الكتاب: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر المؤلف: محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي الحموي الأصل، الدمشقي (المتوفى: 1111هـ) الناشر: دار صادر - بيروت عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر المحبي الكتاب: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر المؤلف: محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي الحموي الأصل، الدمشقي (المتوفى: 1111هـ) الناشر: دار صادر - بيروت عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يَا من أحصى بِلُطْفِهِ الْخَلَائق عددا وجعلهم بمشيئته طرائق قددا كل يعْمل على شاكلته فِي عاجلته لأجلته صلى على صفوتك من أنبيائك الْوَاقِف على سر حَقِيقَة أنبائك سيدنَا مُحَمَّد خَاتم رِسَالَة الرسَالَة الْمُنْتَخب من أكْرم عنصر وَأطيب سلاله وعَلى آله الجامعين لمكارم الْأَخْلَاق وَصَحبه الحائزين من الْفضل مرتبَة الِاسْتِحْقَاق مَا تزينت الطروس بسطور مدائح ذوى المفاخر وتعطرت حدائق الأوراق بنشر أزاهر المآثر (وَبعد) فَإِنِّي من مُنْذُ عرفت الْيَمين من الشمَال وميزت بَين الرشد والضلال لم أزل ولوعا بمطالعة كتب الْأَخْبَار مغرى بالبحث عَن أَحْوَال الكمل الْإِخْبَار وَكنت شَدِيد الْحِرْص على خبر أسمعهُ أَو على شعر تفرق شَمله فأجمعه خُصُوصا لمتأخري أهل الزَّمن المالكين لَازِمَة الفصاحة واللسن من كل ملك تتلى سُورَة فخره بِفَم كل زمَان وأمير لم تَبْرَح صُورَة ذكره تجلى على نَاظر كل مَكَان وأمام لم تنجب أم اللَّيَالِي بمثاله وأديب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 تهتز معاطف البلاغة عِنْد سَماع فَضله وكماله حَتَّى اجْتمع عِنْدِي مَا طَالب وراق وزين بمحاسن لطائفة الأقلام والأوراق فاقتصرت مِنْهُ على أَخْبَار أهل الْمِائَة الَّتِي أنافها وطرحت مَا يُخَالِفهَا من أخيار من تقدمها وينافيها حرصا على جمع مَا لم يجمع وَتَقْيِيد شَيْء مَا قبل إِلَّا ليسمع وَوَقع اخْتِيَاري على إِضَافَة كل أثر إِلَى تَرْجَمَة من أسْند إِلَيْهِ حَسْبَمَا يعول من لَهُ مساس فِي بَاب التَّارِيخ عَلَيْهِ فَصَارَ تَارِيخ رجال وَأي رجال يضيق عِنْد سرد مآثرهم من الدفاتر المجال وَقد وجد عِنْدِي مِمَّا أحتاج إِلَيْهِ من المعونة والْآثَار الْمُتَعَلّقَة بِهَذِهِ الْمُؤْنَة ذيل النَّجْم الغزى وطبقات الصُّوفِيَّة للمناوي وتاريخ الْحسن البوريني وذيله لوالدي المرحوم وخبايا الزوايا والريحانة للخفاجى وذكرى حبيب للبديعي ومنتزه الْعُيُون والألباب لعبد الْبر الفيومي هَذَا مَا عدا المجاميع والتلقيات من الأفواه والمكاتبات وَكَانَ بقى على بعض أَخْبَار الْيمن والبحرين والحجاز وَقد تعسر على فِي طَرِيق تطلب حَقِيقَتهَا الْمجَاز فَلَمَّا من الله على وَله الْمِنَّة والمنحة الَّتِي لَا يشوبها كدر المحنة بالمجاورة فِي بَيته الْمُعظم والالتقاط من بحار أهليه الدّرّ المنظم تلقيت من الأفواه تراجم لِأُنَاس يسيره كَانَت فِي التَّحْصِيل على عسيرة وهم وَإِن كَانُوا قليلين فِي الْعدَد فأنهم كَثِيرُونَ بِسَبَب أَنهم ذَرِيعَة للمدد فِي كل المدد وَقد يُقَال أَن أعداد الْكِبَار الشم الأنوف رُبمَا عدلت عشراتها بالمئين ومثوها بالألوف ثمَّ وقفت فِي أثْنَاء السّنة على ذيل الجمالي مُحَمَّد الشلبي الْمَكِّيّ الَّذِي ذيل بِهِ على النُّور السافر فِي أَخْبَار الْقرن الْعَاشِر للشَّيْخ عبد الْقَادِر ابْن الشَّيْخ العيدروس والمشرع الروي فِي أَخْبَار آل باعلوى لَهُ أَيْضا وعَلى تراجم منقولة من تَارِيخ ألفة الصفي بن أبي الرِّجَال الْيُمْنَى فِي أهل الْيمن فأجلت فكرى فِي مجالها وألحقتها بِحَسب ترتيبها فِي محالها وَكَانَ وصلني خبر الْكتاب الَّذِي أنشأه السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم ذيلا على الريحانة ووسمه بسلافة الْعَصْر فِي شعراء أهل الْعَصْر فَلم أزل حَتَّى حصلته وَقطعت بِهِ أَمر الطّلب ووصلته وأتحفني بعض الأفاضل بذيل الشقائق الَّذِي أَلفه ابْن نَوْعي بالتركية وَضَمنَهُ مُعظم أهل الدولة العثمانية ووصلني بعض الأخوان بِقِطْعَة من تَارِيخ أنشأ الشَّيْخ مَدين القوصوني الْمصْرِيّ ذكر فِيهِ تراجم كبرا الْعلمَاء من أهل القاهر وزين طروس سطورة بمآثرهم الباهرة فكانتا عِنْدِي فاكهتين باكورتين وتحفتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 بِلِسَان البراعة مشكورتين فَجمعت الْجَمِيع على نِيَّة التَّرْتِيب مستعينا فِي خصوصة بالفياض الْمُجيب وأضفت إِلَى تِلْكَ الْأَخْبَار المواليد والوفيات حَسْبَمَا حيرته من التَّعَالِيق الَّتِي هِيَ بِهَذَا الْغَرَض وافيات وَمَا أقدمني على هَذَا الشَّأْن إِلَّا تخلف أَبنَاء الزَّمَان عَن إِحْرَاز خصل الْفضل فِي هَذَا الميدان شعر (لعمر أَبِيك مَا نسب الْمُعَلَّى ... إِلَى كرم وَفِي الدُّنْيَا كريم) (وَلَكِن الْبِلَاد إِذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعى الهشيم) فَإنَّا ذَلِك الهشيم الَّذِي سد مسد الْكَرِيم كَيفَ وَقد نجم نجم الْجَهْل وصوح نبث بَث الْفضل وصدئت الْقُلُوب وَضعف الطَّالِب وَالْمَطْلُوب وَرُبمَا يظنّ أَن مَا تَخَالَجَ فِي صَدْرِي وهجس لرعونة أوجبهَا الْفَرَاغ والهوس كلا بل ذَلِك لأمر يستحنه اللبيب وَيحسن موقعه لَدَى كل أريب لما فِيهِ من بَقَاء ذكر أنَاس شنفت مآثرهم الإسماع وَجمع أشتات فَضَائِل حكم الدَّهْر عَلَيْهَا بالضياع وَلَيْسَ غرضي إِلَّا أَدَاء حَقهم المفترض وَأَبْرَأ إِلَى الله من تُهْمَة الْغَرَض وَإِنِّي وَإِن قصرت فأقصرت وَإِن طولت فاتطولت وَغَايَة البليغ فِي هَذَا الْمِضْمَار الخطير أَن يعْتَرف بالقصور ويلتزم بالتقصير فَإِن الْمَرْء ول بلغ جهده فاللاحاطة فِي هَذَا الشَّأْن لله وَحده وقصدي أَن أُسَمِّهِ (بخلاصة الْأَثر فِي أَعْيَان الْقرن الْحَادِي عشر) وَإِلَى الله أتضرع فِي سد حللي وَستر زللي وَدفن عيبي ورثق فتق جيبي أَنه الْجواد الْكَرِيم وَمِنْه الْهِدَايَة إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَاعْلَم أَن مصطلحي فِي هَذَا الْكتاب إِنِّي رتبته على حُرُوف المعجم ليسهل لمطالعة مَا غم عَلَيْهِ واستعجم وأقدم أَولا الِاسْم الَّذِي أَوله همزَة ممدودة ثمَّ مَا كَانَ أَوله ألف وأقدم من ذَلِك مَا شَاركهُ أَبوهُ فِي اسْمه فَإِذا اتعدد ذَلِك قدمت الاسبق وَفَاة ارْجع فاذكر من بعد حرف الْهمزَة الْحُرُوف الْمُعْجَمَة من أَولهَا إِلَى آخرهَا وأذكر فِي كل حرف مَا فِيهِ من الْأَسْمَاء مقدما مَا كَانَ فِيهِ ثَانِي الِاسْم من الْحُرُوف الْمُقدمَة وَهَكَذَا افْعَل فِي أَسمَاء الأباء فَإِذا انْتهى من وصلني اسْم أَبِيه ذكرت من لم أعرف اسْم أَبِيه مراعيا سبق الْوَفَاة وأكتفي بِذكر الكنية أَو اللقب إِذا اشْتهر صَاحب التَّرْجَمَة بِأَحَدِهِمَا وَلم يرو لَهُ اسْم وأذكر ذَلِك فِي ضمن الْأَسْمَاء وأبتدئ مِنْهَا بِالِاسْمِ ثمَّ باللقب ان اتّفق ثمَّ بالكنية وأذكر ذَلِك النِّسْبَة إِلَى الْبَلَد ثمَّ الأَصْل ثمَّ الذَّهَب غَالِبا وَلَا أورد من أَحْوَال الرجل إِلَّا مَا تلقيته عَن هَذِه التواريخ أَو سمعته من ثِقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 أَو ضَبطه عَن عيان ومشاهدة وَلَا أثبت من الكرامات إِلَّا مَا تحققته وَلَا أعتقد أَنِّي وفيت بِالْمَقْصُودِ وَلَو أُوتيت علم ذَلِك النَّجْم المرصود بل كل مَا آمل من هَذَا المُرَاد نيل سَعَادَة ثَوَاب فِي المبدأ والمعاد فقد ذكر الْحَافِظ عبد الْعَزِيز بن عمر بن فَهد الْمَكِّيّ الْهَاشِمِي فِي تَذكرته الَّتِي سَمَّاهَا نزهة الإبصار لما تألف من الأفكار مَا نَصه مِمَّا نَقله الْوَالِد من مجاميع الميورقي سَمِعت مِمَّن أَثِق بِدِينِهِ وَعَمله بقول أَن الِاشْتِغَال بنشر أَخْبَار فضلاء الْعَصْر وَلَو بتواريخهم من عَلَامَات سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اذهم شُهُود الله تَعَالَى فِي أرضه وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِيمَا أردته وَالله مسددي فِيمَا أوردته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 (حرف الْهمزَة وَالْألف) آدم الرُّومِي الأنطالي الْحَنَفِيّ الْأُسْتَاذ الشهير أحد خلفاء طَريقَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى جلال الدّين الرُّومِي الْمَعْرُوف بمنلا خداوند كار وَكَانَ شيخ زاويتهم الْمَعْرُوفَة بِمَدِينَة الغلطة وَليهَا فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ لَهُ الحظوة التَّامَّة عِنْد اركان دولة بني عُثْمَان سلاطين زَمَاننَا نَصرهم الله تَعَالَى لَا يزَال مَجْلِسه غاصاً بأعيانهم وَهُوَ من بَيت كَبِير بأنطالية على وزن أنطاكية بَلْدَة كَبِيرَة بأراضي قرمان على سَاحل الْبَحْر الرُّومِي وطاؤها فِي نطق الْعَوام تبدل ضاداً ويحذفون نونها فَيَقُولُونَ اضالية ولبيتهم فِيهَا أَمْلَاك وتعلقات جمة وَكَانَ مائلاً إِلَى الترفة والاحتشام الزَّائِد وَكَانَ إِذا ركب مَشى فِي ركابه مَا يُقَارب الْمِائَة رجل من حفدته ومريديه وَكَانَ للنَّاس عَلَيْهِ إقبال زَائِد وَمَعَ ذَلِك كَانَ ملازماً على الْعِبَادَة والوعظ وَكَانَ يحل المثنوي حلا جيدا وَكَانَ فِي أَوَائِل أمره مفرط السخا لَا تكَاد عطيته تنقص عَن مائَة دِينَار وَحكى بعض الأفاضل مِمَّن يعرفهُ أَنه كَانَ فِي عهد السُّلْطَان مُرَاد ظهر شخص يتقن ضرب الطنبور فشغف بِهِ السُّلْطَان وَطَلَبه لَيْلَة فَوجدَ عِنْد آدم هَذَا فَأتوا بِهِ فَقَالَ لَهُ كم كَانَت جائزتك فَقَالَ هَا هِيَ بيَدي وَكَانَت مائَة دِينَار وَكَانَ الْمَشَايِخ الغلطة فِي ذَلِك الْعَهْد مِيقَات فِي دَاخل حرم السلطنة فِي كل شهر لَيْلَة يُقِيمُونَ فِيهَا السماع بِحَضْرَة السُّلْطَان بِأَن ينقص معلومهم بمسمع من آدم وَقَالَ لجماعته قُولُوا لَهُ العطايا مهما كثرت لَا تبلغ عطيته فَكف عَن ذَلِك الْعَهْد كَفه عَن الإفراط وَاقْتصر على مَا هُوَ مُتَعَارَف عِنْد الدولة وسافر آخر أمره إِلَى الْقَاهِرَة من طَرِيق الْبَحْر بنية الْحَج فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف فَمَرض بِمصْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 مُدَّة وَتُوفِّي بهَا وَكَانَت وَفَاته فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن إِبْرَاهِيم بن حسن بن عَليّ بن عَليّ بن عَليّ بن عبد القدوس ابْن الْوَلِيّ الشهير مُحَمَّد بن هَارُون المترجم فِي طَبَقَات الشعراني وَهُوَ الَّذِي كَانَ يقوم لوالد سَيِّدي إِبْرَاهِيم الدسوقي إِذا مر عَلَيْهِ وَيَقُول فِي ظَهره ولي يبلغ صيته الْمغرب والمشرق وَهَذَا الْمَذْكُور هُوَ الإِمَام أَبُو الأمداد الملقب برهَان الدّين اللَّقَّانِيّ الْمَالِكِي أحد الْأَعْلَام الْمشَار إِلَيْهِم بسعة الِاطِّلَاع فِي علم الحَدِيث والدراية والتبحر فِي الْكَلَام وَكَانَ إِلَيْهِ الْمرجع فِي المشكلات والفتاوي فِي وقته بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ قوي النَّفس عَظِيم الهيبة تخضع لَهُ الدولة ويقبلون شَفَاعَته وَهُوَ مُنْقَطع عَن التَّرَدُّد إِلَى وَاحِد من النَّاس يصرف وقته فِي الدَّرْس والإفادة وَله نِسْبَة هُوَ وقبيلته إِلَى الشّرف لكنه لَا يظهره تواضعاً مِنْهُ وَكَانَ جَامعا بَين الشَّرِيعَة والحقيقة لَهُ كرامات خارقة ومزايا باهرة حكى الشهَاب البشبيشي قَالَ وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَن الشَّيْخ الْعَلامَة حجازي الْوَاعِظ وقف يَوْمًا على درسه فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة تذهبون أَو تجلسون فَقَالَ لَهُ اصبر سَاعَة ثمَّ قَالَ وَالله يَا إِبْرَاهِيم مَا وقفت على درسك إِلَّا وَقد رَأَيْت رَسُول الله وَاقِفًا عَلَيْهِ وَهُوَ يسمعك حَتَّى ذهب وَألف التآليف النافعة وَرغب النَّاس فِي استكتابها وقراءتها وأنفع تأليف لَهُ منظومته فِي علم العقائد الَّتِي سَمَّاهَا بجوهرة التَّوْحِيد أَنْشَأَهَا فِي لَيْلَة بِإِشَارَة شَيْخه فِي التربية والتصوف صَاحب المكاشفات وخوارق الْعَادَات الشَّيْخ الشرنوبي ثمَّ إِنَّه بعد فَرَاغه مِنْهَا عرضهَا على شَيْخه الْمَذْكُور فحمده ودعا لَهُ وَلمن يشْتَغل بهَا بمزيد النَّفْع وأوصاه شَيْخه الْمَذْكُور أَن لَا يعْتَذر لأحد عَن ذَنْب أَو عيب بلغه عَنهُ بل يعْتَرف لَهُ بِهِ وَيظْهر لَهُ التَّصْدِيق على سَبِيل التورية كالتزكية النَّفس فَمَا خَالفه بعد ذَلِك أبدا وَحكى أَنه كَانَ شرع فِي إقراء الْمَنْظُومَة الْمَذْكُورَة فَكتب مِنْهَا فِي يَوْم وَاحِد خَمْسمِائَة نُسْخَة والف عَلَيْهَا ثَلَاثَة شُرُوح والأوسط مِنْهَا لم يحرره فَلم يظْهر وَله توضيح الْأَلْفَاظ إِلَّا جرومية وَقَضَاء الوطر من نزهة النّظر فِي توضيح نخبة الْأَثر لِلْحَافِظِ ابْن حجر وإجمال الْوَسَائِل وبهجة المحافل بالتعريف برواة الشمايل ومنار أصُول الْفَتْوَى وقواعد الْإِفْتَاء بالأقوى وَعقد الجمان فِي مسَائِل الضَّمَان ونصيحة الإخوان باجتناب شرب الدُّخان وَقد عارضها معاصره الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد الأَجْهُورِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الْمَالِكِي برسالة أولى وثانية أثبت فيهمَا القَوْل بِحل شربه مَا لم يضر وَله حَاشِيَة على مُخْتَصر خَلِيل وَكتاب تحفة درية على أبهلول بأسانيد جَوَامِع أَحَادِيث الرَّسُول هَذِه مؤلفاته الَّتِي كملت وَأما الَّتِي لم تكمل فَمِنْهَا تَعْلِيق الْفَوَائِد على شرح العقائد للسعد وَشرح تصريف الْعُزَّى للسعد أَيْضا سَمَّاهُ خُلَاصَة التَّعْرِيف بدقائق شرح التصريف وحاشية على جمع الْجَوَامِع سَمَّاهَا بالبدور اللوامع من خدور جمع الْجَوَامِع وَجمع جُزْءا فِي مشيخته سَمَّاهُ نثر المآثر فِيمَن أدْرك من الْقرن الْعَاشِر ذكر فِيهِ كثيرا من مشايخه من اجلهم عَلامَة الْإِسْلَام شمس الْملَّة وَالدّين مُحَمَّد الْبكْرِيّ الصديقي وَالشَّيْخ الإِمَام مُحَمَّد الرَّمْلِيّ شَارِح الْمِنْهَاج والعلامة أَحْمد بن قَاسم صَاحب الْآيَات الْبَينَات وَغَيرهم من الشافعيه وَشَيخ الْإِسْلَام عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي وَالشَّمْس مُحَمَّد التحريري وَالشَّيْخ عمر بن نجيم من الْحَنَفِيَّة وَالشَّيْخ مُحَمَّد السنهوري وَالشَّيْخ طه وَالشَّيْخ أَحْمد المنياوي وَعبد الْكَرِيم البرموني مؤلف الْحَاشِيَة على مُخْتَصر خَلِيل وَغَيرهم من الْمَالِكِيَّة وَمن مشايخه فِي الطَّرِيق الشَّيْخ أَحْمد البُلْقِينِيّ الوزيري وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن الترجمان وَجَمَاعَة كَثِيرَة غَيرهم وَذكر أَنه لم يكثر عَن أحد مِنْهُم مثل مَا أَكثر عَن الإِمَام الْهمام أبي النجا سَالم السنهوري ويليه الشَّيْخ مُحَمَّد البهنسي لِأَنَّهُ كَانَ يخْتم فِي كل ثَلَاث سِنِين كتابا من أُمَّهَات الحَدِيث فِي رَجَب وَشَعْبَان ورمضان لَيْلًا وَنَهَارًا ويليه الشَّيْخ يحيى الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي إِمَام النَّاس فِي الحَدِيث تحريراً وإتقاناً شيخ رواق ابْن معمر بِجَامِع الْأَزْهَر هَكَذَا ذكر الشَّيْخ الإِمَام أَحْمد بن احْمَد العجمي الْمصْرِيّ الْآتِي ذكره فِي تَرْجَمَة اللَّقَّانِيّ من مشيخته لَكِن أَطَالَ فِي تعداد مشايخه أَكثر مِمَّا ذكرته وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُتَّفق على جلالته وعلو شَأْنه وَأخذ عَنهُ كثير من الأجلاء مِنْهُم وَلَده عبد السَّلَام وَالشَّمْس البابلي والْعَلَاء الشبراملسي ويوسف الفيشي وَيس الْحِمصِي وحسين النماوي وحسين الخفاجي وَأحمد العجمي وَمُحَمّد الْخَرشِيّ الْمَالِكِي وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة وَلم يكن أحد من عُلَمَاء عصره أَكثر تلامذه مِنْهُ وَكَانَ كثير الْفَوَائِد وينقل عَنهُ مِنْهَا أَشْيَاء كَثِيرَة مِنْهَا أَن من قَرَأَ على الْمَوْلُود وَيَد القارىء على رَأس الْمَوْلُود لَيْلَة وِلَادَته سُورَة الْقدر لم يزن فِي عمره أبدا وبخطه أَيْضا المنجيات على طَريقَة (يس تنجي من دُخان الْوَاقِعَة ... وَالْملك وَالْإِنْسَان نعم الشافعه) (ثمَّ البروج لَهَا انْشِرَاح هَذِه ... سبع وَهن المنجيات النافعة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وعَلى طَريقَة أُخْرَى (جرز وَيس الَّتِي قد فصلت ... تنجي الموحد من دُخان الْوَاقِعَة) (وَتَمام سبع المنجيات بحشرها ... وَالْملك فاحفظها فَنعم الشافعه) (والمنقذات السَّبع سُورَة كوثر ... متتاليات ثمَّ سِتّ تَابعه) (والمهلكات السَّبع قل مزمل ... ثمَّ البروج وطارع هِيَ قاطعه) (ثمَّ الضُّحَى وَالشَّرْح مَعَ قدر ... لئيلاف لَا هَلَاك الْعَدو مسارعه) وَنقل فِي شَرحه على الْجَوْهَرَة قَالَ لَيْسَ للشدائد والغموم مِمَّا جربه المعتنون مثل التوسل بِهِ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَمِمَّا جرب فِي ذَلِك قصيدتي المقلبة بكشف الكروب بملاحات الحبيب والتوسل بالمحبوب الَّتِي أنشأتها بِإِشَارَة وَردت على لِسَان الخاطر الرحماني عِنْد نزُول بعض الملمات فَانْكَشَفَتْ بِإِذن خَالق الأَرْض وَالسَّمَوَات وَكَاشف الْمُهِمَّات لَا إِلَه غَيره وَلَا خير إِلَّا خَيره وَهِي (يَا أكْرم الْخلق قد ضَاقَتْ بِي السبل ... ودق عظمي وَغَابَتْ عني الْحِيَل) (وَلم أجد من عَزِيز أستجير بِهِ ... سوى رَحِيم بِهِ تستشفع الرُّسُل) (مشمر السَّاق يحمي من يلوذ بِهِ ... يَوْم الْبلَاء إِذا مَا لم يكن بَلل) (غوث المحاويج إِن مَحل ألم بهم ... كَهْف الضِّعَاف إِذا مَا عَمها الوجل) (مُؤَمل البائس الْمَتْرُوك نصرته ... مكرم حِين يَعْلُو سره الخجل) (كنز الْفَقِير وَعز الْجُود من خضعت ... لَهُ الْمُلُوك وَمن تحيا بِهِ الْمحل) (من لِلْيَتَامَى بِمَال يَوْم أزمتهم ... وللأرامل ستر سابغ خضل) (لَيْث الْكَتَائِب يَوْم الْحَرْب إِن حميت ... وطيسها واستحد الْبيض والأسل) (من ترتجي فِي مقَام الهول نصرته ... وَمن بِهِ تكشف الغماء والغلل) (مُحَمَّد ابْن عبد الله ملجاؤنا ... يَوْم التنادي إِذا مَا عمنَا الوهل) (الفاتح الْخَاتم الميمون طَائِره ... بَحر الْعَطاء وكنز نَفعه شَمل) (الله أكبر جَاءَ النَّصْر وانكشفت ... عَنَّا الغموم وَولي الضّيق وَالْمحل) (بعزمة من رَسُول الله صَادِقَة ... وهمة يمتطها الحازم البطل) (أغث أغث سيد الكونين قد نزلت ... بِنَا الرزايا وَغَابَ الْخلّ والأخل) (ولاح شيبي وَولي الْعُمر مُنْهَزِمًا ... بعسكر الذَّنب لَا يلوى بِهِ عجل) (كن للمعنى مغيثاً عِنْد وحدته ... وَكن شَفِيعًا لَهُ إِن زلت النَّعْل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 (فجملة القَوْل أَنِّي مذنب وَجل ... وَأَنت غوث لمن ضَاقَتْ بِهِ السبل) (صلى عَلَيْك إلهي دَائِما أبدا ... مَا إِن تعاقبت الضحواء وَالْأَصْل) (وآلك الغر والصحب الْكِرَام كَذَا ... مُسلما وَالسَّلَام الطّيب الحفل) وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ رَاجع من الْحَج سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بِالْقربِ من عقبَة أَيْلَة بطرِيق الركب الْمصْرِيّ وَفِي هَذِه السّنة توفّي الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْمقري الْمَالِكِي الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ فيهمَا الْمُصْطَفى ابْن محب الدّين الدِّمَشْقِي يرثيهما شعر (مضى الْمقري أثر اللَّقَّانِيّ لاحقاً ... أمامان مَا للدهر بعدهمَا خلف) (فبدر الدجى أجْرى على الخد دمعة ... فأثر ذَاك الدمع مَا فِيهِ من كلف) واللقاني بِفَتْح اللَّام ثمَّ قَاف وَألف وَنون نسبته إِلَى لقانة قَرْيَة من قرى مصر وأيلة بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة من تَحت وَلَام وهاء وَهِي كَانَت مَدِينَة صَغِيرَة وَكَانَ بهَا زرع يسير وَهِي مَدِينَة الْيَهُود الَّذين جعل مِنْهُم القردة والخنازير وعَلى سَاحل بَحر القلزم وَهِي فِي زَمَاننَا برج وَبهَا وَال من مصر وَلَيْسَ بهَا مزدرع وَكَانَ لَهَا قلعة فِي الْبَحْر فأبطلت وَنقل الْوَالِي إِلَى البرج فِي السَّاحِل كَذَا فِي تَقْوِيم الْبَلَد إِن للْملك الْمُؤَيد اسماعيل صَاحب حماه إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن إِسْمَاعِيل الدنابي الْعَوْفِيّ نسبته إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي الأَصْل الْمصْرِيّ المولد والوفاة كَانَ من أَعْيَان الأفاضل لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْفَرَائِض والحساب مَعَ التبحر فِي الْفِقْه وَغَيره من الْعُلُوم الدِّينِيَّة وَهُوَ حنبلي الْمَذْهَب نَشأ بِمصْر وَأخذ الْفِقْه عَن الْعَلامَة مَنْصُور البهوتي والْحَدِيث عَن جمع من شُيُوخ الْأَزْهَر وَأَجَازَهُ غَالب شُيُوخه وَألف مؤلفات مِنْهَا شرح على مُنْتَهى الارادات فِي فقه مذْهبه فِي مجلدات ومناسك الْحَج فِي مجلدين ورسائل كَثِيرَة فِي الْفَرَائِض والحساب وَكَانَ لطيف المذاكرة حسن المحاضرة قوي الفكرة وَاسع الْعقل وَكَانَ فِيهِ رياسة وحشمة موفورة ومروءة وَكَانَ من محَاسِن مصرفي كَمَال أدواته وعلومه مَعَ الْكَرم المفرط وَالْإِحْسَان إِلَى أهل الْعلم والمترددين إِلَيْهِ وَكَانَ حسن الْخلق والأخلاق وَكَانَ يرجع إِلَيْهِ فِي المشكلات الدُّنْيَوِيَّة لِكَثْرَة تدبره فِي الْأُمُور ومنازلته لَهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ حَسَنَة من حَسَنَات الزَّمَان وَكَانَت وِلَادَته بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَتُوفِّي بهَا فَجْأَة ظهر يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 من ربيع الثَّانِي سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ ضحى يَوْم الثُّلَاثَاء وَدفن بتربة الطَّوِيل عِنْد وَالِده رحمهمَا الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم بن أبي الْيمن بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن أَحْمد البتروني الأَصْل الْحلَبِي المولد الْحَنَفِيّ الْفَاضِل الأديب الْمَشْهُور صدر قطر حلب بعد أَبِيه اشْتغل فِي عنفوان عمره وسلك طَرِيق الْقَضَاء وَتَوَلَّى مناصب عديدة مِنْهَا حماة ثمَّ ترك وَعَكَفَ على دفاتره وتشييد مفاخره وتفرغ لَهُ أَبوهُ عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ من مدارس وجهات وَبقيت فِي يَده سوى إفناء الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهَا وجهت إِلَى غَيره وَكَانَ حسن المحاضرة شَاعِرًا مطبوعاً وشعره كثير الْملح والنكت حسن الديباجة أنْشد لَهُ البديعي فِي ذكرى حبيب قَوْله فِي فتح الله بن النّحاس الشَّاعِر الْمَشْهُور الْآتِي ذكره وَكَانَ يمِيل إِلَيْهِ قَالَ وَكَانَ فتح الله مَعَ تفرده بالْحسنِ ولوعاً بالتجني وَسُوء الظَّن بَصيرًا بِأَسْبَاب العتب يبيت على سلم وَيَغْدُو على حَرْب كم من متيم فِي حبه رعى النَّجْم فرقا من الهجر لَو رعاه زهادة لَا دَرك لَيْلَة الْقدر بَخِيلًا بنزر الْكَلَام يضن حَتَّى برد السَّلَام شعر (مهلك العشاق مهلا ... فِيك لي مِنْك انتقام) (بشعيرات كمسك ... هن للمسك ختام) وَله فِيهِ أَيْضا من أَبْيَات (بيني وَبَيْنك مُدَّة فَإِذا انْقَضتْ ... كنت الجدير بِأَن تعزى فِي الورى) (رفقا بقلب أَنْت فِيهِ سَاكن ... إِن الْحَيَاة إِذا قضى لَا تشترى) (فاردد على طرفِي الْمَنَام لَعَلَّه ... يلقى خيالاً مِنْك فِي سنة الْكرَى) (واسأل عيُونا لَا تمل من البكا ... عَن حالتي بنبيك دمعي مَا جرى) وَقَالَ فِيهِ أَيْضا وَقد عشق مليحاً اسْمه مُوسَى فتجنى عَلَيْهِ (كل فِرْعَوْن لَهُ مُوسَى وَذَا ... فِي الْهوى موساك يوليك النكد) (فَكَمَا أكمدت من يهواك بالصد ... مت صدا وذق طعم الكمد) وَمن شعره قَوْله من قصيدة فِي الْأَمِير مُحَمَّد بن سَيْفا مطْلعهَا (أربى على شجو الْحمام الغرد ... وشداً فبرح بالحسان الحرد) (شاد يشاد بِهِ السرُور لمعشر ... عمر ومجالس أنسهم بالصرخد) (فِي مجْلِس قَامَ الصفاء بِهِ على ... سَاق وشمر للمسرة عَن يَد) إِلَى أَن يَقُول فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 (وَلَقَد شَكَوْت لَهُ الْهوى ليرق لي ... فنأى عَن المضنى بلقب جلمد) (وَأبي سوى رقى فَقلت لَهُ اتئد ... إِنِّي رَفِيق للأمير مُحَمَّد) وَله غير ذَلِك من محَاسِن الشّعْر وعيونه وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف عَن نَحْو أَربع وَسبعين سنة وَدفن بِجَانِب وَالِده بالصالحية والببتروني بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة ثمَّ رَاء وواو وَنون نِسْبَة إِلَى البترون بليدَة بِالْقربِ من طرابلس الشَّام خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء وَأول من دخل حلب من بَيت البتروني هَؤُلَاءِ عبد الرَّحْمَن جد إِبْرَاهِيم هَذَا دَخلهَا فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وتوطنها وَسَنذكر من هَذَا الْبَيْت عدَّة رجال أنجبت بهم الشَّهْبَاء الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن يُوسُف بن حُسَيْن بن يُوسُف بن مُوسَى الحصكفي الأَصْل الْحلَبِي المولد العباسي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن المنلا وَسَيَأْتِي وَالِده أَحْمد شَارِح مُغنِي اللبيب وَأَخُوهُ مُحَمَّد فقد أفرد فِي ظلّ أَبِيه وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم وَتخرج عَلَيْهِ فِي الْأَدَب وَأخذ عَن الْبَدْر مَحْمُود البيلوني وَعَن الشَّيْخ عمر العرضي وَكتب إِلَيْهِ جدي القَاضِي محب الدّين بِالْإِجَازَةِ من دمشق فِي سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَحج بعد الْألف وَرجع إِلَى حلب وانعزل عَن النَّاس وَلزِمَ المطالعة وَالْكِتَابَة والتلاوة لِلْقُرْآنِ كثيرا وَكَانَ صافي السريرة لَا تعهد لَهُ زلَّة ونطم الدُّرَر وَالْغرر فِي فقه الْحَنَفِيَّة من بَحر الرجز وَدلّ على ملكته الراسخة فَإِن الْعَادة فِيمَا ينظم أَن يكون مُخْتَصرا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يغلب على طبعه الْأَدَب وَكَانَ لَهُ حسن محاضرة وَله شعر قَلِيل منقح مِنْهُ قَوْله (وَلما انطوت بِالْقربِ شقة بَيْننَا ... وَغَابَتْ وشَاة دُوننَا وعيون) (بسطت لَهَا والوجد يعبث بالحشا ... شجون حَدِيث والْحَدِيث شجون) الحَدِيث شجون مثل من أَمْثَال الْعَرَب وَأَصله ذُو شجون أَي ذُو طرق وَالْوَاحد شجن بِسُكُون الْجِيم وَقد نظم أَبُو بكر الْقُهسْتَانِيّ هَذَا الْمثل ومثلاً آخر فِي بَيت وَاحِد وَأحسن مَا شَاءَ وَهُوَ قَوْله (تذكر نجداً والْحَدِيث شجون ... فجن اشتياقاً وَالْجُنُون فنون) وَلابْن المنلا من قصيدة قرظ بهَا شعرًا ليوسف بن عمرَان الْحلَبِي الشَّاعِر الْمَشْهُور (أطرسك هَذَا أم لجين مَذْهَب ... ونظمك أم خمر لهمى مَذْهَب) (وَتلك سطور أم عُقُود جَوَاهِر ... وزهر سَمَاء أم هُوَ الرَّوْض مخصب) (وَتلك معَان أم غوان تروق ... للعيون وباللحن المسامع تطرب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 (فيا حبذا هذي القوافي الَّتِي بِمن ... يعارضها ظفر الْمنية ينشب) (لقد أحكمتها فكرة ألمعية ... فكدت لَهَا من رقة النّظم أشْرب) (فَمن غزل كم هز ذَا صبوة إِلَى التصابي ... فأضحى بالغزال يشبب) (فيا بَحر فضل فائض بلآلىء ... لَهَا فكرك الْوَقَّاد مَا زَالَ يثقب) (ظَنَنْت بأنى للخطوب مؤهل ... فأرسلته شعرًا لنظمي يخْطب) (فعذراً فَإِن الْفِكر فِي مشتت ... وعقلي بأيدي حَادث الدَّهْر ينهب) فَقَوله فكدت لَهَا من رقة النّظم أشْرب حسن وَالْأَحْسَن أَن ينْسب الشّرْب إِلَى السّمع كَمَا قَالَ الآخر فِي وصف قصيدة تكَاد من عذوبة الْأَلْفَاظ تشربها مسامع الْحفاظ وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بعد الثَّلَاثِينَ وَألف بِقَلِيل والحصكفي بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفتح الْكَاف وَفِي آخرهَا الْفَاء هَذِه النِّسْبَة إِلَى حصن كيفا وَهِي من ديار بكر قَالَ فِي الْمُشْتَرك وحصن كيفا على دجلة بَين جَزِيرَة ابْن عمر وميا فارقين وَكَانَ الْقيَاس أَن ينسبوا إِلَيْهِ الحصنى وَقد نسبوا إِلَيْهِ أَيْضا كَذَلِك لَكِن إِذا نسبوا إِلَى اسْمَيْنِ أضيف أَحدهمَا إِلَى الآخر ركبُوا من مَجْمُوع الاسمين اسْما وَاحِدًا ونسبوا إِلَيْهِ كَمَا فعلوا هُنَا وَكَذَلِكَ نسبوا إِلَى رَأس عين رسعني وَالِي عبد الله وَعبد شمس وَعبد الدَّار عبدلي وعبشمي وعبدري وَكَذَلِكَ كل مَا هُوَ نَظِير هَذَا والعباسي نِسْبَة إِلَى الْعَبَّاس عَم النَّبِي فقد ذكر أَن جده كَانَ مَنْسُوبا إِلَيْهِ واشتهر بَيتهمْ فِي حلب بِبَيْت المنلا لِأَن جد وَالِد ابراهيم هَذَا كَانَ يعرف بمنلا حاجي وَكَانَ قَاضِي قُضَاة تبريز وَله شرح على الْمُحَرر فِي فقه الشَّافِعِي للرافعي وحاشية على شرح العقائد للتفتازاني سَمَّاهَا تحفة الْفَوَائِد لشرح العقائد وحشى شرح الطوالع وَشرح الشاطبية وفصوص ابْن عَرَبِيّ وَكتب على الجغميني فِي الْهَيْئَة شَيْئا الْمولى إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن مُحَمَّد الكواكبي الْحلَبِي قَاضِي مَكَّة من أجلاء الْعلمَاء قَرَأَ فِي مبادي عمره على الشَّيْخ الإِمَام عمر العرضي وعَلى وَالِده فِي مقذمات الْعُلُوم حَتَّى حصل ملكة ثمَّ توجه إِلَى دَار الْخلَافَة وسلك طرق الموَالِي وَقَرَأَ على بعض أفاضل الرّوم حَتَّى صَارَت لَهُ الملكة التَّامَّة ثمَّ من الله عَلَيْهِ فَتزَوج بابنة الْمولى عبد الْبَاقِي بن طورسون واستصحبه مَعَه لما ولى قَضَاء مصر إِلَيْهَا فَحصل لَهُ مَالا جزيلاً ثمَّ رَجَعَ فِي خدمته إِلَى قسطنطينية فَمَاتَ ابْن طورسون ثمَّ مَاتَت الزَّوْجَة وتصرم المَال وَقصر فِي النهوض فَأخذ بعد اللتيا وَالَّتِي مدرسة أيا صوفية ثمَّ لم يطْلب عزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 نَفسه عَن الْمدرسَة فَلَا يوافقونه حَتَّى تَركهَا شاغرة من غير أَخذ مَعْلُوم وَلَا إِلْقَاء درس أصلا وَكَانَ أَيَّام الِانْفِصَال الْكَبِير ورد حلب ووالداه حَيَّان فَنزل عِنْد وَالِده فشكت أمه إِلَيْهِ من أَبِيه مَا يصنع بهَا فَتَشَاجَرَ هُوَ وَأَبوهُ وتقضايا ورحل عَن دَار وَالِده وَصَارَ كل يسب الآخر فاسترضى العرضي الْمَذْكُور وَجَمَاعَة من الْعلمَاء الابْن ثمَّ أَخَذُوهُ إِلَى وَالِده فَقبل يَده وتباريا من الطَّرفَيْنِ وَآخر الْأَمر أعْطى قَضَاء مَكَّة فَسَار من مصر بحراً ثمَّ أَرَادَ أَن ينْقل ابْنه من سفينة صَغِيرَة إِلَى مركب مَخَافَة عَلَيْهِ وَحمله إِلَى الْمركب فَسقط إِلَى الْبَحْر وغرق وَتَنَاول بعض الْخدمَة الْوَلَد فنجا وَلَك حِين توجهه عِنْد جده فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَكَانَ عمره نَحْو سبعين سنة وَبَنُو الكواكبي بحلب طَائِفَة كَبِيرَة سَيَأْتِي مِنْهُم فِي كتَابنَا هَذَا جمَاعَة وَكلهمْ عُلَمَاء وصوفية وَأول من اشْتهر مِنْهُم مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمُتَوفَّى سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة ذكره ابْن الْحَنْبَلِيّ فِي تَارِيخه قَالَ وَدفن بجوار الْجَامِع الْمَعْرُوف الْآن بِجَامِع الكواكبي بمحلة الجلوم بِمَدِينَة حلب وعمرت عَلَيْهِ قبَّة من مَال كافل حلب سيباي الجركسي وَكَانَت طَرِيقَته أردبيلية وَإِنَّمَا قيل لَهُ الكواكبي لِأَنَّهُ كَانَ فِي مبدأ أمره حدّاداً يعْمل المسامير الكواكبية ثمَّ فتح الله عَلَيْهِ وحصلت لَهُ الشُّهْرَة الزَّائِدَة السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم بن سُلَيْمَان بن سليم بن بايزيد ابْن مُحَمَّد بن مُرَاد بن مُحَمَّد بن بلدرم بايزيد بن مُرَاد بن أورخان بن عُثْمَان بن أرطغرل ابْن سُلَيْمَان شاه السُّلْطَان الْأَعْظَم أحد مُلُوك آل عُثْمَان المطوق بِعقد مفاخرهم جيد الزَّمَان قد تقرر أَن أصل بَيتهمْ من التركمان النزالة الرحالة من طَائِفَة التاتار وَيَنْتَهِي نسبهم إِلَى يافث بن نوح وَهُوَ الجدّ السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ للسُّلْطَان إِبْرَاهِيم وَلما كَانَت أَسمَاؤُهُم أَعْجَمِيَّة أضربت عَن ذكرهَا لطولها واستعجامها وَرُبمَا يَقع فِيهَا التَّصْحِيف والتحريف إِن لم يضْبط شَيْء مِنْهَا وَلَا حَاجَة إِلَى الْإِحَاطَة فِيهَا بِلَا فَائِدَة فَإِنَّهَا مَذْكُورَة فِي التواريخ التركية وَأما ذكر مبدأ ظُهُورهمْ فَهُوَ شَائِع مَشْهُور وَقد تكفل بِهِ غير وَاحِد من المؤرخين فَلَا نطيل بِذكرِهِ وَنَرْجِع إِلَى مَا هُوَ الْغَرَض من تَرْجَمَة السُّلْطَان إِبْرَاهِيم فَنَقُول تولى السلطنة بعد موت أَخِيه السُّلْطَان مُرَاد فِي تَاسِع شَوَّال سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَقيل فِي تَارِيخه على لِسَانه استعنت بِاللَّه وَكَانَ ملكا مُعظما حسن المنظر سمح الْكَفّ وَكَانَ زَمَانه أَنْضَرُ الْأَزْمَان وعصره أحسن العصور وأطاعته جَمِيع الممالك وسكنت بيمن دولته الْفِتَن واعتدل بِهِ الزَّمن وَفِيه يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الْأَمِير منجك بن مُحَمَّد المنجكي الدِّمَشْقِي قصيدته الَّتِي مدحه بهَا وَهِي من غرر القصائد ومطلعها (لَو كنت أطمع بالمنام توهماً ... لسألت طيفك أَن يزور تكرما) (حاشا صدودك أَن تذم فَإِنَّهَا ... تحلو لديّ وَإِن أسيغت علقما) (فاهجر فهجرك لي الْتِفَات مَوَدَّة ... أَلْقَاهُ مِنْك تحنناً وترحما) (عذب فُؤَادِي بِالَّذِي تختاره ... لَو كنت منسياً تركت وَإِنَّمَا) (لَو لم تكن بغبار طرفك أكحلت ... عين الغزالة صدّها وَجه الدما) وَمن جُمْلَتهَا وَهُوَ مَحل الشَّاهِد (ملك من الْإِيمَان جرّد صَارِمًا ... بِالْحَقِّ حَتَّى الْكفْر أصبح مُسلما) (لَو شَاهد المطرود سطوة بأسه ... فِي صلب آدم للسُّجُود تقدّما) (الْعدْل أخرس كَانَ قبل زَمَانه ... أَذِنت لَهُ الْأَيَّام أَن يتكلما) (لم تخط آساد الفلا فِي عَهده ... بَين الشقائق خيفة أَن تتهما) (عقد المثار على العداة سحائباً ... لَوْلَا الحيا لَقِي العدا مِنْهَا دَمًا) (ودعت ظباه الطير حَتَّى أَنه ... قد كَاد يسْقط فرخه نسر السما) وَكَانَ صَاحب طالع سعيد مَا جهز جَيْشًا إِلَى نَاحيَة إِلَّا انتصر وَلَا قصد فتح بلد إِلَّا ظفر وَمن الفتوحات الَّتِي وَقعت فِي عَهده فتح قلعة ازاق وَكَانَ أهل دائرتها من الْكفَّار أظهرُوا الشقاق فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا فافتتحوها فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَمِنْهَا فتح خَانِية أحد الْبِلَاد الْمَشْهُورَة بِجَزِيرَة اقريطش بِفَتْح الْألف وَسُكُون الْقَاف وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة من تَحت وَكسر الطَّاء الْمُهْملَة وَفِي آخرهَا شين مُعْجمَة وتعرف الْآن بِجَزِيرَة كريت وَكَانَت الْمُلُوك الفرنج المعروفين بالبندقية وَهَذِه الجزيرة من أعظم الجزائر وأكبرها تشْتَمل على بلادورساتيق كَثِيرَة وَذكر بعض من دَخلهَا أَن بهَا من الْقرى أَرْبعا وَعشْرين ألف قَرْيَة وَأَن دورها ثلثمِائة وَخَمْسُونَ ميلًا وَذكر فِي كتاب الْفرس أَن دورها مسيرَة خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهِي ذَات رياض نَضرة وَبهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه وَالثِّمَار وخيراتها وافرة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهَا من أحاسن الجزائر وَكَانَ السُّلْطَان إِبْرَاهِيم أرسل إِلَيْهَا عساكره بالسفن الْكَثِيرَة وَقدم عَلَيْهِم حَاكم الْبَحْر يُوسُف باشا الْوَزير فَدخل الجزيرة وحاصر قلعة خَانِية وافتتحها وَكَانَ ذَلِك فِي عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخمسين وَألف ثمَّ قدم بَعْدَمَا قدم إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة قَتله السُّلْطَان لأمر نقمة عَلَيْهِ وَأمر مَكَانَهُ الْوَزير الْكَبِير حُسَيْن باشا الْمَعْرُوف بدالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 حُسَيْن وجهز مَعَه عدَّة من وزرائه وأمرائه إِلَى فتح الجزيرة بِتَمَامِهَا فوصل إِلَيْهَا ونازل قلعة رتمو واستعان عَلَيْهَا باللغم حَتَّى أهلك خلقا كثيرا من الفرنج بِسَبَب ذَلِك وَفتحهَا وَاسْتولى على جَمِيع قرى الجزيرة وَلم يبْق مِنْهَا مِمَّا خرج عَن ملك آل عُثْمَان فِي تِلْكَ الجزيرة إِلَّا قلعة قندية وَطَالَ أمرهَا مُدَّة مديدة حَتَّى فتحت فِي زمن سُلْطَان زَمَاننَا السُّلْطَان مُحَمَّد كَمَا سنذكر تَفْصِيل فتحهَا فِي تَرْجَمَة الْوَزير أَحْمد باشا الْفَاضِل وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن السُّلْطَان إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور كَانَ مَيْمُون النقيبة مَنْصُور الكتيبة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة أَربع وَعشْرين وَألف وخلع عَن الْملك فِي نَهَار الْخَمِيس سادس عشر رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وَكَانَت مُدَّة سلطنته ثَمَان سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَذكر سَبَب خلعه يحْتَاج إِلَى تَفْصِيل مُمل أعرضنا عَنهُ لشهرته ومحصله أَنه كَانَ ارْتكب بعض أُمُور تتَعَلَّق بهوى النَّفس وَأطَال فِي تعاطيها حَتَّى مِلَّته أَرْكَان دولته ثمَّ اجْتَمعُوا وخلعوه من السلطنة وسلطنوا مَكَانَهُ وَلَده السُّلْطَان مُحَمَّد وَفِي ثَالِث يَوْم من خلعه قَتَلُوهُ وَدفن فِي مدفن عَمه الصَّالح السُّلْطَان مصطفى إِلَى جَانِبه بِجَامِع أياصوفيا وَمِمَّا اتّفق لَهُ وَلم يتَّفق لغيره من السلاطين فِيمَا أعلم أَنه رأى سلطنة أَبِيه وَعَمه وأخويه وَولده وَوجدت فِي بعض المجاميع الْقَدِيمَة فَائِدَة غَرِيبَة يُنَاسب إيرادها هُنَا محصلها أَنه استقرى من ولي السلطنة وَكَانَ اسْمه إِبْرَاهِيم فوجدوا لم يتم لأَحَدهم أمرهَا إِلَّا قتل وَقَالَ الرَّاغِب فِي محاضراته قَالَ أَبُو عَليّ النطاح كَانَ الْمهْدي يحب ابْنه إِبْرَاهِيم فَقَالَت لَهُ شكْلَة أم إِبْرَاهِيم أَلا ترَاهُ يَلِي الْخلَافَة فَقَالَ لَا وَلَا يَليهَا من اسْمه إِبْرَاهِيم إِن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل أول نَبِي عذب بالنَّار وَإِن إِبْرَاهِيم بن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لم يَعش وبويع إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي فَلم يتم لَهُ الْأَمر وَأحكم إِبْرَاهِيم الإِمَام أَمر الْملك فَقتل وَتمّ لغيره وَطلب الْخلَافَة إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْحُسَيْن فَمَا تمت لَهُ على جلالته وَكَثْرَة جَيْشه وَقد بَايع المتَوَكل لِابْنِهِ إِبْرَاهِيم الْمُؤَيد فَلم يتم لَهُ وَقتل وَمَا ذكر من اللغم هُوَ شَيْء غَرِيب يَنْبَغِي التعرّض للْكَلَام عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مستحدث وَهُوَ فِي الأَصْل من عمل الفرنج اصطنعوه فِي محاصرة بعض الْحُصُون فِي أَوَائِل الْقرن التَّاسِع على عهد السُّلْطَان سليم الْأَكْبَر واشتهر عِنْد مُلُوك الرّوم حَتَّى فاقوا فِيهِ على الفرنج وَكَيْفِيَّة عمله على مَا تلقيته من الأفواه ثمَّ وجدته فِي بعض المجاميع بِخَط بعض الأدباء أَنه إِذا حوصرت قلعة أَو حصن وتعسر تملكه لصعوبته يسوقون أَمَامه تَلا عَظِيما من التُّرَاب ثمَّ يحفرون من تَحت ذَلِك التُّرَاب سرداباً عَظِيما إِلَى أَن يصلوا إِلَى الأساس ثمَّ يجوّفون قَعْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الأساس مِقْدَار مَا يُرِيدُونَ بِحَيْثُ أَنهم لم يخرجُوا من تَحت الْجِدَار أبدا فَإِن خَرجُوا بَطل جَمِيع الْعَمَل وينقلون التُّرَاب من السرداب إِلَى خَارج خفيه ليخلو مَا تَحْتَهُ ثمَّ يملؤونه بالنفط والبارود طولا وعرضاً ويضعون فَتِيلَة ثخينة من الْقطن مِقْدَار شبرين فيحرقون أطرافها بالنَّار فِي الْخَارِج ويضعون فَتِيلَة أُخْرَى على قدرهَا ثمَّ يَأْخُذُونَ بالساعة مِقْدَار زمَان احتراقها ليعلموا فِي أَي وَقت تصل نَار الفتيلة إِلَى البارود تَحت الأَرْض ثمَّ إِن الْعَسْكَر يَأْخُذُونَ الأهبة للهجوم ويسدّون بَاب اللغم سدّاً محكماً خوفًا من رُجُوع البارود إِلَى خلف وَعند احتراق البارود يَنْقَلِب مَا فَوْقه من جِدَار أَو سور أَو غير ذَلِك فيهجم الْعَسْكَر دفْعَة وَاحِدَة ويملكون القلعة بِهَذِهِ الْحِيلَة وَهَذَا مَا انْتهى إليّ من خَبره على هَذَا التَّفْصِيل وَالله أعلم الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الرَّمْلِيّ الْفَقِيه الحنيفي الْمَعْرُوف بالتشبيلي كَانَ أحد الْفُقَهَاء الأخيار عَالما بالفرائض حق الْعلم وَله مُشَاركَة جَيِّدَة فِي فنون الْأَدَب وَغَيرهَا وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق لين العريكة وَفِيه تواضع وانعطاف ولد بالرملة وَنَشَأ بهَا ورحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا عَن الإِمَام رَئِيس الْحَنَفِيَّة فِي وقته أَحْمد بن أَمِين الدّين ابْن عبد العال والعلامة عبد الله البحراوي الْحَنَفِيّ وَرجع إِلَى بَلَده وَأقَام بهَا يدرّس ويفيد إِلَى أَن مَاتَ وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ وانتفع بِهِ الشَّيْخ محيي الدّين بن شيخ الْإِسْلَام خير الدّين الرَّمْلِيّ وَالسَّيِّد مُحَمَّد الْأَشْعَرِيّ مفتي الشَّافِعِيَّة بالقدس وَغَيرهمَا وَكَانَت وَفَاته بالرملة فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن تيمورخان بن حَمْزَة بن مُحَمَّد الرُّومِي الْحَنَفِيّ نزيل الْقَاهِرَة الْمَعْرُوف بالقزاز الْأُسْتَاذ الْكَبِير شيخ الطَّائِفَة الْمَعْرُوفَة بالبيرامية كَانَ صَاحب شَأْن عَال وكلمات فِي التصوف مستعذبة وَألف رسائل فِي عُلُوم الْقَوْم مِنْهَا رسَالَته الَّتِي سَمَّاهَا محرقة الْقُلُوب فِي الشوق لعلام الغيوب وَغَيرهَا وَأَصله من بوسنة ولد بهَا وَنَشَأ متعبداً متزهداً ثمَّ طَاف الْبِلَاد وَلَقي الْأَوْلِيَاء الْكِبَار وجدّ واجتهد وَصَارَ لَهُ فِي كل بلد اسْم يعرف بِهِ فاسمه فِي ديار الرّوم عليّ وَفِي مَكَّة حسن وَفِي الْمَدِينَة مُحَمَّد وَفِي مصر إِبْرَاهِيم وَأخذ الطَّرِيقَة البيرامية الكيلانية عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الرُّومِي عَن السَّيِّد جَعْفَر عَن أَمِير سكين عَن السُّلْطَان بيرام وَأقَام بالحرمين مُدَّة ثمَّ استقرّ بِمصْر فَأَقَامَ بِجَامِع الزَّاهِد مُدَّة ثمَّ بِجَامِع قوصون ثمَّ بالبرقوقية ثمَّ قطن بقلعة الْجَبَل فسكن بمسكن قرب سَارِيَة وَجلسَ بحانوت بالقلعة يعْقد فِيهَا الْحَرِير وَكَانَ لَهُ أَحْوَال عَجِيبَة ووقائع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 غَرِيبَة وحبب إِلَيْهِ الانجماع والانفراد وَكَانَ فِي أَكثر أوقاته يأوي إِلَى الْمَقَابِر بِظَاهِر القلعة وَبَاب الْوَزير والقرافتين وَإِذا غلب عَلَيْهِ الْحَال جال كالأسد المتوحش وَقَالَ رَأَيْت النَّبِي وَعلي المرتضى بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول يَا عَليّ اكْتُبْ السَّلامَة وَالصِّحَّة فِي الْعُزْلَة وكرّر ذَلِك فَمن حبب إِلَيْهِ ذَلِك وَكَانَ يخبر أَنه ولد لَهُ ولد فَلَمَّا أذن الْمُؤَذّن بالعشاء نطق بِالشَّهَادَتَيْنِ وَهُوَ فِي المهد وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَعشْرين بعد الْألف وَدفن عِنْد أَوْلَاده بتربة بَاب الْوَزير تجاه النظامية هَكَذَا ذكره الإِمَام عبد الرؤف الْمَنَاوِيّ فِي طبقاته الْكَوَاكِب الدرية فِي تراجم السَّادة الصُّوفِيَّة وَمَا حررته هُنَا مِنْهَا مَعَ بعض تَلْخِيص وتغيير والقرافة بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء المخففة وَبعد الْألف فَاء فهاء قرافتان الْكُبْرَى مِنْهُمَا ظَاهر ومصر وَالصُّغْرَى ظَاهر الْقَاهِرَة وَبهَا قبر الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَبَنُو قرافة فَخذ من المعافر بن يعفر نزلُوا بِهَذَيْنِ المكانين فنسبا إِلَيْهِم ولهاتين ثَالِثَة وَهِي محلّة بالإسكندرية مُسَمَّاة بالقبيلة قَالَه ياقوت رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْمُشْتَرك الْمولى إِبْرَاهِيم بن حسام الدّين الكرمياني المتخلص بِسَيِّد شريفي ذكره ابْن نَوْعي فِي ذيل الشقائق وَوَصفه بالتركية فَوق الْوَصْف وَكَانَ على مَا يفهم مِنْهُ فِي غَايَة من الْفضل والكمال مَشْهُورا بفنون شَتَّى معدوداً من أَفْرَاد الْعلمَاء قَالَ وَقد ولد فِي سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَن وَالِده ثمَّ قدم إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فاتصل بِخِدْمَة الْمولى سعد الدّين بن حسن جَان معلم السُّلْطَان ولازم مِنْهُ على عَادَة عُلَمَاء الرّوم وَهَذِه الْمُلَازمَة مُلَازمَة عرفية اعتبارية وَهِي الْمدْخل عِنْدهم لطريق التدريس وَالْقَضَاء ثمَّ درس بمدارس الرّوم إِلَى أَن وصل إِلَى مدرسة مُحَمَّد باشا الْمَعْرُوفَة بالفتحية وَتُوفِّي وَهُوَ مدرس بهَا وَله تآليف مِنْهَا تَكْمِلَة تَغْيِير الْمِفْتَاح الَّذِي أَلفه ابْن الْكَمَال ونظم الْفِقْه الْأَكْبَر وَالشَّافِعِيَّة وشرحهما وَله من طرف والدته سيادة وَكَانَت وَفَاته فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف بعلة الاسْتِسْقَاء وَدفن بحوطة مَسْجِد شريفة خاتون بِالْقربِ من جَامع مُحَمَّد آغا دَاخل سور قسطنيطينية الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن حسن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي الطالوي الارتقي الْأَمِير الْجَلِيل فَرد وقته فِي الْكَرم والعهد الثَّابِت وَوصل فِي الشجَاعَة إِلَى رُتْبَة يقصر عَنْهَا أَبنَاء زَمَانه وَفِيه يَقُول قَرِيبه أَبُو الْمَعَالِي درويش مُحَمَّد الطالوي فِي قصيدته الرائية الَّتِي أرسلها من الرّوم يذكر فِيهَا أَعْيَان الشَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 (مِنْهُم جناب الطالوي ... سليل ارتق ذِي السرير) (فِي السّلم كالغيث المطير ... وَالْحَرب كالليث الهصور) (محيى مَكَارِم حَاتِم ... بَين الْأَنَام بِلَا نَكِير) ولد بِدِمَشْق بدارهم الْمَعْرُوفَة بهم بمحلة التَّعْدِيل وَنَشَأ فِي تربية أَبِيه ثمَّ أَنه خدم أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بشمسي نَائِب الشَّام وَهُوَ الَّذِي بنى التكية بِالْقربِ من سور الأروام وَلما عزل عَن نِيَابَة الشَّام صَحبه إِلَى دَار السلطنة وَاسْتمرّ فِي خدمته كلما ولي ولَايَة كَانَ مَعَه ثمَّ صَار أحد الْحجاب بِالْبَابِ العالي فِي زمن السُّلْطَان سُلَيْمَان وَأعْطى قرى وأقطاعاً كَثِيرَة وسافر الْأَسْفَار السُّلْطَانِيَّة وترامت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن رَجَعَ إِلَى دمشق فِي أَيَّام منازلة جَزِيرَة قبرس فِي عهد السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان وَجمع ذخائر العساكر من بِلَاد الشَّام وَأَخذهَا فِي المراكب من جَانب طرابلس إِلَى قبرس وَكَانَ رَأس العساكر إِذْ ذَاك الْوَزير مصطفى باشا صَاحب الخان الْكَبِير وَالْحمام الَّذِي فِي سوق السروجية بِدِمَشْق وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن تولى السُّلْطَان مُرَاد بن سليم السلطنة فصير الْأَمِير إِبْرَاهِيم رَأس العساكر بِدِمَشْق وسافر بهم إِلَى فتح ديار الْعَجم مَرَّات عديدة وَكَانَ فِي ذَلِك مَحْمُود السِّيرَة وَبعد ذَلِك تولى الْإِمَارَة فِي مَدِينَة نابلس سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ بهَا حَاكما نَحْو سنتَيْن وانفصل عَنْهَا ثمَّ أُعِيدَت إِلَيْهِ وَفِي هَذِه الْمرة عينه أَمِير الْأُمَرَاء بِالشَّام مُحَمَّد باشا ابْن الْوَزير الْأَعْظَم سِنَان باشا لاستقبال ركب الْحَاج على عَادَتهم فحرس الركب من تَبُوك إِلَى دمشق حراسة عَظِيمَة ثمَّ عزل عَن حُكُومَة نابلس وَطَرحه الدَّهْر فِي زَاوِيَة الخمول حَتَّى أنفد غَالب مَا كَانَ يملك وَتَفَرَّقَتْ عَنهُ حفدته وسافر إِلَى طرف السلطنة فِي سنة سبع بعد الْألف وَاسْتمرّ زَمَانا طَويلا ملازماً وَعَاد وَلم يحصل على طائل وَلما قدم الْوَزير السَّيِّد مُحَمَّد باشا الْأَصْفَهَانِي الأَصْل نَائِبا إِلَى الشَّام عرض حَاله عَلَيْهِ فرق لَهُ وَعين لَهُ من الْتِزَام السمسارية فِي كل سنة أَرْبَعمِائَة دِينَار على سَبِيل التقاعد وَأقَام على تِلْكَ الْحَالة متقنعاً بالكفاف إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف والارتقي بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوْقهَا وَبعدهَا قَاف نِسْبَة إِلَى أرتق بن أكسب جد الْمُلُوك الأرتقية وَله فِي تَارِيخ ابْن خلكان تَرْجَمَة مختصرة مفيدة وَنسبَة بني طالو إِلَيْهِ مستفيضة الْأَلْسِنَة الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن حسن الإحسائي الْحَنَفِيّ من أكَابِر الْعلمَاء الْأَئِمَّة المتحلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 بالقناعة المتخلين للطاعة كَانَ فَقِيها نحوياً متفنناً فِي عُلُوم كَثِيرَة قَرَأَ ببلاده على شُيُوخ كَثِيرَة وَأخذ بِمَكَّة عَن مفتيها عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي وَكتب لَهُ إجَازَة حافلة أَشَارَ فِيهَا إِلَى تمكنه فِي الْعُلُوم وَأخذ الطَّرِيق عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى إِلَى الشَّيْخ تَاج الدّين الْهِنْدِيّ حِين قدم الإحساء وَعنهُ الْأَمِير يحيى بن عَليّ باشا حَاكم الإحساء وَكَانَ يثني عَلَيْهِ ويخبر عَنهُ بأخبار عَجِيبَة وَله مؤلفات كَثِيرَة فِي فنون عديدة مِنْهَا شرح نظم الأجرومية للعمريطي ورسالة سَمَّاهَا دفع الأسى فِي إذكار الصُّبْح والمسا وَشَرحهَا لَهُ أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله شعر (وَلَا تَكُ فِي الدُّنْيَا مُضَافا وَكن بهَا ... مُضَافا إِن قدرت عَلَيْهِ) (فَكل مُضَاف للعوامل عرضة ... وَقد خص بالخفض الْمُضَاف إِلَيْهِ) وَكَانَت وَفَاته فِي الْيَوْم السَّابِع من شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف بِمَدِينَة الإحساء والإحساء جمع حسى وَهُوَ المَاء ترشفه الأَرْض من الرمل فَإِذا صَار إِلَى صلابة أمسكته فتحفر عَنهُ الْعَرَب وتستخرجه وَهُوَ علم لسِتَّة مَوَاضِع من بِلَاد الْعَرَب الأول أحساء بني سعد بحذاء هجر بلد وَهِي دَار القرامطة بِالْبَحْرَيْنِ وَمن أجل مدنها وَنسبَة إِبْرَاهِيم هَذَا إِلَى الإحساء وَهَذِه وَقيل أحساء بني سعد غير أحساء القرامطة الثَّانِي أحساء حرشاف بالبيضاء من بِلَاد جذيمة عل سيف الْبَحْرين الثَّالِث الإحساء ماءة لجديلة طي بأجأ الرَّابِع أحساء بني وهب بني القرعاء وواقصة تِسْعَة آبار كبار على طَرِيق الْحَاج الْخَامِس الإحساء مَاء لغنى السَّادِس مَاء بِالْيَمَامَةِ بِالْقربِ من برقة الروحان الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن حُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن بيري مفتي مَكَّة أحد أكَابِر فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وعلمائهم الْمَشْهُورين وَمن تبحر فِي الْعُلُوم وتحري فِي نقل الْأَحْكَام وحرر الْمسَائِل وَانْفَرَدَ فِي الْحَرَمَيْنِ بِعلم الْفَتْوَى وجدد من مآثر الْعلم مَا دثر لَهُ الهمة الْعلية فِي الانهماك على مطالعة الْكتب الْفِقْهِيَّة وَصرف الْأَوْقَات فِي الِاشْتِغَال وَمَعْرِفَة الْفرق وَالْجمع بَين الْمسَائِل سَارَتْ بِذكرِهِ الركْبَان بِحَيْثُ أَن عُلَمَاء كل إقليم يشيرون إِلَى جلالته أَخذ عَن عَمه الْعَلامَة مُحَمَّد بن بيري وَشَيخ الْإِسْلَام عبد الرَّحْمَن المرشدي وَغَيرهمَا وَقَرَأَ فِي الْعَرَبيَّة على عَليّ بن الْجمال وَأخذ الحَدِيث عَن ابْن عَلان وَأَجَازَهُ كثير من الْمَشَايِخ وَكتب لَهُ بِالْإِجَازَةِ جمع من شُيُوخ الْحَنَفِيَّة بِمصْر واجتهد حَتَّى صَار فريد عصره فِي الْفِقْه وانتهت إِلَيْهِ فِيهِ الرياسة وَأَجَازَ كثيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 من الْعلمَاء مِنْهُم شَيخنَا الْحسن بن عَليّ العجيمي وتاج الدّين الدهان وَسليمَان حنو وَكَثِيرًا من الوافدين إِلَى مَكَّة وَولي إفتاءها سِنِين ثمَّ عزل عَنْهَا لما تولى شرافة مَكَّة الشريف بَرَكَات لما كَانَ بَين المترجم وَبَين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي من عدم الألفة وَكَانَت أُمُور الْحَرَمَيْنِ فِي أول دولة الشريف بَرَكَات منوطة بِهِ والشريف بِمَنْزِلَة الصفر الْحَافِظ لمرتبة الْعدَد وَكَانَ لَهُ ولد نجيب مَاتَ فِي حَيَاته وَانْقطع بعد ذَلِك عَن النَّاس وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ مجد فِي الِاشْتِغَال بالمطالعة والتحرير وَله مؤلفات ورسائل كَثِيرَة تنيف على سبعين مِنْهَا حَاشِيَة على الْأَشْبَاه والنظائر سَمَّاهَا عُمْدَة ذَوي البصائر وَشرح الْمُوَطَّأ راوية مُحَمَّد بن الْحسن فِي جلدين وَشرح تَصْحِيح الْقَدُورِيّ للشَّيْخ قَاسم وَشرح المنسك الصَّغِير للملا رَحْمَة الله وَشرح منظومة ابْن الشّحْنَة فِي العقائد ورسالة فِي جَوَاز الْعمرَة فِي أشهر الْحَج وَالسيف المسلول فِي دفع الصَّدَقَة لآل الرَّسُول ورسالة فِي الْمسك والزباد وَأُخْرَى فِي جَمْرَة الْعقبَة ورسالة فِي بيض الصَّيْد إِذا أَدخل الْحرم وَأُخْرَى فِي الْإِشَارَة فِي التَّشَهُّد ورسالة جليلة فِي عدم جَوَاز التلفيق رد فِيهَا على عصريه مكي فروخ وقرظ لَهُ عَلَيْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام يحيى بن عمر المنقاري والشهاب أَحْمد الشَّوْبَرِيّ وَله غير ذَلِك من التآليف والتحريرات وَكَانَت وِلَادَته فِي الْمَدِينَة المنورة فِي نَيف وَعشْرين وَألف وَتُوفِّي يَوْم الْأَحَد سادس عشر شَوَّال سنة تسع وَتِسْعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ عصر يَوْمه بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَدفن بالمعلاة بِقرب تربة السيدة خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَ قلقاً من الْمَوْت فَرَأى النَّبِي قبل وَفَاته بليلة فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول لَهُ يَا إِبْرَاهِيم مت فَإِن لَك بِي أُسْوَة حَسَنَة فَقَالَ يَا رَسُول الله على شَرط أَن يكْتب لي ثَوَاب الْحَج فِي كل سنة فَقَالَ لَك ذَلِك أَو كلا مَا مَعْنَاهُ هَذَا الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالسقاء الْوَاعِظ الْحَنَفِيّ الْمَذْهَب كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره يسْقِي المَاء دَاخل قلعة دمشق ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم وَقَرَأَ الْقُرْآن وجوده واشتغل فِي غَيره من الْعُلُوم على الْمولى يُوسُف بن أبي الْفَتْح أَمَام السُّلْطَان وَلَزِمَه حَتَّى صَار لَهُ ملكة فِي القراآت والوعظ وَحفظ فروعاً من الْعِبَادَات كَثِيرَة وَأعْطى إِمَامَة مَسْجِد فِي مَدِينَة أبي أَيُّوب وَأقَام بالروم مِقْدَار أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ إِنَّه ترك الْإِمَامَة وَأخذ الْمدرسَة الجوزية بِدِمَشْق وَقدم إِلَيْهَا وَانْقطع بَقِيَّة عمره بالجامع الْأمَوِي وأضر فِي عَيْنَيْهِ وَيَديه وَرجلَيْهِ وَكَانَ دَائِم الإفادة والنصيحة وَقَرَأَ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 جمَاعَة من أهل دمشق وَكنت أَنا فِي حَالَة صغرى جودت عَلَيْهِ حِصَّة من الْقُرْآن وَكَانَ أهل الرّوم الَّذين يردون إِلَى دمشق يميلون إِلَيْهِ ويعتقدونه وَكَانَ يَعِظهُمْ تَارَة على كرْسِي وَتارَة وَهُوَ جَالس مَكَان تدريسه ويبالغ فِي التهديد والزجر وَكَانَ لَا يَخْلُو من تعصب وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ نفع مُتَعَدٍّ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة تسع وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم بن المنلا زين الدّين الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالجمل كَانَ أَبوهُ زين الدّين من أهل نخجوان من بِلَاد الْعَجم ورد دمشق وتديرها وَولد لَهَا بهَا ثَلَاثَة أَوْلَاد أَحْمد وَمُحَمّد وَإِبْرَاهِيم هَذَا فَأَما أَحْمد وَمُحَمّد فستأتي ترجمتاهما خاصتين وَأما إِبْرَاهِيم هَذَا فَإِنَّهُ نَشأ وَقَرَأَ فِي بعض الْعُلُوم واشتهر فِي معرفَة الطِّبّ وَتَوَلَّى آخرا رياسة الْأَطِبَّاء وناب فِي محاكم دمشق وَكَانَ فِيهِ دعابة ومزاح وَكَانَ يجْرِي بَينه وَبَين القَاضِي مُحَمَّد بن حُسَيْن ابْن عين الْملك الصَّالِحِي الْمَعْرُوف بالقاق منافسات ووقائع كَثِيرَة وَكَانَ القاق مُغْرِي بهجائه وثلبه وَاتفقَ لَهُ أَنه أوقع بِهِ مكيدة أَرَادَ فضيحته بهَا وفطن بهَا إِبْرَاهِيم فتخاصم هُوَ وإياه وتشاتما وهجره إِبْرَاهِيم بعد ذَلِك فَقَالَ فِيهَا الأديب إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الأكرمي الْآتِي ذكره شعر (انْظُر إِلَى حَال الزَّمَان ... وَمَا اعتراه من الْخلَل) (القاق مد جنَاحه ... شرطا ليصطاد الْجمل) (فَجرى بذلك بَينهم ... حَرْب وَلَا حَرْب الْجمل) وَلما ولي أَخُوهُ أَحْمد قَضَاء دمشق مَاتَ فِي زَمَنه المنلا عَليّ الْكرْدِي وَكَانَ مدرس التقوية فَوجه تدريسها إِلَيْهِ فَقَالَ فِيهِ الأكرمي الْمَذْكُور شعر (يَا أَيهَا الْجمل الَّذِي ... غَدَتْ الربوع بِهِ دوارس) (قد كنت ترجد فِي الحقول ... فصرت ترجد فِي الْمدَارِس) (فابعر وكل واشرب وبل ... وارتع فَمَا للروض حارس) ثمَّ بعد موت أَخِيه الْمَذْكُور وجهت الْمدرسَة عَنهُ واختل بعد ذَلِك عقله وتكدر عيشه وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس بعد الْألف وَتُوفِّي فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس بِالْقربِ من قبر أبي شامة رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ابْن أبي الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم بن جعمان بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ابْن يحيى بن عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن الشونيش بن عَليّ بن وهب بن عَليّ بن صريف بن ذوال بن سنوة بن ثَوْبَان بن عِيسَى بن سحارة بن غَالب بن عبد الله بن عك ابْن عدنان العكي العدناني الصريفي الذوالي اليمني الزبيدِيّ الشَّافِعِي الإِمَام الْعَالم الْعَامِل كَانَ جَامعا للفنون خَاشِعًا متواضعاً متورعاً محافظاً على الذّكر لَا يخلي وقتا من الذّكر وَالْخَيْر ملازماً لِلْمَسْجِدِ ملاطفاً أَخذ الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا عَن شُيُوخ كثيرين مِنْهُم عَمه الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وتوطن بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل وانتهت إِلَيْهِ فِيهَا الرياسة فِي عُلُوم الدّين وَله فَتَاوَى كَثِيرَة مُتَفَرِّقَة ورسالة منظومة فِي الْعرُوض سَمَّاهَا آيَة الحائر إِلَى الفك من أحرف الدَّوَائِر وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الشَّيْخ الْفَاضِل عبد الله بن عِيسَى الْغَزِّي وَكَانَ يحب الطّلبَة ويبالغ فِي ملاطفتهم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وَأَجَازَ كل من قَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمن شعره فِي الإلهيات شعر (قصدي رضاك بِكُل وَجه أمكنا ... فَامْنُنْ عَليّ بِذَاكَ من قبل الفنا) (وَلَئِن رضيت فَذَاك غَايَة مطلبي ... وَالْقَصْد كل الْقَصْد بل كل المنى) (لَو أبذلن روحي فدى لرأيتها ... أمرا حَقِيرًا فِي جنابك هُنَا) (وَبقيت من خجل كَعبد قد جنى ... وَالْكل ملككم فَمَا مني أَنا) (وَلَقَد تفضلتم بإيجادي كَذَا ... أنعمتم أَيْضا بكوني مُؤمنا) (لَوْلَا تطولكم عَليّ وفضلكم ... مَا كنت مَوْجُودا وَلَا مني ثَنَا) (من ذَا الَّذِي يسْعَى ويشكر فَضلكُمْ ... لَو عمر الأبدين يشْكر مُعْلنا) (وَأَنا المسيكين الَّذِي قد جَاءَكُم ... للعفو مِنْكُم طَالبا وَلَقَد جنى) (فباسمكم وبعزكم وبجاهكم ... منوا عَليّ وأذهبوا عني العنا) وَكَانَت وَفَاته بِبَيْت الْفَقِيه ابْن عجيل فجر يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَبَنُو جمعان قَبيلَة من صريف بن ذوال بَيت علم وَصَلَاح وورع وفلاح قَالَ الإِمَام الشرجي فِي طبقاته كل أهل بَيت فيهم الغث والسمين إِلَّا بني جمعان فَإِنَّهُم كلهم سمين يَعْنِي صالحين وَبِالْجُمْلَةِ فهم قوم أصفياء غالبهم أهل صَلَاح وتعقل وَقل من يدانيهم فِي منصب الْعلم لكَوْنهم عُمْدَة أهل الْيمن وَسَنذكر مِنْهُم إِبْرَاهِيم جد إِبْرَاهِيم هَذَا وَابْنه إِسْحَاق عَم هَذَا الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْفضل بن بَرَكَات بن أبي الْوَفَاء بن عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ابْن مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين الميداني الصُّوفِي الْمَعْرُوف بالموصلي يَنْتَهِي نسبه إِلَى الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أبي بكر الشَّيْبَانِيّ كَانَ فَقِيها شَافِعِيّ الْمَذْهَب فرضياً حسن الْخلق جم الطول مبذول النعم وَله ثروة وافرة وأملاك وعقارات وَكَانَ مبجلاً بَين النَّاس مُعظما وَله حفدة ومريدون يرجعُونَ إِلَى نعْمَته الدارة وخيراته القارة وَهُوَ وَالِد مَوْلَانَا الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْموصِلِي الصُّوفِي الأديب الَّذِي بهر واشتهر وفَاق على أهل عصره بالأدب كروض أطل على نهر وَكَانَت وَفَاة إِبْرَاهِيم هَذَا فِي الْمحرم سنة أَربع وَخمسين وَألف بِالْمَدِينَةِ المنورة عقب مُنْصَرفه من الْحَج وَدفن ببقيع الْغَرْقَد وَبلغ من الْعُمر خمْسا وَسبعين سنة الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد عماد الدّين بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عماد الدّين بن محب الدّين بن كَمَال الدّين بن نَاصِر الدّين بن عماد الدّين الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الْعِمَادِيّ أحد بلغاء الشَّام الْمَذْكُورين وفضلائها الْمَشْهُورين وَكَانَ لمحاسن الْأَدَب وبدائع النثر ولطائف النّظم كالروح للحياة والينبوع للْمَاء وَيجْرِي مَعهَا إِلَى طبع سليم وَخلق دمث ومحاورة سارة وَكَانَ قوي البادرة كثير المحفوظات لذيذ الْعشْرَة مَقْبُول الْهَيْئَة عَظِيم الهيبة نَشأ فِي نعْمَة أَبِيه مشمولاً بعناية مكفولاً برأفته وَهُوَ أَصْغَر أَوْلَاده الثَّلَاثَة الَّذين رزقهم تيجاناً للمعالي وحسنات للأيام والليالي وهم عماد الدّين وشهاب الدّين وَإِبْرَاهِيم وَكَانَ إِبْرَاهِيم أحبهم إِلَيْهِ وأقربهم لخاطره على أَن كلا مِنْهُم نَسِيج وَحده وطلاع ثنايا مجده وَقد سُئِلَ وَالِدي المرحوم عَن التَّمْيِيز بَينهم فَقَالَ أكبرهم أحلمهم وأوسطهم أكتبهم وأصغرهم أفضلهم وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن تفوق إِبْرَاهِيم مستفيض مُسلم لَا مشاحة فِيهِ بِوَجْه من الْوُجُوه وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره اشْتغل على وَالِده عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد البوريني فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَعَلَيْهِمَا تخرج فِي الْأَدَب وَأخذ الحَدِيث عَن الشهب الثَّلَاثَة النيرة أَحْمد العيثاوي الشَّافِعِي وَأحمد الوفائي الْحَنْبَلِيّ وَأحمد الْمقري الْمَالِكِي وبرع حَتَّى أعَاد لوالده فِي تَفْسِير الْكَشَّاف ولازم من الْمولى عبد الله بن مَحْمُود العباسي ودرس بِالْمَدْرَسَةِ النورية الْكُبْرَى برتبة الدَّاخِل المتعارفة بَين أهالي الديار الشامية تبعا لبلاد الرّوم وَحج مرَّتَيْنِ ثانيتهما قَاضِيا بالركب الشَّامي وسافر إِلَى الرّوم عقيب موت وَالِده هُوَ وَأَخُوهُ الْأَوْسَط وَكَانَ لَهُ فِي صناعَة الشّعْر فضل لَا يرد وإحسان لَا يعد وَمن جيد شعره قَوْله (إِن يكن زَاد فِي الحسان جمال ... أكد الْحسن فيهم تَأْكِيدًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 (فَلَقَد أسس العذار بخدي ... منيتي رونقاً ولطفا مزيدا) (وَهُوَ عمري لَا شكّ أشهى وأبهى ... حَيْثُمَا قد أَفَادَ معنى جَدِيدا) وَقَوله مضمناً (لقد وعدت زيارتنا سليمى ... وَقد قل التصبر والقرار) (فوافت بعد حِين وَهِي سكرى ... يرنحها الشبيبة وَالْوَقار) (فريعت من تبلج صبي شيبي ... وَقَالَت لَا أَزور وَلَا أزار) (فَقلت لَهَا وَكم تعدين صبا ... كئيباً قد براه الِانْتِظَار) (فغضت طرفها عني وَقَالَت ... كَلَام اللَّيْل يمحوه النَّهَار) وَمِمَّا أنْشدهُ لنَفسِهِ قَوْله (لَا تخش من شدَّة وَلَا نصب ... وثق بِفضل الْإِلَه وابتهج) (وارج إِذا اشتدهم نازلة ... فآخر الْهم أول الْفرج) وَقَوله وَقد ركب فِي الرّوم زورقاً فِي الْبَحْر (لما ركبنَا ببحر ... وَكَاد من خَافَ يتْلف) (على الْكَرِيم اعتمدنا ... حاشاه أَن يتَخَلَّف) وَكتب إِلَى وَالِدي وَقد عزم على السّفر من قسطنيطينية وَبَقِي وَالِدي بهَا قَوْله (إِلَيْك أخي نصيحة ذِي اختبار ... لَهُ خرم وزند فِيهِ وَأرى) (إِذا جَار الزَّمَان وكل دهر ... على أحراره مَا زَالَ جاري) (وأكسبك اغتراباً وانتزاحاً ... فَكُن متغرباً فِي أسكدار) (ترى فِيهَا ظباء سارحات ... بألحاظ يصدن بهَا الضواري) (وطوراً تلتقي غصناً رطيباً ... علاهُ حديقة من جلنار) (فقض الْعُمر فِيهَا فِي سرُور ... وصل ليل التواصل بِالنَّهَارِ) (وخل الْأَهْل عَنْك وَقل سَلام ... على الأوطان مني والديار) فَأَجَابَهُ بقوله (أتلك نصيحة من رب فضل ... إِمَام فِي الْفَضَائِل والفخار) (لَهُ فِي كل علم طيب مجنى ... وَفعل زانه كرم النجار) (ونظم يعجز البلغاء لفظا ... وَلَفظ كاللآلي والدراري) (يَقُول وَقَوله لَا شكّ صدق ... عَلَيْك إِذا اغتربت باسكدار) (نعم هِيَ جنَّة حفت بحور ... وولدان حكت شمس النَّهَار) (وَلَكِن لم أجد فِيهَا خَلِيلًا ... يعين أَخا الغرام على اصطبار) (يساعدني على كَافِي بريم ... يعذب عاشقيه بالنفار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 (لَهُ لحظ يصول بِهِ دلالاً ... فيفتن رب نسك ذَا وقار) (وَقد إِن تثنى فَهُوَ غُصْن ... تحرّك من هوى نائي الديار) (فَمَالِي والقرار بهَا وَأَنِّي ... يطيب لي الْقَرار بِلَا قَرَار) (قَضَاء من الهي لي يجْرِي ... على قدر الْإِرَادَة باختياري) وَله غير ذَلِك من محَاسِن القَوْل وأحاسنه وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف ولحقه الفالج فِي آخر عمره فاستقر مَرِيضا بِهِ مُدَّة سنة وَنصف وَتُوفِّي نَهَار السبت عشرى شهر ربيع الثَّانِي سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير فِي قبر وَالِده الَّذِي دفن بِهِ رحمهمَا الله تَعَالَى الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُوسَى بن خضر الخياري الْمدنِي الشَّافِعِي أحد الْمَشَاهِير بالبراعة فِي الحَدِيث والمعارف وفنون الْأَدَب والتاريخ وَكَانَ وَاسع المحفوظات حُلْو الْعبارَة لطيف الطَّبْع كَأَنَّمَا امتزج مَعَ الصَّهْبَاء وَحلق من رقة المَاء وَله الْأَشْعَار الرائقة والرسائل الفائقة اشْتغل على أَبِيه فِي الْفُنُون وَأخذ عَنهُ وَلزِمَ السَّيِّد ميرماه البُخَارِيّ الْمدنِي الحسني وانتفع بِهِ فِي كتب ابْن عَرَبِيّ وَغَيره وَأخذ عَن الْمُحدث الْكَبِير مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلي حِين مجاورته بِالْمَدِينَةِ وَحضر دروس قَاضِي الْحَرَمَيْنِ الْعَلامَة مُحَمَّد الرُّومِي الْمَعْرُوف بالملغري فِي تَفْسِير القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ من أول جُزْء عَم إِلَى ختام سُورَة الطارق مَعَ مطالعة الْموَاد وَأَجَازَ لَهُ وَكَانَ أَكثر اشْتِغَاله على الشَّيْخ الإِمَام عِيسَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَامر المغربي الْجَعْفَرِي الْمدنِي ثمَّ الْمَكِّيّ لَازمه كثيرا وَأخذ عَنهُ وَكَانَ الشَّيْخ عِيسَى رَحل إِلَى مصر فِي حُدُود سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف فاستخاز للخياري من كل من أَخذ عَنهُ من كبار الْعلمَاء الْمَوْجُودين إِذْ ذَاك بِالْقَاهِرَةِ وسأذكرهم فِي تَرْجَمته وَكَانَ الخياري كثير اللهج بِهِ دَائِم الثَّنَاء عَلَيْهِ وَإِنَّمَا برع بالتلقي عَنهُ وخطب بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ وَألف وَله من التآليف رِسَالَة فِي عمل المولد الشريف سَمَّاهَا خُلَاصَة الأبحاث والنقول فِي الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {لقد جَاءَكُم رَسُول} ودرس بِبَعْض الْمدَارِس بعد وَفَاة أَبِيه وسعى بعض المتغلبين من الْعلمَاء الواردين على الْمَدِينَة فَأَخذهَا مِنْهُ وَكَانَ ذَلِك سَببا لمفارقته الْمَدِينَة ودخوله الرّوم حَتَّى قرر الْمدرسَة عَلَيْهِ وَألف فِي مُنْصَرفه رحْلَة سَمَّاهَا تحفة الأدباء وسلوة الغرباء تشْتَمل على مَا تشْتَهي الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين من محَاسِن الْأَخْبَار ولطائف الْآدَاب وَدخل دمشق مَعَ الركب الشَّامي فِي ثَمَان وعشرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 صفر سنة ثَمَانِينَ وَألف فَعظم بهَا قدره وانتشر ذكره وَأَقْبل عَلَيْهِ أَهلهَا وبدلوا فِي إكرامه الْجهد وَوَقع بَينه وَبَين أدبائها محاورات ومطارحات كَثِيرَة ذكرهَا فِي رحلته وَمِنْهَا مَا أنْشدهُ لَهُ الْعَلامَة السَّيِّد مُحَمَّد بن حَمْزَة نقيب الشَّام عِنْدَمَا وصل وَقد جَاءَهُ للسلام عَلَيْهِ قَوْله (وَكنت أسائل الركْبَان عَمَّن ... أَقَامَ بمهجتي ونأت ربوعه) (فَلَمَّا ذَر شارقه منيرا ... بأفق الطّرف عاوده هجوعه) فَأَجَابَهُ بقوله (أيا رب الموَالِي والمعالي ... وَمن بِالرّقِّ لباه مطيعه) (لقد كملت فِي خلق وَخلق ... بأعظم مَا تخيله سميعه) (وشرفت الرَّقِيق بِرَفْع ذكر ... علمت بأنني حَقًا وضيعه) (فدمت ضِيَاء أفق الشَّام حَقًا ... بلَى أفق الْوُجُود إِذا جَمِيعه) (ومذ قرت بمرآكم عيوني ... جريح الطّرف عاوده هجوعه) وَكتب إِلَيْهِ السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن السَّيِّد مُحَمَّد النَّقِيب الْمَذْكُور قَوْله (أيا سيدا حَاز المكارم واللطفا ... وَمن شأوه فِي حلبة الْفضل لَا يخفى) (لمثلك يعنو القَوْل نظمت عقده ... وقرطت آذان الحسان بِهِ شنفا) (وَكم لَك فِي طرق البلاغة من يَد ... هصرت بهَا غُصْن الْكَمَال مَعَ الأكفا) (لذَلِك قد أَقرَرت بِالْفَضْلِ أعينا ... فشارف ذرى العلياء وامدد لَهَا كفا) (ستحظى بهَا نعمى عَلَيْك مفاضة ... وترشف معسول الْأَمَانِي بهَا رشفا) (وهاك بهَا إِنْسَان عين أولى النهى ... ألوكة أشواق من المخلص الأصفى) (تهاديكم عرف الرياض تَحِيَّة ... وتنشر من صفو الوداد لكم صحفا) فَأَجَابَهُ بقوله شعر (أيا سيداً مَا زلت أسأله عطفا ... وَيَا ماجداً لم ألق حقاله أكفا) (تفضلت لما أَن بعثت برقعة ... هِيَ الرَّوْضَة الْغناء والديمة الوطفا) (تنزهت فِيهَا واجتليت محاسنا ... وحليت سَمْعِي من لآلئها شنقا) (أشدت بهَا ذكرى وَقد كَانَ خاملاً ... فهزت معاليها الحسان لي العطفا) (وَلكنهَا أومت لوحي إِشَارَة ... فَكنت إِلَى فهم لَهَا الأسبق الأوفى) (لعمرك للعلياء أدْركْت يافعاً ... وَقد خطبتني مَا مددت لَهَا كفا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 (وَإِنِّي لمن سباق حلبتها إِذا ... تجار وافكم خلفت من سَابق خلفا) (وَكم فزت من غادات خدر مسجف ... بغيداء جيد قد أَبَاحَتْ لي الرشفا) (وَردت بهَا من مورد الْفضل موردا ... حلالي فَكَانَ المورد الأعذب الأصفى) (فهاك وحيد الدَّهْر عين زَمَانه ... ألوكة صب نازح فَاقِد الألفا) (وقابل حلاها بِالْقبُولِ فَإِنَّهَا ... غَرِيبَة شكل فِيك أغربت الوصفا) (فَإِن يَك غَيْرِي جاد بِالْفَضْلِ مبتدا ... فإنى إِبْرَاهِيم وَهُوَ الَّذِي وَفِي) وَأقَام بِدِمَشْق ثَمَان عشرَة يَوْمًا وَأخذ بهَا عَن الْمُحدث الْكَبِير المعمر شَيخنَا مُحَمَّد بن بدر الدّين البلباني الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ والعلامة الْمُحَقق عبد الْقَادِر بن مصطفى الصفوري وارتحل إِلَى الرّوم فَدَخلَهَا وَكَانَ ملك الزَّمَان السُّلْطَان مُحَمَّد إِذْ ذَاك ببلدة ينكي شهر فوصل إِلَيْهَا وَاجْتمعَ بالمفتي الْأَعْظَم الْمُحَقق الْكَبِير يحيى بن عمر المنقاري وَقَرَأَ عَلَيْهِ محلا من تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَأَجَازَ لَهُ وَقرر الْمدرسَة عَلَيْهِ وناله من قَائِم مقَام الْوَزير الْأَعْظَم مصطفى باشا الَّذِي صَار آخرا وزيراً أعظم نعْمَة طائلة وَوجه إِلَيْهِ جرايتين وَثَلَاثِينَ عثمانياً من خزينة مصر فِي كل يَوْم وَعَاد إِلَى قسطنطينية وَأخذ بهَا عَن قطب التَّحْقِيق أبي السُّعُود بن عبد الرَّحِيم الشعراني الْآتِي ذكره ثمَّ قدم دمشق واعتنى بِهِ أَهلهَا كاعتنائهم بِهِ فِي قِيمَته الأولى وَخذ عَنهُ من أَهلهَا خلق كثير وَاجْتمعت أَنا بِهِ مرَارًا وأسمعته من أَوَائِل الْجَامِع الصَّحِيح للْبُخَارِيّ وَسمعت مِنْهُ وأجازني بِجَمِيعِ مروياته وَكتب لي إجَازَة بِخَطِّهِ فِي الْيَوْم الثَّانِي من رَجَب سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف ورحل إِلَى مصر وَنزل الرملة وَهُوَ مُتَوَجّه وَأخذ بهَا عَن خَاتِمَة الْعلمَاء خير الدّين بن أَحْمد الرَّمْلِيّ الْحَنَفِيّ وَوصل إِلَى الْقُدس والخليل وغزة وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ الإِمَام عبد الْقَادِر بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن الفصين ثمَّ دخل الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا عَن عَالم الرّبع العامر الْعَلَاء الشبراملسي وَالشَّيْخ الإِمَام مُحَمَّد ابْن عبد الله الْخَرشِيّ الْمَالِكِي وَالشَّيْخ يحيى بن أبي السُّعُود الشهاوي الْحَنَفِيّ وَالسَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن السَّيِّد مُحَمَّد الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالحموي وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ إِلَى الْيَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين من شَوَّال ثمَّ رَحل مَعَ الركب الْمصْرِيّ إِلَى الْمَدِينَة فَدَخلَهَا فِي الْيَوْم الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة وَعَكَفَ على التَّحْرِير والقاء الدُّرُوس وَلم تطل مدَّته حَتَّى مَاتَ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من أَفْرَاد الدَّهْر وَكَانَت وِلَادَته سحر لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث شهر شَوَّال سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَتُوفِّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَانِي رَجَب سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف بِالْمَدِينَةِ فَجْأَة قيل سَبَب مَوته أَن شيخ الْحرم الْمدنِي ألزم أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وخطباءهم أَن يسروا فِي الصَّلَوَات بالبسملة كالحنفية فَلم يمتثل الخيارى وَقَالَ هَذَا الْأَمر لَيْسَ إِلَيْك فَدس إِلَيْهِ من سقَاهُ السم وَدفن بِالبَقِيعِ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالسؤالاتي الأديب الشَّاعِر الْجيد الطَّرِيقَة الْحسن البديهة كَانَ فِي ريعان عمره وعنفوان أمره يشْتَغل بصناعة النّظم فيبدي كل معنى نَادِر ويخترع كل مثل سَائِر كَقَوْلِه (تقمص ثوب اللاذ من فَوق لُؤْلُؤ ... ورصع بالدر الجمان بديدا) (والبسني مرط النحول مخلقا ... وَأعد مني برد الشَّبَاب جَدِيدا) (غزال كناس لَو رَأَتْهُ من السما ... كواكبها خرت إِلَيْهِ سجودا) وَقَوله (إِن الغزال الَّذِي فِي طرفه حور ... فِي مرشفيه سلاف الراح والحبب) (حارت لرُؤْيَته الْأَبْصَار حِين بدا ... غُصْن الْجمال حلاه اللطف وَالْأَدب) (مَا مَال من هيف مياس قامته ... إِلَّا عَلَيْهِ فؤاد الصب يضطرب) (دارت إِلَيْهِ قُلُوب الْعَالمين فَمَا ... قلب لغير هَوَاهُ الْيَوْم يَنْقَلِب) وَقَوله (حتام يَا ظَبْي النقا ... عني تحجب فِي كناسك) (لَا تنأ عَن عَيْني وتهجرني ... قلى من دون ناسك) (أَنا عبد رقك أرتجيك ... وأختشي سطوات باسك) (لَا تَبْغِ بالأعراض قَتْلَى ... واسقني بحياة راسك) وَقَوله (بِي أغيد تشخص الْأَبْصَار حِين بدا ... فِي طلعة جلّ من بالْحسنِ عدلها) (كَأَنَّمَا الْحسن لما زَان صورته ... قد قَالَ لِلْحسنِ كن وَجها فَكَانَ لَهَا) وتلاعبت بِهِ الأقدار يمنة ويسرة وقاسى من ضنك الْعَيْش وَسُوء المنقلب أحوالاً وأهوالاً وصبر على ألم المحنة صبرا لم يعْهَد مثله وَفِي ذَلِك يَقُول (تصبر فَفِي اللأواء قد يحمد الصَّبْر ... وَلَوْلَا صروف الدَّهْر لم يعرف الْحر) (وَإِن الَّذِي أبلى هُوَ العون فَانْتدبَ ... جميل الرضى يبْقى لَك الذّكر وَالْأَجْر) (وثق بِالَّذِي أعْطى ولاتك جازعاً ... فَلَيْسَ بحزم أَن يروعك الضّر) (فَلَا نعم تبقى وَلَا نقم وَلَا ... يَدُوم كلا الْحَالين عسر وَلَا يسر) (تقلب هَذَا الْأَمر لَيْسَ بدائم ... لَدَيْهِ مَعَ الْأَيَّام حُلْو وَلَا مر) وسافر آخرا إِلَى الرّوم وَجرى لَهُ مَعَ أدبائها محاورات مَقْبُولَة كَانَ كثيرا مَا يلهج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 بهَا وَبَعْدَمَا رَجَعَ إِلَى دمشق استبد بِكِتَابَة الأسئلة الْمُتَعَلّقَة بالفتوى للمفتي الْحَنَفِيّ وبهر فِيهَا حَتَّى بلغ مرتبَة لم يصل إِلَيْهَا أحد من أَبنَاء الْعَصْر وَكَانَ لَهُ الاستحضار الْغَرِيب لفروع الْمَذْهَب واستخراجها من محالها بسهولة مَعَ التبحر فِي الْفِقْه وَكَثْرَة الِاطِّلَاع وَكَانَ أَحْيَانًا يتعانى الشّعْر فيتكلف لَهُ لغَلَبَة الْفِقْه على طبعه وأجود مَا وقفت لَهُ من شعره الَّذِي نظمه آخرا قصيدته الَّتِي أرسلها للخيارى الْمَذْكُور قبله واستحسنت مننها هَذَا الْقدر الَّذِي كتبته ومطلعها (حَيا الحيا بسابق الغوادي ... سكان ذَاك الْحَيّ من فُؤَادِي) (وحاك فيهم وشيمة منمنما ... ربيع قطر معلم الأبراد) (وَلَا عدا الخصب منازلاً بهم ... منَازِل الإقبال والإسعاد) (وَلَا جَفا صوب العهاد عَهدهم ... وَلَا الندى خبت بِذَاكَ النادي) (هم خيموا بَين الضلوع والحشا ... مني مَحل الرّوح والسواد) (فلست أخْشَى بعد ذَاك عاديا ... من زمني المعتاب والمعادي) (وَلم أقل سقام جسمي عرض ... بِهِ يشان جَوْهَر اعتقادي) وَكَانَ حَرِيصًا على جمع الْكتب واقتنى مِنْهَا أَشْيَاء كَثِيرَة فِي كل فن ووقفها آخرا على بنت لَهُ وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْأَرْبَعَاء حادي عشرى شهر ربيع الأول سنة خمس وَتِسْعين وَألف وَقد جَاوز السِّتين وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان وَكَانَ ابتلى بِمَرَض عالجه مُدَّة مديدة وَأنْفق عَلَيْهِ أَمْوَالًا جمة وَلم يخلص مِنْهُ حَتَّى استحكم فِيهِ فَمَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم باشا بن عبد المنان الْمَعْرُوف بالدفتر دَار نزيل دمشق وَاحِد كبرائها صَاحب شَأْن رفيع كَانَ وقوراً متواضعاً سَاكِنا كثير الْعِبَادَة ملازماً على أَدَاء الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا مَعَ الْجَمَاعَة فِي الْجَامِع الْأمَوِي ويحضر مجَالِس الأوراد والأذكار وَيُحب الْعلمَاء والصلحاء ويذاكر فِي الْعُلُوم وَجمع كتبا وَكَانَ لَهُ اطلَاع على كثير من الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة وروى الحَدِيث وَالتَّفْسِير والمسلسل بالأولية عَن الشَّيْخ الإِمَام فتح الله بن مَحْمُود البيلوني الْحلَبِي وقفت على إِجَازَته لَهُ بِخَطِّهِ وتاريخ الْإِجَازَة فِي السَّادِس من رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف بالقدس والبيلوني الْمَذْكُور يَوْمئِذٍ مفتي الشَّافِعِيَّة بهَا وَذكره وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي تَرْجَمته هُوَ برسوي المولد قدم إِلَى دمشق أَولا فِي حُدُود سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف وَحج ثمَّ عَاد إِلَيْهَا ثَانِيًا فِي سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 إِحْدَى وَعشْرين كتخد الدفتر بِالشَّام وَهَذِه الْخدمَة تتَعَلَّق بأرباب الزعامات والتيمار ثمَّ عزل ثمَّ وردهَا ثَالِثا دفتر يابها فِي سنة خمس وَعشْرين وتوطنها وانعقدت عَلَيْهِ رياستها وَصَارَ أَمِير الركب الشَّامي فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين ثمَّ عزل بعد أَن حج بالركب فِي تِلْكَ السّنة وَأقَام دفتريا وَبنى فِي دَاره قصراً مطلاً على الْجَامِع الْأمَوِي وَلزِمَ أَنه نقب جِدَار الْجَامِع القبلي لأجل الْبَاب فَقَالَ الأديب عمر بن الصَّغِير فِي تَارِيخه بني نقب الْقبْلَة إِبْرَاهِيم وَهدم الْقصر الْمَذْكُور عقيب قَتله وَبنى حَماما بِالْقربِ من تربة السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب ولصيق دَاره الَّتِي كَانَ يسكنهَا وَوَقفه وَجُمْلَة من أملاكه على تدريس فقه وأجزاء رتبها فِي التربة الْمَذْكُورَة فَقَالَ شيخ الْأَدَب أَبُو بكر الْعمريّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَارِيخه (بنى وأوقف إِبْرَاهِيم دَامَ لَهُ ... منجز الصّلاح الدّين حَماما) قلت وَهَذَا من التواريخ البديعة فَإِنَّهُ بَين فِيهِ المُرَاد من غير حَشْو قَالَ وَلما قدم الْوَزير أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بالكوجك حَاكما بِدِمَشْق صدر بَينه وَبَين صَاحب التَّرْجَمَة مُنَافَسَة أدَّت إِلَى أَنه عرض فِيهِ إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فَجَاءَهُ الْأَمر بالتفتيش عَلَيْهِ فَجمع اعيان دمشق وأحضره وَأمر مُرَاد باشا ابْن الشريطي الْآتِي ذكره بمحاسبته وَكَانَ ابْن الشريطي يبغض إِبْرَاهِيم باشا فَأطلع فِي ذمَّته أَمْوَالًا كَثِيرَة بِسَبَب غَرَضه وَكتب بذلك حجَّة وحبسه فِي قلعة دمشق مُدَّة وَقبض على جَمِيع مَا يملكهُ فَبَاعَهُ ثمَّ أَمر بقتْله سرا فغمي بِالْمَاءِ وَقيل عصرت مذاكيره وَقيل وضع على رَأسه الوسادة حَتَّى مَاتَ وَحكى بعض من شَاهد قَتله أَنه كَانَ يَقُول فِي تِلْكَ الْحَالة إِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة وَفِي ثَانِي يَوْم قتلته أشيع أَنه مَاتَ فَجْأَة وَكتب بذلك حجَّة وَكَانَ قَتله يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بتربة صَلَاح الدّين بِوَصِيَّة مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْمَعْرُوف بِابْن كيوان أحد أَعْيَان دمشق الْمَشْهُورين بِالرَّأْيِ الصائب وَالنعْمَة الطائلة وَكَانَ لَهُ دراية فِي الْأُمُور ومحبة للْعُلَمَاء وَكَانَ لَهُ شَأْن عَال عِنْد أَرْكَان الدولة نَافِذ الْكَلِمَة فِي مهامة مُعظما عِنْد النَّاس موقراً بَينهم وَله خيرات وصدقات دارة ورتب أَجزَاء فِي الْجَامِع الْأمَوِي واشتهر بِابْن كيوان لِأَن وَالِده كَانَ ربيب كيوان الطاغية الْمَشْهُور الْآتِي ذكره وَنَشَأ فِي دولة أَبِيه وَصَارَ أَولا من الْجند ثمَّ صَار يياباشيا وَلما رأى أَحْوَال الْجند آيلة إِلَى الشقاق وتفرق الْكَلِمَة تفرغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 عَمَّا بِيَدِهِ لِأَخِيهِ خَلِيل الْآتِي ذكره وَاخْتَارَ إقطاعاً يعبر عَنْهَا بالزعامة ثمَّ صَار مُتَفَرِّقَة بِالْبَابِ العالي وَأقَام على صِيَانة أملاكه وانعزل عَن النَّاس وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة إحد وَألف وَتُوفِّي فِي ثَانِي عشرى جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن عَطاء بن عَليّ بن مُحَمَّد الشَّافِعِي المرحومي إِمَام الْجَامِع الْأَزْهَر الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الملازم لطاعته كَانَ منهمكاً على بَث الْعلم سالكاً سَبِيل السَّلامَة والنجاة مراقباً لله عَالما بِمَا يَنْفَعهُ فِي دُنْيَاهُ وآخرته مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة متمسكاً بالأسباب القوية من التَّقْوَى قَائِما مِنْهَا بمالاً يطيقه سواهُ حَتَّى أَنه إِن إِذا مر فِي السُّوق يسد أُذُنَيْهِ حَتَّى لَا يسمع كَلَام من بجانبيه ويسرع فِي مشيته مطرقاً من خوف الله وخشيته حذرا من تَفْوِيت وقته فِي غير عباده وَطَاعَة رَحل من بَلَده إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر وَأخذ عَمَّن بِهِ من أكَابِر عُلَمَاء عصره كالشيخ سُلْطَان وَغَيره وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه بالافتاء والتدريس فتصدر للإقراء واشتهر بِالْبركَةِ لمن يقْرَأ عَلَيْهِ وانهمك طلاب الْعلم عَلَيْهِ ففازوا مِنْهُ بأوفر نصيب وَألف حَاشِيَة على شرح الْغَايَة للخطيب وَاسْتمرّ سالكاً طَرِيق الاسْتقَامَة حَتَّى آن أَوَان حمامه وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ألف وَتُوفِّي يمصر فِي أَوَائِل صفر سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين والمرحومي نِسْبَة لمحلة المرحوم من منوفية مصر رَحمَه الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ السَّعْدِيّ الشَّافِعِي الْحَمَوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن كاسوحة نزيل دمشق صَاحب الْورْد الْهَمدَانِي الَّذِي يقْرَأ بعد صَلَاة الْفجْر عِنْد المنارة الشرقية بِجَامِع دمشق وَيعرف هَذَا الْورْد الْآن بالورد الدَّاودِيّ كَانَ من المعمرين الصَّالِحين عَلَيْهِ سِيمَا الْعِبَادَة وَالصَّلَاح وَكَانَ يَأْكُل من كسب يَمِينه ويتردد إِلَى الْقَاهِرَة للتِّجَارَة وَلَقي بهَا الجلة من الْعلمَاء مثل النَّجْم الغيطي صَاحب الْمِعْرَاج والاستاذ مُحَمَّد الْبكْرِيّ وَالشَّمْس الرَّمْلِيّ والبنوفري وَأخذ عَنْهُم وَحضر دروس الْبَدْر الْغَزِّي بِدِمَشْق وَصَحب ابْنه الشهَاب وتفقه بالشهاب العيثاوي وَكَانَت وَفَاته نَهَار الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر شَوَّال سنة إِحْدَى عشرَة وَألف وَقد قَارب سنه الثَّمَانِينَ رَحمَه الله تَعَالَى الْمولى إِبْرَاهِيم بن عَليّ الأزنبقي أحد موَالِي الرّوم قَاضِي قُضَاة الشَّام ولي قضاءها مرَّتَيْنِ ودخلها فِي الْمرة الْأَخِيرَة فِي أواسط شهر ربيع الثَّانِي سنة خمس عشرَة بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الْألف وَكَانَ فِي قَضَائِهِ حسن السِّيرَة وَله إكرام للْعُلَمَاء واحترام لَهُم جدا وَفِي أَيَّام قَضَائِهِ كَانَت فتْنَة ابْن جانبولاذ ومحاصرته دمشق كَمَا سأشرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته وَكَانَ القَاضِي الْمَذْكُور أحد من قَامَ بأعباء الصُّلْح بَين ابْن جانبولاذ وَبَين عَسَاكِر الشَّام تلافى الْفِتْنَة حَتَّى رَحل ابْن جانبولاذ عَن دمشق دَافع عَن أهل الشَّام بعض مَا كلفوا بِهِ من الْوَزير مُرَاد باشا حِين جَاءَ إِلَى حلب لقِتَال ابْن جانبولاذ وانفصل عَن قَضَاء الشَّام فِي أَوَاخِر سنة سبع عشرَة بعد الْألف ورحل إِلَى بلدته ازنيق وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف هَكَذَا ذكره النَّجْم الْغَزِّي فِي ذيله لطف الله بِهِ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْمَكِّيّ الْمَشْهُور بِأبي سَلمَة كَانَ إِمَامًا فَقِيها مطلعا على فروع الْمَذْهَب صارفا وقته فِي بَث الْعلم وَكَانَ متحريا فِي الْفَتْوَى دينا خيرا مولده مَكَّة وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن الْعَلامَة إِبْرَاهِيم الدهان وَبِه تخرج وانتفع وَحضر قبله دروس السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء الْأنْصَارِيّ وَأخذ الْفَرَائِض والحساب عَن السَّيِّد صَادِق والْحَدِيث وَالتَّفْسِير عَن الإِمَام الْكَبِير مُحَمَّد بن عَلان وَعنهُ أَخذ جمَاعَة من أهل مَكَّة من علمائها الْمَوْجُودين الْآن بهَا مِنْهُم صاحبنا الْفَاضِل الْفَقِيه الفرضي صَالح بن يَعْقُوب الزنجاني الْحَنَفِيّ ودرس كثيرا وانتفع واشتهر بتقوى الله تَعَالَى والإنهماك فِي طَاعَته وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فِي الرَّابِع عشر من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بالمعلاة إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن محيي الدّين بن عَلَاء الدّين بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن سراج الدّين بن صفي الدّين بن عمر عبد الرَّحْمَن الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الطباخ أصل وَالِده من بَلْدَة الْخَلِيل وَإِبْرَاهِيم هَذَا ولد بِدِمَشْق وَبهَا نَشأ واشتغل فِي بداية أمره ثمَّ لحق بقاضي الْقُضَاة السَّيِّد مُحَمَّد بن مَعْلُول ولازم مِنْهُ وَولى عِنْده بعض النيابات وسافر إِلَى قسطنطينية ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فِي حُدُود سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَأخْبر بِأَنَّهُ تقاعد عَن درس بِأَرْبَعِينَ عثمانيا وَأقَام بِدِمَشْق وسعى فِي دولة سِنَان باشا الْوَزير بِدِمَشْق على شَيْء من علوفة الْعلمَاء بخزينة الشَّام فَحصل لَهُ فِي كل يَوْم مَا يقرب من سِتِّينَ عثمانيا قِطْعَة ودرس بالسليمية بصالحية دمشق وَكَانَ ملازما على الْعِبَادَة بالجامع الْأمَوِي مُدَّة طَوِيلَة لَا يبرح مِنْهُ وَكَانَ شَدِيد التعصب دَائِم المخاطبة للْعُلَمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وَيظْهر ذَلِك فِي صُورَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فاتفق أَنه سمع النَّجْم الْغَزِّي وَهُوَ يملي تَفْسِير وَالِده الْبَدْر المنظوم فَأنْكر عَلَيْهِ وَكَانَ يُنَادي فِي الْجَامِع الْأمَوِي على رُؤْس الأشهاد بِأَعْلَى صَوته يَا معشر الْمُسلمين مَتى سَمِعْتُمْ بِأَن كَلَام الله تَعَالَى ينظم من بَحر الرجز وَكَيف ينزه الله تَعَالَى نبيه عَن الشّعْر وَيَأْتِي رجل من عُلَمَاء أمته يدْخل كَلَامه فِي الشّعْر فتصدى لمعارضته جدي المرحوم القَاضِي محب الدّين وَألف رِسَالَة فِي الرَّد عَلَيْهِ سَمَّاهَا السهْم الْمُعْتَرض فِي قلب الْمُعْتَرض وَلما وصلت إِلَيْهِ الرسَالَة شرع فِي تصنيف رِسَالَة لرد مَا رد بِهِ عَلَيْهِ وَنسب فِيهَا إِلَى الْحمق وَلَقَد وقفت عَلَيْهَا وطالعتها من أَولهَا إِلَى آخرهَا فرأيتها من هذيان الْكَلَام لِأَن غَايَته فِيهَا أَن ينْقل قَول الْمُعْتَرض ثمَّ يَقُول تَارَة من عرف مَا قلته لم يعْتَبر هَذَا القَوْل وَتارَة من عرف مَقَالَتي عَامل بالإنصاف الَّذِي هُوَ شَأْنه وَهَكَذَا لما شاعت الرسَالَة ألف الْجد رِسَالَة ثَانِيَة وسماها بِالرَّدِّ على من فجر ونبح الْبَدْر بالقامه الْحجر وَأطَال فِيهَا وَبَين زيف رِسَالَة إِبْرَاهِيم بِوُجُوه متنوعة وَكَانَ الْعَلامَة شهَاب أَحْمد العيثاوي ألف رِسَالَة أُخْرَى فِي الرَّد عَلَيْهِ والتصدي لنصرة الْبَدْر وسماها بالصمصامة المتصدية لرد الطَّائِفَة المتعدية فشاعت الرسائل بَين عُلَمَاء الشَّام ونظم الأديب أَبُو بكر بن مَنْصُور الْعمريّ أرجوزة فِي معنى اعْتِرَاض إِبْرَاهِيم على نظم الْبَدْر التَّفْسِير وَمن جملَة أبياتها يُخَاطب إِبْرَاهِيم وَيُشِير إِلَى أَنه كَانَ طباخاً لشهرته بِابْن الطباخ قَوْله (فعد عَن مبَاحث التَّفْسِير ... وعد كَمَا كنت إِلَى الْقُدُور) وَاتفقَ أَنه لم تطل مدَّته بعد ذَلِك حَتَّى مَاتَ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شعْبَان سنة سِتّ بعد الْألف وَكَانَ أوصى أَن يدْفن فِي مَقَابِر الصُّوفِيَّة وَعين موضعا لدفنه فنفذ أَخُوهُ مُحَمَّد وَصيته وَدَفنه فِي الْمَقَابِر الْمَذْكُورَة فِي طرف الطَّرِيق على جَانب الشمَال للذاهب إِلَى جِهَة المزة فِي مُقَابلَة نهر بانياس عفى عَنهُ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن حسن بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ الأكحل بن مُحَمَّد شمس الدّين بن سعد الدّين الجباوي الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي القبيباتي أحد بني سعد الدّين كَانَ من أصلح النَّاس وَأكْرمهمْ وَكَانَ لَهُ أَخْلَاق حميده وإنعامات عديدة وَكَانَ نَشأ فِي تربية أَبِيه وَكَانَ يختصه من بَين إخْوَته بالالتفات التَّام وَالْحب الشَّامِل وَلما حانت وَفَاة وَالِده أوصى لَهُ بِالذكر فِي حلقتهم بالجامع الْأمَوِي يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة وَأوصى لِابْنِهِ مُحَمَّد بِالْجُلُوسِ على سجادة الطَّرِيق بزاويتهم الْمَعْرُوفَة بهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 بمحلة القبيبات وَاسْتمرّ الإخوان على ذَلِك مُدَّة مديدة إِلَى أَن دخل بَينهمَا الْغَرَض فأداهما إِلَى الْمُخَاصمَة والمحاكمة وَطَالَ ذَلِك بَينهمَا حَتَّى أوجب تفريقهما فَرَحل إِبْرَاهِيم من محلّة القبيبات إِلَى دَاخل دمشق إِلَى أَن رَحل الحجيج فَسَار بأَهْله وحفدته إِلَى مَكَّة المكرمة