهَيْثَم وببلدة سير بِإسْحَاق الصردفي وبأبي بكر المخائي بالظرافة وَهِي بالظاء الْمُعْجَمَة المضمومة قَرْيَة قريبَة من الْجند وبيعقوب ابْن أَحْمد وَابْن عبدويه بِبِلَاد تهَامَة وبالحسين الطَّبَرِيّ وَأبي نصر الْبَنْدَنِيجِيّ بِمَكَّة وبخير ابْن ملامس ومقبل بن زُهَيْر بِبَلَد ذِي أشرق وَكَانَ شيخ الشَّافِعِيَّة وَكَانَ شيخ الْفُقَهَاء بِبِلَاد الْيمن فِي زَمَانه وَعَلِيهِ تفقه صَاحب الْبَيَان وَأَوْلَاده أَحْمد وَعلي وقاسم بَنو زيد بن الْحسن الحديث: 777 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 مولده فِي شَوَّال سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة ودرس بالجعامي مُدَّة حَيَاته وَبهَا توفّي فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة 778 - زيد بن عبد الله بن جَعْفَر بن إِبْرَاهِيم اليفاعي شيخ صَاحب الْبَيَان وَقد ذكره فِي أَوَائِل بَاب الْهِبَة وَأَصله من المعافر ثمَّ سكن الْجند تخرج فِي الْفَرَائِض والحساب بصهره إِسْحَاق الصردفي ثمَّ بِأبي بكر بن جَعْفَر فِي الْفِقْه ثمَّ ارتحل إِلَى مَكَّة فلقي بهَا الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ صَاحب الْعدة وَأَبا نصر الْبَنْدَنِيجِيّ صَاحب الْمُعْتَمد فَقَرَأَ عَلَيْهِمَا ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن ودرس فِي حَيَاة شَيْخه أبي بكر بالجند فَاجْتمع عَلَيْهِ بهَا أَكثر من مِائَتي طَالب فَخرج هُوَ وَأَصْحَابه لدفن ميت عَلَيْهِم الثِّيَاب الْبيض فَرَآهُمْ الْمفضل بن أبي البركات بن الْوَلِيد الْحِمْيَرِي من فَوق سطح لَهُ فخشي مِنْهُم وَذكر خُرُوج الْفَقِيه عبد الله بن عمر المصوع على المكرم وَقَتله لِأَخِيهِ خَالِد بن أبي البركات مَعَ مَا فِي بَاطِنه من الْعَدَاوَة للسّنة فكادهم بِأَن عزل قَاضِي الْجند فتحزبوا حزبين الْفَقِيه زيد وَالْقَاضِي الْمَعْزُول مُسلم بن أبي بكر بن أَحْمد الحديث: 778 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 ابْن عبد الله الصعبي ووالداه مُحَمَّد وأسعد وَإِمَام الْمَسْجِد حسان بن أَحْمد بن عمر حزب فَصَارَ يُولى أحد الحزبين شهرا ويعزله بِالْآخرِ وحصلت الْفِتْنَة بَين الفقيهين فَخرج زيد اليفاعي إِلَى مَكَّة وجاور بهَا اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَله نَفَقَة تَأتيه من أطيان لَهُ بِالْيمن فاتجر وَحصل مَالا كثيرا بالمقارضة حَتَّى كَانَ لَهُ بضعَة عشر مقارضا وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْفَتْوَى بِمَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَقيل ثَلَاث عشرَة وَقد مَاتَ الْمفضل فعلا شَأْنه وارتحل إِلَيْهِ النَّاس فِي طلب الْعلم وَمَات بالجند سنة أَربع عشرَة وَقيل خمس عشرَة وَخَمْسمِائة أفادنا هَذِه التَّرْجَمَة عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد المطري نقلا عَن الْحَافِظ قطب الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور الْحلَبِي عَن الشَّيْخ قطب الدّين أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْقُسْطَلَانِيّ فِيمَا علقه من تَارِيخ الْيمن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 779 - زيد بن عبد الله بن حسان بن مُحَمَّد بن زيد بن عَمْرو ولى قَضَاء الْجند وَكَانَ وزيرا للأمير أَحْمد بن مَنْصُور بن الْمفضل بن أبي البركات وَملك حصن تعز مُدَّة مَعَ حصن صَبر إِلَى أَن سلمه إِلَى عبد النَّبِي بن عَليّ بن مهْدي سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة مَاتَ بالجند وَكَانَ فَقِيها نبيلا 780 - زيد بن نصر بن تَمِيم الْحَمَوِيّ فَقِيه مُتَكَلم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَقد ولى حسبَة دمشق ومصر وكما سميناه سَمَّاهُ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصرى وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ إِنَّمَا هُوَ أَبُو زيد أَحْمد بن نصر توفّي بِدِمَشْق فِي شعْبَان سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة 781 - سَالم بن عبد الله بن مُحَمَّد بن سَالم الْفَقِيه ولد فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على أَبِيه وَمَات فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بِبَلَدِهِ ذِي أشرق من بِلَاد الْيمن وَكَانَ إِمَام جَامعهَا الحديث: 779 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 أفادنا هَذِه التَّرْجَمَة الْحَافِظ عفيف الدّين المطري 782 - سَالم بن عبد السَّلَام بن علوان بن عبدون أَبُو المرجا الصُّوفِي الْمَعْرُوف بالبوازيجي تفقه بِبَغْدَاد وَصَحب الشَّيْخ أَبَا النجيب السهروردي وَكَانَ رجلا صَالحا عَالما فَاضلا آمُر بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر عابدا زاهدا سمع من زَاهِر بن طَاهِر الشحامي وَغَيره مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 783 - سَالم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْموصِلِي أَبُو المرجا سمع بِبَغْدَاد من أبي الْفضل مُحَمَّد بن عمر بن يُوسُف الأرموي وَغَيره مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة 784 - سَالم بن مهْدي بن قحطان بن حمير بن حَوْشَب الأخضري الْفَقِيه تفقه بمشايخ أَرض الخصيب فَمنهمْ رَاجِح بن كهلان الحديث: 782 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة أفادنا ذَلِك الْحَافِظ المطري 785 - سعد الْخَيْر بن مُحَمَّد بن سهل بن سعد أَبُو الْحسن الْأنْصَارِيّ المغربي الأندلسي الْمُحدث رَحل إِلَى أَن دخل الصين وَلِهَذَا كَانَ يكْتب الأندلسي الصيني وَركب الْبحار وقاسى المشاق وتفقه بِبَغْدَاد على الْغَزالِيّ وَسمع بهَا أَبَا عبد الله النعالي وَابْن البطر وطراد بن مُحَمَّد وبأصبهان أَبَا سعد الْمُطَرز وسكنها وَتزَوج بهَا وَولدت لَهُ فَاطِمَة ثمَّ سكن بَغْدَاد روى عَنهُ ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَأَبُو الْيمن الْكِنْدِيّ وَأَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ وَابْنَته فَاطِمَة بنت سعد الْخَيْر ووالد الإِمَام الرَّافِعِيّ وَآخَرُونَ وتأدب عَليّ أبي زَكَرِيَّا التبريزي توفّي فِي عَاشر الْمحرم سنة إحدي وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 786 - سعد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو الْفَضَائِل المشاط فَقِيه مُتَكَلم واعظ مُفَسّر مُذَكّر عَارِف بِالْمذهبِ وَالْخلاف ذكره عَليّ بن عبيد الله بن الْحسن صَاحب تَارِيخ الرّيّ فِي كِتَابه وَذكر أَنه سمع القَاضِي أَبَا المحاسن الرَّوْيَانِيّ وأباه أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن مَحْمُود المشاط وَأَبا الْفرج مُحَمَّد بن مَحْمُود الحديث: 785 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 ابْن الْحسن الْقزْوِينِي الطَّبَرِيّ وَغَيرهم قَالَ وَتُوفِّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع عشر رَمَضَان سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وروى عَنهُ حَدِيثا قَرَأَهُ عَلَيْهِ 787 - سعد بن مُحَمَّد بن سعد بن صَيْفِي الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو الفوارس التَّمِيمِي الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ يلقب بالحيص بيص ومعناهما الشدَّة والاختلاط قيل إِنَّه رأى النَّاس فِي شدَّة وحركة فَقَالَ مَا للنَّاس فِي حيص بيص فَلَزِمَهُ ذَلِك لقبا تفقه بِالريِّ على القَاضِي مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الْوزان وَسمع الحَدِيث من أبي طَالب الْحُسَيْن ابْن مُحَمَّد الزَّيْنَبِي وَغَيره قَالَ بَعضهم كَانَ صدارا فِي كل علم مناظرا محجاجا ينصر مَذْهَب الْجُمْهُور وَيتَكَلَّم فِي مسَائِل الْخلاف فصيحا بليغا يتبادى فِي لغته ويلبس زِيّ أُمَرَاء الْعَرَب ويتقلد بسيفين ويعقد الْقَاف وَله ديوَان شعر مَشْهُور وَمن شعره وَقد وضع كريم من قدره الحديث: 787 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 (لَا تضع من عَظِيم قدر وَإِن كنت ... مشارا إِلَيْهِ بالتعظيم) (فالشريف الْكَرِيم يصغر قدرا ... بِالتَّعَدِّي على الشريف الْكَرِيم) (ولع الْخمر بالعقول رمى الْخمر ... بتنجيسها وبالتحريم) توفّي الحيص بيص سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة 788 - سعيد بن عبد الله بن الْقَاسِم بن المظفر الشهرزوري أَبُو الرِّضَا من أهل الْموصل من الْبَيْت الْمَشْهُور بالرياسة وَالْفضل وَهُوَ أَخُو مُحَمَّد بن عبد الله الْمُتَقَدّم سمع بِبَغْدَاد زَاهِر بن طَاهِر الشحامى وَمُحَمّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَإِسْمَاعِيل بن أَحْمد ابْن عمر السَّمرقَنْدِي وَغَيرهم وسافر إِلَى خُرَاسَان وتفقه هُنَاكَ على مُحَمَّد بن يحيى وَسمع من أبي عبد الله الفراوي ووجيه بن طَاهِر وَغَيرهمَا حدث عَنهُ جمَاعَة توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة الحديث: 788 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 789 - سعيد بن مُحَمَّد بن عمر بن مَنْصُور الإِمَام أَبُو مَنْصُور ابْن الرزاز من كبار أَئِمَّة بَغْدَاد فقها وأصولا وَخِلَافًا ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على الْغَزالِيّ وَصَاحب التَّتِمَّة وَأبي بكر الشَّاشِي وإلكيا الهراسي وأسعد المهيني وَسمع الحَدِيث من رزق الله التَّمِيمِي وَنصر بن البطر وَغَيرهمَا روى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَعبد الْخَالِق بن أَسد وَجَمَاعَة وَولى تدريس نظامية بَغْدَاد مُدَّة ثمَّ عزل توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَدفن بتربة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق 790 - سعيد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ... . الحديث: 789 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 791 - سُلْطَان بن إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم أَبُو الْفَتْح الْمَقْدِسِي أحد الْأَئِمَّة كَانَ يعرف بِأبي رشا ولد بالقدس سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على الْفَقِيه نصر الْمَقْدِسِي وَسمع بالقدس أَبَا بكر الْخَطِيب وَأَبا عُثْمَان بن وَرْقَاء ثمَّ بِمصْر أَبَا إِسْحَاق الحبال والخلعي روى عَنهُ السلَفِي وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن حُسَيْن السبيي ثمَّ الْمصْرِيّ وَأَبُو الْقَاسِم البوصيري وَآخَرُونَ دخل الديار المصرية وشغل أَهلهَا وَبهَا ظهر علمه قَالَ السلَفِي كَانَ من أفقه الْفُقَهَاء بِمصْر وَعَلِيهِ قَرَأَ أَكْثَرهم قلت وَعَلِيهِ تفقه صَاحب الذَّخَائِر قَالَ ابْن نقطة مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 791 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 792 - سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مُحَمَّد أَبُو سعد الْبَلَدِي القصاري الْمَعْرُوف بالكافي الْكَرْخِي من أهل بلد الكرخ وَكَانَ قَاضِيا بهَا كَانَ أحد الْأَئِمَّة فَقِيها مناظرا متكلما أصوليا قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ولد تَقْديرا فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة سمع أَبَا سهل غَانِم بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْحَافِظ وَأَبا المحاسن الرَّوْيَانِيّ وَأَبا بكر مُحَمَّد بن احْمَد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن مَاجَه الْأَبْهَرِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَذكره فِي التحبير وتفقه على أبي بكر مُحَمَّد بن ثَابت الخجندي وتناظر هُوَ وأسعد الميهني قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ غزير الْفضل حسن الْكَلَام فِي الْمسَائِل الخلافية رأى الْأَئِمَّة الْكِبَار وناظرهم وَظهر كَلَامه عَلَيْهِم وَهُوَ مَشْهُور فِيمَا بَين الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِحسن الْإِيرَاد وَالتَّحْقِيق وَمَا كَانَ أحد يجرى مجْرَاه فِي التَّحْقِيق بالعراق مَاتَ بالكرخ لَيْلَة السبت وَدفن يَوْم السبت الْحَادِي وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 792 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 793 - سلمَان بن نَاصِر بن عمرَان بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ابْن إِسْحَاق بن يزِيد بن زِيَاد بن مَيْمُون بن مهْرَان الشَّيْخ الْمُتَكَلّم أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ مُصَنف شرح الْإِرْشَاد فِي أصُول الدّين وَكتاب الغنية كَانَ إِمَامًا بارعا فِي الْأَصْلَيْنِ وَفِي التَّفْسِير فَقِيها صوفيا زاهدا من أهل نيسابور أَخذ عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَحدث عَن أبي الْحُسَيْن بن مكي وَفضل الله بن أَحْمد الميهني وَعبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي وكريمة المروزية وَأبي صَالح الْمُؤَذّن وَأبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيرهم روى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره قَالَ عبد الغافر كَانَ نحرير وقته فِي فنه زاهدا ورعا صوفيا من بَيت صَلَاح وتصوف وزهد صحب الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي مُدَّة وَحصل عَلَيْهِ من الْعلم طرفا صَالحا ثمَّ سَافر الْحجاز وَعَاد إِلَى بَغْدَاد ثمَّ قدم الشَّام فصحب الْمَشَايِخ وزار الْمشَاهد ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور واستأنف تَحْصِيل الْأُصُول على الإِمَام قَالَ وَكَانَت مَعْرفَته فَوق لِسَانه وَمَعْنَاهُ أَكثر من ظَاهره وكَانَ ذَا قدم فِي التصوف والطريقة عَفا فِي مطعمه يكْتَسب بالوراقة وَلَا يخالط احدا وَلَا يباسطه فِي مطعم دُنْيَوِيّ وأقعد فِي خزانَة الْكتب بنظامية نيسابور اعْتِمَادًا على دينه وأصابه فِي آخر عمره ضعف فِي بَصَره ويسير وقر فِي أُذُنه الحديث: 793 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 وَقَالَ أَبُو نصر عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الخطيبي سَمِعت مَحْمُود بن أبي تَوْبَة الْوَزير يَقُول مضيت إِلَى بَاب بَيت أبي الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ فَإِذا بِالْبَابِ مَرْدُود وَهُوَ يتحدث مَعَ وَاحِد فوقفت سَاعَة وَفتحت الْبَاب فَمَا كَانَ فِي الدَّار غَيره فَقلت مَعَ من كنت تَتَحَدَّث فَقَالَ كَانَ هُنَا وَاحِد من الْجِنّ كنت ُأكَلِّمهُ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أجَاز لي مروياته وَسمعت مُحَمَّد بن أَحْمد النوقاني يَقُول سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ يَقُول كنت فِي الْبَادِيَة فأنشدت (سرى يخبط الظلماء وَاللَّيْل عاسف ... حبيب بأوقات الزِّيَارَة عَارِف) (فَمَا راعني إِلَّا سَلام عَلَيْكُم ... أَأدْخل قلت ادخل وَلم أَنْت وَاقِف) فجَاء بدوي وَجعل يطرب ويستعيدني قلت وَهَذَانِ البيتان مذكوران فِي تَرْجَمَة الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ مَاتَ هَذَا الشَّيْخ سنة إِحْدَى عشرَة أَو اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ حكى فِي شرح الْإِرْشَاد إِجْمَاع الْمُسلمين على أَنه تجب التَّوْبَة من الصَّغَائِر كَمَا تجب من الْكَبَائِر وَلَعَلَّه اتبع فِي هَذَا النَّقْل إِمَامه وَمَسْأَلَة التَّوْبَة من الصَّغَائِر مَعْرُوفَة بِالْخِلَافِ بَين شَيخنَا أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأبي هَاشم بن الجبائي كَانَ شَيخنَا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول تجب التَّوْبَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 من كل ذَنْب وَخَالفهُ أَبُو هَاشم وَرُبمَا ادّعى بعض أَئِمَّتنَا أَن أَبَا هَاشم خرق فِي ذَلِك إِجْمَاعًا سَابِقًا عَلَيْهِ وَلَعَلَّ أَبَا الْقَاسِم جرى على هَذَا وَفِي هَذَا الْموضع فضل نظر قد كَانَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يتَرَدَّد فِي وجوب التَّوْبَة عينا من الصَّغَائِر وَيَقُول لَعَلَّ وُقُوعهَا يكفر بِالصَّلَاةِ وباجتناب الْكَبَائِر فَيَقْتَضِي أَن الْوَاجِب فِيهَا أحد الْأَمريْنِ من التَّوْبَة أَو فعل مَا يكفرهَا وَبِتَقْدِير الْوُجُوب فَيحْتَمل أَن لَا تجب على الْفَوْر بل حَتَّى يمْضِي مُدَّة لَا يكفرهَا ويجتمع لَهُ فِي الْمَسْأَلَة احتمالات وجوب التَّوْبَة مِنْهَا عينا على الْفَوْر كالكبيرة وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ ووجوبها عينا لَكِن لَا على الْفَوْر بِخِلَاف الْكَبِيرَة وَوُجُوب أحد الْأَمريْنِ من التَّوْبَة أَو فعل الْمُكَفّر لَهَا ثمَّ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله فِيمَا أَحسب لَا يسلم أَنه خَارج عَن مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فِي هَذَا بل يرد الْخلاف بَينه وَبَين أبي هَاشم إِلَى هَذَا وَيَقُول لَيْسَ مُرَاد الْأَشْعَرِيّ تعين التَّوْبَة بل محو الذَّنب إِمَّا بِالتَّوْبَةِ النصوح أَو فعل المكفرات لَهُ وَهَذَا على حَسَنَة غير مُسلم عِنْدِي بل الَّذِي أرَاهُ وجوب التَّوْبَة عينا على الْفَوْر وَعَن كل ذَنْب نعم إِن فرض عدم التَّوْبَة عَن الصَّغِيرَة ثمَّ جَاءَت المكفرات كفرت الصغيرتين وهما تِلْكَ الصَّغِيرَة وَعدم التَّوْبَة مِنْهَا وَهَذَا مَا أرَاهُ قَاطعا بِهِ كَانَ أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ يَقُول سَمِعت شَيخنَا الإِمَام يَعْنِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ يَقُول التَّكْفِير إِنَّمَا هُوَ السّتْر فَمَعْنَى كَون الصَّلَوَات وَاجْتنَاب الْكَبَائِر مكفرات أَنَّهَا تستر عُقُوبَة الذَّنب فتغمرها وتغلبها كَثْرَة لَا أَنَّهَا تسقطها فَإِن ذَلِك إِلَى مَشِيئَة الله قَالَ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ إِجْمَاع الْأمة على وجوب التَّوْبَة من الصَّغَائِر كالكبائر قلت الإِمَام اقْتصر على لفظ التَّكْفِير فَإِن مدلولة لُغَة لَا يزِيد على السّتْر لَكنا نقُول إِذا سترت غفرت وطوى أَثَرهَا بِالْكُلِّيَّةِ وإجماعهم على وجوب التَّوْبَة مِنْهَا لَا يُنَافِي ذَلِك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 بل أَقُول لَو اجْتنبت الْكَبَائِر كَانَت الصَّغَائِر ممحوة ثمَّ التَّوْبَة عَنْهَا حتم ثمَّ أغرب أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ فَقَالَ وَيحْتَمل أَن يُقَال الَّتِي يكفرهَا هَذِه القربات من الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالصَّدَََقَة وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة وَاجْتنَاب الْكَبَائِر إِنَّمَا هِيَ الصَّغَائِر الَّتِي وَقعت من العَبْد وَذهل عَنْهَا ونسيها دون غَيرهَا قلت وَهَذَا غير مُسلم بل كل الصَّغَائِر يمحوها اجْتِنَاب الْكَبَائِر كَمَا دلّت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث من غير تَخْصِيص وَلَا دَلِيل على التَّخْصِيص بِمَا ذكره نعم مَا كَانَ مِنْهَا حق آدَمِيّ فَلَا بُد من إِسْقَاطه لَهُ إِذا أمكن التَّوَصُّل إِلَى إِسْقَاطه فَإِن تعذر بِمَوْت وَنَحْوه فالمرجو الْمُسَامحَة كَمَا قيل 794 - سَلامَة بن إِسْمَاعِيل بن جمَاعَة الْمَقْدِسِي الضَّرِير صَاحب شرح الْمِفْتَاح لِابْنِ الْقَاص وَفِيه حكى خلافًا لِأَصْحَابِنَا فِي صِحَة بيع الْعين الْمُسْتَأْجرَة من الْمُسْتَأْجر وَكَذَلِكَ نقل الْخلاف فِيهَا مُحَمَّد بن يحيى وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط ولسلامة أَيْضا مُصَنف مُفْرد فِي التقاء الختانين وَمَا علمت من حَال هَذَا الشَّيْخ شَيْئا 795 - سهل بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن سهل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن حمدَان بن مُحَمَّد السراج أَبُو الْقَاسِم بن أبي نصر بن أبي بكر الحديث: 794 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 من بَيت الْعلم وَالدّين تفقه على الإِمَام أبي نصر الْقشيرِي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وبرع فِي الْفِقْه وَالْكَلَام واللغة واشتغل بِالْعبَادَة وَترك مُخَالطَة النَّاس وَكَانَ دَائِم الذّكر شَدِيد الِاجْتِهَاد ثمَّ ترك مقَام نيسابور وَأقَام بطوس سمع وَالِده وأستاذه أَبَا نصر الْقشيرِي وَأَبا عَليّ بن نَبهَان وَغَيرهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي بِالريِّ فِي آخر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 796 - سهل بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْفضل البراني أَبُو الْمَعَالِي بن أبي سهل قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ من الْعلمَاء العاملين بعلمهم جاور بِمَكَّة مُدَّة وَكَانَ كثير الْعِبَادَة وَالِاجْتِهَاد والبراني بِفَتْح الْبَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة مَنْسُوب إِلَى قَرْيَة بوراني ببخارى مَاتَ ببخارى فِي سلخ جُمَادَى الأولى سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة الحديث: 796 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 797 - شَافِع بن عبد الرشيد بن الْقَاسِم أَبُو عبد الله الجيلي تفقه على إِلْكيَا الهراسي وَأبي حَامِد الْغَزالِيّ وَسمع بِالْبَصْرَةِ أَبَا عمر النهاوندي القَاضِي وبطبس فضل الله بن أبي الْفضل الطبسي روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ دخلت بَغْدَاد سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة ولي نَيف وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء لَهُ بِجَامِع المنصورة حَلقَة للمناظرة يحضرها الْفُقَهَاء كل جُمُعَة توفّي فِي الْعشْرين من الْمحرم سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 798 - الشَّافِعِي بن أبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد ابْن عبد الْعَزِيز السياري الصيدلاني ذكره عبد الغافر فِي السِّيَاق 799 - شبيب بن الْحُسَيْن بن عبيد الله بن الْحُسَيْن بن شباب القَاضِي أَبُو المظفر البروجردى قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قدم بَغْدَاد بعد السّبْعين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وبرع فِي الْعلم وَهُوَ إِمَام مناظر مفت أديب شَاعِر مليح المعاشرة حُلْو الْمنطق متواضع سمع الْفَقِيه أَبَا إِسْحَاق وَإِسْمَاعِيل بن مسْعدَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي وبأصبهان وبروجرد من جمَاعَة الحديث: 797 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 وَكَانَ قَاضِي بروجرد وَبهَا ولد فِي شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قَرَأت عَلَيْهِ أَجزَاء بهَا وَتُوفِّي بعد رُجُوعه من حجَّته الثَّالِثَة لأَرْبَع خلون من ربيع الأول سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 800 - شُرَيْح بن عبد الْكَرِيم بن الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد الرَّوْيَانِيّ القَاضِي الإِمَام أَبُو نصر من بَيت الْقَضَاء وَالْعلم وَهُوَ أَيْضا من كبار الْفُقَهَاء وَذكره الرَّافِعِيّ فِي غير مَوضِع وَهُوَ ابْن عَم صَاحب الْبَحْر فِيمَا يظْهر كَانَ أَبُو الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ صَاحب الجرجانيات وَهُوَ أَبُو عماد الدّين فِيمَا أَحسب لَهُ ولدان أَحدهمَا إِسْمَاعِيل وَهُوَ أَبُو صَاحب الْبَحْر وَالْآخر عبد الْكَرِيم وَهُوَ أَبُو شُرَيْح وَلَعَلَّ وَفَاة شُرَيْح تَأَخَّرت عَن صَاحب الْبَحْر وَمَا قد يَقع فِي ذهن بعض الطّلبَة من أَن صَاحب الْبَحْر جد شُرَيْح غير صَوَاب بل الْأَمر فِيمَا أَظن على مَا وصفت وَقد وقفت على كتاب لَهُ فِي الْقَضَاء وسمه بروضة الْحُكَّام وزينة الْأَحْكَام وَهُوَ مليح وَفِي خطبَته يَقُول لما كثرت تصانيفي فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول والمتفق والمختلف وأنفقت عَلَيْهَا عنفوان شبيبتي وَأَيَّام كهولتي إِلَى أَن جَاوَزت السِّتين وَرَأَيْت آدَاب الْقُضَاة وَوصف ذَلِك إِلَى أَن قَالَ وَكنت ابْن بجدة عمل الْقَضَاء وَالْأَحْكَام اجتهدت فِيهَا للإمضاء والإحكام من أول شبيبتي إِلَى شيخوختي وَرَثَة عَن أسلافي الْأَعْلَام وقدوة الْأَنَام (فَإِن المَاء مَاء أبي وجدي ... وبئري ذُو حفرت وَذُو طويت) الحديث: 800 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 وَقد أمعنت فِي الْكَشْف عَن تَرْجَمَة هَذَا الرجل فَمَا أحطت بأزيد مِمَّا ذكرت وَكنت قد كتبت فَوَائِد من كِتَابه أدب الْقَضَاء هَذَا وَأَنا ذَاكر هُنَا بعض مَا كتبت إِذا جَوَّزنَا قَضَاء قاضيين فِي بلد من غير تعْيين بقْعَة فَلَو أَرَادَ الْمُدَّعِي التحاكم إِلَى أَحدهمَا وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِلَى الآخر فَثَلَاثَة أوجه الأول مِنْهَا يُجَاب الْمُدَّعِي وَالثَّانِي الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لمساعدة الظَّاهِر إِيَّاه وَلِهَذَا كَانَ القَوْل قَوْله وَالثَّالِث يقرع بَينهمَا فِي اللحمان ثَلَاثَة أوجه من ذَوَات الْقيم من ذَوَات الْأَمْثَال يفرق فِي الثَّالِث بَين يابسها فَيكون مثلِيا ورطبها فَيجْعَل مُتَقَوّما قلت الثَّالِث غَرِيب لَو قَالَ لَهُ على ألف دِرْهَم فِيمَا أَظن أَو فِيمَا أَحسب لم يلْزمه أَو فِيمَا أعلم أَو أشهد لزمَه لِأَن الْعلم معرفَة الْمَعْلُوم لَو قَالَ على أَكثر الدَّرَاهِم رَجَعَ إِلَى بَيَانه لِأَن اللَّفْظ لَيْسَ نصا فِي الْقدر وَحكى جدي عماد الدّين عَن بعض أَصْحَابنَا أَن عَلَيْهِ عشرَة دَرَاهِم لِأَن الدِّرْهَم يَنْتَهِي إِلَى الْعشْرَة وَلَا يزِيد عَلَيْهَا وَأكْثر اسْم الدَّرَاهِم يبلغ عشرَة فَيُقَال ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى عشرَة ثمَّ يُقَال أحد عشر درهما القَاضِي لَا يملك الشوارع وَقيل يجوز بِبَدَل هَل للسفية إجَازَة نَفسه فِيهِ قَولَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 قلت وَكَذَا حَكَاهُمَا فِي الإشراف قَوْلَيْنِ من كَلَام الْعَبَّادِيّ وَقد قدمْنَاهُ فِي تَرْجَمَة أبي عَاصِم هَل يجوز تَنْفِيذ الابْن مَا حكم بِهِ الْأَب وَجْهَان وَهل تقبل شَهَادَته بِأَن أَبَاهُ حكم بذلك وَجْهَان لَو كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفُلَان على فلَان كَذَا هَل للسامع أَن يشْهد لفُلَان على فلَان كَذَا وَجْهَان إِذا كَانَ فِي يَد رجل وقف فَأقر بِأَنَّهُ وقف على فلَان وَلم يذكر واقفه وَلم يعرف واقفه سمع مِنْهُ لَو سمع الْحَاكِم شَهَادَتهمَا وَتوقف فَسَأَلَهُمَا الْمُدَّعِي إِعَادَتهَا ثَانِيًا فَفِي وُجُوبه وَجْهَان قَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة لَا تلْزمهُ إِعَادَتهَا عِنْد القَاضِي الأول فَإِن مَاتَ أَو عزل قبل الحكم لزمَه إِعَادَتهَا عِنْد قَاض ثَان تقبل شَهَادَة المختبئ فِي مَوضِع لَا يرَاهُ أحد وَهل يكره ذَلِك وَجْهَان فَإِن قُلْنَا لَا يكره فَهَل ينْدب وَجْهَان أَحدهمَا ينْدب لِأَن فِيهِ إحْيَاء الْحق وَالثَّانِي لَا ينْدب لَا تقبل شَهَادَة من لم تكمل فِيهِ الْحُرِّيَّة وَهل تقبل مِنْهُ شَهَادَة رُؤْيَة رَمَضَان وَجْهَان اثْنَان على دَابَّة أَحدهمَا رَاكب سرج دون الآخر فادعياها فَهِيَ بَينهمَا وَقيل لصَاحب السرج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 اشْترى شَيْئا من رجل ثمَّ قَالَ لآخر اشتره مني فَإِنَّهُ لَا عيب فِيهِ فَلم يشتره ثمَّ وجد بِهِ عَيْبا فقد قيل لَيْسَ لَهُ الرَّد على بَائِعه لاعْتِرَافه بِأَنَّهُ لَا عيب فِيهِ وَقيل لَهُ الرَّد لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك بِنَاء على ظَاهر الْحَال وَقيل إِن عين الْعَيْب فَقَالَ لَا شلل بِهِ لم يكن لَهُ الرَّد بِهِ وَإِلَّا فَلهُ الرَّد ذكر الْإِصْطَخْرِي أَنه لَو اسْتَأْجر رجلا ليحمل لَهُ كتابا إِلَى مَوضِع وَيَأْتِي بجوابه فَذهب وأوصل الْكتاب وَلم يكْتب الْمَكْتُوب إِلَيْهِ الْجَواب فللحامل الْأُجْرَة كَامِلَة لِأَنَّهُ لَا يلْزمه أَكثر مِمَّا عمل وَكَانَ الِامْتِنَاع من غَيره قَالَ وَكَذَا لَو مَاتَ الرجل فأوصل الْكتاب إِلَى نَائِبه من وَارِث أَو وصّى أجابوه أم لم يُجِيبُوهُ قَالَ فَإِن قدم وَالرجل ميت وَلَا وَارِث لَهُ فَذهب إِلَى حَاكم الْبَلَد وأوصل الْكتاب وَأمره أَن يعلم أَنه أوصل الْكتاب وَكَانَ مَيتا أَجَابَهُ الْحَاكِم إِلَى ذَلِك وَكتب لَهُ واخذ جَمِيع الْكِرَاء قَالَ جدي وَقد قيل لَهُ كِرَاء الذّهاب من عُيُوب الْجَارِيَة الَّتِي ترد بهَا أَن لَا تنْبت عانتها وَحدث ذَلِك فِي زمَان القَاضِي أبي عمر الْمَالِكِي قلت وَهَذَا أَخذه من كتاب الإشراف لأبي سعد إِذا كَانَ الْوَصِيّ بتفرقه مَال فَاسِقًا فَفرق فَإِن كَانَ لغير مُعينين ضمن وَإِن كَانُوا مُعينين قَالَ جدي عماد الدّين يجوز فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ قلت جزم الرَّافِعِيّ بِعَدَمِ الضَّمَان إِذا شهدُوا على القَاضِي أَنه أَمن كَافِرًا وَلم يتذكره سَمِعت لِأَنَّهَا شَهَادَة عَلَيْهِ بِعقد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 قلت وَهُوَ وَاضح فَإِنَّهُ فِي الْأمان كآحاد النَّاس وَلَيْسَ هُوَ بِحكم حَتَّى يحْتَاج إِلَى التَّذْكِير إِذا ادّعى مُتَوَلِّي الْوَقْف صرف الْغلَّة فِي مصارفها قبل إِلَّا أَن يكون لقوم بأعيانهم فَادعوا أَنهم لم يقبضوا فَالْقَوْل قَوْلهم وَيثبت لَهُم الْمُطَالبَة بِالْحِسَابِ وَإِن لم يَكُونُوا مُعينين فَهَل للْإِمَام مُطَالبَته بِالْحِسَابِ فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا جدي قلت وَجزم شُرَيْح بعد ذَلِك بِأَنَّهُ لَيْسَ للْحَاكِم مُطَالبَة الْأُمَنَاء بِالْحِسَابِ فَقَالَ فِي الرجل يُطَالب أمينة بِالْحِسَابِ إِنَّه لَا يسمع دَعْوَاهُ وَلَا يُجَاب قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ للْحَاكِم ذَلِك مَعَ الْأُمَنَاء وَإِنَّمَا القَوْل قَول الْأمين مَعَ يَمِينه وَأَنه لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَمَا جزم بِهِ من أَنه لَيْسَ للْقَاضِي مُطَالبَة الْأمين بِالْحِسَابِ سبقه إِلَيْهِ القَاضِي أَبُو سعد فِي كتاب الإشراف وموضعه إِن شَاءَ الله من لم يحصل للْحَاكِم فِيهِ رِيبَة فَإِنَّهُ الْأمين أما من يرِيبهُ مِنْهُ شَيْء فَيَنْبَغِي أَن يُطَالِبهُ بِالْحِسَابِ لَو قَالَ القَاضِي صرفته عَن الْقَضَاء أَو رجعت عَن تَوليته فَهَل يكون ذَلِك صَرِيحًا فِي عزل النَّائِب وَجْهَان إِذا جعل لرجل التَّزْوِيج وَالنَّظَر فِي أَمر الْيَتَامَى لم يكن لَهُ أَن يَسْتَنِيب غَيره إِذا كَانَ الْموضع الَّذِي يجلس فِيهِ القَاضِي غير مَسْجِد فَإِذا انْتهى إِلَيْهِ قيل لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَقيل يُصَلِّي إِذا كَانَ يقْضِي برزق من بَيت المَال يلْزمه أَن يقْضِي فِي كل نَهَاره إِلَّا فِي وَقت قَضَاء الْحَاجة وَالصَّلَاة الْمَفْرُوضَة وَالطَّهَارَة والنافلة الْمُؤَكّدَة وَتَنَاول الطَّعَام على الْوَجْه الَّذِي للْأَجِير أَن يشْتَغل فِيهِ عَن الْعَمَل وَقيل يلْزم ذَلِك على حسب الْعَادة وَالْعرْف فِيمَا بَين الْقُضَاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 وَإِذا كَانَ مُتَبَرعا بِالْقضَاءِ فقد قيل يجلس أَي وَقت أَرَادَ وَالصَّحِيح أَنه يقْعد على عَادَة الْحُكَّام ثمَّ هَل يعْتَبر عَادَة سَائِر حكام الْبِلَاد أَو عَادَة حكام تِلْكَ الْبَلَد فِيهِ وَجْهَان هَل للْقَاضِي تَخْصِيص بعض الرعايا بإنفاذ الْهَدِيَّة إِلَيْهِ وَجْهَان إِذا امْتنع من الْحُضُور أدبه إِذا صَحَّ عِنْده وَقيل يقبل فِيهِ شَاهِدَانِ وَإِن لم يعرف عدالتهما وَقيل لَا بُد من الْعَدَالَة قَالَ جدي وَهُوَ الْقيَاس وَإِذا بعث رَسُولا ليستحضره يقبل قَول الرَّسُول أَنه امْتنع لِأَنَّهُ من بَاب الْخَبَر ويؤدب بقوله وَإِذا تغيب هجم عَلَيْهِ وَلَا هجوم فِي الْحُدُود إِلَّا فِي حد قَاطع الطَّرِيق لَو قضى الْحَاكِم بِمَا طَرِيقه الْعِبَادَات وَالْأَحْكَام يجوز أَن يحكم بِوُجُوب النِّيَّة فِي الْوضُوء وَالتَّرْتِيب فِيهِ وَأَن الْجد لَا يَرث مَعَ الْأَخ لم يكن لحكمه معنى إِذا نفذ حكم من قبله يَقُول نفذت حكم فلَان القَاضِي وأمضيته وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا لَو قَالَ أجزته كَانَ تنفيذا وَلَو قَالَ هَذَا الحكم جَائِز أَو صَحِيح فَهَل يكون تنفيذا فِيهِ وَجْهَان إِذا أَرَادَ نقض الحكم يَقُول نقضته أَو فسخته أَو أبطلته وَلَو قَالَ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح اَوْ بَاطِل فَوَجْهَانِ وَهل يجوز تَنْفِيذ الابْن حكم الْأَب وَجْهَان وَهل تقبل شَهَادَة الابْن أَن أَبَاهُ حكم فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا جدي وَقيل يجوز قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا يعود النَّفْع فِي الحكم إِلَيْهِ إِذا ادّعى على الشُّهُود أَنهم شهدُوا عَلَيْهِ بزور وأثبتوا عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِم كذبا فَفِي التَّحْلِيف وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 إِذا تبين الْحق للْحَاكِم لم يجز لَهُ تَأْخِير الحكم إِلَّا برضاهما وَقيل يجوز تَأْخِيره يَوْمًا وَأَكْثَره ثَلَاثًا وَقيل وَإِن ثَبت الْحق لَا يُبَادر لَكِن يُؤَجل ثَلَاثًا أَو ثَلَاث مجَالِس وَقيل لَا يَفْعَله إِلَّا إِذا سَأَلَهُ الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَن النَّفْع فِيهِ يعود إِلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ واحب للْحَاكِم إِذا أَرَادَ الحكم أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يستخير الله فِيهِ ويستكشف غَايَة الاستكشاف قَول الْحَاكِم حكمت بِكَذَا مُحكم وَكَذَا قضيت فِي أظهر الطَّرِيقَيْنِ هَل يجوز للْحَاكِم أَن يحكم بِقِطْعَة أَرض فِي غير مَوضِع عمله قَولَانِ وَلَا يجوز أَن يكْتب بتزويج امْرَأَة فِي غير مَوضِع عمله قَالَ جدي وَغلط من جوزه إِذا قُلْنَا يجب على القَاضِي أَن يشْهد على حكمه فَلَو أشهد فاسقين لم يخرج عَن الْوَاجِب فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وأصلهما الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذا طُولِبَ الْفَاسِق بأَدَاء الشَّهَادَة عِنْده هَل يلْزمه أَدَاء الشَّهَادَة لَيْسَ للْحَاكِم تعْيين الشُّهُود فِي الْبَلَد لِأَن فِيهِ تضييقا وَجوزهُ بعض أَصْحَابنَا وَله أَن يعين من يكْتب الوثائق فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وإِلَى الْحَاكِم تعْيين المعدلين والمزكين قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَإِذا رد الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين فَقلت للْمُدَّعِي احْلِف فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنا أَحْلف لما أجعَل لَهُ ذَلِك قَالَ جدي وَهَذَا يُفِيد أَنه إِذا قَالَ الْحَاكِم للْمُدَّعِي احْلِف كَانَ حكما فِيهِ بتحويل الْيَمين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 قلت وَلم أر هَذَا فِي الْبَحْر إِنَّمَا حكى نَص الشَّافِعِي ثمَّ قَالَ وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا بخراسان وَذكر مَا سَنذكرُهُ قَالَ شُرَيْح قَالَ جدي وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا بُد من قَول الْحَاكِم حولت الْيَمين أَو رددت أوحكمت بِالرَّدِّ أَو يقبل على الْمُدعى عَلَيْهِ فَيَقُول احْلِف قلت وَهَذَا فِي الْبَحْر للروياني كَمَا نَقله شُرَيْح وَعَزاهُ إِلَى بعض أَصْحَابنَا بخراسان كَمَا عرفت وَقَالَ فِي آخِره وَعِنْدِي إِذا قَالَ للْمُدَّعِي أتحلف أَنْت ثمَّ قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنا أَحْلف لَهُ ذَلِك وَهُوَ الْأَظْهر هَذَا لفظ الْبَحْر ثمَّ قَالَ شُرَيْح وَإِذا قُلْنَا يكْتَفى برد الْمُدعى عَلَيْهِ فَلَو قَالَ رددت إِن شَاءَ فَهَل يَصح الرَّد وَجْهَان حَكَاهُمَا جدي كَمَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا المَال إِن شِئْت قلت وَلم ار هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فِي الْبَحْر كل هَذَا مِمَّا يدل على أَن جده لَيْسَ هُوَ صَاحب الْبَحْر وَلَو كَانَ مَا يَنْقُلهُ شُرَيْح فِي هَذَا الْموضع من الْبَحْر لنقل زيادات هُنَا فِي الْبَحْر لَيست فِي كتاب شُرَيْح لَو قَالَ البَائِع نقدني الْمُشْتَرى ثمن هَذِه الدَّار فَلم أقبضهُ وَوصل بِهِ كَلَامه فَفِي قبُوله وَجْهَان وَلَو قَالَ أَعْطَانِي الثّمن فَلم أقبضهُ فَقيل كَمَا لَو قَالَ نقدني وَقيل يقبل وَجها وَاحِدًا لَو أعتق عبدا ثمَّ أقرّ أَنه قبض مِنْهُ ألفا قبل عتقه وَقَالَ العَبْد بعده فَالْقَوْل قَول الْمولى وَفِيه وَجه وَلَو قطع يَده وَأعْتقهُ وَقَالَ قطعته وَهُوَ عبد فَقَالَ العَبْد بل وَأَنا حر فَهَل القَوْل قَول السَّيِّد أَو العَبْد وَجْهَان حَكَاهُمَا جدي إِذا أَرَادَ المسافرة بامرأته فأقرت بدين فللمقر لَهُ حَبسهَا وَلَا يقبل قَول الزَّوْج إِن قَصدهَا منع المسافرة فَإِن أَقَامَ الزَّوْج بَينه أَن إِقْرَارهَا كَانَ قصدا إِلَى منع المسافرة فَهَل يقبل وَجْهَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 أقرّ رجل أَنه وجد ثَوْبه فِي دَار فلَان فَأَخذه وَقَالَ صَاحب الدَّار الثَّوْب لي أَمر برد الثَّوْب على صَاحب الدَّار إِلَى أَن يُقيم الْبَيِّنَة على أَنه لَهُ وَقيل لَا يُؤمر برده لاحْتِمَال أَنه لَهُ وَكَذَا لَو قَالَ أخذت دهنا فِي قَارُورَة فلَان فعلى وَجْهَيْن 801 - شرفشاه بن ملكداد تفقه بالنظامية بِبَغْدَاد حَتَّى برع وَصَارَ من أنظر الْفُقَهَاء ثمَّ سَافر إِلَى مُحَمَّد بن يحيى إِلَى نيسابور وَأقَام بهَا يدرس ويفتي وَله تَعْلِيقه فِي الْخلاف فِي سفرين توفّي بنيسابور فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 802 - شهردار بن شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسره ابْن خشد كَانَ بن رينويه بن خسره بن ورداد بن دَيْلَم بن الدياس بن لشكري ابْن داجي بن كبوس بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّحَّاك بن فَيْرُوز الديلمي أَبُو مَنْصُور بن الْمُحدث المؤرخ أبي شُجَاع الهمذاني قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ حَافِظًا عَارِفًا بِالْحَدِيثِ فهما عَارِفًا بالأدب ظريفا خَفِيفا الحديث: 801 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 لَازِما مَسْجده مُتبعا أثر وَالِده فِي كِتَابه الحَدِيث وسماعه وَطَلَبه رَحل إِلَى أَصْبَهَان مَعَ وَالِده ثمَّ إِلَى بَغْدَاد سمع أَبَاهُ وَأَبا الْفَتْح عَبدُوس بن عبد الله ومكى بن مَنْصُور الكرجي وَحمد بن نصر الْأَعْمَش وفيد بن عبد الله الشعراني وَأَبا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن زَنْجوَيْه وَله إجَازَة من أبي بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَأبي مَنْصُور بن الْحُسَيْن المقومي روى عَنهُ ابْنه أَبُو مُسلم أَحْمد وَأَبُو سهل عبد السَّلَام السرقولي وَطَائِفَة مَاتَ فِي رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة 803 - شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسره الْحَافِظ أَبُو شُجَاع الديلمي مؤرخ همذان ومصنف كتاب الفردوس ولد سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا الْفضل مُحَمَّد بن عُثْمَان القومساني ويوسف بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْمُسْتَمْلِي وَأَبا الْفرج عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الْجريرِي البَجلِيّ وَأحمد بن عِيسَى بن عباد الدينَوَرِي وَأَبا مَنْصُور عبد الْبَاقِي بن عَليّ الْعَطَّار وَأَبا الْقَاسِم بن البسري وَأَبا عَمْرو بن مندة وَغَيرهم بِبِلَاد كَثِيرَة الحديث: 803 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 روى عَنهُ ابْنه شهردار وَمُحَمّد بن الْفضل الإسفرايني وَأَبُو الْعَلَاء أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَآخَرُونَ وَكَانَ يلقب إِلْكيَا مَاتَ فِي تَاسِع شهر رَجَب سنة تسع وَخَمْسمِائة 804 - صَالح بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن دوذين أَبُو مَنْصُور البروجردي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه صَالح من أهل بروجرد سمع بِبَغْدَاد أَبَا أَحْمد عبيد الله بن مُحَمَّد ابْن أبي مُسلم الفرضي سمع مِنْهُ هبة الله بن عبد الْوَارِث الشِّيرَازِيّ ذكره ابْن باطيش 805 - صَدَقَة بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن وَزِير أَبُو حسن الْوَاعِظ كَانَ وَالِده من الْمُتَقَدِّمين فِي الدُّنْيَا بواسط وَترك هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَالِده وَأَهله وَطلب الْعلم وتزهد وسلك طَرِيق الْفقر والتجريد وَأكل الجشب ومجاهدة النَّفس وَسمع الحَدِيث من أبي الْوَقْت السجْزِي وَأبي الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن البطي وَخلق كثير الحديث: 804 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 وَكَانَ يعرف التَّفْسِير وَالْفِقْه وَالْأَدب وَحدث باليسير وَله شعر جيد توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة 806 - الضَّحَّاك بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن عبد القاهر أَبُو الْمَعَالِي الشَّيْبَانِيّ بن الكيال الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ توفّي سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ مولده سنة خَمْسمِائَة 807 - طَاهِر بن سعيد بن فضل الله بن أبي الْخَيْر أَبُو الْفَتْح بن أبي طَاهِر بن أبي سعيد الميهني الصُّوفِي من بَيت التصوف والمشيخة وَكَانَ هُوَ ذَا قدم راسخ فِي التصوف وسافرالكثير وَلَقي الشُّيُوخ سمع جده فضل الله والأستاذ ابا الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأَبا الْحُسَيْن ابْن النقور وخلقا سواهُم روى عَنهُ أَبُو الفتيان الرواسِي وَغَيره توفّي سنة ثِنْتَيْنِ وَخَمْسمِائة قَالَ طَاهِر هَذَا أَنبأَنَا جدي سَمِعت أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ يَقُول سَمِعت أَبَا سهل الصعلوكي يَقُول الْإِعْرَاض ترك الِاعْتِرَاض وَقَالَ طَاهِر أَيْضا أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن غَالب بِبَغْدَاد سَمِعت أَبَا الْقَاسِم عِيسَى بن الحديث: 806 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 عَليّ بن عِيسَى الْوَزير يَقُول كَانَ ابْن مُجَاهِد يَوْمًا عِنْد أبي فَقيل لَهُ الشبلي على الْبَاب فَقَالَ يدْخل فَقَالَ ابْن مُجَاهِد سأسكته السَّاعَة بَين يَديك وَكَانَ من عَادَة الشبلي إِذا لبس شَيْئا خرق فِيهِ موضعا فَلَمَّا جلس قَالَ ابْن مُجَاهِد يَا أَبَا بكر أَيْن فِي الْعلم إفسادا مَا ينْتَفع بِهِ فَقَالَ لَهُ الشبلي فَأَيْنَ فِي الْعلم {فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والأعناق} فَسكت ابْن مُجَاهِد فَقَالَ لَهُ أبي أردْت أَن تسكت أَبَا بكر فأسكتك ثمَّ قَالَ لَهُ الشبلي لقد أجمع النَّاس أَنَّك مقرئ الْوَقْت أَيْن فِي الْقُرْآن الحبيب لَا يعذب حَبِيبه فَسكت ابْن مُجَاهِد فَقَالَ أبي قل يَا أَبَا بكر فَقَالَ قَوْله تَعَالَى {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه قل فَلم يعذبكم بذنوبكم} فَقَالَ ابْن مُجَاهِد كَأَنِّي مَا سَمعتهَا قطّ 808 - طَاهِر بن مُحَمَّد بن طَاهِر بن سعيد البروجردي أَبُو المظفر القَاضِي تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع من ابْن هزارمرد وَابْن النقور وَغَيرهمَا ثمَّ انْتقل إِلَى مَكَّة وسكنها وَولى قضاءها وَأقَام بهَا إِلَى حِين وَفَاته مولده سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة ببروجرد وَذكر أَبُو المظفر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ الْمَكِّيّ أَبَا المظفر طَاهِر بن مُحَمَّد البروجردى وَقَالَ أَقَامَ بِمَكَّة ثمَّ رَحل عَنْهَا قَاصِدا الْعرَاق فَمَاتَ فِي الطَّرِيق سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَذكر أَنه كَانَ فَاضلا عَالما بِالْحَدِيثِ وَالْأَدب والنحو وَالشعر الحديث: 808 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 809 - طَاهِر بن مهْدي بن طَاهِر بن عَليّ بن نصر أَبُو مُضر الطَّبَرِيّ ولد بنيسابور سنة ثَلَاث وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات بمرو فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 810 - طَاهِر بن يحيى بن أبي الْخَيْر العمراني الْفَقِيه ابْن صَاحب الْبَيَان ولد سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة كَانَ فَقِيها فصيحا تفقه بِأَبِيهِ وَخَلفه فِي حلقته وجاور بِمَكَّة لماوقعت فتْنَة ابْن مهْدي بِالْيمن وَسمع بهَا من أبي عَليّ الْحسن بن عَليّ بن الْحسن الْأنْصَارِيّ وَأبي حَفْص الميانشي وَعبد الدَّائِم الْعَسْقَلَانِي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي مشيرح الْحَضْرَمِيّ المقرىء ووصلته إجازات جَيِّدَة من يحيى بن سعدون الْأَزْدِيّ وخطيب الْموصل ثمَّ توجه إِلَى الْيمن فظفر بِهِ ابْن مهْدي قبل دُخُوله زبيد فَأحْضرهُ وأحضر القَاضِي مُحَمَّد بن أبي بكر المدحدح وَكَانَ حنفيا فتناظر بَين يَدَيْهِ مرَارًا فَقَطعه طَاهِر الحديث: 809 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 وولاه فضلان وَذي جبلة من سنة سبع وَسِتِّينَ إِلَى بعض أَيَّام شمس الدولة وَله مصنفات حَسَنَة وَكَلَام جيد يشْعر بغزارة فِي الْعلم وَالْفضل وَلما نبغ فِي الْيمن أَبُو بكر الْعَبْسِي وَكَانَ فَقِيها أديبا لَا يرى جَوَاز طَلَاق التَّنَافِي وَلَا مَسْأَلَة الْعينَة وشدد فِي إنكارهما ونظم قصيدتين فيهمَا صنف طَاهِر فِي الرَّد عَلَيْهِ كتاب الِاحْتِجَاج الشافي على المعاند فِي طَلَاق التَّنَافِي وَكَانَت القصيدتان قد اشتهرتا واستهوتا كثيرا من النَّاس فَلَمَّا ردهما طَاهِر حصل الانكفاف برده وَمن إِحْدَى القصيدتين (طَلَاق التَّنَافِي قد نفى الْحق طَاهِر ... وَإِنِّي لَهُ وَالله يشْهد لي أنفى) (إِذا طلق الزَّوْج الْمُكَلف زوجه ... وَلَيْسَ بمجبور ثَلَاثًا فقد أوفى) (وَلَيْسَت حَلَالا دون تنْكح غَيره ... بِشَرْط كتاب الله مَا قلته حيفا) (نصحح شَرط الله دون أشتراطكم ... وننفيه نفيا ثمَّ نصرفه صرفا) (فَكل اشْتِرَاط لَيْسَ فِي الشَّرْع بَاطِل ... وَشرط كتاب الله حق فَلَا يخفى) (وَلَا ينتفى حكم الطَّلَاق بحيلة ... وحيلتكم فِيهِ أَحَق بِأَن تنفى) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 مِنْهَا (تحلونها فِيهِ وتحريمها بِهِ ... فَصَارَت بِمَا بَانَتْ محبسه وَقفا) (فَأَيْنَ يَقُول الله وقف نِسَائِكُم ... وَتَصْحِيح مَا قُلْتُمْ فنعرفه عرفا) (لَئِن كَانَ للتدقيق هَذَا فَتَركه ... من الْفَرْض وَالتَّحْقِيق والأوضح الأصفي) (فكم من أنَاس دققوا فتزندقوا ... فصاروا بِهِ عَن علم فهم على الإشفا) وَمِنْهَا (فَأبْطل بهَا من حِيلَة مستحيلة ... وَأعظم بِحكم صَار من أجلكم حتفا) (وَأعظم بهَا من فتْنَة ومصيبة ... لَهَا تذرف العينان فِي دمعها ذرفا) وَمن قصيدته فِي إبِْطَال الْعينَة (الْحق أضحى غَرِيبا لَيْسَ يفتقد ... فَكل من قَالَه فِي النَّاس يضطهد) (لَا يقبل النَّاس قَول الْحق من أحد ... حَتَّى يَمُوت ويفنى الْكبر والحسد) (مَا كل قَول لأهل الْعلم منتفع ... بِهِ وَلَا كل قَول مِنْهُم زبد) (هم هم خير من فِيهَا إِذا صلحوا ... وَشر دَاء من الأدوا إِذا فسدوا) (فَمنهمْ كل مَعْرُوف وصالحة ... وَمِنْهُم تفْسد الأقطار والبلد) (فَمَا شقَّتْ أمة إِلَّا بشقوتهم ... يَوْمًا وَلَا سعدت إِلَّا إِذا سعدوا) (أضحى الرِّبَا قد فَشَا من أجل حيلتهم ... فِي كل أَرض سوى أَرض بهَا فقدوا) (وَالله حرم مَعْنَاهُ وباطنه ... ومالهم فِيهِ برهَان وَلَا سَنَد) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 (يَا بَائِعا ثَوْبه حَتَّى يُعَاد لَهُ ... أَلَيْسَ يعلم هَذَا الْوَاحِد الصَّمد) (سُبْحَانَهُ من حَلِيم بعد قدرته ... وعالم مَا أرادوه وَمَا قصدُوا) (هَل قَالَ هَذَا رَسُول الله وَيحكم ... أَو قَالَ ذَلِك من أَصْحَابه أحد) (أم غَالب عَنْهُم دَقِيق الْعلم دونكم ... أم فِي اكْتِسَاب حَلَال الرِّبْح قد زهدوا) وَفِي القصيدتين طول وَفِيمَا ذكرته مِنْهُمَا كِفَايَة مَاتَ طَاهِر وَترك وَلدين مُحَمَّدًا وأسعد وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 811 - طَلْحَة بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن طَلْحَة أَبُو مُحَمَّد الإسفرايني. . 812 - عَامر بن دعش بن حصن بن دعش أَبُو مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ من أهل السويداء من حوران الأَرْض الْمَشْهُورَة بِالشَّام رَحل إِلَى بَغْدَاد وتفقه على الْغَزالِيّ وَسمع من طراد وَغَيره روى عَنهُ الْحَافِظ مولده سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 813 - عبد الله بن أَحْمد بن الْحسن بن طَاهِر ... الحديث: 811 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 814 - عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن هِشَام الْخَطِيب أَبُو الْفضل بن أبي نصر الطوسي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ خطيب الْموصل ولد فِي صفر سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَسمع حضورا من طراد الزَّيْنَبِي وَأبي عبد الله بن طَلْحَة النعالي وَسمع من ابْن البطر والطريثيثي وجعفر السراج وَأبي عَليّ الْحداد وَأبي غَالب بن الباقلاني وَجَمَاعَة تفرد بالرواية عَن أَكْثَرهم روى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَعبد الْقَادِر الرهاوي وَأَبُو مُحَمَّد بن قدامَة والبهاء عبد الرَّحْمَن وَالْقَاضِي أَبُو المحاسن يُوسُف بن شَدَّاد وَآخَرُونَ وتفقه على إِلْكيَا الهراسي وَأبي بكر الشَّاشِي وَقَرَأَ الْأَدَب على أبي زَكَرِيَّا التبريزي وَأبي مُحَمَّد الحريري والفرائض والحساب على الْحُسَيْن الشقاق وَخرج لنَفسِهِ المشيخة الْمَشْهُورَة الحديث: 814 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 وَمن شعره (لما رَآنِي وَلَدي مدنفا ... مقلقل الأحشاء مِسْكينا) (قَالَ أبن لي مَا الَّذِي تَشْتَكِي ... قلت لَهُ أَشْكُو الثمانينا) 815 - عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي عبد الله الْهَمدَانِي تفقه بِأبي بكر المخائي وَزيد اليفاعي ورحل إِلَى ابْن عبدويه فَقَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَ يسكن زبران من بادية الْجند وَبهَا مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَخَمْسمِائة تَرْجمهُ المطري 816 - عبد الله بن أسعد بن عَليّ بن مهذب الدّين ... الحديث: 815 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 817 - عبد الله بن بري بن عبد الْجَبَّار الْمَقْدِسِي الإِمَام أَبُو مُحَمَّد النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ نزيل الْقَاهِرَة ولد فِي رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَقَرَأَ الْأَدَب على الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك النَّحْوِيّ وَسمع من أبي صَادِق الْمَدِينِيّ وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الرَّازِيّ وَأبي الْعَبَّاس بن الحطية وَغَيرهم الحديث: 817 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 روى عَنهُ ابْن الجميزي وَابْن الْمفضل والوجيه القوصي والزاهد أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عَليّ بن مُحَمَّد الْقُسْطَلَانِيّ وَخلق وَكَانَ إِمَامًا مقدما فِي النَّحْو واللغة تصدر بِجَامِع مصر للإقراء فِي الْعَرَبيَّة وَتخرج بِهِ جمع كثير قلت رحلت إِلَيْهِ الطّلبَة وَله حواش مفيدة على صِحَاح الْجَوْهَرِي وَله أَيْضا جَوَاب الْمسَائِل الْعشْر الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا ملك النُّحَاة ومقدمة سَمَّاهَا اللّبَاب قَالَ جمال الدّين القفطي كَانَ عَالما بِكِتَاب سِيبَوَيْهٍ وَعلله قيمًا باللغة وشواهدها وَكَانَ إِلَيْهِ التصفح فِي ديوَان الْإِنْشَاء لَا يصدر كتاب عَن الدولة إِلَى مُلُوك النواحي إِلَّا بعد أَن يتصفحه قلت كَانَت هَذِه عَادَة الْخُلَفَاء والملوك إِذا صدر عَنْهُم تصفحه إِمَام من أَئِمَّة اللِّسَان وَكَانَ القَاضِي الْفَاضِل يتصفح الْكتب الَّتِي يَكْتُبهَا الْعِمَاد الْكَاتِب وَمن كَانَ دونه وَكَانُوا يستعظمون صُدُور كتاب عَن السُّلْطَان غير معروض على أَئِمَّة اللِّسَان وأئمة الْفَتْوَى قَالَ القفطي وَكَانَ ابْن بري ينْسب إِلَى الْغَفْلَة الغريبة ويحكى عَنهُ حكايات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 وَقَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف كَانَ ابْن بري شَيخا محققا صحفيا ساذج الطباع أبله فِي أُمُور الدُّنْيَا مبارك الصُّحْبَة مَيْمُون الطلعة وَفِيه تغفل عَجِيب يستبعد من سَمعه أَن يجْتَمع فِي رجل متقن للْعلم توفّي فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 818 - عبد الله بن حيدر بن أبي الْقَاسِم الْقزْوِينِي أَبُو الْقَاسِم سَافر إِلَى خُرَاسَان وتفقه على أئمتها وَسمع الحَدِيث بنيسابور من أبي عبد الله الفراوي وَغَيره وبمرو من يُوسُف بن أَيُّوب الهمذاني وَعَاد إِلَى همذان فاستوطنها وَحدث بِصَحِيح مُسلم وَجمع أَرْبَعِينَ حَدِيثا توفّي بهمذان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 819 - عبد الله بن الْخضر بن الْحُسَيْن الْفَقِيه أَبُو البركات بن الشيرجي الْموصِلِي كَانَ إِمَامًا مقدما مناظرا انْتفع بِهِ جمَاعَة سمع أَبَا بكر الْأنْصَارِيّ وَأَبا مَنْصُور الشَّيْبَانِيّ وَجَمَاعَة روى عَنهُ القَاضِي بهاء الدّين بن شَدَّاد وَمُحَمّد بن علوان الْفَقِيه وَغَيرهمَا وَكَانَ زاهدا متقشفا مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة الحديث: 818 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 820 - عبد الله بن رِفَاعَة بن غَدِير بن عَليّ بن أبي عمر الذَّيَّال بن ثَابت بن نعيم أَبُو مُحَمَّد السَّعْدِيّ القَاضِي الْمصْرِيّ ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَلزِمَ القَاضِي الخلعي فتفقه عَلَيْهِ وَسمع مِنْهُ الْكثير وَهُوَ آخر من عَنهُ بسيرة ابْن هِشَام الَّتِي وَقعت لنا من طَرِيقه وبغيرها روى عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن المَسْعُودِيّ وَأَبُو الْجُود المقرىء وَعبد الْقوي بن الْجبَاب وصنيعة الْملك هبة الله بن حيدرة وَمُحَمّد بن عماد وَابْن صباح وَآخَرُونَ وَكَانَ فَقِيها فرضيا حيسوبا دينا ورعا ولى الْقَضَاء بِمصْر بالجيزة مُدَّة ثمَّ استعفى فأعفي واشتغل بِالْعبَادَة إِلَى أَن توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 820 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 821 - عبد الله بن عبد الرَّزَّاق بن حسن بن زَاهِر قَالَ المطري سمع عبد الْملك بن أبي ميسرَة وتفقه بِأبي بكر بن جَعْفَر المخائي وَكَانَ يدرس بِجَامِع ذِي أشرق وَعَلِيهِ دارت الْفتيا فِي أَيَّامه وَبِه وتفقه أَبُو بكر بن سَالم مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَله سِتّ وَسِتُّونَ سنة 822 - عبد الله بن عَليّ بن سعيد أَبُو مُحَمَّد القصري الْفَقِيه قَالَ الْحَافِظ فِي التَّارِيخ تفقه بِبَغْدَاد وَأدْركَ أَبَا بكر الشَّاشِي وإلكيا وعلق الْمَذْهَب وَالْخلاف والأصولين على الشَّيْخ أسعد الميهني وَأبي الْفَتْح بن برهَان وَأبي عبد الله القيرواني وَسمع الحَدِيث من أبي الْقَاسِم بن بَيَان الرزاز وَأبي عَليّ بن نَبهَان وَأبي طَالب الزَّيْنَبِي وَأقَام بالعراق مُدَّة ثمَّ قدم دمشق وَحلق فِي الْمَسْجِد الْجَامِع مُدَّة وَكَانَ نظارا جيدا الحديث: 821 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 ثمَّ انْتقل إِلَى حلب ليفقه أَهلهَا فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ سَمِعت درسه قَالَ وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بحلب وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب توفّي سنة سبع أَو ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 823 - عبد الله بن عمر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم بن الظريف من أهل بَلخ وَكَانَ مدرس النظامية بهَا مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسمِائة وَلم أعلم تَارِيخ وَفَاته 824 - عبد الله بن الْقَاسِم بن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري أَبُو الْقَاسِم كَانَ فَقِيها متميزا مَاتَ بالموصل فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة تَرْجمهُ ابْن باطيش 825 - عبد الله بن الْقَاسِم بن مظفر بن عَليّ الشهرزوري أَبُو مُحَمَّد المرتضى ولد فِي سادس شعْبَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات بالموصل لَيْلَة الْخَمِيس لتسْع بَقينَ من شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة وَخَمْسمِائة الحديث: 823 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 826 - عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عمر الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد بن فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي مولده سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة تفقه على أَبِيه وبرع مذهبا وَخِلَافًا وَأفْتى وناظر وَوعظ النَّاس وَسمع الحَدِيث من الْحُسَيْن بن أَحْمد بن طَلْحَة النعالي وَمِمَّنْ فِي طبقته وَحدث باليسير وَله شعر حسن من ذَلِك مَا ذكره وَقد حضر يَوْمًا آخر النَّهَار فِي الْمدرسَة التاجية بِبَغْدَاد للوعظ وَكَانَ يَوْمًا مغيما فَأَنْشد ارتجالا لنَفسِهِ (قَضِيَّة أعجب بهَا قضيه ... جلوسنا اللَّيْلَة فِي التاجيه) (والجو فِي حليته الفضيه ... صقالها قعقعة الرعديه) (أعلامها شعشعة برقيه ... تنثر من أردانها العطرية) (ذائب تبر ينشر البريه ... وَالشَّمْس تبدو تَارَة خفيه) (ثمَّ ترَاهَا مرّة جليه ... كَأَنَّهَا جَارِيَة حييه) (حَتَّى إِذا حانت لنا العشيه ... قصت لِبَاس الْغَيْم بالكليه) (وأسفرت فِي الْجِهَة الغربيه ... صفراء فِي محلفة ورسيه) (كَرَامَة أعرفهَا شاشيه ... ) وَتُوفِّي فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَدفن على أَبِيه الحديث: 826 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 827 - عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْمعلم أَبُو الْقَاسِم العكبري الأديب تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وصنف الِانْتِصَار لِحَمْزَة الزيات فِيمَا نسبه إِلَيْهِ ابْن قُتَيْبَة فِي مُشكل الْقُرْآن وَله شعر جيد توفّي سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة 828 - عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله بن عبد الله الْفَقِيه أَبُو المظفر بن عَسَاكِر أَخُو زين الْأُمَنَاء ولد سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وتفقه على القطب النَّيْسَابُورِي وَغَيره وسمع من عميه الْحَافِظ والصائن هبة الله وَحدث بِمصْر ودمشق وَغَيرهمَا ودرس بِدِمَشْق بالتقوية وَكَانَ أحد الْفُقَهَاء المناظرين وَجمع أَرْبَعِينَ حَدِيثا قتل غيله بِظَاهِر الْقَاهِرَة فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 829 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ الميانجي أَبُو الْمَعَالِي بن أبي بكر من أهل خُرَاسَان يعرف بِعَين الْقُضَاة قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ أحد فضلاء الْعَصْر وَمن بِهِ يضْرب الْمثل فِي الذكاء الْفضل الحديث: 827 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 كَانَ فَقِيها فَاضلا شَاعِرًا مفلقا رَقِيق الشّعْر وَكَانَ يمِيل إِلَى الصُّوفِيَّة ويحفظ من كَلَامهم وإشاراتهم مَا لَا يدْخل تَحت الْوَصْف صنف فِي فنون من الْعلم وَكَانَ حسن الْكَلَام وَالْجمع فِيهَا قَالَ وَكَانَ النَّاس يعتقدونه ويتبركون بِهِ وَظهر لَهُ الْقبُول التَّام عِنْد الْخَاص وَالْعَام حَتَّى حسد وأصابته عين الْكَمَال وَكَانَ الْعَزِيز يعْتَقد فِيهِ اعتقادا خَارِجا عَن الْحَد وَلَا يُخَالِفهُ فِيمَا يُشِير بِهِ وَكَانَت بَينه وَبَين أبي الْقَاسِم الْوَزير مُنَافَسَة فَلَمَّا نكب الْعَزِيز قَصده الْوَزير وَكتب عَلَيْهِ محضرا والتقط من أثْنَاء تصانيفه ألفاظا شنيعة تنبو عَن الأسماع وَيحْتَاج من كشفها إِلَى الْمُرَاجَعَة لقائلها فَكتب جمَاعَة من الْعلمَاء خطوطهم بِإِبَاحَة دَمه نسْأَل الله الْحِفْظ فِي إِطْلَاق الْقَلَم بِمَا يتَعَلَّق بالدماء من غير بحث والمسارعة إِلَى الْفَتْوَى بِالْقَتْلِ فَقبض عَلَيْهِ أَبُو الْقَاسِم وَحمل إِلَى بَغْدَاد مُقَيّدا وَرَأَيْت رسَالَته الَّتِي كتبهَا من بَغْدَاد إِلَى أَصْحَابه وإخوانه بهمذان الَّتِي لَو قُرِئت على الصخور لانصدعت من الرقة والسلاسة فَرد إِلَى همذان وصلب قلت ثمَّ ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ قِطْعَة صَالِحَة من رسَالَته أعجبني مِنْهَا هَذَا الْبَيْت (أسجنا وقيدا واشتياقا وغربة ... ونأى حبيب إِن ذَا لعَظيم) ثمَّ قَالَ صلب عين الْقُضَاة أَبُو الْمَعَالِي ظلما ببلدة همذان لَيْلَة الْأَرْبَعَاء السَّابِع من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة قَالَ وَسمعت أَبَا الْقَاسِم مَحْمُود بن أَحْمد الرَّوْيَانِيّ بأندرابه يَقُول لما قرب قتل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 عين الْقُضَاة وَقدم إِلَى الْخَشَبَة ليصلب قَالَ {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} 830 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي عقامة أَبُو الْفتُوح القَاضِي صَاحب كتاب الخناثي أَكثر عَنهُ النَّقْل صَاحب الْبَيَان قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ من فضلاء أَصْحَابنَا الْمُتَأَخِّرين لَهُ مصنفات حَسَنَة من أغربها وأنفسها كتاب الخناثي مُجَلد لطيف فِيهِ نفائس حَسَنَة وَلم يسْبق إِلَى تصنيف مثله انْتهى وَابْن أبي عقامة تغلبي ربعي بغدادي ثمَّ يمني تفقه على جده أبي الْحسن عَليّ وعَلى أبي الْغَنَائِم الفارقي وَذكره عمر بن عَليّ بن سَمُرَة الْجَعْفَرِي اليمني فِي كتاب طَبَقَات فُقَهَاء الْيمن قَالَ ابْن سَمُرَة وفضائل بني أبي عقامة مَشْهُورَة وهم الَّذين نشر الله بهم مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي تهَامَة وقدماؤهم جهروا بالبسملة فِي الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات ونسبهم فِي بني الأرقم من تغلب بن ربيعَة قلت وَقد ذكر الرَّافِعِيّ أَبَا الْفتُوح فِي كتاب الدِّيات فِي الْكَلَام على قطع حلمه الْمَرْأَة الحديث: 830 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 وَمن فَوَائِد أبي الْفتُوح قَالَ فِي كتاب الخناثي إِذا عقد النِّكَاح بِشَهَادَة خنثيين ثمَّ بانا رجلَيْنِ احْتمل أَن يكون فِي انْعِقَاده وَجْهَان بِنَاء على مالو صلى رجل خلف الخنثي فَبَان رجلا قَالَ النَّوَوِيّ والانعقاد هُنَا هُوَ الْأَصَح لِأَن عدم جزم النِّيَّة يُؤثر فِي الصَّلَاة 831 - عبد الله بن مُحَمَّد بن غَالب أَبُو مُحَمَّد الجيلي تفقه بِبَغْدَاد على إِلْكيَا ثمَّ انْتقل إِلَى الأنبار واستوطنها وَمَات بهَا سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة 832 - عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو الْفَتْح الْبَيْضَاوِيّ مولده سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 833 - عبد الله بن مُحَمَّد بن المظفر بن عَليّ أَبُو مُحَمَّد بن أبي بكر الْمُتَوَلِي الهاجري الْبَغَوِيّ تفقه على الْبَغَوِيّ الحديث: 831 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 834 - عبد الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عَليّ بن المطهر بن أبي عصرون ابْن أبي السّري القَاضِي الإِمَام أَبُو سعد التَّمِيمِي الْموصِلِي قَاضِي الْقُضَاة الشَّيْخ شرف الدّين نزيل دمشق وقاضي الْقُضَاة بهَا وعالمها ورئيسها مولده فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة تفقه أَولا على القَاضِي المرتضى ابْن الشهرزوري وَأبي عبد الله الْحُسَيْن بن خَمِيس الْموصِلِي وتلقن على الْمُسلم السرُوجِي وَقَرَأَ بِبَغْدَاد بالسبع على أبي عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد البارع وبالعشر على أبي بكر المزرقي ودعوان وسبط الْخياط وَتوجه إِلَى وَاسِط فتفقه بهَا على القَاضِي أبي عَليّ الفارقي ولازمه وَعرف بِهِ وعلق بِبَغْدَاد عَن أسعد الميهني وَأخذ الْأُصُول عَن أبي الْفَتْح بن برهَان وَسمع من أبي الْقَاسِم الحديث: 834 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 ابْن الْحصين وَأبي البركات ابْن البُخَارِيّ وَإِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وَسمع قَدِيما فِي سنة ثَمَان وَخَمْسمِائة من أبي الْحسن بن طوق روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن صصري وَأَبُو نصر ابْن الشِّيرَازِيّ وَأَبُو مُحَمَّد بن قدامَة وَخلق آخِرهم موتا الْعِمَاد أَبُو بكر عبد الله بن النّحاس وَعَاد من بَغْدَاد إِلَى بَلَده الْموصل بِعلم كثير فدرس بالموصل سنة ثَلَاث وَعشْرين وَخَمْسمِائة ثمَّ أَقَامَ بسنجار مُدَّة وَدخل حلب فِي سنة خمس وَأَرْبَعين ودرس بهَا وَأَقْبل عَلَيْهِ صَاحبهَا إِذْ ذَاك الْملك نور الدّين الشَّهِيد فَلَمَّا انْتقل إِلَى دمشق سنة تسع وَأَرْبَعين استصحبه مَعَه ودرس بالغزالية وَولى نظر الْأَوْقَاف ثمَّ ارتحل إِلَى حلب ثمَّ ولى قَضَاء سنجار وحران وديار ربيعَة وتفقه عَلَيْهِ هُنَاكَ خلائق ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فِي سنة سبعين فولى بهَا الْقَضَاء سنة ثَلَاث وَسبعين وعظمت رياسته ومكانته ونفذت كَلمته وَألقى بهَا عَصا السّفر وَاسْتقر مستوطنا وَكَانَ من أَعْيَان الْأمة وأعلامها عَارِفًا بِالْمذهبِ وَالْأُصُول وَالْخلاف مشارا إِلَيْهِ فِي تحقيقات الْفِقْه دينا خيرا متواضعا سعيد الطلعة مَيْمُون النقيبة مَلأ الْبِلَاد تصانيف وتلامذة وَعنهُ أَخذ الْفِقْه شيخ الْإِسْلَام فَخر الدّين ابْن عَسَاكِر وَغَيره وَبنى لَهُ الْملك نور الدّين الْمدَارِس بحلب وحماة وحمص وبعلبك وَبنى هُوَ لنَفسِهِ مدرستين بِدِمَشْق وبحلب وَمن تصانيفه صفوة الْمَذْهَب على نِهَايَة الْمطلب فِي سبع مجلدات وَكتاب الِانْتِصَار فِي أَربع مجلدات وَكتاب المرشد فِي مجلدين وَكتاب الذريعة فِي معرفَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 الشَّرِيعَة وَكتاب التَّيْسِير فِي الْخلاف وَكتاب مَأْخَذ النّظر ومختصر فِي الْفَرَائِض وَله كتاب الْإِرْشَاد فِي نصْرَة الْمَذْهَب لم يكمله وَذهب فِيمَا نهب لَهُ بحلب وَله أَيْضا فَوَائِد الْمَذْهَب والتنبيه فِي معرفَة الْأَحْكَام وَكتاب الْمُوَافق والمخالف مذعنا لدينِهِ وورعه وسعة علمه وَكَثْرَة رياسته وسؤدده قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَقد سُئِلَ عَنهُ الشَّيْخ الْمُوفق فَقَالَ كَانَ إِمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي عصره وَكَانَ يذكر الدَّرْس فِي زَاوِيَة الدولعي وَيُصلي صَلَاة حَسَنَة وَيتم الرُّكُوع وَالسُّجُود ثمَّ تولى الْقَضَاء فِي آخر عمره وَعمي وَسَمعنَا درسه مَعَ أخي أبي عمر وانقطعنا عَنهُ فَسمِعت أخي يَقُول دخلت عَلَيْهِ بعد انقطاعنا فَقَالَ لم انقطعتم عني فَقلت إِن أُنَاسًا يَقُولُونَ إِنَّك أشعري فَقَالَ وَالله مَا أَنا بأشعري هَذَا معنى الْحِكَايَة انْتهى كَلَام الذَّهَبِيّ نقلته من خطه وأخشى أَن تكون الْحِكَايَة مَوْضُوعَة للْقطع بِأَن ابْن أبي عصرون أشعري العقيدة وَغَلَبَة الظَّن بِأَن أَبَا عمر لَا يجتريء أَن يذكر هَذَا القَوْل وَلَا أحد يتجرأ فِي ذَلِك الزَّمَان على إِنْكَار مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ لِأَنَّهُ جادة الطَّرِيق وَلَا أَظن أَن ابْن أبي عصرون يفتخر إِذْ ذَاك بهما ويعاتبهما على الِانْقِطَاع وَلَيْسَ فِي الْحِكَايَة من قَوْله فَسمِعت أخي إِلَى آخرهَا مَا يقرب عِنْدِي صِحَّته غير أَنَّهُمَا انقطعا عَنهُ لكَونه مُخَالفا لَهما فِي العقيدة وَالله يعلم سَبَب الِانْقِطَاع وَكَانَ الْمُوفق وَأَبُو عمر من أهل الْعلم وَالدّين لَا ننكر ذَلِك وَلَا ندفعه وَإِنَّمَا ننكر وندفع من شَيخنَا تعرضه كل وَقت لذكر العقائد وفتحه لأبواب مقفلة وَكَلَامه فِيمَا لَا يدريه وَكَانَ السُّكُوت عَن مثل هَذَا خيرا لَهُ فِي قَبره وآخرته وَلَكِن إِذا أَرَادَ الله أمرا بلغه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 وَيُقَال إِن القَاضِي ابْن أبي عصرون لما عمي اسْتمرّ على الْقَضَاء وصنف فِي جَوَاز قَضَاء الْأَعْمَى وَمن شعره (أومل أَن أَحْيَا وَفِي كل سَاعَة ... تمر بِي الْمَوْتَى تهز نعوشها) (وَمَا أَنا إِلَّا مِنْهُم غير أَن لي ... بقايا لَيَال فِي الزَّمَان أعيشها) وَمن شعره (كل جمع إِلَى الشتات يصير ... أَي صفو مَا شانه تكدير) (أَنْت فِي اللَّهْو والأماني مُقيم ... والمنايا فِي كل وَقت تسير) (وَالَّذِي غره بُلُوغ الْأَمَانِي ... بسراب وخلب مغرور) (ويك يَا نفس أخلصي إِن رَبِّي ... بِالَّذِي أخفت الصُّدُور بَصِير) ذكر فَوَائِد ومسائل عَن ابْن أبي عصرون قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب نقل الْجُوَيْنِيّ فِي الفروق نَص الشَّافِعِي على أَن الْجَمَاعَة إِذا اغتسلوا فِي قُلَّتَيْنِ لَا يصير مُسْتَعْملا وَصرح بِهِ خلائق وَإِنَّمَا نبهت عَلَيْهِ لِأَن فِي الِانْتِصَار لِابْنِ أبي عصرون أَنه لَو اغْتسل جمَاعَة فِي مَاء لَو فرق على قدر كفايتهم استوعبوه أَو ظهر تغيره لَو خَالفه صَار مُسْتَعْملا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا شَاذ مُنكر وَنَحْوه نقل صَاحب الْبَيَان عَن الشَّامِل أَنه لَو انغمس جنب فِي قُلَّتَيْنِ أَو أَدخل يَده فِيهِ بنية غسل الْجَنَابَة فَفِيهِ وَجْهَان وَهَذَا غلط من صَاحب الْبَيَان وَلم يذكر صَاحب الشَّامِل هَذَا وَإِنَّمَا فِي عِبَارَته بعض الخفاء فأوقع صَاحب الْبَيَان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 ثمَّ بَين النَّوَوِيّ رَحمَه الله الْحَامِل لصَاحب الْبَيَان على الْغَلَط وَلم يزدْ ابْن الرّفْعَة على أَن نصر مقَالَة ابْن أبي عصرون بالبحث لَا بِالنَّقْلِ فِي حَالَة انغماسهم دفْعَة وَاحِدَة بنيه رفع الْجَنَابَة قَالَ لأَنا نقدر أَن مالاقي كل وَاحِد مِنْهُم من المَاء كالمنفصل عَن بَاقِيه الَّذِي لَاقَى غَيره على القَوْل الْأَصَح فِيمَا إِذا انغمسوا دفْعَة وَاحِدَة فِي المَاء الْقَلِيل فَلذَلِك جعل مُسْتَعْملا حَتَّى لَا يحصل بِهِ تَطْهِير بَاقِي بدن كل مِنْهُم وَإِن كَانَ الْوَاحِد يطهر جَمِيع بدنه وَإِذا كَانَ كَذَلِك اتجه القَوْل بِمثلِهِ فِي الْقلَّتَيْنِ فَيكون الصَّحِيح أَنه لَا يطهر بَاقِي أبدانهم وَيَأْتِي فِيهِ وَجه مستمد من تَقْدِير عدم الِانْفِصَال وتنزيله منزلَة الِاتِّصَال قلت والبحث جيد وَرَأَيْت الْجُوَيْنِيّ نَفسه فِي كِتَابه التَّبْصِرَة قَالَ فِيمَا إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ وَالِاحْتِيَاط أَن تغترف مِنْهُ فَيحصل لَك الْغسْل بِالْإِجْمَاع فَإِن انغمست فِيهِ فَفِي صِحَة الْغسْل خلاف بَين مَشَايِخنَا هَذَا كَلَامه وَفِيه تأييد لِابْنِ أبي عصرون وَابْن أبي عصرون إِنَّمَا تلقى مَا ذكره من شَيْخه القَاضِي أبي عَليّ الفارقي فَإِنَّهُ جزم بِهَذَا الشاذ الْمُنكر وَلَعَلَّ أَصله مَا وَقع فِي كتاب التَّبْصِرَة ذهب أَبُو إِسْحَاق إِلَى حل وَطْء الرَّاهِن لِلْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَة إِذا كَانَت مِمَّن لَا تحبل وَخَالفهُ ابْن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ الْمُصَحح فِي الْمَذْهَب وَقيد ابْن أبي عصرون مَحل الْخلاف بِمن لَهَا تسع سِنِين فَمَا زَاد أما من دونهَا قَالَ فَيجوز وَطْؤُهَا إِذا لم يضر بهَا قطعا قَالَ الْوَالِد فِي تَكْمِلَة شرح الْمُهَذّب وَهُوَ فقه من عِنْد نَفسه وَلَيْسَ نقلا قَالَ وَهُوَ جيد قلت أما إِنَّه تفقه وَلَيْسَ مَنْقُولًا فَالْأَمْر كَذَلِك فقد تصفحت كتب الْمَذْهَب فَلم أر من قيد الْخلاف بل كلهم مُصَرح حَتَّى الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي تعليقته فِي بَابي الرَّهْن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 والاستبراء صرح بِأَنَّهُ لافرق بَين من لَا تحبل لصِغَر أَو إِيَاس أَو غير ذَلِك وَإِنَّمَا نصصت على الشَّيْخ أبي حَامِد لِأَن بعض النَّاس قَالَ إِنَّه وجد فِي بَاب الِاسْتِبْرَاء من تعليقته مَا نَصه إِن الِاسْتِمْتَاع بالمرهونة حَلَال لِأَن لَهُ أَن يقبلهَا أَو يلمسها بِشَهْوَة حَتَّى قَالَ أَصْحَابنَا إِن كَانَ صَغِيرَة لَا يحمل مثلهَا فَلهُ أَن يَطَأهَا انْتهى فَكشفت تَعْلِيقه الشَّيْخ أبي حَامِد من خزانَة الناصرية بِدِمَشْق وَمن نسخه الشَّيْخ فَخر الدّين الْمصْرِيّ وَكِلَاهُمَا قديم فَلم أجد فِي بَاب الِاسْتِبْرَاء من نُسْخَة الناصرية إِلَّا مَا نَصه أَلا ترى أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِن الْمَرْهُونَة إِذا كَانَت مِمَّن لَا تحبل صَغِيرَة أَو كَبِيرَة جَازَ للرَّاهِن وَطْؤُهَا انْتهى وَكَذَا فِي نُسْخَة الْفَخر الْمصْرِيّ سَوَاء بِسَوَاء وَهِي نُسْخَة قديمَة فِي بعض مجلداتها تعليقة الْبَنْدَنِيجِيّ عَن الشَّيْخ أبي حَامِد وَبَعضهَا بِخَط سليم وَمرَاده قَول أبي إِسْحَاق قطعا بل الَّذِي فِي تعليقة الشَّيْخ أبي حَامِد فِي بَاب الرَّهْن أَنه وضع الْوَجْهَيْنِ فِي الِاسْتِخْدَام فَقَالَ فِي وَجه لَا يستخدمها مَخَافَة أَن يطَأ وَفِي وَجه يستخدمها وَلَا يضر الْوَطْء إِذا بعد حبلها وَلم يقل إِذا تعذر هَذَا مَا فِيهِ مُلَخصا اخْتِلَاف حرفي الإِمَام وَالْمَأْمُوم قَالَ فِي الِانْتِصَار وَلَا تبطل الصَّلَاة باخْتلَاف حرفي الإِمَام وَالْمَأْمُوم على أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَن الْجَمِيع قُرْآن انْتهى وَهُوَ كَلَام مظلم لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ فَلَا يَقُول أحد من الْمُسلمين فِيمَا أَحسب بِاشْتِرَاط توَافق حرفي الإِمَام وَالْمَأْمُوم بل إِذا كَانَ كل حرف مِنْهُمَا متواترا بالقراءات الْعشْر صَحَّ اقْتِدَاء أَحدهمَا بِالْآخرِ إِجْمَاعًا فِيمَا لَا أَشك فِيهِ فَلَعَلَّ مَحل الْوَجْهَيْنِ إِن صَحَّ لَهما وجود فِيمَا إِذا كَانَ كل وَاحِد لَا يرى الْقِرَاءَة بِحرف الآخر أَو قَرَأَ أَحدهمَا بالشاذ المغير للمعنى وَمَسْأَلَة الشاذ مَعْرُوفَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 835 - عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي سَالم القريضي الْفَقِيه ولد فِي رَمَضَان سنة ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة ذكره المطري 836 - عبد الله بن مَيْمُون بن عبد الله القَاضِي أَبُو مُحَمَّد المالكاني الكوفني وكوفن بِضَم الْكَاف وَسُكُون الْوَاو ثمَّ النُّون بليدَة صَغِيرَة من أبيورد قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا مبرزا لَهُ بَاعَ طَوِيل فِي المناظرة والجدل وَمَعْرِفَة تَامَّة بهما تفقه على الإِمَام وَالِدي وَسمع الحَدِيث مَعَه وَمِنْه سمع بنيسابور عبد الْغفار بن مُحَمَّد الشيروي وَغَيره سَمِعت مِنْهُ حَدِيثا وَاحِدًا ولد فِي حُدُود سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن باطيش وَمَات بأبيورد لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ من ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة الحديث: 835 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 837 - عبد الله بن نصر بن عبد الْعَزِيز المرندي أَبُو مُحَمَّد الْخَطِيب قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أَقَامَ بمرو مُدَّة وَكَانَت لَهُ يَد باسطة فِي اللُّغَة وَسُرْعَة النّظم والنثر مَعَ الْجَوْدَة فيهمَا وَله الْخط الْحسن الْمليح قَالَ بِبَغْدَاد مُدَّة فِي الْمدرسَة زمن أسعد بن أبي نصر الميهني ثمَّ سكن مرو قَرِيبا من خمس عشرَة سنة وَخرج إِلَى مرو الروذ وَأقَام بهَا شَيْئا يَسِيرا وَمَات بهَا يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 838 - عبد الله بن يحيى بن مُحَمَّد بن بهْلُول الأندلسي أَبُو مُحَمَّد السَّرقسْطِي وسرقسطة بِفَتْح السِّين وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَضم الْقَاف وَبعدهَا سين أُخْرَى سَاكِنة وَفِي آخرهَا الطَّاء الْمُهْملَة بَلْدَة من بِلَاد الأندلس كَانَ فَقِيها فَاضلا مليح الشّعْر قدم بَغْدَاد ثمَّ خرج إِلَى خُرَاسَان وَورد مرو ثمَّ استوطن مرو الروذ إِلَى أَن توفّي سنة عشر وَخَمْسمِائة الحديث: 837 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 839 - عبد الله بن يحيى بن أبي الْهَيْثَم بن عبد السَّمِيع الصعبي كَانَ إِمَامًا فَاضلا ورعا زاهدا من أهل الْيمن من أَقْرَان صَاحب الْبَيَان وَكَانَ صَاحب الْبَيَان يعظمه وَيَقُول عبد الله بن يحيى شيخ الشُّيُوخ وَمن تصانيفه احترازات الْمُهَذّب والتعريف فِي الْفِقْه قَالَ ابْن سَمُرَة كَانَ الصعبي وَصَاحب الْبَيَان متصاحبين يتزاوران قَالَ وروى أَن نَاسا ضربوا الصعبي بِالسُّيُوفِ فَلم تقطع سيوفهم فِيهِ فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كنت أَقرَأ سُورَة يس قَالَ ابْن سَمُرَة وَالْمَشْهُور أَن الصعبي قَالَ وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك كنت أَقرَأ {وَلَا يؤوده حفظهما وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم} {فَالله خير حَافِظًا وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} {وحفظا من كل شَيْطَان مارد} {وحفظا ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم} {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} {إِن بَطش رَبك لشديد إِنَّه هُوَ يبدئ وَيُعِيد وَهُوَ الغفور الْوَدُود ذُو الْعَرْش الْمجِيد فعال لما يُرِيد} إِلَى آخر السُّورَة الحديث: 839 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 قَالَ وَكَانَ الصعبي يَقُول كنت خرجت يَوْمًا مَعَ جمَاعَة فَرَأَيْنَا ذئبا يلاعب شَاة عجفاء وَلَا يَضرهَا بِشَيْء فَلَمَّا دنونا نفر عَنْهَا الذِّئْب فَوَجَدنَا فِي رَقَبَة الشَّاة كتابا مربوطا فحللناه فقرأنا فِيهِ هَذِه الْآيَات مَاتَ الصعبي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين سنة وَكَانَ يَقُول لأَصْحَابه لَئِن بلغت الثَّمَانِينَ لأصنعن الضِّيَافَة وَقيل إِنَّه جَاوز الثَّمَانِينَ وَحضر صَاحب الْبَيَان جنَازَته وَشهد دَفنه 840 - عبد الله بن يزِيد بن عبد الله اللعفي الْحرَازِي قَالَ المطري فَقِيه مُحَرر لَهُ تصنيف يُسمى السَّبع الْوَظَائِف فِي أصُول الدّين على مَذْهَب السّلف مَاتَ بعد الْخَمْسمِائَةِ 841 - عبد الله بن يزِيد القسيمي الْمَعْرُوف بالميتمي الْفَقِيه الحديث: 840 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 قَالَ المطري روى كتاب بَدَائِع الحكم والآداب فِي الحَدِيث توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة 842 - عبد الله بن يُوسُف بن عبد الْقَادِر أَبُو المظفر من أذربيجان تفقه بِبَغْدَاد على المجير الْبَغْدَادِيّ وَمُحَمّد بن أبي عَليّ النوقاني وَتَوَلَّى إِعَادَة النظامية 843 - عبد الله بن أبي الْفتُوح بن عمرَان الإِمَام أَبُو حَامِد الْقزْوِينِي رَحل إِلَى نيسابور وتفقه على مُحَمَّد بن يحيى وتفقه بِبَغْدَاد على أبي المحاسن يُوسُف بن بنْدَار الدِّمَشْقِي وَسمع من أبي الْفضل الأرموي وَابْن نَاصِر الْحَافِظ وَجَمَاعَة وَحدث بقزوين سمع مِنْهُ الإِمَام أَبُو الْقَاسِم الرَّافِعِيّ وَغَيره توفّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 844 - عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْغَزالِيّ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور تفقه على إِلْكيَا الهراسي وَسمع الحَدِيث من أبي الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَغَيره روى عَنهُ السلَفِي الحديث: 842 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 مَاتَ فِي رَجَب سنة ثَلَاث عشرَة وَخَمْسمِائة 845 - عبد الْجَبَّار بن عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن ثَابت بن أَحْمد أَبُو أَحْمد الثابتي الْخرقِيّ من أهل مرو وخرق بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالرَّاء ثمَّ الْقَاف من قراها ولد بهَا فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير كَانَ فَقِيها فَاضلا تفقه على وَالِدي ولازمه وَقَرَأَ الْمَذْهَب على إِبْرَاهِيم المروروذي ثمَّ اشْتغل بِالْحِسَابِ والمقدمات وَحصل بهما طرفا صَالحا وجاوزهما إِلَى الْعُلُوم المهجورة من الفلسفة وَغَيرهَا وَكَانَ حسن الصَّلَاة نظيف الثِّيَاب اشْتغل بِالْحَدِيثِ مُدَّة وَسمع الْكثير وَجمع تَارِيخا غير مُسْند ذكر فِيهِ أَحْوَال الْمُحدثين وَالْعُلَمَاء أستحسنه سمع وَالِدي وَعَمه الإِمَام أَبَا مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن ثَابت الْخرقِيّ وَأَبا عَليّ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم سَمِعت مِنْهُ انْتهى قَالَ وَتُوفِّي بمرو صباح يَوْم الْفطر وَهُوَ يَوْم الْأَحَد من سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة الحديث: 845 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 846 - عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري من خوار بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا وَاو ثمَّ ألف ثمَّ رَاء قَرْيَة ببيهق وَوهم شَيخنَا الذَّهَبِيّ فحسبه من خوار الْبَلدة الْمَشْهُورَة على ثَمَانِيَة عشر فرسخا من الرّيّ وَهَذَا هُوَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْبَيْهَقِيّ إِمَام جَامع المنيعي بنيسابور وَأحد تلامذة إِمَام الْحَرَمَيْنِ ولد سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبا الْحسن الواحدي وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي وَشَيخ الْحجاز أَبَا الْحسن عَليّ بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ وَابْن أَخِيه إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَأَبا سهل مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن عبد الله الحفصي الْمروزِي وَنصر بن عَليّ الحاكمي الطوسي حدث عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل عَارِف بِالْمذهبِ مفت مُصِيب تفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وعلق الْمَذْهَب عَلَيْهِ وبرع فِيهِ وَكَانَ سريع الْقَلَم نسخ بِخَطِّهِ الْمَذْهَب الْكَبِير للجويني أَكثر من عشْرين مرّة وَكَانَ يَكْتُبهُ ويبيعه قلت الْمَذْهَب الْكَبِير هُوَ النِّهَايَة قَالَ فِي التحبير وَتُوفِّي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر شعْبَان سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 846 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 847 - عبد الْجَلِيل بن عبد الْجَبَّار بن بيل ... 848 - عبد الْجَلِيل بن أبي بكر الطَّبَرِيّ أَبُو سعد تفقه عَليّ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع أَبَا نصر الزَّيْنَبِي وَغَيره ثمَّ سكن جرجان وَحدث فِيهَا بِشَيْء يسير روى عَنهُ أَبُو عَامر سعد بن عَليّ العصاري وَتُوفِّي بجرجان بعد سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة 849 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن أَحْمد بن سهل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن حمدَان أَبُو نصر بن أبي بكر السراج ولد سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 847 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَسمع أَبَاهُ وَأَبا عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد الْبُحَيْرِي وَأَبا سعد الكنجروذي وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبا بكر مُحَمَّد بن الْحسن ابْن عَليّ الْخَبَّازِي الطَّبَرِيّ وَأَبا يعلى إِسْحَاق بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي وَغَيرهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أحضرني وَالِدي عِنْده وسمعني مِنْهُ الحَدِيث قَالَ وَهُوَ الْفَقِيه ابْن الْفَقِيه من بَيت الْعلم والورع وَالصَّلَاح نَشأ فِي الْعِبَادَة من صغره وَاخْتلف إِلَى الإِمَام أبي الْمَعَالِي وبرع فِي الْفِقْه وَصَارَ من خَواص أَصْحَابه والمعيدين فِي درسه على الشادين وَجرى على منوال أسلافه فِي الْوَرع والستر وَالْأَمَانَة والاجتزاء بالحلال من الْقُوت الْيَسِير وَقلة الِاخْتِلَاط توفّي لَيْلَة السبت الْخَامِس من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة 850 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن نصير البروجردي القَاضِي أَبُو سعد تفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَسمع الحَدِيث من ابْن المهتدى وَابْن الْمَأْمُون وَغَيرهمَا وَكَانَ حَيا سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة 851 - عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن أَبُو بكر بن الإِمَام أبي عُثْمَان الصَّابُونِي سمع بنيسابور أَبَاهُ وَعبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي وَأَبا عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد الْبُحَيْرِي وَغَيرهم ولي قَضَاء أذربيجان وَسمي قَاضِي الْقُضَاة الحديث: 850 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 مَاتَ بأصبهان فِي حُدُود سنة خَمْسمِائَة 852 - عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن طَاهِر بن مُحَمَّد أَبُو طَالب بن العجمي الْحلَبِي من بَيت حشمة وَتقدم رَحل إِلَى بَغْدَاد وتفقه بهَا على الشَّاشِي وأسعد الميهني وَسمع من أبي الْقَاسِم بن بَيَان وَعَاد إِلَى بَلَده وَقدم دمشق رَسُولا من صَاحب حلب روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره وَبنى بحلب مدرسة تعرف بِهِ توفى فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 853 - عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ أَبُو مُحَمَّد ابْن صَاحب الْعدة الإِمَام أبي عبد الله ولد بِبَغْدَاد وتفقه على وَالِده وعَلى الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشيرازى وَسمع الحَدِيث من ابْن البطر وجعفر السراج وَغَيرهمَا وَولى التدريس بالنظامية وعزل أسعد الميهنى ثمَّ عزل عَن التدريس قَالَ ابْن السمعانى أنْفق الْأَمْوَال والذخائر حَتَّى ولى التدريس بالنظامية وَقيل خرج عَنهُ فِي الرِّشْوَة للأكابر ليحصل الْمدرسَة مَا لَو أَرَادَ لبنى مدرسة كَامِلَة ورد علينا مرو وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى الْوَزير مَحْمُود بن أبي تَوْبَة وَكَانَ يُكرمهُ وَكَانَ شَيخا بهى المنظر مليح الشيبة حسن الْكَلَام فِي الْمسَائِل قلت روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَذكر أَنه خرج إِلَى خوارزم وَبهَا توفى سنة ثَلَاثِينَ أَو إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 852 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 854 - عبد الرَّحْمَن بن خِدَاش بن عبد الصَّمد الْمَعْرُوف بِالْقَاضِي الخداشي ولد بالموصل وتفقه على أبي سعد بن أبي عصرون وَأبي مَنْصُور الرزاز مَاتَ فِي سَابِع شعْبَان سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة 855 - عبد الرَّحْمَن بن خير بن مُحَمَّد بن حريز أَبُو الْقَاسِم الرعيني الْمعلم الْأَشْعَرِيّ الْمَعْرُوف بِابْن العمورة من أهل القيروان دخل بَغْدَاد وتفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأبي نصر بن الصّباغ وَسمع الحَدِيث من ابْن النقور وَأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مسْعدَة الْإِسْمَاعِيلِيّ الْجِرْجَانِيّ وَحدث باليسير روى عَنهُ ابْن بوش مَاتَ فِي شهر رَمَضَان سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة 856 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ابْن عمر بن حَفْص بن زيد اللَّيْثِيّ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد النيهي ونيه بِكَسْر النُّون وَإِسْكَان آخر الْحُرُوف وَبعدهَا الْهَاء الحديث: 854 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 وَهُوَ ابْن أخي الْحسن بن عبد الرَّحْمَن النيهي تلميذ القَاضِي الْحُسَيْن وَقد تقدم ذكر الْحسن وَأما عبد الرَّحْمَن فَكَانَت وِلَادَته وإقامته ووفاته بمرو الروذ وَهُوَ من تلامذة الْبَغَوِيّ تفقه عَلَيْهِ وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْحسن الطبسي الْحَافِظ وَأبي الْفضل عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ وَعبد الرَّزَّاق بن حسان المنيعي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الدقاق الْحَافِظ وَغَيرهم سمع مِنْهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَذكره فِي مشيخته وَآخَرُونَ وَكَانَ شيخ الشافعيه بِتِلْكَ النَّاحِيَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل مفت ورع دين حَافظ لمَذْهَب الشَّافِعِي مُصِيب فِي الْفَتَاوَى رَاغِب فِي الحَدِيث ونشره حسن الْأَخْلَاق مبارك لنَفس كَثِيرَة الصَّلَاة وَالْعِبَادَة جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل كَانَ يملي بكر الْجُمُعَات ويذنب إملاءه بالوعظ النافع الْمُفِيد وَتخرج عَلَيْهِ جمَاعَة كَثِيرَة من الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء لَقيته بمرو الروذ وقرأت عَلَيْهِ المعجم الصَّغِير للطبراني وَحَضَرت مجَالِس أَمَالِيهِ ثمَّ ورد هُوَ إِلَى مرو وَحدث بِهِ المعجم الصَّغِير عَن أبي الْفضل الْأَصْبَهَانِيّ عَن أبي بكر بن ريذه عَن الطَّبَرَانِيّ وَتُوفِّي بمرو الروذ فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب والتحبير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 857 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الحصيري أَبُو سعد من أهل الرّيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه إِمَام صَالح دين خير حسن السِّيرَة مشتغل بِمَا يعنيه تفقه على أبي بكر الخجندي بأصبهان وَتخرج عَلَيْهِ وَرجع إِلَى الرّيّ وأضر على كبر السن ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بِالريِّ وَسمع من جمَاعَة كثيرين وَمَات فِي شَوَّال سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 858 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الْجَبَّار بن عُثْمَان بن مَنْصُور بن عُثْمَان الْمعدل الْهَرَوِيّ أَبُو نصر الفامي مؤرخ هراة قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَلَيْسَ تَارِيخه بمستوعب الحديث: 857 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بهراة وَكَانَ حَافِظًا أديبا يلقب ثِقَة الدّين سمع أَبَا إِسْمَاعِيل عبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ وَأَبا عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ العميري ونجيب ابْن مَيْمُون الوَاسِطِيّ وَأَبا عَامر الْأَزْدِيّ وَأَبا عَطاء عبد الْأَعْلَى بن عبد الْوَاحِد المليحي وببغداد من ابْن الْحصين وَآخر من روى عَنهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَأَبُو روح الْهَرَوِيّ وَأَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ حَافظ فَاضل مقدم الْمُحدثين بهراة لَهُ معرفَة بِالْحَدِيثِ وَالْأَدب كثير الصَّدَقَة وَالصَّلَاة دَائِم الذّكر كتب عني الذيل فِي ثَمَان مجلدات وَقرأَهَا عَليّ مَاتَ بهراة لَيْلَة الْخَمِيس الْخَامِسَة وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 859 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الصَّمد بن أَحْمد بن عَليّ النَّيْسَابُورِي أَبُو الْقَاسِم الأكاف السختني من أهل نيسابور كَانَ من الْعلمَاء الصَّالِحين من تلامذة الْأُسْتَاذ أبي نصر بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي سمع أَبَا سعد بن أبي صَادِق الْحِيرِي وَأَبا بكر الشيروى وَإِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الْفَارِسِي وَغَيرهم وَقَرَأَ بِنَفسِهِ الْكثير روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ إِمَام ورع عَالم عَامل يضْرب بِهِ الْمثل فِي السِّيرَة الْحَسَنَة والخصال الحميدة ودقيق الْوَرع وَحسن السِّيرَة والتجنب عَن السُّلْطَان الحديث: 859 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 تفقه على أبي نصر بن أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَصَحب الشَّيْخ عبد الْملك الطَّبَرِيّ بِمَكَّة ودرس مُخْتَصر أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ بِمَكَّة وعلق عَنهُ جمَاعَة بهَا وَقدم بَغْدَاد مُتَوَجها وعائدا وَتكلم فِي الْمسَائِل الخلافية وَأحسن الْكَلَام فِيهَا وَرجع إِلَى نيسابور فاعتزل النَّاس وَحكى أَنه أوصى إِلَيْهِ شخص أَن يفرق طَائِفَة من مَاله على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَكَانَ فِيهِ مسك فَكَانَ إِذا فرقه على الْفُقَرَاء أَخذ عِصَابَة فشدها على أَنفه حَتَّى لَا يجد رَائِحَته وَيَقُول لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا برائحته وَمثل هَذَا رُوِيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي فِي فتْنَة الغز ضاحي نَهَار يَوْم الْجُمُعَة غرَّة ذِي الْقعدَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَدفن بِالْحيرَةِ عِنْد رجل وَالِده وَقَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ لما استولى الغز على نيسابور قبضوا عَلَيْهِ وأخرجوه ليعاقبوه فشفع فِيهِ السُّلْطَان سنجر وَقَالَ كنت أمضي إِلَيْهِ متبركا بِهِ وَلَا يمكنني من الدُّخُول عَلَيْهِ فاتركوه لأجلي فَتَرَكُوهُ فَدخل شهر ستان وَهُوَ مَرِيض فَبَقيَ أَيَّامًا وَمَات 860 - عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن أبي الْعَبَّاس بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْمُوفق النعيمي الموقفي الْمَعْرُوف بالبارباباذي وبارباباذ بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف رَاء سَاكِنة ثمَّ بَاء أُخْرَى ثمَّ بعد الْألف الحديث: 860 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 بَاء ثَالِثَة مَفْتُوحَة أَيْضا تتلوها ألف ثمَّ ذال مُعْجمَة محلّة بِمَدِينَة مرو عِنْد بَاب شارستان خطب بالجامع الأقدم بمرو وَأم النَّاس قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا عَارِفًا بِالْمذهبِ مناظرا ورعا كثير التِّلَاوَة وَالصَّلَاة يسكن الْجَامِع الأقدم ويؤم النَّاس فِي الصَّلَوَات الْخمس ولي الخطابة مُدَّة نِيَابَة عَن عمي وتفقه على جدي أبي المظفر ثمَّ خرج إِلَى بُخَارى ولقى بهَا الْأَئِمَّة وَخرج إِلَى طوس وَأقَام عِنْد أبي حَامِد الْغَزالِيّ مُدَّة وَعند الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء مُدَّة سمع أَبَا المظفر السَّمْعَانِيّ وَغَيره كتب عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ قَرَأت عَلَيْهِ مسندات كتاب الِانْتِصَار للْإِمَام جدي قَالَ وَتُوفِّي سحر لَيْلَة الْخَمِيس لست لَيَال خلون من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَدفن بسنجدان 861 - عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن الْمُسلم بن الْحُسَيْن الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد اللَّخْمِيّ الدِّمَشْقِي الْخرقِيّ السّلمِيّ ولد فِي نصف شعْبَان سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا الْحسن بن الموازيني وَعبد الْكَرِيم بن حَمْزَة وَعلي بن أَحْمد بن قيس الحديث: 861 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 وَأَبا الْحسن بن الْمُسلم الْفَقِيه وطاهر بن سهل الإسفرايني وَنصر الله المصِّيصِي وخلقا روى عَنهُ الْمُوفق بن قدامَة والبهاء عبد الرَّحْمَن والحافظ الضياء ويوسف بن خَلِيل وخطيب مردا وَإِبْرَاهِيم بن خَلِيل وَأحمد بن عبد الدَّائِم وَخلق قَالَ عمر بن الْحَاجِب كَانَ فَقِيها عدلا صَالحا يقْرَأ كل يَوْم وَلَيْلَة ختمة وَقَالَ أَبُو حَامِد بن الصَّابُونِي إِن أَبَا مُحَمَّد بن الْخرقِيّ أعَاد فِي الأمينية بِدِمَشْق لجمال الْإِسْلَام أبي الْحسن السّلمِيّ فَإِنَّهُ أضرّ فِي الآخر وأقعد فَاحْتَاجَ يَوْمًا إِلَى الْوضُوء وَلم يكن عِنْده فِي الْبَيْت أحد وَكَانَ لَيْلًا فَذكر عَنهُ أَنه قَالَ فَبَيْنَمَا أَنا أتفكر إِذا بِنور من السَّمَاء دخل الْبَيْت فبصرت بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأت وَأَنه حدث بذلك بعض إخوانه وأوصاه أَن لَا يخبر بهَا إِلَّا بعد مَوته مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 862 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن جِبْرِيل الخطيبي الْفَقِيه أَبُو نصر الخرجردى ولد بخرجرد من نَاحيَة بوشنج سنة نَيف وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَسكن مرو مُدَّة وتفقه بنيسابور وهراة ومرو وَكَانَ فَقِيها صَالحا متعبدا تفقه على إِسْمَاعِيل الخرجردى وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ الْفُقَهَاء الرَّافِعِيّ وَغَيره إِسْمَاعِيل البوشنجي وخرجرد من بِلَاد بوشنج وتفقه أَيْضا على إِبْرَاهِيم المروروذي وَقَرَأَ الْخلاف على عمر بن مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَسمع الحَدِيث من أبي نصر بن أبي الْقَاسِم الْقشيرِي الحديث: 862 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 وَالْفضل بن مُحَمَّد الأبيوردي وَالسَّيِّد بن أبي الْغَنَائِم حَمْزَة بن هبة الله بن مُحَمَّد الْعلوِي وَغَيرهم وَخرج لنَفسِهِ جزأين حدث بهما روى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ وَذكره وَالِده أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَقَالَ كَانَ فَقِيها فَاضلا برع فِي الْفِقْه وَكَانَ يحفظ الْمَذْهَب ويناظر وَقَرَأَ طرفا من الْأَدَب وأمعن فِي حفظ التواريخ والفتوح والملاحم وَكَانَ يحفظ شَيْئا كثيرا من النتف والطرف نظما ونثرا ومواليد النَّاس ووفياتهم توفّي فِي وَاقعَة الغز بمرو وَهُوَ أَنه كَانَ على المنارة بِأَسْفَل الماجان فرمت الغز لمنارة بالنَّار فَاحْتَرَقَ من فِيهَا مِنْهُم أَبُو نصر الخرجردي وَابْنه عبد الرَّزَّاق وَكَانَ ذَلِك فِي الثَّانِي عشر من رَجَب سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 863 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبيد الله مصغر بن أبي سعيد كَمَال الدّين أَبُو البركات ابْن الْأَنْبَارِي النَّحْوِيّ صَاحب التصانيف المفيدة وَله الْوَرع المتين وَالصَّلَاح والزهد سكن بَغْدَاد وتفقه على أبي مَنْصُور بن الرزاز وَقَرَأَ النَّحْو على أبي السعادات ابْن الشجري واللغة على أبي مَنْصُور بن الجواليقي وَصَارَ شيخ الْعرَاق فِي الْأَدَب غير مدافع لَهُ التدريس الحديث: 863 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 فِيهِ بِبَغْدَاد والرحلة إِلَيْهِ من سَائِر الأقطار ثمَّ انْقَطع فِي منزلَة مشتغلا بِالْعلمِ وَالْعِبَادَة والإفادة قَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف لم أر فِي الْعباد والمنقطعين أقوى مِنْهُ فِي طَرِيقه وَلَا أصدق مِنْهُ فِي أسلوبه جد مَحْض لَا يَعْتَرِيه تصنع وَلَا يعرف السرُور وَلَا أَحْوَال الْعَالم وَكَانَ لَهُ من أَبِيه دَار يسكنهَا وَدَار وحانوت مِقْدَار أجرتهما نصف دِينَار فِي الشَّهْر يقنع بِهِ وَيَشْتَرِي مِنْهُ وَرقا وسير إِلَيْهِ المستضيء خَمْسمِائَة دِينَار فَردهَا فَقَالُوا لَهُ اجْعَلْهَا لولدك فَقَالَ إِن كنت خلقته فَأَنا أرزقه وَكَانَ لَا يُوقد عَلَيْهِ ضوء وَتَحْته حَصِير قصب وَعَلِيهِ ثوب وعمامة من قطن يَلْبسهُمَا يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ لَا يخرج إِلَّا للْجُمُعَة ويلبس فِي بَيته ثوبا خلقا وَكَانَ مِمَّن قعد فِي الْخلْوَة عِنْد الشَّيْخ أبي النجيب قلت سمع الحَدِيث من أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الْملك بن خيرون وَأبي البركات عبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك الْأنمَاطِي وَأبي نصر أَحْمد بن نظام الْملك وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عطاف الْموصِلِي وَغَيرهم وَحدث باليسير روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي وَابْن الدبيثي وطائفه وَمن تصانيفه فِي الْمَذْهَب هِدَايَة الذَّاهِب فِي معرفَة الْمذَاهب وبداية الْهِدَايَة وَفِي الْأُصُول الدَّاعِي إِلَى الْإِسْلَام فِي أصُول الْكَلَام والنور اللائح فِي اعْتِقَاد السّلف الصَّالح واللباب وَغير ذَلِك وَفِي الْخلاف التَّنْقِيح فِي مَسْلَك التَّرْجِيح والجمل فِي علم الجدل وَغير ذَلِك وَفِي النَّحْو واللغة مَا يزِيد على الْخمسين مصنفا وَله شعر حسن كثير توفّي لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع شعْبَان سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة وَدفن فِي تربة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 864 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أَبُو الْقَاسِم بن أبي سعد الْفَارِسِي ثمَّ السَّرخسِيّ فَقِيه ورع تفقه على محيى السّنة الْبَغَوِيّ وَبعده على عبد الرَّحْمَن بن عبد الله النيهي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَكَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب وَتُوفِّي كهلا سنة سِتّ أَو خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة 865 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أَبُو الْفتُوح السلمويي اللباد من أهل نيسابور تفقه على أبي نصر الْقشيرِي بنيسابور وَأبي بكر السَّمْعَانِيّ بمرو قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا ورعا تقيا نظيفا محتاطا كثير الْعِبَادَة دَائِم المجاهدة اقْتصر على خشونة الْعَيْش ولازم الْعُزْلَة مَاتَ بأصبهان فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 866 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْحسن الْقزْوِينِي أَبُو حَامِد بن أبي الْفرج بن الشَّيْخ أبي حَاتِم الْأنْصَارِيّ كَانَ إِمَامًا مفتيا مناظرا من بَيت الْفضل وَالدّين ورد خُرَاسَان وَدخل إِلَى مَا وَرَاء النَّهر وتفقه بِتِلْكَ الديار الحديث: 864 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 توفّي بآمل فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة ووالده أَبُو الْفرج مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فَقِيه صَالح حج وَضاع لَهُ ابْن يشبه أَن يكون هَذَا قبل وُصُوله إِلَى الْمَدِينَة قَالَ بَعضهم فَجعل يتمرغ فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التُّرَاب ويتشفع بِهِ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي لَقِي وَلَده والخلق حوله فَبينا هُوَ فِي تِلْكَ الْحَال إِذْ دخل ابْنه من بَاب الْمَسْجِد وجده الشَّيْخ أَبُو حَاتِم من أَعْلَام الْمَذْهَب 867 - عبد الرَّحْمَن بن هبة الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم الْقشيرِي أَبُو خلف بن أبي سعد النَّيْسَابُورِي ولد بهَا فِي الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَولى خطابة نيسابور بعد وَالِده وَكَانَ ضريرا وَكَانَ ورعا عَالما مليح الْوَعْظ سمع من عبد الْغفار الشيروي وَإِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الْفَارِسِي وَخلق وروى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ توفّي بنيسابور يَوْم عَاشُورَاء سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة 868 - عبد الرَّحِيم بن رستم أَبُو الْفَضَائِل الزنجاني تفقه بِبَغْدَاد على أبي مَنْصُور الرزاز وَقدم دمشق فدرس بالمجاهدية ثمَّ بالغزالية ثمَّ ولى قَضَاء بعلبك وَقتل بهَا شَهِيدا الحديث: 867 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر كَانَ عَالما بِالْمذهبِ وَالْأُصُول وعلوم الْقُرْآن قتل بيعلبك فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 869 - عبد الرَّحِيم بن عبد القاهر بن عبد الله بن عموية السهروردي أَبُو الرِّضَا بن أبي النجيب الْوَاعِظ الصُّوفِي مَاتَ بعد السِّتين والخمسمائة 870 - عبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم بن هوزان الْأُسْتَاذ أَبُو نصر بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي الإِمَام الْعلم بَحر مغدق زخار وَحبر هُوَ فِي زَمَانه رَأس الْأَحْبَار إِذا قيل كَعْب لأحبار وَهَمَّام مقدم وَإِمَام تقتدي بِهِ الهداة وتأتم نما من تِلْكَ الْأُصُول الطاهرة غصنه المورق عَليّ الأنجم الزاهرة بدره الْمشرق ورع يأنف أَن يعد غير دَار السَّلَام دَارا ويستقل الجوزاء إِذا هُوَ جاوزها أَن يتَّخذ فِيهَا قرارا مجل مَا ادلهم ليل المشكلات وأمسي ومصل يسمع النَّاس لكَلَامه فَلَا تسمع لَهُم إِلَّا همسا تلْتَقط الدُّرَر من كلمة ويتناثر الْجَوْهَر من حكمه ويؤوب المذنب عِنْد وعظه وَيَتُوب العَاصِي بِمُجَرَّد سَماع لَفظه ينطبع فِي الْقلب من كَلِمَاته صُورَة وَيحدث للأنفس الزكية مِنْهُ الحديث: 869 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 عظات إِذا مدها لم تكن على أهل الطَّاعَة مَقْصُورَة كم من فَاسق تَابَ فِي مَجْلِسه وَدخل فِي الطَّاعَة وَكم من كَافِر آب إِلَى الْحق سَاعَة وعظه وآمن فِي السَّاعَة بِمن بعث بَين يَدي السَّاعَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو اسْتمع لَهُ الصخر لانفلق وَلَو فهم كَلَامه الْوَحْش لاستحسنه وَقَالَ صدق يصدع الْقلب القاسي خطابه ويكاد يجمع عِظَام ذَوي الْغَفْلَة النخرة عتابه ويشتت شَمل الشَّيَاطِين مَا يَقُول ويفتت الأكباد مَا يجمعه من الْحق المقبول هُوَ الرَّابِع من أَوْلَاد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم وَأَكْثَرهم علما وأشهرهم اسْما وَالْكل من السيدة الجليلة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق تحرج بوالده ثمَّ على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَسمع أَبَاهُ وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبا الْحُسَيْن الْفَارِسِي وَأَبا حَفْص بن مسرور وَأَبا سعد الكنجروذي وَأَبا بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبا الْحُسَيْن بن النقور وَأَبا الْقَاسِم الزنجاني وَغَيرهم بخراسان وَالْعراق والحجاز وَحدث بالكثير روى عَنهُ سبطه أَبُو سعد عبد الله بن عمر الصفار وَأَبُو الْفتُوح الطَّائِي وخطيب الْموصل أَبُو الْفضل الطوسي وَغَيرهم وَأَبُو سعد الصفار آخر من حدث عَنهُ وَمن الْغَرِيب أَنه سمع مِنْهُ وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين وَكتب الطَّبَقَة بِخَطِّهِ وَبَقِي إِلَى سنة سِتّمائَة ذكر صَاحب السِّيَاق وأفصح المؤرخين على الْإِطْلَاق عبد الغافر الْفَارِسِي الْأُسْتَاذ أَبَا نصر فَقَالَ إِمَام الْأَئِمَّة وَحبر الْأمة وبحر الْعُلُوم وَصدر القروم قَالَ وَهُوَ أشبه أَوْلَاد أَبِيه بِهِ خلقا حَتَّى كَأَنَّهُ شقّ مِنْهُ شقا رباه وَالِده أحسن تربية وزقه الْعَرَبيَّة فِي صباه زقا حَتَّى برع فِيهَا وكمل فِي النّظم والنثر فحاز فيهمَا قصب السَّبق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 وَكَانَ ينفث بِالسحرِ أقلامه على الرّقّ استوفى الْحَظ الأوفى من علم الْأُصُول وَالتَّفْسِير تلقنا من وَالِده ورزق السرعة فِي الْكِتَابَة بِحَيْثُ كَانَ يكْتب كل يَوْم طاقات على الاعتياد لَا يلْحقهُ فِيهِ كَبِير مشقة وَحصل أنواعا من الْعُلُوم الدقيقة والحساب وَلما توفّي أَبوهُ انْتقل إِلَى مجْلِس إِمَام الْحَرَمَيْنِ وواظب على درسه وصحبته لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَزِمَه عشيا وإبكارا حَتَّى حصل طَرِيقَته فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وجدد عَلَيْهِ الْأُصُول وَكَانَ الإِمَام يعْتد بِهِ ويستفرغ أَكثر أَيَّامه مَعَه مستفيدا مِنْهُ بعض مسَائِل الْحساب فِي الْفَرَائِض والدور والوصاية فَلَمَّا فرغ من تَحْصِيل الْفِقْه تأهب لِلْخُرُوجِ لِلْحَجِّ وَحين وصل إِلَى بَغْدَاد وَعقد لَهُ الْمجْلس وَرَأى أهل بَغْدَاد فَضله وكماله وعانيوا خصاله بداله من الْقبُول عِنْدهم مَا لم يعْهَد مثله لأحد قبله وَحضر مَجْلِسه الْخَواص وَلزِمَ الْأَئِمَّة مثل أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الَّذِي هُوَ فَقِيه الْعرَاق فِي وقته عتبَة منبره وأطبقوا على أَنهم لم يرَوا مثله فِي تبحره وَخرج إِلَى الْحَج وَلما عَاد كَانَ الْقبُول عَظِيما وزائدا على مَا كَانَ من قبل وَبلغ الْأَمر فِي التعصب لَهُ مبلغا يُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَة وقلما كَانَ يَخْلُو مَجْلِسه عَن إِسْلَام جمَاعَة من أهل الذِّمَّة وَخرج بعد من قَابل رَاجعا إِلَى الْحَج فِي أكمل حرمه وترفه فِي خدمَة من أَمِير الْحَاج وَأَصْحَابه وَعَاد إِلَى بَغْدَاد وَأمر الْقبُول بِحَالهِ والفتنة مشرئبة تكَاد تضطرم فَبعث إِلَيْهِ نظام الْملك يستحضره من بَغْدَاد إِلَى أَصْبَهَان فَأكْرم مورده وَبَقِي أهل بَغْدَاد عطاشا إِلَيْهِ وَإِلَى كَلَامه مِنْهُم من لم يفْطر عَن الصَّوْم سِنِين بعده وَمِنْهُم من لم يحضر من بعده مجْلِس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 تذكير قطّ وَأَشَارَ الصاحب عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى خُرَاسَان وَوَصله بصلات سنية وَدخل قزوين وَلَقي بهَا قبولا تَاما وَلما عَاد استقبله الْأَئِمَّة والصدور وَكَانَ يواظب بعد مَا لَقِي من الْقبُول على درس إِمَام الْحَرَمَيْنِ ويشتغل بِزِيَادَة التَّحْصِيل وَكَانَ أَكثر صغوة فِي أَوَاخِر أَيَّامه إِلَى الرِّوَايَة قَلما يَخْلُو يَوْم من أَيَّامه عَن مجْلِس للْحَدِيث أَو مجلسين وَتُوفِّي عديم النظير فريد الْوَقْت بَقِيَّة أكَابِر الدُّنْيَا انْتهى قلت وَأعظم مَا عظم بِهِ أَبُو نصر أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ نقل عَنهُ فِي كتاب الْوَصِيَّة من النِّهَايَة وَهَذِه مرتبَة رفيعة والفتنة الْمشَار إِلَيْهَا فِي كَلَام عبد الغافر فتْنَة الْحَنَابِلَة فَإِن الْأُسْتَاذ أَبَا نصر قَامَ فِي نصْرَة مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وباح بأشد النكير على مخالفيه وغبر فِي وُجُوه المجسمة فِي كائنه لَا يَخْلُو هَذَا الْكتاب عَن شرحها وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو نصر قد اعتقل لِسَانه فِي آخر عمره إِلَّا عَن الذّكر فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بآي الْقُرْآن وَكَانَ يحفظ من الْأَشْعَار والحكايات مَالا يُحْصى كَثْرَة وَقيل إِنَّه كَانَ يحفظ خمسين ألف نصف بَيت قيل وَكَانَ يحب الْعُزْلَة والانزواء فَلَمَّا انقرضت الجوينية وَصَارَ مقدما احْتَاجَ إِلَى الْخُرُوج وَحُضُور المحافل إِذْ كَانَ قد بَقِي عين أهل مَدِينَة نيسابور والمشار إِلَيْهِ فِي صُدُور محافل العزاء والهناء بَعْدَمَا انقرض بَيت الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَولده إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ رجلا معظماحتى عِنْد مشايخه فَلَقَد أطنب شَيْخه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ شَيْخه إِمَام الْحَرَمَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 وَدخل الْأُسْتَاذ أَبُو نصر مرّة على الإِمَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ فَأَنْشَأَ الإِمَام ارتجالا (يميس كغصن إِذا مَا بدا ... ويبدو كشمس ويرنو كريم) (مَعَاني النجابة مَجْمُوعَة ... لعبد الرَّحِيم بن عبد الْكَرِيم) وَمن شعر الْأُسْتَاذ أبي نصر (ليَالِي وصال قد مضين كَأَنَّهَا ... لآلي عُقُود فِي نحور الكواعب) (وَأَيَّام هجر أعقبتها كَأَنَّهَا ... بَيَاض مشيب فِي سَواد الذوائب) وَقَالَ (تَقْبِيل خدك أشتهى ... أمل إِلَيْهِ أنْتَهى) (لَو نلْت ذَلِك لم أبل ... بِالروحِ منى أَن تهي) (دنياي لَذَّة سَاعَة ... وعَلى الْحَقِيقَة أَنْت هِيَ) وَقَالَ أَيْضا (شَيْئَانِ من يعذلني فيهمَا ... فَهُوَ على التَّحْقِيق مني بَرى) (حب أبي بكر إِمَام التقى ... ثمَّ اعتقادي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ) وَقَالَ فِي وَلَده فضل الله (كم حسرة لي فِي الحشا ... من وَلَدي وَقد نشا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 (كُنَّا نشَاء رشده ... فَمَا نشا كَمَا نشا) وَقَالَ (رَمَضَان أرمضني بصادات على ... عدد الطبائع والفصول الْأَرْبَعَة) (صَوْم وَصوب مَا يغيب سَحَابَة ... وصبابة وصدود من قلبِي مَعَه) وَوَقعت إِلَيْهِ رقْعَة استفتاء فِيهَا (مَا على عاشق رأى الْحبّ مختا ... لَا كغصن الْأَرَاك يحمل بَدْرًا) (فَدَنَا نَحوه يقبل خديه ... غراما بِهِ ويلثم ثغرا) (وَعَلِيهِ من العفاف رَقِيب ... لَا يداني فِي سنة الْحبّ غدرا) (أعليه جِنَايَة توجب الْحَد م ... أجبنا لقِيت رشدا وَبرا) فَأجَاب من أَبْيَات (مَا على من يقبل الْحبّ حد ... غير أَنِّي أرَاهُ حاول نكرا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 (لَا تشوق للثم خد وثغر ... لَو تعففت كَانَ ذَلِك أَحْرَى) (فاخش مِنْهُ إِذا تسامحت فِيهِ ... غائلات تجر إِثْمًا ووزرا) توفّي الْأُسْتَاذ أَبُو نصر يَوْم الْجُمُعَة الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة بنيسابور وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ أبونصر سَمِعت وَالِدي يَقُول ليكن لَك فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة سَاعَة تحضر فِيهَا بقلبك وتخلو بِرَبِّك وَتقول تدارك قلبِي بشظية من إقبالك بذره من أفضالك من نذر أَن لَا يكلم الْآدَمِيّين أَو الصمت فِي صَوْمه قَالَ الرَّافِعِيّ فِي آخرباب النّذر فِي تَفْسِير أبي نصر الْقشيرِي أَن الْقفال قَالَ من الْتزم بِالنذرِ أَن لَا يكلم الْآدَمِيّين يحْتَمل أَن يُقَال يلْزمه لِأَنَّهُ مِمَّا يتَقرَّب بِهِ وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا لما فِيهِ من التَّضْيِيق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 وَالتَّشْدِيد وَلَيْسَ ذَلِك من شرعنا كَمَا لَو نذر الْوُقُوف فِي الشَّمْس قلت وَقد رَأَيْت ذَلِك فِي تَفْسِير أبي نصر الْمَذْكُور قَالَ وعَلى هَذَا يكون نذر الصمت يَعْنِي فِي قَوْله {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} فِي تِلْكَ الشَّرِيعَة لَا فِي شريعتنا ذكره فِي تَفْسِير سُورَة مَرْيَم وَمرَاده بالقفال فِيمَا أَحسب الْقفال الْكَبِير صَاحب التَّفْسِير لَا الْقفال الْمروزِي فَليعلم ذَلِك وَرَأَيْت صَاحب الْبَحْر قد ذكر فِي كتاب الصَّوْم مَا نَصه فرع جرد عَادَة النَّاس بترك الْكَلَام فِي رَمَضَان وَلَيْسَ لَهُ أصل فِي الشَّرْع وَالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة لم يفعلوه إِلَّا أَن لَهُ أصلا فِي شرع من قبلنَا قَالَ تَعَالَى لزكريا عَلَيْهِ السَّلَام {أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سويا} وَقَالَت مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام {إِنِّي نذرت للرحمن صوما فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسيا} وَقد قَالَ بعض أَصْحَابنَا شرع من قبلنَا يلْزمنَا فَيكون هَذَا قربَة تسْتَحب وَمن قَالَ لَا يلْزمنَا شرع من قبلنَا قَالَ لَا يسْتَحبّ انْتهى قلت وعَلى هَذَا تتخرج الْمَسْأَلَة السَّابِقَة فَإِن قُلْنَا قربَة صَحَّ الْتِزَامه بِالنذرِ وَإِلَّا فَلَا 871 - عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن الْحسن بن احْمَد بن المفرج بن أَحْمد القَاضِي الْفَاضِل مُحي الدّين أَبُو عَليّ بن القَاضِي الْأَشْرَف اللَّخْمِيّ البيساني الْعَسْقَلَانِي مولد الْمصْرِيّ الحديث: 871 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 إِمَام الأدباء وقائد لِوَاء أهل الترسل وَصَاحب صناعَة الْإِنْشَاء أجمع أهل الْأَدَب على أَن الله تَعَالَى لم يخلق فِي صناعَة الترسل من بعده مثله وَلَا من قبله بِأَكْثَرَ من مِائَتي عَام وَرُبمَا زادوا وَهُوَ بَينهم كالشافعي وَأبي حنيفَة بَين الْفُقَهَاء بل هم لَهُ أخضع لِأَن أَصْحَاب الْإِمَامَيْنِ قد يتنازعون فِي الأرجحية فَكل يدعى أرجحية إِمَامه وَأما هَذَا فَلَا تنَازع بَين أهل صناعته فِيهِ وَكَانَ صديق السُّلْطَان صَلَاح الدّين وعضده ووزيره وَصَاحب ديوَان إنشائه ومشيره وخليطه وسميره ولد فِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَسمع الحَدِيث من الْحَافِظ أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأبي طَاهِر السلَفِي وَأبي مُحَمَّد العثماني وَأبي الطَّاهِر بن عَوْف وَغَيرهم وَكَانَ ذَا دين وتقوى وتقشف مَعَ الرياسة التَّامَّة والإغضاء والصفح والحلم وَالْعَفو والستر صَاحب أوراد من صَلَاة وَصِيَام وَغَيرهمَا مَعَ التَّمَكُّن الزَّائِد فِي الدولة وَذكر الْعِمَاد الْكَاتِب أَنه كَانَ يخْتم كل يَوْم الْقُرْآن الْمجِيد ويضيف إِلَيْهِ مَا شَاءَ الله وبلغنا أَن كتبه الَّتِي ملكهَا مائَة ألف مُجَلد وَكَانَ كثير الْبر وَالصَّدَََقَة مقتصدا فِي ملبسه وَطَعَامه كثير التشييع للجنائز وعيادة المرضى لَهُ تهجد فِي اللَّيْل لَا يخل بِهِ وَعَادَة فِي زِيَارَة الْقُبُور لَا يقطعهَا مَعَ كَونه أحدب ضَعِيف البنية كثير الِاشْتِغَال وَكتب من الْإِنْشَاء الْفَائِق الرَّائِق الَّذِي خضعت لَهُ الرّقاب مَا يَرْبُو على مائَة مُجَلد قيل وَكَانَ يدْخل لَهُ فِي السّنة نَحْو خمسين ألف مِثْقَال من الذَّهَب غير مَا يدْخل لَهُ من فَوَائِد المتجر وَكَانَت متاجره فِي الْهِنْد والغرب وَمَا بَين ذَلِك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 مَاتَ سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 872 - عبد الرَّزَّاق بن عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق الطوسي أَبُو الْمَعَالِي وَقيل أَبُو المحاسن الْمَعْرُوف بالشهاب الْوَزير وَزِير السُّلْطَان سنجر ولد سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة بنيسابور وَسمع أَبَا بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَأَبا المظفر السَّمْعَانِيّ وَغَيرهمَا روى عَنهُ السَّمْعَانِيّ وَغَيره وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير أَخذ عَن الإِمَام أبي الْمَعَالِي حَتَّى صَار من فحول المناظرين وَكَانَ إِمَام نيسابور فِي عصره وَمن مشاهير الْعلمَاء ولى التدريس بمدرسة عَمه نظام الْملك مُدَّة ثمَّ ارْتَفَعت دَرَجَته إِلَى أَن صَار وَزِير السُّلْطَان سنجر ابْن ملكشاه وَبَقِي على الوزارة مُدَّة وَكَانَ يجْتَمع عِنْده الْأَئِمَّة ويناظرهم وَيظْهر كَلَامه عَلَيْهِم وَكَانَ فصيحا جرئيا قَالَ وَتُوفِّي بسرخس يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع عشر من الْمحرم سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة وَحمل إِلَى نيسابور وَدفن بداره بِرَأْس القنطرة قلت وَأَجَازَ لِابْنِ السَّمْعَانِيّ الحديث: 872 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 873 - عبد الرَّزَّاق بن مُحَمَّد الماخواني قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير كَانَ دهقانا لَا يعرف شَيْئا وَأما وَالِده فَكَانَ إِمَام عصره وَقد سمع هُوَ من وَالِده وَمَات فِي صفر سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 874 - عبد السَّلَام بن الْفضل أَبُو الْقَاسِم الجيلي أَقَامَ بِبَغْدَاد مُدَّة متفقها بِالْمَدْرَسَةِ النظامية على إِلْكيَا وَولي قَضَاء الْبَصْرَة وَسمع بِمَكَّة صَحِيح مُسلم من الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ وَكَانَ فَقِيها أصوليا توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 875 - عبد السَّلَام بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد أَبُو شُجَاع الْخَطِيب من أهل البندنيجين صحب أَبَا النجيب السهروردي بِبَغْدَاد وتفقه عَلَيْهِ وَسمع الحَدِيث من أبي الْوَقْت السجْزِي وَغَيره وَتَوَلَّى قَضَاء البندنيجين وَتُوفِّي بهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة الحديث: 873 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 876 - عبد السَّلَام بن مُحَمَّد الشَّيْخ ظهير الدّين الْفَارِسِي أحد الْأَئِمَّة المعتبرين قَالَ ابْن باطيش قدم الْموصل فصادف من صَاحبهَا قبولا وفوض إِلَيْهِ تدريس الْفَرِيقَيْنِ الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَبَقِي بهَا مُدَّة يدرس وافر الْحُرْمَة ثمَّ توجه إِلَى حلب على عَزِيمَة الْعود إِلَى الْموصل ثمَّ مَاتَ بهَا سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 877 - عبد الصَّمد بن الْحُسَيْن بن عبد الْغفار الكلاهيني الزنجاني أَبُو المظفر بن أبي عبد الله الصُّوفِي الملقب بالبديع وكلاهين من نواحي زنجان تفقه فِي بَغْدَاد بالنظامية على أسعد الميهني وَسمع الحَدِيث من هبة الله بن مُحَمَّد بن الْحصين وزاهر بن طَاهِر الشحامي وَأبي غَالب مُحَمَّد بن الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وَغَيرهم وَصَحب الشَّيْخ أَبَا النجيب السهروردي وَانْقطع إِلَى الْعِبَادَة وَالْخلْوَة والرياضة ومواصلة الصّيام وَالْقِيَام حَتَّى ظَهرت عَلَيْهِ أنوار الطَّاعَة وَظهر لَهُ الْقبُول من النَّاس وَصَارَ مِمَّن الحديث: 876 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 يشار إِلَيْهِ بالزهد وَالْعِبَادَة ويقصده النَّاس للتبرك بِهِ وَاتخذ بعد موت الشَّيْخ أبي النجيب رَحمَه الله لنَفسِهِ رِبَاطًا وَكَانَ يعْقد بِهِ مجْلِس الْوَعْظ ويحضره النَّاس وَحدث بالكثير روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي وَغَيره وَقد سُئِلَ عَن مولده فَذكر أَنه قبل الْخَمْسمِائَةِ وَتُوفِّي يَوْم الْأَحَد لأَرْبَع عشرَة خلت من ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 878 - عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن الْحُسَيْن الشَّيْخ أَبُو الْفضل الأشنهي صَاحب الْفَرَائِض الْمَشْهُورَة بِضَم الْألف وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم النُّون وَكسر الْهَاء نِسْبَة إِلَى قَرْيَة أشنه بليدَة بِأَذربِيجَان تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع أَبَا جَعْفَر بن الْمسلمَة وَغَيره سمع مِنْهُ الْفضل بن مُحَمَّد النوقاني هَذَا كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ وَلم يزدْ شَيْئا إِلَّا أَنه أسْند لَهُ حَدِيثا وَلم يذكرهُ ابْن النجار 879 - عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل بن عبد الغافر بن مُحَمَّد بن عبد الغافر الْحَافِظ أَبُو الْحسن الْفَارِسِي ثمَّ النَّيْسَابُورِي حفيد رَاوِي صَحِيح مُسلم أبي الْحُسَيْن عبد الغافر بن مُحَمَّد ولد سنة إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 878 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 وَسمع من جده لأمه أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأحمد بن مَنْصُور المغربي وَأحمد بن الْحسن الْأَزْهَرِي وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن عبيد الله الصرام وَعبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن الْبُحَيْرِي وَأبي بكر بن خلف وجدته فَاطِمَة بنت الدقاق وخلائق وَأَجَازَهُ أَبُو سعد مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الكنجروذي وَأَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِي مُسْند بَغْدَاد وَغَيرهمَا روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو الْعَلَاء الهمذاني وَذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَن ابْن عَسَاكِر لم يرو عَنهُ إِلَّا بِالْإِجَازَةِ لَكِن روى عَنهُ بِالسَّمَاعِ أَبُو سعد عبد الله بن عمر الصفار وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَزِمَه مُدَّة وَكَانَ إِمَامًا حَافِظًا مُحدثا لغويا فصيحا أديبا ماهرا بليغا آدب المؤرخين وأفصحهم لِسَانا وَأَحْسَنهمْ بَيَانا أورثته صُحْبَة الإِمَام فَنًّا من الفصاحة وأكسبته ملازمته إِيَّاه سهرا حمد صباحه وَكَانَ خطيب نيسابور وإمامها وفصيحها الَّذِي أَلْقَت إِلَيْهِ البلاغة زمامها وبليغها الَّذِي لم يتْرك مقَالا لقَائِل وأديبها الْآتِي بِمَا لم يستطعه كثير من الْأَوَائِل رَحل إِلَى خوارزم وَإِلَى غزنة وجال فِي بِلَاد الْهِنْد وصنف السِّيَاق لتاريخ نيسابور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 وَكتاب مجمع الغرائب فِي غَرِيب الحَدِيث وَكتاب الْمُفْهم لشرح غَرِيب مُسلم توفّي سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة بنيسابور 880 - عبد الغافر السروستاني من أهل فَارس وَيعرف بالركن تفقه بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بِبَغْدَاد وَكَانَ أديبا فَاضلا عفيفا مَسْتُورا قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب إِنَّه غلب عَلَيْهِ الْعِشْق حَتَّى حمل إِلَى البيمارستان وَقيد ثمَّ إِنَّه عوفي مِمَّا ابتلى بِهِ وَلم يقم بعد ذَلِك بِبَغْدَاد خجلا وكتبت عَنهُ أبياتا من شعره مليحة 881 - عبد القاهر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمويه واسْمه عبد الله بن سعد بن الْحُسَيْن بن عَلْقَمَة بن النَّضر بن معَاذ بن عبد الرَّحْمَن الحديث: 880 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 الشَّيْخ أَبُو النجيب السهروردي الصُّوفِي الزَّاهِد الْفَقِيه الإِمَام الْجَلِيل أحد أَئِمَّة الطَّرِيقَة ومشايخ الْحَقِيقَة من هداة الدّين وأئمة الْمُسلمين ولد فِي صفر سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا عَليّ بن نَبهَان وزاهر بن طَاهِر وَالْقَاضِي أَبَا بكر الْأنْصَارِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن عَسَاكِر وَابْنه الْقَاسِم وَابْن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو أَحْمد بن سكينَة وَابْن أَخِيه الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن أخي أبي النجيب السهروردي وزين الْأُمَنَاء أَبُو البركات وَخلق كَانَ من أهل سهرورد ثمَّ قدم بَغْدَاد وتفقه بِالْمَدْرَسَةِ النظامية على أسعد الميهني وعلق عَنهُ التَّعْلِيق وبرع فِي الْمَذْهَب وتأدب على الفصيحي وَسمع الحَدِيث مِمَّن ذكرنَا ثمَّ ولي تدريس النظامية فدرس بهامدة ثمَّ انْصَرف عَنْهَا وَصَحب الشَّيْخ أَحْمد الْغَزالِيّ وهب لَهُ نسيم التَّوْفِيق ودله على سَوَاء الطَّرِيق فَانْقَطع عَن النَّاس وآثر الْعُزْلَة وَالْخلْوَة واشتملت المريدون عَلَيْهِ وعمت بركته وَبَقِي عدَّة سِنِين يَسْتَقِي بالقربة على ظَهره بِالْأُجْرَةِ ويتقوت بذلك ويقوت من عِنْده من الْأَصْحَاب وَكَانَت لَهُ خربة على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 دجلة يأوي إِلَيْهَا هُوَ وَأَصْحَابه واشتهر اسْمه وَبعد صيته واستفاضت كراماته وَبنى تِلْكَ الخربة رِبَاطًا وَبنى إِلَى جَانبهَا مدرسة فَصَارَ حمى لمن التجأ إِلَيْهِ من الْخَائِفِينَ يجير من السُّلْطَان والخليفة وَغَيرهمَا وأفلح بِسَبَبِهِ خلق وأملى مجَالِس وصنف مصنفات واتفقت لَهُ فِي بدايته مجاهدات كَثِيرَة وَاجْتمعَ بسادات وَحكى عَن نَفسه قَالَ كنت أَدخل على شَيْخي وَرُبمَا يكون اعْتَرَانِي بعض الفتور عَمَّا كنت عَلَيْهِ من المجاهدة فَيَقُول لي أَرَاك قد دخلت وَعَلَيْك ظلمَة فَأعْلم سَبَب ذَلِك وكرامة الشَّيْخ وَكنت أبقى الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة لَا أستطعم بزاد وَكنت أنزل إِلَى دجلة وأتقلب فِي المَاء ليسكن جوعى حَتَّى دعتني الْحَاجة إِلَى أَن اتَّخذت قربَة أستقي بهَا المَاء للقوت فَمن أَعْطَانِي شَيْئا أَخَذته وَمن لم يُعْطِنِي تركته وَلما تعذر عَليّ ذَلِك فِي الشتَاء خرجت يَوْمًا إِلَى بعض الْأَسْوَاق فَوجدت رجلا وَبَين يَدَيْهِ طبرزد وَعِنْده جمَاعَة يدقون الْأرز فَقلت هَل لَك أَن تستأجرني فَقَالَ أَرِنِي يَديك فأريته فَقَالَ هَذِه يَد لَا تصلح إِلَّا للقلم ثمَّ ناولني قرطاسا فِيهِ ذهب فَقلت مَا آخذ إِلَّا أُجْرَة عَمَلي فاستأجرني على النّسخ إِن كَانَ لَك نسخ وَإِلَّا انصرفت وَكَانَ رجلا يقظا فَقَالَ اصْعَدْ وَقَالَ لغلامه نَاوَلَهُ المدقة فناولني فدققت مَعَهم وَلَيْسَ لي عَادَة وَصَاحب الدّكان يلحظني فَلَمَّا عملت سَاعَة قَالَ تعال فَجئْت إِلَيْهِ فناولني الذَّهَب وَقَالَ هَذِه أجرتك فَأَخَذته وانصرفت ثمَّ أوقع الله فِي قلبِي الِاشْتِغَال بِالْعلمِ فاشتغلت حَتَّى أتقنت الْمَذْهَب وقرأت أصُول الدّين وأصول الْفِقْه وحفظت وسيط الواحدي فِي التَّفْسِير وَسمعت كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة توفّي الشَّيْخ أَبُو النجيب فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 882 - عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ البياري الأزناوي أَبُو الْفضل من أهل همذان تفقه بِبَغْدَاد على أسعد الميهني وَسمع الحَدِيث من أبي الْقَاسِم بن بَيَان وَغَيره ثمَّ سَافر إِلَى الْموصل ولازم عَليّ بن سَعَادَة بن السراج الْفَقِيه وعلق عَنهُ الْخلاف وَسمع من أبي البركات بن خَمِيس وَعَاد إِلَى بَغْدَاد روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 883 - عبد الْكَرِيم بن شُرَيْح بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد الرَّوْيَانِيّ أَبُو معمر الطَّبَرِيّ قَاضِي آمل طبرستان وَوَقع فِي نُسْخَتي من كتاب ابْن باطيش إِسْقَاط شُرَيْح بن عبد الْكَرِيم وَأحمد الحديث: 882 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 وَهُوَ غلط تَبعته عَلَيْهِ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى وَالصُّغْرَى وَالصَّوَاب مَا ذكرته هُنَا وَشُرَيْح وَالِده هُوَ صَاحب أدب الْقَضَاء الْمُسَمّى بروضة الْحُكَّام وَعبد الْكَرِيم جده لَا أعرفهُ وَأحمد وَالِد جده هُوَ أَبُو الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ الإِمَام الْكَبِير صَاحب الجرجانيات ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ عبد الْكَرِيم هَذَا فِي كتاب التحبير وَقَالَ إِمَام فَاضل مناظر فَقِيه حسن الْكَلَام فصيح الْمنطق ورد نيسابور وَأقَام بهاوسمع ببسطام أَبَا الْفضل مُحَمَّد ابْن عَليّ بن أَحْمد السهلكي وَسمع أَيْضا بطبرستان وساوة ونيسابور وأصبهان وَعدد ابْن السَّمْعَانِيّ جمَاعَة من مشايخه ثمَّ قَالَ لَقيته بمرو سنة نَيف وَعشْرين وَكَانَ قدمهَا طَالبا لقَضَاء بَلَده حضر يناظرنا وَتكلم فِي مَسْأَلَة الْقَتْل بالمثقل فَأكْرم الْوَزير مَحْمُود بن أبي تَوْبَة مورده وفوض إِلَيْهِ الْقَضَاء وَلم يتَّفق لي أَن أسمع مِنْهُ شَيْئا وَكتب إِلَيّ الْإِجَازَة بِجَمِيعِ مسموعاته من آمل وَمَات بهَا فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 884 - عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّزَّاق بن عبد الْكَرِيم بن عبد الْوَاحِد ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان الحسناباذي أَبُو طَاهِر من أهل أَصْبَهَان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ أحد المعروفين بالخصال الجميلة والأخلاق المرضية وَكَانَ الحديث: 884 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 فَاضلا يرجع إِلَى معرفَة بالفقه والعربية ولسان أهل الْمعرفَة تفقه على أبي بكر مُحَمَّد بن ثَابت الخجندي سمع أَبَاهُ وَأَبا عُثْمَان سعيد بن ابي سعيد الصُّوفِي وَابْن هزار مرد الصريفيني وَابْن الْمُهْتَدي بِاللَّه وَغَيرهم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سمع مِنْهُ وَالِدي ولى عَنهُ إجَازَة صَحِيحَة توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخَمْسمِائة 885 - عبد الْكَرِيم بن عبد الْوَهَّاب بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عَليّ الْجُوَيْنِيّ أَبُو المظفر تفقه على أبي بكر بن السَّمْعَانِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَولي الْقَضَاء بِنَاحِيَة جُوَيْن وَسمع عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم الْقشيرِي وَإِسْمَاعِيل بن الْبَيْهَقِيّ وَالْحسن بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي الْحَافِظ وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَلم يذكر وَفَاته فِي الذيل الحديث: 885 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 886 - عبد الْكَرِيم بن عَليّ بن أبي طَالب الْأُسْتَاذ أَبُو طَالب الرَّازِيّ تلميذ الْغَزالِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام ظريف عفيف حسن السِّيرَة قَالَ وَأقَام بهراة بَين الصُّوفِيَّة وَسمع بِبَغْدَاد أَبَا بكر بن الخاضبة وَغَيره وتفقه على الْغَزالِيّ وإلكيا وَمُحَمّد بن ثَابت الخجندي روى عَنهُ أَبُو النَّصْر الفامي مؤرخ هراة وَغَيره قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت أَبَا نعيم عبد الرَّحْمَن بن عمر الْأَصْفَر البامنجي يَقُول لما فرغت من التفقه على الإِمَام الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء وَرجعت إِلَى بامئين كَانَ أحد الْفُقَهَاء دخل عَليّ وَجرى بَيْننَا مذاكرة علمية فوقعنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة رجل لَهُ امْرَأَتَانِ طلق إِحْدَاهمَا فَسئلَ أَيهمَا طلقت فَقَالَ هَذِه بل هَذِه فَقلت وَهَذِه مَسْأَلَة مشكلة وَكَانَ الإِمَام يَقُول لنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِشْكَال فَحمل بعض الْفُقَهَاء هَذِه اللَّفْظَة إِلَى الإِمَام وَزَاد فِيهِ حسد أَنه قَالَ مَا علم الْأُسْتَاذ هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَا فهمها كَمَا يجب فَدَعَا الشَّيْخ عَليّ وَأظْهر الْكَرَاهَة فَقُمْت ومضيت إِلَى مرو الروذ رَاجِلا ووصلت إِلَيْهَا بالباكر فَلَمَّا قصدت الشَّيْخ كَانَ فِي الدَّرْس وَالْفُقَهَاء حُضُور فَألْقى عَلَيْهِم الدُّرُوس وَالْإِمَام عبد الْكَرِيم الرَّازِيّ بجنبه قَاعد وَكَانَ يحضر درسه للتبريك لِأَنَّهُ كَانَ من الْأَئِمَّة الْكِبَار فَصَبَرت حَتَّى فرغ الإِمَام من الدَّرْس وَخرج الْفُقَهَاء وَلم يبْق إِلَّا الإمامان الْحُسَيْن الحديث: 886 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 وَعبد الْكَرِيم فَدخلت وسلمت فَرد الإِمَام الْحُسَيْن السَّلَام وَمَا رفع رَأسه إِلَيّ فَقَعَدت وشرحت الْحَال بَين يديهما فَقَالَ الإِمَام الْحُسَيْن لَيْسَ الْفِقْه إِلَّا حل الْإِشْكَال وَلم يطب قلب الإِمَام فَقَالَ الإِمَام عبد الْكَرِيم الرَّازِيّ لَهُ إِن للفقهاء شرطا وللصوفية شرطا وَمن شَرط الْفَقِيه أَن يعْتَرض على أستاذه وَيصير إِلَى حَاله يُمكنهُ أَن يَقُول لأستاذه لم وَيحسن الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ وَمن شَرط الصُّوفِيَّة أَن لَا يعْتَرض على شَيْخه أصلا وَيكون كالميت بَين يَدي الْغَاسِل ثمَّ قَالَ وهب أَن تلميذك اعْترض عَلَيْك فَهَذَا من شَرط الْفُقَهَاء فتعفو عَنهُ فَرضِي الشَّيْخ وأدناني من نَفسه وَقبلت رجلَيْهِ وعانقني وَقمت وَرجعت فِي الْحَال إِلَى بلدي وَلم أقِم بمرو والروذ وَكَانَ الرَّازِيّ يحفظ الْإِحْيَاء للغزالي وَكَانَ صَالحا دينا توفّي بِفَارِس سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخَمْسمِائة ظنا أَو قبلهَا بِسنة أَو بعْدهَا بِسنة 887 - عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار الْحَافِظ أَبُو سعد بن الإِمَام أبي بكر بن الإِمَام أبي المظفر ابْن الإِمَام أبي مَنْصُور بن السَّمْعَانِيّ تَاج الْإِسْلَام بن تَاج الْإِسْلَام مُحدث الْمشرق وَصَاحب التصانيف المفيدة الممتعة والرياسة والسؤدد والأصالة الحديث: 887 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 قَالَ مَحْمُود الْخَوَارِزْمِيّ بَيته أرفع بَيت فِي بِلَاد الْإِسْلَام وأعظمه وأقدمه فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والأمور الدِّينِيَّة قَالَ وأسلاف هَذَا الْبَيْت وأخلافه قدوة الْعلمَاء وأسوة الْفُضَلَاء الْإِمَامَة مدفوعة إِلَيْهِم والرياسة مَوْقُوفَة عَلَيْهِم تقدمُوا على أَئِمَّة زمانهم فِي الْآفَاق بِالِاسْتِحْقَاقِ وترأسوا عَلَيْهِم بِالْفَضْلِ وَالْفِقْه لَا بالبذل والوقاحة انْتهى ولد فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة سِتّ وَخَمْسمِائة بمرو وَحمله وَلَده الإِمَام أَبُو بكر إِلَى نيسابور سنة تسع وأحضره السماع عَليّ عبد الْغفار الشيروي وَأبي الْعَلَاء عبيد بن مُحَمَّد الْقشيرِي وَجَمَاعَة وَكَانَ قد أحضرهُ بمرو على أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن عَليّ الكراعي وَغَيره ثمَّ مَاتَ أَبوهُ سنة عشر وَأوصى إِلَى الإِمَام إِبْرَاهِيم الْمَرْوذِيّ صَاحب التعليقة فتفقه أَبُو سعد عَلَيْهِ وتهذب بأخلاقه وتربى بَين أَعْمَامه وَأَهله فَلَمَّا راهق أقبل على الْقُرْآن وَالْفِقْه وعني الحَدِيث وَالسَّمَاع واتسعت رحلته فعمت بِلَاد خُرَاسَان وأصبهان وَمَا وَرَاء النَّهر وَالْعراق والحجاز وَالشَّام وطبرستان وزار بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ بأيدي النَّصَارَى وَحج مرَّتَيْنِ سمع بِنَفسِهِ من الفراوي وزاهر الشحامي وَهبة الله السيدي وَتَمِيم الْجِرْجَانِيّ وَعبد الْجَبَّار الخواري وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْفضل الْحَافِظ وَعبد الْمُنعم بن الْقشيرِي وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ الْقَزاز وخلائق يطول سردهم وَألف مُعْجم الْبلدَانِ الَّتِي سمع بهَا وَعَاد إِلَى وَطنه بمرو سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ فَتزَوج وَولد لَهُ أَبُو المظفر عبد الرَّحِيم فَرَحل بِهِ إِلَى نيسابور ونواحيها وهراة ونواحيها وبلخ وسمرقند وبخارى وَخرج لَهُ معجما ثمَّ عَاد بِهِ إِلَى مرو وَألقى عَصا السّفر بَعْدَمَا شقّ الأَرْض شقا وَأَقْبل على التصنيف والإملاء والوعظ والتدريس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 قَالَ ابْن النجار سَمِعت من يذكر أَن عدد شُيُوخه سَبْعَة آلَاف شيخ وَهَذَا شَيْء لم يبلغهُ أحد سمع مِنْهُ جمَاعَة من مشايخه وأقرانه وروى عَنهُ الْحَافِظ الْأَكْبَر أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَابْنه الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَبُو أَحْمد ابْن سكينَة وَعبد الْعَزِيز بن منينا وَأَبُو روح عبد الْمعز الْهَرَوِيّ وَابْنه أَبُو المظفر عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ ويوسف بن الْمُبَارك الْخفاف وَآخَرُونَ عَاد بعد مَا دوخ الأَرْض سفرا إِلَى بَلَده مرو وَأقَام مشتغلا بِالْجمعِ والتصنيف والتحديث والتدريس بِالْمَدْرَسَةِ العميدية وَنشر الْعلم إِلَى أَن توفّي إِمَامًا من أَئِمَّة الْمُسلمين فِي كثير من الْعُلُوم أَمسهَا بِهِ الحَدِيث على اخْتِلَاف فنونه وَمن تصانيفه الذيل فِي أَرْبَعمِائَة طَاقَة تَارِيخ مرو وَكتب مِنْهُ خَمْسمِائَة طَاقَة طراز الذَّهَب فِي أدب الطّلب مائَة وَخَمْسُونَ طَاقَة الْإِسْفَار عَن الْأَسْفَار خمس وَعِشْرُونَ طَاقَة الْإِمْلَاء والاستملاء خمس عشرَة طَاقَة التَّذْكِرَة والتبصرة مائَة وَخَمْسُونَ طَاقَة مُعْجم الْبلدَانِ خَمْسُونَ طَاقَة مُعْجم الشُّيُوخ ثَمَانُون طَاقَة تحفة الْمُسَافِر مائَة وَخَمْسُونَ طَاقَة التحف والهدايا خمس وَعِشْرُونَ طَاقَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 عز الْعُزْلَة سَبْعُونَ طَاقَة الْأَدَب فِي اسْتِعْمَال الْحسب خمس طاقات الْمَنَاسِك سِتُّونَ طَاقَة الدَّعْوَات الْكَبِيرَة أَرْبَعُونَ طَاقَة الدَّعْوَات المروية عَن الحضرة النَّبَوِيَّة خمس عشرَة طَاقَة الْحَث على غسل الْيَد خمس طاقات أفانين الْبَسَاتِين خمس عشر طَاقَة دُخُول الْحمام خمس عشرَة طَاقَة وَكَانَ هذب فِيهِ كتاب أَبِيه أبي بكر فِي دُخُول الْحمام فَضَائِل صَلَاة التَّسْبِيح عشر طاقات التحبير فِي المعجم الْكَبِير ثَلَاثمِائَة طَاقَة الْأَنْسَاب ثَلَاثمِائَة طَاقَة وَخَمْسُونَ الأمالي سِتُّونَ طَاقَة صَلَاة الصُّبْح عشر طاقات الْمُسَاوَاة والمصافحة مقَام الْعلمَاء بَين يَدي الْأُمَرَاء لفتة المشتاق إِلَى سَاكِني الْعرَاق سلوة الأحباب وَرَحْمَة الْأَصْحَاب الأخطار فِي ركُوب الْبحار النُّزُوع إِلَى الأوطان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 صَوْم الْأَيَّام الْبيض تحفة الْعِيدَيْنِ التحايا والهدايا الرسائل والوسائل لم تكمل فَضَائِل الديك ذكرى حبيب يرحل وبشرى مشيب ينزل كتاب الْحَلَاوَة فَضَائِل الْهِرَّة الهريسة تَارِيخ الْوَفَاة للمتأخرين من الروَاة بخار بخور البخارى تَقْدِيم الجفان إِلَى الضيفان الصدْق فِي الصداقة الرِّبْح والخسارة فِي الْكسْب وَالتِّجَارَة الارتياب عَن كِتَابَة الْكتاب حث الإِمَام على تَخْفيف الصَّلَاة مَعَ الْإِتْمَام فرط الغرام إِلَى سَاكِني الشَّام الشد وَالْعد لمن اكتنى بِأبي سعد فَضَائِل سُورَة يس فَضَائِل الشَّام وَغير ذَلِك من التصانيف والتخاريج الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 ذكره صَاحِبَة ورفيقه الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر واثنى عَلَيْهِ وَقَالَ هُوَ الْآن شيخ خُرَاسَان غير مدافع عَن صدق وَمَعْرِفَة وَكَثْرَة سَماع للأجزاء وَكتب مصنفة وَالله يبقيه لنشر السّنة ويوفقه لأعمال أهل الْجنَّة توفّي الْحَافِظ أَبُو سعد فِي الثُّلُث الْأَخير من لَيْلَة غرَّة ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة بِمَدِينَة مرو وَدفن بسنجدان مَقْبرَة مرو 888 - عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور الرماني الدامغان من أهل الدَّامغَانِي ولد بهَا يَوْم الْجُمُعَة عِنْد طُلُوع الشَّمْس سادس عشر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَدخل إِلَى نيسابور وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده وَولى الْقَضَاء بهَا سمع الْوَزير نظام الْملك وَأَبا الْقَاسِم بن مسْعدَة وَأَبا بكر أَحْمد بن عَليّ الشِّيرَازِيّ وكامل بن إِبْرَاهِيم الخندقي والمظفر بن حَمْزَة التَّمِيمِي وَأَبا الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن زَاهِر النوقاني وَإِسْمَاعِيل بن الْفضل الفضلي وأستاذه أَبَا الْمَعَالِي وَغَيرهم بالدامغان وجرجان ونيسابور وهراة الحديث: 888 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره توفّي بالدامغان فِي غرَّة ذِي الْقعدَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 889 - عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن الحرستاني الْفَقِيه أَبُو الْفَضَائِل الدِّمَشْقِي أَخُو قَاضِي الْقُضَاة عبد االصَّمد ولد سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة وَسمع جمال الْإِسْلَام السّلمِيّ وَغَيره وَحضر فِي بَغْدَاد درس ابْن الرزاز وَفِي خُرَاسَان درس مُحَمَّد بن يحيى ودرس بالأمينية بِدِمَشْق نِيَابَة عَن ابْن أبي عصرون وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 890 - عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن ثَابت ابْن الْحسن الخجندي أَبُو الْقَاسِم الملقب صدر الدّين من أهل أَصْبَهَان كَانَ يتَوَلَّى الرياسة بهَا على قَاعِدَة أبائة وَكَانَت لَهُ المكانة عِنْد السلاطين سمع الحَدِيث من أبي الْوَقْت السجْزِي وَغَيره وَكَانَ فَقِيها أديبا واعظا وَله شعر جيد ولد فِي شهر رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَمَات فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 889 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 891 - عبد المحسن بن عبد الْمُنعم بن عَليّ الكفرطابي ثمَّ الشِّيرَازِيّ أَبُو مُحَمَّد الْفَقِيه الشَّافِعِي تفقه بِبَغْدَاد وَسمع الحَدِيث من أبي الْقَاسِم بن الْحصين وَأبي الْعِزّ بن كادش وَأبي غَالب بن الْبناء وَإِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وَغَيرهم توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة 892 - عبد الْملك بن زيد بن ياسين بن زيد بن قايد بن جميل التغلبي أَبُو الْقَاسِم الدولعي خطيب دمشق والمدرس بهَا الْفَقِيه ضِيَاء الدّين الأرقمي الْموصِلِي والدولعية من قرى الْموصل ولد سنة سبع وَخَمْسمِائة وَقدم دمشق فِي شبيبته فتفقه بهَا وَسمع من أبي الْفَتْح نصر الله المصِّيصِي وتفقه أَيْضا بِبَغْدَاد وَسمع بهَا التِّرْمِذِيّ من عبد الْملك بن أبي الْقَاسِم الكروخي وَالنَّسَائِيّ من عَليّ بن أَحْمد بن محمويه اليزدي الحديث: 891 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 روى عَنهُ أَبُو الطَّاهِر إِسْمَاعِيل الْأنمَاطِي وَابْن خَلِيل والشهاب القوصي والتقى ابْن أبي الْيُسْر وبالإجازة أَبُو الْغَنَائِم بن عَلان وَأَبُو الْعَبَّاس بن أبي الْخَيْر وَكَانَ فَقِيها كَبِيرا متفننا عَارِفًا بِالْمذهبِ دينا على طَريقَة حميدة ولي خطابة دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة ودهرا طَويلا ودرس بالغزالية زَمَانا كَبِيرا وتفقه عَليّ ابْن أبي عصرون أَيْضا 893 - عبد الْملك بن سعد بن تَمِيم بن أَحْمد بن عنبر التَّمِيمِي أَبُو الْفضل من أهل أسداباذ ورد بَغْدَاد وتفقه على الإِمَام أبي بكر الشَّاشِي وَأقَام بهَا مُدَّة وَرجع إِلَى بَلَده أسداباذ ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى جرباذقان وَولي بِهِ تدريس الْمدرسَة كتب عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي شَوَّال سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَلم يذكر وَفَاته 894 - عبد الْملك بن نصر الله بن جهبل أَبُو الْحُسَيْن من أهل حلب كَانَ يدرس بمدرسة الزجاجين بهَا الحديث: 893 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 قَالَ ابْن النجار كَانَ فَقِيها فَاضلا حسن الْمعرفَة بِمذهب الشَّافِعِي وَكَانَ زاهدا ورعا توفّي بحلب فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسعين وخسمائة 895 - عبد الْملك بن أبي نصر بن عمر أَبُو الْمَعَالِي من أهل جيلان سكن بَغْدَاد وَكَانَ رجلا صَالحا يأوي الخراب قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه صَالح دين خير عَامل بِعِلْمِهِ كثير الْعِبَادَة وَالصَّلَاة لَيْسَ لَهُ مأوى مَعْلُوم ومنزل مَشْهُور يسكنهُ يبيت أَي مَوضِع اتّفق قَالَ وتفقه على أسعد الميهني وَسمع من القَاضِي أبي المحاسن بن الرَّوْيَانِيّ وَغَيره وَذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَنه سَمعه مذاكرة يَقُول سَمِعت أَرْبَاب الْقُلُوب تَقول من عرف أَن جَمِيع اللَّذَّات المتفرقة على الْأَعْضَاء تنطوي تَحت هَذِه اللَّذَّة ثمَّ أنشأ يَقُول (كَانَت لقلبي أهواء مفرقة ... فاستجمعت مذ رأتك الْعين أهواى) (فظل يحسدني من كنت أحسده ... فصرت مولى الورى مذ صرت مولَايَ) (تركت للنَّاس دنياهم وَدينهمْ ... شغلا بحبك ياديني ودنياي) قَالَ وسمعته يَقُول سَمِعت إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبَا مخلد الْفَزارِيّ قَالَ كنت بِمَكَّة فَرَأَيْت شَيخا من أهل الْمغرب يطوف وَيَقُول (تمتّع بالرقاد على شمال ... فَسَوف يطول نومك بِالْيَمِينِ) الحديث: 895 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 (ومتع من يحبك من تلاق ... فَأَنت من الْفِرَاق على يَقِين) مَاتَ فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بفيد 896 - عبد الْملك بن مُحَمَّد بن هبة الله بن سهل بن عمر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البسطامي سبط إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ كَانَ يعرف بالفخر وَهُوَ من بَيت الْإِمَامَة وَالْعلم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير صَار مقدم الْأَصْحَاب بنيسابور مُدَّة وَكَانَ يرجع إِلَى فضل وذكاء وفطنة يناظر وَيذكر سمع معي من جده هبة الله بن سهل السيدي وَوصل إِلَى نعيه وَأَنا بِبَغْدَاد فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة قلت كَذَا فِي التحبير وَفِي كتاب ابْن باطيش وَابْن باطيش من التحبير يَأْخُذ وَفِي هَذِه السّنة توفّي جده هبة الله بن سهل 897 - عبد الْملك الطَّبَرِيّ صَاحب الْأَحْوَال والكرامات وَالْجد فِي الْعِبَادَات نزيل مَكَّة وَشَيخ الْحرم فِي وقته كَانَ أحد الْمَشْهُورين بالزهد والورع قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أَقَامَ بِمَكَّة قَرِيبا من أَرْبَعِينَ سنة على الْجد وَالِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة والرياضة وقهر النَّفس وَكَانَ ابْتِدَاء أمره أَنه كَانَ يتفقه بِالْمَدْرَسَةِ الحديث: 896 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 قلت أحسبها النظامية فلاح لَهُ شَيْء فَخرج على التَّجْرِيد إِلَى مَكَّة وَبَقِي بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَ يلبس الخشن وَيَأْكُل الجشب ويزجي وقته على ذَلِك صَابِرًا فِيهِ وَسمعت بَعضهم يَقُول إِنَّه كَانَ لَا يدْخل الْمَسْجِد الْحَرَام فِي وَقت الْمَوْسِم واجتماع النَّاس إِلَّا على سَبِيل الندرة وَإنَّهُ كَانَ يدْخل الْحرم وَعَلِيهِ إِزَار خشن مشدود بالليف على وَسطه وَمَعَهُ مكتل يلتقط البعر من الْمَسْجِد الْحَرَام ويطرحه فِي المكتل ويخرجه من مَكَّة ويرميه خَارِجا مِنْهَا وَسمعت هبة الله الْقشيرِي بنيسابور يَقُول لما كنت بِمَكَّة أردْت أَن أَزور الشَّيْخ عبد الْملك الطَّبَرِيّ فدللت إِلَيْهِ فمضيت عَلَيْهِ فَوَجَدته محموما منطرحا فلمادخلت عَلَيْهِ تكلّف وَجلسَ وَقَالَ أَنا إِذا حممت أفرح بذلك لِأَن النَّفس تشتغل بالحمى فَلَا تشغلني عَمَّا أَنا فِيهِ وأخلو بقلبي كَمَا أُرِيد قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قَرَأت بِخَط الأديب أبي الْحسن عَليّ بن حسكويه المراغي سَمِعت الْحُسَيْن الزغنداني يَقُول رَأَيْت حوضا يُقَال بِهِ عنبر وَالْمَاء فِي أَسْفَله بِحَيْثُ لَا تصل إِلَيْهِ الْيَد فَرَأَيْت غير مرّة الشَّيْخ عبد الْملك تَوَضَّأ مِنْهُ وارتفع المَاء إِلَى أَن وصلت يَده إِلَيْهِ ثمَّ عَاد المَاء بعد فَرَاغه قَالَ الْحُسَيْن وَغَابَ الشَّيْخ وقتا عَن نَفسه فدنوت مِنْهُ وأسندته إِلَى صَدْرِي بِحَيْثُ كَانَ رَأسه عِنْد صَدْرِي وَكَانَ النَّاس يتزاحمون عَلَيْهِ وَكنت أذبهم عَنهُ فَدخل وَاحِد فَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَتَيْنِ فَمَا أجَاب ثمَّ سَأَلَهُ مَسْأَلَة ثَالِثَة فَأجَاب فَبعد مُدَّة سَأَلت الشَّيْخ عَن السُّكُوت عَن الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْجَوَاب عَن الثَّالِثَة فَقَالَ لَقَّنَنِي الثَّالِثَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسكت عَن الْأَوليين فَمَا أجبْت عَنْهُمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 وَقَالَ الْحُسَيْن قصدت الشَّيْخ عبد الْملك يَوْمًا فَلم أصادفه فِي مَوْضِعه وَكنت أسمع صَوتا فطلبته فِي خربة فَوَجَدته وَكَانَ ذَلِك الصَّوْت من غليان صَدره وَقَالَ الْحُسَيْن كنت مَعَ الشَّيْخ عبد الْملك لَيْلَة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَكَانَت لَيْلَة بَارِدَة وَكَانَ ظهر الشَّيْخ قد تشقق من الْبرد وَكَانَ عُريَانا فَنَامَ على بَاب الْمَسْجِد فَوضع يَده الْيُمْنَى تَحت خَدّه وَالْيَد الْيُسْرَى على رَأسه وَكَانَ يذكر الله تَعَالَى فَقلت لَو نمت فِي زَاوِيَة من زَوَايَا الْمَسْجِد كَانَ أصلح وَكَانَ يكنك من الْبرد فَقَالَ نمت فِي بعض اللَّيَالِي فِي الْمَسْجِد فَرَأَيْت شَخْصَيْنِ دخلا الْمَسْجِد وتقدما إِلَى وَقَالا لَا تنم فِي الْمَسْجِد فَقلت لَهما من أَنْتُمَا فَقَالَا نَحن ملكان فانتبهت وَمَا نمت بعد ذَلِك فِي الْمَسْجِد قَالَ الْحُسَيْن وَكَانَ أَكثر ذكر الشَّيْخ عبد الْملك سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ قَالَ الْحُسَيْن سَأَلت الشَّيْخ هَل رَأَيْت فِي الْحرم عجبا قَالَ رَأَيْت حمامة بَيْضَاء طافت أسبوعا بِالْكَعْبَةِ فِي الْهَوَاء ثمَّ جَاءَت فوقفت على بَاب الْكَعْبَة هَذَا مُخْتَصر من كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا ورضوانه 898 - عبد الْمُنعم بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن الْقشيرِي الشَّيْخ أَبُو المظفر بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم سمع أَبَاهُ وَأَبا عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد الْبُحَيْرِي وَأَبا بكر الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم وسافر بعد وَفَاة وَالِده مَعَ أَخِيه أبي نصر عبد الرَّحِيم إِلَى الْحَج فَسمع بِبَغْدَاد أَبَا الْحُسَيْن بن الحديث: 898 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 النقور وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي وَغَيرهمَا وَحج وَسمع بِمَكَّة ثمَّ ورد بَغْدَاد كرة بعد كرة وَحدث بهَا وروى عَنهُ من أَهلهَا عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي وَالْمبَارك بن كَامِل الْخفاف وَغَيرهمَا وَعَاد إِلَى نيسابور وَحدث بهَا أَكثر من عشْرين سنة وروى عَنهُ من أَهلهَا الْمُؤَيد ابْن مُحَمَّد الطوسي وَغَيره مولده فِي صفر سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 899 - عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن عمر بن الْوَلِيد الدَّارَانِي أَبُو سعد من أهل أَصْبَهَان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ تفقه وبرع فِي الْفِقْه حَتَّى صَار يُفْتِي بأصبهان وَيرجع إِلَيْهِ فِي الوقائع 2 3 أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ صَاحب الْبَحْر الحديث: 899 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 أحد أَئِمَّة الْمَذْهَب ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على أَبِيه وجده بِبَلَدِهِ وعَلى نَاصِر الْمروزِي بنيسابور وَمُحَمّد بن بَيَان الكازروني بميافارقين وَسمع عبد الله بن جَعْفَر الْخَبَّازِي وَأَبا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المطهري وَأَبا حَفْص بن مسرور وَمُحَمّد بن بَيَان الكازروني شَيْخه وَأَبا غَانِم أَحْمد ابْن عَليّ الكراعي وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وجده أَبَا الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ وَأَبا مَنْصُور مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن الطَّبَرِيّ وَغَيرهم بآمل ونيسابور وبخارى وغزنة ومرو وَغَيرهَا روى عَنهُ زَاهِر الشحامى وابو الْفتُوح الطَّائِي وابو رشيد إِسْمَاعِيل بن غَانِم وَأَبُو طَاهِر السلَفِي وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ الْحَافِظ وَخلق كَثِيرُونَ وَكَانَ يلقب فَخر الْإِسْلَام وَله الجاه العريض فِي تِلْكَ الديار وَالْعلم الغزيز وَالدّين المتين والمصنفات السائرة فِي الْآفَاق والشهرة بِحِفْظ الْمَذْهَب يضْرب الْمثل باسمه فِي ذَلِك حَتَّى يحْكى أَنه قَالَ لَو احترقت كتب الشَّافِعِي لأمليتها من حفظي قلت وَلَا يَعْنِي بكتبه منصوصاته فَقَط بل منصوصاته وَكتب أَصْحَابه هَذَا هُوَ الَّذِي يُرَاد عِنْد إِطْلَاق كتب الشَّافِعِي وَكَانَ نظام الْملك كثير التَّعْظِيم لَهُ قَالَ فِيهِ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ نادرة الْعَصْر إِمَام فِي الْفِقْه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ من رُءُوس الْأَئِمَّة والأفاضل لِسَانا وبيانا لَهُ الجاه العريض وَالْقَبُول التَّام فِي تِلْكَ الديار وَحميد المساعي والْآثَار والتصلب فِي الْمَذْهَب والصيت فِي الْبِلَاد الْمَشْهُورَة والأفضال على المنتابين والقاصدين إِلَيْهِ وَقَالَ الْعِمَاد مُحَمَّد بن أبي سعد وَهُوَ صدر الرّيّ فِي زَمَانه أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ شَافِعِيّ عصره قلت ولي القَاضِي أَبُو المحاسن قَضَاء طبرستان ورويان من قراها وَهِي بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَالْفُقَهَاء يهمزون الرَّوْيَانِيّ وَالْمَعْرُوف أَنه بِغَيْر همز وَكَانَ القَاضِي فِيمَا أَحسب مدرس نظامية طبرستان ثمَّ انْتقل إِلَى آمل وَهِي وَطن أَهله فَأَقَامَ بهَا إِلَى يَوْم الْجُمُعَة عِنْد ارْتِفَاع النَّهَار حادي عشر الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسمِائة فَقتلته الْمَلَاحِدَة حسدا وَمَات شَهِيدا بعد فَرَاغه من الْإِمْلَاء وَهُوَ مِمَّن دخل بَغْدَاد وَذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الذيل وأخل بِهِ ابْن النجار وَمن تصانيفه الْبَحْر وَهُوَ وَإِن كَانَ من أوسع كتب الْمَذْهَب إِلَّا أَنه عبارَة عَن حاوي الْمَاوَرْدِيّ مَعَ فروع تلقاها الرَّوْيَانِيّ عَن أَبِيه وجده ومسائل أخر فَهُوَ أَكثر من الْحَاوِي فروعا وَإِن كَانَ الْحَاوِي أحسن ترتيبا وأوضح تهذيبا وَمن تصانيفه أَيْضا الفروق والحلية والتجربة والمبتدا وَحَقِيقَة الْقَوْلَيْنِ ومناصيص الشَّافِعِي وَالْكَافِي وَغير ذَلِك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 وَهَذِه نحب وفوائد وغرائب عَن الرَّوْيَانِيّ قَالَ فِي الْحِلْية فِي بَاب الرَّهْن إِذا رأى الْمُحْتَسب فِي دَار خمرًا علم أَنَّهَا مُحْتَرمَة يجوز أبقاؤها فَلَا يريقها فِي قَول أَكثر أَصْحَابنَا خلافًا للقفال وَقَالَ فِي الْبَحْر فِي مَسْأَلَة من تَيَقّن طَهَارَة وحدثا وَجَهل الأول تَفْرِيعا على الْوَجْه الْمَشْهُور وَهُوَ أَنه يحكم الْآن بضدما كَانَ قبلهمَا وَهُوَ رأى ابْن الْقَاص وَالْأَكْثَر وَإِن قَالَ عرفت قبل هَاتين الْحَالَتَيْنِ حَدثا وطهارة وَلَا أَدْرِي أَيهمَا كَانَ الأول اعْتبرنَا مَا كَانَ مُسْتَقْبل هَاتين الْحَالَتَيْنِ الْأَوليين فَإِن عرف الطَّهَارَة من نَفسه قبلهمَا جَازَ لَهُ أَن يُصَلِّي الْآن وَإِن عرف الْحَدث قبلهمَا لم يجز لَهُ أَن يُصَلِّي الْآن مَا لم يتَطَهَّر قَالَ فجواب هَذِه الْمَسْأَلَة بعكس مَا ذكرنَا وهما سَوَاء فِي الْمَعْنى إِذا تأملته وَهَذَا على قَول ابْن أبي أَحْمد انْتهى يَعْنِي ابْن الْقَاص وَالْحَاصِل أَنه فِي الأوتار يحكم بضد مَا كَانَ قبل وَفِي الأشفاع بِمثلِهِ وَهُوَ وَاضح للمتأمل وَحكي فِي الْبَحْر وَجها فِيمَا إِذا اشتبهت نَجَاسَة مَكَان من بَيت أَنه يتحَرَّى فِيهِ كالثوبين والبيتين قَالَ وَالصَّحِيح لَا يتحَرَّى بل يغسل الْكل كبعض مَجْهُول من ثوب قلت وبالصحيح جزم الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج قَالَ فِي الْبَحْر قبيل كتاب الشَّهَادَات إِذا اعْتقد الشَّاهِد أَن الْحَاكِم لَا يصلح للْقَضَاء لكنه يُوصل الْمَشْهُود لَهُ إِلَى حَقه بِشَهَادَتِهِ لزمَه أَن يشْهد عِنْده ذكره أَصْحَابنَا انْتهى وأصل هَذَا الْفَرْع فِي تَعْلِيقه الشَّيْخ أَبُو حَامِد فَإِن فِيهَا مَا نَصه فرع إِذا سَأَلَهُ الْمَشْهُود لَهُ أَن يشْهد لَهُ عِنْد سُلْطَان أوحاكم وَالشَّاهِد يعْتَقد أَن الْحَاكِم أَو السُّلْطَان لَيْسَ من أهل الْولَايَة وَيعلم أَنه إِن شهد عِنْده أوصل الْمَشْهُود لَهُ إِلَى حَقه فَإِنَّهُ يلْزمه أَن يشْهد عِنْده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 لِأَن الشَّهَادَة حق للْمَشْهُود لَهُ ويمكنه أَن يتَوَصَّل بِهِ إِلَى حَقه انْتهى وَعبارَته كَمَا ترى السُّلْطَان أَو الْحَاكِم وَلَا يَعْنِي بالحاكم القَاضِي أما القَاضِي الَّذِي لَا يصلح فسنذكر مَا فِيهِ عَن حِكَايَة الرَّافِعِيّ عَن أبي الْفرج وَقد ذكر الرَّافِعِيّ اخْتِلَاف ابْن الْقطَّان وَابْن كج فِي شَاهد دعِي لأَدَاء الشَّهَادَة عِنْد أَمِير أووزير هَل تلْزمهُ الْإِجَابَة وَصحح النَّوَوِيّ قَول ابْن كج وَهُوَ أَنه تلْزمهُ إِذا علم أَنه يصل بِهِ إِلَى الْحق قلت وَالْقَاضِي غير الصَّالح كالأمير أَو خير حَالا لِأَن اسْم الْقَضَاء وَسَمَاع الشَّهَادَة يخْتَص بمنصبه أَو شَرّ حَالا لِأَن منصبه احْلِف كل ذَلِك مُحْتَمل فَلَا يبعد أَن يطرقه الْخلاف بل قد طرقه أَلا ترى أَن الرَّافِعِيّ ذكر أَن الشَّيْخ أَبَا الْفرج حُكيَ وَجْهَيْن فِي أَنه هَل يجب الْحُضُور عِنْد قَاض جَائِر أَو متعنت وَأَدَاء الشَّهَادَة عِنْده لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن أَن يرد شَهَادَة فيتغير قَالَ الرَّافِعِيّ وعَلى هَذَا فعداله القَاضِي واستجماعه الصِّفَات الشَّرْعِيَّة شَرط آخر من شَرَائِط الْوُجُوب يَعْنِي فِي الْأَدَاء وَمُرَاد ابْن الْقطَّان وَابْن كج بالأمير غير مُرَاد ابْن الْحداد بِهِ فِي قَوْله وَلَو أَن وَصِيّا على يَتِيم ولي الحكم إِلَى قَوْله لم يكن لَهُ أَن يحكم حَتَّى يصير إِلَى الإِمَام أَو الْأَمِير فيدعي الْمَسْأَلَة فَإِن مُرَاده بالأمير من جعل لَهُ الحكم من الْأُمَرَاء وَمُرَاد ابْن الْقطَّان وَابْن كج من لَا حكم لَهُ مِنْهُم بل يقدم على الحكم ظلما وَكَذَلِكَ كَانَت عبارَة الشَّيْخ أبي عَليّ فِي شرح الْفُرُوع على غير مُرَاد ابْن الْحداد مَا نَصه أَو الْأَمِير الَّذِي ولاه القَاضِي على أَن الرَّوْيَانِيّ ذكر فِي الْبَحْر فِي بَاب من تجوز شَهَادَته وَمن لَا تجوز مَسْأَلَة ابْن الْقطَّان وَفصل فِيهَا فَقَالَ إِن كَانَ الْأَمِير مِمَّن يجوز لَهُ الْإِلْزَام بالحقوق لَزِمت تأدية الشَّهَادَة عِنْده والإ فَلَا وَصُورَة مَسْأَلَة ابْن الْقطَّان فِيمَن لَيْسَ لَهُ ذَلِك فَإِذا الرَّوْيَانِيّ مُرَجّح لمقالة ابْن الْقطَّان وَلَكِن يُرِيد باللزوم أَن الشَّاهِد المشتهر بِالْفِسْقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 يلْزمه تأدية الشَّهَادَة كَمَا سننقله عَن تَصْرِيح الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ للإيصال إِلَى الْحق فَكَذَلِك من يُؤَدِّي عِنْد من لَا يصلح بل وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي هَذَا الْمَكَان أَيْضا إِذا أَرَادَ النّظر إِلَى أَجْنَبِيَّة للشَّهَادَة مرّة وَاحِدَة وَهُوَ يعلم أَنه لَا تقع لَهُ الْمعرفَة بالكرة الْوَاحِدَة فأبصرها على وَجه لَو رَآهَا ثَانِيًا علم أَنَّهَا تِلْكَ الْمَرْأَة يحْتَمل أَن يُقَال لَا يفسق لِأَن لهَذِهِ الرُّؤْيَة تَأْثِيرا فِي شَهَادَته لِأَن الرُّؤْيَة لَو تَكَرَّرت حَتَّى وَقعت الْمعرفَة على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ كَانَ الْمُؤثر فِي ذَلِك جَمِيع مَا تقدم وَإِن كَانَ هَذَا الْقدر غير كَاف فِي جَوَاز الشَّهَادَة بذلك لَا يفسق لجَوَاز أَدَاء الشَّهَادَة بِهَذِهِ الرُّؤْيَة بعد الْحُرِّيَّة وَإِن كَانَت لَا تقبل فِي الْحَال وَيحْتَمل أَن يُقَال يفسق لِأَن التَّحَمُّل لَا يَقع بِهَذِهِ الرُّؤْيَة فَهِيَ إِذا غير مُعْتَبرَة فَصَارَ كالرؤية لَا لغَرَض صَحِيح وَيُفَارق مَسْأَلَة العَبْد فَإِن التَّحَمُّل هُنَاكَ يَقع بِتِلْكَ الرُّؤْيَة على وَجه الصِّحَّة فَصَارَت الرُّؤْيَة مُعْتَبرَة وَقَالَ فِي بَاب من تجوز شَهَادَته وَمن لَا تجوز شَهَادَته من يستبيح دم مُسلم لَا يقتل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ متأولا وَقد قدمْنَاهُ هَذَا فِي الطَّبَقَة الأولى فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ وَجزم بِأَن الْكَذِب عَن قصد يرد الشَّهَادَة قَالَ لِأَنَّهُ حرَام بِكُل حَال قَالَ قَالَ الْقفال إِلَّا أَن يكون على عَادَة الْكتاب وَالشعرَاء فِي الْمُبَالغَة قَالَ وَقيل إِذا ترك صَلَاة وَاحِدَة بالاشتغال بِشَيْء هَل تسْقط عَدَالَته فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء انْتهى يَعْنِي وَالصَّوَاب الْقطع بالسقوط لتعمده وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اقْتصر على عزو وَجه عدم سُقُوط الْعَدَالَة إِلَى التَّهْذِيب وَهُوَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 تعليقة القَاضِي الْحُسَيْن وَغَيرهَا فَرَأَيْت بِهِ أَن كَلَام الْبَحْر مِمَّا يَقْتَضِي جعل الْمَسْأَلَة على طَرِيقين إِحْدَاهمَا الْقطع بالسقوط وَقَالَ فِي الْفَاسِق يدعى إِلَى أَدَاء شَهَادَة تحملهَا إِن كَانَ ظَاهر الْفسق لم يلْزمه أَدَاؤُهَا وَإِن كَانَ فسقه بَاطِنا لزمَه لِأَن رد شَهَادَته بِالْفِسْقِ الظَّاهِر مُتَّفق عَلَيْهِ وبالباطن مُخْتَلف فِيهِ وَعَزاهُ إِلَى الْحَاوِي وَهِي مَسْأَلَة مليحة وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ أَنه إِذا كَانَ مجمعا عَلَيْهِ ظَاهرا أَو خفِيا لم يجز لَهُ أَن يشْهد فضلا عَن الْوُجُوب وَقَضِيَّة كَلَام الْحَاوِي وَالْبَحْر أَن الْخَفي غير مجمع على الرَّد بِهِ وَهُوَ حسن وَيخرج مِنْهُ فَاسق لَا يرد لعدم علم القَاضِي بِفِسْقِهِ قَالَ فِي الْبَحْر فِي الْفُرُوع المنثورة آخر كتاب الْأَقْضِيَة مانصه فرع إِذا زنى بأَمْره وَعِنْده أَنه لَيْسَ ببالغ فبأن أَنه كَانَ بَالغا هَل يلْزمه الْحَد فِيهِ وَجْهَان انْتهى وَقد غلط بعض الْمُتَأَخِّرين كَمَا نبه ابْن الرّفْعَة عَلَيْهِ فنسب إِلَى صَاحب الْبَحْر حِكَايَة وَجْهَيْن فِي وجوب الْحَد على الصَّبِي وَهَذَا لَا حَكَاهُ صَاحب الْبَحْر وَلَا غَيره وَإِنَّمَا الَّذِي حَكَاهُ مَا ذَكرْنَاهُ قلت وَقد قَالَ فِي الْبَحْر قبيل بَاب اخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي صَلَاة الصَّبِي وَأَوْمَأَ فِي الْأُم إِلَى أَنَّهَا تجب قبل بُلُوغه وَلكنه لَا يُعَاقب على تَركهَا عُقُوبَة الْبَالِغ وَرَأَيْت كثيرا من الْمَشَايِخ يرتكبون هَذَا القَوْل فِي المناظرة وَلَيْسَ بِمذهب لِأَنَّهُ غير مُكَلّف أصلا وَإِنَّمَا هَذَا قَول أَحْمد فِي رِوَايَة أَنَّهَا تجب على الصَّبِي إِذا بلغ عشرا انْتهى قلت وَهُوَ مَا يحْكى عَن ابْن سُرَيج أَن الصَّلَاة تجب على الصَّبِي إِذا بلغ عشرا وجوب مثله وَإِن لم يَأْثَم بِتَرْكِهَا إِذْ لَو لم تجب لما ضرب عَلَيْهَا وَقد ذكر أَن الشَّافِعِي أَشَارَ إِلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 الْكَلْب يلغ فِي مَاء يشربه الْمَرْء ثمَّ يبوله اخْتَار الرَّوْيَانِيّ فِي الْحِلْية الِاكْتِفَاء بِمرَّة وَاحِدَة فِي الْغسْل من ولوغ الْكَلْب وَزعم فِيهِ أَن الْأَخْبَار فِيهِ متعارضة وَلَيْسَ كَمَا زعم ثمَّ اسْتدلَّ على اخْتِيَاره بِأَنَّهُ لَو شرب المَاء الَّذِي ولغَ فِيهِ الْكَلْب ثمَّ بَال قَالَ الشَّافِعِي يغسل من بَوْله مرّة وَيغسل فَاه سبعا قَالَ الرَّوْيَانِيّ وَقد زَادَت النَّجَاسَة باستحالته بولا وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي جَمِيع بِلَاد الْإِسْلَام وتشكيك النَّفس فِيهِ من الوسواس انْتهى فَأن تجزى مرّة وَاحِدَة وَلم يسْتَحل أولى وأجدر وَمَا حَكَاهُ عَن النَّص مَسْأَلَة حسنه الدُّخُول فِي صَلَاة الصُّبْح بِغَلَس وَالْخُرُوج مِنْهَا بِغَلَس قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي التجربة يسْتَحبّ أَن يدْخل فِي صَلَاة الصُّبْح بِغَلَس وَيخرج مِنْهَا بِغَلَس نَص عَلَيْهِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يدْخل بِغَلَس وَيخرج بالإسفار جمعا بَين الْأَخْبَار وَهُوَ حسن لكنه خلاف الْمَذْهَب الشَّاهِد الْوَاحِد يشْهد بِطُلُوع فجر رَمَضَان أَو غرُوب شمسه قَالَ فِي الْبَحْر قبيل بَاب الْأَيَّام الَّتِي نهى عَن الصّيام فِيهَا فِي فروع نقلهَا عَن أَبِيه فرع إِذا شهد عدل بِطُلُوع الْفجْر فِي رَمَضَان هَل يلْزمه الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام أَو يعْتَبر قَول اثْنَيْنِ إِذا لم يُمكنهُ معرفَة الْحَال قَالَ يَعْنِي أَبَاهُ يحْتَمل وَجْهَيْن وهما مبنيان على قبُول شَهَادَة الْوَاحِد فِي هِلَال رَمَضَان وَهَذَا لِأَن مُقْتَضَاهُ وجوب الصَّوْم والإمساك كَذَلِك وَفِي الشَّهَادَة على غرُوب الشَّمْس لَا بُد من اثْنَيْنِ كَالشَّهَادَةِ على هِلَال شَوَّال انْتهى وَاخْتَارَ الْوَالِد رَحمَه الله بعد مَا حكى هَذَا الْكَلَام اعْتِمَاد الْوَاحِد فِي الْمَوْضِعَيْنِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 901 - عبد الْوَاحِد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مخلد أَبُو الْفَتْح الباقرحي من أَوْلَاد الْمُحدثين تفقه على إِلْكيَا الهراسي بِبَغْدَاد وعَلى أبي حَامِد الْغَزالِيّ وَأبي نصر الْقشيرِي بنيسابور وَسمع من أبي عبد الله بن طَلْحَة وَأبي الْحُسَيْن بن الطيوري وبنيسابور من عبد الْغفار الشيروي وَغَيره وَكَانَ فَقِيها أديبا قدم بَغْدَاد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة وَمَعَهُ كتاب السُّلْطَان سنجر بن ملكشاه بِتَسْلِيم الْمدرسَة النظامية إِلَيْهِ فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَقَامَ الْفُقَهَاء عَلَيْهِ وَلم يفد وَاسْتمرّ يدرس بهَا إِلَى أَن جَاءَ أسعد الميهني بِكِتَاب السُّلْطَان فعزل وَاسْتقر أسعد الحديث: 901 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 وَعَن ابْن الباقرحي بت لَيْلَة متفكرا فِي قلَّة حظي من الدُّنْيَا فَرَأَيْت فِي الْمَنَام مغنيا يُغني فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ لي اسْمَع يَا شيخ (أَقْسَمت بِالْبَيْتِ الْعَتِيق وركنه ... والطائفين ومنزل الْقُرْآن) (ماالعيش فِي المَال الْكثير وَجمعه ... بل فِي الكفاف وَصِحَّة الْأَبدَان) توفّي بغزنة سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة 902 - عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن عبد الْوَاحِد الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الْمروزِي التوثي وتوث من قرى مرو وَكَانَ من تلامذة أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَسمع مُحَمَّد بن الْحسن المهربندقشايي وَشَيْخه أَبَا المظفر وَغَيره سمع مِنْهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ وَغَيره مولده فِي حُدُود سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَعمر الْعُمر الطَّوِيل هلك فِي معاقبة الغز فِي الْخَامِس من شعْبَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 903 - عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الْفَارِسِي القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الفامي الشِّيرَازِيّ من أهل شيراز الحديث: 902 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 قدم بَغْدَاد وَالْحُسَيْن الطَّبَرِيّ يدرس بالنظامية فتقرر أَن يدرس كل وَاحِد مِنْهُمَا يَوْمًا مناوبة وَحدث عَن أَبَوي بكر أَحْمد بن الْحسن بن اللَّيْث الْحَافِظ وَمُحَمّد بن أَحْمد بن عَبدك الحبال وَجَمَاعَة روى عَنهُ عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي وَأَبُو الْفضل بن نَاصِر وَغَيرهمَا وَكَانَ من أفقه أهل زَمَانه وأفضلهم وَله كتاب الْآحَاد وَقيل إِنَّه صنف سبعين تأليفا وَأَنه ألف تَفْسِيرا ضمنه مائَة ألف بَيت من الشواهد وَكَانَ يملي الحَدِيث إِلَّا أَنه رُبمَا صحف التَّصْحِيف الشنيع فَرد عَلَيْهِ فَلم يرجع وَرُبمَا أسقط من الْإِسْنَاد وَحَاصِل أمره أَنه ذُو وهم بَالغ فِي الْكَثْرَة حدا عَالِيا وَلكُل فن رجال يعرفونه وَهُوَ لم يكن مُحدثا وَلكنه كَانَ لَا يرى تنقيص نَفسه فَيدْخل فِي الْإِمْلَاء وَقد كَانَ غَنِيا عَن ذَلِك وَمن مصنفاته كتاب تَارِيخ الْفُقَهَاء قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ أحد الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَكَانَ لَهُ يَد فِي الْمَذْهَب وَنقل أَن أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن أبي عَمْرو بن مَنْدَه قَالَ فِي تَارِيخ أصفهان أَبُو مُحَمَّد الفامي أحفظ من رَأَيْنَاهُ لمَذْهَب الشَّافِعِي توفّي بشيراز فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة خَمْسمِائَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 904 - عبد الْوَهَّاب بن هبة الله بن عبد الله السيبي القَاضِي أَبُو الْفرج من بَيت جلالة وَهُوَ من أَشْيَاخ السلَفِي وَكَانَ يقْضِي فِي الْجَانِب الشَّرْقِي فِي الْحَرِيم وَفِي دَار الْخلَافَة مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ كَمَا يقْضِي ابْن الدَّامغَانِي فِي الْجَانِب الغربي وَسمع الحَدِيث من أبي مُحَمَّد الصريفيني وَغَيره أسندنا حَدِيثه قَالَ السلَفِي سَأَلته عَن مولده فَقَالَ سنة سبع وَعشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي ثَالِث الْمحرم سنة أَربع وَخَمْسمِائة 905 - عبيد الله بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن أَبُو الْفَتْح بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الصُّوفِي الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي كَانَ فاضلاكثير الْعِبَادَة لَهُ مصنفات فِي الطَّرِيقَة وَسكن أسفراين إِلَى حِين وَفَاته وَسمع الحَدِيث من وَالِده وَعبد الغافر الْفَارِسِي وَأبي عُثْمَان سعيد بن مُحَمَّد الْبُحَيْرِي وَأبي حَفْص بن مسرور وَغَيرهم توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة 906 - عَتيق بن عَليّ بن عمر أَبُو بكر البامنجي الْهَرَوِيّ نزيل الْموصل أَقَامَ بهَا يدرس ويفتي إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة الحديث: 904 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 907 - عَتيق بن مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق بن عبد الْملك الماخواني من أهل مرو وَتقدم ذكر وَالِده مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق وَأما هَذِه فكنيته أَبُو بكر وولادته بمرو لَيْلَة الثُّلَاثَاء لثلاث لَيَال بَقينَ من الْمحرم سنة تسع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَحدث عَن أَبِيه بِجُزْء من أمالي الشَّيْخ أبي عَليّ السنجي سَمعه مِنْهُ أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ وَذكره فِي التحبير وَقَالَ كَانَ فَقِيها واعظا سخي النَّفس مُسَددًا وَهُوَ صهرنا قَالَ وَتُوفِّي ببلخ يَوْم السبت الْخَامِس من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 908 - عُثْمَان بن عَليّ بن شراف بن أَحْمد الْعجلِيّ الشرافي نِسْبَة إِلَى جده شراف بِفَتْح الشين وَالرَّاء المخففة وبالفاء المرستى الكالمستي من أهل بنج دِيَة ولد سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 907 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا زاهدا ورعا محتاطا فِي الْوضُوء وَالصَّلَاة والتنظف مفتيا مصيبا من تلامذه القَاضِي الْحُسَيْن تفقه عَلَيْهِ وبرع فِي الْفِقْه واشتغل بِالْعبَادَة وَلزِمَ منزله وَسمع الحَدِيث من أستاذه القَاضِي الْحُسَيْن وَمن أبي مَسْعُود أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله البَجلِيّ الرَّازِيّ الْحَافِظ وَأبي حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الخليلي الْبَغَوِيّ وَأبي عُثْمَان سعيد بن أبي سعيد الْعيار وَغَيرهم كتب إِلَى الْإِجَازَة بِجَمِيعِ مسموعاته وَعمر الْعُمر الطَّوِيل قَالَ وَلم يكن يغتاب أحدا وَلَا يُمكن أحدا من الْغَيْبَة فِي منزله وَإِذا لامه أحد على الوسواس فِي وضوئِهِ وَغسل ثِيَابه قَالَ أَنا لَا ألومكم على لبس الثِّيَاب الفاخرة فَلَا تلوموني على هَذَا توفّي ببنج ديه فِي شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة ذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي التحبير وَابْن باطيش فِي الفيصل 909 - عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي أَحْمد المصعبي شَارِح مُخْتَصر الْجُوَيْنِيّ أرَاهُ فِيمَا أَحسب من أهل أذربيجان وَقد وقفت على النّصْف الأول من هَذَا الشَّرْح فِي مُجَلد وَهُوَ شرح مُخْتَصر كَمَا قَالَ مُصَنفه فِي خطبَته نَازل عَن حد التَّطْوِيل مترق عَن دَرَجَة الِاخْتِصَار والتقليل قَالَ وسميته شرح مُخْتَصر الْجُوَيْنِيّ لِأَنِّي جريت على تَرْتِيب مُخْتَصر الشَّيْخ أبي مُحَمَّد فصلا فصلا وزدت مَالا يَسْتَغْنِي الْفَقِيه عَن مَعْرفَته فَمن تَأمله عرف صرف همتي إِلَيْهِ الحديث: 909 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 وبذل جهدي فِيهِ هَذَا ملخص مَا فِي الْخطْبَة وينقل فِي هَذَا الشَّرْح كثيرا عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ ومأ أَظُنهُ أدْركهُ وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا أَحسب وأظن ظنا وَلَيْسَ بالمتيقن فِي أثْنَاء هَذَا الْقرن لَعَلَّه فِي حُدُود الْخمسين والخمسمائة أَو بعْدهَا 910 - عُثْمَان بن المسدد بن أَحْمد الدربندي أبوعمرو بن أبي الْقَاسِم ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَنه يعرف بفقيه بَغْدَاد وتفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع أَبَوي الْحُسَيْن ابْن الْمُهْتَدي وَابْن النقور وَغَيرهمَا كَانَت وَفَاته بعد الْخَمْسمِائَةِ 911 - عَسْكَر بن أُسَامَة بن جَامع بن مُسلم أَبُو عبد الرَّحْمَن الْعَدوي من أهل نَصِيبين قدم بَغْدَاد وَسمع أَبَا الْقَاسِم بن الْحصين وَأَبا الْعِزّ بن كادش وَمُحَمّد بن عبد الْبَاقِي الْأنْصَارِيّ وَأَبا الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَطَائِفَة ثمَّ عَاد إِلَى نَصِيبين وَأقَام بهَا يُفْتِي ويدرس وَكَانَ فَقِيها صَالحا دينا توفّي بنصيبين سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة ومولده سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 910 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 912 - عَليّ بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن محمويه أَبُو الْحسن المقرىء الْفَقِيه من أهل يزدْ سمع أَبَا بكر مُحَمَّد بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ وَأَبا المكارم مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن النسوي المقرىء وَأَبا عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْحداد وَمُحَمّد بن عبد الْكَرِيم بن خشيش وَأَبا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن العلاف وَأَبا عَليّ بن نَبهَان وَغَيرهم وتفقه على فَخر الْإِسْلَام الشَّاشِي وَالْقَاضِي أبي عَليّ الفارقي سَافر إِلَيْهِ إِلَى وَاسِط وصنف الْكثير حَدِيثا وفقها وزهدا وَكَانَ من الْفُقَهَاء المتعبدين وَكَانَ لَهُ عِمَامَة وقميص بَينه وَبَين أَخِيه إِذا خرج ذَاك قعد هَذَا فِي الْبَيْت وَبِالْعَكْسِ وَدخل إِلَيْهِ زائر فَوَجَدَهُ عُريَانا فَقَالَ نَحن إِذا غسلنا ثيابنا نَكُون كَمَا قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ (قوم إِذا غسلو ثِيَاب جمَالهمْ ... لبسوا الْبيُوت إِلَى فرَاغ الْغَاسِل) وَقيل إِنَّه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول لَهُ يَا عَليّ صم رجبا عندنَا فَمَاتَ لَيْلَة رَجَب سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة الحديث: 912 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ الرَّوْيَانِيّ سكن بُخَارى قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَارِفًا بِمذهب الشَّافِعِي تفقه على الإِمَام أبي الْقَاسِم الفوراني وَأبي سهل أَحْمد بن عَليّ الأبيوردي وَغَيرهمَا روى لنا عَنهُ أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عَليّ البيكندي وَمَات ببخارى فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة 913 - عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر بن مُسلم الْعلوِي الْحُسَيْنِي الزيدي يتَّصل نسبه بزيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ كَانَ من الْمشَار إِلَيْهِم فِي الزّهْد وَالْعِبَادَة وَحسن الطَّرِيقَة وَصِحَّة العقيدة وَطلب الْعلم ودرسه وَالسَّعْي فِي تَحْصِيله وَحصل لَهُ الْقبُول التَّام من النَّاس وَهُوَ فِي غَايَة التَّوَاضُع وَنِهَايَة التمسكن وأقصى الْمُرُوءَة من كرم وَحسن وأخلاق وأفضال سمع الْكثير وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَكتب واستكتب ووقف كتبا كَثِيرَة هُوَ وَصَاحب لَهُ يُسمى صبيحا كَانَا على طَريقَة حميدة وصحبة أكيدة ووقفا كتبهماجملة سمع أَبَا الْفضل بن نَاصِر وَأَبا الْوَقْت السجْزِي وخلائق كثيرين وَبَالغ فِي الطّلب حَتَّى كتب عَن أقرانه وَعَمن هُوَ دونه وَحدث باليسير لِأَنَّهُ مَاتَ شَابًّا قبل وَقت التحديث الحديث: 913 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 ولد سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَمَات سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة وَمن كَلَامه اجْعَل النَّوَافِل كالفرائض والمعاصي كالكفر والشهوات كالمسموم ومخالطة النَّاس كالنار والغذاء كالدواء 914 - عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو المكارم البُخَارِيّ تفقه بِبَغْدَاد على إِلْكيَا الهراسي وَولى قَضَاء وَاسِط وَكَانَ يدرس الْفِقْه بِجَامِع وَاسِط مَاتَ فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 915 - عَليّ بن حسكويه بن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحسن المراغي الأديب تفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ برع فِي الْفِقْه وَكَانَ عَارِفًا باللغة وَالشعر سكن مرو إِلَى حِين وَفَاته وَسمع من الْخَطِيب أبي بكر وَالشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَابْن هزارمرد وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره توفّي بمرو فَجْأَة بَينا هُوَ يمشي وَقع مَيتا سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة وَمن شعره (رجائي عناني وروحني الياس ... وَمَا لِمَعْنى الْقلب كاليأس إيناس) (فَكل طموع مستهان رجائه ... وَذُو الْيَأْس فِي روض القناعة مياس) الحديث: 914 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 (أَلا كل عز نيل بالذل ذلة ... وكل ثراء حيّز بالهون إفلاس) وَكَانَ السَّبَب فِي قَوْله هَذِه الأبيات أَنه حضر دَار الْوَزير فَلم يُمكن من الدُّخُول فالتزم أَن لَا يدْخل بعْدهَا إِلَى أحد من الْعَسْكَر وَمن شعره (لست بآت بَاب ملك لَهُ ... بِالْبَابِ نواب وحجاب) (وَإِنَّمَا آتِي المليك الَّذِي ... لَا يغلق الدَّهْر لَهُ بَاب) 916 - عَليّ بن الْحسن بن الْحسن بن أَحْمد الْكلابِي أَبُو الْقَاسِم بن أبي الْفَضَائِل الْكلابِي الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الفرضي النَّحْوِيّ الْمَعْرُوف بِجَمَال الْأَئِمَّة ابْن الماسح من عُلَمَاء دمشق ولد سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة سمع خلقاوتفقه على نصر الله المصِّيصِي وجمال الْإِسْلَام السّلمِيّ وَكَانَ معيدا لجمال الْإِسْلَام بالأمينية ودرس بالمجاهدية مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 917 - عَليّ بن الْحسن بن عَليّ أَبُو الْحسن الرميلي كَانَ فَاضلا فِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْخلاف واللغة والنحو وَله الْخط البديع على طَريقَة ابْن البواب الحديث: 916 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 تفقه على يُوسُف الدِّمَشْقِي وَسمع من عَليّ بن عبد السَّيِّد بن الصّباغ وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن عمر الأرموي وَغَيرهمَا وَأعَاد بالنظامية من شعره مَا كتب بِهِ إِلَى بعض النَّاس وَقد ارتعشت يَدَاهُ وَتغَير خطه (طول سقمي وَالَّذِي يعتادني ... صير الرَّائِق من خطي كَذَا) (كل شَيْء هدر مَا سلمت ... مِنْك لي نفس ووقيت الْأَذَى) مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 918 - عَليّ بن الْحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الْحُسَيْن الإِمَام الْجَلِيل حَافظ الْأمة أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَلَا نعلم أحدا من جدوده يُسمى عَسَاكِر وَإِنَّمَا هُوَ اشْتهر بذلك هُوَ الشَّيْخ الإِمَام نَاصِر السّنة وخادمها وقامع جند الشَّيْطَان بعساكر اجْتِهَاده وهادمها إِمَام أهل الحَدِيث فِي زَمَانه وختام الجهابذه الْحفاظ وَلَا يُنكر أحد مِنْهُ مَكَانَهُ مَكَانَهُ محط رحال الطالبين وموئل ذَوي الهمم من الراغبين الْوَاحِد الحديث: 918 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 الَّذِي أَجمعت الْأمة عَلَيْهِ والواصل إِلَى مالم تطمح الآمال إِلَيْهِ وَالْبَحْر الَّذِي لَا سَاحل لَهُ والحبر الَّذِي حمل أعباء السّنة كَاهِله قطع اللَّيْل وَالنَّهَار دائبين فِي دأبه وَجمع نَفسه على أشتات الْعُلُوم لَا يتَّخذ غير الْعلم وَالْعَمَل صاحبين وهما مُنْتَهى أربه حفظ لَا تغيب عَنهُ شاردة وَضبط أستوت لَدَيْهِ الطريفة والتالدة وإتقان سَاوَى بِهِ من سبقه إِن لم يكن فاقه وسعة علم أثري بهَا وَترك النَّاس كلهم بَين يَدَيْهِ ذَوي فاقة لَهُ تَارِيخ الشَّام فِي ثَمَانِينَ مجلدة وَأكْثر أبان فِيهِ عَمَّا لم يَكْتُمهُ غَيره وَإِنَّمَا عجز عَنهُ وَمن طالع هَذَا الْكتاب عرف إِلَى أَي مرتبَة وصل هَذَا الإِمَام واستقل الثريا وَمَا رَضِي بدر التَّمام وَله الْأَطْرَاف وتبيين كذب المفترى فِيمَا نسب إِلَى الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وعدة تصانيف وتخاريج وفوائد مَا الْحفاظ إِلَيْهَا إِلَّا محاويج ومجالس إملاء من صدرة يخرلها البُخَارِيّ وَيسلم مُسلم وَلَا يرْتَد أَو يعْمل فِي الرحلة إِلَيْهَا البزل المهارى ولد فِي مستهل سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع خلائق وعدة شُيُوخه ألف وثلاثمائة شيخ وَمن النِّسَاء بضع وَثَمَانُونَ امْرَأَة وارتحل إِلَى الْعرَاق وَمَكَّة وَالْمَدينَة وارتحل إِلَى بِلَاد الْعَجم فَسمع بأصبهان ونيسابور ومرو وتبريز وميهنة وبيهق وخسروجرد وبسطام ودامغان والري وزنجان وهمذان وأسداباذ وجي وهراة وبون وبغ وبوشنج وسرخس ونوقان وسمنان وأبهر ومرند وخوى وجرباذقان ومشكان وروذراور وحلوان وأرجيش وَسمع بالأنبار والرافقة والرحبة وماردين وماكسين وَغَيرهَا من الْبِلَاد الْكَثِيرَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 والمدن الشاسعة والأقاليم المتفرقة لَا يَنْفَكّ نائي الديار يعْمل مَطِيَّة فِي أقاصي القفار وحيدا لَا يَصْحَبهُ إِلَّا تَقِيّ اتَّخذهُ أنيسه وعزم لَا يرى غير بُلُوغ المآرب دَرَجَة نفيسة وَلَا يظلله إِلَّا سَمُرَة فِي رباع قفراء وَلَا يرد غير إداوة لَعَلَّه يرتشف مِنْهَا المَاء وَسمع مِنْهُ جمَاعَة من الْحفاظ كَأبي الْعَلَاء الهمذاني وَأبي سعد السَّمْعَانِيّ وروى عَنهُ الجم الْغَفِير وَالْعدَد الْكثير وَرويت عَنهُ مصنفاته وَهُوَ حَيّ بِالْإِجَازَةِ فِي مدن خُرَاسَان وَغَيرهَا وانتشر اسْمه فِي الأَرْض ذَات الطول وَالْعرض وَكَانَ قد تفقه فِي حداثته بِدِمَشْق على الْفَقِيه أبي الْحسن السّلمِيّ وَلما دخل بَغْدَاد لزم بهَا التفقه وَسَمَاع الدُّرُوس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية وَقَرَأَ الْخلاف والنحو وَلم يزل طول عمره مواظبا على صَلَاة الْجَمَاعَة ملازما لقِرَاءَة الْقُرْآن مكثرا من النَّوَافِل والأذكار وَالتَّسْبِيح آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَله فِي الْعشْر من شهر رَمَضَان فِي كل يَوْم ختمة غير مَا يَقْرَؤُهُ فِي الصَّلَوَات وَكَانَ يخْتم كل جُمُعَة وَلم ير إِلَّا فِي اشْتِغَال يُحَاسب نَفسه على سَاعَة تذْهب فِي غير طَاعَة وَلما حملت بِهِ أمه رأى وَالِده فِي الْمَنَام أَنه يُولد لَك ولد يحيى الله بِهِ السّنة ولعمر الله هَكَذَا كَانَ أَحْيَا الله بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة يصدع بِالْحَقِّ لَا يخَاف فِي الله لومة لائم ويسطو على أَعدَاء الله المبتدعة وَلَا يُبَالِي وَإِن رغم أنف الراغم لَا تَأْخُذهُ رأفة فِي دين الله وَلَا يقوم لغضبه أحد إِذا خَاضَ الْبَاغِي فِي صِفَات الله قَالَ لَهُ شَيْخه أَبُو الْحسن بن قبيس وَقد عزم على الرحلة إِنِّي لأرجو أَن يحيى الله تَعَالَى بك هَذَا الشَّأْن فَكَانَ كَمَا قَالَ وعدت كَرَامَة للشَّيْخ وَبشَارَة لِلْحَافِظِ وَلما دخل بَغْدَاد أعجب بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَالُوا مَا رَأينَا مثله وَكَذَلِكَ قَالَ مشايخه الخراسانيون وَقَالَ شَيْخه أَبُو الْفَتْح الْمُخْتَار بن عبد الحميد قدم علينا أَبُو عَليّ بن الْوَزير فَقُلْنَا مَا رَأينَا مثله ثمَّ قدم علينا أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فَقُلْنَا مَا رَأينَا مثله حَتَّى قدم علينا هَذَا فَلم نر مثله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء الهمذاني لبَعض تلامذته وَقد استأذنه أَن يُسَافر إِن عرفت أستاذا أعلم مني أَو يكون فِي الْفضل مثلي فَحِينَئِذٍ آذن لَك أَن تُسَافِر إِلَيْهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تُسَافِر إِلَى الشَّيْخ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فَإِنَّهُ حَافظ كَمَا يجب وَقَالَ شَيْخه الْخَطِيب أَبُو الْفضل الطوسي مَا نَعْرِف من يسْتَحق هَذَا اللقب الْيَوْم سواهُ يَعْنِي لَفظه الْحَافِظ وَكَانَ يُسمى بِبَغْدَاد شعلة نَار من توقده وذكائه وَحسن إِدْرَاكه لم يجْتَمع فِي شُيُوخه مَا اجْتمع فِيهِ من لُزُوم طَريقَة وَاحِدَة مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة يلازم الْجَمَاعَة فِي الصَّفّ الْمُقدم التطلع إِلَّا من عذر ومانع وَالِاعْتِكَاف والمواظبة عَلَيْهِ فِي الْجَامِع وَإِخْرَاج حق الله وَعدم التطلع إِلَى أَسبَاب الدُّنْيَا وإعراضه عَن المناصب الدِّينِيَّة كالإمامة والخطابة بعد أَن عرضتا عَلَيْهِ قَالَ وَلَده الْحَافِظ بهاء الدّين أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم قَالَ لي أبي لما حملت بِي أُمِّي رَأَتْ فِي منامها قَائِلا يَقُول لَهَا تلدين غُلَاما يكون لَهُ شَأْن فَإِذا ولدتيه فاحميله إِلَى المغارة يَعْنِي مغارة الدَّم بجبل قاسيون يَوْم الْأَرْبَعين من وِلَادَته وتصدقي بِشَيْء فَإِن الله تَعَالَى يُبَارك لَك وللمسلمين فِيهِ فَفعلت ذَلِك كُله وصدقت الْيَقَظَة منامها ونبهه السعد فأسهره اللَّيَالِي فِي طلب الْعلم وَغَيره سهرها فِي الشَّهَوَات أَو نامها وَكَانَ لَهُ الشَّأْن الْعَظِيم والشأو الَّذِي يجل عَن التَّعْظِيم وَذكره الْحَافِظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فِي تَارِيخه فوصفه بِالْحِفْظِ وَالْفضل والإتقان وَذكره الْحَافِظ ابْن الدبيثي فِي مذيلة عَليّ ابْن السَّمْعَانِيّ لِأَن وَفَاته تَأَخَّرت عَن وَفَاة ابْن السَّمْعَانِيّ ومدحه أَيْضا مدحا كثيرا وَقَالَ ابْن النجار هُوَ إِمَام الْمُحدثين فِي وقته وَمن انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة فِي الْحِفْظ والإتقان والمعرفة التَّامَّة بعلوم الحَدِيث والثقة والنبل وَحسن التصنيف والتجويد وَبِه ختم هَذَا الشَّأْن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 قَالَ وَسمعت شَيخنَا عبد الْوَهَّاب بن الْأمين يَقُول كنت يَوْمًا مَعَ الْحَافِظ أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأبي سعد بن السَّمْعَانِيّ نمشي فِي طلب الحَدِيث ولقاء الشُّيُوخ فلقينا شَيخا فاستوقفه ابْن السَّمْعَانِيّ ليقْرَأ عَلَيْهِ شَيْئا وَطَاف على الْجُزْء الَّذِي هُوَ سَمَاعه فِي خريطته فَلم يجده وضاق صَدره فَقَالَ لَهُ ابْن عَسَاكِر مَا الْجُزْء الَّذِي هُوَ سَمَاعه فَقَالَ كتاب الْبَعْث والنشور لِابْنِ أبي دَاوُد سَمعه من أبي نصر الزَّيْنَبِي فَقَالَ لَهُ لَا تحزن وَقَرَأَ عَلَيْهِ من حفظه أَو بعضه قَالَ ابْن النجار الشَّك من شَيخنَا وَصَحَّ أَن أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي قَالَ قدم ابْن عَسَاكِر يَعْنِي الْحَافِظ فَقَرَأَ عَليّ ثَلَاثَة أَيَّام فَأكْثر وأضجرني فآليت على نَفسِي أَن أغلق بَابي فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قدم عَليّ شخص فَقَالَ أَنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْك فَقلت مرْحَبًا بك فَقَالَ قَالَ لي فِي النّوم امْضِ إِلَى الفراوي وَقل لَهُ قدم بلدكم شخص شَامي أسمر اللَّوْن يطْلب حَدِيثي فَلَا تمل مِنْهُ قَالَ الحاكي فوَاللَّه مَا كَانَ الفراوي يقوم حَتَّى يقوم الْحَافِظ وَقَالَ فِيهِ الشَّيْخ مُحي الدّين النَّوَوِيّ وَمن خطه نقلت هُوَ حَافظ الشَّام بل هُوَ حَافظ الدُّنْيَا الإِمَام مُطلقًا الثِّقَة الثبت وَحكى وَلَده الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم قَالَ كَانَ أبي قد سمع كتبا كَثِيرَة لم يحصل مِنْهَا نسخا اعْتِمَادًا مِنْهُ على نسخ رَفِيقَة الْحَافِظ أبي عَليّ بن الْوَزير وَكَانَ مَا حصله ابْن الْوَزير لَا يحصله أبي وَمَا حصله أبي لَا يحصله ابْن الْوَزير فَسَمعته لَيْلَة من اللَّيَالِي وَهُوَ يتحدث مَعَ صَاحب لَهُ فِي ضوء الْقَمَر فِي الْجَامِع فَقَالَ رحلت وَمَا كَأَنِّي رحلت وحصلت وَمَا كَأَنِّي حصلت كنت أَحسب أَن رفيقي ابْن الْوَزير يقدم بالكتب الَّتِي سَمعتهَا مثل صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وَكتب الْبَيْهَقِيّ وعوالي الْأَجْزَاء فاتفقت سكناهُ بمرو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 وإقامته بهَا وَكنت أُؤَمِّل وُصُول رَفِيق آخر يُقَال لَهُ يُوسُف بن فاروا الجياني ووصول رفيقنا أبي الْحسن الْمرَادِي فَإِنَّهُ يَقُول لي رُبمَا وصلت إِلَى دمشق وتوجهت مِنْهَا إِلَى بلدي بالأندلس وَمَا أرى أحدا مِنْهُم جَاءَ إِلَى دمشق فَلَا بُد من الرحلة ثَالِثا وَتَحْصِيل الْكتب الْكِبَار والمهمات من الْأَجْزَاء العوالي فَلم يمض إِلَّا أَيَّام يسيرَة حَتَّى جَاءَ إِنْسَان من أَصْحَابه إِلَيْهِ ودق عَلَيْهِ الْبَاب وَقَالَ هَذَا أَبُو الْحسن الْمرَادِي قد جَاءَ فَنزل أبي إِلَيْهِ وتلقاه وأنزله فِي منزله وَقدم علينا بأَرْبعَة أسفاط مَمْلُوءَة من الْكتب المسموعات ففرح أبي بذلك فَرحا شَدِيدا وشكر الله سُبْحَانَهُ على مَا يسره لَهُ من وُصُول مسموعاته إِلَيْهِ من غير تَعب وَكَفاهُ مؤونة السّفر فَأقبل على تِلْكَ الْكتب فنسخ واستنسخ حَتَّى أَتَى على مَقْصُودَة مِنْهَا وَكَانَ كلما حصل على جُزْء مِنْهَا كَأَنَّهُ حصل على ملك الدُّنْيَا قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم بن عبد الله الْمُنْذِرِيّ سَأَلت شَيخنَا الْحَافِظ أَبَا الْحسن عَليّ ابْن الْمفضل الْمَقْدِسِي فَقلت لَهُ أَرْبَعَة من الْحفاظ تعاصروا أَيهمْ أحفظ قَالَ من هم قلت الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَابْن نَاصِر قَالَ ابْن عَسَاكِر أحفظ قلت الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء وَابْن عَسَاكِر قَالَ ابْن عَسَاكِر أحفظ قلت الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَابْن عَسَاكِر فَقَالَ السلَفِي أستاذنا السلَفِي أستاذنا قَالَ الْحَافِظ زكي الدّين وَغَيره من الْحفاظ الْأَثْبَات كشيخنا الذَّهَبِيّ وَأبي الْعَبَّاس بن المظفر هَذَا دَلِيل على أَن عِنْده ابْن عَسَاكِر أحفظ إِلَّا أَنه وقر شَيْخه أَن يُصَرح بِأَن ابْن عَسَاكِر أحفظ مِنْهُ قَالَ الذَّهَبِيّ وَإِلَّا فَابْن عَسَاكِر أحفظ مِنْهُ وَقَالَ وَمَا أرى ابْن عَسَاكِر رأى مثل نَفسه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 قلت وَقد كنت أتعجب من الْمُنْذِرِيّ فِي ذكره هَؤُلَاءِ وإهماله السُّؤَال عَن الْحَافِظ أبي سعد بن السَّمْعَانِيّ ثمَّ لَاحَ لي أَنه اقْتدى بِالْحَافِظِ أبي الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر حَيْثُ يَقُول فِيمَا أخبرنَا الْحَافِظ ابْن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ اُخْبُرْنَا الْحَافِظ أَبُو الْحُسَيْن بن اليونيني بِقِرَاءَتِي أخبرنَا الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ أخبرنَا الْحَافِظ ابْن الْمفضل قَالَ سَمِعت الْحَافِظ السلَفِي يَقُول سَمِعت الْحَافِظ ابْن طَاهِر يَقُول سَأَلت سَعْدا الزنجاني الْحَافِظ بِمَكَّة وَمَا رَأَيْت مثله قلت لَهُ أَرْبَعَة من الْحفاظ تعاصروا أَيهمْ أحفظ قَالَ من قلت الدَّارَقُطْنِيّ بِبَغْدَاد وَعبد الْغَنِيّ بِمصْر وَأَبُو عبد الله بن مَنْدَه بأصبهان وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم بنيسابور فَسكت فألححت عَلَيْهِ فَقَالَ أما الدَّارَقُطْنِيّ فأعلمهم بالعلل وَأما عبد الْغَنِيّ فأعلمهم بالأنساب وَأما ابْن مَنْدَه فأكثرهم حَدِيثا مَعَ معرفَة تَامَّة وَأما الْحَاكِم فأحسنهم تصنيفا وَلَكِن بَقِي على هَذَا أَنه لم أهمل ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ وَذكر غَيره كَابْن نَاصِر وَأبي الْعَلَاء وَالَّذِي نرَاهُ أَن ابْن السَّمْعَانِيّ أجل مِنْهُمَا وَقد يُقَال فِي جَوَاب هَذَا إِن ابْن السَّمْعَانِيّ لم يكن حِين سُؤال الْمُنْذِرِيّ قد عرف الْمُنْذِرِيّ قدره فَإِن تصانيفه فِيمَا يغلب على الظَّن لم تكن وصلت إِذْ ذَاك إِلَى هَذِه الديار بِخِلَاف هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُم متقاربون ابْن عَسَاكِر بِالشَّام والسلفي بالإسكندرية وَابْن نَاصِر بِبَغْدَاد وَأَبُو الْعَلَاء بهمذان وَأما ابْن السَّمْعَانِيّ فَفِي مرو وَهِي من أقاصي بِلَاد خُرَاسَان وَأَبُو الْعَلَاء الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن الْعَطَّار الهمذاني الْحَافِظ توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة بهمذان وَلَيْسَ هُوَ أَبَا الْعَلَاء أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الْأَصْفَهَانِي الْحَافِظ المتوفي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بأصبهان فَليعلم ذَلِك وَقَالَ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصري أما أَنا فَكنت أذاكره يَعْنِي الْحَافِظ فِي خلواته عَن الْحفاظ الَّذين لَقِيَهُمْ فَقَالَ أما بِبَغْدَاد فَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي وَأما بأصبهان فَأَبُو نصر اليونارتي لَكِن إِسْمَاعِيل الْحَافِظ كَانَ أشهر مِنْهُ فَقلت لَهُ على هَذَا مَا رأى سيدنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 مثله فَقَالَ لَا تقل هَذَا قَالَ الله تَعَالَى {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} قلت وَقد قَالَ تَعَالَى {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} فَقَالَ نعم لَو قَالَ قَائِل إِن عَيْني لم تَرَ مثلي لصدق قلت إِنَّا لَا نشك أَن عينه لم تَرَ مثله وَلَا من يدانيه وللحافظ شعر كثير قَلما أمْلى مَجْلِسا إِلَّا وختمه بِشَيْء من شعره وَكَانَ بَينه وَبَين حَافظ خُرَاسَان أبي سعد بن السَّمْعَانِيّ مَوَدَّة أكيدة كتب إِلَيْهِ أَبُو سعد كتابا سَمَّاهُ فرط الغرام إِلَى ساكنى الشَّام وَكتب هُوَ إِلَى ابْن السَّمْعَانِيّ يعاتبه فِي إِنْفَاذ كتاب إِلَيْهِ (ماكنت أَحسب أَن حاجاتي إِلَيْك ... وَإِن نأت دَاري مضاعه) (أنسيت ثدي مودتي ... بيني وَبَيْنك وارتضاعه) (وَلَقَد عهدتك فِي الْوَفَاء ... أَخا تَمِيم لَا قضاعه) قَالَ المُصَنّف رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْبَيْت الأول من هَذِه فِيهِ زِيَادَة جُزْء وَلَعَلَّه قَالَ (مَا كنت أَحسب حَاجَتي ... لَك إِن نأت دَاري مضاعه) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 توفّي الْحَافِظ فِي حادي عشر شهر رَجَب الْفَرد سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة بِدِمَشْق وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَكَانَ الْملك الْعَادِل مَحْمُود بن زنكي نور الدّين قد بنى لَهُ دَار الحَدِيث النورية فدرس بهَا إِلَى حِين وَفَاته غير ملتفت إِلَى غَيرهَا وَلَا متطلع إِلَى زخرف الدُّنْيَا وَلَا نَاظر إِلَى محَاسِن دمشق ونزهها بل لم يزل مواظبا على خدمَة السّنة والتعبد باخْتلَاف أَنْوَاعه صَلَاة وصياما واعتكافا وَصدقَة وَنشر علم وتشييع جنائز وصلات رحم إِلَى حِين قبض رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ 919 - عَليّ بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم الربعِي الْمَعْرُوف بِابْن عريبة تفقه عَليّ القَاضِي أبي الطّيب وَالْمَاوَرْدِيّ وَأبي الْقَاسِم مَنْصُور بن عمر الْكَرْخِي وَقَرَأَ الْكَلَام على أبي عَليّ بن الْوَلِيد أحد أَشْيَاخ الْمُعْتَزلَة وَسمع من أبي الْحسن بن مخلد وَأبي عَليّ بن شَاذان وَأبي الْقَاسِم بن بَشرَان وَغَيرهم روى عَنهُ مُحَمَّد بن نَاصِر وَأَبُو الْفَتْح بن شاتيل وَغَيرهمَا وَمن شعره (إِن كنت نلْت من الْحَيَاة وطيبها ... مَعَ حسن وَجهك عفة وشبابا) (فاحذر لنَفسك أَن ترى متمنيا ... يَوْم الْقِيَامَة أَن تكون تُرَابا) الحديث: 919 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 وَحكي أَنه رَجَعَ عَن الاعتزال وَأشْهد على نَفسه بِالرُّجُوعِ ولد سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَقيل سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمَات فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسمِائة 920 - عَليّ بن سَعَادَة أَبُو الْحسن الْجُهَنِيّ الْموصِلِي السراج أحد عُلَمَاء الْموصل قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام ورع عَامل بِعِلْمِهِ تفقه على أبي حَفْص الباغوساني إِمَام الجزيرة وارتحل إِلَى بَغْدَاد وَسمع من أبي نصر الزَّيْنَبِي وعلق التعليقة عَن أبي حَامِد الْغَزالِيّ حدث عَنهُ جمَاعَة توفّي بالموصل سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة 921 - عَليّ بن سُلَيْمَان بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الأندلسي أَبُو الْحسن الْمرَادِي الْقُرْطُبِيّ الشقوري الفرغليطي وفرغليط من أَعمال شقورة الْحَافِظ الْفَقِيه ولد قبل الْخَمْسمِائَةِ بقريب وَخرج من الأندلس بعد الْعشْرين وَخَمْسمِائة ورحل إِلَى بَغْدَاد وَدخل خُرَاسَان وَسكن نيسابور مُدَّة الحديث: 920 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 وتفقه على الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى صَاحب الْغَزالِيّ وَسمع من أبي عبد الله الفراوي وَهبة الله السيدي وَأبي المظفر بن الْقشيرِي وَجَمَاعَة روى عَنهُ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأَبُو الْقَاسِم بن الحرستاني وَجَمَاعَة وَصَحب الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الأكاف الزَّاهِد وَقدم دمشق بعد الْأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَفَرح بقدومه رَفِيقه حَافظ الدُّنْيَا أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر لما كَانَ مَعَه من مسموعاته وَحدث بِدِمَشْق بالصحيحين قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كنت آنس بِهِ كثيرا وَكَانَ أحد عباد الله الصَّالِحين خرجنَا جملَة إِلَى نوقان لسَمَاع تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ فلمحت مِنْهُ أَخْلَاقًا وأحوالا قَلما تَجْتَمِع فِي أحد من الورعين وَقَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر ندب للتدريس بحماه فَمضى إِلَيْهَا ثمَّ ندب للتدريس بحلب فَمضى ودرس بهَا الْمَذْهَب بمدرسة ابْن العجمي وَكَانَ ثبتا صلبا فِي السّنة توفّي بحلب فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وفيهَا توفّي القَاضِي عِيَاض وَالْقَاضِي الأرجاني الشَّاعِر 922 - عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن مبادر أَبُو الْحسن الْأَزجيّ قَاضِي وَاسِط من كبار الشَّافِعِيَّة توفّي فِي ربيع الأول سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 922 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 923 - عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بابويه الحديثي أَبُو الْحسن السمنجاني أَصله من حَدِيثَة الْموصل تفقه ببخارى على أبي سهل الأبيوردي وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن أبي عبد الله إِبْرَاهِيم بن عَليّ الطيوري وَأبي الْقَاسِم بن مَيْمُون بن عَليّ بن مَيْمُون الْمَيْمُونِيّ وَغَيرهم حدث عَنهُ أَبُو نصر المعمري مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البيع وَغَيره قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا متبحرا فِي الْعلم حسن السِّيرَة كثير الْعِبَادَة دَائِم التِّلَاوَة وَالذكر وَظَهَرت بركاته على أَصْحَابه وَتخرج بِهِ جمَاعَة من أهل الْعلم وَقَالَ يحيى بن عبد الْوَهَّاب بن مندة قدم أَصْبَهَان وَهُوَ أحد فُقَهَاء الشافعيين صلب فِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ مَاتَ فِي شعْبَان سنة اثِنْتَيْنِ وَخَمْسمِائة 924 - عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْوَفَاء أَبُو طَالب الْحِيرِي قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل زاهد من بَيت الْعلم تفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ يسكن صومعة بِالْحيرَةِ حدث عَن أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأبي الْحسن أَحْمد بن عبد الرَّحِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ وَجَمَاعَة سَمِعت مِنْهُ أَكثر سنَن أبي دَاوُد مَاتَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة الحديث: 923 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 925 - عَليّ بن عُثْمَان بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف القَاضِي السعيد أَبُو الْحسن الْقرشِي المَخْزُومِي الْمصْرِيّ ولد سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة وَحدث عَن عبد الْعَزِيز بن عُثْمَان التّونسِيّ وَأحمد بن الحطيئة وَإِسْمَاعِيل بن الْحَارِث القَاضِي قَالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم حدثونا عَنهُ توفّي فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 926 - عَليّ بن بن عَليّ بن الْحسن النَّيْسَابُورِي أَبُو تُرَاب من فُقَهَاء وَاسِط أَصله نيسابوري استوطن بَغْدَاد وَكَانَ فَقِيها عَارِفًا بِالْمذهبِ كتب الْخط الْمليح توفّي فِي رَجَب سنة إحدي وَسبعين وَخَمْسمِائة 927 - عَليّ بن عَليّ بن هبة الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن البُخَارِيّ أَبُو طَالب بن أبي الْحسن ابْن أبي البركات من أَوْلَاد الْمُحدثين ولد بِبَغْدَاد وتفقه بهَا على أبي الْقَاسِم بن فضلان وَسمع الحَدِيث من أبي الْوَقْت وَغَيره الحديث: 925 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 وَخرج من بَغْدَاد إِلَى بِلَاد الرّوم ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وولاه الإِمَام النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَضَاء وخوطب بأقضى الْقُضَاة ولميزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن الدَّامغَانِي فقلد ابْن البُخَارِيّ قَاضِي الْقُضَاة وخلع عَلَيْهِ وقرىء عَهده بالجوامع وناب فِي الوزارة توفّي فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة قلت هَذَا كَلَام ابْن النجار وَهُوَ يدل على أَن اسْم قَاضِي الْقُضَاة فِي الِاصْطِلَاح من ذَلِك الزَّمَان أكبر من اسْم أقضى الْقُضَاة كَمَا هُوَ الْيَوْم وَفِي ذهن كثير من النَّاس أَنه كَانَ يَنْبَغِي أَن يعكس هَذَا الِاصْطِلَاح فَإِن أقضى الْقُضَاة أبلغ من قَاضِي الْقُضَاة لما فِيهَا من أفعل التَّفْضِيل وَكتب أسمع الشَّيْخ الإِمَام يخطىء من يَقُول هَذَا وَيَقُول بل لفظ قَاضِي الْقُضَاة أبلغ فَإِن لفظ الأقضى وَإِن دلّ على كَونه أَشد قَضَاء فَفِي لفظ قَاضِي الْقُضَاة مَا يدل على ذَلِك من جِهَة أَنه قَاض على كل قَاض وَلَا كَذَلِك أقضى الْقُضَاة إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَنه قَاض على كل قَاض وَإِذا كَانَ قَاضِيا على كل قَاض كَانَ أَشد قَضَاء وَزِيَادَة أَن لَهُ الْقَضَاء عَلَيْهِم فوضح أَن لفظ قَاضِي الْقُضَاة يدل على مَا دلّ عَلَيْهِ أقضى الْقُضَاة وَزِيَادَة وَأَن مصطلح النَّاس هُوَ الصَّوَاب الَّذِي يدل لَهُ وضع اللَّفْظ 928 - عَليّ بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ بن الشهرزوري من أهل الْموصل سمع بِبَغْدَاد أَبَا غَالب مُحَمَّد بن الْحسن الباقلاني وَغَيره وَولى قَضَاء وَاسِط ثمَّ قَضَاء الْموصل والبلاد الجزيرية والشامية توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَرَأَيْت فِي بعض المجاميع الْمَكْتُوبَة فِي حُدُود سنة تسعين وَخَمْسمِائة مَا نَصه إِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته أَنْت طَالِق على سَائِر الْمذَاهب فللكلام هَذَا أَرْبَعَة احتمالات الحديث: 928 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 أَحدهَا أَن يَقُول أردْت إِيقَاع الطَّلَاق ناجزا فِي الْحَال وَقَوْلِي على سَائِر الْمذَاهب جرى على لساني من غير قصد أَو قصدته وَلَكِنِّي أفهم مِنْهُ تَنْجِيز الطَّلَاق والوقوع الثَّانِي أَن يَقُول أردْت إِيقَاع الطَّلَاق ناجزا وَأَرَدْت بِهَذِهِ الزِّيَادَة وُقُوع الطَّلَاق على أَي مَذْهَب اقتضي وُقُوعه فَفِي هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ يَقع الطَّلَاق ناجزا وَتبين بِهِ وَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن كلمت زيدا وَقَالَ لم أرد التَّعْلِيق بالصيغة وَإِنَّمَا سبق إِلَيْهِ لساني من غير قصد فَإِنَّهُ يَقع الثَّلَاث كَذَلِك هَاهُنَا وَالثَّالِث أَن يَقُول قصدت إِيقَاع طَلَاق بِوَجْه يتَّفق النَّاس على وُقُوعه أَو على وَجه لَا يخْتَلف النَّاس فِيهِ وَظَاهر الصِّيغَة اقْتضى أَن هَذَا الْقَصْد أقوى فَإِن أَرَادَ عِنْد تلفظه بذلك امْتنع وُقُوع الثَّلَاث لِأَن قَوْله على سَائِر الْمذَاهب فِيهِ معنى الشَّرْط لم يَقع وَإِذا لم يُوجد الشَّرْط لم يَقع وَالرَّابِع أَن يَقُول تلفظت بذلك مُطلقًا وَلم يقْتَرن لي بِهِ قصد إِلَى شَيْء لَا إيقاعا فِي الْحَال وَلَا شرطا فِي الْوُقُوع فَمَا الَّذِي يلْزمه فِيهِ فَهُنَا يحْتَمل إِيقَاع الثَّلَاث فِي الْحَال وَيحْتَمل أَن لَا يَقع الطَّلَاق أصلا لِأَن الصِّيغَة ظَاهِرَة فِي تنَاول جَمِيع الْمذَاهب على اتِّفَاق الْوُقُوع وَلم يُوجد ذَلِك وَالله أعلم هَذَا تَخْرِيج الشَّيْخ الإِمَام أبي الْحسن عَليّ بن الْمُسلم الشهرزوري انْتهى وَعلي بن الْمُسلم الشهرزوري لَا أعرفهُ إِنَّمَا هُوَ عَليّ بن الْقَاسِم هَذَا أَو عَليّ بن الْمُسلم لَا الشهرزوري وَهُوَ جمال الْإِسْلَام الْآتِي قَرِيبا وَهَذِه الْمَسْأَلَة حدثت فِي زمَان ابْن الصّباغ وَله فِيهَا كَلَام نَقله عَنهُ ابْن أَخِيه أَبُو مَنْصُور وَقد قدمْنَاهُ وَالَّذِي وجدته هُنَا وَفِي فَتَاوَى ابْن الصّباغ أَنْت طَالِق على سَائِر الْمذَاهب وَلم يقل ثَلَاثًا وَكنت أَظن سُقُوط لَفظه ثَلَاثًا من النَّاسِخ فَلَمَّا توافقت عَلَيْهَا الْكتب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 تعجبت من ذَلِك وسأذكر مَا عِنْدِي فِيهِ وَقد قدمنَا أَن القَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ قَالَ لَا يَقع وَقَالَ غَيره يَقع فِي الْحَال وَالْمَسْأَلَة فِي فَتَاوَى الْغَزالِيّ أَيْضا وَهَذِه صُورَة مَا فِي فَتَاوِيهِ السَّابِقَة بِهِ إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق للسّنة ثَلَاثًا على سَائِر الْمذَاهب وَكَانَت فِي الْحَال طَاهِرا هَل يَقع الثَّلَاث أَو يَقع فِي كل قرء طَلْقَة لتوافق بعض النَّاس الْجَواب إِن يكون للمطلق نِيَّة فِيمَا يذكرهُ فِيهَا وَإِلَّا فَالْأولى أَن يتفرق على الْأَقْرَاء الثَّلَاث لِأَنَّهُ لَو وَقع الثَّلَاث لم تقع الثَّانِيَة على سَائِر الْمذَاهب إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فِي سَائِر الْمذَاهب هَل يَقع فِي الْحَال الثَّلَاث فَإِن كَانَ يَقع فَمن النَّاس من يَقُول إِنَّه لَا يَقع إِلَّا فِي كل قرء طَلْقَة فَهَلا كَانَ الحكم كَذَلِك ليَقَع طَلَاقه بِالْإِجْمَاع الْجَواب أَن هَذَا وَإِن كَانَ أشبه الْمَذْكُور بِذكر السّنة من وَجه وَلَكِن الْفرق ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا ترك السّنة الَّتِي ينْصَرف إِلَيْهَا ذكر الْمذَاهب فهم مِنْهُ شدَّة الْعِنَايَة بالتخيير وَقطع العلائق وحسم تأويلات الْمذَاهب فِي رد الثَّلَاث عَنْهَا وَلَا سِيمَا وَالْمذهب المحكي فِي أَن الثَّلَاث لَا يتنجز فِي غَايَة الْبعد انْتهى 929 - عَليّ بن مُحَمَّد بن حمويه بن مُحَمَّد بن حمويه أَبُو الْحسن بن أبي عبد الله الصُّوفِي صحب الإِمَام أَبَا حَامِد الْغَزالِيّ بطوس وتفقه عَلَيْهِ وروى الحَدِيث عَن عبد الْغفار الشيروي الحديث: 929 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 930 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عَاصِم أَبُو الْحسن الْجُوَيْنِيّ الأديب سمع إِسْمَاعِيل بن الْحُسَيْن الْفَرَائِضِي وَغَيره روى عَنهُ ابْن عَسَاكِر مَاتَ بعد سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بنيسابور 931 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الإِمَام شمس الْإِسْلَام أَبُو الْحسن إِلْكيَا الهراسي الملقب عماد الدّين أحد فحول الْعلمَاء ورءوس الْأَئِمَّة فقها وأصولا وجدلا وحفظا لمتون أَحَادِيث الْأَحْكَام ولد فِي خَامِس ذِي الْقعدَة سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ أجل تلامذته بعد الْغَزالِيّ الحديث: 930 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 وَحدث عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَأبي عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد الصفار وَغَيرهمَا روى عَنهُ السلَفِي وَسعد الْخَيْر بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ وَآخَرُونَ قَالَ فِيهِ عبد الغافر الإِمَام الْبَالِغ فِي النّظر مبلغ الفحول ورد نيسابور فِي شبابه وَكَانَ قد تفقه وَكَانَ حسن الْوَجْه مليح الْكَلَام فَحصل طَريقَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَتخرج بِهِ فِيهَا وَصَارَ من وُجُوه الْأَصْحَاب ورءوس المعيدين فِي الدَّرْس وَكَانَ ثَانِي الْغَزالِيّ بل أَمْلَح وَأطيب فِي النّظر وَالصَّوْت وَأبين فِي الْعبارَة والتقرير مِنْهُ وإِن كَانَ الْغَزالِيّ أحد وأصوب خاطرا وأسرع بَيَانا وَعبارَة مِنْهُ وَهَذَا كَانَ يُعِيد الدَّرْس على جمَاعَة حَتَّى تخْرجُوا بِهِ وَكَانَ مواظبا على الإفادة والاشتغال انْتهى وَعَن إِلْكيَا قَالَ كَانَت فِي مدرسة سرهنك بنيسابور قناة لَهَا سَبْعُونَ دَرَجَة وَكنت إِذا حفظت الدَّرْس أنزل الْقَنَاة وأعيد الدَّرْس فِي كل دَرَجَة مرّة فِي الصعُود وَالنُّزُول قَالَ وَكَذَا كنت أفعل فِي كل درس حفظته وَفِي بعض الْكتب أَنه كَانَ يُكَرر الدَّرْس على كل مرقاة من مراقي درج الْمدرسَة النظامية بنيسابور سبع مَرَّات وَأَن المراقي كَانَت سبعين مرقاة وَكَانَ يحفظ الحَدِيث ويناظر فِيهِ وَهُوَ الْقَائِل إِذا جالت فرسَان الْأَحَادِيث فِي ميادين الكفاح طارت رُءُوس المقاييس فِي مهاب الرِّيَاح وَمن مصنفاته شِفَاء المسترشدين وَهُوَ من أَجود كتب الخلافيات وَله كتاب نقض مُفْرَدَات الإِمَام أَحْمد وَكتاب فِي أصُول الْفِقْه وَغير ذَلِك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 وَمن غَرِيب مَا اتّفق لَهُ أَنه أشيع أَن إِلْكيَا باطني يرى رأى الإسماعيلية فَنمت لَهُ فتْنَة هائلة وَهُوَ برىء من ذَلِك وَلَكِن وَقع الإشتباه على النَّاقِل فَإِن صَاحب الألموت ابْن الصَّباح الباطني الْإِسْمَاعِيلِيّ كَانَ يلقب بالكيا أَيْضا ثمَّ ظهر الْأَمر وفرجت كربَة شمس الْإِسْلَام رَحمَه الله وَعلم أَنه أُتِي من توَافق اللقبين وَكَانَت فِي إِلْكيَا لطافة عِنْد مناظرته رُبمَا نَاظر بعض عُلَمَاء الْعرَاق فأنشده (ارْفُقْ بعبدك إِن فِيهِ يبوسة ... جبلية وَلَك الْعرَاق وماؤه) وَذكر ابْن النجار فِي أَوَائِل تَارِيخه هَذَا الْبَيْت فَجعل مَوضِع يبوسة فهاهة وَمَوْضِع مَاؤُهُ مَاؤُهَا وَأرى الصَّوَاب مَا أنشدته أَنا وَذكر ابْن النجار أَن ابْن الْجَوْزِيّ ذكر أَن إِلْكيَا قد أنْشد ذَلِك لأبي الْوَفَاء بن عقيل الْحَنْبَلِيّ فِي مناظرة بَينهمَا وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ فِي كِتَابه شِفَاء المسترشدين فِي مَسْأَلَة سُجُود التِّلَاوَة قد قيل لَا يسْجد يَعْنِي الْمُصَلِّي للتلاوة قبل الْفَاتِحَة إِذْ لَا نَص فِيهِ للشَّافِعِيّ انْتهى وَهُوَ مَأْخُوذ من كَلَام إِمَامه إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الأساليب فِي مَسْأَلَة سُجُود السَّهْو لَو قَرَأَ الْمُنْفَرد آيَة سَجْدَة قبل الْفَاتِحَة فَالَّذِي يظْهر مَنعه من سُجُود التِّلَاوَة لكَونه قَرَأَ فِي غير أَوَانه وَلَو كَانَ لَا يحسن الْفَاتِحَة وَيحسن بدلهَا آيَات فِيهَا سُجُود الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 فَهَذِهِ صُورَة لَا نَص فِيهَا وَلَا يبعد مَنعه من سُجُود التِّلَاوَة فِيهَا حَتَّى لَا يَنْقَطِع الْقيام الْمَفْرُوض انْتهى مُخْتَصرا وَالَّذِي دَعَاهُ إِلَى ذَلِك الْبَحْث مَعَ الْحَنَفِيَّة فِي وجوب سَجْدَة التِّلَاوَة والمجزوم بِهِ فِي زيادات الرَّوْضَة فِي الْمَسْأَلَة الأولى مَسْأَلَة إِلْكيَا أَنه يسْجد وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَهِي سُجُود من لَا يحسن إِلَّا آيَات فِيهَا سُجُود فَغَرِيبَة 932 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن المؤمل أَبُو الْحسن بن كراز من أهل وَاسِط الحديث: 932 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 تفقه بِبَغْدَاد على إِلْكيَا الهرسي وَسمع الحَدِيث من طراد الزَّيْنَبِي وَغَيره توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 933 - عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن الْحُسَيْن أَبُو الْحسن بن أبي الْمَعَالِي القَاضِي زكي الدّين قَاضِي دمشق سمع من هبة الله بن الْأَكْفَانِيِّ وَعبد الْكَرِيم بن حَمْزَة الْحداد وَأبي الْحسن عَليّ بن الْحسن ابْن الْحُسَيْن السّلمِيّ وَغَيرهم ولد بِدِمَشْق سنة سبع وَخَمْسمِائة وَكَانَ قد استعفى من قَضَاء دمشق وَحج وَدخل بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 934 - عَليّ بن الْمُسلم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْفَتْح أَبُو الْحسن السّلمِيّ الْفَقِيه الفرضي جمال الْإِسْلَام أحد مَشَايِخ الشَّام الْأَعْلَام سمع أَبَا نصر بن طلاب وَأَبا الْحسن بن أبي الْحَدِيد وَعبد الْعَزِيز الكتاني وغانم بن أَحْمد ابْن عَليّ بن مُحَمَّد المصِّيصِي والفقيه نصر الْمَقْدِسِي وَجَمَاعَة روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَابْنه الْقَاسِم والسلفي وَإِسْمَاعِيل الجنزوي وبركات الخشوعي وَجَمَاعَة آخِرهم وَفَاة القَاضِي عبد الصَّمد الحرستاني وتفقه جمال الْإِسْلَام أَولا على القَاضِي أبي المظفر عبد الْجَلِيل بن عبد الْجَبَّار الْمروزِي فَلَمَّا قدم الْفَقِيه نصر الْمَقْدِسِي انْتقل إِلَيْهِ ولازمه وَلزِمَ الْغَزالِيّ مُدَّة مقَامه بِدِمَشْق وَهُوَ الحديث: 933 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 الَّذِي أمره بالتصدر بعد موت الْفَقِيه نصر وَكَانَ يثني على علمه وفهمه وَكَانَ جمال الْإِسْلَام معيدا للفقه نصر وَحكى أَن الْغَزالِيّ قَالَ بعد خُرُوجه من الشَّام خلفت بِالشَّام شَابًّا إِن عَاشَ كَانَ لَهُ شَأْن يَعْنِي جمال الْإِسْلَام فَكَانَ كَمَا قد تفرس فِيهِ وَكَانَ جمال الْإِسْلَام مدرسا بالزاوية الغزالية بِدِمَشْق مُدَّة ثمَّ ولي تدريس الأمينية سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة وَكَانَ عَالما بِالْمذهبِ والفرائض وَالتَّفْسِير وَالْأُصُول إِمَامًا متقنا ثِقَة ثبتا ذكره الْحَافِظ فِي التَّارِيخ وَفِي كتاب التَّبْيِين وَأحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ وَقَالَ كَانَ يحفظ كتاب تَجْرِيد التَّجْرِيد لأبي حَاتِم الْقزْوِينِي وَكَانَ حسن الْخط موفقا فِي الْفَتَاوَى كَانَ على فَتَاوِيهِ عُمْدَة أهل الشَّام وَكَانَ يكثر عِيَادَة المرضى وشهود الْجَنَائِز ملازما للتدريس والإفادة حسن الْأَخْلَاق لَهُ مصنفات فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير وَكَانَ يعْقد مجْلِس التَّذْكِير وَيظْهر السّنة وَيرد على الْمُخَالفين وَلم يخلف بعد مثله وَقَالَ فِي كتاب التَّبْيِين كَانَ عَالما بالفقه وَالتَّفْسِير وَالْأُصُول والتذكير والفرائض والحساب وتعبير المنامات توفّي سَاجِدا فِي صَلَاة الْفجْر فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَمن الْمسَائِل والفوائد عَن جمال الْإِسْلَام لَهُ مُصَنف فِي أَحْكَام الخناثي قَالَ فِيهِ إِذا أقرّ الخنثي بالرجولية قبل إِقْرَاره وَحكم بِهِ فَلَو شهد قبلناه فِيمَا تقبل فِيهِ شَهَادَة الرِّجَال وَلَو شهد بذلك قبل أَن يقر بِزَوَال الْإِشْكَال فَردَّتْ شَهَادَته ثمَّ أقرّ بالرجولية قبل فَلَو أعَاد الشَّهَادَة الْمَرْدُودَة حَال الْإِشْكَال لم تقبل لِأَنَّهُ مُتَّهم فِي الْإِقْرَار لترويج الشَّهَادَة كالفاسق يُعِيدهَا بعد الْعَدَالَة وَلَو شهد فَردَّتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 ثمَّ زَالَ الْإِشْكَال بعلامة تدل على رجوليته ثمَّ أَعَادَهَا قبلهَا لِأَنَّهُ غير مُتَّهم بِالرَّدِّ أَولا كَالْعَبْدِ يُعِيدهَا بعد الْعتْق وَسَوَاء كَانَت الْعَلامَة قَطْعِيَّة أم ظنية انْتهى وَلم يزدْ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ على قَوْلهمَا شَهَادَة الخنثي كَشَهَادَة الْمَرْأَة 935 - عَليّ ابْن المطهر بن مكي بن مِقْلَاص أَبُو الْحسن الدينَوَرِي كَانَ من تلامذة حجَّة الْإِسْلَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ وَسمع الحَدِيث من نصر بن البطر وطبقته روى عَنهُ ابْن عَسَاكِر توفّي لَيْلًا سَابِع عشْرين من رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 936 - عَليّ بن مَعْصُوم بن أبي ذَر المغربي أَبُو الْحسن من أهل الْمغرب قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل عَالم بِالْمذهبِ ولد سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات بأسفراين فِي شعْبَان سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة 937 - عَليّ بن نَاصِر بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن حَفْص النوقاني من أهل نوقان ولد بهَا فِي رَمَضَان سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل جَامع لمَذْهَب الشَّافِعِي مُصِيب فِي الْفَتَاوَى حسن الحديث: 935 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 السِّيرَة كثير الْعِبَادَة حاد الخاطر متصرف فِي الْفِقْه اشْتهر بذلك اجْتمع عَلَيْهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء البلديين والغرباء وتفقهوا عَلَيْهِ وَظَهَرت بركته عَلَيْهِم كتبت عَنهُ كتاب الْأَرْبَعين لِلْحسنِ بن شعْبَان سمع أَبَا الْحسن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن حَمْزَة النوقاني قَالَ وَتُوفِّي بمشهد الرضى لَيْلَة الثُّلَاثَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَدفن هُنَاكَ قيل إِن مرارته انشقت من خوف الغز وأحاطتهم بالمشهد 938 - عَليّ بن هبة الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن البُخَارِيّ أَبُو الْحسن بن أبي البركات وَالِد قَاضِي الْقُضَاة أبي طَالب عَليّ تفقه على أسعد الميهني وَأبي مَنْصُور الرزاز وَسمع الحَدِيث من أبي الْقَاسِم بن بَيَان وَأبي عَليّ بن نَبهَان وَطَائِفَة وَدخل بِلَاد الرّوم وَولي الْقَضَاء بِمَدِينَة قونية مولده سنة سبع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات بقونية وَهُوَ على قَضَائهَا فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 939 - عَليّ بن أبي الْحسن بن أبي هَاشم بن مُحَمَّد الآملي الطَّبَرِيّ ثمَّ الْجِرْجَانِيّ الْمَعْرُوف بإلكيا من أهل جرجان تفقه على عمر السُّلْطَان وَتُوفِّي بقرية بشق لَيْلَة الْجُمُعَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ذكره ابْن باطيش الحديث: 938 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 940 - عَليّ بن أبي المكارم بن فتيَان أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي أحد أَعْيَان الشَّافِعِيَّة بِمصْر قَالَ النَّوَوِيّ وَأعَاد بالنظامية بِبَغْدَاد وَله معرفَة بفنون تفقه على الإِمَام أبي المحاسن يُوسُف الدِّمَشْقِي مدرس النظامية توفّي سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة 941 - عمر بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الشَّاشِي أَبُو حَفْص أَخُو الإِمَام فَخر الْإِسْلَام أبي بكر مُحَمَّد تفقه هُوَ أَيْضا على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع من أبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَغَيره توفّي سنة خمسين وَخَمْسمِائة 942 - عمر بن أَحْمد بن عمر ... الحديث: 940 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 934 - عمر بن أَحْمد بن اللَّيْث الطَّالقَانِي أَبُو حَفْص من أهل بَلخ فَقِيه أصولي صوفي أدْرك بغزنة أَبَا خلف السّلمِيّ الطَّبَرِيّ وَكَانَ معيد الْمدرسَة النظامية ببلخ توفّي فِي شعْبَان سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَاسم جده رَأَيْته مَكْتُوبًا فِي بعض نسخ الذيل اللَّيْث وَفِي بَعْضهَا الْمسيب 944 - عمر بن أَحْمد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن حبيب بن عَبدُوس الصفار أَبُو حَفْص بن أبي نصر بن أبي سعد بن أبي بكر من أهل نيسابور كَانَ ختن أبي نصر الْقشيرِي على ابْنَته قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل بارع مبرز من بَيت الْعلم والْحَدِيث يُفْتِي ويناظر الحديث: 944 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 وَكَانَ يكثر من الحَدِيث كتبت عَنهُ بنيسابور وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَقَالَ ابْن النجار سمع الْكثير بإفادة جده لأمه إِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الْفَارِسِي من أبي المظفر مُوسَى بن عمرَان الْأنْصَارِيّ وَأبي بكر أَحْمد بن عَليّ بن خلف الشِّيرَازِيّ وَأبي تُرَاب عبد الْبَاقِي بن يُوسُف المراغي وَعبد الْوَاحِد بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيرهم وَقدم بَغْدَاد حَاجا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَحدث بهَا بِكِتَاب التَّيْسِير فِي التَّفْسِير لأبي نصر بن الْقشيرِي وبحكايات الصُّوفِيَّة لِابْنِ باكويه وَبِغير ذَلِك من الْأَجْزَاء وَألقى بهَا الدُّرُوس فِي الْمَذْهَب وَالْأُصُول سمع مِنْهُ يُوسُف بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي وَأحمد بن صَالح بن شَافِع الجيلي وَغَيرهمَا هَذَا مُخْتَصر كَلَام ابْن النجار توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة بنيسابور يَوْم عيد الْأَضْحَى 945 - عمر بن أَحْمد بن أبي الْحسن المرغيناني الإِمَام أَبُو مُحَمَّد الفرغاني نزيل سَمَرْقَنْد إِمَام ورع متواضع سمع من جمَاعَة روى عَنهُ عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ مَاتَ سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة الحديث: 945 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 946 - عمر بن الْحُسَيْن بن الْحسن الإِمَام الْجَلِيل ضِيَاء الدّين أَبُو الْقَاسِم الرَّازِيّ خطيب الرّيّ وَالِد الإِمَام فَخر الدّين كَانَ أحد أَئِمَّة الْإِسْلَام مقدما فِي علم الْكَلَام لَهُ فِيهِ كتاب غَايَة المرام فِي مجلدين وقفت عَلَيْهِ وَهُوَ من أنفس كتب أهل السّنة وأسدها تَحْقِيقا وَقد عقد فِي آخِره فصلا حسنا فِي فَضَائِل أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ وَأَتْبَاعه أَخذ الإِمَام ضِيَاء الدّين علم الْكَلَام عَن ابْن الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ تلميذ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ فِي آخر كتاب غَايَة المرام هُوَ شَيْخي وأستاذي وَأخذ الْفِقْه عَن صَاحب التَّهْذِيب وَكَانَ فصيح اللِّسَان قوى الْجنان فَقِيها أصوليا متكلما صوفيا خَطِيبًا مُحدثا أديبا لَهُ نثر فِي غَايَة الْحسن يكَاد يَحْكِي أَلْفَاظ مقامات الحريري من حَسَنَة وحلاوته ورشاقة سجعه وَمن نظر كِتَابه غَايَة المرام وجد برهَان ذَلِك 947 - عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب بن شاد الْملك المظفر تَقِيّ الدّين صَاحب الْأَوْقَاف بحماه ومصر والفيوم وَله بالفيوم مدرستان بناهما لما كَانَت الفيوم إقطاعا لَهُ وَبنى بِمَدِينَة الرها مدرسة وَكَانَ رجلا فَاضلا أديبا شجاعا سمع الحَدِيث من الْحَافِظ السلَفِي وَأبي الطَّاهِر بن عَوْف وَغَيرهمَا الحديث: 946 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 وَفِي الْملك المظفر تَقِيّ الدّين يَقُول الأسعد بن مماتي (وافي سحر ... طيف سحر) (ثمَّ نفر ... من الخفر) (فَلَا خبر ... وَلَا أثر) (وَلَو صَبر ... نلْت الوطر) (فيا قمر ... ليلِي السقر) (طَال السهر ... وَلَا سمر) (إِلَّا الْفِكر ... فَلم هجر) (وَلم غدر ... هَل من قدر) (يُنجي الحذر ... شيبي ظهر) (لَا من كبر ... بل من خطر) (ريم خطر ... ثمَّ زجر) (هلا اغتفر ... لما اقتدر) (مثل عمر ... ابْن الظفر) (نعم الْوزر ... لَيْث زأر) (بَحر زخر ... إِذا اختصر) (أَو اقْتصر ... أعْطى الْبَدْر) (مثل الْمَطَر ... ثمَّ اعتذر) (وَلَو نظر ... إِلَى الْحجر) (أبدى الزهر ... بل الثَّمر) (وَإِن شعر ... قلت الدُّرَر) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 (طيف ألم ... بذى سلم) (بعد العتم ... يطوي الأكم) (جاد بِفَم ... وملتزم) وَتَبعهُ الباخرزي فَقَالَ (باري الديم ... بِذِي سلم) (وَهنا ألم ... فَلم ينم) (حَتَّى التيم ... فِيهِ ازْدحم) (فَلَا جرم ... صَافح ثمَّ) (نعمى ... النعم) وَهِي قصيدة طَوِيلَة وَقيل بل أول من ابتدعه سلم الخاسر حَيْثُ يَقُول فِي الْهَادِي (مُوسَى الْمَطَر ... غيث بكر) (ثمَّ انهمر ... ألوى المرر) (كم اعتسر ... ثمَّ ايتسر) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 (وَكم قدر ... ثمَّ غفر) وَهِي أَيْضا طَوِيلَة فتبع الأسعد بن مماتي شَاعِر عصرنا ابْن نباتة فَقَالَ يمدح صَاحب حماة وأنشدنيه بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ إِذْ يَقُول (أفدي قمر ... عَقْلِي قمر) (ثمَّ غدر ... لما قدر) (فَلَا وزر ... وَلَا مفر) (يَا من شهر ... سيف الْحور) (على الْبشر ... فَمَا فتر) (حَتَّى استعر ... وهج الْفِكر) (وَلَو أَمر ... ذَاك الخفر) (يَحْكِي بدر ... ملك عمر) (بِمَا نشر ... نشر الْخَبَر) (من الْخَبَر ... والمختبر) (لله در ... تِلْكَ السّير) (كم من غرر ... وَمن دُرَر) فِيهَا سمر ... إِلَى السحر) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 (وَلَا ضجر ... وَلَا ضَرَر) (علم مهر ... فضل ظهر) (ثمَّ انْتَشَر ... فكم غفر) (وَكم نصر ... على الْغَيْر) (جدا عثر ... وَكم قهر) (من ذِي بطر ... وَذي أشر) (در الْخمر ... يَا من ستر) (أهل الْحَضَر ... مِمَّن شكر) (ثمَّ عذر ... سد من حضر) (وَمن عبر ... وَلَا تذر) (فِيمَن نذر ... من مفتخر) (إِلَّا مُضر ... ) 948 - عمر بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْخَطِيب الأرغياني الْمَعْرُوف بالأحدث وَهُوَ أَخُو الإِمَام أبي نصر الأرغياني وَكَانَ الْأَكْبَر قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَت وِلَادَته سنة نَيف وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 948 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 قَالَ وَكَانَ فَقِيها صَالحا سديدا كثير الْخَيْر ورد نيسابور وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَسمع الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبا الْحسن الواحدي وَأَبا حَامِد أَحْمد بن الْحسن الْأَزْهَرِي وَأَبا بكر بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم الصفار وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي بنيسابور فِي ثامن عشر من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بنيسابور 949 - عمر بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله الهمذاني أَبُو حَفْص الْمَعْرُوف بالزاهد من أهل همذان تفقه على أسعد الميهني قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَكَانَ ورعا صَالحا متدينا سكن مرو وَصَحب يُوسُف الهمذاني وريض نَفسه وداوم الصّيام والتهجد وَأكل الْحَلَال وَكَانَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر مَاتَ سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة 950 - عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن نصر بِفَتْح النُّون وَالصَّاد الْمُهْملَة أَبُو شُجَاع البسطامي ثمَّ الْبَلْخِي إِمَام مَسْجِد راعوم فَقِيه مُحدث رَفِيق الْحَافِظ الْكَبِير أبي سعد بن السَّمْعَانِيّ وَصديقه الحديث: 949 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 ولد سنة خمس وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة فَسمع ببلخ أَبَاهُ وَأَبا الْقَاسِم بن مُحَمَّد الخليلي وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ وَأَبا جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السمنجاني وَعَلِيهِ تفقه وَأَبا حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد الشجاعي وَأَبا نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الماهاني وَجَمَاعَة روى عَنهُ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ وَابْنه عبد الرَّحِيم وَابْن الْجَوْزِيّ والافتخار عبد الْمطلب الْهَاشِمِي وَالشَّيْخ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ وَأَبُو أَحْمد بن سكينَة وَأَبُو الْفَتْح المندآئي وَأَبُو روح عبد الْمعز الْهَرَوِيّ وَآخَرُونَ ذكره صَاحبه ابْن السَّمْعَانِيّ فَقَالَ مَجْمُوع حسن وَجُمْلَة مليحة مفت مناظر مُحدث مُفَسّر واعظ أديب شَاعِر حاسب قَالَ وَكَانَ مَعَ هَذِه الْفَضَائِل حسن السِّيرَة جميل الْأَمر مليح الْأَخْلَاق مَأْمُون الصُّحْبَة نظيف الظَّاهِر وَالْبَاطِن لطيف الْعشْرَة فصيح الْعبارَة مليح الْإِشَارَة فِي وعظه كثير النكت والفوائد وَكَانَ على كبر السن حَرِيصًا على طلب الحَدِيث وَالْعلم مقتبسا من كل أحد ثمَّ قَالَ كتبت عَنهُ الْكثير بمرو وهراة وبخارى وسمرقند وَكتب عني الْكثير وَحصل نُسْخَة بِهَذَا الْكتاب يَعْنِي ذيل تَارِيخ بَغْدَاد وَقَالَ فِي مَوضِع آخر لَا نَعْرِف للفضائل أجمع مِنْهُ مَعَ الْوَرع التَّام وَقَالَ فِي الذيل كتب إِلَيّ من بَلخ أبياتا وَهِي (يَا آل سمْعَان مَا أنسى فضائلكم ... قد صرن فِي صحف الْأَيَّام عنوانا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 (معاهدا ألفتها النازلون بهَا ... فَمَا وهت بمرور الدَّهْر أركانا) (حَتَّى أَتَاهَا أَبُو سعد فشيدها ... وزادها بعلو الشَّأْن تبيانا) (كَانُوا ملاذ بنى الآمال فانقرضوا ... مخلفين بِهِ مثل الَّذِي كَانَا) (لَوْلَا مَكَان أبي سعد لما وجدوا ... على مفاخرهم للنَّاس برهانا) (كَانُوا رياضا فأهدوا من خلائقه ... إِلَى طبائعنا روحا وريحانا) فِي أَبْيَات أخر يمتدح بهَا الذيل ذكرهَا أَبُو سعد وَحكي أَن كلا من أبي شُجَاع وَأبي سعد كَانَ يسْأَل الله أَن لَا يسمعهُ نعي صَاحبه فماتا فِي شَهْرَيْن أَبُو شُجَاع ببلخ وَأَبُو سعد بمرو وَلم يسمع أَحدهمَا نعي الآخر توفّي أَبُو شُجَاع ببلخ فِي شهر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة 951 - عمر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي نصر أَبُو حَفْص السَّرخسِيّ الشيرزي وشيرز من أَعمال سرخس ولد سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة كَذَا فِي كتابي وَفِي تحبير ابْن السَّمْعَانِيّ سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة بسرخس وتفقه على الإِمَام أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَالشَّيْخ أبي حَامِد الشجاعي وَسمع بسرخس أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زيد الْعلوِي وبمرو أَبَا المظفر السَّمْعَانِيّ وببلخ أَبَا عَليّ الوخشي وَسمع من آخَرين بأصبهان وَغَيرهَا روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ أستاذنا وَشَيخنَا قَالَ وَكَانَ على سيرة السّلف الحديث: 951 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 من ترك الكلف والتواضع وَكَانَ فَقِيها محققا موفقا حسن السِّيرَة كثير الدَّرْس لِلْقُرْآنِ وَكَانَ من وُجُوه تلامذة الْجُوَيْنِيّ قَالَ وصنف التصانيف فِي الْخلاف وَالنَّظَر مثل الاعتصار والاعتصام والأسولة وَغَيرهَا قَالَ وَصَارَ فِي علم النّظر بِحَيْثُ يضْرب بِهِ الْمثل قَالَ وَكَانَ الشهَاب الْوَزير يَقُول لَو فصد عمر السَّرخسِيّ لجرى مِنْهُ الْفِقْه مَكَان الدَّم قَالَ وَأقَام بمرو إِلَى أَن توفّي بهَا فِي مستهل رَمَضَان سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة 952 - عمر بن مُحَمَّد بن عِكْرِمَة الْجَزرِي الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم بن البزري والبزر الْمَنْسُوب إِلَيْهِ بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الزَّاي المنقوطة ثمَّ رَاء مُهْملَة اسْم للدهن الْمُسْتَخْرج من بزر الْكَتَّان بِهِ يستصبح أهل تِلْكَ الْبِلَاد إِمَام جَزِيرَة ابْن عمر ومفتيها ومدرسها مولده سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة الحديث: 952 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 وتفقه على الْغَزالِيّ والشاشي وَأبي الْغَنَائِم الفارقي واختص بِصُحْبَة أبي الْغَنَائِم وَكَانَ ينعَت بزين الدّين جمال الْإِسْلَام وَكَانَ من أَعْلَام الْمَذْهَب وحفاظه قَصده الطّلبَة من الْبِلَاد لعلمه الْكثير وَدينه وورعه وَكَانَ يُقَال إِنَّه أحفظ أهل الأَرْض بِمذهب الشَّافِعِي وصنف كتابا شرح فِيهِ إشكالات الْمُهَذّب وَله فَتَاوَى مَشْهُورَة توفّي فِي ثَالِث عشرى ربيع الأول سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَمن الْفَتَاوَى والغرائب عَن ابْن البزري رَأَيْت فِي فَتَاوِيهِ من أفطر فِي صَوْم الْكَفَّارَة عَامِدًا وَهُوَ جَاهِل بِقطع التَّتَابُع لَا يَنْقَطِع التَّتَابُع قَالَ وَهَذَا وَقع لي وَلَا أحفظ فِيهِ مسطورا الرجل يُجَامع زَوجته ويتفكر وَقت جِمَاعهَا فِي غَيرهَا مِمَّن لَا تحل لَهُ سُئِلَ ابْن البزري عَن ذَلِك هَل يحرم أَو يكره أجَاب مَا نَصه لَا يَأْثَم بجماع زَوجته وجودا وعدما وفكره فِي امْرَأَة أَجْنَبِيَّة لَا تحل لَهُ مَمْنُوع فَإِن لم يحرم قطعا فَلَا شكّ فِي كَرَاهَته وَالْمُبَالغَة فِي اجتنابه والإعراض عَنهُ انْتهى قلت وَقعت الْمَسْأَلَة بِدِمَشْق فِي زمَان الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح فَذكر فِي كتاب الشَّهَادَات من تَعْلِيقه أَنه استفتى فِيمَن استحضر بِقَلْبِه وَهُوَ يواقع زَوجته محَاسِن أَجْنَبِيَّة يعرفهَا مثلهَا فِي قلبه واستحضر أَنه يُجَامع الْأَجْنَبِيَّة هَل يَأْثَم أَو يسْتَحبّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 لحَدِيث إِذا أبْصر أحدكُم امْرَأَة فليأت أَهله فَإِن ذَلِك يرد مَا فِي نَفسه قَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين وَلم أجد فِيهَا نقلا مَخْصُوصًا قلت وَلَو اطلع على فتيا ابْن البزري لذكرها ثمَّ ذكر من كَلَام النَّوَوِيّ مَذْهَب القَاضِي أبي بكر فِي تأثيم من عزم على مَعْصِيّة وَحَدِيث إِن الله تجَاوز لي عَن أمتِي مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تَتَكَلَّم أَو تعْمل قلت وَلمن يَدعِي التَّحْرِيم أَن يَقُول قد عمل فَإِن قَوْله أَو تعْمل أَعم من ذَلِك الْعَمَل الَّذِي يحدث بِهِ النَّفس أَو غَيره فَهَذَا غير مقترن بِعَمَل لكنه لَيْسَ الْعَمَل الَّذِي عزم عَلَيْهِ وللشيخ الإِمَام فِي بَاب إحْيَاء الْموَات نَظِير هَذَا الْبَحْث لكني لَا أرَاهُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيث آخر أَو يعْمل بِهِ اسْتِحْبَاب إِجَابَة المؤذنين للصَّلَاة الْوَاحِدَة وَإِن تعاقبوا سُئِلَ ابْن البزري هَل نجيب مُؤذنًا بعد مُؤذن فَأجَاب جَاءَ فِي رِوَايَة إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن وَالْألف وَاللَّام إِذا لم يكن عهد سَابق للْعُمُوم وَإجَابَة كل وَاحِد قلت وَبِذَلِك أفتى شيخ الْإِسْلَام أَبُو مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وَفصل الرَّافِعِيّ بحثا لنَفسِهِ فِي كِتَابه أخطار الْحجاز بَين أَن يكون صلى أَولا وَقد بسطنا الْمَسْأَلَة فِي أصُول الْفِقْه فِي مَسْأَلَة أَن الْأَمر هَل يَقْتَضِي التّكْرَار إخصاء الْحَيَوَان الْمَأْكُول لتطييب لَحْمه وَقد أَكثر النَّاس فعله فِي الديكة قَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا بِأَنَّهُ يجوز إِذا كَانَ صَغِيرا وَحرم ذَلِك ابْن الْمُنْذر وَبِه أفتى ابْن البزري وَقَالَ لَو جَازَ إخصاؤه للسمن لجَاز لنا للتبتل وَالْعِبَادَة انْتهى وَلَيْسَت الْمُلَازمَة أَلْبَتَّة ضرب الرجل زَوجته على ترك الصَّلَاة أفتى ابْن البزري بِأَنَّهُ يجب على الرجل أَمر زَوجته بِالصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتهَا وَأَنه يجب عَلَيْهِ ضربهَا عَلَيْهَا إِذا لم تفعل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 953 - عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الشَّاشِي أَبُو حَفْص نزيل فاشان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ تفقه على الإِمَام أبي المظفر التَّمِيمِي قَالَ وَكَانَ فَقِيها ورعا كثير الْعِبَادَة سمع بمرو أستاذه أَبَا الْفضل التَّمِيمِي وخلقا وبفوشنج أَبَا الْحسن الدَّاودِيّ وَغَيره وببغداد والكوفة وَغَيرهمَا من جمَاعَة روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ توفّي فِي أول يَوْم من شهر رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة 954 - عمر السُّلْطَان هُوَ أَبُو سعد عمر بن عَليّ بن سهل الدَّامغَانِي وَالسُّلْطَان لقب عَلَيْهِ سمع أَبَا بكر بن خلف وَأَبا تُرَاب عبد الْبَاقِي المراغي وَالْحسن بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي الْوَاعِظ وَأحمد بن مُحَمَّد الشجاعي لقِيه عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ بمرو سمع مِنْهُ وَكَانَ إِمَامًا مناظرا عَالما كَبِيرا توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة الحديث: 953 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 955 - عوض بن أَحْمد الإِمَام أَبُو خلف الشرواني من مَدِينَة شرْوَان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة بعْدهَا رَاء ثمَّ وَاو ثمَّ ألف ثمَّ نون من بِلَاد دربند ينْسب إِلَى كسْرَى أنو شرْوَان وَهُوَ مُصَنف الْمُعْتَبر فِي تَعْلِيل الْمُخْتَصر للجويني وقفت عَلَيْهِ توفّي بعد الْخمسين وَخَمْسمِائة 956 - عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْأَمِير ضِيَاء الدّين الهكاري الْفَقِيه الْمُحَقق أَبُو مُحَمَّد أكبر أُمَرَاء الدولة الصلاحية تفقه بالجزيرة على الإِمَام أبي الْقَاسِم بن البزري ثمَّ انْتقل لحلب وَسمع الحَدِيث من الحافظين أبي طَاهِر السلَفِي وَأبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر وَحدث سمع مِنْهُ القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ الْأنْصَارِيّ وَغَيره وَكَانَ من مبادي سعده أَنه اتَّصل بِخِدْمَة الْملك أَسد الدّين شيركوه وَصَارَ إِمَامه فِي الصَّلَوَات وَتوجه مَعَه إِلَى مصر وَكَانَ أحد الْأَسْبَاب المعنية على سلطنة صَلَاح الدّين بعد عَمه فَمن ثمَّ رعى لَهُ السُّلْطَان هَذِه الْخدمَة وَكَانَ ذَا شجاعه وشهامة فَأمره أَسد الدّين الحديث: 955 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 ثمَّ رفع صَلَاح الدّين مَنْزِلَته وَنَقله من إمرة إِلَى إمرة حَتَّى صَار أكبر أُمَرَاء الدولة وَأسر مرّة وخلص بستين ألف دِينَار توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة مَاتَ بمخيمة على حِصَار عكا وَهُوَ مُجَاهِد للفرنج 957 - غَانِم بن الْحُسَيْن أَبُو الْغَنَائِم الموشيلي بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَفِي آخرهَا اللَّام نِسْبَة إِلَى مشيلا وَهُوَ كتاب لِلنَّصَارَى جد الْمَذْكُور وَكَانَ نَصْرَانِيّا وَهُوَ من أهل أرمية من بِلَاد أذربيجان قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه فَاضل ورع مفت مناظر ورد بَغْدَاد وَأقَام بهَا متفقها على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع ابْن هزارمرد الصريفيني وتفقه بنيسابور على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَقد نَاظر أَبَا سعد الْمُتَوَلِي وَظهر كَلَامه فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق لغانم كَانَ كلامك أَجود من كَلَام أبي سعد توفّي بأرمية فِي حُدُود سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة الحديث: 957 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 958 - الْفَتْح بن أَحْمد بن عبد الْبَاقِي أَبُو نصر من أهل بعقوبا سَافر إِلَى خُرَاسَان وَأقَام بنيسابور يتفقه على مُحَمَّد بن يحيى قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ علقت عَنهُ أبياتا من الشّعْر قَالَ وَقتل بنيسابور سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ قد بَات عِنْد بعض التُّجَّار فَوَجَدَهُ مقتولا 959 - الْفرج بن عبيد الله بن أبي نعيم بن الْحسن الخويي تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق ثمَّ على أبي سعد الْمُتَوَلِي مَاتَ بِبَلَدِهِ فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة 960 - الْفضل أَبُو مَنْصُور الإِمَام المسترشد بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ ابْن المستظهر بِاللَّه أَحْمد بن المقتدى بِأَمْر الله عبد الله بن مُحَمَّد بن الْقَائِم بن الْقَادِر بن المقتدر ابْن المعتضد بن الْمُوفق بن المتَوَكل بن المعتصم بن هَارُون الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور أخي السفاح (نسب كَأَن عَلَيْهِ من شمس الضُّحَى ... نورا وَمن فلق الصَّباح عمودا) الحديث: 958 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 وَهُوَ الَّذِي صنف لَهُ الشَّاشِي كتاب الْعُمْدَة وباسمه اشْتهر الْكتاب فَإِنَّهُ كَانَ يلقب عُمْدَة الدُّنْيَا وَالدّين وعدة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين بُويِعَ لَهُ بالخلافة لَيْلَة الْخَمِيس الرَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَخَمْسمِائة فَأول من بَايعه إخْوَته أَبُو عبد الله مُحَمَّد وَأَبُو طَالب الْعَبَّاس وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم وَأَبُو نصر مُحَمَّد وَأَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل وَأَبُو الْفضل عِيسَى ثمَّ تلاهم عمومته أَبُو جَعْفَر مُوسَى وَأَبُو إِسْحَاق وَأَبُو أَحْمد وَأَبُو عَليّ أَوْلَاد الْمُقْتَدِي ثمَّ جلس بكرَة الْخَمِيس جُلُوسًا عَاما وَدخل النَّاس لمبايعته وَكَانَ الْمُتَوَلِي لأخذ الْبيعَة قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْحسن الدَّامغَانِي فَأول من بَايع أَبُو الْقَاسِم الزَّيْنَبِي ثمَّ أَرْبَاب الدولة ثمَّ أسعد الميهني مدرس النظامية ثمَّ النَّاس على طبقاتهم ثمَّ أخرجت جَنَازَة المستظهر فصلى عَلَيْهَا المسترشد وَكَانَ المسترشد وَقت الْمُبَايعَة لَهُ ابْن سبع وَعشْرين سنة لِأَن مولده فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر شعْبَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وخطب لَهُ أَبوهُ بِولَايَة الْعَهْد وَنقش اسْمه على السِّكَّة فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَذكر أَن المسترشد كَانَ تنسك فِي أول زَمَنه وَلبس الصُّوف وَتفرد فِي بَيت لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ مليح الْخط مَا كتب أحد من الْخُلَفَاء قبله مثله يسْتَدرك على كِتَابه وَيصْلح أغاليط فِي كتبهمْ وَأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه فَأمر أشهر من الشَّمْس وَقت الزَّوَال وأوضح من الْبَدْر لَيْلَة الْكَمَال وَلم تزل أَيَّامه مكدرة بِكَثْرَة التشويش والمخالفين وَكَانَ يخرج بِنَفسِهِ لدفع ذَلِك إِلَى أَن خرج الخرجة الْأَخِيرَة إِلَى الْعرَاق فَكسر وَأخذ ورزق الشَّهَادَة على يَد الْمَلَاحِدَة وَحكي أَن الْوَزير عَليّ بن طراد أَشَارَ إِلَيْهِ أَن ينزل فِي منزل اخْتَارَهُ وَقَالَ إِن ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أصون للحريم الشريف فَقَالَ كف يَا عَليّ فوَاللَّه لَأَضرِبَن بسيفي حَتَّى يكل ساعدي ولألقين الشَّمْس بوجهي حَتَّى يشحب لوني وانشد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 (وَإِذا لم يكن من الْمَوْت بُد ... فَمن الْعَجز أَن تكون جَبَانًا) وَله الشّعْر الْحسن فَمِنْهُ قَوْله لما استؤسر (وَلَا عجبا للأسد إِن ظَفرت بهَا ... كلاب الأعادي من فصيح وأعجم) (فحربه وَحشِي سقت حَمْزَة الردى ... وَمَوْت عَليّ من حسام ابْن ملجم) وَمن شعره (أَنا الْأَشْقَر الْمَوْعُود بِي فِي الْمَلَاحِم ... وَمن يملك الدُّنْيَا بِغَيْر مُزَاحم) (ستبلغ أَرض الرّوم خيلي وتنتضي ... بأقصى بِلَاد الصين بيض صوارمي) قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ ذَا رَأْي وهيبة ومضاء وشجاعة أَحْيَا رمائم الْخلَافَة وشدر أَرْكَان الشَّرِيعَة وَضبط أُمُور الْخلَافَة وردهَا ورتبها أحسن التَّرْتِيب والمسترشد أبلغ مِمَّا يُوصف بِهِ وَقد آل أمره إِلَى أَن خرج فِي سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة إِلَى همذان للإصلاح بَين السلاطين السلجقية وَكَانَ مَعَه كثير من الأتراك فغدر بِهِ أَكْثَرهم وَلَحِقُوا بالسلطان مَسْعُود بن مُحَمَّد بن ملكشاة ثمَّ التقى الْجَمْعَانِ فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلا وانهزموا عَن المسترشد وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان وَقبض على المسترشد بِاللَّه وعَلى خَواص دولته وحملوا إِلَى قلعة هُنَاكَ بِقرب همذان فحبسوا فِيهَا وَبَقِي المسترشد مَعَ السُّلْطَان مَسْعُود إِلَى النّصْف من ذِي الْقعدَة من السّنة وَحمل مَعَهم إِلَى مراغة من بِلَاد أذربيجان ثمَّ إِن الباطنية ألقوا عَلَيْهِ جمَاعَة من الْمَلَاحِدَة وَكَانَ قد أنزل نَاحيَة من الْعَسْكَر فَدَخَلُوا عَلَيْهِ يَوْم الْخَمِيس سادس عشر ذِي الْقعدَة وفتكوا بِهِ وبجماعة مَعَه كَانُوا على بَاب خر كاهه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 وَقتلُوا جَمِيعًا ضربا بالسكاكين وَحمل هُوَ إِلَى مراغة وَدفن هُنَاكَ ويحكى أَن المسترشد كَانَ إِذْ ذَاك صَائِما وَقد صلى الظّهْر وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ ثمَّ أضرمت عَلَيْهِم النَّار فَبَقيت يَد أحدهم لم تحترق وَهِي خَارِجَة من النَّار مَضْمُومَة كلما ألقوا النَّار عَلَيْهَا وَهِي لَا تحترق ففتحوا يَده وَإِذا فِيهَا شَعرَات من كريمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخذهَا السُّلْطَان مَسْعُود وَجعلهَا فِي تعويذ ذهب ثمَّ إِن السُّلْطَان جلس للعزاء وَخرج وَمَعَهُ الْمُصحف وَعَلِيهِ الدَّم إِلَى السُّلْطَان وَخرج أهل المراغة وَعَلَيْهِم المسوح وعَلى وُجُوههم الرماد وهم يستغيثون وَدفن فِي مدرسة هُنَاكَ وَبَقِي العزاء فِي مراغة أَيَّامًا فَرضِي الله عَنهُ لقد عَاشَ حميدا وَمَات شَهِيدا فقيدا وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته ثَمَان عشرَة سنة وَسِتَّة أشهر وَحكي عَن أبي المظفر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن قزمي الإسكافي إِمَام الْوَزير عَليّ بن طراد الزَّيْنَبِي قَالَ لما كُنَّا مَعَ الإِمَام المسترشد بِاللَّه يَعْنِي بالمعسكر بِبَاب همذان كَانَ مَعنا إِنْسَان يعرف بِفَارِس الْإِسْلَام وَكَانَ يقرب من خدمه الْخَلِيفَة قَالَ فجَاء لَيْلَة من اللَّيَالِي قبل طُلُوع الْفجْر فَدخل على الْوَزير فَسلم عَلَيْهِ قَالَ مَا جَاءَ بك فِي هَذَا الْوَقْت قَالَ مَنَام رَأَيْته السَّاعَة وَهُوَ كَأَن خَمْسَة نفر قد توجهوا للصَّلَاة وَاحِد يؤمهم فَجئْت فَصليت مَعَهم ثمَّ قلت لوَاحِد مِنْهُم من هَذَا الَّذِي يُصَلِّي بِنَا فَقَالَ هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت وَمن أَنْت فَقَالَ أَنا عَليّ بن أبي طَالب وَهَؤُلَاء أَصْحَابه فَقُمْت وَقبلت يَده الشَّرِيفَة وَقلت يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي هَذَا الْجَيْش وعنيت عَسْكَر الْخَلِيفَة فَقَالَ هَذَا جَيش مكسور مقهور وَأُرِيد أَن تطالع الْخَلِيفَة بِهَذَا الْمَنَام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 فَقَالَ الْوَزير يَا فَارس الْإِسْلَام أَنا أَشرت على الْخَلِيفَة لَا يخرج من بَغْدَاد فَقَالَ لي يَا عَليّ أَنْت عَاجز ارْجع إِلَى بَيْتك وَأَقُول لَهُ هَذِه الرُّؤْيَا فَرُبمَا تطير بهَا ثمَّ يَقُول قد جَاءَنِي بترهات قَالَ أَفلا أنهِي ذَلِك إِلَيْهِ قَالَ بلَى تَقول لِابْنِ طَلْحَة صَاحب المخزن فَذَاك منبسط وَيُنْهِي مثل هَذَا قَالَ فَخرج من عِنْد الْوَزير ثمَّ دخل إِلَى صَاحب المخزن فأورد عَلَيْهِ الرُّؤْيَا فَقَالَ مَا أشتهي أَن أنهِي إِلَيْهِ مَا يتطير بِهِ قَالَ فَيجوز أَنِّي أذكر هَذَا قَالَ اكْتُبْ إِلَيْهِ واعرضها وأخل مَوضِع مقهور قَالَ فكتبتها وَجئْت إِلَى بَاب السرادق فَوجدت مرتجا الْخَادِم فِي الدهليز وَرَأَيْت الْخَلِيفَة وَقد صلى الْفجْر والمصحف على فَخذه وَهُوَ يقْرَأ وَمُقَابِله ابْن سكينَة إِمَامه والشمعة بَينهمَا فَدخل وَسلم الرقعة إِلَيْهِ وَأَنا أنظرهُ فقرأها ثمَّ رفع رَأسه إِلَى الْخَادِم ثمَّ قَرَأَهَا ثَانِيًا ثمَّ نظر إِلَيْهِ ثمَّ قَرَأَهَا ثَالِثا ثمَّ قَالَ من كتب هَذِه الرقعة فَقَالَ فَارس الْإِسْلَام فَقَالَ وَأَيْنَ هُوَ قَالَ بِبَاب السرادق قَالَ فَأحْضرهُ فجَاء فَقبض عَليّ يَدي فَبَقيت أرعد خيفة من تطيره فَدخلت وَقبلت الأَرْض فَقَالَ وَعَلَيْكُم السَّلَام ثمَّ قَرَأَ الرقعة ثَلَاث مَرَّات أُخْرَى وَهُوَ ينظر إِلَيّ ثمَّ قَالَ من كتب هَذِه الرقعة فَقلت أَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ وَيلك لم أخليت مَوضِع الْكَلِمَة الْأُخْرَى فَقلت هُوَ مَا رَأَيْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ وَيلك هَذَا الْمَنَام أريته السَّاعَة أَنا فَقلت يَا مَوْلَانَا لَا يكون أصدق من رُؤْيَاك نرْجِع من حَيْثُ جِئْنَا فَقَالَ وَيلك ونكذب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا وَالله مَا بَقِي لنا رَجْعَة وَيَقْضِي الله مَا يَشَاء فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي أَو الثَّالِث وَقع المصاف وَتمّ مَا تمّ وَكسر وَأسر وَقتل وروى أَنه رأى فِي نَومه فِي الْأُسْبُوع الَّذِي اسْتشْهد فِيهِ كَأَن على يَده حمامة مطوقة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 وَأَتَاهُ آتٍ وَقَالَ لَهُ خلاصك فِي هَذَا فَلَمَّا أصبح قصّ على ابْن سكينَة الإِمَام مَا رأى فَقَالَ يكون خيرا ثمَّ قَالَ مَا أولته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ بِبَيْت أبي تَمام حَيْثُ يَقُول (هن الْحمام فَإِن كسرت عيافه ... حاء الْحمام فَإِنَّهُنَّ حمام) وخلاصي فِي حمامي وليت من يَأْتِي فيخلصني مِمَّا أَنا فِيهِ من الذل وَالْحَبْس فَقتل بعد أَيَّام وَمن شعره لما كسر وأشير عَلَيْهِ بالهزيمة (قَالُوا تقيم وَقد أحَاط ... بك الْعَدو وَلَا تَفِر) (فأجبتهم الْمَرْء مَا ... لم يتعظ بالوعظ غر) (لَا نلْت خيرا مَا حييت ... وَلَا عداني الدَّهْر شَرّ) (إِن كنت أعلم أَن غير ... الله ينفع أَو يضر) سمع المسترشد بِاللَّه الحَدِيث من أبي الْقَاسِم عَليّ بن احْمَد الرزاز وَمن مؤدبه أبي البركات أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن هبة الله بن السيبي وَحدث وَقد أسندنا حَدِيثه كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب عَن مُحَمَّد بن مَحْمُود أخبرنَا أَبُو أَحْمد عبد الْوَهَّاب ابْن عَليّ بن عَليّ بن عبيد الله قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ قَرَأت على السَّيِّد الْأَجَل الرِّضَا نقيب النُّقَبَاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 شرف الدّين خَالِصَة الْخلَافَة وَزِير أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الْقَاسِم عَليّ بن طراد بن مُحَمَّد بن عَليّ الزَّيْنَبِي أدام الله سعادته وتوفيقه قلت لَهُ قرئَ على سيدنَا ومولانا الإِمَام المسترشد بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ أدام الله أَيَّامه وأعانه على مَا استرعاه وأيده بنصره وجنده وبلغه نِهَايَة أمله فِي ولي عَهده وَجَمِيع وَلَده بمنة وَكَرمه وَأَنت تسمع فِي يَوْم الْأَحَد عَاشر الْمحرم سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة فِي عودة من قتال المارقين مظفر منصورا قيل لَهُ أخْبركُم عَليّ ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد الرزاز أخبرنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الرزاز حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة حَدثنَا عُبَيْس بن مَرْحُوم الحَدِيث الْفضل بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الزيَادي أَبُو مُحَمَّد من أهل سرخس قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ ولي الْقَضَاء بهَا مُدَّة ثمَّ صرف عَنْهَا قَالَ وَكَانَ فَقِيها فَاضلا حسن السِّيرَة كثير الْعِبَادَة متزهدا مولده فِي رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَذكره أَبُو الْفَتْح نَاصِر بن أَحْمد العاصمي فِي كتاب الرسَالَة فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد نجيب عَجِيب وللفتاوى فِي الْحَال مُجيب أربى على أقرانه فِي الزّهْد والتورع قَائِم بالأسحار على قدم التذلل والتضرع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي الزيَادي بسرخس يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر شَوَّال سنة خمسين وَخَمْسمِائة 962 - فضل الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الدلغاطاني بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة بَين الْأَلفَيْنِ وَفِي آخرهَا النُّون نِسْبَة إِلَى دلغاطان قَرْيَة من قرى مرو يكنى أَبَا نصر قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ صاحبنا وصديقنا قَالَ وَكَانَ من أهل الْعلم وَالْفضل رَاغِبًا فِي تَحْصِيل الْعلم محبا لَهُ أفنى عمره فِي طلبه يعرف اللُّغَة وَالْأُصُول وَالْفِقْه وَرغب فِي طلب الحَدِيث وَبَالغ فِيهِ على كبر السن قَالَ وَكَانَ يحثني على إتْمَام هَذَا الْكتاب يَعْنِي الْأَنْسَاب ولد بدلغاطان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة أَو سنة تسعين قَالَه ظنا قلت مَاتَ بمرو فِي الْمحرم سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة 963 - فضل الله بن مُحَمَّد بن أبي الشريف أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الساوي أَبُو مُحَمَّد الْوَاعِظ سبط أبي طَاهِر مُحَمَّد بن دوستوية بن مُحَمَّد الْوَاعِظ الْمَعْرُوف بالقصار من أهل همذان الحديث: 962 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 كَانَ يلقب بالناصح سمع من أبي الْوَقْت وَأبي زرْعَة وشهردار وَأبي الْعَلَاء الْعَطَّار وَأبي مُوسَى الْمَدِينِيّ وَخلق ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 964 - فضل الله بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن الْحسن بن روح الخطيبي أَبُو مُحَمَّد الدندانقاني سكن بَلخ وتفقه على أبي بكر السَّمْعَانِيّ بمرو وعَلى الْبُرْهَان ببخارى ولد فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَمَات ببلخ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة 965 - الْقَاسِم بن أَحْمد بن مَنْصُور بن الْقَاسِم الصفار أَبُو بكر من أحفاد أبي بكر بن فورك وَمن أَسْبَاط زين الْإِسْلَام أبي الْقَاسِم الْقشيرِي تفقه على أبي نصر الْقشيرِي قتل شَهِيدا ظهر يَوْم الْجُمُعَة سادس شَوَّال سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة الحديث: 964 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 966 - الْقَاسِم بن عبد الله بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ بن الشهرزوري أَبُو أَحْمد بن أبي مُحَمَّد بن أبي أَحْمد من أهل الْموصل من بَيت مَشْهُور بِالْفَضْلِ والتقدم توفّي فِي رَابِع شَوَّال سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بالموصل 967 - الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري صَاحب المقامات من أهل الْبَصْرَة ولد سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع الحَدِيث من أبي تَمام مُحَمَّد بن الْحسن بن مُوسَى المقرى وَأبي الْقَاسِم الْفضل القصباني الأديب وَأبي الْقَاسِم الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الباقلاني وَغَيرهم الحديث: 966 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 وَحدث بِبَغْدَاد بِجُزْء من حَدِيثه وبمقاماته الَّتِي أَنْشَأَهَا روى عَنهُ أَبُو الْفضل بن نَاصِر وَأَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن النقور والوزير عَليّ بن طراد وَأَبُو المعمر الْمُبَارك بن أَحْمد الْأَزجيّ وَأَبُو الْعَبَّاس المندائي وَخلق وَآخر من روى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الخشوعي وتفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَأبي نصر بن الصّباغ وَقَرَأَ الْفَرَائِض والحساب على أبي الْفضل الهمذاني وَأبي حَكِيم الخبري وَأخذ الْأَدَب عَن أبي الْحسن عَليّ بن فضال الْمُجَاشِعِي وَأبي الْقَاسِم القصباني وَكَانَ من البلاغة والفصاحة بِالْمحل الرفيع الَّذِي تشهد بِهِ مقاماته الَّتِي لانظير لَهَا رَشِيق النّظم والنثر حُلْو الْأَلْفَاظ عذب الْعبارَة إِمَام مقدم فِي الْأَدَب وفنونه قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ لَو قلت إِن مفتتح الْإِحْسَان فِي شعره كَمَا أَن مختتم الإبداع بنثره وَأَن مسير الْحسن تَحت لِوَاء كَلَامه كَمَا أَن مخيم السحر عِنْد أقلامه لما زلقت من شَاهِق الْإِنْصَاف إِلَى حضيض الاعتساف وَقَالَ أَيْضا فِيهِ أحد الْأَئِمَّة فِي الْأَدَب واللغة وَمن لم يكن لَهُ فِي فنه نَظِير فِي عصره فاق أهل زَمَانه بالذكاء والفصاحة وتنميق الْعبارَة وتجنيسها وَكَانَ فِيمَا يذكر غَنِيا كثير المَال وَكَانَ من