الكتاب: فضائل الأندلس وأهلها المؤلف: ابن حزم وابن سعيد والشقندي المحقق: د. صلاح الدين المنجد الناشر: دار الكتاب الجديد الطبعة: الأولى، 1968م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- فضائل الأندلس وأهلها مجموعة من المؤلفين الكتاب: فضائل الأندلس وأهلها المؤلف: ابن حزم وابن سعيد والشقندي المحقق: د. صلاح الدين المنجد الناشر: دار الكتاب الجديد الطبعة: الأولى، 1968م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] رِسَالَة ابْن الربيب إِلَى ابْن حزم يعيب أهل الأندلس قَالَ الْمقري وَقد رَأَيْت أَن أذكر رِسَالَة أبي مُحَمَّد بن حزم الْحَافِظ الَّتِي ذكر فِيهَا بعض فَضَائِل عُلَمَاء الأندلس لاشتمالها على مَا نَحن بصدده وَذَلِكَ أَنه كتب ابو عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الربيب التَّمِيمِي القيرواني إِلَى أبي الْمُغيرَة عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن حزم يذكر تَقْصِير أهل الأندلس فِي تخليد أَخْبَار عُلَمَائهمْ ومآثر فضائلهم وسير مُلُوكهمْ مَا صورته كتبت يَا سَيِّدي واجل عددي كتب الله تَعَالَى لَك السَّعَادَة وأدام لَك الْعِزّ والسيادة سَائِلًا مسترشدا وباحثا مستخبرا وَذَلِكَ أَنِّي فَكرت فِي بِلَادكُمْ إِذْ كَانَت قرارة كل فضل ومنهل كل خير ونبل ومصدر كل طرفَة ومورد كل تحفة وَغَايَة آمال الراغبين وَنِهَايَة أماني الطالبين ان بارت تِجَارَة فإليها تجلب وان كسدت بضَاعَة فَفِيهَا تنفت مَعَ كَثْرَة علمائها ووفور أدبائها وجلالة مُلُوكهَا ومحبتهم فِي الْعلم وَأَهله يعظمون من عظمه علمه ويرفعون من رَفعه أدبه وَكَذَلِكَ سيرتهم فِي رجال الْحَرْب يقدمُونَ من قَدمته شجاعته وعظمت فِي الحروب نكايته فشجع الجبان وأقدم الهيبان وَنبهَ الخامل وَعلم الْجَاهِل ونطق العيي وَشعر البكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 واستنسر البغاث وتثعبن الحفاث فتنافس النَّاس فِي الْعُلُوم وَكثر الحذاق بِجَمِيعِ الْفُنُون ثمَّ هم مَعَ ذَلِك فِي غَايَة التَّقْصِير وَنِهَايَة التَّفْرِيط من أجل أَن عُلَمَاء الْأَمْصَار دونوا فَضَائِل أمصارهم وخلدوا فِي الْكتب مآثر بلدانهم وأخبار الْمُلُوك والأمراء وَالْكتاب والوزراء والقضاة وَالْعُلَمَاء فابقوا لَهُم ذكرا فِي الغابرين يَتَجَدَّد على مر اللَّيَالِي وَالْأَيَّام ولسان صدق فِي الآخرين يتَأَكَّد مَعَ تصرف الأعوام وعلماؤكم مَعَ استظهارهم على الْعُلُوم كل امرىء مِنْهُم قَائِم فِي ظله لَا يبرح وراتب على كَعبه لَا يتزحزح يخَاف ان صنف ان يعنف وان الف ان يُخَالف وَلَا يؤالف أَو تخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق لم يتعب أحد مِنْهُم نفسا فِي جمع فَضَائِل أهل بَلَده وَلم يسْتَعْمل خاطره فِي مفاخر ملوكه وَلَا بل قَلما بمناقب كِتَابه ووزرائه وَلَا سود قرطاسا بمحاسن قُضَاته وعلمائه على أَنه لَو اطلق مَا عقل الاغفال من لِسَانه وَبسط مَا قبض الاهمال من بَيَانه لوجد لِلْقَوْلِ مساغا وَلم تضق عَلَيْهِ المسالك وَلم تخرج بِهِ الْمذَاهب وَلَا اشتبهت عَلَيْهِ المصادر والموارد وَلَكِن هم أحدهم أَن يطْلب شأو من تقدمه من الْعلمَاء ليحوز قصبات السَّبق ويفوز بقدح ابْن مقبل وَيَأْخُذ بكظم دَغْفَل وَيصير شجا فِي حلق أبي العميثل فَإِذا أدْرك بغيته واخترمته منيته دفن مَعَه ادبه وَعلمه فَمَاتَ ذكره وَانْقطع خَبره وَمن قدمنَا ذكره من عُلَمَاء الْأَمْصَار احْتَالُوا لبَقَاء ذكرهم احتيال الأكياس فالفوا دواوين بَقِي لَهُم بهَا ذكر مُجَدد طول الْأَبَد فَإِن قلت إِنَّه كَانَ مثل ذَلِك من عُلَمَائِنَا وألفلوا كتبا لَكِنَّهَا لم تصل الينا فَهَذِهِ دَعْوَى لم يصحبها تَحْقِيق لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْننَا وَبَيْنكُم غير رَوْحَة رَاكب أَو رحْلَة قَارب لَو نفث من بلدكم مصدور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 لأسْمع من ببلدنا فِي الْقُبُور فضلا عَمَّن فِي الدّور والقصور وتلقوا قَوْله بِالْقبُولِ كَمَا تلقوا ديوَان أَحْمد بن عبد ربه الَّذِي سَمَّاهُ بِالْعقدِ على أَنه يلْحقهُ فِيهِ بعض اللوم لَا سِيمَا إِذْ لم يَجْعَل فَضَائِل بَلَده وَاسِطَة عقده ومناقب ملوكه يتيمه سلكه أَكثر الحز وأخطا الْمفصل واطال الهز لسيف غير مقصل وَقعد بِهِ مَا قعد بأصاحبه من ترك مَا يعنيهم واغفال مَا يهمهم فأرشد أَخَاك ارشدك الله واهده هداك الله ان كَانَت عنْدك فِي ذَلِك الجليه وبيدك فصل الْقَضِيَّة وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 رِسَالَة أبي مُحَمَّد ابْن حزم فِي فَضَائِل الأندلس فَكتب الْوَزير الْحَافِظ ابو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم عِنْد وُقُوفه على هَذِه الرسَالَة مَا نَصه الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وعَلى اصحابه الاكرمين وازواجه امهات الْمُؤمنِينَ وَذريته الفاضلين الطيبين اما بعد يَا أخي يَا ابا بكر سَلام عَلَيْك سَلام أَخ مشوق طَالَتْ بَينه وَبَيْنك الأميال والفراسخ وَكَثُرت الْأَيَّام والليالي ثمَّ لقيك فِي حَال سفر ونقلة ووادك فِي خلال جَوْلَة ورحلة فَلم يقْض من محاورتك اربا وَلَا بلغ فِي مجاورتك مطلبا واني لما احتللت بك وجالت يَدي فِي مَكْنُون كتبك ومضمون دواوينك لمحت عَيْني فِي تضاعيفها درجا فتأملته فَإِذا فِيهِ خطاب لبَعض الْكتاب من مصاقبينا فِي الدَّار أهل افريقية ثمَّ مِمَّن ضمته حَاضِرَة قيروانهم إِلَى رجل اندلسي لم يُعينهُ باسمه وَلَا ذكره بنسبه يذكر لَهُ فِيهَا ان عُلَمَاء بلدنا بالأندلس وان كَانُوا على الذرْوَة الْعليا من التَّمَكُّن بافانين الْعُلُوم وَفِي الْغَايَة القصوى من التحكم على وُجُوه المعارف فان هممهم قد قصرت عَن تخليد مآثر بلدهم وَمَكَارِم مُلُوكهمْ ومحاسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 فقهائهم ومناقب قضاتهم ومفاخر كِتَابهمْ وفضائل عُلَمَائهمْ ثمَّ تعدى ذَلِك إِلَى أَن أخلى أَرْبَاب الْعُلُوم منا من أَن يكون لَهُم تاليف يحيى ذكرهم ويبقي علمهمْ بل قطع ان كل وَاحِد مِنْهُم قد مَاتَ فَدفن علمه مَعَه وحقق ظَنّه فِي ذَلِك وَاسْتدلَّ على صِحَّته عِنْد نَفسه بِأَن شَيْئا من هَذِه التآليف لَو كَانَ بَيْننَا مَوْجُودا لَكَانَ اليهم مَنْقُولًا وَعِنْدهم ظَاهرا لقرب المزار وَكَثْرَة السفار وترددهم اليهم وتكررهم علينا ثمَّ لما ضمنا الْمجْلس الحافل بأصناف الاداب والمشهد الآهل بانواع الْعُلُوم وَالْقصر الْمَعْمُور بانواع الْفَضَائِل والمنزل المحفوف بِكُل لَطِيفَة وسيعة من دَقِيق الْمعَانِي وجليل الْمَعَالِي قرارة الْمجد وَمحل السؤدد ومحط رحال الْخَائِفِينَ وملقى عَصا التسيار عِنْد الرئيس الاجل الشريف قديمه وحسبه الرفيع حَدِيثه ومكتسبه الَّذِي اجله عَن كل خطة يشركهُ فِيهَا من لَا توازي قومته نومته وَلَا ينَال حَضَره هويناه واربى بِهِ عَن كل مرتبَة يلْحقهُ فِيهَا من لَا يسو إِلَى المكارم سموهُ وَلَا يدنو من الْمَعَالِي دنوه وَلَا يَعْلُو فِي حميد الْخلال علوه بل اكْتفي من مدحه باسمه الْمَشْهُور واجتزي من الاطالة فِي تقريظه بمنتماه الْمَذْكُور فحسبي بذينك العلمين دَلِيلا على سَعْيه المشكور وفضله الْمَشْهُور أبي عبد الله مُحَمَّد بن قَاسم صَاحب البونت اطال الله بَقَاءَهُ وادام اعتلاءه وَلَا عطل الحامدين من تحليهم بحلاه وَلَا أخلى الْأَيَّام من تزينها بعلاه فرأيته اعزه الله تَعَالَى حَرِيصًا على ان يُجَاوب هَذَا الْمُخَاطب وراغبا فِي ان يبين لَهُ مَا لَعَلَّه قد رَاه فنسى أَو بعد عَنهُ فخفى فتناولت الْجَواب الْمَذْكُور بعد ان بَلغنِي ان ذَلِك الْمُخَاطب قد مَاتَ رحمنا الله تَعَالَى واياه فَلم يكن لقصده بِالْجَوَابِ معنى وَقد صَارَت الْمَقَابِر لَهُ مغنى فلسنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 بمسمعين من فِي الْقُبُور فصرفت عنان الْخطاب اليك إِذْ من قبلك صرت إِلَى الْكتاب المجاوب عَنهُ وَمن لَدُنْك وصلت الي الرسَالَة الْمُعَارضَة وَفِي وُصُول كتابي على هَذِه الْهَيْئَة حَيْثُمَا وصل كِفَايَة لمن غَابَ عَنهُ من أَخْبَار تآليف أهل بلدنا مثل مَا غَابَ عَن هَذَا الباحث الأول وَللَّه الامر من قبل وَمن بعد وان كنت فِي أخباري اياك بِمَا ارسمه فِي كتأبي هَذَا كمهد إِلَى البركان نَار الحباحب وباني صوى فِي مهيع الْقَصْد اللاحب فانك وان كنت الْمَقْصُود والمواجه فَإِنَّمَا المُرَاد من أهل تِلْكَ النَّاحِيَة من نأى عَنهُ علم مَا استجلبه السَّائِل الْمَاضِي وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه سبحأنه فَأَما مآثر بلدنا فقد الف فِي ذَلِك أَحْمد بن مُحَمَّد الرَّازِيّ التاريخي كتبا جمة مِنْهَا كتاب ضخم ذكر فِيهِ مسالك الأندلس ومراسيها وامهات مدنها واجنادها السِّتَّة وخواص كل بلد مِنْهَا وَمَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ فِي غَيره وَهُوَ كتاب مريح مليح وَأَنا اقول لَو لم يكن لاندلسنا الا مَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشر بِهِ وَوصف اسلافنا الْمُجَاهدين فِيهِ بِصِفَات الْمُلُوك على الاسرة فِي الحَدِيث الَّذِي روينَاهُ من طَرِيق أبي حَمْزَة انس بن مَالك ان خَالَته ام حرَام بنت ملْحَان زوج أبي الْوَلِيد عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعنهم اجمعين حدثته عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أخْبرهَا بذلك لكفى شرفا بذلك يسر عاجله ويغبط آجله فَإِن قَالَ قَائِل لَعَلَّه صلوَات الله تَعَالَى عَلَيْهِ انما عَنى بذلك الحَدِيث أهل صقليه واقريطش وَمَا الدَّلِيل على مَا ادعيته من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنى الأندلس حتما وَمثل هَذَا من التَّأْوِيل لَا يتساهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 فِيهِ ذُو ورع دون برهَان وَاضح وَبَيَان لائح لَا يحْتَمل التَّوْجِيه وَلَا يقبل التجريح فَالْجَوَاب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلم وَفضل الْخطاب وَأمر بِالْبَيَانِ لما أوحى اليه وَقد أخبر فِي ذَلِك الحَدِيث الْمُتَّصِل سَنَده بالعدول عَن الْعُدُول بطائفتين من امته يركبون ثبج الْبَحْر غزَاة وأحدة بعد وأحدة فسالته ام حرَام ان يَدْعُو ربه تَعَالَى ان يَجْعَلهَا مِنْهُم فَأَخْبرهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَبره الْحق بِأَنَّهَا من الْأَوَّلين وَهَذَا من اعلام نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ إخْبَاره بالشَّيْء قبل كَونه وَصَحَّ الْبُرْهَان على رسَالَته بذلك وَكَانَت من الْغُزَاة إِلَى قبرس وخرت عَن بغلتها هُنَاكَ فَتُوُفِّيَتْ رَحمهَا الله تَعَالَى وَهِي أول غزَاة ركب فِيهَا الْمُسلمُونَ الْبَحْر فَثَبت يَقِينا ان الْغُزَاة إِلَى قبرس هم الْأَولونَ الَّذين بشر بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت ام حرَام مِنْهُم كَمَا أخبر صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِ وَلَا سَبِيل ان يظنّ بِهِ وَقد أُوتِيَ مَا أُوتِيَ من البلاغة وَالْبَيَان أَنه يذكر طائفتين قد سمى أَحدهمَا أولى الا والتالية لَهَا ثَانِيَة فَهَذَا من بَاب الاضافة وتركيب الْعدَد وَهَذَا مُقْتَضى طبيعة صناعَة الْمنطق إِذْ لَا تكون الأولى أولى الا لثانية وَلَا الثَّانِيَة ثَانِيَة الا لأولى فَلَا سَبِيل إِلَى ذكر ثَالِث الا بعد ثَان ضَرُورَة وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انما ذكر طائفتين وَبشر بفئتين وسمى أحداهما الْأَوَّلين فَاقْتضى ذَلِك بِالْقضَاءِ الصدْق آخَرين وَالْآخر من الأول هُوَ الثَّانِي الَّذِي أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خير الْقُرُون بعد قرنه أولى الْقُرُون بِكُل فضل بِشَهَادَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ خير من كل قرن بعده ثمَّ ركب الْبَحْر بعد ذَلِك أَيَّام سُلَيْمَان بن عبد الْملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَكَانَ الْأَمِير بهَا فِي تِلْكَ السفن هُبَيْرَة الْفَزارِيّ وَأما صقلية فَأَنَّهَا فتحت صدر أَيَّام الاغالبة سنة 212 أَيَّام قاد اليها السفن غازيا اسد بن الْفُرَات القَاضِي صَاحب أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى وبهامات وَأما اقريطش فَإِنَّهَا فتحت بعد الثَّلَاث والمائتين افتتحها ابو حَفْص عمر بن شُعَيْب الْمَعْرُوف بِابْن الغليظ من أهل قَرْيَة بطروج من عمل فحص البلوط المجأور لقرطبة من بِلَاد الأندلس وَكَانَ من فل الربضيين وتداولها بنوه بعده إِلَى ان كَانَ أخرهم عبد الْعَزِيز بن شُعَيْب الَّذِي غنمها فِي أَيَّام ارمانوس بن قسطنطين ملك الرّوم سنة 350 وَكَانَ أَكثر المفتتحين لَهَا أهل الأندلس وَأما فِي قسم الأقاليم فَإِن قرطبة مسْقط رؤوسنا ومعق تمائمنا مَعَ سر من رأى فِي اقليم وَأحد فلنا من الْفَهم والذكاء مَا اقْتَضَاهُ اقليمنا وَإِن كَانَت الْأَنْوَار لَا تَأْتِينَا إِلَّا مغربة عَن مطالعها على الْجُزْء الْمَعْمُور وَذَلِكَ عِنْد الْمُحْسِنِينَ للْأَحْكَام الَّتِي تدل عَلَيْهَا الْكَوَاكِب نَاقص من قوى دلائلها فلهَا من ذَلِك على كل حَال حَظّ يفوق حَظّ أَكثر الْبِلَاد بارتفاع أحد النيرين بهَا تسعين دَرَجَة وَذَلِكَ من أَدِلَّة التَّمَكُّن فِي الْعُلُوم والنفاذ فِيهَا عِنْد من ذكرنَا وَقد صدق ذَلِك الْخَبَر