وجاور بهَا وَصرف فِي مجاورته مَالا كثيرا ثمَّ رَجَعَ فِي الْعَام الثَّانِي مَعَ الركب الشَّامي وَسكن فِي بَيته وَترك التَّرَدُّد إِلَى النَّاس ثمَّ تصالح هُوَ وَأَخُوهُ وَبعد مُدَّة قَليلَة مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان بعد الْألف وَكَانَ آخر كَلَامه شَهَادَة الاخلاص وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا وَدفن عِنْد أسلافه فِي تربة القبيبات خَارج بَاب الله وَبَنُو سعد الدّين طَائِفَة بِالشَّام معروفون بالصلاح وَقد خرج مِنْهُم جمَاعَة وَمن الْمَشْهُور من طريقهم أَنهم يبرئون من الْجُنُون بِإِذن الله تَعَالَى بنشر يخطون يه خُطُوطًا كَيفَ مَا اتّفق فيشفى بهَا العليل ويحتمي لشر بهَا عَن كل مَا فِيهِ روح ثمَّ يَكْتُبُونَ للمبتلي عِنْد فَرَاغه من شرب النشر حِجَابا وَفِي الْغَالِب يحصل الشِّفَاء على أَيْديهم وَحكى النَّجْم الْغَزِّي عَن بعض الأصدقاء أَنهم يقصدون بِتِلْكَ الخطوط الَّتِي يكتبونها فِي نشرهم وحجبهم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وهم يتلفظون بهَا حَال الْكِتَابَة وأصل هَذِه الخاصية الَّتِي لَهُم أَن جدهم سعد الدّين لما فتح الله تَعَالَى عَلَيْهِ وكوشف بِالنَّبِيِّ وَأبي بكر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ قبل ذَلِك من قطاع الطَّرِيق فَأمر النَّبِي عليا رَضِي الله عَنهُ أَن يطعمهُ فاطعمه تمرات فَأُغْمِيَ على الشَّيْخ سعد الدّين أَيَّامًا ثمَّ لم يفق إِلَّا وَقد تَابَ الله عَلَيْهِ وَفتح عَلَيْهِ ثمَّ كشف لَهُ عَن كَبِير الْجِنّ أَخذ عَلَيْهِ الْعَهْد بذلك وَرَأَيْت فِي بعض الأوراق أَن الشَّيْخ سعد الدّين كَانَ فِي زمن أَبِيه الشَّيْخ يُونُس الشَّيْبَانِيّ وَقد ند عَن طَاعَته واشتغل بلهوه وبطالته وَخرج إِلَى أَرض حوران وَأقَام بهَا يقطع الطَّرِيق بُرْهَة من الزَّمَان فَسمع وَالِده الشَّيْخ يُونُس بِفعل وَلَده فاهتم لذَلِك ودعا إِلَى الله تَعَالَى فِي أَمريْن إِمَّا إِصْلَاحه وَإِمَّا أَخذه فِي وقته فَاسْتَجَاب الله دعاءه فِي إِصْلَاحه فَبَيْنَمَا هُوَ على مَا هُوَ عَلَيْهِ إِذْ رأى نَفرا ثَلَاثَة فصوب إِلَيْهِم لأخذ مَا عَلَيْهِم فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم الْتفت إِلَيْهِ أحدهم وَقَالَ مُخَاطبا لَهُ ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله فَأَخذه الوجد والهيام والبكاء والنحيب حَتَّى سقط عَن فرسه وَعَاد ملقى وَمَا فِيهِ غير نَفسه فَأَتَاهُ أحدهم وَضرب بِيَدِهِ على صَدره وَقَالَ لَهُ اسْتغْفر الله فَاسْتَغْفر مِمَّا وَقع من سالف أمره فَلَمَّا أَفَاق من سكره وَشَرَابه وهدأت نَفسه من تحريكه واضطرابه قَالَ أحدهم بعد أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 أَخذ تمرات من جيبه وَأَعْطَاهَا لرَسُول الله وَأمين غيبه وَقَالَ اسْقِهِ يَا رَسُول الله فتفل عَلَيْهَا وناوله إِيَّاهَا فَأَخذهَا الشَّيْخ وحظي بِمَا لَدَيْهَا وَقَالَ لَهُ الرَّسُول الْمُعظم خُذْهَا لَك ولذريتك فقبلها الشَّيْخ وعظمها وَرجع وَقد عمر الله تَعَالَى ظَاهره وباطنه وانجذب إِلَى مَوْلَاهُ وفاز بِمَا أعطَاهُ وسلسلة طريقهم عَن إِبْرَاهِيم وأخيه مُحَمَّد عَن والدهما مُحَمَّد عَن سعد الدّين عَن وَالِده القطب حُسَيْن عَن وَالِده حسن عَن أَبِيه القطب مُحَمَّد عَن وَالِده القطب أبي بكر عَن وَالِده القطب الأوحد على الأكحل عَن وَالِده القطب الْغَوْث سَيِّدي سعد الدّين عَن وَالِده الْبَحْر الْمُحِيط الشَّيْخ يُونُس عَن شيخ الشُّيُوخ أبي البركات عَن شيخ الشُّيُوخ أبي الْفضل الْبَغْدَادِيّ عَن الشَّيْخ أَحْمد الْغَزالِيّ عَن الشَّيْخ أبي البركات خير النساج عَن الشَّيْخ أبي الْقَاسِم الْجِرْجَانِيّ عَن الشَّيْخ أبي عُثْمَان المغربي عَن الشَّيْخ أبي عَليّ الْكَاتِب عَن الشَّيْخ عَليّ الروذبادي عَن سيد الطَّائِفَة الْجيد عَن أستاذه وخاله السّري السَّقطِي عَن شَيْخه مَعْرُوف الْكَرْخِي عَن الإِمَام عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا عَن وَالِده الإِمَام مُوسَى الكاظم عَن وَالِده الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق عَن وَالِده الإِمَام مُحَمَّد الباقر عَن وَالِده الإِمَام عَليّ زين العابدين عَن وَالِده الْحُسَيْن بن بنت رَسُول الله عَن وَالِده الإِمَام عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم عَن النَّبِي الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْعِمَادِيّ الملقب برهَان الدّين ابْن كسبائي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي الْمقري الْمجِيد الْمُحدث شيخ الْقُرَّاء بِدِمَشْق فِي وقته ولد بِدِمَشْق وَأخذ القراآت الْعشْر من طَرِيق النشر وَغَيره عَن شيخ الْإِسْلَام الْبَدْر الْغَزِّي وَأخذ عَنهُ غير ذَلِك من الْعُلُوم وَقَرَأَ على شيخ الْقُرَّاء بِالشَّام أَحْمد بن بدر الطَّيِّبِيّ للسبع وَالْعشر وعَلى الإِمَام الشهَاب أَحْمد الفلوجي ختمة كَامِلَة لعاصم وَالْكسَائِيّ وَمن اوله إِلَى الْمَائِدَة لأبي عَمْرو وَابْن عَامر وعَلى الْعَلامَة السَّيِّد الشريف عماد الدّين عَليّ بن عماد الدّين مَحْمُود بن نجم الدّين بن عَليّ القارىء الْبَحْر أبادي أصلا الْجِرْجَانِيّ منشأ ثمَّ الْقزْوِينِي قَرَأَ عَلَيْهِ بِدِمَشْق إِلَى قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ هم المفلحون} للعشرة وَقَرَأَ عَليّ المقرىء الْمسند المعمر بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد بن نصر الله الصلتي الشَّافِعِي للسبعة جمعا ثمَّ للعشرة إِلَى قَوْله تَعَالَى {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} فِي الْبَقَرَة وعَلى الإِمَام الْعَلامَة شرف الدّين يحيى بن مُحَمَّد بن حَامِد الصَّفَدِي إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نصبر} من طَرِيق الشاطبية وَقَرَأَ النشر والشاطبية والدرة والمقدمة وَغير ذَلِك على الطَّيِّبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ورحل إِلَى مصر وَأخذ بهَا عَن النَّجْم الغيطي وَغَيره وَكَانَ يعرف الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا وَله شعر أَكْثَره منحول من أشعار الْمُتَقَدِّمين مَعَ تَغْيِير يسير بِمَا أخل بِالْوَزْنِ وَكَانَ لَهُ بقْعَة بالجامع الْأمَوِي وَولي تدريس الأتابكيه عَن الْمُحدث الْكَبِير مُحَمَّد بن دَاوُد الْمَقْدِسِي نزيل دمشق الْآتِي ذكره فِي حَيَاته ثمَّ أُعِيدَت إِلَى الدَّاودِيّ ودرس بالعادلية الْكُبْرَى بطرِيق الْفَرَاغ من حسن البوريني لما درس بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية الجوانية وخطب مُدَّة طَوِيلَة بِجَامِع سيبائي خَارج دمشق بِقرب بَاب الْجَابِيَة وَكَانَ يعسر عَلَيْهِ تأدية الْخطْبَة ويطيل فِيهَا وَكَانَ فِيهِ دعابة ومزاح ويغلب عَلَيْهِ التغفل قَالَ النَّجْم فِي ذيله قَرَأت بِخَطِّهِ نقلا عَن خطّ وَالِده أَن مولده لَيْلَة السبت خَامِس عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة أَربع وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ختام ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان بعد الْألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير قبالة الْمدرسَة الصابوينه الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الأحدب الزبداني الأَصْل الْمُحدث الفرضي الشَّافِعِي الْمَذْهَب الرحلة المعمر نزيل صالحية دمشق قدم دمشق وَنزل بصالحيتها وَأخذ الْفَرَائِض والحساب عَن الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم النجدي الَّذِي كَانَ مُقيما بِالْمَدْرَسَةِ العمرية بصالحية دمشق وَكَانَ يلْحق بِابْن الهائم فِي هذَيْن الفنين وَأخذ الحَدِيث عَن الْبَدْر الْغَزِّي وَالشَّمْس مُحَمَّد بن طولون الْحَنَفِيّ إِمَام السليمية والشرف مُوسَى الحجاوي الْحَنْبَلِيّ والشهاب أَحْمد الطَّيِّبِيّ وَالشَّيْخ مَنْصُور بن إِبْرَاهِيم بن محب الدّين والبرهان النسيلي الشَّافِعِي والشهاب أَحْمد بن حجر الْمَكِّيّ السَّعْدِيّ وَصَارَ معلما للأطفال فِي مكتب قبالة الْمدرسَة العمرية ثمَّ لَازم آخر أمره السليمية يقرى النَّاس فِي الْفُنُون وانتفع بِهِ خلق كثير من أَجلهم الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَيُّوب بن أَحْمد الخلوتي الصَّالِحِي والعلامة عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بقبردي وَرَأَيْت فِي بعض المجاميع لبَعض العصريين أَنه كَانَ ينظم الشّعْر وَأنْشد لَهُ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وهما (يَا سادتي أهل الوفا ... من عزكم أَرْجُو وفاه) (إِن غبت عَنْكُم سَاعَة ... عدمت نَفسِي والحياة) وَكَانَت وَفَاته سنة عشرَة بعد الْألف هَكَذَا رَأَيْته فِي تَارِيخ البوريني ثمَّ راجعت ذيل النَّجْم فرأيته ذكر أَن وَفَاته كَانَت فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف وترجح عِنْدِي هَذَا أَولا ثمَّ رَأَيْت بعض تراجم بِخَط الشَّيْخ مُحَمَّد المرزناتي الصَّالِحِي الأدهمي وَهُوَ من معاصري ابْن الأحدب ذكر أَن وَفَاته كَانَت نَهَار الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر شهر رَجَب سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 عشرَة بعد الْألف وَذكر يَعْنِي المترجم أَن وِلَادَته فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَتِسْعمِائَة والزبداني بِفَتْح الزَّاي وَالْمُوَحَّدَة وَالدَّال الْمُهْملَة ثمَّ ألف بعد هانون وياء نِسْبَة إِلَى نَاحيَة من نواحي دمشق سميت باسم أحد قراها وَمِنْهَا خرج صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ أَهله بهَا من مشاهير تِلْكَ الدائرة وَهَذِه النَّاحِيَة مَشْهُورَة بِطيب الْهَوَاء والتربة مِنْهَا يجلب التفاح الزبداني وَمن أَمْثَال المولدين من عَاشر الزبداني فاحت عَلَيْهِ روائحه يعنون تفاحها أَو أَهلهَا وَالْإِضَافَة لأدنى مُلَابسَة وَالله تَعَالَى أعلم الأديب إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مشعل العبدني السالمي الأديب الشَّاعِر برهَان الدّين الْمَكِّيّ كَانَ شَاعِرًا ماهرا حسن النّظم لطيف الطَّبْع رَقِيق الجلباب لَهُ القصائد الطَّوِيلَة يمتدح بهَا الشريف حسن بن أبي نمى شرِيف مَكَّة وَغَيره من الْأَشْرَاف الحسنيين وَغَيرهم ورزق قبولا وَمن شعره قَوْله فِي النسيب (كم مهجة بالغرام منسبيه ... وَمَا لمن يقتل الغرام ديه) (فليحذر الْحبّ كل محترش ... بِهِ فَفِيهِ الحتوف منطويه) (وَفِي رَبًّا شعب عَامر رشأ ... لَهُ عُيُون بِالسحرِ ممتليه) (فِي حسنه وَالْجمال منتهياً ... وعشقتي فِيهِ غير منتهيه) (كم شمس حسن عَلَيْهِ مشرقة ... مِنْهَا بدور الْجمال مختفيه) (إِذا بدا مُقبلا ولاح ليه ... جعلت مِنْهُ الجبين قبلتيه) (مَا قلت فِيهِ انتهب صبابتيه ... إِلَّا وعادت إِلَى مبتديه) (لي مهجة غرها بغرته ... آهاله من صياد غرتيه) (وَمَا هَدَانِي بصبح طلعته ... إِلَّا بلَيْل الشُّعُور ضلنيه) (فحبذا ذَلِك الضلال بِهِ ... لمهجة بالضلال مهتديه) (أهم بالإنثناء عَنهُ إِلَى ... أَن تبدلي معطفاه منثنيه) (فيرج الوجد لي بأجمعه ... أضلّ فِي صبوتي وحيرتيه) (وأغيد ذبت من محبته ... وَنَفسه بالجمال ملتهية) (محسن الْخلق أحور ترف ... خلقته بالكمال مستويه) (عيونه بالحلى مكحلة ... وذاته بالجمال مكتسيه) (قد اغتني بالبها وروحي عَن ... وصاله الحلو غير مغتنيه) (لِلْحسنِ فِي وجنتيه كل حلا ... مَاء ونار أحار فكرتيه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 (فَلم أنل مَاء ورد وجنته ... وَمن لظاها حشاي ملتظيه) (لَا تعجبوا إِن فنيت فِيهِ الْهوى ... فذاته بالغرام مقتضيه) (ووجنة بالبهاء زاهرة ... بنرجس المقلتين محتمية) (وَرب خدر طرقت بيضته ... وَاللَّيْل ظلماه غير منجلية) (وحولها من حماتها أَسد ... على اضطرام الحروب مجترية) (فانتبهت من لذيذ نومتها ... تَقول من ذَا يحل حوزتيه) (فَقلت صب أذبت مهجته ... بالْحسنِ يَا بغيتي ومنيتيه) (قَالَت لقد رمت مطلبا خطرا ... من دونه الْمَوْت يَا متيميه) (أما رَأَيْت الْأسود رابضة ... أما رَأَيْت السوف منتصيه) (فَقلت إِن الْمُحب مهجته ... بِالْمَوْتِ فِيمَن يحب مرتضيه) (وحبذا يَا ابْنة الْكِرَام إِذا ... بلغت فِي منيتي منيتيه) (فيا حَيَاة النُّفُوس إِنِّي من ... أعشق بالغانيات ميتتيه) (فَقَالَت أَهلا ومرحبا بفتى ... يعشق للْمَوْت فِي محبتيه) (وأرشفتني رحيق ريقتها ... وَالنَّفس مني لذاك مشتهية) (فرحت نشوان من مقبلها ... وريقها مَا ألذ سكرتيه) (وَفِي ثنايا نقي مبسمها ... شهد عَلَيْهِ النُّفُوس مجتويه) (وَمَا أجتني الشهد قطّ من برد ... غَيْرِي فيا مَا ألذ جنيتيه) (فَعِنْدَ ذَا أَنْعَمت وَمَا بخلت ... بوصلها وَهِي غير مستحية) وَله هَذِه الأبيات وَهِي من أَجود شعره (لَا أرق الله من بِالسقمِ أرقني ... وَلَا شفى السقم لحظ مِنْهُ أسقمني) (وَلَا طفا جمر خد مِنْهُ ملتهبا ... وَإِن يكن بالجفا والصد أحرقني) (وَزَاد فِي ضيق خصر مِنْهُ ضقت بِي ... ذرعا وأنحله إِذْ كَانَ أنحلني) (وَلَا عدا اللعس هاتيك الشفاه لمى ... وَإِن حمى رشفها عني وأعطشني) (وَلَا اختفت من ثناياه بوارقها ... وَإِن بَكَيْت لَهَا بالعارض الهتن) (وَشد أقواس تِلْكَ الحاجبين وَإِن ... غَدَتْ بنبل الْعُيُون السود ترشقني) (وَلم تزل شمس ذَاك الْحسن مشرقة ... فِي وَجهه لَو بدمع الْعين شرقني) (ودام أهيف ذَاك الْقد فِي ميد ... وَلَو أطار الحشا إِذْ صَار كالغصن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 (وضاعف الله ذَاك الْحسن أجمعه ... وَلَو رماني بِضعْف الضّر فِي بدني) (ابقاه فِي دولة بالْحسنِ زاهرة ... وَلَو جميل أصطباري عَن لقاه فني) (وَزَاد ذَاك الْمحيا بهجة وسنا ... وَإِن حمى عَن جفوني لَذَّة ألوسن) (يَا من جَمِيع مَعَانِيه فتنت بهَا ... لَا أَحْمد الله مَا تبدي من الْفِتَن) (أحسن بِوَجْهِك فالإحسان أجمعه ... يَلِيق لَا غَيره من وَجهك الْحسن) وَله قَوْله (شمس الطلا بَدْرِي غَدا ... لم يَصح من تعليلها) (فالراح قتلة قاتلي ... وَأَنا قَتِيل قتيلها) وَمثله قَول مُحَمَّد الْبونِي الْمَكِّيّ وسبكه فِي قالب آخر وأجاد (يالقومي إِنِّي قَتِيل ببدر ... هُوَ أضحى قَتِيل شمس الْعقار) (علم الله أَن قَتْلَى حرَام ... فاشغلنه بهَا لتاخذ ثاري) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِالطَّائِف فِي سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَقد جَاوز السّبْعين رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم جعمان حد إِبْرَاهِيم الْمُقدم ذكره اليمني مفتي زبيد على مَذْهَب الشَّافِعِي كَانَ على جَانب عَظِيم من نشر الْعلم والتدريس وإكرام الدرسة والوافدين وَكَانَ حَافظ للْمَذْهَب مُحدثا نقادا يكَاد يتوقد ذكاء وَكَانَت إِلَيْهِ رياسة مَدِينَة زبيد وَكَانَ مسموع الْكَلِمَة مَقْبُول الشَّفَاعَة عديم النظير فِي زَمَانه أَخذ عَن شُيُوخ كثيرين وَعنهُ السَّيِّد أَبُو بكر بن أبي الْقَاسِم الأهدل وَأَخُوهُ سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن عمر حشيبير وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن الطَّاهِر بن بَحر والفقيه مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطوى وَكم من نجباء انتفعوا بِهِ وَكَانَ هُوَ الْعُمْدَة فِي عصره فِي الْفَتْوَى بزبيد والمعول عَلَيْهِ فِي حل المشكلات وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب سِهَام وبموته حصل النَّقْص بِمَدِينَة زبيد وَخرب أَكْثَرهَا الأديب إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي الْمَعْرُوف بالأكرمي الأديب الشَّاعِر الْمَشْهُور فَرد وقته فِي رقة الْكَلَام وجزالته وعذوبة اللَّفْظ وسهولته ذكره البديعي فِي ذكرى حبيب وَقَالَ فِي وَصفه فَاضل كثير المزايا كريم الشيم والسجايا رَيَّان من مَاء الطلاقة نشوان من صهباء اللباقة لَهُ محاضرة تَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب كَأَنَّمَا اقتبس ألفاظها من ريق الْجنُوب وديوان شعره سَمَّاهُ مقَام إِبْرَاهِيم أَكْثَره فِي وصف المدامة والنديم وخمرياته تجْعَل الزَّاهِد عَاصِيا وغزلياته تصير العاطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 من الوجد حاليا وَقد أَكثر فِيهِ قَوْله آه فَسئلَ عَن السَّبَب فَقَالَ أَن إِبْرَاهِيم لَا واه قلت وَهُوَ مِمَّن أَخذ الْأَدَب عَن أبي الْمَعَالِي الطالوي وَعبد الْحق الْحِجَازِي وَعَلَيْهِمَا تخرج وَبِهِمَا برع وَهُوَ وآباؤه خدام بَاب الشَّيْخ الْأَكْبَر رَضِي الله عَنهُ وكل مَا هُوَ فِيهِ من الرونق الَّذِي على شعره مستمد من رونق ذَلِك الْبَاب وغايته فِي الشّعْر قل من يضاهيه فِيهَا وَفِيمَا أوردهُ لَك من كَلَامه كِفَايَة عَن الإطراء فِي وَصفه فَمن جيده قَوْله من الخمريات (اسقنيها قبل ارْتِفَاع النَّهَار ... إِن طيب المدام فِي الأسحار) (هِيَ بكر فَاشْرَبْ ويومك بكر ... لم بشبه الْأَنَام بالأكدار) (الصبوح الصبوح فِي جدة الْيَوْم ... فَإِن الصبوح روح الْعقار) (يَا فدتك النُّفُوس هِيَ قَلِيل ... من نديم سهل الطباع مداري) مِنْهَا فِي وصف الرياض (ذَات أَرض توشمت بربيع ... ذهبت وشمها يَد الأزهار) (يستفيق المخمور إِن مر فِيهَا ... من هَوَاء صَاف وَمَاء جاري) مَأْخُوذ من قَول الْوَاو الدِّمَشْقِي (سقى الله لَيْلًا طَابَ إِذْ زار طيفه ... فأفنيته حَتَّى الصَّباح عنَاقًا) (بِطيب نسيم فِيهِ يستجلب الْكرَى ... فَلَو رقد المخمور فِيهَا أَفَاق) فِي الْبَيْت الثَّانِي مَا يُوهم التَّنَاقُض وَالْوَاو أَخذه من الْفَتْح بن خاقَان فِي وصف جَارِيَة لَهُ وَهُوَ مَا نقل ابْن حمدون قَالَ كَانَ الْفَتْح بن خاقَان يأنس بِي فَقَالَ لي مرّة شَعرت يَا أَبَا عبد الله أَنِّي انصرفت البارحة من مجْلِس أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا دخلت منزلي استقبلتني فُلَانَة فَلم أتمالك أَن أقبلها فَوجدت فِيمَا بَين شفتيها هَوَاء لَو رقد المخمور فِيهِ لصحا وَمِنْه قَول شرف الدّين القابوسي (قابلني لَيْلَة قبلته ... ظَبْيًا من الْبَدْر غَدا أملحا) (طيب نسيم بَين أَسْنَانه ... لَو رقد المخمور فِيهِ صَحا) وللأكرمي من خمرية (وَيَوْم فاختي الْجور طب ... يكَاد من الفضاره أَن يسيلا) (نعمت بِهِ وندماني أديب ... وقور فِي تعاطيه الشمولا) (قَطعنَا صبحه وَالظّهْر شربا ... وجاوزنا العشية والأصيلا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 (لَدَى روض عميم النبت يزهى ... يَا زهار زهت عرضا وطولاً) (يَدُور بِهِ سوار الرَّوْض طوراً ... كَمَا يتعانق الْخلّ الخليلاً) قَوْله وَيَوْم فاختى الجو يظْهر مَعْنَاهُ قَول ابْن المعتز (يَوْم كَانَ سماءه ... حجبت بأجنحة الفواخت) (وَكَانَ قطر نثاره ... در على الأغصان نابت) (يَوْم يطيب بِهِ الصبوح ... وَقد نأت عَنهُ الشوامت) (فاربع بِهِ وبمثله ... لأتأسفن لقوت فَائت) وَله أَبْيَات عَارض بهَا ابْن الْحجَّاج وَهِي قَوْله (كم جلونا فِي لَيْلَة الْفطر والأضحى ... على قاسيون بنت الدنان) (وشربنا فِي ليل النّصْف من شعْبَان ... صرفا وَفِي دجى رَمَضَان) (ونهار الْخَمِيس عصرا وَفِي الْجُمُعَة ... قبل الصَّلَاة بعد الآذان) (وَسَقَانَا ظَبْي غزير وغني ... ظَبْي أنس يسبيك بالألحان) (وسبحنا فِي غمرة اللَّهْو والقصف ... على طَاعَة الْهوى والأماني) (ولعمري لقد سئمنا من الغي ... وعفنا من كَثْرَة الْعِصْيَان) (لم نَدع مُدَّة الصِّبَا والتصابي ... من طَرِيق مهجورة أَو مَكَان) (قد قَطعنَا غي الشَّبَاب بِجَهْل ... فَاعْفُ عَنَّا يَا وَاسع الغفران) وقصيدة ابْن الْحجَّاج مطْلعهَا من دواعي الصبوح والمهرجان قَول فِيهَا (اسقياني بَين الدنان إِلَى أَن ... ترياني كبعض تِلْكَ الدنان) (اسقياني فَقدر رَأَيْت بعيني ... فِي قَرَار الْجَحِيم أَيْن مَكَاني) وَهِي مَشْهُورَة وَكلهَا على هَذَا النسق وَكَانَ الأكرمي كثير الْمُرَاجَعَة لشعر بن الْحجَّاج هَذَا وَفِيه يَقُول وَكتب بهَا على المجلدة الثَّالِثَة من ديوانه (قَالَ لي ناظم هَذَا ... ولسان الْحَال مبدي) (أَنا فِي شعري سَفِيه ... وخبيث متعدي) (كَيفَ لَا أَخبث وَالْحجاج ... حاوي الْخبث جدي) قَالَ وَكنت أَشك فِي هَذَا حَتَّى رَأَيْت فِي قافية الْفَاء مِنْهَا قَوْله (هَذَا لِأَن الْحجَّاج جدي ... أَخبث من جَاءَ من ثَقِيف) وَله فِي الْغَزل قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 (مهلا لقد أسرعت فِي مقتلي ... إِن كَانَ لَا بُد فَلَا تعجل) (أنجزت اتلافي بِلَا عِلّة ... الله فِي حمل دم المثقل) (لم يبْق لي فِيك سوى مهجة ... بِاللَّه فِي استدراكها أجمل) (إِن كنت لَا بُد جوى قاتلي ... فاستخر الله وَلَا تفعل) (رفقا بِمَا أبقيت من مدنف ... لَيْسَ لَهُ دُونك من معقل) (يكَاد من رقته جِسْمه ... يسيل من مدمعه المسبل) (مَالك فِي اتلافه طائل ... فارع لَهُ الْعَهْد وَلَا تهمل) (كم من قَتِيل فِي سَبِيل الْهوى ... مثلي بِلَا ذَنْب جنى فَابْتلى) (أول مقتول جوى لم أكن ... قَاتله جَار وَلم يعدل) (يَا مانعي الصَّبْر وَطيب الْكرَى ... عَن حالتي بعْدك لَا تسْأَل) (قد صرت من أَجلك حيران لَا ... أعلم مَاذَا بِي وَلم أَجْهَل) (أغص من دمعي ادكاراً لما ... فارقته من ريقك السلسل) وَله (سقى الله ليلاتي على السفح باللوى ... وعهد الصِّبَا مَا كَانَ احلاه من عهد) (فواها لَهُ بل آه مِمَّا تصرمت ... وَلَو أَن آهى بعْدهَا أبدا تجدى) (زمَان لنا بالصالحية كُله ... ربيع وَأَيَّام لنا فِيهِ كالورد) وَله غير ذَلِك (من كل معنى تكَاد البهم تفهمه ... حسنا ويعشقه القرطاس والقلم) وَكَانَ شعره جمع بَين جزالة الْأَلْفَاظ وعذوبة الْمعَانِي وَفِيمَا أعتقده أَنه أحسن شعراء هَذَا التَّارِيخ لطول بَاعه فِي فنون الشّعْر بأجمعها وَحسن انسجام كَلِمَاته ورونقها وَهَذَا مَا ظهر لي بِحَسب رَأْي السقيم وَأَرْجُو أَن يوافقني عَلَيْهِ من عرف مقَام إِبْرَاهِيم وَكَانَت وَفَاته فِي شعْبَان سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بسفح قاسيون الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْحرم بن أَحْمد الصبيبي الْمدنِي وَاحِد الْمَدِينَة المنورة فِي زَمَانه علما وبراعة وَكَانَ يعرف فنوناً تفرد بهَا وَكَانَ سالكاً طَرِيق من سلف حسن الشكل لين الْجَانِب كثير الْإِحْسَان للطلبة معلما ناصحاً ومفيداً صَالحا يقرب الضَّعِيف من الإخوان ويحرص على إِيصَال الْفَائِدَة للبليد المستهان وَكَانَ رُبمَا ذكر عِنْده المبتدى الْفَائِدَة المطروقة فيصغى إِلَيْهَا كَأَنَّهُ لم يسْمعهَا جبرا لخاطره وَكَانَ جمالِيًّا فِي سَائِر شئونه يحب الْجمال بالطبع وَكَانَ مثابراً على إِيصَال الْبر وَالْخَبَر لكل مُحْتَاج ولد بِالْمَدِينَةِ وَأخذ عَن وَالِده وَعَن شُيُوخ وَلزِمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 التدريس وَأخذ عَنهُ جمع وَكَانَ ينظم الشّعْر السهل اللَّطِيف وَمن شعره قَوْله فِيمَن لبس بَيَاضًا (لما بدا مبيضاً ... وَالْقلب مشتاق إِلَيْهِ) (ناديت هَذَا قاتلي ... والراية البيضا عَلَيْهِ) وَقَوله (صادفته يجلو فاحشوه ... شهد وَورد وعتيق المدام) (فَقلت يَا مولَايَ هَل مشرب ... من ريقك العذب الْحر الغرام) (فَقَالَ جور مِنْك أَنْت الَّذِي ... تدعى بإبراهيم طول الدَّوَام) (وَالنَّار بردا وَسلَامًا غَدَتْ ... عَلَيْك يَا ذَا الْحر قلت السَّلَام) وَقَوله (جَاءَ يسْعَى إِلَى الصَّلَاة مليح ... يخجل الْبَدْر فِي ليَالِي السُّعُود) (فتمنيت أَن وَجْهي أَرض ... حِين أومى بِوَجْهِهِ للسُّجُود) قلت تذكرت هُنَا مَا يحْكى عَن بعض الظرفاء أَنه مر بِغُلَام جميل فَعَثَرَتْ فرس فِي طين أصَاب وَجه الْغُلَام مِنْهُ نزر فَقَالَ الظريف يَا لَيْتَني كنت تُرَابا فَقَالَ بعض المارين للغلام مَا يَقُول هَذَا فَقَالَ وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت تُرَابا وَقد ذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي سلافته فَقَالَ فِي حَقه فَاضل ملْء أهابه عَارِف بإيجاز الْأَدَب واطنا بِهِ إِلَى وقار ورجاحة وصفاء سريرة اقْتضى لآمله نجاحه وَهُوَ للفضل خَلِيل وَمحله فِي الْعلم جليل نَص عرائس المحاسن وحلاها وَلبس أَثوَاب الْعُمر حَتَّى أبلاها وَله نظم حسن أبان بِهِ عَن بلاغة ولسن فنه قَوْله فِي تَارِيخ الْمَدِينَة للسمهودي الْمُسَمّى بخلاصة الوفا (من رام يستقصي معالم طيبَة ... ويشاهد الْمَعْدُوم بالموجود) (فَعَلَيهِ باستقصاء تَارِيخ الوفا ... تأليف عَالم طيبَة السمهودي) والسمهودي هَذَا على نور الدّين أَبُو الْحسن بن عبد الله السمهودي كَانَ عَالم الْمَدِينَة توفّي آخر سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف وَقَالَ السَّيِّد مُحَمَّد كبريت فِي نصر من الله وَفتح قريب فِي معرض كَلَام جرت عَادَة الفعال لما يُرِيد فِي خلقه أَن كل بَلْدَة فِي الْغَالِب تكون عوناً لغريبها حَتَّى على ساكنها على الْخُصُوص الْمَدِينَة المنورة وَكَانَ المرحوم الْعَلامَة الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن أبي الْحرم يَقُول لَيْسَ من الرَّأْي تَعْظِيم الْوَارِد إِلَى هَذِه الدَّار إِلَّا بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ الْحَال فَإِنَّهُ بتعظيمه يطَأ غَيره ثمَّ يتمرد على معظمه فيطؤه كَذَلِك وَتَكون إساءته عَلَيْهِ أَكثر وعَلى الْخُصُوص من لفظته الْقرى وَألف النوال والقرى وَقد اتّفق لي شَيْء من ذَلِك فَكتب إِلَى بعض أَصْحَابِي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 خُصُوص هَذَا الْمَعْنى (يَا أهل طيبَة لَا زَالَت شمايلكم ... بلطفها فِي الورى مَأْمُونَة العتب) (لَكِن رعايتكم للغرب تحملهم ... على تجاوزهم للحد فِي الْأَدَب) فَكَانَ الْجَواب عَن ذَلِك بِلِسَان الْحَال (مولَايَ إِن صروف الدَّهْر قد حكمت ... وأعوزت أَن يدل الرَّأْس للذنب) (كم من مقبل كف لَو تمكن من ... قطع لَهَا كَانَ مِمَّن فَازَ بالأرب) وَكَانَت وَفَاة ابْن أبي الْحرم رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر صفر سنة سِتّ وَخمسين وَألف بِالْمَدِينَةِ وَدفن بِالبَقِيعِ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد السُّوسِي الأنسي الْمَالِكِي من أكَابِر الأفاضل جَامع للفنون والعلوم الرياضية وَله معرفَة بِعلم الاوفاق والزايرجا والرمل وَله فِي فن الدعْوَة والاسماء براعة وَقُوَّة نظم رِسَالَة الْمرْجَانِي فِي الوفق الخماسي الخالى الْوسط وَشَرحهَا شرحا عجيبا اشْتغل بِبِلَاد سوس من الْمغرب الاقصى ثمَّ تنقل فِي بِلَاد الغرب فَرَحل إِلَى مراكش واخذ عَن مفتها مُحَمَّد بن سعيد وَغَيره من علمائها وَدخل فاس وَأخذ بهَا عَن جمع وَأقَام بالزاوية من أَرض الدلاء مديدة وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم سَيِّدي مُحَمَّد المرابط ومشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم لَا يُحصونَ جمع مِنْهُم من اسْمه مُحَمَّد فبلغوا نَحْو سبعين شَيخا وَدخل مصر فِي سنة خمس وَسبعين ولف وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة ثمَّ وصل إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَله نظم ونثر فِي غَايَة الرقة والانسجام فَمن شعره قَوْله (يَا من رماني بِسَهْم اللحظ فِي مضى ... أوحشتني وحشوت الْقلب نَار غضا) (كسرت جفني بتكسير الجفون كَمَا ... نصبت حَالي لاسهام الجفا غَرضا) (فكم نصبت لَك الأشراك فِي حلم ... لَعَلَّ طيفك وَهنا فِي الْكرَى عرضا) (وأضرم النَّار بالذكرى على علم ... من مهجتي يَهْتَدِي للنار حَيْثُ أضا) (إِن قست قدك بالبدر الْمُنِير على ... غُصْن على كثب الجرعاء ذَات أضا) (لله ظبى حَشا بِالسحرِ مقلته ... فكم جليت بِهِ أستاره حرضا) (فِي فِيهِ عين وَعين فِيهِ جَوْهَرَة ... من الْحَيَاة وبرق للمنى ومضا) وَبَينه وَبَين صاحبنا الْفَاضِل الأديب مصطفى بن فتح الله الشَّامي نزيل مَكَّة مَوَدَّة أكيدة ومراسلات عديدة مدحه صاحبنا الْمَذْكُور بِأَبْيَات فَكتب لَهُ بهَا رِسَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 نَحْو كراسة سَمَّاهَا الرَّائِحَة الوطفا فِي راحية مصطفى مُشْتَمِلَة على قصيدة عَجِيبَة ونثر حسن وَمن شعره أَيْضا قَوْله (لَا غرو إِن كنت تجفو الْأنس يَا رشأ ... فَمن خِصَال الظبا أَن تنفر البشرا) (يَا لَيْتَني كنت وحشياً أردد فِي ... مفتون وَجهك فِي سقط اللوى نظرا) وَكتب إِلَيْهِ بعض الأدباء وَهُوَ بالزاوية من أَرض الدلاء يَقُول (يَا أَبَا إِسْحَاق قل لي موجزا ... أَي شَيْء مبرد حر النَّوَى) (قد أَبَت الإسهادا مقلتي ... وانسكاب الدمع شوقاً للوي) فَأَجَابَهُ بقوله (زار فِي روض بهي سحرًا ... جَامع بَين رواء وروى) (تتهادى فِي الحشا نفحته ... طلبت مني دوا دَاء النَّوَى) (قلت عَن طب وَمَا يعزى لمن ... جرب الْأَمر عليم بالدوا) (عرق وصل ونبات الدّرّ من ... مَاء ثغر أشنب كل سوا) (فاسحقنها فِي مهاريس اللوى ... واشربنها بكؤوس من هوى) (فَهُوَ درياق لأمراض النَّوَى ... مطفىء بَين الحشا جمر الجوى) وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَسبعين وَألف وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله تعال الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الملقب برهَان الدّين الْمَيْمُونِيّ الإِمَام الْعَلامَة الفهامة الْمُحَقق المدقق خَاتِمَة الأساتذة المتبحرين كَانَ آيَة ظَاهِرَة فِي عُلُوم التَّفْسِير والعربية أعجوبة باهرة فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية حَافِظًا متفنناً متضلعاً من الْفُنُون مَشْهُورا خُصُوصا عِنْد الْقُضَاة وأرباب الدولة وأبلغ مَا كَانَ مَشْهُورا فِيهِ علم الْمعَانِي وَالْبَيَان حَتَّى قل من يناظره فيهمَا وَسُئِلَ بعض أهل التَّحْقِيق من قُضَاة مصر عَنهُ فَقَالَ هُوَ رجل لَو سُئِلَ عَن مسئلة فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان لأملي عَلَيْهَا كرريس عديدة وَكَانَ مترفهاً فِي عيشه كريم النَّفس رَقِيق الطَّبْع حسن الْخلق فصيح اللِّسَان وجيهاً مجللاً عِنْد عَامَّة النَّاس وخاصتهم مسموع الْكَلِمَة وَإِذا حضر مَجْلِسا فِيهِ عُلَمَاء يكون هُوَ الْمُتَكَلّم من بَينهم والمشار إِلَيْهِ فيهم وَاجْتمعَ فِيهِ حسن التَّقْرِير وتحبير التَّأْلِيف والتحرير لَازم وَالِده سِنِين وَكَانَ يحضر مَعَه وَهُوَ صَغِير درس الشَّمْس الرَّمْلِيّ وَأَجَازَ بمروياته وَأخذ عَن أبي بكر الشنواني وَمَنْصُور الطبلاوي وَأحمد الغنيمي وَغَيرهم من عُلَمَاء عصره وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه عَنهُ أَخذ أَحْمد بن أَحْمد العجمي عبد الْقَادِر الْبَغْدَادِيّ وشاهين الْحَنَفِيّ وَكَانَ لَهُ ولد برع بالتلقي عَنهُ وَمَات قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 أَبِيه بِنَحْوِ ثَلَاثَة أشهر فَحزن عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا وَلما عزي بِهِ أنْشد بَيت المتنبي (لَوْلَا مُفَارقَة الأحباب مَا وجدت ... لَهَا المنايا إِلَى أَرْوَاحنَا سبلا) وَاجْتمعَ بِهِ وَالِدي فِي مُنْصَرفه إِلَى الْقَاهِرَة وَذكره فِي رحلته وَأَطْنَبَ فِي وَصفه جدا وَذكر عراقته وتبحره فِي الْعُلُوم بأسرها وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ مِمَّا اتّفقت كلمة الْكل على تفرده فِي عصره وتوحده فِي وقته وتصانيفه كَثِيرَة مِنْهَا حَاشِيَة على الْمُخْتَصر وحاشية على الْمَوَاهِب اللدنية وحاشية على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَله مِعْرَاج فِي مُجَلد ضخم وَبَعض تعليقات على شرح التَّلْخِيص للْمولى عِصَام الدّين الْمُسَمّى بالأطول وتحريرات على حَاشِيَة الجامي لَهُ أَيْضا وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شهر رَمَضَان سنة تسع وَسبعين وَألف وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَدفن بتربة المجاورين ذكر هَذَا أَحْمد العجمي الْمَذْكُور فِي ثبته والميموني نِسْبَة للميمون من الصَّعِيد وَسَيَأْتِي أَبوهُ مُحَمَّد بن عِيسَى القَاضِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي بكر الصَّالِحِي الْمَعْرُوف بالغزال الأديب الشَّاعِر ولد وَنَشَأ بصالحية دمشق وَقَرَأَ ودأب وَأخذ الحَدِيث عَن الشهَاب أَحْمد الوفائي وتأدب بالشيخ أَيُّوب الخلوتي قَرَأَ عَلَيْهِ ديوَان ابْن الفارض وَأخذ عَن غَيرهمَا وتعانى كِتَابَة الصكوك فِي محكمَة الصالحية ثمَّ ترك الْكِتَابَة وناب فِي الْقَضَاء بمحكمة الصالحية والعونية والميدان وَكَانَ شَاعِرًا حسن المطارحة لذيذ المصاحبة كثير المجون والمداعبة صَاحب نَوَادِر عَجِيبَة وحكايات مطربة وَلم يكن فِي عصره أَكثر رِوَايَة مِنْهُ للشعر وَلَا أحفظ مِنْهُ للوقائع وَقد وَصفته فَقلت فِي حَقه فَتى مداعبة ومجون طبعه بالخلاعة معجون إِذا تكلم ينت شفة فَهِيَ فِي حَقه سفه لَا يستفزه قيل وَقَالَ وكل عَثْرَة مِنْهُ تقال وَله جامعية بنان وَبَيَان هُوَ فِيهَا سفينة نوح أَو جَامع سُفْيَان إِلَّا أَنه كَانَ فِي شعره متكلفاً وَعَن أهل طبقته مُتَخَلِّفًا لِأَنَّهُ ينبو عَن السهل الْقَرِيب وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا المتنافر الْغَرِيب وَرُبمَا ندرت لَهُ أَبْيَات فِي مدام فَكَانَت كرمية من غير رام أسْتَغْفر الله نعم هُوَ فِي هجائه مجيد وَلَو بازدراء حجائه لعوب حَتَّى بيأسه ورجائه يطلع هزله جدّاً ويرهف حديدته حدّاً فمما استخرجته من حلوه وحامضه وألمعت فِيهِ بِأَمْر واضحه وغامضه قَوْله (أضحى التصبر حبله مَقْطُوعًا ... لما رَأَيْت معذبي مَمْنُوعًا) (وَحَدِيث وجدي مُسْندًا ومعنعناً ... أضحى لَدَيْهِ مُعَللا مَوْضُوعا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 (وفقدت قلبِي عِنْده وَأَظنهُ ... لبليتي قد سَاءَ فِيهِ صنيعا) (فَغَدَوْت أنْشد واللهيب بمهجتي ... والبين جرّعني الأسى تجريعا) (بِاللَّه يَا أهل الْهوى وبحقه ... لَا زَالَ قدركم بِهِ مَرْفُوعا) (قُولُوا لمن سلب الْفُؤَاد مصحمحاً ... يمنن عليّ بردّه مصدوعا) وَقَوله من الرباعيات (يَا من ملكوا جوانحي مَعَ لبي ... مَا اعْتدت شكاية فحالي ينبي) (لَا زلت مشاهداً بحالي تلفا ... إِن كَانَ سواكم ثوى فِي قلبِي) وَقَوله أَيْضا (الْقلب إِلَى سواكم مَا مَالا ... والدمع لغير بعدكم مَا سالا) (إِن كَانَ حسودنا أَتَاكُم ووشى ... بِاللَّه بلطفكم دعوا مَا قَالَا) وَمن أهاجيه الَّتِي هِيَ فروع أفاعيه قَوْله فِي إِسْمَاعِيل بن الجرشِي (بِاللَّه قل لغليظ الطَّبْع مني مَا ... أنكرته من فلَان كي ترى عجبا) (فَلم تَجِد غير أَنِّي لم أنكه لما ... قد عفته مِنْهُ قدماً كَانَ ذَا سَببا) (وَلَو أجشمه أيري وأمنحه ... إِيَّاه مَا عدّ لي ذَنبا وَمَا رفبا) (لكنني الْآن أكوي قرح فقحته ... بِنَار أيري وأرقى عِنْده الرتبا) (أكلف النَّفس تغييراً لمذهبها ... قبلي كثير لهَذَا الْأَمر قد ذَهَبا) (لَا سامح الله مأبوناً يكلفني ... بِغَيْر طبعي ويبغي غاسقاً وقبا) (يَا أير قُمْ وادّرع وادخل حشاشته ... غازٍ وهات لنا أمعاءه سلبا) (أوسعه رهزاً وإرجافاً بباطنه ... وَإِن عجزت فعوّض غَيْرك الخشبا) (وَاحْذَرْ يفاجيك من جعص لَهُ بخر ... والطخه فِي وَجهه إِن دَار وانقلبا) (فَعَنْهُ قد حدّثونا أَن عَادَته ... يخرى على الأير لَا حييى وَلَا ندبا) وَأنْشد لَهُ بعض الأدباء قَوْله فِي إِسْمَاعِيل هَذَا (يزْعم أَنِّي بالهجو أذكرهُ ... تعصباً مِنْهُ سَاعَة الْغَضَب) (لكنني وَالطَّلَاق يلْزَمنِي ... مَا ملت فِيهِ يَوْمًا إِلَى اكذب) (نكت ابْنه وَأُخْته وخالته ... ونكت قدماً أَخَاهُ وَهُوَ صبي) (ناك أبي أمه وجدّته ... وعمتيه لله درّ أبي) (فَنحْن فِي بَيت على دعة ... النيك مَا بَيْننَا إِلَى الركب) ثمَّ ظَفرت بِهَذِهِ الأبيات فِي مَجْمُوع منسوبة لِابْنِ أبي الْأصْبع وَالظَّاهِر أَن الْغَزالِيّ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 يتَمَثَّل بهَا فنسبوها إِلَيْهِ وَقَالَ يهجو إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور وَكَانَ مُؤذنًا (إِن الْجمال الجرشِي ... مثل الْمُغنِي الْقرشِي) (يودّ من يسمعهُ ... لَو ابتلى بالطرش) الْمُغنِي الْقرشِي مَعْرُوف يضْرب بِهِ الْمثل فِي رداءة الصَّوْت وَفِيه يَقُول المهلبي (إِذا غناني الْقرشِي ... دَعَوْت الله بالطرش) (وان أَبْصرت طلعته ... فيالهفي على العمش) وَلابْن العميد فِيهِ (اذا غناني الْقرشِي يَوْمًا ... وعناني بِرُؤْيَتِهِ وضربه) (وددت لَو أَن أُذُنِي مثل عَيْني ... هُنَاكَ وَأَنِّي عَيْني مثل قلبه) ولبعضهم فِي مُؤذن اسْمه قَاسم قَبِيح الصَّوْت هُوَ معنى جيد (إِذا مَا صَاح قَاسم فِي الْمنَار ... بِصَوْت مُنكر شبه الْحمار) (فكم سبابة فِي كل أذن ... وَكم سبابة فِي كل دَار) وَكَانَت ولادَة الْغَزالِيّ فِي سنة ثَمَان بعد الْألف وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بالسفح الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن مُسلم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَلِيل بن عَليّ بن عِيسَى بن أَحْمد بن صَالح ابْن خَمِيس بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن دَاوُد بن مُسلم القادري الشَّافِعِي الْمَذْهَب الْمَعْرُوف بالصمادي السَّيِّد الْأَجَل الحوراني الأَصْل الدِّمَشْقِي بَقِيَّة السّلف الْبركَة المعمر الْوَلِيّ الْمُجَاهِد كَانَ من سَادَات الصُّوفِيَّة بِدِمَشْق وكبرائهم جمع من كل فن من علم وَعمل وزهد وورع وَعبادَة وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق لطيف الذَّات وَالصِّفَات وافر الْأَدَب وَالْعقل دَائِم الْبشر مخفوض الْجنَاح كثير الْحيَاء متمسكاً بآداب الشَّرِيعَة وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم نَشأ بِدِمَشْق واشتغل فِي مبدأ أمره بهَا على الشَّيْخ الإِمَام الشهَاب أَحْمد العيثاوي بِفقه الشَّافِعِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْمِنْهَاج بِتَمَامِهِ واجازه أَبوهُ مُسلم بطريقتهم وَلما مَاتَ أَخُوهُ عِيسَى جلس مَكَانَهُ على سجادة الذّكر بزاويتهم الْمَعْرُوفَة بهم دَاخل بَاب الشاغور أحد أَبْوَاب دمشق وبناها بعد مدّة بِنَاء حينا وسافر إِلَى الرّوم مرّات عديدة وناله من أَعْيَان الدولة وعلمائها إنعامات طائلة وَحج فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين ألف ورزق قبولاً عَظِيما وَاتفقَ النَّاس على تجليله واعتقاده وَكَانَ يَدْعُو الله تَعَالَى أَن يرزقه أَرْبَعَة أَوْلَاد ليَكُون كل وَاحِد مِنْهُم على مَذْهَب من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فولد لَهُ أَرْبَعَة أَوْلَاد وهم مُسلم وَكَانَ مالكياً وَعبد الله وَكَانَ حنبلياً ومُوسَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وَكَانَ شافعياً وَمُحَمّد وَكَانَ حنفياً وَكَانَت تصدر عَنهُ كرامات وأحوال عَجِيبَة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَقيل فِي تَارِيخ مَوته رَحمَه الله مَاتَ قطب العارفين الأمجد وَلِهَذَا السَّيِّد قريب معاصر لَهُ اسْمه كاسمه إِبْرَاهِيم وَيعرف كَمَا يعرف هُوَ بالصمادي إِلَّا أَن اسْم أَبِيه أَحْمد بن دَاوُد بن مُسلم بن مُحَمَّد ويتميز عَن هَذَا بِإِطْلَاق لفظ الْوَاعِظ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذكرته هُنَا دفعا لهَذَا الِاشْتِبَاه من أوّل وهلة وَلِأَن الشُّهْرَة للمذكور هُنَا دون ذَاك وَكَانَ إِمَام الْجَامِع الْأمَوِي بالمقصورة على مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَانَ عَالما فَقِيها واعظاً ناصحاً وَكَانَ وعظه مؤثراً يَفِ الْقُلُوب يخشع لَهُ السَّامع وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره قَرَأَ على الشَّمْس الميداني وَكَانَ يلازم دروسه وَلما مَاتَ الشَّمْس لزم النَّجْم الْغَزِّي وروى عَنْهُمَا الحَدِيث وَالْفِقْه وَأَجَازَهُ النَّجْم بالإفتاء فَكَانَ يُفْتِي وَقَامَ فِي النَّفْع مُدَّة وَأخذ عَنهُ كثير مِمَّن لحقه وَكَانَ صَالحا جدا وَله مَنَاقِب سامية مِنْهَا مَا حَكَاهُ الشَّيْخ مُحَمَّد الميداني نزيل الخانقاه السميساطية وَهُوَ قريب الْعَهْد وَكَانَ من أصلح خلق الله أَنه كَانَ يقْرَأ على الصمادي الْمَذْكُور فِي الْمِنْهَاج وَكَانَ غُلَام وسيم الْوَجْه يقْرَأ عَلَيْهِ أَيْضا فِي الْفِقْه وعَلى الميداني فِي التجويد قَالَ فَرَأَيْت الصمادي يَوْمًا فِي الْجَامِع صَادف الْغُلَام فعبث بخدّه فأنكرت عَلَيْهِ وانقطعت عَن درسه فرأيته فِي الْمَنَام قد أحاطت بِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء كَثِيرُونَ وَهُوَ رَاكب فدنوت لأقبل يَده فَقَالَ لي عد عَن اعتراضك على أَوْلِيَاء الله تَعَالَى فَفِي ثَانِي يَوْم تَوَجَّهت إِلَيْهِ فَأول مَا قابلني بشّ فِي وَجْهي وَقَالَ لَعَلَّك تركت الِاعْتِرَاض وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من عباد الله الأخيار وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير والصمادي بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة ثمَّ مِيم بعْدهَا ألف ثمَّ دَال مُهْملَة نِسْبَة إِلَى صماد قَرْيَة من قرى حوران بهَا أجدادهم وَلَهُم نِسْبَة سيادة من جِهَة الْأَب أظهروها فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَذكروا أَنَّهَا كَانَت عِنْد بعض بَنَات عمهم بِمَدِينَة نابلس وَأَنَّهُمْ لم يطلعوا عَلَيْهَا إِلَّا بعد وفاتها وأثبتوا نسبهم بِدِمَشْق على بعض قضاتها وَوَضَعُوا الْعَلامَة الخضراء على رؤوسهم وَبَعْضهمْ لبس العمائم الْخضر وَكَانَ قَرِيبا مِنْهُم وَأثبت نسبهم بَنو الدسوقي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ذكر ذَلِك الشَّمْس الدَّاودِيّ الْمَقْدِسِي نزيل دمشق وَشَيخ محدثيها فِي أوراق ظَفرت فِيهَا بِخَطِّهِ ذكر فِيهَا وقائع كَثِيرَة وَقعت بِالشَّام وأمما نِسْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الصماديين من جِهَة الْأُم إِلَى سعيد بن جُبَير فمستفيضة وَمِنْهُم مُسلم الْكَبِير مَذْكُور فِي نسبهم وَهُوَ صَاحب الطبل المستقر عِنْدهم من نُحَاس أصفر كَانَ مَعَه فِي فتح عكة يضْربُونَ بِهِ عِنْد سماعهم ووجدهم وَقد سُئِلَ كثير من الْعلمَاء عَنهُ فَأفْتى الْبَدْر الْغَزِّي وَالشَّمْس بن حَامِد وَالتَّقوى بن قَاضِي عجلون بإباحته فِي الْمَسْجِد وَغَيره قِيَاسا على طبول الْجِهَاد والحجيج لِأَنَّهَا محركة للقلوب إِلَى الرَّغْبَة فِي سلوك الطَّرِيق وَهِي بعيدَة الأسلوب عَن طَريقَة أهل الْفسق وَالشرب والصوفية معروفون وَكَثِيرًا مَا كَانَ يختلج فِي صَدْرِي السُّؤَال عَن لفظ الصُّوفِي لماذا ينْسب حَتَّى رَأَيْت رِسَالَة للسنباطي الْخَطِيب الشَّافِعِي المَسْعُودِيّ ذكر فِيهَا نقلا عَن ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه تفليس إِبْلِيس أَن أوّل من انْفَرد بِخِدْمَة الله تَعَالَى عِنْد الْبَيْت الْحَرَام رجل يُقَال لَهُ صوفة واسْمه الْغَوْث بن مر فنسبوا إِلَيْهِ لمشابهتهم إِيَّاه فِي الِانْقِطَاع إِلَى الله تَعَالَى وروى بِسَنَدِهِ إِلَى أبي مُحَمَّد عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْحَافِظ قَالَ سَأَلت وليد بن قَاسم إِلَى أَي شَيْء ينْسب الصُّوفِيَّة فَقَالَ كَانَ قوم فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَال لَهُم صوفة انقطوا إِلَى الله تَعَالَى وقطنوا عِنْد الْكَعْبَة فَمن تشبه بهم فَهُوَ الصُّوفِي وَقيل على الأول إِنَّمَا سمى لغوث بن مر صوفة لِأَنَّهُ كَانَ لَا يعِيش لأمه ولد فنذرت لَئِن عَاشَ لتعلقنه بِرَأْسِهِ ولتجعلنه ربيطاً بِالْكَعْبَةِ فَفعلت فَقيل لَهُ صوفة ولولده من بعده ثمَّ رَأَيْت الشهَاب الخفاجي قد تعرض للصوفية فَزَاد وُجُوهًا فِي النِّسْبَة استطردتها فنقلتها حَيْثُ قَالَ والمتصوفة والصوفية واحدهم صوفي وَيُقَال تصوف إِذا انْقَطع لله تَعَالَى كَمَا يُقَال قيسي إِذا انتسب إِلَى قيس وَهَذَا لفظ مولد واصطلاح حدث بعد الْقرن الأول فَقَالَ بَعضهم الصُّوفِي هُوَ الْمُنْقَطع بهمته إِلَى ربه وهم مقتدون بِأَهْل الصّفة وَهِي سَقِيفَة اتخذها ضعفاء الصَّحَابَة فِي مَسْجِد النَّبِي وَكَانَ قبل الْإِسْلَام حيّ يُقَال لَهُم صوفة يخدمون الْكَعْبَة فَقيل الصُّوفِي نِسْبَة لَهُم وَقيل أَنهم تجمعُوا كَمَا يتجمع الصُّوف وَقيل إِنَّهُم لخشوعهم كصوفة مطروحة على الأَرْض أَو هم منسوبون للصوفة للينهم وسهولة أَخْلَاقهم أَو للبسهم الصُّوف لاختيارهم الْفقر وَهَذَا أظهر الْوُجُوه لفظا وَمعنى وَقيل منسوبون لصفة وَقيل الأَصْل صفي فأبدل أحد حرفي التَّضْعِيف لينًا وَقيل إِنَّه من صفاء فَفِيهِ قلب وَصحح هَذَا بَعضهم لقَوْل البستي (تخَالف النَّاس فِي الصُّوفِي وَاخْتلفُوا ... جهلا فظنوه مشتقاً من الصُّوف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 (وَلست أنحل هَذَا الِاسْم غير فَتى ... صافى فصوفي حَتَّى سمى الصُّوفِي) وَلَا شَاهد فِيهِ لِأَنَّهُ على مَذْهَب الشُّعَرَاء وَقد بَين المُصَنّف معنى الصُّوفِي انْتهى الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن مصطفى الرُّومِي زَاده الْمَعْرُوف بلوح خوان أَصله من بَلْدَة برغمة وَأَبوهُ من خلفاء الشَّيْخ بُسْتَان اشْتغل فِي أَوَائِله حَتَّى فاق وَدخل قسطنطينية فَصَارَ معيد الدَّرْس الْمولى أبي اللَّيْث وَهُوَ مدرس أيا صوفية ثمَّ لَازم مِنْهُ ودرس بعدة مدارس فِي قسطنطينية وأدرنة ثمَّ نقل آخر إِلَى مدرسة السُّلْطَان مُرَاد ببلدة مغنيسا وَولي فِيهَا قَضَاء بورسة فِي جُلُوس السُّلْطَان مُحَمَّد الثَّالِث فِي جُمَادَى الأولى من سنة ثَلَاث بعد الْألف ثمَّ بعْدهَا عَزله مِنْهَا وَأعْطى دَار الحَدِيث الَّتِي بناها سِنَان باشا فاستمر بهَا عشر سِنِين يدرس ويفيد إِلَى أَن توفّي وَله من التآليف نظم الفرائد فِي سلك مجمع العقائد وَهُوَ متن فِي علم الْكَلَام ثمَّ شَرحه شرحاً جيدا وَله على التَّفْسِير رسائل وتعليقات كَثِيرَة تدل على تبحره وعَلى الْجُمْلَة فقد كَانَ بحراً زاخراً عَالما بالتفسير والْحَدِيث وَالْكَلَام وَغَيرهَا متورعاً عابداً عفيفاً نزهاً صلباً لَهُ صدق وَصَلَاح وَفِيه فوز وفلاح وَكَانَت وَفَاته فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع عشرَة بعد الْألف الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن مَنْصُور الْمَعْرُوف بالفتال الدِّمَشْقِي شَيخنَا الْعَالم الْعلم الباهر الماهر الْمُحَقق المدقق هُوَ كَمَا قلته فِي وَصفه أستاذ الأساتذة ومعترفهم وبحر الْعلمَاء ومغترفهم أما الْعلم فَمِنْهُ وَإِلَيْهِ ومعول أَرْبَاب الصَّنْعَة عَلَيْهِ وَأما الْأَدَب فنقطة من حَوْضه وزهرة من زهرات روضه وَله الْمنطق الَّذِي يقوم شَاهدا بِفضل لِسَان الْعَرَب وَيفتح على البلغاء أَبْوَاب الْعَجز ويسد عَلَيْهِم صُدُور الْخطب فَإِن أوجز أعجز وَإِن أَطَالَ كاثر الْغَيْث الهطال مَعَ مطارحة تذْهب الاستفادة مَذْهَب الحكم وأخلاق تحدث عَن لطف الزهر غب الديم وَمَا أَنا فِي ترنمي بِذكرِهِ وتعطري بنشر حَمده وشكره إِلَّا النسيم نم بمسراه على الحدائق وَالصُّبْح بشر بِنور الشَّمْس الشارق (ولي فِيهِ مَا لم يقل شَاعِر ... وَمَا لم يسر قمر حَيْثُ سارا) (وَهن إِذا سرن من مقولي ... وَثَبت الْجبَال وخضن البحارا) على أَن ذَلِك دون اسْتِحْقَاقه بِالنِّسْبَةِ لما منحني بِهِ من كرم أخلاقه فَإِنَّهُ الَّذِي روج بضاعتي المزجاه وشملني بالحب والأناة ونوه بِي وأشاع أدبي وَكَانَ لي مَكَان أبي وَلم أترو من زلال الْمعرفَة إِلَّا بر شحات أقلامه وَلم أملأ سَمْعِي در الأصداف إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 بتقرطي ببدائع كَلَامه وَكَانَ يتحفني بِبَعْض أَقْوَاله ويشنف سَمْعِي بمجرباته وأحوال فيغنيني بحلاوة تَقْرِيره عَن الْمُشَاهدَة والعيان وتنتهي عِنْدِي مِنْهُ دقائق الْمعَانِي وَالْبَيَان وَكَانَ رَحمَه الله من الْفضل فِي مَحل ذروته وَمن الْحلم فِي مرتبَة سنامه وَكَانَ وقوراً حسن الْهَيْئَة مطبوع الْعشْرَة لطيف النادرة وَله حذق وفراسة يقْضِي مِنْهَا بالعجب وَكَانَ فِي أول أمره فقثراً ثمَّ أثرى وَنَشَأ فِي جد واجتهاد وَقَرَأَ على عُلَمَاء عصره مِنْهُم الملا مَحْمُود الْكرْدِي وَأخذ عَن عبد الْوَهَّاب الفرفوري وَأحمد بن مُحَمَّد القلعي وَحضر دروس النَّجْم الْغَزِّي وتصدر اللاقراء فِي ابْتِدَاء أمره واشتهر بِحسن التأدية والتفهم فأكبت عَلَيْهِ الطّلبَة وَلَزِمتهُ وانتفع بِهِ من الْفُضَلَاء مَالا يُحْصى وَجَمِيع من نعرفه الْآن بِدِمَشْق المتعينين بِالْفَضْلِ الْمشَار إِلَيْهِم من الجلة تلاميذه يباهون بِهِ ويشكرون صَنِيعه وَمَا أَظن أحد اتلمذ لَهُ إِلَّا أحبه محبَّة أَب لِابْنِهِ وأمثل من أَخذ عَنهُ وتفوق وبرع مَوْلَانَا أَبُو الصفاء وَأَخُوهُ أَبُو الأسعاد ابْنا أَيُّوب والمرحوم فضل الله الْعِمَادِيّ وَابْن عَمه سيدنَا عَليّ وَأَخُوهُ مُحَمَّد والمرحوم الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن عبد الْهَادِي وَشَيخنَا عُثْمَان المعيد وَشَيخنَا اسماعيل بن الحائك وَشَيخنَا وقريبنا وبركتنا الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ النابلسي وَأَخُوهُ الشَّيْخ يُوسُف وَالشَّيْخ أَبُو الْمَوَاهِب الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ درويش الْحلْوانِي والمرحوم الشَّيْخ أَبُو السُّعُود بن تَاج الدّين وَغَيرهم مِمَّن يطول سردهم وَأَنا مِمَّن تشرفت بالتلمذة لَهُ وَقد لَزِمته من سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف إِلَى أَن انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وغفرانه فَقَرَأت عَلَيْهِ مَوَاطِن من التَّفْسِير وَأخذت عَنهُ الحَدِيث وَالْفِقْه والنحو والمعاني وَالْبَيَان والمنطق والأصلين وشيئاً من التصوف وَالْأَدب وَأول مَا أَدْرَكته يعْقد حَلقَة التديس بَين الْمَقْصُورَة وَبَاب الخطابة من الْجَامِع الْأمَوِي ثمَّ تحول إِلَى دَار الحَدِيث الأحمدية بالمشهد الشَّرْقِي وَكَانَ أَيَّام الصَّيف يدرس فِي الرواق الشَّرْقِي مِمَّا يَلِي بَاب جيرون ثمَّ لزم دَاره بالكلاسة غَالِبا ودرس من الدُّرُوس فِي مُغنِي اللبيب وَتَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَالْبُخَارِيّ وَالْهِدَايَة وَشرح الْأَرْبَعين لِابْنِ حجر وَشرح الطوالع للأصبهاني ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الإقبالية تدريس وَظِيفَة وَكَانَ عَلَيْهِ وظائف قَليلَة جدا فَلهَذَا كَانَ يقْتَصر على بعض تِجَارَة واشتهر فِي آخر أمره وطِئت حَصَاة فَضله وَأَقْبَلت عَلَيْهِ النَّاس وَكَانَ يحب الْعُزْلَة إِلَّا أَنه لَا يتَمَكَّن مِنْهَا وَله تعليقات تشهد بدقة نظره مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْقطر للفاكهي وَله تحريرات على مَوَاطِن من التَّفْسِير وَكَانَ ينظم الشّعْر فَمَا رويت لَهُ قَوْله يتوسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 بِصَاحِب الشَّفَاعَة مُحَمَّد ويمدحه (كلنا سَيِّدي إِلَيْك نؤوب ... مَا لنا لَا نعي اللقا ونتوب) (إِن عمر الشَّبَاب ولى وَأبقى ... مَا جناه فِيهِ وَذَاكَ ذنُوب) (فَإلَى كم هَذَا التواني وَقد جَاءَ ... نَذِير الْحمام وَهُوَ المشيب) (ندعي الْحبّ فِرْيَة إِنَّمَا الْحبّ ... حرى بِأَن يطاع الحبيب) (لَيْسَ هَذَا دأب المحبين لَكِن ... قد نحاه مشتت مَحْجُوب) (إِن أعداءنا توالت علينا ... نفسنا والهوى وعقل مريب) (كَيفَ يَرْجُو الْخَلَاص مِنْهُم معنى ... فِي عماه مكبل مجبوب) (من يُرْجَى لدفع دَاء عضال ... غير خير الورى وَذَاكَ الطَّبِيب) (سيد الْمُرْسلين خيرني ... شَافِع الْخلق يَوْم تتلى الْعُيُوب) (مبدأ الْكَوْن ختم كل نَبِي ... قد حباه الحيا قريب مُجيب) (عله أَن يَقُول فِي الْحَشْر عني ... إِن هَذَا لجاهنا مَنْسُوب) (وَله عندنَا وداد قديم ... وعلينا يَوْم الندا مَحْسُوب) (من لهَذَا الحقير غَيْرِي نصير ... أَو شَفِيع دعاءه يستجيب) (أَنا عون لَهُ ويكفيه عوناً ... من سواي ولي فنَاء رحيب) (يُلَبِّي الْهدى وغوث البرايا ... ووحيداً وَلَيْسَ فِي ذَا عَجِيب) (خصك الله بالمراحم جمعا ... ويعي ذَاك عَاقل ولبيب) (كل فضل مصباحه أَنْت حَقًا ... إِن هَذَا فِي المكرمات غَرِيب) (كل من لم ير اقتراض هواكم ... فَهُوَ فِي النَّار حَقه التعذيب) وَمن مقاطيعه قَوْله (مَا نلْت شَيْئا إِذا كنت المقصر فِي ... تَحْصِيل أَسبَاب توفيقي وإسعادي) (إِلَّا ضيَاع نجاتي وَهِي نافعتي ... يَا رب هَل لي يَوْم الْحَشْر إنجادي) وَله (إِن كَانَ ذَنبي فِي الشدائد موقعي ... وَبِه لقد لاقيت مَا أَنا فِيهِ) (فالعفو مِنْك يزِيل ذَاك تكرما ... كَالشَّمْسِ إِن أَتَت الدجى تجليه) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته نَهَار السبت سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف وَقد ناهز السّبْعين وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى الأديب إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الْمَعْرُوف بالمهتار الْمَكِّيّ الأديب الشَّاعِر الْمَشْهُور فِي الْحجاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي السلافة فَقَالَ فِي تَرْجَمته شويعر بِذِي اللِّسَان كثير لاساءة قَلِيل الْإِحْسَان شعر وَمَا شعر فهذر وَلم يذر سمينه غث وجديده رث لَا يلتقي من مختاره طرفاه وَلَا يسمع رويته سامع إِلَّا قَالَ فض الله فَاه لم يزل يقذف الْأَعْرَاض بهجوه ويلفظ فوه بِمثل مَا تلفظ وجفاؤه من نجوه حَتَّى ألبسهُ الردى رِدَاءَهُ وطهر الله الْوُجُود من تِلْكَ الخباثة والرداءة وَلما هلك بَقِي يَوْمَيْنِ فِي بَيته لَا يعلم أحد بِمَوْتِهِ حَتَّى دلّ عَلَيْهِ نَتن رِيحه وَهُوَ جيفة فِي ضريحه وَلَقَد تصفحت ديوانه الَّذِي جمعه وليت من واراه التُّرَاب وَأرَاهُ مَعَه فَلم أر فِيهِ إِلَّا مَا تمجه الأسماع وتحقر أَلْفَاظه ومعانيه عَن السماع إِلَّا كَلِمَات كَادَت أَن تصفو من الشوائب وَمَعَ الخواطىء سهم صائب فَمِنْهُ قَوْله من قصيدة (قف بالمعاهد من بشاء ملحوب ... شقي كاظمة فالجذع فاللوب) (واستملح الْبَرْق أَن تخفى لوامعه ... على النقا إِن سقى حَيّ الأعاريب) (يَا حبذا إِذْ بدا يفتر مُبْتَسِمًا ... أَعلَى التَّثْنِيَة من شم الشناخيب) (والجو مضطرم الأحشاء تحسبه ... بردا أُصِيبَت حَوَاشِيه بألهوب) (يَا بارقاً لَاحَ وَهنا من دِيَارهمْ ... كَأَنَّهُ حِين يلهو قلب مرعوب) (أذكرتني معهداً كُنَّا بجيرته ... نستقصر الدَّهْر من حسن وَمن طيب) (لم أنس بالنلعات الجون موقفنا ... وألحى مَا بَين تقويض وتطنييب) (وَقد بدا الْعُيُون الصحب سرب ظبا ... حفت بظبى ببيض الْهِنْد مَحْجُوب) (لم تبد تِلْكَ الدمى إِلَّا لسفك دمي ... وَلَا الْعَذَاب اللمى إِلَّا لتعذيبي) وَقَوله من أُخْرَى (أذكى بقلبي لاعج الأشجان ... برق أَضَاء على ربى نعْمَان) (أجْرى مدامع مقلتي أورى زناد ... صبابتي أشجى فُؤَادِي العاني) (مَا شاقتي إِلَّا لكَون وميضه ... بربى الْهوى ومعاهد الخلان) (يَا برق جد بالدمع فِي أطلالهم ... عني فسح الدمع قد أعياني) (لم أسأَل الأجفان سقى ربوعهم ... إِلَّا وجادت لي بأحمر قاني) (واهالأيام العذيب إِذْ اللوى ... وطني وسكان الْحَيّ جيراني) (اذ كنت طَوْعًا للهوى واللهوفى ... ظلّ الشبيبة ساحب الأردان) (تشجيني الورقاء إِن صدحت على ... تِلْكَ الغصون بنغمة الألحان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 (ويشوقني بِأَن النقا وحلول واديه ... وَحسن الدَّار بالسكان) وخمرياته مِنْهَا قَوْله (أرح فُؤَادِي من الْعَذَاب ... بِالرَّاحِ والخرد الْعَذَاب) (وعاطنيها عروس دن ... كالنار والعسجد الْمُذَاب) (من كف لمياء إِن تبدت ... تَوَارَتْ الشَّمْس بالحجاب) (دعجاء بلجاء ذَات حسن ... لكل أهل الْعُقُول سابى) (على رياض مدبجات ... حاكت رداها يَد السَّحَاب) (بهَا القمارى مغردات ... على الأفانين والروابي) (فبادر الْأنس يَا نديمي ... وقم إِلَى اللَّهْو والتصابي) (أعْط رمان الشَّبَاب حظا ... فلذة الْعَيْش فِي الشَّبَاب) (واجسر وَلَا تيأسن يَوْمًا ... من رَحْمَة الله فِي الْحساب) وَقَوله (قُم إِلَى بنت الكروم ... واسقنيها يَا نديمي) (مَا ترى اللَّيْل تولى ... وانطفى ضوء النُّجُوم) (وأضاء الصُّبْح مَا بَين ... تصاريف الغيوم) (وبدا الطل على الأغصان ... كالعقد النظيم) (وشدت قمرية الايك ... على الْغُصْن القويم) (وسرت ريح الخزامى ... من ربى ظَبْي الصريم) (فأدرها خمرة تنبي ... عَن الْعَصْر الْقَدِيم) (واسقنيها لنزيل الْيَوْم ... عَن قلبِي همومي) (هَاتِهَا إِلَى قهوة من ... عهد لُقْمَان الْحَكِيم) (واملأ الكاسات إِنِّي ... فِي الصِّبَا غير ملوم) (أَيهَا النَّفس تصابى ... ثمَّ فِي الْعِصْيَان هيمي) (وَعَن الذل تولى ... ولى الْعِزّ أقيمى) (واكثري الذَّنب فربي ... غَافِر الذَّنب الْعَظِيم) وَله موجهاً بأسماء الْأَنْغَام (سَلام الله من صب مشوق ... جريح الْقلب باكي المقلتين) (على من حل قلبِي السويدا ... لعزته وَحل سَواد عَيْني) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 (نأى بِالصبرِ لما بَان عني ... وخلفني سمير الفرقدين) (فليت الركب قد وقفُوا قَلِيلا ... على العشاق يَوْم نوى الْحُسَيْن) وَله من مقطوعاته قَوْله (طِفْل من الْعَرَب أحوى ... خدن الصِّبَا والبطالة) (بدا بِوَجْه كبدر ... فِي جيده الطوق هاله) وَله مقتبسا فِي مليح فَقير الْحَال (تصد وَكم تصدى مِنْك كف ... لمن لم يدر قدرك يَا مفدى) (وصدك عَن أولى أدب وَأما ... من اسْتغنى فَأَنت لَهُ تصدى) وَله قَوْله (أسأَل الرَّحْمَن ذَا الْفضل ... لَهُ الْعَرْش رَبِّي) (حسن نظم الأرجاني ... ثمَّ حَظّ المتنبي) وَقَالَ مؤرخا أَيَّام ولَايَة الشريف نامي بن عبد الْمطلب (تَأمل لدنياك الَّتِي بصروفها ... أبادت على ملك توطد سامي) (بدا فأضا ثمَّ اعْتدى الْحق فانقضي ... فمده نامي مثل مُدَّة نامي) قلت ونامي هَذَا ولي شرافة مَكَّة بالتغلب وَلم يقم إِلَّا مِقْدَار عدد حُرُوف اسْمه مائَة يَوْم وَيَوْم وشنق عصر يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس من ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَسَتَأْتِي تَرْجَمته وواقعته مفصلة وَله (أَلا لَا تصحبن لمن تَعَالَى ... وَلَا تبد الوداد لمن جفاكا) (وَلَا تَرَ للرِّجَال عَلَيْك حَقًا ... إِذا هم لم يرَوا لَك مثل ذاكا) وَله (كم ذَا أغمض عَيْني ثمَّ أفتحها ... والدهر مَا زَالَ وَالدُّنْيَا بحالتها) (فليت شعري مَا معنى مقالتهم ... مَا بَين غمضة عين وانتباهتها) وَله مضمنا (وظبي رماني عَن قسى حواجب ... بأسهم لحظ جرحها فِي الْهوى غنم) (على نَفسه فليبك من ضَاعَ عمره ... وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا نصيب وَلَا سهم) قلت وشعره كَمَا رَأَيْت إِلَى الْإِحْسَان أقرب فَمَا أدرى أَي شَيْء أبعده وَلَيْسَ الدَّاعِي إِلَى مَا قَالَه ابْن مَعْصُوم إِلَّا التحامل وَالْغَرَض وَنحن نَنْظُر إِلَى الْجَوْهَر ونترك الْعرض وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ أَكثر المكيين شعرًا وَكَانَ مطلعا على أَمْثَال وأخبار كَثِيرَة وَرَأَيْت بِخَطِّهِ مجاميع كَثِيرَة تدل على وفرة معلوماته وَكَانَ أدباء الْحجاز دَائِما يداعبونه ويمازحونه وَسبب خمول قدره فِيمَا بَينهم كَون أَبِيه مَمْلُوكا وَمِمَّا يستظرف فِي هَذَا المعرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 مَا حكى إِنَّه كَانَ فِي بعض الْمجَالِس فَدخل بعض الشُّعَرَاء الْكِبَار فَقَالَ المهتار جَاءَ امْرُؤ الْقَيْس بن حجر الْكِنْدِيّ فَقَالَ ذَلِك الشَّاعِر بديهة يلثم أَيدي طرفَة بن العَبْد وَمِمَّا رَأَيْته بِخَطِّهِ وَقد نسبه إِلَى نَفسه فِي تَشْبِيه الْحجر الْأسود قَوْله (الْحجر الْأسود شبهته ... خالاً نجد الْبَيْت زَاد سناه) (أَو أَنه بعض موَالِي بني الْعَبَّاس ... بواب لباب الْإِلَه) وَله فِي قناديل المطاف (تراءت قناديل المطاف لنا ظرى ... على الْبعد والظلماء ذَات تناهى) (كدائرة من خَالص التبر وَسطهَا ... فتيتة مسك وَهِي بَيت الهي) وَله فِي المناير فِي ليَالِي رَمَضَان (كَأَن المناير إِذْ أسرجت ... قناديلها فِي دياجي الظلام) (عرائس قَامَت عَلَيْهَا الحلى ... لتنظر بَيت إِلَه الْأَنَام) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بعد الْأَرْبَعين وَألف بِقَلِيل وَالله تَعَالَى أعلم إِبْرَاهِيم باشا الْمَعْرُوف بدالي إِبْرَاهِيم أحد وزراء دولة السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث ذكره الْحسن البوريني فِي تَارِيخه فَقَالَ فِي تَرْجَمته هُوَ على مَا بَلغنِي فِي الأَصْل من طَائِفَة الأرمن وَدخل هُوَ وَأَخُوهُ وَأُخْته إِلَى دَار السلطنة فخدموا وَأَخُوهُ اسْمه مَحْمُود وَلم يزل إِبْرَاهِيم من لدن دُخُوله فِي خدمَة السلطنة يتقلب فِي الولايات حَتَّى صَار أَمِير الْأُمَرَاء فِي ديار بكر بأسرها ففتك فِيهَا وظلم أَهلهَا وَأظْهر من أَنْوَاع الظُّلم أَشْيَاء مستكرهة جدا مِنْهَا أَنه كلما سمع بِامْرَأَة حسناء اجْتهد على الِاجْتِمَاع بهَا بِأَيّ طَرِيق أمكن وَكَانَ لَهُ فِي ديار بكر رجل يُقَال لَهُ رَجَب وَكَانَ من التُّجَّار كثير الْأَمْوَال إِلَى الْغَايَة فَجعله أَبَاهُ وَهُوَ ابْنه فَبَيْنَمَا رَجَب فِي بَيته إِذْ بقائل يَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم باشا على الْبَاب يُرِيد الدُّخُول وَكَانَ ذَلِك لَيْلًا فارتعدت فرائصه لذَلِك فَخرج إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ قد اقتحم الْبَيْت فبهت رَجَب لذَلِك فَقَالَ يَا أَبَت أُرِيد أَن أنظر أخواتي يَعْنِي بَنَاته وَأُرِيد أَن تجْعَل لي حِصَّة من مَالك كَمَا جعلت لبَقيَّة إخوتي فَلم يزل يلاطفه حَتَّى أرضاه بِنَحْوِ خَمْسَة آلَاف من الذَّهَب الْأَحْمَر وَلم يزل بِهِ بعد ذَلِك حَتَّى قَتله وقطعه أَربع قطع وَفعل فِي ديار بكر الأفاعيل الْعَظِيمَة فَذهب غَالب أعيانها واشتكوا عَلَيْهِ للسُّلْطَان مُرَاد فَأمر أَن يُؤْتى بِهِ مُقَيّدا فَأتوا بِهِ كَذَلِك وَلما حضر إِلَى السدّة السُّلْطَانِيَّة أَمر السُّلْطَان أخصامه أَن يقفوا مَعَه فِي مجْلِس الشَّرْع فَمَا أطَاق أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 أَن يشْهد عَلَيْهِ وَلَا قدر القَاضِي أَن يدقق عَلَيْهِ فِي سَماع الدَّعْوَى لأنّ أُخْته كَانَت عِنْد السُّلْطَان مُرَاد مَقْبُولَة جدّاً وَانْصَرف خصماؤه وَقَررهُ السُّلْطَان فِي ديار بكر فَذهب إِلَيْهَا نَاوِيا على إهلاك كل من اشْتَكَى عَلَيْهِ وَمِنْهُم ملك أَحْمد باشا وعماد الدّين بيك فَإِنَّهُ أهلكهما تَحت الْعَذَاب وَوصل إِلَى أَن ثار عَلَيْهِ أهل الْبَلَد وَقَامُوا عَلَيْهِ قومة رجل وَاحِد فتحصن فِي القلعة وَصَارَ يضْرب على أهل الْمَدِينَة المدافع الْكِبَار حَتَّى قتل مِنْهُم خلقا كثيرا وَكَانَ إِذْ ذَاك السُّلْطَان مُحَمَّد بن السُّلْطَان مُرَاد ولي عهد أَبِيه مُقيما فِي بَلْدَة مغنيسا فَأرْسل إِلَى إِبْرَاهِيم باشا يستشفع عِنْده فِي الرعايا عُمُوما وَفِي ملك أَحْمد باشا الْمَذْكُور خُصُوصا فَقَالَ أما الْآن مَاله حكم مَعَ وجود وَالِده وَإِذا صَار سُلْطَانا يفعل بِي مَا أَرَادَ فَنَذر السُّلْطَان مُحَمَّد قَتله يَوْم يصير سُلْطَانا فَلَمَّا منّ الله تَعَالَى عَلَيْهِ بالسلطنة وَحضر إِلَى مقرّ تخته سَأَلَ عَن إِبْرَاهِيم باشا الْمَذْكُور فَقيل لَهُ إِنَّه مَحْبُوس بِحَبْس والدك فَأمر بقتْله فَقتل صبرا من غير تَأْخِير قَالَ البوريني وَأَخْبرنِي بعض من شَاهد قَتله أَنه كَانَ جَالِسا فِي الْحَبْس بعد صَلَاة الْعشَاء فَدخل عَلَيْهِ كَبِير من خَواص خدم الدِّيوَان وَمَعَهُ جمَاعَة من الجلادين مغيرين صورهم حَتَّى لَا يرتاب مِنْهُم وَجلسَ ذَلِك الْكَبِير يصاحبه فِي أُمُور مموّهة وأقدم عَلَيْهِ الجلادون من خَلفه وَوَضَعُوا فِي عُنُقه حبلاً وَقَالُوا أَمر بذلك السُّلْطَان قَالَ فرأيته رفع مسبحته مُشِيرا بِالشَّهَادَةِ فَلَمَّا مَاتَ ألقوه فِي الْبَحْر ثمَّ شفعت فِيهِ أُخْته فدفنوه وَصَارَ عِبْرَة للمعتبرين انْتهى مَا قَالَه البوريني فِي تَرْجَمته وَرَأَيْت فِي التراجم الَّتِي أَنْشَأَهَا منشيء الرّوم عبد الْكَرِيم بن سِنَان قَاضِي الْقُضَاة بِمصْر ذكر إِبْرَاهِيم باشا الْمَذْكُور فَأَحْبَبْت ذكر مَا قَالَه لتوشية الْكتاب بذلك النسيج قَالَ لما تلألأت أنوار السلطنة المحمدية من هَالة سريرها وأصبحت الدُّنْيَا بِتِلْكَ الْأَنْوَار مشرقة بحذافيرها بَدَأَ أحسن الله مبدأه وختامه وأغمد فِي رِقَاب الحاسدين حسامه بقتل إِبْرَاهِيم باشا مَنْ عَمّ المعالم ظلمه وَفَشَا عرف بأخوّة مُدبرَة الْحرم السلطاني لَا زَالَ مخدوماً بالأمان والأماني وَهُوَ الَّذِي سعى فِي أَرض الله بِالْفَسَادِ وَخرب الْبِلَاد وأباد الْعباد مَا من بلد تولاه إِلَّا وأمست بيوته خاوية واشتعلت فِيهِ من الْمَظَالِم نَار حامية لم يتول مصرا من الْأَمْصَار إِلَّا وَأصْبح فِيهَا إعصار فِيهِ نَار تسابقت فِي حلبة الْجور أَفْرَاس مظالمه وجرّد سيف الحتف على محاربه ومسالمه أورى زناد الْفساد وشب نَار الْمَظَالِم وَلَقَد كَانَ أعدى مُعْتَد وأظلم ظَالِم وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ انْفَرد بقبائح لَا يُوجد لَهُ فِيهَا عديل وَأظْهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 سَنَام اعوجاج من الظُّلم لَا يُمكن لَهُ تَقْوِيم وَلَا تَعْدِيل عَاد وَلم يحمد عود ولَايَته إِلَى ديار بكر فصوّب نَحْو أَهلهَا أسنة الْقَهْر وَالْمَكْر وَأخذ يشتت شَمل أَحْوَالهم بِأخذ مَا لَهُم من مَالهم لم يُغَادر لَهُم نَقْدا وَلَا بضَاعَة وَقد صَافح مَالهم بيد الإضاعة فَصَرفهُ فِي وُجُوه الْفساد وأضاعه فتح بَاب المصادرة كي يصل إِلَى مَطْلُوبه وَأصْبح جَامعا للشرور ومنار الْجور يَعْلُو بِهِ وَالْحَال أَن مَا أبقاه لَهُم جوره المقدّم كفضلة صَبر فِي فؤاد متيم وَلم يقنع مِنْهُم بِأخذ الْأَمْوَال والأملاك بل أوقعهم بعد إذاقة الضَّرْب فِي شباك الْهَلَاك فَلَمَّا غصت شوارع دَار السلطنة بشكاته وَكثر الباكون من موافاة آفاته حَبسه سُلَيْمَان الزَّمَان إِذْ ذَاك كَمَا تحبس المردة وَأحرقهُ بِنَار كمد موقده فاستمرّ فِي الْحَبْس إِلَى أَن تشرف سَرِير السلطنة بسُلْطَان الْعَالم الْمُفْرد الْجَامِع لكَمَال بني آدم فَلَمَّا رأى أَنه حبس مرَارًا واستوطن الْحَبْس دَارا وَكَانَ يَقُول إِذا تكرّر الدَّوَاء لَا ينفع وَإِذا طَال مكث السَّيْف فِي غمده لَا يقطع أَزَال أبقاه الله بِإِزَالَة هَذَا الْكَلْب غمَّة عَن الْمُسلمين وَأظْهر بقتْله همة تظل تملي صحف محامدها إِلَى يَوْم الدّين ألفاه نجس الْعين فقذفه فِي اليم ولعمري أَنه لَا يطهر وَلَو بالبحر الخضم فاستقرّ جِسْمه فِي المَاء وروحه فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار وَقد أصبح قَرَار الْبَحْر لجثمانه مَحل الْقَرار وأرسله إِلَى نَار هِيَ أعظم من نَار إِبْرَاهِيم وصير المَاء خير رَفِيق وحميم وَكَانَ عدوّاً لعلماء الْملَّة الغراء والشريعة الشَّرِيفَة الزهراء حَتَّى أَنه لما كَانَ بديار بكر هجم أَتْبَاعه بأَمْره على قاضيها وَالْمولى لاحكام أَحْكَام الشَّرِيعَة فِيهَا فسحبوه عَارِيا من ثِيَابه كالسيف المجرّد من قرَابه إهانة للشَّرْع وَصَاحبه واستخفافاً بالطراز الْمَذْهَب من مذاهبه وَلم أقصد بِذكر هَذِه المعايب وتسطير هَذِه القبائح والمثالب بغض مُسلم فَاتَ واقتنصته يَد الْآفَات وحاشا أَن أكون مِمَّن يصدر ذَلِك من فِيهِ وَلَكِن عملا بقَوْلهمْ أذكر الْفَاسِق بِمَا فِيهِ (وَمَا ذمّ أهل الظُّلم شَيْء قصدته ... وَلكنه من يزحم اليم يغرق) قلت وَكَانَت قتلته فِي سنة ثَلَاث بعد الْألف وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم إِبْرَاهِيم باشا الْوَزير الْأَعْظَم أحد وزراء السُّلْطَان مُرَاد بن سليم من أَصْحَاب الشَّأْن العالي والرأي السديد وَكَانَ ذَا حلم وَاسع وأناة ونهض بِهِ الْحَظ كَمَا قَالَ فِيهِ منشيء الرّوم المارّ ذكره وَقد ذكره ساعدته الْأَيَّام والليالي فغدا مقدما فِي الْعِزّ وَغَيره التَّالِي رمقته عين الْعِزَّة فَأصْبح عَزِيزًا بِالْقَاهِرَةِ المعزية فطفحت كأس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 أمانيه وَهِي من الأقذاء صَفِيَّة تزينت حلل تِلْكَ الْبِلَاد بوشي أَحْكَامه وتفيأت أَهلهَا فِي ظلال بنوده وأعلامه ثمَّ خلعت السلطنة المرادية عَلَيْهِ خلعة الصهاره وفاز مرّة بعد أُخْرَى بِخَتْم الوزارة آلت إِلَيْهِ رِسَالَة الْكَتَائِب الإسلامية وقطف ثمار رُؤْس الْأَعْدَاء من رياض الفتوحات الجنية فغدا جيده حالياً بهَا عدَّة سِنِين وَفتح ثغراً فابتسم بِهِ الدّين الْمُبين وَكَانَ يعْقد عرائس المناصب من غير كفاءة لكل خَاطب ويفرّقها بعد اسْتِيفَاء مدّتها ويزفها لآخرين دون انْقِضَاء عدتهَا وَكَانَ أَكثر مواعيده منجزة بسيول هباته لَكِنَّهَا وساوس تنشأ من خطراته حَتَّى غَدَتْ عِنْده أكياس الدَّرَاهِم أخلى من قدر الْبَخِيل ومعدة الصَّائِم (أفنى ندى كفيه أَمْوَاله ... كَأَنَّمَا الأكياس أكفان) وَقد عَامل النَّاس بلين الْجَانِب من الأخصاء والأجانب وَلَا يدرى مَا فِي قُلُوبهم لَهُ من النِّيَّة كَمَا كمن فِي حدّ الحسام الْمنية واستمرّ حَاله بِتِلْكَ القلادة حالياً إِلَى أَن صوّبت الْمنية نَحوه أسهماً وعوالياً فأحدقت بِهِ دَائِرَة السقام حَتَّى ذاق من كاس الْمَرَض جرعة الْحمام (أَلا إِنَّمَا الْأَحْيَاء شرب وَبينهمْ ... كؤس المنايا لَا تزَال تَدور) (فَمنهمْ سريع السكر فِي الْحَال ينتشي ... وَمِنْهُم على الشّرْب الْكثير قدير) وَذكره البوريني فَقَالَ كَانَ أوّلاً من جمَاعَة الْحرم السلطاني فِي عهد السُّلْطَان مُرَاد وَلما ظهر مِنْهُ صَار ضَابِط الْجند الْجَدِيد بقسطنطينية وضبطهم احسن ضبط واستمرّ حَاكما عَلَيْهِم مدّة طَوِيلَة ثمَّ إِن السُّلْطَان مُرَاد أَرَادَ أَن يزوّجه ابْنَته فَأرْسلهُ إِلَى بِلَاد مصر حَاكما وَكَانَ كَرِيمًا حسن الْخلق إِلَى الْغَايَة وَأَرَادَ أَن يهدم بِنَاء الأهرام الَّذِي بِمصْر لما بلغه أَن فِيهَا دفائن للسلاطين المتقدّمين فحذروه من ذَلِك وَقَالُوا لَهُ أَن الْمَأْمُون العباسي أَرَادَ هدمها فَمَا قدر على ذَلِك وَقَالُوا رُبمَا يكون الأهرام طلسماً للرمل ولبعض مَنَافِع فَإِنَّهَا مَا وضعت إِلَّا بطرِيق الْحِكْمَة فَعدل عَن هدمها ثمَّ إِنَّه أَقَامَ بِمصْر أَمِيرا يحكم فِيهَا عوضا عَنهُ وَأخذ مِنْهُ أَمْوَالًا كَثِيرَة ثمَّ خرج من مصر بأموال عَظِيمَة وتحف كَثِيرَة مِنْهَا أَنه جعل للسُّلْطَان مُرَاد تختاً من الذَّهَب مرصعاً بالجواهر الْعَظِيمَة وَرجع وَمَعَهُ عَسَاكِر مصر وَجمع عَسَاكِر الشَّام وحاكمها إِذْ ذَاك أويس باشا وكبس جبل الشوف من ضواحي دمشق على طرف الْبَحْر من الْجَانِب الغربي وَبِه قوم من الدروز الباطنية وهم لَا يدينون بِملَّة وَلَا يرجعُونَ إِلَى عقيدة يرَوْنَ للشرائع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 بَاطِنا غير مَا هُوَ ظَاهر فَقتل وَنهب وَأخذ مِنْهُم أَمْوَالًا جمة وحاصرهم محاصرة عَظِيمَة حَتَّى أَن أَمِيرهمْ قرقماس بن معن مَاتَ قهرا ثمَّ سَار إِلَى قسطنطينية من طَرِيق الْبَحْر فِي المراكب الْعَظِيمَة وَدخل على ابْنة السُّلْطَان وَأعْطى الوزارة الْعُظْمَى ثمَّ عينه السُّلْطَان لمقاتلة النَّصَارَى فِي دَاخل بِلَاد الرّوم وَوَقع بَينه وَبينهمْ مقتلة عَظِيمَة وَثَبت ثباتاً عَظِيما وانتصر عَلَيْهِم بعد أَن كَادَت النَّصَارَى تكسر عَسَاكِر الْإِسْلَام فَلم يزل هُوَ وَعَسْكَره يقتلُون فِي النَّصَارَى حَتَّى أفنوهم قتلا وأسراً وفتحوا ثغراً من ثغورهم الْمَعْرُوفَة وَكَانَ للْمُسلمين رَئِيس عَسْكَر آخر يُقَال لَهُ مَحْمُود باشا فانتصر هُوَ أَيْضا وَخذ الله الْمُشْركين قَالَه الْحسن البوريني ثمَّ ورد الْخَبَر بِمَوْت إِبْرَاهِيم باشا الْمَذْكُور فِي الْمحرم سنة عشرَة بعد الْألف وَأَنه مَاتَ وَهُوَ مرابط زَاد المنشى ونقلت جنَازَته إِلَى قسطنطينية وَدفن بهَا فِي مدفن خَاص بِهِ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم القسطموني نزيل الْمَدِينَة المنورة أحد الْعباد الزهاد ذكره ابْن نَوْعي فِي ذيل الشقائق وَقَالَ فِي حَقه كَانَ من الْفقر وَالرِّضَا والكفاف فِي منزلَة الْأَفْرَاد أَخذ عَن الشَّيْخ الْبركَة حسن شيخ زَاوِيَة مصطفى باشا وأكمل عَلَيْهِ آدَاب الطَّرِيق ثمَّ حج وجاور بِالْمَدِينَةِ المنورة وَكَانَ عابداً زاهداً مرتاضاً مُجَاهدًا مُنْقَطِعًا إِلَى الله تَعَالَى عَفا عَمَّا فِي أَيدي النَّاس حكى عَنهُ أَنه كَانَ فِي أثْنَاء مجاورته لَا يقبل من أحد صَدَقَة وَلَا هَدِيَّة سوى أَن شَيْخه الْمَذْكُور كَانَ يُرْسل لَهُ فِي كل ثَلَاث سِنِين قَمِيصًا وَاحِدًا فَكَانَ لِبَاسه منحصراً فِيهِ وَمَعَ هَذَا فقد كَانَت صلَاته للْفُقَرَاء وعوائده للأرامل واليتامى مُتَّصِلَة وَفِي يَوْم مَوته شوهد حَالَة عَجِيبَة من الْفُقَرَاء وَكَانُوا حول نعشه بِكَثْرَة وهم يصيحون يَا أَبَا الْفُقَرَاء يَا ملْجأ الضُّعَفَاء فَسئلَ مِنْهُم عَن سَبَب ذَلِك فَقَالُوا كَانَ يُعْطِينَا فِي كل سنة مِقْدَار كفايتنا وَكَانَ وَجه معاشناً وَنَفَقَة عيالنا مِنْهُ وَهَذَا مَعَ مَا ذكر من صفته لَيْسَ إِلَّا إنفاقاً من الْغَيْب وَكَانَت وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى فِي سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف وَدفن بِالبَقِيعِ بِالْقربِ من قبَّة الْعَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِبْرَاهِيم باشا الْوَزير نَائِب مصر ذكره النَّجْم وَقَالَ فِي تَرْجَمته كَانَ لَهُ مُشَاركَة فِي الْعلم وسلك أَولا مَسْلَك الْقُضَاة ثمَّ صَار دفترداراً بِالشَّام ثمَّ عزل وَرجع إِلَى الرّوم فسلك طَرِيق الْأُمَرَاء الْكِبَار ثمَّ صَار وزيراً ولي مصر وَكَانَ ممدوح السِّيرَة فِي ولَايَته وَله حسن معاشرة إِلَّا أَنه امتحن بِقصَّة الْأُسْتَاذ زين العابدين الْبكْرِيّ دخل إِلَيْهِ بقلعة الْجَبَل بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ خرج من عِنْده مَيتا وأشاع أَنه مَاتَ فَجْأَة ثمَّ ترجح أَنه خنقه أَو سمّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 بِأَمْر سلطاني وَلم يبْق بعده إِلَّا أَيَّامًا يسيرَة حَتَّى قتلته عَسَاكِر مصر لما أَرَادَ التفتيش عَلَيْهِم وأظهروا أَنهم قَتَلُوهُ حمية للشَّيْخ زين العابدين وحملوا رَأسه وطافوا بِهِ فِي مصر وَكَانَ ذَلِك فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف الشَّيْخ إِبْرَاهِيم النبتيتي نزيل الْقَاهِرَة المجذوب صَاحب الكرامات وَالْأَحْوَال الباهرة ذكره الْمَنَاوِيّ فِي طَبَقَات الصُّوفِيَّة وَقَالَ فِي تَرْجَمته كَانَ أَولا حائكاً فِي نبتيت فأجنب يَوْمًا فَدخل مَكَانا فِيهِ ضريح بعض الْأَوْلِيَاء ليغتسل فِيهِ فَجَذَبَهُ فَخرج هائماً وَترك أَوْلَاده وَأَهله وَقدم مصر فَأَقَامَ بِجَامِع اسكندر باشا بِبَاب الْخرق نَحْو عشْرين سنة وَبَعْضهمْ يسبه وَبَعْضهمْ يستقله وَبَعْضهمْ يُخرجهُ لما يرى مِنْهُ من تقذير الْمَسْجِد ثمَّ تحوّل لمَسْجِد الْمرة بِقرب تَحت الرّبع ثمَّ تحوّل إِلَى بَلَده نبتيت فسكنها إِلَى أَن مَاتَ وَقيل لَهُ لم خرجت من مصر قَالَ لم أدخلها إِلَّا بِإِذن صَاحبهَا إِذْ لم يكن لفقير دُخُول بِدُونِ إِذن أَهلهَا وَمن فعل حل بِهِ العطب فَلَمَّا استقرّيت بهَا قدم زين العابدين الْمَنَاوِيّ فَلم يَأْذَن لي بِالْجُلُوسِ فتركته وَإِيَّاهَا فَمَا كَانَ لفقير يدخلهَا أَو يسكنهَا إِلَّا بِإِذن مِنْهُ خَاص وَكَانَ لَهُ خوارق ومكاشفات أخبر عَنهُ الشَّيْخ الْعُمْدَة عَليّ الحمصاني أَنه كَانَ لِابْنِ أُخْته زَوْجَة وَله مِنْهَا ولد فَقَعَدت يَوْمًا تلاعبه بسطح الْجَامِع وَهُوَ صَحِيح سليم فَقَالَ لَهَا أتحبيه قَالَت لَهُ مَالك وَذَاكَ قَالَ ودّعيه فَإِنَّهُ بعد غَد وَقت الْعَصْر يَمُوت وَكَانَ كَذَلِك وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء أخر وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان عشرَة بعد الْألف وَدفن بِبَلَدِهِ وَعمل لَهُ أحد وزراء مصر قبَّة عَظِيمَة والنبتيتي بنُون مَفْتُوحَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق وَبعدهَا مثناة من تَحت ثمَّ مثناة من فَوق نِسْبَة إِلَى قَرْيَة من أَعمال الشرقية بنواحي الخانقاه السرياقوسية إِبْرَاهِيم آغا مُتَوَلِّي جَامع بني أُميَّة بِدِمَشْق وَأحد أعيانها ذكره البوريني وَقَالَ هُوَ من مماليك سلاطين زَمَاننَا آل عُثْمَان وَكَانَ يخْدم فِي دَاخل حرم السُّلْطَان وَكَانَت خدمته هُنَاكَ إقراء المماليك الصغار الَّذين يخدمون فِي دَاخل حرم السلطنة وَكَانَ خدم الْعلم بُرْهَة من الزَّمَان فعلق فِي ذكره شَيْء من الْمسَائِل والدلائل فكثيراً مَا كَانَ يحضر مجَالِس الْعلمَاء فيبحث ويناظر وَلما ورد إِلَى دمشق وصل إِلَيْهَا فِي سنة ألف فسكن فِي جَانب سوق البزورية بزقاق هُنَاكَ وَكَانَ على سمت الصّلاح فَسَار فِي خدمَة الْجَامِع الْأمَوِي أحسن سيرة وَعمر الْحُجْرَة الْمُقَابلَة لحجرة السَّاعَات فِي جِهَة بَاب جيرون وَكَانَت مهجورة لَا يمِيل إِلَيْهَا أحد ويزعمون أَن بهَا حَيَّة عَظِيمَة وَكَانَت بيد رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 يُقَال لَهُ رَمَضَان المرداوي فَلَمَّا مَاتَ لم يرغب فِي أَخذهَا أحد بعده حَتَّى قدم إِبْرَاهِيم هَذَا فأزال مَا بداخلها من الْبناء فَصَارَ لَهَا صُورَة قَابِلَة للْبِنَاء وقاس المعمار طَرِيق المَاء فَوَجَدَهُ قَابلا لِأَن يدْخل إِلَيْهَا فشرع فِي عمارتها وَأخذ بالعمارة إجَازَة من بعض قُضَاة الشَّام فَلم يزل يتوسع فِي تعميرها حَتَّى صَارَت من ألطف الْأَبْنِيَة وَفتح لَهَا فِي حَائِط الْجَامِع شباكاً وأضاف إِلَيْهَا حانوتاً كَانَ وَرَاءَهَا فِي جِهَة سوق الذهبيين وَجعله فِيهَا مطبخاً وَكَانَ شاع بَين النَّاس أَنه يُرِيد أَن يَجْعَل هُنَاكَ مستراحاً فخمنوا مَوضِع المستراح فوجدوه يَقع تَحت الْمِحْرَاب الْمَنْسُوب إِلَى حَضْرَة الإِمَام زين العابدين ابْن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا فَغَضب لذَلِك نقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق وَهُوَ زين العابدين ابْن حُسَيْن بن كَمَال الدّين بن حَمْزَة وَذهب مستشيطاً بالغيظ إِلَى الْوَزير السَّيِّد مُحَمَّد الْأَصْفَهَانِي أَمِير الْأُمَرَاء بِدِمَشْق واشتكى من قَاضِي الْقُضَاة الْمولى عبد الرَّحْمَن الْآمِر بذلك فَغَضب الْوَزير لذَلِك ثمَّ كتب ورقة إِلَى القَاضِي يلومه على مَا وَقع مِنْهُ وَأرْسل الورقة مَعَ النَّقِيب وَضم إِلَيْهِ رَسُولا من خدمَة الدِّيوَان فَلَمَّا قَرَأَ الورقة علم أَن الوشاية من النَّقِيب فتألم مِنْهُ ثمَّ قَالَ لَهُ قُم واكشف أَنْت على الْموضع فَذهب إِلَى الْمَكَان فَلم يجد شَيْئا مِمَّا أنهى إِلَى الْوَزير فَرجع إِلَى القَاضِي وَأخْبرهُ فاستشاط القَاضِي مِنْهُ غيظاً وَوَقع لَهُ بِسَبَب ذَلِك حقارة عَظِيمَة وَقيل إِنَّهَا كَانَت سَبَب مَوته كَمَا ستذكره فِي تَرْجَمته واستقرّ إِبْرَاهِيم فِي الْحُجْرَة وَكَانَت سكنه إِلَى أَن توفّي قَالَ الْغَزِّي وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَحَد سادس صفر سنة إِحْدَى وَعشْرين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الميرزا إِبْرَاهِيم الْهَمدَانِي أحد عُلَمَاء الْعَجم الْكِبَار الَّذين فاقوا وامتازوا وَقد ذكره ابْن مَعْصُوم فِي سلافته قَالَ فِي تَرْجَمته جَامع شَمل الْعُلُوم المقتني بنفائس جوهرها والمجتنى أزاهر بواطنها وظواهرها ملك أَعِنَّة الْفَضَائِل وَتصرف وَبَين غوامض الْمسَائِل فأفهم وَعرف وَكَانَ الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بهاء الدّين بن حُسَيْن العاملي يشْهد بفضله ويعترف بِمِقْدَار سموّه ونبله وَاتفقَ أَن سُلْطَان الْعَجم عَبَّاس شاه قصد زيارته فَرَأى بَين يَدَيْهِ من الْكتب مَا ينوف على الألوف فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان هَل فِي الْعَالم عَالم يحفظ جَمِيع مَا فِي هَذِه الْكتب فَقَالَ لَهُ لَا وَإِن يكن فَهُوَ الميرزا إِبْرَاهِيم وَمن إنشائه قَوْله نسْأَل الله فتح أَبْوَاب السرُور بِقطع علائق عَالم الزُّور وحسم عوائق دَار الْغرُور وتبديل الأصدقاء الْمُحَاربين بالأخلاء الروحانيين والانزواء فِي زَاوِيَة الْعُزْلَة والانفراد عَن مجَالِس السوء والمذلة وَصرف الْأَوْقَات فِي تلافي مَا فَاتَ وإعداد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الزَّاد ليَوْم الْمعَاد فَإِن ذَلِك أعظم الْمَقَاصِد وأ " علاها وأهم المطالب وأولاها وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَألف الشَّيْخ أَبُو بكر بن أبي الْقَاسِم صَائِم الدَّهْر صَاحب الْقبَّة المنيرة بِبَيْت الْفَقِيه الزيدية يَنْتَهِي نسبه إِلَى إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد النجيب أخي أبي بكر الملقب بالعربادي ابْن عَليّ بن مُحَمَّد النجيب بن حسن بن يُوسُف بن حسن بن يحيى بن سَالم بن عبد الله بن حُسَيْن بن آدم بن إِدْرِيس بن حُسَيْن بن مُحَمَّد النقي الْجواد بن عَليّ الرِّضَا بن مُوسَى الكاظم ابْن جَعْفَر الصَّادِق ابْن مُحَمَّد الباقر ابْن عَليّ زين العابدين ابْن الْحُسَيْن بن عَليّ ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ كَانَ شَيخا من مَشَايِخ الطَّرِيقَة صَاحب كرامات مَشْهُورَة وأحوال مَذْكُورَة روى عَنهُ أَنه قَالَ من رَآنِي ورأيته دخل الْجنَّة وأموت مَتى شِئْت بِإِذن الله تَعَالَى وَإِن شِئْت أكلت الطَّعَام وَإِن شِئْت تركته عصمَة من الله تَعَالَى روى عَنهُ السَّيِّد طَاهِر بن الْبَحْر وَكَانَت وَفَاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف الشَّيْخ أَبُو بكر بن أبي الْقَاسِم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أبي بكر بن أبي الْقَاسِم خزانَة الْأَسْرَار بن أبي بكر المعمر بن أبي الْقَاسِم بن عمر بن عَليّ الأهدل بن عمر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبيد بن عِيسَى بن علوي بن حمحام بن عون بن الْحسن بن الْحُسَيْن مُصَغرًا بن عَليّ بن زين العابدين وَفِي مَوضِع آخر وَهُوَ الظَّاهِر عون ابْن مُوسَى الكاظم ابْن جَعْفَر الصَّادِق ابْن مُحَمَّد الباقر ابْن عَليّ زين العابدين ابْن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ كَذَا ذكر نسب بني الأهدل جمَاعَة وجزموا بِهِ مِنْهُم السَّيِّد حُسَيْن بن الصّديق الأهدل وَمُحَمّد بن الطَّاهِر بن حُسَيْن الأهدل فِي كِتَابه بغية الطَّالِب فِي ذكر أَوْلَاد عَليّ بن أبي طَالب حَيْثُ قَالَ بعد ذكر مُوسَى الكاظم وَكَونه خلف من الْوَلَد نَحْو ثَلَاثِينَ مَا بَين ذكر وَأُنْثَى وَمن أَوْلَاده عون وَإِلَيْهِ يرجع نسب سيدنَا الشَّيْخ الْكَبِير صَاحب الكرامات الظَّاهِرَة أبي الْحسن عَليّ الأهدل لِأَنَّهُ عَليّ بن عمر الح صَاحب المراوعة وَأمه خَدِيجَة بنت مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن زين العابدين بن مُحَمَّد بن سلميان وَفِي مُحَمَّد هَذَا اجْتمع مَعَ وَالِده السَّيِّد الْجَلِيل الْفَرد صَاحب الْمَرَاتِب الْعلية والعلوم الواسعة والأحلام الراسخة والطباع السليمة والمكارم الفائضة كَانَ فِي عصره مُنْقَطع القرين سَابِقًا فِي عُلُوم الدّين وعَلى جَانب عَظِيم من الْعِبَادَة والورع والزهد وَالْعلم وَالْعَمَل وَكَانَت أوقاته معمورة بِالذكر وَالْعِبَادَة وَنشر الْعلم وتوزيع الْوَقْت على الْأَعْمَال الصَّالِحَة من التدريس وَالْفَتْوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وَغير ذَلِك وَكَانَت لوائح الْعلم ظَاهِرَة عَلَيْهِ من صغره حَتَّى إِن عَم والدته السَّيِّد الْوَلِيّ الشهير أَحْمد بن عمر الأهدل كَانَ يلقبه بالفقيه الْعَالم يُشبههُ بجده الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أبي بكر بن أبي الْقَاسِم وسكنه المحط من أَعمال رمع وَله بهَا الزاوية الْمَشْهُورَة ترْجم نَفسه فِي كِتَابه نفحة المندل فَقَالَ كَانَ مولدِي لنَحْو أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة تَقْرِيبًا بقرية صَغِيرَة بَين المراوعة والحوطة وَغَرْبِيٌّ القطيع تعرف بالحلة بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام وَهِي غير حلَّة بصل بِفَتْح الْمُوَحدَة والمهملة إِذْ هما حلتان هُنَاكَ والمنسوبة لبصل هِيَ اليمانية والمولد بالشامية وَهُنَاكَ قُبُور أجدادي ثمَّ انْتقل بِنَا الْوَالِد مِنْهَا فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة إِلَى قَرْيَة السَّلامَة الْمَعْرُوفَة قبلي التربية فتعلمت بهَا الْقُرْآن الْعَظِيم وحفظت على يَد الشَّيْخ الصَّالح أَحْمد بن إِبْرَاهِيم المزجاجي الْمَعْرُوف بِالْخَيرِ وَلما أكملت تعلم الْقُرْآن أَمرنِي الْوَالِد بتعليم إخوتي فاشتغلت بتعليمهم مَعَ غَيرهم فِي عَرِيش عِنْد مَسْجِدنَا مُدَّة مواظباً على تَرْتِيب قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الْمَسْجِد كل يَوْم بعد صَلَاة الصُّبْح إِلَى الْإِشْرَاق وكل لَيْلَة جُمُعَة أَنا وَمن حضر عِنْدِي بِإِشَارَة الْوَالِد أَيْضا وملاحظته إِذْ كَانَ لَهُ رَغْبَة قَوِيَّة وهمة علية فِي ذَلِك وَغَيره من أَعمال الْبر وَكَثِيرًا مَا كَانَ يجلس فِي حَلقَة الْقِرَاءَة وَالذكر فِي مَسْجِد مَعَ أُميَّة حَتَّى عمل مسبحة ألفية يهلل فِيهَا هُوَ وَمن حضر مِمَّن لَا يقْرَأ لَيْلَة الْجُمُعَة وألهمت كِتَابَة مَا وَقع فِي يَدي من نَحْو الْقَصَص والقصائد حَتَّى اتسقام خطي وَصلح للتحصيل ثمَّ أدخلني وَالِدي مَدِينَة زبيد لطلب الْعلم فَكَانَ أول طلبي فِي الْفِقْه على الْفَقِيه مُحَمَّد ابْن الْعَبَّاس الْمُهَذّب وَفِي النَّحْو على مُحَمَّد بن يحيى المطيب ثمَّ إِن الْوَالِد أَرَادَ تزويجي فَلم يمكني إِلَّا مساعدته مَعَ مَا ذقته من لَذَّة الْعلم فَلَمَّا تزوجت اشْتغل خاطري بِأَمْر الزَّوْجَة ومراعاة حُقُوقهَا الْوَاجِبَة إِذْ لم أكف أمرهَا وَلَا أَمر الْإِقَامَة للطلب بزبيد كَمَا كنت قبل التَّزْوِيج فاشتغلت عَن الطّلب نَحْو سِتّ سِنِين لكني فِي هَذِه الْمدَّة لم أترك التَّحْصِيل وَالتَّعْلِيق والمطالعة ومذاكرة من أَلْقَاهُ من الطّلبَة لما قد تمكن فِي قلبِي من محبَّة الْعلم وَكَانَ تزويجي فِي سنة ألف ثمَّ أخدت بناصيتي إِلَى تَجْدِيد الطّلب بباعث رباني فَقَرَأت على مُحَمَّد بن برهَان الْمحلي ثمَّ قصدت زبيد أَيْضا للْقِرَاءَة فَقَرَأت على عَليّ بن الْعَبَّاس المطيب صنو شَيخنَا الْمُقدم ذكره وعَلى أَحْمد النَّاشِرِيّ وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد جعمان وعَلى الصّديق بن مُحَمَّد الْخَاص الْحَنَفِيّ وَأحمد بن شَيخنَا الْجمال مُحَمَّد المطيب وَعبد الْبَاقِي بن عبد الله الْعَدنِي وَعلي الزين بن الصّديق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 المزجاجي ولبست الْخِرْقَة من السَّيِّد عابدين حُسَيْن الْحُسَيْنِي الكشميري وَمن الشَّيْخ زين بن الصّديق المزجاجي وقرأت على السَّيِّد مُحَمَّد بن أبي بكر الأهدل صَاحب الْمَقْصُورَة وعَلى عبد الله بن أَحْمد الضجاعي وَالسَّيِّد المقبول بن الْمَشْهُور الأهدل وَمُحَمّد الْعلوِي وَعبد الرَّحْمَن بن دَاوُد الْهِنْدِيّ وَعبد الفتاح الصَّابُونِي وَآخَرين ذكرهم وَذكر مقروآته عَلَيْهِم وَمِنْهُم الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى تَاج الدّين النقشبندي وَأَجَازَهُ غَالب شُيُوخه كِتَابَة ولفظا وَله إجازات من شُيُوخ الْحَرَمَيْنِ وَحصل بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة وطالع من كتب الْقَوْم مَالا يُمكن حصره وَله تأليف كَثِيرَة مِنْهَا نظم التَّحْرِير فِي الْفِقْه ونظم الورقات ونظم النخبة واصطلاحات الصُّوفِيَّة ومنظومة فِي السِّوَاك وَالتَّعْلِيق المضبوط فِيمَا للْوُضُوء كالغسل من الشُّرُوط وَالْبَيَان والإعلام بمهمات أَحْكَام أَرْكَان الْإِسْلَام وشرحان على قصيدة ابْن بنت الميلق الَّتِي أَولهَا (من ذاق طعم شراب الْقَوْم يدريه ... صَغِير وكبير والأحساب الْعلية فِي الْأَنْسَاب) الأهدلية أرجوزة سَمَّاهَا الدرة الباهرة فِي التحدث بِشَيْء من نعم الله الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة ذكر فِيهَا نبذة من فَوَائِد التصنيف وَكَثِيرًا من مؤلفاته نظما ونثرا وَقد استوفى عدتهَا فِي كِتَابه نفحة المندل وَله أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله (وَفِي كتب الْعُلُوم الطيف معنى ... أمضى فِي تطلبه حَياتِي) (وأعمل مقلتي ويدي وقلبي ... وأضبطه على الْقَوْم الثِّقَات) (لعَلي أَن أفوز بغفر ذَنبي ... وأظفر بِالَّذِي فِيهِ نجاتي) (وَصلى الله رَبِّي كل حِين ... على أزكى الورى خير الهداة) وَله من أَبْيَات (إِن كنت تطلب فِي الدَّاريْنِ تَفْضِيلًا ... وتبتغي من مليك الْكَوْن تكميلا) (داوم على الْعلم وَالْفِعْل الْجَمِيل تنَلْ ... ذكرا جميلا وتكميلا وتوصيلا) (فاطلبه وادأب على تَحْصِيله أبدا ... وقم بتأليفه إِن حزت تأهيلا) (وَأنْفق الْعُمر فِي تَحْقِيق حَاصله ... واعمر بِهِ الدَّهْر وتدوينا وتحصيلا) وَقَوله (وَكم لله من فضل علينا ... وإفضال يحِيل الْعقل عده) (وَمَا زَالَت إياديه إِلَيْنَا ... تغيض هباتها وتطيب مجده) (فنشكره وَلَا نحصي ثَنَاء ... عَلَيْهِ ونلزم الآناء حَمده) وَكَانَت وَفَاته منتصف نَهَار الْأَحَد ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 بقرية المحط وَبهَا دفن والأهدل بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْمُهْملَة آخِره لَام كَمَا ضبط بعض ذَلِك اليافعي فِي شرح المحاسن ويكني بِأبي الأشبال وَمعنى الأهدل كَمَا قَالَ بعض العارفين الْأَدْنَى الْأَقْرَب يُقَال هدل الْغُصْن إِذا دنا وَقرب ولان بثمرته وَفِيه يماء إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّيْخ نفع الله تَعَالَى بِهِ من كَمَال التَّوَاضُع لله تَعَالَى ولعباده الناشىء عَن كَمَال مَعْرفَته وَقَالَ بَعضهم لقب بالأهدل لِأَنَّهُ على الْإِلَه دلّ انْتهى وَفِي كتاب نظام الْجَوَاهِر النقية فِي بَيَان اسناب الْعِصَابَة الأهدلية حِكَايَة عَن بعض أهل الْمعرفَة مَا لَفظه أصل هَذِه الْكَلِمَة أَعنِي الأهدل على الاله دلّ كلمتان فَصَارَت لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال كلمة وَاحِدَة كَأَنَّهُ يُقَال على الاله دلّ فاستثقلت الْكَلِمَة الثَّانِيَة وأدرج بَعْضهَا فِي بعض لخفة النُّطْق فَقيل على الأهدل كَمَا قيل فِي النّسَب إِلَى عبد شمس عبشمي وَإِلَى عبد الدَّار عبدري انْتهى بِحُرُوفِهِ وَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة فِي كِتَابه نفحة المندل سَمِعت من بعض فضلاء الْأَهْل أَنه يُقَال فِي سَبَب تلقيب الشَّيْخ بالأهدل أَنه فِي حَال صغره علقت أرجوحة بسدرة فهدلت أَي تدلت عَلَيْهِ أَغْصَانهَا لتقيه من حر الشَّمْس وَنَحْوه انْتهى وسيادة بني الأهدل مَشْهُورَة قَالَ ابْن الأشحر فِي رسَالَته الَّتِي ألفها فِي أَنْسَاب أَشْرَاف وَادي سردد أَقُول طَرِيق الانصاف القَوْل بشرف الأهدليين فقد تَوَاتَرَتْ بذلك المصنفات واشتهر ذكر نسبهم فِي كثير من مؤلفات وعَلى أَلْسِنَة جمَاعَة من الْمُسلمين يُؤمن تواطؤهم على الْكَذِب فقد ذكر بدر الدّين حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل فِي تحفة الزَّمن والشرجي فِي الطَّبَقَات وَصَاحب العقد الثمين وَصَاحب النفحة العنبرية فَقَالَ بعد أَن ذكر نسب الشريف عبد الرَّحْمَن بن سَالم بن عِيسَى بن أَحْمد بن بدر الدّين بن مُوسَى بن حُسَيْن بن هَارُون ابْن مُحَمَّد الْكَامِل ابْن أَحْمد بن جَعْفَر بن مُوسَى بن جَعْفَر الصَّادِق الْمَشْهُور فِي سلسلة نسب الحسينيين وَمن وَلَده أَيْضا بَنو الأهدل يسكنون بالمراوعة مَشْهُورُونَ بِبَيْت التصوف وَالْفِقْه قيل وَأول من تظاهر مِنْهُم بالتصوف وأخفى اسْم الشّرف عَنهُ مُحَمَّد الْكَامِل ابْن تَقِيّ لأجل قبض الزَّكَاة فَإِن الْعَرَب إِذا سمعُوا بشريف منعُوهُ الزَّكَاة وَلَيْسَ لَهُم مُرُوءَة أُخْرَى وَكَانَ قد خرج من الْعرَاق وَلم أعرف صُورَة اتِّصَال أبي عبد