سَبَب إنشائه المقامات مَا حَكَاهُ عَن نَفسه من أَن أَبَا زيد السرُوجِي واسْمه فِيمَا ذكر بَعضهم المطهر بن سلار من أهل الْبَصْرَة كَانَ شَيخا شحاذا أديبا بليغا فصيحا قَالَ الحريري ورد علينا الْبَصْرَة فَوقف فِي مَسْجِد بني حرَام فَسلم ثمَّ سَأَلَ وَكَانَ بعض الْوُلَاة حَاضرا وَالْمَسْجِد غاص بالفضلاء فأعجبتهم فَصَاحَته وَحسن كَلَامه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 وَذكر اسر الرّوم وَلَده كَمَا ذكرنَا فِي المقامة الحرامية فَاجْتمع عِنْدِي عَشِيَّة جمَاعَة فحكيت مَا شاهدت من ذَلِك السَّائِل وَمَا سَمِعت من ظرافته فحكي كل وَاحِد عَنهُ نَحْو مَا حكيت فأنشات المقامة الحرامية ثمَّ بنيت عَلَيْهَا سَائِر المقامات قيل وَأما تسميه الرَّاوِي عَنهُ بِالْحَارِثِ بن همام فَإِنَّمَا عني بِهِ نَفسه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كلكُمْ حَارِث وكلكم همام) فالحارث الكاسب والهمام الْكثير الاهتمام وكل أحد كاسب ومهتم بأموره ثمَّ انتشرت هَذِه المقامات فِي زَمَانه وَكَثُرت النّسخ بهَا وَزَاد إقبال الْخلق عَلَيْهَا بِحَيْثُ قَالَ القَاضِي جَابر بن هبة الله قَرَأت المقامات على الحريري فِي سنة أَربع عشرَة وَكنت أَظن أَن قَوْله (يَا أهل ذَا المغنى وقيتم شرا ... وَلَا لَقِيتُم مَا بَقِيتُمْ ضرا) (قد دفع اللَّيْل الَّذِي اكفهرا ... إِلَى ذراكم شعثا مغبرا) فَقَرَأت سغبا معترا ففكر ثمَّ قَالَ وَالله لقد أَجدت فِي التَّصْحِيف وَإنَّهُ لأجود فلرب شعث مغبر غير مُحْتَاج والسغب المعتر مَوضِع الْحَاجة وَلَوْلَا أَنِّي قد كتبت خطي إِلَى هَذَا الْيَوْم على سَبْعمِائة نُسْخَة قُرِئت على لغيرته كَمَا قلت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 وَمن شعره (لَا تخطون إِلَى خطء وَلَا خطأ ... من بعد مَا الشيب فِي فوديك قد وخطا) (وَأي عذر لمن شابت ذوائبه ... إِذا سعى فِي ميادين الصِّبَا وخطا) واقتصرت على ذكر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لِأَنِّي لم لَهُ نظما وَلَا نثر إِلَّا ونظمه ونثره فِي المقامات أحسن مِنْهُ وَله ديوَان رسائل وَشعر وَله أَيْضا ملحة الْإِعْرَاب ودرة الغواص وَغير ذَلِك توفّي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن رَجَب سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة وَمن الْفَوَائِد الْمُتَعَلّقَة بالمقامات سَأَلَ يعِيش النَّحْوِيّ زيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ عَن قَول الحريري فِي المقامة الْعَاشِرَة حَتَّى إِذا لألأ الْأُفق ذَنْب السرحان وآن انبلاج الْفجْر وحان مَا يجوز فِي قَوْله الْأُفق ذَنْب السرحان من الْإِعْرَاب وأشكل عَلَيْهِ الْجَواب حُكيَ ذَلِك ابْن خلكان وَذكر أَن البندهي جوز فِي شرح المقامات رفعهما ونصبهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 وَرفع الأول وَنصب الثَّانِي وَعَكسه قَالَ ابْن خلكان وَلَوْلَا خوف الإطالة لأوردت ذَلِك قَالَ وَالْمُخْتَار نصب الْأُفق وَرفع ذَنْب قلت وَقَالَ الشَّيْخ جمال الدّين ابْن هِشَام رَحمَه الله وَمن خطه نقلته كَانَ يرفعهما على حذف مفعول لألأ وَتَقْدِير ذَنْب بَدَلا أَي حَتَّى إِذا لألأ الْوُجُود الْأُفق ذَنْب السرحان وَهُوَ بدل اشْتِمَال وَنَظِيره سرق زيد فرسه ويضعفه أَو يردهُ عدم الضَّمِير وَقد يُقَال إِن أل خلف عَن الْإِضَافَة أَي ذَنْب سرحانه وَمثله {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار} أَي ناره أَو على حذف الضَّمِير كَمَا قَالُوا فِي الْآيَة أَي ذَنْب السرحان فِيهِ وَالنَّار فِيهِ وَأما نصبهما فعلى أَن الْفَاعِل ضمير اسْمه تَعَالَى والأفق مفعول بِهِ وذنب بدل مِنْهُ أَي لألأ الله الْأُفق ذَنْب السرحان أَي سرحانة أَو السرحان فِيهِ وَرفع الذَّنب وَنصب الْأُفق وَاضح وَعَكسه مُشكل جدا إِذْ الْأُفق لم ينور الذَّنب نعم إِن كَانَ تجويزه على أَنه من بَاب المقلوب اتجه كَمَا قَالُوا كسر الزّجاج الْحجر وخرق الثَّوْب المسمار لأمن الإلباس 968 - الْقَاسِم بن فيره بن أبي الْقَاسِم خلف بن أَحْمد الرعيني الأندلسي الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الشاطبي الْمُقْرِئ الضَّرِير ويكنى أَيْضا أَبَا مُحَمَّد وَمِنْهُم من جعل كنيته أَبَا الْقَاسِم وَلم يَجْعَل لَهُ اسْما سواهَا الحديث: 968 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 كَذَلِك نقل أَبُو الْحسن السخاوي وَالصَّحِيح أَن اسْمه الْقَاسِم وَله كنيتان أَبُو مُحَمَّد وَأَبُو الْقَاسِم ولد فِي آخر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَقَرَأَ القرآات بشاطبة على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي الْعَاصِ النفزي الْمَعْرُوف بِابْن اللاية وارتحل إِلَى بلنسية فَقَرَأَ القراآت وَعرض التَّفْسِير حفظا على أبي الْحسن بن هُذَيْل وَسمع مِنْهُ وَمن أبي الْحسن بن النِّعْمَة وَأبي عبد الله بن سَعَادَة وَجَمَاعَة وارتحل ليحج فَسمع من السلَفِي وَغَيره روى عَنهُ أَبُو الْحسن عَليّ بن هبة الله بن الجميزي وَأَبُو بكر بن وضاح وَجَمَاعَة آخِرهم أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الْوَارِث الْمَعْرُوف بِابْن فار اللَّبن وَقَرَأَ عَلَيْهِ القرآات جماعات فَإِنَّهُ تصدر للإقراء بِمصْر وَعظم شَأْنه وَبعد صيته وانتهت إِلَيْهِ رياسة الإقراء وَقصد من الْبِلَاد وَألف القصيدة الْمُبَارَكَة الْمَشْهُورَة الْمُسَمَّاة بحرز الْأَمَانِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 وَكَانَ ذكي القريحة قوي الحافظة وَاسع الْمَحْفُوظ كثير الْفُنُون فَقِيها مقرئا مُحدثا نحويا زاهدا عابدا ناسكا يتوقد ذكاء وَكَانَ تصدر للإقراء بِالْمَدْرَسَةِ الْفَاضِلِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ السخاوي أقطع بِأَنَّهُ كَانَ مكاشفا وَأَنه سَأَلَ الله كتمان حَاله مَا كَانَ أحد يعلم أَي شَيْء هُوَ وَمن شعره (قل للأمير نصيحة ... لَا تركنن إِلَى فَقِيه) (إِن الْفَقِيه إِذا أُتِي ... أَبُو أبكم لَا خير فِيهِ) توفّي فِي ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسعين وَخَمْسمِائة عَن اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة وَخلف بِنْتا وابنا عمر بعده 969 - الْقَاسِم بن يحيى بن عبد الله بن الْقَاسِم بن الشهرزوري أَبُو الْفَضَائِل بن أبي طَاهِر من الْبَيْت الْمَشْهُور بالرياسة وَالْفضل تفقه بِبَغْدَاد على يُوسُف الدِّمَشْقِي ثمَّ قدم الشَّام واتصل بخدمه السُّلْطَان صَلَاح الدّين الحديث: 969 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 ونفذه مرَارًا رَسُولا إِلَى دَار الْخلَافَة المعظمة فِي الْأَيَّام المستضوية والناصرية فارتفع شَأْنه وحصلت لَهُ معرفَة بالديوان الْمُعظم وَولي قَضَاء الشَّام ثمَّ انْتقل إِلَى الْموصل وَولي قضاءها وَبَقِي على ذَلِك إِلَى أَن ورد مرسوم الْخَلِيفَة من بَغْدَاد بِطَلَبِهِ وقلد قَضَاء الْقُضَاة شرقا وغربا وفوض إِلَيْهِ النّظر على أوقاف الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وقرىء عَهده بِجَامِع مَدِينَة السَّلَام وَلم يزل على أكمل جاه إِلَى أَن استعفى من الْقَضَاء وَسَأَلَ العودة إِلَى بِلَاده فَأُجِيب إِلَى ذَلِك فَلَمَّا وصل إِلَى حماة ألزمهُ صَاحبهَا الْمقَام بهَا فَأَقَامَ بهَا وولاه الْقَضَاء فَلم يزل هُنَاكَ إِلَى أَن أدْركهُ أَجله وَكَانَ فَقِيها عادلا فَاضلا مهيبا ذَا ثروة ونعمة وَله النثر وَالنّظم قد سمع الحَدِيث من أبي طَاهِر السلَفِي وَمن شعره (فِي كل يَوْم يرى للبين آثَار ... وَمَاله فِي التئام الشمل إِيثَار) (يَسْطُو علينا بتفريق فواعجبا ... هَل كَانَ للبين فِيمَا بَيْننَا ثار) ولد فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَمَات فِي منتصف رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 970 - كتايب بن عَليّ الفارقي أَبُو عَليّ التَّاجِر نزيل الْإسْكَنْدَريَّة سمع بِمصْر أَبَا طَاهِر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن سعدون الْموصِلِي فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ كَبِير السن ذَاك الْوَقْت وَسمع أَيْضا من الْقُضَاعِي والشريف بن حَمْزَة الحديث: 970 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 سمع مِنْهُ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَعبد الله العثماني وَعلي بن مهْرَان القرميسني وَغَيرهم توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة وَقد جَاوز الْمِائَة 971 - مبادر بن الْأَجَل أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مبادر بن عبد الله الْأَزجيّ تفقه وناظر وَتكلم فِي مسَائِل الْخلاف وَحدث عَن أبي الْفَتْح بن البطي وَأبي الْقَاسِم ابْن بَيَان وَأبي عَليّ بن نَبهَان وَخلق توفّي فِي تَاسِع عشر شعْبَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 972 - الْمُبَارك بن الْمُبَارك بن أَحْمد بن أبي يعلي الرفاء الْفَقِيه أَبُو نصر الْمَعْرُوف بِابْن روما كَانَ أَولا حنبليا ثمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وتفقه على أسعد الميهني ثمَّ على أبي مَنْصُور بن الرزاز وبرز فِي الْفِقْه وَسمع الحَدِيث من أبي الْغَنَائِم النَّرْسِي وَغَيره ولد سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ حسن السِّيرَة جميل الظَّاهِر وَالْبَاطِن يُبَالغ فِي الْوضُوء وَالطَّهَارَة كثير الْعِبَادَة توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة الحديث: 971 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 973 - الْمُبَارك بن الْمُبَارك بن الْمُبَارك أَبُو طَالب الْكَرْخِي صَاحب أبي الْحسن بن الْخلّ وَأحد الْأَئِمَّة قَالَ فِيهِ ابْن النجار إِمَام وقته فِي الْعلم وَالدّين والزهد والورع تفقه على أبي الْحسن بن الْخلّ ولازمه حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَولي تدريس النظامية قَالَ وَكَانَ أكتب أهل زَمَانه لطريقة ابْن البواب عَليّ بن هِلَال وَأَحْسَنهمْ خطا قَالَ وَكَانَ ضنينا بِخَطِّهِ لَا يسمح بِشَيْء مِنْهُ لأحد حَتَّى إِنَّه كَانَ إِذا شهد أَو كتب جَوَاب فتيا لأحد كسر الْقَلَم وَكتب بِهِ خطا رديئا سمع من أبي الْقَاسِم بن الْحصين وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي وَحدث باليسير وَقَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف رَأَيْته يلقِي الدُّرُوس فَسمِعت مِنْهُ فصاحة فَقلت مَا أفْصح هَذَا الرجل فَقَالَ شَيخنَا ابْن عُبَيْدَة النَّحْوِيّ كَانَ أَبوهُ عوادا وَكَانَ هُوَ معي فِي الْمكتب وَضرب بِالْعودِ فأجاد وتحذق فِيهِ حَتَّى شهدُوا لَهُ أَنه فِي طبقَة معبد ثمَّ أنف واشتغل بالخط إِلَى أَن شهدُوا لَهُ أَنه أكتب من ابْن البواب وَلَا سِيمَا فِي الطومار وَالثلث ثمَّ أنف مِنْهُ واشتغل بالفقه فَصَارَ كَمَا ترى توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 973 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 974 - الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبُو الْعِزّ الْوَاعِظ الْمَعْرُوف بالواسطي الْقصار وَيعرف بالبصري أَيْضا وَهُوَ بغدادي وَكَانَ يلقب سيف السّنة وَقد دونت مجَالِس وعظة سمع من أبي الْحُسَيْن بن النقور وَأبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَغَيرهم وَحدث روى عَنهُ جمَاعَة مولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة 975 - الْمُبَارك بن يحيى بن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري الْمَعْرُوف بِالْقَاضِي ظهير الدّين ولد بالجزيرة فِي سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَمَات بالموصل فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 976 - مُبشر بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن عَمْرو الرَّازِيّ أَبُو الرشيد الحاسب الإِمَام فِي الْجَبْر والمقابلة والمساحة وَقد سمع الحَدِيث على أبي الْوَقْت السجْزِي وَغَيره وَله كتاب الْفَرَائِض على مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 974 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 977 - مثاور بن فزكوه أَبُو مقَاتل الديلمي اليزدي يلقب عماد الدّين ذكر أَبُو حَامِد مَحْمُود التركي أَنه كَانَ فَقِيها وأديبا شَاعِرًا وَأَنه من أزهد أهل عصره وأعلمهم تفقه على الْبَغَوِيّ وَهُوَ من كبار تلامذته مَاتَ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 978 - مجلي بن جَمِيع بِضَم الْجِيم بن نجا المَخْزُومِي قَاضِي الْقُضَاة أَبُو الْمَعَالِي صَاحب الذَّخَائِر وَغَيره من المصنفات لَهُ إِثْبَات الْجَهْر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالْكَلَام على مَسْأَلَة الدّور وَغَيرهمَا كَانَ من أَئِمَّة الْأَصْحَاب وكبار الْفُقَهَاء وَإِلَيْهِ ترجع الْفتيا بديار مصر قَالَ ابْن القليوبي فِي كتاب الْعلم الظَّاهِر سَمِعت الشَّيْخ الْحَافِظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم يَقُول عَن الشَّيْخ أبي الْمَعَالِي مجلي إِنَّه تفقه من غير شيخ قَالَ وَقَالَ الشَّيْخ يَعْنِي الْحَافِظ عبد الْعَظِيم وَكَانَ يَعْنِي القَاضِي مجليا يمشي فِي جبانة القرافة وَهُوَ يطالع ويزور فَإِذا كَانَ بعد الْعَصْر أسْند ظَهره إِلَى المقطم واستقبل الْبركَة وَأمر على خاطره مَا طالعه فِي نَهَاره الحديث: 977 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 قَالَ عبد الْعَظِيم وَكَانَ القَاضِي مجلي اسْتعَار كتاب الْبَسِيط عَارِية مُؤَقَّتَة وَهِي مده قريبَة جدا ولعلها لكل جُزْء يَوْمَانِ وَكَانَ يُصَلِّي الْفَرَائِض خَاصَّة ويشتغل بالنسخ وَيُقَال إِنَّه بِسَبَب هَذِه السرعة جَاءَ فِي بعض الْمَوَاضِع من كتاب الذَّخَائِر خلل فِي النَّقْل عَن الْبَسِيط وَكَانَ جيد الْحِفْظ حسن التَّعْلِيق قَالَ ابْن القليوبي وَرَأَيْت هَذِه النُّسْخَة وابتيعت بِثمن كثير لنسبتها إِلَيْهِ قَالَ ابْن القيلوبي وَكَانَ مجلي قبل الْقَضَاء يسكن قليوب قَالَ وَسمعت وَالِدي يَقُول إِنَّه لما ولى الْقَضَاء توجه إِلَى زيارته الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَابْن أبي الأشبال فوجداه وَقد قدم لَهُ مركوب من جِهَة الْخَلِيفَة على هَيْئَة تخص الْحُكَّام وَكَانَ لحكام المصريين هَيْئَة خَاصَّة وَكَذَلِكَ لشهودهم فَلَمَّا خرج نفض السرج بكمه وَقَبله وَركب فَلَمَّا رَأيا ذَلِك مِنْهُ رجعا وَلم يجتمعا بِهِ فاتصل بِهِ ذَلِك عَنْهُمَا فَقَالَ وَالله لم أَدخل فِي الحكم إِلَّا الضَّرُورَة وَلَقَد بعد عهد أَهلِي بِاللَّحْمِ فَأخذت لَهُم مِنْهُ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن وضعُوا أَيْديهم مرّة ثمَّ لم يضعوها ثَانِيَة يُشِير إِلَى كَثْرَة الْعِيَال وَقلة الطَّعَام قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَانَت ولَايَته قَضَاء مصر فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بتفويض من الْعَادِل ابْن السلار سُلْطَان مصر ووزيرها ثمَّ عزل قبل مَوته وَمَات فِي ذِي الْقعدَة سنة خمسين وَخَمْسمِائة وَمن الْمسَائِل عَنهُ وَقد رتب كِتَابه الذَّخَائِر على سلك لم يسْبق إِلَيْهِ وَبَاب التَّفْلِيس فِيهِ وَبَاب الْحجر بعد كتاب الْقَضَاء قَالَ فِي الذَّخَائِر وَمِنْه فِي كتاب التَّعْزِير نقلته وَأما قدره يَعْنِي التَّعْزِير قَالَ الشَّاشِي فِي الْحِلْية النَّاس على أَربع رتب التَّعْزِير بالْكلَام ثمَّ بِالْحَبْسِ ثمَّ بِالنَّفْيِ ثمَّ بِالضَّرْبِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 فَقَالَ فِي بَاب الْأَقْضِيَة وَالْيَمِين مَعَ الشَّاهِد مدعي المَال إِذا قدر على إِثْبَات حَقه بِالْخِيَارِ بَين ثَلَاثَة أَشْيَاء إِحْدَاهَا أَن يُثبتهُ بِشَاهِدين وَهُوَ أقوالها فَيحكم لَهُ المَال وَالثَّانِي أَن يُثبتهُ بِشَاهِد وَامْرَأَتَيْنِ فَيحكم لَهُ بِالْمَالِ وَإِن قدر على الشَّاهِدين وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يحكم لَهُ المَال بِالشَّاهِدِ والمرأتين إِلَّا مَعَ عدم الشَّاهِدين انْتهى وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على عدم اشْتِرَاط فقدان الشَّاهِدين قَالَ فِي الذَّخَائِر فِي كتاب الشَّهَادَات مَا يثبت بِشَاهِد وَاحِد هِلَال رَمَضَان لَيْسَ سواهُ قَالَ القَاضِي شهَاب الدّين بن شَدَّاد لقد عجبت من صَاحب الذَّخَائِر فِي هَذَا الْكَلَام وَقد تقدم تَقْرِيره أَنه إِذا أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا اسْتحق الْحَيْلُولَة وَالْوَقْف بِهِ فِي صور مُتعَدِّدَة وَهُوَ حق يثبت بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد وَلَعَلَّه أَرَادَ بذلك أَن هَذِه أُمُور تَابِعَة لحقوق لَا أَنَّهَا مَقْصُودَة انْتهى قلت لقد عجبت من ابْن شَدَّاد فِي هَذَا الْكَلَام فَإِن الشَّاهِد الْوَاحِد على القَوْل بالحيلولة وَالْوَقْف بِهِ لَا يثبت بِهِ الْحق الْمُدعى إِنَّمَا هِيَ حيولة ووقف عين وَهَذَا لم ينْفَرد بِهِ صَاحب الذَّخَائِر فَإِن كَانَ ابْن شَدَّاد ظن أَنه تقدم من صَاحب الذَّخَائِر الحكم بِشَاهِد وَاحِد فِي صور مُتعَدِّدَة فَلَيْسَ كَمَا ظن وَإِنَّمَا تقدم فِيهِ الْحَيْلُولَة بِشَاهِد وَاحِد وَلَيْسَ هُوَ من الحكم بِشَيْء وَكَلَامه قويم وتعجب ابْن شَدَّاد عَجِيب وَمَا قَالَه مجلي قَالَه النَّاس كلهم ثمَّ طَرِيق الرَّد عَلَيْهِ بِبَيَان صور يحكم فِيهَا بِشَاهِد وَاحِد إِمَّا على الصَّحِيح أَو على رَأْي ضَعِيف وَقد أوردناها فِي كتَابنَا التوشيح عِنْد كلامنا على قَول الْمِنْهَاج لَا يحكم بِشَاهِد وَاحِد إِلَّا فِي هِلَال رَمَضَان فِي الْأَظْهر مِنْهَا لَو شهد عدل وَاحِد بِإِسْلَام من عهدناه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 ذِمِّيا قبل مَوته فَإِنَّهُ لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِيرَاث فَلَا يَرث مِنْهُ الْمُسلم وَلَا يحرم مِنْهُ الْكَافِر وَهل يثبت بِالنِّسْبَةِ إِلَى وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ وَجْهَان بناهما الْمُتَوَلِي على الْخلاف فِي لُزُوم رَمَضَان بِوَاحِد لتضمن ذَلِك إِيجَاب عبَادَة وَمِنْهَا هِلَال ذِي الْحجَّة على وَجه وَمِنْهَا هِلَال شَوَّال على قَول أبي ثَوْر وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَو قلت بِهِ لم أكن مُبْعدًا وَرَأى الإِمَام اتجاهه وَمِنْهَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيب وَتَابعه غَيره إِن الْعَيْب يقبل فِيهِ الرجل الْوَاحِد وَيثبت بِهِ الرَّد لَكِن فِي التَّتِمَّة خِلَافه وَمِنْهَا إِذا نذر صَوْم شعْبَان فَشهد وَاحِد باستهلال هلاله فَوَجْهَانِ عَن الْبَحْر يبنيان على أَن النّذر يسْلك بِهِ مَسْلَك وَاجِب الشَّرْع أم جَائِزَة وَمِنْهَا العون إِذا أخبر الْحَاكِم بامتناع الْغَرِيم من الْحُضُور اكْتفى بِهِ فِي تأديبه وَمِنْهَا إِذا ادّعى الْخصم امْتِنَاعه فَشهد بِهِ وَاحِد فقد قيل يكْتَفى بِهِ وَالْأَشْبَه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَن ذَلِك من بَاب الْخَبَر لَا الشَّهَادَة فَلَا يكون مِمَّا نَحن فِيهِ وَمِنْهَا صُورَة أوردهَا الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح فِي تعليقته على التَّنْبِيه وَفِي حَوَاشِيه على الْمِنْهَاج ونقلها عَن الْحَاوِي فَقَالَ ذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب الشَّهَادَة فِي الْكَلَام على مَا يكون بِهِ عدلا مَا لَفظه وَالثَّالِث أَن يشْهد بِبُلُوغِهِ شَاهد عدل فَيحكم بِبُلُوغِهِ وَتَكون شَهَادَة لَا خَبرا انْتهى وَقد رَأَيْته فِي الْحَاوِي فِي النُّسْخَة الَّتِي نقل مِنْهَا الشَّيْخ برهَان الدّين وَهِي وقف الْمدرسَة البادرائية وَلَفظه كَمَا ذكره وَهَا أَنا أحكيه مَعَ مَا قبله وَمَا بعده لوُقُوع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 الِاضْطِرَاب فِيهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَمن النُّسْخَة الَّتِي نقل مِنْهَا ابْن الفركاح نقلته فِي التَّوَصُّل إِلَى معرفَة الْبلُوغ مَا نَصه علم الْحَاكِم بِبُلُوغِهِ يكون من أحد أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَن تظهر عَلَيْهِ شَوَاهِد الْبلُوغ بالإنبات إِذا جعل الإنبات فِي الْمُسلمين بلوغا وَالثَّانِي أَن يعرف الْحَاكِم سنة فَيحكم بِبُلُوغِهِ إِذا اسْتكْمل سنّ الْبلُوغ وَالثَّالِث أَن يشْهد بِبُلُوغِهِ عِنْده شَاهد عدل فَيحكم بِبُلُوغِهِ وَيكون شَهَادَة لَا خَبرا وَالرَّابِع أَن يَقُول الْغُلَام قد بلغت فَيحكم بِبُلُوغِهِ بقوله لِأَنَّهُ قد يبلغ بالاحتلام الَّذِي لَا يعلم من جِهَته لِأَنَّهُ تتغلظ أَحْكَامه بتوجه التَّكْلِيف إِلَيْهِ فَكَانَ غير مُتَّهم فِيهِ انْتهى وَقد ذكره الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ شَاهدا عدل فَمن ثمَّ جَوَّزنَا أَن تكون الْألف سَاقِطَة من لفظ الْحَاوِي لكوننا وجدناها ثَابِتَة فِي لفظ الْبَحْر وَهَذَا يكَاد يَحْكِي لَفظه كثيرا وَسُقُوط ألف وَاحِدَة هَين لَكِن أوقفنا عَن ذَلِك أَن فِي الْحَاوِي وَالْبَحْر كليهمَا وَيكون شَهَادَة لَا خَبرا وَمَعَ قيام الشَّاهِدين لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا الْكَلَام وَبِالْجُمْلَةِ فِي اللَّفْظ اضْطِرَاب وَلَا يَتَأَتَّى إِيرَاد الشَّيْخ برهَان الدّين إِلَّا على تَقْدِير سُقُوط الْألف وَفِيه وَقْفَة قَالَ فِي الذَّخَائِر فِي أَوَائِل بَاب تحمل الشَّهَادَة بَعْدَمَا حكى الْوَجْهَيْنِ فِي أَن تحملهَا فِي غير النِّكَاح هَل هُوَ فرض كِفَايَة أَو سنة مَا لَفظه قَالَ بعض أَصْحَابنَا وَوجه التَّرَدُّد نَشأ من الْآيَة وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} فَمنهمْ من حملهَا على الْأَدَاء وَمِنْهُم من حملهَا على التَّحَمُّل قَالَ القَاضِي مجلي وَهَذَا فِيهِ نظر ثمَّ لقَائِل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 أَن يَقُول إِنَّهَا عَامَّة فيهمَا لِأَنَّهُ قد يحْتَاج إِلَى دُعَائِهِ فيهمَا فَهُوَ مَأْمُور بإجابته فِي الْحَالَتَيْنِ انْتهى وَقد يَقُول من يَدعِي تخصيصها بِالْأَدَاءِ إِن اسْم الشَّاهِد حَقِيقَة لَا يُطلق على من لم يتَحَمَّل قَالَ فِي الذَّخَائِر فِي مسح الْخُف أَنه لَا يجوز الْمسْح على الْخُف الَّتِي أَصَابَته نَجَاسَة حَتَّى يطهر لِأَنَّهُ لَا تجوز الصَّلَاة مَعَه فَلَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضا ذكره النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَلَعَلَّه أَخذه من الذَّخَائِر وَهُوَ شَيْء عَجِيب لَا يساعده مَنْقُول وَلَا مَعْقُول وَإِنَّمَا الَّذِي مَنعه الْأَصْحَاب الْمسْح على نجس الْعين أم الْمُتَنَجس فَلَا يمْنَع الْمسْح عَلَيْهِ بل يَصح ثمَّ يصير الْمَانِع من الصَّلَاة بِوُجُود مُتَنَجّس فيغسله وَيُصلي فِيهِ وَبِذَلِك صرح الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي التَّبْصِرَة فَقَالَ وَإِذا كَانَ الْخُف نجسا فَلَا تصح الصَّلَاة مَعَه لنجاسته وَالْمسح عَلَيْهِ صَحِيح حَتَّى إِذا مسح عَلَيْهِ أَولا ثمَّ أَرَادَ حمل الْمُصحف أومسه كَانَ ذَلِك مُبَاحا وَلَكِن الصَّلَاة لَا تُبَاح وعَلى الْخُف نَجَاسَة لِأَن النَّجَاسَة على الْبدن أَو الثَّوْب لَا تتداعى إِلَى فَسَاد الْوضُوء فَكَذَلِك الْخُف انْتهى وَلَيْسَ فِي الرَّافِعِيّ إِلَّا أَن الْخُف من كلب أَو ميتَة قبل الدّباغ لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَخْصُوص بِنَجس الْعين لَا الْمُتَنَجس بل لَو قَالَ قَائِل لَا مُنَافَاة بَين صِحَة الْمسْح والنَّجَاسَة وَلَو عَيْنَيْهِ فَيصح الْمسْح ثمَّ تمنع الصَّلَاة للنَّجَاسَة لساعدته عبارَة التَّبْصِرَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 979 - مَحْمُود بن أَحْمد بن عبد الْمُنعم بن أَحْمد بن مَحْمُود بن ماشاده أَبُو مَنْصُور بن أبي نصر من أهل أَصْبَهَان وَمن أَعْيَان الْعلمَاء ومشاهير الْفُضَلَاء ذَوي الحشمة والجاه تفقه على أبي بكر الخجندي وَعبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد الفامي وَسمع مِنْهُمَا الحَدِيث وَمن الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَمن خلق وَحدث وأملى عدَّة مجَالِس روى عَنهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي مُعْجم شُيُوخه توفّي فَجْأَة لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشر ربيع الآخر سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 979 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 980 - مَحْمُود بن إِسْمَاعِيل بن عمر بن عَليّ الإدريسي الطريثيثي أَبُو الْقَاسِم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل مفت مناظر أصولي حسن السِّيرَة أفنى عمره فِي الْوحدَة والقنوع وَنشر الْعلم وَطَلَبه وتفقه على وَالِدي وَسمع الحَدِيث من عبد الْغفار الشيروي وَغَيره كتبت عَنهُ شَيْئا يَسِيرا بمرو 981 - مَحْمُود بن الْحسن بن بنْدَار بن مُحَمَّد بن عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ الطلحي أَو نجيح من أهل أَصْبَهَان وَهُوَ من الوعاظ الَّذين لَهُم الْقبُول الزَّائِد من الْعَامَّة سمع مكى بن مَنْصُور بن عَلان وَهبة الله بن الْحصين وَأَبا الْعِزّ بن كادش وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ ولد فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بعد عوده من الْحَج 982 - مَحْمُود بن عَليّ بن أبي طَالب بن عبد الله بن أبي الرَّجَاء التَّمِيمِي الْأَصْبَهَانِيّ أَبُو طَالب صَاحب الطَّرِيقَة فِي الْخلاف وَهُوَ أحد تلامذة مُحَمَّد بن يحيى وَكَانَ ذَا تفنن فِي الْعُلُوم وَله فِي الْوَعْظ الْيَد الطُّولى الحديث: 980 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 تفقه بِهِ جمَاعَة بأصبهان توفّي فِي شَوَّال سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة 983 - مَحْمُود بن الْمُبَارك بن عَليّ بن الْمُبَارك بن الْحسن ابْن بقيرة بِفَتْح الْبَاء الوَاسِطِيّ أَبُو الْقَاسِم بن أبي الْفَتْح الْعِرَاقِيّ المجير الْبَغْدَادِيّ قَرَأَ الْمذَاهب وَالْخلاف على أبي بكر الأرموي صَاحب أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَعلي أبي مَنْصُور الرزاز وَقَرَأَ الْأُصُول وَالْكَلَام على أبي الْفتُوح الإسفرايني وَعبد السَّيِّد بن عَليّ بن الزيتوني حَتَّى صَار من أجلاء الْأَئِمَّة قَالَ ابْن النجار برع فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَالْخلاف والجدل وَعلم الْكَلَام وَعلم الْمنطق حَتَّى صَار شيخ وقته وعلامة عصره يَقْصِدهُ الطّلبَة من الْبِلَاد الْبَعِيدَة قَالَ وصنف كتبا كَثِيرَة فِي الْأُصُول والجدل وَغَيرهمَا وعلق عَنهُ النَّاس تعاليق كَثِيرَة قَالَ وَأعَاد بالنظامية وَهُوَ شَاب فِي أَيَّام أبي النجيب السهروردي ثمَّ سَافر إِلَى الشَّام وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة يدرس فِي عدَّة مَوَاضِع ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَخرج إِلَى بِلَاد فَارس وَنزل شيراز فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يدرس بهَا سِنِين ثمَّ قدم واسطا فِي آخر سنة سبع وَثَمَانِينَ الحديث: 983 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 وَخَمْسمِائة فَأَقَامَ بهَا نَحوا من أَربع سِنِين يدرس ويحضر عِنْده الْفُقَهَاء ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَتَوَلَّى تدريس النظامية فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين ثمَّ ندب إِلَى الْخُرُوج فِي رِسَالَة من الدِّيوَان إِلَى خوارزمشاه وَكَانَ يؤمئذ بأصبهان فَخرج من بَغْدَاد يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَفِي صحبته وَلَده وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء فَانْتهى إِلَى همذان وَقد مرض وَاشْتَدَّ مَرضه فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن توفّي سمع من أبي الْقَاسِم هبة الله بن الْحصين وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي وَعبد الْوَهَّاب ابْن الْأنمَاطِي وَإِسْمَاعِيل بن السَّمرقَنْدِي وَعلي بن عبد السَّيِّد بن الصّباغ وَغَيرهم وَحدث باليسير ولد فِي رَمَضَان سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة أخبرنَا وَالِدي رَضِي الله عَنهُ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن خَلِيل الدِّمَشْقِي أخبرنَا الإِمَام أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بن أبي الْفَتْح الْمُبَارك بن أبي الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن بن الْحُسَيْن الوَاسِطِيّ الْفَقِيه الْمَعْرُوف بالمجير قدم بَغْدَاد قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بهَا قيل لَهُ حَدثكُمْ أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن مُحَمَّد ابْن عبد الْوَاحِد الشَّيْبَانِيّ إملاء من لَفظه وَأَنت تسمع أخبرنَا القَاضِي أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن المحسن التنوخي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن سعيد الْمعدل حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن الْمقري حَدثنَا جدي حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن مَحْمُود بن الرّبيع عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ مرّة أُخْرَى إِنَّه حدث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 984 - مَحْمُود بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن أرسلان أَبُو مُحَمَّد العباسي مظهر الدّين الْخَوَارِزْمِيّ صَاحب الْكَافِي فِي الْفِقْه من أهل خوارزم كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه والتصوف فَقِيها مُحدثا مؤرخا لَهُ تَارِيخ خوارزم قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وقفت على الْجُزْء الأول مِنْهُ ولد بخوارزم فِي خَامِس عشر شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة سمع أَبَاهُ وجده الْعَبَّاس بن أرسلان وَإِسْمَاعِيل بن أَحْمد الْبَيْهَقِيّ بخوارزم وَمُحَمّد بن عبد الله الحفصوي بمرو وَأحمد بن عبد الْوَاحِد الْفَارِسِي بسمرقند وَمُحَمّد بن عَليّ المطهري ببخارى وَابْن الطلاية بِبَغْدَاد وتفقه على الْحسن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ وَدخل بَغْدَاد وَوعظ بهَا بالنظامية وَحدث سمع مِنْهُ يُوسُف بن مقلد وَأحمد بن طاروق قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها عَارِفًا بالمتفق والمختلف صوفيا حسن الظَّاهِر وَالْبَاطِن قَالَ أَيْضا وَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وعلق مِنْهُ طرفا صَالحا قَالَ وبيته بَيت الْعلم وَالصَّلَاح قَالَ وَأقَام بخوارزم يُفِيد النَّاس وينشر الْعلم قلت ووقفت على المجلد الأول من تَارِيخه وَهُوَ الَّذِي وقف عَلَيْهِ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَهُوَ من قسْمَة ثَمَانِيَة أَجزَاء ضخمة وَفِيه دلَالَة على أَن الرجل كَانَ متبحرا فِي صناعَة الحَدِيث يُطلق عَلَيْهِ الْحَافِظ الْمُطلق وَلَا حرج وَقد أَكثر فِيهِ من الْأَسَانِيد والفوائد وَالْكَلَام على الحديث: 984 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 الحَدِيث وابتدأ بعد مَا ذكر أَخْبَار خوارزم وَهِي الَّتِي وسمها فِي كِتَابه منصورة بالمحمدين وَذكر فِي خطبَته أَن الْحَاكِم أَبَا عبد الله سَمَّاهَا بِهَذَا الِاسْم بِحَدِيث مَوْضُوع ورد فِيهَا سَاقه بِإِسْنَاد فِي المجلد الأول جمع المحمدين وَأكْثر فِيهِ الحَدِيث عَن زَاهِر بن طَاهِر بِالْإِجَازَةِ وَإِذا ذكر أَبَا سعد بن السَّمْعَانِيّ أَو شهردار بن شيرويه قَالَ أخبرنَا وَكَثِيرًا مَا يروي عَن أبي سعد بِالْإِجَازَةِ توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَله بخوارزم عقب عُلَمَاء محدثون وَمن الْفَوَائِد وغرائب الْمسَائِل عَن صَاحب الْكَافِي ذكر فِي مُقَدّمَة تَارِيخ خوارزم أَن خوارزم كَانَت مَدِينَة تسمى المنصورة لحَدِيث ورد كَمَا ذَكرْنَاهُ وَأَن الْوَادي حطمها وَأَخذهَا قَالَ وَسمعت عدَّة من الْمَشَايِخ يَقُولُونَ كَانَ بمنصورة اثْنَا عشر ألف مَسْجِد فَإِن فِيهَا اثنى عشر ألف سكَّة فِي كل سكَّة مَسْجِد وفيهَا ألف وَمِائَتَا حمام ثمَّ حولت إِلَى الْمَدِينَة الَّتِي هِيَ الْيَوْم كائنة وَذكر من تعظيمها وتعظيم أَهلهَا الشَّيْء الْكثير وَحكى من سعادتهم الْأَمر العجيب وَذكر مِنْهُم أَبَا نصر مَنْصُور بن عَليّ بن عراق الْجَعْدِي وَأَنه كَانَ مُقيما بقرية على بَاب الْبَلَد وَله بهَا قصر مشيد وَأَن جمَاعَة جَاءُوا من الْبَلَد فَمروا يضيعته فأبصروه فنزلوا عِنْد دوابهم وَجَاءُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ فَأمر وَكيله أَن ينزلهم فِي مَوضِع يَلِيق بهم وَأمره بضيافتهم وتعهد دوابهم وَكَانُوا عصارين دهانين من منصورة أَي زياتين خَرجُوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 يطْلبُونَ شِرَاء سمسم وَكَانُوا تِسْعمائَة نفس سوى من يتبعهُم من أشياعهم فَلَمَّا أَصْبحُوا ركب جمَاعَة مِنْهُم لينتشروا فِي الْقرى فَأخْبر أَبُو نصر بذلك فَقَالَ إِن لم يكن عندنَا مَا يكفيهم فليطلبوا حِينَئِذٍ من غَيرنَا فَجَلَسَ الْمُسْتَوْفى والوزان والنقاد يُوزن عَنْهُم مَا كَانَ من النَّقْد عِنْدهم والمستوفى يثبت فِي الجريدة مَا يُؤَدِّي كل وَاحِد مِنْهُم باسمه فَلَمَّا فرغوا من أَخذ مَا كَانَ مَعَهم من النَّقْد وَالْمَتَاع أَمر أَبُو نصر بِفَتْح بَاب الْآبَار والكيل لَهُم حَتَّى وفاهم بالتمام وَقد فضل عِنْده سمسم كثير وَأمر أَن يكتال عَلَيْهِم مَا اشتروه وأَمر لَهُم بعجلان لتحمل مَعَهم فوصل الطّرف الأول مِنْهَا إِلَى وسط الْبَلدة والطرف الآخر إِلَى دَار الْوَقْف لَا يخرج من الْقرْيَة قَالَ صَاحب الْكَافِي وَكَانَ ذَلِك فِي آخر أَيَّام المنصورة حَتَّى لم يبْق مِنْهَا بِالْإِضَافَة إِلَى مَا كَانَت إِلَّا شَيْء يسير يخرج مِنْهَا تِسْعمائَة عصار سوى من تَأَخّر فِي الْبَلَد قَالَ وَأَبُو نصر هَذَا هُوَ الَّذِي نزل عِنْده السُّلْطَان أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود حِين دخل خوارزم فِي ضيعته هَذِه فأضافه وأضاف جنده وَلم يحْتَج فِي ضيافتهم إِلَى إِحْضَار شَيْء من مَوضِع آخر قَالَ وَسمعت الثِّقَات أَنه أخرج لكل فرس كَانَ مَعَهم وَقت الْعشَاء مخلاة بِالشَّعِيرِ وغراران جديدان قَالَ غير أَن السُّلْطَان اتهمه بِسوء الِاعْتِقَاد فَإِنَّهُ لم ير فِي ضيعته مَسْجِدا فَلَمَّا دخل الجرجانية أَمر بصلبه فصلب مَعَ من صلب من المتهمين بِسوء الِاعْتِقَاد فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وَأطَال صَاحب الْكَافِي فِي ذكر مَنَاقِب خوارزم وَهِي جرجانية الْمَدِينَة الْمَوْجُودَة الْيَوْم وهما بلدان عظيمان من بِلَاد الْمُسلمين حولا عَن مكانهما خوارزم كَانَت تسمى المنصورة فحولت لما حطمها الْوَادي إِلَى قريب مِنْهَا يُسمى الجرجانية ونيسابور لما هدمتها الزلازل وَكَانَت من إِحْدَى قَوَاعِد بِلَاد خُرَاسَان حولت إِلَى قريب مِنْهَا هُوَ الْآن يُسمى بنيسابور أَيْضا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 985 - مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن مَنْصُور بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن ماشادة كَذَا قَرَأت نِسْبَة بِخَطِّهِ على كِتَابه الْمُسَمّى فقه الْقُلُوب وَهَذَا الْكتاب عِنْدِي بِخَط مُصَنفه هَذَا الرجل وَهُوَ غَرِيب النَّوْع مبوب على أَبْوَاب الْفِقْه يفْتَتح الْبَاب بِذكر مسَائِله الْفِقْهِيَّة ثمَّ يذكر بعْدهَا أَقْوَال الصُّوفِيَّة على ذَلِك النَّحْو قَالَ فِي خطبَته وَقد أجزت فِي هَذَا الْكتاب وَأمرت بِهِ وَلَوْلَا الْأَمر لما أفصحت بِهِ قَالَ وَقد صنف شَيخا أَبُو طَالب الْمَكِّيّ قوت الْقُلُوب وصنف شَيخنَا أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي نَحْو الْقُلُوب وَهَذَا فقه الْقُلُوب إِن شَاءَ الله وَالْمَذْكُور لم يدْرك الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورين وَلكنه يَقُول شَيخنَا إِشَارَة إِلَى الطَّرِيقَة كَمَا يَقُول مُتَقَدم الأشاعرة ومتأخرهم شَيخنَا أَبُو الْحسن ويعنون شيخ الطَّرِيقَة وَهَذَا الْكتاب حسن فِي نَوعه وَهُوَ مُجَلد ضخم ومصنفه هَذَا يكنى أَبَا الْقَاسِم وَيعرف بِابْن المشرف من أهل أَصْبَهَان قَالَ ابْن النجار كَانَ من أَعْيَان مَشَايِخ الصُّوفِيَّة مَوْصُوفا بالزهد وَالْعِبَادَة وَالْفضل وَالْعلم وَحسن السمت وَجَمِيل السِّيرَة قَالَ وَله قدم فِي الطَّرِيقَة وَكَلَام حسن على مَذْهَب أهل الْحَقِيقَة وَقد صنف عدَّة كتب فِي التصوف وَسمع الْكثير من زَاهِر بن طَاهِر وَأبي غَالب أَحْمد بن الْحسن بن الْبناء وَأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي وَأبي الْقَاسِم عَليّ بن عبد السَّيِّد بن الصّباغ وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن عمر الأرموي وَخلق كثير وَحدث بِيَسِير من مروياته ومصنفاته الحديث: 985 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 سمع مِنْهُ القَاضِي أَبُو المحاسن عمر بن عَليّ الْقرشِي وَمُحَمّد بن بَقَاء السرسفي قلت وَخلق آخَرُونَ سمعُوا عَلَيْهِ كتاب فقه الْقُلُوب فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب من الشَّام قَالَ كتب إِلَيّ مَحْمُود بن مُحَمَّد عَن مَحْمُود ابْن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن ماشادة قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم صَدَقَة بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أخبرنَا أَبُو عَليّ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن الْحُسَيْن أخبرنَا أَبُو عَليّ إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن أبي الْحسن الْبَيْهَقِيّ قدم علينا أخبرنَا أبي أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا مُحَمَّد بن يَعْقُوب أخبرنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان أخبرنَا الشَّافِعِي أخبرنَا عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ حَدثنَا أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن الْحصين قَالَ بَيْنَمَا رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره وَامْرَأَة من الْأَنْصَار على نَاقَة لَهَا فضجرت فلعنتها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خلوا عَنْهَا وعروها فَإِنَّهَا ملعونة) قَالَ وَكَانَ لَا يَأْوِيهَا أحد 986 - مَحْمُود بن المظفر بن عبد الْملك بن أبي تَوْبَة الْمروزِي الْوَزير الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم من أهل مرو ولد آخر يَوْم من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وتفقه على أبي المظفر ابْن السَّمْعَانِيّ ثمَّ خرج إِلَى مَا وارء النَّهر وَلَقي الْأَئِمَّة الحديث: 986 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 قَالَ أَبُو سعد وَكَانَ مناظرا فحلا فَقِيها مدققا نظر فِي عُلُوم الْأَوَائِل واشتغل بتحصيل تِلْكَ الْعُلُوم مَعَ كَثْرَة الصَّلَاة وَالصَّدَََقَة والمواظبة على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات وَحُضُور مجَالِس الذّكر ثمَّ ترقت حَاله إِلَى الوزارة وَهُوَ مَعَ النّظر فِي الوزارة يناظر الْخُصُوم وَيظْهر كَلَامه عَلَيْهِم لدقة نظره وَحسن إِيرَاده ثمَّ عزل عَن الوزارة وانزوي مُدَّة ثمَّ فوض إِلَيْهِ الِاسْتِيفَاء مُدَّة والإشراف مُدَّة ثمَّ قبض عَلَيْهِ بنيسابور وَحمل إِلَى مرو وَمِنْهَا إِلَى الْمحبس وَحبس فِي قلعة بنواحي جيحون وَيُقَال لَهَا بانكر وَقتل بهَا سمع بمرو أَبَا المظفر السَّمْعَانِيّ وببخارى القَاضِي أَبَا الْيُسْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن الْبَزْدَوِيّ وَغَيره روى عَنهُ أَبُو سعد وَقَالَ مَاتَ أَو خنق فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَدفن على بَاب قلعة بانكر 987 - مَحْمُود بن يُوسُف بن الْحُسَيْن التفليسي البرزندى أَبُو الْقَاسِم من أهل تفليس تفقه بِبَغْدَاد على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَسمع الحَدِيث مِنْهُ وَمن أبي يعلى بن الْفراء وَأبي الْحُسَيْن بن الْمُهْتَدي وَأبي الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَغَيرهم الحديث: 987 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 روى عَنهُ الطّيب بن مُحَمَّد الغضائري قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي بعد سنة خمسين وَخَمْسمِائة 988 - مَرْوَان بن عَليّ بن سَلامَة بن مَرْوَان الطنزي بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفِي آخرهَا الزَّاي نِسْبَة إِلَى طنزة وَهِي قَرْيَة من ديار بكر يكنى أَبَا عبد الله ورد بَغْدَاد وتفقه على الْغَزالِيّ والشاشي وَسمع من طراد الزَّيْنَبِي ورزق الله التَّمِيمِي وَغَيرهمَا ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده واتصل بِالْملكِ زنكي بن آق سنقر صَاحب الْموصل وَصَارَ وزيرا لَهُ وَحدث روى عَنهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَغَيره توفّي بعد سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة 989 - مَسْعُود بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن المظفر الخوافي أَبُو الْمَعَالِي بن الإِمَام أبي المظفر من أهل نيسابور قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ الإِمَام بن الإِمَام فَقِيه مناظر عَاقل ذُو رَأْي حسن الحديث: 988 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 وتدبير صائب أحد مدرسي الْمدرسَة النظامية بنيسابور سمع أسعد بن مَسْعُود الْعُتْبِي وَعبد الْغفار الشيروي وَغَيرهمَا روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة قلت تفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمَات بخواف فِي شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة 990 - مَسْعُود بن أَحْمد بن يُوسُف بن أَحْمد بن يُوسُف أَبُو الْفَتْح البامنجي ولد ببامئين فِي سَابِع ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وتفقه بمرو الروذ على الْبَغَوِيّ وَمَات فِي رَابِع شعْبَان سنة نَيف وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 991 - مَسْعُود بن عَليّ الْوَزير نظام الْملك الْمُتَأَخر وَزِير السُّلْطَان خوارزمشاه وَأحد المتعصبين للشَّافِعِيَّة وَقد بنى لَهُم جَامعا بمرو شرفا على جَامع الْحَنَفِيَّة فتعصبوا وأحرقوه ونمت فتْنَة هائلة وكادت بهَا الجماجم تطير عَن الغلاصم ونظام الْملك هَذَا هُوَ الَّذِي بنى الْمدرسَة النظامية بخوارزم وَقد اشْترك نظام الْملك هَذَا ونظام الْملك الْمُتَقَدّم ذكره الَّذِي هُوَ سيد الوزراء اشْتَركَا فِي اللقب والوزارة والتعصب الحديث: 990 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 للشَّافِعِيَّة وَبِنَاء الْمدَارِس وأنهما قَتلهمَا جَمِيعًا الْمَلَاحِدَة وَقد قتلت الْمَلَاحِدَة هَذَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وتأسف عَلَيْهِ السُّلْطَان خوارزمشاه واستوزر وَلَده وَهُوَ صبي فأشير على الصَّبِي بالاستعفاء فَقَالَ لَهُ خوارزمشاه لست أعفيك وَأَنا وزيرك لَكِن راجعني فِي الْأُمُور ولنظام الْملك هَذَا آثَار حَسَنَة وَلَكِن هُوَ بعيد من ذَلِك الْمُتَقَدّم رحمهمَا الله 992 - مَسْعُود بن مُحَمَّد بن مَسْعُود الطريثيثي الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي قطب الدّين النَّيْسَابُورِي صَاحب كتاب الْهَادِي الْمُخْتَصر الْمَشْهُور فِي الْفِقْه كَانَ إِمَامًا فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير والوعظ أديبا مناظرا مولده فِي رَجَب سنة خمس وَخَمْسمِائة وتفقه على وَالِده وعَلى مُحَمَّد بن يحيى وَعمر السُّلْطَان وَإِبْرَاهِيم المروروذي وَرَأى الْأُسْتَاذ أَبَا نصر بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَسمع الحَدِيث من هبة الله السيدي وَعبد الْجَبَّار الْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا حدث عَنهُ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصرى وَأَبُو الْقَاسِم بن صصرى وتاج الدّين عبد الله ابْن حمويه وَآخَرُونَ وتخرجت بِهِ الْأَصْحَاب وَعظم شَأْنه قَالَ ابْن النجار وَكَانَ يُقَال إِنَّه بلغ حد الْإِمَامَة على صغر سنة ودرس بنظامية نيسابور ثمَّ ورد بَغْدَاد وَحصل لَهُ بهَا الْقبُول التَّام ثمَّ جَاءَ إِلَى دمشق وسكنها مُدَّة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المجاهدية مُدَّة ثمَّ بالزاوية الغزالية بعد موت أبي الْفَتْح نصر الله المصِّيصِي ثمَّ خرج إِلَى حلب وَولى بهَا تدريس المدرستين اللَّتَيْنِ بناهما نور الدّين وَأسد الدّين ثمَّ سَافر إِلَى بَغْدَاد وَمِنْهَا إِلَى همذان وَولي التدريس بهمذان وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى دمشق الحديث: 992 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 واستوطنها ودرس بالغزالية والجاروخية وَتفرد برئاسة الشَّافِعِيَّة وسافر إِلَى بَغْدَاد رَسُولا إِلَى ديوَان الْخلَافَة ثمَّ عَاد وَكَانَ مَعْرُوفا بالفصاحة والبلاغة وَتَعْلِيم المناظرة توفّي بِدِمَشْق فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة وَدفن بتربة أَنْشَأَهَا غربي مَقَابِر الصُّوفِيَّة وَبنى مَسْجِدا على الصخرات الَّتِي بمقبرة طاحون الميدان ووقف كتبهَا ومقرها بخزانة كتب الْمدرسَة العادلية الْكُبْرَى بِدِمَشْق وَمن فَوَائِد حكة فِي الْهَادِي طَريقَة فِي ولَايَة الْفَاسِق فِي النِّكَاح غير الطّرق الْمَشْهُورَة وَهِي أَنه إِن كَانَ غيورا فيلى وَإِلَّا فَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 993 - المظفر بن أردشير بن أبي مَنْصُور الْعَبَّادِيّ أَبُو مَنْصُور الْوَاعِظ من أهل مرو وَكَانَ يعرف بالأمير كَانَ من أحسن النَّاس كلَاما فِي الْوَعْظ وأرشقهم عبارَة وَقد سمع من نصر الله بن أَحْمد الخشنامي وَإِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الْفَارِسِي وَعبد الْغفار الشيروي وزاهر بن طَاهِر وَعبد الْمُنعم بن الْقشيرِي وَغَيرهم وَقدم بَغْدَاد رَسُولا من جِهَة السُّلْطَان سنجر فَسمع مِنْهُ أَبُو مُحَمَّد الْأَخْضَر وَغَيره وَمن كَلَامه لَا تظنوا أَن حيات تَجِيء إِلَى الْقُبُور من خَارج إِنَّمَا أفعالكم أَفْعَى لكم وحياتكم مَا أكلْتُم من الْحَرَام أَيَّام حَيَاتكُم قَالَ أَبُو سعد فِيهِ لَهُ الْيَد الباسطة فِي الْوَعْظ والتذكير والعبارة الرائقة الرشيقة وَكَانَ نشؤة من صغره إِلَى أَن ترعرع فِي هَذَا الْفَنّ إِلَى أَن صَار مِمَّن يضْرب بِهِ الْمثل فِي حسن الصَّنْعَة وإيراد الْكَلَام وَهُوَ حُلْو الْعبارَة فصيح اللهجة لطيف الْإِشَارَة مليح الِاسْتِعَارَة شهد لَهُ الْكل بِأَنَّهُ حَاز قصب السَّبق فِي هَذَا النَّوْع انْتهى الحديث: 993 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 وَقَالَ أَيْضا سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَمَات فِي سلخ ربيع الآخر سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بعسكر مكرم كَانَ قد توجه إِلَيْهَا رَسُولا 994 - المظفر بن الْحُسَيْن بن المظفر بن عبيد الله المفضلي أَبُو غَانِم من أهل بروجرد تفقه بِبَغْدَاد على السَّيِّد أبي الْقَاسِم الدبوسي وَسمع قَاضِي الْقُضَاة أَبَا بكر الشَّامي وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي وَغَيرهمَا كتب عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ وَتُوفِّي بعد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 994 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 995 - مظفر بن الْقَاسِم بن المظفر بن عَليّ الشهرزوري أَبُو مَنْصُور بن أبي أَحْمد ولد بإربل وَنَشَأ بالموصل وتفقه بِبَغْدَاد على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَرجع إِلَى الْموصل ثمَّ ولى قَضَاء سنجار على كبر سنه وسكنها وَكَانَ قد أضرّ وَسمع أَبَا نصر الزَّيْنَبِي وَأَبا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَغَيرهمَا روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ مولده سنة سبع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَلم أعلم تَارِيخ وَفَاته وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ توفّي تَقْرِيبًا سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 996 - مكي بن عَليّ بن الْحسن الْعِرَاقِيّ الْحَرْبِيّ أَبُو الْحرم الضَّرِير تفقه بِبَغْدَاد على أبي مَنْصُور الرزاز وبدمشق على أبي الْحسن السّلمِيّ ودرس فِي دمشق وَمَات فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة الحديث: 995 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 997 - ملكداد بن عَليّ بن أبي عَمْرو والعمركي أَبُو بكر من أهل قزوين وَرُبمَا سمى نَفسه عبد الله كَانَ من أَئِمَّة الْمَذْهَب تفقه على مُحي السّنة الْبَغَوِيّ وَكَانَ من جلة المتورعين قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ مفت ورع حسن السِّيرَة سمع بنيسابور أَبَا بكر بن خلف وبهراة أَبَا عَطاء المليحي وبأصبهان أَبَا عَليّ الْحداد وببغداد البانياسي كتب لي بِجَمِيعِ مسموعاته وَسمعت أَبَا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الْكَاتِب يَقُول كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يكْتب الْفَتْوَى استخار الله تَعَالَى وَقَرَأَ آيَات من الْقُرْآن وَسَأَلَ الْإِصَابَة هَذَا كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ وَابْن النجار أخل بِذكرِهِ فِي الذيل وَقد ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كِتَابه الأمالي بعد أَن أسْند رِوَايَة وَالِده عَنهُ وَقَالَ إِمَام خطير قنوع ملازم لسيره السّلف الصَّالِحين وهديهم وَأفْتى بقزوين سِنِين على الصَّوَاب وَقَالَ كَانَ يكْتب فِي كل صفحة على الْحَاشِيَة الْعليا رب يسر لَا يغْفل ذَلِك على كَثْرَة مَا كتب على تعاليقه من الْأُصُول وَالْفُرُوع مذهبا وَخِلَافًا وَمن كتب الحَدِيث واللغة وَغَيرهَا وَمَات ابْنه مُحَمَّد بن ملكداد فِي عنفوان الشَّبَاب وَهُوَ فَاضل حسن المنظر والمخبر قَالَ فبلغني من قُوَّة الشَّيْخ وتسليمه أَنه حضر الْجَامِع بكرَة على عَادَته لإلقاء الدُّرُوس فَأَتَتْهُ زليخا بنت القَاضِي أبي سعد الطَّالقَانِي وَهِي جدتي أم أبي وَكَانَت تَحْتَهُ حِينَئِذٍ فَأَخْبَرته بوفاته فَأمرهَا بتجهيزه وَلم يذكر الْحَال للحاضرين حَتَّى فرغ من درسه ثمَّ قَالَ إِن مُحَمَّدًا قد دعِي فَأجَاب فَمن أَرَادَ فليحضر الصَّلَاة عَلَيْهِ الحديث: 997 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا أَن الشَّيْخ ملكداد علق عَن صَاحب التَّهْذِيب مَجْمُوعَة بِعِبَارَة أَكثر مِمَّا يُوجد فِي التصنيف وَبِزِيَادَة فروع ومسائل قَالَ وتفقه أَيْضا على القَاضِي أبي سعد الْهَرَوِيّ قَالَ وَكَانَ محصلا طول عمره حَافِظًا كثير الْبركَة تخرج بِهِ جمَاعَة من أهل الْبَلَد وَغَيرهم ومدحه مُحَمَّد بن أبي الرّبيع الغرناطى بقصيده قَالَ فِيهَا (إِذا قَرَأَ التَّنْزِيل أذعن حَاسِد ... لخير إِمَام لَا يُنَوّه بِالدَّعْوَى) (وَإِن أسْند الْأَخْبَار عَن سيد الورى ... يَقُول لَهُ الْإِسْلَام فخرا كَذَا يرْوى) (وَإِن قَامَ فِي محرابه بَادِي الضنا ... وَطول قلت الْغُصْن جف فَمَا يلوى) (يمد يَدَيْهِ شاكيا سوء ماجنى ... إِلَى خير مَرْفُوع إِلَيْهِ يَد الشكوى) (يَقُول إلهي هَب لي الْآن زلتي ... وَمَا استدرج الشَّيْطَان منى وَمَا استهوى) (فَذَاك الْفَتى كل الْفَتى لَيْسَ عِنْده ... يسود لَدَى التَّحْصِيل إِلَّا فَتى التَّقْوَى) توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ وَالِدي يديم ذكره وَالثنَاء عَلَيْهِ وَيَقُول رباني كَمَا يُربي الْوَالِد الشفيق وَلَده وَكَانَ أستاذه فِي الْأَدَب وَجَمِيع السّير فِي الْأَخْلَاق كَمَا كَانَ أستاذه فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَلم يُسَافر مُدَّة حَيَاته احتراما لَهُ وتبركا بأنفاسه هَذَا كُله كَلَام الرَّافِعِيّ 998 - مَنْصُور بن أَحْمد بن الْمفضل بن نصر بن عِصَام المنهاجي الإسفزاري أَبُو الْقَاسِم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها متورعا حسن السِّيرَة ظهر لَهُ الْقبُول التَّام الحديث: 998 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 بالجبال وَبنى بهمذان ونواحيها خانقاهات وَكثر عَلَيْهِ المريدون وازدحم عَلَيْهِ النَّاس تفقه بمرو على الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَقتل فتكا على بَاب الخانقاه يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقت الْإِسْفَار رَابِع عشر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسمِائة بهمذان 999 - مَنْصُور بن الْحسن بن عَليّ بن عَادل بن يحيى بن البوازيجي من أهل البوازيج بِفَتْح الْبَاء المنقوطة بِوَاحِدَة وَفتح الْوَاو وَكسر الزَّاي بعد الْألف وَبعدهَا الْيَاء الساكنة المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَبعدهَا الْجِيم بَلْدَة قديمَة على دجلة فَوق بَغْدَاد وَهَذَا الشَّيْخ بجلي ينْسب إِلَى جرير بن عبد الله البَجلِيّ وَكَانَ فَقِيها فَاضلا تفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَكَانَ خصيصا بِهِ وَسمع أَبَا الْحُسَيْن ابْن الْمُهْتَدي وَغَيره وَتَوَلَّى قَضَاء البوازيج وَتُوفِّي بعد استهلال سنة إِحْدَى وَخَمْسمِائة 1000 - مَنْصُور بن الْحسن بن مَنْصُور الإِمَام أَبُو المكارم الزنجاني نزيل بَغْدَاد ومعيد النظامية ومدرس الْمدرسَة الثقتية بهَا إِمَام مناظر عَارِف بِالْمذهبِ توفّي فِي رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة الحديث: 999 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 1001 - مَنْصُور بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن المظفر المَخْزُومِي الطَّبَرِيّ الصُّوفِي الْوَاعِظ ولد بآمل طبرستان وَنَشَأ بمرو وتفقه على الإِمَام أبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمروزِي وبنيسابور عَليّ مُحَمَّد بن يحيى وَكَانَ مليح الْكَلَام فِي المناظرة وَأَقْبل على الْوَعْظ والتصوف وَسمع من زَاهِر بن طَاهِر وَعبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد الخواري وَعلي مُحَمَّد الْمروزِي سمع مِنْهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي ويوسف بن خَلِيل الْحَافِظ وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيم وَطَائِفَة مولده سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة وَمَات بِدِمَشْق فِي ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 1002 - مَنْصُور بن مُحَمَّد بن سعيد بن مَسْعُود بن عبد الله بن مَسْعُود ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَسْعُود المَسْعُودِيّ أَبُو المظفر بن أبي الْفضل من أهل مرو قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ أحد الْفُضَلَاء المبرزين وَأحد الزهاد الأجلاء قَرَأَ الْأَدَب وبرع فِيهِ وَكَانَ حسن الْخط كثير الْمَحْفُوظ مليح الشّعْر والنثر يعظ فِي عشيات الثُّلَاثَاء اقْتِدَاء بوالده وَكَانَ من المختصين بعمى الإِمَام رَحمَه الله انْتهى الحديث: 1001 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 سمع بمرو أَبَا المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَغَيره وبنيسابور عبد الْغفار الشيروي وَغَيره روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره مولده بمرو فِي منتصف رَجَب سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي بساوة فِي رَجَب سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة 1003 - مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو المظفر الطَّالقَانِي نزيل مرو تفقه على الإِمَام أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَسمع مِنْهُ وَمن الْفضل بن أَحْمد بن متويه الصُّوفِي وَإِسْمَاعِيل بن الْحُسَيْن الْعلوِي وَغَيرهم روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر والحافظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ توفّي فِي رَمَضَان سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة بنواحي أبيورد 1004 - مَنْصُور بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الطّيب الْعلوِي الفاطمي الْعمريّ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم الْفَقِيه المناظر الرئيس مولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة فِي شهر ربيع الأول بِمَدِينَة هراة وَسمع بهَا من جده لأمه أبي الْعَلَاء صاعد حفيد أبي مَنْصُور الْأَزْدِيّ وَغَيره وبنيسابور من أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَغَيره وَحدث الحديث: 1003 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 روى عَنهُ ابْن نَاصِر والسلفي وَيحيى بن بوش قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ جليل الْقدر عَظِيم الْمنزلَة فَقِيها مناظر أحد الدهاة الأذكياء حسن الْكَلَام مليح المحاورة وَذكره الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ وعظمه وَقَالَ فِيهِ رَئِيس الْعلمَاء بهراة وَقد مَاتَ الْجِرْجَانِيّ قبله بقريب من أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم ذَا مَال وثروة قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ يُقَال كَانَ لَهُ ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ طاحونه توفّي بهراة فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة 1005 - مَنْصُور بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن عبد الله بن أَحْمد أَبُو المظفر الْغَازِي الْمروزِي الْوَاعِظ من أهل مرو قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها زاهدا ورعا واعظا حسن الْوَعْظ عفيفا حسن السِّيرَة سمع جدي أَبَا المظفر وَأَبا الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن ثَابت الْخرقِيّ وَغَيرهمَا كتب عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقَالَ فِي التحبير توفّي لَيْلَة الْأَحَد وَدفن يَوْم الْأَحَد الرَّابِع وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة الحديث: 1005 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 1006 - المؤتمن بن أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن بن عبيد الله السَّاجِي الْحَافِظ أَبُو نصر الربعِي الدَّيْر عاقولي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ أحد أَعْيَان الحَدِيث وأثباته وَاسع الرحلة كثير الْكِتَابَة حسن الْحِفْظ زاهد ورع ولد فِي صفر سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع أَبَا الْحُسَيْن بن النقور وَعبد الْعَزِيز بن عَليّ الْأنمَاطِي وَأَبا الْقَاسِم بن البسري وَأَبا نصر الزَّيْنَبِي وَإِسْمَاعِيل بن مسْعدَة وَأَبا بكر الْخَطِيب وَأَبا عَمْرو عبد الْوَهَّاب بن مَنْدَه وَأَبا بكر بن خلف وَأَبا إِسْمَاعِيل الْأنْصَارِيّ وخلقا بِبِلَاد كَثِيرَة روى عَنهُ سعد الْخَيْر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْفضل بن نَاصِر وَأَبُو طَاهِر السلَفِي وَأَبُو بكرا بن السَّمْعَانِيّ وَآخَرُونَ قَالَ ابْن عَسَاكِر سَمِعت أَبَا الْوَقْت عبد الأول يَقُول كَانَ الإِمَام عبد الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ يَقُول لَا يُمكن أحدا أَن يكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مادام هَذَا حَيا وَسُئِلَ السلَفِي عَنهُ فَقَالَ حَافظ متقن لم أر أحسن قِرَاءَة مِنْهُ للْحَدِيث قلت كتب الشَّامِل عَن ابْن الصّباغ بِخَطِّهِ وتفقه على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق يداعبه وَيَقُول الحديث: 1006 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 (وَشَيخنَا الشَّيْخ أَبُو نصر ... لَا زَالَ فِي عز وَفِي نصر) توفّي فِي صفر سنة سبع وَخَمْسمِائة بِبَغْدَاد 1007 - مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سِنَان بن عَطاء ابْن عبد الْعَزِيز بن عَطِيَّة بن ياسين بن عبد الْوَهَّاب بن سحنان بن عَاصِم القحطاني المغربي الأغماتي أَبُو هَارُون وأغمات آخر مَدِينَة بالمغرب بَينهَا وَبَين بَحر الظُّلُمَات مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام رَحل مُوسَى من بِلَاده إِلَى ديار مصر والحجاز وَالْعراق وَالْجِبَال وخراسان إِلَى أَن ورد بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا مناظرا أَقَامَ بنيسابور مُدَّة تفقه على أبي نصر الْقشيرِي وَذكره أَبُو حَفْص السَّمرقَنْدِي فِي كتاب القند وَقَالَ قدم علينا سنة سِتّ عشرَة وَخَمْسمِائة وَهُوَ شَاب فَاضل فَقِيه مناظر بليغ شَاعِر مُحدث محَاضِر الحديث: 1007 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 وَذكر أَنه قَالَ فِيهِ هَذَا (لقد طلع الشَّمْس من غربها ... على خافقيها وأوساطها) (فَقُلْنَا الْقِيَامَة قد أَقبلت ... فقد جَاءَ أول أشراطها) وَمن شعر مُوسَى هَذَا (لعمر الْهوى إِنِّي وَإِن شطت النَّوَى ... لذُو كبد حرى وَذُو مدمع سكب) (فَإِن كنت فِي أقْصَى خُرَاسَان نازحا ... فجسمي فِي شَرق وقلبي فِي غرب) 1008 - مُوسَى بن حمود بن أَحْمد أَبُو عمرَان القَاضِي عز الدّين الماكسيني قَاضِي ماكسين قَالَ ابْن باطيش درس بهاوأفتى وَحكم مُدَّة قَالَ وَله اختيارات فِي الْمَذْهَب وترجيحات مَاتَ بماكسين فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ القَاضِي أَبُو عمرَان الماكسيني فِيمَا جمع من كَلَامه حَادِثَة ذهب السَّيِّد الْأَجَل كَمَال الدّين حرس الله علوة فيهاإلى مقَالَة وَوَافَقَهُ عَلَيْهَا جَمِيع فُقَهَاء الْموصل وتاج الْإِسْلَام وتاج الدّين وَالشَّيْخ الإِمَام جمال الْإِسْلَام أَبُو الْقَاسِم بن البزري وَهُوَ الباز الْأَشْهب فِي علم الْمَذْهَب وَصورتهَا رجل أقرّ بِأَن جَمِيع مَا فِي يَده ملك لزيد الحديث: 1008 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 فَلَا خلاف فِي صِحَة الْإِقْرَار وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي انتزاع مَا فِي يَد الْمقر من غير رُجُوع إِلَى تَفْسِيره وَذَلِكَ نبوة الحسام وكبوة الْجواد وزلة الْعَالم وَقلت فِي الْجَواب لَا يجوز انتزاع مَا فِي يَده حَتَّى الْخَاتم الَّذِي فِي إصبعه إِلَّا إِذا أقرّ بذلك وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَنه أقرّ بِمَجْهُول غير معِين وَلَا مَعْلُوم وَالدَّلِيل على أَنه مَجْهُول مسَائِل أَرْبَعَة لَا تسمع دَعْوَاهُ بِاسْتِحْقَاق جَمِيع مَا فِي يَده لِأَن الدَّعْوَى لَا تسمع بِمَجْهُول وَلَو وَكله فِي الْإِبْرَاء لم يجز حَتَّى يبين الْجِنْس الَّذِي يُبرئ مِنْهُ وَالْقدر نَص على هَذِه صَاحب الْمَذْهَب وَنَصّ الْغَزالِيّ فِي الْوَجِيز أَن التَّوْكِيل فِي الْإِبْرَاء يَسْتَدْعِي علم الْمُوكل بمبلغ الدّين المبرأ مِنْهُ لَا علم الْوَكِيل وَلَا علم من عَلَيْهِ الْحق الرَّابِع إِذا قَالَ أَبْرَأتك من ديني وَقدره وَصفته هَذَا من حَيْثُ الحكم وَمن حَيْثُ الْمَعْنى إِن قَوْله جَمِيع مَا فِي يَدي شَامِل لجَمِيع مَا فِي يَده من ملكه وَملك غَيره فمراده جَمِيع مَا فِي يَدي غير ملكي وَملكه من ملك غَيره لَا يعلم إِلَّا من جِهَته فَهُوَ مَجْهُول طَريقَة أُخْرَى وَهِي أَن الْيَد مُتَرَدّد بَين الْيَد الحسية والحكمية فاليد الحسية إِن أرادها فَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ يَده الْحَقِيقِيَّة واحتوت عَلَيْهِ رَاحَته ملك للْمقر وَكَانَ مَعْلُوما للْمقر وَإِن قَالَ أردْت الْحكمِيَّة فَهُوَ مَجْهُول لِأَنَّهَا تشْتَمل على حَاضر وغائب فَدلَّ ذَلِك على الْجَهَالَة وَوَجَب الرُّجُوع إِلَيْهِ فِي تَفْسِيره انْتهى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 قلت السَّيِّد الْأَجَل كَمَال الدّين وتاج الْإِسْلَام وتاج الدّين لم أعرفهم وخطر لي أَن كَمَال الدّين هُوَ ابْن يُونُس وَلَكِن يُعَارض هَذَا أَن كَمَال الدّين بن يُونُس كَانَ صَغِيرا فِي زمَان القَاضِي الماكسيني ثمَّ خطر لي أَن يكون هَذَا كَلَام مُوسَى بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن حمود حفيد مُوسَى ابْن حمود وَسَيَأْتِي فِي الطَّبَقَة السَّادِسَة وَلَكِن هَذَا إِنَّمَا هُوَ من جمع مُوسَى بن حمود نَفسه وَذكر ابْن البزري فِيهِ دَلِيل على ذَلِك فَإِن ابْن البزري مَاتَ سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ أَقُول هَذَا الَّذِي أفتى القَاضِي الماكسيني بِهِ يُؤَيّدهُ قَول الْأَصْحَاب إِذا قَرَأَ بِجَمِيعِ مَا فِي يَده صَحَّ قَالُوا ثمَّ إِذا قَالَ لَيْسَ لي مِمَّا فِي يدى إِلَّا الْألف صَحَّ وَعمل بِمُقْتَضَاهُ لَكِن قد يُنَازع فِيهِ أَن الصَّوَاب عِنْد النَّوَوِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله فِي مَسْأَلَة القَاضِي أبي سعد عدم الْقبُول وَهِي مَا إِذا أقرّ أَنه لَا دَعْوَى لَهُ على زيد وَلَا طلبة ثمَّ قَالَ إِنَّمَا أردْت فِي عمَامَته أَو قَمِيصه لَا فِي ذكره ونسائه وَأَقُول الْحق أَنَّهَا أَربع مسَائِل إِحْدَاهَا أَن يَقُول لم أرد بِمَا فِي يَدي إِلَّا كَيْت وَكَيْت وَهِي مَسْأَلَة القَاضِي أبي سعد الَّتِي رجح فِيهَا الْقبُول وَالصَّوَاب خِلَافه لِأَنَّهُ خُرُوج عَن ظَاهر اللَّفْظ بِلَا دَلِيل الثَّانِي أَن يَقُول أردْت الْكل وَلم تكن هَذِه الْعين فِي يَدي وَقت الْإِقْرَار فَالْقَوْل قَوْله وَبِه جزم الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَغَيرهمَا وَقدمنَا عَن القَاضِي الْحُسَيْن فِي تَرْجَمته مَا يُنَازع فِيهِ وَالثَّالِثَة أَن يَقُول الَّذِي فِي يَدي لَيْسَ مِنْهُ إِلَّا ألف فَيَنْصَرِف الْإِقْرَار إِلَيْهَا دون غَيرهَا وَكَأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة ادّعى أَن اللَّفْظ وَإِن شَمل شَيْئا فالشرع لم يساعده بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف فِي مَال الْغَيْر بِالْإِقْرَارِ وَهنا وَقْفَة وَهِي أَن إِطْلَاق الرَّافِعِيّ وَغَيره فِيمَا إِذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 قَالَ لَيْسَ لي مِمَّا فِي يَدي إِلَّا ألف أَنه يَصح وَيعْمل بِمُقْتَضَاهُ فَظهر مِنْهُ فِي بادىء الرَّأْي أَنه يَصح الْإِقْرَار بِالْألف دون غَيرهَا وَفِيه إِشْكَال من جِهَة أَن الْإِقْرَار لَا يُصَادف مَمْلُوكا للْمقر وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن حق سَابق فَلَا بُد أَن يكون الْمقر بِهِ غير مَمْلُوك وَقت الْإِقْرَار فَكيف يَصح فِي الْألف دون غَيرهَا وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال وَيحمل عَلَيْهِ كَلَام الرَّافِعِيّ وَغَيرهَا أَنه يَصح فِي غَيرهَا دونهَا وَتَقَع هِيَ مستثناه من الْمقر بِهِ لِأَن الْمقر بِهِ مَقْصُور عَلَيْهَا فَلْيتَأَمَّل ذَلِك وَالصُّورَة الرَّابِعَة أَن يقر بِمَا فِي يَده وَلَا يدعى بعد ذَلِك شَيْئا بل يسكت أَو يَمُوت فَهَل يقدم على انتزاع مَا فِي يَده أَو يتَوَقَّف إِلَى أَن يُفَسر بِمَا يَشَاء هَذِه مَسْأَلَة القَاضِي الماكسيني وَالَّذِي يظْهر فِيهِ الْخلاف قَوْله وَأَنه ينتزع نعم إِن تنَازع الْمقر لَهُ وَالْوَرَثَة فِي شَيْء هَل كَانَ فِي يَده وَقت الْإِقْرَار فِيهَا خلاف بَين القَاضِي الْحُسَيْن وَالْبَغوِيّ قدمْنَاهُ فِي تَرْجَمَة القَاضِي وَقَوله إِنَّه أقرّ بِمَجْهُول مَمْنُوع إِنَّمَا هَذَا اللَّفْظ عَام لَا جَهَالَة فِيهِ واستشهاده بِأَنَّهُ لَا تصح الدَّعْوَى بِاسْتِحْقَاق جَمِيع مَا فِي يَده مَمْنُوع أَيْضا وَلكنه بناه على مَا فِي ذهنه من أَن هُوَ إِقْرَار بِمَجْهُول وَلَيْسَ كَذَلِك هُوَ مَعْلُوم فِي نَفسه مَدْلُول عَلَيْهِ بِلَفْظ عَام وَيصِح الْإِقْرَار بِهِ وَالدَّعْوَى بِهِ وَقَوله لَا تسمع الدَّعْوَى بِمَجْهُول إِلَّا فِي الْوَصِيَّة قُلْنَا أَولا هَذَا لَيْسَ بِمَجْهُول وَثَانِيا هَذَا اقْتِصَار على عبارَة التَّنْبِيه وَالصَّحِيح سَماع الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ إِذا أقرّ بِهِ بتاتا لمجهول صَحِيح وَهُوَ الْمَذْهَب وَقد صَرَّحُوا باستثناء الْإِقْرَار بِالْمَجْهُولِ ومسائل أخر عَن الْوَصِيَّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 من قَوْلهم الدَّعْوَى بِمَجْهُول لَا تسمع وَنَصّ الْأَصْحَاب على أَنه لَو قَالَ جَمِيع مَا لي صَدَقَة صَار جَمِيعه صَدَقَة وَلَو نذر التَّصَدُّق بِجَمِيعِ مَاله لزمَه كُله وَأما قَوْله لَو وَكله فِي الْإِبْرَاء لم يجز حَتَّى يبين وَنَظِير مَسْأَلَتنَا أَن يَقُول وَكلتك فِي الْإِبْرَاء من ديوني وَالْمذهب صِحَة الْوكَالَة وَأما قَوْله إِذا قَالَ أَبْرَأتك من ديني أَو من جَمِيع ديوني لم يَصح مَا لم يعين جنس الدّين وَقدره وَصفته فَالْفرق أَن ذَلِك عقد تمْلِيك وَكَذَلِكَ يَقُول فِي وَهبتك جَمِيع مَا فِي يَدي وَعقد التَّمْلِيك يشْتَرط فِيهِ مَا يشْتَرط فِي البيع من الْعلم بِخِلَاف الْإِقْرَار وَنَحْوه 1009 - الْمهْدي بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن الْمهْدي أَبُو البركات الْعلوِي ولد بأصبهان وَنَشَأ بِبَغْدَاد قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَكَانَ واعظا مليح الْوَعْظ حسن الْعبارَة سمع بِبَغْدَاد ابْن البطر وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن طَلْحَة النعالي وشجاع بن فَارس الذهلي وَغَيرهم ولد سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ خسف بجنزه فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَهلك فِيهَا عَالم كثير وَخلق من الْمُسلمين مِنْهُم الْمهْدي بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الحديث: 1009 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 1010 - الْمهْدي بن هبة الله بن الْمهْدي الخليلي أَبُو المحاسن من أهل قزوين قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام فَاضل ورع متدين دَائِم الْعِبَادَة كثير التِّلَاوَة قَوَّال بِالْحَقِّ دَاع إِلَيْهِ مبالغ فِي الْوضُوء والنظافة تفقه بِبَغْدَاد على أسعد الميهني وعلق بِالْبَصْرَةِ التعليقة عَن القَاضِي عبد السَّلَام ابْن الْفضل الجيلي وَقَرَأَ المقامات على منشئها أبي مُحَمَّد الحريري قَالَ وَورد علينا خُرَاسَان فتفقه على شَيخنَا عمر بن عَليّ الشيرزي ثمَّ ترك مُخَالطَة الْفُقَهَاء وانزوى عِنْد الإِمَام يُوسُف بن أَيُّوب الهمذاني قَالَ وكتبت عَنهُ حَدِيثا وَاحِدًا عَن الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْفراء الْبَغَوِيّ توفّي فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 1011 - الْمُوفق بن عَليّ بن مُحَمَّد بن ثَابت بن أَحْمد الْخرقِيّ الثابتي الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد تفقه على الْبَغَوِيّ صَاحب التَّهْذِيب وعَلى أبي بكر بن أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَقَرَأَ الْخلاف ببخارى على أبي بكر الطَّبَرِيّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا ورعا زاهدا متواضعا لم أر فِي أهل الْعلم مثله خلقا وسيرة وَكَانَ إِذا جلس بَين الْخَواص والعوام لَا يعرف بِهِ أحد من الْعلمَاء وَكَانَ الحديث: 1010 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 يَصُوم أَكثر أَيَّامه فَإِذا دخل إِلَيْهِ من يزوره يقدم إِلَيْهِ مَا حضر من مَأْكُول وَيُوَافِقهُ وَيَأْكُل وَلَا يرى أَنه كَانَ صَائِما قَالَ وَكَانَ يحفظ الْمَذْهَب كتبت عَنهُ شَيْئا يَسِيرا بخرق وَتُوفِّي بهَا يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ وَخَمْسمِائة 1012 - مودود بن مُحَمَّد بن مَسْعُود النَّيْسَابُورِي الْفَقِيه الإِمَام وَهُوَ أَخُو الإِمَام قطب الدّين النَّيْسَابُورِي تفقه بخراسان ثمَّ وَفد على أَخِيه بِدِمَشْق ثمَّ خرج إِلَى نَاحيَة الْموصل وَجلسَ يَوْمًا على نهر يتوضا فغرق وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة أرخه ابْن باطيش 1013 - المؤمل بن مسرور بن أبي سهل بن مَأْمُون الشَّاشِي الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الرَّجَاء الخمركي المأموني من أهل الشاش وِلَادَته فِيمَا يظنّ ابْن السَّمْعَانِيّ قبل الْأَرْبَعين والأربعمائة وَسكن مرو إِلَى حِين وَفَاته الحديث: 1012 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 وَكَانَ تفقه ببخارى على أبي الْخطاب الطَّبَرِيّ وَعلي فَقِيه الشاش أبي بكر مُحَمَّد بن عَليّ الشَّاشِي بغزنة وَسمع الرئيس أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الرقي وَأَبا يَعْقُوب يُوسُف ابْن مَنْصُور السياري الْحَافِظ وَأَبا عبد الله إِبْرَاهِيم بن عَليّ الطَّبَرِيّ وَالِد أبي الْخطاب وَأَبا مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد النخشبي الْحَافِظ وَأَبا المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهم وَتُوفِّي بمرو لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة وَكَانَ من الصَّالِحين أَرْبَاب الْعِبَادَات والمجاهدات مُقيما فِي رِبَاط يَعْقُوب الصُّوفِي بمرو يَقْصِدهُ النَّاس للتبرك بِهِ 1014 - نَاصِر بن سلمَان بن نَاصِر بن عمرَان بن مُحَمَّد أَبُو الْفَتْح بن أبي الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ النَّيْسَابُورِي مولده سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة سمع أَبَاهُ وَأَبا الْحسن الْمَدِينِيّ الْمُؤَذّن وَالْفضل بن عبد الْوَاحِد التَّاجِر وَغَيرهم روى عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وَولده عبد الرَّحِيم بن أبي سعد قَالَ أَبُو سعد كَانَ إِمَامًا مناظرا بارعا فِي الْكَلَام حَاز قصب السَّبق فِيهِ على أقرانه وَصَارَ فِي عصره أوحد ميدانه وصنف التصانيف وَترسل من جِهَة السُّلْطَان سنجر إِلَى الْمُلُوك وَكَانَ صَاحب أوقاف الممالك وَكَانَ لَا يتورع عَن مَال الْوَقْف مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة بمرو الحديث: 1014 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 1015 - نبا بن مُحَمَّد بن مَحْفُوظ الْقرشِي الْمَعْرُوف بِابْن الحوراني الشَّيْخ أَبُو الْبَيَان شيخ الطَّائِفَة البيانية المنسوبة إِلَيْهِ بِدِمَشْق سمع أَبَا الْحسن عَليّ بن الموازيني وَأَبا الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن قبيس الْمَالِكِي وَغَيرهمَا روى عَنهُ يُوسُف بن عبد الْوَاحِد بن وَفَاء السّلمِيّ وَالْقَاضِي أسعد بن المنجا والفقيه أَحْمد الْعِرَاقِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن عَبْدَانِ وَغَيرهم وَكَانَ إِمَامًا عَالما عابدا قَانِتًا زاهدا ورعا يعرف اللُّغَة وَالْفِقْه وَالشعر لَهُ نظم كثير ومجاميع حسان وتصانيف مفيدة وَله ذكر حسن يذكر إِلَى الْآن فِي الرِّبَاط الْمَنْسُوب إِلَيْهِ بِدِمَشْق ومناقبه كَثِيرَة وفضائله مَشْهُورَة وَبَرَكَاته مَعْرُوفَة وَعَن الشَّيْخ عبد الله البطائحي قَالَ رَأَيْت الشَّيْخ أَبَا الْبَيَان وَالشَّيْخ رسْلَان مُجْتَمعين بِجَامِع دمشق فَسَأَلت الله أَن يحجبني عَنْهُمَا حَتَّى لَا يشغلا بِي وتتبعتهما حَتَّى صعدا إِلَى أَعلَى مغارة الدَّم وقعدا يتحدثان فَإِذا بشخص قد أَتَى كَأَنَّهُ طَائِر فِي الْهَوَاء فَجَلَسَا بَين يَدَيْهِ كالتلميذين وسألاه عَن أَشْيَاء من جُمْلَتهَا أَعلَى وَجه الأَرْض بلد مَا رَأَيْته فَقَالَ لَا فَقَالَا هَل رَأَيْت مثل دمشق قَالَ مَا رَأَيْت مثلهَا وَكَانَا يخاطبانه يَا أَبَا الْعَبَّاس فَعلمت أَنه الْخضر الحديث: 1015 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 توفّي الشَّيْخ أَبُو الْبَيَان وَقت الظّهْر يَوْم الثُّلَاثَاء فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة وَدفن بِبَاب الصَّغِير وقبره هُنَاكَ يزار وَهَذَا الرِّبَاط الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ إِنَّمَا أنشىء بعد مَوته بِأَرْبَع سِنِين اجْتمع أَصْحَابه على بنائِهِ ويحكى أَنهم لما اجْتَمعُوا لذَلِك أرسل إِلَيْهِم الْملك نور الدّين الشَّهِيد يمنعهُم فَلَمَّا جَاءَ رَسُوله خرج إِلَيْهِ وَاحِد يُقَال لَهُ الشَّيْخ نصر فَقَالَ لَهُ أَنْت رَسُول مَحْمُود تمنع الْفُقَرَاء من الْبناء قَالَ نعم قَالَ ارْجع إِلَيْهِ وَقل لَهُ بعلامة مَا قُمْت فِي جَوف اللَّيْل وَسَأَلت الله فِي باطنك أَن يرزقك ولدا ذكرا من فُلَانَة لَا تتعرض إِلَى جمَاعَة الشَّيْخ وَلَا تمنعهم فَعَاد الرَّسُول إِلَى نور الدّين وَحكى لَهُ ذَلِك فَقَالَ وَالله الْعَظِيم مَا تفوهت بِهَذَا لمخلوق ثمَّ أَمر بِعشْرَة الآف دِرْهَم وَمِائَة حمل خشب فَبنى بهَا الرِّبَاط ووقف عَلَيْهِ مَكَانا بحرين ووقفت من مصنفاته على قصيد نظم فِيهَا الصَّاد وَالضَّاد وعَلى قصيدة عزز فِيهَا بَيْتِي الحريري اللَّذين أَولهمَا سم سمة بِأَبْيَات أخر وَذكر فِيهَا أَن الْحَامِل لَهُ على ذَلِك تجْرِي الحريري ومبالغته فِي الدَّعْوَى وَشَرحهَا شرحا مطولا مِنْهَا (لَا فَمه زينه بَائِن ... وَلَا حجاه إِن يقل لَا فَمه) (لَا عَمه يملكهُ أَو هدى ... فَقل من الدُّنْيَا لمن لاع مَه) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 ثمَّ ذكر أبياتا فِي اسْتِحْسَان هذَيْن وتفضيلهما على بَيْتِي الحريري ثمَّ قَالَ (بل سمه مِنْك عَن الْمَكْر مَحْمُود ... وَلَو مَعَ سمه بلسمه) 1016 - نصر بن نصر بن عَليّ بن يُونُس العكبري أَبُو الْقَاسِم الْوَاعِظ سمع أَبَا الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد بن البسري وَأَبا الْحُسَيْن عَاصِم بن الْحسن العاصمي والوزير نظام الْملك وَغَيرهم مولده فِي منتصف الْمحرم سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة 1017 - نصر الله بن مُحَمَّد بن عبد الْقوي الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح المصِّيصِي ثمَّ اللاذقي ثمَّ الدِّمَشْقِي الإِمَام فقها وأصولا وكلاما الحديث: 1016 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 مولده سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَنَشَأ بصور وَسمع بهَا من أبي بكر الْخَطِيب وَعمر بن أَحْمد الْعَطَّار الْآمِدِيّ والفقيه نصر الْمَقْدِسِي وتفقه عَلَيْهِ وَسمع بِدِمَشْق أَبَا الْقَاسِم بن أبي الْعَلَاء وَغَيره وببغداد عَاصِم بن الْحسن ورزق الله بن عبد الْوَهَّاب وبأصبهان نظام الْملك الْوَزير وَغَيره وبالأنبار أَبَا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْأَخْضَر روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم وَولده الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ ومكي ابْن عَليّ الْعِرَاقِيّ والخطيب أَبُو الْقَاسِم الدولعي وَالْخضر بن كَامِل الْمعبر وَأَبُو الْقَاسِم عبد الصَّمد بن الحرستاني وَهبة الله بن الْخضر بن طَاوس وَجَمَاعَة آخِرهم أَبُو المحاسن بن أبي لقْمَة وَقَرَأَ بصور علم الْكَلَام على أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَتيق القيرواني ثمَّ سكن دمشق ودرس بالزاوية الغربية وَهِي الغزالية بعد وَفَاة شَيْخه الْفَقِيه نصر وَبِه كثرت أوقافها لِأَن كثيرا من النَّاس وقفُوا عَلَيْهِ ثمَّ بعده عَلَيْهَا وَمِنْهُم من وقف عَلَيْهَا ابْتِدَاء بواسطته وَهُوَ أَيْضا وقف شَيْئا جيدا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 1018 - نصر الله بن مَنْصُور بن سهل الجنزي أَبُو الْفَتْح الدويني بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو وَسُكُون الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا وَفِي أَخّرهَا النُّون نِسْبَة إِلَى دوين بَلْدَة من أذربيجان وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ يلقب بالكمال قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ فَقِيها صَالحا مَسْتُورا تفقه بِبَغْدَاد على أبي حَامِد الْغَزالِيّ وانتقل إِلَى خُرَاسَان وَسكن نيسابور ثمَّ مرو ثمَّ بَلخ إِلَى أَن توفّي بهَا سمع بنيسابور أَبَا الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْمَدِينِيّ وَأَبا بكر أَحْمد بن سهل السراج وَعبد الْوَاحِد الْقشيرِي وَغَيرهم وَحدث ببلخ كتب عَنهُ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ وانتخب عَلَيْهِ جزأين وَقَالَ مَاتَ ببلخ فِي أَوَاخِر رَمَضَان سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 1019 - واثق بن عَليّ بن الْفضل بن هبة الله الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم ابْن فضلان وَرُبمَا قيل فِي اسْمه يحيى وَذَلِكَ أَنه غير اسْمه فِي آخر الْأَمر بِيَحْيَى وَابْن النجار أوردهُ فِيمَن اسْمه يحيى وَأوردهُ ابْن باطيش والحافظ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن خَلِيل الدِّمَشْقِي فِي مُعْجَمه كَمَا أوردناه الحديث: 1018 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 كَانَ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء وأعلام الْعلمَاء وفرسان الجدل سمع إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر السَّمرقَنْدِي وَمُحَمّد بن نَاصِر وَأَبا الْكَرم بن الشهرزوري وَغَيرهم روى عَنهُ يُوسُف بن خَلِيل وَغَيره وتفقه بِبَغْدَاد على أبي مَنْصُور بن الرزاز ثمَّ بخراسان على مُحَمَّد بن يحيى وَأقَام عِنْده بنيسابور مُدَّة يتفقه عَلَيْهِ وَكَانَ مُحَمَّد بن يحيى يُعجبهُ كَلَامه ويستحسن إِيرَاده مولده فِي سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 1020 - هَاشم بن عَليّ بن إِسْحَاق بن الْقَاسِم الأبيوردي أَبُو الْقَاسِم من أهل أبيورد قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه فَاضل عَالم تفقه على الإِمَام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَسمع بِبَغْدَاد ابْن البطر وبمكة الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ وبنيسابور أَبَا بكر بن خلف وبآمل أَبَا المحاسن الرَّوْيَانِيّ وَغَيرهم ولد بعد الْخمسين وَأَرْبَعمِائَة بأبيورد وَتُوفِّي فِي الْخَامِس من شهر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخَمْسمِائة بأبيورد الحديث: 1020 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 1021 - هبة الله بن أَحْمد بن عبد الله بن عَليّ بن طَاوس أَبُو مُحَمَّد بن أبي البركات المقرىء إِمَام جَامع دمشق سمع أَبَاهُ وَنصر الْمَقْدِسِي وَجَمَاعَة بِدِمَشْق وسافر فَسمع رزق الله والبانياسي وَغَيرهمَا بالعراق وأصبهان وَكَانَ قد خرج من دمشق إِلَى الْعرَاق وأصبهان صَحبه أَبِيه والفقيه نصر الله فِي رِسَالَة من تَاج الدولة تتش إِلَى السُّلْطَان ملك شاه روى عَنهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر والسلفي وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهم وَكَانَ مولده فِي صفر سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة 1022 - هبة الله بن الْحسن بن هبة الله بن عبد الله الإِمَام صائن الدّين بن عَسَاكِر وَهُوَ أَخُو الْحَافِظ وَكَانَ الْأَكْبَر ولد فِي رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات وَسمع أَبَا الْقَاسِم النسيب وَأَبا طَاهِر الحنائي وَأَبا الْحسن الحديث: 1021 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 ابْن الموازيني وَأَبا عَليّ بن الْمهْدي وَأَبا الْغَنَائِم الْمُهْتَدي بِاللَّه وَأَبا طَالب الزَّيْنَبِي وخلقا وَوجد لَهُ سَماع من أبي الْحسن بن أبي الْخَيْر والراوي عَن أبي الْحسن ابْن السمسار فَلم يحدث بِهِ ورعا وَقَالَ لَا أَحَق هَذَا الشَّيْخ روى عَنهُ أَخُوهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم وَابْنه الْقَاسِم بن أبي الْقَاسِم وَأَبُو سعد بن بن الْأُمَنَاء الْحسن وَشَيخ الشَّافِعِيَّة فَخر الدّين وتاج الْأُمَنَاء أَحْمد وَأَبُو نصر عبد الرَّحِيم وَأَبُو الْقَاسِم بن صصرى وَآخَرُونَ تفقه بِدِمَشْق على أبي الْحسن بن الْمُسلم وعَلى الْفَقِيه نصر الله بن مُحَمَّد وعلق بِبَغْدَاد الْخلاف عَليّ أسعد الميهني وَأخذ الْأُصُول عَن أبي الْفَتْح بن برهَان وَأعَاد بالأمينية لشيخه أَبَا الْحسن السّلمِيّ ودرس بالغزالية وَأفْتى وَكتب الْكثير وَعرضت عَلَيْهِ الخطابة وَغَيرهَا فَامْتنعَ وَكَانَ خَاله أَبُو الْمَعَالِي ابْن الزكي يجْتَهد فِي أَن يَنُوب عَنهُ فِي الْقَضَاء فَلَا يفعل وَكَانَ إِمَامًا ثِقَة ثبتا دينا ورعا وَله شعر كثير توفّي فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 1023 - هبة الله بن سعد بن طَاهِر أَبُو الفوارس سبط أبي المحاسن الرَّوْيَانِيّ صَاحب الْبَحْر من أهل آمل طبرستان سمع جده أَبَا المحاسن وَأَبا عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْحداد وَغَيرهمَا سمع مِنْهُ أَبُو بكر الْمُبَارك بن كَامِل الْخفاف وَأخرج عَنهُ مُعْجَمه ودرس بالنظامية الَّتِي بآمل ولد سنة سبعين وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي سنة سبع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة قَالَ أَبُو الفوارس سَمِعت جدي أَبَا المحاسن الرَّوْيَانِيّ يَقُول الشُّهْرَة آفَة وكل يتحراها والخمول رَاحَة وكل يتوقاها 1024 - هبة الله بن سهل بن عمر بن القَاضِي أبي عمر البسطامي النَّيْسَابُورِي الْمَعْرُوف بالسيدي نِسْبَة إِلَى السَّيِّد أبي الْحسن مُحَمَّد بن عَليّ الهمذاني الْمَعْرُوف بالوصي كَانَ هبة الله حفيده ينْسب إِلَيْهِ وَكَانَ هبة الله يكنى أَبَا مُحَمَّد وَكَانَ ختن إِمَام الْحَرَمَيْنِ على ابْنَته ولد فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فَقِيه عَالم خير كثير الْعِبَادَة والتهجد لكنه عسر الرِّوَايَة لصعوبة خلقه الحديث: 1023 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 سمع أَبَا حَفْص عمر بن مسرور وَأَبا الْحُسَيْن عبد الغافر الْفَارِسِي وَأَبا عُثْمَان الْبُحَيْرِي وَأَبا سعد الكنجروذي وَأَبُو سعيد مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الخشاب وَأَبا بكر الْبَيْهَقِيّ وَأَبا يعلى إِسْحَاق بن عبد الرَّحْمَن الصَّابُونِي وَأَبا الْقَاسِم الْقشيرِي وجده أَبَا الْمَعَالِي عمر بن مُحَمَّد البسطامي وَغَيرهم روى عَنهُ الحافظان ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ والمؤيد الطوسي وَغَيرهم وَأَجَازَ لأبي الْقَاسِم بن الحرستاني وَغَيره توفّي بنيسابور وَقت الصُّبْح يَوْم الثُّلَاثَاء الْخَامِس وَالْعِشْرين من صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَدفن بِالْحيرَةِ 1025 - هبة الله بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد 1026 - هبة الله بن أبي نصر مُحَمَّد بن هبة الله بن مُحَمَّد البُخَارِيّ أَبُو المظفر ابْن عَم قَاضِي الْقُضَاة أبي طَالب فَقِيه مُتَكَلم ولاه أَمِير الْمُؤمنِينَ النَّاصِر لدين الله نِيَابَة الوزارة مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 1025 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 1027 - هبة الله بن أبي الْمَعَالِي معد بن عبد الْكَرِيم الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم بن البوري الْقرشِي الدمياطي تفقه بِدِمَشْق على ابْن أبي عصرون وببغداد على أبي طَالب صَاحب بن الْخلّ ودرس بالإسكندرية بمدرسة السلَفِي مُدَّة توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وبورة بليدَة صَغِيرَة بِقرب دمياط ينْسب إِلَيْهَا السّمك البوري 1028 - هبة الله بن يحيى بن الْحسن أَبُو جَعْفَر بن البوقي الوَاسِطِيّ الْعَطَّار تفقه على القَاضِي أبي عَليّ الفارقي وَسمع أَبَا بكر الْأنْصَارِيّ وَغَيره وَكَانَ فَقِيها مناظرا بارعا فِي الْمَذْهَب والفرائض وَالْخلاف وَحدث بِبَغْدَاد روى عَنهُ ابْن الْأَخْضَر وَغَيره قَالَ فِيهِ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا سديد الفتاوي قيمًا بِمذهب الشَّافِعِي متدينا كثير الْعِبَادَة صَامَ أَرْبَعِينَ سنة دَائِما مولده فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة بواسط الحديث: 1027 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 1029 - هبة الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم بن هوَازن ابْن مُحَمَّد بن عبد الْملك الْقشيرِي أَبُو الأسعد بن الشَّيْخ أبي سعيد بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ خطيب نيسابور ومقدم القشيرية بهَا أحضر على جده أبي الْقَاسِم وَسمع أَبَاهُ وعميه أَبَا مَنْصُور عبد الرَّحْمَن وَأَبا سعد عبد الله وَأَبا صَالح الْمُؤَذّن وجدته فَاطِمَة بنت الدقاق وَطَائِفَة روى عَنهُ السَّمْعَانِيّ وَابْنه أَبُو المظفر عبد الرَّحِيم بن السَّمْعَانِيّ والحافظ ابْن عَسَاكِر والمؤيد بن مُحَمَّد الطوسي وَآخَرُونَ مولده فِي الْعشْرين من جُمَادَى الأولى سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ أسْند من بَقِي بخراسان فِي زَمَانه توفّي فِي ثَالِث عشر شَوَّال سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة الحديث: 1029 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 1030 - هبة الْكَرِيم بن خلف بن الْمُبَارك بن البطر أَبُو نصر الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنْبَلِيّ الْبَغْدَادِيّ البيع تفقه على أسعد الميهني وَسمع أَبَا الْخطاب بن البطر روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ توفّي فِي ثامن شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة 1031 - يحيى بن سَلامَة بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد أَبُو الْفضل الطنزي الْخَطِيب الحصكفي الأديب الْفَقِيه ولد بطنزة بليدَة صَغِيرَة بديار بكر وَنَشَأ بحصن كيفا فنسب إِلَيْهَا دخل بَغْدَاد وتفقه بهَا وَقَرَأَ الْأَدَب على الْخَطِيب التبريزي ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاده واستوطن ميافارقين وَولى الخطابة بهَا وَأفْتى النَّاس وشغلهم بِالْعلمِ وصنف عُمْدَة الاقتصاد فِي النَّحْو وَغَيرهَا ذكره الْعِمَاد الْكَاتِب فَقَالَ كَانَ عَلامَة عصره ومعرى الْعَصْر فِي نظمه ونثره وَله الترصيع البديع والتجنيس النفيس وَعدد من محاسنه وَمن شعره (أَشْكُو إِلَى الله من نارين وَاحِدَة ... فِي وجنتيه وَأُخْرَى مِنْهُ فِي كَبِدِي) الحديث: 1030 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 (وَمن سقامين سقم قد أحل دمي ... من الجفون وسقم حل فِي جَسَدِي) (وَمن نمومين دمعي حِين أذكرهُ ... يذيع سرى وواش فِيهِ بالرصد) (وَمن ضعيفين صبري حِين أندبه ... ووده وَيَرَاهُ النَّاس طوع يَدي) (مهفهف رق حَتَّى قلت من عجب ... أخصره خنصرى أم جلده جلدي) وَقَالَ جَامعا أَسمَاء الْقُرَّاء السَّبْعَة فِي بَيت وَالْأَئِمَّة السِّتَّة فِي بَيت (جمعت لَك الْقُرَّاء لما أردتهم ... بِبَيْت ترَاهُ للأئمة جَامعا) (أَبُو عَمْرو عبد الله حَمْزَة عَاصِم ... على وَلَا تنس الْمَدِينِيّ نَافِعًا) (وَإِن شِئْت أَرْكَان الشَّرِيعَة فاستمع ... لتعرفهم واحفظ إِذا كنت سَامِعًا) (مُحَمَّد والنعمان مَالك أَحْمد ... وسُفْيَان وَاذْكُر بعد دَاوُد تَابعا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 1032 - يحيى بن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري أَبُو طَاهِر القَاضِي تَاج الدّين ولد يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر شهر رَجَب سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ ابْن باطيش وتفقه وبرع فِي الْفِقْه وَمَات لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة 1033 - يحيى بن عَليّ بن الْحسن الْحلْوانِي الْبَزَّار أَبُو سعد وَرُبمَا قيل فِي اسْم وَالِده بنْدَار كَانَ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء قَرَأَ الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول على الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وصنف كتابا سَمَّاهُ التَّلْوِيح فِي الْمَذْهَب وَولى حسبَة بَغْدَاد ثمَّ عزل عَنْهَا وَولى تدريس النظامية وَسمع الحَدِيث من أبي جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأبي الْحُسَيْن بن النقور وَأبي الْخطاب بن البطر وَشَيْخه أبي إِسْحَاق وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيره وَكَانَ مولده فِي ذِي الْحجَّة سنة خمسين أَو إِحْدَى وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وأرسله الحديث: 1032 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 أَمِير الْمُؤمنِينَ المسترشد بِاللَّه إِلَى الخاقان مُحَمَّد بن سُلَيْمَان صَاحبهَا مَا وَرَاء النَّهر ليفيض عَلَيْهِ الْخلْع فَتوفي هُنَاكَ بسمرقند فِي شهر رَمَضَان سنة عشْرين وَخَمْسمِائة انْتهى وَمن شعره (مَرَرْت بخباز أحاول حَاجَة ... مدلا عَلَيْهِ أَي بِأَنِّي عَالم) (فَلَمَّا رَآنِي قَالَ أَهلا ومرحبا ... ظَفرت بِمَا تهوى فَأَيْنَ الدَّرَاهِم) (فَقلت معي كيس وَنقص وخاطري ... يَجِيش فصولا كُلهنَّ لَوَازِم) (فَقَالَ وَمن هذي الذَّخَائِر عِنْده ... يحاول عِنْدِي حَاجَة ويساوم) (لعمرك لَو بِعْت الْجَمِيع بلقمة ... لما كنت مِمَّن فِي الشِّرَاء يُخَاصم) 1034 - يحيى بن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن القَاضِي أَبُو الْفضل قَاضِي دمشق وَيعرف بِابْن الصَّائِغ ولد سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة ذكره فِي تبينيه الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَذكر أَنه تفقه بِدِمَشْق على القَاضِي الْمروزِي وَصَحب الْفَقِيه نصر الْمَقْدِسِي ثمَّ تفقه بِبَغْدَاد على أبي بكر الشَّاشِي وَسمع عبد الْعَزِيز الكتاني وحيدرة بن عَليّ الحديث: 1034 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 وَأَبا الْقَاسِم بن أبي الْعَلَاء وَعبد الْعَزِيز بن طَاهِر التَّمِيمِي وَغَيرهم روى عَنهُ الْقَاسِم بن الْحَافِظ وَعبد الْخَالِق بن أَسد وَجَمَاعَة 1035 - يحيى بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو طَاهِر الضَّبِّيّ الْمحَامِلِي الْبَغْدَادِيّ كَانَ فَقِيها كَبِيرا وَله مُصَنف فِي الْفِقْه وَكَانَ ورعا كثير الْعِبَادَة سمع أَبَا جَعْفَر بن الْمسلمَة وَأَبا الْحُسَيْن بن النقور وَغَيرهمَا روى عَنهُ جمَاعَة جاور بِمَكَّة وَتوفى بهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة 1036 - يحيى بن المفرج أَبُو الْحُسَيْن اللَّخْمِيّ الْمَقْدِسِي الحديث: 1035 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 1037 - يحيى بن أبي الْخَيْر بن سَالم بن سعيد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عمرَان العمراني الْيَمَانِيّ الشَّيْخ الْجَلِيل أَبُو الْحُسَيْن شيخ الشافعيين بإقليم الْيمن صَاحب الْبَيَان وَغَيره من المصنفات الشهيرة سَاق ابْن سَمُرَة فِي تَارِيخ اليمنيين نِسْبَة إِلَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام ولد سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة تفقه على جماعات مِنْهُم خَالَة الإِمَام أَبُو الْفتُوح بن عُثْمَان العمراني وَمِنْهُم الإِمَام زيد ابْن عبد الله اليفاعي وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة من أهل الْيمن وَكَانَ إِمَام زاهدا ورعا عَالما خيرا مَشْهُور الِاسْم بعيد الصيت عَارِفًا بالفقه وَالْأُصُول وَالْكَلَام والنحو أعرف أهل الأَرْض بتصانيف أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ الْفِقْه وَالْأُصُول وَالْخلاف يحفظ الْمُهَذّب عَن ظهر قلب وَقيل كَانَ يَقْرَؤُهُ فِي لَيْلَة وَاحِدَة قَالَ ابْن سَمُرَة وَكَانَ ورده فِي اللَّيْلَة أَكثر من مائَة رَكْعَة بِسبع من الْقُرْآن الْعَظِيم الحديث: 1037 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 وانتقل إِلَى ذِي أشرق فِي سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة وَتزَوج بهَا أم وَلَده القَاضِي طَاهِر وابتدأ بتصنيف الْبَيَان فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَفرغ من تصنيفه سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وابتدأ بتصنيف الزَّوَائِد فِي سنة سبع عشرَة وَخَمْسمِائة فَمَكثَ فِيهَا أَربع سِنِين إِلَّا قَلِيلا وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ بِإِشَارَة شَيْخه زيد اليفاعي وَحج من ذِي أشرق وناظر بِمَكَّة الشريف مُحَمَّد بن أَحْمد العثماني فِي مسَائِل من علمي الْفِقْه وَالْكَلَام ثمَّ زار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن وَهَذَا الشريف العثماني نقل عَنهُ فِي الْبَيَان فِي مَوَاضِع وَهِي غَرِيبَة وَأقَام بِذِي أشرق يدرس الْمَذْهَب وينشر الْعلم إِلَى سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ من أحسن الْعلمَاء تَعْلِيما قيل كَانَ يُقرر للطَّالِب الْفَصْل من الْمُهَذّب ثمَّ يُعِيدهُ هُوَ على الطَّالِب حفظا ثمَّ ينبهه على خلاف مَالك وَأبي حنيفَة خَاصَّة وَقد يذكر مَعَهُمَا غَيرهمَا ثمَّ يذكر احترازات الْمُهَذّب ثمَّ يذكر الْأَدِلَّة ويقرر الأقيسة بأوضح عبارَة ويكررها بعبارات مُخْتَلفَة إِلَى أَن ترسخ فِي ذهن الطَّالِب ثمَّ فِي أخر سنة تسع وَأَرْبَعين تعذر سكناهُ بالبلدة الَّتِي كَانَ فِيهَا أَظن أَن اسْمهَا سير لفتن وحروب اتّفقت هُنَاكَ وانتقل إِلَى ذِي السفال ثمَّ إِلَى ذِي أشرق فَأَقَامَ بِذِي أشرق سبع سِنِين قَالَ ابْن سَمُرَة فَجرى فِي السّنة الرَّابِعَة من هَذِه السَّبع بَين الْفُقَهَاء تباغض وتحاسد وتكفير من فُقَهَاء ذِي أشرق لفقهاء زبيد حكى ابْن سَمُرَة بَعْضهَا ثمَّ ذكر أَن صَاحب الْبَيَان انْتقل إِلَى ذِي السفال فَمَاتَ بهَا مبطونا شَهِيدا فِي ربيع الآخر قبل الْفجْر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 من لَيْلَة الْأَحَد سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة وَلم يتْرك صَلَاة فِي مرض مَوته وَكَانَ نَزعه لَيْلَتَيْنِ وَيَوْما بَينهمَا يسْأَل عَن كل وَقت صَلَاة وَيُصلي بِالْإِيمَاءِ وَفِيه يَقُول بَعضهم (لله شيخ من بني عمرَان ... قد سادنا بِالْعلمِ بالأركان) (يحيى لقد أَحْيَا الشَّرِيعَة هاديا ... بفوائد وغرائب وَبَيَان) (هُوَ درة الْيمن الَّذِي مَا مثله ... من أول فِي عمرنا أَو ثَانِي) وَمن تصانيفه الْبَيَان والزوائد والاحترازات وغرائب الْوَسِيط ومختصر الْإِحْيَاء وَله فِي علم الْكَلَام كتاب الِانْتِصَار فِي الرَّد على الْقَدَرِيَّة 1038 - يعِيش بن صَدَقَة بن عَليّ أَبُو الْقَاسِم الفراتي الضَّرِير صَاحب أبي الْحسن بن الْخلّ قَالَ ابْن النجار كَانَ من أَئِمَّة أَصْحَاب الشَّافِعِي وَمن الْعلمَاء العاملين بعلمهم وَمِمَّنْ يقْتَدى بِهِ فِي الزّهْد والورع وَحسن الطَّرِيقَة تفقه على ابْن الْخلّ وَسمع أَبَا الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن عمر بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي وَأَبا الْقَاسِم نصر بن نصر بن العكبري وَأَبا بكر مُحَمَّد الحديث: 1038 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 ابْن عبيد الله بن نصر بن الزاغواني وَغَيرهم روى عَنهُ القَاضِي أَبُو المحاسن عمر بن عَليّ الْقرشِي قَالَ وَتُوفِّي فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة 1039 - يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي بن مَرْوَان الدويني الأَصْل التكريتي المولد ودوين بِضَم الدَّال وَكسر الْوَاو بعْدهَا آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ نون الحديث: 1039 ¦ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 بِطرف أذربيجان من جِهَة أران أَهلهَا أكراد وَهُوَ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر التقى النقي الْعَالم الذكي الْعَادِل الزكي فاتح الْفتُوح بركَة أهل زَمَانه صَلَاح الدّين المظفر ابْن الْأَمِير الْملك الْأَفْضَل نجم الدّين ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بتكريت إِذْ أَبوهُ واليها وَسمع الحَدِيث من الْحَافِظ أبي طَاهِر السلَفِي وَأبي طَاهِر بن عَوْف وَالشَّيْخ قطب الدّين النَّيْسَابُورِي وَعبد الله بن بري النَّحْوِيّ وَجَمَاعَة روى عَنهُ يُونُس بن مُحَمَّد الفارقي والعماد الْكَاتِب وَغَيرهمَا وَكَانَ فَقِيها يُقَال إِنَّه كَانَ يحفظ الْقُرْآن والتنبيه فِي الْفِقْه والحماسة فِي الشّعْر وَملك الْبِلَاد ودانت لَهُ الْعباد وأحبه الْخلق وَنصر الْإِسْلَام وغزا الفرنج وكسرهم مَرَّات وَفتح المدن الْكِبَار وَأقَام فِي السلطنة أَرْبعا وَعشْرين سنة يُجَاهد فِي سَبِيل الله بِنَفسِهِ وَمَاله وَكَانَ ملكا عَظِيما شجاعا مهيبا عادلا يمْلَأ الْعُيُون روعة والقلوب محبَّة قَرِيبا بَعيدا عابدا قَانِتًا لله لَا تَأْخُذهُ لومة لائم مَجْلِسه يجمع الْفُضَلَاء والفقراء وَأَصْحَابه كَأَنَّمَا هم على قلب رجل وَاحِد محبَّة فِيهِ واعتقادا وطواعية وَلَقَد صنف فِي سيرته القَاضِي ابْن شَدَّاد كتابا مُسْتقِلّا وصنف ابْن وَاصل كتابا فِي سيرته وسيرة أهل بَيته وصنف أَبُو شامة فِي سيرته وسيرة الْملك نور الدّين وصنف الْعِمَاد الْكَاتِب فِي فتوحاته وصنف آخَرُونَ فِي شَأْنه وَمَا عَسى الَّذِي نورده بعد مَا أَطَالَ هَؤُلَاءِ ثمَّ اعْتَرَفُوا بالقصور وَالتَّقْصِير فِي حق هَذَا السَّيِّد الْكَبِير ولنأت بِمَا فِيهِ مقنع وبلاغ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 ذكر ابْتِدَاء أمره قبل ملكه قدم بِهِ أَبوهُ إِلَى دمشق وَهُوَ رَضِيع فناب أَبُو ببعلبك لما أَخذهَا أتابك زنكي فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَقيل إِن أَبَاهُ خرج من تكريت فِي اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا صَلَاح الدّين فتطيروا بِهِ وَقَالَ بَعضهم لَعَلَّ فِيهِ الْخيرَة وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ فَكَانَ كَذَلِك ثمَّ اتَّصل وَالِده نجم الدّين أَيُّوب بِالْملكِ نور الدّين الشَّهِيد فخدمه هُوَ وَولده صَلَاح الدّين هَذَا خدمَة بَالِغَة وَكَانَ أَسد الدّين شيركوه أَخُو نجم الدّين عِنْد نور الدّين قبلهمَا وَكَانَ أرفع عِنْده مِنْهُمَا منزلَة فَإِنَّهُ كَانَ مقدم جيوشه فَلَمَّا تخلخل حَال المصريين الفاطميين وضعفوا عَن مقاواة الفرنج وكادت الفرنج تملك الْقَاهِرَة وملكوا بلبيس وصيروا لَهُم بِالْقَاهِرَةِ شحنة يحكم وَضعف أَمر الْإِسْلَام بديار مصر جدا وَكَانَ الفاطميون قد بلغُوا فِي سوء السِّيرَة إِلَى الْحَد الْمَعْرُوف وَأفْتى عُلَمَاء الْإِسْلَام بِإِبَاحَة دِمَائِهِمْ وَوُجُوب قِتَالهمْ لما هم عَلَيْهِ من الزندقة والإلحاد وَوصل شاور وَزِير العاضد خَليفَة مصر إِلَى دمشق إِلَى نور الدّين يستنجده ثمَّ عَاد إِلَى مصر فَجهز نور الدّين إِلَيْهِم عسكرا أَمر عَلَيْهِم أَسد الدّين شيركوه وجهز مَعَه أَخَاهُ نجم الدّين وَابْن أَخِيه صَلَاح الدّين فدخلو مصر آمِنين وَقتلُوا شاور وَولى شيركوه وزارة الْخَلِيفَة العاضد إِلَى أَن مَاتَ بعد نَيف وَسبعين يَوْمًا فولى بعده صَلَاح الدّين الوزارة وَهِي فِي ذَلِك الْوَقْت كالسلطنة فاستقل بسلطنة مصر ولقب بِالْملكِ النَّاصِر لقبه بذلك الْخَلِيفَة العاضد فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَصَارَ للعاضد مَعَه الِاسْم فَقَط وَصَارَ صَلَاح الدّين هُوَ السُّلْطَان فاستمر إِلَى أول سنة سبع وَسِتِّينَ فَقطع صَلَاح الدّين الْخطْبَة للعاضد وخطب للمستضيء خَليفَة بَغْدَاد واستقل بِالْملكِ وَمَات العاضد وَقبض صَلَاح الدّين على الفاطميين بأسرهم وَاسْتولى على الْقصر وخزائنه وَهِي أَمْوَال لَا تحصى وَلَا تعرف لملك قبل الفاطميين وَكَانَ صَلَاح الدّين من حِين اتَّصل بِخِدْمَة نور الدّين قد طلق اللَّذَّات وَكَانَ محببا إِلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 خَفِيفا على قلبه وَلما افْتتح مَعَ عَمه مصر ثمَّ اسْتَقل بالوزارة عظمت سطوته واتفقت لَهُ وقْعَة مَعَ السودَان سنة بضع وَسِتِّينَ وَكَانُوا نَحْو مئتي ألف فنصر عَلَيْهِم وَقتل أَكْثَرهم وهرب الْبَاقُونَ وابنتي سور مصر والقاهرة على يَد قراقوش واستفحل أمره جدا إِلَى أَن أباد بَيت الفاطميين وأهان الرَّفْض وَغَيرهم من بدع المبتدعين ذكر يسير من أخباره بعد استقلاله بالسلطنة وَمَوْت العاضد وَقد كَانَ لما قبض على الفاطميين أَخذ فِي نصْرَة السّنة وإشاعة الْحق وإهانة المبتدعة وَالْقَبْض على الفاطمية والانتقام من الروافض وَكَانُوا بِمصْر كثيرين ثمَّ تجردت همته إِلَى الفرنج وغزوهم وَكَانَ من أمره مَعَهم مَا ضَاقَتْ بِهِ التواريخ وَكَانَ من أول فتوحاته برقة ونفوسة افتتحها على يَد أَخِيه شمس الدولة فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ ثمَّ فِي سنة تسع افْتتح الْيمن وَقبض على المتغلب عَلَيْهَا عبد النَّبِي بن مهْدي ثمَّ فِي سنة سبعين سَار من مصر إِلَى دمشق بعد وَفَاة نور الدّين مظْهرا أَنه يُقيم نَفسه أتابكا لولد نور الدّين لكَونه صَبيا فَدَخلَهَا يلاطفه وَنزل بِالْبَلَدِ بدار أَبِيه الْمَعْرُوفَة بدار العقيقي الَّتِي هِيَ الْيَوْم الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة ثمَّ تسلم القلعة وَصعد إِلَيْهَا وَأخرج الصَّبِي من الْملك وَصَارَ هُوَ سُلْطَان مصر وَالشَّام واليمن والحجاز ثمَّ سَار قَاصِدا حماة وحمص وَلم يشْتَغل بِأخذ قلعتها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 ثمَّ نَازل حلب وَهِي الْوَقْعَة الأولى وفيهَا سير السُّلْطَان غَازِي بن مودود أَخَاهُ عز الدّين مسعودا فِي جَيش كَبِير لحربه وَكَانَ بهَا ولد نور الدّين فترحل عَن حلب وَنزل على قلعة حمص فَأَخذهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِك يظْهر حسن الْمَقَاصِد وَأَنه قَاصد إعزاز الدّين وإنقاد الْبِلَاد من الفرنج وتسهيل أُمُور الْمُسلمين وَجَاء عز الدّين مَسْعُود فَأخذ مَعَه عَسْكَر حلب وَصَارَ إِلَى قُرُون حماة وَأخذ صَلَاح الدّين يراسلهم دواما للصلح كَيْلا يَقع سيف بَين الْمُسلمين وهم يراسلونه وَهُوَ يظنون أَنه يطْلب الصُّلْح لضَعْفه عَنْهُم وهم لَا يعْرفُونَ مَا عَلَيْهِ الرجل من حسن النِّيَّة وحقق عِنْدهم مَا ظنوه كَثْرَة عساكرهم وَقلة من كَانَ مَعَ صَلَاح الدّين من الْعَسْكَر فِي ذَلِك الْوَقْت فَلَمَّا أَبَوا إِلَّا المشاجرة معتقدين أَن المصاف مَعَهم يحصل غرضهم وأعجبتهم كثرتهم لاقاهم صَلَاح الدّين فَكَانَت الْهَزِيمَة عَلَيْهِم وَأسر صَلَاح الدّين مِنْهُم خلقا ثمَّ سَاق وَرَاءَهُمْ وَنزل على حلب ثَانِيًا فَصَالَحُوهُ وَأَعْطوهُ المعرة وَكفر طَابَ وبارين وَجَاء صَاحب الْموصل غَازِي فحاصر أَخَاهُ عماد الدّين زنكي صَاحب سنجار لكَونه انْتَمَى إِلَى صَلَاح الدّين ثمَّ صَالحه لما بلغ غَازِي كسر أَخِيه مَسْعُود وَنزل بنصيبين وَجمع العساكر وَأنْفق الْأَمْوَال وَعبر الْفُرَات وَقدم حلب فَخرج إِلَى تلقيه ابْن عَمه الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين وَأقَام على حلب مُدَّة ثمَّ كَانَت وقْعَة تل السُّلْطَان وَهِي منزلَة بَين حلب وحماة جرت بَين صَلَاح الدّين وَصَاحب الْموصل فِي سنة إِحْدَى وَسبعين فنصر صَلَاح الدّين وَرجع غَازِي وعدي الْفُرَات بَعْدَمَا استأصل صَلَاح الدّين كثيرا من خيامه وأمواله وفرقها فِي جماعته ثمَّ سَار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 (وَإِن نثر ... خلت الحبر) (نهى أَمر ... صم الْبشر) (كف الْغَيْر ... فكم أسر) (علجا كفر ... فَلَا مقرّ) (إِلَّا سقر ... ذَات الشرر) (ملك بهر ... إِذا اعتكر) (ليل الْغرَر ... أَو انهمر) (دم همر ... سَاءَ وسر) (نفعا وضر ... خيرا وَشر) (كم اعْتبر ... مِنْهُ النّظر) (فضل السّير ... إِذا ظهر) (قَالَ الْبشر ... كم لعمر) (يَوْم ... أغر) وَقد قيل أول من أبدع هَذَا الْمَعْنى فنظم قصيدة على حرف وَاحِد أَبُو النَّجْم حَيْثُ يَقُول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 صَلَاح الدّين فتسلم منبح وحاصر قلعة أعزاز ثمَّ نَازل حلب ثَالِثا وَأقَام عَلَيْهَا مُدَّة فأخرجوا ابْنة صَغِيرَة لنُور الدّين إِلَى صَلَاح الدّين فَسَأَلته أعزاز فَوَهَبَهَا لَهَا ثمَّ عَاد إِلَى الديار المصرية واستناب بِدِمَشْق أَخَاهُ شمس الدولة تورانشاه وَكَانَ قد عَاد من الْيمن وَكَانَت هَذِه السفرة مِنْهُ إِلَى الشَّام مِمَّا نقم عَلَيْهِ ظَاهرا للإساءة فِيهَا إِلَى ولد نور الدّين وَهُوَ ابْن مخدومه الَّذِي انشأه وَأحسن إِلَيْهِ وقيامه على بَيت الْملك والعز قبله وهما صَاحب الْموصل وَأَخُوهُ غير أَن الْحَال بِالآخِرَة تبين أَن الله تَعَالَى قد أَرَادَ إعزاز دينه على يَد هَذَا الرجل وَأَنه لَا يتم للْمُسلمين أَمر بِدُونِ سُلْطَان قاهر قَادر على استئصال شأفة الفرنج فِي ذَلِك الْوَقْت يجْتَمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَلَا تتفرق عَنهُ كلمتهم وَيكون هُوَ فِي نَفسه جَدِيرًا بذلك وأبى الله أَن يكون فِي ذَلِك الْعَصْر إِلَّا صَلَاح الدّين فَلَمَّا وصل إِلَى الْقَاهِرَة عَائِدًا من الشَّام بعد مَا فعل مَا رَأَيْت مجمله دون مفصله وَفِي تفاصيله شرح كَبِير أحلناك على كتبه خرج إِلَى الفرنج فِي سنة ثَلَاث والتقاهم على الرملة فانكسر الْمُسلمُونَ يَوْمئِذٍ وَثَبت صَلَاح الدّين وتحيز بِمن مَعَه ثمَّ دخل إِلَى مصر وَلم شعث الْعَسْكَر ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام وَملك حلب وَغَيرهَا من الْبِلَاد وعظمت الشَّوْكَة ثمَّ توجه لمحاصرة الفرنج بالكرك وَجَاء أَخُوهُ الْعَادِل من مصر وَكَانَ قد استنابه عَلَيْهَا فسير صَلَاح الدّين تَقِيّ الدّين عمر ابْن أَخِيه ليحفظ مصر وَأعْطى أَخَاهُ الْعَادِل حلب بعد أَن كَانَ بهَا وَلَده الظَّاهِر بن صَلَاح الدّين وَقدم الظَّاهِر من حلب ثمَّ أعَاد الْعَادِل إِلَى مصر وَالظَّاهِر إِلَى حلب ثمَّ نزل على الْموصل وترددت الرُّسُل بَينه وَبَين صَاحبهَا عز الدّين ثمَّ مرض صَلَاح الدّين فَرجع إِلَى حران وَاشْتَدَّ مَرضه بِحَيْثُ أيسوا مِنْهُ وحلفوا لأولاده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 بإمرة وَالله يُرِيد حَيَاته ليتم إعزاز دينه فَعُوفِيَ وَمر بحمص وَقد مَاتَ بهَا ابْن عَمه مُحَمَّد بن شيركوه فأقطعها لوَلَده شيركوه ثمَّ استعرض التَّرِكَة فَأخذ أَكْثَرهَا وَكَانَ عمر شيركوه اثْنَتَيْ عشرَة سنة ثمَّ إِن شيركوه هَذَا الشَّاب حضر بعد سنة عِنْد صَلَاح الدّين فَقَالَ لَهُ أَيْن بلغت فِي الْقُرْآن فَقَالَ إِلَى قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا} فَعجب الْحَاضِرُونَ من ذكائه وَقيل إِن صَلَاح الدّين إِنَّمَا أَخذ الْأَمْوَال ليحفظها لهَذَا الشَّاب وَفِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ افْتتح صَلَاح الدّين بِلَاد الفرنج وَأسر مُلُوكهمْ وكسرهم على حطين وتوالت عَلَيْهِ الفتوحات وأنقذ الْبَيْت الْمُقَدّس مِنْهُم وافتتحه وأعز الدّين وَمِمَّا اقتلعه من يَد الفرنج طبرية وَقتل وَأسر فِي ذَلِك الْيَوْم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا وتسلم قلعتها وأحضر إِلَيْهِ صَلِيب الصلبوب وَضرب بَين يَدَيْهِ فِي مخيمه أَعْنَاق مِائَتي فَارس من عُظَمَاء الفرنج ثمَّ افْتتح مَدِينَة عكا وَكَانَت من أعظم حصونهم وَأكْثر مدنهم وَأقَام بهَا الْخطْبَة الإسلامية ثمَّ افْتتح الْبَيْت الْمُقَدّس وَغَيره وأخلى مَا بَين الشَّام ومصر من الفرنج وَهَذَا عداد مَا يحضرنا من فتوحاته من أَيدي الفرنج قلعة أَيْلَة طبرية عكا الْقُدس الْخَلِيل الكرك الشوبك نابلس عسقلان بيروت صيدا غَزَّة لد حيفا صفورية الفولة معليا الطّور إسكندرونة قلنسوة يافا أرسوف قيسارية جبلة يَبْنِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 صرفند عفربلاد اللجون نجدقاقون مجدل يابا تل الصافية بَيت نوبا النطرون الجيب البيرة بَيت لحم ديخاوزاوا حصن الدَّيْر دمرا قلقيلية هريث الزيب الوعيرة الهرمز بعلب العازرية نقوع الكرمل مجدل الطار الْمعبر فِي جبل عاملة والشقيف سبسطية وَيُقَال بهَا قبر زَكَرِيَّا وجبيل وكوكب وأنطرطوس واللاذقية وبكسرائيل وصهيون وحبلة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 وقلعة الْعِيد وقلعة الجماهرية وبلاطنس والشغر وبكاس وسرمانية وبرزية ودربساك وبغراس وَكَانَا كالجناحين لأنطاكية ومدينة صفد وكل هَذِه مَدَائِن منيعة وأكثرها الْيَوْم قرى كبار وَمِنْهَا مَدَائِن كَثِيرَة بَاقِيَة إِلَى الْآن ونازل صور مُدَّة وَلم يقدر لَهُ فتحهَا وَله مصافات يطول شرحها وافتتح كثيرا من بِلَاد النّوبَة من يَد النَّصَارَى وَمن تَأمل الرسائل الْفَاضِلِيَّةِ رأى الْعجب من تأثيرات هَذِه الرجل فِي الْإِسْلَام وَمن شدَّة بأسه وشجاعته وَكَانَت مَمْلَكَته من الغرب إِلَى تخوم الْعرَاق وَمَعَهَا الْيمن والحجاز فَملك ديار مصر بأسرها مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهَا من بِلَاد الْمغرب وَالشَّام بأسرها مَعَ حلب وَمَا والاها وَأكْثر ديار ربيعَة وَبكر والحجاز بأسره واليمن بأسره وَنشر الْعدْل فِي الرّعية وَحكم بِالْقِسْطِ بَين الْبَريَّة مَعَ الدّين المتين والورع والزهد وَالْعلم كَانَ يحفظ الْقُرْآن والتنبيه والحماسة قَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف رَأَيْت السُّلْطَان صَلَاح الدّين على الْقُدس فَرَأَيْت ملكا عَظِيما يمْلَأ الْقُلُوب روعة والعيون محبَّة قَرِيبا وبعيدا سهلا محببا وَأَصْحَابه يتشبهون بِهِ يتسابقون إِلَى الْمَعْرُوف كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} وَأول لَيْلَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 حَضرته وجدت مَجْلِسا حفلا بِأَهْل الْعلم يتذاكرون فِي أَصْنَاف الْعُلُوم وَهُوَ يحسن الِاسْتِمَاع والمشاركة وَيَأْخُذ فِي كَيْفيَّة بِنَاء الأسوار وحفر الْخَنَادِق ويتفقه فِي ذَلِك وَكَانَ مهتما فِي بِنَاء سور الْقُدس وحفر خندقه يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ وينقل الْحِجَارَة على عَاتِقه ويتأسى بِهِ جَمِيع الْأَغْنِيَاء والفقراء فيركب لذَلِك قبل طُلُوع الشَّمْس إِلَى وَقت الظّهْر وَيَأْتِي دَاره فيمد السماط ثمَّ يستريح ويركب الْعَصْر وَيرجع فِي ضوء المشاعل وَيصرف أَكثر اللَّيْل فِي تَدْبِير مَا يعمله نَهَارا وَكَانَ يحفظ الحماسة ويظن أَن كل فَقِيه يحفظها انْتهى مُخْتَصرا وَقد وَثَبت عَلَيْهِ الإسماعيلية مرّة فجرحوه وَسلمهُ الله وَهُوَ الَّذِي ابتنى قلعة الْقَاهِرَة على جبل المقطم وَفتح من بِلَاد الْمُسلمين حران وسروج والرها والرقة والبيرة وسنجار ونصيبين وآمد وَملك حلب والبوازيج وشهرزور وحاصر الْموصل إِلَى أَن هادنه صَاحبهَا عز الدّين مَسْعُود وَدخل فِي طَاعَته وَكَانَت هَذِه عَادَته إِذا دخل أحد فِي طَاعَته لَا يُقَابله إِلَّا بِالْإِحْسَانِ وَفتح أَيْضا من بِلَاد الشرق خلاط على يَد ابْن عَمه تَقِيّ الدّين فَهَذَا مَا افتتحه من بِلَاد الشرق وَاسْتولى أَيْضا على طَائِفَة وَفتح عسكره مَدِينَة طرابلس الغرب وَكسر عَسْكَر تونس وخطب بهَا لبني الْعَبَّاس وافتتح بِلَاد الْيمن قيل وَلَو لم يَقع الْخلف بَين عسكره الَّذين جهزهم إِلَى الغرب لملك الغرب بأسره وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ مَعَ طول مدَّته أحد عسكره على كثرتهم وَكَانَ النَّاس يأمنون ظلمه لعدله ويرجون رفده لكثرته وَلم يكن لمبطل وَلَا لصَاحب هزل عِنْده نصيب وَكَانَ إِذا قَالَ صدق وإِذا وعد وفى وَإِذا عَاهَدَ لم يخن وَإِذا نَازل بَلَدا وأشرف على أَخذه ثمَّ يطْلب أَهله الْأمان يؤمنهم وَكَانَ جَيْشه يتألمون لذَلِك لفَوَات حظهم وَلَا يسعهم إِلَّا وفاقه وامتثال أمره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 وَكَانَ رَقِيق الْقلب جدا وَرُبمَا حلق على مَدِينَة وأحاط بهَا فَسمع بكاء الْحَرِيم فَتَركهَا وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك مَعَ الْمُسلمين فَمن كتاب فاضلي فِي فتوح حمص لما أحدقت العساكر المنصورة بالسور العاصم إحداق السوار بالمعاصم وطارت السِّهَام إِلَى أوكارها من الضلوع وَبَرقَتْ الأسنة وَكَأَنَّهَا زبد بحار الدُّمُوع حصحص الْحق واتسع الْخرق وَعلم أَن مَا أَرَادَهُ الْخَالِق لَا يردهُ الْخلق فارتفع الضجيج وَعلا تَحت العجاج العجيج وأدركتنا رقة رفضت من أَيْدِينَا الرقَاق وخشية عنت لنا أَعِنَّة الْفُسَّاق فرفعنا على الأسوار أعلاما منشورة بالكف والإمساك مأمورة وَوضعت الْحَرْب أَوزَارهَا وحلت الأمنة أزرارها وشفعنا الْوُجُوه المستورة بالخفر من نسوانها فِي الْوُجُوه المكشوفة بالمعصية من فرسانها وَرُبمَا حاصر قوما وَلم يمْنَع الْميرَة عَنْهُم وَجرى مَعَهم على كذبهمْ ليأخذهم بالسهولة ثمَّ يتَبَيَّن لَهُ غدرهم وكذبهم وَهُوَ مَعَ ذَلِك يحلم عَنْهُم ويراعي مصلحَة الدّين كَمَا اتّفق لَهُ فِي حمص وَقد افْتتح الْمَدِينَة وعصت عَلَيْهِ القلعة وَلم يمْنَع الْميرَة عَن أَهلهَا ثمَّ لما تبين لَهُ حَالهم لم يُبَادر إِلَى الْهدم مَعَ مَا فِيهِ من سرعَة نصرته خشيَة على القلعة لكَونهَا من حصون الْمُسلمين وطاول بهم الْأَمر إِلَى أَن تيَسّر لَهُ فتحهَا فَمن كتاب فاضلي عَن السُّلْطَان وَهُوَ محاصر قلعة حمص وَقد بلغه أَن أَهلهَا استنجدوا عَلَيْهِ بالفرنج وأمرنا فِي القلعة بِأَن لَا يضيق لَهَا خناق وَلَا يضعف لأَهْلهَا أرماق وَلَا يمْنَع البيع وَالشِّرَاء والانتقال وَيفتح لَهَا مَا لَا يفسح فِيهِ من يُرِيد تثقيل وَطْأَة الْحصار وَكَانَ من استدعائهم الفرنج مَا كَانَ وَهَان بِفضل الله تَعَالَى من أَمرهم ماهان ثمَّ أَخذ يصف القلعة الْمشَار إِلَيْهَا بِكَوْنِهَا نجما فِي سَحَاب وعقابا فِي عِقَاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 وَهَامة لَهَا الغمامة عِمَامَة وأنملة إِذا خضبها الْأَصِيل كَانَ الْهلَال مِنْهَا قلامة عاقدة حبوة صالحها الدَّهْر على أَن لَا يحلهَا بفزعه عاقدة عصمَة صافحها الزَّمن على أَن لَا يروعها بخلعة فاكتنفت بهَا عقارب لَا تطبع طبع حمص فِي العقارب وضربتها بِالْحِجَارَةِ فأظهرت الْعَدَاوَة الْمَعْلُومَة بَين الْأَقَارِب وَلم تكن غير ثالثه من الْجد إِلَّا وَقد أثرت فِيهَا جدريا بضربها وَلم نصل إِلَى السَّابِع إِلَّا وَالْبَحْر أَتَى ينذر بنقبها واتسع الْخرق على الراقع وَسقط سعدها عَن الطالع إِلَى مولد من هُوَ إِلَيْهَا طالع وَفتحت الأبراج فَكَانَت أبوابا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 وسيرت الْجبَال مِنْهَا فَكَانَت سرابا فهنالك بَدَت نقوب (يرى قَائِم من دونهَا مَا وَرَاءَهَا ... ) وَمن الْكتب والمراسيم عَنهُ كتب فِي النَّهْي عَن الْخَوْض فِي الْحَرْف وَالصَّوْت {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض} الْآيَة خرج أمرنَا إِلَى كل قَائِم فِي صف أَو قَاعد فِي أَمَام وَخلف أَن لَا يتَكَلَّم فِي الْحَرْف بِصَوْت وَلَا فِي الصَّوْت بِحرف وَمن يتَكَلَّم بعْدهَا كَانَ الجدير بالتكليم {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} وَسَأَلَ النواب الْقَبْض على مخالفي هَذَا الْخطاب وَبسط الْعَذَاب وَلَا يسمع لمتفقه فِي ذَلِك تَحْرِير جَوَاب وَلَا يقبل عَن هَذَا الذَّنب متاب وَمن رَجَعَ إِلَى هَذَا الْإِيرَاد بعد الإعلان وَلَيْسَ الْخَبَر كالعيان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 رَجَعَ أخسر من صَفْقَة أبي غشبان وليعلن بِقِرَاءَة هَذَا الْأَمر على المنابر ليعلم بِهِ الْحَاضِر البادي وَيَسْتَوِي فِيهِ البادي الْحَاضِر وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل قلت لَا أَشك أَن هَذَا الْفَصْل من كَلَام القَاضِي الْفَاضِل وَهَذِه وقائع شَتَّى من ابْتِدَاء دُخُوله إِلَى مصر قبل أَن يتسلطن وإِلَى أَن اسْتَأْثر الله بِرُوحِهِ الطاهرة مختصرة مُقْتَصرا فِيهَا على عُيُون الْأَخْبَار فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة كَانَ مسير أَسد الدّين شركوه عَم السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى مصر الْمسير الثَّالِث وَذَلِكَ أَن الفرنج قصدت الديار المصرية فِي جموع كَثِيرَة وَكَانَ الْملك نور الدّين من جِهَة الشمَال ونواحي الْعرَاق فطلعوا من عسقلان وَأتوا إِلَى بلبيس فحاصروها وملكوها واستباحوها ثمَّ نزلُوا على الْقَاهِرَة فحاصروها فَأحرق شاور مصر خوفًا من الفرنج وَبقيت النَّار فِيهَا أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا فَلَمَّا ضايقوا الْقَاهِرَة وَضعف الْمُسلمُونَ عَنْهُم بعث إِلَى ملكهم يطْلب الصُّلْح على ألف ألف دِينَار يعجل لَهُ بَعْضهَا فَأَجَابَهُ ملك الفرنج واسْمه مري إِلَى ذَلِك وَحلف لَهُ فَحمل إِلَيْهِ شاور مائَة ألف دِينَار وماطله بِالْبَاقِي وَكَاتب فِي ذَلِك الْملك الْعَادِل نور الدّين يستنجد بِهِ وسود كِتَابه وَجعل فِي طيه ذوائب النِّسَاء وواصل كتبه يستحثه وَكَانَ بحلب فساق أَسد الدّين من حمص إِلَى حلب فِي لَيْلَة قَالَ القَاضِي بهاء الدّين ابْن شَدَّاد قَالَ لي السُّلْطَان صَلَاح الدّين كنت أكره النَّاس لِلْخُرُوجِ إِلَى مصر هَذِه الْمرة وَهَذَا معنى قَوْله {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم} الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 وَقَالَ ابْن الْأَثِير إِن صَلَاح الدّين قَالَ لما وَردت الْكتب من مصر إِلَى نور الدّين أحضرني وأعلمني الْحَال وَقَالَ تمْضِي إِلَى عمك أَسد الدّين بحمص مَعَ رَسُول إِلَيْهِ تحثونه على الْحُضُور فَفعلت فَلَمَّا سرنا عَن حلب ميلًا لقيناه قادما فَقَالَ لَهُ نور الدّين تجهز فَامْتنعَ للخوف من غدرهم أَولا وَعدم مَا يُنْفِقهُ فِي العساكر آخرا فَأعْطَاهُ نور الدّين الْأَمْوَال وَالرِّجَال وَقَالَ لَهُ إِن تَأَخَّرت عَن مصر سرت أَنا بنفسي فَإِنَّهَا إِن ملكهَا الفرنج لَا يبْقى مَعَهم بِالشَّام مقَام فَالْتَفت إِلَى عمي وَقَالَ تجهز يَا يُوسُف فَكَأَنَّمَا ضرب قلبِي بسكين فَقلت وَالله لَو أَعْطَيْت ملك مصر مَا سرت إِلَيْهَا فَلَقَد قاسيت بالإسكندرية من المشاق مَالا أنساه فَقَالَ عمي لنُور الدّين لَا بُد من مسيره معي وارسم لَهُ فَأمرنِي نور الدّين وَأَنا أستقيله فانفض الْمجْلس ثمَّ قَالَ نور الدّين لَا بُد من مسيرك مَعَ عمك فشكوت الضائقة فَأَعْطَانِي مَا تجهزت بِهِ وكأنما أساق إِلَى الْمَوْت وَكَانَ نور الدّين رجلا مهيبا فسرت مَعَ عمي فَلَمَّا توفّي أَعْطَانِي الله من الْملك مَا لَا كنت أتوقعه انْتهى فَجمع أَسد الدّين الجيوش وَسَار إِلَى دمشق وَعرض بهَا الْجَيْش وَتوجه إِلَى مصر فِي جَيش عَرَمْرَم فَقيل كَانُوا سبعين ألف فَارس وراجل فتقهقر الفرنج لمجيئه وَدخل الْقَاهِرَة فِي سَابِع ربيع الآخر وَجلسَ فِي الدست وخلع عَلَيْهِ العاضد خلع السلطنة وولاه وزارته وَقَامَ شاور بضيافته عسكره وَتردد إِلَى خدمته فَطلب مِنْهُ أَسد الدّين مَالا يُنْفِقهُ على جَيْشه فماطله فَبعث إِلَيْهِ الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى بن مُحَمَّد الهكاري يَقُول إِن الْجَيْش طلبُوا نَفَقَتهم وَقد مَا ظلتهم بهَا وَقد تَغَيَّرت قُلُوبهم فَإِذا أتيتني فَكُن على حذر مِنْهُم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 فَلم يُؤثر هَذَا عِنْد شاور وَركب على عَادَته وأتى أَسد الدّين مسترسلا وَقيل إِنَّه تمارض فجَاء شاور يعودهُ فاعترضه صَلَاح الدّين وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء النورية فقبضوا عَلَيْهِ فَجَاءَهُمْ رَسُول العاضد يطْلب رَأس شاور فذبح وَحمل إِلَيْهِ فِي سَابِع عشر ربيع الآخر ثمَّ لم يلبث أَسد الدّين أَن حَضرته الْمنية بعد خَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا فقلد العاضد السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين بن يُوسُف السلطنة ولقب الْملك النَّاصِر وَكتب بتقليده القَاضِي الْفَاضِل بعد مَا كَانَ وَقع خلف كَبِير عِنْد الْفَرَاغ من عزاء أَسد الدّين فِيمَن يكون سُلْطَانا ثمَّ اتّفقت كلمة الْأُمَرَاء النورية على صَلَاح الدّين قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب وألزموا صَاحب الْقصر يَعْنِي العاضد بتوليته وَقَالَ القَاضِي كَانَت الْوَصِيَّة إِلَى صَلَاح الدّين من عَمه فَلبس خلعة السلطنة بِالْقصرِ بَين يَدي العاضد وَقبل يَده وَجَاء إِلَى دَار الوزارة وَإِن شِئْت قلت دَار السلطنة فَإِن الوزارة عِنْد الفاطميين هِيَ السلطنة اسْما وَمعنى وَجلسَ فِي دست الْملك وَشرع فِي تركيب السلطنة وترتيبها فَأول مَا دهمه أَمر الْخَادِم الْخصي الَّذِي كَانَ يلقب مؤتمن الْخلَافَة فَإِنَّهُ شقّ الْعَصَا بَاطِنا وائتمر وتنمر وانضمت إِلَيْهِ طوائف من أَخبث الروافض وكاتبوا الفرنج خُفْيَة فاتفق أَن تركمانيا عبر بالبئر الْبَيْضَاء فَرَأى نَعْلَيْنِ جديدين مَعَ إِنْسَان فَأَخذهُمَا وَجَاء بهما إِلَى صَلَاح الدّين فَوجدَ فِي البطانة خرقَة مَكْتُوب فِيهَا إِلَى الفرنج من الْقصر فَقَالَ دلوني على كَاتب هَذَا الْخط فَدلَّ على يَهُودِيّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 فَلَمَّا حضر تلفظ بِالشَّهَادَتَيْنِ واعترف أَنه كتب ذَلِك بِأَمْر الطواشي الْمشَار إِلَيْهِ واستشعر الطواشي الْخَبَر فَلَزِمَ الْقصر وَأعْرض عَنهُ صَلَاح الدّين إِلَى أَن خرج إِلَى قَرْيَة لَهُ فأنهض لَهُ السُّلْطَان صَلَاح الدّين من أَخذ رَأسه فِي ذِي الْقعدَة وَقرر مَكَانَهُ بهاء الدّين قراقوش فَصَارَ مَخْتُومًا على الْقصر لَا يدْخل الْقصر شَيْء وَيخرج إِلَّا بمرأى مِنْهُ ومسمع فَلَمَّا قتل الْخَادِم غَار السودَان وثاروا وَكَانُوا أَكثر من خمسين ألف مقاتلة وَقد قدمنَا أَنهم كَانُوا نَحْو مائَة ألف وكل قَالَه المؤرخون وَلَعَلَّ الْجمع بَينهمَا أَن الْخمسين ألفا كَانُوا مقاتلة فُرْسَانًا وَالْبَاقُونَ كَانُوا رجالة لَا يضمهم ديوَان وَأَقْبلُوا كَقطع اللَّيْل المظلم فَخرج إِلَيْهِم من عَسْكَر صَلَاح الدّين الْأَمِير أَبُو الهيجاء واتصل الْحَرْب بَين القصرين ودأب الْحَرْب بَينهم يَوْمَيْنِ ثمَّ كَانَت الدائرة على السودَان وأخرجوا إِلَى الجيزة وَكَانَت لَهُم محلّة تسمى المنصورة فخربت وَحرقت ثمَّ بلغ نور الدّين نبأ هَذِه الْأَخْبَار الطّيبَة فانشرح صَدره وأمد صَلَاح الدّين بأَخيه شمس الدولة تورانشاه ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وفيهَا نزل الفرنج على دمياط فِي صفر وحاصروها أحدا وَخمسين يَوْمًا ثمَّ رحلوا خائبين لِأَن نور الدّين وَصَلَاح الدّين أجلبا عَلَيْهِم برا وبحرا وَأنْفق صَلَاح الدّين أَمْوَالًا كَثِيرَة وَقَالَ مَا رَأَيْت أكْرم من العاضد أرسل لي مُدَّة مقَام الفرنج على دمياط ألف ألف دِينَار مصرية سوى الثِّيَاب وَغَيرهَا وفيهَا دخل نجم الدّين أَيُّوب أَبُو صَلَاح الدّين مصر فَخرج العاضد بِنَفسِهِ إِلَى لِقَائِه وتأدب ابْنه صَلَاح الدّين مَعَه وَعرض عَلَيْهِ منصبه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وفيهَا عمل صَلَاح الدّين بِمصْر مدرستين للشَّافِعِيَّة والمالكية وَخرج بجيوشه فَأَغَارَ على الرملة وعسقلان وهجم على ربض غَزَّة وَرجع إِلَى مصر وجهز بعض جنده إِلَى قلعة أَيْلَة فغزوها فِي المراكب وافتتحوها واستباحوا الفرنج فِيهَا قتلا وسبيا وَكَانَ فتح هَذِه القلعة واستعادتها من الفرنج أعظم النعم على الْمُسلمين فَإِنَّهَا كَانَت قلعة منيعة وَكَانَت الفرنج قد اتَّخَذُوهَا هِيَ والكرك سَبِيلا إِلَى الْإِحَاطَة بالحرمين الشريفين فَقدر الله فتحهما على يَد هَذَا السُّلْطَان رَحمَه الله وَمن كتاب فاضلي من السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة يعدد فِيهِ مَا للسُّلْطَان من الفتوحات وَمن جِهَاد الفرنج وَمِنْهَا قلعة بثغر أَيْلَة بناها الْعَدو فِي الْبَحْر وَمِنْهَا المسلك إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين بِحَيْثُ كَادَت الْقبْلَة يستولي على أَصْلهَا والمشاعر يسكنهَا غير أَهلهَا ومضجع الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَطَرَّق إِلَيْهِ الْكفَّار فِي كَلِمَات قَالَهَا ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فَاسْتَفْتَحَ السُّلْطَان الْخطْبَة فِي الْجُمُعَة الأولى مِنْهَا بِجَامِع مصر لبني الْعَبَّاس وأقيمت الْخطْبَة العباسية فِي الْجُمُعَة الثَّانِيَة بِالْقَاهِرَةِ وأعقب ذَلِك موت العاضد فِي يَوْم عَاشُورَاء بِالْقصرِ وَجلسَ السُّلْطَان للعزاء وَأغْرب فِي الْحزن والبكاء وانقرضت دولة الفاطميين وَكَانَ لَهَا أَكثر من مِائَتي سنة وتسلم السُّلْطَان الْقصر بِمَا فِيهِ من خزائنه وذخائره واحتاط على آل الْقصر فجعلهم فِي مَكَان برسمهم وقررت لَهُم المؤونة وجمعت رِجَالهمْ وَاحْترز عَلَيْهِم وَمنعُوا من النِّسَاء لِئَلَّا يتناسلوا وَذكر المؤرخون من نفائس الْقصر وذخائره مَالا نطيل بِذكرِهِ وانتقل الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر إِلَى الْقصر بمرسوم أَخِيه فاستقر فِي نِيَابَة السُّلْطَان وكتبت الْكتب إِلَى بَغْدَاد بالبشارة وَأعَاد الْجَواب والخلعة الفائقة العباسية إِلَى السُّلْطَان صَلَاح الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 وفيهَا قَالَ ابْن الْأَثِير حدث مَا أوجب نفرة نور الدّين عَن صَلَاح الدّين وَذَلِكَ أَن نور الدّين أرسل إِلَيْهِ يَأْمر بِجمع الْجَيْش والمسير لمنازلة الكرك ليجيء هُوَ بجيشه ويحاصرانها فَكتب إِلَى نور الدّين يعرفهُ أَنه قادم فَرَحل على قصد الكرك وأتاها وانتظر وُصُوله فَأَتَاهُ كِتَابه يعْتَذر باختلال الْبِلَاد فَلم يقبل عذره وَكَانَ خَواص صَلَاح الدّين خوفوه من الِاجْتِمَاع بِهِ وهم نور الدّين بِالدُّخُولِ إِلَى مصر وَإِخْرَاج صَلَاح الدّين عَنْهَا فَبلغ ذَلِك صَلَاح الدّين فَجمع أَهله وأباه وخاله الْأَمِير شهَاب الدّين الحارمي وَسَائِر الْأُمَرَاء وأطلعهم على نِيَّة نور الدّين واستشارهم فَسَكَتُوا فَقَالَ ابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين عمر إِذا جَاءَ قَاتَلْنَاهُ وَوَافَقَهُ غَيره من أَهله فشتمهم نجم الدّين أَيُّوب واحتد وَكَانَ ذَا رَأْي ومكر وَقَالَ لتقي الدّين اسْكُتْ وزبره وَقَالَ لصلاح الدّين أَنا أَبوك وَهَذَا خَالك أتظن أَن فِي هَؤُلَاءِ من يُرِيد لَك الْخَيْر مثلنَا فَقَالَ لَا فَقَالَ وَالله لَو رَأَيْت أَنا وَهَذَا نور الدّين لم يمكنا إِلَّا أَن ننزل ونقبل الأَرْض وَلَو أمرنَا بِضَرْب عُنُقك لفعلنَا فَمَا ظَنك بغيرنا فَكل من ترَاهُ من الْأُمَرَاء لَو رأى نور الدّين لما وَسعه إِلَّا التَّرَجُّل وَهَذِه الْبِلَاد لَهُ وَإِن أَرَادَ عزلك فَأَي حَاجَة لَهُ إِلَى الْمَجِيء بل يطلبك بِكِتَاب وَتَفَرَّقُوا وَكتب أَكثر الْأُمَرَاء لنُور الدّين بمأتم وَلما خلا بولده قَالَ أَنْت جَاهِل تجمع هَذَا الْجمع وتطلعهم على سرك وَلَو قصدك نور الدّين لم تَرَ أحدا مِنْهُم ثمَّ كتب إِلَى نور الدّين بِإِشَارَة وَالِده نجم الدّين يخضع لَهُ ففتر عَنهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فَأرْسل السُّلْطَان فِيهَا قراقوش مَمْلُوك ولد أَخِيه تَقِيّ الدّين عمر إِلَى جبال نفوسه وَمَعَهُ طَائِفَة من الأتراك فَلَمَّا وصل إِلَى الْجبَال استصحب مَعَه مِنْهَا بعض الْمُتَقَدِّمين وَنزل على طرابلس الغرب فحاصرها ثمَّ فتحت فاستولى عَلَيْهَا قراقوش وسكنها وَكَثُرت عساكره وفيهَا جهز السُّلْطَان شمس الدولة إِلَى برقة فافتتحها على يَد غُلَام لَهُ تركي ثمَّ بلغ السُّلْطَان أَمر ابْن مهْدي الْخَارِج بِالْيمن وَمَا هُوَ عَلَيْهِ من اختلال العقيدة فَجهز أَخَاهُ شمس الدولة فَافْتتحَ الْيمن وتملكها ثمَّ سَار السُّلْطَان بِنَفسِهِ من مصر يُرِيد اقتلاع مَدِينَة الكرك من الفرنج وَبَدَأَ بهَا لقربها إِلَيْهِ وَكَانَ من الوهن فِي الْإِسْلَام وَالْعَظَمَة فِي الدّين اسْتِيلَاء الملاعين على الكرك وعَلى قلعة أَيْلَة فَإِنَّهُم يمْنَعُونَ الْحَاج وَأَشد من ذَلِك مَا يخْشَى على الْحَرَمَيْنِ الشريفين مِنْهُم إِذْ لم يكن بَينهم وَبَينهمَا حاجز غير لطف الله وقصدوهما مَرَّات ثمَّ يندفعون بِمَشِيئَة الله من غير دفاع من الْبشر وَكَانَت الكرك تزيد على قلعة أَيْلَة بِمَنْع القوافل السائرة بَين الشَّام ومصر فَإِنَّهَا كَانَت الدَّرْب وَأما غَزَّة والرملة وَمَا حواليهما فَكَانَ الفرنج لَا يمكنون مُسلما أَن يمر بهما فورد عَلَيْهِمَا وحاصرهما وَقَاتل الفرنج وَلم يفتحهما فِي هَذِه السّنة وَرجع إِلَى مصر ثمَّ دخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة قَالَ ابْن الْأَثِير جهز السُّلْطَان أَخَاهُ توران شاه إِلَى بِلَاد النّوبَة فَافْتتحَ مِنْهَا مَا شَاءَ الله فَلَمَّا عَاد جهزه إِلَى الْيمن بِقصد عبد النَّبِي صَاحب زبيد فطرده عَن الْيمن وَملك زبيد وَأسر عبد النَّبِي وَزَوجته الْحرَّة وَكَانَت صَالِحَة كَثِيرَة الصَّدَقَة وعذب عبد النَّبِي واستخرجت مِنْهُ أَمْوَاله ثمَّ سَار توران شاه إِلَى عدن وملكها يَاسر فَأسر وَهزمَ ثمَّ سَار فَافْتتحَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 من حصون الْيمن قلعة تعرف بقلعة الْجند قَالَ أَبُو المظفر بن الْجَوْزِيّ يُقَال افْتتح ثَمَانِينَ حصنا ومدينة بِالْيمن وَمَا حواليها وَقد تقدم فِي السّنة قبلهَا إرْسَال تورانشاه وَهُوَ شمس الدولة إِلَى الْيمن ووقعة النّوبَة فَقتل وَالله أعلم فِي أَي السنتين كَانَ إرْسَاله وَفِي هَذِه السّنة وصل الْمُوفق ابْن القيسراني إِلَى مصر رَسُولا من الْملك نور الدّين يُطَالب السُّلْطَان صَلَاح الدّين بِحِسَاب جَمِيع مَا حصله من أرياع الْبِلَاد وَلم يعلم نور الدّين بتفاصيل علو شَأْن صَلَاح الدّين وَأَنه مستول على أعظم مَا فِي يَد نور الدّين فصعب ذَلِك على صَلَاح الدّين وَقيل إِنَّه أَرَادَ شقّ الْعَصَا ثمَّ ذكر لنُور الدّين حُقُوقه وإحسانه وَأمر النواب بِالْحِسَابِ وَعرضه على ابْن القيسراني وَأرَاهُ جرائد العساكر بالإقطاعات وَأَعَادَهُ إِلَى نور الدّين وَمَعَهُ الْفَقِيه عِيسَى وهدية عَظِيمَة وَهِي ختمة بِخَط ابْن البواب وختمه بِخَط مهلهل وختمه بِخَط الْحَاكِم الْبَغْدَادِيّ وربعة مَكْتُوبَة بِالذَّهَب بِخَط فَارسي وربعة عشرَة أَجزَاء بِخَط رَاشد وَثَلَاثَة أَحْجَار بلخش وَسِتَّة قضبان زمرد وَقطعَة ياقوت وزن سَبْعَة مَثَاقِيل وَحجر أَزْرَق سِتَّة مَثَاقِيل وَمِائَة عقد جَوْهَر وَزنهَا ثَمَانمِائَة وَسَبْعَة وَخَمْسُونَ مثقالاوخمسون قَارُورَة دهن بِلِسَان وَعِشْرُونَ قِطْعَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 بلور وَأَرْبع عشرَة قِطْعَة جزع وإبريق يشم وطشت يشم وصحون صيني وزبادي أَرْبَعُونَ وكرتان عود قماري وزن إِحْدَاهمَا ثَلَاثُونَ رطلا بالمصري وَالْأُخْرَى أحد وَعِشْرُونَ وَمِائَة ثوب أطلس وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ بقيارا مذهبَة وَخَمْسُونَ ثوب حَرِير وحلة فلفي مَذْهَب وحلة مرايش صفراء وَغير ذَلِك من القماش الَّذِي يكثر عده وَقِيمَة القماش على مَا ذكر مِائَتَان وَخمْس وَعِشْرُونَ ألف مِثْقَال ذهب وَمن الْخَيل وَالْبِغَال والجواري وَالسِّلَاح شَيْء كثير وَمن المَال خَمْسَة أحمال وَلم يصل شَيْء من ذَلِك إِلَى نور الدّين لِأَنَّهُ مَاتَ قبل وُصُوله وَلما مَاتَ نور الدّين طمعت الفرنج وتحركوا بالسواحل وسلطن الشاميون الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين وَكَانَ عمره نَحْو عشر سِنِين فاستنجد بالسلطان صَلَاح الدّين صَاحب مصر وَنزل الفرنج على بانياس وصالحهم أُمَرَاء دمشق على مَال وأسارى يطلقون فَلَمَّا بلغ ذَلِك صَلَاح الدّين انزعج لَهُ وَكتب إِلَى الشاميين يوبخهم وَكتب إِلَى شيخ الشَّافِعِيَّة شرف الدّين ابْن أبي عصرون يُخبرهُ أَنه لما أَتَاهُ كتاب الْملك الصَّالح تجهز للْجِهَاد وَخرج وَسَار أَربع مراحل فَجَاءَهُ الْخَبَر بالهدنة المؤذنة بذل الْإِسْلَام على يَد من اقتلعها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 من دفع القطيعة وَالْأسَارَى وَسَيِّدنَا الشَّيْخ أول من جرد لِسَانه الَّذِي تغمد لَهُ السيوف وتجرد وَلما بَالغ صَلَاح الدّين فِي توبيخ الْأُمَرَاء وَكَانَ ابْن الْمُقدم أكبر أُمَرَاء دمشق خشى من قدوم صَلَاح الدّين إِلَى الشَّام وأشاع أَن صَلَاح الدّين يُرِيد انتزاع دمشق من ولد مخدومه نور الدّين وَكتب إِلَى صَلَاح الدّين لَا يُقَال عَنْك إِنَّك طمعت فِي بَيت من غرسك ورباك وأسسك وَفِي دست ملك مصر أجلسك ثمَّ تعطف لَهُ وترفق وَيَقُول وَمَا يَلِيق بحالك غير فضلك واتصالك فَكتب إِلَيْهِ صَلَاح الدّين إِنَّا لَا نؤثر لِلْإِسْلَامِ وَأَهله إِلَّا مَا جمع شملهم وَألف كلمتهم وَلَا نَخْتَار للبيت الأتابكي أَعْلَاهُ الله إِلَّا مَا حفظ أَصله وفرعه فالوفاء إِنَّمَا يكون بعد الْوَفَاة وَنحن فِي وَاد والظانون بِنَا سوء الظَّن فِي وَاد ثمَّ دخلت سنة سبعين وَخَمْسمِائة وَقد تزايد طمع الفرنج فِي دمشق بِمَوْت نور الدّين فَرَأى صَلَاح الدّين من الحزم جمع الْمُسلمين على سُلْطَان وَاحِد يُقيم الْملَّة وينصر الشَّرِيعَة وَإنَّهُ ذَلِك الْوَاحِد الَّذِي تعقد عَلَيْهِ الخناصر وَأَن الْإِسْلَام مُحْتَاج إِلَيْهِ وَصَارَ الحاسدون والجاهلون بِأَحْكَام الشَّرِيعَة يعيبون مِنْهُ قَصده لأخذ دمشق وَيَقُولُونَ كَيفَ يسلب ولد أستاذه نعْمَته وَينْزع ملكه وهم كَمَا قَالَ فِي وَاد فَإِنَّهُ فِيمَا يغلب على الظنون الصادقة إِنَّمَا قصد لم شعث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 الْإِسْلَام وَقيام الدّين وَظهر ذَلِك على يَده من بعد فَخرج من مصر بجيوش لَا يُحْصى عَددهَا واستخلف أَخَاهُ الْملك الْعَادِل نَائِبا بهَا وَوصل إِلَى بصرى رَابِع عشري ربيع الآخر فَخرج إِلَيْهِ صَاحبهَا منقادا لخدمته ثمَّ تتَابع عَسْكَر الشَّام ملاقين مستبشرين وَنزل بجسر الْخشب فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين وَقد تكاثرت العساكر وازدحم الملاقون وَأصْبح لدُخُول دمشق فعارضه عدد من الرِّجَال فدعستهم عساكره المنصورة وصدمتهم خيوله وعزماته الْمَأْمُورَة وَدخل الْبَلَد وملكها بِلَا قتال ونادى من سَاعَته بإطابة النُّفُوس وَإِزَالَة المكوس وَكَانَت الْولَايَة فِي دمشق قد ساءت والمكوس الَّتِي رَفعهَا نور الدّين قد أُعِيدَت فَأَعَادَ صَلَاح الدّين الْحق إِلَى نصابه وَصَارَت دمشق مثل مصر وَكِلَاهُمَا فِي مَمْلَكَته ثمَّ خرج إِلَى حمص فنازلها وَنصب المجانيق على قلعتها وَلم يملكهَا وترحل عَنْهَا إِلَى حماة فملكها فِي جُمَادَى الْآخِرَة ثمَّ سَار إِلَى حلب وحاصرها إِلَى آخر الشَّهْر وَبهَا الصَّالح إِسْمَاعِيل ولد نور الدّين وَاشْتَدَّ بهَا الْحصار وَهَذِه هِيَ الفعلة الَّتِي نقمت على صَلَاح الدّين فَالله أعلم بنيته وَأَنه أَسَاءَ الْعشْرَة فِي حق الصَّالح ابْن نور الدّين بِحَيْثُ اسْتَعَانَ الصَّالح عَلَيْهِ بالباطنية وَوَعدهمْ بالأموال فَقتلُوا من أُمَرَاء صَلَاح الدّين الْأَمِير خمارتكين وخلقا وجرحوا صَلَاح الدّين ثمَّ أمسكهم وقتلهم عَن آخِرهم وَرجع إِلَى حمص فحاصرها بَقِيَّة رَجَب وتسلمها بالأمان فِي شعْبَان ثمَّ عطف إِلَى بعلبك فاستلمها ثمَّ رد إِلَى حمص وَقد اجْتمع عَسْكَر حلب وَكَتَبُوا إِلَى صَاحب الْموصل يستعينون بِهِ على صَلَاح الدّين فَجهز إِلَيْهِم جَيْشه وأمدهم بأَخيه عز الدّين مَسْعُود بن مودود بن زنكي فَأقبل الْكل إِلَى حماة وَقد اسْتَقَرَّتْ لصلاح الدّين فحاصروها فَسَار إِلَيْهِم صَلَاح الدّين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 فالتقاهم على قُرُون حماه فكسرهم أقبح كسرة ثمَّ سَار إِلَى حلب فَوَقع الصُّلْح بَينه وَبَين ابْن زنكي على أَن يكون لَهُ آخر بلد حماة والمعرة وَأَن يكون لولد نور الدّين حلب وَجَمِيع أَعمالهَا وتحالفوا ورد إِلَى حماة وجاءته رسل الْخَلِيفَة المستضيء بِالْخلْعِ والهدايا والتهنئة بِالْملكِ ثمَّ سَار إِلَى حصن بارين فحاصره ثمَّ تسلمه ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا كَانَ وقْعَة تل السُّلْطَان بنواحي حلب وَذَلِكَ أَن عَسْكَر الْموصل نكثوا أَيْمَانهم ووافوا تل السُّلْطَان فِي جموع كَثِيرَة وَعَلَيْهِم السُّلْطَان سيف الدّين غَازِي ابْن مودود بن زنكي فالتقاهم السُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي جمع قَلِيل فَهَزَمَهُمْ وَأسر كثيرا مِنْهُم وحقن الدِّمَاء ثمَّ أحضر الْأُمَرَاء الَّذين أسرهم فَمن عَلَيْهِم وأطلقهم ثمَّ سَار صَلَاح الدّين إِلَى منبج وَأَخذهَا فِي شَوَّال من ينَال بن حسان المنبجي وَكَانَ نور الدّين قد أَعْطَاهَا لينال عِنْدَمَا انتزعها من أَخِيه غَازِي بن حسان وَصعد الْحصن وَجلسَ يستعرض أَمْوَال ابْن حسان صَاحبهَا وذخائر فَكَانَت ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَمن أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة والذخائر والأسلحة مَا يناهز ألفي ألف دِينَار وَرَأى على بعض الأكياس والآنية مَكْتُوبًا يُوسُف فَسَأَلَ عَن هَذَا الِاسْم فَقيل ولد لَهُ يُحِبهُ اسْمه يُوسُف وَكَانَ يدّخر لَهُ هَذِه الْأَمْوَال فَقَالَ السُّلْطَان أَنا يُوسُف وَقد أخذت مَا خبىء لي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 ثمَّ سَار إِلَى عزاز فنازل قلعتها ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وقفز عَلَيْهِ وَهُوَ محاصرها قوم من الفداوية وجرح فِي فَخذه وَأخذُوا فَقتلُوا ثمَّ افْتتح عزاز وَمن كتاب مِنْهُ إِلَى أَخِيه الْعَادِل وَلم ينلني من الحشيشي الملعون إِلَّا خدش قطرت مِنْهُ دم قطرات خَفِيفَة انْقَطَعت لوَقْتهَا واندملت لسعاعتها ثمَّ سَار من عزاز فنازل مَدِينَة حلب كرة أُخْرَى فِي نصف ذِي الْحجَّة وَقَامَت القلعة فِي حفظهَا بِكُل مُمكن وصابرها صَلَاح الدّين شهرا ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا ترددت الرُّسُل فِي الصُّلْح بَين السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَالْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل ابْن نور الدّين فَرَحل صَلَاح الدّين عَن حلب وأبقاها لِابْنِ نور الدّين ورد عَلَيْهِ عزاز وَتوجه إِلَى مصياف بلد الباطنية فنصب عَلَيْهَا المجانيق وأباح قَتلهمْ وَخرب بِلَادهمْ فتشفعوا بِصَاحِب حماة شهَاب الدّين خَال السُّلْطَان فَسَأَلَ السُّلْطَان الصفح عَنْهُم وَتوجه عَائِدًا إِلَى مصر فوصلها وَأمر بِبِنَاء السُّور الْأَعْظَم الْمُحِيط بِمصْر والقاهرة وَجعل على بنايته الْأَمِير قراقوش وَلم يزل الْعَمَل فِيهِ إِلَى أَن مَاتَ صَلَاح الدّين وصرفت عَلَيْهِ أَمْوَال جزيلة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 وفيهَا أَمر بإنشاء قلعة الْجَبَل المقطم الَّتِي هِيَ الْآن دَار سلاطين مصر وَجعل على بنائها أَيْضا قراقوش وَلم يكن السلاطين قبلهَا يسكنون إِلَّا دَار الوزارة بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ سَافر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَتردد إِلَى السلَفِي فَسمع مِنْهُ الحَدِيث ثمَّ عَاد إِلَى مصر وَبنى تربة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا كَانَت وقْعَة الرملة سَار السُّلْطَان من الْقَاهِرَة إِلَى عسقلان فسبى من الفرنج كثيرا وغنم وَسَار إِلَى الرملة وَقد تجمعت عَلَيْهِ الفرنج وحملوا على الْمُسلمين فَانْهَزَمُوا وَثَبت السُّلْطَان وَابْن أَخِيه تَقِيّ الدّين عمر وَدخل اللَّيْل واحتوى الفرنج على أثقال الْمُسلمين وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد ولد تَقِيّ الدّين عمر وَلم يبْق للْمُسلمين قدرَة على مَاء وَلَا زَاد وتعسفوا الرمال رَاجِعين إِلَى مصر وَفِي هَذِه الْوَاقِعَة أسر الْفَقِيه عِيسَى الهكاري أكبر الْأُمَرَاء فافتداه السُّلْطَان بستين ألف دِينَار وَدخل السُّلْطَان الْقَاهِرَة بعد ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وتواصلت خَلفه العساكر ثمَّ عَاد السُّلْطَان إِلَى الشَّام وَدخلت سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا اجْتمعت الفرنج عِنْد حصن الأكراد فَسَار إِلَيْهِم السُّلْطَان وَلم يَقع قتال ثمَّ أَغَارُوا على أَعمال دمشق وجهز لحربهم فرخشاه ابْن أخي السُّلْطَان فالتقاهم وكسرهم وَقتل من مقدميهم جمَاعَة مِنْهُم هنفري قَالَ ابْن الْأَثِير وَمَا أَدْرَاك مَا هنفري بِهِ كَانَ يضْرب الْمثل فِي الشجَاعَة ثمَّ دخلت سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا ضربت الطبول بِبَغْدَاد وزفت البشائر بانتصار السُّلْطَان صَلَاح الدّين على الفرنج وأسره لصَاحب الرملة وَصَاحب طبرية الْكَافرين وَهِي وقْعَة مرج الْعُيُون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 وَمن حَدِيثهَا أَن صَلَاح الدّين كَانَ نازلا تل بانياس بِبَيْت بسراياه فَلَمَّا اسْتهلّ الْمحرم ركب فَرَأى رَاعيا فَسَأَلَهُ عَن الفرنج فَأخْبرهُ بقربهم فَعَاد إِلَى مخيمه وَأمر الْجَيْش بالركوب فَرَكبُوا وَسَار بهم حَتَّى أشرف على الفرنج وهم فِي ألف قنطارية وَعشرَة آلَاف مقَاتل فَارس وراجل فحملوا على الْمُسلمين فثبتوا لَهُم وحملت الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم فَوَلوا الأدبار فَقتل أَكْثَرهم وَأسر مِنْهُم مِائَتَان وَسَبْعُونَ أَسِيرًا مِنْهُم بادين وأود مقدم الداوية وَابْن القومصة وأخوا صَاحب جبيل وَابْن صَاحب مرقية وَصَاحب طبرية فَأَما بادين بن بيرزان فاستفك نَفسه بمبلغ وبألف أَسِير من الْمُسلمين واستفك الآخر نَفسه بجملة وَأما أود فجن فِي حبس قلعة دمشق وَانْهَزَمَ من الْوَقْعَة ملكهم مجروحا وأبلى فِي هَذِه الْوَقْعَة عز الدّين فرخشاه بلَاء حسنا وَاتفقَ أَنه فِي يَوْم الْوَقْعَة ظفر أسطول مصر ببطستين وأسروا ألف نفس فَللَّه الْحَمد على نَصره وَكَانَ قليج أرسلان سُلْطَان الرّوم طلب حصن رعبان وَزعم أَنه من بِلَاده وَإِنَّمَا أَخذه مِنْهُ نور الدّين على خلاف مُرَاده وَأَن وَلَده الصَّالح إِسْمَاعِيل قد أنعم بِهِ عَلَيْهِ فَلم يفعل السُّلْطَان فَأرْسل قليج عشْرين ألفا لحصار الْحصن فالتقاهم تَقِيّ الدّين عمر صَاحب حماة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 وَمَعَهُ سيف الدّين عَليّ المشطوب فِي ألف فَارس فَهَزَمَهُمْ لِأَنَّهُ حمل عَلَيْهِم بَغْتَة وهم على غير تعبية فَضربت كوساته وَعمل عسكره كراديس فَلَمَّا سَمِعت الرّوم الضجة ظنُّوا أَنهم قد دهمهم جَيش عَظِيم فَرَكبُوا خيولهم عريا وطلبوا النجَاة وَتركُوا الْخيام بِمَا فِيهَا وَأسر مِنْهُم عددا ثمَّ من عَلَيْهِم بِأَمْوَالِهِمْ وسرحهم وَلم يزل تَقِيّ الدّين يدل بِهَذِهِ النُّصْرَة وَلَا ريب أَنَّهَا عَظِيمَة وَورد بَغْدَاد رَسُول صَلَاح الدّين وَهُوَ مبارز الدّين كشطغاي وَجلسَ لَهُ ظهير الدّين أَبُو بكر ابْن الْعَطَّار وَبَين يَدَيْهِ أَرْبَاب الدولة فجَاء وَبَين يَدَيْهِ اثْنَا عشر أَمِيرا عَلَيْهِم الخوذ والزرديات وَمَعَ كل وَاحِد قنطارية وعَلى كتفه طارقة ملك الفرنج على القنطاريات سعف الفرنج وَبَين يَدَيْهِ أَيْضا من التحف والنفائس من ذَلِك صنم حجر طَوِيل ذراعين فِيهِ صناعَة عَجِيبَة قد جعل سبابته على شفته كالمتبسم عجبا وَمن ذَلِك صينية ملآنة جَوَاهِر وضلع آدَمِيّ نَحْو سَبْعَة أشبار فِي عرض أَربع أَصَابِع وضلع سَمَكَة طوله عشرَة أَذْرع فِي عرض ذراعين وفيهَا جهز السُّلْطَان القَاضِي أَبَا الْفَضَائِل بن الشهرزوري إِلَى الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد أَيْضا بجواهر مثمنة وَعشرَة أسرى من الفرنج ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا توجه السُّلْطَان قَاصِدا بِلَاد الأرمن وبلاد الرّوم ليحارب قليج أرسلان بن مَسْعُود ابْن قليج أرسلان عِنْدَمَا استجار مُحَمَّد بن أرسلان بن دَاوُد صَاحب حصن كيفا بالسلطان على حموة قليج الْمَذْكُور ثمَّ صلح الْحَال بَينهمَا فَنزل السُّلْطَان على حصن من بِلَاد الأرمن فَأَخذه وهدمه ثمَّ رَجَعَ فَعِنْدَ وُصُوله إِلَى حمص جَاءَهُ التَّقْلِيد وَالْخلْع من الْخَلِيفَة النَّاصِر فَركب بهَا بحمص وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَجَاء إِلَى دمشق وَولى عز الدّين فرخشاه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 نِيَابَة السلطنة بِالشَّام وَهُوَ ابْن أَخِيه ثمَّ توجه السُّلْطَان إِلَى مصر وَتوجه مِنْهَا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَشَاهد مَا تجدّد بهَا من السُّور وَسمع بهَا الْمُوَطَّأ على أبي الطَّاهِر ابْن عَوْف ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة وفيهَا قصد نَائِب الشَّام عز الدّين فرخشاه بمرسوم السُّلْطَان بِلَاد الكرك بالعساكر فخربها وَذَلِكَ عِنْدَمَا بلغ السطان أَن اللعين صَاحب الكرك سَوَّلت لَهُ نَفسه قصد الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ليتملكها فَمَا نهبت بِلَاده عَاد بالخيبة وفيهَا ظَهرت الوحشة بَين الْخَلِيفَة النَّاصِر وَالسُّلْطَان وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان لما اشْتهر اسْمه بِالْعَدْلِ وَشدَّة الْوَطْأَة وخافته النُّفُوس الْفَاجِرَة واستبشرت بِهِ الْأَرْوَاح الطاهرة وحسده مُلُوك الْأَطْرَاف وأحبوا أَن يوقعوا بَينه وَبَين الْخَلِيفَة سولوا للخليفة أمورا أوجبت أَن يكْتب للسُّلْطَان يَأْخُذ عَلَيْهِ فِي أَشْيَاء مِنْهَا تَسْمِيَته بِالْملكِ النَّاصِر مَعَ علمه أَن الإِمَام اخْتَار هَذِه التَّسْمِيَة لنَفسِهِ وَهَذِه الْوَاحِدَة على ندورتها مدفوعة بِأَن السُّلْطَان لقب بالناصر من أَيَّام الْخَلِيفَة المستضيء قبل أَن يَلِي النَّاصِر الْخلَافَة فَكتب لَهُ السُّلْطَان جَوَابا فاضليا مِنْهُ وَالْخَادِم وَللَّه الْحَمد يعدد سوابق فِي الْإِسْلَام والدولة العباسية لَا يعدها أولية أبي مُسلم لِأَنَّهُ وَالِي ثمَّ وارى وَلَا آخرية طغرلبك لِأَنَّهُ نصر ثمَّ حجر وَالْخَادِم بِحَمْد الله خلع من كَانَ يُنَازع الْخلَافَة رداءها وأساغ الغصة الَّتِي ذخر الله للإساغة فِي سَيْفه ماءها فَرجل الْأَسْمَاء الكاذبة الراكبة على المنابر وأعز بتأييد إبراهيمي فَكسر الْأَصْنَام الْبَاطِنَة بِسَيْفِهِ الظَّاهِر لَا السَّاتِر وَفعل وَمَا فعل للدنيا وَلَا معنى للاعتداد بِمَا هُوَ متوقع الْجَزَاء عَنهُ فِي الْيَوْم الآخر ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة فِيهَا افْتتح السُّلْطَان حران وسروج وسنجار ونصيبين والرقة والبيرة وآمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 ونازل الْموصل وحاصرها وبهره مَا رأى من حصانتها وجاءه شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين من قبل الْخَلِيفَة يتشفع فِي صَاحب الْموصل فَرَحل عَنْهَا وفيهَا بعث السُّلْطَان أَخَاهُ سيف الْإِسْلَام طغتكين على نِيَابَة السلطنة بإقليم الْيمن بأسره وَأمره بِإِخْرَاج نواب أَخِيه توران شاه بهَا فَرَحل إِلَيْهَا وَقبض على مُتَوَلِّي زبيد حطَّان بن منقذ وَأخذ مِنْهُ أَمْوَالًا جزيلة وَسكن سيف الْإِسْلَام فِي الْيمن وفيهَا مَاتَ عز الدّين فرخشاه بن شاهنشاه ابْن أَيُّوب نَائِب الشَّام فَبعث السُّلْطَان على نِيَابَة دمشق شمس الدّين مُحَمَّد بن الْمُقدم وفيهَا خرج السُّلْطَان بِنَفسِهِ من مصر غازيا وَمَا تهَيَّأ لَهُ الْعود إِلَيْهَا وَقد عَاشَ بعد ذَلِك اثنتى عشرَة سنة ثمَّ دخلت سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة ورسل الْخَلِيفَة فِي كل سنة تَجِيء غير مرّة بالتودد ظَاهرا واستعلام أَخْبَار السُّلْطَان بَاطِنا فَلَا يرَوْنَ إِلَّا إِمَامًا عادلا لَا يصطلى لَهُ بِنَار وغضنفرا باسلا لَا يقوم لغضبه إِلَّا الْوَاحِد القهار وَكتب لَهُ السُّلْطَان كتابا فاضليا فِيهِ من أَخْبَار الفرنج كَانَ الفرنج قد ركبُوا من الْأَمر نكرا وافتضوا من الْبَحْر بكراذ وعمروا مراكب حربية شحنوها بالمقاتلة والأسلحة آخر الطَّبَقَة الْخَامِسَة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 الطَّبَقَة السَّادِسَة فِيمَن توفّي بَين الستمائة والسبعمائة 1040 - أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن جَعْفَر بن أَحْمد بن هِشَام الْأمَوِي علم الدّين القمني الْفَاضِل الذكي الَّذِي كَانَ يُقَال إِنَّه إِذا سمع قصيدة حفظهَا ويحكى عَنهُ فِي هَذَا النَّوْع عجائب مولده سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة سمع الحَدِيث من ابْن الجميزي وَكَانَ معيدا بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة توفّي بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة 1041 - أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن حيدرة الْقرشِي القاهري الشَّيْخ علم الدّين الْفَقِيه الأديب وَالِد شَيخنَا شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن القماح سمع الحَدِيث من ابْن الجميزي والحافظ الْمُنْذِرِيّ وَغَيرهمَا وَكَانَ يدرس بمدرسة ابْن زين التُّجَّار بِمصْر الحديث: 1040 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 وَمن شعره (رفقا بهَا فشوقها قد سَاقهَا ... يَا حبذا الْوَادي الَّذِي قد شاقها) (حجازها من حبها قد شاقها ... وَفِي هوى نجد حدت عراقها) توفّي سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة 1042 - أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عمر بن الْفرج بن أَحْمد بن سَابُور أَبُو الْعَبَّاس الوَاسِطِيّ الشَّيْخ عز الدّين الفاروثي ولد بواسط فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة وَقَرَأَ الْقُرْآن على وَالِده وعَلى الْحُسَيْن بن أبي الْحسن بن ثَابت الطَّيِّبِيّ وَسمع بِبَغْدَاد من عمر بن كرم الدينَوَرِي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي وَأبي الْحسن الْقطيعِي وَأبي عَليّ الْحسن بن الزبيدِيّ وَأبي المنجا بن اللتي الحديث: 1042 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 والأنجب بن أبي السعادات وَأبي الْحسن بن روزبة وَخلق وبواسط من أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي الْفَتْح بن المندآئي والمرجي بن شقير وبأصبهان من الْحُسَيْن بن مَحْمُود الصالحاني وبدمشق من إِسْمَاعِيل بن أبي الْيُسْر وَغَيره وَحدث بالحرمين وَالْعراق ودمشق وَكَانَ فَقِيها مقرئا عابدا زاهدا صَاحب أوراد قدم دمشق من الْحجاز بعد مجاورة مُدَّة سنة تسعين تولى مشيخة الحَدِيث بالظاهرية وإعادة الناصرية وتدريس النجيبية ثمَّ ولي خطابة الْجَامِع ثمَّ عزل مِنْهَا فسافر إِلَى وَاسِط وَبهَا توفّي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 وَقيل لَهُ لما قدمهَا كَيفَ تركت الأَرْض المقدسة فَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول تحول إِلَى وَاسِط لتَمُوت بهَا وتدفن عِنْد والدك توفّي فِي مستهل ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ حكى لنا صاحبنا ابْن يُونُس الوَاسِطِيّ الْمقري أَن الشَّيْخ عز الدّين أظهر أَنه يُرِيد سفرا وَطلب الْأَصْحَاب وَبَقِي يَقُول قد عرض لنا سفر فاجعلونا فِي حل فيتعجبون وَقَالَ لَهُم أُرِيد السّفر إِلَى شيراز يَوْم الثُّلَاثَاء وأظنني أَمُوت ذَلِك الْيَوْم فَمَاتَ يَوْمئِذٍ وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أَن عَلَاء الدّين الْكِنْدِيّ ذكر لَهُ أَن الشَّيْخ عز الدّين الفاروثي شَاهد بالعراق رجلا مكث سِنِين لَا يَأْكُل وَلَا يشرب قَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله وَقد حَدثنِي عدد أَثِق بهم أَن امْرَأَة كَانَت بالأندلس بقيت نَحوا من عشْرين سنة لَا تَأْكُل شَيْئا وأمرها مَشْهُور ذكر شَيخنَا ذَلِك فِي تَرْجَمَة أبي الْعَبَّاس عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى الطهماني اللّغَوِيّ وَقد أورد مَا ذكره الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ فِي تَارِيخ نيسابور من أَنه سمع أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَري يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس فَذكر قصَّة الْمَرْأَة الَّتِي لَا تَأْكُل وَلَا تشرب قلت وَأَنا مورد هَذِه الْقِصَّة لغرابتها من تَارِيخ الْحَاكِم وَآت بهَا على الصُّورَة الَّتِي ذكرهَا فَأَقُول قَالَ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّاء يحيى بن مُحَمَّد الْعَنْبَري يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى الطهماني الْمروزِي يَقُول إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يظْهر إِذا شَاءَ مَا شَاءَ من الْآيَات والعبر فِي بريته فيزيد الْإِسْلَام بهَا عزا وَقُوَّة وَيُؤَيّد مَا أنزل من الْهدى والبينات وينشر أَعْلَام النُّبُوَّة ويوضح دَلَائِل الرسَالَة ويوثق عرى الْإِسْلَام وَيثبت حقائق الْإِيمَان منا مِنْهُ على أوليائه وَزِيَادَة فِي الْبُرْهَان بهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَابْن الرّفْعَة كَانَ سَاكِنا بِمصْر وقاضي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين بِالْقَاهِرَةِ 1072 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ الشَّيْخ الْفَقِيه الصَّالح الْوَرع الزَّاهِد أَبُو الطَّاهِر الْمحلي خطيب جَامع مصر الْعَتِيق وَهُوَ جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قدم من الْمحلة إِلَى مصر وتفقه بهَا على الشَّيْخ تَاج الدّين مُحَمَّد بن هبة الله الْحَمَوِيّ واختص بِصُحْبَتِهِ وعَلى أبي إِسْحَاق الْعِرَاقِيّ شَارِح الْمُهَذّب وعَلى ابْن زين التُّجَّار هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة أشياخه فِي الْفِقْه وَسمع الحَدِيث من إِبْرَاهِيم بن عمر الإسعردي وَغَيره الحديث: 1072 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 وَحجَّة على من عِنْد عَن طَاعَته وألحد فِي دينه {ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة وَيحيى من حَيّ عَن بَيِّنَة} فَلهُ الْحَمد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ذُو الْحجَّة الْبَالِغَة والعز القاهر والطول الباهر وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة وَرَسُول الْهدى وَعَلِيهِ وعَلى آله الطاهرين السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَإِن مِمَّا أدركناه عيَانًا وشاهدناه فِي زَمَاننَا وأحطنا علما بِهِ فزادنا يَقِينا فِي ديننَا وَتَصْدِيقًا لما جَاءَ بِهِ نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا إِلَيْهِ من الْحق فَرغب فِيهِ من الْجِهَاد من فَضِيلَة الشُّهَدَاء وَبلغ عَن الله عز وَجل فيهم إِذْ يَقُول جلّ ثَنَاؤُهُ {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين} أَنِّي وَردت فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ مَدِينَة من مَدَائِن خوارزم تدعى هزاراسب وَهِي فِي غربي وَادي جيحون وَمِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة الْعُظْمَى مَسَافَة نصف يَوْم فخبرت أَن بهَا امْرَأَة من نسَاء الشُّهَدَاء رَأَتْ رُؤْيا كَأَنَّهَا أطعمت فِي منامها شَيْئا فَهِيَ لَا تَأْكُل شَيْئا وَلَا تشرب شَيْئا مُنْذُ عهد أبي الْعَبَّاس بن طَاهِر وَالِي خُرَاسَان وَكَانَ توفّي قبل ذَلِك بثمان سِنِين رَضِي الله عَنهُ ثمَّ مَرَرْت بِتِلْكَ الْمَدِينَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فرأيتها وحدثتني بحديثها فَلم أستقص عَلَيْهَا لحداثة سني ثمَّ إِنِّي عدت إِلَى خوارزم فِي آخر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فرأيتها بَاقِيَة وَوجدت حَدِيثهَا شَائِعا مستفيضا وَهَذِه الْمَدِينَة على مدرجة القوافل وَكَانَ الْكثير مِمَّن نزلها إِذا بَلغهُمْ قصَّتهَا أَحبُّوا أَن ينْظرُوا إِلَيْهَا فَلَا يسْأَلُون عَنْهَا رجلا وَلَا امْرَأَة وَلَا غُلَاما إِلَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 عرفهَا وَدلّ عَلَيْهَا فَلَمَّا وافيت النَّاحِيَة طلبتها فَوَجَدتهَا غَائِبَة على عدَّة فراسخ فمضيت فِي أَثَرهَا من قَرْيَة إِلَى قَرْيَة فأدركتها بَين قريتين تمشي مشْيَة قَوِيَّة وَإِذا هِيَ امْرَأَة نصف جَيِّدَة الْقَامَة حَسَنَة الْبدن ظَاهِرَة الدَّم متوردة الْخَدين ذكية الْفُؤَاد فسايرتني وَأَنا رَاكب فعرضت عَلَيْهَا مركبا فَلم تركبه وَأَقْبَلت تمشي معي بِقُوَّة وَحضر مجلسي قوم من التُّجَّار والدهاقين وَفِيهِمْ فَقِيه يُسمى مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه الْحَارِثِيّ وَقد كتب عَنهُ مُوسَى بن هَارُون الْبَزَّار بِمَكَّة وكمل لَهُ عبَادَة وَرِوَايَة للْحَدِيث وشاب حسن يُسمى عبد الله بن عبد الرَّحْمَن وَكَانَ يخلف أَصْحَاب الْمَظَالِم بناحيته فسألتهم عَنْهَا فَأحْسنُوا الثَّنَاء عَلَيْهَا وَقَالُوا عَنْهَا خيرا وَقَالُوا إِن أمرهَا ظَاهر عندنَا فَلَيْسَ فِيهَا من يخْتَلف فِيهَا قَالَ الْمُسَمّى عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَنا أسمع حَدِيثهَا مُنْذُ أَيَّام الحداثة ونشأت وَالنَّاس يتفاوضون فِي خَبَرهَا وَقد فرغت بالي لَهَا وشغلت نَفسِي للاستقصاء عَلَيْهَا فَلم أر إِلَّا سترا وعفافا وَلم أعثر مِنْهَا على كذب فِي دَعْوَاهَا وَلَا حِيلَة فِي التلبيس وَذكر أَن من كَانَ يَلِي خوارزم من الْعمَّال كَانُوا فِيمَا خلا يستخصونها ويحضرونها الشَّهْر والشهرين وَالْأَكْثَر فِي بَيت يغلقونه عَلَيْهَا ويوكلون بهَا من يراعيها فَلَا يرونها تَأْكُل وَلَا تشرب وَلَا يَجدونَ لَهَا أثر بَوْل وَلَا غَائِط فيبرونها ويكسونها ويخلون سَبِيلهَا فَلَمَّا تواطأ أهل النَّاحِيَة على تصديقها استقصصتها عَن حَدِيثهَا وسألتها عَن اسْمهَا وشأنها كُله فَذكرت أَن اسْمهَا رَحْمَة بنت إِبْرَاهِيم وَأَنه كَانَ لَهَا زوج نجار فَقير معيشته من عمل يَده يَأْتِيهِ رزقه يَوْمًا وَيَوْما لَا فضل فِي كَسبه عَن قوت أَهله وَأَنَّهَا ولدت مِنْهُ عدَّة أَوْلَاد وَجَاء الأقطع ملك التّرْك إِلَى الْقرْيَة فَعبر الْوَادي عِنْد جموده إِلَيْنَا فِي زهاء ثَلَاثَة آلَاف فَارس وَأهل خوارزم يَدعُونَهُ كسرة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس والأقطع هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ كَافِرًا عاتيا شَدِيد الْعَدَاوَة للْمُسلمين قد أثر على أهل الثغور والح على أهل خوارزم بِالسَّبْيِ وَالْقَتْل والغارات وَكَانَت وُلَاة خُرَاسَان يتألفونه وأنسابه من عُظَمَاء الْأَعَاجِم ليكفوا غارتهم عَن الرّعية ويحقنوا دِمَاء الْمُسلمين فيبعثون إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم بأموال وألطاف كَثِيرَة وأنواع من فاخر الثِّيَاب وَأَن هَذَا الْكَافِر انساب فِي بعض السنين على السُّلْطَان وَلَا أَدْرِي لم ذَاك أستبطأ المبار عَن وَقتهَا أم اسْتَقل مَا بعث إِلَيْهِ فِي جنب مَا بعث إِلَى نظرائه من مُلُوك الجريجية والثغرغدية فَأقبل فِي جُنُوده وتورد الثغر واستعرض الطّرق فعاث وأفسد وَقتل وَمثل فعجزت عَنهُ خُيُول خوارزم وَبلغ خَبره أَبَا الْعَبَّاس عبد الله بن طَاهِر رَحمَه الله فأنهض إِلَيْهِم أَرْبَعَة من القواد طَاهِر بن إِبْرَاهِيم بن مدرك وَيَعْقُوب بن مَنْصُور بن طَلْحَة وميكال مولى طَاهِر وَهَارُون القباض وشحن الْبَلَد بالعساكر والأسلحة ورتبهم فِي أَربَاع الْبَلَد كل فِي ربع فحموا الْحَرِيم بِإِذن الله تَعَالَى ثمَّ إِن وَادي جيحون وَهُوَ الَّذِي فِي نهر بَلخ جمد لما اشْتَدَّ الْبرد وَهُوَ وَاد عَظِيم شَدِيد الطغيان كثير الْآفَات وَإِذا امْتَدَّ كَانَ عرضه نَحوا من فَرسَخ وَإِذا جمد انطبق فَلم يُوصل مِنْهُ إِلَى شَيْء حَتَّى يحْفر فِيهِ كَمَا تحفر الْآبَار فِي الصخور وَقد رَأَيْت كثيف الجمد عشرَة أشبار وأخبرت أَنه كَانَ فِيمَا مضى يزِيد على عشْرين شبْرًا وَإِذا هُوَ انطبق صَار الجمد جِسْرًا لأهل الْبَلَد تسير عَلَيْهِ العساكر والعجل والقوافل فينطم مَا بَين الشاطئين وَرُبمَا دَامَ الجمد مائَة وَعشْرين يَوْمًا وَإِذا قل الْبرد فِي عَام بَقِي سبعين يَوْمًا إِلَى نَحْو ثَلَاثَة أشهر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 قَالَت الْمَرْأَة فَعبر الْكَافِر فِي خيله إِلَى بَاب الْحصن وَقد تحصن النَّاس وضموا أمتعتهم فضجوا بِالْمُسْلِمين وخربوهم فحصر من ذَلِك أهل النَّاحِيَة وَأَرَادُوا الْخُرُوج فَمَنعهُمْ الْعَامِل دون أَن تتوافى عَسَاكِر السُّلْطَان وتتلاحق المطوعة فَشد طَائِفَة من شُبَّان النَّاس وأحداثهم فتقاربوا من السُّور بِمَا أطاقوا حمله من السِّلَاح وحملوا على الْكَفَرَة فتهارج الْكَفَرَة واستجروهم من بَين الْأَبْنِيَة والحيطان فَلَمَّا أصحروا كرّ التّرْك عَلَيْهِم وَصَارَ الْمُسلمُونَ فِي مثل الحرجة فتخلصوا وَاتَّخذُوا دارة يُحَاربُونَ من وَرَائِهَا وَانْقطع مَا بَينهم وَبَين الْخصم وبعدت الْمُؤْنَة عَنْهُم فحاربوا كأشد حَرْب وثبتوا حَتَّى تقطعت الأوتار والقسي وأدركهم التَّعَب ومسهم الْجُوع والعطش وَقتل عامتهم وأثخن الْبَاقُونَ بالجراحات وَلما جن عَلَيْهِم اللَّيْل تحاجز الْفَرِيقَانِ قَالَت الْمَرْأَة وَرفعت النَّار على المناظر سَاعَة عبور الْكَافِر فاتصلت بالجرجانية وَهِي مَدِينَة عَظِيمَة فِي قاصية خوارزم وَكَانَ ميكال مولى طَاهِر من أبياتها فِي عَسْكَر فَحَث فِي الطّلب هَيْبَة للأمير أبي الْعَبَّاس عبد الله بن طَاهِر رَحمَه الله وركض إِلَى هزاراسب فِي يَوْم وَلَيْلَة أَرْبَعِينَ فرسخا بفراسخ خوارزم وفيهَا فضل كثير على فراسخ خُرَاسَان وعد التّرْك الْفَرَاغ من أَمر أُولَئِكَ النَّفر فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ ارْتَفَعت لَهُم الْأَعْلَام السود وسمعوا أصوات الطبول فأفرجوا عَن الْقَوْم ووافى ميكال مَوضِع المعركة فوارى الْقَتْلَى وَحمل الْجَرْحى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 قَالَت الْمَرْأَة وَأدْخل الْحصن علينا عَشِيَّة ذَلِك أَرْبَعمِائَة جَنَازَة فَلم تبْق دَار إِلَّا حمل إِلَيْهَا قَتِيل وعمت الْمُصِيبَة وارتجت النَّاحِيَة بالبكاء قَالَت وَوضع زَوجي بَين يَدي قَتِيلا فأدركني من الْجزع والهلع علية مَا يدْرك الْمَرْأَة الشَّابَّة على زوج أبي الْأَوْلَاد وَكَانَت لنا عِيَال قَالَت فَاجْتمع النِّسَاء من قراباتي وَالْجِيرَان يسعدنني على الْبكاء وَجَاء الصّبيان وهم أَطْفَال لَا يعْقلُونَ من الْأَمر شَيْئا يطْلبُونَ الْخبز وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أعطيهم فضقت صَدرا بأَمْري ثمَّ إِنِّي سَمِعت أَذَان الْمغرب فَفَزِعت إِلَى الصَّلَاة فَصليت مَا قضى لي رَبِّي ثمَّ سجدت أَدْعُو وأتضرع إِلَى الله وأسأله الصَّبْر بِأَن يجْبر يتم صبياني قَالَت فَذهب بِي النّوم فِي سجودي فَرَأَيْت فِي مَنَامِي كَأَنِّي فِي أَرض حسناء ذَات حِجَارَة وَأَنا أطلب زَوجي فناداني رجل إِلَى أَيْن أيتها الْحرَّة قلت أطلب زَوجي فَقَالَ خذي ذَات الْيَمين قَالَت فَأخذت ذَات الْيَمين فَرفع لي أَرض سهلة طيبَة الرّيّ ظَاهِرَة العشب وَإِذا قُصُور وأبنية لَا أحفظ أَن أصفها أَو لم أر مثلهَا وَإِذا أَنهَار تجْرِي على وَجه الأَرْض عبر أخاديد لَيست لَهَا حافات فانتهيت إِلَى قوم جُلُوس حلقا حلقا عَلَيْهِم ثِيَاب خضر قد علاهم النُّور فَإِذا هم الَّذين قتلوا فِي المعركة يَأْكُلُون على مَوَائِد بَين أَيْديهم فَجعلت أتخللهم وأتصفح وُجُوههم أبغي زَوجي لكَي ينظرني فناداني يَا رَحْمَة يَا رَحْمَة فيممت الصَّوْت فَإِذا أَنا بِهِ فِي مثل حَال من رَأَيْت من الشُّهَدَاء وَجهه مثل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَهُوَ يَأْكُل مَعَ رفْقَة لَهُ قتلوا يَوْمئِذٍ مَعَه فَقَالَ لأَصْحَابه إِن هَذِه البائسة جائعة مُنْذُ الْيَوْم أفتأذنون لي أَن أناولها شَيْئا تَأْكُله فأذنوا لَهُ فناولني كسرة خبز قَالَت وَأَنا أعلم حِينَئِذٍ أَنه خبز وَلَكِن لَا أَدْرِي كَيفَ يخبز هُوَ أَشد بَيَاضًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 من الثَّلج وَاللَّبن وَأحلى من الْعَسَل وَالسكر وألين من الزّبد وَالسمن فأكلته فَلَمَّا اسْتَقر فِي جوفي قَالَ اذهبي كَفاك الله مُؤنَة الطَّعَام وَالشرَاب مَا حييت الدُّنْيَا فانتبهت من نومي شبعى ريا لَا أحتاج إِلَى طَعَام وَلَا شراب وَمَا ذقتهما مُنْذُ ذَلِك الْيَوْم إِلَى يومي هَذَا وَلَا شَيْئا يَأْكُلهُ النَّاس قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَكَانَت تحضرنا وَكُنَّا نَأْكُل فتتنحى وَتَأْخُذ على أنفها تزْعم أَنَّهَا تتأذى من رَائِحَة الطَّعَام فسألتها هَل تتغذى بِشَيْء أَو تشرب شَيْئا غير المَاء فَقَالَت لَا فسألتها هَل يخرج مِنْهَا ريح أَو أَذَى كَمَا يخرج من النَّاس فَقَالَت لَا عهد لي بالأذى مُنْذُ ذَلِك الزَّمَان قلت وَالْحيض وأظنها قَالَت انْقَطع بِانْقِطَاع الطّعْم قلت فَهَل تحتاجين حَاجَة النِّسَاء إِلَى الرِّجَال قَالَت أما تستحيي مني تَسْأَلنِي عَن مثل هَذَا قلت إِنِّي لعَلي أحدث النَّاس عَنْك وَلَا بُد أَن استقصي قَالَت لَا أحتاج قلت فتنامين قَالَت نعم أطيب نوم قلت فَمَا تَرين فِي مَنَامك قَالَت مثل مَا ترَوْنَ قلت فتجدين لفقد الطَّعَام وَهنا فِي نَفسك قَالَت مَا أحسست بجوع مُنْذُ طعمت ذَلِك الطَّعَام وَكَانَت تقبل الصَّدَقَة فَقلت لَهَا مَا تصنعين بهَا قَالَت أكتسي وأكسو وَلَدي قلت فَهَل تجدين الْبرد وتتأذين بِالْحرِّ قَالَت نعم قلت فَهَل تدرين كلل اللغوب والإعياء إِذا مشيت قَالَت نعم أَلَسْت من الْبشر قلت فتتوضئين للصَّلَاة قَالَت نعم قلت لم قَالَت أَمرنِي بذلك الْفُقَهَاء فَقلت إِنَّهُم أفتوها على حَدِيث لَا وضوء إِلَّا من حدث أَو نوم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 وَذكرت لي أَن بَطنهَا لاصق بظهرها فَأمرت امْرَأَة من نسائنا فَنَظَرت فَإِذا بَطنهَا كَمَا وصفت وَإِذا قد اتَّخذت كيسا فضمت الْقطن وشدته على بَطنهَا كي لَا ينقصف ظهرهَا إِذا مشت ثمَّ لم أزل أختلف إِلَى هزاراسب بَين السنتين وَالثَّلَاث فتحضرني فأعيد مسألتها فَلَا تزيد وَلَا تنقص وَعرضت كَلَامهَا على عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الْفَقِيه فَقَالَ أَنا أسمع هَذَا الْكَلَام مُنْذُ نشأت فَلَا أجد من يَدْفَعهُ أَو يزْعم أَنه سمع أَنَّهَا تَأْكُل أَو تشرب أَو تتغوط 1043 - أَحْمد بن أَحْمد بن نعْمَة بن أَحْمد الْخَطِيب شرف الدّين أَبُو الْعَبَّاس النابلسي الْمَقْدِسِي خطيب دمشق قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَانَ إِمَامًا فَقِيها محققا متقنا للْمَذْهَب وَالْأُصُول والعربية حاد الذِّهْن سريع الْفَهم بديع الْكِتَابَة قَالَ وناب فِي الحكم عَن ابْن الخويي وَأَجَازَ لَهُ الْفَتْح بن عبد السَّلَام وَأَبُو عَليّ الجواليقي وَأَبُو حَفْص السهروردي وَسمع من ابْن الصّلاح والسخاوي وَغَيرهمَا وصنف كتابا فِي أصُول الْفِقْه جمع فِيهِ بَين طريقتي الإِمَام فَخر الدّين والآمدي وتفقه على ابْن عبد السَّلَام بِالْقَاهِرَةِ توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 1044 - أَحْمد بن الْخَلِيل بن سَعَادَة بن جَعْفَر بن عِيسَى الْبَرْمَكِي قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس الخويي ولد فِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَدخل إِلَى خُرَاسَان وَقَرَأَ بهَا الْكَلَام وَالْأُصُول على الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِيمَا قَالَه بَعضهم وَقيل إِنَّمَا قَرَأَ على القطب الْمصْرِيّ تلميذ الإِمَام وَقَرَأَ الْفِقْه على الرَّافِعِيّ وَعلم الجدل على عَلَاء الدّين الطاووسي وَسمع هُنَاكَ من الْمُؤَيد الطوسي وَسمع بِدِمَشْق من ابْن الزبيدِيّ وَابْن الصّلاح وَغَيرهمَا سمع مِنْهُ تَاج الدّين بن أبي جَعْفَر وَأَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب وَالْجمال مُحَمَّد بن الصَّابُونِي وَولده قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين وَغَيرهم وَكَانَ فَقِيها أصوليا متكلما مناظرا دينا ورعا ذَا همة عالية حفظ الْقُرْآن على كبر وَكَانَ وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاة يَجِيء إِلَى الْجَامِع بِدِمَشْق وَرُبمَا كَانَ بالطيلسان يَتَلَقَّن على من يقرئه الْقُرْآن كَمَا يَتَلَقَّن الْأَطْفَال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 ولي قَضَاء الْقُضَاة بِالشَّام فَحدث بسيبويه وَفِيه يَقُول الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو شامة وَقد وقف على مُصَنف لَهُ فِي الْعرُوض (أَحْمد بن الْخَلِيل أرشده الله ... لما أرشد الْخَلِيل بن أَحْمد) (ذَاك مستخرج الْعرُوض وَهَذَا ... مظهر السِّرّ مِنْهُ وَالْعود أَحْمد) وللقاضي شمس الدّين مصنفات كَثِيرَة ونظم كثير توفّي فِي سَابِع شعْبَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَدفن بسفح قاسيون 1045 - أَحْمد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن علوان ابْن عبد الله بن علوان بن رَافع الْحلَبِي الْأَسدي الشَّيْخ كَمَال الدّين بن القَاضِي زين الدّين بن الْمُحدث أبي مُحَمَّد بن الْأُسْتَاذ شَارِح الْوَسِيط كَانَ فَقِيها حَافِظًا للْمَذْهَب ولد سنة إِحْدَى عشرَة وسِتمِائَة سمع جده وثابت بن مشرف وَابْن روزبة وَسمع حضورا من الافتخار الْهَاشِمِي وَمن غَيرهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وكاني يَدْعُو لَهُ لما أولاه من الْإِحْسَان ولي الْقَضَاء بحلب بعد عَمه وَكَانَ وافر الْحُرْمَة عِنْد النَّاصِر صَاحب الشَّام فَلَمَّا أخذت حلب توجه بِنَفسِهِ إِلَى مصر بعد مَا أَخذ مَاله وَأُصِيب فِي أَهله ودرس هُنَاكَ بمنازل الْعِزّ والكهارية ثمَّ تولى قَضَاء حلب فَسَار إِلَيْهَا وَأقَام بهَا أشهرا وَتُوفِّي فِي نصف شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة عَن نَيف وَخمسين سنة وَله حواش على فَتَاوَى ابْن الصّلاح هِيَ عِنْدِي بِخَطِّهِ على نُسْخَة على فتاوي ابْن الصّلاح فِيهَا فَوَائِد وَكَلَامه يدله على فضل كَبِير واستحضار للْمَذْهَب جيد 1046 - أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس محب الدّين الطَّبَرِيّ ثمَّ الْمَكِّيّ شيخ الْحرم وحافظ الْحجاز بِلَا مدافعة مولده سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 سمع ابْن المقير وَابْن الجميزي وَغَيرهمَا روى عَنهُ البرزالي وَغَيره وتفقه بقوص على الشَّيْخ مجد الدّين الْقشيرِي وَالِد شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين وصنف التصانيف الجيدة مِنْهَا فِي الحَدِيث الْأَحْكَام الْكتاب الْمَشْهُور الْمَبْسُوط دلّ على فضل كَبِير وَله مُخْتَصر فِي الحَدِيث أَيْضا رتبه على أَبْوَاب التَّنْبِيه وَله كتاب فِي فضل مَكَّة حافل وَله شرح على التَّنْبِيه مَبْسُوط فِيهِ علم كثير استدعاه المظفر صَاحب الْيمن ليسمع عَلَيْهِ الحَدِيث فَتوجه إِلَيْهِ من مَكَّة وَأقَام عِنْده مُدَّة وَفِي تِلْكَ الْمدَّة نظم قصيدة يتشوق إِلَى مَكَّة مِنْهَا (مريضك من صدودك لَا يُعَاد ... بِهِ ألم لغيرك لَا يُعَاد) (وَقد ألف التَّدَاوِي بالتداني ... فَهَل أَيَّام وصلكم تُعَاد) (لحا الله العواذل كم يلحوا ... وَكم عذلوا فَمَا أصغى وعادوا) (وَلَو لمحوا من الأحباب معنى ... لما أبدوا هُنَاكَ وَلَا أعادوا) وَمِنْهَا (أُرِيد وصالها وتريد بعدِي ... فَمَا أَشْقَى مرِيدا لَا يُرَاد) وَهِي طَوِيلَة خمسها بعض الأدباء لاستحسانه لَهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 فَوَائِد ومسائل عَن الْحَافِظ الطَّبَرِيّ ذكر فِي شرح التَّنْبِيه أَنه يجوز قطع مَا يتغذى بِهِ من نَبَات الْحرم غير الْإِذْخر كالبقلة الْمُسَمَّاة عِنْد أهل مصر بالرجلة وَنَحْوه لِأَنَّهُ فِي معنى الزَّرْع 1047 - أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْكِنْدِيّ الشَّيْخ جلال الدّين الدشناوي كَانَ إِمَامًا عَالما فَقِيها أصوليا زاهدا ورعا ولد سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة بدشنا من صَعِيد مصر وَسمع الحَدِيث من الْفَقِيه بهاء الدّين ابْن الجميزي والحافظ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ وَالشَّيْخ مجد الدّين الْقشيرِي وَالشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام تفقه وتأصل وَقَرَأَ الْأُصُول على الشَّيْخ شمس الدّين الْأَصْفَهَانِي شَارِح الْمَحْصُول حِين كَانَ حَاكما بقوص وَقَرَأَ النَّحْو على الشَّيْخ شرف الدّين المرسي وَحدث سمع مِنْهُ شَيخنَا شمس الدّين بن القماح وَغَيره وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْمَذْهَب بِمَدِينَة قوص وتفقه عَلَيْهِ خلائق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 وَحكي أَن النصير بن الطباخ الْمَشْهُور بالفقيه قَالَ للشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام مَا أَظن فِي الصَّعِيد مثل هذَيْن الشابين يَعْنِي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَالشَّيْخ جلال الدّين الدشناوي فَقَالَ لَهُ ابْن عبد السَّلَام وَلَا فِي المدينتين وصنف الشَّيْخ جلال الدّين شرحا على التَّنْبِيه وصل فِيهِ إِلَى الصّيام ومناسك ومقدمة فِي النَّحْو وَله شعر متوسط مِنْهُ هَذَا (يَا لائمي كف عَن ملامي ... عَن انعزالي عَن الْأَنَام) (إِن نذيري الَّذِي نهاني ... يخبر حَالي على التَّمام) (رأى مشيبي ووهن عظمي ... قد أدنياني من الْحمام) وَكَانَ يُقَال إِنَّه من الأبدال لشدَّة ورعه وتقواه توفّي يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل شهر رَمَضَان سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة بقوص وَمن الْفَوَائِد عَنهُ سُئِلَ عَن عبد بَيت المَال إِذا أَرَادَ أَن يعْتق وَلَا وَلَاء عَلَيْهِ فَقَالَ يَشْتَرِي نَفسه من وَكيل بَيت المَال فَفعل ذَلِك ثمَّ رفعت الْقَضِيَّة إِلَى قَاضِي قوص فَلم يمض البيع وَقَالَ نَص الْفُقَهَاء على أَن ابتياع العَبْد نَفسه عقد عتاقة وَلَيْسَ لوكيل بَيت المَال أَن يعْتق أرقاء بَيت المَال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 قلت وَمَا ذكره الشَّيْخ جلال الدّين من جَوَاز هَذَا الْعتْق صَحِيح فَإِن هَذَا الْعتْق وَاقع بعوض فَلَا يمْنَع على الْوَكِيل فعله بل هُوَ أولى من البيع لتشوف الشَّارِع إِلَى الْعتْق وحصوله بعوض لَا يفوت على الْمُسلمين شَيْئا وَأما الْعتْق على الْمُسلمين مجَّانا فَلَيْسَ لوكيل بَيت المَال فعله لَا لكَون عبد بَيت المَال لَا يعْتق فَإِن للْإِمَام عتق بَيت المَال كَمَا لَهُ تمْلِيك من شَاءَ بِالْمَصْلَحَةِ وَقد نَص الشَّافِعِي فِي بَاب الْهُدْنَة على أَن للْإِمَام الْعتْق وَلَكِن لِأَن مُجَرّد التَّوْكِيل لَا يسوغ الْعتْق فَإِن وَكله الإِمَام فِي الْعتْق كَانَ لَهُ ذَلِك بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا هُوَ للْإِمَام وَأما قَول الشَّيْخ جلال الدّين إِنَّه إِذا اشْترى نَفسه من وَكيل بَيت المَال فَلَا يثبت عَلَيْهِ وَلَاء فَفِيهِ نظر بل صرح الرَّافِعِيّ فِي بَاب الْهُدْنَة أَن الْوَلَاء للْمُسلمين وَيُؤَيِّدهُ أَن الْأَصَح ثُبُوت الْوَلَاء على العَبْد وَيَشْتَرِي نَفسه من مَوْلَاهُ وَالظَّاهِر أَن الْخلاف يجْرِي فِي عبد بَيت المَال حَتَّى يكون الْوَلَاء للْمُسلمين 1048 - أَحْمد بن عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن أبي طَالب الشعيري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 1049 - أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن خلف بن مَحْمُود بن بدر العلامي الْبَصْرِيّ عَلَاء الدّين ابْن بنت الْأَعَز كَانَ فَقِيها أديبا رَئِيسا درس فِي الْقَاهِرَة بالقطبية والكهارية وبدمشق بالظاهرية والقيمرية وَله شعر كثير مِنْهُ 1050 - أَحْمد بن عِيسَى بن رضوَان بن القليوبي شَارِح التَّنْبِيه لقبه كَمَال الدّين وكنيته أَبُو الْعَبَّاس وَكَانَ يكْتب بِخَطِّهِ ابْن الْعَسْقَلَانِي وَهُوَ ولد الشَّيْخ ضِيَاء الدّين كَانَ كَمَال الدّين هَذَا فَقِيها صَالحا سليم الْبَاطِن حسن الِاعْتِقَاد كثير المصنفات أَخذ عَن وَالِده وَغَيره وروى عَن ابْن الجميزي وَعِنْدِي بِخَطِّهِ من مصنفاته نهج الْوُصُول فِي علم الْأُصُول مُخْتَصر صنفه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 فِي أصُول الْفِقْه والمقدمة الأحمدية فِي أصُول الْعَرَبيَّة وَكتاب طب الْقلب وَوصل الصب تصوف وَكتاب الْجَوَاهِر السحابية فِي النكت المرجانية جمع فِيهِ كَلِمَات سَمعهَا من أَخِيه فِي الله على مَا ذكر الشَّيْخ الْجَلِيل الْمِقْدَار أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن الْمرْجَانِي وَكَانَ اجْتمع بِهِ بعد قفول ابْن الْمرْجَانِي من حجه سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَكتب عَنهُ هَذِه الْفَوَائِد وَكتاب الْعلم الظَّاهِر فِي مَنَاقِب الْفَقِيه أبي الطَّاهِر جمع فِيهِ مَنَاقِب شيخ وَالِده أبي الطَّاهِر خطيب مصر وكتبت من هَذَا الْكتاب فَوَائِد تتَعَلَّق بتراجم جمَاعَة نقلتها عَنهُ فِي هَذَا الْكتاب وَكتاب الْحجَّة الرابضة لفرق الرافضة وكل هَذِه مختصرات عِنْدِي بِخَطِّهِ وَولي قَضَاء الْمحلة مُدَّة زمانية اجْتمع بِالْحَافِظِ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ وَحدث عَنهُ بفوائد وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ إِنَّه توفّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة قلت وَلَيْسَ كَذَلِك بل قد تَأَخّر عَن هَذَا الْوَقْت فقد رَأَيْت طباق السماع عَلَيْهِ فِي الْعلم الظَّاهِر مؤرخة بِسنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة بَعْضهَا فِي جُمَادَى الأولى وَبَعضهَا فِي رَجَب وَعَلَيْهَا خطه بالتصحيح وَكَانَ حَاكما بِمَدِينَة الْمحلة إِذْ ذَاك وَلابْن القليوبي شرح على التَّنْبِيه مَبْسُوط وَفِيه يَقُول فِيمَا رَأَيْته مَنْقُولًا عَنهُ إِنَّه استنبط من قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن ذَلِك أدنى أَن يعرفن فَلَا يؤذين} أَن مَا يَفْعَله عُلَمَاء هَذَا الزَّمَان فِي ملابسهم من سَعَة الأكمام وَكبر الْعمة وَلبس الطيالس حسن وَإِن لم يَفْعَله السّلف لِأَنَّهُ فِيهِ تَمْيِيز لَهُم يعْرفُونَ بِهِ ويلتفت إِلَى فتاويهم وأقوالهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 1051 - أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد الْكَبِير نجم الدّين الْكُبْرَى أَبُو الجناب - بِفَتْح الْجِيم ثمَّ نون مُشَدّدَة - الخيوقي الصُّوفِي شيخ خوارزم والكبرى على صِيغَة فعلى كعظمى وَمِنْهُم من يمد فَيَقُول الكبراء جمع كَبِير كَانَ إِمَامًا زاهدا عَالما طَاف الْبِلَاد وَسمع بهَا الحَدِيث سمع بالإسكندرية أَبَا طَاهِر السلَفِي وبهمذان الْحَافِظ أَبَا الْعَلَاء وبنيسابور أَبَا الْمَعَالِي الفراوي روى عَنهُ عبد الْعَزِيز بن هلالة وناصر بن مَنْصُور الفرضي وَالشَّيْخ سيف الدّين الباخرزي وَآخَرُونَ قَالَ ابْن نقطة هُوَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب إِمَّا فِي السّنة وَقَالَ ابْن هلالة جَلَست عِنْده فِي الْخلْوَة مرَارًا فَوجدت من بركته شَيْئا عَظِيما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب طَاف الْبِلَاد وَسمع بهَا الحَدِيث واستوطن خوارزم وَصَارَ شيخ تِلْكَ النَّاحِيَة وَكَانَ صَاحب حَدِيث وَسنة وملجأ للغرباء عَظِيم الجاه لَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَقَالَ غَيره إِنَّه فسر الْقُرْآن الْعَظِيم فِي اثْنَتَيْ عشرَة مجلدة وَاجْتمعَ بِهِ الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ 1052 - أَحْمد بن فَرح بِالْفَاءِ والحاء الْمُهْملَة ابْن أَحْمد الإشبيلي الْمُحدث أَبُو الْعَبَّاس اللَّخْمِيّ نزيل دمشق ولد سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وأسره الْعَدو ونجاه الله تَعَالَى وَأخذ عَن شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام والكمال الضَّرِير وَغَيرهمَا بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ بِدِمَشْق عَن ابْن عبد الدَّائِم وَعمر الْكرْمَانِي وَابْن أبي الْيُسْر وَخلق قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَأَقْبل على تجويد الْمُتُون وفهمها فَتقدم فِي ذَلِك وَكَانَت لَهُ حَلقَة إقراء فِي جَامع دمشق يقْرَأ فِيهَا فنون الحَدِيث حضرت مجالسه وَأخذت عَنهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 وَنعم الشَّيْخ كَانَ سكينَة ووقارا وديانة واستحضارا مَاتَ بتربة أم الصَّالح فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن فَرح وعدة قَالُوا أخبرنَا ابْن عبد الدَّائِم ح وَأخْبرنَا عَن ابْن عبد الدَّائِم إجَازَة إِن لم يكن سَمَاعا أخبرنَا يحيى بن مَحْمُود أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحداد حضورا أخبرنَا أَبُو نعيم أخبرنَا عبد الله بن جَعْفَر حَدثنَا أَحْمد بن الْفُرَات حَدثنَا يعلى بن عبيد حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَجِد من شرار النَّاس ذَا الْوَجْهَيْنِ قَالَ الْأَعْمَش الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْه وَهَؤُلَاء بِوَجْه // حَدِيث صَحِيح // // أخرجه التِّرْمِذِيّ // أنشدنا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المظفر بن أبي مُحَمَّد النابلسي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قلت لَهُ أنْشدكُمْ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ الزَّاهِد شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن فَرح لنَفسِهِ (غرامي صَحِيح والرجا فِيك معضل ... وحزني ودمعي مُرْسل ومسلسل) (وصبري عَنْكُم يشْهد الْعقل أَنه ... ضَعِيف ومتروك وذلي أجمل) (وَلَا حسن إِلَّا سَماع حديثكم ... مشافهة يملى عَليّ فأنقل) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 (وأمري مَوْقُوف عَلَيْك وَلَيْسَ لي ... على أحد إِلَّا عَلَيْك الْمعول) (وَلَو كَانَ مَرْفُوعا إِلَيْك لَكُنْت لي ... على رغم عذالي ترق وتعدل) (وعذل عذولي مُنكر لَا أسيغه ... وزور وتدليس يرد ويهمل) (أَقْْضِي زماني فِيك مُتَّصِل الأسى ... ومنقطعا عَمَّا بِهِ أتوصل) (وَهَا أَنا فِي أكفان هجرك مدرج ... تكلفني مَا لَا أُطِيق فأحمل) (وأجريت دمعي بالدماء مدبجا ... وَمَا هِيَ إِلَّا مهجتي تتحلل) (فمتفق جفني وسهدي وعبرتي ... ومفترق صبري وقلبي المبلبل) (ومؤتلف شجوي ووجدي ولوعتي ... ومُخْتَلف حظي وَمَا فِيك آمل) (خُذ الوجد عني مُسْندًا ومعنعنا ... فغيري بموضوع الْهوى يتجمل) (وَذي نبذ من مُبْهَم الْحبّ فَاعْتبر ... وغامضه إِن رمت شرحا أطول) (غَرِيب يقاسي الْبعد عَنْك وَمَا لَهُ ... وحقك عَن دَار القلى متحول) (عَزِيز بكم صب ذليل لعزكم ... ومشهور أَوْصَاف الْمُحب التذلل) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 (فرفقا بمقطوع الْوَسَائِل مَا لَهُ ... إِلَيْك سَبِيل لَا وَلَا عَنْك معدل) (وَلَا زلت فِي عز منيع ورفعة ... وَلَا زلت تعلو بالتجني وَأنزل) (أوري بسعدى والرباب وَزَيْنَب ... وَأَنت الَّذِي تعنى وَأَنت المؤمل) (فَخذ أَولا من آخر ثمَّ أَولا ... من النّصْف مِنْهُ فَهُوَ فِيهِ مكمل) (أبر إِذا أَقْسَمت أَنِّي بحبه ... أهيم وقلبي بالصبابة مشعل) وَهَذِه القصيدة بليغة جَامِعَة لغالب أَنْوَاع الحَدِيث 1053 - أَحْمد بن الْمُبَارك بن نَوْفَل الإِمَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس النصيبيني الخرفي وخرفة بخاء مُعْجمَة ثمَّ رَاء سَاكِنة ثمَّ فَاء مَفْتُوحَة من قرى نَصِيبين كَانَ إِمَامًا عَالما فَقِيها نحويا مقرئا يشغل النَّاس بالموصل وسنجار ودرس بهما مَذْهَب الشَّافِعِي وَله مصنفات كَثِيرَة مِنْهَا شرح الدريدية وَشرح الملحة وَكتاب خطب وَكتاب فِي الْعرُوض انْتقل بِالآخِرَة إِلَى الجزيرة فَتوفي بهَا فِي رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 1054 - أَحْمد بن كشاسب بِفَتْح الْكَاف وشين مُعْجمَة مَفْتُوحَة ثمَّ ألف سَاكِنة ثمَّ سين مُهْملَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة ابْن عَليّ الدزماري بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة بعْدهَا زَاي سَاكِنة ثمَّ مِيم ثمَّ ألف ثمَّ رَاء مَكْسُورَة ثمَّ يَاء النّسَب الشَّيْخ كَمَال الدّين الْفَقِيه الصُّوفِي أَبُو الْعَبَّاس لَهُ شرح التَّنْبِيه وَكتاب فِي الفروق قَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو شامة وَهُوَ أحد من قَرَأت عَلَيْهِ فِي صباي قَالَ وَهُوَ الَّذِي ذكره شَيخنَا أَبُو الْحسن - يَعْنِي السخاوي - فِي خطْبَة التَّفْسِير وَأثْنى عَلَيْهِ كَانَ يلازم حَلقَة الشَّيْخ لسَمَاع التَّفْسِير وَفِي وَقت ختمات الطّلبَة توفّي فِي سَابِع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَحكى فِي شرح التَّنْبِيه وَجْهَيْن فِي ضبط الصَّغِير وَالْكَبِير فِي ضبة الذَّهَب وَالْفِضَّة أَن الْكَبِير قدر نِصَاب السّرقَة وَالصَّغِير دونه وَهُوَ غَرِيب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 1055 - أَحْمد بن محسن بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة ابْن ملي بِاللَّامِ أَيْضا الشَّيْخ نجم الدّين الْمَعْرُوف بِابْن ملي الْمَشْهُور بِحسن المناظرة والقادر على إبداء الْحجَّة المسرعة وإلجام الْخُصُوم والذهن المتوقد كشعلة نَار والوثوب على النظراء فِي مجَالِس النّظر كَأَنَّهُ صَاحب ثار سمع من الْبَهَاء عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي وَالْحُسَيْن بن الزبيدِيّ وَأبي المنجا بن اللتي وَغَيرهم وَحدث بِدِمَشْق وحلب وَقَرَأَ بِدِمَشْق النَّحْو على ابْن الْحَاجِب وتفقه على شيخ الْإِسْلَام ابْن عبد السَّلَام وَأحكم الْأُصُول وَالْكَلَام والفلسفة وَأفْتى وناظر وشغل مُدَّة وَدخل مصر غير مرّة وناظر وَشهد لَهُ أَهلهَا بِالْفَضْلِ وَكَانَ يَقُول فِي الدَّرْس عينوا آيَة لنتكلم عَلَيْهَا فَإِذا عينوها تكلم بِعِبَارَة فصيحة وَعلم غزير كَأَنَّمَا يقْرَأ من كتاب وَكَانَ قوي الحافظة تقْرَأ عَلَيْهِ الأوراق مرّة وَاحِدَة فيعيدها بِأَكْثَرَ لَفظهَا وَإِذا حضر عِنْد أحد درسا سكت إِلَى أَن يفرغ ذَلِك الْمدرس وَيَقُول مَا عِنْده مِمَّا بَيته فيبتدىء ابْن ملي وَيَقُول ذكر مَوْلَانَا كَيْت وَكَيْت وَيذكر جَمِيع مَا ذكره ثمَّ يَأْخُذ فِي الِاعْتِرَاض والبحث الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 وَقد دخل بَغْدَاد وَأعَاد بالنظامية ولد ببعلبك فِي رَمَضَان سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة أخبرنَا الْمسند عز الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عمر بن الْمُسلم الْحَمَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا الإِمَام الْعَلامَة الأصولي ذُو الْفُنُون نجم الدّين أَو الْعَبَّاس أَحْمد بن محسن بن ملي الشَّافِعِي البعلبكي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عبد الْحق بن عبد الْخَالِق ابْن أَحْمد بن يُوسُف قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو سعد بن عبد الْملك بن عبد القاهر الْأَسدي أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن بَشرَان حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد دعْلج حَدثنَا معَاذ بن الْمثنى حَدثنَا عَمْرو بن مَرْزُوق أخبرنَا شُعْبَة عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب قَالَ خطب مَرْوَان فَقدم الْخطْبَة قبل الصَّلَاة - يَعْنِي يَوْم الْعِيد - فَقَامَ رجل فَقَالَ خَالَفت السّنة فَقَامَ أَبُو سعيد فَقَالَ أما هَذَا الْمُتَكَلّم فقد قضى مَا عَلَيْهِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رأى مِنْكُم مُنْكرا فلينكره بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 1056 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن خلكان الْبَرْمَكِي قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين ابْن شهَاب الدّين تفقه على وَالِده بِمَدِينَة إربل ثمَّ انْتقل بعد موت أَبِيه إِلَى الْموصل وَحضر دروس الإِمَام كَمَال الدّين بن يُونُس ثمَّ انْتقل إِلَى حلب وَأقَام عِنْد الشَّيْخ بهاء الدّين أبي المحاسن يُوسُف بن شَدَّاد وتفقه عَلَيْهِ وَقَرَأَ النَّحْو على أبي الْبَقَاء يعِيش بن عَليّ النَّحْوِيّ ثمَّ قدم دمشق واشتغل على ابْن الصّلاح ثمَّ انْتقل إِلَى الْقَاهِرَة وناب فِي الحكم عَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين السنجاري ثمَّ ولي قَضَاء الْمحلة ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة بِالشَّام ثمَّ عزل ثمَّ وَليهَا ثَانِيًا ثمَّ عزل وَمن مصنفاته كتاب وفيات الْأَعْيَان وَهُوَ كتاب جليل توفّي بِدِمَشْق فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فِي شهر رَجَب وَله فِي الْأَدَب الْيَد الطُّولى وشعره أرق من أعطاف ذِي الشَّمَائِل لعبت بِهِ الشُّمُول وأعذب فِي الثغور لعسا من ارتشاف الضَّرْب وَإنَّهُ لفوق مَا نقُول الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 فَمِنْهُ (يَا من كلفت بِهِ فعذب مهجتي ... رفقا على كلف الْفُؤَاد معذب) (إِن فَاتَهُ مِنْك اللِّقَاء فَإِنَّهُ ... يرضى بلقيا طيفك المتأوب) (قسما بوجدي فِي الْهوى وبحرقتي ... وبحيرتي وتلهفي وتلهبي) (لَو قلت لي جدلى بروحك لم أَقف ... فبمَا أمرت وَإِن شَككت فجرب) (مولَايَ هَل من عطفة تصغي إِلَى ... قصصي وَطول شكايتي وتعتبي) (قد كنت تَلقانِي بِوَجْه باسم ... وَالْيَوْم تَلقانِي بِوَجْه مقطب) (مَا كَانَ لي ذَنْب إِلَيْك سوى الْهوى ... فعلام تهجرني إِذا لم أذْنب) (قل لي بِأَيّ وَسِيلَة أدلي بهَا ... إِن كنت تبعدني لأجل تقربي) (وحياة وَجهك وَهُوَ بدر طالع ... وجمال طرتك الَّتِي كالغيهب) (وفتور مقلتك الَّتِي قد أذعنت ... لكَمَال بهجتها عُيُوب المعتب) (وَبَيَان مبسمك النقي الْوَاضِح العذب ... الشهي اللؤلئي الأشنب) (وبقامة لَك كالقضيب ركبت من ... أخطارها فِي الْحبّ أصعب مركب) (لَو لم أكن فِي رُتْبَة أرعى لَهَا الْعَهْد ... الْقَدِيم صِيَانة للمنصب) (لهتكت ستري فِي هَوَاك ولذ لي ... خلع العذار ولج فِيك مؤنبي) (قد خانني صبري وَضَاقَتْ حيلتي ... وتقسمت فكري وعقلي قد سبي) (وَلَقَد سمحت بمهجتي وحشاشتي ... وبحالتي ووجاهتي وبمنصبي) (حَتَّى خشيت بِأَن يَقُول عواذلي ... قد جن هَذَا الشَّيْخ فِي هَذَا الصَّبِي) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 1059 - أَحْمد بن مَحْمُود بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي الهيجاء ابْن حمدَان أَبُو الْعَبَّاس من أهل وَاسِط درس الْفِقْه على عَمه أبي عَليّ الْحسن بن أَحْمد وعَلى يحيى بن الرّبيع وَأبي الْقَاسِم ابْن فضلان وَقَرَأَ الْأُصُول على المجير الْبَغْدَادِيّ والقراءات بالروايات على أبي بكر الباقلاني وَسمع من أبي الْفَتْح بن شاتيل وَأبي الْفرج بن كُلَيْب وَطَائِفَة وَولي الْقَضَاء بالجانب الغربي بِبَغْدَاد قَالَ ابْن النجار وَكَانَ فَقِيها فَاضلا عَالما عَاملا حَافِظًا لمَذْهَب الشَّافِعِي سديد الْفَتَاوَى حسن الْكَلَام فِي مسَائِل الْخلاف لَهُ يَد حَسَنَة فِي الْأُصُول والجدل وَيقْرَأ الْقُرْآن قِرَاءَة حَسَنَة وَيفهم طرفا صَالحا من الحَدِيث وَالْأَدب وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا من كتب الْفِقْه والْحَدِيث وَغير ذَلِك وَوصف بِالْخَيرِ كثيرا إِلَى أَن قَالَ مَا رَأَيْت أجمل طَريقَة مِنْهُ وَلَا أحسن سيرة مِنْهُ مولده فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة بواسط وَمَات بِبَغْدَاد فِي شهر ربيع الآخر سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 1057 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَبَّاس بن جعوان الْفَقِيه شهَاب الدّين الدِّمَشْقِي كَانَ ورعا أَخذ عَن النَّوَوِيّ وروى عَن ابْن عبد الدَّائِم توفّي فِي شعْبَان سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة بِدِمَشْق 1058 - أَحْمد بن مُحَمَّد الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الْعَبَّاس الملثم كَانَ من أَصْحَاب الكرامات وَالْأَحْوَال والمقامات العاليات ويحكى عَنهُ عجائب وغرائب وَكَانَ مُقيما بِمَدِينَة قوص لَهُ بهَا رِبَاط وَعرف بالملثم لِأَنَّهُ كَانَ دَائِما بلثام وَكَانَ من الْمَشَايِخ المعمرين بَالغ فِيهِ قوم حَتَّى قَالُوا إِنَّه من قوم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّه صلى خلف الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَإنَّهُ رأى الْقَاهِرَة أخصاصا قبل بنائها وَمن أخص النَّاس بِصُحْبَتِهِ تِلْمِيذه الشَّيْخ الصَّالح عبد الْغفار بن نوح صَاحب كتاب الوحيد فِي علم التَّوْحِيد وَقد حكى فِي كِتَابه هَذَا كثيرا من كراماته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 وَذكر أَنه كَانَ عَادَته إِذا أَرَادَ أَن يسْأَل أَبَا الْعَبَّاس شَيْئا أَو اشتاق إِلَيْهِ حضر وَإِن كَانَ غَائِبا سَاعَة مُرُور ذَلِك على خاطره قَالَ وسألني يَوْمًا بعض الصَّالِحين أَن أسأله عَمَّا يُقَال إِنَّه من قوم يُونُس وَمن أَنه رأى الشَّافِعِي قَالَ فَجَاءَنِي غُلَام عمي وَقَالَ لي الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس فِي الْبَيْت وَقد طَلَبك وَكنت غسلت ثوبي وَلَا ثوب لي غَيره فَقُمْت واشتملت بِشَيْء ورحت إِلَيْهِ فَوَجَدته مُتَوَجها فَسلمت وَجَلَست وَسَأَلته عَمَّا جرى بِمَكَّة وَكنت أعتقد أَنه يحجّ فِي كل سنة فَإِنَّهُ كَانَ زمَان الْحَج يغيب أَيَّامًا يسيرَة ويخبر بأخبارها فَلَمَّا سَأَلته أَخْبرنِي بِمَا جرى بِمَكَّة ثمَّ تفكرت مَا سَأَلَهُ ذَلِك الرجل الصَّالح فحين خطر لي الْتفت إِلَيّ وَقَالَ لي يَا فَتى مَا أَنا من قوم يُونُس أَنا شرِيف حسيني وَأما الشَّافِعِي فَمَتَى مَاتَ مَا لَهُ من حِين مَاتَ كثير نعم أَنا صليت خَلفه وَكَانَ جَامع مصر سوقا للدواب وَكَانَت الْقَاهِرَة اخصاصا فَأَرَدْت أَن أحقق عَلَيْهِ فَقلت صليت خلف الإِمَام الشَّافِعِي مُحَمَّد بن إِدْرِيس فَتَبَسَّمَ وَقَالَ فِي النّوم يَا فَتى فِي النّوم يَا فَتى وَهُوَ يضْحك وَكَانَ يَوْم الْجُمُعَة فاشتغلنا بِالْحَدِيثِ وَكَانَ حَدِيثه يلذ بالمسامع فَبَيْنَمَا نَحن فِي الحَدِيث والغلام يتَوَضَّأ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ إِلَى أَيْن يَا مبارك فَقَالَ إِلَى الْجَامِع فَقَالَ وحياتي صليت فَخرج الْغُلَام وَجَاء فَوجدَ النَّاس خَرجُوا من الْجَامِع قَالَ عبد الغافر فَخرجت فَسَأَلت النَّاس فَقَالُوا كَانَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس فِي الْجَامِع وَالنَّاس تسلم عَلَيْهِ قَالَ عبد الغافر وفاتتني صَلَاة الْجُمُعَة ذَلِك الْيَوْم قَالَ وَلَعَلَّ قَوْله صليت من صِفَات الْبَدَلِيَّة فَإِنَّهُم يكونُونَ فِي مَكَان وشبههم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 1060 - أَحْمد بن مُوسَى بن يُونُس بن مُحَمَّد بن مَنْعَة الإربلي الْموصِلِي الشَّيْخ شرف الدّين ابْن الشَّيْخ كَمَال الدّين بن يُونُس شَارِح التَّنْبِيه ولد سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة وتفقه على وَالِده وبرع فِي الْمَذْهَب وَاخْتصرَ كتاب الْإِحْيَاء للغزالي مرَّتَيْنِ وَكَانَ يلقِي الْإِحْيَاء دروسا من حفظه وَكَانَ كثير الْمَحْفُوظ غزير الْمَادَّة متفننا فِي الْعُلُوم وَتخرج بِهِ خلق كثير توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وَوَقع فِي شرح التَّنْبِيه لِابْنِ يُونُس حِكَايَة وَجه أَنه إِذا خلط الطَّعَام الْمُوصى بِهِ بأجود مِنْهُ لَا يكون رُجُوعا وَقد قَالَ الرَّافِعِيّ لم يذكرُوا خلافًا فِي أَنه رُجُوع وَفِيه وَجه أَنه إِذا وَجب عَلَيْهِ فِي زَكَاة الْفطر نوع فَلَا يجوز لَهُ الْعُدُول إِلَى أَعلَى مِنْهُ وَهَكَذَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي والشاشي فِي الْحِلْية وَهُوَ يرد على دَعْوَى الرَّافِعِيّ الِاتِّفَاق على الْجَوَاز وَفِيه وَجه أَنه يشْتَرط قبُول الْمُوصى لَهُ بعد الْمَوْت على الْفَوْر وَالَّذِي جزم بِهِ الرَّافِعِيّ خِلَافه قَالَ وَإِنَّمَا يشْتَرط ذَلِك فِي الْعُقُود الناجزة الَّتِي يعْتَبر فِيهَا ارتباط الْقبُول بِالْإِيجَابِ وَفِي وَجه عَن الشَّاشِي فِيمَا إِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ بعد موت الْمُوصي أَنه لَا يقوم وَارثه مقَامه فِي الْقبُول وَالرَّدّ بل تبطل الْوَصِيَّة قَالَ وَلَيْسَ هُوَ بِشَيْء وَهَذَا أَيْضا لَيْسَ فِي الرَّافِعِيّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 فِي مَكَان آخر وَقد تكون تِلْكَ الصّفة الْكَشْف الصُّورِي الَّذِي ترْتَفع فِيهِ الجدران وَيبقى الاستطراق فَيصَلي كَيفَ كَانَ وَلَا يَحْجُبهُ الاستطراق قَالَ عبد الغافر وَكنت عزمت على الْحجاز وَحصل عِنْدِي قلق زَائِد فَأَنا أَمْشِي فِي اللَّيْل فِي زقاق مظلم وَإِذا يَد على صَدْرِي فَزَاد مَا عِنْدِي من القلق فَنَظَرت فَوَجَدته الشَّيْخ أَبَا الْعَبَّاس فَقَالَ يَا مبارك الْقَافِلَة الَّتِي أردْت الرواح فِيهَا تُؤْخَذ والمركب الَّذِي يُسَافر فِيهِ الْحجَّاج يغرق فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك قَالَ وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس لَا يَخْلُو عَن عبَادَة يَتْلُو الْقُرْآن نَهَارا وَيُصلي لَيْلًا قَالَ وَكَانَ أَبوهُ ملكا بالمشرق قَالَ وَقلت لَهُ يَوْمًا يَا سَيِّدي أَنْت تَقول فلَان يَمُوت الْيَوْم الْفُلَانِيّ وَهَذِه المراكب تغرق وأمثال ذَلِك والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام لَا يَقُولُونَ وَلَا يظهرون إِلَّا مَا أمروا بِهِ مَعَ كمالهم وقوتهم وَنور الْأَوْلِيَاء إِنَّمَا هُوَ رشح من نور النُّبُوَّة فَلم تَقول أَنْت هَذِه الْأَقْوَال فاستلقى على ظَهره وَجعل يضْحك وَيَقُول وحياتي وحياتك يَا فَتى مَا هُوَ باختياري توفّي الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشْرين من شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة وَهُوَ مدفون برباطه بِمَدِينَة قوص مَقْصُود للبركة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 وَحكى وَجْهَيْن فِي أَنه هَل يجب على الْوَلِيّ أَن يعلم الصَّبِي الطَّهَارَة وَالصَّلَاة أَو يسْتَحبّ وَكَذَلِكَ حَكَاهُمَا الدَّارمِيّ فِي الاستذكار وَغَيره وَالْمَشْهُور عِنْد الْأَئِمَّة الْوُجُوب وَحكى وَجها عَن الخراسانيين أَنه لَا تجب الْكَفَّارَة على السَّيِّد فِي قتل عَبده وَهُوَ غَرِيب وَفِي ابْن يُونُس غرائب كَثِيرَة لَيست فِي الرَّافِعِيّ إِلَّا أَن ابْن الرّفْعَة جد واجتهد فِي ايداعها الْكِفَايَة فَلم أر للتطويل بهَا مَعَ وجدانها فِي الْكِفَايَة كَبِير معنى 1061 - أَحْمد بن عِيسَى بن عجيل اليمني الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الْوَلِيّ الزَّاهِد الْعَارِف صَاحب الْأَحْوَال والكرامات وَمِمَّا يُؤثر من كراماته أَن بعض النَّاس جَاءَ إِلَيْهِ وَفِي يَده سلْعَة فَقَالَ لَهُ ادْع الله أَن يزِيل عني هَذِه السّلْعَة وَإِلَّا مَا بقيت أحسن ظَنِّي بِأحد من الصَّالِحين فَقَالَ لَهُ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَمسح على يَده وربط عَلَيْهَا بِخرقَة وَقَالَ لَهُ لَا تفتحها حَتَّى تصل إِلَى مَنْزِلك فَخرج من عِنْده فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق أَرَادَ أَن يتغدى فَفتح يَده ليَأْكُل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 وَكَانَت فِي كَفه الْيُمْنَى فَلم ير لَهَا أثرا وَذَهَبت عَنهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَأن الشَّيْخ أَرَادَ ستر الْكَرَامَة بالخرقة لِئَلَّا تظهر فِي الْحَال وَمن الْمَشْهُور أَن بعض فُقَهَاء الْيمن الصَّالِحين من قرَابَة ابْن العجيل هَذَا سَمعه فِي قَبره يقْرَأ سُورَة النُّور 1062 - أَحْمد بن يحيى بن هبة الله بن الْحسن قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين بن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين بن سني الدولة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 1063 - أَحْمد بن يُوسُف بن حسن بن رَافع الشَّيْبَانِيّ الشَّيْخ موفق الدّين أَبُو الْعَبَّاس الْموصِلِي الْمُفَسّر الرجل الصَّالح الزَّاهِد الْوَرع ذُو الْأَحْوَال والكرامات الْمَعْرُوف بالكواشي ولد بكواشة وَهِي قلعة من أَعمال الْموصل سنة تسعين أَو إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَقَرَأَ الْقُرْآن على وَالِده وَسمع الحَدِيث من أبي الْحسن السخاوي وَغَيره ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده ولازم الإقراء وَالْعِبَادَة والتصنيف صنف التَّفْسِير الْكَبِير وَالتَّفْسِير الصَّغِير وَكَانَ السُّلْطَان وَمن دونه يزورونه وَلَا يعبأ بهم وَكَانَ لَا يقبل من أحد شَيْئا وَكَانَ يُقَال إِنَّه يعرف الِاسْم الْأَعْظَم ولازم جَامع الْموصل نيفا وَأَرْبَعين سنة وَقيل إِنَّه كَانَ ينْفق من الْغَيْب قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَلَا أعتقد صِحَة ذَلِك ويحكى عَنهُ من الكرامات مَا يطول شَرحه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 1064 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي سعد بن الإِمَام أبي الْخطاب رَئِيس الشَّافِعِيَّة ببخارى هُوَ وَأَبوهُ وجده وجد جده كَانَ عَالم تِلْكَ الْبِلَاد وإمامها ومحققها وزاهدها وعابدها وَقَالَ فِيهِ صاحبنا وَشَيخنَا الشَّيْخ الْحَافِظ عفيف الدّين المطري هُوَ مُجْتَهد زَمَانه وعلامة أقرانه لم تَرَ الْعُيُون مثله وَمَا رأى مثل نَفسه انْتهى قلت وَهُوَ مُصَنف كتاب الملخص وَكتاب الْمِصْبَاح كِلَاهُمَا فِي الْفِقْه والمصباح أكبرهما حجما مَاتَ سنة أَربع وسِتمِائَة 1065 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله بن أَحْمد ابْن الميمون الْقَيْسِي التوزري الشَّيْخ قطب الدّين بن الْقُسْطَلَانِيّ الْفَقِيه الْمُحدث الأديب الصُّوفِي العابد ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة وَسمع من وَالِده وَمن الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي وَلبس مِنْهُ خرقَة التصوف وَسمع الْكثير بِمصْر ودمشق من أَصْحَاب السلَفِي وَأَصْحَاب ابْن عَسَاكِر وببغداد من جمَاعَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 ولي مشيخة دَار الحَدِيث الكاملية بِالْقَاهِرَةِ وَحدث كثيرا وَأفَاد وَمن شعره (إِذا طَابَ أصل الْمَرْء طابت فروعه ... وَمن غلط جَاءَت يَد الشوك بالورد) (وَقد يخْبث الْفَرْع الَّذِي طَابَ أَصله ... ليظْهر صنع الله فِي الْعَكْس والطرد) توفّي فِي الْمحرم سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة 1066 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن خلكان وَالِد القَاضِي شمس الدّين 1067 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْفضل السهلي معِين الدّين الجاجرمي صَاحب الْكِفَايَة فِي الْفِقْه نَحْو التَّنْبِيه أَو دونه وَله طَريقَة فِي الْخلاف وَشرح أَحَادِيث الْمُهَذّب وإيضاح الْوَجِيز حدث عَن عبد الْمُنعم بن عبد الله الفراوي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 وَمن الْمسَائِل عَنهُ حكى وَجْهَيْن فِي جَوَاز اسْتِئْجَار الرياحين للشم 1068 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْخَطِيب أَبُو عبد الله الغساني الْحَمَوِيّ وَيعرف بِابْن الجاموس تفقه بحماة ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة وَولي خطابة الْجَامِع الْعَتِيق بِمصْر والتدريس بمشهد الْحُسَيْن توفّي فِي ربيع الأول سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة 1069 - مُحَمَّد بن إِسْحَاق الشَّيْخ الزَّاهِد صدر الدّين القونوي صَاحب التصانيف فِي التصوف توفّي سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 1070 - مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي الصَّيف اليمني فَقِيه الْحرم الشريف أَقَامَ بِمَكَّة مُدَّة يدرس ويفتي إِلَى أَن توفّي سنة تسع وسِتمِائَة 1071 - مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن رزين بن مُوسَى بن عِيسَى ابْن مُوسَى العامري الْحَمَوِيّ قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية تَقِيّ الدّين أَبُو عبد الله ولد سنة ثَلَاث وسِتمِائَة بحماة وَحفظ من التَّنْبِيه فِي صغره جانبا صَالحا ثمَّ انْتقل إِلَى الْوَسِيط فحفظه كُله وَحفظ الْمفصل كُله والمستصفى للغزالي كُله وكتابي أبي عَمْرو بن الْحَاجِب فِي الْأُصُول والنحو وسافر إِلَى حلب فَقَرَأَ الْمفصل على موفق الدّين ابْن يعِيش ثمَّ قدم دمشق فلازم الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح وَأخذ عَنهُ وَقَرَأَ بالقراءات على السخاوي وَسمع مِنْهُمَا وَمن كَرِيمَة حَدثنَا عَنهُ قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة وَحدث عَنهُ آخَرُونَ وَولي بِدِمَشْق إِمَامَة دَار الحَدِيث الأشرفية ثمَّ تدريس الشامية البرانية ثمَّ وكَالَة بَيت المَال بِدِمَشْق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 ثمَّ انْتقل إِلَى الْقَاهِرَة وَأعَاد بقبة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ثمَّ درس بالظاهرية ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة وتدريس الشَّافِعِي وَامْتنع أَن يَأْخُذ على الْقَضَاء مَعْلُوما وَكَانَ فَقِيها فَاضلا حميد السِّيرَة كثير الْعِبَادَة حسن التَّحْقِيق مشاركا فِي عُلُوم غير الْفِقْه كَثِيرَة مشارا إِلَيْهِ بالفتوى من النواحي الْبَعِيدَة توفّي فِي ثَالِث رَجَب سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة فَوَائِد عَن قَاضِي الْقُضَاة ابْن رزين كَانَ يذهب إِلَى الْوَجْه الَّذِي حَكَاهُ صَاحب التَّتِمَّة أَن الرشد صَلَاح المَال فَقَط ويرتفع الْحجر عَمَّن بلغ رشيدا فِي مَاله وَإِن بلغ سَفِيها فِي دينه قَالَ ابْن الرّفْعَة سَمِعت قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين فِي مجْلِس حكمه بِمصْر يُصَرح بِاخْتِيَارِهِ وَيحكم بِمُوجبِه ويستدل لَهُ بِإِجْمَاع الْمُسلمين على جَوَاز مُعَاملَة من تَلقاهُ الْغَرِيب من أهل الْبِلَاد مَعَ أَن الْعلم مُحِيط بِأَن الْغَالِب على النَّاس عدم الرشد فِي الدّين والرشد فِي المَال وَلَو كَانَ ذَلِك مَانِعا من نُفُوذ التَّصَرُّفَات لم تجر الأقلام عَلَيْهِ قلت كَانَ قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية إِذا جمعُوا بَين قَضَاء الْقَاهِرَة ومصر كَمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْقَاعِدَة من الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة يتوجهون يَوْم الِاثْنَيْنِ وَيَوْم الْخَمِيس إِلَى مصر فَيَجْلِسُونَ بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ لفصل الْقَضَاء بَين النَّاس ويحضر عِنْدهم عُلَمَاء مصر وَكَانَ ابْن الرّفْعَة يحضر عِنْد قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مجْلِس حكمه إِذا ورد عَلَيْهِم مصر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 وَصَحب الشَّيْخ الْجَلِيل السَّيِّد الْكَبِير أَبَا عبد الله الْقرشِي واختص بِهِ وبرع فِي الْعلم وَلزِمَ طَريقَة السّلف فِي التقشف والورع وَكَانَ يلقِي على الطّلبَة كل يَوْم عدَّة دروس من الْفِقْه وَالْأُصُول وَلَا يقبل لأحد شَيْئا وَكَانَ أول أمره شرابيا يعْمل الشَّرَاب ثمَّ انْتَهَت بِهِ الْحَال إِلَى أَن صَار شيخ الديار المصرية علما وَعَملا وَسُئِلَ فِي ولَايَة الْقَضَاء فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع مولده سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة بجوجر وَقد نقل عَنهُ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب فِي بَاب الْوكَالَة فِي الْكَلَام على أَن الْوَكِيل بِالْبيعِ هَل يملك التَّسْلِيم وَالْقَبْض فَقَالَ تَفْرِيعا على القَوْل بِأَنَّهُ لَا يملك إِذا كَانَ التَّوْكِيل فِي البيع وَالشِّرَاء فِي مصر غير الْمصر الَّذِي فِيهِ الْمُوكل هَل تجْعَل الْغَيْبَة مسلطة على التَّسْلِيم حَيْثُ لَا نقُول يثبت ذَلِك فِي حَالَة كَون الْمُوكل فِي الْمصر الَّذِي فِيهِ الْوَكِيل أَو لَا وَكَانَ بعض مَشَايِخنَا يَحْكِي عَن الشَّيْخ الْعَلامَة الْوَرع الْفَقِيه الزَّاهِد أبي الطَّاهِر خطيب الْمُسلمين بِمصْر الأول وتوجيهه ظَاهر للْعُرْف وَعَن صَاحب التَّقْرِيب مَا يدل عَلَيْهِ بِزِيَادَة لِأَنَّهُ قَالَ إِذا دفع إِلَيْهِ قدرا من الإبريسم ليحمله إِلَى غَرِيمه ليَشْتَرِي بِهِ جَارِيَة فَفعل لم يلْزمه نقلهَا وَقَالَ الإِمَام إِنَّهَا تحصل فِي يَده فِي حكم الْوَدِيعَة وَللْإِمَام احْتِمَال فِي لُزُوم رد الْجَارِيَة قَالَ وَلَكِن الأَصْل خِلَافه لِأَن من الْتزم رد مَال إِنْسَان وَلم يسْتَأْجر عَلَيْهِ لَا يلْزمه الْوَفَاء بِهِ انْتهى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 قلت وَأَظنهُ يُشِير بِبَعْض مشايخه إِلَى السديد التزمنتي فَإِنَّهُ شَيْخه وَهُوَ أَعنِي السديد تلميذ الْخَطِيب أبي الطَّاهِر وكرامات الْخَطِيب أبي الطَّاهِر مَشْهُورَة وَقد دخل دمشق رَسُولا أرْسلهُ الْملك الْكَامِل إِلَى أَخِيه الْأَشْرَف مُوسَى فِي الصُّلْح بَينهمَا وَله أَصْحَاب كَثِيرُونَ عَمت عَلَيْهِم بركاته وَعِنْدِي بِخَط القَاضِي الْفَقِيه كَمَال الدّين أَحْمد بن عِيسَى بن رضوَان الْعَسْقَلَانِي صَاحب شرح التَّنْبِيه وَغَيره من المصنفات وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْن القليوبي مُصَنف فِي مَنَاقِب أبي الطَّاهِر سَمَّاهُ الظَّاهِر فِي مَنَاقِب أبي الطَّاهِر قَالَ فِيهِ إِن الْفَقِيه أَبَا الطَّاهِر قصد مصر للاشتغال وَكَانَ على حَالَة من الْقلَّة وَنزل الْمدرسَة الصلاحية الْمُجَاورَة للجامع الْعَتِيق وَلم يحصل لَهُ بَيت بل خزانَة يضع فِيهَا كِتَابه وثوبه وكوزا وإبريقا وَكَانَ مَعَه شَيْء من العنبر قَالَ فَكنت أبخر ذَلِك الْكوز وَإِذا جَاءَ المعيد وَالْتمس مَاء أَتَيْته بذلك الْكوز تقربا إِلَيْهِ وخدمة لَهُ ثمَّ حكى الْكثير من قلَّة ذَات يَده وَحكى أَن الْفَقِيه ضِيَاء الدّين ولد الشَّيْخ أبي عبد الله الْقُرْطُبِيّ قَالَ أَرْسلنِي وَالِدي إِلَى الْفَقِيه أبي الطَّاهِر يَوْمًا فصادفته فِي الْمِحْرَاب فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وَلم يقم وَكَانَ عَادَته غير ذَلِك فأبلغته الرسَالَة وَبَقِي فِي نَفسِي شَيْء فَلَمَّا رَأَيْته فِي وَقت آخر فسلك عَادَته فِي الْقيام فَقلت لَهُ فَقَالَ أتيتني فِي مَوضِع لَا يُقَام فِيهِ إِلَّا لله تَعَالَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 وَحكى أَنه جَاءَهُ بعض خدم السُّلْطَان وَهُوَ فِي الميعاد وَبَين يَدَيْهِ شمعة يقْرَأ الْقَارئ عَلَيْهَا الميعاد فَتقدم الرَّسُول ليقْرَأ الرسَالَة على الشمعة فاعترضه الشَّيْخ بِيَدِهِ فانجمع ثمَّ سكت سَاعَة وَعَاد لِيَقْرَأهَا فَفعل الشَّيْخ مثل ذَلِك فَرجع ثمَّ عَاد فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ هَذِه الشمعة إِنَّمَا أرصدت لقِرَاءَة الميعاد وَحكى من ورعه أَيْضا أَنه سمع الْخَطِيب عز الدّين عبد الْبَاقِي يذكر أَنه دخل يَوْمًا إِلَى منزله وَكَانَ طعامهم إسفيدناج فَسَأَلَهُمْ هَل غسل الْبيض أم لَا فَأَجَابُوهُ أَنه لم يغسل فاستدعى مَمْلُوكه حطلح وَقَالَ خُذ هَذَا الطَّعَام وألقه فِي مَكَان كَذَا فاحتمله إِلَى مَوضِع أَرَادَ إلقاءه فِيهِ فَوجدَ فَقِيرا فَقَالَ لَهُ بِاللَّه عَلَيْك أَنا أَحَق فَقَالَ أعرف الشَّيْخ فَأتى إِلَيْهِ فَأخْبرهُ فَقَالَ هَذَا الطَّعَام فِيهِ لحم بِكَذَا وبيض بِكَذَا وحاجة بِكَذَا وَحسب جملَة مَا صرفه عَلَيْهِ فوزنها وَأَعْطَاهَا لَهُ وَقَالَ اطبخ بهَا غير هَذَا وَلَا تَأْكُل هَذَا فَإِنَّهُ نجس قَالَ ابْن القليوبي هَذَا مَعَ أَن لأَصْحَاب الشَّافِعِي وَجْهَيْن فِي نَجَاسَة الْبيض يَنْبَنِي على الْخلاف فِي رُطُوبَة فرج الْمَرْأَة قلت الصَّحِيح الطَّهَارَة وَلَعَلَّ أَبَا الطَّاهِر كَانَ يرى النَّجَاسَة وَإِلَّا فَكيف يذهب هَذَا المَال وَنَحْو هَذَا مَا حكى عَنهُ أَيْضا أَنه رأى فِي دارة برنية شراب لَهُ فِيهِ على وَجهه وزغة صَغِيرَة فَأمر بإلقائه فِي الْبَحْر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 وَحكى أَنه لما توجه السُّلْطَان الْملك الْكَامِل لبَعض أَسْفَاره سَأَلَهُ الدُّعَاء فَقَالَ وفْق الله السُّلْطَان فَشَغلهُ بِالْحَدِيثِ ثمَّ أعَاد عَلَيْهِ القَوْل فَقَالَ وفْق الله السُّلْطَان ثمَّ عِنْد انْفِصَاله مِنْهُ سَأَلَهُ الدُّعَاء فَقَالَ وفْق الله السُّلْطَان فَلَمَّا خلا السُّلْطَان بِأَصْحَابِهِ تعجب مِنْهُ فَلَمَّا اتَّصل ذَلِك بالشيخ قَالَ يُرِيدنِي أَدْعُو لَهُ بالنصر كَأَنَّهُ مُتَوَجّه إِلَى غَزْو عدوه وَحكى أَن الشَّيْخ خرج مَعَ الْعَسْكَر فِي غَزْو الفرنج على المنصورة وَأَنه لما حمي الْوَطِيس نزل عَن فرسه وَقَاتل مَعَهم وَأُصِيب بسهام كَثِيرَة قَالَ وَلم يجرح بِشَيْء مِنْهَا وَذكر أَنه كَانَ يسْرد الصَّوْم لَا يفْطر إِلَّا الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق وَأَنه كَانَ يمْكث الْأَيَّام الْكَثِيرَة لَا يتَنَاوَل فِيهَا إِلَّا الْيَسِير من المَاء للسّنة وَحكى من اهتمامه بحوائج الْخلق أَن شخصا سَأَلَهُ حَاجَة فَقَالَ ذَكرنَاهَا البارحة سبعين مرّة وَأَن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين ابْن عين الدولة سَأَلَهُ أَن يَدْعُو لَهُ عِنْد طلوعه الْمِنْبَر وَأَنه بعد مُدَّة طَوِيلَة رأى الشَّيْخ ذَاكِرًا لذَلِك الْأَمر قَالَ فَسئلَ الشَّيْخ فَقَالَ لم أنسه فِي جُمُعَة قطّ وَحكى من كراماته الْكثير فَمن ذَلِك قَالَ ابْن القليوبي أَخْبرنِي شَيْخي - يَعْنِي وَالِده - قَالَ أخذت مرّة كتابا من كتب الشَّيْخ فَأصَاب ظَاهر جلده نَجَاسَة فَخَشِيت أَن يضع الشَّيْخ يَده عَلَيْهَا وَبهَا رُطُوبَة فيتنجس قَالَ فَصَبَبْت المَاء على الْجلد بِحَيْثُ طهر ومررت بِالْكتاب بعد مُدَّة فَقَالَ لي من أذن لَك أَن تغسل الْجلد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 قَالَ وَأَخْبرنِي الشَّيْخ عماد الدّين بن سِنَان الدولة قَالَ كَانَت لي نُسْخَة من التَّنْبِيه يَعْنِي مليحة حَفظتهَا خلا بَاب الْقَرَاض وَكَانَ الشَّيْخ تقدم إِلَى الْجَمَاعَة أَن يعرضُوا فِي الْغَد وَكَانَ من عَادَة الشَّيْخ أَن يَأْخُذ كتاب الطَّالِب فيفتحه ويستقرئه مِنْهُ وخطر لي أَن أشرط الورقة من الْكتاب فَإِذا فَتحه لم ير ذَلِك الْبَاب فَلَمَّا أصبح واستعرض الْجَمَاعَة وانتهت النّوبَة إِلَيّ تقدّمت وناولته الْكتاب فَقَالَ دَعه مَعَك اقْرَأ بَاب الْقَرَاض فَقلت وَالله يَا سَيِّدي أحفظ الْكتاب كُله خلا هَذَا الْبَاب فَقَالَ مَا حملك على قطع الورقة وإفساد الْمَالِيَّة قَالَ وَكَانَ إِذا لحظ شخصا انْتفع بألحاظه وَإِذا أعرض عَنهُ خيف عَلَيْهِ مغبة إعراضه وَحكى أَن بعض فُقَهَاء الْمَذْهَب - مِمَّن ذكر لَهُ وَالِده أَنه كَانَ إِذا تحدث فِي الْفِقْه كَانَ يَقُول لغلامه اشْتَرِ كَذَا وَكَذَا لسُهُولَة الْفِقْه عَلَيْهِ وَخِفته على لِسَانه جلس مَعَ الشَّيْخ فِي مجْلِس قَالَ وَكَانَ الشَّيْخ إِذا حضر مَجْلِسا أَكثر من ذكر كرامات شَيْخه الْقرشِي قَالَ فاتفق حضورهما عِنْد الْفَقِيه شرف الدّين ابْن التلمساني شَارِح التَّنْبِيه فسلك الشَّيْخ عَادَته فِي حكايات شَيْخه الْقرشِي وَغَيره من الصَّالِحين لينْتَفع بهَا سامعها وتشغله عَن الْغَيْبَة فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْفَقِيه أخبرنَا عَن نَفسك فَقَالَ لَهُ أخْبركُم عَن نَفسِي مَرضت مرضة أشرفت فِيهَا على الْمَوْت فَدخل عَليّ الشَّيْخ الْقرشِي عَائِدًا فَذهب عني مَا كنت أجد وَصليت الصُّبْح بسورتين طويلتين فَأخذ ذَلِك الْفَقِيه يتحدث فَأَعْرض عَنهُ الشَّيْخ فَقتل بعد أَيَّام بِبَعْض بساتين دمشق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 وَحكى أَن بعض طلبته نعس فِي الدَّرْس فَضرب الشَّيْخ إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى فانتبه الشَّخْص فَقَالَ لَهُ سَالم سَالم وَإِذا بِهِ قَارب أَن يَحْتَلِم فَلَمَّا أيقظه الشَّيْخ سلم قَالَ وَأَخْبرنِي شَيْخي قَالَ كنت أُصَلِّي خلف الشَّيْخ فأصابتني حقنة شَدِيدَة وَاشْتَدَّ ألمي بِسَبَبِهَا بِحَيْثُ كنت مفكرا إِذا خرجت من الصَّلَاة أَي الْجِهَات أنتحيها لإزالتها وَإِذا بالشيخ عرض لَهُ حَال بكاء شَدِيد وأهوى إِلَى سجادته وَأَخذهَا وَقد خرج من الصَّلَاة وقدمني مَكَانَهُ فَلم يبْق بِي شَيْء مِمَّا كَانَ بِي وَكَأَنَّهُ حمل عني مَا كنت أَجِدهُ فانتقل إِلَيْهِ وَزَالَ عني وَأَخْبرنِي شيخ قَالَ كَانَ الشَّيْخ مرّة فِي الدَّرْس فِي بَاب الْهِبَة فَانْتهى إِلَى أَنه يسْتَحبّ لمن وهب لأولاده أَن يُسَوِّي بَينهم ثمَّ أَخذ يمثل بِابْني السطحي وهما أَخَوان طالبان فِي الدَّرْس فَقَالَ كَمَا لَو وهب وَالِد هذَيْن لأَحَدهمَا دَوَاة وَترك الآخر فَقَالَ أَحدهمَا وَالله يَا سيدنَا هَكَذَا اتّفق ثمَّ حكى ابْن القليوبي من اعْتِقَاد أهل عصره فِيهِ حَتَّى الْيَهُود وَالنَّصَارَى وتبركهم بِخَطِّهِ واستشفاء مرضاهم مِمَّا ينقلونه من خطه شَيْئا كثيرا وَحكى أَنه أُرِيد على الْقَضَاء فَامْتنعَ فَقيل لَهُ استخر فَقَالَ إِنَّمَا يستخار فِي أَمر خفيت مصْلحَته وجهات عاقبته وَأَن الطّلبَة اجْتَمعُوا فِي الْبَلَد وَكَانَ قد شاع فِي أثْنَاء المراددة بَينه وَبَين السُّلْطَان أَنه ولي فَجَاءَهُمْ وَقَالَ بنراي بنراي يُشِير إِلَى أَنه على الْحَالة الْمَعْهُودَة مِنْهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 وَحكى أَنه كَانَ لَا يحب مقامات الحريري وَلم تكن فِي كتبه مَعَ كثرتها لما فِيهَا من الْأَحَادِيث المختلقة وَأَنه كَانَ لَا يرى نُسْخَة من ملخص الإِمَام فَخر الدّين ابْن الْخَطِيب إِلَّا اشْتَرَاهَا حَتَّى لَا تقع فِي أَيدي النَّاس فَقيل لَهُ هَذَا مِنْهُ نسخ كَثِيرَة فَقَالَ فِيهِ تقليل للمفسدة وَحكى أَن كتبه كَانَت كَثِيرَة وَأَنه كَانَ يعيرها لمن يعرف وَلمن لَا يعرف سَافر بهَا الْمُسْتَعِير أم لم يُسَافر بهَا وَكَانَ يَقُول مَا أعرت كتابا إِلَّا ظَنَنْت أَنه لَا يرجع إِلَيّ فَإِذا عَاد عددت ذَلِك نعْمَة جَدِيدَة ثمَّ عدد ابْن القليوبي جمَاعَة من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي الطَّاهِر ابْتَدَأَ مِنْهُم بِذكر وَالِده الشَّيْخ ضِيَاء الدّين أبي الرّوح عِيسَى بن رضوَان توفّي الْفَقِيه أَبُو الطَّاهِر سحر يَوْم الْأَحَد سَابِع ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِمصْر وَدفن بسفح المقطم قَالَ ابْن القليوبي وقبره مَشْهُور بإجابة الدُّعَاء عِنْده وَالنَّاس يقصدونه لذَلِك سَمِعت وَالِدي يَقُول قبر الشَّيْخ الدرياق المجرب وَسمعت أَنه لم يشْهد بِمصْر جَنَازَة كجنازته لِكَثْرَة الْعَالم بهَا وَكَانَ الْملك الْكَامِل غَائِبا فِي الشَّام فَحَضَرَ الْجِنَازَة وَلَده السُّلْطَان الْملك الْعَادِل وصادف ذَلِك شدَّة حر فَيُقَال إِنَّه صحب الْجِنَازَة عدَّة إبل كَثِيرَة لأجل المَاء وَقيل إِنَّه لم يشْهد بِمصْر بعد جَنَازَة الْمُزنِيّ صَاحب الشَّافِعِي مثل جَنَازَة الْفَقِيه أبي الطَّاهِر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْحُسَيْن يحيى بن الْعَطَّار الْقرشِي سَمِعت الْفَقِيه أَبَا الطَّاهِر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْأنْصَارِيّ الْمحلي يَقُول سَمِعت الشَّيْخ أَبَا عبد الله الْقرشِي يَعْنِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الأندلسي الْعَارِف يَقُول كنت لَيْلَة عِنْد الشَّيْخ أبي إِسْحَاق بن طريف فَقدم لنا عِنْد الْإِفْطَار ثريدة بحمص فَلَمَّا اجْتَمَعنَا لنأكل أمسك عَن الْأكل وَاعْتَزل فَلم يقدر أحد أَن يمد يَده إِلَى الطَّعَام ثمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد بَلغنِي الْآن أَن حصن فلَان قد أَخذه الْعَدو وَأسر من فِيهِ وَبلغ من حَالهم أَنهم مكتفون يَأْكُلُون الْحَشِيش بأفواههم فاعتزلنا فَلَمَّا كَانَ بعد وَقت قَالَ لنا كلوا فقد فرج الله عَنْهُم فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك - يَعْنِي بِحِين - جَاءَ الْخَبَر بِأَن الْعَدو قد أَخذ ذَلِك الْحصن وَأَن أَهله الْمُسلمين بلغ من حَالهم مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَأَن الْعَدو جَاءَتْهُم فِي تِلْكَ اللَّيْلَة صَيْحَة ظنُّوا أَنهم أحيط بهم فَانْهَزَمُوا وَفرج الله عَن الْمُسلمين وتخلصوا قلت الْقرشِي هَذَا كَانَ من كبار العارفين وَهُوَ صَاحب القصيدة الْمُسَمَّاة ب الْفرج بعد الشدَّة المجربة لكشف الكروب وأولها (اشتدي أزمة تنفرجي ... قد آذن ليلك بالبلج) (وظلام اللَّيْل لَهُ سرج ... حَتَّى يَغْشَاهُ أَبُو السرج) (وسحاب الْخَيْر لَهَا مطر ... فَإِذا جَاءَ الإبان تجي) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 (وفوائد مَوْلَانَا جمل ... لسروح الْأَنْفس بالمهج) (وَلها أرج مُحي أبدا ... فاقصد محيا ذَاك الأرج) (ولربتما فاض الْمحيا ... ببحور الموج من اللجج) (والخلق جَمِيعًا فِي يَده ... فذوو سَعَة وذوو حرج) (ونزولهم وطلوعهم ... فَإلَى دَرك وعَلى درج) (ومعايشهم وعواقبهم ... لَيست فِي الْمَشْي على عوج) (حكم نسجت بيد حكمت ... ثمَّ انتسجت بالمنتسج) (فَإِذا اقتصدت ثمَّ انعرجت ... فبمقتصد وبمنعرج) (شهِدت بعجائبها حجج ... قَامَت بِالْأَمر على الْحجَج) (ورضا بِقَضَاء الله حجى ... فعلى مركوزته فعج) (وَإِذا انفتحت أَبْوَاب هدى ... فاعجل لخزائنها ولج) (وَإِذا حاولت نهابتها ... فاحذر إِذْ ذَاك من العرج) (لتَكون من السباق إِذا ... مَا سرت إِلَى تِلْكَ الْفرج) (فهناك الْعَيْش وبهجته ... فلمبتهج ولمنتهج) (فهج الْأَعْمَال إِذا ركدت ... فَإِذا مَا هجت إِذا تهج) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 (ومعاصي الله سماجتها ... تزدان لذِي الْخلق السمج) (ولطاعته وصباحتها ... أنوار صباح منبلج) (من يخْطب حور الْخلد بهَا ... يظفر بالحور وبالغنج) (فَكُن المرضي لَهَا بتقى ... ترضاه غَدا وَتَكون نجي) (واتل الْقُرْآن بقلب ذِي ... حزن وبصوت فِيهِ شجي) (وَصَلَاة اللَّيْل مسافتها ... فَاذْهَبْ فِيهَا بالفهم وجي) (وتأملها ومعانيها ... تأت الفردوس وتنفرج) (واشرب تسنيم مفجرها ... لَا ممتزجا وبممتزج) (مدح الْعقل الآتيه هدى ... وَهوى متول عَنهُ هجي) (وَكتاب الله رياضته ... لعقول الْخلق بمندرج) (وَخيَار الْخلق هداتهم ... وسواهم من همج الهمج) (فَإِذا كنت الْمِقْدَام فَلَا ... تجزع فِي الْحَرْب من الرهج) (وَإِذا أَبْصرت منار هدى ... فاظهرفردا فَوق الثبج) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 (وَإِذا اشتاقت نفس وجدت ... ألما بالشوق المعتلج) (وثنايا الحسنا ضاحكة ... وَتَمام الضحك على الفلج) (وعياب الْأَسْرَار اجْتمعت ... بأمانتها تَحت الشرج) (والرفق يَدُوم لصَاحبه ... والخرق يصير إِلَى الْهَرج) (صلوَات الله على الْمهْدي ... الْهَادِي النَّاس إِلَى النهج) (وَأبي بكر فِي سيرته ... ولسان مقَالَته اللهج) (وَأبي حَفْص وكرامته ... فِي قصَّة سَارِيَة الخلج) (وَأبي عَمْرو ذِي النورين المستحيي ... المستحيى البهج) (وَأبي حسن فِي الْعلم إِذا ... وافى بسحائبه الخلج) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 وَرَأَيْت فِي كتاب الْغرَّة اللائحة لأبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ التوزري الْمَعْرُوف بِابْن الْمصْرِيّ أَن هَذِه القصيدة لأبي الْفضل يُوسُف بن مُحَمَّد النَّحْوِيّ التوزري قَالَ وَذَلِكَ أَن بعض المتغلبين عدا على أَمْوَاله وَأَخذهَا فَبَلغهُ ذَلِك وَكَانَ بِغَيْر مَدِينَة توزر فأنشأها فَرَأى ذَلِك الرجل فِي نَومه تِلْكَ اللَّيْلَة رجلا فِي يَده حَرْبَة وَقَالَ لَهُ إِن لم ترد على فلَان أَمْوَاله وَإِلَّا قتلتك بِهَذِهِ الحربة فَاسْتَيْقَظَ مذعورا وَأعَاد عَلَيْهِ أَمْوَاله قلت وَكثير من النَّاس يعْتَقد أَن هَذِه القصيدة مُشْتَمِلَة على الِاسْم الْأَعْظَم وَأَنه مَا دَعَا بهَا أحد إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ وَكنت أسمع الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله إِذا أَصَابَته أزمة ينشدها 1073 - مُحَمَّد بن سَام أَبُو المظفر الغزنوي السُّلْطَان شهَاب الدّين صَاحب غزنة أحد المشكورين من الْمُلُوك الموصوفين بمحبة الْعلمَاء وإحضارهم للمناظرة عِنْده وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ فِي موعظة وعظها لَهُ على الْمِنْبَر يَا سُلْطَان الْعَالم لَا سلطانك يبْقى وَلَا تلبيس الرَّازِيّ يبْقى {وَأَن مردنا إِلَى الله} الحديث: 1073 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 ملك غزنة والهند وَكَثِيرًا من بِلَاد خُرَاسَان وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب أشعري العقيدة لَهُ بلَاء حسن فِي الْكفَّار قتلته الباطنية اغتيالا جهزهم الْكفَّار عَلَيْهِ لشدَّة مَا أنكى فيهم فَإِنَّهُ كَانَ جَاهد فِي الْكفَّار وأوسعهم قتلا ونهبا وأسرا فجهزوا عَلَيْهِ الباطنية فَقَتَلُوهُ بعد عوده من لهاور فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة 1074 - مُحَمَّد بن سعيد بن يحيى بن عَليّ بن الْحجَّاج بن مُحَمَّد بن الدبيثي الْحَافِظ أَبُو عبد الله الوَاسِطِيّ ولد فِي رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة وَسمع من أبي طَالب مُحَمَّد بن أَحْمد بن على الكتاني وَعلي بن الْمُبَارك الْآمِدِيّ الحديث: 1074 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 وَأبي الْفَتْح بن شاتيل وَأبي الْفرج مُحَمَّد بن أَحْمد بن نَبهَان والحافظ أبي بكر مُحَمَّد بن مُوسَى الْحَازِمِي وَخلق روى عَنهُ ابْن النجار وَابْن نقطة والزكى البرزالي والخطيب عز الدّين الفاروثي وتاج الدّين أَبُو الْحسن الْعِرَاقِيّ وَآخَرُونَ رَحل إِلَى بَغْدَاد وتفقه بهَا على الإِمَام هبة الله بن البوقي وعلق الاصول وَالْخلاف وعني بِالْحَدِيثِ أتم عناية وصنف فِي تَارِيخ وَاسِط والذيل على ذيل ابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهمَا قَالَ ابْن النجار هُوَ أحد الْحفاظ المكثرين مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مثله فِي حفظ التواريخ وَالسير وَأَيَّام النَّاس وَقَالَ ابْن نقطة لَهُ معرفَة وَحفظ قَالَ ابْن النجار أضرّ ابْن الدبيثي بِأخرَة وَتُوفِّي بِبَغْدَاد فِي ثامن شهر ربيع الآخر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1075 - مُحَمَّد بن سعيد بن ندى أَبُو بكر الطَّحَّان الحديث: 1075 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 1076 - مُحَمَّد بن طَلْحَة بن مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْخ كَمَال الدّين أَبُو سَالم الْقرشِي الْعَدوي النصيبيني مُصَنف كتاب العقد الفريد ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة تفقه وبرع فِي الْمَذْهَب وَسمع الحَدِيث بنيسابور من الْمُؤَيد الطوسي وَزَيْنَب الشعرية وَحدث بحلب ودمشق روى عَنهُ الْحَافِظ الدمياطي ومجد الدّين ابْن العديم وَكَانَ من صُدُور النَّاس ولى الوزارة بِدِمَشْق يَوْمَيْنِ وَتركهَا وَخرج عَمَّا يملكة من ملبوس ومملوك وَغَيره وتزهد توفّي ابْن طَلْحَة فِي سَابِع عشْرين رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة 1077 - مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن عَليّ بن أبي الْقَاسِم بن صَدَقَة ابْن حَفْص الصفراوي الاسكندراني القَاضِي شرف الدّين بن عين الدولة مولده فِي مستهل جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة بالإسكندرية وتفقه بِمصْر على أبي إِسْحَاق الْعِرَاقِيّ شَارِح الْمُهَذّب وَسمع الحَدِيث من قَاضِي الْقُضَاة عبد الْملك بن درباس وَغَيره الحديث: 1076 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 وروى عَنهُ الحافظان الْمُنْذِرِيّ وَابْن مسدى وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ عَن قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين بن السكرِي وَكَانَ يُوقع عَنهُ فَلَمَّا توفّي ولي ابْن عين الدولة قَضَاء الْقُضَاة بِالْقَاهِرَةِ وَالْوَجْه البحري وَولي تَاج الدّين ابْن الْخَرَّاط مصر وَالْوَجْه القبلي ثمَّ لما صرف ابْن الْخَرَّاط جمع لِابْنِ عين الدولة العملان وَذَلِكَ فِي سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فَلم يزل إِلَى أَن عزل عَن مصر وَالْوَجْه القبلي بِالْقَاضِي بدر الدّين ابْن السنجاري فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَبَقِي قَاضِيا بِالْقَاهِرَةِ وَالْوَجْه البحري فَقَط وَكَانَ فَقِيها فَاضلا عَارِفًا بِالشُّرُوطِ أديبا يحفظ كثيرا من الْأَشْعَار والحكايات مزوحا يحْكى عَنهُ نَوَادِر كَثِيرَة دينا مصمما وَكَانَت نوادره لَا يُخرجهَا إِلَّا بِسُكُون وناموس وَفِي زَمَنه اتّفقت الْحِكَايَة الَّتِي اتّفقت فِي زمن الإِمَام مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَهُوَ أَن أمْرَأَة كَادَت زَوجهَا فَقَالَت لَهُ إِن كنت تحبني فاحلف بطلاقي ثَلَاثًا مهما قلت لَك تَقول مثله فِي ذَلِك الْمجْلس فَحلف فَقَالَت لَهُ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا قل كَمَا قلت لَك فَأمْسك وارتفعا إِلَى ابْن عين الدولة فَقَالَ خُذ بعقصتها وَقل أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن طَلقتك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 قلت وكأنهما ارتفعا إِلَيْهِ فِي الْمجْلس وَقد قدمنَا الْمَسْأَلَة فِي تَرْجَمَة ابْن جرير فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة مستوفاة وَمن شعره (وليت الْقَضَاء وليت الْقَضَاء ... لم يَك شَيْئا تَوليته) (وَقد ساقني للْقَضَاء القضا ... وَمَا كنت قدما تمنيته) توفّي بِمصْر فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة ذكر الْحِكَايَة العجيبة الْمَشْهُورَة عَنهُ فِي عَجِيبَة وعجيبة مغنية كَانَت بِمصْر على عهد السُّلْطَان الْملك الْكَامِل بن أَيُّوب وَيذكر أَن الْكَامِل كَانَ مَعَ تصميمه بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَبنَاء جنسه تحضر إِلَيْهِ لَيْلًا وتغنيه بالجنك على الدُّف فِي مجْلِس بِحَضْرَة ابْن شيخ الشُّيُوخ وَغَيره وأولع الْكَامِل بهَا جدا ثمَّ اتّفقت قَضِيَّة شهد فِيهَا الْكَامِل عِنْد ابْن عين الدولة وَهُوَ فِي دست ملكه فَقَالَ ابْن عين الدولة السُّلْطَان يَأْمر وَلَا يشْهد فَأَعَادَ عَلَيْهِ السُّلْطَان الشَّهَادَة فَأَعَادَ القَاضِي القَوْل فَلَمَّا زَاد الْأَمر وَفهم السُّلْطَان أَنه لَا يقبل شَهَادَته قَالَ أَنا أشهد تقبلني أم لَا فَقَالَ القَاضِي لَا مَا أقبلك وَكَيف أقبلك وعجيبة تطلع إِلَيْك بجنكها كل لَيْلَة وتنزل ثَانِي يَوْم بكرَة وَهِي تتمايل سكرا على أَيدي الْجَوَارِي وَينزل ابْن الشَّيْخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 من عنْدك أنجس مِمَّا نزلت فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان يَا كنواخ وَهِي كلمة شتم بِالْفَارِسِيَّةِ فَقَالَ مَا فِي الشَّرْع يَا كنواخ اشْهَدُوا عَليّ أَنِّي قد عزلت نَفسِي ونهض فجَاء ابْن الشَّيْخ إِلَى الْملك الْكَامِل وَقَالَ الْمصلحَة إِعَادَته لِئَلَّا يُقَال لأي شَيْء عزل القَاضِي نَفسه وَتَطير الْأَخْبَار إِلَى بَغْدَاد ويشيع أَمر عَجِيبَة فَقَالَ لَهُ صدقت ونهض إِلَى القَاضِي وترضاه وَعَاد إِلَى الْقَضَاء قلت وَهَذِه حِكَايَة يستحسنها المؤرخون لما فِيهَا من تصميم القَاضِي غافلين عَن وَجههَا الفقهي وَقد يُقَال إِن كَانَ الْفسق عِنْد ابْن عين الدولة مخرجا للسُّلْطَان عَن الْأَهْلِيَّة فَذَلِك يعود على ولَايَته الْقَضَاء الَّتِي وَليهَا من قبله بالإبطال وَجَوَاب هَذَا أَن الْفسق لَا يَنْعَزِل بِهِ السُّلْطَان على الصَّحِيح من الْمَذْهَب ثمَّ قَالَ القَاضِي حُسَيْن وجماعات آخِرهم الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله أما وَإِن لم يعزله فَلَا يصحح مِنْهُ مَا يُمكن تَصْحِيحه من غَيره فَلَا يقْضِي وَلَا يُزَوّج الْأَيَامَى لِأَن فِيمَن يقيمه من الْقُضَاة مغنيا عَنهُ فِيهِ بِخِلَاف تَوْلِيَة الْقَضَاء وَغَيره مِمَّا لَا يتهيأ إِلَّا من الإِمَام وَيبين مُخَالفَته فِيهِ فَإِنَّهُ يَصح مِنْهُ فعلى هَذَا القَوْل لَا على غَيره تتخرج هَذِه الْحِكَايَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 1078 - مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن مَالك الطَّائِي الجياني الْأُسْتَاذ الْمُقدم فِي النَّحْو واللغة جمال الدّين أَبُو عبد الله صَاحب التصانيف السائرة ولد سنة سِتّمائَة أَو إِحْدَى وسِتمِائَة وَسمع بِدِمَشْق من أبي صَادِق الْحسن بن صباح وَأبي الْحسن السخاوي وَغَيرهمَا حَدثنَا عَنهُ شَيخنَا الْمسند مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن غير وَاحِد وَهُوَ حبرها السائرة مصنفاته مسير الشَّمْس ومقدمها الَّذِي تصغي لَهُ الْحَواس الْخمس وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة إِمَامًا فِي حفظ الشواهد وضبطها إِمَامًا فِي الْقرَاءَات وعللها وَله الدّين المتين وَالتَّقوى الراسخة توفّي فِي ثانى عشر شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة الحديث: 1078 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الإِمَام جمال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن مَالك النَّحْوِيّ أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمد السخاوي أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طاهرالسلفي أخبرنَا أَبُو الْعَلَاء مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد الفرساني بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قلت لَهُ حَدثكُمْ أَبُو الْحسن عَليّ بن يحيى بن جَعْفَر بن عبدكويه إملاء حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا حَدثنَا سَلمَة حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة حَدثنَا أَبُو بكر ابْن أبي مَرْيَم حَدثنَا الْقَاسِم بن سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله يطلع على عباده فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَيغْفر لخلقه كلهم غير الْمُشرك والمشاحن وفيهَا يوحي الله إِلَى ملك الْمَوْت يقبض كل نفس يُرِيد قبضهَا فِي تِلْكَ السّنة أنشدنا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أنشدنا أَبُو عبد الله بن أبي الْفَتْح أنشدنا ابْن مَالك لنَفسِهِ فِي أَسمَاء الذَّهَب (نضر نضير نضار زبرج سيرا ... وزخرف عسجد عقيان الذَّهَب) (والتبر مَا لم يذب وأشركوا ذَهَبا ... وَفِضة فِي نسيك هَكَذَا الغرب) نسيك بِفَتْح النُّون ثمَّ سين مُهْملَة مَكْسُورَة ثمَّ آخر الْحُرُوف ثمَّ كَاف والغرب بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وهما من أَسمَاء كل من الذَّهَب وَالْفِضَّة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 1079 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد السّلمِيّ شرف الدّين ابْن أبي الْفضل المرسي ولد بمرسية سنة سبعين وَخَمْسمِائة وَسمع الحَدِيث بهَا ثمَّ قدم بَغْدَاد وَسمع من شيوخها ثمَّ سَافر إِلَى خُرَاسَان وَسمع بنيسابور وهراة ومرو وَعَاد إِلَى بَغْدَاد ثمَّ قدم دمشق ثمَّ مصر ثمَّ قوص ثمَّ مَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَحدث ب سنَن الْبَيْهَقِيّ عَن مَنْصُور الفراوي وب صَحِيح مُسلم عَن الْمُؤَيد الطوسي وَكَانَ فَقِيها مُحدثا أصوليا نحويا أديبا زاهدا متعبدا صنف تَفْسِيرا حسنا توفّي بَين الْعَريش وغزة سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة الحديث: 1079 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 أنشدنا شَيخنَا أَبُو حَيَّان النَّحْوِيّ إِذْنا أنشدنا أَبُو الْهدى عِيسَى السبتي أَنْشدني ابْن أبي الْفضل لنَفسِهِ (من كَانَ يرغب فِي النجَاة فَمَا لَهُ ... غير اتِّبَاع الْمُصْطَفى فِيمَا أَتَى) (ذَاك السَّبِيل الْمُسْتَقيم وَغَيره ... سبل الضَّلَالَة والغواية والردى) (فَاتبع كتاب الله وَالسّنَن الَّتِي ... صحت فَذَاك إِذا اتبعت هُوَ الْهدى) (ودع السُّؤَال بكم وَكَيف فَإِنَّهُ ... بَاب يجر ذَوي البصيرة للعمى) (الدّين مَا قَالَ النَّبِي وَصَحبه ... والتابعون وَمن مناهجهم قفا) أنشدنا أَحْمد بن أبي طَالب إِذْنا عَن الْحَافِظ ابْن النجار أَن المرسي أنْشدهُ لنَفسِهِ بالمستنصرية (قَالُوا فلَان قد أَزَال بهاءه ... ذَاك العذار وَكَانَ بدر تَمام) (فأجبتهم بل زَاد نور بهائه ... وَلذَا تزايد فِيهِ فرط غرامي) (استقصرت ألحاظه فتكاتها ... فَأتى العذار يمدها بسهام) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 وَمن الْفَوَائِد عَن ابْن أبي الْفضل المرسي قَالَ النُّحَاة فِي إِعْرَاب قَوْله تَعَالَى {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} من قَوْله تَعَالَى {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} إِن {إِلَه} فِي مَوضِع رفع مَبْنِيّ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي لنا أَو فِي الْوُجُود وَاعْترض صَاحب الْمُنْتَخب تَقْدِير الْخَبَر فَقَالَ إِن كَانَ لنا فَيكون معنى قَوْله {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} معنى قَوْله {وإلهكم إِلَه وَاحِد} فَيكون تَكْرَارا مَحْضا وَإِن كَانَ فِي الْوُجُود كَانَ نفيا لوُجُود الْإِلَه وَمَعْلُوم أَن نفي الْمَاهِيّة أقوى فِي التَّوْحِيد الصّرْف من نفي الْوُجُود فَكَانَ إِجْرَاء الْكَلَام على ظَاهره والإعراض عَن هَذَا الْإِضْمَار أولى وَأجَاب أَبُو عبد الله المرسي فِي ري الظمآن فَقَالَ هَذَا كَلَام من لَا يعرف لِسَان الْعَرَب فَإِن {إِلَه} فِي مَوضِع الْمُبْتَدَأ على قَول سِيبَوَيْهٍ وَعند غَيره اسْم {لَا} وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا بُد من خبر للمبتدأ أَو للا فَمَا قَالَه من الِاسْتِغْنَاء عَن الْإِضْمَار فَاسد وَأما قَوْله إِذا لم يضمر كَانَ نفيا للماهية فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن نفي الْمَاهِيّة هُوَ نفي الْوُجُود لِأَن الْمَاهِيّة لَا تتَصَوَّر عندنَا إِلَّا مَعَ الْوُجُود فَلَا فرق بَين لَا مَاهِيَّة وَلَا وجود وَهَذَا مَذْهَب أهل السّنة خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم يثبتون الْمَاهِيّة عَارِية عَن الْوُجُود انْتهى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 قلت مَا ذكر صَاحب الْمُنْتَخب من عدم تَقْدِير خبر يشبه مَا يَقُوله الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله فِي إِعْرَاب {الله} من قَوْله تَعَالَى {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله} كَمَا سنحكيه إِن شَاءَ الله فِي تَرْجَمته لَكِن يبْقى عَلَيْهِ أَن لَا يَجْعَل هُنَا مُبْتَدأ بل يَجْعَل {إِلَه} كلمة مُفْردَة لَا معربة وَلَا مَبْنِيَّة وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَال لَهُ لَا بُد للمبتدأ من خبر إِذْ لَا مُبْتَدأ حَتَّى يَسْتَدْعِي خَبرا ويقوى هَذَا على رَأْي بني تَمِيم فَإِنَّهُم لَا يثبتون الْخَبَر وَأكْثر الْحِجَازِيِّينَ على حذفه فَإِن قلت هَب أَنهم لَا يثبتونه وَلَكِن يقدرونه قلت إِن سلمنَا أَنهم يقدرونه فَذَلِك لجعلهم الِاسْم مُبْتَدأ وَمن لَا يَجعله مُبْتَدأ لَا يسلم التَّقْدِير ثمَّ أَقُول الْمَفْهُوم من كَلَام صَاحب الْمُنْتَخب رد هذَيْن الإضمارين وهما إِضْمَار لنا وإضمار فِي الْوُجُود لَا رد مُطلق الْإِضْمَار فَلَو أضمر متصورا وَنَحْو ذَلِك من التَّقْدِير الْعَام لم يُنكره ففهم المرسي عَنهُ أَنه لَا يقدر الْخَبَر فِيهِ نظر وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يقدره هَذَا الْإِضْمَار لَا مُطلق الْخَبَر وَأما قَوْله لَا فرق بَين نفي الْمَاهِيّة وَنفي الْوُجُود فَصَحِيح لَكِن قَول المرسي إِن الْمَاهِيّة لَا تتَصَوَّر عندنَا إِلَّا مَعَ الْوُجُود مُسْتَدْرك فَإِن الْمَاهِيّة عندنَا معاشر الأشاعرة نفس وجودهَا وَلَا نقُول إِنَّه لَا تتَصَوَّر إِلَّا مَعَ وجودهَا وَهَذَا مُقَرر فِي أصُول الديانَات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 1082 - مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن عبد الْخَالِق بن خَلِيل بن مقلد قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام عز الدّين ابْن الصَّائِغ ولد سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وَسمع أَبَا المنجا ابْن اللتي والحافظ يُوسُف بن خَلِيل وَغَيرهمَا وَحدثنَا عَنهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز ولازم القَاضِي كَمَال الدّين التفليسي وَصَارَ من أَعْيَان أَصْحَابه ثمَّ ولي تدريس الشامية البرانية مشاركا للْقَاضِي شمس الدّين ابْن الْمَقْدِسِي ثمَّ اسْتَقل بهَا ابْن الْمَقْدِسِي وانفصل عز الدّين ثمَّ ولي وكَالَة بَيت المَال ثمَّ قَضَاء الْقُضَاة فباشره مُبَاشرَة جَيِّدَة وحمدت سيرته ثمَّ عزل وَولي ابْن خلكان ثمَّ أُعِيد فاستمر إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ فتضافرت عَلَيْهِ الْأَعْدَاء وامتحن محنة شَدِيدَة وسجن فِي القلعة ثمَّ أطلق من الْحَبْس وَاسْتمرّ معزولا إِلَى أَن مَاتَ فِي ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة عَن خمس وَخمسين سنة الحديث: 1082 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 1083 - مُحَمَّد بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن مُوسَى القَاضِي شمس الدّين الربعِي الصّقليّ ثمَّ الدِّمَشْقِي مدرس الأمينية سمع من الْأَمِير أُسَامَة بن منقذ روى عَنهُ الْحَافِظ الدمياطي وَغَيره وَولي قَضَاء حمص وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة 1084 - مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أبي سعد الْمَدِينِيّ أَبُو عبد الله الْوَاعِظ ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بِمَدِينَة جي وَسمع الحَدِيث من أبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن عَليّ الحمامي وَأبي الْوَقْت السجْزِي وَأبي الْخَيْر مُحَمَّد بن أَحْمد الباغباني وَغَيرهم الحديث: 1083 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 حدث عَنهُ الْحَافِظ ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي والحافظ ابْن النجار وَقَالَ هُوَ واعظ ثَبت شَافِعِيّ لَهُ معرفَة بِالْحَدِيثِ قتل بأصبهان شَهِيدا على يَد التتر فِي رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1085 - مُحَمَّد بن عُثْمَان بن بنت أبي سعد القاهري الشَّيْخ شرف الدّين شيخ شُيُوخنَا فَقِيه أصولي نحوي أديب توفّي فِي الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة حدثونا عَنهُ وَمن شعره (إِن شعري قد حط سعري حَتَّى ... صَار قدري كَمثل قدر الْهلَال) (ذؤابة النَّعْل ... ) (ثمَّ نحوي جر المكارم نحوى ... فاعتراني مِنْهَا كلسع الْهلَال) (ضرب من الأفاعي ... ) (وأصول الْفُرُوع حَيْثُ وصولي ... لمرامي فبعده كالهلال) (هِلَال السَّمَاء ... ) (وأصول الْكَلَام مِنْهَا كَلَامي ... فتخلفت فِي الورى كهلال) (هِلَال رايته ... ) الحديث: 1085 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 (ثمَّ زجري قد جر رجزي حَتَّى ... ربط الذل بِي كربط الْهلَال) (مَا يجمع حَنى الرحل ... ) (وعروضي قد حط قدر عروضي ... فَرَمَانِي صحبي كرمي الْهلَال) (قِطْعَة من الرَّحَى الْمَكْسُورَة ... ) (ثمَّ طبي لأَجله زَالَ طبي ... وأتاني بِمثل طعن الْهلَال) (حَرْبَة لَهَا شعبتان ... ) (وبياني قد جب كسب بناني ... بعد صيدي بِهِ كصيد الْهلَال) (حَدِيدَة الصَّائِد ... ) (ثمَّ نثري مثل النثار وَمِنْه ... خف رِزْقِي عِنْدِي بِمثل الْهلَال) (مَا أطاف حول الإصبع ... ) (علم الإنساب حَاز الْأَسْبَاب عني ... فَأبى الدَّهْر لي بطحن الْهلَال) (بالرحى الْمَكْسُورَة ... ) (ثمَّ خطي قد حط حظي حَتَّى ... فَاتَنِي فِي الورى جَمِيع الْهلَال) (الْغُبَار والهبا ... ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 (وَكَذَا الرَّمْي أثقل الرمى مني ... وكساني ثوبا كَمثل الْهلَال) (جمع هلة وَهِي المقرضة ... ) (ونجومي تَحت النُّجُوم رمتني ... بعد وردي مِنْهَا كورد الْهلَال) (سلخ الأفعى ... ) (وَلَقَد كنت أنشر الْعلم دهرا ... لست فِيهِ مؤاخرا كالهلال) (بَقِيَّة المَاء فِي الْحَوْض ... ) (فَتركت الْعُلُوم مِمَّا دهاني ... بعد سَمْعِي كل الورى فِي الْهلَال) (مقاولة الْأَجِير على الشُّهُور ... ) (وتصوفت إِذْ سبقت البرايا ... بخشوعي دفعتهم فِي الْهلَال) (المماراة فِي رقة السنح ... ) (ثمَّ إِنِّي زهدت فِي الدَّهْر أَيْضا ... بعد أَن كنت لاحقا بالهلال) (سُفْيَان بن عُيَيْنَة الْهِلَالِي ... ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 1086 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عَليّ بن الْمفضل الْحلِيّ مهذب الدّين أَبُو طَالب ابْن الخيمي أديب شَاعِر سمع بِبَغْدَاد من ابْن الزَّاغُونِيّ وَحدث عَنهُ الْمُنْذِرِيّ وَغَيره وَمن شعره (أَرْبَعَة من شكّ فِي فَضلهمْ ... فَهُوَ عَن الْإِيمَان فِي معزل) (فضل أبي بكر وتقديمه ... وصاحبيه وأخيهم عَليّ) (فَقل لَهُم عني كَذَا أخبر ... الثِّقَات عَنْهُم وَكَذَا قيل لي) (وَإِن من أقبحها شنعة ... تَأْخِير من قدم فِي الأول) ولد بالحلة سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَقيل إِحْدَى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة الحديث: 1086 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 1087 - مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الخلاطي الْفَقِيه أَبُو الْفضل القَاضِي لَهُ كتاب قَوَاعِد الشَّرْع وضوابط الأَصْل وَالْفرع على الْوَجِيز وَله مصنفات غير ذَلِك سمع بِبَغْدَاد من الشَّيْخ شهَاب الدّين عمر بن مُحَمَّد السهروردي وبدمشق من أبي المنجا عبد الله بن عمر ابْن اللتي وَحدث وانتقل إِلَى الْقَاهِرَة فولي قَضَاء الشَّارِع بظاهرها توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ 1088 - مُحَمَّد بن علوان بن مهَاجر بن عَليّ بن مهَاجر الإِمَام شرف الدّين أَبُو المظفر الْموصِلِي ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وتفقه بالموصل على أبي البركات ابْن السرُوجِي وببغداد على أبي المحاسن يُوسُف بن بنْدَار وبرع فِي الْمَذْهَب وَسمع الحَدِيث من الْحُسَيْن بن المؤمل وَمُحَمّد بن عَليّ بن يَاسر الجياني وَجَمَاعَة الحديث: 1087 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 روى عَنهُ الزكي البرزالي وَغَيره وَله تعليقة فِي الْفِقْه درس بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا أَبوهُ علوان بالموصل وبمدارس أخر مَاتَ بالموصل ثَالِث الْمحرم سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة 1089 - مُحَمَّد بن عمر بن الْحسن بن الْحُسَيْن التَّيْمِيّ الْبكْرِيّ الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ ابْن خطيب الرّيّ إِمَام الْمُتَكَلِّمين ذُو الباع الْوَاسِع فِي تَعْلِيق الْعُلُوم والاجتماع بالشاسع من حقائق الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم والارتفاع قدرا على الرفاق وَهل يجْرِي من الأقدار إِلَّا الْأَمر المحتوم الحديث: 1089 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 بَحر لَيْسَ للبحر مَا عِنْده من الْجَوَاهِر وَحبر سما على السَّمَاء وَأَيْنَ للسماء مثل مَا لَهُ من الزواهر وروضة علم تستقل الرياض نَفسهَا أَن تحاكي مَا لَدَيْهِ من الأزاهر انتظمت بِقَدرِهِ الْعَظِيم عُقُود الْملَّة الإسلامية وابتسمت بدره النظيم ثغور الثغور المحمدية تنوع فِي المباحث وفنونها وترفع فَلم يرض إِلَّا بنكت تسحر ببيونها وأتى بجنات طلعها هضيم وكلمات يقسم الدَّهْر أَن الملحد بعْدهَا لَا يقدر أَن يضيم وَله شعار أَوَى الْأَشْعَرِيّ من سنَنه إِلَى ركن شَدِيد وَاعْتَزل المعتزلي علما أَنه مَا يلفط من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد وخاض من الْعُلُوم فِي بحار عميقة وراض النَّفس فِي دفع أهل الْبدع وسلوك الطَّرِيقَة أما الْكَلَام فَكل سَاكِت خَلفه وَكَيف لَا وَهُوَ الإِمَام رد على طوائف المبتدعة وهد قواعدهم حِين رفض النَّفس للرفض وشاع دمار الشِّيعَة وَجَاء إِلَى الْمُعْتَزلَة فاغتال الغيلانية وأوصل الواصلية النقمات الواصبية وَجعل العمرية أعبدا لطلْحَة وَالزُّبَيْر وَقَالَت الهذلية لَا تَنْتَهِي قدرَة الله على خير وصبر وأيقنت النظامية بِأَنَّهُ أذاق بَعضهم بَأْس بعض وَفرق شملهم وصيرهم قطعا وعبست البشرية لما جعل معتزلهم سبعا وهشم الهشامية والبهشمية بِالْحجَّةِ الْمُوَضّحَة وقصم الْكَعْبِيَّة فَصَارَت تَحت الأرجل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 1080 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن بختيار بن عَليّ الهمامي أَبُو عبد الله ولد بالهمامية من قرى وَاسِط قَالَ ابْن النجار كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب سديد الْفَتَاوَى ورعا دينا كثير الْعِبَادَة أُرِيد على أَن يَلِي الْقَضَاء بواسط فَلم يجب توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1081 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْأَزْدِيّ أَو الْكِنْدِيّ الْمصْرِيّ كَانَ يُفْتِي مَعَ شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام وَاخْتصرَ الْمَذْهَب فِي مُصَنف سَمَّاهُ الْهَادِي وَفِيه يَقُول فِيمَن سَهَا وَسلم وَلم يسْجد مَا نَصه فَإِن سلم فأحدث فَعَن لَهُ فَسجدَ بطلت صلَاته على الصَّحِيح انْتهى وَمرَاده بعن لَهُ فَتطهر وَهَذَا غَرِيب وَالْمَعْرُوف أَنا إِذا قُلْنَا يسْجد عِنْد قرب الْفَصْل قَول الإِمَام وَلَو سلم وأحدث ثمَّ انغمس فِي مَاء على قرب الزَّمَان فَالظَّاهِر أَن الْحَدث فاصل وَإِن لم يطلّ الزَّمَان انْتهى فَأخذ مِنْهُ صَاحب الْهَادِي أَنه إِذا تطهر وَسجد صَار عَائِدًا ثمَّ فرع عَلَيْهِ أَنه إِذا عَاد بطلت لِأَنَّهَا صَلَاة تخللها حدث فَتبْطل على الْمَذْهَب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 مجرحة وَعلمت الجبائية مذ قطعهَا أَن الْإِسْلَام يجب مَا قبله وَانْهَزَمَ جَيش الأحيدية فَمَا عَاد مِنْهُم إِلَّا من عَاد إِلَى الْقبْلَة وعرج على الْخَوَارِج فَدَخَلُوا تَحت الطَّاعَة وَعلمت الْأزَارِقَة مِنْهُم أَن فتكات أبيضه المحمدية ونار أسمره الأحمدية لَا قبل لَهُم بهَا وَلَا استطاعة وَقَالَت الميمونية الْيمن من الله وَالشَّر وخنست الأخنسية وَمَا فيهم إِلَّا من تحيز إِلَى فِئَة وفر والتفت إِلَى الروافض فَقَالَت الزيدية ضرب عَمْرو وخَالِد وَبكر زيدا وَقَالَت الإمامية هَذَا الإِمَام وَمن حاد عَنهُ فقد جَاءَ شَيْئا إدا وأيقنت السليمانية أَن جنها حبس فِي القناني وَقَالَت الأزلية هَذَا الَّذِي قدر الله فِي الْأَزَل أَن يكون فَردا وعوذه بالسبع المثاني وَقَالَ المنتظرون هَذَا الإِمَام وَهَذَا الْيَوْم الْمَوْعُود وَجعلت الكيسانية فِي ظلال كيسه وسجل عَلَيْهِم بِالطَّاعَةِ فِي يَوْم مشهود وَنظر إِلَى الجبرية شزرا فَمشى كل مِنْهُم على كره الهوينا كَأَنَّهُ جَاءَ جبرا وَعلمت النجارية أَن صنعها لَا يُقَابل هَذَا الْعَظِيم النجار وَنَادَتْ الضرارية لَا ضَرَر فِي الْإِسْلَام وَلَا ضرار وتطلع على الْقَدَرِيَّة فعبس كل مِنْهُم وَبسر ثمَّ أقبل واستصغر وَكَانَ من الذُّبَاب أقل وأحقر فَقتل كَيفَ قدر وانعطف إِلَى المرجئة وَمَا أرجأهم وَجعل العدمية مِنْهُ خالدية فِي الْهون وساءهم بنارهم ودعا الحلولية فَحل عَلَيْهِم مَا هُوَ أَشد من الْمنية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 وأصبحت الباطنية تَأْخُذ أَقْوَاله وَلَا تتعدى مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة وَأما الحشوية قبح الله صنعهم وفضح على رُؤُوس الأشهاد جمعهم فَشَرِبُوا كأسا قطع أمعاءهم وهربوا فِرَارًا إِلَى خسي الْأَمَاكِن حَتَّى عدم النَّاس محشاهم وَصَارَ الْقَائِل بالجهة فِي أخس الْجِهَات وَعرض عَلَيْهِ كل جسم وَهُوَ يضْرب بِسيف الله الْأَشْعَرِيّ وَيَقُول {هَل من مزِيد} هَات حَتَّى نادوا بالثبور وَزَالَ عَن النَّاس افتراؤهم ومكرهم {ومكر أُولَئِكَ هُوَ يبور} وَأما النَّصَارَى وَالْيَهُود فَأَصْبحُوا جَمِيعًا وَقُلُوبهمْ شَتَّى ونفوسهم حيارى وَرَأَيْت الْفَرِيقَيْنِ {سكارى وَمَا هم بسكارى} وَمَا من نَصْرَانِيّ رَآهُ إِلَّا وَقَالَ أَيهَا الْفَرد لَا نقُول بالتثليث بَين يَديك وَلَا يَهُودِيّ إِلَّا سلم وَقَالَ {إِنَّا هدنا إِلَيْك} هَذَا مَا يتَعَلَّق بعقائد العقائد وفرائد القلائد وَأما عُلُوم الْحُكَمَاء فَلَقَد تدرع بجلبابها وتلفع بأثوابها وتسرع فِي طلبَهَا حَتَّى دخل من كل أَبْوَابهَا وَأقسم الفيلسوف إِنَّه لذُو قدر عَظِيم وَقَالَ الْمنصف فِي كَلَامه هَذَا {من لدن حَكِيم} وآلى ابْن سينا بِالطورِ إِلَيْهِ من أَن قدره دون هَذَا الْمِقْدَار وَعلم أَن كَلَامه المنثور وَكتابه المنظوم يكَاد سنا برقهما يذهب بالأبصار وَفهم صَاحب أقليدس أَنه اجْتهد فِي الْكَوَاكِب وأطلعها سوافر وجد حَتَّى أبرزها فِي ظلام الضلال غرر نَهَار لَا يتَمَسَّك بعصم الكوافر وَأما الشرعيات تَفْسِيرا وفقها وأصولا وَغَيرهَا فَكَانَ بحرا لَا يجارى وبدرا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 إِلَّا أَن هداه يشرق نَهَارا هَذَا هُوَ الْعلم كَيفَ يَلِيق أَن يتغافل الْمُؤمن عَن هَذَا وَهَذَا هُوَ دوا الذِّهْن الَّذِي كَانَ أسْرع إِلَى كل دَقِيق نفاذا وَهَذَا هُوَ الْحجَّة الثَّابِتَة على قَاضِي الْعقل وَالشَّرْع وَهَذِه هِيَ الْحجَّة الَّتِي يثبت فِيهَا الأَصْل وَيتَفَرَّع الْفَرْع مَا القَاضِي عِنْده إِلَّا خصم هَذَا الجلل إِن ماثله إِلَّا مِمَّن تلبس بِمَا لم يُعْط وَلم يقف عِنْد حد لَهُ وَلَا رسم وَمَا الْبَصْرِيّ إِلَّا فَاقِد بَصَره وَإِن رام لحاق نظره فقد فقد نظر الْعين وَلَا أَبُو الْمَعَالِي إِلَّا مِمَّن يُقَال لَهُ هَذَا الإِمَام الْمُطلق إِن كنت إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَلَقَد أَجَاد ابْن عنين حَيْثُ يَقُول فِيهِ (مَاتَت بِهِ بدع تَمَادى عمرها ... دهرا وَكَاد ظلامها لَا ينجلي) (وَعلا بِهِ الْإِسْلَام أرفع هضبة ... ورسا سواهُ فِي الحضيض الْأَسْفَل) (غلط امْرُؤ بأبى عَليّ قاسه ... هَيْهَات قصر عَن هداه أَبُو على) (لَو أَن رسطاليس يسمع لَفْظَة ... من لَفظه لعرته هزة أفكل) (ولحار بطليموس لَو لاقاه من ... برهانه فِي كل شكل مُشكل) (وَلَو أَنهم جمعُوا لَدَيْهِ تيقنوا ... أَن الْفَضِيلَة لم تكن للْأولِ) ولد الإِمَام سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَقيل أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 واشتغل على وَالِده الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عمر وَكَانَ من تلامذة محيى السّنة أبي مُحَمَّد الْبَغَوِيّ وَقَرَأَ الْحِكْمَة على الْمجد الجيلي بمراغة وتفقه على الْكَمَال السمناني وَيُقَال إِنَّه حفظ الشَّامِل فِي علم الْكَلَام لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ أول أمره فَقِيرا ثمَّ فتحت عَلَيْهِ الأرزاق وانتشر اسْمه وَبعد صيته وَقصد من أقطار الأَرْض لطلب الْعلم وَكَانَت لَهُ يَد طولى فِي الْوَعْظ بِلِسَان الْعَرَبِيّ والفارسي ويلحقه فِيهِ حَال وَكَانَ من أهل الدّين والتصوف وَله يَد فِيهِ وَتَفْسِيره ينبىء عَن ذَلِك وَعبر إِلَى خوارزم بعد مَا مهر فِي الْعُلُوم فَجرى بَينه وَبَين الْمُعْتَزلَة مناظرات أدَّت إِلَى خُرُوجه مِنْهَا ثمَّ قصد مَا وَرَاء النَّهر فَجرى لَهُ أَشْيَاء نَحْو مَا جرى بخوارزم فَعَاد إِلَى الرّيّ ثمَّ اتَّصل بالسلطان شهَاب الدّين الغوري وحظي عِنْده ثمَّ بالسلطان الْكَبِير عَلَاء الدّين خوارزمشاه مُحَمَّد بن تكش ونال عِنْده أَسْنَى الْمَرَاتِب وَاسْتقر عِنْده بخراسان واشتهرت مصنفاته فِي الْآفَاق وَأَقْبل النَّاس على الِاشْتِغَال بهَا ورفضوا كتب الْمُتَقَدِّمين وَأقَام بهراة وَكَانَ يلقب بهَا شيخ الْإِسْلَام وَكَانَ كثير الإزراء بالكرامية فَقيل إِنَّهُم وضعُوا عَلَيْهِ من سقَاهُ سما فَمَاتَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 وَكَانَ خوارزمشاه يَأْتِي إِلَيْهِ وَكَانَ إِذا ركب يمشي حوله نَحْو ثَلَاثمِائَة نفس من الْفُقَهَاء وَغَيرهم وَكَانَ شَدِيد الْحِرْص جدا فِي الْعُلُوم وَأَصْحَابه أَكثر الْخلق تَعْظِيمًا لَهُ وتأدبا مَعَه لَهُ عِنْدهم المهابة الوافرة وَمن تصانيفه التَّفْسِير والمطالب الْعَالِيَة وَنِهَايَة الْعُقُول وَالْأَرْبَعِينَ والمحصل وَالْبَيَان والبرهان فِي الرَّد على أهل الزيغ والطغيان والمباحث الْعمادِيَّة والمحصول وعيون الْمسَائِل وإرشاد النظار وأجوبة الْمسَائِل البخارية والمعالم وتَحْصِيل الْحق والزبدة وَشرح الإشارات وعيون الْحِكْمَة وَشرح الْأَسْمَاء الْحسنى وَقيل شرح مفصل الزَّمَخْشَرِيّ فِي النَّحْو ووجيز الْغَزالِيّ فِي الْفِقْه وَسقط الزند لأبي الْعَلَاء وَله طَريقَة فِي الْخلاف ومُصَنف فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي حسن وَغير ذَلِك وَأما كتاب السِّرّ المكتوم فِي مُخَاطبَة النُّجُوم فَلم يَصح أَنه لَهُ بل قيل إِنَّه مختلق عَلَيْهِ حكى الأديب شرف الدّين مُحَمَّد بن عنين أَنه حضر درسه مرّة وَهُوَ شَاب وَقد وَقع ثلج كَبِير فَسَقَطت بِالْقربِ مِنْهُ حمامة وَقد طردها بعض الْجَوَارِح فَلَمَّا وَقعت رَجَعَ عَنْهَا الْجَارِح فَلم تقدر الْحَمَامَة على الطيران من الْخَوْف وَالْبرد فَلَمَّا قَامَ الإِمَام من الدَّرْس وقف عَلَيْهَا ورق لَهَا وَأَخذهَا قَالَ ابْن عنين فَقلت فِي الْحَال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 (يَا ابْن الْكِرَام المطعمين إِذا شتوا ... فِي كل مسغبة وثلج خاشف) (العاصمين إِذا النُّفُوس تطايرت ... بَين الصوارم والوشيج الراعف) (من أنبأ الورقاء أَن محلكم ... حرم وَأَنَّك ملْجأ للخائف) (وفدت إِلَيْك وَقد تدانى حتفها ... فحبوتها ببقائها المستأنف) (لَو أَنَّهَا تحبى بِمَال لانثنت ... من راحتيك بنائل متضاعف) (جَاءَت سُلَيْمَان الزَّمَان بشكوها ... وَالْمَوْت يلمع من جناحي خاطف) (قدم لواه الْفَوْت حَتَّى ظله ... بإزائه يجْرِي بقلب واجف) وَاعْلَم أَن شَيخنَا الذَّهَبِيّ ذكر الإِمَام فِي كتاب الْمِيزَان فِي الضُّعَفَاء وكتبت أَنا على كِتَابه حَاشِيَة مضمونها أَنه لَيْسَ لذكره فِي هَذَا الْمَكَان معنى وَلَا يجوز من وُجُوه عدَّة أَعْلَاهَا أَنه ثِقَة حبر من أَحْبَار الْأمة وَأَدْنَاهَا أَنه لَا رِوَايَة لَهُ فَذكره فِي كتب الروَاة مُجَرّد فضول وتعصب وتحامل تقشعر مِنْهُ الْجُلُود وَقَالَ فِي الْمِيزَان لَهُ كتاب أسرار النُّجُوم سحر صَرِيح قلت وَقد عرفناك أَن هَذَا الْكتاب مختلق عَلَيْهِ وَبِتَقْدِير صِحَة نسبته إِلَيْهِ لَيْسَ بِسحر فليتأمله من يحسن السحر وَيَكْفِيك شَاهدا على تعصب شَيخنَا عَلَيْهِ ذكره إِيَّاه فِي حرف الْفَاء حَيْثُ قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ وَلَا يخفى أَنه لَا يعرف بِهَذَا وَلَا هُوَ اسْمه أما اسْمه فمحمد وَأما مَا اشْتهر بِهِ فَابْن الْخَطِيب وَالْإِمَام فَإِذا نظرت أَيهَا الطارح رِدَاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 العصبية عَن كَتفيهِ الجانح إِلَى جعل الْحق بمرأى عَيْنَيْهِ إِلَى رجل عمد إِلَى إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَأدْخلهُ فِي جمَاعَة لَيْسَ هُوَ مِنْهُم أَعنِي رُوَاة الحَدِيث فَإِن الإِمَام لَا رِوَايَة لَهُ وَدعَاهُ باسم لَا يعرف بِهِ ثمَّ نظرت إِلَى قَوْله فِي آخر الْمِيزَان إِنَّه لم يتَعَمَّد فِي كِتَابه هوى نفس وأحسنت بِالرجلِ الظَّن وأبعدته عَن الْكَذِب أوقعته فِي التعصب وَقلت قد كرهه لأمور ظَنّهَا مقتضية الْكَرَاهَة وَلَو تأملها الْمِسْكِين حق التَّأَمُّل وأوتي رشده لأوجبت لَهُ حبا عَظِيما فِي هَذَا الإِمَام وَلكنهَا الحاملة لَهُ على هَذِه الْعَظِيمَة والمردية لَهُ فِي هَذِه الْمُصِيبَة العميمة نسْأَل الله السّتْر والسلامة وَذكر أَن الإِمَام وعظ يَوْمًا بِحَضْرَة السُّلْطَان شهَاب الدّين الغوري وحصلت لَهُ حَال فاستغاث يَا سُلْطَان الْعَالم لَا سلطانك يبْقى وَلَا تلبيس الرارزي يبْقى {وَأَن مردنا إِلَى الله} وَبلغ من أَمر الحشوية أَن كتبُوا لَهُ رِقَاعًا فِيهَا أَنْوَاع السَّيِّئَات وصاروا يضعونها على منبره فَإِذا جَاءَ قَرَأَهَا فَقَرَأَ يَوْمًا رقْعَة ثمَّ اسْتَغَاثَ فِي هَذِه الرقعة أَن ابْني يفعل كَذَا فَإِن صَحَّ هَذَا فَهُوَ شَاب أَرْجُو لَهُ التَّوْبَة وَأَن امْرَأَتي تفعل كَذَا فَإِن صَحَّ هَذَا فَهِيَ امْرَأَة لَا أَمَانَة لَهَا وَأَن غلامي يفعل كَذَا وجدير بالغلمان كل سوء إِلَّا من حفظ الله وَلَيْسَ فِي شَيْء من الرّقاع - وَللَّه الْحَمد - أَن ابْني يَقُول إِن الله جسم وَلَا يشبه بِهِ خلقه وَلَا أَن زَوْجَتي تعتقد ذَلِك وَلَا غلامي فَأَي الْفَرِيقَيْنِ أوضح سَبِيلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 قَالَ أَبُو عبد الله الْحسن الوَاسِطِيّ سَمِعت الإِمَام بهراة ينشد على الْمِنْبَر عقيب كَلَام عَاتب فِيهِ أهل الْبَلَد (الْمَرْء مَا دَامَ حَيا يستهان بِهِ ... ويعظم الرزء فِيهِ حِين يفتقد) أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا الْكَمَال عمر بن إلْيَاس بن يُونُس المراغي أخبرنَا التقي يُوسُف بن أبي بكر النَّسَائِيّ بِمصْر أخبرنَا الْكَمَال مَحْمُود بن عمر الرَّازِيّ قَالَ سَمِعت الإِمَام فَخر الدّين يُوصي بِهَذِهِ الْوَصِيَّة لما احْتضرَ لتلميذه إِبْرَاهِيم بن أبي بكر الْأَصْبَهَانِيّ يَقُول العَبْد الراجي رَحْمَة ربه الواثق بكرم مَوْلَاهُ مُحَمَّد بن عمر بن الْحسن الرَّازِيّ وَهُوَ أول عَهده بِالآخِرَة وَآخر عَهده بالدنيا وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي يلين فِيهِ كل قَاس وَيتَوَجَّهُ إِلَى مَوْلَاهُ كل آبق أَحْمد الله بالمحامد الَّتِي ذكرهَا أعظم مَلَائكَته فِي أشرف أَوْقَات معارجهم ونطق بهَا أعظم أنبيائه فِي أكمل أَوْقَات شهاداتهم وأحمده بالمحامد الَّتِي يَسْتَحِقهَا عرفتها أَو لم أعرفهَا لِأَنَّهُ لَا مُنَاسبَة للتراب مَعَ رب الأرباب وصلواته على مَلَائكَته المقربين والأنبياء وَالْمُرْسلِينَ وَجَمِيع عباد الله الصَّالِحين اعلموا أخلائي فِي الدّين وإخواني فِي طلب الْيَقِين أَن النَّاس يَقُولُونَ إِن الْإِنْسَان إِذا مَاتَ انْقَطع عمله وتعلقه عَن الْخلق وَهَذَا مُخَصص من وَجْهَيْن الأول أَنه إِن بَقِي مِنْهُ عمل صَالح صَار ذَلِك سَببا للدُّعَاء وَالدُّعَاء لَهُ عِنْد الله تَعَالَى أثر الثَّانِي مَا يتَعَلَّق بالأولاد وَأَدَاء الْجِنَايَات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 أما الأول فاعلموا أَنِّي كنت رجلا محبا للْعلم فَكنت أكتب من كل شَيْء شَيْئا لأقف على كميته وكيفيته سَوَاء كَانَ حَقًا أَو بَاطِلا إِلَّا أَن الَّذِي نطق بِهِ فِي الْكتب الْمُعْتَبرَة أَن الْعَالم الْمَخْصُوص تَحت تَدْبِير مدبره المنزه عَن مماثلة التحيزات مَوْصُوف بِكَمَال الْقُدْرَة وَالْعلم وَالرَّحْمَة وَلَقَد اختبرت الطّرق الكلامية والمناهج الفلسفية فَمَا رَأَيْت فِيهَا فَائِدَة تَسَاوِي الْفَائِدَة الَّتِي وَجدتهَا فِي الْقُرْآن لِأَنَّهُ يسْعَى فِي تَسْلِيم العظمة والجلال لله وَيمْنَع عَن التعمق فِي إِيرَاد المعارضات والمناقضات وَمَا ذَاك إِلَّا للْعلم بِأَن الْعُقُول البشرية تتلاشى فِي تِلْكَ المضايق العميقة والمناهج الْخفية فَلهَذَا أَقُول كل مَا ثَبت بالدلائل الظَّاهِرَة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عَن الشُّرَكَاء كَمَا فِي الْقدَم والأزلية وَالتَّدْبِير والفعالية فَذَلِك هُوَ الَّذِي أَقُول بِهِ وَألقى الله بِهِ وَأما مَا يَنْتَهِي الْأَمر فِيهِ إِلَى الدقة والغموض وكل مَا ورد فِي الْقُرْآن والصحاح الْمُتَعَيّن للمعنى الْوَاحِد فَهُوَ كَمَا قَالَ وَالَّذِي لم يكن كَذَلِك أَقُول يَا إِلَه الْعَالمين إِنِّي أرى الْخلق مطبقين على أَنَّك أكْرم الأكرمين وأرحم الرَّاحِمِينَ فَكل مَا مده قلمي أَو خطر ببالي فأستشهد وَأَقُول إِن علمت مني أَنِّي أردْت بِهِ تَحْقِيق بَاطِل أَو إبِْطَال حق فافعل بِي مَا أَنا أَهله وَإِن علمت مني أَنِّي مَا سعيت إِلَّا فِي تقديس اعتقدت أَنه الْحق وتصورت أَنه الصدْق فلتكن رحمتك مَعَ قصدي لَا مَعَ حاصلي فَذَاك جهد الْمقل وَأَنت أكْرم من أَن تضايق الضَّعِيف الْوَاقِع فِي زلَّة فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يَا من لَا يزِيد ملكه عرفان العارفين وَلَا ينقص ملكه بخطأ الْمُجْرمين وَأَقُول ديني مُتَابعَة الرَّسُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكتابي الْقُرْآن الْعَظِيم وتعويلي فِي طلب الدّين عَلَيْهِمَا اللَّهُمَّ يَا سامع الْأَصْوَات وَيَا مُجيب الدَّعْوَات وَيَا مقيل العثرات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 أَنا كنت حسن الظَّن بك عَظِيم الرَّجَاء فِي رحمتك وَأَنت قلت أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَأَنت قلت {أم من يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ} فَهَب أَنِّي مَا جِئْت بِشَيْء فَأَنت الْغَنِيّ الْكَرِيم فَلَا تخيب رجائي وَلَا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الْمَوْت وَبعد الْمَوْت وَعند الْمَوْت وَسَهل عَليّ سَكَرَات الْمَوْت فَإنَّك أرْحم الرَّاحِمِينَ وَأما الْكتب الَّتِي صنفتها واستكثرت فِيهَا من إِيرَاد السؤالات فَلْيذكرْنِي من نظر فِيهَا بِصَالح دُعَائِهِ على سَبِيل التفضل والإنعام وَإِلَّا فليحذف القَوْل السيء فَإِنِّي مَا أردْت إِلَّا تَكْثِير الْبَحْث وشحذ الخاطر والاعتماد فِي الْكل على الله الثَّانِي وَهُوَ إصْلَاح أَمر الْأَطْفَال فالاعتماد فِيهِ على الله ثمَّ إِنَّه سرد وَصيته فِي ذَلِك إِلَى أَن قَالَ وَأمرت تلامذتي وَمن لي عَلَيْهِ حق إِذا أَنا مت يبالغون فِي إخفاء موتِي ويدفنوني على شَرط الشَّرْع فَإِذا دفنوني قرأوا عَليّ مَا قدرُوا عَلَيْهِ من الْقُرْآن ثمَّ يَقُولُونَ يَا كريم جَاءَك الْفَقِير الْمُحْتَاج فَأحْسن إِلَيْهِ هَذَا آخر الْوَصِيَّة وَقَالَ الإِمَام فِي تَفْسِيره وَأَظنهُ فِي سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَالَّذِي جربته من طول عمري أَن الْإِنْسَان كلما عول فِي أَمر من الْأُمُور على غير الله صَار ذَلِك سَببا للبلاء والمحنة والشدة والرزية وَإِذا عول على الله وَلم يرجع إِلَى أحد من الْخلق حصل ذَلِك الْمَطْلُوب على أحسن الْوُجُوه فَهَذِهِ التجربة قد استمرت لي من أول عمري إِلَى هَذَا الْوَقْت الَّذِي بلغت فِيهِ إِلَى السَّابِع وَالْخمسين فَعِنْدَ هَذَا أَسْفر قلبِي على أَنه لَا مصلحَة للْإنْسَان فِي التعويل على شَيْء سوى فضل الله وإحسانه انْتهى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 قلت وَمَا ذكره حق وَمن حاسب نَفسه وجد الْأَمر كَذَلِك وَإِن فرض أحد عول فِي أَمر على غير الله وَحصل لَهُ فَاعْلَم أَنه لَا يَخْلُو عَن أحد رجلَيْنِ إِمَّا رجل ممكور بِهِ وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَإِمَّا رجل يطْلب شرا وَهُوَ يحْسب أَنه خير لنَفسِهِ وَيظْهر لَهُ ذَلِك بعاقبة ذَلِك الْأَمر فَمَا أسْرع انقلابه فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة إِلَى أَسْوَأ الْأَحْوَال وَمن شَاءَ اعْتِبَار ذَلِك فليحاسب نَفسه وَاعْلَم أَن هَذِه الْجُمْلَة من كَلَام الإِمَام دَالَّة على مراقبته طول وقته ومحاسبته لنَفسِهِ رَضِي الله عَنهُ وقبح من يسبه أَو يذكرهُ بِسوء حسدا وبغيا من عِنْد نَفسه توفّي الإِمَام رَحمَه الله بهراة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ يَوْم عيد الْفطر سنة سِتّ وسِتمِائَة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ إِذا بَاعَ صَاعا من صبرَة مَجْهُولَة الصيعان وجوزناه أَو مَعْلُومَة وَقُلْنَا إِنَّه لَا ينزل على الإشاعة فالخيرة فِي الْجَانِب الَّذِي يُوجد مِنْهُ الصَّاع الَّذِي وَقع عَلَيْهِ العقد إِلَى البَائِع قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب فِي الْجراح فِي الْكَلَام على مَا إِذا كَانَ رَأس الشاج أكبر وَفِي الْمُنْتَخب المعزى لِابْنِ الْخَطِيب أَنَّهَا للْمُشْتَرِي وَقد نُوقِشَ فِيهِ انْتهى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 قلت وَقد أَجَاد فِي قَوْله المعزى لِابْنِ الْخَطِيب لِأَن كثيرا من النَّاس ذكرُوا أَنه لبَعض تلامذة الإِمَام لَا للْإِمَام اخْتَار الإِمَام فِي التَّفْسِير فِي سُورَة الْإِسْرَاء أَن الجمادات وَغير الْمُكَلف من الْبَهَائِم أَنَّهَا تسبح الله بِلِسَان الْحَال وَلَا تسبح لَهُ بِلِسَان الْمقَال وَاحْتج بِمَا لم ينْهض عندنَا وَفصل قوم فَقَالُوا كل حَيّ ونام يسبح دون مَا عداهُ وَعَلِيهِ قَول عِكْرِمَة الشَّجَرَة تسبح والأسطوانة لَا تسبح وَقَالَ يزِيد الرقاشِي لِلْحسنِ وهما يأكلان طَعَاما وَقد قدم الخوان أيسبح هَذَا الخوان أَبَا سعيد فَقَالَ قد كَانَ يسبح ثمره يُرِيد أَن الشَّجَرَة فِي زمن ثَمَرهَا واعتدالها ذَات تَسْبِيح وَأما الْآن فقد صَار خوانًا مدهونا ويستدل لهَذَا بِمَا ثَبت من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بقبرين فَقَالَ إنَّهُمَا ليعذبان وَفِيه أَنه دَعَا بعسيب رطب وَشقه بِاثْنَيْنِ وغرس على هَذَا وَاحِدًا وعَلى هَذَا وَاحِدًا ثمَّ قَالَ لَعَلَّه يُخَفف عَنْهُمَا مَا لم ييبسا فَإِن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمَا مَا داما رطبين يسبحان وَإِذا يبسا صَارا جمادا وَذهب قوم إِلَى أَن كل شَيْء من جماد وَغَيره يسبح بِلِسَان الْمقَال وَهَذَا هُوَ الْأَرْجَح عندنَا لِأَنَّهُ لَا اسْتِحَالَة فِيهِ وَيدل لَهُ كثير من النقول قَالَ تَعَالَى {إِنَّا سخرنا الْجبَال مَعَه يسبحْنَ بالْعَشي وَالْإِشْرَاق} وَقَالَ تَعَالَى {وتخر الْجبَال هدا أَن دعوا للرحمن ولدا} الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 ) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا روى ابْن ماجة لَا يسمع صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس وَلَا شجر وَلَا حجر وَلَا مدر وَلَا شَيْء إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ أَنهم كَانُوا يسمعُونَ تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي صَحِيح مُسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي لأعرف حجرا بِمَكَّة كَانَ يسلم عَليّ قبل أَن أبْعث وَخبر الْجذع فِي هَذَا الْبَاب مَشْهُور وروى ابْن الْمُبَارك فِي رقائقه أَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِن الْجَبَل ليقول للجبل هَل مر بك الْيَوْم ذَاكر لله فَإِن قَالَ نعم سر بِهِ إِلَى غير ذَلِك من أَخْبَار وآيات تشهد لمن يحمل قَوْله تَعَالَى {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ} على عُمُومه غير أَنا نقُول لَا نسلم من تسبيحها بِلِسَان الْمقَال أَنا نسمعها وَإِنَّمَا يكون ذَلِك على سَبِيل المعجزة كَمَا كَانُوا يسمعُونَ تَسْبِيح الطَّعَام عِنْد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو على وَجه الْكَرَامَة ذهب الإِمَام إِلَى أَنه إِذا قَالَ لامرأتيه إِحْدَاكُمَا طَالِق لَا يَقع الطَّلَاق على وَاحِدَة مِنْهُمَا لِأَن الطَّلَاق تعْيين فيستدعى محلا معينا حكى الإِمَام فِي المناقب أَن الْحُسَيْن الْفراء مَال إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة فِي مسح الرَّأْس فِي الْوضُوء فَأوجب الرّبع وتعجب الإِمَام من الْبَغَوِيّ فِي ذَلِك قلت وَهَذَا أَخذه من كَلَامه فِي التَّهْذِيب فَإِن فِيهِ بعد مَا حكى مَذْهَب الشَّافِعِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 وَأبي حنيفَة وَجب أَن لَا يسْقط الْفَرْض عَنهُ إِذا مسح أقل من الناصية لِأَن ظَاهر الْقُرْآن يُوجب التَّعْمِيم وَالسّنة خصته بِقدر الناصية انْتهى وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي مَذْهَب أبي حنيفَة بل فِي التَّقْدِير بِقدر الناصية أما تَقْدِير الناصية بِالربعِ فَذَاك قَول الْحَنَفِيَّة فَإِن صَحَّ أَنه يوافقهم على تقديرها بِالربعِ فقد صَحَّ نقل الإِمَام وَإِلَّا فرأي الْبَغَوِيّ خَارج عَن الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَمن شعر الإِمَام (نِهَايَة إقدام الْعُقُول عقال ... وَأكْثر سعي الْعَالمين ضلال) (وأرواحنا فِي غَفلَة من جسومنا ... وَحَاصِل دُنْيَانَا أَذَى ووبال) (وَلم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أَن جَمعنَا فِيهِ قيل وَقَالُوا) (وَكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فزالوا وَالْجِبَال جبال) (وَكم قد رَأينَا من رجال ودولة ... فبادوا جَمِيعًا مزعجين وزالوا) 1090 - مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حمويه بن مُحَمَّد شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين أَبُو الْحسن ابْن شيخ الشُّيُوخ عماد الدّين الْجُوَيْنِيّ الصُّوفِي الحديث: 1090 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 ولد بجوين وتفقه على أبي طَالب الْأَصْبَهَانِيّ صَاحب التعليقة الْمَشْهُورَة وَقدم الشَّام مَعَ وَالِده وتفقه على القطب النَّيْسَابُورِي وَسمع من أَبِيه وَيحيى الثَّقَفِيّ وَولي المناصب الْكِبَار وَتخرج بِهِ جمَاعَة ودرس وَأفْتى وزوجه القطب النَّيْسَابُورِي بابنته فأولدها الْإِخْوَة الْأَرْبَعَة الْأُمَرَاء الصُّدُور عمر ويوسف وَأحمد وَحسن وَعظم جاهه فِي الدولة الكاملية ودرس بقبة الشَّافِعِي ومشهد الْحُسَيْن وَغير ذَلِك وسيره الْكَامِل رَسُولا إِلَى الْخَلِيفَة يستنجده على الفرنج فِي نوبَة دمياط فَمَرض بالموصل وَمَات سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة 1091 - مُحَمَّد بن عِيسَى بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد ابْن أبي عبد الله الْقرشِي الْعَبدَرِي أَبُو عِيسَى المروروذي من أهل بنج ديه من أَعمال مروالروذ فَقِيه فَاضل من بَيت الْفضل والتقدم مولده سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ببنج ديه قَالَ ابْن النجار بَلغنِي أَن بعض غلمانه الهنود اغتاله فَقتله وَقتل وَلَده مَعَه وَكَانَ من أجمل الشَّبَاب وأظرفهم وَلم يعين تَارِيخ وَفَاته الحديث: 1091 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 1092 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مَالك الشَّيْخ بدر الدّين شَارِح ألفية وَالِده الشَّيْخ جمال الدّين نحوي خَبِير بالمعاني وَالْبَيَان والمنطق ذكي توفّي كهلا فِي الْمحرم سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة 1093 - مُحَمَّد بن مَحْمُود بن الْحسن بن هبة الله بن محَاسِن الْحَافِظ الْكَبِير الثِّقَة محب الدّين أَبُو عبد الله ابْن النجار الْبَغْدَادِيّ مُصَنف تَارِيخ بَغْدَاد الَّذِي ذيل بِهِ على تَارِيخ الْخَطِيب فجَاء فِي ثَلَاثِينَ مجلدا دَالا على سَعَة حفظه وعلو شَأْنه وَله مُصَنف حافل فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وتصانيف أخر كَثِيرَة فِي السّنَن وَالْأَحْكَام وَغَيرهَا ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة وَسمع من عبد الْمُنعم بن كُلَيْب وَيحيى بن بوش وذاكر بن كَامِل وَأبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ وَأَصْحَاب ابْن الْحصين وَالْقَاضِي أبي بكر فَأكْثر الحديث: 1092 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 وَأول سَمَاعه وَله عشر سِنِين وَأول عنايته بِالطَّلَبِ وَله خمس عشرَة سنة وَله الرحلة الواسعة إِلَى الشَّام ومصر والحجاز وأصبهان ومرو وهراة ونيسابور لَقِي أَبَا روح الْهَرَوِيّ وَعين الشَّمْس الثقفية وَزَيْنَب الشعرية والمؤيد الطوسي والحافظ أَبَا الْحسن عَليّ بن الْمفضل وَأَبا الْيمن الْكِنْدِيّ وَأَبا الْقَاسِم ابْن الحرستاني فَمن بعدهمْ قَالَ ابْن السَّاعِي كَانَت رحلته سبعا وَعشْرين سنة واشتملت مشيخته على ثَلَاثَة آلَاف شيخ روى عَنهُ الْجمال مُحَمَّد بن الصَّابُونِي والخطيب عز الدّين الفاروثي وَعلي بن أَحْمد الغرافي وَالْقَاضِي تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان وَخلق وَأَجَازَ لِأَحْمَد بن أبي طَالب بن الشّحْنَة رَاوِي الطَّحَاوِيّ شَيخنَا بِالْإِجَازَةِ توفّي بِبَغْدَاد فِي خَامِس شعْبَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 1094 - مُحَمَّد بن مَحْمُود بن عبد الله الْجُوَيْنِيّ قَاضِي الْبَصْرَة أَبُو عبد الله تفقه بالنظامية بِبَغْدَاد وَتَوَلَّى قَضَاء الْبَصْرَة وَبهَا مَاتَ سنة خمس وسِتمِائَة 1095 - مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عباد أَبُو عبد الله القَاضِي شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ شَارِح الْمَحْصُول كَانَ إِمَامًا فِي الْمنطق وَالْكَلَام وَالْأُصُول والجدل فَارِسًا لَا يشق غباره متدينا لبيبا ورعا نزها ذَا نعْمَة عالية كثير الْعِبَادَة والمراقبة حسن العقيدة خرج من أَصْبَهَان شَابًّا وَدخل بَغْدَاد فاشتغل بهَا ثمَّ قدم حلب وَولي الْقَضَاء بمنبج ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فولاه قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز قَضَاء قوص فباشرها مُبَاشرَة حَسَنَة الحديث: 1094 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 وَكَانَ مهيبا قَائِما فِي الْحق على أَرْبَاب الدولة يخافونه أتم الْخَوْف بَلغنِي أَن الْحَاجِب بِمَدِينَة قوص تعرض إِلَى بعض الْأُمُور الشَّرْعِيَّة فَطَلَبه وضربه بِالدرةِ وَلم ينتطح فِيهَا عنزان وَكَانَ وقورا فِي درسه أَخذ عَنهُ الْعلم جمَاعَة وَذكروا أَن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين الْقشيرِي كَانَ يحضر درسه بقوص وَكَانَ من دينه أَن الطَّالِب إِذا أَرَادَ أَن يقْرَأ عَلَيْهِ الفلسفة ينهاه وَيَقُول لَا حَتَّى تمتزج بالشرعيات امتزاجا حَقِيقِيًّا جيدا فَللَّه دره وشَرحه للمحصول حسن جدا وَإِن كَانَ قد وقف على شرح الْقَرَافِيّ وأودعه الْكثير من محاسنه لكنه أوردهَا على أحسن أسلوب وأجود تَقْرِير بِحَيْثُ إِنَّك ترى الْفَائِدَة من كَلَام الْقَرَافِيّ وَإِن كَانَ هُوَ المبتكر لَهَا كالعجماء وتراها من كَلَام هَذَا الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ قد تنقحت وَجَرت على أسلوب التَّحْقِيق وَلَكِن الْفضل للقرافي وللأصبهاني أَيْضا كتاب الْقَوَاعِد مُشْتَمل على الْأَصْلَيْنِ والمنطق وَالْخلاف دخل الْقَاهِرَة بعد قَضَاء قوص ودرس بالمشهد الْحُسَيْنِي وَأعَاد بالشافعي وَلما ولي الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي تدريس الشَّافِعِي عزل نَفسه من الْإِعَادَة وَبَلغنِي أَنه قَالَ بطن الأَرْض خير من ظهرهَا وَنحن نُقِيم عذره من جِهَة مشيخته وَقدم هجرته وَإِلَّا فحقيق بِهِ وبأمثاله الاستفادة من إِمَام الْأَئِمَّة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَبَلغنِي أَنه حِين فر من قوص إِلَى مصر اقْترض عشْرين درهما حَتَّى تزَود بهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 وَسمعت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد يحْكى أَنه قَالَ فِي الِاسْتِدْرَاك مرّة وَائِل بن حجر بِفَتْح الْحَاء وَالْجِيم فَقلت لَهُ حجر بِضَم الْحَاء وَإِسْكَان الْجِيم فَقَالَ حجر حجر صَحَابِيّ وَالسَّلَام وَحضر إِلَيْهِ فِي قوص طَالب يشكو على شَاعِر هجاه وَسَأَلَ مِنْهُ تعزيره فَقَالَ أخْشَى يبغى يَعْنِي يهجوني أَيْضا وَكَانَ يعْتَقد كرامات الْأَوْلِيَاء قَالَ لَهُ مرّة بعض الطّلبَة يَا سَيِّدي أيصح أَن فِي هَذِه الْأمة من يمشي على المَاء ويطير فِي الْهَوَاء فَقَالَ يَا بني هَذِه الْأمة أكرمها الله بنبيها صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانف عَن أوليائها مقَام النُّبُوَّة والرسالة وَأثبت مَا شِئْت من الخوارق ولد بأصبهان سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ فِي الْعشْرين من رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فصل يشْتَمل على عقيدة مختصرة من كَلَامه مَعَ الْإِشَارَة فِيهَا إِلَى الْأَدِلَّة وَهِي الْحَمد لله حق حَمده وصلواته على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله الْعَالم الْخَالِق وَاجِب الْوُجُود لذاته وَاحِد عَالم قَادر حَيّ مُرِيد مُتَكَلم سميع بَصِير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 فالدليل على وجوده الممكنات لِاسْتِحَالَة وجودهَا بِنَفسِهَا واستحالة وجودهَا بممكن آخر ضَرُورَة اسْتغْنَاء الْمَعْلُول بعلته عَن كل مَا سواهُ وافتقار الْمُمكن إِلَى علته وَالدَّلِيل على وحدته أَنه لَا تركيب فِيهِ بِوَجْه وَإِلَّا لما كَانَ وَاجِب الْوُجُود لذاته ضَرُورَة افتقاره إِلَى مَا تركب مِنْهُ وَيلْزم من ذَلِك أَن لَا يكون من نَوعه اثْنَان إِذْ لَو كَانَ للَزِمَ وجود الِاثْنَيْنِ بِلَا امتياز وَهُوَ محَال وَالدَّلِيل على علمه إيجاده الْأَشْيَاء لِاسْتِحَالَة إِيجَاد الْأَشْيَاء مَعَ الْجَهْل بهَا وَالدَّلِيل على قدرته أَيْضا إيجاده الْأَشْيَاء وَهِي إِمَّا بِالذَّاتِ وَهُوَ محَال وَإِلَّا لَكَانَ الْعَالم وكل وَاحِد من مخلوقاته قَدِيما فَتعين أَن يكون فَاعِلا بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْمَطْلُوب وَالدَّلِيل على أَنه حَيّ علمه وَقدرته لِاسْتِحَالَة قيام الْعلم وَالْقُدْرَة من غير حَيّ وَالدَّلِيل على إِرَادَته تَخْصِيصه الْأَشْيَاء بخصوصيات واستحالة التَّخْصِيص من غير مُخَصص وَالدَّلِيل على كَونه متكلما أَنه آمُر ناه لِأَنَّهُ بعث الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام لتبليغ أوامره ونواهيه وَلَا معنى لكَونه متكلما إِلَّا ذَلِك وَالدَّلِيل على كَونه سميعا بَصيرًا السمعيات وَالدَّلِيل على نبوة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام المعجزات وعَلى نبوة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن المعجز نظمه وَمَعْنَاهُ ثمَّ نقُول كل مَا أخبر بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَذَاب الْقَبْر ومنكر وَنَكِير وَغير ذَلِك من أَحْوَال يَوْم الْقِيَامَة والصراط وَالْمِيزَان والشفاعة وَالْجنَّة وَالنَّار فَهُوَ حق لِأَنَّهُ مُمكن وَقد أخبر بِهِ الصَّادِق فَيلْزم صدقه وَالله الْمُوفق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 1096 - مُحَمَّد بن معمر بن عبد الْوَاحِد بن رَجَاء الْقرشِي العبشمي الْفَقِيه الْمُحدث مخلص الدّين أَبُو عبد الله بن الْحَافِظ أبي أَحْمد بن الشَّيْخ أبي الْقَاسِم ابْن الفاخر الْأَصْبَهَانِيّ ولد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وَحضر على فَاطِمَة الجوزدانية وجعفر بن عبد الْوَاحِد الثَّقَفِيّ وَإِسْمَاعِيل بن الإخشيد وَسمع من سعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِي وَإِسْمَاعِيل بن أبي صَالح الْمُؤَذّن وزاهر الشحامي وَخلق روى عَنهُ ابْن خَلِيل والضياء وَغَيرهمَا قَالَ ابْن النجار كَانَ حسن الْمعرفَة بِمذهب الشَّافِعِي لَهُ معرفَة بِالْحَدِيثِ وَيَد باسطة فِي الْأَدَب وتفنن فِي كل علم يكْتب خطا حسنا وَكَانَ من ظراف النَّاس ومحاسنهم ثِقَة متدينا لَهُ مكانة رفيعة عِنْد الْمُلُوك خرج إِلَى شيراز فَتوفي بهَا فِي ربيع الأول سنة ثَلَاث وسِتمِائَة الحديث: 1096 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 1097 - مُحَمَّد بن ناماور بن عبد الْملك القَاضِي أفضل الدّين الخونجي ولد فِي جُمَادَى الأولى سنة تسعين وَخَمْسمِائة وَله الْيَد الطُّولى فِي المعقولات وَهُوَ صَاحب الموجز فِي الْمنطق وَغَيره ولي قَضَاء قُضَاة الْقَاهِرَة وَكَانَ كثير الإفكار بِحَيْثُ يسْتَغْرق وقتا صَالحا فِي ذَلِك حُكيَ عَنهُ أَنه فكر فِي مجْلِس السُّلْطَان ثمَّ خشِي الْإِنْكَار فَقَالَ أَنا فَكرت فِي هَذَا الْفراش فَظهر لي أَنه إِذا فرش على هَيْئَة كَذَا توفر بِسَاط فَفعل مَا قَالَ فتوفر بِسَاط ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بِالْقَاهِرَةِ وَغَيرهَا توفّي فِي الْخَامِس من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَدفن بسفح المقطم الحديث: 1097 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 ورثاه عز الدّين الإربلي بقصيدة أَولهَا (قضى أفضل الدُّنْيَا نعم وَهُوَ فَاضل ... وَمَات بِمَوْت الخونجي الْفَضَائِل) 1098 - مُحَمَّد بن هبة الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن يحيى بن بنْدَار بن مميل بِفَتْح الْمِيم وَمَعْنَاهُ مُحَمَّد القَاضِي شمس الدّين أَبُو نصر بن الشِّيرَازِيّ ولد فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَأَجَازَ لَهُ أَبُو الْوَقْت السجْزِي وَنصر بن سيار الْهَرَوِيّ وَآخَرُونَ وَسمع من أبي يعلى بن الحبوبي والصائن هبة الله بن عَسَاكِر وأخيه الْحَافِظ أبي الْقَاسِم وخلائق وَطَالَ عمره وَتفرد عَن أقرانه روى عَنهُ الْمُنْذِرِيّ وَابْن خَلِيل والبرزالي والشرف ابْن النابلسي وَالْجمال ابْن الصَّابُونِي وَأَبُو الْحُسَيْن بن الزَّيْنَبِي وَأحمد بن هبة الله بن عَسَاكِر وخلائق وَتفرد بالحضور عَلَيْهِ حفيده أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد وَأَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن عَسَاكِر الحديث: 1098 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 ولي قَضَاء الْقُدس ثمَّ قَضَاء الشَّام اسْتِقْلَالا بمدرسة الْعِمَاد الْكَاتِب ثمَّ تَركهَا ثمَّ ولي تدريس الشامية البرانية وَكَانَ مَوْصُوفا بالرئاسة والنبل ونفاذ الْأَحْكَام وَعدم الْمُحَابَاة قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ أَخذ الْفِقْه عَن القطب النَّيْسَابُورِي وَابْن أبي عصرون فِيمَا أرى توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1099 - مُحَمَّد بن واثق بن عَليّ بن الْفضل بن هبة الله قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين أَبُو عبد الله بن فضلان الْبَغْدَادِيّ مدرس المستنصرية وَقد ولي قَضَاء الْقُضَاة للْإِمَام النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنهُ فِي آخر دولته ولد سنة ثَمَان وسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وتفقه على وَالِده الْعَلامَة أبي الْقَاسِم بن فضلان ورحل إِلَى خُرَاسَان وناظر علماءها الحديث: 1099 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 وَكَانَ عَارِفًا بِالْمذهبِ وَالْخلاف وَالْأُصُول والمنطق مَوْصُوفا بِحسن المناظرة ودرس بالنظامية وَسمع من أَصْحَاب أبي الْقَاسِم بن بَيَان الرزاز وَأبي طَالب الزَّيْنَبِي توفّي فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1100 - مُحَمَّد بن يحيى بن مظفر بن عَليّ بن نعيم القَاضِي أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ ابْن الحبير بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة ولد سنة تسع وَخمسين وَسمع من شهدة وَأبي الْفَتْح بن الْمَنِيّ وَعبد الله بن عبد الصَّمد السّلمِيّ وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن النجار وَأَبُو الْحسن الْعِرَاقِيّ وَغَيرهمَا ومشايخ شُيُوخنَا وَكَانَ إِمَامًا عَارِفًا بِالْمذهبِ دينا خيرا وقورا كثير التِّلَاوَة لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الجدل والمناظرة صَاحب ليل وتهجد تفقه على الشَّيْخ المجير الْبَغْدَادِيّ وَأبي المفاخر النوقاني وناب فِي الْقَضَاء عَن أبي عبد الله بن فضلان وَكَانَ أَولا حنبلي الْمَذْهَب ثمَّ انْتقل ودرس فِي النظامية توفّي فِي سَابِع شَوَّال سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة الحديث: 1100 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد الْعلوِي أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن يحيى الْفَقِيه أنبأتنا شهدة أخبرنَا طراد أخبرنَا هِلَال أخبرنَا ابْن عَيَّاش الْقطَّان حَدثنَا أَبُو الْأَشْعَث حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر أَن رجلا أَتَى الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصليت يَا فلَان قَالَ لَا قَالَ قُم فاركع 1101 - مُحَمَّد بن يُونُس بن مُحَمَّد بن مَنْعَة بن مَالك الشَّيْخ عماد الدّين بن يُونُس الإربلي أحد الْأَئِمَّة من عُلَمَاء الْموصل يكنى أَبَا حَامِد ولد سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وتفقه بالموصل على وَالِده ثمَّ رَحل إِلَى بَغْدَاد فتفقه بهَا على السديد السلماسي وَأبي المحاسن يُوسُف بن بنْدَار الدِّمَشْقِي وَسمع الحَدِيث من أبي حَامِد مُحَمَّد بن أبي الرّبيع الغرناطي وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْكشميهني وَعَاد إِلَى الْموصل ودرس بهَا فِي عدَّة مدارس وَعلا صيته وشاع ذكره وقصده الْفُقَهَاء من الْبِلَاد الحديث: 1101 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 وصنف الْمُحِيط فِي الْجمع بَين الْمُهَذّب والوسيط وَشرح الْوَجِيز وصنف جدلا وَسَماهُ التَّحْصِيل وعقيدة لَا بَأْس بهَا قَالَ ابْن خلكان كَانَ إِمَام وقته فِي الْمَذْهَب وَالْأُصُول وَالْخلاف وَكَانَ لَهُ صيت عَظِيم فِي زَمَانه وَكَانَ شَدِيد الْوَرع والتقشف فِيهِ وَسْوَسَة لَا يمس الْقَلَم للْكتاب إِلَّا وَيغسل يَده وَلم يرْزق سَعَادَة فِي تصانيفه فَإِنَّهَا لَيست على قدر فضائله قَالَ وَتوجه رَسُولا إِلَى الْخَلِيفَة غير مرّة وَولي قَضَاء الْموصل خَمْسَة أشهر ثمَّ عزل فولي بعده ضِيَاء الدّين الْقَاسِم بن يحيى الشهرزوري توفّي بالموصل فِي سلخ جُمَادَى لآخرة سنة ثَمَان وسِتمِائَة وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ تَقْسِيم أَظُنهُ من صَنعته أَدِلَّة الشَّرْع منحصرة فِي النَّص وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الحكم الْمُدعى لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مستفادا من نقل أَو لَا من نقل فَإِن كَانَ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بِوَاسِطَة أهل الْحل وَالْعقد أَو لَا فَإِن كَانَ فَهُوَ الْمُسَمّى إِجْمَاعًا وَإِن لم يكن فَهُوَ الْمُسَمّى نصا وَإِن لم يكن مستفادا من نقل فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مستفادا من معنى مَعْقُول أَو لَا فَإِن كَانَ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون ذَلِك الْمَعْنى رَاجعا إِلَى أحد هذَيْن الْقسمَيْنِ أَو لَا فَإِن كَانَ رَاجعا فَهُوَ الْمُسَمّى قِيَاسا وَإِن لم رَاجعا كَانَ مناسبا مُرْسلا وَهُوَ غير مَعْمُول بِهِ عندنَا وَعِنْدهم وَإِن لم يكن لَا من نقل وَلَا معنى معَارض من جَانب وجوده وَعَدَمه فَلَا يثبت فَثَبت أَن الْأَدِلَّة منحصرة فِي النَّص وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 نِكَاح الجنية قَالَ الشَّيْخ نجم الدّين الْقَمُولِيّ فِي شرح الْوَسِيط إِنَّه حكى عَنهُ أَنه كَانَ يَجْعَل من مَوَانِع النِّكَاح اخْتِلَاف الْجِنْس وَيَقُول لَا يجوز للآدمي أَن ينْكح الجنية قَالَ الْقَمُولِيّ وَفِيه نظر قَالَ الْأَصْحَاب الْأَفْضَل تَقْدِيم الغائبة على الْحَاضِرَة إِلَّا إِذا ضَاقَ وَقت الْحَاضِرَة وَيحرم بهَا زَاد صَاحب التَّعْجِيز قبل بَاب شُرُوط الصَّلَاة أَو أدْرك جمَاعَة وَعلله فِي شَرحه بخشية فَوَات الْجَمَاعَة قَالَ وَهَذَا قَالَه جدي قلت وَسَبقه إِلَيْهِ الْغَزالِيّ فَقَالَ فِي الْبَاب السَّادِس من بَاب أسرار الصَّلَاة من كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين فَقَالَ من فَاتَهُ الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر فَليصل الظّهْر أَولا ثمَّ الْعَصْر إِلَى أَن قَالَ فَإِن وجد إِمَامًا فَليصل الْعَصْر ثمَّ ليصل الظّهْر بعده فَإِن الْجَمَاعَة بِالْأَدَاءِ أولى انْتهى وَهُوَ خلاف المجزوم بِهِ فِي زِيَادَة الرَّوْضَة قبل الْبَاب الْخَامِس فِي شُرُوط الصَّلَاة فَإِنَّهُ قَالَ وَلَو تذكر فَائِتَة وَهُنَاكَ جمَاعَة يصلونَ الْحَاضِرَة وَالْوَقْت متسع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 فَالْأولى أَن يُصَلِّي الْفَائِتَة أَولا مُنْفَردا لِأَن التَّرْتِيب مُخْتَلف فِي وُجُوبه وَالْأَدَاء خلف الْقَضَاء مُخْتَلف فِي جَوَازه فاستحب الْخُرُوج من الْخلاف انْتهى وَمن أَجله وَالله أعلم غير القَاضِي شرف الدّين الْبَارِزِيّ فِي كتاب التَّمْيِيز عبارَة التَّعْجِيز فَإِن عبارَة التَّعْجِيز أَو أدْرك جمَاعَة وَعبارَة التَّمْيِيز قيل أَو أدْرك جمَاعَة فَكَأَنَّهُ لما وجد مَا نَقله ابْن يُونُس عَن جده خلاف المجزوم بِهِ فِي الرَّوْضَة زَاد لَفْظَة قيل لينبه على ضعفه وَقد بَينا أَن الْغَزالِيّ سبقه إِلَيْهِ وَله اتجاه ظَاهر وعَلى القَاضِي شرف الدّين مُؤَاخذَة فَإِن قَوْله قيل كَمَا يُشِير بِهِ إِلَى ضعف الْمَقُول كَذَلِك يُشِير بِهِ إِلَى أَنه وَجه كَمَا ذكره فِي خطبَته وَمن أَيْن لَهُ أَنه وَجه فِي الْمَذْهَب وَهل عِنْده غير كَلَام الشَّيْخ الْعِمَاد وَلَيْسَ من أَصْحَاب الْوُجُوه وَمَا أَظُنهُ وقف على كَلَام الْغَزالِيّ وَبِالْجُمْلَةِ كَلَام ابْن يُونُس مُتَّجه ظَاهر وَقد تأيد بِكَلَام الْغَزالِيّ وَالْقلب إِلَيْهِ أميل مِنْهُ إِلَى مَا فِي الرَّوْضَة نقل صَاحب التَّعْجِيز فِي كتاب نِهَايَة النفاسة عَن جده الشَّيْخ عماد الدّين أَنه لَا يرى قطع السَّارِق بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى فَأشبه حد مكره الْأمة على الزِّنَا قلت وَهُوَ الَّذِي يظْهر تَرْجِيحه وَعَزاهُ الرَّافِعِيّ إِلَى ابْن الصّباغ وَصَاحب الْبَيَان وَغَيرهمَا وَذكر أَن لفظ الْمُخْتَصر يدل لَهُ سُئِلَ الشَّيْخ عماد الدّين عَمَّن لَهُ أَب صَحِيح قوي فَقير لَا تجب نَفَقَته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 هَل يجوز أَن يدْفع لَهُ من سهم الْفُقَرَاء فِي الزَّكَاة فَأجَاب النَّقْل أَنه لَا يجوز وَأجَاب أَخُوهُ الشَّيْخ كَمَال الدّين بِالْجَوَازِ 1102 - مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ الشَّيْخ نجم الدّين بن الخباز الْموصِلِي الحديث: 1102 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 1103 - مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي الشَّيْخ شمس الدّين الأيكي 1104 - مُحَمَّد بن أبي فراس 1105 - مُحَمَّد بن أبي الْفرج بن معالي بن بركَة بن الْحُسَيْن أَبُو الْمَعَالِي الْموصِلِي قَالَ ابْن النجار تفقه بِالْمَدْرَسَةِ النظامية حَتَّى برع فِي الْخلاف وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَصَارَ أحد المعيدين بهَا سمع بالموصل من خطيبها أبي الْفضل عبد الله الطوسي الحديث: 1103 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 مولده فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَمَات فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة 1106 - إِبْرَاهِيم بن سعد الله بن جمَاعَة بن عَليّ بن جمَاعَة ابْن حَازِم بن صَخْر الْكِنَانِي الْحَمَوِيّ برهَان الدّين فَقِيه صوفي ولد بحماة فِي منتصف رَجَب سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَسمع فَخر الدّين بن عَسَاكِر وَغَيره ودرس وَكَانَت لَهُ عبَادَة ومراقبة قصد التَّوَجُّه إِلَى الْقُدس وَأخْبر أَنه لَا يعود فَمضى إِلَى الْقُدس وَمَات فِي يَوْم الْأَضْحَى سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة 1107 - إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الْمُنعم بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن فاتك بن مُحَمَّد بن أبي الدَّم القَاضِي أَبُو إِسْحَاق ولد بحماة فِي حادي عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة الحديث: 1106 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 وَدخل بَغْدَاد فَسمع بهَا من ابْن سكينَة وَغَيره وَحدث بحلب والقاهرة وَله شرح الْوَسِيط وَكتاب أدب الْقَضَاء وتاريخ توفّي فِي منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة ذكر ابْن أبي الدَّم أَن الشَّاهِد إِذا كَانَ مُسْتَنده فِي شَهَادَته الاستفاضة حَيْثُ صَارَت الشَّهَادَة بهَا فَبين ذَلِك وَقَالَ مستندي الاستفاضة لَا تسمع شَهَادَته على الْأَصَح وَهَذَا خلاف غَرِيب وَقد قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْجرْح إِذا جَازَت الشَّهَادَة فِيهِ بالاستفاضة إِن الشاهدد يبين ذَلِك فَيَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ فِيهِ كَذَا لَكِن ذكر الرَّافِعِيّ فِي الشَّهَادَة بِالْملكِ أَنه تجوز الشَّهَادَة فِيهِ بالاستفاضة فَلَو بَين ذَلِك فَقَالَ أشهد لَهُ بِالْملكِ استصحابا فَقطع القَاضِي بِالْقبُولِ وَالْغَزالِيّ بِالْمَنْعِ وَهَذَا شَاهد للْخلاف الَّذِي حَكَاهُ ابْن أبي الدَّم وللوالد رَحمَه الله على الْمَسْأَلَة كَلَام نَفِيس ذكره فِي فَتَاوِيهِ وَذَكَرْنَاهُ نَحن مَعَ زيادات عَلَيْهِ فِي كتاب ترشيح التوشيح مَسْأَلَة الشَّهَادَة بِالْإِقْرَارِ قَالَ ابْن الرّفْعَة قد اشْتَدَّ نَكِير ابْن أبي الدَّم على من يَقُول وَقد تحمل الشَّهَادَة بِالْإِقْرَارِ أشهد على إِقْرَار فلَان بِكَذَا وَإِنَّمَا يَقُول أشهد على فلَان بِأَنَّهُ أقرّ بِكَذَا لِأَن إِقْرَار زيد لَيْسَ بمشهود عَلَيْهِ بل زيد هُوَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمقر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 وَقد أُجِيب بِأَن ذَلِك جَائِز أَيْضا قَالَ الله تَعَالَى {قَالَ بل ربكُم رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فطرهن وَأَنا على ذَلِكُم من الشَّاهِدين} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مثل هَذَا فاشهد قَالَ ابْن الرّفْعَة وَفِي كَلَام الشَّافِعِي نَظِير ذَلِك وَقَوله حجَّة فِي اللُّغَة كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 1108 - إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَهَّاب بن أبي الْمَعَالِي الزنجاني من أَصْحَابنَا لَهُ شرح على الْوَجِيز مُخْتَصر من شرح الرَّافِعِيّ سَمَّاهُ نقاوة الْعَزِيز وَفِي خطبَته يَقُول مُشِيرا إِلَى الرَّافِعِيّ وَشَرحه جمع بعض أَئِمَّة الْعَصْر الحديث: 1108 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 مجموعا حاويا لجَمِيع أَنْوَاع المطالب شَامِلًا لجملة أَصْنَاف الْمذَاهب فَأتى بِمَا يُنَادى على رُؤُوس الأشهاد بجودة قريحته وحدة ذكائه وفطنته ووفور فَضله وغزارة علمه فَإِنَّهُ جَاءَ بِالْيَدِ الْبَيْضَاء وَالْحجّة الزهراء والمحجة الغراء حائزا بِهِ قصب السَّبق وآتيا بِمَا لم يستطعه الْأَوَائِل لكنه صرف الله عين الْكَمَال عَنهُ قد بسط فِيهِ الْكَلَام بسطا أربى على همم أهل الزَّمَان وَكَاد يُفْضِي بِهِ وبالناظر فِيهِ إِلَى الملال إِلَى أَن يَقُول أردْت اختصاره بعض اخْتِصَار مَعَ جَوَاب مَا أزيده من السؤالات وَالْإِشَارَة إِلَى حل بعض مَا وَجه عَلَيْهِ من الإشكالات إِلَى أَن يَقُول وَكَانَ حفظه الله سمى شَرحه الْعَزِيز فسمينا شرحنا هَذَا نقاوة الْعَزِيز وَكَلَامه هَذَا يَقْتَضِي أَنه بَدَأَ فِي تصنيفه فِي حَيَاة الرَّافِعِيّ وَالنُّسْخَة الَّتِي وقفت عَلَيْهَا من هَذَا الشَّرْح بِخَط المُصَنّف وَذكر فِي آخِره أَنه فرغ مِنْهُ فِي شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة قَالَ فِي هَذَا الشَّرْح فِي كتاب البيع عِنْد ذكر المعاطاة مثلُوا المحقرات بالباقة من البقل والرطل من الْخبز وَقيل مَا دون نِصَاب السّرقَة وَقيل يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف وَأَقُول لَو ضبط بِمَا يأنف أوساط النَّاس المكاس فِي بَيْعه وشرائه لم يكن بَعيدا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 قلت وَالْقَوْل بتقديره بِمَا دون نِصَاب السّرقَة هُوَ الْوَجْه الَّذِي ذكر الرَّافِعِيّ أَنه الْأَشْبَه وَمَا ذكره هَذَا الشَّارِح من الضَّبْط يؤول إِلَى الرُّجُوع إِلَى الْعرف 1109 - إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن مُحَمَّد السّلمِيّ المغربي الْحَكِيم القطب الْمصْرِيّ الإِمَام فِي العقليات رَحل إِلَى خُرَاسَان إِلَى حَضْرَة الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَصَارَ من كبار تلامذته وَشرح كليات القانون وصنف كتبا كَثِيرَة وَلَا يعْتَبر بِكَلَام أبي عَليّ بن خَلِيل السكونِي المغربي صَاحب كتاب التَّمْيِيز الَّذِي صنفه على كشاف الزَّمَخْشَرِيّ حَيْثُ تكلم فِي هَذَا الشَّيْخ القطب الْمصْرِيّ وَسَماهُ قطب الدّين الْكُوفِي وَهُوَ إِنَّمَا تكلم فِيهِ بعد مَا تكلم فِي الإِمَام نَفسه فَكَلَامه فِي حق الإِمَام مَرْدُود وَهُوَ وبال عَلَيْهِ وَقد عَابَ الإِمَام بِمَا لَا يعاب بِهِ عَالم فَإِنَّهُ جعل محط كَلَامه دائرا على أَن الإِمَام دأبه اعْتِرَاض كَلَام الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين كالشيخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ شيخ السّنة وَالْقَاضِي أبي بكر والأستاذ أبي إِسْحَاق وَابْن فورك وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمثل هَذَا لَا يعاب بِهِ الْعَالم ثمَّ لَيْسَ الْأَمر على مَا ذكره من أَن دأبه الحديث: 1109 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 اعتراضهم وَإِنَّمَا هُوَ بَحر لَا ينزف وذكي لَا يلْحق فَرُبمَا شكك على كَلَام هَؤُلَاءِ على عَادَة الْعلمَاء والمغاربة لَا يحْتَملُونَ أحدا يُعَارض الْأَشْعَرِيّ فِي كَلَامه وَلَا يعْتَرض عَلَيْهِ وَالْإِمَام لَا يُنكر عَظمَة الْأَشْعَرِيّ كَيفَ وَهُوَ على طَرِيقَته يمشي وَبِقَوْلِهِ يَأْخُذ وَلَكِن لم تَبْرَح الْأَئِمَّة يعْتَرض متأخرها على متقدمها وَلَا يشينه ذَلِك بل يزينه قتل القطب الْمصْرِيّ بنيسابور فِيمَن قتل ظلما على يَد التتار سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة 1110 - إِبْرَاهِيم بن عِيسَى الْمرَادِي الأندلسي ثمَّ الْمصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي قَالَ فِيهِ النَّوَوِيّ الْفَقِيه الإِمَام الْحَافِظ المتقن الْمُحَقق الضَّابِط الزَّاهِد الْوَرع الَّذِي لم تَرَ عَيْني فِي وقتي مثله كَانَ رَحمَه الله بارعا فِي معرفَة الحَدِيث وعلومه وَتَحْقِيق أَلْفَاظه لَا سِيمَا الصحيحان ذَا عناية باللغة والنحو وَالْفِقْه ومعارف الصُّوفِيَّة حسن المذاكرة فِيهَا وَكَانَ عِنْدِي من كبار المسلكين فِي طَرِيق الْحَقَائِق حسن التَّعْلِيم صحبته نَحْو عشر سِنِين لم أر مِنْهُ شَيْئا يكره وَكَانَ من السماحة بِمحل عَال على قدر وجده وَأما الشَّفَقَة على الْمُسلمين ونصيحتهم فَقل نَظِيره فيهمَا توفّي بِمصْر فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَهَذَا كَلَام النَّوَوِيّ رَضِي الله عَنهُ الحديث: 1110 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 1111 - إِبْرَاهِيم بن معضاد بن شَدَّاد بن ماجد الجعبري الشَّيْخ الصَّالح الْمَشْهُور بالأحوال والمكاشفات مولده بجعبر فِي سَابِع عشر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَسمع الحَدِيث بِالشَّام من أبي الْحسن السخاوي وَقدم الْقَاهِرَة وَحدث بهَا فَسمع مِنْهُ شَيخنَا أَبُو حَيَّان وَغَيره وَكَانَ يعظ النَّاس وَيتَكَلَّم عَلَيْهِم وَتحصل فِي مجالسه أَحْوَال سنية وتحكى عَنهُ كرامات بهية وَمنعه قَاضِي الْقُضَاة ابْن رزين مرّة من الْكَلَام على النَّاس بِسَبَب أَلْفَاظ ذكرت عَنهُ ثمَّ عَاد إِلَى الْكَلَام وَظَهَرت بَرَاءَته وَحسن اعْتِقَاده وامتداد حَاله وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس الْعِرَاقِيّ يُنكر عيه إنكارا كثيرا وَكَانَت فِي الشَّيْخ حِدة وَرُبمَا شتم فِي الْوَعْظ ونال من بعض الْحَاضِرين وَطلب مرّة إِلَى مجْلِس بعض الْقُضَاة وادعي عَلَيْهِ بِأَلْفَاظ قيل إِنَّهَا بدرت مِنْهُ فَقَالَ لَهُ القَاضِي أجب فَأخذ يَقُول شقع بقع يَا الله بقع يُكَرر ذَلِك وَخرج من الْمجْلس عجلا لم يقدر أحد أَن يردهُ فَقَامَ القَاضِي وَركب بغلته فَوَقع وانكسرت يَده وَمن شعر الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الجعبري (وأفاضل النَّاس الْكِرَام أبوة ... وفتوة مِمَّن أحب وتاها) الحديث: 1111 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 (عشقوا الْجمال مُجَردا بِمُجَرَّد الرّوح ... الزكية عشق من زكاها) (متجردين عَن الطباع ولؤمها ... متلبسين عفافها ونقاها) فِي أَبْيَات كَثِيرَة وَلما دنت وَفَاته جَاءَ بِنَفسِهِ إِلَى مَوضِع يدْفن فِيهِ وَقَالَ هَذَا قبير جَاءَك دبير وَتُوفِّي عقيب ذَلِك يَوْم السبت رَابِع عشري الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة 1112 - إِبْرَاهِيم بن نصر بن طَاقَة الْمصْرِيّ الْحَمَوِيّ الأَصْل برهَان الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الْفَقِيه نصر فَقِيه أديب رَئِيس وجيه مولده سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة وَأَجَازَ لَهُ ابْن الْجَوْزِيّ وَجَمَاعَة وَحدث سمع مِنْهُ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ وَغَيره وَولي نظر الأحباس بالديار المصرية وَنظر الدِّيوَان بِالْأَعْمَالِ القوصية ومدح الْملك الْكَامِل بقصيدة مطْلعهَا هَذَا (إِلَيْك وَإِلَّا دلَّنِي كَيفَ أصنع ... وفيك وَإِلَّا فالثناء مضيع) (ومنك استفدنا كل مجد وسؤدد ... وعنك أَحَادِيث المكارم تسمع) الحديث: 1112 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 وَمن شعره رَحمَه الله (يَا زماني كلما ... حاولت أمرا تتمنع) (إِن تعصبت فَإِن ... باصطباري أتقنع) وَمِنْه أَيْضا (وبقلبي من الهموم مديد ... وبسيط ووافر وطويل) (لم أكن عَالما بِذَاكَ إِلَى أَن ... قطع الْقلب بالفراق الْخَلِيل) وَقَالَ أَيْضا (أَشْكُو إِلَيْك وَأَنت أرْحم ... من شَكَوْت إِلَيْهِ حَالي) (ضَاقَتْ عَليّ ثَلَاثَة ... رِزْقِي وصدري واحتمالي) (وعدمت حسن ثَلَاثَة ... جلدي وصبري واحتيالي) امتحن ابْن الْفَقِيه نصر فِي أَيَّام الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وصودر وَسلم إِلَى من عاقبه فَضَربهُ حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة ثَانِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1113 - إِبْرَاهِيم بن يحيى بن أبي الْمجد الأميوطي القَاضِي أَبُو إِسْحَاق مدرس الْجَامِع الظافري بِمصْر كَانَ فَقِيها كَبِيرا ولي الْقَضَاء بِبَعْض أقاليم مصر وَله شعر لَا بَأْس بِهِ ولد فِي حُدُود السّبْعين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة الحديث: 1113 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 1114 - إِسْحَاق بن أَحْمد المغربي 1115 - أسعد بن مَحْمُود بن خلف بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْعجلِيّ الْعَلامَة منتخب الدّين أَبُو الْفتُوح بن أبي الْفَضَائِل الْأَصْبَهَانِيّ من أَئِمَّة الْفُقَهَاء الوعاظ مولده فِي أحد الربيعين سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة الحديث: 1114 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 وَسمع الحَدِيث من فَاطِمَة الجوزدانية وَأبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْحَافِظ وَالقَاسِم بن الْفضل الصيدلاني وَابْن البطر وَغَيرهم أجَاز لَهُ إِسْمَاعِيل بن الْفضل السراج وَغَيره روى عَنهُ أَبُو نزار ربيعَة اليمني وَابْن خَلِيل والضياء مُحَمَّد وَآخَرُونَ وَكَانَ أحد الْفُقَهَاء الْأَعْيَان قَالَ ابْن الدبيثي كَانَ زاهدا لَهُ معرفَة تَامَّة بِالْمذهبِ وَكَانَ ينْسَخ وَيَأْكُل من كسب يَده وَعَلِيهِ الْمُعْتَمد فِي الْفَتْوَى بأصبهان انْتهى قلت ترك الْوَعْظ فِي آخر عمره وَجمع كتابا سَمَّاهُ آفَات الوعاظ وَله كتاب شرح مشكلات الْوَسِيط وَالْوَجِيز وَكتاب تَتِمَّة التَّتِمَّة وَقد ذكره الرَّافِعِيّ فِي مَسْأَلَة الدّور من كتاب الطَّلَاق قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ أجَاز لِابْنِ أبي الْخَيْر وَالْفَخْر عَليّ توفّي فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من صفر سنة سِتّمائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 1116 - أسعد بن يحيى بن مُوسَى بن مَنْصُور بن عبد الْعَزِيز بن وهب السّلمِيّ الْمَعْرُوف بالبهاء السنجاري شَاعِر فَقِيه تفقه على أبي الْقَاسِم بن فضلان بِبَغْدَاد وَأبي الْقَاسِم المجير الحديث: 1116 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 وبالموصل على الْحُسَيْن بن نصر وَأبي الرِّضَا سعيد بن عبد الله 1117 - إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن عبد الله بن إِسْمَاعِيل بن مَيْمُون الشَّيْخ الإِمَام الْوَرع الزَّاهِد الْوَلِيّ الْكَبِير الْعَارِف قطب الدّين الْحَضْرَمِيّ شَارِح الْمُهَذّب وَله مصنفات غير ذَلِك كَثِيرَة قَالَ الشَّيْخ الْحَافِظ عفيف الدّين المطري أبقاه الله مصنفاته فِيمَا يتَعَلَّق بِالْمذهبِ بِبِلَاد الْيمن شهيرة وكراماته ظَاهِرَة كَادَت تبلغ التَّوَاتُر سمع من الْفَقِيه تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي الصَّيف اليمني وَأَجَازَ لَهُ وَسمع جمَاعَة من أهل الْيمن غَيره وتفقه بِهِ خلائق وروى عَنهُ جلة قَالَ وَحدثنَا عَنهُ شَيخنَا شهَاب الدّين أَحْمد بن الْفَقِيه بن أبي الْخَيْر بن مَنْصُور اليمني قَالَ وَكَأَنَّهُ توفّي فِي حُدُود سنة سِتّ أَو سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة قلت وَمِمَّا حُكيَ من كراماته واستفاض أَنه قَالَ يَوْمًا لِخَادِمِهِ وَهُوَ فِي سفر الحديث: 1117 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 تَقول للشمس لتقف حَتَّى نصل إِلَى الْمنزل وَكَانَ فِي مَكَان بعيد وَقد قرب غُرُوبهَا فَقَالَ لَهَا الْخَادِم قَالَ لَك الْفَقِيه إِسْمَاعِيل قفي فوقفت حَتَّى بلغ مَكَانَهُ ثمَّ قَالَ للخادم مَا تطلق ذَلِك الْمَحْبُوس فَأمرهَا الْخَادِم بالغروب فغربت وأظلم اللَّيْل فِي الْحَال وَرُوِيَ أَنه مر يَوْمًا على مَقْبرَة وَمَعَهُ جمَاعَة فَبكى بكاء شَدِيدا ثمَّ ضحك فِي الْحَال فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت أهل هَذِه الْمقْبرَة يُعَذبُونَ فَبَكَيْت لذَلِك ثمَّ سَأَلت رَبِّي أَن يشفعني فيهم فشفعني فَقَالَت صَاحِبَة هَذَا الْقَبْر - وَأَشَارَ إِلَى قبر بعيد الْعَهْد بِالْحفرِ - وَأَنا مَعَهم يَا فَقِيه إِسْمَاعِيل أَنا فُلَانَة الْمُغنيَة فَضَحكت وَقلت وَأَنت مَعَهم قَالَ ثمَّ أرسل إِلَى الحفار وَقَالَ هَذَا قبر من فَقَالَ قبر فُلَانَة الْمُغنيَة 1118 - إِسْمَاعِيل بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عَبَّاس بن أرسلان الْكِنَانِي 1119 - إِسْمَاعِيل بن أبي البركات هبة الله بن أبي الرِّضَا سعيد بن هبة الله بن مُحَمَّد الشَّيْخ عماد الدّين أَبُو الْمجد ابْن باطيش الْموصِلِي الْفَقِيه الْمُحدث اللّغَوِيّ صنف طَبَقَات الْفُقَهَاء وَالْمُغني فِي شرح غَرِيب الْمُهَذّب وَالْكَلَام على رِجَاله وكناه الحديث: 1118 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 ولد سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة وَسمع بِبَغْدَاد من ابْن الْجَوْزِيّ وَأبي أَحْمد بن سكينَة وَجَمَاعَة وبحلب من حَنْبَل وبدمشق من الْكِنْدِيّ وَابْن الحرستاني وَغَيرهمَا وبحران من الْحَافِظ عبد الْقَادِر روى عَنهُ الدمياطي وَابْن الظَّاهِرِيّ وَطَائِفَة درس بالنورية بحلب وَغَيرهَا وَكَانَ من أَعْيَان الْفُضَلَاء توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة 1120 - أَمِيري بن بختيار الْفَقِيه الزَّاهِد أَبُو مُحَمَّد قطب الدّين الأشنهي نزيل إربل كَانَ من الْأَئِمَّة علما ودينا حدث عَن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْموصِلِي وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة وَله سَبْعُونَ إِلَّا سنة الحديث: 1120 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 1121 - بارسطغان بِالْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ ألف سَاكِنة ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة ثمَّ سين مُهْملَة سَاكِنة ثمَّ طاء وغين ثمَّ ألف ثمَّ نون بن مَحْمُود بن أبي الْفتُوح الْفَقِيه أَبُو طَالب الْحِمْيَرِي القوى سمع بالإسكندرية من أبي الطَّاهِر بن عَوْف وبدمشق من أَحْمد بن حَمْزَة بن الموازيني روى عَنهُ الزكي الْمُنْذِرِيّ وَغَيره ولي قَضَاء غَزَّة من الشَّام ثمَّ انْتقل إِلَى إربل فَمَاتَ بهَا سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة 1122 - بشير بن حَامِد بن سُلَيْمَان بن يُوسُف بن سُلَيْمَان بن عبد الله الإِمَام نجم الدّين أَبُو النُّعْمَان الْجَعْفَرِي التبريزي ولد بأردبيل فِي سنة سبعين وَخَمْسمِائة وَسمع من عبد الْمُنعم بن كُلَيْب وَيحيى الثَّقَفِيّ وَابْن سكينَة وَابْن طبرزد وَجَمَاعَة الحديث: 1121 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 روى عَنهُ الْحَافِظ شرف الدّين عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي وَغَيره وَكَانَ قد تفقه بِبَغْدَاد على أبي الْقَاسِم ابْن فضلان وَيحيى بن الرّبيع وبرع مذهبا وأصولا وَخِلَافًا وَأفْتى وناظر وَأعَاد بالنظامية وصنف تَفْسِيرا فِي عدَّة مجلدات وانتقل بِالآخِرَة إِلَى مَكَّة فجاور بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي ثَالِث صفر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة 1123 - توران شاه بن أَيُّوب بن مُحَمَّد بن الْعَادِل السُّلْطَان الْملك الْمُعظم غياث الدّين ولد السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين كَانَ فَقِيها شافعيا على قَاعِدَة سلاطين بني أَيُّوب أديبا شَاعِرًا مجمعا للفضلاء وَكَانَ صَاحب حصن كيفا مُقيما بهَا فَلَمَّا توفّي الصَّالح جمع الْأَمِير فَخر الدّين ابْن الشَّيْخ الْأُمَرَاء وحلفهم لتوران شاه وَكَانَ بحصن كيفا فنفذوا فِي طلبه الْفَارِس أقطايا فساق على الْبَرِيد وَأخذ بِهِ على الْبَريَّة لِئَلَّا يَعْتَرِضهُ أحد من مُلُوك الشَّام فكاد الحديث: 1123 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 يهْلك هُوَ وَمن مَعَه من الْعَطش وَكَانُوا خمسين فَارِسًا سَارُوا أَولا إِلَى جِهَة عانة وعدوا الْفُرَات وغربوا على بِئْر السماوة وَدخل دمشق بأبهة السلطنة وَنزل القلعة وَأنْفق الْأَمْوَال وأحبه النَّاس وأنشده بعض الشُّعَرَاء قصيدة أَولهَا هَذَا (قل لنا كَيفَ جِئْت من حصن كيفا ... حِين أرغمت للأعادي أنوفا) فَأَجَابَهُ السُّلْطَان على البديهة (الطَّرِيق الطَّرِيق يَا ألف نحس ... مرّة آمنا وطورا مخوفا) فاستظرفه النَّاس واشتهر ذَلِك ثمَّ سَار إِلَى الديار المصرية فاتفق كسرة الفرنج خذلهم الله عِنْد قدومه ففرح النَّاس وتيمنوا بطلعته وَاسْتقر فِي السلطنة فنفذت مِنْهُ أُمُور نفرت عَنهُ الْقُلُوب مِنْهَا إبعاد حَاشِيَة أَبِيه واللعب المفرط وَأشيع عَنهُ الْخمر وَالْفساد والشباب والتعرض لحظايا أَبِيه وَأَنه كَانَ يشرب وَيجمع الشموع وَيضْرب رؤوسها بِالسَّيْفِ وَيَقُول هَكَذَا أفعل بمماليك أبي فعملوا عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم السَّابِع وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة ضربه بعض البحرية وَهُوَ على السماط فَتلقى الضَّرْبَة بِيَدِهِ فَذهب بعض أَصَابِعه فَقَامَ وَدخل إِلَى برج من خشب كَانَ قد عمل لَهُ وَصَاح من جرحني فَقيل بعض الحشيشية فَقَالَ لَا وَالله إِلَّا البحرية وَالله لأقتلنهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 وخيط المزين يَده وَهُوَ يهددهم فَقَالُوا وهم مماليك أَبِيه تمموه وَإِلَّا أبادنا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فهرب إِلَى أَعلَى البرج فرموا النَّار فِي البرج ورموا بالنشاب فَرمى بِنَفسِهِ وهرب إِلَى النّيل وَهُوَ يَصِيح مَا أُرِيد ملكا دَعونِي دَعونِي أرجع إِلَى الْحصن فَمَا أَجَابَهُ أحد وَتعلق بذيل الْفَارِس أقطايا فَمَا أَجَابَهُ وَقتل وَكَانَ من أهل الْعلم على الْجُمْلَة فقد بحث مَعَه ابْن وَاصل فِي قَول ابْن نباتة الْحَمد لله الَّذِي إِن وعد وفى وَإِن أوعد تجَاوز وَعَفا بحثا طَويلا دلّ على فَضله وَعلمه 1124 - ثَعْلَب بن عبد الله بن عبد الْوَاحِد القَاضِي رَضِي الدّين أَبُو الْعَبَّاس الْمصْرِيّ الْفَقِيه الْخَطِيب تفقه على شيخ الشُّيُوخ أبي الْحسن بن حمويه الْجُوَيْنِيّ وَولي الْقَضَاء بالجيزة والخطابة بالجامع المجاور لضريح الشَّافِعِي رضوَان الله عَلَيْهِ مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1125 - ثَعْلَب بن عَليّ بن نصر بن عَليّ أَبُو نصر الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن المحارية وسمى نَفسه نصرا قَالَ ابْن النجار كَانَ أحد الْفُقَهَاء على مَذْهَب الشَّافِعِي وَتَوَلَّى الْإِعَادَة بمدرسة ابْن الْمطلب وَكَانَت لَهُ معرفَة بالأدب وَقد سمع الحَدِيث من جمَاعَة وَمَا أَظُنهُ روى شَيْئا الحديث: 1124 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 بَلغنِي أَن مولده كَانَ سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة لست عشرَة لَيْلَة خلت من جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة وَدفن بِبَاب حَرْب 1126 - جَامع بن بَاقِي بن عبد الله بن عَليّ التَّمِيمِي أَبُو مُحَمَّد الأندلسي الْفَقِيه قَاضِي إخميم ولد بالجزيرة الخضراء من الأندلس ورحل فَسمع من السلَفِي بالإسكندرية وَمن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم وَجَمَاعَة بِدِمَشْق روى عَنهُ ابْن خَلِيل والشهاب القوصي وَغَيرهمَا مَاتَ بِدِمَشْق فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة 1127 - جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن أَحْمد الشريف أَبُو الْفضل صدر الدّين الْحُسَيْنِي الْمصْرِيّ الإِمَام ضِيَاء الدّين الْمَعْرُوف بِابْن عبد الرَّحِيم كَانَ إِمَامًا عَارِفًا بِالْمذهبِ أصوليا أديبا الحديث: 1126 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ بهاء الدّين القفطي وَالشَّيْخ مجد الدّين الْقشيرِي وَسمع الحَدِيث من أبي الْحسن عَليّ بن هبة الله بن الجميزي وَأبي الْحُسَيْن يحيى ابْن عَليّ الْعَطَّار الْحَافِظ وَغَيرهمَا ورحل إِلَى دمشق فَسمع من الْحَافِظ زين الدّين خَالِد وَغَيره ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَولي قَضَاء قوص ثمَّ وكَالَة بَيت المَال بِالْقَاهِرَةِ وتدريس المشهد الْحُسَيْنِي بهَا واشتهر اسْمه بِمَعْرِِفَة الْمَذْهَب وَبعد صيته مولده بقنا سنة تسع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة حدث عَنهُ شَيخنَا أَبُو حَيَّان النَّحْوِيّ وَغَيره 1128 - جَعْفَر بن مكي بن عَليّ بن سعيد أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ قَرَأَ الْفِقْه وَالْخلاف والأصلين واشتغل بالأدب وسافر إِلَى الْموصل فتفقه عِنْد أبي حَامِد بن يُونُس ثمَّ رد إِلَى بَغْدَاد وَأقَام بالنظامية ثمَّ مدح أَمِير الْمُؤمنِينَ النَّاصِر لدين الله وتسامت دَرَجَته إِلَى أَن صَار حاجبا قَالَ ابْن النجار سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي يَوْم عَاشُورَاء سنة ثَلَاث وَسبعين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة الحديث: 1128 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 1129 - جَعْفَر بن يحيى بن جَعْفَر المَخْزُومِي الشَّيْخ الإِمَام ظهير الدّين التزمنتي نِسْبَة إِلَى تزمنت بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوْقهَا وَهِي من بِلَاد الصَّعِيد كَانَ شيخ الشَّافِعِيَّة بِمصْر فِي زَمَانه أَخذ عَن ابْن الجميزي وَأخذ عَنهُ فَقِيه الزَّمَان ابْن الرّفْعَة وَعم وَالِدي الشَّيْخ صدر الدّين يحيى بن عَليّ السُّبْكِيّ وخلائق وَله شرح مُشكل الْوَسِيط وَقد سمع الحَدِيث من فَخر الْقُضَاة أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن الْجبَاب إِلَّا أَنه لم يَقع لي حَدِيثه مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة الحديث: 1129 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 1130 - حَامِد بن أبي العميد بن أَمِيري الْقزْوِينِي 1131 - الْحسن بن عَليّ بن عبد الله أَبُو عبد الله الشهرزوري ذكر أَنه ولد سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة تَقْرِيبًا وَقدم بَغْدَاد وَسمع من المؤتمن بن قميرة وغره وَكَانَ إِمَامًا عَالما عَاملا زاهدا قَالَ الْقُرْطُبِيّ أفتى عدَّة سِنِين قَالَ وَكَانَ يحفظ كتاب الْمُهَذّب للشَّيْخ أبي إِسْحَاق توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة الحديث: 1130 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 1132 - الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله بن عبد الله زين الْأُمَنَاء أَبُو البركات ابْن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي أحد أَئِمَّة الْإِسْلَام علما ودينا وورعا وزهدا ولد فِي سلخ ربيع الأول سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَسمع من عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الدَّارَانِي وَأبي العشائر مُحَمَّد بن خَلِيل وَعَمه الصائن هبة الله والحافظ أبي الْقَاسِم وَأبي الْقَاسِم الْحسن بن الْحُسَيْن بن البن وَالْخضر بن شبْل الْحَارِثِيّ وَأبي النجيب السهروردي وخلائق روى عَنهُ البرزالي والحافظ الزكي الْمُنْذِرِيّ والكمال بن العديم والزين خَالِد والشرف النابلسي وَأحمد بن هبة الله بن عَسَاكِر وَأحمد بن إِسْحَاق الأبرقوهي وَغَيرهم وَكَانَ فَقِيها صَالحا ورعا كثير الصَّلَاة متجرد لِلْعِبَادَةِ جزأ اللَّيْل ثَلَاثَة أَجزَاء ثلثا للتلاوة وَالتَّسْبِيح وَثلثا للنوم وَثلثا لِلْعِبَادَةِ والتهجد وَكَذَلِكَ مُعظم نَهَاره وَكَانَ لذَلِك يُقَال لَهُ السَّجَّاد وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ من الْأَئِمَّة الْأَوَّابِينَ وَقد رأى بَعضهم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يعتنقه وَيسلم عَلَيْهِ فَقيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أهكذا تسلم على زين الْأُمَنَاء فَقَالَ نعم إِنَّه من الْأَوَّابِينَ وَقد أهديت لَهُ تَمرا صيحانيا وَكَانَ أَخُوهُ أَبُو الْفضل فِي الْحجاز فَلَمَّا قدم من الْحَج قَالَ لَهُ يَا أخي قد جئْتُك بعلبة الحديث: 1132 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 فِيهَا تمر قيل إِنَّه من غرس عُثْمَان أَو عَليّ فَقَالَ زين الْأُمَنَاء بل من غرس عُثْمَان وقص عَلَيْهِ الْقِصَّة وَكَانَ يَقُول مَا أفطرت فِي رَمَضَان مُنْذُ صمت قطّ لَا بِمَرَض وَلَا غَيره بل كنت أمرض قبله أَو بعده وَسلم لي نَيف وَسَبْعُونَ رَمَضَان فَلم أفطر فِيهَا يَوْمًا وَأخذ زين الْأُمَنَاء الْفِقْه عَن جمال الْأَئِمَّة أبي الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن بن الماسح وَولي نظر الخزانة وَنظر الْأَوْقَاف بِدِمَشْق ثمَّ أعرض عَنْهَا وَأَقْبل على شَأْنه وَأجْمع النَّاس على عظم قدره فِي الدّين وَقد بتر الذَّهَبِيّ تَرْجَمته وَذكر أَن أَبَا عَمْرو بن الْحَاجِب وَصفه بأَشْيَاء من الْمَدْح لم يذكرهَا فليت شعري مَا باله لم يذكرهَا وَلَا يخفى على عَاقل أَن سَبَب تَركه لذكرها كَون زين الْأُمَنَاء أشعريا ثمَّ ذكر أَن السَّيْف يَعْنِي ابْن الْمجد ضرب على بَعْضهَا وَالسيف من جهال المشبهة لَا يعْتَبر بِهِ فِي ورد وَلَا صدر وأقعد زين الْأُمَنَاء بِأخرَة فَصَارَ يحمل فِي محفة إِلَى الْجَامِع من أجل الصَّلَاة وَإِلَى دَار الحَدِيث النورية من أجل إسماع الحَدِيث مَاتَ فِي سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة 1133 - الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد الحديث: 1133 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 1134 - الْخضر بن الْحسن بن عَليّ الْوَزير الْكَبِير قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين السنجاري الْجد من قبل الْأُم الحديث: 1134 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 1135 - دَاوُد بن بنْدَار بن إِبْرَاهِيم الْفَقِيه معِين الدّين أَبُو الْخَيْر الجيلي قدم بَغْدَاد فِي صباه وتفقه بالنظامية على أبي المحاسن يُوسُف بن بنْدَار وَأعَاد بهَا مُدَّة طَوِيلَة وَحدث عَن أبي الْوَقْت السجْزِي وَغَيره روى عَنهُ ابْن الدبيثي وَغَيره وَمَات فِي رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ 1136 - ربيعَة بن الْحسن بن عَليّ بن عبد الله بن يحيى أَبُو نزار الْحَضْرَمِيّ اليمني الصَّنْعَانِيّ الذمارِي الْفَقِيه الْمُحدث ولد سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة وتفقه بظفار على الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الله بن حَمَّاد وَغَيره الحديث: 1135 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 وَركب فِي الْبَحْر وَدخل بَغْدَاد وأصبهان وَأقَام بأصبهان مُدَّة تفقه بهَا على بعض أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة سمع أَبَا المظفر الْقَاسِم بن الْفضل الصيدلاني ورجاء بن حَامِد المعداني وَإِسْمَاعِيل بن شهريار صَاحب رزق الله التَّمِيمِي وَمعمر بن الفاخر وَأَبا مُوسَى الْمَدِينِيّ وَغَيرهم وَدخل إِلَى ديار مصر وَسمع من السلَفِي وَحج وَسمع من الْمُبَارك بن عَليّ الطباخ وَحدث روى عَنهُ أَبُو البركات وَالْمُنْذِرِي والبرزالي والضياء وَابْن خَلِيل والشهاب القوصي وَجَمَاعَة وَسكن مصر بِأخرَة وَكَانَ فَقِيها صَالحا عَارِفًا باللغة كثير التِّلَاوَة وَالْعِبَادَة أديبا شَاعِرًا حسن الْخط توفّي فِي ثامن عشر من جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وسِتمِائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 1137 - زَاهِر بن رستم بن أبي الرَّجَاء 1138 - زكي بن الْحسن بن عمر أَبُو أَحْمد البيلقاني فَقِيه مناظر مُتَكَلم أصولي مُحَقّق الحديث: 1137 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَدخل خُرَاسَان وَقَرَأَ على الإِمَام فَخر الدّين وعَلى تِلْمِيذه القطب الْمصْرِيّ وَسمع الحَدِيث من الْمُؤَيد الطوسي وَغَيره وَقدم دمشق فَحدث بهَا روى عَنهُ الشَّيْخ جمال الدّين الصَّابُونِي والمحدث نور الدّين عَليّ بن جَابر الْهَاشِمِي وشهاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الإسعردي وَغَيرهم وسلك سَبِيل المتجر وَأقَام بالإسكندرية مُدَّة على هَيْئَة التُّجَّار ثمَّ دخل الْيمن واشتهر بهَا وشغل النَّاس بِالْعلمِ قَالَ ابْن جَابر كَانَ فريد دهره علما وزهدا وورعا قَالَ وَتُوفِّي بثغر عدن سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة 1139 - سعد بن مظفر بن المطهر أَبُو طَالب الصُّوفِي من أهل يزدْ تفقه بِبَغْدَاد وَصَحب عمر بن مُحَمَّد السهروردي وسلك طَرِيق الزّهْد وَالْخلْوَة والرياضة توفّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة الحديث: 1139 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 1140 - سُلَيْمَان بن مظفر بن غَانِم بن عبد الْكَرِيم أَبُو دَاوُد من أهل جيلان قَالَ ابْن النجار قدم بَغْدَاد وَأقَام بالنظامية متفقها على أحسن طَريقَة وأجمل سيرة حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وصنف فِيهِ كتابا يشْتَمل على خمس عشرَة مجلدة وَكَانَ متدينا عفيفا نزها ملازما لبيته حَافِظًا لأوقاته عرضت عَلَيْهِ الْإِعَادَة والتدريس بِبَعْض الْمدَارِس فَلم يجب توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1141 - سُلَيْمَان بن رَجَب بن مهَاجر الراذاني المقرىء الضَّرِير تفقه بالنظامية وَسمع من شهدة وَحدث مَاتَ فِي ربيع لاأول سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة الحديث: 1140 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 1142 - سلار بن الْحسن بن عمر بن سعيد الشَّيْخ كَمَال الدّين أَبُو الْفَضَائِل الإربلي تلميذ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح وَشَيخ الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ قَالَ النَّوَوِيّ هُوَ شَيخنَا الْمجمع على إِمَامَته وجلالته وتقدمه فِي علم الْمَذْهَب على أهل عصره بِهَذِهِ النواحي وَقَالَ فِي مَوضِع آخر هُوَ إِمَام الْمَذْهَب فِي عصره والمرجوع إِلَيْهِ فِي حل مشكلاته وتعرف خفياته والمتفق على إِمَامَته وجلالته ونزاهته تفقه على جمَاعَة مِنْهُم الإِمَام أَبُو بكر الماهاني انْتهى وَكَانَ البادرائي قد جعله معيدا بمدرسته فَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ لم يرد منصبا آخر قَالَ الشريف عز الدّين وَكَانَ عَلَيْهِ مدَار الْفَتْوَى بِالشَّام فِي وقته وَلم يتْرك بعده فِي بِلَاد الشَّام مثله توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبعين وسِتمِائَة عَن بضع وَسِتِّينَ سنة الحديث: 1142 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 وَمن فَتَاوِيهِ فِيمَن حلف بِالطَّلَاق وَله زوجتان وَلم ينْو شَيْئا أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا فَمن أَرَادَ مِنْهُمَا جعله وَاقعا عَلَيْهَا فَإِن قلت بل فِي هَذَا مُخَالفَة لما نَقله الرَّافِعِيّ عَن القَاضِي الْحُسَيْن فِيمَن قَالَ حَلَال الله على حرَام إِن دخلت الدَّار وَله امْرَأَتَانِ أَنه تطلق كل مِنْهُمَا طَلْقَة وَأفْتى الْبَغَوِيّ بِمثلِهِ قلت لَا فَإِن حَلَال الله عَليّ حرَام مُفْرد مُضَاف فَيعم كل حَلَال لَهُ وَهُوَ الْمَرْأَتَانِ فَإِن قلت وَكَذَلِكَ الطَّلَاق فَإِنَّهُ عَام من حَيْثُ تحليته بِاللَّامِ قلت اللَّام من الطَّلَاق لَا تحمل على الْعُمُوم لشيوع الْعرف فِيهِ وَيُمكن أَن يُقَال أَيْضا الْحَلَال مفرداته للنِّسَاء فَعم فيهمَا وَالطَّلَاق مفرداته الطلقات لَا المطلقات فَلَا يَقع عَلَيْهِمَا بل على وَاحِدَة مِنْهُمَا فَقَط إِذْ لَا عُمُوم فِي الْمُطلق بل فِي نفس الطَّلَاق بِخِلَاف حَلَال الله عَليّ حرَام ثمَّ نفس الطَّلَاق لَا يعم لمعارضته الْعرف كَمَا ذَكرْنَاهُ وَهَذَا تَحْرِير الْجَواب فِي الْحَقِيقَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 1143 - شبلي بن الْجُنَيْد بن إِبْرَاهِيم بن خلكان القَاضِي أَبُو بكر الزرزائي ولد بإربل سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة وروى بِالْإِجَازَةِ عَن ابْن كُلَيْب وَغَيره ولي قَضَاء إخميم وَبهَا مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة 1144 - شُعَيْب بن أبي طَاهِر بن كُلَيْب بن مقبل أَبُو الْغَيْث الضَّرِير من أهل الْبَصْرَة تفقه بِبَغْدَاد على أبي طَالب الْكَرْخِي وَأبي الْقَاسِم الفراتي صَاحب ابْن الْخلّ وَله شعر جيد مَاتَ فِي الْمحرم سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة الحديث: 1143 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 1145 - صَالح بن بدر بن عبد الله الْفَقِيه تَقِيّ الدّين الْمصْرِيّ الزفتاوي وزفتا بِكَسْر الزَّاي بعْدهَا الْفَاء الساكنة ثمَّ التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ثمَّ الْألف الساكنة بليدَة من بحري الْفسْطَاط تفقه على الشَّيْخ شهَاب الدّين الطوسي وَسمع بالإسكندرية من أبي طَاهِر بن عَوْف وبمصر من البوصيري وَولي الْقَضَاء نِيَابَة توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَهُوَ من أَبنَاء السّبْعين 1146 - صَالح بن عُثْمَان بن بركَة أَبُو مُحَمَّد الضَّرِير المقرىء من أهل وَاسِط قَرَأَ الْقرَاءَات على أبي بكر بن الباقلاني وَسمع مِنْهُ الحَدِيث وَمن غَيره كَأبي الْفرج ابْن كُلَيْب وأنظاره وتفقه بِبَغْدَاد مولده سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة الحديث: 1145 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 1147 - صقر بن يحيى بن سَالم بن يحيى بن عِيسَى بن صقر الإِمَام ضِيَاء الدّين أَبُو المظفر الْكَلْبِيّ الْحلَبِي ولد سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة فِيمَا يظنّ الذَّهَبِيّ وتفقه فِي الْمَذْهَب وبرع وَسمع من يحيى الثَّقَفِيّ والخشوعي وَابْن طبرزد وحنبل وَغَيرهم روى عَنهُ الدمياطي وَابْن الظَّاهِرِيّ وسنقر القضائي وَغَيرهم درس بحلب مُدَّة وَمَات فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة 1148 - الطَّاهِر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى قَاضِي قُضَاة الشَّام زكي الدّين أَبُو الْعَبَّاس بن قَاضِي الْقُضَاة محيي الدّين بن قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين بن قَاضِي الْقُضَاة المنتجب ولي الْقَضَاء مرَّتَيْنِ قبل ابْن الحرستاني وَبعده وَكَانَ الْملك الْمُعظم لَا يُحِبهُ وَفِي قلبه مِنْهُ أُمُور يمنعهُ مِنْهَا حياؤه من وَالِده الْملك الْعَادِل الحديث: 1147 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 وَاتفقَ مرض سِتّ الشَّام عمَّة السُّلْطَان الْملك الْمُعظم لما وصت بدارها مدرسة وأحضرت قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين الطَّاهِر وَالشُّهُود وأوصت إِلَى القَاضِي فَبلغ الْمُعظم فَتغير عَلَيْهِ وَقَالَ يدْخل دَار عَمَّتي بِغَيْر إذني وَيسمع كَلَامهَا ثمَّ اتّفق أَن القَاضِي أحضر جابي العزيزية وطالبه بِالْحِسَابِ فَأَغْلَظ الجابي فِي الْجَواب فَأمر بضربه فَضرب بَين يَدَيْهِ كَمَا يفعل أهل الْولَايَة فَأرْسل إِلَيْهِ الْمُعظم قبَاء حَرِير وكلوته وَأمره أَن يَلْبسهُمَا وَيحكم فيهمَا فَلم يَسعهُ إِلَّا فعل ذَلِك ثمَّ لزم بَيته وَلم تطل حَيَاته بعْدهَا وَصَارَ يَرْمِي قطعا من كبده وَمَات فِي صفر سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة 1149 - عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قفل الحديث: 1149 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 1150 - عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي بكر الْخَطِيب أَبُو مُحَمَّد من أهل همذان سمع أَبَا الْوَقْت السجْزِي وَغَيره وتفقه بِأبي الْخَيْر الْقزْوِينِي وَأبي طَالب الْكَرْخِي وَأعَاد بالنظامية قَالَ ابْن النجار كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب سديد الْفَتَاوَى عفيفا نزها ورعا متدينا متقشفا على منهاج السّلف كتبت عَنهُ وَكَانَ صَدُوقًا قَالَ وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بهمذان وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة 1151 - عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن علوان بن رَافع الْأَسدي أَبُو مُحَمَّد من أهل حلب أسمعهُ وَالِده فِي صباه من يحيى بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ وَغَيره ثمَّ سمع هُوَ بِنَفسِهِ وَكتب بِخَطِّهِ وتفقه على قَاضِي حلب أبي المحاسن يُوسُف بن رَافع بن تَمِيم وعني القَاضِي أَبُو المحاسن بِهِ لما رأى من نجابته ومخايل الْفَلاح اللائحة عَلَيْهِ فاستفرغ جهده فِي تَعْلِيمه واتخذه ولدا وصاهره وَجعله معيد مدرسته وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة الحديث: 1150 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 ثمَّ ولي التدريس بعده بمدارس ونبل مِقْدَاره عِنْد الْمُلُوك والسلاطين وارتفع شَأْنه وَعظم جاهه وَدخل بَغْدَاد وناظر بهَا ولد سنة ثَمَان وَسبعين وخسمائة وَتُوفِّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1152 - عبد الله بن عمر بن أَحْمد بن مَنْصُور بن الإِمَام مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن حبيب الإِمَام أَبُو سعد بن الصفار النَّيْسَابُورِي ولد الإِمَام أبي حَفْص ولد سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة وَسمع من جده لأمه الْأُسْتَاذ أبي نصر بن الْقشيرِي وَهُوَ آخر من حدث عَنهُ وَسمع من الفراوي وزاهر الشحامي وَعبد الغافر بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي وَعبد الْجَبَّار ابْن مُحَمَّد الخواري وَغَيرهم روى عَنهُ بدل بن أبي المعمر التبريزي وَإِسْمَاعِيل بن ظفر النابلسي وَنجم الدّين الْكُبْرَى أَبُو الجناب أَحْمد بن عمر الخيوقي وَغَيرهم وَكَانَ إِمَامًا عَالما بالأصول وَالْفِقْه ثِقَة صَالحا مجمعا على دينه وأمانته الحديث: 1152 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 1153 - عبد الله بن عمر بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْخَيْر القَاضِي نَاصِر الدّين الْبَيْضَاوِيّ صَاحب الطوالع والمصباح فِي أصُول الدّين والغاية القصوى فِي الْفِقْه والمنهاج فِي أصُول الْفِقْه ومختصر الْكَشَّاف فِي التَّفْسِير وَشرح المصابيح فِي الحَدِيث كَانَ إِمَامًا مبرزا نظارا صَالحا متعبدا زاهدا الحديث: 1153 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 ولي قَضَاء الْقُضَاة بشيراز وَدخل تبريز وناظر بهَا وصادف دُخُوله إِلَيْهَا مجْلِس درس قد عقد بهَا لبَعض الْفُضَلَاء فَجَلَسَ القَاضِي نَاصِر الدّين فِي أخريات الْقَوْم بِحَيْثُ لم يعلم بِهِ أحد فَذكر الْمدرس نُكْتَة زعم أَن أحدا من الْحَاضِرين لَا يقدر على جوابها وَطلب من الْقَوْم حلهَا وَالْجَوَاب عَنْهَا فَإِن لم يقدروا فالحل فَقَط فَإِن لم يقدروا فإعادتها فَلَمَّا انْتهى من ذكرهَا شرع القَاضِي نَاصِر الدّين فِي الْجَواب فَقَالَ لَهُ لَا أسمع حَتَّى أعلم أَنَّك فهمتها فخيره بَين إِعَادَتهَا بلفظها أَو مَعْنَاهَا فبهت الْمدرس وَقَالَ أعدهَا بلفظها فَأَعَادَهَا ثمَّ حلهَا وَبَين أَن فِي تركيبه إِيَّاهَا خللا ثمَّ أجَاب عَنْهَا وقابلها فِي الْحَال بِمِثْلِهَا ودعا الْمدرس إِلَى حلهَا فَتعذر عَلَيْهِ ذَلِك فأقامه الْوَزير من مَجْلِسه وَأَدْنَاهُ إِلَى جَانِبه وَسَأَلَهُ من أَنْت فَأخْبرهُ أَنه الْبَيْضَاوِيّ وَأَنه جَاءَ فِي طلب الْقَضَاء بشيراز فَأكْرمه وخلع عَلَيْهِ فِي يَوْمه ورده وَقد قضى حَاجته 1154 - عبد الله بن عمر القَاضِي جمال الدّين بن الدِّمَشْقِي قَاضِي الْيمن ولد بِدِمَشْق فِي حُدُود سنة ثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَسمع بالإسكندرية من السلَفِي وَغَيره وَتوجه من دمشق صُحْبَة شمس الدولة توران شاه بن أَيُّوب إِلَى الْيمن وَتقدم عِنْده فولاه قَضَاء الْيمن ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وَحدث مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة الحديث: 1154 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 1155 - عبد الله بن عِيسَى بن أَيمن المري شيخ الْأَحْنَف قَالَ الْأَحْنَف مَا رَأَيْت أعرف مِنْهُ بِالْمذهبِ ذكر ذَلِك المطري 1156 - عبد الله بن أبي الْوَفَاء مُحَمَّد بن الْحسن الإِمَام نجم الدّين أَبُو مُحَمَّد البادرائي الْبَغْدَادِيّ ولد سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَسمع من عبد الْعَزِيز بن منينا وَأبي مَنْصُور الرزاز وتفقه وبرع ودرس بالنظامية بِبَغْدَاد وَترسل عَن الدِّيوَان الْعَزِيز غير مرّة وَحدث بِبَغْدَاد ومصر وحلب بنى بِدِمَشْق الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بِهِ وَولي قَضَاء الْقُضَاة بِبَغْدَاد خَمْسَة عشر يَوْمًا توفّي فِي أول ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة الحديث: 1155 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 1157 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ الفِهري الشَّيْخ شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد شَارِح المعالم فِي أصُول الدّين والمعالم فِي أصُول الْفِقْه كَانَ أصوليا متكلما دينا خيرا من عُلَمَاء الديار المصرية ومحققيهم أدْركهُ بعض مَشَايِخ شُيُوخنَا وَذكره ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب مثنيا على فَضله قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله وَهُوَ لم يُدْرِكهُ قَالَ وَهُوَ حمو شَيخنَا ابْن بنت أبي سعد 1158 - عبد الْجَبَّار بن عبد الْغَنِيّ بن عَليّ بن أبي الْفضل بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد ابْن عبد الضَّيْف الْأنْصَارِيّ بن الحرستاني كَمَال الدّين أَبُو مُحَمَّد سمع أَبَا الْقَاسِم الْحَافِظ وَأَبا سعد بن أبي عصرون وَأَجَازَهُ خطيب الْموصل والحافظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ سمع مِنْهُ الزكي البرزالي وَخرج لَهُ جُزْءا وَغَيره مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة الحديث: 1157 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 1159 - عبد الحميد بن عِيسَى بن عمويه بن يُونُس بن خَلِيل الخسروشاهي وخسروشاه بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء بعْدهَا وَاو سَاكِنة ثمَّ شين مُعْجمَة وَآخِرهَا الْهَاء من قرى تبريز ولد سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة بهَا وَسمع الحَدِيث من الْمُؤَيد الطوسي حدث عَنهُ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي وَغَيره وَكَانَ فَقِيها أصوليا متكلما محققا بارعا فِي المعقولات قَرَأَ على الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَأكْثر الْأَخْذ عَنهُ ثمَّ قدم الشَّام بعد وَفَاة الإِمَام ودرس وَأفَاد ثمَّ توجه إِلَى الكرك فَأَقَامَ عِنْد صَاحبهَا الْملك النَّاصِر دَاوُد فَإِنَّهُ استدعاه ليقْرَأ عَلَيْهِ ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن توفّي وَمن مصنفاته مُخْتَصر الْمُهَذّب فِي الْفِقْه ومختصر المقالات لِابْنِ سينا وتتمة الْآيَات الْبَينَات وَغير ذَلِك الحديث: 1159 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 وَكَانَ يعظم الإِمَام كثيرا على عَادَة تلامذة الإِمَام فِي حَقه وَحقّ لَهُ ويحكى أَنه ورد عَلَيْهِ دمشق أعجمي وَمَعَهُ كتاب عَلَيْهِ خطّ الإِمَام فَأخذ يقبله ويضعه على رَأسه وَيَقُول هَذَا خطّ الإِمَام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 1160 - عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن ضِيَاء بن سِبَاع الْفَزارِيّ الشَّيْخ تَاج الدّين الْمَعْرُوف بالفركاح فَقِيه أهل الشَّام كَانَ إِمَامًا مدققا نظارا صنف كتاب الإقليد لدر التَّقْلِيد شرحا على التَّنْبِيه لم يتمه وَشرح وَرَقَات إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي أصُول الْفِقْه وَشرح من التَّعْجِيز قِطْعَة وَله على الْوَجِيز مجلدات تفقه على شيخ الْإِسْلَام عز الدّين أبي مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وروى البُخَارِيّ عَن ابْن الزبيدِيّ وَسمع من ابْن اللتي وَابْن الصّلاح حدث عَنهُ جمَاعَة وَخرج لَهُ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد البرزالي مشيخة توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسعين وسِتمِائَة وَهُوَ على تدريس الْمدرسَة البادرائية أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عمر الْحَمَوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا الشَّيْخ تَاج الدّين ابْن الفركاح وَالشَّيْخ فَخر الدّين ابْن البُخَارِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِمَا قَالَ الأول أخبرنَا الحديث: 1160 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 الإِمَام شرف الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد المرسي قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا مَنْصُور بن عبد الْمُنعم الفراوي وَقَالَ الثَّانِي أخبرنَا مَنْصُور الْمَذْكُور إجَازَة أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي وَقَالَ الثَّانِي أَيْضا أخبرنَا عبد الله بن عمر الصفار إجَازَة أخبرنَا مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن بَالَوَيْهِ أخبرنَا أَبُو مُسلم حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي أُمَامَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما نزلت بَنو قُرَيْظَة على حكم سعد بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ وَكَانَ قَرِيبا فجَاء على حمَار فَلَمَّا دنا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قومُوا إِلَى سيدكم حكى الشَّيْخ تَاج الدّين فِي الإقليد وَجها أَنه يكبر إِذا جلس للاستراحة تَكْبِيرَة يفرغ مِنْهَا فِي الْجُلُوس ثمَّ يكبر أُخْرَى للنهوض وَقَالَ وَلَده الشَّيْخ برهَان الدّين إِنَّه قوي مُتَّجه لحَدِيث كَانَ يكبر لكل خفض وَرفع والرافعي وَالنَّوَوِيّ نفيا الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة وَالِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث عَلَيْهَا صَعب وَمَا يَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي الصَّلَاة تَكْبِير بِمُجَرَّد تَعْمِيم ظَاهره الْخُصُوص فَإِن الظَّاهِر أَن المُرَاد كل رفع وخفض من غير جلْسَة الاسْتِرَاحَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 1161 - عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الشَّيْخ الإِمَام المفنن شهَاب الدّين الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي أَبُو شامة وَأَبُو شامة لقب عَلَيْهِ كَانَ أحد الْأَئِمَّة تَلا على السخاوي وعني بِالْحَدِيثِ فَسمع بِنَفسِهِ من دَاوُد ابْن ملاعب وَأحمد بن عبد الله الْعَطَّار وَالشَّيْخ الْمُوفق وَطَائِفَة وبرع فِي فنون الْعلم وَقيل بلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَاخْتصرَ تَارِيخ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وصنف كتاب الروضتين فِي أَخْبَار الدولتين النورية والصلاحية وَله أرجوزة حَسَنَة فِي الْعرُوض ونظم مفصل الزَّمَخْشَرِيّ وَمن محاسنه كتاب الْبَسْمَلَة الْأَكْبَر وَكتاب الْبَسْمَلَة الْأَصْغَر والباعث على إِنْكَار الْبدع والحوادث وَكتاب ضوء الْقَمَر الساري إِلَى معرفَة الْبَارِي وَكتاب نور المسرى فِي تَفْسِير آيَة الْإِسْرَاء وَاخْتَارَ فِيهِ أَن الْإِسْرَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَإِلَى السَّمَوَات الحديث: 1161 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 وَقع مرَّتَيْنِ أَو مرَارًا تَارَة فِي الْمَنَام وَتارَة فِي الْيَقَظَة قَالَ وعَلى ذَلِك يخرج جَمِيع الْأَحَادِيث على اخْتِلَاف عباراتها وَالِاخْتِلَاف فِي الْمَكَان الَّذِي وَقع مِنْهُ الْإِسْرَاء قَالَ وَهَذَا القَوْل نَصره الإِمَام أَبُو نصر ابْن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي فِي تَفْسِيره وَاخْتَارَهُ أَيْضا أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي وَحَكَاهُ عَن شَيْخه أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَحَكَاهُ الْمُهلب بن أبي صفرَة فِي شرح البُخَارِيّ عَن طَائِفَة من الْعلمَاء وَتعقب فِيهِ قَول السُّهيْلي مستدركا قَول أهل اللُّغَة إِن أسرى وسرى لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد اتّفقت الرِّوَايَات على تَسْمِيَته إسراء وَلم يسمه أحد سرى فَدلَّ على أَن أهل اللُّغَة لم يتحققوا الْعبارَة إِلَى آخر مَا ذكر السُّهيْلي فَقَالَ أَبُو شامة إِنَّمَا أطبق النَّاس على تَسْمِيَته إسراء مُحَافظَة على لفظ الْقُرْآن وَإِلَّا فقد جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد رَأَيْتنِي فِي الْحجر وقريش تَسْأَلنِي عَن مسراي وَمن فَوَائده فِي هَذَا الْكتاب قَالَ افْتتح الله سُبْحَانَهُ سور كِتَابه الْعَزِيز بِعشْرَة أَنْوَاع من الْكَلَام الأول الثَّنَاء فِي أَربع عشرَة سُورَة إِمَّا بِالْإِشَارَةِ إِلَى إِثْبَات صِفَات الْكَمَال فِي سور سبع {الْحَمد لله} فِي خمس سور و {تبَارك} فِي سورتين وَإِمَّا بِالْإِشَارَةِ إِلَى نفي صِفَات النَّقْص فِي سبع أُخْرَى {سُبْحَانَ} {سبح} {يسبح} {سبح} الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 الثَّانِي حُرُوف الهجاء فِي تسع وَعشْرين سُورَة الثَّالِث النداء فِي عشر سور الرَّابِع الْجمل الخبرية نَحْو {بَرَاءَة} {أَتَى أَمر الله} فِي ثَلَاث وَعشْرين الْخَامِس الْقسم فِي خمس عشرَة السَّادِس الشَّرْط بإذا فِي سبع السَّابِع الْأَمر بقل واقرأ فِي سِتّ الثَّامِن الِاسْتِفْهَام ب مَا فِي {عَم} وَهل والهمزة فِي سِتّ التَّاسِع الدُّعَاء ب {ويل} و {تبت} فِي ثَلَاث الْعَاشِر التَّعْلِيل فِي سُورَة وَاحِدَة وَهِي {لِإِيلَافِ قُرَيْش} ثمَّ نظم أَبُو شامة هَذِه الْأَنْوَاع فِي بَيْتَيْنِ وهما (أثنى على نَفسه سُبْحَانَهُ بِثُبُوت ... الْمَدْح وَالسَّلب لما استفتح السورا) (وَالْأَمر شَرط الندا التَّعْلِيل أقسم وَالدُّعَاء ... حرف الهجا استفهم الخبرا) ولد أَبُو شامة سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَأخذ عَن شيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وَولي مشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية ومشيخة الإقراء بالتربة الأشرفية وَدخل عَلَيْهِ اثْنَان إِلَى بَيته فِي صُورَة المستفتين فضرباه ضربا مبرحا فاعتل بِهِ إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَكتب هُوَ فِي تَارِيخه المحنة الَّتِي اتّفقت لَهُ وَذكر تَفْوِيض أمره إِلَى الله تَعَالَى وَعدم مُؤَاخذَة من فعل ذَلِك وَأنْشد لنَفسِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 (قل لمن قَالَ أما تَشْتَكِي ... مَا قد جرى فَهُوَ عَظِيم جليل) (يقيض الله تَعَالَى لنا ... من يَأْخُذ الْحق ويشفي الغليل) (إِذا توكلنا عَلَيْهِ كفى ... فحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل) وَمن شعره فِي السَّبْعَة الَّذين يظلهم الله بظله (وَقَالَ النَّبِي الْمُصْطَفى إِن سَبْعَة ... يظلهم الله الْعَظِيم بظله) (محب عفيف ناشىء متصدق ... وَبَاكٍ مصل وَالْإِمَام بعدله) وَمن شعره (أَرْبَعَة عَن أَحْمد شاعت وَلَا ... أصل لَهَا من الحَدِيث الْوَاصِل) (خُرُوج اذار وَيَوْم صومكم ... ثمَّ أَذَى الذمى ورد السَّائِل) مُرَاده بِحَدِيث رد السَّائِل حَدِيث ردوا السَّائِل وَلَو جَاءَ على فرس لَا حَدِيث ردوا السَّائِل وَلَو بظلف محرق فَإِنَّهُ روى بِإِسْنَاد جيد روينَاهُ فِي جُزْء البطاقة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 1162 - عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل بن يحيى الزبيدِيّ أَبُو مُحَمَّد سمع من مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن البطي وَغَيره روى عَنهُ ابْن النجار وَكَانَ يعرف الْفَرَائِض والحساب مولده سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة وَمَات سنة عشْرين وسِتمِائَة 1163 - عبد الرَّحْمَن بن الْحسن بن عَليّ بن بصلا أَبُو مُحَمَّد الصُّوفِي من أهل البندنيجين تفقه بِبَغْدَاد وَسمع أَبَا بكر أَحْمد بن المقرب الْكَرْخِي وَأَبا الْقَاسِم يحيى بن ثَابت ابْن بنْدَار وَغَيرهمَا وَقَرَأَ الْأَدَب وَكَانَ صوفيا مفتنا ناظما كتب عَنهُ ابْن النجار وَقَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَمَات فِي ذى الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة الحديث: 1162 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 1164 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعلي الْمصْرِيّ الشَّيْخ عماد الدّين ابْن السكرِي قَاضِي الْقُضَاة بِمصْر لَهُ حواش على الْوَسِيط مفيدة ومصنف فِي مَسْأَلَة الدّور ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة وتفقه على الشَّيْخ شهَاب الدّين الطوسي والفقيه ظافر بن الْحُسَيْن وَولى قَضَاء القاهره وخطابة جَامع الحكم وَكَانَ من البارعين فِي الْفِقْه حدث عَن إِبْرَاهِيم بن سماقة وَأبي الْحسن عَليّ بن خلف الْكُوفِي وَغَيرهمَا وَصَحب الشَّيْخ الْقرشِي وَجَمَاعَة من الصَّالِحين وَكَانَ قد صرف عَن الْقَضَاء لِأَنَّهُ طلب مِنْهُ قرض شَيْء من مَال الْأَيْتَام فَامْتنعَ رَحمَه الله وبلغنى أَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن النويري وَهُوَ رجل صَالح كَانَ فِي زَمَانه كثير المكاشفات وَالْحكم بهَا وَكَانَ القَاضِي عماد الدّين يُنكر عَلَيْهِ فَبلغ القَاضِي أَنه أَكثر الحكم بالمكاشفات فَعَزله فَقَالَ النويري عزلته وَذريته فَكَانَت وبلغنى أَن الشَّيْخ ظهير الدّين التزمنتي شيخ ابْن الرقعة قَالَ زرت قبر الحديث: 1164 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 القَاضِي عماد الدّين بعد مَوته بأيام وَكنت شَابًّا أَمْرَد فَوجدت عِنْده فَقِيرا قلندريا فتواريت مِنْهُ فَقَالَ تعال يَا فَقِيه فَجئْت إِلَيْهِ فَقَالَ يحْشر الْعلمَاء وعَلى رَأس كل وَاحِد مِنْهُم لِوَاء وَهَذَا القَاضِي مِنْهُم وطلبته فَلم اره وَسمعت الْوَالِد رَحمَه الله يَقُول توفّي القَاضِي عماد الدّين بعد الْعشْرين وسِتمِائَة قلت وَكَانَ فِي ثامن عشر أَو تَاسِع عشر شَوَّال سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَمن فَوَائده إِذا أكرهه على صعُود شَجَرَة فزلقت رجله وَمَات قَالَ الْغَزالِيّ الْقصاص على الْمُكْره وَلم يَجْعَل كشريك المخطىء وَقَالَ الرَّافِعِيّ الْأَظْهر مَا ذكره الرَّوْيَانِيّ وَصَاحب التَّهْذِيب والفوراني أَنه عمد خطأ لَا يتَعَلَّق بِهِ قصاص لِأَن هَذَا العفل لَيْسَ مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ هَلَاك قَالَ القَاضِي عماد الدّين فِي الحواشى وَنَقله عَنهُ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب التَّحْقِيق أَن للمسألة صُورَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن يكون صعُود تِلْكَ الشَّجَرَة مهْلكا غَالِبا فَيجب الْقصاص وَالثَّانيَِة أَن يكون سليما فِي الْغَالِب فَيكون عمد خطأ قَالَ فلينزل الْخلاف على الصُّورَتَيْنِ ثمَّ أورد سؤالا فَقَالَ إِن كَانَ الْغَالِب العطب وتعاطاه فَهُوَ مكره على قتل نَفسه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 فَلَا يجب الْقصاص على الصَّحِيح لعدم تصَوره وَأجَاب بِأَن الْمُكْره عَلَيْهِ ثمَّ قتل مُحَقّق وَلَيْسَ كَذَلِك هُنَا فَإِنَّهُ يَرْجُو السَّلامَة قَالَ ابْن الرّفْعَة وَأَيْضًا فقد لَا يعرف الْمُكْره بِأَن ذَلِك مهلك فيتصور الْإِكْرَاه عَلَيْهِ 1165 - عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَهَّاب بن خلف بن بدر العلامي قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز روى عَن الحافظين الْمُنْذِرِيّ والعطار وَكتب عَنهُ الْحَافِظ الدمياطي وَشَيخنَا أَبُو حَيَّان وَقَرَأَ الْأُصُول على الْقَرَافِيّ وتعليقة الْقَرَافِيّ على الْمُنْتَخب إِنَّمَا صنعها لأَجله وَكَانَ فَقِيها نحويا أديبا دينا من أحسن الْقُضَاة سيرة جمع بَين الْقَضَاء الحديث: 1165 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 والوزارة وَولى مشيخة الخانقاه وخطابة جَامع الْأَزْهَر وتدريس الشريفية وتدريس الشَّافِعِي والمشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ وَقد جرت لَهُ محنة حاصلها أَن ابْن السلعوس وَزِير السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف كَانَ يكرههُ فَعمل عَلَيْهِ وجهز من شهد عَلَيْهِ بالزور بِأُمُور عِظَام بِحَيْثُ وصل من بَعضهم أَنهم أحضروا شَابًّا حسن الصُّورَة واعترف على نَفسه بَين يَدي السُّلْطَان بِأَن القَاضِي لَاطَ بِهِ وأحضروا من شهد بِأَنَّهُ يحمل الزنار فِي وَسطه فَقَالَ القَاضِي أَيهَا السُّلْطَان كل مَا قَالُوهُ يُمكن لَكِن حمل الزنار لَا يعتمده النَّصَارَى تَعْظِيمًا وَلَو أمكنهم تَركه لتركوه فَكيف أحملهُ وَكَانَ القَاضِي بَرِيئًا من ذَلِك بَعيدا عَنهُ من كل وَجه رجلا صَالحا لَا يشك فِيهِ وَآخر الْأَمر أَنه نزل مَاشِيا من القلعة إِلَى الْحَبْس وعزل وَخيف عَلَيْهِ أَن يُجهز الْوَزير من يقْتله فَنَامَ عِنْده تِلْكَ اللَّيْلَة شَيخنَا أَبُو حَيَّان ثمَّ أخرج من الْحَبْس أَقَامَ بالقرافة مُدَّة ثمَّ توجه إِلَى الْحجاز ومدح سيدنَا رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقصيدة دالية مِنْهَا (النَّاس بَين مرجز ومقصد ... ومطول فِي مدحه ومجود) (ومخبر عَمَّن روى ومعبر ... عَمَّا رَآهُ من العلى والسؤدد) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 وَمِنْهَا (مَا فِي قوى الأذهان حصر صفاتك ... الْعليا وَمَالك من كريم المحتد) (وتفاوت المداح فِيك بِقدر مَا ... بصروا بِهِ من نورك المتوقد) وَسمعت من يَقُول إِن هَذَا القَاضِي كشف رَأسه ووقف بَين يَدي الْحُجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام واستغاث بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأقسم عَلَيْهِ أَن لَا يصل إِلَى موطنه إِلَّا وَقد عَاد إِلَى منصبه فَلم يصل إِلَى الْقَاهِرَة إِلَّا وَالسُّلْطَان الْأَشْرَف قد قتل وَكَذَلِكَ وزيره فأعيد إِلَى الْقَضَاء وَوصل إِلَيْهِ الْخَبَر بِالْعودِ قبل وُصُوله إِلَى الْقَاهِرَة أنشدنا من لَفظه الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله قَالَ أنشدنا شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي قَالَ أنشدنا الشَّاب الْفَاضِل تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الْأَعَز لنَفسِهِ (وَمن رام فِي الدُّنْيَا حَيَاة خلية ... من الْهم والأكدار رام محالا) (وهاتيك دَعْوَى قد تركت دليلها ... على كل أَبنَاء الزَّمَان محالا) ثمَّ أنْشد الْوَالِد رَحمَه الله لنَفسِهِ مضمنا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ونقلت ذَلِك من خطه (يَقُول امْرُؤ ياضيعة النَّحْو عِنْد من ... يرى خفض تَمْيِيز ويجزم حَالا) (وَمن رام فِي الدُّنْيَا حَيَاة خلية ... من الْهم والأكدار رام محالا) (وهاتيك دَعْوَى قد تركت دليلها ... على كل أَبنَاء الزَّمَان محالا) (نعم هَذِه حَال الَّتِى هِيَ همه ... فتعطيه دَارا تغتذيه محالا) (وَذُو الزّهْد فِيهَا ناعم الْعَيْش فى رضى ... وَفِي كل مَا يهوى بأنعم حَالا) (وَلَا سِيمَا من صَحَّ عَنهُ توكل ... أتجدنى ابرام تقدم حَالا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 (وَلَيْسَ كمن فِي بَحر دنيا غريقها ... يطرحه موج ويلقم حَالا) (يَدُور مَعَ الرَّحْمَن فِي كل أمره ... عَسى قَالَ حل فِيمَا أقسم حَالا) توفّي بِالْقَاهِرَةِ فِي سادس عشر جُمَادَى الأولى سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة 1166 - عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن مُوسَى صَلَاح الدّين أَبُو الْقَاسِم وَالِد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح تفقه على ابْن عصرون وَسكن حلب ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الأَسدِية بهَا مَاتَ فِي ذى الْقعدَة سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة 1167 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدَان أَبُو الْقَاسِم الطَّيِّبِيّ تفقه بواسط على المجير مَحْمُود الْبَغْدَادِيّ وَقدم بَغْدَاد ودرس بِبَعْض مدارسها وصنف مُخْتَصرا فِي الْفَرَائِض مولده سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي صفر سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة الحديث: 1166 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 1168 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن حَامِد الإِمَام أَبُو الْقَاسِم ضِيَاء الدّين الْقرشِي الْمصْرِيّ ابْن الْوراق تفقه على الشَّيْخ شهَاب الدّين الطوسي وَأعَاد عِنْده بمنازل الْعِزّ بِمصْر وَسمع من عبد الله بن بري وَغَيره قَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ سَمِعت مِنْهُ وتفقهت عَلَيْهِ مُدَّة قَالَ وَكَانَ عَالما صَالحا حسن الْأَخْلَاق تَارِكًا لما لَا يعنيه كتب الْكثير بِخَطِّهِ قيل كتب أَرْبَعمِائَة مُجَلد توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة 1169 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن بدر بن سعيد بن جَامع أَبُو الْقَاسِم البرجوني من أهل وَاسِط وبرجون محلّة بالجانب الشَّرْقِي مِنْهَا كَانَ يعرف بِابْن الْمعلم قَالَ ابْن النجار تفقه على ابْن فضلان وَابْن الرّبيع بِبَغْدَاد حَتَّى برع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول وَسمع الحَدِيث من أَبى الْفَتْح بن شاتيل وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وَقد نَيف على الْخمسين الحديث: 1168 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 1170 - عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله ابْن عبد الله بن الْحُسَيْن الدِّمَشْقِي الشَّيْخ الإِمَام الْكَبِير أَبُو مَنْصُور فَخر الدّين ابْن عَسَاكِر شيخ الشَّافِعِيَّة بِالشَّام وَآخر من جمع لَهُ الْعلم وَالْعَمَل ولد سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة وتفقه بِدِمَشْق على الشَّيْخ قطب الدّين النَّيْسَابُورِي وزوجه بابنته واستولدها وَسمع الحَدِيث من عميه الْإِمَامَيْنِ الْحَافِظ الْكَبِير أبي الْقَاسِم والصائن هبة الله وَجَمَاعَة وَحدث بِمَكَّة ودمشق والقدس روى عَنهُ الْحَافِظ زكي الدّين البرزالى وزين الدّين خَالِد وضياء الدّين الْمَقْدِسِي وَآخَرُونَ وَله تصانيف فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا وَبِه تخرج الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام الحديث: 1170 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 وَكَانَ إِمَامًا صَالحا قَانِتًا عابدا ورعا كثير الذّكر قيل كَانَ لَا يَخْلُو لِسَانه عَن ذكر الله وَأُرِيد على الْقَضَاء فَامْتنعَ طلبه الْملك الْعَادِل لَيْلًا وَبَالغ فِي استعطافه وألح عَلَيْهِ فَقَالَ حَتَّى استخير الله وَخرج فَقَامَ ليلته فِي الْجَامِع يتَضَرَّع ويبكي إِلَى الْفجْر فَلَمَّا صلى الصُّبْح وطلعت الشَّمْس أَتَاهُ جمَاعَة من جِهَة السُّلْطَان فأصر على الِامْتِنَاع وجهز أَهله للسَّفر وَخرجت المحابر إِلَى نَاحيَة حلب فَردهَا السُّلْطَان ورق عَلَيْهِ وأعفاه وَقَالَ عين غَيْرك فعين لَهُ ابْن الحرستاني وَاتفقَ أهل عصره على تَعْظِيمه فِي الْعقل وَالدّين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 الْجمع بَين وظيفتين فِي بلدين متباعدين كَانَ الشَّيْخ فَخر الدّين ابْن عَسَاكِر مدرسا بِالْمَدْرَسَةِ العذراوية وَهُوَ أول من درس بهَا والنورية والجاروخية وَهَذِه الثَّلَاث بِدِمَشْق والمدرسة الصلاحية بالقدس يُقيم بالقدس أشهرا وبدمشق أشهرا وَقد وَقع فِي زَمَاننَا الترافع فِي رجل ولي التدريس فِي بلدين متباعدين حلب ودمشق وَأفْتى جمَاعَة من أهل عصرنا بِالْجَوَازِ على أَن يَسْتَنِيب فِيمَا غَابَ عَنْهَا فَمن أَصْحَابنَا القَاضِي بهاء الدّين أَبُو الْبَقَاء السُّبْكِيّ ابْن الْعم وَالشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله البعلبكي وَالْقَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن خلف الْغَزِّي وَالشَّيْخ عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن خَليفَة الحسباني وَمن الْحَنَفِيَّة والمالكية والحنابلة آخَرُونَ وَزَاد شمس الدّين الْغَزِّي فَقضى بذلك وَأذن فِيهِ وحاولني صَاحب الْوَاقِعَة على موافقتهم فأبيت وَالَّذِي يظْهر أَن هَذَا لَا يجوز وَأَنا الَّذِي ذكرت لَهُم مَا فعل ابْن عَسَاكِر ومني سَمعه صَاحب الْوَاقِعَة وَلَيْسَ لَهُم فِيهِ دَلِيل لِأَن وَاقِف الصلاحية جوز لمدرسها أَن يَسْتَنِيب على عذر وَهَذَا وَإِن كَانَ لَا ينْهض عذرا لِأَن ابْن عَسَاكِر كَانَ يُقيم بِهَذِهِ الْبَلَد أشهرا وبهذه الْبَلَد أشهرا ومسألتنا فِيمَن يعرض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 عَن إِحْدَى البلدين بِالْكُلِّيَّةِ ويقتصر على الِاسْتِنَابَة وَمَا ذكرت وَإِن لم يكن فِيهِ دَلِيل لِأَن وَاقِف الصلاحية إِن سوغ الِاسْتِنَابَة فَمَا يسوغ ذَلِك واقفو العذراوية والنورية والجاروخية وَلَا يجوز ترك بعض الشُّهُور كَمَا لَا يجوز ترك كلهَا وَبِالْجُمْلَةِ فِي وَاقعَة ابْن عَسَاكِر مَا يهون عِنْده واقعتنا وَالْمَسْأَلَة اجتهادية وَابْن عَسَاكِر رجل صَالح عَالم وَالَّذِي فعله دون مَا فعل فِي عصرنا وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرِي أَنه لَا يجوز وَأكل المَال فِيهِ أكل بَاطِل وغيبته عَن وَاحِدَة ليحضر أُخْرَى لَيْسَ بِعُذْر فَمَا ظَنك بِمن يغيب بِالْكُلِّيَّةِ وَقد اعتل بعض هَؤُلَاءِ الْمُفْتِينَ بِأَن الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله أفتى بِمَا إِذا مَاتَ فَقِيه أَو معيد أَو مدرس وَله زَوْجَة وَأَوْلَاد أَنهم يُعْطون من مَعْلُوم تِلْكَ الْوَظِيفَة الَّتِي كَانَت لَهُ مَا تقوم بِهِ كفايتهم ثمَّ إِن فضل من الْمَعْلُوم شَيْء عَن قدر الْكِفَايَة فَلَا بَأْس بإعطائه لمن يقوم بالوظيفة ذكره فِي شرح الْمِنْهَاج فِي بَاب قسم الْفَيْء أخذا من قَول الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب أَن من مَاتَ من الْمُقَاتلَة أَعْطَيْت زَوجته وَأَوْلَاده قَالُوا فَإِذا كَانَ هَذَا رَأْي الشَّيْخ الإِمَام مَعَ مَا فِيهِ من تَوْلِيَة من لَا يسْتَحق وتعطيل الْوَظِيفَة فَمَا ظَنك بتولية مُسْتَحقّ يَنُوب عَنهُ يقوم بالوظيفة وَأَنا أَقُول إِن هَذَا مِمَّا اغتفره الْوَالِد رَحمَه الله بالتبعية وَقد صرح بِأَنَّهُ لَا يجوز ابْتِدَاء تَوْلِيَة من لَا يصلح فَكيف يجوز تَوْلِيَة من لَا تمكنه الْمُبَاشرَة وَلَا هُوَ مغتفر فِي جَانب أَب لَهُ أَو جد قد تقدّمت مُبَاشَرَته وسابقته فِي الْإِسْلَام وَقد أفتى ابْن عبد السَّلَام وَالنَّوَوِيّ فِي إِمَام مَسْجِد يَسْتَنِيب فِيهِ بِلَا عذر أَن الْمَعْلُوم لَا يسْتَحقّهُ النَّائِب لِأَنَّهُ لم يتول وَلَا المستنيب لِأَنَّهُ لم يُبَاشر وَخَالَفَهُمَا الشَّيْخ الإِمَام فِيمَا إِذا كَانَ النَّائِب مثل المستنيب أَو أرجح مِنْهُ فِي الْأَوْصَاف الَّتِي تطلب لتِلْك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 الْوَظِيفَة من علم أَو دين وَقَالَ فِي هَذِه الصُّورَة تصح الِاسْتِنَابَة لحُصُول الْغَرَض الشَّرْعِيّ وَاقْتضى كَلَامه حِينَئِذٍ جَوَاز الِاسْتِنَابَة بِلَا عذر وَعِنْدِي فِيهِ توقف وَقد أشاع كثير من النَّاس أَن الْوَالِد كَانَ يرى تَوْلِيَة الْأَطْفَال وظائف آبَائِهِم مَعَ عدم صلاحيتهم إِذا قَامَ بالوظائف صَالح ويرجحهم على الصَّالِحين وتوسعوا فِي ذَلِك وَنحن أخبر بأبينا وبمقاصده وَلم يكن رَحمَه الله رأى ذَلِك على الْإِطْلَاق إِنَّمَا كَانَ رَأْيه فِيمَن كَانَت لَهُ يَد بَيْضَاء فِي الْإِسْلَام من علم أَو غَيره قد أثر فِي الدّين آثارا حَسَنَة وَترك ولدا صَالحا أَن يُبَاشر وظيفته من يصلح لَهَا وَتَكون الْوَظِيفَة باسم الْوَلَد وَيَقُول التَّوْلِيَة توليتان تَوْلِيَة اخْتِصَاص وتولية مُبَاشرَة فالصبي يتَوَلَّى تَوْلِيَة الِاخْتِصَاص بِمَعْنى أَن تكون لَهُ خُصُوصِيَّة بهَا وَيصرف لَهُ بعض الْمَعْلُوم والصالح يتَوَلَّى تَوْلِيَة مُبَاشرَة يَعْنِي أَنه يَأْتِي بِالْمَعْنَى الْمَقْصُود من الْوَظِيفَة فَيحصل غَرَض الْوَاقِف ومراعاة جَانب الصَّغِير إِعَانَة لحق أَبِيه وَيَقُول أَنا فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا أولي الْمُبَاشر وَهُوَ ذُو الْولَايَة الْحَقِيقِيَّة فَقلت لَهُ فَلم لَا تصرح لَهُ بِالْولَايَةِ فَقَالَ أخْشَى على الطِّفْل مِنْهُ فَإِنَّهُ مَتى اسْتَقَرَّتْ لَهُ لم يُعْط الصَّغِير شَيْئا فَقلت لَهُ اجْعَل الْمُبَاشر هُوَ الْمُتَوَلِي وَاشْترط عَلَيْهِ بعض الْمَعْلُوم للطفل قَالَ يتأهل الطِّفْل فَلَا يُسلمهُ الْوَظِيفَة وَأَنا مرادي أَن الطِّفْل إِذا تأهل يسلم الْوَظِيفَة لَهُ فَقلت لَهُ فَمَا الَّذِي يثبت للطفل الْآن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 قَالَ ولَايَة الِاخْتِصَاص بِمَعْنى أَنه يصير أَحَق بِهَذِهِ الْوَظِيفَة اسْتِقْلَالا من غير احْتِيَاج إِلَى تَجْدِيد ولَايَة مَتى تأهل وآكلا لبَعض الْمَعْلُوم مَا دَامَ عَاجِزا فَقلت لَهُ أتفعل ذَلِك فِيمَن لَا يُمكنهُ التأهل كَزَوْجَة وَبنت وَابْن أيس من أَهْلِيَّته فَقَالَ لَا بل الَّذين تَركهم الْمَيِّت أَقسَام مِنْهُم من يُمكن أَن يتأهل فَهَذَا نوليه ولَايَة الِاخْتِصَاص ثمَّ أَنا فِي النَّائِب الَّذِي أقيم لَهُ على قدر مَا يظْهر لي من أَمَانَته إِن عرفت من ثقته وَدينه أَنه مَتى تأهل الصَّبِي سلمه وظيفته فقد أصرح لَهُ بِالْولَايَةِ المترتبة فَأَقُول وليتك مُسْتقِلّا مُدَّة عدم صَلَاحِية هَذَا الطِّفْل للمباشرة على أَن تصرف عَلَيْهِ بعض الْمَعْلُوم وَوليت هَذَا الطِّفْل ولَايَة معلقَة بالصلاحية قَالَ وَأَنا أرى تَعْلِيق الولايات وَقد لَا أصرح لَهُ خشيَة أَن يَمُوت والوظيفة باسمه فيأخذها من لَا يُعْطي ذَلِك الطِّفْل شَيْئا وَهَذِه أُمُور تخرج عَن الضَّبْط يُرَاعِي فِيهَا الْحَاكِم اجْتِهَاده الْحَاضِر وَدينه وَنَظره فِي كل جزئية وَمِنْهُم من لَا يُمكن أَن يتأهل كَبِنْت أَو زَوْجَة فِي إِمَامَة مَسْجِد أَو ابْن أَيِست أَهْلِيَّته فَهَؤُلَاءِ لَا أوليهم مُطلقًا لَا مُعَلّقا وَلَا ولَايَة اخْتِصَاص وَإِنَّمَا أَقُول لمن أوليه الْتزم بِالنذرِ الشَّرْعِيّ أَن تدفع لهَذَا كَيْت وَكَيْت مَا دَامَ كَذَا من مَعْلُوم هَذِه الْوَظِيفَة فَيصير لَهُ اسْتِحْقَاق بعض الْمَعْلُوم عَلَيْهِ بِهَذِهِ الطَّرِيق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 فَقلت لَهُ فَهَذَا كُله فِيمَن سبقت لِأَبِيهِ سَابِقَة فَمَا قَوْلك فِيمَن لَا سَابِقَة لِأَبِيهِ قَالَ إِن كَانَ فَقِيرا أفهم من نَص الشَّارِع طلب إِعَانَة مثله فعلت مَعَه ذَلِك أَيْضا وَلَا أتركه يبيت جائعا قد عدم أَبَاهُ والرزق الَّذِي كَانَ يدْخل عَلَيْهِ مَعَ أَبِيه إِلَى غير ذَلِك من تفاصيل كَانَ يذكرهَا تقصر عَنْهَا الأوراق الله أعلم بنيته فِيهَا وَقد كَانَ الرجل متضلعا بِالْعلمِ وَالدّين وغرضنا مِمَّا سقناه أَنه لم يُطلق القَوْل إطلاقا وَلَا فتح للجهال بَاب التطرق إِلَى وظائف أهل الْعلم حاشاه ثمَّ حاشاه لقد كَانَ يتألم من ولَايَة الْجُهَّال تألما لم أجد من غَيره المعشار مِنْهُ وَيذكر من مفاسد ولَايَة الْجَاهِل وَمن لَا يُبَاشر مَا يطول شَرحه وَله فِيهِ كَلَام مُسْتَقل هَذَا مَا أعرفهُ مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ من الْوَاقِعَة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَقد كنت أعرفهُ ينكرها بِعَينهَا غَايَة الْإِنْكَار فَإِن الْجَامِع بَين التدريسين الْمَذْكُورين جمع بَينهمَا فِي حَيَاة الشَّيْخ الإِمَام وَأنكر الشَّيْخ الإِمَام ذَلِك وَلم تكن لَهُ قدرَة على دَفعه لِأَنَّهُ ذُو جاه خطير وَمن شعر الشَّيْخ ابْن عَسَاكِر (خف إِذا مَا بت ترجو ... وارج إِن أَصبَحت خَائِف) (كم أَتَى الدَّهْر بعسر ... فِيهِ لله لطائف) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 خبر وَفَاته رَحمَه الله وَقد كَانَت مُصِيبَة عَامَّة فِي الشَّام سائرة فِي بِلَاد الْإِسْلَام توفّي فِي الْعَاشِر من رَجَب سنة عشْرين وسِتمِائَة وَكَانَت جنَازَته مَشْهُودَة قل أَن وجد مثلهَا قَالَ أَبُو شامة أَخْبرنِي من حضر وَفَاته أَنه صلى الظّهْر ثمَّ جعل يسْأَل عَن الْعَصْر فَقيل لَهُ لم يقرب وَقتهَا فَتَوَضَّأ ثمَّ تشهد وهوجالس ثمَّ قَالَ رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا لَقَّنَنِي الله حجتي وأقالني عثرتي ورحم غربتي ثمَّ قَالَ وَعَلَيْكُم السَّلَام فَعلمنَا أَنه حَضرته الْمَلَائِكَة فَانْقَلَبَ على قَفاهُ مَيتا ذكر بقايا من تَرْجَمته وَكَانَ الشَّيْخ فَخر الدّين ابْن عَسَاكِر قد وَقع بَينه وَبَين الْملك الْمُعظم لِأَنَّهُ أنكر عَلَيْهِ تضمين المكوس وَالْخُمُور فَانْتزع مِنْهُ التقوية والصلاحية وَكَانَ بَينه وَبَين الْحَنَابِلَة مَا يكون غَالِبا بَين رعاع الْحَنَابِلَة والأشاعرة فيذكر أَنه كَانَ لَا يمر بِالْمَكَانِ الَّذِي يكون فِيهِ الْحَنَابِلَة خشيَة أَن يأثموا بالوقيعة فِيهِ وَأَنه رُبمَا مر بالشيخ الْمُوفق بن قدامَة فَسلم فَلم يرد الْمُوفق السَّلَام فَقيل لَهُ فَقَالَ إِنَّه يَقُول بالْكلَام النَّفْسِيّ وَأَنا أرد عَلَيْهِ فِي نَفسِي فَإِن صحت هَذِه الْحِكَايَة فَهِيَ مَعَ مَا ثَبت عندنَا من ورع الشَّيْخ موفق الدّين وَدينه وَعلمه غَرِيبَة فَإِن ذَلِك لَا يَكْفِيهِ جَوَاب سَلام وَإِن كَانَ ذَلِك مِنْهُ لِأَنَّهُ يرى أَن الشَّيْخ فَخر الدّين لَا يسْتَحق جَوَاب السَّلَام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 فَلَا كيد لمن يرى هَذَا الرَّأْي وَلَا كَرَامَة وَلَا تظن ذَلِك بالشيخ الْمُوفق وَلَعَلَّ هَذِه الْحِكَايَة من تخليقات متأخري الحشوية وجدت بِخَط الْحَافِظ صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلائي رَحمَه الله رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ رَحمَه الله أَنه شَاهد بِخَط سيف الدّين أَحْمد بن الْمجد الْمَقْدِسِي لما دخلت بَيت الْمُقَدّس والفرنج إِذْ ذَاك فِيهِ وجدت مدرسة قريبَة من الْحرم - قلت أظنها الصلاحية - والفرنج بهَا يُؤْذونَ الْمُسلمين ويفعلون العظائم فَقلت سُبْحَانَ الله ترى أَي شَيْء كَانَ فِي هَذِه الْمدرسَة حَتَّى ابْتليت بِهَذَا حَتَّى رجعت إِلَى دمشق فحكي لي أَن الشَّيْخ فَخر الدّين ابْن عَسَاكِر كَا يقرئ بهَا المرشدة فَقلت بل هِيَ المضلة انْتهى مَا نقلته من خطّ العلائي رَحمَه الله ونقلت من خطه أَيْضا وَهَذِه العقيدة المرشدة جرى قَائِلهَا على الْمِنْهَاج القويم وَالْعقد الْمُسْتَقيم وَأصَاب فِيمَا نزه بِهِ الْعلي الْعَظِيم ووقفت على جَوَاب لِابْنِ تَيْمِية سُئِلَ فِيهِ عَنْهَا ذكر فِيهِ أَنَّهَا تنْسب لِابْنِ تومرت وَذَلِكَ بعيد من الصِّحَّة أَو بَاطِل لِأَن الْمَشْهُور أَن ابْن تومرت كَانَ يُوَافق الْمُعْتَزلَة فِي أصولهم وَهَذِه مباينة لَهُم انْتهى وَأطَال العلائي فِي تَعْظِيم المرشدة والإزراء بشيخنا الذَّهَبِيّ وَسيف الدّين ابْن الْمجد فِيمَا ذكرَاهُ فَأَما دَعْوَاهُ أَن ابْن تومرت كَانَ معتزليا فَلم يَصح عندنَا ذَلِك والأغلب أَنه كَانَ أشعريا صَحِيح العقيدة أَمِيرا عادلا دَاعيا إِلَى طَرِيق الْحق وَأما قَول السَّيْف ابْن الْمجد إِن الَّذِي اتّفق إِنَّمَا هُوَ بِسَبَب إقراء المرشدة فَمن التعصب الْبَارِد وَالْجهل الْفَاسِد وَقد فعلت الفرنج دَاخل الْمَسْجِد الْأَقْصَى العظائم فَهَلا نظر فِي ذَلِك نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان وَنحن نرى أَن نسوق هَذِه العقيدة المرشدة وَهِي اعْلَم أرشدنا الله وَإِيَّاك أَنه يجب على كل مُكَلّف أَن يعلم أَن الله عز وَجل وَاحِد فِي ملكه خلق الْعَالم بأسره الْعلوِي والسفلي وَالْعرش والكرسي وَالسَّمَوَات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 وَالْأَرْض وَمَا فيهمَا وَمَا بَينهمَا جَمِيع الْخَلَائق مقهورون بقدرته لَا تتحرك ذرة إِلَّا بِإِذْنِهِ لَيْسَ مَعَه مُدبر فِي الْخلق وَلَا شريك فِي الْملك حَيّ قيوم {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} {لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} {وَيعلم مَا فِي الْبر وَالْبَحْر وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الأَرْض وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين} {أحَاط بِكُل شَيْء علما} {وأحصى كل شَيْء عددا} {فعال لما يُرِيد} قَادر على مَا يَشَاء لَهُ الْملك والغناء وَله الْعِزّ والبقاء وَله الحكم وَالْقَضَاء وَله الْأَسْمَاء الْحسنى لَا دَافع لما قضى وَلَا مَانع لما أعْطى يفعل فِي ملكه مَا يُرِيد وَيحكم فِي خلقه بِمَا يَشَاء لَا يَرْجُو ثَوابًا وَلَا يخَاف عقَابا لَيْسَ عَلَيْهِ حق وَلَا عَلَيْهِ حكم وكل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} مَوْجُود قبل الْخلق لَيْسَ لَهُ قبل وَلَا بعد وَلَا فَوق وَلَا تَحت وَلَا يَمِين وَلَا شمال وَلَا أَمَام وَلَا خلف وَلَا كل وَلَا بعض وَلَا يُقَال مَتى كَانَ وَلَا أَيْن كَانَ وَلَا كَيفَ كَانَ وَلَا مَكَان كَون الأكوان ودبر الزَّمَان لَا يتَقَيَّد بِالزَّمَانِ وَلَا يتخصص بِالْمَكَانِ وَلَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن وَلَا يلْحقهُ وهم وَلَا يكتنفه عقل وَلَا يتخصص بالذهن وَلَا يتَمَثَّل فِي النَّفس وَلَا يتَصَوَّر فِي الْوَهم وَلَا يتكيف فِي الْعقل لَا تلْحقهُ الأوهام والأفكار {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} هَذَا آخر العقيدة وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُنكره سني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 مَسْأَلَة كتاب الصَدَاق فِي الْحَرِير كَانَ الشَّيْخ ابْن عَسَاكِر رَحمَه الله يُفْتِي بِجَوَاز كِتَابَة الصَدَاق على الْحَرِير وَخَالفهُ تِلْمِيذه شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام فَأفْتى بِالْمَنْعِ وَبِه أفتى النَّوَوِيّ إِلَّا أَنه عزا ذَلِك إِلَى تَصْرِيح أَصْحَابنَا وَلم أجد ذَلِك فِي كَلَام وَاحِد مِنْهُم 1171 - عبد الرَّحْمَن بن مقبل بن عَليّ بن مقبل أَبُو الْمَعَالِي الطَّحَّان من أهل وَاسِط تفقه بِبَغْدَاد على عَليّ بن أبي عَليّ الفارقي قَالَ ابْن النجار برع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَسمع الحَدِيث من ابْن كُلَيْب وَابْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهمَا واستنابه قَاضِي الْقُضَاة أَبُو صَالح الجيلي على الْقَضَاء بحريم دَار الْخلَافَة وقلده الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه قَضَاء الْقُضَاة شرقا وغربا وَنظر الْأَوْقَاف وتدريس المستنصرية وقرىء عَهده بِجَامِع مَدِينَة السَّلَام وَاسْتمرّ على ذَلِك مُدَّة ثمَّ عزل ولد سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة وَمَات فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة الحديث: 1171 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 1172 - عبد الرَّحْمَن بن نوح بن مُحَمَّد شمس الدّين الْمَقْدِسِي مدرس الرواحية بِدِمَشْق تفقه على ابْن الصّلاح وَسمع من ابْن الزبيدِيّ وَغَيره توفّي فِي ربيع الآخر سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة 1173 - عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن الرّبيع بن سُلَيْمَان أَبُو الْقَاسِم بن الشَّيْخ أبي عَليّ بن الرّبيع من أهل وَاسِط قَرَأَ الْفِقْه وَالْخلاف على وَالِده وعَلى أبي الْقَاسِم ابْن فضلان وَتوجه رَسُولا من جِهَة الْخَلِيفَة إِلَى غزنة ثمَّ إِلَى خوارزم وَحدث هُنَاكَ بِالْإِجَازَةِ عَن أبي الْفَتْح ابْن البطي وَأبي زرْعَة الْمَقْدِسِي مولده سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة الحديث: 1172 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 1174 - عبد الرَّحْمَن بن أبي الْحسن بن يحيى الدمنهوري عماد الدّين مولده بدمنهور الْوَحْش من أَعمال الديار المصرية فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وسِتمِائَة وَتَوَلَّى إِعَادَة الْمدرسَة الصالحية بِالْقَاهِرَةِ وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَهُوَ المغرى بالاعتراض على الشَّيْخ فِي الْمُهَذّب والتنبيه لَا جرم أَن الله أخمل ذكره 1175 - عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن الْمُسلم بن هبة الله بن حسان القَاضِي نجم الدّين الْجُهَنِيّ الْحَمَوِيّ ابْن الْبَارِزِيّ قَاضِي حماة وَأَبُو قاضيها ولد بهَا سنة ثَمَان وسِتمِائَة وَحدث عَن مُوسَى ابْن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الحديث: 1174 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 سمع مِنْهُ ابْنه وَغَيره قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ إِمَامًا فَاضلا فَقِيها أصوليا أديبا شَاعِرًا لَهُ خبْرَة بالعقليات وَنظر فِي الْفُنُون قَالَ وَكَانَ مشكورا فِي أَحْكَامه وافر الدّيانَة محبا للصالحين درس وَأفْتى وصنف وَتوجه ليحج فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فَمَاتَ فِي ذِي الْقعدَة بتبوك وَحمل إِلَى الْمَدِينَة ودقن بِالبَقِيعِ 1176 - عبد الرَّحِيم بن عمر بن عُثْمَان جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد الباجربقي الْموصِلِي قَالَ الذَّهَبِيّ شيخ فَقِيه مُحَقّق نقال مهيب سَاكِت كثير الصَّلَاة ملازم للجامع والاشتغال شغل بالموصل وَأفَاد ثمَّ قدم دمشق وخطب بجامعها نِيَابَة ودرس بالغزالية نِيَابَة وبالمدرسة الفتحية أَصَالَة وَله نظم ونثر وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الباجربقي الْمَحْكُوم بإراقة دَمه توفّي هَذَا الشَّيْخ جمال الدّين فِي شَوَّال سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة الحديث: 1176 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 1177 - عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ياسين أَبُو الرِّضَا سبط أبي الْقَاسِم بن فضلان قَرَأَ الْفِقْه على جده ثمَّ سَافر إِلَى الْموصل وَقَرَأَ على أبي حَامِد مُحَمَّد بن يُونُس ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَتَوَلَّى إِعَادَة النظامية ثمَّ تولى أنظارا وأوقافا وَرَأس مولده سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي صفر سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1178 - عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُونُس بن ربيعَة الْموصِلِي تَاج الدّين بن رَضِي الدّين بن عماد الدّين صَاحب التَّعْجِيز مُخْتَصر الْوَجِيز والنبيه فِي اخْتِصَار التَّنْبِيه ومختصر الْمَحْصُول فِي أصُول الْفِقْه وَشرح التَّعْجِيز لم يكمل وَشرح الْوَجِيز وَلم يكمل أَيْضا فِيمَا أَظن والتنويه بِفضل التَّنْبِيه وَكَانَ آيَة فِي الْقُدْرَة على الِاخْتِصَار وَمن أحسن مُخْتَصر لَهُ فِي الْفِقْه كتاب سَمَّاهُ نِهَايَة النفاسة قل أَن رَأَيْت مثله فِي عذوبة مَنْطِقه وَكَثْرَة الْمَعْنى وَصغر الحجم وَسَأَلَهُ الْحَنَفِيَّة أَن يختصر لَهُم الْقَدُورِيّ فَاخْتَصَرَهُ اختصارا حسنا وَهُوَ عِنْدِي الحديث: 1177 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 مولده بالموصل سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ بهَا إِلَى أَن استولت عَلَيْهِ التتار فانتقل إِلَى بَغْدَاد وَولي قَضَاء الْجَانِب الغربي بهَا وببغداد مَاتَ سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة وَمن الْفَوَائِد عَنهُ ذكر فِي شرح التَّعْجِيز فِيمَا لَو أدخلت الصائمة أصبعها فِي فرجهَا أَنَّهَا تفطر وَكَذَلِكَ ذكر ابْن الصّلاح فِي الْفَتَاوَى وَوَجهه أَنَّهَا عين وصلت من الظَّاهِر إِلَى الْجوف فِي منفذ وَحكى صَاحب الْبَحْر فِي الْمَسْأَلَة خلافًا ذكره قبل بَاب صَوْم التَّطَوُّع وَأفْتى فِي كتاب نِهَايَة النفاسة بِخِلَاف الْمَذْهَب فِي مسَائِل مِنْهَا قَالَ لَا يجوز للزَّوْج النّظر إِلَى الْفرج وَالْمذهب خِلَافه وَمِنْهَا قَالَ فِي الْعدة الثَّالِث اسْتِبْرَاء أمته تحل لَهُ وَلَو حَامِلا خلافًا للروياني وَهَذَا وهم انْقَلب عَلَيْهِ وَالَّذِي قَالَ الرَّوْيَانِيّ تبعا للمزني أَنه إِنَّمَا يجب اسْتِبْرَاء الْحَامِل والموطوءة فَلَا خلاف فِي وجوب اسْتِبْرَاء الْحَامِل وَحكى أَن القَاضِي نجم الدّين البادرائى اجتاز بالموصل رَسُولا إِلَى حلب فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَسَأَلَ فقهاءها هَذِه الْمَسْأَلَة (أيا فُقَهَاء الْعَصْر هَل من مخبر ... عَن امْرَأَة حلت لصَاحِبهَا عقدا) (إِذا طلقت بعد الدُّخُول تربصت ... ثَلَاثَة أَقراء حُدُود لَهَا حدا) (وَإِن مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا فاعتدادها ... بقرء من الْأَقْرَاء تأتى بِهِ فَردا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 فَأَجَابَهُ صَاحب التَّعْجِيز (وَكُنَّا عهدنا النَّجْم يهدى بنوره ... فَمَا باله قد أتهم الْعلم الفردا) (سَأَلت فَخذ عَنى فَتلك لقيطة ... أقرَّت برق بعد أَن نكحت عمدا) وَذكر فِي التَّعْجِيز أَن الزَّوْج إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق على ألف إِن شِئْت وَقبلت كفى أَحدهمَا وَقد تكفى الْمَشِيئَة وَتعقبه القَاضِي شرف الدّين ابْن الْبَارِزِيّ فِي التَّمْيِيز وفخر الدّين الصّقليّ فِي التَّخْيِير وَقَالَ هُوَ - أَعنِي ابْن يُونُس - فِي شرح التَّعْجِيز إِن الِاكْتِفَاء بِأَحَدِهِمَا رَأْي لفقه الغزالى من وَجْهَيْن حَكَاهُمَا إِمَامه أَحدهمَا تعين شِئْت وَالثَّانِي تعين قبلت وَهُوَ كَمَا قَالَ ثمَّ قَالَ ابْن يُونُس وَيَكْفِي فِي صُورَة الْمَسْأَلَة أَن يَقُول أَنْت طَالِق إِن شِئْت أما قَوْله وَقبلت ففرضه فِي الْوَجِيز والوسيط دون الْبَسِيط وَالنِّهَايَة والتتمة وَغَيرهَا وَعِنْدِي أَنه يَقْتَضِي الْجمع بَين الْقبُول والمشيئة وَجها وَاحِدًا لِأَنَّهُ صرح بشرطها انْتهى قلت وَهُوَ عَجِيب فَلم أر فِي شَيْء مِمَّا وقفت عَلَيْهِ من نسخ الْوَجِيز والوسيط لفظ وَقبلت وَلَيْسَ إِلَّا أَنْت طَالِق بِأَلف إِن شِئْت كَمَا فِي الْبَسِيط وَالنِّهَايَة والتتمة وَقَول ابْن يُونُس إِن وَقبلت يَقْتَضِي الْجمع بَينهمَا مُتَّجه وَيحْتَمل أَن يطرقه خلاف لِأَن لفظ الْمَشِيئَة يتَضَمَّن الْقبُول وَبِالْعَكْسِ غير أَنه يكون خلافًا مُرَتبا على الْخلاف فِي الصُّورَة المنقولة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 وَقَالَ فِي شرح التَّعْجِيز فِي بَاب الْخلْع أَيْضا إِن جده عماد الدّين صحّح فِي شرح الْوَجِيز أَن الْإِقْبَاض يَقْتَضِي التَّمْلِيك كالإعطاء قلت وَأَنا أميل إِلَى هَذَا التَّرْجِيح غير أَن الْمُرَجح فِي الْمَذْهَب أَن الْإِعْطَاء يَقْتَضِي التَّمْلِيك بِخِلَاف الْإِقْبَاض قَالَ ابْن يُونُس والإيتاء كالإعطاء قلت وَفِي هَذَا نظر بل الَّذِي يظْهر أَن الإيتاء كالدفع والإقباض قَالَ الله تعالي {وَآتوا الْيَتَامَى أَمْوَالهم} وَأَرَادَ بالإيتاء الدّفع بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} قَالَ فِي شرح التَّعْجِيز فِي موقف الإِمَام وَالْمَأْمُوم الْمدَارِس والربط كالدور عِنْد المراوزة وكالمساجد عِنْد الْعِرَاقِيّين انْتهى وَهَذَا شَيْء غَرِيب لَعَلَّه سبق قلم وَالْمَعْرُوف أَن حكم الْمدَارِس والربط حكم الدّور من غير خلاف 1179 - عبد الرَّحِيم بن نصر بن يُوسُف بن مبارك الْفَقِيه الْمُحدث صدر الدّين أَبُو مُحَمَّد البعلبكي قَاضِي بعلبك كَانَ فَقِيها زاهدا ورعا مُحدثا نبيلا لَهُ يَد فِي النّظم والنثر تفقه على ابْن الصّلاح وَسمع من الْكِنْدِيّ وَالشَّيْخ الْمُوفق وَجَمَاعَة وَصَاحب الشَّيْخ الصَّالح عبد الله اليونيني الحديث: 1179 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 وَكَانَ لَهُ حَال ومكاشفة وَقيل إِنَّه لما ولي قَضَاء بعلبك كَانَ يحمل الْعَجِين إِلَى الفرن ويحكى عَنهُ كرامات كَثِيرَة وَكَانَ يؤم بمدرسة بعلبك مَاتَ وَهُوَ فِي السَّجْدَة الثَّانِيَة من الرَّكْعَة الثَّالِثَة من الظّهْر سجدها فانتظره من خَلفه أَن يرفع رَأسه ثمَّ رفعوا رؤوسهم وحركوه فوجدوه مَيتا وَذَلِكَ سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة ورثاه ابْن الْمَقْدِسِي بقوله (لنقدك صدر الدّين أضحت صدورنا ... تضيق وَجَاز الوجد غَايَة قدره) (وَمن كَانَ ذَا قلب على الدّين منطو ... تفتت أكبادا على فقد صَدره) 1180 - عبد السَّلَام بن عَليّ بن مَنْصُور قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن الْخَرَّاط قَاضِي الديار المصرية أَبُو مُحَمَّد الكتاني الدمياطي مولده سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة قَرَأَ الْقُرْآن بدمياط بالروايات على السَّيِّد الْكَبِير عبد السَّلَام بن عبد النَّاصِر بن عديسة ورحل إِلَى بَغْدَاد وتفقه بالنظامية وَسمع من ابْن كُلَيْب وَابْن الْجَوْزِيّ وَأبي طَاهِر الْمُبَارك بن الْمُبَارك بن المعطوش ورحل إِلَى وَاسِط فَقَرَأَ بهَا الْقرَاءَات على أبي بكر بن الباقلاني الحديث: 1180 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 وَعَاد إِلَى دمياط وَولي الْقَضَاء بهَا والتدريس مُدَّة ثمَّ قَضَاء الْقُضَاة بِمصْر وأعمالها من الْجَانِب القبلي وَحدث بدمياط ومصر روى عَنهُ الْحَافِظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم وَخرج لَهُ جُزْءا وَقد عزل بِالآخِرَة عَن قَضَاء مصر وَولي قَضَاء دمياط مَاتَ سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة 1181 - عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو الْقَاسِم بن الحرستاني الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْعَبَّادِيّ السَّعْدِيّ الدِّمَشْقِي أحد الأجلة من الْفُقَهَاء البارعين فِي الْمَذْهَب الزاهدين الورعين وَكَانَ من قُضَاة الْعدْل رَحمَه الله ولد فِي أحد الربيعين سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وَسمع الحَدِيث من عبد الْكَرِيم بن حَمْزَة وطاهر بن سهل بن بشر الإسفرايني وجمال الْإِسْلَام أبي الْحسن عَليّ بن الْمُسلم وَنصر الله المصِّيصِي وَهبة الله بن أَحْمد بن طَاوس وَأبي الْقَاسِم الْحُسَيْن بن البن وَأبي الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان الْمرَادِي وخلائق وَتفرد بالرواية عَن أَكثر شُيُوخه الحديث: 1181 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 وَحدث بِالْإِجَازَةِ عَن أبي عبد الله الفراوي وَهبة الله بن السيدي وزاهر الشحامي وَعبد الْمُنعم الْقشيرِي وَغَيرهم سمع مِنْهُ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصرى وَغَيره من القدماء وروى عَنهُ البرزالي وَابْن النجار والحافظ الضياء وَابْن خَلِيل والحافظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم وَابْن عبد الدَّائِم وَأَبُو الْغَنَائِم بن عَلان وخلائق يطول سردهم وروى عَنهُ من القدماء الحافظان عبد الْغَنِيّ وَعبد الْقَادِر الرهاوي تفقه بحلب على أبي الْحسن الْمرَادِي ورحل إِلَيْهِ وَولي الْقَضَاء بِدِمَشْق نِيَابَة عَن أبي سعد بن أبي عصرون ثمَّ ولي قَضَاء الشَّام فِي آخر عمره سنة اثْنَتَيْ عشرَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 وَعمر دهرا طَويلا وَكَانَ أسْند شيخ فِي هَذِه الديار وَيُقَال إِن شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام قَالَ لم أر أفقه مِنْهُ قَالَ أَبُو شامة وَسَأَلته أَيهمَا أفقه الشَّيْخ فَخر الدّين بن عَسَاكِر أَو ابْن الحرستاني فرجح ابْن الحرستاني وَقَالَ إِنَّه كَانَ يحفظ وسيط الْغَزالِيّ قَالَ أَبُو شامة لما ولي الْقَضَاء محيي الدّين بن الزكي لم ينب عَنهُ وَبَقِي إِلَى أَن ولاه الْملك الْعَادِل الْقَضَاء وعزل قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين الطَّاهِر وَأخذ مِنْهُ الْمدرسَة العزيزية والتقوية وَأعْطى العزيزية مَعَ الْقَضَاء لِابْنِ الحرستاني والتقوية للشَّيْخ فَخر الدّين بن عَسَاكِر وَكَانَ ابْن الحرستاني يجلس للْحكم بالمجاهدية وناب عَنهُ وَلَده عماد الدّين ثمَّ شمس الدّين أَبُو نصر بن الشِّيرَازِيّ وشمس الدّين بن سني الدولة وَبَقِي فِي الْقَضَاء سنتَيْن وَسَبْعَة أشهر وَتُوفِّي وَكَانَت لَهُ جَنَازَة عَظِيمَة وَكَانَ قد امْتنع من الْولَايَة لما طلب إِلَيْهَا فألحوا عَلَيْهِ واستغاثوا بولده حَتَّى أجَاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 وَكَانَ صَارِمًا عادلا على طَريقَة السّلف فِي لِبَاسه وعفته اتَّفقُوا أَنه لم تفته صَلَاة بِجَامِع دمشق فِي جمَاعَة إِلَّا إِن كَانَ مَرِيضا 1182 - عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن سعيد الدَّمِيرِيّ الديريني الشَّيْخ الزَّاهِد الْقدْوَة الْعَارِف صَاحب الْأَحْوَال والكرامات والمصنفات وَالنّظم الْكثير نظم التَّنْبِيه وَالْوَجِيز وغريب الْقُرْآن وَغير ذَلِك وَله تَفْسِير فِي مجلدين منظوم قَالَ شَيخنَا أَبُو حَيَّان كَانَ متقشفا مخشوشنا يتبرك بِهِ النَّاس انْتهى وَكَانَ الشَّيْخ عبد الْعَزِيز مترددا فِي الرِّيف والنواحي من ديار مصر لَيْسَ لَهُ مُسْتَقر مولده سنة اثْنَتَيْ عشرَة أَو ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة الحديث: 1182 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 وَكَانَ سليم الْبَاطِن حسن الْأَخْلَاق حُكيَ أَنه دخل إِلَى الْمحلة الغربية فِي بعض أَسْفَاره وَعَلِيهِ عِمَامَة متغيرة اللَّوْن فظنها بعض من رَآهُ زرقاء فَقَالَ قل أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَهَا فَنزع الْعمة من رَأسه وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ إِلَى القَاضِي لتسلم على يَدَيْهِ فَمضى مَعَه وتبعهم صبيان وَخلق كثير على عَادَة من يسلم فَلَمَّا نظره القَاضِي عرفه فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا يَا سَيِّدي الشَّيْخ قَالَ قيل لي قل الشَّهَادَتَيْنِ فقلتهما فَقيل امْضِ مَعنا إِلَى القَاضِي لتنطق بهما بَين يَدَيْهِ فَجئْت وَله كتاب طَهَارَة الْقُلُوب فِي ذكر علام الغيوب كتاب حسن فِي التصوف وَكَانَ يعرف علم الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَمن كَلَامه فِي طَهَارَة الْقُلُوب إلهي عرفتنا بربوبيتك وغرقتنا فِي بحار نِعْمَتك ودعوتنا إِلَى دَار قدسك ونعمتنا بذكرك وأنسك إلهي إِن ظلمَة ظلمنَا لأنفسنا قد عَمت وبحار الْغَفْلَة على قُلُوبنَا قد طمت فالعجز شَامِل والحصر حَاصِل وَالتَّسْلِيم أسلم وَأَنت بِالْحَال أعلم إلهي مَا عصيناك جهلا بعقابك وَلَا تعرضا لعذابك وَلَكِن سَوَّلت لنا نفوسنا وأعانتنا شِقْوَتنَا وغرنا سترك علينا وأطمعنا فِي عفوك برك بِنَا فَالْآن من عذابك من يستنقذنا وبحبل من نعتصم إِن قطعت حبلك عَنَّا واخجلتنا من الْوُقُوف غَدا بَين يَديك وَا فضيحتنا إِذا عرضت أَعمالنَا القبيحة عَلَيْك اللَّهُمَّ اغْفِر مَا علمت وَلَا تهتك مَا سترت إلهي إِن كُنَّا عصيناك بِجَهْل فقد دعوناك بعقل حَيْثُ علمنَا أَن لنا رَبًّا يغْفر الذُّنُوب وَلَا يُبَالِي وَله مُنَاجَاة حَسَنَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 وَمن شعره (اقتصد فِي كل حَال ... واجتنب شحا وغرما) (لَا تكن حلوا فتؤكل ... لَا وَلَا مرا فترمى) وَمِنْه وَكنت أسمع الْحَافِظ تَقِيّ الدّين أَبَا الْفَتْح السُّبْكِيّ ابْن الْعم رَحمَه الله ينشده وَأَحْسبهُ روى لنا عَن جده عَم أبي الشَّيْخ صدر الدّين يحيى السُّبْكِيّ عَنهُ (الله رَبِّي وحسبي ... الله أَرْجُو وَأحمد) (وشافعي يَوْم حشري ... خير الْخَلَائق أَحْمد) (صلى عَلَيْهِ إلهي ... أوفى صَلَاة وَأحمد) (وَمَالك والحنيفي ... وَالشَّافِعِيّ وَأحمد) (وسيدي ابْن الرِّفَاعِي ... قطب الْحَقِيقَة أَحْمد) (هَذَا مقَال الدَّمِيرِيّ ... عبد الْعَزِيز بن أَحْمد) وَمن شعره (إِذا مَا مَاتَ ذُو علم وتقوى ... فقد ثلمت من الْإِسْلَام ثلمه) (وَمَوْت الْعَادِل الْملك المرجى ... حَكِيم الْحق منقصة ووصمه) (وَمَوْت الصَّالح المرضي نقص ... فَفِي مرآه لِلْإِسْلَامِ نسمه) (وَمَوْت الْفَارِس الضرغام ضعف ... فكم شهِدت لَهُ فِي النَّصْر عزمه) (وَمَوْت فَتى كثير الْجُود مَحل ... فَإِن بَقَاءَهُ خصب ونعمه) (فحسبك خَمْسَة تبْكي عَلَيْهِم ... وَمَوْت الْغَيْر تَخْفيف ورحمه) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 وَمِنْه تخميس أَبْيَات التهامي (سلم أمورك للحكيم الْبَارِي ... تسلم من الأوصاب والأوزار) (وَانْظُر إِلَى الأخطار فِي الأقطار ... حكم الْمَشِيئَة فِي الْبَريَّة جَار) (مَا هَذِه الدُّنْيَا بدار قَرَار ... ) (لذات دُنْيَانَا كأحلام الْكرَى ... وبلوغ غايتها حَدِيث مفترى) (وسرورها بشرورها قد كدرا ... بَينا يرى الْإِنْسَان فِيهَا مخبرا) (ألفيته خَبرا من الْأَخْبَار ... ) (ازهد فَكل الراغبين عبيدها ... والزاهد الحبر التقي سعيدها) (وَلَقَد تشابه وعدها ووعيدها ... طبعت على كدر وَأَنت تريدها) (صفوا من الأقذار والأكدار ... ) (لَا تغترر بوميضها وخداعها ... فوراء مبسمها نيوب سباعها) (إِذْ لم تعرف فترها من بَاعهَا ... ومكلف الْأَيَّام ضد طباعها) (متطلب فِي المَاء جذوة نَار ... ) (لَا ترج من حَرْب المطالب مغنما ... ولربما جر التخيل مغرما) (وَإِذا رضيت الحكم عِشْت مكرما ... وَإِذا رَجَوْت المستحيل فَإِنَّمَا) (تبني الرَّجَاء على شَفير هار ... ) (الدَّهْر يمْضِي والحوادث جمة ... والرفق هَين والتكالب لَحْظَة) (وَالصَّبْر لين والتسخط غلظة ... والعيش نوم والمنية يقظة) (والمرء بَينهمَا خيال سَار ... ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 (أعماركم تمْضِي بسوف وَرُبمَا ... لَا تغنمون سوى عَسى ولعلما) (هم المسوف كالتعلق بالسما ... أيامكم تمْضِي عجالا إِنَّمَا) (أعماركم سفر من الْأَسْفَار ... ) (وترقبوا قرب الرحيل وحاذروا ... فَوت المرام فللورود مصَادر) (ودعوا التعلل والفتور وَصَابِرُوا ... وتراكضوا خيل الشَّبَاب وَبَادرُوا) (أَن تسترد فَإِنَّهُنَّ عوار ... ) (طمس الزَّمَان معاهدا ومعالما ... ومحا بغيهبه البهيم مكارما) (وأذال مَا بَين الْأَنَام مراحما ... لَيْسَ الزَّمَان وَإِن حرصت مسالما) (خلق الزَّمَان عَدَاوَة الْأَحْرَار ... ) وَمن شعره فِي المثلث مربع (أراعي النبت من أَب وَحب ... وَأشْهد فِي الْوُجُود جمال حب) (وأذهل سكرة من فرط حب ... وَكم أهْدى النسيم إِلَيّ عطرا) (بقاعهم سقيت غزير قطر ... وَلَا سقيت عداتك غير قطر) (لقد أهْدى نسيمك كل قطر ... فَبَثَّ مَسَرَّة وأزال عذرا) (تجافاني الْكرَى لما جفاني ... كَأَن بالكرا أحزان عانى) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد عَنهُ قَالَ أَبُو الْحسن بن الجميزي ألبسني شَيْخي ابْن أبي عصرون الطيلسان وشرفني بِهِ على الأقران وَكتب لي لما ثَبت عِنْدِي علم الْوَلَد الْفَقِيه الإِمَام بهاء الدّين أبي الْحسن عَليّ بن أبي الْفَضَائِل وَفقه الله وَدينه وعدالته رَأَيْت تَمْيِيزه من بَين أَبنَاء جنسه وتشريفه بالطيلسان وَالله يرزقنا الْقيام بِحقِّهِ وَكتبه عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي عصرون وَكَانَ قد قَرَأَ على ابْن أبي عصرون الْقرَاءَات الْعشْر بِمَا تضمنه كتاب الإيجاز لأبي يَاسر مُحَمَّد بن عَليّ الْمُقْرِئ الحمامي قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَهُوَ آخر تلامذة أبي سعد فِي الدُّنْيَا وَالْعجب من الْقُرَّاء كَيفَ لم يزدحموا عَلَيْهِ وَلَا تنافسوا فِي الْأَخْذ عَنهُ فَإِنَّهُ كَانَ أَعلَى إِسْنَادًا من كل أحد فِي زَمَانه توفّي فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري ذِي الْحجَّة سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بِمصْر وَقد كمل التسعين قَالَ ابْن القليوبي حضرت دَفنه وَكَانَ مشهدا عَظِيما قل أَن شهد مثله وَكَانَ هُنَاكَ قَارِئ يعرف بِابْن أبي البركات حسن الصَّوْت جيد الْقِرَاءَة فَقَرَأَ عِنْد قبر الْفَقِيه بهاء الدّين بعد تَسْوِيَة التُّرَاب عَلَيْهِ {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} الْآيَات الَّتِي فِي سُورَة الزخرف وَقَرَأَ بالشاذ فِي قَوْله {وَإنَّهُ لعلم للساعة} بِفَتْح الْعين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 (أردد كالكرى بَين الْمعَانِي ... حَلِيف الشوق لَا يحتال فكرا) (ثملت وَمَا مدامي غير ظلم ... وجوب البيد مختلطا بظُلْم) (لَئِن حكمت عواذلنا بظُلْم ... لقد جَاءُوا بِمَا أبدوه نكرا) (جراح فِي الْفُؤَاد كلذع مِنْهُ ... وأنفاس الرِّجَال أحل مِنْهُ) (وَمَا أبقى الْهوى للصب مِنْهُ ... لقد تلفت بِهِ العشاق طرا) (حَدِيثك فِي اللها والسمع أحلى ... فَخفف فِي اللهى مَا الهجر سهلا) (فعادتك اللهى والجود هلا ... وعادتي الثَّنَاء عَلَيْك شكرا) (خلوت مَعَ الرشا من بَين أَهلِي ... وَقد وصل الرشا مِنْهُ بحبلي) (وَمَا قبل الرشا فِي ترك وَصلي ... وَلَقي من أَتَى باللوم هجرا) (دَعونِي إِنَّنِي بِعْت العقارا ... وراقبت المحبين العقارا) (وَبِي سكر وَلم أشْرب عقارا ... وعاينت الْهوى خَبرا وخبرا) (ذَروا من شَأْنه نشر الزّجاج ... وجافى بالصوارم والزجاج) (وَلم يحْتَج إِلَى بنت الزّجاج ... وَلم يبعد عَن العزمات حذرا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 وَاللَّام فوَاللَّه لكأن الْآيَات نزلت فِيهِ لما مثله النَّاس من أَن موت الْعلمَاء من أَعْلَام السَّاعَة وأشراطها ثمَّ قَالَ عقب ذَلِك أَخْبرنِي شَيْخي وسيدي سَاكن هَذَا الضريح إِلَى آخر مَا ذكره من نعوته وَسَنَده الْمُتَّصِل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الله لَا ينْزع الْعلم انتزاعا وَإِنَّمَا يَنْزعهُ بِقَبض الْعلمَاء الحَدِيث بِطُولِهِ فَكَانَ من الْبكاء والنحيب الْكثير أَمر غَرِيب انْتهى 1205 - عَليّ بن يُوسُف بن عبد الله بن بنْدَار الحديث: 1205 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 (رضاكم جنتي يَا أهل ودي ... فداووا جنتي بِصَحِيح وعد) (فَأنْتم جنتي من كل بعد ... ومنكم أرتجي رفقا وجبرا) (زماني للقرا قد ضرّ وَهنا ... وَقد منع الْقرى فَبَقيت مضنى) (وَمَالِي فِي الْقرى يَا صَاح سُكْنى ... وَفِي ليلِي أراعي النَّجْم فكرا) (سلكت من التغرب كل عرس ... وَلم أسكن إِلَى إنس بعرسي) (وَلَيْسَ مسرتي بِحُضُور عرس ... وَهل يدعى الْغَرِيب سوى ابْن بجرا) (شغفت بِمَجْلِس مَا فِيهِ لجة ... وخل مسعف مَا فِيهِ لجه) (يَخُوض من المكارم كل لجه ... ويسلك فِي الوفا برا وبحرا) (صَحَابِيّ أدلجوا حبا وحبوه ... وَلم يُعْطوا الْجَوَارِح غير حبوه) (وَمن زفت رليه الْبكر حبوه ... فَلَا يرضى بِغَيْر الرّوح مهْرا) (ضلال الْحبّ إرشاد ورمه ... وَلَو عَادَتْ بِهِ الأوصال رمه) (فَإِن سمح الحبيب بوصل رمه ... فَلَا أَشْكُو من الْأَيَّام فقرا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 (طلول الْحبّ إِن عمرت فعندي ... عهود صبَابَة عمرت بوجدي) (وَإِن عمرت مَنَازلنَا بهند ... لقد شرحت من الصدرين صَدرا) (ظمئت إِلَى وَفِي الْعَهْد بر ... يعاملني بِمَعْرُوف وبر) (وَمن يطْمع من الصما ببر ... يجد فِي الكد حُلْو الْعَيْش مرا) (عهِدت ببانة الجرعاء ثله ... وَلم أَعهد بِذَاكَ الْحَيّ ثله) (وَكم سكنت بوادي الشيح ثله ... وَقد عَايَنت ذَاك الْحَيّ قفرا) (غَدَوْت وَقد أصَاب الرَّسْم وقر ... وأثقلني من الأشواق وقر) (وَقوم لم يَذُوقُوا الْحبّ وقر ... يضيق بهم فؤاد الصب حرا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 (جنى وجد بِهِ قد هام قلبِي ... وصيرني الغرام كَمثل قلب) (فيا شغف الْفُؤَاد بِذَات قلب ... وَلَا فِي الشَّيْخ للأشواق مسرى) (قنعت من الزَّمَان بسد خله ... ووكز فِي الفلاة بِغَيْر خله) (وَإِن ألفيت ذَا ود وخله ... بذلت لَهُ الوفا علنا وسرا) (كتبت بأدمعي فِي الخد خطه ... وَلم أسلك إِلَى السلوان خطه) (ولي فِي مَذْهَب العشاق خطه ... حلت لَهما سويدا الْقلب خدرا) (لمحبوبي عَليّ الدَّهْر حق ... رضَا إِذْ سَار فِي الْبَيْدَاء حق) (إِذا مَا غَابَ فالأوطان حق ... وَلَو أَنِّي ملكت بِلَاد بصرى) (مضى زمني وَقد عَايَنت خلفا ... ترى ضرعى وَلم تحْتَاج خلفا) (وَإِن وعدوا ترى مينا وخلفا ... وَإِن حكمُوا ترى فِي الحكم أمرا) (نَصِيبي من وفا الإخوان خرص ... كَلَام طيب والسر خرص) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 (كَأَن الْعذر فِي الآذان خرص ... معَاذ الله لَا أخْتَار عذرا) (هِيَ الدُّنْيَا أشبههَا بِخَبَر ... وَأَرْض ذَات أَشجَار وَخبر) (وَإِن عاينتها بِصَحِيح خبر ... تَجِد شاماتها يَا صَاح حمرا) (وَهل يرضى الْفَتى سمنا بِذبح ... وَلم ير فِي حماها غير ذبح) (وَمن يقنع كفيت برعي ذبح ... يجد عقباه تعنيفا وزجرا) (لأحبابي بوادي الأثل ربع ... ووردي مَاء ذَاك الْحَيّ ربع) (فحظي كل يَوْم مِنْهُ ربع ... ظمئت فليته لَو كَانَ شطرا) (يساعدني على العزمات رسل ... ويكفيني من الأقوات رسل) (وَمَالِي نَحْو أهل الْحَيّ رسل ... فيا مولَايَ هَب عفوا ونصرا) (وجد وَارْحَمْ وصل على الرَّسُول ... مُحَمَّد الْمُؤَيد بِالدَّلِيلِ) (وعترته أولي الْقدر الْجَلِيل ... وَسَائِر صَحبه السامين قدرا) (وجد بِالْعَفو يَا مولى الموَالِي ... على عبد الْعَزِيز فَلَا يُبَالِي) (إِذا أَنْعَمت يَوْمًا بالنوال ... تبدل كل هَذَا الْعسر يسرا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 1183 - عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بن أبي الْقَاسِم بن حسن بن مُحَمَّد ابْن مهذب السّلمِيّ شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وَأحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام سُلْطَان الْعلمَاء إِمَام عصره بِلَا مدافعة الْقَائِم بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فِي زَمَانه المطلع على حقائق الشَّرِيعَة وغوامضها الْعَارِف بمقاصدها لم ير مثل نَفسه وَلَا رأى من رَآهُ مثله علما وورعا وقياما فِي الْحق وشجاعة وَقُوَّة جنان وسلاطة لِسَان ولد سنة سبع أَو سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة تفقه على الشَّيْخ فَخر الدّين ابْن عَسَاكِر وَقَرَأَ الْأُصُول على الشَّيْخ سيف الدّين الْآمِدِيّ وَغَيره وَسمع الحَدِيث من الْحَافِظ أبي مُحَمَّد الْقَاسِم بن الْحَافِظ الْكَبِير أبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر وَشَيخ الشُّيُوخ عبد اللَّطِيف بن إِسْمَاعِيل بن أبي سعد الْبَغْدَادِيّ وَعمر بن مُحَمَّد بن طبرزد وحنبل بن عبد الله الرصافي وَالْقَاضِي عبد الصَّمد بن مُحَمَّد الحرستاني وَغَيرهم وَحضر على بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الخشوعي روى عَنهُ تلامذته شيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق الْعِيد وَهُوَ الَّذِي لقب الشَّيْخ عز الدّين سُلْطَان الْعلمَاء وَالْإِمَام عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن الْبَاجِيّ وَالشَّيْخ تَاج الدّين ابْن الفركاح والحافظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي والحافظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن يُوسُف بن مسدي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 والعلامة أَحْمد أَبُو الْعَبَّاس الدشناوي والعلامة أَبُو مُحَمَّد هبة الله القفطي وَغَيرهم روى لنا عَنهُ الختني درس بِدِمَشْق أَيَّام مقَامه بهَا بالزاوية الغزالية وَغَيرهَا وَولي الخطابة والإمامة بالجامع الْأمَوِي قَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين أَبُو شامة أحد تلامذة الشَّيْخ وَكَانَ أَحَق النَّاس بالخطابة والإمامة وأزال كثيرا من الْبدع الَّتِي كَانَ الخطباء يفعلونها من دق السَّيْف على لمنبر وَغير ذَلِك وأبطل صَلَاتي الرغائب وَنصف شعْبَان وَمنع مِنْهُمَا قلت وَاسْتمرّ الشَّيْخ عز الدّين بِدِمَشْق إِلَى أثْنَاء أَيَّام الصَّالح إِسْمَاعِيل الْمَعْرُوف بِأبي الخيش فاستعان أَبُو الخيش بالفرنج وَأَعْطَاهُمْ مَدِينَة صيدا وقلعة الشقيف فَأنْكر عَلَيْهِ الشخ عز الدّين وَترك الدُّعَاء لَهُ فِي الْخطْبَة وساعده فِي ذَلِك الشَّيْخ أَبُو عَمْرو ابْن الْحَاجِب الْمَالِكِي فَغَضب السُّلْطَان مِنْهُمَا فَخَرَجَا إِلَى الديار المصرية فِي حُدُود سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فَلَمَّا مر الشَّيْخ عز الدّين بالكرك تَلقاهُ صَاحبهَا وَسَأَلَهُ الْإِقَامَة عِنْده فَقَالَ لَهُ بلدك صَغِير على علمي ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة فَتَلقاهُ سلطانها الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل وأكرمه وولاه خطابة جَامع عَمْرو ابْن الْعَاصِ بِمصْر وَالْقَضَاء بهَا وبالوجه القبلي مُدَّة فاتفق أَن أستاذ دَاره فَخر الدّين عُثْمَان بن شيخ الشُّيُوخ وَهُوَ الَّذِي كَانَ إِلَيْهِ أَمر المملكة عمد إِلَى مَسْجِد بِمصْر فَعمل على ظَهره بِنَاء لطبل خانات وَبقيت تضرب هُنَالك فَلَمَّا ثَبت هَذَا عِنْد الشَّيْخ عز الدّين حكم بهدم ذَلِك الْبناء وَأسْقط فَخر الدّين ابْن الشَّيْخ وعزل نَفسه من الْقَضَاء وَلم تسْقط بذلك منزلَة الشَّيْخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 عِنْد السُّلْطَان وَلكنه لم يعده إِلَى الْولَايَة وَظن فَخر الدّين وَغَيره أَن هَذَا الحكم لَا يتأثر بِهِ فَخر الدّين فِي الْخَارِج فاتفق أَن جهز السُّلْطَان الْملك الصَّالح رَسُولا من عِنْده إِلَى الْخَلِيفَة المستعصم بِبَغْدَاد فَلَمَّا وصل الرَّسُول إِلَى الدِّيوَان ووقف بَين يَدي الْخَلِيفَة وَأدّى الرسَالَة خرج إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ هَل سَمِعت هَذِه الرسَالَة من السُّلْطَان فَقَالَ لَا وَلَكِن حملنيها عَن السُّلْطَان فَخر الدّين ابْن شيخ الشُّيُوخ أستاذ دَاره فَقَالَ الْخَلِيفَة إِن الْمَذْكُور أسْقطه ابْن عبد السَّلَام فَنحْن لَا نقبل رِوَايَته فَرجع الرَّسُول إِلَى السُّلْطَان حَتَّى شافهه بالرسالة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وأداها ثمَّ بنى السُّلْطَان مدرسة الصالحية الْمَعْرُوفَة بَين القصرين بِالْقَاهِرَةِ وفوض تدريس الشَّافِعِيَّة بهَا إِلَى الشَّيْخ عز الدّين فباشره وتصدى لنفع النَّاس بِعُلُومِهِ وَلما اسْتَقر مقَامه بِمصْر أكْرمه حَافظ الديار المصرية وزاهدها عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ وَامْتنع من الْفتيا وَقَالَ كُنَّا نفتي قبل حُضُور الشَّيْخ عز الدّين وَأما بعد حُضُوره فمنصب الْفتيا مُتَعَيّن فِيهِ سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول سَمِعت شَيخنَا الْبَاجِيّ يَقُول طلع شَيخنَا عز الدّين مرّة إِلَى السُّلْطَان فِي يَوْم عيد إِلَى القلعة فشاهد العساكر مصطفين بَين يَدَيْهِ ومجلس المملكة وَمَا السُّلْطَان فِيهِ يَوْم الْعِيد من الأبهة وَقد خرج على قومه فِي زينته على عَادَة سلاطين الديار المصرية وَأخذت الْأُمَرَاء تقبل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان فَالْتَفت الشَّيْخ إِلَى السُّلْطَان وناداه يَا أَيُّوب مَا حجتك عِنْد الله إِذا قَالَ لَك ألم أبوئ لَك ملك مصر ثمَّ تبيح الْخُمُور فَقَالَ هَل جرى هَذَا فَقَالَ نعم الحانة الْفُلَانِيَّة يُبَاع فِيهَا الْخُمُور الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 وَغَيرهَا من الْمُنْكَرَات وَأَنت تتقلب فِي نعْمَة هَذِه المملكة يُنَادِيه كَذَلِك بِأَعْلَى صَوته والعساكر واقفون فَقَالَ يَا سَيِّدي هَذَا أَنا مَا عملته هَذَا من زمَان أبي فَقَالَ أَنْت من الَّذين يَقُولُونَ {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} فرسم السُّلْطَان بِإِبْطَال تِلْكَ الحانة سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام يَقُول سَمِعت الْبَاجِيّ يَقُول سَأَلت الشَّيْخ لما جَاءَ من عِنْد السُّلْطَان وَقد شاع هَذَا الْخَبَر يَا سَيِّدي كَيفَ الْحَال فَقَالَ يَا بني رَأَيْته فِي تِلْكَ العظمة فَأَرَدْت أَن أهينه لِئَلَّا تكبر نَفسه فتؤذيه فَقلت يَا سَيِّدي أما خفته فَقَالَ وَالله يَا بني استحضرت هَيْبَة الله تَعَالَى فَصَارَ السُّلْطَان قدامي كالقط وَرَأَيْت فِي بعض المجاميع أَن الَّذِي سَأَلَهُ هَذَا السُّؤَال تِلْمِيذه الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن النُّعْمَان فَلَعَلَّ الْبَاجِيّ وَابْن النُّعْمَان سألاه سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام يَقُول كَانَ الشَّيْخ عز الدّين فِي أول أمره فَقِيرا جدا وَلم يشْتَغل إِلَّا على كبر وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ يبيت فِي الكلاسة من جَامع دمشق فَبَاتَ بهَا لَيْلَة ذَات برد شَدِيد فَاحْتَلَمَ فَقَامَ مسرعا وَنزل فِي بركَة الكلاسة فَحصل لَهُ ألم شَدِيد من الْبرد وَعَاد فَنَامَ فَاحْتَلَمَ ثَانِيًا فَعَاد إِلَى الْبركَة لِأَن أَبْوَاب الْجَامِع مغلقة وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 لَا يُمكنهُ الْخُرُوج فطلع فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ من شدَّة الْبرد أَنا أَشك هَل كَانَ الشَّيْخ الإِمَام يَحْكِي أَن هَذَا اتّفق لَهُ ثَلَاث مَرَّات تِلْكَ اللَّيْلَة أَو مرَّتَيْنِ فَقَط ثمَّ سمع النداء فِي الْمرة الْأَخِيرَة يَا ابْن عبد السَّلَام أَتُرِيدُ الْعلم أم الْعَمَل فَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين الْعلم لِأَنَّهُ يهدي إِلَى الْعَمَل فَأصْبح وَأخذ التَّنْبِيه فحفظه فِي مُدَّة يسيرَة وَأَقْبل على الْعلم فَكَانَ أعلم أهل زَمَانه وَمن أعبد خلق الله تَعَالَى سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول سَمِعت الشَّيْخ صدر الدّين أَبَا زَكَرِيَّا يحيى ابْن عَليّ السُّبْكِيّ يَقُول كَانَ فِي الرِّيف شخص يُقَال لَهُ عبد الله البلتاجي من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَكَانَت بَينه وَبَين الشَّيْخ عز الدّين صداقة وَكَانَ يهدي لَهُ فِي كل عَام فَأرْسل إِلَيْهِ مرّة حمل جمل هَدِيَّة وَمن جملَته وعَاء فِيهِ جبن فَلَمَّا وصل الرَّسُول إِلَى بَاب الْقَاهِرَة انْكَسَرَ ذَلِك الْوِعَاء وتبدد مَا فِيهِ فتألم الرَّسُول لذَلِك فَرَآهُ شخص ذمِّي فَقَالَ لَهُ لم تتألم عِنْدِي مَا هُوَ خير مِنْهُ قَالَ الرَّسُول فاشتريت مِنْهُ بدله وَجئْت فَمَا كَانَ إِلَّا بِقدر أَن وصلت إِلَى بَاب الشَّيْخ وَلم يعلم بِي وَلَا بِمَا جرى لي غير الله تَعَالَى وَإِذا بشخص نزل من عِنْد الشَّيْخ وَقَالَ اصْعَدْ بِمَا جِئْت فناولته شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن سلمته ذَلِك الْجُبْن فطلع ثمَّ نزل فَقلت أَعْطيته للشَّيْخ فَقَالَ أَخذ الْجَمِيع إِلَّا الْجُبْن ووعاءه فَإِنَّهُ قَالَ لي ضَعْهُ على الْبَاب فَلَمَّا طلعت أَنا قَالَ لي يَا وَلَدي ليش تفعل هَذَا إِن الْمَرْأَة الَّتِي حلبت لبن هَذَا الْجُبْن كَانَت يَدهَا متنجسة بالخنزير ورده وَقَالَ سلم على أخي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 وَحكى قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة رَحمَه الله أَن الشَّيْخ لما كَانَ بِدِمَشْق وَقع مرّة غلاء كَبِير حَتَّى صَارَت الْبَسَاتِين تبَاع بِالثّمن الْقَلِيل فَأَعْطَتْهُ زَوجته مصاغا لَهَا وَقَالَت اشْتَرِ لنا بِهِ بستانا نصيف بِهِ فَأخذ ذَلِك المصاغ وَبَاعه وَتصدق بِثمنِهِ فَقَالَت يَا سَيِّدي اشْتريت لنا قَالَ نعم بستانا فِي الْجنَّة إِنِّي وجدت النَّاس فِي شدَّة فتصدقت بِثمنِهِ فَقَالَت لَهُ جَزَاك الله خيرا وَحكى أَنه كَانَ مَعَ فقره كثير الصَّدقَات وَأَنه رُبمَا قطع من عمَامَته وَأعْطى فَقِيرا يسْأَله إِذا لم يجد مَعَه غير عمَامَته وَفِي هَذِه الْحِكَايَة مَا يدل على أَنه كَانَ يلبس الْعِمَامَة وَبَلغنِي أَنه كَانَ يلبس قبع لباد وَأَنه كَانَ يحضر المواكب السُّلْطَانِيَّة بِهِ فَكَأَنَّهُ كَانَ يلبس تَارَة هَذَا وَتارَة هَذَا على حسب مَا يتَّفق من غير تكلّف قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق الْعِيد كَانَ ابْن عبد السَّلَام أحد سلاطين الْعلمَاء وَعَن الشَّيْخ جمال الدّين ابْن الْحَاجِب أَنه قَالَ ابْن عبد السَّلَام أفقه من الْغَزالِيّ وَحكى القَاضِي عز الدّين الهكاري ابْن خطيب الأشمونين فِي مُصَنف لَهُ ذكر فِيهِ سيرة الشَّيْخ عز الدّين أَن الشَّيْخ عز الدّين أفتى مرّة بِشَيْء ثمَّ ظهر لَهُ أَنه خطأ فَنَادَى فِي مصر والقاهرة على نَفسه من أفتى لَهُ فلَان بِكَذَا فَلَا يعْمل بِهِ فَإِنَّهُ خطأ وَذكر أَن الشَّيْخ عز الدّين لبس خرقَة التصوف من الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي وَأخذ عَنهُ وَذكر أَنه كَانَ يقْرَأ بَين يَدَيْهِ رِسَالَة الْقشيرِي فحضره مرّة الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس المرسي لما قدم من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى الْقَاهِرَة فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 عز الدّين تكلم على هَذَا الْفَصْل فَأخذ المرسي يتَكَلَّم وَالشَّيْخ عز الدّين يزحف فِي الْحلقَة وَيَقُول اسمعوا هَذَا الْكَلَام الَّذِي هُوَ حَدِيث عهد بربه وَقد كَانَت للشَّيْخ عز الدّين الْيَد الطُّولى فِي التصوف وتصانيفه قاضية بذلك ذكر وَاقعَة التتار وَمَا كَانَ من سُلْطَان الْعلمَاء فِيهَا وحاصلها أَن التتار لما دهمت الْبِلَاد عقيب وَاقعَة بَغْدَاد الَّتِي سنشرحها إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الْحَافِظ زكي الدّين وَجبن أهل مصر عَنْهُم وَضَاقَتْ بالسلطان وعساكره الأَرْض استشاروا الشَّيْخ عز الدّين رَحمَه الله فَقَالَ اخْرُجُوا وَأَنا أضمن لكم على الله النَّصْر فَقَالَ السُّلْطَان لَهُ إِن المَال فِي خزانتي قَلِيل وَأَنا أُرِيد أَن أقترض من أَمْوَال التُّجَّار فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ عز الدّين إِذا أحضرت مَا عنْدك وَعند حريمك وأحضر الْأُمَرَاء مَا عِنْدهم من الْحلِيّ الْحَرَام وضربته سكَّة ونقدا وفرقته فِي الْجَيْش وَلم يقم بكفايتهم ذَلِك الْوَقْت اطلب الْقَرْض وَأما قبل ذَلِك فَلَا فأحضر السُّلْطَان والعسكر كلهم مَا عِنْدهم من ذَلِك بَين يَدي الشَّيْخ وَكَانَ الشَّيْخ لَهُ عَظمَة عِنْدهم وهيبة بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُونَ مُخَالفَته فامتثلوا أمره فانتصروا وَمِمَّا يدل على مَنْزِلَته الرفيعة عِنْدهم أَن الْملك الظَّاهِر بيبرس لم يُبَايع وَاحِدًا من الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر والخليفة الْحَاكِم إِلَّا بعد أَن تقدمه الشَّيْخ عز الدّين للمبايعة ثمَّ بعده السُّلْطَان ثمَّ الْقُضَاة وَلما مرت جَنَازَة الشَّيْخ عز الدّين تَحت القلعة وَشَاهد الْملك الظَّاهِر كَثْرَة الْخلق الَّذين مَعهَا قَالَ لبَعض خواصه الْيَوْم اسْتَقر أَمْرِي فِي الْملك لِأَن هَذَا الشَّيْخ لَو كَانَ يَقُول للنَّاس اخْرُجُوا عَلَيْهِ لانتزع الْملك مني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 ذكر وَاقعَة الفرنج على دمياط وَكَانَت قبل ذَلِك وصلوا إِلَى المنصورة فِي المراكب واستظهروا على الْمُسلمين وَكَانَ الشَّيْخ مَعَ الْعَسْكَر وقويت الرّيح فَلَمَّا رأى الشَّيْخ حَال الْمُسلمين نَادَى بِأَعْلَى صَوته مُشِيرا بِيَدِهِ إِلَى الرّيح يَا ريح خُذِيهِمْ عدَّة مرار فَعَادَت الرّيح على مراكب الفرنج فكسرتها وَكَانَ الْفَتْح وغرق أَكثر الفرنج وصرخ من بَين يَدي الْمُسلمين صارخ الْحَمد لله الَّذِي أرانا فِي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا سخر لَهُ الرّيح (ذكر كائنة الشَّيْخ مَعَ أُمَرَاء الدولة من الأتراك) وهم جمَاعَة ذكر أَن الشَّيْخ لم يثبت عِنْده أَنهم أَحْرَار وَأَن حكم الرّقّ مستصحب عَلَيْهِم لبيت مَال الْمُسلمين فَبَلغهُمْ ذَلِك فَعظم الْخطب عِنْدهم فِيهِ وأضرم الْأَمر وَالشَّيْخ مصمم لَا يصحح لَهُم بيعا وَلَا شِرَاء وَلَا نِكَاحا وتعطلت مصالحهم بذلك وَكَانَ من جُمْلَتهمْ نَائِب السلطنة فاستشاط غَضبا فَاجْتمعُوا وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ فَقَالَ نعقد لكم مَجْلِسا وينادى عَلَيْكُم لبيت مَال الْمُسلمين وَيحصل عتقكم بطرِيق شَرْعِي فَرفعُوا الْأَمر إِلَى السُّلْطَان فَبعث إِلَيْهِ فَلم يرجع فجرت من السُّلْطَان كلمة فِيهَا غلظة حاصلها الْإِنْكَار على الشَّيْخ فِي دُخُوله فِي هَذَا الْأَمر وَأَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ فَغَضب الشَّيْخ وَحمل حَوَائِجه على حمَار وأركب عائلته على حمَار آخر وَمَشى خَلفهم خَارِجا من الْقَاهِرَة قَاصِدا نَحْو الشَّام فَلم يصل إِلَى نَحْو نصف بريد إِلَّا وَقد لحقه غَالب الْمُسلمين لم تكد امْرَأَة وَلَا صبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 وَلَا رجل لَا يؤبه إِلَيْهِ يتَخَلَّف لَا سِيمَا الْعلمَاء والصلحاء والتجار وأنحاؤهم فَبلغ السُّلْطَان الْخَبَر وَقيل لَهُ مَتى رَاح ذهب ملكك فَركب السُّلْطَان بِنَفسِهِ ولحقه واسترضاه وَطيب قلبه فَرجع وَاتَّفَقُوا مَعَهم على أَنه يُنَادى على الْأُمَرَاء فَأرْسل إِلَيْهِ نَائِب السلطنة بالملاطفة فَلم يفد فِيهِ فانزعج النَّائِب وَقَالَ كَيفَ يُنَادي علينا هَذَا الشَّيْخ ويبيعنا وَنحن مُلُوك الأَرْض وَالله لأضربنه بسيفي هَذَا فَركب بِنَفسِهِ فِي جماعته وَجَاء إِلَى بَيت الشَّيْخ وَالسيف مسلول فِي يَده فطرق الْبَاب فَخرج ولد الشَّيْخ أَظُنهُ عبد اللَّطِيف فَرَأى من نَائِب السلطنة مَا رأى فَعَاد إِلَى أَبِيه وَشرح لَهُ الْحَال فَمَا اكترث لذَلِك وَلَا تغير وَقَالَ يَا وَلَدي أَبوك أقل من أَن يقتل فِي سَبِيل الله ثمَّ خرج كَأَنَّهُ قَضَاء الله قد نزل على نَائِب السلطنة فحين وَقع بَصَره على النَّائِب يَبِسَتْ يَد النَّائِب وَسقط السَّيْف مِنْهَا وأرعدت مفاصله فَبكى وَسَأَلَ الشَّيْخ أَن يَدْعُو لَهُ وَقَالَ يَا سَيِّدي خبر أيش تعْمل قَالَ أنادي عَلَيْكُم وأبيعكم قَالَ فَفِيمَ تصرف ثمننا قَالَ فِي مصَالح الْمُسلمين قَالَ من يقبضهُ قَالَ أَنا فتم لَهُ مَا أَرَادَ ونادى على الْأُمَرَاء وَاحِدًا وَاحِدًا وغالى فِي ثمنهم وَقَبضه وَصَرفه فِي وُجُوه الْخَيْر وَهَذَا مَا لم يسمع بِمثلِهِ عَن أحد رَحمَه الله تَعَالَى ورضى عَنهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 ذكر الْبَحْث عَمَّا كَانَ بَين سُلْطَان الْعلمَاء وَالْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْملك الْعَادِل بن أَيُّوب وَذَلِكَ بِدِمَشْق قبل خُرُوجه إِلَى الديار المصرية ولنشرحه مُخْتَصرا ذكر الشَّيْخ الإِمَام شرف الدّين عبد اللَّطِيف ولد الشَّيْخ فِيمَا صنفه من أَخْبَار وَالِده فِي هَذِه الْوَاقِعَة أَن الْملك الْأَشْرَف لما اتَّصل بِهِ مَا عَلَيْهِ الشَّيْخ عز الدّين من الْقيام لله وَالْعلم وَالدّين وَأَنه سيد أهل عصره وَحجَّة الله على خلقه أحبه وَصَارَ يلهج بِذكرِهِ ويؤثر الِاجْتِمَاع بِهِ وَالشَّيْخ لَا يُجيب إِلَى الِاجْتِمَاع وَكَانَت طَائِفَة من مبتدعة الْحَنَابِلَة الْقَائِلين بالحرف وَالصَّوْت مِمَّن صحبهم السُّلْطَان فِي صغره يكْرهُونَ الشَّيْخ عز الدّين ويطعنون فِيهِ وقرروا فِي ذهن السُّلْطَان الْأَشْرَف أَن الَّذِي هم عَلَيْهِ اعْتِقَاد السّلف وَأَنه اعْتِقَاد أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ وفضلاء أَصْحَابه وَاخْتَلَطَ هَذَا بِلَحْم السُّلْطَان وَدَمه وَصَارَ يعْتَقد أَن مُخَالف ذَلِك كَافِر حَلَال الدَّم فَلَمَّا أَخذ السُّلْطَان فِي الْميل إِلَى الشَّيْخ عز الدّين دست هَذِه الطَّائِفَة إِلَيْهِ وَقَالُوا إِنَّه أشعري العقيدة يخطىء من يعْتَقد الْحَرْف وَالصَّوْت ويبدعه وَمن جملَة اعْتِقَاده أَنه يَقُول بقول الْأَشْعَرِيّ أَن الْخبز لَا يشْبع وَالْمَاء لَا يروي وَالنَّار لَا تحرق فاستهال ذَلِك السُّلْطَان واستعظمه ونسبهم إِلَى التعصب عَلَيْهِ فَكَتَبُوا فتيا فِي مَسْأَلَة الْكَلَام وأوصلوها إِلَيْهِ مريدين أَن يكْتب عَلَيْهَا بذلك فَيسْقط مَوْضِعه عِنْد السُّلْطَان وَكَانَ الشَّيْخ قد اتَّصل بِهِ ذَلِك كُله فَلَمَّا جَاءَتْهُ الْفتيا قَالَ هَذِه الْفتيا كتبت امتحانا لي وَالله لَا كتبت فِيهَا إِلَّا مَا هُوَ الْحق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 فَكتب العقيدة الْمَشْهُورَة وَقد ذكر وَلَده بَعْضهَا فِي تصنيفه وَأَنا أرى أَن أذكرها كلهَا لتستفاد وَتحفظ قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ وعنا بِهِ الْحَمد لله ذِي الْعِزَّة والجلال وَالْقُدْرَة والكمال والإنعام والإفضال الْوَاحِد الْأَحَد الْفَرد الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد لَيْسَ بجسم مُصَور وَلَا جَوْهَر مَحْدُود مُقَدّر وَلَا يشبه شَيْئا وَلَا يُشبههُ شَيْء وَلَا تحيط بِهِ الْجِهَات وَلَا تكتنفه الأرضون وَلَا السَّمَوَات كَانَ قبل أَن كَون الْمَكَان ودبر الزَّمَان وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ خلق الْخلق وأعمالهم وَقدر أَرْزَاقهم وآجالهم فَكل نعْمَة مِنْهُ فَهِيَ فضل وكل نقمة مِنْهُ فَهِيَ عدل {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} اسْتَوَى على الْعَرْش الْمجِيد على الْوَجْه الَّذِي قَالَه وبالمعنى الَّذِي أَرَادَهُ اسْتِوَاء منزها عَن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال فتعالى الله الْكَبِير المتعال عَمَّا يَقُوله أهل الغي والضلال بل لَا يحملهُ الْعَرْش بل الْعَرْش وَحَمَلته محمولون بلطف قدرته مقهورون فِي قَبضته أحَاط بِكُل شَيْء علما وأحصى كل شَيْء عددا مطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر حَيّ مُرِيد سميع بَصِير عليم قدير مُتَكَلم بِكَلَام قديم أزلي لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت وَلَا يتَصَوَّر فِي كَلَامه أَن يَنْقَلِب مدادا فِي الألواح والأوراق شكلا ترمقه الْعُيُون والأحداق كَمَا زعم أهل الحشو والنفاق بل الْكِتَابَة من أَفعَال الْعباد وَلَا يتَصَوَّر فِي أفعالهم أَن تكون قديمَة وَيجب احترامها لدلالتها على كَلَامه كَمَا يجب احترام أَسْمَائِهِ لدلالتها على ذَاته وَحقّ لما دلّ عَلَيْهِ وانتسب إِلَيْهِ أَن يعْتَقد عَظمته وترعى حرمته وَلذَلِك يجب احترام الْكَعْبَة والأنبياء والعباد والصلحاء (أَمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذَا الْجِدَار وَذَا الجدارا) (وَمَا حب الديار شغفن قلبِي ... وَلَكِن حب من سكن الديارا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 ولمثل ذَلِك يقبل الْحجر الْأسود وَيحرم على الْمُحدث أَن يمس الْمُصحف أسطره وحواشيه الَّتِي لَا كِتَابَة فِيهَا وَجلده وخريطته الَّتِي هُوَ فِيهَا فويل لمن زعم أَن كَلَام الله الْقَدِيم شَيْء من أَلْفَاظ الْعباد أَو رسم من أشكال المداد واعتقاد الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله مُشْتَمل على مَا دلّت عَلَيْهِ أَسمَاء الله التِّسْعَة وَالتِّسْعُونَ الَّتِي سمى بهَا نَفسه فِي كِتَابه وسنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأسماؤه مندرجة فِي أَربع كَلِمَات هن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات الْكَلِمَة الأولى قَول سُبْحَانَ الله وَمَعْنَاهَا فِي كَلَام الْعَرَب التَّنْزِيه وَالسَّلب فَهِيَ مُشْتَمِلَة على سلب النَّقْص وَالْعَيْب عَن ذَات الله وَصِفَاته فَمَا كَانَ من أَسْمَائِهِ سلبا فَهُوَ مندرج تَحت هَذِه الْكَلِمَة كالقدوس وَهُوَ الطَّاهِر من كل عيب وَالسَّلَام وَهُوَ الَّذِي سلم من كل آفَة الْكَلِمَة الثَّانِيَة قَول الْحَمد لله وَهِي مُشْتَمِلَة على إِثْبَات ضروب الْكَمَال لذاته وَصِفَاته فَمَا كَانَ من أَسْمَائِهِ متضمنا للإثبات كالعليم والقدير والسميع والبصير فَهُوَ مندرج تَحت الْكَلِمَة الثَّانِيَة فقد نَفينَا بقولنَا سُبْحَانَ الله كل عيب عَقَلْنَاهُ وكل نقص فهمناه وأثبتنا بِالْحَمْد لله كل كَمَال عَرفْنَاهُ وكل جلال أدركناه ووراء مَا نفيناه وَأَثْبَتْنَاهُ شَأْن عَظِيم قد غَابَ عَنَّا وجهلناه فنحققه من جِهَة الْإِجْمَال بقولنَا الله أكبر وَهِي الْكَلِمَة الثَّالِثَة بِمَعْنى أَن أجل مِمَّا نفيناه وَأَثْبَتْنَاهُ وَذَلِكَ معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك فَمَا كَانَ من أَسْمَائِهِ متضمنا لمدح فَوق مَا عَرفْنَاهُ وأدركناه كالأعلى والمتعالى فَهُوَ مندرج تَحت قَوْلنَا الله أكبر فَإِذا كَانَ فِي الْوُجُود من هَذَا شَأْنه نَفينَا أَن يكون فِي الْوُجُود من يشاكله أَو يناظره فحققنا ذَلِك بقولنَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَهِي الْكَلِمَة الرَّابِعَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 فَإِن الألوهية ترجع إِلَى اسْتِحْقَاق الْعُبُودِيَّة وَلَا يسْتَحق الْعُبُودِيَّة إِلَّا من اتّصف بِجَمِيعِ مَا ذَكرْنَاهُ فَمَا كَانَ من أَسْمَائِهِ متضمنا للْجَمِيع على الْإِجْمَال كالواحد والأحد وَذي الْجلَال وَالْإِكْرَام فَهُوَ مندرج تَحت قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَإِنَّمَا اسْتحق الْعُبُودِيَّة لما وَجب لَهُ من أَوْصَاف الْجلَال ونعوت الْكَمَال الَّذِي لَا يصفه الواصفون وَلَا يعده العادون (حسنك لَا تَنْقَضِي عجائبه ... كالبحر حدث عَنهُ بِلَا حرج) فسبحان الله من عظم شَأْنه وَعز سُلْطَانه {يسْأَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} لافتقارهم إِلَيْهِ {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} لاقتداره عَلَيْهِ لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَالسُّلْطَان والقهر فالخلائق مقهورون فِي قَبضته {وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} {يعذب من يَشَاء وَيرْحَم من يَشَاء وَإِلَيْهِ تقلبون} فسبحان الأزلي الذَّات وَالصِّفَات ومحيي الْأَمْوَات وجامع الرفات الْعَالم بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ آتٍ وَلَو أدرجت الْبَاقِيَات الصَّالِحَات فِي كلمة مِنْهَا على سَبِيل الْإِجْمَال وَهِي الْحَمد لله لاندرجت فِيهَا كَمَا قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ لَو شِئْت أَن أوقر بَعِيرًا من قَوْلك الْحَمد لله لفَعَلت فَإِن الْحَمد هُوَ الثَّنَاء وَالثنَاء يكون بِإِثْبَات الْكَمَال تَارَة وبسلب النَّقْص أُخْرَى وَتارَة بالاعتراف بِالْعَجزِ عَن دَرك الْإِدْرَاك وَتارَة بِإِثْبَات التفرد بالكمال والتفرد بالكمال من أَعلَى مَرَاتِب الْمَدْح والكمال فقد اشْتَمَلت هَذِه الْكَلِمَة على مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاقِيَات الصَّالِحَات لِأَن الْألف وَاللَّام فِيهَا لاستغراق جنس الْمَدْح وَالْحَمْد مِمَّا علمنَا وجهلناه وَلَا خُرُوج للمدح عَن شَيْء مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَلَا يسْتَحق الإلهية إِلَّا من اتّصف بِجَمِيعِ مَا قَرَّرْنَاهُ وَلَا يخرج عَن هَذَا الِاعْتِقَاد ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَلَا أحد من أهل الْملَل إِلَّا من خذله الله فَاتبع هَوَاهُ وَعصى مَوْلَاهُ أُولَئِكَ قوم قد غمرهم ذل الْحجاب وطردوا عَن الْبَاب وبعدوا عَن ذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 الجناب وَحقّ لمن حجب فِي الدُّنْيَا عَن إجلاله ومعرفته أَن يحجب فِي الْآخِرَة عَن إكرامه ورؤيته (أَرض لمن غَابَ عَنْك غيبته ... فَذَاك ذَنْب عِقَابه فِيهِ) فَهَذَا إِجْمَال من اعْتِقَاد الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى واعتقاد السّلف وَأهل الطَّرِيقَة والحقيقة نسبته إِلَى التَّفْصِيل الْوَاضِح كنسبة القطرة إِلَى الْبَحْر الطافح (يعرفهُ الباحث من جنسه ... وَسَائِر النَّاس لَهُ مُنكر) غَيره (لقد ظَهرت فَلَا تخفى على أحد ... إِلَّا على أكمه لَا يعرف القمرا) والحشوية المشبهة الَّذين يشبهون الله بخلقه ضَرْبَان أَحدهمَا لَا يتحاشى من إِظْهَار الحشو {وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء أَلا إِنَّهُم هم الْكَاذِبُونَ} وَالْآخر يتستر بِمذهب السّلف لسحت يَأْكُلهُ أَو حطام يَأْخُذهُ (أظهرُوا للنَّاس نسكا ... وعَلى المنقوش داروا) {يُرِيدُونَ أَن يأمنوكم ويأمنوا قَومهمْ} وَمذهب السّلف إِنَّمَا هُوَ التَّوْحِيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه وَلذَلِك جَمِيع المبتدعة يَزْعمُونَ أَنهم على مَذْهَب السّلف فهم كَمَا قَالَ الْقَائِل (وكل يدعونَ وصال ليلى ... وليلى لَا تقر لَهُم بذاكا) وَكَيف يدعى على السّلف أَنهم يَعْتَقِدُونَ التجسيم والتشبيه أَو يسكتون عِنْد ظُهُور الْبدع ويخالفون قَوْله تَعَالَى {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 وَقَوله {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} وَقَوله {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} وَالْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء فَيجب عَلَيْهِم من الْبَيَان مَا وَجب على الْأَنْبِيَاء وَقَالَ تَعَالَى {ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} وَمن أنكر الْمُنْكَرَات التجسيم والتشبيه وَمن أفضل الْمَعْرُوف التَّوْحِيد والتنزيه وَإِنَّمَا سكت السّلف قبل ظُهُور الْبدع فَوَرَبِّ السَّمَاء ذَات الرجع وَالْأَرْض ذَات الصدع لقد تشمر السّلف للبدع لما ظَهرت فقمعوها أتم القمع وردعوا أَهلهَا أَشد الردع فَردُّوا على الْقَدَرِيَّة والجهمية والجبرية وَغَيرهم من أهل الْبدع فجاهدوا فِي الله حق جهاده وَالْجهَاد ضَرْبَان ضرب بالجدل وَالْبَيَان وَضرب بِالسَّيْفِ والسنان فليت شعري فَمَا الْفرق بَين مجادلة الحشوية وَغَيرهم من أهل الْبدع وَلَوْلَا خبث فِي الضمائر وَسُوء اعْتِقَاد فِي السرائر {يستخفون من النَّاس وَلَا يستخفون من الله وَهُوَ مَعَهم إِذْ يبيتُونَ مَا لَا يرضى من القَوْل} وَإِذا سُئِلَ أحدهم عَن مَسْأَلَة من مسَائِل الحشو أَمر بِالسُّكُوتِ عَن ذَلِك وَإِذا سُئِلَ عَن غير الحشو من الْبدع أجَاب فِيهِ بِالْحَقِّ وَلَوْلَا مَا انطوى عَلَيْهِ بَاطِنه من التجسيم والتشبيه لأجاب فِي مسَائِل الحشو بِالتَّوْحِيدِ والتنزيه وَلم تزل هَذِه الطَّائِفَة المبتدعة قد ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْنَمَا ثقفوا {كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا وَالله لَا يحب المفسدين} لَا تلوح لَهُم فرْصَة إِلَّا طاروا إِلَيْهَا وَلَا فتْنَة إِلَّا أَكَبُّوا عَلَيْهَا وَأحمد بن حَنْبَل وفضلاء أَصْحَابه وَسَائِر عُلَمَاء السّلف بُرَآء إِلَى الله مِمَّا نسبوه إِلَيْهِم واختلقوه عَلَيْهِم وَكَيف يظنّ بِأَحْمَد بن حَنْبَل وَغَيره من الْعلمَاء أَن يعتقدوا أَن وصف الله الْقَدِيم الْقَائِم بِذَاتِهِ هُوَ غير لفظ اللافظين ومداد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 الْكَاتِبين مَعَ أَن وصف الله قديم وَهَذِه الأشكال والألفاظ حَادِثَة بضرورة الْعقل وصريح النَّقْل وَقد أخبر الله تَعَالَى عَن حدوثها فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع من كِتَابه أَحدهَا قَوْله {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} جعل الآتى مُحدثا فَمن زعم أَنه قديم فقد رد على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّمَا هَذَا الْحَادِث دَلِيل على الْقَدِيم كَمَا أَنا إِذا كتبنَا اسْم الله تَعَالَى فِي ورقة لم يكن الرب الْقَدِيم حَالا فِي تِلْكَ الورقة فَكَذَلِك إِذا كتب الْوَصْف الْقَدِيم فِي شىء لم يحل الْوَصْف الْمَكْتُوب حَيْثُ حلت الْكِتَابَة الْموضع الثَّانِي قَوْله {فَلَا أقسم بِمَا تبصرون وَمَا لَا تبصرون إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم} وَقَول الرَّسُول صفة للرسول وَوصف الْحَادِث حَادث يدل على الْكَلَام الْقَدِيم فَمن زعم أَن قَول الرَّسُول قديم فقد رد على رب الْعَالمين وَلم يقْتَصر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الْإِخْبَار بذلك حَتَّى أقسم على ذَلِك بأتم الْأَقْسَام فَقَالَ تَعَالَى {فَلَا أقسم بِمَا تبصرون} أَي تشاهدون {وَمَا لَا تبصرون} أَي مَا لم تروه فاندرج فِي هَذَا الْقسم ذَاته وَصِفَاته وَغير ذَلِك من مخلوقاته الْموضع الثَّالِث قَوْله تَعَالَى {فَلَا أقسم بالخنس الْجوَار الكنس وَاللَّيْل إِذا عسعس وَالصُّبْح إِذا تنفس إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم} وَالْعجب مِمَّن يَقُول الْقُرْآن مركب من حرف وَصَوت ثمَّ يزْعم أَنه فِي الْمُصحف وَلَيْسَ فِي الْمُصحف إِلَّا حرف مُجَرّد لَا صَوت مَعَه إِذْ لَيْسَ فِيهِ حرف مَكْتُوب عَن صَوت فَإِن الْحَرْف اللَّفْظِيّ لَيْسَ هُوَ الشكل الكتابى وَلذَلِك يدْرك الْحَرْف اللَّفْظِيّ بالآذان وَلَا يُشَاهد بالعيان ويشاهد الشكل الْكِتَابِيّ بالعيان وَلَا يسمع بالآذان وَمن توقف فِي ذَلِك فَلَا يعد من الْعُقَلَاء فضلا عَن الْعلمَاء فَلَا أَكثر الله فِي الْمُسلمين من أهل الْبدع والأهواء والإضلال والإغواء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 وَمن قَالَ بِأَن الْوَصْف الْقَدِيم حَال فِي الْمُصحف لزمَه إِذا احْتَرَقَ الْمُصحف أَن يَقُول بِأَن وصف الله الْقَدِيم احْتَرَقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ علوا كَبِيرا وَمن شَأْن الْقَدِيم أَن لَا يلْحقهُ تغير وَلَا عدم فَإِن ذَلِك منَاف للقدم فَإِن زَعَمُوا أَن الْقُرْآن مَكْتُوب فِي الْمُصحف غير حَال فِيهِ كَمَا يَقُوله الأشعرى فَلم يلعنون الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله وَإِن قَالُوا بِخِلَاف ذَلِك فَانْظُر {كَيفَ يفترون على الله الْكَذِب وَكفى بِهِ إِثْمًا مُبينًا} {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى للمتكبرين} وَأما قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِنَّه لقرآن كريم فِي كتاب مَكْنُون} فَلَا خلاف بَين أَئِمَّة الْعَرَبيَّة أَنه لَا بُد من كلمة محذوفة يتَعَلَّق بهَا قَوْله {فِي كتاب مَكْنُون} وَيجب الْقطع بِأَن ذَلِك الْمَحْذُوف تَقْدِيره (مَكْتُوب فِي كتاب مَكْنُون) لما ذَكرْنَاهُ وَمَا دلّ عَلَيْهِ الْعقل الشَّاهِد بالوحدانية وبصحة الرسَالَة وَهُوَ منَاط التَّكْلِيف بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَإِنَّمَا لم يسْتَدلّ بِالْعقلِ على الْقدَم وَكفى بِهِ شَاهدا لأَنهم لَا يسمعُونَ شَهَادَته مَعَ أَن الشَّرْع قد عدل الْعقل وَقبل شَهَادَته وَاسْتدلَّ بِهِ فِي مَوَاضِع من كِتَابه كالاستدلال بالإنشاء على الْإِعَادَة وَكَقَوْلِه تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} وَقَوله {وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض} وَقَوله {أولم ينْظرُوا فِي ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا خلق الله من شَيْء} فيا خيبة من رد شَاهدا قبله الله وَأسْقط دَلِيلا نَصبه الله فهم يرجعُونَ إِلَى الْمَنْقُول فَلذَلِك استدللنا بالمنقول وَتَركنَا الْمَعْقُول كمينا إِن احتجنا إِلَيْهِ أبرزناه وَإِن لم نحتج إِلَيْهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 أخرناه وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح من قَرَأَ الْقُرْآن وأعربه كَانَ لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات وَمن قَرَأَهُ وَلم يعربه فَلهُ بِكُل حرف مِنْهُ حَسَنَة وَالْقَدِيم لَا يكون معيبا باللحن وكاملا بالإعراب وَقد قَالَ تَعَالَى {وَمَا تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَإِذا أخبر رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنا نجزى على قِرَاءَة الْقُرْآن دلّ على أَنه من أَعمالنَا وَلَيْسَت أَعمالنَا قديمَة وَإِنَّمَا أُتِي الْقَوْم من قبل جهلهم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسخافة الْعقل وبلادة الذِّهْن فَإِن لفظ الْقُرْآن يُطلق فِي الشَّرْع وَاللِّسَان على الْوَصْف الْقَدِيم وَيُطلق على الْقِرَاءَة الْحَادِثَة قَالَ الله تَعَالَى {إِن علينا جمعه وقرآنه} أَرَادَ بقرآنه قِرَاءَته إِذْ لَيْسَ لِلْقُرْآنِ قُرْآن آخر {فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه} أَي قِرَاءَته فالقراءة غير المقروء وَالْقِرَاءَة حَادِثَة والمقروء قديم كَمَا أَنا إِذا ذكرنَا الله عز وَجل كَانَ الذّكر حَادِثا وَالْمَذْكُور قَدِيما فَهَذِهِ نبذة من مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله (إِذا قَالَت حذام فصدقوها ... فَإِن القَوْل مَا قَالَت حذام) وَالْكَلَام فِي مثل هَذَا يطول وَلَوْلَا مَا وَجب على الْعلمَاء من إعزاز الدّين وإخمال المبتدعين وَمَا طولت بِهِ الحشوية ألسنتهم فِي هَذَا الزَّمَان من الطعْن فِي أَعْرَاض الْمُوَحِّدين والإزراء على كَلَام المنزهين لما أطلت النَّفس فِي مثل هَذَا مَعَ إيضاحه وَلَكِن قد أمرنَا الله بِالْجِهَادِ فِي نصْرَة دينه إِلَّا أَن سلَاح الْعَالم علمه وَلسَانه كَمَا أَن سلَاح الْملك سَيْفه وسنانه فَكَمَا لَا يجوز للملوك إغماد أسلحتهم عَن الْمُلْحِدِينَ وَالْمُشْرِكين لَا يجوز للْعُلَمَاء إغماد ألسنتهم عَن الزائغين والمبتدعين فَمن ناضل عَن الله وَأظْهر دين الله كَانَ جَدِيرًا أَن يَحْرُسهُ الله بِعَيْنِه الَّتِي لَا تنام ويعزه بعزه الَّذِي لَا يضام ويحوطه بركنه الَّذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 لَا يرام ويحفظه من جيمع الْأَنَام {وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم وَلَكِن ليبلو بَعْضكُم بِبَعْض} وَمَا زَالَ المنزهون والموحدون يفتون بذلك على رُؤُوس الأشهاد فِي المحافل والمشاهد ويجهرون بِهِ فِي الْمدَارِس والمساجد وبدعة الحشوية كامنة خُفْيَة لَا يتمكنون من المجاهرة بهَا بل يدسونها إِلَى جهلة الْعَوام وَقد جهروا بهَا فِي هَذَا الأوان فنسأل الله تَعَالَى أَن يعجل بإخمالها كعادته وَيَقْضِي بإذلالها على مَا سبق من سنته وعَلى طَريقَة المنزهين والموحدين درج الْخلف وَالسَّلَف رضى الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَالْعجب أَنهم يذمون الْأَشْعَرِيّ بقوله إِن الْخبز لَا يشْبع وَالْمَاء لَا يروي وَالنَّار لَا تحرق وَهَذَا كَلَام أنزل الله مَعْنَاهُ فِي كِتَابه فَإِن الشِّبَع والري والإحراق حوادث انْفَرد الرب بخلقها فَلم يخلق الْخبز الشِّبَع وَلم يخلق المَاء الرّيّ وَلم تخلق النَّار الإحراق وَإِن كَانَت أسبابا فِي ذَلِك فالخالق هُوَ الْمُسَبّب دون السَّبَب كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} نفى أَن يكون رَسُوله خَالِقًا للرمى وَإِن كَانَ سَببا فِيهِ وَقد قَالَ تَعَالَى {وَأَنه هُوَ أضْحك وأبكى وَأَنه هُوَ أمات وَأَحْيَا} فاقتطع الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء عَن أَسبَابهَا وأضافها إِلَيْهِ فَكَذَلِك اقتطع الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله الشِّبَع والري والإحراق عَن أَسبَابهَا وأضافها إِلَى خَالِقهَا لقَوْله تَعَالَى {خَالق كل شَيْء} وَقَوله {هَل من خَالق غير الله} {بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ وَلما يَأْتهمْ تَأْوِيله} {أكذبتم بآياتي وَلم تحيطوا بهَا علما أم مَاذَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 (وَكم من عائب قولا صَحِيحا ... وآفته من الْفَهم السقيم) فسبحان من رَضِي عَن قوم فأدناهم وَسخط على آخَرين فأقصاهم {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} وعَلى الْجُمْلَة يَنْبَغِي لكل عَالم إِذا أذلّ الْحق وأخمل الصَّوَاب أَن يبْذل جهده فِي نصرهما وَأَن يَجْعَل نَفسه بالذل والخمول أولى مِنْهُمَا وَإِن عز الْحق فَظهر الصَّوَاب أَن يستظل بظلهما وَأَن يَكْتَفِي باليسير من رشاش غَيرهمَا (قَلِيل مِنْك يَنْفَعنِي وَلَكِن ... قليلك لَا يُقَال لَهُ قَلِيل) والمخاطرة بالنفوس مَشْرُوعَة فِي إعزاز الدّين وَلذَلِك يجوز للبطل من الْمُسلمين أَن ينغمر فِي صُفُوف الْمُشْركين وَكَذَلِكَ المخاطرة بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ونصرة قَوَاعِد الدّين بالحجج والبراهين مَشْرُوعَة فَمن خشِي على نَفسه سقط عَنهُ الْوُجُوب وَبَقِي الِاسْتِحْبَاب وَمن قَالَ بِأَن التَّغْرِير بالنفوس لَا يجوز فقد بعد عَن الْحق ونأى عَن الصَّوَاب وعَلى الْجُمْلَة فَمن آثر الله على نَفسه آثره الله وَمن طلب رضَا الله بِمَا يسْخط النَّاس رضى الله عَنهُ وأرضى عَنهُ النَّاس وَمن طلب رضَا النَّاس بِمَا يسْخط الله سخط الله عَلَيْهِ وأسخط عَلَيْهِ النَّاس وَفِي رضَا الله كِفَايَة عَن رضَا كل أحد (فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترْضى والأنام غضاب) غَيره (فِي كل شَيْء إِذا ضيعته عوض ... وَلَيْسَ فِي الله إِن ضيعته عوض) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احفظ الله يحفظك احفظ الله تَجدهُ أمامك وَجَاء فِي حَدِيث ذكرُوا الله بِأَنْفُسِكُمْ فَإِن الله ينزل العَبْد من نَفسه حَيْثُ أنزلهُ من نَفسه حَتَّى قَالَ بعض الأكابر من أَرَادَ أَن ينظر مَنْزِلَته عِنْد الله فَلْينْظر كَيفَ منزلَة الله عِنْده اللَّهُمَّ فانصر الْحق وَأظْهر الصَّوَاب وأبرم لهَذِهِ الْأمة أمرا رشدا يعز فِيهِ وليك ويذل فِيهِ عَدوك وَيعْمل فِيهِ بطاعتك وَينْهى فِيهِ عَن معصيتك وَالْحَمْد لله الَّذِي إِلَيْهِ استنادي وَعَلِيهِ اعتمادي وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم فَهَذِهِ الْفتيا الَّتِي كتبهَا قَالَ وَلَده الشَّيْخ شرف الدّين عبد اللَّطِيف فَلَمَّا فرغ من كِتَابَة مَا راموه رَمَاه إِلَيْهِم وَهُوَ يضْحك عَلَيْهِم فطاروا بِالْجَوَابِ وهم يَعْتَقِدُونَ أَن الْحُصُول على ذَلِك من الفرص الْعَظِيمَة الَّتِي ظفروا بهَا ويقطعون بهلاكه واستئصاله واستباحة دَمه وَمَاله فأوصلوا الْفتيا إِلَى الْملك الْأَشْرَف رَحمَه الله فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا استشاط غَضبا وَقَالَ صَحَّ عِنْدِي مَا قَالُوهُ عَنهُ وَهَذَا رجل كُنَّا نعتقد أَنه متوحد فِي زَمَانه فِي الْعلم وَالدّين فَظهر بعد الاختبار أَنه من الْفجار لَا بل من الْكفَّار وَكَانَ ذَلِك فِي رَمَضَان عِنْد الْإِفْطَار وَعِنْده على سماطه عَامَّة الْفُقَهَاء من جَمِيع الأقطار فَلم يسْتَطع أحد مِنْهُم أَن يرد عَلَيْهِ بل قَالَ بعض أعيانهم السُّلْطَان أولى بِالْعَفو والصفح وَلَا سِيمَا فِي مثل هَذَا الشَّهْر وموه آخَرُونَ بِكَلَام موجه يُوهم صِحَة مَذْهَب الْخصم ويظهرون أَنهم قد أفتوا بموافقته فَلَمَّا انفصلوا تِلْكَ اللَّيْلَة من مَجْلِسه بالقلعة اشْتغل النَّاس فِي الْبَلَد بِمَا جرى فِي تِلْكَ اللَّيْلَة عِنْد السُّلْطَان وَأقَام الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الشَّيْخ الْعَلامَة جمال الدّين أَبَا عَمْرو بن الْحَاجِب الْمَالِكِي وَكَانَ عَالم مذْهبه فِي زَمَانه وَقد جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل رَحمَه الله تَعَالَى فِي هَذِه الْقَضِيَّة وَمضى إِلَى الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء الْأَعْيَان الَّذين حَضَرُوا هَذِه الْقَضِيَّة عِنْد السُّلْطَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 وشدد عَلَيْهِم النكير وَقَالَ الْعجب أَنكُمْ كلكُمْ على الْحق وغيركم على الْبَاطِل وَمَا فِيكُم من نطق بِالْحَقِّ وسكتم وَمَا انتخبتم لله تَعَالَى وللشريعة المطهرة وَلما تكلم مِنْكُم من تكلم قَالَ السُّلْطَان أولى بالصفح وَالْعَفو وَلَا سِيمَا فِي مثل هَذَا الشَّهْر وَهَذَا غلط يُوهم الذَّنب فَإِن الْعَفو والصفح لَا يكونَانِ إِلَّا عَن جرم وذنب أما كُنْتُم سلكتم طَرِيق التلطف بإعلام السُّلْطَان بِأَن مَا قَالَه ابْن عبد السَّلَام مذهبكم وَهُوَ مَذْهَب أهل الْحق وَأَن جُمْهُور السّلف وَالْخلف على ذَلِك وَلم يخالفهم فِيهِ إِلَّا طَائِفَة مخذولة يخفون مَذْهَبهم ويدسونه على تخوف إِلَى من يستضعفون علمه وعقله وَقد قَالَ تَعَالَى {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} وَلم يزل يعنفهم ويوبخهم إِلَى أَن اصْطلحَ مَعَهم على أَن يكْتب فتيا بِصُورَة الْحَال ويكتبوا فِيهَا بموافقة ابْن عبد السَّلَام فوافقوه على ذَلِك وَأخذ خطوطهم بموافقته وَالْتمس ابْن عبد السَّلَام من السُّلْطَان أَن يعْقد مَجْلِسا للشَّافِعِيَّة والحنابلة ويحضره الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَغَيرهم من عُلَمَاء الْمُسلمين وَذكر لَهُ أَنه أَخذ خطوط الْفُقَهَاء الَّذين كَانُوا بِمَجْلِس السُّلْطَان لما قُرِئت عَلَيْهِ الْفتيا بموافقتهم لَهُ وَأَنَّهُمْ لم يُمكنهُم الْكَلَام بِحَضْرَة السُّلْطَان فِي ذَلِك الْوَقْت لغضبه وَمَا ظهر من حِدته فِي ذَلِك الْمجْلس وَقَالَ الَّذِي نعتقد فِي السُّلْطَان أَنه إِذا ظهر لَهُ الْحق يرجع إِلَيْهِ وَأَنه يُعَاقب من موه الْبَاطِل عَلَيْهِ وَهُوَ أولى النَّاس بموافقة وَالِده السُّلْطَان الْملك الْعَادِل تغمده الله برحمته ورضوانه فَإِنَّهُ عزّر جمَاعَة من أَعْيَان الْحَنَابِلَة المبتدعة تعزيرا بليغا رادعا وبدع بهم وأهانهم فَلَمَّا اتَّصل ذَلِك بالسلطان استدعى دَوَاة وورقة وَكتب فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وصل إِلَيّ مَا التمسه الْفَقِيه ابْن عبد السَّلَام أصلحه الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 من عقد مجْلِس وَجمع الْمُفْتِينَ وَالْفُقَهَاء وَقد وقفنا على خطه وَمَا أفتى بِهِ وَعلمنَا من عقيدته مَا أغْنى عَن الِاجْتِمَاع بِهِ وَنحن فنتبع مَا عَلَيْهِ الْخُلَفَاء الراشدون الَّذين قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَقهم عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي وعقائد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فِيهَا كِفَايَة لكل مُسلم يغلب هَوَاهُ وَيتبع الْحق ويتخلص من الْبدع اللَّهُمَّ إِلَّا إِن كنت تَدعِي الِاجْتِهَاد فَعَلَيْك أَن تثبت ليَكُون الْجَواب على قدر الدَّعْوَى لتَكون صَاحب مَذْهَب خَامِس وَأما مَا ذكرته عَن الَّذِي جرى فِي أَيَّام وَالِدي تغمده الله برحمته فَذَلِك الْحَال أَنا أعلم بِهِ مِنْك وَمَا كَانَ لَهُ سَبَب إِلَّا فتح بَاب السَّلامَة لَا لأمر ديني (وجرم جَرّه سُفَهَاء قوم ... فَحل بِغَيْر جانيه الْعَذَاب) وَمَعَ هَذَا فقد ورد فِي الحَدِيث الْفِتْنَة نَائِمَة لعن الله مثيرها وَمن تعرض إِلَى إثارتها قَاتَلْنَاهُ بِمَا يخلصنا من الله تَعَالَى وَمَا يعضد كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ استدعى رَسُولا وصير الرقعة مَعَه إِلَيْهِ فَلَمَّا وَفد بهَا عَلَيْهِ فضها وَقرأَهَا وطواها وَقَالَ للرسول قد وصلت وقرأتها وفهمت مَا فِيهَا فَاذْهَبْ بِسَلام فَقَالَ قد تقدّمت الْأَوَامِر المطاعة السُّلْطَانِيَّة إِلَيّ بإحضارجوابها فَاسْتَحْضر الشَّيْخ دَوَاة وورقة وَكتب فِيهَا مَا مِثَاله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ} أما بعد حمد الله الَّذِي جلت قدرته وعلت كَلمته وعمت رَحمته وسبغت نعْمَته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 فَإِن الله تَعَالَى قَالَ لأحب خلقه إِلَيْهِ وَأكْرمهمْ لَدَيْهِ {وَإِن تُطِع أَكثر من فِي الأَرْض يضلوك عَن سَبِيل الله إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَإِن هم إِلَّا يخرصون} وَقد أنزل الله كتبه وَأرْسل رسله لنصائح خلقه فالسعيد من قبل نصائحه وَحفظ وَصَايَاهُ وَكَانَ فِيمَا أوصى بِهِ خلقه أَن قَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما بِجَهَالَة فتصبحوا على مَا فَعلْتُمْ نادمين} وَهُوَ سُبْحَانَهُ أولى من قبلت نصيحته وحفظت وَصيته وَأما طلب الْمجْلس وَجمع الْعلمَاء فَمَا حَملَنِي عَلَيْهِ إِلَّا النصح للسُّلْطَان وَعَامة الْمُسلمين وَقد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدّين فَقَالَ الدّين النصحية قيل لمن يَا رَسُول الله قَالَ لله ولكتابه وَرَسُوله وأئمة الْمُسلمين وعامتهم فالنصح لله بامتثال أوامره وَاجْتنَاب نواهيه ولكتابه بِالْعَمَلِ بمواجبه وَلِرَسُولِهِ بِاتِّبَاع سنته وللأئمة بإرشادهم إِلَى أَحْكَامه وَالْوُقُوف عِنْد أوامره ونواهيه ولعامة الْمُسلمين بدلالتهم على مَا يقربهُمْ إِلَيْهِ ويزلفهم لَدَيْهِ وَقد أدّيت مَا عَليّ فِي ذَلِك والفتيا الَّتِي وَقعت فِي هَذِه الْقَضِيَّة يُوَافق عَلَيْهَا عُلَمَاء الْمُسلمين من الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة والفضلاء من الْحَنَابِلَة وَمَا يُخَالف فِي ذَلِك إِلَّا رعاع لَا يعبأ الله بهم وَهُوَ الْحق الَّذِي لَا يجوز دَفعه وَالصَّوَاب الَّذِي لَا يُمكن رَفعه وَلَو حضر الْعلمَاء مجْلِس السُّلْطَان لعلم صِحَة مَا أَقُول وَالسُّلْطَان أقدر النَّاس على تَحْقِيق ذَلِك وَلَقَد كتب الْجَمَاعَة خطوطهم بِمثل مَا قلته وَإِنَّمَا سكت من سكت فِي أول الْأَمر لما رأى من غضب السُّلْطَان وَلَوْلَا مَا شاهدوه من غضب السُّلْطَان لما أفتوا أَولا إِلَّا بِمَا رجعُوا إِلَيْهِ آخرا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 وَمَعَ ذَلِك فتكتب مَا ذكرته فِي الْفتيا وَمَا ذكره الْغَيْر وتبعث بِهِ إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام ليكتب فيهاكل من يجب الرُّجُوع إِلَيْهِ ويعتمد فِي الْفتيا عَلَيْهِ وَنحن نحضر كتب الْعلمَاء المعتبرين ليقف عَلَيْهَا السُّلْطَان وَبَلغنِي أَنهم ألقوا إِلَى سمع السُّلْطَان أَن الْأَشْعَرِيّ يستهين بالمصحف وَلَا خلاف بَين الأشعرية وَجَمِيع عُلَمَاء الْمُسلمين أَن تَعْظِيم الْمُصحف وَاجِب وَعِنْدنَا أَن من استهان بالمصحف أَو بِشَيْء مِنْهُ فقد كفر وانفسخ نِكَاحه وَصَارَ مَاله فَيْئا للْمُسلمين وَيضْرب عُنُقه وَلَا يغسل وَلَا يُكفن وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَلَا يدْفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين بل يتْرك بالقاع طعمة للسباع ومذهبنا أَن كَلَام الله سُبْحَانَهُ قديم أزلي قَائِم بِذَاتِهِ لَا يشبه كَلَام الْخلق كَمَا لَا يشبه ذَاته ذَات الْخلق وَلَا يتَصَوَّر فِي شَيْء من صِفَاته أَن تفارق ذَاته إِذْ لَو فارقته لصار نَاقِصا تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا وَهُوَ مَعَ ذَلِك مَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف مَحْفُوظ فِي الصُّدُور مقروء بالألسنة وَصفَة الله الْقَدِيمَة لَيست بمداد للكاتبين وَلَا أَلْفَاظ اللافظين وَمن اعْتقد ذَلِك فقد فَارق الدّين وَخرج عَن عقائد الْمُسلمين بل لَا يعْتَقد ذَلِك إِلَّا جَاهِل غبي {وربنا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} وَلَيْسَ رد الْبدع وإبطالها من بَاب إثارة الْفِتَن فَإِن الله سُبْحَانَهُ أَمر الْعلمَاء بذلك وَأمرهمْ بِبَيَان مَا علموه وَمن امتثل أَمر الله وَنصر دين الله لَا يجوز أَن يلعنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما مَا ذكر من أَمر الِاجْتِهَاد وَالْمذهب الْخَامِس فأصول الدّين لَيْسَ فِيهَا مَذَاهِب فَإِن الأَصْل وَاحِد وَالْخلاف فِي الْفُرُوع وَمثل هَذَا الْكَلَام مِمَّا اعتمدتم فِيهِ قَول من لَا يجوز أَن يعْتَمد قَوْله وَالله أعلم بِمن يعرف دينه وَيقف عِنْد حُدُوده وَبعد ذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 فَإنَّا نزعم أَنا من جملَة حزب الله وأنصار دينه وجنده وكل جندي لَا يخاطر بِنَفسِهِ فَلَيْسَ بجندي وَأما مَا ذكر من أَمر بَاب السَّلامَة فَنحْن تكلمنا فِيهِ بِمَا ظهر لنا من أَن السُّلْطَان الْملك الْعَادِل رَحمَه الله تَعَالَى إِنَّمَا فعل ذَلِك إعزازا لدين الله تَعَالَى ونصرة للحق وَنحن نحكم بِالظَّاهِرِ وَالله يتَوَلَّى السرائر وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم وَكَانَ يَكْتُبهَا وَهُوَ مسترسل من غير توقف وَلَا تردد وَلَا تلعثم فَلَمَّا أنهى كتَابَتهَا طواها وختمها وَدفعهَا إِلَى الرَّسُول وَكَانَ عِنْده حَالَة كتَابَتهَا رجل من الْعلمَاء الفضلاد وَمِمَّنْ يحضر مجْلِس السُّلْطَان فَوَقفهُ على الرقعة الَّتِي وَردت من الْملك الْأَشْرَف فَتغير لَونه واعتقد أَن الشَّيْخ يعجز عَن الْجَواب لما شَاهد فِي ورقة السُّلْطَان من شَدِيد الْخطاب فَلَمَّا خطّ الشَّيْخ الْكتاب مسترسلا عجلا وَهُوَ يُشَاهد مَا يَكْتُبهُ بَطل عِنْده مَا كَانَ يحسبه وَقَالَ لَهُ ذَلِك الْعَالم لَو كَانَت هَذِه الرقعة الَّتِي وصلت إِلَيْك وصلت إِلَى قس بن سَاعِدَة لعجز عَن الْجَواب وَعدم الصَّوَاب وَلَكِن هَذَا تأييد إلهي فَلَمَّا عَاد الرَّسُول إِلَى السُّلْطَان رَحمَه الله وأوصله الرقعة فعندما فضها وقرئت عَلَيْهِ اشتدت استشاطته وَعظم غَضَبه وتيقن الْعَدو تلف الشَّيْخ وعطبه ثمَّ استدعى الغرز خَلِيلًا وَكَانَ إِذْ ذَاك أستاذ دَاره وَكَانَ من المحبين للشَّيْخ والمعتقدين فِيهِ فَحَمله رِسَالَة إِلَى الشَّيْخ وَقَالَ لَهُ تعود إِلَيّ سَرِيعا بِالْجَوَابِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 فَذهب الغرز إِلَيْهِ وَجلسَ بَين يَدَيْهِ بِحسن تودد وتأدب وتأن ثمَّ قَالَ لَهُ أَنا رَسُول {وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين} وَالله لقد تعصبوا عَلَيْك وأعنتهم أَنْت على نَفسك بِعَدَمِ اجتماعك فِي مبدإ الْأَمر بالسلطان وَلَو كَانَ رآك وَلَو مرّة وَاحِدَة لما كَانَ شَيْء من هَذِه الْأُمُور أصلا وَكنت أَنْت عِنْده الْأَعْلَى فَقَالَ لَهُ أد الرسَالَة كَمَا قيلت لَك وَلَا تسْأَل فَقَالَ لَا تسْأَل مَا حصل عِنْد السُّلْطَان عِنْد وُقُوفه على ورقتك وَلَا سِيمَا أَنه وجد فِيهَا مَا لَا يعهده من مُخَاطبَة النَّاس للملوك مُضَافا إِلَى مَا ذكرته من مُخَالفَة اعْتِقَاده فَقَالَ لي اذْهَبْ إِلَى ابْن عبد السَّلَام وَقل لَهُ إِنَّا قد شرطنا عَلَيْهِ ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَنه لَا يُفْتى وَالثَّانيَِة أَنه لَا يجْتَمع بِأحد وَالثَّالِثَة أَنه يلْزم بَيته فَقَالَ لَهُ يَا غرز إِن هَذِه الشُّرُوط من نعم الله الجزيلة عَليّ الْمُوجبَة للشكر لله تَعَالَى على الدَّوَام أما الْفتيا فَإِنِّي كنت وَالله متبرما بهَا وأكرهها وأعتقد أَن الْمُفْتِي على شَفير جَهَنَّم وَلَوْلَا أَنِّي أعتقد أَن الله أوجبهَا عَليّ لتعينها عَليّ فِي هَذَا الزَّمَان لما كنت تلوثت بهَا والآن فقد عذرني الْحق وَسقط عني الْوُجُوب وتخلصت ذِمَّتِي وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَأما ترك اجتماعي بِالنَّاسِ ولزومي لبيتي فَمَا أَنا فِي بَيْتِي الْآن وَإِنَّمَا أَنا فِي بُسْتَان وَكَانَ فِي تِلْكَ السّنة اسْتَأْجر بستانا متطرفا عَن الْبَسَاتِين وَكَانَ مخوفا فَقَالَ لَهُ الغرز الْبُسْتَان هُوَ الْآن بَيْتك واتفقت لَهُ فِيهِ أعجوبة وَهُوَ أَن جمَاعَة من المفسدين قصدوه فِي لَيْلَة مُقْمِرَة وَهُوَ فِي جوسق عَال ودخلوا الْبُسْتَان واحتاطوا بالجوسق فخاف أَهله خوفًا شَدِيدا فَعِنْدَ ذَلِك نزل إِلَيْهِم وَفتح بَاب الْجَوْسَقِ وَقَالَ أَهلا بضيوفنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 وأجلسهم فِي مقْعد حسن وَكَانَ مهيبا مَقْبُول الصُّورَة فهابوه وسخرهم الله لَهُ وأخرجوا لَهُم من الْجَوْسَقِ ضِيَافَة حَسَنَة فتناولوها وطلبوا مِنْهُ الدُّعَاء وعصم الله أَهله وجماعته مِنْهُم بِصدق نِيَّته وكرم طويته وَانْصَرفُوا عَنهُ عدنا إِلَى مجاوبته للغرز خَلِيل فَقَالَ لَهُ يَا غرز من سعادتي لزومي لبيتي وتفرغي لعبادة رَبِّي والسعيد من لزم بَيته وَبكى على خطيئته واشتغل بِطَاعَة الله تَعَالَى وَهَذَا تسليك من الْحق وهدية من الله تَعَالَى إِلَيّ أجراها على يَد السُّلْطَان وَهُوَ غَضْبَان وَأَنا بهَا فرحان وَالله يَا غرز لَو كَانَت عِنْدِي خلعة تصلح لَك على هَذِه الرسَالَة المتضمنة لهَذِهِ الْبشَارَة لخلعت عَلَيْك وَنحن على الْفتُوح خُذ هَذِه السجادة صل عَلَيْهَا فقبلها وَقبلهَا وودعه وَانْصَرف إِلَى السُّلْطَان وَذكر لَهُ مَا جرى بَينه وَبَينه فَقَالَ لمن حَضَره قُولُوا لي مَا أفعل بِهِ هَذَا رجل يرى الْعقُوبَة نعْمَة اتركوه بَيْننَا وَبَينه الله ثمَّ إِن الشَّيْخ بَقِي على تِلْكَ الْحَالة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ إِن الشَّيْخ الْعَلامَة جمال الدّين الحصيري شيخ الْحَنَفِيَّة فِي زَمَانه وَكَانَ قد جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل ركب حمارا لَهُ وَحَوله أَصْحَابه وَقصد السُّلْطَان فَلَمَّا بلغ الْملك الْأَشْرَف دُخُول الحصيري إِلَى القلعة أرسل إِلَيْهِ خاصته يتلقونه وَأمرهمْ أَن يدخلوه إِلَى دَار الْإِمَارَة رَاكِبًا على حِمَاره فَلَمَّا رَآهُ السُّلْطَان وثب قَائِما وَمَشى إِلَيْهِ وأنزله عَن حِمَاره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 وَأَجْلسهُ على تكرمته واستبشر بوفوده عَلَيْهِ وَكَانَ فِي رَمَضَان قريب غرُوب الشَّمْس فَلَمَّا دخل وَقت الْمغرب وَأذن الْمُؤَذّن صلوا صَلَاة الْمغرب وأحضر للسُّلْطَان قدح شراب فتناوله وناوله للشَّيْخ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ مَا جِئْت إِلَى طَعَامك وَلَا إِلَى شرابك فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان يرسم الشَّيْخ وَنحن نمتثل مرسومه فَقَالَ لَهُ أيش بَيْنك وَبَين ابْن عبد السَّلَام وَهَذَا رجل لَو كَانَ فِي الْهِنْد أَو فِي أقْصَى الدُّنْيَا كَانَ يَنْبَغِي للسُّلْطَان أَن يسْعَى فِي حُلُوله فِي بِلَاده لتتم بركته عَلَيْهِ وعَلى بِلَاده ويفتخر بِهِ على سَائِر الْمُلُوك قَالَ السُّلْطَان عِنْدِي خطه باعتقاده فِي فتيا وخطه أَيْضا فِي رقْعَة جَوَاب رقْعَة سيرتها إِلَيْهِ فيقف الشَّيْخ عَلَيْهِمَا وَيكون الحكم بيني وَبَينه ثمَّ أحضر السُّلْطَان الورقتين فَوقف عَلَيْهِمَا وقرأهما إِلَى آخرهما وَقَالَ هَذَا اعْتِقَاد الْمُسلمين وشعار الصَّالِحين ويقين الْمُؤمنِينَ وكل مَا فيهمَا صَحِيح وَمن خَالف مَا فيهمَا وَذهب إِلَى مَا قَالَه الْخصم من إِثْبَات الْحَرْف وَالصَّوْت فَهُوَ حمَار فَقَالَ السُّلْطَان رَحمَه الله نَحن نَسْتَغْفِر الله مِمَّا جرى ونستدرك الفارط فِي حَقه وَالله لأجعلنه أغْنى الْعلمَاء وَأرْسل إِلَى الشَّيْخ واسترضاه وَطلب محاللته ومخاللته وَكَانَت الْحَنَابِلَة قد استنصروا على أهل السّنة وعلت كلمتهم بِحَيْثُ إِنَّهُم صَارُوا إِذا خلوا بهم فِي الْمَوَاضِع الخالية يسبونهم ويضربونهم ويذمونهم فعندما اجْتمع الشَّيْخ جمال الدّين الحصيري رَحمَه الله بالسلطان وَتحقّق مَا عَلَيْهِ الجم الْغَفِير من اعْتِقَاد أهل الْحق تقدم إِلَى الْفَرِيقَيْنِ بالإمساك عَن الْكَلَام فِي مَسْأَلَة الْكَلَام وَأَن لَا يُفْتِي فِيهَا أحد بِشَيْء سدا لباب الْخِصَام فَانْكَسَرت المبتدعة بعض الانكسار وَفِي النُّفُوس مَا فِيهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 وَلم يزل الْأَمر مستمرا على ذَلِك إِلَى أَن اتّفق وُصُول السُّلْطَان الْملك الْكَامِل رَحمَه الله إِلَى دمشق من الديار المصرية وَكَانَ اعْتِقَاده صَحِيحا وَهُوَ من المتعصبين لأهل الْحق قَائِل بقول الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله فِي الِاعْتِقَاد وَكَانَ وَهُوَ فِي الديار المصرية قد سمع مَا جرى فِي دمشق فِي مَسْأَلَة الْكَلَام فرام الِاجْتِمَاع بالشيخ فَاعْتَذر إِلَيْهِ فَطلب مِنْهُ أَن يكْتب لَهُ مَا جرى فِي هَذِه الْقَضِيَّة مستقصى مُسْتَوفى فَأمرنِي وَالِدي رَحمَه الله بِكِتَابَة مَا سقته فِي هَذَا الْجُزْء من أول الْقَضِيَّة إِلَى آخرهَا فَلَمَّا وصل ذَلِك إِلَيْهِ ووقف عَلَيْهِ أسر ذَلِك فِي نَفسه إِلَى أَن اجْتمع بالسلطان الْملك الْأَشْرَف رَحمَه الله وَقَالَ لَهُ يَا خوند كنت قد سَمِعت أَنه جرى بَين الشَّافِعِيَّة والحنابلة خصام فِي مَسْأَلَة الْكَلَام وَأَن الْقَضِيَّة اتَّصَلت بالسلطان فَمَاذَا صنعت فِيهَا فَقَالَ يَا خوند منعت الطَّائِفَتَيْنِ من الْكَلَام فِي مَسْأَلَة الْكَلَام وَانْقطع بذلك الْخِصَام فَقَالَ السُّلْطَان الْملك الْكَامِل وَالله مليح مَا هَذِه إِلَّا سياسة وسلطنة تَسَاوِي بَين أهل الْحق وَالْبَاطِل وتمنع أهل الْحق من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَأَن يكتموا مَا أنزل الله عَلَيْهِم كَانَ الطَّرِيق أَن تمكن أهل السّنة من أَن يلحنوا بحججهم وَأَن يظهروا دين الله وَأَن تشنق من هَؤُلَاءِ المبتدعة عشْرين نفسا ليرتدع غَيرهم وَأَن تمكن الْمُوَحِّدين من إرشاد الْمُسلمين وَأَن يبينوا لَهُم طَرِيق الْمُؤمنِينَ فَعِنْدَ ذَلِك ذلت رِقَاب المبتدعة وانقلبوا خائبين وعادوا خَاسِئِينَ {ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم لم ينالوا خيرا وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال} وَكَانَ ذَلِك على يَد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 السُّلْطَان الْملك الْكَامِل رَحمَه الله وانقشعت الْمَسْأَلَة للسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف وَصرح بخجله وحيائه من الشَّيْخ وَقَالَ لقد غلطنا فِي حق ابْن عبد السَّلَام غلطة عَظِيمَة وَصَارَ يترضاه وَيعْمل بفتاويه وَمَا أفتاه وَيطْلب أَن يقْرَأ عَلَيْهِ تصانيفه الصغار مثل الملحة فِي اعْتِقَاد أهل الْحق الَّتِي ذكر بَعْضهَا فِي الْفتيا وقرئت عَلَيْهِ مَقَاصِد الصَّلَاة فِي يَوْم ثَلَاث مَرَّات تقْرَأ عَلَيْهِ وَكلما دخل عَلَيْهِ أحد من خواصه يَقُول للقارئ اقْرَأ مَقَاصِد الصَّلَاة لِابْنِ عبد السَّلَام حتي يسْمعهَا فلَان يَنْفَعهُ الله بسماعها حَتَّى قَالَ وَالِدي رَحمَه الله لَو قُرِئت مَقَاصِد الصَّلَاة على بعض مَشَايِخ الزوايا أَو على متزهد أَو مُرِيد أَو متصوف مرّة وَاحِدَة فِي مجْلِس لما أَعَادَهَا فِيهِ مرّة أُخْرَى وَلَقَد دخل على السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف الشَّيْخ شمس الدّين سبط ابْن الْجَوْزِيّ وَكَانَ واعظ الزَّمَان وَكَانَ لَهُ قبُول عَظِيم وشاهدت مِنْهُ عجبا كَانَ يطلع على الْمِنْبَر فِي بعض الْأَيَّام ويحدق النَّاس إِلَيْهِ وينتحب ويبكي ويبكى النَّاس مَعَه وَيقْتلُونَ أنفسهم وَيذْهب هائما على وَجهه وَيذْهب النَّاس من مَجْلِسه وهم سكارى حيارى وَكَانَ يجلس الثَّلَاثَة الْأَشْهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان فِي كل سبت وَالنَّاس يتأهبون لحضور مَجْلِسه قبل السبت بِثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا دخل على السُّلْطَان نَاوَلَهُ مَقَاصِد الصَّلَاة وَقَالَ اقرأها فقرأها بَين يَدَيْهِ واستحسنها وَقَالَ لم يصنف أحد مثلهَا فَقَالَ لَهُ طرز مجلسك الْآتِي بذكرها وحرض النَّاس عَلَيْهَا فَلَمَّا جَاءَ الميعاد صعد الْمِنْبَر وَحمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ اعلموا أَن أفضل الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة الصَّلَاة وَهِي صلَة بَين العَبْد وربه فَعَلَيْكُم بمقاصد الصَّلَاة تصنيف ابْن عبد السَّلَام فاسمعوها وعوها واحفظوها وعلموها أَوْلَادكُم وَمن يعز عَلَيْكُم وَكَانَ لَهَا وَقع عَظِيم فِي ذَلِك الْمجْلس وَكتب مِنْهَا من النّسخ مَا لَا يُحْصى عدده الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 وَلم يزل وَالِدي مُعظما عِنْد السُّلْطَان إِلَى أَن مرض مرضة الْمَوْت قَالَ لأكبر أَصْحَابه اذْهَبْ إِلَى ابْن عبد السَّلَام وَقل لَهُ محبك مُوسَى ابْن الْملك الْعَادِل أبي بكر يسلم عَلَيْك ويسألك أَن تعوده وَتَدْعُو لَهُ وتوصيه بِمَا ينْتَفع بِهِ غَدا عِنْد الله فَلَمَّا وصل الرَّسُول إِلَيْهِ بِهَذِهِ الرسَالَة قَالَ نعم إِن هَذِه العيادة لمن أفضل الْعِبَادَات لما فِيهَا من النَّفْع الْمُتَعَدِّي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَتوجه إِلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ فسر بِرُؤْيَتِهِ سُرُورًا عَظِيما وَقبل يَده وَقَالَ يَا عز الدّين اجْعَلنِي فِي حل وادع الله لي وأوصني وانصحني فَقَالَ لَهُ أما محاللتك فَإِنِّي كل لَيْلَة أحالل الْخلق وأبيت وَلَيْسَ لي عِنْد أحد مظْلمَة وَأرى أَن يكون أجري على الله وَلَا يكون على النَّاس عملا بقوله تَعَالَى {فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله} وَأَن يكون أجري على الله وَلَا يكون على خلقه أحب إِلَيّ وَأما دعائي للسُّلْطَان فَإِنِّي أَدْعُو لَهُ فِي كثير من الأحيان لما فِي صَلَاحه من صَلَاح الْمُسلمين وَالْإِسْلَام وَالله تَعَالَى يبصر السُّلْطَان فِيمَا يبيض بِهِ وَجهه عِنْده يَوْم يلقاه وَأما وصيتي ونصيحتي للسُّلْطَان فقد وَجَبت وتعينت لقبوله وتقاضيه وَكَانَ قبيل مَرضه قد وَقع بَينه وَبَين أَخِيه السُّلْطَان الْملك الْكَامِل وَاقع ووحشة وَأمر وَهُوَ فِي ذَلِك الْمَرَض بِنصب دهليزه إِلَى صوب مصر وَضرب منزلَة تسمى الْكسْوَة وَكَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان قد ظهر التتر بالشرق فَقَالَ الشَّيْخ للسُّلْطَان الْملك الْكَامِل أَخُوك الْكَبِير ورحمك وَأَنت مَشْهُور بالفتوحات والنصر على الْأَعْدَاء والتتر قد خَاضُوا بِلَاد الْمُسلمين تتْرك ضرب دهليزك إِلَى أَعدَاء الله وأعداء الْمُسلمين وتضربه إِلَى جِهَة أَخِيك فينقل السُّلْطَان دهليزه إِلَى جِهَة التتار وَلَا تقطع رَحِمك فِي هَذِه الْحَالة وتنوي مَعَ الله نصر دينه وإعزاز كَلمته فَإِن من الله بعافية السُّلْطَان رجونا من الله إدالته على الْكفَّار وَكَانَت فِي مِيزَانه هَذِه الْحَسَنَة الْعَظِيمَة فَإِن قضى الله تَعَالَى بانتقاله إِلَيْهِ كَانَ السُّلْطَان فِي خفارة نِيَّته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 فَقَالَ لَهُ جَزَاك الله خيرا عَن إرشادك وَنَصِيحَتِك وَأمر وَالشَّيْخ حَاضر فِي الْوَقْت بِنَقْل دهليزه إِلَى الشرق إِلَى منزلَة يُقَال لَهَا الْقصير فَنقل فِي ذَلِك الْيَوْم ثمَّ قَالَ لَهُ زِدْنِي من نصائحك ووصاياك فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان فِي مثل هَذَا الْمَرَض وَهُوَ على خطر ونوابه يبيحون فروج النِّسَاء ويدمنون الْخُمُور ويرتكبون الْفُجُور ويتنوعون فِي تمكيس الْمُسلمين وَمن أفضل مَا تلقى الله بِهِ أَن تتقدم بِإِبْطَال هَذِه القاذورات وبإبطال كل مكس وَدفع كل مظْلمَة فَتقدم رَحمَه الله للْوَقْت بِإِبْطَال ذَلِك كُله وَقَالَ لَهُ جَزَاك الله عَن دينك وَعَن نصائحك وَعَن الْمُسلمين خيرا وَجمع بيني وَبَيْنك فِي الْجنَّة بمنه وَكَرمه وَأطلق لَهُ ألف دِينَار مصرية فَردهَا عَلَيْهِ وَقَالَ هَذِه اجتماعة لله لَا أكدرها بِشَيْء من الدُّنْيَا وودع الشَّيْخ السُّلْطَان وَمضى إِلَى الْبَلَد وَقد شاع عِنْد النَّاس صُورَة الْمجْلس وتبطيل الْمُنْكَرَات وباشر الشَّيْخ بِنَفسِهِ تبطيل بَعْضهَا ثمَّ لم يمض الصَّالح إِسْمَاعِيل تبطيل الْمُنْكَرَات لِأَنَّهُ كَانَ الْمُبَاشر لتدبير الْملك والسلطنة يَوْمئِذٍ نِيَابَة وَالسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف بعد فِي الْحَيَاة ثمَّ اسْتَقل بِالْملكِ بعده وَكَانَ أعظم مِنْهُ فِي اعْتِقَاد الْحَرْف وَالصَّوْت وَفِي اعْتِقَاده فِي مَشَايِخ الْحَنَابِلَة ثمَّ لم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى قدم السُّلْطَان الْملك الْكَامِل من الديار المصرية بعساكره وجحافله وجيوشه إِلَى دمشق وحاصر أَخَاهُ إِسْمَاعِيل بِدِمَشْق يَسِيرا ثمَّ اصْطلحَ مَعَه وَحضر الشَّيْخ عِنْد السُّلْطَان الْملك الْكَامِل فَأكْرمه غَايَة الْإِكْرَام وَأَجْلسهُ على تكرمته والصالح إِسْمَاعِيل يُشَاهد ذَلِك وَهُوَ وَاقِف على رَأسه فَقَالَ الْملك الْكَامِل للشَّيْخ إِن هَذَا لَهُ غرام برمي البندق فَهَل يجوز لَهُ ذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 فَقَالَ الشَّيْخ بل يحرم عَلَيْهِ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنهُ وَقَالَ إِنَّه يفقىء الْعين وَيكسر الْعظم وَأَعْطَاهُ بعلبك فَتوجه إِلَيْهَا وملكها وَولى الْملك الْكَامِل رَحمَه الله الشَّيْخ تدريس زَاوِيَة الْغَزالِيّ بِجَامِع دمشق وَذكر بهَا النَّاس ثمَّ ولاه قَضَاء دمشق بعد مَا اشْترط عَلَيْهِ الشَّيْخ شُرُوطًا كَثِيرَة وَدخل فِي شُرُوطه ثمَّ عينه للرسالة إِلَى الْخلَافَة المعظمة ثمَّ اختلسته الْمنية رَحمَه الله فَكَانَ بَين موت الْملك الْأَشْرَف وتملك الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل لدمشق ثمَّ تملك الْملك الْكَامِل لدمشق وَمَوته سنة وَكسر ثمَّ تملك الْملك الْجواد دمشق مُدَّة ثمَّ كَاتب الْملك الْجواد الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب رَحمَه الله وَكَانَ بالشرق على أَن ينزل لَهُ عَن دمشق ويعوضه الرقة وَمَا والاها فَفعل لَهُ ذَلِك وَقدم الْملك الصَّالح نجم الدّين رَحمَه الله دمشق وملكها وعامل الشَّيْخ بِأَحْسَن مُعَاملَة ثمَّ توجه بعسكره إِلَى نابلس بعد اتفاقه مَعَ الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل على أَنه يستخدم رجالة من بعلبك وينجده على المصريين فاستخدم الرجالة لنَفسِهِ وخان السُّلْطَان وَكَاتب النواب بِدِمَشْق وَقدم عَلَيْهِم فسلموها إِلَيْهِ فَلَمَّا اتَّصَلت الْأَخْبَار بِالْملكِ الصَّالح نجم الدّين تخلت عَنهُ العساكر وَتَفَرَّقُوا عَنهُ وقصده جمَاعَة من المغتالين فَحمل عَلَيْهِم ونجاه الله مِنْهُم فالتجأ إِلَى الْملك النَّاصِر دَاوُد فَأسرهُ وَأقَام عِنْده مُدَّة ثمَّ أخرجه واصطلح مَعَه على المصريين وَأما الصَّالح إِسْمَاعِيل فَإِنَّهُ كَانَ قد شَاهد مَا اتّفق للشَّيْخ مَعَ الْملك الْأَشْرَف وَمَا عَامله بِهِ فِي آخر الْأَمر من الْإِكْرَام والاحترام ثمَّ شَاهد أَيْضا مَا عَامله بِهِ السُّلْطَان الْملك الْكَامِل رَحمَه الله فولاه الصَّالح إِسْمَاعِيل خطابة دمشق وَبَقِي على ذَلِك مُدَّة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 ثمَّ إِن المصريين حلفوا للْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وكاتبوه بذلك فوصل إِلَيْهِم وَملك الديار المصرية وَسَار فِي أَهلهَا السِّيرَة المرضية فخاف مِنْهُ الصَّالح إِسْمَاعِيل خوفًا مَنعه الْمَنَام وَالطَّعَام وَالشرَاب واصطلح مَعَ الفرنج على أَن ينجدوه على الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وَيسلم إِلَيْهِم صيدا والشقيف وَغير ذَلِك من حصون الْمُسلمين وَدخل الفرنج دمشق لشراء السِّلَاح لِيُقَاتِلُوا بِهِ عباد الله الْمُؤمنِينَ فشق ذَلِك على الشَّيْخ مشقة عَظِيمَة فِي مبايعة الفرنج السِّلَاح وعَلى المتدينين من المتعيشين من السِّلَاح فاستفتوا الشَّيْخ فِي مبايعة الفرنج السِّلَاح فَقَالَ يحرم عَلَيْكُم مُبَايَعَتهمْ لأنكم تتحققون أَنهم يشترونه لِيُقَاتِلُوا بِهِ إخْوَانكُمْ الْمُسلمين وجدد دعاءه على الْمِنْبَر وَكَانَ يَدْعُو بِهِ إِذا فرغ من الْخطْبَتَيْنِ قبل نُزُوله من الْمِنْبَر وَهُوَ اللَّهُمَّ أبرم لهَذِهِ الْأمة أمرا رشدا تعز فِيهِ وليك وتذل فِيهِ عَدوك وَيعْمل فِيهِ بطاعتك وَينْهى فِيهِ عَن معصيتك وَالنَّاس يبتهلون بالتأمين وَالدُّعَاء للْمُسلمين والنصر على أَعدَاء الله الْمُلْحِدِينَ فكاتب أعوان الشَّيْطَان السُّلْطَان بذلك وحرفوا القَوْل وزخرفوه فجَاء كِتَابه باعتقال الشَّيْخ فَبَقيَ مُدَّة معتقلا ثمَّ وصل الصَّالح إِسْمَاعِيل وَأخرج الشَّيْخ بعد محاورات ومراجعات فَأَقَامَ مُدَّة بِدِمَشْق ثمَّ انتزح عَنْهَا إِلَى بَيت الْمُقَدّس فوافاه الْملك النَّاصِر دَاوُد فِي الْفَوْر فَقطع عَلَيْهِ الطَّرِيق وَأَخذه وَأقَام عِنْده بنابلس مُدَّة وَجَرت لَهُ مَعَه خطوب ثمَّ انْتقل إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَأقَام بِهِ مُدَّة ثمَّ جَاءَ الصَّالح إِسْمَاعِيل وَالْملك الْمَنْصُور صَاحب حمص وملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم إِلَى بَيت الْمُقَدّس يقصدون الديار المصرية فسير الصَّالح إِسْمَاعِيل بعض خواصه إِلَى الشَّيْخ بمنديله وَقَالَ لَهُ تدفع منديلي إِلَى الشَّيْخ وتتلطف بِهِ غَايَة التلطف وتستنزله وتعده بِالْعودِ إِلَى مناصبه على أحسن حَال فَإِن وَافَقَك فَتدخل بِهِ عَليّ وَإِن خالفك فاعتقله فِي خيمة إِلَى جَانب خَيْمَتي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 فَلَمَّا اجْتمع الرَّسُول بالشيخ شرع فِي مسايسته وملاينته ثمَّ قَالَ لَهُ بَيْنك وَبَين أَن تعود إِلَى مناصبك وَمَا كنت عَلَيْهِ وَزِيَادَة أَن تنكسر للسُّلْطَان وَتقبل يَده لَا غير فَقَالَ لَهُ وَالله يَا مِسْكين مَا أرضاه أَن يقبل يَدي فضلا أَن أقبل يَده يَا قوم أَنْتُم فِي وَاد وَأَنا فِي وَاد وَالْحَمْد لله الَّذِي عافاني مِمَّا ابتلاكم بِهِ فَقَالَ لَهُ قد رسم لي إِن لم توَافق على مَا يطْلب مِنْك وَإِلَّا اعتقلتك فَقَالَ افعلوا مَا بدالكم فَأَخذه واعتقله فِي خيمة إِلَى جَانب خيمة السُّلْطَان وَكَانَ الشَّيْخ يقْرَأ الْقُرْآن وَالسُّلْطَان يسمعهُ فَقَالَ يَوْمًا لملوك الفرنج تَسْمَعُونَ هَذَا الشَّيْخ الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن قَالُوا نعم قَالَ هَذَا أكبر قسوس الْمُسلمين وَقد حَبسته لإنكاره عَليّ تسليمي لكم حصون الْمُسلمين وعزلته عَن الخطابة بِدِمَشْق وَعَن مناصبه ثمَّ أخرجته فجَاء إِلَى الْقُدس وَقد جددت حَبسه واعتقاله لأجلكم فَقَالَت لَهُ مُلُوك الفرنج لَو كَانَ هَذَا قسيسنا لغسلنا رجلَيْهِ وشربنا مرقتها ثمَّ جَاءَت العساكر المصرية وَنصر الله تَعَالَى الْأمة المحمدية وَقتلُوا عَسَاكِر الفرنج ونجى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الشَّيْخ فجَاء إِلَى الديار المصرية فَأقبل عَلَيْهِ السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب رَحمَه الله وولاه خطابة مصر وقضاءها وفوض إِلَيْهِ عمَارَة الْمَسَاجِد المهجورة بِمصْر والقاهرة وَاتفقَ لَهُ فِي تِلْكَ الولايات عجائب وغرائب ثمَّ عزل نَفسه عَن الحكم فتلطف السُّلْطَان رَحمَه الله فِي رده إِلَيْهِ فباشره مُدَّة ثمَّ عزل نَفسه مِنْهُ مرّة ثَانِيَة وتلطف مَعَ السُّلْطَان فِي إِمْضَاء عَزله لنَفسِهِ فأمضاه وَأبقى جَمِيع نوابه من الْحُكَّام وَكتب لكل حَاكم مِنْهُ تقليدا ثمَّ ولاه تدريس الْمدرسَة الصالحية بِالْقَاهِرَةِ المعزية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 ثمَّ مَاتَ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بالمنصورة رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ مُجَاهِد نَاصِر للدّين ثمَّ وصل ابْنه الْمُعظم توران شاه من الشرق إِلَى الديار المصرية بالمنصورة فملكها وانكسرت الفرنج فِي دولته وعامل الشَّيْخ بِأَحْسَن مُعَاملَة ثمَّ انْتقل إِلَى الله سُبْحَانَهُ فسبحان مَالك الْملك ومقدر الهلك ثمَّ انْقَضى ملك بني أَيُّوب وَكَانَ كأحلام الْقَائِل أَو كظل زائل لَا يغتر بِهِ عَاقل ثمَّ سَارَتْ الدولة إِلَى الأتراك وكل مِنْهُم عَامل الشَّيْخ بِأَحْسَن مُعَاملَة وَلَا سِيمَا السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس ركن الدّين رَحمَه الله فَإِنَّهُ كَانَ يعظمه ويحترمه وَيعرف مِقْدَاره وَيقف عِنْد أَقْوَاله وفتاويه وَأقَام الْخَلِيفَة بِحَضْرَتِهِ وإشارته وَكَانَت وَفَاة الشَّيْخ فِي تَاسِع جُمَادَى الأولى فِي سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة فَحزن عَلَيْهِ كثيرا حَتَّى قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مَا اتّفقت وَفَاة الشَّيْخ إِلَّا فِي دَوْلَتِي وشيع أمراءه وخاصته وأجناده لتشييع جنَازَته وَحمل نعشه وَحضر دَفنه انْتهى مَا ذكره الشَّيْخ شرف الدّين عبد اللَّطِيف ولد الشَّيْخ وَقد حكيناه بجملته لاشْتِمَاله على كثير من أَخْبَار الشَّيْخ رَحمَه الله وَحكي أَن شخصا جَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ رَأَيْتُك فِي النّوم تنشد (وَكنت كذي رجلَيْنِ رجل صَحِيحَة ... وَرجل رمى فِيهَا الزَّمَان فشلت) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 فَسكت سَاعَة ثمَّ قَالَ أعيش من الْعُمر ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سنة فَإِن هَذَا الشّعْر لكثير عزة وَلَا نِسْبَة بيني وَبَينه غير السن أَنا سني وَهُوَ شيعي وَأَنا لست بقصير وَهُوَ قصير وَلست بشاعر وَهُوَ شَاعِر وَأَنا سلمي وَلَيْسَ هُوَ بسلمي لكنه عَاشَ هَذَا الْقدر قلت فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَه رَحمَه الله أنشدنا قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْمُحدثين عز الدّين أَبُو عمر عبد الْعَزِيز بن شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله بن جمَاعَة أيده الله من لَفظه بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بِالْقَاهِرَةِ فِي شهر محرم سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة قَالَ أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام فَخر الدّين عُثْمَان بن بنت أبي سعد من لَفظه قَالَ أنشدنا الشَّيْخ عز الدّين من لَفظه لنَفسِهِ قَالَ أَعنِي ابْن بنت أبي سعد وَلَا يعرف للشَّيْخ عز الدّين من النّظم غَيره قَالَ وَقد أنْشدهُ للطلبة وَقَالَ لَهُم أجيزوه وَهُوَ (لَو كَانَ فيهم من عراه غرام ... مَا عنفوني فِي هَوَاهُ ولاموا) فَأَجَازَهُ الشَّيْخ شمس الدّين عمر بن عبد الْعَزِيز بن الْفضل الأسواني قَاضِي أسوان فَقَالَ (لكِنهمْ جهلوا لذاذة حسنه ... وعلمتها وَلذَا سهرت وناموا) (لَو يعلمُونَ كَمَا علمت حَقِيقَة ... جنحوا إِلَى ذَاك الجناب وهاموا) (أَو لَو بَدَت أنواره لعيونهم ... خروا وَلم تثبت لَهُم أَقْدَام) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 مِنْهَا (فَبَقيت أنظرهُ بِكُل مُصَور ... وَبِكُل ملفوظ بِهِ استعجام) (وَأرَاهُ فِي صافي الجداول إِن جرت ... وَأرَاهُ إِن جاد الرياض غمام) وَمِنْهَا (لم يثنني عَمَّن أحب ذوابل ... سمر وأبيض صارم صمصام) (مولَايَ عز الدّين عز بك الْعلَا ... فخرا فدون حذاك مِنْهُ الْهَام) (لما رَأينَا مِنْك علما لم يكن ... فِي الدَّرْس قُلْنَا إِنَّه إلهام) (جَاوَزت حد الْمَدْح حَتَّى لم يطق ... نظما لفضلك فِي الورى النظام) وَآخِرهَا (فَعَلَيْك يَا عبد الْعَزِيز تَحِيَّة ... وَعَلَيْك يَا عبد الْعَزِيز سَلام) وَأنْشد الأبيات كلهَا للشَّيْخ فِي مجْلِس الدَّرْس وَهُوَ يسمع إِلَيْهَا وَلما قَضَاهَا قَالَ لَهُ أَنْت إِذا فَقِيه شَاعِر ومدحه الأديب أَبُو الْحُسَيْن الجزاز بقصيدة بديعة أَولهَا (سَار عبد الْعَزِيز فِي الحكم سيرا ... لم يسره سوى ابْن عبد الْعَزِيز) (عمنَا حكمه بِفضل بسيط ... شَامِل للورى وَلَفظ وجيز) وَمن تصانيف الشَّيْخ عز الدّين الْقَوَاعِد الْكُبْرَى وَكتاب مجَاز الْقُرْآن وَهَذَانِ الكتابان شَاهِدَانِ بإمامته وعظيم مَنْزِلَته فِي عُلُوم الشَّرِيعَة وَاخْتصرَ الْقَوَاعِد الْكُبْرَى فِي قَوَاعِد صغرى وَالْمجَاز فِي آخر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 وَله كتاب شَجَرَة المعارف حسن جدا وَكتاب الدَّلَائِل الْمُتَعَلّقَة بِالْمَلَائِكَةِ والنبيين عَلَيْهِم السَّلَام والخلق أَجْمَعِينَ بديع جدا وَالتَّفْسِير مُجَلد مُخْتَصر والغاية فِي اخْتِصَار النِّهَايَة دلّت على قدره ومختصر صَحِيح مُسلم ومختصر رِعَايَة المحاسبي وَالْإِمَام فِي أَدِلَّة الْأَحْكَام وَبَيَان أَحْوَال النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وبداية السول فِي تَفْضِيل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفرق بَين الْإِيمَان وَالْإِسْلَام فَوَائِد الْبلوى والمحن الْجمع بَين الْحَاوِي وَالنِّهَايَة وَمَا أَظُنهُ كمل الْفَتَاوَى الموصلية والفتاوى المصرية مَجْمُوع مُشْتَمل على فنون من الْمسَائِل الْفَوَائِد توفّي فِي الْعَاشِر من جُمَادَى الأولى سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 ذكر نخب وفوائد عَن سُلْطَان الْعلمَاء أبي مُحَمَّد سقى الله عَهده قَالَ فِي الْقَوَاعِد الْكُبْرَى لم أَقف على مَا يعْتَمد على مثله فِي كَون الرِّبَا من الْكَبَائِر فَإِن كَونه مطعوما أَو قيمَة الْأَشْيَاء أَو مُقَدرا لَا يقتضى مفْسدَة عَظِيمَة تكون كَبِيرَة لأَجلهَا وَذكر فِي الْقَوَاعِد الصُّغْرَى أَن الْمَلَائِكَة لَا يرَوْنَ رَبهم وَقَالَ فِي الْقَوَاعِد الْكُبْرَى إِذا وجد شَخْصَيْنِ مضطرين متساويين وَمَعَهُ رغيف إِن أطْعمهُ أَحدهمَا عَاشَ يَوْمًا وَمَات الآخر وَإِن فضه عَلَيْهِمَا عَاشَ كل وَاحِد نصف يَوْم فَهَل يجوز أَن يطعمهُ لأَحَدهمَا أم يجب الْقصر الْمُخْتَار أَن تَخْصِيص أَحدهمَا غير جَائِز لِأَن أَحدهمَا قد يكون وليا وَكَذَا لَو كَانَ لَهُ ولدان لَا يقدر إِلَّا على قوت أَحدهمَا يجب الْقصر قلت وأصل التَّرَدُّد فِي هَذَا مَأْخُوذ من تردد إِمَام الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِي النِّهَايَة فِيمَا لَو أَرَادَ أَن يبْذل ثوبا لمن يُصَلِّي فِيهِ وَحضر عاريان وَلَو قسم الْخِرْقَة وشقها يحصل فِي كل وَاحِد بعض السّتْر وَلَو خص أَحدهمَا حصل لَهُ السّتْر الْكَامِل فَإِن الإِمَام قَالَ هَذِه الْمَسْأَلَة مُحْتَملَة قَالَ وَلَعَلَّ الْأَظْهر أَن يستر أَحدهمَا وَإِن أَرَادَ الْإِنْصَاف أَقرع بَينهمَا اه وَلَا يبين مجامعة قَوْله الْأَظْهر ستر أَحدهمَا لقَوْله الْإِنْصَاف الإقراع وَقَالَ إِن من قذف فِي خلوته شخصا بِحَيْثُ لَا يسمعهُ إِلَّا الله والحفظة فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بكبيرة مُوجبَة للحد قلت وَأَنا أسلم لَهُ الحكم وَلَكِنِّي أمنع كَون هَذَا قذفا وَالْقَذْف هُوَ الثلب والرمى وَلَا يحصل بِهَذَا الْقدر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 ذكر الشَّيْخ عز الدّين فِي أَمَالِيهِ أَن الْقَاتِل إِذا نَدم وعزم أَن لَا يعود لكنه امْتنع من تَسْلِيم نَفسه للْقصَاص لم يقْدَح ذَلِك فِي تَوْبَته قَالَ وَهَذَا ذَنْب متجدد بعد الَّذِي عصى بِهِ مُخَالف لما وَقع بِهِ الْعِصْيَان من الْقَتْل وَنحن إِنَّمَا نشترط الإقلاع فِي الْحَال عَن أَمْثَال الْفِعْل الَّذِي وَقع بِهِ الْعِصْيَان قلت وَهَذِه فَائِدَة جليلة وَالظَّاهِر أَن كل قَاتل ينْدَم على كَونه قتل ويستغفر ويعزم أَن لَا يعود وَالظَّاهِر أَيْضا أَنه لَا يسلم نَفسه فصحة تَوْبَته عَن الْقَتْل وَالْحَالة هَذِه لطف وَرَحْمَة فَإِن تَسْلِيم الْمَرْء نَفسه إِلَى الْقَتْل مشق وَقد لَا يُوقف الشَّارِع تَوْبَته على هَذَا الْمشق الْعَظِيم فَلَمَّا قَالَه الشَّيْخ عز الدّين اتجاه لَكِن صرح الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي بِخِلَافِهِ فَقَالَ إِن صِحَة تَوْبَته مَوْقُوفَة على تَسْلِيم نَفسه إِلَى مُسْتَحقّ الْقصاص يقْتَصّ أَو يعْفُو وَبِه جزم الرَّافِعِيّ وَمن بعده قَالُوا يَأْتِي الْمُسْتَحق ويمكنه من الِاسْتِيفَاء فإمَّا أَن يحمل كَلَامهم على صِحَة التَّوْبَة مُطلقًا عَن ذَنْب الْقَتْل وَغَيره بِمَعْنى أَن الْقَاتِل إِذا أَرَادَ التَّوْبَة عَن كل ذَنْب الْقَتْل وَغَيره فَهَذَا طَرِيقه وَإِمَّا أَن ينظر أَي الْكَلَامَيْنِ أصح وَبِالْجُمْلَةِ مَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام عز الدّين مستغرب تنبو عَنهُ ظواهر مَا فِي كتب أَصْحَابنَا وَله اتجاه ظَاهر فَلْينْظر فِيهِ فَإِنِّي لم أشبعه نظرا والأرجح عِنْدِي مَا قَالَه الشَّيْخ عز الدّين لكنه تَرْجِيح من لم يسْتَوْف النّظر فَلَا يعْتَمد ثمَّ ننصرف ونقول هُنَا لَو صدقت تَوْبَة الْقَاتِل وهاجت نيران الْمعْصِيَة فِي قلبه لسلم نَفسه وَلَو سلمهَا لسلمه الله تَعَالَى وَقدر لوَلِيّ الدَّم أَن يعْفُو عَنهُ هَذَا هُوَ المرجو الَّذِي يَقع فِي النَّفس قَالَ الشَّيْخ عز الدّين فِي الْقَوَاعِد يَنْبَغِي أَن يُؤَخر الصَّلَاة عَن أول الْوَقْت بِكُل مشوش يُؤَخر الْحَاكِم الحكم بِمثلِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 وَقَالَ فِيهَا أَيْضا الْقطع بِالسَّرقَةِ يكفر مَا يتَعَلَّق بِربع دِينَار فَقَط وَلَا يكفر الزَّائِد وَقَالَ فِيهَا أَيْضا الْغَالِب فِي الْجِهَاد أفضل من الْقَتِيل وَهَذِه الْمسَائِل الثَّلَاث مليحة ظَاهِرَة الحكم لَا يَنْبَغِي أَن يطرقها خلاف شرح حَال صَلَاة الرغائب وَمَا اتّفق فِيهَا بَين الشَّيْخَيْنِ سُلْطَان الْعلمَاء أبي مُحَمَّد بن عبد السَّلَام والحافظ أبي عَمْرو بن الصّلاح وَقد كَانَ ابْن الصّلاح أفتى بِالْمَنْعِ مِنْهَا ثمَّ صمم على خِلَافه وَأما سُلْطَان الْعلمَاء فَلم يبرح على الْمَنْع قَالَ سُلْطَان الْعلمَاء أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ الْحَمد لله الأول الَّذِي لَا يُحِيط بِهِ وصف واصف وَالْآخر الَّذِي لَا تحويه معرفَة عَارِف جلّ رَبنَا عَن التَّشْبِيه بخلقه وكل خلقه عَن الْقيام بِحقِّهِ أَحْمَده على نعمه وإحسانه وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ فِي سُلْطَانه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث بحججه وبرهانه صلى الله عَلَيْهِ وعَلى أَله وَأَصْحَابه وإخوانه أما بعد فَإِن الْبِدْعَة ثَلَاثَة أضْرب أَحدهَا مَا كَانَ مُبَاحا كالتوسع فِي المآكل والمشارب والملابس والمناكح فَلَا بَأْس بِشَيْء من ذَلِك الضَّرْب الثَّانِي مَا كَانَ حسنا وَهُوَ كل مُبْتَدع مُوَافق لقواعد الشَّرِيعَة غير مُخَالف لشَيْء مِنْهَا كَصَلَاة التَّرَاوِيح وَبِنَاء الرَّبْط والخانات والمدارس وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْبر الَّتِي لم تعهد فِي الصَّدْر الأول فَإِنَّهُ مُوَافق لما جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَة من اصطناع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 الْمَعْرُوف والمعاونة على الْبر وَالتَّقوى وَكَذَلِكَ الِاشْتِغَال بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ مُبْتَدع وَلَكِن لَا يَتَأَتَّى تدبر الْقُرْآن وَفهم مَعَانِيه إِلَّا بِمَعْرِِفَة ذَلِك فَكَانَ ابتداعه مُوَافقا لما أمرنَا بِهِ من تدبر آيَات الْقُرْآن وَفهم مَعَانِيه وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيث وتدوينها وتقسيمها إِلَى الْحسن وَالصَّحِيح والموضوع والضعيف مُبْتَدع حسن لما فِيهِ من حفظ كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يدْخلهُ مَا لَيْسَ فِيهِ أَو يخرج مِنْهُ مَا هُوَ فِيهِ وَكَذَلِكَ تأسيس قَوَاعِد الْفِقْه وأصوله وكل ذَلِك مُبْتَدع حسن مُوَافق لأصول الشَّرْع غير مُخَالف لشَيْء مِنْهَا الضَّرْب الثَّالِث مَا كَانَ مُخَالفا للشَّرْع أَو مُلْتَزما لمُخَالفَة الشَّرْع فَمن ذَلِك صَلَاة الرغائب فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكذب عَلَيْهِ ذكر ذَلِك أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد الطرطوشي إِنَّهَا لم تحدث بِبَيْت الْمُقَدّس إِلَّا بعد ثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة من الْهِجْرَة وَهِي مَعَ ذَلِك مُخَالفَة للشَّرْع من وُجُوه يخْتَص الْعلمَاء بِبَعْضِهَا وَبَعضهَا يعم الْعَالم وَالْجَاهِل فَأَما مَا يخْتَص بِهِ الْعلمَاء فضربان أَحدهمَا أَن الْعَالم إِذا صلاهَا كَانَ موهما للعامة أَنَّهَا من السّنَن فَيكون كَاذِبًا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَان الْحَال ولسان الْحَال قد يقوم مقَام لِسَان الْمقَال الثَّانِي أَن الْعَالم إِذا فعلهَا كَانَ متسببا إِلَى أَن تكذب الْعَامَّة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيقولوا هَذِه سنة من السّنَن والتسبب إِلَى الْكَذِب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجوز وَأما مَا يعم الْعَالم وَالْجَاهِل فَهِيَ وُجُوه أَحدهَا أَن فعل المبتدع مِمَّا يُقَوي المبتدعين الواضعين على وَضعهَا وافترائها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 والإغراء بِالْبَاطِلِ والإعانة عَلَيْهِ مَمْنُوع فِي الشَّرْع واطراح الْبدع والموضوعات زاجر عَن وَضعهَا وابتداعها والزجر عَن الْمُنْكَرَات من أَعلَى مَا جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَة الثَّانِي أَنَّهَا مُخَالفَة لسنة السّكُون فِي الصَّلَاة من جِهَة أَن فِيهَا تعديد سُورَة الْإِخْلَاص اثْنَتَيْ عشرَة مرّة وتعديد سُورَة الْقدر وَلَا يَتَأَتَّى عده فِي الْغَالِب إِلَّا بتحريك بعض أَعْضَائِهِ فيخالف السّنة فِي تسكين أَعْضَائِهِ الثَّالِث أَنَّهَا مُخَالفَة لسنة خشوع الْقلب وخضوعه وحضوره فِي الصَّلَاة وتفريغه لله وملاحظة جَلَاله وكبريائه وَالْوُقُوف على مَعَاني الْقِرَاءَة والأذكار فَإِنَّهُ إِذا لاحظ عدد السُّور بِقَلْبِه كَانَ ملتفتا عَن الله معرضًا عَنهُ بِأَمْر لم يشرعه فِي الصَّلَاة والالتفات بِالْوَجْهِ قَبِيح شرعا فَمَا الظَّن بالالتفات عَنهُ بِالْقَلْبِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود الْأَعْظَم الرَّابِع أَنَّهَا مُخَالفَة لسنة النَّوَافِل فَإِن السّنة فِيهَا أَن فعلهَا فِي الْبيُوت أفضل من فعلهَا فِي الْمَسَاجِد إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْع كَصَلَاة الاسْتِسْقَاء والكسوف وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الرجل فِي بَيته أفضل من صلَاته فِي الْمَسْجِد إِلَّا الْمَكْتُوبَة الْخَامِس أَنَّهَا مُخَالفَة لسنة الِانْفِرَاد بالنوافل فَإِن السّنة فِيهَا الِانْفِرَاد إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْع وَلَيْسَت هَذِه الْبِدْعَة المختلقة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ السَّادِس أَنَّهَا مُخَالفَة للسّنة فِي تَعْجِيل الْفطر إِذْ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزَال أمتِي بِخَير مَا عجلوا الْفطر وأخروا السّحُور السَّابِع أَنَّهَا مُخَالفَة للسّنة فِي تَفْرِيغ الْقلب عَن الشواغل المقلقة قبل الدُّخُول فِي الصَّلَاة فَإِن هَذِه الصَّلَاة يدْخل فِيهَا وَهُوَ جوعان ظمآن وَلَا سِيمَا فِي أَيَّام الْحر الشَّديد والصلوات المشروعات لَا يدْخل فِيهَا مَعَ وجود شاغل يُمكن دَفعه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 الثَّامِن أَن سجدتيها مكروهتان فَإِن الشَّرِيعَة لم ترد بالتقرب إِلَى الله سُبْحَانَهُ بِسَجْدَة مُنْفَرِدَة لَا سَبَب لَهَا فَإِن الْقرب لَهَا أَسبَاب وشرائط وأوقات وأركان لَا تصح بِدُونِهَا فَكَمَا لَا يتَقرَّب إِلَى الله بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَة ومزدلفة وَرمي الْجمار وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة من غير نسك وَاقع فِي وقته بأسبابه وشرائطه فَكَذَلِك لَا يتَقرَّب إِلَى الله عز وَجل بِسَجْدَة مُنْفَرِدَة وَإِن كَانَت قربَة إِلَّا إِذا كَانَ لَهَا سَبَب صَحِيح وَكَذَلِكَ لَا يتَقرَّب إِلَى الله عز وَجل بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام فِي كل وَقت وَأَوَان وَرُبمَا تقرب الجاهلون إِلَى الله بِمَا هُوَ مبعد عَنهُ من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ التَّاسِع لَو كَانَت السجدتان مشروعتين لَكَانَ مُخَالفا للسّنة فِي خشوعهما وخضوعهما لما يشْتَغل بِهِ من عدد التَّسْبِيح فيهمَا بباطنه أَو ظَاهره أَو بهما الْعَاشِر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تخصوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي وَلَا تخصوا يَوْم الْجُمُعَة بصيام من بَين الْأَيَّام إِلَّا أَن يكون فِي صَوْم يَصُومهُ أحدكُم وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم بن الْحجَّاج فِي صَحِيحه الْحَادِي عشر أَن فِي ذَلِك مُخَالفَة السّنة فِيمَا اخْتَارَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أذكار السُّجُود فَإِنَّهُ لما نزل قَول الله تَعَالَى {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ وَقَوله سبوح قدوس وَإِن صحت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَصح أَنه أفردها بِدُونِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَلَا أَنه وظفها على أمته وَمن الْمَعْلُوم أَنه لَا يوظف إِلَّا الأولى من الذكرين وَفِي قَوْله سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى من الثَّنَاء مَا لَيْسَ فِي قَوْله سبوح قدوس وَمِمَّا يدل على ابتداع هَذِه الصَّلَاة أَن الْعلمَاء الَّذين هم أَعْلَام الدّين وأئمة الْمُسلمين من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعين وَغَيرهم وَمن دون الْكتب فِي الشَّرِيعَة مَعَ شدَّة حرصهم على تَعْلِيم النَّاس الْفَرَائِض وَالسّنَن لم ينْقل عَن أحد مِنْهُم أَنه ذكر هَذِه الصَّلَاة وَلَا دونهَا فِي كِتَابه وَلَا تعرض لَهَا فِي مجالسه وَالْعَادَة تحيل أَن يكون مثل هَذِه سنة وتغيب عَن هَؤُلَاءِ الَّذين هم أَعْلَام الدّين وقدوة الْمُؤمنِينَ وهم الَّذين إِلَيْهِم الرُّجُوع فِي جَمِيع الْأَحْكَام من الْفَرَائِض وَالسّنَن والحلال وَالْحرَام وَهَذِه الصَّلَاة لَا يُصليهَا أهل الْمغرب الَّذين شهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لطائفة مِنْهُم أَنهم لَا يزالون على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة وَكَذَلِكَ لَا تفعل بالإسكندرية لتمسكهم بِالسنةِ وَلما صَحَّ عِنْد السُّلْطَان الْملك الْكَامِل رَحمَه الله أَنَّهَا من الْبدع المفتراة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبطلها من الديار المصرية فطوبى لمن تولى شَيْئا من أُمُور الْمُسلمين فَأَعَانَ على إماتة الْبدع وإحياء السّنَن وَلَيْسَ لأحد أَن يسْتَدلّ بِمَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الصَّلَاة خير مَوْضُوع فَإِن ذَلِك مُخْتَصّ بِصَلَاة مَشْرُوعَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 1184 - عبد الْعَزِيز بن عبد الْكَرِيم بن عبد الْكَافِي الشَّيْخ صائن الدّين الهمامي الجيلي شَارِح التَّنْبِيه ذكر فِي آخِره أَنه فرغ من تصنيفه فِي يَوْم الثُّلَاثَاء الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة وَهَذَا الشَّرْح الْمَشْهُور أَصْغَر من شَرحه على التَّنْبِيه شرح أكبر مِنْهُ لخص مِنْهُ هَذَا وَشرح الْوَجِيز أَيْضا وَكَلَامه كَلَام عَارِف بِالْمذهبِ غير أَن فِي شَرحه غرائب من أجلهَا شاع بَين الطّلبَة أَن فِي نَقله ضعفا وَكَانَ ابْن الرّفْعَة ينْقل عَنهُ فِي الْكِفَايَة ثمَّ أضْرب عَن ذكره فِي الْمطلب على أَن الجيلي قَالَ فِي خطبَته لَا يُبَادر النَّاظر بالإنكار عَليّ إِلَّا بعد مطالعة الْكتب الْمَذْكُورَة وَكَانَ قد ذكر أَنه لخص الشَّرْح من الْوَسِيط والبسيط والشامل والتهذيب والتجريد وَالْخُلَاصَة والحلية وَالْحَاوِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 والشافي وَالْكَافِي والتتمة وَالنِّهَايَة ومختصرها وبحر الْمَذْهَب والإفصاح والإبانة وَشرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ والمستظهري وَالْمُحِيط وَالتَّلْخِيص وَالْبَيَان وَشرح الْبَيْضَاوِيّ وتبصرة الْجُوَيْنِيّ وتحرير الْجِرْجَانِيّ وَالْمُحَرر ومهذب أبي الْفَيَّاض الْبَصْرِيّ وَغَيرهَا هَذَا كَلَامه قلت وَفِيمَا ذكر مَا لم أعرفهُ وَهُوَ الْمُحَرر فإنني لَا أعرف فِي الْمَذْهَب كتابا اسْمه الْمُحَرر وقف عَلَيْهِ الجيلي وَشرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ لَا أعرفهُ فَإِن أَكثر المبسوطات شُرُوح الْمُخْتَصر ومهذب أبي الْفَيَّاض الْبَصْرِيّ لَا أعرفهُ أَيْضا 1185 - عبد الْعَزِيز بن عدي بن عبد الْعَزِيز الْبَلَدِي الْموصِلِي القَاضِي عز الدّين أَبُو الْعِزّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 1186 - عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبد المحسن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن خلف شيخ الشُّيُوخ شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد الْحَمَوِيّ الأديب الماهر الشَّاعِر المفلق ولد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة بِدِمَشْق وتفقه على جمَاعَة وَكَانَ من أذكياء بني آدم وَسمع من ابْن كُلَيْب وَمن أبي الْيمن الْكِنْدِيّ وَبِه تأدب وَأبي أَحْمد ابْن سكينَة وَيحيى بن الرّبيع الْفَقِيه وَغَيرهم وبرع فِي الْفِقْه وَالشعر وَحدث كثيرا روى عَنهُ الدمياطي وَأَبُو الْحُسَيْن اليونيني وَأَبُو الْعَبَّاس بن الظَّاهِرِيّ وَشَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة وَخلق توفّي فِي ثامن رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة أنشدنا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين فِي كِتَابه عَنهُ فِيمَا قَالَه من مستحسن شعره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 1187 - عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي بن عبد الله بن سَلامَة ابْن سعد الْمُنْذِرِيّ الْحَافِظ الْكَبِير الْوَرع الزَّاهِد زكي الدّين أَبُو مُحَمَّد الْمصْرِيّ ولي الله والمحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والفقيه على مَذْهَب ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترتجى الرَّحْمَة بِذكرِهِ وَيُسْتَنْزَلُ رضَا الرَّحْمَن بدعائه كَانَ رَحمَه الله قد أُوتِيَ بالمكيال الأوفى من الْوَرع وَالتَّقوى والنصيب الوافر من الْفِقْه وَأما الحَدِيث فَلَا مراء فِي أَنه كَانَ أحفظ أهل زَمَانه وَفَارِس أقرانه لَهُ الْقدَم الراسخ فِي معرفَة صَحِيح الحَدِيث من سقيمه وَحفظ أَسمَاء الرِّجَال حفظ مفرط الذكاء عظيمه والخبرة بأحكامه والدراية بغريبه وَإِعْرَابه وَاخْتِلَاف كَلَامه ولد فِي غرَّة شعْبَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة تفقه على الإِمَام أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقرشِي بن الْوراق وَسمع من أبي عبد الله الأرتاحي وَعبد الْمُجيب بن زُهَيْر وَمُحَمّد بن سعيد المأموني والمطهر بن أبي بكر الْبَيْهَقِيّ وَرَبِيعَة اليمني الْحَافِظ والحافظ الْكَبِير عَليّ بن الْمفضل الْمَقْدِسِي وَبِه تخرج وَسمع بِمَكَّة من أبي عبد الله بن الْبناء وطبقته وبدمشق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 من عمر بن طبرزد وَمُحَمّد بن وهب بن الزنف وَالْخضر بن كَامِل وَأبي الْيمن الْكِنْدِيّ وَخلق وَسمع بحران والرها والإسكندرية وَغَيرهَا وتفقه وصنف شرحا على التَّنْبِيه وَله مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد وحواشيه كتاب مُفِيد ومختصر صَحِيح مُسلم وَخرج لنَفسِهِ معجما كَبِيرا مُفِيدا وانتقى وَخرج كثيرا وَأفَاد النَّاس وَبِه تخرج الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي وَإِمَام الْمُتَأَخِّرين تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد والشريف عز الدّين وَطَائِفَة وعمت عَلَيْهِم بركته وَقد سمعنَا الْكثير ببلبيس على أبي الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن سيف بإجازته مِنْهُ قَالَ الذَّهَبِيّ وَمَا كَانَ فِي زَمَانه أحفظ مِنْهُ قلت وَأما ورعه فأشهر من أَن يحْكى وَقد درس بِالآخِرَة فِي دَار الحَدِيث الكاملية وَكَانَ لَا يخرج مِنْهَا إِلَّا لصَلَاة الْجُمُعَة حَتَّى إِنَّه كَانَ لَهُ ولد نجيب مُحدث فَاضل توفاه الله تَعَالَى فِي حَيَاته ليضاعف لَهُ فِي حَسَنَاته فصلى عَلَيْهِ الشَّيْخ دَاخل الْمدرسَة وشيعه إِلَى بَابهَا ثمَّ دَمَعَتْ عَيناهُ وَقَالَ أودعتك يَا وَلَدي لله وفارقه سَمِعت أبي رَضِي الله عَنهُ يَحْكِي ذَلِك وسمعته أَيْضا يَحْكِي عَن الْحَافِظ الدمياطي أَن الشَّيْخ مرّة خرج من الْحمام وَقد أَخذ مِنْهُ حرهَا فَمَا أمكنه الْمَشْي فاستلقى على الطَّرِيق إِلَى جَانب حَانُوت فَقَالَ لَهُ الدمياطي يَا سَيِّدي أما أقعدك على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 مصطبة الْحَانُوت وَكَانَ الْحَانُوت مغلقا فَقَالَ فِي الْحَال وَهُوَ فِي تِلْكَ الشدَّة بِغَيْر إِذن صَاحبه كَيفَ يكون وَمَا رَضِي وَسمعت أبي رَضِي الله عَنهُ أَيْضا يَحْكِي أَن شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام كَانَ يسمع الحَدِيث قَلِيلا بِدِمَشْق فَلَمَّا دخل الْقَاهِرَة بَطل ذَلِك وَصَارَ يحضر مجْلِس الشَّيْخ زكي الدّين وَيسمع عَلَيْهِ فِي جملَة من يسمع وَلَا يسمع وَأَن الشَّيْخ زكي الدّين أَيْضا ترك الْفتيا وَقَالَ حَيْثُ دخل الشَّيْخ عز الدّين لَا حَاجَة بِالنَّاسِ إِلَيّ وَمن شعره (اعْمَلْ لنَفسك صَالحا لَا تحتفل ... بِظُهُور قيل فِي الْأَنَام وَقَالَ) (فالخلق لَا يُرْجَى اجْتِمَاع قُلُوبهم ... لَا بُد من مثن عَلَيْك وَقَالَ) توفّي فِي الرَّابِع من ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَهِي السّنة الْمُصِيبَة بأعظم المصائب المحيطة بِمَا فعلت من المعائب المقتحمة أعظم الجرائم الواثبة على أقبح العظائم الفاعلة بِالْمُسْلِمين كل قَبِيح وعار النَّازِلَة عَلَيْهِم بالكفار المسمين بالتتار وَلَا بَأْس بشرح وَاقعَة التتار على الِاخْتِصَار وحكاية كائنة بَغْدَاد لتعتبر بهَا البصائر وتشخص عِنْدهَا الْأَبْصَار وليجري الْمُسلمُونَ على ممر الزَّمَان دموعهم دَمًا وليدري المؤرخون بِأَنَّهُم مَا سمعُوا بِمِثْلِهَا وَاقعَة جعلت السَّمَاء أَرضًا وَالْأَرْض سما فَنَقُول استهلت سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَخَلِيفَة الْمُسلمين إِذْ ذَاك أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعصم بِاللَّه الإِمَام أَبُو أَحْمد عبد الله الشَّهِيد بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي جَعْفَر الْمَنْصُور بن الظَّاهِر بِأَمْر الله أبي النَّصْر مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن المستضيء بِاللَّه أبي مُحَمَّد الْحسن ابْن الإِمَام المستنجد بِاللَّه أبي المظفر يُوسُف ابْن الإِمَام المقتفي لأمر الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن الإِمَام المستظهر بِاللَّه أَحْمد ابْن الإِمَام الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله أبي الْقَاسِم عبد الله ابْن الْأَمِير ذخيرة الدّين أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد ابْن الإِمَام الْقَائِم بِأَمْر الله أبي جَعْفَر عبد الله ابْن الإِمَام الْقَادِر بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن ولي الْعَهْد الْأَمِير إِسْحَاق ابْن الإِمَام المقتدر بِاللَّه أبي الْفضل جَعْفَر ابْن الإِمَام المعتضد بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن ولي الْعَهْد أبي أَحْمد طَلْحَة الْمُوفق بِاللَّه ابْن الإِمَام المتَوَكل على الله جَعْفَر ابْن الإِمَام المعتصم بِاللَّه أبي اسحاق مُحَمَّد ابْن الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ هَارُون الرشيد ابْن الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي بِاللَّه أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن الإِمَام الْمَنْصُور أبي جَعْفَر عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أخي أول خلفاء الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الْعَبَّاس عبد الله السفاح بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس عَم الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَكَانَ الْمُسْتَنْصر وَالِد المستعصم ذَا همة عالية وشجاعة وافرة وَنَفس أبيَّة وَعِنْده إقدام عَظِيم واستخدم جيوشا كَثِيرَة وعساكر عَظِيمَة وَكَانَ لَهُ أَخ يعرف بالخفاجي يزِيد عَلَيْهِ فِي الشجَاعَة والشهامة وَكَانَ يَقُول إِن ملكنى الله الأَرْض لأعبرن بالجيوش نهر جيحون وانتزع الْبِلَاد من التتار وأستأصلهم فَلَمَّا توفّي الْمُسْتَنْصر كَانَ الدويدار والشرابي أكبر الْأُمَرَاء وأعظمهم قدرا فَلم يريَا تَقْلِيد الخفاجي الْأَمر خوفًا مِنْهُ وآثروا المستعصم علما مِنْهُمَا بلينه وانقياده وَضعف رَأْيه لتَكون لَهما الْكِبْرِيَاء فأقاموه واستوزر مؤيد الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ العلقمي وَكَانَ فَاضلا أديبا وَكَانَ شِيعِيًّا رَافِضِيًّا فِي قلبه غل على الْإِسْلَام وَأَهله وحبب إِلَى الْخَلِيفَة جمع المَال والتقليل من العساكر فَصَارَ الْجند يطْلبُونَ من يستخدمهم فِي حمل القاذورات وَمِنْهُم من يكاري على فرسه ليصلوا إِلَى مَا يتقوتون بِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 وَكَانَ ابْن العلقمي معاديا للأمير أبي بكر بن الْخَلِيفَة وللدويدار لِأَنَّهُمَا كَانَا من أهل السّنة ونهبا الكرخ بِبَغْدَاد حِين سمعا عَن الروافض أَنهم تعرضوا لأهل السّنة وفعلا بالروافض أمورا عَظِيمَة وَلم يتَمَكَّن الْوَزير من مدافعتهما لتمكنهما فأضمر فِي نَفسه الغل وتحيل فِي مُكَاتبَة التتار وتهوين أَمر الْعرَاق عَلَيْهِم وتحريضهم على أَخذهَا وَوصل من تحيله فِي الْمُكَاتبَة إِلَيْهِم أَنه حلق رَأس شخص وَكتب عَلَيْهِ بِالسَّوَادِ وَعمل على ذَلِك دَوَاء صَار الْمَكْتُوب فِيهِ كل حرف كالحفرة فِي الرَّأْس ثمَّ تَركه عِنْده حَتَّى طلع شعره وأرسله إِلَيْهِم وَكَانَ مِمَّا كتبه على رَأسه إِذا قَرَأْتُمْ الْكتاب فاقطعوه فوصل إِلَيْهِم فحلقوا رَأسه وقرءوا مَا كتبه ثمَّ قطعُوا رَأس الرَّسُول وَكتب الْوَزير إِلَى نَائِب الْخَلِيفَة بإربل وَهُوَ تَاج الدّين مُحَمَّد بن صلايا وَهُوَ أَيْضا شيعي رِسَالَة يَقُول فِيهَا نهب الكرخ المكرم والعترة العلوية وَحسن التَّمْثِيل بقول الشَّاعِر (أُمُور تضحك السُّفَهَاء مِنْهَا ... ويبكى من عواقبها اللبيب) فَلهم أُسْوَة بالحسين حَيْثُ نهب حريمه وأريق دَمه (أَمرتهم أمرى بمنعرج اللوى ... فَلم يستبينوا الرشد إلاضحى الْغَد) وَقد عزموا لَا أتم الله عزمهم وَلَا أنفذ أَمرهم على نهب الْحلَّة والنيل بل سَوَّلت لَهُم أنفسهم أمرا فَصَبر جميل وَالْخَادِم قد أسلف الْإِنْذَار وَعجل لَهُم الْإِعْذَار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 (أرى تَحت الرماد وميض نَار ... ويوشك أَن يكون لَهَا ضرام) (وَإِن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام) (فَقلت من التَّعَجُّب لَيْت شعرى ... أيقظان أُميَّة أم نيام) (فَإِن يَك قَومنَا أضحوا نياما ... فَقل هبوا لقد حَان الْحمام) قلت وَهَذِه الأبيات كلهَا فِي غَايَة الْحسن خَاطب بهَا علوان بن الْمقنع أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهِي (أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْك مني ... سَلام الله مَا ناح الْحمام) (تَحِيَّة حَافظ للْعهد رَاع ... كنشر الرَّوْض باكره الْغَمَام) (أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أَن يكون لَهُ ضرام) (فَإِن النَّار بالعودين تذكى ... وَإِن الْحَرْب أَوله كَلَام) (وَإِن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام) (فَقل لبني أُميَّة لَيْت شعرى ... أيقضان أُميَّة أم نيام) (وَقد ظهر الْخُرَاسَانِي مَعَه ... بَنو الْعَبَّاس والجيش اللهام) (فَإِن لم تجمعُوا جَيْشًا يضيق الْعرَاق ... بِهِ عَلَيْهِم والشآم) (فلاقوهم كَمَا لَاقَى عليا ... بصفين مُعَاوِيَة الْهمام) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 (وَكَانَ عَليّ أقوى مِنْهُ عزما ... وَأَعْلَى رُتْبَة وَهُوَ الإِمَام) (وَلَا يأخذكم حذر وَخَوف ... فَمَا يغنى إِذا حام الْحمام) (فَإِن كَانَت لكم يَوْمًا عَلَيْهِم ... فَذَاك الْقَصْد وَانْقطع الْكَلَام) (وَإِن ظفروا فَمَا تحمى حَرِيم ... لكم عَنْهُم وَلَا الْبَيْت الْحَرَام) (وَلَا بمقام إِبْرَاهِيم تعطوا ... أَمَانًا مِنْهُم وَهُوَ الْمقَام) (فموتوا فِي ظُهُور الْخَيل صبرا ... كَمَا قد مَاتَ قبلكُمْ الْكِرَام) (وَلَا تتدرعوا أَثوَاب ذل ... وعار قد تدرعها اللئام) (فَإِن الضيم لَا صَبر عَلَيْهِ ... لمن شهِدت بسؤدده الْأَنَام) (وَتلك وَصِيَّة من ذِي وَلَاء ... لَهُ فِي حفظ عهدكم ذمام) (وَإِلَّا فَهُوَ يقتلكم جَمِيعًا ... وَيهْلك مَا لديكم وَالسَّلَام) فَكَانَ جوابي بعد خطابي لَا بُد من الشنيعة بعد قتل جَمِيع الشِّيعَة وَمن إحراق كتاب الْوَسِيلَة والذريعة فَكُن لما نقُول سميعا وَإِلَّا جرعناك الْحمام تجريعا إِلَى أَن يَقُول فلأفعلن بلبي كَمَا قَالَ المتنبي (قوم إِذا أخذُوا الأقلام من غضب ... ثمَّ استمروا بهَا مَاء المنيات) (نالوا بهَا من أعاديهم وَإِن بعدوا ... مَا لَا ينَال بِحَدّ المشرفيات) ولآتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا ولأخرجنهم مِنْهَا أَذِلَّة وهم صاغرون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 (ووديعة من سر آل مُحَمَّد ... أودعتها إِذْ كنت من أمنائها) (فَإِذا رَأَيْت الكوكبين تقاربا ... فِي الجدى عِنْد صباحها ومسائها) (فهناك يُؤْخَذ ثار آل مُحَمَّد ... لطلابها بِالتّرْكِ من أعدائها) فَكُن لهَذَا الْأَمر بالمرصاد وترقب أول النَّحْل وَآخر صَاد ذكر أُمُور كَانَت مُقَدمَات لهَذِهِ الْوَاقِعَة لما كَانَ الْخَامِس من جُمَادَى الْآخِرَة من هَذِه السّنة كَانَ ظُهُور النَّار بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَقبلهَا بليلتين ظهر دوى عَظِيم ثمَّ زَلْزَلَة عَظِيمَة ثمَّ ظَهرت تِلْكَ النَّار فِي الْحرَّة قَرِيبا من قُرَيْظَة يبصرها أهل الْمَدِينَة من الدّور وسالت أَوديَة مِنْهَا بالنَّار إِلَى وَادي شظا سيل المَاء وسالت الْجبَال نيرانا وسارت نَحْو طَرِيق الْحَاج الْعِرَاقِيّ فوقفت وَأخذت تَأْكُل الأَرْض أكلا وَلها كل يَوْم صَوت عَظِيم من آخر اللَّيْل إِلَى ضحوة واستغاث النَّاس بِنَبِيِّهِمْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقلعوا عَن الْمعاصِي واستمرت النَّار فَوق الشَّهْر وَهِي مِمَّا أخبر بهَا الْمُصْطَفى صلوَات الله عَلَيْهِ حَيْثُ يَقُول لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 تخرج نَار من أَرض الْحجاز تضىء أَعْنَاق الْإِبِل ببصرى وَقد حكى غير وَاحِد مِمَّن كَانَ ببصرى بِاللَّيْلِ وَرَأى أَعْنَاق الْإِبِل فِي ضوئها غرق بَغْدَاد زَاد الدجلة زِيَادَة مهولة فغرق خلق كثير من أهل بَغْدَاد وَمَات خلق تَحت الْهدم وَركب النَّاس فِي المراكب واستغاثوا بِاللَّه وعاينوا التّلف وَدخل المَاء من أسوار الْبَلَد وانهدمت دَار الْوَزير وثلثمائة وَثَمَانُونَ دَارا وانهدم مخزن الْخَلِيفَة وَهلك شَيْء كثير من خزانَة السِّلَاح حريق الْمَسْجِد النَّبَوِيّ الشريف وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة مستهل شهر رَمَضَان احْتَرَقَ مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ابْتِدَاء حريقه من زاويته الغربية فأحرقت سقوفه كلهَا وذاب رصاصها وَوَقع بعض أساطينه وَاحْتَرَقَ سقف الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 ذكر خُرُوج هولاكو بن قان تولى بن جنكزخان اجْتمع هُوَ وعساكره الَّتِى لَا يُحْصى عَددهَا وَلَا يدْرك مددها وَلَا يعدد عَددهَا وَلَا يدْرك وَإِن تَأمل الطّرف أمدها فِي مجْلِس المشورة وَاتَّفَقُوا على الْخُرُوج فِي يَوْم مَعْلُوم فَسَار فِي المغول من الأردو على مهله يقتلع القلاع وَيملك الْحُصُون وأطاع الله لَهُ الْبِلَاد والعباد وَصَارَ لَا يصبح يَوْم إِلَّا وسعده فِي ازدياد حَتَّى إِنَّه حلق فِي يَوْم على صيد فاصطاد ثَمَانِيَة من السبَاع فَأَنْشد بَعضهم إِذْ ذَاك (من كَانَ يصطاد فِي يَوْم ثَمَانِيَة ... من الضراغم هَانَتْ عِنْده الْبشر) وَملك قلاع الإسماعيلية كلهَا وَجَمِيع بِلَاد الرّوم وَصَارَ لَا يمر بِمَدِينَة إِلَّا وصاحبها بَين أَمريْن إِمَّا مُطِيع فَيقدم إِلَى مخيم هولاكو وَهُوَ مخيم عَظِيم المنظر كَبِير الحشمة مَعْمُول من الأطلس الأخمر تحتوشه جنود القندس والقاقم فَيقبل الأَرْض وينعم عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ رَأْيه ثمَّ يخرب بِلَاده الَّتِي كَانَ فِيهَا ويصيرها قاعا صفصفا على قَاعِدَة جده جنكزخان وَيكون المتولى لخرابها هُوَ ذَلِك الْملك وَإِمَّا عَاص وَقل وجدان ذَلِك فَلَا يعْصى عَلَيْهِ غير سَاعَات مَعْدُودَة ثمَّ يُحِيط بِهِ الْقَضَاء الْمَقْدُور ويحول بَين رَأسه وعنقه الصارم الْمَشْهُور الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 وتوجهت الْمُلُوك على اخْتِلَاف ندائها وَامْتِنَاع سلطانها وَعظم مَكَانهَا إِلَى عتباته فَمنهمْ من أَمنه وَأَعْطَاهُ فرمانا ورجعه إِلَى بَلَده وَمِنْهُم من فعل بِهِ غير ذَلِك على مَا يَقْتَضِيهِ البأساء الَّتِي أخبر عَنْهَا شَيْطَان جده وابتدعها من عِنْده كل ذَلِك والخليفة غافل عَمَّا يُرَاد بِهِ ثمَّ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بوصول هولاكو إِلَى أذربيجان بِقصد الْعرَاق وَكَاتب صَاحب الْموصل لُؤْلُؤ الْخَلِيفَة يستنهضه فِي الْبَاطِن وَمَا وَسعه إِلَّا مداراة هولاكو فِي الظَّاهِر وَأرْسل الْخَلِيفَة نجم الدّين البادرائي رَسُولا إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب دمشق يَأْمُرهُ بمصالحة الْملك الْمعز وَأَن يتَّفقَا على حَرْب التتار فامتثلا أَمر الْخَلِيفَة وَفِيمَا بَين ذَلِك تَأتي الْكتب إِلَى الْخَلِيفَة فَإِن وصلت ابْتِدَاء إِلَى الْوَزير لم يوصلها إِلَيْهِ وَإِن وصلت إِلَى الْخَلِيفَة أطلع الْوَزير فيثبطه ويغشه حِين يستنصحه ثمَّ دخلت سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة وفيهَا مَاتَ الْملك الْمعز أيبك التركماني صَاحب مصر وتسلطن بعده وَلَده الْملك الْمَنْصُور عَليّ بَين أيبك وترددت رسل هولاكو إِلَى بَغْدَاد وَكَانَت القرابين مِنْهُم واصلة إِلَى نَاس بعد نَاس من غير تحاش مِنْهُم فِي ذَلِك وَلَا خُفْيَة وَالنَّاس فِي غَفلَة عَمَّا يُرَاد بهم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة ذَات الداهية الدهياء والمصيبة الصماء وَكَانَ القان الْأَعْظَم هولاكو قد قصد الألموت وَهُوَ معقل الباطنية الْأَعْظَم وَبهَا الْمُقدم عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن جلال الدّين حسن الباطني المنتسب فِي مذْهبه إِلَى الفاطميين العبيديين فَتوفي عَلَاء الدّين وَنزل وَلَده إِلَى خدمَة هولاكو وَسلم قلاعه فَأَمنهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 ثمَّ وَردت كتب هولاكو إِلَى صَاحب الْموصل لُؤْلُؤ فِي تهيئة الإقامات وَالسِّلَاح فَأخذ يُكَاتب الْخَلِيفَة سرا ويهيء لَهُم مَا يُرِيدُونَ جَهرا والخليفة لَا يَتَحَرَّك وَلَا يَسْتَيْقِظ فَلَمَّا أزف الْيَوْم الْمَوْعُود وَتحقّق أَن الْعَدَم مَوْجُود جهز رَسُوله يعدهم بأموال عَظِيمَة ثمَّ سير مائَة رجل إِلَى الدربند يكونُونَ فِيهِ ويطالعونه بالأخبار فَقَتلهُمْ التتار أَجْمَعِينَ وَركب السُّلْطَان هولاكو إِلَى الْعرَاق وَكَانَ على مقدمته بايجو نوين وَأَقْبلُوا من جِهَة الْبر الغربي عَن دجلة فَخرج عَسْكَر بَغْدَاد وَعَلَيْهِم ركن الدّين الدويدار فَالْتَقوا على نَحْو مرحلَتَيْنِ من بَغْدَاد وانكسر البغداديون وأخذتهم السيوف وغرق بَعضهم فِي المَاء وهرب الْبَاقُونَ ثمَّ سَاق بايجو نوين فَنزل الْقرْيَة مُقَابل دَار الْخلَافَة وَبَينه وَبَينهَا دجلة وَقصد هولاكو بَغْدَاد من جِهَة الْبر الشَّرْقِي ثمَّ إِنَّه ضرب سورا على عسكره وأحاط بِبَغْدَاد فَأَشَارَ الْوَزير على الْخَلِيفَة بمصانعتهم وَقَالَ أخرج أَنا إِلَيْهِم فِي تَقْرِير الصُّلْح فَخرج وتوثق لنَفسِهِ من التتار ورد إِلَى المستعصم وَقَالَ إِن السُّلْطَان يَا مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد رغب فِي أَن يُزَوّج بنته بابنك الْأَمِير أبي بكر ويبقيك فِي منصب الْخلَافَة كَمَا أبقى صَاحب الرّوم فِي سلطنته وَلَا يُؤثر إِلَّا أَن تكون الطَّاعَة لَهُ كَمَا كَانَ أجدادك مَعَ السلاطين السلجوقية وينصرف عَنْك بجيوشه فمولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ يفعل هَذَا فَإِن فِيهِ حقن دِمَاء الْمُسلمين وَبعد ذَلِك يمكننا أَن نَفْعل مَا نُرِيد والرأي أَن تخرج إِلَيْهِ فَخرج أَمِير الْمُؤمنِينَ بِنَفسِهِ فِي طوائف من الْأَعْيَان إِلَى بَاب الطاغية هولاكو وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا باالله الْعلي الْعَظِيم فَأنْزل الْخَلِيفَة فِي خيمة ثمَّ دخل الْوَزير فاستدعى الْفُقَهَاء والأماثل ليحضروا العقد فَخَرجُوا من بَغْدَاد فَضربُوا أَعْنَاقهم وَصَارَ كَذَلِك يخرج طَائِفَة بعد طَائِفَة فَتضْرب أَعْنَاقهم ثمَّ طلب حَاشِيَة الْخَلِيفَة فَضرب أَعْنَاق الْجَمِيع ثمَّ طلب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 أَوْلَاده فَضرب أَعْنَاقهم وَأما الْخَلِيفَة فَقيل إِنَّه طلبه لَيْلًا وَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء ثمَّ أَمر بِهِ ليقْتل فَقيل لهولاكو إِن هَذَا إِن أهريق دَمه تظلم الدُّنْيَا وَيكون سَبَب خراب دِيَارك فَإِنَّهُ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَلِيفَة الله فِي أرضه فَقَامَ الشَّيْطَان الْمُبين الْحَكِيم نصير الدّين الطوسي وَقَالَ يقتل وَلَا يراق دَمه وَكَانَ النصير من أَشد النَّاس على الْمُسلمين فَقيل إِن الْخَلِيفَة غم فِي بِسَاط وَقيل رفسوه حَتَّى مَاتَ وَلما جَاءُوا ليقتلوه صَاح صَيْحَة عَظِيمَة وَقتلُوا أمراءه عَن آخِرهم ثمَّ مدوا الجسر وبذلوا السَّيْف بِبَغْدَاد وَاسْتمرّ الْقَتْل بِبَغْدَاد بضعا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلم ينج إِلَّا من اختفى وَقيل إِن هولاكو أَمر بعد ذَلِك بعد الْقَتْلَى فَكَانُوا ألف ألف وَثَمَانمِائَة ألف النّصْف من ذَلِك تِسْعمائَة ألف غير من لم يعد وَمن غرق ثمَّ نُودي بعد ذَلِك بالأمان فَخرج من كَانَ مختبئا وَقد مَاتَ الْكثير مِنْهُم تَحت الأَرْض بأنواع من البلايا وَالَّذين خَرجُوا ذاقوا أَنْوَاع الهوان والذل ثمَّ حفرت الدّور وَأخذت الدفائن وَالْأَمْوَال الَّتِي لَا تعد وَلَا تحصى وَكَانُوا يدْخلُونَ الدَّار فيجدون الخبيئة فِيهَا وَصَاحب الدَّار يحلف أَن لَهُ السنين العديدة فِيهَا مَا علم أَن بهَا خبيئة ثمَّ طلبت النَّصَارَى أَن يَقع الْجَهْر بِشرب الْخمر وَأكل لحم الْخِنْزِير وَأَن يفعل مَعَهم الْمُسلمُونَ ذَلِك فِي شهر رَمَضَان فألزم الْمُسلمُونَ بِالْفطرِ فِي رَمَضَان وَأكل الْخِنْزِير وَشرب الْخمر وَدخل هولاكو إِلَى دَار الْخَلِيفَة رَاكِبًا لَعنه الله وَاسْتمرّ على فرسه إِلَى أَن جَاءَ إِلَى سدة الْخَلِيفَة وَهِي الَّتِي تتضاءل عِنْدهَا الْأسود ويتناوله سعد السُّعُود كَالْمُسْتَهْزِئِ بهَا وانتهك الْحرم من بَيت الْخَلِيفَة وَغَيره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 وَأعْطى