وابانته التجربة فَكَانَ أَهلهَا من التَّمَكُّن فِي عُلُوم القراآت وَالرِّوَايَات وَحفظ كثير من الْفِقْه وَالْبَصَر بالنحو وَالشعر واللغة وَالْخَبَر والطب والحساب والنجوم بمَكَان رحب الفناء وَاسع العطن متنائي الاقطار فسيح المجال وَالَّذِي نعاه علينا الْكَاتِب الْمَذْكُور لَو كَانَ كَمَا ذكر لَكنا فِيهِ شُرَكَاء لأكْثر أُمَّهَات الحواضر وجلائل الْبِلَاد ومتسعات الْأَعْمَال فَهَذِهِ القيروان بلد الْمُخَاطب لنا مَا أذكر أَنِّي رَأَيْت فِي أَخْبَارهَا تأليفا غير المعرب عَن أَخْبَار الْمغرب وحاشى تآليف مُحَمَّد بن يُوسُف الْوراق فَإِنَّهُ ألف للمسنتصر رَحمَه شالله تَعَالَى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 مسالك افريقية وممالكها ديوأنا ضخما وَفِي أَخْبَار مُلُوكهَا وحروبهم والقائمين عَلَيْهِم كتبا جمة وَكَذَلِكَ الف أيضافي أَخْبَار تيهرت ووهران وتونس وسجلماسة ونكور وَالْبَصْرَة وَغَيرهَا تآليف حسأنا وَمُحَمّد هَذَا أندلسي الأَصْل وَالْفرع آباؤه من وَادي الْحِجَارَة ومدفنه بقرطبة وهجرته إِلَيْهَا وَإِن كَانَت نشأته بالقيروان ولابد من إِقَامَة الدَّلِيل على مَا أَشرت اليه هُنَا إِذْ مرادنا ان نأتي مِنْهُ بالمطلوب فِيمَا يستانف ان شَاءَ الله تَعَالَى وَذَلِكَ ان جَمِيع المؤرخين من ائمتنا السالفين والباقين درن محاشاة أحد بل قد تَيَقنا اجماعهم على ذَلِك متفقون على أَن ينسبوا الرجل إِلَى مَكَان هجرته الَّتِي اسْتَقر بهَا وَلم يرحل عَنْهَا رحيل ترك لسكناها إِلَى أَن مَاتَ فان ذكرُوا الْكُوفِيّين من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم صدرُوا بعلي وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وانما سكن عَليّ الْكُوفَة خَمْسَة أَعْوَام واشهرا وَقد بَقِي 58 عَاما وأشهرا بِمَكَّة وَالْمَدينَة شرفهما الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ أَيْضا أَكثر اعمار من ذكرنَا وان ذكرُوا الْبَصرِيين بدؤا بعمران بن حُصَيْن وَأنس بن مَالك وَهِشَام بن عَامر وَأبي بكرَة وَهَؤُلَاء مواليدهم وَعَامة زمن أَكْثَرهم وَأكْثر مقامهم بالحجاز وتهامة والطائف وجمهرة أعمارهم حلت هُنَالك وان ذكرُوا الشاميين نوهوا بِعبَادة بن الصَّامِت وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي عُبَيْدَة بن الْجراح ومعاذ وَمُعَاوِيَة والامر فِي هَؤُلَاءِ كالامر فِيمَن قبلهم وَكَذَلِكَ فِي المصريين عَمْرو بن الْعَاصِ وخارجة بن حذافة الْعَدوي وَفِي المكيين عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن الزبير وَالْحكم فِي هَؤُلَاءِ كَالْحكمِ فِيمَن قَصَصنَا فَمن هَاجر الينا من سَائِر الْبِلَاد فَنحْن احق بِهِ وَهُوَ منا بِحكم جَمِيع أولى الامر منا الَّذين أجماعهم فرض اتِّبَاعه وخلافه محرم اقترافه وَمن هَاجر منا إِلَى غَيرنَا فَلَا حَظّ لنا فِيهِ وَالْمَكَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الَّذِي أختاره اِسْعَدْ بِهِ فَكَمَا لَا نَدع اسماعيل بن الْقَاسِم فَكَذَلِك لَا ننازع فِي مُحَمَّد بن هَانِيء سوأنا وَالْعدْل أولى مَا حرص عَلَيْهِ وَالنّصف افضل مَا دعِي اليه بعد التَّفْصِيل الَّذِي لَيْسَ هَذَا مَوْضُوعه وعَلى مَا ذكرنَا من الْإِنْصَاف تراضي الْكل وَهَذِه بَغْدَاد حَاضِرَة الدُّنْيَا ومعدن كل فَضِيلَة والمحلة الَّتِي سبق أَهلهَا إِلَى حمل ألوية المعارف والتدقيق فِي تصريف الْعُلُوم ورقة الْأَخْلَاق والنباهة والذكاء وحدة الأفكار ونفاذ الخواطر وَهَذِه الْبَصْرَة وَهِي عين الْمَعْمُور فِي كل مَا ذكرنَا وَمَا اعْلَم فِي أَخْبَار بَغْدَاد تأليفا غير كتاب أَحْمد بن أبي طَاهِر وَأما سَائِر التواريخ الَّتِي الفها أَهلهَا فَلم يخصوا بلدتهم بهَا دون سَائِر الْبِلَاد وَلَا اعْلَم فِي أَخْبَار الْبَصْرَة غير كتاب عمر بن شبة وَكتاب لرجل من ولد الرّبيع بن زِيَاد الْمَنْسُوب إِلَى أبي سُفْيَان فِي خطط الْبَصْرَة وقطائعها وكتابين لِرجلَيْنِ من أَهلهَا يُسمى أَحدهمَا عبد الْقَادِر كريزي النّسَب فِي وصفهَا وذكرا أسواقها ومحالها وشوارعها وَلَا اعْلَم فِي أَخْبَار الْكُوفَة غير كتاب عمر بن شبة وَأما الْجبَال وخراسان وطبرستان وجرجان وكرمان وسجستان والسند وارمينية وإذربيجان وَتلك الممالك الْكَثِيرَة الضخمة فَلَا اعْلَم فِي شَيْء مِنْهَا تاليفا قصد بِهِ أخيار مُلُوك تِلْكَ النواحي وعلمائها وشعرائها واطبائها وَلَقَد تاقت النُّفُوس إِلَى ان يتَّصل بِنَا تاليف فِي أَخْبَار فُقَهَاء بَغْدَاد وَمَا علمناه علم على أَنهم الْعلية الرؤساء والاكابر العظماء وَلَو كَانَ فِي شَيْء من ذَلِك تأليف لَكَانَ الحكم فِي الاغلب ان يبلغنَا كَمَا بلغ سَائِر تآليفهم وكما بلغنَا كتاب حَمْزَة بن الْحسن الْأَصْبَهَانِيّ فِي أَخْبَار اصبهان وَكتاب الْموصِلِي وَغَيره فِي أَخْبَار مصر وكما بلغنَا سَائِر تآليفهم فِي انحاء الْعُلُوم وَقد بلغنَا تاليف القَاضِي أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن عبدون القيرواني فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الشُّرُوط واعتراضه على الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ بلغنَا رد القَاضِي أَحْمد بن طَالب التَّمِيمِي على أبي حنيفَة وتشنيعه على الشَّافِعِي وَكتب ابْن عَبدُوس وَمُحَمّد بن سَحْنُون وَغير ذَلِك من خوامل تآليفهم دون مشهورها وَأما جهتنا فَالْحكم فِي ذَلِك مَا جرى بِهِ الْمثل السائر ازهد النَّاس فِي عَالم اهله وقرأت فِي الانجيل ان عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَا يفقد النَّبِي حرمته الا فِي بَلَده وَقد تَيَقنا ذَلِك بِمَا لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قُرَيْش وهم أوفر النَّاس احلاما واصحهم عقولا واشدهم تثبتا مَعَ مَا خصوا بِهِ من سكناهم افضل الْبِقَاع وتغذيتهم باكرم الْمِيَاه حَتَّى خص الله تَعَالَى الْأَوْس والخزرج بالفضيلة الَّتِي أبانهم بهَا عَن جَمِيع النَّاس وَالله يُؤْتِي فَضله من يَشَاء وَلَا سِيمَا اندلسنا فَإِنَّهَا خصت من حسد أَهلهَا للْعَالم الظَّاهِر فيهم الماهر مِنْهُم واستقلالهم كثير مَا يَأْتِي بِهِ واستهجأنهم حَسَنَاته وتتبعهم سقطاته وعثراته وَأكْثر ذَلِك مُدَّة حَيَاته باضعاف مَا فِي سَائِر الْبِلَاد ان اجاد قَالُوا سَارِق مغير ومنتحل مُدع وان توَسط قَالُوا غث بَارِد وَضَعِيف سَاقِط وان باكر الْحِيَازَة لقصب السَّبق قَالُوا مَتى كَانَ هَذَا وَمَتى تعلم وَفِي أَي زمَان قَرَأَ ولأمه الهبل وَبعد ذَلِك ان ولجت بِهِ الأقدار أحد طَرِيقين اما شفوفا بَائِنا يعليه على نظرائه أَو سلوكا فِي غير السَّبِيل الَّتِي عهدوها فهنالك حمي الْوَطِيس على البائس وَصَارَ غَرضا للأقوال وهدفا للمطالب ونصبا للتسبب اليه ونهبا للألسنة وعرضة للتطرق إِلَى عرضه وَرُبمَا نحل مَا لم يقل وطوق مالم يتقلد وَالْحق بِهِ مالم يفه بِهِ وَلَا اعتقده قلبه وبالحرى وَهُوَ السَّابِق المبرز ان لم يتَعَلَّق من السُّلْطَان بحظ ان يسلم من المتالف وينجو من الْمُخَالف فَإِن تعرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 لتأليف غمز ولمز وَتعرض وهمز واشتط عَلَيْهِ وَعظم يسير خطبه واستشنع هَين سقطه وَذَهَبت محاسنه وسترت فضائله وهتف وَنُودِيَ بِمَا اغفل فتنكسر لذَلِك همته وتكل نَفسه وتبرد حميته وَهَكَذَا عندنَا نصيب من ابْتَدَأَ يحوك شعرًا أَو يعْمل بِعَمَل رياسة فَإِنَّهُ لَا يفلت من هَذِه الحبائل وَلَا يتَخَلَّص من هَذِه النصب إِلَّا الناهض الْفَائِت والمطفف المستولي على الأمد وعَلى ذَلِك فقد جمع مَا ظَنّه الظَّان غير مَجْمُوع والفت عندنَا تآليف فِي غَايَة الْحسن لنا خطر السَّبق فِي بَعْضهَا فَمِنْهَا كتاب الْهِدَايَة لعيسى بن دِينَار وَهِي ارْفَعْ كتب جمعت فِي مَعْنَاهَا على مَذْهَب مَالك وَابْن الْقَاسِم وأجمعها للمعاني الْفِقْهِيَّة على الْمَذْهَب فَمِنْهَا كتاب الصَّلَاة وَكتاب الْبيُوع وَكتاب الْجِدَار فِي الاقضية وَكتاب النِّكَاح وَالطَّلَاق وَمن الْكتب الْمَالِكِيَّة الَّتِي ألفت بالأندلس كتاب القصي مَالك بن عَليّ وَهُوَ رجل قرشي من بني فهر لَقِي اصحاب مَالك واصحاب اصحابه وَهُوَ كتاب حسن فِيهِ غرائب ومستحسنات من الرسائل المولدات وَمِنْهَا كتاب أبي اسحاق إِبْرَاهِيم بن مزين فِي تَفْسِير الْمُوَطَّأ والكتب المستقصية لمعاني الْمُوَطَّأ وتوصيل مقطوعاته من تآليف ابْن مزين أيضاوكتابه فِي رجال الْمُوَطَّأ وَمَا لمَالِك عَن كل وَأحد مِنْهُم من الْآثَار فِي موطئِهِ وَفِي تَفْسِير الْقُرْآن كتاب أبي عبد الرَّحْمَن بَقِي بن مخلد فَهُوَ الْكتاب الَّذِي اقْطَعْ قطعا لَا اسْتثْنِي فِيهِ أَنه لم يؤلف فِي الْإِسْلَام تَفْسِير مثله وَلَا تَفْسِير مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَلَا غَيره وَمِنْهَا فِي الحَدِيث مُصَنفه الْكَبِير الَّذِي رتبه على اسماء الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَروِيَ فِيهِ الف وثلثمائة صَاحب ونيف ثمَّ رتب حَدِيث كل صَاحب على اسماء الْفِقْه وابواب الْأَحْكَام فَهُوَ مُصَنف ومسند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَمَا اعْلَم هَذِه الرُّتْبَة لأحد قبله مَعَ ثقته وَضَبطه وإتقانه واحتفاله فِي الحَدِيث وجودة شُيُوخه فَإِنَّهُ روى عَن مِائَتي رجل واربعة وَثَمَانِينَ رجلا لَيْسَ فيهم عشرَة ضعفاء وسائرهم اعلام مشاهير وَمِنْهَا مُصَنفه فِي فضل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن دونهم الَّذِي اربى فِيهِ على مُصَنف أبي بكر بن أبي شيبَة ومصنف عبد الرَّزَّاق بن همام ومصنف سعيد بن مَنْصُور وَغَيرهَا وانتظم علما عَظِيما لم يَقع فِي شَيْء من هَذِه فَصَارَت تآليف هَذَا الامام الْفَاضِل قَوَاعِد الْإِسْلَام لَا نَظِير لَهَا وَكَانَ متخيرا لَا يُقَلّد أحدا وَكَانَ ذَا خَاصَّة من أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمِنْهَا فِي احكام الْقُرْآن كتاب ابْن أُميَّة الحجاري وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب بَصيرًا بالْكلَام على أختياره وَكتاب القَاضِي أبي الحكم مُنْذر ابْن سعيد وَكَانَ دأودي الْمَذْهَب قَوِيا على الِانْتِصَار لَهُ وَكِلَاهُمَا فِي احكام الْقُرْآن غَايَة ولمنذر مصنفات مِنْهَا كتاب الابانة عَن حقائق اصول الدّيانَة وَمِنْهَا فِي الحَدِيث مُصَنف أبي مُحَمَّد قَاسم بن اصبغ بن يُوسُف بن نَاصح ومصنف مُحَمَّد بن عبد الْملك بن ايمن وهما مصنفان رفيعان احتويا من صَحِيح الحَدِيث وغريبه على مَا لَيْسَ فِي كثير من المصنفات ولقاسم بن اصبغ هَذَا تآليف حسان جدا مِنْهَا احكام الْقُرْآن على ابواب كتاب اسماعيل وَكَلَامه وَمِنْهَا كتاب المجتبي على ابواب كتاب ابْن الْجَارُود الْمُنْتَقى وَهُوَ خير مِنْهُ وانقى حَدِيثا واعلى سندا وَأكْثر فَائِدَة وَمِنْهَا كتاب فِي فَضَائِل قُرَيْش وكنانة وَكتابه فِي النَّاسِخ والمنسوخ وَكتاب غرائب حَدِيث مَالك بن انس مِمَّا لَيْسَ فِي الْمُوَطَّأ وَمِنْهَا كتاب التَّمْهِيد لصاحبنا أبي عمر يُوسُف بن عبد الْبر وَهُوَ الْآن بعد فِي الْحَيَاة لم يبلغ سنّ الشيخوخة وهوكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 لَا اعْلَم فِي الْكَلَام على فقه الحَدِيث مثله اصلا فَكيف احسن مِنْهُ وَمِنْهَا كتاب الاستذكار وَهُوَ أختصار التَّمْهِيد الْمَذْكُور ولصاحبنا أبي عمر بن عبد الْبر الْمَذْكُور كتب لَا مثيل لَهَا مِنْهَا كِتَابه الْمُسَمّى بالكافي فِي الْفِقْه على مَذْهَب مَالك واصحابه خَمْسَة عشر كتابا اقْتصر فِيهِ على مَا بالمفتي الْحَاجة اليه وبوبه وقربه فَصَارَ مغنيا عَن التصنيفات الطوَال فِي مَعْنَاهُ وَمِنْهَا كِتَابه فِي الصَّحَابَة لَيْسَ لأحد من الْمُتَقَدِّمين مثله على كَثْرَة مَا صنفوا فِي ذَلِك وَمِنْهَا كتاب الِاكْتِفَاء فِي قِرَاءَة نَافِع وَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَالْحجّة لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَمِنْهَا كتاب بهجة الْمجَالِس وانس الْمجَالِس مِمَّا يجْرِي فِي المذكرات من غرر الأبيات ونوادر الحكايات وَمِنْهَا كتاب جَامع بَيَان الْعلم وفضله وَمَا يَنْبَغِي فِي رِوَايَته وَمِنْهَا كتاب شَيخنَا القَاضِي أبي الْوَلِيد عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن الفرضي فِي الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي اسماء الرِّجَال وَلم يبلغ عبد الْغَنِيّ الْحَافِظ الْبَصْرِيّ فِي ذَلِك إِلَّا كتابين وَبلغ ابو الْوَلِيد رَحمَه الله تَعَالَى نَحْو الثَّلَاثِينَ لَا اعْلَم مثله فِي فنه الْبَتَّةَ وَمِنْهَا تَارِيخ أَحْمد بن سعيد مَا وضع فِي الرِّجَال أحد مثله إِلَّا مَا بلغنَا من تَارِيخ مُحَمَّد بن مُوسَى الْعقيلِيّ الْبَغْدَادِيّ وَلم أره وَأحمد بن سعيد هُوَ الْمُتَقَدّم فِي التاليف الْقَائِم فِي ذَلِك وَمِنْهَا كتب مُحَمَّد بن يحيى بن مفرج القَاضِي وَهِي كَثِيرَة مِنْهَا اسفار سَبْعَة جمع فِيهَا فقه الْحسن الْبَصْرِيّ وَكتب كَثِيرَة جمع فِيهَا فقه الزُّهْرِيّ وَمِمَّا يتَعَلَّق بذلك شرح الحَدِيث لعامر بن خلف السَّرقسْطِي فَمَا شآه ابو عُبَيْدَة الا بتقدم الْعَصْر فَقَط وَمِنْهَا فِي الْفِقْه الْوَاضِحَة والمالكيون لَا تمانع بَينهم فِي فَضلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 