الله مُحَمَّد الأهدل بالشريف أَحْمد بن سَالم انْتهى بِمَعْنَاهُ وَذكر الشرجي فِي الطَّبَقَات أَن سَبَب اخفاء شرفهم أَن جدهم كَانَ إِذا سُئِلَ عَن نسبه انتسب إِلَى الْفِقْه وَنَحْوه فِي تحفة الزَّمن وَأفَاد فِيهَا أَن مِنْهُم بني مطيرة بِضَم الْمِيم وَفتح الْمُهْملَة وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 نبهت على ذَلِك لِأَن كثيرا من الأهدليين الَّذين لَا خبْرَة لَهُم يُنكرُونَ نسبهم إِلَى الأهدل وَمِمَّا يدل على شرفهم قَول الْوَلِيّ الشهير الْفَقِيه الْمُحدث الصُّوفِي بدر الدّين حُسَيْن بن الصّديق بن حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل فِي بعض قصائده (فَإِن غصني من أَغْصَان دوحتكم ... فَالله فِي رحمي فالرحم مَوْصُول) والمراوعة بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْوَاو الْقرْيَة الْمَشْهُورَة على مرحلة قبلي بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل وَأول من توطنها مِنْهُم مُحَمَّد بن سُلَيْمَان فَإِنَّهُ قدم من الْعرَاق هُوَ وجد السَّادة آل باعلوي أَحْمد بن عِيسَى فِي حُدُود سنة أَرْبَعِينَ وثلثمائة فأقاما عِنْد يني عَمهمَا من النّسَب أَشْرَاف الحسنية الْبَلدة الَّتِي إِلَى الْيمن على قدم التصوف بوادي سردد بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وبدالين مهملتين الأولى مِنْهُمَا تضم وتفتح وَهُوَ مَشْهُور بِالْيمن ثمَّ بعد ذَلِك انْتقل مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمَذْكُور إِلَى وَادي سِهَام وتوطن بالمراوعة وَذهب ابْن عَمه أَحْمد بن عِيسَى إِلَى حَضرمَوْت فاستوطنها وَحصل لكل مِنْهُمَا شهرة طنانة وذرية طيبَة وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكتاب من أولادهما جمَاعَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى الأديب أَبُو بكر بن أَحْمد بن عَلَاء الدّين بن مُحَمَّد بن عمر بن نَاصِر الدّين بن عَليّ البهرامبادي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الْجَوْهَرِي الأديب الشَّاعِر المطبوع أحد المجيدين فِي صناعَة الشّعْر نَشأ بِدِمَشْق وَكَانَ أَبوهُ مَاتَ وَهُوَ صَغِير فتعاني الإشتغال بالعلوم وَقَرَأَ على مَشَايِخ عصره مِنْهُم الْحسن البوريني أَخذ عَنهُ الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا وَتردد إِلَى مصر كثير للتِّجَارَة وَأخذ عَن علمائها وَكتب كثيرا بِخَطِّهِ وَحفظ وروى وَكَانَ حصل مَالا كثيرا من مِيرَاث آل إِلَيْهِ فصدمه الزَّمَان فِيهِ حَتَّى أتْلفه وَكَانَ ينظم الشّعْر الفصيح وَجمع لَهُ ديوانا رَأَيْته وانتخبت مِنْهُ هَذَا الْقدر الَّذِي أوردته وَمن أحْسنه أبياته الْمَشْهُورَة وفيهَا التَّفْرِيع وَهِي (وَمَا أم أفراخ تمزقن بالفلا ... بسطوة نسر كاسر بالمخالب) (وَقد منعت من أَن تراهن واغتدت ... تنوح وتبكي من صروف النوائب) (بأوجع مني عِنْد وَشك رحيلنا ... وحث المطايا فِي الْعلَا بالحبائب) وَله من قصيدة عَارض بهَا قصيدة الْملك الأمجد بهْرَام شاه الأيوبي الَّتِي مطْلعهَا (عهد الصِّبَا ومعاهد الأحباب ... درست كَمَا درست رسوم كتابي) وأبياته هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 (أَمن النَّوَى أم فرقة الأحباب ... هطلت دموعك مثل هطل سَحَاب) (وَلَقَد وقفت على الربوع مسائلاً ... يَوْمًا فَلم تسمح برد جَوَاب) (عَن جيرةٍ كَانُوا بهَا فَأَجَابَنِي ... هام يناغي ناعقات غراب) (سفها رَجَوْت بِأَن أرد ليالياً ... سلفت لنا أَيَّام عصر شَبَابِي) (فأسلت دمع الْعين من آماقها ... فَجرى كودق الْعَارِض السكاب) (وَذكرت أَيَّام الشَّبَاب وملعبي ... بَين القباب وَمجمع الأتراب) (ومقامنا بالأجرعين وبالنقا ... مثوى الحبائب زَيْنَب ورباب) (فَأجَاب نطق الْحَال عَنْهُم معرباً ... والعمر قد ولى بِحَثِّ ركاب) (تبغي دنو الدَّار بعد بعادها ... هَيْهَات أَن ترتد بعد ذهَاب) وَمن مقاطيعه قَوْله (خيالك فِي عَيْني يلوح وَكلما ... ذكرتك دمع الْعين يجْرِي على الخد) (وَمَا كَانَ ظَنِّي بالتفرق بَيْننَا ... إِذا حكم الْمولى فَمَا حِيلَة العَبْد) وَقَوله أَيْضا (إِن الْغَرِيب إِذا تذكر أَهله ... فاضت مدامعه من الآماق) (لعب الغرام بِقَلْبِه فغدا على ... الجدران يشكو كَثْرَة الأشواق) وَقَوله (يَا منزلا بفراديس الشآم سقى ... ربى مغانيك هطال يروّيها) (فلي بمنزلك السَّامِي أَخُو ثِقَة ... فدته روحي من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) وَذكره الخفاجي فِي كِتَابه فَقَالَ فِي حَقه شَاعِر عذب الْكَلِمَات حسن الذَّات والسمات عرائس أفكاره صباح وجوهري نفثاته صِحَاح ورد إِلَى مصر مرتدياً حلل الشَّبَاب المطرزة بطراز املحاسن والآداب وَقد سلم لدهره فِي التِّجَارَة نقد عمره (إِذا كَانَ رَأس المَال عمرك فاحترس ... عَلَيْهِ من الْإِنْفَاق فِي غير وَاجِب) وَأنْشد لَهُ فِي رَقِيب اسْمه عَمْرو ومليح يهواه اسْمه دَاوُد قَوْله (أفدي غزالاً لَهُ خَال بوجنته ... مَعَ عَارض شبه وَاو الْعَطف مَمْدُود) (كَأَنَّمَا الْخَال فَوق الخد يَحْرُسهُ ... حذار سَرقَة عمروٍ وأو دَاوُد) وَمِمَّا قلته فِي معنى مَا قَالَه (وحاسد يرسم فِي صحفه ... فضلى ويخفي الذّكر إِذْ يطرا) (فاسمى لَدَيْهِ وَاو عَمْرو لذا ... تكْتب فِي الْخط وَلَا تقْرَأ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَأَصله قَول أبي نواس (أَيهَا الْمُدَّعِي سليما سفاهاً ... لست مِنْهَا وَلَا قلامة ظفر) (إِنَّمَا أَنْت من سليم كواو ... ألحقت فِي الهجاء ظلما بِعَمْرو) وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من أحاسن زَمَانه وَكَانَت وِلَادَته فِي غرَّة شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي بعد الثَّلَاثِينَ وَألف بِقَلِيل فِيمَا أَظن وَبَنُو الْجَوْهَرِي هَؤُلَاءِ بَيت كَبِير بِدِمَشْق خرج مِنْهُ خلق من النجباء وَكَانَ جدهم الْأَعْلَى على فِي بداية أمره صدر عِنْد أحد مُلُوك الْعَجم والصدر عبارَة عَن قَاضِي الْعَسْكَر وَكَانَ جليل الشَّأْن عليّ الْقدر ثمَّ إِنَّه رمى المنصب وَانْقطع إِلَى الله تَعَالَى مشتغلاً بِالْعبَادَة فِي زَاوِيَة بهْرَام آباد قَرْيَة من قرى أصفهان إِلَى أَن توفّي وَأول من ورد مِنْهُم إِلَى دمشق مُحَمَّد نَاصِر الدّين ابْن عَليّ الْمَذْكُور وَكَانَ قدومه إِلَيْهَا فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ صحب مَعَه جَوَاهِر ومعادن فَمن ثمَّ اشْتهر الْبَيْت كُله بِبَيْت الْجَوْهَرِي وَفِي دمشق محلّة بِالْقربِ من البيمارستان النوري تسمى محلّة حجر الذَّهَب سكها وَعمر بهَا بُيُوتًا كَثِيرَة وتناسلت ذُريَّته إِلَى عَلَاء الدّين جدّ أبي بكر فَنَشَأَ عَلَاء الدّين هَذَا فِي نعْمَة طائلة وتزوّج بابنة الْمولى بدر الدّين حسن بن حسام التبريزي وَيُقَال لَهُ الْجَوْهَرِي أَيْضا الْمَشْهُور فِي دمشق وَهُوَ الَّذِي صنع القمارى الثَّلَاث العظيمات الَّتِي فَوق محراب الْحَنَفِيَّة بمقصورة الْجَامِع الْأمَوِي وَلما دخل السُّلْطَان سليم إِلَى الشَّام استقبله الْجَوْهَرِي الْمَذْكُور وَكَانَت لَهُ عِنْده الرّفْعَة التَّامَّة وللحسن الْمَذْكُور بيُوت بِدِمَشْق وعمارات لَطِيفَة وَمَسْجِد بِالْقربِ من البيمارستان النوري عَلَيْهِ أوقاف دارة وجدت فِي بعض المجاميع أَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الْمولى عبد الرَّحْمَن الجامي ورد دمشق حَاجا فأنزله الْحسن الْمَذْكُور فِي بَيت وأكرمه وَأحمد وَالِد أبي بكر هَذَا من بنت الْحسن الْمَذْكُور وَكَانَ صَاحب كرامات ومكاشفات وأحوال باهرة وَكَانَ موسوماً بِعلم الكيميا فِيمَا يُقَال رَحمَه الله تَعَالَى وَالله تَعَالَى أعلم الشَّيْخ أَبُو بكر بن أَحْمد بن حُسَيْن بن عبد الله بن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس صَاحب دولة آباد أحد أجواد الدُّنْيَا الْوَرع العابد الناسك اليمني التريمي ولد بِمَدِينَة تريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَغَيره من كتب ورسائل وَصَحب أَبَاهُ وحذا حذوه ثمَّ سَافر إِلَى الديار الْهِنْدِيَّة وَأقَام بهَا فِي أَنْضَرُ عَيْش وَاجْتمعَ بأعظم سلاطين تِلْكَ الديار فِي ذَلِك الزَّمَان وَهُوَ الْمُسَمّى بخرم شاهجان فأنعم عَلَيْهِ وَقرر لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مُؤْنَته كل يَوْم من ملبوس ومطعوم ترادفت عَلَيْهِ الفتوحات الظَّاهِرَة والباطنة ثمَّ قطن بِمَدِينَة دولة آباد وَصَارَ بهَا ملْجأ للوافدين وَلم يزل بهَا إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وقبره هُنَاكَ مَعْرُوف يزار السَّيِّد أَبُو بكر بن أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي بكر بن علوي بن عبد الله ابْن عَليّ بن الشَّيْخ الإِمَام عبد الله بن عَليّ بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه مُحَمَّد الْمُقدم ابْن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن علوي بن مُحَمَّد بن علوي بن عبيد الله بالتصغر ابْن أَحْمد بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ العريضي ابْن جَعْفَر الصَّادِق ابْن مُحَمَّد الباقر ابْن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن السبط ابْن عَليّ بن أبي طَالب باعلوي الشلي السَّيِّد الْأَجَل الشَّافِعِي الْمَذْهَب قَالَ وَلَده مُحَمَّد فِي مشرعه الروى سَيِّدي الْوَالِد حاوي الْفَضَائِل الخالد مِنْهَا والتالد المتدرع جِلْبَاب الْهدى والتقى المتورع الَّذِي حل مَحل النَّجْم وارتقى إِلَى آخر مَا قَالَ وَبسط الْمقَال ثمَّ قَالَ ولد بتريم فِي سنة تسعين وَتِسْعمِائَة وَحفظ الْقُرْآن على الْمعلم الآديب عمر بن عبد الله الْخَطِيب ورباه وَالِده وأدبه معلمه بِأَحْسَن تربية وَمَات أَبوهُ وهودون الأحتلام فَقَامَ بتربيته شَيْخه شيخ الْإِسْلَام عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين ثمَّ اشْتغل بتحصيل الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة فَقَرَأَ الْفِقْه على شَيْخه الْمَذْكُور وَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير والتصوف والعربية وَأخذ ذَلِك عَن غَيره مِنْهُم السَّيِّد الْجَلِيل عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عقيل السقاف والعارف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو بكر بن عَليّ الْمعلم وَأدْركَ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد بن عقيل مديحج وَصَحب الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس ولازمه فِي دروسه وَألبسهُ الْخِرْقَة كل هَؤُلَاءِ وأذنوا لَهُ فِي ألباسها ثمَّ سَافر إِلَى الواديين وَادي دوعن ووادي عمد الْمَشْهُورين وَأخذ بهما عَن جمَاعَة من العارفين ثمَّ أشيع فِي تريم بِأَنَّهُ يُرِيد الْحَج فِي ذَلِك الْعَام وكتبت لَهُ والدته وَبَعض مشايخه يعتبونه فِي عدم استشارتهم فَعلم أَنه نُودي حَيْثُ لم يخْطر بِهِ الْحَج فحج على قدم التَّجْرِيد وزار جده سيد الْمُرْسلين وجاور بِالْمَدِينَةِ أَربع سِنِين وَأخذ بالحرمين عَن جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم وَأحمد بن عَلان وَالشَّيْخ أَحْمد الْخَطِيب وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ مُحَمَّد المنوفي وَالشَّيْخ أَبُو الْفَتْح بن حجر وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن عبد الْملك العصامي ودأب فِي تَحْصِيل الْفَضَائِل إِلَى أَن أحَاط علما بالمهم من الْفُرُوع وَالْأُصُول ثمَّ ساح فوصل إِلَى بندر عدن وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ أَحْمد بن عمر العيدروس ولازم صُحْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 كثيرا ثمَّ نوى الرحلة إِلَى الديار الْهِنْدِيَّة فَلَمَّا اسْتَشَارَ شَيْخه صرفه عَن هَذِه النِّيَّة وَأخذ لَهُ من نَائِب الْيمن مَرَاسِيل إِلَى وَإِلَى مَدِينَة تريم فِي أُمُور تتَعَلَّق بخويصة نَفسه فتمت لَهُ وَلما وصل إِلَى بَلَده وَذَلِكَ سنة أَربع عشرَة وَألف تزوج ولازم الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَكثر من مائَة كتاب من الْكتب الْمَشْهُورَة وَهِي فِي مُعْجَمه مَذْكُورَة مِنْهَا الْأُمَّهَات السِّت ومحاسن أسفار التصوف وَلما مَاتَ شَيْخه أَبُو بكر على الْمعلم أمره جمَاعَة من الْمَشَايِخ بِالْجُلُوسِ للدرس فِي مَحَله فِي مَسْجِد آل با علوي الدَّرْس الْعَام بعد الْعشَاء فتوقف لكَون هَذَا الدَّرْس يحضرهُ جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء وكثيرون من الأدباء والفضلاء إِلَى أَن رأى الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الشَّيْخ الْوَلِيّ عبد الله با علوي يَأْمُرهُ بِالْجُلُوسِ فانشرح صَدره وَلما درس حَضَره الإجلاء وَكَانَ من أحسن أهل زَمَانه قِرَاءَة وبيانا وَفتح الله تَعَالَى مَا استغلق على كثير ولازمه جمَاعَة فِي منزله لقِرَاءَة بعض الْفُنُون وَكَانَ فِي الْغَالِب من السنين يخْتم إحْيَاء عُلُوم الدّين وَأخذ عَنهُ خلق ولبسوا مِنْهُ الْخِرْقَة وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ السَّيِّد الْجَلِيل عبد الله بن عقيل بن عبد الله بن عقيل مديحج وَابْن عَمه السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الله بن عقيل وَالشَّيْخ جَعْفَر الصَّادِق ابْن زين الدّين العيدروس قبل رحلته إِلَى الْهِنْد وَالسَّيِّد عبد الله بن حُسَيْن بافقيه صَاحب كنور قبل سَفَره من تريم وَبَينه وَبَين هَذَا الْأَخيرينِ مكاتبات وَكَانَ لَهُ مَعَ أدباء عصره مجَالِس وتنزهات وَيُقَال أَن بعض أَصْحَابه جمعهَا فِي ديوَان وَكَانَ فائقا فِي الظّرْف وَالْملح حَافِظًا للسيرة النَّبَوِيَّة وتراجم السّلف وَالصَّالِحِينَ وتواريخ الْمُتَقَدِّمين متقنا لما يعرفهُ ثبتا فِيمَا يَنْقُلهُ لَهُ يَد طولى فِي علم الْأَدَب وصنف عدَّة كتب ورسائل ومختصرات مِنْهَا كتاب فِي فضل رَمَضَان وَالصِّيَام وَكَانَ يقْرَأ مِنْهُ كل لَيْلَة من ليَالِي رَمَضَان بعد التَّرَاوِيح وَاخْتصرَ كتاب الْغرَر للسَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ خرد وَله تعليقات على الْأَحْيَاء والعوارف ورسائل ابْن عباد وَله فِي أَلْفَاظ غَرِيبَة فِي اللُّغَة على تَرْتِيب نِهَايَة ابْن الْأَثِير وَله مَجْمُوع جمع فِيهِ مقروآته ومسموعاته ومشايخه وتاريخ وفيات الْأَعْيَان من أهل الزَّمَان وَشرع فِي جمع تَارِيخ عَام لأهل عصره وَمَا جريات دهره وَلكنه لم يتم وَله نظم حسن لكنه قَلِيل بل قيل أَنه بله قبل مَوته وَكَانَ كثير المطالعة للكتب لَهُ جلد عَظِيم على قرَاءَتهَا فَرُبمَا استوعب المجلد الضخم فِي يَوْم أَو لَيْلَة وَيُقَال أَنه قَرَأَ الْأَحْيَاء فِي عشرَة أَيَّام وَهَذَا أَمر عَجِيب بِالنِّسْبَةِ إِلَى أهل هَذَا الزَّمن وَأَنه كَانَ حكى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 عَن بعض الْحفاظ مَا هُوَ أعظم من هَذَا فقد قَرَأَ مجد الدّين الفيروز أبادي صَحِيح مُسلم فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَذكر الْقُسْطَلَانِيّ أَنه قَرَأَ البُخَارِيّ فِي خَمْسَة مجَالِس وَبَعض مجْلِس وَذكر الذَّهَبِيّ أَن الْحَافِظ أَبَا بكر الْخَطِيب قَرَأَ البُخَارِيّ فِي ثَلَاثَة مجَالِس قَالَ وَهَذَا شَيْء لَا أعلم أحدا فِي زَمَاننَا يستطيعه وَالَّذِي فِي تَرْجَمته أَنه قَرَأَهُ فِي خَمْسَة أَيَّام وَأَظنهُ الصَّوَاب انْتهى وَذكر السخاروي أَن شَيْخه الْحَافِظ ابْن حجر قَرَأَ سنَن ابْن مَاجَه فِي أَرْبَعَة مجَالِس وصحيح مُسلم فِي أَرْبَعَة مجَالِس وَكتاب النساي الْكَبِير فِي عشرَة مجَالِس كل مجْلِس نَحْو أَربع سَاعَات وَمجمع الطَّبَرَانِيّ الصَّغِير فِي مجْلِس وَاحِد بَين الظّهْر وَالْعصر وَهَذَا أسْرع مَا وَقع لَهُ وَفِي تَارِيخ الْخَطِيب أَن إِسْمَاعِيل ابْن أَحْمد النَّيْسَابُورِي قَرَأَ البُخَارِيّ فِي ثَلَاثَة مجَالِس يبتدي من الْمغرب وَيقطع القرأءة وَقت الْفجْر وَمن الضُّحَى إِلَى الْمغرب وَالثَّالِث من الْمغرب إِلَى الْفجْر وَحكى أَن حَافظ الْمغرب العبدوسي قَرَأَ البُخَارِيّ بِلَفْظِهِ أَيَّام الإستسقاء فِي يَوْم وَاحِد قَالَ وَكَانَ الْوَالِد يجمع جمَاعَة يسبحون ألف تَسْبِيحَة يهديها لبَعض الْأَمْوَات ويهللون سبعين ألف تَهْلِيلَة يهديها لبَعْضهِم وَكَانَ أهل تريم يعتنون بِهَذَا ويوصي بَعضهم بِمَال لذَلِك وَكَانَ هُوَ المتصدي لذَلِك والقائم بِهِ وَهَذَا الْمَذْكُور تداوله الصُّوفِيَّة قَدِيما وحديثا وَأوصى بَعضهم بالمحافظة عَلَيْهِ وَذكروا الله تَعَالَى يعْتق بِهِ رَقَبَة من أهْدى لَهُ وَأَنه ورد فِي الحَدِيث وَذكر الإِمَام الرَّافِعِيّ أَن شَابًّا كَانَ من أهل الْكَشْف مَاتَت أمه فَبكى وَصَاح فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ أَن أُمِّي ذَهَبُوا بهَا إِلَى النَّار وَكَانَ بعض الإخوان حَاضرا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي قد هللت سبعين ألف تَهْلِيلَة وَإِنِّي أشهدك إِنِّي قد أَهْدَيْتهَا الْأُم هَذَا الشَّاب فَقَالَ أخرجُوا أُمِّي من النَّار وأدخلوها الْجنَّة قَالَ الْمهْدي الْمَذْكُور فَحصل لي صدق الْخَبَر وَصدق كشف الشَّاب وَلَكِن قَالَ ابْن حجر أَن الْخَبَر الْمَذْكُور وَهُوَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله سبعين ألفا فقد اشْترى نَفسه من النَّار بَاطِل مَوْضُوع قَالَ الْحَافِظ النَّجْم الغيطي لَكِن يَنْبَغِي للشَّخْص أَن يفعل ذَلِك اقْتِدَاء بالسادة الصُّوفِيَّة وامتثالا لأقوال من أوصى بِهِ وتبركا بأفعالهم وَقد ذكره الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سَيِّدي مُحَمَّد بن عراق فِي بعض رسائله قَالَ وَكَانَ شَيْخه يَأْمر بِهِ وَإِن بعض إخوانه يهلل السّبْعين ألف مَا بَين الْفجْر وطلوع الشَّمْس قَالَ وَهَذِه كَرَامَة من الله تَعَالَى وَأما التَّسْبِيح فَلهُ أصل فقد أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والخرائطي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ من قَالَ إِذا أصبح سُبْحَانَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وَبِحَمْدِهِ ألف مرّة فقد اشْترى نَفسه من الله وَكَانَ آخر يَوْمه عَتيق الله قَالَ النَّجْم الغيطي وَهَذِه فَائِدَة عَظِيمَة فَيَنْبَغِي أَن يحافظ عَلَيْهَا قَالَ وَكَانَ الْوَالِد لَهُ اعتناء تَامّ بِالذكر لَا سِيمَا راءة الْقُرْآن وَكَانَ يتهجد وَيُصلي الْوتر مَعَ مقدمته كل لَيْلَة ثَلَاث عشرَة رَكْعَة وَكَانَ يحث أَصْحَابه على التَّهَجُّد وَكَانَ يَقُول تعود الْقيام آخر اللَّيْل وَلَو أَنَّك تلعب وَكَانَ يعسر عَلَيْهِ الصَّوْم فَلَا يَصُوم إِلَّا رَمَضَان وَرُبمَا صَامَ سِتا من شَوَّال قَالَ بعض الْعلمَاء وَمَا كَانَ ذَلِك إِلَّا لحدة ذهنه فَكَانَ لَا يُطيق الصَّوْم وَكَانَ يجتزي باليسير من الْغذَاء وَمن الملبس وَمن الملاذ الدُّنْيَوِيَّة كثير التقشف طارحاً للتكلف كثير الِاحْتِمَال وَكَانَ يُؤثر الْعُزْلَة على الِاجْتِمَاع وَكَانَ كثير الشَّفَقَة على أَصْحَابه كثير الاعتناء بأقاربه مبالغاً فِي تَعْظِيم الْعلمَاء والأولياء وَكَانَ يكره الْمَدْح فِي المراسلات والمكاتبات وَكَانَ لَا يحب إِظْهَار الكرامات ويتأذى من خرق الْعَادَات وَكَانَ إِذا دَعَا لأحد بِشَيْء اسْتَجَابَ الله دعاءه وَإِذا توسل بِهِ أحد مِمَّن يَعْتَقِدهُ إِلَى الله تَعَالَى حصل لَهُ مُرَاده وَمَا عَادَاهُ أحد إِلَّا رَجَعَ وَاعْتذر إِلَيْهِ وَمَا مكر بِهِ أحد إِلَّا رَجَعَ مكره عَلَيْهِ قَالَ وَلَده وَمِمَّا وَقع لي مَعَه أَنِّي كنت أرى أَنه يطلع على مَا يصدر مني حَال غيبتي عَنهُ فَإِذا اشتغلت بِطَاعَة قابلني بِوَجْه مسرور وَإِذا اشتغلت بلعب قابلني بضد الْمَذْكُور وَلما شاورته فِي السّفر إِلَى الْهِنْد قَالَ أرى أَن الْمدَّة قرب انقضاؤها وَكنت أود أَنَّك تحضر وفاتي فَقلت أَتَخَلَّف عَن السّفر فَقَالَ سَافر فَأَنت فِي وَدِيعَة الله تَعَالَى وَمَا أَرَادَهُ سَيكون وَكَانَ الْأَمر كَمَا ذكر فَكَانَ انْتِقَاله لخمس بَقينَ من صفر سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَقبض وَهُوَ جَالس محتب بالحبوة فِي دهليز ذاره الَّتِي بِالْقربِ من مَسْجِد بني علوي من غير مرض ظَاهر بل كَانَ يشتكي صَدره فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه مِمَّن لَهُ اعتناء بالطب دواك كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ هَذَا دَاء عضال مشْعر بالارتحال وانتقل قبل الْعَصْر وَشَكوا فِي مَوته فبيتوه فِي دَاره وَبَات النَّاس يقرؤن عَلَيْهِ وصلوا صبح ثَانِي يَوْم فِي الْجَبانَة وَدفن بمقبرة زنبل فِي الْقَبْر الملاصق لوالده رَحمَه الله تَعَالَى وَآل باعلوي منسوبون إِلَى علوي وَهَذِه النِّسْبَة وَإِن لم تكن من وضع الْعَرَبيَّة لَكِنَّهَا مَعْرُوفَة لأهل الديار الحضرموتية فَإِنَّهُم يلزمون الكنية الْألف بِكُل حَال على لُغَة الْقصر فَيَقُولُونَ لبني علوي باعلوي ولبني حسن باحسن ولبني حُسَيْن باحسين وعلوي هُوَ ابْن عبيد الله بن أَحْمد بن عِيسَى فَإِنَّهُ جدهم الْأَكْبَر الْجَامِع لنسبهم ونسبهم مجمع عَلَيْهِ أهل التَّحْقِيق وَقد اعتنى ببيانه جمع كثير من الْعلمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَذكر بَعضهم أَن السَّادة بني علوي لما اسْتَقر وابحضرموت أَرَادَ بعض أَئِمَّة ذَلِك الزَّمَان أَن يُؤَكد تِلْكَ النِّسْبَة المحمدية فَطلب مِنْهُم تَصْحِيح نسبهم بِحجَّة شَرْعِيَّة فسافر الإِمَام الْحَافِظ الْمُجْتَهد أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن جَدِيد إِلَى الْعرَاق وَأثبت نسبهم وَأشْهد على ذَلِك نَحْو مائَة عدل مِمَّن يُرِيد الْحَج ثمَّ أثبت ذَلِك بِمَكَّة وَأشْهد على ذَلِك جَمِيع من حج من أهل حَضرمَوْت فَقدم هَؤُلَاءِ الشُّهُود فِي يَوْم مشهود وشهدوا بِثُبُوت نسبهم فَعِنْدَ ذَلِك انقشعت سحب الأوهام وتبلجت غرَّة الشّرف وأميط عَنْهَا عَنْهَا اللثام وَلَقَد أحسن من قَالَ (وجحود من جحد الصَّباح إِذا بدا ... من بعد مَا انتشرت لَهُ الأضواء) (مَا ذَاك أَن الشَّمْس لَيْسَ بطالع ... بل أَن عَنَّا أنْكرت عمياء) وجديد الْمَذْكُور بِفَتْح الْجِيم ودالين مهملتين بَينهمَا تحتية أَخُو علوي الْمَذْكُور وَله أَخ آخر شَقِيق اسْمه بصرى كَانَا إمامين عَالمين أفرد ترجمتهما بالتأليف وَلَهُمَا ذُرِّيَّة اشْتهر مِنْهُم جمَاعَة بالعلوم وَتُوفِّي الثَّلَاثَة بقرية سمل بِضَم الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَهِي على نَحْو سِتَّة أَمْيَال من مَدِينَة تريم سميت باسم الَّذِي اختطها وَلَا يعرف الْآن إِلَّا قبر علوي وَقيل إِن جَدِيدا انْتقل بِبَيْت جُبَير وَكَانَت رياسة الْعلم وَالْفضل لبني بصرى ثمَّ انقرضوا فِي أثْنَاء الْقرن السَّادِس وانتقلت الرياسة لبني جَدِيد بن عبد الله ثمَّ انقرضوا على رَأس السَّادِسَة واختص الذّكر المخلد ببني علوي فطبقوا الأَرْض وَعم نفعهم الطول وَالْعرض ذكرهم بَاقٍ على صفحات الزَّمَان مَعْلُوم عِنْد القاصي والدان وتوطنهم حَضرمَوْت إِن الله تَعَالَى لما أَرَادَ بِأَهْلِهَا خير أهْدى إِلَيْهِم السَّيِّد الْمَذْكُور فاستقر بهَا هُوَ وَأَهله ومواليه قاطبة وتدبرها وَكَانَ سَبَب هِجْرَة جدهم أَحْمد بن عِيسَى من الْبَصْرَة وَمَا والاها من الْبِلَاد مَا حصل بهَا من الْفِتَن والأهوال حَتَّى وَجَبت الْهِجْرَة مِنْهَا فَهَاجَرَ مِنْهَا سنة سبع عشرَة وثلثمائة وسافر مَعَه وَلَده عبد الله لصغره وتخلف وَلَده مُحَمَّد على أَمْوَاله وَاسْتمرّ مُحَمَّد بِالْبَصْرَةِ إِلَى أَن توفّي بهَا وارتحل مَعَ الإِمَام أَحْمد من بني عَمه اثْنَان أَحدهمَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبيد بن عِيسَى ابْن علوي بن مُحَمَّد حمحام بن عون بن مُوسَى الكاظم جد السَّادة بني الأهدل وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِم وَالثَّانِي جد السَّادة بني قديم بِضَم الْقَاف مُصَغرًا وَسَيَأْتِي ذكر جمَاعَة مِنْهُم وتوطن جد السَّادة المهادلة السَّيِّد الْكَبِير جد بني قديم بوادي سردد بِضَم الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَضم الدَّال الْمُهْملَة المكررة وَهَذَانِ الواديان مشهوران بِالْيمن خرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 مِنْهَا كَثِيرُونَ اشتهروا بِالْفَضْلِ وَالْولَايَة وَقد ألف الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن أبي بكر الأشحر رِسَالَة سَمَّاهَا در السمطين فِيمَن بوادي سردد من ذُرِّيَّة السبطين فَقَالَ جملَة آيَات ثمَّ قدم يَعْنِي أَحْمد بن عِيسَى الْمَدِينَة وَأقَام بهَا ذَلِك الْعَام وَفِي هَذِه السّنة دخل أَبُو طَاهِر بن أبي سعيد القرمطي مَكَّة بعسكره يَوْم التَّرويَة وَالنَّاس حول الْكَعْبَة مَا بَين مصل وطائف ومشاهد فَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام بفرسه وركض بِسَيْفِهِ وَهُوَ سَكرَان وَوضع هُوَ وجماعته السَّيْف وَقتلُوا فِي المطاف ألفا وَسَبْعمائة ورموا بهم فِي بِئْر زَمْزَم وَقتلُوا خَارج الْمَسْجِد أَكثر من ثَلَاثِينَ ألفا وملؤا بهم الْآبَار والحفر ونهبوا الديار وَسبوا الصغار وَأخذُوا خزانَة الْكَعْبَة وَمَا فِيهَا من الْقَنَادِيل وَالْكِسْوَة وَالْبَاب وَقسم ذَلِك بَين أَصْحَابه وطلع على الْبَاب وَأنْشد (أَنا بِاللَّه وَبِاللَّهِ أَنا ... يخلق الْخلق وأفنيهم أَنا) وَلم يسلم إِلَّا من اختفى فِي الْجبَال وَلم يقف بِعَرَفَة ذَلِك الْعَام إِلَّا قَلِيل وَأمر بقلع الْمِيزَاب فطلع الْكَعْبَة رجل فأصيب بِسَهْم من أبي قبيس فَخر مَيتا وطلع آخر فَسقط مَيتا فهابوا فَقَالَ أَبُو طَاهِر اتركوه حَتَّى يَأْتِي صَاحبه يَعْنِي الْمهْدي الَّذِي يزْعم أَنه مِنْهُم وَأَرَادَ أَخذ الْمقَام فَلم يظفر بِهِ لِأَن سدنته غيبوه ف يبعض الشعاب وَصَارَ بزندقته يَقُول (فَلَو كَانَ هَذَا الْبَيْت لله رَبنَا ... لصب علينا من النَّار من فَوْقنَا صبا) (لانا حجَجنَا حجَّة جَاهِلِيَّة ... مُجَللَة لم تبْق شرقاً وَلَا غربا) (وَإِنَّا تركنَا بَين زَمْزَم والصفا ... جنائز لَا تبغي سوى رَبهَا رَبًّا) وَيُقَال إِن عسكره سَبْعمِائة نفس فَلم يطق أحد رده خذلاناً من الله تَعَالَى وَحمل الْحجر الْأسود مَعَه يُرِيد أَن يحول الْحَج إِلَى بَيت بناه فِي هجر وخطب لعبد الله الْمهْدي أول الْخُلَفَاء العبيديين الفاطميين وَكَانَ أول ظُهُوره وَكتب بذلك إِلَى عبد الله فَكتب جَوَابه أَن أعجب الْعجب إرسالك بكتبك إِلَيْنَا ممتناً بِمَا ارتكبت فِي بلد الله الْأمين من انتهاك حُرْمَة بَيت الله الْحَرَام الَّذِي لم يزل مُحْتَرما فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وسفكت فِيهَا دِمَاء الْمُسلمين وفتكت بالحجاج والمعتمرين وتجرأت على بَيت الله تَعَالَى وقلعت الْجَرّ الْأسود الَّذِي هُوَ يَمِين الله فِي أرضه يُصَافح بِهِ عباده وَحَمَلته إِلَى مَنْزِلك ورجوت أَن أشكرك على ذَلِك فلعنك الله ثمَّ لعنك الله وَالسَّلَام على من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده وَقدم فِي يَوْمه مَا ينجو بِهِ فِي غده فَلَمَّا وصل إِلَى القرمطي انحرف عَن طَاعَته وَبعد عود القرمطي إِلَى هجر رَمَاه الله فِي جسده بداء حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 تقطعت أوصاله وتناثر الدُّود من لَحْمه وَطَالَ عَذَابه وَاسْتمرّ الْحجر عِنْدهم نَحْو عشْرين سنة طَمَعا أَن يتَحَوَّل الْحَج إِلَى بلدهم وبذل لَهُم يحكم التركي مُدبر الْخلَافَة خمسين ألف دِينَار فِي ردّ الْحجر فَأَبَوا وَكَذَلِكَ أرسل الْمَنْصُور بن الْقَائِم بن الْمهْدي العبيدي إِلَى أَحْمد بن سعيد أخي طَاهِر بِخَمْسِينَ ألف دِينَار ليَرُدهُ فَلم يفعل وَلما أَيِست القرامطة من تَحْويل الْحَج إِلَى بلدهم ردُّوهُ وَحَمَلُوهُ على جمل هزيل فسمن وَلما ذَهَبُوا بِهِ إِلَى بلدهم مَاتَ تَحْتَهُ أَرْبَعُونَ جملا وَقَالُوا أخذناه بِأَمْر ورددناه بِأَمْر وَقد طَال الْكَلَام وَهُوَ وَإِن كَانَ خَارِجا عَن الْمَقْصُود فَفِيهِ عِبْرَة لمن اعْتبر واتعاظ بِحَال من مضى وغبر ولنعد لما نَحن بصدده وَفِي سنة ثَمَانِي عشرَة وثلثمائة حج الإِمَام أَحْمد بن عِيسَى وَمن مَعَه من بني عَمه ومواليه وَلم يَتَيَسَّر لَهُم التوطن بِأحد الْحَرَمَيْنِ وسألوا الله أَن يخْتَار لَهُم مَا يرضاه من الْبِلَاد ثمَّ رَأَوْا أَن إقليم الْيمن سَالم من المحن والفتن فِي ذَلِك الزَّمن مَعَ مَا ورد فِيهِ من الْأَحَادِيث كَقَوْلِه عَلَيْكُم بِالْيمن إِذا هَاجَتْ الْفِتَن فَإِن قومه رَجَاء وأرضه مباركة وللعبادة فِيهِ أجر كَبِير وَأول مَدِينَة أَقَامَ بهَا مَدِينَة الهجرين وَهِي من مَدِينَة تريم على نَحْو مرحلَتَيْنِ ثمَّ سكن قارة بني جشير بِضَم الْجِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ثمَّ يَاء تحتية ثمَّ رَاء تَصْغِير جشر بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الرجل الْغَرِيب وَلم تطب لَهُ فَرَحل عَنْهَا الى الحسيسة بِضَم الْحَاء وَفتح السينين الْمُهْمَلَتَيْنِ بَينهمَا تحتية مُشَدّدَة مَكْسُورَة وَهِي قَرْيَة على نصف مرحلة من تريم واستوطنها وَأقَام بنصرة السّنة حَتَّى استقامت بعد الاضمحلال وطلعت شمسها بعد الزَّوَال وَأظْهر أُمَامَة الامام الشَّافِعِي بنشر مذْهبه وأقعد النّسَب الْهَاشِمِي فِي أَعلَى رتبه وَتَابَ على يَدَيْهِ خلق كثير وَرجع عَن الْبِدْعَة إِلَى السّنة جمع غفير وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ بالحسيسة ثمَّ خربَتْ الحسيسة واستوطن أَوْلَاده سمل واشتروا بهَا أَمْوَالًا ثمَّ بعد بُرْهَة من الزَّمَان ارتحلوا عَنْهَا وَسَكنُوا بَيت جُبَير بجيم مَضْمُومَة فموحدة مَفْتُوحَة فمهملة تَصْغِير جبر ثمَّ توطنوا مَدِينَة تريم وَكَانَ جلوسهم بهَا سنة إِحْدَى وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَأول من سكنها مِنْهُم السَّيِّد عَليّ بن علوي الشهير بخالع قسم وَأَخُوهُ سَالم وَمن فِي طبقتهما من بني بصرى وجديد وَهِي بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة فراء فتحتية وَآخِرهَا مِيم بِوَزْن عَظِيم سميت باسم الْملك الَّذِي اختطها وَهُوَ تريم بن حَضرمَوْت وَقيل إِن الَّذِي اختطها الْكَامِل وَمن أسمائها الْغناء بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالنُّون الْمُشَدّدَة سميت بذلك لِكَثْرَة أشجارها وأنهارها وَتسَمى مَدِينَة الصّديق رَضِي الله عَنهُ لِأَن عَامله زِيَاد بن لبيد الْأنْصَارِيّ لما عَاد لبيعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الصّديق أول من أَجَابَهُ أهل تريم وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ أحد مِنْهُم وَبعث للصديق بذلك فَدَعَا الله بِثَلَاث دعوات أَن تكون معمورة وَأَن يُبَارك فِي مَائِهَا وَأَن يكثر فِيهَا الصالحون وَلِهَذَا كَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي بكر باعباد يَقُول إِن الصّديق يشفع لأهل تريم خَاصَّة وَكَانَ إِذا ذكرت عِنْده يَقُول سعد أَهلهَا وَأعظم خَصَائِص هَذِه الْمَدِينَة الْعَظِيمَة هِيَ الذُّرِّيَّة السّنيَّة الْكَرِيمَة فَلَقَد شرفت بهم وسمت واتسمت من الْفَضَائِل بِمَا اتسمت فَهِيَ بهم كالعروس تتهادى بَين أقمار وشموس وَمن ثمَّ قَالَ بعض الصُّوفِيَّة أَنهم المعنيون بقوله أَنِّي لأجد نفس الرَّحْمَن من قبل الْيمن فَأكْرم بهَا من بَلْدَة زكتْ بأطيب النِّعَال وشرفت بِأَهْل الْكَمَال مَا مدحت الديار إِلَّا لكَونهَا محلا للأخيار وَقد تكلم على جَمِيع مَا يتَعَلَّق بهَا مُحَمَّد الشلي بن أبي بكر صَاحب التَّرْجَمَة فِي كِتَابه المشرع الْمَرْوِيّ وَبَين أَخْبَارهَا كل الْبَيَان وَأحسن كل الْإِحْسَان فليراجعه من أَرَادَ الْوُقُوف على ذَلِك أَبُو بكر بن أَحْمد قعُود النَّسَفِيّ الْمصْرِيّ الْحَنَفِيّ الرِّفَاعِي الطَّرِيقَة المنجم الْمَشْهُور وَصَاحب الأوفاق والأعمال العجيبة كَانَ من أكَابِر عُلَمَاء الظَّاهِر وَالْبَاطِن وَله فِي علم الْحَرْف والجفر والأسماء الملكة التَّامَّة وَكَانَ مَشْهُور الْبركَة بِمصْر فِي التمائم والعزائم وأشباهها وَله معرفَة تَامَّة فِي علم الأوفاق وَكَانَت الوزراء والأمراء بِمصْر يأْتونَ إِلَيْهِ للتبرك بِهِ وجلالته أشهر من أَن تذكر ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ على وَالِده وعَلى الشَّمْس الرَّمْلِيّ والنور الزيَادي وعَلى بن غَانِم الْمَقْدِسِي وَمن فِي طبقتهم وجاور بالحرمين ثَمَانِيَة وَعشْرين سنة وَأخذ بهَا عُلُوم الطَّرِيق عَن السَّيِّد صبغة الله السندي وعَلى تِلْمِيذه أَحْمد الشناوي الخامي وَأَجَازَهُ كِتَابَة ولفظاً وَكَانَ بَينه وَبَين السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن الشَّيْخ أبي بكر بن سَالم صَاحب عينات محبَّة أكيدة بِحَيْثُ لَا يُفَارق كل مِنْهُمَا الآخر فِي غَالب الْأَوْقَات وَأخذ كل مِنْهُمَا عَن الآخر ثمَّ رَجَعَ إِلَى مصر وَأقَام بهَا وَقدم إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَأخذ بهَا طَرِيق الرفاعية عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد العلمي وَدخل دمشق مَرَّات وسافر إِلَى قسطنطينية وَكَانَ آخر دخلاته إِلَى دمشق فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَكَانَ الْوَزير مُحَمَّد باشا سبط رستم باشا الْوَزير الْأَعْظَم محافظاً بهَا وَبَالغ فِي إكرامه وَكَانَ وَهُوَ بالروم بشره بالوزارة الْعُظْمَى ومجيء الْخَتْم السلطاني لَهُ إِلَى دمشق وَعين الْيَوْم الَّذِي يَجِيء فِيهِ فَلَمَّا جَاءَهُ خبر ذَلِك استحضره وَقَالَ لَهُ جَاءَنَا خبر من طرف السلطنة بِالْعودِ إِلَى مُحَافظَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 مصر فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثمَّ قَالَ لَهُ ختم الوزارة دخل إِلَى حُدُود دمشق فصادف مَجِيئه فِي ثَانِي يَوْم وسافر الْوَزير وَأقَام هُوَ بِدِمَشْق ثمَّ سَار أَثَره إِلَى اروم فَأكْرمه وَحصل لَهُ من جَانِبه مَال طائل وَجعل لَهُ من الجرايات بِمصْر مَا يقوم بِهِ وَكَانَ لَهُ من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء كَثِيرَة مِنْهَا أَنه كَانَ فِي مجْلِس بعض الوزراء بِمصْر فمسك لَهُ كتابا كَبِيرا وقسمه شطرين وَقَالَ لَهُ مَا مِقْدَار كل وَاحِد من الشطرين فاستخرجه فِي الْحَال وَذكر فِي بعض محاضراته أَن ثَلَاثَة أشخاص من المهرة فِي علم الْحَرْف قصدُوا مَكَّة وحداناً فنفد مَا مَعَهم من المَاء والزاد وهم فِي بَريَّة قفراء فَقَالَ أحدهم أَنا نخدم هَذَا الْعلم هَذِه السنين وَهَذَا مَحل اتلاف النُّفُوس فليعمل كل منا وفقاً لأجل المَاء والمأكل والمركب فَنزل كل مِنْهُم وفقاً فَلم تمض هنيهة إِلَّا وَقد ظهر لَهُم فِي الْمَكَان الَّذِي كَانُوا نزولاً فِيهِ عين مَاء عذبة وجمال يَقُود ثَلَاثَة جمال وَرَأَوا فِي بعض ذَلِك الْجَبَل قَرْيَة عامرة لم يَكُونُوا رأوها قبل ذَلِك فحمدوا الله تَعَالَى بجميل أَسْمَائِهِ وأثنوا على جزيل نعمائه قَالَ وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى وَقد اجْتمعت بِهِ فِي دمشق والقاهرة وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف بِمصْر وَدفن بتربة المجاورين الشَّيْخ أَبُو بكر بن إِسْمَاعِيل ابْن القطب الرباني شهَاب الدّين الشنواني وجده الْأَعْلَى ابْن عَم سَيِّدي على وَفَاء الشريف الوفائي التّونسِيّ امام الْعَلامَة الْأُسْتَاذ عَلامَة عصره فِي جَمِيع الْفُنُون كَانَ فِي عصره إِمَام النُّحَاة تشد إِلَيْهِ الرّحال للأخذ عَنهُ والتلقي مِنْهُ مولده شنوان وَهِي بَلْدَة بالمنوفية وَتخرج فِي الْقَاهِرَة بِابْن قَاسم الْعَبَّادِيّ وَمُحَمّد الخفاجي وَالِد الشهَاب وَأخذ عَن الشهَاب أَحْمد بن حجر الْمَكِّيّ وجمال الدّين يُوسُف ابْن زَكَرِيَّا وَإِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العلقمي وَالشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وتفوق وَكَانَ كثير الِاطِّلَاع على اللُّغَة ومعاني الْأَشْعَار حَافِظًا لمذاهب النُّحَاة والشواهد كثير الْعِنَايَة بهَا حسن الضَّبْط أَخذ النَّاس عَنهُ كثيرا وَعَلِيهِ تخْرجُوا وانتهت إِلَيْهِ الرياسة العلمية ولازمه بعد الشهَاب ابْن قَاسم جلّ تلامذته وَمِمَّنْ لَازمه وَتخرج بِهِ الشهَاب أَحْمد الغنيمي وَعلي الْحلَبِي وَابْن أُخْته الشهَاب الخفاجي وعامر الشبراوي وسري الدّين الدروري يُوسُف الفيشي وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن الْحَمَوِيّ وَالشَّمْس البابلي وَإِبْرَاهِيم الْمَيْمُونِيّ وَغَيرهم من أكَابِر الْعلمَاء وابتلى بالفالج فَمَكثَ فِيهِ سِنِين وَهُوَ لَا يقوم من مَجْلِسه إِلَّا بمساعد وَكَانَت تذْهب الأفاضل إِلَى بَيته وَلَا تَنْصَرِف عَن نَادِيه وَألف المؤلفات المقبولة مِنْهَا حَاشِيَة على متن التَّوْضِيح فِي مجلدات لم تكمل وحاشية على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 شرح الْقطر للفاكهي لم تكمل وَله حَاشِيَة أُخْرَى على شرح الْقطر للمؤلف لم تكمل وحاشية على شرح الشذور للْمُصَنف أَيْضا وحاشية على شرح الأزهرية للشَّيْخ خَالِد وَأُخْرَى على شرح الْقَوَاعِد لَهُ وَله حَاشِيَة على الْبَسْمَلَة والحمدلة للشَّيْخ عميرَة وَله شرح على الْبَسْمَلَة والحمدلة للْقَاضِي زَكَرِيَّا وَشرح على الأجرومية مطول جمع فِيهِ نفائس الْفَوَائِد وَله حاشيتان على شرح الشَّيْخ خَالِد الْأَزْهَرِي على الأجرومية وَشرح على ديباجة مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل للناصر اللَّقَّانِيّ الْمَالِكِي وَشرح الأسئلة السَّبع للشَّيْخ حَلَال الدّين السُّيُوطِيّ الَّتِي أوردهَا على عُلَمَاء عصره حَيْثُ قَالَ مَا تَقول عُلَمَاء الْعَصْر المدعون للْعلم والفهم فِي هَذِه الأسئلة الْمُتَعَلّقَة بِأَلف با تا ثا إِلَى آخرهَا مَا هَذِه الْأَسْمَاء وَمَا مسمياتها وَهل هِيَ أَسمَاء أَجنَاس أَو أَسمَاء أَعْلَام فَإِن كَانَ الأول فَمن أَي أَنْوَاع الاجناس هِيَ وان كَانَ الثَّانِي فَهِيَ شخصية أَو جنسية فان كَانَ الاول فَهَل هِيَ منقولة أَو مرتجلة فَإِن كَانَ الأول فمم نقلت أَمن حُرُوف أم أَفعَال أم أَسمَاء أَعْيَان أم مصَادر أم صِفَات وَإِن كَانَت جنسية فَهَل هِيَ من اعلام الْأَعْيَان أَو الْمعَانِي إِلَى آخر مَا قَالَ وَكَانَ أبلغ شَرحه لملك الْمغرب مولَايَ أَحْمد المنصورين مولَايَ مُحَمَّد الشَّيْخ فَأرْسل لَهُ عَطِيَّة جزيلة وَرَجا مِنْهُ إرْسَال نُسْخَة مِنْهُ وَهَذَا الشَّرْح فِي مصر مَعْدُوم على مَا سَمِعت وَيُقَال أَنه لَا يُوجد إِلَّا بِأَرْض الْمغرب فَإِن نسخته غَار عَلَيْهَا بعض المغاربة فَذهب بهَا مَعَه إِلَى الْمغرب وَذكره ابْن أُخْته الخفاجي وَعبد الْبر الفيومي وأطالا فِي تَرْجَمته وَأنْشد لَهُ الخفاجي قَوْله وَذَلِكَ مَا كتبه إِلَيْهِ فِي صدر كتاب (سَلام شذاه يمْلَأ الأَرْض نكهة ... تبلغة مني إِلَيْك يَد الصِّبَا) (وتحمله هوج الرِّيَاح إِلَى الْعلَا ... وتنشره فِي الْأُفق شرقا ومغربا) (وَسَقَى ديار الرّوم والجو عايس ... رذاذ كَمَال حل فِيهَا وطنا) (ورد عَلَيْهِ الْغَيْم لُؤْلُؤ طله ... ففضض هامات النَّبَات وذهبا) (لَئِن كَانَ عَن مصر تواري شهابها ... فقد لَاحَ فِي دَار الْخلَافَة كوكبا) (وَمَا كَانَ فِي تأخيري جوابك عَن سدى ... وَلَكِن ضعْفي للقريحة شيبا) (وشرقني دمع الأسى وأهانني ... على أَن قلبِي من فراقك غربا) (نأت بك يَا قس الفصاحة بَلْدَة ... وخلفتني بعد الْفِرَاق معذبا) (فليت الَّذِي شقّ قُلُوب يرمها ... وليت الَّذِي سَاق لقطيعه قربا) وَكَانَ كثيرا مَا يتَمَثَّل بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 (وقائلة أَرَاك بِغَيْر مَال ... وَأَنت مهذب علم إِمَام) (فَقلت لِأَن مَا لَا قلب لَام ... وَمَا دخلت على الْأَعْلَام لَام) قَالَ مَدين القوصوني وَكَانَت وَفَاته عقب طُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْأَحَد ثَالِث ذِي الْحجَّة سنة تسع عشرَة بعد الْألف وَبلغ من الْعُمر نَحْو السِّتين وَدفن بمقبرة المجاورين وَلما بلغ ابْن أُخْته الخفاجي مَوته قَالَ مضمنا لبيت الشواهد المستشهد بِهِ على التَّرْخِيم فِي غير النداء (رحم الله أوحد الدَّهْر من قد ... كَانَ من حلية الْفَضَائِل حَالي) (ذَاك خَالِي وسلوتي أذنعوه ... لَيْسَ حَيّ على الْمنون بخالي) وَقَالَ أَيْضا يرثيه بِهَذِهِ الأبيات وفيهَا لُزُوم مَا لَا يلْزم وَهِي (تَبًّا لقلب عَلَيْك الْيَوْم مَا احترقا ... وناظر دمعه فِي ذَا الْمُصَاب رقا) (وغصة وشجي فِي الْقلب سوغها ... دمع بِهِ نَاظر المحزون قد شرقا) (وَفرْقَة أمنتنا كل حَادِثَة ... من الزَّمَان وَلم تتْرك لنا فرقا) (رَضِيع ثدى الندى خدن الْعلَا حسبا ... من مهده لمقر اللَّحْد مَا افْتَرقَا) (جاؤابه فَوق أَعْنَاق مطوقة ... نداه قد جللت من دوحها وَرقا) (قوم بِنَار الجوى تشوى قُلُوبهم ... قد صيروها قرى هم لَهُم طرقا) (فطيبوه بِطيب الْحَمد مشتزرا ... رِدَاء حمد على الْأَيَّام مَا خرقا) (والدمع جَار عَلَيْهِ قد طفا وطغى ... لَوْلَا سفينة تَابُوت لَهُ غرقا) الشَّيْخ أَبُو بكر بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حُسَيْن بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس الضَّرِير اليمني نزيل مَكَّة المكرمة السَّيِّد الْكَبِير الْعلم صَاحب الْأَحْوَال والمناقب ولد بتريم سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَحفظ الْقُرْآن وكف بَصَره وَحفظ بعض الْمُتُون واشتغل وَسمع بِقِرَاءَة أَخِيه علوي وَغَيره على مَشَايِخ عصره وَصَحب أَبَاهُ وأعمامه وَلبس الْخِرْقَة الشَّرِيفَة من كثيرين وبرع فِي الحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف وَهُوَ الْغَالِب عَلَيْهِ وَأَخذه عَن جمع كثيرين ثمَّ رَحل إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار جده النَّبِي وَعَاد إِلَى مَكَّة وَلَقي بالحرمين جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان وَغَيرهمَا من أكَابِر الْعلمَاء وَأخذ عَنهُ جمَاعَة ولبسوا مِنْهُ الْخِرْقَة ثمَّ جلس للتدريس وانتفع بِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء قَالَ السَّيِّد مُحَمَّد الشبلي وَكنت مِمَّن أَخذ عَنهُ وَصَحبه نَحْو عشر سِنِين وَكَانَ من أكمل الْمُتَأَخِّرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَكَانَ لَهُ خلق لطيف مَعَ الْوَقار والهيبة عفوا عَمَّن هفا محسنا إِلَى من أَسَاءَ وَكَانَ أَكثر كَلَامه فِي الْوَعْظ والنصيحة بِأَلْفَاظ حَسَنَة فصيحة وَلم يزل بِمَكَّة مَحْمُود السِّيرَة إِلَى أَن انْقَضتْ مُدَّة عمره فَتوفي بهَا وَكَانَت وَفَاته لتسْع خلون من صفر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ بعد الْألف وَدفن بالمعلاة بالحوطة الَّتِي فِيهَا قبورا آل باعلوي وقبره مَعْرُوف يزار الشَّيْخ أَبُو بكر بن حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أَحْمد ابْن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الْمُقدم صَاحب بيجافور السَّيِّد الْوَلِيّ الْعَارِف السخي ولد بِمَدِينَة تريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب العارفين من أهل زَمَانه مِنْهُم الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَلَده زين العابدين وَالسَّيِّد القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَأخذ عَن أَخِيه القَاضِي أَحْمد بن حُسَيْن وَغلب عَلَيْهِ علم التصوف ثمَّ رَحل إِلَى الْيمن فقصد السَّيِّد الْعَارِف الْوَلِيّ الشَّيْخ عبد الله بن عَليّ بالوهط وَصَحبه مُدَّة وَأخذ عَنهُ وَألبسهُ خرقَة التصوف ثمَّ رَحل إِلَى الْهِنْد وَأخذ عَن شمس الشموس الشيح مُحَمَّد بن عبد الله العيدروس ببند سورت ولازمه مُلَازمَة تَامَّة وَألبسهُ الْخِرْقَة وَأذن لَهُ بالإلباس ثمَّ بعد انْتِقَال شَيْخه ساح فِي تِلْكَ الْبِلَاد واخذ عَن جمَاعَة وَاجْتمعَ بِالْملكِ عنبر وَكَانَت حَضرته مجمع الْعلمَاء والأدباء ثمَّ بعد موت الْملك عنبر رَحل إِلَى بيجافور واتصل بسلطانها السُّلْطَان مَحْمُود بن السُّلْطَان إِبْرَاهِيم الشهير بعادل شاه فَجعله من خَاصَّة أحبائه وخواص جُلَسَائِهِ فتدير بيجافور وَاسْتقر بهَا وَصَارَ ملْجأ للوافدين وَكَانَ كَرِيمًا طلق الْوَجْه فَعم صيته تِلْكَ الأقطار وطار ذكره فِيهَا وكف بَصَره فِي آخر عمره وابتلى بداء عضال إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته سنة أَربع وَسبعين والف بِمَدِينَة بيجافور وَدفن بمقبرة السَّادة قَرِيبا من السُّور رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد أَبُو بكر بن سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ بن عَليّ بن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عبود بن عَليّ بن مُحَمَّد مولى الدويلة ابْن عَليّ بن علوي بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الْمُقدم مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن علوي بن عبيد الله بن أَحْمد بن عِيسَى بن مُحَمَّد على العريض ابْن جَعْفَر الصَّادِق ابْن مُحَمَّد الباقر ابْن زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضوَان الله عَلَيْهِم هَذَا نسب آل شَيْخَانِ سَادَات مَكَّة المشرفة كثر الله تَعَالَى مِنْهُم وَأَبُو بكر هَذَا من أبرع أهل بَيته سيدا فائقا وَكَانَ شهما سريا فَاضلا أديبا ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وتربى تَحت حجر وَالِده وَصَحبه وَلزِمَ الْعلم وَالْعِبَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وسلك طَرِيق أجداده وعني بطرِيق الصُّوفِيَّة وَأخذ عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن مُحَمَّد الْمدنِي الشهير بالقشاشي وَعَن السَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن عمر الحبشي وَحضر دروس الشَّيْخ مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلي حِين مجاورته بِمَكَّة وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين مِنْهُم السَّيِّد الْجَلِيل علوي بن عقيل وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ بلفقيه الشهير كسلفه بِمَكَّة العيدروس وأكب على كسب الْعُلُوم وجد حَتَّى فاق أقرانه وَقَامَ مقَام أَبِيه بعد مَوته وَأخذ عَن وَالِده أَيْضا الْخِرْقَة الصُّوفِيَّة بِجَمِيعِ طرقها وَكَذَلِكَ طَرِيق النقشبندية وَاجْتمعَ إِلَيْهِ أَصْحَاب وَالِده وَاسْتمرّ سِنِين على ذَلِك ثمَّ ترك وَأَقْبل على الطَّاعَات وَسَار أحسن سيرة وَكَانَ لطيف الْخلق والخلق حسن الْعشْرَة وَألف وَمن مؤلفاته شرح كَبِير على منسك الْحَج للخطيب الشربيني وَكَانَ ينظم وينثر فَمن نظمه مَا أجَاب بِهِ الأديب مُحَمَّد الدراء الدِّمَشْقِي عَن قصيدة مدحه ومدح بهَا أَخَاهُ السَّيِّد عمر فسح الله تَعَالَى فِي أَجله ومطلع قصيدته ابْن الدراء قَوْله (قل لصنوي أصل المفاخر ... وَالْمجد رضيعي لبان ثدى الْمَعَالِي) وَجَوَاب هَذَا قَوْله (شامخ المرتقى حميد الْخِصَال ... شمس علم حلت ببرج الْمَعَالِي) (فرع أصل زكا لذا أَفَاق لما ... أَن تغذى لبان ثدى الْكَمَال) (جهبذا لفضل مَاله من نَظِير ... فِي إجتماع الفخار والأفضال) (سَيِّدي الأوحد الَّذِي شنف السّمع ... بِحسن المفاد والإدلال) (قل لشيخ القريض وَالْأَدب ... الغض بِصدق وترجمان الْمقَال) (مِنْك زفت عروس بكر إِلَيْنَا ... حِين غزت فِي حسنها عَن مِثَال) (فِي حلي من البديع ومنظوم ... معَان تزري عُقُود اللآلي) (أعربت عَن وداد خل وَفِي ... واعتذار عَن معرض التسئال) (فِي اجْتِمَاع بسوح بَيت صديق ... بجوار لكعبة الآمال) (هاك بكرا زففتها لإعتذار ... وَقبُول لعذرك المفضال) وَمِنْهَا (حَيْثُ لاثم مقتضيه سوى أَن ... لطفكم دَائِما لَهُ ذُو احْتِمَال) (فعلَيْهَا كن مسبلا بالتغاضي ... ستر عذر على كلا الْأَحْوَال) (وابق فِي نعْمَة مدى الدَّهْر فِي طالع ... سعد بغرة كالهلال) وَكَانَت وِلَادَته عصر يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَعشْرين وَألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وَتُوفِّي يَوْم الْأَحَد سادس صفر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة بالحوطة الشهيرة فِي قبر وَالِده وجده وجد أَبِيه رَحِمهم الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبُو بكر بن سعيد بن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن علوي بن أبي بكر ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْمُقدم اشْتهر جده عبد الرَّحْمَن بالجفري بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْفَاء الناسك العابد الْوَرع الزَّاهِد ولد بقرية قسم وَنَشَأ وتربى فِي حجر وَالِده ثمَّ رَحل إِلَى مَدِينَة تريم فَحَضَرَ مجَالِس الْعلم والعرفان وَصَحب مَشَايِخ عصره وَأكْثر الْأَخْذ فَمن مشايخه بتريم الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَولده الْجَلِيل زين العابدين وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف ابْن مُحَمَّد العيدوس وَالْقَاضِي أَحْمد بن حسن بلفقيه والعلامة أَبُو بكر بن شهَاب الدّين والشيح الْجَلِيل أَحْمد بن عبد الله بِأَفْضَل الشهير بالسودي وَالشَّيْخ الْكَبِير زين الدّين بن حُسَيْن بِأَفْضَل وَصَحب بعينات أَوْلَاد الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أبي بكر بن سَالم مِنْهُم الْحُسَيْن وَالْحسن والمحضار والحامد وَأخذ عَن المعارف بِاللَّه تَعَالَى حسن بن أَحْمد با شُعَيْب ثمَّ دخل بندر الشّجر وأخدنه عَن السَّيِّد حسن با عَمْرو وَعَن السَّيِّد ناصف الدّين بن أَحْمد وَدخل بندر عدن وَأخذ عَن جمَاعَة من بني العيدروس ثمَّ رَحل للوهط للسَّيِّد عبد الله ابْن عَليّ فاخذ عَنهُ وَصَحبه ولازمه مُدَّة ثمَّ رَحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وجاور بهما وَأخذ عَن جمَاعَة فيهمَا فَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان وَابْن أَخِيه مُحَمَّد عَليّ وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عمر الحبشي وَالسَّيِّد سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ وَالسَّيِّد أَحْمد بن عبد الْهَادِي وَالشَّيْخ تَاج الدّين الْهِنْدِيّ وَالشَّيْخ عبد الْهَادِي باليل وَكَانَ يحضر تدريس الشَّمْس مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلي وَصَحب الشَّيْخ الْعَارِف السَّيِّد مُحَمَّد بن علوي وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَن الصفي أَحْمد بن مُحَمَّد القشاشي وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخياري والعارف السَّيِّد زين بن عبد الله بِأَحْسَن وَغَيرهم ورحل إِلَى الْهِنْد وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة وَهُوَ أوسع إِلَى أقرانه رحْلَة وَألبسهُ الْخِرْقَة أَكثر مشايخه وحكموه وصافحوه وأحازوه بِجَمِيعِ مروياتهم وَجَمِيع مؤلفاتهم وَكَانَ متقيا زاهدا فِي الدُّنْيَا وَكَانَ يحجّ كل عَام ويلازم على النَّوَافِل والأذكار وَالْقِيَام ملازما للْجَمَاعَة فِي الصَّفّ الأول وزيارة قبر الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم ثمَّ انْقَطع بِمَدِينَة تريم وَلزِمَ درس السَّيِّد عبد الله بن علوي الْحداد قانعا من الدُّنْيَا باليسير مَعَ مزِيد التَّوَاضُع والتقشف وَكَانَ لَهُ كرم وإيثار وَأُصِيب آخر أمره فِي أَنفه بداء عجز عَن دوائه حذاق الْأَطِبَّاء وَلم يزل بِهِ حَتَّى مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف بتريم وَدفن بمقبرة زنبل رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبُو بكر بن صَالح الكثامي الشَّافِعِي الإِمَام الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى كَانَ من أجلاء الشُّيُوخ وأكابر الْعلمَاء العاملين وَمن الْمَشْهُورين بِمصْر فِي عُلُوم الْهَيْئَة والميقات والفلك وَكَانَ فِي علم الأوفاق والزايرجا آيَة من آيَات الله تَعَالَى الباهرة وَكَانَ لَهُ يَد طولى فِي وضع كل أفق أَرَادَ كالوفق المئيني وَغَيره وَكَانَ مُنْقَطِعًا نخلوه فِي جَامع الطباخ قَرِيبا من البرمشية وَبَاب اللوق وَله مجربات مَشْهُورَة فِي الْعُلُوم الحرفية ومؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا كتاب سَمَّاهُ الْمنْهَج الحنيف فِي معنى اسْمه تَعَالَى لطيف ذكر فِيهِ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بالإسم الشريف من الشُّرُوط والدعوات وتقسيم الْأَعْدَاد نَحْو أَرْبَعَة عشر قسما وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْخَواص وَله غير ذَلِك من التحريرات وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي الطَّاعُون الْوَاقِع زمن الْوَزير مَقْصُود باشا سنة إِحْدَى وَخمسين وَألف وَدفن بالقرافة رَحمَه الله الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن السقاف الشهير كأبيه وَأَهله بِابْن الشهَاب الْمُحدث الْكَبِير المتفرد فِي زَمَنه بعلو الْإِسْنَاد ولد بتريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وعدة متون كالجزرية والأجرومية والقطر وَغَيرهَا وتفقه بالشيخ الْجَلِيل الْفَقِيه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ولازم وَالِده فِي دروسه وَأخذ عَنهُ علوما كَثِيرَة من فقه وَحَدِيث وأصول وَتَفْسِير وتصوف وَكَذَلِكَ عَن أَخِيه الْهَادِي ابْن عبد الرَّحْمَن وَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الله العيدروس ورحل إِلَى الْيمن والحرمين وَسمع بهَا من كثيرين وجاور بالحرمين واشتغل على السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان وَالشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي وبرع فِي فنون كَثِيرَة كالتفسير والْحَدِيث والتصوف والمعاني وَالْبَيَان وَغَيرهَا من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية وَأكْثر الْأَخْذ ثمَّ قَصده النَّاس للإستمتاع والإستفادة فتصدى للتدريس والإقراء وانتفع بِهِ جمَاعَة وسمعوا مِنْهُ طبقَة بعد طبقَة وَمِمَّنْ تخرج بِهِ الإِمَام عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد إِمَام السقاف وَالسَّيِّد عبد الله بن شيخ العيدروس وَالسَّيِّد أَحْمد بافقيه وَأَخُوهُ عبد الله وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَتيق وصنو مُحَمَّد الشلي أَحْمد بن أبي بكر قَالَ الشلي وَأَمرَنِي الْوَالِد بالإشتغال عَلَيْهِ فَقَرَأت عَلَيْهِ الْكثير وَأخذت عَنهُ الْعَرَبيَّة والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَكَانَ متين التَّحْقِيق حسن الْفِكر متأنيا فِي التَّقْرِير نظارا فِي تحريرة وكتابته أمتن من تقريرة وَكَانَ فصيح الْعبارَة كَامِل الأدوات مشارا إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 بالتحقيق والسبق فِي مضمار الْبَيَان مهابا فِي الْعُيُون مُعظما موقرا حَافِظًا للمسائل صَحِيح النَّقْل وَكَانَ مَعَ كبر سنة وتبحره فِي الْعُلُوم حَرِيصًا على طلب الْفَوَائِد وَكَانَ سَيِّدي الْوَالِد يَقُول مَا رَأَيْت عَاشِقًا للْعلم أَي نوع كَانَ مثله وَمن جميل سيرته أَنه مَا استصغر أحدا حَتَّى يسمع كَلَامه ساذجا كَانَ أَو متناهيا فَإِن أصَاب اسْتَفَادَ مِنْهُ صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا وَلَا يستنكف أَن تعزى الْفَائِدَة إِلَى قَائِلهَا وَكَانَ لَا يكْتب الْفَتْوَى إِلَّا فِي الْمسَائِل العزيزة النَّقْل وَإِذا سُئِلَ لَا يُجيب على البديهة بل يَقُول افْتَحْ كتاب كَذَا وعد من الصفحة الْفُلَانِيَّة كَذَا تَجِد المسئلة لِأَنَّهُ قل نظره آخرا وَإِذا سُئِلَ عَمَّا لم يعلم يَقُول الله أعلم ويتعجب مِمَّن يتجرى على الْفتيا ويبادر إِلَيْهَا ويتكلف الْجَواب عَمَّا لَا يدريه وَكَانَ غَايَة فِي العفاف معرضًا عَن المناصب الدُّنْيَوِيَّة وَلما بنى السَّيِّد الْجَلِيل النبيه مُحَمَّد بن عمر بافقيه مدرسته الَّتِي بتريم فوض إِلَيْهِ تدريسها فدرس فِيهَا أَيَّامًا احتسابا ثمَّ ترك ذَلِك وَكَانَ لَا يٍ سَأَلَ فِي أُمُوره إِلَّا الله وَلَا يعول فِي قَضَاء حَوَائِجه على سواهُ وَلَا يخرج من دَاره إِلَّا لجمعة أَو جمَاعَة أَو زِيَارَة صديق وَنَحْوه لَا يتَرَدَّد إِلَى أحد من الْأَعْيَان ملازما للطاعات بِحَيْثُ لَا يُوجد فِي غير عبَادَة لَحْظَة وَكَانَ لَهُ خلق عَظِيم وَكَانَ يشْرَح كَلَام الصُّوفِيَّة وَأهل الْحَقِيقَة بِأَحْسَن بَيَان وَلبس الْخِرْقَة من مشايخه وحكموه وأذنوا لَهُ فِي ذَلِك فَكَانَ يلبس الْخِرْقَة ويلقن الذّكر وَيحكم وَكَانَ غَايَة فِي التَّوَاضُع وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ بركَة الْيمن وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَألف بِمَدِينَة تريم وَدفن بمقبرة زنبل المنلا أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف أَبوهُ بمنلا جامي الشَّافِعِي الْكرْدِي الحريري نزيل دمشق الْمَعْرُوف بمعلم الْوَزير الْمُحَقق البارع كَانَ إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي الْعُلُوم وَالتَّحْقِيق وَكَانَ فِيهِ ورع وانعزال عَن النَّاس وكف عَن مُخَالطَة الْحُكَّام مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الحظوة التَّامَّة عِنْد الْوَزير الْأَعْظَم الْفَاضِل أَحْمد باشا وَأول وُرُوده إِلَى دمشق كَانَ مَعَه وَذَلِكَ لما ولي حكومتها فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَكَانَ إِمَامه وَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَهُوَ مِمَّن أَخذ عَن الصَّدْر الْعَالم الْمُحَقق عبد الرَّحْمَن الصهري كَمَا قَرَأَ أَنه بِخَطِّهِ فِي إجَازَة كتبهَا للعلاء الحصفكي مفتي الشَّام وَلما عزل الْوَزير عَن الشَّام صَحبه إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَكَانَ قد رغب فِي توطن دمشق وَطلب من الْوَزير بعض جِهَات تقوم بِهِ وَاتفقَ إِذْ ذَاك وَفَاة الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد الأسطواني الْآتِي ذكره وَكَانَ مدرس السليمية فوجهها إِلَيْهِ وأضاف إِلَيْهَا قَضَاء صيدا وَبَعض جوالي فَقدم دمشق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وتديرها وَكَانَ مداوما على الإفادة ودرس بالجامع الْأمَوِي فِي التَّفْسِير وَكَانَ فضلاء الأكراد أذذاك يحْضرُون درسه ويتأدبون مَعَه جدا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ آخر من أدركناهم بِدِمَشْق من محققي الأكراد وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس الْمَعْرُوفَة بمرج الدحداح رَحمَه الله الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الْقَادِر محيي الدّين الْبكْرِيّ الصديقي الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي المولد والوفاة الْفَاضِل الْمُبَارك المجذوب ذكره النَّجْم فِي ذيله وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره من أذكياء النَّاس طلب الْعلم وَحصل ملكة فِي الْعَرَبيَّة وَكَانَ لَا يفتر عَن الِاشْتِغَال وَقَرَأَ على وَالِده وعَلى الشَّيْخ تَاج الدّين القرعوني وَغَيرهمَا ثمَّ انجذب قيل بِسَبَب مُلَازمَة الْأَسْمَاء وَقيل لغيرذلك وَكَانَ فِي جذبه يحب الْعُزْلَة ويلازم جَامع السَّقِيفَة خَارج بَاب توما وَلِلنَّاسِ فِيهِ مزِيد اعْتِقَاد وَكَانَ لَهُ كشف وَاضح وَكَانَ النَّاس يعطونه الدَّرَاهِم عَن طيب نفس ويفرحون بقبوله مِنْهُم وَلَا شكّ فِي ولَايَته وَأخْبر بِمَوْتِهِ قبل وُقُوعه بسنين وَوجد ذَلِك على جِدَار بَيته وَكَانَت وَفَاته يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي رَجَب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن عِنْد أَبِيه وَحده بتربة الشَّيْخ أرسلان قدس الله روحه الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الأخرم على صِيغَة أفعل من الخرم بِالْخَاءِ وَالرَّاء النابلسي الشَّافِعِي الْعَالم الْعلم الْمُحدث الْفَقِيه المعمر الْمُؤلف رَحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّيْخ عَامر الشبراوي وَرجع إِلَى بلدته وَأفْتى بهَا ونفع النَّاس كثيرا وَألف مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا حَاشِيَة على الْجَامِع الصَّغِير فِي الحَدِيث وَشَرحه أَيْضا فِي مجلدين شرحا منقحا جمع فِيهِ بَين شرح العلقمي وَالشَّرْح الصَّغِير للمناوي وَله شرح على ألفيه ابْن مَالك وَغير ذَلِك من حواش وَكتب فِي الْفِقْه والنحو والتوحيد والتصوف وَأخذ عَنهُ جمَاعَة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من خِيَار الْعلمَاء أَرْبَاب المعلومات وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة إِحْدَى بعد الْألف وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف أَبُو بكر بن عدي المنعوت تَقِيّ الدّين الْمَعْرُوف بِابْن شُعَيْب الْحَنَفِيّ الصَّالِحِي خَادِم مَزَار القطب الرباني الشَّيْخ أبي بكر بن قوام تفقه بالجد القَاضِي محب الدّين وخطب بِجَامِع الأفرم وَكَانَ ينشئ خطبا ويطرئ فِي الثَّنَاء عَلَيْهَا وَلما عمر الْوَزير سِنَان باشا جَامِعَة خَارج بَاب الْجَابِيَة بِدِمَشْق نقل الشَّيْخ فَخر الدّين السيوفي خطيب الدرويشية إِلَيْهِ فتفرغ عَن خطابة الدرويشية لأبي بكر الْمَذْكُور فسكن دمشق بَعْدَمَا كَانَ سكنه وَسكن أَهله بالصالحية وَاسْتمرّ خَطِيبًا بالدرويشية إِلَى أَن مَاتَ وَضعف بَصَره آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 عمره بِمَا انتقدت عَلَيْهِ أُمُور وَكَانَ ينظم الشّعْر فَمن شعره قَوْله وَقد كتب بِهِ لبَعض أحبابه (وَمَا زَالَت الركْبَان تخبر عَنْكُم ... أَحَادِيث كالمسك الَّذِي بلامين) (إِلَى أَن تلاقينا فَكَانَ الَّذِي وعت ... من القَوْل إذني دون مَا أَبْصرت عَيْني) وَهَذَا معنى مطروق تداوله أَكثر الشُّعَرَاء وَمن أحسن مَا سمع فِيهِ قَول أبي تَمام (كَانَت مسائلة الركْبَان تُخبرنِي ... عَن أَحْمد بن سعيد أطيب الْخَبَر) (حَتَّى الْتَقَيْنَا وَالله مَا سَمِعت ... أُذُنِي بِأَحْسَن مِمَّا قد رأى بَصرِي) وَكَانَت وَفَاته فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَعشْرين وَألف وَدفن عِنْد ضريح ابْن قوام بالصالحية رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبُو بكر بن عَليّ نور الدّين ابْن أبي بكر بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالجمال الْمصْرِيّ ابْن أبي بكر بن عَليّ بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن ضرغام ابْن ظعان ابْن حميد الْأنْصَارِيّ الخزرجي الشَّافِعِي الْمَكِّيّ الشَّيْخ الفطن الأريب ذُو السمت الْبَهِي والذكاء العجيب وَالْأَدب الظَّاهِر وَالْحِفْظ الباهر والفطنة النقادة والقريحة المنقادة تَرْجمهُ على وَالِده الْآتِي ذكره فَقَالَ ولد سنة إِحْدَى وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَحفظ الشاطبية والجزرية وَالْأَرْبَعِينَ النووية وألفية ابْن الهائم فِي الْفَرَائِض وألفية ابْن مَالك ومنظومة ابْن غَازِي فِي الْحساب وَحفظ متن الْبَهْجَة وَكَثِيرًا من متن المهج قَرَأَهُ على الشَّمْس الرَّمْلِيّ وَأَجَازَهُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ وَأخذ عَن القَاضِي جَار الله بن أَمِين بن ظهيرة الْحَنَفِيّ وَولده على وَالشَّيْخ يحيى الْحطاب الْمَالِكِي ووالده مُحَمَّد الْحطاب مؤلف المتممة وشارح مُخْتَصر خَلِيل وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن فَهد الْمَكِّيّ الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ رَضِي الدّين القازاني الشَّافِعِي وَمُحَمّد بن عبد الْحق الْمَالِكِي وَشَيخ الْإِسْلَام ابْن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَادِر بن فَهد الْهَاشِمِي الشَّافِعِي وَأَجَازَهُ جَمِيع الْمَذْكُورين واشتغل بالفقه على الشَّيْخ بدر الدّين البرنبالي اشتغالاً تَاما ولازمه ودرس وَأفْتى وانتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بيري وَالشَّيْخ على طحينه وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الرسام وَغَيرهم وَألف الْحَوَاشِي المفيدة على كثير من الْكتب فِي كثير من الْفُنُون وأكثرها فِي فن الْحساب والفرائض والجبر والمقابلة وأعمال المناسخات بِالصَّحِيحِ والكسور والحل وَكَانَ لَهُ يَد طولي فِي هَذِه الْمَذْكُورَات ومشاركة تَامَّة فِي غَيرهَا كفني الْمعَانِي وَالْبَيَان النَّحْو وَالصرْف والقراآت وَالْفِقْه وَكَانَ حسن الْخط صَحِيحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 يكْتب كل يَوْم كراساً بِقطع النّصْف مَعَ الِاشْتِغَال بالدرس والتأليف وَكَانَ يرى فِي ليله من يُخبرهُ بِمَا سيقع فِي غده لَهُ مِنْهَا أَنه أخبر بِأَنَّهُ يَأْتِيهِ رجل بفلفل يُرِيد بَيْعه مِنْهُ وَهُوَ سَرقَة وحذره أَن يَأْخُذهُ فَلَمَّا أصبح أَتَاهُ رجل بِمَا أخبر وَتبين انه سَرقه وَمِنْهَا أَن جمَاعَة أَرَادوا بِهِ حِيلَة فَأخْبر فِي مَنَامه بِأَسْمَائِهِمْ ومرادهم ولقنه الْحجَّة فَلَمَّا أصبح أَتَاهُ رجل بحيلتهم فحجهم وانتصر عَلَيْهِم وَكَانَ ذَلِك قبل أَن يتَزَوَّج فَلَمَّا تزوج انْقَطع عَنهُ ذَلِك وَله نظم بديع وقصائد عَظِيمَة مِنْهَا قصيدتان تائية وهمزية مَكْسُورَة فِي مدح النَّبِي وَمِنْهَا فِي شرِيف مَكَّة حسن بن أبي نمى على لِسَان غَيره كثير وَفِي غَيره أَكثر وَكَانَ إِذا حضر السماع تواجد وَغَابَ عَن حسه فَكَانَ لَا يحضرهُ وَله عقيدة تَامَّة فِي الصَّالِحين والأولياء والعارفين وَكَانَت وَفَاته ضحى يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر شهر رَمَضَان سنة سِتّ بعد الْألف بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد أَبُو بكر بن عَليّ بن السَّيِّد الْمُحدث مُحَمَّد بن عَليّ بن علوي بن خرد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة اشْتهر جده بِالْعلمِ الإِمَام الْمُقدم سيد زَمَانه وعالمه كَانَ شَدِيد الزّهْد والورع مديد الباع إِذا قَامَ فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة وَشرع ولد بتريم فحفظ الْقُرْآن ولازم تقوى الله تَعَالَى وَمَشى على طَرِيق السَّلامَة والنجاة من الْأَفْعَال البارة والأعمال السارة ومصاحبة أهل الْخَيْر والفلاح ومواظبة الطَّرِيقَة الحميدة واتصف بِالصِّفَاتِ المستحسنة وتجنب الْأُمُور المستهجنة واشتغل بتحصيل الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وعلوم الصُّوفِيَّة وَأخذ عَن شهَاب الدّين أَحْمد باخجدب وَأخذ الْفِقْه وَغَيره عَن جمَاعَة مِنْهُم القَاضِي السَّيِّد مُحَمَّد بن حسن وَالسَّيِّد عَليّ بن عبد الرَّحْمَن السقاف وَولده مُحَمَّد وَأَوْلَاد الْفَقِيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بلحاج بِأَفْضَل وَأدْركَ جده الْمُحدث مُحَمَّد بن عَليّ وَحكمه كَثِيرُونَ من مشايخه الْمَذْكُورين وألبسوه خرقَة التصوف وأدنوا لَهُ فِي التَّحْكِيم والالباس وأجازوه فِي الإقراء ونفع النَّاس فَجَلَسَ للتدريس الْعَام فِي مَسْجِد الْقَوْم بعد الْعشَاء الْأَخِيرَة وَقَرَأَ فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وحضره خلق كثير وانتفع بِهِ الْخَاص وَالْعَام النَّفْع الْمُفِيد لَهُ تدريس خَاص بِجَمَاعَة وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء نالوا بِهِ الرتب الْعَالِيَة وَمِمَّنْ تخرج بِهِ أَبُو بكر الشلي وَالسَّيِّد الْجَلِيل عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عقيل وشمس الشموس السَّيِّد عبد الله شيخ العيدروس وَصَاحب الْعرْفَان السَّيِّد عبد الله بن عمر الهندوان وَالسَّيِّد أَبُو بكر بن شهَاب وَكَانَ لطيف الشمايل حسن الْأَخْلَاق ثمَّ غلب عَلَيْهِ الْعُزْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَعدم الِاجْتِمَاع بِالنَّاسِ إِلَّا عَن حَاجَة وَكَانَ ملازماً للطيلسان مواظباً على تِلَاوَة الْقُرْآن معرضًا عَن اعراض الدُّنْيَا قانعاً بالكفاف وَكَانَت فَصَاحَته تفوق فصاحة سحبان وَائِل فَإِذا تكلم فَالْعُلَمَاء الأفاضل تسمع لَهُ فَلَيْسَ أحد مِنْهُم بمتفوه وَلَا قَائِل وَله كرامات باهرة وأنفاس طَاهِرَة وَكَانَ تِلْمِيذه الشَّيْخ عبد الله بن أَحْمد العيدروس يَقُول إِنَّه يشفع فِي اهل زَمَانه وَلم يزل ملازماً للتقوى إِلَى أَن قضى نحبه وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع بعد الْألف بتريم وَدفن بمقبرة زنبل هَكَذَا ذكر تَرْجَمته الشلي فِي مشروعه الْمَرْوِيّ الْأَمِير أَبُو بكر بن عَليّ الإحسائي ثمَّ الْمدنِي الْأَمِير الْكَبِير الْجَلِيل الْقدر أحد أسخياء الْعَالم رَأَيْت فِي بعض التَّعَالِيق تَرْجَمته وَذكر مترجمه أَن وِلَادَته بِمَدِينَة الأحساء فِي حُدُود الْألف وَنَشَأ على الِاشْتِغَال بِالْعلمِ ثمَّ رَحل صُحْبَة وَالِده إِلَى الْمَدِينَة وتوطنها وَكَانَ بهَا ملازماً لِلْعِبَادَةِ مواظباً لقِيَام اللَّيْل حَتَّى إِنَّه كَانَ يَجِيء إِلَى الْمَسْجِد النَّبَوِيّ فيقف بِبَابِهِ نَحْو سَاعَة حَتَّى يَفْتَحهُ الخدّام إِلَى أَن أدْركهُ أَجله يَوْم عَرَفَة بهَا وَهُوَ محرم فَحمل فِي محفة إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة وَذَلِكَ سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَتُوفِّي وَالِده عَليّ باشا بِالْمَدِينَةِ فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَألف وَله ديوَان شعر فِي مجلدين وَمن شعره قَوْله مادحاً الشريف زيد بن محسن صَاحب مَكَّة (زفت لعز مقامك العلياء ... وَعَلَيْك فضت راحها الجوزاء) (فالبدر كاس والشموس عقارها ... فَاشْرَبْ بكاس شمسه الصَّهْبَاء) (وحبا بهَا نجم السَّمَاء فَكَأَنَّهَا ... ذَات وَذَاكَ بشكله الْأَسْمَاء) (وأتتك بكرا قبل فض ختامها ... يقتادها راووقها وذكاء) (خضعت لعزك فاستقم فِي عرشها ... يَا ظَاهرا لَا يَعْتَرِيه خَفَاء) (وانصب لِوَاء الْعدْل منتشر الثنا ... قد ضوّعت بعبيره الأرجاء) (يسْعَى بِظِل أَمَانه بَين الورى ... ذُو الْبَأْس والأمجاد والضعفاء) (فالدهر سَيْفك فاتخذه مجرّداً ... متوشحاً بالنصر وَهُوَ رِدَاء) (والسعد قد توجته فلك الهنا ... وَكَذَا السَّعَادَة برجها السُّعَدَاء) (وعلاك قد شهد الحسود بفضله ... وَالْفضل مَا شهِدت بِهِ الْأَعْدَاء) (وحماك أَمن الْخَائِفِينَ نؤمه ... شم الأنوف القادة الْأَكفاء) (وَلَقَد حظيت من الْإِلَه بنصره ... ردَّتْ مُرِيد الكيد وَهُوَ هباء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 (وحبيت مِنْهُ بِمَا تقاعس دونه ... همم الْمُلُوك الصَّيْد والعظماء) (فَالله أظهر ذَا الجناب بنصه ... فالخلق أَرض والجناب سَمَاء) (لَو قيل لي من ذَا أردْت أَجَبْتهم ... هَل غير زيد تمدح الشُّعَرَاء) (وَإِذا أدير حَدِيثه فِي محفل ... فلمسمعي من طيب ذَاك غذَاء) (ملك إِذا وعد الْجَمِيل وَفِي بِهِ ... وَإِذا توعد شَأْنه الإغضاء) (ملك إِذا كتمت رعود سمائنا ... فعلى انسكاب ندى يَدَيْهِ نِدَاء) (ملك إِذا مَا الفرن أوقد ناره ... فسيوفه لخمودها أنواء) (ملك إِذا جَار الزَّمَان على امرىء ... فجنابه السَّامِي الرفيع وقاء) (فبسعده أهْدى الزَّمَان إِلَى الورى ... كأساً هَنِيئًا لَيْسَ فِيهِ عناء) (فَالله يبْقى ملكه السَّامِي الَّذِي ... قد كللته بنورها الزهراء) (ويديمه فِي الدولة الغرّا الَّتِي ... ظَهرت بهَا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء) (فاليك بكر قريحة بكرية ... زفت إِلَيْك تحفها الأضواء) (كَلِمَات حق شرّفت بمديحكم ... ومديحكم تسمو بِهِ الْفُضَلَاء) وَكتب إِلَى الْعَلامَة عِيسَى بن مُحَمَّد الْجَعْفَرِي الثعالبي ثمَّ الْمَكِّيّ مادحاً بقوله (يَا من سما فَوق السماك مقَامه ... وَلَقَد يراك الْكل أَنْت إِمَامه) (حزت الْفَضَائِل والكمال بأسره ... وعلوت قدرا فِيك تمّ نظامه) (لَو قيل من حَاز الْعُلُوم جَمِيعهَا ... لأقول أَنْت الْمسك فض ختامه) (كم صغت من بكر الْعُلُوم خرائداً ... عَن غير كُفْء لم يجب إكرامه) (فَاعْلَم بِأَنِّي غير كفو لَائِق ... إِن لم يكن ذَا الْفضل مِنْك تَمَامه) ثمَّ أتبعه بنثر صورته لما أَضَاء نور الْمحبَّة فِي قناديل الْقُلُوب صفت مرْآة الْحَقِيقَة فَظهر الْمَطْلُوب فاتضحت الرسوم الطامسة وَبَانَتْ الطّرق الدارسة فاكتحلت عين القريحة فسالت فِي أنهر النُّطْق فأثمرت بالمسطور وَهُوَ الْمَقْدُور وَأما الْمقَام فَهُوَ أبهى من ذَلِك وَأجل وَلَيْسَ يدرى ذَلِك إِلَّا من وصل وَأما العَبْد فَهُوَ مقرّ أَنه قصرت بِهِ الركاب عَن بُلُوغ ذَلِك وعاقته عقبات الْأَسْبَاب عَن سلوك هَذِه المسالك لَكِن حَيْثُ أَن ثِيَاب السّتْر من فَضلكُمْ على أَمْثَاله مسبولة فَيكون أَنه يدْخل فِي ضمن الْأَمْثَال مَطْلُوبه ومأموله فَأَجَابَهُ الشَّيْخ عِيسَى بقوله (لله دَرك يَا فريد محاسناً ... أربى على الْبَدْر التَّمام تَمَامه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 (قد صغت من سرّ البلاغة مُفردا ... فاق الفرائد نثره ونظامه) (وَكسوته من جزل لفظك سابغاً ... وشيت بِكُل لَطِيفَة أكمامه) (وجلوته يختال تيها آمنا ... من أَن يشابه فِي الْوُجُود قوامه) (أعربت فِيهِ عَن اعْتِقَاد خَالص ... ومكين ود أحكمت أَحْكَامه) (وحبوت ذَا شكر بِبَيْت قصيدة ... وبفض خَاتمه الْعلَا أسوامه) (أَهلا بِهِ فَردا أَنِّي من مُفْرد ... وحبابه ضيفا يجل مقَامه) (حتما على ولازما تبجيله ... فَوْرًا وَحقا وَاجِبا اكرامه) (لَكِن على قدري فلست بكفو من ... وطِئت على هام الْعلَا أقدامه) (وإليكها عذرا على مهل أَتَت ... خجلا لمنزلك الْعَزِيز مرامه) (فاصفح بِفَضْلِك عَن صحيفَة نَقصهَا ... فالفضل مؤتم وَأَنت امامه) (واسحب رِدَاء الْمجد غير مدافع ... فَلَانَتْ عنصره وَأَنت ختامه) ثمَّ أتبعه بنثر صورته هَذِه دَامَ جدك فِي سعود ومجدك فِي صعُود عجرفة أبرزها فاتر الْفِكر الْأَعْرَج وقاصر الذِّهْن البهرج تتعثر فِي مروط الخجل والوجل وتتعارج لما بهَا من الْخَطَأ والخطل أَتَت سوح حضرتك الرحراحة الأرجاء وأملت أَن تفوز من كَمَال صفحك عَن زيفها بتحقق الرَّجَاء فقابل إقبالها بِالْقبُولِ والأغضا وألحظها غير مَأْمُور بِعَين التَّقْرِيب وَالرِّضَا فَإنَّك مأوى الْفضل ومخيمه ومفتتحه ومختتمه وَلَوْلَا نَافِذ أَمرك المطاع وواجب تعظيمك المتمكن فِي الأفئدة والإسماع لما تراآى لراء عجرها وَلَا بجرها وَلَا استبان لسامع خَبَرهَا وَلَا مخبرها وَلَكِن عِنْد الأكابر تلتمس وُجُوه المعاذير ولدى أَعْيَان الأفاضل يرتجي الصفح عَن التَّقْصِير وَالسَّلَام الشَّيْخ أَبُو بكر بن عِيسَى بن أبي بكر بن عِيسَى ابْن الْأُسْتَاذ أَحْمد بن عمر الزَّيْلَعِيّ كَانَ مُرَاد الله تَعَالَى فِي حركاته وسكناته كثير الأستغراق قَلِيل الصحو كَبِير الْحَال لَهُ إشارات غَرِيبَة ومقالات عَجِيبَة وَكَانَ إِذا غلب عَلَيْهِ الْحَال يخْشَى أَهله سطوته على النَّاس وَيَخَافُونَ على أنفسهم مِنْهُ فيحلون إزَاره الَّذِي يتزر بِهِ فَلَا يقدر على ربطه وَلَا يَسْتَطِيع الْقيام من مَكَانَهُ وَلَا يخرج من مَكَانَهُ حَتَّى يصحو من غيبوبته وَكَانَ يخبر بالمغيبات وَيرجع إِلَيْهِ فِي المعضلات وَكَانَ أهل الْجلاب إِذا سافروا فِي الْبَحْر وَحصل لَهُم شدَّة يذكرُونَهُ وينذرون لَهُ بِشَيْء فيروه عِنْدهم عيَانًا وينجيهم الله تَعَالَى ببركته وَإِذا جاؤا إِلَى اللِّحْيَة طالبهم بِالَّذِي نذروه لَهُ وَكَانَ كثير الخمول مغلظا القَوْل على الدولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فَلَا يَسْتَطِيعُونَ الانتقام مِنْهُ وَيطْلب مِنْهُم الَّذِي يُرِيد وَلَا يمنعونه وَإِذا أَخذ مِنْهُم شَيْئا ذهب بِهِ إِلَى نسَاء وَرِجَال منقطعين وَكَانَت وَفَاته فِي حَيَاة أَبِيه وَهُوَ شَاب ناهز الثَّلَاثِينَ فِي نَيف وَسبعين وَألف باللحية وَدفن بِقَبْر جده وَمن كراماته أَن وَالِده جَاءَ إِلَى بعض أَصْحَابه بعد مَوته يشكو مَا حل بِهِ بعده من ضيق ذَات يَده وَإنَّهُ كَانَ فِي زَمَنه موسع الرزق من بَيته فَأَجَابَهُ صَاحبه بقوله إِن بركته إِن شَاءَ الله تَعَالَى حَاصِلَة حَيا وَمَيتًا وَقَامَ من عِنْده فَمَا مَضَت سَاعَة حَتَّى أَتَاهُ رجل يسْأَله عَن وَلَده فَأخْبرهُ بِمَوْتِهِ وَكَانَ نذر لَهُ بِشَيْء كثير من المَال فَدفعهُ لوالده وَأخْبر بعض الثِّقَات أَنهم لما مَشوا بجنازته أظلها طيور لَا تحصى وَسمع أصوات أَعْلَام كَثِيرَة وَحصل للنَّاس خشوع رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبُو بكر بن مُحَمَّد باجثاث بجيم فمثلثتين بَينهم ألف أحد الصُّوفِيَّة الْمَشْهُورين وَالْعُلَمَاء الصَّالِحين صَاحب المعارف والعوارف والمناقب الشهيرة واللطائف ذكره السَّيِّد شيخ بن عبد الله العيدروس فِي كِتَابه السلسلة وَقَالَ كَانَ من الْمَشَايِخ العارفين الْكِبَار أهل الْأَحْوَال صَاحب كرامات خارقة وفراسات صَادِقَة ولد بتريم وَصَحب أكَابِر السَّادة وَتمسك بالعروة الوثقى فَجمع بَين الْعلم وَالْعَمَل ولازم تَاج العارفين وَإِمَام الْمُتَأَخِّرين السَّيِّد أَحْمد بن علوي باخجدب ورزق التَّوْفِيق حَتَّى أذعن لَهُ أهل الطَّرِيق وأشرقت شمس جماله وأزهر بدر كَمَاله وأذعنت السالكون لهيبة جَلَاله وَلبس الْخِرْقَة من جمَاعَة كثيرين ولبسها مِنْهُ جمَاعَة من العارفين صُحْبَة خلق كَثِيرُونَ وَتخرج بِهِ سالكون كاملون مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة أَبُو بكر بن أَحْمد الشلي وَالسَّيِّد شيخ الْمَذْكُور وَجَمَاعَة آخَرُونَ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس بعد الْألف وَدفن بمقبرة الفربط الشهيرة بحضرموت أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن الطّيب باعلوي الْمجمع على كَمَاله المنوه بفضله ولد ببندر الشحر الْمُسَمّى سمعون وسلك الطَّرِيق وَحَازَ من الْفضل فنونا شَتَّى ورحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَإِلَى عدَّة بلدان وَأخذ عَن جمَاعَة من أولي الْعلم وَكَانَ فِي الثغر الْمَذْكُور مرجعاً للأعيان ومجمعاً لفضلاء الزَّمَان يشار إِلَيْهِ بالبنان مكرماً للضيفان مَشْهُورا بِالْولَايَةِ التَّامَّة وَكَانَ يلبس الملابس الفاخرة ويسكن الْبيُوت المشيدة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف وَدفن بِهِ أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد تَقِيّ الدّين بن صفي الدّين الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالزهيري الأديب البارع الْفَاضِل كَانَ جيد الْمُشَاركَة فِي فنون الْأَدَب وَله محاضرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 فائقة وأشعار شائقة اشْتغل فِي مبدأ أمره على الْعَلامَة مُحَمَّد الْحِجَازِي وَولده عبد الْحق وَبِهِمَا تفقه ثمَّ خالط الأفاضل الْكِبَار وَحضر دروس جدي القَاضِي محب الدّين فِي التَّفْسِير وَتَوَلَّى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بمحكمة الْبَاب عوضا عَن القَاضِي محب ابْن جانيك الْمَعْرُوف بالكلنجي فحمدت سيرته ودرس بالجامع الْأمَوِي والمدرسة الجوزية قَالَ البوريني وَأخذ الْمدرسَة عَنهُ رجل رومي اللِّسَان أعجمي التِّبْيَان يُقَال لَهُ مُوسَى فاستدعى التقى من أهل الْبَلدة أَن يكتبوا محضراً فِي أَحْوَال مُوسَى الْمَذْكُور وَهل هُوَ أهل للدرس أم هُوَ جَاهِل بِكُل مسطور فَكتب الْعلمَاء فِيهِ وأطالوا وجالوا فِي ميدان ذمه وصالوا وَمَا تركُوا لَهُ أديماً صَحِيحا وشرحوا عرضه بالْقَوْل تشريحاً حَتَّى أَن الْعَلامَة القَاضِي محب الدّين أنْشد فِيمَا كتب (تصدر للتدريس كل مهوس ... بليد تسمى بالفقيه الْمدرس) (فَحق لأهل الْعلم أَن يتمثلوا ... بِبَيْت قديم شاع فِي كل مجْلِس) (لقد هزلت حَتَّى بدا من هزالها ... كلاها وَحَتَّى سامها كل مُفلس) قَالَ وكتبت فِي أثْنَاء مَا رقمت (مدارس آيَات خلت عَن تِلَاوَة ... ومنزل وحى مقفر العرصات) قلت والأبيات الَّتِي أنشدها جدي للحسين بن سعد أبي عَليّ الْآمِدِيّ وَكَانَت وَفَاة التقي المترجم نَهَار الْأَرْبَعَاء ثامن جمادي الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف عَن بضع وَأَرْبَعين سنة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير الشَّيْخ أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن الإِمَام مُحَمَّد مولى عيديد الشهير كسلفه ببا فَقِيه صَاحب قيدون الإِمَام المفنن الْفَقِيه الْأَجَل ولد بتريم وَحفظ الْإِرْشَاد وَغَيره من الْمُتُون ورسائل كَثِيرَة وَكَانَ عَجِيب الْحِفْظ غَرِيب الْفَهم اشْتغل بِطَلَب الْعلم من صغره ولازمه وتفقه على شيخ الْجَمَاعَة مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بِأَفْضَل وَأكْثر انتفاعه بِهِ لملازمته لَهُ حَتَّى تخرج بِهِ وَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَعَن الإِمَام زين بن حُسَيْن بِأَفْضَل وَغَيرهم واعتنى بالارشاد وَفتح الْجواد وَكَانَ لَهُ بِهِ اعتناء تَامّ فَكَانَ يستحضر عِبَارَته بالحرف قَالَ الشلي وَلَقَد أَخْبرنِي بعض تلامذته الثِّقَات أَنه كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ الْفَتْح قَالَ فَكُنَّا نرى أَنه يحفظه عَن ظهر قلب وَكَانَ يَنْقُلهُ بِالْفَاءِ وَالْوَاو وَكُنَّا ندأب فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَنَجِيء إِلَيْهِ فنجده يستحضر من كَلَام الْمُتَكَلِّمين عَلَيْهِ من استشكال وَجَوَاب مَا لم يطلع عَلَيْهِ أحد منا مَعَ مطالعتنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 لشروحه ومبالغتنا فِي ذَلِك وَكَانَ آيَة فِي استحضار مَذْهَب الشَّافِعِي وغرائب مسَائِله وَكَانَ هُوَ وَالشَّيْخ القَاضِي أَحْمد بن حُسَيْن بافقيه متصاحبين وَكَانَا كفرسي رهان وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة جَامعا لكثير من الْفُنُون ثمَّ ارتحل إِلَى دوعن فَأخذ بِهِ عَن جمَاعَة وَأقَام بِهِ مُدَّة ثمَّ قطن بِمَدِينَة قيدون وقصده الْفُضَلَاء وتصدى بهَا لنشر الْعلم والإفادة وَالْفَتْوَى وأسمع النَّاس العالي والنازل وَصَارَت الرحلة إِلَيْهِ واشتهر بِحسن التَّعْلِيم وَأَحْيَا الله تَعَالَى بِهِ كثيرا من الْفُنُون واشتهرت فَتَاوِيهِ فِي كثير من الأقطار مَعَ الْعبارَة الفائقة وَلم تجمع لَهُ فَتَاوَى وَكَانَ لَهُ يَد طولي فِي علم التصوف مَعَ الْمُوَاظبَة على الطَّرِيقَة المحمدية والديانة والشفقة منعزلاً عَن أَبنَاء الدُّنْيَا والملوك إِلَّا فِي فعل سنة أَو شَفَاعَة أَو قَضَاء حَاجَة لأحد من السَّادة وَمَعَ كَمَال التَّوَاضُع والتودد للنَّاس والنصيحة وَالْكَرم والخلق الْعَظِيم والزهد ثمَّ فِي آخر عمره انْعَزل فِي دَاره وَلم يجْتَمع بِأحد إِلَّا آحَاد النَّاس لدقع ضَرُورَة إِلَى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس وَألف بِمَدِينَة قيدون الشَّيْخ أَبُو بكر ابْن مُحَمَّد بن سِرين بن المقبول بن عُثْمَان بن أَحْمد بن مُوسَى بن أبي بكر ابْن مُحَمَّد ابْن عِيسَى بن القطب صفي الدّين أَحْمد بن عمر الزَّيْلَعِيّ الْعقيلِيّ صَاحب اللِّحْيَة كَانَ من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى الكاملين وأصفيائه المرجوع إِلَيْهِم فِي المآرب كثير الْعِبَادَة يقطع لَيْلَة فِي الصَّلَاة ونهاره فِي الصّيام حَرِيصًا على فعل الْخَيْر دَاعيا إِلَى الْبر لَا تفي عبارَة بنعته وَصفَة كَمَاله فالغاية فِيهِ الِاخْتِصَار حفظ الْقُرْآن وَقَامَ بِمنْصب وَالِده من بعده وَكَانَت الْحُكَّام تخشى سطوته وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ مُتَّفق على جلالته وَكَانَت وِلَادَته باللحية فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف وَتُوفِّي فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف وَدفن بِقَبْر جده الاستاذ الْكَبِير أَحْمد بن عمر الزَّيْلَعِيّ نفع الله تَعَالَى بِهِ وَسَيَأْتِي ذكر أَبِيه مُحَمَّد وَجَمَاعَة من أهل بَيته وَهَذَا الْبَيْت أعنى بِبَيْت الزَّيْلَعِيّ لَهُم فِي الْولَايَة الرُّتْبَة المكينة أَبُو بكر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالدلجي الشَّافِعِي الْمصْرِيّ كَانَ متضلعاً من عُلُوم الْعَرَبيَّة وَاحِدًا فِي الْفُنُون الْعَقْلِيَّة رَأَيْت تَرْجَمته بِخَط صاحبنا الْفَاضِل الْكَامِل مصطفى ابْن فتح الله نزيل مَكَّة المكرمة ذكر فِيهَا أَنه ولد فِي حُدُود سنة خمسين وَألف بدلج من أَعمال صَعِيد مصر وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وجوده وَقدم إِلَى مصر وجاور بالجامع الْأَزْهَر وَحفظ عدَّة متون فِي جملَة فنون مِنْهَا الألفية فِي النَّحْو وَكَانَ يستحضر غَالب شرحها للأشموني ويحفظ أَكثر عباراته عَن ظهر قلب وَأخذ عَن شُيُوخ كثيرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 مِنْهُم الشَّمْس البلبلي وسلطان المزاحي والنور الشبراملسي ولازم مَنْصُور الطوخي فَزَوجهُ ابْنَته واختص بِهِ وَكَانَ مَعَ سَلامَة قريحته وَحسن ذكائه وَصِحَّة تصور فطنته ودهائه مبتلياً بالأمراض والأسقام مُسلما لقَضَاء الله حَتَّى توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي شهر رَمَضَان الْمُبَارك من سنة خمس وَتِسْعين وَألف بِمصْر وَدفن بتربة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو بكر بن مَحْمُود بن يُونُس الملقب تَقِيّ الدّين بن شرف الدّين الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْحَكِيم وَسَيَأْتِي ذكر وَالِده شرف الدّين خطيب أموي دمشق وَرَئِيس أطبائها ولد تَقِيّ الدّين هَذَا بِدِمَشْق واشتغل وَحصل وَأخذ عَن الْبَدْر الْغَزِّي وَابْنه الشهَاب وَقَرَأَ الطِّبّ على وَالِده واعتنى بِبَقِيَّة الْفُنُون حَتَّى برع فِي العقليات وَكَانَ مفرط الذكاء حسن المطالعة وَكَانَ لَهُ يَد طولي فِي الْعُلُوم الغريبة مثل علم الوفق وَعلم الْحَرْف وَأخذ التصوف عَن الشَّيْخ أَحْمد بن سُلَيْمَان الصُّوفِي وَأخذ عَنهُ الطَّرِيقَة القادرية وسافر إِلَى قسطنطينية فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وانْتهى أمره بهَا إِلَى أَن تصل بالسلطان مُرَاد بن سليم وَصَارَ مصاحباً لَهُ وحظي عِنْده وَحكى البوريني أَن سَبَب اتِّصَاله بِهِ هُوَ مَا اشهر عَن السُّلْطَان مُرَاد هَذَا من أَنه كَانَ يمِيل إِلَى المتصوفة وَيُحب كَلَامهم وشطحاتهم وَرُبمَا كَانَ هُوَ يتَكَلَّم بِشَيْء من اصطلاحاتهم فَكَانَ فِي ابْتِدَاء دُخُوله أَن رجلا من حَوَاشِي السلطنة يُقَال لَهُ ناصف وَكَانَ قَصِيرا جدا وَكَانَ السُّلْطَان يحب هَذَا النَّوْع من أَنْوَاع الحفدة فَدخل يَوْمًا تَقِيّ الدّين إِلَى مقرّ السُّلْطَان فَبَصر بِهِ ناصف الْمَذْكُور فَقَالَ لَهُ عندنَا بعض مرضى من أَوْلَاد الخزينة السُّلْطَانِيَّة وَقد قَالَ بعض النَّاس أَن عنْدكُمْ علما بالطب وعلماً من الْعُلُوم الْمُتَعَلّقَة بالأسرار الالهية فَقَالَ نَحن نداوي بالعقاقير المعنوية فَقَالَ لَهُ هِيَ مرادنا فَكتب لَهُ فِي فنجان بعض كَلِمَات وأسرارا فَكَانَ ذَلِك صَادف وُقُوع الْمَقَادِير بشفاء من سقى من ذَلِك الفنجان فَقَالَ ناصف الْمَذْكُور للسُّلْطَان مُرَاد لَك مطلوبك فَإِن مَوْلَانَا السُّلْطَان من زمَان طَوِيل يطْلب رجلا من أَرْبَاب الْأَحْوَال وَقد قدم الينا رجل من رجال الشَّام وَسَماهُ وذكرانه داوى المرضى الَّذِي عندنَا بِالْكِتَابَةِ والتعويذات فَيُقَال إِن السُّلْطَان طلبه وَرَآهُ وَيُقَال بل كَانَ يراسله وَلم تزل حَاله ترتقي إِلَى أَن تقدم على الموَالِي وَرُبمَا صَار يأنف من التَّوَاضُع لقَضَاء العساكر فحدوه وَكَانَ إِمَام السُّلْطَان قد ضَاقَ ذرعه مِنْهُ وَكَانَ يتظاهر بإنكار الْمُنْكَرَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فحرشه عَلَيْهِ الموَالِي فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم ذَاهِب إِلَى مقرّ السُّلْطَان أدْركهُ عِنْد الْبَاب فأغرى بِهِ جمَاعَة من الطّلبَة فمزقوا عباءة فرسه وأهانوه ثمَّ رفعوا أمره إِلَى السُّلْطَان وأدخلوا عَلَيْهِ أموراً أوجبت أَن طرد من قسطنطينية إِلَى أَلْوَاح من ضواحي مصر وَكَانَ ذَلِك فِي سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ بعد الْألف ثمَّ اسْتَأْذن بالمكاتبات حَتَّى أذن لَهُ بِدُخُول الْقَاهِرَة ثمَّ ورد الشَّام فِي سنة ثَلَاث بعد الْألف ثمَّ ذهب إِلَى الرّوم وَلم يَتَيَسَّر لَهُ اجْتِمَاع بالسلطان وَلَا أمكنه الْعود إِلَى مَا كَانَ حَتَّى توفّي بِبِلَاد الرّوم وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبُو بكر بن مَسْعُود المغربي المراكشي الْمَالِكِي مفتي الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق ذكره البوريني وَقَالَ فِي تَرْجَمته أَخْبرنِي من لَفظه أَن مولده بِمَدِينَة مراكش وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وَقَالَ لي أَن شهرتهم بمراكش بِبَيْت الوردي ورد إِلَى دمشق أَولا من مصر فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مصر وَأقَام بهَا إِلَى سنة ثَلَاث بعد الْألف ثمَّ قدم إِلَى دمشق وَألقى بهَا عَصا الترحال ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الشرابيشية لِأَنَّهَا مَشْرُوطَة للمالكية قَالَ وَأَخْبرنِي أَنه قَرَأَ بِمصْر الْفِقْه على شيخ الْمَالِكِيَّة الشَّمْس مُحَمَّد البنوفري وعَلى الشَّيْخ طه الْمَالِكِي وَغَيرهمَا وَأخذ الْأُصُول عَن الشَّيْخ حسن الطناني ومعظم قِرَاءَته كَانَت على أبي النجا سَالم السنهوري الْمُحدث الْكَبِير مفتي الْمَالِكِيَّة فِي عصره بِمصْر وَذكره الْغَزِّي فِي لطف السمر وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة فِي الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا لكنه كَانَ بعيد الْفَهم وَأخذ بِالشَّام عَن مفتي الْمَالِكِيَّة بهَا عَلَاء الدّين بن مرجل وَأفْتى بعد القَاضِي مُحَمَّد بن المغربي وَولي تدريس الغزالية ثمَّ تفرغ عَنْهَا ليحيى بن أبي الصفاء الْمَعْرُوف بِابْن محَاسِن وَذكر البوريني أَن وِلَادَته كَانَ فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة تَقْرِيبًا قَالَ وَفِي تِلْكَ السّنة مَاتَ مولَايَ مُحَمَّد الشَّيْخ الشريف الحسني سُلْطَان إفريقية ومراكش وفاس والسوس والأقصى ووفاة أبي بكر فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بِبَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبُو بكر بن المقبول بن عبد الْغفار بن أبي بكر بن المقبول تعيش الصَّائِم رَمَضَان فِي المهد ابْن أبي بكر صَاحب الْحَال الْأَكْبَر ابْن مُحَمَّد بن عِيسَى بن سُلْطَان العارفين أَحْمد بن عمر الزَّيْلَعِيّ الْعقيلِيّ صَاحب اللِّحْيَة كَانَ شَيخا جَلِيلًا كَامِل الْعقل غزير الْفضل شَدِيد الهيبة بعيد الهمة ذَا رَأْي ثاقب محباً للفضائل تَارِكًا للرذائل باذلاً فِي أَمَاكِن الْعَطاء ممسكاً فِي أَمَاكِن الحزم مرجعاً عِنْد الخطوب مفزعاً عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 مَا يَنُوب حَالا للمشكلات بِغَرَائِب الكرامات لَهُ فِي الْعلم وَالْولَايَة يَد متمكنة ولد باللحية وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وجوده وَأخذ عَن وَالِده وَتخرج بأَخيه الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد السطيحة وجد واجتهد حَتَّى فاق روى أَنه لما قدم قانصوه باشا مُتَوَجها إِلَى الْيمن كَانَ المترجم بِمَكَّة فوشى بِهِ إِلَيْهِ وَإنَّهُ هُوَ صَاحب اللِّحْيَة وسلطان نَوَاحِيهَا وأوحدها بِلَا خلاف وَأَنه لَا يتم لَهُ الْأَمر حَتَّى يقْتله فَأتوا بِهِ وَقت الْعَصْر إِلَيْهِ على حَالَة غير مرضية وَذهب مَعَه تِلْمِيذه الْفَقِيه مَقْبُول بن أَحْمد المحجب فَلَمَّا دخلا عَلَيْهِ تلقاهما وأجلسهما مَكَانَهُ فَلَمَّا أجلسا سكت وَلم يقدر على الْكَلَام والتحرك وَاسْتمرّ مطرقاً وَأَتْبَاعه والجند واقفون والجميع مبهتون حَتَّى دخل وَقت الْمغرب فَقَالَ لَهُ يَا قانصوه قُم صل الْمغرب فَالْتَفت وَقَامَ كالمنتبه من نَومه وَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي أَلَك حَاجَة نقضيها لَك فَقَالَ لَهُ لَا حَاجَة لي عنْدك وَقَامَ من عِنْده وزادت جلالته فَلَمَّا ذهب من عِنْده قَالَ للفقيه مَقْبُول لَعَلَّك