دَار الْخَلِيفَة لشخص من النَّصَارَى وأريقت الْخُمُور فِي الْمَسَاجِد والجوامع وَمنع الْمُسلمُونَ من الإعلان بِالْأَذَانِ فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم هَذِه بَغْدَاد لم تكن دَار كفر قطّ جرى عَلَيْهَا هَذَا الَّذِي لم يَقع مُنْذُ قَامَت الدُّنْيَا مثله وَقتل الْخَلِيفَة وَإِن كَانَ وَقع فِي الدُّنْيَا أعظم مِنْهُ إِلَّا أَنه أضيف لَهُ هوان الدّين وَالْبَلَاء الَّذِي لم يخْتَص بل عَم سَائِر الْمُسلمين وَهَذَا أَمر قدره الله تَعَالَى فثبط لَهُ عزم هَذَا الْخَلِيفَة ليقضي الله مَا قدره وَلَقَد حُكيَ أَن الْخَلِيفَة كَانَ قَاعِدا يقْرَأ الْقُرْآن وَقت الْإِحَاطَة بسور بَغْدَاد فَرمى شخص من التتار بِسَهْم فَدخل من شرفات الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ وَكَانَت وَاحِدَة من بَنَاته بَين يَدَيْهِ فأصابها السهْم فَوَقَعت ميتَة وَيُقَال كتب الدَّم على الأَرْض إِذا أَرَادَ الله أمرا سلب ذَوي الْعُقُول عُقُولهمْ وَإِن الْخَلِيفَة قَرَأَ ذَلِك وَبكى وَإِن هَذَا هُوَ الْحَامِل على أَن أطَاع الْوَزير فِي الْخُرُوج إِلَيْهِم وَللَّه مَا فعلت زَوْجَة أَمِير الْمُؤمنِينَ قيل إِن هولاكو دَعَاهَا ليواقعها فشرعت تقدم لَهُ تحف الْجَوَاهِر وأصناف النفائس تشغله عَمَّا يرومه فَلَمَّا عرفت تصميمه على مَا عزم عَلَيْهِ اتّفقت مَعَ جَارِيَة من جواريها على مكيدة تخيلتها وحيلة عقدتها فَقَالَت لَهَا إِذا نزعت ثِيَابك وَأَرَدْت أَن أقدك نِصْفَيْنِ بِهَذَا السَّيْف فأظهري جزعا عَظِيما فَأَنا إِذْ ذَاك أَقُول لَك افعلي أَنْت هَذَا بِي فَإِن هَذَا سيف من ذخائر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ لَا يُؤثر إِذا ضرب بِهِ وَلَا يجرح شَيْئا فَإِذا أَنْت ضربتيني فَلْيَكُن الضَّرْب بِكُل قواك على نفس المقتل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 ثمَّ جَاءَت إِلَى هولاكو وَقَالَت هَذَا سيف الْخَلِيفَة وَله خُصُوصِيَّة وَهِي أَنه يضْرب بِهِ الرجل فَلَا يجرحه إِلَّا إِذا كَانَ الضَّارِب الْخَلِيفَة ثمَّ دعت الْجَارِيَة وَقَالَت أجرب بَين يَدي السُّلْطَان فِيهَا فَلَمَّا عَايَنت الْجَارِيَة السَّيْف مُصْلِتًا وَالضَّرْب آتِيَا صاحت صَيْحَة عَظِيمَة وأظهرت الْجزع شَدِيدا فَقَالَت السيدة رضى الله عَنْهَا وَيلك أما علمت أَنه سيف أَمِير الْمُؤمنِينَ مَالك أتخشينه أما تعرفينه خذيه واضربيني بِهِ فَأَخَذته فضربتها بِهِ فقدتها نِصْفَيْنِ وَمَاتَتْ وَمَا ألمت بِعَارٍ وَلَا جعلت فرَاش ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فراشا للْكفَّار فتحسر هولاكو وَعلم أَنَّهَا مكيدة وَقد رَأَيْت مثل هَذِه الْحِكَايَة جرى فِي الزَّمن الْمَاضِي لبَعض الصَّالِحَات راودها عَن نَفسهَا بعض الفاجرين كَمَا حكى ذَلِك الدبوسي من الْحَنَفِيَّة فِي كِتَابه رَوْضَة الْعلمَاء ويحكى أَن شخصا من أهل مصر قَالَ كنت نَائِما حِين بلغ خبر بَغْدَاد وَأَنا متفكر كَيفَ فعل الله ذَلِك فَرَأَيْت فِي الْمَنَام قَائِلا يَقُول لَا تعترض على الله فَهُوَ أعلم بِمَا يفعل فَاسْتَيْقَظت واستغفرت الله تَعَالَى وَأما الْوَزير فَإِنَّهُ لم يحصل على مَا أمل وَصَارَ عِنْدهم أخس من الذُّبَاب وَنَدم حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم ويحكى أَنه طلب مِنْهُ يَوْمًا شعير فَركب الْفرس بِنَفسِهِ وَمضى ليحصله لَهُم وَهَذَا يشتمه وَهَذَا يَأْخُذ بِيَدِهِ وَهَذَا يصفعه بعد أَن كَانَت السلاطين تَأتي فَتقبل عتبَة دَاره الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 والعساكر تمشي فِي خدمته حَيْثُ سَار من ليله ونهاره وَأَن امْرَأَة رَأَتْهُ من طاق فَقَالَت لَهُ يَا ابْن العلقمي هَكَذَا كنت تركب فِي أَيَّام أَمِير الْمُؤمنِينَ فَخَجِلَ وَسكت وَقد مَاتَ غبنا بعد أشهر يسيرَة وَمضى إِلَى دَار مقبره وَوجد مَا عمل حَاضرا وَأما ابْن صلايا نَائِب إربل فَإِن هولاكو ضرب عُنُقه ثمَّ جَاءَت رسل هولاكو إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب الشَّام وَصُورَة كِتَابه إِلَيْهِ يعلم سُلْطَان ملك نَاصِر أَنه لما توجهنا إِلَى الْعرَاق وَخرج إِلَيْنَا جنودهم فقتلناهم بِسيف الله ثمَّ خرج إِلَيْنَا رُؤَسَاء الْبَلَد ومقدموها فأعدمناهم أَجْمَعِينَ ذَلِك بِمَا قدمت أَيْديهم وَبِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَأما مَا كَانَ من صَاحب الْبَلدة فَإِنَّهُ خرج إِلَى خدمتنا وَدخل تَحت عبوديتنا فَسَأَلْنَاهُ عَن أَشْيَاء كذب فِيهَا فَاسْتحقَّ الإعدام أجب ملك البسيطة وَلَا تقولن قلاعي المانعات ورجالي المقاتلات فساعة وقوفك على كتَابنَا نجْعَل قلاع الشَّام سماءها أَرضًا وطولها عرضا وَأرْسل غير مَا كتاب فِي هَذَا الْمَعْنى ثمَّ فِي سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة نزل على آمد وَبعث إِلَى صَاحب ماردين يُطَالِبهُ فَجعل صَاحبهَا يتعلل بِالْمرضِ وَأرْسل أَوْلَاده وهداياه جَهرا إِلَى هولاكو وَأرْسل فِي الْبَاطِن يستحث الْملك النَّاصِر على محاربة التتار ثمَّ عبر لَهُ جَيش عَظِيم إِلَى الْفُرَات بعد أَن استولى على حران والرها والجزيرة فجَاء الْخَبَر إِلَى صَاحب حلب فجفل النَّاس بهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 وَعظم الْخطب وَعم الْبلَاء ثمَّ قاربوا حلب فَخرج إِلَيْهِم جمَاعَة من عسكرها فهزموهم ونازلوا الْبَلدة وَقتلُوا خلقا كثيرا ثمَّ رحلوا عَنْهَا طَالِبين أعزاز وَكَانَ الْمُقدم على هَذَا الْجَيْش أسموط بن هولاكو ثمَّ عبر هولاكو الْفُرَات بِنَفسِهِ فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة ونازلت عساكره حلب وركبوا الأسوار من كل نَاحيَة بعد أَن نقبوا وخندقوا فهرب الْمُسلمُونَ إِلَى جِهَة القلعة وبذلت التتار السَّيْف فِي الْعَالم وامتلأت الطرقات بالقتلى وَبَقِي الْقَتْل والنهب والحريق إِلَى رَابِع عشر صفر ثمَّ نُودي بِرَفْع السَّيْف وَأذن المؤذنون يَوْمئِذٍ بالجامع وأقيمت الْخطْبَة وَالصَّلَاة ثمَّ أحاطوا بالقلعة وحاصروها وَأرْسل صَاحب حلب إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب الشَّام يستحثه وَوصل الْخَبَر إِلَى دمشق بأخذهم حلب فهرب الْملك النَّاصِر بعد أَن كَانَ جبى الْأَمْوَال وَجمع الجموع وَنزل على بَرزَة بعساكر عَظِيمَة ثمَّ رأى الْعَجز فهرب ووصلت رسل التتار إِلَى دمشق وقرىء الفرمان بِأَمَان أهل دمشق وَمَا حواليها وَأما حماة فَإِن صَاحبهَا كَانَ حضر إِلَى بَرزَة ليتجهز مَعَ الْملك النَّاصِر فَلَمَّا سمع أهل الْبَلَد فِي غيبته بِأخذ حلب أرْسلُوا إِلَى هولاكو يسْأَلُون عطفه وسلموا الْبَلَد وهرب صَاحب حماة مَعَ الْملك النَّاصِر فسارا نَحْو مصر فَلَمَّا وصلا قطيا تقدم صَاحب حماة وَهُوَ الْملك الْمَنْصُور وَدخل مصر وبقى النَّاصِر فِي عَسْكَر قَلِيل فتوجهوا إِلَى تيه بني إِسْرَائِيل خوفًا من المصريين وَأما التتار فوصلوا إِلَى غَزَّة واستولوا على مَا خَلفهم وتسلموا قلعة دمشق وَجعلُوا بهَا نَائِبا ثمَّ تفَرقُوا فِي بِلَاد الشَّام يَفْعَلُونَ مَا يختارون وطافوا فِي دمشق بِرَأْس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 الْملك الْكَامِل الشَّهِيد صَاحب ميافارقين وَقد كَانُوا حاصروه سنة وَنصفا وَمَا زَالَ ظَاهرا عَلَيْهِم إِلَى أَن فنى أهل الْبَلَد لفناء الأقوات ثمَّ سَار النَّاصِر وَأَخُوهُ وحاشيته إِلَى هولاكو وَكَانَ جَاءَ كتاب هولاكو قبل وُصُوله إِلَى دمشق فقرئ بِدِمَشْق وَصورته أما بعد فَنحْن جنود الله بِنَا ينْتَقم مِمَّن عتا وتجبر وطغى وتكبر وَنحن قد أهلكنا الْبِلَاد وأبدنا الْعباد وقتلنا النِّسَاء وَالْأَوْلَاد فأيها الْبَاقُونَ أَنْتُم بِمن مضى لاحقون وأيها الغافلون أَنْتُم إِلَيْهِم تساقون وَنحن جيوش الهلكة لَا جيوش الملكة مقصودنا الانتقام وملكنا لَا يرام ونزيلنا لَا يضام وعدلنا فِي ملكنا قد اشْتهر وَمن سُيُوفنَا أَيْن المفر (أَيْن المفر وَلَا مفر لهارب ... وَلنَا البسيطان الثرى وَالْمَاء) (ذلت لهيبتنا الْأسود وأصبحت ... فِي قبضنا الْأُمَرَاء وَالْخُلَفَاء) وَنحن إِلَيْكُم صائرون وَلكم الْهَرَب وعلينا الطّلب (ستعلم ليلى أَي دين تداينت ... وَأي غَرِيم بالتقاضي غريمها) دمرنا الْبِلَاد وأيتمنا الْأَوْلَاد وأهلكنا الْعباد وأذقناهم الْعَذَاب وشمخت النَّصَارَى بِدِمَشْق وصاروا يرفعون الصَّلِيب ويمرون بِهِ فِي الْأَسْوَاق وَالْخمر مَعَهم يرشونه على الْمَسَاجِد والمصلين وَمن رأى الصَّلِيب وَلَا يقوم لَهُ عاقبوه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 وَأما المصريون فَإِنَّهُ سلطنوا الْملك المظفر قطز واجتمعوا وطلبوا شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام وَحضر إِلَيْهِم بيبرس البندقداري يستحثهم ويهون عَلَيْهِم 1188 - عبد الْغفار بن عبد الْكَرِيم بن عبد الْغفار الْقزْوِينِي الشَّيْخ الإِمَام نجم الدّين صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير واللباب وَشرح اللّبَاب الْمُسَمّى ب العجاب وَله أَيْضا كتاب فِي الْحساب كَانَ أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْفِقْه والحساب وَحسن الِاخْتِصَار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 أجازت لَهُ عفيفة الفارفانية من أَصْبَهَان وَكَانَ من الصَّالِحين أَرْبَاب الْأَحْوَال والكرامات حكى لي الشَّيْخ قطب الدّين مُحَمَّد بن أسفهيد الأردبيلي أعَاد الله علينا من بركته أَنه اتّفق حج الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي بعد مَا أضرّ فِي الْعَام الَّذِي حج فِيهِ عبد الْغفار الْقزْوِينِي وَلم يكن يعرفهُ فَقَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين لجماعته أَشمّ هُنَا رَائِحَة رجل وَوَصفه فكشفوا خَبره فوافوه وَهُوَ يكْتب فِي الْحَاوِي وَقد أَضَاء لَهُ نور فِي اللَّيْل يكْتب عَلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ إِن الشَّيْخ يطلبك قَالَ فَلَمَّا حضر إِلَى الشَّيْخ شهَاب الدّين قَالَ لَهُ مَا تكْتب قَالَ أصنف هَذَا الْكتاب وَوصف لَهُ الْحَاوِي فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين أسْرع وَعجل ونجز هَذَا الْكتاب وفارقه فَقيل للشَّيْخ فِي هَذَا فَقَالَ إِن أَجله قد دنا فَأَحْبَبْت أَن يفرغ من هَذَا الْكتاب قبل أَن يَمُوت فَكَانَ كَذَلِك مَاتَ بعد فَرَاغه بِيَسِير وَحكى لي أَيْضا الشَّيْخ قطب الدّين أَن عبد الْغفار كَانَ مَعْرُوفا بَين أهل قزوين بِأَنَّهُ إِذا كتب فِي اللَّيْل تضيء لَهُ أَصَابِعه فَيكْتب عَلَيْهَا قلت وإضاءة النُّور لأهل قزوين وَقت التصنيف وَغَيره كَرَامَة ذَكرنَاهَا فِي تَرْجَمَة الرَّافِعِيّ وَفِي تَرْجَمَة وَالِد الرَّافِعِيّ وَفِي تَرْجَمَة هَذَا رَحمَه الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ توفّي فِي الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 1189 - عبد الْقَادِر بن دَاوُد بن أبي نصر واسْمه مُحَمَّد بن النقار أَبُو مُحَمَّد من أهل وَاسِط تفقه على أبي الْعَلَاء بن البوقي والمجير الْبَغْدَادِيّ وَالشَّيْخ فَخر الدّين النوقاني وَكَانَ خيرا دينا أثنى عَلَيْهِ ابْن النجار كثيرا وَقَالَ كَانَت لَهُ معرفَة تَامَّة بِمذهب الشَّافِعِي أصولا وفروعا وَله يَد باسطة فِي الْفَرَائِض والحساب وَمَعْرِفَة حَسَنَة بالأدب وَكَانَ من الْوَرع والنزاهة والديانة والمروءة والتواضع على طَريقَة عرف بهَا واشتهرت عَنهُ سَمِعت مِنْهُ شَيْئا فِي الحَدِيث وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة 1190 - عبد الْقَادِر بن أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد بن الْبَغْدَادِيّ الْمصْرِيّ رَحل من الشَّام فِي الصِّبَا وَسكن الْقَاهِرَة وتفقه بهَا على الشَّيْخ شهَاب الدّين الطوسي بعد أَن تفقه بِدِمَشْق على قطب الدّين النَّيْسَابُورِي وَسمع من الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر ودرس بالقطبية بِالْقَاهِرَةِ روى عَنهُ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم وَقَالَ كَانَ فَقِيها حسنا من أهل الدّين والعفاف طارحا للتكلف مُقبلا على مَا يعنيه توفّي فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 1191 - عبد الْكَافِي بن عبد الْملك بن عبد الْكَافِي بن عَليّ القَاضِي الْخَطِيب جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد الربعِي الدِّمَشْقِي ولد سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة وَسمع من ابْن الصَّباح وَابْن الزبيدِيّ وَابْن اللتي وَطَائِفَة سمع مِنْهُ الْحَافِظ علم الدّين البرزالي وَالْقَاضِي أَبُو مُسلم الجيلي وَآخَرُونَ وَكَانَ فَقِيها فَاضلا نَاب فِي الْقَضَاء مُدَّة ثمَّ ترك ذَلِك وَاقْتصر على الخطابة بالجامع الْأمَوِي والإمامة مَاتَ فِي سلخ جُمَادَى الأولى سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 1192 - عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن الْفضل بن الْحسن الْقزْوِينِي الإِمَام الْجَلِيل أَبُو الْقَاسِم الرَّافِعِيّ صَاحب الشَّرْح الْكَبِير الْمُسَمّى ب الْعَزِيز وَقد تورع بَعضهم عَن إِطْلَاق لفظ الْعَزِيز مُجَردا على غير كتاب الله فَقَالَ الْفَتْح الْعَزِيز فِي شرح الْوَجِيز وَالشَّرْح الصَّغِير وَالْمُحَرر وَشرح مُسْند الشَّافِعِي والتذنيب والأمالي الشارحة على مُفْرَدَات الْفَاتِحَة وَهُوَ ثَلَاثُونَ مَجْلِسا أملاها أَحَادِيث بأسانيده عَن أشياخه على سُورَة الْفَاتِحَة وَتكلم عَلَيْهَا وَقد وقفنا على هَذِه التصانيف كلهَا وَله كتاب الإيجاز فِي أخطار الْحجاز ذكر أَنه أوراق يسيرَة ذكر فِيهَا مبَاحث وفوائد خطرت لَهُ فِي سَفَره إِلَى الْحَج وَكَانَ الصَّوَاب أَن يَقُول خطرات أَو خواطر الْحجاز وَلَعَلَّه قَالَ ذَلِك وَالْخَطَأ من النَّاقِل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 وَكتاب الْمَحْمُود فِي الْفِقْه لم يتمه ذكر لي أَنه فِي غَايَة الْبسط وَأَنه وصل فِيهِ إِلَى أثْنَاء الصَّلَاة فِي ثَمَان مجلدات قلت وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الْكَبِير فِي بَاب الْحيض أَظُنهُ عِنْد الْكَلَام فِي الْمُتَحَيِّرَة وَكَفاهُ بِالْفَتْح الْعَزِيز شرفا فَلَقَد علا بِهِ عنان السَّمَاء مِقْدَارًا وَمَا اكْتفى فَإِنَّهُ الَّذِي لم يصنف مثله فِي مَذْهَب من الْمذَاهب وَلم يشرق على الْأمة كضيائه فِي ظلام الغياهب كَانَ الإِمَام الرَّافِعِيّ متضلعا من عُلُوم الشَّرِيعَة تَفْسِيرا وحديثا وأصولا مترفعا على أَبنَاء جنسه فِي زَمَانه نقلا وبحثا وإرشادا وتحصيلا وَأما الْفِقْه فَهُوَ فِيهِ عُمْدَة الْمُحَقِّقين وأستاذ المصنفين كَأَنَّمَا كَانَ الْفِقْه مَيتا فأحياه وأنشره وَأقَام عماده بعد مَا أَمَاتَهُ الْجَهْل فأقبره كَانَ فِيهِ بَدْرًا يتَوَارَى عَنهُ الْبَدْر إِذا دارت بِهِ دائرته وَالشَّمْس إِذا ضمهَا أوجها وجوادا لَا يلْحقهُ الْجواد إِذا سلك طرقا ينْقل فِيهَا أقوالا وَيخرج أوجها فَكَأَنَّمَا عناه البحتري بقوله (وَإِذا دجت أقلامه ثمَّ انتحت ... برقتْ مصابيح الدجا فِي كتبه) (بِاللَّفْظِ يقرب فهمه فِي بعده ... منا وَيبعد نيله فِي قربه) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 (حكم سحابتها خلال بَيَانه ... هطالة وقليبها فِي قلبه) (كالروض مؤتلقا بحمرة نوره ... وَبَيَاض زهرته وخضرة عشبه) (وَكَأَنَّهَا والسمع مَعْقُود بهَا ... شخص الحبيب بدا لعين محبه) وَكَانَ رَحمَه الله ورعا زاهدا تقيا نقيا طَاهِر الذيل مراقبا لله لَهُ السِّيرَة الرضية المرضية والطريقة الزكية والكرامات الباهرة سمع الحَدِيث من جمَاعَة مِنْهُم أَبوهُ وَأَبُو حَامِد عبد الله بن أبي الْفتُوح بن عُثْمَان العمراني والخطيب أَبُو نصر حَامِد بن مَحْمُود الماوراء النَّهْرِي والحافظ أَبُو الْعَلَاء الْحسن بن أَحْمد الْعَطَّار الهمذاني وَمُحَمّد بن عبد الْبَاقِي بن البطي وَالْإِمَام أَبُو سُلَيْمَان أَحْمد بن حسنويه وَغَيرهم وَحدث بِالْإِجَازَةِ عَن أبي زرْعَة الْمَقْدِسِي وَغَيره روى عَنهُ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ وَغَيره قَالَ ابْن الصّلاح أَظن أَنِّي لم أر فِي بِلَاد الْعَجم مثله قلت لَا شكّ فِي ذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 وَقَالَ النَّوَوِيّ الرَّافِعِيّ من الصَّالِحين المتمكنين كَانَت لَهُ كرامات كَثِيرَة وَقَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد الإسفرايني هُوَ شَيخنَا إِمَام الدّين وناصر السّنة كَانَ أوحد عصره فِي الْعُلُوم الدِّينِيَّة أوصلا وفروعا مُجْتَهد زَمَانه فِي الْمَذْهَب فريد وقته فِي التَّفْسِير كَانَ لَهُ مجْلِس بقزوين للتفسير ولتسميع الحَدِيث ونقلت من خطّ الْحَافِظ صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلائي نقلت من خطّ الْحَافِظ علم الدّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم بن مُحَمَّد البرزالي نقلت من خطّ الشَّيْخ الإِمَام تَاج الدّين بن الفركاح أَن القَاضِي شمس الدّين بن خلكان حَدثهُ أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَأَن خوارزم شاه يَعْنِي جلال الدّين غزا الكرج بتفليس فِي هَذِه السّنة وَقتل فيهم بِنَفسِهِ حَتَّى جمد الدَّم على يَده فَلَمَّا مر بقزوين خرج إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ فَلَمَّا دخل إِلَيْهِ أكْرمه إِكْرَاما عَظِيما فَقَالَ لَهُ الرَّافِعِيّ سَمِعت أَنَّك قَاتَلت الْكفَّار حَتَّى جمد الدَّم على يدك فَأحب أَن تخرج إِلَيّ يدك لأقبلها فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان بل أَنا أحب أَن أقبل يدك فَقبل السُّلْطَان يَده وتحادثا ثمَّ خرج الشَّيْخ وَركب دَابَّته وَسَار قَلِيلا فَعَثَرَتْ بِهِ الدَّابَّة فَوَقع فتأذت يَده الَّتِي قبلهَا السُّلْطَان فَقَالَ الشَّيْخ سُبْحَانَ الله لقد قبل هَذَا السُّلْطَان يَدي فَحصل فِي نَفسِي شَيْء من العظمة فعوقبت فِي الْوَقْت بِهَذِهِ الْعقُوبَة سَمِعت شَيخنَا شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن النَّقِيب يحْكى أَن الرَّافِعِيّ فقد فِي بعض اللَّيَالِي مَا يسرجه عَلَيْهِ وَقت التصنيف فَأَضَاءَتْ لَهُ شَجَرَة فِي بَيته أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمُقْرِئ أخبرنَا عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي الْحَافِظ حَدثنَا الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الْقَاسِم عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد الْقزْوِينِي لفظا بِمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبرنَا أَبُو زرْعَة إِذْنا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 ح وَكتب إِلَيّ أَبُو طَاهِر بن سيف عَن الْمُنْذِرِيّ أخبرنَا الرَّافِعِيّ لفظا ح وقرأت على أبي عبد الله وَأبي الْعَبَّاس الحافظين أخبركما عبد الْخَالِق القَاضِي أخبرنَا ابْن قدامَة أخبرنَا أَبُو زرْعَة أخبرنَا المقومي إجَازَة إِن لم يكن سَمَاعا أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْخَطِيب أخبرنَا الْقطَّان أخبرنَا ابْن مَاجَه حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن رَاشد حَدثنَا زَكَرِيَّا بن عدي حَدثنَا عبيد الله بن عَمْرو عَن عبد الْكَرِيم عَن عَطاء عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ قَالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم صَوَابه ابْن أَسد وَهَذِه فَوَائِد من أمالي الرَّافِعِيّ قَالَ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها دخل الْجنَّة إِنَّمَا قَالَ مائَة إِلَّا وَاحِدًا لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنه على التَّقْرِيب وَفِيه فَائِدَة رفع الِاشْتِبَاه فقد يشْتَبه فِي الْخط تِسْعَة وَتسْعُونَ بسبعة وَسبعين روى بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الله المغربي من ادّعى الْعُبُودِيَّة وَله مُرَاد بَاقٍ فَهُوَ كَاذِب فِي دَعْوَاهُ إِنَّمَا تصح الْعُبُودِيَّة لمن أفنى مراداته وَقَامَ بِمُرَاد سَيّده الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 ليَكُون اسْمه مَا سمي بِهِ إِذا دعِي باسم أجَاب عَن الْعُبُودِيَّة وَلَا يُجيب إِلَّا من يَدعُوهُ بالعبودية ثمَّ أنشأ يَقُول (يَا عَمْرو ثاري عِنْد أَسمَاء ... يعرفهُ السَّامع والرائي) (لَا تدعني إِلَّا بيا عَبدهَا ... لِأَنَّهُ أشرف أسمائى) ثمَّ أنْشد الرَّافِعِيّ لنَفسِهِ (سمني بِمَا شِئْت وسم جبهتي ... بِاسْمِك ثمَّ أسم بأسمائي) (فسمني عَبدك أَفْخَر بِهِ ... وَيَسْتَوِي عَرْشِي على المَاء) وَأنْشد لنَفسِهِ أَيْضا (إِن كنت فِي الْيُسْر فاحمد من حباك بِهِ ... فَلَيْسَ حَقًا قضى لكنه الْجُود) (أَو كنت فِي الْعسر فاحمده كَذَلِك إِذْ ... مَا فَوق ذَلِك مَصْرُوف ومردود) (وكيفما دارت الْأَيَّام مقبلة ... وَغير مقبلة فَالْحَمْد مَحْمُود) وَقَالَ اعْلَم أَن النَّاس فِي الرِّضَا ثَلَاثَة أَقسَام قوم يحسون بالبلاء ويكرهونه وَلَكِن يصبرون على حكمه ويتركون تدبيرهم ونظرهم حبا لله تَعَالَى لِأَن تَدْبِير الْعقل لَا ينطبق على رسوم الْمحبَّة والهوى قَالَ قَائِلهمْ (لن يضْبط الْعقل إِلَّا مَا يدبره ... وَلَا ترى فِي الْهوى لِلْعَقْلِ تدبيرا) (كن محسنا أَو مسيئا وابق لي أبدا ... وَكن لدي على الْحَالين مشكورا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 وَقوم يضمون إِلَى سُكُون الظَّاهِر سُكُون الْقلب بِالِاجْتِهَادِ والرياضة وَإِن أَتَى الْبلَاء على أنفسهم بل (يستعذبون بلاياهم كَأَنَّهُمْ ... لَا ييأسون من الدُّنْيَا إِذا قتلوا) وَلذَلِك قَالَ ذُو النُّون الْمصْرِيّ الرَّجَاء سرُور الْقلب بمرور الْقَضَاء وَقَالَت رَابِعَة إِنَّمَا يكون العَبْد رَاضِيا إِذا سرته البلية كَمَا سرته النِّعْمَة وَقوم يتركون الِاخْتِيَار ويوافقون الأقدار فَلَا يبْقى لَهُم تلذذ وَلَا استعذاب وَلَا رَاحَة وَلَا عَذَاب قَالَ أَبُو الشيص وَأحسن (وقف الْهَوِي بِي حَيْثُ أَنْت فَلَيْسَ لي ... مُتَأَخّر عَنهُ وَلَا مُتَقَدم) (أجد الْمَلَامَة فِي هَوَاك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم) (أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إِذْ كَانَ حظي مِنْك حظي مِنْهُم) (وأهنتني فأهنت نَفسِي عَامِدًا ... مَا من يهون عَلَيْك مِمَّن يكرم) قَالَ فِي الْإِمْلَاء على حَدِيث عَائِشَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستفتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين حمل الشَّافِعِي ذَلِك فِيمَا نَقله أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَغَيره على التَّعْبِير عَن السُّورَة يذكر أَولهَا بعد آيَة التَّسْمِيَة الْمُشْتَركَة كَمَا يُقَال قَرَأت طه وَيس قَالَ ثمَّ هَذَا الِاسْتِدْلَال يَعْنِي اسْتِدْلَال الْخُصُوم على أَنَّهَا لَيست من الْقُرْآن بِهَذَا الحَدِيث لَا يَتَّضِح على قَول من يذهب إِلَى أَن التَّسْمِيَة فِي أَوَائِل السُّور لَيست من الْقُرْآن لِأَن المُرَاد من قَوْله يستفتح الْقِرَاءَة قِرَاءَة الْقُرْآن لَا مُطلق الْقِرَاءَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 وَحِينَئِذٍ فالافتتاح بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا ينافى قِرَاءَة الْبَسْمَلَة أَولا كَمَا لَا ينافى قِرَاءَة التَّعَوُّذ وَدُعَاء الاستفتاح قَالَ الرَّافِعِيّ سَبِيل من أشرف قلبه وَنور بصيرته على الضّيَاع أَن يستغيث بالرحمن رَجَاء أَن يتدارك أمره بِالرَّحْمَةِ والاصطناع ويتضرع بِمَا أنْشد عبد الله بن الْحسن الْفَقِير (لَو شِئْت داويت قلبا أَنْت مسقمه ... وَفِي يَديك من الْبلوى سَلَامَته) (إِن كَانَ يجهل مَا فِي الْقلب من حرق ... فدمع عَيْني على خدي علامته) ثمَّ روى بِسَنَدِهِ أَن سمنون كَانَ جَالِسا على الشط وَبِيَدِهِ قضيب يضْرب بِهِ فَخذه وَسَاقه حَتَّى تبدد لَحْمه وَهُوَ يَقُول (كَانَ لي قلب أعيش بِهِ ... ضَاعَ مني فِي تقلبه) (رب فاردده عَليّ فقد ... ضَاقَ صَدْرِي فِي تطلبه) (وأغث مَا دَامَ بِي رَمق ... يَا غياث المستغيث بِهِ) وروى عَن مسرور الْخَادِم قَالَ لما احْتضرَ هَارُون أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمرنِي أَن آتيه بأكفانه فَأَتَيْته بهَا ثمَّ أَمرنِي فحفرت لَهُ قَبره ثمَّ أَمر فَحمل إِلَيْهِ وَجعل يتأمله وَيَقُول {مَا أغْنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} ثمَّ أنْشد الرَّافِعِيّ لنَفسِهِ (الْملك لله الَّذِي عنت الْوُجُوه ... لَهُ وذلت عِنْده الأرباب) (متفرد بِالْملكِ وَالسُّلْطَان قد ... خسر الَّذين تجاذبوه وخابوا) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 (دعهم وَزعم الْملك يَوْم غرورهم ... فسيعلمون غَدا من الْكذَّاب) وَقَالَ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه ليغان على قلبِي فأستغفر الله فِي كل يَوْم مائَة مرّة مِم كَانَ يَتُوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى م يحمل الْغَيْن فِي قلبه افترق النَّاس فِيهِ فرْقَتَيْن فرقة أنْكرت الحَدِيث واستعظمت أَن يغان قلب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يسْتَغْفر مِمَّا أَصَابَهُ وعَلى ذَلِك جرى أَبُو نصر السراج صَاحب كتاب اللمع فِي التصوف فروى الحَدِيث وَقَالَ عَقِيبه هَذَا حَدِيث مُنكر وَأنكر عُلَمَاء الحَدِيث استنكار السراج وَقَالُوا الحَدِيث صَحِيح وَكَانَ من حَقه أَن لَا يتَكَلَّم فِيمَا لَا يعلم والمصححون لَهُ تحزبوا فتحرج من تَفْسِيره متحرجون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 عَن شُعْبَة سَأَلت الْأَصْمَعِي مَا معنى ليغان على قلبِي فَقَالَ عَمَّن يرْوى ذَلِك قلت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو كَانَ عَن غير قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسرته لَك وَأما قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا أَدْرِي فَكَانَ شُعْبَة يتعجب مِنْهُ وَعَن الْجُنَيْد لَوْلَا أَنه حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتكلمت فِيهِ وَلَا يتَكَلَّم على حَال إِلَّا من كَانَ مشرفا عَلَيْهَا وجلت حَاله أَن يشرف على نهايتها أحد من الْخلق وَتمنى الصّديق رضى الله عَنهُ مَعَ علو مرتبته أَن يشرف عَلَيْهَا فَعَنْهُ لَيْتَني شهِدت مَا اسْتغْفر مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذِهِ طَريقَة المصححين وَتكلم فِيهِ آخَرُونَ على حسب مَا انْتهى إِلَيْهِ فهمهم وَلَهُم منهاجان أَحدهمَا حمل الْغَيْن على حَالَة جميلَة ومرتبة عالية اخْتصَّ بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمرَاد من استغفاره خضوعه وَإِظْهَار حَاجته إِلَى ربه أَو ملازمته للعبودية وَمن هَؤُلَاءِ من نزل الْغَيْن على السكينَة والاطمئنان وَعَن أبي سعيد الخراز الْغَيْن شَيْء لَا يجده إِلَّا الْأَنْبِيَاء وأكابر الْأَوْلِيَاء لصفاء الْأَسْرَار وَهُوَ كالغين الرَّقِيق الَّذِي لَا يَدُوم وَالثَّانِي حمل الْغَيْن على عَارض يطْرَأ غَيره أكمل مِنْهُ فيبادر إِلَى الاسْتِغْفَار إعْرَاضًا وعَلى هَذَا كثرت التنزيلات والتأويلات فقد كَانَ سَبَب الْغَيْن النّظر فِي حَال الْأمة واطلاعه على مَا يكون مِنْهُم فَكَانَ يسْتَغْفر لَهُم وَقيل سَببه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من التَّبْلِيغ ومشاهدة الْخلق فيستغفر مِنْهُ ليصل إِلَى صفاء وقته مَعَ الله وَقيل مَا كَانَ يشْغلهُ من تمادي قُرَيْش وطغيانهم وَقيل مَا كَانَ يجد فِي نَفسه من محبَّة إِسْلَام أبي طَالب وَقيل لم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مترقيا من رُتْبَة إِلَى رُتْبَة فَكلما رقي دَرَجَة والتفت إِلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 مَا خلفهَا وجد مِنْهَا وَحْشَة لقصورها بِالْإِضَافَة إِلَى الَّتِي انْتهى إِلَيْهَا وَذَلِكَ هُوَ الْغَيْن فيستغفر الله مِنْهَا وَهَذَا مَا كَانَ يستحسنه وَالِدي رَحمَه الله ويقرره انْتهى كَلَام الرَّافِعِيّ ثمَّ أنْشد لغيره هَذَا (وَالله مَا سهري إِلَّا لبعدهم ... وَلَو أَقَامُوا لما عذبت بالسهر) (عهدي بهم ورداء الْوَصْل يشملنا ... وَاللَّيْل أطوله كاللمح بالبصر) (والآن ليلِي إِذْ ضنوا بزورتهم ... ليل الضَّرِير فنومي غير منتظر) وَهَذِه فَوَائِد من شرح الْمسند للرافعي ذكر فِيهِ أَن الْأَفْضَل لمن يشيع الْجِنَازَة أَن يكون خلفهَا بالِاتِّفَاقِ وَالَّذِي أوقعه فِي ذَلِك الْخطابِيّ فَإِنَّهُ كَذَلِك قَالَ وَقد ذكر الرَّافِعِيّ نَفسه فِي شرحيه أَنه يكون أمامها وَحكى مَا سبق رِوَايَة عَن أَحْمد وَمن شعر الرَّافِعِيّ مِمَّا لَيْسَ فِي الأمالي أنشدنا قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن الْقزْوِينِي فِي كِتَابه عَن وَالِده عَن أبي الْقَاسِم الرَّافِعِيّ رَحمَه الله أَنه أنْشدهُ لنَفسِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 (تنبه فَحق أَن يطول بحسرة ... تلهف من يسْتَغْرق الْعُمر نَومه) (وَقد نمت فِي عصر الشبيبة غافلا ... فَهَب نصيح الشيب قد جَاءَ يَوْمه) وَهَذِه تَنْبِيهَات مهمة تتَعَلَّق بالرافعي رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ وعنا بكرمه تَنْبِيه اشْتهر على لِسَان الطّلبَة أَن الرَّافِعِيّ لَا يصحح إِلَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَكثر الْأَصْحَاب وَكَأَنَّهُم أخذُوا ذَلِك من خطْبَة كِتَابه الْمُحَرر وَمن كَلَام صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير وَاشْتَدَّ نَكِير الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى على من ظن ذَلِك وَبَين خطأه فِي كتاب الطوالع المشرقة وَغَيره ولخصت أَنا كَلَامه فِيهِ فِي كتاب التوشيح ثمَّ ذكرت أَمَاكِن رجح الرَّافِعِيّ فِيهَا مَا أعرف أَن الْأَكْثَر على خِلَافه وَهَا أَنا أعد مَا يحضرني من هَذِه الْأَمَاكِن مِنْهَا الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ هَل هُوَ ركن طَوِيل أَو قصير فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه طَوِيل قَالَ الرَّافِعِيّ حَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن ابْن سُرَيج وَالْجُمْهُور وَالثَّانِي أَنه قصير قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي الفروق وَتَابعه صَاحب التَّهْذِيب وَغَيره وَهُوَ الْأَصَح انْتهى وَلَعَلَّ الرَّافِعِيّ يُنَازع الإِمَام فِي كَون الْجُمْهُور على أَنه طَوِيل وَمِنْهَا فِي صَلَاة الْخَوْف إِذا دمي السِّلَاح الَّذِي يحملهُ الْمُصَلِّي وَعجز عَن إلقائه أمْسكهُ وَفِي الْقَضَاء حِينَئِذٍ قَولَانِ قَالَ الرَّافِعِيّ نقل الإِمَام عَن الْأَصْحَاب أَنه يقْضِي وَقَالَ النَّوَوِيّ ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب الْقطع بِهِ قَالَ الرَّافِعِيّ والأقيس أَنه لَا يقْضِي وَوَافَقَهُ الشَّيْخ الإِمَام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 وَمِنْهَا ذكر أَن الْأَكْثَر لَا سِيمَا الْمُتَقَدِّمين على تَجْوِيز النّظر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة وَاقْتضى كَلَامه 1193 - عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد بن أبي عَليّ عماد الدّين أَبُو عَمْرو الْكرْدِي الْحميدِي تفقه بالموصل على غير وَاحِد ثمَّ رَحل إِلَى أبي سعد بن أبي عصرون وتفقه عَلَيْهِ وَقدم مصر فولى قَضَاء دمياط ثمَّ نَاب فِي القاهر عَن قَاضِي الْقُضَاة عبد الْملك الماراني ودرس بِالْمَدْرَسَةِ السيفية وبالجامع الْأَقْمَر ثمَّ حج وجاور إِلَى أَن مَاتَ فِي ربيع الأول سنة سنة عشْرين وسِتمِائَة 1194 - عَرَفَة بن عَليّ بن الْحسن بن حَمْدَوَيْه أَبُو المكارم الْبَنْدَنِيجِيّ يعرف بِابْن بصلا اللبني نِسْبَة إِلَى اللَّبن لِأَنَّهُ أَقَامَ سِنِين يتغذى بِاللَّبنِ وَلَا يَأْكُل الْخبز وَكَانَ رجلا صَالحا عَاشَ سبعا وَسبعين سنة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 تفقه بنظامية بَغْدَاد وَصَحب أَبَا النجيب السهروردي وَسمع من أبي الْفضل الأرموي وَعبد الصبور الْهَرَوِيّ توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة 1195 - عَليّ بن الْخطاب بن مقلد أَبُو الْحسن الضَّرِير تفقه على أبي الْقَاسِم بن فضلان وَأبي عَليّ بن الرّبيع وَكَانَ من أهل وَاسِط وَسمع بِبَغْدَاد أَبَا الْفَتْح بن شاتيل وَقيل كَانَ يقْرَأ فِي رَمَضَان تسعين ختمة وَفِي بَاقِي السّنة فِي كل يَوْم ختمة وَقد أَقبلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا آخر عمره وجالس الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ وَذكر ابْن النجار أَنه برع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول وَقَالَ سَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي آخر سنة سِتِّينَ أَو أول سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة قَالَ وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة 1196 - عَليّ بن روح بن أَحْمد بن الْحسن بن عبد الْكَرِيم النهرواني أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بَان الغبيري تفقه على أبي النجيب السهروردي وتأدب على أبي مُحَمَّد الجواليقي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة 1197 - عَليّ بن عقيل بن عَليّ بن هبة الله بن الْحسن بن عَليّ الْفَقِيه أَبُو الْحسن بن الحبوبي الثَّعْلَبِيّ الدِّمَشْقِي الْمعدل إِمَام مشْهد على دَاخل جَامع بني أُميَّة ولد سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة 1198 - عَليّ بن عَليّ بن سعيد بن الجنيس بِضَم الْجِيم بعْدهَا نون مَفْتُوحَة ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ سين مُهْملَة تَصْغِير جنس من أهل ميافارقين ولد بهَا بعد الْأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وتفقه بتبريز على ابْن أبي عَمْرو الْفَقِيه وَسمع بهَا من مُحَمَّد بن أسعد العطاري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 وَقدم بَغْدَاد فَسمع من أبي زرْعَة الْمَقْدِسِي وَصَحب أَبَا النجيب وعلق الْخلاف عَن يُوسُف الدِّمَشْقِي واستوطن بَغْدَاد وَتَوَلَّى إِعَادَة النظامية وناب فِي الحكم ثمَّ عزل نَفسه ودرس بمدرسة أم النَّاصِر لدين الله قَالَ ابْن النجار كَانَ أحفظ أهل زَمَانه لمَذْهَب الشَّافِعِي سديد الْفَتَاوَى غزير الْفضل توفّي يَوْم عَرَفَة سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة 1199 - عَليّ بن الْقَاسِم بن عَليّ بن الْحسن بن هبة الله بن عَسَاكِر الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم بن الْحَافِظ أبي مُحَمَّد بن الْحَافِظ الْكَبِير ولد فِي ربيع الاخر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَسمع من بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الخشوعي وَأبي الْمَوَاهِب ابْن صصرى وَزيد بن الْحسن الْكِنْدِيّ وَعبد الْملك بن زيد بن ياسين الدولعي وَأَبِيهِ الْحَافِظ أبي مُحَمَّد الْقَاسِم وَإِسْمَاعِيل الجنزوي والمؤيد الطوسي وَأبي روح رَحل إِلَيْهِمَا وعني بِالْحَدِيثِ أتم عناية خرج لنَفسِهِ أَرْبَعِينَ حَدِيثا وَحدث بهَا سنة سِتّمائَة فَسمع مِنْهُ جمَاعَة من شُيُوخه قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَهُوَ آخر من رَحل إِلَى خُرَاسَان من الْمُحدثين وَقد خرج للكندي وَلابْن الحرستاني وَجَمَاعَة وَكَانَ ذكيا فَاضلا حَافِظًا نبيلا مُجْتَهدا فِي الطّلب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 تفقه على خَاله الإِمَام الْكَبِير فَخر الدّين أبي مَنْصُور عبد الرَّحْمَن أدْركهُ أَجله بِبَغْدَاد بعد عوده من خُرَاسَان من أثر جراحات بِهِ من الحرامية فِي ثَالِث عشر جمادي الأولى سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة 1200 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمد أَبُو الْحسن الْهَمدَانِي الشَّيْخ علم الدّين السخاوي الْمصْرِيّ شيخ الْقُرَّاء بِدِمَشْق ولد سنة ثَمَان أَو تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة وَسمع من السلَفِي وَأبي الطَّاهِر بن عَوْف وَأبي الجيوش عَسَاكِر بن عَليّ وَأبي الْقَاسِم البوصيري وَإِسْمَاعِيل بن ياسين وَابْن طبرزد والكندي وحنبل وَغَيرهم روى عَنهُ الشَّيْخ زين الدّين الفارقي وَخلق وَكَانَ قد لَازم الشاطبي وَأخذ عَنهُ الْقرَاءَات وَغَيرهَا وَكَانَ فَقِيها يُفْتِي النَّاس وإماما فِي النَّحْو والقراءات وَالتَّفْسِير قَصده الْخلق من الْبِلَاد لأخذ الْقرَاءَات عَنهُ وَله المصنفات الْكَثِيرَة وَالشعر الْكثير وَكَانَ من أذكياء بني آدم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 ذكره الْعِمَاد الْكَاتِب فِي كتاب السَّيْل على الذيل وَذكر أَنه مدح السُّلْطَان صَلَاح الدّين بقصيدة مِنْهَا (بَين الفؤادين من صب ومحبوب ... يظل ذُو الشوق فِي شدّ وتقريب) وَهِي طَوِيلَة أورد الْعِمَاد مِنْهَا قِطْعَة وَمن الْغَرِيب أَن هَذَا السخاوي مدح الشَّيْخ رشيد الدّين الفارقي بقصيدة مطْلعهَا (فاق الرشيد فأمت بحره الْأُمَم ... وَصد عَن جَعْفَر وردا لَهُ أُمَم) وَبَين وَفَاة الممدوحين أَكثر من مائَة سنة وَلَا أعلم لذَلِك نظيرا توفّي السخاوي فِي ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة 1201 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْمُسلم بن مُحَمَّد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 1202 - عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي ابْن الْأَثِير الْحَافِظ المؤرخ صَاحب الْكَامِل فِي التَّارِيخ لقبه عز الدّين وَهُوَ أَخُو الْأَخَوَيْنِ الْمُحدث اللّغَوِيّ مجد الدّين صَاحب النِّهَايَة وجامع الْأُصُول والوزير الأديب ضِيَاء الدّين صَاحب الْمثل السائر ولد بالجزيرة العمرية سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة وَنَشَأ بهَا ثمَّ تحول بهم والدهم إِلَى الْموصل سمع بهَا من خطيب الْموصل أبي الْفضل وَمن أبي الْفرج يحيى الثَّقَفِيّ وَمُسلم بن عَليّ السيحي وَغَيرهم وببغداد من عبد الْمُنعم بن كُلَيْب ويعيش بن صَدَقَة الْفَقِيه وَعبد الْوَهَّاب بن سكينَة وَأَقْبل فِي أَوَاخِر عمره على لحَدِيث وَسمع العالي والنازل حَتَّى سمع لما قدم دمشق من أبي الْقَاسِم بن صصرى وزين الْأُمَنَاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 روى عَنهُ ابْن الدبيثي والشهاب القوصي وَالْمجد ابْن أبي جَرَادَة والشرف ابْن عَسَاكِر وسنقر القضائي وهما من أَشْيَاخ شُيُوخنَا وَغَيرهم وَمن تصانيفه مُخْتَصر الْأَنْسَاب لِابْنِ السَّمْعَانِيّ وَكتاب حافل فِي معرفَة الصَّحَابَة اسْمه أَسد الغابة وَشرع فِي تَارِيخ الْموصل قَالَ ابْن خلكان كَانَ بَيته بالموصل مجمع الْفُضَلَاء اجْتمعت بِهِ بحلب فَوَجَدته مكملا فِي الْفَضَائِل والتواضع وكرم الْأَخْلَاق توفّي فِي رَمَضَان سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1203 - عَليّ بن مَحْمُود بن عَليّ أَبُو الْحسن الشهرزوري شمس الدّين الْكرْدِي مدرس القيمرية بِدِمَشْق وَأَبُو مدرسها الصّلاح قَالَ الذَّهَبِيّ شيخ فَقِيه إِمَام عَارِف بِالْمذهبِ مَوْصُوف بجودة النَّقْل حسن الدّيانَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 قوي النَّفس ذُو هَيْبَة ووقار بنى الْأَمِير نَاصِر الدّين القيمري مدرسته بالحريميين بِدِمَشْق وفوض تدريسها إِلَيْهِ وَإِلَى أولي الْأَهْلِيَّة من ذُريَّته وَقد نَاب فِي الْقَضَاء عَن ابْن خلكان وَتكلم بدار الْعدْل بِحَضْرَة الْملك الظَّاهِر عِنْدَمَا احتاط على الغوطة فَقَالَ المَاء والكلأ والمرعى لله لَا يملك وكل من بِيَدِهِ ملك فَهُوَ لَهُ فبهت السُّلْطَان لكَلَامه وانفصل الْأَمر على هَذَا الْمَعْنى توفّي فِي شَوَّال سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة 1204 - عَليّ بن هبة الله بن سَلامَة بن الْمُسلم بن أَحْمد بن عَليّ اللَّخْمِيّ الْفَقِيه الْوَرع بهاء الدّين ابْن الجميزي نِسْبَة إِلَى الجميز بِضَم الْجِيم ثمَّ الْمِيم الْمُشَدّدَة الْمَفْتُوحَة ثمَّ آخر الْحُرُوف الساكنة ثمَّ الزَّاي وَهُوَ شجر مَعْرُوف بالديار المصرية ولد يَوْم عيد الْأَضْحَى سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة بِمصْر وَحفظ الْقُرْآن الْعَزِيز وَهُوَ ابْن عشر سِنِين أَو أقل ورحل بِهِ أَبوهُ فَسمع بِدِمَشْق من أبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ صَحِيح البُخَارِيّ بفوت قَلِيل ورحل مَعَ أَبِيه إِلَى بَغْدَاد فَقَرَأَ بهَا الْقرَاءَات الْعشْر على أبي الْحسن عَليّ بن عَسَاكِر البطائحي بكتابه الَّذِي صنفه فِي الْقرَاءَات وَقَرَأَ الْقرَاءَات الْعشْر أَيْضا على الإِمَام قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين ابْن أبي عصرون الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 وَسمع الحَدِيث بِبَغْدَاد من شهدة الكاتبة وَعبد الْحق اليوسفي وَأبي شَاكر يحيى السقلاطوني وَغَيرهم وبالإسكندرية من أبي طَاهِر السلَفِي وَتفرد عَنهُ بأَشْيَاء وَمن أبي طَاهِر بن عَوْف وَأبي طَالب أَحْمد بن الْمُسلم التنوخي وبمصر من ابْن بري والشاطبي وَقَرَأَ عَلَيْهِ عدَّة ختمات بِبَعْض الرِّوَايَات قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَلَا نعلم أحدا سمع من السلَفِي وَابْن عَسَاكِر وشهدة سواهُ إِلَّا الْحَافِظ عبد الْقَادِر بن عبد الله قلت وَفِي سَماع عبد الْقَادِر من الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر مَا لَا يخفى روى عَنهُ خلق من أهل دمشق وَأهل مَكَّة وَأهل مصر مِنْهُم الزكيان الْمُنْذِرِيّ والبرزالي وَابْن النجار والدمياطي وَابْن دَقِيق الْعِيد وَأَبُو الْحُسَيْن اليونيني وَالْقَاضِي تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان وخلائق وَأخذ الْفِقْه عَن ابْن أبي عصرون بِالشَّام وَعَن أبي إِسْحَاق الْعِرَاقِيّ وَالشَّيْخ شهَاب الدّين الطوسي بِمصْر وأكمل قِرَاءَة الْمُهَذّب على ابْن أبي عصرون وَكَانَ ابْن أبي عصرون قد قَرَأَهُ على الفارقي عَن المُصَنّف وَكَانَ الْفَقِيه بهاء الدّين خطيب الْجَامِع بِالْقَاهِرَةِ ومدرس الديار المصرية وشيخها وَرَئِيس الْعلمَاء بهَا درس وَأفْتى دهرا وَكَانَ كَبِير الْقدر رفيع الجاه وافر الْحُرْمَة مُعظما عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَخرجت لَهُ مشيخة حدث بهَا أخبرنَا بهَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا أخبرنَا بهَا الْمُحدث شمس الدّين مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا شيخ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 1206 - عَليّ بن أبي الحزم الْقرشِي الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن النفيس الطَّبِيب الْمصْرِيّ صَاحب التصانيف الفائقة فِي الطِّبّ الموجز وَشرح الكليات وَغَيرهمَا كَانَ فَقِيها على مَذْهَب الشَّافِعِي صنف شرحا على التَّنْبِيه وصنف فِي الطِّبّ غير مَا ذكرنَا كتابا سَمَّاهُ الشَّامِل قيل لَو تمّ لَكَانَ ثَلَاثمِائَة مجلدة تمّ مِنْهُ ثَمَانُون مجلدة وَكَانَ فِيمَا يذكر يملي تصانيفه من ذهنه وصنف فِي أصُول الْفِقْه وَفِي الْمنطق وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ مشاركا فِي فنون وَأما الطِّبّ فَلم يكن على وَجه الأَرْض مثله قيل وَلَا جَاءَ بعد ابْن سينا مثله قَالُوا وَكَانَ فِي العلاج أعظم من ابْن سينا وَكَانَ شَيْخه فِي الطِّبّ الشَّيْخ مهذب الدّين الدخوار الحديث: 1206 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 توفّي فِي حادي عشْرين ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة وَخلف مَالا جزيلا ووقف كتبه وأملاكه على المارستان المنصوري 1207 - عَليّ بن أبي عَليّ بن مُحَمَّد بن سَالم الثَّعْلَبِيّ الإِمَام أَبُو الْحسن سيف الدّين الْآمِدِيّ الأصولي الْمُتَكَلّم أحد أذكياء الْعَالم ولد بعد الْخمسين وَخَمْسمِائة بِيَسِير بِمَدِينَة آمد وَقَرَأَ بهَا الْقُرْآن وَحفظ كتابا فِي مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل ثمَّ قدم بَغْدَاد فَقَرَأَ بهَا الْقرَاءَات أَيْضا وتفقه على أبي الْفَتْح ابْن الْمَنِيّ الْحَنْبَلِيّ وَسمع الحَدِيث من أبي الْفَتْح بن شاتيل ثمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وَصَحب أَبَا الْقَاسِم بن فضلان وبرع عَلَيْهِ فِي الْخلاف وَأحكم طَريقَة الشريف وَطَرِيقَة الحديث: 1207 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 أسعد الميهني وتفنن فِي علم النّظر وَأحكم الْأَصْلَيْنِ والفلسفة وَسَائِر العقليات وَأكْثر من ذَلِك ثمَّ دخل الديار المصرية وتصدر للإقراء وَأعَاد بدرس الشَّافِعِي وَتخرج بِهِ جمَاعَة ثمَّ وَقع التعصب عَلَيْهِ فَخرج من الْقَاهِرَة مستخفيا وَقدم إِلَى حماة فَأَقَامَ بهَا ثمَّ قدم دمشق ودرس بِالْمَدْرَسَةِ العزيزية ثمَّ أخذت مِنْهُ وبدمشق توفّي وَيُقَال إِنَّه حفظ الْوَسِيط وَحمل عَنهُ الأذكياء الْعلم أصولا وكلاما وَخِلَافًا وصنف كتاب الْأَبْكَار فِي أصُول الدّين والإحكام فِي أصُول الْفِقْه والمنتهى ومنائح القرائح وَشرح جدل الشريف وَله طَريقَة فِي الْخلاف وتعليقة حَسَنَة وتصانيفه فَوق الْعشْرين تصنيفا كلهَا منقحة حَسَنَة ويحكى أَن شيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام قَالَ مَا سَمِعت أحدا يلقِي الدَّرْس أحسن مِنْهُ كَأَنَّهُ يُخَاطب وَإِذا غير لفظا من الْوَسِيط كَانَ لَفظه أمس بِالْمَعْنَى من لفظ صَاحبه وَأَنه قَالَ مَا علمنَا قَوَاعِد الْبَحْث إِلَّا من سيف الدّين الْآمِدِيّ وَأَنه قَالَ لَو ورد على الْإِسْلَام متزندق يشكك مَا تعين لمناظرته غير الْآمِدِيّ لِاجْتِمَاع أَهْلِيَّة ذَلِك فِيهِ ويحكى أَن الْآمِدِيّ رأى فِي مَنَامه حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ فِي تَابُوت وكشف عَن وَجهه وَقَبله فَلَمَّا انتبه أَرَادَ أَن يحفظ شَيْئا من كَلَامه فحفظ الْمُسْتَصْفى فِي أَيَّام يسيرَة وَكَانَ يعْقد مَجْلِسا للمناظرة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 1208 - عمر بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر نجم الدّين بن خلكان الإربلي أَخُو بهاء الدّين مُحَمَّد سكن إربل ودرس بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي رَمَضَان سنة تسع وسِتمِائَة بهَا 1209 - عمر بن أسعد بن أبي غَالب القَاضِي عز الدّين أَبُو حَفْص 1210 - عمر بن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود بن سعد بن سعيد بن أبي الْكَتَائِب الأديب الْعَلامَة أَبُو حَفْص الربعِي رشيد الدّين الفارقي مولده سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة الحديث: 1208 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 وَسمع من أبي عبد الله بن الزبيدِيّ وَعبد الْعَزِيز بن باقا وَجَمَاعَة روى عَنهُ من شعره الْحَافِظ الدمياطي وَشَيخنَا أَبُو الْحجَّاج الْمزي وَآخَرُونَ وَكَانَ يدرس بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية ثمَّ بالظاهرية بِدِمَشْق وَله مقدمتان فِي النَّحْو 1211 - عمر بن بنْدَار بن عمر بن عَليّ القَاضِي أَبُو الْفَتْح كَمَا الدّين التفليسي أحد الْعلمَاء الْمَشْهُورين ولد بتفليس سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة تَقْرِيبًا وتفقه وبرع فِي الْمَذْهَب والأصلين ودرس وَأفْتى وَسمع الحَدِيث من أبي المنجى بن اللتي وجالس أَبَا عَمْرو بن الصّلاح واستفاد مِنْهُ ثمَّ ولى الْقَضَاء بِدِمَشْق نِيَابَة فَلَمَّا تملكت التتار الشَّام جَاءَهُ التَّقْلِيد من هولاكو بِقَضَاء الشَّام اسْتِقْلَالا والجزيرة والموصل فباشر وذب عَن الْمُسلمين وَأحسن إِلَيْهِم بِكُل مُمكن وَكَانَ نَافِذ الْكَلِمَة عِنْد التتار لَا يخالفونه فَحصل للْمُسلمين بِهِ خير كثير من حقن كثير من الدِّمَاء وكف أيد ظالمة عَن الْأَمْوَال وَغير ذَلِك وَمَعَ ذَلِك لما زَالَت التتار كذب عَلَيْهِ وافتري عَلَيْهِ أَشْيَاء برأه الله مِنْهَا وَكَانَ غَايَة مقَالَة أعدائه فِيهِ أَن سَافر إِلَى الديار المصرية وتركهم وَأفَاد النَّاس هُنَاكَ الحديث: 1211 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 وَكَانَ ابْن الزكي قد سَافر إِلَى هولاكو وَجَاء بِقَضَاء الشَّام وَتوجه كَمَال الدّين إِلَى قَضَاء حلب وأعمالها ثمَّ بعد توجه التتار ألزم بِالسَّفرِ إِلَى الديار المصرية فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن توفّي لَيْلَة رَابِع عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ 1212 - عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْقزْوِينِي قَاضِي الْقُضَاة إِمَام الدّين ولد بتبريز سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وانتقل واشتغل فِي الْعَجم وَالروم ثمَّ قدم دمشق فِي الدولة الأشرفية هُوَ وَأَخُوهُ قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين فدرس بِبَعْض الْمدَارِس ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة بِالشَّام فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَصرف القَاضِي بدر الدّين بن جمَاعَة فَأحْسن إِمَام الدّين السِّيرَة وساس الْأُمُور وَاسْتمرّ إِلَى أَن جَاءَ التتار وبلغه هزيمَة الْمُسلمين فانجفل إِلَى الْقَاهِرَة فِيمَن انجفل من النَّاس ودخلها وَأقَام بهَا جُمُعَة وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة 1213 - عمر بن عبد الْوَهَّاب بن خلف قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين ابْن بنت الْأَعَز ولد سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة الحديث: 1212 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 وَسمع من الْحَافِظ عبد الْعَظِيم والرشيد الْعَطَّار وَكَانَ فَقِيها عَارِفًا بِالْمذهبِ نحويا دينا صَالحا ورعا قَائِما فِي نصْرَة الْحق وَولي قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية فَمشى على طَريقَة وَالِده قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين فِي التَّحَرِّي والصلابة بل أربى عَلَيْهَا قَالَ شَيخنَا أَبُو حَيَّان مَا سَمِعت بِأحد من الْقُضَاة فِي عصره كَانَ أكبر هَيْبَة مِنْهُ لَا يمزح وَلَا يضْحك وَلَا ينبسط قَالَ وَكَانَ مُعظما عِنْد وَالِده قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين يعْتَقد فِيهِ الدّيانَة ويتبرك بِهِ قَالَ وَلَا يعلم أهل بَيت بالديار المصرية أَنْجَب من هَذَا الْبَيْت كَانُوا أهل علم ورياسة وسؤدد وجلالة قلت ثمَّ عزل نَفسه وَاقْتصر على تدريس الصالحية إِلَى أَن توفّي فِي يَوْم عَاشُورَاء سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة 1214 - عبد اللَّطِيف بن أَحْمد بن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري أَبُو الْحسن القَاضِي ولي قَضَاء الْموصل عدَّة نوب وتفقه بِالْقَاضِي فَخر الدّين بن سعيد بن عبد الله الشهرزوري ولد فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَمَات لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة الحديث: 1214 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 1215 - عبد اللَّطِيف بن عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام الْفَقِيه ولد الشَّيْخ عز الدّين ولد سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة فَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَقصد الشُّيُوخ وروى عَن ابْن اللتي وتفقه على وَالِده وتميز فِي الْفِقْه وَالْأُصُول وَكَانَ يعرف تصانيف وَالِده معرفَة حَسَنَة توفّي بِالْقَاهِرَةِ فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة 1216 - عبد اللَّطِيف بن عبد القاهر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمويه أَبُو مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي النجيب السهروردي ولد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بِبَغْدَاد وتفقه على أَبِيه ثمَّ سَافر إِلَى خرسان وَدخل مَا وَرَاء النَّهر ولقى الْأَئِمَّة وَحصل وَعَاد إِلَى بَغْدَاد ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى الشَّام فوفد على الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين فولاه قَضَاء كل بلد افتتحه من السواحل وَغَيرهَا ثمَّ سَافر إِلَى بَغْدَاد فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ سَافر إِلَى إربل وَأقَام بهَا إِلَى حِين وَفَاته سمع من أبي الْبَدْر الْكَرْخِي وَأبي الْقَاسِم عَليّ بن عبد السَّيِّد بن الصّباغ وَأبي الْفضل مُحَمَّد بن عمر الأرموي وَغَيرهم توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة عشر وسِتمِائَة الحديث: 1215 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 1217 - عبد اللَّطِيف بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي سعد أَبُو مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي الْعِزّ الْموصِلِي وَهُوَ الشَّيْخ موفق الدّين الْبَغْدَادِيّ نحوي لغَوِيّ مُتَكَلم طَبِيب خَبِير بالفلسفة ولد بِبَغْدَاد سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة وَسمع من ابْن البطي وَأبي زرْعَة الْمَقْدِسِي وشهدة وَخلق روى عَنهُ الزكيان الْمُنْذِرِيّ والبرزالي وَابْن النجار وَغَيرهم وَله تصانيف كَثِيرَة فِي اللُّغَة والطب والتاريخ وَغير ذَلِك وَكَانَت إِقَامَته بحلب وسافر مِنْهَا ليحج على درب الْعرَاق فَدخل حران وَحدث بهَا وَدخل بَغْدَاد مَرِيضا فتعوق عَن الْحَج وَمَات بهَا فِي ثانى عشرالمحرم سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة 1218 - عبد المحسن بن نصر الله بن كثير زين الدّين بن البياع الشَّامي الأَصْل الْمصْرِيّ تفقه على أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن سَلامَة الحديث: 1217 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَانَ طلق الْعبارَة جيد القريحة من أَعْيَان الشَّافِعِيَّة خطب بقلعة الْجَبَل وناب فِي الحكم بأعمال مصر وتقلب فِي الخدم الديوانية مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة 1219 - عبد المحسن بن أبي العميد بن خَالِد بن عبد الْغفار بن إِسْمَاعِيل الشَّيْخ حجَّة الدّين أَبُو طَالب الخفيفي الْأَبْهَرِيّ الصُّوفِي ولد فِي رَجَب سنة سِتّ وَخمسين وَخَمْسمِائة وتقفه بهمذان على أبي الْقَاسِم بن حيدر الْقزْوِينِي وعلق التعليقة عَن فَخر الدّين النوقاني وَسمع بأصبهان من أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ وَغَيره وببغداد من أبي الْفَتْح ابْن شاتيل وَغَيره وبهمذان ودمشق ومصر وَمَكَّة وَغَيرهَا من الْبِلَاد وَكَانَ كثير الْأَسْفَار وَالْحج ذَا صَلَاة وتهجد وَصِيَام وَعبادَة عَارِفًا بِكَلَام الْمَشَايِخ وأحوال الْقَوْم حج وجاور وَتُوفِّي فِي صفر سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة الحديث: 1219 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 1220 - عبد الْمُنعم بن أبي بكر بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مَحْمُود القَاضِي جلال الدّين أَبُو مُحَمَّد الْمصْرِيّ ثمَّ الشَّامي ولد سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَقدم الشَّام قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وروى لنا مجْلِس معمر عَن ابْن المقير وَولى قَضَاء السلط وعجلون والقدس وخطابة صفد وناب فِي الحكم بِدِمَشْق ثمَّ عَاد إِلَى الْقُدس إِلَى أَن توفّي بهَا وَله تعليقة على التَّنْبِيه توفّي فِي حادي وَعشْرين ربيع الآخر سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة 1221 - عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل بن ظافر الْأَزْدِيّ الحديث: 1220 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 1222 - عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم بن خلف الشَّيْخ كَمَال الدّين أَبُو المكارم ابْن خطيب زملكا قَالَ أَبُو شامة كَانَ عَالما خيرا متميزا فِي عُلُوم عدَّة ولى الْقَضَاء بصرخد ودرس ببعلبك قلت وَهُوَ جد الشَّيْخ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد الزملكاني وَكَانَت لَهُ معرفَة تَامَّة بالمعاني وَالْبَيَان وَله فِيهِ مُصَنف وَله شعر حسن توفّي بِدِمَشْق سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة 1223 - عبد الْوَاسِع بن عبد الْكَافِي بن عبد الْوَاسِع ابْن عبد الْجَلِيل الْأَبْهَرِيّ الحديث: 1222 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 1224 - عبد الْوَدُود بن مَحْمُود بن الْمُبَارك بن عَليّ أَبُو المظفر بن أبي الْقَاسِم الْمَعْرُوف وَالِده بالمجير الْبَغْدَادِيّ قَرَأَ الْمَذْهَب وَالْأُصُول على وَالِده وَقَرَأَ الْخلاف والجدل وزاحم بالركب فِي مصَاف الْفُقَهَاء وناظر وَتَوَلَّى الْإِعَادَة بِالْمَدْرَسَةِ النظامية حِين كَانَ وَالِده مدرسا بهَا ودرس بِبَعْض مدارس بَغْدَاد وَتُوفِّي فَجْأَة فِي أول يَوْم من رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة 1225 - عبد الْوَهَّاب بن الْحُسَيْن بن عبد الْوَهَّاب المهلبي القَاضِي وجيه الدّين البهنسي قَاضِي مصر أَبُو مُحَمَّد كَانَ فَقِيها أصوليا نحويا متدينا متعبدا ولي قَضَاء الديار المصرية ثمَّ عزل عَن الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري وَاسْتمرّ على قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي إِلَى أَن توفّي ودرس بالزاوية المجدية بالجامع الْعَتِيق بِمصْر وتناظر هُوَ والضياء بن عبد الرَّحِيم مرّة فَصَارَ يَعْلُو كَلَامه عَلَيْهِ وَكَانَ يتأكل فِي كَلَامه وَيدل بفضله وَحكي أَن بعض الطّلبَة جلس بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ انْظُر فِي أَمْرِي لي أَربع سِنِين فِي هَذَا الْموضع وحفظت أَرْبَعَة كتب وجامكيتي أَرْبَعَة دَرَاهِم وَكسر الْهَاء فِي الْجَمِيع فَقَالَ لَهُ يَا فَقِيه من بنى أربعتك على الْكسر الحديث: 1224 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 وَحضر عِنْده الشَّيْخ شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ مرّة وَقت التدريس وَهُوَ يتَكَلَّم فِي الْأُصُول فشرع الْقَرَافِيّ يناظره والوجيه يَعْلُو بِكَلَامِهِ عَلَيْهِ فَقَامَ طَالب يتَكَلَّم بَينهمَا فأسكته الْوَجِيه وَقَالَ لَهُ فروج يَصِيح بَين الديكة توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة 1226 - عبد الْوَهَّاب بن خلف بن بدر العلامي قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز ولد فِي مستهل رَجَب سنة أَربع وسِتمِائَة وَسمع من جَعْفَر الهمذاني وَقَرَأَ سنَن أبي دَاوُد على الْحَافِظ زكي الدّين وَحدث وَكَانَ رجلا فَاضلا ذكي الْفطْرَة حاد القريحة صَحِيح الذِّهْن رَئِيسا عفيفا نزها جميل الطَّرِيقَة حسن السِّيرَة مقدما عِنْد الْمُلُوك ذَا رَأْي سديد وذهن ثاقب وَعلم جم ولي قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية والوزارة وَالنَّظَر وتدريس قبَّة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والصالحية والخطابة والمشيخة وَاجْتمعَ لَهُ من المناصب مَا لم يجْتَمع لغيره وَكَانَ يُقَال إِنَّه آخر قُضَاة الْعدْل وَاتفقَ النَّاس على عدله وخيره وَكَانَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ يصفه بِصِحَّة الذِّهْن الحديث: 1226 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 وَعَن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد أَنه قَالَ لَو تفرع ابْن بنت الْأَعَز للْعلم فاق ابْن عبد السَّلَام وَعَن بعض الْكِبَار فِي عصره أَنه قَالَ قاضيان حجَّة الله على الْقُضَاة ابْن الْأَعَز وَابْن الْبَارِزِيّ قَاضِي حماة يَعْنِي جد قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين هبة الله وَفِي أَيَّامه جدد الْملك الظَّاهِر الْقُضَاة الثَّلَاثَة فِي الْقَاهِرَة ثمَّ فِي دمشق وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَنه سَأَلَ القَاضِي تَاج الدّين فِي أَمر فَامْتنعَ من الدُّخُول فِيهِ فَقيل لَهُ مر نائبك الْحَنَفِيّ وَكَانَ القَاضِي وَهُوَ الشَّافِعِي يَسْتَنِيب من شَاءَ من الْمذَاهب الثَّلَاثَة فَامْتنعَ من ذَلِك أَيْضا فَجرى مَا جرى وَكَانَ الْأَمر متمحضا للشَّافِعِيَّة فَلَا يعرف أَن غَيرهم حكم فِي الديار المصرية مُنْذُ وَليهَا أَبُو زرْعَة مُحَمَّد بن عُثْمَان الدِّمَشْقِي فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ إِلَى زمَان الظَّاهِر إِلَّا أَن يكون نَائِب يستنيبه بعض قُضَاة الشَّافِعِيَّة فِي جزئية خَاصَّة وَكَذَا دمشق لم يلها بعد أبي زرْعَة الْمشَار إِلَيْهِ فَإِنَّهُ وَليهَا أَيْضا وَلم يلها بعده إِلَّا شَافِعِيّ غير التلاشاعوني التركي الَّذِي وَليهَا يويمات وَأَرَادَ أَن يجدد فِي جَامع بني أُميَّة إِمَامًا حنفيا فأغلق أهل دمشق الْجَامِع وعزل القَاضِي وَاسْتمرّ جَامع بني أُميَّة فِي يَد الشَّافِعِيَّة كَمَا كَانَ فِي زمن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يكن يَلِي قَضَاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 الشَّام والخطابة والإمامة بِجَامِع بني أُميَّة إِلَّا من يكون على مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ إِلَى أَن انْتَشَر مَذْهَب الشَّافِعِي فَصَارَ لَا يَلِي ذَلِك إِلَّا الشَّافِعِيَّة وَقَالَ أهل التجربة إِن هَذِه الأقاليم المصرية والشامية والحجازية مَتى كَانَت الْبَلَد فِيهَا لغير الشَّافِعِيَّة خربَتْ وَمَتى قدم سلطانها غير أَصْحَاب الشَّافِعِي زَالَت دولته سَرِيعا وَكَأن هَذَا السِّرّ جعله الله فِي هَذِه الْبِلَاد كَمَا جعل مثله لمَالِك فِي بِلَاد الْمغرب وَلأبي حنيفَة فِيمَا وَرَاء النَّهر وَسمعت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد يَقُول سَمِعت صدر الدّين ابْن المرحل رَحمَه الله يَقُول مَا جلس على كرْسِي ملك مصر غير شَافِعِيّ إِلَّا وَقتل سَرِيعا وَهَذَا الْأَمر يظْهر بالتجربة فَلَا يعرف غير شَافِعِيّ إِلَّا قطز رَحمَه الله كَانَ حنفيا وَمكث يَسِيرا وَقتل وَأما الظَّاهِر فقلد الشَّافِعِي يَوْم ولَايَة السلطنة ثمَّ لما ضم الْقُضَاة إِلَى الشَّافِعِيَّة اسْتثْنى للشَّافِعِيَّة الْأَوْقَاف وَبَيت المَال والنواب وقضاة الْبر والأيتام وجعلهم الأرفعين وَمَعَ ذَلِك قيل إِنَّه نَدم وَقَالَ أندم على ثَلَاث ضم غير الشَّافِعِيَّة إِلَيْهِم والعبور بالجيوش إِلَى الْفُرَات وَعمارَة الْقصر الأبلق بِدِمَشْق وَحكي أَن الظَّاهِر رأى الشَّافِعِي فِي النّوم لما ضم إِلَى مذْهبه بَقِيَّة الْمذَاهب وَهُوَ يَقُول تهين مذهبي الْبِلَاد لي أَو لَك أَنا قد عزلتك وعزلت ذريتك إِلَى يَوْم الدّين فَلم يمْكث إِلَّا يَسِيرا وَمَات وَلم يمْكث وَلَده السعيد إِلَّا يَسِيرا وزالت دولته وَذريته إِلَى الْآن فُقَرَاء وَجَاء بعده قلاوون وَكَانَ دونه تمَكنا وَمَعْرِفَة وَمَعَ ذَلِك مكث الْأَمر فِيهِ وَفِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 ذُريَّته إِلَى هَذَا الْوَقْت وَللَّه تَعَالَى أسرار لَا يُدْرِكهَا إِلَّا خَواص عباده وللأئمة رَضِي الله عَنْهُم عِنْده مقامات لَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا عقول أمثالنا فَكَانَ الرَّأْي السديد لمن رأى قَوَاعِد الْبِلَاد مستمرة على شَيْء غير بَاطِل أَن يجْرِي النَّاس على مَا يعهدون وَلَكِن إِذا أَرَادَ الله أمرا هيأ أَسبَابه وَلَعَلَّ سَبَب زَوَال دولة الْمَذْكُور بِهَذَا السَّبَب وَقد حُكيَ أَنه رئي فِي النّوم فَقيل مَا فعل الله بك قَالَ عذبني عذَابا شَدِيدا بِجعْل الْقُضَاة أَرْبَعَة وَقَالَ فرقت كلمة الْمُسلمين وَلَا يخفى على ذِي بَصِيرَة مَا حصل من تفرق الْكَلِمَة وتعدد الْأُمَرَاء واضطراب الآراء وَقد قَالَ أَبُو شامة لما حكى ضم الْقُضَاة الثَّلَاثَة إِنَّه مَا يعْتَقد أَن هَذَا وَقع قطّ وَصدق فَلم يَقع هَذَا فِي وَقت من الْأَوْقَات وَبِه حصلت تعصبات الْمذَاهب والفتن بَين الْفُقَهَاء ويحكى أَن القَاضِي تَاج الدّين ركب وَتوجه إِلَى القرافة وَدخل على الْفَقِيه مفضل حَتَّى تولى عَنهُ الشرقية فَقيل لَهُ تروح إِلَى شخص حَتَّى توليه فَقَالَ لَو لم يفعل لقبلت رجله حَتَّى يقبل فَإِنَّهُ يسد عني ثلمة من جَهَنَّم وَكَانَ الْأُمَرَاء الْكِبَار يشْهدُونَ عِنْده فَلَا يقبل شَهَادَتهم فَيُقَال إِن ذَلِك أَيْضا من جملَة الْحَوَامِل على ضم الْقُضَاة الثَّلَاثَة إِلَيْهِ وَمِمَّا يحْكى من رياسة قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين وذكائه وَسُرْعَة إِدْرَاكه أَن أَبَا الْحُسَيْن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 الجزار الأديب كَانَ يَصْحَبهُ وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة لشدَّة تصلبه فِي الدّين يعرف النَّاس مِنْهُ أَنه لَا يرخص لأحد فظفر بعض أَعدَاء الجزار بِوَرَقَة بِخَط الجزار يَدْعُو فِيهَا شخصا إِلَى مجْلِس أنس وَوصف الْمجْلس وَوضع الورقة فِي نُسْخَة من صِحَاح الْجَوْهَرِي فِي الْقَائِمَة الأولى مِنْهَا وَأعْطى الْكتاب لدلال الْكتب وَقَالَ اعرضه على قَاضِي الْقُضَاة فَأحْضرهُ لَهُ فَقَرَأَ الورقة وَعرف خطّ الجزار وَقَالَ للدلال رد الْكتاب إِلَى صَاحبه فَإِنَّهُ مَا يَبِيعهُ فقد فهمنا مقْصده فَلَمَّا حضر الجزار نَاوَلَهُ قَاضِي القَاضِي الورقة ففهم وَقَالَ يَا مولَايَ هَذَا خطي من ثَلَاثِينَ سنة ثمَّ اشْتهى الجزار أَن يعرف مَا عِنْد القَاضِي وَهل تأثر بِالْوَرَقَةِ فأغفله أَيَّامًا ثمَّ حكى لَهُ فِي أثْنَاء مجْلِس أَن شخصا كَانَ يصحب قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين ابْن السكرِي فَوَقَعت لَهُ شَهَادَة على شخص فسابقه ذَلِك الشَّخْص وَادّعى عَلَيْهِ أَنه اسْتَأْجرهُ من مُدَّة كَذَا ليغني لَهُ فِي عرس بِكَذَا وَقبض الْأُجْرَة وَلم يغن فَأنْكر وانفصلت الْخُصُومَة ثمَّ وَقعت لَهُ الدَّعْوَى على الْمُدعى الْمَذْكُور وَشهد ذَلِك الشَّاهِد فَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين مَا صنع ابْن السكرِي فَقَالَ لَهُ الجزار لم يقبل شَهَادَته فَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين مَا أنصف ابْن السكرِي فَعرف الجزار أَنه لم يتأثر بِالْوَرَقَةِ توفّي رَحمَه الله لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ ورثاه بَعضهم بِأَبْيَات مِنْهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 (يَا دهر بِعْ رتب الْمَعَالِي بعده ... بيع السماح ربحت أم لم تربح) (قدم وَأخر من تشَاء وتشتهي ... مَاتَ الَّذِي قد كنت مِنْهُ تَسْتَحي) والأعز الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ قَرَأت بِخَط قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين الْآجُرِيّ رَحمَه الله أَن الْأَعَز ابْن شكر وَزِير الْملك الْكَامِل بن أبي بكر بن أَيُّوب قَالَ وَهُوَ أَبُو أم قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين والعلامي بِالتَّخْفِيفِ نِسْبَة إِلَى عَلامَة وَهِي قَبيلَة من لخم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 1227 - عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن عَليّ بن عبيد الله أَبُو أَحْمد الْأمين ابْن سكينَة مُسْند الْعرَاق ومحدثه ضِيَاء الدّين الصُّوفِي الْفَقِيه وسكينة جدته أم أَبِيه ولد فِي شعْبَان سنة تسع عشرَة وَخَمْسمِائة وَسمع الْكثير من أَبِيه وَأبي الْقَاسِم بن الْحصين وَأبي غَالب مُحَمَّد بن الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وزاهر بن طَاهِر الشحامي وَالْقَاضِي أبي بكر الْأنْصَارِيّ وَأبي مَنْصُور ابْن زُرَيْق الْقَزاز وَأبي الْقَاسِم بن السَّمرقَنْدِي وَغَيرهم روى عَنهُ الشَّيْخ الْمُوفق بن قدامَة وَأَبُو مُوسَى ابْن الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح وَابْن خَلِيل والضياء وَابْن النجار وَابْن الدبيثي والنجيب عبد اللَّطِيف وَابْن عبد الدَّائِم وخلائق وَصَحب الحافظين ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ واستفاد بصحبتهما وَقَرَأَ الْمَذْهَب وَالْخلاف على أبي مَنْصُور ابْن الرزاز وَكَانَ على مَا يُقَال دَائِم التّكْرَار لكتاب التَّنْبِيه الحديث: 1227 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 كثير الِاشْتِغَال بالمهذب والوسيط وَقَرَأَ الْأَدَب على أبي مُحَمَّد بن الخشاب وَتخرج فِي الحَدِيث بِابْن نَاصِر وَمد الله لَهُ فِي الْعُمر حَتَّى قصد من الأقاليم وَكَانَ شيخ وقته فِي علو الْإِسْنَاد قَالَ ابْن النجار وَفِي الْمعرفَة والإتقان والزهد وَالْعِبَادَة وَحسن السمت وموافقة السّنة وسلوك طَرِيق السّلف الصَّالح قَالَ وَكَانَت أوقاته مَحْفُوظَة وكلماته مَعْدُودَة فَلَا تمْضِي لَهُ سَاعَة إِلَّا فِي قِرَاءَة الْقُرْآن أَو الذّكر أَو الحَدِيث أَو التَّهَجُّد وَكَانَ كثير الْحَج وَالْعمْرَة والمجاورة بِمَكَّة مُسْتَعْملا للسّنة فِي جَمِيع أَحْوَاله وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ قَالَ لقد طفت شرقا وغربا وَرَأَيْت الْأَئِمَّة وَالْعُلَمَاء والزهاد فَمَا رَأَيْت أكمل مِنْهُ وَلَا أحسن حَالا وَقَالَ القَاضِي يحيى بن الْقَاسِم مدرس النظامية كَانَ ابْن سكينَة لَا يضيع شَيْئا من وقته وَكُنَّا إِذا دَخَلنَا عَلَيْهِ يَقُول لَا تَزِيدُوا على سَلام عَلَيْكُم لِكَثْرَة حرصه على المباحثة وَتَقْرِير الْأَحْكَام وَقَالَ أَبُو شامة كَانَ ابْن سكينَة من الأبدال توفّي فِي تَاسِع عشر ربيع الآخر سنة سبع وسِتمِائَة بِبَغْدَاد 1228 - عُثْمَان بن سعيد بن كثير القَاضِي شمس الدّين أَبُو عَمْرو الصنهاجي الفاسي قدم مصر فِي صباه وسكنها وتفقه على الشَّيْخ شهَاب الدّين الطوسي وبرع فِي الْمَذْهَب وَسمع هبة الله البوصيري وَغَيره الحديث: 1228 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 ولي قَضَاء قوص ودرس بالجامع الْأَقْمَر بِالْقَاهِرَةِ مولده سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة ظنا وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1229 - عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن مُوسَى بن أبي نصر الْكرْدِي الشهرزوري الشَّيْخ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين أحد أَئِمَّة الْمُسلمين علما ودينا أَبُو عَمْرو بن الصّلاح ولد سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة وَسمع الحَدِيث بالموصل من أبي جَعْفَر عبيد الله بن أَحْمد الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن السمين وَهُوَ أقدم شيخ لَهُ وَسمع بِبَغْدَاد من ابْن سكينَة وَابْن طبرزد وبنيسابور من مَنْصُور الفراوي والمؤيد الطوسي وَغَيرهمَا وبمرو من أبي المظفر السَّمْعَانِيّ وَمُحَمّد بن عمر المَسْعُودِيّ وَغَيرهمَا وبدمشق من القَاضِي عبد الصَّمد بن الحرستاني وَالشَّيْخ الْمُوفق ابْن قدامَة وَغَيرهمَا روى عَنهُ الْفَخر عمر بن يحيى الكرجي وَالشَّيْخ تَاج الدّين الفركاح وَأحمد بن هبة الله بن عَسَاكِر وَخلق الحديث: 1229 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 وتفقه عَلَيْهِ خلائق وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا فَقِيها مُحدثا زاهدا ورعا مُفِيدا معلما استوطن دمشق يُعِيد زمَان السالفين ورعا وَيزِيد بهجتها بروضة علم جنى كل طَالب جناها ورعا ويفيد أَهلهَا فَمَا مِنْهُم إِلَّا من اغترف من بحره واعترف بدره وَحفظ جَانب مثله ورعا جال فِي بِلَاد خُرَاسَان واستفاد من مشايخها وعلق التَّعَالِيق المفيدة وَورد دمشق ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الصلاحية بالقدس ثمَّ عَاد إِلَى الْبِلَاد ثمَّ ورد دمشق مُقيما مستوطنا وَولي تدريس الرواحية والشامية الجوانية ومشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية قَالَ ابْن خلكان كَانَ أحد فضلاء عصره فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وَله مُشَاركَة فِي فنون عدَّة وَذكر غَيره أَن ابْن الصّلاح قَالَ مَا فعلت صَغِيرَة فِي عمري قطّ وَهَذَا فضل من الله عَلَيْهِ عَظِيم توفّي سحر يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشري ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 وسِتمِائَة وازدحم عَلَيْهِ الْخلق فَصلي عَلَيْهِ بالجامع وشيعوه إِلَى بَاب الْفرج فَصلي عَلَيْهِ بداخله ثَانِيًا وَرجع النَّاس لأجل حِصَار الْبَلَد بالخوارزمية وَخرج بِهِ دون الْعشْرَة مشمرين مخاطرين بِأَنْفسِهِم فدفنوه بِطرف مَقَابِر الصُّوفِيَّة وقبره على الطَّرِيق فِي طرفها الغربي ظَاهر يزار ويتبرك بِهِ قيل وَالدُّعَاء عِنْد قَبره مستجاب وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ أفتى ابْن الصّلاح فِي امْرَأَة حاضنة أَرَادَ الْأَب أَن ينْزع مِنْهَا الْوَلَد مُدعيًا أَنه يُسَافر سفر نقلة وَأنْكرت هِيَ أصل السّفر بِأَن القَوْل قَوْله فِي السّفر مَعَ يَمِينه وَأفْتى رَحمَه الله فِي جَارِيَة اشترتها مغنية وحملتها على الْفساد أَنَّهَا تبَاع عَلَيْهَا واستند فِيهِ إِلَى نقل نَقله عَن القَاضِي الْحُسَيْن أَن السَّيِّد إِذا كلف عَبده من الْعَمَل مَا لَا يطيقه يُبَاع عَلَيْهِ وَالنَّقْل غَرِيب وَالْمَسْأَلَة مليحة وَكَلَامه مَحْمُول على مَا إِذا تعين بَيْعه طَرِيقا لخلاصه من الظُّلم وَإِلَّا فَلَا يتَعَيَّن البيع وَقد نازعه الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح وَقَالَ قد صَحَّ فِي صَحِيح مُسلم وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبهُمْ فَإِن كلفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ وَلم يقل فبيعوهم وَفِي التَّتِمَّة فِي الْبَاب الْخَامِس فِي أَحْكَام المماليك لَو امْتنع من الْإِنْفَاق على مَمْلُوكه فالحاكم يجْبرهُ على الْإِنْفَاق وَفِي الرَّافِعِيّ قبيل كتاب الْخراج فِي كَلَامه على المخارجة وَإِن ضرب عَلَيْهِ خراجا أَكثر مِمَّا يَلِيق بِحَالهِ وألزمه أداءه مَنعه السُّلْطَان فَدلَّ أَنه يمْنَع وَلَا يُبَاع عَلَيْهِ وَهَذَا ملخص كَلَام الشَّيْخ برهَان الدّين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 جزم الرَّافِعِيّ فِي بَاب النّذر فِي أَوَائِل النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَامه بِأَنَّهُ لَو نذر أَن يُصَلِّي قَاعِدا جَازَ أَن يقْعد كَمَا لَو صرح فِي نَذره بِرَكْعَة لَهُ الِاقْتِصَار عَلَيْهِ قَالَ وَإِن صلى قَائِما فقد أَتَى بالأفضل ثمَّ قَالَ بعد ثَلَاث وَرَقَات إِن الإِمَام حكى عَن الْأَصْحَاب أَنه لَو قَالَ عَليّ أَن أُصَلِّي رَكْعَة لم يلْزمه إِلَّا رَكْعَة وَاحِدَة وَأَنه لَو قَالَ عَليّ أَن أُصَلِّي كَذَا قَاعِدا يلْزمه الْقيام عِنْد الْقُدْرَة إِذا حملنَا الْمَنْذُور على وَاجِب الشَّرْع وَأَنَّهُمْ تكلفوا فرقا بَينهمَا قَالَ وَلَا فرق فَيجب تنزيلهما على الْخلاف انْتهى وَقد رَأَيْته فِي النِّهَايَة كَمَا نَقله وَلابْن الصّلاح مَعَ تبحره فِي الْمَنْقُول حَظّ وافر من التَّحْقِيق وسلوك حسن فِي مضايق التدقيق وَقد أَخذ يحاول فرقا بَين الرَّكْعَة وَالْقعُود بِأَن الْقعُود صفة أفردها بِالذكر وقصدها بِالنذرِ وَلَا قربَة فِيهَا فلغت الصّفة وَبَقِي قَوْله أُصَلِّي فالتحق بِمَا لَو قَالَ أُصَلِّي مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَيلْزمهُ الْقيام على أحد الْقَوْلَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِك قَوْله رَكْعَة فَإِنَّهَا نفس الْمَنْذُور وَهِي قربَة وَصفَة إفرادها بِالذكر لَيست مَذْكُورَة وَلَا منذورة هَذَا كَلَامه وَلست بموافق لَهُ فِيهِ كَمَا سأذكر غير أَنِّي قبل مشاقته أَقُول لَك أَن تزيد هَذَا الْفرق تحسينا بِأَن تَقول وَقَوله رَكْعَة مفعول أُصَلِّي وَهُوَ وَإِن كَانَ فضلَة لَكِن مَتى حذف لفظا قدر صناعَة بِخِلَاف رَكْعَة قَاعِدا فَإِنَّهُ حَال من الْفَاعِل لَو حذف لفظا لم يقدر فَكَانَ التَّلَفُّظ بِهِ دَلِيل الْقَصْد إِلَيْهِ بِخِلَاف رَكْعَة فَرُبمَا كَانَ التَّلَفُّظ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 بهَا ذكرا للْمَفْعُول لِأَنَّهُ لَو حذف لم يتَعَيَّن تَقْدِير رَكْعَة بل جَازَ تَقْدِير رَكْعَتَيْنِ لأَنا نتطلب بالصناعة مُطلق كَونه رَكْعَة أَو رَكْعَتَيْنِ وَنَحْوهمَا لَا خُصُوص واحدمنهما فَكَانَ قَوْله قَاعِدا مَعَ قَوْله أُصَلِّي فِي قُوَّة قضيتين وجملتين مستقلتين فلغا مِنْهُمَا مَا لَيْسَ بقربة بِخِلَاف قَوْله رَكْعَة فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي قُوَّة قَضِيَّة أُخْرَى بل هُوَ من تَمام الْقَضِيَّة الأولى لَو لم يلفظ بِهِ لقدره سامعه وانتقل ذهنه إِلَى الْمُطلق مِنْهُ إِن لم يتَعَيَّن لَهُ الْخَاص فَلم يزدْ قَوْله رَكْعَة على قَوْله أُصَلِّي من حَيْثُ الصِّنَاعَة بِخِلَاف قَاعِدا هَذَا مُنْتَهى مَا خطر لي فِي تحسينه ثمَّ أَقُول مَا الْفرق بِمُسلم وَتَقْرِير ذَلِك عِنْد سامعه يَسْتَدْعِي مِنْهُ تمهلا عَليّ فِيمَا ألقيه فَأَقُول مَا الرَّكْعَة بمطلوبة للشارع أبدا من حَيْثُ إِنَّهَا رَكْعَة بل من حَيْثُ إِنَّهَا توتر مَا تقدم فهناك يطْلب انفرادها وَهَذَا أَمر لَا يكون فِي الْوتر فَلَا تكون الرَّكْعَة من حَيْثُ انفرادها قربَة إِلَّا فِي الْوتر فَلَا يلْزم بِالنذرِ وَهِي وَالْقعُود سَوَاء كِلَاهُمَا مَطْلُوب الْعَدَم إِلَّا فِي الْوتر فيطلب وجودهَا ليوتر الْمُتَقَدّم وَذَلِكَ كركعتين خفيفتين يُصَلِّيهمَا بعْدهَا عَن قعُود وَقد روى ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل إنَّهُمَا سنة الْوتر كالركعتين بعد الْمغرب سنة الْمغرب وَجعلت رَكعَتَا الْوتر بعد جَائِزَة عَن قعُود إِشَارَة إِلَى أَنه غير وَاجِب وَقيل إِن ذَلِك مَنْسُوخ فَإِن قلت لَو كَانَت رَكْعَة الْوتر لَا تطلب إِلَّا لكَونهَا توتر مَا تقدم لما صَحَّ الِاقْتِصَار عَلَيْهَا لَكِن الصَّحِيح صِحَة الِاقْتِصَار على رَكْعَة وَاحِدَة قلت هُوَ مَعَ صِحَّته على تلوم فِيهِ خلاف الْأَفْضَل فَلَيْسَ بقربة من حَيْثُ إِنَّه رَكْعَة مُنْفَرِدَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 فَإِن قلت لَو تمّ لَك ذَلِك لما جَازَ النَّفْل فِي غير الْوتر بِرَكْعَة مُنْفَرِدَة لكنه يجوز على الصَّحِيح قلت إِنَّمَا جَازَ لمُطلق كَونه صَلَاة لَا لخُصُوص كَونه رَكْعَة فَفِي الرَّكْعَة المنفردة عُمُوم وخصوص فعموم كَونهَا صَلَاة صيرها قربَة وخصوص كَونهَا رَكْعَة لَيْسَ من الْقرْبَة فِي شَيْء إِلَّا فِي الْوتر فالتزامها فِي غير الْوتر بِالنذرِ من حَيْثُ خصوصها لَا يَصح كالقعود سَوَاء وَهَذَا تَحْقِيق يَنْبَغِي أَن يكْتب بسواد اللَّيْل على بَيَاض النَّهَار وبماء الذَّهَب على نَار الأفكار وَقد رد ابْن الرّفْعَة كَلَام ابْن الصّلاح بِمَا لَا أرتضيه فَقَالَ دَعْوَاهُ أَنه لَا قربَة فِي الْقعُود قد يمْنَع إِذا قُلْنَا بالأصح وَهُوَ جَوَاز التَّنَفُّل مُضْطَجعا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام قلت وَفِيه نظر فجواز التَّنَفُّل مُضْطَجعا لَا يَقْتَضِي أَنا جعلنَا نفس الْقعُود قربَة بل غَايَة الْأَمر أَنا قُلْنَا إِنَّه خير من الِاضْطِجَاع وَالتَّحْقِيق أَن يُقَال عدم الِاضْطِجَاع خير مِنْهُ وَإِن صَحَّ ووراءه صُورَتَانِ الْقيام وَهُوَ مَطْلُوب للشارع بِخُصُوصِهِ وَالْقعُود وَلَيْسَ هُوَ مَطْلُوبا من حَيْثُ خصوصه بل من حَيْثُ عُمُومه وَهُوَ أَنه لَيْسَ باضطجاع فَخرج من هَذَا أَن خُصُوص الْقعُود لَيْسَ بمقصود قطّ وَإِن وَقع تسمح فِي الْعبارَة فَلَا يعبأ بِهِ ثمَّ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَإِن قُلْنَا لَا يجوز الِاضْطِجَاع مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام فقد يُقَال الْوَفَاء بِالنذرِ لَيْسَ على الْفَوْر وَقد يعجز عَن الْقيام فَيكون الْقعُود فِي حَقه فَضِيلَة فَيصير كَمَا لَو نذر الصَّلَاة قَاعِدا وَهُوَ عَاجز وَالصَّحِيح يعْتَمد الْإِمْكَان قلت وَقد عرفت بِمَا حققت اندفاعه وَأَن الْقعُود لَا يكون فَضِيلَة أبدا ثمَّ يزْدَاد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 هَذَا ويقوى بِأَن الِاعْتِبَار فِي النّذر بِوَقْت الْإِلْزَام وَإِلَّا فَلَو تمّ مَا ذكره واكتفي بِاحْتِمَال الْعَجز مصححا فِي الْمُسْتَقْبل مصححا فِي الْحَال لصَحَّ نذر الْمُفلس وَالسَّفِيه عتق عبديهما وَإِن لم ينفذ إعتقاهما فِي الْحَال لاحْتِمَال رفع الْحجر مَعَ بَقَاء العَبْد وَقد وَافق هُوَ على أَنه لَا ينفذ ثمَّ قَالَ ابْن الرّفْعَة ثمَّ قَول ابْن الصّلاح وَلَيْسَ كَذَلِك قَوْله رَكْعَة إِلَى آخِره قد يمْنَع وَيُقَال مَا قدمه النَّاذِر من قَوْله أُصَلِّي إِذْ نزلناه على وَاجِب الشَّرْع مَحْمُول على رَكْعَتَيْنِ وَقَوله بعده رَكْعَة مُنَاقض لَهُ وَحِينَئِذٍ فقد يُقَال بإلغاء قَوْله رَكْعَة أَو بإلغاء جَمِيع كَلَامه وَيلْزم مثل ذَلِك فِي نذر الصَّلَاة قَاعِدا قلت وَفِيه نظر فَإِن الِاخْتِلَاف فِي الْحمل على وَاجِب الشَّرْع أَو جائزه إِنَّمَا هُوَ حَالَة الْإِطْلَاق لَا حَالَة التَّقْيِيد بجائزه وَهنا قد قيد بِرَكْعَة فَلَا يُمكن إلغاؤه وَهُوَ كالتقييد بِأَرْبَع وَقد قدمنَا أَن قَوْله رَكْعَة مفعول أُصَلِّي فَلَا بُد مِنْهُ تَقْديرا إِن لم يكن منطوقا فَكيف يحكم بإلغائه أفتى ابْن الصّلاح فِي وَرَثَة اقتسموا التَّرِكَة ثمَّ ظهر دين وَوجد صَاحب الدّين عينا مِنْهَا فِي يَد بعض الْوَرَثَة بِأَن للْحَاكِم أَن يَبِيع تِلْكَ الْعين فِي وَفَاء الدّين وَلَا يتَعَيَّن أَن يَبِيع على كل وَاحِد من الْوَرَثَة مَا يَخُصُّهُ من الدّين وَهُوَ فرع حسن وَفقه مليح وَمن الْوَاقِعَات بَين ابْن الصّلاح وَأهل عصره وَلَا نذْكر مَا اشْتهر بَينه وَبَين ابْن عبد السَّلَام فِي مَسْأَلَة صَلَاة الرغائب وَمَسْأَلَة الصَّلَاة بِحَسب السَّاعَات وَنَحْوهمَا وَإِنَّمَا نذْكر مَا يستحسن وَهُوَ عندنَا فِي مَحل النّظر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 فرع تعم بِهِ الْبلوى امْرُؤ يَقُول اشْهَدُوا عَليّ بِكَذَا هَل يكون بِهِ مقرا أفتى ابْن الصّلاح بِأَنَّهُ لَا يكون مقرا كَذَا ذكر فِي بَاب الْإِقْرَار من فَتَاوِيهِ وَذكر أَن تَقْرِيره سبق مِنْهُ وَكَانَ ذَلِك بِاعْتِبَار مَا كَانَ يكْتب فِي فَتَاوِيهِ على غير تَرْتِيب وَهِي الْآن مرتبَة وَالْمَسْأَلَة الَّتِي أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا سبقت فِي آخر الْفَتَاوَى ذكر فِيهَا ذَلِك وَأَنه مَذْهَبنَا وَأَن الْمُخَالف فِيهِ أَبُو حنيفَة وَأَن الْمَسْأَلَة مُصَرح بهَا فِي الْعدة للطبري وَفِي الإشراف للهروي وَذكر أَنه وقف على الْمَسْأَلَة بعض من يُفْتِي بِدِمَشْق من أَصْحَابنَا فَأرْسل إِلَيْهِ مستنكرا يذكر أَن هَذَا خلاف مَا فِي الْوَسِيط فَإِن فِيهِ لَو قَالَ أشهدك عَليّ بِمَا فِي هَذِه القبالة وَأَنا عَالم بِهِ فَالْأَصَحّ جَوَاز الشَّهَادَة على إِقْرَاره بذلك قَالَ ابْن الصّلاح فَقلت إِن تِلْكَ مَسْأَلَة أُخْرَى مباينة لهَذِهِ فَفرق بَين قَوْله أشهدك عَليّ مُضَافا إِلَى نَفسه وَبَين قَوْله اشْهَدْ عَليّ غير مضيف إِلَى نَفسه شَيْئا ثمَّ يَنْبَغِي أَنه إِذا وجد ذَلِك مِمَّن عرفه اسْتِعْمَال ذَلِك فِي الْإِقْرَار يَجْعَل إِقْرَارا وَفِي الْبَيَان أَن اشْهَدْ لَيْسَ بِإِقْرَار لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِك غير الْإِذْن فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ وَلَا تعرض فِيهِ للإقرار هَذَا كَلَامه ولسنا نوافقه عَلَيْهِ فَإِن حَاصله أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه يَقُول اشْهَدْ عَليّ بِكَذَا أَمر وَلَيْسَ بِإِقْرَار وَهَذَا مُحْتَمل لَكنا نقُول هُوَ مُتَضَمّن للإقرار تضمنا ظَاهرا شَائِعا وَالثَّانِي أَنه يفرق بَين أشهدك عَليّ واشهد عَليّ وَهَذَا غير مُسلم لَهُ وَغَايَة مَا حاول فِي الْفرق مَا ذكر وَمَعْنَاهُ أَن أشهدك فعل مُسْند إِلَى الْفَاعِل وَمَعْنَاهُ أصيرك شَاهدا بِخِلَاف اشْهَدْ عَليّ وَالْأَمر كَمَا وصف غير أَنه لَا يجديه شَيْئا لِأَن الْأَمر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 بِأَن يشْهد عَلَيْهِ فَوق الْإِقْرَار وَعَلِيهِ أَلْفَاظ كَثِيرَة من الْكتاب وَالسّنة مثل {واشهد بِأَنا مُسلمُونَ} وأمثلته تكْثر وَمَا ذكره من النَّقْل عَن الإشراف وَالْعدة صَحِيح لكنه قَول من يَقُول اشْهَدْ عَليّ لَيْسَ بِإِقْرَار وَهُوَ أحد الْوَجْهَيْنِ ومأخذه جَهَالَة الْمَشْهُود بِهِ لَا صِيغَة اشْهَدْ أما تَسْلِيم أَن أشهدك إِقْرَار مَعَ منع أَن اشْهَدْ لَيْسَ بِإِقْرَار فَلَا ينتهض وَلَا قَالَه الْغَزالِيّ وَلَا غَيره وَمَا كَاف الْخطاب فِي قَول الْغَزالِيّ أشهدك يُفِيد قَصده الْفَصْل بَينه وَبَين اشْهَدْ كَمَا يظْهر لمن تَأمل الْمَسْأَلَة فِي كَلَام الْأَصْحَاب وَهِي مَذْكُورَة فِي بَاب الْقَضَاء على الْغَائِب فِي كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي ومأخذ الْمَنْع فِيهَا الْجَهَالَة بالمشهود بِهِ لَا غير وَمن تَأمل كَلَام الإشراف وَالْعدة وَالْإِمَام وَالْغَزالِيّ والرافعي وَمن بعدهمْ أَيقَن بذلك بل قد صرح الْغَزالِيّ نَفسه فِي فَتَاوِيهِ بِمَا هُوَ صَرِيح فِيهَا بقوله فَإِنَّهُ أفتى فِيمَن قَالَ اشْهَدُوا عَليّ أَنِّي وقفت جَمِيع أملاكي وَذكر مصرفها وَلَكِن لم يحددها بِأَن الْجَمِيع يصير وَقفا وَلَيْسَ هُنَا أشهدكم وَالظَّن بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة أَنَّهَا مفروغ مِنْهَا وَمن حاول أَن يَأْخُذ من كَلَام الْأَصْحَاب فرقا بَين اشْهَدْ وأشهدك فقد حاول الْمحَال نعم لَو عمم ابْن الصّلاح قَوْله أشهدك واشهد كلا مِنْهُمَا لَيْسَ بِإِقْرَار لم يكن مُبْعدًا وَكَانَ مُوَافقا لوجه وجيه فِي الْمَذْهَب وَأما مَا نَقله عَن صَاحب الْبَيَان أَن اشْهَدْ لَيْسَ فِيهِ غير الْإِذْن فَلم أجد هَذَا فِي الْبَيَان وَالَّذِي وجدته فِيهِ فِي بَاب الْإِقْرَار مَا نَصه فرع لَو كتب رجل لزيد عَليّ ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ للشُّهُود اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ لم يكن إِقْرَارا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكون إِقْرَارا دليلنا أَنه سَاكِت عَن الْإِقْرَار بالمكتوب فَلم يكن إِقْرَارا كَمَا لَو كتب عَلَيْهِ غَيره فَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 اشْهَدُوا بِمَا كتب فِيهِ أَو كَمَا لَو كتب على الأَرْض فَإِن أَبَا حنيفَة وَافَقنَا على ذَلِك انْتهى وَأَحْسبهُ أَخذه من عدَّة الطَّبَرِيّ فَإِنَّهُ فِيهَا كَذَلِك من غير زِيَادَة ذكره أَيْضا فِي بَاب الْإِقْرَار وَهُوَ أَيْضا فِي الإشراف لأبي سعد الْهَرَوِيّ كَمَا نقل ابْن الصّلاح وَلَيْسَ فِي وَاحِد من هَذِه الْكتب الْفَصْل بَين أشهدك واشهد وَلَا تحدثُوا عَن هَذِه الْمَسْأَلَة من حَيْثُ لفظ الشَّهَادَة أصلا إِنَّمَا كَلَامهم من حَيْثُ الْإِقْرَار بِالْمَجْهُولِ المضبوط وَمن ثمَّ أَقُول الْإِنْصَاف أَن مَسْأَلَة الْغَزالِيّ فِي الْفَتَاوَى أَيْضا لم يقْصد بهَا إِلَى صِيغَة اشْهَدُوا بل إِلَى أَن الشَّهَادَة تصح على جيمع الْأَمْلَاك وَإِن لم يحدد أما الْفرق بَين اشْهَدُوا وأشهدكم فَلم يتَكَلَّم فِيهِ أحد غير ابْن الصّلاح وَلَيْسَ بِمُسلم نعم يُؤْخَذ من كَلَام الْغَزالِيّ عدم الْفرق لِأَن اشْهَدُوا لَو لم يكن إِقْرَارا لقَالَ الْغَزالِيّ إِنَّه لَيْسَ بِإِقْرَار لِأَن جِهَة عدم التَّحْدِيد تكون من جِهَة الصِّيغَة فَلَمَّا لم يقل ذَلِك دلنا ذَلِك مِنْهُ على إِن عِنْده أَن كَون الصِّيغَة صِيغَة الْإِقْرَار أَمر مفروغ مِنْهُ وَهُوَ الْغَالِب على الظَّن حَقِيقَة فِيمَا عِنْدِي وَيشْهد لَهُ أَيْضا قَول أَصْحَابنَا فِي الاسترعاء إِذا قَالَ الشَّاهِد للْمقر أشهد عَلَيْك بذلك فَقَالَ الْمقر نعم كَانَ استرعاء صَحِيحا وَإِن قَالَ اشْهَدْ فَثَلَاثَة أوجه وَهُوَ أوكد من نعم لما فِيهِ من لفظ الْأَمر وَالثَّانِي لَا يكون استرعاء صَحِيحا وَالثَّالِث إِن قَالَ اشْهَدْ عَليّ كَانَ استرعاء صَحِيحا لنفى الِاحْتِمَال بقوله عَليّ وَإِن اقْتصر على اشْهَدْ لم يكن استرعاء صَحِيحا أما لَو قَالَ اشْهَدْ عَليّ بِكَذَا فاسترعاء صَحِيح قطعا قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر لانْتِفَاء وُجُوه الِاحْتِمَال عَنهُ وَهَذِه الْمسَائِل فِي الْحَاوِي وَالْبَحْر وَمن تأملها علم أَن اشْهَدْ استرعاء صَحِيح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 وَإِقْرَار مُعْتَبر لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ الْخلَل من لَفظه بل من جَهَالَة مَا سلط عَلَيْهِ وَلذَلِك جزموا فِي اشْهَدْ عَليّ بذلك أَنه استرعاء صَحِيح وَبِه جزم الرَّافِعِيّ أَيْضا وَلَفظه أَو يَقُول اشْهَدْ عَليّ شهادتي بِكَذَا أَو يَقُول إِذا استشهدت على شهادتي فقد أَذِنت لَك فِي أَن تشهد انْتهى وَمَا قَالَه ابْن الصّلاح يشبه مَا قَالَه ابْن أبي الدَّم فِي الشَّهَادَة على الْإِقْرَار وَقد قدمْنَاهُ فِي تَرْجَمته فِي هَذِه الطَّبَقَة 1230 - عُثْمَان بن عبد الْكَرِيم بن أَحْمد بن خَليفَة الصنهاجي أَبُو عَمْرو بن أبي مُحَمَّد الشَّيْخ الْعَلامَة سديد الدّين التزمنتي ولد بتزمنت سنة خمس وسِتمِائَة وبرع فِي الْفِقْه ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الْفَاضِلِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ وناب فِي الْقَضَاء وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي معرفَة الْمَذْهَب وَفصل الْخُصُومَات وَكَانَ أحد معيدي الشَّيْخ الْفَقِيه أبي الطَّاهِر الْأنْصَارِيّ خطيب مصر صَاحب الكرامات وَأحد معيدي الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام قَالَ القَاضِي أَحْمد بن عِيسَى بن رضوَان بن الْعَسْقَلَانِي فِي كِتَابه الَّذِي أَلفه فِي مَنَاقِب الْخَطِيب أبي الطَّاهِر شهدته يَوْمًا يَعْنِي السديد التزمنتي وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ عز الدّين بِإِعَادَة درسه بعد فَرَاغه فشرع فِي إِعَادَته وَأخذ فِي إِيرَاده فأجاد فِي عِبَارَته بِحَيْثُ كَانَ الأفاضل مِمَّن حضر يعْجبُونَ ويطربون وَإِذا حاوله الحاسدون تَلا لِسَان الْحَال {قل للَّذين كفرُوا ستغلبون} انْتهى الحديث: 1230 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 336 وَكَانَ الشَّيْخ السديد كَمَا وصف وأزيد وَعنهُ أَخذ الْفِقْه فَقِيه الزَّمَان أَبُو الْعَبَّاس ابْن الرّفْعَة ويحكى أَنه كَانَ يحب الْقَضَاء وَأَنه كَانَ يَدْعُو فِي سُجُوده {رب هَب لي حكما} توفّي بِالْقَاهِرَةِ حَاكما 1231 - عُثْمَان بن عِيسَى بن درباس القَاضِي ضِيَاء الدّين أَبُو عَمْرو الهدباني الماراني ثمَّ الْمصْرِيّ صَاحب الِاسْتِقْصَاء فِي شرح الْمُهَذّب وَشرح اللمع فِي أصُول الْفِقْه وَغَيرهمَا من التصانيف تفقه بإربل على الْخضر بن عقيل ثمَّ بِدِمَشْق على ابْن أبي عصرون وَسمع الحَدِيث من أبي الجيوش عَسَاكِر بن عَليّ وناب فِي الحكم عَن أَخِيه قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين عبد الْملك وَكَانَ من أعلم الشَّافِعِيَّة فِي زَمَانه بالفقه وأصوله الحديث: 1231 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 قَالَ التفليسي ثمَّ عزل عَن نِيَابَة أَخِيه وَعَن تدريس كَانَ بِيَدِهِ بِظَاهِر الْقَاهِرَة ووقف عَلَيْهِ جمال الدّين خشترين مدرسة أَنْشَأَهَا بِالْقصرِ مَاتَ بِمصْر سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة وَقد قَارب التسعين سنة 1232 - عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمويه ابْن سعيد بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن نصر بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق عبد الله ابْن أبي قُحَافَة رَضِي الله عَنهُ أَبُو عبد الله وَقيل أَبُو نصر وَقيل أَبُو الْقَاسِم الصُّوفِي ابْن أخي الشَّيْخ أبي النجيب هُوَ الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي صَاحب عوارف المعارف الحديث: 1232 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 ولد فِي رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وخمسائة بسهرورد وَقدم بَغْدَاد فصحب عَمه الشَّيْخ أَبَا النجيب عبد القاهر وَأخذ عَنهُ التصوف والوعظ وَصَحب أَيْضا الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَصَحب بِالْبَصْرَةِ الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد بن عبد وَسمع الحَدِيث من عَمه وَمن أبي المظفر هبة الله بن الشبلى وَأبي الْفَتْح بن البطي وَمعمر بن الفاخر وَأبي زرْعَة الْمَقْدِسِي وَأبي الْفتُوح الطَّائِي وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن الدبيثي وَابْن نقطة والضياء والزكي البرزالي وَابْن النجار والقوصي وَأَبُو الْغَنَائِم بن عَلان وَالشَّيْخ الْعِزّ الفاروثي وَأَبُو الْعَبَّاس الأبرقوهي وَخلق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 وَكَانَ فَقِيها فَاضلا صوفيا إِمَامًا ورعا زاهدا عَارِفًا شيخ وقته فِي علم الْحَقِيقَة وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي تربية المريدين وَدُعَاء الْخلق إِلَى الْخَالِق وتسليك طَرِيق الْعِبَادَة وَالْخلْوَة أَخذ التصوف عَمَّن ذَكرْنَاهُ وَالْفِقْه عَن عَمه أبي النجيب أَيْضا وَعَن أبي الْقَاسِم ابْن فضلان قَالَ ابْن النجار كَانَ شيخ وقته فِي علم الْحَقِيقَة وانتهت إِلَيْهِ الرياسة فِي تربية المريدين وَدُعَاء الْخلق إِلَى الله وتسليك طَرِيق الْعِبَادَة والزهد صحب عَمه وسلك طَرِيق الرياضات والمجاهدات وَقَرَأَ الْفِقْه وَالْخلاف والعربية وَسمع الحَدِيث ثمَّ انْقَطع ولازم الْخلْوَة وداوم الصَّوْم وَالذكر وَالْعِبَادَة قَالَ ثمَّ تكلم على النَّاس عِنْد علو سنه وَعقد مجْلِس الْوَعْظ بمدرسة عَمه على دجلة قَالَ وَقصد من الأقطار وَظَهَرت بَرَكَات أنفاسه على خلق من العصاة فتابوا وَوصل بِهِ خلق إِلَى الله وَصَارَ لَهُ أَصْحَاب كَالنُّجُومِ قَالَ وَرَأى من الجاه وَالْحُرْمَة عِنْد الْمُلُوك مَا لم يره أحد قَالَ ثمَّ أضرّ فِي آخر عمره وأقعد وَمَعَ هَذَا فَمَا أخل بالأوراد ودوام الذّكر وَحُضُور الْجمع فِي محفته والمضي إِلَى الْحَج إِلَى أَن دخل فِي عشر الْمِائَة قَالَ وَمَات وَلم يخلف كفنا مَعَ مَا كَانَ يدْخل لَهُ قَالَ ابْن نقطة كَانَ شيخ الْعرَاق فِي وقته صَاحب مجاهدة وإيثار وَطَرِيق حميدة ومروءة تَامَّة وأوراد على كبر سنه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ قَالَ السهروردي فِي عوارف المعارف اتّفق أَصْحَاب الشَّافِعِي أَن الْمَرْأَة غير الْمحرم لَا يجوز الِاسْتِمَاع إِلَيْهَا سَوَاء كَانَت حرَّة أَو مَمْلُوكَة مكشوفة الْوَجْه أَو من وَرَاء حجاب قلت وَالْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب الْمُصَحح عِنْد الْمُتَأَخِّرين أَن الِاسْتِمَاع إِلَى الْأَجْنَبِيَّة مَكْرُوه غير محرم وَقَالَ السهروردي أَيْضا إِن الإِمَام إِذا قَالَ آمين فَافْتتحَ الْمَأْمُوم فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة لَا يسكت بل يشْتَغل الإِمَام بِمَا رُوِيَ اللَّهُمَّ نقني من الْخَطَايَا والذنُوب الحَدِيث إِلَى أَن يتم الْمَأْمُوم الْفَاتِحَة وَهَذَا تبع فِيهِ الْغَزالِيّ فَإِنَّهُ كَذَلِك ذكر فِي الْإِحْيَاء وَهُوَ غَرِيب والْحَدِيث يشْهد لِأَن مَوضِع ذَلِك قبل الْفَاتِحَة 1233 - عمر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن علوان القَاضِي عز الدّين أَبُو الْفَتْح ابْن الْأُسْتَاذ ولد سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة وَسمع من ابْن اللتي وَغَيره قَالَ الذَّهَبِيّ وَكَانَ فَقِيها صَالحا دينا متزهدا متميزا درس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة البرانية وَهُوَ آخر من روى بِدِمَشْق سنَن ابْن مَاجَه كَامِلا توفّي فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسِتمِائَة الحديث: 1233 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 1234 - عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حمويه الْجُوَيْنِيّ الأَصْل شيخ الشُّيُوخ الصاحب الرئيس عماد الدّين أَبُو الْفَتْح بن شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين أبي الْحسن بن شيخ الشُّيُوخ عماد الدّين أبي الْفَتْح ولد فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَنَشَأ بِمصْر ودرس بمدرسة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ومشهد الْحُسَيْن وَولي خانقاه سعيد السُّعَدَاء وَكَانَ صَدرا رَئِيسا مُعظما عِنْد الْخَاص وَالْعَام فَاضلا أشعري العقيدة وَحدث بِدِمَشْق والقاهرة وَهُوَ الَّذِي قَامَ بسلطنة الْملك الْجواد بن الْعَادِل بِدِمَشْق عِنْد موت الْملك الْكَامِل 1235 - عمر بن مكي بن عبد الصَّمد الشَّيْخ زين الدّين ابْن المرحل خطيب دمشق الحديث: 1234 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 تفقه على الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَقَرَأَ الْكَلَام وَالْأُصُول على الخسروشاهي وَسمع الحَدِيث من الْحَافِظ عبد الْعَظِيم وَغَيره وَكَانَ من عُلَمَاء زَمَانه وَهُوَ وَالِد الشَّيْخ صدر الدّين مُحَمَّد الْمُتَقَدّم توفّي هَذَا فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة 1236 - عمر بن مكي الخوزي قَرَأَ الْمَذْهَب وَالْأُصُول وَالْخلاف والجدل وَكَانَ متألها متعبدا ناسكا سالكا طَرِيق الزّهْد والرياضة والمجاهدة وَالْخلْوَة ودوام الصّيام وَالصَّلَاة زاهدا فِي المناصب والتقدم مَعَ اشتهار اسْمه وعلو مرتبته مضى إِلَى مَكَّة وَحج وَأقَام بهَا مجاورا على أحسن طَريقَة وأجمل سريرة وسيرة إِلَى أَن توفّي بهَا فِي صفر سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة هَذَا كَلَام ابْن النجار قَالَ وَأَظنهُ جَاوز السِّتين الحديث: 1236 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 1237 - عمر بن يحيى بن عمر بن حمد الشَّيْخ فَخر الدّين الكرجي نزيل دمشق ولد بالكرج سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَقدم إِلَى دمشق وَلزِمَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح وتفقه عَلَيْهِ وَسمع من ابْن الزبيدِيّ وَابْن اللتي والبهاء عبد الرَّحْمَن الْمَقْدِسِي حدث عَنهُ أَبُو الْحسن بن الْعَطَّار وَغَيره وَقد زوجه ابْن الصّلاح بابنته مَاتَ هُوَ والمسند أَبُو الْحسن عَليّ بن البُخَارِيّ فِي يَوْم وَاحِد وَهُوَ ثَانِي ربيع الآخر سنة تسعين وسِتمِائَة الحديث: 1237 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 1238 - عِيسَى بن رضوَان بن الْعَسْقَلَانِي الشَّيْخ ضِيَاء الدّين القليوبي وَالِد القَاضِي كَمَال الدّين أَحْمد 1239 - عِيسَى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هبة الله بن أبي عِيسَى أَبُو الْفَتْح كَانَ معيدا بِالْمَدْرَسَةِ النظامية وشيخا بالرباط الناصري بِبَغْدَاد مولده فِي صفر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَمَات فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة 1240 - عِيسَى الْعِرَاقِيّ الضَّرِير نزيل دمشق مدرس الكلاسة والمدرسة الأمينية الحديث: 1238 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة أصبح مصلوبا فَحَضَرَ الْوَالِي واستكشف عَن أمره وجد فِي الْبَحْث عَنهُ فَلم يعلم كَيفَ خَبره 1241 - الْعِرَاقِيّ بن مُحَمَّد بن الْعِرَاقِيّ الإِمَام ركن الدّين أَبُو الْفضل الهمذاني الطاوسي صَاحب التعليقة فِي الْخلاف وَكَانَ إِمَامًا مبرزا فِي النّظر وَله ثَلَاث تعاليق وَقد تخرج بِهِ فُقَهَاء همذان ورحلت إِلَيْهِ الطّلبَة مَاتَ فِي رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّمائَة 1242 - فتح بن مُحَمَّد بن عَليّ بن خلف نجيب الدّين أَبُو الْمَنْصُور السَّعْدِيّ الدمياطي الحديث: 1241 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 1243 - الْفَتْح بن مُوسَى بن حَمَّاد نجم الدّين أَبُو نصر الجزيري القصري ولد بالجزيرة الخضراء فِي رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَنَشَأ بقصر عبد الْكَرِيم بالمغرب وَسمع مُقَدّمَة الْجُزُولِيّ عَلَيْهِ وَكَانَ فَقِيها أصوليا نحويا قدم دمشق واشتغل على السَّيْف الْآمِدِيّ وَدخل حماة ودرس بمدرسة ابْن المشطوب ونظم السِّيرَة لِابْنِ هِشَام والمفصل للزمخشري والإشارات لِابْنِ سينا وَدخل مصر ودرس بالفائزية بأسيوط وَولى قَضَاء أسيوط وَبهَا توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة 1244 - فضل الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد الإِمَام أَبُو المكارم ابْن الْحَافِظ أبي سعد النوقاني مولده سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة وَأَجَازَهُ محيي السّنة الْبَغَوِيّ استجازه لَهُ أَبوهُ وَسمع من عبد الْجَبَّار الخواري وَغَيره تفقه بِمُحَمد بن يحيى وَقد أجَاز لِابْنِ البُخَارِيّ وَابْن أبي عمر وَغَيرهمَا من أَشْيَاخ أشياخنا فلنا رِوَايَة الحديث: 1243 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 تصانيف الْبَغَوِيّ بِالْإِجَازَةِ عَن مَشَايِخنَا عَن ابْن أبي عمر وَالْفَخْر عَنهُ عَن الْبَغَوِيّ وَهُوَ علو عَظِيم مرض بنيسابور وَحمل إِلَى نوقان وَهِي طوس فَمَاتَ بهَا سنة سِتّمائَة 1245 - فضل الله التوربشتي وتوربشت بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بعْدهَا وَاو سَاكِنة ثمَّ رَاء مَكْسُورَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة ثمَّ شين مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق رجل مُحدث فَقِيه من أهل شيراز شرح مصابيح الْبَغَوِيّ شرحا حسنا وروى صَحِيح البُخَارِيّ عَن عبد الْوَهَّاب بن صَالح بن مُحَمَّد بن المعزم إِمَام الْجَامِع الْعَتِيق عَن الْحَافِظ أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ أخبرنَا أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن مُوسَى الصفار أخبرنَا أَبُو الْهَيْثَم الْكشميهني أخبرنَا الْفربرِي وأظن هَذَا الشَّيْخ مَاتَ فِي حُدُود السِّتين والستمائة وواقعة التتار أوجبت عدم الْمعرفَة بِحَالهِ الحديث: 1245 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 وَمن فَوَائده مَا ذكره فِي آخر شرح المصابيح قَالَ وَلَقَد استبهم عَليّ قَوْله بنت لبون أُنْثَى ففتشت بطُون الدفاتر وفاوضت فِيهِ من صادفته بصدد الْفَهم من أهل الْعلم فَلم أصدر عَن تِلْكَ الْمَوَارِد ببلة ثمَّ إِن الله تَعَالَى ألهمني فِيهِ وَجه الصَّوَاب على مَا قَرّرته فِي بَاب الزَّكَاة من الْكتاب وَبعد بُرْهَة كنت أتصفح كتابا لبَعض عُلَمَاء الْمغرب فَوَجَدته قد سبقني بالْقَوْل فِيهِ عَن نَفسه أَو عَن غَيره على شاكلة مَا جِئْت بِهِ وَالَّذِي قَالَ فِي الزَّكَاة فَأَما وَجه قَوْله بنت مَخَاض أُنْثَى وَبنت لبون أُنْثَى فَلم أجد أحدا من أَصْحَاب الْمعَانِي ذكر فِيهِ مَا شفى الغليل وَقد سُئِلت عَنهُ فَكَانَ جوابي فِيهِ أَن الابْن وَالْبِنْت إِنَّمَا يختصان بِالذكر وَالْأُنْثَى عِنْد الْإِطْلَاق فِي بني آدم وَأما فِي غير بني آدم فقد اسْتعْمل على غير هَذَا الْوَجْه فَقيل ابْن عرس وَابْن آوى وَابْن دأية وَابْن قترة وَابْن المَاء وَابْن الْغَمَام وَابْن ذكاء وَابْن الأَرْض وَبنت الأَرْض وَبنت الْجَبَل وَبنت الْفِكر وَمَا أشبه ذَلِك من الْأَسْمَاء وكل ذَلِك مستعار لمعان غير الَّتِي تخْتَص بالانسان وَكَذَلِكَ تَقول فِي ابْن مَخَاض وَابْن لبون وَبنت مَخَاض وَبنت لبون وَيدل على صِحَة مَا ادعيناه قَوْلهم بَنَات مَخَاض وَبَنَات لبون وَبَنَات آوى وَلم يَقُولُوا أَبنَاء مَخَاض أَبُو بَنو مَخَاض وَقد ذكر عَن الْأَخْفَش بَنو عرس وَبَنُو نعش فَأَما ابْن مَخَاض وَابْن لبون فَلم يذكر فِي جَمعهمَا اخْتِلَاف فالتقييد الَّذِي ورد فِي الحَدِيث بنت مَخَاض أُنْثَى وَبنت لبون أُنْثَى لرفع الِاشْتِبَاه بِمَا ذَكرْنَاهُ من النَّظَائِر انْتهى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 قلت وَلَعَلَّ المغربي الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ السُّهيْلي فَلهُ تصنيف فِي ذَلِك وَلابْن الْحَاجِب أَيْضا فِيهِ كَلَام أَو لَعَلَّه الإِمَام أَبُو عبد الله الْمَازرِيّ الْمَالِكِي فَإِنَّهُ نقل ذَلِك فِي شرح التَّلْقِين وَزَاد شَيْئا رَآهُ هُوَ فَقَالَ فِي ابْن لبون ذكر وَبنت مَخَاض أُنْثَى يُقَال حُكيَ عَن بَعضهم أَن لفظ الذّكر وَالْأُنْثَى هُنَا جَاءَ تَأْكِيدًا وَحسنه اخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وغرابيب سود} والغربيب لَا يكون إِلَّا أسود وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ احْتِرَاز من قَوْلهم ابْن عرس وَابْن آوى وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ينطبق على الذّكر وَالْأُنْثَى قَالَ الْمَازرِيّ وَهَذَا إِنَّمَا يُفِيد فِي قَوْله ابْن لبون ذكر وَأما قَوْله بنت مَخَاض أُنْثَى فَيحْتَاج إِلَى ثُبُوت اسْتِعْمَال بنت كَذَا كَمَا فِي ابْن عرس وَنَحْوه وَمَا أرَاهُ يُوجد قلت قد وجد وَذكر التوربشتي بنت النقلَة وَبنت الْجَبَل ثمَّ قَالَ الْمَازرِيّ والمرضي عِنْدِي أَن هَذَا ورد للتّنْبِيه على مَشْرُوعِيَّة كل مِنْهُمَا فِي هَذَا النّصاب الْوَاحِد وهما مُخْتَلِفَانِ فِي السن على خلاف قَاعِدَة بَقِيَّة النَّصِيب لتبين أَنَّهُمَا كالمتفقين إِذا توصل حَالهمَا لِأَن بنت الْمَخَاض وَإِن كَانَت صَغِيرَة حِينَئِذٍ لَا يحمل عَلَيْهَا فلهَا فَضِيلَة الْأُنُوثَة المتوقع مِنْهَا الدّرّ والنسل وَهُوَ مَقْصُود وَلكنه اخْتصَّ عَنْهَا فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 هَذِه الْحَالة ينَال الشّجر وَيَأْكُل الْكلأ وَيرد الْمِيَاه وَيمْنَع من صغَار السبَاع وَيحمل عَلَيْهِ فهما كالمتوارثين فَأَشَارَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَلِك بتقييد كل مِنْهُمَا بوصفه الْخَاص بِهِ الْمشعر بِتِلْكَ الخصوصية قَالَ وَهَذَا مثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفَرَائِض فَلأولى رجل ذكر فَإِنَّهُ تَنْبِيه على عِلّة الحكم لِأَن العاصب قد يكون أبعد من بنت الْعم والعمة وَيَقْتَضِي الرَّأْي أَن الْأَقْرَب أقوى لفضيلة الْقرب لَكِن لما كَانَت الذُّكُورَة يسْتَحق بهَا العصب وَالنِّكَاح نبه على الْوَجْه الَّذِي من أَجله قدم العاصب فِي الْمِيرَاث على مَا هُوَ أقرب مِنْهُ 1246 - الْقَاسِم بن عَليّ بن الْحسن بن هبة الله الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد بن الْحَافِظ أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر ولد سنة سبع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَسمع بِدِمَشْق من أبي الْحسن السّلمِيّ وَنصر الله المصِّيصِي وَالْقَاضِي أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن يحيى الْقرشِي وَعَمه الصائن وجد أَبَوَيْهِ وَخلق وَأَجَازَهُ أَكثر شُيُوخ وَالِده وَكتب الْكثير حَتَّى إِنَّه كتب تَارِيخ وَالِده مرَّتَيْنِ وَكَانَ حَافِظًا وَله كتاب فضل الْمَدِينَة وَكتاب فضل الْمَسْجِد الْأَقْصَى وأملى كثيرا وَحدث الحديث: 1246 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 وَسمع مِنْهُ خلق وَكَانَ نَاصِر السّنة مجدا فِي إماتة الْبِدْعَة وَدخل مصر وانتفع بِهِ أَهلهَا مَاتَ سنة سِتّمائَة 1247 - الْقَاسِم بن عبد الله بن عمر بن أَحْمد الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدّين أَبُو بكر بن الإِمَام أبي سعد بن الإِمَام أبي حَفْص الصفار شيخ ابْن الصّلاح ولد سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَسمع من جده وَمن عَم أَبِيه وَمن وجيه الشحامي وَعبد الله الفراوي وَهبة الرَّحْمَن بن الْقشيرِي وَجَمَاعَة روى عَنهُ ابْن الصّلاح والزكي البرزالي وَأَبُو إِسْحَاق الصريفيني والضياء الْمَقْدِسِي والصدر الْبكْرِيّ وَعمر الْكرْمَانِي وَآخَرُونَ وَحدث عَنهُ بِالْإِجَازَةِ أَبُو الْفضل ابْن عَسَاكِر والتاج ابْن أبي عصرون وَكَانَ فَقِيها كَبِيرا إِمَامًا نبيلا فَقِيه خُرَاسَان ومفتيها ومدرسها مُحدثا مكثرا عالي الْإِسْنَاد رَئِيسا محتشما من وُجُوه نيسابور وسراة أَهلهَا مواظبا على نشر الْعلم قيل إِنَّه درس وسيط الْغَزالِيّ أَرْبَعِينَ مرّة درس الْعَامَّة تدريس الْخَاصَّة اسْتشْهد بنيسابور لما دَخلهَا التّرْك وَقتلُوا الرِّجَال وَالنِّسَاء فَكَانَ فِي من اسْتشْهد سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة الحديث: 1247 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 1248 - الْمُبَارك بن الْمُبَارك بن سعيد بن أبي السعادات أَبُو بكر بن الدهان النَّحْوِيّ الضَّرِير من أهل وَاسِط صحب أَبَا البركات بن الْأَنْبَارِي وَأخذ عَنهُ وَكَانَ جيد القريحة حاد الذِّهْن متضلعا فِي عُلُوم كَثِيرَة إِمَامًا فِي النَّحْو واللغة والتصريف وَالْعرُوض ومعاني الشّعْر وَالتَّفْسِير وَالْإِعْرَاب وتعليل الْقرَاءَات عَارِفًا بالفقه والطب وَعلم النُّجُوم وعلوم الْأَوَائِل وَله النثر الْحسن وَالنّظم الْجيد وَكَانَ فِي أول أمره على مَذْهَب أبي حنيفَة ثمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي سمع الحَدِيث من أبي زرْعَة الْمَقْدِسِي وَغَيره ولد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْ عشرَة وسِتمِائَة الحديث: 1248 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 1249 - الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن عَليّ الموسوي التفليسي تفقه على يحيى بن الرّبيع وَله كتاب رتبه على قسمَيْنِ ذكر أَنه فرغ من تصنيفه فِي ربيع الآخر سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة 1250 - يحيى بن عبد الْمُنعم بن حسن الشَّيْخ جمال الدّين الْمصْرِيّ وَهُوَ الْمَعْرُوف عِنْد أهل مصر بالجمال يحيى كَانَ فَقِيها كَبِيرا حَافِظًا للْمَذْهَب دينا خيرا أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ الْجَلِيل أبي الطَّاهِر الْمحلي وَبعد صيته واشتهر اسْمه وَولي قَضَاء الْمحلة مُدَّة ثمَّ درس بمشهد الْحُسَيْن بِالْقَاهِرَةِ وناب فِي الحكم وَكَانَ يحضر الدَّرْس فينقل بعض الطّلبَة من النِّهَايَة وَبَعْضهمْ من الْبَحْر وَنَحْو ذَلِك فَيَقُول لكل مِنْهُم صدقت هُوَ فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ فِي الْفَصْل الْفُلَانِيّ لقُوَّة استحضاره مَعَ علو سنه وَحكي أَن قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز حضر عِنْده جمَاعَة من الْفُقَهَاء المتعينين فَسَأَلَ عَن مَسْأَلَة فَلم يستحضر أحد مِنْهُم فِيهَا نقلا فَأقبل الْجمال يحيى فَقَالَ أنقلها من سَبْعَة عشر كتابا وسردها وَكَانَ يَنُوب فِي الحكم لِابْنِ رزين فَوَقَعت محاكمة فِي الْحَضَانَة فشرع قَاضِي الْقُضَاة يَقُول شَيْئا فَقَالَ الْجمال يحيى النَّقْل خلاف ذَلِك فَقَالَ لَهُ احكم بَينهمَا وَكَانَ قوي النَّفس وَقيل إِنَّه كَانَ لَا يدْرِي أصولا وَلَا نَحوا وَلَا علما غير الْفِقْه وَقَالَ مرّة مستنيبه قَاضِي الْقُضَاة ابْن رزين لَو أردْت لعزلتك فَقَالَ لَهُ مَا تقدر فَقَالَ لم من يَمْنعنِي فَقَالَ كُنَّا عِنْد الْفَقِيه أبي الطَّاهِر يَوْمًا فحصلت لَهُ حَالَة الحديث: 1249 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 فَقَالَ كل من كَانَت لَهُ حَاجَة يذكرهَا فَقلت أَنا أُرِيد أَن أكون نَائِب حكم وَلَا يعزلني أحد فَقَالَ لَك ذَلِك توفّي فِي عَاشر رَجَب سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَقد قَارب الثَّمَانِينَ 1251 - يحيى بن عَليّ بن سُلَيْمَان أَبُو زَكَرِيَّا الْمَعْرُوف بِابْن الْعَطَّار ولد بالموصل فِي سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وتفقه على القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن خِدَاش وعَلى الشَّيْخ يُونُس بن مَنْعَة ودرس فِي بعض مدارس الْموصل وَبهَا مَاتَ فِي سَابِع عشري جُمَادَى الأخرة سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة 1252 - يحيى بن الْقَاسِم بن المفرج بن درع بن الْخضر بن الْحسن بن حَامِد الثَّعْلَبِيّ أَبُو زَكَرِيَّا التكريتي من أهل تكريت تفقه بتكريت فِي صباه على وَالِده ثمَّ سَافر إِلَى الحديثة فتفقه بهَا على قاضيها أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عبدويه الشَّيْبَانِيّ الْبَلْخِي وَمضى إِلَى الْموصل الحديث: 1251 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 وتفقه على سعيد بن الشهرزوري ثمَّ قدم بَغْدَاد وتفقه على الشَّيْخَيْنِ أبي النجيب السهروردي ويوسف الدِّمَشْقِي وَقَرَأَ الْأَدَب على أبي مُحَمَّد الخشاب وبرع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول وَسمع الحَدِيث من أبي الْفَتْح بن البطي وَأبي زرْعَة الْمَقْدِسِي وَشَيْخه أبي النجيب وَغَيرهم وَعَاد إِلَى بَلَده وَولي الْقَضَاء بِهِ مُدَّة ودرس ثمَّ قدم بَغْدَاد فِي سنة سبع وسِتمِائَة وَولي تدريس النظامية قَالَ ابْن النجار كَانَ آخر من بَقِي من الْمَشَايِخ الْمشَار إِلَيْهِم فِي معرفَة مَذْهَب الشَّافِعِي وَله الْكَلَام الْحسن فِي المناضرة والعبارة الفصيحة بالأصولين وَله الْيَد الطُّولى فِي معرفَة الْأَدَب والباع الممتد فِي حفظ لُغَات الْعَرَب وَكَانَ أحفظ أهل زَمَانه لتفسير الْقُرْآن وَمَعْرِفَة علومه وَكَانَ من المجودين لتلاوته وَمَعْرِفَة الْقرَاءَات ووجوهها وصنف فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأَدب وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا كتب إِلَيّ أَحْمد بن أبي طَالب عَن ابْن النجار قَالَ أَنْشدني يحيى التكريتي لنَفسِهِ (لَا بُد للمرء من ضيق وَمن سَعَة ... وَمن سرُور يوافيه وَمن حزن) (وَالله يطْلب مِنْهُ شكر نعْمَته ... مَا دَامَ فِيهَا ويبغي الصَّبْر فِي المحن) (فَكُن مَعَ الله فِي الْحَالين معتنقا ... فرضيك هذَيْن فِي سر وَفِي علن) (فَمَا على شدَّة يبْقى الزَّمَان فَكُن ... جلدا وَلَا نعْمَة تبقى على الزَّمن) مولده فِي مستهل الْمحرم سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بتكريت وَمَات فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة بِبَغْدَاد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 1253 - يحيى بن مَنْصُور بن يحيى بن الْحسن الْفَقِيه أَبُو الْحُسَيْن السُّلَيْمَانِي الْيَمَانِيّ الْمُقْرِئ من أَعْيَان شُيُوخ الْقَاهِرَة تفقه على الشَّيْخ شهَاب الدّين الطوسي وَقَرَأَ الْقرَاءَات على أبي الْجُود ولازم الْحَافِظ عَليّ بن الْمفضل مُدَّة بِالْقَاهِرَةِ توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1254 - يحيى بن هبة الله بن الْحسن بن يحيى بن مُحَمَّد قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو البركات ابْن سني الدولة أَبُو قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة وتفقه على القَاضِي أبي سعد بن أبي عصرون وَأخذ الْخلاف عَن الإِمَام قطب الدّين النَّيْسَابُورِي وَسمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن بن الموازيني وَيحيى الثَّقَفِيّ وَابْن صَدَقَة الْحَرَّانِي وَعبد الرَّحْمَن بن عَليّ الْخرقِيّ والخشوعي وَحدث بِمَكَّة والقدس ودمشق وحمص الحديث: 1253 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 روى عَنهُ الْمجد بن الحلوانية والشرف ابْن عَسَاكِر وَابْن عَمه الْفَخر إِسْمَاعِيل وَجَمَاعَة وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا جَلِيلًا مهيبا ولي قَضَاء الشَّام وحمدت سيرته توفّي فِي خَامِس ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1255 - يحيى بن أبي السعادات بن سعد الله بن الْحُسَيْن بن أبي تَمام القَاضِي أَبُو الْفتُوح التكريتي ولد يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشري صفر سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بتكريت وَسمع من أَبِيه وَجَمَاعَة وَسمع بِبَغْدَاد من أبي المظفر هبة الله بن الشبلي وَابْن البطي وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر وَالشَّيْخ أبي النجيب وَجَمَاعَة وَحدث بِبَلَدِهِ وَخرج لنَفسِهِ أَحَادِيث روى عَنهُ ابْن الدبيثي والبرزالي والضياء وَآخَرُونَ مَاتَ فِي صفر سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة 1256 - يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن القَاضِي أبي سعد بن أبي عصرون الشَّيْخ سعد الدّين أَبُو يُوسُف التَّمِيمِي روى بِالْإِجَازَةِ عَن أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ وَله مسَائِل جمعهَا على كتاب الْمُهَذّب وَكَانَ فَقِيها فَاضلا درس بِالْمَدْرَسَةِ القطبية بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة ثمَّ توفّي بِمَدِينَة الْمحلة فِي ثَالِث عشر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة الحديث: 1255 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 1257 - يُوسُف بن رَافع بن تَمِيم بن عتبَة بن مُحَمَّد بن عتاب الْأَسدي الْحلَبِي قَاضِي الْقُضَاة بحلب بهاء الدّين أَبُو المحاسن ابْن شَدَّاد وَابْن شَدَّاد جده لأمه فنسب إِلَيْهِ ولد فِي رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بالموصل وَحفظ الْقُرْآن وَلزِمَ يحيى بن سعدون الْقُرْطُبِيّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن والعربية وَسمع مِنْهُ وَمن مُحَمَّد ابْن أسعد حفدة العطاري صَاحب الْبَغَوِيّ وَمن ابْن يَاسر الجياني وَأبي الْفضل خطيب الْموصل وأخيه عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد وَالْقَاضِي أبي الرِّضَا سعيد بن عبد الله الشهرزوري وَأبي البركات عبد الله بن الْخضر الشيرجي الْفَقِيه وَيحيى الثَّقَفِيّ وببغداد من شهدة الكاتبة وَأبي الْخَيْر الْقزْوِينِي وَجَمَاعَة وَحدث بِدِمَشْق ومصر وحلب روى عَنهُ أَبُو عبد الله الفاسي الْمُقْرِئ والحافظ الْمُنْذِرِيّ وَكَمَال الدّين ابْن العديم وَابْنه مجد الدّين وجمال الدّين ابْن الصَّابُونِي والشهابان القوصي والأبرقوهي وسنقر القضائي وَجَمَاعَة الحديث: 1257 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا ثِقَة عَارِفًا بِالدّينِ وَالدُّنْيَا رَئِيسا مشارا إِلَيْهِ متعبدا متزهدا نَافِذ الْكَلِمَة وَكَانَ يشبه بِالْقَاضِي أبي يُوسُف فِي زَمَانه دبر أُمُور الْملك بحلب وَاجْتمعت الألسن على مدحه والقلوب على حبه لمكارمه وأفضاله ونفعه الطّلبَة فِي الْعلم وَالدُّنْيَا وَله المصنفات الْكَثِيرَة مِنْهَا كتاب ملْجأ الْحُكَّام عِنْد التباس الْأَحْكَام وَكتاب دَلَائِل الْأَحْكَام وَكتاب الموجز الباهر فِي الْفِقْه وَكتاب سيرة السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَكتاب فَضَائِل الْجِهَاد صنفه للسُّلْطَان صَلَاح الدّين وَكَانَ من بَدْء سعادته أَنه حج وَورد إِلَى الشَّام فَاسْتَحْضرهُ السُّلْطَان صَلَاح الدّين وأكرمه وَسَأَلَهُ عَن جُزْء حَدِيث ليسمع مِنْهُ فَأخْرج لَهُ جُزْءا فقرأه عَلَيْهِ بِنَفسِهِ ثمَّ جمع كِتَابه فِي فَضَائِل الْجِهَاد وَقدمه للسُّلْطَان ولازمه فولاه قَضَاء الْعَسْكَر وَقَضَاء الْقُدس وَهُوَ أول قَاض ولي الْقُدس بعد فتوح صَلَاح الدّين وَكَانَ حَاضرا موت صَلَاح الدّين وخدم بعده وَلَده الْملك الظَّاهِر فولاه قَضَاء مَمْلَكَته وَنظر أوقافها سنة نَيف وَتِسْعين وَكَانَ القَاضِي بهاء الدّين لَا ولد لَهُ وَلَا قرَابَة وَزَاد إقبال الْملك الظَّاهِر عَلَيْهِ وأقطعه الإقطاعات الهائلة وَكَانَ ينعم عَلَيْهِ بعد ذَلِك بالأموال الجزيلة فتكاثرت أَمْوَاله فعمر بحلب مدرسة ثمَّ دَار حَدِيث ثمَّ أنشأ بَينهمَا تربة وَصَارَ يكثر الأفضال على طلبة الْعلم والطلبة تقصده من الْبِلَاد لثلاث اجْتَمعْنَ فِيهِ الْعلم وَالْمَال والجاه وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 لَا يبخل بِشَيْء مِنْهَا وَطعن فِي السن واستولت عَلَيْهِ البرودات والضعف فَكَانَ يتَمَثَّل بقول الشَّاعِر (من يتمن الْعُمر فليدرع ... صبرا على فقد أحبائه) (وَمن يعمر يلق فِي نَفسه ... مَا يتمناه لأعدائه) وَقدم مصر رَسُولا غير مرّة وَقد أَطَالَ ابْن خلكان فِي تَرْجَمته وَقَالَ إِنَّه توفّي بحلب يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَدفن بتربته قيد ابْن شَدَّاد فِي كتاب دَلَائِل الْأَحْكَام قَول الْأَصْحَاب إِن السُّلْطَان أولى بِالْإِمَامَةِ من صَاحب الْمنزل وَإِمَام الْمَسْجِد بالجمعات والأعياد لتَعلق هَذِه الْأُمُور بالسلاطين قَالَ وَأما بَقِيَّة الصَّلَوَات فأعلمهم أولى بِالْإِمَامَةِ إِلَّا أَن تجمع الْخِصَال الْمَذْكُورَة فِي الإِمَام فَيكون حِينَئِذٍ أولى وَلَعَلَّه أَخذه من كَلَام الْخطابِيّ 1258 - يُوسُف بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم أَبُو الْحجَّاج الدِّمَشْقِي وجيه الدّين الوجيزي أحد الْأَئِمَّة من مَشَايِخ الْقَاهِرَة نسب إِلَى كتاب الْوَجِيز لحفظه إِيَّاه الحديث: 1258 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 1259 - يُوسُف بن شيخ الشُّيُوخ صدر الدّين أبي الْحسن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حمويه الْأَمِير الْكَبِير الْوَزير مقدم جيوش الْإِسْلَام الصالحية فَخر الدّين أَبُو الْفضل الْجُوَيْنِيّ أحد من دَان لَهُ الْعباد والبلاد ولد بِدِمَشْق سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَسمع مَنْصُور بن أبي الْحسن الطَّبَرِيّ وَمُحَمّد بن يُوسُف الغزنوي وَغَيرهمَا وَحدث وَكَانَ رَئِيسا عَاقِلا مُدبرا سمح الْيَدَيْنِ بالأموال محببا إِلَى النَّاس حَبسه السُّلْطَان نجم الدّين ثَلَاث سِنِين وقاسى ضرا وشدائد وَكَانَ لَا ينَام من الْعَمَل ثمَّ أخرجه وأنعم عَلَيْهِ وَجعله نَائِب السلطنة فَلَمَّا توفّي السُّلْطَان سُئِلَ فَخر الدّين على أَن يتسلطن فَلم يفعل وَلَو أجَاب لتم لَهُ الْأَمر وَقيل إِنَّه قدم دمشق مَعَ السُّلْطَان فَنزل دَار أُسَامَة فَدخل عَلَيْهِ الْعِمَاد النّحاس فَقَالَ لَهُ يَا فَخر الدّين إِلَى كم مَا بَقِي بعد الْيَوْم شَيْء فَقَالَ يَا عماد الدّين الحديث: 1259 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 وَالله لأسبقنك إِلَى الْجنَّة فَصدق إِن شَاءَ الله قَوْله وَاسْتشْهدَ على يَد الإفرنج يَوْم وقْعَة المنصورة وَقيل إِن فَخر الدّين أنْفق مرّة فِي الْعَسْكَر مِائَتي ألف دِينَار وَكَانَ يركب بالشاويشية وَكَانَ فِي الْحَقِيقَة هُوَ السُّلْطَان يقف على بَابه ويركب فِي خدمته سَبْعُونَ أَمِيرا غير مماليكه وخدمه وأبطل كثيرا من المكوس وَجَرت على يَده خيرات حسان ثمَّ اتّفق مَجِيء الإفرنج وَانْقِطَاع الْمُسلمين بَين أَيْديهم منهزمين فَركب فَخر الدّين وَقت السحر ليكشف الْخَبَر وَأرْسل النُّقَبَاء إِلَى الْجَيْش وسَاق فِي طلبه فصادف الْعَدو فحملوا عَلَيْهِ فَانْهَزَمَ أَصْحَابه وَطعن هُوَ فَسقط وَقتل وَنهب غلمانه مَاله وَضرب بِالسَّيْفِ فِي وَجهه ضربتين وَكَانَ قد بنى دَارا فاخرة بالمنصورة فخربت من يَوْمهَا وَكَانَ قَتله يَوْم رَابِع ذِي الْقعدَة سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَمن شعره (إِذا تحققتم مَا عِنْد صَاحبكُم ... من الغرام فَذَاك الْقدر يَكْفِيهِ) (أَنْتُم سكنتم فُؤَادِي وَهُوَ منزلكم ... وَصَاحب الْبَيْت أدرى بِالَّذِي فِيهِ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 1260 - يُوسُف بن يحيى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى قَاضِي الْقُضَاة بهاء الدّين ابْن الزكي أَبُو افضل ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا مفتيا متوقد الذِّهْن سريع الحافظة مناضرا محجاجا أَخذ الْعُلُوم عَن القَاضِي كَمَال الدّين التفليسي وَعَن وَالِده قيل وَكَانَ أفضل من أَبِيه وَسمع الحَدِيث بِمصْر من ابْن رواج وَابْن الجميزي وبدمشق من إِبْرَاهِيم ابْن خَلِيل وَجَمَاعَة سمع مِنْهُ الْحَافِظ علم الدّين البرزالي وَغَيره وَولي قَضَاء دمشق بعد ابْن الصَّائِغ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَاسْتمرّ حَاكما إِلَى أَن مَاتَ فِي حادي عشر ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة عَن خمس وَأَرْبَعين سنة الحديث: 1260 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 1261 - يُونُس بن بدران بن فَيْرُوز بن صاعد الْجمال الْمصْرِيّ هُوَ قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام جمال الدّين الشيبي الْحِجَازِي المليجي الْمَعْرُوف بالجمال الْمصْرِيّ سمع من السلَفِي وَغَيره وَاخْتصرَ الْأُم للشَّافِعِيّ وصنف فِي الْفَرَائِض توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة 1262 - الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عبد الْوَاحِد الشَّيْبَانِيّ الْعَلامَة مجد الدّين أَبُو السعادات الْجَزرِي ابْن الْأَثِير صَاحب جَامع الْأُصُول وغريب الحَدِيث وَشرح مُسْند الشَّافِعِي وَغير ذَلِك ولد بِجَزِيرَة ابْن عمر سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَنَشَأ بهَا ثمَّ انْتقل إِلَى الْموصل فَسمع من يحيى بن سعدون الْقُرْطُبِيّ وخطيب الْموصل الطوسي وَسمع بِبَغْدَاد من ابْن كُلَيْب روى عَنهُ وَلَده والشهاب القوصي وَجَمَاعَة وَآخر من روى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ فَخر الدّين ابْن البُخَارِيّ الحديث: 1261 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 واتصل بِخِدْمَة الْأَمِير الْكَبِير مُجَاهِد الدّين قايماز إِلَى أَن مَاتَ فاتصل بِخِدْمَة صَاحب الْموصل عز الدّين مَسْعُود وَولي ديوَان الْإِنْشَاء وَله ديوَان رسائل وَمن تصانيفه غير مَا ذَكرْنَاهُ كتاب الْإِنْصَاف فِي الْجمع بَين الْكَشْف والكشاف تفسيري الثَّعْلَبِيّ والزمخشري والمصطفى الْمُخْتَار فِي الْأَدْعِيَة والأذكار والبديع فِي شرح فُصُول ابْن الدهان فِي النَّحْو والفروق والأبنية وَكتاب الأذواء والذوات وَشرح غَرِيب الطوَال وَكَانَ بارعا فِي الترسل وَحصل لَهُ مرض مزمن أبطل يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَعجز عَن الْكِتَابَة وَأقَام بداره وَأَنْشَأَ رِبَاطًا بقرية من قرى الْموصل ووقف أملاكه عَلَيْهِ وَكَانَ فَاضلا رَئِيسا مشارا إِلَيْهِ توفّي سنة سِتّ وسِتمِائَة 1263 - الْمُبَارك بن يحيى بن أبي الْحسن بن أبي الْقَاسِم الْمصْرِيّ الشَّيْخ نصير الدّين بن الطباخ ولد فِي خَامِس عشر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ بارعا فِي الْفِقْه مَشْهُور الِاسْم فِيهِ درس بِالْمَدْرَسَةِ القطبية بالبندقانيين بِالْقَاهِرَةِ وَأعَاد عِنْد شيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية الحديث: 1263 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 وَكَانَ ذكي القريحة حاد الذِّهْن كثير الاعتناء بِكِتَاب التَّنْبِيه نوزع مرّة فِي مَسْأَلَة وَقيل لَهُ لَيست هَذِه فِي التنيبه فَغَضب وَقَالَ مَا من مَسْأَلَة إِلَّا وَهِي فِي التَّنْبِيه فَقيل لَهُ أَيْن فِي التَّنْبِيه إِن لكل جرية حكما فِي المَاء الجارى فَقَالَ فِي قَوْله فِي الطَّلَاق وَإِن قَالَ لَهَا وَهِي فِي مَاء جَار إِن خرجت من هَذَا المَاء فَأَنت طَالِق وَإِن أَقمت فِيهِ فَأَنت طَالِق خرجت أَو أَقَامَت فقد جعل لكل جرية حكما مَاتَ فِي الْقَاهِرَة فِي حادى عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة 1264 - مَحْمُود بن أَحْمد بن مُحَمَّد أَبُو الْفضل الأردبيلي كَانَ فَقِيها أصوليا قدم بَغْدَاد ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الكمالية وَسقط فِي بِئْر فِي دَاره فَهَلَك سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة 1265 - مَحْمُود بن أَحْمد بن مَحْمُود أَبُو المناقب الزنجاني استوطن بَغْدَاد قَالَ ابْن النجار وبرع فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف وَالْأُصُول ودرس بالنظامية وعزل ودرس بالمستنصرية وصنف تَفْسِير الْقُرْآن وَحدث عَن الإِمَام النَّاصِر لدين الله بِالْإِجَازَةِ قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ اسْتشْهد فِي كائنة بَغْدَاد سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة الحديث: 1264 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 1266 - مَحْمُود بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الشَّيْخ برهَان الدّين أَبُو الثَّنَاء المراغي مدرس الفلكية بِدِمَشْق ولد سنة خمس وسِتمِائَة وَسمع بحلب من أبي الْقَاسِم بن رَوَاحَة وَالْقَاضِي زين الدّين بن الْأُسْتَاذ وَغَيرهمَا روى عَنهُ شَيخنَا الْمزي وَابْن الْعَطَّار وَالشَّيْخ علم الدّين البرزالي وَطَائِفَة وَكَانَ فَقِيها أصوليا مناظرا محققا صَالحا زاهدا متعبدا عرض عَلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة قامتنع وَعرضت عَلَيْهِ مشيخة الشُّيُوخ فَامْتنعَ وَكَانَت لَهُ حَلقَة بالجامع الْأمَوِي يشْتَغل فِيهَا توفّي فِي ثَالِث عشرى ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَمن فَتَاوِيهِ فِي امْرَأَة أشهدت على نَفسهَا أَن هَذَا الرجل ابْن عمي وصدقها أَن الْعُصُوبَة تثبت ويرثها إِذا مَاتَت نَقله الشَّيْخ برهَان الدّين ابْن الفركاح فِي تَعْلِيقه فِي بَاب الْإِقْرَار وَهِي مَسْأَلَة تعم بهَا الْبلوى لَا سِيمَا إِذا كَانَ الْمقر لَهُ غَائِبا فكثيرا مَا يقر مَرِيض بِأَن لَهُ وَارِثا غَائِبا إِمَّا ابْن عَم أَو نَحوه فَيَضَع وَكيل بَيت المَال يَده مُدعيًا الحديث: 1266 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 أَن بَيت المَال لَا ينْدَفع بِهَذَا القَوْل وَقد أفتى الشَّيْخ تَاج الدّين ابْن الفركاح وَكيل بَيت المَال بذلك على تلوم وَتوقف عِنْده وَعند وَلَده الشَّيْخ شهَاب الدّين فِيهِ وَأما أَنا فَلَا وَقْفَة عندى فِيهِ وَالصَّوَاب عِنْدِي اندفاع بَيت المَال بِهَذَا الْإِقْرَار وَحفظ هَذَا المَال بِمُجَرَّد هَذَا الْإِقْرَار حَتَّى يحضر الْغَائِب أَو يثبت خلاف مَا قَالَه الْمَرِيض وَقد أشبعنا الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة وَقُلْنَا إِن فِي كَلَام القَاضِي الْحُسَيْن وَشَيْخه الْقفال وَفِي فَتَاوَى ابْن الصّباغ مَا يرشد إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ 1267 - مَحْمُود بن عبيد الله بن أَحْمد بن عبد الله أَبُو المحامد ظهير الدّين الزنجاني الْفَقِيه الصُّوفِي الزَّاهِد قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ ولد سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ظنا وَسمع الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي وَصَحبه مُدَّة وَأَبا المعالى صاعد بن عَليّ الْوَاعِظ والمحدث ابْن أبي المعمر بَدَلا التبريزي وَجَمَاعَة الحديث: 1267 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 حدث عَنهُ أَبُو الْحسن بن الْعَطَّار وَغَيره وَأَجَازَ لشَيْخِنَا الذَّهَبِيّ وَحدث بِكِتَاب العوارف عَن المُصَنّف وَكَانَ إِمَامًا بالتقوية وَأكْثر نَهَاره بهَا ومبيته بالسميساطية مَاتَ فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة 1268 - مَحْمُود بن أبي بكر بن أَحْمد الأرموي الشَّيْخ سراج الدّين أَبُو الثَّنَاء صَاحب التَّحْصِيل مُخْتَصر الْمَحْصُول فِي أصُول الْفِقْه واللباب مُخْتَصر الْأَرْبَعين فِي أصُول الدّين وَالْبَيَان والمطالع فِي الْمنطق وَغير ذَلِك وَقيل إِنَّه شرح الْوَجِيز فِي الْفِقْه قَرَأَ بالموصل عَليّ كَمَال الدّين بن يُونُس مولده فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بِمَدِينَة قونية 1269 - مشرف بن عَليّ بن أبي جَعْفَر بن كَامِل أَبُو الْعِزّ الخالصي المقرىء الضَّرِير قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ ولد تَقْرِيبًا سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَقدم بَغْدَاد فحفظ بهَا الْقُرْآن وتفقه بالنظامية وَقَرَأَ الْقرَاءَات وَسمع من أبي الْكَرم وَأبي الْوَقْت وَأحمد بن مُحَمَّد بن الدباس وَغَيرهم روى عَنهُ ابْن الدبيثى والبرزالي وَغَيرهمَا الحديث: 1268 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 توفّي فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من ربيع الآخر سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة والخالص الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ اسْم نَاحيَة ونهر شَرْقي بَغْدَاد 1270 - مظفر بن عبد الله بن عَليّ بن الْحُسَيْن الإِمَام تَقِيّ الدّين الْمصْرِيّ المقترح والمقترح لقب عَلَيْهِ كَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه وَالْخلاف وأصول الدّين نظارا على قهر الْخُصُوم وإزهاقهم إِلَى الِانْقِطَاع صنف التصانيف الْكَثِيرَة وَتخرج بِهِ خلق قَالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم سمع بالإسكندرية من أبي الطَّاهِر بن عَوْف وَسمعت مِنْهُ وَحدث بِمَكَّة ومصر وَكَانَ كثير الإفادة منتصبا لمن يقْرَأ عَلَيْهِ كثير التَّوَاضُع حسن الْأَخْلَاق جميل الْعشْرَة دينا متورعا ولى التدريس بِالْمَدْرَسَةِ الْمَعْرُوفَة بالسلفى بالإسكندرية مُدَّة وَتوجه إِلَى مَكَّة، فأشيعت وَفَاته وَأخذت الْمدرسَة فَعَاد وَلم يتَّفق عوده إِلَيْهَا فَأَقَامَ بِجَامِع مصر يقرىء وَاجْتمعَ عَلَيْهِ جمَاعَة كَثِيرَة ودرس بمدرسة الشريف ابْن ثَعْلَب وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة اثنتى عشرَة وسِتمِائَة الحديث: 1270 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 1271 - المظفر بن عبد الله بن أبي مَنْصُور الشريف أَبُو مَنْصُور الْهَاشِمِي العباسي الْوَاعِظ الْمَعْرُوف بالشريف العباسي ولد بإربل سمع بِبَغْدَاد من ذَاكر بن كَامِل وَغَيره وَحدث بِمصْر ودمشق قَالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم توفّي فِي شَوَّال سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1272 - المظفر بن أبي مُحَمَّد وَيُقَال بل أبي الْخَيْر بن إِسْمَاعِيل بن عَليّ الواراني الشَّيْخ أَمِين الدّين التبريزي صَاحب الْمُخْتَصر الْمَشْهُور فِي الْفِقْه يكنى أَبَا الْخَيْر وَقيل أَبَا الأسعد وَمن تصانيفه أَيْضا التَّنْقِيح اختصر فِيهِ الْمَحْصُول فِي أصُول القفه وَله سمط الْمسَائِل فِي القفه فِي مجلدين وَأكْثر ولد سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة وَكَانَ من أجل مَشَايِخ الْعلم فِي ديار مصر فَقِيها أصوليا عابدا زاهدا كثير الْعِبَادَة إِمَامًا مناظرا مبرزا تفقه بِبَغْدَاد على أبي الْقَاسِم بن فضلان وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ النظامية وَأفْتى وناظر وَسمع الحَدِيث من أبي الْفرج بن كُلَيْب وَأبي أَحْمد بن سكينَة قَالَ ابْن النجار وانتخب بِخَطِّهِ وَقَرَأَ كثيرا من الْكتب الْكِبَار الحديث: 1271 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 قلت روى عَنهُ الْحَافِظ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ وَغَيره وَحج الشَّيْخ أَمِين الدّين من بَغْدَاد ثمَّ قدم مصر ودرس بهَا بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية الْمُجَاورَة للجامه الْعَتِيق واستوطنها دهرا طَويلا يُفْتى ويفيد ثمَّ سَافر إِلَى الْعرَاق وَمن الْعرَاق إِلَى شيراز وَمَات بهَا فِي ذى الْحجَّة سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة 1273 - الْمعَافي بن إِسْمَاعِيل بن أبي الْحُسَيْن بن أبي السنان القفيه أَبُو مُحَمَّد بن الحدوس بِفَتْح الْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَإِسْكَان الْوَاو ثمَّ سين مُهْملَة لَهُ كتاب الْكَامِل فِي الْفِقْه وَكتاب الموجز فِي الذّكر وَكتاب أنس المنقطعين وَغير ذَلِك من المصنفات ولد سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة وَسمع من أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن خَمِيس وَمُسلم بن عَليّ السيحي روى عَنهُ الزكي البرزالي وَالْمجد بن العديم وَالْخضر بن عَبْدَانِ الْكَاتِب وَغَيرهم وَكَانَ إِمَامًا عَارِفًا بِالْمذهبِ كثير الْعِبَادَة درس وَأفْتى وناظر توفّي فِي رَمَضَان أَو شعْبَان سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَفِي كِتَابه الْكَامِل أَنه يكره الاستياك بالمبرد الحديث: 1273 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 1274 - مفرج بن الْمُبَارك أَبُو الْفضل القَاضِي يعرف بِابْن الْعَطَّار من أهل وَاسِط تفقه على أبي جَعْفَر بن البوقي وَأفْتى وَكَانَ نزها خيرا ولد فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة وَمَات فِي حادي عشرى شعْبَان سنة إِحْدَى وسِتمِائَة 1275 - مَنْصُور بن سليم بن مَنْصُور بن فتوح الْمُحدث وجيه الدّين أَبُو المظفر الْهَمدَانِي الإسْكَنْدراني محتسب الْإسْكَنْدَريَّة ولد فِي ثامن صفر سنة سبع وسِتمِائَة وَسمع من مُحَمَّد بن عماد الْحَرَّانِي وجعفر الْهَمدَانِي وَابْن رواج وَجَمَاعَة من أَصْحَاب السلَفِي وببغداد من ابْن روزبة والقطيعي وَأبي بكر الخازن وَجَمَاعَة من أَصْحَاب شهدة وبمصر من مرتضى بن أبي الْجُود الحديث: 1274 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 وَعلي بن عمار وَغَيرهمَا وبدمشق من ابْن اللتي ومكرم وَجَمَاعَة وبحلب من ابْن خَلِيل وَغَيره وَبِغير ذَلِك من الْبلدَانِ من جماعات كتب عَنهُ الْحَافِظ الدمياطي والشريف عز الدّين وَجَمَاعَة ودرس بالإسكندرية وَخرج وانتقى وعني بفنون الحَدِيث وَجمع المعجم لنَفسِهِ وَخرج الْأَرْبَعين وصنف تَارِيخا للإسكندرية فِي مجلدين توفّي لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة رَحمَه الله 1276 - مُوسَى بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع الْقشيرِي القوصي الشَّيْخ سراج الدّين ابْن الشَّيْخ مجد الدّين وأخو شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين ولد بقوص سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَسمع الحَدِيث من أَصْحَاب السلَفِي وَحدث سمع مِنْهُ شَيخنَا أَبُو حَيَّان النَّحْوِيّ وَكَانَ فَقِيها جيدا ذكي القريحة تصدى بقوص لنشر الْعلم والفتيا وصنف فِي الْفِقْه كتاب سَمَّاهُ الْمُغنِي وَهَذَا الْكتاب هُوَ الَّذِي نقل عَنهُ ابْن الرّفْعَة، فِيمَا إِذا نوى الْمُتَيَمم بتيممه اسْتِبَاحَة الْفَرْض وَالنَّفْل أَن سراج الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد قَالَ: يستبيحهما على أصح الْوَجْهَيْنِ وَالْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب أَنه يستبيحهما بِلَا خلاف قَالَه النَّوَوِيّ وَقَالَ الإِمَام إِن الطّرق اتّفقت عَلَيْهِ الحديث: 1276 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 قَالَ ابْن لرفعة وَقَضِيَّة مَا نَقله سراج الدّين أَن الْوَجْه الآخر أَنه لَا يستبيحهما بل أَحدهمَا وَقَول الْغَزالِيّ فَالصَّحِيح جوازهما لَا يُنَافِي دَعْوَى الإِمَام اتِّفَاق الطّرق على جوازهما إِذْ مُقَابل الصَّحِيح فِي كَلَامه أَنه لَا بُد من تعين الْفَرِيضَة وَالْمعْنَى فَالصَّحِيح جوازهما وَإِن لم يعين الْفَرِيضَة وَكَلَام ابْن دَقِيق الْعِيد يجوز أَن يؤول بِمثل مَا أول بِهِ كَلَام الْغَزالِيّ وَمن شعر سراج الدّين (وحقك مَا أَعرَضت عَنْك ملالة ... وَلَا أَنا مِمَّا تعلمين مُفِيق) (وَلَكِن خشيت الكاشحين لأنني ... على سرنا من أَن يذاع شفيق) (فَأَصْبَحت كالظمآن شَاهد مشربا ... قَرِيبا وَلَكِن مَا إِلَيْهِ طَرِيق) مَاتَ بقوص سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة 1277 - مُوسَى بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن حمود الماكسيني الحديث: 1277 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 1278 - مُوسَى بن أبي الْفضل يُونُس بن مُحَمَّد بن مَنْعَة الشَّيْخ الْعَلامَة كَمَال الدّين ابْن يُونُس أَبُو الْفَتْح الْموصِلِي وَالِد شَارِح التَّنْبِيه الشَّيْخ شرف الدّين أَحْمد بن مُوسَى ولد فِي صفر سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة بالموصل وتفقه على وَالِده الشَّيْخ رَضِي الدّين يُونُس ثمَّ توجه إِلَى بَغْدَاد فتفقه بِالْمَدْرَسَةِ النظامية على معيدها السديد السلماسي وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة بالموصل على الإِمَام يحيى بن سعدون وببغداد على الْكَمَال عبد الرَّحْمَن الْأَنْبَارِي ثمَّ عَاد إِلَى الْموصل مُقيما بهَا وَكَانَ رجلا متبحرا فِي كثير من فنون الْعلم مَوْصُوفا بالذكاء المفرط إِلَيْهِ مرجع أهل الْموصل وَمَا والاها فِي الْفَتَاوَى وَأَصْحَابه يعظمونه كثيرا وَقد ذكره ابْن خلكان فِي الوفيات وَقَالَ إِنَّه درس بعد وَفَاة وَالِده فِي مَوْضِعه بِالْمَسْجِدِ الْمَعْرُوف بالأمير زين الدّين صَاحب إربل قَالَ وَهَذَا الْمَسْجِد يعرف الْآن بِالْمَدْرَسَةِ الكمالية لِأَنَّهُ نسب إِلَى كَمَال الدّين الْمَذْكُور لطول إِقَامَته بِهِ وَلما اشْتهر فَضله انثال عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وتبحر فِي جَمِيع فنون الْعلم وَجمع من الْعُلُوم مَا لم يجمعه أحد الحديث: 1278 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 وَتفرد بِعلم الرياضة وَلَقَد رَأَيْته بالموصل فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة وترددت إِلَيْهِ دفيعات عديدة لما كَانَ بَينه وَبَين الْوَالِد رَحمَه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة وَلم يتَّفق لي الْأَخْذ عَنهُ لعدم الْإِقَامَة وَسُرْعَة الْحَرَكَة إِلَى الشَّام وَكَانَ الْفُقَهَاء يَقُولُونَ إِنَّه يدْرِي أَرْبَعَة وَعشْرين فَنًّا دراية متقنة فَمن ذَلِك الْمَذْهَب وَكَانَ فِيهِ أوحد الزَّمَان وَكَانَ جمَاعَة من الطَّائِفَة الْحَنَفِيَّة يشتغلون عَلَيْهِ بمذهبهم وَيحل مسَائِل الْجَامِع الْكَبِير أحسن حل مَعَ مَا يَجِيء عَلَيْهِ من الْإِشْكَال الْمَشْهُور وَكَانَ يتقن فن الْخلاف والتجاري وأصول الْفِقْه وأصول الدّين وَلما وصلت كتب فَخر الدّين الرَّازِيّ للموصل وَكَانَ بهَا إِذْ ذَاك جمَاعَة من الْفُضَلَاء لم يفهم أحد مِنْهُم اصْطِلَاحه فِيهَا سواهُ وَكَذَلِكَ الْإِرْشَاد للعميدي لما وقف عَلَيْهَا حلهَا فِي لَيْلَة وَاحِدَة وأقرأها على مَا قَالُوا وَكَانَ يدْرِي فن الْحِكْمَة والمنطق والطبيعى والإلهي وَكَذَلِكَ الطِّبّ وَيعرف فنون الرياضة من اقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي وَهِي لَفْظَة يونانية مَعْنَاهَا بِالْعَرَبِيَّةِ التَّرْتِيب ذكر ذَلِك أَبُو بكر فِي كِتَابه وأنواع الْحساب المفتوح مِنْهُ والجبر والمقابلة والأرثماطيقي وَطَرِيق الخطأين والموسيقى والمساحة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 معرفَة لَا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره إِلَّا فِي ظواهر هَذِه الْعُلُوم دون دقائقها وَالْوُقُوف على حقائقها وَبِالْجُمْلَةِ فَلَقَد كَانَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر (وَكَانَ من الْعُلُوم بِحَيْثُ يقْضى ... لَهُ فِي كل علم بِالْجَمِيعِ) واستخرج فِي علم الأوفاق طرقا لم يهتد إِلَيْهَا أحد وَكَانَ يبْحَث فِي الْعَرَبيَّة والتصريف بحثا تَاما مُسْتَوفى حَتَّى إِنَّه كَانَ يقرئ كتاب سِيبَوَيْهٍ والإيضاح والتكملة لأبي عَليّ الْفَارِسِي والمفصل للزمخشري وَكَانَ لَهُ فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَأَسْمَاء الرِّجَال وَمَا يتَعَلَّق بِهِ يَد جَيِّدَة وَكَانَ يحفظ من التواريخ وَأَيَّام الْعَرَب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شَيْئا كثيرا وَكَانَ أهل الذِّمَّة يقرأون عَلَيْهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ويشرح لَهما هذَيْن الْكِتَابَيْنِ شرحا يعترفون أَنهم لَا يَجدونَ من يوضحهما لَهُم مثله وَكَانَ فِي كل فن من هَذِه الْفُنُون كَأَنَّهُ لَا يعرف سواهُ لقُوته فِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن مَجْمُوع مَا كَانَ يُعلمهُ من الْفُنُون لم نسْمع عَن أحد مِمَّن تقدمه أَنه كَانَ قد جمعه وَلَقَد جَاءَنَا الشَّيْخ أثير الدّين الْمفضل بن عمر بن الْمفضل الْأَبْهَرِيّ صَاحب التعليقة فِي الْخلاف والزيج والتصانيف الْمَشْهُورَة من الْموصل إِلَى إربل فِي سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة وَقبلهَا فِي سنة خمس وَعشْرين وَنزل بدار الحَدِيث وَكنت أشتغل عَلَيْهِ بِشَيْء من الْخلاف فَبَيْنَمَا أَنا يَوْمًا عِنْده إِذْ دخل عَلَيْهِ بعض فُقَهَاء بَغْدَاد وَكَانَ فَاضلا فتجاريا فِي الحَدِيث زَمَانا وَجرى ذكر الشَّيْخ كَمَال الدّين فِي أثْنَاء الحَدِيث فَقَالَ لَهُ الْأَثِير لما حج الشَّيْخ كَمَال الدّين وَدخل بَغْدَاد كنت هُنَاكَ فَقَالَ نعم فَقَالَ كَيفَ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 إقبال الدُّيُون الْعَزِيز عَلَيْهِ فَقَالَ ذَاك الْفَقِيه مَا أنصفوه على قدر اسْتِحْقَاقه فَقَالَ الْأَثِير مَا هَذَا إِلَّا عجب وَالله مَا دخل بَغْدَاد مثل الشَّيْخ فاستعظمت مِنْهُ هَذَا الْكَلَام وَقلت يَا سيدنَا كَيفَ تَقول كَذَا فَقَالَ يَا وَلَدي مَا دخل بَغْدَاد مثل أبي حَامِد الْغَزالِيّ وَالله مَا بَينه وَبَين الشَّيْخ نِسْبَة وَكَانَ الْأَثِير على جلالة قدره فِي الْعُلُوم يَأْخُذ الْكتاب وَيجْلس بَين يَدَيْهِ يقْرَأ عَلَيْهِ وَالنَّاس يَوْم ذَلِك يشتغلون فِي تصانيف الْأَثِير وَلَقَد شهِدت هَذَا بعيني وَهُوَ يقْرَأ عَلَيْهِ كتاب المجسطي وَلَقَد حكى بعض الْفُقَهَاء أَنه سَأَلَ الشَّيْخ كَمَال الدّين عَن الْأَثِير ومنزلته فِي الْعُلُوم فَقَالَ مَا أعلم فَقَالَ وَكَيف هَذَا يَا مَوْلَانَا وَهُوَ فِي خدمتك مُنْذُ سِنِين عديدة يشْتَغل عَلَيْك فَقَالَ لأنني مهما قلت لَهُ تَلقاهُ بِالْقبُولِ وَقَالَ نعم يَا مَوْلَانَا فَمَا جادلني فِي مَبْحَث قطّ حَتَّى أعلم حَقِيقَة فضلَة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 وَلَا شكّ أَنه كَانَ يعْتَمد هَذَا الْقدر مَعَ الشَّيْخ تأدبا وَكَانَ معيدا عِنْده فِي الْمدرسَة البدرية وَكَانَ يَقُول مَا تركت بلادي وقصدت الْموصل إِلَّا للاشتغال على الشَّيْخ وَكَانَ شَيخنَا تَقِيّ الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِابْن الصّلاح الْمُتَقَدّم ذكره يُبَالغ فِي الثَّنَاء على فضائله وتعظيم شَأْنه وتوحده فِي الْعُلُوم فَذكره يَوْمًا وَشرع فِي وَصفه على عَادَته فَقَالَ لَهُ بعض الْحَاضِرين يَا سيدنَا على من اشْتغل وَمن كَانَ شَيْخه فَقَالَ هَذَا الرجل خلقه الله إِمَامًا عَالما فِي فنونه لايقال على من اشْتغل وَلَا من كَانَ شَيْخه فَإِنَّهُ أكبر من هَذَا وَحكى لي بعض الْفُقَهَاء بالموصل أَن ابْن الصّلاح الْمَذْكُور سَأَلَهُ أَن يقْرَأ عَلَيْهِ شَيْئا من الْمنطق سرا فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَتردد إِلَيْهِ مُدَّة فَلم يفتح عَلَيْهِ بِشَيْء فَقَالَ لَهُ يَا فَقِيه الْمصلحَة عِنْدِي أَن تتْرك الِاشْتِغَال بِهَذَا الْفَنّ فَقَالَ لَهُ وَلم ذَلِك يَا مَوْلَانَا فَقَالَ لِأَن النَّاس يَعْتَقِدُونَ فِيك الْخَيْر وهم ينسبون كل من اشْتغل بِهَذَا الْفَنّ إِلَى فَسَاد الِاعْتِقَاد فكأنك تفْسد عقائدهم فِيك وَلَا يحصل لَك من هَذَا الْفَنّ شَيْء فَقبل إِشَارَته وَترك قِرَاءَته وَمن يقف على هَذِه التَّرْجَمَة فَلَا ينسبني إِلَى المغالاة فِي حق الشَّيْخ وَمن كَانَ من أهل تِلْكَ الْبِلَاد وَعرف مَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّيْخ عرف أَنِّي مَا أعرته وَصفا ونعوذ من الغلو والتساهل فِي النَّقْل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 وَقد ذكره أَبُو البركات ابْن المستوفي الْمُتَقَدّم ذكره فِي تَارِيخ إربل فَقَالَ هُوَ عَالم مقدم ضرب فِي كل علم وَهُوَ فِي علم الْأَوَائِل كالهندسة والمنطق وَغَيرهمَا مِمَّن يشار إِلَيْهِ حل اقليدس والمجسطي على الشَّيْخ شرف الدّين المظفر بن مُحَمَّد بن المظفر الطوسي الفارابي يَعْنِي صَاحب الاسطرلاب الخطي الْمَعْرُوف بالعصا قَالَ ابْن المستوفي ووردت عَلَيْهِ مسَائِل من بَغْدَاد فِي مشكلات هَذَا الْعلم فَحلهَا واستصغرها وَنبهَ على براهينها بعد أَن احتقرها وَهُوَ فِي الْفِقْه والعلوم الإسلامية نَسِيج وَحده ودرس فِي عدَّة مدارس بالموصل وَتخرج عَلَيْهِ خلق كثير فِي كل فن ثمَّ قَالَ أنشدنا لنَفسِهِ وأنفذها إِلَى صَاحب الْموصل يشفع عِنْده (لَئِن شرفت أَرض بِمَالك رقها ... فمملكة الدُّنْيَا بكم تتشرف) (ومكنت من حفظ البسيطة مثل مَا ... تمكن فِي أَمْصَار فِرْعَوْن يُوسُف) (بقيت بَقَاء الدَّهْر أَمرك نَافِذ ... وسعيك مَشْهُور وحكمك منصف) قلت أَنا وَلَقَد أَنْشدني هَذِه الأبيات عَنهُ أحد أَصْحَابه بِمَدِينَة حلب وَكنت بِدِمَشْق سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَبهَا رجل فَاضل فِي عُلُوم الرياضة فأشكل عَلَيْهِ مَوَاضِع من مسَائِل الْحساب والجبر والمقابلة والمساحة واقليدس فَكتب جَمِيعهَا فِي درج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 وسيرها إِلَى الْموصل ثمَّ بعد أشهر عَاد جَوَابه وَقد كشف عَن خفيها وأوضح غامضها وَذكر مَا يعجز الْإِنْسَان عَن وَصفه ثمَّ كتب فِي آخر الْجَواب فليمهد الْعذر فِي التَّقْصِير فِي الْأَجْوِبَة فَإِن القريحة جامدة والفطنة خامدة قد استولى عَلَيْهَا كَثِيرَة النسْيَان وشغلها حوادث الزَّمَان وَكثير مِمَّا استخرجناه وعرفناه نسيناه بِحَيْثُ صرنا كأنا مَا عَرفْنَاهُ وَقَالَ لي صَاحب الْمسَائِل الْمَذْكُورَة مَا سَمِعت مثل هَذَا الْكَلَام إِلَّا للأوائل المتقنين لهَذِهِ الْعُلُوم مَا هَذَا من كَلَام أَبنَاء هَذَا الزَّمَان وَحكى لي الشَّيْخ الْفَقِيه الرياضي علم الدّين قَيْصر بن أبي الْقَاسِم بن عبد الْغَنِيّ بن مُسَافر الْحَنَفِيّ الْمُقْرِئ الْمَعْرُوف بتعاسيف وَكَانَ إِمَامًا فِي عُلُوم الرياضة قَالَ لما أتقنت عُلُوم الرياضة بالديار المصرية وبدمشق تاقت نَفسِي إِلَى الِاجْتِمَاع بالشيخ كَمَال الدّين لما كنت أسمع من تفرده بِهَذِهِ الْعُلُوم فسافرت إِلَى الْموصل قصدا للاجتماع فَلَمَّا حضرت فِي مَجْلِسه وخدمته وجدته على حلية الْحُكَمَاء الْمُتَقَدِّمين وَكنت قد طالعت أخبارهم وحلاهم فَسلمت عَلَيْهِ وعرفته قصدي لَهُ للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فَقَالَ لي فِي أَي الْعُلُوم تُرِيدُ تشرع فَقلت فِي الموسيقى فَقَالَ مصلحَة هُوَ فلي زمَان مَا قَرَأَهُ عَليّ أحد فَأَنا أوثر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 مذاكرته وتجديد الْعَهْد بِهِ فشرعت فِيهِ ثمَّ فِي غَيره حَتَّى شققت عَلَيْهِ أَكثر من أَرْبَعِينَ كتابا فِي مِقْدَار سِتَّة أشهر وَكنت عَارِفًا بِهَذَا الْفَنّ لَكِن كَانَ غرضي الانتساب فِي الْقِرَاءَة إِلَيْهِ وَكَانَ إِذا لم أعرف الْمَسْأَلَة أوضحها لي وَمَا كنت أجد من يقوم مقَامه فِي ذَلِك وَقد أطلت الشَّرْح فِي نشر علومه ولعمري لقد اختصرت وَلما توفّي أَخُوهُ الشَّيْخ عماد الدّين مُحَمَّد الْمُتَقَدّم ذكره تولى الشَّيْخ الْمدرسَة العلائية مَوضِع أَخِيه وَلما فتحت الْمدرسَة القاهرية تولاها ثمَّ تولى الْمدرسَة البدرية فِي ذِي الْحجَّة سنة عشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ مواظبا على إِلْقَاء الدُّرُوس والإفادة وَحضر فِي بعض الْأَيَّام دروسه جمَاعَة من المدرسين أَرْبَاب الطيالس وَكَانَ الْعِمَاد أَبُو عَليّ عمر بن عبد النُّور بن يُوسُف الصنهاجي النَّحْوِيّ البجائي حَاضرا فَأَنْشد على البديهة (كَمَال كَمَال الدّين للْعلم والعلى ... فهيهات ساع فِي مساعيك يطْمع) (إِذا اجْتمع النظار فِي كل موطن ... فغاية كل أَن تَقول ويسمعوا) (فَلَا تحسبوهم من غناء تطيلسوا ... وَلَكِن حَيَاء واعترافا تقنعوا) وللعماد الْمَذْكُور فِيهِ أَيْضا (تجر الْموصل الأذيال فخرا ... على كل الْمنَازل والرسوم) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 (بدجلة والكمال هما شِفَاء ... لهيم أَو لذِي فهم سقيم) (فَذا بَحر تدفق وَهُوَ عذب ... وَذَا بَحر وَلَكِن من عُلُوم) وَكَانَ الشَّيْخ سامح الله يتهم فِي دينه لكَون الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة غالبة عَلَيْهِ وَكَانَت تعتريه غَفلَة فِي بعض الأحيان لاستيلاء الفكرة عَلَيْهِ بِسَبَب هَذِه الْعُلُوم فَعمل فِيهِ الْعِمَاد الْمَذْكُور (أجدك أَن قد جاد بعد التعبس ... غزال بوصل لي وَأصْبح مؤنسي) (وأعطيته صهباء من فِيهِ مزجها ... كرقة شعري أَو كَدين ابْن يُونُس) انْتهى كَلَام ابْن خلكان وَرَأَيْت بِخَط الشَّيْخ كَمَال الدّين بن يُونُس على الْجُزْء الأول من اقليدس إصْلَاح ثَابت بن قُرَّة مَا نَصه قَرَأت على الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الزَّاهِد الْوَرع شرف الدّين فَخر الْعلمَاء تَاج الْحُكَمَاء أبي المظفر أدام الله أَيَّامه بعد عوده من طوس هَذَا الْجُزْء وَكنت حللته عَلَيْهِ نَفسِي مَعَ كتاب المجسطي وَشَيْء من المخروطات واستنجزته مَا كَانَ وعدنا بِهِ من كتاب الشكوك فَأحْضرهُ واستنسخته وَكتبه مُوسَى بن يُونُس بن مُحَمَّد بن مَنْعَة فِي تَارِيخه هَذَا صُورَة خطه وتاريخ الْكتاب الْمشَار إِلَيْهِ تَاسِع عشر ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة هجرية الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 1279 - موهوب بن عمر بن موهوب بن إِبْرَاهِيم الْجَزرِي القَاضِي صدر الدّين مولده بالجزيرة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبعين وَخَمْسمِائة وَقدم الشَّام وتفقه على شيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وَقَرَأَ على السخاوي وَكَانَ فَقِيها بارعا أصوليا أديبا قدم الديار المصرية وَولي بهَا الْقَضَاء وَسَار سيرة مرضية وَيُقَال إِن الصاحب بهاء الدّين كَانَ يحط عَلَيْهِ فَرَأى قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم وَهُوَ يَقُول لَهُ قل للصاحب بهاء الدّين بأمارة مَا استشفعت بِي فِي قَضِيَّة كَذَا لَا تتعرض لي فحكاه لَهُ فَقَالَ نعم كَذَا جرى ثمَّ ترك التَّعَرُّض لَهُ وَأحسن إِلَيْهِ توفّي بِالْقَاهِرَةِ فَجْأَة فِي تَاسِع رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة 1280 - نجم بن أبي الْفرج بن سَالم الْكِنَانِي الْمصْرِيّ ولد سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة وَسمع من عبد الله بن بري النَّحْوِيّ الحديث: 1279 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 وَصَحبه مُدَّة وَمن عشير بن عَليّ الْمزَارِع وَفَارِس بن تركي الضَّرِير روى عَنهُ الْحَافِظ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ وَغَيره وَكَانَ فَقِيها حسنا من أهل الْخَيْر والعفاف تصدر بالجامع الْعَتِيق بِمصْر مُدَّة وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ السيفية وَجمع مجاميع فِي الْفِقْه وَغَيره توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 1281 - نصر بن عقيل بن نصر بن عقيل بن نصر أَبُو الْقَاسِم الإربلي تفقه بإربل على عَمه أبي الْعَبَّاس الْخضر ثمَّ توجه إِلَى بَغْدَاد فتفقه بالنظامية على الْأَمِير أبي نصر بن نظام الْملك ثمَّ عَاد إِلَى إربل ودرس بهَا وَأفْتى ثمَّ قدم الْموصل وَمَات بهَا رَابِع عشر ربيع الآخر سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة الحديث: 1281 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 1282 - نصر بن مُحَمَّد بن مقلد أَبُو الْفَتْح الْقُضَاعِي الشِّيرَازِيّ الملقب بالمرتضى من عُلَمَاء الديار المصرية تفقه على أبي حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد البروى وَأبي سعد عبد الله بن أبي عصرون وَسمع بِدِمَشْق من الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَسكن مصر ودرس بقبة الشَّافِعِي وَلم تقيد وَفَاته 1283 - نصر الله بن يُوسُف بن مكي بن عَليّ الْفَقِيه أَبُو الْفَتْح بن الْفَقِيه أبي الْحجَّاج الْحَارِثِيّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الإِمَام تفقه على وَالِده وعَلى أبي البركات الْخضر بن شبْل بن عبد وَسمع من أبي الْفَتْح نصر الله المصِّيصِي وَهبة الله بن طَاوس ورحل فَسمع بِبَغْدَاد من أبي الْوَقْت وَغَيره وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عبد الله الفراوي وزاهر بن طَاهِر وَغَيرهمَا وَكَانَ يدعى نصرا غير مُضَاف أَيْضا روى عَنهُ يُوسُف بن خَلِيل الدِّمَشْقِي والزين خَالِد والتقي اليلداني وَأَجَازَ لِلْمُنْذِرِيِّ وَلأبي الْعَبَّاس بن أبي الْخَيْر توفّي بِدِمَشْق فِي منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وسِتمِائَة الحديث: 1282 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 1284 - هبة الله بن عبد الله بن سيد الْكل القَاضِي أَبُو الْقَاسِم بهاء الدّين القفطي أحد الْمَشَاهِير من عُلَمَاء الصَّعِيد كَانَ إِمَامًا عَالما عَاملا وَقد اخْتلف فِي مولده فَقيل سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَقيل سنة سِتّمائَة وَقيل سنة إِحْدَى وسِتمِائَة وَلَعَلَّه الْأَقْرَب قدم قوص فتفقه على الشَّيْخ مجد الدّين الْقشيرِي وَقَرَأَ الْأُصُول على قاضيها الإِمَام شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ وبرع فِي الْفِقْه والأصلين والنحو والفرائض والجبر والمقابلة وَسمع الحَدِيث من الْفَقِيه أبي الْحسن عَليّ بن هبة الله بن سَلامَة وَالشَّيْخ مجد الدّين الْقشيرِي وَغَيرهمَا حدث عَنهُ طَلْحَة بن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين الْقشيرِي وَغَيره وَكَانَ قيمًا بِالْمَدْرَسَةِ النجيبية بقوص مَعَ براعة فِي الْعلم وَكَانَ يعلق الْقَنَادِيل والطلبة تقْرَأ عَلَيْهِ ثمَّ انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الْمَذْهَب وَولي أَمَانَة الحكم بقوص وَاتفقَ أَنه عمل حِسَاب الْأَيْتَام فَوقف عَلَيْهِ ثَمَانمِائَة دِرْهَم فَلم يعرف وَجه المصروف فَبَاتَ على أَنه يَبِيع منزلَة وَيغرم ثمنه فِي ذَلِك فَقَالَ لَهُ أحد الشُّهُود الَّذين مَعَه النقدة الْفُلَانِيَّة فتذكرها ثمَّ قصد التنصل من الْمُبَاشرَة فَقيل لَهُ مَتى تنصلت لم تجب وَلَكِن اجْتمع الحديث: 1284 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 بفلان وَقل لَهُ إِن القَاضِي فِيمَا بَلغنِي يُرِيد عزلي وَأظْهر التألم من ذَلِك واسأله الحَدِيث مَعَه فِي الِاسْتِمْرَار فَفعل فَقَالَ القَاضِي قد أورثني هَذَا الْحِرْص رِيبَة فَعَزله ثمَّ توجه إِلَى إسنا حَاكما ومعيدا بِالْمَدْرَسَةِ العزية عِنْد النجيب ابْن مُفْلِح أحد تلامذة الْقشيرِي أَيْضا ثمَّ مَاتَ النجيب فأضيف إِلَيْهِ التدريس فَصَارَ حَاكما مدرسا وَنشر السّنة بإسنا بعد مَا كَانَ التَّشَيُّع بهَا فاشيا وصنف كتابا فِي ذَلِك سَمَّاهُ النصائح المفترضة فِي فضائح الرفضة وهموا بقتْله فحماه الله تَعَالَى مِنْهُم وَتَابَ على يَده خلق وَأخذ الْعلم عَنهُ خلق كثير مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَالشَّيْخ الضياء بن عبد الرَّحِيم وصنف فِي التَّفْسِير كتاب وصل فِيهِ إِلَى سُورَة كهيعص وَله شرح الْهَادِي فِي الْفِقْه خمس مجلدات ثمَّ شرح عُمْدَة الطَّبَرِيّ وَشرح مُخْتَصر أبي شُجَاع وَشرح مُقَدّمَة المطرزي فِي النَّحْو وَكتاب الأنباء المستطابة فِي فَضَائِل الصَّحَابَة والقرابة وَغير ذَلِك وَكَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد يجله وسافر إِلَى الصَّعِيد سنة تسعين وسِتمِائَة لمُجَرّد زيارته وَمِمَّا حفظ من عِبَارَته لَوْلَا الْبَهَاء بالصعيد لتحرج أَهله بِسَبَب الْفتيا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 وَعَن الشَّيْخ بهاء الدّين أعرف عشْرين علما أنسيت بَعْضهَا لعدم المذاكرة وَكَانَ يستوعب الزَّمَان فِي الْعِبَادَة وَالْعلم والحكومة ثمَّ ترك الْقَضَاء أخيرا وَاسْتمرّ على الْعِبَادَة وَالْعلم إِلَى أَن توفّي وَرَأى رَاء فِي مَنَامه قَائِلا يَقُول لَهُ لقد مَاتَ الشَّافِعِي فانتبه فَإِذا بقائل يَقُول مَاتَ الشَّيْخ بهاء الدّين القفطي ومناقبه كَثِيرَة وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ من رجال الْعلم وَالدّين توفّي بإسنا سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة فعلى القَوْل بِأَن مولده سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة، يكون من أهل الْمِائَة 1285 - هبة الله بن عَليّ بن أبي الْفضل بن سهل أَبُو جَعْفَر الوَاسِطِيّ تفقه على أبي جَعْفَر بن البوقي وَمَات فِي حُدُود سنة إِحْدَى وسِتمِائَة 1286 - همام بِضَم الْهَاء بن راجى الله بن سَرَايَا بن نَاصِر بن دَاوُد الْفَقِيه الأصولي جلال الدّين أَبُو العزائم الْمصْرِيّ إِمَام الْجَامِع الصَّالِحِي بِظَاهِر الْقَاهِرَة وخطيبه الحديث: 1285 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 ولد بِبِلَاد الصَّعِيد سنة تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة وَقدم الْقَاهِرَة وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على ابْن بري وارتحل إِلَى الْعرَاق فتفقه على المجير الْبَغْدَادِيّ وَابْن فضلان وَسمع من عبد الْمُنعم بن كُلَيْب وَغَيره روى عَنهُ ابْن النجار والحافظ زكي الدّين الْمُنْذِرِيّ وَغَيرهمَا وَله مصنفات فِي الْمَذْهَب وَالْأُصُول وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَله شعر كثير وَله من قصيدة (ياقوت ثغرك قد غَدا متقمعا ... بزمرد لما توشح جوهرا) (وحباب ريقك كَالنُّجُومِ إِذا بَدَت ... من شَأْنهَا مَاء الحيا أَن يقطرا) 1287 - يحيى بن الرّبيع بن سُلَيْمَان بن حراز بن سُلَيْمَان الْعَدوي الْعمريّ الإِمَام فَخر الدّين أَبُو عَليّ الوَاسِطِيّ ابْن الْفَقِيه أبي الْفضل ولد بواسط فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَقدم بَغْدَاد فتفقه بالنظامية على مدرسها الإِمَام أبي النجيب السهروردي وَكَانَ قد تفقه قبله على وَالِده وعَلى أبي جَعْفَر بن البوقي ثمَّ رَحل إِلَى نيسابور فتفقه على الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى صَاحب الْغَزالِيّ وَمكث عِنْده أَكثر من سنتَيْن وَسمع الْكثير من أبي الْكَرم نصر الله بن مخلد بن الجلخت وَعبد الْخَالِق اليوسفي وَابْن نَاصِر وَأبي الْوَقْت وَشَيْخه مُحَمَّد بن يحيى وَعبد الله بن الفراوي وَعبد الْخَالِق بن زَاهِر وَغَيرهم بواسط وبغداد ونيسابور وَله إجَازَة من زَاهِر الحديث: 1287 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 الشحامي وَحدث بالكثير بِبَغْدَاد وبهراة وبغزنة لما توجه إِلَيْهَا رَسُولا من الدِّيوَان الْعَزِيز روى عَنهُ ابْن الدبيثي والضياء الْمَقْدِسِي وَابْن خَلِيل وَآخَرُونَ وَولي تدريس النظامية وَكَانَت بَينه وَبَين ابْن فضلان صُحْبَة أكيدة قَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف لم أر مثلهَا بَين اثْنَيْنِ قطّ وترافقا فِي الرحلة إِلَى مُحَمَّد بن يحيى وَكَانَا يتناظران بَين يَدَيْهِ قَالَ ابْن الدبيثي كَانَ يَعْنِي ابْن الرّبيع ثِقَة صَحِيح السماع عَالما بِمذهب الشَّافِعِي وبالخلاف من الحَدِيث وَالتَّفْسِير كثير الْفُنُون قَرَأَ بالعشر على ابْن ترْكَان وَكَانَ أَبوهُ من الصَّالِحين وَيُقَال إِنَّهُم من ولد عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو شامة كَانَ عَالما عَارِفًا بالتفسير وَالْمذهب والأصولين وَالْخلاف دينا صَدُوقًا وَقَالَ ابْن النجار كَانَ إِمَامًا كَبِيرا وقورا نبيلا حسن الْمعرفَة بِمذهب الشَّافِعِي محققا مدققا مليح الْكَلَام فِي المناظرة والجدل مجودا فِي علم الْأُصُول وَعلم الْكَلَام والحساب وَقِسْمَة التركات وَله معرفَة حَسَنَة بِالْحَدِيثِ انْتهى ثمَّ قَالَ إِنَّه توفّي فِي يَوْم الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وسِتمِائَة وَصلى عَلَيْهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ بِالْمَدْرَسَةِ النظامية قلت هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي تَارِيخ وَفَاته وَذكر غَيره أَنه توفّي فِي طَرِيق خُرَاسَان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 لما توجه رَسُولا إِلَى السُّلْطَان شهَاب الدّين الغوري إِلَى غزنة وَهُوَ وهم فَإِنَّهُ عَاد من عِنْد السُّلْطَان الْمَذْكُور إِلَى بَغْدَاد فِي سنة ثَلَاث وسِتمِائَة وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي فِي سنة سِتّ وسِتمِائَة 1288 - يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حُسَيْن بن حزَام ابْن مُحَمَّد بن جُمُعَة النَّوَوِيّ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة محيي الدّين أَبُو زَكَرِيَّا شيخ الْإِسْلَام أستاذ الْمُتَأَخِّرين وَحجَّة الله على اللاحقين والداعي إِلَى سَبِيل السالفين كَانَ يحيى رَحمَه الله سيدا وَحَصُورًا وليثا على النَّفس هصورا وزاهدا لم يبال بخراب الدُّنْيَا إِذا صير دينه ربعا معمورا لَهُ الزّهْد والقناعة ومتابعة السالفين من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة والمصابرة على أَنْوَاع الْخَيْر لَا يصرف سَاعَة فِي غير طَاعَة هَذَا مَعَ التفنن فِي أَصْنَاف الْعُلُوم فقها ومتون أَحَادِيث وَأَسْمَاء رجال ولغة وتصوفا وَغير ذَلِك وَأَنا إِذا أردْت أَن أجمل تفاصيل فَضله وأدل الْخلق على مبلغ مِقْدَاره بمختصر القَوْل و فصل ه لم أَزْد على بَيْتَيْنِ أنشدنيهما من لَفظه لنَفسِهِ الشَّيْخ الإِمَام وَكَانَ من حَدِيثهمَا الحديث: 1288 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 أَنه أَعنِي الْوَالِد رَحمَه الله لما سكن فِي قاعة دَار الحَدِيث الأشرفية فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة كَانَ يخرج فِي اللَّيْل إِلَى إيوانها ليتهجد تجاه الْأَثر الشريف ويمرغ وَجهه على الْبسَاط وَهَذَا الْبسَاط من زمَان الْأَشْرَف الْوَاقِف وَعَلِيهِ اسْمه وَكَانَ النَّوَوِيّ يجلس عَلَيْهِ وَقت الدَّرْس فأنشدني الْوَالِد لنَفسِهِ (وَفِي دَار الحَدِيث لطيف معنى ... على بسط لَهَا أصبو وآوي) (عَسى أَنِّي أمس بَحر وَجْهي ... مَكَانا مَسّه قدم النواوي) ولد النَّوَوِيّ فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بنوى وَكَانَ أَبوهُ من أَهلهَا المستوطنين بهَا وَذكر أَبوهُ أَن الشَّيْخ كَانَ نَائِما إِلَى جنبه وَقد بلغ من الْعُمر سبع سِنِين لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان فانتبه نَحْو نصف اللَّيْل وَقَالَ يَا أَبَت مَا هَذَا الضَّوْء الَّذِي مَلأ الدَّار فَاسْتَيْقَظَ الْأَهْل جَمِيعًا قَالَ فَلم نر كلنا شَيْئا قَالَ وَالِده فَعرفت أَنَّهَا لَيْلَة الْقدر وَقَالَ شَيْخه فِي الطَّرِيقَة الشَّيْخ ياسين بن يُوسُف الزَّرْكَشِيّ رَأَيْت الشَّيْخ محيي الدّين وَهُوَ ابْن عشر سِنِين بنوى وَالصبيان يكرهونه على اللّعب مَعَهم وَهُوَ يهرب مِنْهُم ويبكي لإكراههم وَيقْرَأ الْقُرْآن فِي تِلْكَ الْحَال فَوَقع فِي قلبِي حبه وَجعله أَبوهُ فِي دكان فَجعل لَا يشْتَغل بِالْبيعِ وَالشِّرَاء عَن الْقُرْآن قَالَ فَأتيت الَّذِي يقرئه الْقُرْآن فوصيته بِهِ وَقلت لَهُ هَذَا الصَّبِي يُرْجَى أَن يكون أعلم أهل زَمَانه وأزهدهم وَينْتَفع النَّاس بِهِ فَقَالَ لي منجم أَنْت فَقلت لَا وَإِنَّمَا أنطقني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 الله بذلك فَذكر ذَلِك لوالده فحرص عَلَيْهِ إِلَى أَن ختم الْقُرْآن وَقد ناهز الِاحْتِلَام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 فصل لَا يخفى على ذِي بَصِيرَة أَن لله تبَارك وَتَعَالَى عناية بالنووي وبمصنفاته، وأستدل على ذَلِك بِمَا يَقع فِي ضمنه فَوَائِد حَتَّى لَا تَخْلُو تَرْجَمته عَن الْفَوَائِد فَنَقُول رُبمَا غير لفظا من أَلْفَاظ الرَّافِعِيّ إِذا تَأمله المتأمل استدركه عَلَيْهِ وَقَالَ لم يَفِ بالاختصار وَلَا جَاءَ بالمراد ثمَّ نجده عِنْد التنقيب قد وَافق الصَّوَاب ونطق بفصل الْخطاب وَمَا يكون من ذَلِك عَن قصد مِنْهُ لَا يعجب مِنْهُ فَإِن الْمُخْتَصر رُبمَا غير كَلَام من يختصر كَلَامه لمثل ذَلِك وَإِنَّمَا الْعجب من تَغْيِير يشْهد الْعقل بِأَنَّهُ لم يقْصد إِلَيْهِ ثمَّ وَقع فِيهِ على الصَّوَاب وَله أَمْثِلَة مِنْهَا قَالَ الرَّافِعِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات فِي فصل التَّوْبَة عَن الْمعاصِي الفعلية فِي التائب إِنَّه يختبر مُدَّة يغلب على الظَّن فِيهَا أَنه أصلح عمله وسريرته وَأَنه صَادِق فِي تَوْبَته وَهل تتقدر تِلْكَ الْمدَّة قَالَ قَائِلُونَ لَا إِنَّمَا الْمُعْتَبر حُصُول غَلَبَة الظَّن بصدقه وَيخْتَلف الْأَمر فِيهِ بالأشخاص وأمارات الصدْق هَذَا مَا اخْتَارَهُ الإِمَام والعبادي وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحب الْكتاب بقوله حَتَّى يستبرىء مُدَّة فَيعلم إِلَى آخِره وَذهب آخَرُونَ إِلَى تقديرها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 وَفِيه وَجْهَان قَالَ أَكْثَرهم يستبرأ سنة انْتهى بِلَفْظِهِ فَإِذا تَأَمَّلت قَوْله قَالَ أَكْثَرهم وجدت الضَّمِير فِيهِ مُسْتَحقّ الْعود على الآخرين الذاهبين إِلَى تقديرها لَا إِلَى مُطلق الْأَصْحَاب فَلَا يلْزم أَن يكون أَكثر الْأَصْحَاب على التَّقْدِير فضلا عَن التَّقْدِير بِسنة بل الْمُقدر بَعضهم وَاخْتلف المقدرون فِي الْمدَّة وَأَكْثَرهم على أَنَّهَا سنة فَهَذَا مَا يُعْطِيهِ لفظ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الْكَبِير وَصرح النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة بِأَن الْأَكْثَرين على تَقْدِير الْمدَّة بِسنة فَمن عَارض بَينهَا وَبَين الرَّافِعِيّ بتأمل قضى بمخالفتها لَهُ لِأَن عبارَة الشَّرْح لَا تَقْتَضِي أَن أَكثر الْأَصْحَاب على التَّقْدِير وَأَنه سنة بل إِن أَكثر المقدرين الَّذين هم من الْأَصْحَاب على ذَلِك ثمَّ يتأيد هَذَا القَاضِي بالمخالفة بِأَن عبارَة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ فِيهَا تَقْدِير بِسنة وَلَا بِسِتَّة أشهر وَإِنَّمَا قَالَ أشهر وَأطلق الْأَشْهر رضى الله عَنهُ اطلاقا إِلَّا أَن هَذَا إِذا عاود كتب الْمَذْهَب وجد الصَّوَاب مَا فعله النَّوَوِيّ فقد عزى التَّقْدِير وَأَن مِقْدَاره سنة إِلَى أَصْحَابنَا قاطبة فضلا عَن أَكْثَرهم الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفرايني فِي تَعْلِيقه وَهَذِه عِبَارَته قَالَ الشَّافِعِي ويختبر مُدَّة أشهر ينْتَقل فِيهَا من السَّيئَة إِلَى الْحَسَنَة ويعف عَن الْمعاصِي وَقَالَ أَصْحَابنَا يختبر سنة انْتهى وَكَذَلِكَ قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن فِي تعليقته وَلَفظه قَالَ الشَّافِعِي مُدَّة من المدد قَالَ أَصْحَابنَا سنة انْتهى وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيّ وَلَفظه وَصَلَاح عمله مُعْتَبر بِزَمَان اخْتلف الْفُقَهَاء فِي حَده فاعتبره بَعضهم بِسِتَّة أشهر واعتبره أَصْحَابنَا بِسنة كَامِلَة انْتهى وَكَذَلِكَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُهَذّب وَقدر أَصْحَابنَا الْمدَّة بِسنة وَكَذَلِكَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيب وجماعات كلهم عزوا التَّقْدِير بِالسنةِ إِلَى الْأَصْحَاب فضلا عَن أَكْثَرهم وَلم يقل بعض الْأَصْحَاب إِلَّا القَاضِي أَبُو الطّيب وَالْإِمَام وَمن تبعهما فَإِنَّهُم قَالُوا قَالَ بعض أَصْحَابنَا تقدر بِسنة وَقَالَ بَعضهم زَاد الإِمَام أَن الْمُحَقِّقين على عدم التَّقْدِير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 وَمن تَأمل مَا نَقَلْنَاهُ أَيقَن بِأَن الْأَكْثَرين على التَّقْدِير بِسنة وَبِه صرح الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر ولوح إِلَيْهِ تَلْوِيحًا فِي الشَّرْح الصَّغِير فَظهر حسن صنع النَّوَوِيّ وَإِن لم يَقْصِدهُ عناية من الله تَعَالَى بِهِ 1289 - يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْمُنعم الإِمَام فَخر الدّين أَبُو زَكَرِيَّا الْقَيْسِي الْوَاعِظ المغربي الْمَعْرُوف بالأصبهاني عرف بذلك لدُخُوله أَصْبَهَان ولد بِدِمَشْق وَدخل أَصْبَهَان وتفقه بهَا وَقَرَأَ الخلافيات وبرع وَسمع الحَدِيث من أبي بكر بن مَا شاده وَعبد الله بن عمر بن عبد الله الْمعدل وَسمع بالثغر من أبي الطَّاهِر السلَفِي حدث عَنهُ أَبُو جَعْفَر بن عميرَة الضَّبِّيّ وَأَبُو بكر بن مسدي الْحَافِظ وَغَيرهمَا وَدخل بِلَاد الْمغرب وَأخذ ببجاية عَن الْحَافِظ عبد الْحق الإشبيلي وجال فِي بِلَاد الأندلس واستوطن غرناطة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا زاهدا عابدا مجمعا على دينه وورعه مَشْهُورا بالكرامات وَالْأَحْوَال صنف كتاب الرَّوْضَة الأنيقة وكتابا فِي الخلافيات بَين الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة توفّي فِي سادس شَوَّال سنة ثَمَان وسِتمِائَة بغرناطة قَالَ ابْن مسدي قحطنا بغرناطة فَنزل أميرها إِلَى شَيخنَا أبي زَكَرِيَّا فَقَالَ تذكر النَّاس فَلَعَلَّ الله يفرج عَن الْمُسلمين فوعظ فورد عَلَيْهِ وَارِد سقط وَحمل وَمَات بعد سَاعَة فَلَمَّا كفن وَأدْخل حفرته انفتحت أَبْوَاب السَّمَاء وسالت الأودية زَمَانا الحديث: 1289 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 1290 - أَبُو بكر بن قوام بن عَليّ بن قوام بن مَنْصُور بن معلا بن حسن ابْن عِكْرِمَة بن هَارُون بن قيس بن ربيعَة بن عَامر ابْن هِلَال بن قصي بن كلاب البالسي الشَّيْخ الزَّاهِد العابد صَاحب الْأَحْوَال والكرامات الْمجمع على علمه وَدينه كَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب أشعري العقيدة ولد بمشهد صفّين سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة بالس وَبهَا رَبِّي وَقد ألف فِي مناقبه حفيده الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ عمر بن الشَّيْخ أبي بكر مصنفا حسنا وَأَنا أذكر بعض مَا فِيهِ قَالَ كَانَ إِمَامًا ورعا عَالما زاهدا لَهُ كرامات وأحوال حسن الْأَخْلَاق لطيف الذَّات وَالصِّفَات وافر الْأَدَب وَالْعقل دَائِم الْبشر مخفوض الْجنَاح كثير التَّوَاضُع شَدِيد الْحيَاء متمسكا بالآداب الشَّرْعِيَّة قَالَ وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو بكر يَقُول كَانَت الْأَحْوَال تطرقني فِي بداية أَمْرِي فَكنت أخبر بهَا شَيْخي فنهاني عَن الْكَلَام فِيهَا وَكَانَ عِنْده سَوط يَقُول مَتى تَكَلَّمت فِي شَيْء من هَذَا ضربتك بِهَذَا السَّوْط ويأمرني بِالْعَمَلِ وَيَقُول لي لَا تلْتَفت إِلَى شَيْء من هَذِه الْأَحْوَال فَمَا زلت مَعَه كَذَلِك حَتَّى كنت عِنْده فِي بعض اللَّيَالِي وَكَانَت لي أم ضريرة وَكنت بارا بهَا وَلم يكن لَهَا من يخدمها غَيْرِي فاستأذنت الشَّيْخ فِي الْمُضِيّ إِلَيْهَا فَأذن لي وَقَالَ إِنَّه سيحدث لَك فِي هَذِه اللَّيْلَة أَمر عَجِيب فَأثْبت لَهُ وَلَا تجزع فَلَمَّا خرجت من عِنْده الحديث: 1290 ¦ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 وَأَنا مار إِلَى جِهَة أُمِّي سَمِعت صَوتا من جِهَة السَّمَاء فَرفعت رَأْسِي فَإِذا نور كَأَنَّهُ سلسلة متداخل بَعْضهَا فِي بعض فَالْتَفت على ظَهْري حَتَّى أحسست ببردها فِي ظَهْري فَرَجَعت إِلَى الشَّيْخ فَأَخْبَرته بِمَا وَقع لي فَقَالَ الْحَمد لله وقبلني بَين عَيْني وَقَالَ يَا بني الْآن تمت النِّعْمَة عَلَيْك أتعلم مَا هَذِه السلسلة فَقلت لَا فَقَالَ هَذِه سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأذن لي فِي الْكَلَام وَكَانَ قد نهاني عَنهُ وَكَانَ يَقُول حضرت بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ أَن الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام جَاءَنِي فِي بعض اللَّيَالِي وَقَالَ قُم يَا أَبَا بكر فَقُمْت مَعَه فَانْطَلق بِي حَتَّى أحضرني بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي والأولياء رَضِي الله عَنْهُم فَسلمت عَلَيْهِم فَردُّوا عَليّ السَّلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا بكر فَقلت لبيْك يَا رَسُول الله فَقَالَ إِن الله قد اتخذك وليا فاختر لنَفسك وَاشْترط فوفقني الله تَعَالَى وَقلت يَا رَسُول الله أخْتَار مَا اخترته أَنْت لنَفسك فَسمِعت قَائِلا يَقُول إِذا لَا نبعث لَك من الدُّنْيَا إِلَّا قوتك وَلَا نبعثه إِلَّا على يَد صَاحب آخِرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقدم يَا أَبَا بكر فصل بِنَا فَهبت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة والأولياء أَن أتقدم فَقلت فِي نَفسِي كَيفَ أتقدم على جمَاعَة فيهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقدم فَإِن فِي تقدمك سر الْولَايَة ولتكون إِمَامًا يَقْتَدِي بك فتقدمت بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصليت بهم رَكْعَتَيْنِ قَرَأت فِي الأولى بِالْفَاتِحَةِ وَإِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر وَفِي الثَّانِيَة بِالْفَاتِحَةِ وَقل هُوَ الله أحد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 ذكر مَا أظهره الله تَعَالَى لَهُ من الكرامات وَالْأَحْوَال سمعته يَوْمًا وَقد دخل إِلَى الْبَيْت وَهُوَ يَقُول لزوجته ولدك قد أَخذه قطاع الطَّرِيق فِي هَذِه السَّاعَة وهم يُرِيدُونَ قَتله وَقتل رفاقه فراعها قَول الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ فَسَمعته يَقُول لَهَا لَا بَأْس عَلَيْك وَإِنِّي قد حجبتهم عَن أَذَاهُ وأذى رفاقه غير أَن مَالهم يذهب وَغدا إِن شَاءَ الله يصل هُوَ ورفاقه فَلَمَّا كَانَ من الْغَد وصلوا كَمَا ذكر الشَّيْخ وَكنت فِيمَن تلقاهم وَأَنا يَوْمئِذٍ ابْن سِتّ سِنِين وَذَلِكَ سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وحَدثني الشَّيْخ شمس الدّين الخابوري قَالَ خرجت إِلَى زِيَارَة الشَّيْخ وَوَقع فِي نَفسِي أَن أسألة عَن الرّوح وَلما حضرت بَين يَدَيْهِ أنسيت من هيبته مَا كَانَ وَقع فِي نَفسِي من السُّؤَال فَلَمَّا ودعته وَخرجت إِلَى السّفر سير خَلْفي بعض الْفُقَرَاء فَقَالَ لي كلم الشَّيْخ فَرَجَعت إِلَيْهِ فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ قَالَ لي يَا أَحْمد قلت لبيْك يَا سَيِّدي قَالَ مَا تقْرَأ الْقُرْآن قلت بلَى يَا سَيِّدي قَالَ اقْرَأ يَا بني {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} يَا بني شَيْء لم يتَكَلَّم فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ يجوز لنا أَن نتكلم فِيهِ وحَدثني الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَالب البطائحي قَالَ كَانَ الشَّيْخ يقف على حلب وَنحن مَعَه وَيَقُول وَالله إِنِّي لأعرف أهل الْيَمين من أهل الشمَال مِنْهَا وَلَو شِئْت أَن أسميهم لسميتهم وَلَكِن لم نؤمر بذلك وَلَا انْكَشَفَ سر الْحق فِي الْخلق وحَدثني الشَّيْخ معضاد بن حَامِد بن خَوْلَة قَالَ كُنَّا مَعَ الشَّيْخ فِي حفر النَّهر الَّذِي سَاقه إِلَى بالس فَاجْتمع عندنَا فِي بعض الْأَيَّام خلق كثير فِي الْعَمَل فَبَيْنَمَا نَحن نعمل إِذْ جَاءَنَا راعد قوي فِيهِ برد كبار فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد العقى وَكَانَ من أجل أَصْحَابه يَا سَيِّدي قد جَاءَ هَذَا الراعد وَرُبمَا يعطل الْجَمَاعَة عَن الْعَمَل فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ اعْمَلْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 وَطيب قَلْبك فَلَمَّا دنا الراعد منا استقبله الشَّيْخ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ وَقَالَ خُذ يَمِينا وَشمَالًا بَارك الله فِيك فَتفرق عَنَّا بِإِذن الله وَمَا زلنا نعمل وَالشَّمْس طالعة علينا ودخلنا إِلَى الْبَلَد وَنحن نَخُوض المَاء كَمَا ذكر وَكَانَ سَبَب عمل هَذَا النَّهر أَنه كَانَ فِي الْبَلَد نهر يعرف بنهر زبيدة وَقد تعطل وَخرب من سِنِين كَثِيرَة وَكَانَ للنَّاس فِيهِ نفع كثير فشكوا ذَلِك إِلَى الْملك النَّاصِر فَأمر باستخراجه واستخرج مِنْهُ جَانب ثمَّ رأى أَنه يغرم عَلَيْهِ مَال كثير فَتَرَكُوهُ ومضوا فَلَمَّا علم الشَّيْخ ضَرَر النَّاس إِلَيْهِ ونفعهم بِهِ خرج فِي جمَاعَة من الْفُقَرَاء إِلَى الْفُرَات وَجَاء إِلَى مَكَان مِنْهُ وَقَالَ هَاهُنَا أستخرج نَهرا إِلَى بَاب الْبَلَد ينْتَفع النَّاس بِهِ وحفر بِيَدِهِ وحفر الْفُقَرَاء مَعَه فَسمع النَّاس فِي الشط وَغَيره من الْبِلَاد الحلبية فَجَاءُوا أَرْسَالًا يعْملُونَ مَعَه بِحَيْثُ كَانَ يجْتَمع فِي الْيَوْم الْوَاحِد مَا يزِيد على أَربع مائَة رجل فاستخرجه فِي مُدَّة يسيرَة وانتفع النَّاس بِهِ وَهُوَ إِلَى الْآن يعرف بنهر الشَّيْخ وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح مُحَمَّد بن نَاصِر المشهدي قَالَ كنت عِنْد الشَّيْخ وَقد صلى صَلَاة الْعَصْر فِي الْمَسْجِد الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَقد صلى مَعَه خلق كثير فَقَالَ لَهُ بعض الْحَاضِرين يَا سَيِّدي مَا عَلامَة الرجل المتمكن وَكَانَ فِي الْمَسْجِد سَارِيَة فَقَالَ عَلامَة الرجل المتمكن أَن يُشِير إِلَى هَذِه السارية فتشتعل نورا فَنظر النَّاس إِلَى السارية فَإِذا هِيَ تشتعل نورا أَو كَمَا قَالَ وحَدثني الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَالب البطائحي قَالَ كنت بِحَضْرَة الشَّيْخ وَقد نازله حَال فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم أَيْن مراكش فَقلت يَا سَيِّدي فِي الغرب قَالَ وبغداد قلت فِي الشرق قَالَ وَعزة المعبود لقد أَعْطَيْت فِي هَذِه السَّاعَة حَالا لَو أردْت أَن أَقُول لبغداد كوني مَكَان مراكش ولمراكش كوني مَكَان بَغْدَاد لكانتا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 وحَدثني أَيْضا قَالَ سُئِلَ الشَّيْخ وَأَنا حَاضر عَن الرجل المتمكن مَا علامته وَكَانَ بَين يَدَيْهِ طبق فِيهِ شَيْء من الْفَاكِهَة والرياحين فَقَالَ أَن يُشِير بسن إِلَى هَذَا الطَّبَق فيرقص جَمِيع مَا فِيهِ فَتحَرك جَمِيع مَا كَانَ فِي الطَّبَق وَنحن نَنْظُر إِلَيْهِ وَسمعت الشَّيْخ الصَّالح العابد إِسْمَاعِيل بن أبي الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن الْكرْدِي يَقُول حججْت مَعَ أَبَوي فَلَمَّا كُنَّا بِأَرْض الْحجاز وَسَار الركب فِي بعض اللَّيَالِي وَكَانَ أبواي راكبين فِي محارة وَكنت أَمْشِي تحتهَا فَحصل لي شَيْء من القولنج فعدلت إِلَى مَكَان وَقلت لعَلي أستريح ثمَّ ألحق الركب فَنمت فَلم أشعر إِلَّا وَالشَّمْس قد طلعت وَلم أدر كَيفَ أتوجه ففكرت فِي نَفسِي وَفِي أَبَوي فَإِنَّهُ لم يكن مَعَهُمَا من يَخْدُمهُمَا وَلَا من يقوم بشأنهما غَيْرِي فَبَكَيْت عَلَيْهِمَا وعَلى نَفسِي فَبَيْنَمَا أَنا أبْكِي إِذْ سَمِعت قَائِلا يَقُول أَلَسْت من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي بكر بن قوام فَقلت بلَى وَالله فَقَالَ سل الله بِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَجَاب لَك فَسَأَلت الله بِهِ كَمَا قَالَ فوَاللَّه مَا استتم الْكَلَام إِلَّا وَهُوَ وَاقِف عِنْدِي وَقَالَ لَا بَأْس عَلَيْك وَوضع يَده فِي يَدي وَسَار بِي يَسِيرا وَقَالَ هَذَا جمل أَبَوَيْك فسمعتهما وهما يَبْكِيَانِ عَليّ فَقلت لَا بَأْس عَلَيْكُمَا وأخبرتهما بِمَا وَقع لي وحَدثني أَيْضا قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ فِي تربة الشَّيْخ رَافع رَضِي الله عَنهُ وَنحن نَنْظُر إِلَى الْفُرَات إِذْ لَاحَ لنا على شاطئ الْفُرَات رجل فَقَالَ الشَّيْخ أَتَرَوْنَ ذَلِك الرجل الَّذِي على شاطئ الْفُرَات فَقُلْنَا نعم فَقَالَ إِنَّه من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَهُوَ من أَصْحَابِي وَقد قصد زيارتي من بِلَاد الْهِنْد وَقد صلى الْعَصْر فِي منزله وَتوجه إِلَيّ وَقد زويت لَهُ الأَرْض فخطا من منزله خطْوَة إِلَى شاطئ الْفُرَات وَهُوَ يمشي من الْفُرَات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 إِلَى هَا هُنَا تأدبا مِنْهُ معي وعلامة مَا أَقُول لكم أَنه يعلم أَنِّي فِي هَذَا الْمَكَان فيقصده وَلَا يدْخل الْبَلَد فَلَمَّا قرب من الْبَلَد عرج عَنهُ وَقصد الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الشَّيْخ وَالْجَمَاعَة فجَاء وَسلم وَقَالَ يَا سَيِّدي أَسأَلك أَن تَأْخُذ عَليّ الْعَهْد أَن أكون من أَصْحَابك فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ وَعزة المعبود أَنْت من أَصْحَابِي فَقَالَ الْحَمد لله لهَذَا قصدتك وَاسْتَأْذَنَ الشَّيْخ فِي الرُّجُوع إِلَى الْبَلَد فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَيْن أهلك قَالَ فِي الْهِنْد قَالَ مَتى خرجت من عِنْدهم قَالَ صليت الْعَصْر وَخرجت لزيارتك فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَنْت اللَّيْلَة ضيفنا فَبَاتَ عِنْد الشَّيْخ وبتنا عِنْده فَلَمَّا أَصْبَحْنَا من الْغَد قَالَ السّفر فَخرج الشَّيْخ وَخَرجْنَا فِي خدمته لوداعه فَلَمَّا صرنا فِي الصَّحرَاء وَأخذ فِي وداع الشَّيْخ وضع الشَّيْخ يَده بَين كَتفيهِ وَدفعه فَغَاب عَنَّا وَلم نره فَقَالَ الشَّيْخ وَعزة المعبود فِي دفعتي لَهُ وضع رجله فِي بَاب دَاره بِالْهِنْدِ أَو كَمَا قَالَ وَسمعت الْأَمِير الْكَبِير الْمَعْرُوف بالأخضري وَكَانَ قد أسن يَحْكِي لوالدي قَالَ كنت مَعَ الْملك الْكَامِل لما توجه إِلَى الشرق فَلَمَّا نزلنَا بالس قصدنا زِيَارَة الشَّيْخ مَعَ فَخر الدّين عُثْمَان وَكُنَّا جمَاعَة من الْأُمَرَاء فَبَيْنَمَا نَحن عِنْده إِذْ دخل رجل من الْجند فَقَالَ يَا سَيِّدي كَانَ لي بغل وَعَلِيهِ خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فَذهب مني وَقد دللت عَلَيْك فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ اجْلِسْ وَعزة المعبود قد قصرت على آخذه الأَرْض حَتَّى مَا بقى لَهُ مَسْلَك إِلَّا بَاب هَذَا الْمَكَان وَهُوَ الْآن يدْخل فَإِذا دخل وَجلسَ فأشير إِلَيْك بِالْقيامِ فَقُمْ وَخذ بغلك وَمَالك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 فَلَمَّا سمعنَا كَلَام الشَّيْخ قُلْنَا لَا تقوم حَتَّى يدْخل هَذَا الرجل فَبَيْنَمَا نَحن جُلُوس إِذْ دخل الرجل فَأَشَارَ الشَّيْخ إِلَيْهِ فَقَامَ وقمنا مَعَه فَوَجَدنَا الْبَغْل وَالْمَال بِالْبَابِ وَأَخذه صَاحبه فَلَمَّا حَضَرنَا عِنْد السُّلْطَان أخبرناه بِمَا رَأينَا من الشَّيْخ فَقَالَ أحب أَن أَزورهُ فَقَالَ فَخر الدّين عُثْمَان إِن الْبَلَد لَا يحمل دُخُول مَوْلَانَا السُّلْطَان فسير إِلَيْهِ فَخر الدّين عُثْمَان فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان يحب أَن يراك وَإِن الْبَلَد لَا يحمل دُخُوله فَهَل يرى سَيِّدي الشَّيْخ يخرج إِلَيْهِ ليراه فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ يَا فَخر الدّين إِذا رحت أَنْت عِنْد صَاحب الرّوم يطيب للْملك الْكَامِل فَقَالَ لَا قَالَ فَكَذَلِك أَنا إِذا رحت إِلَى عِنْد الْملك الْكَامِل لَا يطيب لأستاذي وَلم يخرج إِلَيْهِ وحَدثني الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم شمس الدّين الخابوري قَالَ كنت أَكثر من ذكر الشَّيْخ عِنْد الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بحلب فَقَالُوا يجب أَن نزوره مَعَك ونسأله عَن أَشْيَاء من فقه وَتَفْسِير وَغَيرهمَا فعزمنا على زيارته إِلَى بالس فَبَيْنَمَا نَحن عازمون إِذْ جَاءَ بعض الْفُقَرَاء فَقَالَ الشَّيْخ يَدْعُوك فَقلت أَيْن هُوَ فَقَالَ فِي زَاوِيَة الشَّيْخ أبي الْفَتْح الْكِنَانِي وَكَانَ من أَصْحَابه رَضِي الله عَنهُ فَخرجت أَنا وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء إِلَى زيارته قَالَ فَلَمَّا حَضَرنَا عِنْده قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد العفتى مَا شَأْن هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء فَقلت جَاءُوا ليزوروا الشَّيْخ ويسلموا عَلَيْهِ فَقَالَ قد حدث أَمر عَجِيب قلت وَأي شَيْء قد حدث قَالَ قد ألْجم الشَّيْخ كل وَاحِد مِنْهُم بلجام وَقد مثل سره سبع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 وَهُوَ ينظر فِي وَجه كل وَاحِد مِنْهُم فَلَمَّا طَال بِنَا الْمجْلس وَلم يَجْسُر أحد مِنْهُم أَن يتَكَلَّم فَقَالَ لَهُم الشَّيْخ لم لَا تتكلموا لم لَا تسألوا فَمَا جسر أحد مِنْهُم أَن يتَكَلَّم فَقَالَ لَهُم الشَّيْخ لم لَا تتكلموا لم لَا تسألوا فَمَا جسر أحد مِنْهُم أَن يتَكَلَّم فَقَالَ الشَّيْخ للَّذي على يَمِينه مسألتك كَذَا وَالْجَوَاب عَنْهَا كَذَا فَمَا زَالَ حَتَّى أَتَى على آخِرهم فَقَامُوا بأجمعهم وَاسْتَغْفرُوا الله تَعَالَى وتابوا وحَدثني الشَّيْخ شمس الدّين الخابوري قَالَ سَأَلت الشَّيْخ عَن قَوْله تَعَالَى {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} وَقد عبد الْعَزِيز وَعِيسَى بن مَرْيَم فَقَالَ تَفْسِيرهَا {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي أَنْت لَا تعرف تكْتب وَلَا تقْرَأ فَمن أَيْن لَك هَذَا فَقَالَ يَا أَحْمد وَعزة المعبود لقد سَمِعت الْجَواب فِيهَا كَمَا سَمِعت سؤالك وحَدثني بعض التُّجَّار من أهل بلدنا قَالَ خرجنَا مسافرين من بالس إِلَى حماة وَكَانَ قد بلغنَا أَن الطَّرِيق مخيف ووافينا الشَّيْخ فِي خروجنا فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي قد بلغنَا أَن الطَّرِيق مخيف ونشتهي أَن لَا تغفل عَنَّا وَلَا تنام وَتَدْعُو لنا فَقَالَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 وسافرنا فَلَمَّا بلغنَا حماة وَأَنا رَاكب على دَابَّتي وَقد أَخَذَنِي النعاس وَإِذا أَنا بشخص قد وضع يَده فِي عضدي وَقَالَ نَحن مَا نمنا فَلَا تنام أَنْت ففتحت عَيْني فَإِذا أَنا بالشيخ فَسلم عَليّ وَمَشى معي وَقَالَ قد بلغناك إِلَى حماة وَتَرَكَنِي وَمضى وحَدثني الشَّيْخ تَمام بن أبي غَانِم قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ الشَّيْخ ظَاهر الْبَلَد فِي زمن الرّبيع وَحَوله جمَاعَة من النَّاس فَقَالَ وَعزة المعبود إِنِّي لأنظر إِلَى سَاق الْعَرْش كَمَا أَنِّي أنظر إِلَى وُجُوهكُم وَحكى الْحَاج أَيُّوب البشمنتي قَالَ حججْت فِي زمن الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا كَانَ ليَالِي منى وَأَنا جَالس على رَاحِلَتي أتلو شَيْئا من الْقُرْآن وَإِذا أَنا بالشيخ رَضِي الله عَنهُ قَائِم إِلَى جَانِبي فَأخذ بعضدي وَسلم عَليّ وَمضى فَلَمَّا قدمنَا بالس أَخْبرنِي الْجَمَاعَة قَالُوا سَأَلنَا عَنْك الشَّيْخ فَقَالَ لنا هُوَ جَالس بمنى على رَاحِلَته وَهُوَ يَتْلُو فِي سُورَة كَذَا وَكَذَا وَهَذِه يَدي فِي عضده فَقلت لَهُم وَالله الْأَمر كَمَا قَالَ وحَدثني بعض التُّجَّار من أهل بلدنا قَالَ دخلت إِلَى حلب مَعَ عمي وَكنت شَابًّا فأخذني بعض أَهلِي إِلَى مَكَان وأحضر خمرًا وَقَالَ لي اشرب فَلَمَّا تناولت الْقدح لأشرب إِذا أَنا بالشيخ وَاقِف بَين يَدي وضربني فِي صَدْرِي بِيَدِهِ وَقَالَ قُم واخرج وَكنت فِي مَكَان عَال فَسَقَطت مِنْهُ على وَجْهي ورأسي وَخرج الدَّم من وَجْهي ورأسي فَرَجَعت إِلَى عمي وَالدَّم يقطر مني فَسَأَلَنِي من فعل بك هَذَا فَأَخْبَرته بِمَا جرى فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعل لأوليائه بك عناية وَعَلَيْك حماية وحَدثني الشَّيْخ شمس الدّين الخابوري خطيب جَامع حلب قَالَ كُنَّا مَعَ الشَّيْخ فَلَا يمر على صَخْر وَلَا على شَيْء إِلَّا سلم عَلَيْهِ وَكَانَ الشَّيْخ شمس الدّين يَقُول كَانَ فِي نَفسِي أَن أسأَل الشَّيْخ عَن خطاب هَذِه الْأَشْيَاء لَهُ هَل يخلق الله تَعَالَى لَهَا فِي الْوَقْت لِسَانا تخاطبه بِهِ أَو يُقيم الله تَعَالَى إِلَى جَانبهَا من يخاطبه عَنْهَا ففاتني وَلم أسأله عَن ذَلِك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 وَعنهُ أَيْضا قَالَ كُنَّا مَعَ الشَّيْخ فِي بعض أَسْفَاره فدعي إِلَى مَكَان فَلَمَّا دنونا إِلَى ذَلِك الْمَكَان تغير لَونه وَجعل يسترجع استرجاعا كثيرا فَقلت يَا سَيِّدي أَي شَيْء حدث فَقَالَ إِنَّا لما أَقبلنَا على هَذِه الْقرْيَة جَاءَت أَرْوَاح الْأَمْوَات تسلم عَليّ وَفِيهِمْ شَاب حسن الْوَجْه يَقُول قتلت ظلما قتلني رجلَانِ من أهل هَذِه الْقرْيَة كنت أرعى لَهما غنما وهما أَخَوان فقتلاني فِي زمن الْملك الْعَزِيز وَذَلِكَ أَنَّهُمَا اتهماني ببنت لَهما وَكنت بَرِيئًا مِنْهَا قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَكَانَ الرّجلَانِ اللَّذَان فعلا ذَلِك الْفِعْل يسمعان كَلَام الشَّيْخ وَكَانَ بيني وَبَينهمَا معرفَة فَلَمَّا خلوت بهما قَالَا لي يَا فلَان إِن مَا قَالَ الشَّيْخ وَالله إِنَّه لحق وصحيح وَنحن قَتَلْنَاهُ فَقلت لَهما مَا حملكما على ذَلِك قَالَا السَّبَب الَّذِي قَالَه الشَّيْخ ثمَّ تبين لنا أَنه من غَيره وَأَنه كَانَ بَرِيئًا مِنْهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ وحَدثني الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَاهِر البطائحي الْمَعْرُوف بالضرير قَالَ توفّي وَالِدي بِدِمَشْق فَقَالَ أَصْحَابه لَا نَدعك تجْلِس على سجادته حَتَّى تَأْتِينَا بِإِجَازَة من بَيت سَيِّدي أَحْمد رَضِي الله عَنهُ فتوجهت لذَلِك وسافرت إِلَى البطائح فَوَافَقَ عبوري على بالس فقصدت زِيَارَة الشَّيْخ وَلم أكن رَأَيْته قبل ذَلِك وَلَا رَآنِي فَلَمَّا أَقبلت عَلَيْهِ رحب بِي وأكرمني وحَدثني بِجَمِيعِ مَا وَقع فِي أسفاري وأحوالي وَمَا قصدته وَقَالَ إِنَّك تقدم الْعرَاق وتقضي حَاجَتك بِهِ وتعود إِلَيّ سرعَة فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي وَمَا هِيَ حَاجَتي فَقَالَ أَن تُعْطى إجَازَة بالمشيخة وَأَن تكون مَكَان أَبِيك وَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ فَلَمَّا قدمت البطائح وَدفع إِلَيّ إجَازَة وسجادة وَخرجت لأتوضأ للصَّلَاة فأوقع الله تَعَالَى فِي قلبِي الشوق إِلَيْهِ فألقيت الْإِجَازَة فِي المَاء وتوجهت إِلَيْهِ فَلَمَّا قدمت عَلَيْهِ وجدت بِحَضْرَتِهِ خلقا كثيرا وَهُوَ يتَكَلَّم لَهُم فَجَلَست مَعَ النَّاس أسمع كَلَامه فَتكلم طَويلا ثمَّ الْتفت إِلَيّ وَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم قلت لبيْك يَا سَيِّدي قَالَ أَنْت لي ومريدي وَقَالَ لمن فِي حَضرته انْظُرُوا إِلَى جَبهته فنظروا فَقَالَ مَا تَشْهَدُون فِي جَبهته قَالُوا بأجمعهم نشْهد بَين عَيْنَيْهِ هِلَال نور فَقَالَ هَذَا شعار أَصْحَابِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 فتقدمت إِلَيْهِ وَأخذ عَليّ الْعَهْد وصرت من أَصْحَابه رَضِي الله عَنهُ وسمعته أَيْضا قَالَ كنت مُقيما عِنْد الشَّيْخ فخطر لي السّفر إِلَى الْعرَاق فاستأذنته فِي السّفر فَأذن لي وَقَالَ إِبْرَاهِيم أُرِيد أَن أَخْلَع عَلَيْك خلعة لَا تدخل بهَا على أحد إِلَّا ابتهج بك وخدمك بِسَبَبِهَا فَكَانَ كَمَا قَالَ مَا دخلت على أحد إِلَّا خدمني وأكرمني فَلَمَّا دخلت بَغْدَاد نزلت فِي بعض الرَّبْط فخدموني وأكرموني فدعي أهل الرِّبَاط لَيْلَة إِلَى مَكَان وَكنت فِي صحبتهم فَلَمَّا دَخَلنَا إِلَى الْمَكَان الَّذِي دعينا إِلَيْهِ وَجَلَسْنَا وَكَانَ فِيهِ خلق كثير فَقَامَ مِنْهُم رجل تركي وَقَالَ يَا أَصْحَابنَا على هَذَا الْفَقِير الشَّامي خلعة لم أر مثلهَا فَقلت لَهُم هِيَ من صدقَات شَيْخي عَليّ فَقَالَ الْجَمِيع أعَاد الله علينا من بركته وبركة أَمْثَاله وَسمعت وَالِدي رَحمَه الله يَقُول لما كَانَ فِي سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَكَانَ الشَّيْخ فِي حلب وَقد حصل فِيهَا مَا حصل من فتْنَة التتار وَكَانَ فِي الْمدرسَة الأَسدِية فَقَالَ يَا بني اذْهَبْ إِلَى الدَّار الَّتِي لنا فلعلك تَجِد مَا نَأْكُل قَالَ فَذَهَبت كَمَا قَالَ إِلَى الدَّار فَوجدت الشَّيْخ عِيسَى الرصافي وَكَانَ من أَصْحَابه مقتولا فِي الدَّار وَقد حرق وَعَلِيهِ دلق الشَّيْخ لم يَحْتَرِق وَلم تمسه النَّار فَأَخَذته وَخرجت بِهِ فوجدني بعض بني جهبل وَكَانُوا من أَصْحَابه فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرته بِخَبَر الدلق فَحلف عَليّ بِالطَّلَاق وَأَخذه مني وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح الناسك الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن سَالم الْمَعْرُوف بالكردي قَالَ كَانَ لي غنم وَكَانَ عَلَيْهَا رَاع فسرح بهَا يَوْمًا على عَادَته فَلَمَّا كَانَ وَقت رُجُوعه لم يرجع فَخرجت فِي طلبه فَلم أَجِدهُ وَلم أجد لَهُ خَبرا فَرَجَعت إِلَى الشَّيْخ فَوَجَدته وَاقِفًا على بَاب دَاره فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لي ذهبت الْغنم قلت نعم يَا سَيِّدي قَالَ قد أَخذهَا اثْنَا عشر رجلا وهم قد ربطوا الرَّاعِي بوادي كَذَا وَقد سَأَلت الله تَعَالَى أَن يُرْسل عَلَيْهِم النّوم وَقد فعل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 فَامْضِ إِلَى مَكَان كَذَا تجدهم نياما وَالْغنم ربطا إِلَّا وَاحِدَة قَائِمَة ترْضع سخلتها قَالَ فمضيت إِلَى الْمَكَان الَّذِي قَالَ فَوجدت الْأَمر كَمَا قَالَ وَاحِدَة قَائِمَة ترْضع سخلتها قَالَ فسقت الْغنم وَجئْت إِلَى الْبَلَد رَضِي الله عَنهُ وحَدثني الشَّيْخ شمس الدّين الدبالعي قَالَ حَدثنِي فلك الدّين ابْن الخزيمي قَالَ كنت بِالشَّام فِي السّنة الَّتِي أخذت فِيهَا بَغْدَاد بعد أَن ضَاقَ صَدْرِي من جِهَة مَا أصَاب الْمُسلمين وَأَهلي أَيْضا فسافرت لآخذ خبر أَهلِي وَكَانَ سَفَرِي على بالس فقصدت زِيَارَة الشَّيْخ فَأَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ وَجَلَست بَين يَدَيْهِ فَحَدثني فشرح الله صَدْرِي فَقَالَ لي أهلك سلمُوا إِلَّا أَخَاك مَاتَ وَأهْلك فِي مَكَان صفته كَذَا وَكَذَا والناظر عَلَيْهِم رجل صفته كَذَا وقبالة الدَّرْب الَّذِي هم فِيهِ دَار فِيهَا شجر فَلَمَّا قدمت بَغْدَاد وجدت الْأَمر كَمَا أَخْبرنِي رَضِي الله عَنهُ وَأَنا سكنت الدَّرْب الَّذِي أخبر عَنهُ الشَّيْخ وَرَأَيْت الدَّار الَّتِي فِيهَا الشّجر وَهِي شَجَرَة رمان وَغَيرهَا وحَدثني الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَالب البطائحي قَالَ كنت جَالِسا عِنْد الشَّيْخ فجَاء إِنْسَان فَقَالَ يَا سَيِّدي ذهب البارحة لي جمل وَعَلِيهِ حمل فَلم يرد الشَّيْخ عَلَيْهِ جَوَابا فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي إِن الرجل ملهوف على ذهَاب جمله فَلَعَلَّ أَن تجيبه فَقَالَ لي يَا إِبْرَاهِيم إِنَّه لما قَالَ لي جملي رَأَيْت رسنه بِيَدِهِ فبرز من القتب سيف فَقلع رسنه من يَده وَمَا بقى لَهُ فِيهِ رزق فأستحيي أَن أوحشه بِالرَّدِّ وَمِنْه أَنه حضر جَنَازَة وَكَانَ فِيهَا جمَاعَة من أَعْيَان الْبَلَد فَلَمَّا جَلَسُوا لدفن الْمَيِّت جلس القَاضِي والخطيب والوالي فِي نَاحيَة وَجلسَ الشَّيْخ والفقراء فِي نَاحيَة وَتكلم القَاضِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 والوالي فِي كرامات الْأَوْلِيَاء وَأَنه لَيْسَ لَهَا حَقِيقَة وَكَانَ الْخَطِيب رجلا صَالحا فَلَمَّا قَامُوا ليعزوا أهل الْمَيِّت جَاءَ الْجَمَاعَة ليسلموا على الشَّيْخ فَقَالَ الشَّيْخ يَا خطيب أَنا لَا أسلم عَلَيْك فَقَالَ وَلم يَا سَيِّدي فَقَالَ إِنَّك لم ترد غيبَة الْأَوْلِيَاء وَلم تنتصر لَهُم والتفت الشَّيْخ إِلَى القَاضِي والوالي وَقَالَ أَنْتُمَا تنكران كرامات الْأَوْلِيَاء فَمَا تَحت أرجلكما قَالَا لَا نعلم قَالَ تَحت أرجلكما مغارة ينزل إِلَيْهَا بِخمْس دَرَجَات فِيهَا شخص مدفون هُوَ وَزَوجته وَهَا هُوَ قَائِم يخاطبني وَيَقُول كنت ملك هذَيْن البلدين نَحْو ألف عَام وَهُوَ على سَرِير وَزَوجته قبالته وَلَا تَبْرَح من هَذَا الْمَكَان حَتَّى يكْشف عَنْهَا فَدَعَا بفؤوس وكشف الْمَكَان وَالْجَمَاعَة حاضرون فوجدوه كَمَا قَالَ الشَّيْخ والمغارة إِلَى هَذَا التَّارِيخ مَفْتُوحَة ترى وَتشهد على جَانب طَرِيق حلب وحَدثني الإِمَام الْعَالم الصاحب محيي الدّين ابْن النّحاس رَحمَه الله قَالَ كَانَ الشَّيْخ يتَرَدَّد إِلَى قَرْيَة تريدم وَكَانَ لَهَا مَسْجِد صَغِير من قبلي الْقرْيَة لَا يسع النَّاس فخطر لي أَن أبني مَسْجِدا أكبر مِنْهُ من شمَالي الْقرْيَة فَقَالَ لي الشَّيْخ وَنحن جُلُوس فِي الْمَسْجِد يَا مُحَمَّد لم لَا تبني مَسْجِدا يكون أكبر من هَذَا فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي قد خطر لي هَذَا الْأَمر إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَقَالَ لَا تبنه حَتَّى توقفني على الْمَكَان الَّذِي تُرِيدُ أَن تبني فِيهِ فَقلت نعم فَلَمَّا أردْت أَن أبني جِئْت إِلَيْهِ فَقلت لَهُ فَقَامَ معي وَجِئْنَا إِلَى الْمَكَان الَّذِي خطر لي فَقلت هَذَا الْمَكَان يَا سَيِّدي فَرد كمه على أَنفه وَجعل يَقُول أُفٍّ أُفٍّ لَا يَنْبَغِي أَن يبْنى هُنَا مَسْجِد فَإِن هَذَا الْمَكَان مسخوط على أَهله ومخسوف بهم فتركته وَلم أبنه فَلَمَّا كَانَ بعد مُدَّة احتجنا إِلَى اسْتِعْمَال لبن من ذَلِك الْمَكَان فَلَمَّا كشفناه وَجَدْنَاهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 كَمَا قَالَ الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ نواويس مقلبة على وجوهها وَالْمَكَان إِلَى هَذَا التَّارِيخ يعرف بقرية تريدم وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح الناسك الْوَرع عَليّ بن سعيد الْمَعْرُوف بالزريزير قَالَ أَخذ عَليّ الشَّيْخ الْعَهْد وَأَنا شَاب فخطر لي زِيَارَة الْقُدس فاستأذنته فِي ذَلِك فَقَالَ يَا بني أَنْت شَاب وأخشى عَلَيْك فألححت عَلَيْهِ فَإِذن لي وَقَالَ سأجعل سري عَلَيْك كالقفص الْحَدِيد وَقَالَ لي إِذا قدمت قصير دمشق فَادْخُلْ الْقرْيَة واسأل عَن الشَّيْخ عَليّ بن الْجمل وزره فَإِنَّهُ من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى قَالَ فَلَمَّا دخلت الْقرْيَة سَأَلت عَنهُ فدللت عَلَيْهِ فَلَمَّا طرقت الْبَاب خرج إِلَيّ بعض أَهله وَقَالَ لي ادخل يَا عَليّ باسمي فَإِن الشَّيْخ قد أوصى بك وَقَالَ يقدم عَلَيْكُم فَقير اسْمه عَليّ من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي بكر بن قوام فأذنوا لَهُ بِالدُّخُولِ حَتَّى أجيء قَالَ فَدخلت وَجَلَست حَتَّى جَاءَ الشَّيْخ فَقُمْت وسلمت عَلَيْهِ فَرَحَّبَ بِي وَقَالَ لي يَا عَليّ البارحة جَاءَنِي الشَّيْخ وأوصاني بك وَأَيْضًا فَلَا بَأْس عَلَيْك فَإِن سر الشَّيْخ عَلَيْك كالقفص الْحَدِيد فأقمت عِنْده ثمَّ تَوَجَّهت إِلَى الْقُدس فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ وجدت إنْسَانا خَارج الْبَلَد وَقد حمي الْحر فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وَقَالَ يَا بني أَبْطَأت عَليّ فَإِنِّي من الْغَدَاة فِي هَذَا الْموضع أنتظرك فَخفت مِنْهُ وخشيت أَن يكون صَاحب رِيبَة فَقَالَ لي يَا عَليّ لَا تخف فَإِن الشَّيْخ جَاءَنِي وأوصاني بك فسرت مَعَه إِلَى منزله فَوضع لي طَعَاما وَقَالَ كل فَأكلت فَلَمَّا جَاءَ وَقت الصَّلَاة قَالَ قُم حَتَّى نصلي فِي الْحرم فقمنا ودخلنا الْحرم وصلينا الصَّلَوَات الْخمس وعدنا إِلَى الْمنزل فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْل قَامَ وَلم يزل يُصَلِّي حَتَّى طلع الْفجْر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 414 وَكلما أحس بِي مستقيضا جلس فَإِذا نمت قَامَ فصلى فأقمت عِنْده أَيَّامًا ثمَّ تَوَجَّهت رإلى زِيَارَة الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج معي وودعني فَلَمَّا كنت قرب الْخَلِيل خرج عَليّ أَرْبَعَة نفر قطاع طَرِيق فَلَمَّا قربوا مني وَإِذا بهم قد بهتُوا ونظروا إِلَى ورائي فَنَظَرت فَإِذا شخص وَاقِف وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض وَهُوَ ملثم فَقَالَ لي امْضِ فِي طريقك فمضيت وَلم يزل معي حَتَّى أشرفت على الْخَلِيل وَرَأَيْت الْبَلَد ورأيته وَاقِفًا يَدْعُو فَدخلت الْبَلَد وزرت فَلَمَّا عدت إِلَى بالس بدأت بِالسَّلَامِ على الشَّيْخ فَلَمَّا سلمت عَلَيْهِ أَخْبرنِي بِجَمِيعِ مَا وَقع لي فِي سَفَرِي وَقَالَ لَوْلَا ذَلِك الملثم لأخذ قطاع الطَّرِيق ثِيَابك فَعلمت بِأَنَّهُ كَانَ الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ قلت وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون الشَّيْخ على المريد فَإِنَّهُ قد قيل الشَّيْخ من جمعك فِي حضورك وحفظك فِي مغيبك وهذبك بأخلاقه وأدبك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه وَسمعت وَالِدي رَحمَه الله يَقُول كَانَ من أَصْحَاب الشَّيْخ رجل يُقَال لَهُ الْحَاج مهْدي كثير التَّرَدُّد إِلَى دمشق فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ يَا حَاج مهْدي إِذا قدمت دمشق فقف عِنْد بَاب مَسْجِد الْقصب وناد يَا شيخ مظفر فسيجيبك فَقل لَهُ الشَّيْخ أَبُو بكر بن قوام يسلم عَلَيْك وَيَقُول لَك أَنْت من الْأَوْلِيَاء الَّذين لَا يعلمُونَ بِأَنْفسِهِم وأدركنا نَحن الشَّيْخ مظفرا وزرناه وَكَانَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَكَانَ يقْصد بالزيارة ورأيته ينتمي إِلَى الشَّيْخ وَيَقُول أَنا من أَصْحَابه فَإِنَّهُ أَخْبرنِي بحالي وَلم يرني الجزء: 8 ¦ الصفحة: 415 وحَدثني الشَّيْخ أَبُو الْمجد بن أبي الثَّنَاء قَالَ كنت عِنْد الشَّيْخ وَقد قدم عَلَيْهِ الشَّيْخ نجم الدّين البادرائي مُتَوَجها إِلَى بَغْدَاد وَقد ولاه الْخَلِيفَة الْقَضَاء فَسَمعته يَقُول للشَّيْخ يَا سَيِّدي قد ولاني الْخَلِيفَة قَضَاء بَغْدَاد وَأَنا كارهه فَقَالَ لَهُ طيب بهَا قَلْبك فَإنَّك لَا تحكم فِيهَا وحدثه أَشْيَاء وَسمعت الشَّيْخ يَقُول لَهُ يَا شيخ نجم الدّين هَذَا إِنْسَان صفته كَذَا وَكَذَا من أَعْيَان النَّاس وَهُوَ قريب من الْملك النَّاصِر خاطره مُتَعَلق بك وَهُوَ يُشِير إِلَيْك بِخِنْصرِهِ فَقَالَ لَهُ صدقت يَا سَيِّدي هَذَا الشَّخْص دفع إِلَيّ فص خَاتم لَهُ قيمَة وَقَالَ لي يكون عنْدك وَدِيعَة وَالله مَا أعلم أحدا من خلق الله تَعَالَى علم بِهَذَا الفص حِين دَفعه إِلَيّ وَقد حفظته فِي مزدوجتي من حذري عَلَيْهِ وَكَانَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ فَإِن الشَّيْخ نجم الدّين قدم بَغْدَاد وَمَات وَلم يحكم بَين اثْنَيْنِ وحَدثني زكي الدّين أَبُو بكر بن أَيُّوب التكريتي قَالَ كنت فِي السّنة الَّتِي أخذت فِيهَا بَغْدَاد مَعَ عمي الْحَاج عَليّ بياع فِي حلب وَكَانَ الشَّيْخ فِي قَرْيَة علم فَقَالَ عمي وَكَانَ من أَصْحَابه يَا بني اذْهَبْ إِلَى الشَّيْخ فسله عَن أهلنا ومالنا وَعَن وَلَدي حُسَيْن وَعَن سفر بَغْدَاد وَمَا كنت رَأَيْت الشَّيْخ قبل وَكنت أحب أَن أرَاهُ قَالَ فَخرجت إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ أَنْت أَبُو بكر بن أَيُّوب فَقلت نعم قَالَ أرسلك عمك الْحَاج عَليّ تسْأَل عَن الْأَهْل وَالْمَال وَعَن وَلَده حُسَيْن وَعَن السّفر إِلَى بَغْدَاد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 416 أما الْأَهْل فَأسر الْبَعْض وَسلم الْبَعْض وَأما المَال فَإِنَّهُ مدفون تَحت عتبَة بَاب الدَّار وَلم أستثبت مَا قَالَ فِيهِ وَأما حُسَيْن فَإِنَّهُ أسر وسوف تَجْتَمِع بِهِ وَفِي جَبينه أثر وَقع وَأما السّفر إِلَى بَغْدَاد وَقَالَ لي أتعرف دَار الشاطبية فَقلت أعرفهَا لَكِن مَا دختلها فَقَالَ فِي هَذِه السَّاعَة قد أخرجُوا التاتار مِنْهَا بركَة ذهب وهم يقتسمونه فأخرجت الدواة وكتبت الْيَوْم والشهر والساعة الَّتِي أَخْبرنِي فِيهَا قَالَ أَبُو بكر وَكنت شَابًّا حسن الصُّورَة وَكَانَ فِي حلب امْرَأَة قد حصل لَهَا فِي إِرَادَة فظفرت بِي يَوْمًا وراودتني عَن نَفسِي فتمنعت عَلَيْهَا فعضتني فِي كَتِفي فأثرت فِيهِ وَبقيت أَيَّامًا لَا يعلم بهَا أحد إِلَّا الله فَلَمَّا أردْت السّفر من عِنْده خرج معي لوداعي فَلَمَّا خلا بِي قَالَ مَا هَذِه العضة الَّتِي فِي كتفك فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ فَقَالَ تب وَلَا تعد لمثلهَا وسافرنا إِلَى بَغْدَاد فَلَمَّا قدمنَا سَأَلت عَن ذَلِك الذَّهَب الَّذِي أَخذ من دَار الشاطبية فدللت على إِنْسَان كَانَ حَاضرا فَجئْت إِلَيْهِ وَسَأَلته فَقَالَ نعم كنت حَاضرا وكتبت الْيَوْم والشهر والساعة فَقلت لَهُ أخرج لي دستورك فَأخْرجهُ وقابلته على دستور فَوجدت التَّارِيخ التَّارِيخ لَا يزِيد عَلَيْهِ وَلَا ينقص عَنهُ وحَدثني الشَّيْخ خُزَيْمَة بن نصر البلعرانى قَالَ قدم علينا الشَّيْخ فَاجْتمع النَّاس ليسلموا عَلَيْهِ وَكنت فيهم وَأَنا شَاب فَسَمعته يَقُول قد جَاءَ الْأَمْوَات يسلمُوا عَليّ وَفِيهِمْ شَاب أشقر فِي يَده سكين وَعَلِيهِ قَمِيص ملطخ بِالدَّمِ وَهُوَ يَقُول قتلت بِهَذِهِ السكين أتعرفونه فَسكت الْجَمَاعَة وَلم يجبهُ أحد مِنْهُم فَقَالَ مالكم كأنكم مَا تعرفونه فَقَالُوا نعم فَقَالَ هُوَ يَقُول اسْمِي نصر فَقلت أَنا هُوَ أبي يَا سَيِّدي قَالَ صدقت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 417 وَقَالَ الْجَمَاعَة كلهم هُوَ أَبوهُ يَا سَيِّدي الْآن عرفنَا فَإِن أَبَاهُ قتل وَهُوَ شَاب وَقَالَ أَيْضا فيهم شيخ طَوِيل يَقُول أَنا أعرف بِابْن الطَّحَّان مت مُنْذُ أَرْبَعمِائَة سنة فَقَالَ الْجَمَاعَة عندنَا أَمْلَاك تعرف بأملاك بني الطَّحَّان إِلَى الْآن وَسمعت الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَالب البطائحي فَقَالَ قصدت زِيَارَة الشَّيْخ فصحبت فِي طريقي أَقْوَامًا فتحدثوا فِي الْخمر ومجالسته وآلته فَلَمَّا دخلت على الشَّيْخ قَالَ مَا هَذِه الْحَالة قلت مَا هِيَ يَا سَيِّدي قَالَ بَين يَديك خمر وآلته فَقلت يَا سَيِّدي صَحِبت أَقْوَامًا فتحدثوا فِي الْخمر فأثر عَليّ مَا قلت قَالَ صدقت يَا بني صَاحب الأخيار وجانب الأشرار مَا اسْتَطَعْت فَإِن صحبتهم عَار فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قلت هَذَا بعض مَا ذكره جَامع المناقب ثمَّ عقد بعده فصولا لما كَانَ عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْخ الْجَلِيل من المجاهدة وَالْعَمَل الدَّائِم ولفرائد كَلَامه وفوائده ولاطراحه للتكلف وتواضعه ورأفته ورقته ثمَّ ذكر أَنه توفّي يَوْم الْأَحَد سلخ رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة بقرية يُقَال لَهَا علم بِالْقربِ من حلب وَدفن هُنَاكَ فِي تَابُوت لأجل النقلَة فَإِنَّهُ أوصِي بذلك وَقَالَ أَنا لَا بُد أَن أنقل إِلَى الأَرْض المقدسة وَكَانَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ نقل بعد مَوته باثنتي عشرَة سنة إِلَى جبل قاسيون وَدفن بالزاوية الْمَعْرُوفَة بهم وَقد زرت قَبره مَرَّات الجزء: 8 ¦ الصفحة: 418 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الطَّبَقَة السَّابِعَة فِيمَن توفّي بعد السبعمائة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6 1291 - أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن شرف القَاضِي جمال الدّين الديباجي الملوي الْمَعْرُوف بالمنفلوطي وَهُوَ أَبُو صاحبنا الشَّيْخ ولي الدّين مُحَمَّد نفع الله بِهِ رجل مبارك صَالح عَالم فَاضل تفقه بالديار المصرية ثمَّ لما ولي الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي قَضَاء الشَّام قدم مَعَه فولاه قَضَاء بعلبك ثمَّ نَاب فِي الحكم بِدِمَشْق وَأعَاد فِي الْمدرسَة الشامية البرانية توفّي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة 1292 - أَحْمد بن الْحسن بن عَليّ بن خَليفَة الْحُسَيْنِي الأنجي صاحبنا السَّيِّد الإِمَام الْمُحَقق النظار السَّيِّد مجير الدّين أَبُو الْعَبَّاس ولد سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَقَرَأَ فِي بِلَاد الْعَجم المعقولات فأحكمها عِنْد الحديث: 1291 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 الشَّيْخ بدر الدّين الششتري وَابْن المطهر وَغَيرهمَا وبرع فِي الْمنطق وَالْكَلَام وَالْأُصُول مَعَ مُشَاركَة فِي الْفِقْه وناظر فِي بِلَاده وشغل بِالْعلمِ ثمَّ قدم الشَّام سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة واستوطنها وَجَرت لَهُ فِيهَا مبَاحث جليلة مَعَ الْوَالِد رَحمَه الله وَمَعَ غَيره وَكَانَ ذَا مَال جزيل وَمَعَ ذَاك لَا يفتر عَن طلب الْعلم ويشغل الطّلبَة صَبِيحَة كل يَوْم وَلم يبرح جارنا الْأَدْنَى فِي الْمسكن وصاحبنا الأكيد إِلَى أَن توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة عَن سِتّ وَسبعين سنة 1293 - أَحْمد بن الْحسن الجاربردي الشَّيْخ الإِمَام فَخر الدّين نزيل تبريز كَانَ فَاضلا دينا متفننا مواظبا على الشّغل بِالْعلمِ وإفادة الطّلبَة شرح منهاج الْبَيْضَاوِيّ فِي أصُول الْفِقْه وتصريف ابْن الْحَاجِب وَقطعَة من الْحَاوِي وَله على الْكَشَّاف حواش مَشْهُورَة وَقد أقرأه مَرَّات عديدة بلغنَا أَنه اجْتمع بِالْقَاضِي نَاصِر الدّين الْبَيْضَاوِيّ وَأخذ عَنهُ الحديث: 1293 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 توفّي بتبريز فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أنشدونا عَنهُ (عجبا لقوم ظالمين تستروا ... بِالْعَدْلِ مَا فيهم لعمري معرفه) (قد جَاءَهُم من حَيْثُ لَا يدرونه ... تَعْطِيل ذَات الله مَعَ نفي الصفه) وَهَذَانِ البيتان عَارض بهما الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله (لجَماعَة سموا هواهم سنة ... وَجَمَاعَة حمر لعمري مؤكفه) (قد شبهوه بخلقه وتخوفوا ... شنع الورى فتستروا بالبلكفه) وَقد عَابَ أهل السّنة بَيْتِي الزَّمَخْشَرِيّ وَأَكْثرُوا القَوْل فِي معارضتهما وَمن أحسن مَا سمعته فِي معارضتهما مَا أنشدناه شَيخنَا أَبُو حَيَّان النَّحْوِيّ فِي كِتَابه عَن الْعَلامَة أبي جَعْفَر بن الزبير بغرناطة إجَازَة لم يكن سَمَاعا أنشدنا القَاضِي الأديب أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَلِيل السكونِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَن أَخِيه أبي بكر من نظمه ثمَّ رَأَيْتهَا فِي كتاب أبي عَليّ عمر بن مُحَمَّد بن خَلِيل الْمُسَمّى ب التَّمْيِيز لما أودعهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي كِتَابه من الاعتزال فِي الْكتاب الْعَزِيز وَقَالَ أَجَابَهُ عَم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 وَالِدي وَهُوَ يحيى بن أَحْمد الملقب بخليل بِهَذِهِ القصيدة ولوالدي فِيهَا تَكْمِيل ولي فِيهَا تتميم وتذييل (شبهت جهلا صدر أمة أَحْمد ... وَذَوي البصائر بالحمير المؤكفه) (وَزَعَمت أَن قد شبهوا معبودهم ... وتخوفوا فتستروا بالبلكفه) (ورميتهم عَن نبعة سويتها ... رمي الْوَلِيد غَدا يمزق مصحفه) (نطق الْكتاب وَأَنت تنطق بالهوى ... فهوى الْهوى بك فِي المهاوي المتلفه) (وَجب الخسار عَلَيْك فَانْظُر منصفا ... فِي آيَة الْأَعْرَاف فَهِيَ المنصفه) (أَتَرَى الكليم أَتَى بِجَهْل مَا أَتَى ... وأتى شيوخك مَا أَتَوا عَن معرفه) (خلق الْحجاب فَمن وَرَاء حجابه ... سمع الكليم كَلَامه إِذْ شرفه) (خلق الْحجاب بخلقه سُبْحَانَهُ ... فتشوفته الْأَنْفس المستشرفه) (من لَا يرى قل كَيفَ يحجب خلقه ... نهنه نهى أشياخك المتكلفه) (الْمَنْع من إِدْرَاكه معنى بِهِ ... حجب النواظر يَا أصبيع زعنفه) (وَالْمَنْع مُخْتَصّ بدار بعْدهَا ... لَك لَا أَبَا لَك موعد لن تخلفه) (ملك يهدد بالحجاب عباده ... أَتَرَى محالا أَن يرى بالزخرفه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 (وبآية الْأَعْرَاف ويك خذلتم ... فوقعتم دون المراقي المزلفه) (لَو كَانَ كالمعلوم عنْدك لَا يرى ... ذهب التمدح فِي هَنَات السفسفه) (عطلت أَو أَيِست يَا مغرور إِذْ ... ضاهيت فِي الْإِلْحَاد أهل الفلسفه) (إِن الْوُجُوه إِلَيْهِ ناظرة بذا ... جَاءَ الْكتاب فقلتم هَذَا سفه) (لَو صَحَّ فِي الْإِسْلَام عقدك لم تقل ... بِالْمذهبِ المهجور فِي نفي الصفه) (وَلما نسبت إِلَى النُّبُوَّة زلَّة ... فِي ص وَالتَّحْرِيم فاسمع مصرفه) (أَو مَا علمت بِأَن من آل فقد ... ترك الْمُبَاح وكف عَنهُ مصرفه) (لَا أَنه جعل الْحَلَال محرما ... شرعا فعصمته أَبَت أَن يقرفه) (فجهلت هَذَا وانصرفت لظلمة ... أعمت عَلَيْك من الطَّرِيق تعرفه) (لم تعرف الْفِقْه الْجَلِيّ فيكف بِالتَّوْحِيدِ ... فِي تَدْقِيقه أَن تعرفه) قلت أَظن من قَوْله (وَلما نسبت إِلَى النُّبُوَّة زلَّة ... ) إِلَى آخرهَا تتميم أبي عَليّ عمر بن خَلِيل وَقد أَكثر النَّاس فِي مُعَارضَة الزَّمَخْشَرِيّ وَهَذِه الأبيات من أجمع مَا قيل وَقَالَ بَعضهم (الله يعلم والعلوم كَثِيرَة ... أَي الْفَرِيقَيْنِ اهْتَدَى بالمعرفه) (ولسوف يعلم كل عبد مَا جنى ... يَوْم الْحساب إِذا وقفنا موقفه) (فاذكر بِخَير أمة لم تعتقد ... إِلَّا الثَّنَاء عَلَيْهِ ذاتا أَو صفه) (ودع المراء وَلَا تُطِع فِيهِ الْهوى ... فَالْحق فِي أَيدي الرِّجَال المنصفه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 وَقَالَ آخر (وَجَمَاعَة كفرُوا بِرُؤْيَة رَبهم ... هَذَا ووعد الله مَا لن يخلفه) (وتلقبوا عدلية قُلْنَا أجل ... عدلوا برَبهمْ فحسبهم سفه) (وتلقبوا الناجين كلا إِنَّهُم ... إِن لم يَكُونُوا فِي لظى فعلى شفه) وَقَالَ آخر (لجَماعَة كفرُوا بِرُؤْيَة رَبهم ... ولقائه حمر لعمرك موكفه) (فكفاهم علمُوا بِلَا كَيفَ فَنحْن ... نرى فَلم ننعتهم بالبلكفه) (هم عطلوه عَن الصِّفَات وعطلوا ... مِنْهُ الفعال فيالها من منكفه) (هم نازعوه الْخلق حَتَّى أشركوا ... بِاللَّه زمرة حاكة وأساكفه) (هم غلقوا أَبْوَاب رَحمته الَّتِي ... هِيَ لَا تزَال على الْمعاصِي موقفه) (وَلَهُم قَوَاعِد فِي العقائد رذلة ... ومذاهب مَجْهُولَة مستنكفه) (يبكي كتاب الله من تأويلهم ... بدموعه المنهلة المستوكفه) وَقلت أَنا واقتصرت على بَيْتَيْنِ (لجَماعَة جاروا وَقَالُوا إِنَّهُم ... للعدل أهل مَا لَهُم من معرفه) (لم يعرفوا الرَّحْمَن بل جهلوا وَمن ... ذَا أَعرضُوا للْجَهْل عَن لمح الصفه) وَقَالَ آخر (لجَماعَة رَأَوْا الْجَمَاعَة سبة ... عمياء تاهوا فِي المعامي المتلفه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 (وَالسّنة الغراء أضحت عِنْدهم ... مَرْدُودَة مهجورة مستنكفه) (عميت بصائرهم كَمَا أَبْصَارهم ... عَن رُؤْيَة فاستهزءوا بالبلكفه) (نفوا الصِّفَات عَن الْإِلَه وأثبتوا ... ذاتا معطلة تعرت عَن صفه) (فتعينت ذَات الْإِلَه لديهم ... أَن لَا تكون أَو أَن تكون مكيفه) (هم فرقة زَعَمُوا الْجَمَاعَة فرقة ... هَذَا لعمري بِدعَة مستأنفه) (قد حاولوا نكرا لجهل فيهم ... عَن غير علم مِنْهُم والمعرفه) (أَنى لَهُم علم بِهَذَا إِنَّهُم ... حمر لَدَى أهل الْحَقَائِق مؤكفه) (برهانه لَا شكّ لَوْلَا أَنهم ... حمر لَكَانَ لَهُم عقول منصفه) (شهواتهم غلبت عُقُولهمْ لذا ... أبدا ترى أَقْوَالهم مستضعفه) (فتجمعت آراؤهم فِي غيهم ... وَتَفَرَّقَتْ عَن رشدهم متحرفه) (هم أمة تركُوا الْهِدَايَة وامتطوا ... طرق الضَّلَالَة والهوى متعسفه) (ركبُوا بحار عماية وغواية ... غرقت مراكبهم برِيح معصفه) (هم زمرة هامت بهم أهواؤهم ... كالهيم فِي الأَرْض الفلاة مخلفه) (عزة أذلّهم الْإِلَه بعزة ... ثبة ذووا جبورة متغطرفه) (لعصابة لعبت بهم أهواؤهم ... عمي تناهت فِي الْعَمى متلهفه) (فِئَة لقد جَحَدُوا بِرُؤْيَة رَبهم ... وَأتوا بأقوال ترد مزيفه) (هم عصبَة قد حكمُوا آراءهم ... فِي الدّين تلقاها غَدَتْ متصرفه) (هم حرفوا كلم الْكتاب وبدلوا الْمَعْنى ... فجَاء حروفهن محرفه) (هم صحفوا الْقُرْآن فِي تَأْوِيله ... فَلِذَا مصاحفهم تكون مصحفه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 (نبذوا كتاب الله خلف ظُهُورهمْ ... جعلُوا أَحَادِيث النَّبِي مضعفه) (ملأوا صحائفهم بِكُل قبيحة ... من بِدعَة شنعاء غير مُؤَلفه) (أقولهم أَلْفَاظ زور مَالهَا ... معنى وَصَوت كالطبول مجوفه) (الله خَالق كل شَيْء وَحده ... سُبْحَانَهُ وَبِه الْعباد مكلفه) (خير وَشر لَيْسَ يخلق غَيره ... إيَّاهُمَا هذي طَرِيق مزلفه) (لقد اعتزلتم أمة سنية ... فخفيتم يَا أمة متخوفه) (وَلَقَد زعمتم أَنكُمْ شركاؤه ... والخالقية لَا تزَال منصفه) (فكفرتم بِاللَّه ثمَّ نبيه ... فقلوبكم عَن دينه متخلفه) (فَلِذَا افتضحتم فِي الْأَنَام فَأَصْبَحت ... عوراتكم بَين الورى متكشفه) (وَأَبَيْتُمْ إِلَّا مُتَابعَة الْهوى ... وأتيم بدلائل المتفلسفه) (وَلكم عقائد بالهوى معقودة ... وَالْكفْر من أهل الْهوى متلقفه) (وبنيتم دَارا على مستنقع ... وجعلتموها بالقذاة مسقفه) (مَا عنْدكُمْ إِلَّا البلادة والقماءة ... والسفاهة والخنا والعجرفه) (جهلتم مُوسَى كَمَا كَذبْتُمْ ... خبر الرَّسُول أَتَت بِهِ المستخلفه) (أنكرتم للأولياء كرّ امة ... عمتهم خصت بهَا المتصرفه) (لله أحباب تكون مصونة ... عَمَّا سواهُ بالجمال مكنفه) (وهم ضنائن رَبهم وَعَلَيْهِم ... بجلاله أرْخى ستورا مسجفه) (أخفاهم بِالنورِ ثمَّ خفاهم ... ووجوههم بحلى السنا متلففه) (هم جفة حفت بِكُل جميلَة ... من رَبهم وَبِمَا يقرب متحفه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 (مَلأ لقد مَلأ الْإِلَه صُدُورهمْ ... نورا فَكَانَت بالضياء مزخرفه) (نصحت جيوبهم كَمَا أذيالهم ... أضحت بأمواه الصفاء منظفه) (لَهُم عقائد فِي الْقُلُوب صَحِيحَة ... ونفوسهم ملكية متعففه) (وَلَهُم خلائق بالندى مجبولة ... وعَلى الْخَلَائق بِالْهدى متعطفه) (وَلَهُم قُلُوب بِالرِّضَا معمورة ... وَلَهُم مَكَارِم بالحوائج مسعفه) (أجسامهم عَمَّا يشين نقية ... ونفوسهم عَمَّا يذيم مكفكفه) (مَا استعبدتهم شَهْوَة تَدْعُو إِلَى الصَّفْرَاء ... والبيضاء لَا والزخرفه) (كفوا الأكف عَن السُّؤَال وَلم ترى ... سألة ممدودة متكففه) (مَا شَأْنهمْ شرب المدامة لَا وَلَا ... أكل الْحَرَام وَلَا غرام مهفهفه) (منعُوا النُّفُوس عَن الحظوظ فطاوعت ... وتحرجت عَن نيلها متوقفه) (كلفت نُفُوسهم بِمَا أمرت بِهِ ... ألفته حبا فِيهِ لَا متكلفه) (متطلب رتب الْكَمَال ذواتهم ... وصفاهم تعنو لَهَا متلطفه) (وَلَهُم وظائف من عبَادَة رَبهم ... أضنوا بهَا أبدانهم كالأوظفه) (سهرت عيونهم إِذا نَام الورى ... فِي فرشهم طول اللَّيَالِي المسدفه) (أَقْدَامهم تَحت الدجا مصطفة ... وقدودهم كأهلة محقوقفه) (هجروا الوسائد والموائد والهنا ... قوم بأنواع النَّعيم مسرعفه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 (تركُوا الفضول وَقد رَضوا بكفافهم ... أنعم بهم من حوزة متقشفه) (صقلوا مراياهم بمصقلة التقى ... فصفت وَصَارَت للولاية مألفه) (أَتَت الْولَايَة وَهِي خاطبة لَهُم ... مرتاحة مشغوفة مستعطفه) (فَلهم من الله الْكَرِيم كَرَامَة ... وَقُلُوبهمْ لقبولها مستهدفه) (أبدانهم طافت بكعبة رَبهم ... ونفوسهم بجنابه متطوفه) (أَرْوَاحهم بسعادة مقرونة ... بدوامها مسرورة متألفه) (أتنم عبيد بطونكم وفروجكم ... ونفوسكم فِي كل شَرّ مسرفه) (مَا تعرفُون سوى الْقُدُور وهمكم ... أَن تغرفوا مِنْهَا الطَّعَام بمغرفه) (فَمَتَى نهضتم للولاية يَا بني اللَّحْم ... السمين وَيَا أُسَارَى الأرغفه) (أرواحكم مسحورة وعقولكم ... مسلوبة أبصاركم متخطفه) (وركبتم متن الغواية ثمَّ قد ... قفيتموها بالضلالة مردفه) (جرتم وقلتم إِنَّكُم عدلية ... لَا وَالَّذِي جعل الْقُلُوب مصرفه) (زلت بكم أقدامكم بمزلة ... تهوي إِلَى دَرك الشفا متزحلفه) (صدئت مراياكم فَأنى تجتلى ... فِيهَا عرائس بالجمال مشرفه) (وَمَتى تكون لكم ولَايَة ربكُم ... وقلوبكم عَن طرقها محرورفه) (وَلنَا بِحَمْد الله ثمَّ بفضله ... كتب على الْحق الصَّرِيح مُصَنفه) (قد كَانَت الْحسنى لنا وَزِيَادَة ... وتقر أَعيننَا بهَا المتشوفه) (أَنا نرى يَوْم الْقِيَامَة رَبنَا ... مستشرقين على قُصُور مشرفه) (سنراه جَهرا لَا حجاب وَرَاءَنَا ... فِي جنَّة للْمُؤْمِنين معرفه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 (أسماعنا لكَلَامه أبصارنا ... لجماله مشتقاة متشوفه) (إِنَّا نرى لَا فِي جِهَات وَجهه ... إِنَّا لنسمع قَوْله لَا من شفه) (رغما لأنفكم نرَاهُ ظَاهرا ... كَالشَّمْسِ حَقًا بالعيون المترفه) (آذاننا بِكَلَامِهِ كعيوننا ... ترنو إِلَيْهِ فِي الْجنان مشنفه) (جَاءَ الْكتاب بهَا وَجَاءَت سنة ... من رَبنَا وَمن النَّبِي معرفه) (ثقلت مَوَازِين لنا إِذْ أَصبَحت ... أَعمالكُم يَوْم الْحساب مخففه) (من لَا يُرِيد لقاءه فَهُوَ الَّذِي ... فِي النَّار يخلد مثل أهل الفلسفه) (ويذاد عَن حَوْض يروينا إِذا ... وردوا الْقِيَامَة والشفاه مجففه) (وتعل من عين الْحَيَاة نفوسنا ... وشفاهنا تَغْدُو لنا مترشفه) (تلقى أئمتهم وأمتهم غَدا ... تلقى طوائف فِي الْجَحِيم مكتفه) (فتراهم يَوْم اللقا وَقُلُوبهمْ ... محجوبة عَن رَبهَا متأسفه) (قد جادلونا بِاللِّسَانِ فجدلوا ... بالبيض والسمر الْقَنَاة مثقفه) (حَتَّى تقصفت الصفاح وأصبحت ... أرماحنا من طعنهم متقصفه) (فعلى عيونهم سِهَام فوقت ... وعَلى رقابهم سيوف مرهفه) (صلى الْإِلَه على مُحَمَّد الَّذِي ... أبدى لنا طرق الْهدى والمخرفه) وصلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 1294 - أَحْمد بن عبد الله بن الشَّيْخ شهَاب الدّين البعلبكي مدرس العادلية الصَّغِيرَة والمدرسة القليجية بِدِمَشْق وَشَيخ الإقراء بتربة أم الصَّالح والتربة الأشرفية قيل إِنَّه ولد سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَسمع الحَدِيث من أَسمَاء بنت صصرى وَغَيرهَا وَكَانَ فَقِيها عَارِفًا بالنحو معرفَة جَيِّدَة إِمَامًا فِي الْقرَاءَات وَمَعْرِفَة وجوهها مشاركا فِي كثير من الْعُلُوم صَحِيح الْفِكر والذهن نَاب فِي الحكم بِدِمَشْق مُدَّة عَن قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين ابْن الْمجد عبد الله وَدخل الْقَاهِرَة وَقَرَأَ النَّحْو على شَيخنَا أبي حَيَّان وَقَرَأَ بعض العقليات على شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ وَكَانَ حسن الاستحضار والضبط الْكثير من شَوَاهِد الْعَرَبيَّة حسن الْخط توفّي يَوْم الِاثْنَيْنِ السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بِالْمَدْرَسَةِ القليجية بِدِمَشْق الحديث: 1294 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 1295 - أَحْمد بن عمر بن أَحْمد بن أَحْمد بن النشائي الشَّيْخ كَمَال الدّين هُوَ ولد الشَّيْخ الْفَقِيه الزَّاهِد عز الدّين من أهل نشا بالنُّون والشين الْمُعْجَمَة من الديار المصرية سمع الحَدِيث من الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي وَولد سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الكهارية عِنْد الْوَالِد رَحمَه الله وبرع فِي الْفِقْه وَكَانَ كثير الاستحضار حسن الِاخْتِصَار صنف جَامع المختصرات ومختصر الْجَوَامِع وَهُوَ مُخْتَصر حافل جدا فِي الْفِقْه وَشَرحه وَله أَيْضا كتاب النكت على التَّنْبِيه وَكتاب الإبريز فِي الْجمع بَين الْحَاوِي وَالْوَجِيز وَكتاب كشف غطاء الْحَاوِي الصَّغِير وَكتاب الْمُنْتَقى فِي الْفِقْه جمع فِيهِ فأوعى وَاخْتصرَ كتاب سلَاح الْمُؤمن فِي الْأَدْعِيَة المأثورة وكل كتبه وجيزة الْعبارَة جدا تشبه الألغاز كثير الْجمع توفّي فِي حادي عشر صفر سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ الحديث: 1295 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 1296 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَالم بن أبي الْمَوَاهِب بن صصرى قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس الربعِي التغلبي حضر على الرشيد الْعَطَّار والنجيب عبد اللَّطِيف وَسمع من ابْن عبد الدَّائِم وَغَيره وتفقه على الشيح تَاج الدّين ابْن الفركاح وَكَانَ ذَا رياسة وسؤدد حكم بِدِمَشْق نيفا وَعشْرين سنة يصفح ويغضى ويمنح الجزيل وَيَقْضِي وَقد ذكره الشَّيْخ جمال الدّين بن نباتة فِي سجع المطوق فَأحْسن فِي وَصفه وَأطَال وَمن كَلِمَاته فِيهِ مَا الْغَيْث وَإِن ثجت سحبه وأسف فويق الأَرْض هيديبه وَرمى الْمحل بسهامه وَتَبَسم ثغر برده من لعس غمامه بأسمح من الْغَيْث الَّذِي يُخرجهُ لنا من ردنه وَهُوَ يَده الْمُقبلَة والسحب الَّتِي يجريها بأرزاق عفاته وَهِي أقلامه المؤملة كلا وَلَا الْبَحْر وَإِن جَاشَتْ غواربه وهاجت عجائبه واستمدت من قطرات لجه الدَّائِم الغزار وعلت كل موجة الحديث: 1296 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 إِلَى منال الشَّمْس فَكَأَنَّهَا على الْحَقِيقَة علم فِي رَأسه نَار بأمد من مواهبه وَمَا سقت وأعجب من علومه وَمَا وسقت وَمِنْهَا مَا شهِدت الدُّرُوس أسْرع من نَقله وَلَا وَالله النُّفُوس أبرع من عقله وَمَا ظفر بِمثلِهِ زمَان وَإِن حلف ليَأْتِيَن بِمثلِهِ وَمِنْهَا نظما (أندى الْبَريَّة والأنواء ماحلة ... وأسبق النَّاس والسادات تزدحم) (حبر تجَاوز قدر الْمَدْح من شرف ... كالصبح لَا غرَّة يَحْكِي وَلَا رثم) (لَكِنَّهَا نفحات من منائحه ... تكَاد تحيا بهَا فِي رمسها الرمم) (مُجَرّد الْعَزْم للعلياء إِذْ عجزت ... عَنْهَا السراة وَقَالُوا إِنَّهَا قسم) (تصنعوا ليحاكوا صنع سؤدده ... يَا شيب كم جهد مَا قد يكتم الكتم) (رام الأقاصي حَتَّى جازها وَمضى ... تبَارك الله مَاذَا يبلغ الهمم) (لَا يطرد الْمحل إِلَّا صوب نائله ... وَلَا يحول على أَفعاله النَّدَم) (فِي كل يَوْم يُنَادي جود رَاحَته ... هَذَا فَتى الندى لَا مَا ادّعى هرم) (يمم حماه ودافع كل معضلة ... مهيبة الجرم تعلم أَنه حرم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 (واحسن وَلَاء معاليه فَمَا سفلت ... عَزِيمَة بولاء النَّجْم تلتزم) (لَو أَن للدهر جُزْءا من محاسنه ... لم يبْق فِي الدَّهْر لَا ظلم وَلَا ظلم) (قَالَت أياديه للحساد عَن كثب ... مَا أقرب الْعِزّ إِلَّا أَنَّهَا همم) (لما أبان بِهِ للنجم أَن لَهُ ... عزما يرى فرص الْإِحْسَان تغتنم) (وَالْمجد لَا تنثني يَوْمًا معالمه ... إِلَّا بِنَقص من الْأَمْوَال تنهدم) (وللسيادة معنى لَيْسَ يُدْرِكهُ ... من طَالب الذّكر إِلَّا باحث فهم) (تستشرف الأَرْض مَا حلت مواطئه ... كَأَنَّمَا الوهد فِي آثاره أكم) وَهِي قصيدة غراء اقتصرنا مِنْهَا من الْمَدْح على مَا أوردناه ولقاضي الْقُضَاة نجم الدّين نظم حسن وَقد ولي الْقَضَاء وَقَبله التوقيع وَعمل فِي ديوَان الْإِنْشَاء مُدَّة توفّي فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة ورثاه جمَاعَة مِنْهُم الأديب شهَاب الدّين مَحْمُود بِأَبْيَات طَوِيلَة مِنْهَا هَذَا (قَاضِي الْقُضَاة وَمن حوى رتبا سمت ... عَن أَن تسام سنا وبزت من سعا) (شيخ الشُّيُوخ العارفين وَمن رقى ... رتب السلوك تعبدا وتورعا) (حاوي الْعُلُوم بِمَا تفرق فِي الورى ... إِلَّا الَّذِي مِنْهَا إِلَيْهِ تجمعَا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 1297 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عَطاء الله الشَّيْخ تَاج الدّين أَبُو الْفضل من أهل الْإسْكَنْدَريَّة أرَاهُ كَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَقيل كَانَ مالكيا كَانَ أستاذ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد فِي التصوف وَكَانَ إِمَامًا عَارِفًا صَاحب إشارات وكرامات وَقدم راسخ فِي التصوف صحب الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس المرسي تلميذ الشَّيْخ أبي الْحسن الشاذلي وَأخذ عَنهُ واستوطن الشَّيْخ تَاج الدّين الْقَاهِرَة يعظ النَّاس ويرشدهم وَله الْكَلِمَات البديعة دونهَا أَصْحَابه فِي كتب جمعوها من كَلَامه وَمن مصنفات الشَّيْخ تَاج الدّين كتاب التَّنْوِير فِي إِسْقَاط التَّدْبِير وَمن كَلَامه إرادتك التَّجْرِيد مَعَ إِقَامَة الله لَك فِي الْأَسْبَاب من الشَّهْوَة الْخفية وإرادتك الْأَسْبَاب مَعَ إِقَامَة الله إياك فِي التَّجْرِيد انحطاط عَن الذرْوَة الْعلية مَا أَرَادَت همة سالك أَن تقف عِنْدَمَا كشف لَهَا إِلَّا ونادته هواتف الْحَقَائِق الَّذِي تطلب أمامك وَلَا تبرجت ظواهر الكرامات إِلَّا نادت حقائقها {إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر} وَقَالَ كَيفَ يتَصَوَّر أَن يَحْجُبهُ شَيْء وَهُوَ الَّذِي أظهر كل شَيْء كَيفَ يتَصَوَّر أَن يَحْجُبهُ شَيْء وَهُوَ الَّذِي ظهر بِكُل شَيْء كَيفَ يتَصَوَّر أَن يَحْجُبهُ شَيْء وَهُوَ الَّذِي الحديث: 1297 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 ظهر فِي كل شَيْء كَيفَ يتَصَوَّر أَن يَحْجُبهُ شَيْء وَهُوَ الَّذِي ظهر لكل شَيْء كَيفَ يتَصَوَّر أَن يَحْجُبهُ شَيْء وَهُوَ الظَّاهِر قبل وجود كل شَيْء كَيفَ يتَصَوَّر أَن يَحْجُبهُ شَيْء وَهُوَ أظهر من كل شَيْء وَمن شعره (أعندك عَن ليلى حَدِيث مُحَرر ... لإيراده يحيا الرميم وينشر) (فعهدي بهَا الْعَهْد الْقَدِيم وإنني ... على كل حَال فِي هَواهَا مقصر) (وَقد كَانَ عَنْهَا الطيف قدما يزورني ... وَلما يزر مَا باله يتَعَذَّر) توفّي بِالْقَاهِرَةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَسَبْعمائة 1298 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُرْتَفع بن صارم بن الرّفْعَة الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس شَافِعِيّ الزَّمَان وَمن أَلْقَت إِلَيْهِ الْأَئِمَّة مقاليد السّلم والأمان مَا هُوَ إِن عدت الشَّافِعِيَّة إِلَّا أَبُو الْعَبَّاس وَلَا أَخْمص قدمه إِلَّا فَوق هامات النَّاس ابْن الرّفْعَة إِلَّا أَن جِنْسهَا انحصر بأنواعه فِي شخصه وَذُو السمعة الَّتِي ولجت الآذان الحديث: 1298 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 وتعدد مناديها فَلم يحصره الْعَاد وَلم يحصه مَا أخرجت مصر بعد ابْن الْحداد نَظِيره وَلَا سكن ربعهَا وَهُوَ خُلَاصَة الرّبع العامر أروج مِنْهُ وَإِن لم يحضر الحاسب لجين ذَلِك الرّبع ونضيره وَلَقَد كَانَ عصره محتوشا بالأئمة إِلَّا أَنَّهَا سلمت وأذعنت وتطأطأ الْبَدْر وتضاءل السها إِذْ عنت قدر قدره الله لَهُ من قبل أَن يكون مُضْغَة وَفقه لَو رَآهُ ابْن الصّباغ لقَالَ هَذَا الَّذِي صبغ من النشأة عَالما {وَمن أحسن من الله صبغة} سَار اسْمه فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وطار ذكره فَكَانَ ملْء حواضرها وبواديها وقفارها وسباسبها ذُو ذهن لَا يدْرك فِي صرعة الْإِدْرَاك وَمِقْدَار تَقول لَهُ الزهرة مَا أزهرك والسماك مَا أسماك لَا يُقَاوم فِي مجْلِس مناظرة وَلَا يقاوى وَلَا يساوم إِذا ابْتَاعَ الْجَوَاهِر الثمينة وَلَا يساوى أقسم بِاللَّه يَمِينا برة لَو رَآهُ الشَّافِعِي لتبجح بمكانه وترجح عِنْده على أقرانه وترشح لِأَن يكون فِي طبقَة من عاصره وَكَانَ فِي زَمَانه وَلَو شَاهده الْمُزنِيّ لشهد لَهُ بِمَا هُوَ أَهله ولقال ابْن الْبَدْر من دون مَحَله مَحَله وَإِن النّيل مَا أنيل مثله وَلَا سكن إِلَى جَانِبه مثله وَلَو اجْتمع بِهِ البويطيء لقَالَ مَا أخرجت بَعدنَا مثله الصَّعِيد وَلَا وفى النّيل قطّ بِمثل هَذَا الْوَفَاء السعيد وَلَا أَتَى بأصابع لَكِن بأياد فِي أَيَّام عيد وَلَو عاينه الرّبيع لقَالَ هَذَا فَوق قدر الزهر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 فَمَا قدر الزهر وَأحسن من الرَّوْض باكره الندى أَوْقَات الْبكر وألطف من شمائل النشوان لعبت بِهِ الشُّمُول أَو أعطاف الأغصان حركها نسيم السحر تفقه على السديد والظهير التزمنتيين والشريف العباسي ولقب بالفقيه لغَلَبَة الْفِقْه عَلَيْهِ وَسمع الحَدِيث من محيي الدّين الدَّمِيرِيّ أَخذ عَنهُ الْفِقْه الْوَالِد رَحمَه الله وسمعته يَقُول إِنَّه عِنْد أفقه من الرَّوْيَانِيّ صَاحب الْبَحْر وَقد بَاشر حسبَة مصر ودرس بِالْمَدْرَسَةِ المعزية بهَا وَلم يل شَيْئا من مناصب الْقَاهِرَة وَمن تصانيفه الْمطلب فِي شرح الْوَسِيط والكفاية فِي شرح التَّنْبِيه وَكتاب مُخْتَصر فِي هدم الْكَنَائِس توفّي بِمصْر سنة عشر وَسَبْعمائة وَلَا مطمع فِي استعياب مباحثه وغرائبه لِأَن ذَلِك بَحر زاخر ومهيع لَا يعرف لَهُ أول من آخر وَلَكنَّا نتبرك بِذكر الْقَلِيل ونتبرتك من عطائه الجزيل جزم الرَّافِعِيّ فِي اسْتِيفَاء قصاص الْمُوَضّحَة بِأَنَّهُ يفعل مَا هُوَ الأسهل من الشق دفْعَة وَاحِدَة أَو تدريجا قَالَ ابْن الرّفْعَة وَالْأَشْبَه الْإِتْيَان بِمثل جِنَايَته إِن أوضح دفْعَة فدفعة أَو تدريجا فتدريجا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة أَو طَلْقَتَيْنِ فَهُوَ مُلْحق بصور الشَّك فِي أصل الْعدَد فَلَا تطلق إِلَّا طَلْقَة قَالَ فِي التَّتِمَّة قَالَ ابْن الرّفْعَة لَكِن لَا نقُول فِي هَذِه الْحَالة يسْتَحبّ أَن يطلقهَا الثَّانِيَة كالشاك هَل طلق وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ يحْتَمل وُقُوعهَا فِي نفس الْأَمر وَلَا كَذَلِك هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَقع فِي نفس الْأَمر إِلَّا وَاحِدَة قَالَ وَهَذَا مَا وَقع لي تفقها سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول لما زينت الْقَاهِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة أفتى شَيخنَا ابْن الرّفْعَة بِتَحْرِيم النّظر إِلَيْهَا قَالَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يقْصد بهَا النّظر وَمن مُفْرَدَات ابْن الرّفْعَة قَوْله فِي الْمطلب إِن الْمُرْتَد إِذا مَاتَ لَهُ قريب مُسلم ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام وَرثهُ ورد عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد وَنسبه إِلَى خرق الْإِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب فِي بَاب حد الزِّنَا ظَاهر كَلَام الْمُخْتَصر أَن الْعقل لَا يشْتَرط فِي الْوَطْء الَّذِي يصير بِهِ مُحصنا وَلَو قيل بِعَدَمِ اعْتِبَاره وَاعْتِبَار الْبلُوغ لم يبعد لِأَن للمجنون وطرا وشهوة نالها بِوَطْئِهِ حَال جُنُونه وَلَا كَذَلِك للصَّبِيّ قَالَ وَلم أر من تعرض لَهُ قلت بل الْكل مصرحون بِاشْتِرَاط الْعقل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 1299 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن قيس أَبُو الْعَبَّاس ابْن الظهير الشَّيْخ الإِمَام شهَاب الدّين ابْن الْأنْصَارِيّ شيخ الشَّافِعِيَّة بالديار المصرية مولده فِي حُدُود السِّتين وسِتمِائَة وتفقه على الظهير وَسمع من ابْن خطيب المزة جُزْء الغطريف وَحدث بِالْقَاهِرَةِ والإسكندرية وَمَات عَن تدريس المشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم عيد الْأَضْحَى سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة شَهِيدا بالطاعون وَمن الْفَوَائِد عَنهُ قَالَ قد يسْتَشْكل تصور قَضَاء القَاضِي بِالْعلمِ فَإِنَّهُ مثلا إِذا رأى رجلا يَزْنِي بِامْرَأَة يحْتَمل أَن يكون وطىء بِشُبْهَة فَلَا يسوغ الحكم بِالْعلمِ هُنَا إِذْ لَا علم حِينَئِذٍ وصوره صَاحب الشَّامِل فَقَالَ إِذا رَآهُ يغترف من الْبَحْر حكم بِأَن هَذَا ملكه وَهَذَا معترض فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن شخصا اغترفه وألقاه وَكَانَ ظهير الدّين التزمنتي يصوره بِمَا إِذا أَخذ إِنْسَان من مَاء الْمَطَر فَإِنَّهُ يحكم بِملكه لَهُ وَاعْتَرضهُ الحديث: 1299 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 بعض الطّلبَة بِأَنَّهُ يَنْبَنِي على أَن الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة هَل يملكُونَ أم لَا فعلى الأول يحْتَمل أَن يكون ملكا أَو جنيا اغترف غرفَة وأرسلها انْتهى قلت وَهُوَ عجب أما أَولا فَلِأَن مَسْأَلَة قَضَاء القَاضِي بِالْعلمِ لَيْسَ شَرطهَا الْعلم اليقيني الْقطعِي بل غَلَبَة الظَّن تقوم مقَام الْعلم وَالْفُقَهَاء يطلقون الْعلم على ذَلِك كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَغَيره وَأما ثَانِيًا فتصوير صَاحب الشَّامِل صَحِيح والاعتراض بِأَن شخصا اغترفها وَأَلْقَاهَا فَاسد فَإِنَّهُ إِذا أَلْقَاهَا اخْتلطت بِمَا تستهلك فِيهِ وَتخرج عَن كَونهَا مَالا وَلَيْسَ كَمَا إِذا أطلق الصَّيْد فَإِن الصَّيْد وَإِن اشْتبهَ لَا يخرج عَن ملكه لِأَنَّهُ يتَمَيَّز بِنَفسِهِ لَا يخْتَلط وَلَا يستهلك وَإِنَّمَا يشْتَبه ويجهل عينه وَكَذَلِكَ تَصْوِير الشَّيْخ الظهير صَحِيح والاعتراض بِالْملكِ والجني عَجِيب فَإِن هَذَا الِاحْتِمَال لَا يمْنَع الْعلم وحكاية الْخلاف فِي أَن الْجِنّ وَالْملك هَل يملكُونَ غَرِيبَة وَمن حكى ذَلِك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 1300 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الحزم مكي بن ياسين أَبُو الْعَبَّاس الشَّيْخ نجم الدّين الْقَمُولِيّ صَاحب الْبَحْر الْمُحِيط فِي شرح الْوَسِيط وَكتاب جَوَاهِر الْبَحْر جمع فِيهِ فأوعى كَانَ من الْفُقَهَاء الْمَشْهُورين والصلحاء المتورعين يحْكى أَن لِسَانه كَانَ لَا يفتر عَن قَول لَا إِلَه إِلَّا الله ولي حسبَة مصر وَقد ولي تدريس الفائزية بهَا والفخرية بِالْقَاهِرَةِ وَتَوَلَّى قَدِيما قَضَاء قمولا وَهِي من مُعَاملَة قوص نِيَابَة عَن قَاضِي قوص ثمَّ ولي الْوَجْه القبلي من مُعَاملَة قوص ثمَّ ولي إخميم مرَّتَيْنِ وَولي أسيوط والمنيا والشرقية الَّتِي قاعدتها بلبيس والغريبة الَّتِي قاعدتها الْمحلة ثمَّ نَاب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَتُوفِّي عَن نِيَابَة الْقَضَاء بِمصْر والجيزة والحسبة وَلم يبرح يُفْتِي ويدرس ويصنف وَيكْتب وَرُوِيَ أَنه قَالَ لي أَرْبَعُونَ سنة أحكم فِيهَا مَا وَقع لي حكم خطأ وَلَا أثبت مَكْتُوبًا ظهر فِيهِ خلل وَكَانَ الشَّيْخ صدر الدّين بن المرحل يَقُول فِيمَا نقل لنا عَنهُ لَيْسَ بِمصْر أفقه من الْقَمُولِيّ الحديث: 1300 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 وَكَانَ مَعَ جلالته فِي الْفِقْه عَارِفًا بالنحو وَله شرح مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب وَكَانَ عَارِفًا بالتفسير وَله تَكْمِلَة على تَفْسِير الإِمَام فَخر الدّين وصنف أَيْضا شرح أَسمَاء الله الْحسنى فِي مجلدة توفّي بِمصْر فِي رَجَب سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة عَن ثَمَانِينَ سنة وقمولا بِفَتْح الْقَاف وَضم الْمِيم وَإِسْكَان الْوَاو بَلْدَة فِي الْبر الغربي من عمل قوص 1301 - أَحْمد بن المظفر بن أبي مُحَمَّد بن المظفر بن بدر ابْن الْحسن بن مفرج بن بكار النابلسي شَيخنَا الْحَافِظ الثِّقَة الْفَقِيه الثبت شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس الْأَشْعَرِيّ عقيدة ولد فِي رَمَضَان سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة وَسمع زَيْنَب بنت مكي وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين الوَاسِطِيّ وَعمر ابْن القواس والشرف ابْن عَسَاكِر وخلقا كثيرا وعني بِهَذَا الشَّأْن وَكَانَ ثبتا فِيمَا يَنْقُلهُ محررا لما يسمعهُ متقنا لما يعرفهُ حسن المذاكرة أعرف من رَأَيْت بتراجم الأشاعرة والذب عَنْهُم قَائِما فِي نصْرَة السّنة وَأَهْلهَا الحديث: 1301 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 توفّي بِدِمَشْق فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس المظفر بقراءاتي عَلَيْهِ أخبرتنا زَيْنَب بنت مكي سَمَاعا قَالَت أخبرنَا حَنْبَل بن عبد الله المكبر أخبرنَا هبة الله بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن الْحصين أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن الْمَذْهَب أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن جَعْفَر بن حمدَان الْقطيعِي أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد حَدثنَا أبي حَدثنَا سُفْيَان عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ سَمِعت ابْن عمر قَول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أقتنى كَلْبا إِلَّا كلب مَاشِيَة أَو كلب قنص نقص من أجره كل يَوْم قيراطان) أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس الْأَشْعَرِيّ سَمَاعا أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر أخبرنَا أَبُو روح إجَازَة أخبرنَا زَاهِر الشحامي حَدثنَا الْأُسْتَاذ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ الْمقري إملاء أخبرنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة أخبرنَا أَحْمد بن حمدون بن رستم الْأَعْمَش حَدثنَا أَبُو سهل عَبدة بن عبد الله الْخُزَاعِيّ حَدثنَا يُونُس بن عبيد الله الْعمريّ أخبرنَا الْمُبَارك بن فضَالة حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله يحب مَكَارِم الْأَخْلَاق وَيكرهُ سفسافها) أخبرنَا أَحْمد بن المظفر الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي أخبرنَا عمر ابْن القواس أخبرنَا عبد الصَّمد ابْن الحرستاني إِذْنا أخبرنَا نصر الله المصِّيصِي أخبرنَا نصر الْمَقْدِسِي أخبرنَا أَبُو بكر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 الْخَطِيب أخبرنَا عَليّ بن أَيُّوب القمي أخبرنَا مُحَمَّد بن عمرَان بن مُوسَى أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم بن خَفِيف المرثدي أَخْبرنِي مُحَمَّد بن بهنام الْأَصْبَهَانِيّ أخبرنَا يحيى بن مدرك الطَّائِي أخبرنَا هِشَام بن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ قَالَ لما حج سُلَيْمَان بن عبد الْملك قدم الْمَدِينَة فَأرْسل إِلَى أبي حَازِم فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان يَا أَبَا حَازِم مَا هَذَا الْجفَاء قَالَ وَأي جفَاء رَأَيْت مني قَالَ أَتَانِي أهل الْمَدِينَة وَلم تأتني قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَيف يكون إتْيَان بِلَا معرفَة مُتَقَدّمَة وَالله مَا عَرفتنِي قبل هَذَا الْيَوْم وَلَا أَنا رَأَيْتُك فاعذر قَالَ فالتف سُلَيْمَان إِلَى الزُّهْرِيّ فَقَالَ أصَاب الشَّيْخ وَصدق قَالَ سُلَيْمَان يَا أَبَا حَازِم مَا لنا نكره الْمَوْت قَالَ لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم فكرهتم أَن تَنقلُوا من الْعمرَان إِلَى الخراب قَالَ سُلَيْمَان صدقت يَا أَبَا حَازِم كَيفَ الْقدوم على الله قَالَ أما المحسن فكالغائب يقدم على أَهله مَسْرُورا وَأما الْمُسِيء فكالآبق يقدم على مَوْلَاهُ مَحْزُونا أخبرنَا الشَّيْخ شهَاب الدّين النابلسي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر سَمَاعا عَن إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان الْقَارِي أخبرنَا أَبُو الأسعد هبة الرَّحْمَن ابْن الإِمَام أبي سعيد عبد الْوَاحِد بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي أخبرنَا القَاضِي أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي جَعْفَر الطبسي أخبرنَا القَاضِي أَبُو بكر الْحِيرِي أخبرنَا حَاجِب الطوسي حَدثنَا مُحَمَّد بن حَمَّاد حَدثنَا مُحَمَّد بن الْفضل عَن الْحسن وَمُسلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 ابْن أبي عمرَان قَالَا قَالَ سلمَان أضحكني ثَلَاث وأبكاني ثَلَاث قَالُوا وَمَا هِيَ يَا سلمَان قَالَ أبكاني فِرَاق الْأَحِبَّة مُحَمَّد وَحزبه وهول المطلع عِنْد سكرة الْمَوْت وموقفي بَين يَدي الرَّحْمَن لَا أَدْرِي أساخط عَليّ هُوَ أم رَاض قَالُوا وَمَا أضْحكك يَا سلمَان قَالَ مُؤَمل الدُّنْيَا وَالْمَوْت يَطْلُبهُ وغافل وَلَيْسَ بمغفول عَنهُ وضاحك ملْء فِيهِ لَا يدْرِي مَا يفعل الله بِهِ 1302 - أَحْمد بن يحيى بن إِسْمَاعِيل الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن جهبل الْكلابِي الْحلَبِي الأَصْل سمع من أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن الزين الْمَقْدِسِي وَأبي الْحسن بن البُخَارِيّ وَعمر بن عبد الْمُنعم بن القواس وَأحمد بن هبة الله بن عَسَاكِر وَغَيرهم ودرس وَأفْتى وشغل بِالْعلمِ مُدَّة بالقدس ودمشق وَولي تدريس البادرائية بِدِمَشْق وَحدث وَسمع مِنْهُ الْحَافِظ علم الدّين الْقَاسِم بن مُحَمَّد البرزالي مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الحديث: 1302 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 ووقفت لَهُ على تصنيف صنفه فِي نفي الْجِهَة ردا على ابْن تَيْمِية لَا بَأْس بِهِ وَهُوَ هَذَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْعَظِيم شَأْنه الْقوي سُلْطَانه القاهر ملكوته الباهر جبروته الْغَنِيّ عَن كل شَيْء وكل شَيْء مفتقر إِلَيْهِ فَلَا معول لشَيْء من الكائنات إِلَّا عَلَيْهِ أرسل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمحجة الْبَيْضَاء وَالْملَّة الزهراء فَأتى بأوضح الْبَرَاهِين وَنور محجة السالكين وَوصف ربه تَعَالَى بِصِفَات الْجلَال وَنفى عَنهُ مَا لَا يَلِيق بالكبرياء والكمال فتعالى الله الْكَبِير المتعال عَمَّا يَقُوله أهل الغي والضلال لَا يحملهُ الْعَرْش بل الْعَرْش وَحَمَلته محمولون بلطيف قدرته مقهورون فِي قَبضته أحَاط بِكُل شَيْء علما وأحصى كل شَيْء عددا مطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر فسبحانه مَا أعظم شَأْنه وأعز سُلْطَانه {يسْأَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} لافتقارهم إِلَيْهِ {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} لاقتداره عَلَيْهِ وصلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم أنبيائه ومبلغ أنبائه وعَلى آله وَصَحبه وَسلم أما بعد فَالَّذِي دَعَا إِلَى تسطير هَذِه النبذة مَا وَقع فِي هَذِه الْمدَّة مِمَّا علقه بَعضهم فِي إِثْبَات الْجِهَة واغتر بهَا من لم يرسخ لَهُ فِي التَّعْلِيم قدم وَلم يتَعَلَّق بأذيال الْمعرفَة وَلَا كبحه لجام الْفَهم وَلَا استبصر بِنور الْحِكْمَة فَأَحْبَبْت أَن أذكر عقيدة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ثمَّ أبين فَسَاد مَا ذكره مَعَ أَنه لم يدع دَعْوَى إِلَّا نقضهَا وَلَا أطد قَاعِدَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 إِلَّا هدمها ثمَّ أستدل على عقيدة أهل السّنة وَمَا يتَعَلَّق بذلك وَهَا أَنا أذكر قبل ذَلِك مُقَدّمَة يستضاء بهَا فِي هَذَا الْمَكَان فَأَقُول وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان مَذْهَب الحشوية فِي إِثْبَات الْجِهَة مَذْهَب واه سَاقِط يظْهر فَسَاده من مُجَرّد تصَوره حَتَّى قَالَت الْأَئِمَّة لَوْلَا اغترار الْعَامَّة بهم لما صرف إِلَيْهِم عنان الْفِكر وَلَا قطر الْقَلَم فِي الرَّد عَلَيْهِم وهم فريقان فريق لَا يتحاشى فِي إِظْهَار الحشو {وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء أَلا إِنَّهُم هم الْكَاذِبُونَ} وفريق يتستر بِمذهب السّلف لسحت يَأْكُلهُ أَو حطام يَأْخُذهُ أَو هوى يجمع عَلَيْهِ الطغام الجهلة والرعاع السفلة لعلمه أَن إِبْلِيس لَيْسَ لَهُ دأب إِلَّا خذلان أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلذَلِك لَا يجمع قُلُوب الْعَامَّة إِلَّا على بِدعَة وضلالة يهدم بهَا الدّين وَيفْسد بهَا الْيَقِين فَلم يسمع فِي التواريخ أَنه خزاه الله جمع غير خوارج أَو رافضة أَو ملاحدة أَو قرامطة وَأما السّنة وَالْجَمَاعَة فَلَا تَجْتَمِع إِلَّا على كتاب الله الْمُبين وحبله المتين وَفِي هَذَا الْفَرِيق من يكذب على السَّابِقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَيَزْعُم أَنهم يَقُولُونَ بمقالته وَلَو أنْفق ملْء الأَرْض ذَهَبا مَا اسْتَطَاعَ أَن يروج عَلَيْهِم كلمة تصدق دَعْوَاهُ وتستر هَذَا الْفَرِيق بالسلف حفظا لرياسته والحطام الَّذِي يجتليه {يُرِيدُونَ أَن يأمنوكم ويأمنوا قَومهمْ} وَهَؤُلَاء يتحلون بالرياء والتقشف فيجعلون الروث مفضضا والكنيف مبيضا ويزهدون فِي الذّرة ليحصلوا الدرة (أظهرُوا للنَّاس نسكا ... وعَلى المنقوش داروا) وَمذهب السّلف إِنَّمَا هُوَ التَّوْحِيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه والمبتدعة تزْعم أَنَّهَا على مَذْهَب السّلف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 (وكل يدعونَ وصال ليلى ... وليلى لَا تقر لَهُم بذاكا) وَكَيف يعْتَقد فِي السّلف أَنهم يَعْتَقِدُونَ التَّشْبِيه أَو يسكنون عِنْد ظُهُور أهل الْبدع وَقد قَالَ الله {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} وَقَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} وَقَالَ الله تَعَالَى {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} وَلَقَد كَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لَا يَخُوضُونَ فِي شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء لعلمهم أَن حفظ الدهماء أهم الْأُمُور مَعَ أَن سيوف حججهم مرهفة ورماحها مشحوذة وَلذَلِك لما نبغت الْخَوَارِج واثبهم حبر الْأمة وعالمها وابنا عَم رسولها أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن عَبَّاس فاهتدى الْبَعْض بالمناظرة وأصر الْبَاقُونَ عنادا فتسلط عَلَيْهِم السَّيْف (وَلَكِن حكم السَّيْف فِيكُم مسلط ... فنرضى إِذا مَا أصبح السَّيْف رَاضِيا) وَكَذَلِكَ لما نبغ الْقدر وَنجم بِهِ معبد الْجُهَنِيّ قيض الله تَعَالَى لَهُ زاهد الْأمة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 وَابْن فاروقها عبد الله عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا وَلَو لم تنبغ هَاتَانِ البدعتان لما تَكَلَّمت الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فِي رد هَذَا وَلَا إبِْطَال هَذَا وَلم يكن دأبهم إِلَّا الْحَث على التَّقْوَى والغزو وأفعال الْخَيْر وَلذَلِك لم ينْقل عَن سيد الْبشر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن أحد من أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم أَنه جمع النَّاس فِي مجمع عَام ثمَّ أَمرهم أَن يعتقدوا فِي الله تَعَالَى كَذَا وَكَذَا وَقد صدر ذَلِك فِي أَحْكَام شَتَّى وَإِنَّمَا تكلم فِيهَا بِمَا يفهمهُ الْخَاص وَلَا يُنكره الْعَام وَبِاللَّهِ أقسم يَمِينا برة مَا هِيَ مرّة بل ألف ألف مرّة أَن سيد الرُّسُل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقل أَيهَا النَّاس اعتقدوا أَن الله تَعَالَى فِي جِهَة الْعُلُوّ وَلَا قَالَ ذَلِك الْخُلَفَاء الراشدون وَلَا أحد من الصَّحَابَة بل تركُوا النَّاس وَأمر التعبدات وَالْأَحْكَام وَلَكِن لما ظَهرت الْبدع قمعها السّلف أما التحريك للعقائد والتشمير لإظهارها وَإِقَامَة ثائرها فَمَا فعلوا ذَلِك بل حسموا الْبدع عِنْد ظُهُورهَا ثمَّ الحشوية إِذا بحثوا فِي مسَائِل أصُول الدّين مَعَ الْمُخَالفين تكلمُوا بالمعقول وتصرفوا فِي الْمَنْقُول فَإِذا وصلوا إِلَى الحشو تبلدوا وتأسوا فتراهم لَا يفهمون بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بالعجمية كلا وَالله وَالله لَو فَهموا لهاموا وَلَكِن اعْترضُوا بَحر الْهوى فشقوه وعاموا وأسمعوا كل ذِي عقل ضَعِيف وذهن سخيف وخالفوا السّلف فِي الْكَفّ عَن ذَلِك مَعَ الْعَوام وَلَقَد كَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ إِذا تكلم فِي علم التَّوْحِيد أخرج غير أَهله وَكَانُوا رَحِمهم الله تَعَالَى لَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ إِلَّا مَعَ أهل السّنة مِنْهُم إِذْ هِيَ قَاعِدَة أهل التَّحْقِيق وَكَانُوا يضنون بِهِ على الْأَحْدَاث وَقَالُوا الْأَحْدَاث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 هم المستقبلون الْأُمُور المبتدئون فِي الطَّرِيق فَلم يجربوا الْأُمُور وَلم يرسخ لَهُم فِيهَا قدم وَإِن كَانُوا أَبنَاء سبعين سنة وَقَالَ سهل رَضِي الله عَنهُ لَا تطلعوا الْأَحْدَاث على الْأَسْرَار قبل تمكنهم من اعْتِقَاد أَن الْإِلَه وَاحِد وَأَن الموحد فَرد صَمد منزه عَن الْكَيْفِيَّة والأينية لَا تحيط بِهِ الأفكار وَلَا تكيفه الْأَلْبَاب وَهَذَا الْفَرِيق لَا يَكْتَفِي من إِيمَان النَّاس إِلَّا باعتقاد الْجِهَة وَكَأَنَّهُ لم يسمع الحَدِيث الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله) الحَدِيث أَفلا يَكْتَفِي بِمَا اكْتفى بِهِ نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِنَّه يَأْمر الزمني بالخوض فِي بَحر لَا سَاحل لَهُ وَيَأْمُرهُمْ بالتفتيش عَمَّا لم يَأْمُرهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتفتيش عَنهُ وَلَا أحد من أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم لَا تنازل وَاكْتفى بِمَا نقل عَن إِمَامه الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ لَا يُوسُف الله تَعَالَى إِلَّا بِمَا وصف بِهِ نَفسه أَو وَصفه بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نتجاوز الْقُرْآن والْحَدِيث ونعلم أَن مَا وصف الله بِهِ من ذَلِك فَهُوَ حق لَيْسَ فِيهِ لَغْو وَلَا أُحَاج بل مَعْنَاهُ يعرف من حَيْثُ يعرف مَقْصُود الْمُتَكَلّم بِكَلَامِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِك {لَيْسَ كمثله شَيْء} فِي نَفسه المقدسة الْمَذْكُورَة بأسمائه وَصِفَاته وَلَا فِي أَفعاله فَكَانَ يَنْبَغِي أَن الله سُبْحَانَهُ لَهُ ذَات حَقِيقِيَّة وأفعال حَقِيقِيَّة وَكَذَلِكَ لَهُ صِفَات حَقِيقِيَّة وَهُوَ {لَيْسَ كمثله شَيْء} لَا فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي أَفعاله وكل مَا أوجب نقصا أَو حدوثا فَإِن الله عز وَجل منزه عَنهُ حَقِيقَة فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُسْتَحقّ للكمال الَّذِي لَا غَايَة فَوْقه وممتنع عَلَيْهِ الْحُدُوث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 لِامْتِنَاع الْعَدَم عَلَيْهِ واستلزام الْحُدُوث سَابِقَة الْعَدَم وافتقار الْمُحدث إِلَى مُحدث وَوُجُوب وجوده بِنَفسِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا نَص إِمَامه فَهَلا اكْتفى بِهِ وَلَقَد أُتِي إِمَامه فِي هَذَا الْمَكَان بجوامع الْكَلم وسَاق أَدِلَّة الْمُتَكَلِّمين على مَا يَدعِيهِ هَذَا المارق بِأَحْسَن رد وأوضح معَان مَعَ أَنه لم يَأْمر بِمَا أَمر هَذَا الْفَرِيق وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ سَأَلت مَالِكًا عَن التَّوْحِيد فَقَالَ محَال أَن نظن بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه علم أمته الِاسْتِنْجَاء وَلم يعلمهُمْ التَّوْحِيد وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله) الحَدِيث فَبين مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن الْمَطْلُوب من النَّاس فِي التَّوْحِيد هُوَ مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث وَلم يقل من التَّوْحِيد اعْتِقَاد أَن الله تَعَالَى فِي جِهَة الْعُلُوّ وَسُئِلَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَن صِفَات الله فَقَالَ حرَام على الْعُقُول أَن تمثل الله تَعَالَى وعَلى الأوهام أَن تحد وعَلى الظنون أَن تقطع وعَلى النُّفُوس أَن تفكر وعَلى الضمائر أَن تعمق وعَلى الخواطر أَن تحيط إِلَّا مَا وصف بِهِ نَفسه على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن تقصى وفتش وَبحث وجد أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالتَّابِعِينَ والصدر الأول لم يكن دأبهم غير الْإِمْسَاك عَن الْخَوْض فِي هَذِه الْأُمُور وَترك ذكرهَا فِي الْمشَاهد وَلم يَكُونُوا يدسونها إِلَى الْعَوام وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بهَا على المنابر وَلَا يوقعون فِي قُلُوب النَّاس مِنْهَا هواجس كالحريق المشعل وَهَذَا مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ من سيرهم وعَلى ذَلِك بنينَا عقيدتنا وأسسنا نحلتنا وسيظهر لَك إِن شَاءَ الله تَعَالَى موافقتنا للسلف وَمُخَالفَة الْمُخَالف طريقتهم وَإِن ادّعى الِاتِّبَاع فَمَا سالك غير الابتداع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 وَقَول الْمُدَّعِي إِنَّهُم أظهرُوا هَذَا وَيَقُول علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل شَيْء حَتَّى الخرأة وَمَا علم هَذَا المهم هَذَا بهرج لَا يمشي على الصَّيْرَفِي النقاد أَو مَا علم أَن الخرأة يحْتَاج إِلَيْهَا كل وَاحِد وَرُبمَا تَكَرَّرت الْحَاجة إِلَيْهَا فِي الْيَوْم مَرَّات وَأي حَاجَة بالعوام إِلَى الْخَوْض فِي الصِّفَات نعم الَّذِي يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من التَّوْحِيد قد تبين فِي حَدِيث (أمرت أَن أقَاتل النَّاس) ثمَّ هَذَا الْكَلَام من الْمُدَّعِي يهدم بُنْيَانه ويهد أَرْكَانه فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم الخرأة تَصْرِيحًا وَمَا علم النَّاس أَن الله تَعَالَى فِي جِهَة الْعُلُوّ وَمَا ورد من الْعَرْش وَالسَّمَاء فِي الاسْتوَاء قد بنى الْمُدَّعِي مبناه وأوثق عرى دَعْوَاهُ على أَن المُرَاد بهما شَيْء وَاحِد وَهُوَ جِهَة الْعُلُوّ فَمَا قَالَه هَذَا الْمُدَّعِي لم يُعلمهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته وعلمهم الخرأة فَعِنْدَ الْمُدَّعِي يجب تَعْلِيم الْعَوام حَدِيث الْجِهَة وَمَا علمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما نَحن فَالَّذِي نقُوله أَنه لَا يخاض فِي مثل هَذَا ويسكت عَنهُ كَمَا سكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ويسعنا مَا وسعهم وَلذَلِك لم يُوجد منا أحد يَأْمر الْعَوام بِشَيْء من الْخَوْض فِي الصِّفَات وَالْقَوْم وَقد جعلُوا دأبهم الدُّخُول فِيهَا وَالْأَمر بهَا فليت شعري من الْأَشْبَه بالسلف وَهَا نَحن تذكر عقيدة أهل السّنة فَنَقُول عقيدتنا أَن الله قديم أزلي لَا يشبه شَيْئا وَلَا يُشبههُ شَيْء لَيْسَ لَهُ جِهَة وَلَا مَكَان وَلَا يجْرِي عَلَيْهِ وَقت وَلَا زمَان وَلَا يُقَال لَهُ أَيْن وَلَا حَيْثُ يرى لَا عَن مُقَابلَة وَلَا على مُقَابلَة كَانَ وَلَا مَكَان كَون الْمَكَان ودبر الزَّمَان وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ هَذَا مَذْهَب أهل السّنة وعقيدة مَشَايِخ الطَّرِيق رَضِي الله عَنْهُم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 قَالَ الْجُنَيْد رَضِي الله عَنهُ مَتى يتَّصل من لَا شَبيه لَهُ وَلَا نَظِير لَهُ بِمن لَهُ شَبيه وَنَظِير وكما قيل ليحيى بن معَاذ الرَّازِيّ أخبرنَا عَن الله عز وَجل قَالَ إِلَه وَاحِد فَقيل لَهُ كَيفَ هُوَ فَقَالَ مَالك قَادر فَقيل لَهُ أَيْن هُوَ فَقَالَ بالمرصاد فَقَالَ السَّائِل لم أَسأَلك عَن هَذَا فَقَالَ مَا كَانَ غير هَذَا كَانَ صفة الْمَخْلُوق فَأَما صفته فَمَا أخْبرت عَنهُ وكما سَأَلَ ابْن شاهين الْجُنَيْد رَضِي الله عَنْهُمَا عَن معنى مَعَ فَقَالَ مَعَ على مَعْنيين مَعَ الْأَنْبِيَاء بالنصرة والكلاءة قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى} وَمَعَ الْعَالم بِالْعلمِ والإحاطة قَالَ الله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} فَقَالَ ابْن شاهين مثلك يصلح دَالا للْأمة على الله وَسُئِلَ ذُو النُّون الْمصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} فَقَالَ أثبت ذَاته وَنفى مَكَانَهُ فَهُوَ مَوْجُود بِذَاتِهِ والأشياء بِحِكْمَتِهِ كَمَا شَاءَ وَسُئِلَ عَنهُ الشبلي رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الرَّحْمَن لم يزل وَالْعرش مُحدث وَالْعرش بالرحمن اسْتَوَى وَسُئِلَ عَنْهَا جَعْفَر بن نصير فَقَالَ اسْتَوَى علمه بِكُل شَيْء وَلَيْسَ شَيْء أقرب إِلَيْهِ من شَيْء وَقَالَ جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ من زعم أَن الله فِي شَيْء أَو من شَيْء أَو على شَيْء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 فقد أشرك إِذْ لَو كَانَ فِي شَيْء لَكَانَ محصورا وَلَو كَانَ على شَيْء لَكَانَ مَحْمُولا وَلَو كَانَ من شَيْء لَكَانَ مُحدثا وَقَالَ مُحَمَّد بن مَحْبُوب خَادِم أبي عُثْمَان المغربي قَالَ لي أَبُو عُثْمَان المغربي يَوْمًا يَا مُحَمَّد لَو قَالَ لَك قَائِل أَيْن معبودك أيش تَقول قلت أَقُول حَيْثُ لم يزل قَالَ فَإِن قَالَ فَأَيْنَ كَانَ فِي الْأَزَل أيش تَقول قلت حَيْثُ هُوَ الْآن يَعْنِي أَنه كَانَ وَلَا مَكَان فَهُوَ الْآن كَمَا كَانَ قَالَ فارتضى ذَلِك مني وَنزع قَمِيصه وأعطانيه وَقَالَ أَبُو عُثْمَان المغربي كنت أعتقد شَيْئا من حَدِيث الْجِهَة فَلَمَّا قدمت بَغْدَاد زَالَ ذَلِك عَن قلبِي فَكتبت إِلَى أَصْحَابِي بِمَكَّة أَنِّي أسلمت جَدِيدا قَالَ فَرجع كل من كَانَ تَابعه عَن ذَلِك فَهَذِهِ كَلِمَات أَعْلَام أهل التَّوْحِيد وأئمة جُمْهُور الْأمة سوى هَذِه الشرذمة الزائغة وكتبهم طافحة بذلك وردهم على هَذِه النازغة لَا يكَاد يحصر وَلَيْسَ عرضا بذلك تقليدهم لمنع ذَلِك فِي أصُول الديانَات بل إِنَّمَا ذكرت ذَلِك ليعلم أَن مَذْهَب أهل السّنة مَا قدمْنَاهُ ثمَّ إِن قَوْلنَا إِن آيَات الصِّفَات وأخبارها على من يسْمعهَا وظائف التَّقْدِيس وَالْإِيمَان بِمَا جَاءَ عَن الله تَعَالَى وَعَن رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مُرَاد الله تَعَالَى وَمُرَاد رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والتصديق وَالِاعْتِرَاف بِالْعَجزِ وَالسُّكُوت والإمساك عَن التَّصَرُّف فِي الْأَلْفَاظ الْوَارِدَة وكف الْبَاطِن عَن التفكر فِي ذَلِك واعتقاد أَن مَا خَفِي عَلَيْهِ مِنْهَا لم يخف عَن الله وَلَا عَن رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَيَأْتِي شرح هَذِه الوضائف إِن شَاءَ الله تَعَالَى فليت شعري فِي أَي شَيْء نخالف السّلف هَل هُوَ فِي قَوْلنَا كَانَ وَلَا مَكَان أَو فِي قَوْلنَا إِنَّه تَعَالَى كَون الْمَكَان أَو فِي قَوْلنَا وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 أَو فِي قَوْلنَا تقدس الْحق عَن الجسمية ومشابهتها أَو فِي قَوْلنَا يجب تَصْدِيق مَا قَالَه الله تَعَالَى وَرَسُوله بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَ أَو فِي قَوْلنَا يجب الِاعْتِرَاف بِالْعَجزِ أَو فِي قَوْلنَا نسكت عَن السُّؤَال والخوض فِيمَا لَا طَاقَة لنا بِهِ أَو فِي قَوْلنَا يجب إمْسَاك اللِّسَان عَن تَغْيِير الظَّوَاهِر بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وليت شعري فِي مَاذَا وافقوا هم السّلف هَل فِي دُعَائِهِمْ إِلَى الْخَوْض فِي هَذَا والحث على الْبَحْث مَعَ الْأَحْدَاث الغرين والعوام الطغام الَّذين يعجزون عَن غسل مَحل النجو وَإِقَامَة دعائم الصَّلَاة أَو وافقوا السّلف فِي تَنْزِيه الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن الْجِهَة وَهل سمعُوا فِي كتاب الله أَو أثارة من علم عَن السّلف أَنهم وصفوا الله تَعَالَى بِجِهَة الْعُلُوّ وَأَن كل مَالا يصفه بِهِ فَهُوَ ضال مضل من فراخ الفلاسفة والهنود واليونان {انْظُر كَيفَ يفترون على الله الْكَذِب وَكفى بِهِ إِثْمًا مُبينًا} وَنحن الْآن نبتدئ بإفساد مَا ذكره ثمَّ بعد ذَلِك نُقِيم الْحجَّة على نفي الْجِهَة والتشبيه وعَلى جَمِيع مَا يَدعِيهِ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان فَأَقُول ادّعى أَولا أَنه يَقُول بِمَا قَالَ الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم ثمَّ إِنَّه قَالَ مَا لم يقلهُ الله وَلَا رَسُوله وَلَا السَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَلَا شَيْئا مِنْهُ فَأَما الْكتاب وَالسّنة فسنبين مُخَالفَته لَهما وَأما السَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَذكره لَهُم فِي هَذَا الْموضع اسْتِعَارَة للتهويل وَإِلَّا فَهُوَ لم يُورد من أَقْوَالهم كلمة وَاحِدَة لَا نفيا وَلَا إِثْبَاتًا وَإِذا تصفحت كَلَامه عرفت ذَلِك اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مُرَاده بالسابقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار مَشَايِخ عقيدته دون الصَّحَابَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 وَأخذ بعد هَذِه الدَّعْوَى فِي مدحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي مدح دينه وَأَن أَصْحَابه أعلم النَّاس بذلك وَالْأَمر كَمَا قَالَه وَفَوق مَا قَالَه وَكَيف المدائح تستوفي مناقبه وَلَكِن كَلَامه كَمَا قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل ثمَّ أَخذ بعد ذَلِك فِي ذمّ الْأَئِمَّة وأعلام الْأمة حَيْثُ اعْتَرَفُوا بِالْعَجزِ عَن إِدْرَاكه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ أَن سيد الرُّسُل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك) وَقَالَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ الْعَجز عَن دَرك الْإِدْرَاك إِدْرَاك وتجاسر الْمُدَّعِي على دَعْوَى الْمعرفَة وَأَن ابْن الْحيض قد عرف الْقَدِيم على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَا غرور وَلَا جهل أعظم مِمَّن يَدعِي ذَلِك فنعوذ بِاللَّه من الخذلان ثمَّ أَخذ بعد ذَلِك فِي نِسْبَة مَذْهَب جُمْهُور أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَنه مَذْهَب فراخ الفلاسفة وَأَتْبَاع اليونان والهنود {ستكتب شَهَادَتهم ويسألون} ثمَّ قَالَ كتاب الله تَعَالَى من أَوله إِلَى آخِره وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَولهَا إِلَى آخرهَا ثمَّ عَامَّة كَلَام الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ثمَّ كَلَام سَائِر الْأَئِمَّة مَمْلُوء بِمَا هُوَ إِمَّا نَص وَإِمَّا ظَاهر فِي الله تَعَالَى أَنه فَوق كل شَيْء وعَلى كل شَيْء وَأَنه فَوق الْعَرْش وَأَنه فَوق السَّمَاء وَقَالَ فِي أثْنَاء كَلَامه وأواخر مَا زَعمه إِنَّه فَوق الْعَرْش حَقِيقَة وَقَالَهُ فِي مَوضِع آخر عَن السّلف فليت شعري أَيْن هَذَا فِي كتاب الله تَعَالَى على هَذِه الصُّورَة الَّتِي نقلهَا عَن كتاب ربه وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهل فِي كتاب الله تَعَالَى كلمة مِمَّا قَالَه حَتَّى يَقُول إِنَّه فِي نَص وَالنَّص هُوَ الَّذِي لَا يحْتَمل التَّأْوِيل أَلْبَتَّة وَهَذَا مُرَاده فَإِنَّهُ جعله غير الظَّاهِر لعطفه لَهُ عَلَيْهِ وَأي آيَة فِي كتاب الله تَعَالَى نَص بِهَذَا الِاعْتِبَار فَأول مَا اسْتدلَّ بِهِ قَوْله تَعَالَى {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} فليت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 شعري أَي نَص فِي الْآيَة أَو ظَاهر على أَن الله تَعَالَى فِي السَّمَاء أَو على الْعَرْش ثمَّ نِهَايَة مَا يتَمَسَّك بِهِ أَنه يدل على علو يفهم من الصعُود وهيهات زل حمَار الْعلم فِي الطين فَإِن الصعُود فِي الْكَلَام كَيفَ يكون حَقِيقَة مَعَ أَن الْمَفْهُوم فِي الْحَقَائِق أَن الصعُود مَا صِفَات الْأَجْسَام فَلَيْسَ المُرَاد إِلَّا الْقبُول وَمَعَ هَذَا لَا حد وَلَا مَكَان وأتبعها بقوله تَعَالَى {إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ} وَمَا أَدْرِي من أَيْن استنبط من هَذَا الْخَبَر أَن الله تَعَالَى فَوق الْعَرْش من هَذِه الْآيَة هَل ذَلِك بِدلَالَة الْمُطَابقَة أَو التضمن أَو الِالْتِزَام أَو هُوَ شَيْء أَخذه بطرِيق الْكَشْف والنفث فِي الروع وَلَعَلَّه اعْتقد أَن الرّفْع إِنَّمَا يكون فِي الْعُلُوّ فِي الْجِهَة فَإِن كَانَ كَمَا خطر لَهُ فَذَاك أَيْضا لَا يعقل إِلَّا فِي الجسمية والحدية وَإِن لم يقل بهما فَلَا حَقِيقَة فِيمَا اسْتدلَّ بِهِ وَإِن قَالَ بهما فَلَا حَاجَة إِلَى المغالطة وَلَعَلَّه لم يسمع الرّفْع فِي الْمرتبَة والتقريب فِي المكانة من اسْتِعْمَال الْعَرَب وَالْعرْف وَلَا فلَان رفع الله شَأْنه وأتبع ذَلِك قَوْله {أأمنتم من فِي السَّمَاء أَن يخسف بكم الأَرْض} وَخص هَذَا الْمُسْتَدلّ من بِاللَّه تَعَالَى وَلَعَلَّه لم يجوز أَن المُرَاد بِهِ مَلَائِكَة الله تَعَالَى وَلَعَلَّه يَقُول إِن الْمَلَائِكَة لَا تفعل ذَلِك وَلَا أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام خسف بِأَهْل سدوم فَلذَلِك اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة ولعلها هِيَ النَّص الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ وَأتبعهُ بقوله تَعَالَى {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ} والعروج والصعود شَيْء وَاحِد وَلَا دلَالَة فِي الْآيَة على أَن العروج إِلَى سَمَاء وَلَا عرش وَلَا شَيْء من الْأَشْيَاء الَّتِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 ادَّعَاهَا بِوَجْه من الْوُجُوه لِأَن حَقِيقَته المستعملة فِي لُغَة الْعَرَب فِي الِانْتِقَال فِي حق الْأَجْسَام إِذْ لَا تعرف الْعَرَب إِلَّا ذَلِك فليت لَو أظهره واستراح من كِتْمَانه وأردفه بقوله تَعَالَى {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} وَتلك أَيْضا لَا دلَالَة لَهُ فِيهَا عَن سَمَاء وَلَا عرش وَلَا أَنه فِي شَيْء من ذَلِك حَقِيقَة ثمَّ الْفَوْقِيَّة ترد لمعنيين أَحدهمَا نِسْبَة جسم إِلَى جسم بِأَن يكون أَحدهمَا أَعلَى وَالْآخر أَسْفَل بِمَعْنى أَن أَسْفَل الْأَعْلَى من جَانب رَأس الْأَسْفَل وَهَذَا لَا يَقُول بِهِ من لَا يجسم وَبِتَقْدِير أَن يكون هُوَ المُرَاد وَأَنه تَعَالَى لَيْسَ لجسم فَلم لَا يجوز أَن يكون {من فَوْقهم} صلَة ل {يخَافُونَ} وَيكون تَقْدِير الْكَلَام يخَافُونَ من فَوْقهم رَبهم أَي أَن الْخَوْف من جِهَة الْعُلُوّ وَأَن الْعَذَاب يَأْتِي من تِلْكَ الْجِهَة وَثَانِيهمَا بِمَعْنى الْمرتبَة كَمَا يُقَال الْخَلِيفَة فَوق السُّلْطَان وَالسُّلْطَان فَوق الْأَمِير وكما يُقَال جلس فلَان فَوق فلَان وَالْعلم فَوق الْعَمَل والصباغة فَوق الدباغة وَقد وَقع ذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ {ورفعنا بَعضهم فَوق بعض دَرَجَات} وَلم يطلع أحدهم على أكتاف الآخر وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّا فَوْقهم قاهرون} وَمَا ركبت القبط أكتاف بني إِسْرَائِيل وَلَا ظُهُورهمْ وَأَرْدَفَ ذَلِك بقوله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} وَورد هَذَا فِي كتاب الله فِي سِتَّة مَوَاضِع من كِتَابه وَهِي عُمْدَة المشبهة وَأقوى معتمدهم حَتَّى إِنَّهُم كتبوها على بَاب جَامع همذان فلصرف الْعِنَايَة إِلَى إيضاحها فَنَقُول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 إِمَّا أَنهم يعزلون الْعقل بِكُل وَجه وَسبب وَلَا يلتفتون إِلَى مَا سمي فهما وإدراكا فمرحبا بفعلهم وَبقول {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} وَإِن تعدوا هَذَا إِلَى أَنه مستو على الْعَرْش فَلَا حبا وَلَا كَرَامَة فَإِن الله تَعَالَى مَا قَالَه مَعَ أَن عُلَمَاء الْبَيَان كالمتفقين على أَن فِي اسْم الْفَاعِل من الثُّبُوت مَا لَا يفهم من الْفِعْل وَإِن قَالُوا هَذَا يدل على أَنه فَوْقه فقد تركُوا مَا التزموه وبالغوا فِي التَّنَاقُض والتشهي والجرأة وَإِن قَالُوا بل نبقي الْعقل ونفهم مَا هُوَ المُرَاد فَنَقُول لَهُم مَا هُوَ الاسْتوَاء فِي كَلَام الْعَرَب فَإِن قَالُوا الْجُلُوس والاستقرار قُلْنَا هَذَا مَا تعرفه الْعَرَب إِلَّا فِي الْجِسْم فَقولُوا يَسْتَوِي جسم على الْعَرْش وَإِن قَالُوا جُلُوس واستقرار نسبته إِلَى ذَات الله تَعَالَى كنسبة الْجُلُوس إِلَى الْجِسْم فالعرب لَا تعرف هَذَا حَتَّى يكون هُوَ الْحَقِيقَة ثمَّ الْعَرَب تفهم اسْتِوَاء الْقدح الَّذِي هُوَ ضد الاعوجاج فوصفوه بذلك وتبرءوا مَعَه من التجسيم وسدوا بَاب الْحمل على غير الْجُلُوس وَلَا يسدونه فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا كُنْتُم} وَقَوله تَعَالَى {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} وَلَا تَقولُوا مَعَهم بِالْعلمِ وَإِن قُلْتُمْ ذَلِك فَلم تحلونه عَاما وتحرمونه عَاما وَمن أَيْن لكم أَن لَيْسَ الاسْتوَاء فعلا من أَفعاله تَعَالَى فِي الْعَرْش فَإِن قَالُوا لَيْسَ هَذَا كَلَام الْعَرَب قُلْنَا وَلَا كَلَام الْعَرَب اسْتَوَى بِالْمَعْنَى الَّذِي تقولونه بِلَا جسم وَلَقَد رام الْمُدَّعِي التفلت من شرك التجسيم بِمَا زَعمه من أَن الله تَعَالَى فِي جِهَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 وَأَنه اسْتَوَى على الْعَرْش اسْتِوَاء يَلِيق بجلاله فَنَقُول لَهُ قد صرت الْآن إِلَى قَوْلنَا فِي الاسْتوَاء وَأما الْجِهَة فَلَا تلِيق بالجلال وَأخذ على الْمُتَكَلِّمين قَوْلهم إِن الله تَعَالَى لَو كَانَ فِي جِهَة فإمَّا أَن يكون أكبر أَو أَصْغَر أَو مُسَاوِيا وكل ذَلِك محَال قَالَ فَلم يفهموا من قَول الله تَعَالَى {على الْعَرْش} إِلَّا مَا يثبتون لأي جسم كَانَ على أَي جسم كَانَ قَالَ وَهَذَا اللَّازِم تَابع لهَذَا الْمَفْهُوم وَأما اسْتِوَاء يَلِيق بِجلَال الله فَلَا يلْزمه شَيْء من اللوازم فَنَقُول لَهُ أتميميا مرّة وقيسيا أُخْرَى إِذا قلت اسْتَوَى اسْتِوَاء يَلِيق بِجلَال الله فَهُوَ مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين وَإِن قلت اسْتِوَاء هُوَ اسْتِقْرَار واختصاص بِجِهَة دون أُخْرَى لم يجد ذَلِك تخلصا من الترديد الْمَذْكُور والاستواء بِمَعْنى الِاسْتِيلَاء وَأشْهد لَهُ فِي هَذِه الْآيَة أَنَّهَا لم ترد قطّ إِلَّا فِي إِظْهَار العظمة وَالْقُدْرَة وَالسُّلْطَان وَالْملك وَالْعرب تكني بذلك عَن الْملك فَيَقُولُونَ فلَان اسْتَوَى على كرْسِي المملكة وَإِن لم يكن جلس عَلَيْهِ مرّة وَاحِدَة ويريدون بذلك الْملك وَأما قَوْلهم فَإِن حملتم الاسْتوَاء على الِاسْتِيلَاء لم يبْق لذكر الْعَرْش فَائِدَة فَإِن ذَلِك فِي حق كل الْمَخْلُوقَات فَلَا يخْتَص بالعرش فَالْجَوَاب عَنهُ أَن كل الموجودات لما حواها الْعَرْش كَانَ الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِ اسْتِيلَاء على جَمِيعهَا وَلَا كَذَلِك غير وَأَيْضًا فكناية الْعَرَب السَّابِقَة ترجحه وَقد تقدم الْكَلَام عَن السّلف فِي معنى الاسْتوَاء كجعفر الصَّادِق وَمن تقدم وَقَوْلهمْ اسْتَوَى بمنى استولى إِنَّمَا يكون فِيمَا يدافع عَلَيْهِ قُلْنَا واستوى بمنى جلس أَيْضا إِنَّمَا يكون فِي جسم وَأَنْتُم قد قُلْتُمْ إِنَّكُم لَا تَقولُونَ بِهِ وَلَو وصفوه تَعَالَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 بالاستواء على الْعَرْش لما أَنْكَرْنَا عَلَيْهِم ذَلِك بل نعدهم إِلَى مَا يشبه التَّشْبِيه أَو هُوَ التَّشْبِيه الْمَحْذُور وَالله الْمُوفق وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن فِرْعَوْن {يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} فليت شعري كَيفَ فهم من كَلَام فِرْعَوْن أَن الله تَعَالَى فَوق السَّمَوَات وَفَوق الْعَرْش يطلع إِلَى إِلَه مُوسَى أما أَن إِلَه مُوسَى فِي السَّمَوَات فَمَا ذكره وعَلى تَقْدِير فهم ذَلِك من كَلَام فِرْعَوْن فَكيف يسْتَدلّ بِظَنّ فِرْعَوْن وفهمه مَعَ إِخْبَار الله تَعَالَى عَنهُ أَنه زين لَهُ سوء علمه وَأَنه حاد عَن سَبِيل الله عز وَجل وَأَن كَيده فِي ضلال مَعَ أَنه لما سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ وَمَا رب السَّمَوَات لم يتَعَرَّض مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام للجهة بل لم يذكر إِلَّا أخص بِالصِّفَاتِ وَهِي الْقُدْرَة على الاختراع وَلَو كَانَت الْجِهَة ثَابِتَة لَكَانَ التَّعْرِيف بهَا أولى فَإِن الْإِشَارَة الحسية من أقوى المعرفات حسا وَعرفا وَفرْعَوْن سَأَلَ بِلَفْظَة مَا فَكَانَ الْجَواب بالتحيز أولى من الصّفة وَغَايَة مَا فهمه من هَذِه الْآيَة وَاسْتدلَّ بِهِ فهم فِرْعَوْن فَيكون عُمْدَة هَذِه العقيدة كَون فِرْعَوْن ظَنّهَا فَيكون هُوَ مستندها فليت شعري لم لَا ذكر النِّسْبَة إِلَيْهِ كَمَا ذكر أَن عقيدة سَادَات أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين خالفوا اعْتِقَاده فِي مَسْأَلَة التحيز والجهة الَّذين ألحقهم بالجهمية مُتَلَقَّاة من لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيّ الَّذِي سحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 وَختم الْآيَات الْكَرِيمَة بالاستدلال بقوله {تَنْزِيل من حَكِيم حميد} {منزل من رَبك بِالْحَقِّ} وَمَا فِي الْآيَتَيْنِ لَا عرش وَلَا كرْسِي وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض بل مَا فيهمَا إِلَّا مُجَرّد التَّنْزِيل وَمَا أَدْرِي من أَي الدلالات استنبطها الْمُدَّعِي فَإِن السَّمَاء لَا تفهم من التَّنْزِيل فَإِن التَّنْزِيل قد يكون من السَّمَاء وَقد يكون من غَيرهَا وَلَا تَنْزِيل الْقُرْآن كَيفَ يفهم مِنْهُ النُّزُول الَّذِي هُوَ انْتِقَال من فَوق إِلَى أَسْفَل فَإِن الْعَرَب لَا تفهم ذَلِك فِي كَلَام سَوَاء كَانَ من عرض أَو غير عرض وكما تطلق الْعَرَب النُّزُول على الِانْتِقَال تطلقه على غَيره كَمَا جَاءَ فِي كِتَابه الْعَزِيز {وأنزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد} قَوْله تَعَالَى {وَأنزل لكم من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج} وَلم ير أحد قطّ قِطْعَة حَدِيد نازلة من السَّمَاء فِي الْهَوَاء وَلَا جملا يحلق من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَكَمَا جوز هُنَا أَن النُّزُول غير الِانْتِقَال من الْعُلُوّ إِلَى السّفل فليجوزه هُنَاكَ هَذَا آخر مَا اسْتدلَّ بِهِ من الْكتاب الْعَزِيز وَقد ادّعى أَولا أَنه يَقُول مَا قَالَه الله وَأَن مَا ذكره من الْآيَات دَلِيل على قَوْله إِمَّا نصا وَإِمَّا ظَاهرا وَأَنت إِذا رَأَيْت مَا ادَّعَاهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 وأمعنت النّظر فِيمَا قُلْنَاهُ واستقريت هَذِه الْآيَات لم تَجِد فِيهَا كلمة على وفْق مَا قَالَه أَولا وَلَا نصا وَلَا ظَاهرا أَلْبَتَّة وكل أَمر بعد كتاب الله تَعَالَى وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ خلل ثمَّ اسْتدلَّ من السّنة بِحَدِيث الْمِعْرَاج وَلم يرد فِي حَدِيث الْمِعْرَاج أَن الله فَوق السَّمَاء أَو فَوق الْعَرْش حَقِيقَة وَلَا كلمة وَاحِدَة من ذَلِك وَهُوَ لم يسْرد حَدِيث الْمِعْرَاج وَلَا بَين الدّلَالَة مِنْهُ حَتَّى نجيب عَنهُ فَإِن بَين وَجه الِاسْتِدْلَال عَرفْنَاهُ كَيفَ الْجَواب وَاسْتدلَّ بنزول الْمَلَائِكَة من عِنْد الله تَعَالَى وَالْجَوَاب عَن ذَلِك أَن نزُول الْمَلَائِكَة من السَّمَاء إِنَّمَا كَانَ لِأَن السَّمَاء مقرهم والعندية لَا تدل على أَن الله فِي السَّمَاء لِأَنَّهُ يُقَال فِي الرُّسُل الْآدَمِيّين إِنَّهُم من عِنْد الله وَإِن لم يَكُونُوا نزلُوا من السَّمَاء على أَن العندية قد يُرَاد بهَا الشّرف والرتبة قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} وتستعمل فِي غير ذَلِك كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِكَايَة عَن ربه عز وَجل (أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي) وَذكر عروج الْمَلَائِكَة وَقد سبق وَرُبمَا شدّ فقار ظَهره وقوى منَّة منته بِلَفْظَة {إِلَى رَبهم} وَأَن {إِلَى} لانْتِهَاء الْغَايَة وَأَنَّهَا فِي قطع الْمسَافَة وَإِذا سكت عَن هَذَا لم يتَكَلَّم بِكَلَام الْعَرَب فَإِن الْمسَافَة لَا تفهم الْعَرَب مِنْهَا إِلَّا مَا تنْتَقل فِيهِ الْأَجْسَام وَهُوَ يَقُول إِنَّهُم لَا يَقُولُونَ بذلك وَقد قَالَ الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي} وَلَيْسَ المُرَاد بذلك الِانْتِهَاء الَّذِي عناه الْمُدَّعِي بالِاتِّفَاقِ فَلم يجترئ على ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى وَلَا يُجَاب بِهِ فِي خبر الْوَاحِد وَذكر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَلا تأمنوني وَأَنا أَمِين من فِي السَّمَاء يأتيني خبر من فِي السَّمَاء صباحا وَمَسَاء) وَلَيْسَ المُرَاد بِمن هُوَ الله تَعَالَى وَلَا ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك وَلَا خصّه بِهِ وَمن أَيْن للْمُدَّعِي أَنه لَيْسَ المُرَاد بِمن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 الْمَلَائِكَة فَإِنَّهُم أكبر الْمَخْلُوقَات علما بِاللَّه تَعَالَى وأشدهم اطلاعا على الْقرب وهم يعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمِين وَهُوَ عِنْدهم فِي هَذِه الرُّتْبَة فَليعلم الْمُدَّعِي أَنه لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يَنْفِي هَذَا وَلَا مَا يثبت مَا ادَّعَاهُ ثمَّ ذكر حَدِيث الرّقية (رَبنَا الله الَّذِي فِي السَّمَاء تقدس اسْمك أَمرك فِي السَّمَاء وَالْأَرْض كَمَا رزقك فِي السَّمَاء) الحَدِيث وَهَذَا الحَدِيث بِتَقْدِير ثُبُوته فَالَّذِي ذكره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ (رَبنَا الَّذِي فِي السَّمَاء تقدس اسْمك) مَا سكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فِي السَّمَاء فلأي معنى نقف نَحن عَلَيْهِ ونجعل تقديس اسْمك كلَاما مستأنفا هَل فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا أَو أَمر بِهِ وَعند ذَلِك لَا يجد الْمُدَّعِي مخلصا إِلَّا أَن يَقُول الله تقدس اسْمه فِي السَّمَاء وَالْأَرْض فَلم خصصت السَّمَاء بِالذكر فَنَقُول لَهُ مَا معنى تقدس إِن كَانَ المُرَاد بِهِ التَّنْزِيه من حَيْثُ هُوَ تَنْزِيه فَذَلِك لَيْسَ فِي سَمَاء وَلَا أَرض إِذْ التَّنْزِيه نفي النقائص وَذَلِكَ لَا تعلق لَهُ بجرباء وَلَا غبراء فَإِن المُرَاد أَن الْمَخْلُوقَات تقدس وتعترف بالتنزيه فَلَا شكّ أَن أهل السَّمَاء مطبقون على تنزيهه تَعَالَى كَمَا أَنه لَا شكّ أَن فِي أهل الأَرْض من لم ينزه وَجعل لَهُ ندا وَوَصفه بِمَا لَا يَلِيق بجلاله فَيكون تَخْصِيص السَّمَاء بِذكر التَّقْدِيس فِيهَا لانفراد أَهلهَا بالإطباق على التَّنْزِيه كَمَا أَنه سُبْحَانَهُ لما انْفَرد فِي الْملك فِي يَوْم الدّين عَمَّن يتَوَهَّم ملكه خصصه بقوله تَعَالَى {مَالك يَوْم الدّين} وكما قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعد دمار من ادّعى الْملك وَالْملك {لمن الْملك الْيَوْم لله الْوَاحِد القهار} وَأعَاد هَذَا الْمُدَّعِي الحَدِيث من أَوله وَوصل إِلَى أَن قَالَ فَلْيقل رَبنَا الَّذِي فِي السَّمَاء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 53 قَالَ وَذكره ووقف على قَوْله فِي السَّمَاء فليت شعري هَل جوز أحد من الْعلمَاء أَن يفعل مثل هَذَا وَهل هَذَا إِلَّا مُجَرّد إِيهَام أَن سيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهِم قَالَ (رَبنَا الله فِي السَّمَاء) وَأما حَدِيث الأوعال وَمَا فِيهِ من قَوْله (وَالْعرش فَوق ذَلِك كُله وَالله فَوق ذَلِك كُله) فَهَذَا الحَدِيث قد كثر مِنْهُم إِيهَام الْعَوام أَنهم يَقُولُونَ بِهِ ويروجون بِهِ زخارفهم وَلَا يتركون دَعْوَى من دعاويهم عاطلة من التحلي بِهَذَا الحَدِيث وَنحن نبين أَنهم لم يَقُولُوا بِحرف وَاحِد مِنْهُ وَلَا اسْتَقر لَهُم قدم بِأَن الله تَعَالَى فَوق الْعَرْش حَقِيقَة بل نقضوا ذَلِك وإيضاح ذَلِك بِتَقْدِيم مَا أخر هَذَا الْمُدَّعِي قَالَ فِي آخر كَلَامه وَلَا يظنّ الظَّان أَن هَذَا يُخَالف ظَاهر قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا كُنْتُم} وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى الصَّلَاة فَإِن الله قبل وَجهه) وَنَحْو ذَلِك قَالَ فَإِن هَذَا غلط ظَاهر وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى مَعنا حَقِيقَة فَوق الْعَرْش حَقِيقَة قَالَ كَمَا جمع الله بَينهمَا فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يعلم مَا يلج فِي الأَرْض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا كُنْتُم وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} قَالَ هَذَا الْمُدَّعِي بملء مَا ضغتيه من غير تكْتم وَلَا تلعثم فقد أخبر الله تَعَالَى أَنه فَوق الْعَرْش وَيعلم كل شَيْء وَهُوَ مَعنا أَيْنَمَا كُنَّا كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث الأوعال (وَالله فَوق الْعَرْش وَهُوَ يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ) فقد فهمت أَن هَذَا الْمُدَّعِي ادّعى أَن الله فَوق الْعَرْش حَقِيقَة وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} وَجعل أَن ذَلِك من الله تَعَالَى خير أَنه فَوق الْعَرْش وَقد علم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 54 كل ذِي ذهن قويم وفكر مُسْتَقِيم أَن لفظ {اسْتَوَى على الْعَرْش} لَيْسَ مرادفا للفظ فَوق الْعَرْش حَقِيقَة وَقد سبق منا الْكَلَام عَلَيْهِ وَلَا فِي الْآيَة مَا يدل على الْجمع الَّذِي ادَّعَاهُ وَلَا بَين التَّقْرِيب فِي الِاسْتِدْلَال بل سرد آيَة من كتاب الله تَعَالَى لَا يدرى هَل حفظهَا أَو نقلهَا من الْمُصحف ثمَّ شبه الْآيَة فِي الدّلَالَة على الْجمع بِحَدِيث الأوعال قَالَ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ (وَالله فَوق الْعَرْش) وَقد علمت أَنه لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على الْمَعِيَّة بل لَا مدْخل لمع فِي الحَدِيث قَالَ وَذَلِكَ أَن مَعَ إِذا أطلقت فَلَيْسَ ظَاهرهَا فِي اللُّغَة إِلَّا للمقارنة الْمُطلقَة من غير وجوب مماسة وَلَا محاذاة عَن يَمِين أَو شمال فَإِذا قيدت بِمَعْنى من الْمعَانِي دلّت على الْمُقَارنَة فِي ذَلِك الْمَعْنى فَإِنَّهُ يُقَال مَا زلنا نسير وَالْقَمَر مَعنا والنجم مَعنا وَيُقَال هَذَا الْمَتَاع مَعنا وَهُوَ لمجامعته لَك وَإِن كَانَ فَوق رَأسك فَإِنَّمَا الله مَعَ خلقه حَقِيقَة وَهُوَ فَوق الْعَرْش حَقِيقَة ثمَّ هَذِه الْمَعِيَّة تخْتَلف أَحْكَامهَا بِحَسب الْمَوَارِد فَلَمَّا قَالَ {يعلم مَا يلج فِي الأَرْض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا كُنْتُم وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} دلّ ظَاهر الْخطاب على أَن حكم هَذِه الْمَعِيَّة ومقتضاها أَنه مطلع عَلَيْكُم عَالم بكم قَالَ وَهَذَا معنى قَول السّلف إِنَّه مَعَهم بِعِلْمِهِ قَالَ وَهَذَا ظَاهر الْخطاب وَحَقِيقَته قَالَ وَكَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة} الْآيَة وَفِي قَوْله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 55 تَعَالَى {لَا تحزن إِن الله مَعنا} {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون} {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى} قَالَ وَيَقُول أَبُو الصَّبِي لَهُ من فَوق السّقف لَا تخف أَنا مَعَك تَنْبِيها على الْمَعِيَّة الْمُوجبَة لحكم الْحَال فليفهم النَّاظر أدب هَذَا الْمُدَّعِي فِي هَذَا الْمثل وَحسن أَلْفَاظه فِي استثمار مقاصده ثمَّ قَالَ فَفرق بَين الْمَعِيَّة وَبَين مقتضاها الْمَفْهُوم من مَعْنَاهَا الَّذِي يخْتَلف باخْتلَاف الْمَوَاضِع فليفهم النَّاظر هَذِه الْعبارَة الَّتِي لَيست بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بالعجمية فسبحان المسبح باللغات الْمُخْتَلفَة قَالَ فَلفظ الْمَعِيَّة قد اسْتعْمل فِي الْكتاب وَالسّنة فِي مَوَاضِع يَقْتَضِي فِي كل مَوضِع أمورا لَا يقتضيها فِي الْموضع الآخر هَذِه عِبَارَته بحروفها ثمَّ قَالَ فإمَّا أَن تخْتَلف دلالتها بِحَسب الْمَوَاضِع أَو تدل على قدر مُشْتَرك بَين جَمِيع مواردها وَإِن امتاز كل مَوضِع بخاصية فليفهم تَقْسِيم هَذَا الْمُدَّعِي وَحسن تصرفه قَالَ فعلى التَّقْدِيرَيْنِ لَيْسَ مقتضاها أَن تكون ذَات الرب مختلطة بالخلق حَتَّى يُقَال صرفت عَن ظَاهرهَا ثمَّ قَالَ فِي مَوضِع آخر من علم أَن الْمَعِيَّة تُضَاف إِلَى كل نوع من أَنْوَاع الْمَخْلُوقَات كإضافة الربوبية مثلا وَأَن الاسْتوَاء على الْعَرْش لَيْسَ إِلَّا الْعَرْش وَأَن الله تَعَالَى يُوصف بالعلو والفوقية الْحَقِيقِيَّة وَلَا يُوصف بالسفول وَلَا بالتحتية قطّ لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا علم أَن الْقُرْآن على مَا هُوَ عَلَيْهِ من غير تَحْرِيف فليفهم النَّاظر هَذِه الْمُقدمَات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 56 القطعية وَهَذِه الْعبارَات الرائقة الجلية وَحصر الاسْتوَاء على الشَّيْء فِي الْعَرْش مِمَّا لَا يَقُوله عَاقل فضلا عَن جَاهِل ثمَّ قَالَ من توهم أَن كَون الله فِي السَّمَاء بِمَعْنى أَن السَّمَاء تحيط بِهِ وتحويه فَهُوَ كَاذِب إِن نَقله عَن غَيره وضال إِن اعتقده فِي ربه وَمَا سمعنَا أحدا يفهمهُ من اللَّفْظ وَلَا رَأينَا أحد نَقله عَن أحد فليستفد النَّاظر أَن الْفَهم يسمع قَالَ وَلَو سُئِلَ سَائِر الْمُسلمين هَل يفهمون من قَول الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله تَعَالَى فِي السَّمَاء تحويه لبادر كل أحد مِنْهُم إِلَى أَن يَقُول هَذَا شَيْء لَعَلَّه لم يخْطر ببالنا وَإِذا كَانَ الْأَمر هَكَذَا فَمن التَّكَلُّف أَن يَجْعَل ظَاهر اللَّفْظ شَيْئا محالا لَا يفهمهُ النَّاس مِنْهُ ثمَّ يُرِيد أَن يتأوله قَالَ بل عِنْد الْمُسلمين أَن الله فِي السَّمَاء وَهُوَ على الْعَرْش وَاحِد إِذْ السَّمَاء إِنَّمَا يُرَاد بِهِ الْعُلُوّ فَالْمَعْنى الله فِي الْعُلُوّ لَا فِي السّفل هَكَذَا قَالَ هَذَا الْمُدعى فليثن النَّاظر على هَذِه بالخناصر وليعض عَلَيْهَا بالنواجذ وليعلم أَن الْقَوْم {يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ} قَالَ وَقد علم الْمُسلمُونَ أَن كرسيه تَعَالَى وسع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَن الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش كحلقة ملقاة بِأَرْض فلاة وَأَن الْعَرْش خلق من مخلوقات الله تَعَالَى لَا نِسْبَة لَهُ إِلَّا قدرَة الله وعظمته وَكَيف يتَوَهَّم متوهم بعد هَذَا أَن خلقا يحصره ويحويه وَقد قَالَ تَعَالَى {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} وَقَالَ تَعَالَى {فسيروا فِي الأَرْض} بِمَعْنى على وَنَحْو ذَلِك وَهُوَ كَلَام عَرَبِيّ حَقِيقَة لَا مجَاز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 57 وَهَذَا يُعلمهُ من عرف حقائق معنى الْحُرُوف وَأَنَّهَا متواطئة فِي الْغَالِب هَذَا آخر مَا تمسك بِهِ فَنَقُول أَولا مَا معنى قَوْلك إِن مَعَ فِي اللُّغَة للمقارنة الْمُطلقَة من غير مماسة وَلَا محاذاة وَمَا هِيَ الْمُقَارنَة فَإِن لم يفهم من الْمُقَارنَة غير صفة لَازِمَة للجسمية حصل الْمَقْصُود وَإِن فهم غَيره فليتنبه حَتَّى تنظر هَل تفهم الْعَرَب من الْمُقَارنَة ذَلِك أَو لَا ثمَّ قَوْله فَإِذا قيدت بِمَعْنى من الْمعَانِي دلّت على الْمُقَارنَة فِي ذَلِك الْمَعْنى فَنَقُول لَهُ وَمن نحا ذَلِك فِي ذَلِك قَوْله إِنَّهَا فِي هَذِه الْمَوَاضِع كلهَا بِمَعْنى الْعلم قُلْنَا من أَيْن لَك هَذَا فَإِن قَالَ من جِهَة قَوْله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} الْآيَة دلّ ذَلِك على الْمَعِيَّة بِالْعلمِ وَأَنه على سَبِيل الْحَقِيقَة فَنَقُول لَهُ قد كلت بالصاع الوافي فَكل لنا بِمثلِهِ وَاعْلَم أَن فَوق كَمَا يسْتَعْمل فِي الْعُلُوّ فِي الْجِهَة كَذَلِك يسْتَعْمل فِي الْعُلُوّ فِي الْمرتبَة والسلطنة وَالْملك وَكَذَلِكَ الاسْتوَاء فيكونان متواطئين كَمَا ذكرته حرفا بِحرف وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} وَقَالَ تَعَالَى {وَفَوق كل ذِي علم عليم} وَقَالَ الله تَعَالَى {يَد الله فَوق أَيْديهم} وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن قوم فِرْعَوْن {وَإِنَّا فَوْقهم قاهرون} وَقَالَ تَعَالَى {ورفعنا بَعضهم فَوق بعض دَرَجَات} وَمَعْلُوم أَنه لَيْسَ المُرَاد جِهَة الْعُلُوّ فأعد الْبَحْث وَقل فَوق الْعَرْش الجزء: 9 ¦ الصفحة: 58 بِالِاسْتِيلَاءِ وَكَذَا فِي حَدِيث الأوعال وَمَا فعلته فِي مَعَ فافعله فِي فَوق وَخرج هَذَا كَمَا خرجت ذَلِك وَإِلَّا اترك الْجَمِيع ثمَّ قَوْله وَمن علم أَن الْمَعِيَّة تُضَاف إِلَى كل نوع من أَنْوَاع الْمَخْلُوقَات وَأَن الاسْتوَاء على الشَّيْء لَيْسَ إِلَّا الْعَرْش قُلْنَا حَتَّى نبصر لَك رجلا استعملها يعلم مَا تَقوله من غير دَلِيل فَإنَّك إِن لم تقم دلَالَة على ذَلِك وَإِلَّا أبرزت لَفْظَة تدل على تَحت فَوق للاستواء فِي جِهَة الْعُلُوّ فليت شعري من أَيْن تعلم أَن الْمَعِيَّة بِالْعلمِ حَقِيقَة وَأَن آيَة الاسْتوَاء على الْعَرْش وَحَدِيث الأوعال دالان على صفة الربوبية بالفوقية الْحَقِيقِيَّة اللَّهُمَّ غفرا هَذَا لَا يكون إِلَّا بالكشف وَإِلَّا فالأدلة الَّتِي نصبها الله تَعَالَى لتعرف بهَا ذَاته وَصِفَاته وشرائعه لم يُورد هَذَا الْمُدَّعِي مِنْهَا حرفا وَاحِدًا على وفْق دَعْوَى وَلَا ثَبت لَهُ قدم إِلَّا فِي مهوى ثمَّ قَوْله لَا يُوصف الله تَعَالَى بالسفول والتحتية لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا لَيْت شعري من ادّعى لَهُ هَذِه الدَّعْوَى حَتَّى يُكَلف الْكَلَام فِيهَا ثمَّ إِن قَوْله بعد ذَلِك من توهم كَون الله تَعَالَى فِي السَّمَاء بِمَعْنى أَن السَّمَاء تحيط بِهِ وتحويه فَهُوَ كَاذِب إِن نَقله عَن غَيره وضال إِن اعتقده فِي ربه أَيهَا الْمُدَّعِي قل مَا تفهم وافهم مَا تَقول وكلم النَّاس كَلَام عَاقل لعاقل تفِيد وتستفيد إِذا طلبت أَن تستنبط من لَفْظَة فِي الْجِهَة وحملتها على حَقِيقَتهَا هَل يفهم مِنْهَا غير الظَّرْفِيَّة أَو مَا فِي مَعْنَاهَا وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهَل يفهم عَاقل أَن الظّرْف يَنْفَكّ عَن إحاطة بِبَعْض أَو جَمِيع مَا يلْزم ذَلِك وَهل جرى هَذَا على سمع وَهل من يخاطر أَن فِي على حَقِيقَتهَا فِي جِهَة وَلَا يفهم مِنْهَا احتواء وَلَا إحاطة بِبَعْض وَلَا كل فَإِن كَانَ المُرَاد أَن يعْزل النَّاس عُقُولهمْ وتتكلم أَنْت وهم يقلدون ويصدقون لم تأمن أَن بعض المسئولين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 59 من الْمُخَالفين للملة يَأْمُرك بذلك وَيثبت الْبَاطِل عَلَيْك ثمَّ قَوْلك لَو سُئِلَ سَائِر الْمُسلمين هَل يفهمون من قَول الله تَعَالَى وَرَسُوله أَن الله فِي السَّمَاء تحويه لبادر كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى أَن يَقُول هَذَا شَيْء لَعَلَّه لم يخْطر ببالنا فَنَقُول مَا الَّذِي أردْت بذلك إِن أردْت أَن هَذَا اللَّفْظ لَا يُعْطي هَذَا الْمَعْنى فإياك أَن تسْأَل عَن هَذَا من هُوَ عَارِف بِكَلَام الْعَرَب فَإِنَّهُ لَا يصدقك فِي أَن هَذَا اللَّفْظ لَا يُعْطي هَذَا مَعَ كَون فِي للظرفية وَأَنَّهَا على حَقِيقَتهَا فِي الْجِهَة وَإِن أردْت أَن الْعُقُول تأبى ذَلِك فِي حق الله تَعَالَى فلسنا نَحن مَعَك إِلَّا فِي تَقْدِير هَذَا وَنفي كل مَا يُوهم نقصا فِي حق الله تَعَالَى ثمَّ قَوْلك عِنْد الْمُسلمين أَن الله فِي السَّمَاء وَهُوَ على الْعَرْش وَاحِد لَا يَنْبَغِي أَن تضيف هَذَا الْكَلَام إِلَّا إِلَى نَفسك أَو إِلَى من تلقيت هَذِه الوصمة مِنْهُ وَلَا تجْعَل الْمُسلمين يرتبكون فِي هَذَا الْكَلَام الَّذِي لَا يعقل ثمَّ استدللت على أَن كَون الله فِي السَّمَاء وَالْعرش وَاحِد بِأَن السَّمَاء إِنَّمَا يُرَاد بهَا الْعُلُوّ فَالْمَعْنى أَن الله فِي الْعُلُوّ لَا فِي السّفل قل لي هَل قَالَ الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ أَن الله تَعَالَى فِي الْعُلُوّ لَا فِي السّفل وكل مَا قلت من أول الْمُقدمَة إِلَى آخرهَا لَو سلم لَك لَكَانَ حَاصِلَة أَن الله تَعَالَى وصف نَفسه بِأَنَّهُ اسْتَوَى على الْعَرْش وَأَن الله تَعَالَى فَوق الْعَرْش وَأما أَن السَّمَاء المُرَاد بهَا جِهَة الْعُلُوّ فَمَا ظَفرت كَفاك بنقله ثمَّ قَوْلك قد علم المسلون أَن كرسيه تَعَالَى وسع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 60 الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش كحلقة ملقاة بِأَرْض فلاة فليت شعري إِذا كَانَ حَدِيث الأوعال يدلك على أَن الله فَوق الْعَرْش فَكيف يجمع بَينه وَبَين طُلُوع الْمَلَائِكَة إِلَى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الله وَكَيف يكون مَعَ ذَلِك فِي السَّمَاء حَقِيقَة ولعلك تَقول إِن المُرَاد بهما جِهَة الْعُلُوّ تَوْفِيقًا فليت شعري أيمكن أَن تَقول بعد هَذَا التَّوْفِيق العاري عَن التَّوْقِيف والتوفيق إِن الله فِي السَّمَاء حَقِيقَة وعَلى السَّمَاء حَقِيقَة وَفِي الْعَرْش حَقِيقَة وعَلى الْعَرْش حَقِيقَة ثمَّ حَقِيقَة السَّمَاء هِيَ هَذِه الْمُشَاهدَة المحسوسة يُطلق عَلَيْهَا هَذَا الِاسْم من لم يخْطر بِبَالِهِ السمو وَأما أصل الِاشْتِقَاق فَذَلِك لَا مزية لَهَا فِيهِ على السّقف والسحاب فَتَبَارَكَ الله خَالق الْعُقُول ثمَّ قَوْلك بعد ذَلِك الْعَرْش من مخلوقات الله تَعَالَى لَا نِسْبَة لَهُ إِلَّا قدرَة الله وعظمته وَقع إِلَيْنَا إِلَّا قدرَة الله فَإِن كَانَت بِأَلف لَام ألف كَمَا وَقع إِلَيْنَا فقد نفيت الْعَرْش وَجعلت الْجِهَة هِيَ العظمة وَالْقُدْرَة وَصَارَ معنى كلامك جِهَة الله عَظمته وَقدرته والآن قلت مَا لَا يفهم وَلَا قَالَه أحد وَإِن كَانَ كلامك بِأَلف لَام يَاء فقد صدقت وَقلت الْحق وَمن قَالَ خلاف ذَلِك ولعمري قد رممنا لَك هَذَا الْمَكَان ولقناك إِصْلَاحه ثمَّ قلت كَيفَ يتَوَهَّم بعد هَذَا أَن خلقا يحصره أَو يحويه قُلْنَا نعم وَمن أَي شَيْء بلاؤنا إِلَّا مِمَّن يَدعِي الْحصْر أَو يُوهِمهُ ثمَّ قلت وَقد قَالَ الله تَعَالَى {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} أَو مَا علمت أَن التَّمَكُّن الاستقراري حَاصِل فِي الْجذع فَإِن تمكن المصلوب فِي الْجذع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 61 كتمكن الْكَائِن فِي الظّرْف وَكَذَلِكَ الحكم فِي قَوْله تَعَالَى {قل سِيرُوا فِي الأَرْض} وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ الْجَواب عَن حَدِيث الأوعال وَحَدِيث قبض الرّوح وَحَدِيث عبد الله بن رَوَاحَة رَضِي الله عَنهُ وَحَدِيث أُميَّة بن أبي الصَّلْت وَمَا قَالَ من قَوْله (مجدوا الله فَهُوَ أهل لمجد ... رَبنَا فِي السَّمَاء أَمْسَى كَبِيرا) فَيُقَال للْمُدَّعِي إِن كنت ترويه فِي السَّمَاء فَقَط وَلَا تتبعها أَمْسَى كَبِيرا فَرُبمَا يُوهم مَا تدعيه لَكِن لَا يبْقى شعرًا وَلَا قافية وَإِن كَانَ قَالَ رَبنَا فِي السَّمَاء أَمْسَى كَبِيرا فَقل مثل مَا قَالَ أُميَّة وَعند ذَلِك لَا يدرى هَل هُوَ كَمَا قلت أَو قَالَ إِن الله كَبِير فِي السَّمَاء فَإِن قلت وَهُوَ كَبِير فِي الأَرْض فَلم خصت السَّمَاء قُلْنَا التَّخْصِيص بِمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ من أَن تَعْظِيم أهل السَّمَوَات أَكثر من تَعْظِيم أهل الأَرْض لَهُ فَلَيْسَ فِي الْمَلَائِكَة من ينحت حجرا ويعبده وَلَا فيهم دهري وَلَا معطل وَلَا مشبه وخطاب أُميَّة لكفار الْعَرَب الَّذين اتَّخذُوا هُبل وَمَنَاة وَاللات والعزى وَغير ذَلِك من الأنداد وَقد علمت الْعَرَب أَن أهل السَّمَاء أعلم مِنْهُم حَتَّى كَانُوا يتمسكون بِحَدِيث الْكَاهِل الَّذِي كَانَ يتلقف من الجني الَّذِي يسترق الْكَلِمَة من الْملك فيضيف إِلَيْهَا مائَة كذبة فَكيف اعْتِقَادهم فِي الْمَلَائِكَة فَلذَلِك احْتج عَلَيْهِم أُميَّة بِالْمَلَائِكَةِ هَذَا لَيْسَ بِبَعِيد وَلَا خِلَافه قَطْعِيّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 62 ثمَّ قَالَ من الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن الرَّسُول الْمبلغ عَن الله ألْقى إِلَى أمته المدعوين أَن الله تَعَالَى على الْعَرْش وَأَنه فَوق السَّمَاء فَنَقُول لَهُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح بِالصَّرِيحِ بل ألْقى إِلَيْهِم أَن الله اسْتَوَى على الْعَرْش هَذَا الَّذِي تَوَاتر من تَبْلِيغ هَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا ذكره الْمُدَّعِي من هَذَا الْإِخْبَار فأخبار آحَاد لَا يصدق عَلَيْهَا جمع كَثْرَة وَلَا حجَّة لَهُ فِيهَا وَذَلِكَ وَاضح لمن سمع كَلَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونزله على اسْتِعْمَال الْعَرَب وإطلاقاتها وَلم يدْخل عَلَيْهَا غير لغتها ثمَّ قلت كَمَا فطر الله جَمِيع الْأُمَم عربهم وعجمهم فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام إِلَّا من اجتالته الشَّيَاطِين عَن فطرته هَذَا كَلَام من أَوله إِلَى آخِره معَارض بالميل وَالتَّرْجِيح مَعًا ثمَّ قلت عَن السّلف فِي ذَلِك من الْأَقْوَال مَا لَو جمعته لبلغت مِائَتَيْنِ ألوفا فَنَقُول إِن أردْت بالسلف سلف المشبهة كَمَا سَيَأْتِي فِي كلامك فَرُبمَا قاربت وَإِن أردْت سلف الْأمة الصَّالِحين فَلَا حرفا وَلَا شطر حرف وَهَا نَحن مَعَك فِي مقَام مقَام ومضمار مضمار بحول الله وقوته ثمَّ قلت لَيْسَ فِي كتاب الله تَعَالَى وَلَا سنة رَسُول وَلَا عَن أحد من سلف الْأمة لَا من الصَّحَابَة وَلَا من التَّابِعين حرف وَاحِد يُخَالف ذَلِك لَا نَص وَلَا ظَاهر قُلْنَا وَلَا عَنْهُم كَمَا ادعيت أَنْت وَلَا نَص وَلَا ظَاهر وَقد صدرت أَولا أَنَّك تَقول مَا قَالَه الله وَرَسُوله وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ثمَّ دارت الدائرة على أَن المُرَاد بالسابقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار مَشَايِخ عقيدتك وعزلت الْعشْرَة وَأهل بدر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 63 وَالْحُدَيْبِيَة عَن السَّبق وَالتَّابِعِينَ عَن الْمُتَابَعَة وتولي هَؤُلَاءِ لَا غير {الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} ثمَّ قَوْلك لم يقل أحد مِنْهُم إِنَّه لَيْسَ فِي غير السَّمَاء وَلَا إِنَّه لَيْسَ على الْعَرْش وَلَا إِنَّه فِي كل مَكَان وَلَا إِن جَمِيع الْأَمْكِنَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاء وَلَا إِنَّه دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا مُتَّصِل وَلَا مُنْفَصِل قُلْنَا لقد عممت الدَّعْوَى فَذكرت مَا لم تحط بِهِ علما وَقد ذكرنَا لَك عَن جَعْفَر الصَّادِق والجنيد والشبلي وجعفر بن نصير وَأبي عُثْمَان المغربي رَضِي الله عَنْهُم مَا فِيهِ كِفَايَة فَإِن طعنت فِي نقلنا أَو فِي هَذِه السَّادة طَعنا فِي نقلك وفيمن أسندت إِلَيْهِ من أهل عقيدتك خَاصَّة فَلم يوافقك على مَا ادعيته غَيرهم ثمَّ إِنَّك أَنْت الَّذِي قد قلت مَا لم يقلهُ الله وَلَا رَسُوله وَلَا السَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَلَا من التَّابِعين وَلَا من مَشَايِخ الْأمة الَّذين لم يدركوا الْأَهْوَاء فَمَا نطق أحد مِنْهُم بِحرف فِي أَن الله تَعَالَى فِي جِهَة الْعُلُوّ وَقد قلت وصرحت وبحثت وفهمت بِأَن مَا ورد من أَنه فِي السَّمَاء وَفَوق السَّمَاء وَفِي الْعَرْش وَفَوق الْعَرْش المُرَاد بِهِ جِهَة الْعُلُوّ فَقل لنا من قَالَ هَذَا هَل قَالَه الله أَو رَسُوله أَو السَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أَو التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان فَلم تهول علينا بالأمور المغمغمة وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان ثمَّ اسْتدلَّ على جَوَاز الْإِشَارَة الحسية إِلَيْهِ بالأصابع وَنَحْوهَا بِمَا صَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطْبَة عَرَفَات جعل يَقُول (أَلا هَل بلغت) فَيَقُولُونَ نعم فيرفع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 64 أُصْبُعه إِلَى السَّمَاء وينكتها إِلَيْهِم وَيَقُول (اللَّهُمَّ اشْهَدْ) غير مرّة وَمن أَي دلَالَة يدل هَذَا على جَوَاز الْإِشَارَة إِلَيْهِ هَل صدر مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَنه رفع أُصْبُعه ثمَّ نكتها إِلَيْهِم هَل فِي ذَلِك دلَالَة على أَن رَفعه كَانَ يُشِير بِهِ إِلَى جِهَة الله تَعَالَى وَلَكِن هَذَا من عَظِيم مَا رسخ فِي ذهن هَذَا الْمُدَّعِي من حَدِيث الْجِهَة حَتَّى إِنَّه لَو سمع مَسْأَلَة من عويص الْفَرَائِض والوصايا وَأَحْكَام الْحيض لقَالَ هَذِه دَالَّة على الْجِهَة ثمَّ أَتَى بالطامة الْكُبْرَى والداهية الدهياء وَقَالَ فَإِن كَانَ الْحق مَا يَقُوله هَؤُلَاءِ السَّابِقُونَ النافون من هَذِه الْعبارَات وَنَحْوهَا دون مَا يفهم من الْكتاب وَالسّنة إِمَّا نصا أَو ظَاهرا كَيفَ يجوز على الله تَعَالَى ثمَّ على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ على خير الْأمة أَنهم يَتَكَلَّمُونَ دَائِما بِمَا هُوَ نَص أَو ظَاهر فِي خلاف الْحق ثمَّ الْحق الَّذِي يجب اعْتِقَاده لَا يبوحون بِهِ قطّ وَلَا يدلون عَلَيْهِ لَا نصا وَلَا ظَاهرا حَتَّى يَجِيء أَنْبَاط الْفرس وَالروم وأفراخ الهنود يبينون للْأمة العقيدة الصَّحِيحَة الَّتِي يجب على كل مؤلف أَو فَاضل أَن يعتقدها لَئِن كَانَ مَا يَقُوله هَؤُلَاءِ المتكلمون المتكلفون هُوَ الِاعْتِقَاد الْوَاجِب وهم مَعَ ذَلِك أحيلوا على مُجَرّد عُقُولهمْ وَأَن يدفعوا لمقْتَضى قِيَاس عُقُولهمْ مَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة نصا أَو ظَاهرا لقد كَانَ ترك النَّاس بِلَا كتاب وَلَا سنة أهْدى لَهُم وأنفع على هَذَا التَّقْدِير بل كَانَ وجود الْكتاب وَالسّنة ضَرَرا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 65 مَحْضا فِي أصُول الدّين فَإِن حَقِيقَة الْأَمر على مَا يَقُوله هَؤُلَاءِ أَنكُمْ يَا معشر الْعباد لَا تَطْلُبُوا معرفَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا يسْتَحق من الصِّفَات نفيا وَلَا إِثْبَاتًا لَا من الْكتاب وَلَا من السّنة وَلَا من طَرِيق سلف الْأمة وَلَكِن انْظُرُوا أَنْتُم فَمَا وجدتموه مُسْتَحقّا لَهُ من الصِّفَات فصفوه بِهِ سَوَاء كَانَ مَوْجُودا فِي الْكتاب وَالسّنة أَو لم يكن وَمَا لم تَجِدُوهُ مُسْتَحقّا لَهُ فِي عقولكم فَلَا تصفوه بهَا ثمَّ قَالَ هما فريقان أَكْثَرهم مَا يَقُول مَا لم تثبته عقولكم فانفوه وَمِنْهُم من يَقُول بل توقفوا فِيهِ وَمَا نَفَاهُ قِيَاس عقولكم الَّذِي أَنْتُم فِيهِ مُخْتَلفُونَ ومضطربون اخْتِلَافا أَكثر من جَمِيع اخْتِلَاف على وَجه الأَرْض فانفوه وَإِلَيْهِ عِنْد الشَّارِع فَارْجِعُوا فَإِن الْحق الَّذِي تعبدتكم بِهِ وَمَا كَانَ مَذْكُورا فِي الْكتاب وَالسّنة مِمَّا يُخَالف قياسكم هَذَا أَو يثبت مَا لم تُدْرِكهُ عقولكم على طَريقَة أَكْثَرهم فاعلموا أنني امتحنتكم بتنزيله لَا لِتَأْخُذُوا الْهدى مِنْهُ لَكِن لتجتهدوا فِي تَخْرِيجه على شواذ اللُّغَة وَوَحْشِي الْأَلْفَاظ وغرائب الْكَلَام أَو تسكتوا عَنهُ مفوضين علمه إِلَيّ هَذَا حَقِيقَة الْأَمر على رَأْي الْمُتَكَلِّمين هَذَا مَا قَالَه وَهُوَ الْموضع الَّذِي صرع فِيهِ وتخبطه الشَّيْطَان من الْمس فَنَقُول مَا تَقول فِيمَا ورد من ذكر الْعُيُون بِصفة الْجمع وَذكر الْجنب وَذكر السَّاق الْوَاحِد وَذكر الْأَيْدِي فَإِن أَخذنَا بِظَاهِر هَذَا يلْزمنَا إِثْبَات شخص لَهُ وَجه وَاحِد عَلَيْهِ عُيُون كَثِيرَة وَله جنب وَاحِد وَعَلِيهِ أيد كَثِيرَة وَله سَاق وَاحِد فَأَي شخص يكون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 66 فِي الدُّنْيَا أبشع من هَذَا وَإِن تصرفت فِيهِ هَذَا بِجمع وتفريق بالتأويل فَلم لَا ذكره الله وَرَسُوله وَسلف الْأمة وَقَوله تَعَالَى فِي الْكتاب الْعَزِيز {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَكل عَاقل يعلم أَن النُّور الَّذِي على الْحِيطَان والسقوف وَفِي الطّرق والحشوش لَيْسَ هُوَ الله تَعَالَى وَلَا قَالَت الْمَجُوس بذلك فَإِن قلت بِأَنَّهُ هادي السَّمَوَات وَالْأَرْض ومنورها فَلم لَا قَالَه الله تَعَالَى وَلَا رَسُوله وَلَا سلف الْأمة وَورد قَوْله تَعَالَى {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن يكون الله دَاخل الزردمة فَلم لَا بَينه الله وَلَا رَسُوله وَلَا سلف الْأمة وَقَالَ تَعَالَى {واسجد واقترب} وَمَعْلُوم أَن التَّقَرُّب فِي الْجِهَة لَيْسَ إِلَّا بالمسافة فَلم لَا بَينه الله تَعَالَى وَلَا رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا سلف الْأمة وَقَالَ تَعَالَى {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} وَقَالَ تَعَالَى {وَجَاء رَبك} وَقَالَ تَعَالَى {فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد} وَقَالَ تَعَالَى {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} الجزء: 9 ¦ الصفحة: 67 وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِكَايَة عَن ربه عز وَجل (من تقرب إِلَيّ شبْرًا تقربت إِلَيْهِ ذِرَاعا وَمن تقرب إِلَيّ ذِرَاعا تقربت مِنْهُ باعا وَمن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة) وَمَا صَحَّ فِي الحَدِيث (أجد نفس الرَّحْمَن من قبل الْيمن) وَمن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحجر الْأسود يَمِين الله فِي الأَرْض) وَمن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِكَايَة عَن ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَنا جليس من ذَكرنِي) وكل هَذِه هَل تأمن من المجسم أَن يَقُول لَك ظواهر هَذِه كَثْرَة تفوت الْحصْر أَضْعَاف أَحَادِيث الْجِهَة فَإِن كَانَ الْأَمر كَمَا يَقُول فِي نفي الجسمية مَعَ أَنه لم يَأْتِ فِي شَيْء من هَذِه مَا يبن خلاف ظواهرها لَا عَن الله تَعَالَى وَلَا عَن رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن سلف الْأمة فَحِينَئِذٍ يَكِيل لَك المجسم بصاعك وَيَقُول لَك لَو كَانَ الْأَمر كَمَا قلت لَكَانَ ترك النَّاس بِلَا كتاب وَلَا سنة أهْدى لَهُم وَإِن قلت إِن العمومات قد بيّنت خلاف ظواهر هَذِه لم نجد مِنْهَا نافيا للجسمية إِلَّا وَهُوَ ناف للجهة ثمَّ مَا يُؤمنك من تناسخي يفهم من قَوْله {فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك} مذْهبه من معطل يفهم من قَوْله تَعَالَى {مِمَّا تنْبت الأَرْض} مُرَاده فَحِينَئِذٍ لَا تَجِد مساغا لما تغص بِهِ من ذَلِك إِلَّا الْأَدِلَّة الْخَارِجَة عَن هَذِه الْأَلْفَاظ ثمَّ صَار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 68 حَاصِل كلامك أَن مقَالَة الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة والمالكية يلْزمهَا أَن يكون ترك النَّاس بِلَا كتاب وَلَا سنة أهْدى لَهُم أفتراهم يكفرونك بذلك أم لَا ثمَّ جعلت أَن مُقْتَضى كَلَام الْمُتَكَلِّمين أَن الله تَعَالَى وَرَسُوله وَسلف الْأمة تركُوا العقيدة حَتَّى بَينهَا هَؤُلَاءِ فَقل لنا إِن الله وَرَسُوله وَسلف الْأمة بينوها ثمَّ انقل عَنْهُم أَنهم قَالُوا كَمَا تَقول إِن الله تَعَالَى فِي جِهَة الْعُلُوّ لَا فِي جِهَة السّفل وَإِن الْإِشَارَة الحسية جَائِزَة إِلَيْهِ فَإِذا لم تَجِد ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى وَلَا كَلَام رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا كَلَام أحد من الْعشْرَة وَلَا كَلَام أحد من السَّابِقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم فعد على نَفسك باللائمة وَقل لقد ألزمت الْقَوْم بِمَا لَا يلْزمهُم وَلَو لَزِمَهُم لَكَانَ عَلَيْك اللوم ثمَّ قلت عَن الْمُتَكَلِّمين إِنَّهُم يَقُولُونَ مَا يكون على وفْق قِيَاس الْعُقُول فقولوه وَإِلَّا فانفوه وَالْقَوْم لم يَقُولُوا ذَلِك بل قَالُوا صفة الْكَمَال يجب ثُبُوتهَا لله وَصفَة النَّقْص يجب نَفيهَا عَنهُ كَمَا قَالَه الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ قَالُوا وَمَا ورد من الله تَعَالَى وَمن رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فليعرض على لُغَة الْعَرَب الَّتِي أرسل الله تَعَالَى مُحَمَّدًا بلغتهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} فَمَا فهمت الْعَرَب فافهمه وَمن جَاءَك بِمَا يُخَالِفهُ فانبذ كَلَامه نبذ الْحذاء المرقع وَاضْرِبْ بقوله حَائِط الحش ثمَّ نعقد فصلا إِن شَاءَ الله تَعَالَى بعد إِفْسَاد مَا نزع بِهِ فِي سَبَب وُرُود هَذِه الْآيَات على هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُ إِنَّمَا تلقف مَا نَزغ بِهِ فِي مُخَالفَة الْجَمَاعَة وأساء القَوْل على الْملَّة من حثالة الْمَلَاحِدَة الطاعنين فِي الْقُرْآن وسنبين إِن شَاءَ الله تَعَالَى ضلالهم وَيعلم إِذْ ذَاك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 69 من هُوَ من فراخ الفلاسفة والهنود ثمَّ لَو استحيى الغافل لعرف مِقْدَار عُلَمَاء الْأمة رَحِمهم الله تَعَالَى ثمَّ هَل رأى من رد على الفلاسفة والهنود وَالروم وَالْفرس غير هَؤُلَاءِ الَّذين جعلهم فراخهم وَهل اتكلوا فِي الرَّد على هَذِه الطوائف على قوم لَا عقل لَهُم وَلَا بَصِيرَة وَلَا إِدْرَاك ثمَّ يذرونهم يستدلون على إِثْبَات الله تَعَالَى فِي الْحجَّاج على منكره بِالنَّقْلِ وعَلى منكري النُّبُوَّة بِالنَّقْلِ حَتَّى يصير مُضْغَة للماضغ وضحكة للمستهزئ وشماتة لِلْعَدو وفرحا للحسود وَفِي قصَّة الْحسن بن زِيَاد اللؤْلُؤِي عِبْرَة للمعتبر ثمَّ أَخذ بعد هَذَا فِي أَن الْأُمُور الْعَامَّة إِذا نفيت عَنْهَا إِنَّمَا يكون دلالتها على سَبِيل الإلغاز قُلْنَا وَكَذَلِكَ المجسم يَقُول لَك دلَالَة الْأُمُور الْعَامَّة على نفي الجسمية إلغاز ثمَّ قَالَ بعد هَذَا يَا سُبْحَانَ الله كَيفَ لم يقل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا مَا الدَّهْر وَلَا أحد من سلف الْأمة هَذِه الْآيَات وَالْأَحَادِيث لَا تعتقدوا مَا دلّت عَلَيْهِ فَيُقَال لَهُ مَا الَّذِي دلّت عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولُوا إِنَّه لَا يعْتَقد هَذَا تشنيع بحت ثمَّ يَقُول لَك المجسم يَا سُبْحَانَ الله لم لم يقل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أحد من سلف الْأمة إِن الله تَعَالَى لَيْسَ بجسم وَلَا قَالُوا لَا تعتقدوا من الْأَحَادِيث الموهمة للجسمية ظواهرها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 70 ثمَّ اسْتدلَّ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صفة الْفرْقَة النَّاجِية (هُوَ من كَانَ على مثل مَا أَنا عَلَيْهِ الْيَوْم وأصحابي) قَالَ الْمُدَّعِي فَهَلا قَالَ من تمسك بِظَاهِر الْقُرْآن فِي آيَات الِاعْتِقَاد فَهُوَ ضال وَإِنَّمَا الْهدى رجوعكم إِلَى مقاييس عقولكم فَليعلم النَّاظر أَنه هَا هُنَا باهت وزخرف وتشبع بِمَا لم يُعْطه فَإِنَّهُ قد ثَبت أَن طَرِيق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم الْكَفّ عَن ذَلِك فَمَا نَحن الآمرون بِهِ وَأَنه هُوَ لَيْسَ بساكت بل طَرِيقه الْكَلَام وَأمر الدهماء بِوَصْف الله تَعَالَى بِجِهَة الْعُلُوّ وتجويز الْإِشَارَة الحسية إِلَيْهِ فليت شعري من الْمُوَافق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَلَكِن صدق الْقَائِل رمتني بدائها وانسلت ثمَّ المجسم يَقُول لَهُ حَذْو النَّعْل بالنعل مَا قَالَه لنا ونقول لَهُ لم لَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاجِية من قَالَ إِن الله فِي جِهَة الْعُلُوّ وَإِن الْإِشَارَة الحسية إِلَيْهِ جَائِزَة فَإِن قَالَ هَذِه طَريقَة السّلف وَطَرِيقَة الصَّحَابَة قُلْنَا من أَيْن لَك هَذَا ثمَّ لَا تأمن من كل مُبْتَدع أَن يَدعِي ذَلِك ثمَّ أَفَادَ الْمُدَّعِي وَأسْندَ أَن هَذِه الْمقَالة مَأْخُوذَة من تلامذة الْيَهُود وَالْمُشْرِكين وضلال الصابئين قَالَ فَإِن أول من حفظ عَنهُ هَذِه الْمقَالة الْجَعْد بن دِرْهَم وَأَخذهَا عَنهُ جهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 71 ابْن صَفْوَان وأظهرا فنسبت مقَالَة الْجَهْمِية إِلَيْهِ قَالَ والجعد أَخذهَا عَن أبان بن سمْعَان وَأَخذهَا أبان من طالوت بن أُخْت لبيد بن الأعصم وَأَخذهَا طالوت من لبيد الْيَهُودِيّ الَّذِي سحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَكَانَ الْجَعْد هَذَا فِيمَا يُقَال من أهل حران فَيُقَال لَهُ أَيهَا الْمُدَّعِي أَن هَذِه الْمقَالة مَأْخُوذَة من تلامذة الْيَهُود قد خَالَفت الضَّرُورَة فِي ذَلِك فَإِنَّهُ مَا يخفى على جَمِيع الْخَواص وَكثير من الْعَوام أَن الْيَهُود مجسمة مشبهات فَكيف يكون ضد التجسيم والتشبيه مأخوذا عَنْهُم وَأما الْمُشْركُونَ فَكَانُوا عباد أوثان وَقد بيّنت الْأَئِمَّة أَن عَبدة الْأَصْنَام تلامذة المشبهة وَأَن أصل عبَادَة الصَّنَم التَّشْبِيه فَكيف يكون نَفْيه مأخوذا عَنْهُم وَأما الصابئة فبلدهم مَعْرُوف وإقليمهم مَشْهُور وَهل نَحن مِنْهُ أَو خصومنا وَأما كَون الْجَعْد ابْن دِرْهَم من أهل حران فالنسبة صَحِيحَة وترتيب هَذَا السَّنَد الَّذِي ذكره سيسأله الله تَعَالَى عَنهُ وَالله من وَرَائه بالمرصاد وليت لَو أتبعه أَن سَنَد دَعْوَاهُ وعقيدته أَن فِرْعَوْن ظن أَن إِلَه مُوسَى فِي السَّمَاء ثمَّ أضَاف الْمقَالة إِلَى بشر المريسي وَذكر أَن هَذِه التأويلات هِيَ الَّتِي أبطلتها الْأَئِمَّة ورد بهَا على بشر وَأَن مَا ذكره الْأُسْتَاذ أَبُو بكر بن فورك وَالْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ قدس الله روحهما هُوَ مَا ذكره بشر وَهَذَا بهرج لَا يثبت على محك النّظر القويم وَلَا معيار الْفِكر الْمُسْتَقيم فَإِنَّهُ من الْمحَال أَن تنكر الْأَئِمَّة على بشر أَن يَقُول مَا تَقوله الْعَرَب وَهَذَانِ الإمامان مَا قَالَا إِلَّا مَا قالته الْعَرَب وَمَا الْإِنْكَار على بشر إِلَّا فِيمَا يُخَالف فِيهِ لُغَة الْعَرَب وَأَن يَقُول عَنْهَا مَا لم تقله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 72 ثمَّ أَخذ بعد ذَلِك فِي تَصْدِيق عزوته إِلَى الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم وَشرع فِي النَّقْل عَنْهُم فَقَالَ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ كُنَّا والتابعون متوافرون نقُول إِن الله تَعَالَى ذكره فَوق عَرْشه فَنَقُول لَهُ أول مَا بدأت بِهِ الْأَوْزَاعِيّ وطبقته وَمن بعدهمْ فَأَيْنَ السَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأما قَول الْأَوْزَاعِيّ فَأَنت قد خالفته وَلم تقل بِهِ لِأَنَّك قلت إِن الله لَيْسَ فَوق عَرْشه لِأَنَّك قررت أَن الْعَرْش وَالسَّمَاء لَيْسَ المُرَاد بهما إِلَّا جِهَة الْعُلُوّ وَقلت المُرَاد من فَوق عَرْشه وَالسَّمَاء ذَلِك فقد خَالَفت قَول الْأَوْزَاعِيّ صَرِيحًا مَعَ أَنَّك لم تقل قطّ مَا يفهم فَإِن قررت أَن السَّمَاء فِي الْعَرْش كحلقة ملقاة فِي فلاة فَكيف تكون هِيَ هُوَ ثمَّ من أَيْن لَك صِحَة هَذَا النَّقْل عَن الْأَوْزَاعِيّ وَبعد مسامحتك فِي كل ذَلِك مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيّ الله فَوق الْعَرْش حَقِيقَة فَمن أَيْن لَك هَذِه الزِّيَادَة وَنقل عَن مَالك بن أنس وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ أَنهم قَالُوا فِي أَحَادِيث الصِّفَات أمروها كَمَا جَاءَت فَيُقَال لَهُ لم لَا أَمْسَكت على مَا أمرت بِهِ الْأَئِمَّة بل وصفت الله بِجِهَة الْعُلُوّ وَلم يرد بذلك خبر وَلَو بذلت قرَاب الأَرْض ذَهَبا على أَن تسمعها من عَالم رباني لم تفرح بذلك بل تصرفت ونقلت على مَا خطر لَك وَمَا أمررت وَلَا أَقرَرت وَلَا امتثلت مَا نقلته عَن الْأَئِمَّة وروى قَول ربيعَة وَمَالك الاسْتوَاء غير مَجْهُول فليت شعري من قَالَ إِنَّه مَجْهُول بل أَنْت زعمت أَنه لِمَعْنى عينته وَأَرَدْت أَن تعزوه إِلَى الْإِمَامَيْنِ وَنحن لَا نسمح لَك بذلك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 73 ثمَّ نقل عَن مَالك أَنه قَالَ للسَّائِل الْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَمَا أَرَاك إِلَّا مبتدعا فَأمر بِهِ فَأخْرج فَيُقَال لَهُ لَيْت شعري من امتثل منا قَول مَالك هَل امتثلناه نَحن حَيْثُ أمرنَا بالإمساك وألجمنا الْعَوام عَن الْخَوْض فِي ذَلِك أَو الَّذِي جعله دراسته يلقيه ويلفقه ويلقنه ويكتبه ويدرسه وَيَأْمُر الْعَوام بالخوض فِيهِ وَهل أنكر على المستفتي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِعَينهَا وَأخرجه كَمَا فعل مَالك رَضِي الله عَنهُ فِيهَا بِعَينهَا وَعند ذَلِك يعلم أَن مَا نَقله عَن مَالك حجَّة عَلَيْهِ لَا لَهُ ثمَّ نقل عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة الْمَاجشون أَنه قَالَ وَقد سُئِلَ عَمَّا جحدت بِهِ الْجَهْمِية أما بعد فقد فهمت فِيمَا سَأَلت فِيمَا للسامعت الْجَهْمِية وَمن خالفها فِي صفة الرب الْعَظِيم الَّذِي فاقت عَظمته الْوَصْف وَالتَّقْدِير وكلت الألسن عَن تَفْسِير صفته وانحسرت الْعُقُول دون معرفَة قدرته ردَّتْ عَظمته الْعُقُول فَلم تَجِد مساغا فَرَجَعت خاسئة وَهِي حسيرة وَإِنَّمَا أمروا بِالنّظرِ والتفكر فِيمَا خلق بالتقدير وَإِنَّمَا يُقَال كَيفَ لمن لم يكن مرّة ثمَّ كَانَ فَأَما الَّذِي لَا يحول وَلَا يَزُول وَلم يزل وَلَيْسَ لَهُ مثل فَإِنَّهُ لَا يعلم كَيفَ هُوَ إِلَّا هُوَ وَكَيف يعرف قدر من لم يبْدَأ وَمن لَا يَمُوت وَلَا يبْلى وَكَيف يكون لصفة شَيْء مِنْهُ حد أَو مُنْتَهى يعرفهُ عَارِف أَو يحد قدره واصف على أَنه الْحق الْمُبين لَا حق أَحَق مِنْهُ وَلَا شَيْء أبين مِنْهُ وَالدَّلِيل على عجز الْعُقُول عَن تَحْقِيق صفته عجزها عَن تَحْقِيق صفة أَصْغَر خلقه فَلَا تكَاد ترَاهُ صَغِيرا يحول وَيَزُول وَلَا يرى لَهُ سمع وَلَا بصر بل مَا يتقلب بِهِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 74 ويحتال من عقله أعضل بك وأخفى عَلَيْك مِمَّا ظهر من سَمعه وبصره فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ وخالقهم وَسيد السادات وربهم ثمَّ نقل عَنهُ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصِّفَات وَذكر قَوْله {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} قَالَ فوَاللَّه مَا دلهم على عَظِيم مَا وصف من نَفسه وَمَا تحيط بِهِ قَبضته إِلَّا صغر نظرها مِنْهُم عِنْدهم أَن ذَلِك الَّذِي ألقِي فِي روعهم وَخلق على معرفَة قُلُوبهم فَمَا وصف من نَفسه فَسَماهُ على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سميناه كَمَا سَمَّاهُ وَلم نتكلف مِنْهُ صفة مَا سواهُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا لَا نجحد مَا وصف وَلَا نتكلف معرفَة مَا لم يصف وَبسط الْمَاجشون كَلَامه فِي تَقْرِير هَذَا فَنَقُول لهَذَا الحاكي نعم الْحجَّة أتيت بهَا وَلَكِن لنا وَنعم السِّلَاح حملت وَلَكِن للعدى أما كَلَام عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ وَمَا ذكر من كبرياء الله وعظمته وَأَنَّهَا تحير الْعُقُول وتشده الفهوم فَهَذَا قَالَه الْعلمَاء نظما ونثرا وَأَنت أزريت على سَادَات الْأَئِمَّة وأعلام الْأمة فِي ثَانِي صفحة نزغت بهَا حَيْثُ اعْتَرَفُوا بِالْعَجزِ وَالتَّقْصِير ونعيت عَلَيْهِم ذَلِك وعددته عَلَيْهِم ذَنبا وَأَنت مَعْذُور وهم معذورون وَجعلت قَول عبد الْعَزِيز حجتك وَقد ذكر فِي القبضة مَا يَقُوله المتكلمون فِي كل مَوضِع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 75 وَأمر عبد الْعَزِيز أَن يصف الرب بِمَا وصف بِهِ نَفسه وَأَن يسكت عَمَّا وَرَاء ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلنَا وَفعلنَا وعقدنا وَأَنت وَصفته بِجِهَة الْعُلُوّ وَمَا وصف بهَا نَفسه وجوزت الْإِشَارَة الحسية إِلَيْهِ وَمَا ذكرهَا وَنحن أمررنا الصِّفَات كَمَا جَاءَت وَأَنت جمعت بَين الْعَرْش وَالسَّمَاء بِجِهَة الْعُلُوّ وَقلت فِي السَّمَاء حَقِيقَة وَفِي الْعَرْش حَقِيقَة فسبحان واهب الْعُقُول وَلَكِن كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطورا ثمَّ ذكر عَن مُحَمَّد بن الْحسن اتِّفَاق الْفُقَهَاء على وصف الرب مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن وَأَحَادِيث الصِّفَات فَنَقُول لَهُ نَحن لَا نَتْرُك من هَذَا حرفا وَأَنت قلت أصف الرب تَعَالَى بِجِهَة الْعُلُوّ وأجوز الْإِشَارَة الحسية إِلَيْهِ فَأَيْنَ هَذَا فِي الْقُرْآن وأخبار الثِّقَات مَا أفدتنا فِي الْفتيا من ذَلِك شَيْئا وَنقل عَن أبي عبيد الله الْقَاسِم بن سَلام رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِذا سئلنا عَن تَفْسِيرهَا لَا نفسرها وَأَنه قَالَ مَا أدركنا أحدا يُفَسِّرهَا فَنَقُول لَهُ الْحَمد لله حصل الْمَقْصُود لَيْت شعري من فسر السَّمَاء وَالْعرش وَقَالَ مَعْنَاهُمَا جِهَة الْعُلُوّ وَمن ترك تفسيرهما وَأَمرهمَا كَمَا جَاءَا ثمَّ نقل عَن ابْن الْمُبَارك رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يعرف رَبنَا بِأَنَّهُ فَوق سمائه على عَرْشه بَائِن من خلقه وَلَا نقُول كَمَا تَقول الْجَهْمِية إِنَّه هَاهُنَا فِي الأَرْض فَنَقُول لَهُ قد نَص عبد الله أَنه فَوق سمائه على عَرْشه فَهَل قَالَ عبد الله إِن السَّمَاء وَالْعرش وَاحِد وَهِي جِهَة الْعُلُوّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 76 وَنقل عَن حَمَّاد بن زيد أَنه قَالَ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِية إِنَّمَا يحاولون أَن يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاء شَيْء فَنَقُول لَهُ أَيْضا أَنْت قلت بمقالتهم فَإنَّك صرحت بِأَن السَّمَاء لَيْسَ هِيَ ذَاتهَا بل الْمَعْنى الَّذِي اشْتقت مِنْهُ وَهُوَ السمو وفسرته بِجِهَة الْعُلُوّ فَالْأولى لَك أَن تنعى على نَفسك مَا نعاه حَمَّاد على الْجَهْمِية وَنقل عَن ابْن خُزَيْمَة أَن من لم يقل إِن الله فَوق سمواته على عَرْشه بَائِن من خلقه وَجب أَن يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا ضربت عُنُقه ثمَّ ألقِي على مزبلة لِئَلَّا يتَأَذَّى بِهِ أهل الْقبْلَة وَأهل الذِّمَّة فَيُقَال لَهُ الْجَواب عَن مثل هَذَا قد تقدم على أَن ابْن خُزَيْمَة قد علم الْخَاص وَالْعَام حَدِيثه فِي العقائد وَالْكتاب الَّذِي صنفه فِي التَّشْبِيه وَسَماهُ بِالتَّوْحِيدِ ورد الْأَئِمَّة عَلَيْهِ أَكثر من أَن يذكر وَقَوْلهمْ فِيهِ مَا قَالَه هُوَ فِي غَيره مَعْرُوف وَنقل عَن عباد الوَاسِطِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَعَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم نَحوا مِمَّا نَقله عَن حَمَّاد وَقد بَيناهُ ثمَّ ذكر بعد ذَلِك مَا صَحَّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَت زَيْنَب تفتخر على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فَوق سبع سموات فَنَقُول لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث أَن زَيْنَب قَالَت إِن الله فَوق سبع سموات بل إِن تَزْوِيج الله إِيَّاهَا كَانَ من فَوق سبع سموات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 77 ثمَّ نقل عَن أبي سُلَيْمَان الْخطابِيّ مَا نَقله عَن عبد الْعَزِيز الْمَاجشون وَقد بَينا موافقتنا لَهُ ومخالفته لذَلِك وَحَكَاهُ أَيْضا عَن الْخَطِيب وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَيحيى بن عمار وَأبي إِسْمَاعِيل الْهَرَوِيّ وَأبي عُثْمَان الصَّابُونِي وَحكى عَن أبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ أَن الْأَحَادِيث الثَّابِتَة فِي الاسْتوَاء يَقُولُونَ بهَا ويثبتونها من غير تكييف وَلَا تَمْثِيل وَلَا تَشْبِيه وَهُوَ مستو على عَرْشه فِي سمائه دون أرضه وَحَكَاهُ عَن معمر الْأَصْبَهَانِيّ وَقد بَينا لَك غير مَا مرّة أَنه مُخَالف لهَذَا وَأَنه مَا قَالَ بِهِ طرفَة عين إِلَّا ونقضه لِأَن السَّمَاء عِنْده لَيست هِيَ الْمَعْرُوفَة وَأَن السَّمَاء وَالْعرش لَا معنى لَهما إِلَّا جِهَة الْعُلُوّ وَحكى عَن عبد الْقَادِر الجيلي أَنه قَالَ الله بِجِهَة الْعُلُوّ مستو على عَرْشه فليت شعري لم احْتج بِكَلَامِهِ وَترك مثل جَعْفَر الصَّادِق والشبلي والجنيد وَذي النُّون والمصري وجعفر بن نصير وأضرابهم رَضِي الله عَنْهُم وَأما مَا حَكَاهُ عَن أبي عمر بن عبد الْبر فقد علم الْخَاص وَالْعَام مَذْهَب الرجل وَمُخَالفَة النَّاس لَهُ وَنَكِير الْمَالِكِيَّة عَلَيْهِ أَولا وآخرا مَشْهُور ومخالفته لإِمَام الْمغرب أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ مَعْرُوفَة حَتَّى إِن فضلاء الْمغرب يَقُولُونَ لم يكن أحد بالمغرب يرى هَذِه الْمقَالة غَيره وَغير ابْن أبي زيد على أَن الْعلمَاء مِنْهُم من قد اعتذر عَن ابْن أبي زيد بِمَا هُوَ مَوْجُود فِي كَلَام القَاضِي الْأَجَل أبي مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب الْبَغْدَادِيّ الْمَالِكِي رَحمَه الله ثمَّ إِنَّه قَالَ إِن الله فِي السَّمَاء على الْعَرْش من فَوق سبع سموات وَلم يعقل مَا معنى فِي السَّمَاء على الْعَرْش من فَوق سبع سموات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 78 ثمَّ إِن ابْن عبد الْبر مَا تَأَول هَذَا الْكَلَام وَلَا قَالَ كمقالة الْمُدَّعِي إِن المُرَاد بالعرش وَالسَّمَاء جِهَة الْعُلُوّ ثمَّ نقل عَن الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله مَا لَا تعلق لَهُ بِالْمَسْأَلَة وَأعَاد كَلَام من سبق ذكره ثمَّ ذكر بعد ذَلِك شَيخنَا أَبَا الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل الْأَشْعَرِيّ وَأَنه يَقُول الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى وَلَا نتقدم بَين يَدي الله تَعَالَى فِي القَوْل بل نقُول اسْتَوَى بِلَا كَيفَ وَهَذَا الَّذِي نَقله عَن شَيخنَا هُوَ نحلتنا وعقيدتنا لَكِن نَقله لكَلَامه مَا أرَاهُ إِلَّا قصد الْإِيهَام أَن الشَّيْخ يَقُول بالجهة فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَقَد بَالغ فِي البهت وَكَلَام الشَّيْخ فِي هَذَا أَنه قَالَ كَانَ وَلَا مَكَان فخلق الْعَرْش والكرسي فَلم يحْتَج إِلَى مَكَان وَهُوَ بعد خلق الْمَكَان كَمَا كَانَ قبل خلقه وَكَلَامه وَكَلَام أَصْحَابه رَحِمهم الله يصعب حصره فِي إِبْطَالهَا ثمَّ حكى ذَلِك عَن القَاضِي أبي بكر وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ ثمَّ تمسك بِرَفْع الْأَيْدِي إِلَى السَّمَاء وَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لأجل أَن السَّمَاء منزل البركات والخيرات فَإِن الْأَنْوَار إِنَّمَا تنزل مِنْهَا والأمطار وَإِذا ألف الْإِنْسَان حُصُول الْخيرَات من جَانب مَال طبعه إِلَيْهِ فَهَذَا الْمَعْنى الَّذِي أوجب رفع الْأَيْدِي إِلَى السَّمَاء وَقَالَ الله تَعَالَى {وَفِي السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون} ثمَّ إِن اكْتفى بِمثل هَذِه الدّلَالَة فِي مطَالب أصُول العقائد فَمَا يُؤمنهُ من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 79 مُدع يَقُول الله تعال فِي الْكَعْبَة لِأَن كل مصل يُوَجه وَجهه إِلَيْهَا وَيَقُول {وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَو يَقُول الله فِي الأَرْض فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {كلا لَا تطعه واسجد واقترب} والاقتراب بِالسُّجُود فِي الْمسَافَة إِنَّمَا هُوَ فِي الأَرْض وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أقرب مَا يكون العَبْد فِي سُجُوده) ثمَّ ذكر بعد ذَلِك مَا أجبنا عَنهُ من حَدِيث الأوعال وَذكر بعد ذَلِك مَا لَا تعلق لَهُ بالمسئلة وَأخذ يَقُول إِنَّه حكى عَن السّلف مثل مذْهبه وَإِلَى الْآن مَا حكى مذْهبه عَن أحد لَا من سلف وَلَا من خلف غير عبد الْقَادِر الجيلي وَفِي كَلَام ابْن عبد الْبر بعضه وَأما الْعشْرَة وَبَاقِي الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَمَا نبس عَنْهُم بِحرف ثمَّ أَخذ بعد ذَلِك فِي مواعظ وأدعية لَا تعلق لَهَا بِهَذَا ثمَّ أَخذ فِي سبّ أهل الْكَلَام ورجمهم وَمَا ضرّ الْقَمَر من نبحه وَقد تبين بِمَا ذَكرْنَاهُ أَن هَذَا الحبر الْحجَّة يرْجم فتياه أَنه يَقُول مَا قَالَه الله وَرَسُوله وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَلم ينْقل مقَالَته عَن أحد من الصَّحَابَة وَإِذا قد أَتَيْنَا على إِفْسَاد كَلَامه وإيضاح إيهامه وَإِزَالَة إبهامه وَنقض إبرامه وتنكيس أَعْلَامه فلنأخذ بعد هَذَا فِيمَا يتَعَلَّق بغرضنا وإيضاح نحلتنا فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق على سامع هَذِه الْآيَات وَالْأَخْبَار الْمُتَعَلّقَة بِالصِّفَاتِ مَا قدمْنَاهُ من الْوَظَائِف وَهِي التَّقْدِيس وَالْإِيمَان والتصديق وَالِاعْتِرَاف بِالْعَجزِ وَالسُّكُوت والإمساك عَن التَّصَرُّف فِي الْأَلْفَاظ الْوَارِدَة وكف الْبَاطِن عَن التفكر فِي ذَلِك واعتقاده أَن مَا خَفِي عَنهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 80 لم يخف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن الصّديق وَلَا عَن أكَابِر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم ولنأخذ الْآن فِي إبراز اللطائف من خفيات هَذِه الْوَظَائِف فَأَقُول وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان أما التَّقْدِيس فَهُوَ أَن يعْتَقد فِي كل آيَة أَو خبر معنى يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى مِثَال ذَلِك إِذا سمع قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله ينزل كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا) وَكَانَ النُّزُول يُطلق على مَا يفْتَقر إِلَى جسم عَال وجسم سافل وجسم منتقل من العالي إِلَى السافل والزوال انْتِقَال جسم من علو إِلَى سفل وَيُطلق على معنى آخر لَا يفْتَقر إِلَى انْتِقَال وَلَا حَرَكَة جسم كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَأنزل لكم من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج} مَعَ أَن النعم لم تنزل من السَّمَاء بل هِيَ مخلوقة فِي الْأَرْحَام قطعا فالنزول لَهُ معنى غير حَرَكَة الْجِسْم لَا محَالة وَفهم ذَلِك من قَول الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ دخلت مصر فَلم يفهموا كَلَامي فَنزلت ثمَّ نزلت ثمَّ نزلت وَلم يرد حِينَئِذٍ الِانْتِقَال من علو إِلَى سفل فليتحقق السَّامع أَن النُّزُول لَيْسَ بِالْمَعْنَى الأول فِي حق الله تَعَالَى فَإِن الْجِسْم على الله محَال وَإِن كَانَ لَا يفهم من النُّزُول الِانْتِقَال فَيُقَال لَهُ من عجز عَن فهم نزُول الْبَعِير فَهُوَ عَن فهم نزُول الله عز وَجل أعجز فَاعْلَم أَن لهَذَا معنى يَلِيق بجلاله وَفِي كَلَام عبد الْعَزِيز الْمَاجشون السَّابِق إِلَى هَذَا مرامز وَكَذَلِكَ لَفْظَة فَوق الْوَارِدَة فِي الْقُرْآن وَالْخَبَر فَليعلم أَن فَوق تَارَة تكون للجسمية وَتارَة للمرتبة كَمَا سبق فَليعلم أَن الجسمية على الله محَال وَبعد ذَلِك إِن لَهُ معنى يَلِيق بجلاله تَعَالَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 81 وَأما الْإِيمَان والتصديق بِهِ فَهُوَ أَن يعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَادِق فِي وصف الله تَعَالَى بذلك وَمَا قَالَه حق لَا ريب فِيهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ وَالْوَجْه الَّذِي قَالَه وَإِن كَانَ لَا يقف على حَقِيقَته وَلَا يتخبطه الشَّيْطَان فَيَقُول كَيفَ أصدق بِأَمْر جملي لَا أعرف عينه بل يخزي الشَّيْطَان وَيَقُول كَمَا إِذا أَخْبرنِي صَادِق أَن حَيَوَانا فِي دَار فقد أدْركْت وجوده وَإِن لم أعرف عينه فَكَذَلِك هَاهُنَا ثمَّ ليعلم أَن سيد الرُّسُل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ (لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك) وَقَالَ سيد الصديقين رَضِي الله عَنهُ الْعَجز عَن دَرك الْإِدْرَاك إِدْرَاك وَأما الِاعْتِرَاف بِالْعَجزِ فَوَاجِب على كل من لَا يقف على حَقِيقَة هَذِه الْمعَانِي الْإِقْرَار بِالْعَجزِ فَإِن ادّعى الْمعرفَة فقد كلف وكل عَارِف وَإِن عرف فَمَا خَفِي عَلَيْهِ أَكثر وَأما السُّكُوت فَوَاجِب على الْعَوام لِأَنَّهُ بالسؤال يتَعَرَّض لما لَا يطيقه فَهُوَ إِن سَأَلَ جَاهِلا زَاده جهلا وَإِن سَأَلَ عَالما لم يُمكن الْعَالم إفهامه كَمَا لَا يُمكن الْبَالِغ تَعْلِيم الطِّفْل لَذَّة الْجِمَاع وَكَذَلِكَ تَعْلِيمه مصلحَة الْبَيْت وتدبيره بل يفهمهُ مصْلحَته فِي خُرُوجه إِلَى الْمكتب فالعامي إِذا سَأَلَ عَن مثل هَذَا يزْجر ويردع وَيُقَال لَهُ لَيْسَ هَذَا بعشك فادرجي وَقد أَمر مَالك بِإِخْرَاج من سَأَلَهُ فَقَالَ مَا أَرَاك إِلَّا رجل سوء وعلاه الرحضاء وَكَذَلِكَ فعل عمر رَضِي الله عَنهُ بِكُل من سَأَلَ عَن الْآيَات المتشابهة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 82 (إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بِكَثْرَة السُّؤَال) وَورد الْأَمر بالإمساك عَن الْقدر فَكيف عَن الصِّفَات وَأما الْإِمْسَاك عَن التَّصَرُّف فِي هَذِه الْأَخْبَار والآيات فَهُوَ أَن يَقُولهَا كَمَا قَالَهَا الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يتَصَرَّف فِيهَا بتفسير وَلَا تَأْوِيل وَلَا تصريف وَلَا تَفْرِيق وَلَا جمع فَأَما التَّفْسِير فَلَا يُبدل لفظ لُغَة بِأُخْرَى فَإِنَّهُ قد لَا يكون قَائِما مقَامه فَرُبمَا كَانَت الْكَلِمَة تستعار فِي لُغَة دون لُغَة وَرُبمَا كَانَت مُشْتَركَة فِي لُغَة دون لُغَة وَحِينَئِذٍ يعظم الْخطب بترك الِاسْتِعَارَة وباعتقاد أَن أحد الْمَعْنيين هُوَ المُرَاد بالمشترك وَأما التَّأْوِيل فَهُوَ أَن يصرف الظَّاهِر وَيتَعَلَّق بالمرجوح فَإِن كَانَ عاميا فقد خَاضَ بحرا لَا سَاحل لَهُ وَهُوَ غير سابح وَإِن كَانَ عَالما لم يجز لَهُ ذَلِك إِلَّا بشرائط التَّأْوِيل وَلَا يدْخل مَعَ الْعَاميّ فِيهِ لعجز الْعَاميّ عَن فهمه وَأما كف بَاطِنه فلئلا يتوغل فِي شَيْء يكون كفرا وَلَا يتَمَكَّن من صرفه عَن نَفسه وَلَا يُمكن غَيره ذَلِك وَأما اعْتِقَاده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلم ذَلِك فليعلمه وَلَا يقس نَفسه بِهِ وَلَا بِأَصْحَابِهِ وَلَا بأكابر الْعلمَاء فالقلوب معادن وجواهر ثمَّ الْكَلَام بعد هَذَا فِي فصلين أَحدهمَا فِي تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن الْجِهَة فَنَقُول الأول أَن الْقَوْم إِن بحثوا بالأخبار والْآثَار فقد عرفت مَا فِيهَا وَأَنَّهُمْ مَا ظفروا بصحابي وَلَا تَابِعِيّ يَقُول بمقالتهم على أَن الْحق فِي نفس الْأَمر أَن الرِّجَال تعرف بِالْحَقِّ وَلَا يعرف الْحق بِالرِّجَالِ وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 83 أَنه قَالَ اقْبَلُوا الْحق من كل مَا جَاءَ بِهِ وَإِن كَانَ كَافِرًا أَو قَالَ فَاجِرًا واحذروا زيغة الْحَكِيم قَالُوا كَيفَ نعلم أَن الْكَافِر يَقُول الْحق قَالَ إِن على الْحق نورا وَلَقَد صدق رَضِي الله عَنهُ وَلَو تطوقت قلادة التَّقْلِيد لم نَأْمَن أَن كَافِرًا يأتينا بِمن هُوَ مُعظم فِي مِلَّته وَيَقُول اعرفوا الْحق بِهَذَا وَإِذا قد علمت أَن الْقَوْم لَا مستروح لَهُم فِي النَّقْل فَاعْلَم أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يُخَاطب إِلَّا أولى الْعُقُول والألباب والبصائر وَالْقُرْآن طافح بذلك وَالْعقل هُوَ الْمُعَرّف بِوُجُود الله تَعَالَى ووحدته ومبرهن رِسَالَة أنبيائه إِذْ لَا سَبِيل إِلَى معرفَة إِثْبَات ذَلِك بِالنَّقْلِ وَالشَّرْع قد عدل الْعقل وَقبل شَهَادَته وَاسْتدلَّ بِهِ فِي مَوَاضِع من كِتَابه كالاستدلال بالإنشاء على الْإِعَادَة وَقَوله تَعَالَى {وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه} وَلَقَد هدم الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَة مبَاحث الفلاسفة فِي إِنْكَار الْمعَاد الجسماني وَاسْتدلَّ بِهِ على التَّوْحِيد فَقَالَ الله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض} وَقَالَ تَعَالَى {أولم ينْظرُوا فِي ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَقَالَ تَعَالَى {انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الجزء: 9 ¦ الصفحة: 84 وَقَالَ تَعَالَى {قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة أَن تقوموا لله مثنى وفرادى ثمَّ تَتَفَكَّرُوا} وَقَالَ تَعَالَى {سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق وَفِي أنفسهم} فيا خيبة من رد شَاهدا قبله الله وَأسْقط دَلِيلا نَصبه الله فهم يلغون مثل هَذَا ويرجعون إِلَى أَقْوَال مشايخهم الَّذين لَو سُئِلَ أحدهم عَن دينه لم يكن لَهُ قُوَّة على إثْبَاته وَإِذا ركض عَلَيْهِ فِي ميدان التَّحْقِيق جَاءَ سكيتا وَقَالَ سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي حَدِيث الْكُسُوف مَا يعرف بِهِ حَدِيث هَؤُلَاءِ فِي قُبُورهم وَبعد ذَلِك يَقُول الْعقل الَّذِي هُوَ منَاط التَّكْلِيف وحاسب الله تَعَالَى النَّاس بِهِ وَقبل شَهَادَته ونصبه وَأثبت بِهِ أصُول دينه وَقد شهد بخبث هَذَا الْمَذْهَب وَفَسَاد هَذِه العقيدة وَإِنَّهَا آلت إِلَى وَصفه تَعَالَى بالنقائص تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا وَقد نبهت مَشَايِخ الطَّرِيق على مَا شهد بِهِ الْعقل ونطق بِهِ الْقُرْآن بأسلوب فهمته الْخَاصَّة وَلم تنفر مِنْهُ الْعَامَّة وَبَيَان ذَلِك بِوُجُوه الْبُرْهَان الأول وَهُوَ المقتبس من ذِي الْحسب الزكي وَالنّسب الْعلي سيد الْعلمَاء ووارث خير الْأَنْبِيَاء جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَو كَانَ الله فِي شَيْء لَكَانَ محصورا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 85 وَتَقْرِير هَذِه الدّلَالَة أَنه لَو كَانَ فِي جِهَة لَكَانَ مشارا إِلَيْهِ بِحَسب الْحس وهم يعلمُونَ ذَلِك ويحوزون الْإِشَارَة الحسية إِلَيْهِ وَإِذا كَانَ فِي جِهَة مشارا إِلَيْهِ لزم تناهيه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ فِي هَذِه الْجِهَة دون غَيرهَا فقد حصل فِيهَا دون غَيرهَا وَلَا معنى لتناهيه إِلَّا ذَلِك وكل متناه مُحدث لِأَن تَخْصِيصه بِهَذَا الْمِقْدَار دون سَائِر الْمَقَادِير لَا بُد لَهُ من مُخَصص فقد ظهر بِهَذَا الْبُرْهَان الَّذِي يُبْدِهِ الْعُقُول أَن القَوْل بالجهة يُوجب كَون الْخَالِق مخلوقا والرب مربوبا وَأَن ذَاته متصرف فِيهَا وَتقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا الْبُرْهَان الثَّانِي الْمُسْتَفَاد من كَلَام الشبلي رَضِي الله عَنهُ شيخ الطَّرِيق وَعلم التَّحْقِيق فِي قَوْله الرَّحْمَن لم يزل وَالْعرش مُحدث وَالْعرش بالرحمن اسْتَوَى وَتَقْرِيره أَن الْجِهَة الَّتِي يخْتَص الله تَعَالَى بهَا على قَوْلهم تَعَالَى الله عَنْهَا وسموها الْعَرْش إِمَّا أَن تكون مَعْدُومَة أَو مَوْجُودَة وَالْقسم الأول محَال بالِاتِّفَاقِ وَأَيْضًا فَإِنَّهَا تقبل الْإِشَارَة الحسية وَالْإِشَارَة الحسية إِلَى الْعَدَم محَال فَهِيَ مَوْجُودَة وَإِذا كَانَت مَوْجُودَة فَإِن كَانَت قديمَة مَعَ الله فقد وجد لنا قديم غير الله وَغير صِفَاته فَحِينَئِذٍ لَا يدرى أَيهمَا الأولة وَهَذَا خبث هَذِه العقيدة وَإِن كَانَت حَادِثَة فقد حدث التحيز بِاللَّه تَعَالَى فَيلْزم أَن يكون الله قَابلا لصفات نفسية حَادِثَة تَعَالَى الله عَن ذَلِك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 86 الْبُرْهَان الثَّالِث الْمُسْتَفَاد من لِسَان الطَّرِيقَة وَعلم الْحَقِيقَة وطبيب الْقُلُوب وَالدَّلِيل على المحبوب أبي الْقَاسِم الْجُنَيْد رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَتى يتَّصل من لَا شَبيه لَهُ وَلَا نَظِير بِمن لَهُ شَبيه وَنَظِير هَيْهَات هَيْهَات هَذَا ظن عَجِيب وَتَقْرِير هَذَا الْبُرْهَان أَنه لَو كَانَ فِي جِهَة فإمَّا أَن يكون أكبر أَو مُسَاوِيا أَو أَصْغَر والحصر ضَرُورِيّ فَإِن كَانَ أكبر كَانَ الْقدر الْمسَاوِي مِنْهُ للجهة مغايرا للقدر الْفَاضِل مِنْهُ فَيكون مركبا من الْأَجْزَاء والأبعاض وَذَلِكَ محَال لِأَن كل مركب فَهُوَ مفتقر إِلَى جزئه وجزؤه غَيره وكل مركب مفتقر إِلَى الْغَيْر وكل مفتقر إِلَى الْغَيْر لَا يكون إِلَهًا وَإِن كَانَ مُسَاوِيا للجهة فِي الْمِقْدَار والجهة منقسمة لِإِمْكَان الْإِشَارَة الحسية إِلَى أبعاضها فالمساوي لَهَا فِي الْمِقْدَار منقسم وَإِن كَانَ أَصْغَر مِنْهَا تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا فَإِن كَانَ مُسَاوِيا لجوهر فَرد فقد رَضوا لأَنْفُسِهِمْ بِأَن إلههم قدر جَوْهَر فَرد وَهَذَا لَا يَقُوله عَاقل وَإِن كَانَ مَذْهَبهم لَا يَقُوله عَاقل لَكِن هَذَا فِي بادئ الرَّأْي يضْحك مِنْهُ جهلة الزنج وَإِن كَانَ أكبر مِنْهُ انقسم فانظروا إِلَى هَذِه النحلة وَمَا قد لَزِمَهَا تَعَالَى الله عَنْهَا الْبُرْهَان الرَّابِع الْمُسْتَفَاد من جَعْفَر بن نصير رَحمَه الله وَهُوَ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} فَقَالَ اسْتَوَى بِعِلْمِهِ بِكُل شَيْء فَلَيْسَ شَيْء أقرب إِلَيْهِ من شَيْء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 87 وَتَقْرِير هَذَا الْبُرْهَان أَن نِسْبَة الْجِهَات إِلَيْهِ على التَّسْوِيَة فَيمْتَنع أَن يكون فِي الْجِهَة وَبَيَان أَن نسبتها إِلَيْهِ على التَّسْوِيَة أَنه قد ثَبت أَن الْجِهَة أَمر وجودي فَهِيَ إِن كَانَت قديمَة مَعَ الله لزم وجوده قديمين متميزين بذاتيهما لِأَنَّهُمَا إِن لم يتميزا بذاتيهما فالجهة هِيَ الله تَعَالَى وَالله هُوَ الْجِهَة تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَإِن لم تكن قديمَة فاختصاصه بهَا إِمَّا أَن يكون لِأَن ذَاته اقْتَضَت ذَلِك فَيلْزم كَون الذَّات فاعلة فِي الصِّفَات النفسية أَو غير ذاتية فنسبة الْجِهَات إِلَى ذَاته على التَّسْوِيَة فمرجح جِهَة على جِهَة أَو غير ذاتية فنسبة الْجِهَات إِلَى ذَاته على التَّسْوِيَة فمرجح جِهَة على جِهَة أَمر خَارج عَن ذَاته فَلَزِمَ افتقاره فِي اخْتِصَاصه بالجهة إِلَى غَيره والاختصاص بالجهة هُوَ عين التحيز والتحيز صفة قَائِمَة بِذَات المتحيز فَلَزِمَ افتقاره فِي صفة ذَاته إِلَى غَيره وَهُوَ على الله تَعَالَى محَال ثمَّ اعْلَم أَن هَذِه الْبَرَاهِين الَّتِي سردناها وتلقيناها من مَشَايِخ الطَّرِيق فَإِنَّمَا استنبطوها من الْكتاب الْعَزِيز وَلَكِن لَيْسَ كل مَا فِي الْكتاب الْعَزِيز يعرفهُ كل أحد فَكل يغترف بِقدر إنائه وَمَا نقصت قَطْرَة من مَائه وَلَقَد كَانَ السّلف يستنبطون مَا يَقع من الحروب وَالْغَلَبَة من الْكتاب الْعَزِيز وَلَقَد استنبط ابْن برجان رَحمَه الله من الْكتاب الْعَزِيز فتح الْقُدس على يَد صَلَاح الدّين فِي سنته واستنبط بعض الْمُتَأَخِّرين من سُورَة الرّوم إِشَارَة إِلَى حُدُوث مَا كَانَ بعد سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وَلَقَد استنبط كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ من التَّوْرَاة أَن عبد الله بن قلَابَة يدْخل إرم ذَات الْعِمَاد وَلَا يدخلهَا غَيره وَكَانَ يستنبط مِنْهَا مَا يجْرِي من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَمَا يلاقيه أجناد الشَّام وَذَلِكَ مَشْهُور الجزء: 9 ¦ الصفحة: 88 وَالله تَعَالَى أنزل فِي كِتَابه مَا يفهم أحد الْخلق مِنْهُ الْكثير وَلَا يفهم الآخر من ذَلِك شَيْئا وَلَقَد تخْتَلف الْمَرَاتِب فِي استنباط الْأَحْكَام من كَلَام الْفُقَهَاء والمعاني من قصائد الشُّعَرَاء فَأَما مَا ورد فِي الْكتاب الْعَزِيز مِمَّا يَنْفِي الْجِهَة فتعرفه الْخَاصَّة وَلَا تشمئز مِنْهُ الْعَامَّة فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء} وَلَو حصرته جِهَة لَكَانَ مثلا للمحصور فِي ذَلِك الْبَعْض وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {هَل تعلم لَهُ سميا} قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ هَل تعلم لَهُ مثلا وَيفهم ذَلِك من {القيوم} وَبِنَاء الْمُبَالغَة فِي أَنه قَائِم بِنَفسِهِ وَمَا سواهُ قَائِم بِهِ فَلَو قَامَ بالجهة لقام بِهِ غَيره وَيفهم من قَوْله تَعَالَى {المصور} لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي جِهَة لتصور فإمَّا أَن يصور نَفسه أَو يصوره غَيره وَكِلَاهُمَا محَال وَيفهم من قَوْله تَعَالَى {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} وَلَو كَانَ على الْعَرْش حَقِيقَة لَكَانَ مَحْمُولا وَيفهم من قَوْله تَعَالَى {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} وَالْعرش شَيْء يهْلك فَلَو كَانَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا فِي جِهَة ثمَّ صَار فِي جِهَة ثمَّ صَار لَا فِي جِهَة لوجد التَّغَيُّر وَهُوَ على الله محَال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 89 وَالْمُدَّعِي لما علم أَن الْقُرْآن طافح بِهَذِهِ الْأَشْيَاء وَبِهَذَا الإشارات قَالَ هَذِه الْأَشْيَاء دلالتها كالإلغاز أَو مَا علم الْمَغْرُور أَن أسرار العقائد الَّتِي لَا تحملهَا عقول الْعَوام لَا تَأتي إِلَّا كَذَلِك وَأَيْنَ فِي الْقُرْآن مَا يَنْفِي الجسمية إِلَّا على سَبِيل الإلغاز وَهل تفتخر الأذهان إِلَّا فِي استنباط الخفيات كاستنباط الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْإِجْمَاع من قَوْله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} وكاستنباط الْقيَاس من قَوْله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وكما استنبط الشَّافِعِي خِيَار الْمجْلس من نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن البيع على بيع أَخِيه وزبدة الْمَسْأَلَة أَن العقائد لم يُكَلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجُمْهُور مِنْهَا إِلَّا بِلَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله كَمَا أجَاب مَالك الشَّافِعِي رَضِي الله عَنْهُمَا ووكل الْبَاقِي إِلَى الله وَمَا سمع مِنْهُ وَلَا عَن أَصْحَابه فِيهَا شَيْء إِلَّا كَلِمَات معدودات فَهَذَا الَّذِي يخفى مثله ويلغز فِي إفادته الْفَصْل الثَّانِي فِي إبِْطَال مَا موه بِهِ الْمُدَّعِي من أَن الْقُرْآن وَالْخَبَر اشتملا على مَا يُوهم ظَاهره مَا يتنزه الله تَعَالَى عَنهُ على قَول الْمُتَكَلِّمين فَنَقُول قَالَ الله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} الْآيَة دلّت هَذِه الْآيَة على أَن من الْقُرْآن محكما وَمِنْه متشابها والمتشابه قد أَمر العَبْد برد تَأْوِيله إِلَى الله وَإِلَى الراسخين فِي الْعلم فَنَقُول بعد ذَلِك إِنَّمَا لم تأت النُّبُوَّة بِالنَّصِّ ظَاهرا على المتشابهة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 90 لِأَن جلّ مَقْصُود النُّبُوَّة هِدَايَة عُمُوم النَّاس فَلَمَّا كَانَ الْأَكْثَر محكما وألجمت الْعَامَّة عَن الْخَوْض فِي الْمُتَشَابه حصل الْمَقْصُود لَوْلَا أَن يقيض الله تَعَالَى لَهُم شَيْطَانا يستهويهم ويهلكهم وَلَو أظهر الْمُتَشَابه لضعفت عقول الْعَالم عَن إِدْرَاكه ثمَّ من فَوَائِد الْمُتَشَابه رفْعَة مَرَاتِب الْعلمَاء بَعضهم على بعض كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَفَوق كل ذِي علم عليم} وَتَحْصِيل زِيَادَة الأجور بالسعي فِي تفهمها وتفهيمها وتعلمها وتعليهما وَأَيْضًا لَو كَانَ وَاضحا جليا مفهوما بِذَاتِهِ لما تعلم النَّاس سَائِر الْعُلُوم بل هجرت بِالْكُلِّيَّةِ ووضح الْكتاب بِذَاتِهِ وَلما احْتِيجَ إِلَى علم من الْعُلُوم الْمعينَة على فهم كَلَامه تَعَالَى ثمَّ خُوطِبَ فِي الْمُتَشَابه بِمَا هُوَ عَظِيم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم وَإِن كَانَ الْأَمر أعظم مِنْهُ كَمَا نبه عَلَيْهِ عبد الْعَزِيز الْمَاجشون فِي القبضة وكما قَالَ تَعَالَى فِي نعيم أهل الْجنَّة {فِي سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود وَمَاء مسكوب} الْآيَة فَهَذَا عَظِيم عِنْدهم وَإِن كَانَ فِي الْجنَّة مَا هُوَ أعظم مِنْهُ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِكَايَة على الله عز وَجل (أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر) نسْأَل الله الْعَظِيم أَن يَجْعَل فِيهَا قرارنا وَأَن ينور بصيرتنا وأبصارنا وَأَن يَجْعَل ذَلِك لوجهه الْكَرِيم بمنه وَكَرمه وَنحن نَنْتَظِر مَا يرد من تمويهه وفساده لنبين مدارج زيغه وعناده ونجاهد فِي الله حق جهاده وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 91 1303 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن حيدرة شَيخنَا فِي صَحِيح مُسلم القَاضِي شمس الدّين أَبُو الْمَعَالِي ابْن القماح صَاحب المجاميع المفيدة مولده سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَسمع من إِبْرَاهِيم بن عمر بن مُضر وَإِسْمَاعِيل بن عبد الْقوي بن عزون والنجيب عبد اللَّطِيف والعز عبد الْعَزِيز ابنى عبد الْمُنعم الْحَرَّانِي وَابْن خطيب المزة وَغَيرهم وَكَانَ ذكي القريحة قوي الحافظة حَافِظًا لكثير من الْفِقْه حسن الْحِفْظ لِلْقُرْآنِ كثير التِّلَاوَة وَحكم بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة نِيَابَة توفّي فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ ووالده الشَّيْخ علم الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم كَانَ أَيْضا من أهل الْعلم والديانة المتينة وَله النّظم البديع وامتحن مرّة بمحنة ذكر أَنه نظم فِيهَا أبياتا فِي لَيْلَة لم ينفلق فجرها إِلَّا وَقد فرج عَنهُ والأبيات الحديث: 1303 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 92 (اصبر على حُلْو الْقَضَاء ومره ... وَاعْلَم بِأَن الله بَالغ أمره) (فالصدر من يلقى الخطوب بصدره ... وبصبره وَبِحَمْدِهِ وبشكره) (وَالْحر سيف والذنُوب لصفوه ... صدأ وصيقله نَوَائِب دهره) (لَيْسَ الْحَوَادِث غير أَعمال امْرِئ ... يجزى بهَا من خَيره أَو شَره) (فَإِذا أصبت بِمَا أصبت فَلَا تقل ... أوذيت من زيد الزَّمَان وعمره) (واثبت فكم أَمر أمضك عسره ... لَيْلًا فبشرك الصَّباح بيسره) (وَلكم على نَاس أَتَى فرج الْفَتى ... من سر غيب لَا يمر بفكره) (فاضرع إِلَى الله الْكَرِيم وَلَا تسل ... بشرا فَلَيْسَ سواهُ كاشف ضره) (واعجب لنظمي والهموم شواغل ... يلهين عَن نظم الْكَلَام ونثره) وَمَا أحسن قَول شَاعِر الْعَصْر الشَّيْخ جمال الدّين ابْن نباتة فِي هَذَا الْمَعْنى (لَا تخش من غم كغيم عَارض ... فلسوف يسفر عَن إضاءة بدره) (إِن تمس عَن عَبَّاس حالك رَاوِيا ... فكأنني بك رَاوِيا عَن بشره) (وَلَقَد تمر الحادثات على الْفَتى ... وتزول حَتَّى مَا تمر بفكره) (هون عَلَيْك فَرب أَمر هائل ... دفعت قواه بدافع لم تدره) (ولرب ليل بالهموم كدمل ... صابرته حَتَّى ظَفرت بفجره) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 93 1304 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْمُؤمن الشَّيْخ شمس الدّين بن اللبان تفقه على الْفَقِيه نجم الدّين بن الرّفْعَة وَصَحب فِي التصوف الشَّيْخ ياقوت الْمُقِيم بالإسكندرية وَكَانَ الشَّيْخ ياقوت من أَصْحَاب سَيِّدي الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس المرسي صَاحب سَيِّدي الشَّيْخ أبي الْحسن الشاذلي وبرع ابْن اللبان فقها وأصولا ونحوا وتصوفا وَوعظ النَّاس وَعقد مجْلِس التَّذْكِير بِمصْر وبدرت مِنْهُ أَلْفَاظ يُوهم ظَاهرهَا مَا لَا نشك فِي بَرَاءَته مِنْهُ فاتفقت لَهُ كائنة شَدِيدَة ثمَّ نجاه الله تَعَالَى ودرس بِالآخِرَة بِالْمَدْرَسَةِ الْمُجَاورَة لضريح الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَاخْتصرَ الرَّوْضَة وَبَوَّبَ الْأُم ورتبها على الْمسَائِل والأبواب ووقفت لَهُ على كتاب متشابه الْقُرْآن والْحَدِيث وَهُوَ مُخْتَصر حسن تكلم فِيهِ على بعض الْآيَات وَالْأَحَادِيث المتشابهات بِكَلَام حسن على طَريقَة الصُّوفِيَّة توفّي بالطاعون سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة الحديث: 1304 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 94 وَمن الْفَوَائِد وَالْملح عَنهُ والأشعار فَمن شعره مَا أوردهُ فِي كِتَابه الْمُتَشَابه فِي الربانيات (تشاغل عَنَّا بوسواسه ... وَكَانَ قَدِيما لنا يطْلب) (محب تناسى عهود الْهوى ... وَأصْبح فِي غَيرنَا يرغب) (وَنحن نرَاهُ ونملي لَهُ ... ويحسبنا أننا غيب) (وَنحن إِلَى العَبْد من نَفسه ... ووسواس شَيْطَانه أقرب) وَمن مناجاته فِي هَذَا الْكتاب وَهُوَ مِمَّا أَخذ عَلَيْهِ إلهي جلت عظمتك أَن يعصيك عَاص أَو ينساك نَاس وَلَكِن أوحيت روح أوامرك فِي أسرار الكائنات فذكرك النَّاسِي بنسيانه وأطاعك العَاصِي بعصيانه وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بحَمْدك إِن عصى دَاعِي إيمَانه فقد أطَاع دَاعِي سلطانك وَلَكِن قَامَت عَلَيْهِ حجتك وَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} وَمن كَلَامه فِيهِ على حَدِيث (إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة) الحَدِيث فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن خشيَة سوء الخاتمة مَخْصُوص بِأَهْل أَعمال الْجنَّة وَأما أهل الْإِخْلَاص لأعمال التَّوْحِيد فَلَا يخْشَى عَلَيْهِم سوء الخاتمة وَلِهَذَا قَالَ (فَيعْمل بِعَمَل أهل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 95 الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا) فَافْهَم بذلك أَن المقرب متقربان متقرب إِلَى الْجنَّة بأعمالها ومتقرب إِلَى الله بِذكرِهِ كَمَا ثَبت فِي (أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَأَنا مَعَه حِين يذكرنِي) إِلَى قَوْله (وَإِن تقرب إِلَيّ ذِرَاعا تقربت مِنْهُ باعا) وَذَلِكَ يفهمك أَن المتقرب إِلَى الله تَعَالَى لَا يُمكن أَن يبْقى بَينه وَبَينه ذِرَاع لِأَن ذَلِك الذِّرَاع إِن كَانَ التَّقَرُّب بِهِ مَطْلُوبا من العَبْد لم يبْق بعده مِقْدَار يتَقرَّب الله تَعَالَى بِهِ إِلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فيستلزم الْخلف فِي خَبره وَهُوَ محَال وَإِن كَانَ مَوْعُودًا بِهِ من الله لزم تنجز وعده وَتحقّق الْقرب للْعَبد فَلَا يبْقى بعد وَلَا دُخُول إِلَى النَّار فَعلم أَن ذَلِك الذِّرَاع مَخْصُوص بِأَهْل الْقرب إِلَى الْجنَّة الَّتِي لَا يلْزم مِمَّن يقرب إِلَيْهَا فافهمه فَإِنَّهُ بديع انْتهى وَمِنْه قَالَ أنكر القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي كتاب الأحوذي ثُبُوت الرُّؤْيَة فِي الْموقف وَقَالَ إِن نعيم الرُّؤْيَة لَا يكون إِلَّا للْمُؤْمِنين فِي الْجنَّة وَأَن مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَة فِي الْموقف فَإِنَّمَا هُوَ على سَبِيل الامتحان والاختبار وَالَّذِي نعتقده ثُبُوت الرُّؤْيَة وتعميمها للْمُؤْمِنين فِي الْموقف على مَا صَحَّ فِي الحَدِيث وَذَلِكَ صَرِيح فِي قَوْله تَعَالَى {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} انْتهى وَالله أعلم بِالصَّوَابِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 96 1305 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن إِبْرَاهِيم بن عَدْلَانِ بن مَحْمُود بن لَاحق ابْن دَاوُد الْكِنَانِي الشَّيْخ الإِمَام شمس الدّين سمع من الْعِزّ الْحَرَّانِي والحافظ أبي مُحَمَّد الدمياطي وَأبي الْحسن عَليّ بن نصر الله بن الصَّواف وتفقه على الشَّيْخ وجيه الدّين البهنسي وَقَرَأَ الْأُصُول على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الْأَصْبَهَانِيّ شَارِح الْمَحْصُول والنحو على الشَّيْخ بهاء الدّين بن النّحاس وَأفْتى وناظر ودرس وَأفَاد وناب فِي الحكم عَن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَأرْسل رَسُولا إِلَى الْيمن فِي الدولة الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون وَشرح مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَلم يكمله وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة لما توجهنا إِلَى الْقَاهِرَة فِي خدمَة الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله عِنْدَمَا تسلطن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَحْمد بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون ولي الْأَخ الشَّيْخ بهاء الدّين أَبُو حَامِد سلمه الله قَضَاء الْقُضَاة بالعساكر المنصورة ثمَّ وَقع نزاع كثير وَولي الشَّيْخ شمس الدّين الْمشَار إِلَيْهِ قَضَاء الْعَسْكَر وَكَانَ إِمَامًا عَارِفًا بِالْمذهبِ مشارا إِلَيْهِ بالتقدم بَين أهل الْعلم يضْرب الْمثل باسمه الحديث: 1305 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 97 مولده سنة نَيف وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي الطَّاعُون سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَمن الْفَوَائِد عَنهُ مناظرة بَينه وَبَين الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله فِي حد الْوَرع لَا يحضرني مِنْهَا إِلَّا أَنه ادّعى أَن الْوَرع ترك الشُّبْهَة وَأَن الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد قَالَ الْوَرع مَرَاتِب أدناها اجْتِنَاب الْكَبَائِر ونقلت من خطّ الْوَالِد جَوَابا عَن مُكَاتبَة أرْسلت إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنى مَا نَصه وَأما كَلَام ابْن عَدْلَانِ فِي الْوَرع فتعجبت مِنْهُ والورع دَرَجَات أدناها كل مُسلم مجتنب للكبائر متصف بِهِ هَذَا فِي الْمصدر وَأما اسْم الْفَاعِل فَهُوَ تَابع للمصدر لَكِن قد يخص فِي الْعرف بِبَعْض الْمَرَاتِب والشروط هَل تحمل على الْمُسَمّى كَمَا ذكره الْفُقَهَاء فِي السّلم أَو على رُتْبَة خَاصَّة إِن دلّ الْعرف عَلَيْهَا فِيهِ بحث أما عِنْد اضْطِرَاب الْعرف فَلَا شكّ فِي الْحمل على الْمُسَمّى وَهَذِه الْكَلِمَات يُمكن أَن تبسط فِي تصنيف ولسنا من أهل الْوَرع إِنَّمَا أَهله سعيد بن الْمسيب وسُفْيَان وَمن الْمُتَأَخِّرين النَّوَوِيّ انْتهى مَا نقلته من خطّ الشَّيْخ الإِمَام وَكَانَت الْوَاقِعَة فِي وقف اشْترط واقفه فِي مُبَاشرَة الْوَرع فَأفْتى الشَّيْخ الإِمَام بالاكتفاء فِيهِ بِالْعَدَالَةِ لاضطراب الْعرف فِي حد الْوَرع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 98 قَالَ وَالْعَدَالَة أدنى مراتبه فَيحمل عَلَيْهَا وَهَذِه مسئلة حَسَنَة تقع كثيرا وَخَالفهُ فِيهَا ابْن عَدْلَانِ أفتى ابْن عَدْلَانِ فِي وَاقِف مدرسة على الْفُقَهَاء والمتفقهة ومدرس ومعيدين وَجَمَاعَة عينهم قَالَ وَمن شُرُوط الْمَذْكُور أَن لَا يشتغلوا بمدرسة أُخْرَى غير هَذِه الْمدرسَة وَلَا يكون لوَاحِد مِنْهُم تعلق بمدرسة أُخْرَى وَلَا مُبَاشرَة بِتِجَارَة وَلَا بزازة يعرف بهَا غير تِجَارَة الْكتب وَلَا ولَايَة بِأَنَّهُ يجوز للمقرر فِي هَذِه الْمدرسَة الْجمع بَينهَا وَبَين إِمَامَة مَسْجِد قريب مِنْهَا وَوَافَقَهُ شيخ الْحَنَفِيَّة فِي زَمَاننَا قَاضِي قُضَاة الْحَنَفِيَّة بالديار المصرية عَلَاء الدّين عَليّ بن عُثْمَان المارديني بن التركماني قلت وَفِيه نظر لنَصّ الشَّافِعِي على أَن الْإِمَامَة ولَايَة حَيْثُ يَقُول وَلَا أكره الْإِمَامَة إِلَّا من جِهَة أَنَّهَا ولَايَة وَأَنا أكره سَائِر الولايات الجزء: 9 ¦ الصفحة: 99 رَأَيْت فِي كَلَام ابْن عَدْلَانِ أَن شَرَائِط الْمَبِيع ثَمَانِيَة فَذكر كَونه طَاهِرا مُنْتَفعا بِهِ مَقْدُورًا على تَسْلِيمه مَمْلُوكا للعاقد أَو لمن يَقع لَهُ العقد مَعْلُوما وَزَاد سالما من الرِّبَا خَالِصا من مُقَارنَة مَا لَا يجوز العقد عَلَيْهِ وَأَن لَا يكون معرضًا للعاهة قَالَ وَقَوْلنَا سالما من الرِّبَا احْتِرَاز عَمَّا لَو اشْتَمَل على الرِّبَا وَقَوْلنَا خَالِصا إِلَى آخِره احْتِرَاز عَمَّا لَو جمع بَين مَعْلُوم ومجهول فَإِنَّهُ لَا يَصح فِي الْأَصَح وَقَوْلنَا وَأَن لَا يكون معرضًا للعاهة احْتِرَاز عَمَّا لَو بَاعَ الثَّمر قبل بَدو الصّلاح أَو الزَّرْع الْأَخْضَر وَلم يشْتَرط الْقطع فَإِنَّهُ لَا يَصح 1306 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان بن قايماز شَيخنَا وأستاذنا الإِمَام الْحَافِظ شمس الدّين أَبُو عبد الله التركماني الذَّهَبِيّ مُحدث الْعَصْر اشْتَمَل عصرنا على أَرْبَعَة من الْحفاظ بَينهم عُمُوم وخصوص الْمزي والبرزالي والذهبي وَالشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد لَا خَامِس لهَؤُلَاء فِي عصرهم فَأَما الْمزي والبرزالي وَالْوَالِد فسنترجمهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى الحديث: 1306 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 100 وَأما أستاذنا أَبُو عبد الله فَبَصر لَا نَظِير لَهُ وكنز هُوَ الملجأ إِذا نزلت المعضلة إِمَامًا لوُجُود حفظا وَذهب الْعَصْر معنى ولفظا وَشَيخ الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَرجل الرِّجَال فِي كل سَبِيل كَأَنَّمَا جمعت الْأمة فِي صَعِيد وَاحِد فنظرها ثمَّ أَخذ يخبر عَنْهَا إِخْبَار من حضرها وَكَانَ محط رحال تغيبت ومنتهى رغبات من تغيبت تعْمل الْمطِي إِلَى جواره وتضرب البزل المهاري أكبادها فَلَا تَبْرَح أَو تنبل نَحْو دَاره وَهُوَ الَّذِي خرجنَا فِي هَذِه الصِّنَاعَة وأدخلنا فِي عداد الْجَمَاعَة جزاه الله عَنَّا أفضل الْجَزَاء وَجعل حَظه من غرفات الْجنان موفر الْأَجْزَاء وسعده بَدْرًا طالعا فِي سَمَاء الْعُلُوم يذعن لَهُ الْكَبِير وَالصَّغِير من الْكتب والعالي والنازل من الْأَجْزَاء مولده فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وَأَجَازَ لَهُ أَبُو زَكَرِيَّا بن الصَّيْرَفِي وَابْن أبي الْخَيْر والقطب ابْن أبي عصرون وَالقَاسِم بن الإربلي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 101 وَطلب الحَدِيث وَله ثَمَانِي عشرَة سنة فَسمع بِدِمَشْق من عمر بن القواس وَأحمد بن هبة الله بن عَسَاكِر ويوسف بن أَحْمد الغسولي وَغَيرهم وببعلبك من عبد الْخَالِق بن علوان وَزَيْنَب بنت عمر بن كندي وَغَيرهمَا وبمصر من الأبرقوهي وَعِيسَى بن عبد الْمُنعم بن شهَاب وَشَيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق العبيد والحافظين أبي مُحَمَّد الدمياطي وَأبي الْعَبَّاس بن الظَّاهِرِيّ وَغَيرهم وَلما دخل إِلَى شيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق الْعِيد وَكَانَ الْمَذْكُور شَدِيد التَّحَرِّي فِي الإسماع قَالَ لَهُ من أَيْن جِئْت قَالَ من الشَّام قَالَ بِمَ تعرف قَالَ بالذهبي قَالَ من أَبُو طَاهِر الذَّهَبِيّ فَقَالَ لَهُ المخلص فَقَالَ أَحْسَنت فَقَالَ من أَبُو مُحَمَّد الْهِلَالِي قَالَ سُفْيَان بن عينة قَالَ أَحْسَنت اقْرَأ ومكنه من الْقِرَاءَة عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إِذْ رَآهُ عَارِفًا بالأسماء وَسمع بالإسكندرية من أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الغرافي وَأبي الْحسن يحيى بن أَحْمد بن الصَّواف وَغَيرهمَا وبمكة من التوزري وَغَيره وبحلب من سنقر الزيني وَغَيره وبنابلس من الْعِمَاد بن بدران وَفِي شُيُوخه كَثْرَة فَلَا نطيل بتعدادهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 102 وَسمع مِنْهُ الْجمع الْكثير وَمَا زَالَ يخْدم هَذَا الْفَنّ إِلَى أَن رسخت فِيهِ قدمه وتعب اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَا تَعب لِسَانه وقلمه وَضربت باسمه الْأَمْثَال وَسَار اسْمه مسير الشَّمْس إِلَّا أَنه لَا يَتَقَلَّص إِذا نزل الْمَطَر وَلَا يدبر إِذا أقبل الليال وَأقَام بِدِمَشْق يرحل إِلَيْهِ من سَائِر الْبِلَاد وتناديه السؤالات من كل نَاد وَهُوَ بَين أكنافها كنف لأهليها وَشرف تفتخر وتزهى بِهِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا طورا ترَاهَا ضاحكة عَن تَبَسم أزهارها وقهقهة عذرانها وَتارَة تلبس ثوب الْوَقار والفخار بِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من إمامها الْمَعْدُود فِي سكانها وَكَانَ شَيخنَا وَالْحق أَحَق مَا قيل والصدق أولى مَا آثره ذُو السَّبِيل شَدِيد الْميل إِلَى آراء الْحَنَابِلَة كثير الإزراء بِأَهْل السّنة الَّذين إِذا حظروا كَانَ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فيهم مقدم الْقَافِلَة فَلذَلِك لَا ينصفهم فِي التراجم وَلَا يصفهم بِخَير إِلَّا وَقد رغم مِنْهُ أنف الراغم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 103 صنف التَّارِيخ الْكَبِير وَمَا أحْسنه لَوْلَا تعصب فِيهِ وأكمله لَوْلَا نقص فِيهِ وَأي نقص يَعْتَرِيه والتاريخ الْأَوْسَط الْمُسَمّى بالعبر وَهُوَ حسن جدا وَالصَّغِير الْمُسَمّى دوَل الْإِسْلَام وَكتاب النبلاء ومختصر تَهْذِيب الْكَمَال للمزي والكاشف مُخْتَصر ذَلِك وَهُوَ مُجَلد نَفِيس وَالْمِيزَان فِي الضُّعَفَاء وَهُوَ من أجل الْكتب وَالْمُغني فِي ذَلِك وكتابا ثَالِثا فِي ذَلِك ومختصر سنَن الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ حسن ومختصر الْأَطْرَاف للمزي وطبقات الْحفاظ وطبقات الْقُرَّاء وكتابا فِي الوفيات ومختصرا آخر فِيهَا يُسمى بالإعلام والتجريد فِي أَسمَاء الصَّحَابَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 104 والمجرد فِي أَسمَاء رجال الْكتب السِّتَّة ومختصر الْمُسْتَدْرك للْحَاكِم ومختصر تَارِيخ نيسابور للْحَاكِم ومختصر ذيل ابْن الدبيثي والمعجم الْكَبِير وَالصَّغِير والمختص لمحدثي الْعَصْر ومختصر الْمحلي لِابْنِ حزم وَكتاب نبأ الدَّجَّال ومختصرات كَثِيرَة وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات وأقرأه توفّي فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَالِث ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْمَدْرَسَةِ المنسوبة لأم الصَّالح فِي قاعة سكنه وَرَآهُ الْوَالِد رَحمَه الله قبل الْمغرب وَهُوَ فِي السِّيَاق وَقَالَ لَهُ كَيفَ تجدك فَقَالَ فِي السِّيَاق ثمَّ سَأَلَهُ أَدخل وَقت الْمغرب فَقَالَ لَهُ الْوَالِد ألم تصل الْعَصْر فَقَالَ بلَى وَلَكِن لم أصل الْمغرب إِلَى الْآن وَسَأَلَ الْوَالِد رَحمَه الله عَن الْجمع بَين الْمغرب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 105 وَالْعشَاء تَقْدِيمًا فأفتاه بذلك فَفعله وَمَات بعد الْعشَاء قبل نصف اللَّيْل وَدفن بِبَاب الصَّغِير حضرت الصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه وَكَانَ قد أضرّ قبل وَفَاته بِمدَّة يسيرَة أنشدنا شَيخنَا الذَّهَبِيّ من لَفظه لنَفسِهِ (تولى شَبَابِي كَأَن لم يكن ... وَأَقْبل شيب علينا تولى) (وَمن عاين المنحنى والنقى ... فَمَا بعد هذَيْن إِلَّا الْمصلى) وأنشدنا لنَفسِهِ وأرسلها معي إِلَى الْوَالِد رَحمَه الله وَهِي فِيمَا أرَاهُ آخر شعر قَالَه لِأَن ذَلِك كَانَ فِي مرض مَوته قبل مَوته بيومين أَو ثَلَاثَة (تَقِيّ الدّين يَا قَاضِي الممالك ... وَمن نَحن العبيد وَأَنت مَالك) (بلغت الْمجد فِي دين وَدُنْيا ... ونلت من الْعُلُوم مدى كمالك) (فَفِي الْأَحْكَام أقضانا عَليّ ... وَفِي الخدام مَعَ أنس بن مَالك) (وكابن معِين فِي حفظ وَنقد ... وَفِي الْفتيا كسفيان وَمَالك) (وفخر الدّين فِي جدل وَبحث ... وَفِي النَّحْو الْمبرد وَابْن مَالك) (وتسكن عِنْد رضوَان قَرِيبا ... كَمَا زحزحت عَن نيران مَالك) (تشفع فِي أنَاس فِي فراء ... لتكسوهم وَلَو من رَأس مَالك) (لتعطي فِي الْيَمين كتاب خير ... وَلَا تُعْطِي كتابك فِي شمالك) وَذكر بعد هَذَا أبياتا على هَذَا النمط تتَعَلَّق بمدحي لم أذكرها وختمها بقوله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 106 (وللذهبي إدلال الموَالِي ... على الْمولى كحلمك واحتمالك) وَمن نظمه أَيْضا فِي أَسمَاء المدلسين (حد المدلسين يَاذَا الْفِكر ... جبر الْجعْفِيّ ثمَّ الزُّهْرِيّ) (وَالْحسن الْبَصْرِيّ قل مَكْحُول ... قَتَادَة حميد الطَّوِيل) (ثمت ابْن عبد الْملك القبطي ... وَابْن أبي نجيح الْمَكِّيّ) (والثبت يحيى بن أبي كثير ... وَالْأَعْمَش النَّاقِل بالتحرير) (وَقل مُغيرَة أَبُو إِسْحَاق ... والمرئي الميمون بِاتِّفَاق) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 107 (ثمَّ يزِيد بن أبي زِيَاد ... حبيب ثَابت فَتى الأجداد) (أَبُو جناب وَأَبُو الزبير ... وَالْحكم الْفَقِيه أهل الْخَيْر) (عباد مَنْصُور قل ابْن عجلَان ... وَابْن عبيد يُونُس ذُو الشان) (ثمَّ أَبُو حرَّة وَابْن إِسْحَاق ... حجاج أَرْطَأَة لكل مساق) (ثمَّ أَبُو سعد هُوَ الْبَقَّال ... عِكْرِمَة الصَّغِير يَا هِلَال) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 108 (ثمَّ ابْن وَاقد حُسَيْن الْمروزِي ... وَابْن أبي عرُوبَة اصغ تفز) (وليد مُسلم حكى بقيه ... فِي حذف واه خلة دنيه) وَقد كنت لما توفّي شَيخنَا رثيته بقصيدة مطْلعهَا (من للْحَدِيث وللسارين فِي الطّلب ... من بعد موت الإِمَام الْحَافِظ الذَّهَبِيّ) (من للرواية للْأَخْبَار ينشرها ... بَين الْبَريَّة من عجم وَمن عرب) (من للدراية والْآثَار يحفظها ... بِالنَّقْدِ من وضع أهل الغي وَالْكذب) (من للصناعة يدْرِي حل معضلها ... حَتَّى يُرِيك جلاء الشَّك والريب) (من للْجَمَاعَة أهل الْعلم تَلبسهمْ ... أَعْلَامه الغر من أبرادها القشب) (من للتخاريج يبديها وَيدخل فِي ... أَبْوَابهَا فاتحا للمقفل الأشب) (من فِي القراآت بَين النَّاس نافعهم ... وَعَاصِم ركنها فِي الجحفل اللجب) (من للخطابة لما لَاحَ يرفل فِي ... ثوب السوَاد كبدر لَاحَ فِي سحب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 109 مِنْهَا (بِاللَّه يَا نفس كوني لي مساعدة ... وحاذري جزع الأوصاب والرعب) (فَهَذِهِ الدَّار دَار لَا ذمام لَهَا ... لَيست بنبع إِذا عدت وَلَا غرب) (وَلَيْسَ تبقى على حَال وَلَيْسَ لَهَا ... عهد يمسك بالأوتاد والطنب) (بَينا يرى الْمَرْء فِي بَحر المعزة ذَا ... خوض ترامت عَلَيْهِ ذلة النوب) (وَالْأَمر من وَاصل الْأَيَّام مُنْقَطع ... وَعمر عامرها كالمربع الخرب) (هذي الْمنية لَا تنفك آخذة ... مَا بَين محتقر فِينَا وَذي نسب) (هِيَ السِّهَام نصبنا نَحْوهَا غَرضا ... تصمي وتسلب كالعسالة السَّلب) (وَهُوَ الْحمام فَلَا تعجب عَلَيْهِ وَلَا ... تعجب لَدَيْهِ فَمَا فِي الْمَوْت من عجب) (وَإِن تغب ذَات شمس الدّين لَا عجب ... فَأَي شمس رأيناها وَلم تغب) (هُوَ الإِمَام الَّذِي رَوَت رِوَايَته ... وطبق الأَرْض من طلابه النجب) (مهذب القَوْل لاعي ولجلجة ... مُثبت النَّقْل سامي الْقَصْد والحسب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 110 (ثَبت صَدُوق خَبِير حَافظ يقظ ... فِي النَّقْل أصدق أنباء من الْكتب) (كالزهر فِي حسب والزهر فِي نسب ... وَالنّهر فِي حدب والدهر فِي رتب) وَهِي طَوِيلَة فليقع الِاقْتِصَار على مَا أوردناه وَمن الْفَوَائِد عَنهُ ويعجبني من كَلَام شَيخنَا أبي عبد الله الْحَافِظ فصل ذكره بعد تصنيف كتاب الْمِيزَان وَأَنا مورد بعضه قَالَ قد كتبت فِي مصنفي المزيان عددا كثيرا من الثِّقَات الَّذِي احْتج البُخَارِيّ أَو مُسلم أَو غَيرهمَا بهم لكَون الرجل مِنْهُم قد دون اسْمه فِي مصنفات الْجرْح وَمَا أوردتهم لضعف فيهم عِنْدِي بل ليعرف ذَلِك وَمَا زَالَ يمر بِي الرجل الثبت وَفِيه مقَال من لَا يعبأ بِهِ وَلَو فتحنا هَذَا الْبَاب على نفوسنا لدخل فِيهِ عدَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة فبعض الصَّحَابَة كفر بَعضهم بِتَأْوِيل مَا وَالله يرضى عَن الْكل وَيغْفر لَهُم فَمَا هم بمعصومين وَلَا اخْتلَافهمْ ومحاربتهم بِالَّتِي تلنيهم عندنَا أصلا وَلَا بتكفير الْخَوَارِج لَهُم انحطت روايتهم بل صَار كَلَام الْخَوَارِج والشيعة فيهم جرحا فِي الطاعنين فَانْظُر إِلَى حِكْمَة رَبك نسْأَل الله السَّلامَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 111 وَهَكَذَا كثير من كَلَام الأقران بَعضهم فِي بعض يَنْبَغِي أَن يطوى وَلَا يرْوى قَالَ وسوف أبسط فصلا من هَذَا الْمَعْنى يكون فيصلا بَين الْمَجْرُوحين الْمُعْتَبر والمردود فَأَما الصَّحَابَة فبساطهم مطوي وَإِن جرى مَا جرى إِذْ الْعَمَل على عدالتهم وَبِه ندين الله وَأما التابعون فيكاد يعْدم فيهم الْكَاذِب عمدا وَلَكِن لَهُم غلط وأوهام فَمن نذر غلطه احْتمل وَكَذَا من تعدد غلطه وَكَانَ من أوعية الْعلم على تردد بَين الْأَئِمَّة فِي الِاحْتِجَاج بِمن هَذَا نَعته كالحارث الْأَعْوَر وَعَاصِم بن ضمره وَصَالح مولى التَّوْأَمَة وَعَطَاء بن السَّائِب وَمن فحش خَطؤُهُ وَكثر تفرده لم يحْتَج بحَديثه وَلَا يكَاد يَقع ذَلِك فِي التَّابِعين الْأَوَّلين وَإِن وجد فِي صغَار التَّابِعين كمالك وَالْأَوْزَاعِيّ فَمن بعدهمْ فعلى الْمَرَاتِب الْمَذْكُورَة وَأما أَصْحَاب التَّابِعين فَوجدَ فِي عصرهم من تعمد الْكَذِب أَو من كثر غلطه وتخبيطه فَترك حَدِيثه هَذَا مَالك النَّجْم الْهَادِي بَين الْأمة وَمَا سلم من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 112 الْكَلَام فِيهِ وَكَذَا الْأَوْزَاعِيّ ثِقَة حجَّة وَرُبمَا انْفَرد وَوهم وَحَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ فِيهِ شَيْء مَا وَقد قَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل حَدِيث ضَعِيف ورأي ضَعِيف وَقد تكلّف لِمَعْنى هَذِه اللَّفْظَة وَكَذَا تكلم من لَا يفهم فِي الزُّهْرِيّ لكَونه خضب بِالسَّوَادِ وَلبس زِيّ الْجند وخدم عِنْد هِشَام بن عبد الْملك وَهَذَا بَاب وَاسع وَالْمَاء إِذا بلغ الْقلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث ثمَّ ذكر جمَاعَة من هَذَا الْجِنْس أَعنِي من لَا يضرهم كَلَام من تكلم فيهم بل يضر الْمُتَكَلّم فَمنهمْ الفضيل بن عِيَاض فَإِنَّهُ ثِقَة سيد بِلَا نزاع وَقَالَ أَحْمد بن أبي خَيْثَمَة سَمِعت قُطْبَة بن الْعَلَاء يَقُول تركت حَدِيث الفضيل بن عِيَاض لِأَنَّهُ روى أَحَادِيث أزرى فِيهَا على عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَلَا يسمع كَلَام قُطْبَة وَمن هُوَ قُطْبَة وَمِنْهُم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي الإِمَام الَّذِي سَارَتْ الركْبَان بفضائله ومعارفه وثقتة وأمانته فَهُوَ حَافظ ثَبت نَادِر الْغَلَط حَتَّى إِن أَبَا زرْعَة قَالَ مَا عِنْد الشَّافِعِي حَدِيث غلط فِيهِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد مَا أعلم للشَّافِعِيّ قطّ حَدِيثا خطأ وَقد رُوِيَ أَن ابْن معِين قَالَ فِيهِ لَيْسَ بِثِقَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 113 قَالَ الذَّهَبِيّ فقد آذَى ابْن معِين نَفسه بذلك وَلم يلفت أحد إِلَى كَلَامه فِي الشَّافِعِي وَلَا إِلَى كَلَامه فِي جمَاعَة من الْأَثْبَات كَمَا لم يلتفتوا إِلَى توثيقه بعض النَّاس قلت وَقد قدمنَا فِي تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ أبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ أَن ابْن معِين لم يعن الشَّافِعِي فانطوى هَذَا الْبسَاط وَأطَال الذَّهَبِيّ النَّفس فِي هَذَا الْموضع وأجاد فِيهِ وَقَالَ فِي آخِره فالشافعي من جلة أَصْحَاب الحَدِيث رَحل فِيهِ وَكتب بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَالْعراق واليمن ومصر ولقب بِبَغْدَاد نَاصِر الحَدِيث وَلم يُوجد لَهُ حَدِيث غلط فِيهِ وَالله حسيب من يتَكَلَّم بِجَهْل أَو هوى نعم لم يكن الشَّافِعِي فِي الحَدِيث كيحيى الْقطَّان وَابْن مهْدي وَأحمد بن حَنْبَل وَابْن الْمَدِينِيّ بل مَا هُوَ فِي الحَدِيث بِدُونِ الْأَوْزَاعِيّ وَلَا مَالك وَهُوَ فِي الحَدِيث وَرِجَاله وَعلله فَوق أبي مسْهر وأشباهه انْتهى قلت وَنحن لَا نسلم أَن الشَّافِعِي فِي الحَدِيث دون من ذكره وَغَايَة الْأَمر أَن الَّذِي ظهر أَن ذكره أَكثر وَمَا ذَاك إِلَّا لاشتغال الشَّافِعِي بِمَا هُوَ أهم من تَرْتِيب قوانين الشَّرِيعَة وَيَكْفِي الشَّافِعِي شَهَادَة الْمُحدثين لَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدِيث غلط فِيهِ ثمَّ أورد الذَّهَبِيّ الَّذين لم يُؤثر الْكَلَام فيهم على حُرُوف المعجم فعد فيهم إِبْرَاهِيم ابْن طهْمَان وَإِبْرَاهِيم بن سعد وَأَبَان بن يزِيد الْعَطَّار وَأَبا ثَوْر وَأحمد بن صَالح الطَّبَرِيّ الْمصْرِيّ وَأَبا نعيم الْأَصْبَهَانِيّ الْحَافِظ والخطيب أَبَا بكر الْحَافِظ وَأَبا مَسْعُود أَحْمد بن الْفُرَات الرَّازِيّ الْحَافِظ وَأحمد بن حَنْبَل وَأحمد بن مَنْصُور الرَّمَادِي الْحَافِظ وَإِسْرَائِيل بن يُونُس وَإِسْمَاعِيل بن علية وَابْن رَاهَوَيْه وجعفر الصَّادِق وَجَرِير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 114 ابْن حَازِم الْأَزْدِيّ وحبيبا الْمعلم وَحرب بن شَدَّاد وَحَفْص بن ميسرَة وحمران بن أبان مولى عُثْمَان وخالدا الْحذاء وزَكَرِيا بن أبي زَائِدَة وَالْأَعْمَش وَعبد الرَّزَّاق وَقيس بن أبي حَازِم وَمَالك بن دِينَار وَهِشَام بن حسان وَهَمَّام بن يحيى والوليد بن مُسلم ووهب بن مُنَبّه ويعلى بن عبيد الطنافسي وَأَبا إِسْحَاق السبيعِي وَجَمَاعَة آخَرين تَركتهم اختصارا وَقد أَجَاد الشَّيْخ رَحمَه الله فَلَا يخفى أَن الْكَلَام فِي هَؤُلَاءِ وَعَدَمه سَوَاء وَلَا يُؤثر الْكَلَام فيهم شَيْئا مَا وَإِذا عَارض حَدِيث أحدهم حَدِيث من لم يَقع فِيهِ كَلَام لَا نقُول إِنَّه يقدم عَلَيْهِ لِأَن الْكَلَام فيهم لم يُؤثر شَيْئا بل أَقُول لم يسلم أحد من أَن يتَكَلَّم فِيهِ بِمثل مَا تكمل فِي هَؤُلَاءِ وَالله الْمُسْتَعَان قَالَ لي شَيخنَا الذَّهَبِيّ مرّة من فِي الْأمة أفضل من أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بِالْإِجْمَاع فَقلت يفيدنا الشَّيْخ قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ من أمة الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل على بَاب دمشق ويأتم فِي صَلَاة الصُّبْح بإمامها وَيحكم بِهَذِهِ الشَّرِيعَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 115 قلت وَهَذَا مَا أَشرت إِلَيْهِ بقصيدتي الَّتِي نظمتها فِي المعاياة مِنْهَا (من بِاتِّفَاق جَمِيع الْخلق أفضل من ... شيخ الصحاب أبي بكر وَمن عمر) (وَمن عَليّ وَمن عُثْمَان وَهُوَ فَتى ... من أمة الْمُصْطَفى الْمُخْتَار من مُضر) وَبعد أَن نظمت هَذِه الأبيات وقفت على قصيدة غراء لبَعض الأدباء أَحْبَبْت تخليدها فِي هَذَا الْكتاب وَهِي (سلا صَاحِبي الْجزع من أبرق الْحمى ... عَن الظبيات الخرد الْبيض كالدمى) (وعوجا على أهل الْخيام بحاجر ... ورامة من أهل الْعرَاق فسلما) (وَإِن سفهت ريح الشمَال عَلَيْكُمَا ... وريح الصِّبَا فِي أرْضهَا فتحلما) (فَبين الْخيام أغيد يخطف الحشا ... مَرِيض جفون للصحيحات أسقما) (يُرِيك الدياجي إِن غَدا متجهما ... وشمس الضُّحَى إِن مَا بدا مُتَبَسِّمًا) (ويفتر عَن در يصان بهاؤه ... ويحرس بالظلم الممنع واللما) (كَأَن قضيب البان فِي ميسانه ... رأى قده لما انثنى فتعلما) (إِذا الرّيح جالت حول عطفيه أَصبَحت ... تهب نسيما مَا أرق وأنعما) (يُقيد من تعريجه الصدغ عقربا ... وَيُرْسل من رَجَعَ الذؤابة أرقما) (لَهُ فِي قُلُوب الْعَالمين مهابة ... تبلغه فِي حكمه مَا تيمما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 116 (وحثا إِلَى عبد الرَّحِيم ركائبا ... تحاكي قسي النبع فوقن أسهما) (فَتى جمعت فِيهِ الْفَضَائِل راضعا ... ونال العلى من قبل أَن يتكلما) (حَلِيف التقى ترب الْوَقار مهذب الْخلال ... يرى كسب المحامد مغنما) (يبيت نديما للسماح معاقرا ... وَيُصْبِح صبا بالمعالي متيما) (لَهُ خلق كالروض غب سمائه ... تضوع مسكا أذفرا وتبسما) (إِذا جئتماه فامنحاه تَحِيَّة ... ملوكية أَو كبراه وأعظما) (وقولا لَهُ اسْمَع مَا نقُول وَلَا تكن ... ضجورا بِهِ مستثقلا متبرما) (رَأَيْنَاك فِي أثْنَاء قَوْلك معجبا ... بكونك أوفى النَّاس فهما وأعلما) (فَإِن كنت من أهل الْكِتَابَة واثقا ... بِنَفْسِك فِيهَا لَا تخَاف تهضما) (فَمَا ألف من بعد يَاء مَرِيضَة ... مصاحبة عينا تخوفها العما) (تظن إِذا الرَّاوِي غَدا ناطقا بهَا ... زمير نعام فِي الفلاة ترنما) (وياء إِذا مدت غَدَتْ غير نَفسهَا ... وَصَارَت حَدِيثا عَن جواك مترجما) (وَإِن قصرت كَانَت غرابا بقفرة ... يرود لكَي يلقى خَلِيلًا وأينما) (وسينا أضافوها إِلَى الدَّال مرّة ... فَصرحَ بالشكوى لَهَا ثمَّ جمجما) (يخَاف إِذا مَا باح بالْقَوْل سطوة ... من الصَّاد أَو غشا من الْمِيم مؤلما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 117 (وَمَا الْكَاف إِن ردَّتْ إِلَى أصل خلقهَا ... وَمَا الْقَاف إِن أضحى لَهَا مُتَقَدما) (وَسِتَّة أَشْيَاخ تخال شخوصها ... إِذا عكست نجم الثريا إِذا سما) (وحرفان محسوبان فِي الْعد سَبْعَة ... تريك غُبَار الجو طَار ودوما) (وَإِن كنت من أهل البلاغة جَامع اللُّغَات ... بأنواع الْأَقَاوِيل قيمًا) (فَمَا كَلِمَات هن عرب صرائح ... يعود الفصيح إِن شداهن أعجما) (وَإِن قلبت أعيانهن وصحفت ... ترى مصقعا فِيهِنَّ من كَانَ أبكما) (وَمَا السيربان والجحوحة والضفا ... ضفا الدَّار والسمر الغرانف والهما) (وَمَا الْحمل والتيمات والزام بعده ... وَمَا الجعفريات تنزى وزغلما) (وَمَا السفح والفرغان والخنع والنقى ... وقف التوالي والهبابة والجما) (وَمَا الخيعر المبثوث والشامخ الَّذِي ... يناط براعون ليُصبح معلما) (وَمَا الحدب الْهَادِي وَمَا أجدب الْكرَى ... وَمَا عنجم إِن كنت تعرف عنجما) (وَمَا الزبرق المائي إِذا غَابَ نجمه ... وَمَا الزنبق الناوي إِذا هُوَ أنجما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 118 (وَمَا العنقفيس والملاحيح والكبى ... وطارسة والفادحيات عظلما) (وَإِن كنت مِمَّن يَدعِي عَرَبِيَّة ... ويحقر فِي النَّحْو الإِمَام المقدما) (فَمَا لَفْظَة إِن أعربت أَصبَحت لقى ... يعاف بهَا الْمَرْء البليغ التكلما) (وَإِن أهمل الْإِعْرَاب فِيهَا فَمن غَدا ... بِشَيْء سواهَا ناطقا كَانَ مفحما) (وَمَا اسْم إِذا ثنيته وَجمعته ... تنصف فيهمَا رمته وتسهما) (وحرف إِذا أعملته صَار معربا ... وَفعل إِذا عديته صَار مذغما) (وَمَا حرف عطف لَيْسَ يُوجد عاطفا ... إِذا الْمَرْء آلى فِي الْمقَال وأقسما) (وحرفان للتوكيد ليسَا لحَاجَة ... يعدَّانِ يل يُرْجَى أَخُو النَّقْص مِنْهُمَا) (وَمَا مصدر قد ألزم الرّفْع دَائِما ... وَمَا اسمان إِن فتشت بِالْجَرِّ ألزما) (وَمَا نون جمع تطلب الْكسر شَهْوَة ... وَتكره أَن ترقى إِلَى الْفَتْح سلما) (ترى الْكسر غنما فِي يَديهَا محصلا ... ويعتد ذَاك الْفَتْح خسرا ومغرما) (وَإِن كنت فِي علم الْعرُوض ووزنه ... وَجمع القوافي للورى مُتَقَدما) (فَكيف السباح واللباس ونافد ... إِذا الْبَيْت زَاد الْوَزْن فِيهِ وأخرما) (وَكَيف السناد والرفاد إِذا غَدا ... بوصل إِلَى أصل الزحاف قد انتما) (وَمَا كَلِمَات الْوَزْن إِن كنت عَارِفًا ... بِهن وَمَا فعلان فِيهِ وفعلما) (وَمَا الهزج المرمول إِن رمت شَرحه ... عَن الْقَضِيب وَالْبَيْت الطَّوِيل إِذا جما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 119 (وَمَا الجث فِي بَحر الْخَفِيف إِذا غَدا ... سَرِيعا فلاقى جانيا فترمرما) (وَمَا الْكَامِل المحسوب فِي بَحر إلفه ... بسيطا إِذا أضحى مذالا ململما) (وَمَا الخبل المطوي أصبح ناشرا ... إِذا هُوَ بالتشعيث صَار مهشما) (وَمَا الْكَفّ وَالْقَبْض الْمُضَارع مُشكل ... بِنَاء المديد بعد أَن يتهدما) (وَمَا الثلم إِن رمت اقتراب اتفاقه ... وَمَا الْحَذف إِن ألفى بتارا وأثرما) (وَإِن كنت فِي نظم القريض مجودا ... وَكنت عَلَيْهِ قَادِرًا متحكما) (فَكيف يكون الرّفْع وَالْقطع واصلا ... فريد الْمعَانِي حِين أصبح توأما) (وَكَيف الروي الْمُسْتَقيم وَمَا الَّذِي ... تَقول إِذا أنشأت تنْعَت عِنْدَمَا) (وَكَيف ترى وصف السَّحَاب وَذكره ... إِذا أحفرت أهدابه وَإِذا همى) (وَوصف أثافي الديار إِذا انطوت ... محاسنها وابيض مَا كَانَ أسحما) (وَكَيف خُرُوج الْمَدْح والهجو بعده ... جَمِيعًا إِذا كَانَ النسيب متمما) (وَمَا وصف دوح مطمئن قراره ... يرى مضمحلا بِالزِّيَادَةِ والنما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 120 (وغادية كالطود تحسب جرسها ... جوادا رأى الْخَيل العراب فحمحما) (تميل إِلَيْهَا الغاديات رواجيا ... جناها لتكسوهن وشيا منمنما) (تحط بأغوار الْبِلَاد رحاها ... وَقد صافحت من قبل نسرا ومرزما) (وَإِن كنت فِي الْقُرْآن أتقن حَافظ ... وأدرى بأصناف الْخلاف وأفهما) (فَمن جعل الْأَحْزَاب تسعين آيَة ... وَزَاد على التسعين عشرا فتمما) (وَمن جعل الْفرْقَان من بعد فاطر ... وصير قبل الْكَهْف سُورَة مريما) (وَعَمن روى ابْن الحاجبية وَحده ... قِرَاءَته حَتَّى على النَّاس قدما) (وَمن حقق الهمزات فِي سُورَة النسا ... ولينها فِي العنكبوت وأدغما) (وَمن زَاد فِي مد الْحُرُوف وهمزها ... على ابْن كثير أَو أمال المفخما) (وَمن قَالَ فِي الْقُرْآن عشرُون سَجْدَة ... وست ويروي ذَاك عَمَّن تقدما) (وَمن شدد النُّون الَّتِي قبل ربه ... وخفف لَكِن الَّتِي بعْدهَا رمى) (وَمن وصل الْآيَات جحدا لقطعها ... وَمد الضُّحَى من بعد مَا قصر السما) (وَمن حذف الياءات من غير عِلّة ... وَأنكر فِي الْقُرْآن تَضْعِيف رُبمَا) (وَإِن كنت ذَا فقه بدين مُحَمَّد ... على ذكره صلى الْإِلَه وسلما) (فَمن جعل الْإِجْمَاع فِي البيع حجَّة ... وصيره كالعرف ظنا مرجما) (وَمن رد مَا قَالَ ابْن عَبَّاس عَامِدًا ... ودان بِمَا قَالَ ابْن حَفْص توهما) (وماذا يرى النُّعْمَان فِي أهل قَرْيَة ... أَقَامُوا إِمَامًا للأنام مجذما) (وَكَيف ترى رَأْي ابْن إِدْرِيس فِي فَتى ... عصى وَغدا فِي فعله متأثما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 121 (وَمَا حجَّة الثَّوْريّ فِيمَا يقيسه ... إِذا لم يثبت فِيهِ أصلا مُسلما) (وَمَا رأى شيخ الْعلم مَالك فِي امْرِئ ... تمجس قصدا بعد مَا كَانَ أسلما) (يحل إِذا مَا أحرم النَّاس بالضحى ... وَإِمَّا أحل النَّاس بِاللَّيْلِ أحرما) (وَلَيْسَ بِذِي ذَنْب يُقَاد بِفِعْلِهِ ... وَلَا قيل يَوْمًا قد أَسَاءَ وأجرما) (وَإِن كنت فِي حفظ النوائب أوحدا ... تجمع من أَخْبَارهَا وَمَا تقسما) (فَمن فرض التعفير قبل صلَاته ... وَأوجب فِي إِثْر الرُّكُوع التيمما) (وَمن جعل التسوير فِي الزند شرعة ... وَمن سنّ فِي إِحْدَى الْيَدَيْنِ التختما) (وَمن فرض الصَّوْم الربيعين بعد أَن ... يَصُوم جُمَادَى كُله والمحرما) (وَمن حظر التَّزْوِيج إِلَّا بثيب ... وصير تَزْوِيج البكار محرما) (وَمن أوجب التَّكْبِير بعد صلَاته ... على قومه فِيمَا يُقَال وألزما) (وَقَالَ زَكَاة الْمَرْء من نصف مَاله ... تكون وَإِلَّا صَار نهبا مقسمًا) (وَمن قَالَ إِن البيع لَيْسَ بجائز ... على الْمَرْء إِلَّا أَن يكون بعسرما) (وَمن طَاف حول الْبَيْت سبعين مرّة ... يرى ذَلِك التطواف فرضا محتما) (وَمن فرض التَّسْلِيم فِي كل رَكْعَة ... وَأوجب فِيهَا رنة وترنما) (وَإِن كنت مِمَّن يَدعِي علم سيرة ... وحفظا لأخبار الْأَوَائِل محكما) (فَمن صَامَ عَن أكل الطَّعَام نَهَاره ... مَعَ اللَّيْل يطوي الصَّوْم حولا مجرما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 122 (وَمن طَاف نَحوا من ثَمَانِينَ حجَّة ... على حَاجَة لَيست تماثل درهما) (وَفِي يَده أَمْوَال قَارون كلهَا ... ونمرود كنعان وأموال علقما) (وَمن قطع الْبَحْرين فِي بعض يَوْمه ... وواصل أقْصَى الْبر سَاعَة أعتما) (وَمن عَاشَ ألفا بعد ألف كوامل ... يعوذ بدر الثدي من خيفة الظما) (وَمن ملك الدُّنْيَا الخئون بأسرها ... ثَمَانِينَ يَوْمًا بعد عَام تصرما) (يذبح أَوْلَاد الْأَنَام تجبرا ... ويستحي للنسوان مِنْهُم تذمما) (وَمن هاب خوض النّيل سَاعَة زخره ... وخاض سَوَاء الْبَحْر وَالْبَحْر قد طما) (وَمن سَار طول الأَرْض يَوْمًا وَلَيْلَة ... وَعَاد على أعقابه مَا تلوما) (لعمرك إِنَّا قد سألناك هينا ... وَلم نقصد الْمَعْنى العويص المغمغما) (ففكر وَلَا تعجل بِمَا أَنْت قَائِل ... وسر منجدا تبغي الْجَواب ومتهما) (فَإِن أَنْت فِيمَا قد سَأَلنَا بَيَانه ... أصبت فَحق أَن تعز وتكرما) (وَإِن أَنْت أَخْطَأت الصَّوَاب وَلم تعجب ... فحقك أَن يحثى عَلَيْك وترجما) (فَمَا لَك علم بالأمور وَإِنَّمَا ... قصاراك أَن تروي كلَاما منظما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 123 1307 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام السُّبْكِيّ الْوَلَد الْعَزِيز تَقِيّ الدّين أَبُو حَاتِم ولد سَيِّدي وَأخي شيخ الْإِسْلَام بهاء الدّين أبي حَامِد هُوَ الشَّاب المنغص على شبابه حبيب الشَّيْخ الإِمَام وريحانته وأنيسه ولد بِالْقَاهِرَةِ فِي الثُّلُث الْأَخير من لَيْلَة ثَالِث وَعشْرين من رَجَب سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَأَجَازَهُ خلق وَسمع الحَدِيث من جده الشَّيْخ الإِمَام وَمن خلق وربي فِي حجر الشَّيْخ الإِمَام بِدِمَشْق لَا يكَاد يُفَارِقهُ وَحل من قلبه بالمنزلة الرفيعة وَحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم وَختم فِي سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة وَلم يزل عِنْد جده بِدِمَشْق إِلَى أَن عرض للشَّيْخ الإِمَام الضعْف فسفره أَمَامه إِلَى الْقَاهِرَة فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين ثمَّ لحقه الشَّيْخ الإِمَام وَكَانَ قبل أَن يسفره أحب أَن يلقى درسا ويحضره قبل وَفَاته فَعمل درسا درس بِهِ بِالْمَدْرَسَةِ العادلية الْكُبْرَى اجْتمع فِيهِ الْعلمَاء الشَّيْخ الإِمَام فَمن دونه وابتهج بِهِ الشَّيْخ الإِمَام وحضره مَعَ مَرضه لكنه حمل نَفسه وَحمله حبه لَهُ ثمَّ اسْتمرّ أَبُو حَاتِم فِي الْقَاهِرَة وَحفظ التَّنْبِيه وَغَيره وجد فِي الِاشْتِغَال على وَالِده وَغَيره الحديث: 1307 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 124 وَقَرَأَ النَّحْو على الشَّيْخ جمال الدّين بن هِشَام ولازم حَلقَة الشَّيْخ جمال عبد الرَّحِيم الإسنائي إِلَى أَن نزل لَهُ وَالِده عَن تدريس الْمدرسَة المنصورية فدرس بهَا وَحضر عِنْده قُضَاة الْقَضَاء الْأَرْبَعَة قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة الشَّافِعِي ورفقاؤه ودرس أَيْضا بالسيفية والكهارية أَصَالَة وبقبة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ نِيَابَة عَن وَالِده وخطب بالجامع الطولوني وَحضر مشيخة الميعاد فِيهِ وَكَانَ شَابًّا دينا عَاقِلا أحسن الله عزاءنا فِيهِ ورحمه توفّي فِي طاعون الْقَاهِرَة عِنْد طُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة رَحمَه الله رَحْمَة وَاسِعَة لقد أحرق الْقُلُوب وشق الْجُيُوب ألهم الله وَالِده وألهمني مَعَه الصَّبْر على فَقده لقد خالطته بعد كبرة نَحْو تِسْعَة أشهر من شعْبَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ إِلَى ربيع الآخر من سنة مَوته يبيت وَيُصْبِح عِنْدِي فوَاللَّه مَا اغتطت مِنْهُ قطّ وَلَا نقمت عَلَيْهِ شَيْئا فِي دينه فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَكَانَ ينظم الشّعْر وَيحسن تَرْتِيب الدُّرُوس كنت أحضر عِنْده بالمنصورية فيدرس بأبهة وتأت صَبرنَا الله على فَقده إِن الْعين لتدمع وَإِن الْقلب ليحزن وَلَا نقُول إِلَّا مَا يُرْضِي الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 125 1308 - مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيسَى بن رضوَان القليوبي القَاضِي فتح الدّين بن كَمَال الدّين بن ضِيَاء الدّين تفقه على وَالِده وَقد تقدم ذكر وَالِده وجده فِي الطَّبَقَة السَّادِسَة وَكَانَ فَقِيها شَاعِرًا مجيدا ولي الْقَضَاء بأشموم ثمَّ بأبيار ثمَّ ولي قَضَاء صفد ثمَّ انْصَرف مِنْهَا وَعَاد إِلَى الديار المصرية وتقلبت بِهِ الْأَحْوَال وَمن شعره وَقد أرسل لَهُ بَعضهم بسرا كَبِير النَّوَى (أرْسلت لي بسرا حَقِيقَته نوى ... عَار فَلَيْسَ لجسمه جِلْبَاب) (وَلَئِن تَبَاعَدت الجسوم فودنا ... بَاقٍ وَنحن على النَّوَى أحباب) وأنعم عَلَيْهِ الصاحب تَاج الدّين بتفصيلة فَكتب إِلَيْهِ (يأيها الْمولى الْوَزير الَّذِي ... أفضاله أوجب تفضيله) (أَحْسَنت إِجْمَالا وَلم ترض بالإجمال ... إِذا أرْسلت تَفْصِيله) وشعره كثير منشور حسن مسطور توفّي فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة الحديث: 1308 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 126 1309 - مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم السّلمِيّ القَاضِي تَاج الدّين الْمَنَاوِيّ خَليفَة قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة على الحكم بالديار المصرية كَانَ عَارِفًا بالمحاكمات فَقِيها ناهضا سمع الحَدِيث من سِتّ الوزراء ابْنة المنجا وَأحمد بن أبي طَالب الحجار وَغَيرهمَا وَحدث ودرس بالمشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ وَغَيره وَولي قَضَاء الْعَسْكَر وَحكم بَين الْمُسلمين خلَافَة عَن قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين مُدَّة مديدة توفّي فِي سادس شهر ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ الحديث: 1309 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 127 1310 - مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن المرتضى الشَّيْخ عماد الدّين البلبيسي وقفت لَهُ على تَرْجَمته لشخص قَالَ فِيهَا هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن المرتضى الشَّافِعِي الْمَشْهُور بالبلبيسي نقلته من خطه رَحمَه الله لقبه عماد الدّين الْفَقِيه الأصولي الصُّوفِي الذكي اشْتغل بِمصْر على الْفَقِيه نجم الدّين بن الرّفْعَة وَالشَّيْخ جمال الدّين الوجيزي وَالشَّيْخ شرف الدّين القلقشندي والظهير التزمنتي وَالشَّيْخ عز الدّين ابْن مِسْكين وَغَيرهم وَكَانَ ملازما للشَّيْخ نجم الدّين كثيرا وَعنهُ أَخذ وَبِه مهر فِي الْفِقْه وَبحث مَعَ الشَّيْخ نجم الدّين الْقَمُولِيّ وَالشَّيْخ نجم الدّين بن عقيل البالسي وفَاق على أقرانه فِي ذَلِك الزَّمَان واشتغل بالاشتغال بِمصْر وانتفع بِهِ خلق كثير وَأَجَازَ جمَاعَة بالإقراء بِمصْر مِنْهُم تِلْمِيذه الْفَقِيه تَقِيّ الدّين الببائي وَكَانَ الْمَذْكُور لَهُ من الذكاء والفهم حَظّ وافر الحديث: 1310 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 128 ولي الشَّيْخ عماد الدّين مدرسة الخانقاه الْمَعْرُوفَة بأرسلان بالمنشأة بَين الْقَاهِرَة ومصر ثمَّ ولي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة عَن الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ حصلت لَهُ محنة طلب مِنْهُ أَخذ أَمْوَال الْأَيْتَام للسُّلْطَان فَامْتنعَ فعزل وَوضع من مِقْدَاره بِسَبَب ذَلِك ثمَّ ولي تصدير الْمدرسَة الملكية الجوكندار بِالْقَاهِرَةِ المحروسة قَرِيبا من المشهد الْحُسَيْنِي أَقَامَ بهَا يشغل الطّلبَة من الظّهْر إِلَى الْعَصْر كل يَوْم خلا أَيَّام الْجمع وَالثُّلَاثَاء لَا يشْغلهُ عَن ذَلِك شاغل حَتَّى كَانَ يحضر فِي بعض الْأَيَّام من بَيته مَاشِيا وَكَانَ بَعيدا وَبَعض الْأَيَّام يركب مكاريا وَإِذا ركب لَا يكْرِي إِلَّا دَابَّة ضَعِيفَة محتقرة وَكَانَ يَقُول هَذَا رُبمَا لَا يَقْصِدهُ النَّاس كثيرا فَأَنا أُرِيد بره وَالْغَرَض يحصل وَبَعض أوقاته يركب بغلته وَكَانَ فَقِيرا لم تحصل لَهُ قطّ كِفَايَته وَكَانَ مَعْلُوم التصدير نَحْو ثَمَانِينَ درهما نقرة فِي الشَّهْر لَيْسَ لَهُ غَيرهَا وصبر على ذَلِك إِلَى أَن توفاه الله وَكَانَ مُجْتَهدا فِي أشغال الطّلبَة حَتَّى إِنَّه يَأْمُرهُم بِالْكِتَابَةِ لما يشرحه لَهُم ويحفظونه ويستدعي عرض ذَلِك مِنْهُم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 129 وَكَانَ مُولَعا بِذكر الألغاز فِي الْفِقْه وَغَيره كِتَابه التَّنْبِيه وَالْحَاوِي الصَّغِير وَكَانَ يعظم الْحَاوِي ويحث الطّلبَة على الِاشْتِغَال بِهِ وَشَرحه وَلم يُخرجهُ وَشرح قِطْعَة من التَّنْبِيه وَكَانَ شَدِيد الِاعْتِقَاد فِي الْفُقَرَاء يمشي إِلَيْهِم ويتبرك بدعائهم وَجرى لَهُ مَعَ شخص مكاري ركب مَعَه من الْقَاهِرَة إِلَى مصر قبل أَن يَلِي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة مكاشفة فَلَمَّا ركب خطر فِي خاطره بغلة وَجَارِيَة تركية مليحة وَإِذا المكاري قَالَ لَهُ يَا فَقِيه شوشت علينا أَو مَا هَذَا مَعْنَاهُ بغلة وَجَارِيَة بغلة وَجَارِيَة يحصل لَك ذَلِك فَلَمَّا ولي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة ركب البغلة وَملك الْجَارِيَة تركية مليحة كَانَ رَحمَه الله نخبة الزَّمَان جليسه لَا يمله درسه بُسْتَان حوى الْعُلُوم ونزهة تزيل هم كل مهموم سَاعَة فِي الْفِقْه وَسَاعَة فِي النَّحْو وَسَاعَة فِي حكايات مستظرفة وأشعار مستلطفة حكى لنا فِي درسه الْعَام قَالَ كنت ملازما للشَّيْخ نجم الدّين بن الرّفْعَة وَكَانَ منديله دَائِما فِيهِ شَيْء من الذَّهَب فَقَامَ يَوْمًا مسرعا من الدَّرْس فتبعته فَقَالَ خُذ هَذَا المنديل مَعَك وَدخل الْخَلَاء لقَضَاء حَاجته ثمَّ خرج وَهُوَ ينشد (عِلّة الْبَوْل والخرا ... حيرا كل من ترى) (فهما آفَة الورى ... سهلا أم تعسرا) وأنشدنا للشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد رَحمَه الله (لعمري لقد قاسيت بالفقر شدَّة ... وَقعت بهَا فِي حيرتي وشتاتي) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 130 (فَإِن بحت بالشكوى هتكت مروءتي ... وَإِن لم أبح بالضر خفت مماتي) (فأعظم بِهِ من نَازل بملمة ... يزِيل حيائي أَو يزِيل حَياتِي) أفادنا رَحمَه الله فَوَائِد كَثِيرَة غَرِيبَة مِنْهَا فرعان غَرِيبَانِ قَالَ سمعتهما من الشَّيْخ نجم الدّين بن عقيل البالسي وَكَانَ من الْعلمَاء الْفُضَلَاء قَالَ رأيتهما فِي كتاب وَلم يحضرني ذكره وَهُوَ لَو كتب آيَة وطمسها بالمداد أَو آيَة مقطعَة الْحُرُوف فَهَل يحل للْجنب مَسهَا أَو كتَابَتهَا فِي المسئلة وَجْهَان إِذا قُلْنَا يجوز اتِّخَاذ آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة فَيَنْبَغِي أَن يكون بيعهَا إِذا بِيعَتْ بجنسها كَبيع آلَات الملاهي لِأَنَّهَا مُحرمَة الاتخاذ كهي الْوَجْه الصائر إِلَى أَن حد الضبة فِي الْكبر والصغر أَن الْكَبِير قدر النّصاب وَالصَّغِير دونه قلت فِيهِ نظر لِأَن النّصاب يُطلق بِإِزَاءِ نِصَاب السّرقَة وبإزاء نِصَاب الزَّكَاة ونصاب الزَّكَاة مُخْتَلف فِي قدره فَأَي نِصَاب أُرِيد وَالْأولَى أَن يحمل على نِصَاب السّرقَة هَذَا مَا ظهر لي فَائِدَة فِي السِّوَاك السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب مفرح للْمَلَائكَة مسخط للشَّيْطَان يزِيد فِي الثَّوَاب وَيُقَوِّي الْبَصَر وأصول الشّعْر ويشد اللثة وَيقطع البلغم وَيحل عقد اللِّسَان وَيزِيد فِي الذكاء وَيُقَوِّي الْبَاءَة وَيكثر الرزق ويزيل تغير الرَّائِحَة الكريهة والقلح ويهون سَكَرَات الْمَوْت نقل ذَلِك بعض مَشَايِخنَا رَضِي الله عَنْهُم نقل عَن تطريز الْوَجِيز فِي نتف الشيب أَنه سفه ترد بِهِ الشَّهَادَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 131 لَا يشْتَرط فِي الْمَنوِي تحقق فعله بل إِمْكَانه حَتَّى لَو نوى أَن يُصَلِّي بوضوئه أول رَمَضَان صَلَاة الْعِيد صَحَّ وَكَذَا لَو نوى بوضوئه لصَلَاة الْعِيد أَن يُصَلِّي رَكْعَتي الطّواف بِمَكَّة صَحَّ لِأَن الْعقل لَا يحيله وَإِن خَالف الْعَادة سُؤال فِيهِ إِبْهَام على الفطن لَو رأى فِي بعض بدنه نَجَاسَة وخفي عَلَيْهِ موضعهَا كَيفَ يصنع جَوَابه يغسل جَمِيع مَا يُمكنهُ رُؤْيَته لَهُ من بدنه لَا مَا لَا يُمكن رُؤْيَته فَإِنَّهُ لَا يجب غسله وفوائده كَثِيرَة توفّي رَحمَه الله فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة عَام الطَّاعُون بِمَنْزِلَة المجاور لمدرسة الْملك الجوكندار وَدفن بتربة الْمقر السيفي قشتمر خَارج الْقَاهِرَة قلت هَذَا مَا أَشرت إِلَيْهِ فِي قصيدتي الَّتِي نظمتها فِي المعاياة مِنْهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 132 (سل لي أَخا الْفِكر والتنقيب والسهر ... مَا اسْم هُوَ الْحَرْف فعلا غير مُعْتَبر) (وَأي شكل بِهِ الْبُرْهَان منتهض ... وَلَا يعد من الأشكال والصور) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 133 (وَأي بَيت على بحرين مُنْتَظم ... بَيت من الشّعْر لَا بَيت من الشّعْر) (وَأي ميت من الْأَمْوَات مَا طلعت ... بِمَوْتِهِ روحه فِي ثَابت الْخَبَر) (وَلَا يُضَاف إِلَى الْبَحْرين وَاخْتلفُوا ... فِيهِ وَجَاءُوا بقول غير مُخْتَصر) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 134 (من عد فِي أُمَرَاء الْمُؤمنِينَ وَلم ... يحكم على اثْنَيْنِ من بَدو وَلَا حضر) (وَلم يكن قرشيا حِين عد وَلَا ... يجوز أَن يتَوَلَّى إمرة الْبشر) (من بِاتِّفَاق جَمِيع الْخلق أفضل من ... شيخ الصحاب أبي بكر وَمن عمر) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 135 (وَمن عَليّ وَمن عُثْمَان وَهُوَ فَتى ... من أمة الْمُصْطَفى الْمَبْعُوث من مُضر) (من أَبْصرت فِي دمشق عينه صنما ... مصورا وَهُوَ منحوت من الْحجر) (إِن جَاع يَأْكُل وَإِن يعطش تضلع من ... مَاء نمير زلال ثمَّ منهمر) (من قَالَ إِن الزِّنَى وَالشرب مصلحَة ... وَلم يقل هُوَ ذَنْب غير مغتفر) (من قَالَ إِن النِّكَاح الْأُم يقرب من ... تقوى الْإِلَه مقَالا غير مبتكر) (من قَالَ سفك دِمَاء الْمُسلمين على الصَّلَاة ... أوجبه الرَّحْمَن فِي الزمر) (من كَانَ والدها ابْنا فِي الْأَنَام لَهَا ... وَذَاكَ غير عَجِيب عِنْد ذِي النّظر) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 136 (وهات قل لي إِبْرَاهِيم أَرْبَعَة ... بعض عَن الْبَعْض من هم تحظ بالظفر) (وَهَكَذَا خلف من الروَاة كَذَا ... مُحَمَّد فِي الْمَغَازِي جَاءَ وَالسير) (وَمَا اللقيقة جَاءَت والسحيقة فِي ... غَرِيب مَا صَحَّ مِمَّا جَاءَ فِي الْأَثر) (وَعَن فتاة لَهَا زوجان مَا برحا ... تزوجت ثَالِثا حلا بِلَا نكر) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 137 (وَآخر رَاح يشري طعم زَوجته ... فَعَاد وَهُوَ على حَال من العبر) (قَالَت لَهُ أَنْت عَبدِي قد وَهبتك من ... زوج تزوجته فاخدمه واصطبر) (وَخَمْسَة من زناة النَّاس خامسهم ... مَا ناله بالزنى شَيْء من الضَّرَر) (وَالْقَتْل وَالرَّجم وَالْجَلد الْأَلِيم مَعَ التَّغْرِيب ... وزع فِي البَاقِينَ فافتكر) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 138 1311 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله بن جمَاعَة بن عَليّ بن جمَاعَة ابْن حَازِم بن صَخْر شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو عبد الله الْكِنَانِي الْحَمَوِيّ حَاكم الإقليمين مصرا وشاما وناظم عقد الفخار الَّذِي لَا يسامى متحل بالعفاف متخل إِلَّا عَن مِقْدَار الكفاف مُحدث فَقِيه ذُو عقل لَا يقوم أساطين الْحُكَمَاء بِمَا جمع فِيهِ مولده فِي شهر ربيع الآخر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بحماة الحديث: 1311 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 139 ولي قَضَاء الْقُدس مُدَّة ثمَّ درس بالقيمرية بِدِمَشْق ثمَّ ولي خطابة الْقُدس وقضاءها ثَانِيًا ثمَّ نقل مِنْهَا إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية ثمَّ ولي قَضَاء دمشق وخطابتها ثمَّ أُعِيد إِلَى قَضَاء الديار المصرية وَسَار فِي الْقَضَاء سيرة حَسَنَة وأضر بِالآخِرَة سمع بديار مصر من أَصْحَاب البوصيري وَمن ابْن الْقُسْطَلَانِيّ وَأَجَازَهُ ابْن مسلمة وَغَيره وَقَرَأَ بِدِمَشْق على أَصْحَاب الخشوعي وَسَمعنَا الْكثير عَلَيْهِ مَاتَ بِمصْر فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بالقرافة أخبرن شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جمَاعَة قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا حَاضر فِي الثَّالِثَة أخبرنَا أَبُو الْفرج بن أبي مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن أبي الْحسن على النميري بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخْبركُم الشَّيْخ أَبُو الْفرج عبد الْمُنعم بن عبد الْوَهَّاب بن سعد بن صَدَقَة بن كُلَيْب قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن بَيَان الرزاز قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ حَدثنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مخلد أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار أخبرنَا الْحسن بن عَرَفَة أخبرنَا عمار بن مُحَمَّد عَن الصَّلْت ابْن قويد الْحَنَفِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول سَمِعت خليلي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 140 أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا تنطح ذَات قرن جماء) رَوَاهُ سُفْيَان بن وَكِيع عَن زيد بن الْحباب عَن عمار بن مُحَمَّد هُوَ غَايَة فِي الْعُلُوّ أخبرنَا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين حضورا أخبرنَا الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو الْحسن عَليّ ابْن الشَّيْخ الزَّاهِد أبي الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بِابْن الْقُسْطَلَانِيّ قَالَ سَمِعت وَالِدي الإِمَام أَبَا الْعَبَّاس يَقُول سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْقرشِي رَضِي الله عَنهُ يَقُول عَلامَة الصَّادِق أَن يفْتَقر بإيمانه إِلَى كل إِيمَان وبعقله إِلَى كل عقل وبعلمه إِلَى كل علم أنشدنا قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين حضورا أنشدنا الإِمَام أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد أنشدنا الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْحسن الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْمفضل الْمَالِكِي إملاء لنَفسِهِ (أَعم خلائق الْإِنْسَان نفعا ... وأقربها إِلَى مَا فِيهِ راحه) (أَدَاء أَمَانَة وعفاف نفس ... وَصدق مقَالَة وسماح راحه) وَمن شعر قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مَا أنشدنيه وَلَده سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أَبُو عمر عبد الْعَزِيز بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ أنشدنا وَالِدي لنَفسِهِ (جِهَات أَمْوَال بَيت المَال سبعتها ... فِي بَيت شعر حواها فِيهِ كَاتبه) (خمس وفيء خراج جِزْيَة عشر ... وإرث فَرد وَمَال ضل صَاحبه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 141 وأنشدنا مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أَيْضا بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أَنْشدني وَالِدي لنَفسِهِ (أحن إِلَى زِيَارَة حَيّ ليلى ... وعهدي من زيارتها قريب) (وَكنت أَظن قرب الْعَهْد يطفي ... لهيب الشوق فازداد اللهيب) وأنشدني أَيْضا بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أَنْشدني وَالِدي لنَفسِهِ (أهني بِشَهْر الصَّوْم من لَو بثثته ... عَظِيم اشتياقي رق مِمَّا أعانيه) (وأشكو إِلَيْهِ حسدا لَو بلي بهم ... شوامخ حسمى هدها مَا تقاسيه) (وَمن كَانَ لَا يرضيه من حالتي سوى ... خلاف مُرَاد الله مَا حيلتي فِيهِ) وَمن شعره أَيْضا (قَالُوا شُرُوط الدُّعَاء المستجاب لنا ... عشر بهَا بشر الدَّاعِي بإفلاح) (طَهَارَة وَصَلَاة مَعَهُمَا نَدم ... وَقت خشوع وَحسن الظَّن يَا صَاح) (وَحل قوت وَلَا يدعى بِمَعْصِيَة ... وَاسم يُنَاسب مقرون بإلحاح) من كتاب كشف الْمعَانِي لِابْنِ جمَاعَة ذكر فِي الْجمع بَين الرَّحْمَن والرحيم فِي الْبَسْمَلَة أَن أحسن مَا يُقَال فِيهِ وَلم نجده لغيره أَن فعلان مُبَالغَة فِي كَثْرَة الشَّيْء وَلَا يلْزم مِنْهُ الدَّوَام كغضبان وفعيل لدوام الصّفة كظريف فَكَأَنَّهُ قيل الْعَظِيم الرَّحْمَة الدائمها قَالَ وَإِنَّمَا قدم الرَّحْمَن على الرَّحِيم لِأَن رَحمته فِي الدُّنْيَا تعم الْمُؤمنِينَ والكافرين وَفِي الْآخِرَة دائمة لأهل الْجنَّة وَلذَلِك يُقَال رَحْمَن الدُّنْيَا وَرَحِيم الْآخِرَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 142 وَفِي الْبَقَرَة {رب اجْعَل هَذَا بَلَدا آمنا} وَفِي إِبْرَاهِيم {رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا} لِأَن آيَة الْبَقَرَة دَعَا بهَا إِبْرَاهِيم عَن نزُول إِسْمَاعِيل وَهَاجَر فِي الْوَادي قبل بِنَاء مَكَّة وَآيَة سُورَة إِبْرَاهِيم بعد عوده إِلَيْهَا وبنائها فِي الْبَقَرَة {وَمَا أهل بِهِ لغير الله} وَفِي الْمَائِدَة والأنعام والنحل {لغير الله بِهِ} لِأَن آيَة الْبَقَرَة وَردت فِي سِيَاق الْمَأْكُول وحله وحرمته فَكَانَ تقدم ضمير قد تعلق الْفِعْل بِهِ أهم وَآيَة الْمَائِدَة وَردت بعد تَعْظِيم شَعَائِر الله وأوامره وَكَذَلِكَ آيَة النَّحْل بعد قَوْله {واشكروا نعْمَة الله} فَكَانَ تقدم اسْمه أهم وَأَيْضًا فآية النَّحْل والأنعام نزلتا بِمَكَّة فَكَانَ تَقْدِيم ذكر الله بترك ذكر الْأَصْنَام على ذَبَائِحهم أهم لما يجب من توحيده وإفراده بِالتَّسْمِيَةِ على الذَّبَائِح وَآيَة الْبَقَرَة نزلت بِالْمَدِينَةِ على الْمُؤمنِينَ لبَيَان مَا يحل وَمَا يحرم فَقدم الأهم فِيهِ قَوْله تَعَالَى {تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها} وَقَالَ بعد {فَلَا تعتدوها} لِأَنَّهُ أَشَارَ بالحدود فِي الأول إِلَى نفس الْمُحرمَات فِي الصّيام وَالِاعْتِكَاف من الْأكل وَالشرب وَالْوَطْء والمباشرة فَنَاسَبَ {فَلَا تقربوها} وَفِي الثَّانِيَة إِلَى المأمورات فِي أَحْكَام الْحل وَالْحُرْمَة فِي نِكَاح المشركات وَأَحْكَام الطَّلَاق وَالْعدَد وَالْإِيلَاء وَالرَّجْعَة وَحصر الطَّلَاق فِي الثَّلَاث وَالْخلْع فَنَاسَبَ {فَلَا تعتدوها} الجزء: 9 ¦ الصفحة: 143 أَي قفوا عِنْدهَا وَلذَلِك قَالَ بعد ذَلِك {وَتلك حُدُود الله يبينها لقوم يعلمُونَ} قَوْله {مَتَاعا بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُحْسِنِينَ} وَقَالَ بعد ذَلِك {وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُتَّقِينَ} فَأتى بِالْإِحْسَانِ فِي الأولى وبالتقوى فِي الثَّانِيَة لِأَن الأولى فِي مُطلقَة قبل الْفَرْض وَالدُّخُول فالإعطاء فِي حَقّهَا إِحْسَان وَإِن أوجبه قوم لِأَنَّهُ لافى مُقَابلَة شَيْء فَنَاسَبَ الْمُحْسِنِينَ وَالثَّانيَِة فِي الرَّجْعِيَّة وَالْمرَاد بالمتاع عِنْد الْمُحَقِّقين النَّفَقَة وَنَفَقَة الرَّجْعِيَّة وَاجِبَة فَنَاسَبَ حق الْمُتَّقِينَ وَرجح أَن المُرَاد بِهِ النَّفَقَة أَنه ورد عقب قَوْله {مَتَاعا إِلَى الْحول} وَالْمرَاد بِهِ النَّفَقَة وَكَانَت وَاجِبَة قبل النّسخ ثمَّ قَالَ {وللمطلقات} فَظهر أَنه النَّفَقَة فِي عدَّة الرَّجْعِيَّة بِخِلَاف الْبَائِن بخلع فَإِن الطَّلَاق من جِهَتهَا فَكيف تُعْطى الْمُتْعَة الَّتِي شرعت جبرا للكسر بِالطَّلَاق وَهِي الراغبة فِيهِ فَظهر أَن المُرَاد بالمتاع هُنَا النَّفَقَة زمن الْعدة لَا الْمُتْعَة وللعلماء فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ اضْطِرَاب كثير وَمَا ذكرته أظهر لِأَنَّهُ تقدم حكم الْخلْع وَحكم عدَّة الْمَوْت وَحكم الْمُطلقَة بعد التَّسْمِيَة وَبَقِي حكم الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة فَيحمل عَلَيْهِ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 144 فِي {يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} أفرد {النُّور} لِأَن دين الْحق وَاحِد وَجمع {الظُّلُمَات} لِأَن الْكفْر أَنْوَاع فِي الْبَقَرَة {لَا يقدرُونَ على شَيْء مِمَّا كسبوا} لِأَن الْمثل لِلْعَامِلِ فَكَانَ تَقْدِيم نفي قدرته وصلتها وَهِي {على شَيْء} أنسب وَفِي سُورَة إِبْرَاهِيم {مِمَّا كسبوا على شَيْء} لِأَن الْمثل للْعَمَل لقَوْله تَعَالَى {مثل الَّذين كفرُوا برَبهمْ أَعْمَالهم} تَقْدِيره مثل أَعمال الَّذِي كفرُوا فَكَانَ تَقْدِيم {مَا كسبوا} أنسب لِأَن صلَة {شَيْء} وَهُوَ الْكسْب وَفِي الْبَقَرَة {فَيغْفر لمن يَشَاء} قدم الْمَغْفِرَة وَفِي الْمَائِدَة قدم {يعذب من يَشَاء} لِأَن آيَة الْبَقَرَة جَاءَت ترغيبا فِي المسارعة إِلَى طلب الْمَغْفِرَة وَإِشَارَة إِلَى سَعَة رَحْمَة الله وَآيَة الْمَائِدَة جَاءَت عقب ذكر السَّارِق والسارقة فَنَاسَبَ ذكر الْعَذَاب قَوْله فِي آل عمرَان وَمَرْيَم {وَإِن الله رَبِّي وربكم} وَفِي الزخرف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 145 {إِن الله هُوَ رَبِّي وربكم} لِأَنَّهُ تقدم فِي السورتين من الْآيَات الدَّالَّة على تَوْحِيد الرب وَقدرته وعبودية الْمَسِيح لَهُ مَا أغْنى عَن التَّأْكِيد بِخِلَاف الزخرف فِي يُونُس {ويعبدون من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ} قدم الضَّرَر لتقدم {إِنِّي أَخَاف إِن عصيت رَبِّي عَذَاب يَوْم عَظِيم} وَفِي الْفرْقَان {مَا لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يضرهم} لتقدم ذكر النعم وَنَظِيره تَقْدِيم الأَرْض فِي يُونُس فِي قَوْله {وَمَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} وَلِأَنَّهُ تقدم {وَمَا تكون فِي شَأْن} الْآيَة فَنَاسَبَ تَقْدِيم الأَرْض لِأَن الشئون وَالْعَمَل فِي الأَرْض وَفِي سبأ {فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض} الجزء: 9 ¦ الصفحة: 146 1312 - مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن حَامِد الشَّيْخ تَاج الدّين المراكشي ولد بعد السبعمائة وَنَشَأ بِالْقَاهِرَةِ وتفقه بهَا وَقَرَأَ على قَاضِي الْقُضَاة الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن إِسْمَاعِيل القونوي ولازم الشَّيْخ ركن الدّين بن القوبع وَكَانَ فَقِيها نحويا متفننا مواظبا على طلب الْعلم لَا يفتر وَلَا يمل إِلَّا فِي الْقَلِيل أعَاد فِي الْقَاهِرَة بقبة الشَّافِعِي ثمَّ دخل دمشق ودرس بالمسرورية وَسمع من شَيخنَا الْحَافِظ الْمزي وَجَمَاعَة ثمَّ ترك التدريس وَانْقطع بدار الحَدِيث الأشرفية على طلب الْعلم إِلَى أَن الحديث: 1312 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 147 توفّي فَجْأَة بعد الْعَصْر من يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة أنشدنا من لَفظه لنَفسِهِ (قلَّة الْحَظ يَا فَتى ... صيرتني مجهلا) (وجهول بحظه ... صَار فِي النَّاس أكملا) دخلت إِلَيْهِ مرّة وَهُوَ ينشد قَول ابْن بَقِي (حَتَّى إِذا مَالَتْ بِهِ سنة الْكرَى ... زحزحته شَيْئا وَكَانَ معانقي) (أبعدته عَن أضلع تشتاقه ... كي لَا ينَام على وساد خافق) وَقَول الحكم بن عقال (إِن كَانَ لَا بُد من رقاد ... فأضلعي هاك عَن وساد) (ونم على خفقها هُدُوا ... كالطفل فِي نهنه المهاد) وَهُوَ وَمن عِنْده يَقُولُونَ إِن قَول الحكم أَجْدَر بِالصَّوَابِ فَإِنَّهُ لَا يُنَاسب الْمُحب أَن يبعد حَبِيبه وينشدون قَول الشَّيْخ صَلَاح الدّين الصَّفَدِي أمتع الله بِبَقَائِهِ فِي ذَلِك ردا على ابْن بَقِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 148 (أبعدته من بعد مَا زحزحته ... مَا أَنْت عِنْد ذَوي الغرام بعاشق) (إِن شِئْت قل أبعدت عَنهُ أضالعي ... ليَكُون فعل المستهام الوامق) (أَو قل فَبَاتَ على اضْطِرَاب جوانحي ... كالطفل مُضْطَجعا بمهد حافق) قلت إِن ابْن بَقِي وَإِن أَسَاءَ لفظا حَيْثُ قَالَ أبعدته فقد أحسن معنى لِأَنَّهُ وصف أضلعه بالخفقان وَالِاضْطِرَاب الزَّائِد لَا يَسْتَطِيع الحبيب النّوم عَلَيْهَا فَقدم مصْلحَته على مصْلحَته وَترك مَا يُرِيد لما يُرِيد وأبعده عَمَّا يقلقه وَلَو قَالَ (أبعدت عَنهُ أضلعا تشتاقه ... ) لأحسن لفظا كَمَا أحسن معنى وَأما الحكم فَإِنَّهُ وصف خفقانه بالهدو وَهُوَ خفقان يسير يشبه اضْطِرَاب سَرِير الطِّفْل وَهَذَا نقض فَوَقع النزاع فِي ذَلِك وَأَرْسلُوا إِلَى القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن يحيى بن فضل الله رَحمَه الله صُورَة سُؤال عَن الرجلَيْن ابْن بَقِي وَالْحكم أَيهمَا الْمُصِيب فَكتب (قَول ابْن بَقِي عَلَيْهِ مَأْخَذ ... لكنه قَول الْمُحب الصَّادِق) (يَكْفِيهِ فِي صدق الْمحبَّة قَوْله ... كي لَا ينَام على وساد خافق) (مَا الْحبّ إِلَّا مَا يهد لَهُ الحشا ... ويهد أيسره فؤاد العاشق) فِي أَبْيَات أخر لم تجر على خاطري الْآن وأبيات ابْن بَقِي هَذِه من كلمة لَهُ حَسَنَة وَهِي (بِأبي غزال غازلته مقلتي ... بَين العذيب وَبَين شطي بارق) (وَسَأَلت مِنْهُ زِيَارَة تشفي الجوا ... فَأَجَابَنِي مِنْهَا بوعد صَادِق) (بتنا وَنحن من الدجا فِي خيمة ... وَمن النُّجُوم الزهر تَحت سرادق) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 149 (عاطيته وَاللَّيْل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الفتيق لناشق) (وضممته ضم الكمي لسيفه ... وذؤابتاه حمائل فِي عَاتِقي) (حَتَّى إِذا مَالَتْ بِهِ سنة الْكرَى ... زحزحته شَيْئا وَكَانَ معانقي) (أبعدته عَن أضلع تشتاقه ... كي لَا ينَام على وساد خافق) (لما رَأَيْت اللَّيْل آخر عمره ... قد شَاب فِي لمَم لَهُ ومفارق) (ودعت من أَهْوى وَقلت تأسفا ... أعزز عَليّ بِأَن أَرَاك مفارقي) وَيقرب من هَذِه النُّكْتَة أَن جَرِيرًا قَالَ (طرقتك صائدة الْفُؤَاد وَلَيْسَ ذَا ... وَقت الزِّيَارَة فارجعي بِسَلام) فعيب عَلَيْهِ قَوْله فارجعي وَهُوَ نقد حسن فَأَي لفظ أبشع من قَول الْمُحب لمن يُحِبهُ ارْجع وَرَأَيْت الشَّيْخ صَلَاح الدّين الصَّفَدِي نفع الله بِهِ قد قَالَ رادا عَلَيْهِ (يَا خجلتا لجرير من ... قَول كفانا الله عاره) (طرقتك صائدة الْفُؤَاد ... وَلَيْسَ ذَا وَقت الزياره) (هَل كَانَ يلقى إِن أَتَاهُ ... خيال من يهوى خساره) (أَو كَانَ قلب قد حواه ... من حَدِيد أَو حجاره) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 150 فعجبت لَهُ كَيفَ ترك لَفْظَة ارجعي وَهُوَ أبشع مَا عيب بِهِ على جرير وَقلت (أما جرير فجر ثوب الْعَار فِي ... دَعْوَى الضنى وَله دثار غرام) (إِذْ كذب الدَّعْوَى وَقَالَ لَهَا وَقد ... زارته فِي الْغَلَس ارجعي بِسَلام) ثمَّ قلت لَعَلَّ الشَّيْخ صَلَاح الدّين إِنَّمَا ترك لَفْظَة الرُّجُوع لنكارتها وَقلت (إِنِّي لأعجب من جرير وَقَوله ... قولا غَدَوْت بِهِ أنكر حَاله) (طرقتك صائدة الْفُؤَاد وَلَيْسَ ذَا ... وَقت الزِّيَارَة فاستمع أَقْوَاله) (وَعذر فلست بِقَادِر وَالله أَن ... أحكي الَّذِي بعد الزِّيَارَة قَالَه) فَلَمَّا وقف الشَّيْخ صَلَاح الدّين على كَلَامي هَذَا كُله زعم أَنِّي أعترف لَهُ بِحسن النَّقْد وَقَالَ (أما جرير فَلم يكن ... صبا وَلَكِن يَدعِي) (أوما ترَاهُ أَتَتْهُ صائدة ... الْفُؤَاد فَلم يعي) (بل قَالَ جهلا لَيْسَ ذَا ... وَقت الزِّيَارَة فارجعي) (لَو كنت حَاضر أمره ... قلت ارجعي وَله اصفعي) قلت وَلَا يخفى أَن هَذِه الاعتراضات كلهَا لفظية طرقت قَائِلهَا وَلم يُحَقّق فَإِن جَرِيرًا لم يقْصد برجوعها إِلَى الشَّفَقَة عَلَيْهَا من الزِّيَارَة فِي غير وَقت الزِّيَارَة فَجَاءَهُ الِاعْتِرَاض من لَفْظَة الرُّجُوع فَقَط كَمَا جَاءَ ابْن بَقِي من لَفْظَة الإبعاد وَرُبمَا أُتِي أَقوام من سوء الْعبارَة قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحميدِي أَخْبرنِي أَبُو غَالب مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن سهل النَّحْوِيّ قَالَ حكيت للوزير أبي الْقَاسِم الْحُسَيْن بن عَليّ المغربي قَول أبي الْحسن الْكَرْخِي أوصانا شُيُوخنَا بِطَلَب الْعلم وَقَالُوا لنا اطلبوه واجتهدوا فِيهِ فَلِأَن يذم لكم الزَّمَان أحسن من أَن يذم بكم الزَّمَان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 151 قَالَ فَاسْتحْسن الْوَزير ذَلِك وَكتبه ثمَّ عمل أبياتا وأنشدنيها وَهِي (وَلَقَد بلوت الدَّهْر أعجم صرفه ... فأطاع لي أَصْحَابه وَلسَانه) (وَوجدت عقل الْمَرْء قيمَة نَفسه ... وبجده جدواه أَو حرمانه) (وعَلى الْفَتى أَن لَا يكفكف شأوه ... عِنْد الْحفاظ وَلَا يغض عيانه) (فَإِذا جفاه الْمجد عيبت نَفسه ... وَإِذا جفاه الْجد عيب زَمَانه) قلت وَهَذِه أَبْيَات حَسَنَة بَالِغَة فِي بَابهَا وَقد حاول الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الْبَاقِي الْيَمَانِيّ اختصارها فَقَالَ (تجنب أَن تذم بك اللَّيَالِي ... وحاول أَن يذم لَك الزَّمَان) (وَلَا تحفل إِذا كملت ذاتا ... أصبت الْعِزّ أم حصل الهوان) فأغفل مَا تضمنته أَبْيَات الْوَزير الثَّلَاث من الْمعَانِي وَاقْتصر على مَا تضمنه الْبَيْت الرَّابِع ثمَّ انْقَلب عَلَيْهِ الْمَعْنى وَأتي من سوء التَّعْبِير فَإِن الْمَقْصُود أَن الْمَرْء يكمل نَفسه وَلَا عَلَيْهِ من الزَّمَان وَأما أَنه يسْعَى فِي أَن يذم لَهُ الزَّمَان فَلَيْسَ بمقصود وَلَا هُوَ مُرَاد أَشْيَاخ الْكَرْخِي وَلَا يحمده عَاقل وَكَانَ الصَّوَاب حَيْثُ اقْتصر على معنى الْبَيْت الرَّابِع أَن يَأْتِي بِعِبَارَة مُطَابقَة كَمَا قُلْنَاهُ نَحن (عَلَيْك كَمَال ذاتك فاسع فِيهَا ... وَلَيْسَ عَلَيْك عز أَو هوان) (وَلَيْسَ إِلَيْك أَيْضا فاسع فِيمَا ... إِلَيْك وَأَنت مشكور معَان) (فذم الدَّهْر للْإنْسَان خير ... من الْإِنْسَان ذمّ بِهِ الزَّمَان) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 152 فَهَذَا الْبَيْت واف بِالْمَعْنَى الَّذِي قَالَه أَشْيَاخ الْكَرْخِي مُطَابق لَهُ من غير زِيَادَة وَلَا نقص وَأحسن من هَذَا كُله قَول بَعضهم (جهل الْفَتى عَار عَلَيْهِ لذاته ... وخموله عَار على الْأَيَّام) وَقَول الآخر (أَن يكون الزَّمَان عيبي أولى ... بِي من أَن أكون عيب الزَّمَان) وَقَول الآخر (مَا فِي خمولي من عَار على أدبي ... بل ذَاك عَار على الدُّنْيَا وأهليها) 1313 - مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم بن عبد الرَّزَّاق البلفيائي من فُقَهَاء المصريين وَهُوَ وَالِد شَيخنَا القَاضِي زين الدّين أبي حَفْص عمر أَخْبرنِي وَلَده أَن لَهُ شرحا على الْوَسِيط لم يكمله وَرَأَيْت وَلَده الْمَذْكُور قد نقل عَنهُ فِي شَرحه على مُخْتَصر التبريزي لما تكلم على قَول الْأَصْحَاب إِنَّه يُجزئ فِي بَوْل الْغُلَام الَّذِي لم يطعم النَّضْح وَأَن المُرَاد بِهِ لم يطعم غير اللَّبن فَقَالَ فِي شرح الْوَسِيط لوالدي أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَالرّضَاع بعد الْحَوْلَيْنِ بِمَنْزِلَة الطَّعَام وَالشرَاب الحديث: 1313 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 153 1314 - مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمجد إِبْرَاهِيم المرشدي الشَّيْخ الصَّالح ذُو الْأَحْوَال قَرَأَ على ضِيَاء الدّين بن عبد الرَّحِيم وَكَانَ مُقيما بمنية بن مرشد بالديار المصرية وَاتفقَ النَّاس على أَنه لَو ورد عَلَيْهِ فِي الْيَوْم الْوَاحِد الْعدَد الْكثير من الْخلق لكفاهم قوت يومهم وأطعمهم مَا يشتهونه وَلَا يعرف أحد أصل ذَلِك وَلَا يحفظ عَلَيْهِ أَنه قبل لأحد شَيْئا وتحكى عَنهُ مكاشفات كَثِيرَة نفع الله بِهِ توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَهُوَ أَخُو سَيِّدي الشيح أَحْمد أعَاد الله من بركاته 1315 - مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْحسن التبريزي السَّيِّد صدر الدّين بن قطب الدّين لَهُ شرح على كتاب النبيه مُخْتَصر التَّنْبِيه لِابْنِ يُونُس رَحمَه الله الحديث: 1314 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 154 1316 - مُحَمَّد بن خلف بن كَامِل القَاضِي شمس الدّين الْغَزِّي رفيقي فِي الطّلب مولده سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة بغزة وَقدم دمشق فاشتغل بهَا ثمَّ رَحل إِلَى قَاضِي حماة شرف الدّين الْبَارِزِيّ فتفقه عَلَيْهِ وَأذن لَهُ بالفتيا ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وجد واجتهد صحبته ورافقته فِي الِاشْتِغَال من سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة سنة مقدمتنا دمشق إِلَى أَن توفّي وَهُوَ على الْجد الْبَالِغ فِي الِاشْتِغَال أما الْفِقْه فَلم يكن فِي عصره أحفظ مِنْهُ لمَذْهَب الشَّافِعِي يكَاد يَأْتِي على الرَّافِعِيّ وغالب الْمطلب لِابْنِ الرّفْعَة استحضارا وَله مَعَ ذَلِك مُشَاركَة جَيِّدَة فِي الْأُصُول والنحو والْحَدِيث وَحفظ التَّلْخِيص فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان للْقَاضِي جلال الدّين وصنف زيادات الْمطلب على الرَّافِعِيّ وَجمع كتابا نفيسا على الرَّافِعِيّ يذكر فِيهِ مَنَاقِب الرَّافِعِيّ بأجمعها وَمَا يُمكن الْجَواب عَنهُ مِنْهَا بتنبيهات مهمات فِي الرَّافِعِيّ ويستوعب على ذَلِك كَلَام ابْن الرّفْعَة وَالْوَالِد رحمهمَا الله وَيذكر من قبله شَيْئا كثيرا وفوائد مهمة وَلم يبرح يعْمل فِي هَذَا الْكتاب إِلَى أَن مَاتَ فجَاء فِي نَحْو خمس مجلدات أَنا سميته ميدان الفرسان فَإِنَّهُ سَأَلَني أَن أُسَمِّيهِ لَهُ وَكَانَ يقْرَأ عَليّ غَالب مَا يَكْتُبهُ فِيهِ ويسألني عَمَّا يشكل عَلَيْهِ فلي فِي كِتَابه هَذَا كثير من الْعَمَل وَبِالْجُمْلَةِ لَعَلَّنَا استفدنا مِنْهُ أَكثر مِمَّا اسْتَفَادَ منا الحديث: 1316 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 155 وَكَانَ من تِلَاوَة الْقُرْآن وَكَثْرَة التَّعَبُّد وَقيام اللَّيْل وسلامة الصَّدْر وَعدم الِاخْتِلَاط بأبناء الدُّنْيَا بمَكَان استنبته فِي الحكم بِدِمَشْق وَنزلت لَهُ عَن تدريس التقوية ثمَّ تدريس الناصرية وَكَانَ قد درس قبلهمَا فِي حَيَاة الْوَالِد رَحمَه الله بالحلقة القوصية بالجامع فَاجْتمع لَهُ التداريس الثَّلَاثَة مَعَ إِعَادَة الركنية وإعادة العالدية الصُّغْرَى وتصدير على الْجَامِع وإمامة الكلاسة وَكَانَ الْوَالِد رَحمَه الله يُحِبهُ وَكَانَ هُوَ يحضر دروس الْوَالِد وَيسمع كَلَامه وسألني مَرَّات أَن يقْرَأ عَلَيْهِ شَيْئا فَمَا تهَيَّأ لَهُ لَكنا كُنَّا نطالع فِي ليَالِي الشتَاء سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أَو أَربع وَأَرْبَعين بدار الحَدِيث الأشرفية الرَّافِعِيّ أَنا والغزي وتاج الدّين المراكشي فِي غَالب اللَّيْل وَيخرج الْوَالِد فِي بعض الْأَحَايِين وَيجْلس مَعنا فَيسمع قراءتي تَارَة وقراءته أُخْرَى وَيَأْخُذ عَنهُ توفّي الْغَزِّي لَيْلَة الْأَحَد رَابِع عشر رَجَب سنة سبعين وَسَبْعمائة بمنزله بالعادلية الصُّغْرَى بِدِمَشْق فَإِنَّهُ كَانَ معيدها وَسكن فِي بَيت التدريس أَعَارَهُ إِيَّاه مدرسها الشَّيْخ جمال الدّين ابْن قَاضِي الزبداني فسكن فِيهِ مُدَّة سِنِين وَدفن من الْغَد بتربتنا بسفح قاسيون وَالنَّاس عَلَيْهِ باكون متأسفون فَإِنَّهُ حكم بِدِمَشْق نَحْو أَربع عشرَة سنة لَا يعرف مِنْهُ غير لين الْجَانِب وخفض الْجنَاح وَحسن الْخلق مَعَ لُزُوم التَّقْوَى ومحبة الْفُقَرَاء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 156 1317 - مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر الشَّيْخ زين الدّين بن علم الدّين بن زين الدّين بن المرحل ولد بعد سنة تسعين وسِتمِائَة وتفقه على عَمه الشَّيْخ صدر الدّين ودرس بِالْقَاهِرَةِ بالمشهد الْحُسَيْنِي ثمَّ بِدِمَشْق بالشامية البرانية والعذراوية وَكَانَ رجلا فَاضلا دينا عَارِفًا بالفقه وأصوله صنف فِي الْأُصُول كتابين توفّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الحديث: 1317 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 157 1318 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي قدم دمشق من بِلَاده هُوَ وَأَخُوهُ قَاضِي الْقُضَاة إِمَام الدّين وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ البادرائية ثمَّ نَاب فِي الْقَضَاء بِدِمَشْق عَن أَخِيه ثمَّ عَن قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين بن صصرى ثمَّ ولي خطابة دمشق ثمَّ ضاء الْقُضَاة بهَا ثمَّ انْتقل إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية لما أضرّ القَاضِي بدر الدّين بن جمَاعَة فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ صرف عَنْهَا وأعيد إِلَى قَضَاء الشَّام وَكَانَ رجلا فَاضلا متفننا لَهُ مَكَارِم وسؤدد وَكَانَ يذكر أَنه من نسل أبي دلف الْعجلِيّ وَهُوَ مُصَنف كتاب التَّلْخِيص فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان وَكتاب الْإِيضَاح فِيهِ ذكره الشَّيْخ جمال الدّين بن نباتة فِي سجع المطوق فَقَالَ الإِمَام الْمُقدم على التَّحْقِيق والغمام المنشئ فِي مروج مهارقه كل روض أنيق وَالسَّابِق لغايات الحديث: 1318 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 158 الْعُلُوم الَّذِي خلي لَهُ نَحْوهَا عَن الطَّرِيق والبازي المطل على دقائقها الَّذِي اعْترف لَهُ بالتقصير ذَوُو التحليق وَالْهَادِي لمذاهب السّنة الَّذِي يشْهد الْبَحْث أَن بَحر فكره عميق والحبر الَّذِي لَا تَدعِي نفحات ذكره الزهر وَالصَّحِيح أَنَّهَا أعطر من الْمسك الفتيق ناهيك بِهِ من رجل على حِين فَتْرَة من الهمم وظلمة من الدَّهْر لَا كالظلم أطلعه الشرق كوكبا مَلأ نوره الملا لَا بل بَدْرًا لَا يغتر بأشعة تواضعه الأعلون فَيَشْرَئِبُّونَ إِلَى لَا بل صبحا يحمد لَدَيْهِ الطَّالِب سراه لَا بل شمسا يتَمَثَّل فِي شخصه عُلَمَاء الدَّهْر الغابر فَكَانَ مرْآة مرآه وَذكره القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله فِي كِتَابه مسالك الْأَبْصَار فَقَالَ من ولد أبي دلف وَمن مدد ذَلِك السّلف ولي أَبوهُ وَأَخُوهُ وشبهت النظراء وَلم يؤاخوه ولي الخطابة وشآفنها ورقى أَعْوَاد المنابر وهز غصنها وَكَانَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 159 صدر المحافل إِذا عقدت وصيرفي الْمسَائِل إِذا انتقدت وَكَانَ طلق الْيَدَيْنِ وطرق الْكَرم وَإِن كَانَ بِالدّينِ انْتهى توفّي القَاضِي جلال الدّين بِدِمَشْق فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَفِيه يَقُول القَاضِي صَلَاح الدّين خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي وَكيل بَيت المَال وَإِمَام الْأَدَب فِي هَذَا الْعَصْر من قصيدة امتدحه بهَا (هَذَا الإِمَام الَّذِي ترْضى حكومته ... خلاف مَا قَالَه النَّحْوِيّ فِي الصُّحُف) (حبر مَتى جال فِي بحث وجاد فَلَا ... تسْأَل عَن الْبَحْر والهطالة الوطف) (لَهُ على كل قَول بَات ينصره ... وَجه يصان عَن التَّكْلِيف بالكلف) (قد ذب عَن مِلَّة الْإِسْلَام ذب فَتى ... يحمي الْحمى بالعوالي السمر والرعف) (وَمذهب السّنة الغراء قَالَ بِهِ ... وثقف الْحق من حيف وَمن جنف) (يَأْتِي بِكُل دَلِيل قد حكى جبلا ... فَلَيْسَ ينسفه مَا مغلط النَّسَفِيّ) (وَقد شفى العي لما بَات منتصرا ... للشَّافِعِيّ برغم الْمَذْهَب الْحَنَفِيّ) (يحيي دروس ابْن إِدْرِيس مباحثه ... فحبذا خلف مِنْهُ عَن السّلف) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 160 (فَمَا أرى ابْن سُرَيج إِن يناظره ... من خيل ميدانه فليمض أَو يقف) (وَلَو أَتَى مزني الْفِقْه أغرقه ... وَلم يعد قَطْرَة فِي سحبه الذرف) (وَقد أَقَامَ شعرًا الْأَشْعَرِيّ فَمَا ... يشك يَوْمًا وَلَا يشكو من الزيف) (وَلَيْسَ للسيف حد يَسْتَقِيم بِهِ ... وَلَو تصدى لَهُ أَلْقَاهُ فِي التّلف) (والكاتبي غَدا فِي عينه سقم ... إِذا رَاح ينظر من طرف إِلَيْهِ خَفِي) (من معشر فَخْرهمْ أبقاه شَاعِرهمْ ... فِي قَوْله إِنَّمَا الدُّنْيَا أَبُو دلف) أفتى القَاضِي جلال الدّين وَهُوَ خطيب دمشق فِي رجل فرض على نَفسه لوَلَده فرضا معينا فِي كل شهر وَأذن لأمه حاضنته فِي الْإِنْفَاق والاستدانة وَالرُّجُوع عَلَيْهِ فَفعلت ذَلِك وَمَات الْآذِن بِأَن لَهَا الرُّجُوع فِي تركته وَتوقف فِيهِ الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح لقَوْل الْأَصْحَاب إِن نَفَقَة الْقَرِيب لَا تصير دينا إِلَّا بقرض القَاضِي أَو إِذْنه فِي الاستقراض فَإِن ذَلِك يَقْتَضِي عدم الرُّجُوع وَقَوْلهمْ لَو قَالَ أطْعم هَذَا الجائع وَعلي ضَمَانه اسْتحق عَلَيْهِ وَلَو قَالَ أعتق عَبدك وَعلي ألف اسْتحق يَقْتَضِي الرُّجُوع قلت الْأَرْجَح مَا أفتى بِهِ القَاضِي جلال الدّين من الرُّجُوع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 161 1319 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ الأرموي الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ كَانَ من أعلم النَّاس بِمذهب الشَّيْخ أبي الْحسن وأدراهم بأسراره متضلعا بالأصلين اشْتغل على القَاضِي سراج الدّين صَاحب التَّحْصِيل وَسمع من الْفَخر بن البُخَارِيّ روى عَنهُ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَمن تصانيفه فِي علم الْكَلَام الزبدة وَفِي أصُول الْفِقْه النِّهَايَة وَالْفَائِق والرسالة السيفية وكل مصنفاته حَسَنَة جَامِعَة لَا سِيمَا النِّهَايَة الحديث: 1319 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 162 مولده بِبِلَاد الْهِنْد سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة ورحل إِلَى الْيمن سنة سبع وَسِتِّينَ ثمَّ حج وَقدم إِلَى مصر ثمَّ سَار إِلَى الرّوم وَاجْتمعَ بسراج الدّين ثمَّ قدم دمشق سنة خمس وَثَمَانِينَ واستوطنها ودرس بالأتابكية والظاهرية الجوانية وشغل النَّاس بِالْعلمِ توفّي بِدِمَشْق سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة وَكَانَ خطه فِي غَايَة الرداءة وَكَانَ رجلا ظريفا ساذجا فيحكى أَنه قَالَ وجدت فِي سوق الْكتب مرّة كتابا بِخَط ظننته أقبح من خطي فغاليت فِي ثمنه واشتريته لأحتج بِهِ على من يَدعِي أَن خطي أقبح الخطوط فَلَمَّا عدت إِلَى الْبَيْت وجدته بخطي الْقَدِيم وَلما وَقع من ابْن تَيْمِية فِي المسئلة الحموية مَا وَقع وَعقد لَهُ الْمجْلس بدار السَّعَادَة بَين يَدي الْأَمِير تنكز وجمعت الْعلمَاء أشاروا بِأَن الشَّيْخ الْهِنْدِيّ يحضر فَحَضَرَ وَكَانَ الْهِنْدِيّ طَوِيل النَّفس فِي التَّقْرِير إِذا شرع فِي وَجه يقرره لَا يدع شُبْهَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 163 وَلَا اعتراضا إِلَّا قد أَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّقْرِير بِحَيْثُ لَا يتم التَّقْرِير إِلَّا وَقد بعد على الْمُعْتَرض مقاومته فَلَمَّا شرع يُقرر أَخذ ابْن تَيْمِية يعجل عَلَيْهِ على عَادَته وَيخرج من شَيْء إِلَى شَيْء فَقَالَ لَهُ الْهِنْدِيّ مَا أَرَاك يَا ابْن تَيْمِية إِلَّا كالعصفور حَيْثُ أردْت أَن أقبضهُ من مَكَان فر إِلَى مَكَان آخر وَكَانَ الْأَمِير تنكز يعظم الْهِنْدِيّ ويعتقده وَكَانَ الْهِنْدِيّ شيخ الْحَاضِرين كلهم فكلهم صدر عَن رَأْيه وَحبس ابْن تَيْمِية بِسَبَب تِلْكَ المسئلة وَهِي الَّتِي تَضَمَّنت قَوْله بالجهة وَنُودِيَ عَلَيْهِ فِي الْبَلَد وعَلى أَصْحَابه وعزلوا من وظائفهم 1320 - مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن عبد الْقَادِر بن صَالح الشَّيْخ قطب الدّين السنباطي صَاحب تَصْحِيح التَّعْجِيز وَأَحْكَام الْمبعض كَانَ فَقِيها كَبِيرا تخرجت بِهِ المصريون سمع أَبَا الْمَعَالِي الأبرقوهي وَعلي بن نصر الله الصَّواف وَغَيرهمَا توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بالقرافة الحديث: 1320 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 164 قَول الْأَصْحَاب إِن الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن إِذا تشاحا فِي أَن الرَّهْن يكون عِنْد من يُسلمهُ الْحَاكِم إِلَى عدل صُورَة التشاحح مِمَّا يسْأَل عَنْهَا فَإِنَّهُ إِن كَانَ قبل الْقَبْض فالتسليم غير وَاجِب وإجبار الْحَاكِم إِنَّمَا يكون فِي وَاجِب وَإِن كَانَ بعد الْقَبْض فَلَا يجوز نَزعه مِمَّن هُوَ فِي يَده وَكَانَ السنباطي يصوره فِيمَا إِذا وضعاه عِنْد عدل ففسق فَإِن يَده تزَال وَالرَّهْن لَازم فَإِن تشاحا حِينَئِذٍ فِيمَن يكون تَحت يَده اتجه إِجْبَار الْحَاكِم وَكَذَلِكَ لَو رَضِيا بيد الْمُرْتَهن لعدالته حِين الْقَبْض ثمَّ فسق يَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك 1321 - مُحَمَّد بن عبد الْغفار بن عبد الْكَرِيم الْقزْوِينِي الشَّيْخ جلال الدّين ولد صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير الشَّيْخ نجم الدّين تفقه على أَبِيه وَتُوفِّي سنة تسع وَسَبْعمائة الحديث: 1321 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 165 1322 - مُحَمَّد بن عبد المحسن بن الْحسن قَاضِي البهنسا شرف الدّين الأرمنتي مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة وَكَانَ فَقِيها شَاعِرًا توفّي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَمن شعره (إِن العبادلة الأخيار أَرْبَعَة ... منهاج الْعلم لِلْإِسْلَامِ فِي النَّاس) (ابْن الزبير وَابْن الْعَاصِ وَابْن أبي ... حَفْص الْخَلِيفَة والحبر ابْن عَبَّاس) (وَقد يُضَاف ابْن مَسْعُود لَهُم بَدَلا ... عَن ابْن عَمْرو لوهم أَو لإلباس) الحديث: 1322 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 166 1323 - مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن يحيى بن عَليّ بن تَمام السُّبْكِيّ الْفَقِيه الْمُحدث الأديب المتفنن تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح كَانَ مِمَّن جمع بَين الْفِقْه والْحَدِيث وَوضع أَخْمُصُهُ فَوق النُّجُوم مَعَ سنّ حَدِيث لَهُ الْأَدَب الغض والألفاظ الَّتِي لَو أصغى الْجِدَار إِلَيْهَا لأراد أَن ينْقض وَكَانَ متدرعا جِلْبَاب التقي متورعا حل مَحل النَّجْم وارتقى طلب الحَدِيث فِي صغره وَسمع من أَحْمد بن أبي طَالب بن الشّحْنَة وَأحمد بن مُحَمَّد بن عَليّ العباسي وَالْحسن ابْن عمر الْكرْدِي وَعلي بن عمر الْعِرَاقِيّ ويوسف بن عمر الختني وَيُونُس بن إِبْرَاهِيم الدبابيسي وَخلق وأحضره وَالِده على أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى الْقيم وَعلي بن مُحَمَّد بن هَارُون الْمُقْرِئ الحديث: 1323 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 167 وَأحمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْمَقْدِسِي ويوسف بن مظفر بن كوركبك وَأَجَازَ لَهُ فِي سنة مولده الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي وَغَيره وَحدث وَكتب بِخَطِّهِ وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَكَانَ أستاذ زَمَانه فِي حسن قِرَاءَة الحَدِيث صِحَة وَأَدَاء واسترسالا وبيانا ونغمة وانتقى على بعض شُيُوخه وَخرج لعم وَالِده جدي رَحمَه الله مشيخة سمعناها بقرَاءَته وتفقه على جده الشَّيْخ صدر الدّين يحيى وعَلى الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد وَبِه تخرج فِي كل فنونه وعَلى الشَّيْخ قطب الدّين السنباطي وَقَرَأَ النَّحْو على الشَّيْخ أبي حَيَّان وكمل عَلَيْهِ التسهيل وَغَيره وتلا عَلَيْهِ بالسبع وَكَانَ الْوَالِد رَحمَه الله كثير الْمحبَّة لَهُ والتعظيم لدينِهِ وورعه وتفننه فِي الْعُلُوم درس بِالْقَاهِرَةِ بِالْمَدْرَسَةِ السيفية وناب فِي الحكم ثمَّ انْتقل إِلَى دمشق وناب فِي الْقَضَاء عَن الْوَالِد ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الركنية وَخَلفه صَاحب حمص وَقد ذكره شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي المعجم الْمُخْتَص وَأثْنى على علمه وَدينه مولده فِي سَابِع عشر ربيع الآخر سنة خمس وَسَبْعمائة وَتُوفِّي فِي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَدفن بقاسيون أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف السُّبْكِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ من حفظي بقرية يلدا من دمشق أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس الحجار وست الوزراء ح وَكتب إِلَيّ الحجار قَالَا أخبرنَا ابْن الزبيدِيّ أخبرنَا أَبُو الْوَقْت أخبرنَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 168 الدَّاودِيّ أخبرنَا الْحَمَوِيّ أخبرنَا الْفربرِي أَنا خَ حَدثنَا مُحَمَّد ابْن عبد الله الْأنْصَارِيّ أخبرنَا حميد أَن أنسا رَضِي الله عَنهُ حَدثهمْ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كتاب الله الْقصاص انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ خَ من هَذَا الطَّرِيق فَرَوَاهُ فِي الصُّلْح وَالتَّفْسِير والديات مطولا ومختصرا أخبرنَا الْفَقِيه الأديب مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عَليّ بن عمر الواني وَأَبُو الْهدى أَحْمد بن مُحَمَّد العباسي قِرَاءَة عَلَيْهِمَا قَالَ الأول أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مكي الحاسب السبط وَقَالَ الثَّانِي أخبرنَا عبد الْوَهَّاب بن ظافر الْأَزْدِيّ ابْن رواج قَالَا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الطَّاهِر ح وَأخْبرنَا قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْحسن بن عبد الله بن الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَزَيْنَب بنت الْكَمَال وَغَيرهمَا كِتَابَة عَن أبي الْقَاسِم السبط إِذْنا أخبرنَا السلَفِي أخبرنَا مكي بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَلان أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد الْحِيرِي الجرشِي حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 169 أَبُو يحيى زَكَرِيَّا بن يحيى بن أَسد الْمروزِي بِبَغْدَاد حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَاصِم عَن زر بن حُبَيْش عَن صَفْوَان بن عَسَّال الْمرَادِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَرَأَيْت رجلا أحب قوما وَلم يلْحق بهم قَالَ هُوَ مَعَ من أحب أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر عَن سُفْيَان فَوَقع لنا بَدَلا عَالِيا وَعَن مَحْمُود بن غيلَان عَن يحيى بن آدم عَن سُفْيَان فَوَقع لنا عَالِيا بدرجات ثَلَاث أَنْشدني شَيخنَا تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح لنَفسِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أرجوزته الَّتِي مِنْهَا (اسْمَع أخي وَصِيَّة من نَاصح ... مناضل عَن عرضه مكادح) (لَا تقصين مَا حييت صاحبا ... وَلَا قَرِيبا بل وَلَا مجانبا) (وَلَا تعدد الْكَلم فِي أحد ... وَلَا تكن للغلطات بالرصد) (وَلَا تؤاخذ مذنبا بذنب ... فتغتدي فَاقِد كل صحب) (إجر مَعَ النَّاس على أَخْلَاقهم ... وَصَاحب الْخلق على وفاقهم) (وَلَا تقطب إِن أَتَاك سَائل ... فَذَاك للسَّائِل دَاء قَاتل) (وَلَا تكن على صديق مكثرا ... فَإِن صفو الود يُضحي كدرا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 170 (وَلَا يغرنك دوَام الصحبه ... فَمَا يعود الْقلب إِلَّا قلبه) (لَا تسمعن فِي صَاحب كلَاما ... لَا تلقين لامْرَأَة زماما) وَهِي طَوِيلَة اقتصرنا مِنْهَا على مَا أوردناه وأنشدني لنَفسِهِ أَيْضا وكتبت بهَا على جُزْء خرجته فِي الْكَلَام على حَدِيث الْمُتَبَايعين بِالْخِيَارِ (يصنف فِي كل يَوْم كتابا ... يشابه فِي النُّور ضوء النَّهَار) (وَأَنت فَمن سادة ينتمون ... بأنسابهم لعَلي النجار) (فَحق لمادحكم أَن يَقُول ... حَدِيث الْخِيَار رَوَاهُ الْخِيَار) وأنشدني لنَفسِهِ أَيْضا وكتبت بهَا على الْأَرْبَعين الَّتِي خرجتها زمن الشَّبَاب (أَجدت الْأَرْبَعين فدمت تاجا ... لأهل الْعلم ذَا فضل مُبين) (وأضحى الْوَالِد النّدب المرجى ... لما يرجوه فِيك قرير عين) (وَأَرْجُو أَن أَرَاك رفيع قدر ... وَقد جَاوَزت حد الْأَرْبَعين) وأنشدني أَيْضا لنَفسِهِ من لَفظه تضمينا للبيت الثَّالِث (عرف العاذل وجدي فلاحى ... وَرَأى عني التسلي فلاحا) (عَن غزال فاق جيدا وظرفا ... وهلال رام قَتْلِي فلاحا) (علموني كَيفَ أسلو وَإِلَّا ... فاحجبوا عَن مقلتي الملاحا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 171 وأنشدني أَيْضا لنَفسِهِ أبياتا مفيدة نظمها فِي أَسمَاء الْخُلَفَاء وَهِي (إِذا رمت تعداد الخلائف عدهم ... كَمَا قلته تدعى اللبيب المحصلا) (عَتيق وفاروق وَعُثْمَان بعده ... عَليّ الرِّضَا من بعده حسن تَلا) (مُعَاوِيَة ثمَّ ابْنه وحفيده ... مُعَاوِيَة وَابْن الزبير أَخُو الْعلَا) (ومروان يتلوه ابْنه ووليده ... سُلَيْمَان وافى بعده عمر وَلَا) (يزِيد هِشَام والوليد يزيدهم ... سناهم بإبراهيم مَرْوَان قد علا) (وسفاح الْمَنْصُور مهْدي ابتدئ ... وهاد رشيد للأمين تكفلا) (وأعقب بالمأمون معتصم غَدا ... بواثقه يستتبع المتوكلا) (ومنتصر والمستعين وَبعده ... لمعتز المتلو بالمهتدي انقلا) (ومعتمد يقفوه معتضد وَعَن ... سنا المكتفي يتلوه مقتدر سلا) (وبالقاهرة الراضي تعوض متق ... وَبِاللَّهِ مستكف مُطِيع تفضلا) (وطائعهم لله بِاللَّه قَادر ... وقائمهم بالمقتدي استظهر الْعلَا) (ومسترشد والراشد المقتفي بِهِ ... ومستنجد والمستضي نَاصِر خلا) (وظاهرهم مستنصر قد تكملوا ... بمستعصم فِي وقته ظهر البلا) (ومستنصر أَو حَاكم وَابْنه وَلم ... يقم واثق حَتَّى أَتَى حَاكم الملا) (فدونكها مني بديها نظمتها ... فَإِن آتٍ تقصيرا فَكُن متطولا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 172 وأنشدني شيخ الْإِسْلَام الْوَالِد رَحمَه الله عِنْد سَمَاعه هَذِه الأبيات مني (أَجدت تَقِيّ الدّين نظما ومقولا ... وَلم تبْق شأوا فِي الْفَضَائِل والعلا) (فَمن رام نظما للأئمة بعْدهَا ... يروم محالا خاسئا ومجهلا) خطر لي فِي وَقت أَن أنظم فِي الْخُلَفَاء وأضم خلفاء الفاطميين وخلفاء المغاربة فتذكرت قَول الْوَالِد إِن من رام نظما لَهُم بعد أبي الْفَتْح يكون خاسئا مجهلا فَقلت رجل صَالح وَقد أنطقه الله فأحجمت وَكتب إِلَيّ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله وَكُنَّا على شاطئ الْبَحْر وَتَأَخر عَنَّا أَبُو الْفَتْح بِالْقَاهِرَةِ لاشتغاله بوفاة والدته رَحمهَا الله تَعَالَى (تسل تَقِيّ الدّين عَن فقد من أودى ... وأحرق لي قلبا وشيب لي فودا) (لقد بَان عَنَّا مذ ترحل شخصها ... سرُور وآلى لَا يواصلها عودا) (سقى الله تربا ضمهَا غيث رَحْمَة ... وجارتها أُمِّي وأولاهما جودا) (وَلَو كَانَ حزن نَافِعًا لجعلته ... شعاري عَسى أفدي مكرمَة خودا) (وَلم نزل قصدا لشَيْء سواهُمَا ... وَلَا مطلبا أرجوه كلا وَلَا رودا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 173 (فراجع وَكن بِالصبرِ وَالْحكم وَالرِّضَا ... عَن الله للبلوى تذود بِهِ ذودا) (وَلَا تبد ضعفا إِن علمك قدوة ... وَكن جبلا ذَا قُوَّة شامخا طودا) (واقدم إِلَيْنَا أَن أَحْمد قَائِل ... أرى كل بيضًا من بعادك لي سُودًا) أَحْمد الْمَذْكُور هُوَ الْأَخ شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام أَبُو حَامِد أَحْمد وَهَذَا النّصْف نظمه فَكتب الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْجَواب (أيا محسنا بَدْء ومستأنفا عودا ... وَمن حَاز من وصف الْعلَا سؤددا عودا) (وَمن علمه بَحر تزايد مده ... وفيض ندى كفيه عَم الورى جودا) (ملكت زمَان الْعلم فانقاد طَائِعا ... وأمك بالإذعان إِذْ قدته قودا) (وجاريت أَرْبَاب البديع بمنطق ... عَلَوْت بِهِ قسا وفقت بِهِ أودا) (وَأرْسلت سحرًا يطرب السّمع نفثه ... وخمرا تذود الْهم عَن خاطري ذودا) (وسليتني عَن ذَاهِب أحرق الحشا ... وأذهب عَن قلبِي المسرة إِذْ أودى) (وغادر مني أسود الشّعْر أبيضا ... كَمَا كل بيضًا من تنائيه لي سُودًا) (فبردت نَار الشوق إِذْ زَاد وقدها ... وخففت حمل الوجد إِذا آدني أودا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 174 (وأفرحتني لما دَعَوْت لَهَا فَفِي ... دعائك خير لَا أواري بِهِ رودا) (وأذكرتني أما لَهَا الْفضل ثَابت ... لِأَن تركت من بعْدهَا جبلا طودا) (فَمن بعْدهَا لَا أججت نَار قلبه ... وَلَا شيب الله الْكَرِيم لَهُ فودا) (وعاش مُقيما فِي علا وسعادة ... قعُود قناة كلما بقيت عودا) (ومتعه بالسيدين كليهمَا ... وثالثهم لَا يختشي للردى كودا) (وعاشوا لإنعام يَقُول حسودهم ... لرُؤْيَته لَا خفف الله فِي فودا) (فَخذهَا عروسا شرفت بمحاسن ... لديكم فَجَاءَت تنجلي لكم خودا) (على الْعَرَب العرباء تبدي نفاسة ... وَلَا وطِئت نجدا وَلَا صاحبت سُودًا) (وَلَا يَنْبَغِي إِلَّا الْقبُول فَإِن يكن ... فَذَلِك قصدي لَا نضارا وَلَا ذودا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 175 (وَإِن لم تقع بالموقع الرحب مِنْكُم ... فعبدكم قد هاد عَن مثلهَا هودا) (وَقد جمعت كل القوافي سوى الَّذِي ... تضمنه التصريع من قَوْله عودا) وَكتب إِلَيْهِ القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله يعزيه فِيهَا أبياتا مِنْهَا (مُصِيبَة الفاقد فِي فَقده ... تظهر للْوَاحِد فِي وَحده) (وكل من طَالَتْ بِهِ مُدَّة ... فنقصه فِي مُنْتَهى حَده) (وَمَا على الْمَرْء إِذا لم يمت ... من ميت قد صَار فِي لحده) (لَو كَانَ يُغْنِيه عَلَيْهِ البكا ... لكَانَتْ الأنواء من مده) (ميعادنا الْمَوْت فَمَا لامرئ ... يفر فِي الميعاد عَن وعده) (وَإِنَّمَا الْأَيَّام مَعْدُودَة ... لَا يغلط الْإِنْسَان فِي عده) (وكل من حام على مورد ... مصيره يَأْتِي إِلَى ورده) (وسائق الْمَوْت بِنَا مزعج ... وكل من يسْعَى على جهده) (كم ولد يبكي على وَالِد ... ووالد يبكي على وَلَده) (فقد تساوى فِي الثرى أول ... وَآخر قد جَاءَ من بعده) (لَيْسَ بَين العَبْد من سيد ... كلا وَلَا السَّيِّد من عَبده) (من سلم الْأَمر إِلَى ربه ... فَازَ بِمَا يرجوه من قَصده) (كل امْرِئ منا سيلقى الردى ... بذمه إِن شَاءَ أَو حَمده) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 176 (فاسمع أَبَا الْفَتْح وقيت الردى ... وَلَا تثير النَّار من زنده) (مثلك من يلقى الردى صَابِرًا ... محتسبا لِلْأجرِ فِي فَقده) (فقدت أما برة لم يزل ... كوكبها الْمشرق فِي سعده) (مَاتَت وأبقت مِنْك فِينَا فَتى ... كَمثل مَاء الْورْد من ورده) وَهِي طَوِيلَة فَأَجَابَهُ بِأَبْيَات مثلهَا (لله در فاق فِي عقده ... جَاءَ من الْمولى إِلَى عَبده) (أربى على الزهر علوا كَمَا ... علا شذا الزهر شذا رنده) (فأنعش الصب وَقد كَاد من ... أحزانه يهْلك فِي جلده) (فَأَي فضل جاد فِي وبله ... وَأي بَحر زَاد فِي مده) (من الْمقر الْأَشْرَف المرتضى ... يكْشف صَعب الْأَمر من شده) (شهَاب دين الله رب الندا ... وجامع الْوَفْد على رفده) (أَحْمد من عَم الورى فَضله ... فأجمع النَّاس على حَمده) (ذِي الْقَلَم الْأَعْلَى الَّذِي حَده ... كصارم جرد من غمده) (يصنع إِن مر على طرسه ... مَا يصنع الناشر فِي برده) (أحرفه إِن برزت فِي الدجا ... عَاد صباحا جنح مسوده) وَكتب إِلَيْهِ القَاضِي صَلَاح الدّين الصَّفَدِي أبياتا مِنْهَا سُؤال (تقرر أَن فعالا فعولًا ... مبالغتان فِي اسْم الفاعلية) (فَكيف تَقول فِيمَا صَحَّ مِنْهُ ... وَمَا الله بظلام الْبَريَّة) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 177 (أيعطي القَوْل إِن فَكرت فِيهِ ... سوى نفي الْمُبَالغَة القويه) (وَكَيف إِذا توضأنا بِمَاء ... طهُور وَهُوَ رَأْي الشافعيه) (أزلنا الْوَصْف عَنهُ بفرد فعل ... وَذَاكَ خلاف قَول المالكيه) فَأَجَابَهُ بِأَبْيَات مِنْهَا (وَمن جَاءَ الحروب بِلَا سلَاح ... كمن عقد الصَّلَاة بِغَيْر نيه) (فظلام كفرار وَأَيْضًا ... فقد يَأْتِي بِمَعْنى الظالميه) (وَقد ينفى الْقَلِيل لقلَّة فِي ... فَوَائده بِنَفْي الأكثريه) (وَقد ينحى بِهِ التكثير قصدا ... لِكَثْرَة من يضام من البريه) (وَأما قَوْله مَاء طهُور ... ونصرته لقَوْل المالكيه) (فجَاء على مُبَالغَة فعول ... وساغ مَجِيئه للفاعليه) (وَقد ينحى بِهِ التكثير قصدا ... لِكَثْرَة من يروم الطاهريه) وَقد سمعنَا من أبي الْفَتْح خطبَته الفائقه الَّتِي أَلْقَاهَا أول يَوْم تدريسه بالركنية لما قدم مصر ومطلعها الْحَمد لله نَاصِر الْملك النَّاصِر للدّين الحنيفي وممضي عَزَائِمه ومشيد أَرْكَانه الْقَائِم بِالشَّرْعِ المحمدي ومقوي دعائمه ومخصص أَهله التَّقْوَى بعلى مَا حظيت أهل التَّقْصِير بمعالمه وجامع شَمل الْمُتَّقِينَ بمكارمه وشامل جمع الموقنين بمراحمه والمتفضل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 178 على من التجأ إِلَيْهِ وَاعْتمد فِي أُمُوره عَلَيْهِ بنجح مَا أشبه أواخره بأوائله وَربح مَا أشبه فواتحه بخواتمه أَحْمَده على من حلى الْأَعْنَاق بقلائده وجلل الْأَيْدِي بقوائمه وبذل مَا أبداه نظر جوده بمتراكمه إِلَّا أَعَادَهُ بَحر جوده بمتلاطمه وَفضل أثار شمسه فِي ظهيرة الآمال فحققها بقواصده وأطلع قمره فِي دجنة الأوجال فَدَفعهَا بقواصمه وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يعينها الْيَقِين بخوافيه وَالْإِخْلَاص بقوادمه ويثبتها الْقلب فَمَا اللائم فِيهَا بملائمه وَلَا السالي بمسالمه ويقر بهَا اللِّسَان على ممر الْأَوْقَات فيعشو إِلَى أنوارها فِي اللَّيْل بطارقه ويرنو إِلَى أنوائها فِي الصُّبْح بسائمه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ وَالْكفْر قد أطل بتعاضده وتعاظمه وَالْبَاطِل قد أضلّ بتزاحمه وتلاحمه فَلم يزل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أذهب جَيش الْبَاطِل بعواصفه وعواصمه وَنصر جند الْحق بصواهله وصوارمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه صَلَاة يُربي نشرها على الْمسك ولطائمه وتجر ذيلا على نشر الرَّوْض وباسمه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 179 مِنْهَا أما بعد فَإِن غَرِيب الدَّار وَإِن نَالَ منَاط الثريا فَيَكْفِي أَن يُقَال غَرِيب وبعيد المزار وَلَو تهَيَّأ لَهُ مَا تهيا فَمَا لَهُ فِي الرَّاحَة مِنْهُم نصيب ولمشقة الغربة ازدادت رُتْبَة الْهِجْرَة فِي الْعِبَادَة وشرفت الْوَفَاة حَتَّى جَاءَ موت الْغَرِيب شَهَادَة والغربة كربَة وَلَو كَانَت بَين الْأَقَارِب ومفارقة الأوطان صعبة وَلَو عَن سم العقارب وأنى يُقَاس بِبِلَاد الغربة وَإِن شرف قدرهَا وعذب شرابها (بِلَاد بهَا نيطت عَليّ تمائمي ... وَأول أَرض مس جلدي ترابها) وَالْخطْبَة طَوِيلَة فائقة اقتصرنا مِنْهَا على مَا أوردناه سَمِعت الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبَا الْفَتْح يَقُول اسْم كلاب بن مرّة جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُهَذّب وَعزا ذَلِك لِابْنِ سعد وَهِي فَائِدَة لم أَجدهَا فِي شَيْء من كتب السّير رَأَيْت فِي الْقطعَة الَّتِي عَملهَا شَيخنَا تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح شرحا على التَّنْبِيه فِي بَاب الزَّكَاة أَن السَّائِمَة إِذا كَانَت عاملة فَالَّذِي يظْهر عِنْده مَا صَححهُ الْبَغَوِيّ من وجوب الزَّكَاة فِيهَا بِحُصُول الرِّفْق بالإسامة وَزِيَادَة فَائِدَة الِاسْتِعْمَال خلافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ حَيْثُ صححا أَنه لَا زَكَاة فِيهَا ثمَّ تلكم أَبُو الْفَتْح على مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا لَيْسَ فِي العوامل صَدَقَة وَضَعفه وأجاد فِي تَعْلِيله وَهَذَا الَّذِي عمله أَبُو الْفَتْح من شرح التَّنْبِيه حسن جدا حافل جَامع مَعَ غَايَة الِاخْتِصَار وَقد أَكثر فِيهِ النَّقْل عَن الشَّيْخ الْوَالِد وزينه بمحاسن شرح الْمِنْهَاج وَحَيْثُ يَقُول فِيهِ قَالَه شَيخنَا أبقاه الله يُشِير إِلَى كَلَام الْوَالِد رَحمَه الله فِي شرح الْمِنْهَاج أَو غَيره من تصانيفه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 180 وَمن شعر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح (وافتك عَن قرب تباشير الْفَرح ... وأتتك مسرعة مباشير الْمنح) مِنْهَا (فارج الْإِلَه وَلَا تخف من غَيره ... تَجِد الْإِلَه لضيق صدرك قد شرح) (وارغب إِلَيْهِ بِالنَّبِيِّ الْمُصْطَفى ... فِي كشف ضرك عل يأسو مَا انجرح) (تالله مَا يَرْجُو نداه مخلص ... لسؤاله إِلَّا تهلل وانشرح) (فَهُوَ النَّبِي الْهَاشِمِي وَمن لَهُ ... جاه علا وعلو قدر قد رجح) (وَهُوَ النَّعيم لمن توقى وَاتَّقَى ... وَهُوَ الْجَحِيم لمن تكبر واتقح) (هُوَ وابل الدُّنْيَا إِذا شح الحيا ... وَمُشَفَّع الْأُخْرَى إِذا عرق رشح) (وَالشَّمْس تخجل من ضِيَاء جَبينه ... والبدر لَو حاكاه فِي الْحسن افتضح) (كم عين مَاء من أَصَابِعه جرت ... نَهرا وَعين ردهَا لما مسح) (ومعين فضل من أياديه بدا ... ومعين دمع من أعاديه نزح) (وَلَقَد دَعَا الْأَشْجَار فانقادت لَهُ ... وَالذِّئْب لما جَاءَ يسْأَله منح) (وأباد أَنْوَاع الضلال بعرفه ... لما دنا وبعرفه لما نفح) (من أنزل الْقُرْآن فِي أَوْصَافه ... مَاذَا عساي أَقُول فِيهِ من الْمَدْح) (فَعَلَيهِ صلى الله مَا هبت صبا ... أَو غرد الْقمرِي يَوْمًا أَو صدح) (ثمَّ الرِّضَا عَن آله وصحابه ... وَعَن الَّذِي بوشاح علمهمْ اتَّشَحَ) (مثل البُخَارِيّ الإِمَام المرتضى ... فَهُوَ الَّذِي اغتبق الْفَضَائِل واصطبح) (من فَضله فِي النَّاس بَحر قد طما ... وعرائس تجلى وغيث قد طفح) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 181 (وَكتابه كالغيث يستسقى بِهِ ... فسواه فِي كرباتنا لم يستنح) (وَهُوَ المجرب فِي الشَّديد وكشفه ... أوليس فِي غارات أَمر قد وضح) وَهَذِه قافية حلوه أول من بَلغنِي نظم فِيهَا عبد الله بن المعتز حَيْثُ يَقُول (خل الزَّمَان إِذا تقاعس أَو جمح ... واشك الهموم إِلَى المدامة والقدح) (واحفظ فُؤَادك إِن شربت ثَلَاثَة ... وَاحْذَرْ عَلَيْهِ أَن يطير من الْفَرح) فِي أَبْيَات أنكر عَلَيْهِ قَوْله فِيهَا (وَإِذا تَمَادى فِي العتاب قطعته ... بِالضَّمِّ والتقبيل حَتَّى نصطلح) وَقَالَ مهيار (مَا كَانَ سَهْما غَار بل ظَبْيًا سنح ... إِن لم يكن قتل الْفُؤَاد فقد جرح) (فِي خَدّه الكافور سبْحَة عنبر ... مَا كَانَ أغفلني الْغَدَاة عَن السبح) (وَأما ومشيته توقر تَارَة ... صلفا وَأَحْيَانا يجن من المرح) فِي أَبْيَات أنكر عَلَيْهِ قَوْله فِيهَا بطح وَقَالَ ابْن سناء الْملك يمدح الْفَاضِل (يَا قلب وَيحك إِن ظبيك قد سنح ... فتنح جهدك عَن مراتعه تَنَح) (وَأَرَدْت أعقله ففر من الحشا ... طَربا وأحبسه فطار من الْفَرح) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 182 (وأتى فظل صريع هذاك اللمى ... عطشا وَعَاد قَتِيل هاتيك الْملح) (جنح الغزال إِلَى قتال جوانحي ... فَغَدَوْت أجنح مِنْهُ لما أَن جنح) (وَمن الْعَجَائِب أَنه لما رمى ... بسهامه قتل الْفُؤَاد وَمَا جرح) (ولمى صقيل فِي مراشف شادن ... لَو شِئْت أمسحه بلثمي لانمسح) وَمِنْهَا (قبلته وَقبلت أَمر صبابتي ... وَنَصَحْت نَفسِي فِي قطيعة من نصح) (ورشفت ريقته على رغم الطلا ... من كأس مرشفه على غيظ الْقدح) وَمِنْهَا (لي سبْحَة من جَوْهَر فِي ثغرها ... ففضلت سَائِر من يسبح بالسبح) (لم لَا تصالح قِبْلَتِي يَا خدها ... وَالْمَاء فِيك مَعَ اللهيب قد اصْطلحَ) (كم يعذلون وَلست أسمع قَوْلهم ... وَأَنا وهم مثل الْأَصَم مَعَ الْأَبَح) (لَيْسَ العذول عَلَيْك إنْسَانا هذى ... إِن العذول عَلَيْك كلب قد نبح) وَمِنْهَا (أضحت على مهيار قبلي ناشزا ... إِذْ قَالَ عَن محبوبه فِيهَا بطح) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 183 (وَتَتَابَعَتْ فتحاتها فتنزهت ... عَن قَول عبد الله حَتَّى نصطلح) وَلقَائِل أَن يَقُول إِن ابْن سناء الْملك قد وَقع فِيمَا وَقع فِيهِ عبد الله حَيْثُ حكى قَوْله وَجعله قافية فِي قصيدته وَقد وَقع هَذَا لكثير من شعراء الْعَصْر وَنَظِيره قَول من نثر فِي خطْبَة الْأَشْبَاه والنظائر لَيْسَ لَهُ من ثَان وَلَا عَنهُ من ثَان وَلَا عَلَيْهِ إِلَّا مثن وَقضى السجع بِأَن أَقُول ثَان ثمَّ إِنَّه اعْترض ابْن المعتز ومهيارا بِمَا اعترضهما وَوَقع هُوَ فِي وَاحِدَة وَهِي قَوْله لانمسح فَإِنَّهَا لحن ولي أَبْيَات مِنْهَا (إِن كَانَ عبد الله أَخطَأ قَوْله ... بِالضَّمِّ والتقبيل حَتَّى نصطلح) (وأتى بِشَيْء لَيْسَ يحسن ذكره ... مهيار حَيْثُ يَقُول قافية بطح) (فَلَقَد لحنت وَقلت فِيمَا قلته ... لَو شِئْت أمسحه بلثمي لانمسح) وَقَالَ كَمَال الدّين ابْن النبيه (قُم يَا غُلَام ودع نصيحة من نصح ... فالديك قد صدع الدجى لما صدح) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 184 (خفيت تباشير الصَّباح فأسقني ... مَا ضل فِي الظلماء من قدح الْقدح) (صهباء مَا لمعت بكف مديرها ... لمقطب إِلَّا تهلل وانشرح) (وَالله مَا مزج المدام بِمَائِهَا ... لكنه مزج المسرة بالفرح) وَهَذِه قصيدة مَشْهُورَة نظمها فِي ديوانه وَقَالَ شهَاب الدّين ابْن التلعفري (مَاء الغمامة والمدامة والقدح ... وَابْن الْحَمَامَة فِي الأراكة قد صدح) وَهِي قصيدة مليحة تضمنها ديوانه وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو حَيَّان قد اقترح على شعراء الْعَصْر قصيدا فِي الشطرنج على وزن مطلع قصيدة ابْن حزمون (إِلَيْك إِمَام الْعَصْر جبت المفاوزا ... وخلفت خَلْفي صبية وعجائزا) فَعمل الشَّيْخ الْوَالِد قصيدا بلغت مائَة وَخَمْسَة وَأَرْبَعين بَيْتا جود فِيهَا كل الإجادة وَعمل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قصيدا مطْلعهَا (بنفسي غزال مر بالرمل جَائِزا ... فصير قلبِي فِي الْمحبَّة حائزا) (وَفَوق سَهْما من لحاظ جفونه ... فأصمى وَمَا ألْقى عَن الْقلب حاجزا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 185 (تبدى فأبدى للنداوة تمنظرا ... يروق لذِي لب ويكمد لامزا) (وماس فأمسى الْغُصْن يَهْتَز مائسا ... وَبَان فَبَان الْبَدْر يشرق بارزا) (ثوى فِي حمى نجد وَلَيْسَ بمنجد ... وَفَوْز فاستحليت فِيهِ المفاوزا) وَمِنْهَا (وَيَسْبِي فُؤَادِي مِنْهُ وَاسع طرفه ... إِذا مَا انثنى صبو المحاجر عَاجِزا) (تفرد بالْحسنِ الْغَرِيب وحبه ... غَرِيب فأضحى للغريبين حائزا) (كَمَا حازت الشطرنج جيشين جمعا ... غريبين كل حَده لن يجاوزا) وجود فِيهَا واختتمها بمدح الشَّيْخ أبي حَيَّان رَحمَه الله وَكتب أديب الْعَصْر جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نباتة إِلَى الشَّيْخ أبي الْفَتْح رَحمَه الله استفتاء صورته (يَا إِمَامًا قَالَ الْمُقَلّد والعالم ... فِيهِ بِوَاجِب التَّفْضِيل) (مَا على عاشق يَقُول على حكم ... التَّدَاوِي بِالضَّمِّ والتقبيل) (وافر الدّين مَعَ بسيط اقتدار ... حذر من عِقَاب يَوْم طَوِيل) (لَا كمن دأبه بمحبوبه النَّحْو ... فَمن فَاعل وَمن مفعول) فَأَجَابَهُ (يَا مَلِيًّا بِكُل فضل جزيل ... وعلينا بِكُل وصف جميل) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 186 (وجمالا تجمل الْعلم مِنْهُ ... بِصِفَات زين بمجد أثيل) (جَاءَنِي دَرك الَّذِي قلد النَّحْر ... بِعقد منضد التكليل) (فتعجبت ثمَّ قلت وَمن يقذف ... بالدر غير بَحر أصيل) (جَاءَ فِي صُورَة السُّؤَال فَقل فِي ... سَائل فَضله على الْمَسْئُول) (فتنسمت مِنْهُ ريح شمال ... وترشفت مِنْهُ طعم الشُّمُول) (وأتاني وَقد فرغت عَن الْآدَاب ... وَالْحب من زمَان طَوِيل) (فتوقفت عَن جَوَاب وَلَكِن ... أَمر مولَايَ وَاجِب بِالدَّلِيلِ) (وَجَوَاب الْهوى التسامح فِي الْأَمر ... فَقل إِن أجبْت بالتسهيل) (إِن من يَدعِي الغرام بِظَبْيٍ ... صَاد أهل الْهوى بِطرف كحيل) (قد أسَال الدُّمُوع مِنْهُ عذار ... سَائل فِي رياض خد أسيل) (كَامِل قده بِشعر مديد ... وافر ردفه بخصر نحيل) (لجدير بِكُل عذر بسيط ... فِي التَّدَاوِي بِالضَّمِّ والتقبيل) (مَا لنار الْهوى سوى برد ريق ... من لماه فِيهِ شِفَاء الغليل) (ولقلب يعتاده خفقان ... غير ضم بِهِ دَوَاء العليل) (غُصَّة الْحبّ لَا تقاس بِشَيْء ... فليزلها من رِيقه بشمول) (ذَا جَوَاب الغرام حَقًا وَعِنْدِي ... مَاله غير صبره من سَبِيل) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 187 1324 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْكَرِيم أَبُو الْفَضَائِل القَاضِي فَخر الدّين الْمصْرِيّ نزيل دمشق ولد سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَسمع من سِتّ الوزراء وَغَيرهَا وتفقه على الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكاني وَالشَّيْخ برهَان الدّين وبرع فِي الْمَذْهَب ودرس بالعادلية الصُّغْرَى والدولعية والرواحية وشاع اسْمه وَبعد صيته وَكَانَ من أذكياء الْعَالم اسْتَخْلَفَهُ القَاضِي جلال الدّين على الحكم بِدِمَشْق وَحج وجاور غير مرّة الحديث: 1324 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 188 ذكره القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله فِي مسالك الْأَبْصَار فَقَالَ الْمصْرِيّ الَّذِي لَا يسمح فِيهِ بالمثاقيل وَلَا يهون ذهنه فَيُشبه بِهِ ذائب الْأَصِيل بل هُوَ الْبَحْر الْمصْرِيّ لِأَنَّهُ ذُو النُّون والقطب الْمصْرِيّ بل صَاحب الإِمَام فَخر الدّين وَمثله لَا يكون ذُو الْعلم الْمَعْرُوف الَّذِي لَا يُنكر وَاللَّفْظ الحلو الْمصْرِيّ السكر فَاء على الْإِسْلَام ظلا مديدا واستطرف الْأَنَام فضلا جَدِيدا وَهُوَ إِمَام الشَّام وغمام الْعلم الْعَام ثمَّ قَالَ وَهُوَ أفقه من هُوَ بِالشَّام مَوْجُود وأشبه عَالم بأصحاب إِمَامه فِي الْوُجُود انْتهى توفّي القَاضِي فَخر الدّين بِدِمَشْق سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة رَحمَه الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 189 1325 - مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْكَرِيم قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين بن الزملكاني الإِمَام الْعَلامَة المناظر سمع من يُوسُف بن المجاور وَأبي الْغَنَائِم بن عَلان وعدة مَشَايِخ وَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَكتب الطباق بِخَطِّهِ وَقَرَأَ الْأُصُول على الشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ والنحو على الشَّيْخ بدر الدّين ابْن مَالك وَولد فِي شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة ودرس بالشامية البرانية والرواحية والظاهرية الجوانية وَغَيرهَا بِدِمَشْق ثمَّ ولي قَضَاء حلب الحديث: 1325 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 190 وصنف الرَّد على ابْن تَيْمِية فِي مسئلتي الطَّلَاق والزيارة وكتابا فِي تَفْضِيل الْبشر على الْملك جود فِيهِ وَشرح من منهاج النَّوَوِيّ قطعا مُتَفَرِّقَة ذكره شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي المعجم الْمُخْتَص فَقَالَ شَيخنَا عَالم الْعَصْر وَكَانَ من بقايا الْمُجْتَهدين وَمن أذكياء أهل زَمَانه درس وَأفْتى وصنف وَتخرج بِهِ الْأَصْحَاب انْتهى وَذكره الشَّيْخ جمال الدّين بن نباتة فِي كتاب سجع المطوق فَقَالَ أما وغصون أقلامه المثمرة بِالْهدى وسطور فَتَاوِيهِ الْمُوَضّحَة للحق طرائق قددا وخواطره الَّتِي تولدت فَكَانَت الأنجم مهودا ومآثره الَّتِي ضربت رواق الْعِزّ وَكَانَت المجرة طنبا وَكَانَ الْفجْر عمودا ومناظراته الَّتِي أسكتت المناظرين فَكَأَنَّمَا ضربت سيوفهم الْمُجَرَّدَة لألسنتهم قيودا إِن الْآدَاب لتحركني لمدحه وَالْأَدب يحثني على السّكُون وَإِنِّي لأعق محاسنه إِذا أردْت برهَا بِالْوَصْفِ وَمن الْبر مَا يكون (جلّ عَن مَذْهَب المديح فقد كَاد ... يكون المديح فِيهِ هجاء) ثمَّ قَالَ هُوَ الْبَحْر وعلومه درره الفاخرة وفتاويه المتفرق فِي الْآفَاق سحبه السائرة وَالْعلم إِلَّا أَنه الَّذِي لَا تجنه الغياهب والطود إِلَّا أَنه الَّذِي لَا يحاوله الْبشر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 191 على أَنه نسر الْكَوَاكِب وَالْمُنْفَرد الَّذِي حمى بَيْضَة الْإِسْلَام فِي أعشاش أقلامه والمجتهد الَّذِي لَا غُبَار على رَأْيه فِي الدّين وَإِن غبر فَفِي وُجُوه أَعْلَامه ثمَّ قَالَ التَّفْسِير لبراعته قد حكم بِكِتَاب الله الْمنزل وَقَالَ الْفِقْه لعلم فَتَاوِيهِ أَنْت الرامح وكل أعزل وَقَالَ الحَدِيث لتنقيحه هَذَا النّظر الَّذِي لَا يعْزل وَقَالَ الْإِنْشَاء لكتابه لِيَهنك أَن قلم كل بليغ لديك بِخَط أَو بِغَيْر خطّ مغزل وَقَالَ النَّحْو لتدقيقه هَذَا مَا جاد زيد وَعَمْرو فِيهِ وَهَذَا الْعَرَبِيّ الَّذِي لَو سمع الْأَعرَابِي نطقه لصاح يَا أَبَت أدْرك فَاه غلبني فوه لَا طَاقَة لي بِفِيهِ وَقَالَ الْوَصْف وَقَالَ واستقى من مواده وَلَو تحقق غَايَة لما استقال فَتَبَارَكَ من أطلعه فِي هَذِه الْآفَاق شمسا كَأَن الشَّمْس عِنْده نبراس وأمطاه رتبا كَأَن الثريا فِيهَا خد لقدمه على الْقيَاس وَخَصه بفنون الْعلم فَلهُ حليها النفيس وَمَا لغيره من الْحلِيّ سوى الوسواس انْتهى وَعَلِيهِ تخرج القَاضِي فَخر الدّين الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ الْحَافِظ صَلَاح الدّين العلائي وَكَانَ كثير التَّعْظِيم لَهُ توفّي سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة بِمَدِينَة بلبيس من أَعمال مصر كَانَ قد طلبه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 192 السُّلْطَان إِلَى مصر فَمَاتَ بهَا قبل وُصُوله وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة وَدفن بجوار تربة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقد أَجَاد فِي وَصفه شَاعِر الْوَقْت جمال الدّين بن نباتة حَيْثُ يَقُول فِيهِ من قصيدة فائقة امتدحه بهَا أَولهَا (قضى وَمَا قضيت مِنْك لبانات ... متيم عبثت فِيهِ الصبابات) (مَا فاض من جفْنه يَوْم الرحيل دم ... إِلَّا وَفِي قلبه مِنْكُم جراحات) (أحبابنا كل عُضْو فِي محبتكم ... كليم وجد فَهَل للوصل مِيقَات) (غبتم فغابت مسرات الْقُلُوب فَمَا ... أَنْتُم برغمي وَلَا تِلْكَ المسرات) (يَا حبذا فِي الصِّبَا عَنْكُم بَقَاء هوى ... وَفِي بروق الغضا مِنْكُم إنابات) (وحبذا زمن اللَّهْو الَّذِي انقرضت ... أوقاته الغر والأعوام سَاعَات) (أَيَّام مَا شعر الْبَين المشت بِنَا ... وَلَا خلت من مغاني الْأنس أَبْيَات) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 193 (حَيْثُ الشَّبَاب قضاياه منفذة ... وَحَيْثُ لي فِي الَّذِي أَهْوى ولايات) (وَرب حانة خمار طرقت بهَا ... حانت وَلَا طرقت للقصف حانات) (سبقت قَاصد مغناها وَكنت فَتى ... إِلَى المدام لَهُ بِالسَّبقِ عادات) (أعشو إِلَى ديرها الْأَقْصَى وَقد لمعت ... تَحت الدجى فَكَأَن الدَّيْر مشكاة) (وأكشف الْحجب عَنْهَا وَهِي صَافِيَة ... لم يبْق فِي دنها إِلَّا صبابات) (رَاح زحفت على جَيش الهموم بهَا ... حَتَّى كَأَن سنا الأكواب رايات) (مصونة السَّرْح باتت دون غايتها ... حاجات قوم وللحاجات أَوْقَات) (تجول حول أوانيها أشعتها ... كَأَنَّمَا هِيَ للكاسات كاسات) (كَأَنَّهَا فِي أكف الطائفين بهَا ... نَار يطوف بهَا فِي الأَرْض جنَّات) (مبلبل الصدغ طوع الْوَصْل منعطف ... كَأَن أصداغه للْعَطْف واوات) (ترنحت وَهِي فِي كفيه من طرب ... حَتَّى لقد رقصت تِلْكَ الزجاجات) (وَقمت أشْرب من فِيهِ وخمرته ... شربا تَشِنْ بِهِ فِي الْعقل غارات) (وَينزل اللثم خديه فينشدها ... هِيَ الْمنَازل لي فِيهَا عَلَامَات) (سقيا لتِلْك اللييلات الَّتِي سلفت ... فَإِنَّمَا الْعُمر هاتيك اللييلات) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 194 (عنت لَهَا كل أَوْقَات السرُور كَمَا ... عنت لفضل كَمَال الدّين سَادَات) (حبر رَأينَا يَقِين الْجُود من يَده ... وَأكْثر الْجُود فِي الدُّنْيَا حكايات) (سما على الْخلق واستسقوا مواهبه ... لَا غرو أَن تَسْقِي الأَرْض السَّمَوَات) (واستأنف النَّاس للأيام طيب ثَنَا ... من بعد مَا كثرت فِيهَا الشكايات) (لَا يختشي فَوت جدوى كَفه بشر ... كَأَن جدواه أرزاق وأوقات) (وَلَا تزحزح من فضل شمائله ... كَأَنَّهَا لبدور الْفضل هالات) (يَا شاكي الدَّهْر يممه وَقد غفرت ... من حول أبوابه للدهر زلات) (وَيَا أَخا السَّعْي فِي علم وَفِي كرم ... هذي الْهَدَايَا وهاتيك الهديات) (لَا تَطْلُبن من الْأَيَّام مشبهه ... فَفِي طلابك للأيام إعنات) (وَلَا تصخ لأحاديث الَّذين مضوا ... ألوى الْعَنَان بِمَا تملي الرِّوَايَات) (طالع فَتَاوِيهِ واستنزل فتوته ... تلق الإفادات تتلوها الإفادات) (وَحبر الْوَصْف فِي فضل لصَاحبه ... يكَاد ينْطق بِالْوَصْفِ الجمادات) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 195 (حامي الديار بأقلام لَهَا مدد ... من الْهدى واسْمه فِي الطرس مدات) (قويمة تمنع الْإِسْلَام من خطر ... فاعجب لَهَا ألفات وَهِي لامات) (تعلمت بَأْس آساد وجود حَيا ... مُنْذُ اغتدت وَهِي للآساد غابات) (وعودت قتل ذِي زيغ وَذي خطل ... كَأَنَّهَا من كسير الْحَظ فضلات) (وجاورت للآلي الْبَحْر فابتسمت ... هُنَالك الْكَلِمَات الجوهريات) (أغر يهوي معاد القَوْل فِيهِ إِذا ... قيل المعادات أَخْبَار معادات) (فِي كل معنى دروس من فَوَائده ... وَمن بَوَادِر نعماه إعادات) (صلى وَرَاء أياديه الحيا فعلى ... تِلْكَ الأيادي من السحب التَّحِيَّات) (وَصد عَمَّا يروم اللوم نائله ... وَلَا يُفِيد وَلَا تجدي الملامات) (يرام تَأْخِير جدواه وهمته ... تَقول إيها وللتأخير آفَات) (من معشر نجب مَاتُوا وتحسبهم ... للمكرمات وَطيب الذّكر مَا مَاتُوا) (ممدحين لَهُم فِي كل شارقة ... بر وَبَين خبايا اللَّيْل إخبات) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 196 (تمت أَئِمَّة أَوْصَاف الْكَمَال كَمَا ... تمت بقافية المنظوم أَبْيَات) (مَا رَوْضَة قلدت أجياد سوسنها ... من السَّحَاب عُقُود لؤلئيات) (وخطت الرّيح خطا فِي مناهلها ... كَأَن قطر الغوادي فِيهِ جريات) (يرقى الْحمام الْمُصَفّى دوحها فلهَا ... خلف الستور على العيدان رنات) (يَوْمًا بأهيج من أخلاقه نشرا ... أَيَّام تنكر أَخْلَاق سريات) (وَلَا النُّجُوم بأنأى من مراتبه ... أَيَّام تقتصر الْأَيْدِي العليات) (قدر علا فَرَأى فِي كل شمس ضحى ... جماله فَكَأَن الشَّمْس مرْآة) (وهمة ذكرهَا نَام وأنعمها ... فَحَيْثُ مَا كنت أَنهَار وجنات) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 197 (تأبى المدائح أَن يمدح سواك بهَا ... فَتلك فيهم عوار مستردات) (الله جَارك من عين الزَّمَان لقد ... تجمعت بالمعالي فِيك أشتات) (جَاوَرت بابك فاستصلحت لي زمني ... حَتَّى وفت وانتفت تِلْكَ العداوات) (ولاطفتني اللَّيَالِي فَهِيَ حِينَئِذٍ ... من بعد أَهلِي عمات وخالات) (ونطقتني الأيادي بالعيون ثَنَا ... فللكواكب كالآذان إنصات) (إِلَّا ذَوي كلم لَو أَن محتسبا ... تَكَلَّمت من جَمِيع الْقَوْم هامات) (يزاحمون بأشعار ملفقة ... كَأَنَّهُمْ بَين أهل الشّعْر حشوات) (ويطرحون على الْأَبْوَاب من حمق ... قصائدا هِيَ فِي التَّحْقِيق بايات) (من كل أبله لَكِن مَا لفطنته ... كالبله فِي هَذِه الدُّنْيَا إصابات) (يحم حِين يعاني نظم قافية ... عَجزا فتظهر هاتيك الخرافات) (وَيَغْتَدِي فكره المكدود فِي حرق ... وَقد أحاطت بِمَا قَالَ البرودات) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 198 (وَقد يَجِيء بِشعر بعد ذَا حسن ... لَكِن على كَتفيهِ مِنْهُ كارات) (أعيذ مجدك من ألفاظها فلهَا ... جنى كَأَن مَعَانِيهَا جنايات) (إِن لم يفرق بِفضل بَين نظمهم ... وَبَين نظمي فَمَا للفضل لذات) (خُذْهَا عروسا لَهَا فِي كل جارحة ... لواحظ وكؤوس بابليات) (أوردت سؤددك الْأَعْلَى مواردها ... وللسها فِي بحار الْأُفق عبات) (نعم الْفَتى أَنْت يستصفى الْكَلَام لَهُ ... حَتَّى يبين لَهُ فِي الْعقل سورات) (ويطرب الْمَدْح فِيهِ حِين أذكرهُ ... كَأَن منتصب الأقلام نايات) (مَا بعد غيثك غيث يستجاد وَلَا ... من بعد إِثْبَات قولي فِيك إِثْبَات) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 199 (حزت المحامد حَتَّى مَا لذِي شرف ... من صُورَة الْحَمد لَا جسم وَلَا ذَات) قلت وَلما قَالَ ابْن نابة فِي ابْن الزملكاني هَذِه الْكَلِمَة البديعة حاول أدباء عصره معارضته فَمَا أَحْسنُوا صنعه بل كل قصر وَلم يلْحق وَتَأَخر وَمَا جَاءَ بِحَق وأنشدني شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف الْمَعْرُوف بالخياط الشَّاعِر قصيدته الَّتِي عَارض بهَا هَذِه القصيدة فَقلت كَيفَ رَضِي ابْن الزملكاني بِهَذِهِ عراضا لتِلْك فَقَالَ أَنا أنْكرت على ابْن نباتة تغزله ونسيبه اللَّذين جَاءَ بهما على هَذَا الْوَجْه وَهُوَ يمتدح عَالما من عُلَمَاء الْمُسلمين وَكَانَ من قَوْله (مَا شان مدحي لكم ذكر المدام وَلَا ... أضحت جَوَامِع لَفْظِي وَهِي حانات) (وَلَا طرقت حمى خمارة سحرًا ... وَلَا اكتست لي بكاس الراح راحات) (وَإِنَّمَا أسكر الْجلاس من أدب ... يَدُور مِنْهُ على الأكياس كاسات) (عَن منظر الرَّوْض يغنيني القريض وَعَن ... رقص الزجاجات تلهيني الحرازات) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 200 (عشوت مِنْهَا إِلَى نور الْكَمَال وَلم ... يدر على خاطري دير ومشكاة) وأنشدها أَيْضا بدرس الشامية بَين يَدي الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكاني وَمن أَرَادَ من أهل هَذِه الْمِائَة أَن يلْحق ابْن نباتة فِي نظم أَو نثر أَو خطّ فقد أَرَادَ الْمحَال وحاول مَا لَا يصير بِحَال ويعجبني على هَذَا الْوَزْن والروي وَإِن لم يلْحق ابْن نباتة فِي الصنع الْبَهِي قَول ابْن الدواليبي مُتَأَخّر من الْعرَاق (كم قد صفت لقلوب الْقَوْم أَوْقَات ... وَكن تقضت لَهُم بِاللَّيْلِ لذات) (وَاللَّيْل دسكرة العشاق يجمعهُمْ ... ذكر الحبيب وَصرف الدمع كاسات) (مَاتُوا فأحياهم إحْيَاء ليلهم ... وَمن سواهُم أنَاس بالكرى مَاتُوا) (لما تجلى لَهُم والحجب قد رفعت ... تهتكوا وصبت مِنْهُم صبابات) (وغيبتهم عَن الأكوان فِي حجب ... وأظهرت سر معناهم إشارات) (ساقي الْقُلُوب هُوَ المحبوب يشهده ... صيت لَهُم بِقِيَام اللَّيْل عادات) (إِذا صفا الْوَقْت خَافُوا من تكدره ... وللوصال من الهجران آفَات) وَمن فَوَائِد الشَّيْخ كَمَال الدّين فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {التائبون العابدون الحامدون السائحون} الْآيَة فِي الْجَواب عَن السُّؤَال الْمَشْهُور وَهُوَ أَنه كَيفَ ترك الْعَطف فِي جَمِيع الصِّفَات وَعطف النَّهْي عَن الْمُنكر على الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ بِالْوَاو قَالَ عِنْدِي فِيهِ وَجه حسن وَهُوَ أَن الصِّفَات تَارَة تنسق بِحرف الْعَطف وَتارَة تذكر بِغَيْرِهِ وَلكُل مقَام معنى يُنَاسِبه فَإِذا كَانَ الْمقَام مقَام تعداد صِفَات من غير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 201 نظر إِلَى جمع أَو انْفِرَاد حسن إِسْقَاط حرف الْعَطف وَإِن أُرِيد الْجمع بَين الصفتين أَو التَّنْبِيه على تغايرهما عطف بالحرف وَكَذَلِكَ إِذا أُرِيد التنويع بِعَدَمِ اجْتِمَاعهمَا أُتِي بالحرف أَيْضا وَفِي الْقُرْآن الْكَرِيم أَمْثِلَة تبين ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} فَأتى بِالْوَاو بَين الوصفين الْأَخيرينِ لِأَن الْمَقْصُود بِالصِّفَاتِ الأول ذكرهَا مجتمعة وَالْوَاو قد توهم التنويع فحذفت وَأما الْأَبْكَار فَلَا يكن ثيبات والثيبات لَا يكن أَبْكَارًا فَأتى بِالْوَاو لتضاد النَّوْعَيْنِ وَقَالَ تَعَالَى {حم تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْعَلِيم غَافِر الذَّنب وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب ذِي الطول} فَأتى بِالْوَاو فِي الوصفين الْأَوَّلين وحذفها فِي الوصفين الْأَخيرينِ لِأَن غفران الذَّنب وَقبُول التوب قد يظنّ أَنَّهُمَا يجريان مجْرى الْوَاحِد لتلازمهما فَمن غفر الذَّنب قبل التوب فَبين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعطف أَحدهمَا على الآخر أَنَّهُمَا مفهومان متغايران ووصفان مُخْتَلِفَانِ يجب أَن يعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا حكمه وَذَلِكَ مَعَ الْعَطف أبين وأوضح وَأما شَدِيد الْعقَاب وَذُو الطول فهما كالمتضادين فَإِن شدَّة الْعقَاب تَقْتَضِي إِيصَال الضَّرَر والاتصاف بالطول يَقْتَضِي إِيصَال النَّفْع فَحذف ليعرف أَنَّهَا مجتمعان فِي ذَاته وَأَن ذَاته المقدسة مَوْصُوفَة بهما على الِاجْتِمَاع فَهُوَ فِي حَالَة اتصافه بشديد الْعقَاب ذُو الطول وَفِي حَال اتصافه بِذِي الطول شَدِيد الْعقَاب فَحسن ترك الْعَطف لهَذَا الْمَعْنى وَفِي هَذِه الْآيَة الَّتِي نَحن فِيهَا يَتَّضِح معنى الْعَطف وَتَركه مِمَّا ذَكرْنَاهُ لِأَن كل صفة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 202 مِمَّا لم ينسق بِالْوَاو مُغَايرَة لِلْأُخْرَى وَالْغَرَض أَنَّهُمَا فِي اجْتِمَاعهمَا كالوصف الْوَاحِد لموصوف وَاحِد فَلم يحْتَج إِلَى عطف فَلَمَّا ذكر الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وهما متلازمان أَو كالمتلازمين مستمدان من مَادَّة وَاحِدَة كغفران الذَّنب وَقبُول التوب حسن الْعَطف ليبين أَن كل وَاحِد مُعْتَد بِهِ على حِدته قَائِم بِذَاتِهِ لَا يَكْفِي مِنْهُ مَا يحصل فِي ضمن الآخر بل لَا بُد أَن يظْهر أمره بِالْمَعْرُوفِ بِصَرِيح الْأَمر وَنَهْيه عَن الْمُنكر بِصَرِيح النَّهْي فَاحْتَاجَ إِلَى الْعَطف وَأَيْضًا فَلَمَّا كَانَ النَّهْي وَالْأَمر ضدين أَحدهمَا طلب الإيجاد وَالْآخر طلب الإعدام كَانَا كالنوعين المتغايرين فِي قَوْله تَعَالَى {ثيبات وأبكارا} فَحسن الْعَطف بِالْوَاو وَقَالَ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تفضلُونِي على يُونُس) السَّبَب فِي ذَلِك أَن الله تَعَالَى قَالَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا تكن كصاحب الْحُوت} وَمن الْمَقْطُوع بِهِ أَنه امتثل هَذَا الْأَمر لعصمته من الْمُخَالفَة فَصَارَ مَقْطُوعًا بأفضليته عَلَيْهِ أَو كالمقطوع بِهِ وَمَعَ ذَلِك نهى عَن تفضيله عَلَيْهِ لما يَقْتَضِيهِ تواضعه لله وكرم خلائقه أَو غير ذَلِك مِمَّا ذكر قلت فَأَيْنَ اللطيفة فِي نَهْيه عَن التَّفْضِيل حَاصِل هَذَا أَنه قرر عدم التَّفْضِيل مَعَ الْقطع بِوُقُوعِهِ وَنحن عارفون بذلك إِنَّمَا الْبَحْث عَن الْحِكْمَة فِيهِ وَقَوله لما يَقْتَضِيهِ تواضعه إِلَى آخِره هُوَ مَا ذكره غَيره فَلم يزدْ على النَّاس شَيْئا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 203 وَذكر قَول الْفَقِيه نَاصِر الدّين ابْن الْمُنِير فِي المقتفى فِي حَدِيث شَاة أم معبد وَأَن فِيهِ لَطِيفَة عَجِيبَة وَهُوَ أَن اللَّبن المحتلب من الشَّاة الْمَذْكُورَة لَا بُد أَن يفْرض مَمْلُوكا وَالْملك هُنَا دائر بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَاحب الشَّاة وَلِهَذَا قسم اللَّبن وأشبه شَيْء بذلك الْمُسَاقَاة فَإِنَّهَا تلْزمهُ للْأَصْل وَإِصْلَاح بِجُزْء من الثَّمَرَة وَكَذَلِكَ فعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَدم الشَّاة وَأَصْلَحهَا بِجُزْء من اللَّبن وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن اللَّبن مَمْلُوك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسقاها تفضلا لِأَنَّهُ ببركاته كَانَ وَعَن دُعَائِهِ وجد وَالْفِقْه الأول أدق وألطف انْتهى قَالَ ابْن الزملكاني وكلا الْوَجْهَيْنِ لَا يَنْفَكّ عَن نظر وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك فِي مَحل الْمُسَامحَة أَو مَأْذُون ذَلِك فِيهِ فِي مثل هَذَا الْحَال لحاجتهما إِلَى اللَّبن أَو لوُجُوب الضِّيَافَة أَو لكَون الْمَالِك مُشْتَركا انْتهى قلت أما النّظر فِي وَجْهي ابْن الْمُنِير فَحق فَإِن الأول لَا يتم لِأَنَّهُ لَو تمّ لجَاز مثل هَذَا النَّوْع فِي اللَّبن وَلَا مُسَاقَاة فِيهِ ولكان وَقع عقد بَينهمَا وَلم يَقع ولكانت الْقيمَة إِمَّا نِصْفَيْنِ عَن السوية وَإِمَّا على مَا يَقع عَلَيْهِ الْإِنْفَاق لَو فرض وَلم ينْقل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَا وَقع أَيْضا وَالثَّانِي قد يُقَال عَلَيْهِ لَا يلْزم من نمو مَال زيد بدعوة عَمْرو أَن يملك عَمْرو الْقدر النامي وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَن اللَّبن ملك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ الشَّاة نَفسهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 204 فالنبي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن من أحد وَمَا يلْزم على ذَلِك من اجْتِمَاع مالكين على مَمْلُوك وَاحِد لَا مَحْذُور فِيهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي بعض تعاليقنا وَهَذَا كَمَا أَن الْوُجُود بأسره ملك لله تَعَالَى ملكا حَقِيقِيًّا وَملك كل مَالك مَا ملكه الله وَهَكَذَا نقُول إِن الْوُجُود بأسره ملك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَصَرَّف فِيهِ كَيفَ يَشَاء وَإِذا ازْدحم هُوَ وَبَعض الْملاك فِي شَيْء كَانَ أَحَق لِأَنَّهُ مَالك مُطلق وَلَا كَذَلِك غَيره لِأَن كل وَاحِد وَإِن ملك شَيْئا فَعَلَيهِ فِيهِ الْحجر من بعض الْوُجُوه ولي أرجوزة فِي خَصَائِص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعجزاته مِنْهَا (وَهُوَ إِذا احْتَاجَ إِلَى مَال الْبشر ... أَحَق من مَالِكه بِلَا نظر) (لِأَنَّهُ أولى بِذِي الْإِيمَان ... من نَفسه بِالنَّصِّ فِي الْقُرْآن) وَذكر الشَّيْخ كَمَال الدّين إشْكَالًا ذكره ابْن الْمُنِير فِي حَدِيث قتل كَعْب ابْن الْأَشْرَف حَاصله أَن النّيل من عرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفر وَلَا تُبَاح كلمة الْكفْر إِلَّا بِالْإِكْرَاهِ فَكيف استأذنوه عَلَيْهِ السَّلَام أَن ينالوا مِنْهُ بألسنتهم استدراجا لِلْعَدو وَأذن لَهُم وَأجَاب عَنهُ بِأَن كَعْبًا كَانَ يحرض على قتل الْمُسلمين وَفِي قَتله خلاص من ذَلِك فَكَأَنَّهُ أكره النَّاس على النُّطْق بِهَذَا الْكَلَام بتعريضه إيَّاهُم للْقَتْل فدفعوا عَن أنفسهم بألسنتهم انْتهى قَالَ الشَّيْخ كَمَال الدّين فِي هَذَا الْجَواب نظر لَا يخفى وَيحْتَمل أجوبة مِنْهَا أَن النّيل لم يكن صَرِيحًا فِي الْكفْر بل كَانَ تعريضا يُوهم الْمُخَاطب لَهُم فِيهِ مَقَاصِد صَحِيحَة وَذَلِكَ فِي الخديعة قد يجوز وَمِنْهَا أَنه كَانَ بِإِذْنِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ صَاحب الْحق وَقد أذن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 205 فِي حَقه لمصْلحَة شَرْعِيَّة وَلَا نسلم دُخُول هَذِه الصُّورَة فِيمَا يكون كفرا انْتهى قلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْذَن إِلَّا فِي جَائِز وسبه لَا يجوز أصلا وَالْوَاقِع التَّعْرِيض دون صَرِيح السب وَالْحَامِل عَلَيْهِ الْمصلحَة حَيْثُ اقتضاها الْحَال وَكَانَ فِي المعاريض مندوحة عَن الْكَذِب وَمن فَتَاوِيهِ أفتى الشَّيْخ كَمَال الدّين بِبُطْلَان إِجَارَة الجندي أقطاعه وَقد اتبع فِي ذَلِك شَيْخه الشَّيْخ تَاج الدّين بن الفركاح وَالَّذِي أفتى بِهِ النَّوَوِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد وَغَيرهمَا الصِّحَّة وَهُوَ الْوَجْه سَمِعت الشَّيْخ جمال الدّين ابْن قَاضِي الزبداني مد الله فِي عمره يَحْكِي عَن الشَّيْخ كَمَال الدّين أَنه كَانَ يَقُول إِذا صلى الْإِنْسَان رَكْعَتي الاستخارة لأمر فَلْيفْعَل بعْدهَا مَا بدا لَهُ سَوَاء انشرحت نَفسه لَهُ أم لَا فَإِن فِيهِ الْخَيْر وَإِن لم تَنْشَرِح لَهُ نَفسه قَالَ وَلَيْسَ فِي الحَدِيث اشْتِرَاط انْشِرَاح النَّفس رفع إِلَيّ فِي المحاكمات مسئلة فِي رجل وقف على أَوْلَاده الْأَشْرَاف فلَان وَفُلَان وَسمي جمَاعَة أَوْلَاده للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ ثمَّ على أَوْلَادهم من بعدهمْ وعَلى أَوْلَاد أَوْلَادهم وعَلى أَوْلَاد الْأَوْلَاد من بعد آبَائِهِم وأسفل ذَلِك من أَعْقَابهم وأنسابهم طبقَة بعد طبقَة وقرنا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 206 1326 - مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع بن أبي الطَّاعَة الْقشيرِي أَبُو الْفَتْح تَقِيّ الدّين ولد الشَّيْخ الإِمَام الْقدْوَة مجد الدّين بن دَقِيق الْعِيد الشَّيْخ الإِمَام شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ الزَّاهِد الْوَرع الناسك الْمُجْتَهد الْمُطلق ذُو الْخِبْرَة التَّامَّة بعلوم الشَّرِيعَة الْجَامِع بَين الْعلم وَالدّين والسالك سَبِيل السَّادة الأقدمين أكمل الْمُتَأَخِّرين وبحر الْعلم الَّذِي لَا تكدره الدلاء ومعدن الْفضل الَّذِي لقاصده مِنْهُ مَا يَشَاء وَإِمَام الْمُتَأَخِّرين كلمة لَا يجحدونها وَشَهَادَة على أنفسهم يؤدونها مَعَ وقار عَلَيْهِ سِيمَا الْجلَال وهيبة لَا يقوم الضرغام عِنْدهَا لنزال هَذَا مَعَ مَا أضيف إِلَيْهِ من الحديث: 1326 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 207 أدب أزهى من الأزهار وألعب بالعقول لَا أَدْرِي بَين يَدي هَذَا الشَّيْخ مَا أَقُول أسْتَغْفر الله من الْعقار قَالَ أَبُو الْفَتْح ابْن سيد النَّاس الْيَعْمرِي الْحَافِظ لم أر مثله فِيمَن رَأَيْت وَلَا حملت عَن أجل مِنْهُ فِيمَا رَأَيْت وَرويت وَكَانَ للعلوم جَامعا وَفِي فنونها بارعا مقدما فِي معرفَة علل الحَدِيث على أقرانه مُنْفَردا بِهَذَا الْفَنّ النفيس فِي زَمَانه بَصيرًا بذلك سديد النّظر فِي تِلْكَ المسالك أذكى ألمعية وأزكى لوذعية لَا يشق لَهُ غُبَار وَلَا يجْرِي مَعَه سواهُ فِي مضمار (إِذا قَالَ لم يتْرك مقَالا لقَائِل ... مُصِيب وَلم يثن اللِّسَان على هجر) وَكَانَ حسن الاستنباط للْأَحْكَام والمعاني من السّنة وَالْكتاب بلب يسحر الْأَلْبَاب وفكر يستفتح لَهُ مَا يستغلق على غَيره من الْأَبْوَاب مستعينا على ذَلِك بِمَا رَوَاهُ من الْعُلُوم مستبينا مَا هُنَالك بِمَا حواه من مدارك الفهوم مبرزا فِي الْعُلُوم النقلية والعقلية والمسالك الأثرية والمدارك النظرية (وَكَانَ من الْعُلُوم بِحَيْثُ يقْضى ... لَهُ من كل علم بِالْجَمِيعِ) وَسمع بِمصْر وَالشَّام والحجاز على تحر فِي ذَلِك واحتراز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 208 وَلم يزل حَافِظًا لِلِسَانِهِ مُقبلا على شانه وقف نَفسه على الْعُلُوم وقصرها وَلَو شَاءَ الْعَاد أَن يحصر كَلِمَاته لحصرها وَمَعَ ذَلِك فَلهُ بالتجريد تخلق وبكرامات الصَّالِحين تحقق وَله مَعَ ذَلِك فِي الْأَدَب بَاعَ وساع وكرم طباع لم يخل فِي بَعْضهَا من حسن انطباع حَتَّى لقد كَانَ الشهَاب مَحْمُود الْكَاتِب الْمَحْمُود فِي تِلْكَ الْمذَاهب يَقُول لم تَرَ عَيْني آدب مِنْهُ انْتهى قلت وَلم ندرك أحدا من مَشَايِخنَا يخْتَلف فِي أَن ابْن دَقِيق الْعِيد هُوَ الْعَالم الْمَبْعُوث على رَأس السبعمائة الْمشَار إِلَيْهِ فِي الحَدِيث المصطفوي النَّبَوِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِله وَسلم وَأَنه أستاذ زَمَانه علما ودينا سمع الحَدِيث من وَالِده وَأبي الْحسن بن الجميزي الْفَقِيه وَعبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ الْحَافِظ وَجَمَاعَة حَدثنَا عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة الْمُحدث وَغَيرهمَا ولد فِي الْبَحْر المالح وَكَانَ وَالِده مُتَوَجها من قوص إِلَى مَكَّة لِلْحَجِّ فِي الْبَحْر فولد لَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي يَوْم السبت الْخَامِس وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وَلذَلِك رُبمَا كتب بِخَطِّهِ الثبجي ثمَّ أَخذه وَالِده على يَده وَطَاف بِهِ بِالْكَعْبَةِ وَجعل يَدْعُو الله أَن يَجعله عَالما عَاملا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 209 ويحكى أَنه قَرَأَ على وَالِده الحَدِيث المسلسل يَقُول وَأَنا دَعَوْت فاستجيب لي فَسئلَ مَا الَّذِي دَعَوْت بِهِ فَقَالَ أَن ينشئ الله وَلَدي مُحَمَّدًا عَالما عَاملا فَنَشَأَ الشَّيْخ بقوص على أزكى قدم من العفاف والمواظبة على الِاشْتِغَال والتحرز فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال والتشدد فِي الْبعد عَن النَّجَاسَة حَتَّى حكت زَوْجَة وَالِده قَالَت لما بنى عَليّ أَبوهُ كَانَ ابْن عشر سِنِين فرأيته وَمَعَهُ هاون وَهُوَ يغسلهُ مَرَّات زَمنا طَويلا فَقلت لِأَبِيهِ مَا هَذَا الصَّغِير يفعل فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّد مَا تفعل فَقَالَ أُرِيد أَن أركب حبرًا وَأَنا أغسل هَذَا الهاون وَكَانَت والدته بنت الشَّيْخ المقترح ووالده الشَّيْخ الْبركَة مجد الدّين فأصلاه كريمان تفقه بقوص على وَالِده وَكَانَ وَالِده مالكي الْمَذْهَب ثمَّ تفقه على شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام فحقق المذهبين وَلذَلِك يَقُول فِيهِ الإِمَام الْعَلامَة النظار ركن الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن التّونسِيّ الْمَعْرُوف بِابْن القوبع من قصيدة (صبا للْعلم صبا فِي صباه ... فأعل بهمة الصب الصَّبِي) (وأتقن والشباب لَهُ لِبَاس ... أدله مَالك وَالشَّافِعِيّ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 210 وَمن كراماته أَنه لما جَاءَت التتار ورد مرسوم السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة بعد خُرُوجه مِنْهَا للقائهم على أهل مصر أَن يجْتَمع الْعلمَاء ويقرءوا البُخَارِيّ قَالَ الحاكي فقرأنا البُخَارِيّ إِلَى أَن بَقِي ميعاد وأخرناه لنختمه يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة رَأينَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الْجَامِع فَقَالَ مَا فَعلْتُمْ ببخاريكم فَقُلْنَا بَقِي ميعاد أخرناه لنختمه الْيَوْم قَالَ انْفَصل الْحَال من أمس الْعَصْر وَبَات الْمُسلمُونَ على كَذَا فَقُلْنَا نخبر عَنْك فَقَالَ نعم فجَاء الْخَبَر بعد أَيَّام بذلك وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَانِينَ عِنْد دُخُول التتار الْبِلَاد وَقَالَ عَن بعض الْأُمَرَاء وَقد خرج من الْقَاهِرَة إِنَّه لَا يرجع فَلم يرجع وأساء شخص عَلَيْهِ الْأَدَب فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ نعيت لي فِي هَذَا الْمجْلس ثَلَاث مَرَّات فَمَاتَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَتوجه فِي شخص آذَى أَخَاهُ فَسمع الْخطاب أَنه يهْلك وَكَانَ كَذَلِك وكراماته كَثِيرَة وَأما دأبه فِي اللَّيْل علما وَعبادَة فَأمر عُجاب رُبمَا استوعب اللَّيْلَة فطالع فِيهَا المجلد أَو المجلدين وَرُبمَا تَلا آيَة وَاحِدَة فكررها إِلَى مطلع الْفجْر اسْتمع لَهُ بعض أَصْحَابه لَيْلَة وَهُوَ يقْرَأ فوصل إِلَى قَوْله {فَإِذا نفخ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} قَالَ فَمَا زَالَ يكررها إِلَى طُلُوع الْفجْر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 211 وَكَانَ يَقُول مَا تَكَلَّمت كلمة وَلَا فعلت فعلا إِلَّا وأعددت لَهُ جَوَابا بَين يَدي الله عز وَجل وَكَانَ يُخَاطب عَامَّة النَّاس السُّلْطَان فَمن دونه بقوله يَا إِنْسَان وَإِن كَانَ الْمُخَاطب فَقِيها كَبِيرا قَالَ يَا فَقِيه وَتلك كلمة لَا يسمح بهَا إِلَّا لِابْنِ الرّفْعَة وَنَحْوه وَكَانَ يَقُول للشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ يَا إِمَام ويخصه بهَا توفّي فِي حادي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة وَمن مصنفاته كتاب الإِمَام فِي الحَدِيث وَهُوَ جليل حافل لم يصنف مثله وَكتاب الْإِلْمَام وَشَرحه وَلم يكمل شَرحه وأملى شرحا على عُمْدَة عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي فِي الحَدِيث وعَلى العنوان فِي أصُول الْفِقْه وَله تصنيف فِي أصُول الدّين وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي فقه الْمَالِكِيَّة وَلم يكمله وعلق شرحا على مُخْتَصر التبريزي فِي فقه الشَّافِعِيَّة وَولي قَضَاء الْقُضَاة على مَذْهَب الشَّافِعِي بعد إباء شَدِيد وعزل نَفسه غير مرّة ثمَّ يُعَاد وَكَانَ حَافِظًا مكثرا إِلَّا أَن الرِّوَايَة عسرت عَلَيْهِ لقلَّة تحديثه فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيد التَّحَرِّي فِي ذَلِك أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ حَدثنِي مُحَمَّد بن عَليّ الْحَافِظ أَنه قَرَأَ على أبي الْحسن عَليّ بن هبة الله الشَّافِعِي أَن أَبَا طَاهِر السلَفِي أخْبرهُم أخبرنَا الْقَاسِم ابْن الْفضل حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد أخبرنَا إِسْمَاعِيل الصفار حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 212 حَدثنَا يزِيد بن هَارُون أخبرنَا عَاصِم قَالَ سَأَلت أنسا أحرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَقَالَ نعم هِيَ حرَام حرمهَا الله وَرَسُوله لَا يخْتَلى خَلاهَا فَمن لم يعْمل بذلك فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ سَمِعت الشَّيْخ عليا الهجار المكشوف الرَّأْس وَهُوَ رجل صَالح يَقُول مر أَبُو الْعَبَّاس المرسي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَاهِرَة بأناس يزدحمون على دكان الخباز فِي سنة الغلاء فرق عَلَيْهِم فَوَقع فِي نَفسه لَو كَانَ معي دَرَاهِم لآثرت هَؤُلَاءِ بهَا فأحس بثقل فِي جبته فَأدْخل يَدَيْهِ فواجد دَرَاهِم جملَة فَدَفعهَا إِلَى الخباز وَأخذ بهَا خبْزًا فرقه عَلَيْهِم فَلَمَّا انْصَرف وجد الخباز الدَّرَاهِم زُيُوفًا فاستغاث بِهِ فَعَاد وَوَقع فِي نَفسه أَن مَا وَقع فِي نَفسِي أَولا من الرقة اعْتِرَاض على الله وَأَنا أسْتَغْفر الله مِنْهُ فَلَمَّا عَاد وجد الخباز الدَّرَاهِم جَيِّدَة فَانْصَرف أَبُو الْعَبَّاس وَجَاء إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَحكى لَهُ الْحِكَايَة فَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد لَهُ يَا أستاذ أَنْتُم إِذا رقيتم على أحد تزندقتم وَنحن إِذا لم نرق على النَّاس تزندقنا قلت تَأمل أَيهَا المسترشد مَا تَحت هَذَا الْجَواب من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ فقد أَشَارَ الشَّيْخ بِهِ وَالله أعلم إِلَى أَن الْفَقِير يطلع على الْأَسْرَار فَكيف يرق وَلَا يَقع شَيْء فِي الْوُجُود إِلَّا لحكمة اقتضته وَمن اطلع على الذَّنب لم يرق للعقوبة وَقد قَالَ تَعَالَى {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} والفقيه لَا اطلَاع لَهُ على ذَلِك فيرق ديانَة ورأفة وَلِهَذَا الْكَلَام شرح طَوِيل لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه فلنمسك الْعَنَان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 213 أنشدنا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أنشدنا شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين لنَفسِهِ إجَازَة (تمنيت أَن الشيب عَاجل لمتى ... وَقرب مني فِي صباي مزاره) (لآخذ من عصر الشَّبَاب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره) وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُور (كم لَيْلَة فِيك وصلنا السرى ... لَا نَعْرِف الغمض وَلَا نستريح) (وَاخْتلف الْأَصْحَاب مَاذَا الَّذِي ... يزِيل من شكواهم أَو يرِيح) (فَقيل تعريسهم سَاعَة ... وَقيل بل ذكراك وَهُوَ الصَّحِيح) وَبِه (قَالُوا فلَان عَالم فَاضل ... وأكرموه مثل مَا يرتضي) (فَقلت لما لم يكن ذَا تقى ... تعَارض الْمَانِع والمقتضي) وَبِه (أَتعبت نَفسك بَين ذلة كَادِح ... طلب الْحَيَاة وَبَين حرص مُؤَمل) (وأضعت نَفسك لَا خلاعة ماجن ... حصلت فِيهِ وَلَا وقار مبجل) (وَتركت حَظّ النَّفس فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى ... ورحت عَن الْجَمِيع بمعزل) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 214 وَمن شعر الشَّيْخ مِمَّا لَا رِوَايَة لي بِهِ بِالسَّمَاعِ (أهل المناصب فِي الدُّنْيَا ورفعتها ... أهل الْفَضَائِل مرذولون بَينهم) (قد أنزلونا لأَنا غير جنسهم ... منَازِل الْوَحْش فِي الإهمال عِنْدهم (فَمَا لَهُم فِي توقي ضرنا نظر ... وَلَا لَهُم فِي ترقي قَدرنَا همم) (فليتنا لَو قَدرنَا أَن نعرفهم ... مقدارهم عندنَا أَو لَو دروه هم) (لَهُم مريحان من جهل وفرط غنى ... وَعِنْدنَا المتعبان الْعلم والعدم) وَقد ناقضه الْفَتْح البققي الْمَنْسُوب إِلَى الزندقة فَقَالَ وأجاد (أَيْن الْمَرَاتِب وَالدُّنْيَا ورفعتها ... عِنْد الَّذِي حَاز علما لَيْسَ عِنْدهم) (لَا شكّ أَن لنا قدرا رَأَوْهُ وَمَا ... لقدرهم عندنَا قدر وَلَا لَهُم) (هم الوحوش وَنحن الْإِنْس حكمتنا ... تقودهم حَيْثُ مَا شِئْنَا وهم نعم) (وَلَيْسَ شَيْء سوى الإهمال يقطعنا ... عَنْهُم لأَنهم وجدانهم عدم) (لنا المريحان من علم وَمن عدم ... وَفِيهِمْ المتعبان الْجَهْل والحشم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 215 وَقَالَ بَقِيَّة الْمُجْتَهدين أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي (ذَروا فِي السرى نَحْو الجناب الممنع ... لذيذ الْكرَى واجفوا لَهُ كل مَضْجَع) (واهدوا إِذا جئْتُمْ إِلَى خير مربع ... تَحِيَّة مضنى هائم الْقلب موجع) (سريع إِلَى دَاعِي الصبابة طيع ... ) (يقوم بِأَحْكَام الْهوى ويقيمها ... فكم لَيْلَة قد نازلته همومها) (يسامرها حَتَّى تولت نجومها ... لَهُ فكرة فِيمَن يحب نديمها) (وطرف إِلَى اللقيا كثير التطلع ... ) (وَكم ذاق فِي أَحْوَاله طعم محنة ... وَكم عارضته فِي مَوَاقِف فتْنَة) (وَكم آيَة تَأتي لَهُ بعد آيَة ... تنم على سر لَهُ فِي أكنة) (وتخبر عَن قلب لَهُ متقطع ... ) (وَفِي صبرَة شوق أَقَامَ ملازما ... وَحب يحاشي أَن يُطِيع اللوائما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 216 (وجفن يرى أَن لَا يرى الدَّهْر نَائِما ... وعقل ثوى فِي سكرة الْحبّ دَائِما) (وَأقسم أَن لَا يستفيق وَلَا يعي ... ) (أَقَامَ على بعد المزار متيما ... وأبكاه برق بالحجاز تبسما) (وشوقه أحبابه نظر الْحمى ... دَعوه لأمر دونه تقطر الدما) (فيا وَيْح نفس الصب مَاذَا لَهُ دعِي ... ) (لَهُ عِنْد ذكر المنحنى سفح عِبْرَة ... وَبَين الرجا وَالْخَوْف موقف عِبْرَة) (فحينا يوافيه النَّعيم بنظرة ... وحينا ترى فِي قلبه نَار حسرة) (تَجِيء لَهُ بِالْمَوْتِ من كل مَوضِع ... ) (سَلام على صفو الْحَيَاة وطيبها ... إِذا لم تفز عَيْني بلقيا حبيبها) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 217 (وَلم تحظ من إقباله بنصيبها ... وَلَا استعطفته مقلتي بصبيبها) (وَلَا وَقعت شكواي مِنْهُ بموقع ... ) (مُوكل طرفِي بالسهاد المؤرق ... ومجرى دمعي كالحيا المتدفق) (وملهب وجد فِي فُؤَادِي محرق ... بِعَيْنَيْك مَا يلقى الْفُؤَاد وَمَا لَقِي) (وعندك مَا تحوي وتخفيه أضلعي ... ) (أضرّ بِي الْبلوى وَذُو الْحبّ مبتلى ... يعالج دَاء بَين جَنْبَيْهِ معضلا) (ويثقله من وجده مَا تحملا ... وتبعثه الشكوى فيشتاق منزلا) (بِهِ يتلَقَّى رَاحَة المتودع ... ) (مَحل الَّذِي دلّ الْأَنَام بشرعه ... على أصل دين الله حَقًا وفرعه) (بِهِ انْضَمَّ شَمل الدّين من بعد صدعه ... لنا مَذْهَب العشاق فِي قصد ربعه) (نُقِيم بِهِ رسم البكا والتضرع ... ) (مَحل بِهِ الْأَنْوَار ملْء رحابه ... ومستودع الْأَسْرَار عِنْد صحابه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 218 (هِدَايَة من يحتار تأميل بَابه ... وتشريف من يخْتَار قصد جنابه) (بتقبيله وَجه الثرى المتضوع ... ) (أَقَامَ لنا شرع الْهدى ومناره ... وألبسنا ثوب التقى وشعاره) (وجنبنا جور الْعَمى وعثاره ... سقى الله عهد الْهَاشِمِي ودراه) (سحابا من الرضْوَان لَيْسَ بمقلع ... ) (بنى الْعِزّ والتوحيد من بعد هده ... وَأوجب ذل الْمُشْركين بجده) (عَزِيز قضى رب السَّمَاء بسعده ... وأيده عِنْد اللِّقَاء بجنده) (فأورد نصر الله أعذب مشرع ... ) (أَقُول لركب سائرين ليثرب ... ظفرتم بتقريب النَّبِي المقرب) (فبثوا إِلَيْهِ كل شكوى ومتعب ... وقصوا عَلَيْهِ كل سؤل ومطلب) (وَأَنْتُم بمرأى للرسول ومسمع ... ) (ستحمون فِي مغناه خير حماية ... وتكفون مَا تخشون أَي كِفَايَة) (وتبدو لكم من عِنْده كل آيَة ... فحلوا من التَّعْظِيم أبعد غَايَة) (فَحق رَسُول الله أكبر مَا رعى ... ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 219 (أما وَالَّذِي آتَاهُ مجدا مؤثلا ... لقد قَامَ كهفا للعفاة ومعقلا) (يبوئهم سترا من الْحلم مسبلا ... ويمطرهم عينا من الْجُود سلسلا) (ويترع فِي إكرامهم كل مترع ... ) (تعبنا بعيش مَا هُنَا فِي وُرُوده ... وضر ثقيل الْوَطْء فِيهِ شديده) (فرحنا إِلَى رب الندى وعميده ... وَلما قصدناه وقفنا بجوده) (وَلم نخش ريب الْحَادِث المتوقع ... ) (لقد شرف الدُّنْيَا قدوم مُحَمَّد ... وَأبقى لَهَا أنوار حق مؤيد) (تزين بِهِ وراثه كل مشْهد ... فهم بَين هاد للأنام ومهتد) (ومثبت أصل للهدى ومفرع ... ) (سَلام على من شرف الله قدره ... سَلام محب عمر الْحبّ سره) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 220 (لَهُ مطلب أفنى تمنيه عمره ... وحاجات نفس لَا تجَاوز صَدره) (أعد لَهَا جاه الشَّفِيع المشفع ... ) وَقَالَ (لله در الفئة الأمجاد ... السالكين مسالك الْأَفْرَاد) (عرفُوا وهم بالغور من وَادي الغضا ... أَن رحلوا لمبارك الْعباد) (فسروا لنجد لَا يملون السرى ... أَو يظفروا مِنْهَا بِكُل مُرَاد) (لَا يقطعون من المناهل معلما ... إِلَّا ولاح سواهُ بالمرصاد) (لم يثنهم طول الطَّرِيق لَهُم وَلَا ... عدم الرفيث وَلَا نَفاذ الزَّاد) (سقتهم مس النعاس جفونهم ... كأسا تميلهم على الأعواد) (وتكاد أنفسهم تفيظ وتحتبي ... بنسيم نجد أَو غناء الْحَادِي) (نادتهم النجب الركائب عِنْدَمَا ... أطت بِوَقع السَّوْط والإجهاد) (طيب الحاية بِنَجْد إِلَّا أَنه ... من دون ذَاك تفتت الأكباد) (فأجابها صدق الْعَزِيمَة إِنَّمَا ... نَحن الْمَعَالِي أنفس الأجواد) (لله دِرْهَم فقد وصلوا إِلَى ... ظلّ النَّعيم وَبرد حر الصادي) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 221 (وَلَقَد يعز عَليّ أَنهم غدوا ... وَالدَّار قفرا مِنْهُم ببعاد) (فلأنهضن إِلَى الْحمى مُتَوَجها ... بَين اعْتِرَاض عواتق وغوادي) (ولأقطعن عَلَيْهِ كل مفازة ... تدني الْهَلَاك وَلَو عدمت الْهَادِي) وَقَالَ (يَقُولُونَ لي هلا نهضت إِلَى الْعلَا ... فَمَا لذ عَيْش الصابر المتقنع) (وهلا شددت العيس حَتَّى تحلها ... بِمصْر إِلَى ذَاك الجناب المرفع) (فَفِيهَا من الْأَعْيَان من فيض كَفه ... إِذا شَاءَ روى سيله كل بلقع) (وفيهَا قُضَاة لَيْسَ يخفى عَلَيْهِم ... تعين كَون الْعلم غير مضيع) (وفيهَا شُيُوخ الدّين وَالْفضل والألى ... يُشِير إِلَيْهِم بالعلى كل أصْبع) (وفيهَا وفيهَا والمهانة ذلة ... فَقُمْ وَاسع واقصد بَاب رزقك واقرع) (فَقلت نعم أسعى إِذا شِئْت أَن أرى ... ذليلا مهانا مستخفا بموضعي) (وأسعى إِذا مَا لذ لي طول موقفي ... على بَاب مَحْجُوب اللِّقَاء ممنع) (وأسعى إِذا كَانَ النِّفَاق طريقتي ... أروح وأغدو فِي ثِيَاب التصنع) (وأسعى إِذا لم يبْق فِي بَقِيَّة ... أراعي بهَا حق التقى والتورع) (فكم بَين أَرْبَاب الصُّدُور مجَالِس ... يشب لَهَا نَار الغضا بَين أضلعي) (وَكم بَين أَرْبَاب الْعُلُوم وَأَهْلهَا ... إِذا بحثوا فِي المشكلات بمجمع) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 222 (مناظرة تَحْمِي النُّفُوس فتنتهي ... وَقد شرعوا فِيهَا إِلَى شَرّ مشرع) (من السَّفه المزري بِمنْصب أَهله ... أَو الصمت عَن حق هُنَاكَ مضيع) (فإمَّا توقي مَسْلَك الدّين والنهى ... وَإِمَّا تلقي غُصَّة المتجرع) وَقَالَ (نزهونا عَن اسْتِمَاع الملام ... مَا لنا قرعَة لغير الغرام) (لَيْسَ فِي الْوَقْت وصلَة لحَدِيث ... عَن سوى رامة وَأهل الْخيام) (يَا خليلي دُعَاء صب قريح ... لَيْسَ إسعاد مثله بِحرَام) (لست أقوى على النهوض بنفسي ... لأرى برق أَرضهم من قيام) وَقَالَ (دمع عَيْني على الغرام دليلي ... وسبيل السلو غير سبيلي) (لَا تخافا عَليّ من كثر عذلي ... لَيْسَ لي التفاتة لعذولي) (كل مَا لَاحَ بارق ذبت شوقا ... نَحْو نجد وهاج مني عليلي) (وترددت بَين وجد جَدِيد ... وَفَوق وجدي وَبَين خد عسيل) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 223 وَقَالَ (دقَّتْ مَعَاني حسنكم فِي الملاح ... عَن نظر الواشي وَفهم اللواح) (لله أَيَّام مَضَت لي بكم ... بَين رَبًّا نجد وَتلك البطاح) (أَيَّام وصل نلْت فِيهَا الَّذِي ... أَهْوى وَأَكْثَرت من الإقتراح) (وَقد بقيت الْيَوْم من بعْدهَا ... كطائر قد قصّ مِنْهُ الْجنَاح) (مَا قُوَّة من قد طَار من وَكره ... وَلَا على من سلا فاستراح) (أَبيت أرعى من نُجُوم الدجا ... أَسِير ليل مَاله من براح) (علمت يَا ظَالِم بعد اللقا ... وقسوة الْقلب أَخَاك الصَّباح) وَقَالَ (يفنى الزَّمَان ومحنتي ... بك كل يَوْم فِي زياده) (بالغت فِي طلبي وصالك ... لَو تواتيني السعاده) (تنأى وتدنو دَائِما ... لم يَنْتَظِم لي فِيك عَادَة) (أفنيت عمري فِي الْجِهَاد ... وأرتجي نيل الشهاده) وَقَالَ (سر فكفي بفيض دمعي تبلى ... وَأَحَادِيث صبوتي فِيك تتلى) (أَكثر العاذلون فِيك وَلَكِن ... لم يجد عذلهم بقلبي محلا) (وقفت همتي عَلَيْك وقوفا ... لَيْسَ تبغي سواك فِي النَّاس خلا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 224 (غبت عني فَغَاب أنسي ورشدي ... وَأَرَدْت البعاد فازددت ذلا) (إِن صبري يلقى الشدائد لَكِن ... حِين لَاقَى جمالك الْفَرد ولى) وَقَالَ يَسْتَدْعِي من انبساط بعض إخوانه (طَال عهدي بِرُؤْيَة الرَّوْض فَابْعَثْ ... لي روحا قد نمقته يَمِينك) (أَنْت خدن الْعلَا فَلَا ذاق يَوْمًا ... مر طعم الْفِرَاق مِنْك خدينك) (قلت للمقسم الْمُؤَكّد للأيمان ... أَن لَيْسَ فِي الْبِلَاد قرينك) (قلت صدقا وَجئْت حَقًا وَلَو قلت ... وكافى الدُّنْيَا لبرت يَمِينك) وَقَالَ (يَا بديع الْحسن مَا أحلى ... بقلبي خطراتك) (فِيك سر سحر الْأَلْبَاب ... فِي اسْتِحْسَان ذاتك) (مَا فهمنا عَنْك إِلَّا ... أَنه فِي لحظاتك) (أَنا أرجوك وأخشى ... سطوة من سطواتك) (فبمَا فِيك من اللطف ... وَمن حسن صفاتك) (لَا تدع هجرك لي ... تلف روحي بحياتك) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 225 وَقَالَ (بِالَّذِي استبعد أَرْوَاح ... المحبين لذاتك) (وبلطف من معانيك ... يرى من حركاتك) (وبنور الْحسن إِذْ يحويك ... من كل جهاتك) (وَبسر فَوق مَا يدْرك ... من حسن صفاتك) (لَا تذقني الْمَوْت فِي ... صدك عني بحياتك) وَقَالَ (جمالكم لَا يحصر ... ومثلكم لَا يهجر) (وحبكم بَين الحشا ... مستودع لَا يظْهر) (نَارِي بكم لَا تنطفي ... ولوعتي لَا تفتر) (إِذا أَتَى اللَّيْل أَتَى الْهم ... بكم والفكر) (فَإِن أكن وذكركم ... طَابَ ولذ السهر) (ولي عذول فِيكُم ... يقلقني وَيكثر) (يَقُول لي تقل من ... ذكرهم وتقصر) (وَتحمل الشوق الَّذِي ... حَملته وتصبر) (وَالله مَا أُطِيقهُ ... هَل أَنا إِلَّا بشر) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 226 وَقَالَ (لقد بَعدت ليلى وَعز وصالها ... كَمَا عز بَين الْعَالمين مثالها) (فَمن لي بِنُوق لَا تزَال تمدها ... قواها وَلَا يدنو إِلَيْهَا كلالها) (وَلكنهَا جسم يذوب وَصَبره ... يحول وأرواح يخَاف زَوَالهَا) (لعمري لقد كلفتها فِي مسيرها ... بُلُوغ مدى قد قل فِيهِ احتمالها) (وتشكي لي التسويف وَالسَّوْط والبرى ... وَلَو خف من شوقي أُجِيب سؤالها) (وتسألني رفقا بهَا وبضعفها ... وَلَو خف من سوقي أُجِيب سؤالها) (وللعيس آمال بليلى تعلّقت ... أَخَاف المنايا قبل كوني أنالها) (يقرب عِنْدِي وَصلهَا حسن لطفها ... ويبعدها استغناؤها ودلالها) (وَإِنِّي لأرضى الْيَوْم بعد تشوقي ... إِلَى أَن أَرَاهَا أَن يزور خيالها) (فبادر إِلَى نجد ولذ بنسيمها ... وَبرد جناها ثمَّ طيب ظلالها) (وفاح نسيم الرَّوْض حَتَّى تعطرت ... رباك برياه ورق جمَالهَا) (وغنت لَك الأطيار من كل جَانب ... فأطرب أهل الْحَيّ مِنْهَا مآلها) (فَلَا تبخلي أَن ترسلي لي نسمَة ... تبل عَلَيْك الشوق مني بلالها) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 227 (فيا حبذا برق بِأَرْض مَسَرَّة ... ونفحة ريح من هُنَاكَ انتقالها) (عقدت على حبي لذكرك عقدَة ... عسير على مر الزَّمَان انحلالها) وَقَالَ (أَلا إِن بنت الْكَرم أغلي مهرهَا ... فيا خسر من أضحى لذَلِك باذلا) (تزوج بِالْعقلِ المكرم عَاجلا ... وبالنار والغسلين والمهل آجلا) وَقَالَ (بعض أخلاي صَار مَيتا ... وَبَعْضهمْ فِي الْبلَاء غَائِب) (وَبَعْضهمْ حَاضر وَلَكِن ... يُحْصى ويقصى وَلَا يُقَارب) (وصرت بَين الورى وحيدا ... فَلَا قريب وَلَا مُنَاسِب) (فَلَا تلمني على اكتئابي ... سرُور مثلي من الْعَجَائِب) وَقَالَ (قد جرحتنا يَد أيامنا ... وَلَيْسَ غير الله من آسي) (فَلَا ترج النَّاس فِي حَاجَة ... لَيْسُوا بِأَهْل لسوى الياس) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 228 (وَلَا ترد شكوى إِلَيْهِم فَلَا ... معنى لشكواك إِلَى قَاس) (وَلَا تقس بِالْعقلِ أفعالهم ... مَا مَذْهَب الْقَوْم بمنقاس) (لَا يعْدم الْآتِي لأموالهم ... من ذلة الْكَلْب سوى الحاس) (وَإِن تجَالس مِنْهُم معشرا ... هويت فِي الذَّنب على الراس) (يَأْكُل بعض لحم بعض وَلَا ... يحْسب فِي الْغَيْبَة من باس) (لَا رَغْبَة فِي الدّين تحميهم ... عَنْهُم وَلَا حشمة جلاس) (فاهرب من الْخلق إِلَى رَبهم ... لَا خير فِي الْخلطَة بِالنَّاسِ) وَقَالَ (إِذا كنت فِي نجد وَطيب نسيمها ... تذكرت أَهلِي باللوى فمحجر) (فَإِن كنت فيهم ذبت شوقا ولوعة ... على سَاكِني نجد وَعيلَ تصبري) (وَقد طَال مَا بَين الْفَرِيقَيْنِ قصتي ... فَمن لي بِنَجْد بَين قومِي ومعشري) وَقَالَ (فِي أَرض نجد منزل لفؤادي ... عمرته شوقي وَصدق ودادي) (مَا كَانَ أقربه على من رامه ... بمسرة لَوْلَا اعْتِرَاض عواد) (أصبو إِلَيْهِ مَعَ الزَّمَان فَكيف لَا ... أصبو وَتلك منازلي وبلادي) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 229 (أَرض بهَا الشّرف الرفيع وَغَايَة الْعِزّ ... المنيع ومسكن الأجواد) (أوطنتها فَخرجت مِنْهَا عنْوَة ... بمكائد الْأَعْدَاء والحساد) وَقَالَ (يَا منيتي أملي ببابك وَاقِف ... والجود يَأْبَى أَن يكون مضاعا) (أَشْكُو إِلَيْك صبَابَة قد أترعت ... لي كأس وجد فِي الْهوى إتراعا) (ونزاع شوق لم تزل أَيدي النَّوَى ... تنمي بِهِ حَتَّى اسْتَحَالَ نزاعا) (لم يبْق لي أمل سواك فَإِن تفت ... ودعت أَيَّام الْحَيَاة وداعا) (لم أستلذ بِغَيْر وَجهك منْظرًا ... وَسوى حَدِيثك لَا أحب سَمَاعا) وَقَالَ (من عذيري من معشر هجروا الْعقل ... وحادوا عَن طرقه المستقيمه) (لَا يرَوْنَ الإسنان قد نَالَ حظا ... من صَلَاح حَتَّى يكون بهيمه) فصل فِي شَيْء من نثره وَهُوَ كثير وَله ديوَان خطب مُفْرد مَعْرُوف وَنحن نذْكر هُنَا مَا هُوَ بَالغ فِي الإجادة مِمَّا خرج عَن ديوانه فَمن ذَلِك قَوْله فِي خطْبَة شرح الْإِلْمَام أما بعد حمد الله فَإِن الْفِقْه فِي الدّين منزلَة لَا يخفى شرفها وعلاؤها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 230 وَلَا تحتجب عَن الْعُقُول طوالعها وأضواؤها وأرفعها بعد فهم كتاب الله الْمنزل الْبَحْث عَن مَعَاني حَدِيث نبيه الْمُرْسل إِذْ بِذَاكَ تثبت الْقَوَاعِد ويستقر الأساس وَعنهُ يقوم الْإِجْمَاع ويصدر الْقيَاس وَمَا تعين شرعا تعين تَقْدِيمه شروعا وَمَا يكون مَحْمُولا على الرَّأْس لَا يحسن أَن يَجْعَل مَوْضُوعا لَكِن شَرط ذَلِك عندنَا أَن يحفظ هَذَا النظام وَيجْعَل الرَّأْي هُوَ الْمَأْمُوم وَالنَّص هُوَ الإِمَام وَترد الْمذَاهب إِلَيْهِ وَترد الآراء المنتشرة حَتَّى تقف بَين يَدَيْهِ وَأما أَن يَجْعَل الْفَرْع أصلا وَيرد النَّص إِلَيْهِ بالتكلف والتحيل وَيحمل على أبعد المحامل بلطافة الْوَهم وسعة التخيل ويرتكب فِي تَقْرِير الآراء الصعب والذلول وَيحْتَمل من التأويلات مَا تنفر مِنْهُ النُّفُوس وتستنكره الْعُقُول فَلذَلِك عندنَا من أردإ مَذْهَب وأسوإ طَريقَة وَلَا تعتقد أَنه يحصل مَعَه النَّصِيحَة للدّين على الْحَقِيقَة وَكَيف يَقع أَمر مَعَ رُجْحَان منافيه وأنى يَصح الْوَزْن بميزان مَال أحد الْجَانِبَيْنِ فِيهِ وَمَتى ينصف حَاكم ملكته غضبية العصبية وَأَيْنَ يَقع الْحق من خاطر أَخَذته الْعِزَّة بالحمية ثمَّ أَخذ فِي ذَلِك إِلَى مُنْتَهى الْخطْبَة وَمن ذَلِك خطْبَة شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الْحَمد لله منزل الْكتاب ومفصل الْخطاب وفاتح أَبْوَاب الصَّوَاب ومانح أَسبَاب الثَّوَاب أَحْمَده وهباته تنزل بِغَيْر حِسَاب وأعبده وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب وأرجوه وأخافه فبيده الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مُقَدمَات دلائلها مبينَة الْأَسْبَاب ونتيجة اعتقادها جنَّة مفتحة الْأَبْوَاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 231 قَالَ اللص لعمري لقد حسنت عبارتك ونمقتها وَحسنت إشارتك وطبقتها وَنَثَرت خيرك على فخ ضيرك وَقد قيل فِي الْمثل السائر على أَلْسِنَة الْعَرَب أنْجز حر مَا وعد أدْرك الْأسد قبل أَن يلتقي على الفريسة لحياه وَلَا يُعْجِبك من عَدو حسن محياه وَأنْشد (لَا تخدش وَجه الحبيب فَإنَّا ... قد كشفناه قبل كشفك عَنهُ) (واطلعنا عَلَيْهِ وَالْمُتوَلِّيّ ... قطع أذن الْعيار أعير مِنْهُ) ألم يزْعم القَاضِي أَنه كتب الحَدِيث زَمَانا وَلَقي فِيهِ كهولا وشبانا حَتَّى فَازَ ببكره وعونه وَحَازَ مِنْهُ فقر متونه وعيونه قَالَ القَاضِي أجل قَالَ اللص فَأَي شَيْء كتبت فِي هَذَا الْمثل الَّذِي ضربت لَك فِيهِ الْمثل وأعملت الْحِيَل قَالَ القَاضِي مَا يحضرني فِي هَذَا الْمقَام الْحَرج حَدِيث أسْندهُ وَلَا خبر أوردهُ فقد قطعت هيبتك كَلَامي وصدعت قبضتك عِظَامِي فلساني كليل وجناني عليل وخاطري نافر ولبي طَائِر قَالَ اللص فليسكن لبك وليطمئن قَلْبك اسْمَع مَا أَقُول وَتَكون بثيابك حَتَّى لَا تذْهب ثِيَابك إِلَّا بالفوائد قَالَ القَاضِي هَات قَالَ اللص حَدثنِي أبي عَن جدي عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَمِين الْمُكْره لَا تلْزمهُ فَإِن حلف وَحنث فَلَا شَيْء عَلَيْهِ) وَأَنت إِن حَلَفت حَلَفت مكْرها وَإِن حنثت فَلَا شَيْء عَلَيْك انْزعْ ثِيَابك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 231 وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عبد وَرَسُوله أرْسلهُ وَقد طَال زمن الفترة ونسيت الْآدَاب وَبعد عهد النُّبُوَّة فَزَالَ الْحق وانجاب فمنازل الْهدى خراب ومعاهده لَا تعتاد وَلَا تنتاب وَلِلنَّاسِ بالشهوات والشبهات إعجاب حَتَّى أفرد النّظر بالدنيا وادعي تعدد الأرباب فَاخْتَارَ الله مُحَمَّدًا فِي أشرف الْأَنْسَاب وخيرة الأحساب نذيرا بَين يَدي الْعَذَاب وبشيرا لمن أطَاع الْحق وَأجَاب وأيده بمعجزات تدفع عَارض الارتياب وَتكشف أنوار الْيَقِين لَيْسَ دونهَا حجاب وَتَدَع الْقُلُوب مطمئنة لَا ترتاع من جَانب الشُّبُهَات وَلَا ترتاب فصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد صَلَاة وَسلَامًا يدْخل فيهمَا الْآل وَالْأَصْحَاب أما بعد فَإِن التصنيف فِي علم الْأَحْكَام وتبيين الْحَلَال من الْحَرَام وَإِن كَانَت شدَّة الْحَاجة إِلَيْهِ توجب وقف الهمم عَلَيْهِ ووقوف الْإِمْكَان بَين يَدَيْهِ فَإِن شدَّة خطره وعظيم غرره مِمَّا يُوجب مهابة الشُّرُوع فِي تِلْكَ المشارع والتوقف عَن الحكم على مَقَاصِد الشَّارِع مَا هِيَ إِلَّا أَعْرَاض تنتهك وأجسام تنتهك وأعمال يتعب لَهَا وَينصب وأموال يثبت ملكهَا ويسلب وَدِمَاء تعصم وتسفح وأبضاع تحرم أَو تنْكح هَذَا مَعَ تشعب مواقع النّظر وتعارض مسالك العبر وملال يعتري الأذهان وتقصير جبل عَلَيْهِ طبع الْإِنْسَان فالطريق خَفِي المسارب والغاية مخوفة العواقب وَمَا قل من ذَلِك يتقوى الخاطر الرادع ويتوقى الرَّأْي الخادع وَيخَاف الآمن ويقلق الرادع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 232 وَلَقَد كَانَ سلفنا الصَّالح رضوَان الله عَلَيْهِم لطريق هَذَا الْخَوْف سالكين ولأزمة الْوَرع والخشية مالكين فتدافعوا الْفَتْوَى لشدَّة التَّقْوَى وَأَجَابُوا عَن الْيَسِير عِنْدَمَا سئلوا عَن الْكثير وأجروا الدُّمُوع فرقا وجروا إِلَى غَايَة التَّحَرِّي طلقا ثمَّ آل الْأَمر إِلَى التسامح والتساهل والغفلة والتغافل فأطلقت أَعِنَّة الأقلام وَأرْسلت بَوَادِر الْكَلَام وطوي بِسَاط التورع راسا وعد التَّوَقُّف جَهَالَة أَو وسواسا وتوهموا التسرع دَلِيلا على كَثْرَة الْحَاصِل والإحجام عَلامَة على قلَّة الْوَاصِل وَأحد الْأَمريْنِ لَازم لَهُم إِمَّا أَن يدعوا أَنهم أعلم مِمَّن سبق أَو يسلمُوا أَنهم مَا طرق قُلُوبهم من مَخَافَة الله مَا ألم بقلوب العارفين وطرق هَذَا مَا يتَعَلَّق بغرور الْأُخْرَى وَأما فِي الدُّنْيَا وَإِن كَانَ يعم كل تصنيف فَإِن الْمَرْء يتعب أفكاره ويكد ليله ونهاره ويقدح زناد القريحة حَتَّى يرى قدحه ويرقب فجر الْحَقَائِق حَتَّى يتبلج صبحه ويروض مصاعب النّظر حَتَّى يصحب جامحها ويستدني شوارد العبر حَتَّى يقرب نازحها فَإِذا ينجلي لَهُ من ذَلِك نادرة أبداها وَتَأمل أَن يودع بالفكر خاتمتها ويتلقى بالشكر مبداها قَامَ الْحَاسِد فقبح تِلْكَ الصُّورَة الْحَسَنَة وشانها وحقر تِلْكَ الْجُمْلَة الجميلة وشانها وَقَالَ بِلِسَان الْحَال أَو الْمقَال لقد دلاك أَيهَا المُصَنّف الْغرُور واستهواك الْغرُور وخاب العنا وصفر الإنا وطاش السهْم وَطَالَ الْوَهم وطاح الْفَهم فالروض هشيم والمرتع وخيم والمورد وشل وَإِن ظن أَنه جميم إِلَى أَمْثَال ذَلِك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 233 من أثر الْحَسَد الَّذِي يدع الخواطر فِي كمد والنفوس فِي مجاهدتها فِي كبد ويكسف البال ويقلص الآمال ويكدر من المشرب العذب الزلَال وَيحرم من الأحالة السحر الْحَلَال ويقبح من الْإِحْسَان أجمل الْجلَال حَتَّى إِن الْكتاب الَّذِي صنفه الإِمَام الْعَلامَة الْأَفْضَل أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عمر بن أبي بكر الدويني الأَصْل الصعيدي المولد الْمَعْرُوف بِابْن الْحَاجِب رَحمَه الله وَسَماهُ الْجَامِع بَين الْأُمَّهَات أَتَى فِيهِ بالعجب العجاب ودعا قصي الإجادة فَكَانَ المجاب وراض عصي المُرَاد فَزَالَ شماسه وانجاب وَأبْدى مَا حَقه أَن تصرف أَعِنَّة الشُّكْر إِلَيْهِ وتلقى مقاليد الِاسْتِحْسَان بَين يَدَيْهِ وَأَن يُبَالغ فِي استحسانه ويشكر نفحات خاطره ونفثات لِسَانه فَإِنَّهُ رَحمَه الله تيسرت لَهُ البلاغة فتفيأ ظلها الظليل وتفجرت ينابيع الْحِكْمَة فَكَانَ خاطره بِبَطن المسيل وَقرب المرمى فَخفف الْحمل الثقيل وَقَامَ بوظيفة الإيجاز فناداه لِسَان الْإِنْصَاف مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل وَمَعَ ذَلِك فَلم يعْدم الذام حسناؤه وَلَا روعي اجْتِهَاده فِي خدمَة الْعلم واعتناؤه بل أنحي على مقاصده فذمت أنحاؤه وَقصد أَن يستكفأ من الإحسانه صَحِيفَته الجزء: 9 ¦ الصفحة: 234 وإناؤه فَتَارَة يعاب لَفظه بالتعقيد وطورا يُقَال لقد رمى الْمَعْنى من أمد بعيد وَمرَّة ينْسب إِلَى السَّهْو والغلط وَأُخْرَى رجح غير الْمَشْهُور وَذَلِكَ مَعْدُود من السقط وَجعل ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى التنفير عَن كِتَابه والتزهيد فِيهِ والغض مِمَّن يتبع أثر سلوكه ويقتفيه وَهَذَا عندنَا من الْجور الْبَين وَالطَّرِيق الَّذِي سلوك سواهُ والعدول عَنهُ مُتَعَيّن فَأَما الِاعْتِرَاض بالتعقيد والإغماض فَرُبمَا كَانَ سَببه بعد الْفَهم ويعد الذَّنب هُنَاكَ للطرف لَا للنجم وَإِنَّمَا وضعت هَذِه المختصرات لقرائح غير قرائح وخواطر إِذا اسْتَسْقَيْت كَانَت مواطر وأذهان يتقد أوارها وأفكار إِذا رامت الْغَايَة قصر مضمارها فَرُبمَا أَخذهَا الْقَاصِر ذهنا فَمَا فك لَهَا لفظا وَلَا طرق معنى فَإِن وقف هُنَاكَ وَسلم سلم وَإِن أنف بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّقْصِير فَأطلق لِسَانه أَثم وَهُوَ مُخطئ فِي أول سلوك الطَّرِيق وظالم لنَفسِهِ حَيْثُ حملهَا مَالا تطِيق وسبيل هَذِه الطَّبَقَة أَن تطلب المبسوطات الَّتِي تفردت فِي إيضاحها وأبرزت مَعَانِيهَا سافرة عَن نقابها مَشْهُورَة بغررها وأوضاحها والحكيم من يقر الْأُمُور فِي نصابها وَيُعْطِي كل طبقَة مَالا يَلِيق إِلَّا بهَا وَأما السَّهْو والغلط فَمَا أمكن تَأْوِيله على شَيْء يتَأَوَّل وَمَا وجد سَبِيل وَاضح إِلَى تَوْجِيه حمل على أحسن محمل وَمَا استدت فِيهِ الطّرق الْوَاضِحَة وتؤملت أَسبَاب حسنه أَو صِحَّته فَلم تكن لائحة فلسنا ندعي لغير مَعْصُوم عصمه وَلَا نتكلف تَقْدِير مَا نعتقده غَلطا بِأَن ذَلِك أبهج وصمه فَالْحق أولى مَا رفع علمه وروعيت ذممه ووفيت من الْعِنَايَة قسمه وَأقسم الْمُحَقق أَن لَا يعافه فبر قسمه وعزم النّظر أَن يلْزم موقفه فثبتت قدمه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 235 وَلَكِن لَا نجْعَل ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى ترك الصَّوَاب الجم وَلَا نستحل أَن نُقِيم فِي حق المُصَنّف شَيْئا إِلَى ارْتِكَاب مركب الذَّم والذنب الْوَاحِد لَا يهجر لَهُ الحبيب وَالرَّوْضَة الْحَسْنَاء لَا تتْرك لموْضِع قبر جديب والحسنات يذْهبن السَّيِّئَات وَترك الْمصَالح الراجحة للمفاسد المرجوحة من أعظم المباآت وَالْكَلَام يحمل بعضه بَعْضًا وَمن أسخطه تَقْصِير يسير فسيقف على إِحْسَان كَبِير فيرضى وَلَو ذَهَبْنَا نَتْرُك كل كتاب وَقع فِيهِ غلط أَو فرط من مُصَنفه سَهْو أَو سقط لضاق علينا المجال وَقصر السجال وجحدنا فَضَائِل الرِّجَال وفاتنا فَوَائِد تكاثر عديد الْحَصَا وفقدنا عوائد هِيَ أجدى علينا من تفاريق الْعَصَا وَلَقَد نفع الله الْأمة بكتب طارت كل المطار وَجَازَت أجواز الفلوات وأثباج الْبحار وَمَا فِيهَا إِلَّا مَا وَقع فِيهِ عيب وَعرف مِنْهُ غلط بِغَيْر شكّ وَلَا ريب وَلم يَجعله النَّاس سَببا لرفضها وهجرها وَلَا توقفوا عَن الاستضاءة بأنوار الْهِدَايَة من أفق فجرها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 236 وسلكنا عِنْد الْإِنْصَاف تِلْكَ السَّبِيل وَلَا بدع فِي أَن يعْطى الشَّخْص حكم السغب والتبتيل (يَا ابْن الأعارب مَا علينا باس ... لم نأب إِلَّا مَا أَبَاهُ النَّاس) على أَنه لما طَال الزَّمَان قَلِيلا عَاد جد ذَلِك السغب قَلِيلا فحفظ هَذَا الْكتاب الْحفاظ واعتني مِنْهُ بالمعاني والألفاظ وشدت عَلَيْهِ يَد الضنانة والحفاظ وَقَامَت لَهُ سوق لَا يدعيها ذُو الْمجَاز وَلَا عكاظ فوكلت بِهِ الأسماع والأبصار وَكَثُرت لَهُ الأعوان وَالْأَنْصَار وسكنت الدهماء فَحَمدَ ذَلِك النَّقْع المثار وَأسسَ بِنَاء الْإِنْصَاف على التَّقْوَى فهدم مَسْجِد الضرار فابيضت تِلْكَ اللَّيَالِي السود وَمَات الْحَسَد أَو مَاتَ الْمَحْسُود فَكَانَ كَمَا قلت (ادأب على جمع الْفَضَائِل جاهدا ... وأدم لَهَا تَعب القريحة والجسد) (واقصد بهَا وَجه الْإِلَه ونفع من ... بلغته مِمَّن جد فِيهَا واجتهد) (واترك كَلَام الحاسدين وبغيهم ... هملا فَبعد الْمَوْت يَنْقَطِع الْحَسَد) فقد آن إِذن وَحقّ أَن نشرح هَذَا الْكتاب شرحا يعين النَّاظر يه على فك لَفظه وَفهم مَعَانِيه على وَجه يسهل للماهر مساغه وذوقه وَيرْفَع القاصد فيلحقه بِدَرَجَة من هُوَ فَوْقه ويسلك سَبِيل مَعْرفَته ذللا وَيدْرك بِهِ ناظره من وضوحه أملا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 237 فاستخرت الله تَعَالَى فِي وضع هَذَا الشَّرْح قَاصِدا فِيهِ لعشرة أُمُور الأول التَّعَرُّض لبسط أَلْفَاظه المقفلة وإيضاح مَعَانِيه المشكلة وَإِظْهَار مضمراته الْمُهْملَة فأذكر الْمسَائِل أَو المسئلة أبسط الْعبارَة فِيهَا وأقتصر على ذَلِك إِن رَأَيْت أَنه يكفيها وَإِلَّا رجعت إِلَى تَنْزِيل أَلْفَاظ الْكتاب على ذَلِك الَّذِي بسطته موضعا موضعا لأجمع بَين الْبَيَان الإجمالي والتفصيلي مَعًا اللَّهُمَّ إِلَّا مَوَاضِع يسيرَة أَخذ الْإِشْكَال بخنقها ورامت الأذهان الرائقة سلوكها فَالْتبسَ عَلَيْهَا جَمِيع طرقها فَإنَّا نطوي تِلْكَ على غرها ونربأ بِأَنْفُسِنَا عَن ركُوب مراكب العسف مستعيذين بِاللَّه من شَرها والعاقل يخْتَار السُّكُوت على التَّخْلِيط وَإِذا لم يكن بُد من أحد الحملين فجيء هَذَا بالبسيط على أَنِّي لَا أَجْزم بِالصِّحَّةِ لتِلْك الْمَوَاضِع وَلَا أعتقد الْعِصْمَة إِلَّا لمن يشْهد لَهُ بهَا القواطع وَلَقَد سَمِعت أبي رَحمَه الله يَحْكِي مَا مَعْنَاهُ أَو قريب مِنْهُ أَن المُصَنّف سُئِلَ عَن شَيْء من هَذَا الْكتاب فَلم يَأْتِ مِنْهُ بِجَوَاب وَذكر أَنه إِنَّمَا وَضعه على الصِّحَّة الثَّانِي تَفْسِير أَلْفَاظه الغريبة واللغوية وَكَيْفِيَّة النُّطْق بهَا على مُقْتَضى الْعَرَبيَّة وَذكر شَيْء من الاشتقاقات الأدبية والتحرز مِمَّا يعد من لحن الْعَوام والتحفظ من التَّصْحِيف الَّذِي هُوَ إِحْدَى القوام وَلَقَد بلي بذلك من ضعفة الْفُقَهَاء من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 238 صفر من الْأَدَب مزاده وَقل فِي طَرِيق الْعَرَبيَّة زَاده وَخفت عَن تِلْكَ اللطائف طباعه وتناءت عَن تِلْكَ المناهل رباعه الثَّالِث أنسب الْأَقْوَال الْمُهْملَة إِلَى أَرْبَابهَا إِذا أطلقت وأميز أَقْوَال الإِمَام من أَقْوَال الصَّحَابَة إِذا علمت الْمُخَالفَة بَينهم تحققت وَأبين الْأَصَح من الْقَوْلَيْنِ إِذا لم يبين وأعين الْأَشْهر من الْخلاف إِذا لم يعين كل ذَلِك بِحَسب مَا انْتهى علمي إِلَيْهِ ووقف بحثي بِحَسب الْحَال الْحَاضِر عَلَيْهِ الرَّابِع أراعي فِي الْمسَائِل المذهبية التَّوْجِيه وَالتَّعْلِيل وَلَا أدعها تَتَرَدَّد بَين أنحاء التَّعْلِيل فَمَا قويت فِي الِاعْتِبَار منته ومبانيه ورجحت عِنْد النظار رتبته ودرايته أوضحت الطَّرِيق إِلَيْهِ أَي إِيضَاح وجلوت الْحق هُنَالك كَالْقَمَرِ اللياح وَمَا ضعفت من الْقَوَاعِد مادته وخفيت على التَّحْقِيق جادته اكتفيت فِيهِ بالميسور من التَّعْلِيل أَو أخذت على غَيْرِي فحكيت مَا قيل فَمَا كل مسك يصلح وعَاء للمسك وَلَا كل ضَعِيف يوسم بسمة التّرْك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 239 الْخَامِس أحكم من صناعَة الحَدِيث مَا أوردهُ وأتقن مَا أنص فِيهِ وأسرده فَإِن حكمت بِصِحَّة حَدِيث بِإِسْنَاد ذَلِك إِلَيّ فَبعد أَن أنزع رِدَاء التعصب عَن مَنْكِبي وأؤدي حق النَّصِيحَة للسّنة كَمَا يتَعَيَّن وأحترز من الْميل إِلَى نصر مَذْهَب معِين فَإِن وجد الْمُسْتَدلّ مَطْلُوبه بنى على أوثق أساس وَإِلَّا فليعدل إِلَى غير النَّص من أَنْوَاع الِاسْتِدْلَال وَالْقِيَاس وَإِن حكيت الصِّحَّة عَن غَيْرِي فَعَن حق لَا تمتد يَد الشَّك إِلَى لبسه وَقد قيل من أحَال على غَيره فقد احتاط لنَفسِهِ وَمَا عزوته إِلَى الْكتب الْمَشْهُورَة فَهُوَ فِيهَا عِنْد الْمُرَاجَعَة مَوْجُود فَإِن وجد فِي مظنته وَإِلَّا فَعِنْدَ التتبع يحصد الْمَقْصُود وَقد وَقع لجَماعَة من الْفُقَهَاء وَغَيرهم فِي ذَلِك خلل وأقدم بَعضهم على أَمر ليته عَنهُ نكل وَقد حكيت فِي هَذَا الْكتاب من غرائب الْأَخْبَار وشوارد الْآثَار مَا يعز وجوده عِنْد الْفُقَهَاء الَّذين خصوا الْفِقْه بالعناية وحصوا جنَاح الْمسير إِلَى الرِّوَايَة السَّادِس مَا جزمت بنقله عَن أَئِمَّة الِاجْتِهَاد تحريت فِيهِ ومنحته من طَرِيق الِاحْتِيَاط مَا يَكْفِيهِ فَإِن كَانَ من أحد الْمذَاهب الْأَرْبَعَة نقلته من كتب أَصْحَاب وأخذته عَن الْمَتْن فَأتيت الْأَمر من بَابه وَلم أعتبر حِكَايَة الْغَيْر عَنْهُم فَإِنَّهُ طَرِيق وَقع فِيهِ الْخلَل وتعدد من جمَاعَة من النقلَة فِيهِ الزلل وَحكى المخالفون للمذاهب عَنْهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا وَمَا كَانَ من الْأَقْوَال للْمُتَقَدِّمين للصاحبة وَمن شَذَّ عَمَّن ذَكرْنَاهُ من الْمُخَالفين فاعتمادي فِيهِ على كتاب الإشراف لِلْحَافِظِ أبي بكر بن الْمُنْذر رَحمَه الله فبأنواره اهتديت وبطريقه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 240 إِلَى تِلْكَ الْغَايَة اقتديت فَإِن لم يكن فِيهِ ذَلِك النَّقْل وَلم أره فِيهِ نقلت من غَيره بِعِبَارَة ملخصة فَقلت وَحكي عَن فلَان كَذَا أَو عَن فلَان كَذَا إِلَّا مَا جزمت بِصِحَّتِهِ فَإِنِّي أقطع القَوْل بنسبته إِلَيْهِ وَلما كنت لَا أرى لأحد قولا إِلَّا مَا نَص عَلَيْهِ وَتعذر عَليّ فِي كثير من الْمسَائِل معرفَة نَص صَاحبه الْمَذْهَب لكَون المسئلة مُتَّفقا عَلَيْهَا عِنْد ناقلته رَأَيْت أَن أَقُول فِي مثل ذَلِك قَالَت الْحَنَفِيَّة أَو الشَّافِعِيَّة أَو الحنبلية أَو قَالَ الْحَنَفِيّ أَو الْحَنْبَلِيّ وَمَا قلت قد نقل عَن فلَان أَو اشْتهر عَنهُ فَلَا ألزم نَقله عَن كتب أَصْحَاب ذَلِك الإِمَام لصدق اللَّفْظ الْمَذْكُور وَإِن لم ينْقل من كتبهمْ السَّابِع أذكر فِي الْمسَائِل الخلافية الْمَعْرُوفَة بمسائل الطَّرِيقَة مواد أصل الِاجْتِهَاد فَإِن تعدّدت اخْتَرْت الأمتن وقصدت الْأَحْسَن لَا على وَجه الإطالة الْمُوجبَة للملالة وَلَا على طَريقَة الْإِجْمَال المفضي إِلَى الْإِخْلَال ثمَّ إِن لأهل عصرنا وَمَا واتاه نكتا رشيقة وطرقا روضاتها أنيقة أخذُوا فِيهَا مَأْخَذ الْإِعْرَاب وأبدوا عرائسها كالكواكب الأتراب وأملوا الإبداع فأدركوا التأميل وظفروا فِيهِ بالمعلى لما أرْسلُوا أقداح المجيل إِلَّا أَن أَكْثَرهم أولع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 241 من تَعْبِير الْمُبين وَبَالغ فِي إغلاقها حَتَّى لَا تكَاد تبين إِنَّمَا هُوَ جِدَال كالجلاد وخيال تزخرفه الْأَلْسِنَة الْحداد فَلم أر إخلاء هَذَا الْكتاب عَن شَيْء مِنْهَا وَلَا استحسنت مَعَ ظرافها أَن أعرض بِالْكُلِّيَّةِ عَنْهَا فكسوت بعض الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة ذَلِك الوشي المرقوم وأنفت أَن يُضحي صَاحب هَذِه الصَّنْعَة بأثر من رزقها محروم وَلم أبالغ فِي الإغلاق والإبهام وَلَا أكثرت من هَذَا النَّوْع فَإِنَّهُ خُرُوج عَن المصطلح فِي كتب الْأَحْكَام الثَّامِن مَا أسلكه من الطّرق فِي الْحجَّاج لَا أروغ فِيهِ روغان الثعالب وَلَا أرجح من جَانب مَا ضعفته فِي جَانب وَلَا ألتزم فَسَاد الذَّم عِنْد الْمُخَالفَة بِمثلِهِ وَلَا أَضَع شخصا تقدم مني ذكر فَضله وَلَا أسلك طَرِيق الْيمن فَإِن رضيت مدحت وَإِن سخطت قدحت وَلَا أتهافت فَإِن فعلت فَمَا أنصفت نَفسِي وَلَا نصحت فَلَقَد فعل ذَلِك قوم أوجبوا السَّبِيل إِلَى ذمهم فأقروا عِنْد ذكر الْعُيُوب عين خصمهم فَأطَال عَلَيْهِم فِي التشنيع وبدد بِسوء ذَلِك الصَّنِيع وَنسب إِلَيْهِم مجاولة تغليط النَّاظر وتوهم فيهم أَن الْمَقْصُود المغالبة فِي الْوَقْت الْحَاضِر وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك وَلَا حَاجَة إِلَى سلوك هَذِه المسالك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 242 التَّاسِع لست بالراغب فِي جلب زَوَائِد الْفُرُوع المسطورة وَحصر شوارد الْمسَائِل الْمَذْكُورَة مَا لم يتضمنه هَذَا الْمَجْمُوع وَلَا رفع ذكر هَذَا الْمَوْضُوع فَإِن الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ الشَّرْح فليتوقف الْغَرَض عَلَيْهِ ولتتوجه الدَّوَاعِي والهمم إِلَيْهِ واللائق بذلك الْغَرَض كتب الْمسَائِل الَّتِي قصد إِلَى جمعهَا واستقل أَصْحَاب التصانيف بوضعها وَلكُل غَايَة طَرِيق قَاصد يُنَاسِبهَا وَلكُل عَزمَة مَأْخَذ من نَحْو مَا يصاحبها فَأَما الْأَقْوَال الْمُتَّصِلَة بِمَا وَضعه المُصَنّف وَذكره وَالْفُرُوع الْمُقَارنَة لما نظمه وسطره فَإِنِّي أمنحها طرفا من الْعِنَايَة وأوليها جَانب الْولَايَة الْعَاشِر أذكر الاستشكالات فِي مبَاحث أنبه فِيهَا فهم الباحث وأرسلها إرْسَالًا وَلَا أدعها تسير أَرْسَالًا وأوسع للنَّاظِر فِيهِ مجالا حَتَّى إِذا خرج من السعَة للضيق وتبارز فِي ميدان التسابق فرسَان التَّحْقِيق وأخرجت أَحْكَام النُّفُوس من السّير وَكَانَ الطَّرِيق ميتاء ينفذها الْبَصَر ويستسير فِيهَا العير وسلمت الممادح من القوادح وَوَقع الْإِنْصَاف فَرُبمَا فضل الْجذع على القارح فهناك تنكشف الأستار عَن الْحَقَائِق وَتبين الْفَضِيلَة لسيل الْوَجِيه وَلَا حق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 243 فَهَذِهِ الطّرق الَّتِي أقصدها والأنحاء الَّتِي أعتمدها وَمن الله أعْتَمد العون وَمن الخسارة فِيمَا نرجو ربحه أسأله الصون فبه الْقُوَّة والحول وَمِنْه الْإِحْسَان والطول فَإِن لم تفض من رَحمته سِجَال ويتسع لمسامحته مجَال فالتباب والخسار والتنائي عَن منَازِل الْأَبْرَار ونعوذ بِاللَّه من عمر وَعمل تقتحمهما النَّار وَهَذَا حِين الشُّرُوع فِي المُرَاد وَالله ولي التَّوْفِيق والإرشاد إِنَّه على مَا يَشَاء قدير وبالإجابة جدير آخر الْخطْبَة الْمشَار إِلَيْهَا فرحم الله منشيها وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين فَوَائِد الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ومباحثه أَكثر من أَن تحصر وَلكنهَا غَالِبا مُتَعَلقَة بِالْعلمِ من حَيْثُ هُوَ حَدِيثا وأصولا وقواعد كُلية كَمَا يَرَاهَا النَّاظر فِي مصنفاته وَلَا سِيمَا فقه الحَدِيث والاستنباط مِنْهُ فقد كَانَ إِمَام الدُّنْيَا فِي ذَلِك فَلَا معنى للتطويل بذكرها ولكننا نذْكر بعض مَا بلغنَا عَنهُ مِمَّا هُوَ مُخْتَصّ بِالْمذهبِ خِيَار التصرية هَل مُسْتَنده التَّدْلِيس الصَّادِر من البَائِع أَو الضَّرَر الْحَاصِل للْمُشْتَرِي وَقد يعبر بِعِبَارَة أُخْرَى فَيُقَال هَل مُسْتَنده التَّغْرِير أَو الْغرُور فِيهِ وَجْهَان مشهوران يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا مَا لَو تحفلت بِنَفسِهَا بِأَن ترك الحلاب أَيَّامًا نَاسِيا لشغل عرض أَو صراها غَيره بِغَيْر إِذْنه وَالأَصَح عِنْد صَاحب التَّهْذِيب وَبِه قطع القَاضِي الْحُسَيْن ثُبُوت الْخِيَار خلافًا للغزالي وَلَو صراها لَا لأجل الخديعة ثمَّ نَسِيَهَا فقد حكى ابْن دَقِيق الْعِيد عَن أَصْحَابنَا فِيهِ خلافًا وَلم نر ذَلِك فِي كَلَامهم صَرِيحًا لكنه يتَخَرَّج على أَن المأخذ التَّدْلِيس أَو ظن المُشْتَرِي فعلى الأول لَا يثبت لِأَنَّهُ لم يقْصد الخديعة وعَلى الثَّانِي يثبت لحُصُول الظَّن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 244 وَلَو شدّ أخلافها قصدا لصيانة لَبنهَا عَن وَلَدهَا فَقَط قَالَ ابْن الرّفْعَة فَهُوَ كَمَا لَو تحفلت بِنَفسِهَا قلت وَهِي كالمسئلة الَّتِي حَكَاهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَكِن فِي تِلْكَ زِيَادَة النسْيَان وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْط فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْقَصْد صَحِيحا لم يحصل تَدْلِيس وخديعة وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول إِن التَّدْلِيس حَاصِل بعد تبيينه وَقت البيع وَهُوَ عَالم بِهِ لِأَن هَذَا الْمَعْنى حَاصِل فِيمَا إِذا تحفلت بِنَفسِهَا وباعها وَهُوَ عَالم بِالْحَال وَابْن الرّفْعَة سقط عَلَيْهِ من كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَفْظَة لَا فَنقل المسئلة عَنهُ على أَنه صراها لأجل الخديعة ثمَّ نَسِيَهَا ثمَّ اعْترض بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن تكون هَذِه من صور الْوِفَاق وَهَذَا اعْتِرَاض صَحِيح لَو كَانَ الْأَمر كَمَا نَقله لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون قد حصل التَّدْلِيس وَالظَّن وَلَا يُفِيد توَسط النسْيَان فَإِذا المسئلة الَّتِي ذكرهَا ابْن الرّفْعَة وخرجها على مَا إِذا تحفلت بِنَفسِهَا هِيَ مسئلة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين والمسئلة الَّتِي نقلهَا ابْن الرّفْعَة عَن الشَّيْخ بِحَسب النُّسْخَة الَّتِي وَقعت لَهُ غَلطا مسئلة أُخْرَى يَنْبَغِي الْجَزْم فِيهَا بِالْخِيَارِ نبه على ذَلِك وَالِدي أَطَالَ الله بقاه فِي شرح الْمُهَذّب صحّح الشَّيْخ تَقِيّ الدّين حَدِيث الْقلَّتَيْنِ وَاخْتَارَ ترك الْعَمَل بِهِ لَا لمعارض أرجح بل لِأَنَّهُ لم يثبت عِنْده بطرِيق يجب الرُّجُوع إِلَيْهِ شرعا تعْيين لمقدار الْقلَّتَيْنِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ذكر بَعضهم أَن المسئلة السريجية إِذا عكست انْحَلَّت وتقريرها أَن صُورَة المسئلة مَتى وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا أَو مَتى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 245 طَلقتك فَوجه الدّور أَنه مَتى طَلقهَا الْآن وَقع قبله ثَلَاثًا وَمَتى وَقع قبله ثَلَاثًا لم يَقع فَيُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه فَانْتفى وَعكس هَذَا أَن يَقُول مَتى طَلقتك أَو مَتى أوقع طَلَاقي عَلَيْك فَلم يَقع فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ مَتى طَلقهَا وَجب أَن يَقع الثَّلَاث الْقَبِيلَة لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون الطَّلَاق القبلي بَائِنا على النقيضين أَعنِي وُقُوع الْمُنجز وَعدم وُقُوعه وَمَا يثبت على النقيضين فَهُوَ ثَابت فِي الْوَاقِع قطعا لِأَن أَحدهمَا وَقع قطعا فالمعلق بِهِ وَاقع قطعا وَهَذِه مُقَدّمَة ضَرُورِيَّة عقلية لَا تقبل الْمَنْع بِوَجْه من الْوُجُوه وأصل المسئلة الْوكَالَة قَالَ وَالِدي رَحمَه الله وَهَذَا فِيهِ نظر وَإِنَّمَا يلْزم وُقُوع الطَّلَاق الْمُعَلق بالنقيضين الْمَذْكُورين لَو قَالَ إِن طَلقتك فَوَقع عَلَيْك طَلَاقي أَو لم يَقع فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ يَقُول لَهَا أَنْت طَالِق فَحِينَئِذٍ يحكم بِأَنَّهَا طلقت قبل ذَلِك التَّطْلِيق ثَلَاثًا عملا بِالشّرطِ الثَّانِي وَهُوَ عدم الْوُقُوع لِأَن الطَّلَاق الْمُعَلق مَشْرُوط بِأحد أَمريْن إِمَّا الْوُقُوع وَإِمَّا عَدمه فِي زمن وَاحِد مُسْتَند إِلَى زمن قبلي وَلَا يُمكن الحكم بالوقوع القبلي استنادا إِلَى الشَّرْط الأول وَهُوَ الْوُقُوع للُزُوم الدّور وَأما الْوُقُوع فِي ذَلِك الزَّمن القبلي مُسْتَندا إِلَى عدم الْوُقُوع فَلَا مجَال فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يُقَال لَو وَقع فِيهِ لوقع قبله لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يحمل الْقبلية على الْقبلية المتسعة الَّتِي أَولهَا عقب التَّعْلِيق أَو على الْقبلية الَّتِي تستعقب التَّطْلِيق فَإِن كَانَ الأول لم يكن وُقُوع الطَّلَاق قبله لِأَنَّهُ يكون سَابِقًا على التَّعْلِيق وَحكم التَّعْلِيق لَا يسْبقهُ وَهَذَا فَائِدَة فَرضنَا التَّعْلِيق على وَاعْلَم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَضِي الله عَنهُ توفّي وَلم يبيض كِتَابه الْإِلْمَام فَلذَلِك وَقعت فِيهِ أَمَاكِن على وَجه الْوَهم وَسبق الْكَلَام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 246 مِنْهَا قَالَ فِي حَدِيث مطرف عَن أَبِيه رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَفِي صَدره أزيز كأزيز الْمرجل من الْبكاء إِن مُسلما أخرجه وَلَيْسَ هُوَ فِي مُسلم وَإِنَّمَا أخرجه النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَلأبي دَاوُد كأزيز الرَّحَى وَمِنْهَا قَالَ فِي بَاب صفة الصَّلَاة وَعَن وَائِل بن حجر قَالَ صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ يسلم عَن يَمِينه السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته حَتَّى يرى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن وَعَن يسَاره السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته حَتَّى يرى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر إِن أَبَا دَاوُد خرجه وَلَيْسَ فِي كتاب أبي دَاوُد وَلَا فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة هَذِه الزِّيَادَة من طَرِيق وَائِل وَهِي حَتَّى يرى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن وَحَتَّى يرى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر وَهُوَ من طَرِيق ابْن مَسْعُود فِي النَّسَائِيّ وَفِي أبي دَاوُد وَلَيْسَ عِنْده الْأَيْمن والأيسر وَمِنْهَا فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي السَّهْو جعل لفظ مُسلم لفظ أبي دَاوُد وَلَفظ أبي دَاوُد لفظ مُسلم وَمِنْهَا فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأولى سبعا) الحَدِيث ذكر أَن التِّرْمِذِيّ أخرجه وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ كثير بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيّ هَكَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 247 وَمِنْهَا فِي الْكَفَن وروى النَّسَائِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ حَدِيثا فِيهِ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه) ثمَّ قَالَ وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ هُوَ عَن أبي سعيد وَلَا أخرج هَذَا أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد وَإِنَّمَا هَذَا اللَّفْظ فِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي قَتَادَة وَالَّذِي فِي أبي دَاوُد من حَدِيث جَابر وَلَفظه (إِذا كفن أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه) وَنَحْو هَذَا اللَّفْظ فِي مُسلم وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر لَا من حَدِيث أبي سعيد وَمِنْهَا فِي فصل فِي حمل الْجِنَازَة وَعَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كسر عظم الْمَيِّت ككسره حَيا) ذكر أَن مُسلما خرجه وَإِنَّمَا خرجه أَبُو دَاوُد وَمِنْهَا حَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده فِي السَّائِمَة فِي الزَّكَاة وَذكر أَن التِّرْمِذِيّ خرجه وَلَيْسَ فِيهِ وَمِنْهَا فِي أَوَاخِر فصل فِي شُرُوط الصَّوْم أخرجه الْأَرْبَعَة وَهَذَا لفظ التِّرْمِذِيّ ثمَّ قَالَ حسن غَرِيب ثمَّ قَالَ وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَن قَوْله وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا من كَلَام التِّرْمِذِيّ وَالَّذِي فِي التِّرْمِذِيّ وَقَالَ مُحَمَّد وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا وَمِنْهَا حَدِيث الصعب بن جثامة لَا حمى إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ ذكر أَنه مُتَّفق عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي مُسلم وَإِنَّمَا هُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 248 وَمِنْهَا فِي بَاب الْوَلِيّ ذكر أَن رِوَايَة زِيَاد بن سعد عَن عبد الله عَن الدَّارَقُطْنِيّ الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا وَرِوَايَة زِيَاد بن سعد عَن عبد الله فِي مُسلم بِهَذَا اللَّفْظ فإضافته إِلَى مُسلم أولى وَهَذَا لَيْسَ باعتراض وَلكنه فَائِدَة جليلة وَمِنْهَا مَوَاضِع كَثِيرَة نبه عَلَيْهَا الْحَافِظ قطب الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور بن مُنِير الْحلَبِي رَحمَه الله ولخص كتاب الْإِلْمَام فِي كتاب سَمَّاهُ الاهتمام حسن خَال عَن الاعتراضات الْوَارِدَة على الْإِلْمَام مَعَ الْإِثْبَات لما فِيهِ 1327 - مُحَمَّد بن عَليّ البارنباري الملقب طوير اللَّيْل الشَّيْخ تَاج الدّين أحد أذكياء الزَّمَان برع فقها وعلما وأصولا ومنطقا وَقَرَأَ المعقولات على شَارِح الْمَحْصُول الشَّيْخ شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ الحديث: 1327 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 249 مولده سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يَقُول قَالَ لي ابْن الرّفْعَة من عنْدكُمْ من الْفُضَلَاء فِي درس الظَّاهِرِيَّة فَقلت لَهُ قطب الدّين السنباطي وَفُلَان وَفُلَان حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى ذكر البارنباري فَقَالَ مَا فِي من ذكرت مثله توفّي سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَمن مباحثه فِي السُّؤَال الَّذِي يُورد فِي قَوْله تَعَالَى {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} وَتَقْرِير أَن السّنة أَعم من النّوم وَيلْزم من نفي الْعَام نفي الْخَاص فَكيف قَالَ {وَلَا نوم} بعد قَوْله {لَا تَأْخُذهُ سنة} وَقد أجَاب النَّاس عَن هَذَا بأجوبة كَثِيرَة وَمن أحْسنهَا مانحاه هَذَا الرجل فَإِنَّهُ قَالَ الْأَمر فِي الْآيَة على خلاف مَا فهم والمنفي أَولا إِنَّمَا هُوَ الْخَاص وَثَانِيا الْعَام وَيعرف ذَلِك من قَوْله تَعَالَى {لَا تَأْخُذهُ} أَي لَا تغلبه وَلَا يلْزم من عدم أَخذ السّنة لَهُ الَّتِي هِيَ قَلِيل من نوم أَو نُعَاس عدم أَخذ النّوم لَهُ فَقَالَ {وَلَا نوم} وعَلى هَذَا فالسؤال مُنْتَفٍ وَإِنَّمَا يَصح إِيرَاده أَن لَو قيل لَا يحصل لَهُ سنة وَلَا نوم هَذَا جَوَابه وَهُوَ بليغ إِلَّا أَن لَك أَن تَقول فَلم لَا أكتفي بِنَفْي أَخذ النّوم على هَذَا التَّقْرِير الَّذِي قررت وَمَا الْفَائِدَة حِينَئِذٍ فِي ذكر السّنة وَمن سؤالاته فِي الْفِقْه قَوْله سوى الْأَصْحَاب بَين الْمَانِع الْحسي والشرعي فِيمَا إِذا بَاعَ جَارِيَة حَامِلا بَحر أَو بَاعَ جَارِيَة إِلَّا حملهَا فَإِن الصَّحِيح فيهمَا الْبطلَان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 250 وَلم يَفْعَلُوا ذَلِك فِيمَا إِذا بَاعَ دَارا مستأجرة فَإِن الصَّحِيح الصِّحَّة فِيهَا والبطلان فِيمَا إِذا بَاعَ دَارا وَاسْتثنى مَنْفَعَتهَا شهرا وَأجَاب وَقد سُئِلَ كَيفَ يَقُول الْغَزالِيّ إِن النِّيَّة فِي الصَّلَاة بِالشُّرُوطِ أشبه وَهُوَ شَرط أَن تكون مُقَارنَة بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّكْبِير ركن فيتحد زمَان الرُّكْن وَالشّرط مَعَ كَون الرُّكْن لَا بُد أَن يكون دَاخل الْمَاهِيّة وَالشّرط خَارِجا بِأَن المُرَاد بالداخل مَا تتقوم بِهِ الْمَاهِيّة وَلَا تصدق بِدُونِهِ وبالخارج مَا لَيْسَ كَذَلِك سَوَاء أقارن الدَّاخِل فِي الزَّمَان أم لَا فالترتيب لَيْسَ فِي الزَّمَان وَالنِّيَّة لَا تتقوم بهَا الصَّلَاة لجَوَاز أَن تُوجد بِلَا نِيَّة وَتَكون صَلَاة فَاسِدَة وَكَذَلِكَ ترك الْأَفْعَال الْكَثِيرَة فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ شَرط مَعَ كَونه لَا يُوجد إِلَّا دَاخل الصَّلَاة وَكَذَلِكَ اسْتِقْبَال الْقبْلَة بِخِلَاف التَّكْبِير فَإِنَّهُ مَتى انْتَفَى انْتَفَت حَقِيقَة الصَّلَاة هَذَا جَوَابه وَهُوَ على حسنه قد يُقَال عَلَيْهِ هَذَا إِنَّمَا يتم إِذا قُلْنَا إِن الصَّلَاة مَوْضُوعَة لما هُوَ أَعم من الصَّحِيح وَالْفَاسِد لتصدق صَلَاة صَحِيحَة وَصَلَاة فَاسِدَة أما إِذا قُلْنَا إِنَّهَا إِنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَة للصحيح فَقَط فَحَيْثُ انْتَفَى شَرطهَا لَا تكون مَوْجُودَة وَقد حكى الرَّافِعِيّ الْخلاف فِي أَن لفظ الْعِبَادَات هَل هُوَ مَوْضُوع لما هُوَ أَعم من الصَّحِيح وَالْفَاسِد أَو مُخْتَصّ بِالصَّحِيحِ حَيْثُ قَالَ فِي كتاب الْأَيْمَان وَسَيَأْتِي خلاف فِي أَن لفظ الْعِبَادَات هَل هُوَ مَوْضُوع لما هُوَ أَعم من الصَّحِيح وَالْفَاسِد أَو مُخْتَصّ بِالصَّحِيحِ وَإِن كَانَ لم يَفِ بِمَا وعد إِذْ لم يحكه بعد على مَا رَأَيْنَاهُ وَسَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ الإِمَام مَا فِيهِ مزِيد تَحْقِيق عَن السُّؤَال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 251 1328 - مُحَمَّد بن عقيل بن أبي الْحسن البالسي ثمَّ الْمصْرِيّ الشَّيْخ نجم الدّين شَارِح التَّنْبِيه وصنف أَيْضا فِي الْفِقْه مُخْتَصرا لخص فِيهِ كتاب الْمعِين وَاخْتصرَ كتاب التِّرْمِذِيّ فِي الحَدِيث وَكَانَ أحد أَعْيَان الشَّافِعِيَّة دينا وورعا سمع بِدِمَشْق من ابْن البُخَارِيّ وَغَيره وبالقاهرة من ابْن دَقِيق الْعِيد وَغَيره وَولي الْقَضَاء بدمياط وبلبيس وأشموم وَغَيرهَا مولده سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة وَمَات بِمصْر فِي رَابِع عشر الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة الحديث: 1328 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 252 1329 - مُحَمَّد بن عمر بن مكي بن عبد الصَّمد الشَّيْخ الإِمَام صدر الدّين بن المرحل تفقه على وَالِده وعَلى الشَّيْخ شرف الدّين الْمَقْدِسِي وَسمع الحَدِيث من الْقَاسِم الإربلي وَالْمُسلم بن عَلان وَطَائِفَة وَقعت لنا عَنهُ أناشيد من نظمه وَلم يَقع لنا حَدِيثه كَانَ إِمَامًا كَبِيرا بارعا فِي الْمَذْهَب والأصلين يضْرب الْمثل باسمه فَارِسًا فِي الْبَحْث نظارا مفرط الذكاء عَجِيب الحافظة كثير الِاشْتِغَال حسن العقيدة فِي الْفُقَرَاء مليح النّظم جيد المحاضرة ولد بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا وانتقل إِلَى الْقَاهِرَة وَبهَا توفّي وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال وَله مَعَ ابْن تَيْمِية المناظرات الْحَسَنَة وَبهَا حصل عَلَيْهِ التعصب من أَتبَاع ابْن تَيْمِية وَقيل فِيهِ مَا هُوَ بعيد عَنهُ وَكثر الْقَائِل فارتاب الْعَاقِل الحديث: 1329 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 253 كَانَ الْوَالِد رَحمَه الله يعظم الشَّيْخ صدر الدّين وَيُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ بِالْعلمِ وَحسن العقيدة وَمَعْرِفَة الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ درس بِدِمَشْق بالشاميتين والعذراوية وَولي مشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية وباشرها مُدَّة ثمَّ درس فِي آخر عمره بِالْقَاهِرَةِ بزاوية الشَّافِعِي والمشهد الْحُسَيْنِي وَهُوَ أول من درس بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية بهَا ذكره القَاضِي شهَاب الدّين بن فضل الله فِي تَارِيخه فَقَالَ إِمَام لَهُ نسب فِي قُرَيْش أعرق وَحسب فِي بني عبد شمس مثل الشَّمْس أشرق وَعلم لَو أَن الْبَحْر شطأ شبهه لأغرق وَفهم لَو أَن الْفجْر سَطَعَ نَظِيره لأحرق وَثَبت طُنب على المجرة وَمد رواقه فتلألأ بالمسرة وَنشر رايته الْبَيْضَاء الأموية وحولها ثغور الْكَوَاكِب المنيرة وارتفع أَن يُقَاس بنظير واتضع والثريا تَاج فَوق مفرقه والجوزاء تَحْتَهُ سَرِير وهمة دون السما لَا يقصرها وَحِكْمَة عَن سبق القدما لَا يؤخرها مَعَ جبين وضاح وَيَمِين مِنْهَا الْكَرم يستماح وأدب أشهى من رشف الرضاب وَأحلى من رضَا الحبائب الغضاب وَخلق شرح الله صَدره ومنح فَضله أندت الرياض المخضرة انْتهى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 254 وللشيخ صدر الدّين كتاب الْأَشْبَاه والنظائر وَمَات وَلم يحرره فَلذَلِك رُبمَا وَقعت فِيهِ مَوَاضِع على وَجه الْغَلَط مثل حكايته عَن بعض الْأَئِمَّة وَجْهَيْن فِيمَا إِذا كشف عَوْرَته فِي الْخَلَاء زَائِدا على الْقدر الْمُحْتَاج هَل يَأْثَم على كشف الْجَمِيع أَو على الْقدر الزَّائِد وَهَذَا لم أره فِي كتاب وَذكره شيخ الأدباء القَاضِي صرح الدّين الصَّفَدِي فَقَالَ أما التَّفْسِير فَابْن عَطِيَّة عِنْده مبخل والواحدي شَارك العي لَفظه فتخيل وَأما الحَدِيث فَلَو رَآهُ ابْن عَسَاكِر لانهزم وانضم فِي زَوَايَا تَارِيخه وانحزم وَأما الْفِقْه فَلَو أبصره الْمحَامِلِي مَا تحمل من غرائب قَاضِي النَّقْل عَنهُ وَمَا نصب وَرجع عَمَّا قَالَ بِهِ من اسْتِحْبَاب الْوضُوء من الْغَيْبَة وَعند الْغَضَب وَأما الْأُصُول فَلَو رَآهُ ابْن فورك لفرك عَن طَرِيقَته وَقَالَ بِعَدَمِ الْمجَاز إِلَى حَقِيقَته وَأما النَّحْو فَلَو عاصره عَنْبَسَة الْفِيل لَكَانَ مثل ابْن عُصْفُور أَو أَبُو الْأسود لَكَانَ ظَالِما وذنبه غير مغْفُور وَأما الْأَدَب فَلَو عاينه الجاحظ لأمسى لهَذَا الْفَنّ وَهُوَ جَاحد أَو الثعالبي لراغ عَن تصانيفه وَمَا اعْترف مِنْهَا بِوَاحِد وَأما الطِّبّ فَهُوَ شَاهده ابْن سينا لما أطرب قانونه أَو ابْن النفيس لعاد نفيسا قد ذهبت نونه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 255 وَأما الْحِكْمَة فالنصير الطوسي عِنْده مخذول والكاتبي دبيران أدبر عَنهُ وَحده مفلول وَأما الشّعْر فَلَو حاذاه ابْن سناء الْملك فنيت ذخيرة مجازاته وحقائقه أَو ابْن الساعاتي مَا وصل إِلَى دَرَجَته وَلَا انْتهى إِلَى دقائقه وَأما الموشحات فَلَو وصل خَبره إِلَى الْموصِلِي لأصبح مَقْطُوع الذَّنب أَو ابْن زهر لما رأى لَهُ السَّمَاء نجما إِلَّا هوى وَلَا برجا إِلَّا انْقَلب وَأما البلاليق فَابْن كلفة عِنْده يتَكَلَّف وَابْن مدغليس يغلس للسعي فِي ركابه وَمَا يتَخَلَّف انْتهى قَلِيل مِمَّا ذكره القَاضِي صَلَاح الدّين بِلَفْظِهِ وَكَانَت للشَّيْخ صدر الدّين صدقَات دارة وَمَكَارِم حاتمية مَا أَشك أَنَّهَا كَانَت دافعة لكثير من السوء عَنهُ فلطالما دخل فِي مضايق وَنَجَا مِنْهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 256 وَمن أحسن مَا بَلغنِي عَنهُ من صدقاته مَا حَكَاهُ صَاحبه الْحَافِظ شهَاب الدّين العسجدي قَالَ كنت مَعَه لَيْلَة عيد فَوقف لَهُ فَقير استجداه فَقَالَ لي أيش مَعَك فَقلت مِائَتَا دِرْهَم فَقَالَ ادفعها إِلَى هَذَا الْفَقِير فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي اللَّيْلَة الْعِيد وَمَا مَعنا مَا ننفقه غَدا فَقَالَ لي امْضِ إِلَى القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير وَقل لَهُ الشَّيْخ يهنئك بِهَذَا الْعِيد فَلَمَّا رَآنِي كريم الدّين قلت لَهُ مَا قَالَه لي الشَّيْخ قَالَ كَأَن الشَّيْخ يعوز نَفَقَة فِي هَذَا الْعِيد وَدفع إِلَيّ ألفي دِرْهَم وَقَالَ هَذِه للشَّيْخ وَلَك أَنْت ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فَلَمَّا حضرت بِالدَّرَاهِمِ إِلَى الشَّيْخ قَالَ صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا) هَذِه مِائَتَان بِأَلفَيْنِ ولد الشَّيْخ صدر الدّين سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة أنشدنا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن عبد المحسن العسجدي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أنشدنا الشَّيْخ صدر الدّين بن المرحل لنَفسِهِ من لَفظه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 257 (ليذهبوا فِي ملامي أَيَّة ذَهَبُوا ... فِي الْخمر لَا فضَّة تبقى وَلَا ذهب) (وَالْمَال أجمل وَجه فِيهِ تنفقه ... وَجه جميل وَرَاح فِي الدجا لَهب) (لَا تأسفن على مَال تمزقه ... أَيدي سقاة الطلا والخرد الْعَرَب) (فَمَا كسوا راحتي من راحها حللا ... إِلَّا وعروا الْهم واستلبوا) (رَاح بهَا راحتي فِي راحتي حصلت ... فتم عجبي بهَا وازداد لي الْعجب) وَمِنْهَا (وَلَيْسَت الكيميا فِي غَيرهَا وجدت ... وكل مَا قيل فِي أَبْوَابهَا كذب) (قِيرَاط خمر على القنطار من حزن ... يُعِيد ذَلِك أفراحا وينقلب) (عناصر أَربع فِي الكأس قد جمعت ... وفوقها الْفلك السيار والشهب) (مَاء ونار هَوَاء أرْضهَا قدح ... وطوقها فلك والأنجم الحبب) (مَا الكأس عِنْدِي بأطراف الأنامل بل ... بالخمس تقبض لَا يحلو بهَا الْهَرَب) (شججت بِالْمَاءِ مِنْهَا الرَّأْس مُوضحَة ... فحين أعقلها بالخمس لَا عجب) (صفراء فاقعة فِي الكأس ساطعة ... كالتبر لامعة كاساتها سحب) (وَإِن أقطب وَجْهي حِين تَبَسم لي ... فَعِنْدَ بسط الموَالِي يحفظ الْأَدَب) وَهِي طَوِيلَة أنشدها العسجدي بجملتها وَقد اقتصرنا على مَا انتقيناه مِنْهَا وَانْظُر هَذَا الْفَقِيه مَا أحلى قَوْله شججت بِالْمَاءِ الْبَيْت وَمَا أحسن استحضاره لمشكلات الْفِقْه فِي هَذَا الْمقَام وَأَحْسبهُ قصد بهَا القصيد مُعَارضَة ابْن الخيمي فِي قصيدته الغزلية الَّتِي ادَّعَاهَا ابْن إِسْرَائِيل وَهِي قصيدة بديعة غراء مطْلعهَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 258 (يَا مطلبا لَيْسَ لي فِي غَيره أرب ... إِلَيْك آل التقضي وانْتهى الطّلب) (وَمَا طمحت لمرأى أَو لمستمع ... إِلَّا لِمَعْنى إِلَى علياك ينتسب) وَمَا أَرَانِي أَهلا أَن تواصلني ... حسبي علوا بِأَنِّي فِيك مكتئب) (لَكِن يُنَازع شوقي تَارَة أدبي ... فأطلب الْوَصْل لما يضعف الْأَدَب) (وَلست أَبْرَح فِي الْحَالين ذَا قلق ... باد وشوق لَهُ فِي أضلعي لَهب) (ومدمع كلما كفكفت أدمعه ... صونا لذكرك يعصيني وينسكب) (وَيَدعِي فِي الْهوى دمعي مقاسمتي ... وجدي وحزني وَيجْرِي وَهُوَ مختضب) (كالطرف يزْعم تَوْحِيد الحبيب وَلَا ... يزَال فِي ليله للنجم يرتقب) وأنشدنا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس العسجدي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أنشدنا الشَّيْخ صدر الدّين من لَفظه لنَفسِهِ (يَا رب جفني قد جفاه هجوعه ... والوجد يَعْصِي مهجتي ويطيعه) (يَا رب قلبِي قد تصدع بالنوى ... فَإلَى مَتى هَذَا البعاد يروعه) (يَا رب بدر الْحَيّ غَابَ عَن الْحمى ... فَمَتَى يكون على الْخيام طلوعه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 259 (يَا رب فِي الأظعان سَار فُؤَاده ... وبوده لَو كَانَ سَار جَمِيعه) (يَا رب لَا أدع البكا فِي حبهم ... من بعدهمْ جهد الْمقل دُمُوعه) (يَا رب هَب قلب الكئيب تجلدا ... عَمَّن يحب فقد دنا توديعه) (يَا رب هَذَا بَينه وبعاده ... فَمَتَى يكون إيابه ورجوعه) (يَا رب أَهلا مَا قضيت وَإِنَّمَا ... أَدْعُو بعودهم وَأَنت سميعه) وَمن موشحاته (دمعي روى مسلسلا بالسند ... عَن بَصرِي أحزاني) (لما جَفا من قد بِلَا ... بالرمد والسهر أجفاني) (غزال أنس نافر ... نيطت بِهِ التمائم) (وغصن بَان ناضر ... أزهاره المباسم) (قلبِي عَلَيْهِ طَائِر ... تبْكي لَهُ الحمائم) (وَإِن غَابَ فَهُوَ حَاضر ... بالفكر لي ملازم) (كم قد لوى على الولا من موعد ... لم يفكر فِي عاني) (وَقد كفى مَا قد بِلَا بالكمد ... والفكر ذَا الْجَانِي) (أزرى بغزلان النقا ... وبانه وحقفه) (كم حل من عقد تقى ... بطرفه وظرفه) (لم أنسه لما سقا ... من ثغره الإلفه) (سلاف ريق روقا ... فِي ثغره لرشفه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 260 (قد احتوى على طلا وسهد ... ودرر مرجان) (ورصعا وكللا بالبرد ... والزهر للحان) (أماله سكر الصِّبَا ... ميل الصِّبَا بقده) (وَفك أزرار القبا ... وَحل عقد بنده) (وسدنه زهر الرِّبَا ... وساعدي لسعده) (وَبت أرعى زغبا ... من فَوق ورد خَدّه) (مثل الْهوى هَب على روض ند ... من طرر ريحاني) (قد لطفا حَتَّى علا مورد ... مزهر نعماني) (خد بِهِ خد البكا ... فِي صحن خدي عذرا) (ورد لما أَن شكا ... سَائل جمعي نَهرا) (كم مغرم قد تركا ... بَين البرايا عبرا) (يَا من إِلَيْهِ المشتكى ... الْحَال يُغني النظرا) (وَإِذا الْهوى فانهملا دمعي الصدي ... كالمطر هتاني) (وَمَا انطفا واشتعلا فِي كَبِدِي ... كالشرر نيراني) (يَا فرحة المحزون ... وقرحه لمن يرى) (إِن صلت بالجفون ... وصدت من جفني الكرا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 261 (فَلَيْسَ من يحمين ... سوى الَّذِي فاق الورى) (شمس الْعلَا وَالدّين ... أبي سعيد سنقرا) (مولى حوى كل الْعلَا ... وسؤدد من معشر فرسَان) (وَقد صفا ثمَّ حلا فِي المورد ... للمعصر والعاني) وَمِنْهَا (غَدا منادينا محكما فِينَا ... يقْضِي علينا الأسى لَوْلَا تأسينا) (بَحر الْهوى يغرق ... من فِيهِ جهلا عَام) (وناره تحرق ... من هم أوقد هام) (وَرُبمَا يقلق ... فَتى عَلَيْهِ نَام) (قد غير الْأَجْسَام وصير الْأَيَّام ... سُودًا وَكَانَت بكم بيضًا ليالينا) (يَا صَاحب النَّجْوَى ... قف واستمع مني) (إياك أَن تهوى ... إِن الْهوى يضني) (لَا تقرب الْبلوى ... اسْمَع وَقل عني) (بحاره مره خضنا على غره ... حينا فَقَامَ بهَا للنعي ناعينا) (من هام بالغيد ... لَاقَى بهم هما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 262 (بذلت مجهودي ... لأحور ألمى) (فهم بالجود ... ورد مَا هما) (وعندما قد جاد بالوصل أَو قد كَاد ... أضحى التنائي بديلا من تدانينا) (بِحَق مَا بيني ... وَبَيْنكُم إِلَّا) (أقررتم عَيْني ... فتجمعوا الشملا) (فالعيش بالبين ... بفقدكم أبلى) (جَدِيد مَا قد كَانَ بالأهل والإخوان ... ومورد اللَّهْو صَاف من تصافينا) (يَا جيرة بَانَتْ ... عَن مغرم صب) (لعهده خانت ... من غير مَا ذَنْب) (مَا هَكَذَا كَانَت ... عوائد الْعَرَب) (لَا تحسبوا البعدا يُغير العهدا ... إِذْ طالما غير النأي المحبينا) (يَا نازلا بالبان ... بالشفع وَالْوتر) (والنمل وَالْفرْقَان ... وَاللَّيْل إِذا يسري) (وَسورَة الرَّحْمَن ... والنحل وَالْحجر) (هَل حل فِي الْأَدْيَان أَن يقتل الظمآن ... من كَانَ صرف الْهوى والود يسقينا) (يَا سَائل الْقطر ... عرج على الْوَادي) (من سَاكِني بدر ... وقف بهم نَادِي) (عَسى صبا تسري ... لمغرم صادي) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 263 (إِن شِئْت تحيينا بلغ تحايينا ... من لَو على الْبعد حَيا كَانَ يحيينا) (وافت لنا أَيَّام ... كَأَنَّهَا أَعْوَام) (وَكَانَ لي أَعْوَام ... كَأَنَّهَا أَيَّام) (تمر كالأحلام ... بالوصل لي لَو دَامَ) (والكأس مترعة حثت مشعشعة ... فِينَا الشُّمُول وغنانا مغنينا) وَمِنْهَا (مَا أخجل قده غصون البان ... بَين الْوَرق) (إِلَّا سلب المها مَعَ الغزلان ... سود الحدق) (قاسوا غَلطا من حَاز حسن الْبشر ... ) (بالبدر يلوح فِي دياجي الشّعْر ... ) (لَا كيد وَلَا كَرَامَة للقمر ... ) (الْحبّ جماله مدى الْأَزْمَان ... مَعْنَاهُ بَقِي) (وازداد سنا وَخص بِالنُّقْصَانِ ... بدر الْأُفق) (الصِّحَّة والسقام فِي مقلته ... ) (وَالْجنَّة والجحيم فِي وجنته ... ) (من شَاهده يَقُول من دهشته ... ) (هَذَا وَأَبِيك فر من رضوَان ... تَحت الغسق) (للْأَرْض يعيذه من الشَّيْطَان ... رب الفلق) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 264 (قد أَنْبَتَهُ الله نباتا حسنا ... ) (وازداد على المدى سناء وسنا ... ) (من جاد لَهُ بِرُوحِهِ مَا غبنا ... ) (قد زين حسنه مَعَ الْإِحْسَان ... حسن الْخلق) (لَو رمت لحسنه مليحا ثَان ... لم يتَّفق) (فِي نرجس لحظه وزهر الثغر ... ) (روض نضر قطافه بِالنّظرِ ... ) (قد دبج خَدّه نَبَات الشّعْر ... ) (فالورد حواه ناعم الريحان ... بالطل سقِِي) (وَالْقد يمِيل مَيْلَة الأغصان ... للمعتنق) (أَحْيَا وأموت فِي هَوَاهُ كمدا ... ) (من مَاتَ جوى فِي حبه قد سَعْدا ... ) (يَا عاذل لَا أترك وجدي أبدا ... ) (لَا تعذلني فَكلما تلحاني ... زَادَت حرقي) (يستأهل من يهم بالسلوان ... ضرب الْعُنُق) (الْقد وطرفه قناة وحسام ... ) (والحاجب واللحاظ قسي وسهام ... ) (والثغر مَعَ الرضاب كأس ومدام ... ) (والدر منظم مَعَ المرجان ... فِي فِيهِ نقي) (قد رصع فَوْقه عقيق قان ... نظم النسق) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 265 وَمِنْهَا (قَالُوا سلا واسترد مضناه ... قلبا أخذا) (لَا وَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ... مَا كَانَ كَذَا) (عشقته كوكبا من الصغر ... أأترك الوجد وَهُوَ كَالْقَمَرِ) (دبج ديباجته بالشعر ... بَدَت طرازا كالرقم بالإبر) (لَا وَالَّذِي زانه فَأعْطَاهُ ... حسنا وشذا) (على البرايا إِنَّه الله ... مَا كَانَ كَذَا) (وَلَو تقاس الكئوس بالثغر ... وبالثنايا الْحباب كالدرر) (لفضل الثغر صِحَة النّظر ... وَالصرْف فِي مطعم وَفِي عطر) (لَو قيس مَا فاق من حمياه ... أَو مَا نبذا) (إِلَى رضاب حوته عَيناهُ ... مَا كَانَ كَذَا) (كل دم النَّاس فَوق وجنته ... قد سفكتها سِهَام مقلته) (الْعَفو من نبلها وحدته ... لَو صب بهْرَام كل جعبته) (وَاخْتَارَ من نبلها ونقاه ... سَهْما نفذا) (فِي الأَرْض من حرقة رماياه ... مَا كَانَ كَذَا) (وسودها يَا حَلِيم خُذ بيَدي ... أمضي من الْبيض مَعَ بني أَسد) (لَو قيس مَا فك مُحكم الزرد ... من كل ماضي الْقُرُون غير صد) (إِلَى حسام نضته عَيناهُ ... مَاض شحذا) (على مسن أبدته صدغاه ... مَا كَانَ كَذَا) (قد سبى الظبي حسن لفتته ... كَمَا سبى الْغُصْن حسن خطرته الجزء: 9 ¦ الصفحة: 266 (وَالشَّمْس خجلى من حسن طلعته ... والبدر فِي حسنه وبهجته) (لَو قيس أَيْضا إِلَى محياه ... فِي الْحسن إِذا) (حفت بِهِ هَالة عذاراه ... مَا كَانَ كَذَا) 1330 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله القَاضِي نجم الدّين أَبُو حَامِد بن جمال الدّين ابْن الشَّيْخ محب الدّين الطَّبَرِيّ الآملي قَاضِي مَكَّة شرفها الله ولد سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَسمع من عَم جده يَعْقُوب بن أبي بكر الطَّبَرِيّ وَمن جده وَغَيرهمَا وَله إجَازَة من الْحَافِظ أبي بكر بن مسدي كَانَ فَقِيها شَاعِرًا توفّي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَمن شعره (أشبيهة الْبَدْر التَّمام إِذا بدا ... حسنا وَلَيْسَ الْبَدْر من أشباهك) (مأسور حسنك إِن يكن متشفعا ... فإليك فِي الْحسن البديع بجاهك) الحديث: 1330 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 267 (أشفى أسى أعيا الأساة دواؤه ... وشفاه يحصل بارتشاف شفاهك) (فصليه واغتنمي بَقَاء حَيَاته ... لَا تقطعيه جَفا بِحَق إلاهك) 1331 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن يحيى بن سيد النَّاس الْحَافِظ الأديب فتح الدّين أَبُو الْفَتْح بن الْفَقِيه أبي عَمْرو بن الْحَافِظ أبي بكر الْيَعْمرِي الأندلسي الأشبيلي ثمَّ الْمصْرِيّ أجَاز لَهُ النجيب الْحَرَّانِي وَحضر على الشَّيْخ شمس الدّين بن الْعِمَاد الْحَنْبَلِيّ وَسمع من قطب الدّين بن الْقُسْطَلَانِيّ وَمن غَازِي الحلاوي وَابْن خطيب المزة وَخلق الحديث: 1331 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 268 قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَانَ صَدُوقًا فِي الحَدِيث حجَّة فِيمَا يَنْقُلهُ لَهُ بصر نَافِذ بالفن وخبرة بِالرِّجَالِ وطبقاتهم وَمَعْرِفَة بالاختلاف وَقَالَ الشَّيْخ علم الدّين البرزالي كَانَ أحد الْأَعْيَان معرفَة وإتقانا وحفظا وضبطا للْحَدِيث وتفهما فِي علله وَأَسَانِيده عَالما بصحيحه وسقيمه مستحضرا للسيرة لَهُ حَظّ وافر من الْعَرَبيَّة وَله الشّعْر الرَّائِق والنثر الْفَائِق وَقَالَ ابْن فضل الله فِي مسالك الْأَبْصَار أحد أَعْلَام الْحفاظ وَإِمَّا أهل الحَدِيث الواقفين فِيهِ بعكاظ الْبَحْر المكثار والحبر فِي نقل الْآثَار وَله أدب أسلس قيادا من الْغَمَام بأيدي الرِّيَاح وَأسلم مرَادا من الشَّمْس فِي ضمير الصَّباح وَقَالَ الشَّيْخ صَلَاح الدّين الصَّفَدِي كَانَ حَافِظًا بارعا متوعلا هضبات الْأَدَب عَارِفًا متفننا بليغا فِي إنشائه ناظما ناثرا مترسلا لم يضم الزَّمَان مثله فِي أحشائه خطه أبهج من حدائق الأزهار وآنق من صفحات الخدود الْمُطَرز وردهَا بآس العذار قلت مولده فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة وَكَانَ من بَيت رياسة وَعلم ولجده مُصَنف فِي منع بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد فِي مُجَلد ضخم يدل على علم عَظِيم وصنف الشَّيْخ فتح الدّين كتابا فِي الْمَغَازِي وَالسير سَمَّاهُ عُيُون الْأَثر أحسن فِيهِ مَا شَاءَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 269 وَشرح من التِّرْمِذِيّ قِطْعَة وَله تصانيف أخر ونظم كثير وَلما شغرت مشيخة الحَدِيث بالظاهرية بِالْقَاهِرَةِ وَليهَا الشَّيْخ الْوَالِد ودرس بهَا فسعى فِيهَا الشَّيْخ فتح الدّين وساعده نَائِب السلطنة إِذْ ذَاك ثمَّ لم يتجاسروا على الشَّيْخ فَأرْسل الشَّيْخ فتح الدّين إِلَى الشَّيْخ يَقُول لَهُ أَنْت تصلح لكل منصب فِي كل علم وَأَنا إِن لم يحصل لي تدريس حَدِيث فَفِي أَي علم يحصل لي التدريس فرق عَلَيْهِ الْوَالِد وَتركهَا لَهُ فاستمر بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي حادي عشر شعْبَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَمن شعره (يَا كاتم الشوق إِن الدمع مبديه ... حَتَّى يُعِيد زمَان الْوَصْل مبديه) (أصبو إِلَى البان بَانَتْ عَنهُ هاجرتي ... تعللا بليالي وَصلهَا فِيهِ) (عصر مضى وجلابيب الصِّبَا قشب ... لم يبْق من طيبه إِلَّا تمنيه) (لَو دَامَ عهد اللوى لم تلو ماطلتي ... دينا تقضى زماني فِي تقاضيه) وَمِنْه (عهدي بِهِ والبين لَيْسَ يروعه ... صب براه نحوله ودموعه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 270 (لَا تَطْلُبُوا فِي الْحبّ ثأر متيم ... فالموت من شرع الغرام شُرُوعه) (عَن سَاكن الْوَادي سقته مدامعي ... حدث حَدِيثا طَابَ لي مسموعه) (أفدي الَّذِي عنت البدور لوجهه ... إِذْ حل معنى الْحسن فِيهِ جَمِيعه) (الْبَدْر من كلف بِهِ كلب بِهِ ... والغصن من عطف عَلَيْهِ خضوعه) (لله معسول المراشف واللمى ... حُلْو الحَدِيث ظريفه مطبوعه) (دارت رحيق سلافه فلنا بهَا ... سكر يجل عَن المدام صَنِيعه) (يجني فأضمر عَتبه فَإِذا بدا ... فجماله مِمَّا جناه شفيعه) وَمِنْه (قضى وَلم يقْض من أحبابه أربا ... صب إِذا مر خفاق النسيم صبا) (رَاض بِمَا صنعت أَيدي الغرام بِهِ ... فحسبه الْحبّ مَا أعْطى وَمَا سلبا) (مَا مَاتَ من مَاتَ فِي أحبابه كلفا ... وَلَا قضى بل قضى الْحق الَّذِي وجبا) (فالسحب تبكيه بل تسقيه هامية ... وَكَيف تبْكي محبا نَالَ مَا طلبا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 271 (والغصن نشوان يثنيه الغرام بِهِ ... كَأَنَّهُ منحميا وجده شربا) (وطوقت جيدها الورقاء واختضبت ... لَهُ وغنت على أعوادها طَربا) (ومالت الدوحة الْغناء راقصة ... تصبو وتنثر من أوراقها ذَهَبا) (وَالرَّوْض حمل أنفاس النسيم شذا ... أزهاره راجيا من قربه سَببا) (فرقاه الْورْد فاستغى بِهِ وثنى ... عطفا عَلَيْهِ وَمن رَجَعَ الْجَواب أَبى) (ففارقت روضها الأزهار واتخذت ... نَحْو الرَّسُول سَبِيلا وابتغت سربا) مِنْهَا (لَو لم يكن بابلي الرِّيق مبسمه ... لما اكتسى ثغره من دره حببا) (للأقحوانة مِمَّا فِيهِ منظرها ... وَلم تنَلْ مثله عرفا وَلَا ضربا) (والبرق يخْفق لما شام بارقه ... فالمزن تبْكي لَهُ إِذْ أعوز الشنبا) (من لي وللكبد الحرى وللمقلة العبرى ... استهلت وسحت دمعها سحبا) (وَمن لمضنى إِذا لج السقام بِهِ ... وَالْحب لم يلق إِلَّا روحه سلبا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 272 ورد إِلَى دمشق فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وبحثنا مَعَه فوجدناه إِمَامًا فِي الْمنطق وَالْحكمَة عَارِفًا بالتفسير والمعاني وَالْبَيَان مشاركا فِي النَّحْو يتوقد ذكاء وَله على الْكَشَّاف حواش مَشْهُورَة وَشرح الشمسية فِي الْمنطق توفّي فِي سادس عشر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بِظَاهِر دمشق عَن نَحْو أَربع وَسبعين سنة 1335 - مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الله بن مَحْمُود الْجَزرِي ثمَّ الْمصْرِيّ أَبُو عبد الله الْخَطِيب بالجامع الصَّالِحِي بِمصْر ثمَّ بالجامع الطولوني سمع من أبي الْمَعَالِي أَحْمد بن إِسْحَاق الأبرقوهي وَكَانَ إِمَامًا فِي الْأَصْلَيْنِ وَالْفِقْه والنحو والمنطق وَالْبَيَان والطب درس بالمعزية بِمصْر والشريفية بِالْقَاهِرَةِ وَشرح منهاج الْبَيْضَاوِيّ فِي أصُول الْفِقْه وَشرح أسولة القَاضِي سراج الدّين فِي التَّحْصِيل وَتكلم عَلَيْهَا قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله علم الْكَلَام الحديث: 1335 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 275 مولده بِجَزِيرَة ابْن عمر فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَتُوفِّي بِمصْر فِي سادس ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى عشرَة وَسَبْعمائة 1336 - مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ بن يُوسُف بن حَيَّان النفزي الأندلسي الجياني الأَصْل الغرناطي المولد والمنشأ الْمصْرِيّ الدَّار شَيخنَا وأستاذنا أَبُو حَيَّان شيخ النُّحَاة الْعلم الْفَرد وَالْبَحْر الَّذِي لم يعرف الجزر بل الْمَدّ سِيبَوَيْهٍ الزَّمَان والمبرد إِذا حمي الْوَطِيس بتشاجر الأقران وَإِمَام النَّحْو الَّذِي لقاصده مِنْهُ مَا يَشَاء ولسان الْعَرَب الَّذِي لكل سمع لَدَيْهِ الإصغاء كعبة علم تحج وَلَا تحج ويقصد من كل فج تضرب إِلَيْهِ الْإِبِل آباطها وتفد عَلَيْهِ كل طَائِفَة سفرا لَا يعرف إِلَّا نمارق البيد بساطها الحديث: 1336 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 276 وَكَانَ عذبا منهلا وسيلا يسْبق ارتداد الطّرف وَإِن جَاءَ منهملا يعم الْمسير إِلَيْهِ الغدو والرواح ويتنافس على أرج ثنائه مسك اللَّيْل وكافور الصَّباح وَلَقَد كَانَ أرق من النسيم نفسا وأعذب مِمَّا فِي الكؤوس لعسا طلعت شمسه من مغْرِبهَا واقتعد مصر فَكَانَ نِهَايَة مطلبها وَجلسَ بهَا فَمَا طَاف على مثله سورها وَلَا طَار إِلَّا إِلَيْهِ من طلبة الْعلم قشاعمها ونسورها وازدهرت بِهِ وَلَا ازدهاءها بالنيل وَقد رَوَاهَا وافتخرت بِهِ حَتَّى لقد لعبت بأغصان البان مهاب صباها مولده بمطخشارش وَهِي مَدِينَة مسورة من أَعمال غرناطة فِي أخريات شَوَّال سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَنَشَأ بغرناطة وَقَرَأَ بهَا القراآت والنحو واللغة وجال فِي بِلَاد الْمغرب ثمَّ قدم مصر قبل سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَسمع الْكثير سمع بغرناطة الْأُسْتَاذ أَبَا جَعْفَر بن الزبير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 277 وَأَبا جَعْفَر بن بشير وَأَبا جَعْفَر بن الطباع وَأَبا عَليّ بن أبي الْأَحْوَص وَغَيرهم وبمالقة أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عَبَّاس الْقُرْطُبِيّ وببجاية أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن صَالح الْكِنَانِي وبتونس أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن هَارُون وَغَيره وبالأسكندرية عبد الْوَهَّاب ابْن حسن بن الْفُرَات وبمكة أَبَا الْحسن عَليّ بن صَالح الْحُسَيْنِي وبمصر عبد الْعَزِيز الْحَرَّانِي وَابْن خطيب المزة وغازي الحلاوي وخلقا ولازم الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد الدمياطي وانتقى على بعض شُيُوخه وَخرج وشغل النَّاس بالنحو والقراآت سمع عَلَيْهِ الجم الْغَفِير وَأخذ عَنهُ غَالب مشيختنا وأقراننا مِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد وناهيك بهَا لأبي حَيَّان منقبة وَكَانَ يعظمه كثيرا وتصانيفه مشحونة بِالنَّقْلِ عَنهُ وَلما توجهنا من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة ثمَّ أمرنَا السُّلْطَان بِالْعودِ إِلَى الشَّام لانقضاء مَا كُنَّا توجهنا لأَجله استمهله الْوَالِد أَيَّامًا لأجلي فَمَكثَ حَتَّى أكملت على أبي حَيَّان مَا كنت أقرؤه عَلَيْهِ وَقَالَ لي يَا بني هُوَ غنيمَة ولعلك لَا تَجدهُ من سفرة أُخْرَى وَكَانَ كَذَلِك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 278 وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو حَيَّان إِمَامًا مُنْتَفعا بِهِ اتّفق أهل الْعَصْر على تَقْدِيمه وإمامته ونشأت أَوْلَادهم على حفظ مختصراته وآباؤهم على النّظر فِي مبسوطاته وَضربت الْأَمْثَال باسمه مَعَ صدق اللهجة وَكَثْرَة الإتقان والتحري وشدا طرفا صَالحا من الْفِقْه وَاخْتصرَ منهاج النَّوَوِيّ وصنف التصانيف السائرة الْبَحْر الْمُحِيط فِي التَّفْسِير وَشرح التسهيل والارتشاف وَتَجْرِيد أَحْكَام سِيبَوَيْهٍ والتذكرة والغاية والتقريب والمبدع واللمحة وَغير ذَلِك وَله فِي القراآت عقد اللآلي وَله نظم كثير وموشحاته أَجود من شعره توفّي عشي يَوْم السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من صفر سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بمنزله بِظَاهِر الْقَاهِرَة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا شَيخنَا أَبُو حَيَّان بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشري شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْمَدْرَسَةِ الصالحية بِالْقَاهِرَةِ أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 279 ابْن مُحَمَّد بن الْمُؤَيد الهمذاني بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أسعد بن أبي الْفتُوح بن روح وعفيفة بنت أَحْمد بن عبد الله فِي كِتَابَيْهِمَا قَالَا أخبرتنا فَاطِمَة الجوزدانية أخبرنَا ابْن ريذة أخبرنَا الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا جَعْفَر بن حميد بن عبد الْكَرِيم بن فروخ بن ديزج بن بِلَال بن سعد الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي حَدثنِي جدي لأمي عمر بن أبان بن مفضل الْمَدِينِيّ قَالَ أَرَانِي أنس بن مَالك الْوضُوء أَخذ ركوة فوضعها عَن يسَاره وصب على يَده الْيُمْنَى فغسلها ثَلَاثًا ثمَّ أدَار الركوة على يَده الْيُمْنَى وصب على يَده الْيُسْرَى فغسلها ثَلَاثًا وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا فَتَوَضَّأ وَأخذ مَاء جَدِيدا لصماخه فَمسح صماخه فَقلت لَهُ قد مسحت أذنيك فَقَالَ يَا غُلَام إنَّهُمَا من الرَّأْس لَيْسَ هما من الْوَجْه ثمَّ قَالَ يَا غُلَام هَل رَأَيْت وفهمت أَو أُعِيد عَلَيْك فَقلت قد كفاني وَقد فهمت قَالَ فَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ فِي إِسْنَاده شيخ الطَّبَرَانِيّ وَشَيْخه عمر بن أبان وهما مَجْهُولَانِ وَلَو صَحَّ لَكَانَ بتصريحه أَنَّهُمَا من الرَّأْس أقوى دَلِيل على ذَلِك قَالَ أستاذنا أَبُو حَيَّان قَول أنس لَيْسَ هما من الْوَجْه وَجه الْكَلَام أَن يَقُول ليستا من الْوَجْه لكنه جعل لَيْسَ مثل مَا فَلم يعملها وَذَلِكَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 280 فِي لُغَة تَمِيم يَقُولُونَ لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك وَقد أَشَارَ لذَلِك سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه وَنَصّ عَلَيْهِ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء فِي حِكَايَة طَوِيلَة جرت بَينه وَبَين عِيسَى بن عمر الثَّقَفِيّ وَقَالَ النحويون قِيَاس من لم يعْمل لَيْسَ وَجعلهَا كَمَا أَن يفصل الضَّمِير مَعهَا فَيَقُول لَيْسَ أَنا قَائِم كَمَا تَقول مَا أَنا قَائِم فعلى هَذَا جَازَ لَيْسَ هما من الْوَجْه كَأَنَّهُ قَالَ مَا هما من الْوَجْه قلت صُورَة الْحِكَايَة أَن عِيسَى قَالَ لأبي عَمْرو مَا شَيْء بَلغنِي عَنْك قَالَ مَا هُوَ قَالَ زعمت أَن الْعَرَب تَقول لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك فَترفع فَقَالَ أَبُو عَمْرو لَيْسَ فِي الأَرْض تميمي إِلَّا وَهُوَ يرفع وَلَا حجازي إِلَّا وَهُوَ ينصب ثمَّ بعث مَعَه خلفا الْأَحْمَر واليزيدي فجاءا إِلَى حجازي فجهدا بِهِ على أَن يرفع فَلم يفعل وجاءا إِلَى رجل تميمي فجهدا بِهِ على أَن ينصب فَلم يفعل وَقَالَ لَيْسَ هَذَا بلحن قومِي فجَاء عِيسَى إِلَى أبي عَمْرو فَقَالَ بِهَذَا فقت النَّاس وَالله لَا خالفتك بعْدهَا وَقَول الشَّيْخ أبي حَيَّان إِن أنسا جعل لَيْسَ مثل مَا قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن هِشَام نحوي هَذَا الْوَقْت أبقاه الله تَعَالَى لَيْسَ ذَلِك مُتَعَيّنا بل يجوز أَن يكون أضمر فِي لَيْسَ ضمير الشَّأْن والْحَدِيث وَحِينَئِذٍ فَنَقُول هما من الْوَجْه مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة خبر لَيْسَ وَفصل الضَّمِير وَاجِب لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَعْمُول للابتداء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 281 كَمَا أَنه فِي تَخْرِيج أبي حَيَّان كَذَلِك والتخريج الَّذِي ذكرته أولى لِأَن فِيهِ إبْقَاء لَيْسَ على إعمالها والوجهان مذكوران فِي قَوْله (وَلَيْسَ مِنْهَا شِفَاء النَّفس مبذول ... ) وَقَول أبي حَيَّان إِن ذَلِك لُغَة بني تَمِيم وإشارته إِلَى الْحِكَايَة لَيْسَ بجيد فَإِن تِلْكَ اللُّغَة والحكاية إِنَّمَا هما فِيمَا إِذا انْتقض النَّفْي بإلا نَحْو لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك وَإِنَّمَا مسئلتنا هَذِه أَن من الْعَرَب من يَقُول لَيْسَ زيد قَائِم فَيبْطل عَملهَا مَعَ بَقَاء النَّفْي وَهَذَا الَّذِي يتَخَرَّج عَلَيْهِ قَول أنس رَضِي الله عَنهُ وَقد مر بِي فِي شرح التصريف الملوكي ليعيش بَيت نَظِير قَول أنس رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ (أَبوك يزِيد بن الْوَلِيد وَمن يكن ... هما أَبَوَاهُ لَا يذل ويكرما) فَهُنَا يتَعَيَّن أَن تكون كَانَ شأنية وَالْجُمْلَة بعْدهَا خبر وَأَن تكون مُهْملَة وَمَا بعْدهَا مُبْتَدأ وَخبر وَلَا يكون قَوْله هما اسْما ليكن لِأَنَّهُ قد فَصله وَلِأَن بعده أَبَوَاهُ بِالْألف وَقد يُجَاب عَن هَذَا بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون على لُغَة {إِن هَذَانِ لساحران} قَرَأت على الْأُسْتَاذ أبي حَيَّان أخْبركُم القَاضِي أَبُو عَليّ الْحسن بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن أبي الْأَحْوَص عَن قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْقَاسِم أَحْمد بن يزِيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 282 ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مخلد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن تَقِيّ بن مخلد ابْن يزِيد الْقُرْطُبِيّ عَن أَبِيه عَن أَبِيه عَن أَبِيه عَن أَبِيه عَن أَبِيه عَن أَبِيه عَن أَبِيه عَن أَبِيه عَن أَبِيه الإِمَام أبي عبد الرَّحْمَن بَقِي بن مخلد عَن أبي بكر الْمقدمِي عَن عمر بن عَليّ وَعبد الله بن يزِيد عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع عَن عبد الله بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بمجلسين أحد المجلسين يدعونَ الله ويرغبون إِلَيْهِ وَالْآخر يتعلمون الْعلم ويعلمونه فَقَالَ (كل المجلسين خير وَأَحَدهمَا أفضل من الآخر أما هَؤُلَاءِ فيتعلمون ويعلمون الْجَاهِل فهم أفضل وَأما هَؤُلَاءِ فَيدعونَ الله ويرغبون إِلَيْهِ إِن شَاءَ أَعْطَاهُم وَإِن شَاءَ مَنعهم وَإِنَّمَا بعثت معلما) ثمَّ جلس مَعَهم قلت لَا أعرف حَدِيثا اجْتمع فِيهِ رِوَايَة الْأَبْنَاء عَن الْآبَاء بِعَدَد مَا اجْتمع فِي هَذَا إِلَّا مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة الفارقي الْمصْرِيّ الْمُحدث بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمد بن إِسْحَاق الأبرقوهي أخبرنَا أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن سَابُور القلانسي أخبرنَا أَبُو الْمُبَارك عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الشِّيرَازِيّ أخبرنَا رزق الله بن عبد الْوَهَّاب التَّمِيمِي إملاء سَمِعت أبي أَبَا الْفرج عبد الْوَهَّاب يَقُول سَمِعت أبي أَبَا الْحسن عبد الْعَزِيز يَقُول سَمِعت أبي أَبَا بكر الْحَارِث يَقُول سَمِعت أبي أسدا يَقُول سَمِعت أبي اللَّيْث يَقُول سَمِعت أبي سُلَيْمَان يَقُول سَمِعت أبي الْأسود الجزء: 9 ¦ الصفحة: 283 يَقُول سَمِعت أبي سُفْيَان يَقُول سَمِعت أبي يزِيد يَقُول سَمِعت أبي أكتمة يَقُول سَمِعت أبي الْهَيْثَم يَقُول سَمِعت أبي عبد الله يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (مَا اجْتمع قوم على ذكر الله إِلَّا حفتهم الْمَلَائِكَة وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة) أخبرنَا أَبُو حَيَّان بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ عَن القَاضِي الأصولي الْمُتَكَلّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ أبي الْحسن مُحَمَّد بن أبي عَامر بن أبي الْحُسَيْن الْقُرْطُبِيّ عَن أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الغافقي الشقوري عَن القَاضِي أبي الْحسن شُرَيْح بن مُحَمَّد بن شُرَيْح قَالَ كتب إِلَيّ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن حزم الظَّاهِرِيّ وَأنْشد لنَفسِهِ هَذَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 284 (من عذيري من أنَاس جهلوا ... ثمَّ ظنُّوا أَنهم أهل النّظر) (ركبُوا الرَّأْي عنادا فسروا ... فِي ظلام تاه فِيهِ من عبر) (وَطَرِيق الْحق نهج مهيع ... مثل مَا أَبْصرت فِي الْأُفق الْقَمَر) (فَهُوَ للْإِجْمَاع وَالنَّص الَّذِي ... لَيْسَ إِلَّا فِي كتاب أَو أثر) أَنْشدني شَيخنَا أَبُو حَيَّان لنَفسِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ (عداتي لَهُم فضل عَليّ ومنة ... فَلَا أذهب الرَّحْمَن عني الأعاديا) (هم بحثوا عَن كلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا) وأنشدني لنَفسِهِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَيْضا (رَاض حَبِيبِي عَارض قد بدا ... يَا حسنه من عَارض رائض) (وَظن قوم أَن قلبِي سلا ... وَالْأَصْل لَا يعْتد بالعارض) وَأَيْضًا (سبق الدمع بِالْمَسِيرِ المطايا ... إِذْ نوى من أحب عني نَقله) (وأجاد السطور فِي صفحة الخد ... وَلم لَا يجيد وَهُوَ ابْن مقله) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 285 وَأَيْضًا (يظنّ الْغمر أَن الْكتب تجدي ... أَخا ذهن لإدراك الْعُلُوم) (وَمَا يدْرِي الجهول بِأَن فِيهَا ... غوامض حيرت عقل الفهيم) (إِذا رمت الْعُلُوم بغر شيخ ... ضللت عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم) (وتلتبس الْأُمُور عَلَيْك حَتَّى ... تصير أضلّ من توما الْحَكِيم) وَأَيْضًا (قد سباني من بني التّرْك رشا ... جوهري الثغر مسكي النَّفس) (ناظري للورد مِنْهُ غارس ... مَا لَهُ لَا يجتني مِمَّا غرس) (قد حكى شمسا وغصنا ونقا ... فِي انبلاج وارتجاج وميس) (ضيق الْعَينَيْنِ تركيهما ... وَاسع الوجنة خزي المجس) (أَصبَحت عقرب خديه مَعًا ... لجني الْورْد فِي الخد حرس) (وَغدا ثعبان دبوقته ... جائلا فِي عطفه مهما ارتجس) (لست أخْشَى سَيْفه أَو رمحه ... إِنَّمَا أرهب لحظا قد نعس) (اختلسنا بعد هجر وَصله ... إِن أهنى الْوَصْل مَا كَانَ خلس) (لست أنساه وَقد أطلع من ... راحه شمسا أَضَاءَت فِي الْغَلَس) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 286 (وَرمى الْعمة فالتاج لنا ... فرق شعر دق مبد مَا الْتبس) (لمس الكأس لكَي يشْربهَا ... وتحسى الكأس فِي فَرد نفس) (وَغدا يمسح بالمنديل مَا ... أبقت الْخمْرَة فِي ذَاك اللعس) (عجبا مِنْهَا وَمِنْه قهقهت ... إِذْ حساها وَهُوَ مِنْهَا قد عبس) فَهَذِهِ نبذة من مقروآتي على شَيخنَا أبي حَيَّان وأنشدنا لنَفسِهِ مَا مدحني بهما وَأَنا ابْن ثَلَاث سِنِين وهما عِنْدِي بِخَطِّهِ وَعَلَيْهِمَا خطّ الْوَالِد رَحمَه الله (أَلا إِن تَاج الدّين معارف ... وَبدر هدى تجلى بِهِ ظلم الدَّهْر) (سليل إِمَام قل فِي النَّاس مثله ... فضائله تربو على الزهر والزهر) وأنشدنا لنَفسِهِ إجَازَة إِن لم يكن سَمَاعا قصيدته الَّتِي امتدح بهَا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ومطلعها (غذيت بِعلم النَّحْو إِذْ در لي ثديا ... فجسمي بِهِ ينمي وروحي بِهِ تحيا) (وَقد طَال تضرابي لزيد وعمره ... وَمَا اقترفا ذَنبا وَلَا تبعا غيا) (وَمَا نلْت من ضربيهما غير شهرة ... بغن مَا يجدي اشتهار بِهِ شيا) (أَلا إِن علم النَّحْو قد باد أَهله ... فَمَا إِن ترى فِي الْحَيّ من بعدهمْ حَيا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 287 (سأتركه ترك الغزال لظله ... وأبعه هجرا وأوسعه نأيا) (وأسموا إِلَى الْفِقْه الْمُبَارك إِنَّه ... ليرضيك فِي الْأُخْرَى ويحظيك فِي الدُّنْيَا) (هَل الْفِقْه إِلَّا أصل دين مُحَمَّد ... فَجرد لَهُ عزما وجدد لَهُ سعيا) (وَكن تَابعا للشَّافِعِيّ وسالكا ... طَرِيقَته تبلغ بِهِ الْغَايَة القصيا) (أَلا بِابْن إِدْرِيس قد اتَّضَح الْهدى ... وَكم غامض أبدا وَكم دارس أَحْيَا) (سمي الرَّسُول الْمُصْطَفى وَابْن عَمه ... فناهيك مجدا قد سما الرُّتْبَة الْعليا) (هُوَ استنبط الْفَنّ الأصولي فاكتسى ... بِهِ الْفِقْه من ديباج إنشائه وشيا) وَهِي قصيدة مُطَوَّلَة وقصيدته الَّتِي امتدح بهَا البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ ومطلعها (أسامع أَخْبَار الرَّسُول لَك الْبُشْرَى ... لقد سدت فِي الدُّنْيَا وَقد فزت بِالْأُخْرَى) وأنشدنا لنَفسِهِ إجَازَة قصيدته الَّتِي عَارض بهَا بَانَتْ سعاد ومطلعها (لَا تعذلاه فَمَا ذُو الْحبّ معذول ... الْعقل مختبل وَالْقلب متبول) (هزت لَهُ أسمرا من خوط قامتها ... فَمَا انثنى الصب إِلَّا وَهُوَ مقتول) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 288 (جميلَة فصل الْحسن البديع لَهَا ... فكم لَهَا جمل مِنْهُ وتفصيل) (فالنحر مرمرة والنشر عنبرة ... والثغر جَوْهَرَة والريق معسول) (والطرف ذُو غنج وَالْعرْف ذُو أرج ... والخصر مختطف والمتن مجدول) (هيفاء ينبس فِي الخصر الوشاح لَهَا ... درماء يخرس فِي السَّاق الخلاخيل) (من اللواتي علاهن النَّعيم فَمَا ... يشقين آباؤها الصَّيْد البهاليل) وَمِنْهَا (نزر الْكَلَام عييات الْجَواب إِذا ... يسألن رقد الضُّحَى حصر مكاسيل) (فشق حيزوم هَذَا اللَّيْل ممتطيا ... أَخا حزَام بِهِ قد يبلغ السول) (أقب أَقُود يعزى للوجيه لَهُ ... وَجه أغر وَفِي الرجلَيْن تحجيل) مِنْهَا (جفر حَوَافِرِهِ معر قوائمه ... ضمر أياطله والذيل عثكول) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 289 مِنْهَا (وَاصل سراك بسير يَا ابْن أندلس ... والطرف أدهم بالأشطان مغلول) (يلاطم الرّيح مِنْهُ أَبيض يقق ... لَهُ من السحر المربد إكليل) (يَعْلُو خضارة مِنْهُ شامخ جلل ... سَام طفا هُوَ بالنكباء مَحْمُول) (كَأَنَّمَا هُوَ فِي طخياء لجته ... أيم يفري أَدِيم المَاء شمليل) مِنْهَا (فللرسول انْشِقَاق الْبَدْر يشهده ... كَمَا لمُوسَى انفلاق الْبَحْر مَنْقُول) وَمن موشحاته (إِن كَانَ ليل داج وخاننا الإصباح ... فنورها الْوَهَّاج يُغني عَن الْمِصْبَاح) (سلافة تبدو ... كَالْكَوْكَبِ الْأَزْهَر) (مزاجها شهد ... وَعرفهَا عنبر) (يَا حبذا الْورْد ... مِنْهَا وَإِن أسكر) (قلبِي بهَا قد هاج فَمَا تراني صَاح ... عَن ذَلِك الْمِنْهَاج وَعَن هوى يَا صَاح) (وَبِي رشا أهيف ... قد لج فِي بعدِي) (بدر فَلَا يخسف ... مِنْهُ سنا الخد) (بلحظه المرهف ... يَسْطُو على الْأسد) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 290 (كسطوة الْحجَّاج فِي النَّاس والسفاح ... فَمَا ترى من نَاجٍ من لَحْظَة السفاح) (علل بالمسك ... قلبِي رشا أحور) (منعم الْمسك ... ذُو مبسم أعطر) (رياه كالمسك ... وريقه كوثر) (غُصْن على رجراج طاعت لَهُ الْأَرْوَاح ... فحبذا الآراج إِن هبت الْأَرْوَاح) (مهلا أَبَا الْقَاسِم ... على أبي حَيَّان) (مَا إِن لَهُ عَاصِم ... من لحظك الفتان) (وهجرك الدَّائِم ... قد طَال بالهيمان) (فدمعه أمواج وسره قد لَاحَ ... لكنه مَا عاج وَلَا أطَاع اللاح) (يَا رب ذِي بهتان ... يعذل فِي الراح) (وَفِي هوى الغزلان ... دافعت بِالرَّاحِ) (وَقلت لَا سلوان ... عَن ذَاك يَا لاحي) (سبع الْوُجُوه والتاج هِيَ منية الأفراح ... فاختر لي يَا زجاج قمصال وَزوج أقداح) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 291 غَيره (عاذلي فِي الأهيف الْأنس ... لَو رَآهُ كَانَ قد عذرا) (رشأ قد زانه الْحور ... غُصْن من فَوْقه قمر) (قمر من سحبه الشّعْر ... ثغر فِي فِيهِ أم دُرَر) (حَال بَين الدّرّ واللعس ... خمرو من ذاقها سكر) (رجة بالردف أم كسل ... رِيقه بالثغر أم عسل) (وردة بالخد أم خجل ... كحل بِالْعينِ أم كحل) (يَا لَهَا من أعين نعس ... جلبت لناظري سهرا) (مذ نأى عَن مقلتي سني ... مَا أذيقا لَذَّة الوسن) (طَال مَا أَلْقَاهُ من شجن ... عجبا ضدان فِي بدن) (بفؤادي جذوة القبس ... وبعيني المَاء منفجرا) (قد أَتَانِي الله بالفرج ... إِذْ دنا مني أَبُو الْفرج) (قمر قد حل فِي المهج ... كَيفَ لَا يخْشَى من الوهج) (غَيره لَو صابه نَفسِي ... ظَنّه من حره شررا) (نصب الْعَينَيْنِ لي شركا ... فانثنى وَالْقلب قد ملكا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 292 (قمر أضحى لَهُ فلكا ... قَالَ لي يَوْمًا وَقد ضحكا) (أَنْت جِئْت من أَرض أندلس ... نَحْو مصر تعشق القمرا) وَمن الْمسَائِل عَنهُ منع الشَّيْخ أَبُو حَيَّان أَن يُقَال مَا أعظم الله وَمَا أحلم الله وَنَحْو ذَلِك وَنقل هَذَا عَن أبي الْحسن ابْن عُصْفُور احتجاجا بِأَن مَعْنَاهُ شَيْء عظمه أَو حلمه وَجوزهُ الإِمَام الْوَالِد محتجا بقوله تَعَالَى {أبْصر بِهِ وأسمع} وَالضَّمِير فِي {بِهِ} عَائِد على الله أَي مَا أبصره وأسمعه فَدلَّ على جَوَاز التَّعَجُّب فِي ذَلِك وللوالد تصنيف فِي تَجْوِيز ذَلِك أحسن القَوْل فِيهِ قلت وَفِي شرح ألفية ابْن معطي لأبي عبد الله مُحَمَّد بن إلْيَاس النَّحْوِيّ وَهُوَ مُتَأَخّر من أهل حماة سَأَلَ الزّجاج الْمبرد فَقَالَ كَيفَ تَقول مَا أحلم الله وَمَا أعظم الله فَقَالَ كَمَا قلت فَقَالَ الزّجاج وَهل يكون شَيْء حلم الله أَو عظمه فَقَالَ الْمبرد إِن هَذَا الْكَلَام يُقَال عِنْدَمَا يظْهر من اتصافه تَعَالَى بالحلم وَالْعَظَمَة وَعند الشَّيْء يُصَادف من تفضله فالمتعجب هُوَ الذاكر لَهُ بالحلم وَالْعَظَمَة عِنْد رُؤْيَته إيَّاهُمَا عيَانًا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 293 وَقد نقل الْوَالِد معنى هَذِه الْحِكَايَة فِي تصنيفه عَن كتاب الْإِنْصَاف لِابْنِ الْأَنْبَارِي وَذكر من التَّأْوِيل أَن يَعْنِي بالشَّيْء نَفسه أَي إِنَّه عظم نَفسه أَو إِنَّه عَظِيم بِنَفسِهِ لَا شَيْء جعله عَظِيما وَمن الْفَوَائِد عَنهُ أفادنا شَيخنَا أَبُو حَيَّان أَن أَبَا الْحسن حَازِم بن أبي عبد الله بن حَازِم كَانَ نحويا أديبا بارعا شَاعِرًا مفلقا امتدح بعض خلفاء الغرب الَّذين ملكوا مَدِينَة تونس بقصيدة طنانة ضمنهَا علم النَّحْو أَولهَا (الْحَمد لله معلي قدر من علما ... وجاعل الْعقل فِي سبل الْهدى علما) (ثمَّ الصَّلَاة على الْهَادِي لسنته ... مُحَمَّد خير مَبْعُوث بِهِ اعتصما) مِنْهَا يمتدح الْخَلِيفَة (مردي العداة بِسَهْم من عَزَائِمه ... كَأَنَّهُ كَوْكَب للقذف قد رجما) (أدام قَول نعم حَتَّى إِذا اطردت ... نعماه من غير وعد لم يقل نعما) مِنْهَا (إِن اللَّيَالِي وَالْأَيَّام مذ خدمت ... بالسعد ملكك أضحت أعبدا وَإِمَّا) (لقد وَقعت عمادا للعلا فغدا ... يَعْلُو قيَاما ويعلو قدره قيمًا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 294 (أقمتم وزن عدل الشَّمْس فاعتدلت ... فَلم يدع نورها ظلما وَلَا ظلما) مِنْهَا يذكر تونس (كَأَنَّمَا الصُّبْح مِنْهَا ثغر مبتسم ... وحوة اللَّيْل فِيهَا حوة ولمى) مِنْهَا (أبدلت تفقية من بَيت ممتدح ... أوردته مثلا فِي رعيك الأمما) (وكلت بالدهر عينا غير غافلة ... من جود كفك تأسو كل من كلما) مِنْهَا من بَاب المعتدي لاثْنَيْنِ (فباب أعْطى كسا مِنْهُ وَمِنْه سقى ... كَمَا تَقول سقاك الله صوب سما) (وَمِنْه أولى وَآتى مثل قَوْلهم ... أولاك رَبِّي نعيم الْعَيْش والنعما) من بَاب المعتدي لثَلَاثَة (وقاس بِالْهَمْزَةِ النَّقْل ابْن مسْعدَة ... فِي بَاب ظن وفيهَا خَالف القدما) من بَاب كَانَ وَأَخَوَاتهَا (تَقول مَا زلت مفضالا وَمَا بَرحت ... مِنْك السجايا توالي الْجُود والكرما) من بَاب الِاسْتِثْنَاء (وَالْقَوْل فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء متسع ... وَقد يُخَالف فِيهِ جلة الزعما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 295 (وَقد تبله قوم فِيهِ لَا سِيمَا ... من عد بله فِي الاستثنا وَلَا سِيمَا) من نواصب الْفِعْل (واعدد لكيلا وَكيلا ثمَّ كي ولكي ... وَلَيْسَ يمْنَع من نصب زِيَادَة مَا) مِنْهَا (وَالْعرب قد تحذف الْأَخْبَار بعد إِذا ... إِذا عنت فَجْأَة الْأَمر الَّذِي دهما) (وَرُبمَا نصبوا بِالْحَال بعد إِذا ... وَرُبمَا رفعوا من بعْدهَا رُبمَا) (فَإِن تَلَاهَا ضميران اكتسى بهما ... وَجه الْحَقِيقَة من إشكاله غمما) (لذاك أعيت على الأفهام مَسْأَلَة ... أَهْدَت إِلَى سِيبَوَيْهٍ الْهم والغمما) (قد كَانَت الْعَقْرَب العوجاء أحسبها ... قدما أَشد من الزنبور وَقع حما) (وَفِي الْجَواب عَلَيْهَا هَل إِذا هُوَ هِيَ ... أَو هَل إِذا هُوَ إِيَّاهَا قد اخْتَصمَا) (وَخطأ ابْن زِيَاد وَابْن حَمْزَة فِي ... مَا قَالَ فِيهَا أَبَا بشر وَقد ظلما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 296 (وغاظ عمرا عَليّ فِي حكومته ... يَا ليته لم يكن فِي مثلهَا حكما) (كغيط عَمْرو عليا فِي حكومته ... يَا ليته لم يكن فِي أمره حكما) (وفجع ابْن زِيَاد كل منتحب ... من أَهله إِذْ غَدا مِنْهُ يفِيض دَمًا) (كفجعة ابْن زِيَاد كل منتحب ... من أَهله إِذْ غَدا مِنْهُ يفِيض دَمًا) (فظل بالكرب مكظوما وَقد كربت ... بِالنَّفسِ أنفاسه أَن تبلغ الكظما) (قضئت عَلَيْهِ بِغَيْر الْحق طَائِفَة ... حَتَّى قضى هدرا مَا بَينهم هدما) (من كل أجور حكما من سدوم قضى ... عَمْرو بن عُثْمَان مِمَّا قد قضى سدما) (حساده فِي الورى صمت فكلهم ... تلفيه منتقدا لِلْقَوْلِ منتقما) (فَمَا النهى ذمما فيهم معارفها ... وَمَا المعارف فِي أهل النهى ذمما) (فَأَصْبَحت بعده الأنفاس كابية ... فِي كل صدر كَأَن قد كظ أَو كظما) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 297 (وأصبحت بعده الأنقاس نادبة ... فِي كل طرس كدمع سح وانسجما) (وَلَيْسَ يَخْلُو امْرُؤ من حَاسِد أضم ... لَوْلَا التنافس فِي الدُّنْيَا لما أضما) (فكم مُصِيب عزا من لم يصب خطأ ... لَهُ وَكم ظَالِم تَلقاهُ مظلما) (والغبن فِي الْعلم أشجى محنة علمت ... وأبرح النَّاس شجوا عَالم هضما) توضيح هَذِه الأبيات قَوْله وَالْعرب قد تحذف الْأَخْبَار بعد إِذا الْبَيْت يَعْنِي أَن الْعَرَب قد تحذف خبر الْمُبْتَدَأ الْوَاقِع بعد إِذا الفجائية تَقول خرجت فَإِذا الْأسد أَي حَاضر وَالْغَالِب أَن يذكر الْخَبَر بعْدهَا حَتَّى إِنَّه لم يَقع فِي كتاب الله إِلَّا مَذْكُورا نَحْو {فَإِذا هِيَ شاخصة} {فَإِذا هِيَ حَيَّة} {فَإِذا هِيَ بَيْضَاء للناظرين} {فَإِذا هم جَمِيع لدينا محضرون} وَهُوَ كثير وَقَوله إِذا عنت فَجْأَة الْبَيْت أَي إِذا كَانَت إِذا الفجائية لَا الشّرطِيَّة فَإِن الشّرطِيَّة لَا تدخل إِلَّا على الْجمل الفعلية بِخِلَاف الفجائية فَإِنَّهَا تخْتَص بالاسمية وَقد اجتمعتا فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} الأولى شَرْطِيَّة وَالثَّانيَِة فجائية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 298 قَوْله فَإِن تَلَاهَا ضميران أَي إِن وَقع بعد الفجائية ضميران نَحْو قَوْلك فَإِذا هُوَ هِيَ الأَصْل فَإِذا هُوَ مثلهَا فَهُوَ مُبْتَدأ وَمثل خبر وَهَا مُضَاف إِلَيْهِ ثمَّ حذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه فارتفع وانفصل وَصَارَ فَإِذا هُوَ هِيَ وَمن قَالَ فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا فَالْأَصْل فَإِذا هُوَ يشبهها فَهُوَ مُبْتَدأ ويشبهها فعل وفاعل ومفعول وَالْجُمْلَة خبر ثمَّ حذف الْفِعْل وَالْفَاعِل وَبَقِي الْمَفْعُول فانفصل فَصَارَ فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا وَنَظِيره فِي حذف الْخَبَر وَبَقَاء معموله قِرَاءَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ {وَنحن عصبَة} أَي وَنحن نوجد عصبَة وَقَول النَّابِغَة الْجَعْدِي (وحلت سَواد الْقلب لَا أَنا بَاغِيا ... سواهَا وَلَا فِي حبها متراخيا) التَّقْدِير لَا أَنا أوجد بَاغِيا قَوْله وغاظ عمرا عَليّ يُرِيد بِعَمْرو سِيبَوَيْهٍ وبعلي الْكسَائي رحمهمَا الله قَوْله كغيظ عَمْرو عليا يُرِيد بِعَمْرو عَمْرو بن الْعَاصِ وبعلي عَليّ بِي أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا مُشِيرا بذلك إِلَى مَا وَقع فِي مسئلة التَّحْكِيم فِي قصَّة عَليّ وَمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا وابتلاؤهما فِي ذَلِك وَمَا اتّفق من عَمْرو بن الْعَاصِ فِي قَوْله أَقرَرت مُعَاوِيَة بعد أَن استنزل أَبَا مُوسَى حَتَّى فصل عليا مَشْهُور وَلَيْسَ قَوْله حكما فِي هَذَا الْبَيْت بعد قَوْله حكما إيطاء فَإِن القافيتين ليستا متوافقتين بل إِحْدَاهمَا حكم اسْم وَالْأُخْرَى حكم فعل مَاض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 299 وَقد أَخذ شَاعِر عصرنا الشَّيْخ جمال الدّين ابْن نباتة أَكثر أَبْيَات ملحة الْإِعْرَاب للحرير فضمنها وَجعلهَا قصيدة امتدح بِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد وَهِي (صرفت فعلي فِي الأسى وَقَوْلِي ... بِحَمْد ذِي الطول الشَّديد الْحول) (يَا لائما ملامه يطول ... اسْمَع هديت الرشد مَا أَقُول) (كلامك الْفَاسِد لست أتبع ... حد الْكَلَام مَا أَفَادَ المستمع) (أفدي غزالا مثلُوا جماله ... فِي مثل قد أَقبلت الغزاله) (مَا قَالَ مذ ملك قلبِي واسترق ... كَقَوْلِهِم رب غُلَام لي أبق) (للقمرين وَجهه مطالع ... فَهِيَ ثَلَاث مَا لَهُم رَابِع) (لأحرف الْحسن فِي خديه خطّ ... وَقَالَ قوم إِنَّهَا اللَّام فَقَط) (داني المزار يحذر الضنين ... عَلَيْهِ مثل بَان أَو يبين) (كتمته فالحسن لَيْسَ يجتلى ... وَالِاسْم مَا يدْخلهُ من وَالِي) (مُنْفَرد بالوصل فِي دَار الهنا ... مِثَاله الدَّار وَزيد وَأَنا) (لَا يختشي تلاعب الظنون ... وَالْأَمر مَبْنِيّ على السّكُون) (فِي خَدّه التبري هان نشبي ... وقيمه الْفضة دون الذَّهَب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 300 (فاصرف عَلَيْهِ ثروة تستام ... فَمَا على صارفها ملام) (وَإِن رَأَيْت قده العالي فَصف ... وقف على الْمَنْصُوب مِنْهُ بِالْألف) (والعارض النوني مَا أنصفته ... وَإِن تكن بِاللَّامِ قد عَرفته) (واها لَهُ بِحرف نون قد عرف ... كَمثل مَا تكتبه لَا يخْتَلف) (يَأْتِي بنقط الْخَال فِي إعجام ... وَتارَة يَأْتِي بِمَعْنى اللَّام) (دُونك إِن عشقته بَين الورى ... مُعظما لقدره مكبرا) (وَإِن ترد وجنته المنيره ... فصغر النَّار على نويره) (كم وَمَتى جادلت فِيهِ من عذل ... وَلَا وَحَتَّى ثمَّ أَو وَأم وبل) (للحظه الْمُسكر فعل مطرب ... مَفْعُوله مثل سقى وَيشْرب) (فَلَا تلم عويشقا فِيهِ تلف ... وَلَا سكيران الَّذِي لَا ينْصَرف) (لَا تلح قلبِي فِي الْهوى فتتعبا ... وَمَا عَلَيْك عَتبه فتعتبا) (جسمي وَذَاكَ الخصر والجفن الدنف ... هن حُرُوف الاعتلال المكتنف) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 301 (فيا مليحا عَنهُ أخرت الْقَمَر ... إِمَّا لتهوان وَإِمَّا لصِغَر) (كرر فَمَا أحلى لسمع السَّامِي ... قَوْلك يَا غُلَام يَا غلامي) (وارفق بمضناك فَمَا سوى اسْمه ... وَلَا تغير مَا بَقِي من رسمه) (وَقد حكى العذار فِي الْوُقُوف ... فاعطف على سَائِلك الضَّعِيف) (أفقرت فِي الْحسن الغواني مثل مَا ... قَالُوا حذام وقطام فِي الدما) (فافخر بِمَعْنى لحظك المعشوق ... فِي كل مَا تأنيثه حَقِيقِيّ) (يالك لحظا بسعاد أزرى ... وَجَاء فِي الْوَزْن مثل سكرى) (حَتَّى اسْمهَا مستنقص لمن وعا ... كَمَا تَقول فِي سعاد يَا سعا) (يَا ناصبا أَوْصَاف ذياك الصِّبَا ... ثمَّ الْكَلَام عِنْده فلينصبا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 302 (هَيْهَات بل دع عَنْك مَا أضنى وَمَا ... وعاص أَسبَاب الْهوى لتسلما) (وَحبر الأمداح فِي عَليّ ... قَاضِي الْقُضَاة الطَّاهِر النقي) (بِكُل معنى قد تناهى واستوى ... فِي كلم شَتَّى رَوَاهَا من روى) (باكر إِلَى ذَاك الْحمى العالي وصف ... إِذا اندرجت قَائِلا وَلَا تقف) (دُونك والمدح زكيا معجبا ... مثل لقِيت القَاضِي المهذبا) (ذُو الْجُود وَالْعلم عَلَيْهِ أرسى ... وَهَكَذَا أصبح ثمَّ أَمْسَى) (فاضرع إِلَى قار لقاه نَافِع ... وافزع إِلَى حام حماه مَانع) (يَقُول للضيف قراه حب وَحل ... وَمثله ادخل وانبسط واشرب وكل) (إِذا ظَفرت عِنْده بموعد ... يَقُول كم مَال أفادته يَدي) (لَهُ يراع كم لَهُ من خطره ... جمانة منظومة مَعَ دره) (شم فعله عِنْد الندى والبأس ... فَإِنَّهُ مَاض بِغَيْر لبس) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 303 (لله مَا ألينه عِنْد العطا ... وَمَا أحد سَيْفه حِين سَطَا) (ندب لَهُ يثني الثَّنَاء قَصده ... وَخَلفه وإثره وَعِنْده) (إِن قَالَ قولا بَين الغرائبا ... وَقَامَ قس فِي عكاظ خاطبا) (وَإِن سخا أَتَى على ذِي الْعدَد ... والكيل وَالْوَزْن ومذروع الْيَد) (حفظك للسمع عَن العذال ... فَمَاله مغير بِحَال) (للفضل جنس بَيته المهني ... ونوعه الَّذِي عَلَيْهِ يبْنى) (سَام بِهِ أهل الْعلَا جَمِيعًا ... وَلَا تخف ردا وَلَا تقريعا) (وَإِن ذكرت أفق بَيت قد نما ... فانصب وَقل كم كوكبا تحوي السما) (بَيت نظيم الْمجد والْعَلَاء ... عِنْد جَمِيع الْعَرَب العرباء) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 304 (يقر من يَأْتِي لَهُ أَو اقْترب ... وكل مَنْسُوب إِلَى اسْم فِي الْعَرَب) (تَقول مصر من علاهُ الواجبه ... كَقَوْل سكان الْحجاز قاطبه) (أسسه الْأَنْصَار طلاع الْفِتَن ... وَزَاد مبْنى حسنه أَبُو الْحسن) (جَار إِذا مَا امتدت الآساد ... تَقول هَذَا طَلْحَة الْجواد) (إِذا اجتليت فِي الخطا جَبينه ... أَو اشْتريت فِي الرجا ثمينه) (تَقول أصرت الْهلَال لائحا ... وَقد وجدت المستشار ناصحا) (كم بالغني مِنْهُ تولى راحل ... وواقفا بِالْبَابِ أضحى السَّائِل) (فياض سيب فِي الورى فَلم يقل ... فِي هبة يَا هَب من هَذَا الرجل) (قَالَ لَهُ الحكم امْضِ مَا تحاوله ... واقض قَضَاء لَا يرد قَائِله) (وَأَنت يَا قاصده سر فِي جدد ... وَاسع إِلَى الْخيرَات لقِيت الرشد) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 305 (فاخر بِهِ سحب الحيا إِن صابا ... واستوت الْمِيَاه والأخشايا) (وَلَا تقل كَانَ غماما ورحل ... كَانَ وَمَا انْفَكَّ الْفَتى وَلم يزل) (بَاب سواهُ اهجر عداك عيب ... وَصغر الْبَاب فَقل بويب) (جود بِهِ أنسى أَحَادِيث الْمَطَر ... فَلَيْسَ يحْتَاج لَهَا إِلَى خبر) (مثل الهبا فِيهِ كَلَام العذل ... وَالرِّيح تِلْقَاء الحيا المنهل) (يَا رب بَحر عمته للشعر ... وغصت فِي الْبَحْر ابْتِغَاء الدّرّ) (حَتَّى ملا عَيْني نداه عينا ... وطبت نفسا إِذْ قضيت الدِّينَا) (دونكها معسولة الْآدَاب ... حلاوة فِي ملحه الْإِعْرَاب) (مضى بهَا اللَّيْل بهي الأنجم ... وَبَات زيدا ساهرا لم ينم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 306 (فافتح لَهَا بَاب قبُول يجتلى ... وَإِن تَجِد عَيْبا فسد الخللا) (لَا زلت مسموع الثنا ذَا متن ... جائلة دَائِرَة فِي الألسن) (مَا لعداك راية تُقَام ... فَلَيْسَ غير الْكسر وَالسَّلَام) 1337 - مُحَمَّد بن أبي بكر بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن حمدَان شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين بن النَّقِيب الْحَاكِم بحمص ثمَّ طرابلس ثمَّ حلب ثمَّ مدرس الشامية البرانية وَصَاحب النَّوَوِيّ وَأعظم بِتِلْكَ الصُّحْبَة رُتْبَة علية وَله الدّيانَة والعفة والورع الَّذِي طرد بِهِ الشَّيْطَان وأرغم أَنفه وَكَانَ من أساطين الْمَذْهَب وجمرة نَار ذكاء إِلَّا أَنَّهَا لَا تتلهب سمع من أَحْمد بن أبي بكر بن الْحَمَوِيّ وَأبي الْحسن بن البُخَارِيّ وَأبي حَامِد ابْن الصَّابُونِي وَأحمد بن شَيبَان وَزَيْنَب بنت مكي وَغَيرهم مولده تَقْرِيبًا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة الحديث: 1337 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 307 سمعته يَقُول قَالَ لي النَّوَوِيّ يَا قَاضِي شمس الدّين لَا بُد أَن تلِي تدريس الشامية فولي الْقَضَاء ثمَّ الشامية وَكَانَ ابْن النَّقِيب يَقُول إِنَّه مَا يَمُوت إِلَّا لَيْلَة الْجُمُعَة فَكَانَ كَذَلِك وَوَافَقَ ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْمَدْرَسَةِ الشامية وَدفن بقاسيون أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْفَقِيه سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْحسن بن البُخَارِيّ أخبرنَا حَنْبَل بن عبد الله أخبرنَا هبة الله بن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ ابْن الْمَذْهَب أخبرنَا أَبُو بكر بن حمدَان أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد حَدثنِي أبي حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ سَمِعت عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ سَمِعت سعيد بن زيد رَضِي الله عَنهُ يَقُول سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (الكمأة من الْمَنّ وماؤها شِفَاء للعين) وأخبرناه عَالِيا بدرجتين فَاطِمَة بنت إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي عمر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي بن يُوسُف الْمَقْدِسِي كِتَابَة عَن شهدة بنت أَحْمد أخبرنَا طراد بن مُحَمَّد أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن رزق أخبرنَا مُحَمَّد بن يحيى بن عمر الطَّائِي أخبرنَا جد أبي عَليّ بن حَرْب حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن عَمْرو بن حُرَيْث عَن سعيد بن زيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 308 (الكمأة من الْمَنّ الَّذِي أنزلهُ اله على بني إِسْرَائِيل وماؤها شِفَاء للعين) أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَوَقع لنا بَدَلا عَالِيا للْبُخَارِيّ وَمُسلم فِي الرِّوَايَة الأولى وَلمُسلم وَحده فِي الثَّانِيَة 1338 - مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران بن رَحْمَة قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين الأخنائي السَّعْدِيّ حدث عَن أبي بكر بن الْأنمَاطِي والأبرقوهي وَابْن دَقِيق الْعِيد وَتَوَلَّى قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ لما مَاتَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي ولي قَضَاء الشَّام وَكَانَ رجلا حسنا دينا محبا للْعلم استكتب شرح الْمِنْهَاج للوالد رَحمَه الله وَبَلغنِي عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول مَا للشام قَاض إِلَّا السُّبْكِيّ فَهَذِهِ مِنْهُ مكاشفة الحديث: 1338 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 309 مولده فِي عَاشر شهر رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَتُوفِّي بِدِمَشْق ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَفِيه يَقُول شَاعِر وقتنا جمال الدّين بن نباتة (قَاضِي الْقُضَاة بيمنى كَفه الْقَلَم ... يَا ساري الْقَصْد هَذَا البان وَالْعلم) (هَذَا اليراع الَّذِي تجني الفخار بِهِ ... يَد الإِمَام الَّذِي معروفه أُمَم) (معيي الأماثل فِي علم وفيض ندى ... فالسحب باكية وَالْبَحْر يلتطم) (وافى الشآم وَمَا خلنا الْغَمَام إِذا ... بِالشَّام ينشأ من مصر وينسجم) (آها لمصر وَقد شابت لفرقته ... فَلَيْسَ يُنكر إِذْ يعزى لَهَا الْهَرم) (وأوحش الثغر من رُؤْيا محاسنه ... فَمَا يكَاد بِوَجْه الزهر يبتسم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 310 (ينشي وينشد فِيهِ الشّعْر من أَسف ... بَيْتا تكَاد بِهِ الأحشاء تضطرم) (يَا من يعز علينا أَن نفارقهم ... وجداننا كل شَيْء بعدكم عدم) 1339 - مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن قوام الشَّيْخ نور الدّين بن الشَّيْخ نجم الدّين كَانَ رجلا فَاضلا من بَيت الْخَيْر وَالصَّلَاح والزهد لجدهم الشَّيْخ الْكَبِير ولي الله أبي بكر صَاحب الكرامات الظَّاهِرَة وَقد قدمنَا ذكره ولد هَذَا نور الدّين بعد سنة عشْرين وَسَبْعمائة أرَاهُ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَطلب الْعلم وَسمع الحَدِيث ودرس بعد وَفَاة وَالِده بالرباط الناصري بقاسيون وَتُوفِّي لَيْلَة مستهل جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بالصالحية ظَاهر دمشق الحديث: 1339 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 311 حرف الْألف 1340 - إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن ضِيَاء بن سِبَاع الْفَزارِيّ الشَّيْخ برهَان الدّين بن الفركاح فَقِيه الشَّام وبركته الَّذِي لَيْسَ برقه بشام وَشَيْخه الَّذِي زَاد يمنه على أنواء الْغَمَام تلقى علما كثيرا وتوقى فِي نَقله الْخَطَأ فَأصَاب أجرا كَبِيرا وترقى إِلَى دَرَجَات عالية يطلّ من شرفاتها فيبصر سِرَاجًا وقمرا منيرا وَكَانَ يَغْدُو فِي جَوَانِب دمشق وَيروح ويعدو وَهُوَ بلطف الله ممدودة وبثناء الْعباد ممدوح ويبدو كَالْقَمَرِ الْمُنِير وَجهه فيسر الْقلب ويمازح الدَّم وَالروح مولده فِي شهر ربيع الأول سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة وَسمع من ابْن عبد الدَّائِم وَابْن أبي الْيُسْر وَيحيى بن الصَّيْرَفِي وَغَيرهم وتفقه على وَالِده الحديث: 1340 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 312 وَكَانَ ملازما للشغل بِالْعلمِ والإفادة وَالتَّعْلِيق سديد السِّيرَة كثير الْوَرع مجمعا على تقدمه فِي الْفِقْه ومشاركته فِي الْأُصُول والنحو والْحَدِيث أجَاز لنا فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة بِالْمَدْرَسَةِ البادرائية بِدِمَشْق أخبرنَا شيخ الشَّافِعِيَّة أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ إِذْنا أخبرنَا أَحْمد بن عبد الدَّائِم بن نعْمَة أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن بن صَدَقَة أخبرنَا مُحَمَّد بن الْفضل أخبرنَا عبد الغافر بن مُحَمَّد أخبرنَا أَبُو أَحْمد الجلودي أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَقِيه أخبرنَا مُسلم بن الْحجَّاج حَدثنَا يحيى بن يحيى قَرَأت على مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من حمل علينا السِّلَاح فَلَيْسَ منا) اخْتَار الشَّيْخ برهَان الدّين جَوَاز نقل الزَّكَاة وَأَنه لَا يكره الْجُلُوس للتعزية وَسَبقه إِلَى ذَلِك وَالِده الشَّيْخ تَاج الدّين زَاد الشَّيْخ برهَان الدّين بل يَنْبَغِي أَن يسْتَحبّ وَرجح أَيْضا تبعا لوالده أَن المُرَاد بالساعات فِي حَدِيث التبكير إِلَى الْجُمُعَة من الزَّوَال كَمَا يَقُوله صَاحب التَّهْذِيب وَالرُّويَانِيّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 313 كتب الشَّيْخ المُصَنّف أَسْبغ الله ظلاله إِلَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الأديب النحرير الْفَاضِل الْمُحدث الْمُفِيد برهَان الدّين أبي إِسْحَاق بن الشَّيْخ الْعَالم شرف الدّين عبد الله القيراطي الْمصْرِيّ من دمشق المحروسة يتشوق إِلَيْهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة يقبل الأَرْض أدبا بَين يدى قبْلَة الْأَدَب وَيُوجه وَجهه عرُوض بَيتهَا الَّذِي رفع إِبْرَاهِيم قَوَاعِده بِكُل وتد وَسبب ويقلب قلبه فَإِذا ميلتها الذكرى لَهُ قَامَ كَأَنَّهُ يتمشى هُنَاكَ بالأحداق وَمد يَده لكأس الطَّرب وَأنْشد (أمد كفي لحمل الكأس من رشأ ... وحاجتي كلهَا فِي حَامِل الكاس) لَا بل أنْشد (أَمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذَا الْجِدَار وَذَا الجدارا) (وَمَا حب الديار شغفن قلبِي ... وَلَكِن حب من سكن الديارا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 314 فَهُوَ وَالله حب امتزج بِلَحْمِهِ وَدَمه واعتلج وَهُوَ الدَّوَاء مَعَ دائهما فأوجد حَقِيقَة عَدمه واختلج لكأسه كل عُضْو إِذا مَا شَارِب الْقَوْم احتساه أحس لَهُ دبيبا فِي أعظمه وَأنْشد (كَانَت لقلبى أهواء مفرقة ... فاستجمعت مذ رأتك الْعين أهواي) (فَصَارَ يحسدني من كنت أحسده ... وصرت مولى الورى إِذْ صرت مولَايَ) لَا وَالله بل حب حل مِنْهُ مَحل الرّوح وَملك مَا يَغْدُو مِنْهُ ويغدي ويريح وَيروح وَعدل فِي الْأَعْضَاء فأباح لكل أَن يبوح بِمَا عِنْده وينوح وينشد (يجد الْحمام وَلَو كوجدي لانبرى ... شجر الْأَرَاك مَعَ الْحمام ينوح) لَا وَالله بل حب خالط الْقلب فَمَا تشاكلا وَلَا تشابه الْأَمر بل اتحدا فَلم يقل رق الزّجاج وراقت الْخمر واتصلا فَلم يبت من حبه متقلبا على الْجَمْر بل أنْشد (أَنا من أَهْوى وَمن أَهْوى أَنا ... نَحن روحان حللنا بدنا) (فَإِذا أبصرته أبصرتني ... وَإِذا أبصرتني أبصرتنا) وَاسْتشْهدَ بِمَا أخبرناه أَبُو عبد الْحَافِظ سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْمَعَالِي أَحْمد بن إِسْحَاق الأبرقوهي أخبرنَا أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن سَابُور وَأَنا فِي الْخَامِسَة أخبرنَا مُحَمَّد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 315 ابْن عبد الْعَزِيز الشِّيرَازِيّ أخبرنَا رزق الله بن عبد الْوَهَّاب التَّمِيمِي أخبرنَا أَبُو عمر عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن مهْدي الْفَارِسِي حَدثنَا مُحَمَّد بن مخلد حَدثنَا مُحَمَّد ابْن عُثْمَان بن كَرَامَة حَدثنَا خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن شريك بن أبي نمر عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله تَعَالَى قَالَ من عادى لي وليا فقد آذنني بِحَرب وَمَا تقرب إِلَيّ عَبدِي بِشَيْء أحب إِلَيّ مِمَّا افترضت عَلَيْهِ وَمَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَرجله الَّتِي يمشي بهَا فلئن سَأَلَني لأعطينه وَلَئِن استعاذني لأعيذنه وَمَا ترددت عَن شَيْء أَنا فَاعله ترددي عَن نفس الْمُؤمن يكره الْمَوْت وأكره مساءته وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ) أخرجه البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن كَرَامَة الْعجلِيّ الْكُوفِي فوافقناه بعلو إيه وَالله وَحب صيره مَعكُمْ فَلم يشك بعدا وَرَجا بِهِ أَن الله يُحِبهُ فاغتبط وَإِن وجد وجدا وأمل بِوُقُوعِهِ فِي الله ظلّ الله فَلم يلق لنار الْحَرِيق وقدا اعْتِمَادًا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 316 على مَا أخبرنَا بِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد تغمده الله برحمته سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياط أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج الدِّمَشْقِي ح وأنبئت عَن أبي الْحجَّاج أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْمَعَالِي عبد الله بن موهوب بن جَامع بن عبدون الْبناء الصُّوفِي أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبيد الله ابْن نصر بن الزَّاغُونِيّ أخبرنَا أَبُو الْفضل عبد الله بن عَليّ بن أَحْمد الدقاق الْمَعْرُوف بِابْن ذكرى أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر بن حَفْص الْمقري حَدثنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد السكونِي حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر الْقرشِي حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ الرجل يحب الْقَوْم وَلم يلْحق بهم قَالَ (الْمَرْء مَعَ من أحب) هَذَا الْمَتْن مُتَّفق على صِحَّته مَرْوِيّ عَن خلق من الصَّحَابَة مِنْهُم أنس بن مَالك وَعبد الله بن مَسْعُود وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَعلي بن أبي طَالب وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأَبُو ذَر الْغِفَارِيّ وَصَفوَان بن عَسَّال وَعبد الله بن يزِيد الخطمي والبراء بن عَازِب وَعُرْوَة بن مُضرس وَصَفوَان بن قدامَة الجُمَحِي وَأَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ وَأَبُو سريحَة الْغِفَارِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة ومعاذ بن جبل وَأَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ وَعبادَة بن الصَّامِت وَجَابِر بن عبد الله وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ وَعبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنْهُم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 317 وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ سَمَاعا عَلَيْهِ أَن أَحْمد بن إِسْحَاق أخبرهُ بقرَاءَته قَالَ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْمُبَارك بن عَليّ بن أَحْمد بن أبي الْجُود أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي غَالب الْوراق أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن أَحْمد الْأنمَاطِي أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن العباسي حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد النَّرْسِي حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن رجلا زار أَخا لَهُ فِي قَرْيَة فأرصد الله على مدرجته ملكا قَالَ أَيْن تُرِيدُ قَالَ أردْت أَخا لي فِي قَرْيَة كَذَا وَكَذَا قَالَ هَل لَهُ من نعْمَة تربها قَالَ لَا إِلَّا أَنِّي أحبه فِي الله قَالَ إِنِّي رَسُول الله إِلَيْك إِن الله قد أحبك كَمَا أحببته فِيهِ صَحِيح تفرد مُسلم بتخريجه من هَذَا الْوَجْه فَرَوَاهُ عَن أبي يحيى عبد الْأَعْلَى ابْن حَمَّاد بن نصر الْبَصْرِيّ النَّرْسِي فوافقناه بعلو أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد الْعِرَاقِيّ أخبرنَا مُحَمَّد ابْن أَحْمد الْقطيعِي أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمُبَارك بن الْخلّ حَدثنَا أَبُو الْمَعَالِي ثَابت بن بنْدَار ابْن إِبْرَاهِيم الدينَوَرِي الْمُقْرِئ أخبرنَا أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن دوست العلاف حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله الشَّافِعِي الْبَزَّار حَدثنَا إِسْحَاق بن الْحسن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 318 الْحَرْبِيّ حَدثنَا القعْنبِي عَن مَالك عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن حَفْص بن عَاصِم عَن أبي سعيد أَو أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سَبْعَة يظلهم الله عز وَجل فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله إِمَام عَادل وشاب نَشأ فِي عباده الله وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات جمال فَقَالَ إِنِّي أَخَاف الله وَرجل تصدق بِصَدقَة فأخفاها حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه وَرجل كَأَن قلبه مُعَلّق بِالْمَسْجِدِ إِذا خرج مِنْهُ حَتَّى يعود إِلَيْهِ ورجلان تحابا فِي الله اجْتمعَا على ذَلِك وتفرقا عَلَيْهِ) الحَدِيث مُتَّفق على صِحَّته مخرج فِي الْكتب من حَدِيث خبيب وَيُنْهِي بعد رفع أدعية بلغن السَّمَاء ورجون فَوْقهَا مظْهرا وَمضى سلاحهن فِيمَن اسْتقْبل الْحَال بِسوء فَرجع الْقَهْقَرَى وتلقتها مَلَائِكَة الْقبُول قائلة لقد يممت جلّ بَحر جوهرا ذاكرة مَا أخبرناه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْحَمَوِيّ سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْحسن بن البُخَارِيّ وَزَيْنَب بنت أبي الحزم قَالَا أخبرنَا عمر بن مُحَمَّد بن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 319 طبرزد أخبرنَا هبة الله بن مُحَمَّد أخبرنَا أَبُو طَالب الْبَزَّار أخبرنَا أَبُو بكر الشَّافِعِي أخبرنَا مُحَمَّد بن غَالب أخبرنَا شُرَيْح بن يُونُس حَدثنَا عَمْرو بن صَالح عَن عبد الْملك عَن عَطاء عَن أم كرز قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دَعْوَة الرجل لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب مستجابة وَملك عِنْد رَأسه يَقُول آمين آمين وَلَك بِمثل) لم يرو هَذَا الحَدِيث من حَدِيث أم كرز فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة وَهُوَ فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أخبرنَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحريري سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا عمر ابْن مُحَمَّد الْكرْمَانِي حضورا أخبرنَا أَبُو بكر الْقَاسِم بن عبد الله الصفار أخبرنَا وجيه بن طَاهِر الشحامي ح وأخبرتنا زَيْنَب بنت الْكَمَال سَمَاعا عَن عبد الْخَالِق بن أَنْجَب بن المعمر النشتبري المارديني عَن وجيه أخبرنَا أَبُو بكر يَعْقُوب بن أَحْمد الصَّيْرَفِي حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أَحْمد المخلدي أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عدي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 320 الْجِرْجَانِيّ حَدثنَا أَحْمد بن عِيسَى اللَّخْمِيّ حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة حَدثنَا عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي عَن أَبِيه عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (خمس دعوات يُسْتَجَاب لَهُنَّ دَعْوَة الْمَظْلُوم حَتَّى ينتصر ودعوة الْحَاج حَتَّى يصدر ودعوة الْمُجَاهِد حَتَّى يقفل ودعوة الْمَرِيض حَتَّى يبرأ ودعوة الرجل لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب) وَشرح أشواق بهَا العينان عينان تنهل وَالْقلب تفاقم سقمه فاضمحل والجسم مَا غَيره الناي بل غَيره وَكَاد ينْحل وَمَا ينْحل (شوقي إِلَيْك وَإِن نأت دَار بِنَا ... شوق الغزال إِلَى ملاعب سربه) (أَو شوق ظامي النَّفس صَادف منهلا ... منعته أَطْرَاف القنا من شربه) إِذا غير النأي المحبين فقد غَيره وَإِذا غير الْهوى سَاكن الدمع فَمَا حرك إِلَّا مَا تقاضاه من عينه وَمَا غَيره بل أنْشد لنَفسِهِ مضمنا فِي عبرته المعبرة (إِن غير النأي صبا فَهُوَ غيرني ... وصب مني دموعي من مآقيها) (فويحه يتقاضاني بحار دَمًا ... وقطرة الدَّم مَكْرُوه تقاضيها) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 321 لتِلْك الْأَلْفَاظ الَّتِي عذبت فَهِيَ وحاشاها من التَّغَيُّر مَاء النّيل ورقت فَهِيَ وحوشيت من السقم النسيم العليل وراقت فَهِيَ وحاشاها من التلون الزهر الحفيل وَعند ذكرهَا ينشد وَيَقُول (بِاللَّفْظِ يقرب فهمه فِي بعده ... منا وَيبعد نيله فِي قربه) (حكم سحائبها خلال بنانه ... هطالة وقليبها فِي قلبه) (فالروض مُخْتَلف بحمرة نوره ... وَبَيَاض زهرته وخضرة عشبه) (وَكَأَنَّهَا والسمع مَعْقُود بهَا ... وَجه الحبيب بدا لعين محبه) ثمَّ يزْدَاد طَربا ويهم أَن يطير إِلَى تِلْكَ الديار وَلَكِن أَيْن الْجنَاح وَأَن يسري فِي ليل الْفِرَاق وَلَكِن من لَهُ تِلْقَاء الصَّباح وَأَن يُقَابل الدَّهْر وَلكنه أعزل والدهر شاكي السِّلَاح وينشد (وحديثها السحر الْحَلَال لَو أَنه ... لم يجن قتل الْمُسلم المتحرز) (إِن طَال لم يملل وَإِن هِيَ أوجزت ... ود الْمُحدث أَنَّهَا لم توجز) (شرك النُّفُوس ونزهة مَا مثلهَا ... للمطمئن وعقلة المستوفز) فَلَقَد شرب بعدكم كأس فِرَاق ذهب بلبه كل مَذْهَب وسقاه سَوط عَذَاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 322 الشيب أطيب مِنْهُ وأعذب وأورث شيبَة المشيب فَلَو قلد من قَالَ فانثنى بِلَا عينين لقَالَ ضَرَبَنِي بشيبين وَلَا لعبا مني أَو ذُو الشيب يلْعَب إِنَّه سطرها وَالْقلب يملي عَليّ أشواقا أضرم الْبعد سعيرها وَمَاء الْعين يتفجر عيُونا فلولا تِلْكَ النَّار لمحا ذَلِك المَاء سطورها فَللَّه مَاء ونار لَو لم يتعالجا لأسمعت الأشواق والأقلام من بِمصْر صليلها وصريرها (أجريت دمعي وأضرمت الحشا لهبا ... كالعود يقطر مَاء وَهُوَ يَحْتَرِق) يتَذَكَّر مَا مضى بَين يديكم من عَيْش هُوَ الْمنية فَلَا غرو أَن يعزى إِلَى خصيب وَوقت ضحك إِلَيّ فغفرت ذَنْب كل ضَاحِك وَإِن شيب بضحك المشيب وَأَيَّام ناسب مَوْلَانَا غربتي فِيهَا لغريب فَضله الْمُرْسل وإحسانه الملائم وكل غَرِيب للغريب نسيب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 323 هَذَا وَإِن كَانَ مَوْلَانَا إِذْ ذَاك يواصل هجره بالإفراط وَلَا يمتع من يتطلب اكتيال محاسنه من ميزَان عدله إِلَّا بقيراط بعد قِيرَاط وَلَا يرى إِلَّا أَن يُحَقّق نسبته أصلا ثمَّ مر بِي إِلَى بلد يُسمى فِيهَا القيراط من الأقباط أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الخباز إِذْنا خَاصّا أخبرنَا الْمُسلم بن مُحَمَّد بن عَلان سَمَاعا أخبرنَا حَنْبَل بن عبد الله الرصافي أخبرنَا هبة الله بن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد التَّمِيمِي أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن جَعْفَر بن حمدَان الْقطيعِي حَدثنَا عبد الله بن الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن حَنْبَل حَدثنَا أبي حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا أبي سَمِعت حَرْمَلَة يحدث عَن عبد الرَّحْمَن بن شماسَة عَن أبي بصرة عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّكُم ستفتحون أَرض مصر وَهِي أَرض يُسمى فهيا القيراط فَإِذا فتحتموها فَأحْسنُوا إِلَى أَهلهَا فَإِن لَهُم ذمَّة ورحما) أَو قَالَ (ذمَّة وصهرا) رَوَاهُ مُسلم عَن زُهَيْر وَعبيد الله بن سعيد كِلَاهُمَا عَن وهب بن جرير بِهِ فَوَقع لنا بَدَلا عَالِيا وَللَّه الْحَمد كلما أردْت مِنْهُ صَحِيح الْوَصْل جَاءَ بالهجر الممرض وَكلما حاولت إيماض برقه أرعد وَلم يُومِض وَكلما تطلبت إقباله قَالَت طباعه يَا إِبْرَاهِيم أعرض (ذَات لَهَا هذي الصِّفَات وَفِي الحشا ... من حبها نَار يزِيد وقودها) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 324 (إِن لم يسل الْقلب قَول عذوله ... طبعت على كدر وَأَنت تريدها) وَكَيف يرجع قلب علق فَلَا يصده الصد وهام فَإِذا رأى رسم الديار بدل لفظا بِلَفْظ وَتجَاوز الْحَد واستوى الْأَمْرَانِ عِنْده فَلم يقل إِن قرب الدَّار خير من الْبعد بل أنْشد (غرام على يأس الْهوى ورجائه ... وَحب على قرب المزار وَبعده) وأستشهد بِمَا أخبرنَا بِهِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن أبي عبد الله بن حَمَّاد الْعَسْقَلَانِي سَمَاعا أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن معمر بن طبرزد أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْقَزاز أخبرنَا الْخَطِيب أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن نعيم بن الْجَارُود الْبَصْرِيّ قَالَ سَمِعت عَليّ بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الفِهري الْأَصْبَهَانِيّ يَقُول سَمِعت أَحْمد بن عبد الْجَبَّار الْمَالِكِي يَقُول سَمِعت يحيى بن معَاذ الرَّازِيّ يَقُول حَقِيقَة الْمحبَّة أَنَّهَا لَا تزيد بِالْبرِّ وَلَا تنقص بالجفاء وَأخْبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بِقِرَاءَتِي عَن إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان الْقَارئ أخبرنَا أَبُو الأسعد هبة الرَّحْمَن ابْن الإِمَام أبي سعيد عبد الْوَاحِد بن الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي أخبرنَا أَبُو الْفضل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 325 الطبسي أخبرنَا أَبُو عبد الله بن باكويه حَدثنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد حَدثنَا الْعَبَّاس بن يُوسُف حَدثنَا سعيد بن عُثْمَان حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد النساج قَالَ قَالَ الْأسود بن سَالم رَكْعَتَانِ أصليهما أحب إِلَيّ من الْجنَّة بِمَا فِيهَا فَقيل لَهُ هَذَا خطأ فَقَالَ دَعونَا من كلامكم رَأَيْت الْجنَّة رضى نَفسِي وَرَكْعَتَيْنِ رضى رَبِّي ورضى رَبِّي أحب إِلَيّ من رضى نَفسِي لكني سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى يُجيب وَسُئِلَ عَن رجلَيْنِ تنَازعا هَل دُخُول الْجنَّة أفضل من الْعِبَادَة أَو الْعَكْس أَيهمَا الْمُصِيب أَن الصَّوَاب قَول من قَالَ دُخُول الْجنَّة أفضل وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِوُجُوه يطول شرحها هُنَا وعَلى قَول الْخياط (غرام على يأس الْهوى ورجائه ... ) الْبَيْت أَقُول ودي مُتحد فِي البلدين ومساورة الْهم بَاقٍ لنَفْسي الضئيلة ذَات النكدين وَمِمَّا زَادهَا قلقا قطعهَا الْيَأْس عَن زيارتكم هَذَا المربع الْخضر فَكَانَ قطع الْيَأْس عِنْد إِحْدَى التعبين لَا إِحْدَى الراحتين وَأنْشد (لَو شِئْت داويت قلبا أَنْت مسقمه ... وَفِي يَديك من الْبلوى سَلَامَته) وَإِنَّمَا أصدرها الْمَمْلُوك تعللا وأرسلها مُسندَة عَن نفس مُنْقَطع لهَذَا الْأَمر المعضل تبتلا وكتبها استرواحا لضمة المتهالك حبا مَا سلا العاشق بهَا محبوبه وَلَكِن قلبه سلا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 326 أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن بن دَاوُد الْجَزرِي سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الحميد بن عبد الْهَادِي حضورا أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عَليّ الجنزوي أخبرنَا ياقوت بن عبد الله أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الصريفيني أخبرنَا أَبُو طَاهِر المخلص أخبرنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان الطوسي أخبرنَا الزبير بن بكار حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن معن بن عِيسَى قَالَ جَاءَ ابْن سرحون السّلمِيّ إِلَى مَالك ابْن أنس وَأَنا عِنْده فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله إِنِّي قد قلت أبياتا من شعر وذكرتك فِيهَا فَأَنا أَسأَلك أَن تجعلني فِي سَعَة فَقَالَ لَهُ مَالك أَنْت فِي حل مِمَّا ذَكرتني وَتغَير وَجهه وَظن أَنه هجاه قَالَ إِنِّي أحب أَن تسمعها فَقَالَ لَهُ مَالك أَنْشدني فَقَالَ (سلوا مَالك الْمُفْتِي عَن اللَّهْو وَالصبَا ... وَحب الحسان المعجبات الفوارك) (ينبيكم أَنِّي مُصِيب وَإِنَّمَا ... أسلي هموم النَّفس عني بذلك) (فَهَل فِي محب يكتم الْحبّ والهوى ... أثام وَهل فِي ضمة المتهالك) قَالَ قَالَ لي معن فَسرِّي عَن مَالك وَضحك قلت فِي هَذَا من مَالك دَلِيل على جَوَاز الْإِبْرَاء عَن الْكَلَام فِي الْعرض وَإِن كَانَ مَجْهُولا وَأَنه كَانَ يرى التَّحْلِيل من هَذَا أولى من عَدمه وَنقل أَبُو الْوَلِيد بن رشد فِي شرح الْعُتْبِيَّة أَن مَذْهَب الشَّافِعِي أَن ترك التَّحْلِيل من الظلامات والتبعات أولى لِأَن صَاحبهَا يستوفيها يَوْم الْقِيَامَة بحسنات من هِيَ عِنْده وبوضع سيئاته على من هِيَ عِنْده كَمَا شهد بِهِ الحَدِيث وَهُوَ لَا يدْرِي هَل يكون أجره الجزء: 9 ¦ الصفحة: 327 على التَّحْلِيل موازيا مَاله من الْحَسَنَات فِي الظلامات أَو يزِيد أَو ينقص وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى زِيَادَة حَسَنَاته ونقصان سيئاته قَالَ وَمذهب غَيره أَن التَّحْلِيل أفضل مُطلقًا قَالَ وَمذهب مَالك التَّفْرِقَة بَين الظلامات فَلَا يحلل مِنْهَا والتبعات فيحلل مِنْهَا عُقُوبَة لفاعل الظلامات وَهُوَ تَفْصِيل عَجِيب وَسَيِّدنَا يعلم أَن الْمَمْلُوك بارتياحه لذكركم مَعْذُور وَأَنه يتخيل محاسنكم خلال السطور وَأَنه يعروه لذكراك هزة كَمَا انتفض العصفور وَكَيف لَا وَأول مَا حكم بِهِ فِي دمشق وَقد دَخلهَا قَاضِيا وُقُوع البعاد وَألبسهُ النأي ثوبا من الْحزن لَا يبْلى ويبلى الْفُؤَاد وانتزع ثِيَاب صبره والبين لص لَا غرو أَن ينْزع ثِيَاب القَاضِي بجدال وجلاد كَمَا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن المظفر بن أبي مُحَمَّد النابلسي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الشَّيْخَانِ مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد الوَاسِطِيّ وَأحمد بن عبد الحميد بن عبد الْهَادِي الْمَقْدِسِي سَمَاعا عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا أَبُو المحاسن مُحَمَّد بن السَّيِّد بن فَارس الصفار أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْخضر بن عَبْدَانِ أخبرنَا سهل بن بشر الإسفرايني أخبرنَا مشرف ابْن المرجي الْمَقْدِسِي أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحسن بن مَحْبُوب المنصوري النَّحْوِيّ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحُسَيْن القَاضِي بنهاوند حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الرَّازِيّ حَدثنِي أبي عَن جدي عَن مُحَمَّد بن مقَاتل الماسقوري قَاضِي الرّيّ قَالَ كَانَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن يكثر الإدلاج إِلَى بساتينه فَيصَلي الصُّبْح ثمَّ يعود إِلَى منزله إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس وَعلا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 328 النَّهَار قَالَ مُحَمَّد بن مقَاتل فَسَأَلته عَن ذَلِك قَالَ بَلغنِي فِي حَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (حبب إِلَيّ الصَّلَاة فِي الْحِيطَان) وَذَلِكَ أَن أهل الْيمن يسمون الْبُسْتَان الْحَائِط قَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن فَخرجت إِلَى حَائِط لي لأصلي فِيهِ الْفجْر رَغْبَة فِي الثَّوَاب وَالْأَجْر فعارضني لص جريء الْقلب خَفِيف الوثب فِي يَده خنجر كلسان الْكَلْب مَاء المنايا يجول على فرنده والآجال تلوح فِي حَده فَضرب بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِي وَمكن الخنجر من نحري وَقَالَ لي بفصاحة لِسَان وجراءة جنان انْزعْ ثِيَابك واحفظ إهابك وَلَا تكْثر كلامك تلاق حمامك ودع عَنْك التَّلَوُّم وَكَثْرَة الْخطاب فَلَا بُد لَك من نزع الثِّيَاب فَقلت لَهُ يَا سُبْحَانَ الله أَنا شيخ من شُيُوخ الْبَلَد وقاض من قُضَاة الْمُسلمين يسمع كَلَامي وَلَا ترد أحكامي وَمَعَ ذَلِك فَإِنِّي من نقلة حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة أما تستحيي من الله أَن يراك حَيْثُ نهاك فَقَالَ لي يَا سُبْحَانَ الله أَنْت أَيْضا أما تراني شَابًّا ملْء بدني أروق النَّاظر وَأَمْلَأُ الخاطر وآوي الكهوف والغيران وأشرب مَاء القيعان والغدران وأسلك مخوف المسالك وَأُلْقِي بيَدي فِي المهالك وَمَعَ ذَلِك فَإِنِّي وَجل من السُّلْطَان مشرد عَن الْأَهْل والأوطان وَحشِي أَن أعثر بِوَاحِد مثلك وأتركه يمشي إِلَى منزل رحب وعيش رطب وَأبقى أَنا هُنَا أكابد التَّعَب وأناصب النصب وَأَنْشَأَ اللص يَقُول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 329 (ترى عَيْنَيْك مَا لم ترياه ... كِلَانَا عَالم بالترهات) قَالَ القَاضِي أَرَاك شَابًّا فَاضلا ولصا عَاقِلا ذَا وَجه صبيح ولسان فصيح ومنظر وشارة وبراعة وَعبارَة قَالَ اللص هُوَ كَمَا تذكر وَفَوق مَا تنشر قَالَ القَاضِي فَهَل لَك إِلَى خصْلَة تعقبك أجرا وتكسبك شكرا وَلَا تهتك مني سترا وَمَعَ ذَلِك فَإِنِّي مُسلم الثِّيَاب إِلَيْك ومتوفر بعْدهَا عَلَيْك قَالَ اللص وَمَا هَذِه الْخصْلَة قَالَ القَاضِي تمْضِي إِلَى الْبُسْتَان معي فأتوارى بالجدران وَأسلم إِلَيْك الثِّيَاب وتمضي على المسار والمحاب قَالَ اللص سُبْحَانَ الله تشهد لي بِالْعقلِ وتخاطبني بِالْجَهْلِ وَيحك من يؤمنني مِنْك أَن يكون لَك فِي الْبُسْتَان غلامان جلدان علجان ذَوا سواعد شَدِيدَة وَقُلُوب غير رعيدة يشداني وثاقا ويسلماني إِلَى السُّلْطَان فَيحكم فِي آراءه وَيَقْضِي عَليّ بِمَا شاءه قَالَ لَهُ القَاضِي لعمري إِنَّه من لم يفكر فِي العواقب فَلَيْسَ لَهُ الدَّهْر بِصَاحِب وخليق بالوجل من كَانَ السُّلْطَان لَهُ مراصدا وحقيق بإعمال الْحِيَل من كَانَ للسيئات قَاصِدا وسبيل الْعَاقِل أَن لَا يغتر بعدوه بل يكون مِنْهُ على حذر وَلَكِن لَا حذر من قدر وَلَكِن أَحْلف لَك ألية مُسلم وَجهد مقسم أَنِّي لَا أوقع بك مكرا وَلَا أضمر لَك غدرا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 330 قَالَ القَاضِي يَا هَذَا قد أعيتني مضاءة جنانك وذرابة لسَانك وأخذك عَليّ الْحجَج من كل وَجه وأتيت بِأَلْفَاظ كَأَنَّهَا لسع العقارب أقِم هَا هُنَا حَتَّى أمضي إِلَى الْبُسْتَان وأتوارى بالجدران وأنزع ثِيَابِي هَذِه وأدفعها إِلَى صبي غير بَالغ تنْتَفع بهَا أَنْت وَلَا أنهتك أَنا وَلَا تجْرِي على الصَّبِي حُكُومَة لصِغَر سنه وَضعف منته قَالَ اللص يَا إِنْسَان قد أطلت المناظرة وَأَكْثَرت المحاورة وَنحن على طَرِيق ذِي غرر وَمَكَان صَعب وعر وَهَذِه المراوغة لَا تنْتج لَك نفعا وَأَنت لَا تَسْتَطِيع لما أرومه مِنْك دفعا وَمَعَ هَذَا أفتزعم أَنَّك من أهل الْعلم وَالرِّوَايَة والفهم والدراية ثمَّ تبتدع وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (الشَّرِيعَة شريعتي وَالسّنة سنتي فَمن ابتدع فِي شريعتي وسنتي فَعَلَيهِ لعنة الله) قَالَ القَاضِي يَا رجل وَمَا هَذَا من الْبدع قَالَ اللص اللصوصية بنسيئة بِدعَة انْزعْ ثِيَابك فقد أوسعت من سَاعَة محالك وَلم أشدد عقالك حَيَاء من حسن عبارتك وَفقه بلاغتك وتقلبك فِي المناظرة وصبرك تَحت المخاطرة فَنزع القَاضِي ثِيَابه وَدفعهَا إِلَيْهِ وَأبقى السَّرَاوِيل فَقَالَ اللص انْزعْ السَّرَاوِيل كي تتمّ الخلعة قَالَ القَاضِي يَا هَذَا دع عَنْك هَذَا الاغتنام وامض بِسَلام فَفِيمَا أخذت كِفَايَة وخل السَّرَاوِيل فَإِنَّهُ لي ستر ووقاية لَا سِيمَا وَهَذِه صَلَاة الْفجْر قد أزف حُضُورهَا وأخاف تفوتني فأصليها فِي غير وَقتهَا وَقد قصدت أَن أفوز بهَا فِي مَكَان يحبط وزري ويضاعف أجري وَمَتى منعتني من ذَلِك كنت كَمَا قَالَ الشَّاعِر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 332 (إِن الْغُرَاب وَكَانَ يمشي مشْيَة ... فِيمَا مضى من سالف الْأَحْوَال) (حسد القطاة فرام يمشي مشيها ... فَأَصَابَهُ ضرب من العقال) (فأضل مشيته وَأَخْطَأ مشيها ... فلذاك كنوه أَبَا المرقال) قَالَ اللص القَاضِي أيده الله تَعَالَى يرجع إِلَى خلعة غير هَذِه أحسن مِنْهَا منْظرًا وأجود خطرا وَأَنا لَا أملك سواهَا وَمَتى لم تكن السَّرَاوِيل فِي جُمْلَتهَا ذهب حسنها وَقل ثمنهَا لاسيما والتكة مليحة وسيمة وَلها مِقْدَار وَقِيمَة فدع ضرب الْأَمْثَال وأقلع عَن ترداد الْمقَال فلست مِمَّن يرد بالمحال مَا دَامَت الْحَاجة ماسة إِلَى السروال ثمَّ أنْشد (دع عَنْك ضربك سَائِر الْأَمْثَال ... واسمع إِذا مَا شِئْت فصل مقَال) (لَا تَطْلُبن مني الْخَلَاص فإنني ... أُفْتِي فَمَتَى مَا جئتني بسؤال) (ولأنت إِن أبصرتني أَبْصرت ذَا ... قَول وَعلم كَامِل وفعال) (جارت عَلَيْهِ يَد اللَّيَالِي فانثنى ... يَبْغِي المعاش بصارم ونصال) (فالموت فِي ضنك المواقف دون أَن ... ألْقى الرِّجَال بذلة التسآل) (وَالْعلم لَيْسَ بِنَافِع أربابه ... أَولا فقومه على الْبَقَّال) ثمَّ قَالَ ألم يقل القَاضِي إِنَّه يتفقه فِي الدّين ويتصرف فِي فتاوي الْمُسلمين قَالَ القَاضِي أجل قَالَ اللص فَمن صَاحبك من أَئِمَّة الْفُقَهَاء قَالَ القَاضِي صَاحِبي مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 333 قَالَ اللص اسْمَع هَذَا وَتَكون بالسراويل حَتَّى لَا تذْهب عَنْك السَّرَاوِيل إِلَّا بالفوائد قَالَ القَاضِي أجل يَا لَهَا من نادرة مَا أغربها وحكاية مَا أعجبها قَالَ أَي شَيْء قَالَ صَاحبك فِي صَلَاة الْفجْر وَغَيرهَا وَأَنت عُرْيَان قَالَ القَاضِي لَا أَدْرِي قَالَ اللص حَدثنِي أبي عَن جدي عَن مُحَمَّد بن إِدْرِيس يرفعهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صَلَاة الْعُرْيَان جَائِزَة وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ) تَأَول فِي ذَلِك غرق الْبَحْر إِذا سلمُوا إِلَى السَّاحِل فَنزع القَاضِي السَّرَاوِيل وَقَالَ خُذْهُ وَأَنت أشبه بِالْقضَاءِ مني وَأَنا أشبه باللصوصية مِنْك يَا من درس على أَخذ ثِيَابِي موطأ مَالك وَكتاب الْمُزنِيّ وَمد يَده ليدفعه إِلَيْهِ فَرَأى الْخَاتم فِي إصبعه الْيُمْنَى فَقَالَ انْزعْ الْخَاتم فَقَالَ القَاضِي إِن هَذَا الْيَوْم مَا رَأَيْت أنحس مِنْهُ صباحا وَلَا أقل نجاحا وَيحك مَا أشرهك وأرغبك وَأَشد طَلَبك وكلبك دع هَذَا الْخَاتم فَإِنَّهُ عَارِية معي وَأَنا خرجت ونسيته فِي إصبعي فَلَا تلزمني غرامته قَالَ اللص الْعَارِية غير مَضْمُونَة مَا لم يَقع فِيهَا شَرط عِنْدِي وَمَعَ ذَلِك أفلم يزْعم القَاضِي أَنه شَافِعِيّ قَالَ نعم قَالَ اللص فَلم تختمت فِي الْيَمين قَالَ القَاضِي هُوَ مَذْهَبنَا قَالَ اللص صدقت إِلَّا أَنه صَار من شعار المضادين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 334 قَالَ القَاضِي فَأَنا أعتقد وَلَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه تفضيله على كل الْمُسلمين من غير طعن على السّلف الرَّاشِدين وَهَذَا فِي الْأُصُول اعتقادي وعَلى مَذْهَب الشَّافِعِي فِي الْفُرُوع اعتمادي فَأخذ اللص فِي رد مَذْهَب الرَّفْض وَجَرت بَينهمَا فِي ذَلِك مناظرة طَوِيلَة رويناها بِهَذَا الْإِسْنَاد انْقَطع فِيهَا القَاضِي وَقَالَ بعد أَن نزع الْخَاتم ليسلمه إِلَيْهِ خُذ يَا فَقِيه يَا مُتَكَلم يَا أصولي يَا شَاعِر يَا لص وخشية الْمَمْلُوك من سَارِق الْمعَانِي على بَنَات فكره مثل خَشيته من سَارِق الْبَين على ثِيَاب صبره وكلا الخشيتين فَوق خشيَة هَذَا القَاضِي على ثِيَاب بدنه من هَذَا السَّارِق ومكره أما بَنَات الأفكار فقد رَأَيْت من يَجْعَلهَا حدودا وَينزل الْبَاطِل على أوكارها وَلَا يخَاف قَول الْحق على زهقه صعُودًا وَيقطع الْقلب فَكيف بِالْيَدِ وَالرجل ثملا يَقُول قولا سديدا وَأما ثِيَاب الصَّبْر فقد مزقها فراقكم الَّذِي جرى مِنْهُ على الْمَمْلُوك مَا لَا يجْرِي على السَّمَاء من أَرض مصر إِذا انْعَقَد غبارها وارتفع إِلَيْهَا من أصوات أبْغض الْعَجم ناطقا وَهُوَ الذئاب جؤارها وَصعد إِلَيْهَا مِمَّا يجْرِي بَين لابتيها على أَلْسِنَة الْمَلَائِكَة أَخْبَارهَا وَلَا على الأَرْض من السَّمَاء فِي الشَّام من الأمطار الَّتِي ظلت بهَا الحجرات وَاقعَة وتلت الألسن عِنْد قرعها {القارعة مَا القارعة} وأصابت إِلَّا أَنَّهَا على كل حَال رَحْمَة أَهلا جَمِيعًا وَإِن ظنُّوا أَن حصونهم مانعه وَكَأَنِّي بمولانا يَقُول إِنِّي عرضت بِمصْر فأعارضه بِمَا قلته فِي الشَّام وَأبين لمولانا الإِمَام أَنه لَيْسَ لكلامي بذلك إِلْمَام وَكَيف أعرض بالبحر الصَّرِيح والفلك تجْرِي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 335 فِيهِ مواخر وكل مركب إِذا زحزحتها الرّيح فَقَذَفْتُ متاعها غيمت الْآتِيَة بعْدهَا قائلة (كم ترك الأول للْآخر ... ) وكل جَزِيرَة حكت أزهارها ثغور أقحوان الشَّام وَإِن فاتها شنب البواكر وَإِنَّمَا وصف الْمَمْلُوك مَا اتّفق لذاته الْيَوْم بتذكار أمسه وَشرح بَين مخدومه عُمُوم مس حَاله وَلم يبعد خويصة نَفسه وَأَبَان مَا عِنْده من بعد إِبْرَاهِيم الَّذِي اتَّخذهُ خَلِيلًا أيده الله بِروح قدسه فَكتب الشَّيْخ برهَان الدّين القيراطي جَوَابه إِلَى شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام أوحد الْمُجْتَهدين تَاج الدّين أبي نصر أَسْبغ الله ظلاله من الْقَاهِرَة المحروسة إِلَى الشَّام المحروسة يقبل الأَرْض المتطولة على ذَوي التَّقْصِير ببرها الْمُقَابلَة من بَابهَا المفتوح بِمَا لم يكن فِي حسان من خَيرهَا الْمُعَامَلَة لِعَبْدِهَا بِالْإِحْسَانِ وَلَوْلَا استرقاقها للْجَمِيع لَقلت وحرها البابلية النِّسْبَة إِذا سلبت رسائلها الْعُقُول إِمَّا بخمرها وَإِمَّا بسحرها المشنفة للأسماع من مغاص بحرها بدرها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 336 المزخرفة رياض البلاغة إِذا أنشأت سَحَاب الْإِنْشَاء لله درها بدرها حَتَّى فتنت بِحسن نفاستها الْفَتى وجليت عرائسها الَّتِي (خرجن فِي بهجة كالروض لَيْسَ لَهَا ... إِلَّا الْحلِيّ على لباتها زهر) (صب الشَّبَاب عَلَيْهَا وَهُوَ مقتبل ... مَاء من الْحسن مَا فِي صَفوه كدر) فأبقى الله حماها حرما للاجى وجلا سَحَاب الْفضل من كل الْوُجُوه روضها العاجي (فصاغ مَا صاغ من تبر وَمن ورق ... وحاك مَا حاك من وشي وديباج) (وألبس الأَرْض من حلي وَمن حلل ... مَا يمتع الْعين من حسن وإبهاج) وَرُوِيَ جهاتها الَّتِي يَقع ترابها من الرَّائِي مواقع المَاء من الصادي وَروض جنابها الَّذِي أهْدى زهره رَوَائِح الْجنان عِنْد بواكر الغوادي وطاب واديه فَأَيْنَ مِنْهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 337 (أَرض تخيرها لطيب مقيلها ... كَعْب بن مامة وَابْن أم دؤاد) وحياها الحيا من مَوَاطِن وَلَا رَحل عَنْهَا من السرُور قاطن وَلَا زَالَت بأزهارها حَسَنَة الظَّاهِر وبأنهارها صَافِيَة الْبَاطِن (وَلَا بَرحت كف الثريا لربعها ... إِذا سمحت بالقطر ذَات سخاء) حَتَّى يمْلَأ صحون ديارها قطر الأمطار وتصبح بِمَا صاغه الرّبيع تِلْكَ الأقطار (تضاحك الشَّمْس أنوار الرياض بهَا ... كَأَنَّمَا نثرت فِيهَا الدَّنَانِير) (وَتَأْخُذ الرّيح من ريحانها عبقا ... كَأَن ذَاك الثرى مسك وكافور) متطيبا بِطيب ثراها متمسكا من محبتها الَّتِي لَا يفك عَنْهَا إِزَار صَدره بعراها شَاعِرًا بِأَنَّهُ فِي كل وَاد من ودها يهيم ناثرا من در لَفظه إِذا سهر فِي وصفهَا مَا يضيء بِهِ سنح اللَّيْل البهيم قَائِلا حِين أجراه الْأَدَب على الْعَادة فِي وُقُوفه تجاه كعبتها هَذَا مقَام إِبْرَاهِيم مُطلقًا فِي مدح أياديها لِسَان الْقَلَم الَّذِي أصبح بشعاره العباسي خطيب محاسنها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 338 مغترفا من بَحر أدبها الحلو مَا لَا يَنْبَغِي لصبابة آدابنا أَن تجاريه بآسنها مُسْتَعْملا عزائم شكره الَّتِي نفذ قَاضِي الْوَلَاء أَحْكَامهَا وأمضاها معملا ركائب مدحه الَّتِي أَصَحهَا حِين أضناها فِي ذَلِك وأضناها تاليا عَلَيْهِ لِسَان أمله حِين قلب طرفه فِي سمائها لذ بِهَذَا الْبَيْت {فلنولينك قبْلَة ترضاها} فرواها الله أَرضًا سقت السَّمَاء رياضها وَلَو نطق العَبْد بهَا شامية لأصاب حِين يَقُول غياضها إِي وَالله أهواها وأتعصب لَهَا وَإِن تقنعت بسواها وترتاح روحي لنسيمها العليل الَّذِي صَحَّ فِيهِ هَواهَا وأستشفي بعليل هوائها وأستعذب على النّيل الْفُرَات من مَائِهَا (وَمَا ذَاك إِلَّا حِين أيقنت أَنه ... يكون بواد أَنْت مِنْهُ قريب) (يكون أجاجا دونكم فَإِذا انْتهى ... إِلَيْكُم تلقى طيبكم فيطيب) وَكَذَلِكَ أنْشد أوطانها وسكان تِلْكَ الْبِقَاع وقطانا (أيا سَاكِني أكناف جلق كلكُمْ ... إِلَى الْقلب من أجل الحبيب حبيب) وَكَيف لَا وَهِي بمولانا مغارس أَشجَار الْأَدَب ومعادن ذهب الْمعَانِي الَّذِي يفوق على الذَّهَب وباعثة ميت الْفَضَائِل من كتب ومنفسة مَا تَجدهُ النُّفُوس من كرب ومرنحة أعطاف الْأَرْوَاح بالطرب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 339 (وجنان قَالَ الْإِلَه لَهَا كوني ... فَكَانَت روحا وروحا وراحا) بل هِيَ مجْرى بحار الْعُلُوم ومسرى الْكَوَاكِب السيارة من الفهوم ومنشأ الغيوث الَّتِي لَهَا بالمكارم سجوم وَالْحرم الَّذِي مَا لمختطف الْحَوَادِث على جَاره هجوم وعكاظ أدب إِذا نطق خَطِيبه فلقس مِنْهُ وجوم وحريم الْخلَافَة البلاغية فَمَا لخارجي الْأَدَب الدخيل فِيهِ خُرُوج على شموس أفقه وَلَا نُجُوم ومطالع النُّجُوم الَّتِي (مِنْهَا معالم للهدى ومصابح ... تجلو الدجا والأخريات رجوم) ومغاص در الفصاحة الثمين وبابل سحر الْبَيَان الْمُبين وَمحل إِذا رفعت راية مجد تلقاها عرابة بِالْيَمِينِ ومقر فضل إِذا أقسم الزَّمَان بِيَمِين ليَأْتِيَن بِمثلِهِ يَمِين وَبَيت رَأس خمر البلاغة الَّتِي لَا تداس بقدم وَلَا يُقَال لمتعاطي كؤوسها ندامى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 340 لأَنهم لَا يعقب سكرهم بسلافها نَدم ومناهل يشرب سلسال لَفظهَا الحلو بالشهد إِذا شرب حاسدها مَاء جفونه بِدَم مهديا سَلاما ينشر طيبه ويحاكيه من مسك دارين رطيبه ويخفق فِي خافقين من طَائِره الميمون الْجنَاح ويحمد الدَّهْر الساري فِي ليل نَفسه إِذا أطلع عَلَيْهِ فجر مَعَانِيه الصَّباح ويضيء فِي مشكاة الصَّدْر مِنْهُ مِصْبَاح وَالْقلب ذَاك الْمِصْبَاح ويخضب شباب نَفسه لمَم الدروج الْبيض فَلَا يكون لَهُ مِنْهَا نصول ويصبو الصابي إِلَى حمل رسائله ويتلقاه من ذَلِك الجناب قبُول الْقبُول إِلَى هَذَا الْبَيْت الْأنْصَارِيّ الَّذِي لَا زحاف فِيهِ وَلَا سناد فِي قوافيه وَلَا إقواء إِلَّا فِي أَبْيَات أعاديه وَلَا إيطاء إِلَّا على رِقَاب حساده وَلَا إكفاء إِلَّا على الْوَجْه لأضداده فَثَبت الله أوتاد هَذَا الْبَيْت وأقطابه وَوصل بِأَسْبَاب السَّمَاء أَسبَابه وَأَعلاهُ من جهاته السِّت على السَّبع الطباق وأبقاه لتختلس أقوالنا المسترقة من مَعَانِيه وَبَيَانه مَا يعليه فِي البديع من طباق وَيُنْهِي والأليق بِهِ أَن يُنْهِي عَن المجاراة فِي هَذَا الْموقف نَفسه الأمارة ويتأخر عَن الْمحَال الَّذِي قَالَ سهله الْمُمْتَنع لعيون الْكَلَام الممتدة لمناظريه مَا أَهْون الْحَرْب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 341 عِنْد النظارة وَيتَكَلَّم بالميزان بَين يَدي صيرفي نقود الْأَدَب فَلَا يُقَابل بقيراطه قنطاره وَيعلم فكرته الَّتِي هِيَ لمنهل الْمُعَارضَة ورادة أَنَّهَا فِي الأخطار خطارة وُرُود تشريف مشرفه فَإِذا هُوَ خلعة وَبشير صبيح الْوَجْه مبارك الطلعة وحصن حكمت مُلُوك الْكَلَام مِنْهُ فِي قلعة وَرَسُول أرى الْمَمْلُوك بسمعه ديار أحبابه كَمَا رأى الرضي سلعه فشاهدت عُهْدَة رقي ووثقت بِأَنَّهَا وَثِيقَة فكاك عنقِي من الخطوب وعتقي وأرجعت بَنَات الْفِكر فِي وَصفه بعد الطَّلَاق وزفت إِلَيّ بقدومه عروس التهاني فَكَانَ ذَلِك الْكتاب نُسْخَة الصَدَاق وتسلم الْمَمْلُوك تِلْكَ الرسَالَة فَإِذا هِيَ مدونة مَالك والمشرفة الَّتِي قعد لَهُ عنوانها فِي جَمِيع المسالك فَقَرَأَ عنوانها قبل أَن يفك صوانها فَوقف من ذَلِك العنوان على صنْوَان وَغير صنْوَان وَسَماهُ قيد الأوابد وصيد الشوارد وَإِذا هُوَ كَأَنَّمَا عنون لأبي زيد أَو نصب شبكة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 342 لصيد أَو أطلق فِي إِثْر من لَا يتَقَيَّد لكَونه فِي عَالم الْإِطْلَاق تقيد أَو كُوتِبَ بِهِ إِلَى عمرَان بن حطَّان أَو توجه إِلَى بدوي لَا يألف الْحِيطَان أَو أصدر إِلَى مَجْنُون أَو قصد بِهِ من هُوَ دائر على قلبه كَأَنَّهُ منجنون أَو من أَمْسَى وبيته على كتفه كَأَنَّهُ حلزون أَو روسل بِهِ الْفلك الدوار أَو الْكَوْكَب السيار أَو مُسَافر لَا يخلع سير نَعله من رجله وَلَا يلقى من يَده عَصا التسيار أَو خُوطِبَ بِهِ العاشق الحائر أَو سير إِلَى الْمثل السائر أَو إِلَى الشَّمْس الَّتِي لَا تنفك فِي شروق وأفول أَو إِلَى عَوْف بن محلم الَّذِي يَقُول (أَفِي كل يَوْم غربَة ونزوح ... أما للنوى من وَقْفَة فتريح) أَو إِلَى سَاكن فِي ذَات الْعِمَاد أَو إِلَى الطّواف الَّذِي بلغ طَوَافه وسعيه أم الْقرى وأقصى الْبِلَاد حَتَّى كَأَن الْمَمْلُوك المعني فِي الملا بقول الشَّيْخ أبي الْعلَا (أَبَا الْإِسْكَنْدَر الْملك اقْتَدَيْتُمْ ... فَلَا تضعون فِي أَرض وسادا) (لَعَلَّك يَا جليد الْقلب ثَان ... لأوّل ماسح مسح البلادا) أَو كَأَنَّهُ فِي هَذِه المقامات على رَأْي الْحَرِير من الَّذين لَا يتخذون أوطانا وَلَا يهابون سُلْطَانا (فَيكون طورا مشرقا للمشرق الْأَقْصَى ... وطورا مغربا للمغرب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 343 (لَا يسْتَقرّ بِأَرْض أَو يسير إِلَى ... أُخْرَى بشخص قريب عزمه ناء) (يَوْمًا بحزوى وَيَوْما بالعقيق وَيَوْما ... بالعذيب وَيَوْما بالخليصاء) (وَتارَة ينتحي نجدا وآونة ... شعب الشعوب وطورا قصر تيماء) (كَأَن بِهِ ضغنا على كل جَانب ... من الأَرْض أَو شوقا إِلَى كل جَانب) (فشرق حَتَّى لَيْسَ للشرق مشرق ... وَغرب حَتَّى لَيْسَ للغرب مغرب) قد ألف قلبه النَّوَى وَجرى جري النسيم مَعَ الْهوى فَهُوَ يسْعَى برجليه فِي مناكبها ويجول بأصغريه فِي مواكبها ويهيم فِي كل وَاد وينشد قَول حبيب فِي ابْن أبي دؤاد (مُقيم الظَّن عنْدك والأماني ... وَإِن قلقت ركابي فِي الْبِلَاد) (وَمَا سَافَرت فِي الْآفَاق إِلَّا ... وَمن جدواك رَاحِلَتي وزادي) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 344 أَو قَول أبي الطّيب (محبك حَيْثُ مَا اتجهت ركابي ... وضيفك حَيْثُ كنت فِي الْبِلَاد) (وَحَيْثُ مَا كنت من مَكَان ... فلي إِلَى وَجهك الْتِفَات) ويترنم حِين ترك قراره بقول عمَارَة (ودورت أقطار الْبِلَاد كأنني ... إِلَى الرّيح أعزى أَو إِلَى الْخضر أنسب) وينشد حِين سَار سير الْبَدْر وتنقل تنقل لَيْلَة الْقدر (تنقل فلذات الْهوى فِي التنقل ... ورد كل صَاف لَا ترد فَرد منهل) ويتأيد بقول الْمُؤَيد (إِن الْعلَا حَدَّثتنِي وَهِي صَادِقَة ... فِيمَا تحدث أَن الْعِزّ فِي النَّقْل) (لَو كَانَ فِي شرف المأوى بُلُوغ منى ... لم تَبْرَح الشَّمْس يَوْمًا دارة الْحمل) فحركته المستديرة كالحلقة تفتح بآخرها أَولهَا وكالشمس فِي قِرَاءَة من قَرَأَ / < لَا مُسْتَقر لَهَا > / لكنه يقسم بالمثاني أَنه الأحق بقول الأرجاني (سيري إِلَيْكُم فِي الْحَقِيقَة وَالَّذِي ... تَجِدُونَ منى فَهُوَ سير الدَّهْر بِي) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 345 وَقد كَانَ الْمَمْلُوك من قبل يتَرَدَّد وَيذْهب وَيَأْخُذ فِي كل مَذْهَب (وَلما ملأتم ناظري من جمالكم ... سددتم على قلبِي جَمِيع المسالك) ثمَّ فض عَن مسك نَفسه الْمَخْتُوم ختامه وأماط عَن ثغر سيناته لثامه وَنصب محاريب نوناته قبل إِمَامه وَبَايع مِنْهُ إِمَامًا لبس من خَزَائِن المحابر خلعة الْإِمَامَة وَرَأى بِعَيْنِه أدبا يتأدب من خلف أُذُنه قدامَة قدامه فأحجم بَاعه الْقصير عَنهُ طَويلا وَطلب من الْمُعَارضَة والمطاولة لهَذَا اللَّفْظ مقيلا (وطاش لبي إِذْ عاينته فَرحا ... وَمن ينل غَايَة لم يرجها يطش) ثمَّ أطرقت مَلِيًّا وَقلت حييا (منثور هَذَا الْكتاب حِين أَتَى ... يسمو على الدّرّ وَهُوَ منظوم) (أهْدى لنا عرفه بمقدمه ... تأرج الْمسك وَهُوَ مختوم) لقد فاح من طي تِلْكَ المهارق نشرها قبل نشرها وَقلت حِين قَرَأت من تِلْكَ الرسَالَة تَرْجَمَة معروفها وبشرها (وقفت وَقد وافى مشرف سَيِّدي ... لَهُ ألفا قبل اطلاعي على حرف) (وقبلته ألفا وألفا فَقَالَ لي ... غرامي زده وَاضْرِبْ الْألف فِي الْألف) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 346 فَإِذا هُوَ كتاب علم وَكَلَام إِذا تجرد سيف لِسَان البليغ لِحَرْب خَصمه ألْقى لفصاحته السّلم فأقسم من كتاب مَوْلَانَا الْكَرِيم بالمختوم لقد أظهر تهافت الفلاسفة بحكمة دَرَجَة المرقوم وشاهدت أَصْحَاب المطالب الأدبية كَيفَ ألقيت لمنشئه مَفَاتِيح الْكُنُوز وَوصل العَبْد لكيمياء السَّعَادَة حِين اهْتَدَى لحسن التَّدْبِير من تِلْكَ الشذور والرموز فعوذ بألم ذَلِك الْكتاب وَدخلت عَلَيْهِ حِين دخل جنته مَلَائِكَة السَّلَام من كل بَاب وَنشر ميت الْحَظ بنشوره وَخرج اللب فِي وَصفه من قشوره وَأخذ من الزَّمَان توقيع الْأمان بقدوم منشوره (كَانَ الملطف كالقميص أما ترى ... أبصارنا ردَّتْ لنا بملطف) (وافى فسكن نَار قلبِي رمزه ... أسمعتم نَارا بِنَار تنطفي) (وأرادت الأجفان عَادَة جريها ... أَو جرى عَادَتهَا فَقلت لَهَا قفي) (كفي فقد جَاءَ الحبيب بِمَا كفى ... وصلا وعاشقه الْمَعْنى قد كفي) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 347 وفتحه الْمَمْلُوك فَرَأى من بلاغته بِمصْر فتح الْعَزِيز ولفظا أطرب ببسيطه أَقْوَاله لِأَنَّهُ وجيز وتنبيها يتيقظ بِهِ ذُو التَّمْيِيز ومهذب عبارَة فِيهَا لكل فَقِيه فِي البراعة تعجيز وسحرا يعرف النفاثات فِي العقد بخلوه من التعقيد وكتابا فِيهِ لكل بَاب من أَبْوَاب الْأَدَب إقليد وَملك فصاحة طالع سعده فِي كل وَقت سعيد وفلكا كلما لَاحَ لي هِلَال نونه عادني من السرُور عيد قد استعبد رق الْكَلَام الْمُحَرر وَأهْدى عقدا كُله جَوْهَر وقلادة إِلَّا أَنَّهَا بِالنَّفسِ عنبر وحللا إِذا رفل الْقَلَم فِيمَا حاكه مِنْهَا يتحبر ومقام أنس إِذا تختر بسلافة الخاطر تمايل عطفه وتخطر فَجَلَست من طرسه وَلَفظه بَين سالف وسلاف واعتنقت مِنْهُ قدود ألفات فاقت الْخلاف بِلَا خلاف ولثمت مِنْهُ ميمات حميت نَفسِي النونات مِنْهَا الثغور ورصدت من نقطه نجوما إِلَّا أَنَّهَا لَا تغور وَرَأَيْت حروفا ترتاح الرّوح إِلَى شكلها الْحسن وتفرغت لأنظر مِنْهَا كل عين أحلى من عين الحبيب الملأى من الوسن واستنطق الأفواه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 348 ليل خَيره بالتسبيح وتدرع شَاهد حسنه بدروع الإجادة فَهُوَ لَا يخْشَى التجريح وَقلت مضمنا فِي تلويح إِشَارَته الأدبية فِي مقَام التَّصْرِيح (ومشرف إِن زَاد تَشْرِيفًا فقد ... خلعت عَلَيْهِ جمَالهَا الْأَيَّام) (هُوَ جَامع لِلْحسنِ إِلَّا أَنه ... قصر عَلَيْهِ تَحِيَّة وَسَلام) (وعَلى العدا من طرسه وبقوسه ... رصدان ضوء الصُّبْح والإظلام) وبدأت بِبسْم الله فِي قِرَاءَته فَإِذا عَلَيْهِ من التَّيْسِير عنوان وَرَأَيْت من شعب مَعَانِيه يَا مَالك الْأَدَب مَا لم يره أَحْمد فِي شعب بوان وتطفلت بعد المشيب من حُرُوفه المعرقة وسطوره المحمرة على مائدة ذَات ألوان وَعجز قيراطي عَن حمر دَنَانِير سطوره الَّتِي تجْرِي على حروفها وَعلم أَن تِلْكَ الدَّنَانِير لم تبْق عِنْده الْأَيَّام مِنْهَا غير صروفها وغيض مَاء فكرته حِين رأى نيل بلاغه مَوْلَانَا قد احمر من الزِّيَادَة وَكسر قَصَبَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 349 قلمه حِين رَآهَا لقناديل ذهنه على رَأْي الْعَامَّة طفاية وجمرة حمرَة تِلْكَ الصُّدُور وقادة وارتاح لأشكالها الَّتِي لَهُ بهَا على سلوك طَرِيق الْوَصْف قصره وتخلص من عقلة الْحصْر عِنْد الِاجْتِمَاع بشارد الفكرة وَعلم أَن سيف الفصاحة قتل العي فاحمر صفيحه وَأَن شبح النقس الْأسود يحسن بالياقوت الْأَحْمَر توشيحه وَأَن إِنْسَان هَذِه البلاغة خلق من علق وَأَن ليل النقس لَا يَخْلُو من شفق وَظن أَن الغسق والشفق قد انجلا فأجراهما مدادا أَو الرمل عشق شكل سطورها فَمَا اخْتَار عَنهُ انفرادا أَو أَن حمامته الساجعة خضبت كفها أَو أَن روضته المزهرة أحدق بهَا الشَّفق وحفها لقد قَامَت مقَام الوجنات لوجوه الطروس الْبيض حمرتها وتوقدت فِي فَحْمَة ليل النقس جمرتها وتشعشعت فِي كؤوس البلاغة خمرتها فناهيك بألفاظها كؤوسا أَبْصرت حمرتها فِي عين القرطاس وخده وفصول ربيع بلاغتها وَتلك الْحمرَة مَاء ورد من وردة ثَبت بهَا أَن الْحسن أَحْمَر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 350 وَأَن ربيع بلاغتها الخصيب أَخْضَر وَأَن جَامع روضها الَّذِي قَامَ فِيهِ شحرور البلاغة خَطِيبًا أَزْهَر وتكتبت جيوش الْكَلَام من سطورها فِي دهمها وحمرها وحملت وهزمت جيوش المتأدبين وحمرتها من دِمَاء من قتلت وَأصْبح الْأسود والأحمر طوع أقلامها وزأر أسدها الْورْد عِنْد اهتزازها من آجامها وأصبحت ذَات عين على المعارضين حمرا وَأقر لجياد ألفاظها بِالسَّبقِ من أظلته الخضراء وأقلته الغبرا وَقَالَت مفاخرها الدمشقية للمبارز هَذَا الميدان والشقرا وجليت كاعبها الَّتِي اعتدل قدها وتفتح وردهَا وجندت أجنادها وَكَثُرت بالحمرة سوادها وعصفرت للرفاق أبرادها واشتملت بملاءتها العسجدية وحلت فِي الأفواه حلاوتها الوردية وَحَاصِله أَن هَذَا الْكتاب مخلق تملأ الدُّنْيَا بشائره وَأَن أَحْمَر رمزه قد أصبح والأحامرة الثَّلَاثَة ضرائره لقد عاقده منشئه أَن ينظم جَوَاهِر البلاغة عقودا لجيده فأوفى بِالْعُقُودِ ونفح عنبر نَفسه فالضائع من الْمسك عِنْده مَفْقُود ودام ورد رياضه على الْعَهْد خلافًا لما هُوَ من الْورْد مَعْهُود الجزء: 9 ¦ الصفحة: 351 فلاح للمملوك من كَتِيبَة براعته الخضراء بَطل بعد بَطل وهام الْقلب بوابل سحابه السحباني هيام علية بَطل وَانْطَلق فِي وَصفه الْجنان وَرَأى بِهِ رياضا لَو رَآهَا أَبُو نواس لسلا بهَا عَن جنان وثنى عنانه عَن عنان وألجم منشئه المتأدبين حِين أطلق فِيهِ الْعَنَان فَإِذا هُوَ مفتتح ببديع أغلق على صَاحب الْمِفْتَاح بَاب الْكَلَام وَخط أصبح ابْن البواب لَهُ كالغلام وَقَالَ المُصَنّف (من هام فِي هَذَا يعان ... وَلَا يعاب وَلَا يلام) فاشتغل بِهِ عَن كَيْت وَكَيْت وَعظم قدر مَعَانِيه الْأَصْلِيَّة حِين وجد كل معنى مِنْهَا فِي بَيت فَرَأى الْجنان وحورها وعقود الحسان ونحورها ودرر الْأَلْفَاظ وبحورها وسواحر الْبَيَان وَكَيف أصبح الْقلب مسحورها وَأَوَى بَين أبياته الأدبية إِلَى دَار حَدِيث وأسانيد يحصل بهَا من مِيرَاث النُّبُوَّة التوريث الجزء: 9 ¦ الصفحة: 352 وَقَالَ سُبْحَانَ من توج بِهَذَا التَّاج لهَذَا الشَّأْن مفارق طرقه وأطلع بِهِ بعد الأفول بدره من أفقه وَرغب إِلَى الْوَهَّاب أَن يديم على عَبده مَا وهب ويحفظ هَذَا الْحَافِظ لتتجلى الْأَسَانِيد مِنْهُ سِيمَا إِذا روى عَن الذَّهَبِيّ بسلسلة الذَّهَب فَللَّه دره حَافِظًا أنسى النَّاس إِذا رتل الْمَتْن من درج ومحدثا تبحر فِي علم الحَدِيث فَحدث عَنهُ وَلَا حرج فاق على مَشَايِخ الْعَصْر الْقَدِيم فِي الحَدِيث وَوصل بأسانيده الْعَالِيَة إِلَى مدى لَا يُوصل إِلَيْهِ بالسير الحثيث وَتمسك الطَّالِب من أسانيده الْمُتَّصِلَة بِحَبل وثيق وأسكره مَا سمع من حُلْو الحَدِيث فَلَا كَرَامَة لمر الْعَتِيق وأملى الأمالي الَّتِي لَيْسَ لَهَا قالي وَطعن الْخصم فِي معترك الْجِدَال من أَحَادِيثه بالعوالي فَالْحَدِيث لَا يعرفهُ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه طَالبه وَلَا تَأتي لَهُ إِلَّا من هَذَا الْبَيْت غَرَائِبه وَرَأَيْت من الْفَوَائِد الحديثية مَا ذهل كثير من الْحفاظ عَنْهَا وَورد على الْمَمْلُوك مِنْهَا (حَدِيث لَو أَن الْمَيِّت نوجي بِبَعْضِه ... لأصبح حَيا بعد مَا ضمه الْقَبْر) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 353 وأملت أَحَادِيث أحلى فِي النُّفُوس من المنى وَأَسْمَاء إِذا وصفتها على سَبِيل الِاكْتِفَاء قلت أحلى من الكنى فَعلمت أَن هَذَا الْمُحدث قد أرضع بلبان هَذَا الْفَنّ وغذي وتحدث النَّاس بِانْفِرَادِهِ فِيهِ فَهُوَ الَّذِي (حَدِيثه أَو حَدِيث عَنهُ يُعجبنِي ... هَذَا إِذا غَابَ أَو هَذَا إِذا حضرا) (كِلَاهُمَا حسن عِنْدِي أسر بِهِ ... لَكِن أحلاهما مَا وَافق النظرا) فحرس الله سين أسانيده بقاف وحاء تحويله بحم الْأَحْقَاف فقد أَحْيَا السّنة المحمدية حَتَّى أَسْفر صبحها فِي هَذَا الْعَصْر وَأورد إِذْ هُوَ جوهري هَذَا الْعلم صحاحه وَلَا يُنكر الصِّحَاح لأبي نصر فَهُوَ إِمَام الْعُلُوم على الْأَبَد وَالسَّابِق للعلياء سبق الْجواد إِذا استولى على الأمد وَالسَّيِّد الْحَافِظ الَّذِي دَاره لَا دَار مية بَين العلياء والسند الجزء: 9 ¦ الصفحة: 354 وَالشَّيْخ الَّذِي اخْتصَّ بعلو الْإِسْنَاد وَالْمحل والرحلة الَّذِي ينشد الطَّالِب إِذا حث ركائبه إِلَيْهِ ورحل (إِلَيْك وَإِلَّا تساق الركائب ... وعنك وَإِلَّا فالمحدث كَاذِب) على أَنه عَالم مناظر وحافظ مذاكر وأديب محَاضِر وَذُو اطلَاع ينشد (كم ترك الأول للْآخر ... ) فَهُوَ بَين الْعلمَاء إِمَام ملتهم ومصلى قبلتهم ومجلي حلبتهم والمنشد عِنْد طُلُوع أهلتهم (أَخذنَا بآفاق السَّمَاء عليكمو ... لنا قمراها والنجوم الطوالع) عدنا إِلَى اجتلاء تِلْكَ الْعَرُوس واجتناء تِلْكَ الغروس فَأكْرم بهَا عروسا ترفق من الطروس فِي حلل وتسير من خفرها فِي كلل وَأعظم بهَا غَرِيبَة يطيب بِبَيْت شعرهَا لَا بِبَيْت شعرهَا الْحلَل أنصارية النجار لَا خور فِي عودهَا إِذا انْتَمَى إِلَى بني النجار وَلَا خلل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 355 سَار ذكر بَيتهَا الطّيب فِي الْأَمْصَار وَعلم أَن من الْإِيمَان الِاعْتِرَاف بِحَق الْأَنْصَار لما أخبرناه الْعدْل أَبُو الْحسن عَليّ بن مَسْعُود بن بهتك العجمي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قيل لَهُ أخْبرك الشَّيْخ أَبُو الْعِزّ بن الصيقل فَأقر بِهِ أخبرنَا أَبُو عَليّ ضِيَاء بن أبي الْقَاسِم أخبرنَا القَاضِي أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن علوان أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْخرقِيّ حَدثنَا أَبُو بكر النجاد حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله حَدثنِي عِيسَى بن سُبْرَة عَن أَبِيه عَن أبي سُبْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَلا لَا صَلَاة إِلَّا بِوضُوء وَلَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عز وَجل أَلا لَا يُؤمن بِاللَّه من لَا يُؤمن بِي وَلَا يُؤمن بِي من لَا يعرف حق الْأَنْصَار) اكْتفى الْمَمْلُوك بِهَذَا الحَدِيث الَّذِي أفرده على سَبِيل التَّوَصُّل بِهِ إِلَى الْبركَة والتوسل وَترك الْكَلَام عَلَيْهِ لِئَلَّا تخرج بِهِ الرسَالَة عَن حد الترسل وَعلم أَن هَذِه الطّرق لَا يسلكها جَوَاده الوجي وَأَنه إِذا طَار بِهَذَا المطار يُقَال لَهُ لَيْسَ هَذَا بعشك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 356 فادرجي فلست من رجال هَذِه المحافل وَلَا من فرسَان هَذِه الجحافل أما علمت أَن الْخَارِج عَن لغته لحان وَأَن الدَّاخِل فِي غير فنه يَفْضَحهُ الامتحان غير أَنه تجاسر على هَذِه الصِّنَاعَة واستكثر على نَفسه مَا أوردهُ مِنْهَا لقلَّة البضاعة ونطق بَين يَدي ملكهَا وقابل بِالْمِصْبَاحِ شمس فلكها وانتقل إِلَى مقَام حَدثنَا بعد مقَام أما بعد وقابل بِالَّذِي أسْندهُ مَا أسْندهُ مَوْلَانَا وَكَيف يُقَابل مُسْند سيد بِمُسْنَد عبد وَقَالَ عِنْد قِرَاءَة مَا أوردهُ سَيِّدي من أَحَادِيثه زِدْنِي من حَدِيثك يَا سعد وَقَالَ مضمنا (علم الحَدِيث إِلَى أبي نصر غَدا ... من دون أهل الْعَصْر حَقًا يسند) (أضحى أَمِير الْمُؤمنِينَ بقبة ... وَيَد الْخلَافَة لَا تطاولها يَد) فَلذَلِك عجل الْمَمْلُوك إِلَى فنه الأدبي منجاه وَترك الْكَلَام فِي الحَدِيث قَائِلا كَمَا قَالَ غَيره بضاعتنا فِي الحَدِيث مزجاه ثمَّ انْتهى الْمَمْلُوك إِلَى مَا وَصفه سَيِّدي من حبه لعَبْدِهِ وَخَصه بِهِ من فَضله ووده وَنظر إِلَى حبه لسيدي فَإِذا هُوَ كئوس (لَهَا فِي عِظَام الشاربين دَبِيب ... ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 357 وعروس (لَهَا بهجة بَين الملاح وَطيب ... ) وغروس (يلذ جناها فِي فمي ويطيب ... ) وأصل كريم النِّتَاج وَملك لَا يَلِيق أَن يرْتَفع على رَأسه إِلَّا هَذَا التَّاج فَلَيْسَ الْحبّ إِلَّا مَا نَشأ عَلَيْهِ الْقلب ونما وربي فِي أَرض من الْمَوَدَّة وسما (وَلَيْسَ بتزويق اللِّسَان وصوغه ... وَلكنه مَا خالط اللَّحْم والدما) وَحقا مَا أَقُول (أحبك حبا مَا عَلَيْهِ زِيَادَة ... وَلَا فِيهِ نُقْصَان وَلَا فِيهِ من من) بل أَقُول (أحبك أصنافا من الْحبّ لم أجد ... لَهَا مثلا فِي سَائِر النَّاس يعرف) (فمنهن أَن لَا يعرض الدَّهْر ذكركُمْ ... على الرّوح إِلَّا كَادَت الرّوح تتْلف) (ومنهن حب للفؤاد يَخُصُّهُ ... فَلَا أمتري فِيهِ وَلَا أتكلف) (وَحب بدا للجسم واللون ظَاهرا ... وَحب لَدَى نَفسِي من الرّوح ألطف) وَأَقُول (أحبك يَا شمس الزَّمَان وبدره ... وَإِن لامني فِيك السها والفراقد) لقد رفعت لهَذَا الْحبّ فِي الْقلب قباب ونصبت لَهُ خيام لَهَا من حبال الْوَصْل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 358 وسماء الود أوتاد وَأَسْبَاب وَأصْبح كذوات مَوْلَانَا الَّتِي كلما عمرت زَادَت شبَابًا على شباب وتميزت أعداده على أعداد من جعل لمحبوبه الْوَاحِد ثَلَاثَة أحباب لقد اتحدا بِروح العَبْد حَتَّى الْتبس عَلَيْهِ أَيهمَا الرّوح وامتزجا فَمَا أردي بِأَيِّهِمَا يَغْدُو الْجِسْم وَيروح وسرى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي صَاحبه سريان الْأَعْرَاض فِي الْجَوَاهِر وصارا ذاتا وَاحِدَة فَمَا أولاهما بقول الشَّاعِر (دَعَاهَا بيا قيس أجابت نداءه ... ونادته يَا ليلى أجَاب نداءها) أَو بقول ابْن سناء الْملك (وبتنا كجسم وَاحِد من عناقنا ... وَإِلَّا كحرف فِي الْكَلَام مشدد) فَأحب الله ذَات مَوْلَانَا البديعة الصِّفَات وحرس جنابها من الْآفَات فَلَا يزَال العَبْد يقربهَا للقلب بتذكاره ويصورها نصب عَيْنَيْهِ بأفكاره حَتَّى كَاد الْقلب لَا يشكو النَّوَى وَيصير فِي حالتي الْقرب والبعد على حَال سوى وَأما أشواق الْمَمْلُوك فَقَوِيت وتضاعفت وتزايدت وترادفت وتجندت أجنادها فائتلفت وتعارفت وروى الصب عَنْهَا حَدِيثي الزَّفِير والدمع بعلو ونزول وَأنْشد مقيمها الَّذِي لَا يحول عَن عَهده وَلَا يَزُول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 359 (كم نظرة لي حِيَال الشَّام لَو وصلت ... رَوَت غليل فؤاد مِنْك ملتاح) وينشد (نادمت ذكرك والظلماء عاكفة ... فَكَانَ يَا سَيِّدي أحلى من السمر) (فَلَو ترى عبرتي والشوق يسفحها ... لما الْتفت إِلَى شَيْء من الْمَطَر) ورام أَن يتشبث بشوق مَوْلَانَا وَيتَعَلَّق ويرقى لفتح المصراع الثَّانِي من بَيت الزحلوقة فتزحلق فنظم بديها وَفِي ضلوعه مَا فِيهَا (شوقي لوجهك شوق لَا أَزَال أرى ... أَجِدهُ يَا شَقِيق الرّوح أقدمه) (ولي فَم كَاد ذكر الشوق يحرقه ... لَو كَانَ من قَالَ نَارا أحرقت فَمه) ثمَّ قلت مضمنا (روحي تَقول وَقد جَاءَت رسائلكم ... هَل لي إِلَى الْوَصْل من عُقبى أرجيها) (وَلم أكن قبلهَا بالشوق أقتلها ... إِلَّا لعلمي بِأَن الشوق يُحْيِيهَا) (ولي دموع بسري للورى نطقت ... فأطلعت قَلبهَا للنَّاس من فِيهَا) (كالنار لونا وإحراقا فوردتها ... تجني على الْكَفّ إِن أهويت تجنيها) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 360 وَرَأى الإشارات الَّتِي شوقته إِلَيْهَا شوق العليل إِلَى الشِّفَاء وَأهل مصر إِلَى الْوَفَاء وَوصف سَيِّدي أَلْفَاظ الْمَمْلُوك وَكَانَ من حَقّهَا أَن تلفظ ولحظها بِعَين الْعِنَايَة وَكَانَ من شَأْنهَا أَن لَا تلحظ وَذكرهَا فِي مقَام التنويه وَكَانَ اللَّائِق بهَا أَن تنسى وَلَا تحفظ إِلَّا أَنه أودع سجعه مِنْهَا شَيْئا تغير مِنْهُ قلب النّيل وانكسر ورام فتح بَاب الْعباب فَمَا جسر وانتهيت إِلَى النّظم الموشح بقلائد العقيان فَإِذا لَهُ زجل وَقيل لي أهذه هِيَ الْجَوَاهِر الجليلة فَقلت أجل وَرَأَيْت مَا فِي وَصفه ليَالِي الْبعد من الِاسْتِعَارَة وَعلمت أَن مَوْلَانَا خَليفَة الْأَدَب الرشيد وَغَيره فِيهِ مسلوب الْعبارَة وتأملت مَا ذكره من أَمر الْفِرَاق فَلَا يذم لكَونه كَانَ سَببا للتلاق ومبلغنا لتِلْك الْأَمَاكِن المقدسة والجهات الَّتِي هِيَ على التَّقْوَى مؤسسة وَلَا يذم بَين فِيهِ إصْلَاح ذَات الْبَين وَلَا انْتِقَال مَوْلَانَا الْحسن الشبيه بقول ابْن الْحُسَيْن (فِرَاق وَمن فَارَقت غير مذمم ... وَأم وَمن يممت خير ميمم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 361 وَذكر سَيِّدي المشيب فوارد الْمَمْلُوك على معنى كَانَ نظمه قَدِيما وَهُوَ (قد بَان عصر شرابي ... مذ بَان عصر شَبَابِي) (وَقد جددت بشيب ... والشيب سَوط عَذَاب) فَأَما مَا ذكر مَوْلَانَا من الشوق فَهُوَ يعرب عَن شرح حَال العَبْد من بعده ويبرهن عَن صب يَقُول من حرقه ودمعه على بعده (فِي الْعين مَاء وَفِي الْقلب لهيب لظى ... وَقد تخوفت فِي الْحَالين من تلفي) (كالعود يقطر والنيران تحرقه ... كَالْمَاءِ فِي طرف وَالنَّار فِي طرف) وَأما ذكره زمَان أنسه والأوقات الَّتِي يفْدي العَبْد دست سرورها بِنَفسِهِ فَهُوَ عِنْدِي الزَّمَان الَّذِي ابتسم فِيهِ السرُور والمنية الَّتِي كَانَ الخصيب على مثل عيشها الْأَخْضَر يَدُور وَذكر مَوْلَانَا الغربة فَكَانَ مَوْلَانَا بِمصْر هُوَ الْغَرِيب الْعَزِيز وَشَيخ الْعُلُوم الَّذِي ابتسمت بِهِ ثغور مصر حِين بلغت بِهِ سنّ التَّمْيِيز وَمَا كَانَ الْغَرِيب فِيهَا إِلَّا علمه وَلَا الْمُنَاسب لارتقاء المناصب إِلَّا حلمه وَلَا الْمُرْسل لأغراض الْمَعَالِي وقلب المعادي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 362 إِلَّا سَهْمه وَلَا الْمُؤثر فِي قُلُوب أَهلهَا إِلَّا حبه وَلَا الملائم لكل ذِي عقل بعيد من الْخَطَأ إِلَّا قربه وَأما مَا ذكره عَن العَبْد من الإهمال واشتغاله عَن موَالِيه مَعَ فَرَاغه من الأشغال فَأَنا هُنَالك وَلَكِنِّي مَعَ ذَلِك (أغيب عَنْك بود مَا يُغَيِّرهُ ... نأي الْمحل وَلَا صرف من الزَّمن) فوَاللَّه مَا تَبَاعَدت إعْرَاضًا وَلَا تبدلت معتاضا (وَمَا كَانَ صدى عَن حماك ملالة ... وَلَا ذَلِك الإحجام إِلَّا تهيبا) واهتديت للمصباح الَّذِي اقتبسه سَيِّدي من الْآيَة وتأملته فَإِذا فِيهِ من الِاكْتِفَاء تَنْبِيه وكفاية وأحببت الْمَقْطُوع الْمَوْصُول الْحسن المطبوع فَقلت (يَا أَيهَا الْبَحْر الَّذِي هُوَ عدَّة ... لخطوب دهر لَا يُطَاق عديدها) (مَا ضرّ ذاتي كل مَا اتصفت بِهِ ... إِن كنت مَعَ تِلْكَ الصِّفَات تريدها) مَعَ علمه بِانْقِطَاع مقطوعه عَن مَوْلَانَا وَأَن ذَلِك الْمَقْطُوع وصل إِلَى مدى مَا أجدرنا بِالْوُقُوفِ دونه وأولانا وَأَن ذَلِك التَّضْمِين يَمِين وَأَن القرائح لَا تبرز مثله من كمين وَأَن الْحَاسِد لَهُ إِذا توقد غيظا كانون صَدره فَهُوَ بذلك قمين هَذَا مَعَ مَا فِيهِ من حلم سَيِّدي وإغضائه وَكَرمه الَّذِي تشهد بِهِ من العَبْد سَائِر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 363 أَعْضَائِهِ وصحيح الود الَّذِي يُعَامل بِهِ عبيده على علاتهم وتغافله عَنْهُم عملا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دعوا النَّاس فِي غفلاتهم) ووصلت إِلَى مَا طرزه الْقَلَم على ذَلِك الرَّسْم فَوقف العَبْد عِنْد حَده وَرَأى من ذَلِك الْمَنْطُوق القَوْل الشَّارِح لصدق وده ثمَّ ناديت بِمَا أسْندهُ من حَقِيقَة الْمحبَّة وَبَينه من آدَاب الصُّحْبَة فحفظ الله عَيْش عَهده الْخضر على يأس الْهوى ورجائه ومحبته الَّتِي لَا تَتَغَيَّر وَإِن زَاد الْمَمْلُوك فِي جفائه وتأملت بِالْعينِ ذَلِك الْأَثر وأسمعت أُذُنِي مِنْهُ فِي قِرَاءَته أطيب الْخَبَر وَجرى الْفَهم لما أَشَارَ حِين وقف عَلَيْهِ وتيقظ لما أومى إِلَيْهِ وحللت رموزه واستثرت كنوزه فَأَما مَا حكم بِهِ الشَّيْخ الإِمَام عَلَيْهِ فَهُوَ اللَّائِق بتحقيقه وَالْقَوْل الَّذِي تتوفر دواعي العارفين بمقاصد الشَّرْع على تَصْدِيقه وَأما مَا ذكره سَيِّدي على قَول الْخياط وفضله وسواه من الْكَلَام قَاضِي ذهنه وعدله فَهُوَ كَلَام مُحَرر وسكر مُكَرر وَسيف بدر لَفظه مجوهر إِلَّا أَن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 364 الْمَمْلُوك رأى نَفسه عِنْد استشهاده بِبَيْت الْخياط شَاعِرًا بوصله وأديبا إِذا حَاز الأدباء خصل السَّبق لم يحز من الْفضل خصْلَة وَكَأن الْخياط فصل تفاصيل حَال الْبعد فِي بَيته بالخيط والإبرة وقصها بعد أَن قاسها على حَاله فَمَا نقصت ذرة ثمَّ توجه الْمَمْلُوك إِلَى مَا ذكر عَن مَالك وسلكت فِي تِلْكَ المسالك فَإِذا مدارس عُلُوم ومدارك فهوم وأبحاث منقحة وجنات أَبْوَابهَا مفتحة وفهمت مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بذلك الْمَنْقُول عَن مَالك فَلَا حرج على من تكلم وَلَا يعجز الْمَمْلُوك أَن يكون كَأبي ضَمْضَم وَأما مَا عِنْد سَيِّدي للْعَبد من الارتياح والتطلع لأخباره السارة فِي الغدو والرواح فحال العَبْد غير منتقلة عَن هَذِه الْحَال وَلَا يأويه إِلَّا إِلَى بَابه الارتحال (بَعدت فواشوقاه عَن أَبيض الثنا ... وغبت فوالهفاه عَن أَخْضَر القنا) (أشع مدحه العالي وذرني والعدى ... وبح باسمه الغالي وَدعنِي من الكنا) فَمَتَى ترد إِلَى العَبْد روحه وتعاد وَيحكم قَاضِي الْقرب بِنَقْض مَا حكم بِهِ قَاضِي البعاد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 365 وَأما مَا عرض بِهِ من حِكَايَة القَاضِي واللص فَمَا على ذَلِك بِمَعْرِِفَة إسنادها فَإِنَّهَا عِنْد الْمَمْلُوك بِغَيْر إِسْنَاد وَعرض للمملوك سُؤال وَهُوَ أَنه هَل يجوز رِوَايَة مَا يَقع فِي مُكَاتبَة من إِسْنَاد حَدِيث أَو غَيره من غير إِذن فِي الرِّوَايَة وَهل يكون ذَلِك كالوجادة وَكَانَ غَرَض سَيِّدي مِنْهَا أَن يُخَاطب الْمَمْلُوك بِمَا خَاطب بِهِ القَاضِي اللص من تِلْكَ الْعبارَة ويومئ إِلَى مَا تعانيه الشُّعَرَاء من السرقات بألطف إِشَارَة والمملوك مغالط فِي فهم ذَلِك بحسه غير آخذ ذَلِك الْمَعْنى لنَفسِهِ وَمِمَّا يعجب الْمَمْلُوك من أَبْيَات اللص قَوْله (قَالَت وَقد رابها عدمي ثكلتك من ... رَاض بنزر معاش فِيهِ تكدير) (مهلا سليمى سينفي الْعَار عَن هممي ... هم وعزم وإدلاج وتشمير) (مَاذَا أُؤَمِّل من علم وَمن أدب ... مَعَ معشر كلهم حول الندى عور) وَلَقَد أحسن القَاضِي حِين صرف اللص بعد اطِّلَاعه على فضيلته مكرما وحلله من ثِيَابه بعد أَن صيره بتجريده مِنْهَا محرما وَأما غَيره سَيِّدي على بَنَات فكره الَّذِي دق بَاب البلاغة إِذْ دق وتخوفه عَلَيْهَا من الْمَمْلُوك ولسان حَالي يَتْلُو {مَا لنا فِي بناتك من حق} فخوف سَيِّدي على كَلَامه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 366 الْمُحَرر خوف ابْن برد من سلم على مبتكراته أَو السّري من الخالديين على اختلاس مَعَانِيه من أبياته فَللَّه در السّري حَيْثُ يَقُول متظلما مِنْهُمَا (شنا على الْآدَاب أقبح غَارة ... جرحت قُلُوب محَاسِن الْآدَاب) (تركت غرائب منطقي فِي غربَة ... مسبية لَا تهتدي لإياب) (جرحى وَمَا ضربت بِحَدّ مهند ... أسرى وَمَا حملت على الأقتاب) (إِن عز مَوْجُود الْكَلَام لديهما ... فَأَنا الَّذِي وقف الْكَلَام ببابي) وَأما مَا ذكره عَن مصر فِي فصل التشوق على سَبِيل الإدماج وإرساله ذَلِك السَّيْل الَّذِي طما تياره إِذْ ماج فأثار ترابها وطير ذبابها فَهِيَ ذَات الْغُبَار الَّذِي لَا يلْحق والذباب الْأسود الَّذِي يقاسي مِنْهُ فِي النَّهَار الْأَبْيَض الْعَدو الْأَزْرَق (أحبه قومه على شوه ... أم القرنبى تخالها حسنه) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 367 وَأما الْمَمْلُوك فالبلدان عِنْده هما مَا هما ومدينتان لم يبْق فِي الْأَمْصَار سواهُمَا وواديان (حللت بِهَذَا حلَّة ثمَّ حلَّة ... بِهَذَا وطاب الواديان كِلَاهُمَا) فَهُوَ يصافيهما ويوافيهما ويعامل كلا مِنْهُمَا بِالْحُسْنَى وتكرم مصر لوجهها الوسيم ودمشق لشرفها الْأَعْلَى ومقامها الْأَسْنَى وَيُصْبِح ثَانِيًا لعنان التَّفْضِيل بَين البلدين من أول وهلة تَارِكًا للتفصيل بِالْجُمْلَةِ وَلَا يستنجد من حلاوة نيل مصر بأجناد من الْعَسَل وَلَا يُحَرك من عيدَان قصبها مَا يقوم مقَام الأسل وَلَا يتَعَرَّض لدمشق إِلَّا بِمَا يرضيها وَلَا يجرد فِي عيوبها سيوفه وَلَا ينتضيها وَلَا يُومِئ إِلَيْهَا على سَبِيل الذَّم عُيُون كَلَامه برمزه وَلَا يبرز من مرماه أَقْوَاله إِلَى مقَامهَا بَرزَة لَكِن يَقُول سقى الله دمشق سحابا تقوم صحون ديارها لأخلافه إِذا تحلبت مقَام الْقَعْب وَيُصْبِح كف الثريا لَهَا بِمَائِهَا أسمح من كَعْب وَذكر سَيِّدي الشَّام وسحابها وشمول الْمَطَر رحابها فقد نقل أَنه هم الأقطار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 368 وغرق صحن جَامعهَا الْقطر من الأمطار واتشحت الْعَرُوس من در الْبرد بوشاح وَكَاد النسْر أَن يطير إِلَى مَكَان يعصمه من المَاء وَكَيف يطير مبلول الْجنَاح حَتَّى أصبح طوفان المَاء بِهِ وَهُوَ متلاطم وتلا كل قَارِئ فِيهِ حَتَّى روى مَاؤُهُ عَن ابْن كثير فَلم يجد نَافِع وَلَا عَاصِم وتوالت على طرق الْمُصَلِّين الْمِيَاه والأوحال وسالت الشَّرَائِع فشرع للمؤذنين أَن يَقُولُوا أَلا صلوا فِي الرّحال فَعظم لنزول السَّمَاء على الأَرْض بِلَا كيل الْفرق وَجرى طوفان الْمِيَاه إِلَى الْجَامِع فكاد أَن يلجم نسرا وَأَهله الْغَرق وَأصْبح كافوري الثَّلج من الأَرْض وَهُوَ متداني وندف قَوس السَّحَاب قطنه على جنَّة الزبداني وَرَأى النَّاس فِي يَوْمه الْأَبْيَض الْمَوْت الْأَحْمَر وشاب مِنْهُ فِي السَّاعَة شَارِب الرَّوْض الْأَخْضَر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 369 وبيض لرؤوس الْجبَال فودا وَلبس مسالكها فَكَأَن فضتها النقرة ببياضها سُودًا وألبس ذوائب أشجارها حلَّة المشيب وَستر برد بستانها الْأَخْضَر القشيب وَحمل بكتيبته الْبَيْضَاء على كتيبته الخضراء وجارى الأعوج جري سكاب دانيه على الغبراء وعادت قلَّة كل جبل مِنْهُ وَهِي ثلجية وَكَاد نَهَاره يستر ببياض ثَوْبه الدُّرِّي سَواد حلَّة اللَّيْل السجية وَمَال مَاء السَّحَاب على الضّيَاع فتداعت حيطانها ونزح من لم يقدر على نزح الْمِيَاه من قطانها وكاثر مياه أنهارها بِتِلْكَ الْمِيَاه وَمَا اسْتَحى مِنْهَا على كَثْرَة حَيَّاهُ فَقلت حِين بلغنَا أَن المَاء طَغى بِالشَّام وعتا وَطَالَ بهَا على من حل فِيهَا مقَام الشتا (قد طول الْبرد فِي إِقَامَته ... بِالشَّام وَالنَّفس عِنْدهَا ضجره) (وَقلت إِذْ شَاب مِنْهُ مفرقه ... بالثلج يَا برد شاخت العشره) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 370 وَقلت (الثَّلج قد جَاءَ على أَشهب ... وَعم بالبلقا وسيع الفضا) (فارتاعت الشقراء من جلق ... إِذْ سل من أبيضه أبيضا) إِلَّا أَنه جبر ذَلِك بِأَلف نعْمَة وَنظرت إِلَى الشَّام أمطاره بِعَين الرَّحْمَة (وَإِن يكن الْفِعْل الَّذِي سَاءَ وَاحِدًا ... فأفعاله اللائي سررن أُلُوف) وَأما قَول سَيِّدي إِنَّه مَا تعرض لمصر بتعريض فِي كَلَام وَاحْتج بِمَا ذكره عَن الشَّام فَفرق بَين مَا عيبت بِهِ مصر من طين وتراب وطنين ذُبَاب وَبَين مَا نسب إِلَى دمشق من كافور ثلج وإيقاع ربَاب لَكِنَّهَا تَقول حِين جبرها من حَيْثُ كسرهَا وشرفها حِين أمرهَا على باله وَذكرهَا (لَئِن سَاءَنِي أَن نالني بمساءة ... لقد سرني أَنِّي خطرت بِبَالِهِ) فَهِيَ تقنع بِأَن رفع عَنْهَا جَانب تجافيه ووصفها بِوَصْف فِيهِ مَا فِيهِ وَمِمَّا يذكرهُ العَبْد أَنه لَو نصب بَين هذَيْن المصرين المنافرة وَأقَام سوق الْمُفَاخَرَة لأنسى بِحرف الفخار حَرْب الْفجار ولأبطل حجاج كل وَاحِدَة من حجاج الجزء: 9 ¦ الصفحة: 371 الْأُخْرَى بِمَا أبطل ولأثار بَين النّيل وأنهار دمشق عِنْد الْمُحَاربَة غُبَار القسطل لَكِن ثنى الْمَمْلُوك عَن الْمُفَاخَرَة سير الْعَنَان وعنان السّير وَألقى بِيَدِهِ إِلَى السّلم وتلا لِسَانه {وَالصُّلْح خير} عَالما أَن المكابرة من الصَّغِير مَعَ هبوط قدره لَا تصعد وَأَن سَحَاب العناد جهام وَإِن أبرق وأرعد ثمَّ انْتهى الْمَمْلُوك لما تشرف بِهِ من خلعة الْخلَّة والحلة الَّتِي جر ذيلها على شَاعِر الْحلَّة ووصلت كَثْرَة لثمه لتِلْك الْأَلْفَاظ إِلَى الْعدَد الَّذِي لَا يغلب من قلَّة ثمَّ هيأ هَذَا الْجَواب بعد الِاسْتِقْصَاء لجهده فِي الشُّكْر والاستيعاب والتمهيد للفظ إِذا تمثل عِنْد نَفسه بِبَاب سيد عُلَمَاء زَمَانه لَا يعاب آخِره وَللَّه الْحَمد والْمنَّة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم القضائي التاجي الْمَمْلُوك إِبْرَاهِيم القيراطي يقبل الأَرْض ذَات الْكَرم والشرف الَّذِي علا على إرم إِن لم يكن أرم والأنهار الَّتِي لمائها رونق مَاء الشَّبَاب فَأنى يفاخر بالنيل إِذا بلغ الْهَرم والحمى الَّذِي أنْشد سلامنا الْمَكِّيّ حِين سَار إِلَيْهِ (مَا سرت من حرم إِلَّا إِلَى حرم ... ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 372 1332 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد بن نَبَاته أديب الْعَصْر الشَّيْخ جمال الدّين ابْن شَيخنَا الشَّيْخ شمس الدّين الْمُحدث حَامِل لِوَاء الشُّعَرَاء فِي زَمَانه مَا رَأينَا أشعر مِنْهُ وَلَا أحسن نثرا وَلَا أبدع خطا لَهُ فنون ثَلَاث لم نر من لحقه وَلَا قاربه فِيهَا سبق النَّاس إِلَى حسن النّظم فَمَا لحقه لَاحق فِي شَيْء مِنْهُ وَإِلَى أَنْوَاع النثر فَمَا قاربه مقارب إِلَى ذرة مِنْهُ وَإِلَى بارعة الْخط فَمَا قدر معَارض على أَن يَحْكِي لَهُ خطا أَو يجاريه فِي أصُول كِتَابَته وإسجامها وجرايانها مولده بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَمَات بهَا سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 373 (فَهِيَ للوفد كعبة ومطاف ... ومقام وموقف ومثاب) مهديا إِلَى تِلْكَ الأَرْض المقدسة تحيات هَذِه الأَرْض الْمُحرمَة مبلغا لبقاع الشَّام الْمُبَارَكَة سَلام هَذِه المشاعر المحترمة معوذا ذَلِك الْمقَام بِهَذَا الْمقَام ومناهل تِلْكَ المشارب الصافية بِمَاء زَمْزَم الَّذِي هُوَ طَعَام طعم وشفاء سقام رَافعا دُعَاء يطوف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق جديده ويأوي إِلَى رُكْنه الشَّديد سديده وتسقى بِمَاء زَمْزَم غروسه وتروق على يَد العَبْد فِي الْمقَام كؤوسه وتشرق فِيهِ شموعه بل شموسه ويتأرج بِحَضْرَتِهِ زهوره ويشيع فِي بطُون تِلْكَ الأودية المشرفة ظُهُوره ويكفل الْبَيْت وليده فِي حجره إِلَى أَن يبلغ نِهَايَة السُّعُود وَيكون لَهُ من الْبَيْت المحجوج إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور على درج الْإِجَابَة صعُود ويفوح عرف قلم مسطره ويحلو ويطرب فَهُوَ فِي أَحْوَاله الثَّلَاثَة عود محوطا ركنها الشَّامي بالركن الْيَمَانِيّ وجهاتها السِّت بِالْمحل الَّذِي أنزلت بِهِ فِي إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ السَّبع المثاني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 373 1333 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشَّيْخ فَخر الدّين الصّقليّ مُصَنف التَّنْجِيز فِي الْفِقْه وَهُوَ التَّعْجِيز إِلَّا أَنه يزِيد فِيهِ تَصْحِيح الْخلاف وَبَعض قيود كَانَ فَقِيها دينا ورعا تفقه على الشَّيْخ قطب الدّين السنباطي وَولي الْقَضَاء بِبَعْض جَوَانِب الْقَاهِرَة وَمَات فِي خَامِس عشر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة 1334 - مُحَمَّد بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الشَّيْخ الْعَلامَة قطب الدّين الْمَعْرُوف بالتحتاني إِمَام مبرز فِي المعقولات اشْتهر اسْمه وَبعد صيته الجزء: 9 ¦ الصفحة: 374 مواظبا على الثَّنَاء الْأَبْيَض عِنْد الْحجر الْأسود نَاظرا من شِيمَة مَالِكهَا الْبَيْضَاء مَا لم تره الزَّرْقَاء كلما اكتحل من إثمد حلَّة الْبَيْت السَّوْدَاء بمرود وَيُنْهِي مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الود بِمَكَّة والصفا والشوق الَّذِي أصبح مِنْهُ بعد شِفَاء الْقرب على شفا والدمع الَّذِي شابه النّيل فِي أَوْصَافه زِيَادَة وَحُمرَة ووفا مطالعا للأبواب الْعَالِيَة بِأَنَّهُ خيم بِفنَاء الْبَيْت وَنزل وَأحب جوَار الله اعتزالا للنَّاس وَلَا بدع لِجَار الله إِذا اعتزل فَلَعَلَّ أَن تتمهد لَهُ فرش الْجنان عِنْد تعلقه بِتِلْكَ الأستار وَعَسَى أَن يجد بذلك الْبَيْت سَببا لنجاته فِي تِلْكَ الدَّار وتروج مَعَ أهل الرِّبْح بضَاعَة عمله المزجاة إِذا حصل أهل الخسارة بدار الْبَوَار وَيُصْبِح مَكَانَهُ فِي الْجنَّة فِي مَحل رفع إِذا قطع الْعَيْش بجوار ذَلِك الْحرم خفضا على الْجوَار ويعد واصلا بتدبير الله تَعَالَى لكيمياء السَّعَادَة إِذا ظفر بذلك الْحجر المكرم وَيصير كل زَمَانه ربيعا إِذا حل بذلك الْبَيْت الْمحرم ويسفر لَهُ من ذَلِك الْأُفق صبح الْأَمَانِي وينشد إِذا ضرب عنق شَيْطَان هَوَاهُ من تِلْكَ الْأَركان باليماني (أَلا أَيهَا الركب اليمانون عرجوا ... علينا فقد أضحى هوانا يَمَانِيا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 374 وَاخْتَارَ أَن يكون فِي مَظَنَّة الْإِجَابَة ليقوم من وَظِيفَة دُعَائِهِ بِمَا الْتزم وَأَن يواظب على ذَلِك الْمُلْتَزم فِي الْمقَام وعَلى ذَلِك الْمقَام فِي الْمُلْتَزم فسقى الله عهد مَوْلَانَا الَّذِي طالما ترنم بِهِ العَبْد حول الْحطيم وزمزم وَقَامَ وَاجِب قلبه من فرض ذكره بِمَا يلْزم وَمِمَّا حث الْمَمْلُوك على هَذِه الْعُبُودِيَّة أَنه وجد مَوْلَانَا ذكره من كتاب ورد مِنْهُ فِي نَاحيَة واستفهم عَن حَاله فِي حَاشِيَة رقعته وَمن الْمَمْلُوك فِي الرقعة حَتَّى يعد فِي الْحَاشِيَة لقد نطق العَبْد بالثناء عَلَيْهِ جَهرا وَشد قدومه لَهُ بِبَطن مَكَّة ظهرا وشكرت جوارحه فضلك الَّذِي داوى على الْبعد جريحا وقريحته بعطفك الَّذِي شفى من الْبَين قريحا ونشق الْبَيْت نسيم ثنائه وَكَيف لَا ينشق لنسيمه ريحًا (وَقد بلغ الضراح وساكنيه ... نثاك وزار من سكن الضريحا) وصاغ لِسَانه شكر مَا تطوق بِهِ جيده من هَذِه النِّعْمَة وَلم يكن لَهُ لعمري الجزء: 9 ¦ الصفحة: 375 بذلك طوق وتحلى من در كَلَامه بِمَا لَا يعرفهُ إِلَّا أهل السلوك وَمن شهده بِمَا لم يشهده إِلَّا أَرْبَاب الذَّوْق فَأصْبح الْمَمْلُوك حِين ذكر فِي الْحَاشِيَة من أهل الطَّرب وأنشده لِسَانه ولقلبه فِي وُرُود سَلام مَوْلَانَا أَي أرب (رضيت بالكتب بعد الْبعد فَانْقَطَعت ... حَتَّى رضيت سَلاما فِي حواشيها) إِي وَالله الْمَمْلُوك رَاض من كتب مَوْلَانَا بعد الهجر بوصل وقانع من كَلَامه فِي كل سنة بفصل فَشكر الله لافتقاد مَوْلَانَا هَذِه الْمِنَّة وَهَذَا الْفضل الَّذِي لَيْسَ لإطفائه نَار الشوق جَزَاء إِلَّا الْجنَّة وَلَقَد علم الْمَمْلُوك حِين وقف على خطّ مَوْلَانَا أَن جفن صدقاته لَا تطرقه عَن مماليكه سنة وَغفر سيئات الزَّمَان حِين لَاحَ لَهُ بِوَجْه الطرس من نقطة حَسَنَة بعد حَسَنَة وَإِلَّا فللمملوك عَن رِسَالَة مَوْلَانَا قبل أَن يغيب عَن مصر جَوَاب حَاضر وهشيم نبت يغضي حَيَاء إِذا قَابل بالناظر روضها النَّاظر فَإِنَّهُ كَانَ أنشأ رِسَالَة مُطَوَّلَة وَلكنهَا عَن طائرات كلم مَوْلَانَا المحلقة مقصرة وجهز من بَنَات فكره كل حوراء بِطرف سحر الْبَيَان مبصرة وجلاها عروسا يعْقد عَلَيْهَا الْعَاد حِين حلت خِنْصره وأبرزها درة تَاج وكعبة لَهَا من ذخائر الْمعَانِي رتاج وكريمة لَهَا من كرائم بَنَات الْفِكر نتاج فعزمت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 376 على التَّوَجُّه فحيل بَينهَا وَبَينه بِمَا حيل وتحركت نَفسهَا برقعتها للسير فحبسها حَابِس الْفِيل وَأَيْضًا فَكَانَ الْمَمْلُوك ينشئ فِيهَا وَهُوَ يتأهب لِلْحَجِّ وَكلما ظهر غمر عزمه سلك شَيْطَان شعره فجَاء غير ذَلِك الْفَج فَوجدَ الْمَمْلُوك على نَفسه حِين فقد من إرسالها مَا فقد واجتهد فِي إيصالها للبلاد الشامية فَإِذا الْحجَّاج قد (أخذت حداتهم حجازا بَعْدَمَا ... غنت وَرَاء الركب فِي عشاق) وَإِذا توجه العَبْد إِن شَاءَ الله تَعَالَى إِلَى الديار المصرية وَجه بهَا إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة وأنفذها وَإِن كَانَت عاطلة لتصبح إِذا لحظها مَوْلَانَا بِالْعينِ حَالية وَكَيف لَا ينفذها وَهُوَ كلما تذكر بعده عَن بانه أَن وَكلما فكر فِي قربه مِنْهُ فِي الزَّمَان السالف حن وَكلما سَأَلَ دمعه الزَّمَان أَن يجود باللقاء ضن فَهُوَ بأسره مَعَ الْبَين فِي أسر وَقَلبه بالنوى فِي كسر وَكَأن طَائِر فُؤَاده المضطرب إِذا تذكر قبَّة النسْر (قطاة عزها شرك فأضحت ... تجاذبه وَقد علق الْجنَاح) فَهُوَ يذوب تلهفا وينشد تأسفا (أسرب القطا هَل من معير جنَاحه ... لعَلي إِلَى من قد هويت أطير) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 377 وَكَيف يطير مقصوص الْجنَاح ويسير أَسِير أثخنته فِي معترك الْبَين الْجراح طَال مَا شام بِمصْر برق الشَّام وخلع فِي حب جنَّة الزبداني قَمِيص الاحتشام وتعطش إِلَى رَيَّان رياضها حلاها الْقطر إِذا عطر فِي القفر البشام وَقَالَ لأمانيه وَقد حدثته برؤيتها (إِن كنت كَاذِبَة الَّذِي حَدَّثتنِي ... فنجوت منجى الْحَارِث بن هِشَام) وَمَا زَالَ الْمَمْلُوك يتشوق إِلَى مَا بِدِمَشْق من الْبِقَاع وَيثبت من وصفهَا الْمُحَقق مَا تحلى بِهِ عِنْد النّسخ الرّقاع وَمَا برح فِي هَذِه الْمدَّة تجاه الْكَعْبَة المشرفة يُعْطِيهَا من كنوز الدُّعَاء بِالْحجرِ سماحا ويكرر أوراده مِنْهَا مسَاء وصباحا ويعوذ بِالْحجرِ الْمُلْتَزم أحجارها وبالميزاب فوارها وبزمزم أنهارها وبالبيت دارها كَمَا يعوذ سنيرا بثبير ويذكي بِالدُّعَاءِ لَهُ فِي أم الْقرى على أبي قبيس القبس الْمُنِير وَيَوَد لَو رأى حسن معهدها ورقص طَربا حول مغانيها الَّتِي فاقت الْمعَانِي بمعبدها فَللَّه جَامعهَا الَّذِي جمع الطلاوة وَقلت حِين أصبح للصَّلَاة فِي صحنه حلاوة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 378 (الْجَامِع الْأمَوِي أضحى حسنه ... حسنا عَلَيْهِ فِي الْبَريَّة أجمعا) (حلوه إِذْ حلوه فَانْظُر صحنه ... تَلقاهُ أصبح للحلاوة مجمعا) وَقلت (سقى بِدِمَشْق الْغَيْث جَامع نسكها ... وروضا بِهِ غنى الْحمام المغرد) (إِذا مَا زها فِي الْعين من ذَاك معبد ... لذكر حلا فِي السّمع من ذَاك معبد) وَقلت (دمشق فِي الْحسن لَهَا منصب ... عَال وَذكر فِي الورى شَائِع) (فَخَل من قَاس بهَا غَيرهَا ... وَقل لَهُ ذَا الْجَامِع الْمَانِع) وَقلت مضمنا (دمشق بواديها رياض نواضر ... بهَا ينجلي عَن قلب ناظرها الْهم) (على نَفسه فليبك من ضَاعَ عمره ... وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا نصيب وَلَا سهم) وَقلت مادحا (للصب بعْدك حَالَة لَا تعجب ... وتتيه من صلف عَلَيْهِ وتعجب) (أبكيته ذَهَبا صبيبا أحمرا ... من عينه وَيَقُول هَذَا الْمطلب) (وقتلته بنواظر أجفانها ... بسيوفها الْأَمْثَال فِيهَا تضرب) (رفقا بِمن أجريت مقلته دَمًا ... ووقفت من جريانها تتعجب) (نيران بعْدك أحرقته فَهَل إِلَى ... نَحْو الْجنان ببعد يتَقرَّب) (كم جَيش العذال فِيك وَإِنَّمَا ... سُلْطَان حسنك جَيْشه لَا يغلب) (من لي بشمسي المحاسن لم يزل ... عَقْلِي بِهِ فِي كل وَقت يذهب) (أحببته متعمما ومعنفي ... أبدا عَليّ بظلمه يتعصب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 379 (ويعيب من طرق التفقه وَجهه ... والعشق يُفْتِي أَن ذَاك الْمَذْهَب) (وَلَقَد تعبت بعاذل ومراقب ... هَذَا يزير والرقيب ينقب) (ومؤذنا سلوانه وغرامه ... هَذَا يرجع حَيْثُ ذَاك يثوب) (وَأَقُول للقلب الَّذِي لَا يَنْتَهِي ... عَن حبه أبدا وَلَا يتَجَنَّب) (قد كدت أَنَّك لَا تسميك الورى ... قلبا لكونك عَنهُ لَا تتقلب) (وَلَو اسْتَطَعْت فركته وأدرته ... عَنهُ وَلَكِن مَا لقلبي لولب) (بِأبي غَنِي ملاحة أَشْكُو لَهُ ... فقري فَيُصْبِح بالغنى يتطرب) (قمر على غُصْن وغصن فَوْقه ... قمر على طول المدى لَا يغرب) (قل للغزال وللغزالة إِن رنا ... أَو لَاحَ يهرب ذَا وَتلك تغيب) (مَا زلت أرفع قصَّة الشكوى لَهُ ... وَأجر أَسبَاب الخداع وأنصب) (حَيْثُ العواذل والرقيب بمعزل ... عَنَّا وَحَيْثُ الْوَقْت وَقت طيب) (وَطلبت رشف الثغر مِنْهُ فَقَالَ لي ... مَا فِي الْوُجُود سوى المدامة يطْلب) (وَغدا ينادمني وكأس حَدِيثه ... أشهى إِلَيّ من الْعَتِيق وَأطيب) (وَأَقُول حِين رشفت صافي ثغره ... من بعد ثغرك مَا صفا لي مشرب) (قَالَ احسب الْقبل الَّتِي قبلتني ... فأجبت إِنَّا أمة لَا نحسب) (لله ليل كالنهار قطعته ... بالوصل لَا أخْشَى بِهِ مَا يرهب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 380 (وَركبت مِنْهُ إِلَى التصابي أدهما ... من قبل أَن يَبْدُو لصبح أَشهب) (أَيَّام لَا مَاء الخدود يشوبه ... كدر العذار وَلَا عِذَارَيْ أشيب) (كم فِي مجَال اللَّهْو لي من جَوْلَة ... أضحت ترقص بِالسَّمَاعِ وتطرب) (وَلكم أتيت الْحَيّ أطلب غرَّة ... بعد الرحيل فَلم يلح لي مضرب) (ووقفت فِي رسم الديار وللبكا ... رسم عَليّ مُقَرر ومرتب) (وأقمت للندماء سوق خلاعة ... يجبى المجون إِلَيّ فِيهِ ويجلب) (ثمَّ انْتَبَهت وصبح شيبي قد محا ... ليل الشَّبَاب وَزَالَ ذَاك الغيهب) (وَرجعت عَن طرق الغواية مقلعا ... وسفين رشدي للسلامة مركب) (وَذكرت فِي عليا دمشق معشرا ... أم الزَّمَان بمثلهم لَا تنجب) (قوم بِحسن فعالهم وصفاتهم ... قد جَاءَ يعْتَذر الزَّمَان المذنب) (قوم مديحهم الْمُصدق فِي الورى ... ومديح أهل زمانهم فمكذب) (لَا تسْأَل القصاد عَن ناديهم ... لَكِن يدلهم الثَّنَاء الطّيب) (يَا من لحران الْفُؤَاد لطرفه ... لما تدمشق أدمع تتحلب) (أشتاق فِي وَادي دمشق معهدا ... كل الْجمال إِلَى حماه ينْسب) (مَا فِيهِ إِلَّا رَوْضَة أَو جوسق ... أَو جدول أَو بلبل أَو ربرب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 381 (وَكَأن ذَاك النَّهر فِيهِ معصم ... بيد النسيم منقش ومكتب) (وَإِذا تكسر مَاؤُهُ أبصرته ... فِي الْحَال بَين رياضه يتشعب) (وشدت على العيدان ورق أطربت ... بغنائها من غَابَ عَنهُ المطرب) (فالورق تشدو والنسيم مشبب ... وَالنّهر يسْقِي والحدائق تشرب) (وضياعها ضَاعَ النسيم بهَا فكم ... أضحى لَهُ من بَيْننَا متطلب) (وحلت بقلبي من عَسَّال جنَّة ... فِيهَا لأرباب الخلاعة ملعب) (وَلكم طربت على السماع لجنكها ... وَغدا بربوتها اللِّسَان يشبب) (فَمَتَى أَزور معالما أَبْوَابهَا ... بسماحه كتب الْكِرَام تبوب) (وَأرى حمى قَاضِي الْقُضَاة فَإِنَّهُ ... حصن إِلَيْهِ من الزَّمَان الْمَهْرَب) (مَا زَالَ للْعُلَمَاء فِيهِ تعلم ... مِنْهُ وللأدباء فِيهِ تأدب) (كم طَالب للْعلم فِيهِ وطالب ... لِلْمَالِ تمّ لذا وَذَا مَا يطْلب) (عُلَمَاء أهل الأَرْض حِين تعدهم ... فِي الْفضل دون مقَامه تتذبذب) (وَله مَذَاهِب فِي المكارم حَاتِم ... لَو عَاشَ كَانَ بِمِثْلِهَا يتمذهب) (كثرت عطاياه فخلنا أَنه ... معن وحاشاه بذلك يلْعَب) (لله مِنْهُ مَكَارِم تاجية ... سبكية تبدو وَلَا تتحجب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 382 (قَاض مقرّ الْعدْل فِي أبوابه ... فالجور من أرجائها لَا يقرب) (رَاض الْأُمُور فَأَقْبَلت منقادة ... وزمامها بيدَيْهِ لَا يستصعب) (مَا قدمُوا يَوْمًا علاهُ لمنصب ... إِلَّا علا قدرا وَقل المنصب) (يجْرِي الندى للواقفين بِبَابِهِ ... ويصوبهم مِنْهُ السَّحَاب الصيب) (قَاضِي الْقُضَاة كليم بعْدك لم يزل ... للقرب من ناديكم يترقب) (لَوْلَا تلهب قلبه بلظى النَّوَى ... مَا بَات وَهُوَ على اللِّقَاء يلهب) (وَلَقَد ذكرتك والوفود بِمَكَّة ... كل إِلَى الله الْمُهَيْمِن يرغب) (حطم الْحطيم ذنوبهم وبزمزم ... لَهُم مناهل وردهَا مستعذب) (والكعبة الغراء أسبل سترهَا ... ودعاؤنا من تَحْتَهُ لَا يحجب) (ولرحمة الرَّحْمَن من ميزابها ... للطائفين سَحَاب عَفْو يسْكب) (فطفقت أخْلص فِي الدُّعَاء وظننا ... أَن الْكَرِيم لذاك لَيْسَ يخيب) (ولفرط شوقي قد نظمت مدامعي ... عقدا يؤلف دره ويرتب) (ولماء جفني فِي الخدود تدفق ... ولنار قلبِي فِي الضلوع تلهب) (يَا ذَا الْأُصُول الصاحبية جودكم ... للْأَصْل فِي شرع الندى يستصحب) (وَلكم إِذا تَعب الْكِرَام من العطا ... يَوْم المكارم رَاحَة لَا تتعب) (هَا قد بعثت بهَا عروسا لَفظهَا ... بِالسحرِ يَأْخُذ بالقلوب ويخلب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 383 (ولسيد الْأَكفاء قد جهزتها ... بكرا يقرظها الحسود ويطنب) (إِن حاول الأدباء يَوْمًا شأوها ... قُولُوا لَهُم بِاللَّه لَا تتعذبوا) (لم يدن من أَسبَابهَا إِلَّا فَتى ... فِي هتكه بَين الورى يتسبب) (أَنا إِن نطقت بمدحكم فِي مَكَّة ... فَكَأَن قسا فِي عكاظ يخْطب) (وَإِذا أتيت بدرة فِي وصفكم ... فَابْن المقفع فِي الْيَتِيمَة يسهب) (عش يَا أَبَا نصر لتخذل بالندى ... والجود جَيش الْفقر حِين يطْلب) (وَبقيت يَا شمس الْوُجُود وبدره ... مَا لَاحَ نجم أَو تبدى كَوْكَب) الْمَمْلُوك يَرْجُو بعد تَقْبِيل الأَرْض من بعد أَن يمتعه الله تَعَالَى بالمثول بَين يَدي مَالِكهَا ويظفره بمطالب اللقا الَّتِي تنقذه من أَيدي النَّوَى ومهالكها ويفوز بعد نظم السلوك فِي وصفهَا بِحسن السلوك فِي مسالكها أصدر الْمَمْلُوك هَذِه الرسَالَة وقابل مِنْهَا شمس أَلْفَاظ مَوْلَانَا بذبالة وخطر لَهُ أَنه أهْدى التَّمْر إِلَى هجر فَإِذا مَا أهداه حثالة وَأَنه أَتَى فِيهَا من الْمعَانِي بدقيق فَإِذا هُوَ قد أَتَى بنخالة مَعَ علمه بوقوف حَال كَلَامه عِنْد أَمْثَال مَوْلَانَا السيارة وَأَنه منحط الطَّبَقَة عَن أَلْفَاظه الطيارة فَيضْرب مَوْلَانَا صفحا عَن عِبَارَته فَإِنَّهَا خَالِيَة من البراعة عاطلة مِمَّا يتحلى بِهِ فِي مصر أهل الصِّنَاعَة ومولانا يغترف من بَحر لَا يزَال يبرز بالغوص فِيهِ من الدّرّ عجيبا ويبدي بَين أهل الْأَدَب من محاسنه غَرِيبا وَيَتْلُو لِسَان بلاغته إِذا استبعد المتأدبون اسْتِخْرَاج معنى {إِنَّهُم يرونه بَعيدا ونراه قَرِيبا} الجزء: 9 ¦ الصفحة: 384 وَالْحَمْد لله حق حَمده وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد خير خلقه وَسَلَامه وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل الْمَمْلُوك إِبْرَاهِيم القيراطي وَقلت حِين بَلغنِي أَن مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة رزق ولدا ذكرا (أبشر أبشر يَا ابْن الأفاضل بِابْن ... وَأب للعفاة منا حقيقه) (يَا لَهُ ابْنا قد أبرزت بنت فكري ... درة الْمَدْح فِيهِ قبل العقيقه) وَقلت أَيْضا (هنئت يَا قَاضِي الْقُضَاة بِسَيِّد ... نشرت بشائره بِمَكَّة للورى) (أكْرم بِهِ ابْنا قد أضا قبس الهنا ... بِأبي قبيس مِنْهُ فِي أم الْقرى) وَقلت (قَاضِي الْقُضَاة اُبْشُرْ بنجل لم يزل ... يَعْلُو على درج السِّيَادَة صاعدا) (فلسان هَذَا الدَّهْر أصبح قَائِلا ... زَاد الزَّمَان بني الْمَعَالِي وَاحِدًا) وَقلت (نَادَى لِسَان الدَّهْر حِين أَتَى لكم ... نجل لَهُ جد عَليّ صاعد) (زَاد الزَّمَان بني الْمَعَالِي وَاحِدًا ... لكنه كالألف ذَاك الْوَاحِد) وَقلت مضمنا (أَتَى لَك ابْن قادم بالهنا ... فسر بالبشرى بني آدم) (وَقَالَت الْعليا لَهُ إِذْ أَتَى ... أَهلا وسهلا بك من قادم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 385 وَقلت (أبشر بِخَير قادم ... للمجد والتقدم) (قد قَالَت الْعليا لَهُ ... على أسر مقدم) وَقلت (بلغت فِي ابْنك هَذَا غَايَة الأمل ... فَعَن قَلِيل يرى فِي حكم مكتهل) (وَعَن قَلِيل على من نجابته ... يُعِيد بعد دروس لي دروس عَليّ) وَقلت (سمي ابْن سيد أَبنَاء الْعلَا بعلي ... لَا زَالَ ذَا منصب بَين الْأَنَام عَليّ) (فَقلت لما أَتَت بشرى البشير بِهِ ... للْعلم وَالْفضل والعلياء والدول) (بشرى سمي أَمِير النَّحْل حِين أَتَت ... كَانَت بأفواهنا أحلى من الْعَسَل) وَقلت (لله كم بشرى لنجلك أَقبلت ... فابشر بِهِ إِذا جَاءَ وَابْشَرْ وَابْشَرْ) (كنيته بِأبي يزِيد والعلا ... من قبل مولده تسميه السّري) وَقلت (يَا سيدا زكتْ الْفُرُوع بِهِ ... ونمت وَطَابَتْ فِي الورى نشرا) (بِأبي يزِيد اُبْشُرْ فحين أَتَى ... وافى الهناء مصاحبا بشرا) وَقلت (ظَنِّي بعز الدّين نجلك أَنه ... يبْق لفعل مآثر وَمَكَارِم) (فلذاك بشرت الْمَعَالِي نَفسهَا ... من يَوْم مولده بعز دَائِم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 386 وَقلت (أبشر بعز الدّين نجلا قوبلت ... علياه بالإكرام والإجلال) (رقمت يَد الْأَيَّام مِنْهُ طرازها ... لما بدا بالعز والإقبال) الْحَمد لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم هَذِه الرسَالَة أرسلها إِلَيّ الشَّيْخ برهَان الدّين ابْن القيراطي وَقد جاور فِي مَكَّة مَعَ الرجبية فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ثمَّ حضر إِلَى الْقَاهِرَة ي سنة خمس وَسِتِّينَ وجهزها إِلَيّ ثمَّ عَاد إِلَى مَكَّة مجاورا مَعَ الرجبية سنة خمس وَسِتِّينَ فَكتبت إِلَيْهِ جوابها فِي شَوَّال سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وجهزته إِلَى مَكَّة ونسخته يخْدم بسلامه الأَرْض حَيْثُ تنزل السَّمَاء فيروى الظماء وتعشب الدُّنْيَا بأياديه الْبيض فَهِيَ الحلوة الخضراء ويرعى الْكلأ وَلَا غَضْبَان ثمَّ من أنشأ (وَأعلم إِن تَسْلِيمًا وتركا ... للا متشابهان وَلَا سَوَاء) وَحَيْثُ الملتجئ إِلَى حرم الله رَغْبَة وَرَهْبَة العائذ بِهِ لَا فَارًّا بخربة اللائذ مُتَعَلقا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَأقسم بِمن منع أَن تختل الدُّنْيَا بِالدّينِ مَا خيل لي ختل وَلَا خطر لي لَو لم تأت بِهِ القافية ابْن خطل وَلَا دَار على طرف لساني وَلَا تحرّك مخضوب بناني لذكر خطأ وَلَا خطل وَمَا كل مخضوب البنان يَمِين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 387 إيه وَحَيْثُ الطّواف بِالْبَيْتِ حجَّة عقب حجَّة وَالْعمْرَة فِي رَمَضَان عَاما بعد عَاما تعدل حجَّة بعد حجَّة والفرار إِلَى الله ذِي الْحجَّة الْبَالِغَة يَا لَهَا من حجَّة وَحَيْثُ تُوضَع خَطَايَا وأوزار وَيرْفَع وَلَا يخْفض على الْجوَار عمل من حَيا على بعد أوزار فَكيف بِمن والى بَين رجبي مُضر مَزَار نزار ثمَّ أقسم وَقد خيم بذلك الفناء الْبَار أَنه أحب جوَار الله اعتزالا للنَّاس وَصرح بِأَنَّهُ لَا بدع لِجَار الله إِذا اعتزل وَأَشَارَ وكدت أصوبه لَكِن خشيت قَول ابْن عمر إِنِّي مِنْهُم بَرِيء ويقيني أَن الله بَرِيء من الْجَار نعم وَحَيْثُ الْبَحْر العجاج رؤبة الْأَدَب وكعبته المحجوجة لكل مُحْتَاج والمنهل الَّذِي يروي وَفد الْبَيْت فتناديه الرواء {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} تفجر عيُونا فسقى الغضا والساكنيه ولحظه بالعناية والمشترك مَحْمُول على مَعَانِيه حاطه الله حَيْثُ أضحى وَأمسى وتولاه حَيْثُ سَار وَحل مُؤديا بسلامه فَرِيضَة لَا يُخرجهَا عَن وَقتهَا وَلَا يَقْضِيهَا مهديا تحيته على مبلغ قدرته الجزء: 9 ¦ الصفحة: 388 والهدايا على مِقْدَار مهديها مبلغا بثينة بجميل القَوْل أَنِّي لست ناسيها وَلَا المضيع لَهَا سرا علمت بِهِ مَا عِشْت حَتَّى تجيب النَّفس داعيها وَيُنْهِي بعد وصف شوق تبرجت الْجَاهِلِيَّة الأولى همومه وتخرجت كَأَنَّهَا حَاشِيَة كتاب دُرَر دُمُوعه الَّتِي مِنْهَا منثوره ومنظومه وتأرجت عِنْد ذكرى الرجبية ربوعه فَمَا أرج السحر ونسيمه وربيع مصر وبرسيمه أَنه ورد عَلَيْهِ كتاب رِسَالَة وقف مِنْهُ على مَا جرى بِهِ الْقَلَم فَوقف واستوقف كل أديب ليشاهد غرفا من جناته مَبْنِيَّة من فَوْقهَا غرف وَلم يجد مِثَالا لهَذَا الْمِثَال الْكَرِيم وَلَو وجد لوصف فَسكت مصغيا إِلَى تِلْكَ الْمقَالة وعوذ حل الرسَالَة بِخَاتم الرسَالَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وترشف من كلمها الطّيب سكرا كلما كرر حَلَاله حَلَاله وَبَدَأَ بِبسْم الله فِي النّظم أَولا فَرَأى على حرزه من التَّيْسِير الإلهي عنوانا وَمن عقد اللآلي حلا وَأبْصر من قلائد عقيانه مَالا يوازن قيراطه بقنطار وَلَا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 389 فعين الله على هَذِه الْكَلِمَة ذَات الْبَاء الْمُوَحدَة وَعين الذَّهَب دون لَفظهَا الَّذِي أذاب نضارا فأذاب قُلُوب الحسدة وَعين الْعِنَايَة مَعَ سرها الْمَمْدُود بألطاف على عمد ممددة لقد سرحت الْعين فِي روضها فلهَا جمال حِين تريح وَحين تسرح وتقلب الْبَصَر مِنْهَا فِي محَاسِن يبرح بالذمام وَلَا تَبْرَح وتلوت على صَدْرِي عِنْد سماعهَا بعد ضيق العطن {ألم نشرح} وَلها الله آيَة أُوتيت من الْفضل وَحزبه ورقت الصب أَي رقية لكَونه أَخذ من صباها أَمَانًا لِقَلْبِهِ وَشهد ناظرها من عاملها الْعَرَبِيّ نطقا أَن حاسده أبْغض الْعَجم ناطقا إِلَى ربه دعت مجيبا من أول مرّة مهتزا إِذا خطرت من ذكر مية خطره يخْطر فِي رياضها فَلَا يجد رملا لَكِن معشبا بَين بَيَاض وَحُمرَة ومزنا من مَاء الفصاحة يروض لوقته وفننا يعرف الْوَلِيّ بِأَن الوسمي جَاءَ على سمته وعدنا من جنَّات الْكَلم نغترف الْعَدو ونجلوه من عوجه وَأمته وفصلا من الْخطاب فاصلا وَأَسْمَاء من أَفعَال الْقُلُوب قَالَ السجع إِن لَهَا فِي الْقُلُوب منازلا وَثَبت عِنْدهَا الْمُحب منشدا (قضى الله يَا أَسمَاء أَن لست زائلا ... ) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 390 همز الْخَادِم لبائها ألفا وتنشق من عرفهَا متعرفا مَا خالطه مِنْهُ لَا من سلمى خياشيم وفا وجهلت بِمَاذَا أصفها فَإِنَّهَا فَوق وصف الواصف وَغَايَة مَا قتل عِنْد إقبالها من قبل ذَلِك العاكف الطَّائِف ومجيئها من ذَلِك الْحرم (وَمَا كل من وافى منى أَنا عَارِف ... ) معترفا بِأَنَّهُ لَا يطول إِلَى الْمُعَارضَة وَأَن خُيُول فكره فِي ميدان هَذَا السَّابِق غير راكضة وَأَن سنة الله فِيمَن اعتزل هَذِه المحاسن أَن تصبح لَهُ السَّعَادَة رافضة فانتقل عَن تَكْمِلَة الْجَواب إِلَى الْإِيضَاح والاستخبار عَن حالكم فِي تِلْكَ النواح أهوَ كَحال أهل هَذَا الإقليم الَّذِي أكثرت فِيهِ النوائح النواح لحادث طعن وطاعون حكم بِالشَّهَادَةِ لكل مُسلم وبالتكفير لغير الْمَدْيُون وبالاستبشار لمن قضى نحبه فِيهِ بِأَنَّهُ من الْأمة الَّتِي فناؤها على مَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالطعن والطاعون إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون رَحْمَة رَبنَا ودعوة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَوْت الصَّالِحين قُلْنَا لقد قيل لمن رام الْحَيَاة قبلنَا هَيْهَات لما تروم هَيْهَات فقد مَاتَ من لَا عمره مَاتَ ورخصت الْأَنْفس فبدلت نحبه واغتال الْمَوْت أسودا وَلَا بني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 391 ضبة ووسعته نفوس كَانَت تضيق بهَا دمشق إِلَى الرحبة وتلاعب بالصغار وليدا فوليدا وَمَال إِلَى النِّسَاء ميلًا شَدِيدا (فَرد شعورهن السود بيضًا ... ورد وجوهه الْبيض سُودًا) وَسَار بِسَيْفِهِ المسلول ونادى وكل صَاحب يَقُول لصَاحبه (لَا ألفينك إِنِّي عَنْك مَشْغُول ... ) (كل ابْن أُنْثَى وَإِن طَالَتْ سَلَامَته ... يَوْمًا على آلَة حدباء مَحْمُول) وَدَار دورا قَائِمَة على عمد (وقفت فِيهَا أصيلالا أسائلها ... عيت جَوَابا وَمَا بِالربعِ من أحد) (أمست خلاء وَأمسى أَهلهَا احتملوا ... أخنى عَلَيْهَا الَّذِي أخنى على لبد) فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم نفثة من مصدور وَكلمَة تعقب إِن شَاءَ الله كل فَرح وسرور وقولة نقولها وَإِلَى الله تصير الْأُمُور (وَلَقَد حرصت بِأَن أدافع عَنْهُم ... فَإِذا الْمنية أَقبلت لَا تدفع) (وَإِذا الْمنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تَمِيمَة لَا تَنْفَع) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 392 وَلَقَد شبت بَين الْعَرَب وَالتّرْك نَار لَا للقرى بل للقراع وَلَقَد نهضت الدهماء واضطرب النَّقْع المثار واشتبه الْمَتْبُوع بالأتباع وَلَقَد بَكت الْبيض وزعقت السمر فِي يَوْم أسود يطيب بِهِ الْمَوْت الْأَحْمَر وَإِن شمت الْعَدو الْأَزْرَق للبطل الشجاع (من فتية من سيوف الْهِنْد قد علمُوا ... أَن هَالك كل من يحفى وينتعل) لقد قَامَت الْحَرْب على سَاق ورقت نسَاء الْأَعْرَاب وَلَكِن على الْحَيَاة حِين رأين الْأَنْفس إِلَى الْحمام تساق وَكم ذَات خدر فقدت وَاحِدهَا بَين الرفاق (فَكرت تبتغيه فصادفته ... على دَمه ومصرعه السباعا) من كل مهند لمع وَكَأَنَّهُ الْبَرْق الخاطف وجرد فَكَأَنَّهُ الْقَضَاء الْجَارِي فِي المواقف وسل فَكَأَنَّهُ الْأسد الضاري فِي المخاوف وكل رديني هز فَكَأَنَّهُ الْغُصْن تناثرت ثماره وخطر فَكَأَنَّهُ قد الحبيب تدانى مزاره وَطعن فَكَأَنَّهُ وخز الشَّيْطَان تضرمت ناره (من كل أَبيض فِي يَدَيْهِ أَبيض ... أَو كل أسمر فِي يَدَيْهِ أسمر) وَلَقَد طاحت الْغرْبَان برؤوس العربان وصاحت بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور بَنَات طَارق لطوارق الْحدثَان وراحت بالأرواح أَقوام تعرف بِالْحَقِيقَةِ لَا بِحَدّ ورسم بل بِحَدّ وَسنَان وَتقول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 393 (لَا نسب الْيَوْم وَلَا خلة ... اتَّسع الْخرق على الراقع) فسير صباح مسا ويضيق بالطوال والقصار من الظبا والرماح الفضا ويمتطي من العربيات أخلاء الرِّيَاح مَا يتَقَدَّم على مهل فَيتَأَخَّر مَعَ الْإِسْرَاع عَنْهَا الْهوى قَائِلا إِنَّمَا كنت خَلِيلًا من وَرَاء ورا من كرائم الْخَيل المنصورة وعظائم السَّيْل وَقد ينْقل اللَّفْظ بِالْمَعْنَى والعلاقة مجَاز الصُّورَة وبهائم اللَّيْل المبصرة إِذا أسبل ديجوره مِنْهَا مُضْمر وَغير مُضْمر وسوابق يقصر عَنْهَا مدى النَّاظر وَإِن كرر عَلَيْهَا أبطال يَتلون {إِن أجل الله إِذا جَاءَ لَا يُؤَخر} ومالت نَوَاصِيهَا ذَوَات الْخَيْر كَأَنَّهَا عُقُود ترائب وطالت غرتها كَأَنَّهَا انْتِظَار غَائِب وَقصر عجب ذنبها كَأَنَّهُ بِنَاء ذَاهِب وولولت أذنابها كَأَنَّهَا أَقْلَام كَاتب ولانت عريكتها كَأَنَّهَا لعبة لاعب وأسبغ ذيلها كَأَنَّهُ ذيل رَاهِب وَقَامَ صدرها كَأَنَّهُ نهضة واثب وتشخص مَوضِع ثدييها كَأَنَّهُمَا نهدا كاعب ودق منخرها كَأَنَّهُ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 394 خنصر بَنَات الأعارب وابيض لَوْنهَا كَأَنَّهُ الصافي عَن الشوائب وحلا طول الحَدِيث عَنْهَا كَأَنَّهُ حَدِيث الحبائب فلينتقل الْمَمْلُوك عَن ذكر الْأَخْبَار وحكاية مَا كَانَ وَصَارَ وَلَا يَد لَهُ بَيْضَاء فِي أسود ذَلِك النَّهَار إِلَى ذكر مَا نبه مِنْهَا على خلاف الأولى وَهُوَ وَاجِب الْقلب أَن لَا يكون قَامَ بِبَعْض الْفَرْض ويعرض غير معَارض على ذَلِك النَّاقِد بهرجه وَهُوَ فرق من يَوْم الْعرض وَيفتح بَابا للوقيعة فِيهِ لكنه اقْتدى بِأبي ضَمْضَم فدونك أَيهَا الأديب وَالْعرض وَيَقُول (أبدا على جمر الغضى يتقلب ... قلب بشرقي اللوا متغرب) (ناء عَن الخيمات يحْسب أَنه ... لجنان وصلك باللظى يتَقرَّب) (وَلَقَد أعاتبه وَلَيْسَ بِنَافِع ... عتب لمن هُوَ معنت لَا يعتب) (إِن قلت ملت عَليّ قَالَ لأنني ... قلب فَلَا عجب إِذا أتقلب) (أفدي الغزال على حدائق مهجتي ... يحيا ويرتع فِي الدِّمَاء ويلعب) (وَأُرِيد مَا يبغيه بِي فَأَنا لَهُ ... مستعذب بعذابه مستعذب) (هُوَ زهرَة بِيعَتْ فَكنت المُشْتَرِي ... وأخو الملاح على هَوَاهُ الْعَقْرَب) (من لي بِصَاحِب حَاجِب سُلْطَانه ... قَاض بِأَن لحاظه تتحجب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 395 (ذُو النُّون وَهُوَ رُوَيْم طرف وَجهه النوري ... والجلاء وَهُوَ الْكَوْكَب) (لم يرض إِلَّا الزّهْد فِي طَريقَة ... والهجر فَهُوَ لغير معنى يغْضب) (إِن قلت أسمعني كلامك قَالَ لي ... أعدمت غير الدّرّ فِيهِ يرغب) (أَو قلت أرشفني رضابك قَالَ لَا ... مَا فِي الْوُجُود سوى المدامة تطلب) (اطلب سوى ذَا قلت لَا أبغي سوى ... هذَيْن فِي الدُّنْيَا وَلَا أترقب) (بِاللَّه فاحسبني وَأحسن عشرتي ... فَأجَاب إِنَّا أمة لَا نحسب) (وأبى فَلَيْسَ يعدني سرا وَلَا ... يصغي إِلَيّ وَرَاح أَيْضا يعتب) (ويحرف الْكَلِمَات عَن أوضاعها ... بِلِسَان سهم للجدار يرتب) (فيزيل بالشبه الْبَرَاهِين الَّتِي ... للحرم فِي كسر الْمُخَالف تنصب) (وَلَقَد عددت سني وَهِي كَثِيرَة ... لم أبْصر الْبُرْهَان فِيهَا يلْعَب) (ولذاك أعرض لَا أعارض قَوْله ... لَا أم لي إِن كَانَ ذَاك وَلَا أَب) (أثنى عَلَيْهِ مُفردا يجد التَّوَكُّل ... صِيغَة فِي جمعهَا يتسبب) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 396 (وفى بِعَهْد إخائه إِذْ كَانَ إِبْرَاهِيم ... فَهُوَ على الوفا لَا يذهب) (الْعلم وصف وَالْوَفَاء سجية ... بالوعد وَالْقَوْل الصَّحِيح الْمَذْهَب) (وَله المعارف والعوارف والندى ... يصفو ويعذب من جداه المشرب) (وَإِذا يَقُول فَكل عُضْو سامع ... لمقاله الصدْق الَّذِي لَا يكذب) (لَا فرق بَين كَلَامه وَالسحر ... إِلَّا أَنه السحر الْحَلَال الطّيب) (هُوَ مَالك جلاب أَمْتعَة بِأَلْفَاظ ... كَمثل الشهب أَو هِيَ أَشهب) (وَلَقَد يلحن لفظ أَشهب إِن أَتَى ... فِي أفعل التَّفْضِيل أَو يتَجَنَّب) (يَا أَيهَا الْبَحْر الَّذِي كَلِمَاته ... كالجوهر الْمكنون بل هِيَ أعجب) (در يعز على كثير عزة ... ويضيء مثل الصُّبْح مِنْهُ الغيهب) (فِي مثل درته يحِق مقالكم ... فَابْن المقفع فِي الْيَتِيمَة يسهب) (ولسوقه يهدي مقالك واصفا ... فَكَأَن قسا فِي عكاظ يخْطب) (فَللَّه أسأَل أَن يمتعنا بِهِ ... كلما بهَا الْأَمْثَال فِينَا تضرب) (تبقى بَقَاء الدَّهْر تعجب أَهله ... وتتيه من صلف عَلَيْهِ وتعجب) لقد وصف الْمَمْلُوك مَا فِي ضَمِيره فَلَا يؤاخذه وَإِن وصف مضمرا وكاتبك يَا مَالك الرّقّ رَجَاء أَن يكون مُدبرا وفصلت برد لباسها قَائِلا {رب إِنِّي نذرت لَك مَا فِي بَطْني محررا} (فأسبل عَلَيْهَا ستر مَعْرُوفك الَّذِي ... سترت بِهِ قدما عَليّ عواري) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 397 والمملوك يقبل الأَرْض بَين يَدي الشَّيْخ الإِمَام الْخَطِيب تَاج الدّين المليحي وأنتما حَقِيقَة فِي هَذَا الْكتاب شريكان وللشيخ تَاج الدّين عَادَة فنظير مشاركته فِي هَذَا العنوان تلبيته دَعْوَة كاتبين خطباه للخطبة وَإِن كَانَ الشَّيْخ تَاج الدّين بعض وَاحِد مِنْهُ فَذَاك بقصاص أَنه فِي غَيره اثْنَان فَلَقَد لبّى دَعْوَة اثْنَيْنِ خطباه للخطبة لكنه لم ينفذ فِي الثَّانِيَة مِنْهُمَا إِلَّا بسُلْطَان وعَلى ذكر ذَلِك فالمملوك يهني الْمِنْبَر السلطاني مِنْهُ بأعلا وَأعلم وَمن إِذا صال على الأعواد أَسْرج وألجم وَإِذا أقبل فِي ثِيَاب السوَاد قيل جَاءَ السوَاد الْأَعْظَم وبهيبة من الْمِنْبَر بعلو الدَّرَجَات من الله مجَازًا وَمن المنابر حَقِيقَة وَقبُول الْأَعْمَال الصَّالِحَات الَّتِي هِيَ فِي أصُول الْإِخْلَاص عريقة وينشده إِذا صعد خَطِيبًا وتنزهت الْقُلُوب فِي رياض مواعظه الأنيقة (وَلما رَأَيْت النَّاس دون مَحَله ... تيقنت أَن الدَّهْر للنَّاس ناقد) 1341 - إِبْرَاهِيم بن عمر بن إِبْرَاهِيم الشَّيْخ برهَان الدّين الجعبري أَبُو إِسْحَاق نزيل مَدِينَة الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام الحديث: 1341 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 398 ولد فِي حُدُود سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة سمع من الْفَخر بن البُخَارِيّ وَخلق كثير وَأَجَازَ لَهُ الْحَافِظ يُوسُف بن خَلِيل وَعرض التَّعْجِيز على مُصَنفه وَكَانَ فَقِيها مقرئا متفننا لَهُ التصانيف المفيدة فِي القراآت والمعرفة بِالْحَدِيثِ وَأَسْمَاء الرِّجَال وأكمل شرح التَّعْجِيز لمصنفه توفّي فِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة 1342 - إِبْرَاهِيم بن لاجين الأغري بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة الشَّيْخ برهَان الدّين الرَّشِيدِيّ كَانَ فَقِيها نحويا متفننا دينا خيرا صَالحا تخرج بِهِ جمَاعَة وتفقه على الشَّيْخ علم الدّين الْعِرَاقِيّ مولده سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة الحديث: 1342 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 399 1343 - إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن عَليّ القَاضِي نور الدّين الْحِمْيَرِي الإسنائي كَانَ فَقِيها أصوليا قَرَأَ الْفِقْه على الشَّيْخ بهاء الدّين القفطي وَالْأُصُول على شَارِح الْمَحْصُول الْأَصْبَهَانِيّ والنحو على الشَّيْخ بهاء الدّين بن النّحاس وَولي قَضَاء إخميم وأسيوط وقوص وقفت لَهُ على مُخْتَصر الْوَسِيط وَهُوَ حسن وَقد ضمنه تَصْحِيح الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَله شرح الْمُنْتَخب فِي الْأُصُول ونثر ألفية ابْن مَالك عزل عَن قَضَاء قوص فورد الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة 1344 - إِسْمَاعِيل بن يحيى بن إِسْمَاعِيل بن تيكروز قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين أَبُو إِبْرَاهِيم التَّمِيمِي الشِّيرَازِيّ الْبَالِي وبال بِالْبَاء الْمُوَحدَة بليدَة من عمل شيراز الحديث: 1343 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 400 تفقهه على وَالِده وَقَرَأَ التَّفْسِير على قطب الدّين الشقار الْبَالِي صَاحب التَّقْرِيب على الْكَشَّاف وَولي قَضَاء الْقُضَاة بِفَارِس وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة وعزل بعد مُدَّة بِالْقَاضِي نَاصِر الدّين الْبَيْضَاوِيّ ثمَّ أُعِيد بعد سِتَّة أشهر وعزل القَاضِي نَاصِر الدّين وَاسْتمرّ مجد الدّين على الْقَضَاء خمْسا وَسبعين سنة وَكَانَ مَشْهُورا بِالدّينِ وَالْخَيْر والمكارم وَحفظ الْقُرْآن وَكَثْرَة التِّلَاوَة وَله منزلَة عِنْد الْمُلُوك رفيعة أَمر بَعضهم بِإِظْهَار الرَّفْض فِي أَيَّامه فَقَامَ فِي نصر الدّين قيَاما بليغا وأوذي بِهَذَا السَّبَب وَقيل إِنَّه ربط وَأُلْقِي إِلَى الْكلاب وَالْأسود فشمته وَلم تتعرض لَهُ فَعظم قدره وَعلم أَنه من أَوْلِيَاء الله وَكَانَ ذَلِك سَببا فِي خذلان الرفضة ولد لَهُ ثَلَاث بَنِينَ وَاشْتَغلُوا بِالْعلمِ ثمَّ مَاتَ كل مِنْهُم فِي عنفوان شبابه فحكي أَنه صلى على كل وَاحِد مِنْهُم وكفنه وَلم يجزع وَلَا بَكَى على وَاحِد مِنْهُم وَحكي أَنه وَقع بَين أهل شيراز وملكهم خُصُومَة وَنزل الْملك بِظَاهِر الْبَلَد وعزم على قِتَالهمْ ومحاصرتهم فَخرج القَاضِي لإطفاء النائرة وَكَانَ فِي محفة فرجموه بِالْحِجَارَةِ وهرب جَمِيع من كَانَ حواليه وأصيبوا بِالْحِجَارَةِ ووقف القَاضِي ثَابتا غير مُضْطَرب وَلم يصبهُ شَيْء فعدت كَرَامَة لَهُ وَلما مَاتَ أحد أَوْلَاده الثَّلَاثَة أفضل الدّين أَحْمد سَأَلَهُ بعض الْحَاضِرين عَن سنه فَقَالَ رَأَيْت أَنِّي أَعْطَيْت أَرْبَعَة وَتِسْعين دِينَارا وَأعْطِي وَلَدي أَحْمد اثْنَتَيْنِ وَعشْرين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 401 فَسَأَلت الْمُعْطِي مَا هَذَا فَقَالَ هَذِه سنو عمركما فاستوفى أَحْمد اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأما أَنا فَبَقيَ لي تسع سِنِين فَكَانَ الْأَمر كَمَا ذكر توفّي فِي ثَانِي عشر شهر رَجَب سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة عَن أَربع وَتِسْعين سنة بشيراز وَمن تصانيفه الْقَرَائِن الركنية فِي الْفِقْه وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي الْأُصُول وَله مُخْتَصر فِي الْكَلَام وَله نظم كثير أنشدنا صاحبنا الْمُحدث مجد الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب الفيروزابادي لنَفسِهِ مَا كتبه إِلَى القَاضِي مجد الدّين مستفتيا قَالَ وَكنت عزمت فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة على الْحَج وَكنت متزوجا فَمَنَعَنِي أهل زَوْجَتي عَن السّفر إِلَّا أَن أعلق طَلاقهَا بِمُضِيِّ سِتَّة أشهر فأجبت مكْرها ثمَّ عدت بعد سِنِين فَكتبت إِلَى القَاضِي رَحمَه الله (أَلا من مبلغ عني كتابا ... إِلَى قَاضِي قُضَاة المسلمينا) (بِحَال أَن قومِي أكرهوني ... بِأَن علق طَلَاقك مكرهينا) فِي أَبْيَات ذكرهَا قَالَ فَأَجَابَنِي القَاضِي بديها (أَلا يَا قدوة الْفُضَلَاء إِنِّي ... أعدك صَادِقا برا أَمينا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 402 (سليلا للأسى الأمجاد مجدا ... غَدا للدست صَدرا أَو يَمِينا) (سأحكم بَيْنكُم حكما مُبينًا ... وَلَكِن إِن حَلَفت لَهُم يَمِينا) (وَذَلِكَ نَص شرع الله فيهم ... وَأما الشَّيْخ حاشا أَن يَمِينا) 1345 - إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن مَحْمُود بن مُحَمَّد ابْن عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماة عماد الدّين أَبُو الْفِدَاء ابْن الْأَفْضَل بن الْملك المظفر بن الْملك الْمَنْصُور بن الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب بن شادي الحديث: 1345 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 403 كَانَ من أُمَرَاء دمشق وخدم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر لما كَانَ فِي الكرك آخر أمره فوعده بحماة ووفى لَهُ بذلك وَكَانَ الْمَذْكُور رجلا فَاضلا نظم الْحَاوِي فِي الْفِقْه وصنف تَقْوِيم الْبلدَانِ وتاريخا حسنا وَغير ذَلِك توفّي بحماة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ قد ملكهَا فِي سنة عشر وَسَبْعمائة فَأَقَامَ هَذِه الْمدَّة لَهُ شعر حسن وَمن شعره (أحسن بِهِ طرفا أفوت بِهِ القضا ... إِن رمته فِي مطلب أَو مهرب) (مثل الغزالة مَا بَدَت فِي مشرق ... إِلَّا بَدَت أنوارها فِي الْمغرب) وَكَانَ جوادا ممدحا امتدحه الشَّيْخ شهَاب الدّين مَحْمُود بقصيدته الَّتِي مطْلعهَا (أَتَرَى محبك بالخيال يفوز ... ولنومه عَن مقلتيه نشوز) وبقصيدته الَّتِي مطْلعهَا (ميعاد صبري وسلوى الْمعَاد ... فالح امْرأ يسليه طول البعاد) وَأكْثر فِي مدحه شاعره الشَّيْخ جمال الدّين ابْن نباتة شَاعِر الْوَقْت وَمن غرر قصائده فِيهِ (لثمت ثغر عذولي حِين سماك ... فلذ حَتَّى كَأَنِّي لاثم فَاك) (حبا لذكراك فِي سَمْعِي وَفِي خلدي ... هَذَا وَإِن جرحت فِي الْقلب ذكراك) (تيهي وصدى إِذا مَا شِئْت واحتكمي ... على النُّفُوس فَإِن الْحسن ولاك) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 404 (وطولي من عَذَابي فِي هَوَاك عَسى ... يطول فِي الْحَشْر إيقافي وَإِيَّاك) (فِي فِيك خمر وَفِي عطف الصِّبَا ميد ... فَمَا تثنيك إِلَّا من ثناياك) (وَمَا بَكَيْت لكوني فِيك ذَا شجن ... إِلَّا لكَون سعير الْقلب مأواك) (بالرغم إِن لم أقل يَا أصل حرقته ... لِيَهنك الْيَوْم إِن الْقلب مرعاك) (يَا أدمعا لي قد أنفقتها سَرفًا ... مَا كَانَ عَن ذَا الوفا وَالْبر أَغْنَاك) (وَيَا مديرة صدغيها لقبلتها ... لقد غَدَتْ أوجه العشاق ترضاك) (مهما سلونا فَمَا نسلو ليالينا ... وَمَا نَسِينَا فَلَا وَالله ننساك) (نكاد نلقاك بالذكرى إِذا خطرت ... كَأَنَّمَا اسْمك يَا أسما مسماك) (ونشتكي الطير نعابا بفرقتنا ... وَمَا طيور النَّوَى إِلَّا مطاياك) (لقد عرفناك أَيَّامًا وداومنا ... شجو فيا لَيْت أَنا مَا عرفناك) (نرعى عهودك فِي حل ومرتحل ... رعى ابْن أَيُّوب حَال اللائذ الشاكي) (الْعَالم الْملك السيار سؤدده ... فِي الأَرْض سير الدراري بَين أفلاك) (ذَاك الَّذِي قَالَت الْعليا لأنعمه ... لَا أَصْغَر الله فِي الْأَحْوَال مهناك) (لَهُ أَحَادِيث تغني كل مُجْدِبَة ... عَن الْحيَاء وتجلي كل أحلاك) (مَا بَين خيط الدجى وَالْفَجْر لائحة ... كَأَنَّهَا دُرَر من بَين أسلاك) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 405 (كَفاك يَا دولة الْملك الْمُؤَيد عَن ... بر الْبَريَّة من للفضل أَعْطَاك) (لَك الفتوة وَالْفَتْوَى محررة ... لله مَاذَا على الْحَالين أَفْتَاك) (أَحييت مَا مَاتَ من علم وَمن كرم ... فزادك الله من فضل وحياك) (من ذَا يجمع مَا جمعت من شرف ... فِي الْخَافِقين وَمن يسْعَى لمسعاك) (أنسى الْمُؤَيد أَخْبَار الألى سلفوا ... فِي الْملك مَا بَين وهاب وفتاك) (ذُو الرَّأْي يشكو السِّلَاح الجم قاطعه ... لذاك يُسمى السِّلَاح الجم بالشاكي) (والمكرمات الَّتِي افترت مباسمها ... والغيث بالرعد يُبْدِي شهقة الباكي) (قل للبدور استجني فِي الْغَمَام فقد ... محا سنا ابْن عَليّ حسن مرآك) (إِن ادعيت من الْبشر المطيف بِهِ ... غيظا فقد ثبتَتْ فِي الْوَجْه دعواك) (يَا أَيهَا الْملك الْمَدْلُول قاصده ... وضده نَحْو ستار وهتاك) (وحدته فِي الورى بِالْقَصْدِ وَارْتَفَعت ... وسائلي فِيهِ عَن زيغ وإشراك) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 406 (سقيا لدنياك لَا لقب يُخَالِفهُ ... فِيهَا لديك وَلَا وصف بأفاك) (من كَانَ من خيفة الْإِنْفَاق يمْسِكهَا ... فَأَنت تنفقها من خوف إمْسَاك) 1346 - جَعْفَر بن ثَعْلَب بن جَعْفَر بن عَليّ بن المطهر بن نَوْفَل الأدفوي 1347 - الْحسن بن شرف شاه السَّيِّد ركن الدّين أَبُو مُحَمَّد الْعلوِي الْحُسَيْنِي الإستراباذي مدرس الشَّافِعِيَّة بالموصل وشارح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب ومقدمته فِي النَّحْو وَله شرح على الْحَاوِي الحديث: 1346 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 407 كَانَ إِمَامًا فِي المعقولات توفّي سنة خمس عشرَة وَسَبْعمائة عَن سبعين سنة وَله شرح حسن على الْمطَالع وَشرح شمسية الْمنطق وأصول الدّين وَقد وقفت عَلَيْهِ وَله على مُقَدّمَة ابْن الْحَاجِب ثَلَاثَة شُرُوح مطول ومختصر متوسط وَهَذَا الْمُتَوَسّط هُوَ الَّذِي بَين أَيدي النَّاس الْيَوْم وَكَانَ جليل الْمِقْدَار مُعظما عِنْد مُلُوك الزَّمَان حسن السمت والطالع حُكيَ أَنه كَانَ مدرسا بماردين بمدرسة هُنَاكَ تسمى مدرسة الشَّهِيد فَدخلت عَلَيْهِ يَوْمًا امْرَأَة فَسَأَلته عَن أَشْيَاء مشكلة فِي الْحيض فعجز عَن الْجَواب فَقَالَت لَهُ الْمَرْأَة أَنْت عَذَّبْتُك واصلة إِلَى وسطك وتعجز عَن جَوَاب امْرَأَة قَالَ لَهَا يَا خَالَة لَو علمت كل مَسْأَلَة أسأَل عَنْهَا لوصلت عذبتي إِلَى قرن الثور 1348 - الْحسن بن هَارُون بن الْحسن الْفَقِيه الصَّالح نجم الدّين الهدباني أحد أَصْحَاب الشَّيْخ مُحي الدّين النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ 1349 - الْحُسَيْن بن عَليّ بن إِسْحَاق بن سَلام بتَشْديد اللَّام الشَّيْخ شرف الدّين الحديث: 1348 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 408 مفتي دَار الْعدْل بِدِمَشْق فِي زمن الأفرم درس بالعذراوية والجاروخية بِدِمَشْق وَكَانَ من فُقَهَاء الْمَذْهَب مولده سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة 1350 - الْحُسَيْن بن عَليّ بن سيد الْأَهْل بن أبي الْحُسَيْن بن قَاسم بن عمار الشَّيْخ الإِمَام نجم الدّين الأسواني الأصفوني سمع من أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق بن طرخان وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْقوي وَأبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد الغرافي والحافظ أبي مُحَمَّد الدمياطي وَغَيرهم وَحدث بِالْقَاهِرَةِ تفقه على أبي الْفضل جَعْفَر التزمنتي وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ يدرس بمدرسة الْحَاج الْملك ويشغل الطّلبَة بِالْعلمِ وتجرد مَعَ الْفُقَرَاء مُدَّة وَكَانَ قوي النَّفس جدا حاد الْخلق مقداما فِي الْكَلَام الحديث: 1350 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 409 وَهُوَ من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح صحب الشَّيْخ أَبَا الْعَبَّاس الشاطر وَغَيره من الْأَوْلِيَاء حكى لي الْوَالِد تغمده الله برحمته أَن الْمَذْكُور تجرد زَمنا طَويلا ثمَّ حضر درس قَاضِي الْقُضَاة ابْن بنت الْأَعَز فَأَنْشد بعض النَّاس قصيدة فِي مدح سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَرَخَ الشَّيْخ نجم الدّين وحصلت لَهُ حَالَة فَأنْكر القَاضِي وَقَالَ أيش هَذَا فَقَامَ الشَّيْخ نجم الدّين منزعجا وَقَالَ هَذَا مَا تذوقه أَنْت وَترك الْمدرسَة والفقاهة بهَا وَحكى لي من أَثِق بِهِ قَالَ سمعته يَقُول وَهُوَ ثِقَة أول صحبتي لأبي الْعَبَّاس الشاطر خرجت مَعَه من الْقَاهِرَة إِلَى دمنهور فَلَمَّا طلعنا من الْمركب وَكَانَ فِيهَا رَفِيق تَاجر لَهُ فِي الْمركب فرَاش ونطع فطلعنا بحوائج الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس فَلَمَّا انْتَهَيْت قَالَ انْزِلْ هَات الْفراش والنطع فَنزلت فَقَالَ لي صَاحبهمَا هما لي فعدت إِلَى الشَّيْخ فَقَالَ لي عد إِلَيْهِ وَقل لَهُ هاتهما فعدت فَأَعَادَ الْجَواب فأعادني ثَالِثا فَأبى فَقَالَ لي رَابِعا عد إِلَيْهِ وَقل لَهُ غرق السَّاعَة فِي الْبَحْر لَك مركب وكل مَالك فِيهَا لم يسلم إِلَّا عبد وَمَعَهُ ثَمَانِيَة عشر دِينَارا فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك قلت هَذَا الشاطر كَانَ عَظِيم الْقدر بَين الْأَوْلِيَاء مَعْرُوفا بِقَضَاء الْحَوَائِج إِذا كَانَ للْإنْسَان حَاجَة جَاءَ إِلَيْهِ فيشتريها مِنْهُ يَقُول لَهُ كم تُعْطِي فَيَقُول كَذَا وَكَذَا فَإِذا اتّفق مَعَه قَالَ قضيت فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ وغالب تقضى فِي الْوَقْت الْحَاضِر وَلم نَحْفَظ أَنه عين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 410 وقتا فتقدمت عَلَيْهِ الْحَاجة وَلَا تَأَخَّرت والحكايات عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة مَشْهُورَة وَكَانَ قد تخرج بالشيخ أبي الْعَبَّاس المرسي توفّي فِي صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة 1351 - الْحُسَيْن بن عَليّ بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام السُّبْكِيّ الْأَخ جمال الدّين أَبُو الطّيب القَاضِي ولد فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وحضره أَبوهُ على جمَاعَة من الْمَشَايِخ وَحضر البُخَارِيّ على الحجار لما ورد مصر وَسمع على يُونُس الدبابيسي وَغَيره وَطلب الْعلم وتفقه على الشَّيْخ مجد الدّين السنكلوني وَقَرَأَ النَّحْو على أبي حَيَّان أكمل عَلَيْهِ قِرَاءَة التسهيل والأصلين على الشَّيْخ شمس الدّين الْأَصْبَهَانِيّ وَقَرَأَ على جمَاعَة غَيرهم وَأحكم الْعرُوض قِرَاءَة على أبي عبد الله بن الصَّائِغ وأتقنه الحديث: 1351 ¦ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 411 ثمَّ قدم الشَّام حِين ولَايَة الْوَالِد للْقَضَاء بهَا وَطلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَقَرَأَ على الْمزي والذهبي وَقَرَأَ الْفِقْه على الشَّيْخ شمس الدّين ابْن النَّقِيب ثمَّ عَاد إِلَى مصر ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الكهارية وَولي الْإِعَادَة بدرس القلعة عِنْد القَاضِي شهَاب الدّين بن عقيل ثمَّ عَاد إِلَى الشَّام ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الدماغية وَولي نِيَابَة الحكم عَن وَالِده بعد وَفَاة الْحَافِظ تَقِيّ الدّين أبي الْفَتْح ثمَّ درس بِالْمَدْرَسَةِ الشامية البرانية وَكَانَ يلقِي بهَا دروسا حَسَنَة مُطَوَّلَة ثمَّ بِالْمَدْرَسَةِ العذراوية وَكَانَ من أذكياء الْعَالم وَكَانَ عجيبا فِي استحضار التسهيل فِي النَّحْو ودرس بِالآخِرَة على الْحَاوِي الصَّغِير وَكَانَ عجيبا فِي استحضاره توفّي يَوْم السبت ثَانِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة وَدفن بقاسيون ذكره القَاضِي صَلَاح الدّين الصَّفَدِي فِي كِتَابه أَعْيَان الْعَصْر فَقَالَ كَانَ ذهنه ثاقبا وفهمه لإدراك الْمعَانِي مراقبا حفظ التسهيل لِابْنِ مَالك وسلك من فهم غوامضه تِلْكَ المسالك وَحفظ التَّنْبِيه وَكَانَ يستحضره وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ شريك وَلَا شَبيه وَقَرَأَ غَيره سرا وَكَانَ يعرف الْعرُوض جيدا وَيثبت لأركان قَوَاعِده مشيدا وينظم الشّعْر بل الدُّرَر وَيَأْتِي فِي مَعَانِيه بالزهر والزهر عفيف الْيَد فِي أَحْكَامه لم يقبل رشوة من أحد أبدا وَلم يسمع بذلك فِي أَيَّامه انْتهى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 412 وَمن نظم الْأَخ ملغزا من أَبْيَات (لَا ريب فِيهِ وَفِيه الريب أجمعه ... وَفِيه بَأْس ولين البانة النضره) (وَفِيه كل الورى لما تصحفه ... وضيعة بِبِلَاد الشَّام مشتهره) وَكتب إِلَى القَاضِي الْفَاضِل شهَاب الدّين بن فضل الله فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَقد وَقع الشَّيْخ بِدِمَشْق كثيرا من أَبْيَات (الْبَحْر أَنْت وَقد وافى يناديكا ... هَذَا السَّحَاب وَقد أوفى بناديكا) (مَا ذَاك والبرق مَا تومي أَصَابِعه ... إِلَّا إِلَيْك فأعدته أياديكا) لكنه زَاد فِي تَشْبِيه عَارضه وَكتب إِلَى الشَّيْخ صَلَاح الدّين الصَّفَدِي سَائِلًا من أَبْيَات (فَكرت وَالْقُرْآن فِيهِ عجائب ... بهرت لمن أَمْسَى لَهُ متدبرا) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 413 (فِي هَل أَتَى لم ذَا أَتَى يَا شاكرا ... حَتَّى إِذا قَالَ الكفور تغيرا) (فالشكر فَاعله أَتَى فِي قلَّة ... وَالْكفْر فَاعله أَتَى مستكثرا) (فعلام مَا جاآ بِلَفْظ وَاحِد ... إِن التوازن فِي البديع تقررا) (لَكِنَّهَا حكم يَرَاهَا كل ذِي ... لب وَمَا كَانَت حَدِيثا يفترى) فَأَجَابَهُ من أَبْيَات (وَجَوَابه إِن الكفور وَلَو أَتَى ... بِقَلِيل كفر كَانَ ذَاك مكثرا) (بِخِلَاف من شكر الْإِلَه فَإِنَّهُ ... بِكَثِير شكر لَا يعد مكثرا) (فَإِذن مُرَاعَاة التوازن هَاهُنَا ... محظورة لمن اهْتَدَى وتفكرا) وَقد مدح الْأَخ جمال الدّين إمامان كبيران أَحدهمَا الشَّيْخ الْحَافِظ تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح فقد كتب إِلَيْهِ من دمشق لما سَافر من دمشق إِلَى مصر مَا أنشدنيه من لَفظه لنَفسِهِ وَهُوَ (هوى أغراه بِي قلبِي وعيني ... فَأذْهب بالضنى أثري وعيني) (وأضحى الدمع منحدرا بخدي ... وَلَا عجب تحدر مَاء عَيْني) (وَسَهْم الْحبّ عِنْد الْوَصْل مصم ... فَكيف وَقد أضيف لسهم بَين) (بنفسي من نأى فنأى اصْطِبَارِي ... وواصلني السقام وحان حيني) (وَكُنَّا قد تعاهدنا على أَن ... يكون تواصلا كالفرقدين) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 414 (فصرنا بالنوى كبنات نعش ... وَحَال الْبعد بَيْنكُم وبيني) (وَكم شخص رَأَيْت فَلم يرقني ... وَلم يحسن لدي سوى حُسَيْن) (إِمَام إِن تكلم فِي مجَال ... أبان كَلَامه للمذهبين) (وَإِن ظَهرت فَوَائده بروض ... شَهِدنَا الْجمع بَين الروضتين) (وَإِن حلت أياديه بِأَرْض ... فبحر النّيل دون الْقلَّتَيْنِ) (وَإِن سمحت قريحته بِشعر ... فَلَا تحفل بِنور الشعريين) (وَإِن برزت بديهته بنثر ... فَلَا تنظر لضوء المرزمين) (وَإِن هَمت عَزَائِمه بِشَيْء ... أَتَاك بِمَا يسر الناظرين) (وتصغير اسْمه مَا فِيهِ عيب ... ألم تنظر لِمَعْنى الأصغرين) (جمال الدّين طَال الْبعد فاقرب ... لعَلي اقتضي بِالْقربِ ديني) (وَلَا تبخل بطيف فِي مَنَام ... فَأَيْنَ النّوم من سهران عين) (وَلَا تبخل بوعد باقتراب ... فوعد الْحر قَالُوا مثل دين) (فمنذ رحلت لم أنظر لنُور ... وَلم أرتع بروض النيرين) (وَمَا طمحت إِلَى الشرقين عَيْني ... وَلم أحفل مَا فِي الواديين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 415 (فَمَا حَال امْرِئ يجفوه مِنْكُم ... وَمن يأنس لداني الجنتين) (فَخذهَا نظم عبد ذِي وَلَاء ... تقرر وده فِي الْخَافِقين) (يقر لَهَا حبيب حِين أبدى ... خشنت عَلَيْهِ أُخْت بني خشين) (وَمنا أخجل الْحلِيّ لما ... أذاب التبر فِي كأس اللجين) وَالثَّانِي الْأَخ الشَّيْخ الْعَلامَة بهاء الدّين أَبُو حَامِد أَطَالَ الله عمره وَكتب بهَا إِلَيْهِ لما درس بِالْمَدْرَسَةِ الشامية البرانية (هَنِيئًا قد أقرّ الله عَيْني ... فَلَا رمت العدى أَهلِي بِعَين) الأولى الحاسة الثَّانِيَة الْإِصَابَة بِالْعينِ (وَقد وافى المبشر لي فَأكْرم ... بِخَير ربيئة وافى وَعين) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 416 (يُخْبِرنِي بِأَن أخي أَتَاهُ ... مَنَاة وسعده من كل عين) (فَلَو سمح الزَّمَان لَكُنْت أعطي ... لَهُ مَا فِيهِ من ورق وَعين) (أيا شامية الشَّام افتخارا ... بِمن لسناه تعشو كل عين) (بِمن بركاته ظَهرت فنارت ... بهَا الدُّنْيَا وحفت كل عين) (فَتى إِن عدت الْأَعْيَان قَالَت ... لَهُ الْأَيَّام إِنَّك أَنْت عَيْني) (وحبركم حوى من بَحر علم ... يروي الطالبين بطول عين) (ويلقي فِي الْعُلُوم لكل وَفد ... غزير فَوَائِد كغدير عين) (وواسطة لعقد بني أَبِيه ... كأوسط لَفْظَة تدعى بِعَين) (وقاض أمره فِي النَّاس مَاض ... فَلَا يخْشَى من اسْتِقْبَال عين) (وَينصب بَينهم قسطاس حق ... خلت من كل تطفيف وَعين) (لَهُ نوران من ورع وَعلم ... تخلهما كبدر دجا وَعين) (يصير عذله ذَا المطل عدلا ... وَيجْعَل كل دين مَحْض عين) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 417 (ويحجب عز نائله ضِيَاء ... كَمَا حجب الغزالة ضوء عين) (لقد شرفت دمشق بِهِ ومصر ... فقد سَارَتْ محاسنه لعين) (وتعظم كل أَرض حل مِنْهَا ... وَلَو خفرت خفارة رَأس عين) (يجود بِكُل مَا فِي راحتيه ... إِذا بخلت بَنو الدُّنْيَا بِعَين) (ويوسع للورى نَادِي الْقرى إِن ... مزادة غَيره شحت بِعَين) (وَعم نداه من شَرق وَغرب ... فَلم يحوج إِلَى سلف وَعين) (جمال الدّين فضلك لَيْسَ يُحْصى ... فدونك قَطْرَة من سحب عين) (برغمي أَن أهني عَن بعاد ... وحقي أَن أجيء لكم بعيني) (وَمن سفه الْمَعيشَة غيبتي عَن ... دروسك لم أفوقها بِعَين) (وَلَو أسطيع جِئْت وَلَو جثيا ... على ركبي إِلَيْك بِكُل عين) (وَلَوْلَا مَا أروم من التلاقي ... لأذهب بَيْنكُم نَفسِي وعيني) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 418 (وَكنت لعين قطر سَالَ قدما ... فَمَا أزكى وَأحسن سيل عين) (مَتى ألقاكم من عين شمس ... وَقد حلت ركابكم بِعَين) (وَهن أَخَاك تَاج الدّين عني ... فَإِن كليكما خلي وعيني) (وقوما وَادعوا لأبيكما إِذْ ... لنا مِنْهُ أبر أَب وَعين) (بِهِ زكتْ الْفُرُوع وطاب مِنْهَا ... غصون أخرجتها حِين عين) (فدام بَقَاؤُهُ مَا لَاحَ برق ... وأطرب صَوت قمري وَعين) (وَمن ينظر إِلَيْهِ بِعَين سوء ... يُقَابله الْإِلَه بِكُل عين) (وَلَا زَالَت أعاديه تردى ... بِكُل مزلة وَبِكُل عين) (وَقد جمعت مَعَاني الْعين طرا ... قصيدي لم تدع معنى لعين) (فَلَو عَاشَ الْخَلِيل لقَالَ هذي ... معَان مَا رأتها قطّ عَيْني) (وَقد ضَاقَتْ قوافيها وركت ... وَذَلِكَ لالتزامي لفظ عين) (وَلَو لم ألتزم هَذَا لفاقت ... قصيد أديب أَرض الجامعين) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 419 (وَلَوْلَا ذَا لطاب لَهَا ختام ... بِذكر مليكها القَاضِي الْحُسَيْن) (وَطَاف على الصحاب بكأس رَاح ... وطافت مقلتاه بِآخَرين) (رخيم من بني الأتراك طِفْل ... يجاذب ردفه جبلي حنين) (يُبدل نطقه ضادا بدال ... ويشرك عجمة قافا بغين) (يطوف على الرفاق من الحميا ... وَمن خمر الرضاب بمسكرين) (إِذا يجلو الحميا والمحيا ... شَهِدنَا الْجمع بَين النيرين) (وَآخر من بني الْأَعْرَاب حفت ... جيوش الْحسن مِنْهُ بعارضين) (إِلَى عَيْنَيْهِ تنتسب المنايا ... كَمَا انتسب الرماح إِلَى ردين) (نلاحظ سوسن الْخَدين مِنْهُ ... فيبدلها الْحيَاء بوردتين) (ومجلسنا الأنيق تضيء فِيهِ ... أواني الراح من ورق وَعين) (فأطلقنا فَم الإبريق فِيهِ ... وَبَات الزق مغلول الْيَدَيْنِ) (وشمعتنا شَبيه سِنَان تبر ... تركب فِي قناة من لجين) (وقهوتنا شَبيه شواظ نَار ... توقد فِي أكف الساقيين) (إِذا مَلِيء الزّجاج بهَا وطارت ... حَوَاشِي نورها فِي المشرقين) (عجبت لبدر كأس صَار شمسا ... يحف من السقاة بكوكبين) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 420 (وَنحن نرق أعباد النَّصَارَى ... بشط محول والرقمتين) (نوحد راحنا من شرك مَاء ... ونولع فِي الْهوى بالمذهبين) (وَقد صاغت يَد الأزهار تاجا ... على الأغصان فَوق الْجَانِبَيْنِ) (بورد كالمداهن من عقيق ... وأقداح كأزرار اللجين) (وَقد جمعت لي اللَّذَّات لما ... دنت منا قطوف الجنتين) (وَمَا أَنا من هوى الفيحاء خَال ... وَلَا مِمَّن أحب قضيت ديني) (إِذا مَا قلبوا فِي الْحَشْر قلبِي ... رَأَوْا بَين الضلوع هوى حُسَيْن) (تملك حبه قلبِي وصدري ... فَأصْبح ملْء تِلْكَ الْخَافِقين) (وأعوز مَعَ دنوي عَنهُ صبري ... فيكف يكون صَبر بعد بَين) (إِذا مَا رام أَن يسلوه قلبِي ... تمثل شخصه تِلْقَاء عَيْني) (أَلا يَا نسمَة السَّعْدِيّ كوني ... رَسُولا بَين من أَهْوى وبيني) (وَيَا نشر الصِّبَا بلغ سلامي ... إِلَى الفيحاء بَين القلعتين) (وَحي الجامعين وجانبيها ... فقد كَانَ لشملي جامعين) (وَقل لمعذبي هَل من نجاز ... لوعدي سالفيك السالفين) (سميك كَانَ مقتولا بظُلْم ... وَأَنت ظلمتني وجلبت حيني) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 421 (وَهبتك فِي الْهوى روحي بوعد ... وبعتك عَامِدًا نَقْدا بدين) (وَجئْت وَفِي يَدي كفني وسيفي ... فَكيف جَعلتهَا خَفِي حنين) (وَكم صيرت بعْدك قيد قلبِي ... وَكَانَ جمال وَجهك قيد عين) (فصرنا نشبه النسرين بعدا ... وَكُنَّا ألفة كالفرقدين) (علمت بِأَن وَعدك صَار مينا ... لزجري مقلتيك بصارمين) (وَقلت وَقد رَأَيْتُك خَابَ سعيي ... لَكِن الْبَدْر بَين العقربين) (فكم دللتني بخيال زور ... وَكم أطمعتني بسراب مين) (وَهل لَا قلت لي قولا صَرِيحًا ... فَكَانَ الْمَنْع إِحْدَى الراحتين) (عرفتك دون كل النَّاس لما ... نقدتك فِي الملاحة نقد عين) (وَكم قد شاهدتك النَّاس قبلي ... فَمَا نظروك كلهم بعيني) (وطاوعت الفتوة فِيك حَتَّى ... جعلتك فِي الْعَلَاء برتبتين) (فَلَمَّا أَن خلا المغنى وبتنا ... عُرَاة بالعفاف مؤزرين) (قضينا الْحَج ضما واستلاما ... وَلم نشعر بِمَا فِي المشعرين) (أتهجرني وَتحفظ عهد غَيْرِي ... وَهل للْمَوْت عذر بعد ذين) (وَقلت الْوَعْد عِنْد الْحر دين ... فَكيف مطلتني وجحدت ديني) (أأجعل لي عَلَيْك سواك عينا ... وَكنت على جَمِيع النَّاس عَيْني) (إِذا مَا جَاءَ محبوبي بذنب ... يسابقه الْجمال بشافعين) (وَقلت جعلت كل النَّاس خصمي ... لقد شاهدت إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ) (وَكَانَ النَّاس قبل هَوَاك صحبي ... فَهَل أبقيت لي من صاحبين) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 422 (بعادي أطمع الْأَعْدَاء حَتَّى ... رأوك الْيَوْم حَرْب الناظرين) (وَهل لَا طالعوك بِعَين سوء ... وأمري نَافِذ فِي الدولتين) (وَمَا خففت جنَاح الْجَيْش إِلَّا ... رأوني ملْء قلب العسكرين) (لَئِن سكنت إِلَى الزَّوْرَاء نَفسِي ... فَإِن الْقلب بَين محركين) (هُوَ يعتادني لديار بكر ... وَآخر نَحْو أَرض الجامعين) (يُسَارع نَحْو رَأس الْعين خطوي ... وأقصدها على رَأْسِي وعيني) (وأسرح فِي حمى جيرون طرفِي ... وأرتع فِي رياض النيرين) (فَلَيْسَ الْخطب فِي عَيْني جَلِيلًا ... إِذا قابلته بالأصغرين) (فيا من بَان لما بَان صبري ... وحاربني بِسَهْم المقلتين) (تنغص فِيك بالزوراء عيشي ... وَبدل زين لذاتي بشين) (وَمَا عَيْني بهَا جهما وَلَكِن ... رَأَيْت الزين بعْدك غير زين) والحلي عَارض أَبَا تَمام فِي قصيدته الَّتِي مطْلعهَا (خشنت عَلَيْهِ أُخْت بني خشين ... ) وَهِي مَعْرُوفَة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 423 وَلم أجد على هَذَا الْوَزْن والروي أقدم من أَبْيَات قَالَهَا أَعْرَابِي قيل لَهُ من لم يتَزَوَّج بامرأتين لم يذقْ حلاوة الْعَيْش فَتزَوج امْرَأتَيْنِ فندم وَأَنْشَأَ يَقُول (تزوجت اثْنَتَيْ لفرط جهلي ... بِمَا يشقى بِهِ زوج اثْنَتَيْنِ) (فَقلت أصير بَينهمَا خروفا ... أنعم بَين أكْرم نعجتين) (فصرت كنعجة تضحي وتمسي ... تداول بَين أَخبث ذئبتين) (رضَا هذي يهيج سخط هذي ... فَمَا أعرى من احدى السخطتين) (وَألقى فِي الْمَعيشَة كل بؤس ... كَذَاك الضّر بَين الضرتين) (لهَذِهِ لَيْلَة ولتلك أُخْرَى ... عتاب دَائِم فِي الليلتين) (فَإِن أَحْبَبْت أَن تبقى كَرِيمًا ... من الْخيرَات مَمْلُوء الْيَدَيْنِ) (وتدرك ملك ذِي يزن وَعَمْرو ... وَذي جدن وَملك الْخَافِقين) (وَملك الْمُنْذرين وَذي نواس ... وَتبع العريم وَذي رعين) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 424 (فعش عزبا فَإِن لم تستطعه ... فضربا فِي عراض الجحفلين) انْتهى الْجُزْء التَّاسِع من طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الْكُبْرَى لِابْنِ السُّبْكِيّ ويليه الْجُزْء الْعَاشِر وَهُوَ آخر الْكتاب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 425 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بَقِيَّة الطَّبَقَة السَّابِعَة فِيمَن توفّي بعد السبعمائة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4 1352 - خَلِيل بن أيبك الشَّيْخ صَلَاح الدّين الصَّفَدِي الإِمَام الأديب النَّاظِم الناثر أديب الْعَصْر ولد سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَقَرَأَ يَسِيرا من الْفِقْه والأصلين وبرع فِي الْأَدَب نظما ونثرا وَكِتَابَة وجمعا وعني بِالْحَدِيثِ سمع بِالآخِرَة من جماع وَقَرَأَ على الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله جَمِيع كتاب شِفَاء السقام فِي زِيَارَة خير الْأَنَام عَلَيْهِ أفضل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولازم الْحَافِظ فتح الدّين بن سيد النَّاس وَبِه تمهر فِي الْأَدَب وصنف الْكثير فِي التَّارِيخ وَالْأَدب قَالَ لي إِنَّه كتب أَزِيد من سِتّمائَة مُجَلد تصنيفا وَكَانَت بيني وَبَينه صداقة مُنْذُ كنت صَغِيرا فَإِنَّهُ كَانَ يتَرَدَّد إِلَى وَالِدي فصحبته وَلم يزل مصاحبا لي إِلَى أَن قضى نحبه وَكنت قد ساعتده آخر عمره فولي كِتَابَة الدست بِدِمَشْق الحديث: 1352 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 ثمَّ ساعدته فولي كِتَابَة السِّرّ بحلب ثمَّ ساعدته فَحَضَرَ إِلَى دمشق على وكَالَة بَيت المَال وَكِتَابَة الدست وَاسْتمرّ بهما إِلَى أَن مَاتَ بالطاعون لَيْلَة عَاشر شَوَّال سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَكَانَت لَهُ همة عالية فِي التَّحْصِيل فَمَا صنف كتابا إِلَّا وسألني فِيهِ عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ من فقه وَحَدِيث وأصول وَنَحْو لَا سِيمَا أَعْيَان الْعَصْر فَأَنا أَشرت عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ ثمَّ اسْتَعَانَ بِي فِي أَكْثَره وَلما أخرجت مختصري فِي الْأَصْلَيْنِ الْمُسَمّى جمع الْجَوَامِع كتبه بِخَطِّهِ وَصَارَ يحضر الْحلقَة وَهُوَ يقْرَأ عَليّ ويلذ لَهُ التَّقْرِير وسَمعه كُله عَليّ وَرُبمَا شَارك فِي فهم بعضه رَحمَه الله تَعَالَى نبذ مِمَّا دَار بيني وَبَين هَذَا الرجل كنت أَصْحَبهُ مُنْذُ كنت دون سنّ الْبلُوغ وَكَانَ يكاتبني وأكاتبه وَبِه رغبت فِي الْأَدَب فَرُبمَا وَقع لي شعر رَكِيك من نظم الصّبيان فَكَتبهُ هُوَ عني إِذْ ذَاك وَأَنا ذَاكر بعض مَا بَيْننَا مِمَّا كَانَ فِي صغري ثمَّ لما كَانَ بعد ذَلِك كتب إِلَيّ مرّة وَقد سَافر إِلَى مصر وَلم يودعني (يَا سيدا سَافَرت عَنهُ وَلم أجد ... جلدي يطاوعني على توديعه) (إِن غبت عَنْك فَإِن قلبِي حَاضر ... يصف اشتياقي للحمى وربوعه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 فِي أَبْيَات أخر فَكتبت الْجَواب (يَا راحلا بحشا الْمُقِيم على الوفا ... مَا الطّرف بعْدك مُؤْذِيًا بهجوعه) (إِن غبت عَنهُ فَمَا تغير مِنْهُ إِلَّا ... جِسْمه سقما ولون دُمُوعه) (وَالْقلب بَيت هَوَاك رَاح كَأَنَّهُ ... بَيت العروضيين من تقطيعه) فِي أَبْيَات أخر أنسيتها كتب إِلَيّ مرّة وَقد ولد لَهُ ولد يدعوني إِلَى حُضُور عقيقته (عَبدك هَذَا الْجَدِيد أضحى ... يَقُول فاسمع لَهُ طَرِيقه) (يَا جوهرا فِي الزَّمَان فَردا ... مَا ضرّ أَن تحضر العقيقه) فَكتبت إِلَيْهِ (هنيت ذَا الْجَوْهَر المفدى ... بِالْعرضِ الكنه والحقيقه) (لَو لم تكن حازما مصيبا ... لم تفتد النَّفس بالعقيقه) أعارني مرّة من تَذكرته مجلدا وَكَانَ يصنف كتابا فِي الْوَصْف والتشبيه وَينظر عَلَيْهِ التَّذْكِرَة وَيكْتب على كل مُجَلد إِذا نجز نجز التَّشْبِيه مِنْهُ فَلَمَّا وجدت ذَلِك عَلَيْهِ بِخَطِّهِ قلت هَذَا نصف بَيت فَكتبت إِلَى جَانِبه (نجز التَّشْبِيه مِنْهُ ... وروى الراوون عَنهُ) (إِن مَوْلَانَا لبحر ... طافح إِن لم يكنه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 (فَاقِد الْأَشْبَاه فَرد ... فرغ التَّشْبِيه مِنْهُ) وَلَا يحضرني الْآن مَا كتبه هُوَ جَوَابا عَن هَذَا كتب هُوَ إِلَيّ مرّة يسألني عَن تَثْنِيَة لفظ عين وَعين فِي بَيت الحريري فانثنى بِلَا عينين فأجبته بِجَوَاب يطول قد حَكَاهُ هُوَ فِي كِتَابه الْمُسَمّى صرف الْعين وَقلت فِي آخِره وكتبت إِلَيْهِ من الْقَاهِرَة فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 (لَا تبكين مَاء تسنه ... ودع الرسوم المستجنه) (خل ادكارك فالعيون ... كليلة آثَار دمنه) (واهجر غزالا نَار خديه ... إِذا حققت جنه) (وَسنَان كم نبهته ... وَالْعجب يطبق مِنْهُ جفْنه) (متغافل أَدْعُوهُ من ... وجد إِذا مَا اللَّيْل جنه) (فِي النَّفس حاجات إِلَيْك ... من الْوِصَال وفيك فطنه) (فرض على الْعين البكا ... إِذْ لحظه للفتك سنه) (أحوى بديع الْحسن ظَبْي ... فِي الْحَقِيقَة أَو كَأَنَّهُ) (وَله معاطف مَا دَعَا ... هن الصِّبَا إِلَّا أجبنه) (هَذَا وَذَا مَعَ أَنه ... لم يلْتَفت يَوْمًا لِأَنَّهُ) (وَيخَاف من واش لَهُ ... عين مراقبه الأكنه) (وفم فُضُولِيّ تقل ... الرجل مِنْهُ راس فتنه) (بكر العواذل فِي الغرام ... يلمنني وألومهنه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 (وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه) (أبرزن لما لمن قلبِي ... الْمُضْمرَات المستكنه) (فتحركت نفس على ... نَار الصبابة مطمئنه) (قد هجن حِين عذلتها ... وعواذل العاني يهجنه) (أَنى يَصح من العواذل ... من نها صبا ونهنه) (هم جمع تكسير تصرف ... فِي دفاعهم الأعنه) (فاهجرهم الهجر الْجَمِيل ... فَكل مَا قَالُوهُ هجنه) (وَاذْكُر صفاء أبي الصَّفَا ... والخطب معتكر الدجنه) (السَّيِّد اليقظ الْأَغَر ... أخي الْوَفَاء بِدُونِ مِنْهُ) (وَالنَّدْب ذُو الهمات مَا ... أبدأن من جود أعدنه) (والجود مثل الْجُود يسْقِي ... الْألف مِنْهُ ألف مزنه) (والحلم كالجبل اعتلت ... فِيهِ الرِّيَاح فَمَا أزلنه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 (وَالْجد ينْهض لَو تعالته ... النُّجُوم لما بلغنه) (والأيد تبطش لَو تغالبه ... الْأسود لما غلبنه) (متدرع ثوب التقى ... حصنا وتقوى الله جنه) (متفنن بَحر إِذا ... جَارِيَته لم تدر فنه) (أدب نضير يسْتَحبّ لمن ... لَهُ الْآدَاب سنه) (وَله بَنَات الْفِكر غرتها ... استهلت كالأجنه) (فكر إِذا عاين معنى ... طائرا فِي الجو صدنه) (وعلوم دين لم يخل ... خليلها فرضا وسنه) (وجليل قدر دق فهما ... لَا يضاهي التبر ذهنه) (يَا أَيهَا الحبر الَّذِي ... جعل الْإِلَه الْخَيْر ضمنه) (لَو فصل الْخياط قَالَ ... لكل مَا وصلت حسنه) (أسدي وألحم لست أقدر ... أَن أَزِيد عَلَيْك طعنه) (وَلَو أَن الأفوه حَاضر ... لعرته بَين يَديك لكنه) (وَغدا الصريع بِهِ كديك ... الْجِنّ مِمَّا قلت جنه) (دم وابق مَا بَقِي الزَّمَان ... فَإِن وَهِي زلزلت وهنه) (ولقدرك العالي الْعُلُوّ ... فَمَا النُّجُوم علا يطلنه) يقبل الأَرْض لَا يبعد الله دارها وَلَا يُجَاوز إِلَّا بالجوزاء مقدارها وَلَا يسْمعهَا من أنباء من أعلن لَهَا أَو سَارهَا إِلَّا سَارهَا تقبيلا يقوم بِسنة الْفَرْض ويعرب عَن مَبْنِيّ ود الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 مديد كَامِل الطول وَالْعرض ويفصح عَن خضوع لفضه فَإِذا أنْشد منشده بَين يَدَيْهِ بلغنَا السَّمَاء تَلا هُوَ {فَلَنْ أَبْرَح الأَرْض} وَأنْشد (من أَجله جعلت نَفسِي أَرضًا ... للصادر الْوَارِد حَتَّى يرضى) وَيُنْهِي بعد وصف حب اعتده دينا فتسلم كِتَابه بِالْيَمِينِ ثَابت يزِيد حلاوة إيمَانه فِي الْقلب مر السِّين بَاقٍ لَا يُبدل إِذا مَا غير النأي المحبين (مَا غير الْبعد حَالا كنت تعرفه ... وَلَا تبدلت بعد الذّكر نِسْيَانا) (وَلَا ذكرت جَلِيسا كنت آلفه ... إِلَّا جعلتك فَوق الْكل عنوانا) أَن مُوجب تَأْخِير كتبه مَحْض الِاقْتِدَاء وَالسير على سنتكم فِي قلَّة الْكتب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 مَعَ كَثْرَة الْوَفَاء وَكَيف لَا وَقد رفع أَبُو رَافع مولى الْقَوْم مِنْهُم إِلَى سيد الْأَنْبِيَاء وَعند ذَلِك يَنْقَلِب معتذرا عَن تهجمه بِهَذِهِ الضراعة مبتدرا إِلَى ذكر الفار حَيْثُ أَطَالَ لِسَانه وَبَاعه مزدجرا عَمَّا لَعَلَّه ذَنْب إِذا علم بِهِ مَوْلَاهُ سامه الْبعد وَبَاعه فَيَقُول قيد الْحبّ أطلق لساني فأعرب عَن الْمَبْنِيّ على السّكُون وسرح يَدي فخطت مَا هُوَ فِي لوحها الْمَحْفُوظ مصون وَأذن لي فتصرفت فِي الْكِتَابَة وَكَيف لَا يتَصَرَّف العَبْد الْمَأْذُون فأصدرت هَذِه الْوَارِدَة مدى بِأَنِّي مِنْهُم وهم مني وَهَذَا المنى وَقلت اسألي عَنْهُم وخبري عني حاشاك من عَنَّا وبادري مَوْلَاك وَلَا تخشي أَن يُقَال مَا أَتَى بك هَاهُنَا وخذي من شرح الْحَال فِي كل فن وكوني مِمَّن إِذا سمع صَالحا أذاعه وَإِن سمع طالحا أَو يرى رِيبَة دفن وأطلقي الدمع وَلَا تخافي أَن يُقَال مَا هاج الْعُيُون الذرفن واعتمدي على الْمُسَامحَة فهم أهلوها واتخذي إخلاص الْوَلَاء ذَرِيعَة أَن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13 لَا يفتقدوها وثقي بهم فهم أحسن النَّاس وُجُوهًا وأنضر هموها (أَضَاءَت لَهُم أحسابهم ووجوههم ... دجا اللَّيْل حَتَّى نظم الْجزع ثاقبه) الْمَمْلُوك يُنْهِي أَنه مُنْذُ سَافر من دمشق مُسْتَبْشِرًا وَبَاعَ الْأَسْفَل بالأعلى وتلا {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم} فَحَمدَ الْمُشْتَرى وَوصل إِلَى مصر فَرحا مَسْرُورا وَمَا شكى غليه جمله طول السرى بل حمد سيره وخيل الْبَرِيد وبهيم اللَّيْل وساحة البيدا وَقدم فَنزل جوَار الْبَحْر فَقَالُوا نزل مَاء السما وَكَاد ينشد (أَقمت بِأَرْض مصر فَلَا ورائي ... تخب بِي الركاب وَلَا أَمَامِي) وَلم ينشد (ذمّ الْمنَازل بعد منزلَة اللوى ... والعيش بعد أُولَئِكَ الْأَيَّام) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14 لِكَثْرَة مَا لَقِي من التَّعْظِيم الَّذِي لَو شعر بِهِ الْعَدو لَا نظم أَسبَابه خيم الْمَمْلُوك على كرم الله وَسَار متوكلا عَلَيْهِ يحْسب كل حمد فَمد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أطنابه وَورد حَيْثُ قصد فَوجدَ الله عِنْد فوفاه حسابه وَلم يخْش بِحسن ظَنّه من ذِي الْعَرْش إقلالا وَلم يُصَادف إِلَّا من قَالَ لَهُ أهابك إجلالا وَلم يناده كل محب إِلَّا بِكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا لَا وَقَالَ كل أَمِير أَنْت الحكم الترضى حكومته هُنَاكَ هُنَاكَ وَأنْشد (الله أَعْطَاك فضلا من عطيته ... ) وأولاك وَبَالغ فِي الْبشر وَمَا كل من يُبْدِي البشاشة كَائِنا أَخَاك بل رُبمَا حسبته أَبَاك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 وَأما زمر الْأَعْدَاء فَكل مِنْهُم عبس وَتَوَلَّى وَتبين لوَلِيّ الْأَمر أَن لمثله يُقَال {نوله مَا تولى} وناديت كلا من زاجري عَن حُضُور هَذِه المعركة (أَلا أَيهَا ذَا الزاجري أحضر الوغى ... ) أولى لَك فَأولى لقد استولى الْحق على عَرْشه واستوى وَلم يكن غير الإحراجات الأهوية وللأعراض قائلة {لَا نخلفه نَحن وَلَا أَنْت مَكَانا سوى} فَلَمَّا طلع صبح الْحق على من أمرضت قلبه بَان وبدا لَهُ من بعد مَا اندمل الْهوى قوم أشربوا فِي قُلُوبهم المنصب فَقطع أمعاءهم وأعجبوا بألسنة حداد فضلعت أعضاءهم واستكلبوا على اصطياد جارحة فطرحهم قَتْلَى ورد أهواءهم لم يرجِعوا حَتَّى وقف الْهوى وأهلكهم كل نزاعة للشوى وقوبل كل أفاك مِنْهُم بِمَا نوى لعب بهم شَيْطَان الْحَسَد وَشد وثاقهم الَّذِي لَا يوثق بِهِ بِحَبل من مسد وطبع على قلبه واغتاله فَقلت لَهُ غالتك إِذا الغول بل اغتالك الْأسد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 (وَلَقَد عذلت حليمهم ونهيته ... فَأبى وَقَالَ هواي أَمر مُحكم) (وقف الْهوى بِي حَيْثُ أَنْت فَلَيْسَ لي ... مُتَأَخّر عَنهُ وَلَا مُتَقَدم) (فَأَرَدْت أطنب قَالَ لي متبرما ... أطنب أَو أوجز حَبل كيدي مبرم) (أجد الْمَلَامَة فِي هَوَاك لذيذة ... حسدا وبغيا فليلمني اللوم) فَلَمَّا سَمِعت قَوْله (أجد الْمَلَامَة فِي هَوَاك لذيذة ... ) وَرَأَيْت من قلبه الْمعَانِي مَا يحملهُ على أَن يَجْعَل ضَالَّة الْمُؤمن منبوذة ويطبع على قلبه والأفئدة بِدُونِ هَذَا مَأْخُوذَة عرفت أَن العذل لَا يرجعه وَأَن الْحق ختم على قلبه فَلَا ينجده الْعدْل وَلَا ينجعه وَأَنه لَا يزَال يحاول سُقُوط من كَانَ فَوق مَحل الشَّمْس مَوْضِعه وَأَنه لزم إِطْلَاق اللِّسَان فِيمَا لَا يعنيه لُزُوم الْخَطِيب للمنابر وَكِتَابَة الْبَاطِل لُزُوم الأقلام للمحابر والاشتغال لمن يترفع قدره عَنهُ لُزُوم الْأَعْرَاض للجواهر عدلت عَن عذله واكتفيت بالحكم الْعدْل وعدله ورفت قصتي على يَدي إحسانه وفضله وَجئْت فشاهدت من الْأَمِير الْكَبِير وَالسُّلْطَان مَا رغم بِهِ أنف الشَّيْطَان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 وَقد علمت بكنه ذَلِك عدنان وقحطان وصرت المسؤول فِيمَا حسبوا أَنِّي أحاوله استقرارا والمتضرع إِلَيْهِ فِي الْعود مرَارًا والمعرض عَمَّا حسدوا عَلَيْهِ استصغارا لقوم {ومكروا مكرا كبارًا} وحفتين من الله ألطافه ونعمه وَأطلق فِي الثَّنَاء عَليّ بِفضل من هُوَ كل يَوْم فِي شَأْن لِسَانه وقلمه وَبَان ووضح أَن الْعَدو ظمآن وَفِي بَحر الغواية فَمه وكل ذَلِك ببركة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيد النَّبِيين فلست وَالله قدر وَاحِدَة من هَذِه النعم الَّتِي تقلدت عقدهَا الثمين وَلَا أَنا مِمَّن يفتخر بِعلم وَلَا دين وَلَا نسب وَلَو شِئْت لأنشدت (وَكَانَ لنا أَبُو حسن عَليّ ... أَبَا برا وَنحن لَهُ بَنِينَ) ثمَّ لما كَانَ قد امْتَلَأَ من مَاء دمشق بَطْني ونادى حَوْض الآمال قطني الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 وسئمت نَفسِي صداع الشَّام وماذا يدْرِي الشُّعَرَاء وَغَيرهم مني وَرَأَيْت هَذَا الْإِكْرَام الَّذِي مَلأ عنان السما وَذكرت دمشق وَمَا وَمَا وَمَا أَقُول وكل دمشق مَا قلت لمن لامني فِيهَا (خليلي مَا واف بعهدي أَنْتُمَا ... ) ومعاذ الله أَن ألوم أهل الشَّام وَقد أَحْسنُوا وأنعموا (وَمَا أصَاحب من قوم فأذكرهم ... إِلَّا يزيدهم حبا إِلَّا همو) وَإِنَّمَا ألوم فرقة قلبوا الْحق وبدلوا الْقُرْآن فصموا وعموا فصل وَأما السَّادة الْأَصْحَاب فالمخصوص من بَينهم بِعُمُوم التَّحِيَّة والمقبل كَفه مئة وَقَالَ السجع ميه من يحسن سلامي كل يَوْم إِلَيْهِ سيدنَا الشَّيْخ عز الدّين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 شيخ السلامية وَالثَّانِي لهَذَا الْمُقدم فِي الأقطار من تحققت مودته بعد الْبَحْث مَعَ الْأَشْبَاه والأنظار وَعرف بقوله فِي التقوية واهتمامه فِي الْمَعْرُوف وَإِن لم يصلح الْعَطَّار ثمَّ سَائِر المخاديم يقبل الْمَمْلُوك يدهم سيدا سيدا ويخص السَّادة الْأَوْلَاد الأعزة فَلَا يجد إِلَّا مُحَمَّدًا ويلتفت مُتَّهمًا منجدا فينادي أَصْحَابِي أَيْن من لَا أعدل بِهِ أحدا كَأَن صارمه فل فَأتبعهُ قوما بورا أَو نبا فَوجدَ قصورا أسْكنهُ قبورا أتراه فِي جِهَة أم لَا تحويه الْجِهَات ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا فَأَجَابَهُ (وافى قريضك لي كَأَنَّهُ ... صبح وَقد شقّ الدجنه) (أبصرته وَاللَّيْل أَمْسَى ... ذَا غياطل مرجحنه) (وفضضته فَأَضَاءَتْ الْأَنْوَار ... من هُنَا وهنه) (لحمائم الْأَلْفَاظ مِنْهُ ... رنة من بعد رنه) (فاللحن مِنْهُ مطرب ... مَعَ أَنه مَا فِيهِ لحنه) (كم منَّة أوليت مِنْهُ ... وَكم بِهِ قويت مِنْهُ) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 (هُوَ جنَّة بل جنَّة ... فِي السِّرّ من نَاس وجنه) (أَبْيَات شعر ضرَّة ... للشمس أَو للبدر كنه) (أما البديع فَإِنَّهُ ... أدغمته فِيهِ بغنه) (فِيهِ بَدَائِع مادرى ... أهل البلاغة مَا اسمهنه) (خلفت مِفْتَاح الْعُلُوم ... معطلا وَكسرت سنه) (وقهرت عبد القاهر الْمِسْكِين ... حَتَّى حَاز حزنه) (يَا حسنه من رَوْضَة ... أزهارها لم تسق مزنه) (أبرزت فضل حلاوة ... فِي النّيل كَانَت مستكنه) (فَأرى مَعَانِيه جزَافا ... والخليل أحب وَزنه) (كم فِيهِ علق مضنة ... لمنى النُّفُوس غَدا مظنه) (كنز من الْأَدَب استعنت ... بِهِ على فقر ومحنه) (هُوَ كوم تبر مِنْهُ آخذ ... حفْنَة من بعد حفنه) (لَو أَن جَرْوَل ذاق من ... جرياله لم يلق سجنه) (وَكَذَا زُهَيْر لَو رَآهُ ... روى وَمَا أصبته دمنه) (وَأرى الحزين لأَجله ... كم أسمع الأقوام أَنه) (وَكَذَلِكَ الرماح كم ... فِي شعره للنَّاس طعنه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 (وَجَمِيل قبح فعله ... إِذْ بَث عَنهُ حَدِيث بثنه) (وَكثير قد قل حِين ... أرته عزة كل هنه) (وَأَبُو نواس لَو رَآهُ ... مَا أَقَامَ بدير حنه) (وَغدا فروق كأسه ... ودنا فروق مِنْهُ دنه) (وارتد مُسلم مِنْهُ عَن ... حب الغواني إِذْ صرعنه) (نظم يلين قاسيون ... وَلَو أَبى لنفشت عهنه) (وشفعته بترسل ... أدرجت لي التسهيل ضمنه) (ونقلت فِيهِ شواهدا ... عِنْد ابْن مَالك مستجنه) (لَو كنت فِي عصر مضى ... يَا من أعَار الشَّمْس حسنه) (مَا جَاءَ حَظّ الجاحظ الْمَعْرُوف ... فِي التِّبْيَان تبنه) (وَبكى ابْن بسام إِلَى ... أَن بل بالعبرات ردنه) (وَالْفَتْح أغلق بَابه ... وَرمى قلائده بمهنه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 (أسفي على عبد الرَّحِيم ... فَإِنَّهُ أخملت فنه) (وأتيت فِيهِ بمعجزات ... فتنه فَأصَاب بتنه) (هُوَ مَالك الْإِنْشَاء إِن ... شَاءَ التَّقَدُّم لم ينهنه) (وإمامنا لكنه ... إِن قسته بك فِيهِ لكنه) (لَو عَاشَ كَانَ أولو النهى ... مَا داهنوا فِي الْحق دهنه) (ولقال كل مِنْهُم ... وَالْحق لم يَك فِيهِ هدنه) (هَذَا عَلَيْك مقدم ... فَاضْرب برأسك ألف قرنه) (لَكِن جعلت الشَّام بعْدك ... كالجحيم وَكَانَ جنه) (ودمشق بعْدك قد تردت ... ثوب حزن فِيهِ دكنه) (لم يسق من يرد البريص ... وَلَو أَتَى أَوْلَاد جفْنه) (وَكَذَلِكَ ثورا بعد بعْدك ... مَا تسنى بل تسنه) (وَالْجَامِع الْمَعْمُور كَاد ... تزعزع الأشواق رُكْنه) (والقبة الشماء لَيْسَ ... بجوها للنسر قنه) (كَانَت بِهِ الأعطاف وَهِي ... مَوَائِد يملأن صحنه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23 (والآن أفقر وَحْشَة ... وأسال مِنْهُ السّقف دهنه) (ودموعه فوارة ... قد قرحت بالفيض جفْنه) (وغدت قسي قناطر ... فِيهِ من البرحاء مزنه) (وَلكم نفوس من نفوس ... متن حِين أكل مَتنه) (لم يبْق إِلَّا زورة ... لتزيل لما غبت غبنه) (فَالله خيب فِيك مَا ... قَالَ الحسود ورد ظَنّه) (قد كَاد حَتَّى كَاد يُمْسِي ... مَا تَقوله عرضنه) (عملا بقول مُحَمَّد بن ... يسير فَهُوَ يسير سنه) (تخطي النُّفُوس مَعَ العيان ... وَقد تصيب مَعَ المظنه) (كم من مضيق فِي الفضاء ... ومخرج بَين الأسنه) (مولَايَ يَا قَاضِي الْقُضَاة ... وَمن عوارفه شهرنه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 (ومقيل عثره كل من ... قلب الزَّمَان لَهُ مجنه) (ومبلغ الآمال ظمآنا ... تشوق مَا مجنه) (أَنا عِنْد غَيْرك فِي الورى ... مِمَّن عوارفه أضعنه) (فلأجل ذَا أوقعت نَفسِي ... فِي الْجَواب بِغَيْر فطنه) (خفت الْحَرِيق بِنَار تقصيري ... وشيب الرَّأْس قطنه) (لَكِن أجبْت فَإِن أَجدت ... فَلم أَظن وَلنْ أَظُنهُ) (إِن الشجاع بِلَحْمِهِ ... سمح إِذا لم يرض جبنه) (فَاسْلَمْ وَدم فِي نعْمَة ... مَا زَان زهر الرَّوْض حزنه) يقبل الأَرْض حَيْثُ تضع الْمَلَائِكَة بهَا الأجنحة ويتخذ الْأَنَام من الدُّعَاء فِي مواطنها مواضي الأسلحة وَيفْعل الله بهَا مَا أحب فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء وَإِن رَاعى الْمصلحَة وَيعْمل طلاب الْعلم إِلَيْهَا الركاب بِكُل يعملة (كَأَن راكبها غُصْن بمروحة ... ) (وَإِنِّي بتقبيلي لَك الأَرْض وَالثَّرَى ... على كل من فاخرته لفخور) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 25 تقبيلا يثبت بِهِ الْجَوْهَر الْفَرد فَإِن كل جُزْء مِنْهُ للقبل يتَجَزَّأ ويحط بِهِ أثقال خطوب أقعدته عَن اللحاق بهَا عَجزا ويتشرف بمشافهة تربها فَإِن ناله مِنْهَا أقل الْأَجْزَاء أجزا (ترابهم وَحقّ أبي تُرَاب ... أعز عَليّ من عَيْني الْيَمين) وَيُنْهِي بعد وصف وَلَاء حكم بتصديقه لما تصَوره كل منطقي ومنطيق وَدلّ بالمطابقة والتضمن والالتزام على أَنه فِي الْوَفَاء عريق عري من تلف التلفيق وَأصْبح وَحده جَامع مَانع لِأَن جنسه الْقَرِيب هُوَ الْإِخْلَاص وفصله التَّحْقِيق (عرفت بِصدق الود فِيك لأنني ... رفعت بِلَا عجز لِوَاء ولائي) وَرفع أدعية مَا أخل بأَدَاء فَرضهَا إِن بعد أَو دنا وَلَا أَخذهَا إِلَّا من النَّابِغَة حَيْثُ قَالَ (بلغنَا السَّمَاء مَجدنَا وجدودنا ... ) وَلَا أنكرتها مَلَائِكَة الْقبُول إِلَّا مرّة ثمَّ اعْترفت بهَا فَصَارَت ديدنا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 26 (إِذا رفعت يَوْمًا لذِي الْعَرْش خيمت ... لصدق ولائي فِيك بَين السرادق) وَبث أثنية مَا أمسك الْمسك مَعهَا رمقه وَلَا ثَبت لَهَا الْبَدْر حَتَّى خسف لما لمح محياها ورمقه وَلَا طالبت دهاليز الْأَنْهَار بَين قُصُور الرَّوْض إِلَّا وأنفاس الأزهار مِنْهَا مسترقة (أثني عَلَيْك وَلَو تشَاء لَقلت لي ... قصرت فالإمساك عني نائل) وُرُود الْمثل العالي الَّذِي مَا ناله نَظِير وَلَا مِثَال وَلَا جود ابْن العديم فِي الْوُجُود إِلَّا على سطوره فَإِنَّهَا لَهُ مِثَال وَلَا مضى لَهُ حسن حَتَّى تدخل سين السرُور على حَاله فتميزه وتخلصه للاستقبال وَلَا تَلقاهُ شاكي سلَاح من البلاغة إِلَّا وَرَاح كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس (ولي بِذِي رمح وَلَيْسَ بِنِبَالٍ ... ) (بِلَا مثل وَإِن أَبْصرت فِيهِ ... لكل مغيب حسن مِثَالا) كم أهْدى ألطافا وهز بالطرب أعطافا وَجعل الْقُلُوب أغراضا لسهام محاسنه وأهدافا وجلب الْفَرح وسلب التَّرَحِ فَأخذ تَاء من الثَّانِي وَأهْدى فا تروق دُرَر أصدافه وتفوق دَاري أسدافه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 27 وَكَيف لَا يهول وكل حرف مِنْهُ جَاءَ لِمَعْنى وَكَيف لَا يطول وكل لفظ مِنْهُ قد اسْتَقر من البديع بِمَعْنى وَكَيف لَا يعرب والأبصار تلفت إِلَيْهِ بأعنة الْإِعْجَاب وتثنى وَكَيف لَا يطرب وَمَا فِيهِ سطر وَاحِد إِلَّا وَيسمع مِنْهُ مثلث ومثنى فَمَا أحسن من نظم وَمَا نثر وَمَا أَجود مَا جرى فِي ميدان الْإِنْشَاء وَمَا غبر لما عبر وَمَا عثر وَمَا أعف كَلَامه فَإِنَّهُ لم يلْتَمس من كَلَام غَيره شَيْئا وَهُوَ يعلم أَنه لَا قطع فِي ثَمَر وَلَا كثر وَمَا أتقن مَا رتب ورتل لما سَاق الْمثل وَالشَّاهِد والأثر (وَمَا كل من ألْقى القلائد نظما ... ) (من كل معنى يكَاد الْمَيِّت يفهمهُ ... حسنا ويعبده القرطاس والقلم) وَقَالَ الْمَمْلُوك الله أكبر وَهِي كلمة لَا تقال إِلَّا فِي الصَّلَاة أَو الْأَذَان أَو عِنْد عجب مَاله عَن الْعين حَاجِب أَو عِنْد خبر لَا يَأْخُذهَا إِذْنا على الآذان أَو عِنْد خطب يطْرق فَيُصْبِح ملتئم الْحَصَى مِنْهُ وَهُوَ شذان وَحقّ لي أَن أَقُول الله أكبر فَإِن هَذَا أَمر خرق الْعَادة واستعبد السَّادة واستقرب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 28 مَا استبعد من مدى الْمَادَّة وَأخرج الأدباء عَمَّا سلكوه من الجادة وأحرج الْكتاب حَتَّى كلت ظَبْي أقلامهم الحادة وَلَقَد عَالَجت ببديعه جراحات الْفِرَاق فَإِنَّهُ لَهَا كالمرهم وأنفقت لعجزي أَنَفَة جبل عَلَيْهَا جبلة بن الْأَيْهَم وأفلست فِي جوابي فَلَو وجدت سطرا مثله يُبَاع كنت كَمَا قَالَ بعض الْعَرَب اشْتَرَيْته بوالله ألف دِرْهَم لِأَنَّهُ تلعب بِي تلعب الْأَفْعَال بالأسماء والبطر بِأَهْل الصِّحَّة والنعماء وخلبني سجع هَذِه الْحَمَامَة وسلبني زهر هَذِه الكمامة وغلبني سكر هَذِه المدامة (وَمن حكمت كأسك فِيهِ فاحكم ... لَهُ بإقالة عِنْد العثار) وَقد عولت على الْفِكر فِي أَن يلم شعث قريحتي وَيضم وَقلت للقلم هَلُمَّ إِلَى المساعدة على الْجَواب فَقَالَ لَا أهلم (وأطرق إطراق الشجاع وَلَو رأى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما) وَلما ثقل على راسي هَذَا الْجَبَل الراسي وَلم يفد فِيهِ إيناسي قبل إبساسي وأفضت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 29 بِي الْحَال إِلَى نِسْيَان مَا كنت أعلمهُ وَلَا غرو فقد قَرَأَ سعيد بن جُبَير {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} وَقَالَ أَبُو الْفَتْح البستي (واعذر فَأول نَاس أول النَّاس ... ) رجعت إِلَى مَا عِنْدِي من فَوَائِد مَوْلَانَا أعز الله نوافذ أَحْكَامه وَمَا زينت بزهره من مروج تعليقي وأكمامه فَلم أدع بقْعَة وَلَا سبسبا إِلَّا أثرت فِيهِ أثرا وأثرت نَفعه ولفقت هَذَا الْجَواب وَهُوَ كَمَا يُقَال من كل زوق رقْعَة حَتَّى شملتني سعادتك وحملتني بل جملتني إفادتك (مَا زَالَ يُوقن من يؤمك بالغنى ... وَسوَاك مَانع فَضله الْمُحْتَاج) وَقد أثبت الْحَصَى على المرجان وضاق بِي وَادي الْإِنْشَاء كَمَا اتَّسع لمولانا من نظمه ونثره المرجان وَأما بَيت أبي الْحسن عَليّ فَإِنَّهُ أحكم تأسيس بنيته وَرفع بكم نون قافيته وَحرم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 30 سكناهُ على غَيْركُمْ وَلَو حرك مَوْلَانَا نون وريه لعام فِي بَحر فَضلكُمْ وَمَا كَأَن الله تَعَالَى أوجد هَذَا الْبَيْت إِلَّا لهَذَا الْبَيْت وللدلالة على فضل الْحَيّ مِنْهُ وَالْمَيِّت (وَمَا كل زند يزدهي بسواره ... وَلَا كل فرق لَاق من فوفه تَاج) وَأما قَول مَوْلَانَا وَمَا وَمَا وَمَا أَقُول وكل دمشق مَا فَهَذِهِ نُكْتَة يَأْخُذ الْفَاضِل حسنها مبرهما والغبي مُسلما وَأما مَا وَصفه من حَال مصر المحروسة وإقبالها عَلَيْهِ وإدلالها لَدَيْهِ فَمَا يَقُول الْمَمْلُوك إِلَّا (تغايرت الأقطار فِيك محبَّة ... عَلَيْك فَهَذَا الْقطر يحْسد ذَا القطرا) لَا بل يَقُول (تغايرت الأقطار فِيك فواحد ... لفقدك يبكي إِذْ لقربك يبسم) (وكل مَكَان أَنْت فِيهِ مبارك ... وَفِي كل يَوْم فِيهِ عيد وموسم) (وَلَا شكّ فِي أَن الديار كأهلها ... كَمَا قيل تشقى بِالزَّمَانِ وتنعم) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 31 وَأما مَا وَصفه من حَال الحسدة الباغين والمردة الطاغين فقد رد الله كيدهم فِي نحرهم وزخر تيار بَحر مَوْلَانَا فأغرق وشل نهرهم (وَلَو علمُوا مَا يعقب الْبَغي قصروا ... وَلَكنهُمْ لم يفكروا فِي العواقب) وَلَو لم يكن مَوْلَانَا فِي هَذَا الْكَمَال مَا حسد على مَا حازه من غَنَائِم الْمَعَالِي وَلَا ودت النُّفُوس الظالمة أَن تسلبه مَا وهبه الله هُوَ أبهى وأبهر من عُقُود اللآلي وَلَا تمالئوا على اهتضام قدره وَكم هَذَا التَّمَادِي فِي التمالي (إِن العرانين تلقاها محسدة ... وَلم تَجِد للئام النَّاس حسادا) فَالْحَمْد لله على النُّصْرَة وَضعف أَقْوَال أهل الْكُوفَة وترجيح أَقْوَال أهل الْبَصْرَة وَمَا يغلق بَاب إِلَّا وَيفتح دونه من الْخيرَات أَبْوَاب وعَلى كل حَال أَبُو نصر أَبُو نصر وَعبد الْوَهَّاب عبد الْوَهَّاب وَمَا يَقُول الْمَمْلُوك فِي مَوْلَانَا إِلَّا كَمَا قَالَ الأول (من بِالسِّنَانِ يصول عِنْد فطامه ... لم يخْش آخر بالشنان يقعقع) وَمَا بَقِي غير الْخُرُوج من هَذَا الْجَواب وثبا وَأَن نقُول لركابه الشريف إِذا ورد أَهلا وسهلا ورحبا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 32 1353 - دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن رَسُول الْملك الْمُؤَيد هزبر الدّين ابْن الْملك المظفر صَاحب الْيمن سمع من الْحَافِظ محب الدّين الطَّبَرِيّ وَغَيره وَحفظ التَّنْبِيه وَاجْتمعَ عِنْده من نفائس الْكتب مَا قل اجتماعه عِنْد كثير من النَّاس توفّي فِي دَار ملكه من الْيمن فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَ ملكا حسنا محسنا لرعيته فِيهِ فَضِيلَة وَخير 1354 - عبد الله بن أسعد بن عَليّ الْيَمَانِيّ اليافعي الرجل الصَّالح صَاحب المصنفات الْكَثِيرَة وَالنّظم الْكثير اجْتمعت بِهِ فِي منى سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَتُوفِّي بِمَكَّة سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فِي جُمَادَى الأولى مِنْهَا الحديث: 1353 