واستحسأنهم اياها وَمِنْهَا المستخرجة من الاسمعة وَهِي الْمَعْرُوفَة بالعتبية وَلها عِنْد أهل افريقية الْقدر العالي والطيران الحثيث وَالْكتاب الَّذِي جمعه ابو عمر أَحْمد بن عبد الْملك بن هِشَام الإشبيلي الْمَعْرُوف بِابْن الكوى والقرشي ابو مَرْوَان المعيطي فِي جمع اقاويل مَالك كلهَا على نَحْو الْكتاب الباهر الَّذِي جمع فِيهِ القرضي ابو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحداد الْبَصْرِيّ اقاويل الشَّافِعِي كلهَا وَمِنْهَا كتاب الْمُنْتَخب الَّذِي الفه القَاضِي مُحَمَّد بن يحيى بن عمر بن لبَابَة وَمَا رَأَيْت لمالكي قطّ كتابا انبل مِنْهُ فِي جمع رِوَايَات الْمَذْهَب وَشرح مستغلقها وتفريع وجوهها وتآليف قَاسم بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِصَاحِب الوثائق وَكلهَا حسن فِي مَعْنَاهُ وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب نظارا جَارِيا فِي ميدان البغداديين وَمِنْهَا فِي اللُّغَة الْكتاب البارع الَّذِي الفه اسماعيل بن الْقَاسِم يحتوي على لُغَة الْعَرَب وَكتابه فِي الْمَقْصُور والممدود والمهموز لم يؤلف مثله فِي بَابه وَكتاب الافعال لمُحَمد بن عمر بن عبد الْعَزِيز الْمَعْرُوف بِابْن الْقُوطِيَّة بِزِيَادَات ابْن طريف مولي العبيديين فَلم يوضع فِي فنه مثله وَكتاب جمعه ابو غَالب تَمام بن غَالب الْمَعْرُوف بِابْن التياني فِي اللُّغَة لم يؤلف مثله أختصارا واكثارا وثقة نقل وَهُوَ اظن فِي الْحَيَاة بعد وَهَهُنَا قصَّة لَا يَنْبَغِي ان تَخْلُو رسالتنا مِنْهَا وَهِي ان ابا الْوَلِيد عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن القَاضِي حَدثنِي ان ابا الْجَيْش مُجَاهدًا صَاحب الجزائر ودانية وَجه إِلَى أبي غَالب أَيَّام غلبته على مرسية وابوغالب سَاكن بهَا الف دِينَار اندلسية على ان يزِيد فِي تَرْجَمَة الْكتاب الْمَذْكُور مِمَّا الفه تَمام بن غَالب لأبي الْجَيْش مُجَاهِد فَرد الدَّنَانِير وابى من ذَلِك وَلم يفتح فِي هَذَا بَابا الْبَتَّةَ وَقَالَ وَالله لَو بذل لي الدُّنْيَا على ذَلِك مَا فعلت وَلَا استجزت الْكَذِب لِأَنِّي لم اجمعه لَهُ خَاصَّة بل لكل طَالب فاعجب لهمة هَذَا الرئيس وعلوها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 واعجب لنَفس هَذَا الْعَالم وَمِنْهَا لكتاب أَحْمد بن ابان بن سيد فِي اللُّغَة الْمَعْرُوف بِكِتَاب الْعَالم نَحْو مائَة سفر على الاجناس فِي غَايَة الْإِيعَاب بَدَأَ بالفلك وَختم بالذرة وَكتاب النَّوَادِر لأبي عَليّ اسماعيل ببن الْقَاسِم وَهُوَ مبار لكتاب الْكَامِل لأبي الْعَبَّاس الْمبرد ولعمري لَئِن كَانَ كتاب أبي الْعَبَّاس أَكثر نَحوا وخبرا فان كتاب أبي على لأكْثر لُغَة وشعرا وَكتاب الفصوص لصاعد بن الْحسن الربعِي وَهُوَ جَار فِي مضمار الكتأبين الْمَذْكُورين وَمن الانحاء تَفْسِير الحوفي لكتاب الْكسَائي حسن فِي مَعْنَاهُ وَكتاب ابْن سيدة فِي ذَلِك المنبوذ بالعالم والمتعلم وَشرح لَهُ كتاب الْأَخْفَش وَمِمَّا الف فِي الشّعْر كتاب عبَادَة بن مَاء السَّمَاء فِي أَخْبَار شعراء الأندلس كتاب حسن وَكتاب الحدائق لأبي عمر أَحْمد بن فرج عَارض بِهِ كتاب الزهرة لأبي بكر مُحَمَّد بن دَاوُد رَحمَه الله تَعَالَى إِلَّا ان ابا بكر انما ادخل مائَة بَاب فِي كل بَاب مائَة بَيت وابو عمر أورد مِائَتي بَاب فِي كل بَاب مائَة بَيت لَيْسَ مِنْهَا بَاب تكَرر اسْمه لأبي بكر وَلم يُورد فِيهِ لغير اندلسي شَيْئا واحسن الِاخْتِيَار مَا شَاءَ واجاد فَبلغ الْغَايَة واتى الْكتاب فَردا فِي مَعْنَاهُ وَمِنْهَا كتاب التشبيهات من اشعار أهل الأندلس جمعه ابو الْحسن على بن مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْكَاتِب وَهُوَ حَيّ بعد وَمِمَّا يتَعَلَّق بذلك شرح أبي الْقَاسِم ابراهيم بن مُحَمَّد بن الإفليلي لشعر المتنبي وَهُوَ حسن جدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وَمن الْأَخْبَار تواريخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الرَّازِيّ فِي أَخْبَار مُلُوك الأندلس وَخدمَتهمْ وغزواتهم ونكباتهم وَذَلِكَ كثير جدا وَكتاب لَهُ فِي صفة قرطبة وخططها ومنازل الاعيان بهَا على نَحْو مَا بدا بِهِ ابْن أبي طَاهِر فِي أَخْبَار بَغْدَاد وَذكر منَازِل صحابة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور بهَا وتواريخ مُتَفَرِّقَة رَأَيْت مِنْهَا أَخْبَار عمر بن حفصون الْقَائِم بَريَّة وَوَقَائعه وسيره وحروبه وتاريخ آخر فِي أَخْبَار عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان الجليقي الْقَائِم بالحوف وَفِي أَخْبَار بني قيس والتجيبيين وَبني الطَّوِيل الثغر وَقد رَأَيْت من ذَلِك كتبا مصنفة فِي غَايَة الْحسن وَكتاب مجزأ فِي اجزاء كَثِيرَة فِي أَخْبَار رية وحصونها وحروبها وفقهائها وشعرائها تألبف اسحاق بن سَلمَة بن اسحاق اللَّيْثِيّ وَكتاب مُحَمَّد بن الْحَارِث الْخُشَنِي فِي أَخْبَار الْقُضَاة بقرطبة وَسَائِر بِلَاد الأندلس وَكتاب فِي أَخْبَار الْفُقَهَاء بهَا وَكتاب لِأَحْمَد بن مُحَمَّد بن مُوسَى فِي انساب مشاهير أهل الأندلس فِي خَمْسَة اسفار ضخمة من احسن كتاب فِي الانساب وأوسعها وَكتاب قَاسم بن اصبغ فِي الانساب فِي غية اللحسن والايعاب والإيجاز وَكتابه فِي فَضَائِل بني أُميَّة وَكَانَ من الثِّقَة وَالْجَلالَة بِحَيْثُ اشْتهر امْرَهْ وانتشر ذكره وَمِنْهَا كتب مؤلفة فِي اصحاب المعاقل والاجناد السِّتَّة بالأندلس وَمِنْهَا كتب كَثِيرَة جمعت فِيهَا أَخْبَار شعراء أهل الأندلس للمستنصر رَحمَه الله تَعَالَى رَأَيْت مِنْهَا أَخْبَار شعراء إلبيرة فِي نَحْو عشرَة اجزاء وَمِنْهَا كتاب الطوالع فِي انساب أهل الأندلس وَمِنْهَا كتاب التَّارِيخ الْكَبِير فِي أَخْبَار أهل الأندلس تاليف أبي مَرْوَان بن حَيَّان نَحْو عشرَة اسفار من اجل كتاب الف فِي هَذَا الْمَعْنى وَهُوَ فِي الْحَيَاة بعد لم يتجأوز الاكتهال وَكتاب المآثر العامرية لحسين بن عَاصِم النَّحْوِيّ فِي طَبَقَات الْكتاب بالأندلس وَكتاب سكن بن سعيد فِي ذَلِك وَكتاب أَحْمد بن فرج فِي المنتزين والقائمين بالأندلس وأخبارهم وَكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 أَخْبَار اطباء الأندلس لِسُلَيْمَان بن جلجل وَأما الطِّبّ فَكتب الْوَزير يحيى بن اسحاق وَهِي كتب حسان رفيعة وَكتب مُحَمَّد بن الْحسن الْمذْحِجِي استاذنا رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْكِتَابِيّ وَهِي كتب رفيعة حسان وَكتاب التصريف لأبي الْقَاسِم خلف بن عَبَّاس الزهرأوي وَقد أدركناه وشاهدناه وَلَئِن قُلْنَا أَنه لم يؤلف فِي الطِّبّ اجْمَعْ مِنْهُ وَلَا أحسن لِلْقَوْلِ وَالْعَمَل فِي الطبائع لنصدقن وَكتب ابْن الْهَيْثَم فِي الْخَواص والسموم والعقاقير من اجل الْكتب وانفعها وَأما الفلسفة فَانِي رَأَيْت فِيهَا رسائل مَجْمُوعَة وعيونا مؤلفة لسَعِيد بن فتحون السَّرقسْطِي الْمَعْرُوف بالحمار دَالَّة على تمكنه من هَذِه الصِّنَاعَة وَأما رسائل استاذنا أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن الْمذْحِجِي فِي ذَلِك فمشهورة متدأولة وتامة الْحسن فائقة الْجَوْدَة عَظِيمَة الْمَنْفَعَة وَأما الْعدَد والهندسة فَلم يقسم لنا فِي هَذَا الْعلم نَفاذ وَلَا تحققنا بِهِ فلسنا نثق فِي بِأَنْفُسِنَا فِي تَمْيِيز المحسن من المقصر فِي المؤلفين فِيهِ من أهل بلدنا إِلَّا اني سَمِعت من اثق بعقله وَدينه من أهل الْعلم مِمَّن اتّفق على رسوخه فِيهِ يَقُول أَنه لم يؤلف فِي الازياج مثل زيج مسلمة وزيج ابْن السَّمْح وهما من أهل بلدنا وَكَذَلِكَ كتاب المساحة المجهولة لِأَحْمَد بن نصر فَمَا تقدم إِلَى مثله فِي مَعْنَاهُ وانما ذكرنَا التاليف الْمُسْتَحقَّة للذّكر وَالَّتِي تدخل تَحت الاقسام السَّبْعَة الَّتِي لَا يؤلف عَاقل عَالم الا فِي أَحدهَا وَهِي اما شَيْء يخترعه لم يسْبق اليه أَو شَيْء نَاقص يتمه أَو شَيْء مستغلق يشرحه أَو شَيْء طَوِيل يختصره دون ان يخل بِشَيْء من مَعَانِيه أَو شَيْء متفرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 يجمعه أَو شَيْء مختلط يرتبه أَو شَيْء أَخطَأ فِيهِ صَاحبه يصلحه وَأما التاليف المقصرة عَن مَرَاتِب غَيرهَا فَلم نلتفت إِلَى ذكرهَا وَهِي عندنَا من تاليف أهل بلدنا اكطثر من ان نحيط بعلمها وَأما علم الْكَلَام فان بِلَادنَا وان كَانَت لم تتجاذب فِيهَا الْخُصُوم وَلَا أختلفت فِيهَا النَّحْل فَقل لذَلِك تصرفهم فِي هَذَا الْبَاب فَهِيَ على كل حَال غير عرية عَنهُ وَقد كَانَ فيهم قوم يذهبون إِلَى الاعتزال نظار على اصوله وَلَهُم فِيهِ تاليف مِنْهُم خَلِيل بن اسحاق وَيحيى بن السمينة والحاجب مُوسَى بن حدير وَأَخُوهُ الْوَزير صَاحب الْمَظَالِم أَحْمد وَكَانَ داعيه إِلَى الاعتزال لَا يسْتَتر بذلك وَلنَا على مَذْهَبنَا الَّذِي تخيرناه من مَذَاهِب اصحاب الحَدِيث كتاب فِي هَذَا الْمَعْنى وَهُوَ وان كَانَ صَغِير الجرم قَلِيل عدد الْوَرق يزِيد على الْمِائَتَيْنِ زِيَادَة يسيره فعظيم الْفَائِدَة لأَنا اسقطنا فِيهِ المشاغب كلهَا واضربنا عَن التَّطْوِيل جملَة واقتصرنا على الْبَرَاهِين المنتخبة من الْمُقدمَات الصِّحَاح الراجعة إِلَى شَهَادَة الْحس وبديهة الْعقل بِالصِّحَّةِ وَلنَا فِيمَا تحققنا بِهِ تآليف جمة مِنْهَا مَا قد تمّ وَمِنْهَا مَا شَارف التَّمام وَمِنْهَا مَا قد مضى مِنْهُ صدر ويعين الله تَعَالَى على بَاقِيه لم نقصد بِهِ قصد مباهاة فنذكرها وَلَا اردنا السمعة فنسميها وَالْمرَاد بهَا رَبنَا جلّ وَجهه وَهُوَ ولي العون فِيهَا والملي بالمجازاة عَلَيْهَا وَمَا كَانَ لله تَعَالَى فسيبدو وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَبَلَدنَا هَذَا على بعده من ينبوع الْعلم ونأية من محلّة الْعلمَاء فقد ذكرنَا من تآليف اهله مَا ان طلب مثلهَا بِفَارِس والاهواز وديار مُضر وديار ربيعَة واليمن وَالشَّام اعوز وجود ذَلِك على قرب الْمسَافَة فِي هَذِه الْبِلَاد من الْعرَاق الَّتِي هِيَ دَار هِجْرَة الْفَهم وَذَوِيهِ وَمُرَاد المعارف واربابها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وَنحن إِذا ذكرنَا ابا الأجرب جَعونَة بن الصمَّة الْكلابِي فِي الشّعْر لم نباه بِهِ إِلَّا جَرِيرًا والفرزدق لكَونه فِي عصرهما وَلَو انصف لاستشهد بِشعرِهِ فَهُوَ جَار على مَذْهَب الْأَوَائِل لَا على طَريقَة الْمُحدثين وَإِذا سمينا بَقِي بن مخلد لم نسابق بِهِ إِلَّا مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ وَمُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي وَسليمَان بن الْأَشْعَث السجسْتانِي وَأحمد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ وَإِذا ذكرنَا قَاسم بن مُحَمَّد لم نباه بِهِ الا الْقفال وَمُحَمّد بن عقيل الْفرْيَابِيّ وَهُوَ شريكهما فِي صُحْبَة الْمُزنِيّ أبي إِبْرَاهِيم والتتلمذ لَهُ وَإِذا نعتنا عبد الله بن قَاسم بن هِلَال وَمُنْذِر بن سعيد لم نجار بهما الا ابا الْحسن ابْن الْمُفلس والخلال والديباجي ورويم بن أَحْمد وَقد شاركهم عبد الله فِي أبي سُلَيْمَان وصحبته وَإِذا اشرنا إِلَى مُحَمَّد بن عمر بن لبَابَة وَعَمه مُحَمَّد بن عِيسَى وَفضل بن سَلمَة لم نناطح بهم الا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم وَمُحَمّد بن سَحْنُون وَمُحَمّد بن عَبدُوس وَإِذا صرحنا بِذكر مُحَمَّد بن يحيى الريَاحي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عَاصِم لم يقصرا عَن اكابر اصحاب مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد وَلَو لم يكن لنا من فحول الشُّعَرَاء الا أَحْمد بن مُحَمَّد بن دراج القسطلي لما تَأَخّر عَن شأو بشار وحبِيب والمتنبي فَكيف وَلنَا مَعَه جَعْفَر بن عُثْمَان الْحَاجِب وَأحمد بن عبد الْملك بن مَرْوَان واغلب بن شُعَيْب وَمُحَمّد بن شخيص وَأحمد بن فرج وَعبد الْملك بن سعيد الْمرَادِي وكل هَؤُلَاءِ فَحل يهاب جَانِبه وحصان مَمْسُوح الْغرَّة وَلنَا من البلغاء أَحْمد بن عبد الْملك بن شَهِيد صديقنا وصاحبنا وَهُوَ حَيّ بعد لم يبلغ سنّ الاكتهال وَله من التَّصَرُّف فِي وُجُوه البلاغة وشعابها مِقْدَار يكَاد ينْطق فِيهِ بِلِسَان مركب من لساني عَمْرو وَسَهل وَمُحَمّد بن عبد الله بن مَسَرَّة فِي طَرِيقه الَّتِي سلك فِيهَا وان كُنَّا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 نرضى مذْهبه فِي جمَاعَة يكثر تعدادهم وَقد انْتهى مَا اقْتَضَاهُ خطاب الْكَاتِب رَحمَه الله تَعَالَى من الْبَيَان وَلم نتزيد فِيمَا رغب فِيهِ إِلَّا مَا دعت الضَّرُورَة إِلَى ذكره لتَعَلُّقه بجوابه وَالْحَمْد لله الْمُوفق لعلمه وَالْهَادِي إِلَى الشَّرِيعَة المزلفة مِنْهُ والموصلة وَصلى الله على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَشرف وكرم انْتَهَت الرسَالَة وَكتب الْحَافِظ ابْن حجر على هَامِش قَوْله فِيهَا انما سكن على الْكُوفَة خَمْسَة اعوام أشهرا مَا نَصه صَوَابه أَرْبَعَة أَعْوَام انْتهى وَقَالَ ابْن سعيد بعد ذكره هَذِه الرسَالَة مَا صورته رَأَيْت ان إذيل مَا ذكره الْوَزير الْحَافِظ ابو مُحَمَّد بن حزم من مفاخر أهل الأندلس بِمَا حضرني وَالله ولي الْإِعَانَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 تذييل ابْن سعيد على