خفت مِنْهُ فَقَالَ نعم فَقَالَ وَالله مَا دخلت عَلَيْهِ إِلَّا وَأعْطيت التَّصَرُّف فِيهِ وَفِي عسكره جمياً وَلما قَامَ من عِنْده انْقَطَعت سبحته فشرعوا فِي جمعهَا وَجمع قانصوه مَعَهم لما تبدد مِنْهَا فَقَالَ الْفَقِيه مَقْبُول اللَّهُمَّ شتت شَمله وَفرق جمعه كَمَا تَفَرَّقت هَذِه السبحة فَاسْتَجَاب الله تَعَالَى دعاءه فَإِنَّهُ لما وصل إِلَى الْيمن وطغى وبغى وَقتل جمَاعَة من السَّادة والأعيان قَامَت عَلَيْهِ عساكره وَأَرَادُوا قَتله فهرب فِي ليله مِنْهُم وأتى طَائِعا بِنَفسِهِ إِلَى السَّيِّد الْحسن بن الإِمَام الْقَاسِم وَقَالَ لَهُ هَا أَنا بَين يَديك فافعل بِي مَا تشَاء فَقَالَ لَو جئْتُك على هَذَا الْحَال مَا كنت تفعل بِي فَقَالَ لَهُ أَقْتلك شَرّ قتلة فَضَحِك ثمَّ سَأَلَهُ عَمَّا يُرِيد فَقَالَ لَهُ تبلغني إِلَى مَكَّة فَأرْسل من جماعته من بلغه إِلَى مَكَّة ثمَّ توجه مِنْهَا إِلَى الرّوم وتبدد عسكره وَمن خبر قانصوه انه لما دخل إِلَى الْيمن دخل بهيئة عَظِيمَة من كَثْرَة العساكر والجند وَزِيَادَة المَال وَقُوَّة السطوة وَكَانَ بعض السَّادة من بني بَحر بلغه خَبره فَأرْسل جاسوساً من أَتْبَاعه إِلَى اللِّحْيَة وَكَانَ قانصوه بهَا وَقَالَ لَهُ إِذا خرج من اللِّحْيَة فَاتبعهُ إِلَى بَيت الْفَقِيه فِي الزيدية وَانْظُر هَل يذهب لبيت عَطاء لزيارة سَيِّدي أبي الْغَيْث ابْن جميل أم لَا فَتَبِعَهُ حَتَّى توجه من الزيدية إِلَى الضُّحَى وَلم يزره فَرجع إِلَى السَّيِّد وَأخْبرهُ فَقَالَ هَذَا الرجل لَا يتم لَهُ حَال بِالْيمن وَلَا يفتح عَلَيْهِ فَإِن مَفَاتِيح الْيمن بيد سَيِّدي أبي الْغَيْث يُعْطِيهَا لمن شَاءَ كَيفَ شَاءَ بِإِذن الله تَعَالَى فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك ثمَّ إِن قانصوه أَتَى إِلَى هَذَا السَّيِّد وَكَانَ قد زَاد طغيانه فَقَالَ لَهُ اقْربْ إِلَى عَسى أَقرَأ عَلَيْك شَيْئا من الْقُرْآن فيشرح الله بِهِ صدرك فَقَالَ لَهُ أَنا صَدْرِي مشروح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 بِوَاسِطَة سَيِّدي أَحْمد البدوي وَلَا يقدر أحد أَن ينْصَرف عَليّ ببركته فَأنى أخذت الْعَهْد على خلفائه وَأَنا من المنسوبين إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ سَيِّدي أَحْمد البدوي نعلم أَنه من أكَابِر أهل الله وَلَكِن لَا تصرف لَهُ فِي أَرْضنَا وَحَيْثُ أَنَّك أَبيت ذَلِك فوَاللَّه لَا بُد أَن تَأتي إِلَيّ وتجلس تَحت سَرِيرِي هَذَا وَأَنت بأسوء حَال فَكَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لما أرْسلهُ السَّيِّد الْحسن بن الْقَاسِم إِلَى مَكَّة مر على السَّيِّد وَجَاء إِلَيْهِ معتذراً وَجلسَ تَحت سَرِيره كَمَا قَالَ لَهُ وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة كرامات كَثِيرَة مِنْهَا أَنه مرض بِمَكَّة مَرضا شَدِيدا أشرف فِيهِ على الْمَوْت فَدخل عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْفَقِيه وحزن عَلَيْهِ لما رأى حَاله اشْتَدَّ ومرضه زَاد وَقَالَ فِي نَفسه إِن هَذَا مرض الْمَوْت فبمجرد وُرُود هَذَا الخاطر عَلَيْهِ قَالَ لَهُ يَا مَقْبُول لَا تخف عَليّ فَإِنِّي لَا أَمُوت إِلَّا باللحية فَعُوفِيَ من ذَلِك الْمَرَض وَقدم اللِّحْيَة فَلَمَّا دخل بَيته تباشر أَهله بقدومه وفرحوا وجمعوا النِّسَاء ليفعلوا على عَادَتهم من الفطرفة والغناء وَغير ذَلِك فَنَادَى بَنَاته وَقَالَ لَهُم مَا هَذَا الَّذِي تفعلونه أَنا مَا جِئْت عنْدكُمْ إِلَّا لأموت من قريب فصاحوا لما يعْرفُونَ من حَاله وَكَانَت وَفَاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وعمره قريب من تسعين سنة باللحية وَدفن بِقرب تربة جده الشَّيْخ أَحْمد بن عمر الزَّيْلَعِيّ نفع الله تَعَالَى بهم الأديب أَبُو بكر بن مَنْصُور بن بَرَكَات بن حسن بن عَليّ الْعمريّ الدِّمَشْقِي شيخ الْأَدَب بِالشَّام الأديب الشَّاعِر الْمَشْهُور أحد الأدباء الْمُحْسِنِينَ جمع شعره بَين براعة الْأَلْفَاظ وبداعة الْمعَانِي وملاحة السبك وجودة التَّرْكِيب وَكَانَ ينظم الموشح وَالِد وَبَيت والزجل والمواليا والقوما والكان وَكَانَ وَهُوَ فِي كل فن مِنْهَا سَابق لَا يلْحق ومتقدم لَا يدْرك وَكَانَ فِي عنفوان شبابه كثير الرحلة دَائِم النقلَة فجاب الْبِلَاد وَدخل الرّوم وبلاد الشرق ورحل إِلَى مصر مَرَّات عديدة وَلَقي جَمَاهِير النبلاء وأخباره كَثِيرَة وَوَقَائعه عَجِيبَة وَقد ذكره البديعي فِي ذكرى حبيب وَمَا انصفه فَقَالَ فِي وَصفه تمْتَام تحسن من غَيره كَلَامه يعجم لِسَانه مَا تعربه أقلامه ويستخرج فكره من الشّعْر مَا يضارع الرَّوْض المنمنم فَهُوَ أشعر بني نَوعه مَا لم يتَكَلَّم وَله من الزجل مَا يحمد الغباري غباره وَمن جَمِيع فنون الشّعْر مَا يمدح أَرْبَابهَا فِيهِ آثاره وَكَانَ على طَريقَة يحيى بن أَكْثَم من الْأَعْرَاض عَن الحبيب الْمقنع والميل إِلَى المعمم وَمن غَرِيب خَبره أَنه هام بِغُلَام أَمْرَد كَأَنَّهُ الطاوس فِي مشيته لكنه أركع من هدهد ووشي بِهِ إِلَى الْحَاكِم فَأرْسل إِلَيْهِ جمَاعَة فِي إِحْدَى الحنادس وَكَانَ مجاوراً بحجرة فِي بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْمدَارِس فوجدا على حَالَة يقبح التَّصْرِيح بذكرها الْقَبِيح فَأمر بِهِ فِي غَد تِلْكَ اللَّيْلَة أَن يطوق عُنُقه بساقي ذَلِك الْغُلَام وَيُطَاف بِهِ فِي الْأَسْوَاق بمشهد من الْخَاص وَالْعَام فاغتنمها فرْصَة وَجعل يقبلهما إِلَى الْأَقْدَام انْتهى قلت وَلَقَد فحصت عَن هَذَا الْخَبَر من كل من لَقيته مِمَّن أدْرك الْعمريّ فَلم أر لَهُ عِنْد أحد أثرا وَفِي ظَنِّي الرَّاجِح أَنه مفتري وَالله أعلم بحقيقته نعم إِن الْعمريّ صَاحب طبع ميال للجمال والميل عِنْد من يبري الساحة مَظَنَّة الِاحْتِمَال وَبِالْجُمْلَةِ فَمثل هَذَا الْخَبَر لَا ينْقل الاليوهي وبالخصوص عِنْدِي فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَعْنِي بِذكر وَلَا أَنَّهَا وَحَاصِل القَوْل أَن الْعمريّ من كملاء عصره ونبغاء دهره غير أَنه أخرج نَفسه من طَرِيق الْعلم واحترف فَصَارَ عطاراً ولوتزياً بزِي الْعلمَاء لأدرك مرامه وفَاق أقرانه وَكَانَ كثير النّظم وشعره دائر فِي أَيدي النَّاس وَلَو جمع لَهُ ديوَان لجاء فِي مجلدات وَقد وقفت على قِطْعَة مجلدة مِنْهُ وَقد كَانَ جمعهَا هُوَ بِنَفسِهِ فِي ابْتِدَاء أمره وَذكر بعض وقائع وَقعت لَهُ مِنْهَا مَا حَكَاهُ قَالَ حضرت مرّة مَجْلِسا وَفِيه بعض أفاضل من أهل الْأَدَب فأفضت المحاضرة إِلَى ذكر الْخَيل وعتاقها وسبقها وَمَا وصفتها بذلك الشُّعَرَاء من الْجَاهِلِيَّة والإسلاميين فَأَنْشد بعض الْحَاضِرين أَبْيَات الشَّيْخ صفي الدّين عبد الْعَزِيز بن سرابا الحلى وَهِي مَشْهُورَة فِي وصف جواد الَّتِي من جُمْلَتهَا قَوْله (إِذا رميت سهامي فَوق صهوته ... مرت بهَا دِيَة وانحطت عَن الكفل) فغلطه بعض الْحَاضِرين وَقَالَ لَهُ الرِّوَايَة تهاديه بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق لَا بِالْيَاءِ الْوحدَة وَزَاد اخْتِلَاف الْجَمَاعَة فِي ذَلِك فَكتبت إِلَى المرحوم الْحسن البوريني هَذِه الأبيات ليبين للْجَمَاعَة الصَّوَاب وَهِي قولى (يَا شيخ الْإِسْلَام يَا ذَا الْعلم وَالْعَمَل ... وَقَائِل الْفَصْل فِي الأبحاث والجدل) (وموضح الْحق بَين الْخلق مظهره ... بِالصّدقِ وَالْقَصْد فِيهِ أوضح السبل) (مَاذَا تَقول وَلَا زَالَت مَقَالَتك الْعليا ... وقاليك معدوداً من السّفل) (فِي قَول شاعرها الْمَشْهُور بارعها ... من اعتلى رُتْبَة فِي الأعصر الأول) (عبد الْعَزِيز صفي الدّين من عمرت ... أبياته بنسيب الشّعْر والغزل) (فِي وصف طرف يفوت الطّرف حَيْثُ جرى ... ويسبق الرّيح إِن مَا سَار عَن عجل) (إِذا رميت سهامي فَوق صهوته ... مرت بهاديه وانحطت عَن الكفل) (بالبا بهاديه أَو بِالتَّاءِ قَالَ أفد ... جَوَاب حبر ببذل الْفضل محتفل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 (وجد بِلَفْظ يحلى السّمع جوهره ... أغْلى من الدّرّ أَو أحلى من الْعَسَل) (وَهل للفظ تهاديه هُنَا عمل ... يَلِيق أم هُوَ مَنْسُوب إِلَى الْخلَل) (واشف الصُّدُور كَمَا عودتنا كرما ... بِحل كل عويص مُشكل جلل) (لَا زلت ترقى إِلَى أَعلَى الطباق علا ... فِي نعْمَة الله مَأْمُوما من الخطل) (مَا أطلع الله معنى كَانَ محتجبا ... فِي غيهب الْغَيْب حَتَّى صَار كالمثل) فَكتب إِلَيّ الْحسن حوابا قَوْله (الْحَمد لله واقينا من الزلل ... رب الْعباد وشافينا من الْعِلَل) (ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار سيدنَا ... خير الْبَريَّة من حاف ومنتعل) (مُحَمَّد سيد الأكوان فاطبة ... عين النَّبِيين طه أكمل الرُّسُل) (وَآله الطيبين الطاهرين أولى الْمجد ... الَّذين مَشوا فِي أقوم السبل) (وَصَحبه السَّادة الأمجاد من نصحوا ... وَجَاهدُوا بمواضي الْبيض والأسل) (صديقَة وَكَذَا الْفَارُوق بعد وَذُو النورين ... والمرتضى بَحر الْعُلُوم على) (والستة الشهب ثمَّ التَّابِعين فهم ... أهل التقى والنقا وَالْعلم وَالْعَمَل) (وَبعد أَهلا بنظم لذ مشربه ... أشهى من الْمَنّ أَو أحلى من الْعَسَل) (مهديه لَا بَرحت تنمو فضائله ... وَلم يزل قدره فَوق السماك على) (أَتَى يسائلنا عَن جهل ذِي لَكِن ... بل قَول ذِي خطأ قد شيب بالخطل) (لم يدر أَن الهوادي جمع هادية ... للخيل تعزى وَلَا تعزى إِلَى الرجل) (وَأَنَّهَا عنق الطّرف الَّذِي مرق السِّهَام ... عَنْهَا وَلم تَبْرَح لَدَى الكفل) (وَمَا للفظ تهاديه هُنَا عمل ... إِذْ المصادر تهديه من الزلل) (نَعُوذ بِاللَّه من جهل يقارنه ... بحمق فَصَاحب ذَا ينمي إِلَى السّفل) (وَذَا جَوَاب بَعَثْنَاهُ على عجل ... يسْعَى لخدمتكم فِي غَايَة الخجل) (هاديتم الرَّد هادينا كم خرزاً ... هذي المهادة قل للجاهل الرذل) (وَدم مدى الدَّهْر فِي فضل وَفِي نعم ... ماروا ذَوُو الْجَهْل فِي غبن وَفِي بخل) وَمِنْهَا مَا حَكَاهُ قَالَ دخلت إِلَى الكلاسة الْمعدة لبيع الْكتب وَرَاء الْحَائِط الشمالي من الْجَامِع الْأمَوِي بِدِمَشْق فَرَأَيْت بيد الدَّلال مقامات الحريري وَكتاب لَذَّة السّمع فِي وصف الدمع للصلاح الصَّفَدِي يذكر فِيهِ محَاسِن الْعين ومعايبها فزدت فِي الْكِتَابَيْنِ واشتريتهما من صَاحبهمَا وَهُوَ القَاضِي الشوبكي الْحَنْبَلِيّ وَجَلَست أعد لَهُ الثّمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 إِذْ دخل الشَّيْخ إِسْمَاعِيل النابلسي الشَّافِعِي وَكَانَ شرس الْأَخْلَاق سريع الْغَضَب فَلَمَّا أبْصر الْكِتَابَيْنِ قَالَ بكم صَارا فَقَالَ لَهُ أَن هَذَا الشَّاب اشتراهما بِكَذَا وَوَقع إِيجَاب وَقبُول بَين البَائِع وَالْمُشْتَرِي قَالَ لَهُ عَليّ بِقِطْعَة زَائِدَة فخاف الدَّلال من حنقه وَسكت فَلم يسعني إِلَّا أَنِّي قلت وَقطعَة أُخْرَى فَقَالَ الشخ وثالثة قلب ورابعة إِلَى أَن وصلت زِيَادَتي إِلَى عشرَة فَأَغْلَظ لي الشَّيْخ كلَاما قبيحا فاستخرت الله وَأخذت دراهمي وانصرفت وَعِنْدِي مَا عِنْدِي فَإِنَّهُ شيخ الْإِسْلَام وَذُو جاه عَظِيم عِنْد الْحُكَّام وَلَا أقدر على مقاومته فَاشْترى الْكِتَابَيْنِ الْمَذْكُورين فنظمت تِلْكَ اللَّيْلَة قصيدة وَدخلت عَلَيْهِ بهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي وَهُوَ يَوْم السبت الْحَادِي وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة تسع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة إِلَى قصرة بسوق السيورية والعنبرانيين وَعند صهره الْعَلامَة القَاضِي محب الدّين الْحَنَفِيّ والمرحوم أَبُو الْمَعَالِي درويش الطالوي وَالْقَاضِي شعْبَان قَاضِي بَيت الْمُقَدّس وقدمتها إِلَيْهِ وَهِي قولي (يَا إِمَامًا علا على النَّاس قدرا ... وهما مَا قد حَاز فضلا وفخرا) (وأديبا من لَفظه ينظم الدّرّ ... وَفِي شعره يرى السحر نثرا) (فقت حتما على بني الْعَصْر فِي السّلم ... وَفِي الْجُود فقت حَاتِم ذكرا) (كفك الْغَيْث فِي الْعَطاء وَأَنت اللَّيْث ... قسرا وَفِي المهابة كسرا) (جِئْت أَشْكُو إِلَيْك يَا وَاسع الْجُود ... كلَاما أبديته لي نكرا) (أَن أكن مذنبا فمعظم ذَنبي ... أنني زِدْت فِي المقامات عشرا) (فَسمِعت الغليظ مِنْكُم وحسبي ... أنني بِالسُّكُوتِ قد نلْت أجرا) (وثناني الْحيَاء وَهُوَ رِدَاء ... لفتى لم يمل مَعَ النَّفس دهرا) (فاسمحوا للْفَقِير بالكتب فضلا ... مِنْكُم وَاجْعَلُوا مَعَ الْعسر يسرا) (أنني مغرم بجمعي للآداب ... لما غَدَوْت بالشعر مغرى) (لَا تخل أنني من الشّعْر عَار ... حَيْثُ أَنِّي اكْتسبت ثوبا تهرى) (لي فِي النّظم قُوَّة والمعاني ... لبناني تنقاد طَوْعًا وقهراً) (أَن تغزلت فِي الجفون وَفِي الأحداق ... تأنس من التغزل سحرًا) (أَو وصفت الجبين وَالْفرق وَالْفرع ... فَإِنِّي أبدى من اللَّيْل فجراً) (أَو أدرت المديح فِي أحد الْأَعْيَان ... أظهت من بديعي درا) (وَكَذَا أَن هجوت أفحشت فِي القَوْل ... لِأَنِّي أحشوه نَهرا وزجرا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 (بِلِسَان كَأَنَّهُ اللولب الدوار ... أَو كالحسام مدا وقصرا) (ولعمري لقد بنيت من الْفَهم ... بِنَاء مشيدا مشمخرا) (وقرأت الحَدِيث وَالْفِقْه والمنطق ... حَتَّى غَدَوْت للْعلم صهرا) (لم أفه بِالَّذِي ذكرت سوى للسَّيِّد ... المحبي الَّذِي طَابَ نجرا) (فليحسن فِي الظنون فَإِنِّي ... لم أرم بِالَّذِي تبجحت فخرا) (عش مدى الدَّهْر فِي السَّعَادَة ... والإقبال وَالْخَيْر مَا سقى الْقطر غبرا) فَلَمَّا قَرَأَهَا تغير لَونه وظنها دسيسة عَلَيْهِ وَإِنِّي لست ناظمها وَقَالَ لي خُذ اقرأها أَنْت فَلَمَّا وصلت إِلَى قولي مِنْهَا بِنَاء مشخمرا قَالَ لي قف فَمَا معنى مشخمرا قلت مرتفعا قَالَ لَيْسَ هَذَا من كَلَام الْعَرَب قلت بلَى من كَلَام الْعَرَب هَذَا بشر بن أبي عوَانَة قَالَه وَغَيره قَالَ أَو تعرف مَا قَالَه بشر بن أبي عوَانَة قلت وأحفظ القصيدة مِنْهَا قَالَ أنشدها إِن كنت صَادِقا فَقلت نقل صَاحب قراضة الذَّهَب أَنه كتب بشر بن أبي عوَانَة الْعَبْدي الجاهلي إِلَى أُخْته فَاطِمَة وَكَانَ قد خرج فِي ابْتِغَاء مهر ابْنة عَمه فَعرض لَهُ أَسد فَقتل الْأسد وَقَالَ (أفاطم لَو شهِدت بِبَطن خبت ... وَقد لَاقَى الهزبر أَخَاك بشرا) (إِذا لرأيت ليثا رام ليثا ... هزبرا أغلبا لَاقَى هزبرا) (تبهنس أَو تقاعس عَنهُ مهري ... محاذرة فَقلت عقرت مهْرا) (أنل قدمي ظهر الأَرْض إِنِّي ... رَأَيْت الأَرْض أتبت مِنْك ظهرا) (فحين نزلت مد إِلَيّ طرفا ... تخال الْمَوْت يلمع مِنْهُ شزرا) (فَقلت لَهُ وَقد أبدى نصالا ... محددة ووجها مكفهرا) (يدل بمخلب وبحد نَاب ... وباللحظات تحسبهن جمرا) (وَفِي يمناي ماضي الْحَد أبقى ... بمضربه قراع الدَّهْر أثرا) (ألم يبلغك مَا فعلت ظباه ... بكاظمة غَدَاة قتلت عمرا) (خرجت تروم للأشبال قوتا ... ورمت لبِنْت عمي الْيَوْم مهْرا) (وقلبي مثل قَلْبك لَيْسَ يخْشَى ... مصاولة فَكيف يخَاف ذعرا) (فَفِيمَ تروم مثلي أَن يُولى ... وَيجْعَل فِي يَديك النَّفس قسرا) (نَصَحْتُك فالتمس يَا لَيْث غَيْرِي ... طَعَاما إِن لحمي كَانَ مرا) (محضتك نصح ذِي شفق فحاذر ... مارمي لَا تكن بِالْمَوْتِ غرا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 (فَلَمَّا ظن أَن النصح غش ... فخالفني كَأَنِّي قلت هجرا) (خطا وخطوت من أسدين راما ... مراما كَانَ إِذْ طلباه أمرا) (يكفكف غيلَة أحدى يَدَيْهِ ... ويبسط للوثوب على أُخْرَى) (هززت لَهُ الحسام فخلت إِنِّي ... شققت بِهِ من الظلماء فجرا) (وأطلقت المهند من يَمِيني ... فقد لَهُ من الأضلاع عشرا) (وجدت لَهُ يثابة أرته ... بِأَن كَذبته مَا مِنْهُ عذرا) (بضربة فيصل تركته شفعا ... وَكَانَ كَأَنَّهُ الجلمود وترا) (فَخر مضرجا بِدَم كَأَنِّي ... هدمت بِهِ بِنَاء مشخمرا) (فَقلت لَهُ يعز عَليّ أَنِّي ... قتلت مماثلي جلدا ونهرا) (وَلَكِن رمت أمرا لم يرمه ... سواك فَلم أطق يَا لَيْث صبرا) (تحاول أَن تعلمني فِرَارًا ... لعمر أبي لقد حاولت نكرا) (فَلَا تغْضب فقد لاقيت حرا ... يحاذر أَن يعاب فَمَاتَ حرا) فَكَانَ قراءتي لَهَا أَشد على الشَّيْخ من سَماع قصيدتي إِذْ قصَّة بشر مَعَ الْأسد كقصتي مَعَ الشَّيْخ فَلم يَسعهُ إِلَّا أَن قَالَ لعَبْدِهِ ياقوت الْمَشْهُور هَات الْكِتَابَيْنِ وناولهما لهَذَا الرجل ثمَّ اعتذر إِلَيّ عَفا الله عَنهُ فأخذتهما وانصرفت شاكرا دَاعيا وَمِنْهَا مَا حَكَاهُ قَالَ إِنَّنِي امتدحت المرحوم قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام الْمولى عبد الرَّحِيم الرُّومِي الْحَنَفِيّ سنة ثَان وَألف بقصيدة ميمية وَقد فقدتها من بَين مسوداتي الْآن وَكنت أستكتب فِيهَا المرحوم الشَّيْخ كَمَال الدّين بن بَرَكَات بن الكيال فَلَمَّا قدمتها إِلَيْهِ أجازني بجائزة حَسَنَة فَلَمَّا نمت تِلْكَ اللَّيْلَة رَأَيْت كَأَنِّي جَالس بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يتَأَمَّل القصيدة وَيَقُول يَا شيخ هَذَا نظمك فَقلت وَالله يَا سَيِّدي فَقَالَ لي وخطك فَقلت لَهُ نعم فَتَبَسَّمَ مُنْكرا ثمَّ تنَاول الدواة وَقطع قرطاس وقدمهما إِلَيّ ثمَّ قَالَ لي خُذ انظم نصف بَيت واكتبه فتناولتهما وكتبت (أقضى قُضَاة الورى عبد الرَّحِيم غَدا ... يَقُول ممتحنا والصدق شيمته) (انظم لنا نصف بَيت قلت ممتثلا ... هَا قد نظمت وَلَكِن أَيْن قِيمَته) ثمَّ ناولته القرطاس فاهتز طَربا وَأبْدى عجبا وَقَالَ هَذَا الْخط من جنس قَول الشَّاعِر عَيناهُ فَجعلت وَقلت لَهُ لَعَلَّ مَوْلَانَا يُشِير إِلَى قَوْله (عَيناهُ قد شهِدت بِأَنِّي مُخطئ ... وَأَتَتْ بِخَط عذاره تذكارا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 (يَا قَاضِي الْحبّ اتئد فِي قصتي ... فالخط زور وَالشُّهُود سكارى) فَلَمَّا سمع ذَلِك مني ضحك ضحكا عَالِيا وَجعل يضْرب بِيَدِهِ على ركبته وَيَقُول الْآن حكيت فَاسْتَيْقَظت من مَنَامِي وحس الضَّرْب وَآذَانِي وَمِنْهَا مَا قَالَ نَشأ بحلب غُلَام بديع الْجمال من أقَارِب شيخ الْإِسْلَام المرحوم الشَّيْخ زين الدّين عمر العرضي والغلام شرِيف أَنْصَارِي فنظم فِيهِ أدباء حلب مقاطيع كَثِيرَة فِي آخر كل مَقْطُوع مِنْهَا وَالْحسن تَحت عِمَامَة الْأنْصَارِيّ ثمَّ أرْسلُوا إِلَى دمشق يطْلبُونَ من أدبائها مقاطيع على نمط مَا نظموه فنظم أدباء الشَّام مقاطيع كَثِيره وأرسلوها إِلَيْهِم مِنْهَا (سَأَلُوا عَن الخسن البديع تجاهلا ... وَالْحق لَا يخفى عَن الْأَبْصَار) (فأجبت مَا هَذَا التجاهل والعمى ... وَالْحسن تَحت عِمَامَة الْأنْصَارِيّ) وَمن ذَلِك قولي فِيهِ (قَالُوا أهل اجْتمعت صِفَات الْحسن فِي ... أحد وَلم تحجب عَن الْأَبْصَار) (قلت الملاحة وَالْجمال بأسره ... وَالْحسن تَحت عِمَامَة الْأنْصَارِيّ) وَمن ذَلِك قولي فِيهِ أَيْضا (مَا حلت عَن حلب وَكنت مُهَاجرا ... لِلْحسنِ حَيْثُ السعد من أَنْصَارِي) (فالسعد لَاحَ بِوَجْهِهِ أنصاريها ... وَالْحسن تَحت عِمَامَة الْأنْصَارِيّ) وَمِنْهَا قَالَ وَوَقع بحلب نادرة غَرِيبَة حضرتها فِي سنة سِتّ بعد الْألف وَهِي أَن شخصا يُسمى بَدْرًا عشق غُلَاما فتعاتبا يَوْمًا فَقَالَ لَهُ الْغُلَام إِن كنت تحبني فارم بِنَفْسِك فِي الخَنْدَق فَفعل ذَلِك ثمَّ أخرج مِنْهُ بعد أَيَّام وَدفن فنظم فِيهِ أدباء حلب مواليات كَثِيرَة آخر كل مواليا مِنْهَا إِن كنت بتحب وَاصل جرى للخندق إِلَّا أَنهم لم يَأْتُوا بِالْمَقْصُودِ فِيمَا نظموا فَسَأَلَنِي بَعضهم نظم مواليات فَقَالَت (قَوس الْإِرَادَة على مغرم شجي بندق ... من أجل مَحْبُوب لأَجله النَّاس تتزندق) (فَقَالَ لَو يَوْم قله بس تتفندق ... إِن كنت بتحب وَاصل جرى للخندق) وَمن شعره الْمَجْمُوع فِي السّفر الْمَذْكُور قَوْله مخمسا أَبْيَات ابْن الجهم رحمهمَا الله تَعَالَى (لَا تلح صبابه الْهوى ولعاً ... وَلَو سقَاهُ من كاسه جرعاً) (وَإِن صغى للغذول أَو سمعا ... دَعه يُدَارِي فَنعم مَا صنعا) (لَو لم يكن عَاشِقًا لما خضعاً ... ) (كَيفَ وَوصل الحبيب مُمْتَنع ... يهدأ صب أحشاؤه قطع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 (وَلَيْسَ فِيمَا سواهُ منتفع ... وكل من فِي فُؤَاده وجع) (يطْلب شَيْئا يسكن الوجعا ... ) (أصعب من حرقة على ولد ... بعد أَسِير يبيت فِي صفد) (مَا هجعت عينه وَمَا هجعوا ... فَارق أحبابه فَمَا انتفعوا) (بالعيش من بعده وَمَا انتفعا ... ) (أقصوه علن أَهله وتربته ... وقاطعوه من بعد صحبته) (فَهُوَ يُنَادي لفط كربته ... يَقُول فِي نأيه وغربته) (عدل من الله كل مَا وَقعا ... ) وَقَوله مخمسا الأبيات الَّتِي يُقَال أَنَّهَا مَكْتُوبَة على سيف بخت نصر وَهِي (الْجُود مَا اخْتصَّ بِهِ حَاتِم ... وكل سرّ قله كاتم) (والحرّ لَا يخفضة شاتم ... لله فِي عالمه خَاتم) (تجْرِي الْمَقَادِير على نقشه ... ) (فَازَ امْرُؤ كَانَ لَهُ مرتقى ... يرقى بِهِ أوج العلى والتقى) (أكْرم بِهِ أَن زَالَ عَنهُ الشقا ... وَأَنت ان لم ترج أَو تتقى) (كالميت مَحْمُولا على نعشه ... ) (أياك وَإِلَّا جدر فِي سربه ... فالشرّ كل الشَّرّ فِي قربه) (وَأَنت لَا تقوى على حربه ... لَا تنبش الشَّرّ فتبلى بِهِ) (وَاحْذَرْ على نَفسك من نبشه ... ) (أهل الولايات لَهُم مشرع ... بِكُل مَا يُولى الثنا مسرع) (لَهُم إِلَى نيل الْعلَا مهرع ... ودولة البغى لَهَا مصرع) (تنزل السُّلْطَان من عَرْشه ... ) (احذر ظلوما أَن طَغى أَو بغى ... وجاهلا فِي عرض حر لَغَا) (مَا بعد نصح قَتله مبتغي ... أما رَأَيْت الْكَبْش لما طَغى) (أدرج رَأس الْكَبْش فِي كرشه ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَكتب إِلَى النَّجْم الْغَزِّي ملغزا (يَا نجم يَا ابْن الْبَدْر يَا شمس الْهدى ... يَا من ضِيَاء وَجهه يجلو الْغَلَس) (مَا اسْم حُرُوف لَفظه إِن عددت ... فحمسة وَإِن تصحف فَهُوَ بس) فَأَجَابَهُ رحمهمَا الله (يَا ملغزا فِي اسْم عَلَيْهِ رَبنَا ... صلى وَأَدْنَاهُ إِلَيْهِ فِي الْغَلَس) (وَجَاء فِي التَّنْزِيل تَنْزِيل اسْمه ... تَحت سبا وفاطر فَوق عبس) وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا (حليفة موت كفنت ثمَّ ألحدت ... بِغَيْر صَلَاة بينوا الحكم تؤجروا) فَأَجَابَهُ (يصلى عَلَيْهَا وَهِي فِي اللَّحْد سِيمَا ... وَقد غسلت هَذَا جَوَاب مُحَرر) وَرَأى لبَعض الْفُقَهَاء هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ملغزا (مَا آن مُنْفَرد أَن كل مِنْهُمَا ... يجْرِي بِالِاسْتِعْمَالِ فِي التَّطْهِير) (كل طهُور وَحده حَتَّى إِذا ... جمعا يعود الْكل غير طهُور) فَأجَاب عَنْهُمَا بقوله (مَاء تغير فِي الْمَمَر أَو الْمقر ... يجوز زَمَنه الْأَخْذ للتطهير) (وَإِذا خلطت بِهِ الطّهُور وَقد نما ... التَّغْيِير عَاد الْكل غير طهُور) وَمن أحاجيه قَوْله محاجيا فِي بلقين (أَيهَا الْفَاضِل الَّذِي لَو كتبنَا ... بعض فضل لَهُ لعز المداد) (قل لنا أَي قَرْيَة ذَات طلع ... أطلعت كَامِلا إِلَيْهِ الرشاد) (لَو أردنَا بهَا نحاجي لقلنا ... أرق المَاء أَيهَا الْحداد) وَقَوله محاجيا فِي عواصف (وَكم رمت وَصفا للحبيب فلامني ... عذولي وَلم يعلم بكنه محبتي) (فَمن لي بحبر فِي الأحاجي يَقُول لي ... إِذا رمت نعتا لائقا نبح انعت) وَقَوله محاجيا فِي قسام (لَو ذعى الزَّمَان فقت عَليّ ... كل إِمَام علت معارفه) (أجب العَبْد منعما وَأَجد ... طرح الْمَوْت مَا يرادفه) وَقَوله محاجيا فِي أخلاط (لَئِن كنت رب الحجى ... وَذَا فكرة جائشة) (فَمَا مثل قَول الْفَتى ... شَقِيق أَتَى الْفَاحِشَة) وَمن دو بيتانه قَوْله (إِبْلِيس وجنده أَتَوا مشتدين ... يَا رب لفتتني غدوا معتدين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 (إِن كنت أَطَعْت أَمرهم عَن خطأ ... رب اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدّين) وَقَوله يخرج مِنْهُ اسْم دِينَار بطرِيق التعمية (اللوم دَعوه أَيهَا اللوام ... لله حَقًا فِي الورى أَحْكَام) (الْعِشْق مَوَاطِن الشقا من قدم ... من لَام تحطه بهَا الْأَيَّام) وَقَوله يخرج مِنْهُ اسْم رَمَضَان (يَا لقلب أسر قتلتي محبوبي ... يَا دمع سل وَيَا حشاي ذوبي) (إِن أوجب مَا أسٍ ر يَا حَاجِبه ... كن حَاجِبه بقوسك المجذوب) وَله الْقطعَة من حمل زجل على وزان يَا غائبين عني مَا ترجعوا من نعشقو بالهجر قلبِي قلا لما قلا وَحين على جمر الفضالي سلا عني سلا وَزَاد على قلبِي العنا والبلا وأمسيت بِلَا جليس أنيس عانى وجودي عدم سَكرَان فِرَاق هاثم نديمي النَّدَم وَقد سقاني الْبَين بكاسه جرع دلَّنِي كَيفَ أصنع والعذول بِي شنع وَامْتنع عني الَّذِي أَهْوى وظهري انقسم حظي مسود فَاحم مَا رَأَيْت لي رَاحِم أَو لفمي آس أهيم فِي النواح ورى فِي النواح فِي جحيم مَا تخمد وَأمسى جفني الرمد من تجني قَاس قلت وَلَو ذكرت مَاله من الْفُنُون السَّبْعَة لطال الْكَلَام غير أَنِّي على ذكر هَذِه الْفُنُون وَرَأَيْت أَن أتعرض للْكَلَام عَلَيْهَا بِمَا يُفِيد مَعْرفَتهَا وَهِي فَائِدَة خلا أَكثر كتب الْأَدَب عَنْهَا وزبدة القَوْل عَنْهَا أَنَّهَا الأريب فِي كَونهَا خَارِجَة من الشّعْر لِأَنَّهُ يُطلق على أَبْيَات كل من القصيد وَالرجز والقريض وَيخْتَص بِمَا قَابل الرجز وَإِنَّمَا هِيَ دَاخِلَة فِي النّظم وَأول من نظم الموشح المغاربة وهذبه القَاضِي الْأَجَل هبة الله ابْن سناء الْملك وتداوله النَّاس إِلَى الْآن وسمى موشحاً لِأَن خرجاته وأغصانه كالوشاح لَهُ وَسبب تقدمه على مَا بعده لإعرابه كالشعر لَكِن يُخَالِفهُ بِكَثْرَة أوزانه وَتارَة يُوَافق أوزان الشّعْر وَتارَة يُخَالِفهُ وَالِد وَبَيت أول من اخترعه الْفرس ونظموه بلغتهم وَمَعْنَاهُ بيتان وَيُقَال لَهُ الرباعي لأربعة مصاريعه وَقد اشْتهر بإعجام داله وَهُوَ تَصْحِيف وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام يكو بِأَرْبَع قواف كالمواليا وأعرج بِثَلَاث قواف ومردوفاً بِأَرْبَع أَيْضا وَكله على وزن وَاحِد وَتقدم على مَا بعده لإعرابه أَيْضا وَأول من اخترع الزجل رجل اسْمه رَاشد وَقيل أَبُو بكر قزمان المغرساني وَهُوَ فِي اللُّغَة الصَّوْت وسمى زجلاً لِأَنَّهُ يلتذ بِهِ وَيفهم مقاطيع أوزانه وَلُزُوم قوافيه حَتَّى يغنى بِهِ ويصوت وَهُوَ خَمْسَة أَقسَام مَا تضمن الْغَزل والزهر وَالْخمر وحكاية الْحَال يخْتَص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 بالزجل وَمَا تضمن الْهزْل والخلاعة يُقَال لَهُ بليق وَمَا تضمن الهجو والنكت يُقَال لَهُ الحماق وَمَا بعض أَلْفَاظه معربة وَبَعضهَا ملحونة قاسمه مزبلح وَمَا تضمن الحكم والمواعظ فاسمه الْمُكَفّر بِكَسْر الْفَاء الْمُشَدّدَة وَالْأول أصعب هَذِه الْخَمْسَة وَقَالَ مخترعه قزمان لقد جردته من الاعراب كَمَا يجرد السَّيْف من القراب وَسبب تقدمه على مَا بعده كَثْرَة أوزانه وصعوبة نظمه وقربه من الموشح فِي أغصانه وخرجانه وَأول من اخترع المواليا أهل وَاسِط وَهُوَ من بَحر الْبَسِيط اقتطعوا مِنْهُ بَيْتَيْنِ وقفُوا شطر كل بَيت بقافية ونظموا يه الْغَزل والمديح وَسَائِر الصَّنَائِع على قَاعِدَة القريض وَكَانَ سهل التَّنَاوُل تعلمه عبيدهم المتسلمون عماوتهم والغلمان وصاروا يغنون بِهِ فِي رُؤْس النّخل وعَلى سقِِي الْمِيَاه وَيَقُولُونَ فِي آخر كل صَوت يَا مواليا إِشَارَة إِلَى ساداتهم فَسُمي بِهَذَا الِاسْم وَلم يزَالُوا على هَذَا الأسلوب حَتَّى اسْتَعْملهُ البغداديون فلطفوه حَتَّى عرف بهم دون مخترعيه ثمَّ شاع وَسبب تقدمه على مَا بعده لِأَنَّهُ من بَحر القريض بِحَيْثُ ينظم معرباً على قَاعِدَته وَأما الْمَكَان وَكَانَ لَهُ نظم وَاحِد وقافية وَاحِدَة وَلَكِن الشّطْر الأول من الْبَيْت أطول من الثَّانِي وَلَا تكون قافيته إِلَّا مردوفة وَأول من اخترعه البغداديون وَسبب تَسْمِيَته بِهَذَا الِاسْم أَنهم لَا ينظمون فِيهِ سوى الحكايات والخرافات فَكَانَ قَائِله يحْكى مَا كَانَ إِلَى أَن ظهر لَهُم مثل الإِمَام الْجَوْزِيّ والواعظ شمس الدّين الْكُوفِي وَغَيرهمَا من فضلاء بَغْدَاد فنظموا فِيهِ المواعظ وَالْحكم وَسبب تقدمه على مَا بعده لِأَنَّهُ ينظم بعض أَلْفَاظه معربة وَأما القوما فَلهُ وزنان اول مركب من أَرْبَعَة أقفال ثَلَاثَة مُتَسَاوِيَة فِي الْوَزْن والقافية وَالرَّابِع أطول مِنْهَا وزنا وَهُوَ مهمل بِغَيْر قافية وَالثَّانِي من ثَلَاثَة أقفال مُخْتَلفَة الْوَزْن متفقة القافية يكون القفل الأول مِنْهَا أقصر من الثَّانِي وَالثَّانِي أقصر من الثَّالِث وَأول من اخترعه البغداديون أَيْضا فِي الدولة العباسية برسم السّحُور فِي رَمَضَان وَسمي بِهَذَا الِاسْم من قَول المغنين بَعضهم لبَعض قوما لنسحر قوما فغلب عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم ثمَّ شاع ونظموا فِيهِ الزُّهْرِيّ والخمري والعتاب وَسَائِر الْأَنْوَاع وَأول من اخترعه أَبُو نقطة للخليفة النَّاصِر وَكَانَ يُعجبهُ ويطرب لَهُ وَجعل لأبي نقطة عَلَيْهِ وَظِيفَة فِي كل سنة فَلَمَّا توفّي أَبُو نقطة كَانَ لَهُ ولد صَغِير ماهر فِي نظم القوما فَأَرَادَ أَن يعرف الْخَلِيفَة بِمَوْت وَالِده ليجريه على مفروضه فَتعذر عَلَيْهِ ذَلِك إِلَى رَمَضَان ثمَّ جمع أَتبَاع وَالِده ووقف أول لَيْلَة مِنْهُ تَحت الطيارة وغنى القوما بِصَوْت رَقِيق فأصغى الْخَلِيفَة وطرب لَهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ينْصَرف قَالَ (يَا سيد السادات ... لَك بِالْكَرمِ عادات) (أَنا ابْن أبي نقطة ... تعيش أبي قد مَاتَ) فأعجب الْخَلِيفَة من هَذَا الِاخْتِصَار فَأحْضرهُ وخلع عَلَيْهِ وَجعل لَهُ ضعف مَا كَانَ لِأَبِيهِ والقوما والكان وَكَانَ لَا يعرفهما سوى أهل الْعرَاق وَرُبمَا تكلّف غَيرهم فنظمهما وكل بَيت من القوما قَائِم بِنَفسِهِ وَأما تَأْخِيره فلعدم إعرابه انْتهى وَقد أطلنا الْمقَال لَكِن مَا خلونا من فَائِدَة تناسب فِي هَذَا المجال وَكَانَت وَفَاة الْعمريّ فِي أَوَاخِر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَقد درج التسعين وَقَالَ عمر بن الصَّغِير شيخ الْأَدَب بعده فِي تَارِيخ وَفَاته (يَا شيخ دمشق بالناظم الزاهي ... بِشِرَاك بجنة سناها باهي) (الْهَاتِف من ألهمني تَارِيخا ... لي قَالَ أَبُو بكر عَتيق الله) والعمري نِسْبَة إِلَى العقيبي الْحَمَوِيّ الَّذِي ورد إِلَى دمشق خَليفَة من جِهَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ علوان وَكَانَ مَسْكَنه بمحلة العقيبة خَارج دمشق بِالْقربِ من جَامع التَّوْبَة وَكَانَ العقيبي الْمَذْكُور أُمِّيا غير أَنه كَانَ ماهراً فِي الْكَلَام على الخواطر وَله مكاشفات وكرامات شَتَّى ذكره النَّجْم فِي الْكَوَاكِب السائرة وَأطَال فِي تَرْجَمته وَكَانَ مَنْصُور وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة من جماعته الملازمين لَهُ فنسب إِلَيْهِ كَذَا ذكره البوريني فِي تَرْجَمته وَالله تَعَالَى أعلم السَّيِّد أَبُو بكر بن السَّيِّد هِدَايَة الله الْحُسَيْنِي الكوراني الْكرْدِي الْمَشْهُور بالمصنف ذكره الْأُسْتَاذ الْكَبِير الْعَالم الْعلم إِبْرَاهِيم بن حسن الْكرْدِي نزيل الْمَدِينَة المنورة فِي كِتَابه الْأُمَم لايقاظ الهمم فِي تَرْجَمَة الْمَشَايِخ الَّذين روى عَنْهُم فَقَالَ إِمَام عَلامَة لَهُ مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا شرح الْمُحَرر فِي الْفِقْه فِي ثَلَاث مجلدات انْتفع بِهِ أهل تِلْكَ الْبِلَاد وَله كِتَابَانِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَحدهمَا سراج الطَّرِيق يشْتَمل على خمسين بَابا وَالْآخر رياض الخلود ويشتمل على ثَمَانِيَة أَبْوَاب وَكَانَ من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى كثير الِاجْتِمَاع بالخضر على نَبينَا وَعَلِيهِ السَّلَام وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ وَعَلِيهِ تخرج وَلَده المنلا عبد الْكَرِيم شيخ المنلا إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو بكر الْكرْدِي الْعِمَادِيّ الشَّافِعِي نزيل دمشق ذكره النَّجْم فِي الذيل وَقَالَ فِي تَرْجَمته كَانَ فَاضلا بارعاً قانعاً عفيفاً وَله مَعَ ذَلِك بشاشة وَحسن فهم واستماع حَرِيصًا على الْفَائِدَة وَرُبمَا علق وحشى إِلَّا أَنه خطه كَانَ سقيماً وَذكر مبدأه أَنه ورد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 دمشق مَعَ خَاله وَكَانَ دون الْبلُوغ وَتَركه خَاله بهَا ورحل فجاور فِي الْمدرسَة الكلاسة فِي جَانب الْجَامِع الْأمَوِي وَكَانَ يسْقِي المَاء بالجامع الْمَذْكُور ويتقوت بِمَا يَدْفَعهُ النَّاس وخدم الْعَلامَة أَحْمد الْكرْدِي الْعِمَادِيّ الْآتِي ذكره وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَبِه تخرج وتفقه بالشهاب العيثاوي وَالشَّمْس الميداني وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّمْس الدَّاودِيّ نزيل دمشق ولازم مَجْلِسه وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة والتصريف عَليّ الْحسن البوريني والنجم الْغَزِّي وبرع فِي الْفِقْه وَغَيره ثمَّ حصلت لَهُ بقْعَة تدريس بالجامع الْأمَوِي فتصدر وانتفعت بِهِ الطّلبَة سنوات مَعَ وجود مشايخه وَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ لكَمَال العيثاوي وَتزَوج فَبَقيَ متأهلاً نَحْو سنتَيْن مَعَ القناعة وَذكر الْغَزِّي عَنهُ حِكَايَة رُؤْيا رَآهَا عَجِيبَة قَالَ أَخْبرنِي أَنه رأى أَنه كَانَ فِي الْجَامِع الْأمَوِي وكل من فِيهِ نَصَارَى قَالَ فاغتظت لذَلِك وأنكرته وَإِذا رجل يَقُول ادخل إِلَى الشَّيْخ محيى الدّين بن عَرَبِيّ إِلَى دَاخل الْجَامِع فاشك إِلَيْهِ ذَلِك قَالَ فَدخلت فَوجدت الشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ جَالِسا فِي محراب الْمَقْصُورَة وَبَين يَدَيْهِ جمَاعَة قَليلَة وَهُوَ يدرس وهم يقرؤن عَلَيْهِ فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي أما ترى هَؤُلَاءِ النَّصَارَى ملؤا الْمَسْجِد كَيفَ لَا تنكر ذَلِك وَمن هَؤُلَاءِ فَقَالَ لي لَا تحزن هَؤُلَاءِ النَّصَارَى هم الَّذين ضلوا بمطالعة كتبي وَأما هَؤُلَاءِ الْمُسلمُونَ بَين يَدي فهم الَّذين انتفعوا بكلامي وهم قَلِيلُونَ كَمَا تراهم وَالَّذين هَلَكُوا بكلامي كثير كَمَا تراهم وَكَانَت وَفَاة أبي بكر صَاحب التَّرْجَمَة لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشرى محرم سنة سِتّ بعد الْألف عَن نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبُو بكر المعصراني المجذوب الصَّالح قَالَ الْغَزِّي فِي تَرْجَمته كَانَ فِي مبدائه يتكسب بعصر السمسم وَكَانَ يحب مجَالِس الذّكر فَحَضَرَ مَجْلِسا فِيهِ جمَاعَة اجْتَمعُوا على ذكر الله تَعَالَى مِنْهُم الْأَخ الشهَاب الْغَزِّي وَالشَّيْخ سُلَيْمَان الصَّواف وَالِد الشَّيْخ أَحْمد بن سُلَيْمَان وَبَات تِلْكَ اليلة عِنْدهم فَلَمَّا كَانَ وَقت الذّكر لاحت لَهُ بوارق الْحق فتوله وتعرى مَا دون عَوْرَته ثمَّ انجلت عَنهُ تِلْكَ الْحَالة بعد أشهر ثمَّ كَانَت تعاوده فِي كل سنة ثَلَاثَة أشهر أَو أَرْبَعَة يغيب فِيهَا عَن إحساسه ويحلق لحيته ويستأصلها ويتعرى ويكاشف فِي حَالَته تِلْكَ من يرَاهُ وَيسْأل النَّاس فِي تِلْكَ الْحَالة فَلَا يردهُ أحد وَيُعْطِيه قِطْعَة وَرُبمَا طلب أَكثر وَكَانَ يصرف مَا يجمعه على الْفُقَرَاء وَلم يطْلب من أحد شَيْئا وَيكون خَالِيا من الدَّرَاهِم وَكَانَ كشفه ظَاهر إِلَّا شُبْهَة فِيهِ وَله فِيهِ وقائع مشهوره ثمَّ كَانَ إِذا سرت عَنهُ الْحَالة لَازم الصمت وَالْعِبَادَة وَلَا يخرج من الْجَامِع الْأمَوِي إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 للْوُضُوء وَنَحْوه ويمسك على لحيته قَالَ وَكَانَت بَيْننَا وَبَينه صُحْبَة أكيدة وأخذته حَالَة فِي آخر أمره فلازمني وَكَانَ يبيت عِنْدِي ويكلمني فِي حَالَته تِلْكَ بِلِسَان غير اللسن الَّذِي يكلم بِهِ أَكثر النَّاس فَهُوَ مُسْتَغْرق عَنْهُم فِي نظرهم وَهُوَ حَاضر معي غير مُسْتَغْرق إِلَّا أَنه رُبمَا يظْهر مِنْهُ تخريف وَأَقْبل عَليّ مرّة فِي حَالَته وَهُوَ يشارر النَّاس ويشاتمهم وَكَانَ لَا يشْتم أحدا إِلَّا بِمَا فِيهِ تَأْوِيل ظَاهر فخطر لي مَا يقاسيه فِي حَالَته من الشدَّة وَالْبَلَاء فَلَمَّا حاذاني وقف عي ضَاحِكا مُسْتَبْشِرًا وَقَالَ لي يَا فلَان (لَا تحسب الْمجد تَمرا أَنْت آكله ... لن تبلغ الْمجد حَتَّى تلعق الصبرا) قَالَ وَسَأَلت الله أَن يكْشف لي عَن مقَامه فرأيته فِي تِلْكَ اليلة فِي الْمَنَام فِي صُورَة أَسد ثمَّ تحول إِلَى صورته فَظهر لي بذلك أَنه من الْإِبْدَال فَلَمَّا كَانَ آخر النَّهَار رَأَيْته وَهُوَ فِي حَالَته تِلْكَ فَضَحِك وَقَالَ كَيفَ رَأَيْتنِي البارحة وَكَانَت وَفَاته بَين الْعشَاء من لَيْلَة الِاثْنَيْنِ الْخَامِس وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة أَربع عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو بكر السندي الشَّافِعِي المجاور بالطواشية شَرْقي الْجَامِع الْأمَوِي تَحت المنارة الشرقية نَحْو عشر سِنِين المنلا الْمُحَقق الفهامة كَانَ بارعاً فِي المعقولات نَافِعًا للطلبة صَالحا دينا مُبَارَكًا آثر الخمول والقناعة وَكَانَت تخطبه الدُّنْيَا ويأبى إِلَّا الْفِرَار مِنْهَا ملازماً على الْعِبَادَة وَالصَّلَاة بِالْجَمَاعَة يسْرد الصَّوْم دَائِم الصمت حسن الِاعْتِقَاد متواضعاً لَا يرغب فِي الْحُكَّام وَلَا يجْتَمع بهم ملازم الطّلبَة وملازموه وانتفعوا بِهِ فِي المعقولات وَغَيرهَا مَاتَ مطعوناً وَهُوَ صَائِم فِي يَوْم السبت ثَالِث ربيع الأول سنة ثَمَان عشرَة بعد الْألف وَدفن بتربة الغرباء بمقبرة الفراديس قَالَ النَّجْم وَمَات قبله بأيام صَاحبه المنلا مُحَمَّد الْهِنْدِيّ وَكَانَا متلازمين فِي الْحَيَاة وَفِي الْمَمَات فَإِن قَبره إِلَى جَانب قَبره وَقلت ملحاً (عجبت لطاعون أَصَابَت نباله ... وأربت على الخطى والصارم الْهِنْدِيّ) (سَطَا فِي دمشق الشَّام عَاما وآخراً ... تبسط فِي الْهِنْدِيّ وَمَا ترك السندي) أَبُو بكر الطرابلسي الْحَنَفِيّ شيخ الإقراء بِالشَّام أَخذ القراآت عَن الْمقري الْكَبِير إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْعِمَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن كسباي الْمُقدم ذكره وبرع فِي علومها وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة فِي غَيرهَا من الْفُنُون وَكَانَ يعسر عَلَيْهِ الْأَدَاء كشيخه ابْن كسباي وَكَانَ دينا صَالحا وقوراً منزوياً عَن النَّاس وَتَوَلَّى إِمَامَة السياغوشية دَاخل بَاب الشاغور وَهُوَ آخر المقرئين بِدِمَشْق مَاتَ يَوْم تَاسِع أَو عَاشر شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين وَألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَدفن بِبَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو الْبَقَاء بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن الصفوري الأَصْل الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي أحد صُدُور دمشق كَانَ ذَا وجاهة ومروءة وَإِلَيْهِ مرجع أهل دائرته فِي الْأُمُور وَبلغ من الْعِزّ ونفوذ الْكَلِمَة مَا قصر عَنهُ أهل عصره وَفِيه يَقُول الْأَمِير منجك بن مُحَمَّد المنجكي قصيدته الْمَشْهُور ة (من لي بِهِ وَالسحر ملْء جفوته ... رشأ يغار الْبَدْر من تكوينه) يَقُول فِيهَا (عاطيته بنت الدنان وَقد شدا ... قمري روض اللَّهْو فَوق غصونه) (وَاللَّيْل معتكر ومعترك الحيا ... يزهو بوفد رذاذه وهتونه) (والبرق فِي خلل السَّحَاب كَأَنَّهُ ... سيف تقلبه أكف قيونه) (وكأنما الْقَمَر الْمُنِير ضياؤه ... من وَجه مخدون الْعلَا وقرينه) (اعنى بِهِ الْمولى الْأَجَل أَبَا البقا ... من ظَنّه فِي الدَّهْر مثل يقينه) (شرس يعد الْخطب لين خطابه ... والنصل شدّة بأسه فِي لينه) (قد أودع الله السِّيَادَة والتقى ... فِي بردتيه وآدَم فِي طينه) (من ذَا يقيس بِهِ الْبَريَّة رفْعَة ... أَن الزَّمَان وَأَهله من دونه) (يفنى الزَّمَان وَلَيْسَ يبلغ وَصفه ... شعر وَلَو بالغت فِي تحسينه) كَانَ أَولا شافعيا وَصَارَ كَاتبا للصكوك بمحكمة الصالحية وناب فِي الْقَضَاء بمحكمة الْكُبْرَى ثمَّ سَافر إِلَى الرّوم مَرَّات ولازم على قاعدتهم وتحنف وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِي عدَّة مناصب مثل صفد وصيدا وبيروت وحماة وَأَقْبل عَلَيْهِ آخر أمره بعض الوزراء الْعِظَام وَكَانَ قد بشره بالوزارة الْعُظْمَى فصيره من الموَالِي وَأَعْطَاهُ رُتْبَة قَضَاء الْقُدس وقرية الريحان بِالْقربِ من حرستا على طَرِيق التأييد وَرجع إِلَى دمشق وَأقَام بالصالحية وَعمر بهَا قصرا وَهُوَ إِلَى الْآن من أحسن المنتزهات بهَا وَيعرف بِهِ وَفِيه يَقُول الْأَمِير المنجكي فِي آخر قصيدته الْمُتَقَدّمَة (أَقْسَمت بِالْبَيْتِ الْعَتِيق وَمَا حوت ... بطحاؤه من حجره وحجونه) (مَا ضمت الدُّنْيَا كقصرك منزلا ... كلا وَلَا سمحت بِمثل قطينه) وَكَانَ يعرف علم النُّجُوم والرمل والزاير جاحق الْمعرفَة وَرُبمَا رمى بِالسحرِ إِلَّا أَنه كَانَ فِي غير ذَلِك جَاهِلا وَفِيه يَقُول الأديب أَحْمد الشاهيني هاجيا لَهُ (أَبَا الْبَقَاء لحاك الله من رجل ... فِيك الطبيعة قد قدّت من الْحجر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 (كم تدعى بعلوم النَّجْم معرفَة ... وَلَيْسَ تفرق بَين النَّجْم وَالْقَمَر) وَكَانَت لَهُ أَحْوَال وقصص وأخبار وَوَقع لَهُ من الإتفاقات إِنَّه لما قدم مُحَمَّد باشا نَائِب الشَّام عوضا عَن محافظها الْوَزير الْمَعْرُوف بالخناق وَقد كَانَ الخناق يحب صَاحب التَّرْجَمَة فَبلغ مُحَمَّد باشا محبته لَهُ فَلَمَّا خرج لإستقباله على عَادَة أهل الشَّام أهانه اهانة بليغة فَأتى إِلَى بَيته واختلى فِيهِ وَأخذ يَتْلُو بعض الْأَسْمَاء فاتفق بعد ثَمَانِيَة أَيَّام إِن مَاتَ مُحَمَّد باشا الْمَذْكُور وطلع أَبُو الْبَقَاء فِي جنَازَته مَعَ بَقِيَّة الْقَوْم وَأخذ يتبجح بقتْله فَسَمعهُ الشاهيني الْمَذْكُور وَهُوَ يتجاهر بذلك فَقَالَ لَهُ تقتلون الْقَتِيل وتمشون فِي جنَازَته وَهَذِه الْقِصَّة الْمَشْهُورَة وتروى على أنحاء مُخْتَلفَة وملخصها مَا ذكرته وَله غير ذَلِك من الوقائع مِمَّا هُوَ مستفيض مَشْهُور وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الْجُمُعَة حادى عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ بالسليمية وَدفن بالسفح وَقيل فِي تَارِيخه (أودي مُسَيْلمَة الكذوب ... السَّاحر النحس الْمرَائِي) (ألهمت فِي تَارِيخه ... مَاتَ الشقي أَبُو الْبَقَاء) الشَّيْخ أَبُو الْجُود بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد وَتقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة ابْن أَخِيه إِبْرَاهِيم ابْن أبي الْيمن البتروني الْحلَبِي الْحَنَفِيّ مفتي حلب وعالم ذَلِك الْقطر ومحط أهل دائرته وَكَانَ عَلامَة محققا بارعا ف الْمَذْهَب وَالتَّفْسِير فَارِسًا فِي الْبَحْث نظارا هَاجر بِهِ أَبوهُ وبأخويه إِلَى الْيمن وَمُحَمّد إِلَى حلب بِإِشَارَة الشَّيْخ علوان الْحَمَوِيّ وَصَارَ أبوهم واعظا وخطيبا بِجَامِع حلب وَكَانَ هُوَ وَولده أَبُو الْجُود يتعممان بالعمامة الصُّوفِيَّة واشتغل أَبُو الْجُود على عُلَمَاء عصره وَولي بعد أَبِيه الْوَعْظ والخطابة بالجامع وَكَانَ يقْرَأ الدُّرُوس فِي الرواق الشَّرْقِي ثمَّ ولي الأفناء وتقاعد عَن قَضَاء الْقُدس ثمَّ عَن قَضَاء الْمَدِينَة ونال من الرُّتْبَة مَا لم ينله أحد مِمَّن تقدمه وَكَانَ لَهُ سخاء ومروءة وحمية ومدحه شعراء عصره وخلدوا مدائحه فِي دواوينهم فَمنهمْ حُسَيْن الْجَزرِي وَفتح الله بن النّحاس وحسين بن جاندار البقاعي وَفِيه يَقُول بعض شعراء حلب (أبي الْجُود فِي الدُّنْيَا سواك لِأَنَّهُ ... تفرع من جود وَأَنت أَبُو الْجُود) (وأضدادك الْوَادي لَهُم سَالَ واستوت ... سفينة بَحر الْعلم مِنْك على الجودى) وَذكره البديعي فِي ذكري حبيب وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَقَالَ فِي تَرْجَمته دخل مرّة على بعض الوزراء الْعِظَام ومجلسه غاص بالخاص وَالْعَام بعد غضب يمْنَع لَذَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الهجود وَمن ذَا يقر على زئير الْأسود فخاطبه بجرس جَهورِي وَلَفظ جوهري يزِيل الأحن من الْقُلُوب وَتغْفر بِمثلِهِ الذُّنُوب بِمَا نَصه نَام أَعْرَابِي لَيْلَة عَن جمله فَفَقدهُ فَلَمَّا طلع الْقَمَر وجده فَرفع إِلَى الله يَده وَقَالَ أشهد أَنَّك أعلينه وَجعلت السَّمَاء بَيته ثمَّ نظر إِلَى الْقَمَر وَقَالَ إِن الله صورك ونورك وعَلى البروج دورك فَإِذا شَاءَ قدرك وَإِذا شَاءَ كورك فَلَا أعلم مزيدا أسأله لَك الدَّوَام وَلَئِن أهديت إِلَى قلبِي سروره لقد أهْدى الله إِلَيْك نوره فَأَنا ذَلِك الْأَعرَابِي والوزير ذَلِك الْقَمَر الْمُضِيّ لقد أَعلَى الله قدره وأنفذ أمره وَنظر أليه وَإِلَى الَّذين يحسدونه فَجعله فَوْقهم وجعلهم دونه فَلَا أعلم مزيدا أَدْعُو لَهُ إِلَّا الدَّوَام فَالله يديم لَهُ ظلال النِّعْمَة ومجال الْقُدْرَة ومساق الدولة ووقفت على تفريظ كتبه على مؤلف الْعَلامَة الطرابلسي الدِّمَشْقِي الَّذِي شرح بِهِ فَرَائض ملتقى الأبحر وَهُوَ أمعنت النّظر فِي هَذَا التَّحْرِير وأجلت الْفِكر فِيمَا حواه من التَّصْوِير والتقرير فرأيته الْبَحْر الْمُحِيط إِلَّا أَنه ثجاج والوبل الغزير خلا أَنه مواج وجزمت بِأَنَّهُ السحر الْحَلَال والكمال الَّذِي لَا يحكيه فِي فنه كَمَال لأزالت شموس فَوَائِد مؤلفة مشرقة وَلَا بَرحت أَغْصَان فَوَائده مورقة مَا زينت أَقْلَام الْعلمَاء الْأَعْلَام بوشي سطورها وجنات الطروس فأشرقت لذَلِك صُدُور الصُّدُور وإشراق الشموس وَكَانَت وَفَاته غرَّة صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَقد ناهز التسعين وَهُوَ فِي نشاط أَبنَاء الْعشْرين وَقيل فِي تَارِيخ مَوته (إِن أَبَا الْجُود الَّذِي فاق الورى ... وروج الْعلم وساد سؤددا) (أدْركهُ الْمَوْت الَّذِي تَارِيخه ... الْعلم مَاتَ بعده وأرقدا) ورثاه السَّيِّد مُحَمَّد بن عمر العرضي بقصيدة عَجِيبَة ذكرتها برمتها ميلامني لشعر هَذَا السَّيِّد وَكَذَا أفعل فِي كل آثاره وَهِي (بفقدك قَامَت نواعي الحكم ... وَقد فل بعْدك حد الْقَلَم) (أَقَامَت مآتمها المشكلات ... عَلَيْك وسود وَجه الرقم) (فتبا ليومك من طَارق ... نسخت بِهِ لذتي بالألم) (ورثت بِهِ حالكات الهموم ... كَمَا ورث ابْنك عز النعم) (ورعيا لدهر أثر نابه ... نَقِيع المباحث فِي المزدحم) (نجاذب أطرافها ساعيين ... إِلَى حلبة السَّبق سعي الْقدَم) (صراح الزَّمَان صراح النكال ... عَلَيْك وَحقّ لَهُ بِالْعدمِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 (فقد كنت سدة ثلمانة ... وَآخر نعماءه للأمم) (وعذرا لأبنائه إِنَّهُم ... ذنُوب لَهُم بل صروف النقم) (فقدتك فقدان روق الشَّبَاب ... وَشعب الْأَمَانِي بِهِ ملتئم) (ليبكيك دَار الضُّحَى والأصيل ... وَدَار الصَّباح وَدَار الظُّلم) (لبست عَلَيْك ثِيَاب الْحداد ... وشبت غضارة دمعي بِدَم) (لقد ثكلت كل من لم تَلد ... نظيرك فِي خيمه والشيم) (حنانيك عَن مهجة رعتها ... ولبيك عَن كبد تضطرم) (أَبَا الْجُود قُرَّة عين الْعلَا ... وغرة جبهتها فِي الْقدَم) (لقد خَابَ بعْدك من ينتضي ... سيوف معاليك فِي الملتطم) (أيصفر فِي الجو بعد العتاة ... وشهب البزاة بغاث الرخم) (دفنت بدفنك فِي خاطري ... مبَاحث علم غَدَتْ كالرمم) (قضيت وَلم تقض مِنْك المنى ... لباناتها والقضا محتتم) (فَإِن كَانَ قبرك دون الثرى ... فقدرك فَوق عوالي الهمم) (يعز عَليّ بِأَن ينطوي ... بِسَاط الدُّرُوس وَنشر الحكم) (فقد شدت مجْلِس أهل الْعلم ... وَلَكِن بأيدي الْمنون انْهَدم) (سقى جدثا أَنْت ثاوبه ... رخى السُّيُول مفاض الديم) أَبُو الْحسن بن الزبير السجلماسي المغربي عَالم الْمغرب وَإِمَام نحاته فِي عصره ومحقق علمائه أجمع أهل الْمغرب على جلالته وتمسكنه فِي الْعُلُوم الْعَرَبيَّة وَكَانَ كثير الْحِفْظ لشواهد الْعَرَب والإطلاع على أخبارهم وَله المهارة القوية فِي اللُّغَة وَكَانَ إِذا أورد الْمسَائِل النحوية يُورد لَهَا شَوَاهِد عديدة لَا يجدونها فِي الْكتب المتداولة وَكَانَ يحفظ التسهيل وغالب شروحه وَكَانَ فصيح الْعبارَة حسن التَّقْرِير عَظِيم الهيبة وَهُوَ من أجل نشر الْعُلُوم الْعَرَبيَّة بفاس وَعلمهَا الطّلبَة وَكَانَ إِذا قرر المسئلة لَا يزَال يكررها بعبارات مُخْتَلفَة حَتَّى تظهر بَادِي الرَّأْي فَلذَلِك كثر الآخذون عَنهُ من أقطار الغرب الْأَقْصَى على كَثْرَة علمائه أذذاك أَخذ عَن إِمَام النُّحَاة أبي يزِيد عبد الرَّحْمَن بن قَاسم بن مُحَمَّد بن عبد الله المكناسي وكثيرين مِمَّن أَخذ عَنهُ الشَّيْخ أَحْمد بن عمرَان وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر بن عَليّ الفاسي وَمُحَمّد بن أبي بكر الدلائي وَمُحَمّد بن نَاصِر الدراوي وَغَيرهم من الشُّيُوخ الْكِبَار وَكَانَت وَفَاته بفاس فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَألف رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو السرُور بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عوض بن عبد الْخَالِق بن عبد الْمُنعم بن يحيى بن الْحسن بن مُوسَى بن يحيى بن يَعْقُوب بن نجم بن عِيسَى بن شعْبَان بن عوض بن دَاوُد بن مُحَمَّد بن نوح بن طَلْحَة بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وعنهم هَذَا نسب السَّادة البكرية سَادَات مصر من جِهَة الْآبَاء وَلَهُم من جِهَة الْأُمَّهَات سيادة وَأَبُو السرُور هَذَا أحد أَوْلَاد الاستاذ مُحَمَّد بن الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي ولد فِي دولة أَبِيه وتربى فِي حجر الْفضل وَالصَّلَاح وَكَانَ لَهُ الذَّوْق الصَّحِيح فِي معارف الصُّوفِيَّة والبلاغة الْكَامِلَة فِي التَّقْرِير وَهُوَ أنبل إخْوَته وأفضلهم وَأَكْثَرهم مداومة على الإفادة والقاء الدُّرُوس وَكَانَ لَهُ اتساع فِي الدُّنْيَا ومخالطة الْحُكَّام ومداخلة فِي أُمُور كَثِيرَة ودرس بالخشابية بعد موت شيخ الشَّافِعِيَّة الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ شَارِح الْمِنْهَاج وَله مؤلفات مِنْهَا مُخْتَصر فِي فضل لَيْلَة النّصْف من شعْبَان من كتاب النبذة لجده أبي الْحسن وَشَرحه وَسَماهُ فيض المنان وقرظه الشَّيْخ عبد الله الدنوشري فَقَالَ (هَذَا كتاب منَازِل الْعرْفَان ... ومهذب الْأَلْبَاب والأذهان) (فَالْزَمْ قِرَاءَته ولازم درسه ... إِذْ ذَاك فيض الْوَاحِد المنان) (تأليف مَوْلَانَا وحافظ عصره ... من نسل صديق النَّبِي العدنان) (لَا زَالَ يرقى فِي جناب سيادة ... مَا غرد الْقمرِي على الأغصان) وَوجدت فِي بعض التعليقات أَنه عمل رِسَالَة تتَعَلَّق بمباحث آيَات السَّبع المثاني حاك برود طروسها على منوال التَّحْقِيق وطرز حَوَاشِي سطورها ببنان التدقيق وَبعث بهَا من الديار المصرية إِلَى دَار السلطنة الْعلية تَتَضَمَّن طلب منصب إِفْتَاء الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ المعزية وَكَانَ أَمر الْفَتْوَى يَوْمئِذٍ مَنُوطًا بشيخ مصر على الْإِطْلَاق وعلامتها الْمَشْهُور فِي الْآفَاق صَاحب التصانيف العديدة والتآليف المتداولة المفيدة شمس الْملَّة وَالدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الرَّمْلِيّ وعد ذَلِك الطّلب مِنْهُ على الْمحبَّة ذَنبا وَاحِد لكنه شنيع وخطبا عِنْد فضلاء الْأَمْصَار والأعصار ظليع على أَن لِسَان حَاله أنْشد معتذرا مبرزاً من الضَّمِير مَا كَانَ مستتراً (وَإِذا الحبيب أَتَى بذنب وَاحِد ... جَاءَت محاسنه بِأَلف شَفِيع) وَكَانَ ينظم الشّعْر وشعره لطيف فَمِنْهُ مَا كتب بِهِ فِي صدر رِسَالَة إِلَى الرّوم للْمولى يحيى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ابْن كَمَال الدّين الدفتري يعاتبه على انْقِطَاع مراسلاته عَنهُ (لَو أذنتم لطيب من نسيم ... بِسَلام يحيى فؤاد السقيم) (لتلقاه من فُؤَادِي قبُول ... قَانِع من شذاكم بشميم) (وَلَو أَن الرَّسُول وافي برقم ... لمحب من شوقه فِي جحيم) (كَانَت النَّار مثل نَار خَلِيل ... تنطفي بِالسَّلَامِ وَالتَّسْلِيم) (حِين جَاءَ الأخوان مِنْكُم طروس ... نظمها فائق كدر نظيم) (ثمَّ جَاءَ الْأَنَام نحوي سعياً ... يسْأَلُوا الصب عَن نباك الْعَظِيم) (هَل تناسى الْأَمِير مِنْك وداداً ... أَو ثناه الخسيس بالتلويم) (قلت كلا فَإِن ود أَمِيري ... مُحكم النَّص كالكتاب الْقَدِيم) (إِن يحيى الْأَمِير أعظم مولى ... لَا يُبَالِي بغادر وزنيم) (إِنَّمَا الْكتب للمباعد مضى ... يَكْتَفِي بالرقوم أهل الرسوم) وَذكره الخفاجي فِي كِتَابه وَقَالَ فِيهِ وَلم يزل سمح السجية بسام العشية لَا تلين قناته لغامز وَلَو صيره زَاد الْمنية إِلَى أَن أَصَابَت الرزايا بَنَات فُؤَاده بسهام المنايا فنضبت جداوله واستراحت حساده وعواذله وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى ابْن السُّعُود بن أَحْمد بن أبي السُّعُود الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الْكَاتِب كَانَ جده أَبُو السُّعُود هَذَا من كبار التُّجَّار المياسير بِدِمَشْق وَله رياسة وَتقدم بَين أَبنَاء نَوعه وَجمع أَمْوَالًا كَثِيرَة وَكَانَ لَهُ أوقاف دارة وإحسانات افرة وَولده أَحْمد كَانَ أَيْضا على أَثَره وَتزَوج بابنة الْعَلامَة مُحَمَّد الجوخي الْآتِي ذكره وجاءه مِنْهَا أَبُو السُّعُود المترجم وَنَشَأ فِي عز باهر ونعمة طائلة وَقَرَأَ وتنبل وابتلى بمحبة غُلَام وَأنْفق عَلَيْهِ مَالا كثيرا وَكَانَ الْغُلَام كثير التجني عَلَيْهِ وَاتفقَ أَن أهل صَاحب التَّرْجَمَة أَكْثرُوا فِي لومه وتعنيفه فَلم يرجع عَمَّا كَانَ فِيهِ وَأَدَّاهُ ولهه وغرامه إِلَى قتل نَفسه قيل أَنه أكل سَبْعَة دَرَاهِم من الأفيون وعولج فَلم يفد علاجه وَمَات من ليلته وَهُوَ الَّذِي أحدث هَذِه الفعلة بِدِمَشْق وَكَانَ النَّاس عَنْهَا غافلين وَبعد ذَلِك تبعه فِي فعلهَا أنَاس واشتهر هَذَا الْأَمر وَهَذِه الْقِصَّة مَشْهُورَة حَتَّى صَارَت بَين أهالي دمشق مدَار التَّمْثِيل بهَا فِي أغراض كَثِيرَة وَبِالْجُمْلَةِ فقد فتح مبدعها بَابا شنيعاً وارتكب امراً فظيعاً وَكَانَت وَفَاته فِي يرمضان سنة سِتّ وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وعمره خمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَعِشْرُونَ سنة أَبُو السُّعُود بن تَاج الدّين بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زكي الدّين البعلي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد والوفاة الخزرجي الشَّافِعِي البارع المفنن كَانَ فَاضلا مشاركاً فِي عدَّة فنون وَله محاضرات وآداب وَكَانَ مطلعاً على فَوَائِد كَثِيرَة وَله مواظبة على طلب الْعلم لَا يفتر وَلَا يمل إِلَّا الْقَلِيل تفقه بالشيخ مُحَمَّد الخباز الْمَعْرُوف بالبطنيني وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة وَبَقِيَّة فنون الْأَدَب على شَيخنَا مُحَقّق الْوَقْت إِبْرَاهِيم بن مَنْصُور الفتال الْمُقدم ذكره ولازم دروسه مُدَّة مديدة وَحج كثيرا وَأخذ عَن عُلَمَاء الْحَرَمَيْنِ وَدخل الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا عَن خَاتِمَة الْعلمَاء النُّور على الشبرملسي وَغَيره ودرس بالجامع الْأمَوِي بَين العشاءين فِي الشِّفَاء للْقَاضِي عِيَاض وَكَانَ يُبْدِي أبحاثاً مَقْبُولَة واستنابه آخرا الشَّيْخ يُونُس الْمصْرِيّ فِي درس قبَّة النسْر الْمَشْهُور فِي الشَّام لما توجه إِلَى الرّوم فدرس شَهْرَيْن وأياماً وحمدت طَرِيقَته وَكَانَ لطيف المحاورة حسن الْعشْرَة حمولاً لنكات يَقْصِدهُ بهَا بعض الأخوان مغضياً عَنْهَا فَمن ذَلِك مَا وَقع لَهُ أَن بَعضهم كتب إِلَيْهِ يسْأَله وَكَانَ ظرفاء الطّلبَة تواطأ وَأَعْلَى تلقيبه بالتركيب المزجي بِعَارِض نسبته إِلَى بعلبك (أيا عُلَمَاء الشَّام مَا هِيَ لَفْظَة ... مركبة بِالنَّقْصِ لَا شكّ تُوصَف) (وَيُعْطى لَهَا حكم الْفَتى كل حَالَة ... وَلَا ضَرَر يدعى لذَلِك وَيعرف) (وَإِن ظهر الْمَقْصُود فَأتوا بِحجَّة ... تبين لي فرقا جلياً وأنصفوا) فَأجَاب بقوله قرر النُّحَاة أَن الْمركب المزجي قد يُضَاف أول جزأيه إِلَى ثَانِيهمَا تَشْبِيها بالمركب الاضافي فيعرب الْجُزْء الأول بِحَسب العوامل ويجر الثَّانِي بِالْإِضَافَة ثمَّ إِن كَانَ فِي الْجُزْء الثَّانِي مَا يمْنَع صرفه كالمعجمة فِي رام هُرْمُز منع من الصّرْف والأصرف كحضرموت وَإِن كَانَ آخر الْجُزْء اول يَاء كمعدي كرب وقالي قلافانه تقدر فِيهِ الحركات الثَّلَاث وَلَا تظهر فِيهِ الفتحة قَالَ فِي النكت بِلَا خلاف استصحاباً لحكمها حالتي الْبناء وَمنع الصّرْف وَعلله شَارِح التَّوْضِيح يشبه الفتحة بِالْألف لِأَن من الْعَرَب من يسكن مثل هَذِه الْيَاء فِي النصب مَعَ الْأَفْرَاد فألزم فِي التَّرْكِيب لزِيَادَة الثّقل مَا كَانَ جَائِزا فِي الْأَفْرَاد فَحِينَئِذٍ يكون المنقوص وَهُوَ معدي كرب مثلا كالمقصور رأى فِي حكم التَّقْدِير فِي الْحَالَات الثَّلَاث لَا أَنه يكون معرباً بالتقدير على الْألف كَمَا يرشد إِلَيْهِ قَول السَّائِل وَيُعْطى لَهُ حكم الْفَتى دون قَوْله إِعْرَاب الْفَتى فَللَّه دره هَذَا هُوَ الْمُرَجح فِي المسئلة كَمَا قَالَه ابْن مَالك وَاقْتصر عَلَيْهِ أَبُو حَيَّان وَنَصّ عَلَيْهِ أَبُو عَليّ وَعبد القاهر وَغَيرهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَقَالَ بَعضهم بِفَتْح فِي النصب ويسكن فِي الرّفْع والجر على أصل قَاعِدَة المنقوص كقاضي الْقَوْم فَتبين بِهَذَا إِيضَاح مَا الغزه هَذَا السَّائِل وَظهر الْمَقْصُود وَالْحجّة واتضحت بِهِ الْحجَّة انْتهى مَا قَالَه فِي الْجَواب وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْخَمِيس بعد الْعَصْر عَاشر رَمَضَان سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو السُّعُود بن عبد الرَّحِيم بن عبد المحسن بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الْمصْرِيّ قَاضِي الْقُضَاة الشعراني أحد أَفْرَاد الدَّهْر فِي المعارف الآلهية وَكَانَ فِي هَذَا الْعَصْر الْأَخير من محاسنه الباهرة جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل وَكَانَ لأهل الرّوم فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَهُوَ من بَيت الْولَايَة وَالصَّلَاح وَعم وَالِده الْعَارِف الْكَبِير عبد الْوَهَّاب صَاحب العهود والطبقات وَالْمِيزَان وَغَيرهمَا وفضله أشهر من أَن يذكر وَأما أَبوهُ عبد الرَّحِيم فقد أفردت لَهُ تَرْجَمَة خَاصَّة ستأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأَبُو السُّعُود ولد بِمصْر وَدخل الرّوم مَعَ وَالِده وَهُوَ صَغِير وَذكر شَيخنَا إِبْرَاهِيم الخياري الْمدنِي فِي رحلته عِنْد تَرْجَمته لَهُ وَأَنه أَخذ عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ والنور الزيَادي قَالَ وَأَخْبرنِي عَن جمَاعَة من بعض أَوْلِيَاء الله تَعَالَى الصَّالِحين المتصرفين من أهل الطَّرِيقَة وَهُوَ بالروم أَنه قَالَ لرجل مِنْهُم مالنا مَعكُمْ حِصَّة فَقَالَ لَهُ بلَى وَلَكِن تنْزع جَمِيع عَلَيْك من الثِّيَاب ثمَّ تخرج من بَاب أدرنه إِلَى حَضْرَة أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ فَقلت الْآن قَالَ لَا بعد أَيَّام فعاودته بعد أَيَّام فَقلت الْآن قَالَ نعم فنزعت ثِيَابِي إِلَّا السَّرَاوِيل وَقلت لَهُ أتأذن لي فِي إبقائه حفظا لِمِيزَانٍ الشَّرِيعَة فَأذن ثمَّ أخذت فِي السّير إِلَى أَن وصلت إِلَى الْبَاب الْمَذْكُور فَلَمَّا جاوزته مَرَرْت بالمقبرة فكشف لي عَن أَحْوَال أهل الْقُبُور وَمَا هم عَلَيْهِ وَلم أزل كَذَلِك إِلَى أَن وصلت أَبَا أَيُّوب فزرته وَرجعت وَكَانَ مَا كَانَ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ صَاحب قدم راسخة فِي الْولَايَة وأطبق أهل عصره على ديانته وعفته وَكَانَ لَهُ فِي الْأَدَب وفنونه يَد طولي وَله شعر مِنْهُ قَوْله (أَقُول للقلب لَا تجزع لفائتة ... إِن الزَّمَان مُطِيع أَمر من أمره) (قد يسكن الدَّار وَحقا غير ساكنها ... ويسكن الْبَيْت حَقًا غير من عمره) وَقَوله (اصبر فَإِن الصَّبْر مِفْتَاح الصعاب ... واشكر فَإِن الشُّكْر مدرار السَّحَاب) (وَاعْلَم بِأَن الله يولي عَبده ... أَنْوَاع لطف وَهُوَ لَا يدْرِي الصَّوَاب) وَذكره وَالِدي المرحوم وَأَطْنَبَ فِي تَرْجَمته ثمَّ قَالَ لَازم من شيخ الْإِسْلَام صنع الله بن جَعْفَر الْمُفْتِي ودرس بمدارس قسطنطينية إِلَى أَن وصل إِلَى إِحْدَى مدارس السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 سُلَيْمَان وَولي مِنْهَا قَضَاء القضاه بِالشَّام خَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا ثمَّ عزل وَحكى لي بعض الثِّقَات نَاقِلا عَنهُ أَنه بعد عَزله عزم على الرحلة إِلَى الرّوم فطلع إِلَى زِيَارَة الاستاذ ابْن عَرَبِيّ فخاطبه من دَاخل قَبره بالتربص وَأَنه يَأْتِيهِ فِي يَوْم كَذَا وَقت كَذَا منصب كَذَا فَوَقع لَهُ أَن جَاءَهُ فِي الْوَقْت الْمعِين المنصب الْمعِين وَهُوَ قَضَاء الْقُدس ثمَّ بعد ذَلِك ولي قَضَاء بروسه وأدرنه وقسطنطينية وَأعْطى آخرا رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بأناطولي قَالَ وَالِدي روح الله روحه وتشرفت بِهِ فِي يسفرتي الثَّانِيَة إِلَى الرّوم سنة ثَلَاث وَسبعين والف ثمَّ لَزِمته وَكنت إِذا اجْتمعت بِهِ يتنور باطني وظاهري من مخاطبته وينشرح لسَمَاع فَوَائده صَدْرِي من محاضرته وأنشدته مرّة قولي وَأَنا فِي شدَّة من الْحَال (الْحَال غَدا يكل عَنهُ الشَّرْح ... من سكرته مَتى زماني يصحو) (أَبْوَاب مطالبي جَمِيعًا سدت ... مولَايَ عَسى يكون مِنْك الْفَتْح) فأنشدني لنَفسِهِ قَوْله (فَلَا تحزن إِذا مَا سد بَاب ... فَإِن الله يفتح ألف بَاب) وَكنت تَرْجَمته فِي كتابي النفحة وغيرت تَرْجَمته إِلَى قالب آخر حَسْبَمَا التزمته فِيهَا من الالتزامات فَمَا عَليّ أَن أذكر المعدول عَنهُ إِذْ فِيهِ على كل حَال تطرية فَقلت فِيهِ وَقد ذكرته بعد أَبِيه هُوَ جَار مَعَ أَبِيه فِي ميدانه آخذ من فَضله بعنانه متحل بنعته متخلق بسمته ولد فِي طالع السخاء وغذي فِي حجور الكرماء ومارس البلاغة ممارسة كشفت لَهُ عَن أسرارها وأظفرته بكنوز جواهرها إِذْ لم يظفر غَيره بأحجارها وَكَانَت أوقاته مقسمة بَين عارفة ينيلها أَو ملمة يزيلها ومساءة من الْمسَاوِي يسرها وصنيعة من الصَّنَائِع بدخرها ومجلسه أَوله ثَنَاء جميل وَآخره عَطاء جزيل وَبَينهمَا ترحيب وتأهيل إِذا قَالَ فتحت لثنائه الأفواه وَإِذا روى تحدثت بفضله الرواه وَله من دُرَر المكارم وغرر المآثر مَا يسْتَغْرق نظم كل ناظم ونثر كل ناثر وأنشدت لَهُ تخميسه الْمَشْهُور وَهُوَ فِي صَاحب الْبَهْجَة والنور (يَا حادي العيس إِن حفت بك الكرب ... ألحق هديب بركب سَاقه الطَّرب) (وَقل لصب غَدا بالشوق يلتهب ... لمهبط الْوَحْي حَقًا ترحل النجب) (وَعند هَذَا المرجى يَنْتَهِي الطّلب ... ) (أَعنِي الرَّسُول الَّذِي قد شرف الأمما ... ونال سائله فَوق السما قسما) (يلقى العفاة بِمَا يرجون مُبْتَسِمًا ... بِهِ تحط رحال السَّائِلين فَمَا) (لسائل الدمع مَا يَقْضِيه مَا يجب ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 (إِن رمت كشف العنا وَالْحوب والنوب ... كَذَا الْخَلَاص من الأكدار وَالنّصب) (وَكنت حَقًا سعيداً غير مكتئب ... قف وَقْفَة الذل والإطراق ذَا أدب) (فَعِنْدَ حَضرته يسْتَلْزم الْأَدَب ... ) وَهَذَا التخميس جيد جدا وأظن أَن الأَصْل أَيْضا لَهُ وَله بَقِيَّة اكتفينا عَنْهَا بنبذة نقية وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف بقسطنطينية والشعراني نِسْبَة إِلَى قَرْيَة أبي شعرًا بِمصْر أَبُو السُّعُود بن عَليّ الزين الْمَعْرُوف بالقسطلاني الْمَكِّيّ الْمَالِكِي الشَّيْخ الإِمَام رَأَيْت تَرْجَمته بِخَط صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي وَصفه عَالم عَامل وناسك بركته غيث هامل وَإِمَام بِمثلِهِ يَقْتَدِي وطود بنجوم هَدْيه يَهْتَدِي عَلامَة فِي عُلُوم الْعَرَبيَّة ومثابر على خدمَة خَالق الْبَريَّة كَانَ متلقداً بقلائد العفاف متخلياً عَمَّا يزِيد على الكفاف ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم واشتغل بِالْعلمِ مُدَّة سِنِين تقَارب الْعشْرين وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الْعَلامَة عَليّ بن جَار الله وَالشَّيْخ يحيى بن الْحطاب وَغَيرهمَا وَعنهُ أَخذ الْعَلامَة عبد الله بن سعيد باقشير والفاضل حنيف الدّين المرشدي وَغَيرهمَا وَلم يزل ملازماً لخدمة الْعلم وإفادته منهمكاً على مطالعته ومذاكرته مكباً على إِفَادَة الطّلبَة وَله مؤلفات مِنْهَا الْفَتْح الْمُبين فِي شرح أم الْبَرَاهِين وفوح الْعطر بترجيح صِحَة الْفَرْض فِي الْكَعْبَة وَالْحجر وأملى على الأجرومية شرحاً لطيفاً وَله منظومة فِي مسوغات الِابْتِدَاء بالنكرة وَله شعر حسن مِنْهُ قَوْله (أَلا ثمَّ الْقَوْم حَتَّى أَن أرى رجلا ... أَخا مذاكرة للْعلم ينتسب) (أَقَامَ ذكر عهود بالحمى فَلهُ ... أحن الفاو بالمألوف انتسب) (كأنني هَل إِذا فعل بحيرها ... حنت إِلَيْهِ وَأهل الْعلم تصطحب) أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكره النحويون من أَن هَل مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ إِذا كَانَ فِي حيزها فَلَا يجوز هَل زيد خرج لِأَن أَصْلهَا أَن تكون بِمَعْنى قد كَقَوْلِه تَعَالَى {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين} وَقد مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ فَكَذَا هَل لَكِنَّهَا لما كَانَت بِمَعْنى همزَة الِاسْتِفْهَام انحطت رتبتها عَن قد فِي اختصاصها بِالْفِعْلِ فاخصت بِهِ فِيمَا إِذا كَانَ فِي حيزها لِأَنَّهَا إِذا رَأَتْهُ فِي حيزها تذكرت عهوداً بالحمى وحنت إِلَى الْألف المألوف وَلم ترض بافتراق الِاسْم بَينهمَا وَإِذا لم تره فِي حيزها تسلت عَنهُ وذهلت وَمَعَ وجوده إِن لم يشْتَغل بضمير لم تقنع بِهِ مُقَدرا بعْدهَا وَإِلَّا قنعت بِهِ فَلَا يجوز فِي الِاخْتِيَار هَل زيدا رَأَيْت بِخِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 هَل زيدا رَأَيْته وأنشدني الْفَاضِل الأديب على النجاري الْمَكِّيّ فِي معنى قَول الْقُسْطَلَانِيّ (إِذا غَابَ كَانَ الْميل مني لغيره ... ون لَاحَ كَانَ الْميل مني لَهُ حتما) (كَأَنِّي هَل فِي النَّحْو وَالْفِعْل حسنه ... وكل الورى أَن لَاحَ محبوبي الأسمى) (وَلأبي السُّعُود أَيْضا ... ) (فَبَيْنَمَا الشَّخْص يمشي وَهُوَ فِي فَرح ... إِذْ صَار فِي النعش مَحْمُولا على الْكَتف) (فعد زاداً هُوَ التَّقْوَى وَكن حذرا ... واكثر من الذّكر وَالْأَحْزَان والأسف) وَله أَيْضا (أَلا لَيْت شعري هَل أبيتن لَيْلَة ... بروضة من بِالصّدقِ كَانَ يَقُول) (وَهل أبصرن تِلْكَ الْمعَاهد والربى ... وَهل يقعن لي نظرة وَقبُول) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بالمعلاة بِمَكَّة المشرفة رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو السُّعُود بن مُحَمَّد الْحلَبِي الْمَعْرُوف بالكوراني الأديب الشَّاعِر الْفَائِق كَانَ لطيف الطَّبْع جيد الفكرة وَله محاضرة رائقة ومفاكهة فائقة مَعَ حَدَاثَة سنه وطراوة عوده وشعره عَلَيْهِ طلاوة وَفِيه عذوبة وقفت لَهُ على قصيدة غرا فريده زهراً ومطلعها (أجل إِنَّهَا الآرام شيمتها الْغدر ... فَلَا هجرها ذَنْب وَلَا وَصلهَا عذر) (ففر سالما من ورطة الْحبّ واتعظ ... بحالي فَإِن الْحبّ أيسره عسر) (وقدها جنى فِي الأيك صدح مغرد ... بِهِ حلت الأشجان وارتحل الصَّبْر) (يذكرنِي تِلْكَ اللَّيَالِي الَّتِي انْقَضتْ ... بلذة عَيْش لم يشب حلوه مر) (سقيت ليَالِي الْوَصْل مزن غمامة ... فقد كَانَ عيشي فِي ذراك هُوَ الْعُمر) (فكم قد نعمنا فِيك مَعَ كل أغيد ... رَقِيق الْحَوَاشِي دون مبسمه الزهر) (لقد خطّ ياقوت الْجمال بخده ... جداول من مسك صحيفتها الدّرّ) (وَروض بِهِ جر الْغَمَام ذيوله ... فَخر لَهُ وجدا على رَأسه النَّهر) (وَقد أرقص الأغصان تغريد ورقه ... وأضحك ثغر الزهر لما بَكَى الْقطر) (وَضاع بِهِ نشر الخزامى فعطرت ... نسيم الصِّبَا مِنْهُ وَيَا حبذا الْعطر) (بَدَائِع من حسن البديع كَأَنَّهَا ... إِذا مَا بَدَت أَوْصَاف سيدنَا الغر) وَمن مقاطيعه قَوْله (كَأَنَّمَا الْوَجْه وَالْخَال الْكَرِيم بِهِ ... مَعَ العذار الَّذِي اسودت غدائره) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 (بَيت الْعَتِيق الَّذِي فِي رُكْنه حجر ... قد أسبلت من أعاليه ستائره) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بحلب سنة سِتّ وَخمسين وَألف وَأَبوهُ مُحَمَّد شَاعِر مثله حسن السبك دَقِيق الملاحظة وَلَقَد سَأَلت عَن وَفَاته كثير من الحلبيين فَلم أظفر بهَا فَلهَذَا لم أفرده فِي هَذَا الْكتاب بترجمة وذكرته هُنَا رَغْبَة فِي تطريز هَذَا التَّارِيخ بِشعرِهِ وَمَا أوردهُ لَهُ قد ذكر غالبه البديعي وَلم يوفه فِي تَرْجَمته حَقه فَمَا أوردهُ لَهُ قَوْله (بدر أدَار على النُّجُوم براحة ... شمسا فنارت فِي كؤوس رحيقه) (شمس إِذا طلعت كَانَ وميضها ... برق تلألأ عِنْد لمع بريقه) (يسقى وَإِن عزت عَلَيْهِ ورام أَن ... يشفى لداء محبه وحريقه) (فيديرها من مقلتيه وَتارَة ... من وجنتيه وَتارَة من رِيقه) وَقَوله (عجبت لما أبداه وَجه معذبي ... من الْحسن كالسحر الْحَلَال وأسحر) (بوجنته ياقوت نَار توقدت ... عَلَيْهَا عذار كالزمرد أَخْضَر) وَقَوله مضمناً (مليك جمال أنبت الْعِزّ خَدّه ... نباتاً لَهُ كل المحاسن تنْسب) (فكررت لثم الخد مِنْهُ لطيبه ... وكل مَكَان ينْبت الْعِزّ طيب) وَقَوله (ومهفهف لدن القوام وَوَجهه ... قمر تقمص بالعذار الْأَخْضَر) (فتق العذار بخده فَكَأَنَّمَا ... فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر) أَبُو السُّعُود بن الشّرف يحيى بن أَحْمد بن أبي السُّعُود بن تَاج الدّين بن أبي السُّعُود ابْن جمال الدّين بن القَاضِي الْجمال مُحَمَّد بن أَحْمد صفي الدّين ابْن مُحَمَّد بن روزبة بن أبي الثَّنَاء مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الكازروني الْمدنِي الزبيرِي نِسْبَة إِلَى الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ الشَّافِعِي إِمَام الشَّافِعِيَّة بِطيبَة الطّيبَة كَانَ فَاضلا ذَا همة عالية وَنَفس مطمئنة ومحاضرة لَطِيفَة وجاه عريض مَعَ خشيَة الله تَعَالَى والتورع فِي كثير من أُمُور الدُّنْيَا والتقلل مِنْهَا وَالتَّعَفُّف عَنْهَا خطبَته المناصب السّنيَّة فأباها وَرفعت لَهُ عَن نقاب زخرفها فَنَهَاهَا وَكَانَ لَهُ همة عَظِيمَة فِي النّسخ لم يضيع أوقاته بِلَا شَيْء مِنْهُ فَجمع بذلك كتبا نفيسة بِخَطِّهِ وَكَانَ ملازماً لورد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سَيِّدي أَحْمد ابْن مُوسَى العجيل كَمَا أوصاه بِهِ وَالِده من حِين خرج من الْمكتب إِلَى وَفَاته وَأوصى هُوَ بِهِ وَلَده الْفَاضِل الْخَطِيب عبد الرَّحْمَن وَكَانَ يَقُول إِنَّه دِرْهَم الْكيس وَحفظ الْقُرْآن وجوده وَحفظ كتبا فِي الْفِقْه والأصلين وألفية ابْن مَالك والشاطبية والرحبية وَغَيرهَا وَقَرَأَ على كثير من الْمَشَايِخ كالسيد حُسَيْن السَّمرقَنْدِي الْمدنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَأخذ عَن عَمه الإِمَام مُحَمَّد تَقِيّ الدّين الكازروني الْمِنْهَاج وَشَرحه لِابْنِ حجر وَعَن خَاتِمَة الْمُحَقِّقين عبد الْملك العصامي ومولات الْمَالِكِي وَأحمد بن مَنْصُور وَالْإِمَام عبد الرَّحْمَن الخياري وَغَيرهم وَلزِمَ الإفادة وَصَلَاة الْجَمَاعَة بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ بِحَيْثُ لايفوته فرض إِلَّا لعذر وَكَانَ لَا يخرج من الْمَسْجِد إِلَّا آخر النَّاس خُصُوصا بعد صَلَاة الْعشَاء وَيَقُول أحب أَن أكون آخر النَّاس خُرُوجًا أَوَّلهمْ دُخُولا وَكَانَ وَالِده يلْزمه وَهُوَ مراهق بِحُضُور صَلَاة الصُّبْح مَعَ الْجَمَاعَة وَحُضُور قِرَاءَة الْوَظَائِف وَاسْتمرّ على ذَلِك وَمن عَادَة أهل الْمَدِينَة غَالِبا إِذا جَاءَ وَقت الصَّيف يخرجُون إِلَى النّخل قَالَ وَكَانَ لوالدي نخل بالمقصرة عِنْد الْميل الْأسود فطلع هُوَ وطلعنا مَعَه وَالْوَقْت صيف فانتبهت لَيْلَة من النّوم وَكَانَت مُقْمِرَة فتوهمت أَن النَّهَار أَسْفر وفاتني حُضُور الْجَمَاعَة فانزعجت ثمَّ تَوَضَّأت وَفتحت بَاب النّخل وَذَهَبت إِلَى أَن وصلت مَحل الدَّاعِي بِبَاب الْجُمُعَة فَإِذا الريس أول مَا ابْتَدَأَ فِي التهليل على المنارة فتحيرت حِينَئِذٍ وَعرفت أَنِّي قد اغتريت بالقمر وَأَن اللَّيْل بَاقٍ وَلَا يمكنني الرُّجُوع إِلَى الْمحل لِأَنِّي أهاب الدُّخُول بَين تِلْكَ النخيل وَلَا أجد قدرَة على الدُّخُول فِي البقيع فِي تِلْكَ السَّاعَة لكَون الْمحل مهاباً عَادَة ثمَّ ألهمني الله تَعَالَى وقوى جناني إِلَى أَن عزمت على التَّقَدُّم إِلَى البقيع فِي تِلْكَ السَّاعَة فتقدمت باسم الله إِلَى أَن جَلَست على بَاب عمات النَّبِي واتكأت على بَاب الْقبَّة وَوضعت العباءة على رَأْسِي فَبعد سَاعَة لم أشعر لَا بفانوس أقبل من جِهَة سيدنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ حَتَّى وقف بِهِ حامله بِالْقربِ مني وَمَعَهُ جمَاعَة مبيضون ثمَّ بعد سَاعَة أقبل فانوس آخر من جِهَة قبَّة الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ ووقف بِهِ حامله بِالْقربِ من بَاب الْجُمُعَة وَمَعَهُ جمع مبييضون أَيْضا ثمَّ بعد سَاعَة أقبل جمَاعَة كَثِيرُونَ من الدَّرْب الَّذِي أتيت مِنْهُ إِلَى الْمحل الَّذِي أَنا بِهِ من درب الْغنم وَمَعَهُمْ فانوس وَلَهُم حَرَكَة عَظِيمَة فَسلم وَاحِد على الْجمع الأول فَردُّوا سَلَامه فقصدوا بَاب السيدة فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فَإِذا هُوَ مَفْتُوح فَدَخَلُوا فَدخلت مَعَهم وقصدوا جِهَة الصَّحَابَة فَأَرَدْت الدُّخُول مَعَهم فَوقف لي رجل مِنْهُم وَقَالَ لي هَهُنَا حدك فوقفت عِنْد قبر السيدة فَاطِمَة أتهجد سَاعَة ثمَّ خَرجُوا وَخرجت مَعَهم فَخَرجُوا من بَاب الْجَبْر ثمَّ من بَاب الْجُمُعَة فَخرجت مَعَهم فوقفوا هُنَاكَ بعد أَن توجهوا إِلَى الْقبْلَة ودعوا وَأَنا مَعَهم فَالْتَفت إِلَى رجل مِنْهُم وضيء وَقَالَ لي من أَنْت قلت أَبُو السُّعُود بن يحيى الكازروني فَرفع يَده وطبطب بهَا بَين كَتِفي وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 بَارك الله فِيك حصلت لَك الْعِنَايَة ولذريتك ثمَّ تفَرقُوا على أسْرع مَا يكون حَتَّى كَأَنَّهُ لم يكن وَالْوَقْت بَاقٍ فَرَجَعت إِلَى الْمَكَان الَّذِي كنت فِيهِ بَقِيَّة لَيْلَتي فَبعد هنيهة إِذا بحس قافلة مقبلة أسمع وَلَا أرى ثمَّ بعد ذَلِك رَأَيْت رجلا مُقبلا من جِهَة درب الْجَنَائِز يَقُود جملا عَلَيْهِ شقدف عَلَيْهِ ثوب أَبيض وَرجل من خلف الْجمل يَسُوقهُ وهما فِي صفة يمانيين بازار فَقَط فَقلت هَذِه قافلة لبَعض أهل الحارة تحط هُنَا أتونس بهَا إِلَى أَن يفتح الْبَاب فَإِذا هما طلعا إِلَى البقيع وأخذا فِي السّير فَبَقيت مُتَعَجِّبا من هذَيْن الرجلَيْن من أَيْن وَإِلَى أَيْن إِلَى العريض فَمَا هُوَ وقته أوالي العوالي فَمَا اتّفق أَن أحدا يذهب إِلَيْهِ بشقدف فَإِذا هم قصدُوا جِهَة بِالْقربِ من سيدنَا إِبْرَاهِيم بن رَسُول الله فبركوا الْجمل ثمَّ أخذُوا فِي الْحفر أَرَاهُم أخرجُوا من ذَلِك الْقَبْر شَيْئا وأدخلوه فِي الشقدف وأخرجوا من الشقدف شَيْئا وأدخلوه ذَلِك الْقَبْر ثمَّ دفنوه وَأَنا أنظر إِلَيْهِم من مَكَاني وَبعد سَاعَة أناروا الْجمل فَقَامَ وَإِذا بالشقدف وَعَلِيهِ ثوب مسود بعد ذَلِك الْبيَاض الأول ومروا عَليّ فَلَمَّا جاوزوني قُمْت فمسكت قَائِد الْجمل من يَده وَقلت لَهُ من تَكُونَا فَقَالَ إِلَيْك عَنَّا نَحن الْمَلَائِكَة النقالة فتأخرت واقشعر جلدي وَذهب لبي ثمَّ أذن الريس للصبح وَفتح الْبَاب فَكنت أول من دخل فقصدت الْمَسْجِد وزرت الحضرة الشَّرِيفَة وَصليت سنة الْفجْر ثمَّ قَامَت الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة فَصليت مَعَ الْجَمَاعَة ثمَّ حضرت وظائفي فقرأتها مَعَ أَصْحَابِي وَرجعت للنخل وأخبرت وَالِدي بذلك كُله فَقَالَ لَا بقيت تذْهب وَأَنا أقيم فِي وظائفك نَائِبا عَنْك وناب عني انْتهى وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة نظم ونثر ثابتان فِي مجاميعه وَله تذكرة لَطِيفَة جمع فِيهَا من كل غَرِيبَة ونادرة وَلما وقف عَلَيْهَا عَليّ بن غرس الدّين الخليلي الْمدنِي قَالَ مادحاً لَهُ (لله در بارع ... أتحفنا بتذكره) (حوت علوماً جمة ... على التقى مذكره) (تغنى عَن المغنى فِي ... نَحْو لما قد ذكره) (وفقهها يَكْفِي الْفَقِيه ... عَن كتاب حَرَّره) (وشعرها رب الشُّعُور ... من كَلَام الْخيرَة) (عروضها يعرض أَن ... يدعى لَهُ بالمغفرة) (فِيهَا أَحَادِيث عَن الْمولى ... عَليّ حيدره) (أبي الْحُسَيْن من زكا ... أصلا وضاءت زهره) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 (وَكم حَدِيث ثَابت ... عَن حَافظ قد قَرَّرَهُ) (وطرفة طريفة ... بظرفها مخدره) (ونكتة بديعة ... على العدا مظفره) (وتحفة نفيسة ... بروضها مسطره) (قد نقلت عَن مُسْند ... من صحف مطهره) (وَكتب مَرْفُوعَة ... بَين الورى محبره) (لَا سِيمَا وَهُوَ على ... أَيدي كرام برره) (وُجُوههم وجيهة ... على الدَّوَام مسفرة) (مبيضة من التقى ... ضاحكة مستبشرة) (وَقد أنار سلكها ... بدرّة وجوهرة) (من نظمه البديع مَعَ ... نثر لَهُ قد نثره) (أَبُو السُّعُود الْفَاضِل المفضال ... نجل الخيره) (أعنى الحواريين وَالصديق ... نعم المدره) (وَهُوَ الإِمَام للورى ... فِي طيبَة المطهره) (فدام مَحْفُوظًا مَعَ ... النجل وَأبقى عمره) وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة بِالْمَدِينَةِ وَتُوفِّي بهَا فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وَصلى عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ بعد صَلَاة الْعَصْر وَدفن ببقيع الْغَرْقَد بِقرب تربة وَالِده وأسلافه عِنْد قبر سيدنَا إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله أَبُو سعيد بن أسعد بن مُحَمَّد سعد الدّين ابْن حسن جَان القسطنطيني المولد والمنشأ والوفاة شيخ الْإِسْلَام بن شيخ الْإِسْلَام بن شيخ الْإِسْلَام وعلامة الْعلمَاء الْأَعْلَام الَّذِي ابتهجت بِهِ الْأَيَّام والليالي وافتخرت بِهِ وببيته الْمَرَاتِب العوالي مفتي السلطنة العثمانية وأوحد كبراء الدولة الخاقاقية جمع الْفَضَائِل كلهَا وحوى المحاسن دقها وجلها فَمَا من فَضِيلَة إِلَّا فِيهِ أَصْلهَا ومقرها وَلَا مِدْحَة إِلَّا وَصِفَاته الْعلية أَصْلهَا ومستقرها دَانَتْ لَهُ اللَّيَالِي فَجلى ظلمَة الحنادس وتدانت لَهُ سَمَاء الْمَعَالِي فصافح يَد الثريا وَهُوَ جَالس وَبِالْجُمْلَةِ فحلالة قدره وسمو فخره غنيان عَن التَّعْرِيف وهما مِمَّا يشرفان التوصيف وَكَانَ عَالما فَاضلا أديب كَامِلا بليغ الْخطاب كثير الْآدَاب لَهُ يشوبه فِي المدحة شائب وَجَمِيع صِفَاته حَسَنَة أطايب وَله الْوَقار الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 يرجح على الْجبَال الرواسِي والسكون الَّذِي تتعظ بِهِ الْقُلُوب القواسي وَكَانَ مثابرا على الْعِبَادَة الصَّدقَات ملازما للأوراد الْأَذْكَار فِي الخلوات والجلوات اشْتغل فِي مبدأ أمره وبرع ونظم الشّعْر التركي وَله شعر عَرَبِيّ أَيْضا إِلَّا أَنه قَلِيل أورد مِنْهُ وَالِدي رَحمَه الله فِي تَرْجَمته قطعتين استحسنت أَحدهمَا وَهِي هَذِه وكتبت بهَا على مؤلف الْعَلَاء الطرابلسي فِي الْفَرَائِض (كتاب نَفِيس للفوائد جَامع ... مُفِيد لطلاب الْمسَائِل نَافِع) (على حسن تَرْتِيب تجلى مُجملا ... فقرت عُيُون الورى ومسامع) (بدا معجيا إِذْ لم تَرَ الْعين مثله ... بِهِ نور آثَار الْفَضَائِل لامع) (لجامعه فَخر الْأَئِمَّة سودد ... لرايات أنوار المكارم رَافع) (أَفَاضَ عَلَيْهِ الرب من سحب جوده ... فَإِن غمام الْفضل مِنْهُ لوامع) وَكَانَ لَازم على عَادَة عُلَمَاء الرّوم من عَمه شيخ الْإِسْلَام الْمولى مُحَمَّد وَلم يزل يترقى فِي الْمدَارِس حَتَّى صَار قَاضِي قُضَاة الشَّام ودخلها نَهَار الْأَرْبَعَاء سادس عشر الْمحرم سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ ألف وَكَانَ وَالِده مفتي الدولة وَقَالَ الأديب مُحَمَّد بن يُوسُف الكريمي فِي تَارِيخ قدومه (أَهلا بأكمل فَاضل ... رب الحجى المتكامل) ... يَا مرْحَبًا بقدوم غيث ... فِي مقَام ماحل) (لما أَتَاهَا حَاكما ... رب الْعَطاء الشَّامِل) (تَارِيخ مقدمه أَتَى ... فِي بَيت شعر كَامِل) (زهيت معالم جلق ... بِأبي سعيد الْعَادِل) وَهُوَ أجل من ولي الشَّام من الْقُضَاة وأعفهم وأعظمهم قدرا وَقد سَار سيرة فِي أَحْكَامه أنست من تقدمه وأتعبت مَا جَاءَهُ بعده وَجَاء الْخَبَر وَهُوَ قَاض أَن السُّلْطَان عُثْمَان بن السُّلْطَان أَحْمد قد تزوج بأخته فَجمع إِلَى سعوده سَعْدا وَبعد ذَلِك بِمدَّة جزئية ورد عَلَيْهِ خبر مقتل السُّلْطَان وعزل وَالِده عَن الْفتيا ثمَّ عزل هُوَ أَيْضا عَن قَضَاء الشَّام ورحل إِلَى الرّوم فِي سادس عشرى شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ بعد وُصُوله الرّوم بِمدَّة ولى قَضَاء بروسه والغلطة ثمَّ قَضَاء قسطنطينة وعزل مِنْهَا ثمَّ أُعِيد إِلَيْهَا ثَانِيًا وَنقل مِنْهَا إِلَى قَضَاء الْعَسْكَر بأناطولي ثمَّ نقل إِلَى روم إيلي وعزل عَنْهَا وأعيد ثَانِيًا ثمَّ صَار مفتي التخت ثَلَاثًا وَكَانَ كلما أُعِيد إِلَيْهَا تَلا قَوْله تَعَالَى هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا وَكَانَ يكْتب فِي الفتاوي الَّتِي ترفع إِلَيْهِ فَوق السُّؤَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَأول من غير مختارات الْمُفْتِينَ من كتابتهم اللَّهُمَّ يَا ولي الْعِنَايَة والتوفيق نَسْأَلك الْهِدَايَة إِلَى أقوم طَرِيق جده سعد الدّين كَانَ يكْتب اللَّهُمَّ يَا مُجيب كل سَائل نَسْأَلك تسهيل الْوَسَائِل إِلَى حل مشكلات الْمسَائِل ثمَّ تبعه ابْنه أسعد وَالِد أبي سعيد فَكَانَ يكْتب الله الْهَادِي عَلَيْهِ اعتمادي وَأُصِيب فِي آخر تولياته للْفَتْوَى بِنَهْب دَاره وَأخذ لَهُ أَشْيَاء لَا يُمكن حصرها وَكَانَ سَبَب ذَلِك قيام الْعَسْكَر على الْوَزير الْأَعْظَم أبشير وَبعد وُقُوع هَذِه الْحَالة اختفى مُدَّة ثمَّ أَمر بالتوجه نَحْو بِلَاد أناطولي وَأعْطِي قَضَاء قونية فَلم يفعل وَأرْسل إِلَيْهِ قَضَاء الشَّام فَلم يقبله ثمَّ أَمر بِالْعودِ إِلَى وَطنه وَبَقِي فِي الاختفاء مُدَّة مديدة إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث بعد الْألف وَتُوفِّي فِي ذِي الْقعدَة سنّ اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة أجداده بِالْقربِ من تربة أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ وَبَنُو سعد الَّذين هَؤُلَاءِ يُقَال لَهُم بَيت الخوجا لِأَن جدهم الْمَذْكُور كَانَ معلم السُّلْطَان مُرَاد بن سليم من كبراء الْعلمَاء فِي الدولة كَانَ جدهم حسن جَان الْمَذْكُور عِنْد السُّلْطَان سليم الْأَكْبَر لَهُ الحظوة التَّامَّة وَهُوَ من كبراء دولته الْعلية وَولد لَهُ سعد الدّين وَهُوَ الَّذِي عظم بِهِ قدر بَيتهمْ وسما وتشعبت أبناءه حَتَّى تزينت بهم المحافل والرتب وخلدت مآثرهم فِي دواوين السّير وَالْأَدب وَقد خرج مِنْهُم فذ بعد فذ تطرب المسامع بِذكر اوصافه وتلتذ وكل مِنْهُم عرف بمزيه واختص بفضيلة سنية وفضلهم وَقدم صدارتهم مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَى إِيضَاح بل هُوَ أشهر فِي الخافقيني من الصَّباح وَسَيَأْتِي فِي كتَابنَا هَذَا مِنْهُم جمَاعَة كل مِنْهُم مُنْفَرد بترجمة مُسْتَقلَّة أَبُو السماع الْبَصِير الْمصْرِيّ الشَّاعِر البديهي أعجوبة الزَّمَان وَأحد الْأَفْرَاد فِي البديهة وارتجال الشّعْر وَكَانَت طَرِيقَته إِذا أَرَادَ الارتجال أَن يبْدَأ بإنشاد قصيدة من كَلَام أحد الشُّعَرَاء الْمُتَقَدِّمين بِصَوْت شجي وَفِي أثْنَاء إنشاده يبتدر على وزن تِلْكَ القصيدة فِي أَي بَاب كَانَ من أَبْوَاب الشّعْر مدحا كَانَ أَو غزلا أَو غَيرهمَا وَورد دمشق فِي أَوَائِل شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف فأنزله أديب الزَّمَان أَحْمد الشاهيني عِنْده وَأَقْبَلت عَلَيْهِ أَعْيَان الشَّام وأدباؤها لغرابة حَاله وتفوقه فِي شَأْنه وَمِمَّا قَالَ فِيهِ اشاهيني الْمَذْكُور (إِن هَذَا أَبَا السماع لشيخ ... فاق فِي الارتجال كل الرِّجَال) (فَهُوَ ثَانِي الْأَفْرَاد فِي كل عصر ... وَهُوَ فَرد الرِّجَال فِي الارتجال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَقَالَ فِيهِ الأديب مُحَمَّد بن يُوسُف الكريمي من أَبْيَات (فَخر لفخر فِي الزَّمَان بديع ... مَا حازه فِي الغابري من بديع) (وَحَدِيثه فَلَقَد أَتَانِي ذكره ... متواترا حَتَّى انْتَفَى مَوْضُوع) (صدقت مَا خبرته من فنه ... صَحَّ السماع فَصدق المسموع) (ندب على غير القياسي قد أَتَى ... أَهلا بِهِ فالعمر مَعَه ربيع) وَكَانَ مُشَوه الْخلقَة قَبِيح المنظر فَقَالَ فِيهِ بعض الأدباء (أَبُو السماع اسْمَع بِهِ وَلَا تره ... فوصفه نَاقض فِيهِ مخبره) (شَيْئَانِ فِيهِ موجبان قسوره ... عمى وخلقه لَدَيْهِ منكره) وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة وودع علماءها ونجباءها هَاشم ثمَّ رَحل إِلَى طرابلس قَاصد أقاضيها الأديب البارع عبد اللَّطِيف الْمَعْرُوف بأنسي الرُّومِي وَحصل مِنْهُ عطايا طائلة ورحل إِلَى مصر قَالَ وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى وَلما كنت بِمصْر زارني مرّة وَأَنا نَائِب الصالحية فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَألف فرأيته فِي حَالَة ردية حَتَّى كدت أنكرهُ ثمَّ تعرفت مَعَه وذكرته بأيامه بِدِمَشْق فَبكى بكاء شَدِيدا ثمَّ طفق ينشد الأبيات الْمَشْهُورَة لسيدي عَليّ وفا رَحمَه الله وَهِي (قد كنت أَحسب أَن وصلك يَشْتَرِي ... بعظائم الْأَمْوَال والأرواح) (وَعلمت حَقًا أَن وصلك هَين ... تفنى عَلَيْهِ نفائس الأشباح) (لما رَأَيْتُك تجتبي وتخص من ... أجتبيته بلطائف الأمناح) (أيقنت أَنَّك لَا تنَال بحيلة ... فَجعلت رَأْسِي تَحت طي جناحي) (وَجعلت فِي عش الغرام إقامتي ... فِيهِ غدوى دَائِما ورواحي) وَبعد مَا أتمهَا نسج على منوالها قصيدة مدحني بهَا وَانْصَرف وَسَأَلت من لَهُ بعض معرفَة عَن سَبَب تبدل حَاله فَذكر لي أَنه حصل لَهُ مقت من جَانب السادات بني الوفا وَكَانَ هُوَ فِي الأَصْل من أتباعهم فطردوه انْتهى قلت وَلَقَد سَأَلت كثيرا مِمَّن لَقيته من أهل مصر وَأهل بَلْدَتنَا عَن وَفَاة أبي السماع فَلم أظفر بهَا لَكِن ذكر لي بَعضهم على وَجه الظَّن أَن وَفَاته كَانَت فِي حُدُود سنة خمس أَو سِتّ وَسِتِّينَ وَألف أَبُو الصفاء بن مَحْمُود بن أبي الصفاء الأسطواني الدِّمَشْقِي وَهُوَ جدي لأمي ولد بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا وَكَانَ حنبليا على مَذْهَب أسلافه وَله مُشَاركَة جَيِّدَة فِي فقه مَذْهَبهم وَغَيره وَقَرَأَ فِي آخر أمره فقه الْحَنَفِيَّة على الْعَلامَة رَمَضَان بن عبد الْحق العكاري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَكَانَ من جملَة الرؤساء وفضلاء الْكتاب ولي خدماً كَثِيرَة من كتابات الخزينة والأوقاف وَكَانَ كَاتبا بليغاً كَامِل الْعقل حسن الرَّأْي مَيْمُون النقيبة ورزق دنيا طائلة وسعة وَكَانَ كثير التنعم وافر الْخَيْر محظوظاً فِي الدُّنْيَا وَبلغ من الْعُمر كثيرا وَهُوَ فِي نشاط الشبَّان وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن كَانَ مِمَّن توفرت لَهُ الدَّوَاعِي ونال من الْأَيَّام حَظه وَكَانَ مَعَ ذَلِك سمح الْكَفّ دَائِم الْبشر وَكَانَت صدقاته على الْفُقَرَاء دارة وخيراته واصلة وانتفع بِهِ جمَاعَة وَمِنْه أثروا وَبِه استفادوا وَالْحَاصِل أَنه كَانَ من محَاسِن دهره وأكارم عصره وَكَانَت وَفَاته فِي شهر ربيع الأول سنة سِتِّينَ ألف وَدفن بمقبرة الفراديس فِي تربة الغرباء رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو طَالب بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن علوي بن أبي بكر الحبشي ابْن عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد أَسد الله ابْن حسن بن عَليّ بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الْمُقدم ولد بِمَدِينَة مريمه من أَرض حَضرمَوْت واشتغل بالفنون وَجمع الله تَعَالَى لَهُ بَين حسن الْحِفْظ والفهم ثمَّ رَحل إِلَى أَرض السواحل وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة ثمَّ رَحل إِلَى الديار الْهِنْدِيَّة وَأخذ بهَا عَن بعض الْفُضَلَاء وَكَانَ كثير الاستحضار للمستحسنات من الْأَشْعَار والحكايات وَله نظم ونثر ثمَّ وَفد على بعض مُلُوك الْهِنْد فَوَقع عِنْده موقعاً عَظِيما وَجلسَ عِنْده للتدريس الْعَام وَكَانَ عَالما بِعلم الْفَرَائِض والحساب وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْأَدَب ثمَّ ترك ذَلِك كُله واشتغل بِالْعبَادَة وَلزِمَ الطَّرِيقَة الموصلة وَرجع إِلَى وَطنه فَركب الْبَحْر فَقدر الله تَعَالَى أَن سقطوا على أَرض عمان وَأقَام بهَا مُدَّة حَتَّى مَاتَ وَكَانَت وَفَاته سنة خمس وَخمسين وَألف وَدفن بِأَرْض عمان فَلَمَّا فرغوا من دَفنه فِي لحده سمعُوا هزة وطلع مِنْهَا نور لحق عنان السَّمَاء فنبشوا عَلَيْهِ فَلم يَجدوا جثته وَلَا الْكَفَن رَحمَه الله تَعَالَى الشريف أَبُو طَالب بن حسن بن أبي نمى مُحَمَّد بن بَرَكَات بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن حسن ابْن عجلَان بن رمية بن أبي نمى مُحَمَّد بن أبي سعيد الْحسن بن عَليّ بن قَتَادَة بن إِدْرِيس ابْن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن عِيسَى بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن مُوسَى بن عبد الله الْمُحصن ابْن الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم صَاحب مَكَّة والحجاز كَانَ من أمره أَنه لما كبر أَبوهُ فوض أَولا نِيَابَة الْإِمَارَة لِابْنِهِ الشريف حُسَيْن فَلم يطلّ أمره فِيهَا فَمَاتَ فولاها شقيقه الشريف مَسْعُود وَكَانَ مَوْصُوفا بالشجاعة وَالْقُوَّة لَكِن لم يسْلك فِيهَا مسلكاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 مرضياً وَتُوفِّي وَهُوَ شَاب فآلت إِلَى أبي طَالب صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ ذَا فكر صائب وشجاعة عَظِيمَة وفضيلة باهرة وفَاق سَائِر إخْوَته وَبعد مَا حكم بالنيابة عَن أَبِيه مُدَّة أَمر أَبوهُ أُمَرَاء الْحجاز أَن يلبسوه الخلعة الْكُبْرَى وألبسوا وَلَده عبد الْمطلب الخلعة الثَّانِيَة فلبساهما ثمَّ جهز من أَتْبَاعه الْأَمِير بهْرَام بهدية سنية إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فِي هَذَا الْخُصُوص وَالْتمس من السُّلْطَان مُحَمَّد خَان بن السُّلْطَان مُرَاد تقريراً بذلك فَأُجِيب إِلَى ملتمسه وَرجع بهْرَام بالتقارير وَصُورَة منشورة مَذْكُورَة فِي رَيْحَانَة الخفاجي وَهُوَ من إنشائه لكنه مطول أَعرَضت عَن كِتَابَته لطوله ويعجبني مِنْهُ مَحل وَهُوَ قَوْله فِي مُخَاطبَة الشريف حسن وَقد ورد من جنابه رَسُول تَلقاهُ من سدتنا نسيم الْقبُول إِذْ جاب الفيافي من خزنها وسهلها وَأدّى الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا وَكَانَ كالميل سلك بَين الجفون فأجاد ومتع الْعُيُون بإثمد الصّلاح والسداد وَمَعَهُ منشور أرق من نسيم السحر مُعرب عَن الْعين بالأثر فَأخْبر أَن مرسله أَرَادَ الْفَرَاغ وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ وتضمن منشوره الْمَذْكُور أَنه أَرَادَ الاسْتِرَاحَة من نصب المناصب والتقاعد عَمَّا بهَا من الْمَرَاتِب رَغْبَة عَن زخرف الْحَيَاة إِلَى خدمَة سَيّده ومولاه وَأَن نجله النجيب الْجَلِيل الحسيب النَّاشِئ فِي حجر الشّرف الباهر الْمُسْتَخْرج من أطيب العناصر لَيْث غابة بيض الصفاح وَسمر العسالة الرماح عَلَيْهِ أَمارَة الْإِمَارَة ومخايل النجابة والصدارة (بلغ السِّيَادَة فِي ابْتِدَاء شبابه ... إِن الشَّبَاب مَطِيَّة للسودد) وَسَأَلَ أَن نقلده صارم إِمَارَة تِلْكَ الديار وَمَا يتبعهَا من الْبلدَانِ والأقطار على مَا جرت بِهِ عَادَة سلفه الَّذِي سلف وقانون من خَلفه من الْخلف فأجبناه إِلَى مُرَاده وأمددناه بإسعافه وإسعاده لِأَنَّهُ إِنَّمَا نزع صارمه من يَده إِلَى يَده الْأُخْرَى وَجعله من بعد يمن الْيُمْنَى فِي يسَار الْيُسْرَى فسارت الْإِمَارَة من حرم إِلَى حرم وَلم تخرج من جيران نجد وَذي سلم وخلعنا عَلَيْهِ حللاً تأنق واشيها ورقت حواشيها ونظرنا إِلَيْهِ بنظرنا الَّذِي هُوَ اكسير أَن يحسن فِي الْعَمَل وَالتَّدْبِير وَينظر إِلَى الرعايا بِعَين الرِّعَايَة ويصونهم عَن أهل الضَّلَالَة والغواية ويؤمن تِلْكَ الْمَنَاسِك ويحرس تِلْكَ المسالك ويختار من قومه من يحرسها من الْأَعْدَاء ويحميها من كل قَاصِر فِي فعله تعدى وَيبْطل مَا فِيهَا من المكوس والمظالم وَيُقِيم الْحُدُود على مستحقيها من كل بَاغ وظالم ليخلد فِي صَحَائِف تِلْكَ الْبِلَاد الْحَسَنَات ويمحو مَا فِيهَا من آثَار السَّيِّئَات ويتصرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فِي بندر جدة على الْعَهْد الْقَدِيم وَمن جاور ذَلِك الْمقَام فليسعفه بالنعيم الْمُقِيم وَمن يرد فِيهِ بالحاد بظُلْم نذفه من عَذَاب أَلِيم ويحرس الوافدين إِلَى ذَلِك الْبَلَد الْأمين بِإِقَامَة شَعَائِر شرائع الدّين ويحمي بحمايته من ورد أَو صدر ويحرس مواردهم الصافية من الكدر ويلاحظ مَا للتحليل من صَالح الدَّعْوَات فِي قَوْله وَاجعَل هَذَا الْبَلَد آمنا وارزق أَهله من الثمرات ثمَّ ليعلم كل من كحل بَصَره باثمد منشورنا الْكَرِيم وشنف مسامعه بِلَا آلىء لَفظه الْعَظِيم مِمَّن فِي دارة تِلْكَ الديار وهالة تِلْكَ الأقطار وانتظم فِي سلك سكان الْقرى والأمصار من السادات الْكِرَام والقضاة والحكام وولاة الْأُمُور من الْأَعْيَان والوافدين على تِلْكَ الديار والسكان أَن إِمَارَة تِلْكَ الْمعَاهد وَمَا فِيهَا من العساكر وَمَا أحاطت بِهِ من الأصاغر والأكابر وَسَائِر الْوَظَائِف والمناصب والجهات والمراتب مفوضة إِلَى السَّيِّد السَّنَد أبي طَالب نَاظرا بِعَين الْإِنْصَاف متجنباً سَبِيل الاعتساف وَيصرف الْمُسْتَحقّين بِحسن التصريف وَيصرف من لَا يسْتَحق بِرَأْيهِ الشريف أقمناه مقَام نفسنا فِي ذَلِك الْمقَام وفوضنا إِلَيْهِ النَّقْض والأبرام والعلامة السُّلْطَانِيَّة حجَّة لما فِيهِ مرقوم مُحَققَة لما فِيهِ من مَنْطُوق وَمَفْهُوم فليتحقق من وقف على هَذَا الْخطاب وَمن عِنْده علم الْكتاب من أهل مَكَّة وَمن فِي جوارها وطيبة الطّيبَة وَسَائِر أقطارها وَبَقِيَّة الثغور الباسمة لدولتنا بمباسم السرُور من حاضرها وباديها أَنا أعطينا الْقوس باريها فَلم تَكُ تصلح الإ لَهُ وَلم يَك يصلح إِلَّا لَهَا سدد الله سِهَام رَأْيه فِي أغراض الصَّوَاب وَفتح لَهُ بمفاتيح السمر كل مغلق من الْأَبْوَاب مَا سَقَطت من كف الثريا الْخَوَاتِم ورقت على مَنَابِر الأغصان خطباء الحمائم وَالسَّلَام وَاسْتمرّ أَبُو طَالب تَحت مُرَاعَاة وَالِده إِلَى أَن مَاتَ أَبوهُ فِي سنه عشرَة بعد الْألف ولحقه أَخُوهُ عبد الْمطلب فاستقل بِالْملكِ من غير شريك فِيهِ وهناه الله تَعَالَى بِمَا صَار إِلَيْهِ وَأصْلح الله تَعَالَى بِهِ أُمُور الْبِلَاد والعباد وَقَامَ بأعباء الْملك وَأظْهر السطوة وقهر الأكابر والأعيان على الانقياد لأوامره والانزجار لزواجره فهابته النُّفُوس وأنصف فِي أَحْكَامه وَسَار السِّيرَة المرضية وَكَانَ حسن الْهَيْئَة شَدِيد الهيبة فَإِذا حضر النَّاس مَجْلِسه سكتوا لمهابته وَكَانَت تخافه الْبَوَادِي وَأهل النوادي وَكَانَ سخياً ندي الْكَفّ مِمَّا يحْكى من كرمه أَنه زار النَّبِي قبل أَن يَلِي أَمر مَكَّة فَلَمَّا أَمْسَى نزل فِي وَاد هُنَاكَ هُوَ وَمن مَعَه فأضافه رجل من أهل الْوَادي يُقَال لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 السوداني فذبح الذَّبَائِح وَمد الموائد وقدمها ثمَّ بلغه أَن الشريف أَبَا طَالب لم يَأْكُل من ذَلِك الطَّعَام وَلم يحضرهُ لشغل عرض لَهُ فَعمد السوداني إِلَى أَربع أَو خمس دجاجات فذبحهن وطبخهن وقدمهن على كيلتين من الْعَيْش فِي زبدية كَبِيرَة من الصيني وَجَاء بهَا إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي هَذَا عشَاء عَبدك أجبر خاطره جبر الله خاطرك فَغسل الشريف يَده وَأكل من تِلْكَ الزبدية لقيمات ودعالة فَلَمَّا اسْتَقل بِالْولَايَةِ وَفد عَلَيْهِ السوداني بعد سنة فَقَالَ لَهُ الشريف الزبدية الَّتِي تعشينا فِيهَا عنْدك فَقَالَ نعم فَقَالَ اثْنَتَيْ بهَا فَمَلَأ هاله ذَهَبا وَله كثير من هَذَا الْقَبِيل وَلأَهل عصره فِيهِ مدائح كَثِيرَة فَمِنْهَا قَول الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ مهنئا لَهُ فِي بعض غَزَوَاته (بسمر القنا وبيض الصوارم ... تنَال العلى وتنال المكارم) (وبالمرسلات بُلُوغ المنى ... وبالعاديات نوال الْغَنَائِم) (وَلَو لم يحل ليل ذَا العجاج ... لما أشرقت شمس تِلْكَ المعالم) (ولي سيد مَاله فِي الوغى ... شَبيه سوى جده ذِي العزائم) (يجيل الحروب ويجلو الكروب ... وينفي اللغدب ويزري بحاتم) (لقد أذكرتنا فتوحاته ... مغازي الْأَئِمَّة من آل هَاشم) (لَهُ النَّصْر بِالرُّعْبِ من أشهر ... وَمن شَأْنه قسم مَال الْغَنَائِم) (إِذا مَا بُد اللعدا جحفل ... وَلم يَك فِيهِ فَكل مقاوم) (وَإِن قيل فِيهِ أَبُو طَالب ... فَمن ذَا يلاقيه إِلَّا مسالم) (ترَاهُ يَخُوض بحور النحور ... بجرد تجاذب جذب الطرايم) (هِيَ الْبَرْق فِي السَّبق لَو لم تكن ... لَهَا غزوات بِتِلْكَ الحماحم) (يحِق لَهَا الزهو بِابْن النَّبِي ... سليل الصفى على المعالم) (من اتخذ الدرْع تعويذة ... وَطول النجاد تَمام التمائم) (سناء النُّبُوَّة فِي وَجهه ... كفى شرفا عَن طراز العمائم) (وأوصافه الغربين الْأَنَام ... بهَا غنية عَن طوال التراجم) (فَمَا حاول الْخطب الأوكان ... لَهُ الْفَتْح والنصر عبدا وخادم) (فيا سيد أسدت كل الْمُلُوك ... من الخلص الْعَرَب ثمَّ الْأَعَاجِم) (فَهَل ملك أَنْت فِي الارض أم ... مليك فعدلك أنسى الْمَظَالِم) وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من سراة الْأَشْرَاف ومشاهير وُلَاة الْحجاز قَالَ الشلي وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لعشر بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف بِمحل يُقَال لَهُ العشة من جِهَة الْيمن وَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ قبَّة كَبِيرَة يزار بهَا أَبُو الطّيب بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مفرج بن بدر بن بَدْرِي ابْن عُثْمَان بن جَابر بن ثَعْلَب بن صنوى الْغَزِّي ابْن شَدَّاد بن عَاد بن مفرج بن لَقِيط ابْن جَابر بن وهب بن ضباب بن جحيش بن مغيفر بن عَامر بن لؤَي بن غَالب العامري يتَّصل نسبه بعامر بن لؤَي واليه أَشَارَ جده الرضي حَيْثُ قَالَ (وَأَبُو الْفضل كنيتي وانتسابي ... من قُرَيْش لعامر بن لؤَي) الدِّمَشْقِي المولد الْفَاضِل الأديب الشَّاعِر المفنن الْمَشْهُور أوحد الزَّمَان ونادرة الْعَصْر والأوان كَانَ فِي زَمَانه أبلغ الشُّعَرَاء وأدقهم نظرا وشعره من أَجود الشّعْر رونقاً وديباجة وَكَانَ إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي سبك الْمعَانِي وَاسْتِعْمَال الْأَلْفَاظ الشائقة وَلم يكن شعره مَعَ جودته مَقْصُورا على أسلوب وَاحِد بل كَانَ يتفنن فِيهِ وَيدخل فِي أساليب مُخْتَلفَة وَكَانَ غزير الْمَادَّة من الْأَدَب مطلعاً على مُعظم شعر الْعَرَب الخلص وَغَيرهم وَكَانَ يكْتب الْخط المدهش وَهُوَ من أذكياء الْعَالم وفضلائه الْمَشْهُود لَهُم بالتفوق والبراعة قَرَأَ فِي مبدأ أمره كثيرا وَضبط وبرع ومعظم انتفاعه فِي عُلُوم الْأَدَب بجدي المرحوم القَاضِي محب الدّين فَإِنَّهُ بِهِ عرف وَعَلِيهِ تخرج وتفقه بالشهاب العيثاوي ورحل إِلَى مصر فِي حُدُود الْألف وَأخذ عَن علمائها وَرجع إِلَى دمشق ودرس بِالْمَدْرَسَةِ القصاعية الشَّافِعِيَّة ثمَّ تفرغ عَنْهَا وَعرض لَهُ فِي سنة خمس عشرَة وَألف عَارض سوداوي فَطلق زَوجته وَفرق ثِيَابه على كثير من أَصْحَابه وَكَانَ مَعَ هَذَا الْحَال يكْتب تَفْسِير الْمولى أبي السُّعُود كِتَابَة صَحِيحَة مليحة إِلَى الْغَايَة من غير نُقْصَان وَلَا تَبْدِيل وَذكره البديعي فِي كِتَابه ذكرى حبيب وَقَالَ وَمد نظم فِي سلك ذَوي الأفضال اعترته آفَة الْكَمَال بِسَبَب مَا اعتراه من عَارض الْجُنُون وَصَبره ثَالِث خَالِد وَالْمَجْنُون وَلم يزل بعد تِلْكَ الْجنَّة يَأْتِي بِكُل معنى شارد ويساعده شَيْطَانه المارد فِي الشّعْر على كل طريف من الْأَدَب وتالد وَله من الشّعْر مَا ينفث عقد السحر ثمَّ أورد لَهُ مَا ذكره الخفاجي فِي كِتَابه وَذَلِكَ قَوْله من قصيدة (مؤنبي لَا بَرحت فِي عذلي ... فحبذا حبه عَليّ ولى) (غُصْن دلال أغر طلعته ... شمس ضحى فَوق ناعم خضل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 (يجول فِي عطفة الدَّلال إِذا ... تحمل حقْوَيْهِ فَتْرَة الكسل) (رقمت فِي طرس خَدّه قبلا ... فظل يمحو بنانه قبلي) (وأخجل الْورْد فِي نضارته ... شَقِيق خد فِي وردتي خجل) وَمِنْهَا (لله قلب ينوبه كلفا ... مطال مثر إِلَى ملام خلي) (كَأَنَّهُ فِي يديهما كرة ... فَمن هِلَال الدجى إِلَى زحل) وَأنْشد لَهُ الخفاجي قَوْله وَهُوَ من أحسن الشّعْر وَأخذ بِمَجَامِع الْقُلُوب (صادفته وَالْحسن حليته ... كالريم لَا رعثا وَلَا قلبا) (والعيد للألحاظ أبرزه ... والبدر أيسر مِنْهُ لي قربا) (أَهْوى لتهنئتي ومديدا ... وفْق الْهوى وَتَنَاول القلبا) قَالَ وَمد الْيَد الْمُعْتَاد للمصافحة فِي الأعياد مسنون لإِظْهَار الْقرب والاتحاد فَجَعلهَا لأخذ الْفُؤَاد معنى بديع وَمثله مَا قلته فِي مد الْيَد الْمَأْمُور بِهِ فِي الدُّعَاء وَهُوَ مِمَّا لم أسبق إِلَيْهِ فَإِن أَمر السَّائِل بِمد الْيَد بِمَعْنى خُذ مَا طلبت وأزيد وَهُوَ (أما آن من نجم الشجون غرُوب ... وَحَتَّى مَتى ريح الْفُنُون تؤوب) (تكلفني من بعد سلوان صبوتي ... شمال تعنى مهجتي وجنوب) (سهرت لَهَا نائي الْمضَاجِع فانبرى ... لَهَا بَين أحناء الضلوع لهيب) (إِذا ركدت ريح وقر نسيمها ... أَبى مِنْهُ إِلَّا أَن يعود هبوب) (لحى الله قلبِي كم تنازعه الردى ... لحاظ لَهَا فِي صفحتيه ندوب) (يلذ الْهوى لأدر در أبي الْهوى ... وحسبك مِنْهُ زفرَة ونحيب) (أدرح أنفاسي مَخَافَة كاشح ... وأطرق كَيْمَا لَا يُقَال مريب) (أدين بكتمان الْهوى فيذيعه ... فؤاد وطرف خافق وسكوب) (عدتنا عواد بَيْننَا وخطوب ... وحالت قفار بَيْننَا وسهوب) (لَعَلَّ صَرِيح الود يَنْمُو على النَّوَى ... فيهتاج شوق أَو تشق جُيُوب) (وَلَو أنني وفيت حبك حَقه ... لشاب عذارى حِين لات مشيب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 (وَلَو أنني أسْتَغْفر الله كلما ... ذكرتك لم تكْتب على ذنُوب) لله دره مَا أَعلَى هَذِه الحشوة وَهِي قَوْله وَأَسْتَغْفِر الله وَأهل الْبَيَان يسمون هَذَا النَّوْع حَشْو اللوز ينج وَمِنْهَا (لانت على غيظ الوشاة محبب ... وَأَنت على شط المزار قريب) (أمرت الْهوى مَا شِئْت فِي وشاءه ... ونظمت فِيك الدّرّ وَهُوَ رطيب) (بقيت على الْأَيَّام تختلس النهى ... وجادك غيث الْحسن حَيْثُ يَنُوب) (وَلَا زلت بَدْرًا لَا يغيب الضيالة ... علينا شروق مرّة وغروب) وَمن شعره الْبَهِي قَوْله (عاطيته حلب الْعصير وَلَا سوى ... زهر النُّجُوم تجاه حول الْمجْلس) (أنظر إِلَيْهِ كَأَنَّهُ متبرم ... مِمَّا تغازله عُيُون النرجس) (وَكَأن صفحة خَدّه ياقوتة ... وَكَأن عَارضه خميلة سندس) وَمثله لِابْنِ هاني الأندلسي (عاطيته كأسا كَانَ شعاعا ... شمس النَّهَار يضيئه إشراقها) (أنظر إِلَيْهِ كَأَنَّهُ متنصل ... بجفونه مِمَّا جنت أحداقها) (وَكَأن صفحة خَدّه وعذاره ... تفاحة حفت بهَا أوراقها) وَقَوله أَيْضا (خالسته نظرا وَكَانَ موردا ... فازداد حَتَّى كَانَ أَن يتلهبا) (أنظر إِلَيْهِ كَأَنَّهُ متنصل ... بحفونه من طول مَا قد أذنبا) (وَكَأن صفحة خَدّه وعذاره ... تفاحة رميت لتقتل عقربا) وَلأبي الطّيب أَيْضا (وَشرب اداموا الْورْد من اكؤس الطلا ... وَقد أنفوا الأصدار عَن ذَلِك الْورْد) وَقَوله (أنسأني الْوَصْل فهنيته ... مِيقَات مُوسَى فَاتَ بالصد) (لَا بُد من بَين على غرَّة ... مَا أَنْت إِلَّا زمن الْورْد) وَقَوله (لقد علقت يَا فُؤَادِي ... بالحسين ذِي الوسن) (فَإِن ظمئت فاؤشفن ... ريق الْحُسَيْن وَالْحسن) وَمِمَّا اشْتهر من شعره وَجرى مجْرى الْأَمْثَال قَوْله (لنا نفوس إِذا هِيَ انصدعت ... بلمح طرف تقوم ساعتها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 (عزت فَعَاشَتْ بفقرها رغدا ... وَفِي اعتزال الْأَنَام راحتها) وَمِمَّا اشْتهر انه من شعر عبد الْمطلب جد النَّبِي فِي مَعْنَاهُ (لنا نفوس لنيل الْمجد طالبة ... وَإِن تسلت أسلناها على الأسل) (لَا ينزل الْمجد إِلَّا فِي مَنَازلنَا ... كالنوم لَيْسَ لَهُ مأوى سوى الْمقل) قد تَرْجمهُ الخفاجي فِي كِتَابيه لَكِن اخْتلفت تَرْجَمته لَهُ كثيرا وَالَّذِي حررته وَصَحَّ مَا نَقله وَالِدي من خطّ الشهَاب من نُسْخَة الخبايا حَيْثُ قَالَ من ذَوي الْبيُوت الشامخة الرتب الْمُزَاحمَة للنيرات فِي منازها بالركب وَله أدب غض نَقده نض وَشعر يتساقط فِي أندية الْكِرَام تساقط الدّرّ أسلمه النظام ألطف من شمائل الشمَال وَأحب من دَلَائِل الدَّلال وأرق من دموع السَّحَاب وأصفى من مَاء المزن والشباب وَبَينهمَا هُوَ رحيب الصَّدْر صلب قناة الصَّبْر لم تعقد حبار أيه بِغَيْر يَد الحزم وَلم تحل الْأَيَّام عقد رَأَيْته الأبراحة الْعَزْم إِذْ غلبت عَلَيْهِ السَّوْدَاء فأعجز داؤه الدَّوَاء فبدلت جُنُون الْفُنُون بفنون الْجُنُون وَفتحت مغلق قفله وحلت عقلة عقلة فَظهر تشَتت باله ونادى لِسَانه حَاله (تقضي زمَان لعبنا بِهِ ... زهذا زمَان بِنَا يلْعَب) فَمَا رويت من شعره قَوْله (ترامت نَحْوهَا الْإِبِل ... وشامت برقها الْمقل) (فتاة من بني مُضر ... يجاذب خصرها الكفل) (فَمَا الخطار إِن خطرت ... وَمَا الميالة الذبل) (تكنفها لُيُوث وغى ... يحاذر بأسها الأسل) (لَئِن شط المزار بهَا ... وأقفر دونهَا الطلل) (بِمِثْلِهَا الْفُؤَاد بِهِ ... ويدينها لَهُ الأمل) (وَكم لي يَوْم كاظمة ... فؤاد خافق وَجل) (وطرف بعد بعدهمْ ... بميل السهد مكنحل) (علقت بهَا غَدَاة غَدَتْ ... وموطئ نعلها الْمقل) (فَإِن سَارَتْ بأخمصها ... تداعى الوابل الهطل) (وَإِن قرت تقر الْعين ففينا بِضَرْب الْمثل ... ) قلت وَجل شعره يشْتَمل على معَان عَذَاب لَطِيفَة الْموقع وَكَانَت وَفَاته فِي ربيع الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة الشَّيْخ ارسلان قدس الله سره الْعَزِيز الشَّيْخ أَبُو الْغَيْث بن مُحَمَّد شجر القديمي وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى الشريف القديمي ابْن الشّجر بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي بكر العربادي ابْن عَليّ بن مُحَمَّد النجيب ابْن حسن بن يُوسُف بن حسن بن يحيى بن سَالم بن عبد الله بن حُسَيْن بن آدم بن إِدْرِيس بن حُسَيْن بن مُحَمَّد التقي الْجواد ابْن عَليّ الرِّضَا ابْن مُوسَى الكاظم ابْن جَعْفَر الصَّادِق ابْن مُحَمَّد الباقر ابْن عَليّ زين العابدين ابْن الْحُسَيْن السبط ابْن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم هَكَذَا نقل نسب السَّادة بني القديمي الْعَلامَة مُحَمَّد بن أبي بكر الأشخر فِي رسَالَته قَالَ وَأكْثر ذُرِّيَّة الشريف شجر من وَلَده الشريف القديمي فَإِنَّهُ أعقب عمر وَالشَّجر وَالْحسن وَأَبا الْقَاسِم وَأحمد الْمسَاوِي وَعز الدّين وَلكُل من هَؤُلَاءِ عقب مَشْهُورُونَ كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة من أكَابِر أَوْلِيَاء عصره الْمَشْهُورين لَهُ الجاه الْوَاسِع عِنْد مُلُوك مَكَّة الحسينيين وأمراء الأروام وَالْخَاص وَالْعَام وَكَانَ صَاحب كشف عَظِيم وَيُحب الطّيب وَيحيى زواره بِهِ ويتصرف فِي النَّاس وَيَأْخُذ مَا شَاءَ مِنْهُم ويصل بِهِ الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والمنقطعين وَكَانَ تَارَة يلبس لِبَاس الْمُلُوك وَتارَة يَنْزعهُ ويبيعه وَيطْعم بِثمنِهِ الْفُقَرَاء ويلبس لِبَاس الْفُقَرَاء وَكَانَت تجار الْيمن وَغَيرهم يستغيثون بِهِ فِي شَدَائِد الْبَحْر ومضايق الْبر فيجدون بركَة الاستغاثة بِهِ فِي الْحَال وينذرون لَهُ وَإِذا حصل لَهُم الْفرج وَالْغَرَض وفوه وَكَانَ يعْمل المولد بِالْحرم فِي الْمَوْسِم وَغَيره على طَريقَة أهل الْيمن وَيعْمل أشغالهم ويلحن ألحانهم بِنَفسِهِ وَله رياضة واجتهاد فِي الْعِبَادَة وَهُوَ الْمَشْهُور الْآن عِنْد المكيين بِأبي الْغَيْث بن جميل وَمن كراماته أَنه وقف فِي الْمَوْسِم فِي الْمَكَان الَّذِي يفرق فِيهِ الصر السلطاني بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَقَالَ للْكتاب أعطوني مِنْهُ مَا يخصني فَقَالَ لَهُ بَعضهم إِن كنت رجلا كَامِلا فهات لنا تَقْرِير سلطانياً بِمَا ترومه ونعطيه لَك فَمَا مَضَت سَاعَة إِلَّا وأتاهم تَقْرِير من سُلْطَان عصره مُحَمَّد بن مُرَاد بجامكية وَغَيرهَا فدفعوا لَهُ مَا هُوَ مَكْتُوب فِي المرسوم السلطاني وَكَانَ السُّلْطَان مُحَمَّد الْمَذْكُور من اولياء الله تَعَالَى وَمن أهل الخطوة وَيُقَال إِن صَاحب التَّرْجَمَة بعد أَن فَارق الْكتاب الْمَذْكُورين دخل الطّواف فَرَأى السُّلْطَان مُحَمَّد فِي المطاف وَهُوَ مختف فأمسكه وَقَالَ لَهُ إِن لم تكْتب لي تَقْرِير الصر يكون لي ولأولادي وَإِلَّا فضحتك ين النَّاس فَكتب لَهُ مرسوماً فِي تِلْكَ السَّاعَة بمطلوبه فَأتى بِهِ إِلَيْهِم فأمضوه على مَا ذَكرْنَاهُ وَكَانَت وَفَاته فِي الْمحرم سنة أَربع عشرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَألف بِمَكَّة وَدفن بِالشعبِ الْأَعْلَى من المعلاة بِالْقربِ من ضريح سيدتنا خَدِيجَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا الشَّيْخ أَبُو الْغَيْث الْمَعْرُوف بالقشاش المغربي التّونسِيّ الْأُسْتَاذ الْعَالم الْوَلِيّ الرحلة الْكَبِير الْقدر قطب الأقطاب ولسان الحضرة الْمُتَصَرف فِي الْأَسْمَاء والحروف الْكَامِل فِي الْخَلَائق والنعوت كَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى الباهرة رحْلَة تتعنى إِلَيْهِ الْوُفُود وتستقي من بَحر كرمه العطاش وَله الْجَلالَة الَّتِي مَا رزقها أحد والكرامات الَّتِي مَا نالها وَاحِد من الخليقة ومآثره وَصِفَاته الْحَسَنَة وأحواله العجيبة الغريبة مِمَّا لَا يُحِيط بهَا وصف واصف وَلَا مدح مادح وَلم أر من ذكره إِلَّا ابْن نَوْعي فِي ذيله التركي فَجَمِيع مَا ترَاهُ إِلَّا الْقَلِيل مِمَّا ذكرته فِي تَرْجَمته مترجم مِمَّا قَالَه فِي حَقه فَأَقُول أَنه ولد بِمَدِينَة تونس وساح فِي ابْتِدَاء حَاله لتَحْصِيل الْعلم وادب فَأخذ عَن عُلَمَاء عصره الْفُنُون المتداولة حَتَّى مهر فِي علم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول وَالْفُرُوع وأحاط بهَا وَصَارَ فِي علم الْأَدَب شيخ الْفَنّ ثمَّ حصل لَهُ جذف الهي فساح فِي أَطْرَاف الْجَبَل الْمَعْرُوف بجبل الزَّعْفَرَان وانْتهى إِلَى خدمَة الشَّيْخ مُحَمَّد الجديدي وَكَانَ من كبار أهل الْإِرْشَاد فَحصل من تلمذته لَهُ على فيوضات عَجِيبَة فَلَمَّا انْتقل شَيْخه الْمَذْكُور بالوفاة إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى أَتَى بنية الْحَج إِلَى وَطنه تونس وَجمع جملَة من المريدين الصلحاء وَأقَام هُوَ وإياهم بقريهم تَارَة أَنْوَاع الْعُلُوم وَتارَة يذكر هُوَ وإياهم ويتواجدون مَعَه وَكَانَ أَكثر لياليه يحيها هُوَ وإياهم فِي ذكر وتسبيح وَكَانَ إِذْ ذَاك حسن الملبس فَهبت عَلَيْهِ نفحة من صوب الفناء فمزق مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب وتجرد وَخرج مُنْفَردا بنية أَدَاء الْحَج فأداه وجاور بِالْمَدِينَةِ مِقْدَار سنة ثمَّ لبس ثيابًا خشنة وقفل إِلَى وَطنه وَأقَام مُدَّة قَليلَة مشتغلاً بإفادة الْعُلُوم وَالْعِبَادَة ثمَّ تَغَيَّرت أطواره وَظَهَرت مِنْهُ حركات متغيرة وكلمات متنافية فَكَانَ تَارَة يَقُول إِنَّه الْمهْدي صَاحب الزَّمَان وَتارَة يَدعِي الْأَخْبَار عَن الْغَيْب فيبسط مدعاه فِي الْحَوَادِث الْآتِيَة وَيخرج فِي ذَلِك عَن طور الْعقل فَتَبِعَهُ خلق كثير وَقَامُوا بنصرته وترويج مدعاه وأفضى تشعب الْأَمر فِيهِ أَن اجْتمعت عُلَمَاء الْبَلَد وَاتَّفَقُوا على إِيقَاع أَمر بِهِ يمنعهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ فَذَهَبُوا إِلَى حَاكم تونس رَمَضَان باشا وطلبوا مِنْهُ إِحْضَاره ليقيموا عَلَيْهِ بِمحضر من القَاضِي دَعْوَى بِمَا أبرموا أَمرهم عَلَيْهِ فتكرر إِحْضَاره إِلَى مجْلِس الْحَاكِم الْمَذْكُور وقاضي الْبَلَد وتكرر مِنْهُم السُّكُوت وَعدم النُّطْق مهابة مِنْهُ حَتَّى أدّى أَمر الْجَمِيع إِلَى تَركه وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 يصنع رَأْسا فَبَقيَ متلون الْأَحْوَال ينْتَقل من طور إِلَى طور فَتَارَة يلبس عِمَامَة الْعلمَاء الْكِبَار ولباسهم ويعقد حَلقَة درس يُفِيد فِيهَا الطلاب وَتارَة يسوح فِي الْجبَال عُريَانا مغلوب الْحيرَة فِي زِيّ المجانين إِلَى أَن ترك التلون وَاخْتَارَ السّكُون والتمكن وَأَنْشَأَ جَامعا وخانقاه وتكية واشتهر بِأَنَّهُ مِمَّن ينْفق من الْغَيْب أَو من صَنْعَة الكيميا ثمَّ ترقى بِهِ الْحَال إِلَى أَن أنشأ اثنيها وَثَلَاثِينَ موضعا زَوَايَا ومساجد وجوامع وَبنى مَالا يعد من الْمدَارِس الرفعية والقناطر المنيعة ووقف على كل أثر مِنْهَا أوقافاً عَظِيمَة وَعين للمقيمين والمسافرين نفقات وَكَانَ يبْذل فِي فكاك أسرى الْمُسلمين أَمْوَالًا كَثِيرَة وَكَانَ فِي شهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان يعْقد مَجْلِسا لقِرَاءَة التَّفْسِير وَالْبُخَارِيّ وَكَانَ يمِيل إِلَى تَحْصِيل نسخ مُتعَدِّدَة من البُخَارِيّ وَكَانَ من ملتزماته أَنه لَا يقبل هَدِيَّة من أحد إِلَّا إِذا أهْدى لَهُ البُخَارِيّ فَكَانَ يقبله ويقابل مهديه بأنواع الْإِحْسَان وَجمع من نفائس الْكتب مَالا يعد وَلَا يُحْصى وَمن جملَة مَا وجد فِي خزانَة كتبه ألف نُسْخَة من البُخَارِيّ وَقس عَلَيْهِ الْبَاقِي وَكَانَ مفرط السخاء مبذول الْعَطاء وَأكْثر مَا كَانَ ينْفق مَاله على أسرى الْمُسلمين حكى أَنه أوصى يَوْمًا خُدَّامه أَن يجلبوا لَهُ مَا يَكْفِي كسْوَة سَبْعمِائة نفس من ثوب وقميص وشاش وحزام قاسومة فامتثلوا وَصيته وأحضروا ذَلِك وَلم يدروا السِّرّ فِي ذَلِك فَمَا تمّ جمع مَا طلب إِلَّا وصل الْخَبَر أَن ثَلَاث غلايين من غلايين الفرنج قد انْكَسَرت فِي قرب سَاحل تونس وفيهَا سَبْعمِائة أَسِير من الْمُسلمين فخلصوا جَمِيعًا وأحضروا إِلَى زَاوِيَة الشَّيْخ فألبسهم مَا أعد لَهُم من اللبَاس وَأكْرمهمْ وحياهم وَحكى أَن رجلا من الْجند مر لَيْلَة بِمحل فِي نواحي تونس فَرَأى حجرا عَظِيما قد ارْتَفع وانفتحت تَحْتَهُ مغارة فَرَأى المغارة ملآنة بِالذَّهَب المسكوك فَدَخلَهَا وملأ جيبه وذيله مِنْهَا فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوج رأى الْبَاب قد انسد فَذهب عقله ثمَّ وضع الدَّنَانِير الَّتِي أَخذهَا مَكَانهَا وَتوجه نَحْو الْبَاب فَرَآهُ مَفْتُوحًا فكرر الْأَخْذ وتكرر انسداد الْبَاب فَعِنْدَ ذَلِك قنع بالتفرج وَخرج ثمَّ بعد أَيَّام مر بذلك الْمحل فَرَأى رجلا قد دخل وعبى عبه مَعَه من ذَلِك الذَّهَب وَخرج ثمَّ حمله على بغل كَانَ مَعَه فَسَأَلَهُ العسكري من أَنْت فَقَالَ أَنا خَادِم شيخ الشُّيُوخ أبي الْغَيْث وَهَذِه الخزينة نصِيبه إِذا أَمرنِي بِنَقْل شَيْء مِنْهَا جِئْت فَأرى الْبَاب مَفْتُوحًا فَأدْخل وآخذ مِنْهَا مِقْدَار مَا يُعينهُ لي ثمَّ أخرج وَلَيْسَ لأحد غَيره فِيهَا نصيب وَنقل أَنه كَانَ إِذا قع خِيَانَة فِيهَا من أحد فَفِي الْحَال يَنْقَلِب الذَّهَب فحماً أسود وَاتفقَ لبَعض النَّاس أَنه أبرم على الْخَادِم مرّة فِي تنَاول شَيْء مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فَمَلَأ لَهُ جيبه وذيله فَلَمَّا وصل إِلَى بَيته فَإِذا هُوَ فَحم أسود وَمن كراماته المأثورة عَنهُ أَن شخصا من النَّاس فقد زَوجته من فراشها فتحقق أَن ذَلِك من فعل الْجِنّ فَذهب إِلَى الشَّيْخ وَأخْبرهُ الْخَبَر فَكتب لَهُ قرطاساً وَقَالَ لَهُ امْضِ إِلَى تونس العتيقة وأقم ثمَّة حَتَّى إِذا مضى ثلث اللَّيْل يمر بك جند فأعط هَذَا القرطاس لملكهم تنَلْ مطلوبك فَمضى إِلَى الْمَكَان الْمَذْكُور وَقعد ينظر فَلَمَّا صَار نصف اللَّيْل ظهر لَهُ قوم روحانيون فَسَأَلَ عَن ملكهم فَقيل لَهُ هَا هُوَ ذَا فَنَاوَلَهُ القرطاس فَنظر الْملك فِيهِ ثمَّ قَالَ سمعا وَطَاعَة ثمَّ أَمر بإحضار الْمَرْأَة وَسلمهَا لزَوجهَا وَأمره بِأَن يبلغ سَلَامه إِلَى الشَّيْخ وَحكى ابْن نَوْعي قَالَ أَخْبرنِي الْأَمِير عَليّ الْمَعْرُوف ببك زَاده أَنه لما كَانَ أَبوهُ مُتَوَلِّيًا تونس وعزل فِي مُدَّة قَليلَة وابتلى بفقر وفاقة لَا يعبر عَنْهَا بمقال قَالَ وتكدر حَالنَا لأَجله فاتفق أَن جَاءَ الْعِيد وَلَيْسَ مَعَه مَا يُنْفِقهُ وَإِذا بِأحد خدام الشَّيْخ جَاءَ إِلَى أبي بهدية من الشَّيْخ وَهِي مائَة تفاحة وَاعْتذر عَن قلتهَا كل الِاعْتِذَار قَالَ فَأخذ أبي تفاحة وشقها نِصْفَيْنِ فَخرج من وَسطهَا دِينَار فشق الْجَمِيع وَأخرج مَا فِيهَا فَكَانَ مائَة دِينَار فأنفقها وَتوسع بهَا وَله من هَذَا الْقَبِيل كرامات شَتَّى وَبِالْجُمْلَةِ فقد اتّفقت الْكَلِمَة على علو شَأْنه وسمو قدره وَفِيه يَقُول شيخ الْإِسْلَام يحيى بن زَكَرِيَّا وَقد ورد أحد خلفائه إِلَى الرّوم وَطلب تقريظ إجَازَة أجَازه بهَا الشَّيْخ قدس الله سره (أَبُو الْغَيْث غيث المستغيثين كلهم ... بهمته نَالَ الورى فك أسرهم) (فهمته العلياء غيث بِهِ ارتوى ... رياض أَمَان اللائذين بأسرهم) وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَائِل رَجَب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن فِي زاويته الْمَعْرُوفَة بِهِ وعمره مَا جَاوز الْخمسين بِكَثِير أَبُو الْفرج بن عبد الرَّحِيم السَّيِّد الشريف الْحُسَيْنِي الْمَعْرُوف بالسمهودي الْمدنِي الْفَاضِل الأديب الْكَامِل كَانَ من فضلاء وقته ونبلاء عصره واشتغل وَحصل وَصَارَ أحد الخطباء والمدرسين بِالْحرم النَّبَوِيّ ونبل وتفوق وَكَانَ بَينه وَبَين شَيخنَا الْعَلامَة إِبْرَاهِيم الخياري الْمدنِي صُحْبَة أكيدة ومحبة قديمَة وَذكره فيرحلته وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا قَالَ وَكَانَت وَفَاته بِالشَّام شَهِيدا فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير ورثاه شَيخنَا الْمَذْكُور بقصيدة طَوِيلَة استحسنت مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَار فأوردته وَذَلِكَ (أأخي أجب إِنِّي لفقدك واله ... مَعَ أنني للقادحات حمول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 (فقدتك نفس طَال مَا سيرتها ... وَبكى لفقدك صَاحب وخليل) (وبكاك مِنْبَر جدك السَّامِي الذري ... ولفقدك الْمِحْرَاب مِنْهُ عويل) (يحْكى حنين الْجذع لما فَاتَهُ ... قرب النَّبِي وساءه التبديل) أَبُو الْفضل بن مُحَمَّد العقاد الْمَكِّيّ الشَّاعِر ذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي السلافة وَقَالَ فِيهِ هُوَ وَإِن لقب بالعقاد لكنه حَلَال مشكلات القريض بذهنه الْوَقَّاد سَار مسير الشَّمْس من الْمشرق إِلَى الْمغرب منتجعا سُلْطَانه الْمَنْصُور بِشعرِهِ المطرب فوفد على حَضرته السامية وَورد مناهل كرمه الطامية فصدح بِشعرِهِ شاديا فِي نَادِيه ونال بِهِ مَغَانِم من أياديه وَقد وتفت على خَبره العبقري من كتاب نفح الطّيب للشَّيْخ أَحْمد الْمقري إِذْ قَالَ عِنْد ذكر موشحات أهل الْعَصْر مِنْهَا قَول أحد الوافدين من أهل مَكَّة على عتبَة السُّلْطَان مَوْلَانَا الْمَنْصُور هُوَ رجل يُقَال لَهُ أَبُو الْفضل بن مُحَمَّد العقاد وَهَذَا هُوَ الموشح الَّذِي ذكره مادحا بِهِ الْمَنْصُور (لَيْت شعري هَل أروي ذَا الظما ... من لمى ذَاك الثغير الألعس) (وَترى عَيْنَايَ ربات الْحمى ... باهيات بقد ودميس) (فَلَقَد طَال بعادي والهوى ... ملك الْقلب غراما وَأسر) (هَذ من ركن اصْطِبَارِي والقوى ... مبدلا أجفان عَيْني بالسهر) (حِين عز الْوَصْل من وَادي طوى ... هملت أدمع عَيْني كالمطر) (فعساكم أَن تجودوا كرما ... بلقاكم فِي سَواد الحندس) (عله يسفى كليما مغرما ... من جراحات الْعُيُون النعس) (كلما جن ظلام الغسق ... واعتراني من جفاكم قلقي) (هزني الشوق إِلَيْكُم شغفا ... وتذكرت جيادا والصفا) (وَتَنَاهَتْ لوعني من حرق ... ثمَّ أغرى الوجد بِي والتلفا) (فانعموا إِلَيّ ثمَّ جودوا لي بِمَا ... يُطْفِئ الْيَوْم لهيب الْقُدس) (إِنَّنِي أرْضى رضاكم مغنما ... لبقا نَفسِي ومحيا نَفسِي) (كنت قبل الْيَوْم فِي زهو وتيه ... مَعَ أحبابي بسلع أَلعَب) (وَمَعِي ظَبْي بِإِحْدَى وجنتيه ... مشرق الشَّمْس وَأُخْرَى الْمغرب) (فَرَمَانِي بسهام من يَدَيْهِ ... قاسي الْقلب فقلبي مُتْعب) (لست أَرْجُو للقاهم سلما ... غير مدحي للْإِمَام إِلَّا رَأس) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 (أَحْمد الْمَحْمُود حَقًا من سما ... الشريف ابْن الشريف الأكيس) وَلم يُورد لَهُ غير ذَلِك وَقد نسج هَذَا الموشح على منوال موشح الْوَزير أبي عبد الله بن الْخَطِيب شَاعِر الأندلس الَّذِي أَوله (جادك الْغَيْث إِذا الْغَيْث هما ... يَا زمَان الْوَصْل بالأندلس) وَهُوَ عَارض بِهِ موشحة ابْن سهل الَّتِي مطْلعهَا (هَل درى ظَبْي الْحمى أَن قد حمى ... قلب صب حلّه عَن مكنس) وَحكى الْمقري فِي كِتَابه الْمَذْكُور أَنه اجْتمع بالحضرة المنصورية أَبُو الْفضل العقاد الْمَكِّيّ الْمَذْكُور والشريف الْمدنِي وَهُوَ رجل وَافد من أهل المدنية انْتَمَى إِلَى الشّرف وَالشَّيْخ الإِمَام إِمَام الدّين الخليلي الْوَافِد على حَضرته من بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ إِمَام الدّين هَذَا للمنصور يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة الَّتِي تشد إِلَيْهَا الرّحال شدّ أَهلهَا إِلَيْك الرّحال هَذَا مكي وَذَاكَ مدى وَأَنا مقدسي انْتهى وَكَانَت وَفَاة أبي الْفضل فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ بِالظَّنِّ المقارب لما اسْتُفِيدَ من أَحْوَاله وَالله أعلم رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو الْقَاسِم بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن أبي الْقَاسِم بن عمر بن عَليّ الأهدل الْوَلِيّ الْمَشْهُور شهر على أَلْسِنَة الْعَالم بقائد الوحوش لِأَن الله تَعَالَى سخرها لَهُ كَرَامَة يسلطها على من أَذَاهُ أَو قطعه عَادَة التزمها بطرِيق النّذر وَنَحْوه وشهرة حَالَة واعتقاده بَين الْعَالم تغني عَن وَصفه وتفصيل سيرته وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الثُّلَاثَاء الْعشْر بَقينَ من الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف فِي المحط من أَعمال رمع وذفن بهَا قبيل طُلُوع الْفجْر قَالَ وَلَده السَّيِّد أَبُو بكر وَلَقَد شاهدنا مِنْهُ فِي حَال احتضاره وغسله مَا يدل على حسن حَاله وفضله واطلعنا لَهُ عقب وَفَاته على مَنَاقِب كَثِيرَة تشهد بِأَنَّهُ كَانَ ذَا ولَايَة كَبِيرَة رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو الْقَاسِم بن الزبير المصباحي المغربي القصري الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم التقى كَانَ جليل الْقدر محافظا على رسوم الشَّرِيعَة مَعَ تغفل فِي دُنْيَاهُ لَا يُنكر من أَحْوَاله شَيْء وَله منازلات ومكاشفات أَخذ عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْحسن بن عِيسَى المصباحي من أكَابِر أَصْحَاب القيرواني وَعَن وَلَده أبي مُحَمَّد عِيسَى بن الْحسن وَعَن أبي عبد الله الطَّالِب وَارِث القيرواني وَعنهُ عَالم الْمغرب الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسي وَكَثِيرًا مَا كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ بِالْقصرِ قبل رحلته إِلَى فاس وَكَانَت وَفَاته فِي مستهل الْمحرم سنة ثَمَان عشرَة بعد الْألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 أَبُو الْقَاسِم بن مُحَمَّد المغربي السُّوسِي الْمَالِكِي نزيل دمشق ومفتي الْمَالِكِيَّة بهَا كَانَ إِمَامًا بزاوية المغاربة خَارج بَاب الشاغور وَمحل مرقد ولي الله الشَّيْخ مَسْعُود يُقَال أَن الدُّعَاء عِنْد قَبره مستجاب كَانَ يُصَلِّي بهَا الْأَوْقَات الْخَمْسَة وَكَانَ حَافِظًا لقِرَاءَة السَّبع وَالْعشر وَشرح الشاطبية والنشر شرحا لطيفا وَكَانَ لَهُ مكتب يعلم فِيهِ الْأَطْفَال وَمَا قَرَأَ عَلَيْهِ أحد إِلَّا فتح عَلَيْهِ لشدَّة مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْفَتْح وَكَانَ وحيد عصره فِي الْفتيا بعد مشايخه الْعِظَام بِدِمَشْق كَأبي الْفَتْح الْمَالِكِي وَغَيره وَكَانَ شهما غيورا على الدّين تهابه الْقُضَاة والحكام وغالب أهل دمشق يرجعُونَ إِلَيْهِ فِي الْمُشَاورَة للأمور وَحدث بالجامع الْأمَوِي فحضره خلق كثير وَأخذ عَلَيْهِ جمَاعَة وانتفعوا بِهِ مِنْهُم الشَّيْخ عَليّ المكتبي وَولده مُحَمَّد الْآتِي ذكرهمَا وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان أَو تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من ضريح سيدنَا بِلَال الحبشي رَضِي الله عَنهُ أَبُو اللطف بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن أبي اللطف الحصكفي الأَصْل الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي وَالِد الْعَلامَة السَّيِّد عبد الرَّحِيم مفتي الْحَنَفِيَّة الْآن بالقدس الشريف كَانَ فَقِيها حسن المطارحة وَفِيه لطف طبع ومروءة وَولي إِفْتَاء الشَّافِعِيَّة وتدريس الْمدرسَة الصالحية وَكَانَ ينظم الشّعْر ووقفت لَهُ على تَارِيخ صنعه لكتابة نُسْخَة من ديوَان الرضى فأثبته لَهُ وَهُوَ قَوْله (خطّ ذَا الدِّيوَان عبد عَاجز ... بِأبي اللطف تسمى ورضى) (لمن الدِّيوَان أَن تسْأَل وَمَا ... عَام حر رناه أرج للرضى) وجدد الْأَمِير مصطفى بن بَاقِي بيك فِي جَامع جدة لَا لَا مصطفى باشا بقرية جينين خلْوَة فَقَالَ فِيهَا مؤرخا (بِجَامِع جينين تجدّد خلْوَة ... بهَا جلوة للواردين ذَوي الصَّفَا) (بناها ابْن بنت الْبَحْر بَاقِي فأرخوا ... أساس على التَّقْوَى بِنَاء لمصطفى) وَلما وجهت فَتْوَى الشَّافِعِيَّة عِنْد للسَّيِّد مجمد الْأَشْعَرِيّ سَافر إِلَى الرّوم لتقريرها فَمَاتَ باسكدار وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ عَاشر شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَدفن بِالْقربِ من تكية الشَّيْخ مَحْمُود الأسكداري أَبُو الْمَوَاهِب مُحَمَّد بن عَليّ الْبكْرِيّ الصديقي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي أحد أَوْلَاد الْأُسْتَاذ الْكَبِير مُحَمَّد بن الْأُسْتَاذ أبي الْحسن وَتَقَدَّمت بَقِيَّة نسبه فِي تَرْجَمَة أَخِيه أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 السرُور وَسَيَأْتِي من بَيتهمْ جمَاعَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأَبُو الْمَوَاهِب هَذَا ولد فِي حَيَاة أَبِيه وَنَشَأ فِي عزة وافيه ونعمة ضافية وَكَانَ فِي بداية أمره مائلا إِلَى الخلاعة وَكَانَت مجالسه مشحونة بأنواع الطَّرب من المسمعين وصنوف الملاهي وَكَانَ لما مَاتَ وَالِده جرى بَينه وَبَين اخوته منافسات وَأُمُور تسكب عِنْدهَا العبرات حَتَّى اسْتَقر الْأَمر لزين العابدين إِلَى أَن وَقع قبله وَكَانَ أَبُو السرُور مَاتَ قبله فَسَمت الرُّتْبَة إِلَى أبي الْمَوَاهِب وَهُوَ كَمَا قَالَ الشهَاب الخفاجي فِي وَصفه مسك الختام وفذلكة أُولَئِكَ الْأَعْلَام فَظهر بمظهر أسلافه من الْفَضَائِل والمعارف وتصدر للتدريس وإملاء التَّفْسِير وَكَانَ بَينه وَبَين الشَّيْخ عَليّ صَاحب السِّيرَة مَوَدَّة أكيدة وباسمه ألف السِّيرَة وَوَصفه بِذِي البداهة المطاوعة والفضائل البارعة والفواضل الْكَثِيرَة النافعة من إِذا سُئِلَ عَن أَي معضلة أشكلت على ذَوي الْمعرفَة وَالْوُقُوف لَا نرَاهُ يتَوَقَّف وَلَا يخرج عَن صَوَاب الصَّوَاب وَلَا يتعسف وَلَا أخبر فِي كثير من الْأَوْقَات عَن شَيْء من المغيبات وَكَاد أَن يتَخَلَّف ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الشَّرِيفَة الْمَشْرُوطَة لَا علم عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة تلقاها عَن وَالِد زَوجته الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ شَارِح الْمِنْهَاج وَكَانَ ينظم الشّعْر وَله ديوَان يشْتَمل على دقائق ورقائق فَمِنْهُ قَوْله من أَبْيَات (قطعت قلبِي فِي الْهوى أفلاذا ... من سيف جفنك فاتك فولاذا) (رفقا بصب فِي الغرام موله ... بجمالكي يَا منيتي قد لاذا) (عجبا لقلبك لَا يرق كصخرة ... والجسم لينًا لَا يُطيق اللاذا) وَمِنْه قَوْله من أَبْيَات (نَفسِي الْفِدَاء لورد خُذ عندمى ... قانيه يروي فِي الصبابة من دمي) (يَا ربربا حَاز الْجمال بأسره ... يَا من بِهِ زَاد الغرام تألمي) (إِنِّي لأرضى كل مَا ترْضى بِهِ ... يَا روح جثماني علمت وَإِن لم) وَمِنْه من أَبْيَات (ناعس الجفن مَا إِلَيْهِ وُصُول ... بجفون بهَا عَليّ يصول) (أسمر الْقد أببض الْوَجْه ظَبْي ... ذُو جمال والطرف مِنْهُ كحيل) (غُصْن بَان يمِيل تيهاً وعجباً ... فعساه مَعَ الْهَوَاء يمِيل) وَمِنْه قَوْله فِي التبغ ومضمنا (هَات اسْقِنِي التبغ إِن تبغي الصَّفَا سحرًا ... حَتَّى أخدر مِنْهُ وهوا غشاء) (واستحل أنوار شمع من يَدي رشأ ... قد زانه قامة بالْحسنِ هيفاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 (بدر غَدا كَوْكَب الإسعاد فِي يَده ... طَوْعًا لَهُ فَهُوَ ماضي الْأَمر نهاء) (سَاق لنا قلبه قَاس وَكَيف دنا ... من لين عطفيه والأضداد أَعدَاء) (لَعَلَّ نَار أسى بالبعد قد وقدت ... يَوْمًا يكون لَهَا بِالْقربِ إطفاء) (فاملأ كؤس رحيق كالحريق فقد ... أغتنك إِذْ وصفت ياللطف صهباء) (ودع ملام طَبِيب عابها سفها ... وداوني بِالَّتِي كَانَت هِيَ الدَّاء) وَكتب إِلَى الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن المرشدي مفتي مَكَّة المشرفة فِي صدر كتاب (أروم الصَّفَا والقرب من جيرة الْمَسْعَى ... وَأَجْعَل أجفاني لَا قدامهم مسعى) (فَنَار الغضى فِي مهجتي وأضالعي ... هِيَ المنحنى وَالْعين أرْسلت الدمعا) (أَلا يَا حمام الأيك هيجت لوعتي ... إِلَى جَانب الجرعا وَمن حل بالجرعا) (بلَى وعَلى أفق السَّمَاء محلهَا ... أحن إِلَيْهَا وَالَّذِي أخرج المرعى) (وفيهَا إِمَام عَالم عَامل على ... تقى نقى أتقن الأَصْل والفرعا) (ذخيرة أهل الْعلم كنز أولى التقى ... لَهُ يَا إِلَه الْخلق فِي نعْمَة فارعا) (فَمَا هُوَ إِلَّا مرشد وَابْن مرشد ... بِهِ رَبنَا للنَّاس قد أوجد النفعا) (فيا عَابِد الرَّحْمَن يَا خير سيد ... بإتقانه وَالله قد أحكم الشرعا) (يراعك علم النَّحْو أصبح متقنا ... فَلَا عجب أَن يعْمل الْخَفْض والرفعا) (وَوَاللَّه شوقي زَائِد ومضاعف ... وحبي لكم بَين الورى لم يزل طبعا) (بَقِيتُمْ مَعَ النجل الْكَرِيم بغبطة ... وَلَا بَرحت كل الْوُفُود لكم تسْعَى) (ويحفظ رب الْعَالمين كريمكم ... لكم رَبنَا الرَّحْمَن من فَضله يرْعَى) (بجاه رَسُول الله أفضل مُرْسل ... ترى الْأسد فِي الغابات من خَوفه صرعى) (عَلَيْهِ صَلَاة الله ثمَّ سَلَامه ... وَأَصْحَابه والآل أجمعهم جمعا) وَبعدهَا نثر مِنْهُ الْإِخْلَاص فِيمَا بَيْننَا فاتحه الْكتاب وإختصاص أشهر النَّاس من فلق الصُّبْح الظَّاهِر لأولي الْأَلْبَاب فوالعصر إِنَّك مفرده وسعده ومضده وسيده تبت يدا أعداك فهم الْكَافِرُونَ للنعم وويل لكل فِي موقف الحشرة من التغابن عِنْد زلَّة الْقدَم تبَارك الَّذِي جعلك الْإِنْسَان الْكَامِل وَأظْهر لَك الْبناء الَّذِي خليت بِهِ من عُمُوم الْعَامِل وخصوص أَبنَاء طه وَيس فِي صُدُور المحافل واختارك للطالبين مرشدا وَأَنت الْمُسْتَعَان المستغاث فِي حَالَة الندا أهديك تحيات إعرابها مَبْنِيّ على الضَّم وَالْجمع وتسليمات تحرّك سواكن الأشواق وَتطلق هوامع الدمع كَيفَ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وَأَنت الْمولى الَّذِي لم يتَّخذ الْقلب عَن عطفك بَدَلا وَأصْبح تأسيس تَأْكِيد الْحبّ الصَّادِق عنْدك يجتلي أبقال الله راقياً فِي معارج مدارج الْمجد ومناهج مباهج السعد ومروضاً روض الْأَبَد بوابل فَضله وجامعاً فِي البلاغة كل شكل إِلَى شكله مَعَ عمر مديد يطاول الْأَدَب ومنح تستغرق الأمد فِي عزة تقاصر عَنْهَا مقاصير الْعلمَاء ومجد تطامن لَهُ رُؤْس العظماء وَعلم نسيق القنا مشحوذ القواضب وَفهم تحيط بِهِ فَوق فرق السهى معاقد الْمجد ومقاعد الْمَرَاتِب حَيْثُ تخفق بنود الْعُلُوم وتقذف أنوار الفهوم ويتضح الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم وينفخ إسْرَافيل اللَّوْح الالهي فِي أصوار الْأَسْرَار أَرْوَاح الإلهام وَيَتْلُو جِبْرِيل التَّنْزِيل على الْأَعْلَام فِي ذَلِك الْمقَام آيَات الْأَعْلَام فيأيها الْبَحْر الَّذِي ملك زِمَام البلاغة وانقادت بِيَدِهِ أزمة البراعة المشحون بالمعقول وَالْمَنْقُول والمفتي الَّذِي فَتَاوَاهُ جَامِعَة للفروع وَالْأُصُول والفصيح الَّذِي سد على ذَوي الفصاحة الطّرق وَجَاء بِالنَّجْمِ مصفداً من الْأُفق والفرد الَّذِي لم تَبْرَح شمايل أخلاقه العاطرة تتأرج وعقائل أَوْصَافه الفاخرة تتبرج وصل إِلَى كتابكُمْ المرقوم ودر خطابكم المنظوم الَّذِي هُوَ نور النبراس ومدارك الْحَواس وَلَذَّة السّمع ومقلة الدمع أَو نفحة الند أَو صبا نجد أَو نسيم السحر أَو بُلُوغ الوطر أَو عُقُود الْآل أَو السحر الْحَلَال جمع لمنشيه فنون الْأَوَائِل والأواخر حلى الأجياد بقلائد العقيان والجواهر وَأورد لَهُ الخفاجي قَوْله فِي مليح اسْمه عبد النَّبِي (عبد النَّبِي قاتلي ... بِعَيْنِه وحاجبه) (وَاعجَبا لعَبْدِهِ ... يقتل نجل صَاحبه) قَالَ الخفاجي قَوْله بِعَيْنِه وحاجبه هَذَا من اسْتِعْمَال الْمُحدثين فيوهم أَن الْعين فِيهِ بِمَعْنى الْجَارِحَة وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنى الذَّات يُقَال فِي التوكيد جَاءَنِي فلَان نَفسه وعينه وبنفسه وبعينه فيراد بِعَيْنِه ذَاته وَمن الأول قَول الْبَدْر الدماميني (بدا وَقد كَانَ اختفى ... وَخَافَ من مراقبه) (فَقلت هَذَا قاتلي ... بِعَيْنِه وحاجبه) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة السبت سَابِع عشر شَوَّال سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن صَبِيحَة الْأَحَد بتربة آبَائِهِ بالقرافة وَكَانَ ابْتِدَاء مَرضه من سَابِع عشر شعْبَان بِمَرَض الصرع رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو الْوَفَاء بن عمر بن عبد الْوَهَّاب ابْن إِبْرَاهِيم بن مَحْمُود بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ابْن الْحُسَيْن الشَّافِعِي الْحلَبِي العرضي مفتي الشَّافِعِيَّة بحلب وَابْن مفتيها وَأحد أَعْيَان الْعلمَاء فِي الْمعرفَة والاتقان وَالْحِفْظ والضبط وَكَانَ إِمَامًا عَالما خيرا متواضعاً حسن السمت لطيف تأدية الْكَلَام واعظاً إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي التفهم وجودة الأسلوب روى الْعُلُوم النقلية والعقلية عَن وَالِده وَلزِمَ الْعَلامَة أَبَا الْجُود البتروني وَغَيره من الشُّيُوخ واستجاز كثيرا وتصدر للإقراء مُدَّة حَيَاته فِي دَار الْقُرْآن الحبشية المنسوبة إِلَى أبي العشائر المطل شباكها على الْجَامِع الْكَبِير بحلب وَله شعر حسن ونثر بارع واعتنى بِجمع تَارِيخ سَمَّاهُ معادن الذَّهَب فِي الْأَعْيَان المشرفة بهم حلب رَأَيْت مِنْهُ قِطْعَة ونقلت مِنْهَا بعض تراجم لزمني ذكرهَا وَله رسائل كَثِيرَة وتآليف مِنْهَا كتاب طَرِيق الْهدى فِي التصوف وَشرح على ألفية ابْن مَالك وحاشية على شرح الْمِفْتَاح للسَّيِّد وحاشية عَليّ الْبَيْضَاوِيّ وحاشية على شرح الْمِنْهَاج للمحلي وَشرح البديعيات وَشرح سُورَة الضُّحَى على لِسَان الْقَوْم وَله لامية تضاهي لامية الْعَجم ومطلعها قَوْله (جلالة الْفضل تَنْفِي زلَّة الرجل ... وذلة الْجَهْل توهي صولة البطل) مِنْهَا (وَاضْرِبْ على الْعقل أسوار مُحصنَة ... تقيك فتْنَة أَحْدَاث أولى حيل) (وَلَا يروقك مَاء احسن قطره ... نَار الْحيَاء على الْخَدين كالشعل) (وَلَا حلاوة ثغر حشوه دُرَر ... فكامن السم الْعَسَّال وَالْعَسَل) وَذكره البديعي فِي ذكرى حبيب وَقَالَ فِي وَصفه عَالم الشَّهْبَاء وَابْن عالمها وَمن شدّ بالفضائل دعائم معالمها وَهُوَ فِي الزّهْد كأويس وَعُرْوَة وللسادة الصُّوفِيَّة قدوه وَنعم بِهِ من قدوه اشْتغل بالتصنيف والتدريس والافتاء على مَذْهَب الإِمَام مُحَمَّد ابْن إِدْرِيس وَهُوَ الْآن لناظرها بصر وَلنَا ضرها نور وثمر يعظ النَّاس فِي كل يَوْم جُمُعَة بعد صَلَاة الْعَصْر بزواجر لَو استقضى بهَا أهل الضلال لما كَانَ مضل فِي الْعَصْر وَله أَخْلَاق تخلقت مِنْهَا نسمات الأسحار وسجايا تنسمت عَنْهَا نفحات الأزهار وَقد حوى زِمَام مَكَارِم الْأَخْلَاق من طارف وَتَلِيدُ فَأصْبح مصداق قَول أبي عبَادَة الْوَلِيد (شجو حساده وغيظ عداهُ ... أَن يرى مبصر وَيسمع واعي) ثمَّ ذكر لَهُ طرفا من النثر وَأورد لَهُ شَيْئا من الشّعْر فَمن ذَلِك قَوْله (عودا لأرالك قَالَ خوف حَاسِد ... لما ارتوى من رشف ثغر عابق) (إِن الَّذِي قد شاقني من ثغرها ... ذكر العذيب والنقا وبارق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَمثله لِلشِّهَابِ بن تمراس (أَقُول لمسواك الحبيب لَك الهنا ... برشف فَم مَا ناله ثغر عاشق) (فَقَالَ وَفِي أحشائه حرق النَّوَى ... مقَالَة صب للديار مفارق) (تذكرت أوطاني فقلبي كَمَا ترى ... أعلله بَين العذيب وبارق) وَله أَيْضا (سَأَلتك يَا عود الأراكة أَن تعد ... إِلَى ثغر من أَهْوى فَقبله مشفقا) (ورد من ثناياه العذيب فمنهلا ... تسلسل مَا بَين الأبيرق والنقا) وَقَوله (أسر النَّاس باللحاظ حبيب ... كل مضني بسجنه مَحْبُوس) (فَكَانَ الْقُلُوب منا حَدِيد ... وعيون الحبيب مغناطيس) وَيقرب مِنْهُ قَول بَعضهم (مغنطيس الْخَال فِي خَدّه ... يجذب بِالسحرِ حَدِيد الْعُيُون) وَمِنْه (نصب الْحمام لقوتي شرك الردى ... فِي غرَّة وأنابه لَا أعلم) (فطفقت ألقط حَبَّة الأمل الَّذِي ... راودته والشيب منى يبسم) فِيهِ شمة من قَول أبي تَمام (وَلَا يروعك إيماض المشيب بِهِ ... فَإِن ذَاك ابتسام الرَّأْي وَالْأَدب) وَمِنْه فِيمَن دق على يدبه بالزرقة (الْبَدْر حِين حكى ضِيَاء جَبينه ... فاحمر من غضب على هفواته) (شفق وَمن جِهَة الْيَمين سماؤه ... فأرتك زرقتها على حَافَّاته) وَأنْشد لَهُ الخفاجي قَوْله (بورد الخدر ريحَان مُحِيط ... وتركي حبه لَا أَسْتَطِيع) (وَقلت النَّفس خضرًا يَا عذولي ... كَمَا قد قيل والزمن الرّبيع) قَالَ وَهَذَا مثل عَامي يَقُولُونَ النَّفس خضراء تشْتَهي كل شَيْء وَقَوْلهمْ تشْتَهي إِلَى آخِره جملَة مفسرة لخضراء وَكَانَ أَصله مَا ورد فِي الحَدِيث أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طيور خضر ترتع فِي الْجنَّة انْتهى والأصوب أَن يُقَال أَن أَصله ثَلَاثَة تذْهب عَنْك الْحزن المَاء والخضرة وَالْوَجْه الْحسن وَمعنى أَن النَّفس خضراء أَي تميل إِلَى الخضرة بالطبع وَمن لطائفه فِي حق رجل يدعى منصورا رذيل الْمَرْء مَا نَهَضَ بِهِ حَظه الْحر مقهور والعلق مَنْصُور وَذكره الْحسن البوريني فِي تَارِيخه وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر أَنه اجْتمع بِهِ فِي مُنْصَرفه إِلَى حلب فِي سنة سبع عشرَة بعد الْألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وَذكر قصيدة كتب بهَا أَبُو الْوَفَاء إِلَيْهِ مطْلعهَا قَوْله (شموس العلى من فَوق مجدك تشرق ... وغصن النقى من فيض فضلك يورق) فَأَجَابَهُ عَنْهَا بقصيدة مطْلعهَا (فؤاد بِأَسْبَاب الْهوى يتَعَلَّق ... ودمع لَهُ رسم على الخد مُطلق) والقصيدتان فِي غَايَة الطول فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إيرادهما وظفرت لَهُ بقصيدة قَالَهَا مادحاً بهَا السَّيِّد أَحْمد النَّقِيب استحسنتها أوردتها وَهِي (من النَّوَى من مجيري ... يَا رَحْمَة المستجير) (وَالصَّبْر جد ارتحالا ... على نياق الْمسير) (يَوْم الْوَدَاع أضاعوا ... حشاشتي من ضميري) (يَا لَيْت شعري فُؤَادِي ... هَل سَار لَا بشعوري) (يقفو حداة المطايا ... فِي ظعنهم كالأسير) (رفقا بقلب كوته ... أَيدي النَّوَى بسعير) (والجسم كلت قواه ... من حادثات الدهور) (وهدربع التسلي ... مغيب أنس الْحُضُور) (قديم حكم قضته ... حوادث التَّقْدِير) (والشوق يغلو ضراماً ... بدمع جفن مطير) (أجْرى عقيق دموعي ... جد أَولا كالبحور) (نهرت سَائل جفني ... عَن نوء دمع غزير) (فَفَاضَ مَاء عيوني ... وفاض كالتنور) (غوثاه من ذَا التنائي ... من شَره المستطير) (وَمن فِرَاق مثير ... للوعة وزفير) (من حَاكم فِي فُؤَادِي ... يعثو عَلَيْهِ بجور) (وارحمه لمشوق ... إِلَى التداني فَقير) (يهزه كل برق ... ايماضه كالثغور) (إِن فاح نشر الخزامى ... أوضاع عرف العبير) (يكسو الرياض فتجلى ... فِي نورها والنور) (يهيج كامن وجد ... بَين الحشا وَالضَّمِير) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 (يذكر الصب عَيْشًا ... صفا الصفاء النمير) (أَوْقَات أنس أَضَاءَت ... كالبدر فِي الديجور) (نجني ثمار الْمعَانِي ... من روض مجد نضير) (والمشكلات علينا ... تجلى بِغَيْر ستور) (ندير رَاح الخفايا ... على سَرِير السرُور) (وَحَيْثُ غَابَ غزال ... الْحمى وَأنس الْحُضُور) (مولَايَ أَحْمد تَاج ... الْعلَا وَصدر الصُّدُور) (كشاف مُشكل بحث ... بِرَأْيهِ المستنير) (السَّابِق الْقَوْم فهما ... فِي حومة التَّقْرِير) (أقلامه فِي جِدَال ... تطول بالتحرير) (فذ بتوأم فضل ... بالنظم والمنثور) (قد فاق كل لَبِيب ... وعالم نحرير) (يَا مُفردا فِي ... جَمِيع الْعُلُوم لَا بنظير) (لَهُ بلاغة سحبان ... بل نظام جرير) (آدابه فِي انسجام ... تفوق وشى الْحَرِير) (مدى الزَّمَان سلامي ... مَعَ الدُّعَاء الْكثير) (يهدي إِلَيْك ويبدو ... فِي طيه المنشور) (خلوص حب صفا من ... شوائب التكدير) (سلساله العذب يَحْكِي ... معتقات الْخُمُور) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة الِاثْنَيْنِ المسفر صباحها عَن عيد الْأَضْحَى من سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي الْيَوْم الرَّابِع من الْمحرم سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو الْوَفَاء بن مُحَمَّد بن عمر السَّعْدِيّ الْحلَبِي الشَّافِعِي الْمَشْهُور بِابْن خَليفَة الزكي ذكره أَبُو الْوَفَاء العرضي الْمَذْكُور قبله فِي تَارِيخ الْمَعَادِن وَقَالَ فِيهِ من أَعْيَان الْمَشَايِخ السعدية المنسوبين فِي الْخلَافَة إِلَى الشَّيْخ سعد الدّين الجباوي خَلفه وَالِده الشَّيْخ مُحَمَّد وَخلف الشَّيْخ مُحَمَّد وَالِده الشَّيْخ عمر المدفونان فِي زاويتهم خَارج بَاب النَّصْر أما وَالِده الشَّيْخ مُحَمَّد فَلَقَد كَانَ فَاضلا كَامِلا صَالحا صَاحب كرامات كَانَ رجل يُقَال لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 عبد الرَّحْمَن بن الصّلاح ذَا ثروة وَمَال وَعَلِيهِ هَيْبَة ووقار وَكَانَ يدْخل فِي حَلقَة ذكر أبي الْوَفَاء بَين أَقوام وعوام غالبهم فلاحون وَبَعض جماعات من ذَوي الهيئات فَقلت مَا السَّبَب أَنكُمْ تدخلون إِلَى حَلقَة الذّكر مَعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَقَالَ كنت شَابًّا وَاقِفًا أنظر إِلَى فُقَرَاء وَالِد الشَّيْخ وفا وَهُوَ الشَّيْخ مُحَمَّد وَأَنا فِي ضميري أستهزىء بِالذكر لأَنهم يَقُولُونَ مَا لَا يفهم مَعْنَاهُ فَقلت فِي ضميري مَا مُرَادهم بقَوْلهمْ هام هام فَخرج الشَّيْخ من الْحلقَة وَفرق الازدحام وجذبني من ثِيَابِي وَقَالَ نقُول الله الله فَوَقَعت مغشياً عَليّ ثمَّ لم أزل على اعْتِقَادهم وَكَانَ فِي بني دِرْهَم وَنصف رجل من الْفُضَلَاء يُقَال لَهُ المنلا يستهزىء بهم ويحقرهم فَأَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ مُحَمَّد تأدب تأدب فَوَقع مصروعاً فوقعوا على الشَّيْخ واستمروا مُدَّة طَوِيلَة يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ حَتَّى صفح وَعَفا وتواتر على الْمَذْكُور الشفا كل ذَلِك ببركة الشَّيْخ مُحَمَّد وَكَانَ لَهُ خطّ حسن حَتَّى ألف كتابا اسْمه المحمدية ذكر فِيهِ مواعظ وكرامات الْأَوْلِيَاء واستطرد إِلَى ذكر الشَّيْخ سعد الدّين الجباوي وَهُوَ أستاذه وَكَذَلِكَ صنف مجَالِس وعظ تشْتَمل على آيَات قرآنية وَأَحَادِيث نبوية وَمَعَان مهذبة ومسائل مرتبَة وَكَذَلِكَ وَالِده الشَّيْخ عمر ألف كتابا سَمَّاهُ العمرية ذكر فِيهِ مَنَاقِب الشَّيْخ سعد الدّين وَله حَلقَة ذكر فِي الْجَامِع الْكَبِير بحلب يَوْم الْجُمُعَة فِيهَا مائَة رجل وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يلبس الْعِمَامَة الْكَبِيرَة الخضراء وَالثيَاب المتسعة الأكمام الطَّوِيلَة الأذيال وَقد لبسوا الْأَخْضَر قبيل الْألف بِمدَّة قَليلَة أثبتوا أنسابهم بِوَاسِطَة الْحُسَيْن وَكَانَ من عَادَة الْأَشْرَاف يربون لَهُم الشُّعُور فِي رَأْسهمْ وَكتب لَهُم نسب ومحضر شهد لَهُم بِالنّسَبِ غَالب الْأَعْيَان بحلب وَلما مَاتَ وَالِده كَانَ شَابًّا لَهُ حِدة مزاج فَكَانَ بعض الْأَعْيَان بِبَاب النَّصْر تشاجر مَعَه فَذهب إِلَى دمشق وَأخْبر الشَّيْخ سعد الدّين وَالِد الشَّيْخ مُحَمَّد وَكَانَ الْمَذْكُور مجذوباً لَا يتمهل فِي الْأُمُور فَذكر لَهُ أَن الشَّيْخ أَبَا الوفا كَانَ مَعَ بعض نسَاء أجانب فَقبض عَلَيْهِ حَاكم الْبَلدة وَأخذ مِنْهُ مَالا لَيْلًا وَأَنه لَا يَلِيق بالخلافة وَعِنْدنَا رجل صَالح عَالم يُقَال لَهُ الشَّيْخ عبد الرَّحِيم اجْعَلْهُ خَليفَة واعزل الشَّيْخ أَبَا الوفا واكتب للاعيان مكاتيب بعزله فَكتب للشَّيْخ عبد الرَّحِيم أَنِّي جعلتك خَليفَة وعزلت أَبُو الوفا وَكتب للْقَاضِي بذلك وَأَن يمْنَع أَبَا الوفا من الذّكر مَعَ الْفُقَرَاء فَأحْضرهُ القَاضِي وَأظْهر لَهُ الْمَكْتُوب فَقَالَ أَنا لست بخليفة لَهُ وَإِنَّمَا أخذت الْخلَافَة عَن وَالِدي ووالدي عَن وَالِده ثمَّ ورد مَكْتُوب من الشَّيْخ سعد الدّين إِلَى المريدين والنقباء أَن من تبع أَبَا الوفا فَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 مطرود من طريقتي وَمن تبع الشَّيْخ عبد الرَّحِيم فَهُوَ مَقْبُول عِنْد الله وَعِنْدِي وَمَعَ ذَلِك استمرت الْفُقَرَاء غَالِبا عِنْده ثمَّ بعد مُدَّة توجه أَبُو الوفا بِهَدَايَا إِلَى الشَّيْخ سعد الدّين وَمَعَهُ الْفُقَرَاء المريدون فسبقه الشَّيْخ مَسْعُود أَخُو الشَّيْخ عبد الرَّحِيم وَقَالَ للشَّيْخ سعد الدّين إِن خلفت أَبَا الوفا يخْتل أمرنَا فَقَالَ لَا أخلفه فجَاء أَبُو الوفا فَأكْرمه الشَّيْخ سعد الدّين ثمَّ قَالَ لَهُ جِئْت تطلب الْخلَافَة فَقَالَ أَنا خَليفَة وَالِدي عَن وَالِده عَن جده عَن أجدادكم وَجئْت لتأدية حقكم فَحسب فَإِن أذنتم فِيهَا وَإِلَّا فقد فعلت مالكم من الاحترام وَلم يبرم ثمَّ رَجَعَ إِلَى حلب واستمرت حَلقَة ذكره قَائِمَة لَكِن حَلقَة الشَّيْخ عبد الرَّحِيم كثرت جدا بِسَبَب السخاء وبذل الْقرى وَكَانَت حَلقَة الشَّيْخ عبد الرَّحِيم بِبَاب الْمَقْصُورَة ملاصقة حَلقَة الشَّيْخ أبي الوفا بِحَيْثُ يلتحمون وَلَا شَيْء حاجز بَينهم وَكَانَ يَقع بَينهم من الْفِتَن والاثارات والشتم أَشْيَاء كَثِيرَة إِلَى أَن مقت النَّاس الْفَرِيقَيْنِ فَلَمَّا قدم الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ سعد الدّين إِلَى حلب ألزم الشَّيْخ عبد الرَّحِيم بالتحول إِلَى الْمِحْرَاب الْأَصْغَر حَتَّى انطفت تِلْكَ النيرَان وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد أَخطَأ وَالِدي فِي تَفْرِيق الْكَلِمَة بَينهم وَكَانَ أَبُو الوفا تولى مدرسة الفردوس وَتَوَلَّى نقابة طرابلس وَكَانَ خَطِيبًا بِجَامِع الزكي وَأما مَاله وَولي مدرسة البيرامية وَكَانَت وَفَاته فِي سنة عشرَة بعد الْألف وَدفن فِي نفس زاويتهم وَقد قَارب الْخمسين أَبُو الوفا بن مَعْرُوف الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي الخلوتي الطَّرِيقَة ذكره الشَّيْخ عمر العرضي وَالِد أبي الْوَفَاء الْمُتَقَدّم ذكره فِي تَارِيخ أَلفه وَذكر فِيهِ عُلَمَاء اجْتمع بهم وَأخذ عَنْهُم أَو صحبهم وقفت عَلَيْهِ وجردت مِنْهُ تراجم أنَاس مِنْهُم أَبُو الوفا فَقَالَ فِي تَرْجَمته صاحبنا الْفَاضِل الزَّاهِد قَرَأَ بحماة على الشَّيْخ أبي بكر اليمني الزَّاهِد فِي الْفِقْه ثمَّ لما مَاتَ الشَّيْخ أَبُو بكر هَاجر الشَّيْخ أَبُو الْوَفَاء إِلَى مصر فَقَرَأَ على فضلائها كالرملي الصَّغِير وَالشَّيْخ حمدَان وَأخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الغيطي والعربية عَن الشهَاب ابْن قَاسم والشنواني ثمَّ قدم حماه بِفضل وافر فَلبس الْخِرْقَة الخلوتية من شَيخنَا الشَّيْخ أَحْمد بن الشَّيْخ عبدو القصيري وَهَاجَر إِلَى قريته الْقصير وَدخل الْخلْوَة وتهذب وتزكت نَفسه ثمَّ عَاد إِلَى بَلَده فَركب مَنَابِر الْوَعْظ ونصح وَأطَال اللِّسَان وأعتقده النَّاس سِيمَا فِي أَوَاخِر عمره فَإِنَّهُ أَسْفر عَن أَخْلَاق مرضية وتلمذ لَهُ جمَاعَة من فضلائها وَصَارَ شيخها وقدوتها وحمده النَّاس وَقدم علينا حلب مَرَّات فِي أغلبها يبادرنا بالزيارة وَلَو أَنه تربص لسعينا لَهُ وزرته وَمَا لحُصُول بركته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وَالِانْتِفَاع بِثَوَاب زيارته قَالَ أَبُو الْوَفَاء العرضي ابْن الْمَذْكُور فِي تَرْجَمَة صَاحب التَّرْجَمَة أَنه دخل إِلَى الْقَاهِرَة بِإِذن من شَيْخه الشَّيْخ أَحْمد القصيري وَحكى أَنه نزل فِي مصر عِنْد الْأُسْتَاذ أبي الْحسن الْبكْرِيّ وَالِد الاستاذ مُحَمَّد قَالَ فَقَرَأت عَلَيْهِ بعض كتب من بعض عُلُوم فَلَمَّا وجدني على أسلوب الصَّالِحين من مُلَازمَة الأوراد وَالْقِيَام على قدم التَّهَجُّد طلب مني أَن يتخذني مرِيدا لَهُ ويعطيني الْعَهْد فَكنت أتغافل فَإِنِّي لمزيد اعتقادي فِي الشَّيْخ أَحْمد مَا أردْت أَن أعتاض عَنهُ بِغَيْرِهِ وراودني فِي ذَلِك مَرَّات قَالَ فَبينا أَنا فِي الْحُجْرَة لَيْلًا وَإِذا بالشيخ أبي الْحسن أقبل عَليّ وَعَلِيهِ قنباز من جوخ أَحْمَر وعَلى رَأسه عِمَامَة صَغِيرَة منامية فَجَلَسَ وَبسط يَده إِلَيّ وَقَالَ هَات يدك حَتَّى أُبَايِعك على طريقتنا الشاذلية فَسكت وَإِذا بالجدار انْشَقَّ وَخرج مِنْهُ شَيخنَا الشَّيْخ أَحْمد فَقَالَ للشَّيْخ أبي الْحسن لَا تتعرض لمريدي قَالَ هَذَا مريدي فَوَقَعت بَينهمَا المشاجرة وَإِذا بِهِ نظر إِلَى الْبكْرِيّ نظرة هائلة خرج من عينه خيط نَار وصلت إِلَى الْبكْرِيّ فتباعد عني وَإِذا بِرَجُل آخر أصلح بَينهمَا وَقَرَأَ الْفَاتِحَة لَهما فَسَأَلت هُنَاكَ وَاحِدًا من هَذَا الَّذِي أصلح بَينهمَا فَقيل لي إِنَّه الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم تَوَجَّهت من مصر قَاصِدا بِلَاد الْقصير خوفًا من الشَّيْخ أبي الْحسن وَمن الرِّجَال فَلم أزل على قدم السّفر حَتَّى وصلت إِلَى الشَّيْخ أَحْمد وَهُوَ حَيّ فَقبلت يَدَيْهِ فَضَحِك وَقَالَ سلسلتنا إِن شَاءَ الله تَعَالَى لَا تَنْقَطِع قَالَ العرضي وعَلى مَا قيل كَانَ الشَّيْخ أَبُو الوفا الْمَذْكُور ينْفق من الْغَيْب كَانَ خادمه يَسْتَوْفِي لَهُ أجور حوانيته نَحْو الْأَرْبَعَة عشر قِطْعَة يَضَعهَا تَحت الْجلد وَلَا يزَال ينْفق مِنْهَا وَهِي بَاقِيَة بِعَينهَا وَرُبمَا خرج فِي الْيَوْم نَحْو القرش وَكَانَ لَهُ نظم مَقْبُول مِنْهُ قَوْله (كل من فِي الْحمى ينادم سلمى ... غير أَنِّي لهجرها لَا تسل مَا) (فاعذروا هائماً عليلاً سقيماً ... وارحوا العاشق الَّذِي مَاتَ غما) (لَا مني عاذلي بصبري عَلَيْهِم ... مَا أُنَاسًا مَعَ العاذل مهما) (مذ تجلى الحبيب زَاد سقامي ... وَدَعَانِي لحانة الْأنس لما) (قَالَ مَا أسمى فَقلت الله رَبِّي ... طَابَ شربي عِنْد اللقا بِالْمُسَمّى) ثمَّ قَالَ عجبا يتجلى المحبوب فتنكشف الكروف فَكيف يزْدَاد السقام وتتضاعف الآلام اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تكون فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} كَمَا قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 (صَارَت جبالي دكاً من هَيْبَة المتجلي ... ) (فصرت مُوسَى زماني ... مذ صَار بعضى كلي) أَو لَعَلَّ النُّسْخَة زَالَ بِاللَّامِ وَكَانَت وَفَاته عَن سنّ يزِيد على الثَّمَانِينَ فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف بحماة قلت وَهَذَا وَالِد الشَّيْخ الْمَعْرُوف وَكَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَذْكُور زوج أُخْت جدى القَاضِي محب الدّين وَكَانَ عَالما فَاضلا على طَريقَة وَالِده خلوتيا وَكتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة تُوجد فِي أَيدي النَّاس ويغلب عَلَيْهَا الصِّحَّة أَبُو الْهدى العليمي الْقُدسِي الْوَلِيّ الصَّالح قطب وقته ذكره النَّجْم فِي ذيله وَأحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ كثيرا وَهُوَ من ذُرِّيَّة الْوَلِيّ الشهير سَيِّدي عَليّ بن عليم قدس الله سره قَالَ النَّجْم أَخْبرنِي صاحبنا أَحْمد بن الْمُغيرَة وَهُوَ ثِقَة وَشهد جنَازَته بِبَيْت الْمُقَدّس أَنه مَاتَ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن شعْبَان سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَلم يتَأَخَّر عَن جنَازَته أحد من أهل الْقُدس رَحمَه الله تَعَالَى أَبُو الْيمن بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد وَهُوَ وَالِد إِبْرَاهِيم البتروني الْحلَبِي الْمُقدم ذكره وَقد ذكرنَا تَتِمَّة نسبه هُنَاكَ فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى ذكره هُنَا وَكَانَ أَبُو الْيمن هَذَا مفتي الخنفية بحلب بعد أَخِيه أَبُو الْجُود الْمَار ذكره وَكَانَ فَاضلا فَقِيها متواضعا حسن الْخلق جواد ممدوحا نَشأ فِي الْجد وَالِاجْتِهَاد وَقَرَأَ وَأخذ عَن عُلَمَاء عصره ودرس بِالْمَدْرَسَةِ العادلية وأفنى مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ لَهُ شَأْن رفيع وَلأَهل حلب عَلَيْهِ إقبال زَائِد لِسَلَامَةِ طبعه وتودده وكرم أخلاقه وَدخل دمشق حَاجا فِي سنة أَربع بعد الْألف فصادف قبولا وافر وَأكْرم نزله جدي القَاضِي محب الدّين لسابق مَوَدَّة بَينه وَبَين أَخِيه أَبُو الْجُود وَذكره البديعي فِي ذكري حبيب وَقَالَ أَدْرَكته وَقد خلق عمره وانطوى عيشه وَبلغ سَاحل الْحَيَاة ووقف على ثنية الْوَدَاع وَلم يبْق مِنْهُ إِلَّا أنفاس معدوده وحركات محدودة وَمُدَّة قانية وعدة متناهية وَهُوَ بَحر علم وطود حلم وَاحِد الْآفَاق فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَمن لطائفه قَوْله فِي مَكْتُوب أرْسلهُ إِلَى شيخ الْإِسْلَام صنع الله بن جَعْفَر مفتي التخت السلطاني عِنْد ذكر اسْمه صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء وَمَا كتبه فِي صدر كتاب إِلَى الْمولى فيض الله قَاضِي العساكر الرومية قَوْله (لتهن الْعلَا إِذْ صرت حَقًا لَهَا بدار ... وزين عقد الْفضل مِنْك لَهَا النحرا) (فحمدا لَك اللَّهُمَّ قد سعد الورى ... وَصَارَ بفيض الله نهر الندى بحرا) وَمن شعره قَوْله فِي مجْرى اسْمه عبد اللَّطِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 (عبد اللَّطِيف للطفه ... سبق الَّذِي جاراه) (فَكَأَنَّهُ ريح الصِّبَا ... يحيي الْقُلُوب سراء) وَقَوله فِي الْغَزل مضمنا (وَبِي رشأ أحوى إِذا مَاس فِي الربى ... وهز قواما مِنْهُ تحتجب القضب) (علقت بِهِ حَتَّى هَلَكت صبَابَة ... وَمن ذَا يرى هَذَا الْجمال وَلَا يصبو) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف وَبلغ من الْعُمر ثَمَانِينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد نظام الدّين بن إِبْرَاهِيم بن سَلام الله بن عماد الدّين مَسْعُود بن صدر الدّين مُحَمَّد بن غياث الدّين مَنْصُور الشِّيرَازِيّ الحسني أحد أكَابِر الْمُحَقِّقين وأجلاء المدققين كَانَ يلقب بسُلْطَان الْحُكَمَاء وَسيد الْعلمَاء وَكَانَت لَهُ بالعجم شهرة عَظِيمَة ومكانة جسيمة ومؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا إِثْبَات الْوَاجِب وَهُوَ ثَلَاث نسخ كَبِير وصغير ومتوسط وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس عشرَة بعد الْألف وَتُوفِّي أَخُوهُ الْأَمِير نصير الدّين سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَكَانَا يشبهان بالشريفين الرضى والمرتضى رحمهمَا الله تَعَالَى أَحْمد بن إِبْرَاهِيم المنعوت شهَاب الدّين الصديقي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي النقشبندي الْمَعْرُوف بِابْن عَلان وتكملة نسبه إِلَى الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَذْكُورَة فِي أَبْيَات لَهُ وَهِي قَوْله (أيا سائلي عَن نسبتي كَيفَ حَالهَا ... جدودي إِلَى الصّديق عشرُون فاعدد) (خَلِيل وعلان وَعبد مليكهم ... عَليّ عَليّ ذُو النَّعيم المؤبد) (مبارك شاه حاوي الْمجد بعده ... أَبُو بكر الْمَحْمُود نجل مُحَمَّد) (ووالده قد جَاءَ يكنى باسمه ... فطاهر حنون الَّذِي هُوَ مهتدي) (وعلان ثَان جَاءَ وَهُوَ حسينهم ... عفيف أَتَى فيهم وَيُونُس ذواليد) (ويوسف إِسْحَاق وَعمْرَان قد أَتَى ... وَزيد بِهِ كل الْخَلَائق تقتدي) (وَمن بعده حاوي الفخار مُحَمَّد ... وَالِده الصّديق ذخري ومنجدي) وَكَانَ الشهَاب الْمَذْكُور أَمَام التصوف فِي زَمَانه وَهُوَ من الْعلم فِي الْمرتبَة السامية أَخذ عَن الشَّيْخ تَاج الدّين النقشبندي وانتفع بِهِ خلق كثير وَله التآليف الجمة مِنْهَا شرح قصيدة السودي الَّتِي أَولهَا (لَيْسَ عِنْد الْخلق من خبر ... ) وقصيدة ابْن بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الميلق (من ذاق طعم شراب الْقَوْم يدريه ... ) وَشرح (مَا لَذَّة الْعَيْش إِلَّا صُحْبَة الفقرا ... ) وَشرح رِسَالَة الشَّيْخ أرسلان الَّتِي أَولهَا (كلك شرك خَفِي ... ) وَشرح حكم أبي مَدين شرحاً مُفِيدا وَشرح قصيدة الشهرزوري الَّتِي مطْلعهَا (لمعت نارهم وَقد عسعس اللَّيْل ... ومل الْحَادِي وحار الدَّلِيل) وَله رِسَالَة فِي طَرِيق السَّادة النقشبندية جمع فِيهَا الْآدَاب واللوازم وَذكر فِيهَا جماعات من مَشَايِخ الطَّرِيق بَدَأَ بشيخه الشَّيْخ تَاج الدّين وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من الْعلمَاء الفحول وَكَانَت وَفَاته فِي الْيَوْم السَّادِس عشر من شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بالمعلاة بِالْقربِ من قبر أم الْمُؤمنِينَ السيدة خَدِيجَة أَحْمد بن أبراهيم الْمَعْرُوف بِابْن تَاج الدّين الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي التاجي كَانَ أحد صُدُور الشَّام وَمن كملائها الْمَشْهُورين بِحسن المصاحبة ولطف البداهة وَكَانَ وجيهاً صَاحب إقدام فِي الْأُمُور وَله معرفَة باللغة التركية وَكَانَ بِيَدِهِ وقف أجداده بني تَاج الدّين وَهَذَا الْوَقْف من الْأَوْقَاف الْكَبِيرَة بِدِمَشْق وَكَانَ شَرِيكا لخاله شيخ شُيُوخ الشَّام عبد الْقَادِر بن سُلَيْمَان فِي خدمَة مَزَار حَضْرَة الشَّيْخ أرسلان وَكَانَت بَينهمَا نِصْفَيْنِ وسافر إِلَى الرّوم ولازم على قاعدتهم ودرس ثمَّ صَار قَاضِيا بالركب الشَّامي فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَعَاد إِلَى الرّوم وَصَارَ قَاضِيا بفوة فِي إقليم مصر وَبعد مَا عزل مِنْهَا توجه إِلَى الرّوم ثَالِث مرّة فِي رَجَب سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف وَترك طَرِيق الْقَضَاء وأبدله بالتدريس وَولي تدريس الْمدرسَة الأحمدية بالمشهد الشَّرْقِي بِجَامِع بني أُميَّة الْمَعْرُوفَة بدار الحَدِيث الَّتِي كَانَ جددها أَحْمد باشا الْحَافِظ أَيَّام حكومته بِالشَّام وَكَانَت وجهت إِلَيْهِ برتبة الْخَارِج ثمَّ أعطي رُتْبَة الدَّاخِل وَأخذ الْمدرسَة العذراوية عَن عَالم دمشق وخطبها أَحْمد بن يحيى البهنسي الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلم يتَصَرَّف بهَا وقررت على البهنسي لكَون أَخذهَا لم يُصَادف محلا وناب فِي قَضَاء دمشق عَن قَاضِي الْقُضَاة أبي السُّعُود الشعراني الْمُقدم ذكره وأثرى فِي آخر عمره وتصدر وَكَثُرت حَوَاشِيه وعَلى كل حَال فَهُوَ مَعْدُود من الصُّدُور وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع بعد الْألف وَتُوفِّي فِي سَابِع شعْبَان سنة سِتِّينَ وَألف وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ القلجية تَحت قدمي بانيها الْأَمِير سيف الدّين قلج الأصفلا رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الله بن ابي بكر بن علوي بن عبد الله بن علوي بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الْمُقدم جد الْجمال مُحَمَّد الشلي وَالِد وَالِده أَبُو بكر الْمُقدم ذكره حفيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الْجمال فِي تَارِيخه الْمُسَمّى نفائس الدُّرَر فِي أَشْرَاف الْقرن الْحَادِي عشر وَقَالَ فِي تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن واشتغل وَصَحب من أكَابِر عصره كثيرين وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الإِمَام أَحْمد بن علوي باجحدر وَالشَّيْخ شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن السقاف وَأدْركَ الْمُحدث الْكَبِير مُحَمَّد بن عَليّ خرد صَاحب الْغرَر وأخاه القَاضِي أَحْمد شرِيف وَحج وَأخذ بالحرمين عَن جمَاعَة وَلبس خرقَة التصوف من وَالِده وَغَيره وَكَانَ كثير السُّؤَال عَمَّا يَقع لَهُ من أُمُور الدّين من الأشكال وافر التَّحَرِّي فِي أُمُور الْعِبَادَة كثير المداومة على عمل الْبر والاوراد والأذكار وَكَثْرَة الْقيام والتلاوة وَأخذ عَنهُ جمع كَثِيرُونَ مِنْهُم ابْنه أَبُو بكر وَالشَّيْخ عبد الله بن سهل بَافضل وَآخَرُونَ وَكَانَ عَالما بالفقه وأصوله لَكِن غلب عَلَيْهِ علم التصوف والاشتغال بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله وَكَانَ كثير الْخَوْف والبكاء وأثنت عَلَيْهِ مشايخه وأكابر عصره وَكَانَ زاهداً فِي الدُّنْيَا قانعاً مِنْهَا بالكفاف وَظَهَرت مِنْهُ كرامات مِنْهَا أَن السَّيِّد الْجَلِيل عمر بن أَحْمد مقرّ لما حفر بئره الْمَشْهُور تَحت تريم اعترضت دون المَاء صَخْرَة عَظِيمَة فتعب لذَلِك فَلَمَّا علم صَاحب التَّرْجَمَة بِأَنَّهُ قصد بهَا وَجه الله وَأَن فِيهَا نفعا للْمُسلمين كتب فِي حِجَارَة صَغِيرَة وَرمى بهَا على تِلْكَ الصَّخْرَة الْكَبِيرَة فانهارت كالتراب ونبع المَاء وَمِنْهَا أَنه لما سَافر إِلَى الْحَج فِي طَرِيق الشط حصل للركب الَّذِي هُوَ فِيهِ عَطش شَدِيد وَمحل المَاء بعيد عَنْهُم فَأخذ قربَة وتوارى فِي جبل صَغِير وَرجع والقربة مَمْلُوءَة مَاء فراتاً وَكَانَ يُقَال أَنه يعلم الِاسْم الْأَعْظَم وَكَانَت وَفَاته فِي رَجَب سنة أَربع بعد الْألف وَدفن بمقبرة زنبل بِقرب قبر وَالِده وجده رَحِمهم الله تَعَالَى أَحْمد بن أبي بكر النَّسَفِيّ الخزرجي الْمَالِكِي الشهير بقعود الإِمَام البارع الْكَبِير الماهر فِي كثير أَنا الْفُنُون كَانَ أحد الْعلمَاء الْمَشَاهِير بِمصْر حسن النّظم والنثر أَخذ عَن النَّجْم الغيطي والناصر اللَّقَّانِيّ وَمن فِي طبقتهما وَألف مؤلفات كَثِيرَة نظماً ونثراً مِنْهَا منظومة فِي النَّحْو ومنظومة فِي الزخافات والعلل العروضية وَتَذْكِرَة جمع فِيهَا من لقِيه من الشُّيُوخ وَمن عاصره وَكَثِيرًا من نظمه البديع وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء وانتفعوا بِهِ مِنْهُم وَلَده أَبُو بكر والشهاب أَحْمد الخفاجي وَذكره فِي كِتَابه فَقَالَ فِي وَصفه بليغ سحب ذيل بلاغته على سحبان وَروض أدب فِي كل ورقة خطها بُسْتَان أَلْفَاظه أرق من دمع السَّحَاب وأطرب من كأس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 يضْحك بالحباب سطور شعره قضب عَلَيْهَا من قوافيه حمام وعصره وَأَن تَأَخّر لمدام الْأَدَب مسك ختام أَن ورى فالكلمات النباتية لحيائها ذَات توارى أوزف أبكار أفكاره فالكنس لشبها جواري وَهُوَ من أَعْيَان مر فضلا وأدبا وَمِمَّنْ مَال لرقته كل نسيم وصبا وَله مَكَارِم أَخْلَاق تُؤثر مآثر الْجُود فِي الْآفَاق كَمَا قَالَ فِيهِ تِلْمِيذه يحى الْأصيلِيّ (لله در شهَاب الدّين مرتقيا ... فِي الْجُود وَالنّسب السَّامِي على السّلف) (من رام سعى تقى أَو منتقى نسب ... قَالَت فضائله فِي ذَا وَذَا ستفي) وَمَعَ كَون طبعه يهزأ بالشمال والشمول أَدْرَكته حِرْفَة الْأَدَب فاعتكف فِي زَوَايَا الخمول وَمن شعره قَوْله (يَا صَاحِبي اتركا معنى ... أَو فاعذلاه وعارضاه) (فاتطيقان رشد غاو ... بِمَا يلاقي وعي رِضَاهُ) (سبي حشاه وَالْعقل مِنْهُ ... عينا غزال وعارضاه) (يَا جمع من صيروا التصابي ... فِي الْحسن عارا بالعارضا هوا) وَقَوله (لي حبيب من هِجْرَة زَاد كسْرَى ... وسلوى هَوَاهُ أقبح ذَنْب) (جَاءَنِي دَاعيا وَقَالَ ائْتِ إِنِّي ... أولم الْيَوْم قلت قلب الْمُحب) وَقَوله من قصيدة (تفت فُؤَادك الْأَيَّام فتا ... وتنحت جسمك السَّاعَات نحتا) (وتدعوك الْمنون دُعَاء صدق ... أَلا يَا صَاح أَنْت أُرِيد أنتا) وَمِنْهَا فِي الْعلم (وكنز لَا تخَاف عَلَيْهِ نهبا ... خَفِيف الْحمل يُوجد حَيْثُ كنتا) (ستجني من ثمار الْجَهْل شوكا ... وتصغر فِي الْعُيُون وَإِن كبرتا) وَقَوله (هم بابنة البن فقد ودها ... للطفهارب الحجى والدها) (مذ سادت العنبر لونا شدا ... لَا تدعني إِلَّا بيا عَبدهَا) وللقيراطي مضمنا (فِي خد من أحببته شامة ... مَا الند فِي نكهته ندها) (والعنبر ارطب غَدا قَائِلا ... لَا تدعني إِلَّا بياعبدها) وَهُوَ تضمين لقَوْل الشَّاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 (لَا تدعني إِلَّا بياعبدها ... فَإِنَّهُ أشرف أسمائي) يُشِير إِلَى شرف مقَام الْعُبُودِيَّة وَلذَا قَالَ سُبْحَانَهُ {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} وَمثله قَول الآخر (وَمِمَّا زادني شرفا وتيها ... وكدت باخمصي أَطَأ الثريا) (دخولى تَحت قولاك ياعبادي ... وجعلك خير خلقك لي نَبيا) انْتهى مَا أوردهُ لَهُ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع بعد الْألف وَسبب شهرته بقعود أَنه حج صُحْبَة الْأُسْتَاذ مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ فأركبه الشَّيْخ قعُودا كَانَ هُوَ يركبه لأجل الْمَنَام فِي الطَّرِيق فاتفق لما وصلا إِلَى الْمَدِينَة بعد تَمام الْحَج أَن الْجمال جاءها وأخبرهما أَن الْقعُود مَاتَ فَاغْتَمَّ صَاحب التَّرْجَمَة حِينَئِذٍ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ لَا تغتم نركبك أحسن مِنْهُ فَلم يفده فَذهب وَهُوَ متغير الْحَال إِلَى النَّبِي وَذكر ذَلِك تجاه الضريح وَإِذا بالجمال رَجَعَ مُتَعَجِّبا إِلَى الشَّيْخ يُخبرهُ أَن الْقعُود حَيّ فاشتهر من ذَلِك الْخَبَر بقعود هَكَذَا رَأَيْته بِخَط بعض المصريين أَحْمد بن أبي بكر بن سَالم بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن اليمني من الكمل الْمَشْهُورين ولد بقرية عينان وَنَشَأ بهَا واشتغل على أَبِيه ثمَّ أمره أَبوهُ بِالسَّفرِ إِلَى تريم لزيارة من فِيهَا وللأخذ عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن علوي وَكَذَا إخوانه أَمرهم أبوهم أَبُو بكر بِالْأَخْذِ عَن بني علوي وَسُئِلَ عَنْهُم فَأثْنى عَلَيْهِم خيرا وَقَالَ أزهدهم أَحْمد وَحج أَحْمد مرَّتَيْنِ وَلَقي جمَاعَة من العارفين وَلزِمَ الطَّاعَة وَدخل بندر عدن لزيارة أبي بكر وَمن بِهِ من بني العيدروس ثمَّ قصد زِيَارَة الشَّيْخ أَحْمد ابْن عمر العيدروس إِلَى دَاره فَخرج الشَّيْخ أَحْمد للقائه وَلما رأى كل مِنْهُم صَاحبه وقف تِلْقَاء وَلم يكن بَينهمَا مصاحبة وَلم يكلم أحد مِنْهُمَا صَاحبه وَلما سُئِلَ صَاحب التَّرْجَمَة عَن ذَلِك قَالَ حَال بَيْننَا نور منعنَا أَن نتكلم بِلِسَان الْمقَال وَرجع كل مِنْهُمَا إِلَى مَحَله ورحل صَاحب التَّرْجَمَة من عدن إِلَى بندر الشحر فَأَقَامَ بِهِ وطار صيته وقصده النَّاس من كل مَكَان وَعم نَفعه وَظهر لَهُ كرامات وخوارق مِنْهَا أَنه لما دخل مَكَّة أَتَى لزيارة الشريف إِدْرِيس بن حسن بن أبي نمى فَقَالَ لَهُ ستلى أَمر الْحجاز بعد أَخِيك أَبى طَالب وَكَانَ الْأَمر كَذَلِك وَمِنْهَا مَا أخبر بِهِ الشَّيْخ الْعَارِف مُحَمَّد بن علوي أَن الشَّيْخ أَبَا بكر الشهير بقعود الْمصْرِيّ حصل بَينه وَبَين صَاحب التَّرْجَمَة محبَّة شَدِيدَة وَلما خرج من مَكَّة خرج قعُود مَعَه للموادعة وَلما رَجَعَ فقد خَاتمه وَكَانَ فِيهِ وفْق عَظِيم وَكَانَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 معرفَة تَامَّة بِعلم اوقاف والأسماء كَمَا تقدم فتعب لفقده تعباً شَدِيدا ونام تِلْكَ اللَّيْلَة فِي غَايَة التَّعَب لذَلِك فَرَأى صَاحب التَّرْجَمَة فِي نَومه وَهُوَ يَقُول لَهُ تعبت لأجل الْخَاتم هَذَا خاتمك وَألبسهُ إِيَّاه فَلَمَّا أصبح وجد الْخَاتم فِي يَده ففرح فَرحا شَدِيدا وَمِنْهَا أَن بعض آل كثير قتل قَاتل أَبِيه وَخَافَ من السُّلْطَان عمر بن بدر أَن يقْتله بِهِ فَاسْتَجَارَ بِصَاحِب التَّرْجَمَة فَأمر السُّلْطَان عمر بِإِخْرَاجِهِ من دَار الشَّيْخ فهجم الْعَسْكَر الدَّار وفتشوا جَمِيع الْمنَازل فَلم يظفروا بِهِ ثمَّ أخرجه لَيْلًا والعسكر مُحِيطَة بِالدَّار وَلأَهل حَضرمَوْت والشحر وَالِد وَعَن السواحل ومقدشوه فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم ويأتون بالنذور الْكَثِيرَة إِلَيْهِ وَظهر لكثيرين مِنْهُ كرامات كَثِيرَة وانتفع بِصُحْبَتِهِ جم غفير ولبسوا مِنْهُ الْخِرْقَة وَكَانَ ملْجأ للوافدين وَكَانَت وَفَاته فِي سنة عشْرين وَألف ببندر الشحر وازدحم الْخلق على جنَازَته رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن أبي بكر بن أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي بكر بن علوي بن عبد الله ابْن عَليّ بن عبد الله بن علوي بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الْأَجَل الْمَعْرُوف بالشلي وَهُوَ أَخُو مُحَمَّد الْجمال صَاحب التَّارِيخ وَأحد مشايخه ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن على الْمعلم الْكَبِير مُحَمَّد باعيشه وجوده عَلَيْهِ وَحفظ الجزرية والعقيدة الغزالية وَالْأَرْبَعِينَ النووية والاجرومية وَأكْثر الْإِرْشَاد وورقات الْأُصُول وقطر الندى لِابْنِ هِشَام وَأخذ عَن وَالِده وتفقه بالعلامة مُحَمَّد الْهَادِي بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَالْقَاضِي الْأَجَل أَحْمد بن حُسَيْن وَأخذ عَن الشَّيْخ أبي بكر وأخيه شهَاب الدّين ابْني عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين الْأَصْلَيْنِ وَغَيرهمَا من عُلُوم الدّين وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله باهارون وَالشَّيْخ زين العابدين العيدروس وأخيه عبد الرَّحْمَن السقاف بن مُحَمَّد العيدروس والفقيه فضل وَالشَّيْخ أَحْمد بَافضل الشهير بالسودي وَأخذ عَن غَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم وبرع فِي الْفِقْه والْحَدِيث والعربية وَأَجَازَهُ غير وَاحِد من مشايخه وَألبسهُ الْخِرْقَة ثمَّ رَحل إِلَى الْهِنْد وَأخذ بهَا عَنهُ جمَاعَة عُلُوم الْأَدَب وَأخذ عَن السَّيِّد الْأَجَل الشَّيْخ شيخ بن عبد الله العيدروس عُلُوم الصُّوفِيَّة وَصَحب الشَّيْخ الْكَبِير السَّيِّد أَبَا بكر بن أَحْمد العيدروس وَالسَّيِّد الْكَبِير الشَّيْخ جَعْفَر العيدروس السَّيِّد عمر بن عبد الله باشيبان ولازمه فِي دروسه وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والفنون الأدبية وعلوم الْعَرَبيَّة واتصل بِالْملكِ عنبر فَأحْسن إِلَيْهِ واختص بِهِ بعض مُلُوك تِلْكَ الديار فأجلسه فِي أَعلَى مراتبه ثمَّ عَاد إِلَى وَطنه فلازم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 القَاضِي أَحْمد بن حُسَيْن وَقَرَأَ عَلَيْهِ فتح الْجواد وإحياء عُلُوم الدّين وَقَرَأَ على الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف فِي الْعَرَبيَّة والْحَدِيث وَكتب الصُّوفِيَّة ثمَّ رَحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ عَن الشَّيْخ الْعَارِف مُحَمَّد بن علوي وَالشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عَليّ بن عَلان وَالشَّيْخ سعيد باقشير وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطَّائِفِي وَالسَّيِّد أَحْمد بن الْهَادِي والعارف أَحْمد بن مُحَمَّد القشاشي الْمدنِي وَأَجَازَهُ أَكْثَرهم بِجَمِيعِ مروياتهم ومؤلفانهم ثمَّ رَجَعَ إِلَى وَطنه وَكَانَ أديباً باهراً حسن الْخط ثَابت الذِّهْن عَجِيب الْفَهم مطلعاً على اللُّغَة والمفاكهات وَكَانَت لَهُ قدرَة على كشف الغوامض وَمَعْرِفَة تَامَّة بِالْحِسَابِ والفرائض ودرس وأجاد وانتفع بِهِ كثير من الطّلبَة وَكَانَ نير السريرة طيب الرَّائِحَة لطيف الثِّيَاب دَائِم الْبشر لَا يتْرك قيام اللَّيْل كثير التَّحَمُّل للبلايا صبوراً على من أَذَاهُ وَكَانَ يحب الْفُقَرَاء وَكَانَ يَقُول كل من ابتلاه الله بالفقر فِي هَذَا الزَّمَان حقيق بِأَن يعْتَقد وَكَانَ حسن الْأَدَب مَعَ النَّاس قَالَ أَخُوهُ فِي تَرْجَمته ومنذ صحبته مَا أذكر أَنه غضب يَوْمًا من الْأَيَّام وَلَا اغتاب أحدا وَلَو أَذَاهُ وَلم يزل على حَالَته إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة تسع عشرَة وَألف وَتُوفِّي فِي سنة سبع وَخمسين وَألف بِمَدِينَة تريم وَدفن بمقبرة زنبل وقبره بهَا مَعْرُوف يزار رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن أبي بكر بن سَالم بن أَحْمد بن شَيْخَانِ بن عَليّ بن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله باعلوي وَتقدم رفع نسبه فِي تَرْجَمَة وَالِده أبي بكر الشهابالمقدم فِي الْعُلُوم الْمُنْفَرد بالفنون الأدبية إِلَى مَكَارِم شيم وأخلاق وصفاء بَاطِن وَظَاهر ولد بِمَكَّة المشرفة فِي رَجَب سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَبهَا نَشأ وتربى فِي كنف وَالِده وَحفظ الْقُرْآن والإرشاد وَبَعض الْمنْهَج وألفية الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ فِي أصُول الحَدِيث وألفية ابْن مَالك وَغير ذَلِك من الرسائل ولازم أَبَاهُ وَعنهُ أَخذ الطَّرِيق المسلسل وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة الشَّرِيفَة وتلقن الذّكر والمصافحة والمشابكة ولازم الشَّيْخ عبد الله باسعيد باقشير فِي درسه وَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي وَالشَّيْخ عَليّ بن الْجمال وَأحمد بن عبد الرؤف وَعبد الله بن الطَّاهِر العباسي وَحضر دروس الْعَلامَة عِيسَى المغربي وَأخذ عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الرَّحْمَن المغربي وَألبسهُ الْخِرْقَة ثمَّ لَازم مُحَمَّد بن سُلَيْمَان مُلَازمَة تَامَّة وأتقن عدَّة فنون مِنْهَا الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول والعربية والفرائض والحساب والميقات والمعاني وَالْبَيَان وَالْعرُوض وَأمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 شَيْخه ابْن سُلَيْمَان بالتدريس فَجَلَسَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَأخذ عَن الشَّيْخ أَحْمد البشبيشي لما قدم مَكَّة فِي حجَّته الأولى وَأَجَازَهُ وَكَانَت لَهُ همة تزاحم الأفلاك ونثر وإنشاء ونظم وَألف عدَّة رسائل وتعاليق وَاخْتصرَ تَارِيخ الْقُرْطُبِيّ الْمُسَمّى بالبرق الْيَمَانِيّ وَزَاد فِيهِ زيادات وَلَكِن لم تطل مدَّته وَمن شعره قَوْله فِي مليح اسْمه بكري (ياغزالا مرعاه وسط فُؤَادِي ... وحبيبا مَا زَالَ دمعي يذري) (أَنْت أولى الملاح بِالْملكِ حَقًا ... بنصوص السماع إِذْ أَنْت بكري) وَقَوله مقتبسا فِي مليح اسْمه مبارك (بِي مُرْسل الألحاظ مَعَ فترتها ... مُقَيّد الْأَوْصَاف وَهُوَ مُطلق) (يَا أمة الْعِشْق هلموا أَنه ... مبارك فَاتَّبعُوهُ وَاتَّقوا) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف وَدفن بالمعلاة بالحوطة عِنْد أسلافه رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن أبي الْفَتْح الملقب شهَاب الدّين الْحكمِي الْمقري نزيل مَكَّة الشَّيْخ الإِمَام رفيع الشَّأْن كَانَ من كبراء الْعلمَاء إِذا مهابة وجلالة وَكَانَ من أَرْبَاب الْأَحْوَال ذكر مبدأ أمره فِي رِسَالَة لَهُ سَمَّاهَا نسيمات الأسحار فِي ذكر بعض أَوْلِيَاء الله الأخيار وَذكر مشايخه الَّذين تلقى عَنْهُم بِأَرْض الْيمن ومنتهى سَنَده إِلَى الْحكمِي والبحلي أَصْحَاب عواجة وعواجة بَلْدَة مَعْرُوفَة بِأَرْض الْيمن بلد الْحكمِي والبجلي فَأَما مشايخه فهم سَبْعَة الصّديق بن مُحَمَّد الشهير بالبلاط وَالشَّيْخ أَحْمد بن المقبول الْأَسدي الْمَشْهُور بِأبي الْفَضَائِل وَالشَّيْخ عُثْمَان بن السهل الْمَشْهُور بالأقرع تلميذ الشَّيْخ الْكَبِير الرباني المربى الصُّوفِي الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سَيِّدي الشَّيْخ شيخين بن أبي الْفَتْح الْحكمِي وَالشَّيْخ الْأمين بن أبي الْقَاسِم شَافِع وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الحلوي وَالشَّيْخ مُحَمَّد يَعْقُوب النمازي وَذكر مَا قَرَأَهُ عَلَيْهِم من الْكتب وَهِي كَثِيرَة وَله شيخ ثامن وَهُوَ الْعَالم الرباني الشَّيْخ الْكَبِير عبد الْقَادِر بن أَحْمد الْحكمِي الْمَشْهُور بِأبي الرسائل أَخذ عَنهُ الطَّرِيق وتلقن عَنهُ ورده من الْقُرْآن بِإِشَارَة مِنْهُ قَالَ وَقَالَ لي يَا أَحْمد اقْرَأ من الْقُرْآن كل يَوْم سبع الْقُرْآن بِتَقْدِيم السِّين على الْبَاء وَقَالَ لي يَا أَحْمد لَا تتْرك هَذَا السَّبع من الْقُرْآن كل يَوْم إِلَّا لعذر يُبِيح ترك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وتلقى عَنهُ ورده فِي تَهَجُّده بِالْقُرْآنِ فِي جَوف اللَّيْل بِإِشَارَة مِنْهُ قَالَ وَقَالَ لي يَا أَحْمد تهجد فِي جَوف اللَّيْل بِقدر جُزْء من الْقُرْآن وَلَا تتْرك التَّهَجُّد فِي الْقُرْآن فِي جَوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 اللَّيْل إِلَّا لعذر وَقَالَ أَنا ملازم لذَلِك وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي علم التصوف كتاب الرسَالَة للشَّيْخ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأذن لَهُ أَن يَرْوِيهَا عَنهُ بروايته لَهَا عَن شَيْخه وجده الشَّيْخ أَحْمد بن أبي الْفَتْح الْحكمِي وَهُوَ يَرْوِيهَا عَن وَالِده أبي الْفَتْح بن الصّديق وَهُوَ عَن شَيْخه وجده الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سَيِّدي الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر الْحكمِي وَهُوَ يَرْوِيهَا عَن شَيْخه وجده الْكَبِير عمر بن عمر الْحكمِي ولقبه زخم الدَّاريْنِ وَهُوَ عَن شَيْخه وجده الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي بكر الْحكمِي صَاحب عواجة وَهَذَا مُنْتَهى سَنَد الشهَاب صَاحب التَّرْجَمَة لرِوَايَة الرسَالَة ويروي الْعُلُوم من طَرِيق الشَّيْخ عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني نزيل مَكَّة وَهِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والأصلان والنحو وَالصرْف والقراآت عَن الْمَشَايِخ السَّبْعَة الْمُقدم ذكرهم بسندهم إِلَى أَحْمد بن مُوسَى العجيل وَالشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ وهما يرويان عَن الْحكمِي والبجلي أَصْحَاب عواجة وَقَالَ وَقد جمعني الْحَضَر على هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخ الْخَمْسَة يغظة وهم الشَّيْخ عبد الله بن أسعد اليافعي وَالشَّيْخ أَحْمد بن مُوسَى العجيل وَالشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي بكر الْحكمِي وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن حُسَيْن البجلى أصجاب عواجة وَقَالَ لي تقدم واقرأ على شيخك وَجدك الشَّيْخ مُحَمَّد بن أبي بكر الْحكمِي فَقَالَ لي الشَّيْخ هَلُمَّ إِلَيّ فَجَلَست بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لي اقْرَأ فَإِذا الْكتاب الَّذِي فِي يَدي كتاب الرسَالَة لأبي الْقَاسِم الْقشيرِي فَقَرَأت عَلَيْهِ الْكتاب الْمَذْكُور فِي مجْلِس وَاحِد من أَوله إِلَى آخِره هَذَا مَا ذكره فِي رسَالَته قَالَ الشلي فِي تَرْجَمته أَخذ عَنهُ كَثِيرُونَ مِنْهُم شَيخنَا على بن الْجمال الْأنْصَارِيّ الْمَكِّيّ وَشَيخنَا عبد الله ابْن سعيد باقشير وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ من الضنائن المخدرين أهل الدَّلال المحبوبين وَكَانَ يمِيل بالطبع إِلَى السماع وينخلع إِذا سمع عَن بشريته المحكومة للطباع وَيظْهر مِنْهُ حالات رضية لمن لَهُ بالحواس السليمة أَدْرَاك وروى أَنه رَحل من مَكَّة لزيارة الحضرة المحمدية فِي الرَّابِع عشر من رَجَب سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَقدم الْمَدِينَة فَمَرض فِي الْيَوْم السَّابِع وَالْعِشْرين مِنْهُ وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَجَب الْمَذْكُور وَدفن فِي يَوْمه ببقيع الْغَرْقَد وَهُوَ فِي سنّ الْخمسين الشَّيْخ أَحْمد بن أبي الْوَفَاء بن مُفْلِح الْحَنْبَلِيّ الدِّمَشْقِي الإِمَام الْكَبِير الْفَقِيه الْمُحدث الْوَرع الزَّاهِد الْحجَّة الثبت الْخَيْر كَانَ أحد الْعلمَاء بِالشَّام الملازمين على تَعْلِيم الْعلم والفتيا وَكَانَ لَهُ المتانة الْكَامِلَة فِي الْفِقْه والعربية والفرائض والحساب والتاريخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَلأَهل دمشق فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَهُوَ مَحَله وَأَهله وَكَانَ متجنباً غَالب النَّاس وَله مداومة على تِلَاوَة الْقُرْآن وَالْعِبَادَة أَخذ عَن الأجلاء من مَشَايِخ عصره مِنْهُم جدنا الْعَلامَة إِسْمَاعِيل النابلسي الشَّافِعِي وَأخذ الْفِقْه عَن الْفَقِيه الْكَبِير مُوسَى بن أَحْمد بن أَحْمد الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بالحجازي صَاحب الاقناع وَأخذ عَن الشَّمْس مُحَمَّد ابْن طولون الصَّالِحِي وبرع فِي أَنْوَاع الْعُلُوم ودرس بعدة مدارس مِنْهَا دَار الحَدِيث بصالحية دمشق بِالْقربِ من الْمدرسَة الأتابكية وَكَانَ لَهُ بقْعَة تدريس بالجامع الْأمَوِي وَعرض عَلَيْهِ قَضَاء الْحَنَابِلَة بمحكمة الْبَاب لما مَاتَ القَاضِي مُحَمَّد سبط الرجيحي الْحَنْبَلِيّ فِي زمن قَاضِي القضة الْمولى مصطفى بن حُسَيْن بن الْمولى سِنَان صَاحب حَاشِيَة التَّفْسِير فَامْتنعَ وَبَالغ القَاضِي وَمن كَانَ عِنْده من كبار الْعلمَاء فِي طلبه فَلم ينخدع وَاعْتذر بثقل السّمع وَأَنه لَا يسمع مَا يَقُوله المتداعيان بسهولة وَذَلِكَ يَقْتَضِي صعوبة فصل الْأَحْكَام وَلم يزل يتلطف بِالْقَاضِي حَتَّى عَفا عَنهُ وَكَانَت فَاتَهُ فِي ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وَبَنُو مُفْلِح من الْبيُوت الْمَعْرُوفَة بِالْعلمِ والرياسة بِالشَّام وردوا فِي الأَصْل من قَرْيَة راميم من وَادي الشّعير تَابع نابلس ونزلوا صالحية دمشق وتفرعوا بطوناً فَأَحْمَد هَذَا من نسل نظام الدّين وَأما ابْن عَمه القَاضِي مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالأكمل الْآتِي ذكره فِي حرف الْمِيم إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَهُوَ من نسل إِبْرَاهِيم وهما أَخَوان الأديب أَحْمد بن أَحْمد المكني بِأبي العنايات ابْن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْكَرِيم النابلسي الأَصْل الْمَكِّيّ المولد نزيل دمشق الشَّاعِر الْمَشْهُور بالعناياتي أحد بلغاء عصره جمع شعره بَين جودة السبك وَحسن الْمَعْنى