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 33 1355 - عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن خلف بن عِيسَى الْحَافِظ عفيف الدّين أَبُو السِّيَادَة المطري صاحبنا وحافظ الْحَرَمَيْنِ الشريفين ومفيد البلدين رَحل وطوف الأقاليم وَسمع من خلق وَخرج لَهُ شَيخنَا الذَّهَبِيّ جُزْءا قرأته عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَة الشَّرِيفَة من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام مولده سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَلما حججْت سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة اجْتمعت بِهِ وأنشدته لنَفْسي إِذْ ذَاك مدحا فِيهِ (لله در حَافظ ... يَحْكِي الزكي الْمُنْذِرِيّ) (قد مطرَت فَوَائِد ... عَلَيْهِ مثل الدُّرَر) (فَمَا انتقى إِلَّا الَّذِي ... يَحْكِي نَفِيس الْجَوْهَرِي) (وعف عَن مكروهها ... فَهُوَ الْعَفِيف المطري) أخبرنَا الْحَافِظ الْعَفِيف المطري بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بالروضة الشَّرِيفَة أخبرنَا الرضي الحديث: 1355 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 34 أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ شيخ الْحرم أخبرنَا عَليّ بن هبة الله بن الجميزي أخبرنَا السلَفِي أخبرنَا الْقَاسِم بن الْفضل أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بَشرَان أخبرنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن البخْترِي حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن أبي العميس عَن إِيَاس بن سَلمَة ابْن الْأَكْوَع عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن فِي مُتْعَة النِّسَاء عَام أَوْطَاس ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ نهى عَنْهَا بعد // أخرجه مُسلم // عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن يُونُس بِهِ فَوَقع بَدَلا عَالِيا 1356 - خَلِيل بن كيكلدي الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي الْحَافِظ الْمُفِيد أَبُو سعيد ولد سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وجد فِي طلب الحَدِيث فَسمع من القَاضِي تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان الْمَقْدِسِي وَعِيسَى الْمطعم وخلائق وانتقى وَخرج وصنف الحديث: 1356 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 35 وتفقه على الشَّيْخَيْنِ كَمَال الدّين الزملكاني وبرهان الدّين بن الفركاح وَكَانَ حَافِظًا ثبتا ثِقَة عَارِفًا بأسماء الرِّجَال والعلل والمتون فَقِيها متكلما أديبا شَاعِرًا ناظما ناثرا متفننا أشعريا صَحِيح العقيدة سنيا لم يخلف بعده فِي الحَدِيث مثله درس بِدِمَشْق فِي حَلقَة صَاحب حمص ثمَّ ولي تدريس الْمدرسَة الصلاحية بالقدس فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن توفّي يصنف ويفيد وينشر الْعلم ويحيي السّنة وَكَانَ بَينه وَبَين الْحَنَابِلَة خصومات كَثِيرَة وصنف كتابا فِي الْأَشْبَاه والنظائر وكتابا سَمَّاهُ تَنْقِيح الفهوم فِي صِيغ الْعُمُوم وَكتاب حسنا فِي الْمَرَاسِيل وكتابا فِي المدلسين وَكتب أخر وَشرع فِي أَحْكَام كبرى عمل مِنْهَا قِطْعَة نفيسة وَفسّر آيَات مُتَفَرِّقَة وَجمع مجامع مفيدة أما الحَدِيث فَلم يكن فِي عصره من يدانيه فِيهِ وَأما بَقِيَّة علومه من فقه وَنَحْو وَتَفْسِير وَكَلَام فَكَانَ فِي كل وَاحِد مِنْهَا حسن الْمُشَاركَة توفّي بالقدس فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو سعيد العلائي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بالقدس الشريف قَالَ أخبرنَا شَيخنَا سُلَيْمَان بن حَمْزَة الْحَاكِم قَالَ أخبرتنا كَرِيمَة بنت عبد الْوَهَّاب بن عَليّ الْقرشِي قَالَت أخبرنَا أَبُو المظفر مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ العباسي كِتَابَة قَالَ أخبرنَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 36 أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الزَّيْنَبِي أخبرنَا مُحَمَّد بن عمر بن زنبور الْوراق حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل وجدي وَزُهَيْر بن حَرْب وسريج بن يُونُس وَابْن الْمُقْرِئ قَالُوا حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل وَهُوَ يعظ أَخَاهُ فِي الْحيَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحيَاء من الْإِيمَان) // أخرجه مُسلم // عَن زُهَيْر بن حَرْب أبي خَيْثَمَة الْحَافِظ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن جد الْبَغَوِيّ وَهُوَ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن منيع الْحَافِظ وَرَوَاهُ ابْن ماجة عَن ابْن الْمُقْرِئ وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد فَوَقع مُوَافقَة لَهُم فِي شيوخهم الثَّلَاثَة مَعَ الْعُلُوّ وَأخْبرنَا الْحَافِظ أَبُو سعيد أَيْضا سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا سُلَيْمَان بن حَمْزَة وَعِيسَى ابْن عبد الرَّحْمَن الدَّلال وَعبد الْأَحَد بن أبي الْقَاسِم العابد بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِم قَالُوا أخبرنَا عبد الله بن عمر الحريمي وَالثَّالِث حَاضر أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم سعيد ابْن أَحْمد بن الْحسن بن الْبناء حضورا أخبرنَا أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِي أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عمر بن زنبور حَدثنَا أَبُو بكر عبد الله بن الإِمَام أبي دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث الْحَافِظ حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار وَنصر بن عَليّ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 37 قَالَا حَدثنَا أَبُو عبد الصَّمد الْعمي حَدثنَا أَبُو عمرَان الْجونِي عَن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (جنتان من ذهب آنيتهما وَمَا فيهمَا وجنتان من فضَّة آنيتهما وَمَا فيهمَا وَمَا بَين الْقَوْم وَبَين أَن ينْظرُوا إِلَى رَبهم إِلَّا رِدَاء الْكِبْرِيَاء على وَجهه فِي جنَّة عدن) // أخرجه مُسلم // عَن نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة ثَلَاثَتهمْ عَن مُحَمَّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن أبي عبد الصَّمد بِهِ 1357 - زَكَرِيَّا بن يُوسُف بن سُلَيْمَان بن حَامِد البَجلِيّ مدرس الطّيبَة والأسدية بِدِمَشْق الحديث: 1357 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 38 سمع من ابْن البُخَارِيّ وَغَيره وَتُوفِّي فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة 1358 - سَالم بن أبي الدّرّ الشَّيْخ أَمِين الدّين أَبُو الْغَنَائِم تفقه على الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ ورتب صَحِيح ابْن حَيَّان ودرس بالشامية الجوانية مولده سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَمَات فِي شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة 1359 - سُلَيْمَان بن عمر بن سَالم بن عمر بن عُثْمَان قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين الزرعي سمع من ابْن عبد الدَّائِم وَالْجمال ابْن الصَّيْرَفِي وَغَيرهمَا وَولي قَضَاء زرع مُدَّة ثمَّ تنقلت بِهِ الْأَحْوَال وَهُوَ قوي النَّفس لَا يطْلب رزقا عفيف الْيَد فِي أَحْكَامه إِلَّا أَن نَاب عَن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ عزل قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين فولي هُوَ قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية ثمَّ أُعِيد القَاضِي بدر الدّين الحديث: 1358 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 39 وَبَقِي القَاضِي جمال الدّين على قَضَاء الْعَسْكَر ثمَّ ولي قَضَاء الشَّام بعد ابْن صصرى ثمَّ عزل بعد عَام وَبَقِي شيخ الشُّيُوخ ومدرس الأتابكية توفّي بِالْقَاهِرَةِ فِي صفر سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة 1360 - سُلَيْمَان بن مُوسَى بن بهْرَام تَقِيّ الدّين السمهودي ابْن الْهمام ومولده بسمهود سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَكَانَ فَقِيها شَاعِرًا وَمن شعره (لما فِي كَلَام الْعَرَب تِسْعَة أوجه ... تعجب وصف منكوره وانف واشرط) (وَصلهَا وزد واستعملت مَصْدَرِيَّة ... وَجَاءَت للاستفهام والكف فاضبط) توفّي بسمهود سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة رَحمَه الله 1361 - سُلَيْمَان بن هِلَال بن شبْل بن فلاح القَاضِي صدر الدّين أَبُو الْفضل الدَّارَانِي خطيب داريا الحديث: 1360 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 40 كَانَ رجلا صَالحا تفقه على الشَّيْخ تَاج الدّين بن الفركاح وَالشَّيْخ مُحي الدّين النَّوَوِيّ وناب فِي الْقَضَاء عَن ابْن صصرى وَكَانَ يذكر نسبه إِلَى جَعْفَر الطيار حدث عَن ابْن أبي الْيُسْر والمقداد الْقَيْسِي مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق 1362 - سنجر الْأَمِير الْكَبِير علم الدّين الجاولي أحد أُمَرَاء المشورة الَّذين يَجْلِسُونَ بِحَضْرَة السُّلْطَان سمع مُسْند الشَّافِعِي بالكرك على دانيال وَعمل نِيَابَة السلطنة بغزة مُدَّة وَبنى بهَا مدرسة الشَّافِعِيَّة وجامعا حسنا وَعمل نِيَابَة حماة مُدَّة وَكَانَ رجلا فَاضلا يستحضر كثيرا من نُصُوص الشَّافِعِي وصنف شرح مُسْند الشَّافِعِي جمعه من شُرُوح الرَّافِعِيّ وَابْن الْأَثِير وَشرح مُسلم للنووي وَنقل عبارَة كل وَاحِد بنصها وَله عمائر كَثِيرَة خانات ومدارس وَغَيرهَا توفّي فِي رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ الحديث: 1362 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 41 1363 - طَلْحَة الشَّيْخ علم الدّين كَانَ فِي أَصله مَمْلُوكا يدعى بسنجر فَغير اسْمه بطلحة قَرَأَ على الشَّيْخ برهَان الدّين الجعبري وَكَانَ يعرف التَّعْجِيز ومختصر ابْن الْحَاجِب توفّي بحلب سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة 1364 - عبد الله بن شرف بن نجدة المرزوقي شَارِح التَّنْبِيه كَانَ معيدا بالمشهد الْحُسَيْنِي بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ يحضر دروس قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن رزين وَله شعر كثير مِنْهُ من أَبْيَات يصف بهَا شَرحه على النبيه وَكتب بهَا إِلَى الشَّيْخ بهاء الدّين بن النّحاس النَّحْوِيّ (وَهُوَ كتاب عييت فِيهِ ... وَلم أنل مُنْتَهى مرادي) الحديث: 1363 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 42 (جمعت فِيهِ عز الْمعَانِي ... من كتب خَمْسَة عداد) (وعاند الدَّهْر فِيهِ حظي ... والدهر مَا زَالَ ذَا عناد) قلت أنطقه الفال فَإِنِّي لم أر بِهَذَا الشَّرْح إِلَّا نُسْخَة المُصَنّف الَّتِي بِخَطِّهِ إِن لم يكن المرزوقي توفّي قبل السبعمائة بِقَلِيل فبعدها بِقَلِيل 1365 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمَّاد بن ثَابت الوَاسِطِيّ مفتي الْعرَاق جمال الدّين بن العاقولي الْبَغْدَادِيّ مدرس المستنصرية بِبَغْدَاد مولده سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَمَات فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة بِبَغْدَاد 1366 - عبد الله بن مُحَمَّد بن عَسْكَر بن مظفر بن نجم بن شاذي بن هِلَال الشَّيْخ شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد القيراطي سمع من شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد والحافظ شرف الدّين الدمياطي وَغَيرهمَا الحديث: 1365 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 43 وَكَانَت بَينه وَبَين الْوَالِد صُحْبَة أكيدة وَقَرَأَ على الْوَالِد فِي أصُول الْفِقْه ورافقه فِي الْقِرَاءَة على الْبَاجِيّ وَغَيره وَقد عرض على الْمَذْكُور قَضَاء حلب فَأبى مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَمن شعره (يَا دَارهم باللوا حييت من دَار ... وَلَا تعداك صوب الْعَارِض الساري) (ودعت طيب حَياتِي يَوْم فرقتهم ... فالطرف فِي لجة وَالْقلب فِي نَار) 1367 - عبد الله بن مَرْوَان بن عبد الله الشَّيْخ زين الدّين الفارقي خطيب دمشق وَشَيخ دَار الحَدِيث الأشرفية ومدرس الشامية البرانية كَانَ رجلا عَالما صَالحا مهيبا مولده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة فِي الْمحرم وَسمع من أبي الْقَاسِم بن رَوَاحَة وَابْن خَلِيل بحلب وَمن كَرِيمَة والسخاوي بِدِمَشْق مَاتَ فِي صفر سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة الحديث: 1367 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 44 وَحكى لي غير وَاحِد مِنْهُم ابْن ولي الله الشَّيْخ فتح الدّين يحيى وَهُوَ ثِقَة ثَبت سيد كَبِير أَن الشَّيْخ زين الدّين نزل بِهِ بعض أَصْحَابه ضيفا وَمَعَهُ أَهله وَابْنَة لَهُ صَغِيرَة فَوَقَعت من رَأس شَجَرَة فِي الدَّار وأيس مِنْهَا فَلَمَّا أخبر بخبرها قَالَ وَالله لَا أرفع رَأْسِي حَتَّى تقوم هَذِه الصَّغِيرَة وَسجد فَلم يرفع رَأسه حَتَّى أخبر باستقلالها فِي أسْرع وَقت أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا عبد الله بن مَرْوَان الْفَقِيه أنبأتنا كَرِيمَة عَن مَسْعُود بن الْحسن أخبرنَا أَبُو عَمْرو بن مَنْدَه أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله التَّاجِر حَدثنَا أَبُو عبد الله الْمحَامِلِي حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم صَاعِقَة حَدثنَا روح حَدثنَا شُعْبَة أَخْبرنِي مُوسَى بن أنس سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول قَالَ رجل يَا رَسُول الله من أبي قَالَ (أَبوك فلَان) فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة // أخرجه البُخَارِيّ // عَن صَاعِقَة رَحمَه الله تَعَالَى 1368 - عبد الْحَمد بن عبد الرَّحْمَن بن الجيلوي بِكَسْر الْجِيم ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ لَام مَضْمُومَة ثمَّ وَاو الشَّيْخ جمال الدّين صَاحب الْبَحْر الصَّغِير رَحمَه الله الحديث: 1368 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 45 1369 - عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْغفار بن أَحْمد الإيجي بِكَسْر الْهمزَة ثمَّ إسكان آخر الْحُرُوف ثمَّ جِيم مَكْسُورَة المطرزي قَاضِي الْقُضَاة عضد الدّين الشِّيرَازِيّ يذكر أَنه من نسل أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ كَانَ إِمَامًا فِي المعقولات عَارِفًا بالأصلين والمعاني وَالْبَيَان والنحو مشاركا فِي الْفِقْه لَهُ فِي علم الْكَلَام كتاب المواقف وَغَيرهَا وَفِي أصُول الْفِقْه شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَفِي الْمعَانِي وَالْبَيَان الْقَوَاعِد الغياثية وَكَانَت لَهُ سَعَادَة مفرطة وَمَال جزيل وإنعام على طلبة الْعلم وَكلمَة نَافِذَة مولده بإيج من نواحي شيراز بعد سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة واشتغل على الشَّيْخ زين الدّين الهنكي تلميذ القَاضِي نَاصِر الدّين الْبَيْضَاوِيّ وَغَيره وَكَانَ أَكثر إِقَامَته أَولا بِمَدِينَة سلطانية وَولي فِي أَيَّام أبي سعيد قَضَاء الممالك الحديث: 1369 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 46 ثمَّ انْتقل بِالآخِرَة إِلَى إيخ وَتُوفِّي مسجونا بقلعة دريميان وَهِي بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء ثمَّ آخر الْحُرُوف سَاكِنة ثمَّ مِيم مَكْسُورَة ثمَّ آخر الْحُرُوف ثمَّ ألف وَنون وإيج بلحف هَذِه القلعة غضب عَلَيْهِ صَاحب كرمان فحبسه بهَا فاستمر مَحْبُوسًا إِلَى أَن مَاتَ سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة رَحمَه الله تَعَالَى مُكَاتبَة القَاضِي عضد الدّين مَعَ الشَّيْخ فَخر الدّين الجاربردي كتب القَاضِي عضد الدّين سؤالا صورته يَا أدلاء الْهدى ومصابيح الدجا حياكم الله وبياكم وألهمنا الْحق بتحقيقه وَإِيَّاكُم هَا هُوَ من نوركم مقتبس وبضوء أنواركم للهدى ملتبس ممتحن بالقصور لَا ممتحن ذُو غرور ينشد بأنطق لِسَان وأرق جنان (أَلا قل لساكن وَادي الحبيب ... هَنِيئًا لكم فِي جنان الخلود) (أفيضوا علينا من المَاء فيضا ... فَنحْن عطاش وَأَنْتُم وُرُود) قد استبهم قَول صَاحب الْكَشَّاف أفيضت عَلَيْهِ سِجَال الألطاف {من مثله} مُتَعَلق بِسُورَة صفة لَهَا أَي بِسُورَة كائنة من مثله وَالضَّمِير لما نزلنَا أَو لعبدنا وَيجوز أَن يتَعَلَّق بقوله ( ... فَأتوا) وَالضَّمِير للْعَبد حَيْثُ جوز فِي الْوَجْه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 47 الأول كَون الضَّمِير لما نزلنَا تَصْرِيحًا وحظره فِي الْوَجْه الثَّانِي تَلْوِيحًا فليت شعري مَا الْفرق بَين فَأتوا بِسُورَة كائنة من مثل مَا نزلنَا وفأتوا من مثل مَا نزلنَا بِسُورَة وَهل ثمَّ حِكْمَة خُفْيَة أَو نُكْتَة معنوية أَو هُوَ تحكم بحت بل هَذَا مستبعد من مثله فَإِن رَأَيْتُمْ كشف الرِّيبَة وإماطة الشُّبْهَة والإنعام بِالْجَوَابِ أثبتم أجزل الثَّوَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَكتب فِي الْجَواب الْعَلامَة الشَّيْخ فَخر الدّين أَحْمد الجاربردي رَحمَه الله تمني الشُّعُور مُتَعَلقا بالاستعلام لما وَقع بالدخيل مَعَ الْأَصِيل الأدخل فِي الاستبهام أشعر بِأَن المتمني يُحَقّق ثُبُوت شَيْء مَا مِنْهَا أَو الانتفاء رَأْسا وَلَا يستراب أَن انْتِفَاء الْفَائِدَة اللفظية والعائدة المعنوية يَجْعَل التَّخْصِيص تحكما فَإِن رفع الْإِبْهَام ينصب الْبَعْض للكثير الْبَاقِي خبر مَا وضحه بِفَتْح جُزْء الْمَعْنى فَمَا مغزى التَّخْصِيص على الْبَيَان فَاضْرب عَن الْكَشْف صفحا مجانبا الِاسْتِدْرَاك كَمَا فِي الاستكشاف وَإِن ريم مَا يَعْنِي بالتحقيق فِيهِ والأخص فِي الِاسْتِعْمَال فزيغ الداله لَا زلَّة خَبِير كعثرة عثارها للأدخل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 48 بِمَنْزِلَة فِي أنزلنَا أَولا بِشَهَادَة الدعدعة لعثوره عَلَيْهَا فِي نزلنَا ثَانِيًا والتبيين جنس التَّعْيِين فَإِنَّهَا من بَنَات خلعت عَلَيْهِنَّ الثِّيَاب ثمَّ دفنتهن وحثوت عَلَيْهِنَّ التُّرَاب (فبح باسم من تهوى وذرني من الكنى ... فَلَا خير فِي اللَّذَّات من دونهَا ستر) (إِنِّي امْرُؤ أسم القصائد للعدى ... إِن القصائد شَرها أغفالها) وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد وَآله كتبه الجاربردي ابْن الْحسن أَحْمد حامدا ثمَّ كتب الْمولى الْعَلامَة عضد الدّين رَحمَه الله جَوَاب هَذَا الْجَواب أعوذ بِاللَّه من الْخَطَأ والخطل وأستعفيه من العثار والزلل الْكَلَام على هَذَا الْجَواب من وُجُوه الأول أَنه كَلَام تمجه الأسماع وتنفر عَنهُ الطباع ككلمات المبرسم غير منظوم وكهذيان المحموم لَيْسَ لَهُ مَفْهُوم كم عرض على ذِي طبع سليم وَذي ذهن مُسْتَقِيم فَلم يفهم مَعْنَاهُ وَلم يعلم مؤداه وَكفى وَكيلا بيني وَبَيْنك كل من لَهُ حَظّ من الْعَرَبيَّة وذكاء مَا مَعَ الممارسة لشطر من الْفُنُون الأدبية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 49 الثَّانِي أَنه أجمل الِاسْتِفْهَام لشدَّة الْإِبْهَام ففسره بِمَا لَا يدل عَلَيْهِ بمطابقة وَلَا بتضمن وَلَا بِالْتِزَام وَحَاصِله أَن ثُبُوت أحد الْأَمريْنِ هَاهُنَا مُتَحَقق وَأَن التَّرَدُّد فِي التَّعْيِين فحقيق أَن يسْأَل عَنهُ بِالْهَمْزَةِ مَعَ أم دون هَل مَعَ أَو فَإِنَّهُ سُؤال عَن أصل الثُّبُوت الثَّالِث أَنه لَا نسلم تحقق أحد الْأَمريْنِ لجَوَاز أَن لَا يكون لحكمة خُفْيَة وَلَا نُكْتَة معنوية بل لأمر بَين فِي نَفسه على السَّائِل أَو لشُبْهَة قد تَخَيَّلت للْحَاكِم وتضمحل بتأمل مَا فَلَا يكون تحكما بحتا وَإِن سلمنَا الْحصْر فَلم لَا يجوز أَن يتجاهل السَّائِل تأدبا واعترافا بالتقصير وتجنبا للتيه والغرور الرَّابِع أَن أَو هَذِه هِيَ الإضرابية أَفَهَذَا باعك فِي الْأَوْجه الإعرابية فَأَيْنَ أَنْت من قَوْلهم لَا تَأمر زيدا فيعصيك أَو تحسبه غلامك وَأَقل خدامك أَو لَا تَدْرِي من أمامك أبعيد مَا آذيت نَفسك لَيْلًا وَنَهَارًا فِي شعب من الْعَرَبيَّة مذ نيطت بك العمائم إِلَى أَن اشتعل الرَّأْس شيبا يخفى عَلَيْك هَذَا الْجَلِيّ الظَّاهِر الَّذِي هُوَ مسطور فِي الْجمل لعبد القاهر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 50 الْخَامِس هَب هَذَا خطأ صَرِيحًا لَا يُمكن أَن تحمل لَهُ محملًا صَحِيحا أَلَيْسَ الْمَقْصُود هُنَا كالصبح يتبلج أَو كالنار فِي حندس الظُّلم على رَأس الْعلم تتأجج فَمَا كَانَ لَو اشتغلت بعد مَا يَعْنِيك عَن الْجَواب ويطبق مفصل الصَّوَاب عَمَّا لَا يَعْنِيك من التخطئة فِي السُّؤَال السَّادِس قد أوجب الشَّرْع رد التَّحِيَّة وَالسَّلَام وَندب إِلَى التلطف فِي الْكَلَام فَمن زوى عَنهُ فقد اقْتَرَف الْإِثْم وأساء الْأَدَب وتجنب الْأُمَم وأشعر بِأَن لَيْسَ لَهُ من الْخلق خلاق وَلم يرْزق مُتَابعَة من بعث لتتميم مَكَارِم الْأَخْلَاق السَّابِع أَنه أعرض صفحا عَن الْجَواب وَزعم أَنه من بَنَات خلع عَلَيْهِنَّ الثِّيَاب ثمَّ حثى عَلَيْهِنَّ التُّرَاب فَإِن كَانَ هَذَا فَلَا ريب فِي أَنَّهَا تكون ميتَة أَو بالية وَمَعَ هَذَا فمصداق كَلَامه أَن ينبش عَنْهَا أَو أَن يَأْتِي بِمِثْلِهَا فنرى مَاهِيَّة الثَّامِن أَن السُّؤَال لم يخص بِهِ مُخَاطب دون مُخَاطب بل أورد على وَجه التَّعْمِيم والإجمال مرعيا فِيهِ طَرِيق التَّعْظِيم والإجلال موجها إِلَى من وَجه إِلَيْهِ وَيُقَال تصدق أَنْت من أدلاء الْهدى ومصابيح الدجا فَأنى رأى نَفسه أَهلا لهَذَا الْخطاب مُتَعَيّنا للجواب وهلا رده عَن نَفسه معرفَة بِقَدرِهِ وعلما بغوره ومحافظة على طوره إِلَى من هُوَ أجل مِنْهُ قدرا وأنور بَدْرًا فِي هَذِه الْبَلدة من زعماء التَّحْرِير وفحولة الْعلمَاء النحارير الَّذين لَا يفوتهُمْ سَابق وَلَا يشق غبارهم لَاحق وَإِن كَانَ لَا يرى فَوْقه أحدا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 51 فَإِنَّهُ للعمه والعمى والحماقة الْعُظْمَى وَمَا لداء القَوْل دَوَاء وَلَيْسَ لمَرض الْجَهْل الْمركب من شِفَاء التَّاسِع البليغ من عدت هفواته والجواد من حصرت عثراته أما من لَا يَأْمَن مَعَ الدعدعة سوء العثار وَيحْتَاج إِلَى من يَقُود عَصَاهُ فِي ضوء النَّهَار فَإِذا سَابق الْعتْق الْجِيَاد وناضل عِنْد الرَّهْن ذَوي الْأَيْدِي الشداد فقد جعل نَفسه سخرة للساخرين وضحكة للضاحكين ودريئة للطاعنين وغرضا لسهام الراشقين الْعَاشِر أَظُنك قد غَرَّك رَهْط قد احتفوا من حولك وألقوا السّمع إِلَى قَوْلك يصدقونك فِي كل هذر ويصوبونك فِي كل مَا تَأتي وَمَا تذر وَلم تمر بقريع الْأَبْطَال اللهاميم وَلم تدفع إِلَى مماسك يعركك عَرك الْأَدِيم فَظَنَنْت بِنَفْسِك الظنون ورسخ فِي دماغك هَذَا الْفَنّ من الْجُنُون وَلم ترزق أديبا وَلَا ناصحا لبيبا (فَمَا كل ذِي لب بمؤتيك نصحه ... وَلَا كل مؤت نصحه بلبيب) فها أَنا أَقُول لَك قَول الْحق الَّذِي يَأْتِي فِي غيرَة نفس أبيَّة وَلَا يصرفني عَنهُ هوى وَلَا عصبية فاقبل النَّصِيحَة وَاتَّقِ الفضيحة وَلَا ترجع بعد هَذَا إِلَى مثل هَذَا فَإِنَّهُ عَار فِي الأعقاب ونار يَوْم الْحساب هدَانَا الله وَإِيَّاك سَبِيل الرشاد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 52 وَمن فَوَائِد الْمولى الْمُعظم كَمَال الدّين عبد الرَّزَّاق لما قَالَ جَار الله الْعَلامَة من مثله مُتَعَلق بِسُورَة صفة لَهَا أَي بِسُورَة كائنة من مثله وَالضَّمِير لما نزلنَا أَو لعبدنا وَيجوز أَن يتَعَلَّق بقوله فَأتوا وَالضَّمِير للْعَبد أوهم قَوْله إِن الضَّمِير إِذا كَانَ لما نزلنَا كَانَ الْكَلَام مشعرا بِثُبُوت مثل لَهُ حَتَّى تَأْتُوا بِسُورَة من جملَة ذَلِك الْمثل فاحترز عَن ذَلِك بِمَا مَعْنَاهُ أَن من بَيَانِيَّة لَا تبعيضية وَالْمرَاد بِالْمثلِ مَا هُوَ على صفته من جنس النّظم أَي بِسُورَة من جنس كَلَام هُوَ على صفته من غير قصد إِلَى مثل لَهُ كَمَا ذكر يَعْنِي بِسُورَة هِيَ كَلَام مَوْصُوف بِصفتِهِ كَقَوْلِك عِنْدِي مَال من الْمَاشِيَة أَي مَال هُوَ الْمَاشِيَة فعلى هَذَا إِذا علق من مثله بفأتوا كَانَ الْمَعْنى على تَقْدِير عود الضَّمِير إِلَى الْمنزل فَأتوا من جنس كَلَام مَوْصُوف بِصفتِهِ بِسُورَة فَيكون من مثله إِمَّا حَالا من السُّورَة مبينَة لهيأتها بِأَنَّهَا مثل هَذَا الْمنزل وَالْحَال من الْمَعْمُول يُقيد عَامله وَإِمَّا صلَة للإتيان وَكَيف كَانَ يُقيد الْفِعْل فَيكون الْإِتْيَان الْمَأْمُور إتيانا مُقَيّدا بِأَنَّهُ كَائِن من كَلَام مثله بِسُورَة فَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ السُّورَة كَمَا قَررنَا كَانَ الْمَعْنى فَأتوا إتيانا مُقَيّدا بِكَوْنِهِ من سُورَة مثله بِسُورَة وَذَلِكَ فَاسد لَا شكّ فِيهِ وَإِن كَانَ المُرَاد فَأتوا من جملَة كَلَام يماثله بِسُورَة وَاحِدَة فَإِن كَانَ ذَلِك الْمثل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 53 مَوْجُودا لزم الْمَحْذُور وَهُوَ ثُبُوت الْمثل وَكَذَا إِن كَانَ المُرَاد إتيانا مُسْتَندا من كَلَام مثله بِسُورَة وَإِن لم يكن مَوْجُودا كَانَ الْفِعْل الْمُقَيد بابتدائه مِنْهُ مُمْتَنعا فَإِن الْمُمكن الْمُقَيد وجوده بِوُجُود الْمَعْدُوم مُمْتَنع الْوُجُود وَذَلِكَ يُنَافِي التحدي لِأَن التحدي إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ أصل الْفِعْل مُمكنا مَقْدُورًا للنوع مُطلقًا لكنه أخص بِشَيْء من زِيَادَة أَو تعلق بمفعول لَا يسع أحدا من بني نوع الْفَاعِل مثل ذَلِك الْفِعْل الْمُخْتَص بِتِلْكَ الزِّيَادَة أَو بذلك الْفِعْل فَيدل على أَن ذَلِك الِاخْتِصَاص إِنَّمَا هُوَ لمزية وتأييد من عِنْد الله تَعَالَى لصَاحبه وَهَاهُنَا أصل الْفِعْل لَيْسَ بممكن وَإِن جعل الأَصْل مُطلق الْإِتْيَان والمعجزة الْإِتْيَان الْمُقَيد كَانَ المتحدى بِهِ هُوَ الْفِعْل لَا الْمَفْعُول والمقدر خِلَافه فَإِنَّهُ إتْيَان مُقَيّد بِوُجُود مَعْدُوم لَا نفس الْإِتْيَان فَتبين أَن كَون الضَّمِير عَائِدًا إِلَى الْمنزل على تَقْدِير تعلق من مثله بفأتوا لَا يَخْلُو عَن أَقسَام كلهَا بَاطِلَة سَوَاء كَانَ من ابتدائية أَو تبعيضية أَو بَيَانِيَّة وَالله أعلم من فَوَائِد الْمولى الْمُعظم أَمِين الدّين الحاجي دادا رَحمَه الله إِن قيل مَا وَجه تَخْصِيص الضَّمِير بِالْعَبدِ على تَقْدِير تعلق من مثله بفأتوا مَعَ تَجْوِيز كَونه لَهُ وللمنزل على تَقْدِير تعلقه بالسورة قلت الْجَواب يَقْتَضِي تَقْدِيم مقدمتين الأولى أَن مثله يحْتَمل وَجْهَيْن الأول أَن يكون المُرَاد من مثل الْكَلَام الْمنزل وَالْعَبْد الْمَذْكُور نفس ذَلِك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 54 الْكَلَام وَذَلِكَ من العَبْد فَيكون معنى الْمثل ملغى كَمَا فِي مثل قَول الشَّاعِر (حاشا لمثلك أَن تكون بخيلة ... ولمثل وَجهك أَن يكون عبوسا) وَفِي بحث تَقْدِير الْمثل فِي السُّورَة يَسْتَقِيم الْمَعْنى وَإِلَّا لزمك كَون المتحدي بإتيان سُورَة كائنة من الْقُرْآن أَو صادرة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محَال الثَّانِي أَن يكون معنى الْمثل بِحَالهِ وَيكون المُرَاد مِنْهُ كلَاما آخر مثل الْقُرْآن أَو شخصا آخر مثل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ظَاهر الْمُقدمَة الثَّانِيَة أَن الْأَقْسَام على مَا ذكره صَاحب الْكَشَّاف أَرْبَعَة الأول من مثله إِمَّا يتَعَلَّق بِسُورَة أَو بالإتيان وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ الضَّمِير إِمَّا أَن يكون للْعَبد أَو للمنزل وَهَذِه أَرْبَعَة وَإِذا تقرر ذَلِك فَنَقُول الْقسم الأول صَحِيح على الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ التَّقْدِير فِيهِ فَأتوا بِمثل سُورَة صادرة من مثل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهما مستقيمان وَالثَّانِي صَحِيح على الأول دون الثَّانِي وَإِلَّا لم يكن التحدي بإتيان السُّورَة فَقَط بل يشْتَرط أَن يكون بَعْضًا من كَلَام مثل الْقُرْآن وَهُوَ بَاطِل وَالثَّالِث صَحِيح على الثَّانِي دون الأول لِأَن تَقْدِيره فِيهِ فَأتوا من هَذَا العَبْد بِمثل سُورَة وَهُوَ لَغْو فَيكون الْقسم الرَّابِع فَاسِدا على الْوَجْهَيْنِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 55 من فَوَائِد الْمولى الْفَاضِل عز الدّين التبريزي جعل {مثله} صفة لسورة فَإِن كَانَ الضَّمِير للمنزل فَمن للْبَيَان وَإِن كَانَ للْعَبد فَمن للابتداء وَهُوَ ظَاهر فعلى هَذَا إِن تعلق {من مثله} بقوله {فَأتوا} فَلَا يكون الضَّمِير للمنزل لِأَنَّهُ يَسْتَعْدِي كَونه للْبَيَان وَالْبَيَان يَسْتَدْعِي تَقْدِيم مُبْهَم فَإِذا تعلق بِالْفِعْلِ فَلَا يتَقَدَّم مُبْهَم فَتعين أَن تكون للابتداء لفظا أَو تَقْديرا أَي أصدروا أَو أنشئوا أَو اسْتخْرجُوا من مثل العَبْد سُورَة لِأَن مدَار الاستخراج هُوَ العَبْد لَا غير فَتعين فِي الْوَجْه الثَّانِي عود الضَّمِير إِلَى العَبْد وَالله أعلم بِالصَّوَابِ من فَوَائِد الْمولى الْمُعظم قدره صدر فضلاء خوارزم همام الدّين قَوْله وَيجوز أَن يتَعَلَّق بقوله {فَأتوا} وَالضَّمِير للْعَبد لِأَنَّهُ إِذا كَانَ ظرفا مُسْتَقرًّا على أَنه صفة سُورَة بِمَعْنى سُورَة كائنة من مثله لم يتَعَيَّن الضَّمِير للْعَبد بل كَمَا احْتمل الْعود إِلَى العَبْد احْتمل الْعود إِلَى الْمنزل أما إِذا كَانَ ظرفا لَغوا مُتَعَلقا بقوله {فَأتوا} لم يحْتَمل الْعود إِلَّا إِلَى العَبْد لِأَنَّك لما علقته بِهِ فقد جعلته مُبْتَدأ الْإِتْيَان بالسورة ومنشأها فَيكون هُوَ المنشئ لَهَا والآتي بهَا والمصدر أَو المملي حَتَّى يتَحَقَّق الِابْتِدَاء مِنْهُ حَقِيقَة كَمَا إِذا قلت ائْتِنِي بِشعر من فلَان كَانَ هُوَ المملي والمنشئ على مَا لَا يخفى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 56 وَلَو رجعت الضَّمِير على هَذَا إِلَى الْمنزل أحلّت وَأما نَحْو قَوْلك ائْتِنِي بِمَاء من دجلة وثمر من بستانك وَآيَة من الْقُرْآن وَبَيت من الحماسة فَلَيْسَ مِنْهُ على أَن فِي الْحمل عَلَيْهِ فَسَادًا لِأَنَّهُ يُفِيد ثُبُوت الْمثل لِلْقُرْآنِ أَو يُوهم وَالْغَرَض نفي الْمثل على مَا قَالَ وَلَا قصد إِلَى مثل وَنَظِير هُنَالك قَالَ وَفِي ثُبُوت التحدي لِأَن الْمَعْنى فَأتوا من مثل الْقُرْآن أَي من كَلَام مثل الْقُرْآن فِي الأسلوب والفصاحة بِخِلَاف مَا إِذا علقته بالسورة لِأَن حَقِيقَة الْمَعْنى على إقحام كلمة من فَكَأَنَّهُ قيل بِسُورَة مماثلة نظما وأسلوبا فَلَا يلْزم فِيهِ مَا يلْزم فِي الأول وَهَذَا كَمَا إِذا قلت ائْتِنِي بدرهم كَائِن من مثل هَذِه الدَّرَاهِم المضروبة كَانَ الْمَعْنى أَن تَأتي بِمَا ينطبع على وَجههَا ويتكون من مثلهَا مُطلقًا لَا أَن تَأتي من مثلهَا الْمَوْجُود وَالله أعلم بِالصَّوَابِ من فَوَائِد مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا شيخ الْإِسْلَام محيي السّنة قامع الْبِدْعَة خُلَاصَة الْمُجْتَهدين تَقِيّ الْملَّة وَالْحق وَالدّين عَليّ السُّبْكِيّ أَعلَى الله دَرَجَته فِي عليين مَعَ النَّبِيين وَالصديقين قَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من مثله} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ رَحمَه الله من مثله يتَعَلَّق بِسُورَة صفة لَهَا أَي بِسُورَة كائنة من مثله وَلَيْسَ مُرَاده التَّعَلُّق الصناعي لِأَن الصّفة إِنَّمَا تتَعَلَّق بِمَحْذُوف وَقد صرح هُوَ بِهِ وَمرَاده أَنه لَا يتَعَلَّق بقوله {فَأتوا} الجزء: 10 ¦ الصفحة: 57 ثمَّ قَالَ وَالضَّمِير لما نزلنَا أَو لعبدنا وَالْأَحْسَن عِنْدِي أَن يتَعَلَّق بعبدنا وَإِن علق بِمَا نزلنَا فَيكون بِالنّظرِ إِلَى خصوصيته فَيشْمَل صفة الْمنزل فِي نَفسه والمنزل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قلت ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى تحدى بِالْقُرْآنِ فِي أَربع سور فِي ثَلَاث مِنْهَا بِصفتِهِ فِي نَفسه فَقَالَ تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} وَقَالَ تَعَالَى {أم يَقُولُونَ افتراه قل فَأتوا بِسُورَة مثله} وَقَالَ تَعَالَى {أم يَقُولُونَ افتراه قل فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات} والسياق فِي ذكر الْقُرْآن من حَيْثُ هُوَ هُوَ وَلذَلِك لم يذكر فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ لَفْظَة من المحتملة للتَّبْعِيض ولابتداء الْغَايَة فَتَركهَا يعين الضَّمِير لِلْقُرْآنِ وَفِي سُورَة الْبَقَرَة لما قَالَ {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا} قَالَ {فَأتوا بِسُورَة من مثله} فَيكون من لابتداء الْغَايَة وَالضَّمِير فِي {مثله} للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيكون قد تحداهم فِيهَا بِنَوْع آخر من التحدي غير الْمَذْكُور فِي السُّور الثَّلَاث وَذَلِكَ أَن الإعجاز من جِهَتَيْنِ إِحْدَاهمَا من فصاحة الْقُرْآن وبلاغته وبلوغه مبلغا تقصر قوى الْخلق عَنهُ وَهُوَ الْمَقْصُود فِي السُّور الثَّلَاث الْمُتَقَدّمَة المتحدى بِهِ فِيهَا وَالثَّانيَِة من إِتْيَانه من النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي لم يقْرَأ وَلم يكْتب وَهُوَ المتحدى بِهِ فِي هَذِه السُّورَة وَلَا يمْتَنع إِرَادَة الْمَجْمُوع كَمَا قدمْنَاهُ فَإِن أَرَادَ الزَّمَخْشَرِيّ بِعُود الضَّمِير على مَا نزلنَا الْمَجْمُوع بِالطَّرِيقِ الَّتِي أَشَرنَا إِلَيْهَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 58 فَصَحِيح وَحِينَئِذٍ يكون ردد بَين ذَلِك وعود الضَّمِير على الثَّانِي فَقَط وَإِن لم يرد ذَلِك فَمَا قُلْنَاهُ أرجح ويعضده أَنه أقرب وعود الضَّمِير على الْأَقْرَب أوجب ويعضده أَيْضا أَنهم قد تحدوا قبل ذَلِك وَظهر عجزهم عَن الْإِتْيَان بِسُورَة مثل الْقُرْآن لِأَن سُورَة يُونُس مَكِّيَّة فَإِذا عجزوا عَنهُ من كل أحد فهم عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ مِمَّن لم يقْرَأ وَلم يكْتب أَشد عَجزا فَالْأَحْسَن أَن يَجْعَل الضَّمِير لقَوْله {عَبدنَا} فَقَط وَهَذَانِ النوعان من التحدي يشتملان على أَرْبَعَة أَقسَام لِأَن التحدي بِالْقُرْآنِ أَو بِبَعْضِه بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يقْرَأ وَيكْتب وَإِلَى من لَيْسَ كَذَلِك والتحدي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنِّسْبَةِ إِلَى مثل الْمنزل وَإِلَى أَي سُورَة كَانَت فَإِن من لم يكْتب لَا يَأْتِي بهَا فَصَارَ الْإِتْيَان بِسُورَة من مثل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُمْتَنعا شابهت الْقُرْآن أم لم تشابهه والإتيان بِسُورَة من مثل الْقُرْآن مُمْتَنعا كَانَت من كَاتب قَارِئ أم من غَيره فَظهر أَنَّهَا أَرْبَعَة أَقسَام ثمَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ رَحمَه الله وَيجوز أَن يتَعَلَّق بقوله {فَأتوا} وَالضَّمِير للْعَبد وَهَذَا صَحِيح وَتَكون {من} لابتداء الْغَايَة وَلم يذكر الزَّمَخْشَرِيّ على هَذَا الْوَجْه احْتِمَال عود الضَّمِير على {مِمَّا نزلنَا} وَلَعَلَّ ذَلِك لِأَن السُّورَة المتحدى بهَا إِذا لم يُوجد مَعهَا الْمنزل عَلَيْهِ لَا بُد أَن يخصص بِمثل الْمنزل كَمَا فِي سُورَة يُونُس وَهود فَإِذا علقنا الصِّلَة هُنَا فِي سُورَة الْبَقَرَة بقوله {فَأتوا} وعلقنا الضَّمِير بالمنزل كَانُوا قد تحدوا بِأَن يَأْتُوا بِسُورَة مُطلقَة لَيست مَوْصُوفَة وَلَا من شخص مَخْصُوص فَلَيْسَتْ على نوع من نَوْعي التحدي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 59 فَإِن قلت من على هَذَا التَّقْدِير للتَّبْعِيض فَتكون السُّورَة بعض مثله يقتضى مماثلتها قلت الْمَأْمُور بِهِ السُّورَة الْمُطلقَة وَمن يحْتَمل أَن تكون لابتداء الْغَايَة وَإِن سلم أَنَّهَا للتبغيض فالمماثلة إِنَّمَا يعلم حُصُولهَا للسورة بالاستلزام فَلم يتحدوا وَلم يؤمروا إِلَّا بهَا من حَيْثُ هِيَ مُطلقَة لَا من حَيْثُ مَا اقْتَضَاهُ الاستلزام من الْمُمَاثلَة فَإِن الْمُمَاثلَة بالمطابقة فِي الْكل الْمبعض لَا فِي الْبَعْض فَإِن لزم حُصُولهَا فِي الْبَعْض فَلَيْسَ من اللَّفْظ وَبِهَذَا يعرف الْجَواب عَن قَول من قَالَ مَا الْفرق بَين فَأتوا بِسُورَة كائنة من مثل مَا نزلنَا وفَأتوا من مثل مَا نزلنَا بِسُورَة فَنَقُول الْفرق بَينهمَا مَا ذَكرْنَاهُ فَإِن الْمَأْمُور بِهِ فِي الأول سُورَة مَخْصُوصَة وَفِي الثَّانِي سُورَة مُطلقَة من حَيْثُ الْوَضع وَإِن كَانَت بَعْضًا من شَيْء مَخْصُوص وَالله أعلم وَمَا ذكره الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم الجاربردي فِي جَوَاب الْجَواب لعضد الدّين الشِّيرَازِيّ نصْرَة لوالده الشَّيْخ فَخر الدّين أَحْمد الجاربردي تجَاوز الله عَن الْجَمِيع بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله وَبِه أستعين وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين وصلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خَاتم النَّبِيين وَإِمَام الْمُرْسلين سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم أَجْمَعِينَ أما بعد فَيَقُول الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم الجاربردي بَيْنَمَا كنت أَقرَأ كتاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 60 الْكَشَّاف فِي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة بَين يَدي من هُوَ أفضل الزَّمَان لَا بالدعاوي بل بِاتِّفَاق أهل الْعلم والعرفان أَعنِي من خصّه الله تَعَالَى بأوفر حَظّ من الْعَلَاء وَالْإِحْسَان مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا وسندنا الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الدَّاعِي إِلَى رب الْعَالمين قامع المبتدعين وَسيف المناظرين إِمَام الْمُحدثين حجَّة الله على أهل زَمَانه والقائم بنصرة دينه فِي سره وإعلانه بقلمه وَلسَانه خَاتِمَة الْمُجْتَهدين بركَة الْمُؤمنِينَ أستاذ الأستاذين قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ لَا زَالَت رباع الشَّرْع معمورة بِوُجُودِهِ ورياض الْفضل مغمورة بجوده وَيرْحَم الله عبدا قَالَ آمين إِذْ وصلت إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَأتوا بِسُورَة من مثله} فَرَأَيْت عِنْد بعض الْفُضَلَاء الْحَاضِرين شَيْئا من كَلَام القَاضِي عضد الدّين الشِّيرَازِيّ على كَلَام وَالِدي الَّذِي كتبه على سُؤَاله الْمَشْهُور عَن الْفرق بَين فَأتوا بِسُورَة كائنة من مثل مَا نزلنَا وفَأتوا من مثل مَا نزلنَا بِسُورَة فَأَخَذته مِنْهُ رَجَاء أَن أطلع على بَدَائِع من رموزه وودائع من كنوزه فَوَجَدته قد فطم عَن ارتضاع أخلاف التَّحْقِيق وَحرم عَن الاغتراف من بَحر التدقيق جعل الْإِيرَاد عنادا وَالْمَنْع ردا وَالرَّدّ صدا وَالسُّؤَال نضالا وَالْجَوَاب غيابا ركب عميا وخبط خبط عشوا وَقَالَ مَا هُوَ تَقول وافترا وَكَلَام وَالِدي مِنْهُ برا كَأَنَّهُ طبع على اللغا أَو جبل طينه من المرا فمزج الشهد بالسم وَأكل الشّعير وذم فأضحت حَرَكَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 61 الهمة فِي اسْتِيفَاء الْقصاص فَكتبت هَذِه الرسَالَة المسماه بِالسَّيْفِ الصارم فِي قطع الْعَضُد الظَّالِم ولأجازيه عَن حَسَنَاته الْعشْر بأمثالها قَالَ الله تَعَالَى {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل} وَقَالَ تَعَالَى {والجروح قصاص} وجراحة اللِّسَان أعظم من جِرَاحَة السنان قَالَ الشَّاعِر (جراحات السنان لَهَا التئام ... وَلَا يلتام مَا جرح اللِّسَان) وَقَالَ آخر (وَبَعض الْحلم عِنْد الْجَهْل ... للذلة إذعان) (وَفِي الشَّرّ نجاة حِين ... لَا ينجيك إِحْسَان) وَقَالَ آخر (لَا تطمعوا أَن تهينونا ونكرمكم ... وَأَن نكف الْأَذَى عَنْكُم وتؤذونا) وأسأل الله تَعَالَى التَّوْفِيق وَبِيَدِهِ أزمة التَّحْقِيق أَقُول أَيهَا السَّائِل رَحِمك الله أما قَوْلك فِي الْجَواب إِنَّه كَلَام تمجه الأسماع وتنفر عَنهُ الطباع إِلَى آخِره فَنَقُول بِمُوجبِه لَكِن بِالنِّسْبَةِ إِلَى من كَانَت حاسته غير سليمَة أَو سد عَن الإصاغة إِلَى الْحق سَمعه وأبى أَن ينْطق بِالْحَقِّ لِسَانه وَهَذَا قريب مِمَّا حكى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن الْكفَّار المعاندين {وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أكنة مِمَّا تدعونا إِلَيْهِ وَفِي آذاننا وقر وَمن بَيْننَا وَبَيْنك حجاب} الجزء: 10 ¦ الصفحة: 62 وقولك كم عرض على ذِي طبع سليم وَذي ذهن مُسْتَقِيم فَلم يفهم مَعْنَاهُ وَلم يعلم مؤداه نقُول هَذَا كَلَام متهافت إِذْ لَو كَانُوا ذَا طبع سليم وذهن مُسْتَقِيم لفهموا مَعْنَاهُ وتفطنوا لموجبه ومتقضاه فَإِن ذَا الطَّبْع السَّلِيم من يدْرك اللمحة وَإِن لطف شَأْنهَا ويتنبه على الرمزة وَإِن خَفِي مَكَانهَا وَيكون مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها وَلَكنهُمْ كَانُوا مثلك كزا جاسيا وغليظا جَافيا غير دارين بأساليب النّظم والنثر غير عَالمين كَيفَ يرتب الْكَلَام ويؤلف وَكَيف ينظم ويرصف {أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا} أما سَمِعت قَول بعض الْفُضَلَاء (عَليّ فحص الْمعَانِي من مكامنها ... وَمَا عَليّ إِذا لم تفهم الْبَقر) أَو نقُول فَرضنَا أَنهم كَمَا زعمت ذَا فهم سليم وطبع مُسْتَقِيم لكِنهمْ مَا اشتغلوا بالعلوم حق الِاشْتِغَال فَأَيْنَ هم من فهم هَذَا الْمقَال أما سمعُوا قَول من قَالَ (لَو كَانَ هَذَا الْعلم يدْرك بالمنى ... مَا كَانَ يبْقى فِي الْبَريَّة جَاهِل) وَقَول آخر (لَا تحسب الْمجد تَمرا أَنْت آكله ... لن تبلغ الْمجد حَتَّى تلعق الصبرا) وَمَعَ أَن أَمْثَال هَذِه الغوامض كَمَا نبه عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ لَا يكْشف عَنْهَا من الْخَاصَّة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 63 إِلَّا أوحدهم وأخصهم وَإِلَّا واسطتهم وفصهم وعامتهم عماة عَن إِدْرَاك حقائقها بأحداقهم عناة فِي يَد التَّقْلِيد لَا يمن عَلَيْهِم بجز نواصيهم وإطلاقهم هَذَا مَعَ أَن مقامات الْكَلَام مُتَفَاوِتَة فَإِن مقَام الإيجاز يباين مقَام الإطناب والمساواة وخطاب الذكي يباين خطاب الغبي فَكَمَا يجب على البليغ فِي موارد التَّفْصِيل والإشباع أَن يفصل ويشبع فَكَذَلِك الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي خطاب الْإِجْمَال والإيجاز أَن يجمل ويوجز أنْشد الجاحظ (يرْمونَ بالخطب الطوَال وَتارَة ... وَحي الملاحظ خيف الرقباء) وأئمة صناعَة البلاغة يرَوْنَ سلوك هَذَا الأسلوب فِي أَمْثَال هَذِه المقامات من كَمَال البلاغة وإصابة المحز فَنَقُول إِنَّمَا أوجز الْكَلَام وأوهم المرام اختبارا لتنبيهك أَو مِقْدَار تنبهك أَو نقُول عدل عَن التَّصْرِيح احْتِرَازًا عَن نِسْبَة الْخَطَأ إِلَيْك صَرِيحًا والعدول عَن التَّصْرِيح بَاب من البلاغة يُصَار إِلَيْهِ كثيرا وَإِن أورث تَطْوِيلًا وَمن الشواهد لما نَحن فِيهِ شَهَادَة غير مَرْدُودَة رِوَايَة صَاحب الْمِفْتَاح عَن القَاضِي شُرَيْح أَن رجلا أقرّ عِنْده بِشَيْء ثمَّ رَجَعَ يُنكر فَقَالَ لَهُ شُرَيْح شهد عَلَيْك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 64 ابْن أُخْت خالتك آثر شُرَيْح التَّطْوِيل ليعدل عَن التَّصْرِيح بِنِسْبَة الحماقة إِلَى الْمُنكر لكَون الْإِنْكَار بعد الْإِقْرَار إدخالا للعنق فِي ربقة الْكَذِب لَا محَالة وَأما قَوْلك ثَانِيًا فسره بِمَا لَا يدل عَلَيْهِ بمطابقة وَلَا بتضمن وَلَا بِالْتِزَام ثمَّ تَقول حَاصله كَذَا فنفيت أَولا الدلالات ثمَّ أثبت ثَانِيًا لَهُ معنى وذكرته فَأَنت كَاذِب إِمَّا فِي الأول أَو الثَّانِي وَأَيْضًا قد قلت أَولا بِأَنَّهُ كهذيان المحموم لَيْسَ لَهُ مَفْهُوم ثمَّ قلت حَاصله كَذَا فقد أدخلت عُنُقك فِي ربقة الْكَذِب اتقِي الله فَإِن الْكَذِب صَغِيرَة والإصرار عَلَيْهَا كَبِيرَة والمعاصي تجر إِلَى الْكفْر قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوأى أَن كذبُوا بآيَات الله} ثمَّ إِن قَوْلك حَاصله أَن ثُبُوت أحد الْأَمريْنِ هَاهُنَا مُتَحَقق وَأَن التَّرَدُّد فِي التَّعْيِين فحقيق أَن يسْأَل عَنهُ بِالْهَمْزَةِ مَعَ أم دون هَل مَعَ أَو فَإِنَّهُ سُؤال عَن أصل الثُّبُوت يُوهم أَنَّك الَّذِي استنبطت هَذَا الْمَعْنى من كَلَامه وفهمته مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل لما بلغك هَذَا الْجَواب بقيت حائرا مَلِيًّا لَا تفهم مؤداه وَلَا تعلم مَعْنَاهُ وَكنت تعرضه على نمن زعمت أَنهم كَانُوا ذَا طبع سليم وَفهم مُسْتَقِيم فَمَا فَهموا مَعْنَاهُ وَمَا عثروا على مؤداه فصرت ضحكة للضاحكين وسخرة للساخرين فَلَمَّا حَال الْحول وانتشر القَوْل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 65 جَاءَ ذَاك الإِمَام الألمعي أَعنِي الشَّيْخ أَمِين الدّين حاجي دادا وتمثل بَين يَدي وَالِدي وَقَالَ كَمَا قلت (أفيضوا علينا من المَاء فيضا ... فَنحْن عطاش وَأَنْتُم وُرُود) فقرأه عَلَيْهِ قِرَاءَة تَحْقِيق وإتقان وتدقيق فَلَمَّا كشف الْوَالِد لَهُ الغطاء ظهر لَهُ أَن كلامك كَانَ {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مَاء} فجَاء إِلَيْك وأفرغ فِي صماخيك وَأقر عَيْنَيْك فَكَانَ من الْوَاجِب عَلَيْك أَن تَقول حَاصله كَذَا على مَا فهمته من بعض تلامذته لِئَلَّا يكون انتحالا فَإِن ذَلِك خِيَانَة وَالله لَا يحب الخائنين فَإِن كابرت وجعلتني من المدعين فَقل {فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين} فَأَقُول أما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَة فَكفى بِاللَّه شَهِيدا بَيْننَا وَبَيْنكُم وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا ففضلاء تبريز فَإِنَّهُم عالمون بِالْحَال عارفون بِأَن الْأَمر على هَذَا المنوال وَلِهَذَا مَا وسعك أَن تكْتب هَذِه الهذيانات وَأَنت فِي تبريز مَخَافَة أَن تصير هزأة للساخرين وضحكة للناظرين بل لما انْتَقَلت إِلَى أهل بلد لَا يَدْرُونَ مَا الصَّحِيح تَكَلَّمت بِكُل قَبِيح لَكِن وَقعت فِيمَا خفت مِنْهُ وَأما قَوْلك ثَالِثا لَا نسلم تحقق أحد الْأَمريْنِ حَقِيقَة إِلَى آخر مَا قُلْتُمْ فكله مُخَالف للظَّاهِر وَالْأَصْل عَدمه وَتَحْقِيق الْجَواب فِيهِ يظْهر مِمَّا أذكرهُ فِي آخر الْجَواب الرَّابِع وَأما قَوْلك رَابِعا إِن أَو هَذِه هِيَ الإضرابية أَفَهَذَا باعك فِي الْأَوْجه الإعرابية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 66 فَنَقُول أَولا لَا شكّ أَنَّك عِنْد تسطير هَذَا السُّؤَال مَا خطر لَك هَذَا بالبال بل لما اعْترض عَلَيْك تمحلت هَذَا الْمقَال وَثَانِيا الْمِثَال الَّذِي ذكرته غير مُطَابق لكلامك لَو فَرضنَا أَنه من كَلَام الفصحاء وثالثا أَنه لَا يَسْتَقِيم أَن تكون أَو فِي كلامك للإضراب لفَوَات شَرطه فَإِن إِمَام هَذَا الْفَنّ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا أجَاز أَو الإضرابية بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا تقدم نفي أَو نهي وَالثَّانِي إِعَادَة الْعَامِل نَحْو مَا قَامَ زيد أَو مَا قَامَ عَمْرو وَلَا يقم زيد أَو لَا يقم عَمْرو نَقله عَنهُ ابْن عُصْفُور هَكَذَا مَذْكُور فِي مغنى اللبيب عَن كتب الأعاريب ثمَّ قَالَ مُصَنفه ابْن هِشَام الْمصْرِيّ رَحمَه الله وَمِمَّا يُؤَيّد نقل ابْن عُصْفُور أَن سِيبَوَيْهٍ رَحمَه الله قَالَ فِي {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} وَلَو قلت أَو لَا تُطِع كفورا انْقَلب الْمَعْنى يَعْنِي يصير إضرابا عَن النَّهْي الأول ونهيا عَن الثَّانِي فَقَط انْتهى فَلَا يُمكن حمل أَو فِي كلامك على الإضراب فَظهر من التَّقْصِير بَاعه فِي علم الْإِعْرَاب أمثلك يعرض بِهَذَا لمن كَانَ أدنى تلامذته فَارِسًا فِي علم الْإِعْرَاب مقدما فِي جملَة الْكتاب لَكِن نَحْوك انحصر فِي الْجمل الَّذِي صنف لصبيان الْكتاب وَحرمت من الْكُنُوز الَّتِي أودعها سِيبَوَيْهٍ فِي الْكتاب ثمَّ على تَقْدِير تَسْلِيم إتْيَان أَو للإضراب مُطلقًا كَمَا ذهب إِلَيْهِ بَعضهم لَا ينْدَفع الْإِيرَاد لِأَن من شَرط ارْتِفَاع شَأْن الْكَلَام فِي بَاب البلاغة صدوره من بليغ عَالم بجهات البلاغة بَصِير يطْرق حسن الْكَلَام وَأَن يكون السَّامع مُعْتَقدًا أَن الْمُتَكَلّم قصد هَذَا فِي تركيبه عَن علم مِنْهُ لَا أَنه وَقع مِنْهُ اتِّفَاقًا بِلَا شُعُور مِنْهُ فَإِنَّهُ إِذا أَسَاءَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 67 السَّامع اعْتِقَاده بالمتكلم رُبمَا نسبه فِي تركيبه ذَلِك إِلَى الْخَطَأ وَأنزل كَلَامه منزلَة مَا يَلِيق بِهِ من الدرجَة النَّازِلَة وَمِمَّا يشْهد لَك مَا نقل صَاحب الْمِفْتَاح عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يشيع جَنَازَة فَقَالَ لَهُ قَائِل من المتوفي بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل سَائِلًا عَن الْمُتَوفَّى فَلم يقل فلَان بل قَالَ الله تَعَالَى ردا لكَلَامه عَلَيْهِ مخطئا إِيَّاه منبها لَهُ بذلك على أَنه كَانَ يجب أَن يَقُول من الْمُتَوفَّى بِلَفْظ الْمَفْعُول وَيُقَال إِن هَذَا الْوَاقِع كَانَ أحد الْأَسْبَاب الَّتِي دَعَتْهُ إِلَى اسْتِخْرَاج علم النَّحْو فَأمر أَبَا الْأسود الدؤَلِي بذلك فَأخذ فِيهِ فَهُوَ أول أَئِمَّة علم النَّحْو رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَلَا شكّ أَنه يُقَال توفى على الْبناء للْفَاعِل أَي أَخذ وَحِينَئِذٍ يكون كِنَايَة عَن مَاتَ بِمَعْنى أَن الْمَيِّت أَخذ بالتمام مُدَّة عمره فَمَاتَ فالمتوفي هُوَ الْمَيِّت بطرِيق الْكِنَايَة وَيُقَال توفّي على الْبناء للْمَفْعُول أَي أَخذ روحه وَحِينَئِذٍ يكون الْمَيِّت هُوَ الْمُتَوفَّى حَقِيقَة والمتوفي هُوَ الله وَلما سَأَلَ من هُوَ من الأوساط من عَليّ كرم الله وَجهه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 68 عَن الْمَيِّت بِلَفْظ المتوفي الَّذِي هُوَ من تركيب البلغاء أَجَابَهُ بِمَا يَلِيق بِهِ أَن المتوفي هُوَ الله تَعَالَى وَفِيه بَيَان أَنه يجب أَن يَقُول من الْمُتَوفَّى بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول الَّذِي يَلِيق بِهِ كَمَا يَقُوله الأوساط لِأَنَّهُ لَا يخْشَى الْكِنَايَة وَإِذا سَمِعت مَا تلونا عَلَيْك وتأملت الْمَقْصُود من إيرادنا هَذَا الْكَلَام عَلَيْك يتنفس الْجَواب عَن الثَّالِث وَالرَّابِع فِي ذهنك النَّفس الْجَلِيّ وَأما قَوْلك خَامِسًا هَب هَذَا خطأ صَرِيحًا أَلَيْسَ الْمَقْصُود هُنَا كالصبح فَمَا كَانَ لَو اشتغلت بِالْجَوَابِ فَنَقُول الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْأَئِمَّة قد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يكْتب على الْفَتْوَى إِلَّا بعد تَصْحِيح السُّؤَال وَالثَّانِي أَنه يحْتَمل أَن يكون قد أحسن الظَّن فِي حَقك بِأَن مثل هَذَا لَا يخفى عَلَيْك وَمَعَ ذَلِك يكون قد خطر لَهُ أَنَّك قد فعلت هَذَا امتحانا هَل يتفطن أحد لتركيبك أم لَا فعلى هَذَا كَيفَ يتَعَدَّى عَن التَّنْبِيه إِلَى الْمَقْصُود وَأما قَوْلك سادسا قد أوجب الشَّرْع رد التَّحِيَّة وَالسَّلَام فَالْجَوَاب عَنهُ أَيْضا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْوَاجِب هُوَ الرَّد لَا الْكِتَابَة فَيحْتَمل أَن يكون قد رد بِلِسَانِهِ وَمَا كتب وَمَا أعرف أحدا من الْأَصْحَاب قَالَ بِوُجُوب الْكِتَابَة أَو مَا سَمِعت مَا أجَاب الْفُضَلَاء عَن الْمُزنِيّ حَيْثُ قيل إِنَّه لم يكْتب أول الْمُخْتَصر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالثَّانِي أَنَّك زعمت فِي الْوَجْه الثَّامِن أَنَّك مَا خصصته بالسؤال بل أوردته على وَجه التَّعْمِيم والإجمال فَنَقُول حِينَئِذٍ لَا يجب عَلَيْهِ بِعَيْنِه رد السَّلَام بل على وَاحِد لَا بِعَيْنِه لَكِن أعذرك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 69 فِي مَسْأَلَة رد التَّحِيَّة لِأَنَّك فِي الْفِقْه مَا وصلت إِلَى بَاب الطَّهَارَة فَكيف بمسائل تذكر فِي أَوَاخِر الْفِقْه وَأما قَوْلك سابعا زعم أَنه من بَنَات خلع عَلَيْهِنَّ الثِّيَاب فَالْجَوَاب عَنهُ أَن الزَّعْم قَول يكون مَظَنَّة للكذب وَمَا ذكره من الْحق الأبلج وَمن ظن خلاف ذَلِك فقد وَقع فِي الْبَاطِل اللجلج لِأَن مُرَاده ببنات خلع عَلَيْهِنَّ الثِّيَاب نتائج فكره الَّتِي انتشرت فِي الْبِلَاد كشرح الْمِنْهَاج والمصباح وَشرح التصريف والنكات وحواشي شرح الْمفصل والمفصل والمفتاح وحواشي المصابيح وَشرح السّنة وحواشي الكشال وحواشي الطوالع والمطالع وَشرح الإشارات وَغير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره وقولك فَلَا ريب فِي أَنَّهَا تكون ميتَة أَو بالية دَال على جهلك لِأَن قَول الْعَالم لَا يَمُوت وَلَو مَاتَ الْعَالم وَلِهَذَا يحْتَج بِهِ أما قَالَ بَعضهم الْعلمَاء باقون مَا بَقِي الدَّهْر أعيانهم مفقودة وآثارهم فِي الْقُلُوب مَوْجُودَة قَوْلك مصداق كَلَامه أَن ينبش عَنْهَا فنرى ماهيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 70 قلت الحذر الحذر فَإِنَّهَا نَار حامية وقولك أَو يَأْتِي بِمِثْلِهَا فنرى ماهيه قلت نعم لَكِن بِشَرْط أَن تنْزع من صماخيك صمام الصمم حَتَّى أفرغ فِيهَا شَيْئا من مبَاحث الحكم فَأَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَمَا ذكره وَالِدي فِي الْفرق أَن صَاحب الْكَشَّاف إِنَّمَا حكم بِأَن قَوْله {من مثله} إِذا كَانَ صفة سُورَة يجوز أَن يعود الضَّمِير إِلَى {مَا} وَإِلَى {عَبدنَا} وَإِذا كَانَ مُتَعَلقا بفأتوا تعين أَن يكون الضَّمِير للْعَبد لِأَنَّهُ إِذا كَانَ صفة فَإِن عَاد الضَّمِير إِلَى {مَا} تكون {من} زَائِدَة كَمَا هُوَ مَذْهَب الْأَخْفَش فِي زِيَادَة من إِذْ الْمَعْنى حِينَئِذٍ فَأتوا بِسُورَة من مثل الْقُرْآن فِي حسن النّظم واستقامة الْمَعْنى وفخامة الْأَلْفَاظ وجزالة التَّرْكِيب وَلَيْسَ النّظر إِلَى أَن يكون مثل بعض الْقُرْآن أَو كُله بل لَا وَجه لهَذَا الِاعْتِبَار يُؤَيّدهُ قَوْله تَعَالَى فِي مَوضِع آخر {فَأتوا بِسُورَة مثله وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله} وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوضِع آخر {فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله} فَلَا تكون من لتبعيض وَلَا ابتدائية لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُود أَن يكون مُبْتَدأ الْإِتْيَان هَذَا أَو ذَاك وَإِن عَاد الضَّمِير إِلَى {عَبدنَا} تكون من ابتدائية وَهُوَ ظَاهر وَأما إِذا كَانَ {من مثله} مُتَعَلقا بفأتوا فَلَا يجوز أَن تكون من زَائِدَة لِأَن حرف الْجَرّ إِذا كَانَ زَائِدا لَا يكون مُتَعَلقا بِشَيْء فَتعين أَن يكون الْمَعْنى فَأتوا بِسُورَة من مثل عَبدنَا وَتَكون من ابتدائية ثمَّ قَالَ أَو نقُول إِنَّمَا قَالَ صَاحب الْكَشَّاف إِن {من مثله} إِن كَانَ صفة سُورَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 71 يحْتَمل عود الضَّمِير إِلَى {مَا} وَإِلَى {عَبدنَا} لصِحَّة أَن يُقَال سُورَة كائنة من مثل مَا نزلنَا بِأَن تكون السُّورَة بعض مثل مَا نزل أَو يكون مثل مَا نزل مُبْتَدأ نُزُوله ولصحة أَن يُقَال سُورَة كائنة من مثل عَبدنَا بِأَن يكون قد قَالَه وَيكون تركيبه وَكَلَامه وَأما إِن كَانَ {من مثله} مُتَعَلقا بفأتوا فَيتَعَيَّن أَن يكون عَائِدًا إِلَى {عَبدنَا} لِاسْتِقَامَةِ أَن يُقَال فَأتوا من مثل عَبدنَا أَي من عبد مثله بِأَن يكون كَلَامه وَلَا يَسْتَقِيم أَن يُقَال فَأتوا من عبد مثل مَا نزلنَا أَي من جِهَته إِذْ لَا يَسْتَقِيم أَن يُقَال أَتَى هَذَا الْكَلَام من فلَان إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك الفلان مِمَّن يُمكن أَن يكون هَذَا كَلَامه وَيكون هَذَا الْكَلَام مَنْقُولًا مِنْهُ مرويا عَنهُ وَهَذَا ظَاهر وَلِهَذَا مَا بسط الزَّمَخْشَرِيّ الْكَلَام فِيهِ بل اقْتصر على ذكره وَالله أعلم وَأما قَوْلك ثامنا إِن السُّؤَال لم يخص بِهِ مُخَاطب دون مُخَاطب فَهَذَا كَلَام المجانين لِأَنَّك بعثت هَذَا السُّؤَال على يَد الشَّيْخ عَلَاء الدّين الباوردي إِلَى خدمته وَطلبت مِنْهُ الْجَواب لَكِن لما اشْتبهَ عَلَيْك القَوْل أخذت تبدي النزق والعول فَتَارَة تمنع وتخاله صَوَابا وَأُخْرَى ترد وتظنه جَوَابا أما تستحيي من الْفُضَلَاء الَّذين كَانُوا مطلعين على هَذَا الْحَال وَلَقَد صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ (إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولى إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 72 ثمَّ إِن الَّذِي يقْضى مِنْهُ الْعجب حالك فِي قلَّة الْإِنْصَاف وفرط الْجور والاعتساف وَذَلِكَ أَن هَذَا مَا هُوَ أول سُؤال سَأَلته عَنهُ بل مَا زلت مُنْذُ توليت الْقَضَاء كلا عَلَيْهِ حَيْثُ سرت غير منفك من اقتباس الْأَحْكَام من فَتَاوِيهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهت تسأله فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة عَن النقير والقطمير ثمَّ فِي تضاعيف ذَلِك لما سَأَلته عَن آيَة من التَّفْسِير ونبهك على تَصْحِيح التَّقْرِير جَاشَتْ مِنْك الحمية فشرعت تجحد فَضله وتنكر سبقه هَيْهَات هَيْهَات (اتَّسع الْخرق على الراقع ... ) وقولك راعيت فِيهِ طَرِيق التَّعْظِيم والإجلال نعم هَذَا كَانَ الْوَاجِب عَلَيْك لِأَنَّك أَنْت السَّائِل والسائل كالمتعلم والمسئول كالمعلم فَالْوَاجِب عَلَيْك تَعْظِيمه وَعَلِيهِ أَن يرشدك وَقد فعل بِأَن هداك إِلَى تَصْحِيح السُّؤَال وقولك فَأنى رأى نَفسه أَهلا لهَذَا الْخطاب قلت من فضل الله الْعَظِيم أَن جعله أستاذ الْعلمَاء فِي زَمَانه {أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله فقد آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة وآتيناهم ملكا عَظِيما} وَلَقَد أحسن بديع الزَّمَان حَيْثُ قَالَ (أَرَاك على شفا خطر مهول ... بِمَا أودعت رَأسك من فضول) (طلبت على تقدمنا دَلِيلا ... مَتى احْتَاجَ النَّهَار إِلَى دَلِيل) وقولك فَهَل لَا رده عَن نَفسه إِلَى من هُوَ أجل مِنْهُ قدرا وأنور مِنْهُ بَدْرًا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 73 فَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن الأول أَنَّك بعثت إِلَيْهِ وَسَأَلته عَنهُ فَصَارَ كفرض الْعين بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فَلِذَا قَالَ مَا حَاصله أَن السُّؤَال يحْتَاج إِلَى التَّصْحِيح بِالنّظرِ الدَّقِيق ليصير مُسْتَحقّا للجواب من أهل التَّحْقِيق وَالثَّانِي قل لي من كَانَ فِي الْبَين فِي ذَلِك الزَّمَان مِمَّن يماثله أَو يدانيه وقولك فِي هَذِه الْبَلدة من زعماء التَّحْرِير وعلماء النحارير فَمُسلم لَكِن كلهم أَو أَكْثَرهم تلامذته أَو من تلامذة تلامذته وَهَذَا مِمَّا لَا يُنكره غير جَاهِل مارد أَو حَاسِد معاند أَو مَا كَانُوا يهذبون إِلَى دُرَر فَوَائده من كل فج عميق ويتزاحمون على اجتلاب دُرَر مباحثه فريقا بعد فريق وَمَا أحسن قَول من قَالَ (وجحود من جحد الصَّباح إِذا بدا ... من بعد مَا انتشرت لَهُ الأضواء) (مَا دلّ أَن الشَّمْس لَيْسَ بطالع ... بل أَن عينا أنْكرت عمياء) وَأما قَوْلك تاسعا البليغ من عدت هفواته والجواد من حصرت عثراته إِلَى آخر مَا هذيت فَالْجَوَاب عَنهُ حاشا أَن يكون من البلغاء الَّذين تكون هفواتهم مَعْدُودَة أَو من الْجواد الَّذِي تكون عثراته محصورة فَإنَّك قد عثرت فِي هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب تعثيرا كثيرا كَمَا ترى وَلَوْلَا دعدعتنا لَك لبقيت عاثرا أبدا وَقد قيل (لحى الله قوما لم يَقُولُوا لعاثر ... وَلَا لِابْنِ عَم كَبه الدَّهْر دعدعا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 74 بل أَنْت مثل قَول الشَّاعِر (فضول بِلَا فضل وَسن بِلَا سنا ... وَطول بِلَا طول وَعرض بِلَا عرض) وَأما قَوْلك عاشرا أَظُنك قد غَرَّك رَهْط قد احتفوا من حولك وألقوا السّمع إِلَى قَوْلك إِلَى الآخر فَالْجَوَاب أَن هَذَا ظن فَاسد قد نَشأ من سوء فهمك وَخطأ قياسك لِأَنَّك قسته على نَفسك وَالْأَمر على عكس ذَلِك لِأَنَّك قد ركبت الشطط والأهوال وبذلت الْعُمر وَالْأَمْوَال حَتَّى اجْتمع عنْدك جمع من الفسقة الْجُهَّال لَا يعْرفُونَ الْحَرَام من الْحَلَال وَلَا يميزون الْجَواب عَن السُّؤَال يعظمونك فِي خطاب ويصدقونك فِي الغياب يمثلونك بذوي الرّقاب فَقل بِاللَّه قولا صَادِقا هَل تقدّمت فِي مُدَّة حَيَاته فِي مجَالِس التدريس وَحلق المناظرة وَهل عَلَيْك للْعلم جمال وأبهة أَو مَا كنت بالعامة مشتبه وبالأتراك مقتده يجرونك إِلَى كل بلد سحيق ويرمونك فِي كل فج عميق وَهل لَا سفهت رَأْي مخدومك مُحَمَّد بن الرشيد وَزِير السُّلْطَان أبي سعيد حِين بنى باسمه الْمدرسَة الحجرية فِي الرّبع الرشيدية وَحَضَرت بَين يَدَيْهِ يَوْم الإجلاس صامتا كالبرمة عِنْد الهراس وفقدت الْحَواس وَكنت كالوسواس الخناس الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس فنعوذ بِاللَّه من أمثالك من الْجنَّة وَالنَّاس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 75 وَأما الَّذين اجْتَمعُوا عِنْد وَالِدي وَاشْتَغلُوا عَلَيْهِ وتمثلوا بَين يَدَيْهِ فهم الْعلمَاء الْأَبْرَار والصلحاء الأخيار بذلوا لَهُ الْأَنْفس وَالْأَمْوَال مِنْهُم الإِمَام الْهمام الشَّيْخ شرف الدّين الطَّيِّبِيّ شَارِح الْكَشَّاف والتبيان وَهُوَ كَالشَّمْسِ لَا يخفى بِكُل مَكَان وَمِنْهُم الإِمَام المدقق نجم الدّين سعيد شَارِح شرح الحاجبية وَالْعرُوض الساوية وَهُوَ الَّذِي سَار بِذكرِهِ الركْبَان وَمِنْهُم النوران فرج بن أَحْمد الأردبيلي وَمُحَمّد بن أبي الطّيب الشِّيرَازِيّ وهما كالتوأمين تراضعا بلبان وَأي لبان ورتعا من أكلأ الْعُلُوم فِي عشب أخصب من نعْمَان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 76 وَمِنْهُم قَاضِي الْقُضَاة نظام الدّين عبد الصَّمد وَهُوَ مِمَّا لَا يشق غباره وَلَا يخفى عَن غير الْمُعْتَرض مِقْدَاره فكم لوالدي من مثلهم من التلامذة فِي كل بلد بِحَيْثُ إِنِّي لَو أُرِيد أَن أذكرهم بِبَعْض تراجمهم أحتاج إِلَى مجلدات فَيكون تضييعا للقرطاس وتضييقا للأنفاس فَهَؤُلَاءِ لعمري رجال إِذا أمعن المتأمل فيهم عرف أَن مَاءَهُمْ بلغ قُلَّتَيْنِ فَلم يحمل خبثا وقولك فاقبل النَّصِيحَة فَنَقُول يَا أَيهَا المستنصح لم لَا نصحت نَفسك حَتَّى كُنَّا سلمنَا من هَذِه الهذيانات أما سَمِعت قَوْله تَعَالَى {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} وَقَول الشَّاعِر (لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم) فَأَنت الْبَاعِث لي على هَذِه الْكَلِمَات وَإِلَّا أَيْن أَنا والبحث عَن أَمْثَال هَذِه الْأَسْرَار والخوض فِي الْجَواب عَن نتائج قرائح الأخيار قَالَ الشَّاعِر (وَمَا النَّفس إِلَّا نُطْفَة فِي قرارة ... إِذا لم تكدر كَانَ صفوا غديرها) لَكِن الضَّرُورَة إِلَى هَذَا الْمِقْدَار دعتني وَفِي الْمثل لَو ذَات سوار لطمتني الجزء: 10 ¦ الصفحة: 77 قَالَ الشَّاعِر (فنكب عَنْهُم دَرْء الأعادي ... وداووا بالجنون من الْجُنُون) ثمَّ إِنِّي أسْتَغْفر الله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم غفار الذُّنُوب ستار الْعُيُوب وَأَتُوب إِلَيْهِ وأحلف بِاللَّه الْعَظِيم أَن القَاضِي عضد الدّين تغمده الله برحمته مَا كَانَ يعْتَقد فِي وَالِدي رَحمَه الله الَّذِي عرض بِهِ فِي الْجَواب بل كَانَ مُعظما لَهُ غَايَة التَّعْظِيم حضورا وغيبة وحاش لله أَن أعتقد أَيْضا فِيهِ مَا تعرضت لَهُ فِي بعض الْمَوَاضِع بل أَنا مُعظم لَهُ مُعْتَقد أَنه كَانَ من أكَابِر الْفُضَلَاء وأماثل الْعلمَاء وَكَذَا وَالِدي رَحمَه الله كَانَ يعظمه أَكثر من ذَلِك نعم إِنَّمَا يعرف ذَا الْفضل من النَّاس ذووه والشيطان قد ينزغ بَين الْأَحِبَّة وَالإِخْوَة وَإِنَّمَا كتبت هَذِه الْكَلِمَات اسْتِيفَاء للْقصَاص فَلَا يظنّ ظان أَنِّي محقر لَهُ فَإِنَّهُ قد يسْتَوْفى الْقصاص مَعَ التَّعْظِيم وَيعرف هَذَا من يعرف دقائق الْفِقْه ثمَّ إِنِّي أَرْجُو من كرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يتَجَاوَز عَنَّا جَمِيع مَا زلت بِهِ الْقدَم وطغى بِهِ الْقَلَم وَأَن يجعلنا مِمَّن قَالَ فِي حَقهم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين} وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 78 1380 - عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعد الله بن جمَاعَة قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين أَبُو عمر ولد قَاضِي الْقُضَاة شَيخنَا بدر الدّين أبي عبد الله أما وَالِده فسبقت تَرْجَمته وَأما هَذَا فمولده فِي سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة بِدِمَشْق المحروسة بِالْمَدْرَسَةِ العادلية الْكُبْرَى بمنزل وَالِده حَيْثُ كَانَ قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام وربي فِي عز زَائِد وَسعد كثير وديانة وتصون وَطلب للْحَدِيث طلب بِنَفسِهِ وَسمع الْكثير وارتحل من مصر إِلَى الشَّام سمع من أبي الْمَعَالِي الأبرقوهي وَأبي الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر وَلما عمي وَالِده قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين وَولي الْقَضَاء بالديار المصرية قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين اسْتَقر القَاضِي عز الدّين على وكَالَة بَيت المَال ووكالة الْخَاص وتدريس زَاوِيَة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِمصْر وتدريس الْفِقْه والْحَدِيث بِجَامِع طولون وَنَظره وتدريس جَامع الْأَقْمَر وَنَظره وَغير ذَلِك من الشّرف والوظائف وَلم يزل إِلَى أَن صرف قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين فَتَوَلّى هُوَ قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَاسْتمرّ فِي عز ورفعة بِيَدِهِ قَضَاء الْقُضَاة والخطابة وَمَا أضيف الحديث: 1380 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 79 إِلَيْهِمَا مَعَ الزاوية وجامع طولون إِلَى سنة تسع وَخمسين وَسَبْعمائة فِي نوبَة صرغتمش عزل عَن الْقَضَاء ومضافاته وَاسْتمرّ على الزاوية وجامع طولون فاستمر على ذَلِك ثَمَانِينَ يَوْمًا ثمَّ أُعِيد إِلَى الْقَضَاء وَمَا مَعَه عِنْد ذهَاب دولة صرغتمش فَعَاد مخطوبا مَطْلُوبا وَاسْتمرّ يتقلق كل وَقت من المنصب ويؤثر الِانْقِطَاع وَالْعُزْلَة وَيطْلب الْإِقَالَة فَلَا يُجَاب إِلَى شهر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة دخل على نظام الْملك الْأَمِير الْكَبِير يلبغا مُدبر المملكة أعز الله نصرته وعزل نَفسه وصمم على عدم الْعود وَاتفقَ لَهُ مَا لم يتَّفق لقاض قبله من العظمة وَنزل الْأَمِير الْكَبِير يلبغا بِنَفسِهِ وَهُوَ ملك البسيطة إِلَى دَاره وَدخل عَلَيْهِ ورجاه أَن يعود فَأبى وَاسْتمرّ على الزاوية وجامع طولون وجامع الْأَقْمَر وانفصل عَن الْقَضَاء ومتعلقاته إِلَى أَوَان الْحَج أخبرهُ فَقير أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام يَقُول لَهُ فلَان أوحشنا وَذكر هُوَ أَنه رأى وَالِده يَقُول فِي الْمَنَام الَّذِي رَآهُ الْفَقِير صَحِيح فحج وجاور بِمَكَّة إِلَى جُمَادَى الأولى توجه إِلَى زِيَارَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَاد إِلَى مَكَّة فَأَقَامَ بهَا ثَلَاثَة أَيَّام معافى ثمَّ مرض فاستمر بِهِ الْمَرَض عشرَة أَيَّام فَتوفي فِي عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بِمَكَّة وَدفن فِي حادي عشر بَين الفضيل بن عِيَاض وَالشَّيْخ نجم الدّين الْأَصْفَهَانِي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 80 وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ نسمَة سعيدة من سعداء الدُّنْيَا بِالْمُشَاهَدَةِ وَمن سعداء الْآخِرَة فِيمَا يغلب على الظَّن محبا للْحَدِيث ولسماعه معمور الْأَوْقَات بذلك نَافِذ الْكَلِمَة وجيها عِنْد الْمُلُوك كثير الْعِبَادَة كثير الْحَج والمجاورة ونال مَا لم ينله أحد قبله من مزِيد السعد مَعَ حسن الشُّهْرَة ونفاذ الْكَلِمَة وَطول الْمدَّة وَكَثْرَة السّكُون 1371 - عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ شَيخنَا نجم الدّين الأصفوني أَبُو الْقَاسِم صَاحب مُخْتَصر الرَّوْضَة وَقد قَرَأت عَلَيْهِ بعضه بالحجرة النَّبَوِيَّة على ساكنها أفضل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأتم التَّحِيَّة وَالْإِكْرَام فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة مولده سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة وتفقه بالصعيد على الشَّيْخ بهاء الدّين القفطي وَقَرَأَ الْقُرْآن وَتردد إِلَى الْحَج ثمَّ جاور بِمَكَّة إِلَى حِين وَفَاته وَكَانَ رجلا صَالحا عَالما يعرف الْفِقْه والفرائض وَغَيرهمَا توفّي فِي ثَالِث عشر ذِي الْحجَّة سنة خمسين وَسَبْعمائة بمنى وَنقل إِلَى الْمُعَلَّى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 81 1372 - عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن عُثْمَان الشَّيْخ عماد الدّين أَبُو الْعِزّ الهكاري قَاضِي الْمحلة وَيعرف بِابْن خطيب الأشمونين سمع من عبد الصَّمد بن عَسَاكِر وَغَيره وَله الْكَلَام على حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي وَاقع أَهله فِي نَهَار رَمَضَان وتصانيف كَثِيرَة حَسَنَة وأدب وَشعر توفّي بِالْقَاهِرَةِ سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة وَرَأَيْت فِي تعاليق الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله مَا نَصه وَمن خطه نقلته هَذِه نخبة من الْكَلَام على حَدِيث المجامع فِي نَهَار رَمَضَان الَّذِي أَلفه القَاضِي عز الدّين عبد الْعَزِيز ابْن أَحْمد بن عُثْمَان الهكاري الْحَاكِم بالغربية وَمَا قد يحصل عَلَيْهِ من التعقب أَبُو هُرَيْرَة قَالَ وَهُوَ فِي الْمَشْهُور عِنْد الْمُحدثين عبد الرَّحْمَن بن صَخْر بن عبد ذِي الشرى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 82 وَذُو الشرى صنم لدوس بن طريف بن عتاب بن أبي صَعب بن مُنَبّه بن سعد بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس ودوس بطن من الأزد وَأمه أُمَيْمَة بن صفيح بن الْحَارِث دوسية صحابية قَالَ الشَّيْخ الإِمَام قَوْله عبد الرَّحْمَن بن صَخْر بن عبد ذِي الشرى لَا أعرف من قَالَ بِهِ بل هُوَ تركيب من قَوْلَيْنِ أَحدهمَا عبد الرَّحْمَن بن صَخْر الَّذِي هُوَ الْمَشْهُور وَالثَّانِي قَول قَالَه هِشَام بن الْكَلْبِيّ وَغَيره وَكَانَ يختاره شَيخنَا الدمياطي أَن اسْمه عُمَيْر بن عَامر بن عبد ذِي الشرى وَقَوله فِي جد جده عتاب هَكَذَا رَأَيْته مضبوطا فِي نسخته وَالَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من الطَّبَقَات عياز بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف زَاي وَقَوله فِي جده مُنَبّه هَكَذَا رَأَيْته وَالَّذِي فِي طَبَقَات فِي موضِعين هنيَّة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 83 بِالْهَاءِ المضمومة وَبعدهَا نون ثمَّ يَاء آخر الْحُرُوف وَحصل التَّعْصِيب فِي نسب أمه فَإِن جدها الْحَارِث بن شاني بن أبي صَعب فالحارث جدها ابْن عَم طريف جد أَبِيه وَقَالَ فِي أبي هُرَيْرَة وَقَومه إِنَّهُم قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد فتح خَيْبَر قَالَ الشَّيْخ الإِمَام هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا خلاف قديم وَالصَّحِيح أَن أَبَا هُرَيْرَة قدم قبل فتحهَا وَفِيه حَدِيث فِي البُخَارِيّ عَن مَالك وَقَالَ إِن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ أَكثر الصَّحَابَة رِوَايَة بِالْإِجْمَاع قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فِي دَعْوَى الْإِجْمَاع نظر فَإِن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ إِلَّا عبد الله بن عَمْرو فَإِنَّهُ كَانَ يكْتب وَلَا أكتب ذكر أَن عدم تبادر الذِّهْن دَلِيل عدم الْحَقِيقَة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح الجزء: 10 ¦ الصفحة: 84 1373 - عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عَليّ الطوسي ضِيَاء الدّين مدرس النجيبية ومعيد الناصرية بِدِمَشْق كَانَ عَارِفًا بالفقه وَالْأُصُول صنف شرح الْحَاوِي وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَمَات فِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسَبْعمائة 1374 - عبد الْغفار بن مُحَمَّد بن عبد الْكَافِي بن عوض السَّعْدِيّ الْمصْرِيّ القَاضِي تَاج الدّين أَبُو الْقَاسِم سمع من الْمعِين أَحْمد بن عَليّ الدِّمَشْقِي وَعبد الله بن علاق وَأحمد بن عبد الله بن النّحاس والنجيب عبد اللَّطِيف وَعبد الْعَزِيز ابْني عبد الْمُنعم الْحَرَّانِي وَعبد الْهَادِي الْقَيْسِي وَابْن خطيب المزة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 85 ورحل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَسمع من عُثْمَان بن عَوْف وَعبد الْوَهَّاب بن الْفُرَات وَغَيرهم وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وانتقى على بعض شُيُوخه وَخرج لنَفسِهِ ودرس فِي الحَدِيث بِمصْر وناب فِي الحكم بهَا مولده فِي الْمحرم سنة خمسين وسِتمِائَة وَمَات فِي مستهل شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بِمصْر أخبرنَا أقضى الْقُضَاة عبد الْغفار بن مُحَمَّد السَّعْدِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا حَاضر فِي الْخَامِسَة أخبرنَا النجيب عبد اللَّطِيف بن عبد الْمُنعم أخبرنَا عبد الْمُنعم بن عبد الْوَهَّاب بن كُلَيْب أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن بَيَان أخبرنَا أَبُو الْحسن بن مخلد حَدثنَا أَبُو عَليّ الصفار حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة حَدثنَا مُحَمَّد بن خازم أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الْقرشِي عَن عبد ابله بن أبي مليكَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما ثقل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر (ائْتِنِي بكتف حَتَّى أكتب لأبي بكر كتابا لَا يخْتَلف عَلَيْهِ من بعدِي) قَالَت فَلَمَّا قَامَ عبد الرَّحْمَن قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَبى الله والمؤمنون أَن يخْتَلف على أبي بكر) // أخرجه البُخَارِيّ // عَن أبي قدامَة عبيد الله بن سعيد السَّرخسِيّ عَن يزِيد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 86 ابْن هَارُون عَن إِبْرَاهِيم بن سعد الزُّهْرِيّ عَن صَالح بن كيسَان عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَوَقع لنا عَالِيا بدرجتين 1375 - عبد الْغفار بن نوح كَذَا يُقَال وَإِنَّمَا اسْم وَالِده أَحْمد بن عبد الْمجِيد بن عبد الحميد الدوري الأقصري القوصي الرجل الصَّالح صَاحب كتاب الوحيد فِي التَّوْحِيد طلب الْعلم وَسمع الحَدِيث من الحافظين أبي مُحَمَّد الدمياطي والمحب الطَّبَرِيّ وتجرد زَمَانا وَأبْصر ألوانا وَصَحب الشَّيْخَيْنِ أَبَا الْعَبَّاس الملثم وَعبد الْعَزِيز المنوفي وَكَانَ أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاء عَن الْمُنكر وَقد حكى فِي كتاب الوحيد الغرائب والعجائب وَأورد فِيهِ الْكثير من شعر نَفسه وَكَانَ مراعيا للحضور والخشوع فِي صلَاته تذكر لَهُ كرامات كَثِيرَة وأحوال سنية الجزء: 10 ¦ الصفحة: 87 وَله بِظَاهِر قوص رِبَاط كَبِير مَعْرُوف بِهِ وَمن شعره (أَنا أُفْتِي أَن ترك الْحبّ ذَنْب ... آثم فِي مذهبي من لَا يحب) (ذُقْ على أَمْرِي مرارات الْهوى ... فَهُوَ عذب وَعَذَاب الْحبّ عذب) (كل قلب لَيْسَ فِيهِ سَاكن ... صبوة عذرية مَا ذَاك قلب) وَحج فَلَمَّا أبْصر الْكَعْبَة قَالَ لنَفسِهِ (دَعْنِي أعفر جبهتي بترابها ... وَأَقْبل الأعتاب من أَبْوَابهَا) (خود رَأَيْت الْبَدْر تَحت نقابها ... سلبت رجال الْحَيّ عَن ألبابها) (فَالْكل صرعى دون رفع حجابها ... ) حضر من الصَّعِيد إِلَى الْقَاهِرَة فِي محنة امتحنها ظَهرت لَهُ فِيهَا كرامات وَمَات بِمصْر فِي ثامن ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسَبْعمائة وَذكر أَنه أوصى أَنه إِذا حصل فِي الْقَبْر ينْزع عَنهُ كَفنه وَيبقى بالشدادة بِغَيْر كفن ليلقى الله مُجَردا وَأَنه فعل مَا وصّى بِهِ وَاشْترى النَّاس كَفنه بجملة من الذَّهَب تبركا بِهِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 88 1376 - عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام السُّبْكِيّ جدي أقضى الْقُضَاة زين الدّين أَبُو مُحَمَّد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 89 سمع من ابْن خطيب المزة وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل بن الْأنمَاطِي وَغَيرهمَا وَأَجَازَ لَهُ الْعِزّ الْحَرَّانِي وَابْن الْقُسْطَلَانِيّ وَغَيرهمَا وَحدث بِالْقَاهِرَةِ والمحلة خرج لَهُ الْحَافِظ تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن يحيى السُّبْكِيّ مشيخة حدث بهَا وَولي قَضَاء الشرقية وأعمالها والغربية وأعمالها من الديار المصرية وَكَانَ من أَعْيَان نواب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد قَرَأَ الْأُصُول على الْقَرَافِيّ وَالْفُرُوع على الظهير التزمنتي وَكَانَ رجلا صَالحا كثير الذّكر وَله نظم كثير غالبه زهد ومدح فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع شبعان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بالمحلة وَدفن من الْغَد بظاهرها حضرت دَفنه وَأَنا شَاك فِي حُضُور الصَّلَاة عَلَيْهِ أخبرنَا جدي تغمده الله برحمته قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا حَاضر فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أخبرنَا أَبُو الْفضل عبد الرَّحِيم بن يُوسُف ابْن خطيب المزة سَمَاعا أخبرنَا عمر بن مُحَمَّد بن طبرزد أخبرنَا القَاضِي أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْمَوَاهِب أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُلُوك قَالَا أخبرنَا القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ أخبرنَا أَبُو أَحْمد بن الغطريف بجرجان حَدثنِي أَبُو عوَانَة الإسفرايني حَدثنَا يزِيد بن سِنَان حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى حَدثنَا إِدْرِيس الأودي عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا قَالَ عبد عِنْد مَرِيض أسأَل الله الْعَظِيم رب الْعَرْش الْعَظِيم أَن يشفيك سبع مَرَّات إِلَّا عوفي) // أخرجه النَّسَائِيّ // فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من حَدِيث الْمنْهَال بن عَمْرو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 90 وَكَثِيرًا مَا كَانَ رَحمَه الله ينشد (يَا أَيهَا الْمَغْرُور بِاللَّه ... فر من الله إِلَى الله) (ولذ بِهِ واسأله من فَضله ... لقد نجا من لَاذَ بِاللَّه) (وقم لَهُ وَاللَّيْل فِي جنحه ... فحبذا من قَامَ لله) (واتل من الْوَحْي وَلَو آيَة ... تكس بهَا نورا من الله) (وعفر الْوَجْه لَهُ سَاجِدا ... فعز وَجه ذل الله) نقلت من خطّ الْجد رَحمَه الله سَمِعت شَيخنَا الإِمَام تَقِيّ الدّين أَبَا الْفَتْح بن دَقِيق الْعِيد فِي درس الكاملية يَقُول أَقمت مُدَّة أطلب الْفرق بن الْجَهْر والإسرار فَلم أجد إِلَّا قَوْله مَا أسر من أسمع نَفسه نقلت من خطّ الْجد رَحمَه الله نسبتنا معاشر السبكية إِلَى الْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم وَقد رَأَيْت الْحَافِظ النسابة شرف الدّين الدمياطي رَحمَه الله يكْتب بِخَطِّهِ للشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله الْأنْصَارِيّ الخزرجي وَصُورَة مَا نقل من خطّ الْجد حَدثنَا الصاحب بهاء الدّين أَبُو الْفَضَائِل تَمام الْوَزير الْمَالِكِي الْمَذْهَب ولد يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام بن حَامِد بن يحيى بن عمر بن عُثْمَان بن عَليّ بَين مسوار بن سوار بن سليم بن أسلم الْأنْصَارِيّ الخزرجي وَأسلم من خُزَاعَة وَقيل لَهُم خُزَاعَة لأَنهم تخزعوا عَن الأزد والتخزع التقاسم وَأسلم ابْن أفصى بن حَارِثَة بن عَمْرو مزيقياء بن عَامر وَهُوَ مَاء السَّمَاء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 91 ابْن حَارِثَة وَهُوَ الغطريف بن امْرِئ الْقَيْس وَهُوَ البطريق بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد مِنْهُم بُرَيْدَة بن الْحصيب الْأَسْلَمِيّ وَعبد الله بن أبي أوفى الصحابيان وَغَيرهمَا ومازن من الأزد إِلَيْهِ جماع غَسَّان وغسان اسْم مَاء شربوا مِنْهُ قَالَ الشَّاعِر (إِمَّا سَأَلت فَإنَّا معشر نجب ... الأزد نسبتنا وَالْمَاء غَسَّان) وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أسلم سَالَمَهَا الله وغفار غفر الله لَهَا وَعصيَّة عصيت الله وَرَسُوله) انْتهى وَهُوَ عَن مسودات بِخَط الْجد رَحمَه الله وَذكر بعده النِّسْبَة إِلَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ قَالَ فِي آخِره وَقد نقلت هَذَا من خطّ الْفَقِيه الْفَاضِل الْحَافِظ شرف الدّين مُحَمَّد بن المخلص بن أسلم السنهوري فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة قلت سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة ظرف لخط السنهوري يَعْنِي أَنه خطه فِي ذَلِك التَّارِيخ لَا أَن الْجد كتب هَذَا الَّذِي نقلته فِي ذَلِك التَّارِيخ وَلم يكْتب الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله بِخَطِّهِ لنَفسِهِ الْأنْصَارِيّ قطّ وَإِن كَانَ شَيْخه الدمياطي يَكْتُبهَا لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يتْرك الشَّيْخ الإِمَام كِتَابَة ذَلِك لوفور عقله ومزيد ورعه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 92 فَلَا يرى أَن يطْرق نَحوه طعن من المنكرين وَلَا أَن يَكْتُبهَا مَعَ احْتِمَال عدم الصِّحَّة خشيَة أَن يكون قد دَعَا نَفسه إِلَى قوم وَلَيْسَ مِنْهُم وَقد كَانَت الشُّعَرَاء يمدحونه وَلَا يخلون قصائدهم من ذكر نسبته إِلَى الْأَنْصَار وَهُوَ لَا يُنكر ذَلِك عَلَيْهِم وَكَانَ رَحمَه الله أورع وَأتقى لله من أَن يسكت على مَا يعرفهُ بَاطِلا وَقد قَرَأَ عَلَيْهِ شَاعِر الْعَصْر ابْن نباتة غَالب قصائده الَّتِي امتدحه بهَا وفيهَا ذكر نسبته إِلَى الْأَنْصَار وَالشَّيْخ الإِمَام يقره وَسمع لَهُ قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا فِيهِ (من بَيت فضل صَحِيح الْوَزْن قد رجحت ... بِهِ مفاخر آبَاء وَأَبْنَاء) (قَامَت لنصرة خير الْأَنْبِيَاء ظبا ... أنصاره واستعاضوا خير أنباء) (أهل الصريحين من نطق وَمن كرم ... آل الربيحين من نصر وإيواء) (المعربون بِأَلْفَاظ ولحن ظبا ... ناهيك من عرب فِي الْخلق عرباء) (مفرغين جفونا فِي صباح وغى ... ومالئين جفانا عِنْد إمساء) (مضوا وضاءت بنوهم بعدهمْ شهبا ... تمحى بِنور سناها كل ظلماء) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 93 (فَمن هِلَال وَمن نجم وَمن قمر ... فِي أفق عز وتمجيد وعلياء) (حَتَّى تجلى تَقِيّ الدّين صبح هدى ... يملي وإملاؤه من فكره الرَّائِي) وَكتب عَلَيْهَا طبقَة السماع بِخَطِّهِ وَكَذَلِكَ حضر الشَّيْخ الإِمَام عقد بَنَات بعض الأكابر وَكَانَ الصَدَاق صناعَة القَاضِي الْفَاضِل شهَاب الدّين بن فضل الله فَلَمَّا قرئَ وَجَاء ذكر الشَّيْخ الإِمَام أنْشد القَاضِي شهَاب الدّين لنَفسِهِ مَا كتبه فِي الصَدَاق وَالشَّيْخ الإِمَام يسمع (قَاضِي الْقُضَاة بِعِلْمِهِ وضح الْهدى ... وبجوده ووجوده فاض الندى) (من آل يعرب فِي ذوائبها العلى ... جَازَ السَّمَاء علا وَجَاز الفرقدا) (من كل أَبيض باسم يَوْم الوغى ... يجتاب من ليل الضلال الأسودا) (نصر النَّبِي مُحَمَّدًا بجداله ... وجدوده نصروا النَّبِي مُحَمَّدًا) فَلَمَّا انْفَصل الْمجْلس وَجَاء الصَدَاق إِلَى الشَّيْخ ليكتب عَلَيْهِ اسْمه كتب عَلَيْهِ وعلق عَلَيْهِ من خطه فِي مجاميعه هَذِه الأبيات وَمن خطه نقلتها وَلَوْلَا أَنه رأى ذَلِك حَقًا مَا كتبه بِخَطِّهِ لما أعلمهُ من ورعه وشدته فِي ذَلِك نقلت من خطّ الْجد رَحمَه الله (قَطعنَا الْأُخوة عَن معشر ... بهم مرض من كتاب الشفا) (فماتوا على دين رسطالس ... ومتنا على مِلَّة الْمُصْطَفى) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 94 1377 - عبد الْكَرِيم بن عَليّ بن عمر الْأنْصَارِيّ الشَّيْخ علم الدّين الْعِرَاقِيّ الضَّرِير لَهُ فِي التَّفْسِير الْيَد الباسطة وصنف فِيهِ الْإِنْصَاف فِي مسَائِل الْخلاف بَين الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن الْمُنِير وَهُوَ مصري وَإِنَّمَا قيل لَهُ الْعِرَاقِيّ لِأَن أَبَا إِسْحَاق الْعِرَاقِيّ شَارِح الْمُهَذّب هُوَ جده من جِهَة الْأُم وَقد أَخذ عَنهُ التَّفْسِير وَالِدي أَطَالَ لله بَقَاءَهُ مولده سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة أَربع وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ سَمِعت وَالِدي رَضِي الله عَنهُ يَقُول سَمِعت عمي أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن عَليّ يَقُول كُنَّا حاضرين فِي الدَّرْس عِنْد قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين ابْن بنت الْأَعَز وَهُوَ يلقِي فِي حَدِيث (إِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر) فَحَضَرَ الشَّيْخ علم الدّين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 95 الْعِرَاقِيّ فَمَا اسْتَقر جَالِسا حَتَّى قَالَ على وَجه السُّؤَال لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يحصل للطير الْحَيَاة بِتِلْكَ الرّوح أم لَا وَالْأول عين مَا تَقوله التناسخية وَالثَّانِي مُجَرّد حبس للأرواح وسجن قلت وَالْجَوَاب على هَذَا أَنا نلتزم الثَّانِي وَلَا يلْزم كَونه مُجَرّد حبس وسجن لجَوَاز أَن يقدر الله تَعَالَى لَهَا فِي تِلْكَ الحواصل من السرُور وَالنَّعِيم مَا لَا تَجدهُ فِي الفضاء الْوَاسِع أنشدنا شَيخنَا أَبُو حَيَّان الأندلسي إجَازَة قَالَ أنشدنا الْعلم الْعِرَاقِيّ قَالَ مِمَّا نظمت فِي النّوم فِي قَاضِي الْقُضَاة ابْن رزين وأنشدته فِي النّوم لَهُ ثمَّ أنشدته فِي الْيَقَظَة وَكَانَ وَالله أعلم قد عزل عَن خطة الْقَضَاء (يَا سالكا سبل السعاد منهجا ... يَا موضح الْخطب البهيم إِذا دجا) (يَا ابْن الَّذين رست قَوَاعِد مجدهم ... وسرى ثناهم عاطرا فتأرجا) (لَا تيأسن من عود مَا فارقته ... بعد السرَار ترى الْهلَال تبلجا) (وَابْشَرْ وسرح نَاظرا فَلَقَد ترى ... عَمَّا قَلِيل فِي العدا متفرجا) (وَترى وليك ضَاحِكا مُسْتَبْشِرًا ... قد نَالَ من تدميرهم مَا يرتجى) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 96 1378 - عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بدر الدّين أَبُو البركات ابْن القَاضِي تَقِيّ الدّين بن رزين الْحَمَوِيّ الْمصْرِيّ مولده بِدِمَشْق سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَسمع من عُثْمَان ابْن خطيب القرافة وَعبد الله بن الخشوعي وَغَيرهمَا ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ يجْتَمع عِنْده من الْفُضَلَاء مَا لَا يجْتَمع عِنْد غَيره وينتسبون لبَعْضهِم بَعْضًا وَيحصل مِنْهُم الْفَضَائِل الجمة بِحَيْثُ كَانَ طَالب التحقيقات يقْصد درسه لأجل من يحضرهُ فَمِمَّنْ كَانَ يحضرهُ الْوَالِد وَالشَّيْخ قطب الدّين السنباطي وَالشَّيْخ تَاج الدّين طوير اللَّيْل وَجَمَاعَة ودرس أَيْضا بالسيفية وخطب بالجامع الْأَزْهَر وَولي قَضَاء الْعَسْكَر وَمَات فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ توفّي فِي ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشر وَسَبْعمائة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 97 1379 - عبد الْملك بن أَحْمد بن عبد الْملك تَقِيّ الدّين الأرمنتي سمع على الشَّيْخ مجد الدّين الْقشيرِي وَولده شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين وَغَيرهَا وَله أرجوزة فِي الحلى ونظم تَارِيخ مَكَّة للأزرقي فِي أرجوزة مولده بأرمنت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَمَات بقوص سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَمن شعره (قَالَت لي النَّفس وَقد شاهدت ... حَالي لَا تصلح أَو تستقيم) (بِأَيّ وَجه تلتقي رَبنَا ... وَالْحَاكِم الْعدْل هُنَاكَ الْغَرِيم) (فَقلت حسبي حسن ظَنِّي بِهِ ... ينيلني مِنْهُ النَّعيم الْمُقِيم) (قَالَت وَقد جاهرت حَتَّى لقد ... حق لَهُ يصليك نَار الْجَحِيم) (قلت معَاذ الله أَن يَبْتَلِي ... بناره وَهُوَ بحالي عليم) (وَلم أفه قطّ بِكفْر وَقد ... كَانَ بتكفير ذُنُوبِي زعيم) قلت وَهَذَا من فن السُّؤَال وَالْجَوَاب الَّذِي لم أسمع فِيهِ أظرف من قَول وضاح الْيمن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 98 (قَالَت أَلا لَا تلجن دَارنَا ... إِن أَبَانَا رجل غائر) (أما ترى الْبَاب وَمن بَيْننَا ... قلت فَإِنِّي كاسر عَابِر) (قَالَت فَإِن اللَّيْث عَاد بِنَا ... قلت فسيفي مرهف باتر) (قَالَت فَإِن الْقصر من دُوننَا ... قلت فَإِنِّي فَوْقه طَائِر) (قَالَت فَإِن الْبَحْر مَا بَيْننَا ... قلت فَإِنِّي سابح ماهر) (قَالَت فَإِن الله من فَوْقنَا ... قلت نعم وَهُوَ لنا غَافِر) (قَالَت فحولي إخْوَة سَبْعَة ... قلت فَإِنِّي لَهُم حاذر) (قَالَت لقد أعييتنا حجَّة ... فأت إِذا مَا هجع السامر) (واسقط علينا كسقوط الندى ... لَيْلَة لَا ناه وَلَا آمُر) وَمن قَول بَعضهم وَهُوَ تَاج الْمُلُوك أَبُو سعيد بوري بن أَيُّوب (قَالَت لقد أشمت بِي حسدي ... إِذْ بحت بالسر لَهُم مُعْلنا) (قلت أَنا قَالَت نعم أَنْت هُوَ ... قلت أَنا قَالَت لَا وَإِلَّا أَنا) (قلت نعم أَنْت الَّتِي ألبست ... جفونك المرضى لجسمي الضنا) (قَالَت فَلم طرفك فَهُوَ الَّذِي ... جنى على جسمك مَا قد جنى) (قلت فقد كَانَ الَّذِي كَانَ من ... طرفِي فَهَل لَا كنت من أحسنا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 99 (قَالَت فَمَا الْإِحْسَان قلت اللقا ... قَالَت لقانا قل مَا أمكنا) (قلت فمني بتقبيلة ... قَالَت أمنيك بطول العنا) (قلت فَإِن ميت هَالك ... قَالَ فَفِي الْمَوْت بُلُوغ المنا) (قلت حرَام قتل نفس بِلَا ... نفس فَقَالَ ذَاك حل لنا) (من يعشق الْعَينَيْنِ مكحولة ... بِالسحرِ لَا يَأْمَن أَن يفتنا) وَقَالَ أَبُو نواس (نمت وإبليس إِلَى جَانِبي ... وكل مَا يَأْمُرنِي إِثْم) (فَقَالَ لي هَل لَك فِي غادة ... يرتج مِنْهَا كفل ضخم) (فَقلت لَا قَالَ فَفِي أغيد ... يلوح من طرته النَّجْم) (فَقلت لَا قَالَ فَفِي خمرة ... صَافِيَة والدها الْكَرم) (فَقلت لَا قَالَ فنم مخزيا ... لَا رقدت عَيْنَاك يَا فدم) وَقَالَ الشَّيْخ صفي الدّين الْحلِيّ (وَلَيْلَة طَال سهادي بهَا ... فَجَاءَنِي إِبْلِيس عِنْد الرقاد) (فَقَالَ لي هَل ليك فِي سفقة ... كيسة تطرد عَنْك السهاد) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 100 (قلت نعم قَالَ وَفِي خمرة ... عتقهَا العاصر من عهد عَاد) (قلت نعم قَالَ وَفِي أَمْرَد ... مكحولة أجفانه بِالسَّوَادِ) (قلت نعم قَالَ فِي قحبة ... فِي وجنتيها للحياء اتقاد) (قلت نعم قَالَ وَفِي مطرب ... إِذا شدا يطرب مِنْهُ الجماد) (قلت نعم قَالَ فنم آمنا ... يَا كعبة الْفسق وركن الْفساد) وَقَالَ الشَّيْخ زين الدّين ابْن الوردي (نمت وإبليس أَتَى ... بحيلة منتدبه) (فَقَالَ مَا قَوْلك فِي ... حشيشة مطيبه) (فَقلت لَا قَالَ وَلَا ... خمرة كرم مذْهبه) (فَقلت لَا قَالَ وَلَا ... أَمْرَد بالبدر اشْتبهَ) (فَقلت لَا قَالَ وَلَا ... مليحة مكتبه) (فَقلت لَا قَالَ وَلَا ... آلَة لَهو مطربه) (فَقلت لَا قَالَ وَلَا ... نرد رَجَاء المكسبه) (فَقلت لَا قَالَ فنم ... مَا أَنْت إِلَّا حطبه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 101 وَقَالَ كَاتبه مُحَمَّد بن عَليّ بن الزَّاهِر عَفا الله عَنْهُم فِي هَذَا الْمَعْنى (وَلَيْلَة لم أنس إِذْ بتها ... وَجَاءَنِي فِيهَا أَبُو مره) (فَقَالَ مَا قَوْلك فِي سفقة ... تطارد الْهم مَعَ الفكره) (فَقلت لَا قَالَ وَلَا خمرة ... عتيقة صَافِيَة حمره) (فَقلت لَا قَالَ وَلَا غادة ... من فَوْقهَا أطلعت الزهره) (فَقلت لَا قَالَ وَلَا شادن ... قد جَاءَنَا فِي حسنه ندره) (فَقلت لَا قَالَ لي اخْسَأْ فقد ... أسمعتني أغْلظ مَا أكره) 1380 - عبد الْمُؤمن بن خلف بن أبي الْحسن بن شرف ابْن الْخضر بن مُوسَى التوني الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي من أهل تونة قَرْيَة من عمل دمياط بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَإِسْكَان الْوَاو بعْدهَا نون ثمَّ هَاء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 102 كَانَ الْحَافِظ زَمَانه وأستاذ الأستاذين فِي معرفَة الْأَنْسَاب وَإِمَام أهل الحَدِيث الْمجمع على جلالته الْجَامِع بَين الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة بالسند العالي للقدر الْكثير وَله الْمعرفَة بالفقه وَكَانَ يلقب شرف الدّين وَله كنيتان أَبُو مُحَمَّد وَأَبُو أَحْمد تفقه بدمياط على الْأَخَوَيْنِ الْإِمَامَيْنِ أبي المكارم عبد الله وَأبي عبد الله الْحُسَيْن ابْني الْحسن بن مَنْصُور السَّعْدِيّ وَسمع بهَا مِنْهُمَا وَمن الشَّيْخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى بن النُّعْمَان وَهُوَ الَّذِي أرشده لطلب الحَدِيث بعد أَن كَانَ مُقْتَصرا على الْفِقْه وأصوله ثمَّ انْتقل إِلَى الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ بحافظها زكي الدّين عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ ولازمه سِنِين وَتخرج بِهِ وبرز فِي حَيَاته وَسمع من الجم الْغَفِير وَالْعدَد الْكثير بالإسكندرية ودمشق وحلب ولازم بهَا الْحَافِظ أَبَا الْحجَّاج يُوسُف بن خَلِيل وَسمع بِمَكَّة وَالْمَدينَة وبغداد وماردين وحماة وَغَيرهَا وَخرج بِبَغْدَاد أَرْبَعِينَ حَدِيثا للْإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعصم الشَّهِيد ابْن الْمُسْتَنْصر وَله مصنفات كَثِيرَة حَسَنَة وَحدث قَدِيما سمع مِنْهُ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد الأبيوردي وَكتب عَنهُ فِي مُعْجم شُيُوخه وَمَات قبله بتسع وَثَلَاثِينَ سنة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 103 وروى عَنهُ من الْأَئِمَّة تلاميذه الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن الزكي الْمزي وَقَالَ مَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ والحافظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ والحافظ أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن سيد النَّاس والحافظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن شامة الطَّائِي والحافظ الْوَالِد رَحمَه الله وَكَانَ الْحَافِظ الْوَالِد أَكْثَرهم مُلَازمَة لَهُ وأخصهم بِصُحْبَتِهِ هُوَ آخر خلق الله من الْمُحدثين بِهِ عهدا ودرس بِالْقَاهِرَةِ لطائفة الْمُحدثين بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية وَهُوَ أول من درس فِيهَا لَهُم ولد سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وَتُوفِّي فَجْأَة عقيب فِرَاق الْوَالِد لَهُ فِي الْخَامِس عشر من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَسَبْعمائة وَدفن بمقابر بَاب النَّصْر من الْقَاهِرَة وَهَذَا سُؤال كتب بِهِ إِلَيْهِ الشَّيْخ شرف الدّين اليونيني من بعلبك فَأَجَابَهُ بِجَوَاب مُشْتَمل على فَوَائِد وَأَنا أذكر السُّؤَال وَالْجَوَاب وجدت بِخَط الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله وأجازنيه ونقلته من خطه أخبرنَا شَيخنَا الْحَافِظ شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي قِرَاءَة من لَفظه وَنحن نسْمع فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة قَالَ يَقُول العَبْد الْفَقِير إِلَى رَحْمَة الله المستغفر من زلله وذنبه عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي إِنَّه ورد عَلَيْهِ سُؤال من الإِمَام شرف الدّين أبي الْحُسَيْن عَليّ بن الإِمَام الزَّاهِد تَقِيّ الدّين مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن عبد الله اليونيني أيده الله وَهُوَ مَا يَقُول فلَان يعنيني عَن هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي أَن الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ جمال الدّين أَبَا الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْجَوْزِيّ رَحمَه الله ذكر فِي كتاب من تأليفه نفى النَّقْل ذكر فِي جملَة من الحَدِيث فَلَمَّا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 104 انْتهى فِي أَثْنَائِهِ إِلَى حَدِيث تَوْبَة كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث أَن هِلَال ومرارة شَهدا بدر وَكَذَلِكَ أخرجه الإِمَام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم رَضِي الله عَنْهُم وهلال ومرارة مَا ذكرهَا أحد فِيمَن شَهدا بَدْرًا وَقد ذكرهمَا ابْن سعد فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة فِيمَن لم يشْهد بَدْرًا وَمَا زلت أبحث عَن هَذَا وأعجب من الْعلمَاء الَّذين رَوَوْهُ وَكَيف لم ينبهوا عَلَيْهِ وَلَا قَالَ لي فِيهِ أحد من مشايخي شَيْئا حَتَّى رَأَيْت أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن هَانِئ الإِمَام الملقب بالأثرم رَحمَه الله قد نبه عَلَيْهِ فِي كتاب نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه فَقَالَ كَانَ الزُّهْرِيّ وَاحِد أهل زَمَانه فِي حفظ الحَدِيث وَلم يحفظ عَلَيْهِ الْوَهم إِلَّا الْيَسِير من ذَلِك قَوْله فِي حَدِيث كَعْب بن مَالك إِن هِلَال بن أُميَّة ومرارة بن الرّبيع شَهدا بَدْرًا وَلم يَكُونَا من أهل بدر فَهَذَا من وهم الزُّهْرِيّ فَهَذَا آخر كَلَامه فِي هَذَا الْكتاب الْمُسَمّى بِنَفْي النَّقْل وَقَالَ فِي جَامع المسانيد لَهُ فِي آخر حَدِيث كَعْب بن مَالك وَقد وهم الزُّهْرِيّ فِي ذكره هِلَال ومرارة من أهل بدر وَذكر أَسمَاء من شهد بَدْرًا فِي كِتَابه التلقيح والمدهش مُرَتبا على حُرُوف المعجم وَلم يذكر هلالا وَلَا مرَارَة وَذكر شَيخنَا الإِمَام الْحَافِظ ضِيَاء الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ رَحمَه الله فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالسنن وَالْأَحْكَام عَن الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 105 فِي كتاب غزوات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسمَاء من شهد بَدْرًا ورتب أَسْمَاءَهُم على حُرُوف المعجم وَبَين مَا وَقع فيهم من الخرف فَقَالَ فِي حرف الْمِيم فِي الْأَسْمَاء المفردة مرَارَة بن الرّبيع رَضِي الله عَنهُ ذكره كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي حَدِيث تَوْبَته وَلم أره فِي شَيْء من الْمَغَازِي وَحَدِيثه فِي الصَّحِيحَيْنِ ثمَّ قَالَ فِي بَاب الْهَاء هِلَال بن أُميَّة الوَاقِفِي لم أر أحدا من أهل الْمَغَازِي ذكره فِي أهل بدر وَفِي حَدِيث تَوْبَة كَعْب بن مَالك ذكره من أهل بدر وَحَدِيث كَعْب فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالله أعلم بِالصَّوَابِ هَذَا آخر كَلَامه قلت وَأَنا الْمَمْلُوك العَبْد الْفَقِير عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله اليونيني عَفا الله عَنهُ وَقد ذكرهمَا فِي أهل بدر الإِمَام الْحَافِظ إِمَام أهل الْمغرب بل والمشرق أَيْضا أَبُو عمر يُوسُف بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْبر رَحمَه الله فِي كِتَابه الِاسْتِيعَاب أَنَّهُمَا شَهدا بَدْرًا عِنْد ذكر تَرْجَمَة كل مِنْهُمَا وذكرهما إِمَام الدُّنْيَا أَبُو عبد الله البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي غير حَدِيث تَوْبَة كَعْب عِنْد ذكره أَسمَاء من شهد بَدْرًا ذكر مرَارَة وهلالا وذكرهما الْحَافِظ أَبُو عَليّ الغساني فِي تَقْيِيده وَهل اطلع شَيخنَا وَسَيِّدنَا على من ذكرهمَا غير من ذكره الْمَمْلُوك فِيمَن شهد بَدْرًا وَبَين وَجه الصَّوَاب فِي ذَلِك وَمَا يتَرَجَّح عِنْده من ذَلِك مثابين مَأْجُورِينَ رَضِي الله عَنْهُم فَأَجَابَهُ عبد الْمُؤمن بِأَن قَالَ لم يشْهد مرَارَة وَلَا هِلَال بَدْرًا وَلَا أحد أَيْضا وَإِن ذكرهمَا الإِمَام أَحْمد والبخري وَمُسلم وَإِمَام الغرب والشرق وَغَيرهم لِأَن بَعضهم قلد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 106 بَعْضًا فزل والمقلد الْأَصْلِيّ الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهَاب بن عبد الله بن حَارِث بن زهرَة بن كلاب وَمِنْه أَتَى الْوَهم وَمن ذكرهمَا فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة مِمَّن شَهدا أحدا فلقدم إسلامهما لَا لشهودهما الْوَقْعَة وَأما قَول الإِمَام شرف الدّين أبقاه الله لصَاحب الِاسْتِيعَاب إِمَام الغرب والشرق فَلَقَد عثرت لَهُ على عدَّة أَوْهَام كَثِيرَة فِي كِتَابه فَمِنْهَا أَنه ذكر عُثْمَان بن عبيد الله بن عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد ابْن تيم بن مرّة بن كَعْب التَّيْمِيّ فِي الصَّحَابَة وَلَا تعرف لَهُ صُحْبَة وَلَا إِسْلَام بن الحصبة لوَلَده عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن أخي طَلْحَة بن عبيد الله بن عُثْمَان التَّيْمِيّ أسلم عَام الْفَتْح وَله صُحْبَة وَرِوَايَة قتل مَعَ ابْن الزبير بِمَكَّة وَمِنْهَا أَنه ذكر جبر بن عتِيك بن قيس بن هيشة بن الْحَارِث بن أُميَّة بن مُعَاوِيَة بن مَالك بن عَوْف بن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس وَزَاد فِي نسبه الْحَارِث بَين عتِيك وَقيس وَالصَّحِيح أَن الْحَارِث بن قيس بن هيشة عَم جبر لَا جده وَأسْقط فِي كِتَابه جَابر بن عتِيك بن قيس بن الْأسود بن مري بن كَعْب بن غنم بن سَلمَة أَخا عبد الله بن عتِيك بن قيس أحد الْخَمْسَة الخزرجيين الَّذين قتلوا أَبَا رَافع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 107 ابْن أبي الْحقيق بِخَيْبَر وَقد روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ لوَلَده عبد الْملك بن جَابر بن عتِيك عَن جَابر بن عبد الله بن عَمْرو بن حرَام عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا حدث الرجل الْقَوْم ثمَّ الْتفت فَهِيَ أَمَانَة) وَمِنْهَا أَنه ذكر زيد بن عَاصِم بن كَعْب بن مُنْذر بن عَمْرو بن عَوْف بن مبذول الْمَازِني وَلَا صُحْبَة لَهُ وَإِنَّمَا الصُّحْبَة لِوَلَدَيْهِ حبيب وَعبد الله صَاحب حَدِيث الْوضُوء وَغَيره ولأمهما أم عمَارَة نسيبة بنت كَعْب بن عَمْرو بن عَوْف ابْن مبذول صُحْبَة ومشاهد وَرِوَايَة وَكَعب وَمُنْذِر فِي نسب عَاصِم وهم ثَان وَصَوَابه زيد بن عَاصِم بن عَمْرو بن عَوْف بن مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَازِن بن النجار الْمَازِني وَهُوَ ابْن عَم زَوجته أم عمَارَة نسيبة أُخْت عبد الله شَهدا بَدْرًا وَمَا بعْدهَا وَعبد الرَّحْمَن شهد أحدا وَمَا بعْدهَا وخَالِد قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة والْحَارث قتل يَوْم الْيَمَامَة فهم أَوْلَاد كَعْب بن عَمْرو بن عَوْف بن مبذول ثمَّ خلف على أم عمَارَة غزيَّة بن عَمْرو بن عَطِيَّة بن خنساء بن مبذول الْمَازِني الجزء: 10 ¦ الصفحة: 108 فَولدت لَهُ تميما وَالِد عباد بن تَمِيم وَخَوْلَة وَلَهُمَا صُحْبَة وغزية هُوَ الَّذِي شهِدت مَعَه أم عمَارَة الْعقبَة وأحدا لَا زيد بن عَاصِم كَمَا قَالَ إِمَام الغرب والشرق وَمِنْهَا أَنه ذكر أسيد بن ظهير أخي مظهر وخديج أَوْلَاد رَافع بن عدي ابْن زيد بن عَمْرو بن يزِيد بن دشم بن حَارِثَة فَأَخْطَأَ فِيهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا زِيَادَة عَمْرو بن زيد وَالثَّانِي يزِيد وَإِنَّمَا هُوَ زيد بِغَيْر يَاء فِي أَوله وَذكر نِسْبَة أَبِيه على الصَّوَاب فَقَالَ ظهير بن رَافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حَارِثَة وَأَخْطَأ أَيْضا فِي نسب ابْن عَمه فَقَالَ رَافع بن خديج بن رَافع بن عدي بن زيد ابْن جشم بن حَارِثَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْحَارِثِيّ فنسبه إِلَى الْخَزْرَج وَهُوَ من الْأَوْس أخى الْخَزْرَج ابنى حَارِثَة بن ثَعْلَبَة العنقاء بن عَمْرو مزيقياء بن عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف بن امْرِئ الْقَيْس البطريق بن ثَعْلَبَة البهلول بن مَازِن بن الأزد بن الْغَوْث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 109 ابْن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان أخى حمير ابنى سبأ بن يشجب بن يعرب ابْن قحطان وَأم الْأَوْس والخزرج قيلة بنت كَاهِل بن عذرة بن سعد هذيم بن قضاعة فظهير وبيته من بني حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن عَمْرو وَهُوَ النبت بن مَالك بن الْأَوْس وَفِي الْخَزْرَج بَنو الْحَارِث بن الْخَزْرَج الَّذين قَالَ فيهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خير دور الْأَنْصَار دَار بني النجار ثمَّ دَار بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج ثمَّ جَار بني سَاعِدَة وَفِي كل دور الْأَنْصَار خير) فَمن بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج نقباءهم عبد الله بن رَوَاحَة وَسعد بن الرّبيع الْمَقْتُول يَوْم أحد وثابت بن قيس بن شماس خطيب الْأَنْصَار وخارجة بن زيد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 110 ختن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَبشير بن سعد وَالِد عُثْمَان وَأَوْس بن أَرقم وَأَخُوهُ زيد وخلاد بن سُوَيْد الْمَقْتُول يَوْم بني قُرَيْظَة بالرحى وَولده السَّائِب وَغَيرهم فَهَؤُلَاءِ يُقَال لَهُم الحارثيون الخزرجيون وَأُولَئِكَ يُقَال لَهُم الحارثيون الأوسيون وَذكر أَيْضا إِمَام الشرق والغرب حاجبا وحبيبا وحبابا أَوْلَاد زيد بن تيم بن أُميَّة بن خفاف بن بياضة بن سعيد وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ بياضة بَين خفاف بن سعيد بن مرّة بن مَالك بن الْأَوْس فَقَالَ فِي كل وَاحِد مِنْهُم الْأنْصَارِيّ البياضي وَلَيْسوا ببياضيين لأَنهم من الْأَوْس وبياضة من الْخَزْرَج وبياضة الَّذِي فِي نسبهم لَيْسَ هُوَ بِبَطن فينسبوا إِلَيْهِ وَالَّذِي ينْسب إِلَيْهِ هُوَ بياضة أَخُو زُرَيْق ابْنا عَامر بن زُرَيْق بن عبد حَارِثَة بن مَالك بن غضب بن جشم بن الحزرج وحاجب وأخواه من الْأَوْس وَذكر أَيْضا إِمَام الغرب والشرق فِي الصَّحَابَة حَارِثَة بن مَالك بن غضب بن جشم ابْن الْخَزْرَج وَهَذَا من أفحش الْغَلَط وأقبحه من وَجْهَيْن اثْنَيْنِ أَحدهمَا أَنه جاهلي قديم بَينه وَبَين أَوْلَاد من الصَّحَابَة نَحْو من ثَمَانِيَة آبَاء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 111 أَو تِسْعَة فَكيف يَصح وجوده فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضلا عَن صحبته إِيَّاه الثَّانِي أَن اسْمه عبد حَارِثَة وَهُوَ جد بياضة وزريق ابْني عَامر بن زُرَيْق بن عبد حَارِثَة فاسقط عبدا وَذكر حَارِثَة وَذكر أَيْضا فِي كِتَابه حليمة بنت أبي ذُؤَيْب عبد الله بن الْحَارِث بن شجنة بن جَابر بن ناصرة بن فصية بِضَم الْفَاء تَصْغِير فصاة وَهِي النواة وَزوجهَا الْحَارِث بن عبد الْعُزَّى بن رِفَاعَة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوَازن أخي سليم ومازن أَوْلَاد مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس عيلان وَلَا يعرف لَهَا صُحْبَة وَلَا إِسْلَام وَذكر أَنَّهَا أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين وَبسط لَهَا رِدَاءَهُ وروت عَنهُ وروى عَنْهَا عبد الله بن جَعْفَر وَهَذَا كُله لَا يَصح وَرِوَايَة ابْن جَعْفَر عَنْهَا مُنْقَطِعَة لم يُدْرِكهَا وَالَّتِي أَتَتْهُ يَوْم حنين هِيَ بنتهَا الشيماء وَاسْمهَا جدامة وَقيل حذافة وَكَانَت تحضن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 112 مَعَ أمهَا وتوركه وَإِنَّمَا جَاءَتْهُ حليمة بِمَكَّة قَدِيما قبل النُّبُوَّة وَقد تزوج خَدِيجَة فأعطتها خَدِيجَة أَرْبَعِينَ شَاة وجملا موقعا للظعينة ثمَّ انصرفت إِلَى أَهلهَا وَذكر أَيْضا مرَارَة بن الرّبيع الْعمريّ من بني عَمْرو بن عَوْف وَلم يكن مِنْهُم صَرِيحًا وَإِنَّمَا هُوَ حَلِيف لَهُم وَهُوَ مرَارَة بن الرّبيع بن عَمْرو بن الْحَارِث بن زيد بن الْجد بن العجلان بن حَارِثَة بن ضبيعة بن حرَام بن جعل بن عَمْرو بن جشم بن وذم بن ذبيان بن هميم بن ذهل بن هني أخي فران بن بلي بن عَمْرو بن الحاف ابْن قضاعة وَبَنُو العجلان بطن من بلي حلفاء بني زيد بن مَالك بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف ابْن مَالك بن الْأَوْس وَمِنْهُم عَاصِم ومعن ابْنا عدي بن الْجد بن عجلَان شَهدا بَدْرًا وَمَا بعْدهَا وَمِنْهُم عُوَيْمِر بن الْحَارِث بن زيد بن حَارِثَة بن الْجد بن العجلان الَّذِي رمى زَوجته بِشريك بن عَبدة بِفَتْح الْبَاء بن مغيث بن الْجد بن العجلان وَهُوَ ابْن سَحْمَاء وَهِي أمه وَشهد عَبدة أحدا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 113 وَذكر أَيْضا هِلَال بن أُميَّة الوَاقِفِي وَلم يصل نسبه بواقف بل قصر فِيهِ وَهُوَ هِلَال بن أُميَّة بن عَامر بن قيس بن عبد الأعلم بن عَامر بن كَعْب بن وَاقِف واسْمه سَالم بن امْرِئ الْقَيْس بن مَالك بن الْأَوْس وَلم يشْهد من بني وَاقِف أحد بَدْرًا وَلَا أحدا أَيْضا وَإِنَّمَا ذكر فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة مَعَ من شهد أحدا لقدم إِسْلَامه وَذكر أَيْضا علبة بن زيد فقصر فِي نسبه وَهُوَ علبة بن زيد أخى جبر وَالِد أبي عبس بن جبر أحد قتلة كَعْب بن الْأَشْرَف وأخى صَيْفِي وقيظي أَيْضا وَالِد مربع وَأَوْس الْمُنَافِقين وَزيد بن مربع هُوَ الَّذِي بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة إِلَى قوم بالموقف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 114 يَقُول لَهُم (كونُوا على مشاعركم فَإِنَّكُم على إِرْث من إِرْث إِبْرَاهِيم) أربعتهم زيد وَصَيْفِي وجبر وقيظي أَوْلَاد عَمْرو أخى عدي بن زيد بن جشم بن حَارِثَة وعلبة أحد البكائين الَّذين {توَلّوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أَلا يَجدوا مَا يُنْفقُونَ} وَلما حض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّدَقَة وَجَاء كل رجل من الْأَنْصَار بطاقته وَمَا عِنْده قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّه لَيْسَ عِنْدِي مَا أَتصدق بِهِ إِلَّا عرض وسَادَة حشوها لِيف ودلو استسقي بِهِ المَاء اللَّهُمَّ إِنِّي أَتصدق بعرضي على من ناله من خلقك فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مناديا يُنَادي أَيهَا الْمُتَصَدّق بعرضه فَقَامَ علبة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله قد قبل صدقتك) وَفِي كتاب إِمَام الشرق والغرب أَوْهَام أخر تركت ذكرهَا اختصارا وَكنت عزمت على جمعهَا فِي كتاب فَإِن يسر الله فعلت وَأما إِمَام الدُّنْيَا أَبُو عبد الله البُخَارِيّ فَفِي جَامعه الصَّحِيح أَوْهَام مِنْهَا فِي بَاب من بَدَأَ بالحلاب وَالطّيب عِنْد الْغسْل ذكر فِيهِ حَدِيث عَائِشَة (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة دَعَا بِشَيْء نَحْو الحلاب فَأخذ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 115 بكفه) الحَدِيث ظن البُخَارِيّ أَن الحلاب ضرب من الطّيب فَوَهم فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ إِنَاء يسع حلب النَّاقة وَهُوَ أَيْضا المحلب بِكَسْر الْمِيم وَحب المحلب بِفَتْح الْمِيم من العقاقير الْهِنْدِيَّة وَذكر فِي بَاب مسح الرَّأْس كُله من حَدِيث مَالك عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه أَن رجلا قَالَ لعبد الله بن زيد وَهُوَ جد عَمْرو بن يحيى أتستطيع أَن تريني كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ قَوْله جد عَمْرو بن يحيى وهم وَإِنَّمَا هُوَ عَم أَبِيه وَهُوَ عَمْرو بن أبي حسن وَعَمْرو بن يحيى بن عمَارَة بن أبي حسن تَمِيم بن عَمْرو بن قيس بن محرث ابْن الْحَارِث بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن النجار الْمَازِني وَلأبي حسن صُحْبَة وَقد ذكره فِي الْبَاب بعده على الصَّوَاب من حَدِيث وهيب عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه قَالَ شهِدت عَمْرو بن أبي حسن سَأَلَ عبد الله بن زيد عَن وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث وَذكر فِي أَيْضا فِي بَاب إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة من حَدِيث شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن حَفْص بن عَاصِم عَن رجل من الأزد يُقَال لَهُ مَالك بن بُحَيْنَة وَقد وهم شُعْبَة فِي قَوْله مَالك بن بُحَيْنَة وَإِنَّمَا هُوَ وَلَده عبد الله بن بُحَيْنَة وَقد رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة على الصَّوَاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 116 فَأَما ابْن ماجة فَرَوَاهُ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن حَفْص عَن عبد الله بن بُحَيْنَة وَرَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي عوَانَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن حَفْص عَن ابْن بُحَيْنَة يَعْنِي عبد الله وَلَيْسَ لمَالِك صُحْبَة وَإِنَّمَا الصُّحْبَة لوَلَده عبد الله بن مَالك بن القشب هَذَا قَول ابْن سعد وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ مَالك بن معبد بن القشب وَهُوَ جُنْدُب بن نَضْلَة بن عبد الله بن رَابِع بن محضب بن مُبشر بن صَعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عبد الله بن مَالك بن نصر بن الأزد وبحينة أم عبد الله بنت الْحَارِث بن الْمطلب بن عبد منَاف وَاسْمهَا عَبدة أُخْت عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن الْمطلب الْمَقْتُول يَوْم بدر رَفِيق حَمْزَة وَعلي الَّذين برزوا يَوْم بدر لعتبة بن ربيعَة وأخيه شيبَة بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف والوليد ابْن عتبَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 117 ولبحينة صُحْبَة وَذكر فِيهِ أَيْضا فِي بَاب من يقدم فِي اللَّحْد فِي الْجَنَائِز قَالَ جَابر فَكفن أبي وَعمي فِي نمرة وَاحِدَة وَلم يكن لجَابِر عَم وَإِنَّمَا هُوَ عَمْرو بن الجموح بن زيد ابْن حرَام بن كَعْب كَانَت عِنْده عَمه جَابر هِنْد بنت عَمْرو بن حرَام بن ثَعْلَبَة بن حرَام بن كَعْب بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة وَذكر فِيهِ أَيْضا فِي غَزْوَة الْمَرْأَة الْبَحْر عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ عَن أنس قَالَ دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بنت ملْحَان الحَدِيث قَالَ أَبُو مَسْعُود سقط بَين أبي إِسْحَاق وَبَين أبي طوالة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن معمر بن حزم زَائِدَة بن قدامَة الثَّقَفِيّ وَذكر فِيهِ أَيْضا فِي مَنَاقِب عُثْمَان بن عَفَّان أَن عليا جلد الْوَلِيد بن عقبَة ثَمَانِينَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 118 وَالَّذِي رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار عَن الداناج عبد الله بن فَيْرُوز عَن حضين بن الْمُنْذر عَن عَليّ أَن عبد الله بن جَعْفَر جلده وَعلي يعد فَلَمَّا بلغ أَرْبَعِينَ قَالَ عَليّ أمسك وَذكر فِيهِ أَيْضا فِي بَاب وُفُود الْأَنْصَار حَدثنَا عَليّ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ كَانَ عَمْرو يَقُول سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول شهد بِي خالاي الْعقبَة قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ ابْن عُيَيْنَة أَحدهمَا الْبَراء بن معْرور وَهَذَا وهم إِنَّمَا خالاه ثَعْلَبَة وَعَمْرو ابْنا عنمة بن عدي بن سِنَان بن نابي بن عَمْرو بن سَواد بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة أختهما أنيسَة بنت عنمة أم جَابر بن عبد الله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 119 وَذكر فِيهِ أَيْضا فِي بَاب فضل من شهد بَدْرًا فَابْتَاعَ بَنو الْحَارِث بن عَامر بن نَوْفَل بن عبد منَاف خبيبا وَكَانَ خبيب هُوَ قتل الْحَارِث بن عَامر يَوْم بدر وَهَذَا وهم مَا شهد خبيب بن عدي بن مَالك بن عَامر بن مجدعة بن جحجبا ابْن كلفة بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس بَدْرًا وَلَا قتل الْحَارِث وَإِنَّمَا الَّذِي شهد بَدْرًا وَقتل الْحَارِث بن عَامر هُوَ خبيب بن إساف بن عنبة بن عَمْرو بن خديج بن عَامر بن جشم بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج وَفِي الْجَامِع أَوْهَام غير ذَلِك وَهَذَا قَول عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي خَادِم السّنة النَّبَوِيَّة بالديار المصرية وَهِي الْجند الغربي السَّالِم من الْفِتَن لما روى أَبُو شُرَيْح عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح الإسكندري عَن عميرَة بن أبي نَاجِية عَن أَبِيه عَن عَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (تكون فتن خير النَّاس فِيهَا أَو أسلم النَّاس فِيهَا الْجند الغربي) فَلذَلِك قدمت عَلَيْكُم مصر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 120 وَعَمْرو بن الْحمق مدفون بِظَاهِر بَال الْعِمَادِيّ من الْموصل زرته فِي رحلتي قَتله عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عُثْمَان بن عبد الله بن ربيعَة بن الْحَارِث بن حبيب بتَشْديد الْيَاء ابْن الْحَارِث بن مَالك بن حطيط بن جشم بن ثَقِيف الْمَدْعُو بِابْن أم الحكم وَهِي أمه بنت أبي سُفْيَان وَحمل رَأسه إِلَى خَاله مُعَاوِيَة بِالشَّام وَكَانَ خَاله ولاه الْكُوفَة ومصر وَقَالَ الشّعبِيّ وَهُوَ أول رَأس نقل وَكَانَ عَمْرو بن الْحمق أحد الرُّءُوس الَّذين سَارُوا إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي عبد الله وَأبي عَمْرو عُثْمَان بن عَفَّان أخي عفيف وعَوْف وَالْحكم والمغيرة أَوْلَاد أبي الْعَاصِ أخى الْعَاصِ وَأبي الْعيص والعيص وهم الأعياص والعصاة وإخواتهم حَرْب وَأَبُو حَرْب وسُفْيَان وَأَبُو سُفْيَان وَيُقَال هم العنابس لأَنهم كَانُوا يَوْم عكاظ مَعَ أخيهم خرب فَقَاتلُوا قتالا شَدِيدا فشبهوا بالأسد فَقيل لَهُم العنابس والأسد يُقَال لَهُ عَنْبَسَة وأخورهم عَمْرو الْجواد وَأَبُو عَمْرو جد عقبَة بن أبي معيط بن أبي عَمْرو عشرتهم أَوْلَاد أُميَّة الْأَكْبَر أخى حبيب أمهما بعجن بنت عبيد بن رؤاس وَأُميَّة الْأَصْغَر هُوَ جد الثريا بنت عبد الله بن الْحَارِث بن أُميَّة الْأَصْغَر تزَوجهَا سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 121 (أَيهَا المنكح الثاريا سهيلا ... عمرك الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ) (هِيَ شامية إِذا مَا اسْتَقَلت ... وَسُهيْل إِذا مَا اسْتَقل يماني) وَعبد أُميَّة وَنَوْفَل وأمهم عبلة بنت عبيد من بني حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة ابْن تَمِيم وإليها ينْسب وَلَدهَا فَيُقَال لَهُم العبلات وأخواهم عبد الْعُزَّى وَرَبِيعَة أَوْلَاد عبد شمس أخى هَاشم وَالْمطلب وَنَوْفَل أَوْلَاد عبد منَاف واسْمه الْمُغيرَة قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ مطرود الْخُزَاعِيّ فِي أَوْلَاد عبد منَاف (إِن الْمُغيرَات وأبناءهم ... لخير أَحيَاء وأموات) (أَرْبَعَة كلهم سيد ... أَبنَاء سَادَات لسادات) (أخلصهم عبد منَاف فهم ... عَن لوم من لَام بمنجاة) (ميت بسلمان وميت بردمان ... وميت وسط غزات) (وميت أوجعني فَقده ... مَاتَ بشرقي البنيات) مَاتَ هَاشم بغزة وَمَات الْمطلب بردمان وَمَات نَوْفَل بسلمان مَاء على طَرِيق مَكَّة من الْعرَاق وَمَات عبد شمس بِمَكَّة وَدفن بالحجون آخِره وَالْحَمْد لله وَحده الجزء: 10 ¦ الصفحة: 122 أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله من لَفظه فِي ثَانِي عيد الْأَضْحَى سنة اثْنَتَيْنِ خمسين وَسَبْعمائة قَالَ أنشدنا شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي من لَفظه لنَفسِهِ (روينَا بِإِسْنَاد عَن ابْن مُغفل ... حَدِيثا شهيرا صَحَّ من عِلّة الْقدح) (بِأَن رَسُول الله حِين مسيره ... لثامنة وافته فِي غَزْوَة الْفَتْح) (تَلا خير مقروء على خير مُرْسل ... فَرجع فِي الْآيَات من سُورَة الْفَتْح) 1381 - عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن الإخميمي المراغي ومراغة قَرْيَة من الصَّعِيد هُوَ الشَّيْخ بهاء الدّين وَرُبمَا سمي هَارُون ولد فِي حُدُود سنة سَبْعمِائة وتفقه بِالْقَاهِرَةِ على وَالِدي رَحمَه الله قَرَأَ عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وَالْأُصُول ثمَّ لَازم الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي ثمَّ خرج إِلَى دمشق واستوطنها وَكَانَ إِمَامًا بارعا فِي علمي الْكَلَام وَالْأُصُول ذَا قريحة صَحِيحَة وذهن صَحِيح وذكاء مفرط وَيعرف الْحَاوِي الصَّغِير فِي الْفِقْه معرفَة جَيِّدَة وَعند دين كثير وتأله وَعبادَة ومراقبة وصبر على خشونة الْعَيْش الحديث: 1381 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 123 وَكَانَت بَين وَبَينه صداقة ومحبة ومراسلات كَثِيرَة فِي مبَاحث جدت بَيْننَا أصولا وكلاما وفقها وصنف فِي علم الْكَلَام كتابا سَمَّاهُ المنقذ من الزلل فِي الْعلم وَالْعَمَل وأحضره لي لأقف عَلَيْهِ فَوَجَدته قد سلك طَرِيقا انْفَرد بهَا وَفِي كِتَابه هَذَا مويضعات يسيرَة لم أرتضها توفّي مطعونا شَهِيدا فِي تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بداره بدرب الْحجر بِدِمَشْق حضرت الصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه رَحمَه الله تَعَالَى 1382 - عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن ذُؤَيْب الْأَسدي الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة سمع من ابْن أبي الْخَيْر وَابْن عَلان وَالشَّيْخ شمس الدّين بن أبي عمر وَابْن البُخَارِيّ وَغَيرهم وَكَانَ عَارِفًا بِالْمذهبِ والنحو مجدا فِي تَعْلِيم الطّلبَة يشغلهم مُدَّة مديدة بالجامع الْأمَوِي مولده سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وتفقه على الشَّيْخ تَاج الدّين الفركاح وَتُوفِّي فِي حادي عشْرين ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة الحديث: 1382 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 124 1383 - عُثْمَان بن عَليّ بن يحيى بن هبة الله بن إِبْرَاهِيم بن الْمُسلم القَاضِي فَخر الدّين ابْن بنت أبي سعد ولد بداريا من غوطة دمشق سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ وَالِده وزيرا بِدِمَشْق فِي أَيَّام الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل الْمَعْرُوف بِأبي الخيش ابْن الْملك الْعَادِل ابْن أَيُّوب وَنَشَأ هُوَ بِمصْر وتفنن فِي الْعُلُوم وَسمع صَحِيح مُسلم من الرضي إِبْرَاهِيم وتفقه على شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام وَفِي الْأُصُول على الشَّيْخ شرف الدّين التلمساني أنشدنا الْوَالِد تغمده الله برحمته قَالَ أنشدنا الْعَلامَة فَخر الدّين ابْن بنت أبي سعد للشَّيْخ شرف الدّين المرسي صَاحب كتاب ري الظمآن (قَالُوا مُحَمَّد قد كَبرت وَقد أَتَى ... دَاعِي الْحمام وَمَا اهتممت بزاد) (قلت الْكَرِيم من الْقَبِيح بضيفه ... عِنْد الْقدوم مَجِيئه بالزاد) توفّي الشَّيْخ فَخر الدّين لَيْلَة الْأَحَد رَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ الحديث: 1383 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 125 1384 - عُثْمَان بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل القَاضِي فَخر الدّين أَبُو عَمْرو الطَّائِي الْمَعْرُوف بِابْن خطيب جبرين فَقِيه حلب وحاكمها مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وتفقه بقاضي حلب شمس الدّين بن بهْرَام وَكَانَ رجلا فَاضلا متفننا يشغل الطّلبَة فِي غَالب الْفُنُون ولي قَضَاء الْقُضَاة بحلب ثمَّ طلبه السُّلْطَان إِلَى مصر وزجره فَخرج من بَين يَدَيْهِ وَنزل بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية بَين القصرين بِالْقَاهِرَةِ فَتوفي فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَمن تصانيفه شرح الشَّامِل الصَّغِير وَشرح التَّعْجِيز وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَشرح البديع لِابْنِ الساعاتي وَغير ذَلِك الحديث: 1384 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 126 وَمن شعره فِي أَسمَاء الولائم (بوليمة سم كل دَعْوَة مأكل ... بتقيد لَكِن لعرف أطلق) (ولدى الْخِتَان فَتلك إعذار وَمَا ... للطفل فَهِيَ عقيقة بتحقق) (وسلامة الحبلى من الطلق اجعلن ... خرسا لَهَا وَلأَجل غَائِب انطق) (بنقيعة ووكيرة لعمارة ... ووضيمة لمصيبة بتصدق) (وسيم اللتيا مَالهَا سَبَب بمأدبة ... وَخذ يَا صَاح قَول مُحَقّق) وَلِيمَة الْخِتَان إعذار بِالْعينِ الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة وَالرَّاء عذرت الْغُلَام إِذا ختنته ووليمة سَلامَة الحبلى خرس بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَبعدهَا سين مُهْملَة ووليمة قدوم الْغَائِب نقيعة بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف ثمَّ سُكُون آخر الْحُرُوف ثمَّ عين مُهْملَة ووليمة الدَّار وكيرة بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْكَاف ثمَّ سُكُون آخر الْحُرُوف ثمَّ رَاء وَطَعَام المآتم وضيمة بِفَتْح الْوَاو وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة ثمَّ آخر الْحُرُوف ثمَّ مِيم وهاء وَالطَّعَام بِلَا سَبَب مأدبة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهمزَة وَضم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا هَاء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 127 1385 - عَليّ بن أَحْمد بن أسعد بن أبي بكر الأصبحي اليمني مُتَأَخّر وَهُوَ صَاحب كتاب معِين أهل التَّقْوَى على التدريس وَالْفَتْوَى لقبه ضِيَاء الدّين قَالَ المطري فِيمَا كتبه إِلَيّ من التراجم اليمنية إِنَّه مَاتَ فِي أول سنة سَبْعمِائة وَقد وقفت على المجلد الأول من هَذَا الْكتاب فَإِذا بِهِ قد جمع فِيهِ فأوعى وَقَالَ فِي خطبَته إِنَّه طالع عَلَيْهِ نيفا وَأَرْبَعين مصنفا للأصحاب وَعدد أَكْثَرهَا وَذكر مِنْهَا الرَّوْضَة للشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ فدلنا بذلك على تَأَخّر زَمَانه وَالْتزم فِي هَذَا الْكتاب أَن لَا يذكر فِيهِ إِلَّا الْمسَائِل الَّتِي وَقع فِيهَا خلاف مذهبي أما الْمُتَّفق عَلَيْهَا بَين الشَّافِعِيَّة فَلَا يذكرهَا وَأَن لَا يذكر من مسَائِل الْخلاف إِلَّا مَا يَقع فِيهَا تَصْحِيح ليعين على الْفَتْوَى وَلم يحذف من الْكتب الَّتِي ذكرهَا إِلَّا مسَائِل قَليلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَثْرَة عَددهَا وَهِي متون قَليلَة تَركهَا لِأَنَّهُ لم يجد فِيهَا تَصْحِيحا الحديث: 1385 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 128 قَالَ وَلَعَلَّ أَن يفتحها ويسوق على تصحيحها فألحقها فِي موَاضعهَا قَالَ وَقد يَجِيء التَّصْحِيح فِي بعض الْمسَائِل بِخِلَاف الْخَبَر فأشير إِلَى مَا أوجب ترك الْعَمَل بِهِ قَالَ وَقد يُوجد نَص إِمَام الْمَذْهَب والتصحيح بِخِلَافِهِ فَتكون الْفَتْوَى على النَّص إِذْ نَحن مقلدون ورتب الْكتاب على مسَائِل الْمُهَذّب والتنبيه فَإِذا استوعب ذَلِك مَعَ مَا يضيف إِلَيْهِ من زِيَادَة قيود من بَقِيَّة الْكتب وَتَصْحِيح وَغير ذَلِك عقد فصلا لما فِي الْبَيَان ثمَّ فصلا لما فِي تصانيف الْغَزالِيّ وَشرح الرَّافِعِيّ وَغَيرهَا يفعل ذَلِك فِي كل بَاب وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ كتاب حافل فَإِن المجلد الأول عِنْدِي إِلَى بَاب الْمُزَارعَة مَعَ شدَّة الِاخْتِصَار وَحذف الْمسَائِل الْمُتَّفق عَلَيْهَا وَكَيف لَا وَقد أودعهُ غَالب مَا فِي هَذِه الْكتب وَمن جُمْلَتهَا الْأُم وتصانيف الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَصَاحبه الشَّاشِي وشيعتهما كشراح التَّنْبِيه إِلَى زمن الجيلي وتصانيف ابْن أبي عصرون وَكَذَلِكَ الشَّامِل وتعليقه الشَّيْخ أبي حَامِد وَالنِّهَايَة للْإِمَام وتصانيف صَاحبه الْغَزالِيّ وَالْبَحْر وَغَيره من تصانيف الرَّوْيَانِيّ والرافعي وَغير ذَلِك وَهَذَا الْكتاب أَعنِي الْمعِين هُوَ الَّذِي نقل عَنهُ الشَّيْخ نجم الدّين أَحْمد بن حرمى الْقَمُولِيّ فِي كِتَابه الْبَحْر الْمُحِيط فِي شرح الْوَسِيط فِي كتاب النِّكَاح حَيْثُ قَالَ رَأَيْت فِي كتاب الْمعِين لعَلي بن أَحْمد الأصبحي عَن الشَّيْبَانِيّ وَهُوَ من فُقَهَاء الْيمن الْمُتَأَخِّرين تَخْصِيص الْخلاف أَي فِي نظر الرجل إِلَى فرج زَوجته بِغَيْر حَالَة الْجِمَاع والجزم بِالْحلِّ فِيهَا قولا وَاحِدًا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 129 1386 - عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن دَاوُد الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبُو الْحسن بن الْعَطَّار شيخ دَار الحَدِيث النورية ومدرس القوصية بِدِمَشْق سمع من ابْن عبد الدَّائِم وَابْن أبي الْيُسْر والقطب بن أبي عصرون وَغَيرهم وَخرج لَهُ شَيخنَا الذَّهَبِيّ معجما نيفا فِيهِ على ثَمَانِينَ شَيخا وَهُوَ من أَصْحَاب الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ ولد سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَتُوفِّي فِي مستهل ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة 1387 - عَليّ بن أَحْمد بن جَعْفَر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الظَّاهِر ابْن عبد الْوَلِيّ بن الْحُسَيْن بن عبد الْوَهَّاب بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد ابْن أبي هَاشم بن دَاوُد بن الْقَاسِم بن إِسْحَاق بن عبد الله ابْن جَعْفَر بن أبي طَالب الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن عبد الظَّاهِر الْهَاشِمِي الْجَعْفَرِي القوصي الحديث: 1386 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 130 نزيل إخميم ذُو الْعلم وَالْعِبَادَة والمكاشفات وَالْأَحْوَال والتكلم على الخواطر سمع أَبَا الْحسن عَليّ بن هبة الله بن الجميزي وَشَيْخه أَبَا الْحسن عَليّ بن وهب ابْن مُطِيع الْقشيرِي وَبِه تفقه وبرع ثمَّ أَسْفر لَهُ صباح السَّعَادَة وتطلع إِلَيْهِ طالع الْمجد فَقدم إِلَى قوص الشَّيْخ عَليّ الْكرْدِي رجل ذُو ورع وتقوى فَاجْتمع عَلَيْهِ ابْن عبد الظَّاهِر هَذَا وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَالشَّيْخ جلال الدّين الدشنائي وَجَمَاعَة ولازموا الذّكر وجدوا فِي الْعِبَادَة غَايَة الْجد وَحكي أَن ابْن عبد الظَّاهِر رأى مرحاضا قد أخرج مَا فِيهِ وَوضع إِلَى جَانب الْمَسْجِد الَّذِي هم فِيهِ فَقَالَ فِي نَفسه لَا بُد أَن أحمل هَذَا فنازعته نَفسه إِذْ هُوَ من بَيت رياسة وأصالة فاستدرجها إِلَى حمله فِي النَّهَار وَمر بِهِ وَالنَّاس تتعجب مِنْهُ وتظن أَن عقله حصل فِيهِ خلل ثمَّ استوطن إخميم وَبنى بهَا رِبَاطًا وعمت بركاته على مريديه واشتهر من كراماته مَا كثر وَحكى بعض الثِّقَات عَن نَفسه قَالَ لازمت الذّكر مُدَّة حَتَّى خطر لي أَنِّي تأهلت وسافرت فرافقت فِي سَفَرِي شَابًّا نَصْرَانِيّا جميل الصُّورَة فَلَمَّا فارقته وجدت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 131 ألما كثيرا لفراقه فَدخلت إخميم وَأَنا على تِلْكَ الْحَال متألم فَحَضَرت ميعاد ابْن عبد الظَّاهِر فَتكلم على عَادَته ثمَّ نظر إِلَيّ وَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ أنَاس يظنون أَنهم من الْخَواص وهم من عوام الْعَوام قَالَ الله تَعَالَى {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} وَمن للتَّبْعِيض وَمعنى التَّبْعِيض أَن لَا ترفع شَيْئا من بَصرك إِلَى شَيْء من الْمعاصِي وكراماته كَثِيرَة توفّي فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة بإخميم 1388 - عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن يُوسُف قَاضِي الْقُضَاة الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي شيخ الشُّيُوخ قدم دمشق قَدِيما وَسمع الحَدِيث بِهَذِهِ الديار من أبي الْفضل أَحْمد بن هبة الله ابْن عَسَاكِر وَأبي حَفْص عمر بن القواس وَأبي الْعَبَّاس الأبرقوهي وَابْن الصَّواف وَابْن الْقيم والحافظين أبي مُحَمَّد الدمياطي وَشَيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق الْعِيد الحديث: 1388 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 132 وشغل النَّاس بِالْعلمِ شاما ومصرا وَمَعَ مُلَازمَة التَّقْوَى وَحسن السمت وَكَثْرَة الْعلم والإفادة انْتفع بِهِ أهل مصر ثمَّ ولي قَضَاء الشَّام فَسَار سيرة حَسَنَة ذكره كَمَال الدّين جَعْفَر الأدفوي فِي كتاب الْبَدْر السافر فَقَالَ شيخ الدَّهْر وعالمه من شادت بِهِ أَرْكَان التصوف ومعالمه إِن ذكر التَّفْسِير فالزمخشري أَو الْفِقْه فالطبري أَو الْبَيَان والبديع فالسكاكي والجزري أَو النَّحْو فالجياني العكبري أَو التصوف فالجنيد وَالسري أَو الْأُصُول فالبحر العجاج والعارض الصيب أَو الْكَلَام فَابْن فورك وَأَبُو الطّيب أَو الجدل وَالْخلاف فالنسفي والعميدي يسلمان لَهُ فِيهِ أَو المنطلق فالخونجي والأبهري يتلقيانه من فِيهِ مَعَ عقل وافر ونسل طَاهِر أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ قَرِيبا من ثَلَاثِينَ سنة يلقِي دروسا يُدِير من المعارف على أهل العوارف كئوسا إِذا طلع الْفجْر خرج من مَسْكَنه للصَّلَاة بِسُكُون ووقار ثمَّ يسْتَمر فِي إِفَادَة الطّلبَة إِلَى منتصف النَّهَار انْتهى وَذكر أَن شيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق الْعِيد قَالَ إِنَّه يُطلق على القونوي اسْم الْفَاضِل استحقاقا قَالَ وناهيك بِابْن دَقِيق الْعِيد من عَالم متضلع ومحتاط بِمَا يَقُوله متورع الجزء: 10 ¦ الصفحة: 133 قلت لَا شكّ أَن هَذِه من ابْن دَقِيق الْعِيد منقبة للقونوي عَظِيمَة درس بِدِمَشْق بِالْمَدْرَسَةِ الإقبالية ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا مُدَّة فِي غَايَة من الْفقر مَعَ عزة النَّفس إِلَى أَن ولي تدريس الشريفية ومشيخة الخانقاه الصلاحية وصنف شرح الْحَاوِي وَاخْتصرَ منهاج الْحَلِيمِيّ وَشرح كتاب التعرف فِي التصوف وَاخْتصرَ المعالم فِي الْأُصُول ثمَّ ولي قَضَاء الشَّام وَأقَام دون عَاميْنِ إِلَى أَن مَاتَ فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة وعمره اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سنة وَمن شعره أَبْيَات أجَاب بهَا سَائِلًا قصد الطعْن فِي الشَّرِيعَة ذَكرنَاهَا فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الْبَاجِيّ الرسباني الجزء: 10 ¦ الصفحة: 134 أنشدنا الْحَافِظ أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن رَافع بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أنشدنا قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين القونوي لنَفسِهِ فِي الشجاج (إِذا رمت إحصاء الشجاج فهاكها ... مفسرة أسماؤها متواليه) (فحارصة إِن شقَّتْ الْجلد ثمَّ مَا ... أسالت دَمًا وَهِي الْمُسَمَّاة داميه) (وباضعة مَا تقطع اللَّحْم وَالَّتِي ... لَهَا الغوص فِيهِ للَّتِي مر تاليه) (وَتلك لَهَا وصف التلاحم ثَابت ... وَمَا بعْدهَا السمحاق فافهمه واعيه) (وَقل ذَاك مَا أفْضى إِلَى الْجلْدَة الَّتِي ... تكون وَرَاء اللَّحْم للعظم غاشيه) (وموضحة مَا أوضح الْعظم باديا ... وهاشمة بِالْكَسْرِ للعظم ناعيه) (وَمن بعْدهَا مَا ينْقل الْعظم وَاسْمهَا ... منقلة ثمَّ الَّتِي هِيَ آتيه) (فمأمومة أمت من الرَّأْس أمه ... وَقد بقيت أُخْرَى بهَا الْعشْر وافيه) (فدامغة تسمى بحرق جليدة ... هِيَ الْأُم كيس للدماغ وحاويه) (وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي عدهَا وَإِن ... ترد ضبط حكم الْكل فاسمع مقاليه) (فَفِي الْخَمْسَة الأولى الْحُكُومَة ثمَّ مَا ... بإيضاح عمد فالقصاص وجانيه) (وخصت بِهَذَا الموضحات بضبطها ... فَلَا عشر فِي استيفائها متكافيه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 135 (وَإِن حصلت فِي غير عمد أَو انْتَهَت ... إِلَى المَال عفوا فاقدر الْأَرْش ثَانِيه) (على دِيَة النَّفس الَّتِي أوضحت بهَا ... فَتلك لنصف الْعشْر مِنْهَا مساويه) (وَذَا الْقدر أرش الهشيم وَالنَّقْل مُفردا ... وزد لانضمام بِالْحِسَابِ مراعيه) (فَفِي اثْنَيْنِ مِنْهَا الْعشْر ثمَّ لثالث ... تزيد عَلَيْهِ نصفه إِن تحاشيه) (ومأمومة فِيهَا من النَّفس ثلثهَا ... ودامغة مثل لَهَا ومكافيه) (وَقيل بِأَن للدَّفْع لَيْسَ جِرَاحَة ... لتذفيفه كالجز يوحي ملاقيه) (وَقد نجز الْمَقْصُود والعي وَاضح ... وعجمتي العجماء فِي النّظم باديه) مناظرة بَين الشَّيْخ عَلَاء الدّين وَالشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رحمهمَا الله 1389 - عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن عَليّ الشَّيْخ زين الدّين أَبُو الْحسن ابْن شيخ العوينة الْموصِلِي ... . . الحديث: 1389 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 136 1390 - عَليّ بن الْحُسَيْن السَّيِّد شرف الدّين الْحُسَيْنِي وَكيل بَيت المَال بالديار المصرية ونقيب الْأَشْرَاف بهَا ومدرس المشهد الْحُسَيْنِي وَغَيره وَكَانَ رجلا فَاضلا ممدحا أديبا هُوَ وَالشَّيْخ جمال الدّين ابْن نباتة وَالْقَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله أدباء الْعَصْر إِلَّا أَن ابْن نباتة وَابْن فضل الله يزيدان عَلَيْهِ بالشعر فَإِنَّهُ لم يكن لَهُ فِي النّظم يَد وَأما النثر فَكَانَ فِيهِ أستاذا ماهرا مَعَ معرفَة بالفقه وَالْأُصُول والنحو ومولده سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكتب إِلَيّ كتابا من الْقَاهِرَة يعزيين فِي الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله مَاتَ السَّيِّد شرف الدّين فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بالقرافة 1391 - عَليّ بن عبد الله بن أبي الْحسن بن أبي بكر الأردبيلي الشَّيْخ تَاج الدّين التبريزي نزيل الْقَاهِرَة المتضلع بغالب الْفُنُون من المعقولات وَالْفِقْه والنحو والحساب والفرائض ببلاده وَأخذ عَن قطب الدّين الشِّيرَازِيّ وعلاء الدّين النُّعْمَان الْخَوَارِزْمِيّ وَخلق الحديث: 1390 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 137 قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ هُوَ عَالم كَبِير شهير كثير التلامذة حسن الصيانة من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة قلت كَانَ ماهرا فِي عُلُوم شَتَّى وعني بِالْحَدِيثِ بِالآخِرَة وَسمع بِدِمَشْق ومصر من جمَاعَة من مشيختنا واستكتب كتاب الْمِيزَان فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل لشَيْخِنَا الذَّهَبِيّ وصنف فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول والحساب ولازم شغل الطّلبَة بأصناف الْعُلُوم إِلَى أَن توفّي بِالْقَاهِرَةِ فِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة رَحمَه الله تَعَالَى 1392 - عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْعلي الْخَطِيب عماد الدّين ولد فَخر الدّين ولد قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين ابْن السكرِي روى عَن جده لأمه الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن الجميزي وَعَن وَالِده الشَّيْخ فَخر الدّين ابْن السكرِي وَعَن جده لِأَبِيهِ قَاضِي الْقُضَاة الْفَقِيه عماد الدّين وَحدث بِالْقَاهِرَةِ ودمشق ومولده فِي خَامِس الْمحرم سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة جهز إِلَى التتار رَسُولا فَدخل بِلَاد أذربيجان وَأقَام بهَا أَربع سِنِين ثمَّ عَاد روى عَنهُ البرزالي وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ وَجَمَاعَة وَذكره أبي الْعَلَاء القوصي وَقَالَ صدر جليل عَالم وَكَانَ يدرس بمشهد الْحُسَيْن بِالْقَاهِرَةِ ومنازل الْعِزّ بِمصْر ويخطب بالجامع الحاكمي توفّي فِي صفر سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة الحديث: 1392 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 138 1393 - عَليّ بن عبد الْكَافِي بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام ابْن حَامِد بن يحيى بن عمر بن عُثْمَان بن عَليّ بن مسوار بن سوار ابْن سليم السُّبْكِيّ الشَّيْخ الإِمَام الْفَقِيه الْمُحدث الْحَافِظ الْمُفَسّر الْمُقْرِئ الأصولي الْمُتَكَلّم النَّحْوِيّ الحديث: 1393 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 139 اللّغَوِيّ الأديب الْحَكِيم المنطقي الجدلي الخلافي النظار شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن (إِمَام النَّاس جَامع كل علم ... فريد الدَّهْر أسمى من تسامى) (لَهُ التَّفْسِير لِلْقُرْآنِ أَلْقَت ... إِلَيْهِ معادن الْعلم الزماما) (وَفِي فن الحَدِيث إِلَيْهِ تنضى ... ركائب من يه طلب القياما) (وَفِي فن الْأُصُول لَهُ سمو ... وَفِي نوع الْفُرُوع غَدا الهماما) (وَفِي الْعَرَبيَّة الْأَمْثَال سَارَتْ ... بهَا فِي الْخَافِقين لَهُ دواما) (حوى لُغَة وتصريفا ونحوا ... وأبياتا بِهِ تسمو نظاما) (وأنسابا وتاريخا مُبينًا ... لأحوال الَّذين غدوا عظاما) (بديع بَيَان أسلوب الْمعَانِي ... إِذا شرح اسْمهَا للمرء هاما) (وَفِي علم الْعرُوض وَفِي القوافي ... وَالِاسْتِدْلَال لم يأل اهتماما) (وَفِي علم الْكَلَام وكل بحث ... غَدا الحبر الْمُقدم والإماما) شيخ الْمُسلمين فِي زَمَانه والداعي إِلَى الله فِي سره وإعلانه والمناضل عَن الدّين الحنيفي بقلمه وَلسَانه أستاذ الأستاذين وَأحد الْمُجْتَهدين وخصم المناظرين جَامع أشتات الْعُلُوم والمبرز فِي الْمَنْقُول مِنْهَا وَالْمَفْهُوم والمشمر فِي رضَا الْحق وَقد أَضَاءَت النُّجُوم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 140 شَافِعِيّ الزَّمَان وَحجَّة الْإِسْلَام الْمَنْصُوب من طرق الْجنان والمرجع إِذا دجت مشكلة وَغَابَتْ عَن العيان عباب لَا تكدره الدلاء وسحاب تتقاصر عَنهُ الأنواء وَبَاب للْعلم فِي عصره وَكَيف لَا وَهُوَ عَليّ الَّذِي تمت بِهِ النعماء (وَكَانَ من الْعُلُوم بِحَيْثُ يقْضى ... لَهُ من كل علم بِالْجَمِيعِ) وَكَانَ من الْوَرع وَالدّين وسلوك سَبِيل الأقدمين على سنَن ويقين إِن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ صادع بِالْحَقِّ لَا يخَاف لومة لائم صَادِق فِي النِّيَّة لَا يختشي بطشة ظَالِم صابر وَإِن ازدحمت الضراغم مَنُوط بِهِ أَمر المشكلات فِي دياجيها محطوط عَن قدره السَّمَاء ودراريها مَبْسُوط قلمه وَلسَانه فِي الْأمة وفتاويها شيخ الْوَقْف حَالا وعلما وَإِمَام التَّحْقِيق حَقِيقَة ورسما وَعلم الْأَعْلَام فعلا واسما (إِذا تغلغل فكر الْمَرْء فِي طرف ... من مجده غرقت فِيهِ خواطره) لَا يرى الدُّنْيَا إِلَّا هباء منثورا وَلَا يدْرِي كَيفَ يجلب الدِّرْهَم فَرحا وَالدِّينَار الجزء: 10 ¦ الصفحة: 141 سُرُورًا وَلَا يَنْفَكّ يَتْلُو الْقُرْآن قَائِما وَقَاعِدا رَاكِبًا وماشيا وَلَو كَانَ مَرِيضا مَعْذُورًا وَكَانَ دعواته تخترق السَّبع الطباق وتفترق بركاتها فتملأ الأفاق وتسترق خبر السَّمَاء وَكَيف لَا وَقد رفعت على يَد ولي الله تفتح لَهُ أَبْوَابهَا ذَوَات الإغلاق وَكَانَت يَدَاهُ بِالْكَرمِ مبسوطتين لَا يُقَاس إِلَّا بحاتم وَلَا ينشد إِلَّا (على قدر أهل الْعَزْم تَأتي العزائم ... ) وَلَا يعرف إِلَّا الْعَطاء الجزل (وَتَأْتِي على قدر الْكِرَام المكارم ... ) (يَد تلوح لأفواه تقبلهَا ... فتستقل الثريا أَن تكون فَمَا) (وللمعاني الحسان الغر تَكْتُبهَا ... بِأَحْسَن الْخط لما تمسك القلما) (وللعفاة لتوليهم عوائدها ... فَلَا يرى الْغَيْث شَيْئا لَو وفى وهمى) (وللدعائي طول اللَّيْل يرفعها ... إِلَى الْإِلَه ليولين بِهِ النعما) (أعظم بهَا نعما كالبحر ملتطما ... والغيث منسجما والجود منقسما) يواظب على الْقُرْآن سرا وجهرا لَا يقرن ختام ختمة إِلَّا بِالشُّرُوعِ فِي أُخْرَى وَلَا يفْتَتح بعد الْفَاتِحَة إِلَّا سُورَة تترى مَعَ تقشف لَا يتردع مَعَه غير ثوب العفاف وَلَا يتطلع إِلَى مَا فَوق مِقْدَار الكفاف وَلَا يتنوع إِلَّا فِي أَصْنَاف هَذِه الْأَوْصَاف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 142 يقطع اللَّيْل تسبيحا وقرآنا وقياما لله لَا يُفَارِقهُ أَحْيَانًا وبكاء يفِيض من خشيَة الله ألوانا أقسم بِاللَّه أَنه لفوق مَا وَصفته وَإِنِّي لناطق بهَا وغالب ظَنِّي أَنِّي مَا أنصفته وَإِن الغبي سيظن فِي أمرا مَا تصورته (وَمَا عَليّ إِذا مَا قلت معتقدي ... دع الحسود يظنّ السوء عُدْوانًا) (هَذَا الَّذِي تعرف الْأَمْلَاك سيرته ... إِذا ادلهم دجى لم يبْق سهرانا) (هَذَا الَّذِي يسمع الرَّحْمَن صائحه ... إِذا بَكَى وأفاض الدمع ألوانا) (هَذَا الَّذِي يسمع الرَّحْمَن دَعوته ... إِذا تقَارب وَقت الْفجْر أَو حانا) (هَذَا الَّذِي تعرف الغبراء جَبهته ... من السُّجُود طوال اللَّيْل عرفانا) (هَذَا الَّذِي لم يُغَادر سيل مدمعه ... أَرْكَان شبيبته الْبَيْضَاء أَحْيَانًا) (وَالله وَالله وَالله الْعَظِيم وَمن ... أَقَامَهُ حجَّة فِي الْعَصْر برهانا) (وحافظا لنظام الشَّرْع ينصره ... نصرا يلقيه من ذِي الْعَرْش غفرانا) (كل الَّذِي قلت بعض من مناقبه ... مَا زِدْت إِلَّا لعَلي زِدْت نُقْصَانا) وَمَا زَالَ فِي علم يرفعهُ وتصنيف يَضَعهُ وشتات تَحْقِيق يجمعه إِلَى أَن سَار إِلَى دَار الْقَرار وَمَا سَاد أحد ناواه وَلَا كَانَ ذَا استبصار وَلَا سَاءَ من وَالَاهُ بل عَمه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 143 بِالْفَضْلِ المدرار وَلَا سَاغَ بسوى طَرِيقه الاهتداء وَالِاعْتِبَار وَلَا ساح بِغَيْر نَادِيه نيل يخجل وابل الأمطار وَلَا ساخ قدم فَتى قَامَ بنصرته وَقَالَ أنْصر بَقِيَّة الْأَنْصَار وَلَا سَالَ إِلَّا ويداه مبسوطتان وابل كرم فِي هَذِه الديار وَلَا سامة أحد بِسوء إِلَّا وَكَانَت عَلَيْهِ دَائِرَة الْفلك الدوار وَلَا سَاقه الله حِين قَبضه إِلَّا إِلَى جنَّة عدن أعدت لأمثاله من الْمُتَّقِينَ الْأَبْرَار ولد فِي ثَالِث صفر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وتفقه فِي صغره على وَالِده وَكَانَ من الِاشْتِغَال على جَانب عَظِيم بِحَيْثُ يسْتَغْرق غَالب ليله وَجَمِيع نَهَاره وَحكى لي أَنه لم يَأْكُل لحم الْغنم إِلَّا بعد الْعشْرين من عمره لحدة ذهنه وَأَنه كَانَ إِذا شم رَائِحَته حصل لَهُ شرى وَإِنَّمَا كَانَ يخرج من الْبَيْت صَلَاة الصُّبْح فيشتغل على الْمَشَايِخ إِلَى أَن يعود قريب الظّهْر فيجد أهل الْبَيْت قد عمِلُوا لَهُ فروجا فيأكله وَيعود إِلَى الِاشْتِغَال إِلَى الْمغرب فيأكل شَيْئا حلوا لطيفا ثمَّ يشْتَغل بِاللَّيْلِ وَهَكَذَا لَا يعرف غير ذَلِك حَتَّى ذكر لي أَن وَالِده قَالَ لأمه هَذَا الشَّاب مَا يطْلب قطّ درهما وَلَا شَيْئا فَلَعَلَّهُ يرى شَيْئا يُرِيد أَن يَأْكُلهُ فضعي فِي منديل درهما أَو دِرْهَمَيْنِ فَوضعت نصف دِرْهَم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 144 قَالَت الْجدّة فاستمر نَحْو جمعتين وَهُوَ يعود والمنديل مَعَه وَالنّصف فِيهِ إِلَى أَن رمى بِهِ إِلَيّ وَقَالَ أيش أعمل بِهَذَا خذوه عني وَكَانَ الله تَعَالَى قد أَقَامَ وَالِده ووالدته للْقِيَام بأَمْره فَلَا يدْرِي شَيْئا من حَال نَفسه ثمَّ زوجه وَالِده بابنة عَمه وعمره خمس عشرَة سنة وألزمها أَن لَا تحدثه فِي شَيْء من أَمر نَفسهَا وَكَذَلِكَ ألزمها والدها وَهُوَ عَمه الشَّيْخ صدر الدّين فاستمرت مَعَه ووالده ووالدها يقومان بأمرهما وَهُوَ لَا يَرَاهَا إِلَّا وَقت النّوم وصحبته مُدَّة ثمَّ إِن والدها بلغه أَنَّهَا طالبته بِشَيْء من أَمر الدُّنْيَا فَطَلَبه وَحلف عَلَيْهِ بِالطَّلَاق ليُطَلِّقهَا فَطلقهَا فَانْظُر إِلَى اعتناء وَالِده وَعَمه بأَمْره وَكَانَ ذَلِك خوفًا مِنْهُمَا أَن يشْتَغل باله بِشَيْء غير الْعلم ثمَّ إِنَّه دخل الْقَاهِرَة مَعَ وَالِده وَعرض محافيظ حفظهَا التَّنْبِيه وَغَيره على ابْن بنت الْأَعَز وَغَيره وَقيل إِن وَالِده دخل بِهِ إِلَى شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد عرض عَلَيْهِ التَّنْبِيه وَإِن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ لوالده رد بِهِ إِلَى الْبر إِلَى أَن يصير فَاضلا عد بِهِ إِلَى الْقَاهِرَة فَرد بِهِ إِلَى الْبر قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله فَلم أعد إِلَّا بعد وَفَاة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ففاتتني مُجَالَسَته فِي الْعلم وَسمعت الْوَالِد يَقُول أَنا مَا أتحقق الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَلَكِنِّي أذكر أَنِّي دخلت دَار الحَدِيث الكاملية بِالْقَاهِرَةِ وَرَأَيْت شَيخا هَيئته كَهَيئَةِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الموصوفة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 145 لنا لَعَلَّه هُوَ وَسمعت الْحَافِظ تَقِيّ الدّين أَبَا الْفَتْح ابْن الْعم رَحمَه الله يَقُول هُوَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَلَكِن الشَّيْخ الإِمَام لورعه لَا يجْزم مَعَ أدنى احْتِمَال ثمَّ لما دخل الْقَاهِرَة بعد أَن صَار فَاضلا تفقه على شَافِعِيّ الزَّمَان الْفَقِيه نجم الدّين ابْن الرّفْعَة وَقَرَأَ الْأَصْلَيْنِ وَسَائِر المعقولات على الإِمَام النظار عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ والمنطق وَالْخلاف على سيف الدّين الْبَغْدَادِيّ وَالتَّفْسِير على الشَّيْخ علم الدّين الْعِرَاقِيّ والقراءات على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصَّائِغ والفرائض على الشَّيْخ عبد الله الغماري الْمَالِكِي وَأخذ الحَدِيث عَن الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي ولازمه كثيرا ثمَّ لَازم بعده وَهُوَ كَبِير إِمَام الْفَنّ الْحَافِظ سعد الدّين الْحَارِثِيّ وَأخذ النَّحْو عَن الشَّيْخ ابْن حَيَّان وَصَحب فِي التصوف الشَّيْخ تَاج الدّين ابْن عَطاء الله وَسمع بالإسكندرية من أبي الْحُسَيْن يحيى بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن الصَّوَاب وَعبد الرَّحْمَن بن مخلوف بن جمَاعَة وَيحيى بن مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وبالقاهرة من عَليّ بن نصر بن الصَّواف وَعلي بن عِيسَى بن الْقيم وَعلي بن مُحَمَّد بن هَارُون الثَّعْلَبِيّ والحافظ أبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي وشهاب بن عَليّ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 146 المحسني وَالْحسن بن عبد الْكَرِيم سبط زِيَادَة ومُوسَى بن عَليّ بن أبي طَالب وَمُحَمّد بن عبد الْعَظِيم بن السَّقطِي وَمُحَمّد بن المكرم الْأنْصَارِيّ وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى الصُّوفِي وَمُحَمّد بن نصير بن أَمِين الدولة ويوسف بن أَحْمد المشهدي وَعمر بن عبد الْعَزِيز بن الْحُسَيْن بن رَشِيق وشهدة بنت عمر بن العديم وبدمشق من ابْن الموازيني وَابْن مشرف وَأبي بكر بن أَحْمد بن عبد الدَّائِم وَأحمد بن مُوسَى الدشتي وَعِيسَى الْمطعم وَإِسْحَاق بن أبي بكر بن النّحاس وَسليمَان بن حَمْزَة القَاضِي وَخلق وَأَجَازَ لَهُ من بَغْدَاد الرشيد بن أبي الْقَاسِم وَإِسْمَاعِيل بن الطبال وَغَيرهمَا وَجمع مُعْجَمه الجم الْغَفِير وَالْعدَد الْكثير وَكتب بِخَطِّهِ وَقَرَأَ الْكثير بِنَفسِهِ وَحصل الْأَجْزَاء الْأُصُول وَالْفُرُوع وَسمع الْكتب وَالْمَسَانِيد وَخرج وانتقى على كثير من شُيُوخه وَحدث بِالْقَاهِرَةِ ودمشق سمع مِنْهُ الْحفاظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي وَأَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ وَأَبُو مُحَمَّد البرزالي وَغَيرهم ذكره الذَّهَبِيّ فِي المعجم الْمُخْتَص فَقَالَ القَاضِي الإِمَام الْعَلامَة الْفَقِيه الْمُحدث الْحَافِظ فَخر الْعلمَاء تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن السُّبْكِيّ ثمَّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي ولد القَاضِي الْكَبِير زين الدّين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 147 مولده سنة ثَلَاث وثماني وسِتمِائَة سمع من الدمياطي وطبقته وبالثغر من شَيخنَا يحيى الصَّوَاب لحقه بآخر رَمق وبدمشق من ابْن الموازيني وَابْن مشرف وبالحرمين وَكَانَ صَادِقا متثبتا خيرا دينا متواضعا حسن السمت من أوعية الْعلم يدْرِي الْفِقْه ويقرره وَعلم الحَدِيث ويحرره وَالْأُصُول ويقرئها والعربية ويحققها ثمَّ قَرَأَ بالروايات على تَقِيّ الدّين ابْن الصَّائِغ وصنف التصانيف المتقنة وَقد بَقِي فِي زَمَانه الملحوظ إِلَيْهِ بالتحقيق وَالْفضل سَمِعت مِنْهُ وَسمع مني وَحكم بِالشَّام وحمدت أَحْكَامه فَالله يُؤَيّدهُ ويسدده سمعنَا مُعْجَمه بالكلاسة انْتهى وَذكره أَيْضا فِي مُعْجم شُيُوخ وَفِي تذكرة الْحفاظ وَغَيرهمَا من كتبه ذكره الْفَاضِل الأديب أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى بن فضل الله الْعمريّ فِي كتاب مسالك الْأَبْصَار فَقَالَ بعد ذكر نسبه حجَّة الْمذَاهب مفتي الْفرق قدوة الْحفاظ آخر الْمُجْتَهدين قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن صَاحب التصانيف التقي الْبر الْعلي الْقدر سمي عَليّ كرم الله وَجهه الَّذِي هُوَ بَاب الْعلم وَلَا غرو أَن كَانَ هَذَا الْمدْخل إِلَى ذَلِك الْبَاب والمستخرج من دَقِيق ذَلِك الْفضل هَذَا اللّبَاب والمستمير من تِلْكَ الْمَدِينَة الَّتِي ذَلِك الْبَاب بَابهَا والواقف عَلَيْهَا من سميه فَذَاك بَابهَا وَهَذَا بوابها وبحر لَا يعرف لَهُ عبر وَصدر لَا يداخله كبر وأفق لَا تقيسه كف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 148 الثريا بشبر وأصيل قدره أجل مِمَّا يموه بِهِ لجين النَّهَار ذائب التبر إِمَام نَاضِح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنضاله وجاهد بجداله وَلم يلطخ بالدماء حد نصاله حمى جناب النُّبُوَّة الشريف بقيامه فِي نَصره وتسديد سهامه للذب عَنهُ من كنَانَة مصره فَلم يخط على بعد الديار سَهْمه الراشق وَلم يخف مسام تِلْكَ الدسائس فهمه الناشق ثمَّ لم يزل حَتَّى نقي الصُّدُور من شبه دنسها وَوُقِيَ من الْوُقُوع فِي ظلم حندسها قَامَ حِين خلط على ابْن تَيْمِية الْأَمر وسول لَهُ قرينه الْخَوْض فِي ضحضاح ذَلِك الْجَمْر حِين سد بَاب الْوَسِيلَة يغْفر الله لَهُ وَلَا حرمهَا وَأنكر شدّ الرّحال لمُجَرّد الزِّيَارَة لَا واخذه الله وَقطع رَحمهَا وَمَا برح يدلج ويسير حَتَّى نصر صَاحب ذَلِك الْحمى الَّذِي لَا ينتهك نصرا مؤزرا وكشف من خبء الضمائر فِي الصُّدُور عَنهُ صَدرا موغرا فَأمْسك مَا تماسك من بَاقِي العرى وَحصل أجرا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة يرى حَتَّى سهل السَّبِيل إِلَى زِيَارَة صَاحب الْقَبْر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقد كَادَت تزور عَنهُ قسرا صُدُور الركائب وتجر قهرا أَعِنَّة الْقُلُوب وَهن لوائب بِتِلْكَ الشُّبْهَة الَّتِي كَادَت شرارتها تعلق بحداد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 149 الأوهام وتمد غيهب صداها صدأ على مزايا الأفهام وهيهات كَيفَ يزار الْمَسْجِد وَيخْفى صَاحبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يخفيه الْإِبْهَام أَو تذاد الْمطِي عَنهُ وَهِي تتراشق إِلَيْهِ كالسهام ولولاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما عرف تَفْضِيل ذَلِك الْمَسْجِد وَلَا يم إِلَى ذَلِك الْمحل تأميل المغير وَلَا المنجد ولولاه لما قدس الْوَادي وَلَا أسس على التَّقْوَى مَسْجِد فِي ذَلِك النادي وَكَذَلِكَ قبلهَا شكر الله لَهُ قَامَ فِي لُزُوم مَا انْعَقَد عَلَيْهِ الْإِجْمَاع وَبعد الظُّهُور بمخالفته على الأطماع وَمنع فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق أَن تجْرِي فِي الْكَفَّارَة مجْرى الْيَمين وَأَن تجلى فِي صُورَة إِن حققت لَا تبين خوفًا على مَحْفُوظ الْأَنْسَاب ومحظوظ الأحساب لما كَانَت تُؤدِّي إِلَيْهِ هَذِه الْعَظِيمَة وتستولي عَلَيْهِ هَذِه الْمُصِيبَة العميمة وصنف فِي الرَّد على هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ كِتَابيه بل جرد سَيْفه وأرهف ذبابيه ورد الْقرن وَهُوَ ألذ خصيم وَشد عَلَيْهِ وَهُوَ يشد على غير هزيم وقابله وَهُوَ الشَّمْس الَّتِي تعشي الْأَبْصَار وقاتله وَكم جهد مَا يثبت البطل لعَلي وَفِي يَده ذُو الفقار (وتطاعنا وتواقفت خيلاهما ... وَكِلَاهُمَا بَطل اللِّقَاء مقنع) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 150 وَمَا زَالا حَتَّى تقصدت الصفاح وتقصفت الرماح وتحيفت الْكَلم الْأَدِلَّة وجف الْقَلَم حَتَّى لم يبْق فِي فِيهِ بلة وانجلت غياهب ذَلِك العثير تبرق فِيهِ صفحات الْحق السوي والحظ السعيد النَّبَوِيّ والنصر المحمدي إِلَّا أَنه بالفتوح الْعلوِي بجهاد أيد صَاحب الشَّرِيعَة وآزره ورد على من سد بَاب الذريعة وخذل ناصره وأمضى يسابق إِلَيْهِ مرمى طرفه جواد جرى على أعراقه وَجَاء على إِثْر سباقه من عِصَابَة الْأَنْصَار حَيْثُ يعرف فِي الْحسب التليد ويدخر شرف النّسَب للمواليد وتصغر عظائم الأخيار وتصعر هَامة كل جَبَّار وتنشر ذؤابة يعرب على كتف شرفها وتركز عِصَابَة الْمجد المؤثل لسلفها (وَالله أَوْس آخَرُونَ وخزرج ... ) لَا بل هُوَ مِمَّن تشيدت بِهِ حصونهم الحصينة وحميت بِهِ أَن يدْخل الدَّجَّال أنقاب الْمَدِينَة واستله الفخار من بقايا تِلْكَ الأسرة فِي أكْرم ظُهُورهَا وَأعظم شموسها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 151 المجللة للآفاق بظهورها وَأَعْلَى آياتها فِي مراقي الشَّرِيعَة الشَّرِيفَة درجا وَأسرى فِي أرجاء طيبَة الطّيبَة أرجا وأحوى لعلومها أشتاتا ولعلوها فِي أَسَانِيد العوالي إِثْبَاتًا ولحنوها على من نزل بهَا فِيمَا هُوَ أدفأ وأكن أبياتا وأسكن فِي صُدُور محافلها من الْأَسْرَار وأطلع فِي أفق جحافلها من الأقمار بزغ من مطلع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَنزع بِهِ عرقه إِلَى التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان وَهُوَ مثلهم إِن لم يكن مِنْهُم ثمَّ خرج من بَيت الوزارة حَتَّى تتقاصر النُّجُوم وتتناصر ثمَّ تتناصف الْخُصُوم وتخفض أَعْنَاق الغيوم وَيجْرِي رحضاء الْبَرْق كَأَنَّهُ مَحْمُوم وتخضر أندية الْأُفق وَسُهيْل قد نبذ بالعراء كَأَنَّهُ ملوم ويسري هودج النَّجْم وَكَأَنَّهُ برسن الجوزاء مزموم ويباري صدر صَدره اللَّيْل فيربد حنقا وَلَو ألقِي فِي تياره لما اسْتَطَاعَ أَن يقوم ويتطاير زبد شبهه ويتنفس سحره كَأَنَّهُ مظلوم وَيظْهر على آخر فجره ثمَّ يخفى كَأَنَّهُ غيظ مكظوم ويضاهي مرآه مرْآة الضوي النَّهَار وأنى لَهُ وَوجه صباحه كَأَنَّهُ من حمرَة الشَّفق ملطوم وَلَو بذل ألفا مثل دِينَار شمسه لما بلغ مَا يروم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 152 وبرز فِي طلب الْعلم حَتَّى أسكت لِسَان كل مُتَكَلم وأمات ذكر كل مُتَقَدم وَأَحْيَا إِمَامَة الشَّافِعِي بنشر مذْهبه وَنصر ذِي النّسَب الْقرشِي فِي علياء رتبه وَقَامَ بالاحتجاج لإِمَام بني الْمطلب فِي الائتمام بشريعة سيد بني عبد الْمطلب وَإِقَامَة الْحجَّة فِي سَبَب تَقْدِيمه وَحسب مَا أحرز فِي حَدِيثه مُضَافا إِلَى قديمه يحْتَج لقوليه ويحتل كنف مذْهبه الْمُمْتَنع من طريقيه حَتَّى أَصبَحت تسفر لَهُ وجوهه سافرة النقب ضاهرة المحاسن من وَرَاء الْحجب لَا ترد الهيم إِلَّا حياضة وَلَا يعد النسيم إِلَّا رياضة حَتَّى تفرد وَالزَّمَان بِعَدَد أَهله مشحون وَالْعصر بمحاسن بنيه مفتون وساد أهل مصر قاطبة واستوطنها وضرتها الشَّام لَهُ خاطبة وَكَانَ بهَا لدين يقيمه ويقين يديمه وتقى هُوَ وَصفه وَعلا أَرَادَ مطاولتها الطود وَمَا هُوَ نصفه وَقطع بهَا مُدَّة مقَامه فِي علم ينشره وَحقّ ينصره وضال يهديه وطالب يجديه وَسنة يؤيدها وبدعة فِي دكادك الخذلان يلحدها وزيغ يقوم منآده وزيف يعجل انتقاده وَطَرِيقَة سلف مَا عادها وَحَقِيقَة خلف مَا أنكرتها عَداهَا وفتاو يعْتَمد عَلَيْهَا فُقَهَاء الْآفَاق ويستند إِلَيْهَا عُلَمَاء مصر وَالشَّام وَالْعراق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 153 وتصانيف هِيَ جادة السَّبِيل ومادة الدَّلِيل تصد الأضاليل وَترد الأباطيل وَترد على الْعلمَاء فغاية الْمجِيد أَن يستحضر مَا حوته من نقُول أَو يَمْتَد إِلَى أَن يعد نَفسه مَعَه فَلَا يزِيد على أَن يكْتب تَحت خطه كَذَلِك نقُول ثمَّ ولي قَضَاء الشَّام فأزال عطله وأزاح خطله وَأصْلح فاسده ونفق كاسده وتوقل ذرْوَة منصبه حَتَّى لَا يمتطى السنام وَلَا يستصلح الْأَنَام وَلَا يُوجد المؤهل وَاحِد فِي مصر وَلَا شامه فِي الشَّام فَحكم بسيرة العمرين فِي الْإِنْصَاف وَحكى صُورَة القمرين فِي الْأَوْصَاف وانتهت إِلَيْهِ مشيخة دَار الحَدِيث بِالِاسْتِحْقَاقِ فوليها وَعرضت لَهُ أخواتها فَمَا رضيها وتدارك الْعلم وَلم يبْق مِنْهُ إِلَّا آخر الرمق وصان الْمَذْهَب وَمَا لَهُ وَجه إِلَّا ظَاهر الرهق وانتاش الطّلبَة من مراقد الخمول ومقاعد الونى عَن أَوَائِل الحمول حَتَّى نقضت كواكبهم عَن مقلها الْكرَى ورفضت سحائبهم إِلَّا مُوَاصلَة السرى إِلَّا أَن كثر الْعلم وطالبه وَعز ذُو الْفضل وَصَاحبه بكرم لله دره مَا أغزره وجود مَا أقل لَدَيْهِ حد الْبَحْر وَمَا أنزره الجزء: 10 ¦ الصفحة: 154 لَو عاصره حَاتِم وَهُوَ فِي الْكَرم لما ذكر أَو كَعْب بن مامة وَقد سمح حَتَّى بحص جنَاحه لما شكر بندى يغص بِهِ الْبَحْر شرقا ويتفصد جبين السَّحَاب عرقا ويتهيبه الْبَرْق فترتعد فرائصه فرقا ويختشي صوائبه الرَّعْد فيتعوذ وَلَا يَنْفَعهُ الرقى هَذَا كُله وَهُوَ بعض مَا فِي كرم سجاياه وَأَقل مِمَّا فِي كثير مزاياه هَذَا إِلَى جبين كالهلال ووقار عَلَيْهِ سميا الْجلَال وأدب أعذب فِي الْمقبل من المَاء الزلَال وَأطيب فِي المقيل من برد الظلال بنوادر أحر من الْجَمْر وألعب بالعقول أسْتَغْفر الله من الْخمر حدا على طَريقَة سلفه المعرب مَا قصرت عَن مداه الْأَوَائِل واستجدت من نداه النائل وطرف علمه مِنْهُ بِمِقْدَار مَا أَعَانَهُ على التَّفْسِير الَّذِي أسكت عَارضه كل قَائِل وَغير هَذَا من انتزاع الْميل وأقامة الدَّلَائِل ثمَّ سرح إِلَى حَيْثُ يسرح الطّرف ويدئب الطّرف ويلم بنادي المتيمين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 155 وَينزل بوادي سلف أهل الصبابة المغرمين ويخالط تِلْكَ الْعِصَابَة فِي كيسها وَيذكر حَدِيث ليلى وقيسها لطائف لَو أَنَّهَا لأهل ذَلِك الزَّمَان السالف لما قَالُوا الأسمار إِلَّا فِي طرائف ظرائفها وَلَا قَالُوا فِي سمُرَات الْحَيّ إِلَّا فِي ظلّ وارفها وَلَا زادوا فِي ربيع بن أبي ربيعَة إِلَّا بعض زخارفها وَلَا عدوا جميلا إِلَّا مَا نشر من فضل مطارفها وَلَا رجعُوا عَنْهَا إِلَى مَذْهَب جرير فِي أوبه وَلَا خيموا عزل الأناشيد بتوبه كل ذَلِك بِطرف أدب غض الجنى لي مِنْهُ إِلَّا إطراب السَّامع وتنويع مَا لَا إِثْم فِيهِ إِذا قيل فِي فَضله الْجَامِع هُوَ الله الْجَامِع الَّذِي لَا يضاهي بيُوت عِبَادَته الْمَسَاجِد وَلَا يساهر مقل قناديلها طرفه الهاجد وَلَا تضم ضلوع محاريها مثل صَدره وَلَا تشْتَمل أحناء عقودها على مثل سره بسيرة زينها العفاف فَمَا تدنست صحف أَيَّامهَا وأقنعها الكفاف فَمَا رَأَتْ مَا زَاد عَلَيْهِ إِلَّا من آثامها وَقد عَادَتْ دمشق بِهِ معمورة الأندية مأثورة الأنحية باهرة الْعلمَاء ظَاهِرَة بزينة نُجُوم السَّمَاء مَاضِيَة على مَنْهَج القدماء قاضية على سواهَا بِأَن الْعلم فِيهَا بِالْحَقِيقَةِ وَفِي غَيرهَا بالأسماء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 156 وَهَذَا هُوَ الْيَوْم وَالله يبقيه خير من أظلته خضراؤها وصغرت لَدَى قدره الْجَلِيل كبراؤها قد ملك قُلُوب أَهلهَا المتباينة وسَاق بعصاه سوائم شردها المتعاصية واستوسق بِهِ أَمر الشَّام لعَلي وَكَانَ لَا يُطِيع إِلَّا مُعَاوِيَة انْتهى وَذكر بعد ذَلِك شَيْئا من حَاله وَقَالَ فِي آخِره وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم فِي الْقرَاءَات والْحَدِيث والأصلين وَالْفِقْه هَذَا كَلَام ابْن فضل الله وَلَا يخفى مَا كَانَ بَينه وَبَين الْوَالِد من الشحناء وَذكره الشَّيْخ الإِمَام الأديب صَلَاح الدّين أَبُو الصفاء خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي فِي كتاب أَعْيَان الْعَصْر فَقَالَ بعد ذكر نسبه الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الزَّاهِد العابد الْوَرع الخاشع البارع الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام حبر الْأمة مفتي الْفرق الْمُقْرِئ الْمُحدث الرحلة الْمُفَسّر الْفَقِيه الأصولي البليغ الأديب المنطيقي الجدلي النظار جَامع الْفُنُون عَلامَة الزَّمَان قَاضِي الْقُضَاة أوحد الْمُجْتَهدين تَقِيّ الدّين أَبُو الْحسن الْأنْصَارِيّ الخزرجي السُّبْكِيّ الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ (يَا سعد هَذَا الشَّافِعِي الَّذِي ... بلغه الله تَعَالَى رِضَاهُ) (يَكْفِيهِ يَوْم الْحَشْر أَن عد فِي ... أَصْحَابه السُّبْكِيّ قَاضِي الْقُضَاة) أما التَّفْسِير فيا إمْسَاك ابْن عَطِيَّة وَوُقُوع الرَّازِيّ مَعَه فِي رزية وَأما الْقرَاءَات فيا بعد الداني وبخل السخاوي بإتقان السَّبع المثاني وَأما الحَدِيث فيا هزيمَة ابْن عَسَاكِر وعي الْخَطِيب لما أَن يذاكر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 157 وَأما الْأُصُول فيا كلال حد السَّيْف وعظمة فَخر الدّين كَيفَ تحيفها الحيف وَأما الْفِقْه فيا وُقُوع الْجُوَيْنِيّ فِي أول مهلك من نِهَايَة الْمطلب وجر الرَّافِعِيّ إِلَى الْكسر بعد انتصاب علمه الْمَذْهَب فِي الْمَذْهَب وَأما الْمنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينه وابتهار الْأَبْهَرِيّ وغطاء كشفه بمينه وَأما الْخلاف فيا نسف جبال النَّسَفِيّ وعمى العميدي فَإِن إرشاده خَفِي وَأما النَّحْو فالفارسي ترجل إِلَيْهِ يطْلب إعظامه والزجاجي تكسر جمعه مَا فَازَ بالسلامة وَأما اللُّغَة فالجوهري مَا لصحاحة قيمَة والأزهري أظلمت لياليه الْبَهِيمَة وَأما الْأَدَب فَصَاحب الذَّخِيرَة استعطى وَوَاضِع الْيَتِيمَة تَركهَا وَذهب إِلَى أَهله يتمطى وَأما الْحِفْظ فَمَا سد السلَفِي خلة ثغره وَكسر قلب الْجَوْزِيّ لما أكل الْحزن لبه وَخرج من قشره الجزء: 10 ¦ الصفحة: 158 هَذَا إِلَى إتقان فنون يطول سردها وَيشْهد الامتحان أَنه فِي الْمَجْمُوع فَردهَا واطلاع على معارف أخر وفوائد مَتى تكلم فِيهَا قلت بَحر زخر إِذا مَشى النَّاس فِي رقراق علم كَانَ هُوَ خائض اللجة وَإِذا خبط النَّاس عشواء سَار هُوَ فِي بَيَاض المحجة وَأما الْأَخْلَاق فَقل أَن رَأَيْتهَا فِي غَيره مَجْمُوعَة أَو وجد فِي أكياس النَّاس دِينَار على سكتها المطبوعة فَم بسام وَوجه بَين الْجمال والجلال قسام وَخلق كَأَنَّهُ نفس السحر على الزهر نسام وكف تخجل الغيوث من ساجمها وَتشهد البرامكة أَن نفس حَاتِم فِي نقش خاتمها وحلم لَا يَسْتَقِيم مَعَه الْأَحْنَف وَلَا يرى الْمَأْمُون مَعَه إِلَّا خائنا عِنْد من روى أَو صنف وَلَا يُوجد لَهُ فِيهِ نَظِير وَلَا فِي غرائب أبي مخنف وَلَا يحمل عَلَيْهِ حمل فَإِنَّهُ جَاءَ فِيهِ بِالْكَيْلِ المكنف لم أره انتقم لنَفسِهِ مَعَ الْقُدْرَة وَلَا شمت بعدو هزم بعد النُّصْرَة بل يعْفُو ويصفح عَمَّن أجرم ويتألم لمن أوقد الدَّهْر نَار حربه وأضرم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 159 ورعاية ود لصَاحبه الَّذِي قدم عَهده وتذكر لمحاسنه الَّتِي كَاد يمحوها بعده وطهارة لِسَان لم يسمع مِنْهُ فِي غيبَة بنت شفة وَلَا تسف طيور الْمَلَائِكَة مِنْهُ على سفه وزهد فِي الدُّنْيَا وأقلامه تتصرف فِي الْأَمْوَال ويفضها على ممر الْأَيَّام وَالْجمع وَالْأَشْهر وَالْأَحْوَال واطراح للملبس والمأكل وعزوف عَن كل لَذَّة وإعراض عَن أَعْرَاض هَذِه الدُّنْيَا الَّتِي خلق الله النُّفُوس إِلَيْهَا مغذة هَذَا مَا رَآهُ عياني وَختم عَلَيْهِ جناني وَأما مَا وصف لي من قيام الدجا وَالْوُقُوف فِي مقَام الْخَوْف والرجا فَأمر أَجْزم بصدقه وَأشْهد بِحقِّهِ فَإِن هَذَا الظَّاهِر لَا يكون لَهُ بَاطِن غير هَذَا وَلَا يرى غَيره حَتَّى الْمعَاد معَاذًا (علم الزَّمَان حِسَاب كل فَضِيلَة ... بِجَمَاعَة كَانَت لتِلْك محركه) (فَرَآهُمْ مُتَفَرّقين على المدا ... فِي كل فن وَاحِدًا قد أدْركهُ) (فَأتى بِهِ من بعدهمْ فَأتى بِمَا ... جاؤوا بِهِ جمعا فَكَانَ الفذلكه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 160 ثمَّ انْدفع القَاضِي صَلَاح الدّين فِي ذكر شَيْء من أَحْوَاله وكراماته وأخباره فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبهُ وَله بِهِ خُصُوصِيَّة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 161 رَحل الْوَالِد رَحمَه الله إِلَى الشَّام فِي طلب الحَدِيث فِي سنة سِتّ وَسَبْعمائة وناظر بهَا وَأقر لَهُ علماؤها وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة فِي سنة سبع مستوطنا مُقبلا على التصنيف والفتيا وشغل الطّلبَة وَتخرج بِهِ فضلاء الْعَصْر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 166 ثمَّ حج فِي سنة سِتّ عشرَة وزار قبر الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَاد وَألقى عَصا السّفر وَاسْتقر والفتاوى ترد عَلَيْهِ من أقطار الأَرْض وَترد إِلَيْهِ بَعْضًا على بعض وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْمَذْهَب بِمصْر فَمَا طافت على نَظِيره وَإِن سَقَاهَا النّيل وَرَوَاهَا وَلَا اشْتَمَلت على مثله أباطحها ورباها وَلَا فخرت إِلَّا بِهِ حَتَّى لقد لعبت بأعطاف البان مهاب صباها وَفِي هَذِه الْمدَّة رد على الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس ابْن تَيْمِية فِي مَسْأَلَتي الطَّلَاق والزيارة وَألف غَالب مؤلفاته الْمَشْهُورَة كالتفسير وتكملة شرح الْمُهَذّب وَشرح الْمِنْهَاج للنووي وَغير ذَلِك من مَبْسُوط ومختصر وطار اسْمه فَمَلَأ الأقطار وَحلق على الدُّنْيَا وَلم يكتف بِمصْر من الْأَمْصَار شهرة بَعدت أطرافا وعمدت إِلَى الرّبع العامر من جانبيه تحاول عَلَيْهِ إشرافا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 167 وَتَمَادَى الْأَمر إِلَى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فِي تَاسِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا وَكَانَ قد تهَيَّأ لملازمة بَيته وَذَلِكَ أَنه كَانَ من عَادَته من حِين يهل شهر رَجَب لَا يخرج من بَيته حَتَّى يَنْسَلِخ شهر رَمَضَان إِلَّا لصَلَاة الْجُمُعَة فَطَلَبه السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون رَحمَه الله وَذكر لَهُ أَن قَضَاء الشَّام قد شغر بوفاة جلال الدّين الْقزْوِينِي وأراده على ولَايَته فَأبى فَمَا زَالَ السُّلْطَان إِلَى أَن ألزمهُ بذلك بعد ممانعة طَوِيلَة فِي مجْلِس متماد يطول شَرحه فَقبل الْولَايَة يالها غلطة أُفٍّ لَهَا وورطة ليته صمم وَلَا فعلهَا فَقدم دمشق وَسَار على مَا يَلِيق بِهِ من قدم مَا نرى القَاضِي بكارا زَاد عَلَيْهِ إِلَّا بتبكيره ومجيئه فِي أول الزَّمَان وَهَذَا جَاءَ فِي أخيره مصمما فِي الْحق لَا تَأْخُذهُ فِيهِ لومة لائم صادعا بِالشَّرْعِ لَا يهاب بَطش الظَّالِم غير ملتفت إِلَى شَفِيع وَلَا مكترث بِذِي قدر رفيع (حَتَّى يَقُول لِسَان الْحَال ينشده ... يَا ثَبت لله هَذَا الصَّبْر وَالْجَلد) (الْمُسلمُونَ بِخَير مَا بقيت لَهُم ... وَلَيْسَ بعْدك خير حِين تفتقد) وَرُبمَا خاطبته الْمُلُوك وَهُوَ لَا يسمع لَهُم كلَاما وَلَا يرد عَلَيْهِم جَوَابا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 168 (يدع الْجَواب فَلَا يُرَاجع هَيْبَة ... والسائلون نواكس الأذقان) (أدب الْوَقار وَعز سُلْطَان التقى ... فَهُوَ الْعَزِيز وَلَيْسَ ذَا سُلْطَان) وَجلسَ للتحديث بالكلاسة فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْحَافِظ تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف السُّبْكِيّ جَمِيع مُعْجَمه الَّذِي خرجه لَهُ الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أيبك الحسامي الدمياطي رَحمَه الله وسَمعه عَلَيْهِ خلائق مِنْهُم الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن الزكي الْمزي والحافظ الْكَبِير أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الذَّهَبِيّ وَقد تولى بِدِمَشْق مَعَ الْقَضَاء خطابة الْجَامِع الْأمَوِي وباشرها مُدَّة لَطِيفَة وأنشدني شَيخنَا الذَّهَبِيّ لنَفسِهِ إِذْ ذَاك (لِيهن الْمِنْبَر الْأمَوِي لما ... علاهُ الْحَاكِم الْبَحْر التقي) (شُيُوخ الْعَصْر أحفظهم جَمِيعًا ... وأخطبهم وأقضاهم عَليّ) وَولي بعد وَفَاة الْحَافِظ الْمزي مشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية فَالَّذِي نرَاهُ أَنه مَا دَخلهَا أعلم مِنْهُ وَلَا أحفظ من الْمزي وَلَا أورع من النَّوَوِيّ وَابْن الصّلاح وَقَالَ لي شَيخنَا الذَّهَبِيّ حِين ولي الخطابة إِنَّه مَا صعد هَذَا الْمِنْبَر بعد ابْن عبد السَّلَام أعظم مِنْهُ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 169 ثمَّ ولي تدريس الشامية البرانية عِنْد شغورها بِمَوْت الشَّيْخ شمس الدّين ابْن النَّقِيب فَمَا حل مفرقها واقتعد نمرقها أعلم مِنْهُ كلمة لَا اسْتثِْنَاء فِيهَا كَذَا يكون من يتَوَلَّى المناصب وبمثل هَذَا تناط الْمَرَاتِب ذكر شَيْء من الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ مناولة مقرونة بِالْإِجَازَةِ الْخَاصَّة قَالَ أخبرنَا عَليّ بن عبد الْكَافِي الْحَافِظ بِكفْر بَطنا بِقِرَاءَتِي أخبرنَا يحيى بن أَحْمد أخبرنَا مُحَمَّد ابْن عماد أخبرنَا ابْن رِفَاعَة أخبرنَا الخلعي أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن عمر أخبرنَا أَبُو سعيد بن الْأَعرَابِي حَدثنَا سَعْدَان حَدثنَا سُفْيَان عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أبي الأوبر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي حافيا وناعلا وَقَائِمًا وَقَاعِدا وينفتل عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله قَالَ لنا شَيخنَا أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ الْحَافِظ رَضِي الله عَنهُ هَذَا حَدِيث غَرِيب صَالح الْإِسْنَاد وَاسم أبي الأوبر زِيَاد الْحَارِثِيّ كُوفِي سَمَّاهُ يحيى بن معِين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 170 أخبرنَا أبي تغمده الله برحمته أخبرنَا أقسيان بن مَحْفُوظ بِقِرَاءَتِي أخبرنَا قايماز بن عبد الله أخبرنَا السلَفِي أخبرنَا الخانساري بجرباذقان أخبرنَا أَبُو طَاهِر عبد الرَّحِيم أخبرنَا ابْن حَيَّان حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا حَدثنَا مُحرز حَدثنَا الْمُنْكَدر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أَبِيه عَن جَابر قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن أبي يُرِيد أَن يَأْخُذ مَالِي قَالَ (أَنْت وَمَالك لأَبِيك) قَالَ لنا شيخ الْإِسْلَام الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ رَوَاهُ ابْن ماجة عَن هِشَام بن عمار عَن عِيسَى بن يُونُس عَن يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر وَهُوَ إِسْنَاد جيد والمنكدر بن مُحَمَّد الَّذِي وَقع فِي روايتنا هَذِه غلبت عَلَيْهِ الْعِبَادَة فقطعته عَن الْحِفْظ ومحرز الرَّاوِي عَنهُ هُوَ ابْن سَلمَة روى عَنهُ ابْن ماجة وَذكره ابْن حَيَّان فِي الثِّقَات وَهَذَا الحَدِيث متأول عِنْد أَكثر الْعلمَاء وَيدل لَهُ أَمْرَانِ أَحدهمَا قَوْله أَنْت وَمن الْمَعْلُوم أَن الْحر لَا يملك وَالثَّانِي قَوْله وَمَالك وَمن الْمَعْلُوم أَن المَال لَا يكون فِي الْوَقْت الْوَاحِد لمالكين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 171 فالمقصود أَن الْوَلَد يعد بِنَفسِهِ وَمَاله لِأَبِيهِ حَتَّى لَا يستأثر عَنهُ بِشَيْء انْتهى كَلَام الْوَالِد رَحمَه الله أخبرنَا شيخ الْإِسْلَام الْوَالِد رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَ أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس الدشتي بِقِرَاءَة الذَّهَبِيّ الْحَافِظ عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا يُوسُف بن خَلِيل الْحَافِظ ح وأخبرتنا زَيْنَب بنت الْكَمَال فِي كتابها عَن يُوسُف بن خَلِيل أخبرنَا خَلِيل بن أبي الرَّجَاء ومسعود الْخياط قَالَا أخبرنَا أَبُو عَليّ الْمُقْرِئ أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَحْمد بن يُوسُف حَدثنَا الْحَارِث حَدثنَا عبد الله بن بكر حَدثنَا حميد عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بِالبَقِيعِ فَنَادَى رجل يَا أَبَا الْقَاسِم فَالْتَفت إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لم أعنك يَا رَسُول الله إِنَّمَا دَعَوْت فلَانا قَالَ (تسموا باسمي وَلَا تكنوا بكنيتي) قَالَ لنا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد تغمد الله برحمته هَذَا حَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث زُهَيْر بن مُعَاوِيَة الْكُوفِي عَن حميد وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ عَن حميد وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي التكني بِأبي الْقَاسِم وَالْمُخْتَار عِنْدِي امْتِنَاعه مُطلقًا لمن اسْمه مُحَمَّد وَلغيره فِي زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعده لإِطْلَاق النَّهْي وَلَيْسَ للتخصيص أَو التَّقْيِيد دَلِيل قوي وَقد تكنى جمَاعَة من الْعلمَاء بِهِ كَأَنَّهُمْ رَأَوْا تَقْيِيد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 172 النَّهْي وَذَلِكَ عذر لَهُم منم الرَّافِعِيّ وأقرانه وَعِنْدِي تحرج إِذا ذكرتهم أَن أذكر هَذِه الكنية وَإِن كَانَ ذكري لَيْسَ تكنية حَتَّى يدْخل فِي النَّهْي لِأَن التَّسْمِيَة وضع اللَّفْظ للمعنى والتسمي قبُول الْمُسَمّى ذَلِك وهما الواردان فِي النَّهْي وَأما الْإِطْلَاق فَأمر ثَالِث لكنه يظْهر امْتِنَاعه أَيْضا إِمَّا لِأَنَّهُ فِي معنى التسمي لِأَنَّهُ رضى بذلك وَإِمَّا لِأَن ذَلِك كالتقرير على الْمُنكر اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون ذَلِك الشَّخْص لَا يعرف إِلَّا بِهِ فَيكون عذرا مَانِعا من الْإِلْحَاق مَعَ عدم دُخُوله فِي النَّهْي فليتنبه لذَلِك انْتهى كَلَام الْوَالِد رَحمَه الله إملاء وَمَا ذكره من الْبَحْث دَقِيق حق وَبِه اعتذر فِي شرح الْمِنْهَاج عَن الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ رَحمَه الله حَيْثُ كنى فِي خطْبَة الْمِنْهَاج الرَّافِعِيّ بِأبي الْقَاسِم مَعَ اخْتِيَاره الْمَنْع أخبرنَا الشَّيْخ الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَ أخبرنَا الشَّيْخَانِ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن بدران بن بدر الحجوي الْمَقْدِسِي وَأم مُحَمَّد زَيْنَب بنت أَحْمد ابْن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسية سَمَاعا عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا أَبُو الْفضل جَعْفَر ابْن عَليّ بن هبة الله الْهَمدَانِي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَنحن نسْمع قَالَ أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم السلَفِي فِي جُمَادَى الأولى سنة سبعين وَخَمْسمِائة قَالَ أخبرنَا أَبُو غَالب مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد الباقلاني بِبَغْدَاد سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 173 قَالَ أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن شَاذان الْبَزَّاز قَالَ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْخَالِق بن الْحسن بن مُحَمَّد بن نصر السَّقطِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي رؤبة حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الْحَارِث الباغندي الوَاسِطِيّ قَالَ حَدثنَا عبيد الله ابْن مُوسَى أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن خباب بن الْأَرَت رَضِي الله عَنهُ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُتَوَسِّد بردة لَهُ عِنْد الْكَعْبَة أَن يَدْعُو الله لنا قُلْنَا أَلا تَسْتَنْصِر لنا قَالَ فَجَلَسَ مغضبا محمرا وَجهه فَقَالَ (كَانَ الرجل من قبلكُمْ يُؤْخَذ فَيُوضَع الْمِنْشَار على مفرق رَأسه فَيشق بِاثْنَيْنِ مَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه وَيُمشط بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا دون عظمه من لحم وَعصب وليتمن الله هَذَا الدّين حَتَّى يسير الرَّاكِب من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت لَا يخَاف إِلَّا الله وَالذِّئْب على غنمه وَلَكِنَّكُمْ تعجلون) // أخرجه البُخَارِيّ // عَن مُسَدّد وَابْن الْمثنى كِلَاهُمَا عَن يحيى عَن إِسْمَاعِيل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 174 وَعَن الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن بَيَان وَإِسْمَاعِيل وَأَبُو دَاوُد عَن عَمْرو بن عون عَن هشيم وخَالِد بن عبد الله كِلَاهُمَا عَن يحيى بِبَعْضِه كِلَاهُمَا عَن إِسْمَاعِيل وَالنَّسَائِيّ عَن عَبدة بن عبد الرَّحِيم عَن سُفْيَان بِهِ وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَابْن الْمثنى كِلَاهُمَا عَن يحيى بِبَعْضِه كِلَاهُمَا عَن قيس بن أبي حَازِم بِهِ أخبرنَا شيخ الْإِسْلَام الشَّيْخ الإِمَام بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا إِسْحَاق بن أبي بكر النّحاس قَالَ أخبرنَا يُوسُف بن خَلِيل الْحَافِظ قَالَ أخبرنَا يحيى بن أسعد الْأَزجيّ قَالَ أخبرنَا أَبُو طَالب عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد وَأَبُو نصر أَحْمد بن عبد الله وَأَبُو غَالب بن الْبناء أخبرنَا الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي أخبرنَا أَبُو بكر بن حمدَان الْقطيعِي حَدثنَا بشر بن مُوسَى الْأَسدي حَدثنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ عَن أبي حنيفَة عَن الْهَيْثَم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَيْسَ فِي العوامل والحوامل صَدَقَة مُحَمَّد بن سِيرِين لم يذكر لَهُ تَرْجَمَة فِي الْأَطْرَاف عَن عَليّ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 175 وَأَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ الرَّاوِي عَن أبي حنيفَة هُوَ عبد الله بن يزِيد الْعَدوي مولى آل عمر بن الْخطاب أَصله من نَاحيَة الْبَصْرَة سكن مَكَّة وَلَا معنى للتطويل بِذكر الْكثير من حَدِيث شيخ الْإِسْلَام الشَّيْخ الإِمَام وَقد اشْتَمَل كتَابنَا هَذَا على الْكثير مِنْهُ فنكتفي مِنْهُ فِي تَرْجَمته بِذكر مَا أوردناه أنشدنا شيخ الْإِسْلَام الشَّيْخ الإِمَام لنَفسِهِ وَقد وقف على كتاب صنفه ابْن تَيْمِية فِي الرَّد على ابْن المطهر الرافضي (إِن الروافض قوم لَا خلاق لَهُم ... من أَجْهَل الْخلق فِي علم وأكذبه) (وَالنَّاس فِي غنية عَن رد إفكهم ... لهجنة الرَّفْض واستقباح مذْهبه) (وَابْن المطهر لم تطهر خلائقه ... دَاع إِلَى الرَّفْض غال فِي تعصبه) (لقد تَقول فِي الصحب الْكِرَام وَلم ... يستحي مِمَّا افتراه غير منجبه) (وَلابْن تَيْمِية رد عَلَيْهِ وفى ... بمقصد الرَّد وَاسْتِيفَاء أضربه) (لكنه خلط الْحق الْمُبين بِمَا ... يوشبه كدرا فِي صفو مشربه) (يخالط الحشو أَنى كَانَ فَهُوَ لَهُ ... حثيث سير بشرق أَو بمغربه) (يرى حوادث لَا مبدا لأولها ... فِي الله سُبْحَانَهُ عَمَّا يظنّ بِهِ) (لَو كَانَ حَيا يرى قولي ويفهمه ... رددت مَا قَالَ أقفو إِثْر سبسبه) (كَمَا رددت عَلَيْهِ فِي الطَّلَاق وَفِي ... ترك الزِّيَارَة ردا غير مشتبه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 176 (وَبعده لَا أرى للرَّدّ فَائِدَة ... هَذَا وجوهره مِمَّا أضن بِهِ) (وَالرَّدّ يحسن فِي حَالين وَاحِدَة ... لقطع خصم قوي فِي تغلبه) (وَحَالَة لانتفاع النَّاس حَيْثُ بِهِ ... هدى وَربح لديهم فِي تطلبه) (وَلَيْسَ للنَّاس فِي علم الْكَلَام هدى ... بل بِدعَة وضلال فِي تكسبه) (ولي يَد فِيهِ لَوْلَا ضعف سامعه ... جعلت نظم بسيطي فِي مهذبه) وأنشدنا أَيْضا لنَفسِهِ قصيدته الَّتِي يُخَاطب بهَا أخي الْأَكْبَر أَبَا بكر مُحَمَّدًا تغمد الله برحمته وَهِي طَوِيلَة مِنْهَا (أبني لَا تهمل نصيحتي الَّتِي ... أوصيك واسمع من مقالي ترشد) (احفظ كتاب الله وَالسّنَن الَّتِي ... صحت وَفقه الشَّافِعِي مُحَمَّد) (وَاعْلَم أصُول الْفِقْه علما محكما ... يهديك للبحث الصَّحِيح الأيد) (وَتعلم النَّحْو الَّذِي يدني الْفَتى ... من كل فهم فِي الْقُرْآن مُسَدّد) (واسلك سَبِيل الشَّافِعِي وَمَالك ... وأبى حنيفَة فِي الْعُلُوم وَأحمد) (وَطَرِيقَة الشَّيْخ الْجُنَيْد وَصَحبه ... والسالكين طريقهم بهم اقتد) (وَاتبع طَرِيق الْمُصْطَفى فِي كل مَا ... يَأْتِي بِهِ من كل أَمر تسعد) (واقصد بعلمك وَجه رَبك خَالِصا ... تظفر بسبل الصَّالِحين وتهتد) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 177 (واخش الْمُهَيْمِن وأت مَا يَدْعُو إِلَيْهِ ... وانته عَمَّا نهى وتزهد) (وارفع إِلَى الرَّحْمَن كل ملمة ... بضراعة وتمسكن وَتعبد) (واقطع عَن الْأَسْبَاب قَلْبك واصطبر ... واشكر لمن أولاك خيرا وَاحْمَدْ) (وَعَلَيْك بالورع الصَّحِيح وَلَا تحم ... حول الْحمى واقنت لِرَبِّك واسجد) (وَخذ الْعُلُوم بهمة وتفطن ... وقريحة سمحاء ذَات توقد) (واستنبط الْمكنون من أسرارها ... وابحث عَن الْمَعْنى الْأسد الأرشد) (وَعَلَيْك أَرْبَاب الْعُلُوم وَلَا تكن ... فِي ضبط مَا يلقونه بمفند) (وَإِذا أتتك مقَالَة قد خَالَفت ... نَص الْكتاب أَو الحَدِيث الْمسند) (فاقف الْكتاب وَلَا تمل عَنهُ وقف ... متأدبا مَعَ كل حبر أوحد) (فلحوم أهل الْعلم سمت للجنة ... عَلَيْهِم فاحفظ لسَانك وابعد) (هذي وصيتي الَّتِي أوصيكها ... أكْرم بهَا من وَالِد متودد) وأنشدنا لنَفسِهِ (إلهي فوضت الْأُمُور جَمِيعهَا ... إِلَيْك فدبرها بِمَا شِئْت والطف) (وسلمني اللَّهُمَّ يَا رب واحمني ... وَخذ بيَدي وامنن وجد وَتعطف) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 178 وأنشدنا من لَفظه لنَفسِهِ (لعمرك إِن لي نفسا تسامى ... إِلَى مَا لم ينل دَارا بن دَارا) (فَمن هَذَا أرى الدُّنْيَا هباء ... وَلَا أرْضى سوى الفردوس دَارا) وَأَيْضًا (إِن الْولَايَة لَيْسَ فِيهَا رَاحَة ... إِلَّا ثَلَاث يبتغيها الْعَاقِل) (حكم بِحَق أَو إِزَالَة بَاطِل ... أَو نفع مُحْتَاج سواهَا بَاطِل) وَأَيْضًا وَقد أوردهَا عَنهُ ابْن فضل الله فِي تَارِيخه (قلبِي ملكت فَمَا بِهِ ... مرمى لواش أَو رَقِيب) (قد حزت من أعشاره ... سهم الْمُعَلَّى والرقيب) (يحييه قربك إِن مننت ... بِهِ وَلَو مِقْدَار قيب) (يَا متلفي ببعاده ... عني أما خفت الرَّقِيب) وَأَيْضًا وَهُوَ مِمَّا أوردهُ ابْن فضل الله عَنهُ فِي التَّارِيخ (فِي كل وَاد بليلى وإله شغف ... مَا إِن يزَال بِهِ من مَسهَا وصب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 179 (فَفِي بني عَامر من حبها دنف ... وَلابْن تَيْمِية من عهدها سغب) وَكَانَ قد قالهما وَقد وجد إكثار ابْن تَيْمِية من ذكر ليلى وتمنيها وَأَرَادَ بِعَهْد ليلى ظَاهرا مَا هُوَ لَهُ وَبَاطنا يَمِينهَا وَالْيَمِين الْعَهْد وَأَيْضًا (كَمَال الْفَتى بِالْعلمِ لَا بالمناصب ... ورتبة أهل الْعلم أَسْنَى الْمَرَاتِب) (هم ورثوا علم النَّبِيين فاهتدى ... بهم كل سَار فِي الظلام وسارب) (وَلَا فَخر إِلَّا إِرْث شرعة أَحْمد ... وَلَا فضل إِلَّا باكتساب المناقب) (وَبحث وتدقيق وإيضاح مُشكل ... وتحرير برهَان وَقطع مغالب) (وإحكام آيَات الْكتاب وَسنة ... أَتَت عَن رَسُول من لؤَي بن غَالب) (إِذا الْمَرْء أَمْسَى للعلوم محالفا ... أَضَاء لَهُ مِنْهَا جَمِيع الغياهب) (وينزاح عَنهُ كل شكّ وشبهة ... وتبدو لَهُ الْأَنْوَار من كل جَانب) (هِيَ الرُّتْبَة الْعليا تسامى بِأَهْلِهَا ... إِلَى مُسْتَقر فَوق متن الْكَوَاكِب) (فدونكها إِن كنت للرشد طَالبا ... تنَلْ خير مرجو الدنا والعواقب) (وَلَا تعدلن بِالْعلمِ مَالا ورفعة ... وَسمر القنا أَو مرهفات القواضب) (وهبك ازوت دنياك عَنْك فَلَا تبل ... فعنها لقد عوضت صفو المشارب) (فَمَا قدر ذِي الدُّنْيَا وَمَا قدر أَهلهَا ... وَمَا اللَّهْو بالأولاد أَو بالكواعب) (إِذا قست مَا بَين الْعُلُوم وَبَينهَا ... بعقل صَحِيح صَادِق الْفِكر صائب) (فَمَا لَذَّة تبقى وَلَا عَيْش يقتنى ... سوى الْعلم أَعلَى من جَمِيع المكاسب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 180 نقلت من خطّ أخي شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام أبي حَامِد أَحْمد سلمه الله تَعَالَى أَن الْوَالِد أنْشد هَذِه الأبيات حِين أخذت مِنْهُ مشيخة جَامع طولون فِي سنة تسع عشرَة وَأَن والدته الْجدّة ناصرية أسفت عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك بعد ولادَة الْأَخ أبي حَامِد قَالَ فَكَانَ الْوَالِد يَقُول هَا يَا أم وَمَا أَدْرَاك أَن هَذَا الميعاد يعود وَيكون رزق هَذَا الْمَوْلُود فَعَاد إِلَيْهِ فِي سنة سبع وَعشْرين وَاسْتمرّ بِيَدِهِ إِلَى سنة تسع وَثَلَاثِينَ لما ولي قَضَاء الشَّام وَاسْتمرّ باسم الْأَخ أبي حَامِد وَهُوَ الْآن بِيَدِهِ جعله الله كلمة بَاقِيَة فِي عقبه قلت وَقد ضمن صاحبنا الْحَافِظ الْكَبِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلائي الْبَيْت الأول من هَذِه القصيدة فِي أَبْيَات لَهُ وَهِي (أَلا إِنَّمَا الدُّنْيَا مَطِيَّة رَاكب ... تسير بِهِ فِي مهمة وسباسب) (فإمَّا إِلَى خير يسر نواله ... وَإِمَّا إِلَى شَرّ وَسُوء معاطب) (فلولا ثَلَاث هن أفضل مقصد ... لما كنت فِي طول الْحَيَاة براغب) (مُلَازمَة خير اعْتِقَاد منزها ... عَن النَّقْص والتشبيه رب الْمَوَاهِب) (وَنشر عُلُوم للشريعة ناظما ... عُقُود مَعَانِيهَا لتفيهم طَالب) (وصوني نَفسِي عَن مزاحمة على ... دني حطام أَو عَليّ مناصب) (فَفِي ذَاك بالقنوع وراحة ... مُعجلَة من خوف ضد مغالب) (وحسبك فِي ذَا قَول عَالم عصره ... مقَال محق صَادِق غير كَاذِب) (كَمَال الْفَتى بِالْعلمِ لَا بالمناصب ... ورتبة أهل الْعلم أَسْنَى الْمَرَاتِب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 181 (وَمَعَ ذَاك أَرْجُو من إلهي عَفوه ... وخاتة الْحسنى ونيل الرغائب) (ويطمعني فِي ذِي الثَّلَاث ثَلَاثَة ... بهم اعتصامي من وبيل المصائب) (محبَّة خير الْخلق أَحْمد مصطفى الْمُهَيْمِن ... من عليا لؤَي بن غَالب) (وَأَنِّي موَالٍ للصحابة كلهم ... وَمن بعدهمْ من تَابع فِي الْمذَاهب) (وبالأولياء الغر حسن تعلقي ... أرى حبهم حتما عَليّ كواجب) (فحسبي بِهَذَا كُله لي عدَّة ... حَياتِي وموتي والإله محاسبي) وأنشدنا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه لله لنَفسِهِ جَوَابا عَن سُؤال ورد عَلَيْهِ فِي السماع أَيّمَا أحل هُوَ أَو الْغَيْبَة (يَا صَاحب الْأَحْوَال والزفرات ... وَالذكر وَالتَّسْبِيح فِي الخلوات) (أما اغتياب النَّاس فَهُوَ محرم ... قطعا بِنَصّ الله فِي الحجرات) (فحذار مِنْهُ حذار لَا تعدل بِهِ ... لهوا بِهِ نوع من الشُّبُهَات) (وَاعْلَم بِأَن الرقص والدف الَّذِي ... عَنهُ سَأَلت وَقلت فِي أصوات) (فِيهِ خلاف للأئمة قبلنَا ... سرج الْهِدَايَة سادة السادات) (لكنه لم تأت قطّ شَرِيعَة ... طلبته أَو جعلته فِي القربات) (والعارف المشتاق إِن هُوَ هزه ... وجد فَقَامَ يهيم فِي سَكَرَات) (لَا لوم يلْحقهُ ويحمد حَاله ... يَا طيب مَا يلقى من اللَّذَّات) (إِن نلْت ذَا يَوْمًا فقد نلْت المنى ... وغنيت فِيهِ عَن فَتَاوَى الفاتي) (هَذَا جَوَاب عَليّ السُّبْكِيّ ذِي الْحجب ... الْعَظِيمَة صَاحب الحسرات) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 182 أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام لنَفسِهِ قصيدته الَّتِي نظمها فِي الشطرنج عِنْد اقتراح الشَّيْخ أبي حَيَّان ذَلِك على أهل الْعَصْر على زنة خَاصَّة وَمن نبأ ذَلِك أَن أَبَا حَيَّان اقترح أَن ينظم الشُّعَرَاء على عرُوض قَول ابْن حزمون وقافية قَوْله (إِلَيْك إِمَام الْخلق جبت المفاوزا ... وخلفت خَلْفي صبية وعجائزا) وَشرط أَبُو حَيَّان على من عَارضه أَن يتغزل ثمَّ يذكر الْغَرَض ثَانِيًا ثمَّ يمدحه ثَالِثا فمطلع قصيدة الشَّيْخ الإِمَام (أَخا العذل لَا تفرط وَكن متجاوزا ... فَمَا كل عذل فِي الْمحبَّة جَائِزا) (وَلَا كل ذِي وجد يُطيق احْتِمَاله ... وَإِن كَانَ ذَا أيد شَدِيدا مبارزا) (وَلَا كل صب يحْسب الغي رشده ... وَكَيف ومثلي من يفك المرامزا) وَهِي طَوِيلَة عدتهَا مائَة وَاثنا عشر بَيْتا لم يتَكَرَّر عَلَيْهِ فِيهَا قافية مِنْهَا (وَإِنِّي لفي أسر الْهوى ووثاقه ... حَلِيف الضنا من حِين كنت مناهزا) (تقاذفني أمواجه وبحوره ... وَلم ألق فِيهَا بَين بحرين حاجزا) (وَلَا أَبْتَغِي عَنْهَا زوالا وإنني ... لفي لَذَّة مِنْهَا أحاذر غامزا) (وَمَا من رياض الْأنس إِلَّا ولي بهَا ... مراتع لَهو جاهرا لَا مغامزا) (وَكم من ربى زهر بهَا عِشْت طيبا ... خمائلها تسبي النهى والنحائزا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 183 (فطورا أغاني الغانيا وَتارَة ... أغازل غزلانا نفارا نوافزا) (تصيد بأجفان مراض نواعس ... أسود عرين خادرات نواشزا) (وطورا بألحان تعبد معبد ... بهَا مهجتي أهْدى إِلَيْهَا هزاهزا) (وطورا براح رَاحَة الْقلب عِنْدهَا ... ينازعنيها أحور بَات قافزا) (صبوت إِلَيْهَا حِين طَابَ عزائزا ... فصد فَألْقى فِي الْقُلُوب حزائزا) (وَعز فذلت نفس حر على الْهوى ... وصال فَقلت اسفك دمي لَك جَائِزا) لَا حرَام وَلَا مَكْرُوه بل يتَخَيَّر بَين طَرفَيْهِ (سلوي محَال والصبابة وَاجِب ... أَلَيْسَ وصالي يَا أَخا الْحسن جَائِزا) (فجد واغتنم أجري وَكن متعطفا ... وَلَو بخيال فِي مَنَامِي حائزا) أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام لنَفسِهِ جَوَابا لبَعض الصُّوفِيَّة من أَبْيَات فِي الذّكر (إِذا مَا رمت إدراكا بفكري ... يقصر عَن مدى معشار عشر) (ويدهش أَن يفكر فِي جلال ... من السبحات والتنزيه سري) (فهيبة ذِي الْجلَال تثير وجدي ... ورؤية ذِي الْكَمَال تبيح سكري) (أَتَانِي مِنْك يَا شيخ الْمعَانِي ... سُؤال جلّ فِي تَحْقِيق ذكر) (وَأَنت بشرحه أولى وأدرى ... وَفِي مثل وَمَا خبر كَخَبَر) (إِذا رمنا اقتناصا من معَان ... تدق فَأَنت مقصد كل حبر) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 184 (وَإِن رمنا المعارف أَو صَلَاح الْقُلُوب ... فَأَنت لجة كل بَحر) (وأحوال الْقُلُوب عَلَيْك تجلى ... معارفها فتأخذ كل بكر) (إِذا مَا السَّيْف برح عَن خَفَاء ... رَأينَا مِنْهُ كل مصون در) (وَإِن أبدى من الْأَحْوَال كشفا ... فدونك فاستمع لحلال سحر) (وَلَكِنِّي أَقُول ومنك قولي ... وَلَيْسَ بنافد ودي وشكري) (وَلَوْلَا العَبْد مُعْتَقدًا محبا ... لأمسك خوف تَقْصِير وَقصر) (سَأَلت عَن المداد جرى مُضَافا ... إِلَى كَلِمَاته فِي ضمن ذكر) (وَهل مدد يُضَاف لَهَا منَاف ... مرَادا أَو على مجْرَاه يجْرِي) (وَمَا الأولى بأوراد لعبد ... يُحَاسب نَفسه بجزيل أجر) (فدونك يَا مربي كل شيخ ... وعارف وقتنا بديار مصر) (مدادا لَفْظَة صحت لدينا ... عَن الْهَادِي البشير بِغَيْر نكر) (رَوَاهَا مُسلم وَاللَّفْظ فِيهِ ... كَمَا قُلْنَا كَذَا نقرا ونقري) (وَمَا مدد بِلَفْظ فِي حَدِيث ... وَفِي مَعْنَاهُ بعد عِنْد سبر) (مداد مَا تسطر مِنْهُ خطّ ... وَذَلِكَ مُمكن فِي كل أَمر) (فيفنى الْخط والكلمات تبقى ... بَقَاء مهيمن رَحْمَن بر) (وَأما قَوْلنَا مدد فَأصل ... لفرع نَاشِئ عَنهُ بنشر) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 185 هَذَا مَا أحفظ من هَذَا الْجَواب وَكَانَت القصيدة طَوِيلَة أجَاب بهَا بعض العارفين عِنْد وُرُود سُؤال مِنْهُ عَلَيْهِ وَلم أَقف على السُّؤَال وَلَا عرفت السَّائِل وَقد كَانَت الأسئلة تَأتيه من شَرق الأَرْض وغربها فَمَا كَانَ مِنْهَا مُتَعَلقا بعلوم الظَّاهِر نقف عَلَيْهِ ونبحث عَنهُ وَمَا كَانَ مِنْهَا مُتَعَلقا بِعلم الْبَاطِن قل أَن يوقفنا عَلَيْهِ أَو يعرفنا سائله وَكَانَ يكتم أَحْوَال من يعرفهُ من الْأَوْلِيَاء وَأَنا أجوز أَن يكون هَذَا السَّائِل شَيْخه الشَّيْخ أَبَا الْعَبَّاس بن عَطاء الله فَإِنِّي أرى فِي هَذَا النّظم من تَعْظِيمه للسَّائِل وَوَصفه إِيَّاه بِأَنَّهُ عَارِف وقته بديار مصر مَا يُنبئ عَن ذَلِك أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام لنَفسِهِ أرجوزته الْمُسَمَّاة بلمعة الْإِشْرَاق فِي أَمْثِلَة الِاشْتِقَاق وَهِي (يَقُول راجي الله ذِي الألطاف ... حَقًا عَليّ بن عبد الْكَافِي) (من بعد حمد الله وَالصَّلَاة ... على النَّبِي دَائِم الْأَوْقَات) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 186 وأنشدنا لنَفسِهِ وَقد وقف على كتاب المناقضات للْأَخ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة بهاء الدّين أبي حَامِد أَحْمد أمتع الله بِبَقَائِهِ (أَبُو حَامِد فِي الْعلم أَمْثَال أنجم ... وَفِي النَّقْد كالإبريز أخْلص بالسبك) (فأولهم من إسفراين نشؤه ... وثانيهم الطوسي وَالثَّالِث السُّبْكِيّ) وَهَذِه منقبة للْأَخ سلمه الله فَأَي مرتبَة أَعلَى من تَشْبِيه وَالِده وَهُوَ من هُوَ علما ودينا وتحرزا فِي الْمقَال لَهُ بالغزالي وَأبي حَامِد الإسفرايني وَلَقَد كَانَ الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ يجل الْأَخ ويعظمه سمعته غير مرّة يَقُول أَحْمد وَالِد وَهَذَا يشبه قَول الْأُسْتَاذ أبي سهل الصعلوكي فِي وَلَده الْأُسْتَاذ أبي الطّيب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 190 سهل بن أبي سهل الصعلوكي سهل وَالِد وَكَذَلِكَ سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول فِي مرض مَوته وَالْأَخ غَائِب فِي الْحجاز غيبَة أَحْمد أَشد عَليّ مِمَّا أَنا فِيهِ من الْمَرَض وَقد قَالَ أَبُو سهل هَذِه الْكَلِمَة فِي مرض مَوته وَولده أَبُو الطّيب غَائِب وبلغه أَن دروس الْأَخ خير من دروسه فَقَالَ (دروس أَحْمد خير من دروس عَليّ ... وَذَاكَ عِنْد عَليّ غَايَة الأمل) وأنشدنا لنَفسِهِ وَكتب بهما على الْجُزْء الَّذِي خرجته فِي الْكَلَام على حَدِيث الْمُتَبَايعين بِالْخِيَارِ (عبد الْوَهَّاب مخرجه ... من فضل الله عَليّ نشا) (يَا رب قه مَا يحذرهُ ... واقدر فِيهِ الْخيرَات وشا) وَكتب بِخَطِّهِ على تَرْجَمته الَّتِي أنشأتها فِي كتاب الطَّبَقَات الْوُسْطَى وَقد كَانَت الطَّبَقَات الْوُسْطَى تعجبه ويضعها غَالِبا بَين يَدَيْهِ ينظر فِيهَا رَأَيْته كتب بِخَطِّهِ على تَرْجَمته وَهُوَ عِنْدِي الْآن مَا نَصه (عبد الْوَهَّاب نظرت إِلَى ... ورم باد يَحْكِي سمنا) (وشغاف بِي يَدْعُوك إِلَى ... حسبانك فِي حَالي حسنا) (يَا رب اغْفِر لِابْني فِيمَا ... قد خطّ وَقَالَ هوى وجنا) وَالله إِنِّي فِي نَفسِي أَحْقَر من أَن أنسب إِلَى غلْمَان وَاحِد من الْمَذْكُورين وَمن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 191 أَنا فِي الغابرين أسأَل الله خَاتِمَة حَسَنَة بمنه وَكَرمه وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتبه عَليّ السُّبْكِيّ فِي يَوْم السبت مستهل جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة بِظَاهِر دمشق هَذَا صُورَة خطه على حَاشِيَة كتاب الطَّبَقَات الْوُسْطَى لي وأنشدوني عَنهُ وَقد جَلَست للشغل فِي الْعلم عقيب وَفَاة الشَّيْخ الإِمَام فَخر الدّين الْمصْرِيّ إِلَى جَانب الرخامة الَّتِي بالجامع الْأمَوِي الَّتِي يُقَال إِن أول من جلس إِلَى جَانبهَا شيخ الْإِسْلَام فَخر الدّين ابْن عَسَاكِر ثمَّ تِلْمِيذه شيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام ثمَّ تِلْمِيذه الشَّيْخ تَاج الدّين ابْن الفركاح الْفَزارِيّ ثمَّ تِلْمِيذه وَلَده الشَّيْخ برهَان الدّين ثمَّ تِلْمِيذه الشَّيْخ فَخر الدّين الْمصْرِيّ ثمَّ أَنا وكتبتها من خطّ الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى (الْجَامِع الْأمَوِي فِيهِ رخامة ... يأوي لَهَا من للفضائل يطْلب) (الشَّيْخ فَخر الدّين نجل عَسَاكِر ... وَالشَّيْخ عز الدّين عَنهُ ينْسب) (وَالشَّيْخ تَاج الدّين نجل فَزَارَة ... عَنهُ تلقاها يُفِيد ويدأب) (ثمَّ ابْنه أكْرم بِهِ من سيد ... ورع لَهُ كل المناصب تخْطب) (وتلاه فَخر الدّين وَاحِد مصره ... بذكائه كالنار حِين تلهب) (وَابْني يليهم زَاده رب السما ... علما وفهما لَيْسَ فِيهِ ينصب) وَكتب إِلَيّ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد تغمده الله برحمته وَقد وليت توقيع الدست الجزء: 10 ¦ الصفحة: 192 بِالشَّام المحروس بَين يَدي ملك الْأُمَرَاء الْأَمِير عَلَاء الدّين أَمِير عَليّ ين عَليّ المارديني نَائِب الشَّام (أَقُول لنجلي الْبر المفدى ... مقَالا وثقت مِنْهُ عراه) (وليت كِتَابَة فِي دست ملك ... رست أَحْكَامه وسمت ذراه) (فَلَا تكْتب بكفك غير شَيْء ... يَسُرك فِي الْقِيَامَة أَن ترَاهُ) (وَلَا تَأْخُذ من الْمَعْلُوم إِلَّا ... حَلَالا طيبا عطرا ثراه) (ونصحك صَاحب الدست اتَّخذهُ ... شعارك فالسعادة مَا ترَاهُ) (ثَلَاث يَا بني بهَا أوصِي ... فَمن يَأْخُذ بهَا يحمد سراه) (وتقوى الله رَأس المَال فَالْزَمْ ... فَمَا للْعَبد إِلَّا من براه) فَكتبت إِلَيْهِ الْجَواب رَضِي الله عَنهُ (أَتَت وَالْقلب فِي الغفلات ساه ... تنبه كل ساه من كراه) (وصاية وَالِد بر شفوق ... يقوم مَعَ ابْنه فِيمَا عراه) (رءوف بِابْنِهِ لَو بيع مجد ... بمقدور لبادر وَاشْتَرَاهُ) (أَلا يأيها الرجل المفدى ... وَمن فَوق السَّمَاء نرى ثراه) (أنلت فنلت فِي الدُّنْيَا منالا ... يَسُرك فِي الْقِيَامَة أَن ترَاهُ) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 193 وَكتب إِلَيّ وَقد جمع لي بَين نيابته فِي الحكم وتوقيع الدست وَكَانَت قد وَردت عَلَيْهِ فتيا فِي لعب الشطرنج أجبنا أَيهَا الإِمَام أحلال هُوَ أم حرَام وَنحن قد عرفنَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَلَكنَّا نُرِيد أَن نَعْرِف رَأْيك واجتهادك فألقاها إِلَيّ وَقَالَ اكْتُبْ عَلَيْهَا مَبْسُوطا مستدلا ثمَّ اعرضها فَكتبت كِتَابَة مُطَوَّلَة جَامِعَة للدلائل ونصرت مَذْهَب الشَّافِعِي فَكتب إِلَى جَانبهَا (أموقع الدست الشريف ونائب الحكم ... الْعَزِيز ومفتي الْإِسْلَام) (خف من إلهك أَن يراك وَقد نهاك ... وَمَا انْتَهَيْت وملت للآثام) رَضِي الله عَنهُ مَا كَانَ أَكثر مراقبته لرَبه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَانَ ربه بَين عَيْنَيْهِ فِي كل آونة ذكر شَيْء من ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ رَضِي الله عَنهُ وعنهم ونفعنا بِهِ وبهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقَلِيل مِمَّا شاهدنا من أَحْوَاله الزاهرة وأخلاقه الطاهرة وكراماته الباهرة قد قدمنَا كَلَام الشَّيْخ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِيهِ وَقَالَ فِيهِ فِي مَكَان آخر كتبه فِي سنة عشْرين وَسَبْعمائة انْتهى إِلَيْهِ الْحِفْظ وَمَعْرِفَة الْأَثر بالديار المصرية وَله كَلَام كثير فِي تَعْظِيمه وَقد قدمنَا فِي تَرْجَمته قَوْله فِيهِ من أَبْيَات (وكابن معِين فِي حفظ وَنقد ... وَفِي الْفتيا كسفيان وَمَالك) (وفخر الدّين فِي جدل وَبحث ... وَفِي النَّحْو الْمبرد وَابْن مَالك) وَصَحَّ من طرق شَتَّى عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية أَنه كَانَ لَا يعظم أحدا من أهل الْعَصْر كتعظيمه لَهُ وَأَنه كَانَ كثير الثَّنَاء على تصنيفه فِي الرَّد عَلَيْهِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 194 وَفِي كتاب ابْن تَيْمِية الَّذِي أَلفه فِي الرَّد على الشَّيْخ الإِمَام فِي رده عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق لقد برز هَذَا على أقرانه وَهَذَا الرَّد الَّذِي لِابْنِ تَيْمِية على الْوَالِد لم يقف عَلَيْهِ وَلَكِن سمع بِهِ وَأَنا وقفت مِنْهُ على مُجَلد وَأما الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي فَلم يكْتب بِخَطِّهِ لَفْظَة شيخ الْإِسْلَام إِلَّا لَهُ وللشيخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية وللشيخ شمس الدّين ابْن أبي عمر وَقد قدمنَا قَول ابْن فضل الله إِنَّه مثل التَّابِعين إِن لم يكن مِنْهُم وَكَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح السُّبْكِيّ رَحمَه الله يَقُول إِذا رَأَيْته فَكَأَنَّمَا رَأَيْت تابعيا وَصَحَّ أَن شَيْخه الإِمَام عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ رَحمَه الله أقبل عَلَيْهِ بعض الْأُمَرَاء وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام إِلَى جَانِبه الْأَيْمن وَعَن جَانِبه الْأَيْسَر بعض أَصْحَابه فَقعدَ الْأَمِير بَين الْبَاجِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام ثمَّ قَالَ الْأَمِير للباجي عَن الَّذِي عَن يسَاره هَذَا إِمَام فَاضل فَقَالَ لَهُ الْبَاجِيّ أَتَدْرِي من هَذَا هُوَ إِمَام الْأَئِمَّة قَالَ من قَالَ الَّذِي جَلَست فَوْقه تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَسَبْعمائة وَأما شَيْخه ابْن الرّفْعَة فَكَانَ يعامله مُعَاملَة الأقران ويبالغ فِي تَعْظِيمه ويعرض عَلَيْهِ مَا يصنفه فِي الْمطلب وَكَذَلِكَ شَيْخه الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي لم يكن عِنْده أحد فِي مَنْزِلَته الجزء: 10 ¦ الصفحة: 195 وَلَو أخذت أعد مقَالَة أشياخه فِيهِ لطال الْفَصْل وَبَلغنِي أَن ابْن الرّفْعَة حضر مرّة إِلَى مجْلِس الْحَافِظ أبي مُحَمَّد الدمياطي فَوجدَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد بَين يَدَيْهِ فَقَالَ مُحدث أَيْضا وَكَانَ ابْن الرّفْعَة لِعَظَمَة الْوَالِد فِي الْفِقْه عِنْده يظنّ أَنه لَا يعرف سواهُ فَقَالَ الدمياطي لِابْنِ الرّفْعَة كَيفَ تَقول قَالَ قلت للسبكي مُحدث أَيْضا فَقَالَ إِمَام الْمُحدثين فَقَالَ ابْن الرّفْعَة وَإِمَام الْفُقَهَاء أَيْضا فبلغت شَيْخه الْبَاجِيّ فَقَالَ وَإِمَام الْأُصُولِيِّينَ وَبِالْجُمْلَةِ أجمع من يعرفهُ على أَن كل ذِي فن إِذا حَضَره يتَصَوَّر فِيهِ شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه لم ير مثله فِي فنه وَالثَّانِي أَنه لَا فن لَهُ إِلَّا ذَلِك الْفَنّ وَسمعت صاحبنا شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق الْمَقْدِسِي الْمُقْرِئ يَقُول كنت أَقرَأ عَلَيْهِ الْقرَاءَات وَكنت لِكَثْرَة استحضاره فِيهَا أتوهم أَنه لَا يدْرِي سواهَا وَأَقُول كَيفَ يسع عمر الْإِنْسَان أَكثر من هَذَا الاستحضار وَسمعت الشَّيْخ سيف الدّين أَبَا بكر الحريري مدرس الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة البرانية يَقُول لم أر فِي النَّحْو مثله وَهُوَ عِنْدِي أنحى من أبي حَيَّان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 196 وَسمعت عَن سيف الدّين الْبَغْدَادِيّ شَيْخه فِي الْمنطق أَنه قَالَ لم أر فِي الْعَجم وَلَا فِي الْعَرَب من يعرف المعقولات مثله وَسمعت جمَاعَة من أَرْبَاب علم الْهَيْئَة يَقُولُونَ لم نر مثله فِيهَا وَكَذَلِكَ سَمِعت جمَاعَة من أَرْبَاب علم الْحساب وعَلى الْجُمْلَة لَا يُمَارِي فِي أَنه كَانَ إِمَام الدُّنْيَا فِي كل علم على الْإِطْلَاق إِلَّا جَاهِل بِهِ أَو معاند وَلَقَد سَمِعت الْحَافِظ الْعَلامَة صَلَاح الدّين خَلِيل بن كيكلدي العلائي يَقُول النَّاس يَقُولُونَ مَا جَاءَ بعد الْغَزالِيّ مثله وَعِنْدِي أَنهم يظلمونه بِهَذَا وَمَا هُوَ عِنْدِي إِلَّا مثل سُفْيَان الثَّوْريّ قلت أما أَنا فَأَقُول وَالله على لِسَان كل قَائِل كَانَ ذهنه أصح الأذهان وأسرعها نفاذا وأوثقها فهما وَكَانَ آيَة فِي استحضار التَّفْسِير ومتون الْأَحَادِيث وعزوها وَمَعْرِفَة الْعِلَل وَأَسْمَاء الرِّجَال وتراجمهم ووفياتهم وَمَعْرِفَة العالي والنازل وَالصَّحِيح والسقيم عَجِيب الاستحضار للمغازي وَالسير والأنساب وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل آيَة فِي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 197 استحضار مَذَاهِب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَفرق الْعلمَاء بِحَيْثُ كَانَ تبهت الْحَنَفِيَّة والمالكية والحنابلة إِذا حَضَرُوهُ لِكَثْرَة مَا يَنْقُلهُ عَن كتبهمْ الَّتِي بَين أَيْديهم آيَة فِي استحضار مَذْهَب الشَّافِعِي وشوارد فروعه بِحَيْثُ يظنّ سامعه أَنه الْبَحْر الَّذِي لَا تغيب عَنهُ شاردة إِذا ذكر فرع وَقَالَ لَا يحضرني النَّقْل فِيهِ فيعز على أَبنَاء الزَّمَان وجدانه بعد الفحص والتنقيب وَإِذا سُئِلَ عَن حَدِيث فشذ عَنهُ عسر على الْحفاظ مَعْرفَته وَكَانَ يُقَال إِنَّه يستحضر الْكتب السِّتَّة غير مَا يستحضره من غَيرهَا من المسانيد والمعاجم والأجزاء وَأَنا أَقُول يبعد كل الْبعد أَن يَقُول فِي حَدِيث لَا أعرف من رَوَاهُ ثمَّ يُوجد فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة أَو المسانيد الْمَشْهُورَة وَأما استحضار نُصُوص الشَّافِعِي وأقواله فَكَانَ يكَاد يحفظ الْأُم ومختصر الْمُزنِيّ وأمثالهما وَأما استحضاره فِي علم الْكَلَام والملل والنحل وعقائد الْفرق من بني آدم فَكَانَ عجبا عجابا وَأما استحضاره لأبيات الْعَرَب وأمثالها ولغتها فَأمر غَرِيب لقد كَانُوا يقرؤون عَلَيْهِ الْكَشَّاف فَإِذا مر بهم بَيت من الشّعْر سرد القصيدة غالبها أَو عامتها من حفظه وَعَزاهَا إِلَى قَائِلهَا وَرُبمَا أَخذ فِي ذكر نظائرها بِحَيْثُ يتعجب من يحضر وَأما استحضاره لكتاب سِيبَوَيْهٍ وَكتاب المقرب لِابْنِ عُصْفُور فَكَانَ عجيبا وَلَعَلَّه درس عَلَيْهِمَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 198 وَأما حفظه لشوارد اللُّغَة فَأمر مَشْهُور وَكنت أَنا أَقرَأ عَلَيْهِ فِي كتاب التَّلْخِيص للْقَاضِي جلال الدّين فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان أَنا وَآخر معي وَلم يكن فِيمَا أَظن وقف على التَّلْخِيص قبل ذَلِك وَإِنَّمَا أقرأه لأجلي وَكُنَّا نحكم المطالعة قبل الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فَيَجِيء فيستحضر من مِفْتَاح السكاكي وَغَيره من كَلَام أهل الْمعَانِي وَالْبَيَان مَا لم نطلع عَلَيْهِ نَحن مَعَ مبالغتنا فِي النّظر قبل الْمَجِيء ثمَّ يوشح ذَلِك بتحقيقاته الَّتِي تطرب الْعُقُول وَكنت أَقرَأ عَلَيْهِ الْمَحْصُول للْإِمَام فَخر الدّين وَالْأَرْبَعِينَ فِي الْكَلَام لَهُ والمحصل فَكنت أرى أَنه يحفظ الثَّلَاث عَن ظهر قلب وَأما الْمُهَذّب والوسيط فَكَانَ فِي الْغَالِب ينْقل عبارتهما بِالْفَاءِ وَالْوَاو كَأَنَّهُ درس عَلَيْهِمَا وَأما شرح الرَّافِعِيّ الَّذِي هُوَ كتَابنَا وَنحن ندأب فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَو قلت كَيفَ كَانَ يستحضره لاتهمني من يسمعني هَذَا وَكَأَنَّهُ ينظر تعليقة الشَّيْخ أبي حَامِد وَالْقَاضِي الْحُسَيْن وَالْقَاضِي أبي الطّيب والشامل والتتمة وَالنِّهَايَة وَكتب الْمحَامِلِي وَغَيرهم من قدماء الْأَصْحَاب وَيتَكَلَّم لِكَثْرَة مَا يستحضره مِنْهَا بالعبارة حكى لي الْحَافِظ تَقِيّ الدّين ابْن رَافع قَالَ سبقنَا مرّة إِلَى الْبُسْتَان فَجِئْنَا بعده ووجدناه نَائِما فَمَا أردنَا التشويش عَلَيْهِ فَقَامَ من نَومه وَدخل الْخَلَاء على عَادَته وَكَانَ يُرِيد أَن يكون دَائِما على وضوء فَلَمَّا دخل ظهر لنا كراس تَحت رَأسه فأخذناه فَإِذا هُوَ من شرح الْمِنْهَاج وَقد كتب عَن ظهر قلب نَحْو عشرَة أوراق قَالَ فنظرها رَفِيق كَانَ معي وَقَالَ مَا أعجب لكتابته لَهَا من حفظه وَلَا مِمَّا نَقله من كَلَام الرَّافِعِيّ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 199 وَالرَّوْضَة وَإِنَّمَا أعجب من نَقله عَن سليم فِي الْمُجَرّد وَابْن الصّباغ فِي الشَّامِل مَا نقل وَلم يكن عِنْده غير الْمِنْهَاج ودواة وورق أَبيض وَكُنَّا قد وجدنَا فِيهَا نقولا عَنْهُمَا قلت أَنا من نظر شرح الْمِنْهَاج بِخَطِّهِ عرف أَنه كَانَ يكْتب من حفظه أَلا ترَاهُ يعْمل المسطرة وَالْوَرق على قطع الْكَبِير أحد عشر سطرا وَمَا ذَلِك إِلَّا لِأَنَّهُ يكْتب من رَأس الْقَلَم وَيُرِيد أَن ينظر مَا يلْحقهُ فَلذَلِك يعْمل المسطرة متسعة وَيتْرك بَيَاضًا كثيرا قلت وَكنت أرَاهُ يكْتب متن الْمِنْهَاج ثمَّ يفكر ثمَّ يكْتب وَرُبمَا كتب الْمَتْن ثمَّ نظر الْكتب ثمَّ وَضعهَا من يَده وَانْصَرف إِلَى مَكَان آخر وَجلسَ ففكر سَاعَة ثمَّ كتب وَكثير من مصنفاته اللطاف كتبهَا فِي دروج ورق المراسلات يَأْخُذ الأوصال ويثنيها طولا وَيجْعَل مِنْهَا كراسا وَيكْتب فِيهِ لِأَنَّهُ رُبمَا لم يكن عِنْده ورق كراريس فَيكْتب فِيهَا من رَأس الْقَلَم وَمَا ذَلِك إِلَّا فِي مَكَان لَيْسَ عِنْده فِيهِ لَا كتب وَلَا ورق النّسخ وَأما الْبَحْث وَالتَّحْقِيق وَحسن المناظرة فقد كَانَ أستاذ زَمَانه وَفَارِس ميدانه وَلَا يخْتَلف اثْنَان فِي أَنه الْبَحْر الَّذِي لَا يساجل فِي ذَلِك كل ذَلِك وَهُوَ فِي عشر الثَّمَانِينَ وذهنه فِي غَايَة الاتقاد واستحضاره فِي غَايَة الازدياد وَلما شغرت مشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية بوفاة الْحَافِظ الْمزي عين هُوَ الذَّهَبِيّ لَهَا فَوَقع السَّعْي فِيهَا للشَّيْخ شمس الدّين ابْن النَّقِيب وَتكلم فِي حق الذَّهَبِيّ بِأَنَّهُ لَيْسَ بأشعري وَأَن الْمزي مَا وَليهَا إِذْ وَليهَا إِلَّا بعد أَن كتب خطه وَأشْهد على نَفسه بِأَنَّهُ أشعري العقيدة واتسع الْخرق فِي هَذَا فَجمع ملك الْأُمَرَاء الْأَمِير عَلَاء الدّين الجزء: 10 ¦ الصفحة: 200 ألطنبغا نَائِب الشَّام إِذْ ذَاك الْعلمَاء فَلَمَّا اسْتَشَارَ الشَّيْخ الإِمَام أَشَارَ بالذهبي فَقَامَ الصائح بَين الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة والمالكية وتقفوا فِيهِ أَجْمَعُونَ وَكَانَ من الْحَاضِرين الشَّيْخ نجم الدّين القحفازي شيخ الْحَنَفِيَّة فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ الإِمَام أيش تَقول فَقَالَ (وإليكم دَار الحَدِيث تساق ... ) أبدل هَذَا بدار فَاسْتحْسن الْجَمَاعَة هَذَا مِنْهُ وَدَار إِلَى ملك الْأُمَرَاء وَقَالَ أعلم النَّاس الْيَوْم بِهَذَا الْعلم قَاضِي الْقُضَاة والذهبي وقاضي الْقُضَاة أشعري قطعا وَقطع الشَّك بِالْيَقِينِ أولى فوليها الشَّيْخ الإِمَام وَلم يكن مُخْتَارًا ذَلِك بل كَانَ يكرههُ وَقَامَ من وقته إِلَى دَار الحَدِيث وَبَين يَدَيْهِ الذَّهَبِيّ وَخلق فروى بِسَنَدِهِ من طرق شَتَّى مِنْهُ إِلَى أبي مسْهر حَدِيث يَا عبَادي وَتكلم على رِجَاله ومخرجه بِحَيْثُ لم يسع الْمجْلس الْكَلَام على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 201 أَكثر من رجال الحَدِيث ومخرجه إِلَى أَن بهت الْحَاضِرُونَ لعلمهم أَن الشَّيْخ الإِمَام من سِنِين كَثِيرَة لَا ينظر الْأَجْزَاء وَلَا أَسمَاء الرِّجَال وَلَقَد قَالَ الذَّهَبِيّ (وَمَا علمتني غير مَا الْقلب عالمه ... ) وَالله كنت أعلم أَنه فَوق ذَلِك وَلَكِن مَا خطر لي أَنه مَعَ التّرْك والاشتغال بِالْقضَاءِ يحضر من غير تهيئة ويسند هَذَا الْإِسْنَاد انْتهى وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ مَعَ صِحَة الذِّهْن واتقاده عَظِيم الحافظة لَا يكَاد يسمع شَيْئا إِلَّا حفظه وَلَا يحفظ شَيْئا فينساه وَإِن طَال بعده عَن تذكره جمعت لَهُ الحافظة الْبَالِغَة والفهم الْغَرِيب فَمَا كَانَ إِلَّا ندرة فِي النَّاس ووحق الْحق لَو لم أشاهد وَحكي لي أَن وَاحِدًا من الْعلمَاء احتوى على مثل هَذِه الْعُلُوم وَبلغ أقْصَى غاياتها نقلا وتحقيقا مَعَ صِحَة الذِّهْن وجودة المناظرة وَقُوَّة المغالبة وَحسن التصنيف وَطول الباع فِي الاستحضار واستواء الْعُلُوم بأسرها فِي نظهر أَحْسبهُ وهما وَأَقُول كَيفَ تفي القوى البشرية بذلك وَلَكِن ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء (وَلَيْسَ لله بمستنكر ... أَن يجمع الْعَالم فِي وَاحِد) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 202 كَانَ بِالآخِرَة قد أعرض عَن كَثْرَة الْبَحْث والمناظرة وَأَقْبل على التِّلَاوَة والتأله والمراقبة وَكَانَ ينهانا عَن نوم النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل وَيَقُول لي يَا بني تعود السهر وَلَو أَنَّك تلعب وَالْوَيْل كل الويل لمن يرَاهُ نَائِما وَقد انتصف اللَّيْل واجتمعنا لَيْلَة أَنا والحافظ تَقِيّ الدّين أَبُو الْفَتْح وَالْأَخ المرحوم جمال الدّين الْحُسَيْن وَالشَّيْخ فَخر الدّين الأقفهسي وَغَيرهم فَقَالَ لي بعض الْحَاضِرين نشتهي أَن نسْمع مناظرته وَلَيْسَ فِينَا من يدل عَلَيْهِ غَيْرك فَقلت لَهُ الْجَمَاعَة يُرِيدُونَ سَماع مناظرتك على طَرِيق الجدل فَقَالَ بِسم الله وفهمت أَنه إِنَّمَا وَافق على ذَلِك لمحبته فِي وَفِي تعليمي فَقَالَ أبصروا مَسْأَلَة فِيهَا أَقْوَال بِقدر عددكم وينصر كل مِنْكُم مقَالَة يختارها من تِلْكَ الْأَقْوَال وَيجْلس يبْحَث معي فَقلت أَنا مَسْأَلَة الْحَرَام فَقَالَ بِسم الله انصرفوا فليطالع كل مِنْكُم وَيُحَرر مَا ينصره فقمنا وأعمل كل وَاحِد جهده ثمَّ عدنا وَقد كَاد اللَّيْل ينتصف وَهُوَ جَالس يَتْلُو هُوَ وَشَيخنَا الْمسند أَحْمد بن عَليّ الْجَزرِي الْحَنْبَلِيّ رَحمَه الله فَقَالَ عبد الْوَهَّاب هَات حُسَيْن هَات هَكَذَا يخصني أَنا وَأخي بالنداء الجزء: 10 ¦ الصفحة: 203 فابتدأ وَاحِد من الْجَمَاعَة فَقَالَ لَهُ إِن شِئْت كن مستدلا وَأَنا مَانع وَإِن شِئْت بِالْعَكْسِ فحاصل الْقَضِيَّة أَن كلا منا صَار يسْتَدلّ على مقَالَته وَهُوَ يمنعهُ وَيبين فَسَاد كَلَامه إِلَى أَن يَنْقَطِع وَيَأْخُذ فِي الْكَلَام مَعَ الآخر حَتَّى انْقَطع الْجَمِيع فَقَالَ لَهُ بَعْضنَا فَأَيْنَ الْحق فَقَالَ أَنا أخْتَار الْمَذْهَب الْفُلَانِيّ الَّذِي كنت يَا فلَان تنصره وَنَصره إِلَى أَن قُلْنَا هُوَ الْحق ثمَّ قَالَ بل أخْتَار الْمَذْهَب الَّذِي كنت يَا فلَان تنصره وَهَكَذَا أَخذ ينصر الْجَمِيع إِلَى أَن قَالَ لَهُ بَعْضنَا فَأَيْنَ الْبَاطِل فَقَالَ الْآن حصحص الْحق الْمُخْتَار مَذْهَب الشَّافِعِي وَطَرِيق الرَّد على الْمَذْهَب الْفُلَانِيّ كَذَا وَالْمذهب الْفُلَانِيّ كَذَا وَالْمذهب الْفُلَانِيّ كَذَا وَقرر ذَلِك كُله إِلَى أَن قضينا الْعجب وكل منا يعرف أَن أقل مَا يكون للشَّيْخ الإِمَام عَن النّظر فِي مَسْأَلَة الْحَرَام سِنِين كَثِيرَة وَحضر عندنَا مرّة الشَّيْخ جمال الدّين الْمزي الْحَافِظ رَحمَه الله إِلَى الْبُسْتَان وَكَانَ هُنَاكَ جمَاعَة من الْمَشَايِخ ي جُزْء الْأنْصَارِيّ أحضرهم الْوَالِد لإسماع الْأَطْفَال فَقَالَ لي الشَّيْخ شرف الدّين عبد الله بن الواني الْمُحدث رَحمَه الله كُنَّا نود لَو سمعنَا بِقِرَاءَة الشَّيْخ الإِمَام فَقلت لَهُ فَأخذ الْجُزْء وقرأه على الْجَمَاعَة قِرَاءَة قضى كل منا الْعجب من حسنها وسرعتها وبيانها الجزء: 10 ¦ الصفحة: 204 وَأما بَاب الْعِبَادَة والمراقبة فوَاللَّه مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مثله كَانَ دَائِم التِّلَاوَة وَالذكر وَقيام اللَّيْل جَمِيع نَومه بِالنَّهَارِ وَأكْثر ليله التِّلَاوَة وَكَانَت تِلَاوَته أَكثر من صلَاته ويتهجد بِاللَّيْلِ وَيقْرَأ جَهرا فِي النَّوَافِل وَلَا ترَاهُ فِي النَّهَار جَالِسا إِلَّا وَهُوَ يَتْلُو وَلَو كَانَ رَاكِبًا وَلَا يَتْلُو إِلَّا جَهرا وَكَانَ يَتْلُو فِي الْحمام وَفِي المسلخ وَأما بَاب الْغَيْبَة فوَاللَّه لم أسمع اغتاب أحدا قطّ لَا من الْأَعْدَاء وَلَا من غَيرهم وَمن عَجِيب أمره أَنه كَانَ إِذا مَاتَ شخص من أعدائه يظْهر عَلَيْهِ من التألم والتأسف شَيْء كثير وَلما مَاتَ الشَّيْخ فَخر الدّين الْمصْرِيّ رثاه بِأَبْيَات شعر وتأسف عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لما مَاتَ القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله الَّذِي سقنا كَلَامه فِيهِ فِيمَا مضى وَلَا يخفى مَا كَانَ بَينهمَا وَمن الْغَرِيب أَنه قَرَأَ طَائِفَة من الْقُرْآن ثمَّ أهداها لَهُ فَقلت لَهُ لم هَذَا أَنْت لم تظلمه قطّ وَهُوَ كَانَ يظلمك فَمَا هَذَا فَقَالَ لعَلي كرهته بقلبي فِي وَقت لحظ دُنْيَوِيّ فَانْظُر إِلَى هَذِه المراقبة وَمِمَّا يدلك على مراقبته قَوْله فِي كتاب الحلبيات وَقد ذكر أَن القَاضِي لَا تسمع عَلَيْهِ الْبَيِّنَة فَإِن قَوْله أصدق مِنْهَا وَأَن فِي كَلَام الرَّافِعِيّ مَا يَقْتَضِي سماعهَا وَتَابعه ابْن الرّفْعَة وَأَنه لَيْسَ بِصَحِيح مَا صورته وتوقفت فِي كِتَابَة هَذَا وخشيت أَن يداخلني شَيْء لكوني قَاضِيا حَتَّى رَأَيْت فِي ورقة بخطي من نحور أَرْبَعِينَ سنة كلَاما فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِي آخرهَا وَمَا يَنْبَغِي أَن تسمع على القَاضِي بَيِّنَة وَلَا أَن يطْلب بِيَمِين انْتهى فَانْظُر خَوفه مداخلات الْأَنْفس بِحَيْثُ لَو لم يجد هَذِه الورقة السَّابِقَة على تَوليته الْقَضَاء بسنين عديدة لتوقف فِي كِتَابَة مَا اخْتَارَهُ خشيَة وفرقا على دينه جزاه الله عَن دينه خيرا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 205 وَأما الدُّنْيَا فَلم تكن عِنْده بِشَيْء وَلَا يستكثرها فِي أحد يهب الجزيل وَلَا يرى أَنه فعل شَيْئا ويعجبني قَول الشَّيْخ جمال الدّين ابْن نباتة شَاعِر الْعَصْر فِيهِ من قصيدة امتدحه بهَا (مُغنِي الْأَنَام فَمَا تعطل عِنْده ... فِي الحكم غير محَاضِر الإفلاس) (ومعجل الجدوى جزَافا لَا كمن ... هُوَ ضَارب الْأَخْمَاس فِي الأسداس) وَأما الصَّوْم فَكَانَ يعسر عَلَيْهِ وَلم أره يَصُوم غير رَمَضَان وست من شَوَّال قلت لَهُ لم تواظب على صَوْم سِتّ من شَوَّال فَقَالَ لِأَنَّهَا تَأتي وَقد أدمنت على الصَّوْم وَمَا كَانَ ذَلِك إِلَّا لحدة ذهنه واتقاد قريحته فَكَانَ لَا يُطيق الصَّوْم وَقد مَاتَ فِي عشر الثَّمَانِينَ بالحدة وَرُبمَا كَانَ يقْعد والثلج سَاقِط من السَّمَاء وَهُوَ على رَأسه طاقية وَكَانَ يَقُول الشَّام توافقني أَكثر من مصر لبردها ويسكن ظَاهر الْبَلَد شتاء وصيفا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 206 وَكَانَ لَا يصبر إِذا طلعت الشَّمْس إِلَى أَن يَسْتَوِي طَعَام الْبَيْت بل يَأْكُل من السُّوق وَمَا ذَلِك إِلَّا لسهره بِاللَّيْلِ مَعَ حِدة ذهنه فيجوع من طُلُوع الشَّمْس وَلَا يُطيق الصَّبْر ثمَّ إِذا أكل اجتزأ بالعلقة من الطَّعَام واليسير من الْغذَاء وَأما مأكله وملبسه وملاذه الدُّنْيَوِيَّة فَأمر يسير جدا لَا ينظر إِلَى شَيْء من ذَلِك بل يجتزئ بِيَسِير المأكل ونزر الملبس وَأما عدم مبالاته بِالنَّاسِ فَأمر غَرِيب وَلَقَد شاهدته غير مرّة يخرج بملوطته وعمامته الَّتِي ينَام فِيهَا إِلَى الطَّرِيق ورأيته مرّة خرج كَذَلِك وَكَانَت الملوطة الَّتِي عَلَيْهِ وسخة مقطعَة رَاح إِلَى الْجَامِع يَوْم ختم البُخَارِيّ وَجلسَ فِي أخريات النَّاس بِحَيْثُ لم يشْعر بِهِ أحد ثمَّ كَأَنَّهُ عرضت لَهُ حَالَة فَرفع يَدَيْهِ وَتوجه ساكتا على عَادَته وَصَارَ رَافع يَدَيْهِ قبل أَن يشرعوا فِي الدُّعَاء بِنَحْوِ سَاعَة زمانية أَو أَزِيد ثمَّ اسْتمرّ كَذَلِك إِلَى أَن فرغ وَصَارَت الْعَوام يرونه ويتعجبون من لبسه وحاله ومجيئه على تِلْكَ الصُّورَة وَمَا تمّ الْمجْلس إِلَّا وَقد حضر النَّقِيب والغلمان فَقَامَ وَحضر إِلَى الْبَيْت وهم بَين يَدَيْهِ كَأَنَّهُ بَينهم غُلَام وَاحِد مِنْهُم وَعَلِيهِ من المهابة مَا لَا يعبر عَنهُ وَكنت مَعَ ذَلِك أرَاهُ أَيَّام المواكب السُّلْطَانِيَّة يلبس الطيلسان مواظبا عَلَيْهِ وَكنت أعجب لِأَن طبعه لَا يَقْتَضِي الاكتراث بِهَذِهِ الْأُمُور فتجاسرت عَلَيْهِ وَسَأَلته فَقلت لَهُ أَنْت تقعد وتحكم وَعَلَيْك ثِيَاب مَا تَسَاوِي عشْرين درهما وأراك تحرص على لبس الطيلسان يَوْم الموكب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 207 فَقَالَ يَا بني هَذَا صَار شعار الشَّافِعِيَّة وَلَا نُرِيد أَن ينسى وَأَنا مَا أَنا مخلد سَيَجِيءُ غَيْرِي ويلبسه فَمَا أحدث عَلَيْهِ عَادَة فِي تبطيله ورأيته غير مرّة يكون رَاكِبًا البغلة فيجد مَاشِيا فيردفه خَلفه ويعبر الْمَدِينَة وهما كَذَلِك والنقيب والغلمان بَين يَدَيْهِ لَا يقدر أحد أَن يَعْتَرِضهُ وَحضر مرّة ختمة بالجامع الْأمَوِي وَحَضَرت الْقُضَاة وأعيان الْبَلَد بَين يَدَيْهِ وَهُوَ جَالس فِي محراب الصَّحَابَة فَأَنْشد المنشد قصيدة الصرصري الَّتِي أَولهَا قَلِيل لمدح الْمُصْطَفى الْخط بِالذَّهَب ... ) فَلَمَّا قَالَ (وَأَن ينْهض الْأَشْرَاف عِنْد سَمَاعه ... ) الْبَيْت حصلت للشَّيْخ الإِمَام حَالَة وَقَامَ وَاقِفًا للْحَال فَاحْتَاجَ النَّاس كلهم أَن يقومُوا فَقَامُوا أَجْمَعُونَ وحصلت سَاعَة طيبَة وَكَانَ لَا يحابي فِي الْحق أحدا وأخباره فِي هَذَا الْبَاب عَجِيبَة حكم مرّة فِي وَاقعَة حريثا وصمم فِيهَا وعانده أرغون الكاملي نَائِب الشَّام وَكَاد الْأَمر يطلخم شاما ومصرا فَذكر القَاضِي صَلَاح الدّين الصَّفَدِي أَنه عبر إِلَيْهِ وَقَالَ يَا مَوْلَانَا قد أعذرت ووفيت مَا عَلَيْك وَهَؤُلَاء مَا يطيعون الْحق فَلم تلقي بِنَفْسِك إِلَى التَّهْلُكَة وتعاديهم قَالَ فَتَأمل فِي مَلِيًّا ثمَّ قَالَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 208 (وليت الَّذِي بيني وَبَيْنك عَامر ... وبيني وَبَين الْعَالمين خراب) وَالله لَا أرضي غير الله قَالَ فَخرجت من عِنْده وَعرفت أَنه لَا يرجع عَن الْحق بزخارف من القَوْل قلت وَلَقَد نزل لي شَيخنَا شمس الدّين الذَّهَبِيّ فِي حَيَاته عَن مشيخة دَار الحَدِيث الظَّاهِرِيَّة فَلم يمض النُّزُول وَقَالَ لي وَالله يَا بني أعرف أَنَّك مستحقها وَلَكِن ثمَّ مَشَايِخ هم أولى مِنْك لطعنهم فِي السن ثمَّ لما حضرت الذَّهَبِيّ الْوَفَاة أشهد على نَفسه بِأَنَّهُ نزل لي عَنْهَا فوَاللَّه لم يمضها لي وَهَا خطه عِنْدِي يَقُول فِيهِ بعد أَن ذكر وَفَاة الذَّهَبِيّ وَقد نزل لوَلَدي عبد الْوَهَّاب عَن مشيخة الظَّاهِرِيَّة وَأَنا أعرف اسْتِحْقَاقه وَلَكِن سنّ الشَّبَاب مَنَعَنِي أَن أمضي النُّزُول لَهُ وَلما نزل عَن مشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية وَاتفقَ أَنه بعد أشهر حضر درسا عمله الْوَلَد تَقِيّ الدّين أَبُو حَاتِم مُحَمَّد ابْن الْأَخ شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام بهاء الدّين أبي حَامِد سلمهما الله وَكَانَ أَشَارَ هُوَ بذلك ليفرح بتدريس ولد وَلَده بِحُضُورِهِ قبل وَفَاته قَالَ للْجَمَاعَة الْحَاضِرين مَا أعلم أحدا يصلح لمشيخة دَار الحَدِيث غير وَلَدي عبد الْوَهَّاب وشخص آخر غَائِب عَن دمشق وَأكْثر النَّاس لم يفهم الْغَائِب وَأَنا أعرف أَنه الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي شيخ بَيت الْمُقَدّس وحافظه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 209 وَكَانَ يَقُول لي فِي أَيَّام مَرضه قبل أَن يحصل لي الْقَضَاء إياك ثمَّ إياك أَن تطلب الْقَضَاء بقلبك فضلا عَن قالبك فَأَنا أطلبه لَك لعلمي بِالْمَصْلَحَةِ فِي ولايتك لَك ولقومك وَلِلنَّاسِ وَأما أَنْت فاحذر لِئَلَّا يكلك الله إِلَيْهِ على مَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا عبد الرَّحْمَن لَا تسْأَل الْإِمَارَة) الحَدِيث وحضرته وَقد جَاءَ إِلَيْهِ بعض الْفُقَرَاء فَقَالَ أُرِيد ثَلَاثًا ولَايَة ابْني هَذَا موضعي ورؤية وَلَدي أَحْمد وموتي بِمصْر أشهد بِاللَّه لسمعت ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الْفَقِير سل الله فِي ذَلِك إِن كَانَ مصلحَة فَقَالَ قد تحققت أَن كل وَاحِد من الثَّلَاثَة مصلحَة فَقَالَ لَهُ الْقَضَاء مصلحَة لهَذَا فَقَالَ نعم تحققت أَنه مصلحَة لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالدّين جَمِيعًا وَقَالَ فِي ذَلِك الْمجْلس أَنا فِي بر وَلَدي أَحْمد يَعْنِي الْأَخ أَبَا حَامِد وَوَصفه بِالْعلمِ الْكثير وَأما أَحْوَاله فَكَانَت عَجِيبَة جدا مَا عانده أحد إِلَّا وَأخذ سَرِيعا وَكَانَ لَا يحب أَن يظْهر عَلَيْهِ شَيْء من الكرامات ويتأذى كل الْأَذَى من ظُهُورهَا وَمِمَّنْ يظهرها وَقد اتّفقت لَهُ فِي الْقَاهِرَة ودمشق عجائب مِنْهَا واقعته فِي مشيخة جَامع طولون الَّتِي ذكرتها عِنْد ذكر قصيدته الَّتِي أَولهَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 210 (كَمَال الْفَتى بِالْعلمِ لَا بالمناصب ... ) وَمِنْهَا أَنه كَانَ بِيَدِهِ تدريس المنصورية أَخذهَا عَن قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين الزرعي عِنْد ولَايَته قَضَاء الشَّام ثمَّ عزل الزرعي وأرغون النَّائِب فِي الْحجاز وَكَانَ كثير الصداقة لَهُ فَلَمَّا بلغ ذَلِك أرغون شقّ عَلَيْهِ وعزم على أَنه إِذا وصل إِلَى مصر ينْزع المنصورية من الْوَالِد ويعديها للزرعي فَلَمَّا قيل إِن أرغون وصل ويطلع غَدا بَات الْوَالِد فِي قلق لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ رزق غَيرهمَا إِلَّا الْيَسِير فَأَخْبرنِي أخي الشَّيْخ بهاء الدّين أَنه أخبرهُ أَنه صلى فِي اللَّيْل رَكْعَتَيْنِ فَسمع قَائِلا يَقُول لَهُ أرغون مَاتَ فَلَمَّا أصبح وَحضر الدَّرْس قيل لَهُ إِن أرغون طلع القلعة فَتوجه إِلَى جِهَة القلعة للسلام عَلَيْهِ فَبَلغهُ فِي الطَّرِيق أَن أرغون أمسك وَمِنْهَا واقعته مَعَ إيتمش نَائِب الشَّام فَإِنَّهُ عانده وضاجره فَحكى لي أخي الشَّيْخ بهاء الدّين أَنه لما اشْتَدَّ بِهِ ذَلِك عزم على عزل نَفسه من الْقَضَاء فَحَضَرَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 211 درس الأتابيكة بالصالحية ثمَّ دخل إِلَى مَسْجِد فِي دهليزها وأغلق عَلَيْهِ الْبَاب وَصلى رَكْعَتي الاستخارة فِي ذَلِك فَلَمَّا كَانَت السَّجْدَة الثَّانِيَة من الرَّكْعَة الثَّانِيَة سمع قَائِلا يَقُول {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} فأحجم عَن ذَلِك إِلَى آخر حَيَاته وَآخر أمره مَعَ إيتمش أَنه أَمر شاد الْأَوْقَاف بِجمع الْفُقَهَاء للْفَتْوَى عَلَيْهِ فَبينا شاد الْأَوْقَاف بعد صَلَاة الْجُمُعَة يجمعهُمْ وَإِذا بالبريدي قدم من مصر يَطْلُبهُ إِلَى بَاب السُّلْطَان معززا مكرما وَكَانَ الإِمَام تَاج الدّين المراكشي الَّذِي ذكرت تَرْجَمته يحْكى أَنه رأى فِي مَنَامه قَائِلا يَقُول سَيَأْتِي شخص من مماليك ألجاي الدويدار يقتل هَؤُلَاءِ كلهم فَعَن قريب حضر البريدي الْمَذْكُور وَهُوَ قَيْصر مَمْلُوك ألجاي أحد مقدمي الْحلقَة وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة فانطوى ذَلِك الْبسَاط وَعَاد الَّذين كَانُوا من قبل بلحظة يجمعُونَ الغض مِنْهُ واقفين على بَابه يَسْتَغْفِرُونَ ويعتذرون وأعجب من ذَلِك أَن البريدي ذكر أَنه أَرَادَ أَن يتَخَلَّف فِي الطَّرِيق لشغل عرض لَهُ فصادف أَن غُلَامه سبقه وَمَا أمكنه التَّخَلُّف فَصَارَ غُلَامه وَهُوَ أَمَامه يَسُوق كل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 212 السُّوق ظنا مِنْهُ أَن البريدي سبقه والبريدي يلْحقهُ إِلَى أَن وصل فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَو تَأَخّر بعده سَاعَة وَاحِدَة لحصل التَّعَب لنا ثمَّ سَافر إِلَى مصر وَمَا اتّفقت إِقَامَته بهَا وَصَارَ يصعب عَلَيْهِ الْعود إِلَى دمشق وأيدغمش بهَا وَالْإِقَامَة مصر لَا تمكنه فبلغني أَن الْأَمِير الْكَبِير بدر الدّين جنكلي ابْن البابا وَهُوَ أكبر أُمَرَاء الدولة قَالَ نَحن مَعَ هَذَا السُّبْكِيّ فِي صداع لَا يُمكن إِقَامَته بِمصْر وَلَا يهون عَلَيْهِ عوده إِلَى دمشق وإيتمش بهَا وَلَا يمكننا عزل إيتمش بِسَبَب قَاض إِن كَانَت لَهُ كَرَامَة عِنْد الله فَالله يريحه من إيتمش فَجَاءَهُمْ الْخَبَر ثَانِي يَوْم بوفاة إيتمش فَجْأَة فَلَمَّا أَن بلغه الْخَبَر لم يزدْ على أَن ذرفت عَيناهُ بالدموع ثمَّ نَهَضَ إِلَى الصَّلَاة وَكَانَ مِمَّن يحط عَلَيْهِ عِنْده القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله فعزل وصودر وَاتفقَ لَهُ مَا اتّفق وَكَانَ القَاضِي شهَاب الدّين أرسل إِلَيْهِ من قبل بِشَهْر يَقُول لَهُ مَعَ مَمْلُوكه عَرفتنِي فَقَالَ قل لَهُ نعم عرفتك وَلَكِن أَنْت مَا عَرفتنِي فَبعد شهر صودر وَاتفقَ لَهُ مَا اتّفق وَمِنْهَا أمره مَعَ طقزتمر نَائِب الشَّام وَكَانَ من أصحب النَّاس لَهُ فِي مصر فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الشَّام غَيره الشاميون عَلَيْهِ وَأَعَانَهُمْ امْتِنَاعه من امْتِثَال أوامره فَطلب إِلَى مصر واستوحشنا من رَوَاحه فَمَا وَصلهَا إِلَّا وَهُوَ فِي النزع وَمَات وَمِنْهَا أمره مَعَ أرغون شاه نَائِب الشَّام أَيْضا وَقد جرت لَهُ مَعَه فُصُول وَأَنا رَأَيْته مرّة يمسك بطرزه وَيَقُول لَهُ أَنا أَمُوت وَأَنت تَمُوت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 213 وَقَالَ لَهُ مرّة يَا قَاضِي كم نَائِبا رَأَيْت فِي هَذِه الْمَدِينَة قَالَ كَذَا كَذَا نَائِبا فَقَالَ مَا يروحك إِلَّا أَنا فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام سَوف تبصر فَبعد أَيَّام يسيرَة ذبح أرغون شاه صبرا وَله فِيهِ أعجوبة حكى لي القَاضِي شرف الدّين خَالِد بن القيسراني موقع الدست قَالَ أَنا كنت السَّبَب فِي موت أرغون شاه قلت كَيفَ قَالَ لِأَنِّي غيرت خاطر أَبِيك عَلَيْهِ فَقلت لَهُ يَوْم الِاثْنَيْنِ يَوْم قَالَ لَهُ مَا قَالَ قبل أَن يجلس أرغون شاه يَا مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة نَحن نَعْرِف أَن لَك مدَدا من سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا قد زَادَت إساءته عَلَيْك فَقَالَ لي مَا نبالي اسْكُتْ إِذا تعرض للشَّرْع عَملنَا شغلنا قَالَ فوَاللَّه لما قعدنا بدرت من أرغون شاه تِلْكَ الْكَلِمَات فِي حق والدك وكلمات أخر قبيحة فِي الشَّرْع فاتفق مَا اتّفق قلت أما الَّذِي اتّفق لأرغون شاه فَإِنَّهُ ذبح صبرا لَيْلَة الْجُمُعَة وَأما الَّذِي اتّفق من الشَّيْخ الإِمَام فَإنَّا صلينَا الْمغرب واجتمعنا على الْعشَاء ثمَّ صلى الشَّيْخ الإِمَام عشَاء الْآخِرَة وأوتر وَصعد السَّطْح فَحكى أهل الْبَيْت أَنه اسْتمرّ وَاقِفًا فِي السَّطْح مَكْشُوف الرَّأْس مطرقا ساكتا لَا يتَكَلَّم قَائِما على رجلَيْهِ إِلَى أَن طلع الْفجْر ثمَّ نزل فصلى الصُّبْح بِوضُوء الْعشَاء وَأَنه قَالَ للنِّسَاء وَهُوَ نَازل انْقَضى شغل أرغون شاه لَا يتَكَلَّم أحد فحسبنا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 214 فَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خرج الجيبغا من طرابلس وَوصل إِلَى دمشق لَيْلَة الْخَمِيس وأمسكه تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ ذبحه ثَانِي لَيْلَة وَهَذِه كَانَت حَالَة الشَّيْخ فِي توجهه يكْشف رَأسه وَيجْعَل المنديل فِي رقبته وَيقوم على رجله مطرقا ساكتا وَيصير عَلَيْهِ من المهابة مَا يعجز الواصف عَن وَصفه ويكاد نم يرَاهُ فِي تِلْكَ الْحَالة يُوقن أَنه لَو لسعه زنبور فِي تِلْكَ الْحَالة لما أحس بِهِ وَكَانَت أَيْضا عوائده إِذا كَانَت لَهُ حَاجَة أَن يكْتب قصَّة بِخَطِّهِ إِلَى الله تَعَالَى ويعلقها على خَشَبَة فِي السَّطْح وَرُبمَا أنزلهَا بعد أَيَّام وَكَأن ذَلِك عَلامَة قَضَاء الشّغل مَا أَدْرِي وَهَذِه الْحِكَايَة الَّتِي لأرغون شاه أَنا سَمِعت النِّسَاء الثِّقَات فِي الْبَيْت يحكينها وَأما أَنا فَفِي لَيْلَة الْخَمِيس بَلغنِي الْخَبَر عقيب مسك أرغون شاه فعبرت إِلَيْهِ وطرقت الْبَاب فَسمِعت صَوته فِي قِرَاءَة التَّهَجُّد فَأَمْسَكت فَقضى الرَّكْعَتَيْنِ وَخرج وَهُوَ يَتْلُو فَلَمَّا أَخذ فِي فتح الْبَاب ترك التِّلَاوَة وَقَالَ لَا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك فَلَمَّا فتح قلت لَهُ أمسك أرغون شاه قَالَ من قَالَ اسْكُتْ أيش هَذَا الفشار فَمَا أَدْرِي لما قَالَ لي لَا تظهر الشماتة بأخيك هَل كَانَ ذهنه حَاضرا أَو أجراها الله على لِسَانه من غير قصد الله يعلم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 215 وَمِنْهَا مَا حَكَاهُ الْأَخ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة بهاء الدّين أَبُو حَامِد سلمه الله ونقلته من خطه قَالَ لما عدت من الْحجاز فِي الْمحرم سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة وجدته ضَعِيفا فاستشارني فِي نُزُوله لوَلَده سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عَن قَضَاء الشَّام وَوَجَدته كالجازم بِأَن ذَلِك سيقع وَقَالَ لي سَبَب هَذَا أَنِّي قبل أَن أمرض بأيام أغلب ظَنِّي أَنه قَالَ خَمْسَة أَيَّام رحت إِلَى قبر الشَّيْخ حَمَّاد خَارج بَاب الصَّغِير وَجَلَست عِنْد قَبره مُنْفَردا لَيْسَ عِنْدِي أحد وَقلت لَهُ يَا سَيِّدي الشَّيْخ لي ثَلَاثَة أَوْلَاد أحدهم قد رَاح إِلَى الله وَالْآخر فِي الْحجاز وَلَا أَدْرِي حَاله وَالثَّالِث هُنَا وأشتهي أَن موضعي يكون لَهُ قَالَ فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام أغلب ظَنِّي أَنه قَالَ يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة جَاءَنِي الخالدي يُشِير إِلَى شخص كَانَ فَقِيرا صَالحا يصحب الْفُقَرَاء فَقَالَ لي فلَان يسلم عَلَيْك وَيَقُول لَك تقاطع عَلَيْهِ الدورة تروح للشَّيْخ حَمَّاد تطلب حَاجَتك مِنْهُ وَلَا تَقول لَهُ قَالَ فَقلت لَهُ على سَبِيل الْبسط سلم عَلَيْهِ وَقل لَهُ أَلَسْت تعلم أَنه فَقير بائس وَأَنا كل أحد رَآنِي ذَاهِبًا إِلَى قبر الشَّيْخ حَمَّاد وَلَكِن الشطارة أَن تَقول لَهُ أيش هِيَ حَاجته قَالَ فَتوجه الخالدي إِلَيْهِ ثمَّ عَاد وَقَالَ يَقُول لَك لَا تكن تعترض على الْفُقَرَاء الشَّيْخ حَمَّاد يَقُول لَك انْقَضتْ حَاجَتك الَّتِي هِيَ كَيْت وَكَيْت قَالَ فَقلت لَهُ أما الْآن فَنعم فَإِن هَذَا لم يشْعر بِهِ أحد قَالَ فَقلت لَهُ سَله هَل ذَلِك كشف أَو مَنَام الجزء: 10 ¦ الصفحة: 216 قَالَ فَعَاد وَقَالَ لَيْسَ ذَلِك إِلَيْك انْتهى الْمَنْقُول من خطّ الْأَخ وَمِنْهَا حَاله مَعَ إيتمش نَائِب الشَّام أَيْضا كرهه فِي الْآخِرَة وَكَلمه كلَاما وحشا فراح الشَّيْخ ذَلِك الْيَوْم إِلَى قبر الشَّيْخ حَمَّاد وَعَاد فَمَا مَضَت عشرَة أَيَّام إِلَّا وَجَاء الْخَبَر بعزله من نِيَابَة الشَّام فَأشْهد على الشَّيْخ أَنه قَالَ من سَاعَة زرت قبر الشَّيْخ حَمَّاد عرفت هَذَا وَقَالَ لي دَعَوْت عَلَيْهِ وندمت وَقَالَ لي لم أدع قبلهَا على غَيره وَمِنْهَا حكايته مَعَ أرغون الكاملي نَائِب الشَّام أَيْضا وَآخِرهَا أَنه قَالَ كم ينغص حَالنَا الله يُقَابله فوَاللَّه لقد عزل بعد شهر أَو أقل من نِيَابَة الشَّام وَنقل إِلَى حلب وَلم يهنأ عيشه بهَا بل عزل قَرِيبا وَنقل إِلَى مصر وَلم يهنأ بهَا بل قعد يويمات ثمَّ أمسك وأودع سجن الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ أخرج وَأقر بِبَيْت الْمُقَدّس إِلَى أَن مَاتَ بطالا حَزينًا كئيبا قَالَ أخي الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَلَقَد حضر عِنْده دَار الْعدْل فِي يَوْم خَمِيس ثمَّ حضر فَأَخْبرنِي أَنه قدم إِلَيْهِ الْوَالِي شخصا لم يسْتَحق الْقَتْل فَأمره بقتْله فَالْتَفت الْوَالِد إِلَى الْوَالِي وَقَالَ هَذَا لَا يحل قَتله فتوقف الْوَالِي فَقَالَ لَهُ أرغون اقتله فَقَالَ لَهُ الْوَالِد هَذَا لَا يحل فاغتاظ أرغون من الْوَالِي فَأَخذه وَذهب بِهِ ليَقْتُلهُ فَلَمَّا عَاد من دَار الْعدْل حكى لي الْحِكَايَة وَقَالَ لي لقد عزمت على الجزء: 10 ¦ الصفحة: 217 أَن لَا أحضر دَار عدل عِنْده أبدا بعْدهَا فَلم يتكمل النَّهَار حَتَّى ورد الْخَبَر بِأَن يلبغا نَائِب حلب خرج قادما لدمشق فسافر أرغون إِلَى جِهَة مصر ثمَّ لحلب ثمَّ لم يحضر دَار عدل بِدِمَشْق بعد ذَلِك إِلَى أَن مَاتَ وَأغْرب من ذَلِك مَا حَكَاهُ القَاضِي صَلَاح الدّين الصَّفَدِي فِي كتاب أَعْيَان الْعَصْر أَنه قَالَ عَنهُ مَا يفلح وَيَمُوت وَأَنا أعرف وَقت هَذَا القَوْل وَسَببه كَانَ سَببه أَنه لما مرض الشَّيْخ وَصَارَ يَقُول فِي خاطري ثَلَاث عود وَلَدي أَحْمد من الْحجاز قبل موتِي وَولَايَة عبد الْوَهَّاب الْقَضَاء ووفاتي بِمصْر بعد ذَلِك وَأخذ يتَكَلَّم لي فِي الْقَضَاء قيل لَهُ إِن أرغون الكاملي قد اسْتَقر بِمصْر أَمِيرا كَبِيرا وَلَا بُد أَن يشاور على قَضَاء الشَّام وَإِن استشير فَهُوَ لَا يُشِير بابنك لبغضه فِيك فَقَالَ أَو لَا يصل الْخَبَر إِلَّا وأرغون لَيْسَ فِي مصر وَلَا يفلح وَيَمُوت فَكَانَ كَذَلِك وَكَانَت أُمُوره فِي حَال مَرضه فِي غَايَة الْعجب وقاسى الشدائد وَلم يسمعهُ أحد يَقُول آه وَلَا يطْلب الْعَافِيَة بل غَايَة مَا يطْلب ولايتي ورؤية الْأَخ والوصول إِلَى مصر قبل الْوَفَاة وقضيت لَهُ الْحَاجَات الثَّلَاث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 218 وَلم أره قطّ برح بألم يَعْتَرِضهُ وَلَا بأذى يحصل لَهُ بل يصبر عِنْد الحادثات ويحتسب رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ كثير التَّعْظِيم للصوفية والمحبة لَهُم وَيَقُول طَرِيق الصُّوفِي إِذا صحت هِيَ طَريقَة الرشاد الَّتِي كَانَ السّلف عَلَيْهَا وَيَقُول مَعَ ذَلِك هُوَ مَسْلَك وعر جدا وينشد (تنَازع النَّاس فِي الصُّوفِي وَاخْتلفُوا ... قدما وظنوه مشتقا من الصُّوف) (وَلست أنحل هَذَا الِاسْم غير فَتى ... صافى فصوفي حَتَّى لقب الصُّوفِي) وَكَانَت تعجبه الْفَائِدَة مِمَّن كَانَ وَلَا يستنكف أَن يسْمعهَا من صَغِير بل يستحسنها مِنْهُ وَكَانَ كثير الْحيَاء جدا لَا يحب أَن يخجل أحدا وَإِذا ذكر الطَّالِب بَين يَدَيْهِ الْيَسِير من الْفَائِدَة استعظمها وأوهمه أَنه لم يكن يعرفهَا لقد قَالَ لَهُ مرّة بعض الطّلبَة بحضوري حكى ابْن الرّفْعَة عَن مجلي وَجْهَيْن فِي الطَّلَاق فِي قَول الْقَائِل بعد يَمِينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى هَل هُوَ رَافع للْيَمِين فَكَأَنَّهَا لم تُوجد أَو نقُول إِنَّهَا انْعَقَدت على شَرط فَقلت أَنا هَذَا فِي الرَّافِعِيّ أَي حَاجَة إِلَى نَقله عَن ابْن الرّفْعَة عَن مجلي فَقَالَ لي الشَّيْخ الإِمَام اسْكُتْ من أَيْن لَك هَات النَّقْل وانزعج فَقُمْت وأحضرت الْجُزْء من الرَّافِعِيّ وَكَانَ ذَلِك الطَّالِب قد قَامَ فوَاللَّه حِين أَقبلت بِهِ قبل أَن أَتكَلّم قَالَ الَّذِي ذكرته فِي أَوَائِل كتاب الْأَيْمَان من الرَّافِعِيّ وَأَنا أعرف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 219 هَذَا وَلَكِن فَقِيه مِسْكين طَالب علم يُرِيد أَن يظْهر لي أَنه استحضر مَسْأَلَة غَرِيبَة تُرِيدُ أَنْت أَن تخجله هَذَا مَا هُوَ مليح وَكَانَ يتَّفق لَهُ مثل هَذَا كثيرا ينْقل عِنْده طَالب شَيْئا على سَبِيل الاستغراب فَلَا يبكته بل يستحسنه وَهُوَ يستحضره من أَمَاكِن كَثِيرَة بِحَيْثُ يخرج الطَّالِب وَهُوَ يتعجب مِنْهُ لِأَنَّهُ يَظُنّهُ أَنه لم يكن مستحضرا لَهُ وَمَا يدْرِي الْمِسْكِين أَنه كَانَ أعرف النَّاس بِهِ وَلكنه أَرَادَ جبره وَكَانَ كثير الْأَدَب مَعَ الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين مِنْهُم والمتأخرين وَأما محبته للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعظيمه لَهُ وَكَونه أبدا بَين عَيْنَيْهِ فَأمر عُجاب فَهَذِهِ نبذة مِمَّا شاهدته من حَاله وعرفته من مَكَارِم أخلاقه وَأَنا أعرف أَن الناظرين فِي هَذِه التَّرْجَمَة على قسمَيْنِ قسم عرف الشَّيْخ كمعرفتي وخالطه كمخالطتي فَهُوَ يحسبني قصرت فِي حَقه وَقسم مُقَابِله فَهُوَ يحسبني بالغت فِيهِ وَالله الْمُسْتَعَان ذكر سلسلة الْحفاظ وَقد كَانَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ يوردها وكتبها بِخَطِّهِ وقرأتها عَلَيْهِ وَأَنا أرى إيرادها هُنَا من قبلي فَأَقُول لم تَرَ عَيْنَايَ احفظ من أبي الْحجَّاج الْمزي وَأبي عبد الله الذَّهَبِيّ وَالْوَالِد رَحِمهم الله وغالب ظَنِّي أَن الْمزي يفوقهما فِي أَسمَاء رجال الْكتب السِّتَّة والذهبي يفوقهما فِي أَسمَاء رجال من بعد السِّتَّة والتواريخ والوفيات وَالْوَالِد يفوقهما فِي الْعِلَل والمتون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 220 وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل مَعَ مُشَاركَة كل مِنْهُم لصاحبيه فِيمَا يتَمَيَّز بِهِ عَلَيْهِ الْمُشَاركَة الْبَالِغَة وَسمعت شَيخنَا الذَّهَبِيّ يَقُول مَا رَأَيْت أحدا فِي هَذَا الشَّأْن أحفظ من الإِمَام أبي الْحجَّاج الْمزي وَبَلغنِي عَنهُ أَنه قَالَ مَا رَأَيْت أحفظ من أَرْبَعَة ابْن دَقِيق الْعِيد والدمياطي وَابْن تَيْمِية والمزي فَالْأول أعرفهم بالعلل وَفقه الحَدِيث وَالثَّانِي بالأنساب وَالثَّالِث بالمتون وَالرَّابِع بأسماء الرِّجَال قَالَ وسمعته يَقُول فِي شَيخنَا أبي مُحَمَّد الدمياطي إِنَّه مَا رأى أحفظ مِنْهُ وَكَانَ الدمياطي يَقُول إِنَّه مَا رأى شَيخا أحفظ من زكي الدّين عبد الْعَظِيم وَمَا رأى الزكي أحفظ من أبي الْحسن عَليّ بن الْمفضل وَلَا رأى ابْن الْمفضل أحفظ من الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ وَلَا رأى عبد الْغَنِيّ أحفظ من أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ إِلَّا أَن يكون الْحَافِظ أَبَا الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر فقد رَآهُ وَلم يسمع مِنْهُ هَذَا كَلَام الذَّهَبِيّ قلت لَا ريب أَن ابْن عَسَاكِر أحفظ من ابْن الْمَدِينِيّ والذهبي يعرف هَذَا وَلَكِن عذره عدم سَماع عبد الْغَنِيّ مِنْهُ كَمَا ذكر فَكَأَنَّهُ يسلسل للرؤية مَعَ السماع لَا لمُجَرّد الرُّؤْيَة ثمَّ قَالَ شَيخنَا وَسمعت مِنْهُ وَلَا رأى ابْن عَسَاكِر والمديني أحفظ من أبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ وَلَا رأى إِسْمَاعِيل أحفظ من أبي الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي وَلَا رأى ابْن طَاهِر أحفظ من نصر ابْن مَاكُولَا وَلَا رأى ابْن مَاكُولَا أحفظ من أبي بكر الْخَطِيب وَلَا رأى الْخَطِيب أحفظ من أبي نعيم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 221 وَأَبُو نعيم مَا رأى أحفظ من الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي عبد الله بن مَنْدَه ومعهما الْحَاكِم وَكَانَ ابْن مَنْدَه يَقُول مَا رَأَيْت أحفظ من أبي إِسْحَاق بن حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ وَقَالَ ابْن حَمْزَة مَا رَأَيْت أحفظ من أبي جَعْفَر أَحْمد بن يحيى بن زُهَيْر التسترِي وَقَالَ مَا رَأَيْت أحفظ من أبي زرْعَة الرَّازِيّ وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَمَا رأى مثل نَفسه وَأما الْحَاكِم فَمَا رأى مثل الدَّارَقُطْنِيّ بل وَكَانَ يَقُول الْحَاكِم مَا رَأَيْت أحفظ من أبي عَليّ النَّيْسَابُورِي وَمن أبي بكر ابْن الجعابي وَمَا رأى الثَّلَاثَة أحفظ من أبي الْعَبَّاس ابْن عقدَة وَلَا رأى أَبُو عَليّ النَّيْسَابُورِي مثل النَّسَائِيّ وَلَا رأى النَّسَائِيّ مثل إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَلَا رأى أَبُو زرْعَة أحفظ من أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَلَا رأى أَبُو عَليّ النَّيْسَابُورِي مثل ابْن خُزَيْمَة وَلَا رأى ابْن خُزَيْمَة مثل أبي عبد الله البُخَارِيّ وَلَا رأى البُخَارِيّ فِيمَا ذكر مثل عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَلَا رأى أَيْضا أَبُو زرْعَة وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو دَاوُد مثل أَحْمد بن حَنْبَل وَلَا مثل يحيى بن معِين وَابْن رَاهَوَيْه وَلَا رأى أَحْمد ورفاقه مثل يحيى بن سعيد الْقطَّان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 222 وَلَا رأى هُوَ مثل سُفْيَان وَمَالك وَشعْبَة وَلَا رَأَوْا مثل أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ نعم وَلَا رأى مَالك مثل الزُّهْرِيّ وَلَا رأى الزُّهْرِيّ مثل ابْن الْمسيب وَلَا رأى ابْن الْمسيب أحفظ من أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَلَا رأى أَيُّوب مثل ابْن سِيرِين وَلَا رأى مثل أبي هُرَيْرَة نعم وَلَا رأى الثَّوْريّ مثل مَنْصُور وَلَا رأى مَنْصُور مثل إِبْرَاهِيم وَلَا رأى إِبْرَاهِيم مثل عَلْقَمَة وَلَا رأى عَلْقَمَة كَابْن مَسْعُود فِيمَا زعم قلت هَذِه السلسلة الَّتِي كَانَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ يذكرهَا وَلَوْلَا كراهتي للْكَلَام فِي التَّفْضِيل لَا سِيمَا فِيمَن لم نلقهم لَكُنْت أَتكَلّم عَلَيْهَا وَأَقُول على نمطها مَا رَأَتْ عَيْنَايَ أعلم بالتفسير من الشَّيْخ الْوَالِد وَلَا رأى هُوَ فِيمَا ذكر عَنهُ كشيخه الْعِرَاقِيّ ونقطع الْكَلَام من هُنَا وَلَو شِئْنَا لوصلناه إِلَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَلَكِن الْكَلَام فِي التَّفْضِيل صَعب وَأَقُول مَا رَأَتْ عَيْنَايَ أعرف بالقراءات مِنْهُ لِأَنِّي وَإِن أدْركْت الشَّيْخ ابْن بصخان فَلم آخذ عَنهُ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 223 وَكَانَ الشَّيْخ الْوَالِد يَقُول مَا رَأَيْت فِيهَا كَابْن الصَّائِغ وَأَقُول مَا رَأَتْ عَيْنَايَ أفقه من الشَّيْخ الْوَالِد وَلَا رأى هُوَ أفقه من ابْن الرّفْعَة وَلَا رأى ابْن الرّفْعَة فِيمَا ذكر أفقه من الظهير التزمنتي وَأَقُول مَا رَأَيْت بعد أبي حَيَّان أنحى مِنْهُ وَكَانَ يفوقه فِي حسن التَّصَرُّف فِيهِ وتصانيفهما تنبيك عَن ذَلِك وَكَانَ هُوَ يَقُول لم نلق فِي صناعَة اللِّسَان كَأبي حَيَّان وَلَا رَأَتْ عَيْنَايَ فِي المعقولات بأسرها وَفِي علم الْكَلَام على طَرِيق الْمُتَكَلِّمين مثله وَكَانَ يَقُول إِنَّه لم يلق فها كالباجي وَلم يلق الْبَاجِيّ كالشيخ الخسروشاهي وَلم يلق الخسروشاهي كَالْإِمَامِ فَخر الدّين الرَّازِيّ ولنتبرك عِنْد ختم هَذِه السلَاسِل بِذكر حَدِيث مسلسل بالفقهاء فَنَقُول أخبرنَا إِمَام الْفُقَهَاء والمحدثين الْوَالِد رَحمَه الله بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْمُؤمن بن خلف فِي كِتَابه ح وَحدثنَا الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو سعيد بن خَلِيل بن كيكلدي من لَفظه بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أخبرنَا مُحَمَّد بن يُوسُف بن المهتار الْفَقِيه بِقِرَاءَتِي قَالَا أخبرنَا الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو عَمْرو الجزء: 10 ¦ الصفحة: 224 عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن الصّلاح قَالَ أَبُو مُحَمَّد كِتَابَة وَقَالَ ابْن المهتار سَمَاعا قَالَ أخبرنَا الْفَقِيه ابْن الْفَقِيه ابْن الْفَقِيه أَبُو بكر الْقَاسِم بن عبد الله ابْن عمر النَّيْسَابُورِي بهَا قِرَاءَة مني عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو البركات عبد الله بن مُحَمَّد بن الْفضل الْفَقِيه ابْن الْفَقِيه ابْن الْفَقِيه حَدثنَا جدي أَبُو عبد الرَّحْمَن الشحامي وَأَبُو عَليّ الجاجرمي الفقيهان فِي فنهما قَالَا حَدثنَا الإِمَام أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه حَدثنَا أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن أَحْمد السكرِي الْفَقِيه وَالْقَاضِي أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد الختني الْفَقِيه وَالْإِمَام أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الزيَادي الْفَقِيه قَالُوا حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْقرشِي الْفَقِيه حَدثنَا القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن عمر بن سُرَيج الْفَقِيه قَالَ حَدثنَا أَبُو دَاوُد السجسْتانِي الْفَقِيه الْحَافِظ حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي الْفَقِيه حَدثنَا زيد بن الْحباب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 225 البارع فِي الْفِقْه والْحَدِيث عَن مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي أفقه أقرانه عَن عَمْرو بن دِينَار فَقِيه آل الزبير عَن عِكْرِمَة فَقِيه مَكَّة عَن ابْن عَبَّاس الَّذِي دَعَا لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ (اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل) قَالَ قتل رجل من بني عدي فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِيَته اثنى عشر ألفا ذكر شَيْء مِمَّا انتحله مذهبا وارتضاه رَأيا لنَفسِهِ وَذَلِكَ على قسمَيْنِ أَحدهمَا مَا هُوَ معترف بِأَنَّهُ خَارج عَن مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَإِن كَانَ رُبمَا وَافق قولا ضَعِيفا فِي مذْهبه أَو وَجها شاذا فَمِنْهُ اخْتِيَاره أَن الغسالة طَاهِرَة مُطلقًا طهر الْمحل أَو لم يطهر وَفِي مَذْهَبنَا ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد أَنه إِن انْفَصل وَقد طهر الْمحل فَهُوَ طَاهِر وَإِن انْفَصل وَلم يطهر الْمحل فَهُوَ نجس وَالثَّانِي نجس بِكُل حَال وَالثَّالِث وَهُوَ الْقَدِيم طَاهِر طهُور بِكُل حَال وَمن نظر شرح الْمِنْهَاج يحْسب أَن الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يخْتَار الْقَدِيم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ يَقُول الغسالة طَاهِرَة وَهنا يُوَافق الْقَدِيم وَلَكِن غير طهُور وَهَذَا يُفَارق الْقَدِيم صرح بذلك فِي كتاب الرقم الإبريزي فِي شرح مُخْتَصر التبريزي قَالَ وَلم أر من قَالَ بِهِ فِي الْمَذْهَب وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ وَلَيْسَ من الْقَدِيم وَلَا الْجَدِيد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 226 قلت أَحْسبهُ وَجها شاذا وَأَنه إِن شهد طَبِيب وَاحِد أَن المشمس يُورث البرص كره اسْتِعْمَاله أَو حرم وَأَن الشّعْر يطهر بالدباغ وَصَححهُ ابْن أبي عصرون وَهَاتَانِ المسألتان أَجْدَر أَن تعدا من ترجيحات الْمَذْهَب لَا من اختياراته لنَفسِهِ وَأَن مَا لَا دم لَهُ سَائل إِن كَانَ مِمَّا يعم كالذباب فَلَا ينجس الْمَائِع وَإِلَّا فينجس كالعقارب وَهُوَ رأى صَاحب التَّقْرِيب وَأَنه إِذا تخَلّل النَّبِيذ الْمُتَّخذ من التَّمْر وَالزَّبِيب بعد أَن كَانَ خمرًا بِنَفسِهِ يطهر قَالَ وَلم أجد من صرح بِهِ قَالَ وَالْمَنْقُول عَن أَصْحَابنَا أَنه لَا يطهر نَقله القَاضِي أَبُو الطّيب وَغَيره وَأَن شَارِب الْخمر ينجس بَاطِنه ثمَّ لَا يُمكن تَطْهِيره أبدا وَأَن من كَانَ فِي الْمَسْجِد فَأَدْرَكته فَرِيضَة لم يحل لَهُ الْخُرُوج بِغَيْر ضَرُورَة حاقة حَتَّى يُؤَدِّيهَا فِيهِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 227 وَأَن من أدْرك الإِمَام وَهُوَ رَاكِع لَا يكون مدْركا للركعة وَهُوَ رأى ابْن خُزَيْمَة والصبغي وَأَن الْمُرُور إِلَى الْمَسْجِد مثلا من بَاب فتح فِي الْجِدَار حَيْثُ لَا يجوز فَتحه لَا يحل وَأَنه يَصح اقْتِدَاء الْمُخَالف بمخالفه كشافعي بحنفي مَا لم يعلم أَنه ترك وَاجِبا إِمَّا فِي اعْتِقَاد الإِمَام أَو اعْتِقَاد الْمَأْمُوم فَيبْطل مثلا فِيمَا إِذا اقْتدى بحنفي افتصد أَو مس ذكره وَيجوز أَن يكون هَذَا هُوَ قَول الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا أَن الْأُسْتَاذ أطلق منع الِاقْتِدَاء إطلاقا فَإِن كَانَ هَذَا هُوَ قَول الْأُسْتَاذ لم تكن مقَالَة الشَّيْخ الإِمَام خَارِجَة عَن الْمَذْهَب من كل وَجه بل وَنَفَقَة لوجه فِيهِ وَأَن الأقرأ لَا يقدم على الأسن الأورع إِذا كَانَ حَافِظًا لبَعض الْقُرْآن مُسَاوِيا للأقرإ فِي الْفِقْه وَأَن السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة تجب الْمُبَادرَة إِلَيْهِ حَتَّى لَو كَانَت دَاره قريب من الْمَسْجِد وَهُوَ يعلم أَنه إِذا سعى فِي أثْنَاء الْخطْبَة أَو فِي الرَّكْعَة الأولى أدْرك لَا يجوز لَهُ التَّأَخُّر بل حتم وَاجِب عَلَيْهِ الْمُبَادرَة بالسعي أول النداء وَهَذَا لم يفصح بِهِ أَصْحَابنَا وَلَا تأباه أصولهم وَإِنَّمَا الشَّيْخ الإِمَام استخرجه استنباطا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 228 وَأَن الْمُسَافِر إِذا نوى إِقَامَة أَرْبَعَة أَيَّام غير يومي الدُّخُول وَالْخُرُوج لَا يتَعَلَّق ترخصه بِهَذِهِ النِّيَّة بل بِعَدَد الصَّلَوَات كَمَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فَيتَعَلَّق بِإِحْدَى وَعشْرين صَلَاة مَكْتُوبَة وَإِذا نوى إِقَامَة أَكثر من ذَلِك أَثم وَأَن تَارِك الصَّلَاة يقتل فِي آخر الْوَقْت وَلَا يشْتَرط إِخْرَاجه إِيَّاهَا عَن الْوَقْت وَهَذَا رَأْي ابْن سُرَيج كَمَا حَكَاهُ عَنهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي النكت وَأَنه لَا تضرب عُنُقه وَلَا ينخس بحديدة وَإِنَّمَا يضْرب بِالْعِصِيِّ إِلَى أَن يُصَلِّي أَو يَمُوت وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج فِي كَيْفيَّة قَتله وَأَن الْوَارِث يُصَلِّي عَن الْمَيِّت كَمَا يَصُوم على الْقَدِيم الْمُخْتَار وَهُوَ رأى ابْن أبي عصرون وَأَن الِانْتِظَار فِي الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة للحاق آخَرين إِذا كَانَ فِي مَسْجِد جرت الْعَادة بإتيان النَّاس إِلَيْهِ فوجا فوجا لَا يكره مَا لم يُبَالغ فيشوش على الْحَاضِرين وَأَن الْكَلَام الْكثير فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ نِسْيَانا لَا يضر وَلَا يُبْطِلهَا كَمَا قَالَ رَأْي الْمُتَوَلِي وَأَنه يُزَاد رُكُوع لتمادي الْكُسُوف كَمَا هُوَ رَأْي ابْن خُزَيْمَة وَأَنه لَو قيل بِوُجُوب إِخْرَاج زَكَاة الْفطر قبل الصَّلَاة صَلَاة الْعِيد لم يبعد وَأَنه يجوز صرف زَكَاة الْفطر إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَهُوَ رَأْي الْإِصْطَخْرِي وَعَن صَاحب التَّنْبِيه أَنه يجوز إِلَى النَّفس الْوَاحِدَة وَتوقف فِيهِ الْوَالِد رَحمَه الله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 229 وَأَن قَول ابْن بنت الشَّافِعِي وَابْن خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر أَن الْمبيت بِمُزْدَلِفَة ركن لَا يَصح الْحَج إِلَّا بِهِ قوي وَأَنه لَا يجوز الرَّمْي فِي أَيَّام التَّشْرِيق إِلَّا بعد زَوَال وَهُوَ قَول الْغَزالِيّ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَأما رمي يَوْم النَّحْر قبل الزَّوَال وَبعده فَإِنَّهُ جَائِز خلافًا للغزالي وَأَنه لَا يجوز تجَاوز الشِّبَع فِي الْأكل والري فِي الشّرْب وَإِن لم يضر إِذا لم يكن فِيهِ نفع مُعْتَبر وَأَنه لَا يجوز للجندي ذبح فرسه الصَّالِحَة للْجِهَاد إِلَّا بِإِذن الإِمَام وَتردد فِي جَوَاز ذبح الْفرس الصَّالِحَة للكر والفر مُطلقًا أذن الإِمَام أم لم يَأْذَن كَانَت لجندي أم لم تكن وَمَال إِلَى الْمَنْع وَأَن التَّفْرِيق بَين الْمَحَارِم كالتفريق بَين وَالِدَة وَوَلدهَا وَهُوَ قَول فِي الْمَذْهَب قَالَ وَالظَّاهِر اخْتِصَاص ذَلِك بِمن كَانَ ذَا رحم محرم ليخرج بَنو الْعم وَأَنه يجوز الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ فِي مُدَّة الْمسير لرده وَإِذا اطلع على عَيبه بِشَرْط وُقُوع الِانْتِفَاع فِي الْمدَّة الَّتِي يغْتَفر التَّأْخِير فِيهَا من السّير وَأَنه إِذا قَالَ اشترته بِمِائَة ثمَّ قَالَ بل بِمِائَة وَعشرَة وَكذبه المُشْتَرِي وَلم يبين لغلطه وَجها مُحْتملا وَلَكِن أَقَامَ بَيِّنَة بذلك فَإِنَّهَا تقبل وَإِن كَانَ بِإِقْرَارِهِ السَّابِق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 230 مُكَذبا لَهَا وَهُوَ رَأْي ابْن الْمُغلس من الظَّاهِرِيَّة وَلَكِن ابْن الْمُغلس علل رَأْيه بِجَوَاز كَونه غافلا أَو نَاسِيا وَالْوَالِد يخْتَار قبُول الْبَيِّنَة وَإِن قَالَ كنت قد تَعَمّدت فمذهبه أَعم وَأَشد من مَذْهَب ابْن الْمُغلس وَأَنه يجوز بيع نصف معِين من ثوب نَفِيس وإناء وَسيف وَنَحْوه مِمَّا تنقص قِيمَته بِقِطْعَة وَهُوَ قَول صَاحب التَّقْرِيب وَالْقَاضِي أبي الطّيب وَالْمَاوَرْدِيّ وَابْن الصّباغ لَكِن نَص الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور على خِلَافه وَأَن إِثْبَات الرِّبَا فِي السِّتَّة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْبر وَالشعِير وَالتَّمْر وَالْملح تعبد وَيَقُول مَعَ ذَلِك يثبت الرِّبَا فِي كل مطعوم لَكِن لَا بِالْقِيَاسِ بل لعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الطَّعَام بِالطَّعَامِ) وَسَبقه إِلَى هَذَا الْمَذْهَب إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَأَن بيع النَّقْد الثَّابِت فِي الذِّمَّة بِنَقْد ثَابت فِي الذِّمَّة لَا يظْهر دَلِيل مَنعه وجنح إِلَى جَوَازه كَمَا هُوَ مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة وَأما الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب فمتفقون على الْمَنْع وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث (نهى عَن بيع الكاليء بالكاليء) وَنقل أَحْمد بن حَنْبَل الْإِجْمَاع على أَن لَا يُبَاع دين بدين قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَجَوَابه أَن ذَلِك فِيمَا يصير دينا كَمَا لَو تصارفا على موصوفين وَلم يتقابضا أما دينان ثابتان يقْصد طرحهما فَلَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 231 وَأَن من أتلف على شخص حجَّة وَثِيقَة تَتَضَمَّن دينا لَهُ على إِنْسَان وَلزِمَ من إتلافها ضيَاع ذَلِك الدّين لزمَه الدّين وَأَن الْقَرَاض على الدَّرَاهِم المغشوشة جَائِز وَأَن المخابرة والمزارعة جائزتان وَأَن الْمُسَاقَاة غير لَازِمَة وَأَن التَّوْقِيت غير شَرط فِيهَا وَأَن