جَوَاب ابْن حزم اما الْقرَان فَمن اجل مَا صنف فِي تَفْسِيره كتاب الْهِدَايَة إِلَى بُلُوغ النِّهَايَة فِي نَحْو عشرَة اسفار صنفه الإِمَام الْعَالم الزَّاهِد ابو مُحَمَّد مكي ابْن أبي طَالب الْقُرْطُبِيّ وَله كتاب تَفْسِير اعراب الْقُرْآن وعد ابْن غَالب فِي كتاب فرحة الْأَنْفس تآليف مكي الْمَذْكُور فَبلغ بهَا 77 تأليف وَكَانَت وَفَاته سنة 437 وَلأبي مُحَمَّد بن عَطِيَّة الغرناطي فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكتاب الْكَبِير الَّذِي اشْتهر وطار فِي الغرب والشرق وَصَاحبه من فضلاء الْمِائَة السَّادِسَة وَأما الْقرَاءَات فلمكي الْمَذْكُور فِيهَا كتاب التَّبْصِرَة وَكتاب التَّيْسِير لأبي عَمْرو الداني مَشْهُور فِي أَيدي النَّاس وَأما الحَدِيث فَكَانَ بعصرنا فِي الْمِائَة السَّابِعَة الإِمَام ابو الْحسن عَليّ ابْن الْقطَّان الْقُرْطُبِيّ السَّاكِن بِحَضْرَة مراكش وَله فِي تَفْسِير غَرِيبه وَفِي رجال مصنفات واليه كَانَت النِّهَايَة وَالْإِشَارَة فِي عصرنا وَسمعت أَنه كَانَ اشْتغل بِجمع امهات كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة وَحذف المكرر وَكتاب رزين بن عمار الأندلسي فِي جمع مَا يتضمنه كتاب مُسلم وَالْبُخَارِيّ والموطأ وَالسّنَن وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ كتاب جليل مَشْهُور فِي أَيدي النَّاس بالمشرق وَالْمغْرب وَكتاب الاحكام لأبي مُحَمَّد عبد الْحق الإشبيلي مَشْهُور متدأول الْقِرَاءَة وَهِي احكام كبرى واحكام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 صغري قيل ووسطى وَكتاب الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ للحميدي مَشْهُور وَأما الْفِقْه فالكتاب الْمُعْتَمد عَلَيْهِ الْآن الَّذِي ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْكتاب عِنْد الْمَالِكِيَّة حَتَّى بالاسكندرية فكتاب التَّهْذِيب للبرإذعي السَّرقسْطِي وَكتاب النِّهَايَة وَلأبي الْوَلِيد بن رشد كتاب جليل مُعظم مُعْتَمد عَلَيْهِ عِنْد الْمَالِكِيَّة وَكَذَلِكَ كتاب الْمُنْتَقى للباجي وَأما اصول الدّين واصول الْفِقْه فللإمام أبي بكر ابْن الْعَرَبِيّ الاشبيلي من ذَلِك مَا مِنْهُ كتاب العواصم والقواصم وَالْمَشْهُور بأيدي النَّاس وَله تصانيف غير هَذَا لأبي الْوَلِيد بن رشد فِي اصول الْفِقْه مَا مِنْهُ مُخْتَصر المستصفي وَأما التواريخ فكتاب ابْن حَيَّان الْكَبِير الْمَعْرُوف بالمتين فِي نَحْو سِتِّينَ مجلدة وانما ذكر ابْن حزم كتاب المقتبس وَهُوَ فِي عشر مجلدات والمتين يذكر فِيهِ أَخْبَار عصره ويمعن فِيهَا مِمَّا شَاهده وَمِنْه ينْقل صَاحب الذَّخِيرَة وَقد ذيل عَلَيْهِ ابو الْحجَّاج البياسي أحد معاصرينا وَهُوَ الان بافريقية فِي حضرتها تونس عِنْد سلطأنها تَحت إحسانه الْغمر وَكتاب المظفر بن الافطس ملك بطليوس الْمَعْرُوف ب المظفري نَحْو كتاب المتين فِي الْكبر وَفِيه تَارِيخ على السنين وفنون آدَاب كَثِيرَة وتاريخ ابْن صَاحب الصَّلَاة فِي الدولة اللمتونية وَذكر ابْن غَالب ان ابْن الصَّيْرَفِي الغرناطي لَهُ كتاب فِي أَخْبَار دولة لمتونة وان ابا الْحسن السالمي لَهُ كتاب فِي أَخْبَار الْفِتْنَة الثَّانِيَة بالأندلس بَدَأَ من سنه 539 ورتبه على السنين وَبلغ بِهِ سنة 547 وابو الْقَاسِم خلف بن بشكوال لَهُ كتاب فِي تَارِيخ اصحاب الأندلس من فتحهَا إِلَى زَمَانه واضاف إِلَى ذَلِك من أَخْبَار قرطبة وَغَيرهَا مَا جَاءَ فِي خاطره وَله كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الصِّلَة فِي تَارِيخ الْعلمَاء وللحميدي قبله جذوة المقتبس وَقد ذيل كَاتب الصِّلَة فِي عصرنا هَذَا ابو عبد الله بن الابار البلنسي كتاب سُلْطَان افريقية وَذكر ابْن غَالب ان الْفَقِيه ابا جَعْفَر بن عبد الْحق الخزرجي الْقُرْطُبِيّ لَهُ كتاب كَبِير بَدَأَ فِيهِ من بَدْء الخليقة إِلَى ان انْتهى فِي أَخْبَار الأندلس إِلَى دولة عبد الْمُؤمن قَالَ وفارقته سنه 565 وابو مُحَمَّد بن حزم صَاحب الرسَالَة الْمُتَقَدّمَة الذّكر لَهُ كتب جمة فِي التواريخ مثل كتاب نقط الْعَرُوس فِي تواريخ الْخُلَفَاء وَقد صنف ابو الْوَلِيد بن زيدون كتاب التَّبْيِين فِي خلفاء بني أُميَّة بالأندلس على منزع كتاب التَّعْيِين فِي خلفاء الْمشرق للمسعودي وللقاضي أبي الْقَاسِم صاعد بن أَحْمد الطليطلي كتاب التَّعْرِيف بأخبار عُلَمَاء الْأُمَم من الْعَرَب والعجم وَكتاب جَامع أَخْبَار الامم وابو عمر ابْن عبد الْبر لَهُ كتاب الْقَصْد والامم فِي معرفَة أَخْبَار الْعَرَب والعجم وعريب بن سعد الْقُرْطُبِيّ لَهُ كتاب أختصار تَارِيخ الطَّبَرِيّ قد سعد باغتباط النَّاس بِهِ واضاف اليه تَارِيخ افريقية والأندلس وَلأَحْمَد بن سعيد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي الْفَيَّاض كتاب العبر وَكتاب أبي بكر الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الزبيدِيّ فِي أَخْبَار النَّحْوِيين واللغويين بالشرق والأندلس وَكتاب القَاضِي أبي الْوَلِيد بن الفرضي فِي أَخْبَار الْعلمَاء وَالشعرَاء وَمَا يتَعَلَّق بذلك وليحيى بن حكم الغزال تَارِيخ الفه كُله منظوما كَمَا صنع أَيْضا بعده ابو طَالب المتنبي من جَزِيرَة شقر فِي التَّارِيخ الَّذِي أورد مِنْهُ صَاحب الذَّخِيرَة مَا أورد وَكتاب الذَّخِيرَة لِابْنِ بسام فِي جَزِيرَة الأندلس لَيْسَ هَذَا مَكَان الإطناب فِي تفضيلها وَهِي كالذيل على حدائق ابْن فرج وَفِي عصرها صنف الْفَتْح كتاب القلائد وَهُوَ مَمْلُوء بلاغة والمحاكمة بَين الكتأبين ذكرت بمَكَان آخر وَلِصَاحِب القلائد كتاب المطمح وَهُوَ ثَلَاث نسخ كبرى ووسطى وصغرى يذكر فِيهَا من الَّذين ذكرهم فِي القلائد وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 غَيرهم الَّذين كَانُوا قبل عصرهم وَكتاب سمط الجمان وَسقط المرجان لأبي عَمْرو بن الإِمَام بعد الكتأبين الْمَذْكُورين ذكر من أخلا بتوفيته حَقه من الْفُضَلَاء واستدرك من أدْركهُ بعصره فِي بَقِيَّة الْمِائَة السَّادِسَة وذيل عَلَيْهِ وان كَانَ ذيلا قَصِيرا ابو بَحر صَفْوَان بن ادريس المرسي بِكِتَاب زَاد الْمُسَافِر ذكر فِيهِ جمَاعَة مِمَّن أدْرك الْمِائَة السَّابِعَة وَكتاب أبي مُحَمَّد عبد الله بن إِبْرَاهِيم الحجاري الْمُسَمّى بالمسهب فِي فَضَائِل الْمغرب صنفه بعد الذَّخِيرَة والقلائد من أول مَا عمرت الأندلس إِلَى عصره وَخرج فِيهِ عَن مقصد الْكِتَابَيْنِ إِلَى ذكر الْبِلَاد وخواصها مِمَّا يخْتَص بِعلم الجغرافيا وخلطه بالتاريخ وتفنن الْأَدَب على مَا هُوَ مَذْكُور فِي غير هَذَا الْمَكَان وَلم يصنف فِي الأندلس مثل كِتَابه وَلذَلِك فَضله المُصَنّف لَهُ عبد الْملك بن سعيد وذيل عَلَيْهِ ثمَّ ذيل على ذَلِك ابناه أَحْمد وَمُحَمّد ثمَّ مُوسَى بن مُحَمَّد ثمَّ عَليّ بن مُوسَى كَاتب هَذِه النُّسْخَة ومكمل كتاب فلك الْأَدَب الْمُحِيط بحلى لِسَان الْعَرَب المحتوي على كتابي الْمشرق فِي حلى الْمشرق وَالْمغْرب فِي حلى الْمغرب فَيَكْفِي الأندلس فِي هَذَا الشان تصنيف هَذَا الْكتاب بَين سِتَّة اشخاص فِي 115 سنة آخرهَا سنة 645 وَقد احتوى على جَمِيع مَا يذاكر بِهِ ويحاضر بحلاه من فنون الْأَدَب المختارة على جهد الطَّاقَة فِي شَرق وَغرب على النَّوْع الَّذِي هُوَ مَذْكُور فِي غير هَذَا الْموضع وَمن اغفلت التَّنْبِيه على عصره وَغير ذَلِك من المصنفين المتقدمي الذّكر فيطلب الملتمس مِنْهُم فِي مَكَانَهُ الْمَنْسُوب اليه كَابْن بسام فِي شنترين وَالْفَتْح فِي اشبيلية وَابْن الامام فِي استجة والحجاري فِي وَادي الْحِجَارَة وَأما مَا جَاءَ منثورا من فنون الْأَدَب فكتاب سراج الْأَدَب لأبي عبد الله ابْن أبي الْخِصَال الشقوري رَئِيس كتاب الأندلس صنفه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 منزع كتاب النَّوَادِر لأبي على وزهر الاداب للحصري وَكتاب وَاجِب الادب لوالدي مُوسَى بن مُحَمَّد بن سعيد واسْمه يُغني عَن المُرَاد بِهِ وَكتاب اللآلىء لأبي عبيد الْبكْرِيّ على كتاب الامالي لأبي عَليّ الْبَغْدَادِيّ مُفِيد فِي الادب وَكَذَلِكَ كتاب الاقتضاب فِي شرح أدب الْكتاب لأبي مُحَمَّد ابْن السَّيِّد البطليوسي وَأما شرح سقط الزند لَهُ فَهُوَ الْغَايَة وَيَكْفِي ذكره عِنْد ارباب هَذَا الشان وثناؤهم عَلَيْهِ وشروح أبي الْحجَّاج الاعلم لشعر المتنبي والحماسة وَغير ذَلِك مَشْهُورَة وَأما النَّحْو فلأهل الأندلس من الشُّرُوح على الْجمل مَا يطول ذكره فَمِنْهَا شرح ابْن خروف وَمِنْهَا شرح الرندي وَمِنْهَا شرح شَيخنَا أبي الْحسن بن عُصْفُور الاشبيلي واليه انْتَهَت عُلُوم النَّحْو وَعَلِيهِ الاحالة الان من الْمشرق وَالْمغْرب وَقد اتيت لَهُ من افريقية بِكِتَاب المقرب فِي النَّحْو فَتلقى بِالْيَمِينِ من كل جِهَة وطار بجناح الِاغْتِبَاط ولشيخنا أبي عَليّ الشلوبين كتاب التوطئة على الجزولية وَهُوَ مَشْهُور وَلابْن السَّيِّد وَابْن الطراوة والسهيلي من التقييدات فِي النَّحْو مَا هُوَ مَشْهُور عِنْد اصحاب هَذَا الشان مُعْتَمد عَلَيْهِ وَلأبي الْحسن بن خروف شرح وشهور على كتاب سِيبَوَيْهٍ وَأما علم الجغرافيا فَيَكْفِي فِي ذَلِك كتاب المسالك والممالك لأبي عبيد الْبكْرِيّ الأونبي وَكتاب مُعْجم مَا استعجم من الْبِقَاع والاماكن وَفِي كتاب المسهب للحجاري فِي هَذَا الشان وتذييلنا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكتاب الْجَامِع مَا جمع زبد الْأَوَّلين والآخرين وَأما المويسيقى فكتاب أبي بكر بن باجة الغرناطي فِي ذَلِك فِيهِ كِفَايَة وَهُوَ فِي الْمغرب بِمَنْزِلَة أبي نصر الفارأبي بالمشرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 واليه تنْسب الألحان المطربة بالأندلس الَّتِي عَلَيْهَا الإعتماد وليحيى الخدج المرسي كتاب الأغاني الأندلسية على منزع الأغاني لأبي الْفرج وَهُوَ مِمَّن أدْرك الْمِائَة السَّابِعَة وَأما الطِّبّ فَالْمَشْهُور بايدي النَّاس الْآن فِي الْمغرب وَقد سَار أَيْضا فِي الْمشرق لنبله كتاب التَّيْسِير لعبد الْملك بن أبي الْعَلَاء بن زهر وَله كتاب الأغذية أَيْضا مَشْهُور مغتبط بِهِ فِي الْمغرب والمشرق وَلأبي الْعَبَّاس ابْن الرومية الإشبيلي من عُلَمَاء عصرنا بِهَذَا الشَّأْن كتاب فِي الْأَدْوِيَة المفردة وَقد جمع ابو مُحَمَّد المالقي السَّاكِن الْآن بقاهرة مصر كتابا فِي هَذَا الشَّأْن حشر عَلَيْهِ مَا سمع بِهِ فَقدر عَلَيْهِ من تصانيف الْأَدْوِيَة المفردة ككتاب الغافقي وَكتاب الزهرأوي وَكتاب الشريف الإدريسي الصّقليّ وَغَيرهَا وَضَبطه على حُرُوف المعجم وَهُوَ النِّهَايَة فِي مقْصده وَأما الفلسفة فإمامها فِي عصرنا ابو الْوَلِيد بن رشد الْقُرْطُبِيّ وَله فِيهَا تصانيف جَحدهَا لما راى انحراف مَنْصُور بني عبد الْمُؤمن عَن هَذَا الْعلم وسجنه بِسَبَبِهَا وَكَذَلِكَ ابْن حبيب الَّذِي قَتله المامون بن الْمَنْصُور الْمَذْكُور على هَذَا الْعلم باشبيلية وَهُوَ علم ممقوت بالأندلس لَا يَسْتَطِيع صَاحبه اظهاره فَلذَلِك تخفى تصانيفه وَأما التنجيم فلابن زيد الأسقف الْقُرْطُبِيّ فِيهِ تصانيف وَكَانَ مُخْتَصًّا بالمستنصر بن النَّاصِر المرواني وَله الف كتاب تَفْصِيل الْأَزْمَان ومصالح الْأَبدَان وَفِيه من ذكر منَازِل الْقَمَر وَمَا يتَعَلَّق بذلك مَا يستحسن مقْصده وتقريبه وَكَانَ مطرف الإشبيلي فِي عصرنا قد اشْتغل بالتصنيف فِي هَذَا الشَّأْن إِلَّا ان أهل بَلَده كَانُوا ينسبونه إِلَى الزندقة بِسَبَب اعْتِكَافه على هَذَا الشَّأْن فَكَانَ لَا يظْهر شَيْئا مِمَّا يصنف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ثمَّ قَالَ ابْن سعيد أَخْبرنِي وَالِدي قَالَ كنت يَوْمًا فِي مجْلِس صَاحب سبتة أبي يحيى بن أبي زَكَرِيَّا صهر نَاصِر بني عبد الْمُؤمن فَجرى بَين أبي الْوَلِيد الشقندي وَبَين أبي يحيى بن الْمعلم الطنجي نزاع فِي التَّفْضِيل بَين البرين فَقَالَ الشقندي لَوْلَا الأندلس لم يذكر بر العدوة وَلَا سَارَتْ عَنهُ فَضِيلَة وَلَوْلَا التوقير للمجلس لَقلت مَا تعلم فَقَالَ الْأَمِير ابو يحيى اتريد ان تَقول كَون أهل برنا عربا وَأهل بركم بربرا فَقَالَ حاشى لله فَقَالَ الْأَمِير وَالله مَا اردت غير هَذَا فضهر فِي وَجه أَنه اراد ذَلِك فَقَالَ ابْن الْمعلم اتقول هَذَا وَمَا الْملك وَالْفضل إِلَّا من بر العدوة فَقَالَ الْأَمِير الرَّأْي عِنْدِي ان يعْمل كل وَأحد مِنْكُمَا رِسَالَة فِي تَفْضِيل بره فَالْكَلَام هُنَا يطول ويمر ضيَاعًا وأرجوا إِذا أخليتما لَهُ فكركما ان يصدر عنكما مَا يحسن تخليده ففعلا ذَلِك فَكَانَت رِسَالَة الشقندي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 رِسَالَة اسماعيل بن مُحَمَّد الشقندي فِي فضل الأندلس الْحَمد لله الَّذِي جعل لمن يفخر بالأندلس ان يتَكَلَّم ملْء فِيهِ ويطنب مَا شَاءَ فَلَا يجد من يعْتَرض عَلَيْهِ وَلَا من يثنيه إِذْ لَا يُقَال للنهار يَا مظلم وَلَا لوجه النَّعيم يَا قَبِيح وَقد وجدت مَكَان القَوْل ذَا سَعَة فَإِن وجدت لِسَانا قَائِلا فَقل أَحْمَده على أَن جعلني مِمَّن أنشأته وحباني بِأَن كنت مِمَّن أظهرته فامتد فِي الْفَخر باعي وأعانني على الْفضل كرم طباعي وأصلي على سيدنَا مُحَمَّد نبيه الْكَرِيم وعَلى آله وَصَحبه الأكرمين وَأسلم تَسْلِيمًا أما بعد فَإِنَّهُ حرك مني سَاكِنا وملأ مني فَارغًا