وَعَلِيهِ طلاوة رائقة وبهجة فائقة وديوان شعر مَشْهُور وَكَانَ يدْخل فِي جَمِيع طرق الشّعْر من بديع وهجو وعزل ونسيب وَله فِي فنون النّظم السِّت الَّتِي ابتدعها الْمُتَأَخّرُونَ الباع الطَّوِيل وَكَانَ أَبوهُ رَحل من نابلس وقطن مَكَّة مُدَّة وَتزَوج بهَا فولد لَهُ أَحْمد هَذَا بهَا وَكَانَ أسمر اللَّوْن وينطق بنطق أهل مَكَّة ونبابه وَطنه أَيَّام شبابه فَفَارَقَ الْمقَام وقوض الْخيام وتقاذفت بِهِ ديار الغربة وَكَانَ ينْتَقل ويجول فِي كل ديار لَكِن كَانَت سياحته مَقْصُورَة على الْبِلَاد الشامية وَدخل دمشق آخرا فِي سنة سِتّ أَو سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَألقى بهَا عَصا ترحاله فسكن مرّة فِي جَامع هِشَام بن عبد الْملك فِي جِهَة سوق جقمق ثمَّ ارتحل إِلَى الْمدرسَة الباذرائية وَاسْتمرّ بهَا مجاوراً فِي حجرَة من حجراتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ يتعمم بالصوف الَّذِي يُقَال لَهُ المئزر وَوصف البديعي هَيئته فَقَالَ رث الشَّمَائِل وسخ الأثواب كَأَنَّمَا بكرت عَلَيْهِ مُغيرَة الْأَعْرَاب خلق الجلابيب والأردان كَأَنَّمَا اتخذ عمَامَته منديل الخوان فزيه غَرِيب وطليسان ابْن حَرْب بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ قشيب وَكَانَ متقللاص فِي الْمطعم واللباس منقبضاً فِي الْغَالِب عَن المخالطة وَلم يتَزَوَّج فِي عمره وَكَانَ يكْتب الْخط الْحسن الْمَنْسُوب وينظم من الشّعْر مَا يزري بزهر الخمائل وَكَانَ فِي الْغَالِب يقْضِي أوقاته فِي بيُوت القهوة وَرُبمَا كَانَ يبيت هُنَاكَ وَكَانَ قَلِيل التكسب بالشعر وَإِذا مدح أحدا يُرْسل مدحه إِلَى بعض توابعه ويرجو بِالْإِشَارَةِ بعض جدواه وَقد وصف بعض حَاله فِي قصيدة لَهُ حَيْثُ قَالَ (إِذا لم أعز فَمن ذَا يعز ... وفقري وقنعي كنز وحزر) (لبست من الْيَأْس فِي النَّاس ثوبا ... عَلَيْهِ من الْعقل وَالْفضل طرز) (وَلست أرى الذل إِلَّا إِذا ... كَانَ فِي الْحبّ والذل فِي الْحبّ عز) (ومثلي حر عباه غناهُ ... إِذا استعبد النَّاس خَز وبز) وَوصف خطه وحظه فَقَالَ (زَاد خطي وَقل حظي فَمن لي ... نقل نقط من فَوق خاء لطاء) (وبشعري الغالي ترخص سعري ... وبطب الْفُنُون مت بدائي) وَهَذَا مَسْبُوق إِلَيْهِ فِي قَول بَعضهم (لَا تحسبوا أَن حسن الْخط يسعدني ... وَلَا سماحة كف الحاتم للطائي) (وَإِنَّمَا أَنا مُحْتَاج لوَاحِدَة ... لنقل نقطة حرف الْخَاء للطاء) وَذكر الْحسن البوريني فِي تَرْجَمته أَنه كَانَ مَعَ ظُهُوره بِصُورَة الْفقر يتهم بِمَال كثير ظَهرت لَهُ بعض آثَار حَيْثُ أحب بعض أَحْدَاث دمشق وَشك عَلَيْهِ بمبلغ يقرب من مائَة دِينَار ذَهَبا وَكَانَ القَاضِي حِينَئِذٍ المرحوم الْعَلامَة محب الدّين الْحَمَوِيّ فَلَمَّا وقف العناياتي بَين يَدَيْهِ وَأقر الْحَدث بِالْحَقِّ لَدَيْهِ طلب حَبسه وَاقْتضى مِنْهُ ديناره وفلسه فَقَالَ لَهُ القَاضِي يَا شيخ أَحْمد تحبسه عنْدك فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا أَنا فِي حبس حبه وَهُوَ فِي حبس مَالِي فَحِينَئِذٍ لَا لَهُ وَلَا لي قلت وَكَانَ لجدي الْمَذْكُور مَعَه مداعبات ألطف من نسمات الرياض وأخفى سحرًا من الحدق المراض وألطف مَا سمعته مِنْهَا أَنه كَانَ يهوى غُلَاما اسْمه أصلان وَكَانَ الْغُلَام يحترف فِي دكان بِبَعْض أسواق دمشق وَكَانَ العناياتي يَأْتِي إِلَى دكان أَمَامه وَيجْلس لأجل مشاهدته فَمر بِهِ الْجد يَوْمًا وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 جَالس فَسَأَلَهُ عَن سَبَب جُلُوسه فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا لَهُ أصل فَقَالَ بل أصلان وأخبار العناياتي كَثِيرَة ونوادره شهيرة وَمِمَّا يستجاد من شعره قَوْله (لَو كنت شَاهده وَقد غسق الدجى ... ودموعه فِي خَدّه تتحدر) (لرثيت يَا مولَايَ للْعَبد الَّذِي ... شوقاً إِلَيْك فُؤَاده يتفطر) وزار الْحسن البوريني مرّة فِي الْمدرسَة الناصرية الجوانية وَكَانَ مجاوراً بهَا للْقِرَاءَة على مدرسها أستاذه الْعِمَادِيّ الْحَنَفِيّ فَلم يجده فَكتب لَهُ على بَابهَا معاتباً (يزِيد لكم جفاكم من ودادي ... وذنبي عنْدكُمْ تِلْكَ الزياده) (لكم مني مقَال أبي فراس ... ولي مِنْكُم مقَال أبي عباده) أَرَادَ بقول أبي فراس (أَسَاءَ فزادته الاساءة حظوة ... حبيب على مَا كَانَ فِيهِ حبيب) وَبقول أبي عبَادَة (إِذا محاسني اللَّاتِي أدل بهَا ... صَارَت ذنوباً فَقل لي كَيفَ أعْتَذر) وزاره أُخْرَى فَوَجَدَهُ نَائِما فَكتب على بَاب الْحُجْرَة قَوْله (جَاءَ محب إِلَيْك بعد سنه ... رآك محتجباً عَنهُ بسنه) (يَا حسنا جَاءَهُ الْمُحب فَمَا ... أبصره سوء حَظه حسنه) ثمَّ زَارَهُ أُخْرَى فَلم يجده فَكتب أَيْضا على الْجِدَار قَوْله (قد كَاد من فَرح يطير إِلَيْك فِي ... مثنى ثَلَاثًا مذاليك تشوقا) (فَأَعَادَهُ حاشاك فقدك خائباً ... لاذقت طعم رُجُوعه صفر اللقا) وَكتب إِلَى بعض من يهواه وَقد اتّفق أَنه زَاد فِي جفاه وَأسْندَ إِلَيْهِ أقاويل لم تصدر مِنْهُ وَإِنَّمَا جعلهَا سَببا للتقاطع عَنهُ قَوْله (إِن الْمُحب عناؤه لَا يبرح ... فِي الْقرب والأبعاد فَهُوَ مبرح) (الْقلب بالشوق الشَّديد مجرح ... والطرف بالدمع المديد مقرح) (وَإِلَى مَتى هَذَا الهوان من الْهوى ... وَالله إِن الْمَوْت مِنْهُ أروح) (قد كَانَ جرح الصد مِنْك نكاية ... فَأتى فِرَاق بِالَّذِي هُوَ اجرح) (مَا أَنْت إِلَّا الرّوح إِن حجبت فَمَا ... للجسم غير الرّوح شَيْء يصلح) فيا مولَايَ من أَيْن قيض لنا هَذَا الْحجاب وأتانا من الْبعد بِعَذَاب لم يكن فِي حِسَاب فولله أَنِّي مُنْذُ سَمِعت هَذِه الْأَخْبَار لم يقر لقلبي قَرَار وَلَا وجدت هدى وَلَا هُدُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 على هَذِه النَّار بل أَخَذَنِي التبلد وَلم أجد ذرة من التجلد وصرت كالذاهل الحيران الغارق فِي بحار الأشجان لَا أعرف مَا أَقُول وَلَا ينْصَرف فكري إِلَى مَعْقُول وَلَا مَنْقُول وَمَا ذكرت السَّبَب إِلَّا تحدر دمعي على الخد وانسكب وَعلمت أَن الشَّرّ كُله من عشرَة غير الْجِنْس مكتسب سِيمَا هَذَا الْجِنْس الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مروه وَلَا أخوة تمنع أنفسهم من النَّقْص وَلَا فتوة وَأَنت وَالله غلطان فِي تقريب بَعضهم وَأوجب حبك لَهُم ومنعك مطلوبهم مَكْرُوه بغضهم وَأَنت تعلم صانك الله من الأغيار ووقاك كيد الْفجار الأشرار أَن الْحر الْكَرِيم لَا يقوى أَن يسمع فِي عرضه كَلَام من يسوى وَمن لَا يسوى وَمَا وَحقّ من يعلم السِّرّ والنجوى بذلت لَك هَذِه النَّصِيحَة إِلَّا لتعلم أَن محبتي سليمَة صَحِيحَة وصفاء ودي لَا يتكدر وجوهر عشقي على مدى الْأَيَّام لَا يتَغَيَّر لَكِن يَا روحي السارية مسرى الدَّم فِي الأعضا وشفاء الْقُلُوب المرضى الَّتِي لَا تُرِيدُ غَيره طَبِيبا وَلَا ترْضى أَنْت تعلم أَن مَاء الْجمال تكدره نواظر الفواسق وصونه بِصُورَة الْجلَال مَحْمُود عِنْد ذَوي الْحَقَائِق فَإِن ترك مَالا يصلح أصلح والاقبال على من تنْتَفع بعقله أصوب وأرجح لِأَن من وَقع عَلَيْهِ نظر المفلح أَفْلح فاتعظ بِهَذِهِ الْوَاقِعَة عَلَيْك وَلَا تركن بإحسانه إِلَيْك لكنني أَقُول مقَال الْمُحب المغرم الَّذِي يتظلم من أَن لَا يظلم (رويدك إِن الْهوى معرك ... يعْدم فِيهِ الْأجر والمغنم) (فَإِنَّمَا تأويلنا أَنه ... يحل للْمُضْطَر مَا يحرم) (من ذَا الَّذِي أفتى عُيُون المها ... بِأَن مَا تتْلف لَا تغرم) (يستعذبوا ظلمي من اجلهم ... أسْتَغْفر الله لمن يظلم) وَقُلْنَا فِي مثل هَذَا الْحَال سَابِقًا وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى كَمَا ترَاهُ لائقاً (وَأَنا الَّذِي لَا ذَنْب لي وللذتي ... بِالْعَفو عني قلت إِنِّي مذنب) (إِن لم يكن ذَنْب فحلمك وَاجِب ... أَو كَانَ لي ذَنْب فحلمك أوجب) (وَلَقَد صبرت على الشدائد كلهَا ... إِلَّا بعادك عَنهُ صبري يعزب) (فَارْجِع وعد عود الْكِرَام لعادة ... عودتها فَالْأَصْل أصل طيب) وَلَو أَنِّي بثثتك عشر مَا عِنْدِي من الأشواق لفنيت الأقلام والمحابر والأوراق وَلكنهَا نفثة مصدور أصبح مَهْجُورًا وَكَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطوراً وَأهْدى إِلَى مليح وردتين وَهُوَ مُقيم بصالحية دمشق عِنْد بعض خلانه للتنزه وَكتب مَعَهُمَا قَوْله (متعت طرفِي من سنا وَجهه ... ووجنتيه بجنى الجنتين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 (فاقتطف الطّرف وُرُود الحيا ... إِذْ عز فِي ذَلِك قطف الْيَدَيْنِ) (وجئته أهْدى لَهُ من يَدي ... عَن ناظري عَن خَدّه وردتين) (واحتجب الْخَال فعوضته ... نقط زباد عوض الشامتين) (وَقلت للقلب الشجي قرطه ... ذَا ملك يحكم فِي الْخَافِقين) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي عشرى القعدى أَو حادي عشريه سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَقد تجَاوز الثَّمَانِينَ وَقَالَ أَبُو بكر الْعمريّ الْمُقدم ذكره فِي تَارِيخ مَوته (مَاتَ العناياتي شمس الخجى ... وَالْمَوْت طبعا بالعناياتي) (قَالَ لِسَان الْحَال من بعده ... تَارِيخه مَاتَ العناياتي) وَرَآهُ بعض فضلاء دمشق فِي مَنَامه بعد وَفَاته فَقَالَ لَهُ قل لي مَا فعل الله بك فأنشده بَيْتَيْنِ وأفاق الرجل وَهُوَ حافظهما وهما قَوْله (كلوني للرحيم وخلفوني ... طريحاً أرتجي عَفْو الْكَرِيم) (لِأَنِّي عَاجز عبد حقير ... وَإِن الله ذُو فضل عَظِيم) قلت وَوَقع مثل هَذَا كثيرا ويعجبني لَهُ فِي بَابه مَا نَقله ابْن خلكان قَالَ رَأَيْت فِي بعض المجاميع قَالَ الْوَزير أَبُو الْقَاسِم بن المغربي رَأَيْت الْخَطِيب بن نباتة فِي الْمَنَام بعد مَوته فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ وَقع لي رقْعَة بالأحمر (قد كَانَ أَمن لَك من قبل ذَا ... وَالْيَوْم أضحى لَك أمنان) (والصفح لَا يحسن عَن محسن ... وَإِنَّمَا يحسن عَن جاني) والعناياتي نِسْبَة إِلَى أَبِيه أبي العنايات هَكَذَا ذكره البوريني رحمهمَا الله تَعَالَى أَحْمد بن أَحْمد بن أَحْمد بن عمر بن مُحَمَّد أقيت ابْن عمر بن عَليّ بن يحيى بن كذالة بن مكي بن نيق بن لف بن يحيى بن تشت بن تنفر بن حيراي بن النجر بن نصر بن أبي بكر بن عمر الصنهاجي الماسي السوداني يعرف بَابا صَاحب كتاب الديباج قد ترْجم نَفسه فِي آخِره فَقَالَ مولدِي كَمَا وجدته بِخَط وَالِدي لَيْلَة الْأَحَد الْحَادِي وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة ختام عَام ثَلَاث وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة ونشأت فِي طلب الْعلم فَحفِظت بعض الْأُمَّهَات وقرأت النَّحْو على عمي أبي بكر الشَّيْخ الصَّالح وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول والعربية وَالْبَيَان والتصوف وَغَيرهَا على شَيخنَا الْعَلامَة مُحَمَّد يفيع ولازمته سِنِين وقرأت عَلَيْهِ جَمِيع مَا تقدم عني فِي ترجمتي وَأخذت عَن وَالِدي الحَدِيث سَمَاعا والمنطق وقرأت الرسَالَة ومقامات الحريري تفقهاً على غَيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 واشتهرت بَين الطّلبَة بالمهارة على كلال ومهل فِي الطّلب وألفت عدَّة كتب تزيد على أَرْبَعِينَ تأليفا كشرحي على مُخْتَصر خَلِيل من أول الزَّكَاة إِلَى أثْنَاء النِّكَاح ممزوجا محررا وحواشي على مَوَاضِع مِنْهُ والحاشية الْمُسَمَّاة منن الرب الْجَلِيل فِي مهمات تَحْرِير خَلِيل يكون فِي سفرين وفوائد النِّكَاح على مُخْتَصر كتاب الوشاح للسيوطي وَغَيرهَا قَالَ الثِّقَة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الأديب المراكشي فِي فهرسته فِي ترجمتي كَانَ أخونا أَحْمد بَابا من أهل الْعلم والفهم والإدراك التَّام الْحسن حسن التصنيف كَامِل الْحَظ من الْعُلُوم فقها وحديثا وعربية وأصلين وتاريخا مليح الاهتداء لمقاصد النَّاس مثابرا على التَّقْيِيد والمطالعة مطبوعا على التَّأْلِيف ألف تآليف مفيدة جَامِعَة فِيهَا أبحاث عقليات ونقليات وَهِي كَثِيرَة كوضعه على مُخْتَصر خَلِيل من الزَّكَاة إِلَى أثْنَاء النِّكَاح فِي سفرين وتنبيه الْوَاقِف على تَحْرِير نِيَّة الْحَالِف فِي كراس وَتَعْلِيق على أَوَائِل الألفية سَمَّاهُ النكت الوفية بشرح الألفية وَآخر سَمَّاهُ النكت الزكية لم يكملا ونيل الأمل فِي تَفْضِيل النِّيَّة على الْعَمَل وَغَايَة الإجادة فِي مُسَاوَاة الْفَاعِل للمبتدأ فِي شَرط الإفادة فِي كراسين وَآخر سَمَّاهُ النكت المستجادة فِي مساواتهما فِي شَرط الإفادة والتحديث والتأنيس فِي الِاحْتِجَاج بِابْن إِدْرِيس يُرِيد بألفاظه على الْعَرَبيَّة فِي وَرَقَات وجلب النِّعْمَة وَدفع النقمَة بمجانبة الظلمَة أولى الظلمَة فِي كراسين وَشرح الصُّغْرَى للسنوسي فِي أَرْبَعَة كراريس ومختصر تَرْجَمَة السنوسي فِي ثَلَاثَة كراريس ونيل الابتهاج بالذيل على الديباج وَالْمطلب والمأرب فِي أعظم أَسمَاء الرب تَعَالَى فِي كراسة وترتيب جَامع اليعاد للونشريشي كتب مِنْهُ كراريس وَله أسئلة فِي المشكلات ثمَّ امتحن فِي طَائِفَة من أهل بَيته بثقافهم فِي بلدهم فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف عَليّ مَحْمُود بن زرقون لما استولى بِلَادهمْ وَجَاء بهم أُسَارَى فِي الْقُيُود فوصلوا مراكش أول رَمَضَان من الْعَام واستقروا مَعَ عِيَالهمْ فِي حكم الثقاف إِلَى أَن أحجم أَمر المحنة فسرحوا يَوْم الْأَحَد الْحَادِي وَالْعِشْرين لرمضان سنة أَربع بعد الْألف فَفَرِحت قُلُوب الْمُؤمنِينَ بذلك جعلهَا الله لَهُم كَفَّارَة لذنوبهم ثمَّ ذكر مقروآته على صَاحب التَّرْجَمَة قَالَ وَكَانَ من أوعية الْعلم صان الله مهجته انْتهى قَالَ المترجم وَلم ألق بالمغرب أثبت مِنْهُ وَلَا أوثق وَلَا أصدق وَلَا أعرف بطرِيق الْعلم مِنْهُ وَلما خرجنَا من المحنة طلبوني للإقراء فَجَلَست بعد الإباءة بِجَامِع الشرفاء بمراكش من أنوه جَامعهَا أقرى كتبا ثمَّ قَالَ وازدحم الْحلق على واعيان طلبتها ولازموني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 بالإقراء على قضاتها كقاضي الْجَمَاعَة بفاس الْعَلامَة أبي الْقَاسِم بن أبي النَّعيم الغساني وَهُوَ كَبِير ينيف على سِتِّينَ وَكَذَا قَاضِي مكناس الرحلة مؤلف صَاحب أبي الْعَبَّاس بن القَاضِي المكناسي لَهُ رحْلَة للشرق لَقِي فِيهَا النَّاس وَهُوَ أسن منى ومفتي مراكش الرجراجي وَغَيرهم وأفتيت بهَا لفظا وكتبا بِحَيْثُ لَا تتَوَجَّه الْفَتْوَى فِيهَا غَالِبا إِلَّا إِلَى وعينت إِلَى مرَارًا فابتهلت إِلَى الله تَعَالَى أَن يصرفهَا عني واشتهر اسْمِي فِي الْبِلَاد من سوس الْأَقْصَى إِلَى بجاية والجزائر وَغَيرهمَا وَقد قَالَ لي بعض طلبته لما قدم علينا مراكش لَا نسْمع فِي بِلَادنَا إِلَّا بإسمك فَقَط انْتهى هَذَا مَعَ قلَّة التَّحْصِيل وَعدم الْمعرفَة وَإِنَّمَا ذَلِك كُله مصداق قَوْله أَن الله لَا ينْزع الْعلم الحَدِيث وَقد ناهزت الْآن خمسين سنة بتاريخ يَوْم الجعة مستهل صفر عَام اثنى عشر بعد الْألف انْتهى كَلَامه قلت وَمن لطائفه مَا نَقله عَنهُ بعض الشُّيُوخ إِذا حضر صالب الْعلم مجْلِس الدَّرْس غدْوَة وَلم يفْطر نَادِي مُنَاد من قَعْر جَوْفه الصَّلَاة على الْمَيِّت الْحَاضِر وَكَانَت وَفَاته فِي سَابِع شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن شيخ أَحْمد موَالِي الرّوم الْمَعْرُوف بشيخ زَاده قَاضِي قُضَاة الشَّام ذكره النحم فِي ذيله وَقَالَ فِي تَرْجَمته ولي قَضَاء الشَّام من دَار الحَدِيث السليمانية فَدَخلَهَا فِي أَوَائِل شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَكَانَ عَلامَة فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَله المام تَامّ بعلوم البلاغة فَاضلا فِي الْفِقْه وَكَانَ يُبَاشر الْأَحْكَام بِنَفسِهِ ويتحرى الْحق فِيهَا متصلبا فِي الْحق يتَرَدَّد إِلَيْهِ الْخُصُوم وَإِلَى نوابه المره بعد الْمرة فَلَا يَأْخُذ مِنْهُم شَيْئا حَتَّى تَنْتَهِي الدَّعْوَى فَيَأْخُذ مِنْهُم بِرِفْق وَكَانَ مقتصدا فِي أَحْوَاله وَيَقُول الإقتصاد خير من الْجور على النَّاس وَكَانَ لَهُ إِنْكَار على مَا يرَاهُ من الْمَنَاكِير حَتَّى أَمر بِإِزَالَة عشة اليمانية غربي الْجَامِع الْأمَوِي بَعْدَمَا كَانَ وَضعهَا أحد رُؤَسَاء الْجند بالدق والمسمار وَقَالَ التحجير فِي الْمَسْجِد لَا يجوز وَلم يسْتَطع أحد إِلَّا التَّسْلِيم لأَمره لموافقته الشَّرْع وأعيدت بعد عَزله بسنوات وَكَانَ متقيدا بأوقاف الْجَوَامِع والمساجد بِدِمَشْق مشددا على متوليها وينكر على النَّاس سكناهم فِي الْمدَارِس وَكَانَ يحضر بالجامع الْأمَوِي للْجَمَاعَة فِي أَكثر الْأَوْقَات وَيَطوف كل يَوْم بعد صَلَاة الصُّبْح بالجامع وَينظر فِيمَا فِيهِ وحواليه وَكَانَ يواجه أَحْمد باشا الْحَافِظ نَائِب الشَّام بالإنكار عَلَيْهِ والنصيحة وَكَانَ الْحَافِظ بكرمه ويجله إِلَى أَن وصل خبر عَزله عَن قَضَاء الشَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وإعطائه قَضَاء مَكَّة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس جُمَادَى الْآخِرَه سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَكَانَت تَوليته بهَا نَحْو عشرَة أشهر انْتهى قَالَ البوريني وَوصل خبر عَزله إِلَى دمشق بعد خُرُوجه مِنْهَا وَكَانَ عَازِمًا على الْحَج فاستأجروا لَهُ ساعيا وَأَرْسلُوا لَهُ الْأَمر السلطاني بتوليته قَضَاء مَكَّة ورحل إِلَى بَيت الْمُقَدّس وزار الْمعَاهد الَّتِي هُنَاكَ وَأقَام قَلِيلا ثمَّ توجه إِلَى مصر يُرِيد أَن يعبر مِنْهَا إِلَى السويس وَمِنْه إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ عَاد إِلَى دمشق مَعَ الْحَاج فِي سنة خمس وَعشْرين وَألف وسافر إِلَى الرّوم وتقاعد عَن الْقَضَاء بتدريس دَار الحَدِيث سنوات حَتَّى وَجه إِلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام يحيى بن زَكَرِيَّاء عِنْدَمَا صَار مفتيا قَضَاء أدرنة فوليها سِتَّة أشهر واستعفى مِنْهَا فانفصل مِنْهَا باختباره فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف ثمَّ ورد الْخَبَر بِمَوْتِهِ إِلَى دمشق سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن أَحْمد الْمصْرِيّ الملقب شهَاب الدواخلي الْفَقِيه الشَّافِعِي الْوَرع الزَّاهِد الناسك إِمَام الْفُقَهَاء والمحدثين فِي عصره كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا صَدرا ورعامها بالإيخاف فِي الله لومة لائم ملازما لإقراء الْعلم غير مشتغل بِشَيْء غَيره صارفا أوقاته فِي الطَّاعَة ملازما للْجَمَاعَة وَكَانَ عَظِيم الهيبة كثير الفكرة ترَاهُ دَائِما مطرقا من خشيَة الله تَعَالَى ومراقبته حَتَّى قَالَ بعض الشُّيُوخ فِي شَأْنه مَا أظلت الخضراء وَلَا أقلت الغبراء أخوف لله تَعَالَى مِنْهُ سالكا طَريقَة السّلف الصَّالح من التقشف فِي الْأكل وَالشرب والملبس لَا يرى متكلما إِلَّا فِي مجْلِس علم أَو جَوَاب عَن سُؤال أَخذ عَن النُّور الزيَادي وَمَنْصُور الطبلاوي وَسَالم الشبشيري وَالشَّيْخ عَليّ الْحلَبِي وَالشَّيْخ يس الْمحلي الْمَالِكِي والبرهان اللَّقَّانِيّ قَالَ العجمي فِي مشيخته سَمِعت عَن تقاسيم شرح الْمنْهَج مَعَ حَاشِيَة الزيَادي وَشرح الْمِنْهَاج للشمس الرَّمْلِيّ والشهاب ابْن حجر الهيثمي وسيرة ابْن سيد النَّاس وحاشيتها نور النبراس وَكَثِيرًا من الشِّفَاء وشروحه للدلجي وَالسَّيِّد الصفوي والشمني والتلمساني والمواهب اللدنية وَكَثِيرًا من الْجَامِع الصَّغِير مَعَ شروحه للعلقمي والمناوي وَكَثِيرًا وَمن صَحِيح مُسلم مَعَ شروحه للنووي والأبي والسيوطي وتلوت عَلَيْهِ الْقُرْآن مدارسة مرَارًا لَا أحصيها وأجازني بِجَمِيعِ مَا ذكر وَبِمَا سَمعه من اللَّقَّانِيّ من الْمَوَاهِب وَتَذْكِرَة الْقُرْطُبِيّ والشمايل لِلتِّرْمِذِي وسيرة ابْن هِشَام وَالْأَرْبَعِينَ النووية وَكتب لي ذَلِك بِخَطِّهِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَأخذ عَنهُ جهابذ الْعلمَاء مِنْهُم مَنْصُور الطوخي وَأحمد الْبَنَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الدمياطي وَأحمد البشبيشي وَغَيرهم وَكَانَت وَفَاته غريقا فِي بَحر الَّيْلِ وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن فِي سنة خمس وَخمسين وَألف والدواخلي نِسْبَة لمحلة الدواخلي من الغربية بِمصْر وَالله سُبْحَانَهُ أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن أَحْمد الْخَطِيب الشَّوْبَرِيّ الْمصْرِيّ الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْعَالم الْكَبِير الْحجَّة شيح الْحَنَفِيَّة فِي زَمَانه كَانَ إِمَامًا فِي الفقة والْحَدِيث والتصوف والنحو كَامِل الْفَضَائِل ولد بِبَلَدِهِ ورحل مَعَ أَخِيه الشَّمْس إِلَى الشيح أَحْمد بن عَليّ الشناوي بمنية روح وأخذا عَنهُ عُلُوم الطَّرِيق وَبِه تخرجا فِي عُلُوم الْقَوْم ثمَّ قدم مصر وجاور بالأزهر سِنِين وروى الْفِقْه وَغَيره عَن الإِمَام عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي وَعبد الله التحريري وَعمر بن نجيم وبهم تفقه وَأخذ عَن شيخ الشَّافِعِيَّة الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ شَارِح الْمِنْهَاج وَعَن غَيره وَحكى البشبيشي أَنه أخبرهُ أَنه سمع البُخَارِيّ على الشَّمْس مُحَمَّد المحبي الْحَنَفِيّ وَكَانَ إِذا فَاتَهُ سَماع درس مِنْهُ يذهب إِلَيْهِ لبيتته فيقرؤه عَلَيْهِ وَأَجَازَهُ كثير من شُيُوخه وتصدر وَعم نَفعه لأهل عصره بِحَيْثُ أَن جَمِيع عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة من أهل مصر وَالشَّام مَا مِنْهُم إِلَّا وَأخذ عَنهُ وَكَانَ يلقب بِمصْر بِأبي حنيفَة الصَّغِير وَأَخُوهُ مُحَمَّد كَانَ يلقب بالشافعي الصَّغِير وَكَانَ أَحْمد مَشْهُور بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح وَالْبركَة لمن قَرَأَ عَلَيْهِ منعكفا فِي بَيته منعزلا عَن جَمِيع النَّاس جَامعا بَين الشَّرِيعَة والحقيقة مُعْتَقدًا للصوفية وجيها مهابا لَا يتَرَدَّد إِلَى أحد مجللا كثير الْبكاء والخشية من الله تَعَالَى صَاحب أَحْوَال وكرامات قلت وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ فَقِيه الشَّام وبارعها إِسْمَاعِيل بن عبد الْغَنِيّ النابلسي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ صَاحب الْأَحْكَام شرح الدُّرَر فِي الْفِقْه الْآتِي ذكره وَغَيره ولقيه وَالِدي المرحوم فِي مُنْصَرفه إِلَى الْقَاهِرَة سنة سبع وَخمسين وَألف وَذكره فِي رحلته الَّتِي ألفها فَقَالَ فِي وَصفه قُرَّة عين الإِمَام الْأَعْظَم وصاحبيه من انْتَهَت رياسة الْحَنَفِيَّة بِالْقَاهِرَةِ المعزية إِلَيْهِ سراح الْمَذْهَب وطرازه الْمَذْهَب قَرَأت عَلَيْهِ بِحُضُور بعض أفاضل الطلاب من أَوَائِل الْهِدَايَة وأجازني يماله من رِوَايَة ودراية وَهَا إِجَازَته بِخَطِّهِ مضبوطة عِنْدِي بضبطه وَذكره الشلي فِي عقد الْجَوَاهِر والدرر قَالَ وَكَانَ مَشْهُورا بالصلاح وَالْبركَة وَالْغَالِب عَلَيْهِ العزله لَا يتَرَدَّد إِلَى أحد وَكَانَ مجللا عِنْد النَّاس مَقْبُول الْكَلِمَة مُعْتَقدًا للصوفية والصلحاء وَله كرامات ومكاشفات حكى أَن السّري مُحَمَّد بن مُحَمَّد الدروري الْآتِي ذكره وَهُوَ من أَعْيَان الْعلمَاء كَانَ ينقصهُ وينكر عَلَيْهِ فَبَلغهُ ذَلِك فَقَالَ لبَعض أَصْحَابه قل لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الْمشَاهد بَيْننَا فَلم يفهم السرى ذَلِك فاتفق أَنَّهُمَا مَاتَا فِي شهر وَاحِد وَكَانَت جَنَازَة السّري كجنازة آحَاد النَّاس وجنازته حافلة لم يتَخَلَّف عَنْهَا أحد من الْحُكَّام بالأمراء وَالْعُلَمَاء وأسف النَّاس لفقده وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ أَخُوهُ الشَّيْخ الإِمَام الشَّمْس مُحَمَّد بالرميلة والشوبرى بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْبَاء وَبعدهَا نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بِمصْر وَالله تَعَالَى أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن أَحْمد بن سَلامَة الْمصْرِيّ القليوبي الشَّافِعِي الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الْفَقِيه الْمُحدث أحد رُؤَسَاء الْعلمَاء الْمجمع على نباهته وعلو شَأْنه وَكَانَ كثير الْفَائِدَة نبيه الْقدر أَخذ الْفِقْه والْحَدِيث عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ ولازمه ثَلَاث سِنِين هُوَ منطقع ببيته ولازم النُّور الزيَادي وَسَالم الشبشيري وعليا الْحلَبِي والسبكي وَغَيرهم من مشاهير الشُّيُوخ وَعنهُ مَنْصُور الوخي وَإِبْرَاهِيم الْبرمَاوِيّ وَشَعْبَان الفيومي وَغَيرهم من أكَابِر الشُّيُوخ وَكَانَ مهابلاً لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يتَكَلَّم بَين يَدَيْهِ إِلَّا وَهُوَ مطرق رَأسه وجلا مِنْهُ وخوفا وَلَا يتَرَدَّد أحد من الكبراء وَيُحب الْفُقَرَاء وَلَا يقبل من أحد صَدَقَة مُطلقًا بل كَانَ فِي غَالب أوقاته يرى متصدقاً وَلَيْسَ لَهُ وظائف وَلَا معاليم وَمَعَ ذَلِك كَانَ فِي أرغد عَيْش وَأطيب نعيم وَكَانَ متقشفاً ملازماً للطاعات وَلَا يتْرك الدَّرْس جَامعا للعلوم الشَّرْعِيَّة متضلعاً من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَأما مَعْرفَته بِالْحِسَابِ والميقات والرمل فأشهر من أَن تذكر وإمامته فِي الْعُلُوم الحرفية وتصرفه فِي الأوفاق والزابرجا وَغير ذَلِك من الْفُنُون فَذَلِك أَمر مَشْهُور وَكَانَ فِي الطِّبّ ماهراً خَبِيرا وَكَانَ حسن التَّقْرِير ويبالغ فِي تفهيم الطّلبَة ويكرر لَهُم تَصْوِير الْمسَائِل وَالنَّاس فِي درسه كَأَن على رُؤْسهمْ الطير وَألف مؤلفات كَثِيرَة عَم نَفعهَا مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْمِنْهَاج للجلال الْمحلي وحاشية على شرح التَّحْرِير لشيخ الْإِسْلَام وحاشية على شرح أبي شُجَاع لِابْنِ قَاسم الْغَزِّي وحاشية على شرح الأزهرية وحاشية على شرح الشَّيْخ خَالِد على الأجرومية وحاشية على شرح ايساغوجي لشيخ الْإِسْلَام ورسالة فِي معرفَة الْقبْلَة بِغَيْر آلَة وَكتاب فِي الطِّبّ جَامع ومناسك الْحَج وَغير ذَلِك من الرسائل والتحريرات المفيدة وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَاخِر شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ والقليوبي بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون اللَّام وَضم الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَسُكُون الْوَاو وَبعدهَا بَاء مُوَحدَة نِسْبَة إِلَى بليدَة صَغِيرَة بَينهَا وَبينا لقاهرة مِقْدَار فرسخين أَو ثَلَاث فراسخ ذَات بساتين كَثِيرَة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الشَّيْخ أَحْمد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالعجمي الشَّافِعِي الوفائي الْمصْرِيّ الإِمَام المفنن اللوذعي كَانَ من أجلاء عُلَمَاء مصر لَهُ الْفضل الباهر والحافظة القوية والذهن الثاقب وَكَانَ صَدُوقًا حسن الْعشْرَة والمحاضرة واليه النِّهَايَة فِي معرفَة التَّارِيخ وَأَيَّام الْعَرَب ونسابهم مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهِ من معرفَة بَقِيَّة الْفُنُون وَكَانَ مرجعاً لأفاضل الْعَصْر فِي مُرَاجعَة الْمسَائِل المشكلة لطول بَاعه وسعة اطِّلَاعه وَكَثْرَة الْكتب الَّتِي جمعهَا وَذكره شَيخنَا الخياري فِي رحلته وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَقَالَ فِي آخر تَرْجَمته وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ مستجمع للْعلم والحلم والظرف ومستكمل فِي الْفضل الِاسْم وَالْفِعْل والحرف تفنن فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية الفرعية والأصلية فَأَخذهَا عَن أَهلهَا وأوصل الْأَمَانَة إِلَى محلهَا وَقد جمع من الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي سَائِر الْعُلُوم والفنون فأوعى وحصلها بِسَائِر أقسامها فصلا وجنساً ونوعاً بِحَيْثُ أصبح بِمصْر خزانَة الْعلم الَّذِي عَلَيْهِ فِي النَّقْل يعول واليه فِي ذَلِك يشار وعمدة الْفُضَلَاء الَّذين يردون من معِين كتبه الْبحار انْتهى وَذكر لي بعض الآخذين عَنهُ أَن لَهُ من التَّأْلِيف شرح ثلاثيات البُخَارِيّ ورسالة فِي الْآثَار النَّبَوِيَّة وَجمع لنَفسِهِ مشيخة رَأَيْتهَا وَعَلَيْهَا خطه ونقلت مِنْهَا فِي كتابي هَذَا كثيرا من وفيات عُلَمَاء مصر الَّذين أَخذ عَنْهُم وَهُوَ فِي الْغَالِب يَسْتَوْفِي أَخْبَار أشياخه وذكرنه فِي مبدأ أمره اجْتمع بِالنورِ الزيَادي صُحْبَة وَالِده أَحْمد مرَّتَيْنِ وَحل نظره عَلَيْهِ ثمَّ ابْتَدَأَ الِاشْتِغَال فِي سنة سبع وَعشْرين وَألف فَقَرَأَ على الشَّيْخ عَليّ الْحلَبِي صَاحب السِّيرَة والبرهان اللَّقَّانِيّ والشهاب الغنيمي وقاضي الْقُضَاة الشهَاب الخفاجي وَالشَّمْس الشَّوْبَرِيّ وسلطان المزاحي وَالشَّمْس البابلي والعلا الشبراملسي وَغَيرهم وَكَانَ الشبراملسي مَعَ جلالته يحترمه ويثني عَلَيْهِ ويراجعه فِي كثير من الْمسَائِل وَأَسْمَاء الرِّجَال وَأخذ طَرِيق السَّادة الوفائية عَن أبي الإسعاد يُوسُف الوفائي الْآتِي ذكره وَألبسهُ الْخِرْقَة وَأَجَازَهُ فِي غير ذَلِك من الْعُلُوم وَكَانَ خصيصاً بِهِ وبأولاده إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ هُوَ عِنْدهم فِي غَايَة الحظوة وَأخذ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم شَيخنَا الخياري الْمَذْكُور وصاحبنا الْفَاضِل إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الجينيني ثمَّ الدِّمَشْقِي وَغَيرهمَا قَرَأت فِي مشيخته أَن وِلَادَته كَانَت فِي ثَالِث عشر رَجَب سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثامن عشر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة المجاورين وَرَآهُ الشهَاب البشبيشي وَهُوَ كَأَنَّهُ فِي درسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بعد ثَمَانِيَة أَيَّام من وَفَاته وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض وَهُوَ فِي مجْلِس حافل فِيهِ جمع من النَّاس يَتلون الْقُرْآن عرف مِنْهُم الْمُحدث الْكَبِير الشَّمْس البابلي وَمُحَمّد بن خَليفَة الشويري رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن أَسد البقاعي الأَصْل الصَّفَدِي الصُّوفِي العابد الزَّاهِد المرشد كَانَ وَالِده من قَرْيَة حمارا من عمل الْبِقَاع خرج مِنْهَا إِلَى دمشق وَأخذ الطَّرِيق عَن الاستاذ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد بن عراق ثمَّ ارتحل إِلَى صفد وَأقَام بدير فِي سفح جبل بِالْقربِ من قَرْيَة البعنة وَكَانَ قَدِيما يعرف بدير الْخضر وَكَانَ مسكن النَّصَارَى فَأخْرجهُمْ مِنْهُ السُّلْطَان سُلَيْمَان وَأمر أسداً بِالْإِقَامَةِ بِهِ مَعَ أَوْلَاده وَأَتْبَاعه فقطن فِيهِ إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة فَنَشَأَ وَلَده أَحْمد هَذَا على الْعِبَادَة وانتقل إِلَى صفد وَأخذ بهَا زَاوِيَة وَكَانَت تعرف قَدِيما بِجَامِع الصَّدْر وَاسْتمرّ بَقِيَّة إخْوَته مقيمين بالدير وَلَهُم ورد خَاص بهم نقلوه عَن أستاذ والدهم الْمَذْكُور يقرؤنه مَعَ جَمَاعَتهمْ عقب الصَّلَوَات الْخمس وَنشر أَحْمد طريقتهم فِي صفد وَأخذ عَنهُ جماعات وَكَانَ مُنْقَطِعًا عَن النَّاس لَا يُفَارق تِلَاوَة الْقُرْآن وَلَا يفتر عَن الْعِبَادَة وَكَانَ لَهُ خطّ حسن وعبارات رشيقة وفضيلة مَقْبُولَة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم ذكره البوريني وَقَالَ فِي تَرْجَمته أَخْبرنِي ابْن أَخِيه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أَن وِلَادَته كَانَت فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَلم يؤرخ وَفَاته وَقد كتب لي صاحبنا الأديب الْفَائِق أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّفَدِي إِمَام الدرويشية بِالشَّام فِي جملَة مَا كتب لي من وَفَاة الصفديين أَن وَفَاة أَحْمد الْأَسدي كَانَت فِي سنة عشرَة بعد الْألف وَدفن بزاويته فِي صفد وَسَيَأْتِي ابْن أَخِيه عبد الرَّحِيم الْمَذْكُور والبقاعي بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْقَاف وَبعدهَا ألف ثمَّ عين مُهْملَة نِسْبَة إِلَى الْبِقَاع العزيزي والعزيزي نِسْبَة إِلَى الْعَزِيز عكس الذَّلِيل وَكَأَنَّهُ نِسْبَة إِلَى الْملك الْعَزِيز ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب قَالَ فِي التَّعْرِيف ومقر ولَايَته كرك نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَأما الْبِقَاع البعلبكي فَهُوَ نِسْبَة إِلَى بعلبك لقُرْبه مِنْهَا قَالَ فِي التَّعْرِيف وَلَيْسَ لَهُ مقرّ ولَايَة وَهَاتَانِ الولايتان منفصلتان عَن بعلبك لحَاكم غير حاكمها أَحْمد بن اسكندر الرُّومِي الْكَاتِب نزيل دمشق وحيد وقته فِي صناعَة الْإِنْشَاء وَكَانَت لَهُ الشُّهْرَة التَّامَّة بالذكاء وَسُرْعَة الفطانة وَكَانَ يكْتب الْعرُوض المهمه من رَأس الْقَلَم من غير تسويد وَيكون مَقْبُولًا إِلَى الْغَايَة عِنْد الْعَارِف بِهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الْفَنّ مَعَ حسن الْخط الْفَائِق حلاوة وطلاوة وَسبب تفوقه فِي هَذِه الصِّنَاعَة أَنه أتقن الألسن الثَّلَاثَة الْعَرَبِيّ والفارسي والتركي اتقاناً كَامِلا والمقبول من إنْشَاء التركية مَا كَانَ مرصعاً من الألسن الثَّلَاثَة ورد دمشق فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة مَعَ قَاضِي الْقُضَاة مصطفى بن بُسْتَان وَكَانَ أحد جماعته الَّذين ينوبون عَنهُ فِي الْقَضَاء ونال مِنْهُ حظاً عَظِيما بِحَيْثُ أَنه يمْضِي غَالب الْأُمُور بإشاراته وَكَانَ يكْتب لَهُ الْعرُوض ثمَّ قطن دمشق وَبَقِي بعد عَزله استاذه وابتنى بَيْتا كَانَ تربة فِي مُقَابلَة دَار الحَدِيث الأشرفية بِالْقربِ من قلعة دمشق ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الجوهرية ودأب فِي تَحْصِيل الْعُلُوم والمعارف فَقَرَأَ على الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الْملك الْبَغْدَادِيّ الْحَنَفِيّ علم الْكَلَام والهيئة وَغَيرهمَا وَقَرَأَ على الْحسن البوريني من الشَّرْح الْمُخْتَصر على التَّلْخِيص ومقامات الحريري وَمهر فِي جَمِيع الْفُنُون حَتَّى صَار من أَعْلَام وقته ومفردات عصره فِي التنقيب عَن كَلِمَات الْقَوْم الدقيقة وَكَانَ يُنكر على ابْن عَرَبِيّ وَابْن الفارض وأضرابهما ويحط عَلَيْهِمَا وانفلج فِي آخر عمره فَكَانَ يُقَال إِن ذَلِك بِسَبَب إِنْكَاره وَكَانَت وَفَاته بعد الْألف بِقَلِيل هَكَذَا ذكره النَّجْم فِي لطف السمر وَلم يزدْ على ذَلِك وَالله أعلم أَحْمد بن أكمل الدّين الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ رَئِيس المؤذنين بِجَامِع بني أُميَّة الْمَعْرُوف بالشراباتي كَانَ أعجوبة وقته ونادرة عصره جمع إِلَى الصّلاح حسن المعاشرة وَلَذَّة المخاطبة وَكَانَ حسن الصَّوْت عَارِفًا بالموسيقى وَله سخاء وإيثار وَكَانَ فِي مبدأ أمره مُؤذنًا بالجامع الْمَذْكُور وَلما توفّي الشَّيْخ مُحَمَّد المحملجي أحد رُؤَسَاء المؤذنين الثَّلَاثَة بِهِ وَجه إِلَيْهِ مَكَانَهُ وسافر إِلَى آمد مَعَ إِبْرَاهِيم باشا الدفتري بِالشَّام وَحج مَعَه لما صَار أَمِير الركب الشَّامي فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين والف وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي عصر نَهَار الْجُمُعَة آخر يَوْم من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن من غده فِي مَقْبرَة بَاب الصَّغِير قَالَ وَالِدي رَحمَه الله وَاتفقَ يَوْم وَفَاته أَن كَانَ يَوْم نوبَته فِي الترقية بَين يَدي الْخَطِيب فَنًّا وَله ساقي الْحمام فِي نوبَته رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن تَاج الدّين الدِّمَشْقِي الأَصْل الْمدنِي موقت الْحرم النَّبَوِيّ وَكَاتب الْإِنْشَاء للشريف سعد بن الشريف زيد الأعلم كَانَ وَاحِد عصره فِي معرفَة الْعُلُوم الغربية كالرياضي والنجوم والسمييا وماشا كلهَا وَله فِي وضع الْآلَات الفلكية الْيَد الطولي وَكَانَ كثير الْأَدَب جيد المحاضرة حسن التَّحْرِير لطيف النادرة أَخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 الْفُنُون عَن الْأُسْتَاذ الْكَبِير مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي نزيل مَكَّة المشرفة وَعَن غَيره وتفوق واشتهر وحبب إِلَى الخواطر وَكَانَ حسن الْإِنْشَاء وأظن أَن لَهُ نظما لكني لم أَقف لَهُ على شَيْء من منظومه وَمن لطائفه الأدبية مَا وجدته مَنْقُولًا بِخَطِّهِ فِي آخر صحيفَة ترْجم فِيهَا السَّيِّد جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْمدنِي الملقب بكبريت عِنْد ذكر اسْمه نَفسه فَكتب مَا صورته قَالَه عجلا وحرره خجلا من لم يكن وَكَانَ وسوف يَخْلُو مِنْهُ الْمَكَان المنوه باسمه فِي قَول الْقَائِل (وراكعة فِي ظلّ غُصْن منوطة ... بلؤلؤة لاحت بمنقار طَائِر) فرع من لوح باسمه الشَّاعِر بقوله (جَاءَت بقلب مُضَاف دَائِما أبدا ... للدّين فارتفعت بِاللَّه توقيرا) وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة المشرفة فِي سنة إجدى وَثَمَانِينَ وَألف أَحْمد بن توفيق الكيلاني الأَصْل القسطنطيني المولد قَاضِي الْقُضَاة الْمَعْرُوف بتوفيقي زَاده أحد فضلاء الرّوم الْمَشْهُورين ونبلائها الْمَذْكُورين وَكَانَ إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي التَّحْقِيق والذكاء والبراعة وفضله ونبله أشهر من أَن يُنَبه عَلَيْهِ ووالده المنلا توفيق قد أفردت لَهُ تَرْجَمَة ستأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف التَّاء نَشأ أَحْمد هَذَا وَقَرَأَ أَنْوَاع الْفُنُون وبرع ولازم من شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد بن سعد الدّين ودرس وَلَا زَالَ ينْتَقل من مدرسة إِلَى مدرسة حَتَّى وصل إِلَى دَار الحَدِيث السليمانية وَأعْطى مِنْهَا قَضَاء سلانيك وَبعد مُدَّة ولي قَضَاء الشَّام فِي سنة أَرْبَعِينَ وَألف وَأقَام بهَا سَبْعَة أشهر وعزل وَكَانَ معتدل الْحُكُومَة غير أَن فِيهِ حِدة وشراسة أَخْلَاق ثمَّ ولي قَضَاء مصر ثمَّ أدرنة وَتُوفِّي بهَا وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أحدى وَخمسين وَألف أَحْمد بن حسام الدّين السيروزي الشهير بملاجق من أفاضل قُضَاة الرّوم ذكره ابْن نَوْعي وَقَالَ فِي تَرْجَمته لَازم من وَاحِد الدُّنْيَا الْمولى عبد الرَّحِيم الْمَعْرُوف بِابْن أخي واشتهر بِالْفَضْلِ الباهر ثمَّ سلك طَرِيق الْقَضَاء فولي قَضَاء الْبِلَاد الْكِبَار من أَرض الرّوم مثل تيمور وحصار وزغرة العتيقة وهزار غراد وسيروز وَفِي تَوليته هزار غراد خلف عطائي بن نَوْعي صَاحب الذيل الْمَذْكُور فِي شهر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وأضيف إِلَيْهِ مدرسة إِبْرَاهِيم باشا بهَا مَعَ خدمَة الْإِفْتَاء ثمَّ عزل فِي ختام السّنة وَأقَام بهَا لشدَّة الشتَاء فَمَرض وَمَات وَكَانَت وَفَاته فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بحظيرة إِبْرَاهِيم باشا وَله تأليف ورسائل مِنْهَا رِسَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 على مَوَاطِن من التَّفْسِير وَالْهِدَايَة والتلويح وَله كتاب على المغلفات من فتاوي قَاضِي خَان وَشرع فِي كتاب القَوْل لمن فَلم تساعد الْأَيَّام على إِتْمَامه وَحكى عطائي الْمَذْكُور قَالَ أَخْبرنِي المترجم قَالَ لما تَوَجَّهت إِلَى هزار غراد مَرَرْت على أدرنه فابتليت بالحمى المحرقة فَلَمَّا اشْتَدَّ ضعْفي وغيبت حواسي رَأَيْت كَأَن الْملك الْمُوكل بِقَبض الْأَرْوَاح قد جَاءَ إِلَى عَليّ أحسن هَيْئَة فَانْطَلق لساني بِقَوْلِي لَهُ أَهلا وسهلا افْعَل مَا أمرت بِهِ فتردد هنيهة كَأَنَّهُ منتظر أمرا ثمَّ قَالَ لي أَن فِي عمرك بَقِيَّة وَهِي سِتَّة عشر شهرا ثمَّ ولي من حَيْثُ جَاءَ وَأخذت الْعَافِيَة تدب فِي آنافا نَا حَتَّى ذهب الْمَرَض عني قَالَ عطائي فَقلت لَهُ على طَرِيق التسلية لَعَلَّ مَا قَالَه سِتَّة عشر سنة وَأَنت فِي دهشتك سمعته يَقُول شهرا فَقَالَ هَيْهَات قد كَانَ مَا كَانَ فَلم يتَجَاوَز سِتَّة عشر شهرا حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى برحمته والسيروزي بِكَسْر السِّين ثمَّ يَاء مثناة من تَحت فراء مَضْمُونَة بعْدهَا وَاو ثمَّ زَاي نِسْبَة إِلَى بَلْدَة عَظِيمَة بِولَايَة روم إيلي بِالْقربِ من ينكى شهروا الْعَامَّة تَقول سرز بِفَتْح السِّين وَالرَّاء وَالصَّوَاب سيروز وَالله أعلم الإِمَام أَحْمد بن الْحسن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الرشيد بن أَحْمد بن الإِمَام الْحُسَيْن بن عَليّ بن عَليّ بن يحيى بن يُوسُف الملقب بالأشل ابْن الْقَاسِم بن الإِمَام يُوسُف الدَّاعِي ابْن الإِمَام مَنْصُور يحيى ابْن الإِمَام النَّاصِر احْمَد بن الإِمَام الْهَادِي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا ابْن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه إِمَام الْيمن الْعلم الشهير وَالْملك الْكَبِير كَانَ هُوَ ووالده وَأَخُوهُ مُحَمَّد أَعْيَان عصرهم وأئمة مصرهم (إِذا ركبُوا زانوا المواكب هَيْبَة ... وَإِن جَلَسُوا كَانُوا صُدُور الْمجَالِس) وَصَاحب التَّرْجَمَة من بَينهم متقلب فِي النعم مختال بَين الخول والخدم مَعْقُود عَلَيْهِ بالخناصر وَكَانَ يُقَال أَنه سيف آل الْمُقدم الإكابر ذُو جود ونوال وَإجَابَة للسؤال ومحاسن ومفاخر وَمَكَارِم ومآثر وَفعل خَيره وصوف وميل إِلَى جِهَات البرمعروف ولي الْإِمَامَة بعد عَمه الإِمَام إسمااعيل المتَوَكل الْآتِي ذكره ولقب نَفسه بالمهدي لدين الله فَقَامَ بأمرها أحسن قيام وانتظم بِهِ الْأَمر أحسن إنتظام وَكَانَ مهابا وَفِي أثْنَاء دَعوته دَعَا ابْن عَمه السَّيِّد الْقَاسِم بن الإِمَام مُحَمَّد الْمُؤَيد وخطب لَهُ على مَنَابِر الشرفين والأهنوم وشهارة وظليمة وَحجَّة وَأكْثر التهائم وَبعد أُمُور كَثِيرَة يطول شرحها حصل الإتفاق على إِمَامَة صَاحب التَّرْجَمَة وَاجْتمعت كلمة الْيمن إِلَيْهِ وَمن حِينَئِذٍ نفذت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 كَلمته وعمت سطوته وهيبته وأطاعته الْأَئِمَّة القاسميون وصاروا إِلَيْهِ من كل حدب يَنْسلونَ ووفدت إِلَيْهِ قبائل الْعَرَب الْأَعْيَان كحاشد ومكيل وقحطان وَقَامَ بأعباء الْإِمَامَة وسلك طَرِيق الْعدْل وتعهد أَحْوَال الْفُضَلَاء وَعم ظلّ فَضله الْأَنَام وَسَار سيرة الْأَئِمَّة الهادين من تفقد الضُّعَفَاء وَأمنت السبل ووفدت الْأَسْفَار وَكَانَ مَعَ اشْتِغَاله بِأُمُور الرعايا منهمكاً على مطالعة كتب الْعلم وَالْأَدب وَله ميل إِلَى الْفُنُون العلمية ومحاضرة بديعة وَله أشعار حسان ووفدت عَلَيْهِ النَّاس وأثنوا عَلَيْهِ وَألف الأدباء فِي سيره وأحواله مؤلفات وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من أَفْرَاد الزَّمَان وأجلاء إِلَّا وَإِن كَانَت وَفَاته فِي الْيَوْم الثَّانِي عشر من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف بالغراس وَبهَا دفن رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن حسن بن الشَّيْخ سِنَان الدّين البياضي الرُّومِي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْعَسْكَر وَاحِد صُدُور الدولة العثمانية من أجلاء عُلَمَاء الرّوم وأجمعهم لفنون الْعلم وَكَانَ صَدرا عَالما وقوراً جسيماً عَلَيْهِ رونق الْعلم ومهابة الْفضل واشتهر بالفقه وَفصل الْأَحْكَام وشاعت فضائله وذاعت وَقد أَخذ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام يحيى بن عمر المنقاري وَحج مَعَ وَالِده وَحضر دروس الشَّمْس البابلي بِمَكَّة لما كَانَ أَبوهُ قَاضِيا بهَا وَأَجَازَهُ فِي عُمُوم طلبته ونبل ودرس بالروم وَأفَاد وَولي قَضَاء حلب فِي سنة سبع وَسبعين وَألف واعتنى بِهِ أَهلهَا بالغوافي توقيره وتعظيمه وَجرى لَهُ مَعَ مفتيها الْعَلامَة مُحَمَّد بن حسن الكواكبي الْآتِي ذكره مباحثات ومناقشات كَثِيرَة دونت واشتهرت عَنْهُمَا ثمَّ عزل وَولي قَضَاء بورسة ثمَّ قَضَاء مَكَّة فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَسَار فِيهَا أحسن سيرة وَعقد بِمَجْلِس الحكم درساً وَقَرَأَ شَرحه على الْفِقْه الْأَكْبَر وَهُوَ شرح استوعب فِيهِ أبحاثاً كَثِيرَة وَأحسن فِيهِ كل الْإِحْسَان وَسَماهُ إشارات المرام من عِبَارَات الإِمَام وَقد رَأَيْته بالروم واستفدت مِنْهُ ثمَّ عزل عَن قَضَاء مَكَّة وَقدم دمشق وَاجْتمعت بِهِ فِيهَا فرأيته جبلا من جبال الْعلم راسخ الْقدر ثمَّ ولي قَضَاء قسطنطينية فِي أَوَاخِر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف وَكنت إِذْ ذَاك بهَا ثمَّ ولي قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلي وَكَانَ يَوْم ولَايَته كثير الثَّلج فأنشدت بعض حفدته قولي (وَالْأَرْض سرت بِهِ لهَذَا ... قد لبست حلَّة البياضي) وَوَقع فِي أَيَّام قَضَائِهِ أَنه ثَبت على امْرَأَة أَنَّهَا زنى بهَا يَهُودِيّ وَشهد أَرْبَعَة بِالزِّنَا على الْوَجْه الَّذِي يَقْتَضِي الرَّجْم فَحكم برجم الْمَرْأَة فحفر لَهَا حفيرة فِي آتٍ ميداني ورجمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَهَذَا الْأَمر لم يَقع إِلَّا فِي صدر الْإِسْلَام ثمَّ عزل وَأقَام بداره مُدَّة إِلَى أَن توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فِي إِحْدَى الجماديين سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس أَبُو عبد الله شهَاب الدّين أحد الْعلمَاء الأجلاء والأولياء الأتقياء ذكره الشلي وَقَالَ ولد بِمَدِينَة تريم فِي سنة سبعين وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ بهَا وَصَحب أَبَاهُ وَمن فِي طبقته وَأخذ عَن عُلَمَاء ذَلِك الزَّمَان وَألبسهُ خرقَة التصوف جمَاعَة من العارفين وتفقه وَكَانَ كثير الْقيام وَالصَّدَََقَة وَالصَّوْم وَكَانَ إِذا سجد يُطِيل السُّجُود كثير التفكر وَكَانَ غير ملتفت إِلَى الدُّنْيَا وأربابها زاهداً فِيهَا وَفِي مناصبها متباعداً عَن السُّلْطَان منقبضاً عَن الْكِبَار كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ كثير الِاسْتِمَاع للمواعظ والأشعار الْحَسَنَة وَرُبمَا حصل لَهُ عِنْد ذَلِك حَال ورزق السَّعَادَة فِي نَسْله فَحلف ثَلَاثَة أَوْلَاد سَارَتْ سيرتهم فِي سَائِر الأَرْض ونفع الله تَعَالَى بهم خلقه فالشيخ عبد الله فِي الديار الحضرمية وَالشَّيْخ حُسَيْن فِي الديار اليمنية وَالسَّيِّد أَبُو بكر فِي الديار الْهِنْدِيَّة وكل وَاحِد مِنْهُم مَذْكُور فِي كتابي هَذَا فِي مَحَله وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة لَيْلَة الْجُمُعَة لليلتين خلتا من شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل وَلما حفروا قَبره وجدوا فِيهِ شربة لم يعرفوا من أَي شَيْء عملت وَلَا لأي شَيْء صنعت فَأَخَذُوهَا وَهِي مَوْجُودَة يستشفي بهَا النَّاس من الْأَمْرَاض الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الْمُقدم يعرف كسلفه ببافقيه قَاضِي تريم القَاضِي شهَاب الدّين الْحَضْرَمِيّ الإِمَام الْمُفْتِي الْعَالم الْأَجَل ذكره الشلي وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ قَالَ ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن والإرشاد وَبَعض الْمِنْهَاج وَغَيرهمَا وَعرض على مشايخه محفوظاته وأكب على تحصيلا لعلوم من صغره وتفقه على الشَّيْخ مُحَمَّد بن اسماعيل ولازمه فِي الْقِرَاءَة والتحصيل وَأكْثر التَّرَدُّد وَالْأَخْذ عَن السَّيِّد عبد الرَّحْمَن ثمَّ رَحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ بهما عَن السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم وَالشَّيْخ أَحْمد ابْن عَلان قَالَ الشلي وَبَلغنِي أَن الشَّيْخَيْنِ الجليلين الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ والشهاب أَحْمد بن قَاسم حجا فِي ذَلِك الْعَام وَأَنه أَخذ عَنْهُمَا الْأَخْذ التَّام وَأَجَازَهُ جمَاعَة من مشايخه فِي الافتاء والتدريس وتفوق حَتَّى ضرب بِهِ الْمثل فِي تِلْكَ الدائرة وقصدته الطّلبَة من كل الْبِلَاد واشتهر صيته وَتخرج بِهِ جمَاعَة من فضلاء الْعَصْر كثير وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 لَهُ فِي التَّحْقِيق حَظّ وافر وَكَانَ فِي الفتاوي من أحسن أهل زَمَانه فَإِذا سُئِلَ عَن مسئلة فَكَأَنَّمَا الْجَواب على طرف لِسَانه ويورد المسئلة بِعَينهَا ولفظها لقُوَّة حافظته وَيُقَال أَنه فِي مَذْهَب الشَّافِعِي أحفظ أهل جِهَته وَله فتاوي منتشرة مفيدة ثمَّ عين لقَضَاء تريم وألزم بعد امْتنَاع فحمدت طَرِيقَته ونفع الله تَعَالَى بفراسته ونفوذ أَحْكَامه أهل تِلْكَ الديار مَعَ خفض الْجنَاح ولين الْجَانِب والحلم وَالصَّبْر والتودد ثمَّ عزل عَن الْقَضَاء بِسَبَب وَاقعَة بَين زين العابدين بن عبد الله العيدروس وأخيه شيخ سنذكرها فِي تَرْجَمَة زين العابدين وَكَانَ زين العابدين يَوْمئِذٍ صَاحب الْحل وَالْعقد فسعى فِي عَزله وتوليه تِلْمِيذه السَّيِّد حُسَيْن بافقيه فَأَعْطَاهَا أَكثر من حَقّهَا وَلم تطل مدَّته فِي الْقَضَاء بل عزل بعد إطفاء تِلْكَ الْفِتْنَة وأعيد صَاحب التَّرْجَمَة فَلم يسلم مِمَّن يعاديه بل كَاد أَن يُفَارق بَلَده وَوَقع لَهُ فِي الْأَحْكَام وَاقعَة فِي دُخُول رَمَضَان وشوال وَهِي أَن جمَاعَة شهدُوا بِرُؤْيَة الْهلَال لَيْلَة الثَّلَاثِينَ بعد الْغُرُوب وَشهد آخَرُونَ بِأَنَّهُم رَأَوْهُ بالشرق يَوْم التَّاسِع وَالْعِشْرين قبل طُلُوع شمسه فَحكم بِشَهَادَة الْأَوَّلين موافقه جمَاعَة من الْعلمَاء وَأفْتى تِلْمِيذه السَّيِّد أَحْمد بن عمر بِخِلَاف مَا حكم بِهِ وَإِن شَهَادَة من شهد بِرُؤْيَتِهِ بعد الْغُرُوب غير صَحِيحَة إِذْ هِيَ مستحيلة شرعا وعقلاً وَعَادَة وَلكُل مِنْهُمَا فِي المسئلة كِتَابَة قَالَ الشلي وَلم أَقف على كِتَابَة القَاضِي أَحْمد هَذَا وَأما شَيخنَا فستأتي فِي تَرْجَمته وَأَرْسلُوا يستفتون أهل الْحَرَمَيْنِ فَاخْتلف جوابهم وَلَكِن أَكْثَرهم أفتى بِمَا حكم بِهِ صَاحب التَّرْجَمَة قَالَ وَذكرت فِي رِسَالَة معرفَة اتقان الْمطَالع واختلافها مَا يُؤَيّدهُ وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة من سراة رجال الْعَالم واشتغل فِي آخر عمره بالتصوف لَا سِيمَا كتاب الْأَحْيَاء ومنهاج العابدين واجتهد فِيهِ حَتَّى بلغ رُتْبَة المرشدين الكاملين وَلم يزل حَتَّى توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل عِنْد قُبُور سلفه الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد مولى عبديد الشهير كسلفه ببافقيه الإِمَام الْجَلِيل المتقي الْوَرع ذكره الشلي وَقَالَ بعد أَن وَصفه بأوصاف لائقة بِهِ ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن والجزرية والاجرومية وَالْأَرْبَعِينَ النووية والإرشاد والملحة والقطر وَطلب الْعلم فَأخذ الْعلم عَن أَبِيه وَعَمه أبي بكر وَهُوَ صَغِير وَقَرَأَ على الْفَقِيه أَحْمد بن عمر البيتي فِي بعض الْمُتُون وشروحها وعَلى الشَّيْخ أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين كتبا كَثِيرَة فِي عدَّة فنون وعَلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن علوي بافقيه وَالشَّيْخ أَحْمد بن عمر عبد وَالشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن بافقيه وَغَيرهم وبرع فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث والفرائض والحساب الْعَرَبيَّة قَالَ الشلي وَسمع بِقِرَاءَتِي على أَكثر مَشَايِخنَا وَسمعت بقرَاءَته عَلَيْهِم وصبته مُدَّة وانتفعت بِصُحْبَتِهِ وَكتب الْكثير وانتفع بِصُحْبَتِهِ جمع وَكَانَ أفْصح أقرانه قَلما وأمكنهم فِي معرفَة الْعُلُوم وَأَحْسَنهمْ فِي معرفَة دقائق الْمعَانِي ورحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وجاور بِمَكَّة سِنِين للتفقه فأذ بهَا عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي وَالشَّيْخ عبد الله ابْن سعيد باقشير وَالشَّيْخ عَليّ بن الْجمال وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطَّائِفِي وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عَليّ بن عَلان وَأخذ عَن السَّيِّد مُحَمَّد بن علوي وَغَيرهم وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخياري والصفي القشاشي ثمَّ عَاد لمَكَّة ثَانِيًا وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة الشبيكة رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن بن أبي بكر العيناتي الشَّيْخ الْكَبِير الْفَائِق ذكره الشلي وَقَالَ فِي تَرْجَمته ولد بقرية عينات وَنَشَأ بهَا فِي حجر أَبِيه وَصَحبه وَعَمه الْحسن وَكَانَ كجماعته على طَرِيق أهل الْبَادِيَة أبدانهم وشعورهم باديه وَلما توفّي أَبوهُ اتّفق أهل عصره على تَقْدِيمه فَقَامَ مقَامه وَكَانَ فِي الْكَرم غَايَة لَا تدْرك وقصده النَّاس ومدحه الْفُضَلَاء وَكَانَت ترد عَلَيْهِ النذور وَالْأَمْوَال وَهُوَ يفرقها على الْفُقَرَاء والوافدين قَالَ الشلي وَلما دخلت عينات استمديت من بحره واجتنيت من دره وَرَأَيْت من بره وَعطفه وكرم أخلاقه ولطفه مَا يزِيد على شَفَقَة الْوَالِدين واجتليت من أنوار طلعته مَا أقرّ الْعين وَكَانَ خلقه كالروض الوسيم وأنواره يقتبس مِنْهَا ف اللَّيْل البهيم وَكَانَ يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب ويكظم الغيظ إِذا قدر وَغلب وَكَانَ مَقْبُول الشَّفَاعَة يُقَابل أمره بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَكَانَت وَفَاته صبح يَوْم الْجُمُعَة لثمان خلون من جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة عينات عِنْد قُبُور سلفه رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن خَلِيل بن عَليّ التركماني الأَصْل الْحِمصِي الْمَعْرُوف بالأطاسي الْفَقِيه المعمر الْحَنَفِيّ الْمَذْهَب مفتي حمص وعالمها كَانَ من الصُّدُور الأفاضئل وَله فِي التَّحْقِيق الباع الطَّوِيل أَخذ بحمص عَن ابْن كلف الرُّومِي وَصَحبه إِلَى الْقُدس وشاركه فِي الْقِرَاءَة عَلَيْهِ الشَّيْخ عبد النَّبِي بن جمَاعَة وَدخل إِلَى حلب ولازم الشهَاب الْأَنْطَاكِي صديق جدّه ثمَّ عَاد إِلَى حمص وَقد زَاد علمه وَولي بهَا قدر يساور النّظر على مقَام سَيِّدي خَالِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ابْن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ وَدخل دمشق فَتزَوج بأخت مفتيها الْعَلامَة عبد الصَّمد العكاري ثمَّ سَافر مَعَه إِلَى حلب حِين كَانَ السُّلْطَان سُلَيْمَان بهَا فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فَأعْطى بعنايته تدريس الجراعية بِدِمَشْق ثمَّ أعْطى الْإِفْتَاء بحمص وَبَقِي يتَرَدَّد إِلَى دمشق قَالَ ابْن الْحَنْبَلِيّ الْحلَبِي فِي تَارِيخه وجده عَليّ هُوَ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الَّذِي أخبر عَنهُ الشَّيْخ الْفَاضِل الصُّوفِي مَحْمُود صهر سَيِّدي الشَّيْخ علوان الْحَمَوِيّ أَنه ظَهرت لَهُ كَرَامَة الْأَوْلِيَاء بعد مَوته لِأَنَّهُ لما وضع بَين يَدي الْغَاسِل انسحبت الْخِرْقَة الساترة للعورة شَيْئا يَسِيرا فَمد يَده وسترها بِحَيْثُ انستر مِنْهُ مَا كَانَ انْكَشَفَ انْتهى وَبِالْجُمْلَةِ فبيتهم بَيت ظَاهر الْبركَة وَخرج مِنْهُم فضلاء ونبلاء عدَّة وَكنت أسمع من وَالِدي أَن لنا مَعَهم قرَابَة وَالله تَعَالَى أعلم وَكَانَت وَفَاة أَحْمد صَاحب التَّرْجَمَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع بعد الْألف عَن نَحْو تسعين سنة والأطاسي بِضَم الْهمزَة وَبعدهَا طاء مُهْملَة ثمَّ سين مُهْملَة وَلَا أَدْرِي هَذِه النِّسْبَة لماذا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن خَلِيل بن إِبْرَاهِيم بن نَاصِر الدّين الملقب شهَاب الدّين الْمصْرِيّ الشَّافِعِي السُّبْكِيّ نزيل الْمدرسَة الباسطية بِمصْر وقف المرحوم القَاضِي عبد الباسط وخطيبها وإمامها ذكره الشَّيْخ مَدين القوصوني فِيمَن ترْجم من عُلَمَاء عصره وَقَالَ فِي حَقه الْفَاضِل الْعَلامَة الْفَقِيه الْمُفِيد أَخذ عَن الشَّيْخ الْفَاضِل مُحَمَّد شمس الدّين الصفوي الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي نزيلها بِجَامِع الْحَاكِم وَهُوَ الَّذِي أنشأه من صغره وزوجه ببنته وَاسْتمرّ تَابعا لَهُ آخِذا عَنهُ إِلَى حِين وَفَاته وَأخذ عَن الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وَكَانَ ملازماً للمدرسة الْمَذْكُورَة نَهَارا وبمنزله بهَا لَيْلًا وَحج الْمرة بعد الْمرة برا وَمرَّة بحراً وجاور وَله من المؤلفات حَاشِيَة على الشفا للْقَاضِي عِيَاض وَشرح على منظومة الْجلَال السُّيُوطِيّ الَّتِي تتَعَلَّق بالبرزخ سَمَّاهُ فتح المقيت فِي شرح التثبيت عِنْد التبييت وَهُوَ قولات وَشرح آخر عَلَيْهَا سَمَّاهُ فتح الغفور وَهُوَ مزج وَله أَيْضا شرح على منظومة ابْن الْعِمَاد الَّتِي فِي النَّجَاسَات سَمَّاهُ فتح الْمُبين بشرح منظومة ابْن عماد الدّين وَله رِسَالَة سَمَّاهَا هَدِيَّة الإخوان فِي مسَائِل السَّلَام والاستئذان وَله مَنَاسِك حج كَبِيرَة وَأُخْرَى صَغِيرَة وَله الْفَتَاوَى الَّتِي جمعهَا من خطّ شَيْخه شيخ الْإِسْلَام الشَّمْس الرَّمْلِيّ فِي جلد ضخم انْتهى مَا قَالَه الشَّيْخ مَدين وَرَأَيْت فِي تعاليق أخينا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله تَرْجَمته وَذكر أَنه أَخذ عَن النَّجْم الغيطي وَمن فِي طبقته من عُلَمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وقته وَعنهُ الشَّيْخ سُلْطَان المزاحي وَالشَّمْس مُحَمَّد البابلي وَغَيرهمَا وَكَانَ لَهُ مهارة فِي عُلُوم الحَدِيث والعلوم النظرية وفقهه بتكلف وَاتفقَ للشَّيْخ سُلْطَان مَعَه أَنه حصل مَعَه يَوْمًا فِي صَلَاة الْجُمُعَة فِي مَسْجِد كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة إِمَامًا فِيهِ وَكَانَ من عَادَته أَن يُقيم وَلَده للخطبة وَيُصلي الْجُمُعَة هُوَ بِنَفسِهِ فَلَمَّا فرغ وَلَده من الْخطْبَة تقدم للصَّلَاة على عَادَته فَأمْسك بِيَدِهِ الشَّيْخ سُلْطَان وَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي تفيدوا أَن من شَرط إِمَام الْجُمُعَة أَن يكون خَطِيبًا أَو سمع الْخطْبَة وَكَانَ المترجم عرض لَهُ ثقل فِي سَمعه فَقدم وَلَده حِينَئِذٍ للصَّلَاة بدله انْتهى وَكَانَت وَفَاته فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف عَن ثَلَاث وَتِسْعين سنة وَدفن بفسقية أحدثها بجوار الإيوان الصَّغِير الغربي من الْمدرسَة الْمَذْكُورَة ذكر ذَلِك مَدين القوصوني أَحْمد بن خَلِيل الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بالسلموني الأديب الشَّاعِر ذكره بعض فضلاء مصر فِي جمعيته وَقَالَ فِي وَصفه جَامع أشتات الْمَعَالِي وحسنة الْأَيَّام والليالي عَلامَة الزَّمَان ووحيد الأقران والمشار إِلَيْهِ بالبنان فِي الْبَيَان زين الأكابر والأماثل وَرَأس الْأَعْيَان والأفاضل ومقصد الملتمس والسائل ومحط رَحل أمل الآمل حسن الْأَخْلَاق حَلِيم النَّفس يلتذ بِالْعَفو عَن الزلة كَمَا يلتذ الأحمق بالعقاب عَلَيْهَا مشكور السِّيرَة صافي السريرة لَهُ مهارة جَيِّدَة فِي فنون مُتعَدِّدَة وأشعاره أنيقة حَسَنَة السبك رقيقَة مِنْهَا قَوْله من قصيدة يمدح بهَا بعض الْقُضَاة ومطلعها (مَاذَا الَّذِي وسق الأحشاء بالنصل ... وَلم يدع موضعا فِيهَا لمنتصل) (أذاك زرق عَوَالٍ من كماة وغى ... أم ذَاك رشق نبال من بني ثعل) (أم هِيَ عُيُون بأوتار الجفون رمت ... سِهَام ألحاظها قيس الحواجب لي) (أم هِيَ سيوف لحاظ فِي الحشا فعلت ... فعال سيف أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ) (أم هِيَ خناجر طعن فِي الْحَنَاجِر من ... رنا محاجر تِلْكَ الْأَعْين النجل) (أم هِيَ رماح قدود لَا يعادلها ... فِي القدّ سمر القنا العسالة الذبل) (بيض الْوُجُوه لَهَا الْبيض الصفاح طلا ... سود الْعُيُون لَهَا السمر الرماح حلي) (مَالِي وعشق ملاح من محاسنها ... تبدي أحد سلَاح مرهف صقل) (واحيرتي الأغراء والغرام بذا ... الْجمال أجنح للوام والعذل) (أصبو لذاك وَلَا أصغي لذين وَلَا ... أسلو حلاوة مص الرِّيق والقبل) (لكنني فِي الْهوى أَصبَحت ذَا ولهٍ ... وَمِنْه أمسيت شبه الذاهل الوهل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 (أشبهت مَا صلَة والغير يحسبني ... ذَا عَائِد موصلاً وَالْحَال لم أصل) (أَنى الْوُصُول إِلَى نيل العوائد والصلات ... من فاتر الأجفان والمقل) (من لي بذلك والألحاظ تسلبني ... سلب المدامة لب الشَّارِب الثمل) (مَا بالنا معشر العشاق تأخذنا ... فِي السّلم تِلْكَ الرنا أخذا على عجل) (وَنحن فِي الْحَرْب أقوى مَا نَكُون إِذا ... تقارعت فِي الظبا الْأَبْطَال والأسل) (وَبعد ذَاك القوى والعزم تنظرنا ... نهباً لألحاظ تِلْكَ النعس الْكحل) (ظباء السيوف وأطراف الأسنة لَا نخشى ... ونخشى سَواد الطّرف والكحل) (الله أكبر كم من ناعس غنجٍ ... أردى وجندل كم من فَارس بَطل) وَهِي طَوِيلَة وَله أشعار كَثِيرَة والعنوان يدل على الطرس وَكَانَت وَفَاته بِمصْر خَامِس شعْبَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الْأَمِير أَحْمد بن رضوَان بن مصطفى الْأَمِير الْكَبِير نَائِب غَزَّة وأمير الْحَاج كَانَ أَبوهُ الْأَمِير رضوَان من كبار الْأُمَرَاء فِي زمن السُّلْطَان سليم بن مُرَاد وَأما جده مصطفى فَإِنَّهُ كَانَ فِي رُتْبَة الوزراء فِي عهد السُّلْطَان سُلَيْمَان وَأرْسل إِلَى فتح بِلَاد الْيمن وَكَانَ يعرف فِي بِلَاد الشَّام بِأبي شاهين قيل لِكَثْرَة حمله الشاهين الطَّائِر الْمَعْرُوف على يَده عِنْد الصَّيْد وَنَشَأ ولد الْأَمِير أَحْمد هَذَا فِي دولة باهرة وَكَانَ شجاعاً بطلاً وعقله فِي غَايَة الرزانة وَله مطالعة فِي كتب التَّارِيخ وَبَعض الْفُنُون وقصده الشُّعَرَاء ومدحوه وخلدوا مدحه فِي مجاميعهم فَمنهمْ أَبُو الْمَعَالِي الطالوي فَإِنَّهُ مدحه بقصيده ميمية عَجِيبَة فِي بَابهَا عِنْد عوده من الْقَاهِرَة ومروره بغزة ومطلعها قَوْله (وَلما أرتنا العيس غَزَّة هَاشم ... عيَانًا أنخناها بِتِلْكَ المعالم) (رواجع من مصر نوازع للحمى ... حمى الشَّام تهدى بالبروق البواسم) وَقد ذكر فِيهَا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الطَّرِيق من المراحل فلأجل هَذِه الْفَائِدَة ذكرت مِنْهَا مَحل ذَلِك بِتَمَامِهِ وَذَلِكَ قَوْله (أَضَاء لَهَا الْبَرْق الشآمي مرّة ... فأثر فِي أخفافها والمناسم) الضميران للعيس الْمُقدم ذكرهَا وَبعده قَوْله (حننت وحنت إِذْ أَضَاء وَإِنَّمَا ... حنيني لَو تَدْرِي لبرق المباسم) (وأعدى حصاني قطعهَا البيد فانثنى ... يجوب الفلا جوب النياق الرواسم) (فودع ربع العادلية سائراً ... وَلم يثنه عَن سيره لوم لائم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 (ووافى ربوع الخانقاه عَشِيَّة ... وَمر على بلبيس مر النسائم) (وَأصْبح خطار بخطارة المنى ... وَجَاز بهَا كالبرق لَاحَ لشائم) (وَجَاوَزَ ورد الصالحية كالقطا ... لقطية ليلى قبل ورد الحوائم) (ترفع عَن بِئْر الدويدار قدره ... وَخَلفهَا مطروقة للسوائم) (وأهوى لبئر العَبْد كالنجم غائراً ... لَام الحسا وَاللَّيْل وحف القوادم) (وقابله رمل الْعَريش فعاقه ... عَن السّير إِذْ خاتنته إِحْدَى القوائم) (وغيبه عَن حسه هول صعقة ... تخرّ لَهَا كوم المطى الروازم) (فودّعته طرفا أغر محجلا ... كريم السجايا من عتاق كرائم) (وَقلت لَهُ هلا حملت على وجا ... فَتى سيره للشام ضَرْبَة لَازم) (فَقَالَ مقَالا كنت أَجْهَل قدره ... وَعَيناهُ فاضت بالدموع السواجم) (أتشكو الجوى إِذْ جِئْت غَزَّة هَاشم ... وفيهَا أَمِير أريحي المكارم) (سمى نَبِي الله أَحْمد من غَدا ... حَدِيث نداه نَاسِخا ذكر حَاتِم) (كثير رماد الْقدر دَان نواله ... طَوِيل نجاد السَّيْف ماضي العزائم) (سليل الْمُلُوك الصَّيْد من خضعت لَهُ ... قبائل من تيم وَقيس ودارم) (وَذُو النّسَب الوضاح والجوهر الَّذِي ... أَقَامَ فرنداً فِي متون الصوارم) (أَمِير تردى الْمجد درعاً وشاحه ... طوال العوالي فِي طوال المهاذم) (وَقد ألف الْبيض الصوارم والقنا ... وَقتل العدا من قبل عقد التمائم) (أَخُو الْحَرْب يغشى اللَّيْث وَاللَّيْث مشبل ... وتخشاه فِي الهيجاء أَسد الضراغم) (ترى بَابه للوافدين محطة ... فَمن راحل مثن وَآخر قادم) (وَردت حماه مستفيضاً نواله ... فرحلني عَنهُ بأسنى الْغَنَائِم) (فَلَا زَالَت الأقدار تخْدم سعده ... بغزة فِي عز مدى الدَّهْر دَائِم) وَكَانَ يحب مذاكرة الْعُلُوم وَيسْأل الْعلمَاء عَن الْأَحْكَام ويعظمهم ويكرمهم ويصل عُلَمَاء بَلَده وَغَيرهم وانتشأ فِي أَيَّام حكومته بغزة عُلَمَاء وفضلاء سَيَأْتِي ذكرهم ورزق من السَّعَادَة حظاً عَظِيما وَاسْتولى على مملكة غَزَّة مَا يقرب من ثَلَاثِينَ سنة من غير عزل يَقْتَضِي رحيله عَنْهَا وسكنها وَتَوَلَّى إِمَارَة الْحَاج الشَّامي سِنِين عديدة بعد الْأَمِير قانصوه أَمِير عجلون وَمَا والاها من بِلَاد الكرك وَكَانَ يحضر إِلَى دمشق فِي بعض الأعوام وَعمر بهَا بِالْقربِ من بَاب الْبَرِيد بَيْتا مُحكم الْبناء حسن الْوَضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَأنْفق عَلَيْهِ مَالا كثيرا وَكَانَ لَهُ أَوْلَاد وَكلهمْ من بنت المرحوم درويش باشا صَاحب الْجَامِع الْمَعْرُوف بالدرويشية خَارج دمشق وخالهم لأمهم حسن باشا الْوَزير ابْن الْوَزير وتفرغ فِي آخر عمره لبَعض أَوْلَاده عَن إِمَارَة غَزَّة وَأرْسل إِلَى طرف السلطنة قَاصِدا بتحف وهدايا كَثِيرَة وَطلب أَن يصير أَمِير الْأُمَرَاء بِبَعْض المدن الْكَبِيرَة على طَرِيق التقاعد الْمَعْرُوف الْآن فِي الِاصْطِلَاح فَأُجِيب إِلَى مَا طلبه وَكَانَ ذَلِك فِي سنة تسع بعد الْألف وَأقَام إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن روح الله بن سَيِّدي نَاصِر الدّين بن غياث الدّين بن سراج الدّين الْأنْصَارِيّ الجابري الرُّومِي قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام ومصر وأدرنة وقسطنطينية وَولي قَضَاء العسكرين اشْتغل ودأب وَأخذ الْعُلُوم عَن جمَاعَة كَثِيرَة من أَجلهم الْمولى مُحَمَّد شاه وَكَانَ معيداً لَهُ ولازم مِنْهُ وبرع وتفوق وَكَانَ عَلامَة فِي المعقولات متبحراً فِي فنونها وَألف مؤلفات تدل على فَضله مِنْهَا تَفْسِير سُورَة يُوسُف وحاشية على تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام للبيضاوي وحاشية على حَاشِيَة ملا مَسْعُود فِي آدَاب الْبَحْث وحواشي على غَالب شرح الْمِفْتَاح للسَّيِّد الشريف وَله رسائل مُتعَدِّدَة فِي فنون كَثِيرَة وَقد ذكره الْحسن البوريني فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي تَرْجَمته ولد فِي بِلَاد كنجة بردعه من بِلَاد الْعَجم وَبهَا نَشأ ثمَّ خرج مِنْهَا وَكَانَ وحيداً فريداً قَالَ وَأَخْبرنِي أَنه ورد من بِلَاده مَاشِيا وَأَنه دخل الْبَلدة الْمُسَمَّاة بالقصير فَأخذ بهَا الْعَهْد على الشَّيْخ أَحْمد القصيري الْمَشْهُور وسافر بعد ذَلِك إِلَى بَاب السلطنة العثمانية وخدم رجلا من أَرْكَان الدولة يُقَال لَهُ فريدون وأقرأ أَوْلَاده ولازمه حَتَّى انتظم فِي سلك الموَالِي قَالَ غَيره ودرس بعدة مدارس مِنْهَا مدرسة بناها المرحوم مُحَمَّد باشا باسمه وَهِي مَعْرُوفَة بَين قسطنطينية وأدرنة وَهُوَ أول من درس بهَا وَمِنْهَا مدرسة أياصوفيا ومدرسة وَالِدَة السُّلْطَان مُرَاد بِمَدِينَة اسكدار وَألقى بهَا درساً عَاما حَضَره غَالب فضلاء الرّوم وعلماؤها وخلع عَلَيْهِ يَوْم الدَّرْس ثَلَاث خلع بعد أَن أرْسلت إِلَيْهِ الوالدة ألف دِينَار لأجل ضِيَافَة من يحضر الدَّرْس وَمَا وَقع ذَلِك لأحد غَيره وَتكلم فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام على قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} الْآيَة وَكَانَ درساً حافلاً لم يعْهَد فِي الرّوم مثله لِأَن المدرسين فِي بِلَادهمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك وَإِنَّمَا يجلس الْمدرس وَحده فِي مَحل خَال من النَّاس فَلَا يدْخل إِلَيْهِ إِلَّا من يقْرَأ الدَّرْس وشركاؤه فِيهِ وَلَا يحضرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 أحد من غير تلامذة الْمدرس وَجرى بذلك الدَّرْس أبحاث وتناقلتها الروَاة وَألف هُوَ فِيهِ رِسَالَة وعرضها على كثير من الْعلمَاء فقرظوا لَهُ عَلَيْهَا وَكَانَ من جملَة الْقَوْم جدي القَاضِي محب الدّين فَكتب مَا من جملَته قَوْله (ومتع العَبْد طرفه بِتِلْكَ الطّرف ... بِظِل هاتيك الْهَدَايَا والتحف) (وَدخل من جنان سطورها غرفا ... مَبْنِيَّة من فَوْقهَا غرف) فَلَمَّا شَاهد آيَات فَضلهَا الَّتِي لَا تحجد وعاين معجزاتها الباهرة آمن برسالة أَحْمد وَقد أعْطى من مدرسة الوالدة قَضَاء الشَّام قَالَ البوريني وَكَانَ مَوْصُوفا بالتهاون فِيمَا يتَعَلَّق بِأُمُور الْقَضَاء حَتَّى أَنه كَانَ لَا يتأمّل الْحجَّة الَّتِي تعرض عَلَيْهِ للإمضاء بل كَانَ يمضيها تقليداً لِلْكَاتِبِ ثِقَة بِهِ وتغافلاً عَن التثبت لَا سِيمَا فِي أُمُور الشَّرْع وَصدر من ذَلِك أَن بعض أعدائه أَدخل عَلَيْهِ حجَّة فِيهَا بيع السَّمَوَات وتحديدها بكرَة الأَرْض فَعلم عَلَيْهَا واشتهر أمرهَا بَين موَالِي الرّوم وَمَا بإلى ذَلِك انْتهى ثمَّ بعد عَزله من دمشق ولي قَضَاء مصر وَوجدت فِي بعض المجاميع أَنه لما ولي قَضَاء مصر كَانَ إِ ذ ذَاك أَبُو الْمَعَالِي الطالوي بهَا فنظم هذَيْن الْبَيْتَيْنِ يهجوه بهما وهما فِي غَايَة اللطافة (حمير شرْوَان أَتَت مصرنا ... وأصبحت بعد الشقا فِي دَعه) (وَفَارَقت كنجة لَكِنَّهَا ... لم يخل مِنْهَا الْبَعْض من بردعه) وَبعد ذَلِك ترقى فِي المناصب على التَّرْتِيب الَّذِي ذكرته فِي مبدأ تَرْجَمته إِلَى أَن وصل إِلَى قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلي وَتُوفِّي وَكَانَت وَفَاته بقسطنطينية فِي سنة ثَمَان بعد الْألف الشريف أَحْمد بن زيد بن محسن بن الْحسن بن الْحسن بن أبي نمي وتقدّم تَمام النّسَب فِي تَرْجَمَة عَم جده الشريف أبي طَالب فَليرْجع إِلَيْهِ ثمَّة كَانَ من أَمر الشريف أَحْمد الْمَذْكُور أَنه كَانَ فِي دولة أَخِيه الشريف سعد مشاركاً لَهُ فِي الرّبع ثمَّ لما عزلا عَن شرافة مَكَّة توجها فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف إِلَى الطَّائِف ثمَّ إِلَى بيشة وَأَقَامَا بهَا ثمَّ توجه المترجم إِلَى ديرة بني حُسَيْن فَإِن لَهُ أَهلا بهَا وَولدا وَاسْتمرّ مُقيما إِلَى ذِي الْقعدَة من السّنة فَرَحل مِنْهَا قَاصِدا لزيارة جده فِي الْمَدِينَة فَدَخلَهَا لَيْلَة دُخُول الْحَاج الشَّامي وواجهه فِيهَا أَمِير الْحَاج الْمَذْكُور وَالْتمس مِنْهُ بعض مرام من شرِيف مَكَّة إِذْ ذَاك الشريف بَرَكَات ثمَّ خرج من الْمَدِينَة وَنزل على شيخ حَرْب أَحْمد بن رَحْمَة وَاسْتمرّ عِنْده إِلَى عود الْحَاج الشَّامي فواجهه أَمِير الْحَاج وَأخْبرهُ بِعَدَمِ تَمام ذَلِك المرام ثمَّ توجه إِلَى الْفَرْع فِي أول عَام أَربع وَثَمَانِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَألف وَاسْتمرّ بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ لما خرج الشريف بَرَكَات لمحاربة حَرْب فِي أواسط السّنة الْمَذْكُورَة عَاد إِلَى حَرْب وحصن الْحَرْب ثمَّ بعد انْقِضَائِهَا توجه إِلَى الْفَرْع ثمَّ وصل إِلَيْهِ أَخُوهُ الشريف سعد واستمرا سبين الوارقية وَالْفرع وَأكْثر الْإِقَامَة بالفرع وَلما توعد الشريف بَرَكَات أهل الْفَرْع فِي أَوَائِل سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف تنحوا إِلَى جِهَة وَادي البقيع من بِلَاد حَرْب بَين السّفر وبلاد بني عَليّ وعَوْف واستمروا وَمن مَعَهم إِلَى شهر رَمَضَان ثمَّ عَن لَهُم التَّوَجُّه إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فوصلوا إِلَى حول الْمَدِينَة ونزلوا بِالْغَابَةِ مُجْتَمع السُّيُول غربي أحد أَوَاخِر رَمَضَان وعيدوا فِي ذَلِك الْمحل وَلَيْسَ فِي نزُول الْأسود فِي الغابة ملامة وَلَا معابة وقضوا حوائجهم وذهبوا خَامِس شَوَّال متوجهين إِلَى الشَّام لَا يَمرونَ بحي من أَحيَاء الْعَرَب إِلَّا أكرموهم وَمن أعجب الِاتِّفَاق نزولهم على مرج بني سجيم من غير علم مِنْهُم بذلك وَكَانَ الشريف سعد قتل أَبَاهُ فَلَمَّا علمُوا بِهِ حصل لَهُم كرب شَدِيد فَلم يشعروا إِلَّا وَولده مواجه لَهُم بالعبودية وَالسَّلَام وأهدر دم وَالِده وَأكْرمهمْ وَذبح لَهُم الذَّبَائِح ومنح المنائح وَهَذِه من غير شكّ معْجزَة من جدهم وَلم يزَالُوا على مثل ذَلِك مَعَ كل من مروا عَلَيْهِ من العربان من جمع ووحدان إِلَى أَن وصلوا إِلَى الشَّام فَتَلقاهُمْ أَهلهَا وأمراؤها وكبراؤها وعلماؤها ونقيبها ودخلوا بموكب عَظِيم والأشراف من أهل الشَّام حَولهمْ مشَاة بِأَمْر من نقيبهم ثمَّ أَقَامُوا بهَا وَاسْتَأْذَنَ لَهُم حَاكم الشَّام حِينَئِذٍ السلطنة فِي الْوُصُول فأنوا لَهُم فتوجهوا إِلَى أَن دخلُوا أدرنة فَحصل لَهُم من الدولة إكرام والتفات وَاجْتمعت بهم فِيهَا ثمَّ توجهوا بِأَمْر من السلطنة إِلَى قسطنطينية واستمروا بهَا وَتَوَلَّى الشريف سعد بعد ذَلِك معرة النُّعْمَان وَتوجه إِلَيْهَا ثمَّ عزل عَنْهَا وَعرضت على المترجم طرسوس فَلم يقبل وَأقَام بقسطنطينية مُدَّة مديدة واتحدت بخدمته اتحاداً تَاما وَتَقَرَّبت إِلَيْهِ كثيرا وَكَانَ كثيرا مَا يدنيني إِلَيْهِ وَيقبل عَليّ بكليته ومدحته بقصائد مِنْهَا هَذِه القصيدة كتبتها إِلَيْهِ فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف وَهِي قولي (يجوب الأَرْض من طلب الكمالا ... وَمن صحب القنا بلغ السؤالا) (وَكم فِي الأَرْض من سكن وَدَار ... وَإِن كَانَ النَّوَى يضني الجبالا) (وَمَا هجري الدمى ذلاً وَلَكِن ... رَأَيْت الذل أَن أَهْوى الجمالا) (وَأَن الحتف فِي حب الغواني ... جزين الصب هجراً أَو وصالا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 (أما وحياة عَيْنَيْك اللواتي ... بِغَيْر السحر تأبى الاكتحالا) (وَمَا بسقيم جفنك من فتور ... أعَاد الْبَدْر من سقم هلالا) (لانت أعز من روحي وَمَالِي ... وَإِن لعب الزَّمَان بِنَا ومالا) (وَكم للشوق فِي أحشاء صب ... يبيت خياله يرْعَى خيالا) (يُخَاطب من أمانيه نديما ... ويجني من مطامعه نوالا) (فَيقطع بالنوى الْأَيَّام سيرا ... وَيقطع بالمنى السود الطوالا) (إِذا مَا أوهمته النَّفس أمرا ... وَرَاء السد كلفها ارتحالا) (وَلَيْسَ الْجد فِي الدُّنْيَا بمجد ... وَلَا زَاد النَّوَى رزقا ومالا) (وَلَكِن الْأُمُور لَهَا دواعي ... وَأَسْبَاب بَقَاء أَو زوالا) (وأسهرني بِأَرْض الرّوم برق ... سرى من جلق يشكو الكلالا) (وجدد لي بِأَرْض الشَّام عهدا ... وذكرني الْأَحِبَّة والظلالا) (مَوَاطِن صبوتي مقَام أنسي ... وَإِن صرمت أهاليها الحبالا) (وَمَا كَانَت غوانيها جُفَاة ... وَلَكِن علموهن الدلالا) (وَترك الْمَرْء دَار الضيم حتم ... وَنَفس الْحر تأبى الاعتقالا) (وَمَا كلفتهم شَيْئا وَلَكِن ... أعَاد الْوَهم رشدهم ضلالا) (وَلَيْسَ يبين فضل الْمَرْء حَتَّى ... يبين وَيُشبه الشهب انتقالا) (وَمن لم يشْكر النعماء يَوْمًا ... وأنكرها فقد رَضِي الزوالا) (جفوا فحلمت فازدادوا جفَاء ... وظنوا الْحلم عَجزا واحتمالا) (وَبَعض الْجَهْل فِي الأحيان خير ... وَبَعض الْحلم يَسْتَدْعِي النكالا) (فَحَلَفت الديار وَمن عَلَيْهَا ... وَفَارَقت الْأَحِبَّة والعيالا) (وسرت ولي من الذكرى سمير ... يؤرقني وصحبي والجمالا) (فَلَا زَالَت لِأَحْمَد مكرمات ... تقابلني نزولا وارتحالا) (هُوَ الْمولى الشريف وَمن تسامى ... إِلَى العيوق أفضالا وطالا) (مليك مُسْتَفَاد من مليك ... كعرف الرَّوْض أكسبه شمالا) (فَتى للفضل قد أضحى يَمِينا ... وباقى النَّاس كلهم شمالا) (طليق الْوَجْه بسام الْمحيا ... يسابق فَضله منا السؤالا) (وَمن أَحْيَا موَات الْجُود فضلا ... وَورث عدله الدُّنْيَا اعتدالا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 (تهون بِهِ الصعاب وكل عقد ... أَبى أَلا يَكْفِيهِ انحلالا) (أجل مُلُوك أهل الأَرْض طرا ... وأصدقهم إِذا نطقوا مقَالا) (رويدا أَيهَا الراجي علاهُ ... فَإِن الشَّمْس تكبر أَن تنالا) (وَيَا من قاسه الْبَحْر جودا ... لقد قايست بالملح الزلالا) (وَيَا من قد أَرَادَ لَهُ نظيرا ... لقد كلفت دنياك المحالا) (لَهُ النّسَب الرفيع إِلَى نَبِي ... لقد نَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا جمالا) (أجل الْمُرْسلين ومقتداهم ... وأجزل من على الغبرا نوالا) (عَلَيْهِ بعد أنفاس البرايا ... صَلَاة لله تكسبه كمالا) (إِلَيْك سليل خير الْخلق أَشْكُو ... نوى قصرت نتيجته وطالا) (وهاك حلى على الهيف الغواني ... وَالْأَخْذ على الوجنات خالا) (عروب إِن أردْت قتال خصمي ... أجرد من قوافيها النصالا) (تمتّع من مدائحها بروض ... يروقك مِنْهُ شِمَاله اعتدالا) (وَدم صدر الزَّمَان وَلَا رَأينَا ... لذاتك مَا حدا الْحَادِي زوالا) (لمجدك تنتمي زهر الدراري ... ومجدك ينْطق الْكَوْن ارتجالا) وَدخلت عَلَيْهِ يَوْمًا فرأيته يقْرَأ قصيدة قافية لِابْنِ هاني الأندلسي ومطلعها قَوْله (قمن فِي مأتم على العشاق ... وجعلن الْحداد فِي الأحداق) فَلَمَّا أتم قرَاءَتهَا اقترح عَليّ نظم قصيدة على وَزنهَا ورويها فنظمت هَذِه القصيدة ومطلعها قولي أمتدحه بهَا وَهِي (إِنَّمَا الدمع آيَة العشاق ... واحمرار الدُّمُوع حلى المآقي) (لَا عدمت الْهوى وَإِن كَانَ يقْضِي ... بتلاف المتيم المشتاق) (إِن عَيْشًا يمْضِي بِغَيْر تصاب ... مَا لخلق يختاره من خلاق) (وَمن الضيم أَن يبيت الْمَعْنى ... خَالِي لقلب من جوى واحتراق) (لَا أرى صحوة لمخمور عشق ... أسكرته سلافة الأحداق) (دوختني نَوَائِب الْحبّ لَكِن ... عَرفتنِي محَاسِن الْأَخْلَاق) (أَيهَا الْقلب غير حرك هَذَا ... إِن صدا الحسان غير مطاق) (وتنائي الديار يكبر عَنهُ ... فِي فؤاد المضني تنائي الرفاق) (يذهب الدَّهْر بَيْننَا لَا يوالي ... بَين لحظ المنى وطيف العناق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 (من لقلبي الْمُذَاب إِن لج وجدي ... وحنيني وَمن لدمعي المراق) (فضلوعي رهن الأسى وفؤادي ... نهب أَيدي الأشجان والأشواق) (يَا سقِِي مألفا لنا بحمى الشَّام ... هزيم من الحيا المغداق) (طالما بت فِي حماه وعيشي ... مَعَ آرامه شهي المذاق) (نتروى من الصبوح ونفتض ... نسيم الشُّمُول فِي الاغتباق) (ومحي بالشمس بدر فيسقى ... أنجم الشّرْب فِي سَمَاء الرواق) (شادن موثق عهود التجني ... وَأرَاهُ ضَعِيف عقد النطاق) (يتثنى كَأَنَّمَا رَاح يخطو ... فَوق أحناء قلبِي الخفاق) فَلَمَّا انْتَهَيْت فِي الإنشاد إِلَى هَذَا الْبَيْت قَالَ هَذَا شعر معجب وَهَذِه القافية سيدة قوافيه فَقلت لَهُ صَاحب الْبَيْت أدرى بِالَّذِي فِيهِ فَفطن بالمراد وَقَالَ قد لَاحَ لي فِي الإحناء الانتقاد فلقت إِن رأى الْأُسْتَاذ أبدلتها بِلَفْظَة أفلاذ فَإِنَّهَا أقرب إِلَى الْقلب مِنْهَا وشفاف العشاق لَا يبعد عَنْهَا فأظهر بِمَا قلته ابتهاجه واهتز اهتزاز مرنح بصفو الزجاجة وَمِنْهَا (بَات عِنْدِي ألذ من قبْلَة الغيد ... وشهى من الشفاه الرقَاق) (نجتني اللَّهْو يافعاً من غصون ... للأماني كالورد فِي الأطباق) (بِحَدِيث كالزهر كلله الطل ... فضاهى قلائد الْأَعْنَاق) (وسلاف تسرى من الرّوح مسرى ... مكرمات الشريف فِي الْآفَاق) (سيد تستفيد مِنْهُ الْمَعَالِي ... لبنيها طرائق الأعراق) (ذُو بنان تجْرِي بِخَمْسَة أَنهَار ... فتجري عوائد الأرزاق) (وندى كالغمام لَيْسَ لَهُ برق ... سوى بشر وَجهه الْبراق) (أشبه المرهف الْمحلى سوى أَن ... حلاه مَكَارِم الْأَخْلَاق) (أَن تجاري الْكِرَام فِي حومة الْجُود ... رَأَيْنَاهُ أسبق السباق) (من سراه ودادهم فرض عين ... مَا تحلى بحبهم ذُو نفاق) (وبآثارهم تسامى بَنو إِسْمَاعِيل ... فخراً على بني إِسْحَاق) (كلهم جَاءَت السِّيَادَة تنقاد ... إِلَيْهِ بأوجب اسْتِحْقَاق) (سبقوا الْعَالمين نَحْو الْمَعَالِي ... حَيْثُ حلوا والسبق حلي الْعتاق) (وَأَقَامُوا فِي الله أَرْكَان دين الْحق ... بالبيض والدروع الوثاق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 (مَا عَسى يبلغ المديح علاهم ... لَو تناهى فِي الْحصْر والإغراق) (آل بَيت هم مَعْدن الْجُود والحلم ... وَخير الْأَنَام بالِاتِّفَاقِ) (إِن قلبِي لَهُم مُقيم على الْمِيثَاق ... من قبل سَاعَة الْمِيثَاق) (وانتسابي مِنْهُم لِأَحْمَد يقْضِي ... أنني عَبده بِغَيْر شقَاق) (قيدتني نعماه بل أطلقتني ... فَأَنا شَاكر على الْإِطْلَاق) (وَمَتى رحت للهوان أَسِيرًا ... فك أسرِي مِنْهُ وَحل وثاقي) (وكفاني إِذا الْحَوَادِث أعطشن ... مسيلاً بسيبه الدفاق) (قد كساني ثوب الْغنى وَأرَاهُ ... عوضا لي عَن حلَّة الإملاق) (فلأكسوه من نَسِيج ثنائي ... حللاً لَا تهمّ بالأخلاق) (بقواف فِي جودة السبك تحكي ... جَوْهَر الْحلِيّ فِي عُقُود التراقي) (كل معنى كالسحر يستره اللَّفْظ ... وَحسن الأزهار بالأوراق) (يَا أعز الورى حمى لَا يسامى ... وقف الدَّهْر فِيهِ ذَا إطراق) (لَا عدمنا لقياك والعمر منا ... حَسبه من هُوَ النّيل التلاق) (إِنَّمَا أَنْت بدر أفق الْمَعَالِي ... فابق فِي الدَّهْر زَائِد الْإِشْرَاق) وَاتفقَ لي فِي خدمته يَوْم من أَيَّام الْجنان قد غفلت عَنهُ عُيُون الْحدثَان فِي ظلّ رَبِّي هَب فِيهِ صبا فطال ريا وطاب ريا وَالْوَقْت منتسب إِلَى خلقه فِي اعتداله والزهر منتم فِي الْعرف لنشر خلاله فنظمت أبياتاً فِي وصف ذَلِك الْيَوْم وأنشدته إِيَّاهَا بِمحضر من الْقَوْم وَهِي (لله بُسْتَان حللناه ضحى ... وَالْوَرق تملى شجوها تغريدا) (حاكت بِهِ أَيدي الْجنُوب وجودت ... فِي النسج حَتَّى ألبسته برودا) (وتمايلت فِيهِ الغصون كخرّد ... تبدى لنا الْورْد الجني خدودا) (والطل مطلول على حَافَّاته ... يَحْكِي لدينا لؤلؤاً منضودا) (أهْدى شذاه معنبراً فَكَأَنَّمَا ... فِي كل عود مِنْهُ يحرق عودا) (أَو أنّ خالطه سناء مملك ... طابت خلائقه فَكَانَ مجيدا) (مَا إِن تصفحنا خلال كَمَاله ... إِلَّا رأنيا أحمداً مَحْمُودًا) (هُوَ صَاحب النّسَب الرفيع مَحَله ... قد طَابَ آبَاء زكتْ وجدودا) (فالبحتري كَأَنَّمَا عَنهُ عَنى ... فِي بَيت شعر كَانَ فِيهِ مجيدا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 (نسب كأنّ عَلَيْهِ من شمس الضُّحَى ... نورا وَمن فلق الصَّباح عمودا) (قد سَاد للرتب الجليلة سامياً ... أقرانه حَتَّى استبدّ فريدا) (لَو أنّ منزلَة الغننى كمنا لَهُ ... شرفاً إِذا جَازَ السماك صعُودًا) (لَا زَالَ يبْقى فِي الْمَعَالِي لاقياً ... عَيْشًا على مر الزَّمَان رغيدا) وَلم يزل مُقيما بالروم وَالْأَحْوَال تنْتَقل بِهِ إِلَى أَن حصل لمَكَّة مَا حصل من الِاخْتِلَاف بَين الْأَشْرَاف فَبلغ ذَلِك السُّلْطَان فَأرْسل إِلَى الشريف أَحْمد يَطْلُبهُ فَلَمَّا أَتَاهُ وَدخل قَامَ إِلَيْهِ وقابله فِي غَايَة الإجلال وَوضع كَفه بكفه وَصَافحهُ من قيام قَائِلا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وأوّل خطاب من السُّلْطَان قَالَ لَهُ يَا شرِيف أَحْمد الْحجاز خراب أريدك تصلحه فامتثل ذَلِك فَعِنْدَ ذَلِك ألبسهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ ثمَّ جلس السُّلْطَان وَأمره بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ وَأعَاد عَلَيْهِ مَا قَالَه أولاّ مرَّتَيْنِ وَهُوَ يجِيبه بالامتثال وَالْقَبُول فَحِينَئِذٍ قَالَ السُّلْطَان إِذا آن أَوَان الشَّيْء أبرزه الله تَعَالَى وَأمر الْوَزير وَالْكتاب أَن يكتبوا لَهُ ملتمسه فَخرج الشريف وَقدم لَهُ مركوب من خيل السُّلْطَان ورحل على خيل الْبَرِيد إِلَى دمشق وَقد خرج مِنْهَا فَدخلت عَلَيْهِ مهنئاً لَهُ بالشرافة وأنشدته هَذِه الأبيات (الْحق عَاد إِلَى مَحَله ... وَالشَّيْء مرجعه لأصله) (يَا طالما وعد الزَّمَان بِهِ ... وأعيانا بمطله) (حَتَّى تحقق أَنه ... فِي النَّاس مفتقر لمثله) (وَالسيف عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ ... يعرف فضل نصله) (والدهر ينفر تَارَة ... وَيعود معتذراً لأَهله) (لَا ريب قد سرّ الورى ... بفعاله الْحسنى وعدله) (فَالْكل شَاكر صنعه ... ولسانهم وصاف فَضله) وَأقَام بِدِمَشْق ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ خرج قَاصِدا الْحَاج حَتَّى لحقه بالعلا وَدخل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وتلقاه عسكرها وَلبس الخلعة السُّلْطَانِيَّة تجاه الْحُجْرَة الشَّرِيفَة كَمَا لبسهَا ثمَّة أَبوهُ ثمَّ دخل مَكَّة سَابِع ذِي الْحجَّة ختام سنة خمس وَتِسْعين وَألف من جِهَة أَسْفَلهَا ووراءه الْمحمل الْمصْرِيّ وَجَمِيع عَسْكَر مصر وَالشَّام وَجدّة وَركب بَين يَدَيْهِ قَاضِي مَكَّة وَأحمد باشا حَاكم جدة وَكَانَ موكباً عَظِيما فحج بِالنَّاسِ على أحسن حَال وَحصل لأهل مَكَّة بقدومه غَايَة السرُور وَاسْتمرّ شريفاً إِلَى أَن توفّي وَكَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وَفَاته فِي الْيَوْم الْحَادِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة تسع وَتِسْعين وَألف وَولي بعده الشريف سعيد بن أَخِيه الشريف سعد ثمَّ عزل وَولي بعده الشريف أَحْمد بن غَالب الْمولى أَحْمد بن المنلا زين الدّين العجمي النخعواني الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد والوفاة قَاضِي الْقُضَاة الملقب بالمنطقي الْفَاضِل الأديب الشَّاعِر الناثر أحد أَفْرَاد الدَّهْر ومحاسن الْعَصْر كَانَ فَاضلا سامياً هضبات الْأَدَب متفنناً بليغاً فِي إنشائه عذب الْمنطق سريع الْفَهم وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ روحاً كُله من فرقه إِلَى قدمه وَكَانَ ينظم وينثر فِي الألسن الثَّلَاثَة وَهُوَ فِيمَا عدا الْعَرَبِيّ نَسِيج وَحده ومفرد وقته وشعره فِيمَا بَين أهل الرّوم أغْلى قيمَة من الدّرّ وَذكر لي بعض الثِّقَات مِنْهُم أَن الأديب شَاعِر الرّوم فِي وقته سُلَيْمَان البوسنوي المنعوت بمذاقي وَهُوَ مِمَّن أَدْرَكته بالروم وسأذكره فِي كتابي هَذَا كَانَ يَقُول فِي شعر المنطقي أَن كل غزل من شعره يعادل ديواناً من شعر غَيره وَكنت وَأَنا بالروم جمعت من أشعاره حِصَّة وافرة فَأَرَدْت ذكر شَيْء مِنْهَا هَاهُنَا ثمَّ مَنَعَنِي من ذَلِك أَن أهل بِلَادنَا لَيْسَ لَهُم اعتناء بِهَذَا النَّوْع وغالب النساخ عندنَا لَا يعْرفُونَ التركية فكثيراً مَا يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه فَيَقَع التخبيط وَالْحَاجة لَيست بماسة لذَلِك جدا نعم هِيَ ماسة لدفع مَا يَقع بَين أدباء الْعَرَب من السُّؤَال عَن قوافي أشعار الرّوم بِسَبَب اتحادها فِي الصُّورَة وَلَو كثرت وَيَقُولُونَ إِن هَذَا يطاء تبعا للعربية فَهَذَا يحْتَاج إِلَى بَيَان وَلم أر من تعرض لَهُ إِلَّا الْعِمَاد الْكَاتِب فِي خريدته فَإِنَّهُ قَالَ وللعجم قلت وَالروم تبع لَهُم مَذْهَب فِي الشّعْر مُخَالف لأسلوب الْعَرَب وَهُوَ أَنهم يجْعَلُونَ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة رديفاً يرددونه فِي كل بَيت مِثَال ذَلِك مَا نظمه الشَّاعِر (سل الصِّبَا هَل ورد الْورْد ... يَا من عَلَيْهِ حسد الْورْد) ثمَّ قَالَ فالدال هِيَ الروي عِنْدهم والورد هُوَ الرديف مثل هَاء الضَّمِير فِي أسودها وأغيدها قَالَ وتذكرت هُنَا رباعيات لي وَهِي (اسْمَع مَا قَالَ عندليب الْورْد ... فالبلبل فِي الرَّوْض خطيب الْورْد) (الشّرْب على الْورْد نصيب الْورْد ... مَا يحسن أَن يضيع طيب الْورْد) وَأَيْضًا (كم حضر الراح وَغَابَ الْورْد ... حَتَّى عدم الراح فناب الْورْد) (لما عبق الراح وطاب الْورْد ... قُلْنَا جمد الراح وذاب الْورْد) وَهَذَا كَلَام وَقع فِي الْبَين وَلَكِن مَا خلا من فَائِدَة فلنعد إِلَى تَتِمَّة تَرْجَمَة المنطقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 فَنَقُول وَأما شعره الْعَرَبِيّ فقليل وَقد أورد لَهُ وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة قطعتين استحسنت إِحْدَاهمَا فأوردتها وَهِي هَذِه (سقت الرياض دموع عَيْني الْجَارِيَة ... فبدت تراجعها عُيُون باكيه) (وسرت لأغصان الْوُرُود فَأَصْبَحت ... أكمامها مِنْهَا قلوباً داميه) (دمعي تبدل بالشرار وَكَيف لَا ... وجحيم قلبِي فِيهِ نَار حاميه) (مَاذَا عَليّ من الْجَحِيم وَلم تزل ... نَار الْمحبَّة فِي وجودي بَاقِيَة) (يَا سادة لما بدا سلطانهم ... ملك الْقُلُوب من الْأَنَام كَمَا هيه) (تلوي غصون قد ودهم أَيدي الصِّبَا ... وَقُلُوبهمْ مثل الْحِجَارَة قاسيه) (لم يبْق لي ثمن يُقَاوم وصلكم ... إِلَّا الْمحبَّة والمحبة غَالِيَة) (الْجِسْم ذاب من الجفا وَالْقلب رهن ... عنْدكُمْ وَالروح مني عَارِية) (منوا على بنظرة فوحقها ... قسما بِمن يحيى النُّفُوس الفانية) (لَو مر بِي مَيتا نسيم دِيَاركُمْ ... سرت الْحَيَاة إِلَى عِظَامِي البالية) وَذكر مبدأ أمره أَنه ولد بِدِمَشْق وَقَرَأَ وبرع واشتهر وَأشهر من أَخذ عَنهُ الشّرف الدِّمَشْقِي وبرز بروزا غَرِيبا فَجَلَسَ لإلقاء الدُّرُوس وَهُوَ حدث السن جَدِيد العذار فَاجْتمع فِي حَلقَة درسة جمَاعَة من الأكراد والأعاجم ونبل قدره وَعلا صيته وَولى تدريس الْمدرسَة السليمية بصالحية دمشق وَكَانَت بيد الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن عماد الدّين الْعِمَادِيّ وَبعد مُدَّة أُعِيدَت إِلَى الْعِمَادِيّ فسافر المنطقي إِلَى حلب وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَعشْرين وَألف وَاجْتمعَ ثمَّة بالوزير مُحَمَّد باشا السردار الْمعِين من جَانب السُّلْطَان أَحْمد إِلَى مقاتله شاه الْعَجم عَبَّاس خَان فحظى عِنْده بإقبال كثير وَقرر لَهُ الْمدرسَة وَعَاد إِلَى دمشق بمهابة عَظِيمَة وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ سَافر ثَانِيًا إِلَى حلب صُحْبَة مَحْمُود الرُّومِي الدفتري بِدِمَشْق فَاجْتمع بقاضيها الأديب المنشئ الْمَشْهُور عبد الْكَرِيم ابْن سِنَان فَأحْسن إِلَيْهِ كل الْإِحْسَان وَلما عزل من قَضَاء حلب صُحْبَة إِلَى الرّوم وَكَانَ ذَلِك فِي حُدُود سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف فَدخل إِلَى دَار السلطنة وَأقَام بهَا فَرغب كثر من كبرائها فِي معاشرته لحسن محاضرته وأدبه وحظي عِنْدهم ولازم ودرس بعد مُدَّة بعدة مدارس وَجمع مَالا كثيرا وجاها عريضا وترقى فِي الشُّهْرَة حَتَّى وصل خبر للسُّلْطَان مُرَاد فاتخذه نديم مَجْلِسه وَكَانَ يجْتَمع هُوَ ونفعي الشَّاعِر الْمَشْهُور أحد الندماء فِي الْمجْلس السلطاني وَيجْرِي بَينهمَا مكالمات ومخاطبات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 تَأْخُذ الْعُقُول وَكَانَ كل مِنْهُمَا شَدِيد الْحَط على الآخر فِي غيبته وَمن أبلغ مَا وَقع بَينهمَا أَن السُّلْطَان أَمر صَاحب التَّرْجَمَة أَن يهجو نفعي فهجاه بقصيدة أفحش فِيهَا فَلَمَّا سَمعهَا نفعي استشاط غيظا وَجزم على مكيدته وَعرض فِي الْمجْلس السلطاني بِأَن المنطقي يحسن محاكاة كل جيل من النَّاس وَأَن أحسن مَا رَآهُ مِنْهُ محاكاة الفرنج فِي الملبس والمكاامة فَنَادَى السُّلْطَان صَاحب التَّرْجَمَة وَذكر لَهُ مَا قَالَه نفعي عَنهُ فَحلف الْأَيْمَان الأكيدة أَنه لم يصدر مِنْهُ مثل ذَلِك قطّ وَمَا زَالَ يتخضع ويبكي حَتَّى خلص نَفسه من هَذِه الورطة الَّتِي كَانَ أدنى عَاقبَتهَا الْقَتْل وَلما تحرّك الْجند على السُّلْطَان وَقتلُوا الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الْحَافِظ انْقَطع صَاحب التَّرْجَمَة عَن صُحْبَة السُّلْطَان خوفًا من الْجند وَلزِمَ زَاوِيَة الْعُزْلَة وَظهر السُّلْطَان بعد ذَلِك على الْجند وَقتل مِنْهُم من قتل وَفرق شملهم فَظهر المنطقي إِلَى الْوُجُود إِلَّا أَنه ضرب بالحجاب بَينه وَبَين صُحْبَة السُّلْطَان كَغَيْرِهِ من الندماء وَلكنه بَقِي على التَّرَدُّد إِلَى مجَالِس الصُّدُور كالمفتي الْأَعْظَم الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّاء وَغَيره وَكَانَ كثير الْحَط على من يعاديه مغالياً فِي إِظْهَار زيف أَبنَاء عصره خُصُوصا