الْمُسَاقَاة على جَمِيع الْأَشْجَار المثمرة المحتاجة إِلَى عمر جَائِزَة وَلَا يجوز على مَا لَا يحْتَاج مِنْهَا إِلَى عمل فتوسط بَين الْجَدِيد الَّذِي خصها بالعنب وَالنَّخْل وَالْقَدِيم الَّذِي جوزها على كل الْأَشْجَار وَأَن الْوَقْف على سَبِيل الْبر مصرفه ذَوُو الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل والسائلون والرقاب وَأهل ود أبي الْوَاقِف وَأمه قَالَ وَلم أر أحدا قَالَه قَالَ وَلَا يبعد أَن يُضَاف إِلَيْهِم الْأَسير وَفِي آخر كَلَامه فِي شرح الْمِنْهَاج مَا يُشِير إِلَى تَنْزِيل كَلَام الْأَصْحَاب عَلَيْهِ بعد أَن صرح بخلافهم وَخلاف غَيرهم فِيهِ وَأَن الْوَفَاء بالوعد وَاجِب وَأَنه يَكْفِي إِشْهَاد الْوَصِيّ على كِتَابَة نَفسه مُبْهما من غير أَن يطلع الشَّاهِدَانِ على تَفْصِيل مَا كتبه فَإِذا شَهدا عَلَيْهِ أَن هَذَا خطي أَو أَن هَذِه وصيتي وَلم يعلمَا مَا فِيهَا كفى وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 232 وَأَنه إِذا أوصى للْعُلَمَاء دخل فيهم الْقُرَّاء قَالَ وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَب الشافي وَإِن حاول ابْن الرّفْعَة جعله مذْهبه وَأَن من فَقَأَ الْعَينَيْنِ أَو قطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ لَا يسْتَحق السَّلب بل إِنَّمَا يسْتَحق بِالْقَتْلِ وَفَاء بقول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من قتل قَتِيلا) وَأَن من مَاتَ وَعَلِيهِ دين وَكَانَ قد اسْتحق فِي بَيت المَال بِصفة من الصِّفَات مِقْدَاره وَجب على الإِمَام أَدَاؤُهُ عَنهُ وَإِن كَانَ الْمَيِّت الْمَدْيُون غَنِيا وَأَن الْغلُول لَا يمْنَع شَهَادَة من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا بل يكون مَعْصِيّة يُؤَاخذ بهَا مَعَ كَونه شَهِيدا وَأَن القَاضِي الْحَنَفِيّ إِذا قضى بِصِحَّة النِّكَاح بِلَا ولي ينْقض قَضَاؤُهُ وَهُوَ رَأْي الْإِصْطَخْرِي قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَنا أستحيي من الله أَن يرفع لي نِكَاح صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بَاطِل فأستمر بِهِ على الصِّحَّة لرأي حَاكم من النَّاس وَأَن عِلّة الْإِجْبَار فِي النِّكَاح الْبكارَة مَعَ الصغر جَمِيعًا وَهُوَ خلاف مَذْهَب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة جَمِيعًا وَأَن الإِمَام الْفَاسِق لَا يُزَوّج الْأَيَامَى وَلَا يقْضِي وَلَكِن يولي من يفعل ذَلِك وَهُوَ رَأْي القَاضِي الْحُسَيْن وَأَنه لَو قَالَ لجاريته الَّتِي لَا يَأْمَن وفاءها بِالنِّكَاحِ إِذا أعْتقهَا وَلم ترد الْعتْق إِن لم تنكحه وَإِن كَانَ فِي علم الله أَنِّي أنكحك أَو تنكحيني بعد عتقك فَأَنت حرَّة فرغبت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 233 وَجرى النِّكَاح بَينهمَا عتقت وَحصل الْغَرَض وَإِلَّا اسْتمرّ الرّقّ وَهُوَ رَأْي ابْن خيران وَقَالَهُ أَيْضا صَاحب التَّقْرِيب وَعبارَته أَن الطَّرِيق أَن يَقُول إِن يسر الله بَيْننَا نِكَاحا فَأَنت حرَّة قبله بِيَوْم وَمَا إِلَيْهِ الْغَزالِيّ وَأما الْأَصْحَاب سواهُم فمطبقون على أَنه لَا يَصح النِّكَاح وَلَا يحصل الْعتْق وَأَن الْخلْع لَيْسَ شَيْء وَأَنه تجب الْمُتْعَة لكل مُطلقَة وَهُوَ مَذْهَب عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه والجديد وُجُوبهَا إِلَّا لمن لم تُوطأ وَالْقَدِيم عدم وُجُوبهَا إِلَّا لمن لَا مهر لَهَا وَلَا دُخُول فَخَالف الشَّيْخ الإِمَام الْقَدِيم والجديد مَعًا وَوَافَقَ عليا رَضِي الله عَنهُ وَأَن قَاتل من لَا وَارِث لَهُ للْإِمَام الْعَفو عَنهُ مجَّانا إِذا رأى ذَلِك مصلحَة وَالْأَصْحَاب جزموا بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِك بل إِمَّا أَن يعْفُو على الدِّيَة أَو يقْتَصّ وَأَنه لَا صَغِيرَة فِي الذُّنُوب بل الْكل كَبَائِر وَلَكِن بَعْضهَا أكبر من بعض وَهُوَ رَأْي الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وَنسبه الشَّيْخ الإِمَام إِلَى الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَن سَاب سيدنَا ومولانا مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ مَشْهُورا قبل صُدُور السب مِنْهُ بِفساد العقيدة وتوفرت الْقَرَائِن على أَنه سبّ قَاصِدا للتنقيص يقتل وَلَا تقبل لَهُ تَوْبَة وَكتب على فتيا وَردت عَلَيْهِ فِي ذَلِك (لَا يسلم الشّرف الرفيع من الْأَذَى ... حَتَّى يراق على جوانبه الدَّم) فَهَذِهِ نبذة من مقالاته لنَفسِهِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 234 الْقسم الثَّانِي مَا صَححهُ من حَيْثُ الْمَذْهَب وَإِن كَانَ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ رجحا خِلَافه أَو كَانَ النَّوَوِيّ وَحده رجح خِلَافه فَنحْن نذْكر فِي هَذَا الْقسم مَا كَانَ من هَذَا النمط وَلَا نذْكر شَيْئا وَافق فِيهِ النَّوَوِيّ وَإِن خَالف الرَّافِعِيّ لظُهُور ذَلِك وَلِأَن الْعَمَل على قَول النَّوَوِيّ فِيهِ لَا سِيمَا إِذا اعتضد بتصحيح الشَّيْخ الإِمَام وَأما مَا عَقدنَا لَهُ بِهَذَا الْفَصْل مِمَّا خَالف فِيهِ الشَّيْخَيْنِ جمعيا أَو النَّوَوِيّ وَحده فَلَا يخفى أَنه يَنْبَغِي تلقيه بكلتا الْيَدَيْنِ فَإِنِّي لَا أَشك فِي أَنه لَا يجوز لأحد من نقلة زَمَاننَا مُخَالفَته لِأَنَّهُ إِمَام مطلع على مآخذ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ ونصوص الشَّافِعِي وَكَلَام الْأَصْحَاب وَكَانَت لَهُ الْقُدْرَة التَّامَّة على التَّرْجِيح فَمن لم ينْتَه إِلَى رتبته وحسبه من الْفتيا النَّقْل المخض حق عَلَيْهِ أَن يتَقَيَّد بِمَا قَالَه وَأما من هُوَ من أهل النّظر وَالتَّرْجِيح فَذَاك محَال عَن نظره لَا على فتيا الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَالشَّيْخ الإِمَام فَمن ذل رجح أَنه إِن شهد طبيبان أَن المَاء المشمس يُورث البرص كره وَإِلَّا فَلَا وَتقدم اخْتِيَاره من حَيْثُ الدَّلِيل الِاكْتِفَاء بطبيب وَاحِد وَأَن الْمَنِيّ ينْقض الْوضُوء وفَاقا للْقَاضِي أبي الطّيب فِي أحد قَوْله وللرافعي فِي كِتَابه الْكَبِير الْمُسَمّى بالمحمود وَلابْن الرّفْعَة وَأَن فضلات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاهِرَة وَهُوَ رَأْي أبي جَعْفَر التِّرْمِذِيّ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 235 وَأَن موت الرَّاهِن قبل الْقَبْض مُبْطل للرَّهْن وَأَنه إِذا جنى الْمَرْهُون فَفَدَاهُ الْمُرْتَهن وَشرط كَونه مَرْهُونا بِالدّينِ والفاداء فَهُوَ على الْقَوْلَيْنِ فِي رهن الْمَرْهُون عِنْد الْمُرْتَهن بدين آخر حَتَّى يكون الْأَصَح الْمَنْع وَالْأَظْهَر فِي الرَّافِعِيّ وَهُوَ الْمَذْهَب فِي الرَّوْضَة الصِّحَّة وَأَن هَذَا يسْتَثْنى من مَحل الْقَوْلَيْنِ وَأَن الْمُرْتَهن يُخَاصم إِذا لم يُخَاصم الرَّاهِن وَأَنه إِذا رهن نصِيبه من بَيت معِين ثمَّ قسمت الدَّار فَوَقع الْبَيْت فِي نصيب شَرِيكه بَقِي مَرْهُونا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام صَاحب التَّهْذِيب خلافًا للْإِمَام والرافعي وَالنَّوَوِيّ حَيْثُ رجحوا أَن الرَّاهِن يغرم الْقيمَة لتَكون رهنا بدله وَضعف مقالتهم جدا وَقَالَ أوجه مِنْهَا وأرجح أَن يَجْعَل ذَلِك كالآفة السماوية وَهُوَ احْتِمَال للْإِمَام وأرجح من الْكل مَا اخترناه وَأَشَارَ إِلَيْهِ صَاحب الْمُهَذّب وَأَن بعض الْغُرَمَاء إِذا طلب الْحجر على الْمَدْيُون حجر وَإِن لم يقتض دينه الْحجر بِهِ لَو انْفَرد ذكره فِي شرح مُخْتَصر التبريزي وَلم يذكرهُ لَا فِي شرح الْمُهَذّب وَلَا فِي شرح الْمِنْهَاج وَهُوَ الْأَظْهر عِنْد الرَّافِعِيّ وَقَوي النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة خِلَافه وَأَن السَّرف وَهُوَ إِنْفَاق الرجل زَائِدا على مَا يَلِيق بِحَالهِ وَإِن لم يكن فِي مَعْصِيّة حرَام وَأَنه إِذا بلغ الصَّبِي وَادّعى على الْوَلِيّ بيع مَاله من غير ضَرُورَة وَلَا غِبْطَة يصدق الْوَلِيّ فِي غير الْعقار وَالصَّبِيّ فِي الْعقار الجزء: 10 ¦ الصفحة: 235 وَأَن المموه بِذَهَب أَو بِفِضَّة حرَام وَإِن لم يحصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ على النَّار قَالَ والتمويه بِمَا لَا يحصل مِنْهُ شَيْء بِالْعرضِ أصعب من التمويه بِمَا يحصل مِنْهُ وَأَن تحلية الْكَعْبَة وَسَائِر الْمَسَاجِد بِالذَّهَب وَالْفِضَّة حَلَال قَالَ وَالْمَنْع مِنْهُ فِي الْكَعْبَة شَاذ غَرِيب فِي الْمذَاهب كلهَا وَأَن الْمُحدث حَدثا أَصْغَر إِذا انغمس فِي المَاء نَاوِيا رفع الْجَنَابَة عَامِدًا وَلم يكن تَقْدِير تَرْتِيب فِيهِ لم يَصح وضوءه لِأَنَّهُ متلاعب والرافعي وَالنَّوَوِيّ صححا الصِّحَّة وَالْحَالة هَذِه وَأَن من تَيَقّن الطَّهَارَة وَالْحَدَث وَشك فِي السَّابِق مِنْهُمَا يلْزمه الْوضُوء بِكُل حَال وَهَذَا صَححهُ النَّوَوِيّ مرّة وَأَن الغسالة إِذا انفصلت وَقد زَاد وَزنهَا عِنْد الِانْفِصَال على مَا كَانَ فَلَيْسَتْ نَجِسَة بِمَثَابَة مَا تغير خلافًا للرافعي بل هُوَ كَمَا لَو لم يزدْ وَزنهَا وَأَن ماسح الْجَبِيرَة إِذا تيَمّم لفرض ثَان وَلم يحدث فَإِن كَانَ جنبا لم يعد الْغسْل وَإِن كَانَ مُحدثا أعَاد مَا بعد عليله خلافًا للنووي ووفاقا للرافعي وَأَن العَاصِي بِسَفَرِهِ لَا يتَيَمَّم لِأَن سفر الْمعْصِيَة لَا يتَعَلَّق بِهِ رخصَة فَعَلَيهِ أَن يعود وَلَا سِيمَا إِذا أمكنه الرُّجُوع وَالصَّلَاة بِالْمَاءِ قبل خُرُوج الْوَقْت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 236 وَأَن تَارِك الصَّلَاة إِنَّمَا يقتل إِذا ضَاقَ وَقت الثَّانِيَة كَمَا هُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَقد قدمنَا اخْتِيَاره من حَيْثُ الدَّلِيل فِي تَارِك الصَّلَاة وَأَن الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ لَا يخْتَص بِالْبَلَدِ الْحَار بل شدَّة الْحر كَافِيَة وَلَو فِي أبرد الْبِلَاد وَأَن الْحَائِض وَالْجنب لَا يجيبان الْمُؤَذّن إِذا سمعاه على خلاف مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَأَن وَقت الْأَذَان الأول للصبح قبل طُلُوع الْفجْر قَالَ وَهُوَ وَقت السحر وَرجحه القَاضِي الْحُسَيْن وَالْمُتوَلِّيّ وَالْبَغوِيّ وَصحح النَّوَوِيّ أَنه من نصف اللَّيْل والرافعي أَنه فِي الشتَاء من سبعه الْأَخير وَفِي الصَّيف من نصف سبعه وَأَن العَبْد الْفَقِيه فِي إِمَامَة الصَّلَاة أولى من غير الْفَقِيه وَإِن كَانَ حرا وَأَن تَأْخِير الْعشَاء مَا لم يخرج وَقت الِاخْتِيَار أفضل من تَقْدِيمهَا وَهُوَ الْجَدِيد وَأَنه لَا يجوز جمعتان فِي بلد وَإِن عظم وعسر اجْتِمَاع أَهله فِي جَامع وَاحِد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 237 وَأَن وَقت صَلَاة الْعِيد من ارْتِفَاع الشَّمْس كَمَا فِي التَّنْبِيه لَا من طُلُوعهَا وَأَن الْعبْرَة فِي الِاقْتِدَاء باعتقاد الإِمَام وَهُوَ رَأْي الْقفال فَلَو اقْتدى شَافِعِيّ بحنفي مس فرجه أَو افتصد صَحَّ فِي الْمس دون الفصد خلافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ حَيْثُ عكسا هَذَا اخْتِيَاره مذهبا وَتقدم اخْتِيَاره دَلِيلا وَأَن من سَهَا فِي صلَاته وَسلم قبل أَن يسْجد للسَّهْو سَاهِيا وَلم يطلّ الْفَصْل لَا يصير عَائِدًا إِلَى الصَّلَاة إِذا سجد دون مَا إِذا لم يسْجد كَمَا ذهب إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وكثيرون بل إِمَّا أَن لَا يصير عَائِدًا كَقَوْل صَاحب التَّهْذِيب وَإِمَّا أَن يسلم مرّة أُخْرَى وَلَا يعْتد بذلك السَّلَام كَمَا هُوَ وَجه فِي النِّهَايَة وَلم يرجح وَاحِدًا من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ بل تردد بَينهمَا وَأَن من أوتر بِأَكْثَرَ من رَكْعَة يَنْوِي قيام اللَّيْل إِلَّا فِي الَّذِي يَقع بِهِ الإيتار فِي الآخر فينوي بِهِ الْوتر وَالأَصَح عِنْد النَّوَوِيّ أَنه يَنْوِي لكل شفع رَكْعَتَيْنِ فِي الْوتر وَأَن التنحنح فِي الصَّلَاة لَا يُبْطِلهَا وَإِن بَان مِنْهُ حرفان وَهُوَ مَا عزاهُ ابْن أبي هُرَيْرَة إِلَى النَّص وَأَن من لَا يحسن الْفَاتِحَة يَأْتِي بِالذكر وَلَا يقوم الدُّعَاء مقَامه وَأَن الْجَمَاعَة فرض كِفَايَة على المقيمين والمسافرين خلافًا للرافعي حَيْثُ قَالَ سنة مُطلقًا وللنووي حَيْثُ قَالَ فرض كِفَايَة على غير الْمُسَافِرين وَفِي كَلَام الْوَالِد مَا يُؤْخَذ مِنْهُ ميله إِلَى أَنَّهَا فرض عين وَأَن من شرع فِي الصَّلَاة إِلَى الْقبْلَة بِالِاجْتِهَادِ وَتغَير اجْتِهَاده فِي الْقبْلَة فِي أثْنَاء الصَّلَاة يسْتَأْنف خلافًا لَهما حَيْثُ قَالَا ينحرف إِلَى الْجِهَة الثَّانِيَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 238 وَأَن وَقت الضُّحَى من ارْتِفَاع الشَّمْس لَا من طُلُوعهَا وفَاقا للرافعي وَخِلَافًا للنووي فِي اخْتِيَاره أَنه من طُلُوعهَا وَنَقله إِيَّاه أَيْضا عَن الْأَصْحَاب وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْعِيد نَظِيره وَأَن من أحرم بِأَكْثَرَ من رَكْعَة لَا يزِيد على تشهدين وَأَن الإِمَام إِذا أحس بداخل وَهُوَ رَاكِع لَا يسْتَحبّ لَهُ انْتِظَاره بل يكره وَأَن تَصْحِيح الْأَصْحَاب قَول أبي إِسْحَاق أَن الْمُقِيم غير المستوطن لَا تَنْعَقِد بِهِ الْجُمُعَة لم يَتَّضِح عَلَيْهِ دَلِيل وَمَال إِلَى قَول ابْن أبي هُرَيْرَة أَنَّهَا تَنْعَقِد بِهِ وَأَن الْوَجْه تَخْصِيص الْخلاف فِي أَن الْكَلَام وَقت الْخطْبَة هَل يحرم لمن عدا الْأَرْبَعين أما الْأَرْبَعُونَ فَيحرم عَلَيْهِم الْكَلَام وَيجب السماع جزما وَهَذِه طَرِيق الْغَزالِيّ واستبعدها الرَّافِعِيّ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَأَن مِقْدَار مَا يحل التطريز أَو التطريف بِهِ من الْحَرِير أَربع أَصَابِع وَهُوَ رَأْي النَّوَوِيّ فِي التطريز وَقَالَ فِي متن الرَّوْضَة يرجع فِي التطريف إِلَى الْعَادة وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر يرجع إِلَى الْعَادة فيهمَا جَمِيعًا قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله الصَّحِيح الضَّبْط بِأَرْبَع أَصَابِع فيهمَا جَمِيعًا وَأَن الْإِعْلَام بِمَوْت الْمَيِّت بِمُجَرَّد الصَّلَاة من غير ذكر شَيْء من المناقب حسن مُسْتَحبّ وَمَا عداهُ مَكْرُوه قَالَ وَقد يَنْتَهِي إِلَى التَّحْرِيم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 239 وَأَن من عجل الزَّكَاة إِذا ثَبت إِلَى آخر الْحول والمعجل تَالِف يجب ضَمَانه بِالْمثلِ مثلِيا كَانَ أَو مُتَقَوّما وَهُوَ وَجه وَجزم الرَّافِعِيّ أَن الْمُتَقَوم يضمن بِالْقيمَةِ وَأَنه إِذا بَاعَ فِي أثْنَاء الْحول نَقْدا بِنَقْد أَو سَائِمَة بسائمة بِقصد التِّجَارَة لم يَنْقَطِع الْحول وَتجب الزَّكَاة وَهِي طَريقَة الْإِصْطَخْرِي الَّتِي نسب أَبَا الْعَبَّاس ابْن سُرَيج فِي مخالفتها فِي النَّقْد إِلَى خرق الْإِجْمَاع والرافعي وَالنَّوَوِيّ تبعا طَرِيق ابْن سُرَيج فصححا انْقِطَاع الْحول وَأَنه إِذا اشْترى عرضا يُسَاوِي مائَة وَعجل زَكَاة مِائَتَيْنِ وَحَال الْحول وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ لَا يجْزِيه وَأَنه إِذا تعذر إِيجَاب زَكَاة الْعين فِيمَا إِذا اجْتمعت مَعَ التِّجَارَة لنُقْصَان الْمَاشِيَة الْمُشْتَرَاة للتِّجَارَة عَن قدر النّصاب ثمَّ بلغت بالنتاج فِي أثْنَاء الْحول نِصَابا وَلم تبلغ بِالْقيمَةِ نِصَابا فِي آخر الْحول فتنتقل إِلَى زَكَاة الْعين خلافًا للنووي حَيْثُ صحّح أَنه لَا زَكَاة وَلَا تَصْحِيح للرافعي فِي الْمَسْأَلَة وَأَنه يلْزم الابْن فطْرَة زَوْجَة أَبِيه الَّذِي تجب نَفَقَته وَهُوَ مَا صَححهُ الْغَزالِيّ وَأَن من أخْفى الزَّكَاة عَن الإِمَام الجائر وَلم يَدْفَعهَا إِلَى الْمُسْتَحقّين يُعَزّر وَلَا يكون جور الإِمَام عذرا فِي عدم تعزيره وَإِن دفها إِلَى الْأَصْنَاف فِي مَوضِع يَأْمَن الْفِتْنَة وَلم يطْلب الإِمَام وَلَا أَوجَبْنَا الدّفع إِلَيْهِ لم يُعَزّر من منعهَا بعد الطّلب حَيْثُ لَا فتْنَة وَإِن لم يكن عذر عزّر وَإِن كَانَ بِأَن ادّعى الْجَهْل بذلك وَكَانَ مُحْتملا فِي حَقه لم يُعَزّر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 240 فَإِن اتهمَ حلف وَإِن كَانَ لَا يخفى عَلَيْهِ ذَلِك لمخالطته الْعلمَاء لم يقبل وَيُعَزر وَالشَّافِعِيّ وَالْأَصْحَاب أطْلقُوا أَن الإِمَام إِذا كَانَ جائرا يَأْخُذ فَوق الْوَاجِب أَو يضع الصَّدَقَة فِي غير موضعهَا لم يُعَزّر من أخفاها عَنهُ أَن قبْلَة الصَّائِم إِن حصل بهَا مُجَرّد التَّلَذُّذ لم تحرم وَلَا تكره أَو ظن الْإِنْزَال حرمت أَو خَوفه كرهت وَأَن صَوْم يَوْم وَفطر يَوْم أفضل من صَوْم الدَّهْر وَإِن فرعنا على أَنه مُسْتَحبّ وَأَن صَوْم الدَّهْر مَكْرُوه مُطلقًا وَأَن لَيْلَة الْقدر تطلب فِي جَمِيع رَمَضَان وَلَا تخْتَص بالعشر الْأَخير بل كل الشَّهْر مُحْتَمل لَهَا وَهُوَ مَا قَالَه صَاحب التَّنْبِيه وَسَبقه الْمحَامِلِي فِي التَّجْرِيد وَأنْكرهُ الرَّافِعِيّ وَأَنه إِذا نذر اعْتِكَاف مُدَّة وَنوى بِقَلْبِه تتابعها لزمَه خلافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ حَيْثُ قَالَ الْأَصَح لَا يلْزمه إِلَّا إِذا تلفظ وَأَن الْمَغْصُوب إِذا كَانَ قَادِرًا على الِاسْتِئْجَار على الْحَج وَامْتنع من الِاسْتِئْجَار اسْتَأْجر عَنهُ الْحَاكِم وَكَذَلِكَ إِذا بذل الطَّاعَة فَلم يقبل المطاع يَنُوب عَنهُ الْحَاكِم وَأَن الرمل يخْتَص بِطواف الْقدوم وَأَن طواف الْوَدَاع نسك وَأَن على من سَافر من مَكَّة وَلَو سفرا قَصِيرا الْوَدَاع كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام إِلَّا أَن يكون لغير منزله على نِيَّة الْعود فَلَا وداع فَإِذا الْوَدَاع عِنْده مُخْتَصّ بسفر طَوِيل أَو قصير على نِيَّة الْإِقَامَة وَعند النَّوَوِيّ وَغَيره من الْأَصْحَاب مُطلق السّفر وَعند صَاحب التَّهْذِيب وَغير السّفر الطَّوِيل فالوالد متوسط الجزء: 10 ¦ الصفحة: 241 وَأَنه يسمن للرامي يَوْم النَّحْر قبل أَن ينزل أَن يسْتَقْبل الْجَمْرَة والكعبة وَالَّذِي جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَآخَرُونَ أَنه يسْتَقْبل الْجَمْرَة ويستدبر الْكَعْبَة وَأَنه يجوز فِي الْيَوْم الثَّانِي الرَّمْي قبل الزَّوَال وَفِي اللَّيْل سَوَاء قُلْنَا قَضَاء أم أَدَاء وَأَن مَا ورد من ذكر خَاص أَو دُعَاء خَاص فِي الطّواف أفضل من الْقِرَاءَة وَأما مَا ورد من دُعَاء أَو ذكر لَا يخْتَص بِالطّوافِ فالقراءة أفضل مِنْهُ خلافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ حَيْثُ فضلا مأثور الدُّعَاء على الْقِرَاءَة مُطلقًا وَأَن الزرافة يحل أكلهَا وَإِن ادّعى النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الِاتِّفَاق على التَّحْرِيم وَتوقف الْوَالِد نفي تَحْرِيم الببغاء والطاوس وَأَن التَّفْرِقَة بَين وَالِدَة وَوَلدهَا بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ حرَام وَأنكر دَعْوَى شَيْخه ابْن الرّفْعَة أَن الْمَذْهَب الْجَوَاز وَأَن الْخمر وَالْخِنْزِير حَيْثُ قيل بتقويمهما فِي تَفْرِيق الصَّفْقَة فَالْمُعْتَبر قيمتهمَا عِنْد أهلهما وَهُوَ احْتِمَال للْإِمَام صَححهُ الْغَزالِيّ وَلَا تقوم الْخمر خلا وَالْخِنْزِير بقرة خلافًا للنووي وَمن سبقه وَأَن قَول البَائِع شريت لَيْسَ صَرِيحًا كبعتك بل هُوَ كِنَايَة خلافًا للرافعي حَيْثُ تبع فِي ادِّعَاء صراحتها الْمُتَوَلِي وَأَن بيع الحديقة المساقى عَلَيْهَا فِي الْمدَّة جَائِز مُطلقًا وسنعيد ذَلِك عِنْد ذكر قسمتهَا وَأَنه لَا يجوز بيع الْكَافِر كتابا فِي علم شَرْعِي وَإِن خلا عَن الْآثَار تَعْظِيمًا للْعلم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 242 وَأَن بيع العَبْد الْجَانِي جِنَايَة تعلق بِرَقَبَتِهِ مَالا بعد اخْتِيَار الفدا وَقبل وُقُوع الفدا بَاطِل وَالْبَغوِيّ قَالَ إِنَّه يَصح وَنَقله الرَّافِعِيّ عَن إطلاه ساكتا عَلَيْهِ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَأَنه لَو اشْترى جَارِيَة بكرا مُزَوّجَة علم زواجها وَرَضي بِهِ ثمَّ وجد عَيْبا قَدِيما بَعْدَمَا أزيلت الْبكارَة لَا يرد وفَاقا للمتولي وَقَالَ يَنْبَغِي الْقطع بِهِ وَأَن البيع يَنْفَسِخ إِذا حصل اخْتِلَاط الثمرتين ثَمَرَة البَائِع وَثَمَرَة المُشْتَرِي فِيمَا ينذر الِاخْتِلَاط فِيهِ فِي البيع خلافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ قَالَ وَإِن قُلْنَا بِثُبُوت الْخِيَار كَمَا يَقُولَانِ فَهُوَ للْبَائِع لَا للْمُشْتَرِي خلافًا لَهما أَيْضا حَيْثُ صححا ثُبُوته وَقَالا أَنه للْمُشْتَرِي وَأَن خِيَار التصرية يَمْتَد إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَأَنه لَا يشْتَرط فِي بيع الْحَاضِر للبادي عُمُوم الْحَاجة بل يَكْفِي أَصْلهَا وَهُوَ وَجه فِي الْمطلب معزو إِلَى النَّص وَأَنه إِذا قَالَ بِعته بِمِائَة ثمَّ قَالَ بل بِمِائَة وَعشرَة فِي الْمُرَابَحَة وَبَين للغلط وَجها مُحْتملا لَا تسمع بَينته وَلَا يحلف هَذَا من حَيْثُ الْمَذْهَب وَأما من حَيْثُ الدَّلِيل فقد قدمنَا مذْهبه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَأَنه إِذا واطأ شخصا فَبَاعَ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِعشْرَة ثمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعشْرين وَخبر بالعشرين حرم ذَلِك وَأكْثر الْأَصْحَاب على أَنه مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 243 وَأَن خل الرطب لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالْمَاءِ فَلَا يُبَاع بعضه بِبَعْض وَبِه صرح الْمَاوَرْدِيّ وَأَنا إِذا قُلْنَا اللحمان جنس وَاحِد كَمَا هُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ فاللحم الْبري مَعَ الْبَحْر جِنْسَانِ قَالَ وَبِه قَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد الْمَاوَرْدِيّ والمحاملي وَقَالَ إِنَّه الْمَنْصُوص وَصَاحب الْمُهَذّب وَقَالَ إِنَّه الْمَذْهَب وَالرُّويَانِيّ وَمَا فِي متن الرَّوْضَة من تَصْحِيح أَنَّهُمَا جنس وَاحِد لَيْسَ فِي الرَّافِعِيّ وَأَنه إِذا بَاعَ نصف الثِّمَار على رُءُوس الشجب مشَاعا قبل بَدو الصّلاح لم يَصح وَهُوَ قَول ابْن الْحداد وَأَنه لَا يَصح السّلم فِي الشهد وَعَزاهُ إِلَى النَّص وَأَنه لَو أسلم إِلَى أول شهر أَو آخِره صَحَّ وَحمل على الْجُزْء الأول من كل نصف وَهُوَ قَول الإِمَام وَالْبَغوِيّ قَالَ وَدَعوى الرَّافِعِيّ أَن الْمَنْقُول عَن عَامَّة الْأَصْحَاب مُقَابلَة مَمْنُوعَة وَأَنه يجوز السّلم فِي الْأرز فِي قشره الْأَسْفَل والأحمر وَأَنه يَصح أَن يسْتَبْدل عَن الْمُسلم فِي نَوعه دون جنسه خلافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ حَيْثُ منعا الِاسْتِبْدَال مُطلقًا وَأَن أحد المتصارفين إِذا أقْرض من الآخر مَا قَبضه قبل التَّفَرُّق ورده عَلَيْهِ عَمَّا بَقِي لَهُ يَصح وَمن قَالَ قَالَ لَو قبض الْمُسلم إِلَيْهِ رَأس المَال ورده فِي الْمجْلس على الْمُسلم بدين كَانَ لَهُ عَلَيْهِ يكون أولى بِالصِّحَّةِ وَالْمَنْقُول فِي الشَّرْح وَالرَّوْضَة عَن أبي الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه لَا يَصح وسكتا عَلَيْهِ وَفِي الَّتِي قبلهَا أَن الْأَصَح الْمَنْع فَخَالف الشَّيْخ الإِمَام فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 244 وَأَن السَّفه يسلب الْولَايَة وَإِن لم يتَّصل بِهِ حجر القَاضِي وَهُوَ وَجه صَححهُ ابْن الرّفْعَة وَأَن مطل الْغَنِيّ كَبِيرَة وَإِن لم يتَكَرَّر خلافًا للنووي حَيْثُ اشْترط التكرر وَأَن الْحِوَالَة اسْتِيفَاء وَأَن معنى الِاسْتِيفَاء التَّحْوِيل وَأَن الْوَكِيل لَا يَنْعَزِل بالإغماء وَأَنه لَو قَالَ اقْضِ الْألف الَّتِي لي عَلَيْك فَقَالَ أَقْْضِي غَدا أَو أمهلني يَوْمًا أَو حَتَّى أقعد أَو أفتح الْكيس أَو أجد فَلَيْسَ بِإِقْرَار بِخِلَاف مَا لَو قَالَ نعم وَأَنه إِذا قَالَ عَليّ كَذَا وَكَذَا دِرْهَم لم يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَاحِد وَهُوَ رَأْي الْمُزنِيّ وَأَن الْأَب إِذا أقرّ بِعَين مَال لِابْنِهِ ثمَّ ادّعى عَنهُ عَن هبة مِنْهُ وَأَرَادَ الرُّجُوع فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَهُوَ رَأْي أبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ وَالْقَاضِي أبي الطّيب وَخَالَفَهُمَا القَاضِي الْحُسَيْن وَالْمَاوَرْدِيّ قَالَ الرَّافِعِيّ وَيُمكن أَن يتوسط بَين أَن يقر بانتقال الْملك مِنْهُ فَيرجع وَإِلَّا فَلَا وَأَنه لَو ضرب ليصدق فَأقر مَضْرُوبا لم يكن إِقْرَارا مُطلقًا إِلَّا أَن يكون الْمُكْره عَالما بِالصّدقِ وَالنَّوَوِيّ اخْتَار كَونه إِقْرَارا مُطلقًا بعد أَن استشكله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 246 قَالَ لِأَنَّهُ مكره على الصدْق وَلَا ينْحَصر الصدْق فِي الْإِقْرَار وَأَنه إِذا أعَاد الْإِقْرَار بعد الضَّرْب وَحدث خوف تسبب لم يعْمل بِهِ وَأَنه إِذا اسْتعَار عينا ليرهنها بدين مَعْلُوم فرهن بِأَكْثَرَ مِنْهُ بَطل فِي الزَّائِد وَخرج فِي الْمَأْذُون على تَفْرِيق الصَّفْقَة خلافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ حَيْثُ صححا الْبطلَان فِي الْكل وَنَصّ الشَّافِعِي يشْهد لَهما وَأَن الْمُسْتَعِير إِذا لم يُوَافق الْمُعير عِنْد اخْتِيَاره الْقلع بِالْأَرْشِ يُكَلف تَفْرِيغ الأَرْض قَالَ وَلَا يُكَلف التفريغ عِنْد اخْتِيَار الْإِبْقَاء بِأُجْرَة أَو التَّمَلُّك وَهُوَ رَأْي الْبَغَوِيّ وَأَنه إِذا خلط الطَّعَام الْمَغْصُوب فَتعذر التَّمْيِيز لَا يَجْعَل كالهالك خلافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ والأكثرين لِأَن لآحاد النَّاس انتزاع الْعين الْمَغْصُوبَة من الْغَاصِب وَأَن الشُّفْعَة ثَابِتَة للشَّفِيع إِلَى أَن يُصَرح بالإسقاط وَهُوَ الْوَجْه الْقَائِل بثبوتها لَهُ أبدا وَالأَصَح عِنْد الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ أَنَّهَا على الْفَوْر وَأَن الْقَرَاض لَا يَنْفَسِخ بِإِتْلَاف الْعَامِل وَهُوَ رَأْي الْمُتَوَلِي وَأَن الْعَامِل إِذا قارض بِلَا إِذن فَالرِّبْح للثَّانِي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 247 وَأَن مَا يَأْخُذهُ الحمامي ثمن المَاء وَأُجْرَة الْحمام والسطل وَحفظ الثِّيَاب وفَاقا لِابْنِ أبي عصرون وَخِلَافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ حَيْثُ منعا كَونه فِي مُقَابلَة المَاء وَأَن كسح الْبِئْر وتنقية البالوعة على الْمُؤَجّر وَأَن الطَّعَام الْمَحْمُول ليؤكل إِذا كَانَ شَرط قدرا يَكْفِيهِ للطريق كلهَا لَا يُبدل مَا دَامَ الْبَاقِي كَافِيا لبَقيَّة الطَّرِيق وَإِن شَرط قدرا يعلم أَنه لَا يَكْفِيهِ فيبدل وَأَنه لَو اكترى اثْنَان دَابَّة وركباها فاتردفها ثَالِث بِغَيْر إذنهما فَتلفت قسط الْغرم على الأوزان وَلزِمَ الثَّالِث حِصَّة وَزنه وَهُوَ مَا صَححهُ ابْن أبي عصرون وَصحح النَّوَوِيّ أَنه يلْزمه الثُّلُث وَفِي وَجه يلْزمه النّصْف الجزء: 10 ¦ الصفحة: 248 وَأَن المقطع إِذا قَامَ من مَكَانَهُ وَنقل عَنهُ قماشه لم يكن لغيره أَن يقْعد فِيهِ وَهُوَ رَأْي صَاحب التَّنْبِيه وَأَن الْوَقْف على طبقَة بعد طبقَة أَو بطن بعد بطن يَقْتَضِي التَّرْتِيب وَنَقله عَن جماعات وَأَن الْوَقْف على معِين لَا يحْتَاج إِلَى الْقبُول وَقد اخْتَارَهُ النَّوَوِيّ فِي كتاب السّرقَة قَالَ الْوَالِد هُوَ ظَاهر نُصُوص الشَّافِعِي ورأي الشَّيْخ أبي حَامِد وكثيرين وَأَن لفظ الصَّدَقَة كِنَايَة فِي الْوَقْف فَإِذا نَوَاه حصل بِهِ سَوَاء أَضَافَهُ إِلَى معِين أَو جِهَة وَأَن الْوَقْف الموقت صَحِيح مؤبد فِيمَا يضاهي التَّحْرِير وَهُوَ رَأْي الإِمَام وَأَن الْمُعْتَبر فِي الْوَقْف قصد الْقرْبَة لَا مُجَرّد انْتِفَاء الْمعْصِيَة وَأَنه لَا يجوز بيع الدَّار المتهدمة والحصر البالية والجذوع المتكسرة إِذا كَانَ وَقفا أبدا وَذكر أَنه لم يقل أحد من الْأَصْحَاب بِبيع الدَّار المتهدمة وَأَن مَا فِي الْحَاوِي الصَّغِير غلط وَمَا أَوْهَمهُ كَلَام الرَّافِعِيّ مؤول وَأَنه إِذا شَرط فِي وقف الْمَسْجِد اخْتِصَاصه بطَائفَة كالشافعية لَا يخْتَص وَقَالَ بِشَرْط أَن يُصَرح بِلَفْظ الْمَسْجِد وَأَن الْوَقْف لَا يرْتَد برد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَإِن لم يقبل وفرعه على اخْتِيَاره أَنه لَا يشْتَرط قبُول الْمَوْقُوف عَلَيْهِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 249 وَأَن الْمَشْرُوط لَهُ النّظر فِي وقف كَذَلِك لَا يشْتَرط قبُوله وَلَا يرْتَد برده وَأَن الْوَلَد إِذا وهبه وَالِده حبا فبذره فَصَارَ زرعا أَو بيضًا فأحضنه فَصَارَ فرخا لم يمْنَع ذَلِك وَالِده من الرُّجُوع فِي هِبته وَأَن هبة الدّين لغير الْمَدْيُون صَحِيحَة وَهُوَ مَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي كتاب البيع وَأَن تعلق حق غُرَمَاء الْوَلَد الْمُتَّهب بِمَالِه للحجر عَلَيْهِ لَا يمْنَع رُجُوع الْوَالِد فِي الْهِبَة وَأَن اللَّقِيط إِذا وجد فِي ثِيَابه رقْعَة فِيهَا أَن تَحْتَهُ دَفِينا حكم بِدفع المنازع فِيهِ وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من التَّصَرُّف وَلَا يحكم بِصِحَّة ملكه لَهُ ابْتِدَاء وَهُوَ توَسط بَين وَجْهَيْن للأصحاب إِن قيل يرفعهُ مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ فَهُوَ من مذاهبه الْخَارِجَة عَن قَوَاعِد الْمَذْهَب فليلحق بالقسم الأول وَإِلَّا فَهُوَ من مصححاته على أصل الشَّافِعِي وَتوقف فِيمَا إِذا أرشدت الرقعة إِلَى دَفِين بالبعد عَن اللَّقِيط وَأَن اللَّقِيط الْمَحْكُوم بِكُفْرِهِ لَا ينْفق عَلَيْهِ من بَيت المَاء بل إِن تطوع مُسلم أَو ذمِّي وَإِلَّا قسط على أهل الذِّمَّة وَأَن الْجد إِذا أسلم وَالِابْن حَيّ لَا يستتبع الابْن قَالَ وَلم يذهب أحد من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 250 الْأَصْحَاب إِلَى أَن الْجد لَا يستتبع سَوَاء كَانَ الابْن حَيا أَو مَيتا وَلَو ذهب أحد إِلَى تَصْحِيحه لَكَانَ لَهُ وَجه قوي هَذَا كَلَامه فِي شرح الْمِنْهَاج وَلَا أحفظ عَنهُ الذّهاب إِلَى مَا لم يذهب أحد إِلَى تَصْحِيحه لَا مذهبا لنَفسِهِ وَلَا تخريجا على أصل إِمَامه وبحثت مَعَه غير مرّة فِي الْمَسْأَلَة فَلم أسمعهُ يزِيد على أَنه لَو ذهب إِلَيْهِ ذَاهِب من الْأَصْحَاب لَكَانَ متجها كَانَ يَقُول لنا ذَلِك فِي مجَالِس المناظرة وَلم يزدْ فِي شرح الْمِنْهَاج عَلَيْهِ فَلذَلِك لم أعز إِلَيْهِ فِي الْقسم الأول أَنه يذهب إِلَى عدم الاستتباع وَأَن الصَّبِي إِذا أسلم وَقُلْنَا بِمَشْهُور الْمَذْهَب وَهُوَ عدم صِحَة إِسْلَامه تجب الْحَيْلُولَة بَينه وَبَين أَبَوَيْهِ وَأَهله الْكفَّار خلافًا لَهما حَيْثُ رجحا أَن الْحَيْلُولَة مُسْتَحبَّة وَأَن الْأُصُول وَالْفُرُوع يدْخلُونَ فِي الْوَصِيَّة للأقارب وَأَن قَول الْوَصِيّ هُوَ لَهُ من مَالِي صَرِيح فِي الْوَصِيَّة وَالَّذِي فِي الشَّرْح وَالرَّوْضَة أَنه كِنَايَة وَأَنه إِذا أوصى لشخص بِدِينَار كل سنة صَحَّ فِي السنين كلهَا وَهُوَ مَا رَجحه الرَّافِعِيّ وَأَن الْمُودع وَغَيره من الْأُمَنَاء إِذا مَاتَ وَلم نجد الْوَدِيعَة فِي تركته وَلَا أوصى بهَا فَإِن وجدنَا جِنْسهَا ضمن ضَمَان العقد لَا الْعدوان وَإِن لم نجد جِنْسهَا لم يضمن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 251 وَأَن صَاحب الْوَدِيعَة فِي صُورَة الضَّمَان يتَقَدَّم على الْغُرَمَاء وَأَن مُجَرّد التَّمْيِيز يَزُول بِهِ التَّقْصِير وَأَن ذكر الْجِنْس كَقَوْلِه مثلا عِنْدِي ثوب وَدِيعَة تَمْيِيز إِذا لم يكن ثمَّ ثوب غيرن وَأَنه إِذا مَاتَ وَلم يُوجد غَيره نزل عَلَيْهِ وَإِن وجد أَثوَاب أعطي وَاحِدًا مِنْهَا وَأَن الْوَدِيعَة إِذا تلفت بعد الْمَوْت بِلَا وَصِيَّة وَقُلْنَا بِالضَّمَانِ كَانَ مُسْتَندا إِلَى مَا قبيل الْمَوْت لَا إِلَى أول الْمَرَض وَأَن دَعْوَى الْوَرَثَة رد مُورثهم على الْمُودع أَو تلفهَا قبل نسبته إِلَى التَّقْصِير بِغَيْر بَيِّنَة لَا تسمع وَأَن من انْقَطع خَبره لَا يقسم مَاله بَين ورثته وَلَا يحكم القَاضِي بِمَوْتِهِ وَإِن مَضَت مُدَّة تغلب على الظَّن مَوته مَا لم تقم بَيِّنَة بِمَوْتِهِ وَعَزاهُ إِلَى النَّص وَأَنه إِذا حكم بِمَوْتِهِ لَا يعْطى مَاله من يَرِثهُ وَقت الحكم وَلَا قبيل الحكم بل من يَرِثهُ فِي الزَّمَان الَّذِي اسْتندَ إِلَيْهِ الحكم فَإِذا حكم سنة خمس بِأَنَّهُ مَاتَ سنة أَربع وَرثهُ من يَرِثهُ سنة أَربع لَا سنة خمس قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادهم وَإِن لم يصرحوا بِهِ وَأَن الْمَرْأَة تجاب إِذا عينت كُفؤًا وَعين الْوَلِيّ غَيره خلافًا للرافعي وَالنَّوَوِيّ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 252 وَقَالَ مَحل الْخلاف فِي الْمُجبر أما غَيره فَهُوَ المجابة قولا وَاحِدًا وَأَن النِّكَاح ينْعَقد بالمستور كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَلكنه خالفهما فِي تَفْسِيره فَقَالَ المستور من عرفت عَدَالَته بَاطِنا وَشك هَل هِيَ مَوْجُودَة حَال العقد لَا من لَا يعرف مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَام فَقَط وَهَذَا صَعب وَأَنه لَا يحل نظر العَبْد إِلَى سيدته وَأَنه لَا يحل نظر الْمَمْسُوح إِلَى الْأَجْنَبِيَّة وَأَنه إِذا أوجب النِّكَاح فَقَالَ الْقَائِل الْحَمد لله وَالصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبلت لم يَصح للفصل وَبِه قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَأَن قَول ابْن الْحداد فِي الْمَرْأَة لَهَا ابْنا مُعتق إِن الْمُعْتق نَفسه لَو أَرَادَ نِكَاحهَا وَأحد هذَيْن الِابْنَيْنِ مِنْهُ وَالْآخر من غَيره فيزوجها ابْنه مِنْهَا دون ابْنة من غَيرهَا مُحْتَمل وَإِن كَانَ مُعظم الْأَصْحَاب غلطوه من جِهَة أَن ابْن الْمُعْتق لَا يُزَوّج فِي حَيَاة الْمُعْتق وَلَكِن إِذا خطبهَا زَوجهَا السُّلْطَان قَالَ الْوَالِد فِي كتاب الْغَيْث المغدق فِي مِيرَاث ابْن الْمُعْتق الْوَلَاء بِمُجَرَّد الْعتْق يثبت لجَمِيع الْعَصَبَات مَعَ الْمُعْتق وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَحْكَامه لَكِن يقدم الْمُعْتق فَإِذا كَانَ بِهِ مَانع لم يمْنَع غَيره وَأطَال فِي ذَلِك فِي كِتَابه الْمَذْكُور ولخصه فِي شرح الْمِنْهَاج وَأَن مَا حَكَاهُ أَبُو الْفرج السَّرخسِيّ من أَن ابْن الْمُعتقَة يُزَوّج عتيقها مُحْتَمل ظَاهر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 253 وَكَاد يرجحه فِي الْكتاب الْمَذْكُور وَلَكِن لم يفصح بالترجيح بل أَطَالَ فِيمَا يدل عَلَيْهِ وَأَن الْإِجَابَة فِي سَائِر الولائم وَاجِبَة وَأَن ظُهُور النُّشُوز من الْمَرْأَة مرّة لَا يُبِيح الضَّرْب وَهُوَ مَا ذكر الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر أَنه الأولى وَأَن الْإِعْسَار بِالْمهْرِ قبل الدُّخُول لَا يثبت خِيَار الْفَسْخ قَالَ وَكَذَلِكَ الْإِعْسَار بِبَعْضِه وَأَنه إِذا قَالَ إِن طَلقتك أَو مَتى أَو إِذا فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَطلقهَا وَقع الثَّلَاث وَكَانَ يذهب أَولا إِلَى أَنه لَا يَقع شَيْء ثمَّ رَجَعَ عَنهُ إِلَى قَول الثَّلَاث وَصُورَة الْمَسْأَلَة عِنْده أَن تقيد الْقبلية بِمَا قبله بلحظة والرافعي وَالنَّوَوِيّ رجحا وُقُوع الْمُنجز فَقَط وَأَنه إِذا قَالَ إِن كَانَ أول ولد تلدينه من هَذَا الْحمل ذكرا فَأَنت طَالِق طَلْقَة وَإِن كَانَ آخر ولد مِنْهُ جَارِيَة فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَولدت ذكرا وَلم يكن غَيره لَا يَقع الطَّلَاق وَهُوَ وَجه ذكر النَّوَوِيّ أَنه ضَعِيف شَاذ مَرْدُود وَلم يُوَافقهُ الْوَالِد بل نَصره وَأَطْنَبَ فِيهِ فِي تَفْسِير سُورَة الْحَشْر وَأَن مَا مثل مَتى فَإِذا قَالَ مَا لم أطلقك فَأَنت طَالِق يكون كَمَا إِذا قَالَ مَتى لَا كَمَا إِذا قَالَ إِذا لم أطلقك الجزء: 10 ¦ الصفحة: 254 وَأَن نَفَقَة الْقَرِيب لَا تَسْتَقِر فِي الذِّمَّة وَإِن فَرضهَا القَاضِي وَأَن من ضرب كوع شخص بعصا فتورم ودام الْأَلَم حَتَّى مَاتَ فاحتمال الْقصاص فِيهَا قَائِم وَلم يجْزم بِهِ لِأَنَّهُ نقل عَدمه عَن النَّص لكنه مَال إِلَيْهِ وَفِي كَلَام الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي غرز الإبرة مَا يُشِير إِلَيْهِ ولكنهما نقلا عدم الْوُجُوب فِي أول الْجراح عَن الْغَزالِيّ وَلم يتعقباه بنكير واستدلا عَلَيْهِ بِحَدِيث وَأَن الطَّرِيقَة المفرقة بَين الْجَارِح والمثقل فِي الْعمد غَيره هِيَ الراجحة وَأَنه لَا يشْتَرط فِي كَون الْجرْح عمدا أَن يعلم حُصُول الْمَوْت مِنْهُ بل يَكْفِي كَون الْجرْح بِصفة السريان وَأَن الْمُرْتَد لَو قَالَ عرضت لي شُبْهَة فأزيلوها بعد وجوب قَتله ناظرناه وأزحنا شبهته قبل الْقَتْل مَا لم يظْهر مِنْهُ التسويف والمماطلة وَالْمَنْقُول فِي الرَّوْضَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عَن الْغَزالِيّ خلاف الْمَوْجُود فِي الْوَجِيز الْمَنْقُول فِي الشَّرْح قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فِي كتاب السَّيْف المسلول وَمحل الْخلاف إِذا لم يظْهر التسويف فَإِن ظهر لم تناظره قطعا وَأَنه لَا يجوز للْوَلَد السّفر فِي تعلم مَا هُوَ فرض كِفَايَة وَلَا فِي تِجَارَة وَإِن كَانَ الْأَمْن غَالِبا إِذا مَنعه أحد الْوَالِدين وَأَن طَاعَة الْوَالِدين فِي الشُّبُهَات وَاجِبَة وَأَن طاعتهما تجب فِي ترك السّنَن إِن لم يكن ذَلِك مِنْهُمَا على الدَّوَام وَإِن كَانَ على الدَّوَام لم تجب طاعتهما الجزء: 10 ¦ الصفحة: 255 وَأَن الْكَنَائِس لَا يُعَاد مِنْهَا شَيْء إِذا انْهَدم وَإِن قل وَذكر أَن الْأمة أَجمعت على أَنا لَا نَأْذَن فِي الْإِعَادَة وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَن هَل نمكن وَأَن الْإِعَادَة مَعْنَاهَا الْإِعَادَة بِتِلْكَ الْآلَة نَفسهَا كَمَا هُوَ ظَاهر لفظ الْإِعَادَة وَذكر أَن أحدا لم يقل تُعَاد بِآلَة أُخْرَى وَأَن الْخلاف فِي التَّمْكِين إِذا انْهَدَمت أَو انْهَدم بَعْضهَا وَبِه صرح الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي التَّعْلِيق وَغَيره وَأَنه إِذا غصب فرسا وَقَاتل عَلَيْهِ لم يكن السهْم لَهُ بل لصَاحب الْفرس وَأَن الذِّمِّيّ إِذا حضر الْوَقْعَة بِإِذن الإِمَام بِلَا أُجْرَة لَا يرْضخ لَهُ من الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة بل من خمس الْخمس وَأَن الحقيبة المشدودة على الْفرس تدخل فِي السَّلب هِيَ وَمَا فِيهَا وَأَنه إِذا جَاءَ وَاحِد من الْغُزَاة يطْلب سهم الْمُقَاتلَة وَيَدعِي أَنه بَالغ يعْطى بِغَيْر يَمِين كَمَا رجح الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ نَظِيره فِي مدعي الْبلُوغ بالاحتلام وَأَنه إِذا قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بِالسَّرقَةِ فَسئلَ فَصدق الشُّهُود ثمَّ رَجَعَ سقط عَنهُ الْقطع قَالَ لِأَنَّهُ لما أقرّ صَار الثُّبُوت بِإِقْرَارِهِ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَلم يحوج إِلَى الْبَحْث عَنْهَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق فِي نَظِيره من الزِّنَا وَأَن نقل الثُّبُوت فِي الْبَلَد جَائِز وَإِن قُلْنَا بِمَا صَححهُ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ من أَنه لَيْسَ بِحكم وَأَن الثُّبُوت حكم إِن كَانَ ثبوتا للمسبب دون مَا إِذا كَانَ ثبوتا للسبب فَإِذا أثبت أَن لزيد على عَمْرو ألفا كَانَ حكما بهَا وَإِن أثبت أَن زيدا بَاعَ عمرا دَارا بِأَلف لم يكن حكما بهَا وَأَن القَاضِي لَا تسمع عَلَيْهِ بَيِّنَة وَلَا يطْلب بِيَمِين أبدا فِيمَا يتَعَلَّق بِالْقضَاءِ بِخِلَاف مَا يتَعَلَّق بِخَاصَّة نَفسه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 256 وَأَن القَاضِي الْمَعْزُول لَا يحلف وَهُوَ رَأْي الْإِصْطَخْرِي وَاسْتَحْسنهُ الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر وَأَنه إِذا استعدى على حَاضر فِي الْبَلَد وَقعت الْإِجَارَة على عينه وَكَانَ حُضُوره مجْلِس الحكم يعطل حق الْمُسْتَأْجر لم يحضرهُ حَتَّى تَنْقَضِي مُدَّة الْإِجَارَة وَأَن السَّيِّد يحلف إِذا ادَّعَت أمته الِاسْتِيلَاد ليمنع من بيعهَا وتعتق بِالْمَوْتِ قَالَ وَقَول الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَابْن الرّفْع لَا يحلف مَحْمُول على مَا إِذا كَانَت الْمُنَازعَة لإِثْبَات النّسَب وَأَنه يَصح قسْمَة الحديقة الْقَابِلَة لقسمة التَّعْدِيل المساقى عَلَيْهَا قبل انْقِضَاء مُدَّة الْمُسَاقَاة وَيجْبر الْمُمْتَنع وَلَا يشْتَرط رضَا الْعَامِل قَالَ وَلَكِن يحذر من الرِّبَا بِأَن تجْرِي الْقِسْمَة بعد وجود الثَّمَرَة وَيَقَع فِي كل من النَّصِيبَيْنِ فَيصير بيع نخل وَرطب بِمثلِهِ وَهُوَ بَاطِل من قَاعِدَة مد عَجْوَة وبناه على أَصله أَنه لَا يَصح بيع الْأَشْجَار المساقى عَلَيْهَا والرافعي شبهه بِبيع الْمُسْتَأْجر وَنقل فِيهِ تَفْصِيلًا عَن صَاحب التَّهْذِيب استحسنه النَّوَوِيّ وَابْن الرّفْعَة ألحقهُ بِبيع الثَّوْب عِنْد الْقصار الْأَجِير على قصارته وَالشَّيْخ الإِمَام خَالف كَلَامهم أَجْمَعِينَ وَاخْتَارَ الصِّحَّة وَالْقِسْمَة ثمَّ وجد ذَلِك مَنْصُوصا فِي الْبُوَيْطِيّ وَأَن قسْمَة الرطب وَالْعِنَب على الشّجر ممتنعة وَلَو قُلْنَا الْقِسْمَة فِي ذَلِك إِفْرَاز وَهُوَ مَا رَجحه الْمحَامِلِي وَقَالَ إِنَّه الْمَنْصُوص وَالْبَغوِيّ وَغَيرهمَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 257 وَأَن الْملك لَا يقسم على الْوَقْف وَإِن قُلْنَا الْقِسْمَة إِفْرَاز وَأَن الشَّهَادَة بِالرّدَّةِ لَا تقبل مُطلقَة بل لَا بُد من التَّفْصِيل وَالْبَيَان وَأَن من قَالَ أشهد أَنِّي رَأَيْت الْهلَال تقبل شَهَادَته وَإِن أخبر عَن فعل نَفسه وَأَنه لَا يحل لشافعي لعب الشطرنج مَعَ من يعْتَقد تَحْرِيمه قلت وَلما وقف الشَّيْخ الإِمَام الأديب الماهر بدر الدّين الْحسن بن عمر بن الْحسن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 258 (وَحِينَئِذٍ يُرْجَى لَهُ فتح كل مَا ... غَدا مرتجا من بَاب فضل وَرَحْمَة) (فَإِن قَضَاء الله يُطلق تَارَة ... بِكفْر وإيمان فيحفى لحكمة) (وآونة يجْرِي تعلقه بِنَا ... على سَبَب نعتاده كالشريطة) (كسم لمَوْت أَو دَوَاء لصِحَّة ... وطوع وعصيان لسعد وشقوة) (وَقد جعل الله الْحَكِيم لعَبْدِهِ اخْتِيَارا ... لأسباب الرِّضَا والقطيعة) (ويسره من بعد هَذَا لما قضى ... عَلَيْهِ ليمضي فِيهِ حكم الْمَشِيئَة) (وَقطع لِسَان الإعتراض وَنفي لم ... وَلبس جميل الصَّبْر عِنْد الْمُصِيبَة) (وَأما رضانا بِالْقضَاءِ فَوَاجِب ... وَمَعْنَاهُ تَسْلِيم لحكم الْمَشِيئَة) (وكونك ترْضى بالشقاء شقاوة ... لِأَنَّك لَا تَدْرِي الْقَضَاء بأية) (وآيته أَن تخلي الْقلب من هوى ... وترضى بِإِيمَان صَحِيح العقيدة) (وترضى بِمَا يرضى الله وَبِالَّذِي ... قَضَاهُ وتلغي حيرة بعد حيرة) (وقولك رَبِّي إِن يشا الْكفْر شئته ... صَحِيح كَذَا إِن شِئْت إِحْدَاث تَوْبَة) (وَثَبت تثبيتا مَشِيئَته لَهَا ... كَمَا بَان بالمعلول تَأْثِير عِلّة) (وَأَنت فعاص حِين خَالَفت أمره ... وَإِن كنت قد وَافَقت حكم الْإِرَادَة) (وَلِلْعَبْدِ لَا شكّ اخْتِيَار فَقَائِل ... بتأثيره مَعَ قدرَة أزلية) (وَآخر قَالَ الْفِعْل مُشْتَمل على ... خُصُوص صِفَات مثل حج وزنية) (للْفَاعِل التَّأْثِير فِي كَونه زنا ... وحجا وأصل الْفِعْل فعل الْقَدِيمَة) (وَمذهب أهل الْحق والأشعر أَنه ... لَيْسَ بتأثير بحادث قدرَة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 258 ابْن حبيب على هَذَا التَّرْجَمَة وَرَأى هَذِه الترجيحات انتخب من التَّرْجَمَة أَمَاكِن نمقها وَضم إِلَيْهَا نفائس من أَلْفَاظه الَّتِي يسامي الرياض رونقها وعرضها عَليّ فَوَجَدتهَا مُشْتَمِلَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 259 (وَللَّه خلق الْفِعْل وَالْقُدْرَة الَّتِي ... تقارنه للْعَبد كالسبيبة) (وَهَذَا اخْتِيَار مَاله أثر بِهِ ... علينا غَدا لله أعظم حجَّة) (وَجُمْلَة مَا فصلته لَك رَاجع ... إِلَى أننا ملك لباري الْبَريَّة) جَوَاب الشَّيْخ نجم الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الطوسي تغمده الله برحمته (أَلا أصغ يَا ذمِّي إِن كنت سَامِعًا ... جَوَاب سُؤال رمته بالأدلة) (ودبر بعقل مدرك سر مَا بدا ... بإنشاء رب الْكَوْن فِي كل حَالَة) (فأوجد كل الكائنات بِعِلْمِهِ ... وَقدرته جبرا لمحض الْإِرَادَة) (تصرف فِي مخلوقه بمراده ... لما شَاءَ لَا يدْرِي خَفِي النِّهَايَة) (فأبدع كل الْكَوْن من حَيْثُ لم يكن ... لَهُ صُورَة مَوْجُودَة فِي الْبِدَايَة) (سؤالك يَا هَذَا فَلَيْسَ بوارد ... لإيراثه إِظْهَار كل قبيحة) (تصرف مَمْلُوك بإنشاء مَالك ... على فعله بالنفع ثمَّ الْمضرَّة) (وإقداره فهم الْحَقَائِق كلهَا ... وتمييزه بَين الْعَطاء ومنحة) (وتشريكه فِي ملكه وَمرَاده ... ونسبته بالقبح فِي بعض خلقَة) (وإبدائه منع التَّصَرُّف فِي الورى ... وإلزامه إبداء كل صَنِيعَة) (على وفْق مَعْلُوم الخليقة كلهَا ... وَذَا شقوة تبدي خلائل زلَّة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 259 من نظمه ونثره على السحر الْحَلَال ورأيتها أروى لكبد الظامئ من المَاء الزلَال وَقلت لَهُ لم لَا نظمت هَذِه الترجيحات فِي قصيدة تحفظ وخرطت نظام هَذِه الْمسَائِل فِي سلك يحرس أَلْفَاظه أَن تلفظ فَقَالَ على أَي زنة تُرِيدُ وعَلى أَي قافية يبتغيها المستفيد فَقلت وَكَانَ قد اختتم التَّرْجَمَة الَّتِي أَنْشَأَهَا بِأَبْيَات جيمية امتدحني فِيهَا دُونك قافية الْجِيم فَمَا كن بعد لَيَال إِلَّا وَقد وافى بعروس يجتليها ذُو اللب ويجتنيها وأنشدني لنَفسِهِ وَلم يستوعب الْأَمَاكِن وَإِنَّمَا اقْتصر على مَا ستراه (الْحَمد لله الَّذِي بِرَسُولِهِ ... خير الورى عَنَّا نفى حَرْب الْحَرج) (هَذَا مقَال الشَّيْخ فِيمَا اخْتَارَهُ ... رَأيا حباه رَبنَا أَعلَى الدرج) (أَعنِي تَقِيّ الدّين قوام الدجى ... الْحَاكِم السُّبْكِيّ خواض اللجج) (قَالَ الوفا بالوعد أَمر وَاجِب ... وَالْخلْع لَا شَيْء فحقق مَا نهج) (وَالْوَارِث الْبَاقِي يُصَلِّي مثل مَا ... يَأْتِي بِصَوْم فَائت عَمَّن درج) (فِي آخر الْوَقْت اجْتهد فِي قتل من ... ترك الصَّلَاة فحظه يَحْكِي البسج) (لَا تشْتَرط إِخْرَاج تاركها لَهَا ... عَن وَقتهَا اسلك من السبل الثبج) (يَا مدْركا خلف الإِمَام رُكُوعه ... هِيَ رَكْعَة مَا أدْركْت فدع اللهج) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 260 (أما الْكُسُوف إِذا تَمَادى وقته ... فزد الرُّكُوع لَهُ وَلَا تخش الْحَرج) (مَا لَا دم يجْرِي لَهُ مَا ماع لم ... ينجس بِهِ إِن عَم وافاك الأرج) (نَحْو الذُّبَاب نعم وَإِلَّا فَهُوَ ينجس ... كالعقارب إِن لم يكن فِيهِ ولج) (وَكَذَا الغسالة طهرهَا حق وَإِن ... فقد الْمحل الطُّهْر لقنت الْحجَج) (بَين الْمَحَارِم لَا تفرق إِنَّه ... كالأم وَالْولد الَّذِي عَنْهَا نتج) (خُذ عِلّة الْإِجْبَار فَهِيَ بكارة ... يَا صَحا مَعَ صغر ترَاهُ بهَا امتزج) (لَا يذبح الجندي طرفا للوغى ... إِلَّا بمرسوم الإِمَام إِذا خرج) (وكذاك لَا يقْضِي إِمَام فَاسق ... وزواج الأيم لَا يَلِي ذَات البلج) (لَكِن يولي من يقوم بِفِعْلِهِ ... أحسن بمؤتم على هَذَا نسج) (يَا من يخابر أَو يزارع جَائِز ... هَذَا وأفلح من بذا القَوْل ابتهج) (لَيست بلازمة مُسَاقَاة وَلَا ... توقيتها شَرط فعج نَحْو النهج) (إِن الْقَرَاض على الدَّرَاهِم جَائِز ... مغشوشة وَبهَا لعامله فرج) (كل الذُّنُوب كَبَائِر بتفاوت ... من غير مَا صغر فَلَا تنس الْحَرج) (من سبّ خير الرُّسُل فاقتله وَلَا ... تقبل متابا مِنْهُ صَار بل العوج) (فصل وَخذ مَا سَار من تَصْحِيحه ... فِي الْمَذْهَب الْمَذْهَب مغرى بالدلج) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 261 (قَالَ الْمَنِيّ إِذا تدفق نَاقض ... يَاذَا النهى لوضوء من مِنْهُ خرج) (جنب وَمن حَاضَت جَوَاب مُؤذن ... لَا يذكرَا عِنْد السماع إِذا نأج) (وَقت لثانية إِذا ضَاقَ اضربن ... بِالسَّيْفِ من ترك الصَّلَاة على الودج) (إبراد ظهر لَا يرى تَخْصِيصه ... بالبلدة الَّتِي يلازمها الأمج) (بل شدَّة الْحر وَلَو فِي أبرد الْبلدَانِ ... يَكْفِي من أَقَامَ وَمن سهج) (وأذان صبح أول حَرَّره فَهُوَ ... قبيل أَن يفتر فجر للأبج) (وَصَلَاة عيد وَقتهَا لَا من طُلُوع ... الشَّمْس بل من رَفعهَا نَحْو الدرج) (وبلذة تَقْبِيل من قد صَامَ لم ... يحرم وَلم يكره وَذَا قَول رعج) (إِن ظن إنزالا فَحرم فعله ... أَو خافه كره إِلَى نقص حنج) (وَصِيَام دَاوُد ففضله على ... إمْسَاك دهر كم أنال وَكم خلج) (وكذاك صَوْم الدَّهْر مَكْرُوه على الْإِطْلَاق ... أطلقك الزَّمَان من الْهَرج) (فِي كل شهر الصَّوْم تطلب لَيْلَة الْقدر ... الَّتِي فِي طيها تقضى الحوج) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 262 (قَالَ الإِمَام وَهَكَذَا إِعْسَاره ... بِالْبَعْضِ فَافْهَم واطرح قَول الهمج) (إِن النُّشُوز من الْقَرِينَة مرّة ... للضرب لَيْسَ يُبِيح هاجرك الزمج) (تجب الْإِجَابَة فِي الولائم كلهَا ... حتما على ذِي فاقة وَمن ارتعج) (إِن الْكَنَائِس لَا يُعَاد مهدم ... مِنْهَا وَإِن هُوَ قل قارنك الْفرج) (نقل الثُّبُوت يجوز فِي الْبَلَد الَّذِي ... فِيهِ الْقُضَاة المنقذون من الزلج) (الْبَينَات أصبت لم تسمع على القَاضِي ... وَذَا قَول بِهِ الْحق اندمج) (كلا وَلم تطلب يَمِين مِنْهُ فِي ... علق القضا دع من لهَذَا قد ذعج) (وَإِذا وَكيل مُوكل أغمى عَلَيْهِ ... لَيْسَ يعْزل فاكتبن ذَا فِي الدرج) (إِن الْوَصِيَّة للأقارب دَاخل ... فِيهَا الْأُصُول مَعَ الْفُرُوع وَلَا حرج) (دَار وخشب هدمت وتكسرت ... والحصر إِن بليت وقارنها السحج) (لَا جَائِز إِن كَانَ وَقفا بَيْعه ... يَا حبذا علم كَذَا الْعلم اختلج) (إِن خص وَاقِف مَسْجِد قوما بِهِ ... كالشافعية يلغ سدا للرتج) (وَالْوَقْف بَطنا بعد بطن يَقْتَضِي التَّرْتِيب ... أنصف من إِلَى هَذَا ثلج) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 265 (ومعين وقف عَلَيْهِ لَيْسَ يحْتَاج ... الْقبُول فدع مقَالَة من مشج) (إِن رد مَوْقُوف عَلَيْهِ الْوَقْف لَا ... يرْتَد فاترك مَا يَقُول وَإِن نأج) (وَقبُول ذِي نظر لوقف لَيْسَ شرطا ... فاستمع هَذَا وعد عَن الهزج) (كلا وَلَا يرْتَد إِن هُوَ رده ... هَذَا مقَال مَا عَلَيْهِ من رهج) (وصلاتنا وسلامنا أبدا على ... من لِلسَّمَوَاتِ العلى لَيْلًا عرج) (وعَلى الأكارم آله وصحابه ... طُوبَى لمن فِي حبهم بذل المهج) ذكر شَيْء من مباحثه ولطائفه الَّتِي سمعناها مِنْهُ وَلم يودعها تصانيفه وَرُبمَا وجد بَعْضهَا بِخَطِّهِ فِي مجاميعه اعْلَم أَن بَابا مباحثه بَحر لَا سَاحل لَهُ بِحَيْثُ سَمِعت بعض الْفُضَلَاء يَقُول أَنا أعتقد أَن كل بحث يَقع الْيَوْم على وَجه الأَرْض فَهُوَ لَهُ أَو مستمد من كَلَامه وتقريراته الَّتِي طبقت طبق الأَرْض وَلما كَانَ هَذَا شَيْئا كثيرا عمدنا إِلَى أُمُور سمعناها مِنْهُ شفاها وَلم يودعها تصنيفا لَهُ فَذَكرنَا بعض مَا حَضَرنَا مِنْهَا وَمِنْهَا مَا هُوَ مَوْجُود بِخَطِّهِ فِي مجاميعه وَرَأَيْت جمعهَا هُنَا أثبت لَهَا وَأقر سَمِعت الْوَالِد رَحمَه الله يَقُول وَقد سُئِلَ عَن الْعلقَة السَّوْدَاء الَّتِي أخرجت الجزء: 10 ¦ الصفحة: 266 من قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صغره حَيْثُ شقّ فُؤَاده وَقَول الْملك هَذَا خطّ الشَّيْطَان مِنْك إِن تِلْكَ الْعلقَة خلقهَا الله تَعَالَى فِي قُلُوب الْبشر قَابِلَة لما يلقيه الشَّيْطَان فِيهَا فأزيلت من قلبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يبْق فِيهِ مَكَان قَابل لِأَن يلقِي الشَّيْطَان فِيهِ شَيْئا قَالَ هَذَا معنى الحَدِيث وَلم يكن للشَّيْطَان فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَظّ قطّ وَإِنَّا الَّذِي نَفَاهُ الْملك أَمر هُوَ فِي الجبلات البشرية فأزيل الْقَابِل الَّذِي لم يكن يلْزم من حُصُوله حُصُول الْقَذْف فِي الْقلب قَالَ فَإِن قلت فَلم خلق هَذَا الْقَابِل فِي هَذِه الذَّات الشَّرِيفَة وَكَانَ يُمكنهُ أَن لَا يخلق فِيهَا قلت لِأَنَّهُ من جملَة الْأَجْزَاء الإنسانية فخلقه تَكْمِلَة لِلْخلقِ الإنساني فَلَا بُد مِنْهُ ونزعه أَمر رباني طَرَأَ بعده وَرَأَيْت بِخَط الْأَخ شَيخنَا الإِمَام أبي حَامِد أَحْمد سلمه الله أَنه رأى الْوَالِد فِي النّوم على جبل مُرْتَفع على بساتين عَظِيمَة وَأَن بيد الْأَخ قِنْدِيلًا يضيء عَلَيْهِ وَهُوَ يقْرَأ عَلَيْهِ هَذَا الْبَحْث فَظن أَن الْقنْدِيل انطفأ فَقَالَ للوالد إِن الْقنْدِيل انطفأ مَرَّات فَرفع رَأسه وَقَالَ لَهُ لَا قَالَ فتأملت فَإِذا هُوَ كَمَا قَالَ وَلَكِن كَانَت على الْوَالِد أنوار ضعفت مَعهَا نور الْقنْدِيل فَظَنَنْت أَنه انطفأ قَالَ وَوَقع فِي نَفسِي فِي النّوم أَن تِلْكَ الْأَنْوَار ببركات هَذَا الْبَحْث سَمِعت الْوَالِد يَقُول ثمَّ نَقْتُلهُ من خطه فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم} الجزء: 10 ¦ الصفحة: 267 إِلَى قَوْله {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه} مَا نَصه تكلم النَّاس فِي تَفْسِيرهَا كثيرا وفهمت مِنْهَا أَن ذَلِك تَعْلِيم من الله سُبْحَانَهُ لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للحجة على قومه فَأرَاهُ ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَعلمه كَيفَ يحاجج قومه وَيَقُول لَهُم إِذا حاججهم فِي مقَام بعد مقَام على سَبِيل التنزل إِلَى أَن يقطعهم بِالْحجَّةِ وَلَا يحْتَاج مَعَ هَذَا إِلَى أَن نقُول ألف الِاسْتِفْهَام محذوفة وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الْمَقُول على سَبِيل التنزل لَيْسَ اعترافا وتسليما مُطلقًا وَقَول الْفُقَهَاء تَسْلِيم على سَبِيل التنزل مَعْنَاهُ هَذَا أَي إِنَّه يَقُول نقدر أَن الْخصم نطق بِهِ فَلْينْظر مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي فهمته أَرْجُو أَنه أقرب من كل مَا قيل فِيهَا ويرشد إِلَيْهِ صدر الْآيَة وعجزها أما صدرها فَقَوله {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم} وَأما عجزها فَقَوله {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه} سَمِعت الْوَالِد يَقُول يَنْبَغِي للْمُصَلِّي فِي الرُّكُوع عِنْد قَوْله خشع سَمْعِي وبصري وعظمي وشعري وبشري وَمَا اسْتَقل بِهِ قدمي لله أَن يحرص على صدقه فِي هَذَا الْكَلَام بِأَن يكون الْخُشُوع محققا فِي الْقلب وَيظْهر أَثَره فِي هَذِه الْأَعْضَاء ليتَحَقَّق صدق هَذَا الْخَبَر وَإِلَّا فالإخبار فِي هَذَا الْمقَام بَين يَدي الله تَعَالَى على خلاف الْوَاقِع صَعب إِلَّا أَن يُرَاد أَنه متصورة فِي حَال من هُوَ كَذَلِك وَهُوَ مجَاز الجزء: 10 ¦ الصفحة: 268 سَمِعت الْوَالِد فِي درس الشامية العصي يَقُول وَقد قيل لَهُ كَانَت الْعَادة قَدِيما أَن يذكر الْمدرس الْعَصْر نُكْتَة فَقَالَ اذْكروا مَسْأَلَة أستخرج مِنْهَا نُكْتَة فَقلت أَنا النِّكَاح بِلَا ولي فَقَالَ على الْفَوْر النِّكَاح بِلَا ولي بَاطِل لِأَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَيّمَا امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل) إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ حَقِيقَة اللَّفْظ أَو صُورَة النزاع وَهُوَ الْحرَّة الْبَالِغَة الْعَاقِلَة أَو مُقَيّد بِقَيْد ينْدَرج فِيهِ أَو شَيْء يلْزم مِنْهُ أَو أحد هَذِه الْأُمُور الْأَرْبَعَة أَو الْقدر الْمُشْتَرك بَين الأول وَالثَّانِي وَالْأول وَالثَّالِث وَالْأول وَالرَّابِع أَو بَين الثَّانِي وَالثَّالِث أَو الثَّالِث وَالرَّابِع فَهَذِهِ أحد عشر قسما على تَقْدِير إِرَادَة وَاحِد مِنْهَا يلْزم ثُبُوت الحكم فِي صُورَة النزاع وَوَاحِد مِنْهَا مُرَاد لِأَنَّهُ جَائِز الْإِرَادَة مَعَ صَلَاحِية اللَّفْظ لَهُ وَغَيرهَا مُنْتَفٍ بِالْأَصْلِ فَإِذا ثَبت أحد الملزومات الْأَحَد عشر فَيثبت اللَّازِم وَهُوَ أَن النِّكَاح بِلَا ولي بَاطِل وَأَيْضًا فاعتقاد الْبطلَان رَاجِح لِأَنَّهُ على أحد عشر تَقْديرا كلهَا عَلَيْهِ دَلِيل وَاحْتِمَال الصِّحَّة على احْتِمَال وَاحِد لَا دَلِيل عَلَيْهِ فَيكون مرجوحا فاعتقاد الصِّحَّة مَعَ ذَلِك مُمْتَنع لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَهُوَ بَاطِل فَيكون اعْتِقَاد الصِّحَّة بَاطِل فَيثبت مُقَابِله وَهُوَ اعْتِقَاد الْبطلَان سَمِعت الْوَالِد رَحمَه الله فِي درس الغزالية يَقُول وَقد سُئِلَ عَن الدَّلِيل على تَقْبِيل الْمُصحف دَلِيله الْقيَاس على تَقْبِيل الْحجر الْأسود وَيَد الْعَالم وَالْوَالِد والصالح وَمن الْمَعْلُوم أَن الْمُصحف أفضل مِنْهُم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 269 وَسبب تَقْبِيل الْحجر الْأسود مَا ورد أَنه يَمِين الله فِي الأَرْض وَالْعَادَة تَقْبِيل يَمِين من يقْصد إكرامه فَجعل إِشَارَة إِلَى ذَلِك تَعَالَى الله عَن التَّشْبِيه قَالَ وَهَذَا معنى لطيف فِي تَقْبِيل الْحجر الْأسود وَالْقُرْآن صفة الله فَهُوَ بذلك أَحَق سَمِعت الْوَالِد يَقُول فِي قَوْله تَعَالَى {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} إِنَّه سمع شَيْخه أَبَا الْحسن الْبَاجِيّ يَقُول لم لَا قيل اتخذ هَوَاهُ إلهه قَالَ الْوَالِد فَمَا زلت مفكرا فِي الْجَواب مذ أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى تَلَوت مَا قبلهَا وَهُوَ قَوْله {وَإِذا رأوك} إِلَى قَوْلهم {إِن كَاد ليضلنا عَن آلِهَتنَا} فَعلمت أَن المُرَاد الْإِلَه المعبود بِالْبَاطِلِ الَّذِي عكفوا عَلَيْهِ وصبروا وَأَشْفَقُوا من الْخُرُوج عَنهُ فجعلوه هواهم سَمِعت الْوَالِد يَقُول إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رُوِيَ لَهُ عَن عمر بن الْخطاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 270 وَقَالَ الْوَاقِدِيّ لَا نعلم أحدا من ولد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف روى عَن عمر سَمَاعا غَيره وَكَذَلِكَ قَالَ يَعْقُوب بن شيبَة قَالَ الْوَالِد فِي سَمَاعه من عمر نظر لِأَنَّهُ توفّي سنة خمس أَو سِتّ وَتِسْعين وعمره خمس وَسَبْعُونَ سنة فَيكون عِنْد وَفَاة عمر ابْن أَربع فيكف يسمع قَالَ وَقد روى لَهُ عَن عمر البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَذكر رِوَايَته عَنهُ عمر عَن البُخَارِيّ والمزي فِي الْأَطْرَاف حَدِيث أذن عمر رَضِي الله عَنهُ لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر حجَّة حَجهَا وَلم يرقم لَهُ فِي التَّهْذِيب إِلَّا للنسائي نقلت من خطّ الْوَالِد رَحمَه الله وَكنت أسمعهُ مِنْهُ فَائِدَة قَالَ الْغَزالِيّ رَحمَه الله فِي نِيَّة الصَّلَاة هِيَ بِالشُّرُوطِ أشبه وَهَذَا لَيْسَ تَصْرِيحًا بِخِلَاف بل يحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَنَّهَا ركن يشبه الشَّرْط وَاعْلَم أَن الْفِعْل الْمُجَرّد لَا أثر لَهُ فِي نظر الشَّرْع فِي الْعِبَادَة وَإِنَّمَا يصير عبَادَة بِالنِّيَّةِ وَالنِّيَّة فِيهَا أميران أَحدهمَا قصد الناوي وَالثَّانِي الْأَثر الَّذِي ينشأ عَن ذَلِك الْقَصْد فَذَلِك الْأَثر النَّاشِئ الَّذِي يكْسب الْفِعْل صفة الْعِبَادَة وَهُوَ كَون الْفِعْل وَاقعا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 271 على وَجه الِامْتِثَال هُوَ ركن بِلَا شكّ وَهُوَ مَعَ الْفِعْل كالروح مَعَ الْبدن وَتوجه قصد الناوي إِلَى ذَلِك خَارج لِأَن الْقَصْد إِلَى الشَّيْء غير الشَّيْء فَمن هُنَا أشبه الشَّرْط وَلِهَذَا اشْتبهَ الْأَمر فِي كَونهَا ركنا أَو شرطا وَصَحَّ أَن يُقَال هِيَ ركن بِاعْتِبَار ذَلِك الْمَعْنى الْمُقَوّم للْفِعْل الْمُقَارن لَهُ المصاحب لَهُ من أَوله إِلَى آخِره فَهُوَ روحه وقوامه وَصَحَّ أَن يُقَال شَرط لذَلِك الْقَصْد الْقَائِم بِذَات الناوي فهما أَمْرَانِ أَحدهمَا قَائِم بِذَات الناوي وَالثَّانِي صفة للْفِعْل فَالْأول شَرط وَالثَّانِي ركن وَلَا نعتقد أَن الناوي يقْصد الْفِعْل الْمُجَرّد وَإِنَّمَا يقْصد الْفِعْل بِوَصْف كَونه مَطْلُوبا للرب تَعَالَى وَذَلِكَ الْفِعْل مكتسب من ذَلِك الْوَصْف صفة ينسبغ بهَا كَمَا ينسبغ الثَّوْب الْمَصْبُوغ صبغه جُزْء مِنْهُ والصبغ الَّذِي هُوَ فعل الْفَاعِل خَارج عَنهُ وَشرط فِيهِ كَذَلِك الْعِبَادَة وَتَأمل إِذا قلت قُمْت إجلالا لَك كَيفَ صَار الْقيام مكتسبا صفة الإجلال ولولاها لم يكن إِلَّا مُجَرّد نهوض فتأثر وَتقوم بالإجلال وأشبه شَيْء بِهِ الرّوح وَالْبدن فالقيام والْبدن والإجلال هُوَ الرّوح وَالْقَصْد كنفخ الرّوح فِي الْبدن وَمن تَأمل هَذَا الْمَعْنى لم يخالجه شكّ فِي أَنَّهَا ركن مُقَارنَة للْفِعْل مقومة لَهُ دَاخِلَة فِي مَاهِيَّة الْعِبَادَة الَّتِي هِيَ مَجْمُوع الْفِعْل الْمَنوِي وَلَيْسَت الْمُقَارنَة خَاصَّة بِالتَّكْبِيرِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 272 فَإِن تِلْكَ مُقَارنَة ذكرية والمقارنة الْحكمِيَّة حَاصِلَة فِي جَمِيع الصَّلَاة أَلا ترى أَن الْقيام إجلالا الإجلال مُقَارن لَهُ دَائِم مَعَه وَإِن وصفناه بِالْخرُوجِ عَن الْمَاهِيّة فِي التعقل فَهُوَ من جِهَة دون جِهَة وَهُوَ مَعَه كالفاعل والمنفعل إِذا نظرت إِلَى الْفِعْل وجدت لَهُ خُرُوجًا من وَجه ودخولا من وَجه وجدت بِخَط الْوَالِد رَحمَه اله وَكنت أسمعهُ مِنْهُ اخْتلف النَّاس فِي شَرط الْحُدَيْبِيَة من جَاءَك منا ترده هَل هُوَ مَخْصُوص أَو مَنْسُوخ فِي النِّسَاء بقوله تَعَالَى {فَلَا ترجعوهن} وَالَّذِي اخْتَارَهُ أَنه مَنْسُوخ وَفسخ للْعقد فِي بعض الْمَعْقُود من الله تَعَالَى الَّذِي لَهُ أَن يحدث من أمره مَا شَاءَ وَلَا يَنْبَغِي أَن يُقَال إِنَّه تَخْصِيص لِأَن التَّخْصِيص بَيَان المُرَاد فَيكون قد أطلق فِي العقد الْعَام وَأُرِيد بِهِ الْخَاص وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزه عَن أَن يظْهر فِي الْعُقُود خلاف مَا يضمره وَيحْتَمل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطلق اللَّفْظ بِأَمْر الله تَعَالَى من غير إِرَادَة عُمُوم وَلَا خُصُوص بل على مُرَاد الله تَعَالَى ثمَّ جَاءَ الْبَيَان من الله تَعَالَى تَخْصِيصًا من عِنْد الله تَعَالَى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 273 وجدت بِخَط الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ كل من زرع أَرضًا ببذره فالزرع لَهُ إِلَّا أَن يكون فلاحا يزرع بالمقاسمة بَينه وَبَين صَاحب الأَرْض كعادة الشَّام فَإِن الزَّرْع يكون على حكم الْمُقَاسَمَة على مَا عَلَيْهِ عمل الشَّام وَأَنا أرَاهُ وَأرى وَجهه من جِهَة الْفِقْه أَن الْفَلاح كَأَنَّهُ خرج عَن الْبذر لصَاحب الأَرْض بِالشّرطِ الْمَعْلُوم بَينهمَا فَيثبت على ذَلِك وَإِذا عرف هَذَا وتعدى شخص على أَرض وغصبها وَهِي فِي يَد الْفَلاح فزرعها على عَادَته لَا نقُول الزَّرْع للْغَاصِب بل للْمَغْصُوب مِنْهُ على حكم الْمُقَاسَمَة وَهَذِه فَائِدَة جليلة تَنْفَع فِي الْأَحْكَام وجدت بِخَطِّهِ رَحمَه الله وَكنت أسمعهُ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} هَل الضَّمِير فِي {فَاغْسِلُوا} للَّذين آمنُوا فَيَكُونُوا مأمورين الْآن بِالْغسْلِ وَقت الْقيام أَو للَّذين آمنُوا القائمين إِلَى الصَّلَاة لما دلّ عَلَيْهِ الشَّرْط فَلَا يَكُونُوا مأمورين إِلَّا وَقت الْقيام للصَّلَاة وَفِيه بحث وَالْأَظْهَر الثَّانِي وَهَذِه قَاعِدَة شريفة يَنْبَنِي عَلَيْهَا مبَاحث كَثِيرَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 274 وَيشْهد لاختيار الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن} فطابق الْأَمر مَا دلّ الشَّرْط عَلَيْهِ وَمن المباحث الْمُتَعَلّقَة بِهِ إِذا قلت يَا زيد إِذا زَالَت الشَّمْس فصل هَل هُوَ مَأْمُور الْآن أَو لَا يكون مَأْمُورا إِلَّا وَقت الزَّوَال وَهُوَ الْمُخْتَار وَلَا يرد عَلَيْهِ أَنا نَخْتَار أَن الْأَمر قديم لِأَنَّهُ لَا يلْزم من قدم الْأَمر قدم كَونه مَأْمُورا وَلَا يرد عَلَيْهِ أَنا نَخْتَار قدم التَّعَلُّق لِأَن التَّعَلُّق بِحَسبِهِ فالتعلق إِنَّمَا هُوَ بِفِعْلِهِ وَقت الزَّوَال وبالقائمين وَقت الْقيام فهم بِهَذَا الْقَيْد مُتَعَلق الْأَمر وهم بِدُونِ الْقَيْد لَيْسُوا مُتَعَلق الْأَمر وَلَا يرد عَلَيْهِ أَنا نَخْتَار فِي قَوْله إِن طلعت الشَّمْس فَأَنت طَالِق أَن الْإِيقَاع الْآن والوقوع عِنْد الطُّلُوع لأَنا لَا نعني بالإيقاع إِلَّا إِيقَاع مَا يَقع عِنْد الطُّلُوع فَافْهَم هَذَا فَإِنَّهُ من نفائس المباحث وَلم أَجِدهُ مَنْقُولًا لَكِن حركني لَهُ قَول الشَّافِعِي فِي الْآيَة إِن ظَاهرهَا من قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَعَلَيهِ أَن يتَوَضَّأ فتأملت كَلَامه لم يقل عَلَيْهِم أَن يتوضؤوا إِذا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة فَانْظُر مَا أَنْفَع تَأمل كَلَام الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم لَا سِيمَا إِمَام الْعلمَاء وخطيبهم رَحمَه الله انْتهى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 275 قلت وَقد تكلم الْوَالِد فِي تَفْسِيره على هَذَا أَيْضا وَأطَال فِيهِ ذكره عِنْد الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} وجدت بِخَط الْوَالِد أحسن الله إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قيل إِنَّه نفي للحصر فَلَا يلْزم نفي الْحزن وَجَوَابه على تَسْلِيم أَن {هم يَحْزَنُونَ} للحصر تَقْدِير {هم} دَاخِلَة على {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} كَمَا إِذا دخل النَّفْي على الْفِعْل الْمُؤَكّد يقدر التَّأْكِيد دَاخِلا بعد النَّفْي لَا قبله وَمَا أشبه ذَلِك وَقدم فِي اللَّفْظ بِلَا ليقابل بهَا {لَا خوف عَلَيْهِم} و {لَا} مسلطة على {يَحْزَنُونَ} لَا على الْجُمْلَة وَسبب الْحصْر عِنْد من يَقُول بِهِ يخْتَص بالمضارع لِأَنَّهُ الَّذِي يُمكن أَن يرفع الْفَاعِل الَّذِي يُمكن تحويله إِلَى الْمُبْتَدَأ مثل زيد يقوم أَصله يقوم زيد فَاقْتضى التَّقْدِيم الْحصْر وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيره سَمِعت الشَّيْخ الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ يَقُول وَقد ذكره فِي النَّوَادِر الْهَمدَانِي من تصانيفه من قَوَاعِد الفلاسفة الْفَاسِدَة أَن الْوَاحِد لَا يصدر عَنهُ إِلَّا وَاحِد لِأَنَّهُ لَو صدر عَنهُ أَكثر من وَاحِد فكونه مصدرا لج مثلا مُخَالف لكَونه مصدرا لب فالمفهومان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 276 إِن كَانَا داخلين فِي الذَّات لزم التَّرْكِيب أَو خَارِجين لزم التسلسل الْمُمْتَنع أَو الِانْتِهَاء إِلَى التَّرْكِيب إِلَى آخر مَا نظموه من الشُّبْهَة وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ بِعَيْنِه يلْزمهُم فِي الْوَاحِد الصَّادِر مَعَ كَونه صادرا عَن الذَّات وَالنّسب عِنْدهم ثبوتية فَيُقَال لَهُم الصَّادِر وتأثير الْقَادِر فِيهِ إِمَّا أَن يَكُونَا داخلين أَو خَارِجين أَو أَحدهمَا دَاخِلا وَالْآخر خَارِجا وينقض كل قسم بِنَا نقضوه بِهِ فيتبين فَسَاد كَلَامهم وَالله الْمُسْتَعَان سَمِعت الشَّيْخ الْوَالِد يَقُول وَقد ذكر قَول عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْحَافِظ إِن الرجل الَّذِي أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر أَنه وطئ أَهله فِي رَمَضَان سَلمَة بن صَخْر البياضي وَأَن ذَلِك كَانَ نَهَارا وَأَنه أصح من قَول ابْن إِسْحَاق لَيْلًا إِن ابْن إِسْحَاق لم ينْفَرد بِهِ بل رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَحسنه وَأَن رجال إِسْنَاده ثِقَات وَأَن الْمُخْتَار عِنْده أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ وَأَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الوقاع وَحَدِيث سَلمَة بن صَخْر فِي الظِّهَار قَالَ وَسَوَاء أَكَانَ الْمُبْهم فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هُوَ سَلمَة بن صَخْر فَيكون قد وَقعت لَهُ وَاقِعَتَانِ أم كَانَ غَيره سَمِعت الشَّيْخ الْوَالِد يَقُول بعد أَن ذكر اخْتِلَاف النُّحَاة فِي لَو تتبعت مواقع لَو من الْكتاب الْعَزِيز وَالْكَلَام الفصيح فَوجدت المستمر فِيهَا انْتِفَاء الأول وَكَون وجوده لَو فرض مستلزما لوُجُود الثَّانِي وَأما الثَّانِي فَإِن كَانَ التَّرْتِيب بَينه وَبَين الأول مناسبا وَلم يخلف الأول غَيره فَالثَّانِي مُنْتَفٍ فِي هَذِه الصُّورَة كَقَوْلِه تَعَالَى {لَو كَانَ} الجزء: 10 ¦ الصفحة: 277 فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا) وكقول الْقَائِل لَو جئتني لأكرمتك لَكِن الْمَقْصُود الْأَعْظَم فِي الْمِثَال الأول نفي الشَّرْط ردا على من ادَّعَاهُ وَفِي الْمِثَال الثَّانِي أَن الْمُوجب لانْتِفَاء الثَّانِي هُوَ انْتِفَاء الأول لَا غير وَإِن لم يكن التَّرْتِيب بَين الأول وَالثَّانِي مناسبا لم يدل على انْتِفَاء الثَّانِي بل على وجوده من بَاب الأولى كَقَوْلِه نعما العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ فَإِن الْمعْصِيَة منتفية عِنْد عدم الْخَوْف فَعِنْدَ الْخَوْف أولى وَإِن كَانَ التَّرْتِيب مناسبا وَلَكِن للْأولِ عِنْد انتفائه شَيْء آخر يخلفه مِمَّا يَقْتَضِي وجود الثَّانِي كَقَوْلِنَا لَو كَانَ إنْسَانا لَكَانَ حَيَوَانا فَإِنَّهُ عِنْد انْتِفَاء الإنسانية قد يخلفها غَيرهَا مِمَّا يَقْتَضِي وجود الحيوانية قَالَ وَهَذَا ميزَان مُسْتَقِيم مطرد حَيْثُ وَردت لَو وفيهَا معنى الِامْتِنَاع وخاصيتها فرض مَا لَيْسَ بواقع وَاقعا إِمَّا فِي الْمَاضِي وَالْحَال وَهُوَ الْأَكْثَر أَو الْمُسْتَقْبل وَهُوَ قَلِيل كَقَوْلِه (وَلَو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ... وَمن دون رمسينا من الأَرْض سبسب) (لظل صدى صوتي وَلَو كنت رمة ... لصوت صدى ليلى يهش ويطرب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 278 وَقَوله (وَلَو أَن ليلى الأخيلية سلمت ... عَليّ ودوني تربة وصفائح) (لسلمت تَسْلِيم البشاشة أَو زقا ... إِلَيْهَا صدى من دَاخل الْقَبْر صائح) إِلَى غير ذَلِك من الْأَمْثِلَة وَقد ترد لَو بِمَعْنى إِن لمُجَرّد الرَّبْط كَقَوْلِه وَلَو باتت بأطهار فَلَيْسَتْ من هَذَا الْقسم لِأَن امْتنَاع الأول غير مَقْصُود فِيهَا بِوَجْه وللاستقبال الَّذِي دلّ عَلَيْهِ إِذا حَاربُوا وإنكار كَون لَو امتناعية جحد للضروريات وَدَعوى ذَلِك مُطلقًا منقوضة بِمَا لَا قبل بِهِ وَالضَّابِط فِي مَا ذكرته وَأنْشد لنَفسِهِ (مَدْلُول لَو ربط وجود ثَان ... بِأول فِي سَابق الزَّمَان) (مَعَ انْتِفَاء ذَلِك الْمُقدم ... حَقًا بِلَا ريب وَلَا توهم) (أما الْجَواب إِن يكن مناسبا ... وَلَيْسَ غير شَرطه مصاحبا) (فاحكم لَهُ بِالنَّفْيِ أَيْضا وَاعْلَم ... بِأَن كلا دَاخل فِي الْعَدَم) (أَو لم يكن مناسبا فَوَاجِب ... من بَاب أولى ذَاك حكم لازب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 279 (وَفِي مُنَاسِب لَهُ إِذْ يفقد ... مُنَاسِب سواهُ قد لَا يُوجد) (هَذَا جَوَاب لَو بتقسيم حصل ... مُمْتَنع وواجب ومحتمل) (ومعظم الْمَقْصُود فِيمَا يجب ... إثْبَاته فِي كل حَال يطْلب) (مِثَاله نعم الَّذِي لَو لم يخف ... لما عصى إلهه وَلَا اقْتَرَف) (ومعظم الْمَقْصُود فِي الْمُمْتَنع ... بَيَان نفي شَرطه الَّذِي ادّعى) (كَلَوْ يكون فيهمَا شريك ... لفسدا فالواحد المليك) (أَو أَن ذَاك النَّفْي حَقًا أثرا ... فِي عدم الَّذِي يَلِي بِلَا مرا) (كَلَوْ أتيتني لَكُنْت تكرم ... كَرَامَتِي لمن قلاني تعدم) قلت وَهَذَا ملخص مَا ذكره فِي كتاب كشف القناع فِي حكم لَو للامتناع وَلَا أعرف الْآن فِي بِلَاد الشَّام نُسْخَة من هَذَا الْكتاب فَلذَلِك كتبت هَذَا ليستفاد فَهُوَ كَمَا ترَاهُ فِي التَّحْقِيق سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله يَقُول وَقد سُئِلَ عَن قَول الشَّاعِر (لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دَمًا) إِنَّمَا قَالَ بالضحى وَلم يقل بالدجى لِأَنَّهَا إِذا لمعت وَقت الضُّحَى كَانَ أبلغ وأدل على عظمها فَإِن الْقَلِيل يلمع فِي الدجى وَلَا يلمع فِي الضُّحَى إِلَّا الْكثير سَمِعت الشَّيْخ الْوَالِد رَحمَه الله يَقُول وَقد سُئِلَ عَن معنى الرضع فِي قَول سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ يُخَاطب الَّذين أخذُوا لقاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رماهم بِالسِّهَامِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 280 (وَالْيَوْم يَوْم الرضع ... ) الرضع اللئام أَي الْيَوْم يومكم أَيهَا اللئام يُقَال رضع يرضع ثدي أمه بِكَسْر الضَّاد فِي ماضيه وَفتحهَا فِي مضارعه ورضع يرضع بِالْكَسْرِ فِي مضارعه وَالْفَتْح فِي ماضيه عكس الأول إِذا تلام وَالرجل راضع أَي لئيم سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام يُجيب وَقد سُئِلَ عَن خندف الَّتِي ذكرهَا الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله (حَتَّى علا بَيْتك الْمُهَيْمِن فِي ... خندف علياء تحتهَا النُّطْق) فَقَالَ خندف هَذِه امْرَأَة الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان قَالَ وَكَانَت من سراة نسَاء الْعَرَب وَأخذ يذكر من نبئها مَا يطول شَرحه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 281 سَأَلت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله لم يَقُول الْمُصَلِّي فِي الِاعْتِدَال كلنا لَك عبد وَلَا يَقُول عبيد مَعَ عود الضَّمِير فِي كلنا على جمع فَقَالَ لِأَنَّهُ قصد أَن يكون الْخلق أَجْمَعُونَ بِمَنْزِلَة عبد وَاحِد وقلب وَاحِد سَأَلت الشَّيْخ الْوَالِد لم لَا يفْتَرق الْحَال عِنْد الصُّوفِيَّة بَين إبداء الصَّدَقَة وإخفائها وَقد نَص الْقُرْآن على تَفْضِيل الْإخْفَاء فَقَالَ المُرَاد أَن قلب الصُّوفِي لَا يتأثر بالإعلان لِأَنَّهُ لَا يرى غير الله فَكَانَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاء وَإِن كَانَ السّتْر من حَيْثُ هُوَ أفضل من الْجَهْر من حَيْثُ هُوَ سَأَلت الشَّيْخ الإِمَام مَا الْحِنْث الْعَظِيم الْمشَار إِلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَانُوا يصرون على الْحِنْث الْعَظِيم} فَقَالَ هُوَ الْقسم على إِنْكَار الْبَعْث الْمشَار إِلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت} سُئِلَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الشريف الرضي (فَاتَنِي أَن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمعي) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 282 وَقَول القَاضِي الْفَاضِل (مثلته الذكرى لسمعي كَأَنِّي ... أتمشى هُنَاكَ بالأحداق) فَقَالَ وكتبته من خطه قَول الشريف يحْتَمل ثَلَاث معَان بعد فهم ثَلَاث قَوَاعِد إِحْدَاهَا قَالَ الْغَزالِيّ وَغَيره الوجودات أَرْبَعَة وجود فِي الْأَعْيَان وَوُجُود فِي الأذهان وَوُجُود فِي الْبَيَان وَوُجُود فِي البنان وَأَنا أَقُول هَذِه الوجودات الْأَرْبَعَة فِي كل مَوْجُود معقولا كَانَ أَو محسوسا فَإِن كَانَ محسوسا فيزاد خَامِسًا وَهُوَ الْوُجُود فِي الْحس والأمثلة مَعْرُوفَة وَلَا حَاجَة إِلَى التَّطْوِيل بهَا الْقَاعِدَة الثَّانِيَة أَن الرُّؤْيَة تكلم الْحُكَمَاء فِيهَا هَل هِيَ بالانطباع أَو باتصال الشعاع وَبسط هَذَا مَعْرُوف فِي مَحَله فَلَا حَاجَة إِلَى التَّطْوِيل بِهِ الْقَاعِدَة الثَّالِثَة أَن الْحَواس هَل هِيَ كالحجاب أَو كالطاقات وَفِيه خلاف إِذا عرفت هَذِه الْقَوَاعِد الثَّلَاث رَجعْنَا إِلَى الاحتملات الثَّلَاثَة وَهِي فِي قَوْله أرى الديار بطرفي أَحدهَا أَن أرى الديار فِي محلهَا بطرفي الْمُتَّصِل شعاعه إِلَيْهَا فَتكون الرُّؤْيَة حَقِيقَة وَالْبَاء للاستعانة حَقِيقَة وَالثَّانِي أَن أرى الديار بانطباعها فِي ناظري فالرؤية حَقِيقَة وَالْبَاء فِي بطرفي للظرفية بِمَعْنى فِي وَهِي أَيْضا حَقِيقَة وَإِن كَانَ مجيئها لذَلِك أقل من مجيئها للاستعانة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 283 وَالثَّالِث أَن أرى الديار فِي قلبِي بطرفي الَّذِي هُوَ كالطاق فِي الْكَشْف لي عَنْهَا فالرؤية على هَذَا على قَول من يَجْعَل الْحَواس كالطاقات حَقِيقَة وعَلى قَول من يَجْعَلهَا كالحجاب مجَاز وَالْبَاء فِي بطرفي للاستعانة على الْقَوْلَيْنِ هَذِه الِاحْتِمَالَات الثَّلَاثَة فِي أرى الديار بطرفي وَأما أرى الديار بسمعي فَفِيهِ ثَلَاثَة احتمالات أَيْضا أَحدهَا الأول وعَلى هَذَا يكون أرى مجَازًا عَن أسمع والديار حَقِيقَة وأوقع الرُّؤْيَة عَلَيْهَا لإِرَادَة السّمع الْمُتَعَلّق بلفظها فَهُوَ من مجَاز التَّرْكِيب فقد اجْتمع فِيهِ مجَاز الْإِفْرَاد ومجاز التَّرْكِيب فِي لَفظهَا وَالْبَاء للاستعانة الثَّانِي الثَّانِي وَيكون أرى مجَازًا عَن أسمع والديار مجَاز فِي الْإِفْرَاد عَن لَفظهَا الْحَاصِل فِي الْحس تَنْزِيلا للفظ منزلَة الْمَعْنى وَالْبَاء للظرفية وَالْمجَاز فِي الْفِعْل وَالْمَفْعُول من مجَاز الْإِفْرَاد الثَّالِث الثَّالِث فعلى قَول من يَجْعَل الْحَواس كالطاقات يكون أرى يُمكن أَن يكون حَقِيقَة وَيُمكن أَن يكون مجَازًا وَكَذَا الديار أما الْحَقِيقَة فيهمَا فَلِأَن الديار تتمثل فِي قلب السَّامع بِسَبَب سَماع لَفظهَا فَيكون السّمع استعارته فِي حُصُول مَعْنَاهَا فِي الْقلب وَأما الْمجَاز فَلِأَن الْحَاصِل فِي الْقلب علم عِنْد قوم وَسمع عِنْد آخَرين فوصفه بِالرُّؤْيَةِ وَلم يحصل من حاسة الرُّؤْيَة تجوز إِذا عرفت هَذِه الِاحْتِمَالَات فِي بَيت الشريف الرضي فالأبلغ إِرَادَة الْمَعْنى الثَّالِث وَهُوَ فَاتَنِي أَن يشهدها قلبِي بِسَبَب رؤيتي بطرفي فَلَعَلَّ أَن يشهدها قلبِي بِسَبَب سَماع لَفظهَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 284 وَهَذَا الْمَعْنى كشفه القَاضِي الْفَاضِل بقوله مثلته الذكرى وَقَالَ لسمعي لِأَنَّهُ طَرِيق إِمَّا حَاجِب أَو طاق والأبلغ أَنه جعله كالطاق وَأَشَارَ إِلَيْهِ وَإِلَى حُضُوره فِي قلبه بقوله كَأَنِّي أتمشى هُنَاكَ وَقَالَ بالأحداق ليعلم أَن السماع لم ينقص عَن الرية وَلأَجل الطباق وَلما فِي الْمَشْي بالأحداث من الخضوع والذلة والمحبة وَلما فِي مد الأحداق إِلَى مَوَاضِع المنظور وتنقلها من مَكَان إِلَى مَكَان من زِيَادَة التَّمَتُّع وَالنَّعِيم وَهُوَ المُرَاد بالتمشي وَالله أعلم ذكر الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ مرّة مَا قَالَه السُّهيْلي فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أومخرجي هم) وَأَن فِيهِ دَلِيلا على حب الوطن ثمَّ قَالَ أحسن من حب الوطن أَن يُقَال تحركت نَفسه لما فِي الْإِخْرَاج من فَوَات مَا ندب إِلَيْهِ من إِيمَانهم وهدايتهم فَإِن ذَلِك مَعَ التَّكْذِيب والإيذاء مترقب وَمَعَ الْإِخْرَاج مُنْقَطع وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي لَا شَيْء عِنْد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام أعظم مِنْهُ لِأَنَّهُ امْتِثَال أَمر الله تَعَالَى وَأما مُفَارقَة الوطن فَهُوَ أَمر جبلي وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجل وَأَعْلَى مقَاما من الْوُقُوف عِنْده فِي هَذَا الموطن الْعَظِيم حضرت الْوَالِد رَحمَه الله مرّة فِي ختمة وَقد وصل الْقُرَّاء إِلَى سُورَة الْإِخْلَاص فقرءوها ثَلَاث مَرَّات على الْعَادة وَكَانَ على يَمِينه قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين عَليّ بن أَحْمد الطرسوسي الْحَنَفِيّ فَالْتَفت إِلَى الشَّيْخ الإِمَام وَقَالَ فِي خاطري دَائِما أَن أسأَل عَن الْحِكْمَة فِي إطباق النَّاس على تكريرها ثَلَاثًا فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ الإِمَام لِأَنَّهُ قد ورد أَنَّهَا تعدل ثلث الْقُرْآن فَتحصل بذلك ختمة فَقَالَ القَاضِي عماد الدّين فَلم لَا يقرءنها ثَلَاثًا بعد الْوَاحِدَة الَّتِي تضمنتها الختمة ليحصل ختمتان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 285 فَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام مَقْصُود النَّاس تَحْقِيق ختمة وَاحِدَة فَإِن الْقَارئ إِذا وصل إِلَيْهَا فقرأها ثمَّ أَعَادَهَا مرَّتَيْنِ كَانَ على يَقِين من حُصُول ختمة إِمَّا الَّتِي قَرَأَهَا من الْفَاتِحَة إِلَى آخر الْقُرْآن وَإِمَّا ثَوَابهَا بِقِرَاءَة الْإِخْلَاص ثَلَاثًا وَلَيْسَ الْمَقْصُود ختمة أُخْرَى وَهَذَا معنى مليح سَمِعت الشَّيْخ يَقُول فِي الدَّرْس نقل الشَّيْخ أَبُو حَامِد مَذْهَب الزُّهْرِيّ الْجلد يحل الِانْتِفَاع بِهِ قبل الدّباغ وَنَقله صَاحب التَّتِمَّة وَقَالَ إِنَّه لَيْسَ بِنَجس وَهُوَ صَحِيح وَزَاد فَقَالَ إِنَّه وَجه لِأَصْحَابِنَا عَن ابْن الْقطَّان أَن الزهومة الَّتِي فِيهَا نَجِسَة فَهُوَ كَثوب مُتَنَجّس وَهَذَا خلاف مَذْهَب الزُّهْرِيّ فَجعله إِيَّاه مثله لَيْسَ بجيد وَنقل الرَّافِعِيّ مَا فِي التَّتِمَّة بِدُونِ ذكر الزهومة نَجِسَة وَجعله كَالثَّوْبِ النَّجس فأوهم أَنه طَاهِر يحل الِانْتِفَاع بِهِ مُطلقًا وَلَيْسَ بجيد وَزَاد بَعضهم فَنقل الْوَجْه أَنه يجوز أكله قبل الدّباغ وَهَذَا لما أَوْهَمهُ كَلَام الرَّافِعِيّ وَلَيْسَ بجيد وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِك على مَذْهَب الزُّهْرِيّ أما عندنَا فَلَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 286 وجدت بِخَط الشَّيْخ الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ فَكرت عِنْد الِاضْطِجَاع فِي قَول المضطجع بِاسْمِك اللَّهُمَّ وضعت جَنْبي وباسمك أرفعه فأدرت أَن أَقُول إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي أرفعه لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} ثمَّ قلت فِي نَفسِي إِن ذَلِك لم يرد فِي الحَدِيث فِي هَذَا الذّكر الْمَنْقُول عِنْد النّوم وَلَو كَانَ مَشْرُوعا لذكره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم فتطلبت فرقا بَينه وَبَين كل مَا يجريه الْإِنْسَان من الْأُمُور الْمُسْتَقْبلَة الْمُسْتَحبّ فِيهَا ذكر الْمَشِيئَة وَلَا يُقَال إِن أرفعه حَال لَيْسَ بمستقبل لأمرين أَحدهمَا أَن لَفظه وَإِن كَانَ كَذَلِك لَكنا نعلم أَن رفع جنب المضطجع لَيْسَ حَال اضطجاعه وَالثَّانِي أَن اسْتِحْبَاب الْمَشِيئَة عَام فِيمَا لَيْسَ بِمَعْلُوم الْحَال أَو الْمُضِيّ وَظهر لي أَن الأولى الِاقْتِصَار على الْوَارِد فِي الحَدِيث فِي الذّكر عِنْد النّوم بِغَيْر زِيَادَة وَأَن ذَلِك يُنَبه على قَاعِدَة يفرق بهَا بَين تقدم الْفِعْل على الْجَار وَالْمَجْرُور وتأخره عَنهُ فَإنَّك إِذا قلت أرفع جَنْبي باسم الله كَانَ الْمَعْنى الْإِخْبَار بِالرَّفْع وَهُوَ عُمْدَة الْكَلَام وَجَاء الْجَار وَالْمَجْرُور بعد ذَلِك تَكْمِلَة وَإِذا قلت باسم الله أرفع جَنْبي كَانَ الْمَعْنى الْإِخْبَار بِأَن الرّفْع كَائِن باسم الله وَهُوَ عُمْدَة الْكَلَام فَافْهَم هَذَا السِّرّ اللَّطِيف وتأمله فِي جَمِيع موارد كَلَام الْعَرَبيَّة تَجدهُ يظْهر لَك بِهِ شرف كَلَام الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وملازمة الْمُحَافظَة على الْأَذْكَار المأثورة عَنهُ عَلَيْهِ أفضل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 287 وَإِيَّاك ثمَّ إياك أَن تنظر إِلَى إِطْلَاق أَن الْجَار وَالْمَجْرُور فَضله فِي الْكَلَام وتأخذه على الْإِطْلَاق بل تَأمل موارد تقدمه وتأخره فِي الْكتاب الْعَزِيز وَالسّنة وَكَلَام الفصحاء وتفهم هَذِه الْقَاعِدَة الجليلة الَّتِي يفهم مِنْهَا اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَاعْلَم أَنه لَا بُد من الْمُحَافظَة على قَوَاعِد الْعَرَبيَّة وعَلى فهم معنى كَلَام الْعَرَب ومقاصدها وقواعد الْعَرَبيَّة تَقْتَضِي أَن الْجَار وَالْمَجْرُور فضلَة فِي الْكَلَام لَا عُمْدَة لَهُ وَأَن الْفِعْل هُوَ الْمخبر بِهِ وَالِاسْم هُوَ الْمخبر عَنهُ فَهَذَا أصل الْكَلَام وَوَضعه ثمَّ قد يكون ذَلِك مَقْصُود الْمُتَكَلّم وَقد لَا يكون على هَذِه الصُّورَة فَإِنَّهُ قد يكون الْمخبر عَنهُ والمخبر بِهِ معلومين أَو كالمعلومين وَيكون محط الْفَائِدَة فِي كَونه على الصّفة المستفادة من الْجَار وَالْمَجْرُور كَمَا نَحن فِيهِ فَإِن المضطجع وَوضع جنبه مَعْلُوم وَرَفعه كالمعلوم وَإِنَّمَا قُلْنَا كالمعلوم وَلم نقل مَعْلُوم لِأَنَّهُ قد يَمُوت حضرت الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ وَقد جَاءَهُ بريدي من جِهَة أرغون نَائِب الشَّام يَقُول لَهُ عَنهُ قَالَ لَك ملك الْأُمَرَاء بِأَيّ مُسْتَند تكْتب على كتاب بعلبك وَهُوَ ملك غَيْرك بِغَيْر إِذن صَاحبه وَقد أفسدته بكتابتك عَلَيْهِ اكْتُبْ لنا جوابك وَكَانَ الْوَالِد قد كتب على مَكْتُوب قَرْيَة حريثا من بعلبك أَنه إِثْبَات بَاطِل فَلَا يغتر بِهِ وَكَانَ قَصده الْحق والخشية من الاغترار بِالْكتاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 288 فَأخذ الْوَالِد وَرقا وَكتب من رَأس الْقَلَم مَا أعطَاهُ للبريدي ليوصله إِلَى ملك الْأُمَرَاء وَنَصه إِن قيل مَا مستندكم فِي الْكِتَابَة على كتاب بعلبك فَالْجَوَاب أَن مستندنا كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِجْمَاع الْمُسلمين وَالْقِيَاس أما كتاب الله فَقَوله {ليحق الْحق وَيبْطل الْبَاطِل} فإبطال الْبَاطِل من سنة الله فكتابتي عَلَيْهِ بالإبطال لذَلِك وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من رأى مِنْكُم مُنْكرا فلغيره بِيَدِهِ) وكتابتي عَلَيْهِ تَغْيِير بيَدي وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح (أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نقُول أَو نقوم بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا لَا نَخَاف فِي الله لومة لائم) فكتابتي عَلَيْهِ من الْقيام بِالْحَقِّ وَقَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} فكتابتي عَلَيْهِ من الْبَيَان للنَّاس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 289 وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ لعرق ظَالِم حق) وَالْكتاب الزُّور عرق بَاطِل فَيجب إِزَالَته وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا رَأَيْت أمتِي تهاب الظَّالِم أَن تَقول لَهُ أَنْت ظَالِم فقد تودع مِنْهُم) والآيات وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك أَكثر من هَذَا فَهَذَا من الْكتاب وَالسّنة وَأما الْإِجْمَاع فإجماع الصَّحَابَة مَعَ عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم على تحريق الْمَصَاحِف الْبَاطِلَة لما فِيهَا من زِيَادَة أَو نقص على الْمُصحف الْمجمع عَلَيْهِ فَإِذا جَازَ تحريق الْكتاب لباطل فِيهِ فالكتابة عَلَيْهِ بالإبطال أولى وَأما الْقيَاس فعلى خصم الْكتب فِي الابتياعات والأوقاف وَغَيرهَا حَتَّى لَا يغتر النَّاس بهَا إِذا لم يكْتب عَلَيْهَا فَكَانَ الْوَاجِب فِي هَذَا الْكتاب بَيَان مَا فِيهِ وَهُوَ عِنْدِي فِي هَذَا الْوَقْت أولى من إعدامه لِأَنَّهُ عِنْد إعدامه قد يَقُول قَائِل كَانَ مَا فِيهِ حَقًا وَأما عِنْد وجوده فالفاضل يتأمله فيفهم بُطْلَانه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 290 وَلَا يَنْبَغِي أَن يعْطى لمن كَانَ فِي يَده لأمرين أَحدهمَا أَنه يتَعَلَّق بِهِ وَقد يحصل مِنْهُ إِزَالَة مَا كتب عَلَيْهِ وتلبيس يُوصل إِلَى البطل وَلَكِن يحفظ ي سلة الحكم فيراه كل قَاض يَأْتِي فيعتمد الْحق ويجتنب الْبَاطِل وَالثَّانِي أَن الْكتب إِنَّمَا يملكهَا من لَهُ فِيهَا حق فَإِذا بِيعَتْ الدَّار فكتبها ينْتَقل ملكهَا بانتقال الدَّار إِلَى المُشْتَرِي لتشهد لَهُ بملكها وَهَذَا الْكتاب لَا حق فِيهِ لمن هُوَ فِي يَده لتزويره وبطلانه فَلم يجب تَسْلِيمه إِلَيْهِ بل وَلَا يجوز إِلَّا أَن يغسل ويمحى مَا فِيهِ وَيدْفَع لَهُ الرّقّ مغسولا فَلَا يمْنَع ذَلِك وتوهم من نظر بعد ذَلِك فِيهِ مندفع بِعِلْمِهِ بِفعل وُلَاة الْأُمُور لذَلِك الَّذين هم منتصبون لتحقيق الْحق وَإِبْطَال الْبَاطِل وَقد أَزَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَصْنَام الَّتِي كَانَت على الْكَعْبَة بِيَدِهِ وَنَصّ الْفُقَهَاء على جَوَاز إِتْلَاف مَا يُوجد من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَإِن كَانَ لورقها مَالِيَّة وَقد كَانَت ملك شخص معِين أَو أشخاص أَو الْمُسلمين فإذهاب ماليتها عَلَيْهِم إِنَّمَا هُوَ لانطوائها على الْبَاطِل فَهَذَا مثله لَو كَانَت لَهُ قيمَة فَكيف وَلَا قيمَة لَهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا ينْتَفع بِهِ لشهادته بِمَا فِيهِ وَمَا فِيهِ بَاطِل فَلَا مَنْفَعَة لَهُ وَمَا مَنْفَعَة لَهُ لَا قيمَة لَهُ وَأَيْضًا فَإِن الَّذِي فِي يَده هَذَا الْكتاب قد دفع إِلَيْنَا هَذَا الْكتاب وَهُوَ مَعَ غَرِيمه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 291 متداعيا فِي حكم الشَّرْع وَقد تبين فِي حكم الشَّرْع أَنه لَا حق لَهُ فِيهِ فَوَجَبَ علينا بِحكم الشَّرْع أَن نبطله ونرفع يَده عَنهُ وَيصير فِي يَد الشَّرْع ليستمر عمل الْحق فِيهِ وَفِي مُقَابِله وَمَا برح النَّاس من الْعلمَاء والقضاة وَالشُّهُود وَالْكتاب فِي الديار المصرية وَغَيرهَا يَكْتُبُونَ على المكاتيب مَا تجب كِتَابَته من انْتِقَال أَو خصم أَو غَيره فَكَذَلِك هَذَا وَالْقَوْل بِأَن هَذَا ملك الْغَيْر فَلَا يجوز إِمْسَاكه جهل من قَائِله أَو عدم تَأمل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 292 ذكر شَيْء من مقالاته فِي أصُول الديانَات ذهب إِلَى أَن الْكَلَام النَّفْسِيّ يسمع وَهُوَ أحد قولي الْأَشْعَرِيّ وَأَن التَّعَلُّق قديم وَهُوَ أَيْضا رَأْي الْأَشْعَرِيّ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 294 وَتردد فِي فنَاء الرّوح عِنْد قيام الْقِيَامَة قَالَ وَالْأَظْهَر أَنَّهَا لَا تفنى أبدا وَرَأى انحصار اللَّذَّات فِي الْعُلُوم والمعارف وَهُوَ رَأْي الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ قَالَ وَمَا عَداهَا دفع آلام وَذهب إِلَى امْتنَاع الْمعاصِي صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي تَفْسِيره فِي سُورَة الزمر وَقَالَ الْبشر أفضل من الْملك وَلَكِن لَا يجب على الْمُكَلف اعْتِقَاد ذَلِك وَلَو لَقِي الله ساذجا من هَذِه الْمَسْأَلَة لم يبال وَقَالَ إِن الرِّضَا غير الْإِرَادَة ذكره فِي التَّفْسِير فِي سُورَة الزمر وَحكى فِيهِ أقوالا أَحدهَا أَنه نَفسهَا وَالثَّانِي غَيرهَا وَهُوَ صفة فعل وَالثَّالِث غَيرهَا وَهُوَ صفة ذَات وَعزا هذَيْن الْقَوْلَيْنِ إِلَى ابْن كلاب وَلم يرجح مِنْهُمَا شَيْئا وَمن كَلَامه فِي التصوف والمواعظ وَالْحكم وَهَذَا بَحر وَاسع يسع مجلدات وَقد تضمن الْكثير مِنْهُ تصانيف لَهُ لطاف وَنحن نشِير إِلَى يسير مِمَّا لم يَخُصُّهُ بالتصنيف سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام يَقُول الصُّوفِي من لزم الصدْق مَعَ الْحق والخلق مَعَ الْخلق نقلت من خطّ الشَّيْخ الإِمَام فَكرت وجدت منشأ الْفساد كُله من الْكبر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 295 وَهُوَ أول الْمعاصِي لما استكبر إِبْلِيس وَذَلِكَ أَن الْقلب إِذا كبر استعلى واحتقر غَيره فيمنعه ذَلِك من قبُول الموعظة وَمن الانقياد وَإِذا صغر وحقر انْقَادَ واستسلم وانطاع لمن هُوَ أكبر مِنْهُ فيؤثر فِيهِ كَلَامه ووعظه وَيعرف بِهِ الْحق فَيحصل لَهُ كل خير وَوجدت الصّلاح كُله فِي كَلِمَتَيْنِ من الحَدِيث النَّبَوِيّ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَعَلَيْك بخويصة نَفسك وليسعك بَيْتك) أما قَوْله (وَعَلَيْك بخويصة نَفسك) فَإِن فِي الِاشْتِغَال بِنَفسِهِ تهذيبها وتنقيتها من الدنس وتكسبها الصِّفَات الحميدة الَّتِي تجاور بهَا رب الْعَالمين والاشتغال بِالنَّاسِ لَا خير فِيهِ وَأما قَوْله (وليسعك بَيْتك) فالسلامة فِي الْعُزْلَة وَمَتى خرج الْإِنْسَان من بَيته تعرض للشقاء وَانْظُر إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَلَا يخرجنكما من الْجنَّة فتشقى} وَقد نظمت هَذَا الْمَعْنى فِي قولي (كبر الْقلب مَانع من قبُول ... لرشاد فَكُن صَغِيرا حَقِيرًا) (والزم الْبَيْت لَا تُفَارِقهُ شبْرًا ... تلق عِنْد الْخُرُوج شرا كثيرا) انْتهى قلت رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ الإِمَام رَضِي الله عَنهُ فِي حَائِط خلوته تجاه وَجهه مَا نَصه (كن حلْس بَيْتك) (انصر أَخَاك) (كل الْمُسلم على الْمُسلم حرَام) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 296 (دع مَا يريبك) (عَلَيْك بخويصة نَفسك ويسعك بَيْتك) انْتهى كَأَنَّهُ كتبه تذكرة لنَفسِهِ كلما أَرَادَ أَن يخرج من الْبَيْت رَحمَه الله مَا كَانَ أَكثر مجاهدته للنَّفس نقلت من خطه قدس الله روحه كل عمل العَبْد الصَّالح يَنْبَغِي لَهُ أَن يخفيه عَن كل أحد حَتَّى يلاقي بِهِ الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ أعلم بِهِ ويجازيه بِهِ وَإِذا تكلم مَعَ أحد بِقدر الضَّرُورَة فِي علم أَو نَحوه فينوي بِهِ إِمَّا إفادته أَو الاستفادة فهذان الْأَمْرَانِ يَنْبَغِي للعاقل أَن يلْزمهُمَا وَلَا يغْفل عَنْهُمَا والتجربة تفيدهما وتفيد أَن النَّاس عدم بِالْكُلِّيَّةِ لَا ينفعون شَيْئا وَإِذا تحقق العَبْد ذَلِك انْتَفَى عَنهُ الرِّيَاء وَخرج من قلبه محبته وَلزِمَ الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين وَالله أعلم الجزء: 10 ¦ الصفحة: 297 وَفِي أصُول الْفِقْه والمنطق وَالْبَيَان والنحو وفنون الْمَغَازِي وَالسير والأنساب وَغَيرهَا ذهب إِلَى أَن الْمَفْهُوم حجَّة فِي الشَّرْع دون اللُّغَة وَالْعرْف وَأَن تَقْدِيم الْمَعْمُول يُفِيد الِاخْتِصَاص وَأَن الِاخْتِصَاص غير الْحصْر وَأَن تَعْمِيم النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي باللزوم لَا بِالْوَضْعِ وَأَن الْعَام الْمَخْصُوص حَقِيقَة قَالَ وَالْمرَاد بِهِ الْخُصُوص مجَاز بِالْإِجْمَاع وَأَن قُريْشًا ولد فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة وَهُوَ رَأْي شَيْخه الْحَافِظ أبي مُحَمَّد الدمياطي وَأَن دمشق فتحت عنْوَة وَأَن من الاستفهامية لَيست للْعُمُوم فِي الْإِفْرَاد بل للماهية وَلَا يظْهر بَينه وَبَين الْأُصُولِيِّينَ خلاف معنوي وَأَن قَوْلك من عنْدك يطْلب بِهِ التَّصَوُّر لَا التَّصْدِيق قَالَ وَمن زعم أَن الْمَطْلُوب بهَا التَّصْدِيق فقد غلط وَأَن الْجَواب فِيهَا مُفْرد لَا مركب وَلَا يقدر لَهُ مُبْتَدأ وَلَا خبر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 304 قَالَ وعَلى هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله} قَالَ وَقد جَاءَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {خَلقهنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم} قَالَ وَهُوَ ابْتِدَاء كَلَام يتَضَمَّن الْجَواب وَلَيْسَ اقتصارا على نفس الْجَواب بِخِلَاف الْآيَة قبلهَا قَالَ فَقَوله {الله} فِي جَوَاب {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ} اسْم مُفْرد وَالَّذِي تقدره النُّحَاة من أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَو مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف وَنَحْو ذَلِك إِنَّمَا يَصح بِأحد طَرِيقين أَحدهمَا أَن لَا يُرَاد الِاقْتِصَار على الْجَواب بل زِيَادَة إِفَادَة الْإِخْبَار كَمَا قُلْنَاهُ فِي قَوْله تَعَالَى {خَلقهنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم} وَيحصل فِي ضمن ذَلِك الْجَواب وَهُوَ إِفَادَة التَّصَوُّر وَالثَّانِي أَن يُرَاد الِاقْتِصَار على الْجَواب لفظا وَيدل بالالتزام على الْمَعْنى التصديقي وَهُوَ أَن الله خلقهمْ فَنظر النُّحَاة إِلَى هَذَا الْمَعْنى الالتزامي وأعربوا عَلَيْهِ لِأَن صناعتهم تَقْتَضِي النّظر فِيهِ ليَكُون كلَاما تَاما وَلَيْسَ من صناعتهم النّظر فِي الْمُفْرد قَالَ لَكِن يبْقى بعد هَذَا بحث وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ مُفردا فحقه أَن لَا يعرب لِأَن الْأَسْمَاء قبل التَّرْكِيب لَا معربة وَلَا مَبْنِيَّة وَإِذا لم يكن معربا فحقه أَن ينْطق بِهِ مَوْقُوفا وَهُوَ قد جَاءَ فِي الْقُرْآن مَرْفُوعا فَلَعَلَّ هَذَا مُرَاعَاة لما اسْتُفِيدَ مِنْهُ بِدلَالَة الِالْتِزَام فَجعل الجزء: 10 ¦ الصفحة: 305 كالمركب وَهُوَ الَّذِي بنى عَلَيْهِ النُّحَاة إِن ثَبت أَن الْأَسْمَاء المفردة لَا يجوز النُّطْق بهَا مَرْفُوعَة وَإِلَّا فقد يُقَال إِنَّهَا ينْطق بهَا على هَيْئَة الْمَرْفُوع لِأَن الرّفْع أقوى الحركات وَلِهَذَا نقُول فِي الْعدَد وَاحِد اثْنَان بِالْألف كَهَيئَةِ الْمَرْفُوع قَالَ وأصل هَذَا إِذا قيل مَا الْإِنْسَان فَقيل الْحَيَوَان النَّاطِق فَإِنَّهُ مُفْرد لَيْسَ بِكَلَام إِنَّمَا يقْصد بِهِ ذكر هَذَا لتصور حَقِيقَة الْإِنْسَان وَلِهَذَا يعد المنطقيون الْحَد خَارِجا عَن الْكَلَام وَمَتى قيل هُوَ الْحَيَوَان النَّاطِق كَانَ دَعْوَى لَا حدا والنحاة لم يتَعَرَّضُوا لذَلِك وَذهب إِلَى أَن الْجَار وَالْمَجْرُور والظرف إِذا وَقعا خَبرا يكونَانِ خَبرا وَلَا يقدر فيهمَا كَائِن وَلَا اسْتَقر وَقد رَأَيْته معزوا إِلَى أبي بكر بن السراج شيخ أبي عَليّ الْفَارِسِي فِي كتاب الشيرازيات وَذهب إِلَى أَن غَزْوَة ذَات الرّقاع كَانَت بعد خَيْبَر كَمَا هُوَ رَأْي البُخَارِيّ وَخَالف فِيهِ شَيْخه الدمياطي وَأهل الْمَغَازِي ابْن إِسْحَاق وَابْن سعد والواقدي ومُوسَى بن عقبَة وَخَلِيفَة بن خياط وَغَيرهم وَذهب إِلَى أَن الْحسن لم يسمع من سَمُرَة شَيْئا لَا حَدِيث الْعَقِيقَة وَلَا غَيره وَهُوَ رَأْي أَحْمد بن حَنْبَل وَيحيى بن معِين وَأنكر أَن يكون يَعْقُوب أَو شُعَيْب أَو غَيرهمَا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام حصل لَهُ عمى وشدد النكير على مدعيه وَأول جَمِيع الظَّوَاهِر الْوَارِدَة فِيهِ قَالَ الشَّيْخ الإِمَام يُقَال جَاءَ شَيْء وَلَا يُقَال جَاءَ جَاءَ وَإِن كَانَ الجائي أخص من شَيْء وَذَلِكَ لِأَن جَاءَ مُسْند والمسند إِلَيْهِ الْفَاعِل وَمَعْرِفَة الْمسند إِلَيْهِ مُتَقَدّمَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 306 على معرفَة الْمسند فَمن عرف الجائي عرف الْمَجِيء فَلَا يبْقى فِي الْإِسْنَاد فَائِدَة وَالشَّيْء قد يعرف وَلَا يعرف مَجِيئه ذكر عدد مصنفاته رَحمَه الله الدّرّ النظيم فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم لم يكمل تَكْمِلَة الْمَجْمُوع فِي شرح الْمُهَذّب بنى على النَّوَوِيّ رَحمَه الله من بَاب الرِّبَا وَوصل إِلَى أثْنَاء التَّفْلِيس فِي خمس مجلدات التحبير الْمَذْهَب فِي تَحْرِير الْمَذْهَب وَهُوَ شرح مَبْسُوط على الْمِنْهَاج كَانَ ابْتَدَأَ فِيهِ من كتاب الصَّلَاة فَعمل قِطْعَة نفيسة ذكر لي أَن الشَّيْخ عَلَاء الدّين أَبَا الْحسن الْبَاجِيّ وقف عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ هَذَا يَنْبَغِي أَن يكون على الْوَسِيط لَا الْمِنْهَاج فَأَعْرض عَنهُ الابتهاج فِي شرح الْمِنْهَاج للنووي وصل فِيهِ إِلَى أَوَائِل الطَّلَاق الإيهاج فِي شرح الْمِنْهَاج فِي أصُول الْفِقْه عمل مِنْهُ قِطْعَة يسيرَة فَانْتهى إِلَى مَسْأَلَة مُقَدّمَة الْوَاجِب ثمَّ أعرض عَنهُ فأكملته أَنا رفع الْحَاجِب عَن مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب بَدَأَ فِيهِ فَعمل قَلِيلا من أَوله وَمن الْمنطق وَأَنا لم أَقف على هَذِه الْقطعَة وَلَكِن بَلغنِي أَنَّهَا نَحْو كراسة وَاحِدَة وَقد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 307 وسمت أَنا شرحي على الْمُخْتَصر بِهَذَا الِاسْم تبركا بصنع الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ الرقم الإبريزي فِي شرح مُخْتَصر التبريزي الوشي الإبريزي فِي حل التبريزي لم يكملا كتاب التَّحْقِيق فِي مَسْأَلَة التَّعْلِيق وَهُوَ الرَّد الْكَبِير على ابْن تَيْمِية فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق رَافع الشقاق فِي مَسْأَلَة الطَّلَاق وَهُوَ الصَّغِير أَحْكَام كل وَمَا عَلَيْهِ تدل بَيَان حكم الرَّبْط فِي اعْتِرَاض الشَّرْط على الشَّرْط شِفَاء السقام فِي زِيَارَة خير الْأَنَام صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الرَّد على ابْن تَيْمِية وَرُبمَا سمي شن الْغَارة على من أنكر السّفر للزيارة السَّيْف المسلول على من سبّ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّعْظِيم والْمنَّة فِي {لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه} منية الباحث عَن حكم دين الْوَارِث نور الرّبيع من كتاب الرّبيع وَهُوَ كتاب جليل حافل كَانَ وَضعه على الْأُم لم يتمه وَمَا كتب مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا الرياض الأنيقة فِي قسْمَة الحديقة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 308 الْإِقْنَاع فِي الْكَلَام على أَن لَو للامتناع وشي الحلى فِي تَأْكِيد النَّفْي بِلَا الرَّد على ابْن الكتناني الِاعْتِبَار بِبَقَاء الْجنَّة وَالنَّار ضَرُورَة التَّقْدِير فِي تَقْوِيم الْخمر وَالْخِنْزِير كَيفَ التَّدْبِير فِي تَقْوِيم الْخمر وَالْخِنْزِير السهْم الصائب فِي قبض دين الْغَائِب الْغَيْث المغدق فِي مِيرَاث ابْن الْمُعْتق فصل الْمقَال فِي هَدَايَا الْعمَّال مُخْتَصر فصل الْمقَال نور المصابيح فِي صَلَاة التَّرَاوِيح ضِيَاء المصابيح ضوء المصابيح إشراق المصابيح تَقْيِيد التراجيح ومصنفان آخرَانِ فِي ذَلِك تَكْمِلَة سَبْعَة إبراز الحكم من حَدِيث (رفع الْقَلَم) الْكَلَام على حَدِيث (رفع الْقَلَم) الْكَلَام على حَدِيث (إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث) الْكَلَام مَعَ ابْن أندراس فِي الْمنطق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 309 جَوَاب سُؤال عَليّ بن عبد السَّلَام أجوبة أهل طرابلس رِسَالَة أهل مَكَّة أجوبة أهل صفد فَتْوَى أهل الْإسْكَنْدَريَّة الْفَتْوَى العراقية جَوَاب سُؤَالَات الشَّيْخ الإِمَام نجم الدّين الأصفوني نزيل مَكَّة الْمَنَاسِك الْكُبْرَى الْمَنَاسِك الصُّغْرَى كشف الْغُمَّة فِي مِيرَاث أهل الذِّمَّة الْفَتَاوَى فَتْوَى كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة مَسْأَلَة فنَاء الْأَرْوَاح مَسْأَلَة فِي التَّقْلِيد فِي أصُول الدّين النَّوَادِر الهمدانية إحْيَاء النُّفُوس فِي صَنْعَة إِلْقَاء الدُّرُوس المفرق فِي مُطلق المَاء وَالْمَاء الْمُطلق الاتساق فِي بَقَاء وَجه الِاشْتِقَاق الطوالع المشرقة فِي الْوَقْف على طبقَة بعد طبقَة المباحث المشرفة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 310 النقول والمباحث المشرقة طَلِيعَة الْفَتْح والنصر فِي صَلَاة الْخَوْف وَالْقصر مُخْتَصر طَبَقَات الْفُقَهَاء أَحَادِيث رفع الْيَدَيْنِ الْمسَائِل الحلبية وَهِي الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا من حلب أَمْثِلَة الْمُشْتَقّ وَهِي أرجوزة القَوْل الصَّحِيح فِي تعْيين الذَّبِيح القَوْل الْمَحْمُود فِي تَنْزِيه دَاوُد الْجَواب الْحَاضِر فِي وقف بني عبد الْقَادِر حَدِيث نحر الْإِبِل قطف النُّور فِي مسَائِل الدّور النُّور فِي الدّور وَله فِيهَا مُصَنف ثَالِث وَهَذَا فِي الديار المصرية ثمَّ رَجَعَ عَن مقَالَة ابْن الْحداد وصنف فِي الشَّام مصنفين آخَرين فِي ذَلِك أَحدهمَا أملاه عَليّ مَسْأَلَة مَا أعظم الله مسَائِل سُئِلَ عَن تحريرها فِي بَاب الْكِتَابَة مَسْأَلَة هَل يُقَال الْعشْر الْأَوَاخِر مُخْتَصر كتاب الصَّلَاة لمُحَمد بن نصر الْإِقْنَاع فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {مَا للظالمين من حميم وَلَا شَفِيع يطاع} الجزء: 10 ¦ الصفحة: 311 الرفده فِي معنى وَحده جَوَاب سُؤال من الْقُدس الشريف منتخب تَعْلِيقه الْأُسْتَاذ فِي الْأُصُول عُقُود الجمان فِي عُقُود الرَّهْن وَالضَّمان مُخْتَصر عُقُود الجمان ورد الْعِلَل فِي فهم الْعِلَل وقف بني عَسَاكِر الْبَصَر النَّاقِد فِي لَا كلمت كل وَاحِد الْكَلَام على الْجمع فِي الْحَضَر لعذر الْمَطَر الصنيعة فِي ضَمَان الْوَدِيعَة النقول البديعة فِي ضَمَان الْوَدِيعَة حسن الصنيعة فِي ضَمَان الْوَدِيعَة التهدي إِلَى معنى التَّعَدِّي بَيَان الْمُحْتَمل فِي تَعديَة عمل الْحلم والأناة فِي إِعْرَاب قَوْله {غير ناظرين إناه} القَوْل الْجد فِي تَبَعِيَّة الْجد الإغريض فِي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَالْكِنَايَة والتعريض الجزء: 10 ¦ الصفحة: 312 تَفْسِير {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا} وَهُوَ غير التهدي وَغير بَيَان الْمُحْتَمل أبسط مِنْهُمَا الْمَوَاهِب الصمدية فِي الْمَوَارِيث الصفدية كشف الدسائس فِي هدم الْكَنَائِس تَنْزِيل السكينَة على قناديل الْمَدِينَة الطَّرِيقَة النافعة فِي الْمُسَاقَاة وَالْمُخَابَرَة والمزارعة من أقسطوا وَمن غلوا فِي حكم نقُول لَو نيل الْعلَا بالْعَطْف بِلَا حفظ الصّيام عَن فَوت التَّمام جَوَاب سُؤال ورد من بَغْدَاد كتاب الْحِيَل وَهُوَ جَوَاب سُؤال بيبغاروس نَائِب حلب الْوَارِد من حلب كم حِكْمَة أرتنا أسئلة أرتنا وَهُوَ جَوَاب عَن أسئلة وَردت من أرتنا ملك الرّوم جَوَاب أهل مَكَّة جَوَاب الْمُكَاتبَة فِي حارة المغاربة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 313 هرب السَّارِق خُرُوج الْمُعْتَدَّة معنى قَول الإِمَام المطلبي إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي سَبَب الانكفاف عَن إقراء الْكَشَّاف وقف بيسان وقف أَوْلَاد الْحَافِظ النّظر المعيني فِي محاكمة أَوْلَاد اليونيني موقف الرُّمَاة فِي وقف حماه مَرْكَز الرُّمَاة القَوْل النقوي فِي الْوَقْف التقوي القَوْل المختطف فِي دلَالَة كَانَ إِذا اعْتكف كشف اللّبْس عَن الْمسَائِل الْخمس غيرَة الإمان لأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان أجوبة سُؤَالَات أرْسلت إِلَيْهِ من مصر حَدِيثِيَّةٌ أوردهَا بعض الْمَشَايِخ على كتاب تَهْذِيب الْكَمَال لِلْحَافِظِ الْمزي مَسْأَلَة زَكَاة مَال الْيَتِيم الْكَلَام على لِبَاس الفتوة وَهُوَ فَتْوَى الفتوة بيع الْمَرْهُون فِي غيبَة الْمَدْيُون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 314 الْأَلْفَاظ هَل وضعت بِإِزَاءِ الْمعَانِي الذهبية أَو الخارجية أجوبة مسَائِل سَأَلته أَنا عَنْهَا فِي أصُول الْفِقْه الْعَارِضَة فِي الْبَيِّنَة المتعارضة مَسْأَلَة تعَارض الْبَيِّنَتَيْنِ كتاب بر الْوَالِدين أجوبة أسئلة حَدِيثِيَّةٌ وَردت من الديار المصرية الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ} نصيحة الْقُضَاة الاقتناص فِي الْفرق بَين الْحصْر وَالْقصر والاختصاص فِي علم الْبَيَان ذكر النبأ عَن وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه ابْتَدَأَ بِهِ الضعْف فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة وَاسْتمرّ عليلا إِلَّا أَنه لم يحم قطّ وسمعته يَقُول كنت أَقرَأ سيرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ هِشَام فِي سنة سِتّ وَسَبْعمائة فعرضت لي حمى فِي بعض الْأَيَّام وَجَاء وَقت الميعاد فَأتى كَاتب الْأَسْمَاء وَقَالَ وَأَنا مَحْمُوم قد اجْتمعت النَّاس فكدت أبطل ثمَّ قلت لَا وَالله لَا بطلت مَجْلِسا تذكر فِيهِ سيرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتحاملت وَأَنا مَحْمُوم وقرأت الميعاد وَوَقع فِي نَفسِي أَنِّي لَا أحم أبدا فَمَا حصلت لي حمى بعْدهَا وَاسْتمرّ بِدِمَشْق عليلا إِلَى أَن وليت أَنا الْقَضَاء وَمكث بعد ذَلِك نَحْو شهر وسافر إِلَى الديار المصرية وَكَانَ يذكر أَنه لَا يَمُوت إِلَّا بهَا فاستمر بهَا عليلا يويمات يسيرَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 315 ثمَّ توفّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ المسفرة عَن ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة بِظَاهِر الْقَاهِرَة وَدفن بِبَاب النَّصْر تغمده الله برحمته ورضوانه وَأَسْكَنَهُ فسيح جنانه وَأجْمع من شَاهد جنَازَته على أَنه لم ير جَنَازَة أَكثر جمعا مِنْهَا قَالُوا إِنَّه لما مَاتَ لَيْلًا بالجزيرة مَا انْفَلق الْفجْر إِلَّا وَقد مَلأ الْخلق مَا بَين الجزيرة إِلَى بَاب النَّصْر وَنَادَتْ المنادية مَاتَ آخر الْمُجْتَهدين مَاتَ حجَّة الله فِي الأَرْض مَاتَ عَالم الزَّمَان وَهَكَذَا ثمَّ حمل الْعلمَاء نعشه وازدحم الْخلق بِحَيْثُ كَانَ أَوَّلهمْ على بَاب منزل وَفَاته وَآخرهمْ فِي بَاب النَّصْر وَقيل لم يحاك مَا يُقَال عَن جَنَازَة الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل سوى جَنَازَة الشَّيْخ الإِمَام فِي كَثْرَة اجْتِمَاع النَّاس تغمده الله برحمته حكى لي الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الصَّالح فَخر الدّين الضَّرِير قَالَ لم أكن اجْتمعت بالشيخ الإِمَام وَلَيْلَة مَوته قلت هَذَا شيخ الْمُسلمين فأقوم للصَّلَاة عَلَيْهِ وشهود جنَازَته خَالِصا لله فَإِنِّي لَا أعرفهُ وَلَا أعرف أحدا من أَوْلَاده وَلَا من خواصه قَالَ وَلم أكن أعرف أحدا مِنْكُم قَالَ فَفعلت ذَلِك ثمَّ نمت لَيْلَتي تِلْكَ فرأيته فِي الْمَنَام فِي مَكَان مُرْتَفع وَهُوَ يَقُول بَلغنِي صنيعك وتكاثرت المنامات عقب وَفَاته من الصَّالِحين وَغَيرهم بِمَا هُوَ الظَّن بِهِ عِنْد ربه وَلَو حكيناها لطال الشَّرْح الجزء: 10 ¦ الصفحة: 316 وَحكى بعض الصَّالِحين قَالَ رَأَيْته فِي الْمَنَام بعد لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث من مَوته فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ فتحت لي أَبْوَاب الْجنَّة وَقَالَ لي ادخل فَقلت وَعزَّتك لَا أَدخل حَتَّى يدْخل كل من حضر الصَّلَاة عَليّ رَحمَه الله تَعَالَى ذكر شَيْء مِمَّا سمعناه من مراثيه وَمَا أنْشد أهل الْعَصْر فِيهِ أما المدائح فتربو على مجلدات فَلَا معنى للتطويل بهَا وَأما المراثي فَنَذْكُر مِنْهَا مَا حَضَرنَا كتب إِلَيّ شَاعِر الْوَقْت جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن نباتة وَسمعتهَا من لَفظه (نعاه للفضل والعياء وَالنّسب ... ناعيه للْأَرْض والأفلاك والشهب) (ندب رَأينَا وجوب النّدب حِين مضى ... فَأَي حزن وقلب فِيهِ لم يجب) (نعم إِلَى الأَرْض ينعى وَالسَّمَاء على ... فقيدكم يَا سراة الْمجد والحسب) (بِالْعلمِ وَالْعَمَل المبرور قد ملئت ... أَرض بكم وسماء عَن أَب فأب) (مقدم ذكر ماضيكم ووارثه ... فِي الْوَقْت تَقْدِيم بِسم الله فِي الْكتب) (آها لمجتهد فِي الْعلم يندبه ... من بَات مُجْتَهدا فِي الْحزن وَالْحَرب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 317 (بَينا وُفُود العلى وَالْعلم ينزلهم ... إِذْ نازلتنا اللَّيَالِي فِيهِ عَن كثب) (وَأَقْبَلت نوب الْأَيَّام واترة ... إِذْ كَانَ عونا على الْأَيَّام والنوب) (ففاجأتنا يَد التَّفْرِيق مسفرة ... عَن سفرة طَال فِيهَا شجو مرتقب) (وَجَاء من نَحْو مصر مبتدا خبر ... لَكِن بِهِ السّمع مَنْصُوب على النصب) (قَالَت دمشق بدمع النَّهر واخبرا ... فزعت فِيهِ بآمالي إِلَى الْكَذِب) (حَتَّى إِذا لم يدع لي صدقه أملا ... شَرقَتْ بالدمع حَتَّى كَاد يشرق بِي) (وكلمتنا سيوف الْكتب قائلة ... مَا السَّيْف أصدق إنباء من الْكتب) (وَقَالَ موت فَتى الْأَنْصَار مغتبطا ... الله أكبر كل الْحسن فِي الْعَرَب) (لقد طوى الْمَوْت من ذَاك الفرند حلى ... كَانَت حلى الدّين وَالْأَحْكَام والرتب) (وَخص مغنى دمشق الْحزن مُتَّصِلا ... بفرقتين أباتتها على وصب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 318 (بَين وَمَوْت يؤوب الغائبون وَمن ... يجمع مغيبهما تالله لم يؤب) (كَادَت ريَاح الأسى والشجو يعكسها ... حَتَّى الغصون بهَا معكوسة العذب) (وَالْجَامِع الرحب أَمْسَى صَدره حرجا ... والنسر ضم جناحيه من الرهب) (وللمدارس هم كَاد يدرسها ... لَوْلَا تدارك أَبنَاء لَهُ نجب) (من للهدى والندى لَوْلَا بنوه وَمن ... للفضل يسحب أذيالا على السحب) (من للفتوة وَالْفَتْوَى مجانسة ... فِي الصيغتين وَفِي الْحَالين للأدب) (من للتواضع حَيْثُ الْقدر فِي صعد ... على النُّجُوم وَحَيْثُ الْحلم فِي صبب) (من للتصانيف فِيهَا زِينَة وَهدى ... ورجم بَاغ فيالله من شهب) (أمضى من النصل فِي نصر الْهدى فَإِذا ... سلت نصال العدى أوقى من اليلب) (من للفضائل والأفضال قد جمعت ... بَين السراة إِلَى دَار بهَا درب) (ذُو همة فِي الْعلَا وَالْعلم قد بلغت ... شأو السماك وَمَا تنفك فِي دأب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 319 (حَتَّى رأى الْعلم شفع الشَّافِعِي بِهِ ... وَقَالَ من ذَا وَذَا أدْركْت مطلبي) (من للتهجد أَو من للدعا بسطت ... بِهِ وبالجود فِينَا راحتا تَعب) (من للمدائح منا قد صفت وحلت ... كَأَنَّمَا افتر مِنْهَا الطرس عَن شنب) (من للمحامد قد قَامَت خطابتها ... على معاليه فِي قاص ومقترب) (لهفي وَقد لبست حزنا لفرقته ... حدادها أسطر الْأَشْعَار والخطب) (لهفي لنظام مدح فكر أجمعهم ... بالهم لَا بالذكا أَمْسَى أَبَا لَهب) (كَأَن أَيدي الورى تبت أسى فغدت ... من عي أقلامها حمالَة الْحَطب) (لهفي على الطُّهْر فِي عرض وَفِي سمة ... وَفِي لِسَان وَفِي حلم وَفِي غضب) (واقي الشَّرِيعَة من تَخْلِيط من ردعوا ... فَمَا يَخُوضُونَ فِي جد وَلعب) (محجب غير مَمْنُوع اللقا بسنا ... عليائه ومهيب غير محتجب) (أضحى لسبك بِجُزْء من مناقبه ... على الْعرَاق فخار غير منتقب) (لهفي لعلمين مَرْوِيّ ومجتهد ... لهفي لفضلين موروث ومكتسب) (آها لمرتحل عَنَّا وأنعمه ... ملْء الحقائب للطلاب والحقب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 320 (إِيمَان حب إِلَى الأوطان حركه ... حَتَّى قضى نحبه يَا طول منتحب) (لهفي لكل وقور من بنيه بَكَى ... وَهُوَ الصَّوَاب بصوب الواكف السرب) (وكل نادبة فِي الْحجب قُلْنَ لَهَا ... يَا أُخْت خير أَخ يَا بنت خير أَب) (إِلَى الْحُسَيْن انْتهى مسرى عَليّ فَلَا ... هنئت يَا خارجي الْهم بالغلب) (بعد الإِمَام عَليّ لَا وَلَاء لنا ... من الزَّمَان وَلَا قربى من النّسَب) (يَا ثاويا والثنا وَالْحَمْد ينشره ... بقيت أَنْت وأفنتنا يَد الكرب) (نم فِي مقَام نعيم غير مُنْقَطع ... وَنحن فِي نَار حزن غير متئب) (سِهَام حزن تقسمنها عَلَيْك فَإِن ... تقسم توف وَإِن ترم الحشا تصب) (تحلبت بالبكا أجفان مدكر ... أخلاف برك إِن نستسقها نصب) (مَا أعجب الْحَال لي قلب بِمصْر وَفِي ... دمشق جسم ودمع الْعين فِي حلب) (من لي بِمصْر الَّتِي ضمتك تجمعنا ... وَلَو بطُون الثرى فِيهَا فيا طربي) (بالرغم منا رثاء بعد مدحك لَا ... يسلى وَنحن مَعَ الْأَيَّام فِي شجب) (مَا بَين أكبادنا والهم فاصلة ... كلا وَلَا لصنيع الشّعْر من سَبَب) (أما القريض فلولا نسلكم كسدت ... أسواقه وغدت مَقْطُوعَة الجلب) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 321 (قَاضِي الْقُضَاة عزاء عَن إِمَام تقى ... بِالْفَضْلِ أوصى وصاة الْمَرْء بالعقب) (فَأَنت فِي رتب الْعليا وَمَا وسقت ... بَحر يحدث عَنهُ بِالْحرِّ بالعجب) (مَا غَابَ عَنَّا سوى شخص لوالدكم ... وَعلمه والتقى والجود لم يغب) (جَادَتْ ثراك أَبَا السادات سحب رضى ... تزهى بذيل على مثواك منسحب) (وَسَار نَحْوك منا كل شارقة ... سَلام كل شجي الْقلب مكتئب) (تَحِيَّة الله نهديها ونتبعها ... فَبعد فقدك مَا فِي الْعَيْش من أرب) (وخفف الْحزن إِنَّا لاحقون بِمن ... مضى فَأمْضى شباة الْحَادِث الذرب) (إِن لم يسر نحونا سرنا إِلَيْهِ على ... أيامنا والليالي الدهم والشهب) (إِنَّا من الترب أشباح مخلقة ... فَلَا عَجِيب مآل الترب للترب) وَقَالَ أديب الزَّمَان القَاضِي صَلَاح الدّين خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي أمته الله بِهِ (أَي طود من الشَّرِيعَة مَالا ... زعزعت رُكْنه الْمنون فزالا) (أَي ظلّ قد قلصته المنايا ... حِين أعيا على الْمُلُوك انتقالا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 322 (أَي بَحر كم فاض بِالْعلمِ حَتَّى ... كَانَ مِنْهُ بَحر البسيطة آلا) (أَي حبر مضى وَقد كَانَ بحرا ... فاض للواردين عَذَاب زلالا) (أَي شمس قد كورت فِي ضريح ... ثمَّ أبقت بَدْرًا يضي وهلالا) (مَاتَ قَاضِي الْقُضَاة من كَانَ يرقى ... رتب الإجتهاد حَالا فحالا) (مَاتَ من فضل علمه طبق الأَرْض ... مسيرًا وَمَا تشكي كلالا) (كَانَ كَالشَّمْسِ فِي عُلُوم إِذا مَا ... أشرقت أصبح الْأَنَام ذبالا) (كَانَ كل الْأَنَام من قبل ذَا الْعَصْر ... عَلَيْهِ فِي كل علم عيالا) (كَانَ فَرد الْوُجُود فِي الدَّهْر يزهى ... بمعالي أهل الْعُلُوم جمالا) (فَمَضَوْا قبله وَكَانَ ختاما ... بعدهمْ فاعتدى الزَّمَان وصالا) (كملت ذَاته بأوصاف علم ... علم الْبَدْر فِي الدياجي الكمالا) (وأنام الْأَنَام فِي مهد عدل ... شَمل الْخلق يمنة وَشمَالًا) (فَلِمَنْ بعده نشيد رحابا ... وَلمن بعده نَشد رحالا) (وَهُوَ إِن رمت مثله فِي علاهُ ... لم تَجِد فِي السُّؤَال عَنهُ سوى لَا) (أحسن الله للأنام عزاهم ... فهم بالمصاب فِيهِ ثكالى) (ومصاب السُّبْكِيّ قد سبك الْقلب ... وأودى منا الْجُلُود انتحالا) (خزرجي الْأُصُول لَو فاخر النَّجْم ... علا مجده عَلَيْهِ وطالا) (خلق كالنسيم مر على الرَّوْض ... سحيرا وعرفه قد توالى) (يَد جودها يفوق الغوادي ... تِلْكَ مَاء هَمت وَذَا صب مَالا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 323 (أَيهَا الذَّاهِب الَّذِي حِين ولى ... صَار مِنْهُ عز الدُّمُوع مدالا) (لَو أَفَادَ الْفِدَاء شخصا لجدنا ... بنفوس على الفدا تتغالى) (أنفس طَال مَا تنفس عَنْهَا ... مِنْك كرب يكظها واستحالا) (أَنْت بلغتهَا المنى فِي أَمَان ... فاستفادت غنى وعزت منالا) (من لنا إِن دجت شكوك شَكَوْنَا ... من أذاها فِي الدَّهْر دَاء عضالا) (كنت تجلو ظلامها بِبَيَان ... حل من عقلنا الْأَسير عقَالًا) (من يُعِيد الْفَتْوَى إِلَى كل قطر ... مِنْهُ جَاءَت جوابها يتلالا) (قد صببت الصَّوَاب فِيهَا وَأهْديت ... هداها وَقد محوت المحالا) (فَيَقُول الورى إِذا مَا رأوها ... هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فلالا) (فَلْيقل من يَشَاء مَا شَاءَ إِن الْمَوْت ... أردى الغضنفر الرئبالا) (وَإِذا مَا خلا الجبان بِأَرْض ... طلب الطعْن وَحده والنزالا) (قد تقضى قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ... سُبْحَانَ من يزِيل الجبالا) (فالدراري من بعده كاسفات ... وَإِذا مَا بَدَت ترَاهَا خجالى) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 324 (كَانَ طودا فِي علمه مشمخرا ... مد فِي النَّاس من بنيه ظلالا) (فبهاء بهَا ونعمت وتاج ... فَوق فرق العلياء راق اعتدالا) (هُوَ قَاضِي الْقُضَاة صان حماه ... من عوادي الزَّمَان رَبِّي تَعَالَى) (وهداه للْحكم فِي كل يَوْم ... فِيهِ يرْعَى الْأَيْتَام والأطفالا) (وحباه الصَّبْر الْجَمِيل ووفاه ... ثَوابًا يهمي سحابا ثقالا) (ليبيد العدى جلادا وَيَغْدُو ... فَيُفِيد الندى ويبدي الجدالا) وَقَالَ أَيْضا مِمَّا كتب بِهِ إِلَى الشَّيْخ بهاء الدّين أبي حَامِد أَحْمد (أهكذا جبل الْإِسْلَام ينهدم ... وَهَكَذَا سَيْفه المسلول ينثلم) (وَهَكَذَا جَيْشه الْمَعْهُود نصرته ... على أعاديه بعد الْيَوْم ينهزم) (وَهَكَذَا مجده الراسي قَوَاعِده ... تنحط مِنْهُ أعاليه وتنحطم) (وَهَكَذَا الْبَدْر فِي أَعلَى مَنَازِله ... وسعده قد محت أنواره الظُّلم) (وَهَكَذَا الْبَحْر يُمْسِي وَهُوَ ذُو يبس ... من بعد مَا كَانَ بالأمواج يلتطم) (وَهَكَذَا الدّين قد أزرى بِهِ خنس ... من بعد مَا كَانَ فِي عرنينه شمم) (وَهَكَذَا كل ميت حل فِي جدث ... بَكَى لَهُ الفاقدان الْعلم وَالْكَرم) (وَقد نعى الْعدْل مِنْهُ سيرة كرمت ... يحفها الزاهران الْحلم وَالنعَم) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 325 (وَالْوَرق تملي لنا فِي وَصفه خطبا ... يقلها المنبران البان وَالسّلم) (وَلَو أَرَادَ الأعادي كتمها اعْترفت ... بفضلها الشَّاهِدَانِ الْعَرَب والعجم) (قل للعدي إِن جهلتم قدر رتبته ... فالبيت يعرفهُ والحل وَالْحرم) (وَاللَّيْل وَالذكر والمحراب شَاهده ... وَالشَّرْع وَالْحكم والتصنيف والقلم) (وَمن يقل إِنَّه يدْرِي مكانته ... فَمَا خَفِي عَنْهُم أَضْعَاف مَا علمُوا) (فكم كماة من النظار قد مهروا ... فِي الْبَحْث جَاءُوا بِمَا ظنُّوا وَمَا زَعَمُوا) (فكر فيهم بِلَا فكر وجدلهم ... جداله ثمَّ لما سلمُوا سلمُوا) (وَقصرُوا عَن مبادي غَايَة حصلت ... لَهُ وَأَيْنَ عِقَاب الجو والرخم) (ولوا فِرَارًا وَقد ألقوا سِلَاحهمْ ... وهم أنَاس على التَّحْقِيق قد وهموا) (عَلَيْهِ هَزَمَهُمْ فِي كل معركة ... وَمَا عَلَيْهِ بهم عَار إِذا انْهَزمُوا) (شكوا فتورا رَأَوْهُ فِي بصائرهم ... وَلَو ألموا بِهِ من قبل مَا ألموا) (مَا النَّاس إِلَّا سَوَاء فِي بُيُوتهم ... مَا الشَّأْن فِي أَمرهم إِلَّا إِذا التحموا) (كل يرى أَنه إِذْ رَاح مُنْفَردا ... لَيْث وأقلامه من حوله أجم) (فَإِن تضمهم وَقت الْجِدَال وغى ... فَعندهَا يظْهر الأقدار والقيم) (تزايد الْحلم من زاكي سجيته ... فَلم يكن من عداهُ قطّ ينْتَقم) (موفق الحكم وَالْفَتْوَى على رشد ... مَا ند مِنْهُ على مَا قد مضى نَدم) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 326 (كم بَات ينصر مَظْلُوما رَآهُ وَقد ... أوذي وجانبه بالضعف يهتضم) (كَانَ ابْن تَيْمِية بِالْفَضْلِ معترفا ... وَهُوَ الألد الَّذِي فِي بَحثه خصم) (يثني عَلَيْهِ وَقد أبدى بفكرته ... أَوْهَامه فيراها وَهُوَ يبتسم) (وَمَا أقرّ لمخلوق سواهُ وَفِي ... زَمَانه كل حبر علمه علم) (قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين حِين قضى ... غَدا أولو الْحلم لم يهناهم الْحلم) (وَكَيف يهنأ عَيْش بعده وَبِه ... قد كَانَ شَمل الْهدى بِالْحَقِّ يلتئم) (فاليوم أقفر ربع المكرمات وَقد ... شط المزار وأقوت دونهَا الخيم) (مَاتَ الَّذِي كَانَت الْأَعْلَام تسأله ... فِي غامض الْعلم للسؤال يَحْتَلِم) (مَاتَ الَّذِي كَانَ إِن تسأله غامضة ... خلاك من حليها فِي الْعلم تحتكم) (يَا سائرا فَوق أَعْنَاق الرِّجَال وَكم ... سعت لَهُ فِي الْمَعَالِي وَالْهدى قدم) (خدمت علمك وقتا والأنام إِلَى ... يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا قلته خدم) (تركت فِينَا تصانيفا تخاطبنا ... فَأَنت حَيّ وَلما تنشر الرمم) (مَا مثل سيرتك المثلى إِذا ذكرت ... بِالْحَمْد تبدا وبالتقريظ تختتم) (أَقمت فِي مصر وَالْأَخْبَار نافحة ... طيبا تسير بهَا الوخادة الرَّسْم) (مَا كنت إِلَّا إِمَام النَّاس قاطبة ... فِي النَّقْل وَالْعقل تقضي كلما اخْتَصَمُوا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 327 (وكل مشكلة فِي الدّين معضلة ... يضيق فِيهَا على سلاكها اللقم) (تحل شبهتها من حَيْثُ مَا عرضت ... بِالْحَقِّ إِذْ لَيْسَ فِي التَّرْجِيح تتهم) (تأوي إِلَيْك نفوس العارفين لما ... ترَاهُ مِنْك وترعى عنْدك الذمم) (مطهر الذَّات من عيب تضير لنا ... مِنْك العوارف والأخلاق والشيم) (يكَاد من رقة فِيهِ يهب صبا ... هَذَا وَقد بَرحت أجداثه الحطم) (من أجل ذَاك غَدَتْ أَيَّامه غررا ... بيضًا وَلم يقْض فِيهَا أَن يراق دم) (كف على عدد الْأَيَّام فِي هبة الْأَنْفَال ... مَا سامها من بذلها سأم) (أَقُول لما نأى عَن جلق ونأت ... عَنْهَا غوادي الحيا وانجابت الديم) (يَا من يعز علينا أَن نفارقهم ... وجداننا كل شَيْء بعدكم عدم) (لَكِن صَبرنَا على التَّفْرِيق وَهُوَ أَذَى ... وَمَا لجرح إِذا أرضاكم ألم) (مهما نسيت فَمَا أنسبت برك بِي ... عِنْد الظما ونداك الْبَارِد الشبم) (وفرط جبرك إِذْ تثني عَليّ بِمَا ... لَا أستحق وَذَاكَ الحفل مزدحم) (حَتَّى أغالط نَفسِي فِي حَقِيقَة مَا ... أدريه مِنْهَا وَفِي علمي بهَا أهم) (فعلا من طبع الْبَارِي سجيته ... على مَكَارِم مِنْهَا النَّاس قد حرمُوا) (وَكَاد دهري لياليه تسالمني ... وَكَاد يصرف عني الشيب والهرم) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 328 (وَالله لَا فترت مني الشفاه عَن الدعا ... وَلَا افتر لي من بعد ذَاك فَم) (فاصبر أَبَا حَامِد فَالنَّاس قد فجعوا ... فِيمَن مضى لم تخصص أَنْت دونهم) (تشارك النَّاس فِي هَذَا العزاء كَمَا ... نعمى أياديه فِيهَا النَّاس تقتسم) (وَانْظُر وَقس يَا إِمَام النَّاس كلهم ... فَإِن سلمت فَكل النَّاس قد سلمُوا) (هذي الْمُصِيبَة بِالْإِسْلَامِ قد نزلت ... فَانْظُر عرى الدّين مها كَيفَ تنفصم) (مَا مثل من قد مضى يبكى عَلَيْهِ وَلَا ... تجْرِي على وجنتيك الأدمع السجم) (فَإِنَّهُ فِي جنان الْخلد فِي دعة ... لكفه الْحور والولدان تستلم) (فقدس الله ذَاك الرّوح مِنْهُ وَلَا ... أرَاهُ يَوْم اللقا والحشر مَا يصم) وَقَالَ أَيْضا (الله أكبر أَي بَحر غاضا ... من بعد مَا جعل الْعُلُوم رياضا) (قَاضِي الْقُضَاة قضى فيالمصيبة ... لم تبْق فِي جفن الْهدى إغماضا) (تمت فعمت كل شخص مُسلم ... واستوفت الأبعاد والأبعاضا) (فجعت أَئِمَّة عصرنا فِي حَبْرهمْ ... فقلوبهم أمست لذاك مراضا) (إِنِّي لأعجب للمنية كَيفَ قد ... كفت لِسَانا عِنْده نضناضا) (قد كَانَ نقادا فَإِن هُوَ جَاءَهُ النقال ... يرجع بعد ذَا نقاضا) (من للشريعة إِن أَتَاهَا مُبْطل ... أَو حص ريش جناحها أوهاضا) (إِن غاضه بِالْحَقِّ حِين يَقُوله ... أضحى يُحَرك رَأسه إنغاضا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 329 (وَيكون مِنْهُ لكل دَاء حاسما ... يُعْطي وَيَأْخُذ من نَهَاهُ قراضا) (ذهن يفوت البارقات تسرعا ... ويفوقها فِي جوها إيماضا) (وَبِه على الْمَقْصُود يصبح وَاقعا ... إِن غاض فهم سواهُ مِنْهُ فاضا) (وَله التصانيف الَّتِي فِي الْفِقْه قد ... أمست طوَالًا فِي الْأَنَام عراضا) (لم يبْق علم مُشكل بَين الورى ... إِلَّا وشق الْبَحْر مِنْهُ وخاضا) (حَتَّى انتقى مِنْهُ لآليه الَّتِي ... تمسي الْجَوَاهِر عِنْدهَا أعراضا) (وَغدا تكون مسودات علومه ... مِنْهَا صحائفه تشف بَيَاضًا) (كم حجَّة لمعاند أَو ملحد ... أَمْسَى لنظم دليلها دحاضا) (مَا كَانَ يخْشَى من أفاعي الْبَحْث فِي ... يَوْم الْجِدَال إِذا نحته عضاضا) (قد كَانَ فَارس كل علم غامض ... تَلقاهُ فِي ميدانه ركاضا) (مَا رَاح إِلَّا كي تحل لقُرْبه ... حلل الْقبُول من العلى وتفاضا) (كم قد تغمد حلمه من مذنب ... عَنهُ تغافل تَارَة وتغاضى) (وَإِذا توعد من أسا ينسى وَإِن ... وعد الْوَلِيّ مَا احْتَاجَ أَن يتقاضى) (أراؤه الْحسنى إِذا مَا أرْسلت ... مِنْهَا السِّهَام أَصَابَت الأغراضا) (مَا يَنْقَضِي مِنْهُ الْجَمِيل لطَالب ... حَتَّى يُشَاهد غَيره قد آضا) (وتراه إِن أبدى الزَّمَان قطوبه ... وخطوبه مُتَبَسِّمًا مرتاضا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 330 (من ظن أَن سيرى لذَلِك ثَانِيًا ... فِي عمره فَأَنا أرَاهُ خضاضا) (عزفت عَن الدُّنْيَا الدنية نَفسه ... وتجنبت فِي فعلهَا الأغراضا) (من كَفه ظَفرت بجوهر فوزه ... أتراه يطْلب بعْدهَا الأعراضا) (مَا أَقبلت يَوْمًا عَلَيْهِ بوجهها ... إِلَّا ويمنح قربهَا الإعراضا) (غيظ الأعادي كَونه أسدا وَقد ... جعل الْإِلَه لَهُ الْوَقار غياضا) (كم قد شفى قلبا من الشّبَه الَّتِي ... جعلته طول زَمَانه ممراضا) (وعظ بِهِ سيف الشَّرِيعَة مصلت ... وَترى مهنا فَضله فياضا) (تَلقاهُ سَارِيَة الْفَتَاوَى فِي الورى ... فيقلها لما غَدا عرباضا) (وَإِذا الزَّمَان أَتَى بخطب فادح ... أَبْصرت قواما بِهِ نهاضا) (قسما بِمَا أبدت يَدَاهُ من ندى ... حَتَّى لقد مَلأ الوفاض وفاضا) (لَا حلت عَن عهد الْوَفَاء لَهُ وَمَا ... قلبِي الَّذِي يعْتَاد أَن يعتاضا) (بئس الْحَيَاة أعيشها من بعده ... من يرتضي الإضرام والأمراضا) (فسق ضريحا قد حواه سَحَابَة ... حملت وأثقلها الْغَمَام مخاضا) وَقَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم القيراطي (أَمْسَى ضريحك موطن الغفران ... وَمحل وَفد ملائك الرحمان) (حَيا الْمُهَيْمِن مِنْك روحا مذ علت ... حييت بِذَاكَ الرّوح وَالريحَان) (وتبوأت غرف الْجنان وجوزيت ... فِيهَا على الْإِحْسَان بِالْإِحْسَانِ) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 331 (وتلقيت بِتَحِيَّة وَأَتَتْ لَهَا ... تحف الْجنان على يَدي رضوَان) (واستبشرت بقدومها أملاكها ... وسعى لَهَا رضوَان بالرضوان) (روح لَهَا حور الْجنان تشوقت ... حبا لَهَا كتشوق الْولدَان) (كَانَت لَهَا الدُّنْيَا محلا أَولا ... وَالْجنَّة الْعليا محلا ثَان) (لَا شَيْء بعْدك يَا عَليّ من الورى ... حسن بِعَين بصيرتي وعياني) (سقيا لمعهدك الَّذِي قد شاقني ... وَمحل مَنْزِلك الَّذِي أبكاني) (قبر عَلَيْهِ من الْعُلُوم مهابة ... تبدو وَأنس تِلَاوَة الْقُرْآن) (ناديته فَأَجَابَنِي بِعُلُومِهِ ... مُسْتَبْشِرًا فَكَأَنَّهُ ناداني) (من للمذاهب والمواهب عِنْدَمَا ... يخْشَى ظُهُور الْفقر والحرمان) (ومدارس الْعلم الَّتِي قد أَصبَحت ... وَكَأَنَّهُم دواوس الْبُنيان) (من بعد مَا قد كَانَ فِي أفلاكها ... شمسا يشار لنحوها بُنيان) (يَأْبَى الْجَواب فَمَا يُرَاجع هَيْبَة ... والسائلون نواكس الأذقان) (مَا خف فَوق صراطه إِلَّا وَقد ... ثقلت لَهُ الْحَسَنَات فِي الْمِيزَان) (فِي حالتي حفظ الشَّرِيعَة والندى ... سيف على الْجَانِي وَروض الْجَانِي) (إِن صال وَقت الْبَحْث قُلْنَا هَكَذَا ... فَلْيفْعَل الأقران بالأقران) (إِن أجريت مستنبطات علومه ... وقف الْبَريَّة موقف الإذعان) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 332 (كم شُبْهَة كالليل يعدو لبسهَا ... فيردها كالصبح بالبرهان) (أبكيك يَوْم تنَازع الْخَصْمَيْنِ فِي ... شكّ يحار بأَمْره الخصمان) (يَا شمس طَال اللَّيْل بعد مغيبها ... كَيفَ الصَّباح وَأَنت فِي الأكفان) (يَا ثَانِي الفجرين بل يَا ثَالِث القمرين ... بل يَا وَاحِد الْأَزْمَان) (يمْضِي الْجَدِيد من الزَّمَان وحزننا ... بَاقٍ على قدم الزَّمَان الفاني) (قف بالقبور وناد فِيهَا نادبا ... من كَانَ فِي شغل عَن الْحدثَان) (أَيْن الَّذين إِذا هم عقدوا الحبى ... حلوا بأرفع رُتْبَة وَمَكَان) (قوم إِذا حَضَرُوا مجَالِس علمهمْ ... حكمت عمائمهم على التيجان) (قُم باكيا متأوها مسترجعا ... لمصاب هَذَا الْعَالم الرباني) (أعظم بِيَوْم مصابه من مصرع ... فِي مصر حل بِسَائِر الْبلدَانِ) (حبر لَهُ بِالشَّام أعظم موقع ... سَاق العداء إِلَى شج حران) (أدّى الْبَرِيد نعيه فِيهَا فيا ... فضل الْأَصَم على ذَوي الآذان) (أعزز عَليّ بِأَن أصوغ رثاء من ... كَانَ المديح لبابه من شاني) (أهدي إِلَيْهِ طَيّبَات تَحِيَّة ... من عَبده القاصي الْمحل الداني) (وأزور بِالتَّسْلِيمِ تربة قَبره ... متتابع العبرات والأشجان) (قبر لثمت ترَاهُ فتعرفت ... فِي تربه الأنفاس عرف جنان) (لَا زَالَ عَفْو الله فِي أرجائه ... هامي السحائب دَائِم الهملان) وَقَالَ السَّيِّد الشريف الأديب الْفَاضِل شهَاب الدّين الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي موقع الدست الشريف بالأبواب الشَّرِيفَة عَفا الله عَنهُ ورحمه (لقد حق بعد الدمع بِالدَّمِ أَن تبْكي ... عُيُون البرايا بعد قَاضِي الْهدى السُّبْكِيّ) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 333 (وَقد سفكت فِي تربه عبراتهم ... وَلَيْسَ ملوما من بهَا كَانَ ذَا سفك) (مضى حبر هَذَا الدَّهْر جادته رَحْمَة ... تروض قبرا جَامع الْعلم والنسك) (وأغمد سيف بالشريعة مرهف ... سَطَا بذوي الْعدوان وَالْإِثْم والإفك) (وغاض بِبَطن الأَرْض بَحر فَضَائِل ... يؤم هداه الْوَفْد بالنحب والفلك) (يُجيب سؤالا أَو يجود لسائل ... فَمن يشك من جهل وفقر لَهُ يشك) (وزلزل طود الحكم من بعد مَا علا ... وفَاق سماك الْأُفق مُرْتَفع السّمك) (حكى السّلف الأخيار دينا وعفة ... ومجموعه فِي الْعلم قد قل من يَحْكِي) (فَتَاوَاهُ قد سَارَتْ لشرق ومغرب ... وَفِي طيبَة جدواه وَالْحرم الْمَكِّيّ) (وَأَحْكَامه فِي الْخلق بِالْحَقِّ أيدت ... وأقلامه فِي نصْرَة الدّين كالبتك) (تملك أحرارا بأنعمه الَّتِي ... قَضَت بولاء تَابع سَابق الْملك) (وَأدْركَ أوطارا من الْمجد والعلا ... وفاز بِحَمْد الْعَرَب والعجم وَالتّرْك) (يعزى الإِمَام الشَّافِعِي بِمَوْتِهِ ... وَأَصْحَابه كل لَهُ رزؤه مِنْك) (عَليّ بعدن سَوف يرقى أرائكا ... وَيُعْطى الَّذِي يرضيه من مَالك الْملك) (وبالروح وَالريحَان روحك نعمت ... وَإِن كَانَ مِنْك الْجِسْم بِالسقمِ فِي نهك) (خطبت لحكم الشَّام بعد تعين ... لَهُ وَلَك الْعليا مُعينَة الدَّرك) (وسيرة عدل سبع عشرَة حجَّة ... سريت وَفِي الأقطار شكرك كالمسك) (وَكنت بِهِ سترا على كل أَهله ... وَلم تَكُ للعورات حاشاك ذَا هتك) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 334 (وَمَا زلت رحب الباع والصدر والفنا ... تلقيت بالترحاب فِي الْمنزل الضنك) (ثكلت حُسَيْنًا واحتملت لأَجله ... لواعج أحزان لنار الجوى تذكي) (مَرضت شهورا فالأجور تضاعفت ... كَذَا الذَّهَب الإبريز يحسن بالسبك) (وسافرت حَتَّى جِئْت بَلْدَة مولد ... وبادرت حكم الشَّام بالزهد وَالتّرْك) (فغالك صرف لَيْسَ يُمكن صرفه ... وَكم شَمل الشبَّان والشيب بِالْفَتْكِ) (على كل مَخْلُوق جرى حكمه الَّذِي ... براه على الْمَمْلُوك يمْضِي وَفِي الْملك) (بكتك دمشق والشآم جَمِيعه ... وَحقّ على الْإِسْلَام بعْدك أَن يبكي) (ستذكر عِنْد المعضلات لكشفها ... كَمثل افتقاد الْبَدْر فِي الظُّلم الحلك) (فأف لدنيانا الدنية إِنَّهَا ... لتخدعنا بالمين وَالْمَكْر والمحك) (فكم بعلي الْقدر صالت خطوبها ... وَكم من مشيد قد أعادته ذَا دك) (وَكم قد وهت بِالنَّفسِ نفسا نفيسة ... وَكم طرقت بَيْتا بمر ذَوي الدهك) (أرت غيرا بِالْغَيْر نرمي بِمِثْلِهَا ... وَنحن كأنا من يَقِين على شكّ) (سَبِيل الردى حتم علينا سلوكه ... وكل امْرِئ فِي قَبْضَة الْمَوْت والهلك) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 335 (رثيتك يَا قَاضِي الْقُضَاة لصحبة ... قَضَت لي أَن أبْكِي عَلَيْك وأستبكي) (وَفَاء عَن الْأَطْهَار آلي ورثته ... هداة البرايا هادمي مِلَّة الشّرك) (أعد السنين الْأَرْبَعين وعهدها ... أكيد فَلَا يمنى بِفَسْخ وَلَا فك) (أَبَا حَامِد جددت عهدا بوالد ... زكي لَهُ علم بِهِ رشد مستزك) (رأى من بنيه الغر عقد سيادة ... وَأَنت حماك الله وَاسِطَة السلك) (ومتع تَاج الدّين صنوك رفْعَة ... لسامي علام عَنهُ سما خير محكي) (وقبري عَليّ وَالْحُسَيْن سقاكما ... سَحَاب من الرضْوَان لَيْسَ بمنفك) وَقَالَ وَلَده أَحْمد فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة وَهُوَ شهر الْوَفَاة (أيا طَالبا للعم وَالدّين وَالْفَخْر ... رويدك لَا ترحل لَهُنَّ وَلَا تسر) (فَإِن الَّذِي تبغيه غيب فِي الثرى ... وأودى مَعَ الأجداث فِي جَانب الْقَبْر) (أَلا فِي سَبِيل الله مصرع ماجد ... تَقِيّ نقي طَاهِر علم حبر) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 336 1394 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن خطاب الشَّيْخ الإِمَام عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ إِمَام الْأُصُولِيِّينَ فِي زَمَانه وَفَارِس ميدانه وَله الباع الْوَاسِع فِي المناظرة والذيل الحديث: 1394 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 339 الشاسع فِي المشاجرة وَكَانَ أسدا لَا يغالب وبحرا تتدفق أمواجه بالعجائب ومحققا يلوح بِهِ الْحق ويستبين ومدققا يظْهر من خفايا الْأُمُور كل كمين وَكَانَ من الْأَوَّابِينَ الْمُتَّقِينَ ذَوي التَّقْوَى والورع وَالدّين المتين وَعنهُ أَخذ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد الْأَصْلَيْنِ وَبِه تخرج فِي المناظرة وَفِيه يَقُول عِنْد مَوته من قصيدة رثاه بهَا (فَلَا تعذلنه أَن يبوح بوجده ... على عَالم أوري بلحد مقدس) (تعطل مِنْهُ كل درس وَمجمع ... وأقفر مِنْهُ كل نَاد ومجلس) (وَمَات بِهِ إِذا مَاتَ كل فَضِيلَة ... وَبحث وَتَحْقِيق وتصفيد مُفلس) (وإعلاء دين الله إِن يبد زائغ ... فيخزيه أَو يهدي بِعلم مؤسس) قلت مَاذَا عَسى الواصف أَن يَقُول فِي الشَّيْخ الْبَاجِيّ بعد مقَالَة الشَّيْخ الإِمَام الَّذِي كَانَ لَا يحابي أحدا فِي لَفْظَة فِي حَقه هَذِه الْمقَالة وَكَانَ شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد كثير التَّعْظِيم للشَّيْخ الْبَاجِيّ وَيَقُول لَهُ إِذا ناداه يَا إِمَام سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول كَانَ ابْن دَقِيق الْعِيد لَا يُخَاطب أحدا السُّلْطَان أَو غَيره إِلَّا بقوله يَا إِنْسَان غير اثْنَيْنِ الْبَاجِيّ وَابْن الرّفْعَة يَقُول للباجي يَا إِمَام وَلابْن الرّفْعَة يَا فَقِيه وَكَانَ الْبَاجِيّ أعلم أهل الأَرْض بِمذهب الْأَشْعَرِيّ فِي علم الْكَلَام وَكَانَ هُوَ بِالْقَاهِرَةِ والهندي بِالشَّام القائمين بنصرة مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ والباجي أذكى قريحة وأقدر على المناظرة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 340 وَكَانَ فَقِيها متقنا سَمِعت بعض أَصْحَابه يَقُول كَانَ الْبَاجِيّ لَا يُفْتِي بِمَسْأَلَة حَتَّى يقوم عِنْده الدَّلِيل عَلَيْهَا فَإِن لم ينْهض عِنْده قَالَ مَذْهَب الشَّافِعِي كَذَا أَو الْأَصَح عِنْد الْأَصْحَاب كَذَا وَلَا يجْزم وَمَعَ اتساع بَاعه فِي المباحث لم يُوجد لَهُ كتاب أَطَالَ فِيهِ النَّفس غير كتاب الرَّد على الْيَهُود وَالنَّصَارَى بل لَهُ مختصرات لَيست على مِقْدَاره مِنْهَا كتاب التَّحْرِير مُخْتَصر الْمُحَرر فِي الْفِقْه ومختصر فِي الْأُصُول ومختصر فِي الْمنطق قيل مَا من علم إِلَّا وَله فِيهِ مُخْتَصر تفقه على شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام بِالشَّام فَإِن الشَّيْخ عَلَاء الدّين مبدأ اشْتِغَاله فِيهَا وَكَانَت بَينه وَبَين الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ صداقة وصحبة أكيدة ومرافقة فِي الِاشْتِغَال حكى لي نَاصِر الدّين بن مَحْمُود صَاحب الْبَاجِيّ قَالَ حكى لي الْبَاجِيّ قَالَ ابتدأت أَنا وَالنَّوَوِيّ فِي حفظ التَّنْبِيه فَسَبَقَنِي إِلَى النّصْف الأول وسبقته إِلَى خَتمه قَالَ وَكَانَ النَّوَوِيّ يحب طَعَام الكشك فَكَانَ إِذا طبخه يُرْسل إِلَيّ يطلبني لآكل مَعَه فَلَا أجد إِلَّا كشكا وَمَاء مَائِعا فتعافه نَفسِي فرحت إِلَيْهِ مرّة بعد مرّة للصحبة الَّتِي بَيْننَا فَلَمَّا كَانَت الْمرة الْأَخِيرَة امْتنعت فجَاء بِنَفسِهِ إِلَيّ وَقَالَ وَالله يَا شيخ عَلَاء الدّين أَنا أحبك وَأحب الكشك وَمَا أشهى أَن أطبخه إِلَّا وآكل أَنا وَأَنت فإمَّا تَجِيء إِلَيّ وَإِمَّا آخذه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 341 وأجيء إِلَيْك قَالَ فَقلت لَهُ وَالله يَا شيخ محيي الدّين أَنا أحبك إِلَّا وَالله مَا أحب كشكك وَسمع جُزْء ابْن جوصا من أبي الْعَبَّاس بن زيري مولده سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَولي قَضَاء الكرك قَدِيما ثمَّ اسْتَقر بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ إِلَيْهِ مرجع المشكلات ومجالس المناظرات وَلما رَآهُ ابْن تَيْمِية عظمه وَلم يجر بَين يَدَيْهِ بِلَفْظَة فَأخذ الشَّيْخ عَلَاء الدّين يَقُول تكلم نبحث مَعَك وَابْن تَيْمِية يَقُول مثلي ليا تكلم بَين يَديك أَنا وظيفتي الاستفادة مِنْك وَتُوفِّي بهَا فِي سادس ذِي الْقعدَة سنة أَربع عشرَة وَسَبْعمائة وَمن الرِّوَايَة عَنهُ أخبرنَا الْوَالِد رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا شَيخنَا أَبُو الْحسن الْبَاجِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ على بَدْء أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف بن عبد الله بن زيري التلمساني بِدِمَشْق ح وَأخْبرنَا تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْيُسْر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَمُحَمّد بن عَليّ بن يحيى الشاطبي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَا أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْيُسْر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 342 ح وَأخْبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الخباز بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا كَمَال الدّين بن عبد الْحَارِثِيّ حضورا قَالُوا أخبرنَا بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الخشوعي أخبرنَا عبد الْكَرِيم بن حَمْزَة بن الْخضر السّلمِيّ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الحنائي أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عبد الْوَهَّاب بن الْحسن بن الْوَلِيد بن مُوسَى بن رَاشد الْكلابِي أخبرنَا أَحْمد بن عُمَيْر بن يُوسُف الْحَافِظ قِرَاءَة عَلَيْهِ حَدثنَا كثير بن عبيد حَدثنَا مُحَمَّد بن حَرْب عَن الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حلف مِنْكُم فَقَالَ فِي حلفه بِاللات فَلْيقل لَا إِلَه إِلَّا الله وَمن قَالَ لصَاحبه تعال أقامرك فليتصدق) // رَوَاهُ النَّسَائِيّ // عَن كثير بن عبيد هَذَا فَوَقع لنا مُوَافقَة عالية وَللَّه الْحَمد وَمن شعره أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله من لَفظه قَالَ أنشدنا شَيخنَا عَلَاء الدّين لنَفسِهِ من لَفظه فِي الصِّفَات الَّتِي أثبتها شيخ السّنة أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ (حَيَاة وَعلم قدرَة وَإِرَادَة ... وَسمع وإبصار كَلَام مَعَ البقا) (صِفَات لذات الله جلّ قديمَة ... لَدَى الْأَشْعَرِيّ الحبر ذِي الْعلم والتقى) قلت أرشق من هَذَا قَول الشاطبي فِي الرائية (حَيّ عليم قدير وَالْكَلَام لَهُ ... فَرد سميع بَصِير مَا أَرَادَ جرى) قلت أَنا أبدل قَوْله فَرد بباق لتتم الصِّفَات فِي نسق وَاحِد أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام لفظا أنشدنا شَيخنَا الْبَاجِيّ لنَفسِهِ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 343 (رثى لي عودي إِذْ عاينوني ... وسحب مدامعي مثل الْعُيُون) (وراموا كحل عَيْني قلت كفوا ... فَأصل بليتي كحل الْعُيُون) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 344 أنشدنا الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود البساسي المنجد وَهُوَ من أخصاء الشَّيْخ الْبَاجِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ أنشدنا شَيخنَا عَلَاء الدّين من لَفظه لنَفسِهِ (يَقُول أَضْعَف العبيد الراجي ... مغْفرَة عَليّ بن الْبَاجِيّ) (الْحَمد لله على التَّوْفِيق ... لفهم مَا ألهم من تَحْقِيق) (وَكم لَهُ من نعْمَة وجود ... أَوله إفَاضَة الْوُجُود) (ثمَّ الصَّلَاة وَالسَّلَام الأبدي ... على النَّبِي الْمُصْطَفى مُحَمَّد) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 345 (وَآله وَصَحبه وعترته ... وَالتَّابِعِينَ بعدهمْ لسنته) (اعْلَم فدتك النَّفس يَا حبيب ... أَن السعيد الْعَالم الأديب) (وَهُوَ الَّذِي حوى الْعُلُوم كلهَا ... وَفك مشكلاتها وحلها) (كالفقه والأصلين والتوريث ... والنحو والتصريف والْحَدِيث) (وَالْعلم بالتفسير والمعاني ... ومنطق الْأمين وَالْبَيَان) (والبحث واللغات والإخبار ... عَن قصَص الماضين فِي الْأَعْصَار) (والطب للأبدان والقلوب ... وكل علم نَافِع مَطْلُوب) (واستثبت الْمَنْقُول مِنْهَا ضابطا ... وحقق الْبُرْهَان والمغالطا) (وَسَار فِي مسالك الْعُقُول ... على الطَّرِيق الْوَاضِح الْمَعْقُول) (فحقق الْأُصُول والفروعا ... مقيسا الْعقلِيّ والمسموعا) (وانقاد طَائِعا لأمر الشَّرْع ... فِي حكم أصل دينه وَالْفرع) (مُجْتَهدا فِي طَاعَة الرَّحْمَن ... بالْقَوْل وَالْفِعْل وبالجنان) (مكمل الْإِيمَان بِالْإِحْسَانِ ... إِلَى جَمِيع الْإِنْس وَالْحَيَوَان) (كَيْمَا يحوز الْفَوْز بالجنان ... وحورها الْعين وبالولدان) (وكل مَا لم تره العينان ... وكل مَا لم تسمع الأذنان) (فانهض بإقدام على الْأَقْدَام ... إِن كنت للعلياء ذَا مرام) (وشمر السَّاق عَن اجْتِهَاد ... مثل اجْتِهَاد السَّادة الْعباد) (واستنهض الهمة فِي التَّحْصِيل ... من كل شيخ عَالم فُضَيْل) (وارحل إِلَى من يسْتَحق الرحله ... خلف الْفُرَات أَو وَرَاء الدجله) (حَيْثُ انْتَهَت أخباره إليكا ... فقصده محتم عليكا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 346 (واطرح رِدَاء الْكبر عَن عطفيكا ... وَقل لداعي الْعلم يالبيكا) (وَاسع إِلَيْهِ مَاشِيا أَو رَاكِبًا ... كَمَا اسْتَطَعْت للتقى مصاحبا) (تضع لَك الْأَمْلَاك من رِضَاهَا ... أَجْنِحَة وَكم كَذَا سواهَا) (من سنة دلّت على التَّفْضِيل ... وَآيَة فِي مُحكم التَّنْزِيل) (كإنما يخْشَى وَخذ مَوْزُونا ... هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمونا) (وتوج الْعلم بتاج الْعَمَل ... مزين بحليه وَالْحلَل) (فَإِنَّهُ لَهُ على الفحول ... من الرِّجَال خلعة النحول) (من سهر اللَّيْل على الْأَقْدَام ... بَين يَدي مُصَور الْأَنَام) (وَإنَّهُ الْمَقْصُود بالعلوم ... عِنْد ذَوي الفطنة والفهوم) (وأخلص النِّيَّة فِي الْأَعْمَال ... لصانع الْعَالم ذِي الْجلَال) (فَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ... وَكَونهَا لله خالصات) (وَلَيْسَ يرضى رَبنَا عباده ... أشركت فِيهَا مَعَه عباده) (فَوحد الْقَصْد بهَا لله ... وَلَا تكن عَن قَصده باللاهي) (واعمر بِذكر الله قلبا خَالِيا ... من غَيره تنَلْ مقَاما عَالِيا) (يذكرك فِي الْأَمْلَاك فَوق الفوق ... فانتهز الفرصة يَاذَا الشوق) (واغتنم الصَّلَاة فِي الدياجي ... إِن الْمُصَلِّي ربه يُنَاجِي) (ودق بالجبهة وَجه الأَرْض ... فِي الصَّلَوَات النَّفْل بعد الْفَرْض) (يحببك رَبِّي وتنل بحبه ... مَا فِي الحَدِيث من عَطاء قربه) (وَمَا أجل ذَا الْمقَام وقتا ... حَتَّى تجله وَأَنت أنتا) (فَذا الْمقَام فهمه يهول ... تعجز عَن تَحْقِيقه الْعُقُول) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 347 (وَقد علمت شطحة الحلاج فِي ... مقاله فإثره لَا تقتف) (إِن الطَّرِيق همة وَحَال ... تثمرها الْأَعْمَال لَا الْمقَال) (واسلك طَرِيق الْعلم والأعمال ... كِلَاهُمَا مُحَقّق الآمال) (هما طَرِيق الْفَوْز لَا محاله ... يسلكها مَشَايِخ الرساله) (كالليث والجنيد والدينوري ... والعجمي وَالسري وَالثَّوْري) (جَوَاهِر الرِّجَال فِي الْوُجُود ... بعد النَّبِيين لَدَى المعبود) (تفز بِأَعْلَى الْأجر وَالْأَحْوَال ... وأوضح الْفتُوح للرِّجَال) (وَرُبمَا نلْت الْمقَام العالي ... بالكشف والتفريق بالمقال) (حَتَّى إِذا قَالَ الْوَلِيّ كن كَذَا ... كَانَ سَوَاء كَانَ نفعا أَو أَذَى) (بِإِذن ربه وطوع قدرته ... على سَبِيل فَضله وَنعمته) (كَذَا أَتَى عَن سالكي الطريقه ... وَكن بِذَاكَ مُؤمنا حقيقه) (إِذْ مَذْهَب السّنة وَهُوَ الْأَحْسَن ... أَن كرامات الْوَلِيّ تمكن) (لِأَنَّهَا وَإِن تكن كالمعجزه ... فالخرق بالتقييد عَنْهَا محرزه) (فِيهَا التحدي دَائِما مَعْدُوم ... وَذَاكَ فرق وَاضح مَعْلُوم) (وَكَثْرَة الْأَخْبَار عَنْهَا مانعه ... كذب الْجَمِيع فَهِيَ حتما واقعه) (وَهَذِه طَريقَة ظريفه ... لَيست سخيفة وَلَا ضعيفه) (كنسب إتْيَان السخا لحاتم ... بِكَثْرَة الْأَخْبَار بالمكارم) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 348 (وَقد أَتَى بنقلها الْكتاب ... واتضح الْبَاطِل وَالصَّوَاب) (كقصة الْخضر مَعَ الكليم ... تحوي كرامات فَخذ تفهيمي) (مواهب تصدر عَن كريم ... وَعَن قدير عَالم حَكِيم) (أسعد من أَرَادَ بالتقديم ... بفضله فِي حكمه الْقَدِيم) (سُبْحَانَ من أنعم بالتكريم ... وقربه وفضله العميم) (وَمَا حكى من قصَّة لمريما ... وَأَنه يرزقها تكرما) (يَأْتِي إِلَيْهَا كل وَقت رزق ... من عَالم الْغَيْب وَذَاكَ صدق) (فَهَل بَقِي للاعتزال مُسْتَند ... من بعد مَا بَينته فيعتمد) (وَجَاء فِي الْآثَار أَيْضا عَن عمر ... من ذَاك مَا بَين الروَاة قد ظهر) (صياحه بمنبر الْمَدِينَة ... الْجَبَل اقصده تَجِد كمينه) (يُرِيد إرشاد الْأَمِير ساريه ... إِلَى مكايد الْأسود الضاريه) (وَفِي نهاوند أَتَاهُ الصَّوْت ... وَكَاد لولاه يكون الْفَوْت) (فأسرع الْأَمِير بالسريه ... ممتثل الْأَوَامِر المرضيه) (فأدركوا الكمين خلف الْجَبَل ... فاستأصلوه بالقنا والأسل) (وامتلت الفلاة بالجماجم ... وفاز حزب الله بالغنائم) (وَذَاكَ فِيهِ الْكَشْف والتصريف ... الْعلم والأسماع يَا ظريف) (جلّ الْإِلَه مظهر الْعَجَائِب ... على يَدي عبيده الحبائب) (من جَاءَهُ يمشي أَتَاهُ هروله ... برغم أنف سَائِر المعتزله) (ينيل أولياءه الآمالا ... وفوقها من يَده تَعَالَى) (وَمَا جرى لِأَحْمَد الرِّفَاعِي ... وَشَيخ كيلان كَمَا سَمَاعي) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 349 (لما خطا فِي الجو فَوق الْمِنْبَر ... عشرا وَعَاد قَائِلا للحضر) (عِنْد وُرُود وَارِد شرِيف ... من حضر الْقُدس بِلَا تكييف) (على رِقَاب الْأَوْلِيَاء رجْلي ... وَالْحكم الْوَارِد لَا المستحلي) (أَجَابَهُ أَحْمد فِي الرواق ... فِي وقته الْمَذْكُور يَا رفاقي) (معترفا لقَوْله بِالصّدقِ ... وَشَاهدا بقوله وَعتق) (فَقيل مَاذَا قَالَ عبد الْقَادِر ... قَالَ كَذَا مقَال صدق ظَاهر) (فأرخوا مقاله فَكَانَا ... فِي وَقت شطح شَيخنَا نشوانا) (كَأَنَّهُ من جملَة الحضار ... يُشَاهد الميعاد بالأبصار) (مَا صده عَن كشف هَذَا الْحَال ... بعد فجل مانح الْأَحْوَال) (وَذَاكَ من كليهمَا كرامه ... على ارْتِفَاع قدره علامه) (وَمَا أَتَى عَن شَيخنَا السبتي ... وَذَاكَ أَمر لَيْسَ بالمخفي) (تَأتي الكرامات على يَدَيْهِ ... سَلام رَبِّي دَائِما عَلَيْهِ) (مهما أَرَادَ كَانَ لَا محاله ... من خَالق سُبْحَانَ من أناله) (يقترح الْمَرْء شِفَاء عَن مرض ... لأَهله أَو دفع ضرّ قد عرض) (أَو سقِِي بُسْتَان لَهُ أَو زرع ... أَو رد مَا قد ضَاعَ بَين الْجمع) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 350 (يبْذل شَيْئا من فتوح الفقرا ... يرى يَسِيرا حسب مَا تيسرا) (فَيحصل المُرَاد بالتلطف ... بِلَا تعسف وَلَا تكلّف) (كَأَنَّهُ أَفعاله المعتاده ... وَهَذِه لعمرك السعاده) (لَا الجاه والبنون وَالْأَمْوَال ... وَالْخَيْل وَالْحمير وَالْبِغَال) (جَمِيعهَا على الْفَتى وبال ... ومنتهاها أبدا زَوَال) (لذاتها مشوبة بالألم ... نعيمها مكدر بالنقم) (فَحل مَا من بعد من حِسَاب ... وَمن عِقَاب فِيهِ أَو عتاب) (بل من سُؤال مُنكر فِي الْقَبْر ... وَمن مَوَاقِف ليَوْم الْحَشْر) (وخفة الْمِيزَان بِالْأَعْمَالِ ... وَخَوف دقة الصِّرَاط العالي) (وهول أَحْوَال لظى نيران ... نَعُوذ بِاللَّه من الخسران) (نسْأَل رب الْعَرْش والعباد ... بالمصطفى الْهَادِي إِلَى الرشاد) (إلهامنا طرائق السداد ... من قَول أَو فعل أَو اعْتِقَاد) (وعفوه لنا وللأجداد ... وَسَائِر الأهلين وَالْأَوْلَاد) (وَالْمُسْلِمين حيهم والغادي ... تَحت الثرى فِي بَاطِن الألحاد) (من كل ذَنْب سالف وَآت ... برحمة مِنْهُ إِلَى الْمَمَات) (فَإِنَّهُ المرجو والمأمول ... والملتجى إِلَيْهِ والمسؤول) (لَا رَاحِم سواهُ قطّ يقْصد ... وَلَا إِلَه غَيره فيعبد) (كل إِلَى رَحمته فَقير ... وَفِي يَدي عِقَابه أَسِير) (فِي كل مُمكن لَهُ تَقْدِير ... وَهُوَ بِهِ وَغَيره خَبِير) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 351 (وَهُوَ على مَا شاءه قدير ... والنفع والضر بِهِ يصير) (لَا مشبه لَهُ وَلَا نَظِير ... وَلَا شريك لَا وَلَا وَزِير) (فَرد قديم وَاجِب بِالذَّاتِ ... منزه بِالذَّاتِ وَالصِّفَات) (أرسل خير الْخلق فِي الْآفَاق ... مكملا مَكَارِم الْأَخْلَاق) (مُحَمَّدًا خَاتم رسل رَبنَا ... مبشرا ومنذرا ومحسنا) (صلى عَلَيْهِ رَبنَا وسلما ... مَا لَاحَ فجر طالع وكرما) (وَآله وَصَحبه الأخيار ... الطيبين السَّادة الْأَطْهَار) وَلما ظهر السُّؤَال الَّذِي أظهره بعض الْمُعْتَزلَة وكتم اسْمه وَجعله على لِسَان بعض أهل الذِّمَّة وَهُوَ (أيا عُلَمَاء الدّين ذمِّي دينكُمْ ... تحير دلوه بأوضح حجَّة) (إِذا مَا قضى رَبِّي بكفري بزعمكم ... وَلم يرضه مني فَمَا وَجه حيلتي) (دَعَاني وسد الْبَاب عني فَهَل إِلَى ... دخولي سَبِيل بينوا لي قضيتي) (قضى بضلالي ثمَّ قَالَ ارْض بالقضا ... فها أَنا رَاض بِالَّذِي فِيهِ شقوتي) (فَإِن كنت بالمقضي يَا قوم رَاضِيا ... فربي لَا يرضى لشؤم بليتي) (وَهل لي رضَا مَا لَيْسَ يرضاه سَيِّدي ... وَقد حرت دلوني على كشف حيرتي) (إِذا شَاءَ رَبِّي الْكفْر مني مَشِيئَة ... فها أَنا رَاض بِاتِّبَاع الْمَشِيئَة) (وَهل لي اخْتِيَار أَن أُخَالِف حِكْمَة ... فبالله فاشفوا بالبراهين حجتي) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 352 وَيُقَال إِن هَذَا النَّاظِم هُوَ ابْن البققي الَّذِي ثَبت عَلَيْهِ أَقْوَال تدل على الزندقة وَقتل بِسيف الشَّرْع الشريف فِي ولَايَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد الْقشيرِي وَكَانَ مقصد هَذَا السَّائِل الطعْن على الشَّرِيعَة فَانْتدبَ أكبر عُلَمَاء مصر وَالشَّام لجوابه نظما مِنْهُم الشَّيْخ عَلَاء الدّين فَقَالَ فِيمَا أنشدنا عَنهُ الشَّيْخ نَاصِر الدّين البساسي من لَفظه قَالَ أنشدنا الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ لنَفسِهِ من لَفظه (أيا عَالما أبدى دَلَائِل حيرة ... يروم اهتداء من أهيل فَضِيلَة) (لقد سرني أَن كنت للحق طَالبا ... عَسى نفحة للحق من سحب رَحْمَة) (فبالحق نيل الْحق فالجأ لبابه ... كَأَهل النهى واترك حبائل حيلتي) (قضى الله قدما بالضلالة وَالْهدى ... بقدرة فعال بِلَا حكم حِكْمَة) (إِذا الْعقل بل تحسينه بعض خلقه ... وَلَيْسَ على الخلاق حكم الخليقة) (وأفعالنا من خلقه كذواتنا ... وَمَا فيهمَا خلق لنا بِالْحَقِيقَةِ) (وَلكنه أجْرى على الْخلق خلقه ... دَلِيلا على تِلْكَ الْأُمُور الْقَدِيمَة) (عرفنَا بِهِ أهل السَّعَادَة والشقا ... كَمَا شاءه فِينَا بمحض الْمَشِيئَة) (كإلباس أَثوَاب جعلن أَمارَة ... على حالتي حب وَسخط لرؤية) (تصاريفه فِينَا تصاريف مَالك ... سما عَن سُؤال الكيف والسببية) (أمات وَأَحْيَا ثمَّ صَار معافيا ... وقبح تَحْسِين الْعُقُول الضعيفة) (فَكُن رَاضِيا نفس الْقَضَاء وَلَا تكن ... بمقضي كفر رَاضِيا ذَا خَطِيئَة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 353 (وتكليفنا بِالْأَمر وَالنَّهْي قَاطع ... لأعذارنا فِي يَوْم بعث الْبَريَّة) (فَعبر بسد أَو بِفَتْح وعد عَن ... ضَلَالَة تشكيك بأوضح حجَّة) (وَقد بَان وَجه الْأَمر وَالنَّهْي وَاضحا ... وَلَا شكّ فِيهِ بل وَلَا وهم شُبْهَة) قلت هَذَا الْجَواب هُوَ حَاصِل كَلَام أهل السّنة وخلاصته أَن الْوَاجِب الرِّضَا بالتقدير لَا بالمقدور وكل تَقْدِير يرضى بِهِ لكَونه من قبل الْحق ثمَّ الْمَقْدُور يَنْقَسِم إِلَى مَا يجب الرِّضَا بِهِ كالإيمان وَإِلَى مَا يحرم الرِّضَا بِهِ وَيكون الرِّضَا بِهِ كفرا كالكفر إِلَى غير ذَلِك وَقد أَخذ أهل الْعَصْر هَذَا الْجَواب فنظموه على طبقاتهم فِي النّظم وَالْكل مشتركون فِي جَوَاب وَاحِد وَنحن نسوق مَا حَضَرنَا من الْأَجْوِبَة جَوَاب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية الْحَنْبَلِيّ (سؤالك يَا هَذَا سُؤال معاند ... يُخَاصم رب الْعَرْش باري الْبَريَّة) (وَهَذَا سُؤال خَاصم الْمَلأ الْعلي ... قَدِيما بِهِ إِبْلِيس أصل البلية) (وأصل ضلال الْخلق من كل فرقة ... هُوَ الْخَوْض فِي فعل الْإِلَه بعلة) (فَإِن جَمِيع الْكَوْن أوجب فعله ... مَشِيئَة رب الْعَرْش باري الخليقة) (وَذَات إِلَه الْخلق وَاجِبَة بِمَا ... لَهَا من صِفَات وَاجِبَات قديمَة) (فقولك لي قد شَاءَ مثل سُؤال من ... يَقُول فَلم قد كَانَ فِي الأزلية) (وَذَاكَ سُؤال يبطل الْعقل وَجهه ... وتحريمه قد جَاءَ فِي كل شرعة) (وَفِي الْكَوْن تَخْصِيص كثير يدل من ... لَهُ نوع عقل أَنه بِإِرَادَة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 354 (وإصداره عَن وَاحِد بعد وَاحِد ... إِذْ القَوْل بالتجويز رمية حيرة) (وَلَا ريب فِي تَعْلِيق كل مسبب ... بِمَا قبله من عِلّة موجبية) (بل الشَّأْن فِي الْأَسْبَاب أَسبَاب مَا ترى ... وإصدارها عَن حكم مَحْض الْمَشِيئَة) (وقولك لم شَاءَ الْإِلَه هُوَ الَّذِي ... أضلّ عقول الْخلق فِي قَعْر حُفْرَة) (فَإِن الْمَجُوس الْقَائِلين بخالق ... لنفع وَرب مبدع للمضرة) (سُؤَالهمْ عَن عِلّة السِّرّ أوقعت ... أوائلهم فِي شُبْهَة الثنوية) (وَإِن ملاحيد الفلاسفة الألى ... يَقُولُونَ بِالْعقلِ الْقَدِيم لعِلَّة) (بغوا عِلّة للكون بعد انعدامه ... فَلم يَجدوا ذاكم فضلوا بضلة) (وَإِن مبادي الشَّرّ فِي كل أمة ... ذَوي مِلَّة مَيْمُونَة نبوية) (تخوضهم فِي ذاكم صَار شركهم ... وَجَاء دروس الْبَينَات لفترة) (وَيَكْفِيك نقضا أَن مَا قد سَأَلته ... من الْعذر مَرْدُود لَدَى كل فطْرَة) (وهبك كَفَفْت اللوم عَن كل كَافِر ... وكل غوي خَارج عَن محجة) (فيلزمك الْإِعْرَاض عَن كل ظَالِم ... من النَّاس فِي نفس وَمَال وَحُرْمَة) (وَلَا تغضبن يَوْمًا على سافك دَمًا ... وَلَا سَارِق مَالا لصَاحب فاقة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 355 (وَلَا شاتم عرضا مصونا وَإِن علا ... وَلَا ناكح فرجا على وَجه زنية) (وَلَا قَاطع للنَّاس نهج سبيلهم ... وَلَا مُفسد فِي الأَرْض من كل وجهة) (وَلَا شَاهد بالزور إفكا وفرية ... وَلَا قَاذف للمحصنات بريبة) (وَلَا مهلك للحرث والنسل عَامِدًا ... وَلَا حَاكم للْعَالمين برشوة) (وكف لِسَان اللوم عَن كل مُفسد ... وَلَا تأخذن ذَا جرمة بعقوبة) (وَسَهل سَبِيل الْكَاذِبين تعمدا ... على رَبهم من كل جَاءَ بفرية) (وَهل فِي عقول النَّاس أَو فِي طباعهم ... قبُول لقَوْل النذل مَا وَجه حيلتي) (كآكل سم أوجب الْمَوْت أكله ... وكل بِتَقْدِير لرب الْمَشِيئَة) (فكفرك يَا هَذَا كسم أَكلته ... وتعذيب نَار بعد جرعة غُصَّة) (أَلَسْت ترى فِي هَذِه الدَّار من جنى ... يُعَاقب إِمَّا بالقضا أَو بشرعة) (وَلَا عذر للجاني بِتَقْدِير خَالق ... كَذَلِك فِي الْأُخْرَى بِلَا مثنوية) (فَإِن كنت ترجو أَن تجاب بِمَا عَسى ... ينجيك من نَار الْإِلَه الْعَظِيمَة) (فدونك رب الْخلق فاقصده ضارعا ... مرِيدا لِأَن يهديك نَحْو الْحَقِيقَة) (وذلل قياد النَّفس للحق واسمعن ... وَلَا تعص من يَدْعُو لأَقوم رفْعَة) (وَمَا بَان من حق فَلَا تتركنه ... وَلَا تعرضن عَن فكرة مُسْتَقِيمَة) (وَأما رضانا بِالْقضَاءِ فَإِنَّمَا ... أمرنَا بِأَن نرضى بِمثل الْمُصِيبَة) (كسقم وفقر ثمَّ ذل وغربة ... وَمَا كَانَ من مؤذ بِدُونِ جريمة) (وَأما الأفاعيل الَّتِي كرهت لنا ... فلاهن مأتي فِي رِضَاهَا بِطَاعَة) (وَقد قَالَ قوم من أولى الْعلم لَا رضَا ... بِفعل الْمعاصِي والذنُوب الكريهة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 356 (وَقَالَ فريق نرتضي بِقَضَائِهِ ... وَلَا نرتضي الْمقْضِي لأقبح خلة) (وَقَالَ فريق نرتضي بِإِضَافَة ... إِلَيْهِ وَمَا فِينَا فَيلقى بسخطه) (فنرضى من الْوَجْه الَّذِي هُوَ خلقه ... ونسخطه من وَجه اكْتِسَاب بحيلة) جَوَاب الأديب نَاصِر الدّين شَافِع بن عبد الظَّاهِر (سَأَلت وَلم تعرف وَكم من مبَاحث ... جرت من أهيل الْعلم فِي ذِي الْحَقِيقَة) (وَمَا أَنْت يَا ذمِّي مبتكر كَمَا ... توهمته من دون ماضي الْبَريَّة) (نعم كل شَيْء كَائِن بِقَضَائِهِ ... وَتَقْدِيره حتما بأوضح حجَّة) (وَهل وَاقع مَا لَا يَشَاء بِملكه ... لقد ضل من ذَا رَأْيه فِي الْقَضِيَّة) (وَإِن الرِّضَا غير الْقَضَاء فَلَا تكن ... تنَازع فِيمَا شاءه من مَشِيئَة) (لَهُ المحو وَالْإِثْبَات جلّ جَلَاله ... فَلَا تعترض فِي حكمه وَتثبت) (وَكن بجوابي مُسلما وَمُسلمًا ... وَكن بِاتِّبَاع الْحق من خير أمة) جَوَاب الشَّيْخ شمس الدّين بن اللبان (أَلا بعد حمد الله باري الْبَريَّة ... على مَا هدَانَا من كتاب وَسنة) (بِأَفْضَل مَبْعُوث إِلَى خير أمة ... عَلَيْهِ من الرَّحْمَن أزكى تَحِيَّة) (فَإِن صَحِيحا كَون مَا شَاءَ رَبنَا ... وَنفي سوى مَا شاءه من مَشِيئَة) (وَلم يرض كفر العَبْد أَي لَا يُحِبهُ ... لَهُ لَا وَلَا يثني عَلَيْهِ بمدحه) (وحيلة من لم يهده الله أَنه ... يُلَاحظ وَجه الْعَجز فِي كل لَحْظَة) (وينفي القذى عَن عين فكرته وَلَا ... يمِيل بِأَسْبَاب الحجى عَن محجة) (ويجهد كل الْجهد فِي قصد ربه ... بِصدق وعزم وابتهال وحرقة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 357 (وكل الَّذِي قُلْنَا مساخط رَبنَا ... كرد عبيد فعل مَوْلَاهُ بِالَّتِي) (فَمَا لم نشاهد نَفعه لَيْسَ مُنْكرا ... كموت خَلِيل عِنْد تلسيع حَيَّة) (وَلَا ظلم عِنْد السَّلب قدرَة خلقه ... وإلزامه مَا لم يدع فِي الجبلة) (لإيجاده أَشْيَاء من غيب علمه ... وَأَحْيَا بهَا جودا وجودا برأفة) (فيفعل فِي مخلوقه مَا مُرَاده ... وَإِن خفت من ذَا ظواهر حِكْمَة) (فلولا يَقُول الله بِالْكَسْبِ مُعْلنا ... لما جَاءَ تَخْصِيص لفعل بِنِسْبَة) (إِذا ذَات مَخْلُوق مجَازًا وَغَيره ... لتنصيصه جزما بِنَفْي الْمَشِيئَة) (فَلَا ينظر الراؤون إِلَّا بعقلهم ... قياسات وهم عاهدوها بعادة) (كقيد غُلَام ثمَّ أَمر بمشية ... قَبِيح وَذَا من ملحقات السفاهة) (وَهَذَا قيسا بَاطِل فِي فعاله ... إِذْ الْكل مَوْجُود بِحكم الْإِرَادَة) (وَلَو قيل هَذَا قيل لم أوجد الورى ... فأعدمه من بعد حِين بذلة) (تنزه عَن نفع وضر بِفِعْلِهِ ... وَذَا قَول من يجْرِي بِضَرْب بدرة) (هُوَ الْخَالِق الرَّحْمَن كلا وَجُمْلَة ... وَبَين فِي المنشا بِعَين حَصِيفَةَ) (بِمَا شَاءَ من أنواره وحياته ... وتسيير بعض فِي حنادس ظلمَة) (ورتب أَجزَاء الْوُجُود محققا ... من الْفِعْل والأرواح فِي بَدو فطْرَة) (وَأبْدى محلا ثَالِثا فِي انتهائها ... لإِظْهَار أسرار الغيوب الغريبة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 360 (وأبدع بعد الْكل مظهر وَصفه ... وكمله فهما وعلما بعزة) (وعرفه مَا شَاءَ من كَونه لَهُ ... وطاعته فِي أمره المستديمة) (وَذَاكَ هُوَ الْإِنْسَان أَفْخَر خلقه ... على كل كَون بارتفاع وزلفة) (فَأعْطَاهُ عقلا يفهم الْخَيْر والتقى ... وَيثبت باريه بأوضح حجَّة) (وعلما وسمعا ثمَّ نورا بِهِ يرى ... مَرَاتِب أشكال بَدَت فِي الشَّهَادَة) (وخيره فِيمَا يُرِيد لنَفسِهِ ... بِمَا احْتَاجَ إصلاحا لِقَوْمِهِ صُورَة) (ومكنه فِيمَا يروم تكسبا ... بآثار فضل من نتائج نفحة) (وَركب فِيهِ قُوَّة غضبية ... لدفع الْأَذَى من موبقات البلية) (وتمم فِيهِ شَهْوَة سبعية ... لجلب مرادات لَهُ فِي الغريزة) (فَيثبت مَا محبوبه لمراده ... وَيدْفَع مَا مبغوضه لشكيمة) (فكلفه الرَّحْمَن بِالشَّرْعِ بَعْدَمَا ... نفى عَنهُ كل النَّقْص فِي أصل خلقَة) (فَلَمَّا سرى فِي مهمه النَّفس والهوى ... وخاض بحار الْجَهْل من غير رِيبَة) (أَنْت رسل من عِنْد باريه مُعْلنا ... مناهج مَا أبدى لنَفس منيرة) (وَأوجب إتباع الرَّسُول على الورى ... وكلفهم إِثْبَات فرض وَسنة) (وَبَين أَن الْكل من عِنْده بدا ... وطاعته حتم لكل الْبَريَّة) (قضى أزلا بالْكفْر وَالْجهل والنوى ... لبَعض فَلَا يَنْفَعهُ قفوى الشَّرِيعَة) (وَآخر مفطور صفى معَارض ... إجَازَة كل المدركات بِقُوَّة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 361 (وَلم يعلم الْمُقْتَضِي علم قَضَائِهِ ... ليتبعه فِيمَا أَرَادَ برأفة) (وَلَكِن لما مَال نفس خسيسة ... إِلَى عدم الْإِسْلَام والتبعية) (أضَاف إِلَى الْبَارِي إِرَادَة فعله ... وَلَيْسَ لَهُ علم بذا فِي الْحَقِيقَة) (وأبقاؤها فِي الْكفْر لَيْسَ أَمارَة ... على أَنَّهَا من بَابه بطريدة) (فقد عَاشَ شخص كَافِرًا طول عمره ... فأدركه سبق لَهُ بالسعادة) (فَأسلم ثمَّ أمحى جلائل ذَنبه ... فَصَارَ بِفضل الله من أهل جنَّة) (وَآخر فِي الْإِسْلَام أذهب عمره ... بورد وأذكار وإكثار حجَّة) (فأدركه سبق الْكتاب بِعِلْمِهِ ... فصيره من أهل ذل وشقوة) (وَهَذَا هُوَ الحكم الْمُحَقق دَائِما ... خَفِي على الْأَلْبَاب والألمعية) (بَيَان وُقُوع الحكم من أول الدنا ... إِلَى آخر الْأَعْصَار فِي كل ذرْوَة) (فيا أَيهَا الذِّمِّيّ هَل أَنْت عَارِف ... بكفرك حتما عِنْد أهل الشَّرِيعَة) (لتَحكم أَن الله بالْكفْر قَاضِيا ... وَلم يرضه حاشاه فِي كل مِلَّة) (إِذا كَانَ قَاضِي الْكفْر فِي بَدْء خلقه ... فَلَيْسَ لَهُ تَغْيِير حكم الْإِرَادَة) (لقَوْل نَبِي الله مَا جف سَابِقًا ... لتحقيق مَا أبدى بِحكم الْمَشِيئَة) (فَلَيْسَ لنا جزم بأنك كَافِر ... وَلَا حتم بِالْإِسْلَامِ فِي كل حقبة) (وَلَكِن يبين الحكم قرب انْتِقَاله ... بِآيَة خير أَو بِسوء الأمارة) (فَإِن كنت من أهل السَّعَادَة آخرا ... فَمَا ضرك التهويد قبل الْإِنَابَة) (وَإِن كنت من أهل الشقاوة واللظى ... فَلَا لَك نفع إِن أتيت بتوبة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 362 (طوف الْقدوم بأشرف الْبلدَانِ مَخْصُوص ... بِهِ الرمل العري من الخمج) (إِن الْوَدَاع طَوَافه نسك فودع ... طَائِفًا يَا من لبيت الله حج) (يَا من يُفَارق مَكَّة ودع وَلَو ... سفرا قَصِيرا كَانَ وَدعك الهوج) (سَرفًا يحرمه وَإِن هُوَ لم يكن ... يَا صَاح فِي الْعِصْيَان يَأْتِيك الْجرْح) (وَيحل أكل زرافة وَإِن ادّعى ... تَحْرِيمهَا من كَانَ من أهل الْحجَج) (وَتوقف الْأُسْتَاذ فِي تَحْرِيم طَاوُوس ... كَذَا فِي الببغا فاقف النهج) (مَا بَين وَالِدَة ونجل فرقة ... بِالرَّدِّ من عيب حرَام كالشنج) (والشهد لَيْسَ يَصح فِيهِ عِنْده ... يَاذَا الحجى سلم سلمت من الوهج) (فِي أول للشهر أَو فِي آخر ... أسلم صَحِيح ذَا فَمن يسلم فلج) (وَالْحمل فِي هَذَا لجزء أول ... من كل نصف حبذا قَول بهج) (فِي أرزهم فِي قشرة السُّفْلى أسلم ... جَائِز هَذَا كوردك من فلج) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 363 (فَلَيْسَ بِمَعْلُوم قضا الحكم جَازِمًا ... وَلَا عدم الرضْوَان حتما لشقوة) (بل أَعْطَاك عقلا ثمَّ فهما محققا ... وأعلن منهاجا حوى كل خصْلَة) (تشهد وجز تَحت الشَّرِيعَة مُؤمنا ... بقدرتك الْخَيْرِيَّة المستخيمة) (كَمَا أَنْت مُخْتَار لنَفسك كل مَا ... تحاوليه من مشبهات وشهوة) (فَإِن لم تقل بالنسخ كنت مُكَذبا ... بِمَا جَاءَ مُوسَى من بَيَان وشرعة) (لرفعهما أَحْكَام من كَانَ قبله ... كتزويج بعض بَين أُخْت بإخوة) (وَإِن كنت بالنسخ الْمُحَقق قَائِلا ... فتابع لشرع حَاز كل مليحة) (وَإِن قلت بالنسخ الْمُخَصّص وَاقعا ... فَذا هُوَ تَرْجِيح بِغَيْر الْأَدِلَّة) (فَهَل أَنْت ساع إِن أتتك خصَاصَة ... بوسعك حوبيا لاتقاء جوعة) (وَهل أَنْت إِن فاجاك فعل منافر ... بقتل وَنهب أَو بشر وفتنة) (تكون مضيفا كل ذَاك حَقِيقَة ... إِلَى الْخَالِق الرَّحْمَن فِي كل لَحْظَة) (وَإِن كنت مُخْتَارًا لنَفسك عزها ... فبشر لَهَا حتما بقول الشَّهَادَة) (إِذْ الْخَاص ملزوم من الْعَام مُطلقًا ... يبين هَذَا فِي دَلَائِل حِكْمَة) (وَإِن كنت تسْعَى فِي بلائك مسرعا ... وتدفع مَا لاقاك من كل هفوة) (فَلبِست حِينَئِذٍ بافك وَلم تكن ... بِفعل إِلَه رَاضِيا بِالْحَقِيقَةِ) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 363 (ثبتَتْ لرب الشفع شفعته إِلَى ... إِسْقَاطه فأصخ لقَوْل ذِي نعج) (ووفاة رب الرَّهْن تبطل رَهنه ... من قبل قيض فاستمع ودع الْهَرج) (وَخيَار تصرية يمد إِلَى مُضِيّ ... ثَلَاثَة أَيَّام شهر من حجج) (سير الْأَقَارِب لَا يقر بِذِمَّة ... كلا وَلَو بِالْفَرْضِ من قَاض عرج) (ولمؤجر كسح لبئر مَا نقا ... بالوعة هُوَ لَازم وَإِن زعج) (وَلَئِن وهبت الدّين يَا رب التقى ... غير الْمَدِين يَصح فَاتبع من عمج) (سفه الْمولى للولاية سالب ... من غير حجر الْحَاكِم العالي الدرج) (لَا ينظرن عبد إِلَى مولاته ... حرم عَلَيْهِ ذَا كمن غصب الْجرْح) (كلا وَلَا الْمَمْسُوح ينظر طرفه ... للأجنبية إِن تربص أَو درج) (إِن عينت كُفؤًا وَعين غَيره ... أَعنِي الْوَلِيّ تجاب صَاحبه البرج) (وكذاك ينْعَقد النِّكَاح نعم بمستور ... فدع من قَالَ لَا ثمَّ انحضج) (والعسر قبل دُخُوله بِالْمهْرِ لم ... يثبت خِيَار الْفَسْخ عَن ذَات الزجج) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 364 (دعَاك وَلم ينسد دُونك بَابه ... فلج فِيهِ واطلب مِنْهُ خير الطَّرِيقَة) (فَلَو كنت مخلوقا لإسعار ناره ... فَلَا نفع فِي إقفاء كل شَرِيعَة) (رضاؤك فِي هَذَا كلا شَيْء هَاهُنَا ... لِأَنَّك مَقْبُوض على شَرّ قَبْضَة) (فَأوجب رب الكائنات الرِّضَا بِمَا ... قَضَاهُ وأبداه بِعلم وقدرة) (وَلم يرض أَن ترْضى بمقضيه كَذَا ... نهاك عَن الْفَحْشَاء فِي كل لمحة) (فَلَيْسَ الرِّضَا عَمَّا نهاك رضاؤه ... وَلَكِن رِضَاهُ فِي اتِّبَاع الْإِرَادَة) (لما لَاحَ بعد الْكَوْن عِنْد وجوده ... لرؤية مَكْنُون سرى فِي السجية) (إِذا شَاءَ مِنْك الْكفْر كنت معاندا ... وَلم تقبل الشَّرْع الْجَلِيل بخشية) (وجود الرِّضَا حسب القضا مِنْك لَا رضَا ... فَلَا صدق فِي إقفاء حكم الْمَشِيئَة) (تناولك الْعُمر الْقَدِيم بِصُورَة ... لإمضاء حكم بل لتركيب حجَّة) (فَلَيْسَ اخْتِيَار فِي خلاف قَضَائِهِ ... وَلَا عدل عَن أَحْكَامه لعزيمة) (بل أَعْطَاك حولا ثمَّ كسبا محققا ... وجاد بأنعام الفهوم العميمة) (فَمَا قلت يَا ذمِّي قَول مسفسط ... فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الْعُقُول بعبرة) (فَلَا دخل فِي قَول الْإِلَه وَفعله ... فيختار مَا يخْتَار من كل فعلة) (وَلَا نجح فِيمَا رمت إِذْ هُوَ حسرة ... حوتها نفوس قسطها من شقاوة) (جوابك يَا ذمِّي أعداد سِتَّة ... وَتِسْعين بَيْتا من جَوَاهِر صنعتي) (تروم دحاض الْحق وَيحك طامعا ... بأبياتك المدحوضة المستحيلة) (إلهي تعطف وَارْحَمْ العَبْد أحمدا ... بطوس بَدَت فِيهَا لَهُ من ولادَة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 364 (يَخُوض بحار الْعلم وَالْحكم الَّتِي ... هِيَ الْغَايَة القصوى بِنور الْعِنَايَة) (بِمَا نَالَ من أَحْوَال رفْعَة شَيْخه ... من الوجد والإجلال وَقت الْإِنَابَة) (أحَاط بِمَا أبدى من الْعلم وَالْهدى ... بتعريفه ذَا من جلائل نعْمَة) (فَمن مَال صدقا نَحْو حَضرته الَّتِي ... هِيَ الملجأ الْأَقْصَى لكل سريرة) (يُحِيط بأسرار وَجل معارف ... يكون سراها روح روح قريرة) (أيا نَاظرا فِي ذَا الْجَواب لفهمه ... تدبر بِعلم لَا تكن متفوت) (وطبق مَعَاني اللَّفْظ من كل موطن ... لإدراجنا فِيهِ فَضَائِل جمة) (فَلَا تَكُ مِمَّن واخذ الْغَيْر قبل أَن ... يُحَقّق مَا أنشا بِحسن الروية) (تكون مسيئا عِنْد من أوجد النهى ... وخصصها بالفهم فِي كل سَاعَة) (على سيد الكونين منا صلَاته ... نفوز بهَا يَوْم الْجَزَاء بزلقة) جَوَاب الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي الَّذِي وعدت بِذكرِهِ فِي تَرْجَمته السَّابِقَة (حمدت إلهي قبل كل مقَالَة ... وَصليت تَعْظِيمًا لخير الْبَريَّة) (وحاولت إبداع النَّصِيحَة منصفا ... لمن طلب الْإِيضَاح فِي حل شُبْهَة) (فَأول مَا يلقى إِلَى كل طَالب ... لتحقيق حق وَاتِّبَاع حَقِيقَة) (يزوع الَّذِي فِي كل عقد وشبهة ... يصد عَن الإمعان فِي نظم حجَّة) (وإلقاء سمع وَاجْتنَاب تعنت ... فَلَا خير فِي المستمحن المتعنت) (إِذا صَحَّ مِنْك الْجد فِي كشف غمَّة ... بليت بهَا فاسمع هديت لرشده) (صدقت قضى الرب الْحَكِيم بِكُل مَا ... يكون وَمَا قد كَانَ وفْق الْمَشِيئَة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 365 (وَهَذَا إِذا حققته متأملا ... فَلَيْسَ يسد الْبَاب من بعده دَعْوَة) (لِأَن من الْمَعْلُوم أَن قَضَاءَهُ ... بِأَمْر على تَعْلِيقه بشريطة) (يجوز وَلَا يأباه عقل كَمَا ترى ... حُدُوث أُمُور بعد أُخْرَى تأدب) (كَمَا الرّيّ بعد الشّرْب والشبع الَّذِي ... يكون عقيب الْأكل فِي كل مرّة) (وَلَيْسَ ببدع أَن يكون مُعَلّقا ... قَضَاء الْإِلَه الْحق رب الخليقة) (بكفرك مهما كنت بالبغي رافضا ... تعَاطِي أَسبَاب الْهدى مَعَ مكنة) (فَمن جملَة الْأَسْبَاب فِيمَا رفضته ... مَعَ الْأَمر والإمكان لفظ شَهَادَة) (فَأَنت كمن لَا يَأْكُل الدَّهْر قَائِلا ... أَمُوت بجوع إِذا قضى لي بجوعتي) (فَلَو أَنْتُم أقبلتم بضراعة ... إِلَى الله وَالدّين القويم الطَّرِيقَة) (ووفيتم حسن التَّأَمُّل حَقه ... وأحسنتم الإمعان فِي كل نظرة) (لَكَانَ الَّذِي قد شاءه الله من هدى ... وَلَيْسَ خُرُوج عَن قَضَاء بِحَالَة) (أَلا نفحات الرب فِي الدَّهْر جمة ... وَلَكِن تعرض كي تفوز بنفحة) (وَلَا تتكل واعمل فَكل ميسر ... لما هُوَ مَخْلُوق لَهُ دون رِيبَة) (وَلَو كنت أَدْرِي أَن ذهنك قَابل ... لفهم كَلَام ذِي غموض ودقة) (لأشبعت فِيهِ القَوْل بسطا محققا ... على نمطي علمي كَلَام وَحِكْمَة) (ولكنما الْمَقْصُود إقناع مثلكُمْ ... فهناك قَصِيرا من فُصُول طَوِيلَة) (وَلَوْلَا وُرُود النَّهْي عَن هَذِه الَّتِي ... سَأَلت لصار الْفلك فِي وسط لجة) (فها أَنا أطوي مَا نشرت بساطه ... وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لزلتي) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 366 1395 - عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب بن مُطِيع محب الدّين بن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين مولده بقوص سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة وَسمع من وَالِده وَغَيره وَحدث بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ فَقِيها فَاضلا درس بالفاضلية والكهارية والسيفية بِالْقَاهِرَةِ وعلق عل التَّعْجِيز شرحا لم يكمله توفّي سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة 1396 - عَليّ بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن أبي الْعِزّ بن أَحْمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ظهير الدّين الكازروني الْبَغْدَادِيّ مولده سنة إِحْدَى عشرَة وسِتمِائَة وَسمع الحَدِيث من الْأَمِير أبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن المرتضى وَأبي عبد الله مُحَمَّد ابْن سعيد الوَاسِطِيّ وَغَيرهمَا وَكَانَ حيسوبا فرضيا مؤرخا شَاعِرًا الحديث: 1395 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 367 وَله كتاب النبراس المضيء فِي الْفِقْه وَكتاب الْمَنْظُومَة الأَسدِية فِي اللُّغَة وَكتاب رَوْضَة الأريب فِي التَّارِيخ وَله شعر حسن توفّي فِي حُدُود السبعمائة 1397 - عَليّ بن هبة الله بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة نور الدّين بن الشهَاب الأسنائي أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ بهاء الدّين القفطي وَالشَّيْخ جلال الدّين الدشناوي بالصعيد وَسمع الحَدِيث من الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد وَحفظ مُخْتَصر مُسلم لِلْحَافِظِ الْمُنْذِرِيّ ودرس بقوص وَتُوفِّي بهَا سنة سبع وَسَبْعمائة الحديث: 1397 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 368 1398 - عَليّ بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن دَاوُد الأرجيشي نِسْبَة إِلَى أرجيش بِالْفَتْح ثمَّ السّكُون وَكسر الْجِيم وتاء سَاكِنة وشين مُعْجمَة قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ هِيَ مَدِينَة قديمَة من نواحي أرمينية الْكُبْرَى تفقه للشَّافِعِيّ وَأقَام بحلب معيدا بمدرسة الزجاجين قانعا باليسير من الرزق فَإِذا زيد شَيْئا لم يقبله وَيَقُول فِي الْوَاصِل إِلَيّ كِفَايَة وَكَانَ مِقْدَار ذَلِك اثنى عشر درهما قَامَ لَقيته وأقمت مَعَه بِالْمَدْرَسَةِ فَوَجَدته كثير الْعِبَادَة والصمت الحديث: 1398 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 369 1399 - عَليّ بن يَعْقُوب بن جِبْرِيل الشَّيْخ نور الدّين الْبكْرِيّ أَبُو الْحسن الْمصْرِيّ كَانَ يذكر نسبه إِلَى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ سمع مُسْند الشَّافِعِي من وزيره بنت المنجا وصنف كتابا فِي الْبَيَان وَكَانَ من الأذكياء سَمِعت الْوَالِد رَحمَه الله يَقُول إِن ابْن الرّفْعَة أوصى بِأَنَّهُ يكمل شَرحه على الْوَسِيط وَكَانَ رجلا خيرا آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر وَقد واجه مرّة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بِكَلَام غليظ فَأمر السُّلْطَان بِقطع لِسَانه فَحكى إِلَى الْوَالِد رَحمَه الله فِيمَا كَانَ يحكيه من محَاسِن الشَّيْخ صدر الدّين بن المرحل وَقُوَّة جنانه أَنه بلغه الحديث: 1399 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 370 الْخَبَر وَهُوَ فِي زَاوِيَة السعودي فَركب حمارا وَصعد فِي الْحَال إِلَى القلعة فَرَأى الْبكْرِيّ وَقد أَخذ ليمضي فِيهِ مَا أَمر بِهِ السُّلْطَان فاستمهل صَاحب الشرطة ثمَّ صعد الإيوان وَالسُّلْطَان جَالس بِغَيْر إِذن وَأخذ فِي النحيب والبكاء وَلم يزل يشفع فِيهِ ويضرع حَتَّى قبل السُّلْطَان شَفَاعَته فِيهِ وَخرج سالما وَالْقَضَاء حُضُور لَا يقدر وَاحِد مِنْهُم أَن يواجه السُّلْطَان بِكَلِمَة لشدَّة مَا كَانَ حصل للسُّلْطَان من الغيظ توفّي الْبكْرِيّ فِي سَابِع شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة ومولده سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة 1400 - عمر بن أَحْمد بن أَحْمد بن مهْدي المدلجي الشَّيْخ عز الدّين النشائي كَانَ فِيهَا كَبِيرا ورعا صَالحا درس بالفاضلية والكهارية بِالْقَاهِرَةِ وَسمع من الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي وَغَيره وَله إشكالات على الْوَسِيط وفوائد كَثِيرَة الحديث: 1400 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 371 وَعَلِيهِ تفقه شَيخنَا مجد الدّين الزنكلوني توفّي بِمَكَّة فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة 1401 - عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم بن عبد الرَّزَّاق شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين أَبُو حَفْص ابْن البلفيائي جبل فقه منيع يرد عَنهُ الطّرف وَهُوَ كليل وَفَارِس بحث يُنَادِيه لِسَان الْإِنْصَاف مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل وطود علم رسا أَصله تَحت الثرى وسما بِهِ إِلَى النَّجْم فرع لَا ينَال طَوِيل مَجْمُوع لشوارد الْفِقْه جموع وأصل مَوْضُوع متكاثر الْفُرُوع مولده بعد الثَّمَانِينَ والستمائة الحديث: 1401 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 372 وَسمع من أبي الْمَعَالِي الأبرقوهي وَعلي بن مُحَمَّد بن هَارُون وَعلي بن عِيسَى بن الْقيم وَغَيرهم وَقد خرجت لَهُ أَيَّام تفقهي عَلَيْهِ أَجزَاء من مروياته حدث بهَا وَكَانَ الْوَالِد يجله ويعظمه فِي الْفِقْه كَانَ بَين يَدي الْوَالِد فِي دروس الْقَاهِرَة ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة بحلب فَأَقَامَ بهَا أشهرا ثمَّ صرف عَنْهَا وَفِيه يَقُول إِذْ ذَاك الشَّيْخ زين الدّين ابْن الوردي (كَانَ وَالله عفيفا نزها ... وَله عرض عريض مَا اتهمَ) (وَهُوَ لَا يدْرِي مدارة الورى ... ومداراة الورى أَمر مُهِمّ) وَورد دمشق فولاه الْوَالِد تدريس الْمدرسَة النورية بحمص فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ دخل مصر وَحضر الدُّرُوس على عَادَته ثمَّ ولي قَضَاء الْبر ثمَّ ولي قَضَاء صفد فَحَضَرَ إِلَيْهَا وَبهَا توفّي فِي أول شهر ربيع الآخر سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَله شرح على مُخْتَصر التبريزي ذكر فِيهِ لنَفسِهِ مبَاحث يسيرَة 1402 - عمر بن مظفر بن مُحَمَّد بن أبي الفوارس الشَّيْخ الْفَقِيه الأديب النَّحْوِيّ زين الدّين ابْن الوردي تفقه على قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين الْبَارِزِيّ وَولي الْقَضَاء فِي بِلَاد حلب ثمَّ ترك وَأقَام بحلب الحديث: 1402 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 373 وَمن تصانيفه نظم الْحَاوِي وَهُوَ حسن جدا وَله فَوَائِد فقهية منظومة وأرجوزة فِي تَعْبِير المنامات واختصار ملحة الْإِعْرَاب وَغير ذَلِك وشعره أحلى من السكر المكرر وأغلى قيمَة من الْجَوْهَر توفّي فِي سَابِع عشري من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بحلب فِي الطَّاعُون وَله فِي الطَّاعُون رِسَالَة بديعة أنشدنا لنَفسِهِ إجَازَة (لَا تقصد القَاضِي إِذا أَدْبَرت ... دنياك واقصد من جواد كريم) (كَيفَ ترجي الرزق من عِنْد من ... يقْضِي بِأَن الْفلس مَال عَظِيم) وَأَيْضًا (قلت وَقد عانقته ... عِنْدِي من الصُّبْح قلق) (قَالَ وَهل يحسدنا ... قلت نعم قَالَ انْفَلق) وَأَيْضًا (لما رأى الزهر الشَّقِيق انثنى ... مُنْهَزِمًا لم يسْتَطع لمحه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 374 (وَقَالَ من جا فَقُلْنَا لَهُ ... جَاءَ شَقِيق عارضا رمحه) وَأَيْضًا (دَهْرنَا أَمْسَى ضنينا ... باللقا حَتَّى ضنينا) (يَا ليَالِي الْوَصْل عودي ... واجمعينا أجمعينا) وَأَيْضًا (رَأَيْت فِي الْفِقْه سؤالا حسنا ... فرعا على أصلين قد تفرعا) (قَابض شَيْء بِرِضا مَالِكه ... وَيضمن الْقيمَة والمثل مَعًا) يَعْنِي إِذا اسْتعَار الْمحرم صيدا فأتلفه فَإِنَّهُ يلْزمه الْقيمَة لمَالِكه والمثل لله تَعَالَى وَأَيْضًا (وأغيد يسألني ... مَا المبتدا والخبرا) (مثلهمَا لي مسرعا ... فَقلت أَنْت الْقَمَر) وَأَيْضًا (من ترى علمهَا على مهى ... وحشاها من نفار من حشاها) (ضرَّة للشمس والبدر فَلَو ... أدركتها ضرتاها ضرتاها) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 375 (بك يَا عاشق مِنْهَا شُبْهَة ... لَو أَبَاحَتْ لَك فاها لكفاها) (وسويداؤك فِيهَا غلَّة ... لَو تدانت شفتاها شفتاها) (غض من طرفيك إِن قابلتها ... كل نفس مقتلاها مقتلاها) (لَيْسَ يدْرِي الْأَمر من لم يرهَا ... ودرى من قد رَآهَا قدر آها) وَله أَيْضا فِي مليح خَليفَة (يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اعطف وَلَا ... تحتجب عَنَّا بِمن قد شرفك) (لَو كشفت السّتْر قبلنَا الثرى ... وترحمنا على من خَلفك) وَله أَيْضا (علقت أعرابية رِيقهَا ... شهد ولي عَذَاب مذاب) (طرفِي بهَا نَبهَان وَالرَّأْس من ... شَيبَان والعذال فِيهَا كلاب) وَأَيْضًا فِي مليح نَصْرَانِيّ (قَالَ زنار خصره ... كم كَذَا ترجع الْبَصَر) (قلت لَا تنفرد بِهِ ... لَك شدّ ولي نظر) وَله أَيْضا دوبيت (إِن بَكت لي الوشاة عينا عينا ... من مثلك نحوهم وحرنا حرنا) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 376 (أَو شبهك الْأَنَام غصنا غصنا ... فِي لومهم فَأَنت معنى مَعنا) وَأَيْضًا موشح (مذهبي حب رشا ذِي جَسَد مَذْهَب ... قد حبي حسنا بِهِ يستعذب الْقدح بِي) (عاذلا مَا أَنْت فِيمَا قلته عادلا ... ) (سَائِلًا يُخْبِرك دمع قد همى سَائِلًا ... ) (أه لَا تعذل فَمَا قلبِي لذا آهلا ... ) (منصبي وَالْعقل أذهبتهما من صبي ... مَا رَبِّي إِلَّا وَقد رَبِّي بِهِ مَا رَبِّي) 1403 - عمر بن أبي الْحرم بن عبد الرَّحْمَن بن يُونُس الشَّيْخ زين الدّين ابْن الكتاني الْفَقِيه الأصولي شيخ الشَّافِعِيَّة الشَّيْخ زين الدّين ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة الحديث: 1403 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 377 وَحدث عَن ابْن عبد الدَّائِم بِالْإِجَازَةِ وَقَرَأَ أصُول الْفِقْه على الْبُرْهَان المراغي بِدِمَشْق وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى مصر وَتَوَلَّى قَضَاء الْمحلة فَانْصَرف إِلَيْهَا وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة ودرس للمحدثين بالقبة المنصورية وشاع اسْمه حَتَّى ضربت بِهِ الْأَمْثَال وَكَانَ قد ولع فِي آخر عمره بمناقشة الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ وَأكْثر من ذَلِك وَكتب على الرَّوْضَة حَوَاشِي وقف وَالِدي أَطَالَ الله عمره على بَعْضهَا وَأجَاب عَن كَلَامه توفّي بمسكنه على شاطئ النّيل فِي خَامِس عشر شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ بَينه وَبَين الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله مَا يكون بَين الأقران وَلم يحفظ أحد عَن الشَّيْخ الإِمَام فِي حَقه كلمة سوء وَقد كَانَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله لَا يغتاب أحدا لَا ابْن الكتاني وَلَا غَيره وحَدثني الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود البساسي أعَاد الله علينا من بركاته قَالَ جرت بَينهمَا مناظرة فَنقل الشَّيْخ الإِمَام عَن الشَّيْخ أبي إِسْحَاق مَسْأَلَة فِي الْأُصُول ثمَّ انصرفا قَالَ نَاصِر الدّين فرآني ابْن الكتناني فَقَالَ لي قل لصاحبك يَعْنِي الشَّيْخ الإِمَام الَّذِي نقلته عَن الشَّيْخ لَيْسَ هُوَ فِي اللمع قَالَ نَاصِر الدّين فَجئْت فَوجدت الشَّيْخ الإِمَام رَاكِبًا فَحَدَّثته فَقَالَ هَات دَوَاة فَأخذت لَهُ دَوَاة من الْكتاب فَكتب (سَمِعت بإنكار مَا قلته ... عَن الشَّيْخ إِذْ لم يكن فِي اللمع) (ونقلي لذَلِك من شَرحه ... وَخير خِصَال الْفَقِيه الْوَرع) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 378 لَو وقفت على شرح اللمع لما أنْكرت النَّقْل فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ كتاب نَافِع مُفِيد حَدثنِي الشَّيْخ نَاصِر الدّين قَالَ هَذَا كَانَ جَوَابه فأعدته على ابْن الكتناني فَسكت وَكَانَ ابْن الكتناني أسن من الشَّيْخ الإِمَام ثمَّ حصل للشَّيْخ الإِمَام من الرواج والشهرة وَالْعَظَمَة فِي أنفس النَّاس مَا هُوَ جدير بأضعافه فَصَارَ بِهَذَا السَّبَب عِنْد الثَّلَاثَة ابْن الكتناني وَابْن عَدْلَانِ وَابْن الْأنْصَارِيّ مَا يكون بَين أهل الْعَصْر وَلم يكن فيهم إِلَّا من هُوَ أَعلَى سنا من الشَّيْخ الإِمَام رَحِمهم الله 1404 - عِيسَى بن عمر بن خَالِد بن عبد المحسن المَخْزُومِي مجد الدّين ابْن الخشاب تفقه على شيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وَسمع من أَصْحَاب البوصيري وَحدث بِالْقَاهِرَةِ وَولي الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ ووكالة بَيت المَال وَنظر الأحباس وتدريس زَاوِيَة الشَّافِعِي وتدريس الناصرية وتدريس القراسنقرية وَكَانَ فَقِيها فَاضلا توفّي فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة وَسَبْعمائة الحديث: 1404 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 379 1405 - فرج بن مُحَمَّد بن أبي الْفرج الشَّيْخ نور الدّين الأردبيلي قَرَأَ المعقولات بتبريز وَتخرج بالشيخ فَخر الدّين أَحْمد بن الْحسن الجاربردي ثمَّ قدم دمشق وَأعَاد بالبادرائية مُدَّة ثمَّ درس بالظاهرية البرانية ثمَّ درس بالناصرية الجوانية والجاروخية وَمَات عَنْهُمَا وشغل النَّاس بِالْعلمِ وَأفَاد الطّلبَة وَشرح منهاج الْبَيْضَاوِيّ فِي أصُول الْفِقْه وَشرح من منهاج النَّوَوِيّ قِطْعَة جَيِّدَة وَقد أرسل إِلَيّ بَعْضهَا لأقف عَلَيْهِ فوقفت عَلَيْهِ وَكَانَ فَاضلا مجموعا على نَفسه من أَكثر أهل الْعلم اشتغالا بِالْعلمِ وَكَانَ ذَا همة فِي الطّلب عالية قَالَ لي إِنَّه كَانَ يقْرَأ بتبريز الْكَشَّاف على شيخ من فضلائها وَإنَّهُ كَانَ يروح إِلَيْهِ فِي كل يَوْم من تبريز الصُّبْح فيصل قريب الظّهْر لِأَن منزله كَانَ بَعيدا عَن الْبَلَد وَمَا زَالَ حَتَّى أكمله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَحكى لي أَنه وقف فِي بِلَاد الْعَدَم على كتاب للرافعي صنفه فِي سفرته إِلَى الْحَج سَمَّاهُ الإيجاز فِي أخطار الْحجاز الحديث: 1405 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 380 وَأَن الرَّافِعِيّ قَالَ فِيهِ خطر لي أَن من سمع الْمُؤَذّن وأجابه وَصلى فِي جمَاعَة ثمَّ سمع مُؤذنًا ثَانِيًا لَا يجِيبه لِأَنَّهُ غير مدعُو بِهَذَا الْأَذَان وَهَذَا بحث صَحِيح ومأخذ حسن وَمِنْه يُؤْخَذ أَنه لَو لم يصل اسْتحبَّ لَهُ الْإِجَابَة لِأَنَّهُ مدعُو بِهِ وَهَذَا المأخذ أحسن من تَخْرِيج الْمَسْأَلَة على أَن الْأَمر هَل يَقْتَضِي التّكْرَار توفّي الشَّيْخ نور الدّين بمدرسته الجاروخية فِي نَهَار الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَدفن بِبَاب الصَّغِير بِدِمَشْق 1406 - الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد البرزالي علم الدّين أَبُو مُحَمَّد الإشبيلي الْحَافِظ الْكَبِير المؤرخ أحد الْأَرْبَعَة الَّذين لَا خَامِس لَهُم فِي هَذِه الصِّنَاعَة ذكره الشَّيْخ شهَاب الدّين بن فضل الله فِي المسالك فَقَالَ مِمَّن وَلدته دمشق والفحل فَحل معرق وأوجدته الْأَيَّام فسطع ضوؤها الْمشرق وتمخضت مِنْهُ اللَّيَالِي عَن وَاحِدهَا وَاحِد أهل الْمشرق وَمَشى فِيهَا على طَرِيق وَاحِد مَا تغير عَن سلوكها وَلَا تقهقر فِي سلوكها انْتهى الحديث: 1406 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 381 قلت مولده فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَسمع سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وهلم جرا فَجمع مُعْجَمه الْعدَد الْكثير والجم الْغَفِير مِنْهُم أَبوهُ وَأحمد بن أبي الْخَيْر وَابْن البُخَارِيّ وَابْن عَلان وَالقَاسِم الأربلي وَابْن الدرجي وَمن يطول ذكرهم وَكَانَ مُفِيد جمَاعَة الْمُحدثين على الْحَقِيقَة وَلما ورد الْوَالِد إِلَى الشَّام فِي سنة سِتّ وَسَبْعمائة كَانَ هُوَ الْقَائِم بتسميعه على الْمَشَايِخ واستقرت بَينهمَا صُحْبَة فَلَمَّا عَاد الْوَالِد إِلَى الشَّام فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ فِي رَجَب قَاضِيا لَازمه الشَّيْخ علم الدّين إِلَى أَوَان الْحَج فحج وَمَات محرما فِي خليص فِي رَابِع ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أنشدنا القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد بن يحيى بن فضل الله إِذْنا قصيدته الَّتِي رثاه بهَا وَمِنْهَا (قد كَانَ فِي قَاسم من غَيره عوض ... فاليوم لَا قَاسم فِينَا وَلَا قسم) (من لَو أَتَى مَكَّة مَالَتْ أباطحها ... بِهِ سُرُورًا وجادت أفقها الديم) (أَقْسَمت مُنْذُ زمَان مَا رأى أحد ... لقاسم شبها فِي الأَرْض لَو قسموا) (هَذَا الَّذِي يشْكر الْمُخْتَار هجرته ... وَالْبَيْت يعرفهُ والحل وَالْحرم) (مَا كَانَ يُنكره رمي الْحطيم بِهِ ... لَو أخر الْعُمر حَتَّى جَاءَ يسْتَلم) (لَهُ إِلَيْهِ وفادات تقر بهَا ... جبال مَكَّة والبطحاء والأكم) (مُحدث الشَّام صدقا بل مؤرخه ... جرى بِهَذَا وَذَا فِيمَا مضى الْقَلَم) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 382 (يَا طَالب الْعلم فِي الفنين مُجْتَهدا ... فِي ذَا وَهَذَا يُنَادى الْمُفْرد الْعلم) مِنْهَا (وحقق النَّقْد حَتَّى بَان بهرجه ... وَصحح النَّقْل حَتَّى مَا بِهِ سقم) (وَعرف النَّاس كَيفَ الطّرق أجمعها ... إِلَى النَّبِي فَمَا حاروا وَلَا وهموا) (وَعلم الْخلق فِي التَّارِيخ مَا جهلوا ... وَبَعض مَا جهولا أَضْعَاف مَا علمُوا) (يُرِيك تَارِيخه مهما أدَّت بِهِ ... كَأَن تَارِيخه الْآفَاق والأمم) أخبرنَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْحَافِظ إِذْنا بَيَاض 1407 - مَحْمُود بن بِي الْقَاسِم عب الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ شَيخنَا الإِمَام شمس الدّين أَبُو الثَّنَاء ولد بأصبهان سنة أَربع وَسبعين وسِتمِائَة وبرع فِي فنون العقليات وَقدم دمشق فدرس بالرواحية ثمَّ قدم مصر فدرس بالمعزية وَأقَام بهَا إِلَى حِين وَفَاته الحديث: 1407 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 383 وَله التصانيف الْكَثِيرَة شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَشرح الطوالع وَشرح الْمطَالع وناظر الْعين وَغَيرهَا وَشرع فِي تَفْسِير كَبِير لم يتمه أوقفني على نَفسه توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بطاعون مصر 1408 - مَحْمُود بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل القونوي الشَّيْخ محب الدّين ولد قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين درس بِالْمَدْرَسَةِ الشريفية بِالْقَاهِرَةِ سِنِين كَثِيرَة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا مولده سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة وصنف شرحا على مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وتصحيحا للحاوي الصَّغِير ذكر فِيهِ تصحيحات الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ توفّي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشري شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن بِبَاب النَّصْر الحديث: 1408 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 384 1409 - مَحْمُود بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جملَة الْخَطِيب جمال الدّين أَبُو الثَّنَاء المحجي الأَصْل من قَرْيَة محجة بِفَتْح الْمِيم والحاء وَالْجِيم الْمُشَدّدَة ثَالِثا من نَاحيَة زرع الصَّالِحِي المولد من صالحية دمشق مولده تَقْرِيبًا سنة سبع وَسَبْعمائة سمع الحَدِيث من يحيى بن مُحَمَّد بن سعد وَجَمَاعَة غَيره واشتغل على عَمه قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين يُوسُف وَلما ولي عَمه قَضَاء الْقُضَاة بِالشَّام نزل لَهُ عَن إِعَادَة الْمدرسَة القيمرية بِدِمَشْق واستنابه فِي الحكم فَحكم يَوْمًا وَاحِدًا ثمَّ صرف وَاسْتمرّ على إِعَادَة القيمرية وإعادة مدرسة أم الصَّالح وإفادة الشامية الجوانية إِلَى أَن مَاتَ الشَّيْخ سيف الدّين الحريري مدرس الظَّاهِرِيَّة البرانية فولي تدريسها وَاسْتمرّ بهَا إِلَى طاعون سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة توفّي الْخَطِيب تَاج الدّين ولد قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي فولاه نَائِب الشَّام أرغون شاه خطابة الْجَامِع الْمَذْكُور فاستمر بهَا إِلَى أَن مَاتَ متعففا متصونا دينا مجموعا على طلب الْعلم وَذكر لي أَن لَهُ تعاليق فِي الْفِقْه والْحَدِيث الحديث: 1409 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 385 مَاتَ يَوْم الِاثْنَيْنِ الْعشْرين من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَصلي عَلَيْهِ من الْغَد بالجامع الْأمَوِي وَدفن بالصالحية وَكَانَ جمعا مشهودا قل أَن رَأَيْت نَظِيره حضرت الصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه رَحمَه الله تَعَالَى وَوَقعت عِنْدِي فِي المحاكمات مَسْأَلَة اقْتضى نَظَرِي فِيهَا أمرا حكمت بِهِ ووافقني جمَاعَة من الْمُفْتِينَ فَرفعت إِلَيْهِ فتيا فِيهَا فَخَالف فِي ذَلِك وَأَنا ذَاكر كَلَامي وَكَلَامه هُنَا فَأَقُول بَيَاض 1410 - مَحْمُود بن مَسْعُود بن مصلح الْفَارِسِي الإِمَام قطب الدّين الشِّيرَازِيّ صَاحب التصانيف شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَشرح مِفْتَاح السكاكي وَشرح الكليات وَغَيرهَا تخرج على النصير الطوسي وبرع فِي المعقولات ولازم بِالآخِرَة الحَدِيث سَمَاعا ونظرا فِي جَامع الْأُصُول وَشرح السّنة لِلْبَغوِيِّ وَمَا أشبه ذَلِك مولده بشيراز سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَدخل بَغْدَاد ودمشق ومصر واستوطن بِالآخِرَة تبريز وَانْقطع عَن أَبْوَاب الْأُمَرَاء إِلَى أَن مَاتَ فِي شهر رَمَضَان سنة عشر وَسَبْعمائة الحديث: 1410 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 386 1411 - هبة الله بن عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن هبة الله بن الْمُسلم ابْن هبة الله الْجُهَنِيّ قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين ابْن الْبَارِزِيّ قَاضِي حماه ولد فِي خَامِس رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة بحماه وَسمع من أَبِيه وجده وَالشَّيْخ عز الدّين الفاروثي وَالشَّيْخ جمال الدّين بن مَالك وَجَمَاعَة وَأَجَازَهُ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَالشَّيْخ نَدم الدّين البادرائي والحافظ رشيد الدّين الْعَطَّار وَأَبُو شامة وَطَائِفَة انْتَهَت إِلَيْهِ مشيخة الْمَذْهَب بِبِلَاد الشَّام وَقصد من الْأَطْرَاف وَكَانَ إِمَامًا عَارِفًا بِالْمذهبِ وفنون كَثِيرَة لَهُ التصانيف الْكَثِيرَة مِنْهَا شرح الْحَاوِي والتمييز وترتيب جَامع الحديث: 1411 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 387 الْأُصُول والمغنى ومختصر التَّنْبِيه والوفا فِي سرائر الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكره شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي المعجم الْمُخْتَص وَقَالَ كَانَ عديم النظير لَهُ خبْرَة تَامَّة بمتون الْأَحَادِيث وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْمَذْهَب توفّي فِي وسط ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أخبرنَا هبة الله بن عبد الرَّحِيم الْفَقِيه إِذْنا وَأخْبرنَا عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا جدي أَبُو طَاهِر سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة أخبرنَا إِبْرَاهِيم ابْن المظفر البرني سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بالموصل أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ ويوسف بن مُحَمَّد بن مقلد قَالَ عبد الله أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السمناني وَقَالَ الآخر أخبرنَا عمر بن إِبْرَاهِيم التنوخي قَالَا أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الواحدي أخبرنَا ابْن محمش أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن المحمدابادي حَدثنَا أَحْمد بن يُوسُف حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا الثَّوْريّ عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (العمرتان تكفران مَا بَينهمَا وَالْحج المبرور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجنَّة) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 388 // أخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ // من طَرِيق الثَّوْريّ هَذِه أفتى قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين باستحباب إِجَابَة الْأَذَان الأول للْجُمُعَة وَهُوَ مَا أفتى بِهِ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام فِي الفتاوي الموصلية وَقد نقل الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن النَّص كَرَاهَة الْأَذَان الأول لَهَا وَأفْتى القَاضِي شرف الدّين باستحباب إِجَابَة الْمُؤَذّن فِي الترجيع وَبِأَنَّهُ إِذا شهد عَلَيْهِ رجل وَامْرَأَتَانِ وَأَعْطَاهُمْ أُجْرَة يَأْخُذ الرجل النّصْف والمرأتان النّصْف لكل مِنْهُمَا الرّبع قِيَاسا على مَا إِذا شهدُوا على رجل بِحَق مَال وَرَجَعُوا يغرم الرجل النّصْف وكل من الْمَرْأَتَيْنِ الرّبع وَبِأَنَّهُ إِذا وَكله فِي الطَّلَاق فَطلق فِي زمن الْحيض ينفذ وَبِأَنَّهُ إِذا كَانَ شخص نَائِبا فِي جِهَتَيْنِ عَن شَخْصَيْنِ لم يكن لَهُ أَن يطْلب غريما من إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى وَإِن كَانَ نَافِذ الحكم فيهمَا لِأَنَّهُ فرع عَن ذَيْنك وكل مِنْهُمَا لَا يقدر على الطّلب فَكيف يجوز لَهُ مَالا يجوز لأصله وَبِأَن النّذر قربَة وَبِأَن القَاضِي إِذا أحرم لَا يمْتَنع نوابه عَن العقد واستدرك قَول الْأَصْحَاب أَن مَا يقبل التَّعْلِيق من التَّصَرُّفَات يَصح إِضَافَته إِلَى بعض مَحل ذَلِك التَّصَرُّف كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق ومالا فَلَا كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَة إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهِي الْإِيلَاء فَإِنَّهُ يقبل التَّعْلِيق وَلَا تصح إِضَافَته إِلَى بعض الْمحل إِلَّا الْفرج فَقَالَ بقيت مَسْأَلَة أُخْرَى وَهِي الْوَصِيَّة فَإِنَّهُ يَصح تَعْلِيقهَا وَلَا يَصح أَن تُضَاف إِلَى بعض الْمحل ذكره فِي التَّمْيِيز الجزء: 10 ¦ الصفحة: 389 وَلَك أَن تَقول بقيت مسَائِل أخر مِنْهَا أَن تَعْلِيق الْفَسْخ لَا يجوز كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي نِكَاح المشركات وَإِذا اشْترى عَبْدَيْنِ فَوجدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبا وَقُلْنَا لَا يجوز إِفْرَاد الْمَعِيب بِالرَّدِّ فَلَو رده كَانَ ردا لَهما على وَجه وَمِنْهَا الْكفَالَة لَا يَصح تَعْلِيقهَا وَيصِح أَن تُضَاف إِلَى بعض الْمحل على خلاف فيهمَا وَمِنْهَا يَصح تَعْلِيق التَّدْبِير وَلَو قَالَ دبرت يدك أَو رجلك لم يَصح التَّدْبِير على وَجه وَمِنْهَا لَا يَصح تَعْلِيق الرُّجُوع فِي التَّدْبِير إِن قُلْنَا يرجع بالْقَوْل فِيهِ كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَلَو قَالَ رجعت فِي رَأسك فَهَل يكون رُجُوعا فِي جَمِيعه فِيهِ وَجْهَان حكماهما الْمَاوَرْدِيّ وَمِنْهَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت زَان لَا يكون قَاذِفا وَلَو قَالَ زنى قبلك أَو دبرك كَانَ قَاذِفا وَقَالَ فِي كِتَابه التَّمْيِيز وَيرْفَع يَقِين الْحَدث لَا الطُّهْر بِالظَّنِّ وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَيست فِي الْوَجِيز وَلَا فِي التَّعْجِيز وَإِنَّمَا هِيَ شَيْء ذكره الرَّافِعِيّ وَتَبعهُ عَلَيْهِ صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير وَكَانَ لِابْنِ الْبَارِزِيّ اعتناء تَامّ بالحاوي الصَّغِير فَتَبِعَهُ فِي هَذَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 390 وَقَالَ لي الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله ذكر لي شَيخنَا ابْن الرّفْعَة قَالَ لي شَيخنَا الشريف العباسي هَذَا الْمَكَان غلط فِي الرَّافِعِيّ وَلم يفرق أحد بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْيَقِين لَا يرفع بِالظَّنِّ فيهمَا 1412 - يحيى بن عبد الله بن عبد الْملك أَبُو زَكَرِيَّا الوَاسِطِيّ كَانَ فَقِيها أصوليا لَهُ مُصَنف فِي النَّاسِخ والمنسوخ تفقه على وَالِده وَحدث بِبَغْدَاد ودرس بِالْمَدْرَسَةِ البرانية بواسط وَسمع من الفاروثي صَحِيح البُخَارِيّ توفّي بواسط سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة 1413 - يحيى بن عَليّ بن تَمام بن يُوسُف السُّبْكِيّ القَاضِي صدر الدّين أَبُو زَكَرِيَّا عَم وَالِدي رحمهمَا الله تفقه على السديد والظهير التزمنتيين الحديث: 1412 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 391 وَقَرَأَ أصُول الْفِقْه على الْفَقِيه الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن إِدْرِيس الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي وَسمع الحَدِيث من ابْن خطيب المزة وَغَيره وبرع فِي الْفِقْه وأصوله وَتَوَلَّى قَضَاء بعض الْبِلَاد المصرية ثمَّ درس بِالْمَدْرَسَةِ السيفية بِالْقَاهِرَةِ وَاسْتمرّ بهَا إِلَى حِين وَفَاته توفّي فِي سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بالقرافة 1414 - يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن جملَة المحجي من محجة من بِلَاد حوران الشَّام قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين ولد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وتفقه على الشَّيْخ صدر الدّين ابْن المرحل ولازمه وَبِه عرف وناب فِي الحكم بِدِمَشْق عَن قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي ودرس بالدولعية ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة بعد وَفَاة القَاضِي علم الدّين الأخنائي الحديث: 1414 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 392 وَاسْتمرّ إِلَى أَن عمل عَلَيْهِ ووشي بِهِ إِلَى الْأَمِير سيف الدّين تنكز فعزل واعتقل بالقلعة ظلما ثمَّ أفرج عَنهُ بعد أشهر وَولي تدريس الشامية البرانية ثمَّ توفّي قَرِيبا فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ من أَقْرَان القَاضِي فَخر الدّين الْمصْرِيّ 1415 - يُوسُف بن دانيال بن منكلي بن صرفا القَاضِي بدر الدّين ابْن القَاضِي ضِيَاء الدّين قَاضِي الشوبك تفقه على الشَّيْخ تَاج الدّين ابْن الفركاح وَسمع من الشَّيْخ شمس الدّين بن أبي عمر وَابْن البُخَارِيّ وَحدث بِدِمَشْق والكرك والشوبك وَمَات فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة 1416 - يُوسُف بن سُلَيْمَان بن أبي الْحسن بن إِبْرَاهِيم الْخَطِيب جمال الدّين الصُّوفِي الشَّاعِر تفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَقَالَ النّظم الْفَائِق وَكَانَ سريع الْجَواب فِي النَّادِر الحديث: 1415 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 393 وَله فِي الْوَالِد رَحمَه الله مدائح جمة وَكَانَ سريع الْجَواب حسن الابتدار رَأَيْته وَقد دخل إِلَى الْوَالِد يَوْم جَاءَ نعي الشَّيْخ ابْن حَيَّان فَقَالَ لَهُ الْوَالِد رَحمَه الله (خبر أَتَى على شَيخنَا الْأُسْتَاذ ... ) أجب فَقَالَ لَهُ (كَانَ ابْتِدَاء تفتت الأكباد ... ) ثمَّ انْصَرف إِلَى منزله وَعَاد آخر النَّهَار وَقد كمل عَلَيْهِ مرثية حَسَنَة ممزوجة بمدح الشَّيْخ الإِمَام وَمن شعره فِي فرس أدهم (وأدهم اللَّوْن فاق الْبَرْق وانتظره ... فغارت الرّيح حَتَّى غيبت أَثَره) (فواضع رجله حَيْثُ انْتَهَت يَده ... وَوَاضِع يَده أَنى رنا بَصَره) (شهم ترَاهُ يحاكي السهْم مُنْطَلقًا ... وَمَاله غَرَض مستوقف خَبره) (يعفر الْوَحْش فِي الْبَيْدَاء فارسه ... وينثني وادعا لم يسْتَتر غَيره) (إِذا توقل قطب الدّين صهوته ... رَأَيْت لَيْلًا بهيما حَامِلا قمره) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 394 وَمِنْه (كَأَن ضوء الْبَدْر لما بدا ... ونوره بَين غُضُون الغصون) (وَجه حبيب زار عشاقه ... فاعترضت من دونه الكاشحون) توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة خمسين وَسَبْعمائة فِي طاعون دمشق وَكَانَ قد رافقنا فِي الْحَج سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَسمعت مِنْهُ ثمَّ من نظمه مَالا أحققه 1417 - يُوسُف بن الزكي عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عَليّ بن عبد الْملك ابْن عَليّ بن أبي الزهر الْكَلْبِيّ الْقُضَاعِي الدِّمَشْقِي شَيخنَا وأستاذنا وقدوتنا الشَّيْخ جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج الْمزي حَافظ زَمَاننَا حَامِل راية السّنة وَالْجَمَاعَة والقائم بأعباء هَذِه الصِّنَاعَة والمتدرع جِلْبَاب الطَّاعَة الحديث: 1417 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 395 إِمَام الْحفاظ كلمة لَا يجحدونها وَشَهَادَة على أنفسهم يؤدونها ورتبة لَو نشر أكَابِر الْأَعْدَاء لكانوا يودونها وَاحِد عصره بِالْإِجْمَاع وَشَيخ زَمَانه الَّذِي تصغي لما يَقُول الأسماع وَالَّذِي مَا جَاءَ بعد ابْن عَسَاكِر مثله وَإِن تكاثرت جيوش هَذَا الْعلم فملأت الْبِقَاع جد طول حَيَاته فاستوعب أعوامها واستغرق بِالطَّلَبِ لياليها وأيامها وسهر الدياجي فِي الْعلم إِذا سهرها غَيره فِي الشَّهَوَات أَو نامها ذكره شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي تذكرة الْحَافِظ وَأَطْنَبَ فِي مدحه وَقَالَ نظر فِي اللُّغَة وَمهر فِيهَا وَفِي التصريف وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة وَأما معرفَة الرِّجَال فَهُوَ حَامِل لوائها والقائم بأعبائها لم تَرَ الْعُيُون مثله انْتهى وَذكره فِي المعجم الْمُخْتَص وَأَطْنَبَ ثمَّ قَالَ يُشَارك فِي الْفِقْه وَالْأُصُول ويخوض فِي مضايق الْمَعْقُول فَيُؤَدِّي الحَدِيث كَمَا فِي النَّفس متْنا وإسنادا وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي معرفَة الرِّجَال وطبقاتهم انْتهى وَلَا أَحسب شَيخنَا الْمزي يدْرِي المعقولات فضلا عَن الْخَوْض فِي مضايقها فسامح الله شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَقد قدمنَا فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد أَنِّي سَمِعت شَيخنَا الذَّهَبِيّ يَقُول مَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ وَأَنه بَلغنِي عَنهُ أَنه قَالَ مَا رَأَيْت أحفظ من أَرْبَعَة ابْن دَقِيق الْعِيد والدمياطي وَابْن تَيْمِية والمزي وترتيبهم حَسْبَمَا قدمْنَاهُ وَأَنا لم أر من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة غير الْمزي وَلَكِن أَقُول مَا رَأَيْت أحفظ من ثَلَاثَة الْمزي والذهبي وَالْوَالِد على التَّفْصِيل الَّذِي قَدمته فِي تَرْجَمَة الْوَالِد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 396 وعاصرت أَرْبَعَة لَا خَامِس لَهُم هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة والبرزالي فَإِنِّي لم أر البرزالي وَكَانَ البرزالي يفوقهم فِي معرفَة الْأَجْزَاء ورواتها الْأَحْيَاء وَكَانَت الثَّلَاثَة تعظم الْمزي وتذعن لَهُ ويقرءون عَلَيْهِ ويعترفون بتقديمه وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ شَيخنَا الْمزي أعجوبة زَمَانه يقْرَأ عَلَيْهِ الْقَارئ نَهَارا كَامِلا والطرق تضطرب والأسانيد تخْتَلف وَضبط الْأَسْمَاء يشكل وَهُوَ لَا يسهو وَلَا يغْفل يبين وَجه الِاخْتِلَاف ويوضح ضبط الْمُشكل ويعين الْمُبْهم يقظ لَا يغْفل عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ وَقد شاهدته الطّلبَة يَنْعس فَإِذا أَخطَأ الْقَارئ رد عَلَيْهِ كَأَن شخصا أيقظه وَقَالَ لَهُ قَالَ هَذَا الْقَارئ كَيْت وَكَيْت هَل هُوَ صَحِيح وَهَذَا من عجائب الْأُمُور وَكَانَ قد انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الْمُحدثين فِي الدُّنْيَا وَمن ذَكرْنَاهُ من الثَّلَاثَة قد عرفناك أَنهم مَعَ علو رتبتهم يعترفون لَهُ أما الذَّهَبِيّ فثناؤه عَلَيْهِ قد أنبأناك بِهِ وَقد مَلأ تصانيفه وَأما البرزالي فتلميذه وقارئه فِي دَار الحَدِيث الأشرفية وَغَيرهَا وَأما الشَّيْخ الإِمَام فَلَقَد كَانَ كثير الإجلال لَهُ كَانَ الشَّيْخ الْحَافِظ يَجِيء فِي كثير من الْأَيَّام وَمَعَهُ جمَاعَة من الطّلبَة وجزء من سَماع الشَّيْخ الإِمَام وَرُبمَا كَانَ مِمَّا اشْترك مَعَه فِي سَمَاعه فَيقْرَأ على الشَّيْخ الإِمَام وَعَلِيهِ وَالشَّيْخ الإِمَام مَعَ ذَلِك يُعْطِيهِ من التَّعْظِيم مَا هُوَ مُسْتَحقّ لَهُ وَلَقَد حكى لي فِيمَا كَانَ يحكيه من تسكين فتن أهل الشَّام أَنه عقب دُخُوله دمشق بليلة وَاحِدَة حضر إِلَيْهِ الشَّيْخ صدر الدّين سُلَيْمَان بن عبد الحكم الْمَالِكِي وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام يُحِبهُ قَالَ دخل إِلَيّ وَقت الْعشَاء الْآخِرَة وَقَالَ أمورا يُرِيد بهَا تعريفي بِأَهْل دمشق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 397 قَالَ فَذكر لي البرزالي وملازمته لي ثمَّ انْتهى إِلَى الْمزي فَقَالَ وَيَنْبَغِي لَك عَزله من مشيخة دَار الحَدِيث الأشرفية قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فاقشعر جلدي وَغَابَ فكري وَقلت فِي نَفسِي هَذَا إِمَام الْمُحدثين وَالله لَو عَاشَ الدَّارَقُطْنِيّ استحيي أَن يدرس مَكَانَهُ قَالَ وَسكت ثمَّ منعت النَّاس من الدُّخُول عَليّ لَيْلًا وَقلت هَذِه بَلْدَة كَبِيرَة الْفِتَن فَقلت أَنا للشَّيْخ الإِمَام إِن صدر الدّين الْمَالِكِي لَا يُنكر رُتْبَة الْمزي فِي الحَدِيث وَلَكِن كَأَنَّهُ لاحظ مَا هُوَ شَرط واقفها من أَن شيخها لَا بُد وَأَن يكون أشعري العقيدة والمزي وَإِن كَانَ حِين ولي كتب بِخَطِّهِ بِأَنَّهُ أشعري إِلَّا أَن النَّاس لَا يصدقونه فِي ذَلِك فَقَالَ أعرف أَن هَذَا هُوَ الَّذِي لاحظه صدر الدّين وَلَكِن من ذَا الَّذِي يتجاسر أَن يَقُول الْمزي مَا يصلح لدار الحَدِيث وَالله ركني مَا يحمل هَذَا الْكَلَام فَانْظُر عَظمَة الْمزي عِنْده وَكنت أَنا كثير الْمُلَازمَة للذهبي أمضي إِلَيْهِ فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ بكرَة وَالْعصر وَأما الْمزي فَمَا كنت أمضي إِلَيْهِ غير مرَّتَيْنِ فِي الْأُسْبُوع وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن الذَّهَبِيّ كَانَ كثير الملاطفة لي والمحبة فِي بِحَيْثُ يعرف من عرف حَال مَعَه أَنه لم يكن يحب أحدا كمحبته فِي وَكنت أَنا شَابًّا فَيَقَع ذَلِك مني موقعا عَظِيما وَأما الْمزي فَكَانَ رجلا عبوسا مهيبا وَكَانَ الْوَالِد يحب لَو كَانَ أَمْرِي على الْعَكْس أَعنِي يحب أَن ألازم الْمزي أَكثر من مُلَازمَة الذَّهَب لِعَظَمَة الْمزي عِنْده الجزء: 10 ¦ الصفحة: 398 وَكنت إِذا جِئْت غَالِبا من عِنْد شيخ يَقُول هَات مَا اسْتَفَدْت مَا قَرَأت مَا سَمِعت فأحكي لَهُ مجلسي مَعَه فَكنت إِذا جِئْت من عِنْد الذَّهَبِيّ يَقُول جِئْت من عِنْد شيخك وَإِذا جِئْت من عِنْد الشَّيْخ نجم الدّين القحفازي يَقُول جِئْت من جَامع تنكز لِأَن الشَّيْخ نجم الدّين كَانَ يشغلنا فِيهِ وَإِذا جِئْت من عِنْد الشَّيْخ شمس الدّين ابْن النَّقِيب يَقُول جِئْت من الشامية لِأَنِّي كنت أَقرَأ عَلَيْهِ فِيهَا وَإِذا جِئْت من عِنْد الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس الأندرشي يَقُول جِئْت من الْجَامِع لِأَنِّي كنت أَقرَأ عَلَيْهِ فِيهِ وَهَكَذَا وَأما إِذا جِئْت من عِنْد الْمزي فَيَقُول جِئْت من عِنْد الشَّيْخ ويفصح بِلَفْظ الشَّيْخ وَيرْفَع بهَا صَوته وَأَنا جازم بِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يفعل ذَلِك ليثبت فِي قلبِي عَظمته ويحثني على ملازمته وشغر مرّة مَكَان بدار الحَدِيث الأشرفية فنزلني فِيهِ فعجبت من ذَلِك فَإِنَّهُ كَانَ لَا يرى تَنْزِيل أَوْلَاده فِي الْمدَارِس وَهَا أَنا لم أل فِي عمري فقاهة فِي غير دَار الحَدِيث وَلَا إِعَادَة إِلَّا عِنْد الشَّيْخ الْوَالِد وَإِنَّمَا كَانَ يؤخرنا إِلَى وَقت اسْتِحْقَاق التدريس على هَذَا ربانا رَحمَه الله فَسَأَلته فَقَالَ ليقال إِنَّك كنت فَقِيها عِنْد الْمزي وَلما بلغ الْمزي ذَلِك أَمرهم أَن يكتبوا اسْمِي فِي الطَّبَقَة الْعليا فَبلغ ذَلِك الْوَالِد فانزعج وَقَالَ خرجنَا من الْجد إِلَى اللّعب لَا وَالله عبد الْوَهَّاب شَاب وَلَا يسْتَحق الْآن هَذِه الطَّبَقَة اكتبوا اسْمه مَعَ المبتدئين فَقَالَ لَهُ شَيخنَا الذَّهَبِيّ وَالله هُوَ فَوق هَذِه الدرجَة وَهُوَ مُحدث جيد هَذِه عبارَة الذَّهَبِيّ فَضَحِك الْوَالِد وَقَالَ يكون مَعَ المتوسطين هَذَا مَا نعرفه فِي الْمزي من جِهَة علم الحَدِيث وَكَانَ كَمَا قَالَ الذَّهَبِيّ عَارِفًا باللغة والتصريف وَله مُشَاركَة فِي الْفِقْه ويخوض فِي شَيْء من مسَائِل الصِّفَات فِي أصُول الديانَات ليته برِئ مِنْهَا وَأما المعقولات فَلم يكن يدريها وَلَعَلَّ الذَّهَبِيّ خطر لَهُ أَن ذَلِك الْقدر الَّذِي كَانَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 399 يَخُوض فِيهِ من أصُول الديانَات هُوَ مضايق المعقولات وَهَذَا ظن من لَا يدْرِي مَدْلُول المعقولات وَأَنَّهَا عُلُوم وَرَاء علم الْكَلَام يعرفهَا أَهلهَا وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي التَّذْكِرَة إِن الْمزي كَانَ يُقرر طَريقَة السّلف فِي السّنة فيعضد ذَلِك بقواعد كلامية ومباحث نظرية قَالَ وَجرى بَيْننَا مجادلات ومعارضات فِي ذَلِك تَركهَا أسلم انْتهى وَلَيْسَ الْمزي والذهبي عندنَا فِي هَذَا الْمقَام وَالْحق أَحَق مَا قيل وليت الذَّهَبِيّ فهم مَدْلُول هَذِه الْكَلِمَات فَإِن قَوْله جرى بَيْننَا معارضات فِي ذَلِك بقد قَوْله كَانَ يعضد السّنة كَلَام مَعْنَاهُ أَنِّي عارضته فِي نصْرَة السّنة فَانْظُر لهَذِهِ الْعَظِيمَة الَّتِي لَو تفطن شَيخنَا لقائلها لأبعد عَنْهَا وَاعْلَم أَن هَذِه الرّفْقَة أَعنِي الْمزي والذهبي والبرزالي وَكَثِيرًا مَا أتباعهم أضرّ بهم أَبُو الْعَبَّاس ابْن تَيْمِية إِضْرَارًا بَينا وَحَملهمْ على عظائم الْأُمُور أمرا لَيْسَ هينا وجرهم إِلَى مَا كَانَ التباعد عَنهُ أولى بهم وأوقفهم فِي دكادك من نَار المرجو من الله أَن يتجاوزها لَهُم ولأصحابهم وَكَانَ للمزي ديانَة متينة وَعبادَة وَسُكُون وَخير مولده فِي لَيْلَة الْعَاشِر من شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة بِظَاهِر حلب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 400 وَسمع من أَحْمد بن أبي الْخَيْر سَلامَة وَالقَاسِم بن أبي بكر الإربلي وَإِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن الدرجي وَأبي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن أبي عمر والمقداد بن هبة الله الْقَيْسِي وَعمر بن مُحَمَّد بن أبي عصرون وَالْمُسلم بن مُحَمَّد بن عَلان وَأحمد بن شَيبَان وَخلق بِالشَّام ورحل إِلَى مصر فَسمع من الْعِزّ عبد الْعَزِيز الْحَرَّانِي وَابْن خطيب المزة وغازي الحلاوي وَخلق وَسمع بِبِلَاد كَثِيرَة وَجمع لَهُ الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وعلو الْإِسْنَاد وَحدث نَحْو خمسين سنة سمع مِنْهُ ابْن تَيْمِية والبرزالي والذهبي وَابْن سيد النَّاس وَالشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد وَخلق لَا يُحصونَ وصنف تَهْذِيب الْكَمَال الْمجمع على أَنه لم يصنف مثله وَكتاب الْأَطْرَاف وَقد قَرَأت عَلَيْهِ وَسمعت عَلَيْهِ الْكثير توفّي فِي يَوْم السبت ثَانِي عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بدار الحَدِيث الأشرفية وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن سَلامَة كِتَابَة وحَدثني عَنهُ أَبُو الْحجَّاج الْحَافِظ عَن مَسْعُود الْجمال أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحداد أخبرنَا أَبُو نعيم حَدثنَا ابْن خَلاد حَدثنَا الْحَارِث بن مُحَمَّد حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا حَمَّاد بن زيد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 401 حَدثنَا معبد بن هِلَال حَدثنَا الْحسن قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث الشَّفَاعَة (يَقُول الله تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وكبريائي وعظمتي لأخْرجَن مِنْهَا من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله) // أخرجه البُخَارِيّ // عَن سُلَيْمَان أخبرنَا الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو الْحجَّاج الْمزي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن البُخَارِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَنحن نسْمع أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن معمر بن طبرزد أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن زُرَيْق أخبرنَا القَاضِي أَبُو الْغَنَائِم مُحَمَّد بن عَليّ بن عَليّ بن الْحسن بن الدجاجي أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن الْحسن بن شَاذان الْحَرْبِيّ حَدثنَا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 402 أَبُو بكر الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا الْمُطَرز الْمقري حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا الضَّحَّاك بن مخلد عَن سُفْيَان عَن طعمة بن غيلَان عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن أَبَا بكر وَعمر سيدا كهول أهل الْجنَّة من الْأَوَّلين والآخرين إِلَّا النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ لَا تخبرهما يَا عَليّ) // أخرجه التِّرْمِذِيّ // عَن يَعْقُوب الدَّوْرَقِي عَم ابْن عُيَيْنَة قَالَ ذكر دَاوُد عَن الشّعبِيّ عَن الْحَارِث الْأَعْوَر عَن عَليّ رَفعه وَابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الْحسن بن عمَارَة عَن فراس عَن الشّعب عَن الْحَارِث بِهِ من الْفَوَائِد عَنهُ كتب الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَضِي الله عَنهُ من الديار المصرية يسْأَل شَيخنَا الْحَافِظ الْمزي مَا صورته مَا يَقُول سيدنَا وَشَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ النَّاقِد حجَّة أهل الحَدِيث فريد دهره جمال الدّين أَبُو الْحجَّاج الْمزي نفع الله بِهِ فِي هِلَال بن رداد الْمَذْكُور فِي آخر فَتْرَة الْوَحْي فِي أول البُخَارِيّ مَا حَاله وَفِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي بَاب غسل الرجلَيْن باليدين قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 403 بشار حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا شُعْبَة أَخْبرنِي أَبُو جَعْفَر الْمدنِي سَمِعت ابْن عُثْمَان بن حنيف يَعْنِي عمَارَة قَالَ حَدثنِي الْقَيْسِي وَفِي نُسْخَة التَّيْمِيّ أَنه كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث مَا حَال هَذَا الْإِسْنَاد وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيث فِي أول غسل الرجلَيْن فِي نُسْخَة مُحَمَّد بن آدم وَفِي نُسْخَة مَحْمُود بن آدم مَا الصَّوَاب من ذَلِك يُحَقّق لنا ذَلِك وَالله يديم النَّفْع بِهِ الْجَواب بِخَط شَيخنَا الْحَافِظ الْمزي الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذِي اصْطفى أما هِلَال بن رداد هَذَا فَهُوَ الطَّائِي وَيُقَال الْكِنَانِي الشَّامي الْكَاتِب روى عَن الزُّهْرِيّ وروى عَنهُ ابْنه أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن هِلَال بن رداد قَالَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن مُحَمَّد بن إِيَاس بن البكير عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره فِي الطَّلَاق حَدثنِي بِهِ مُحَمَّد بن مُسلم الرَّازِيّ قَالَ حَدثنِي أَبُو الْقَاسِم بن هِلَال بن رداد الطَّائِي قَالَ حَدثنَا أبي وَكَانَ من كتبة هِشَام قَالَ سَمِعت ابْن شهَاب يَقُول وَذكر الحَدِيث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 404 قَالَ الذهلي وَكَانَ هِلَال بن رداد الطَّائِي أسوقهم للْحَدِيث باقتصاصه وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَلَا ابْن أبي حَاتِم فِي كِتَابه وَإِنَّمَا ذكر ابْنه مُحَمَّد بن هِلَال بن رداد بن الْكِنَانِي وَقَالَ فِيهِ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه مَجْهُول وَقَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْبَغْدَادِيّ صَاحب الحمصيين فِيمَن روى عَن الزُّهْرِيّ عَن أهل حمص ورداد الطَّائِي الْكَاتِب لم يزدْ على ذَلِك فَلَا أدرى هُوَ هَذَا أَو أَبوهُ وَأما أَبُو جَعْفَر الْمدنِي الْمَذْكُور فِي حَدِيث النَّسَائِيّ فَهُوَ عُمَيْر بن يزِيد الخطمي وَهُوَ ثِقَة وثقة يحيى بن معِين وَغَيره وَأخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة فِي كتبهمْ وَأما شَيْخه عمَارَة بن عُثْمَان بن حنيف فَلم يخرج لَهُ سوى النَّسَائِيّ أخرج لَهُ هَذَا الحَدِيث وحديثا آخر وَأما الْقَيْسِي فَلَا يعرف اسْمه وَقد أخرج حَدِيثه هَذَا الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده هَكَذَا وَلم يسمه وَكَذَلِكَ ذكره الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي الْأَطْرَاف وَأما النُّسْخَة الَّتِي وَقع فِيهَا التَّيْمِيّ فَهُوَ تَصْحِيف وَأما مُحَمَّد بن آدم فَهُوَ المصِّيصِي روى عَنهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا وَهُوَ ثِقَة مَشْهُور ومحمود بن آدم تَصْحِيف لَا يعلم للنسائي وَلَا لغيره من الْأَئِمَّة رِوَايَة عَن مَحْمُود ابْن آدم الْمروزِي سوى مَا حكى بعض من صنف فِي رجال البُخَارِيّ أَن مَحْمُود الَّذِي روى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 405 عَنهُ البُخَارِيّ وَلم ينْسبهُ هُوَ ابْن آدم وَقَالَ غير وَاحِد هُوَ مَحْمُود بن غيلَان وَهُوَ الصَّحِيح وَالله أعلم وَكتب الْحَافِظ قطب الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد النُّور الْحلَبِي إِلَيْهِ من مصر يسْأَله مَا تَقول فِي قَول الْحَافِظ مُسلم رَحمَه الله فِي خطْبَة كِتَابه فلسنا نتشاغل بتخريج حَدِيثهمْ كَعبد الله بن مسور أبي جَعْفَر الْمَدَائِنِي وَعَمْرو بن خَالِد من هُوَ عَمْرو بن خَالِد هَذَا فَفِي الضُّعَفَاء رجلَانِ كل مِنْهُمَا عَمْرو بن خَالِد أَحدهمَا أَبُو يُوسُف الْأَعْشَى وَالثَّانِي أَبُو خَالِد الْقرشِي الْكُوفِي ثمَّ الوَاسِطِيّ وَفِي الْخطْبَة أَيْضا فِي هَذَا الضَّرْب من الْمُحدثين عبد الله بن مُحَرر وَيحيى بن أبي أنيسَة والجراح بن الْمنْهَال أَبُو العطوف وَعباد بن كثير وَفِي الضُّعَفَاء اثْنَان كل مِنْهُمَا عباد بن كثير أَحدهمَا الثَّقَفِيّ وَالْآخر الرَّمْلِيّ فَمن أَرَادَ مُسلم مِنْهُمَا وَفِيمَا إِذا ورد حَدِيث لعبد الرَّزَّاق عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش أَي السفيانين هُوَ وَإِن كَانَ أَكثر رِوَايَته عَن الثَّوْريّ فَهَل يكْتَفى بذلك أم يحْتَاج إِلَى زِيَادَة بَيَان وَفِي قَول النَّسَائِيّ فِي مَوَاضِع أخبرنَا مُحَمَّد بن مَنْصُور أخبرنَا سُفْيَان عَن الزهير وللنسائي شَيْخَانِ كل مِنْهُمَا مُحَمَّد بن مَنْصُور ويروى عَن ابْن عُيَيْنَة أَحدهمَا أَبُو عبد الله الجزء: 10 ¦ الصفحة: 406 الْجَوَاز الْمَكِّيّ وَالثَّانِي أَبُو جَعْفَر الطوسي العابد فَمن الَّذِي عناه النَّسَائِيّ مِنْهُمَا وَفِي قَول النَّسَائِيّ أَيْضا فِي أول كِتَابه تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} ثمَّ سَاق حَدِيث إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه مَا وَجه مُطَابقَة إِيرَاده لهَذَا الحَدِيث بعد هَذِه التَّرْجَمَة وَفِيمَا إِذا طلب من شخص أَن يُجِيز لجَماعَة كتبُوا فِي استدعاء وَهُوَ أحدهم كَيفَ يكْتب هَل يُطلق الْإِجَازَة على الْعَادة أم يقيدها بِمَا يخرج نَفسه مِنْهُم أجَاب شَيخنَا الْحَافِظ الْمزي عَن ذَلِك بِمَا ملخصه أما عَمْرو بن خَالِد الَّذِي ذكره مُسلم فِي مُقَدّمَة كِتَابه فَهُوَ الوَاسِطِيّ لِأَنَّهُ مَشْهُور دون الْأَعْشَى وَقد ذكره مُسلم فِي معرض ضرب الْمثل وَإِنَّمَا يضْرب الْمثل بالمشهور دون المغمور وَأما عباد بن كثير فَهُوَ الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ العابد نزيل مَكَّة لَا الرَّمْلِيّ وَالْقَوْل فِيهِ كَالَّذي تقدم وَأَيْضًا فَإِن الرَّمْلِيّ مُخْتَلف فِي تَضْعِيفه فَإِن يحيى بن معِين وَثَّقَهُ فِي رِوَايَة ابْن ابي خَيْثَمَة عَنهُ وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ حَدِيثا فِي كتاب الْأَدَب لَهُ وَأما سُفْيَان الَّذِي روى عَنهُ عبد الرَّزَّاق فَهُوَ الثَّوْريّ لِأَنَّهُ أخص بِهِ مِنْهُ ابْن عُيَيْنَة وَلِأَنَّهُ إِذا روى عَن ابْن عُيَيْنَة ينْسبهُ وَإِذا روى عَن الثَّوْريّ فَتَارَة ينْسبهُ وَتارَة لَا ينْسبهُ وَحين لَا ينْسبهُ إِمَّا أَن يَكْتَفِي فكونه روى لَهُ عَن شيخ لم يرو عَنهُ ابْن عُيَيْنَة فيكتفي بذلك تمييزا وَهُوَ الْأَكْثَر وَإِمَّا أَن يكْتَفى بشهرته واختصاصه بِهِ وَهَذِه الْقَاعِدَة جَارِيَة فِي غَالب من يروي عَن سميين أَو يروي عَنهُ سميان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 407 وَأما مُحَمَّد بن مَنْصُور الَّذِي يروي عَنهُ النَّسَائِيّ وَلَا ينْسبهُ فَهُوَ الْمَكِّيّ لَا الطوسي وَالْقَوْل فِيهِ نَحْو القَوْل فِي الَّذِي قبله وَقد روى النسائ عَن الطوسي عَن ابْن الْمُنْذر إِسْمَاعِيل بن عمر وَالْحسن بن مُوسَى الأشيب وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد وينسبه فِي عَامَّة ذَلِك قَالَ وَلَا أعلمهُ روى عَنهُ عَن ابْن عُيَيْنَة شَيْئا وَأما الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث فَإِنَّهُ جرى على الْغَالِب لِأَن غَالب النّوم يكون بِاللَّيْلِ وغالب الاستيقاظ من نوم اللَّيْل يكون عِنْد صَلَاة الصُّبْح وَأما الْكِتَابَة فِي الْإِجَازَة فَإِن كتب على الْعَادة كفى لِأَن الْعُمُوم يجوز تَخْصِيصه الْقَرِينَة وَهِي مَوْجُودَة هُنَا وَإِن قيد الْعبارَة بِحَيْثُ أخرج نَفسه من الْمجَاز لَهُم فَهُوَ أولى وَالله أعلم وَهَذِه مَوَاقِف استدركها بعض محدثي الْعَصْر بديار مصر وَهُوَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي شيخ الحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة بِالْقَاهِرَةِ وانتقاها مِمَّا استدركه على كتاب تَهْذِيب الْكَمَال لشَيْخِنَا الْمزي وَحَضَرت معي إِلَى دمشق لما جِئْت من الْقَاهِرَة فِي سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة لأسأل عَنْهَا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد فَأجَاب عَنْهَا رَحمَه الله وَقد كتبتها من خطه قَالَ رَحمَه الله أسئلة وَردت من الديار المصرية مَعَ وَلَدي عبد الْوَهَّاب فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة السُّؤَال الأول قَالَ قَالَ الْحَافِظ الْمزي رَحمَه الله تبعا لصَاحب الْكَمَال همام بن يحيى بن دِينَار الجزء: 10 ¦ الصفحة: 408 العوذي مَوْلَاهُم المحلمي وعوذ بن سود بن الْحجر بن عَمْرو بن عمرَان أَخُو طاحية وزهران من الأزد انْتهى محلم لَا يجْتَمع مَعَ عوذ بِحَال لِأَنَّهُ قيسي وعوذ يمني على هَذَا جمع النسابين وَأما زهران فَلَيْسَ بِأَخ لعوذ بِحَال لِأَنَّهُ ابْن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عبد الله ابْن مَالك بن نصر من الأزد وَأما عوذ فيزعم ابْن سَيّده فِي كِتَابيه الْمُخَصّص والمحكم وَابْن التياني فِي كِتَابه الموعب وَأَبُو الْمَعَالِي فِي كِتَابه الْمُنْتَهى فِي اللُّغَة أَنه عوذة قَالَ الشَّيْخ ذكره ابْن حبَان فِي كتاب الثِّقَات قَالَ مَاتَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة فِي رَمَضَان انْتهى الَّذِي فِي كتاب الثِّقَات مَاتَ سنة ثَلَاث أَو أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة فِي رَمَضَان الْجَواب قَوْله قَالَ الْحَافِظ الْمزي رَحمَه الله تبعا لصَاحب الْكَمَال يَقْتَضِي أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِك وَأَن الْمزي قَالَه تبعا لصَاحب الْكَمَال فَأَما هَذَا فَلَا مناقشة فِيهِ وَإِن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 409 كَانَ يحْتَمل أَنه قَالَه مُوَافقَة لَا مُتَابعَة وَالْفرق بَينهمَا أَن الْمُتَابَعَة أَن يَقُول لأجل قَوْله وَلم يتَحَقَّق ذَلِك وَأما كَونهمَا قَالَاه فَلفظ الْمزي عِنْدِي بِخَطِّهِ همام بن يحيى بن دِينَار العوذي الْمَحْمِلِيُّ أَبُو عبد الله وَيُقَال أَبُو بكر الْبَصْرِيّ مولى بني عوذ بن سود ابْن الْحجر بن عَمْرو بن عمرَان أَخُو صاحية وزهران من الأزد وَأما الْكَمَال فعندي نُسْخَة مُعْتَمدَة سَمعهَا النَّوَوِيّ عَليّ الزين خَالِد الْحَافِظ وخطهما عَلَيْهَا وَلَفظه همام بن يحيى بن دِينَار العوذي من بني عوذ ابْن سود بن الْحجر بن عَمْرو بن عمرَان أَخُو طاحية وزهران أَبُو عبد الله المحلمي وَيُقَال أَبُو بكر الْبَصْرِيّ فاللفظ الْمَنْقُول عَنْهُمَا فِي السُّؤَال لم يُوَافق وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي جَمِيع مَا قَالَ بل خَالف الْمزي فَزَاد مَوْلَاهُم فِي الأول ونقصها فِي الْأَخير وَجعل عوذا مُبْتَدأ وَنقص الْهَاء من آخِره وَخَالف صَاحب الْكَمَال فاسقط من بني وَزَاد من الأزد فالنقل عَنْهُمَا غير مُحَرر والمزي لم يُوَافق صَاحب الْكَمَال فضلا عَن كَونه تَابعه وَقَوله محلم لَا يجْتَمع مَعَ عوذ إِنَّمَا يُرَاد بِهِ لَو ادّعى أَنه صليبة مِنْهُمَا وَقد صرح الْمزي بِأَنَّهُ مولى بني عوذ فَلَا يمْتَنع مَعَ ذَلِك أَن يكون محلميا صليبة وَمِمَّنْ قَالَ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 410 إِنَّه مولى بني عوذ ابْن أبي حَاتِم وَذكر فِي آخر كَلَامه أَنه سمع أَبَاهُ يَقُول ذَلِك وناهيك بهما وَالظَّاهِر أَن الْمزي أَخذ مِنْهُ فَإِنَّهُ عِبَارَته وَقَوله لِأَنَّهُ قيسي يَعْنِي محلميا فَصَحِيح لِأَنَّهُ محلم بن ذهل بن شَيبَان ابْن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل بن قاسط بن هنب بن أفصى من دعمي بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي نسبه وَمِنْهُم من يذكر غير ذَلِك وَقيس هُوَ قيس عيلان بن مُضر بن نزار فَأطلق عَلَيْهِم كلهم قيس وَإِن لم يكن بَنو ربيعَة وَلَا أَوْلَادهم من ولد قيس وَرُبمَا أطلق قيس على كل من ينتسب إِلَى عدنان وعدنان من ولد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِلَا شكّ وَقَالَ أَبُو عَليّ الغساني من نسبه يَعْنِي همام بن يحيى فِي الأزد قَالَ العوذي وَمن نسبه فِي ربيعَة بن نزار قَالَ المحلمي الشَّيْبَانِيّ وَهَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي أَن فِيهِ خلافًا وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّه محلمي شيباني ابْن أبي حَاتِم وَمِمَّنْ ذكر أَنه محلمي ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب وَقَوله عوذ يمني صَحِيح بِحَسب النّسَب الَّذِي وجده عوذ بن سود بن حجر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 411 ابْن عَمْرو بن عمرَان بن عَمْرو مزيقياء الْخَارِج من الْيمن أَيَّام سيل العرم بن عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة بن امْرِئ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الأزد بن الْغَوْث بن نبت ابْن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان والأزد كلهم يمنيون وَرُبمَا أطلق يمن على قحطان كلهم فَيُقَال قحطان يمن وعدنان قيس ومرجع أَنْسَاب الْعَرَب كلهم إِلَى هذَيْن الاسمين عدنان وقحطان وَقَالَ وَهُوَ قضاعة وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِي قضاعة قيل إِنَّهُم من معد بن عدنان وَقيل قضاعة بن مَالك بن حمير وَقيل غير ذَلِك وَلم يتَحَقَّق فِي قحطان وقضاعة قيل هم من ولد إِسْمَاعِيل أَو لَا وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ عَن أَحْمد بن الْحباب عوذ وعائذ وعياذ بَنو سود وسَاق النّسَب لكنه أسقط عَمْرو بن عمرَان وَقد ذكر ابْن سَيّده عائذا فَقَالَ عَائِذ الله حَيّ من الْيمن فَإِن كَانَ هَذَا الَّذِي قَالَه ابْن سَيّده هُوَ الَّذِي قَالَه ابْن الْحباب فَهُوَ أَخُو عوذ وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ عَن ابْن الْحباب أَيْضا إِنَّه قَالَ فِي نسب كِنْدَة أَبُو الْحَرَام الجزء: 10 ¦ الصفحة: 412 ابْن القمرط بن غنم بن عوذ بن عبيد بن بدر بن غنم بن أريش وعوذ مَنَاة بن يقدم انْتهى كَلَامه وَيقدم بن يذكر بن عنزة بن أَسد وَقَالَ ابْن مَاكُولَا عوذ بن غَالب بن قطيعة بن عبس وَفِي الروَاة جمَاعَة عوذيون أشهرهم بِهَذِهِ النِّسْبَة همام بن يحيى صَاحب التَّرْجَمَة وَمِنْهُم معمر بن وَاسع العوذي وَابْنه عوذ بن معمر ثِقَة وَرَأَيْت شَجَرَة عَملهَا بعض الْمُتَأَخِّرين وَوَافَقَ فِيهَا مَا ذَكرْنَاهُ عَن ابْن الْحباب فِي نسب عوذ وَقَالَ فِيهِ ابْن عبيد بن زر بن أريش بن إراش بن جريلة بن لخم بن عدي بن الْحَارِث بن مرّة بن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان الجزء: 10 ¦ الصفحة: 413 ابْن سبأ وَضبط بِخَطِّهِ عبيد بِفَتْح الْعين وأريش بِفَتْح الرَّاء وجريلة بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال فِي نسب عوذ فعلى قَول ابْن مَاكُولَا لَا يمْتَنع أَن يُقَال عوذ قيسي ويجتمع مَعَ محلم وَسَيَأْتِي عَن ابْن دُرَيْد مَا يُوَافق ابْن مَاكُولَا وَفِي الشَّجَرَة الَّتِي أَشرت إِلَيْهَا عوذ من الأزد بن الْحجر وَمن عنزة وَمن بجيلة وَقَوله زهران لَيْسَ بِأَخ لعوذ إِن أوردهُ على صَاحب الْكَمَال فَإِنَّمَا يُرَاد أحرف نَسَبهَا وَقد رَأَيْت الِاخْتِلَاف فِي نسب عوذ على أَقْوَال وَرُبمَا يكون فِيهِ قَول آخر وَأما نسب زهران الْمَشْهُور الْقَبِيلَة الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا كل زهراني فَصَحِيح هُوَ ابْن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن عبد الله بن مَالك بن نصر بن الأزد وَرَأَيْت فِي الشَّجَرَة الْمَذْكُورَة مَعَ ذَلِك أَن زهران بن الْحجر بطن نَقله عَن أبي عبيد وَمُقْتَضَاهُ أَن يكون زهران آخر وَأَن يكون أَخا عوذ أَو عَمه وينسب إِلَيْهِ وَأما زهران بن كَعْب فقبيلة عَظِيمَة ينْسب إِلَى من دونهَا كَمَا يُقَال الدوسي ودوس بن عبد الله بن زهران بن كَعْب وَمُقْتَضَاهُ أَن يكون زهران آخر وَأَن يكون أَخا عوذ أَو عَمه فَلَا يرد السُّؤَال وَلَا يكون المُرَاد بِهِ زهران الأول الجزء: 10 ¦ الصفحة: 414 وَإِن أوردهُ على الْمزي فَهُوَ لم يقل إِن زهران أَخُو عوذ وَإِنَّمَا قَالَ إِن بني عوذ إخْوَة طاحية وزهران وَقَوله عَن ابْن سَيّده وَغَيره إِن أَرَادَ بِهِ إِنْكَار عوذ فالنسابون قد ذَكرُوهُ ونسبوه لَا وَاحِد وَلَا اثْنَان وَكَذَا المحدثون وَقَالَ ابْن حبَان عوذ الله وَقد تقدم من سمي من الروَاة وَلم يقل ابْن سَيّده إِن ذَلِك الشَّخْص يُسمى عوذة حَتَّى يكون اخْتِلَافا فِي اسْمه وَإِنَّمَا قَالَ وَبَنُو عوذة من الأزد فَيحْتَمل أَن يكون عوذة أمّهم وَيحْتَمل أَن يكون عرفُوا بذلك وَإِن كَانَ جدهم عوذا وَيحْتَمل أَن يكون عوذة وَاقْتصر النسابون على عوذ لِأَنَّهُ الْمَنْسُوب إِلَيْهِ وَالْهَاء تسْقط وَرَأَيْت فِي الشَّجَرَة الَّتِي أَشرت إِلَيْهَا لما سَاق نسبه كَمَا قَدمته عوذة وَقيل عوذ وَهَذَا يَقْتَضِي خلافًا فِيهِ وَقَالَ أَيْضا عوذ بن أَزْد الْحجر وَمن بجيلة وَإِن عوذا من لخم وعائذ الله من ربيعَة وَمن مذْحج وعائذة من ضبة وَمن جذام وَعبد الله بن مذْحج وَعَبدَة ابْن جذام وَعبد الله بن فهرة وَكَذَا النسابون طاحية بن سود بن الْحجر بطن من الأزد فَلَا إِشْكَال أَنه أَخُو عوذ وَذكر مِنْهُم امْرأ الْقَيْس بن الْمُنْذر بن النُّعْمَان بن امْرِئ الْقَيْس بن عتبَة بن الْحَرَام بن العمرط بن غنم بن عوذة وَقيل عوذ بِغَيْر الْهَاء وَقَالَ أَبُو بكر بن دُرَيْد فِي أَمَالِيهِ أنشدنا عبد الرَّحْمَن عَن عَمه لرجل من الجزء: 10 ¦ الصفحة: 415 بني هدم بن عوذ بن غَالب ثمَّ من بني عبس وَذكر أبياتا وَهَذَا عوذ آخر وَهُوَ مُوَافق لما قدمْنَاهُ عَن ابْن مَاكُولَا ويقتضى أَن يكون فِي قيس عوذ لِأَن عبسا من قيس إِلَّا أَنه قيل إِن عبسا فِي قيس وَفِي مُرَاد فَالله أعلم بذلك يضعف مَا أوردهُ الْمُعْتَرض وَقَوله فِي وَفَاته عَن كتاب الثِّقَات فِي رَمَضَان فَالَّذِي رَأَيْته فِي الثِّقَات لِابْنِ حبَان سنة ثَلَاث أَو أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَلَيْسَ فِيهَا فِي رَمَضَان لَا كَمَا قَالَه الْمزي وَلَا كَمَا قَالَه الْمُعْتَرض عَلَيْهِ وَالنُّسْخَة الَّتِي رَأَيْتهَا جَيِّدَة وَلَكِن ذَلِك قريب وَزِيَادَة فِي رَمَضَان إِذا ثبتَتْ فِي نُسْخَة أُخْرَى عمل بهَا وَهِي صَحِيحَة لِأَن خَليفَة ابْن خياط قَالَ فِي شهر رَمَضَان لكنه إِنَّمَا قَالَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة كَذَا رَأَيْته فِي تَارِيخ خَليفَة السُّؤَال الثَّانِي قَالَ وَقَالَ أَيْضا عِيَاض بن حمَار ابْن أبي حماري واسْمه نَاجِية بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان نسبه خَليفَة كَذَا هُوَ مَوْجُود بِخَط المهندس وقرأته على الشَّيْخ وَالَّذِي رَأَيْت فِي كتاب الطَّبَقَات لخليفة الْمَكْتُوب عَن تِلْمِيذه أبي عمرَان عَنهُ ابْن أبي حمَار بِغَيْر يَاء ابْن نَاجِية بن عقال وَكَذَا نَقله عَن خَليفَة أَيْضا أَبُو أَحْمد العسكري فِي كتاب الصَّحَابَة والباوردي أَبُو مَنْصُور وَابْن عبد الْبر الجزء: 10 ¦ الصفحة: 416 وَالدَّارَقُطْنِيّ وَآخَرُونَ آخِرهم ابْن الْأَثِير قَالَ عِيَاض بن حمَار بن أبي حمَار ابْن نَاجِية كَذَا نسبه خَليفَة بن خياط الْجَواب لفظ الْمزي فِي كِتَابه بِخَطِّهِ عِنْدِي عِيَاض بن حمَار الْمُجَاشِعِي التَّمِيمِي من بني مجاشع بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم لَهُ صُحْبَة وَهُوَ عِيَاض بن حمَار بن أبي حمَار بن نَاجِية بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان ابْن مجاشع نسبه خَليفَة بن خياط فَالَّذِي قَالَه الْمزي كَمَا قَالَه غَيره من الْأَئِمَّة ونسخة من قَالَ خلاف ذَلِك غلط وَهَذِه التَّرْجَمَة فِي الْجُزْء الرَّابِع وَالسِّتِّينَ من تَهْذِيب الْكَمَال وَقد سَمعه المهندس بِقِرَاءَة جمال الدّين رَافع كَمَا قُلْنَاهُ وَقد رَأَيْت فِي طَبَقَات الْمُحدثين لخليفة وَمن تَمِيم بن مر بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر ثمَّ من بني مجاشع بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة ابْن تَمِيم عِيَاض بن حمَار بن أبي حمَار بن نَاجِية بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع بن دارم وَأمه وطيفة وَذكر ابْن حزم من هَذِه الْقَبِيلَة الْأَقْرَع بن حَابِس بن عقال والفرزدق وَامْرَأَته النوار بنت أعين بن ضبيعة بن نَاجِية بن عقال الجزء: 10 ¦ الصفحة: 417 السُّؤَال الثَّالِث قَالَ وَقَالَ أَيْضا عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن بن فَرْوَة الْأنْصَارِيّ الزرقي من ولد النُّعْمَان بن بشير انْتهى النُّعْمَان من ولد سعد بن زيد بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج فَلَا يجْتَمع مَعَ زُرَيْق بن عبد حَارِثَة بن مَالك بن غضب بن جشم بن الْخَزْرَج الْجَواب كَمَا ذكره الْمزي ذكره ابْن أبي حَاتِم والخطيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد وَقد ذكر الْأَزْدِيّ فَقَالَ عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن الحكم بن النُّعْمَان بن بشير لكنه مُنكر غير مَعْرُوف وَعِيسَى بن عبد الرَّحْمَن الزرقي مَعْرُوف ووالده عبد الرَّحْمَن ذكره شَيخنَا الْحَافِظ النسابة فِي قبائل الْخَزْرَج وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن فَرْوَة بن أبي عبَادَة بن عُثْمَان بن خلدَة بن مخلد بن عَامر بن زُرَيْق بن عبد حَارِثَة بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو مزيقياء فنسبه إِلَى بني زُرَيْق مَعْرُوف وَلَا يُمكن بعد ذَلِك أَن يكون من ولد النُّعْمَان بن بشير إِلَّا أَن يكون من ولد الْبَنَات قد تكون أمه أَو أم أَبِيه من ذُرِّيَّة النُّعْمَان فصح ذَلِك وَذكر البُخَارِيّ عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن عَن الزُّهْرِيّ وَقَالَ مُنكر الحَدِيث الجزء: 10 ¦ الصفحة: 418 قَالَ وروى ابْن لَهِيعَة عَن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن عَن الزُّهْرِيّ مقلوبا وَلم يتَعَرَّض لكَونه من ولد النُّعْمَان وَقد وَقع من الْمُعْتَرض فِي نسب النُّعْمَان هُنَا تَقْصِير كثير فَإِن النُّعْمَان ابْن بشير ابْن سعد بن ثَعْلَبَة بن خلاس بن زيد مَنَاة بن مَالك الْأَغَر بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج الْأَصْغَر بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج الْأَكْبَر الَّذِي هُوَ صَاحب الْقَبِيلَة والمعترض نقص فأوهم والخزرج خزرجان الْخَزْرَج الْأَكْبَر بن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة العنقاء بن عَمْرو مزيقياء والخزرج الْأَصْغَر بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج الْأَكْبَر وَلكُل من الخزرجين أَن كَعْب وَزيد مَنَاة الْمَذْكُور يُقَال لَهُ زيد أَيْضا وَابْنه خلاس بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام وَقيل بضَمهَا وَتَشْديد اللَّام وَقيل بِالْجِيم المضمومة وَسعد هُوَ جد النُّعْمَان لَيْسَ قَبيلَة وَلم يبين الْمُعْتَرض نسب عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن فَلَو قَالَ لَهُ قَائِل يحْتَمل أَن يكون من ولد النُّعْمَان كَمَا قَالَ الْأَزْدِيّ وَيكون زرقيا إِمَّا بِالْولَايَةِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ لم يجد عَن ذَلِك جَوَابا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 419 والخزرج الْمَذْكُور فِي نسب بني زُرَيْق هُوَ الْخَزْرَج الْأَكْبَر فَلَا يُقَال ابْنه جشم بِابْن ابْن ابْنه كَعْب السُّؤَال الرَّابِع قَالَ قَالَ أَيْضا عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ ثمَّ البَجلِيّ وبجيلة من سليم كَذَا هُوَ بِخَط المهندس وقرأته على الشَّيْخ وَالَّذِي فِي سليم إِنَّمَا هُوَ بجلة بِسُكُون الْجِيم من غير يَاء بعْدهَا على هَذَا النسابون حَتَّى قَالَ عَليّ ابْن حَمْزَة الْبَصْرِيّ فِي كتاب التَّنْبِيهَات على أغلاط الروَاة أَخْبرنِي أَبُو حَاتِم السجسْتانِي قَالَ أنْشد الْأَصْمَعِي يَوْمًا قَول عنترة (وَآخر مِنْهُم أجررت رُمْحِي ... وَفِي البَجلِيّ معبلة وقيع) فناداه الْأَعرَابِي أَخْطَأت يَا شيخ إِنَّمَا هُوَ البَجلِيّ وَمَا لعبس وبجيلة قَالَ أَبُو حَاتِم فَسَأَلت الْأَعرَابِي فَمَا أَرَادَ عنترة قَالَ أَرَادَ بجلة أَوْلَاد ثَعْلَبَة بن بهثة بن سليم بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة قَالَ أَبُو حَاتِم فَكَانَ الْأَصْمَعِي بعد ذَلِك لَا ينشده إِلَّا كَمَا قَالَ الْأَعرَابِي وَقَالَ الهجري فِي نوادره وَعلي وبهز وبجلة ولد ثَعْلَبَة بن بهثة بن سليم لَا يزِيدُونَ أبدا على الْعشْرَة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر امتحنوا إِلَّا نَفرا يَسِيرا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 420 الْجَواب هَذَا اعْتِرَاض صَحِيح لِأَن بجلة بِالسُّكُونِ فِي سليم أَمر مَشْهُور وَلِأَن السَّمْعَانِيّ ذكر عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن هَذَا فِي بجلة بالإسكان وَهُوَ رَهْط من سليم بعد ذكره بجيلة فالنسبتان معروفتان وَالرجل مَعْرُوف والجوهري فِي الصِّحَاح ذكر بجلة الَّتِي بِالسُّكُونِ والمزي اختصر الصِّحَاح وَلَا يخفى عَنهُ ذَلِك وَلَكِن الْوَهم قل من يسلم مِنْهُ على أَن البُخَارِيّ قَالَ فِي تَارِيخه عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَقَالَ مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا سلم بن قُتَيْبَة حَدثنَا عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن البَجلِيّ حَيّ من بني سليم وَكَذَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم ولكنهما لم يعتدا بتحريك وَلَا إسكان فلعلهما اكتفيا بِأَن ذَلِك مَعْلُوم وبجلة بالإسكان هُوَ مَالك بن ثَعْلَبَة بن بهثة بن سليم بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان سموا بذلك باسم أمّهم بجلة بنت هناءة بن مَالك بن فهم من الأزد وهم قصية ومازن وفتيان أَوْلَاد مَالك بن ثَعْلَبَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 421 فَمَا حَكَاهُ الْمُعْتَرض عَن أبي حَاتِم وَعَن الهجري لَيْسَ فِيهِ ثِقَات وَأما بجيلة بِكَسْر الْجِيم وياء بعْدهَا فَالْمَشْهُور أَنه ابْن أَنْمَار بن إراش بن عَمْرو بن الْغَوْث أخي الأزد بن الْغَوْث بن نبت بن مَالك بن زيد بن كهلان بن سبأ وَقيل اسْم أمّهم وَهِي من سعد العشرية وَأُخْتهَا باهلة ولدتا قبيلتين عظيمتين وَقد تَفَرَّقت فِي الْقَبَائِل تفَرقا كثيرا قَالَ زِيَاد الْأَعْجَم (لعمرك مَا بجيلة من نزار ... وَلَا قحطان فَانْظُر من أَبوهَا) وَبَعض الْقَبَائِل يدْخل بَعْضهَا فِي بعض فَلذَلِك أَقُول يحْتَمل أَن يكون أَيْضا فِي سليم أحد من بجيلة وَقد دخل فِي سليم غاضرة وعاينة وهما من قضاعة وَإِنَّمَا دخلا فِي سليم فَقيل ابْنا سليم بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة فَلذَلِك لم أقطع بِأَن هَذَا خطأ مَحْض وَبَيت عنترة مضبوط هَكَذَا فِي الْأَشْعَار السِّتَّة بِالسُّكُونِ وَقَبله (تركت جبيلة بن أبي عدي ... يبل ثِيَابه علق نجيع) وجبيلة رجل من بجلة بِالسُّكُونِ وبجلة بِالسُّكُونِ من قيس وبجيلة بِالْيَاءِ من يمن الجزء: 10 ¦ الصفحة: 422 وهما متباعدان وعنترة من بني عبس وَعَبس هُوَ ابْن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس فالتباعد بَينه وَبَين بجيلة أَي بَين عنترة وبجيلة أَشد فَلذَلِك قَالَ الْأَعرَابِي ذَلِك مَا لعبس وبجلية أَي مَا لعنترة وبجيلة وَيصِح أَن يَقُول مَا للمقتول وَهُوَ من قيس وبجيلة وَمِمَّنْ ينْسب إِلَى بجلة بِالسُّكُونِ عَمْرو بن عبسة الصَّحَابِيّ وَقبيصَة بن وَقاص الصَّحَابِيّ السّلمِيّ وَذكر خَليفَة أَن بجلة ذكْوَان ومالكا ابْنا ثَعْلَبَة بن بهثة السُّؤَال الْخَامِس قَالَ وَقَالَ أَيْضا الْفضل بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قتل يَوْم اليرموك فِي عهد أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ انْتهى الْجَواب الَّذِي فِي كتاب الْمزي قَالَ عَبَّاس الدوري عَن يحيى بن معِين قتل يَوْم اليرموك فِي عهد أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ غَيره قتل يَوْم مرج الصفر سنة ثَلَاث عشرَة وَقَالَ الْوَاقِدِيّ مَاتَ بِالشَّام فِي طاعون عمواس فِي عهد عمر رَضِي الله عَنهُ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 423 فَإِن كَانَ إِيرَاد فعلى ابْن معِين لَا عَلَيْهِ وَدَعوى الْإِجْمَاع أَن اليرموك فِي عهد عمر فممنوعة قد قَالَ سيف إِنَّهَا فِي عهد أبي بكر فِي صفر وشهري ربيع من سنة ثَلَاث عشرَة لَكِن الْمَشْهُور خِلَافه وأجنادين فِي عهد أبي بكر بِلَا شكّ وَذكرهَا خَليفَة فِي تَارِيخه وَفِيه عَن أبي الْحسن وَأَظنهُ الرَّاوِي عَن الرَّاوِي عَنهُ وَعَن ابْن الْكَلْبِيّ أَن الْفضل توفّي يَوْمئِذٍ وَلَعَلَّه يَوْم أجنادين اسْتشْهد وَجَاء إِلَى اليرموك فَمَاتَ بهَا فَإِنَّهَا قريبَة مِنْهَا فيجتمع الْقَوْلَانِ وَلَا يكون المُرَاد يَوْم اليرموك الَّذِي هُوَ فِي عهد عمر رَضِي الله عَنهُ السُّؤَال السَّادِس قَالَ وَقَالَ أَيْضا الْفضل بن يَعْقُوب الرخامي قَالَ مُحَمَّد ابْن مخلد وَابْن قَانِع مَاتَ سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَتَيْنِ زَاد ابْن مخلد فِي أول شهر جُمَادَى الأولى انْتهى الَّذِي فِي كتاب الوفيات لمُحَمد بن مخلد وَفِي خطه أنقل توفّي فِي شهر جُمَادَى الأولى وَأما ابْن قَانِع فَقَالَ فِي تَارِيخه كَمَا قَالَه ابْن مخلد مَاتَ فِي شهر جُمَادَى الأولى فَلَا فرق بَين الْقَوْلَيْنِ الْجَواب قَول الْمزي أول زِيَادَة وَالزِّيَادَة من الْعدْل مَقْبُولَة ودعه لَا يكون فِي خطّ المُصَنّف فَلَعَلَّهُ ألحقهُ فِي نُسْخَة أُخْرَى وَسمعت مِنْهُ وَبهَا يفْتَرق الْقَوْلَانِ وَيرد على جَمِيعهم اسْتِعْمَال شهر فِي جُمَادَى وَهُوَ خطأ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 424 السُّؤَال السَّابِع قَالَ وَقَالَ طَيْسَلَة بن عَليّ النَّهْدِيّ روى عَن ابْن عمر وَعَائِشَة روى عَنهُ أَيُّوب بن عتبَة وَعِكْرِمَة وَيحيى بن أبي كثير وَأَبُو معشر ثمَّ قَالَ طيلسة بن مياس السّلمِيّ وَيُقَال النَّهْدِيّ روى عَن ابْن عمر روى عَنهُ زِيَاد ابْن مِخْرَاق وَيحيى بن أبي كثير كَذَا فرق بَينهمَا وَقَالَ ذكره ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه وَالَّذِي قبله فِي تَرْجَمَة وَاحِدَة انْتهى وَهُوَ بِنَفسِهِ يرد على نَفسه لِأَن النِّسْبَة وَاحِدَة والمروي عَنهُ وَاحِد والراوي عَنْهُمَا وَاحِد فَأَي تَفْرِقَة تكون بَينهمَا سوى الِاخْتِلَاف فِي اسْم الْأَب فَقَط وَلَو نظر كتاب أَحْمد بن هَارُون البرديجي لوجده قد بَين ذَلِك بَيَانا شافيا فَقَالَ طَيْسَلَة بن مياس ومياس لقب وَهُوَ طَيْسَلَة بن عَليّ روى عَنهُ يحيى بن أبي كثير وَزِيَاد ابْن مِخْرَاق انْتهى وَمِمَّنْ جمع بَينهمَا وَلم يفردهما البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَيَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي فِي تَارِيخه الْكَبِير وَابْن خلفون الأونبي وَابْن شاهين فِي كتاب الثِّقَات فَينْظر من سلف الشَّيْخ الْجَواب إِيضَاح الْجمع والتفريق من أحسن الْعُلُوم فِي الحَدِيث وللخطيب فِيهِ تصنيف ذكر للْبُخَارِيّ أَرْبَعَة وَسبعين وهما على مَا زعم والمزي ذكر طَيْسَلَة بن عَليّ من مسَائِل أبي دَاوُد والراوي عَنهُ فِيهِ زِيَاد فَلم يتحد الجزء: 10 ¦ الصفحة: 425 الرَّاوِي وَمثل ذَلِك لَا يحكم فِيهِ بالاتحاد إِلَّا بِدَلِيل وَكَانَ الأخلص ذكرهمَا ترجمتين وَيَقَع الِاتِّحَاد فِي مَحل الِاحْتِمَال وَالْبُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم ذكرا تَرْجَمَة وَاحِدَة وَلم يحكما بالاتحاد لَكِن ذكر الِاخْتِلَاف وَأَشَارَ إِلَى احْتِمَال الِاتِّحَاد والافتراق وَلَكِن كَلَام البرديجي متين حسن فِيهِ زِيَادَة فَائِدَة والاعتراض إِنَّمَا يكون على من يحكم بالاتحاد فِي مَحل الِافْتِرَاق أَو بالافتراق فِي مَحل الِاتِّحَاد أما من ينْقل تَرْجَمَة وَاحِدَة كَمَا فعل البُخَارِيّ ويحكى الْخلاف أَو ترجمتين كَمَا فعل الْمزي ويحكي الِاخْتِلَاف فَلَيْسَ فِي الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ كَبِير أَمر وَإِنَّمَا يكون زِيَادَة فَائِدَة إِذا صحت وَإِلَى الْآن لم تصح والمزي لم يرد على نَفسه بِنَفسِهِ بل قَالَ كَلَام ابْن أبي حَاتِم فالواو عطفا على كَلَامه إِشَارَة إِلَى الْخلاف وَقَول البرديجي قد لَا يُوَافق عَلَيْهِ وَهَذَا إِنَّمَا قُلْنَاهُ لبَيَان أَنه فِيهِ احْتِمَال مَا والبرديجي إِمَام موثوق بِهِ وَالْأولَى الرُّجُوع إِلَى قَوْله مَا لم يتَبَيَّن خِلَافه السُّؤَال الثَّامِن قَالَ وَقَالَ أَيْضا عبد الله بن أنيس الْجُهَنِيّ قَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس توفّي بِالشَّام سنة ثَمَانِينَ روى عَنهُ من أهل مصر ربيعَة بن لَقِيط تبعا لصَاحب الْكَمَال انْتهى ابْن يُونُس لم يقل هَذَا الْكَلَام إِلَّا فِي تَرْجَمَة عبد الله بن حِوَالَة الْأَزْدِيّ بَيَانه أَن أَبَا سعيد لما ذكر ابْن أنيس قَالَ صلى الْقبْلَتَيْنِ وَفِي الحَدِيث أَنه غزا إفريقية وَفِيمَا رُوِيَ عَنهُ نظر وَهُوَ ابْن أنيس بن أسعد بن حرَام أَبُو يحيى الْقُضَاعِي حَلِيف الْأَنْصَار روى عَنهُ معَاذ انْتهى الجزء: 10 ¦ الصفحة: 426 ثمَّ ذكر بعده عبد الله بن قيس لَهُ صُحْبَة مَاتَ سنة تسع وَأَرْبَعين وَبعده عبد الله بن شفي وَبعده بِوَرَقَة عبد الله بن حِوَالَة الْأَزْدِيّ يكنى أَبَا حِوَالَة قدم مصر مَعَ مَرْوَان يرْوى عَنهُ من أهل مصر ربيعَة بن لَقِيط وَذكر لَهُ حديثنا ثمَّ قَالَ توفّي بِالشَّام سنة ثَمَانِينَ وَكَذَا قَالَه فِي تَارِيخ الغرباء وَكَأن صَاحب الْكَمَال انقلبت عَلَيْهِ فِي تَارِيخ ابْن يُونُس ورقة إِن كَانَ نَقله من أصل وَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَتي من التَّارِيخ ولعلها هِيَ الَّتِي نقل مِنْهَا لِأَن آخر الْكَلَام فِي ابْن أنيس آخر الورقة وَقَوله روى عَنهُ من أهل مصر أول الْأُخْرَى وَالله أعلم الْجَواب هَذَا أحسن الأسئلة مَعَ مَا فِيهِ مِمَّا يرد عَلَيْهِ وعَلى الْمزي أَيْضا أما كَونه أحسن الأسئلة فَلِأَن ابْن يُونُس لم ينْقل تَارِيخ وَفَاة ابْن أنيس وَإِنَّمَا نقل تَارِيخ وَفَاة ابْن حِوَالَة وَيبعد جدا أَن يكون ابْن أنيس تَأَخّر إِلَى سنة ثَمَانِينَ لِأَنَّهُ شهد الْعقبَة مَعَ السّبْعين قبل الْهِجْرَة بِسنة وَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَأس خَمْسَة وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة وَقتل سُفْيَان بن خَالِد بن نُبيح الَّذِي أَرَادَ أَن يَغْزُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا توفّي فِي زمن مُعَاوِيَة قَالَ ابْن عبد الْبر سنة أَرْبَعَة وَخمسين وَقَالَ غَيره سنة ثَمَان وَخمسين وَأما ابْن حِوَالَة فَقَالَ ابْن سعد وَجَمَاعَة إِن وَفَاته سنة ثَمَان وَخمسين وَقَالَ ابْن يُونُس يُقَال توفّي عبد الله بن حِوَالَة بِالشَّام سنة ثَمَانِينَ فَنقل هَذَا عَن ابْن يُونُس فِي تَرْجَمَة ابْن أنيس التباس كَمَا قَالَه الْمُعْتَرض وَأما مَا فِيهِ فَمِنْهُ مَا يرد على الْمزي وعَلى الْمُعْتَرض فِي الْحِكَايَة عَن ابْن يُونُس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 427 وَابْن يُونُس لَفظه كَمَا حكيته لَك يُقَال توفّي ابْن حِوَالَة هَكَذَا نقلته من نُسْخَة من تَارِيخ ابْن يُونُس بِخَط أبي عبد الله الصُّورِي فَنقل ذَلِك عَن ابْن يُونُس نَفسه لَا يتبع فِي ابْن حِوَالَة فضلا عَن الِانْتِقَال مِنْهُ إِلَى ابْن أنيس فعلى الْمزي نقدان وعَلى الْمُعْتَرض نقد وَاحِد وَمِنْه على الْمُعْتَرض خَاصَّة قَوْله عَن الْمزي عَن ابْن يُونُس روى عَنهُ ربيعَة بن لَقِيط والمزي لم يقل ذَلِك عَن ابْن يُونُس بل عَن نَفسه وَإِن كَانَ الْحَامِل لَهُ على ذَلِك قَول ابْن يُونُس الَّذِي انْقَلب عَلَيْهِ أَو على صَاحب الْكَمَال وَمِنْه قَوْله وَهُوَ ابْن أنيس إِلَى آخِره وَهَذَا لَيْسَ هُوَ لفظ ابْن يُونُس وَابْن يُونُس سَاق نسب ابْن أنيس أَولا وَمِنْه قَوْله عَن ابْن يُونُس روى عَنهُ معَاذ وَعَلِيهِ فِيهِ اعتراضان أَحدهمَا إيهامه أَنه معَاذ بن جبل وَهُوَ إِيهَام قَبِيح جدا وَالثَّانِي أَن هَذَا لم يقلهُ ابْن يُونُس وَإِنَّمَا قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا اللَّيْث عَن أَيُّوب ابْن مُوسَى عَن معَاذ بن عبد الله بن أنيس عَن أَبِيه وَكَانَ صلى مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقبْلَتَيْنِ كلتيهما أَنه خرج مَعَ أَبِيه إِلَى أفريقية ومعاذ هَذَا هُوَ معَاذ بن عبد الله بن خبيب الْجُهَنِيّ مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 428 وَفِي الصَّحَابَة عبد الله بن أنيس آخر أَنْصَارِي وَفِي الروَاة عبد الله بن أنيس ثَالِث وَلم يذكر ابْن عَسَاكِر ابْن أنيس وَالظَّاهِر أَنه لم يدْخل الشَّام وَإِن كَانَ فِي رحْلَة حَار إِلَيْهِ على الشَّك فِي الشَّام أَو مصر وَالصَّحِيح مصر وَالله أعلم وَمن الْفَوَائِد غير الحديثية عَنهُ مِمَّا يدل على تبحره فِي لِسَان الْعَرَب وَقد كَانَت الْأَئِمَّة إِذا قرءوا الحَدِيث بِحَضْرَتِهِ جبنوا وَقيل لم يسلم قَارِئ بِحُضُورِهِ من رده عَلَيْهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس بن تَيْمِية جُزْءا فَرد عَلَيْهِ غير مَوضِع فِي الْأَسْمَاء وَغَيرهَا وَحَضَرت قَارِئًا يقْرَأ عَلَيْهِ فَانْتهى إِلَى حَدِيث الْمُصراة فَقَالَ لَا تصروا الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم بِفَتْح التَّاء وَضم الصَّاد فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ تصروا أَي بِضَم التَّاء وَفتح الصَّاد فَقَالَ الْقَارئ وَهُوَ من فضلاء عصرنا كَيفَ قَالَ مثل تصلوا تزكوا وَأخذ يسترسل فِي ذكر أَخَوَات اللَّفْظَة وَقد قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن المرحل النَّحْوِيّ أستاذ صاحبنا الشَّيْخ جمال الدّين عبد الله بن هِشَام فِي النَّحْو كتاب سيرة ابْن هِشَام فمرت بِهِ لفظ رشد فَجرى على لِسَانه رشد بِكَسْر الشين فَرد عَلَيْهِ الشَّيْخ رشد بِالْفَتْح وَقَالَ لَهُ قَالَ الله تَعَالَى {لَعَلَّهُم يرشدون} بِضَم الشين وَلم يزدْ وَكَانَ من عَادَته الْإِشَارَة دون الجزء: 10 ¦ الصفحة: 429 تَطْوِيل الْعبارَة وَمرَاده أَن يفعل إِنَّمَا يكون مضارعا لفعل وَلَا قَائِل بِهِ هُنَا أَو لفعل وَهُوَ الْمُدَّعِي قَالَ لَهُ ابْن المرحل وَكَذَا قَالَ تَعَالَى {فَأُولَئِك تحروا رشدا} فَسكت الشَّيْخ وَظن ابْن المرحل كَمَا نقلته من خطّ تِلْمِيذه ابْن هِشَام عَنهُ أَن الشَّيْخ لم يفهم تَوْجِيه السُّؤَال فِي {رشدا} على رشد قلت وَشَيخنَا أَيْضا عندنَا أعظم من ذَلِك وَلَكِن رأى مَا ذكره مختلا فَسكت عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يرى توسيع الْعبارَة وغالب مجالسه السُّكُوت قَالَ ابْن هِشَام وَرَأَيْت فِي كتاب سيبوه رشد يرشد رشدا مثل سخط يسْخط سخطا وَهَذَا عين مَا ذكره شَيخنَا ابْن المرحل فَللَّه دره قد جَاءَ السماع على وفْق قِيَاسه انْتهى قلت لَا يُغْنِيه هَذَا السماع الْغَرِيب وَلَا الْقيَاس فِي قِرَاءَة كتب الحَدِيث فَإِنَّهَا إِنَّمَا تقْرَأ على جادة اللُّغَة وكما وَقعت الرِّوَايَة بِهِ وَالرِّوَايَة لم تقع إِلَّا على مَا قَالَه شَيخنَا وَهُوَ مَشْهُور اللُّغَة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 430 1418 - يُونُس بن أَحْمد بن صَلَاح الشَّيْخ شرف الدّين أَبُو النُّور القلقشندي كَانَ من أَعْيَان فُقَهَاء مصر توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة 1419 - يُونُس بن عبد الْمجِيد بن عَليّ بن دَاوُد الْهُذلِيّ القَاضِي سراج الدّين الأرمنتي فَقِيه أديب سمع من الشَّيْخ مجد الدّين الْقشيرِي والحافظ يحيى بن عَليّ الْعَطَّار وَغَيرهمَا وصنف الْمسَائِل المهمة فِي اخْتِلَاف الْأَئِمَّة وَكتاب الْجمع وَالْفرق وولاه قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابْن بنت الْأَعَز قَضَاء إخميم ثمَّ ولي قَضَاء البهنسا عَن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد ثمَّ ولي قَضَاء بلبيس والشرقية ثمَّ قَضَاء قوص وَتُوفِّي بهَا من لسعة ثعبان فِي خَامِس عشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة ومولده بأرمنت سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة الحديث: 1418 ¦ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 431 وَهُوَ الْقَائِل رَحمَه الله تَعَالَى (شَرط الْكَفَاءَة سِتَّة قد حررت ... ينبيك عَنْهَا بَيت شعر مُفْرد) (نسب وَدين صَنْعَة حريَّة ... فقد الْعُيُوب وَفِي الْيَسَار تردد) وَله (مجَاز وإضمار وَنقل وَبعده اشْتِرَاك ... وَقبل الْكل رُتْبَة تَخْصِيص) (مَتى مَا يكن إثنان مِنْهَا تَعَارضا ... تقدم مَا قدمت واحظ بتلخيص) وَقد قلت أَنا فِي هَذَا مَا سطرته فِي شرح الْمِنْهَاج (تجوز ثمَّ إِضْمَار وبعدهما ... نقل تلاه اشْتِرَاك فَهُوَ يخلفه) (وأرجح الْكل تَخْصِيص وَآخِرهَا ... نسخ فَمَا بعده قسم يخلفه) وَمن شعره أَيْضا (إِن ترمك الأقدار فِي أزمة ... أوجبهَا أجرامك السالفه) (فافزع إِلَى رَبك فِي كشفها ... لَيْسَ لَهَا من دونه كاشفه) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 432 وَله (وشادن زار بعد يأس ... كالغيث وافى على قنوط) (وَبَات يجلو عَليّ كأسا ... جَاءَت بِحل الدَّم العبيط) (وَلم يثلث إِذْ اختلسنا ... إِلَّا بإثم بِنَا مُحِيط) (فَقلت وَاللَّيْل فِي شباب ... عاجله الصُّبْح بالوخوط) (مشمر ذيله لسير ... تشمير ذِي الرحلة النشيط) (بِاللَّه يَا صبح لَا تزرنا ... فالصبح حَرْب لقوم لوط) آخر الطَّبَقَات على مَا وجد بِخَط المُصَنّف تغمده الله برحمته الجزء: 10 ¦ الصفحة: 433