فَخرجت عَن سجيتي فِي الإغضاء مكْرها إِلَى الحمية والإباء مُنَازع فِي فضل الأندلس أَرَادَ أَن يخرق الاجماع وَيَأْتِي بِمَا لم تقبله النواظر والأسماع إِذْ من رأى وَمن سمع لَا يجوز عِنْده ذَلِك وَلَا يضله من تاه فِي تِلْكَ المسالك رام أَن يفضل بر العدوة على بر الأندلس فرام أَن يفضل على الْيَمين الْيَسَار وَيَقُول اللَّيْل أَضْوَأ من النَّهَار فيا عجبا كَيفَ قَابل العوالي بالزجاج وصادم الصفاة بالزجاج فيا من نفخ فِي غير ضرم ورام صيد البزاة بالرخم كَيفَ تتكثر بِمَا جعله الله قَلِيلا وتتعزز بِمَا حكم الله أَن يكون ذليلا مَا هَذِه المباهتة الَّتِي لَا تجوز وَكَيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 تبدي أَمَام الفتاة الْعَجُوز سل الْعُيُون إِلَى وَجه من تميل واستخبر الأسماع إِلَى حَدِيث من تصغي (لشتان مَا بَين اليزيدين فِي الندى ... يزِيد سليم والأغر بن حَاتِم) اقن حياءك أَيهَا المغرد بالنحيب المتزين بالخلق المتحبب إِلَى الغواني بالمشيب الخضيب أَيْن عزب عقلك وَكَيف نكص على عقبه فهمك ولبك أبلغت العصبية من قَلْبك أَن تطمس على نوري بَصرك ولبك أما قَوْلك الْمُلُوك منا فقد كَانَ الْمُلُوك منا يضا وَمَا نَحن إِلَّا كَمَا قَالَ الشَّاعِر (فَيوم علينا وَيَوْم لنا ... وَيَوْم نسَاء وَيَوْم نسر) إِن كَانَ الْآن كرْسِي جَمِيع بِلَاد الغرب عنْدكُمْ بخلافة بني عبد الْمُؤمن أدامها الله تَعَالَى فقد كَانَ عندنَا بخلافة القرشيين الَّذين يَقُول فيهم مشرقيهم (وَإِنِّي من قوم كرام أعزة ... لأقدامهم صيغت رُؤْس المنابر) (خلائف فِي الْإِسْلَام فِي الشّرك قادة ... بهم واليهم فَخر كل مفاخر) وَيَقُول مغربيهم (السنا بني مَرْوَان كَيفَ تبدلت ... بِنَا الْحَال أَو دارت علينا الدَّوَائِر) (إِذا ولد الْمَوْلُود منا تهللت ... لَهُ الأَرْض واهتزت إِلَيْهِ المنابر) وَقد نَشأ فِي مدتهم من الْفُضَلَاء وَالشعرَاء مَا اشْتهر فِي الْآفَاق وَصَارَ اثْبتْ فِي صَحَائِف الْأَيَّام من الأطواق فِي اعناق الْحمام (وَسَار مسير الشَّمْس فِي كل بَلْدَة ... وهب هبوب الرّيح فِي الْبر وَالْبَحْر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَلم تزل مُلُوكهمْ فِي الاتساق كَمَا قيل (ان الْخلَافَة فِيكُم لم تزل نسقا ... كالعقد منظومة فِيهِ فرائده) إِلَى ان حكم الله بنثر سلكهم وَذَهَاب ملكهم فَذَهَبُوا وَذَهَبت أخبارهم ودرسوا ودرست آثَارهم (جمال ذِي الأَرْض كَانُوا فِي الْحَيَاة وهم ... بعد الْمَمَات جمال الْكتب وَالسير) فكم مكرمَة انالوها وَكم عَثْرَة اقالوها (وَإِنَّمَا الْمَرْء حَدِيث بعده ... فَكُن حَدِيثا حسنا لمن وعى) وَكَانَ من حَسَنَات ملكهم الْمَنْصُور بن أبي عَامر وَمَا ادراك الَّذِي بلغ فِي بِلَاد النَّصَارَى غازيا إِلَى الْبَحْر الْأَخْضَر وَلم يتْرك اسيرا فِي بِلَادهمْ من الْمُسلمين وَلم يبرح فِي جَيش الهرقل وعزمة الاسكندر وَلما قضى نحبه كتب على قَبره (آثاره تنبيك عَن أَوْصَافه ... حَتَّى كَأَنَّك بالعيان ترَاهُ) (تالله لَا يَأْتِي الزَّمَان بِمثلِهِ ... ابدا وَلَا يحمي الثغور سواهُ) وَقد قيل فِيهِ من الأمداح وَألف لَهُ من الْكتب مَا سَمِعت وَعلمت حَتَّى قصد من بَغْدَاد وَعم خَيره وشره اقاصي الْبِلَاد وَلما ثار بعد انتثار هَذَا النظام مُلُوك الطوائف وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَاد وَكَانَ فِي تفرقهم اجْتِمَاع على النعم لفضلاء الْعباد إِذْ نفقوا سوق الْعُلُوم وتباروا فِي المثوبة على المنثور والمنظوم فَمَا كَانَ اعظم مباهاتهم إِلَّا قَول الْعَالم الْفُلَانِيّ عِنْد الْملك الْفُلَانِيّ والشاعر الْفُلَانِيّ مُخْتَصّ بِالْملكِ الْفُلَانِيّ وَلَيْسَ مِنْهُم إِلَّا من بذل وَسعه فِي المكارم ونبهت الإمداح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 من مآثره مَا لَيْسَ طول الدَّهْر بنائم وَقد سَمِعت مَا كَانَ من الفتيان العامرية مُجَاهِد وَمُنْذِر وخيران وَسمعت عَن الْمُلُوك الْعَرَبيَّة بنوعباد وبنوصمادح وَبَنُو الافطس وَبَنُو ذِي النُّون وَبَنُو هود كل مِنْهُم قد خلد فِيهِ من الامداح مَا لَو مدح بِهِ اللَّيْل لصار اضوأ من الصَّباح وَلم تزل الشُّعَرَاء تتهادي بَينهم تهادى النواسم بَين الرياض وتفتك فِي اموالهم فتكة البراض حَتَّى ان أحد شعرائهم بلغ بِهِ مَا رَآهُ من منافستهم فِي امداحه ان حلف ان لَا يمدح أحدا مِنْهُم بقصيدة الا بِمِائَة دِينَار وان المعتضد بن عباد على مَا اشْتهر من سطوته وإفراط هيبته كلفه ان يمدحه بقصيدة فَأبى حَتَّى يُعْطِيهِ مَا شَرطه فِي قسمه وَمن أعظم مَا يحْكى من المكارم الَّتِي لم نسْمع لَهَا أُخْتا ان ابا غَالب اللّغَوِيّ الف كتابا فبذل لَهُ مُجَاهِد العامري ملك دانية الف دِينَار ومركوبا وكسا على ان يَجْعَل الْكتاب باسمه فَلم يقبل ذَلِك ابو غَالب وَقَالَ كتاب الفته لينْتَفع بِهِ النَّاس وأخلد فِيهِ همتي اجْعَل فِي صَدره اسْم غيرى واصرف الْفَخر لَهُ لَا افْعَل ذَلِك فَلَمَّا بلغ هَذَا مُجَاهدًا اسْتحْسنَ انفته وهمته واضعف لَهُ الْعَطاء وَقَالَ هُوَ فِي حل من ان يذكرنِي فِيهِ لَا نصده عَن غَرَضه وان كَانَ كل مُلُوك الأندلس المعروفين بملوك الطوائف قد تنازعوا فِي ملاءة الْحَضَر فَإِنِّي أخص مِنْهُم بني عباد كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} فَإِن الْأَيَّام لم تزل بهم كاعياد وَكَانَ لَهُم من الحنو على الادب مَا لم يقم بِهِ بَنو حمدَان فِي حلب وَكَانُوا هم وبنوهم ووزراؤهم صدرُوا فِي بلاغتي النّظم والنثر مشاركين فِي فنون الْعلم وآثارهم مَذْكُورَة وأخبارهم مَشْهُورَة وَقد خلدوا من المكارم التَّامَّة مَا هومتردد فِي ألسن الْخَاصَّة والعامة وَبِاللَّهِ إِلَّا سميت لي بِمن تفخرون قبل هَذِه الدعْوَة المهدية ابسقموت الْحَاجِب ام بِصَالح البرغواطي ام بِيُوسُف بن تاشفين الَّذِي لَوْلَا توَسط ابْن عباد لشعراء الأندلس فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 مدحه مَا اجروا لَهُ ذكرا وَلَا رفعوا لملكه قدرا وَبَعْدَمَا ذَكرُوهُ بوساطة الْمُعْتَمد بن عباد فَإِن الْمُعْتَمد قَالَ لَهُ وَقد انشدوه ايعلم أَمِير الْمُسلمين مَا قَالُوهُ قَالَ لَا اعْلَم وَلَكنهُمْ يطْلبُونَ الْخبز وَلما انْصَرف عَن الْمُعْتَمد إِلَى حَضْرَة ملكه كتب لَهُ الْمُعْتَمد رِسَالَة فِيهَا (بنتم وبنا فَمَا ابتلت جوانحنا ... شوقا اليكم وَلَا جَفتْ مآقينا) (حَالَتْ لفقدكم أيامنا فغدت ... سُودًا وَكَانَت بكم بيضًا ليالينا) فَلَمَّا قرىء عَلَيْهِ هَذَانِ البيتان قَالَ للقارىء يطْلب منا جواري سُودًا وبيضا قَالَ لَا يَا مولأنا مَا اراد الا ان ليله كَانَ بِقرب أَمِير الْمُسلمين نَهَارا لِأَن ليَالِي السروربيض فَعَاد نَهَاره ببعده لَيْلًا لِأَن ليَالِي الْحزن لَيَال سود فَقَالَ وَالله جيد اكْتُبْ لَهُ فِي جَوَابه ان دموعنا تجْرِي عَلَيْهِ ورؤوسنا توجعنا من بعده فليت الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف قد عَاشَ حَتَّى يتَعَلَّم من هَذَا الْفَاضِل رقة الشوق (وَلَا تنكرن مهما رَأَيْت مقدما ... على حمر بغلا فثم تناسب) فاسكتوا فلولا هَذِه الدولة لما كَانَ لكم على النَّاس صولة (وان الْورْد يقطف من قتاد ... وان النَّار تقبس من رماد) وانك ان تعرضت للمفاضلة بالعلماء فَأَخْبرنِي هَل لكم فِي الْفِقْه مثل عبد الْملك بن حبيب الَّذِي يعْمل بأقواله إِلَى الْآن وَمثل أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَمثل أبي بكر ابْن الْعَرَبِيّ وَمثل أبي الْوَلِيد بن رشد الْأَكْبَر وَمثل أبي الْوَلِيد بن رشد الْأَصْغَر وَهُوَ ابْن ابْن الْأَكْبَر نُجُوم الْإِسْلَام ومصابيح شَرِيعَة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَهل لكم فِي الْحِفْظ مثل أبي مُحَمَّد بن حزم الَّذِي زهد فِي الوزارة وَالْمَال وَمَال إِلَى رُتْبَة الْعلم وَرَآهَا فَوق كل رُتْبَة وَقَالَ وَقد احترقت كتبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 (دَعونِي من احراق رق وكاغد ... وَقُولُوا بِعلم كي يرى النَّاس من يدْرِي) (فَإِن تحرقوا القرطاس لاتحرقوا الَّذِي ... تضمنه القرطاس إِذْ هُوَ فِي صَدْرِي) وَمثل أبي عمر بن عبد الْبر صَاحب الِاسْتِيعَاب والتمهيد وَمثل أبي بكر بن الْجد حَافظ الأندلس فِي هَذِه الدوله وَهل لكم فِي حفاظ اللُّغَة كَابْن سيدة صَاحب كتاب الْمُحكم وَكتاب السَّمَاء الْعَالم الَّذِي ان اعمى الله بَصَره فَمَا اعمى بصيرته وَهل لكم فِي النَّحْو مثل أبي مُحَمَّد بن السَّيِّد وتصانيفه وَمثل ابْن الطراوة وَمثل أبي على الشلوبين الَّذِي بَين اظهرنا الان وَقد سَار فِي المغارب والمشارق ذكره وَهل لكم فِي عُلُوم اللحون والفلسفة كَابْن باجة وَهل لكم فِي علم النُّجُوم والهندسة والفلسفة ملك كالمقتدر بن هود صَاحب سرقسطة فَإِنَّهُ كَانَ فِي ذَلِك آيَة وَهل لكم فِي الطِّبّ مثل ابْن طفيل صَاحب رِسَالَة بن حَيّ بن يقظان الْمُقدم فِي علم الفلسفة وَمثل بني زهر أبي الْعَلَاء ثمَّ ابْنه عبد الْملك ثمَّ ابْنه أبي بكر ثَلَاثَة على نسق وَهل لكم فِي علم التَّارِيخ كَابْن حَيَّان صَاحب المتين والمقتبس وَهل عنْدكُمْ فِي رُؤَسَاء علم الْأَدَب مثل أبي عمر بن عبد ربه صَاحب العقد وَهل لكم فِي الاعتناء يتخليد مآثر فضلاء اقليمه وَالِاجْتِهَاد فِي حشد محاسنهم مثل ابْن بسام صَاحب الذَّخِيرَة وهب أَنه كَانَ يكون لكم مثله فَمَا تصنع الكيسة فِي الْبَيْت الفارغ وَهل لكم فِي بلاغة النثركالفتح بن عبيد الله الَّذِي ان مدح رفع وان ذمّ وضع وَقد ظهر لَهُ من ذَلِك فِي كتاب القلائد مَا هُوَ اعْدِلْ شَاهد وَمثل ابْن أبي الْخِصَال فِي ترسله وَمثل أبي الْحسن سهل بن مَالك الَّذِي بَين اظهرنا الان فِي خطبه وَهل لكم فِي الشّعْر ملك مثل الْمُعْتَمد بن عباد فِي قَوْله (وليل بسد النَّهر انسا قطعته ... بِذَات سوار مثل منعطف النَّهر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 (نضت بردهَا عَن غُصْن بِأَن منعم ... فيا حسن مَا انْشَقَّ الكمام عَن الزهر) وَقَوله فِي أَبِيه (سميدع يهب الآلاف مبتدئا ... وَبعد ذَلِك يلفى وَهُوَ يعْتَذر) (لَهُ يَد كل جَبَّار يقبلهَا ... لَوْلَا نداها لقلنا إِنَّهَا الْحجر) وَمثله ابْنه الراضي فِي قَوْله (مروا بِنَا اصلا من غير ميعاد ... فأوقدوا نَار قلبِي أَي ايقاد) (لَا غر وَأَن زَاد فِي وجدي مرورهم ... فرؤية المَاء تذكي غلَّة الصادي) وَهل لكم ملك الف فِي فنون الْأَدَب كتابا فِي نَحْو مائَة مجلدة مثل المظفر بن الْأَفْطَس ملك بطليوس وَلم تشغله الحروب وَلَا المملكة عَن همه الْأَدَب وَهل لكم من الوزراء مثل ابْن عمار فِي قصيدته الَّتِي سَارَتْ اشرد من مثل واحب إِلَى الإسماع من لِقَاء حبيب وصل الَّتِي مِنْهَا (أثمرت رمحك من رُؤُوس مُلُوكهمْ ... لما رَأَيْت الْغُصْن يعشق مثمرا) (وصبغت درعك من دِمَاء كماتهم ... لما رَأَيْت الْحسن يلبس احمرا) وَمثل ابْن زيدون فِي قصيدته الَّتِي لم يقل مَعَ طولهَا فِي التشبيب ارق مِنْهَا وَهِي الَّتِي يَقُول فِيهَا (كأننا لم نبت والوصل ثالثنا ... والسعد قد غض من اجفان واشينا) (سران فِي خاطر الظلماء يكتمنا ... حَتَّى يكَاد لِسَان الصُّبْح يفشينا) وَهل لكم من الشُّعَرَاء مثل ابْن وهبون فِي بديهته بَين يَدي الْمُعْتَمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ايْنَ عباد واصابته الْغَرَض حِين اسْتحْسنَ الْمُعْتَمد قَول المتنبي (إِذا ظَفرت مِنْك المطى بنظرة ... اثاب بهَا معيي الْمطِي ورازمه) فارتجل (لَئِن جاد شعر ابْن الْحُسَيْن فَإِنَّمَا ... تجيد العطايا واللها تفتح اللها) (تنبأ عجبا بالقريض وَلَو درى ... بأنك تروي شعره لتألها) وَهل لكم مثل شَاعِر الأندلس ابْن دراج الَّذِي قَالَ فِيهِ الثعالبي هُوَ بالصقع الأندلسي كالمتنبي بصقع الشَّام الَّذِي ان مدح الْمُلُوك قَالَ مثل قَوْله (الم تعلمي ان الثواء هُوَ التوى ... وان بيُوت العاجزين قُبُور) (وان خطيرات المهالك ضمن ... لراكبها ان الْجَزَاء خطير) (تخوفني طول السفار وَأَنه ... بتقبيل كف العامري جدير) (مجير الْهدى وَالدّين من كل ملحد ... وَلَيْسَ عَلَيْهِ للضلال مجير) (تلاقت عَلَيْهِ من تَمِيم ويعرب ... شموس تلاقت فِي الْعلَا وبدور) (هم يستقلون الْحَيَاة لراغب ... ويستصغرون الْخطب وَهُوَ كَبِير) (وَلما توافوا للسلام وَرفعت ... عَن الشَّمْس فِي افق الشروق ستور) (وَقد قَامَ من زرق الاسنة دونهَا ... صُفُوف وَمن بيض السيوف سطور) (رَأَوْا طَاعَة الرَّحْمَن كَيفَ اعتزازها ... وآيات صنع الله كَيفَ تنير) (وَكَيف اسْتَوَى بِالْبرِّ وَالْبَحْر مجْلِس ... وَقَامَ بعبء الراسيات سَرِير) (فجاؤا عجإلى والقلوب خوافق ... وولوا بطاء والنواظر صور) (يَقُولُونَ والاجلال يخرس السنا ... وحازت عُيُون ملأها وصدور) (لقد حاط اعلام الْهدى بك حَائِط ... وَقدر فِيك المكرمات قدير) وَأَنا اقْسمْ بِمَا حازته هَذِه الأبيات من غرائب الْآيَات لَو سمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 هَذَا الْمَدْح سيد بني حمدَان لسلا بِهِ عَن مدح شاعره الَّذِي سَاد كل شَاعِر وَرَأى ان هَذِه الطَّرِيقَة أولى بمدح الْمُلُوك من كل مَا تفنن فِيهِ كل ناظم وناثر وان ذكر الغربة عَن الأوطان ومكابدة نَوَائِب الزَّمَان قَالَ ... قَالَت وَقد مزج الْفِرَاق مدامعا ... بمدامع وترائبا بترائب ... اتفرق حَتَّى بمنزل غربَة ... كم نَحن للأيام نهبة ناهب ... وَلَئِن جنيت عَلَيْك ترحة راحل ... فَأَنا الزعيم لَهَا بفرحة آيب ... هَل ابصرت عَيْنَاك بَدْرًا طالعا ... فِي الْأُفق الا من هِلَال غارب ... وان شبه قَالَ ... كمعاقل من سوسن قد شيدت ... ايدي الرّبيع بناءها فَوق القضب ... شرفاتها من فضَّة وحماتها ... حول الْأَمِير لَهُم سيوف من ذهب ... وَهل من شعرائكم من تعرض لذكر الْعِفَّة فاستنبط مَا يسحر بِهِ السحر ويطيب بِهِ الزهر وَهُوَ ابو عمر بن فرج فِي قَوْله ... وطائعة الْوِصَال عففت عَنْهَا ... وَمَا الشَّيْطَان وفيهَا بالمطاع ... بَدَت فِي اللَّيْل سافرة فباتت ... دياجي اللَّيْل سافرة القناع ... وَمَا من لَحْظَة الا فِيهَا ... إِلَى فتن الْقلب لَهَا دواعي ... فملكت النهى جمحات شوقي ... لأجري فِي العفاف على طباعي ... وَبت بهَا مبيت السقب يظما ... فيمنعه الكعام من الرَّضَاع ... كَذَاك الرَّوْض مَا فِيهِ لمثلي ... سوى نظر وشم من مَتَاع ... وَلست من السوائم مهملات ... فأتخذ الرياض من المراعي ... وَهل بلغ أحد من مشبهي شعرائكم ان يَقُول مثل قَول أبي جَعْفَر اللماي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 (عَارض اقبل فِي جنح الدجا ... يتهادى كتهادي ذِي الوجا) (بددت ريح الصِّبَا لؤلؤه ... فانبرى يُوقد عَنْهَا سرجا) وَمثل قَول أبي حَفْص بن برد (وَكَأن اللَّيْل حِين لوى ... ذَاهِبًا وَالصُّبْح قد لاحا) (كلة سَوْدَاء احرقها ... عَامِد أَسْرج مصباحا) وَهل مِنْكُم من وصف مَا تحدثه الْخمْرَة من الْحمرَة على الوجنة بِمثل قَول الشريف الطليق (اصبحت شمسا وفوه مغربا ... وَيَد الساقي المحيي مشرقا) و (إِذا مَا غربت فِي فَمه ... تركت فِي الخد مِنْهُ شفقا) بِمثل هَذَا الشّعْر فليطلق اللِّسَان ويفخر كل انسان وَهل مِنْكُم من عمد إِلَى قَول امرىء الْقَيْس (سموت اليها بعد مَا نَام أَهلهَا ... سمو حباب المَاء حَالا على حَال) فأختلسه أختلاس النسيم لنفحة الأزهار وسلبه بلطف استلاب الشَّمْس لرضاب طل الإسحار فلطفه تلطيفا يمتزج بالأرواح ويغني فِي الإرتياح عَن شرب الراح وَهُوَ ابْن شَهِيد فِي قَوْله (وَلما تملأ من سكره ... ونام ونامت عُيُون الحرس) (دَنَوْت اليه على رَقَبَة ... دنو رَفِيق درى مَا تلاتمس) (ادب اليه دَبِيب الْكرَى واسمو اليه سمو النَّفس ... اقبل مِنْهُ بَيَاض الطلى) (وارشف مِنْهُ سَواد اللعس ... فَبت بِهِ لَيْلَتي نَاعِمًا ... إِلَى ان تَبَسم ثغر الْغَلَس) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَقد تنأول هَذَا الْمَعْنى ابْن أبي ربيعَة على عظم قدره وتقدمه فعارض الصهيل بالنهاق وقابل العذب بالزعاق فَقَالَ وليته سكت (ونفضت عني الْعين أَقبلت مشْيَة الْحباب ... وركني خيفة الْقَوْم ازور) وَأَنا اقْسمْ لَو زار جمل محبوبة لَهُ لَكَانَ ألطف فِي الزِّيَارَة من هَذَا الْأَزْوَر الرُّكْن المنفض للعيون لكنه ان اساء هُنَا فقد احسن فِي قَوْله (قَالَت لقد اعييتنا حجَّة ... فأت إِذا مَا هجع الساهر) (واسقط علينا كسقوط الندى ... لَيْلَة لَا ناه وَلَا زاجر) وَللَّه در مُحَمَّد بن سفر أحد شعرائنا المتآخرين عصرا الْمُتَقَدِّمين قدرا حَيْثُ نقل السَّعْي إِلَى محبوبته فَقَالَ وليته لم يزل يَقُول مثل هَذَا فبمثله يَنْبَغِي ان يتَكَلَّم وَمثله يَلِيق ان يدون (وواعدتها وَالشَّمْس تجنح للنوى ... بزورتها شمسا وَبدر الدجى يسري) (فَجَاءَت كَمَا يمشي سنى الصُّبْح فِي الدجى ... وطورا كَمَا مر النسيم على النَّهر) (فعطرت الْآفَاق حَولي فاشعرت ... بمقدمها وَالْعرْف يشْعر بالزهر) (فتابعت بالتقبيل آثَار سعيها ... كَمَا يتقصى قارىء احرف السطر) (فَبت بهَا وَاللَّيْل قد نَام والهوى ... تنبه بَين الْغُصْن والحقف والبدر) (اعانقها طورا والثم تَارَة ... إِلَى ان دعتنا للنوى راية الْفجْر) (ففضت عقودا للتعانق بَيْننَا ... فيا لَيْلَة الْقدر اتركي سَاعَة النَّفر) وَهل مِنْكُم من قيد بِالْإِحْسَانِ فَأطلق لِسَانه الشُّكْر فَقَالَ وَهُوَ ابْن اللبانة (بنفسي واهلي جيرة مَا استعنتهم ... على الدَّهْر إِلَّا وانثنيت معانا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 (اراشوا جناحي ثمَّ بلوه بالندى ... فَلم استطع من ارضهم طيرانا) وَمن يَقُول وَقد قطع عَنهُ ممدوحه مَا كَانَ يعتاده مِنْهُ من الْإِحْسَان فقابل ذَلِك بِقطع مدحه لَهُ فَبَلغهُ أَنه عَتبه على ذَلِك وَهُوَ ابْن وضاح (هَل كنت إِلَّا طائرا بثنائكم ... فِي دوح مجدكم أقوم وأقعد) (ان تسلبوني ريشكم وتقلصوا ... عني ظلالكم فَكيف أغرد) وَهل مِنْكُم شَاعِر رأى النَّاس قد ضجوا من تَشْبِيه الثغر بالأقاح وتشبيه الزهر بالنجوم وتشبيه الخدود بالشقائق فتلطف لذَلِك فِي ان يَأْتِي بِهِ فِي منزع يصير خلقه فِي الأسماع جَدِيدا وكليله فِي الافكار حديدا فأغرب احسن اغراب واعرب عَن فهمه بِحسن تخيله انبل اعراب وَهُوَ ابْن الزقاق (واغيد طَاف بالكؤس ضحى ... وحثها والصباح قد وضحا) (وَالرَّوْض اهدى لنا شقائقه ... وآسه الْعَنْبَري قد نفحا) (قُلْنَا واين الأقاح قَالَ لنا ... أودعته ثغر من سقى القدحا) (فظل ساقي المدام يجْحَد مَا ... قَالَ فَلَمَّا تَبَسم افتضحا) وَقَالَ (اديراها على الرَّوْض المفدى ... وَحكم الصُّبْح فِي الظلماء ماضي) (وكأس الرّيح تنظر عَن حباب ... يَنُوب لنا عَن الحدق المراض) (وَمَا غربت نُجُوم الافق لَكِن ... نقلن من السَّمَاء إِلَى الرياض) وَقَالَ (ورياض من الشقائق اضحت ... يتهادى بهَا نسيم الرِّيَاح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 (زرتها والغمام يجلد مِنْهَا ... زهرات تروق لون الرِّيَاح) (قلت مَا ذنبها فَقَالَ مجيبا ... سرقت خمرة الخدود الملاح) فَانْظُر كَيفَ زاحم بِهَذَا الأختيال المخترعين وَكَيف سَابق بِهَذَا المبتدعين وَهل مِنْكُم من برع فِي أَوْصَاف الرياض والمياه وَمَا يتَعَلَّق بذلك فَانْتهى إِلَى غَايَة السباق وفضح كل من طمع بعده فِي اللحاق وَهُوَ ابو اسحاق ابْن خفاجة الْقَائِل (وعشي انس اضجعتني نشوة ... فِيهَا يمهد مضجعي ويدمث) (خلعت على بهَا الاراكة ظلها ... والغصن يصغي وَالْحمام يحدث) (وَالشَّمْس تجنح للغروب مَرِيضَة ... والرعد يرقي والغمامة تنفث ... وَالْقَائِل ... لله نهر سَالَ فِي بطحاء ... اشهى ورودا من لمى الْحَسْنَاء ... متعطف مثل السوار كَأَنَّهُ ... والزهر يكنفه مجر سَمَاء ... قد رق حَتَّى ظن قرصا مفرغا ... من فضَّة فِي بردة خضراء ... وغدت تحف بِهِ الغصون كَأَنَّهَا ... هدب تحف بمقلة زرقاء ... ولطالما عاطيت فِيهِ مدامة ... صفراء تخضب ايدي الندماء ... وَالرِّيح تعبث بالغصون وَقد جرى ... ذهب الْأَصِيل على لجين المَاء ... وَالْقَائِل ... حث المدامة والنسيم عليل ... والظل خفاق الرواق ظَلِيل ... وَالرَّوْض مهتز المعاطف نعْمَة ... نشوان تعطفه الصِّبَا فيميل ... رَيَّان فضضه الندى ثمَّ انجلى ... عَنهُ فَذهب صفحتيه اصيل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَالْقَائِل (إِذن الْغَمَام بديمة وعقار ... فامزج لجينا مِنْهُمَا بنضار) (واربع على حكم الرّبيع باجرع ... هزج الندامى مفصح الاطيار) (متقسم الألحاظ بَين محَاسِن ... من ردف رابية وخصر قَرَار) (نثرت بِحجر الرَّوْض فَهِيَ يَد الصِّبَا ... دُرَر الندى ودراهم الانوار) (وهفت بتغريد هُنَالك ايكة ... خفاقة بمهب ريح عرار) (هزت لَهُ اعطافها ولربما ... خلعت عَلَيْهِ ملاءة النوار) وَالْقَائِل (سقيا لَهَا من بطاح خَز ... ودوح نهر بهَا مطل) (إِذْ لَا ترى غير وَجه شمس ... اطل فِيهِ عذار ظلّ) وَالْقَائِل (نهر كَمَا سَالَ اللمى سلسال ... وصبا بلَيْل ذيلها مسكال) (ومهب نفحة رَوْضَة مطلولة ... فِي جانبيها للنسيم مجَال) (غازلتها والأقحوان مبسم ... والآس صدغ والبنفسج خَال) وَالْقَائِل (وسَاق كحيل اللحظ فِي شأو حسنه ... جماح وبالصبر الْجَمِيل حران) (ترى للصبا نَارا بخديه لم يثر ... لَهَا من سوَادِي عارضيه دُخان) (سَقَاهَا وَقد لَاحَ الْهلَال عَشِيَّة ... كَمَا اعوج فِي درع الكمي سِنَان) (عقارا نماها الْكَرم فِيهِ كَرِيمَة وَلم تزن بِابْن المزن فَهِيَ حصان) (وَقد جال من جون الغمامة ادهم ... لَهُ الْبَرْق سَوط وَالشمَال عنان) (وضمخ درع الشَّمْس نحر حديقة ... عَلَيْهِ من الطل السقيط جمان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 (ونمت بأسرار الرياض خميلة ... لَهَا النُّور ثغر والنسيم لِسَان) وَالْقَائِل فِي وصف فرس وَلم يخرج عَن طَرِيقَته (واشقر تضرم مِنْهُ الوغى ... بشعلة من شعل الباس) (من جلنار ناضر لَونه ... وإذنه من ورق الآس) (يطلع للغرة فِي شقرة ... حبابة تضحك فِي كاس) وَهل مِنْكُم من يَقُول مناديا لنديمه وَقد باكر روضا بمحبوب وكأس فألفاه قد غطى محاسنه ضباب فخاف ان يكسل نديمه عَن الْوُصُول إِذا راى ذَلِك وَهُوَ ابو الْحسن بن بسام (إِلَّا بَادر فَمَا ثَان سوى مَا ... عهِدت الكأس والبدر التَّمام) (وَلَا تكسل بِرُؤْيَتِهِ ضبابا ... تغص بِهِ الحديقة والمدام) (فان الرَّوْض ملتثم إِلَى ... ان توافيه فينحط اللثام) وَهل مِنْكُم من تغزل فِي غُلَام حائك بِمثل قَول الرصافي (قَالُوا وَقد أَكْثرُوا فِي حبه عذلي ... لَو لم تهم بمذال الْقدر مبتذل) (قلت لَو كَانَ امري فِي الصبابة لي ... لأخترت ذَاك وَلَكِن لَيْسَ ذَلِك لي) (علقته حببي الثغر عاطره ... حُلْو اللمى سَاحر الأجفان والمقل) (غزيل لم تزل فِي الْغَزل جائلة ... بنأنه جولان الْفِكر فِي الْغَزل) (جذلان تلعب بالمحواك انمله ... على السدى لعب الْأَيَّام بالأجل) (ضما بكفيه أَو فحصا بأخمصه ... تخبط الظبي فِي اشراك محتبل) وَمثل قَوْله فِي تغلب مسكة الظلام على خلوق الْأَصِيل (وعشي رائق منظره ... قد قطعناه على صرف الشُّمُول) (وَكَانَ الشَّمْس فِي اثنائه ... ألصقت بِالْأَرْضِ خدا للنزول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 (وَالصبَا ترفع إذيال الرِّبَا ... ومحيا الجو كالنهر الصَّقِيل) (حبذا منزلنا مغتبقا ... حَيْثُ لَا يطرقنا غير الهديل) (طَائِر شاد وغصن منثن ... والدجى تشرب صهباء الْأَصِيل) وَهل مِنْكُم من يَقُول فِي موشح فِيمَا يجره هَذَا الْمَعْنى ورداء الْأَصِيل تطويه كف الظلام وَهُوَ ابو قَاسم ابْن الْفرس وَهل مِنْكُم من وصف غُلَاما جميل الصُّورَة راقصا بِمثل قَول ابْن خروف (ومنزع الحركات بلعب بالنهى ... لبس المحاسن عِنْد خلع لِبَاسه) (متأودا كالغصن وسط رياضه ... متلاعبا كالظبي عِنْد كناسه) (بِالْعقلِ يلْعَب مُدبرا أَو مُقبلا ... كالدهر يلْعَب كَيفَ شَاءَ بناسه) (وَيضم للقدمين مِنْهُ رَأسه ... كالسيف ضم ذبابه لرياسه) وَهل مِنْكُم من وصف خالا باحسن من قَول النشار (ألوامي على كلفي بِيَحْيَى ... مَتى من حبه القى سراحا) (وَبَين الخد والشفتين خَال ... كزنجي اتى روضا صباحا) (تحير فِي جناه فَلَيْسَ يدْرِي ... ايجني الْورْد ام يجني الاقاحا) وَهل مِنْكُم الَّذِي اهْتَدَى إِلَى معنى فِي لثم وردة الخد ورشف رضاب الثغر لم يهتد اليه أحد غَيره وَهُوَ ابو الْحسن بن سَلام المالقي فِي قَوْله (لما ظَفرت بليلة من وَصله ... والصب غير الْوَصْل لَا يشفيه) (انضجت وردة خَدّه بتنفسي ... وطفقت ارشف ماءها من فِيهِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَهل مِنْكُم من هجا من غير النُّطْق بإقذاع فَبلغ مَا لم يبلغهُ المقذع وَهُوَ المَخْزُومِي فِي قَوْله ... يود عِيسَى نزُول عِيسَى ... عساه من دائه يرِيح ... وَمَوْضِع الدَّاء مِنْهُ عُضْو ... لَا يرتضي مَسّه الْمَسِيح ... وَلما أقذع اتى أَيْضا بأبدع فَقَالَ ... يَا فَارس الْخَيل وَلَا فَارس ... الا على متن جواد الخصى ... زِدْت على مُوسَى وآياته ... تفجر المَاء وتخفي الْعَصَا ... وَهل مِنْكُم من مدح بِمَعْنى فَبلغ بِهِ النِّهَايَة من الْمَدْح ثمَّ نَقله إِلَى الهجاء فَبلغ بِهِ النِّهَايَة من الذَّم وَهِي اليكي فِي قَوْله مادحا ... قوم لَهُم شرف الْعلَا فِي حمير ... وَإِذا انتموا لمتونة فهم هم ... لما حووا احراز كل فَضِيلَة ... غلب الْحيَاء عَلَيْهِم فتلثموا ... وَفِي قَوْله هاجيا ... ان المرابط بأخل بنواله ... لكنه بعياله يتكرم ... الْوَجْه مِنْهُ مخلق لقبيح مَا ... يَأْتِيهِ فَهُوَ من اجله يتلثم ... وَهل مِنْكُم من هجا اشْتَرِ الْعين بِمثل قَول أبي الْعَبَّاس بن حنون الإشبيلي ... يَا طلعة ابدت قبائح جمة ... فَالْكل مِنْهَا ان نظرت قَبِيح ... ابعينك الشتراء عين ثرة ... مِنْهَا ترقرق دمعها المسفوح ... شترت فَقُلْنَا زورق فِي لجة ... مَالَتْ بِإِحْدَى دفتيه الرّيح ... وكانما انسأنها ملاحها ... قد خَافَ غرق فظل يميح ... وَهل مِنْكُم من حضر مَعَ عَدو لَهُ جأحد لما فعله مَعَه من الْخَيْر وامامهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 زجاجة سَوْدَاء فِيهَا خمر فَقَالَ لَهُ الحسود الْمَذْكُور ان كنت شَاعِرًا فَقل فِي هَذِه فَقَالَ ارتجالا وَهُوَ ابْن مجير (سأشكو إِلَى الندمان امْر زجاجة ... تردت بِثَوْب حالك اللَّوْن أسحم) (نصب بهَا شمس المدامة بَيْننَا ... فتغرب فِي جنح من اللَّيْل مظلم) (وتجحد انوار الحميا بلونها ... كقلب حسود جَاحد يَد منعم) وَهل مِنْكُم من قَالَ لفاضل جمع بَينه وَبَين فَاضل وَهُوَ ابو جَعْفَر الذَّهَبِيّ (ايها الْفَاضِل الَّذِي قد هَدَانِي ... نَحْو من حمدته بأختيار) (شكر الله مَا اتيت وجازاك ... ولازلت نجم