أهالي بلدته دمشق وَذكر وَالِدي فِي تَرْجَمته أَنه كَانَ يَوْمًا فِي مجْلِس الْمُفْتِي الْمَذْكُور فوصلت إِلَيْهِ قصيدة أرسلها إِلَيْهِ أديب دمشق أَحْمد بن شاهين ومطلعها (لَا يسلني عَن الزَّمَان سؤول ... إنّ عتبي على الزَّمَان يطول) فَنَاوَلَهُ الْمُفْتِي قرطاسها وَأمره بِقِرَاءَتِهَا فابتدر يقْرؤهَا ويحاكي ناظمها فِي حركاته وإنشاده الشّعْر وَكَانَ على طَريقَة أبي عبَادَة البحتري فِي إنشاده الشّعْر يتشدّق ويهز رَأسه ومنكبيه وَيُشِير بكمه وَيقف عِنْد كل بَيت وَيَقُول أَحْسَنت أَو أَجدت أَو مَا شاكلها إِلَى أَن أتم قرَاءَتهَا على هَذَا الأسلوب فَبلغ ابْن شاهين مَا فعله فَجهز قصيدة ثَانِيَة إِلَى الْمُفْتِي الْمَذْكُور ومطلعها قَوْله (غب لثم الأعتاب بعد الدُّعَاء ... بشفاه لم تنو غير الشِّفَاء) وَذكر فِيهَا فصلا يعرض بالمنطقي وَهُوَ فِي بَابه مستعذب جدّاً وَذَلِكَ قَوْله فِيهَا (وأناس من الشآم نعتهم ... شامنا فِي جَوَانِب الغبراء) (تَركتهم لَا يألفون خَلِيلًا ... من جَمِيع الورى لفقد الْوَفَاء) (خَرجُوا يطْلبُونَ فضل ثواء ... ليتهم قد رَضوا بِفضل الثراء) (ألفوا الْكسْب من وُجُوه البرايا ... مَا دروا قدر مكسب الْآبَاء) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 (برح الْعَجز فيهم فتراهم ... يَبْتَغُونَ الْغَدَاء وَقت الْعشَاء) (قد أراقوا مَاء الحيا والمحيا ... ثمَّ حدوا فِي الْكَذِب والافتراء) (رُبمَا هجنوا لديك ثنائي ... رُبمَا حسنوا لديك ازدرائي) (رُبمَا حاولوا حِكَايَة صوتي ... فأخلوا بِحسن ذَاك الْأَدَاء) (لَيْسَ عِنْدِي وَأَنت ذخري مِنْهُم ... غير مَا بالجوزا من العُوّاءِ) (أَنا يَا سَيِّدي سُهَيْل عَلَيْهِم ... وطلوعي يضرّ نسل الزناء) هَذَا الْبَيْت مَأْخُوذ من قَول المتنبي (وتنكر مَوْتهمْ وَأَنا سُهَيْل ... طلعت بِمَوْت أَوْلَاد الزناء) وَالْعرب تزْعم أَن سهيلاً إِذا طلع وَقع الوباء فِي الأَرْض وَكثر الْمَوْت يَقُول فَأَنا سُهَيْل على أَوْلَاد الزناء خَاصَّة أَي أَنهم يموتون حدا لي وَبَعض النَّاس يَقُول إِن ولد الزِّنَا اسْم لدويبة ترصف إِذا طارت بِاللَّيْلِ وَإِنَّهَا تَمُوت إِذا طلع سُهَيْل وَلَا أَدْرِي صِحَّته وَالله تَعَالَى أعلم وَلم يزل المنطقي على حَالَته الْمَذْكُورَة حَتَّى صَار قَاضِي قُضَاة حلب وَنقل مِنْهَا إِلَى قَضَاء الشَّام فوردها وَكَانَ سيره بهَا حسنا ومدحه شعراء ذَلِك الْعَصْر بالقصائد الطنانة وأجود مَا مدح بِهِ قصيدة الْأَمِير المنجكي الَّتِي مطْلعهَا قَوْله (ورد الرّبيع فَقُمْ لحث الكاس ... ودع الْمقَام بِأَرْبَع أدراس) يَقُول مِنْهَا فِي مديحه (قَاض تودّ لَو انها فرشت لَهُ ... عِنْد الْقدوم كواكب الأغلاس) (بيدَيْهِ حل المعضلات وكشفها ... وجلاية الجلى وَرفع الباس) (وَله سِهَام عَدَالَة لَو فوّقت ... تركت متون الْجور كالأقواس) (لما سهرت على مدائحه الَّتِي ... جعلت عداي من الردى حرّاسي) (ودّ الْهلَال لَو استقام وَأَنه ... أَمْسَى لديّ مكانة النبراس) ووجهت حُكُومَة الشَّام فِي أَيَّام قَضَائِهِ إِلَى مصاحب السُّلْطَان مُرَاد الْوَزير مصطفى باشا السلاحدار فَأرْسل من قبله لضبطها رجلا يُقَال لَهُ عُثْمَان الجفتلري وَهُوَ الَّذِي صَار حَاكما مُسْتقِلّا بِالشَّام فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف ووقف الْوَقْف الَّذِي لَهُ على أَجزَاء تقْرَأ فِي الْجَامِع الْأمَوِي بعد صَلَاة الظّهْر فِي المعزية الصَّغِيرَة الْوُسْطَى قبالة محراب الْحَنَابِلَة فاتفق أَنه وَقع بَينه وَبَين صَاحب التَّرْجَمَة لمَنعه إِيَّاه عَن بعض الْمَظَالِم فَعرض فِيهِ بِمَا لَا يَلِيق عرضه وَأسْندَ إِلَيْهِ أموراً مِنْهَا هدم قبَّة المزار الْمَنْسُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 لسيدي عبد الرَّحْمَن حفيد سيدنَا أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بمقبرة الفراديس وَكَانَ هَدمه بِسَبَب أَنه كَانَ يصير فِيهِ بعض مناكر من الْفُسَّاق وَمِنْهَا أَنه ورد أَمر فتح قلعة روان حِين أخذت من يَد شاه الْعَجم عَبَّاس شاه وَاتفقَ يَوْمئِذٍ وجود القَاضِي فِي الصالحية فَأرْسل إِلَيْهِ الْخَبَر فتباطى فِي النُّزُول وَحُضُور الدِّيوَان وَمِنْهَا أَنه رُبمَا أطلق لِسَانه فِي أَرْكَان الدولة وَمِنْهُم الْوَزير الْمَذْكُور فَبعد مُدَّة قَليلَة من إرْسَال الْعرض ورد خبر عَزله عَن قَضَاء الشَّام ثمَّ ورد أَمر شرِيف بقتْله فَأخذ إِلَى قلعة دمشق وخنق بهَا وَاتفقَ يَوْم وُصُول خبر قَتله دُخُول الْمولى عبد الله بن عمر معلم السُّلْطَان عُثْمَان قَاضِي مصر إِلَى الشَّام وَجرى ذكر المنطقي مَجْلِسه وَمَا وَقع لَهُ من الخنق فَقَالَ متمثلاً إِن الْبلَاء مُوكل بالْمَنْطق وَكَأَنَّهُ أحَال ذَلِك على سَبَبِيَّة إِطْلَاق لِسَانه فِي حق بعض الصُّدُور وَقيل فِي تَارِيخ قَتله قل مسْقط الرَّأْس دمشق وَحكى أَنه لما ولي قَضَاء الشَّام ذهب إِلَى الْمُفْتِي الَّذِي ولاه الْمولى يحيى الْمَذْكُور آنِفا بالتشكر مِنْهُ ففاءله بالتبريك بِأَن قَالَ لَهُ أول شام وَآخر شام وَكَانَ ذَلِك جرى على لِسَانه بالهام فَوَقع مَا قَالَه وَهَذِه اللَّفْظَة يستعملها أهل الرّوم من قبيل الْمثل وَلم أَقف على أَصْلهَا وَإِن كَانَ معنى شقها الثَّانِي صَحِيحا بِاعْتِبَار أَن الشَّام أَرض الْمَحْشَر والمنشر وَأما بِاعْتِبَار شقها الأول فَمَا أَدْرِي وَجه الأولية وَالله تَعَالَى أعلم وَبِالْجُمْلَةِ فقد عَاشَ المنطقي حميدا وَمَات شَهِيدا فرحم الله تَعَالَى فضائله ومعارفه وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث بعد الْألف وَمَات صَبِيحَة الْجُمُعَة ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وضبطت أَمْوَاله لجِهَة بَيت المَال وَصلى عَلَيْهِ بعد أَدَاء صَلَاة الْجُمُعَة فِي الْجَامِع الْأمَوِي وَدفن بمقبرة الفراديس بِالْقربِ من قبر أبي شامة والنخجواني بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْخَاء المنقوطة وَضم الْجِيم ثمَّ وَاو بعْدهَا ألف وَنون بَلْدَة بالعجم مَعْرُوفَة الشَّيْخ أَحْمد بن زين العابدين بن مُحَمَّد بن عَليّ الْبكْرِيّ الصديقي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي أحد السَّادة البكرية شيخ وقته بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ لَهُ الْأَدَب الباهر وَالْعلم الزاخر تصدر بعد موت عَمه أبي الْمَوَاهِب وَعقد مجْلِس التَّفْسِير فِي بَيته بالأزبكية وَجمع فِيهِ عُلَمَاء الْعَصْر وأذعنوا لَهُ وَظَهَرت لَهُ أَحْوَال باهرة وَحج مرَارًا ورزق فِي الْقبُول التَّام فِي جَمِيع حالاته وَكَانَ صَاحب أَخْلَاق حَسَنَة وَفِيه سخاء وتلطف وقصده الشُّعَرَاء من كل نَاحيَة ومدحوه وَمِنْهُم من فتح الله بن النّحاس الْحلَبِي فَإِنَّهُ مدحه بقصائد وأجودها قصيدته البائية الَّتِي مطْلعهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 (عطف الْغُصْن الرطيب ... وتلافانا الحبيب) وَهِي مَشْهُورَة فَلَا نطيل بذكرها سوى مَا قَالَه مِنْهَا فِي مدحه وَذَلِكَ قَوْله (أَحْمد الْبكْرِيّ فِي ... منبرها الْيَوْم خطيب) (ابْن زين العابدين ... السَّيِّد الْبر الوهوب) (ابْن من يصدع بِالْحَقِّ ... ويقفو وينيب) (ابْن من كَانَ بِهِ الْغَوْث ... مَعَ الْغَيْث يصوب) (شَاهد الحضرة واختص ... وناجته الْغُرُوب) (واستمرّ الْفَيْض للأستاذ ... وَالْفَتْح قريب) (بلبل الْحق لِسَان الْغَيْب ... هطال سكوب) (صفع الدَّهْر بكف ... مَا لَهَا الدَّهْر قتوب) (قامع الكرب وَقد حل ... من الْقلب الكروب) (ضَاحِك الْوَجْه وَهل فِي ... طلعة القطب قطوب) وَقد تَرْجمهُ صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله فِي مَجْمُوعه فَقَالَ فِي حَقه شهَاب الْأَئِمَّة وفاضل هَذِه الْأمة وملث غمام الْفضل وَكَاشف الْغُمَّة شرح الله تَعَالَى صَدره للعلوم شرحاً وَبنى لَهُ من رفيع الذّكر فِي الدَّاريْنِ صرحا إِلَى زهد أسس بُنْيَانه على التَّقْوَى وَصَلَاح آهل بِهِ ربعه فَمَا أقوى وآداب تحمر خدود الْفضل من آنافها خجلا وشيم أوضح بهَا غوامض مَكَارِم الْأَخْلَاق وجلا وفلاح يشرق من محياه وَطيب أعراق يفوح من نشر رياه ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ واشتغل بفنون الْعُلُوم وكرع من مشارع الفهوم وَقَرَأَ على عَمه الْأُسْتَاذ أبي الْمَوَاهِب وَأَبِيهِ وَغَيرهمَا من مَشَايِخ عصره وتصدّر للإقراء بالجامع الْأَزْهَر فأشرق فِيهِ نوره وأزهر وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَإِلَيْهِ النِّهَايَة فِي عُلُوم الطَّرِيق ومزيد الإتقان مَعَ كرم يخجل المزن لَهَا طل وشيم يتحلى بهَا جيد الزَّمَان العاطل وجاه عريض وتمكين وَمَكَان عِنْد النَّاس مكين يستلمون أَرْكَانه كَمَا تستلم أَرْكَان الْبَيْت الْعَتِيق ويتنسمون أخلاقه كَمَا يتنسم الْمسك الفتيق والنور يسطع من أسارير جَبهته والعز يطلع فِي آفَاق طلعته وَمن مؤلفاته كتاب جعله على أسلوب لوعة الشاكي ودمعه الباكي سَمَّاهُ رَوْضَة المشتاق وبهجة العشاق وَله شعر يدل على علو مَحَله وإبلاغه هدى القَوْل إِلَى مَحَله فَمِنْهُ قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 (أحنّ إِذا جنّ الظلام تشوّقاً ... إِلَى زمن بِالْقربِ زَاد تألّقا) (وأقطع ليلِي ساهراً متفكراً ... لَعَلَّ زمَان الْأنس يسعف باللقا) قلت وَله ديوَان شعر أَكثر مَا فِيهِ ألغاز وَكَانَ لَهُ فِيهَا بَاعَ طَوِيل فَمن ذَلِك قَوْله (غزالة فِي بردهَا رافله ... تقتنص الْأسد من القافله) (فِي حرم الْأَمْن وَقد خلتها ... قَائِمَة بِالْفَرْضِ والنافله) (قلت لَهَا رقي فَقَالَت لمن ... كَأَنَّهَا عَن مطلبي غافله) (ثمَّ انْثَنَتْ تلغز لي باسمها ... لغزاً بِهِ أقكارنا كافله) (مَا اسْم خماسي وَتَصْحِيفه ... شبه بدور لم تكن آفله) (فِي سنة الْمُخْتَار خير الورى ... بَيَانه وَهِي لَهُ شامله) (فِي سنة نبه متسيقظاً ... وَإِن تشا فِي سنة كَامِله) وَمن قَوْله أَيْضا (وَحقّ حمرَة خدٍّ ... تثير بِالْقَلْبِ جمره) (تطفي لجمرة ثغر ... بَيْضَاء فِي الكاس حمره) (تجلى لخمرة فضل ... تزيد بالشرب خمره) وَمن نثر لَهُ جَوَاب لغز فِي الْحَوْرَاء كتب بِهِ للوارثي الْمصْرِيّ الْآتِي ذكره قَرِيبا أَجدت أَيهَا الجهبذ الْهمام وحليب بجواهر زواهر الدُّرَر أجياد الْكِرَام واستجليت على منصة فكرتك حور الْجنان واستخليت بهَا فِي مقاصير الحسان فافتر ثغر حسنها للقياك وروت لَك رِوَايَة بشر عَن الضَّحَّاك فصابح الله صباحة وَجهك بوجهها الْحسن وَلَا زَالَت تخدمك الْمعَانِي بأنضر فنن وَله ملغزاً فِي أَشهب مَا علم مُفْرد مركب وضع لحيوان يركب إِن رفعت رَأس زمامه دلّ على اسْم جمع نارى فِي الْتِزَامه إِن أتيت بِرَأْسِهِ إِلَى قدامه فاستعذ بِاللَّه من سهامه مَعَ أَنه على حَقِيقَة الِانْفِرَاد إِمَام تزيد فِيهِ اعْتِقَاد وتفتدي بأَمْره وَنَهْيه وعدله وَقد شهد الْعلمَاء بفضله خُصُوصا أهل مذهبكم الشريف وَلَا يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وأرخ مَوته عبد الْبر الفيومي بقوله بجنة الفردوس أَحْمد يُقيم أَحْمد بن سراج الدّين الملقب شهَاب الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الصَّائِغ الْحَنَفِيّ الْمصْرِيّ الشَّيْخ الرئيس الطَّبِيب الْفَاضِل أَخذ الْعُلُوم عَن الشَّيْخ الإِمَام عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي وَالْإِمَام الفهامة مُحَمَّد بن محيي الدّين بن نَاصِر الدّين التحريري وَولده الرئيس الشهير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 سري الدّين وَبِه انْتفع فِي الطِّبّ وَتَوَلَّى قَدِيما تدريس الْحَنَفِيَّة بِالْمَدْرَسَةِ البرقوقية وَمَات عَن مشيخة الطِّبّ بدار الشِّفَاء المنصوري ورياسة الْأَطِبَّاء قَالَ الشَّيْخ مَدين وَكَانَت وِلَادَته كَمَا أخبرنَا بِهِ فِي خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن خَارج بَاب النَّصْر وَلم يعقب إِلَّا بِنْتا وتولت مَكَانَهُ مشيخة الطِّبّ الشخ أَحْمد بن سعد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المسوري اليمني كَانَ هَذَا الْعَلامَة الحبر عَظِيم الشَّأْن جليل الْقدر وَاحِد الدَّهْر وفريد الْعَصْر وعالم السهل والوعر ذكره ابْن أبي الرِّجَال فِي تَارِيخه مطلع البدور ومجتمع البحور وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا لَا مزِيد فَوْقه ثمَّ قَالَ أَصله من بِلَاد مسور واشتغل بِالْعلمِ وحرر الْعُلُوم وَكَانَ فِي الْعُلُوم النقلية والعقلية شيخها الْأَكْبَر وَفِي الْأَدَب الَّذِي فِيهِ انحصرت مزاياه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من الْأَفْرَاد فِي الْيمن وَكَانَت دولة الْقَاسِم زاهية بِهِ وَهُوَ صدر مجَالِسهمْ وَنور مقابسهم تصدر للإفادة وَالْكِتَابَة فِي مجْلِس الإِمَام الْقَاسِم ثمَّ فِي مجْلِس وَلَده الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد ثمَّ فِي مجْلِس أَخِيه الْقَائِم بعده أَحْمد بن أبي طَالب ثمَّ فِي مجْلِس أَخِيه الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل وانتهت مدَّته فِي هَذِه الدولة وَهُوَ كَاتب الْإِنْشَاء ومتقلد منصب الخطابة فِي حَضْرَة الْأَئِمَّة الْمَذْكُورين وانْتهى إِلَيْهِ علم اللُّغَة والْحَدِيث وَالتَّفْسِير والنحو وَالصرْف والأصلين والدراية بمناطيق الْعَرَب ومفاهيمها وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْكِنَايَات والإشارات وعَلى كل حَال فالواصف لَهُ مقصر وشيوخه كَثِيرُونَ والآخذون عَنهُ مثل ذَلِك قلت وَمِنْهُم أَحْمد بن صَالح بن أبي الرِّجَال وَبِه تخرج وَإِلَيْهِ يُشِير فِي تَارِيخه كثيرا قَالَ وَله مؤلفات فائقة ومنشآت من خطب وَغَيرهَا بليغة وَله من الْوَرع مَا لَا يحصر بِقَيْد وَلَا وصل إِلَيْهِ عَمْرو بن عبيد مَعَ تعاور الْعِنَايَة لَهُ فِي طَاعَة هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وانسجال ديم النفائس عَلَيْهِ وَكَانَت الْأَئِمَّة تراسله بالكتب والهدايا فيأباها وَلَا يرى فِي ذَلِك من الْمُلُوك عقباها فَمن ذَلِك مَا أجَاب بِهِ على الْأَمِير الْكَبِير الشريف الْحُسَيْن ابْن أَحْمد الخواجى صَاحب صنعا وَقد كتب إِلَيْهِ كتابا وأصحبه هَدِيَّة وَبعد فواصل كتابكُمْ الَّذِي هُوَ جَوَاب جوابي عَلَيْكُم مُشْتَمِلًا على وُجُوه من الْخطاب صيرت مَا كَانَ سبق مني من الْإِحْسَان بإجابة الْكتاب الأول ذَنبا وَمَا كنت أَحْسبهُ حمداً عِنْد الله وَعند خير عباده سبا إِذْ لم يَقع مني مَا صدر من الْبشر السَّابِق لمن وصل إِلَيّ من الحضرة الإمامية من إخْوَانكُمْ الشرفاء ثمَّ جوابي لكم فِي كتابكُمْ الَّذِي ابْتَدَأَ بِهِ الْمولى إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 رِعَايَة لحق رَسُول الله إِذا كُنْتُم وَأُولَئِكَ الْجَمَاعَة من أهل بَيته وَمِمَّنْ ينْسب إِلَى ذُريَّته ثمَّ صِيَانة لعرض مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ومحبة فِي أَن يكون من فِي حَضرته الْكَرِيمَة من الْمُكرمين كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ الْمُؤمن ألف مألوف وَكنت اظنكم رعاكم الله وَأُولَئِكَ الْجَمَاعَة مِمَّن لَهُ فِي خوف الله نصيب وَمِمَّنْ أقلع عَمَّا يُوجب الْبعد من الْقَرِيب الْمُجيب وَمِمَّنْ دَعْوَاهُ صَادِقَة أَنه لَا يُرِيد إِلَّا الله وَلَا يسْعَى إِلَّا فِي طَاعَته وتقواه فخدعتموني تالله فانخدعت وَلَو أخذت بالحزم الَّذِي هُوَ سوء الظَّن لما أبعدت فحملتم تِلْكَ الْحَالة مني على مَا زهدني وَالله وغيري من الْمُؤمنِينَ فِيكُم ونبهني على الحذر والريب فِي كل مَا يصدر من قَول أَو فعل عَنْكُم إِذْ أحللتموني محلا لست من أَهله وكتبتم إِلَيّ بتصدير هديتكم الْمَرْدُودَة إِلَيْك غير مشكورة وَلَا محموده وَلم تَرَهَا وَالْحَمْد لله عَيْني وَلَا لمستها والْمنَّة لله يَدي إِذْ أردتم خديعتي عَن ديني والتوصل بهَا إِلَى مَا تُرِيدُونَ من إغراض الْأَهْوَاء فِي هلكتي فَأَكُون كَمَا قيل (بت كَأَنِّي ذبالة نصبت ... تضيء للنَّاس وَهِي تحترق) ومعاذ الله أَن أكون مِمَّن يَبِيع دينه بِكُل الدُّنْيَا فضلا عَن عرض مِنْهَا هُوَ أقل وادنى أَو أَن يحبط أَعماله ويبطلها بإماطة الأوساخ عَن النَّاس لقد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين وَكَيف إِن بَقِي شَيْء من الْمَعْقُول آمُر النَّاس بِالْبرِّ وأنسى نَفسِي وأتصدر الإِمَام الْحق فِي إنْشَاء مواعظ يخْطب بهَا على المنابر لنصيحه الْخلق وأخونها وَهِي أعز الْأَنْفس عِنْدِي على أَنِّي والْمنَّة لله عَليّ من فضل رَبِّي وَفضل إمامي فِي خير وَاسع ورزق جَامع وأمل فِي كل بَلَاغ راتع ثمَّ إِنَّه لَا يسْلك أحد طَريقَة إِلَّا وَله فِيهَا سلف يقْتَدى بهم بعد رَسُول الله فأولهم أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يَقُول فِي خطبَته وَالله لِأَن أَبيت على حسك السعدان مسهداً أَو أجر فِي الأغلال مصفداً أحب إِلَيّ من أَن ألْقى الله تَعَالَى وَرَسُوله يَوْم الْقِيَامَة ظَالِما لبَعض الْعباد أَو غَاصبا لشَيْء من الحطام وَكَيف أظلم أحدا وَالنَّفس يسْرع إِلَى البلى قفولها وَيطول فِي الثرى حلولها وَالله لقد رَأَيْت أخي عقيلا وَقد أملق حَتَّى استماحنى من بركم صَاعا وَرَأَيْت صبيانه شعث الألوان من فَقرهمْ كَأَنَّمَا اسودّت وُجُوههم بالعظلم وعاودني مؤكداً وكرّ عَليّ القَوْل مردداً فأصغيت إِلَيْهِ سَمْعِي فَظن أَنِّي أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً يقيني فأحميت لَهُ حَدِيدَة ثمَّ أدنيتها من جِسْمه ليعتبر بهَا فَضَجَّ ضجيج ذِي دنف من ألمها وَكَاد أَن يَحْتَرِق من مَسهَا فَقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 لَهُ ثكلتك الثواكل يَا عقيل أتئن من حَدِيدَة أحماها إنسانها للعبه وتجرّني إِلَى نَار أضرمها جبارها لغضبه أتئن من الْأَذَى وَلَا أَخَاف من لظى وأعجب من هَذَا طَارق يطرقنا بملفوفة فِي وعائها ومعجونة كَمَا عجنت بريق حَيَّة أرياقها فَقلت أصلة أم زَكَاة وَصدقَة فَذَلِك محرم علينا أهل الْبَيْت قَالَ لَا ذَا وَلَا ذَاك وَلكنهَا هَدِيَّة فَقلت هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتتخدعني أمخبط أَنْت أم ذُو جنَّة أما وَالله لَو أَعْطَيْت الأقاليم السَّبْعَة بِمَا تَحت أفلاكها على أَن أعصي الله فِي نملة أسلبها خلب شعيرَة مَا فعلتها وَإِن دنياكم هَذِه لأهون عِنْد الله من ورقة فِي فَم جَرَادَة مَا لعليّ ونعيم يفنى وَلَذَّة لَا تبقى نَعُوذ بِاللَّه من سيئات الْعَمَل وقبح الزلل وَبِه نستعين وَأقرب أئمتي إِلَيْهِ إِمَام عصري بعد وَالِده أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِم وهما جَمِيعًا مِمَّن علم الْخَاص وَالْعَام سلوكهما تِلْكَ الطَّرِيق وتمسكهما بذلك الْحَبل على التَّحْقِيق ورفضهما الدُّنْيَا بعد ملك الْمشرق وَالْمغْرب ورضاهما مِنْهَا بأدناها مَعَ نُفُوذ أَمرهمَا فِي الْعَرَب والعجم والبعد والقرب (وَالشَّمْس إِن تخفى على ذِي مقلة ... نصف النَّهَار فَذَاك تَحْقِيق الْعَمى) وَأما آبَائِي الَّذين أنتسب إِلَيْهِم فأدناهم أبي الَّذِي ولدني كَانَ وَالله كَمَا ورد فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ يغْضب لمحارم الله كَمَا يغْضب الْجمل إِذا هيج لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وكما قيل (الْقَائِل الصدْق حَتَّى مَا يضرّ بِهِ ... وَالْوَاحد الْحَالَتَيْنِ السرّ والعلن) ثمَّ أَخُوهُ عمي الَّذِي أدّبني كَانَ كَمَا قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه فِي صفة الْمُؤمن الْمُؤمن بشره فِي وَجهه وحزمه فِي قلبه أوسع شَيْء صَدرا وأذل شَيْء نفسا يكره الرّفْعَة ويشنأ السمعة طَوِيل غمه بعيد همه كثير صمته مَشْغُول وقته شكور صبور مغمور بفكرته ضنين بخلته سهل الخليقة لين العريكة نَفسه أصلد من الصلد وَهُوَ أذلّ من العَبْد ثمَّ أَبوهُمَا جدي الْمُسَمّى سلمَان أهل الْبَيْت الَّذِي لَا نعلم أَن إِمَامًا من الْأَئِمَّة مدح غَيره بذلك فَقَالَ الإِمَام شرف الدّين لوالده شمس الدّين بن أَمِير الْمُؤمنِينَ (جَاءَكُم سلمَان بَيْتِي ... فاعرفن يَا شمس حَقه) (ولرجواه فحقق ... وببشر فتلقه) وَأَنا بِحَمْد الله لم أعرف غير سبيلهم وَلَا ربيت إِلَّا فِي جحورهم وَإِنِّي وَالنَّاس لَكمَا قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله تَعَالَى (يَقُولُونَ لي فِيك انقباض وَإِنَّمَا (رَأَوْا رجلا عَن موقف الذل أحجما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (أرى النَّاس من داناهم هان عِنْدهم ... وَمن أكرمته عزة النَّفس أكرما) (وَلم أقض حق الْعلم إِن كنت كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما) (وَمَا كل برق لَاحَ لي يستفزني ... وَلَا كل من فِي الأَرْض أَلْقَاهُ منعما) (إِذا قيل هَذَا مشرب قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحْتَمل الظما) (وَلم أبتذل فِي خدمَة الْعلم مهجتي ... لَا خدم من لاقيت لَكِن لَا حد مَا) (أأشقى بِهِ غرساً وأجنيه ذلة ... إِذا فاتباع الْجَهْل كَانَ قد أسلما) (وَلَو أَن أهل الْعلم صانوه صانهم ... وَلَو عظموه فِي النُّفُوس لعظما) (وَلَكِن أهانوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حَتَّى تهجما) اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُول ذَلِك افتخاراً لي وَلَا تَزْكِيَة لنَفْسي بل لما يَنْبَغِي من تجنب مَوَاقِف التهم معترف بِأَنِّي أَحْقَر من أَن أذكر وأهون من قلامة الظفر وَلَكِن مظلوم رفعت ظلامتي إِلَيْك كَمَا قَالَ زين العابدين رَضِي الله عَنهُ يَا من لَا يخفى عَلَيْهِ أنباء المتظلمة وَيَا من لَا يحْتَاج فِي قصصهم إِلَى شَهَادَة الشَّاهِدين وَيَا من قربت نصرته من المظلومين وَيَا من بعد عونه عَن الظَّالِمين قد علمت يَا إلهي مَا نالني من فلَان إِلَى آخر مَا ذكره فِي دُعَائِهِ وحسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم هَذَا وَلَوْلَا تحرج أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ فِي إِعَادَة الْجَواب لما توجه مني بعد ذَلِك خطاب وَهَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى بيني وَبَيْنكُم آخر كتاب وَالسَّلَام الشَّيْخ أَحْمد بن سلميان القادري الدِّمَشْقِي الشَّيْخ الْعَارِف المعتقد الْمُتَّفق على ورعه وديانته كَانَ من أكبر مَشَايِخ الشَّام فِي عصره لَهُ الْخلق الْحسن والشيم الزكية والكرامات الباهرة ورزق الحظوة التَّامَّة فِي اعْتِقَاد النَّاس عَلَيْهِ بِحَيْثُ لم يخْتَلف فِي شَأْنه اثْنَان وَكَانَ لَهُ فِي التصوف حَال باهر وكلمات رائقة نَشأ على مجاهدات وعبادات وَأخذ الحَدِيث عَن الْبَدْر الْغَزِّي وَجلسَ على سجادة أَبِيه من بعده فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ فِي مبدأ أمره سَاكِنا فِي محلّة الشلاحة بِدِمَشْق ثمَّ انْتقل إِلَى مدرسة الْأَمِير سيف الدّين قلج الأسفلار الْمَعْرُوفَة بالقلجية وعزل التُّرَاب الَّذِي كَانَ فِيهَا من بقايا الخراب فِي فتْنَة تيمور وعمرها وَأَنْشَأَ سَبِيلا بجوار تربَتهَا وَكَانَ ذَلِك فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقَالَ مامية الرُّومِي مؤرخاً بِنَاء السَّبِيل (هَذَا السَّبِيل الأحمدي ... لله لفيه خفا) (وَقد أَتَى تَارِيخه ... اشرب هنيا بل شفا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَبَعْدَمَا أتم الْعِمَارَة قطن بِالْمَدْرَسَةِ وأسكن فِي حُجْرَتهَا عدَّة من الْفُقَرَاء وَكَانَ يُقيم حَلقَة الذّكر فِي الْجَامِع الْأمَوِي يَوْم الْجُمُعَة عقب الصَّلَاة عِنْد بَاب الخطابة وبالمدرسة الْمَذْكُورَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ بعد الْعَصْر وَكَانَ يتعاطى الْإِصْلَاح بَين النَّاس وَعظم صيته وارتفع قدره حَتَّى صَارَت الْحُكَّام والأمراء يقصدونه للزيارة ويتبركون بدعواته وَكَانَ لطيف المحاورة طريف المعاشرة يستحضر أَخْبَار السّلف ويوردها أحسن مورد وَكَانَ يكرم المترددين إِلَيْهِ ويضيفهم وَيقبل عَلَيْهِم وَكَانَ يكاشف الْغَالِب مِنْهُم بأنواع المكاشفات قَرَأت بِخَط الأديب عبد الْكَرِيم الطَّبَرَانِيّ فِي بعض مجاميعه أَنه وَقع لصَاحب التَّرْجَمَة مكاشفة مَعَ بعض الروميين وَكَانَ من جمَاعَة خسرو باشا كافل المملكة الشامية وَقد ذهب لزيارته فَقَالَ لَهُ الْيَوْم يحصل لَك حَادِثَة فاحذرها وَلَا تخرج من مَكَانك حَتَّى يمْضِي الْيَوْم فَلم يبال بِمَا قَالَه وَخرج من غير مشورة لجِهَة الْكسْوَة لأمر أوجب ذَلِك فاتفق لَهُ أَن سَاق جَوَاده وَلَا زَالَ يَسُوقهُ حَتَّى رَمَاه على صخور وحجارة صلدة فهشم وَبَقِي طريحاً على الأَرْض لَا يفِيق وَلَا يعي ثمَّ حمل إِلَى منزلَة وَاسْتمرّ يعالج نَفسه إِلَى أَن عوفي وَأشهر مَا يُؤثر عَنهُ لردّ الضَّالة اللَّهُمَّ يَا معطي من غير طلب وَيَا رازقاً من غير سَبَب رد عَليّ مَا ذهب وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من الْولَايَة فِي رُتْبَة عالية وَهُوَ فَوق مَا وَصفته فِي كل منقبة سامية وَكَانَت وِلَادَته فِي بضع وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي يَوْم الْأَحَد لثلاث بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة خمس بعد الْألف وَصلى عَلَيْهِ بعد الْعَصْر بالجامع الْأمَوِي وَدفن فِي مدفن الْأَمِير سيف الدّين بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة رَحمَه الله تَعَالَى الْمولى أَحْمد بن سُلَيْمَان الرُّومِي الْمَعْرُوف بالإياشي قَاضِي الْقُضَاة بحلب ثمَّ بِالشَّام ولي الشَّام فِي سنة سبع بعد الْألف وَكَانَ فِي ابْتِدَاء قَضَائِهِ معتدلاً وسلك مَسْلَك الْإِنْصَاف ومدحه شعراء دمشق بالقصائد البديعة وَمِنْهُم أَبُو الْمَعَالِي درويس مُحَمَّد الطالوي فَإِنَّهُ كَاتب إِلَيْهِ قصيدة شينية استحسنها أدباء وقته مَعَ صوبة رويها ومطلعها (كَيفَ أخْشَى فِي الشَّام أَمر معاشي ... وملاذي بهَا جناب الإياشي) (أفضل الْقَوْم من سما للمعالي ... فاعتلاها طفْلا وكهلاً وناشي) (فَهُوَ بدر الْعُلُوم صدر الموَالِي ... من سماهم فضلا وَلست أحاشي) (سَاق عدلا بِالشَّام حَتَّى شَهِدنَا ... مشي ذِئْب الفلاة بَين الْمَوَاشِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ثمَّ تَغَيَّرت أَحْوَاله وفسدت أطواله واشتهرت فِي أَيَّامه الرِّشْوَة وأبطل كثيرا من الْحُقُوق حَتَّى ضجر مِنْهُ أهل دمشق وأعياهم الْجهد وَقَامَت عوامها على سَاق فرجموه عِنْد خَنْدَق القلعة بَين سوق الأروام والعمارة الأحمدية وأفحشوا فِي رجمه وَكَانَ رجمه يَوْم دُخُول السَّيِّد مُحَمَّد باشا الْوَزير إِلَى دمشق حَاكما بهَا وَقد كَانَ طلع لاستقباله فَكَانَ النَّاس يشيرون إِلَى الْوَزير بالشكاية عَلَيْهِ فِي وَجهه يتظلمون وَهُوَ سَاكِت وَلم يزل النَّاس ممسكين أَيْديهم عَن الرَّجْم إِلَى أَن دخل الْوَزير الْمَذْكُور إِلَى دَار الْإِمَارَة ففارقه القَاضِي فَاسْتَقْبلهُ النَّاس عِنْد انْصِرَافه يصيحون فِي وَجهه ويقابلونه بِكَلِمَات لَا تلِيق وأعقبوا ذَلِك بِالرَّجمِ حَتَّى فرّ مِنْهُم هَارِبا وأدركه مَعَ ذَلِك مَا أدْركهُ من الْأَحْجَار وهجاه بعد ذَلِك أَبُو الْمَعَالِي الْمَذْكُور بقصيدة طَوِيلَة سَمَّاهَا رفع الغواشي عَن ظلم الإياشي وَقسمهَا فصولاً وَجعل كل فصل فِي حَال من أَحْوَاله وابتدأها ببيتين من شعر أبي الْفَتْح الْمَالِكِي مفتي الْمَالِكِيَّة بِالشَّام وهما قَوْله (الشَّام تبْكي بدموع غزار ... بكاء ثَكْلَى مَا لَهَا من قَرَار) (بكاء مظلوم لَهُ نَاصِر ... لَكِن بعيد الدَّار والخصم جَار) ثمَّ ذكر فصولها فَمن ذَلِك قَوْله مُشِيرا إِلَى ظلمه مَعَ وَكيله لرجل بِدِمَشْق يُقَال لَهُ عقيص مَاتَ خلف ثَلَاثَة آلَاف قِرْش وَأخذ مِنْهَا ألفا فَقَالَ (كَيفَ اسْتحلَّ ألف قِرْش لنا ... وَجُمْلَة المَال ثَلَاث كبار) (وَجُمْلَة الْأَوْقَاف فِي عَهده ... تبَاع فِي الدَّلال بيع الْخِيَار) (ويدعى الرقة فِي طبعه ... مثل المخاديم الموَالِي الْكِبَار) ثمَّ عزل عَن قَضَاء الشَّام بعيد رجمه بِقَلِيل وَاتفقَ عَزله يَوْم عيد النَّحْر من سنة ثَمَان بعد الْألف فَقيل فِي تَارِيخ عَزله (رجم الإياشي فِي دمشق وجاءه ... عزل وَكَانَ الْعِيد عيداً أكبرا) (وسئلت عَن تَارِيخه فأجبتهم ... بِالْعَزْلِ شَيْطَان رجيم دمرا) وَكَانَت وَفَاته فِي سنة عشر بعد الْألف والإياشي بِفَتْح الْهمزَة بعْدهَا يَاء مثناة ثمَّ ألف فشين مُعْجمَة نِسْبَة إِلَى إياش بليدَة يصنع بهَا الصُّوف من نواحي أنقرة بِبِلَاد قرمان وَالله أعلم أَحْمد بن سِنَان الْمَعْرُوف بالقرماني الدِّمَشْقِي صَاحب التَّارِيخ الْمَشْهُور وَأحد الْكتاب الْمَشْهُورين كَانَ كَاتبا منشئاً حسن الْعبارَة قدم أَبوهُ سِنَان إِلَى دمشق وَولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 نظارة البيمارستان ونظارة الْجَامِع الْأمَوِي وانتقد عَلَيْهِ أَنه بَاعَ بسط الْجَامِع الْأمَوِي وحصره وَأَنه خرب مدرسة الْمَالِكِيَّة بِالْقربِ من البيمارستان النوري وتعرف بالصمصامية وَحصل بِهِ الضَّرَر بمدرسة النورية ببعلبك فَقتل بِسَبَب هَذِه الْأُمُور هُوَ وناظر السليمية حُسَيْن فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر شَوَّال سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة خنقاً مَعًا بدار السَّعَادَة بشاشيهما وعمامتاهما على رأسيهما ثمَّ نَشأ أَحْمد صَاحب التَّرْجَمَة بعد أَبِيه وَصَارَ كَاتب وقف الْحَرَمَيْنِ ثمَّ ناظره وَكَانَ حسن المحاضرة وَله مُخَالطَة مَعَ الْحُكَّام خُصُوصا قُضَاة الْقُضَاة وَعمر بَيْتا وحديقة بمحلة الجسر الْأَبْيَض من الصالحية وَكَانَ لَهُ حشمة وإنصاف فِي كثير من الْأُمُور وَجمع تَارِيخه الشَّائِع وَتعرض فِيهِ لكثير من الموَالِي والأمراء الْمُتَأَخِّرين وَسَماهُ أَخْبَار الدول وآثار الأول وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشري شَوَّال سنة تسع عشرَة بعد الْألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى الأديب أَحْمد بن شاهين الفرسي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الأديب اللّغَوِيّ الشَّاعِر المنشىء الْمَشْهُور أصل وَالِده من جَزِيرَة قبرس بِالسِّين الْمُهْملَة لَا بالصَّاد كَمَا يغلط فِيهِ الْعَوام جَزِيرَة بالبحر الشَّامي وَهُوَ من الْفَيْء الَّذِي أفاءه الله على الْإِسْلَام حِين فتحهَا فَاشْتَرَاهُ بعض الْأُمَرَاء وتبناه وَجعله من أجناد دمشق وَمكث بعد الْأَمِير يزْدَاد فِي الرّفْعَة حَتَّى صَار أحد الْأَعْيَان الْمشَار إِلَيْهِم بالتقدم وَولد لَهُ أَحْمد هَذَا وَنَشَأ وانتظم فِي سلك الْجند وَلما وَقعت الْفِتْنَة بَين عَليّ بن جانبولا ذُو العساكر الشامية وانْتهى الْأَمر إِلَى انهزام الْعَسْكَر الشَّامي وَقتل مِنْهُم من قتل وَأسر من أسر كَانَ الشاهيني من جملَة من أسر فِي تِلْكَ الْوَقْعَة وَلما أطلق من ربقة الْأسر اعتاض عَن الوشيج والحسام بالقراطيس والأقلام كَمَا قَالَ (صبوت إِلَى حب الْفَضَائِل بَعْدَمَا ... تقلدت خطيا وصلت بلهذم) (وَصَارَ مدادي من سَواد محاجري ... وَقد كَانَ محمراً يسيل كعندم) (ومارست من بعد الْقَنَاة يراعة ... كأبيض مصقول الْعَوَارِض لهذم) وَلزِمَ الْحسن البوريني وَعمر الْقَارِي وَعبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ وَقَرَأَ عَلَيْهِم من أَنْوَاع الْعُلُوم وتأدب بِأبي الطّيب الْغَزِّي وَعبد اللَّطِيف بن المنقار حَتَّى برع وَصَارَ أحد الْفُضَلَاء وَعين الْأَعْيَان وَكَانَ مليح الْعبارَة فِي الْإِنْشَاء جيد الفكرة حُلْو الترصيع لطيف الْإِشَارَة جواداً ممدّحاً منشياً بليغاً حسن التَّصَرُّف فِي النّظم والنثر وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الْغَالِب عَلَيْهِ فِي إنشائه الْعِنَايَة بالمعاني أَكثر من طلب التسجيع وَله رسائل بليغة وآثار شائعة وَاخْتصرَ حِصَّة من الْقَامُوس وَزَاد من عِنْده أَشْيَاء حَسَنَة الْموقع وسلك طَرِيق عُلَمَاء الرّوم فلازم الْمُفْتِي الْأَعْظَم صنع الله بن جَعْفَر وناب فِي الْقَضَاء بِدِمَشْق وَتَوَلَّى قَضَاء الركب الشَّامي فِي سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَلَقي شرِيف مَكَّة حِينَئِذٍ الشريف إِدْرِيس بن الْحسن ومدحه بقصيدة مطْلعهَا (أَي ربع صبري عَاد فِيك دريسا ... وهواي أَمْسَى فِي حماك حَبِيسًا) ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الجقمقية بالفرغ من المنلا بُسْتَان الرُّومِي نزيل دمشق وَأعْطى تدريس الدَّاخِل ونبل قدره وطار صيته ومدحه شعراء عصره بالقصائد السائرة وَرَأَيْت لبَعض الْفُضَلَاء كتابا ضخماً أَلفه باسمه وَسَماهُ الرياض الأنيقة فِي الْأَشْعَار الرقيقة افتتحه بقصيدة رائية فِي مدحه أَولهَا (رنا فَرَمَانِي بِسَهْم النّظر ... وسل من الجفن سيف الْحور) (فأدمى فُؤَادِي وَلَا مُنكر ... وأضحى يسائلني مَا الْخَبَر) (وَمن عجب عَارِف بِالَّذِي ... عراني وَيسْأل عَمَّا ظهر) وَلما قدم حَافظ الْمغرب أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْمقري إِلَى دمشق أنزلهُ فِي الْمدرسَة الجقمقية واعتنى بِهِ اعتناء زَائِدا وَصدر بَينهمَا محاورات جميلَة ومراسلات جليلة فَمن ذَلِك مَا كتبه الشاهيني فِي تهنئة بعام جَدِيد (عَام جَدِيد وجدّ مقبل وَنهى ... فياضة وفهوم بتن كالشهب) (فَهَل يرى الْبَدْر بدر الغرب فِي شَرق ... بِأَن يرى النَّجْم نجم الشرق فِي الْأَدَب) (وَالْيَوْم مَا زَالَ سياراور بتما ... يحل منزلَة تنحط فِي الرتب) وَأرْسل إِلَيْهِ بهدية وَخمسين قرشا وَكتب إِلَيْهِ معتذراً وأجاد إِلَى الْغَايَة (لَو كَانَ لي أَمر الشَّبَاب خلعته ... بردا على عطفيك ذَا أردان) (لَكِن تعذر بعث أوّل غايتي ... فَبعثت نَحْوك غَايَة الْإِمْكَان) وَالْبَيْت الأول مَأْخُوذ من قَول الشريف الرضي (وَلَو أَن لي يَوْمًا على الدَّهْر أمره ... وَكَانَ لي الْعَدْوى على الْحدثَان) (خلعت على عطفيك برد شبيبتي ... جوداً بعمري واقتبال زماني) فَرَاجعه الْمقري بقوله (يَا وَاحِد الْعَصْر الَّذِي بمديحه ... سَارَتْ ركاب الْمجد فِي الْبلدَانِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 (أوليتني مَالا أقوم بشكره ... مَالِي بشكر المنعمين يدان) (ونظمت أشتات الْكَمَال جواهراً ... أضحت تفوق قلائد العقيان) (فَالله يبْقى من جنابك سَيِّدي ... عين الزَّمَان ومفخر الْأَعْيَان) وَسَيَأْتِي لمراجعتهما طرف فِي تَرْجَمَة الْمقري إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ الشاهيني على طَريقَة ابْن بسام ويقفو أَثَره فِي عَبث اللِّسَان وشكوى الدَّهْر وهجاء أَبنَاء عصره وَكَانَ ابْن بسام هجا أَبَاهُ فَضرب الشاهيني على قالبه ونسج على منواله حَيْثُ قَالَ فِي أَبِيه (أَقُول لركب من معِين وهم على ... جنَاح رحيل دَائِم الخفقان) (أما إِنَّه لَوْلَا فِرَاق بكورنا ... يثبن إِلَى ردّي بجذب عناني) (وَلَوْلَا أبي شاهين قصّ قوادمي ... لَكَانَ جناحي وافر الطيران) وَقَالَ (لما رَأَيْت الْعَيْش من ثَمَر الصِّبَا ... وَعلمت أَن الْعَفو حَظّ الْجَانِي) (أدْركْت مَا لَا سوّلته شبيبتي ... وَفعلت مَا لَا ظنّه شيطاني) وَلما مَاتَ وَالِده فِي سنة أَرْبَعِينَ وَألف حزن لفقده وانعزل عَن النَّاس مُدَّة وَكَانَ كثيرا مَا ينشد لنَفسِهِ وَهُوَ معتزل (لَيْسَ فِي دَارنَا الَّتِي نَحن فِيهَا ... من جَمِيع الْأَوْصَاف وَالْأَحْوَال) (حَالَة تشبه الْجنان سوى مَا ... قد عَرفْنَاهُ من فرَاغ البال) وَقَالَ يشكو من بَيته (سئمت وَالله من الْبَيْت ... ليتي أرَاهُ فَارغًا ليتي) (فِي كل يَوْم ألف تصديعة ... آخرهَا قَارُورَة الزَّيْت) وَكَانَ مَعَ وفور أدبه قَلِيل الْحَظ من دُنْيَاهُ لَا يزَال ضيق الْحَال شاكياً من دهره وَله فِي هَذَا الْبَاب ملح وتحف فَمن ذَلِك قَوْله (وقائلة مَا بَال جدّك عاثراً ... وَأَنت مقيل عَثْرَة الكرماء) (فَقلت ذَرِينِي لَا أبالك لَيْسَ ذَا ... عثار جدودي بل عثار ذكائي) وَقَوله من قصيدة كتبهَا وأرسلها إِلَى شَيْخه الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي يستدعيه إِلَى الْقصر الَّذِي بناه بقرية كفر بَطنا ومطلعها (كَفاك اغتراباً أَن تحل البواديا ... ) يَقُول فِيهَا (وَلَو كنت مِمَّن خيرته جدوده ... تخيرت أَن أغدو لغمدان واليا) (وَلَو ظَفرت نَفسِي بمبلغ حَقّهَا ... سموت فنظمت النُّجُوم مراقيا) (وَمَا رضيت نَفسِي سوى الْبَدْر صاحباً ... وَلَا اتَّخذت إِلَّا عُطَارِد تاليا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 (وَلَا استوطنت إِلَّا المجرة رَوْضَة ... ونهراً إِذا رامت هُنَاكَ التلافيا) (وَلَو أَن حظي رَاح يصحب همتي ... لبت على أيوان كيوان ساميا) (غضِبت لدهري حِين غَيْرِي سما بِهِ ... وَزَاد لَهُ لما كرهت التساويا) (زماني كحظي ثمَّ حظي كدهره ... فَمَا أَنا عَن دهري وَلَا عَنهُ رَاضِيا) وَهِي قصيدة طَوِيلَة تحتوي على حماسة عَجِيبَة فِي بَابهَا وغمدان فِي قَوْله تخيرت أَن أغدو لغمدان كعثمان قصر بِالْيمن بناه يشْرَح بأَرْبعَة وُجُوه أَحْمَر وأبيض وأصفر وأخضر وَبنى دَاخله قصراً بسبعة سقوف بَين كل سقف وسقف أَرْبَعُونَ ذارعا كَذَا قَالَه فِي الْقَامُوس وَقَالَ بعض شرَّاح الْمَقْصُورَة الدريدية غمدان بِنَاء بصنعا لم يدْرك مثله هَدمه عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِسْلَام وَله رسوم بَاقِيَة إِلَى الْآن وَالَّذِي بناه هُوَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَفِيه يَقُول الشَّاعِر (فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التَّاج مرتفعا ... فِي رَأس غمدان دَار مِنْك محلالا) وَمن عَجِيب خبر الشاهيني أَنه امتحن باصطناع الكيميا وَصرف عَلَيْهَا أَمْوَالًا جمة وَلم ينل مِنْهَا طائلاً وَلما تحقق استحالتها فِي ذَلِك قَالَ (لعمري لقد جربت كل مجرب ... من النَّاس أضحى يَدعِي الْعلم بِالْحجرِ) (فَإِن قَالَ إِنِّي وَاصل قلت كَاذِب ... غَدا واصلاً فِي الْكَذِب للشمس وَالْقَمَر) وَكَانَ كثيرا مَا يتَمَثَّل بِهَذِهِ الأبيات من جملَة قصيدة للطغرائي فِي هَذَا الْفَنّ وَهِي (يَا طَالب الْعلم عَلَيْهِ يَدُور ... فِي كنب الرَّازِيّ وَشرح الشذور) (وَجَابِر مَعَ نجل وحشية ... وخَالِد الأول ذَاك الحذور) (إِذا هُوَ السهل الْقَرِيب الَّذِي ... أمات بالحسرة أهل الْقُبُور) كتب الرَّازِيّ فِي هَذَا الْفَنّ كَثِيرَة أشهرها سر الْأَسْرَار وَشرح الشذور الَّذِي عناه هُوَ شرح الْجلد كي لِأَنَّهُ أشهر شروحه وَأما مَتنه فَهُوَ لسيدي عَليّ بن مُوسَى بن ارْفَعْ رَأس المغربي وَجَابِر هُوَ ابْن حَيَّان الصُّوفِي عبد الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ وَفِيه يَقُول صَاحب الشذور (حِكْمَة أورثناها جَابر ... عَن إِمَام صَادِق القَوْل حفى) (يُوصي طَابَ من تربته ... فَهُوَ كالمسك تُرَاب نجفى) وَابْن وحشية أستاذ كَبِير فِي هَذَا الْفَنّ وخَالِد بن يزِيد كَانَ معاصر الجابر وَهُوَ أول من عرب الْكتب الْحكمِيَّة إِلَى لُغَة الْعَرَب وَله الدِّيوَان الْمَشْهُور بالفردوس وَكَون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 هَذَا الْفَنّ يُوجب التحسر مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَى تفكر وَمَا أحسن قَول مُحَمَّد بن عبد السَّلَام (قد نكس الرَّأْس أهل الكيميا خجلاً ... وقطروا أدمعاً من بعد مَا سهروا) (إِن طالعوا كتبا للدرس بَينهم ... صَارُوا ملوكاً إِن هم جربوا افتقروا) (تعلقوا بحبال الشَّمْس من طمع ... وَكم فَتى مِنْهُم قد غره الْقَمَر) وللشهاب الخفاجي (مولَايَ مثل الكيمياء وَلَيْسَ من ... أكسيره نفع لكسرى جَابر) (فَإِذا تصورناه فَهُوَ لنا غنى ... وَإِذا نجر بِهِ ففقر حَاضر) والأكسير شَيْء يوضع قَلِيله على النّحاس فَيصير ذَهَبا وعَلى الرصاص فَيصير فضَّة وَقد اشْتهر فِي الكيميا وَقَالَ ابْن عَرَبِيّ بِحِصَّتِهِ وَكَذَا الشَّيْخ الْبونِي وَكثير من الْعلمَاء وَمن حوز تعاطيه شَرط أَن لَا تنْقَلب عَنهُ عَن مَعْدن النَّقْدَيْنِ بعد ذَلِك وَأنْكرهُ أَبُو حَيَّان والحافظ السُّيُوطِيّ وَالتَّحْقِيق أَن تعاطيه من غير علم يقيني عَبث وضلال وَفَسَاد وَعَن مشَاهد من أستاذ عَارِف واختبار لمعدنه بِحَيْثُ يبْقى ذَهَبا أَو فضَّة لم يتَغَيَّر وَإِذا عرض على أَرْبَاب الْخِبْرَة أَجمعُوا على أَن معدنه صَحِيح جَائِز وَنقل ابْن شَاكر عَن الْعَلامَة عبد الرَّحِيم على الشير بِابْن برهَان وَكَانَ رحْلَة فِي عُلُوم شَتَّى وَكَانَ عُرْيَان الرَّأْس أَنه قَالَ لَو كَانَ علم الكيميا حَقًا لما احتجنا إِلَى الْخراج وَلَو كَانَ علم الطلاسم حَقًا لما احتجنا إِلَى الجنذ وَلَو كَانَ علم النُّجُوم حَقًا لما احتجنا إِلَى الرُّسُل والبريد وَقد خرجنَا عَمَّا يَعْنِي إِلَى ضِدّه فلنرجع لما نَحن بصدده فَنَقُول أَن لِابْنِ شاهين قصدا غررا وَمن أحْسنهَا ديباجة قصيدته الَّتِي كتب بهَا إِلَى شيخ الْإِسْلَام يحيى بن زَكَرِيَّا يمدحه بهَا وَيطْلب مِنْهُ قَضَاء الْحَج وَقد تقدم طرف من خَبَرهَا فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن زين الدّين المنطقي ومطلعها قَوْله (لَا يسلني عَن الزَّمَان سؤول ... إِن عتبي على الزَّمَان يطول) (طَال عتبي كطول عمر تجنيه ... فعتبي بِذَنبِهِ مَوْصُول) (أنست بِي خطوبه فَلَو اغتال ... سوائي لعزني التبديل) وَهَذَا ينظر إِلَى قَول الشريف البياضي (ألفت الضنى لما تطاول مكثه ... فَلَو زَالَ عَن جسمي بكته الْجَوَارِح) وَقَول أبي الطّيب المتنبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 (حَلَفت ألوفاً لَو رجعت إِلَى الصبى ... لفارقت شيبي مرجع الْقلب باكيا) رَجَعَ (وأحاطت سهامه بِي حَتَّى ... سد طرق المسام مني النصول) رَجَعَ أَخذه من قَول المتنبي (فصرت إِذا أصابتني سِهَام ... تَكَسَّرَتْ النصال على النصال) (أَبْتَغِي صفوة الْحَيَاة ضلالا ... وَسَوَاد اللَّيْل لَيْسَ يحول) رَجَعَ (أَنا يَا دهر لست إِلَّا قناة ... لم يشنها لدي الْمَكْر النحول) (إِن أكن فِي الحضيض أَصبَحت لي ... فِي ذرى الأوج كل حِين أجول) (فطريقي هُوَ المجرة فِي السّير ... وَعند السماك دأبي المقيل) (صنت نَفسِي ترفعاً عِنْد قدري ... فكثير الْأَنَام عِنْدِي قَلِيل) (فَإِذا قيل لي فلَان ترَاهُ ... ذَا جميل أَقُول صبري الْجَمِيل) (وفرت همتي عَليّ وعزمي ... مَاء وَجْهي فسيف عرضي صقيل) (قد عرفت الْأَيَّام قدماً فَلَمَّا ... أَن دهتني أَبَت وَعِنْدِي الدَّلِيل) أَخذه من قَول المتنبي (عرفت اللَّيَالِي قبل مَا صنعت بِنَا ... فَلَمَّا دهتني لم تزدني بهَا علما) (سلبتني بالغدر كل جميل ... غير فضلي ففاتها المأمول) رَجَعَ (إِن هَذَا الزَّمَان يحمل مني ... همة حملهَا عَلَيْهِ ثقيل) (يتَأَذَّى من كَون مثلي كَأَنِّي ... أَنا مِنْهُ فِي الصَّدْر دَاء دخيل) (فَكَأَنِّي إِذا انتضيت يراعاً ... بسنان على الزَّمَان أصُول) (وَكَأن المداد إِذا رقمته ... أنملي والدموع مني تسيل) (صبغة أثرت بحظي سواداً ... وأحالته وَهِي لَا تستحيل) (لَيْتَني لَو صبغت فودي مِنْهَا ... فارعوى الشيب واستحال الفضول) (لَا أرى أنني انْفَرَدت بِهَذَا ... كل أَيَّام دهر مثلي شكول) وَمن شعره (وأذكرني قدّ الْقَنَاة قوامه ... وهزني الشوق اهتزاز المهند) (وأزعجني حَتَّى ظَنَنْت وِسَادَتِي ... عليّ وَقد أمست كقطعة جلمد) (على أنني يَا شوق بِاللَّه عَائِد ... ومستشفع من فتنتي بِمُحَمد) وَقَوله فِي جبهة مَحْبُوب أثرت الشَّمْس فِيهَا (عجبت للشمس إِذْ حلت مُؤثرَة ... فِي جبهة لم أخلها قطّ للبشر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 (وَإِنَّمَا الْجَبْهَة الغراء منزلَة ... مُخْتَصَّة فِي ذرى الأفلاك بالقمر) (مَا كنت أَحسب أَن الشَّمْس تعشقه ... حَتَّى تبينت مِنْهَا حِدة النّظر) وَقَوله فِي مجدر (وقائلة وَالشَّمْس أَعنِي وَقد رَأَتْ ... قروحاً على خدّ يفوق على الْورْد) (أما تغتدي تهدي لحبك عوذة ... فَقلت وَهل تغني الرقى من أخي الوجد) (فَجَاءَتْهُ ولهى بالنجوم عمائماً ... فأدهشها حَتَّى نثرن على الخد) وَهُوَ معنى حسن تصرف فِيهِ وَأَصله قَول بَعضهم (كَأَنَّهُ غنى لشمس الضُّحَى ... فنقطته طَربا بالنجوم) وَمن قَوْله المستجاد (نصل الشَّبَاب وَمَا نصلت من الْهوى ... وبدا المشيب وفيّ فضل تصابي) (وغدوت أعترض الديار مُسلما ... يَوْمًا فَلم تسمح بردّ جوابي) (فَكَأَنَّهَا وكأنني فِي رسمها ... أعشى يحدّق فِي سطور كتاب) وَقَوله أَيْضا (قد كَانَ يُمكن أَن أكف يَد الْهوى ... عني وأعصي فِي الْبكاء جفوني) (لَكِن لي صبرا مَتى استنجدته ... ضحك الْهوى وبكت عليّ عيوني) وَقَوله فِي معذر (حفت رياض خدوده رَيْحَانَة ... فغدت لأزهار بهَا أكماما) (وتحوّطتها هَالة لعذاره ... فتوهموه للبدور غماما) وَقَوله فِيهِ أَيْضا (ومعذر كتب الْجمال بِوَجْهِهِ ... سطرين بَين مضرج ومدلج) (فكأنّ خديه ولون عذاره ... ورد تفتح فِي رياض بنفسج) وَسمع حِكْمَة من قَول بعض الْحُكَمَاء الْمُتَقَدِّمين وَهِي قَوْله الدُّنْيَا إِذا أَقبلت على الْمَرْء كسته محَاسِن غَيره وَإِذا أَدْبَرت عَنهُ سلبته محَاسِن نَفسه فنظمها فِي قَوْله (إِذا أَقبلت دنياك يَوْمًا على امرىء ... كسته وَلم يشْعر محَاسِن غَيره) (وَإِن أَدْبَرت تسلب محَاسِن وَجهه ... ويلقى شروراً فِي تضاعيف خَيره) وَله غير ذَلِك مِمَّا يطول شَرحه وَلَا تَنْتَهِي محاسنه فلنتقتصر مِنْهُ على هَذَا الْمِقْدَار وَأما نثره فكثير وَقد أوردت لَهُ كثيرا من منشآته فِي كتابي النفحة فَليرْجع إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَقد ذكره البديعي فِي ذكرى حبيب فَقَالَ فِي تَرْجَمته طَار صيت فَضله فِي الْبِلَاد وسرى كَلَامه مسرى الْأَرْوَاح فِي الأجساد وَمَا سفرت رقة النسيم إِلَّا عَن خلقه الْكَرِيم وَمن قَاس جود وَكَرمه بكعب وحاتم فقد ظلمه وَأما اللُّغَة فقد فصل مجملها وَفرق معضلها وانتقد جوهري نظره صِحَاح ألفاظها وَأظْهر بفائق فكره غلط حفاظها فالقاموس جدول كِتَابه والعباب سيف عبابه وَمن وقف فِي اللُّغَة على كِتَابه الفاخر علم مِنْهُ كم ترك الأول للْآخر كَمَا قَالَ هُوَ (لَا تقل للأوائل الْفضل كم من ... أوّل فَضله نبا عَن أخير) وَإِذا قرنت بَدَائِع نظمه ونثره بِكَلَام كل متقدّم من شعراء الشَّام إِلَى عصره كَانُوا المذانب وَهُوَ الْبَحْر وَالْكَوَاكِب وَهُوَ الْبَدْر هَذَا وكل إطناب فِي مدحه إيجاز وكل حَقِيقَة لَهُ من الْمَدْح فِي غير مجَاز ثمَّ ذكر ابْتِدَاء أمره كَمَا ذكرت وَأورد لَهُ شَيْئا كثيرا من شعره وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من نَوَادِر الْأَيَّام وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس وَكَانَ يَوْم مَوته ماطراً جدا فَقَالَ الْأَمِير المنجكي يرثيه (قلت لما قضى ابْن شاهين نحبا ... وَهُوَ مولى يُشِير كل إِلَيْهِ) (رحم الله سيداً وعزيزاً ... بَكت الأَرْض وَالسَّمَاء عَلَيْهِ) أَحْمد بن شمس الدّين الصفوري الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالبيضاوي نزيل الْمدرسَة الحجازية بِدِمَشْق الْفَاضِل الْعَالم المؤرخ ولد بقرية صفورية وَقدم إِلَى دمشق وَهُوَ فِي سنّ الكهولة وَقَرَأَ على الشَّيْخ مُحَمَّد الْحِجَازِي وَولده عبد الْحق وخدمهما مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ منعزلاً عَن النَّاس منكفاً عَن مخالطتهم رَأْسا وَله تلامذة يأْتونَ إِلَيْهِ ويقتبسون مِنْهُ وَله ملكة فِي الْعُلُوم واطلاع زَائِد على علم التَّارِيخ والوقائع وَكتب كتبا كَثِيرَة بِخَطِّهِ وضبطها بضبطه وَلم يتَزَوَّج فِي عمره قطّ وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس وَسبب مَوته أَنه كَانَ ممتحناً بغلامين أَحدهمَا من أَبنَاء غوطة دمشق وَالْآخر من أَبنَاء دمشق وَقد أقرأهما الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه وبرعا وَكَانَ الْغُلَام الأول لَهُ بعض أقَارِب فِي قريته فاتفق أَنهم زاروا قريبهم عِنْد صَاحب التَّرْجَمَة لَيْلَة دوران الْمحمل لأجل التفرج وَأَقَامُوا عِنْدهم إِلَى نصف اللَّيْل ثمَّ قَامُوا إِلَى الْبَيْضَاوِيّ والغلامين وهم نيام وقتلوهم وَأخذُوا جَمِيع مَا كَانَ فِي الْمَكَان من مَال وَكتب وَأَسْبَاب وقفلوا الْبَاب وَسَارُوا وَلم يشْعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 بهم أحد ثمَّ بعد ثَمَانِيَة من قَتلهمْ فاحت روائحهم بِالْمَدْرَسَةِ وَأعلم بذلك الْحُكَّام فكشف عَلَيْهِم وغسلوا ودفنوا وَلم يعلم قَاتلهم غير أَن حَاكم الْعَرَب مَحْمُود البلطجي متسلم مصطفى باشا السلاحدار الظَّالِم الْمَشْهُور أَخذ من الْمحلة وَمن غَالب قرى دمشق جريمة عَظِيمَة نَحْو ألفي قِرْش والقصة مَشْهُورَة وَالله أعلم الشَّيْخ أَحْمد الْهَادِي بن شهَاب الدّين بن السقاف باعلوي الْحُسَيْنِي قدس الله سره الْمَوْصُوف بالجلالة والفخامة الْعَالم الْعَامِل الْوَلِيّ كَانَ إِمَام الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول عَارِفًا بطرِيق الْقَوْم محتفلاً بكتبهم مقتفياً لآثارهم الحميدة مُلْتَزما لآدابهم مشتغلاً فِي غَالب أوقاته بأنواع الْعُلُوم من فقه وأصول وَحَدِيث وَتَفْسِير وآلات كنحو وَصرف وَكَانَ لَهُ درس خَاص فِي كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين لحجة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَكَانَت وَفَاته فجر يَوْم الثُّلَاثَاء من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن شيخ عبد الله بن شيخ العيدروس اليمني الْوَلِيّ القطب المكاشف ذكره الشلي فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة يضبطها بالجمل الْكَبِير عدد حُرُوف ولي الله شمس الشموس وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر عصره مِنْهُم السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن شهَاب وَالشَّيْخ الإِمَام أَحْمد بن علوي باجحدب وَالشَّيْخ أَحْمد بن حُسَيْن العيدروس ثمَّ رَحل إِلَى وَالِده بالديار الْهِنْدِيَّة وَأقَام عِنْده بِأَحْمَد أباد ولاحظته عناية أَبِيه ثمَّ سَافر إِلَى بندر عدن وَأخذ عَن الإِمَام الْعَارِف عمر ابْن عبد الله العيدروس وَغَيره ولازم أَبَاهُ فِي دروسه وَلما مَاتَ أَبوهُ انْتقل إِلَى بندر بروج وقصده النَّاس لالتماس بركته وحصلت لَهُ حَال غيبته عَن الإحساس وَكَانَ فِي حَال غيبته يخبر بالمغيبات وَأخْبر جمَاعَة بِمَا هم متلبسون بِهِ فِي الْحَال وَآخَرين بِمَا سيؤل إِلَيْهِ أَمرهم ودى لجَماعَة من أهل الْعِلَل والأمراض بالشفاء فعافاهم الله تَعَالَى وَلم يحتاجوا إِلَى اسْتِعْمَال الدَّوَاء وَأخْبر السَّيِّد عبد الله بن شيخ أَن أَبَاهُ شَيخنَا انْتقل إِلَى رَحْمَة الله بتريم وَأَن أَخَاهُ السَّيِّد عبد الرَّحْمَن قَامَ مقَامه وَورد فِي الْخَبَر بِأَن ذَلِك الْيَوْم وَقع فِيهِ الِانْتِقَال وَأَن الْأَمر كَمَا قَالَه وَله رَحمَه الله تَعَالَى كرامات كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْجُمُعَة لأَرْبَع عشرَة بَقينَ من شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَدفن ببندر بروج رَحمَه الله السَّيِّد أَحْمد بن شَيْخَانِ باعلوي وَتقدم تَتِمَّة نسبه فِي تَرْجَمَة حفيده أبي بكر الْحُسَيْنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 السَّيِّد الشريف ولد بالمخا وَكَانَ من أكَابِر الْأَشْيَاخ الصَّالِحين والأولياء الْمُكرمين الكاملين وَكَانَ حَاتِم زَمَانه فِي الْكَرم مُرَتبا لغالب أَصْحَابه كل سنة نَقْدا وَكِسْوَة وَكَانَ يكرم الوافدين وَيُحب الْفُقَرَاء وَكَانَ يعْمل كل يَوْم سماطاً عَظِيما يجلس هُوَ وجماعته وَأَصْحَابه ثمَّ يجلس الخدام وَمن حضر ثمَّ العبيد وَأهل الْحَرْف الدنية وَيفْعل نَحْو أَرْبَعِينَ رغيفاً يجلس تَحت بَابه وكل من مر من الْفُقَرَاء أعطَاهُ رغيفاً وَلما مَاتَ وَالِده استولى على مخلفاته أَخُوهُ السَّيِّد حسن وأبرأه صَاحب التَّرْجَمَة من جَمِيعهَا وتعاطى التِّجَارَة فَفتح الله تَعَالَى عَلَيْهِ حَتَّى اتسعت أملاكه واستوطن وَصَارَ يمد أَخَاهُ بِالنَّفَقَةِ وَبنَاته من بعده وزار جده النَّبِي وَحصل لَهُ مزِيد الْإِكْرَام وَعمي آخر عمره وَلما زار النَّبِي وَقد كف بَصَره زار بعض الْأَوْلِيَاء الَّذين يرَوْنَ النَّبِي وَطلب أَن يسْأَله هَل قبلت زيارته فَقَالَ لَهُ قَالَ النَّبِي نعم قبلت زيارته فَطلب مِنْهُ أَن يسْأَله أَن يَدْعُو الله تَعَالَى أَن يرد إِحْدَى عَيْنَيْهِ ليعيش بهَا وَينظر إِلَى عجائب مخلوقاته فَقَالَ النَّبِي سيرد الله تَعَالَى عَلَيْهِ عَيْنَيْهِ فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ لما رَجَعَ إِلَى مَكَّة أَتَى إِلَيْهِ رجل فَفتح لَهُ عَيْنَيْهِ وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ فجر يَوْم الْجُمُعَة ثامن رَجَب سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف بثغر جدة فَحَمله وَلَده سَالم من جدة إِلَى مَكَّة وَوصل بِهِ لَيْلَة السبت وَدفن فِي صبح الْيَوْم الْمَذْكُور على أَبِيه وأخيه فِي حوطة آل باعلوي الشهيرة بالمعلاة وأرخ وَفَاته سَالم بعد أَن رَآهُ فِي مَنَامه بقوله (شاهدت فِي عَام الْوَفَاة بليلة ... غراء أَحْمد قَائِلا نَفسِي احمدي) (أسكنت جنت النَّعيم نعم هِيَ ... نزلا فتاريخ الْوَفَاة تخلدي) الشَّيْخ أَحْمد بن صَالح بن عمر الْقُدسِي العلمي الْفَقِيه الزَّاهِد العابد بن أخي الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد الْعلي الْمَشْهُور من بَيت الْولَايَة وَالصَّلَاح لَهُم الرتب الْعلية فِي الْبَيْت الْمُقَدّس وَخرج مِنْهُم عُلَمَاء وصلحاء كَثِيرُونَ وَقد ظَفرت بِتمَام نسبهم بِخَط بعض فضلاء الْقُدس فِيمَا كتب إِلَيّ مِنْهَا فِي الوفيات هَكَذَا عمر جد أَحْمد بن مُحَمَّد سعد الدّين بن تَقِيّ الدّين بن القَاضِي نَاصِر الدّين بن أبي بكر بن أَحْمد بن الْأَمِير مُوسَى ولي الله صَاحب الكرامات بن عمر بن علم الدّين بن ربيع بن سُلَيْمَان بن الْمُهَذّب بن قَاسم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حسن بن أَحْمد الحكاري انْتهى وَكَانَ أَحْمد صَاحب التَّرْجَمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 من عباد الله الصَّالِحين لَهُ الْوَرع التَّام وَالْعِبَادَة وَكَانَ ملازماً لِلْمَسْجِدِ وَصَلَاة الْجَمَاعَة دَائِم التَّهَجُّد والأوراد أَخذ عَن عَمه التصوف ولازمه وانتفع بِهِ وَفِي آخر أمره رَحل إِلَى دمشق فَتوفي بهَا عَشِيَّة الْجُمُعَة منتصف شَوَّال سنة أَربع وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس الشَّيْخ أَحْمد صفي الدّين بن صَالح بن أبي الرِّجَال اليمني الأديب المؤرخ الوافر الِاطِّلَاع كَانَ من أَفْرَاد الْيمن وقوراً ذَا أدب وسلامة لفظ وَحسن تأنق ولطافة طبع فَهُوَ إِنْسَان عين زَمَانه وأديب أَوَانه من سراة الأدباء والفضلاء بِصَنْعَاء وَكَانَ طلق الْوَجْه حسن الشمايل حلقت عَلَيْهِ الدُّرُوس بِمَدِينَة صنعاء وشهارة وصعدة وَكَانَ لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان وتفاسير الْقُرْآن وَتَقْيِيد الْفُرُوع بالأصول ورد كل شَيْء إِلَى أَصله وَتَوَلَّى الخطابة وَأَنْشَأَ الْخطب فِي خلَافَة الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم ولازم حَضرته وَألف وَقيد وَمن أَجود مؤلفاته تَارِيخه الَّذِي جمعه لليمن وَسَماهُ مطلع البدور وَمجمع البحور وَهُوَ تَارِيخ حافل فِي سبع مجلدات وَذكر مُعظم عُلَمَاء الْيمن وأئمتها ورؤسائها وَقد وقفت بِخَط صاحبنا الأديب مصطفى بن فتح الله نزيل مَكَّة على تراجم مِنْهُ تتَعَلَّق بِأَهْل هَذِه الْمِائَة فأدرجتها فِي محلهَا وأعجبني حسن أسلوبها ولطف تعبيراتها وَكَانَ ينظم وينثر فَمن نظمه مَا قَالَه يصف محَاسِن الرَّوْضَة بِصَنْعَاء بقوله (رَوْضَة قد صبا لَهَا السعد شوقاً ... وَصفا لَيْلهَا وطاب المقيل) (جوّها سَجْسَج وفيهَا نسيم ... كل غُصْن إِلَى لقاه يمِيل) (صَحَّ سكانها جَمِيعًا من الدَّاء ... وجسم النسيم فِيهَا عليل) (إيه يَا ماءها العذب صلصل ... حبذا يَا زلال مِنْك الصليل) (إيه يَا وَرقهَا المرنة غَنِي ... فحياة النُّفُوس مِنْك الهديل) (روض صنعاء فقت لوناً وطبعاً ... فكثير الثَّنَاء فِيك قَلِيل) (ته على الشّعب شعب بوّان وافخر ... فعلى مَا نقُول قَامَ دَلِيل) (نهر دافق وجوّ فتيق ... زهرها فائق وظل ظَلِيل) (وثمار قطوفها دانيات ... يجتنيها قصيرنا والطويل) (لست أنسى ارتعاشي رحرور غُصْن ... طَربا والقضيب مِنْهُ يمِيل) (وعَلى رَأس دوحة خَاطب الْوَرق ... ودموع الغصون طلاً يسيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 (ولسان الرعود تهتف بالسحب ... فَكَانَ الْخَفِيف مِنْهَا الثقيل) (وفم السحب باسم عَن بروق ... مستطير شعاعها مسطيل) (وزهور الربى تعجب من ذَا ... شاخصاً طرفها الْمليح الْجَمِيل) (فانبرت قضبها تراقص تيهاً ... كخليل سقَاهُ خمرًا خَلِيل) (وعَلى الجوّ مطرف الجوّ ضاف ... وعَلى الشط برج أنس أهيل) (فِيهِ لي رفْقَة رقاق الْحَوَاشِي ... كَاد لين الطباع مِنْهُم يسيل) (أريحيون لَو تسومهم الرّوح لجادوا ... فَلَيْسَ مِنْهُم بخيل) (نتهادى من الْعُلُوم كؤوساً ... طَيّبَات مزاجها زنجيبيل) (وغوانٍ من الْمعَانِي كعاب ... رِيقهَا حِين رشفه سلسبيل) (طَابَ لي دارها وطاب ضحاها ... كَيفَ أسحارها وَكَيف الْأَصِيل) وَله أشعار غير هَذِه الأبيات ومنشآت وعَلى كل حَال فالمعارف هَالة وَهُوَ بدرها والفضائل رَوْضَة وَهُوَ زهرها وَكَانَت وَفَاته بِصَنْعَاء فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الْأَمِير أَحْمد بن طرباي بن عَليّ الْحَارِثِيّ أَمِير اللجون من قَبيلَة حَارِثَة يَنْتَهِي نسبهم إِلَى سِنْبِسٍ بِكَسْر السِّين وَسُكُون النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعدهَا سين مُهْملَة من طي وَهَؤُلَاء الْقَوْم لَهُم قدم فِي الامارة مَا زَالُوا فِي جينين وَمَا والاها من الْبِلَاد لَهُم الْعِزَّة وَالْحُرْمَة وَأحمد هَذَا نبغ من بَيتهمْ وحيداً فِي المفاخر والشجاعة وَكَانَ لَهُ الرَّأْي الصائب والطالع المسعود والعهد الوفي ولي فِي مبدأ أمره حُكُومَة صفد ثمَّ تولى حُكُومَة اللجون بعد موت أَبِيه طرباي فِي سنة عشر بعد الْألف وَوَقع بَينه وَبَين فَخر الدّين بن معن حروب كَثِيرَة وَكَانَ ابْن معن توجه إِلَى بِلَادهمْ ثَلَاث مَرَّات للمحاربة ورحل ابْن طرباي إِلَى الرملة وَكَانَ فِي كل مرّة يكسر عَسْكَر ابْن معن ويدحضه وَأشهر وقعاته مَعَه وقْعَة يافا وَكَانَ هُوَ وَحسن باشا حَاكم غَزَّة والأمير مُحَمَّد ابْن فروخ أَمِير نابلس فَقتل من جمَاعَة ابْن معن مقتلة عَظِيمَة وغنم غنيمه وافرة جدا وَمِمَّا شاع لَهُ فِي صدق الْعَهْد مَا وَقع لَهُ مَعَ ابْن جانبولاذ مَعَ ابْن سَيْفا وَكَانَ ابْن سَيْفا هرب إِلَى مَحل حُكُومَة ابْن طرباي فَأكْرمه وَأظْهر لَهُ مَا يَلِيق بأمثاله وَكَانَ ابْن سَيْفا خرج إِلَيْهِ وَمَعَهُ سَبْعَة رجال من جماعته وَكَانَ مَعَه من الْأَمْوَال والذخائر مَا لَا يدْخل تَحت الإحصاء فَأرْسل ابْن جانبولاذ إِلَى طرباي برسالة وَذكر لَهُ أَنه يجْتَهد فِي قتل ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 سَيْفا وَله جَمِيع مَا مَعَه من المَال وَإِن لم يفعل جوزي بالعقاب الشَّديد فَكَانَ جَوَابه أَن هَذِه كلمة لَا تقال وَمن وَقع فِي مثل هَذَا فعثرته لَا تقال ثمَّ بَادر إِلَى إكرام ابْن سَيْفا أَزِيد مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ وأهداه خيولاً وَغير ذَلِك وَكَانَ من خطابه لَهُ لَو كَانَ لي مَال لقدمته إِلَيْك وَلَكِن عِنْدِي خُيُول وفيهَا جواد لم يعل ظَهره أحد بعد أبي فَهُوَ لَك مني هَدِيَّة وَأقَام ابْن سَيْفا عِنْده أَيَّامًا إِلَى أَن راسل عَسْكَر الشَّام بِأَن يقدموا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِي مَعَهم إِلَى دمشق وَلما وردوا تجهز مَعَهم وأتى من طَرِيق حوران إِلَى دمشق وَتَمام قصَّته نذكرها إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته فِي حرف الْبَاء وَكَانَت وَفَاة الْأَمِير أَحْمد سنة سبع وَخمسين وَألف وَقد قَارب الثَّمَانِينَ وَقد ولي الْحُكُومَة بعده ابْنه زين وَكَانَ شجاعاً عَاقِلا حَلِيمًا ثمَّ ولي بعده أَخُوهُ مُحَمَّد وَكَانَ جواداً سمح الْكَفّ ممدحاً توفّي لَيْلَة السبت سَابِع عشري جُمَادَى الثَّانِيَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بجينين وَقَامَ من بعده ابْن أَخِيه زين الْمَذْكُور وَصَالح ثمَّ يُوسُف بن عَليّ بن عمتهم إِلَى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف فَخرجت الْحُكُومَة عَنْهُم ووليها أَحْمد باشا الترزي وتصرفت فِيهَا السلطنة إِلَى يَوْمنَا هَذَا واللجون موضعان الأول مَدِينَة بالأردن قديمَة وَهِي قَرْيَة يسكنهَا بعض أنَاس قَلَائِل حُكيَ أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام سكن هَذِه الْمَدِينَة وَمَعَهُ غنم لَهُ وَكَانَت الْمَدِينَة قَليلَة المَاء فَسَأَلُوهُ أَن يرتحل عَنْهُم لقلَّة المَاء فَضرب بعصاه على صَخْرَة هُنَاكَ فَخرج مِنْهَا مَاء كثير حَتَّى عَم أهل الْبَلَد ببركته والصخرة بَاقِيَة إِلَى وقتنا هَذَا وَالثَّانِي منزل فِي طَرِيق الْمَدِينَة قرب البلقا وَالله أعلم مولَايَ أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس الْمَنْصُور بن الْخَلِيفَة الْمهْدي ابْن أبي عبد الله الْقَائِم بِأَمْر الله الشريف الحسني ملك مراكش وفاس السُّلْطَان الْعَالم الأديب كَانَ من أَمر جده الشَّيْخ أَنه كَانَ فِي بداية أمره من أهل الْعلم وَكَانَ مُجْتَهدا فِي تَحْصِيل الكمالات فَاطلع على شَيْء من الجفر وَرَأى أَن طالعه يُوَافق الْملك فَصَارَ قَاضِيا فِي نواحي السوس من ديار الغرب ثمَّ وثب على بني حَفْص المنتسبين إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَلم يزل يقاتلهم حَتَّى ملك دِيَارهمْ وَعَفا من السلطنة آثَارهم وَقتل كثيرا من الْعلمَاء وَمن جملَة من قتل الشَّيْخ الزقاق وَكَانَ يَقُول من قتل سوسياً كَانَ كمن قتل مجوسياً فَلَمَّا مسكه قَالَ لَهُ أَنْت زق الضلال فَقَالَ لَهُ لَا وَالله بل أَنا زق الْعلم وَالْهِدَايَة فَجعل عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَام حجَّة وَبِه قَتله وَاسْتمرّ يؤسس قَوَاعِد ملكه إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَقَامَ بِالْأَمر بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وَلَده عبد الله وَتُوفِّي فَتَوَلّى الْملك بعده وَلَده مُحَمَّد أَخُو مولَايَ أَحْمد صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ أكبر إخْوَته وَلما جلس على سَرِير السلطنة أظهر مولَايَ أَحْمد الْمَنْصُور أَنه غير طَالب للْملك وَأَنه لَا ينْفق رَأس مَال عمره فِي غير مَا للْعلم من كنوز ومطالب فَلَمَّا مَاتَ أَخُوهُ قَامَ وَلَده فِي مَحَله وَاسْتولى عَلَيْهِ الْغرُور واشار عَلَيْهِ بعض خدمته بقتل من بَقِي من أَعْمَامه فَلَمَّا علم بذلك مولَايَ أَحْمد وجف بِجَيْش من الرّوم وَمَعَهُ أَخُوهُ وجيش من عِنْده وقاتله فتمت على ابْن أَخِيه الْهَزِيمَة وَذهب إِلَى ملك الفرنج فأمده وَرجع إِلَى الْحَرْب ثَانِيًا فتقاتلا وَلما تمت عَلَيْهِ الكسرة ثَانِيًا أسْرع إِلَى الْبَحْر وَأغْرقَ نَفسه فتبرجت لمولاي أَحْمد عروس تِلْكَ الممالك وَثبتت قَوَاعِده وَارْتَفَعت معاهده وَكَانَ موادعاً لسلاطين آل عُثْمَان فَيُرْسل إِلَيْهِم بالهدايا فِي كل سنة وَكَانُوا هم يرسلون إِلَيْهِ بالمكاتيب وَالْخلْع السّنيَّة حَتَّى أَن السُّلْطَان مُرَاد ابْن سليم خَان كتب إِلَيْهِ فِي أثْنَاء مكاتيبه لَك عَليّ الْعَهْد أَن لَا أمد يَدي إِلَيْك إِلَّا للمصافحة وَأَن خاطري لَا يَنْوِي لَك إِلَّا الْخَيْر والمسامحة وَرُسُله دَائِما تَأتي إِلَى قسطنطينية من جَانب الْبَحْر ويمكثون زَمَانا طَويلا ويتعهدون الوزراء ويكاتبون من لَهُ قرب إِلَى الدولة وَلم يحصل لأحد من أَوْلَاد مُحَمَّد الشَّيْخ مَا حصل لهَذَا الْمَنْصُور فَإِنَّهُ قد طَالَتْ فِي الْملك مدَّته واتسعت مَمْلَكَته وقويت شوكته وَكَانَ ابْتِدَاء ملكه من حُدُود إفريقيه إِلَى حافة النَّهر الْمُحِيط وَملك حِصَّة من بِلَاد السودَان وَكَانَ ابْتِدَاء تملكه فِي آخر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ سُلْطَانا ثَمَانِيَة وَعشْرين سنة وَكَانَ لَهُ أَوْلَاد قد فرقهم فِي الْبِلَاد فَجعل الْأَكْبَر وَهُوَ مولَايَ مُحَمَّد الشَّيْخ فِي فاس وَجعل زَيْدَانَ فِي مكناس وَكَانَ هُوَ بِنَفسِهِ يقوم فِي مراكش وَكَانَ سُلْطَانا عادلاً عَظِيم الْقدر حسن التَّدْبِير أديباً لَهُ شعر نضير عَلَيْهِ رونق السلطنة أنْشد لَهُ الخفاجي فِي كِتَابه قَوْله (حرَام على طرف يرَاهُ مَنَام ... وَإِنِّي لجسم قد شفَاه سقام) (وَكَيف بقلب فِي هَوَاهُ مُقَلِّب ... وَأَيْنَ لَهُ بَين الضلوع مقَام) (فيا شادناً يرْعَى الحشا أَنْت بالحشا ... أما لمحل أَنْت فِيهِ ذمام) وَالْبَيْت الْأَخير مِمَّا تداولت بِمَعْنَاهُ الشُّعَرَاء وأجود مَا قيل فِيهِ قَول الأرجاني (يَرْمِي فُؤَادِي وَهُوَ فِي سودائه ... أتراه لَا يخْشَى على حوبائه) (وَمن البلية وَهُوَ يَرْمِي نَفسه ... أَن تطمع العشاق فِي إبقائه) وَقَول مهيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 (أودع فُؤَادِي حرقاً أودع ... ذاتك تؤذي أَنْت فِي أضلعي) (أمسك سِهَام اللحظ أَو فارمها ... أَنْت بِمَا ترمي مصاب معي) (موقعها الْقلب وَأَنت الَّذِي ... مَسْكَنه فِي ذَلِك الْموضع) وَمن الْمَشْهُور من شعر مولَايَ أَحْمد (لَا ولحظ علم السَّيْف فقد ... وقوام كقنا الْخط ميد) (ووميض لَاحَ لما ابتسمت ... من ثنايا مثل در أَو برد) (مَا هِلَال الْأُفق إِلَّا حَاسِد ... لعلاها وبهاها والغيد) (وَلذَا صَار عليلاً ناحلاً ... كَيفَ لَا يفنى نحولاً من حسد) وَهَذَا منوال لطيف واسلوب ظريف تنوعت فِي قوالبه الشُّعَرَاء وَمثله فِي حسن موقع الْقسم قَول ابْن المعتز فِي قصيدة (لَا ورمان النهود ... فَوق أَغْصَان القدود) (وعناقيد من الصدغ ... وَورد من خدود) (وبدور من وُجُوه ... طالعات بالسعود) (وَرَسُول جَاءَ بالميعاد ... من غير وَعِيد) (ونعيم من وصال ... وشقا طول الصدود) (مَا رَأَتْ عَيْني كغيد ... زرنني فِي يَوْم عيد) وَهَذَا الْقسم وَأَمْثَاله عد من المحسنات البديعية وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا وَلم يفهمهُ كثير من الأدباء لظنهم أَنه من مَعَاني الْكَلَام الوضعية وَلَا وَجه لجعلها محسنة وَوجه حسنه أَنه لما بولغ فِي عظم الشَّيْء أقسم بِغَيْر الله تَعَالَى إعلاماً بشرف الْمقسم بِهِ فَفِيهِ نُكْتَة زَائِدَة على مُجَرّد الْقسم أَلا ترى أَنهم لم يعد وَاو وَالله وتالله وَبِاللَّهِ من الْقسم الإصطلاحي انْتهى وَمن إملاء حَافظ الْمغرب أَحْمد الْمقري لمولاي أَحْمد قَوْله (إِن يَوْمًا لناظري قد تبدى ... فتملى من حسنه تكحيلا) (قَالَ جفني لصنوه لَا تلاقي ... إِن بيني وَبَين لقياك ميلًا) وَمن أدبه الباهر أَن بَعضهم أنْشدهُ قَول الأبيوردي (وَلَو أَنِّي جعلت أَمِير جَيش ... لما حَارَبت إِلَّا بالسؤال) (لِأَن النَّاس ينهزمون مِنْهُ ... وَإِن ثبتوا لأطراف العوالي) فَقَالَ لَو كَانَ الْبَيْت لي لَقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 (وَلَو أَنِّي جعلت أَمِير جَيش ... لما حَارَبت إِلَّا بالنوال) قَالَ الخفاجي وَأَيْنَ كَلَام سَائل مل السُّؤَال من كَلَام ملك يملك الْقُلُوب بالنوال انْتهى وَقيل عَلَيْهِ رأى مولَايَ أَحْمد رَأْي الْمُلُوك فَإِن ذَلِك شَأْنهمْ وَمن هَذَا مَا قيل فِي شَوَاهِد المطول (والجراحات عِنْده نغمات ... سبقت قبل سيبه بنوال) وَهَذَا أبلغ من قَول ابْن النبيه (وتهزه فِي السّلم نَغمَة طَالب ... طَربا وَيَوْم الْحَرْب صرخة ضَارب) وَقد أَشَارَ إِلَى مَا جنح إِلَيْهِ مولَايَ أَحْمد بن الرُّومِي فِي قصيدة طَوِيلَة مَشْهُورَة بقوله (وَحَارب من نعمائه ريب دهره ... من الْبر وَالْمَعْرُوف جند مجند) وَمِنْهَا قَوْله (لَهُ صُورَة مكتنة فِي سكينَة ... كَمَا اكتن فِي الغمد الجراز المهند) (يجهل كجهل السَّيْف وَالسيف منتضى ... وحلم كحلم السَّيْف وَالسيف مغمد) قَالَ الخفاجي انتقدت عَلَيْهِ أَنه كرر السَّيْف أَربع مَرَّات وَثَلَاث مِنْهَا مَحل الْإِضْمَار وَمثله يخل بالفصاحة ثمَّ قَالَ ورد بِأَنَّهَا كدعائم الخبا لَو رفعت وَاحِدَة انْهَدم وَوَجهه أَن تغاير الصِّفَات منزل منزلَة تضَاد الموصوفات وَكَذَا تغاير أَوْقَاتهَا وكررت هُنَا لتدل بطرِيق الْكِتَابَة الإيمائية على ذَلِك حَتَّى كَأَنَّهُ السَّيْف وَدلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ فِي كل حَال بِمَنْزِلَة دلَالَة الْمُشْتَرك على مَعَانِيه وَهَذَا نَقله الشَّيْخ فِي دَلَائِل الإعجاز عَن الصاحب انْتهى مُلَخصا وَكَانَت محظية من حظايا مولَايَ أَحْمد غَضبى فَجَاءَهُ رجل من بُسْتَان بوردة فِي أول ظُهُور الْورْد فأرسلها لَهَا مَعَ هَذِه الأبيات استعطافاً لَهَا (وافى بهَا الْبُسْتَان صنوك وردة ... يقْضِي بهَا لما مطلت عهودا) (أهْدى البهار محاجراً وأتى بهَا ... فِي وقته كَيْمَا تكون خدودا) (فبعثتها مرتادة بنسيمها ... تثنى من الرَّوْض النَّضِير قدودا) وَبِالْجُمْلَةِ فأشعار الْمَنْصُور كلهَا جَارِيَة على نهج الرقة والعذوبة وَفِيمَا أوردناه لَهُ كَافِيَة وَأما جلالة شَأْنه وَعظم قدره فمما تكفلت بهما شهرته وأخباره وحاشية من الْعلمَاء والأدباء كالمقري والثعالبي وأضرابهما وَتُوفِّي فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف أَحْمد بن عبد الله بن سَالم بن عبد الله بن فضل بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْفَقِيه سعد بن مُحَمَّد بن القَاضِي أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفَقِيه فضل بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بَافضل إِلَى هُنَا انْتهى نسب آل بَافضل الْفَاضِل الْمَشْهُور بالسودي أحد الْأَعْيَان وفضلاء الزَّمَان كَانَ من أفضل أهل زَمَانه فِي الْعُلُوم وأعرفهم بِالْعَرَبِيَّةِ على الْإِطْلَاق وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 أحذق الحذاق حفظ الْقُرْآن والجزرية والأجرومية والملحة وَأكْثر اللفية وَقطعَة من الْمِنْهَاج وَحفظ كثيرا من الدَّوَاوِين وَمن كَلَام الْعَرَب وَأخذ عَن السَّيِّد عبد الله ابْن شيخ العيدروس علم التصوف وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وَصَحبه مُدَّة مديدة وَتخرج بِهِ فِي عُلُوم شَتَّى ثمَّ صحب وَلَده زين العابدين وَلَزِمَه وَتخرج بِهِ فِي الْمُتُون والاصطلاحات وَأخذ الْفِقْه عَن الْفَقِيه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَسمع من خلق لَا يُحصونَ وبرع فِي أصُول الدّين والْحَدِيث والعربية والتصوف ودرس وصنف وَمن تصانيفه حَاشِيَة على القصيدة الطرافعية وَله ديوَان شعر ونظمه كثير حسن وَلذَلِك لقب بالسودي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف كَذَا ذكر خَبره الشلبي وَلم يُورد لَهُ شَيْئا من شعره وَأَنا لم أطلع على شَيْء من آثاره فَلهَذَا اقتصرت على مَا ريته فِي تَارِيخ الشلي وَالله تَعَالَى أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الرؤوف بن يحيى الْوَاعِظ الْمَكِّيّ الشَّافِعِي تلميذ الشهَاب احْمَد بن حجر من صُدُور الأفاضل وأعيان الأماثل ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن والإرشاد وألفية الْعِرَاقِيّ وألفية ابْن مَالك وَجمع الْجَوَامِع واشتغل بِالْعلمِ على أكَابِر الشُّيُوخ المكيين وَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الله باقشير عدَّة عُلُوم كالفقه وَالْأُصُول والعربية وَالْعرُوض والمعاني وَالْبَيَان وتفقه بالشيخ عبد الْعَزِيز الزمزمي ولازمه مُدَّة حَيَاته وَجلسَ للتدريس فِي مَحَله بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَبعد وَفَاته وَأخذ عَن الشَّيْخ عَليّ بن الْجمال وَالشَّمْس البابلي وَأخذ التصوف عَن الْعَارِف بِاللَّه سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ وتلقن مِنْهُ الذّكر وَأخذ عَنهُ الطَّرِيق وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وَأخذ عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن علوي وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن المغربي وَالشَّيْخ عبد الْوَاحِد بن الْعَرَب صَاحب القنفدة وَأخذ عَنهُ جمَاعَة وَكَانَت الْفَتَاوَى ترد عَلَيْهِ فيجيب عَنْهَا بِأَحْسَن جَوَاب وأعذب خطاب وَكَانَ باذلاً نَفسه لإِصْلَاح ذَات الْبَين وَإِذا تصدر فِي قَضِيَّة تمت على أحسن حَال وَذَلِكَ يدل على حسن نِيَّته وَطيب طويته وَكَانَ ينظم الشّعْر وشعره سهل القياد مستعذب وَذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي سلافته فَقَالَ فِي حَقه أديب بذ أقرانه وفَاق ونفق أدبه فِي زمَان كساده أحسن نفاق بقريحة وقادة وذكاء ملك بِهِ زِمَام الْأَدَب وقاده مَعَ مُشَاركَة فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَقيام بشروطها المرعية إِلَّا أَنه مَا طلع بدره حَتَّى أفل وَلَا ورد ظعنه حَتَّى قفل فَمَاتَ دون الاكتهال وَلم يسعفه الدَّهْر بإمهال وَله شعر لَا يقصر عَن السداد وَإِن لم يكن بطلاً فَمن يكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 السوَاد وَأورد لَهُ فِي قَوْله فِي الْغَزل (حويدى اليعملات بسفح حاجر ... رويداً فِي قَتِيل ظبا المحاجر) (فَتى شرخ الشَّبَاب عَلَيْهِ ولى ... بِذَات الأبرقين وَذي المحاجر) (منَازِل كنّ للأفراح مغنى ... وللأرواح سالبة فحاذر) (أخانا فِي الغرام سَأَلت نصحاً ... فرأي العاشقين بِأَن تهَاجر) (فكم من عاشق أضحى حَزينًا ... فَلَمَّا حل فِي حزن المُهَاجر) (يُبَاشر بالوصول إِلَى مقَام ... ترامى فِيهِ أَعْنَاق الأكابر) (وَألقى بِالْعِصِيِّ وَحل نَادِي ... ربوع المربع الغيد الجآذر) (لقد أَصبَحت فيهم مستهاماً ... فوا شوقي إِلَى تِلْكَ المشاعر) (لعمري أنني فيهنّ صب ... فَمن لي أَن أكون لَهُم مسامر) قلت وَقد وقفت لَهُ على أشعار أَجود من هَذِه الأبيات فَمن جُمْلَتهَا قصيدته الَّتِي يستغيث فِيهَا بِالنَّبِيِّ فِي معرض عرض لَهُ ومطلعها قَوْله (يَا صاحبيّ حققا ميعادي ... وانطلقا لأخصب الوهاد) (ولاحظاني فِي السرى فَإِنِّي ... نضو هوى مقرح الأكباد) (قد ترك الجفن مَنَامه فَلَا ... يأوي إِلَيْهِ وَافد الرقاد) (وظل شرخ الْعُمر فِي بياضه ... أشرق من أشعة الأفواد) (فعرجا بمسرح السرب الَّذِي ... لَيْسَ لَهُ مرعى سوى فُؤَادِي) (وخفضا عَلَيْكُمَا وخليا ... دمعي السفيح رائحاً وغادي) (يرمل فِي جرعائها معتسفاً ... لَا يَعْتَرِيه وَهن الوخاد) (وَيجْعَل الحصبا عقيقاً أحمرا ... من النجيع الْأَحْمَر الغرصادي) (وَيجْعَل القاع لَهُم أعقة ... يكرع مِنْهَا كل صب صادي) (وزفرة قد غرست بمهجتي ... وطلعها فِي لمتيّ بَادِي) (تَتَابَعَت حَتَّى يخال أنني ... من فرق لنجدهم أنادي) (أذابت الْقلب سوى مَا أحرزوا ... لما أَتَوا من وسط السوَاد) (وعاذل يعبث بِي لَو انه ... يجديه مَا خطّ بِلَا مداد) (ينمق العذل يخال أَنه ... يمازج التشكيك باعتقاد) (كَأَنَّمَا يرقم فِي كوثر مَا ... أفرغ فِي الْفُؤَاد من وداد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 (لَا يقبل التعنيف فِي الْهوى سوى ... من يقتني غير هوى سعاد) (واحرّ قلباه وَبرد المشتهى ... هَيْهَات كَيفَ مجمع الأضداد) (ذادوا الْعُيُون عَن وُرُود هائم ... زَادَت على الأنواء للورّاد) (مَا حق طرف جاد إِذْ قد ضن نوء ... الطّرف أَن يحمي عَن الميراد) (هَيْهَات لم يبرح يروم نظرة ... من حَضْرَة الإسعاد والإمداد) (من حَضْرَة الْمُخْتَار طه أصل مبْنى ... الْكَوْن فِي الإتقان والإيجاد) (من نور ذِي الْعَرْش الرفيع كنهه ... تَوَاتر قد جَاءَ بالآحاد) (فِي قَول لولاك إِشَارَة وَلَا ... خَفَاء للمريد فِي المُرَاد) (يدريه من يرى الشؤن جمعت ... فِي مُفْرد مُجْتَمع الْأَفْرَاد) (فآدم الآبا وَغَيره لَهُ ... فرع على معنى حلي الرَّاد) (وَذَاكَ معنى أَنه أصل الْوُجُود ... أول فِي الْبسط للأعداد) (فاعجب لَهُ ختماً نَبيا أَولا ... قد جَاءَ بالتحقيق فِي الْإِسْنَاد) (الْوَاضِح الْحق الصَّحِيح حَسْبَمَا ... حرّره أَئِمَّة الْإِرْشَاد) (وَبعد أَن زَان جمال وَجهه ... وجود مَا جَاءَ الْكَمَال هادي) (فَقَامَ بِالتَّوْحِيدِ دَاعيا لَهُ ... وراقب المدعون بالمرصاد) (مهد الشَّرْع القويم للورى ... مُبين الميعاد والإيعاد) (وشت شَمل الْكفْر بانتظامنا ... فِي سلكه كالعقد فِي الأجياد) (فابتهج الْكَوْن نضارة بِهِ ... وصدحت فِي دوحها الشوادي) (وخفقت ألوية النَّصْر على ... سُكُون ريح الْكفْر والأعادي) (وزمزم الرَّعْد على مسرى الظبا ... وَشقت السحب ظَبْي الغوادي) (وأضحك الرَّوْض مَسَرَّة على ... بكاء ذِي التَّاج والإيلاد) (وأحيت الأنوا موَات الجدب من ... مرتبع التلال والوهاد) (ونتجت من صلبه أَئِمَّة ... قادوا إِلَى الْإِيمَان والإرشاد) (من مظهر الزهراء ذَات الْفَخر فِي ... حظائر التَّقْدِيس والإسعاد) (من حيدر عليّ الطُّهْر أَمِير ... الْمُؤمنِينَ سيد الأمجاد) (قد أَعرضُوا عَمَّا بِهِ النَّاس عنوا ... وصرفوا الْوَجْه إِلَى الْمعَاد) (تزهدوا ذَاك من صفاتهم ... ذاتاً وَهل يخفى شميم الجادي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 (قد شرفوا على الورى فحبهم ... نَص الْكتاب عَن حَصى التعداد) (يَا سيد الرُّسُل وَيَا خَاتم من ... قد خصصوا بوافر الأيادي) (يَا خير مَبْعُوث على ظهر الثرى ... بِسَبَبِهِ أخصبت الْبَوَادِي) (يَا من هُوَ الأولى بِكُل مُؤمن ... من نَفسه من سَائِر الْعباد) (خفف عليّ حوبة جنيتها ... قد جرعتني غصص البعاد) (وعرّضتني هدفاً لأسهم الْأَغْرَاض ... لَا أَخْلو من العوادي) (وأخلقت صبري وجدت طمعي ... فِي أَن أرى فِي هَذِه النوادي) (وضاق ذرعي فذريعتي إِلَى ... رحابك الفيحاء سوق الْحَادِي) (فَحل عقدي يَا ملاذي مثل مَا ... حللت عقد الْعسر بالإنقاد) (وَأطلق الْقَيْد الْمُحِيط علني ... فِي سوحكم أنحل من قيادي) (فَأَنت كَهْف المرتجين فِي الورى ... وَغَيرهم فِي زمر القصاد) (وَأَنت مقصودي وَأَنت موئلي ... وعمدتي فِي السهل والشداد) (وَأَنت بَاب الله كل من أَتَى ... من غَيره يسام بالإبعاد) (فَمن دنا من سوحه ملتمسا ... بادره الْعَفو إِلَى المُرَاد) (وَعَمه الْفضل فَقَالَ شاكراً ... قد كثرت ذخائر الْفُؤَاد) (صلى عَلَيْك الله مَا تلألأت ... صفاتك الْبيض على السوَاد) وَهِي على عرُوض قصيدة الْفَتْح ابْن النّحاس الَّتِي مطْلعهَا قَوْله (قد نفدت ذخائر الْفُؤَاد ... فَلم أرد الدمع للسهاد) وَله غير ذَلِك والاقتصار من البلاغة وَكَانَت وَفَاته لأَرْبَع بَقينَ من الْمحرم سنة سبع وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الله بن حسن بن مُحَمَّد بن عبد الله عنتر السيووني الْحَضْرَمِيّ الشَّافِعِي الإِمَام الْجَلِيل الْعَلامَة صَادِق اللهجة شَدِيد الْحزن من خوف الله تَعَالَى خَفِيف النَّفس لطيف الذَّوْق حسن المحاضرة ولد فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف بالحوطة من أَعمال سيوون من وَادي حَضرمَوْت وببلده حفظ الْقُرْآن ثمَّ رَحل من مَكَّة وَأخذ بهَا عَن جمع مِنْهُم الشَّمْس البابلي وَمُحَمّد عَليّ بن عَلان وَمُحَمّد الطَّائِفِي وَعلي بن الْجمال وَعبد الله باقشير وَعِيسَى بن مُحَمَّد الْجَعْفَرِي وتلقن الذّكر وَلبس الْخِرْقَة من الصفي أَحْمد القشاشي ومهنا بن عوض بامزدوع الْحَضْرَمِيّ وَأقَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 بِالطَّائِف ملازماً للْقِرَاءَة والإفادة مُعْتَزِلا عَن النَّاس وَكَانَ عَاملا بِالْعلمِ لَا يخْشَى فِي الله لومة لائم مهاباً موقراً فِي النُّفُوس عَلَيْهِ سِيمَا الصّلاح وَالتَّقوى طَاهِرا متقشفاً فِي ملبسه مُعْتَقدًا عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ أهل الطَّائِف لَا يصدرون إِلَّا عَن أمره وَلَهُم فِيهِ اعْتِقَاد ومحبة زَائِدَة وَكَانَ وَالِده كثير المَال عقيماً فَشَكا حَاله للسَّيِّد شيخ بن عبد الله بن شيخ بن طه باعلوي فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ للسَّيِّد علوي بن أَحْمد العيدروس ببتي قَرْيَة من أَعمال تريم تقضي حَاجَتك فَذهب إِلَيْهِ فَوجدَ فِي طَرِيقه لصافهم اللص بِفعل سوء بِهِ فتمثل لَهُ فَارس مَنعه من ذَلِك وَوصل إِلَى مقْصده فَلَمَّا رَآهُ السَّيِّد علوي قَالَ لَهُ بعد أَن سلم عَلَيْهِ قد حيناك من الْعَدو وارجع فقد حصل لَك مقصودك فَرجع من حِينه إِلَى بَلَده وواقع زَوجته فَحملت بِصَاحِب التَّرْجَمَة تِلْكَ اللَّيْلَة هَكَذَا حكى بعض الحضارمة وَمن مؤلفاته شرح القصيدة الْمُسَمَّاة بالحديقة الأنيقة الَّتِي أَولهَا إِلَى كم ذَا التماد وَأَنت صادي وَشرح بَانَتْ سعاد وذيل على تَارِيخ الْمَدِينَة للمرجاني فِي مُجَلد وَكَانَت وَفَاته بِالطَّائِف يَوْم الْجُمُعَة سَابِع شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف وَدفن بِالْقربِ من تربة الإِمَام عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الله بن أبي اللطف الْبري الْحَنَفِيّ الْخَطِيب الْمدنِي أحد أَعْيَان الْعلمَاء بِالْمَدِينَةِ وأنبل من بهَا من رُؤَسَاء الْعلم الْمَشْهُورين بالبراعة وَحسن الْعبارَة مَعَ بديع الشّعْر الرَّائِق والنثر الْفَائِق وَحفظ أحاسن المحاسن من أَخْبَار الْمُتَقَدِّمين ولطائف الْمُتَأَخِّرين وَطَالَ عمره فِي عزة ورفعة وَكَانَ بليغاً حسن الْعبارَة ولد فِي سنة عشرَة بعد الْألف بِطيبَة الطّيبَة وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات وَأخذ عَن علمائها ورحل إِلَى مَكَّة وَأخذ بهَا عَن جمع وأجازوه مِنْهُم الْعَلامَة عبد الْملك العصامي صَاحب التصانيف الفائقة المفيدة الْآتِي ذكره وَمِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي وَكَانَ بديع المحاضرة عَالما بِوَضْع كل شَيْء من فنون المحاضرة فِي مَوْضِعه وَكَانَ بَينه وَبَين الشَّيْخ مُحَمَّد ميرزا ابْن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي ثمَّ الْمدنِي الْآتِي ذكره مَوَدَّة أكيدة وَكَانَ فِي يَوْم الْجُمُعَة غَالِبا يَأْتِيهِ إِلَى بَيته ويتذاكرون ببديع الفرائد وفرائد القلائد وَله أشعار حسان ونثر حسن لَا سِيمَا خطبه الَّتِي كَانَ ينشيها حَال مُبَاشَرَته بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ فَإِنَّهَا فائقة بليغة وَلما وصل القَاضِي الْفَاضِل تَاج الدّين الْمَالِكِي الْمَكِّيّ للمدينة الشَّرِيفَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف ومدح أَهلهَا بِهَذِهِ الأبيات وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 (يَا سَاكِني طيبَة فخراً فقد ... طابت فروع مِنْكُم وَالْأُصُول) (وَآيَة الْأَنْصَار فِيكُم سرت ... كَأَنَّمَا الْمَقْصُود مِنْهَا الشُّمُول) (تصفون مَحْض الود من جَاءَكُم ... فَمَا عَسى مادحكم أَن يَقُول) (وليهنكم مَا قد خصصتم بِهِ ... فيا لَهَا خصيصة لَا تَزُول) (جاورتم الْمُخْتَار خير الورى ... وفزتم فِي سوحه بالحلول) فَأَجَابَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بقوله (أعظم بِأَهْل الرُّكْن من سادة ... فِي مفرق العلياء جروا الذيول) (جيران بَيت الله من قدرهم ... تحار فِي دَرك مداه الْعُقُول) (بِمَكَّة حلوا فحلوا بهَا ... جيد الْمَعَالِي حلية لَا تَزُول) (من مثلهم وَالْفضل حق لَهُم ... وَمِنْهُم التَّاج أَمَام الثقول) (رَئِيس هَذَا الْعَصْر من جلة ... سمادع غر كرام فحول) (أكْرم بِهِ إِذْ قَالَ من أجلنا ... طابت فروع مِنْكُم وَالْأُصُول) (وَآيَة الْأَنْصَار فِيكُم سرت ... لكنني بِالْإِذْنِ مِنْكُم أَقُول) (يَا نخبة الْأَنْصَار مِنْكُم لنا ... حَتَّى شهدتم وصفكم لَا يحول) (وَأَنْتُم جيران ذَاك الْحمى ... والآن أَنْتُم فِي جوَار الرَّسُول) (جمعتم فضلا إِلَى فَضلكُمْ ... فسدتم النَّاس وَحقّ الْمَقُول) (فَالله رب الْعَرْش سُبْحَانَهُ ... يوليكم الْحسنى وَحسن الْقبُول) (حَتَّى توافوا الْقَصْد فِي نعْمَة ... تترى وَعمر فِي سرُور يطول) (ودولة الأفضال تسمو بكم ... وتزدهي طوراً وطوراً تصول) (مَا غردت وَرْقَاء فِي دوحة ... غنا وغنت حَتَّى طَابَ الدُّخُول) وَمن لطائف مَا وَقع لَهُ مَعَ القَاضِي تَاج الدّين الْمَذْكُور أَنه رأى فِي الْمَنَام فِي الْعَام الَّذِي زار فِيهِ التَّاج فِي الْمَدِينَة كَأَنَّهُ فِي مجْلِس الدَّرْس فِي الرَّوْضَة النَّبَوِيَّة وَإِذا بِالْقَاضِي تَاج الدّين دَاخل من بَاب السَّلَام وَهُوَ قَاصد الحضرة والشريفة فَلَمَّا قضى الوطر من التَّحِيَّة والزيارة جَاءَ بفضله وجلالة قدره إِلَى الْمجْلس وَقعد بعد تلقيه وتقبيل يَدَيْهِ وَأَشَارَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ (أمولاي تَاج الدّين لَا زلت ذَا عَليّ ... على الْهَام والأوهام وَلَيْسَت بِذِي فطن) (إِذا كُنْتُم فِي مجْلِس كَانَ أَهله ... بأجمعهم خرساً وَأَنت لَك اللسن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ثمَّ انتبه وَهُوَ حَافظ الْبَيْتَيْنِ ثمَّ لم تكن إِلَّا نَحْو عشرَة أَيَّام من هَذِه الرُّؤْيَا حَتَّى وصل القَاضِي وَكَانَ دُخُوله الْمَسْجِد الشريف من بَاب السَّلَام وَصَاحب التَّرْجَمَة فِي مجْلِس درسه على الصّفة الَّتِي كَانَت فِي الرُّؤْيَا ثمَّ لم يلبث أَن جَاءَ إِلَى الْمجْلس فَتَلقاهُ الْبري وَجلسَ فِي الْموضع الَّذِي جلس فِيهِ وَأَشَارَ باستمرار الْقِرَاءَة جَريا على عَادَته فِي التفضل وَالْإِحْسَان والجبر فَألْقى الكراريس وأنشده الْبَيْتَيْنِ ثمَّ أخبرهُ بالرؤيا فَقضى الْعجب واستسر ثمَّ بعد قِيَامه من الْمجْلس أنْشدهُ قَوْله معتذراً ومتشكراً (لَئِن كَانَ قدري مثل مَا قلت عِنْدَمَا ... تواضعت إِذْ طبقت كتبك فِي الوسن) (فقد صَحَّ بالاحرى اتصافك بِالَّذِي ... وصفت بِهِ الْمُلُوك من ظَنك الْحسن) (لِأَنِّي وَإِن أحرزت ذَاك فإنني ... لديك أَخُو صمت وَأَنت لَك اللسن) وَكَانَت وَفَاته لست بَقينَ من صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَدفن فِي بَقِيع الْغَرْقَد ورثاه جمع مِنْهُم تِلْمِيذه أَحْمد بن شَيخنَا المرحوم إِبْرَاهِيم الخياري عمر الله تَعَالَى بِوُجُودِهِ مَدِينَة الْعلم فَإِنَّهُ رثاه بقصيدة طَوِيلَة أرخ وَفَاته فِيهَا بقوله (فجأ الْأَنَام جَمِيعهم ... خطب ألم بهم عَجِيب) (ومصيبة قد أوجبت ... للطفل فِيهَا أَن يشيب) (ورزية عظمت ... بدار الْمُصْطَفى طه الحبيب) (فقد الإِمَام الْحَافِظ ... الْعَلامَة الشهم الْخَطِيب) (فأجبتهم متأوها ... بِلِسَان محزون كئيب) (زل أول الْأَعْدَاد من ... تَارِيخه لتكن مُصِيب) (واسمع فقدوا فِي لنا ... تَارِيخه مَاتَ الْخَطِيب) وَمرَاده بِأول الْأَعْدَاد وَاحِد لَا الْمِيم كَمَا يتَوَهَّم على أَن زِيَادَة وَاحِد أَو اثْنَيْنِ فِي الْعدَد لَا يضر فِي التَّارِيخ كَمَا قيل فليفهم الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الرَّزَّاق بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَحْمد الْمَشْهُور بالمغربي الرَّشِيدِيّ المولد والوفاة الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُحَرر النقاد المفنن كَانَ فَاضلا كَامِلا صَاحب براعة وفصاحة عقدت عَلَيْهِ الخناصر وأقرت بفضله عُلَمَاء عصره حفظ الْقُرْآن بِبَلَدِهِ وَأخذ بهَا عَن الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْبُرُلُّسِيّ وَمُحَمّد الشَّاب وَعلي الْخياط ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وجاور بالجامع الْأَزْهَر وَأخذ عَن شُيُوخ كثيرين ولازم الْعَلَاء الشبراملسي وَبِه تخرج وبرع فِي الْعُلُوم النقلية والعقلية حَتَّى فاق أقرانه وَرجع إِلَى بَلَده وَصَارَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 بهَا شيخ الشَّافِعِيَّة وَعَكَفَ على التدريس وَشهر بهَا شهرة كَبِيرَة وَألف المؤلفات العجيبة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْمِنْهَاج للرملي فِي مجلدين وَمِنْهَا منظومة تسمى تيجان العنوان جعلهَا على أسلوب عنوان الشّرف لِابْنِ الْمقري لم يسْبق إِلَى مثلهَا قرظ لَهُ عَلَيْهَا عُلَمَاء بَلَده وَغَيرهم وَمِمَّا قيل فِيهَا (أنظر إِلَيْهِ مصنفاً ... تَجدهُ قد حَاز الطّرف) (لم يحو سطر مثله ... فِي غابر مِمَّا سلف) (روضاً نضيراً يانعاً ... وردا هنى المرتشف) (فَكَأَنَّمَا أَلْفَاظه ... در عرين من الصدف) (وكأنما أبياته ... غرر الْكَوَاكِب فِي الشّرف) (لَا غرو أَن لقبتها ... تيجان عنوان الشّرف) وَكَانَت وَفَاته فِي شعْبَان سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف برشيد وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن بن سراج باجمال الْحَضْرَمِيّ الشَّافِعِي كَانَ من الْفُقَهَاء الْمُحَقِّقين وَالْعُلَمَاء المتضلعين ذكره الشلي وَقَالَ فِي تَرْجَمته ولد بالغرفة وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ على وَالِده الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن وَغَيره وجد فِي التَّحْصِيل حَتَّى صَار أعلم أهل بَلَده وَتَوَلَّى الْجَامِع بِبَلَدِهِ الغرفة وأضيفت إِلَيْهِ الْأَحْكَام وقصده النَّاس للْفَتْوَى وَكَانَ لَهُ الْيَد الطولي فِي تَحْقِيق المشكلات والاطلاع على الْمسَائِل العويصات وَكَانَ غزير الْعقل قوي الْفَهم والذهن كريم النَّفس لَهُ القريحة الوقادة والعبارة المنقادة سريع الْحِفْظ لما يعانيه وَله النّظم الرَّائِق والأجوبة المحققة الْوَاضِحَة المرضية جمعهَا وَلَده الْفَقِيه مُحَمَّد وَفَاته كثير مِنْهُمَا وَاخْتصرَ فتاوي شيخ الْإِسْلَام الشهَاب أَحْمد بن حجر الْكُبْرَى فِي مُجَلد والتقط فتاوي كثير من الْمُتَأَخِّرين قَالَ وَذكره تِلْمِيذه الشَّيْخ أَحْمد الأصبحي فِي مطالع الْأَنْوَار من بروج الْجمال بِبَيَان مَنَاقِب آل باجمال وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَدفن شَرْقي ضريح الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الله بن عمر باجمال بِبَلَدِهِ الغرفة من حَضرمَوْت وَآل باجمال قَالَ الْفَقِيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سراج فِي كِتَابه مواهب الْبر الرؤف بمناقب الشَّيْخ مَعْرُوف من الْمَعْلُوم قَدِيما وحديثاً أَنهم بَيت علم وَصَلَاح لَهُم من شرف النّسَب وكرم التَّقْوَى الْحَظ الأوفر وَلم تزل رفعتهم وعظمتهم واحترامهم عِنْد السلاطين والملوك وكافة النَّاس أشهر من الشَّمْس فِي رَابِعَة النَّهَار لَا يجهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 مقدراهم وَلَا يضام جوارهم فأموالهم مصونة مُحْتَرمَة وأعراضهم مبجلة مكرمَة إِكْرَاما وتعظيماً لشعائر الدّين إِذْ هم موضحو شَرِيعَة سيد الْمُرْسلين وَمِنْهُم الْعباد المخلصين وَقَالَ الْفَقِيه أَحْمد بن مُحَمَّد باجمال الأصبحي فِي مطالع الْأَنْوَار فِي بروج الْجمال بِبَيَان مَنَاقِب آل باجمال اعْلَم أَن باجمال بتَشْديد الْمِيم ينتسبون إِلَى كِنْدَة الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة وَكَانُوا مُلُوك حَضرمَوْت فِي الْجَاهِلِيَّة وَنقل عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن سراج أَنه قَالَ فِي مواهب الْبر الرؤف أَن جد آل باجمال ثَوْر بن مرتع بِضَم الْمِيم وَفتح الرَّاء وَكسر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة الْمُشَدّدَة ابْن مُعَاوِيَة بن ثَوْر بن عفير هُوَ كِنْدَة كَمَا فِي التَّهْذِيب وَكَانُوا وُلَاة ثَوْر فَأَخذهَا آل بانجاد فانتقلوا إِلَى شبام وجدهم الْجَامِع لجميعهم هُوَ الشَّيْخ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم فَجَمِيعهمْ منسوبون إِلَيْهِ وَكَانَ معاصر للشَّيْخ عبد الله بن مُحَمَّد باعباد الْقَدِيم ثمَّ قَالَ فَإِذا كَانَت الْقَبِيلَة منحصرة فِي جد مَعْلُوم وتشعب أَوْلَاده أفخاذاً فَإِذا مَاتَ وَاحِد مِنْهُم وَجَهل أقربهم إِلَيْهِ مَعَ تحقق أَن جد هَؤُلَاءِ الْمَوْجُودين وَالْمَيِّت زيد لَكِن جهلت الوسائط فقد اخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ فَأفْتى أَبُو قضام بِأَنَّهُ لَا بُد من ذكر المتوسطين