هدى لساري) (أَي برق افاد أَي غمام ... وصباح ادى لضوء نَهَار) (وَإِذا مَا غَدا النسيم دليلي ... لم يُحِلنِي إِلَّا على الأزهار) وَهل مِنْكُم اعمى قَالَ فِي ذهَاب بَصَره وَسَوَاد شعره وَهُوَ التطيلي (اما اشتفت مني الْأَيَّام فِي وطني ... حَتَّى تضايق فِيمَا عَن من وطري) (وَلَا قَضَت من سَواد الْعين حَاجَتهَا ... حَتَّى تكر على اطل فِي الشّعْر) وَهل مِنْكُم الَّذِي طَار فِي مَشَارِق الارض وَمَغَارِبهَا قَوْله وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم ابْن هَانِيء الالبيري ... فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر ... وامدكم فلق الصَّباح المسفر ... وجنيتم ثَمَر الوقائع يانعا ... بالنصر من ورق الْحَدِيد الْأَخْضَر ... وَقد سَمِعت فائتيه فِي النُّجُوم وَلَوْلَا طولهَا لانشدتها هُنَا فَأَنَّهَا احسن مَا قيل فِي مَعْنَاهَا وَهل مِنْكُم من قَالَ فِي الزّهْد مثل قَول أبي وهب العباسي الْقُرْطُبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 .. أَنا فِي حالتي الَّتِي قد تراني ... ان تَأَمَّلت أحسن النَّاس حَالا ... منزلي حَيْثُ شِئْت من مُسْتَقر الأَرْض ... اسقى من الْمِيَاه زلالا ... لَيْسَ لي كسْوَة أَخَاف عَلَيْهَا ... من مغير وَلنْ ترى لي مَالا ... اجْعَل الساعد الْيَمين وِسَادِي ... ثمَّ اثْنَي إِذا انقلبت الشمالا ... لَيْسَ لي وَالِد وَلَا مَوْلُود ... لَا وَلَا حزت مذ عقلت عيالا ... قد تلذذت حقبه بِأُمُور ... فتأملتها فَكَانَت خيالا ... وَمثل قَول أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْعَسَّال الطليطلي ... انْظُر إِلَى الدُّنْيَا فان ابصرتها شَيْئا يَدُوم ... فاغد مِنْهَا فِي امان ان يساعدك النَّعيم ... وَإِذا ابصرتها مِنْك على كره تهيم ... فاسل عَنْهَا واطرحها وارتحل حَيْثُ تقيم ... وَهل نشا عنْدكُمْ من النِّسَاء مثل ولادَة المروانية الَّتِي تَقول مداعبة للوزير ابْن زيدون وَكَانَ لَهُ غُلَام اسْمه عَليّ ... مَا لِابْنِ زيدون على فَضله ... يغتابني ظلما وَلَا ذَنْب لي ... ينظرني شزرا إِذا جِئْته ... كانما جِئْت لأخصي عَليّ ... وَمثل زَيْنَب بنت زِيَاد الْمُؤَدب الْوَادي آشية الَّتِي تَقول ... وَلما ابى الواشون الا فراقنا ... وَمَا لَهُم عِنْدِي وعندك من ثار ... وشنوا على اسماعنا كل غَارة ... وَقل حماتي عِنْد ذَاك وانصاري ... غزوتهم من مقلتيك وادمعي ... وَمن نَفسِي بِالسَّيْفِ وَالْمَاء وَالنَّار ... وَأَنا أختم هَذِه الْقطع المتخيرة بقول أبي بكر بن بَقِي ليَكُون الختام مسكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 (عاطيته وَاللَّيْل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الفتيق لناشق) (وضممته ضم الكمي لسيفه ... وذؤابتاه حمائل فِي عَاتِقي) (حَتَّى إِذا مَالَتْ بِهِ سنة الْكرَى ... زحزحته شَيْئا وَكَانَ معانقي) (باعدته عَن اضلع تشتاقه ... كَيْلا ينَام على وساد خافق) وَبقول القَاضِي أبي حَفْص بن عمر الْقُرْطُبِيّ (هم نظرُوا لواحظها فهاموا ... وتشرب لب شاربها المدام) (يخَاف النَّاس مقلتها سواهَا ... ايذعر قلب حامله الحسام) (سما طرفِي اليها وَهُوَ باك ... وَتَحْت الشَّمْس ينسكب الْغَمَام) (وإذكر قدها فانوح وجدا ... على الاغصان تنتدب الْحمام) (واعقب بَينهَا فِي الصَّدْر غما ... إِذا غربت ذكاء اتى الظلام) وَبِقَوْلِهِ أَيْضا (لَهَا ردف تعلق فِي لطيف ... وَذَاكَ الردف لي وَلها ظلوم) (يُعَذِّبنِي إِذا فَكرت فِيهِ ... ويلعبها إِذا رامت تقوم) وَقد اطلت عنان النّظم على اني اكتفيت عَن الِاسْتِدْلَال على النَّهَار بالصباح فبالله الا مَا أَخْبَرتنِي من شاعركم الَّذِي تقابلون بِهِ شَاعِرًا مِمَّن ذكرت لَا اعرف لكم اشهر ذكرا واضخم شعرًا من أبي الْعَبَّاس الجراوي وَأولى لكم ان تجحدوا فخره وتنسوا ذكره فقد كفاكم مَا جرى من الفضيحة عَلَيْكُم فِي قَوْله من قصيدة يمدح بهَا خَليفَة (إِذا كَانَ املاك الزَّمَان اراقما ... فانك فيهم دَائِم الدَّهْر ثعبان) فَمَا اقبح مَا وَقع ثعبان وَمَا اضعف مَا جَاءَ دَائِم الدَّهْر وَلَقَد انشدت أحد ظرفاء الأندلس هَذَا الْبَيْت فَقَالَ لَا يُنكر هَذَا على مثل الجرأوي فسبحان من جعل روحه وَنسبه وشعره تتناسب فِي الثقالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وان اردت الإفتخار بالفرسان والتفاضل بالشجعان فَمن كَانَ قبلنَا مِنْهُم فِي مُدَّة الْمَنْصُور بن أبي عَامر وَمُدَّة مُلُوك الطوائف أخبارهم مَشْهُورَة واثارهم مَذْكُورَة وَكَفاك من ابطال عصرنا مَا سَمِعت عَن الْأَمِير أبي عبد الله بن مردنيش وَأَنه كَانَ يدْفع فِي مواكب النَّصَارَى ويشقها يَمِينا ويسارا منشدا (اكر على الكتيبة لَا ابالي ... احتفي كَانَ فِيهَا ام سواهَا) حَتَّى أَنه دفع يَوْمًا فِي موكب من النَّصَارَى فصرع وَقتل وَظهر مِنْهُ مَا اعجبت بِهِ نَفسه فَقَالَ لشيخ من خواصه عَالم بامور الْحَرْب مَشْهُور بهَا كَيفَ رَأَيْت فَقَالَ لَهُ لَو رآك السُّلْطَان زَاد فِيمَا لَك فِي بَيت المَال واعلى مرتبتك امن يكون راس جَيش يقدم هَذَا الْإِقْدَام ويتعرض بِهَلَاك نَفسه إِلَى هلاكهم فَقَالَ لَهُ دَعْنِي فَإِنِّي لَا اموت مرَّتَيْنِ وَإِذا مت أَنا فَلَا عَاشَ من بعدِي والقائد ابو عبد الله بن قادوس الَّذِي اشْتهر من شجاعته ومواقعه فِي النَّصَارَى وَحسن بلائه مَا صير النَّصَارَى من رعبه والاقرار بفضله فِي هَذَا الشَّأْن ان يَقُول أحدهم لفرسه إِذا سقَاهُ فَلم يقبل على المَاء مَالك ارأيت ابْن قادوس فِي المَاء وَهَذِه مرتبَة عَظِيمَة وَالْفضل مَا شهِدت بِهِ الاعداء وَلَقَد أَخْبرنِي من اثق بِهِ أَنه خرج من عَسْكَر فِي كَتِيبَة مُجَرّدَة برسم الْغَارة على بِلَاد النَّصَارَى فَوَقع فِي جمع كَبِير مِنْهُم فجهد جهده فِي الْخَلَاص مِنْهُم وَالرُّجُوع إِلَى الْعَسْكَر فَجعل يُقَاتل مَعَ اصحابه فِي حَالَة الْفِرَار إِلَى ان كبا بِأحد جنده فرسه وفر عَنهُ فناداه مستغيثا فَقَالَ اصبر ثمَّ نظر إِلَى فَارس من النَّصَارَى قد طرق فَقَالَ اجْرِ إِلَى هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 النَّصْرَانِي فَخذ فرسه وركض نَحوه فاسقطه وَقَالَ لصَاحبه اركب فَركب وَنَجَا مَعَه سالما وأمثال هَذَا كثير وَإِنَّمَا جِئْت بحصاة من ثبير وَأما كرم النَّفس وشمائل الرياسة فَأَنا أحكي لَك حِكَايَة تعجب مِنْهَا وَهِي مِمَّا جرى فِي عصرنا وَذَلِكَ ان ابا بكر بن زهر نشات بَينه وَبَين الْحَافِظ أبي بكر ابْن الْجد عَدَاوَة مفرطة للإشتراك فِي الْعلم والرياسة وَكَثْرَة المَال والبلدية فَأجرى ابْن زهر يَوْمًا ذكره فِي جمَاعَة من اصحابه وَقَالَ لقد آذَانا هَذَا الرجل اشد إذية وَلم يقصر فِي القَوْل عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعند خَواص النَّاس وعوامهم فَقَالَ لَهُ أحد عوامهم اني إذكر لَك عَلَيْهِ عقدا فِيهِ مخاصمة فِي مَوضِع مِمَّا يعز عَلَيْهِ من موَاضعه وَمَتى خاصمته فِي ذَلِك بلغت مِنْهُ فِي النكاية اشد مبلغ فَخرج ابْن زهر واظهر الْغَضَب الشَّديد وَالْإِنْكَار لذَلِك وَقَالَ لوَكِيله امثلي يجازي على الْعَدَاوَة بِمَا يجازي بِهِ السّفل والأوباش واني اجْعَل ابْن الْجد فِي حل من مَوضِع الْخِصَام وامر بِأَن يحمل لَهُ العقد ثمَّ قَالَ واني وَالله مَا أروم بذلك ان اصالحه فَإِن عدأوته من حسد أَنا اسْأَل الله تَعَالَى ان يديمها لِأَنَّهَا مقترنة بدوام نعم الله عَليّ وان تعرضت إِلَى ذكر الْبِلَاد وَتَفْسِير محاسنها وَمَا خصها الله تَعَالَى بِهِ مِمَّا حرمه على غَيرهَا فاسمع مَا يُمِيت الحسود كمدا أما اشبيلية فَمن محاسنها اعْتِدَال الْهَوَاء وَحسن المباني وتزيين الْخَارِج والداخل وَتمكن التمصر حَتَّى ان الْعَامَّة تَقول لَو طلب لبن الطير فِي اشبيلية وجد ونهرها الاعظم الَّذِي يصعد الْمَدّ فِيهِ اثْنَيْنِ وَسبعين ميلًا ثمَّ يحسر وَفِيه يَقُول ابْن سفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 (شقّ النسيم عَلَيْهِ جيب قَمِيصه ... فانساب من شطيه يطْلب ثاره) (فتضاحكت ورق الْحمام بدوحها ... هزءا فضم من الْحيَاء ازاره) وزيادته على الْأَنْهَار كَون ضفتيه مطرزتين بالمنازه والبساتين والكروم والانسام مُتَّصِل ذَلِك اتصالها لَا يُوجد على غَيره وَأَخْبرنِي شخص من الأكياس دخل مصر وَقد سالته عَن نيلها أَنه لَا تتصل بشطيه الْبَسَاتِين والمنازه اتِّصَالًا بنهر اشبيلية وَكَذَلِكَ أَخْبرنِي شخص آخر دخل بَغْدَاد وَقد سعد هَذَا والوادي بِكَوْنِهِ لَا يَخْلُو من مَسَرَّة وان جَمِيع ادوات الطَّرب وَشرب الْخمر فِيهِ غير مُنكر لَا ناه عَن ذَلِك وَلَا منتقد مَا لم يؤد السكر إِلَى شَرّ وعربدة وَقد رام من وَليهَا من الْوُلَاة المظهرين للدّين قطع ذَلِك فَلم يستطيعوا ازالته واهله أخف النَّاس ارواحا واطبعهم نَوَادِر واحملهم لمزاح بأقبح مَا يكون من السب قد مرنوا على ذَلِك فَصَارَ لَهُم ديدنا حَتَّى صَار عِنْدهم من لَا يتبذل فِيهِ وَلَا يتلاعن ممقوتا ثقيلا وَقد سَمِعت عَن شرف اشبيلية الَّذِي ذكره أحد الوشاحين فِي موشحه مدح بهَا المعتضد ابْن عباد (اشبيليا عروس وبعلها عباد ... وتاجها الشّرف وسلكها الواد) أَي شرف قد حَاز مَا شَاءَ من الشّرف إِذْ عَم اقطار الارض خَيره وسفر مَا يعصر من زيتونه من الزَّيْت حَتَّى بلغ الاسكندرية وتزيد قراه على غَيرهَا من الْقرى بانتخاب مبانيها وتهمم سكانها فِيهَا دَاخِلا وخارجا إِذْ هِيَ من تبييضهم لَهَا نُجُوم فِي سَمَاء الزَّيْتُون وَقيل لأحد من راى مصر وَالشَّام ايها رَأَيْت احسن هَذَانِ ام اشبيلية فَقَالَ بعد تَفْضِيل اشبيلية وشرفها غابة بِلَا اسد ونهرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 نيل بِلَا تمساح وَقد سَمِعت عَن جبال الرَّحْمَة بخارجها وَكَثْرَة مَا فِيهَا من بساتين التِّين القوطي والشعري وَهَذَانِ الصنفان اجْمَعْ المتجولون فِي أقطار الأَرْض ان لَيْسَ فِي غير اشبيلية مثل لَهما وَقد سَمِعت مَا فِي هَذَا الْبَلَد من اصناف ادوات الطَّرب كالخيال والكريج وَالْعود والروطة والرباب والقانون والمؤنس والكثيرة والفنار والزلامي والشقرة والنورة وهما مزماران الْوَاحِد غليظ الصَّوْت وَالْآخر رَقِيقه والبوق وان كَانَ جَمِيع هَذَا مَوْجُودا فِي غَيرهَا من بِلَاد الأندلس فَأَنَّهُ فِيهَا أَكثر وأوجد وَلَيْسَ فِي بر العدوة من هَذَا شَيْء إِلَّا مَا جلب اليه من الأندلس وحسبهم الدُّف واقوال واليرا وابو قُرُون ودبدبه السودَان وحماقى البرابر وَأما جواريها ومراكبها برا وبحرا ومطابخها وفواكهها الخضراء واليابسة فاصناف أخذت من التَّفْضِيل بأوفر نصيب وَأما مبانيها فقد سَمِعت عَن اتقانها واهتمام اصحابها بهَا وَكَون أَكثر ديارها لَا تَخْلُو من المَاء الْجَارِي والاشجار المتكاثفة كالنارنج والليم والليمون والزنبوع وَغير ذَلِك وَأما علماؤها فِي كل صنف رفيع أَو وضيع جدا أَو هزلا فَأكْثر من ان يعدوا واشهر من ان يذكرُوا وَأما مَا فِيهَا مت الشُّعَرَاء والوشاحين والزجالين فَمَا لَو قسموا على بر العدوة ضَاقَ بهم وَالْكل ينالون خير رؤسائها ورفدهم وَمَا من جَمِيع مَا ذكرت فِي هَذِه الْبَلدة الشَّرِيفَة الا وقصدي بِهِ الْعبارَة عَن فَضَائِل جَمِيع الأندلس فَمَا تَخْلُو بلادها من ذَلِك وَلَكِن جعلت اشبيلية بل الله جعلهَا ام قراها ومركز فخرها وعلاها إِذْ هِيَ اكبر مدنها واعظم امصارها وَأما قرطبة فكرسي المملكة الْقَدِيم ومركز الْعلم ومنار التقى وَمحل التَّعْظِيم والتقديم بهَا اسْتَقَرَّتْ مُلُوك الْفَتْح وعظماؤه ثمَّ مُلُوك المروانية وَبهَا كَانَ يحيى بِي يحيى راوية مَالك وَعبد الْملك بن حبيب وَقد سَمِعت من تَعْظِيم أَهلهَا للشريعة ومنافستهم فِي السؤدد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 بعلمها وَأَن مُلُوكهَا كَانُوا يتواضعون لعلمائها ويرفعون اقدارهم وَيَصْدُرُونَ عَن آرائهم وَأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يقدمُونَ وزيرا وَلَا مشاورا مَا لم يكن عَالما حَتَّى ان الحكم الْمُسْتَنْصر لما كره لَهُ الْعلمَاء شرب الْخمر هم بِقطع شَجَرَة الْعِنَب من الأندلس فَقيل لَهُ فَإِنَّهَا تعصر من سواهَا فامسك عَن ذَلِك وَأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يقدمُونَ أحدا للْفَتْوَى وَلَا لقبُول الشَّهَادَة حَتَّى يطول أختباره وتعقد لَهُ مجَالِس المذاكرة وَيكون ذَا مَال فِي غَالب الْحَال خوفًا من ان يمِيل بِهِ الْفقر إِلَى الطمع فِيمَا فِي ايدي النَّاس فيبيع بِهِ حُقُوق الدّين وَقد أخْبرت ان الحكم الربضي اراد تَقْدِيم شخص من الْفُقَهَاء يخْتَص بِهِ للشَّهَادَة فَأخذ فِي ذَلِك مَعَ يحيى بن يحيى وَغَيرهمَا من اعلام الْعلمَاء فَقَالُوا لَهُ هُوَ أهل وَلكنه شَدِيد الْفقر وَمن يكون فِي هَذِه الْحَالة لَا تأمنه على حُقُوق الْمُسلمين لَا سِيمَا وَأَنت تُرِيدُ انتفاعه وظهوره فِي الدُّخُول فِي الْمَوَارِيث والوصايا واشباه ذَلِك فَسكت وَلم يرد منازعتهم وَبَقِي مهموما من كَونهم لم يقبلُوا قَوْله فَنظر اليه وَلَده عبد الرَّحْمَن الَّذِي ولي الْملك بعده وعَلى وَجهه اثر ذَلِك فَقَالَ مَا بالك يَا مولَايَ فَقَالَ الا ترى لهَؤُلَاء الَّذين نقدمهم وننوه عِنْد النَّاس بمكانتهم حَتَّى إِذا كلفناهم مَا لَيْسَ عَلَيْهِم فِيهِ شطط بل مَا لَا يعيبهم وَلَا مِمَّا هُوَ يزرؤهم صدونا عَنهُ وغلقوا ابواب الشَّفَاعَة وَذكر لَهُ مَا كَانَ مِنْهُم فَقَالَ يَا مولَايَ انت أولى النَّاس بالانصاف ان هَؤُلَاءِ مَا قدمتهم انت وَلَا نوهت بهم وانما قدمهم ونوه بهم علمهمْ أَو كنت تَأْخُذ قوما جُهَّالًا فتضعهم فِي مواضعهم قَالَ لَا قَالَ فانصفهم فِيمَا تعبوا فِيهِ من الْعلم لينالوا بِهِ لَذَّة الدُّنْيَا وراحة الْآخِرَة قَالَ صدقت ثمَّ قَالَ وَأما كَونهم لم يقبلُوا هَذَا الرجل لشدَّة فقره فالعلة فِي ذَلِك تنحسم بِمَا يبْقى لَك من الصَّالِحَات ذكرا قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تعطيه من مَالك قدر مَا يلْحق بِهِ من الْغنى مَا يؤهله لتِلْك الْمنزلَة ويزيل عَنْك خجل ردهم لَك وَتَكون هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 مكرمَة مَا سَبَقَك اليها أحد فتهلل وَجه الحكم وَقَالَ الي الي أَنَّهَا وَالله شنشنة عبشمية وان الَّذِي قَالَ فِيهَا لصَادِق (وابناء املاك خضارم سادة ... صَغِيرهمْ عِنْد الْأَنَام كَبِير) ثمَّ استدعى عبد الْملك بن حبيب وَسَأَلَهُ عَن قدر مَا يؤهله لتِلْك الْمرتبَة من الْغنى فَذكر لَهُ عددا فَأمر لَهُ بِهِ فِي الْحِين وَنبهَ قدره بَان اعطاه من اصطبله مركوبا وَكَانَت هَذِه اكرومة لَا خَفَاء بعظمها يفنى الزَّمَان وَمَا بنته مخلد ثمَّ أَنه إِذا كَانَ لَهُ من الْغنى مَا يكفه عَن اموال النَّاس وَمن الدّين مَا يصده عَن محارم الله تَعَالَى وَمن الْعلم مَا يجهل بِهِ التَّصَرُّف فِي الشَّرِيعَة اباحوا لَهُ الْفَتْوَى وَالشَّهَادَة وَجعلُوا عَلامَة لذَلِك بَين النَّاس القلانس والرداء وَأهل قرطبة اشد النَّاس مُحَافظَة على الْعَمَل بأصح الْأَقْوَال الْمَالِكِيَّة حَتَّى أَنهم كَانُوا لَا يولون حَاكما إِلَّا بِشَرْط ان لَا يعدل فِي الحكم عَن مَذْهَب ابْن الْقَاسِم وَقَالَ ابْن سارة لما دخل قرطبة الْحَمد لله قد وافيت قرطبة دَار الْعُلُوم وكرسي السلاطين وَهِي كَانَت مجمع جيوش الْإِسْلَام وَمِنْهَا نصر الله على عَبدة الصَّلِيب يُقَال ان الْمَنْصُور بن أبي عَامر حِين تمّ لَهُ ملك البرين وتوفرت الجيوش وَالْأَمْوَال عرض بِظَاهِر قرطبة خيله وَرجله وَقد جمع من اقطار الْبِلَاد مَا ينْهض بِهِ إِلَى قتال الْعَدو وتدويخ بِلَاده فنيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الفرسان على مائَة الف والرجالة على سِتّمائَة الف وَبهَا حَتَّى الان من صَنَادِيد الْمُسلمين وقوادهم من لَا يفتر عَن محاربه وَلَا يمل من مُضَارَبَة من اسماؤهم بأقاصي بِلَاد النَّصَارَى مَشْهُورَة وآثارهم فِيهَا ماثورة وَقُلُوبهمْ على الْبعد بخوفهم معمورة ويحكى ان الْعِمَارَة فِي مباني قرطبة والزاهرة والزهراء اتَّصَلت إِلَى ان كَانَ يمشى فِيهَا بضوء السرج الْمُتَّصِلَة عشرَة أَمْيَال وَأما جَامعهَا الْأَعْظَم فقد سَمِعت ان ثرياته من نواقيس النَّصَارَى وَأَن الزِّيَادَة الَّتِي زَاد فِي بنائِهِ ابْن أبي عَامر من تُرَاب نَقله النَّصَارَى على رؤوسهم مِمَّا هدم من كنائس بِلَادهمْ وَقد سَمِعت أيضاعن قنطرتها الْعُظْمَى وَكَثْرَة ارحي واديها يُقَال أَنَّهَا تنيف عَن خَمْسَة آلَاف حجر وَقد سَمِعت عَن كنبانيتها وَمَا فضل الله تَعَالَى بِهِ تربها من بركَة وَمَا ينْبت فِيهَا من الْقَمْح وطيبه وفيهَا جبال الْورْد الَّذِي بلغ الرّبع مِنْهُ مَرَّات إِلَى ربع دِرْهَم وَصَارَ اصحابه يرَوْنَ الْفضل لمن قطف بِيَدِهِ مَا يمنحونه مِنْهُ ونهرها ان صغر عِنْدهَا عَن عظمه عِنْد اشبيلية فَإِن لتقارب بريه هُنَالك انس وتقطع غدره ومروجه معنى آخر وحلاوة أُخْرَى وَزِيَادَة انس وَكَثْرَة امان من الْغَرق وَفِي جوانبه من الْبَسَاتِين والمروج مَا زَاده نضارة وبهجة وَأما جيان فَأَنَّهَا لبلاد الأندلس قلعة إِذْ هِيَ أَكْثَرهَا زرعا واصرمها ابطالا واعظمها مَنْعَة وَكم رامتها عَسَاكِر النَّصَارَى عِنْد فترات الْفِتَن فرأوها ابعد من العيوق واعز منالا من بيض الأنوق وَلَا خلت من عُلَمَاء وَلَا من شعراء وَيُقَال لَهَا جيان الْحَرِير لِكَثْرَة اغتناء باديتها وحاضرتها بدود الْحَرِير وَمِمَّا يعد من مفاخرها مَا ببياسة أحدى بِلَاد اعمالها من الزَّعْفَرَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الَّذِي يسفر برا وبحرا وَمَا فِي ابدة من الكروم الَّتِي كَاد الْعِنَب لَا يُبَاع فِيهَا وَلَا يشترى كَثْرَة وَمَا كَانَ بابدة من اصناف الملاهي والرواقص المشهورات بِحسن الإنطباع والصنعة فانهن احذق خلق الله تَعَالَى باللعب بِالسُّيُوفِ والدك وأخراج الْقَرَوِي والمرابط والمتوجه وَأما غرناطة فَإِنَّهَا دمشق بِلَاد الأندلس ومسرح الْأَبْصَار ومطمح الْأَنْفس لَهَا القصبة المنيعة ذَات الأسوار الشامخة والمباني الرفيعة وَقد أختصت بِكَوْن النَّهر يتوزع على ديارها واسواقها وحماماتها وارحائها الدأخلة والخارجة وبساتينها وزأنها الله تَعَالَى بَان جعلهَا مرتبَة على بسيطها الممتد الَّذِي تفرعت فِيهِ سبائك الْأَنْهَار بَين زبرجد الاشجار ولنسيم نجدها وبهجة منظر حورها فِي الْقُلُوب والأبصار استلطاف يروق الطباع وَيحدث فِيهَا مَا شاءه الْإِحْسَان من الأختراع والابتداع وَلم تخل من اشراف اماثل وعلماء اكابر وشعراء افاضل وَلَو لم يكن لَهَا الا مَا خصها الله تَعَالَى بِهِ من كَونهَا قد نبغ فِيهَا من الشواعر مثل نزهون القلاعية وَزَيْنَب بنت زِيَاد وَقد تقدم شعرهما وَحَفْصَة بنت الْحَاج وناهيك فِي الظّرْف والادب وَهل ترى اظرف مِنْهَا فِي جوابها للحسيب الْوَزير النَّاظِم الناثر أبي جَعْفَر ابْن الْقَائِد الاجل أبي مَرْوَان بن سعيد وَذَلِكَ أَنَّهُمَا باتا بحور مُؤَمل على مَا يبيت بِهِ الرَّوْض والنسيم من طيب النفحة ونضارة النَّعيم فَلَمَّا حَان الِانْفِصَال قَالَ ابو جَعْفَر (رعى الله لَيْلًا لم يرع بمذمم ... عَشِيَّة وارأنا بحور مُؤَمل) (وَقد خَفَقت من نَحْو نجد اريجة ... إِذا نفحت هبت بريا القرنفل) (وغرد قمري على الدوح وانثنى ... قضيب من الريحان من فَوق جدول) (ترى الرَّوْض مَسْرُورا بِمَا قد بدا لَهُ ... عنَاق وَضم وارتشاف مقبل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَكتبه اليها بعد الِافْتِرَاق لتجأوبه على عَادَتهَا فِي ذَلِك فَكتبت لَهُ مَا لايخفى فِيهِ قيمتهَا (لعمرك ماسر الرياض بوصلنا ... وَلكنه ابدى لنا الغل والحسد) (وَلَا صفق النَّهر ارتياحا لقربنا ... وَلَا صدح الْقمرِي الا بِمَا وجد) (فَلَا تحسن الظَّن الَّذِي انت اهله ... فَمَا هُوَ فِي كل المواطن بِالرشد) (فَمَا خلت هَذَا الافق ابدى نجومه ... لامر سوى كَيْمَا تكون لنا رصد) وَأما مالقة فَأَنَّهَا قد جمعت بَين منظر الْبَحْر وَالْبر بالكروم الْمُتَّصِلَة الَّتِي لَا تكَاد ترى فِيهَا فُرْجَة لموْضِع عَابِر والبروج الَّتِي شابهت نُجُوم السَّمَاء كَثْرَة عدد وبهجة ضِيَاء وتخلل الْوَادي الرائز لَهَا فِي فَصلي الشتَاء وَالربيع فِي سرر بطحائها وتوشيحه لخصور ارجائها وَمِمَّا أختصت بِهِ من بَين سَائِر الْبِلَاد التِّين الربي الْمَنْسُوب اليها لَان اسْمهَا فِي الْقَدِيم ربة وَلَقَد أخْبرت أَنه يُبَاع فِي بَغْدَاد على جِهَة الاستطراف وَأما مَا يسفر مِنْهُ الْمُسلمُونَ وَالنَّصَارَى فِي المراكب البحرية فَأكْثر من ان يعبر عَنهُ بِمَا يحصره وَلَقَد اجتزت بهَا مرّة وَأخذت على طَرِيق السَّاحِل من سُهَيْل إِلَى ان بلغت إِلَى بليش قدر ثَلَاثَة أَيَّام مُتَعَجِّبا فِيمَا حوته هَذِه الْمسَافَة من شجر التِّين وان بَعْضهَا ليجتني جَمِيعهَا الطِّفْل الصَّغِير من لزوقها بِالْأَرْضِ وَقد حوت مَا يتعب الْجَمَاعَة كَثْرَة وتين بليش هُوَ الَّذِي قيل فِيهِ لبربري كَيفَ رَأَيْته قَالَ لَا تَسْأَلنِي عَنهُ وصب فِي حلقي بالقفة وَهُوَ لعمر الله مَعْذُور لِأَنَّهُ نعْمَة حرمت بِلَاده مِنْهَا وَقد خصت بِطيب الشَّرَاب الْحَلَال وَالْحرَام حَتَّى سَار الْمثل بِالشرابِ المالقي وَقيل لأحد الخلعاء وَقد اشرف على الْمَوْت اسال رَبك الْمَغْفِرَة فَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ يارب اسألك من جَمِيع مَا فِي الْجنَّة خمر مالقة وزبيبي اشبيلية وفيهَا تنسج الْحلَل الموشية الَّتِي تجَاوز اثمانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الالاف ذَات الصُّور العجيبة المنتخبة برسم الْخُلَفَاء فَمن دونهم وساحلها محط تِجَارَة لمراكب الْمُسلمين وَالنَّصَارَى وَأما المرية فَأَنَّهَا الْبَلَد الْمَشْهُور الذّكر الْعَظِيم الْقدر الَّذِي خص اهله باعتدال المزاج ورونق الديباج ورقة الْبشرَة وَحسن الْوُجُوه والأخلاق وكرم المعاشرة والصحبة وساحلها انظف السواحل واشرحها واملحها منْظرًا وفيهَا الْحَصَا الملون العجيب الَّذِي يَجعله رُؤَسَاء مراكش فِي البراريد والرخام الصَّقِيل الملوكي وواديها الْمَعْرُوف بوادي بجانة من افرج الأودية ضفتاه بالرياض كالعذارين حول الثغر فَحق ان ينشد فِيهَا (ارْض وطِئت الدّرّ رضراضا بهَا ... والترب مسكا والرياض جنَانًا) وفيهَا كَانَ ابْن مَيْمُون الْقَائِد الَّذِي قهر النَّصَارَى فِي الْبَحْر وَقطع سفرهم فِيهِ وَضرب على بِلَاد الرمانية فَقتل وسبى وملأ صُدُور أَهلهَا رعْبًا حَتَّى كَانَ مِنْهُ كَمَا قَالَ اشجع (فَإِذا تنبه رعته وَإِذا غفا ... سلت عَلَيْهِ سيوفك الأحلام) وَبهَا كَانَ محط مراكب النَّصَارَى ومجتمع ديوأنهم وَمِنْهَا كَانَت تسفر لسَائِر الْبِلَاد بضائعهم وَمِنْهَا كَانُوا يوسقون جَمِيع البضائع الَّتِي تصلح لَهُم وَقصد بضبط ذَلِك بهَا حصر مَا يجْتَمع فِي اعشارهم وَلم يُوجد لهَذَا الشَّأْن مثلهَا لكَونهَا متوسطة ومتسعة قَائِمَة بالوارد والصادر وَهِي أَيْضا مصنع للحلل الموشية النفيسة وَأما مرسية فَأَنَّهَا حَاضِرَة شَرق الأندلس ولأهلها من الصرامة والاباء مَا هُوَ مَعْرُوف مَشْهُور وواديها قسيم إشبيلية وَادي اشبيلية كِلَاهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 يَنْبع من شقورة وَعَلِيهِ من والبساتين المتهدلة الاغصان والنواعير المطربة الالحان والاطيار المغردة والازهار المتنضدة مَا قد سَمِعت وَهِي من أَكثر الْبِلَاد فواكه وريحانا وَأَهْلهَا أَكثر النَّاس راحات وفرجا لكَون خَارِجهَا معينا على ذَلِك بِحسن منظره وَهِي بَلْدَة تجهز مِنْهَا الْعَرُوس الَّتِي تنتخب شورتها لَا تفْتَقر فِي شَيْء من ذَلِك إِلَى سواهَا وَهِي للمرية ومالقة فِي صَنْعَة الوشي ثَالِثَة وَقد أختصت بالبسط التنتلية الَّتِي تسفر لبلاد الْمشرق وبالحصر الَّتِي تغلف بهَا الْحِيطَان المبهجة لِلْبَصَرِ إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره وَلم تخل من عُلَمَاء وشعراء وابطال وَأما بلنسية فَإِنَّهَا لِكَثْرَة بساتينها تعرف بمطيب الأندلس ورصافتها من احسن متفرجات الأَرْض وفيهَا الْبحيرَة الْمَشْهُورَة الْكَثِيرَة الضَّوْء والرونق وَيُقَال أَنه لمواجهة الشَّمْس لتِلْك الْبحيرَة يكثر ضوء بلنسية إِذْ هِيَ مَوْصُوفَة بذلك وَمِمَّا خصت بِهِ النسيج البلنسي الَّذِي يسفر لاقطار الْمغرب وَلم تخل من عُلَمَاء وَلَا شعراء وَلَا فرسَان يكابدون مضايقة الْأَعْدَاء ويتجرعون فِيهَا النعماء ممزوجة بالضراء وَأَهْلهَا اصلح النَّاس مذهبا وامتنهم دينا واحسنهم صُحْبَة وارفقهم بالغريب وَأما جَزِيرَة ميورقة فَمن أخصب بِلَاد الله تَعَالَى ارجاء وأكثرها زرعا وَرِزْقًا وماشية وَهِي على انقطاعها من الْبِلَاد مستغنية عَنْهَا يصل فَاضل خَيرهَا إِلَى غَيرهَا إِذْ فِيهَا من الحضارة والتمكن والتمصر وَعظم الْبَادِيَة مَا يغنيها وفيهَا من الْفَوَائِد مَا فِيهَا وَلها فضلاء وابطال اقتصروا على حمايتها من الْأَعْدَاء المحدقة بهَا (من كل من جعل الحسام خَلِيله ... لَا يَبْتَغِي ابدا سواهُ معينا) هَذَا زَان الله تَعَالَى فضلك بالإنصاف وَشرف كرمك بالإعتراف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 مَا حضرني الْآن فِي فضل جَزِيرَة الأندلس وَلم إذكر من بلادها الا مَا كل بلد مِنْهَا مملكة مُسْتَقلَّة يَليهَا مُلُوك بني عبد الْمُؤمن على انْفِرَاد وَغَيرهَا فِي حكم التبع وَأما علماؤها وشعراؤها فَإِنِّي لم أعرض مِنْهُم إِلَّا لمن هُوَ فِي الشُّهْرَة كالصباح وَفِي مسير الذّكر كمسير الرِّيَاح وَأَنا احكي لَك حِكَايَة جرت لي فِي مجْلِس الرئيس الْفَقِيه أبي بكر بن زهر وَذَلِكَ اني كنت يَوْمًا بَين يَدَيْهِ فَدخل علينا رجل عجمي من فضلاء خُرَاسَان وَكَانَ ابْن زهر يُكرمهُ فَقلت لَهُ مَا تَقول فِي عُلَمَاء الأندلس وكتابهم وشعرائهم فَقَالَ كَبرت فَلم افهم مقْصده واستبردت مَا أُتِي بِهِ وَفهم مني أَبُو بكر بن زهر أَنِّي نظرته نظر المستبرد الْمُنكر فَقَالَ لي اقرات شعر المتنبي قلت نعم وحفظت جَمِيعه قَالَ فعلى نَفسك إِذن فلتنكر وخاطرك بقلة الْفَهم فلتتهم فذكرني بقول المتنبي (كَبرت حول دِيَارهمْ لما بَدَت ... مِنْهَا الشموس وَلَيْسَ فِيهَا الْمشرق) فاعتذرت للخراساني وَقلت لَهُ قد وَالله كَبرت فِي عَيْني بِقدر مَا صغرت نَفسِي عِنْدِي حِين لم افهم نبل مقصدك فَالْحَمْد لله الَّذِي اطلع من الْمغرب هَذِه الشموس وَجعلهَا بَين جَمِيع اهله بِمَنْزِلَة الرؤس وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد نبيه الْمُخْتَار من صفوة الْعَرَب وعَلى آله وَصَحبه صَلَاة مُتَّصِلَة إِلَى غابر الحقب كملت رِسَالَة الشقندي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60