بَين الْمَيِّت وَالْجد الْمَذْكُور والإحياء وَالْجد هَذَا لتعرف أصولهم المعدودة وَأفْتى جمَاعَة من الْفُقَهَاء تبعا لأبي قضام وَخَالف الْعَلامَة عبد الله بن عمر بامخرمة وَقَالَ هَذَا من الْإِرْث المحصور بِالِاسْتِحْقَاقِ وَقَالَ وَمحل معرفَة الوسائط فِي الْقَبِيلَة المنتشرة وَأما مَعَ الانحصار الْمُحَقق فَلَا يحْتَاج لمعْرِفَة الوسائط فَإِن علم أَعلَى دَرَجَة فالإرث لَهُ وَإِن لم يعلم وَادّعى ذَلِك كل وَاحِد من أَرْبَاب الْمِيرَاث المحصورين فِي ذَلِك الْجد الْمَذْكُور فَيُوقف الْمِيرَاث إِلَى إقرارهم بالأقرب أَو مناقلتهم بِالنذرِ لأَحَدهم لِأَن الْإِرْث وَالْحَالة هَذِه مُحَقّق مَحْصُور فيهم وَجرى على مَا قَالَه أَبُو مخرمَة الْفَقِيه عبد الله بن سراج وَقَالَ فِي كَلَام الشهَاب ابْن حجر مَا يشْهد لذَلِك وَالَّذِي نعتمده مَا قَالَه أَبُو مخرمَة لِأَن الْعلَّة تَقْتَضِيه الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الوارثي الْمصْرِيّ الْمَالِكِي الصديقي الْمَعْرُوف بالوارثي الإِمَام الْكَبِير الْمُفَسّر الْمُحدث وَنسبه إِلَى الصّديق مُتَّفق عَلَيْهِ ذكره السخاوي فِي تَارِيخه عِنْد ذكر جد بدر الدّين قَالَ عبد الْبر الفيومي فِي كِتَابه المنتزه وَرَأَيْت المنشور الَّذِي كتب لَهُ أَن يكون قَاضِي الْقُضَاة بالقطر الْمصْرِيّ من أحد الْمُلُوك وَهُوَ عِنْدهم مَوْجُود وَذكر فِيهِ اتِّصَال النّسَب وَأمه بنت الشَّيْخ أبي الْحسن الْبكْرِيّ فالشمس الْبكْرِيّ خَاله وَأم جده ولأمه شريفة وَله من جِهَة أم وَالِده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 إِلَى سَيِّدي يُوسُف العجمي انتساب وَكَانَ فِي وقته مرجع النَّاس للتلقي والاستفادة وَكَانَ لَهُ الْيَد الطولي فِي غَالب الْعُلُوم وَله تحريرات كَثِيرَة مِنْهَا الْأَجْوِبَة عَن الأسئلة لِابْنِ عبد السَّلَام فِي التَّفْسِير وَله تَفْسِير بعض الْمفصل من السُّور وَغير ذَلِك من الرسائل فِي التَّفْسِير كتب على متن التَّهْذِيب فِي الْمنطق ونظم عقيدة لَهَا حسن أسلوب لَكِن عباراتها مغلقة وَشرع فِي اخْتِصَار الْمَوَاهِب فَكتب قِطْعَة وَمَات وَلم يكمله وَله قصائد ومقاطيع وَقد تَرْجَمته فِي كتابي النفحة فَقلت فِي وَصفه لست أَدْرِي مَاذَا أَقُول فِيمَن ورث الْمجد خلفا عَن سلف وعجزت عَن أَوْصَافه الألسن وَمَا هجس لَهَا فِي الْمُبَالغَة سرف فَلَو أدْرك زمن النُّبُوَّة نزلت آي الْقُرْآن بشواهد علاهُ أَو لحق الصّديق لقَالَ هَذَا وارثي لاسواه فَهُوَ إِمَام التَّفْسِير والْحَدِيث الراقي علو الْإِسْنَاد مِنْهُ فِي الْقَدِيم والْحَدِيث بل الْعلم فِي كل علم بِلَا خلاف الَّذِي إِذا كشف عَن المعضلات كَانَ نعم الْكَشَّاف فعطا رد تلميذ أفادته وَالْمُشْتَرِي مُشْتَرِي سعادته فَلَو أدْرك التَّفْتَازَانِيّ لقيل أدْركهُ السعد أَو السَّيِّد لحصل على أمْنِيته من غير وعد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَاتِمَة الْمُحَقِّقين وإنسان عين المدققين وَكَانَ من الْأَدَب فِي سنامه وكاهله تحوم الآراء حول موارده فترتوي من مناهله وَله نظم ونثر كَمَا انتظمت الأزهار بعد مَا انتثرت عَلَيْهَا دراري الأمطار فَمن نظمه قَوْله (وَإِنِّي لصب فِي القوافي ومدحها ... ويبلغ بِي حد السرُور بليغها) (وَأطيب أوقاتي من الدَّهْر لَيْلَة ... تريغ القوافي خاطري وأريغها) (وَكم بلغت بِي همتي بعد غَايَة ... يعز على الشعرى العبور بُلُوغهَا) (فَمَا سرني إِلَّا كَلَام أسيغه ... بمسمع واع أَو معَان أصوغها) وَقَوله (مَاذَا تَقُولِينَ فِيمَن شفه سقم ... من فرط حبك حَتَّى صَار حيراناً) (قد لَاذَ فِي الْحبّ حَتَّى صَار مكتئبا ... والعشق أضرم فِيهِ الْيَوْم نيرانا) (هَل يشتفي مِنْك بالثغر الرَّحِيق إِذا ... أَو تتركيه على الأدنان ندمانا) وَكتب إِلَى بعض وزراء مصر (يَا أَيهَا الْمولى الْوَزير من لَهُ ... من حللن من الزَّمَان وثاقي) (من شَاكر عني يَديك فإنني ... من عظم مَا أوليت ضَاقَ نطاقي) (منن تخف على يَديك وَإِنَّمَا ... ثقلت مواهبها على الْأَعْنَاق) وَله فِيمَن اسْمه بدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 (سموهُ بَدْرًا وَذَاكَ لما ... أَن فاق فِي حسنه وتما) (وَأجْمع النَّاس من مذ رَأَوْهُ ... بِأَنَّهُ اسْم على مُسَمّى) وَله (وَكم لله من نعم ... يعم الْكَوْن مَا طرها) (تذكرنا أوائلها ... بِمَا تولى أواخرها) وَله (رمت حَال الْوَصْل إِنِّي ... لَا أرى للوصل آخر) (فَحرمت الْوَصْل رَأْسا ... زَاد بِي الوجد فحاذر) وَله غير ذَلِك وَذكره الشَّيْخ الإِمَام عبد الْبَاقِي الْحَنْبَلِيّ الْآتِي ذكره فِي مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ عِنْدَمَا ذكره وَلما وصلت إِلَى غَزَّة فِي سَفَرِي إِلَى مصر سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف شاع خبر وَفَاته وَصلى عَلَيْهِ غَائِبَة بهَا وَدخلت إِلَى مصر فَوَجَدته بِالْحَيَاةِ فهنيته بالسلامة وأخبرته بِمَا شاع وعاش بعْدهَا عشر سِنِين قلت وَقد ذكر عبد الْبر الفيومي أَنه توفّي فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الْعَزِيز السجلماسي العباسي من أدباء الْمغرب المجيدين وفضلائها البارعين حج فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف وجاور بِمَكَّة وأقرأ بِالْحرم الشريف وأملى أدبا وشعرا فَمن ذَلِك فِي هَذِه القصيدة قَالَ اتّفق لي أَن خرج ابْن لمولاي رشيد صَاحب الْمغرب لينْظر إِلَى إبل وخيل وَردت عَلَيْهِ من بعض أَحيَاء الْعَرَب فَأَقَامَ عِنْدهَا أَيَّامًا واشتغل خاطر أَبِيه فَأمرنِي أَن أكتب إِلَيْهِ كتابا فَكتبت إِلَيْهِ قولي (بلت مدامعه البطاح ... سَكرَان حب غير صَاح) (وضع الْيَدَيْنِ على الحشاشة ... من تحرقه وَصَاح) (صب تولع مذ نشا ... بنواهد الغيد الملاح) (الفاتكات بِلَا ظبا ... والقاتلات بِلَا جنَاح) (هن الفواعل بالحشا ... فعل المثقفة الرماح) (من كل غانية حكت ... غصنا تلاعبه الرِّيَاح) (تبغي النهوض بخصرها ... ويردها الكفل الرداح) (فَكَأَنَّهَا غُصْن إِذا ... انتفلت عَلَيْهِ الْبَدْر لَاحَ) (وتخالها ظَبْيًا إِذا التفتت ... إِلَيْهِ السرب رَاح) (ترنو بهَا روتية ... مقل مريضات صِحَاح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 (غنج سِهَام جفونها ... تصمى الْفُؤَاد بِلَا جراح) (وقطوف رَوْضَة خدها ... شبه الشقائق فِي البطاح) (من لي برشف لمى حكى ... مختوم صهباء وَرَاح) (وصفيف ثغر اشنب ... يحكيه مطلول الأقاح) (نفحاته مسكية ... ورضا بِهِ عذب قراح) (يَا أَيهَا الْبَدْر الَّذِي ... لحرام قتلتي استباح) (أَو مَا كفتك مراشف ... تفتر عَن فلق الصَّباح) (لم يلق صب إِذْ بَدَت ... سمعا لحي على الْفَلاح) (ولطالما يخفى الصبابة ... بالمغالط والمزاح) (والدمع نم بسره ... وبحاله الْمكنون باح) (يَا أَيهَا المشغوف بالغيد ... المكعبة الملاح) (فلئن بَكَيْت تشوقا ... فَمن الَّذِي بالشوق ناح) (وَلَئِن سقمت من الجوى ... فَمن الَّذِي بِالسقمِ جاح) (شط المزار وَلَا أرى ... لَك فِي الصبابة من نجاح) (أنساك من سكن الحشا ... حب الصوافن واللقاح) (وتعاهد الْعَسَل الَّتِي ... قرت عيونك بالرداح) (من كل شَائِلَة حكت ... مزنا تراكم فِي المراح) (ورضاب عذب الثغر قد ... انساكه وضع القداح) (ومشاهد عوضتها ... بمفا وزهت براح) (وأفاضل يهْدُونَ من ... طرف القريض إِلَى الصَّباح) (لطفا قد أبدلتهم ... بوغود أَعْرَاب فحاح) (عجبا عنانك لاويا ... لعنان أَفْرَاس جماح) (فَأَبَوا القصيدة أَحْمد ... قَاض بِذَاكَ وَلَا جنَاح) وَكَانَ سَافر إِلَى مصر فأدركه أَجله فِي شهر ربيع الثَّانِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الْقَادِر بن عمر الدوعني الْحَضْرَمِيّ خُلَاصَة الخلان مأمن المخلصين وصفوة الصفوة من الصُّوفِيَّة الْمُحَقِّقين وزبدة الزبدة من أهل التَّمْكِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 أَمَام أهل الْعرْفَان فِي عصره وَشَيخ الْأَوْلِيَاء فِي قطره كَانَ لَهُ فِي علم التَّحْقِيق المشرب الصفي وَالْمقَام الْأَكْمَل الوفي ورزقه الله تَعَالَى حسن الْعبارَة فَكَانَ يتَكَلَّم بالفتوحات الالهية وَكَانَت السَّادة آل باعلوي مَعَ جلالتهم تخضع لَهُ وَتَأْخُذ عَنهُ وتتبرك بِهِ ولازمه مِنْهُم أَئِمَّة عارفون وَبِه تخْرجُوا وببركة علومه وانتفعوا وَكَانَ إِذا أَتَتْهُ الجذبات الالهية يغيب عَن شعوره وَهُوَ حَافظ لمراتب الشَّرِيعَة وَقد قَالَ بعض الصُّوفِيَّة من لم يحفظ الْمَرَاتِب فَهُوَ زنديق وَألف الرسائل المقبولة مِنْهَا شرح أَبْيَات مشكلة للشَّيْخ الْأَكْبَر ابْن عَرَبِيّ وَشرح مشكلات الْأَمر الْمُحكم المربوط وَفتح مغلقاته الَّتِي هِيَ بسر الذَّات الأحدية مَنُوط ولوامع أنوار حلية الْفقر من مطالع أسرار مَسَافَة الْقصر وحزب سَمَّاهُ حزب الْفَتْح والنصر وَكَانَ مُولَعا بكتب الشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ قَائِلا بالوحدة الوجودية الَّتِي عَلَيْهَا أَصْحَاب التَّمْكِين وكراماته فِي أرضه شهيرة أفردها بعض الحضرميين بالتأليف وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ ولازمه سِنِين الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى على بارأس الدوعني وَغَيره من اكابر العارفين وَكَانَت وَفَاته فِي ثَانِي عشر شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف بِبَلَدِهِ الرِّبَاط من اعمال دوعن وَبنى عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة وأعقب ذُرِّيَّة صَالِحَة رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عبد اللَّطِيف بن القَاضِي أَحْمد بن شمس الدّين بن عَليّ الْمصْرِيّ البشبيشي الشَّافِعِي الإِمَام الْعَالم الْمُحَقق الْحجَّة النقال كَانَ متضلعاً من فنون كَثِيرَة قوي الحافظة ميالاً نَحْو الدقة لَهُ تصرف فِي الْعبارَات ذكره الْأَخ الأديب الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله فِيمَن ذكر من مشايخه وَأَطْنَبَ فِي مدحه وَكنت كثيرا مَا أذاكره فِي شَأْنه فيبالغ وَيذكر من فضائله وعلومه مَا يقْضِي ببراعته وتفوقه على نَظَائِره من أهل عصره قَالَ وَقد ولد بِبَلَدِهِ بشبيش سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَحفظ بهَا الْقُرْآن ولازم من مشايخها الشَّيْخ عَليّ الْمحلي وَقَرَأَ بالمحلة على الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى القطب الرباني حسن البدري ولازمه كثيرا وبشره بأَشْيَاء حصلت لَهُ وَكَانَ يمس بدنه فِي ابْتِدَاء طلبه الْعلم وَيَقُول لَهُ يَا أَحْمد أضلاعك ملآنة من الْعلم حَتَّى كَانَ الْأَمر كَذَلِك ثمَّ رَحل إِلَى مصر وَقَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ سُلْطَان المزاحي ولازمه فِي الْفِقْه والْحَدِيث والفرائض والعربية وَغَيرهَا نَحْو خمس عشرَة سنة ولازم أَبَا الضياء على الشبراملسي فِي العقائد والنحو وَالْأُصُول حَتَّى تخرج بِهِ وَأخذ عَن الْحَافِظ الشَّمْس البابلي الشَّوْبَرِيّ وَالشَّيْخ يس الْحِمصِي وسري الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 مُحَمَّد الدروري الْحَنَفِيّ وتصدر للإقراء والتدريس بالجامع الْأَزْهَر وَاجْتمعت عَلَيْهِ الأفاضل وَجلسَ فِي مَحل شَيْخه سُلْطَان المزاحي فلازمه جماعته ودرس فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية وَحج فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَأقَام بِمَكَّة يدرس وانتفع بِهِ جمَاعَة من أَهلهَا وَقد سَمِعت الثَّنَاء عَلَيْهِ وعَلى فضائله من كثير مِنْهُم ثمَّ توجه إِلَى مصر وسافر مِنْهَا إِلَى بَلَده بشبيش لصلة رَحمَه فأدركه بهَا الْحمام وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سلخ رَجَب سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَكنت أَنا وَجَمَاعَة من أَصْحَابنَا بِدِمَشْق فَذكر بعض الْحَاضِرين أَنه توفّي فراجعت الْفِكر فِي لَفْظَة مَاتَ البشبيشي فَوَجَدتهَا تَارِيخ وَفَاته فَذكرت ذَلِك للحاضرين وشاع هَذَا التَّارِيخ عني وَهُوَ بِكَسْر أَوله وثالثه بَينهمَا شين مُعْجمَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت ثمَّ شين مُعْجمَة ثَانِيَة قَرْيَة من أَعمال الْمحلة بالغربية الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب بن حسن بن أبي نمى شرِيف مَكَّة وَتقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة عَمه الشريف أبي طَالب كَانَ هَذَا الشريف من أدأب أهل بَيته فَاضلا نبيها نجيباً جيد الذكاء وَكَانَ حسن الصُّورَة عَظِيم الهيبة أَخذ فِي بَدْء أمره الطَّرِيق عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد الشناوي وَهُوَ الَّذِي بشره بِولَايَة مَكَّة لكنه قَالَ لَهُ على الشَّهَادَة يَا أَحْمد فَقَالَ على الشَّهَادَة وَكَانَ كثيرا مَا يكنى عَنْهَا بِطُلُوع الشَّمْس وَلما تولى أَمر مَكَّة استولى على أَمْوَال النَّاس وَلم يرحم أحدا وعاقب كثيرا مِمَّن كَانَ قبل استبعدها عَنهُ وسخر مِنْهُ وَكَانَ لَهُ أخدان وجلساء قبل الْولَايَة فَعجل لَهُم الأذية مِنْهُم السَّيِّد سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ وَالشَّيْخ أَحْمد القشاشي وَالشَّيْخ مُحَمَّد الْقُدسِي خَليفَة سَيِّدي أَحْمد البدوي فحبس الْجَمِيع وَثقل عَلَيْهِم حَتَّى افْتَدَوْا أنفسهم بِمَال جزيل وَذَلِكَ بوشاية شخص يُقَال لَهُ ألماس وَاسْتمرّ متغلباً على مَكَّة وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مغلوب عَلَيْهِ وَاسْتولى على أَمْوَال مَكَّة ورقاب أَهلهَا وصادر التُّجَّار وَحبس من حبس وَقتل من قتل فنفرت النَّاس وجلت عَن مَكَّة وخالفت الْقَبَائِل وتقطعت الطّرق وَأكْثر الْعَسْكَر الْفساد فِي إشراف الْبِلَاد وَسَكنُوا بيُوت الْأَشْرَاف وانتهكوا حرمتهم وَقبض على جمَاعَة من الْأَعْيَان من أَجلهم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي وحبسه مغضباً عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ موسم سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف قدم الْحَاج الْمصْرِيّ وأميره إِذْ ذَاك قانصوه باشا وَكَانَ بَينه وَبَين المرشدي مَوَدَّة أكيدة ومكاتبات سَابِقَة فَلَمَّا صعد الحجيج إِلَى عَرَفَة أَتَى حَرِيم المرشدي إِلَى مخيم قانصوه مستشفعين بِهِ إِلَى الشريف أَحْمد ابْن عبد الْمطلب فِي إِطْلَاقه من الْحَبْس فرق لَهُنَّ رقة عَظِيمَة وَتوجه إِلَى الشريف يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 عَرَفَة مستشفا بِهِ فَلم يقبل رَجَاءَهُ فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة النَّحْر أَمر بِهِ فخنق شَهِيدا وَكَانَ ذَلِك سَببا لوُقُوع مَا وَقع من قانصوه باشا فِي الشريف أَحْمد ثَانِيًا لما قدم أَمِيرا على الْيمن ثمَّ اسْتمرّ قانصوه مُتَوَجها لفتح الْيمن وصحبته العساكر وعدتها ثَلَاثُونَ ألفا وَضرب مخيمه أَسْفَل مَكَّة وَكَانَ بَين الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس وَبَين الشريف الْمَذْكُور ممالأة ومواطأة قبل نُزُوله لبندر جده مضمونها أَنِّي لَا أُرِيد الْملك لنَفْسي إِنَّمَا أُرِيد لَك أَو هُوَ بَيْننَا فخذل عني من اسْتَطَعْت من آل أبي نمى وثبطهم وَحل عزائمهم ووعده بذلك فَفعل مَا فعل وَحصل بِهِ على الشريف محسن مَا حصل وَللَّه الْأَمر فَلَمَّا نزل الشريف أَحْمد إِلَى جدة تقمصها لنَفسِهِ وَلم يَفِ الشريف مَسْعُود بِبَعْض تِلْكَ العهود بل أَرَادَ قَتله ففر إِلَى قانصوه والتجأ إِلَيْهِ فصادف قانصوه مَمْلُوء بالوجأ على الشريف أَحْمد فَلَمَّا أقبل قانصوه قَاصِدا لليمن لاقاه الشريف مَسْعُود من الينبع أَو الحورا وَجَاء مَعَه مختفياً وواجه فِي الْمَجِيء الأول الشريف أَحْمد قانصوه بالزاهر ورد عَلَيْهِ تَحِيَّة الْقدوم وعزم على محاربة قانصوه فازداد قانصوه عَلَيْهِ حنقاً على حنق وَشرع يستميل عَسْكَر الشريف فأطاعوه فَخَرجُوا من مَكَّة ثمَّ خيم قانصوه وَلما أَن قَضَت الْحجَّاج مناسكهم وذهبوا إِلَى بِلَادهمْ تخلف قانصوه بثقله أَسْفَل مَكَّة فَلَمَّا تحرّك السّفر قدم ثقله وَلم يبْق إِلَّا مخيمه وخيام الْعَسْكَر فَأَشَارَ قانصوه إِلَى شخص يتعاطى خدمته من أَبنَاء الطّواف يُسمى مُحَمَّد المياس أَنه يحسن للسَّيِّد أَحْمد الْوُصُول إِلَى قانصوه للوداع فَفعل وَذهب إِلَى الشريف أَحْمد وَحسن لَهُ ذَلِك يَوْم السبت رَابِع عشر صفر فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْأَحَد خَامِس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف ركب الشريف أَحْمد إِلَيْهِ وصحبته من الْأَشْرَاف بشير بن بشير بن أبي نمى وَمُحَمّد بن حسن بن صيقان وراجح بن أبي سعيد وَمن أعوانه وزيره مقبل الهجاني وَأحمد البشوتي مُتَوَلِّي بَيت المَال وفليفل فَلم يزَالُوا يدْخلُونَ فِي المخيم من بَاب إِلَى بَاب حَتَّى وصلوا إِلَيْهِ فتحادثا مَلِيًّا ثمَّ نصبا نطع الشطرنج فَلَمَّا كَانَت السَّاعَة الْخَامِسَة من اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة قبض على الْجَمِيع فَقتل الشريف أَحْمد فتحركت عساكره فأظهره لَهُم مقتولاً وَنشر الْعلم وتودى الْمُطِيع للسُّلْطَان يقف تَحْتَهُ وقفت العساكر تَحْتَهُ وخلع على الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس وَكَانَ للشريف أَحْمد زوجان من القنا الطَّوِيل جدا بُسْتَان مَذْهَب تَحْتَهُ أكرة من الْفضة مطلية يحمل كل وَاحِد رجل يمشي على قَدَمَيْهِ إِذا سَار فِي موكبه يسيران أَمَامه قَرِيبا مِنْهُ يصوبانهما ويصعد أَنَّهُمَا بحركة سريعة لَطِيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 التصويب والتصعيد على حد سَوَاء وَرُبمَا كَانَ فيهمَا أَجْرَاس قلت رَأَيْت بِخَط بعض الْفُضَلَاء أَن هَذَا يَفْعَله أَئِمَّة الْيمن وأكابر أمرائه إِلَى الْآن إِذا سَارُوا فِي المواكب انْتهى وَلَيْسَ أهل الْيمن أول من ابتدعه فقد كَانَ يَفْعَله الْخُلَفَاء العباسيون وَقد ذكر ذَلِك شعراؤهم فِي قصائدهم قَالَ القَاضِي تَاج الدّين الأرجاني من قصيدة يمدح بهَا المستظهر بِاللَّه الْخَلِيفَة العباسي (وألوية مِنْهُنَّ صقران أوفيا ... على علمي رُمْحَيْنِ فاكتنفاكا) (وَلَيْسَ سوى النسرين من أفقيهما ... لحبهما نيل العلى تبعاكا) وَكَانَ إِذا سَار بِاللَّيْلِ لَا يُوقد بَين يَدَيْهِ إِلَّا الشمع الموكبي بَدَلا عَن المشاعل وَكَانَ دُخُوله مَكَّة متملكالها وأجفل الشريف محسن وَبني عَمه عَنْهَا ضحى يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر شهر رَمَضَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ فَكَانَ يتبجح وَيَقُول فتحت مَكَّة بِالسَّيْفِ كَمَا فتحهَا رَسُول الله ودخلتها فِي الْيَوْم الَّذِي دَخلهَا فِيهِ رَسُول الله قَالَ صاحبنا ومولانا الشَّيْخ عبد الْملك بن حُسَيْن العصامي حفظ الله تَعَالَى بِوُجُود زِينَة الْفضل أما قَوْله كَمَا فتحهَا الح فَالْمَشْهُور وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّهَا لم تفتح عنْوَة وَإِنَّمَا فتحت صلحا وَمَا وَقع من خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ قَاتل بعض قتال مَعَ الْأَحَابِيش وَعبد أَن أهل مَكَّة فِي أَسْفَل مَكَّة وَقد نَهَاهُ عَن الْقِتَال وَلكنه لما قوتل قَاتل وَهَذَا هُوَ شُبْهَة الْقَائِل بِأَنَّهَا فتحت عنْوَة وَأما قَوْله فَدَخلَهَا إِلَى آخِره فحطأ لِأَنَّهُ لم يدخلهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سَابِع عشرَة وَإِنَّمَا دَخلهَا ثامن عشرَة وهب أَنه دَخلهَا كَذَلِك وَلَكِن أَيْن هَذَا الدُّخُول من ذَلِك فَإِن هَذَا حرأة وبغى على حرم الله وسكان حرمه وذرية نبيه إِذْ فِي ضمن هَذَا التَّشْبِيه تَشْبِيه من فِيهَا من الْمُسلمين الْآن بالمشركين أذ ذَاك وَقَالَ فِي ذَاك يُوسُف بن إِبْرَاهِيم المنهار (سنة السَّبع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْألف ... جَاءَت بِمَا ينفر بالطبع) (دخل السَّبع مَكَّة الله ... بالجند وَلَا شكّ أَنَّهَا سنة السَّبع) وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سنة وَاحِدَة وَأَرْبَعَة أشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم أَحْمد بن عُثْمَان بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْعزي بِالْعينِ الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة الْمصْرِيّ الْمَالِكِي الشَّاعِر البليغ ذكره الخفاجي فِي كِتَابيه وَقَالَ فِي وَصفه شَاب رَقِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الجلباب يقطر من إهابه مَاء اللطافة والشباب تأدب وبرع ووعى مَا جمع منعكفاً فِي زَوَايَا الخمول ملتقطا جَوَاهِر الْفَضَائِل من أَفْوَاه الفحول كَانَ فِي زمن الطّلب حدني يجني من خمائله كَمَا أجني حَتَّى اقتطفت يَد الْمنية زهرَة حَيَاته وشربت اللَّيَالِي بقايا لذاته فَرَجَعت غير راج لإرتجاعه وطلوع بدره من ثنيات وداعه ووالده من شُيُوخ الغربية وصدور أنديتها الندية ثمَّ أنْشد لَهُ من شعره قَوْله (لَا زَالَ هَذَا الْجمع جمع سَلامَة ... لَا نقص بعروه وَلَا تَغْيِير) (وَالْجمع من أعدائكم فِي قلَّة ... ونقيض تِلْكَ الْقلَّة التكثير) قلت وَقد ظَفرت لَهُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وهما قَوْله (أَدَم يَا رب خلواتي بحبي ... لاقضي بالتواصل مِنْهُ ديني) (وَلَا تجْعَل هُنَاكَ سوى لساني ... سميراً بَين من أَهْوى وبيني) وَكَانَت وَفَاته فِي صفر سنة تسع بعد الْألف بعد وَالِده بأيام قَلَائِل أَحْمد بن عُثْمَان بن أبي بكر الْكرْدِي السهراني الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالمجروحي نزيل دمشق ورد إِلَيْهَا فِي سنة خمس وَعشْرين وَألف وَنزل عِنْده حَمْزَة الْكرْدِي أحد أَعْيَان الْجند بِالشَّام واقرأ أَوْلَاده مُدَّة ثمَّ انْتقل إِلَى عمَارَة شمسي أَحْمد باشا وَأقَام بهَا يقرى بِالْفَارِسِيَّةِ والعربية وَيكْتب الْكتب لنَفسِهِ وَأخذ عَن الشَّمْس الميداني وَحج فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وسافر إِلَى مصر فِي خدمَة قاضيها الْمولى شعْبَان بن ولي الدّين الْآتِي ذكره وَصَارَ فِي زَمَنه محاسب أوقافها ثمَّ أَتَى فِي خدمته إِلَى دمشق وَسَار إِلَى الرّوم سنة خمسين ولازم بعض الموَالِي وَأخذ الْمدرسَة اليونسية عَن القَاضِي أَحْمد الزريابي الْمَالِكِي وَعَاد فِي أواسط سنة إِحْدَى وَخمسين ثمَّ سَافر إِلَى الرّوم مرّة ثَانِيَة سنة سِتِّينَ وَأخذ الْمدرسَة الفجماسية بالفراغ من الملا أَحْمد بن الملاحيدر الْكرْدِي السهراني الْعَلامَة الْمَشْهُور صَاحب التحقيقات الفائقة ومؤلف الْحَوَاشِي على إِثْبَات الْوَاجِب للْمولى الدواني والحاشية على شرح الْمولى الْمَذْكُور للعقائد وَكَانَ قدم دمشق ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة وانتفع بِهِ جمَاعَة وَكَانَ من التَّحْقِيق والتدقيق فِي الذرْوَة الْعليا وَقد ذكرته هُنَا واكتفيت عَن ذكره فِي تَرْجَمَة أفردها لَهُ لِأَن وَفَاته لم تبلغني عَن يَقِين وَالْمَقْصُود ذكر الرجل وتعريف حَاله وأغلب الِاحْتِمَال أَن وَفَاته مَا جَاوَزت عشر السّبْعين وَالله أعلم وَكَانَ لما فرغ لصَاحب التَّرْجَمَة عَن الْمدرسَة الْمَذْكُورَة سَافر إِلَى الرّوم وَبعد مُدَّة تَوَجَّهت الْمدرسَة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 صَاحب التَّرْجَمَة فسافر إِلَى الرّوم مرّة ثَالِثَة وقررها وَعَاد على أحسن حَال وَكَانَ لَهُ فضل حسن محاضرة واطلاع على التواريخ وَالْأَخْبَار وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَان أَو تسع بعد الْألف وَتُوفِّي بِدِمَشْق قبيل الْغُرُوب من لَيْلَة الْجُمُعَة آخر شهر ربيع الثَّانِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير والسهراني بِضَم السِّين وَسُكُون الْهَاء وَبعدهَا رَاء وَألف وَنون نِسْبَة إِلَى بَلْدَة مَعْرُوفَة بِبِلَاد الأكراد وَالله أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد البسكري بِضَم الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة الصُّوفِي رحْلَة الْهِنْد فِي زَمَانه ذكره الشلي وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء جميلا ثمَّ قَالَ أَخذ عَن وَالِده وَعَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن شيخ العيدروس وَغَيرهمَا وَكَانَ لطيف الذَّات كَامِل الصِّفَات وَكَانَ أَكثر همه الاستعداد ليَوْم الْمعَاد قَالَ فِي النُّور السافر وَكَانَ صاحبنا أَحْمد الْمَذْكُور من أهل الْعلم وَالصَّلَاح مُتبعا للْكتاب وَالسّنة سالكا على نهج السّلف الصَّالح متصفا بالعفاف قانعا بالكفاف وَلَا يرى فِي أَكثر الْأَوْقَات إِلَّا مَشْغُولًا بمطالعة أَو كِتَابَة مظْهرا للجمالة لَهُ جملَة مصنفات وَكَانَ كف بَصَره قبل وَفَاته بِقَلِيل وَلِلنَّاسِ فِيهِ مدائح فَمن ذَلِك مَا قَالَه أديب الزَّمَان الشَّيْخ عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد الزبير فِيهِ من قصيدة (أعنى بِهِ أَحْمد الْمُخْتَار سيرته ... خلقا وخلقا سواهُ لَا يُسَاوِيه) (شهَاب نجل عَليّ البسكري بَلَدا ... الْمَالِكِي مذهبا من ذَا يضاهيه) (قد خصّه بجميل الْفضل خالقه ... بسرطي معَان فِي معاليه) (لَهُ بديع بَيَان فِي الْخطاب يرى ... وَغير لفظ وَقد جلت مَعَانِيه) (أخباره قد أَتَت فِي الْحَال تخبر عَن ... أَبْيَات أفكاره الْمَخْصُوص من فِيهِ) (حَدِيثه الْحسن العالي رِوَايَته ... أعلت لسامعه شَأْنًا وَرَاوِيه) وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر ربيع الثَّانِي سنة تسع بعد الْألف بِمَدِينَة أَحْمد آباد وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ بن عبد القدوس بن مُحَمَّد أَبُو الْمَوَاهِب الْمَعْرُوف بالشناوي الْمصْرِيّ ثمَّ الْمدنِي الاستاذ الْكَامِل المكمل الباهر الطَّرِيقَة ترجمان لِسَان الْقدَم كَانَ آيَة الله الباهرة فِي جَمِيع المعارف وَقد أَعلَى الله تَعَالَى مِقْدَاره وَنشر ذكره وَله بالحرمين الشُّهْرَة الطنانة أَخذ بِمصْر عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ والقطب مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ والنور الزيَادي وبالمدينة عَن السَّيِّد صبغة الله بن روح الله السندي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 أَخذ عَنهُ طَرِيق الْقَوْم وتلقن مِنْهُ الذّكر وَلبس الْخِرْقَة وَبِه تخرج فِي عُلُوم الْحَقَائِق وَقَامَ مقَامه للنَّاس فِي التربية والتلقين والإلباس والتحكيم وَمن مشايخه أَيْضا السَّيِّد غضنفر بن جَعْفَر البُخَارِيّ ثمَّ الْمدنِي وَأخذ عَنهُ كَثِيرُونَ مِنْهُم السَّيِّد سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ والصفي أَحْمد بن مُحَمَّد الدجاني الْمدنِي الْمَعْرُوف بالقاشي وَالسَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن عمر الحبشي الغرابي وَغَيرهم من العارفين وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحي وَله خلفاء فِي كل أَرض رتبهم عالية مَعْلُومَة وَله التصانيف الَّتِي لم ينسج على منوالها مِنْهَا حَاشِيَة على كتاب الْجَوَاهِر للغوث الْهِنْدِيّ والسطعات الأحمدية فِي رَوَائِح مدائح الذَّات المحمدية والتأصيل وَالتَّفْصِيل وَكتاب الإقليد الفريد فِي تَجْرِيد التَّوْحِيد وسعة الْأَخْلَاق وفواتح الصَّلَوَات الأحمدية فِي لوائح مدائح الذَّات المحمدية ورسالة فِي الْوحدَة الوجودية وَتمكن حَاله واشتهر مقاله وَكَانَ يَقُول فِيمَا حَكَاهُ الْعَلامَة أَحْمد البشبيشي لَو كَانَ الشعراني حَيا مَا وَسعه إِلَّا اتباعي وَكَانَ يَقُول لَا يدْخل النَّار من رَآنِي يَوْم الْقِيَامَة وَمثل هَذَا الإِمَام لَا يتَكَلَّم إِلَّا عَن أذن إلهي وَالسَّلَام على أهل التَّسْلِيم وَمن فَوَائده وَفِي أسانيدنا الأولى كَثْرَة الرِّجَال بِخِلَاف أَسَانِيد الْمُحدثين فَالْمُرَاد فِيهَا قلَّة الرِّجَال لسُهُولَة النَّقْد وَالْمرَاد هُنَا كَثْرَة الرِّجَال لتقوى المدد وتعظيم السَّنَد فَإِن للمتقدم على الْمُتَأَخر زِيَادَة وَله عَلَيْهِ إمداد وإفادة وَله الشّعْر البليغ فَمن ذَلِك قَوْله فِي تخميس قصيدة السودي الْمَشْهُورَة (كَيفَ تبدو الْعين بالأثر ... وَهِي تأبى الْغَيْر كالحصر) (صَحَّ فِيهَا قَول مُعْتَبر ... لَيْسَ عِنْد الْخلق من خبر) (عَنْك يَا أغلوطة الْفِكر ... ) (صَارَت الأنباء عَنْك عمى ... وشهود الْكَشْف فِيك وَمَا) (وَعَلِيم الْقَوْم مصطلما ... حارت الْأَلْبَاب فِيك وَمَا) (ميزت وردا من الصَّدْر ... ) (وحدة عزت مهيمنة ... جمعت للضد مرتبَة) (وجلت للعين تعمية ... حيرة عَمت فَأَي فَتى) (رام عرفانا وَلم يحر ... ) (فجلالا هوته طللا ... فبدانا سوته مثلا) (وعَلى إِطْلَاقه أزلا ... عميت أنباء ذَاك على) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 (كلهم فِي الْبَدْر والحضر ... ) (قصدُوا جمعا بِهِ صدعوا ... فراقوا فِي الْجمع فانقطعوا) (وهم عَنهُ بِهِ منعُوا ... فانثنوا وَالله مَا وَقَعُوا) (لَا على عين وَلَا أثر ... ) (قمحيط كَيفَ يَحْجُبهُ ... فَأَبت عَنْهُم مذاهبه) (وضيا الأمكان واجبه ... بل عَظِيم الْقَوْم مطلبه) (شدَّة التحيير والحصر ... ) (إِن دون الْحق لَيْسَ نبا ... فسوى الْقَوْم مِنْهُ هبا) (وجمال الْوَجْه مَا حجبا ... كَيفَ حَار وافيك وأعجبا) (يَا سنا سَمْعِي وَيَا بَصرِي ... ) (حكمه مَاء بمنعقد ... وَقيام الْفَرد فِي عدد) (قُمْت فيهم غير مُتحد ... أَنْت لَا تخفى على أحد) (غير أعشى الْفِكر وَالنَّظَر ... ) (أَو على رسم لَهُ شبه ... أَو على وسم بِهِ وَله) (أَو على من فرقه عَمه ... أَو على شخص بِهِ كمه) (لم يُشَاهد صُورَة الْقَمَر ... ) (فعلى تَحْقِيق رتبتهم ... أَنْت فِي إِطْلَاق نسبتهم) (وعَلى تعْيين وجهتهم ... أَنْت فيهم ظَاهر وبهم) (وَلَهُم لَوْلَا بقا الْأَثر ... ) (فهم مِنْهُم بهم عدم ... وَلَهُم فِي علمه قدم) (وهم من وَجهه أُمَم ... لَو تلاشت عَنْهُم ظلم) (وامحوا عَن عَالم الصُّور ... ) (فهم خلق يبسط وطا ... وهم حق بكشف غطا) (فَلَو أنهلوا هدى وسطا ... شاهدوا معناك منبسطا) (سائرا فِي سَائِر الْقطر ... ) (وَرَأَوا لله مَا حكمُوا ... وبعين الله مَا علمُوا) (وبوجه الْحق قد عصموا ... وَرَأَوا أَن الْحجاب هم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 (عَن شُهُود المنظر التضر ... ) وَله أَشْيَاء فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة وَكَانَت وِلَادَته فِي شَوَّال سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة بمحلة روح عَن غربية مصر وَتُوفِّي فِي ثامن الْحجَّة سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف بِالْمَدِينَةِ وَدفن ببقيع الْغَرْقَد بِالْقربِ من ضريح شَيْخه السَّيِّد صبغة الله رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ بن قَاسم أَبُو الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بالزقاق بزاي وقافين الْمَالِكِي الْفَقِيه الْحَافِظ عَالم بِلَاد الْمغرب وَرَئِيس جهابذتها فِي عصره وَكَانَ عَالما فَقِيها متكلماً نَاظرا عَظِيم الهيبة جليل الْقدر عالي الهمة أَخذ عَن أَبِيه وَغَيره وبرع وَقيد وَضبط وَألف وَمن تآليفه شرح منظومة أَبِيه فِي الْقَوَاعِد وَبَعض الرسَالَة والمدونة ومختصر خَلِيل ورحل وَحج وتفقه بِهِ كثير من أهل فاس ولازمه ابْن أَخِيه عبد الْوَهَّاب الزقاق وانتفع بِهِ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف ذكر هَذَا الشلي فِي تَارِيخه السَّيِّد أَحْمد بن عَليّ بن عَلَاء الدّين السَّيِّد الشريف الْمَعْرُوف بالصفوري الحسني الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي كَانَت لَهُ معرفَة تَامَّة بالفقه والعربية وَالشعر وأنواع الْأَدَب وَكَانَ حسن الْخلق جيد الْفَهم لَهُ همة عالية وطبيعة مطيعة قَرَأَ بِدِمَشْق على عبد الْحق الْحِجَازِي وَالْحسن البوريني والشرف الدِّمَشْقِي وَسمع الحَدِيث من الشَّمْس الميداني النَّجْم الْغَزِّي وَكَانَ معيداً لدرسيهما فِي صَحِيح البُخَارِيّ تَحت قبَّة النسْر بِجَامِع دمشق وسافر إِلَى حلب فِي سنة سِتّ عشرَة وَألف وَجرى لَهُ مَعَ أدبائها مطارحات وقفت عَلَيْهَا بِخَطِّهِ فِي بعض مجاميعه ودرس بدار الحَدِيث الأشرفية وَتَوَلَّى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بمحكمة الْبَاب بِدِمَشْق وَكَانَ حسن النزاهة فِي قَضَائِهِ مَشْهُور السمعة وَله شعر مستعذب عَلَيْهِ طلاوة وَفِيه رقة وعذوبة فَمن ذَلِك قَوْله (أيا رب قد مكنت فِي الْقلب حبه ... وحكمته فِي الصب بالْقَوْل وَالْفِعْل) (وألهمته الْأَعْرَاض عني وَلم تدع ... لقلبي صبرا عَنهُ فِي الهجر والوصل) (فألهمه إحساناً إِلَيّ فَلَيْسَ لي ... سوى لطفك الْمَعْهُود إِن لم يكن من لي) (وَإِلَّا فسو الْحبّ بيني وَبَينه ... فَإنَّك يَا مولَايَ تُوصَف بِالْعَدْلِ) هَذَا أسلوب لطيف يعرفهُ من لَهُ خبْرَة بقريض الشّعْر وَهُوَ نقل الْكَلَام من أسلوب إِلَى آخر تطرفاً كاستعماله الْغَزل مَا عهد اسْتِعْمَاله فِي الدُّعَاء كَقَوْل ابْن الْوَكِيل (يَا رب جفني قد جفاه هجوعه ... والوجد يَعْصِي مهجتي وَتُطِيعهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 (يَا رب قلبِي قد تصدع بالنوى ... فَإلَى مَتى هَذَا البعاد يروعه) (يَا رب بدر الْحَيّ غَابَ عَن الْحمى ... فَمَتَى أرَاهُ فِي القباب طلوعه) (يَا رب فِي الأظعان سَار فُؤَاده ... يَا ليته لَو كَانَ سَار جَمِيعه) (يَا رب لَا أدع البكا فِي حبهم ... من بعدهمْ جهد الْمقل دُمُوعه) (يَا رب عذب فِي الْهوى من سَاءَنِي ... بمقالة أحلى الْهوى ممنوعه) (يَا رب هَذَا بَيته وبعاده ... فَمَتَى يكون إيابه ورجوعه) وَمثله اسْتِعْمَال الْغَزل على طَرِيق الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة كَقَوْل الظريف (أعز الله أنصار الْعُيُون ... وخلد ملك هاتيك الجفون) (وأسبغ ظلّ ذَاك الشّعْر مِنْهُ ... على قدبه هيف الغصون) وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة قَوْله مضمناً (إِن جِئْت حَيّ أَمِيري صف لي شجني ... وَطول سقمي وَمَا ألْقى فَإِن سمعا) (فاشرح لَهُ حَال صب مغرم دنف ... قد قطع الْبعد عَنهُ قلبه قطعا) (لَا يسْتَقرّ بِهِ فِي منزل جَسَد ... وطرفه بعده وَالله مَا هجعا) (وَاذْكُر لَهُ إِن حبي زَاد فِيهِ وَهل ... يخْشَى تغير مَا فِي الطَّبْع قد طبعا) (وأنشده عهدا مضى فِي الرقمتين لنا ... والبدر شاهدنا لما إِلَيْهِ سعى) (عساه تعطفه تِلْكَ العهود وَكم ... خل إِلَى الْعَهْد والميثاق قد رجعا) (واسرع بلطف وَقل مستعطفاً ملكا ... بَيْتا إِلَى ذكره حَال المشوق دَعَا) (يَا ابْن الْكِرَام أَلا تَدْنُو فتبصر مَا ... قد حدثوك فاراء كمن سمع) هَذَا الْبَيْت مِمَّا كثر تضمنه قَدِيما وحديثاً وَلَا أَدْرِي لمن هُوَ وَفِيه عكس التَّشْبِيه إِذْ لَيْسَ المُرَاد جعل السَّامع أَو فِي دَرَجَة من الرَّائِي وَقَوله مضمنا أَيْضا (يَا من بِهِ بَدْء الْجمال وَمن غَدا ... لِلْحسنِ دون ذَوي الْكَمَال ختاما) (قد تمّ حسنك بالعذار فَمن رأى ... بَدْرًا يكون لَهُ الْكُسُوف تَمامًا) وَهَذَا الْبَيْت للأستاذ أبي الْفرج بن هِنْد وَقَبله (خلع العذار على جمالك خلعة ... خلعت قُلُوب العاشقين غراما) وللباخرزي فِيمَا يُقَارِبه وَهُوَ قَوْله (وَجه حكى الْوَصْل طيبا زانه صدغ ... كَأَنَّهُ الهجر فَوق الْوَصْل علقه) (وَقد رَأَيْت أَعَاجِيب الزَّمَان وَمَا ... رَأَيْت وصلا يكون الهجر رونقه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وللصفوري فِي الإعتذار قَوْله (أيا من فَضله والجود سارا ... مسير النسيرين بِلَا معَارض) (وعدتك سَيِّدي والوعد دين ... وَلَكِن مَا سلمت من الْعَوَارِض) قلت الْعَوَارِض مظْلمَة سلطانية تُؤْخَذ من الْبيُوت فِي الشَّام فِي كل سنة وَيُقَال أَنَّهَا من محدثات الْملك الظَّاهِر بيبرس وَبِهَذَا تمت لَهُ التورية وَمِمَّا يُعجبنِي فِي التَّعَرُّض لَهَا قَول الأكرمي الْمُقدم ذكره (لحى الله أَيَّام الْعَوَارِض أَنَّهَا ... هموم لرؤياها نشيب الْعَوَارِض) (يضيق لَهَا صَدْرِي وَإِنِّي لشاعر ... خليع وبيتي مَا عَلَيْهِ عوارض) وَقَالَ ملمحا بحكمة تروى عَن الإِمَام مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَهِي لَيْسَ بِحَكِيم من لَا يعاشر بِالْمَعْرُوفِ من لَا يجد بدا من معاشرته حَتَّى يَجْعَل الله لَهُ فرجا ومخرجا (إِذا أَنْت لم تقدر على ترك عشرَة ... لذِي شَوْكَة فانصح وعاشره بِالصّدقِ) (وَلَا تضجرن من ضيق مَا قد لَقيته ... عَسى فرج يَأْتِيك من خَالق الْخلق) وَله (إِذا أَنْت لم تقرب يناجيك خاطري ... وَإِن تدن مني فالجوارح أعين) (لِأَنَّك مطلوبي على كل حَالَة ... وَأَنَّك مختاري فرؤياك أحسن) وَفِي مَعْنَاهُ قَول القَاضِي إِسْمَاعِيل الْحِجَازِي الْآتِي ذكره (إِذا ألحت لي ناجتك كل جوارحي ... وَإِن غبت عَن عَيْني أناجيك بِالْقَلْبِ) (فَأَنت من قلبِي حُضُور أَو غيبَة ... وَأَنت ضيا عَيْني فِي حَالَة الْقرب) وَمن شعره قَوْله يمدح الْوَادي التحتاني أحد متنزهات دمشق (وَالله مَا رَأَتْ العينان مثلك يَا ... وَادي دمشق وَلم تسمع بِهِ أذن) (لانت كالجنة الفردوس إِذْ هَبَطت ... فِيك الْجَوَارِي وَالْولد أَن قد سكنوا) وَبِالْجُمْلَةِ فمحاسن السَّيِّد أَحْمد فِي الشّعْر كَثِيرَة فنكتفي مِنْهَا بِهَذَا الْقدر وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي خَامِس شعْبَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ الحريري العسالي الشَّافِعِي شيخ الخلوتية بِالشَّام الْبركَة الْوَلِيّ العابد الزَّاهِد نزيل دمشق وَأحد الْأَفْرَاد الْمُتَّفق على صَلَاحه وزهده وورعه وَكَانَ لَهُ فِي طَرِيق الْقَوْم كَلِمَات من النمط العالي وشاع أمره وطار صيته وَكَانَ وَالِده كردِي الأَصْل قدم من بَلْدَة حَرِير وَنزل بقرية عَسَّال من ضواحي دمشق فولد لَهُ بهَا أَحْمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 هَذَا فَدخل فِي صباه دمشق وَأخذ بهَا عَن بعض الصُّوفِيَّة ثمَّ ارتحل إِلَى حلب وَأخذ بهَا عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد الدرغراني من قَرْيَة دير غرَّة تَابع حلب وسافر إِلَى عينتاب وَاجْتمعَ بالشيخ شاه ولي الخلوتي وَعنهُ أَخذ طَرِيق الخلوتية وَرجع إِلَى دمشق وَسكن بصالحيتها مُدَّة مديدة وَكَانَت نواب الشَّام وقضاتها وأعيانها يسعون إِلَيْهِ ويلتمسون دعواته ويتبركون بِهِ وَرُبمَا أَخذ بَعضهم الطَّرِيق عَنهُ وَقد أَخذ عَنهُ من أهالي دمشق وَغَيرهَا خلق لَا يُحصونَ كَثْرَة وَكَانَت عَلَامَات الْولَايَة ظَاهِرَة عَلَيْهِ وَهُوَ فِي كل حَال مرضِي السمت وَحدث بعض الثِّقَات من أهل دمشق أَنه سَافر إِلَى مصر فِي حَيَاة العسالي فَاجْتمع بِبَعْض الخبيرين بفن الزايرجا فَسَأَلَهُ عَن قطب ذَلِك الْوَقْت فاستخرج أبياتاً باسم العسالي صَاحب التَّرْجَمَة وسكنه وشكله وقريته وَمَا زَالَ فِي إقبال من النَّاس وشهرة تَامَّة حَتَّى عمر لَهُ محافظ الشَّام أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بالكجك عِمَارَته بِالْقربِ من مَسْجِد الْقدَم وَكَانَ ذَلِك فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَنَقله إِلَيْهَا فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف فازداد اشتهاره وشاع خَبره وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ وَبَايَعَهُ من مَشَايِخ دمشق الْأُسْتَاذ الْكَبِير أَيُّوب وَالسَّيِّد مُحَمَّد العباسي شَيخنَا وَغَيرهمَا وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشر ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ تجاه قبَّة الْحَاج عقب صَلَاة الْجُمُعَة وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا وَدفن بالعمارة الْمَذْكُورَة والعسالي بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَبعدهَا سين مُهْملَة وَألف وَلَام نِسْبَة إِلَى قَرْيَة من قرى الْجُبَّة من نواحي دمشق والقطب مَعْرُوف وَقد ورد فِيهِ بعض الْآثَار وَنقل النَّجْم الغيطي عَن شَيْخه القَاضِي زَكَرِيَّا أَن القطب مَوْجُود فِي كل زمَان كلما مَاتَ قطب أَقَامَ الله مَكَانَهُ آخر وَهَذَا أَمر مَعْلُوم مَشْهُور وَالْمُنكر لذَلِك محروم من بركَة الأقطاب معترف بِأَن منَّة الله تَعَالَى لم تواجهه وليته إِذْ فَاتَهُ الْوُصُول إِلَيْهَا لَا يفوتهُ الْإِيمَان بهَا انْتهى وَأما الْوَصْف بالغوث المشتهر بَين الصُّوفِيَّة فَلم يثبت لَكِن أخرج الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبيد الله بن مُحَمَّد الْقَيْسِي قَالَ سَمِعت الْكِنَانِي يَقُول النُّقَبَاء ثلثمِائة والنجباء سَبْعُونَ والأبدال أَرْبَعُونَ والأخيار سَبْعَة والعمد أَرْبَعَة والغوث وَاحِد فمسكن النُّقَبَاء الْمغرب ومسكن النجباء مصر ومسكن الأبدال الشَّام والأخيار سائحون فِي الأَرْض والعمد فِي زَوَايَا الأَرْض ومسكن الْغَوْث مَكَّة فَإِذا عرضت الْحَاجة من أَمر الْعَامَّة ابتهل بهَا النُّقَبَاء ثمَّ النجباء ثمَّ الأبدال ثمَّ الأخيار ثمَّ الْعمد فَإِن أجِيبُوا وَإِلَّا ابتهل الْغَوْث فَلَا تتمّ مسئلته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 حى تجاب دَعوته والخلوتية معروفون ونسبوا إِلَى الْخلْوَة لِأَنَّهَا من لَوَازِم طريقتهم قَالَ الْأُسْتَاذ أَيُّوب فِي رسَالَته الاسمائية وليدخل الْخلْوَة السّريَّة وَهُوَ التفريد بِاللَّه ذكرا فِي وجوده والغيبة بِهِ عَمَّا سواهُ فَإِن تيَسّر مَعَ ذَلِك خلْوَة الشَّخْص عَن الْخلق بِأَن يجلس فِي مَكَان طَاهِر وَالْأَفْضَل أَن يكون مَسْجِد جمَاعَة وَأَن يَنْوِي الِاعْتِكَاف الصَّوْم الشَّرْعِيّ وَالْأولَى أَن يتجرد عَن كَثْرَة الْأكل وَالشرب إِذا أفطر وَإِذا ترك الشّرْب فَإِن ذَلِك أولى فَإِن الْعَطش فِي الطَّرِيق أَمر عَظِيم بل هُوَ مسرع الْفَتْح إِذا ساعد التَّوْفِيق والعناية وَيشْرب شَيْئا من المَاء والدبس أَو الْعَسَل وَيكون ذكره فِي الْخلْوَة لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِن عجز عَن ذكرهَا فِي الظَّاهِر فَيرجع إِلَى اسْمه فِي الْبَاطِن فيذكره وَلَا ينَام فِي اللَّيْل قَلِيلا وَلَا كثيرا بل بعد صَلَاة الأشراق لتنجلي لَهُ وقائعه وَإِن كَانُوا جمَاعَة فَكَذَلِك إِلَّا أَنهم يذكرُونَ الله جَمِيعًا بِقُوَّة عزم وَإِن وجد حاد ينشد لَهُم من كَلَام السادالصوفية فَلَا بَأْس ليروحهم فَإِن المجاهدة لَهَا كرب على النُّفُوس وَالْخلْوَة بِالْجِمَاعِ لَا تتجاوز الثَّلَاثَة أَيَّام وخلوة الْوَاحِد مَا شَاءَ من ثَلَاثَة وَسَبْعَة وَخَمْسَة عشر وَثَلَاثِينَ شهرا كَامِلا وَسبعين وعاماً ثمَّ الْعُمر كُله وَهُوَ الْخلْوَة الْمُطلقَة بالسر الْمُطلق قَالَ بَعضهم لَا يتَخَلَّص الْإِنْسَان من أَحْكَام النَّفس إِلَّا إِذا توالت مجاهدته وَتَتَابَعَتْ حولا كَامِلا فَلَا تعود أوصافها إِلَيْهِ وَإِن عَادَتْ لَا تستولي على الْإِنْسَان بل تَزُول بِأَدْنَى توجه بعد ذَلِك وَأما عندنَا فَإِن فعل ذَلِك فَلَا يَأْمَن بل يجمع بَين المجاهدة وَالْأَدب فِي عدم الركون إِلَى النَّفس السَّادة الخلوتية اخْتَارُوا فِي السلوك اثْنَي عشر اسْما تذكر بالترتيب شَيْئا بعد شء على حسب الْوَارِد فَلَا يذكر الثَّانِي حَتَّى ترد موارده على الأول وَيَقَع الْإِذْن بِذكر الثَّانِي فيذكر مَعَ قُوَّة الِاجْتِهَاد وثبات الجأش وعلو الهمة وَالثَّالِث وَالرَّابِع إِلَى الثَّانِي عشر وَذكرهَا لَهُ ثَلَاثَة شُرُوط الأول كِتْمَانه عَن سَائِر النَّاس الثَّانِي الطَّهَارَة فِي الْحس بالضوء أَو الْغسْل وَالْمعْنَى بالأخلاق الْحَسَنَة النافية للأخلاق السَّيئَة الثَّالِث المداومة عَلَيْهَا فِي كل حَال وَعدم المبالاة بالخلق فِي الإقبال والإدبار وَإِلَيْهِ فَهِيَ الاشارة بقوله تَعَالَى {وَاذْكُر اسْم رَبك وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا} وَقَالَ تَعَالَى {وَذكر اسْم ربه} فضلى وَإِن أَرَادَ السالك أَن يسْرع إِلَيْهِ الْخَيْر فليلزم الذّكر وليخلص فِيهِ إخلاصاً يحقر السرى فِي عينه كَأَنَّهُ بَاقٍ على عدميته الْأَصْلِيَّة وَهُوَ كَذَلِك فَلَا وجود لشَيْء مَعَ الْحق جلّ وَعلا أَحْمد بن عَليّ المحيرثي نِسْبَة إِلَى المحيرث كدريهم مُصَغرًا بَلْدَة من بِلَاد كوكبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ذكره ابْن أبي الرِّجَال فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي تَرْجَمته كَانَ من نَوَادِر الزَّمَان نبيها زكيا أحَاط بعلوم جمة وَتمكن من قَوَاعِد الْمَذْهَب ثمَّ قَرَأَ كتب الْحَنَفِيَّة وَولي الْقَضَاء للأروام بِصَنْعَاء وَقضى بمذهبهم وَكَانَ فِي عُلُوم الْمَعْقُول والأدوات نَسِيج وَحده وَكَانَ يقْضِي للأروام بلغتهم وللفارسيين بلغتهم وللعرب بلغتهم وَكَانَ من أَعْيَان الزيدية قَرَأَ على الْمُفْتِي وَغَيره مِنْهُم ثمَّ أخلط فِي آخر عمره قَالَ حكى بعض الشَّافِعِيَّة اخْتَلَط صَاحب التَّرْجَمَة لجودة ذكائه وأحرقت إِلَّا لمعية عقله وَكَانَ يذكر أَنه الْمهْدي المنتظر وَمن أرجوزة لَهُ إِلَى السَّيِّد أَحْمد بن الإِمَام الْقَاسِم وَولد أَخِيه الْحُسَيْن قَالَ فِيهَا (من الإِمَام الْمهْدي المرتضى للرشد ... إِلَى المليك أَحْمد ثمَّ الْحُسَيْن الأرشد) إِلَى آخرهَا وَتارَة يَقُول أَنه الدَّابَّة الَّتِي تكلم النَّاس وَله أجوبة مسكتة وأشعار فائقة فِي ضبط الْعُلُوم وَمن شعره قَوْله (قَاضِي الْجمال أَتَى يجر ذيوله ... كالغصن حَرَكَة النسيم الساري) (لبس السوَاد فَعَاد بدر فِي الدجى ... لبس الْبيَاض فَكَانَ شمس نَهَار) (قَالَت رياض الْحسن هَذَا مالكي ... قد أَقرَأ الْحَنَفِيّ فِي الأزهار) ثمَّ دخل مَكَّة فاشتغل بِهِ الْعلمَاء هُنَالك وَكَانَ مكي فروخ الْحَنَفِيّ على جلالة قدره بِخِدْمَة للطهور وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فِي إِفْرَاد سنة خمسين وَألف أَحْمد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد جلاخ باقشير الشَّيْخ الإِمَام المفنن فِي الْعُلُوم ولد بحضرموت ببلدة الْمُسَمَّاة بالعجر وَحفظ الْقُرْآن على يَد جد لأمه الْهَادِي باقشير وَقَرَأَ بالتجويد وَحفظ الجزرية وَغَيرهَا من فن القراآت والتجويد وَحفظ الْإِرْشَاد والألفية والقطر وَغَيرهَا وَجل محفوظاته على مشايخه ولازم جده الْمَذْكُور وَأخذ عَنهُ التصوف ورباه فَأحْسن تَرْبِيَته وَأخذ عَن جمَاعَة بحضرموت ثمَّ رَحل إِلَى المستفاض وَأقَام عِنْد ضريح الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ الْجَوْهَرِي مُدَّة لتعليم الْقُرْآن وتدريس الْعلم النافع وانتفع بِهِ كثير من أهل تِلْكَ الْجِهَة ثمَّ ارتحل إِلَى مَكَّة المكرمة وَحج وَأقَام بهَا وتبوأ صحن مَسْجِدهَا الشريف فلقي مَكَّة سَادَات أَعْلَام كالشيخ عبد الله باقشير أَخذ عَنهُ علم التَّوْحِيد القراآت وَقَرَأَ عَلَيْهِ للسبع بعد أَن حفظ الشاطبية وحلها عَلَيْهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرحها وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي وَعَن الشَّيْخ عَليّ الْجمال الْفِقْه والفرائض والحساب ولازمه فِي هذَيْن الفنين وَأخذ الْفَرَائِض والحساب وَأَيْضًا عَن الشَّيْخ أَحْمد بن تَاج الدّين رَئِيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 المؤذنين بِالْحرم النَّبَوِيّ ولازمه مُلَازمَة تَامَّة حَتَّى تخرج بِهِ وَلما قدم الْعَلامَة عِيسَى بن مُحَمَّد الْجَعْفَرِي المغربي إِلَى مَكَّة الزمه وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة كالأصلين والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والبديع والنحو وَالصرْف وَكَانَ الشَّيْخ عبد الله الباقشير يُحِبهُ وَيُشِير إِلَيْهِ وَكَانَ إِذا ورد عَلَيْهِ مسئلة مشكلة أمره أَن يُرَاجِعهَا لَهُ ويحررها ثمَّ يَكْتُبهَا وَكَانَ الشَّيْخ إِذْ ذَاك ضعف عَن الْمُرَاجَعَة وَقل نظره وزوجه بابنته ثمَّ أذن لَهُ مشايخه بالتدريس فدرس وَأخذ عَنهُ جمَاعَة لَا سِيمَا بعد وَفَاة شَيْخه الْمَذْكُور ثمَّ شرع فِي التَّأْلِيف فصنف عدَّة رسائل لكنه لم يبيضها وَله نظم كثير ونظم أرجوزة فِي علمي الْفَرَائِض والحساب جمع فِيهَا فأوعى ثمَّ شرحها شرحا طَويلا استوعب فِيهِ جَمِيع الطّرق والمباحث وَبِالْجُمْلَةِ فقد انْفَرد بعلمي الْفَرَائِض والحساب بعد شَيْخه عَليّ بن الْجمال لَا سِيمَا علم المناسخات فَإِنَّهُ كَاد أَن يحفظ جدول ابْن عبد الْغفار لِكَثْرَة مطالعته لَهُ وقراءته وَشرع فِي اخْتِصَار حَوَاشِي الفهامة ابْن قَاسم على التُّحْفَة وَكَانَت وَفَاته ضحى يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة خمس وَسبعين وَألف بِمَكَّة وَحضر جنَازَته خلق كثير وَحَمَلُوهُ وَالسَّمَاء تمطر حَتَّى فرغوا من دَفنه وَمِمَّنْ حمل جنَازَته عِيسَى الْجَعْفَرِي وَالشَّيْخ أَحْمد بن عبد الرؤف وأسف النَّاس عَلَيْهِ وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد أَبُو الْعَبَّاس بن عَليّ بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم مطير الْحكمِي اليمني الشَّافِعِي أحد عُلَمَاء بني مطير الأكابر الَّذين ورثوا الْعلم كَابِرًا عَن كَابر وبرعوا فِي سَائِر الْعُلُوم وكرعوا من مشارع الفهوم وَاشْتَغلُوا بِطَاعَة الله تَعَالَى أَخذ الْعلم عَن وَالِده وتمتع مِنْهُ بطارفه وتالده وأغناه عَن التَّرَدُّد إِلَى غَيره وأجناه من ثَمَرَات خَيره وَألف المؤلفات المفيدة مِنْهَا تسهيل الصعاب فِي علمي الْفَرَائِض والحساب وَالرَّوْض الأنيف فِي النَّحْو واللغة والتصريف ونظم كتاب الازهار فِي فقه الائمة الاطهار بالتماس بعض الزيدية لذَلِك وَمن شعره قَوْله (جدد عهودك بالوادي وَبِالسَّنَدِ ... بَين العقيق وَبَين السفح من أحد) (ديار من جهم فرض ادين بِهِ ... وَمن لَهُم منزل قد شيد فِي خلدي) (حَيْثُ النُّبُوَّة حطت رَحلهَا وثوت ... ومهبط الْوَحْي والأملاك بِالرشد) (وراجيا من رَسُول الله رَحمته ... مُحَمَّد أَحْمد الْمَبْعُوث من أدد) (مَا كن من قبله علم لأمته ... وَلَا لَهُ كَانَ بِالْإِيمَان ثمَّ هدى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 (يَا خَالق الْخلق يَا من لَا شريك لَهُ ... يَا مَالك الْملك بالآزال والأبد) (يَا ملجأي فِي أموري كلهَا أبدا ... يَا منجدي من مخوفات وَمن كمد) (إِلَيْك أرفع كفي ضارعا خجلا ... وأخلص الدّين إِذْ أَدْعُوك يَا سندي) (وأخفض الرَّأْس منقادا بِهِ وجلا ... مُسْتَغْفِرًا لذنوب جمة الْعدَد) (مستسقيا مِنْك غيثا مطبقا غدقا ... سَحا هَنِيئًا مريئا مصلح الْبَلَد) (عَاما دريرا مربعًا غير مُنْقَطع ... وَلَا مُضر وَلَا مؤذ وَلَا نكد) (تحيا بِهِ الأَرْض والأحياء كلهم ... واغفر لنا كل ذَنْب وامحه وجد) (يَا مفزعي يَا إلهي يَا ملاذي يَا ... مولَايَ يَا موئلي هَب لي وَمد يَدي) (يَا عَالم السِّرّ مثل الْجَهْر يَا أملي ... ارْحَمْ بجودك ضعْفي واشددن عضدي) (يَا فَرد يَا حَيّ يَا قيوم يَا صَمد ... يَا ذَا الْجلَال وَذَا الْإِكْرَام يَا أحدى) (مطالبي مِنْك لَا تحصى وعلمكها ... أحصى وجودك تعطيه على الْأَبَد) (فآتنا كل مَا نرجو ونطلبه ... وَاقْبَلْ دَعَانَا سَرِيعا وحينا وزد) (وَآت داعيك بِي فِي كل حَادِثَة ... تنوبه سؤله فِي الْخَيْر إِن ترد) (فاحمد بن عَليّ قد دعَاك وَقد ... عودته الْخَيْر فضلا مِنْك لم يبد) (وكل آل مطير لست تهملهم ... فهم عبيدك فارحمهم وعد وجد) (وأبق مِنْهُم لهَذَا الدّين مطلعا ... يسمو بهم وانصرنهم نصر منتجد) (هم حاملون كتاب الله تعصمهم ... آيَاته عَن تآويل وَعَن أود) (واحفظ بحفظهم من كَانَ يصحبهم ... من أهل ودهم من شَرّ ذِي حسد) (واقرن صَلَاتك بِالتَّسْلِيمِ لَا برحا ... على نبيك فِي يَوْم وكل غَد) (رَسُولك الْمُجْتَبى الدَّاعِي إِلَيْك أَتَى ... لبيْك لبيْك آمنا بِلَا حجد) (وَعم آلا وأصحابا وتابعهم ... لهديهم مقتد بِالْبرِّ والرشد) وكاننت وَفَاته ببلدهم عيس الْحصن من المخلاف السُّلَيْمَانِي فِي الْيمن فِي سنة خمس وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ الدِّمَشْقِي الخلوتي الْمَعْرُوف بِابْن سَالم الْعمريّ الْحَنْبَلِيّ خَليفَة الشَّيْخ أَيُّوب وَالشَّيْخ أَيُّوب أَخذ طَرِيق الخلوتية عَن العسالي الْمُقدم ذكره وَكَانَ ابْن سَالم فِيمَا أدّى إِلَى إطلاعي من عباد الله الصَّالِحين وَكَانَ قَرَأَ الْفِقْه والعربية وَغَيرهمَا وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة جَيِّدَة وَأخذ التصوف عَن شَيْخه الْمَذْكُور وَألف فِيهِ تأليفا نَافِعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 سَمَّاهُ منهل الوراد فِي الْحَث على قِرَاءَة الأوراد وَله آخر سَمَّاهُ تحفة الْمُلُوك لمن أَرَادَ تَجْرِيد السلوك وَله رِسَالَة الْحسب وقفت عَلَيْهَا ورأيته قد ذكر فِي آخرهَا مبدأ أمره وَمَا انساق إِلَيْهِ حَاله فجردت مِنْهَا مَا لزمني اثباته فِي تَرْجَمته وأعرضت عَن غَيره قَالَ كَانَ لي فِي بدايتي وَمَا ثمَّ نِهَايَة أَنِّي كنت مغرماً بحب الصُّوفِيَّة وتطلبت مرشداً كَامِلا فَلم أَجِدهُ حَتَّى سَافَرت فِي طلبه إِلَى الْحجاز وَالروم ومصر والجزائر والسواحل فَلَمَّا أعياني تطلبه جِئْت وأقمت بالصالحية مُدَّة فحانت منا زِيَارَة لمقام إِبْرَهِيمُ ببرزة فاجتمعت فِيهَا بأستاذنا الشَّيْخ أَيُّوب فكاشفني عَن بعض مَا عِنْدِي وأوقع الله فِي نَفسِي أَنه هُوَ الْمَطْلُوب ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك فِي الرُّؤْيَا قَائِلا يَقُول لي قُم فقد أَتَى رَسُول الله إِلَيْك يُرِيدُكَ فِي هَذَا الْوَقْت فَقُمْت مسرعاً وَكَأَنِّي بالجامع المظفري فرجت من الْبَاب الغربي فَرَأَيْت رجلا يَقُود فرسا مسرجاً ألصقها بِالصّفةِ الَّتِي على الْبَاب فَقَالَ اركب فَقلت من أَنا حَتَّى أذهب لحضرة النَّبِي رَاكِبًا أَنا أَمْشِي على عَيْني فَقَالَ هَكَذَا أمرت فمسك لي الركاب فركبت وَذَهَبت فَكَأَنِّي بِالنَّاسِ وَقد شَقوا إِلَى زقاقاً فِي الْوسط فسرت بَينهم إِلَى أَن وصلت إِلَيْهِ فتأخرت عَنهُ قَلِيلا لِئَلَّا أحاذيه بفرسي وَهُوَ رَاكب فَجعلت رَأس فرسي قَرِيبا من ركبته الشَّرِيفَة وتكلمنا كثيرا ثمَّ استيقظت وَأَنا مفكر فِي واقعتي وَإِذا برَسُول الشَّيْخ أَيُّوب جَاءَنِي من السُّلْطَانِيَّة إِلَى الْجَامِع المظفري يَقُول لي الشَّيْخ يطلبك فسرت فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ ضخك وأنشدني ارتجالاً (السالمي أَحْمد السالك طَرِيق الْقَوْم ... نَسِيج وَحده ظريف الشكل غالي السّوم) (رأى الَّذِي أمنُوا البلوي وَهُوَ فِي النّوم ... فَعَاد وَهُوَ سميري فِي الْمحبَّة دوم) ثمَّ الْتفت إِلَى الْحَاضِرين من أهل الطَّرِيق وَقَالَ لَهُم إِن طريقكم يحملهُ هَذَا وَهُوَ صَاحبه وَأَشَارَ إِلَيّ فتعجبت وَلم يتَقَدَّم لي مَعَه بيعَة وَلَا جمعية ثمَّ قَالَ اجْلِسْ فَجَلَست فبايعني على طَرِيقه وَقَالَ تذْهب فِي هَذَا الْيَوْم إِلَى مقَام بَرزَة فَقلت مرْحَبًا فجيء بدابتين إِحْدَاهمَا لَهُ وَالْأُخْرَى لي وَبَقِيَّة النَّاس يَمْشُونَ وكلمني بِبَعْض مَا رَأَيْت آنِفا فِي واقعتي وَرَأَيْت بعض من رَأَيْت فِي الْوَاقِعَة مَعَه فَعرفت أَنه الْوَارِث المحمدي فازدادت محبتي لَهُ واعتقادي فِيهِ ثمَّ إِنَّا جِئْنَا فَقَالَ مَكَانا لَا يصلح للطريق فاختر لنا مَكَانا فجئتنا للمدرسة الضيائية تجاه الْجَامِع المظفري من الشرق وَكَانَ لنا بهَا مُدَّة لَا تقوم بهَا مُدَّة ثمَّ رَأَيْت كَأَن سَبْعَة نفر شكل بريد السُّلْطَان جاؤا إِلَى الضيائية وسألوا عني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 فَقلت وماذا تُرِيدُونَ مِنْهُ قَالُوا هُوَ مَطْلُوب الْملك فَقلت أَنا هُوَ وَهل أليق لذَلِك فَقَالُوا نَحن رسل لَا نَدْرِي فانزعجت واستيقظت وقصيت على الشَّيْخ واقعتي فَقَالَ بكرَة النَّهَار أفسرها لَك ثمَّ أَنا نزلنَا إِلَى الْمَدِينَة على طَرِيق الْبَسَاتِين فَقَالَ لي الشَّيْخ كبر عمامتك وَكنت إِذْ ذَاك أتعمم بعمامة صَغِيرَة فَقلت يَكْفِي هَذَا يَا سَيِّدي فَقَالَ لي أَنْت مَطْلُوب لإمامة مَسْجِد الْقصب وَالْجَمَاعَة الَّذين رَأَيْتهمْ البارحة حجر بن عدي وَأَصْحَابه المدفونون هُنَاكَ فتعجبت أَيْضا لعدم استعدادي فَبعد مُدَّة صرت إِمَامًا باخيار جماعته فأقمت أَنا وَالشَّيْخ بِهِ ثَمَان عشرَة سنة فَرَأَيْت كَأَنِّي نَائِم على بَاب خَان السُّلْطَان على الْمَسْجِد الصَّغِير هُنَاكَ وَإِذا بِبرد السُّلْطَان وقفُوا عَليّ وَقَالُوا هَذَا هُوَ فَقلت مَا تُرِيدُونَ مني فَقَالُوا هَذِه أَحْكَام السُّلْطَان لتَكون نَائِب الشَّام فَقلت أَنا من فُقَرَاء الْبَلَد وضعفائهم لَا أعرف سياسة فزجروني وَقَالُوا تأدب فَنحْن فِي الْكَلَام وَإِذا بِعَجُوزٍ وَمَعَهَا عرض حَال فَقَالَت خُذ عرض حَالي فزجرتها وَقلت لَهُم اضربوها فضربوها فَذَهَبت عني فَاسْتَيْقَظت وقصيت ذَلِك على الشَّيْخ فَقَالَ سترى عيَانًا وَلما مَرضت أَنا وَالشَّيْخ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ وصلنا إِلَى الْعَدَم فَرَأَيْت فِي واقعتي كَأَن رجَالًا داخلون إِلَى جِهَة بيتنا يحمل كل وَاحِد مِنْهُم صينية فِيهَا ياسمين ومنجرة وقمقم فَقلت مَا هَذَا قَالَ عرسك على صَافِيَة بنت الشَّيْخ أَيُّوب فَقلت لَا أَدْرِي أَن لَهُ بِنْتا اسْمهَا صَافِيَة قَالُوا هَذِه الْبِنْت الْعَذْرَاء الْبكر المخدرة ثمَّ دخلُوا دَارنَا وضعُوا اكان مَعَهم وَخَرجُوا وصافحوني كلهم يَقُولُونَ لي مبارك فَاسْتَيْقَظت وبكيت لعلمي أَن هَذَا موت الشَّيْخ وَكَانَت لَيْلَة عيد الْأَضْحَى فَفِي وَقت الضُّحَى جَاءَنِي زمرة من الإخوان يَبْكُونَ وَقَالُوا فِي هَذَا الْيَوْم جلس الشَّيْخ بَين اثْنَيْنِ وَقَالَ إخْوَانِي ليعلم الْحَاضِر مِنْكُم الْغَائِب أَن خَليفَة الْخُلَفَاء بعدِي الشَّيْخ أَحْمد بن سَالم وَمَا ذَلِك مني وَإِنَّمَا نزلت خِلَافَته من السَّمَاء بِحُضُور رجال الطَّرِيق جَمِيعًا لِسَان صدق وَبعد أَيَّام تعافى الشَّيْخ قَلِيلا فَقَالَ احْمِلُونِي إِلَى جَامع منجك على دَابَّة فجَاء إِلَى الْجَامِع وَسَأَلَ كَيفَ حَال الشَّيْخ أَحْمد فَقَالُوا هُوَ على حَاله فَقَالَ احْمِلُونِي لَا عوده فَحَمَلُوهُ يتهادى بَين اثْنَيْنِ فَجَلَسَ عِنْد رَأْسِي وَلم أقدر أَن أَجْلِس لَهُ فَقَالَ لي قُم لَا بَأْس عَلَيْك ثمَّ قَالَ أرْسلت أخْبرك مَعَ إخوانك ابالخلافة وَقد جِئْت إِلَيْك بنفسي أَنْت خليفتي بعدِي فَعَلَيْك بِالطَّرِيقِ وَإِن أَبيت أوقفك عَلَيْهِ بَين يَدي الله تَعَالَى أتلفت عَلَيْك إِحْدَى وَعشْرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 سنة من أجل هَذَا فَبَكَيْت وَبكى وَكَانَ أخواننا جَمِيعًا حاضرين ثمَّ قَالَ لي مَا رَأَيْت فَأَرَدْت أَن أكتمه واقعتي فزجرني وَقَالَ قل الصدْق فَقلت الْوَاقِعَة الْمَذْكُورَة فَقَالَ أَي وَالله هِيَ صَافِيَة وَهِي الْبكر المخدرة الَّتِي لَا تلِيق إِلَّا بك وَقد زَوجتك إِيَّاهَا جعلهَا الله مباركة وَقَرَأَ لي الْفَاتِحَة وَانْصَرف من عِنْدِي فَمَا مكث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى مَاتَ رَحمَه تَعَالَى هَذَا مَا قَالَه فِي تَرْجَمَة نَفسه قلت وَبعد وَفَاة شَيْخه صَار خَليفَة من بعده وَبَايَعَهُ خلق كثير واشتهر أمره وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من خِيَار النَّاس وَكَانَت وَفَاته سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ السندوبي الشَّافِعِي الْمصْرِيّ الشَّيْخ الإِمَام كَانَ من أَعْيَان المدرسين بالأزهر وَمن أكَابِر الأفاضل ذَا عِبَارَات فصيحة وشيم مليحة أَخذ عَن الشَّمْس الشَّوْبَرِيّ والنور الشبراملسي وسلطان المزاحي وَمُحَمّد البابلي والشهاب القليوبي وَكثير وَأَجَازَهُ شُيُوخه وتصدر للإقراء فِي ضروب من الْفُنُون وَله مؤلفات مِنْهَا شرح على ألفية ابْن مَالك وَشرح قصيدة الْمقري الَّتِي مطْلعهَا قَوْله (سُبْحَانَ من قسم الحظوظ ... فَلَا عتاب وَلَا ملامة) فِي نَحْو عشرَة كراريس وَشرح القصيدة الشيبانية وَشرح العنقود للموصلي فِي النَّحْو وَله منظومة فِي الْحَال وَأُخْرَى فِي مصطلح الحَدِيث وَله أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله ملغزا فِي نَاصِر (صَبرنَا فَلَمَّا أَن رأى الصَّبْر بأسنا ... تَأَخّر عَنَّا وَهُوَ مُنْقَطع الْقلب) وَقَوله (أَلا يَا طَالب الدُّنْيَا تنبه ... فَلَيْسَ بهَا لمخلوق مقَام) (ودنيانا بأهليها كركب ... يسَار بهم وَأَكْثَرهم نيام) وَقَوله (إِذا مَا رمت من جاؤا بافك ... فهاك عدادهم فِيمَا يصحح) (تولى كبره ابْن أبي سلول ... وَحمْنَة ثمَّ حسان ومظح) وَقَوله (إِذا عدت الْمَرِيض فَلَا تطول ... وقلل فِي الْكَلَام لَدَى العياده) (وَلَا تذكر لَهُ فِيهَا مَرِيضا ... وَلَا خَبرا فَذَلِك خير عَاده) وَحج مَرَّات وَرَأَيْت بِخَط صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله قَالَ اتّفق لي مَعَه أَنِّي زرت مَعَه المعلاة تربة مَكَّة فتذاكرنا انسها وَعدم الوحشة فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَابِر غَيرهَا من الْبِلَاد وَمن فِيهَا من الْأَوْلِيَاء مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة فَذكرت لَهُ مَا نَقله الْمرْجَانِي فِي تَارِيخ الْمَدِينَة عَن وَالِده سَمِعت أَبَا عبد الله الدلاصي يَقُول سَمِعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الشَّيْخ أَبَا عبد الله الديسي يَقُول كشف لي عَن أهل المعلاة فَقلت لَهُم أتجدون نفعا بِمَا يهدى إِلَيْكُم من قِرَاءَة وَنَحْوهَا فَقَالُوا لسنا مُحْتَاجين إِلَى ذَلِك فَقلت لَهُم مامنكم أحد وَاقِف الْحَال فَقَالُوا مَا يقف حَال أحد فِي هَذَا الْمَكَان فأعجب بِهِ وَقَالَ أَرْجُو الله أَن يميتني بِمَكَّة وَأَن أدفن بالمعلاة فَلم يقدر لَهُ ذَلِك وَتُوفِّي بِمصْر وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الثُّلَاثَاء غرَّة جمادي الأولى سنة سبع وَتِسْعين وَألف وعمره ثَمَان وَسِتُّونَ سنة الشَّيْخ أَحْمد بن عمر الحمامي العلواني الخلوتي الشَّافِعِي نزيل حلب الشَّيْخ الْبركَة تأدب على يَد أستاذه أبي الْوَفَاء العلواني قَرَأَ عَلَيْهِ فِي مُقَدمَات الْعُلُوم ولازمه فِي حُضُور مجَالِس شكوى الخاطر ثمَّ سلك على يَد ابْن أَخِيه الشَّيْخ مُحَمَّد فَكَانَ بَينه وَبَين الشَّيْخ علوان رجل وَاحِد هُوَ الشَّيْخ أَبُو الْوَفَاء بن الشَّيْخ علوان ثمَّ خرج من بلدته حماة لحدة مزاجه وضيق أخلاقه وَذَلِكَ بعد موت مشايخه فورد حلب وَنزل بمحلة المشارقة وَكَانَ حِينَئِذٍ يكْتَسب بالحياكة ثمَّ مل مِنْهَا وَجلسَ بِمَسْجِد الشَّيْخ شَمْعُون بمحلة سويقة حَاتِم قرب الْجَامِع الْكَبِير فَكَانَ يقرىء المبتدئين فِي الألفية النحوية وَشرح الْقطر وَنَحْو ذَلِك ويقرى فِي الْمِنْهَاج الفرعي وَكَانَ يقنع بسد الرمق يلبس الثِّيَاب الخشنة كالعباءة والقميص من الخام مَعَ قدرته على لبس أحسن من ذَلِك ثمَّ تردد إِلَى دروس الشَّيْخ أبي الْجُود فَسمع التَّفْسِير وَمَا يقْرَأ على الشَّيْخ أبي الْجُود وَكَانَ يتفقده ثمَّ أَخذ يشكو الخواطر على طَرِيق العلوانية وَكَيْفِيَّة شكوى الخواطر أَنه يَوْم الْجُمُعَة صَبِيحَة النَّهَار يقْرَأ أوراد العلوانية وَيسْتَمر بِذكر الله تَعَالَى حَتَّى ترْتَفع الشَّمْس على قدر قامتين وَيجْلس السامعون بَعضهم إِلَى ظهر بعض ثمَّ يطْرق الشَّيْخ رَأسه وَيَقُول أسْتَغْفر الله فَكل وَاحِد يَقُول كَذَلِك بمفرده ثمَّ يشكو بعض جماعات مِنْهُم مَا لَاحَ فِي ضَمِيره هَذَا يَقُول مثلا أجد نَفسِي تميل إِلَى الْأَطْعِمَة الطّيبَة وعجزت عَن دَفعهَا وَهَذَا يَقُول أشغلني عَن عبَادَة الله أُمُور الْعِيَال وَهَذَا يَقُول مَا معنى قَول ابْن الفارض روحي فدَاك عرفت أم لم تعرف وَهَذَا يَقُول مَا معنى قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي أنزل السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ} وَبعد الْفَرَاغ أَنا السؤالات يشْرَح لَهُم الخواطر وَاحِدًا بعد وَاحِد ويستطرد قَول العرضي الصَّغِير حَضرته مرّة فاستطرد إِلَى أَن حكى أَنه لما كَانَ فِي خدمَة شَيْخه أَبُو الْفَاء وجده فِي اللَّيْل نَائِما فِي الزاوية فِي الإيوان أَيَّام الْبرد فأيقظه وَقَالَ لَهُ يَا أَحْمد أوصيك لَا تتخذلك بُيُوتًا سوى الْمَسَاجِد لِئَلَّا تحاسب عَلَيْهَا فِي الْقِيَامَة وَذكر أَن شَيْخه أعطَاهُ مِفْتَاح خزانَة الزَّيْت ليُعْطى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 مِنْهَا لِلْمَسْجِدِ مَا يحْتَاج فَكَانَ يُسمى الله تَعَالَى وَيُعْطى وَاسْتمرّ مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى حمل الْحَسَد رجلا قَالَ الشَّيْخ أَن أَحْمد لَا يقدر على حفظ الزبت فسلمه الشَّيْخ الْمِفْتَاح وعزل الشَّيْخ أَحْمد فَمَا مضى نَحْو أُسْبُوع وَإِذ بِالرجلِ قَالَ فرغ الزَّيْت فَقَالَ الشَّيْخ سُبْحَانَ الله كَانَت الْبركَة فِي يَد أَحْمد وَلَو اسْتمرّ الْمِفْتَاح عِنْده كَانَ الزَّيْت يُقيم سنوات وَله مؤلفات مَقْبُولَة مِنْهَا تروية الْأَرْوَاح وأعذب المشارب فِي السلوك والمناقب الْمَتْن لَهُ منظوم وَالشَّرْح لَهُ المنظوم وَله منثور ومطلع المنظوم قَوْله (إِلَيْك بك اللَّهُمَّ وجهت وَجْهي ... وفيك إِذا مَا هَمت ألفيت همتي) (لقد سدت الْأَبْوَاب عني وَقصرت ... فأسألك التَّفْرِيج من كل شدَّة) (لَك الْحَمد إِذْ أظهرت فِي الْكَوْن سادة ... تحلى بهم وَالله جيد الملاحة) (بهم كل جود فِي الْوُجُود وَمَا لمن ... أحبهم غير الهنا والمسرة) (لَك الْحَمد إِن أشغلت قلبِي بذكرهم ... وشرفت مَا أمْلى بِوَصْف الْمحبَّة) (فهم نور عَيْني وَالْجمال يحفهم ... وهم روح جسمي والحياة بجملة) (لَك الْحَمد فارحمني إِذا مَا ذكرتهم ... بِوَصْف جميل واصلح الله نيتي) وَقد ذكر فِي الشَّرْح شَيْخه أَبَا الْوَفَاء وَأَطْنَبَ فِي مناقبه وَذكر فِيهِ الشَّيْخ عمر العرضي وَأطَال فِي مدحه وَكَانَ سَأَلَ العرضي الْمَذْكُور أَن الْمُقَرّر أَن النَّبِي أَعم من الرَّسُول مَعَ أَن الله تَعَالَى علق الْإِرْسَال على كل شئ فَقَالَ وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى دلّت بصريحها أَنه مَا من شَيْء إِلَى وَقد أرسل الله إِلَيْهِ أجَاب بِأَن الرَّسُول الْمَعْرُوف إِنْسَان أُوحِي إِلَيْهِ بشرع وَأمر بتبليغه ذَاك بِحَسب عرف أهل الشَّرْع والإرسال المُرَاد فِي الْآيَة الْإِرْسَال اللّغَوِيّ قَوْله {وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح} وَنَحْو ذَلِك وَلم يعرف لَذَّة الْجِمَاع أصلا وَلما ورد شاه ولي الخلوتي الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى صَاحبه الشَّيْخ أَحْمد وتلمذته وَأخذ عَنهُ الْبيعَة حَتَّى تعجب النَّاس من حسن أَخْلَاق الشَّيْخ أَحْمد وَلبس الشَّيْخ أَحْمد جَمِيع مريديه تَاج الخلوتية وَشرع بقيم الذّكر على أسلوب الخلوتية فَكثر أَتْبَاعه وقصده النَّاس من جَمِيع أقطار حلب إِلَّا أَن المشددين فِي الزّهْد مَا أعجبهم هَذِه الْحَالة لكَون الطَّرِيقَة العلوية مَحْض سنة محمدية وَاتخذ لَهُ كرسيا يجلس عَلَيْهِ يَوْم شكوى الخواطر فَكَانَ يقْرَأ بعض آيَات قرآنية ويفسرها للنَّاس وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا والنذورات وأسرعت الْحُكَّام وأرباب الدولة إِلَى زيارته وَلما أدْركْت الشاه ولي الْوَفَاة بحلب اجْتمعت عَلَيْهِ أهالي بَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 النيرب وَقَالُوا لَهُ يَا مَوْلَانَا ترك الشَّيْخ أَحْمد طَرِيقَته وَطَرِيقَة آبَائِهِ وتلمذكم وَهُوَ عَالم فَاضل فَلَا يَلِيق بالخلافة غَيره فَقَالَ لَهُم لَا الْخَلِيفَة عَلَيْكُم بعدى قايا حلبى وكرروا هَذَا الْأَمر مرَارًا وَهُوَ يَقُول لَهُم كَذَلِك ثمَّ انحل الشَّيْخ أَحْمد عَن تِلْكَ الْحَالة وأدركه الْمَوْت فَقَالَ أشهد الله ني أَمُوت على طَريقَة الشَّيْخ علوان وَكَانَ رُبمَا اقْتصر فِي الْيَوْم على أكل رغيف وكات وَفَاته فِي سنة سبع عشرَة بعد الْألف وَدفن بِجَانِب الشَّيْخ شاه ولي ملاصقاً لمقام الْخَلِيل على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام السَّيِّد أَحْمد بن عمر بن عبد الله بن علوي بن عبد الله العيدروس ذكره الشلي وَقَالَ فِي حَقه صَاحب الْعُلُوم اللدنية والمعارف القدسية والأسرار العرفانية ولد تبريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن جمَاعَة بهَا ثمَّ رَحل إِلَى وَالِده ببندر عدن ولازمه وَتخرج بِهِ وَأخذ عَن غَيره من الْعلمَاء وَكَانَ جَامعا للأخلاق المحمودة مأوى للغريب ومنقذ اللهفان وبرع فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وعلوم التصوف وَكَانَ حاوياً لأسباب الدقائق الفرعية والأصلية جَامعا لمفردات الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة والعقلية وَقَامَ بمنصبهم بعد وَالِده أتم قيام وانتفع بِهِ النَّاس وَكَانَ ذَا خلق رَضِي وسمت مرضِي وانتفع بِهِ خلق وَمن كراماته أَنه لما قربت وفاه وَلم يكن بِهِ مرض وَإِنَّمَا كَانَ مَعَه انقباض من الْخلق كعادته طلب المَاء فَتَوَضَّأ وَصلى مَا شَاءَ الله ثمَّ طلب خواصه فَتكلم مَعَه بِكَلَام فِيهِ إشارات فِي ضمنهَا بشارات مِنْهَا مَا عرف وَمِنْهَا مَا لم يعرف ثمَّ الْتفت إِلَى أَوْلَاده الْكِبَار وعرفهم بأمورهم وَأمر أهل بَيتهمْ أوصاهم وَنصب ابْنه الْكَبِير شَيخا عَلَيْهِم وَأمر الْجَمِيع باتباعه وأصاه بهم وَأعْطى بعض خُدَّامه دَرَاهِم يَشْتَرِي حجرين عَلامَة لقبر فظنوا أَنه يُرِيدهُمَا لقبر أَخِيه عَليّ بن عمر لكَونه إِذْ ذَاك مَرِيضا ثمَّ أَمر الْجَمَاعَة بِالْخرُوجِ ثمَّ سَمِعُوهُ يَقُول الله الله فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فوجدوه قد خرجت روحه وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَعشْرين وَألف وَكَانَ عمره بضعاً وَخمسين سنة وقبر فِي قبَّة الشَّيْخ أبي بكر بن عبد الله العيدروس رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عمر الْمَعْرُوف بالقارىء نِسْبَة لقارة بَين حسية والنبك مَشْهُورَة بالبرد الشَّديد نزيل حلب الشَّيْخ الصَّالح المتجرد المتقلب فِي أفانين الشطح ذكره الشَّيْخ أَبُو الْوَفَاء العرضي فِي معادنه وَقَالَ بعد أَن أثنى عَلَيْهِ نَشأ فَقِيرا وسلك طَرِيق المشيخة والدروشة فَطَافَ الْبِلَاد وزار مرقد الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني قَالَ وَأَخْبرنِي أَنه وجد الشَّيْخ حبيب الله الْبَصْرِيّ فِي بَغْدَاد وَطلب مِنْهُ عهد الْقَوْم على طَريقَة القادرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثمَّ قَالَ أجد عَلَيْك سِيمَا غَيْرِي وَأَظنهُ سِيمَا المجذوب أَبُو بكر الْحلَبِي قَالَ ثمَّ لما جِئْت إِلَى الشَّيْخ أبي بكر قَالَ لي فِي الْوَقْت والساعة جذبناك بالحبال وَالرِّجَال فَإِن الشَّيْخ يؤنث الْمُذكر ولازم خدمَة الشَّيْخ زَمنا وَكَانَ مَا عِنْده أعظم من صَاحب التَّرْجَمَة فَتَوَلّى الْخلَافَة بعد جماعات مُتعَدِّدَة وأيدي الأقدار تبددهم وَقد كَانَ الزوار لمرقده الشريف لَا يُحْصى عَددهمْ وَالصَّدقَات تتوارد عَلَيْهِم وهم لَا يعلمُونَ مقدارها وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يشتروا مَاء ونار يطبخون فِيهِ لغَلَبَة الجذب عَلَيْهِم وَكلهمْ محلقون اللحى يلبسُونَ المرقعات ويفترشون جُلُود الْغنم ويأكلون الحشش والكلس وَبَعض المجاذيب مِنْهُم يشرب الْخمر والعرق وَلَا يصلونَ وَلَا يَصُومُونَ وتتوارد عَلَيْهِم مجاذيب الْبِلَاد على هيئات مُخْتَلفَة وَصَاحب التَّرْجَمَة مَعَهم لَا يقدر أَن يخلفهم فِي صُورَة الظَّاهِر فِي شَيْء حَتَّى ضجروا يَوْمًا من الْأَيَّام فلاموا أنفسهم على أَحْوَالهم وَقَالُوا مرادنا شيخ يصلح نظامنا فنصبوا الْمَذْكُور فَاشْترى لَهُم بسطاً وصحوناً وَبَعض حوائج التكية ثمَّ زارهم كافل حلب أَحْمد باشا ابْن مطاف فَلَامَهُمْ على ترك الصَّلَاة وَهَذِه الْأَحْوَال ثمَّ أجْرى لَهُم إِسْمَاعِيل نَائِب القلعة المَاء من قناة حلب ولازموا الصَّلَوَات الْخمس بالأوراد والعبادات حَتَّى أشرقت قُلُوبهم وأضاءت وُجُوههم وَكَثُرت الصَّدقَات الدارة عَلَيْهِم فعمر لَهُم حسن باشا ابْن عَليّ باشا ميدان الْفُقَرَاء بالقبة الْكَبِيرَة تحتهَا العواميد الْعَظِيمَة وَعمر حَمْزَة الْكرْدِي الدِّمَشْقِي القاعة ذَات الْبركَة من المَاء وَلم يُتمهَا بل وصلت إِلَى السَّرَاوِيل فأتمها أَحْمد باشا اكمكحي زَاده الْوَزير والوزير الْأَعْظَم مُحَمَّد باشا كرّ الْقبَّة الَّتِي على مرقد الشَّيْخ وعَلى أغا ضَابِط الْعَسْكَر عمر عمارات وَالْحَاصِل فقد أنشأ فِيهَا صَاحب التَّرْجَمَة بتدبيره وَحسن رَأْيه أَشْيَاء عَظِيمَة من حدائق لَطِيفَة ومطابخ للطعام وَصَارَ هَذَا المزار لَا يُوجد لَهُ نَظِير بِالنّظرِ إِلَى مزارات الْأَوْلِيَاء وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة ذَا سُكُون ومصاحبة لَطِيفَة وسخاء مفرط لوجىء لَهُ بالألوف لفرح بإنفاقها يَوْمًا وَاحِدًا وعماراته كلهَا صدرت مِنْهُ بصدر وَاسع وكرم زَائِد ة تحمل تَامّ للفعلة والمعلمين وَقد لامه شيخ الْإِسْلَام الْمولى أسعد لما مر على حلب على كَونه يحلق لحيته مَعَ كَون ذَلِك بِدعَة قَالَ هَكَذَا وجدنَا أستاذنا قَالَ أستاذكم كَانَ مجذوباً وَأَنْتُم عقلاء فَقَالَ إِن شَاءَ الله نطلق سَبِيل اللِّحْيَة وَلما سَافر الْمولى أسعد اسْتمرّ على حلق اللِّحْيَة حَتَّى قدم على الله وَكَانَ لَهُ معرفَة بِكَلَام الْقَوْم ومذاكرة فِي بعض لطائف من الواضحات وَمن محاسنه أَنه سمع من أغلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 النَّاس أَن الْوَزير نصوح باشا يُرِيد قَتله وَهدم أبنيته فَلم يبال بذلك حَتَّى خرج الْوَزير الْمَذْكُور يَوْمًا وَمَعَهُ الفعلة بالفوس والمجارف وَأهل حلب يظنون أَنه يهدم ذَلِك الْموضع فَاجْتمع النَّاس عِنْد مرقد الشَّيْخ أبي بكر لأجل الفرجة والفقراء الَّذين عِنْده هربوا وَهُوَ قَاعد ثَابت وَفِي خلال ذَلِك ظهر أَنه يهدم الْأَبْنِيَة الَّتِي على سور الْمَدِينَة ثمَّ جَاءَهُ الباشا زَائِرًا فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة قَالُوا لي عَنْك أَنَّك غَضْبَان علينا فَقلت للنَّاس الباشا يقدر علينا فِي ثَلَاثَة أُمُور أما الْقَتْل فَأَنا لنا مُدَّة نتمنى الشَّهَادَة ودرجتها وَأما النَّفْي من حلب فلنا مُدَّة نطلب السياحة وَأما الْحَبْس فلنا مُدَّة نطلب الرياضة أتقدر على أَكثر من ذَلِك قَالَ لَا ثمَّ قَالَ لَهُ طب نفسا وقرّ عينا مَا لنا بركَة إِلَّا أَنْت الْيَوْم أخرجت الفعلة لهدم الدّور الَّتِي على سور الْمَدِينَة وَلَيْسَ لي نِيَّة على ضرركم أصلا وَاسْتمرّ نَحْو خمسين سنة فِي الْخلَافَة لَا ينازعه مُنَازع فِي رَاحَة وافرة وصدقات متواترة تَأتيه من النَّاس وَالْكَبِير وَالصَّغِير يقبلُونَ يَده وَهُوَ ملازم على الأوراد ويبذل الْقرى للواردين وكل من يرد عَلَيْهِ سقَاهُ القهوة وَمن يسْتَحق الضِّيَافَة أَضَافَهُ بصدر وَاسع وَخلق كريم لَكِن كَانُوا فِي كل يَوْم وَقت الضحوة الصَّغِيرَة يديرون الكاس يَأْكُلُونَهُ وَيَشْرَبُونَ القهوة عَلَيْهِ وَكَانَ يَقُول الدَّهْر مل من طول عمر ثَلَاثَة أحدهم أَنا وَالثَّانِي أَبُو الْجُود مفتي حلب وَالثَّالِث شاه عَبَّاس قَالَ بَعضهم وَالرَّابِع يُوسُف باشا ابْن سَيْفا وَهَذَا الْكَلَام مَحْمُول على طول عمر هَذِه الثَّلَاثَة وَكَثْرَة وقائعهم وأحوالهم بِحَيْثُ مل النَّاس من ذكر أُمُورهم حَتَّى سَار الإملال إِلَى الدَّهْر وَلَكِن كَانَ أَبُو الْجُود فِيهِ نفع لعباد الله تَعَالَى ثمَّ اشْترى كتبا فِيهَا المقبول الَّذِي لَهُ ثمن فوقفها على الْمَكَان وَاشْترى أَرَاضِي ووقفها على الْأَمَاكِن وَاشْترى بستاناً وَوَقفه أَيْضا على الدراويش وَكتب بذلك وقفية وَجعل لَهَا مُتَوَلِّيًا وَلما مرض أوصى بالخلافة من بعده للدرويش أَحْمد الكلشني وَأَعْطَاهُ خَتمه وأحضر الْكَشَّاف عِنْده وَكتب لَهُ بذلك حجَّة وَلما مَاتَ أظهر الشَّيْخ مصطفى القصيري ورقة بِخَط الشَّيْخ أَحْمد أَنه اتخذ الدرويش مصطفى الْخَلِيفَة من بعده وَاشْتَدَّ الْخِصَام وَبَقِي هَذَا يتَوَلَّى الْخلَافَة مُدَّة ثمَّ يذهب الآخر وَيَأْتِي بِأَمْر سلطاني ليَكُون الْخَلِيفَة ويعزل الآخر وهلم جراً واختل أَمر ذَلِك الْمَكَان غَايَة الاختلال وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَقَالَ أديب الشَّهْبَاء السَّيِّد أَحْمد بن النَّقِيب الْآتِي ذكره يرثيه (مَا الْكَوْن سوى صحيفَة الأكدار ... خطت لِذَوي الْعُقُول والأفكار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 (كم موعظة تَضَمَّنت أسطرها ... إِن أَنْت جهلهتها فَأَيْنَ الْقَارِي) وَفِي لفظ الْقَارِي إِيهَام التورية كَمَا لَا يخفى وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن أبي بكر بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن السقاف الْفَقِيه الشَّافِعِي اليمني البيتي نِسْبَة إِلَى بَيت مسلمة قَرْيَة قرب مَدِينَة تريم أحد الْعلمَاء الْأَعْلَام ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن والجزرية والأجرومية وَالْأَرْبَعِينَ النووية والملحة والقطر والإرشاد وَغير ذَلِك وعرضها على مشايخه واشتغل على خَاله القَاضِي أَحْمد بن حُسَيْن بافقيه ولازمه فِي دروسه حَتَّى تخرج بِهِ وَأكْثر انتفاعه بِهِ وَأخذ عَن الْفَقِيه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بَافضل وَالشَّيْخ القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَعَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف العيدروس وَالشَّيْخ زين الدّين بن حُسَيْن بَافضل وَأحكم على الْفُرُوع والتصوف والعربية وشارك فِي غَيرهَا وَألبسهُ الْخِرْقَة جمَاعَة من العارفين وبرع فِي طَرِيق الْقَوْم وَأكْثر الْأَخْذ والتردد على عُلَمَاء عصره وَأذن لَهُ غير وَاحِد من مشايخه بالإفتاء والتدريس وَكَانَ يحضر درسه جم غفير واشتهر بِالْفَتْح لكل من قَرَأَ عَلَيْهِ وقصدته الطّلبَة من كل مَكَان لما يحصل فِي درسه من الْبَحْث والإيضاح وَكَانَ لَهُ فِي تَعْلِيم المبتدئين تدريج حسن وَأكْثر اعتنائه بالإرشاد وشروحه قَالَ الشلي وَهُوَ أول شيخ أَخذ عَنهُ فِي عنفوان عمري أخذت عَنهُ الحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف والنحو ولازمته مُدَّة مديدة وقرأت عَلَيْهِ كتبا كَثِيرَة وَكَانَت أخلاقه رضية وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ بذاذة حَاله وَعدم الاحتفال بِنَفسِهِ وَقد روى أَبُو دَاوُد ابذاذة من الْإِيمَان وَورد فِي خبر آخر من ترك اللبَاس تواضعاً لله وَهُوَ يقدر عَلَيْهِ دَعَاهُ الله يَوْم الْقِيَامَة على رُؤُوس الأشهاد يخيره من أَي حلل الْجنَّة شَاءَ يلبسهَا وَلَا يُنَافِي هَذَا خبر أَن الله يحب أَن يرى أثر نعْمَته على عَبده وَخبر أَن الله جميل يحب الْجَمِيل وَفِي رِوَايَة يحب النَّظَافَة لِأَن الأول مَحْمُول على آثر ذَلِك للتواضع لَا غير وَالثَّانِي على من قصد بِهِ إِظْهَار نعْمَة الله عَلَيْهِ قَالَ وَلم يزل على تِلْكَ الْأَحْوَال إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمسين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل من جنان بشار الْمولى أَحْمد بن عوض العينتابي الأَصْل الْحلَبِي قَاضِي قُضَاة الشَّام ومصر وَغَيرهَا كَانَ من أهل الْفضل والكمال وَفِيه تواضع وَله أَخْلَاق حَسَنَة ولد بحلب وَكَانَ أَبوهُ صَالحا تقياً نَشأ فِي حجره وَقَرَأَ فِي مبادىء عمره ثمَّ مُسَافر إِلَى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 طَوِيلَة ولازم بعض الموَالِي فسلك طَرِيق الموَالِي فدرس وَقدم فِي غُضُون ذَلِك إِلَى حلب صُحْبَة قاضيها عبد الرَّحِيم بن إسكندر فولاه قسْمَة حلب وَقدم إِلَى دمشق مَرَّات عديدة ثمَّ خدم بعض قُضَاة الْعَسْكَر فِي خدمَة التَّذْكِرَة وَصَارَت لَهُ محنة كَاد أَن يقتل بِسَبَبِهَا وَذَلِكَ أَنه نسب إِلَيْهِ أَنه قلد السُّلْطَان فِي خطه فَكتب السُّلْطَان خطا شريفاً بقتْله ثمَّ لم تزل أَعْيَان الدولة يشفعون لَهُ حَتَّى سكت عَنهُ واختفى مُدَّة حَتَّى تنوسيت قصَّته ثمَّ اخذ فِي إصْلَاح أَحْوَاله فَتَوَلّى قَضَاء آمد فسلك فِيهَا أحسن سلوك وَكَاد يلْتَحق بِالْقَاضِي شُرَيْح ثمَّ ولي قَضَاء الْقُدس ثمَّ قَضَاء أَيُّوب ثمَّ ولي قَضَاء الشَّام فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَقَالَ فِيهِ بعض الأدباء مؤرخاً تَوليته (لقد ولي الشَّام الشَّرِيفَة حَاكم ... بِخَير لنا قد عدت وَالْعود أَحْمد) وَكَانَ بالروم رجل من أهالي حلب يُسمى تبجي وَيعرف بستيتية حلب وَكَانَ عُلَمَاء الرّوم يعتقدونه كثيرا خُصُوصا شيخ الْإِسْلَام حُسَيْن ابْن أخي فشفع لصَاحب التَّرْجَمَة فِي إبقائه بِدِمَشْق مُدَّة زَائِدَة على مدَّته فأبقى وأنفذت شَفَاعَته فَقَالَ فِي ذَلِك الْأَمِير منجك (تَقول لنا الشَّهْبَاء والدهر نادم ... وَأم اللَّيَالِي اشْتَدَّ صَوت نواحها) (ستيتيتي أبقت لقَاضِي دمشقكم ... جناحاها فها هُوَ طَائِر بجناحها) وَفِي أَيَّام قَضَائِهِ ورد إِلَى دمشق من عَسْكَر السُّلْطَان مُرَاد بن أَحْمد طوائف وشهرتهم بالقشلق وَسبب ورودهم أَنهم كَانُوا عينوا لمحاربة شاه عَبَّاس فدهمهم الشتَاء دون الْوُصُول إِلَى خطة الْعَجم فَأمروا بِأَن يشتوا فِي دمشق وأطرافها من الْقرى وضيقوا على النَّاس أَمر الْمَعيشَة وبالغوا فِي التَّعَدِّي والتجاوز وَنهب أَمْوَال النَّاس ونفع صَاحب التَّرْجَمَة الْخلق فِي قمع أُولَئِكَ بعض القمع وَفِيهِمْ يَقُول إِبْرَاهِيم الأكرمي الْمُقدم ذكره (أنظر إِلَى القشلق فِي ذلة ... الْعَكْس من حَالهم الْحَائِل) (كم رجل مِنْهُم بسموره ... على جواد صائل صاهل) (تحف بالجندي غلمانه ... وَقد أَتَى يسأ من سَائل) وَلأبي بكر الْعمريّ قصيدة فِي وَصفهم وَفِيمَا فَعَلُوهُ وَيُشِير فِيهَا إِلَى معاونة صَاحب التَّرْجَمَة فِي دفع بعض شرهم ومطلعها (أَواه مِمَّا حل فِي جلق ... من العنا فِي زمن القشلق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 (رامى البلا مدّ على أَهلهَا ... قوساً لَهُ قَالَ القضا فَوقِي) (حَتَّى يُنَادي النَّاس مِمَّا دهى ... يَا ليتنا من قبل لم نخلق) (قد مسنا الضّر وَعم الْأَذَى ... وَمَا لنا من منجد مُشفق) (من مبلغ سلطاننا أننا ... من جنده فِي حرج ضيق) (وَيَا مُرَاد الله فِي خلقه ... من السلاطين غَدا نَلْتَقِي) (فِي موقف يحكم رب الورى ... فِيهِ وَلَا ملْجأ مِنْهُ بَقِي) (أدْرك رعاياك فقد أَصْبحُوا ... على شفا من كل بَاغ شقي) (كَانَت دمشق الشَّام محسودة ... لكَونهَا بِالْعينِ لم تطرق) (آمِنَة من كل مَا يختشى ... مأمنة للخائف المشفق) (مائسة تزهو بسكانها ... مائدة للبائس المملق) (لَا يعرف الدخل لَهَا مدخلًا ... وَلَا إِلَى عليائها يرتقي) (وَهِي على مَا تمّ من نعْمَة ... تتيه بالْحسنِ وبالرونق) (واهلها فِي سفه كلهم ... الْفَاجِر الفاتك والمتقي) (يَغْبِطهُمْ فِي ذَاك أهل الدنا ... من مغرب الشَّمْس إِلَى الْمشرق) (فَجَاءَهَا ويلاه فِي غَفلَة ... أَمر إِلَيْهَا قطّ لم يسْبق) (أَمر مرادي لَهُ سطوة ... أخرست المنطيق والمنطق) (قوم من الأتراك عاثوا بهَا ... عَليّ خُيُول ضمر سبق) (من جِهَة الْمشرق قد أَقبلُوا ... وَالشَّر قد يَأْتِي من الْمشرق) (فِي رقْعَة الشَّام عدت خيلهم ... وذلت الأرخاخ للبيدق) (أوّاه من خمدة نيرانها ... يَا نَار كَيفَ الْيَوْم لم تحرق) (أَيْن الْعتاق الجرد مَا بالها ... من أهم عَال وَمن أبلق) (مَا للمواضي سكنت غلفها ... كَأَنَّهَا بالْأَمْس لم تبرق) (مَا للعوالي نكست للثرى ... رؤوسها كالخائف المطرق) (وَأَيْنَ فرسانك يَا شامنا ... هَل دخلُوا فِي نفق مغلق) (عهدي بهم كَانُوا لُيُوث الوغى ... لم يعبأوا بالفيلق المطبق) (عهدي بهم كَانُوا غيوث الندى ... إِذا ظمئنا مِنْهُم نستقي) (عهدي بهم كَانُوا حماة الْحمى ... من الثنيات إِلَى المفرق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 (قد أسلمونا للردى خيفة ... مِنْهُم ولاذوا بحصون تقى) (وبيننا خلوا وَبَين العدا ... ووكلوا الباشق بالعقعق) (أَقُول للنَّفس وَقد أوجفت ... خوفًا عَلَيْك إِلَّا من تفرقي) (إِن مسك الضّر وَزَاد العنا ... فلازمي الصَّبْر وَلَا تقلقي) (أَو نالك الْجُوع فَلَا تَشْتَكِي فَإِن ... بَاب الله لم يغلق) (وَلَا تضيقي إِن عرى فادح ... ذرعاً لَو دَامَ فَلَا تحنقي) (لكل كرب فرج يرتجى ... فصدّقي مَا قلته واصدقي) (يَا وَيْح قوم دعسوا أَرْضنَا ... وأوقعونا فِي ردى موبق) (وَقد أَغَارُوا وبنا أَحدقُوا ... يَا غيرَة الله إِلَيْنَا اسبقي) (أجلوا أهالي الدّور عَن دُورهمْ ... بِالسَّيْفِ والدبوس والبندق) (واتخذوها سكناً دونهم ... بالفرش من خَز واستبرق) (واستوعبوا أَكثر أَمْوَالهم ... ظلما بِلَا عهد وَلَا موثق) (واقتنع النَّاس بأعراضهم ... فَإِنَّهَا بالثلب لم ترشق) (هَذَا وَلَوْلَا الله باري الورى ... أغاثهم بالعالم المفلق) (الأوحدي الْمولى خدين العلى ... أَحْمد قاضيها التقي النقي) (الْعَالم الْفَرد رفيع الذرى ... الناشر الْعدْل على صنجق) (وَالله لولاه يَمِين امرىء ... لِسَانه بالمين لم ينْطق) (خلت دمشق الشَّام من أَهلهَا ... طراً وَلم يبْق بهَا من بَقِي) (جَاهد فِي الله وخاض الوغى ... بهمة علياء لم تلْحق) (وَلم يخف فِي الله من لائم ... لَام وَلَا من نَاظر مذلق) (وَحَوله الْأَعْلَام سَادَاتنَا ... كل يرى كَالْقَمَرِ الْمشرق) (فقاتلوهم بقلوب صفت ... بالوعظ لَا بالكف والمرفق) (وخوفوهم بَطش سلطاننا ... مُرَاد مردي كل بَاغ شقي) (ثمَّ ابتهلنا كلنا بالدعا ... إِن الدعا من كل شَرّ يقي) (وَزَالَ عَنَّا بعض مَا نشتكي ... ونسأل المنان فِيمَا بَقِي) (وَبعدهَا قَالُوا اشْتَروا شامكم ... منا فَبَاعُوهَا غلى المخنق) (لقد غزينا دون وعد بِلَا ... لَام فأرخ سنة القشلق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 (وصل يَا رب على من ترى ... أنواره جَهرا من الأبرق) وَخبر القشلق مستفيض مَشْهُور وَكَذَا هَذِه القصيدة مَشْهُورَة عود إِلَى تَتِمَّة التَّرْجَمَة وعزل صَاحب التَّرْجَمَة عَن قَضَاء دمشق وَبعد مُدَّة طَوِيلَة ولي قَضَاء مصر وَبهَا توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى الشَّيْخ أَحْمد بن عِيسَى بن علاب بن جميل المنعوت شهَاب الدّين الْكَلْبِيّ الْمَالِكِي شيخ الْمحيا النَّبَوِيّ بالجامع الْأَزْهَر الإِمَام الْعَلامَة خَاتِمَة الْفُقَهَاء والمحدثين ومربي المريدين وقطب العارفين وَهُوَ منفلوطي المولد ولد بهَا وَنَشَأ ثمَّ تحول مَعَ أَبِيه إِلَى مصر فحفظ الْقُرْآن وعدة متون وَأخذ عَن وَالِده ولازم الْعلمَاء الْأَعْيَان كَالْقَاضِي عَليّ بن أبي بكر الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي وَالشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وَغَيرهمَا وتفقه على مَذْهَب الإِمَام مَالك بِالْإِمَامِ البنوفري وَلَزِمَه وانتفع بِهِ وَأذن لَهُ بِالْجُلُوسِ فِي مَحَله بالجامع الْأَزْهَر وَصَارَ يلقِي دروساً مفيدة وَأخذ الحَدِيث عَن جمَاعَة مِنْهُم النَّجْم الغيطي وَالشَّمْس العلقمي والشريف الرميوني وَأخذ التَّفْسِير عَن تَاج العارفين مُحَمَّد الْبكْرِيّ والتصوف عَنهُ وَعَن الْعَارِف بِاللَّه عبد الْوَهَّاب الشعراوي وجد واجتهد حَتَّى علت دَرَجَته وسمت رتبته وَعنهُ أَخذ جمع مِنْهُم الشَّمْس البابلي وَغَيره وَجلسَ بالمحيا الشريف بعد وَالِده ووالده جلس بعد الشَّيْخ مُحَمَّد البُلْقِينِيّ وَهُوَ جلس بعد الشَّيْخ صَالح وَهُوَ جلس بعد الشَّيْخ نور الدّين الشوني المدفون براوية الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الشعراوي عَن إِذن من النَّبِي كَمَا هُوَ ثَابت مَشْهُور وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة صَاحب أَحْوَال باهرة وَحكى بعض العارفين الْأَوْلِيَاء أَنه رأى النَّبِي فِي درسه وَمن محاسنه أَنه كَانَ محافظاً على التَّصَدُّق سرا بِحَيْثُ لَا تعلم شِمَاله مَا أنفقت يَمِينه وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَعشْرين وَألف بِمصْر وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن عِيسَى المرشدي الْحَنَفِيّ الْمَكِّيّ أحد فضلاء مَكَّة وأدبائها الْمُسلم لَهُم مَا يَقُولُونَ من غير نَكِير وَكَانَ مَعَ أدبه الباهر فَقِيها متضلعاً ولي الْقَضَاء نِيَابَة بِمَكَّة وَرَأَيْت أخباره مستقصاة فِي مجاميع عديدة ومنشآته وأشعاره كَثِيرَة رائقة وَذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي السلافة وَقَالَ فِي تَرْجَمته شهَاب الْفضل الثاقب الشهير المآثر والمناقب سَطَعَ فِي سَمَاء الْأَدَب نوره وتفتق فِي رياضه زهره ونوره وامتد فِي البلاغة بَاعه فشق على من رام أَن يشق غباره اتِّبَاعه لَا تلين قناة فَضله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 لغامز وَلَا يلمز لبه المبرأ من الْعَيْب لامز كَانَ قد ولي الْقَضَاء بِمَكَّة المشرفة فنال بِهِ من أمله مَا طمح بَصَره إِلَيْهِ واستشرفه وَلما حصل أَخُوهُ فِي قَبْضَة الشريف أَحْمد ابْن عبد الْمطلب ومني مِنْهُ بذلك الفادح الَّذِي فهر بِهِ وَغلب حصل هُوَ أَيْضا فِي الْقَبْض والأسر وَأَرْدَفَ مَعَه على ذَلِك الأدهم بالقسر حَتَّى جرع أَخُوهُ تِلْكَ الكاس وأنعم عَلَيْهِ بالخلاص بعد الْيَأْس فرَاش الدَّهْر حَاله وَأعَاد مِنْهَا مَا غَيره وأحاله وَلم يزل فارغ البال من شواغل النكد والبلبال إِلَى أَن انْقَضتْ أَيَّامه وتنبهت لَهُ من دواعي الْمنون نيامه وَله شعر بديع الأسلوب يملك برقته المسامع والقلوب فَمن ذَلِك قصيدته الَّتِي يمدح بهَا الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس (عوجا قَلِيلا كَذَا عَن أَيمن الْوَادي ... واستوقف العيس لَا يَحْدُو بهَا الْحَادِي) (وعرجابي على ربع صَحِبت بِهِ ... شرخ الشبيبة فِي أكناف أجواد) (واستعطفا جيرة بِالشعبِ قد نزلُوا ... أَعلَى الْكَثِيب فهم غيي وإرشادي) (وسائلاً عَن فُؤَادِي تبلغا أملي ... إِن التعلل يشفي غلَّة الصادي) (واستشفعا واسعفا سؤالكم فَعَسَى ... يقدر الله إسعافي وإسعادي) (وأحملاني وحطا عَن قلوصكما ... فِي سرح مردي الأعادي الضيغم العادي) (مَسْعُود عين العلى المسعود طالعه ... قلب الكتيبة صدر الحفل والنادي) (رَأس الْمُلُوك يَمِين الْملك ساعده ... زند الْمَعَالِي جبين الجحفل البادي) (شهم السراة الأولى سَارَتْ عوارفهم ... شرقاً وغرباً بأغوار وأنجاد) (فَرد غمار العلى فِي سوحه وأرح ... أَيدي الركائب من وخد وآساد) (فَلَا مناخ لنا فِي غير ساحته ... وجود كفيه فِيهَا رائح غادي) (يعشوشب الْعِزّ فِي أكناف ذروته ... يَا حبذا الشّعب فِي الدُّنْيَا لمرتاد) (ونجتني ثَمَر الآمال يانعة ... من روض مَعْرُوفَة من قبل ميعاد) (فَأَي سوح يرجي بعد ساحته ... وَأي قصد لمقصود وقصاد) (لِيهن ذَا الْملك إِذْ ألبست حلته ... تحيى مآثر آبَاء وأجداد) (عَلَوْت فخرا ففاخرت النُّجُوم على ... والشهب فخراً بِأَسْبَاب وأوتاد) (ولحت بَدْرًا بأفق الْملك متحدة ... شمس النَّهَار وَهَذَا جرها بَادِي) (وصنت مَكَّة إِذْ طهرت حوزتها ... من ثلة أهل تَغْلِيب والحاد) (قد غر بَعضهم الإهمال يحسبه ... عفوا فَعَاد لاتلاف وإفساد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 (فذذتهم عَن حمى الْبَيْت الْحَرَام وهم ... من السلَاسِل فِي أطواق أجياد) (كَأَنَّهُمْ عِنْد رفع الزند أَيْديهم ... يدعونَ حبا لمولانا بإمداد) (وَمَا ارعووا فشهرت السَّيْف محتسباً ... يَا برد حرّهم فِي حر أكباد) (غادرتهم جرزاً فِي كل منجدل ... كَانَ أثوابه مجت بفرصاد) (وأثمر الدَّم من أجسامهم ثمراً ... حلوا بأفواه أجداث وألحاد) (سعيت سعياً جَنِينا من خمائله ... نور الْأَمَانِي لأرواح بأجساد) (فكم بِمَكَّة من دَاع ومبتهل ... وَمن محيي وَمن مثن وَمن فادي) (وقدت كل عصي ذلة وعنا ... وَكَانَ من قبل صعباً غير منقاد) (وَعَاد كل شقي صَالحا وغدت ... أيامنا بالهنا أَيَّام أعياد) (نفى لذيذ الْكرَى عَنْهُم تذكرهم ... وقائعاً لَك بَين الخرج والوادي) (من كل أَبيض قد صلت مضاربه ... لما ترقى خَطِيبًا مِنْبَر الْهَادِي) (وكل أسمر نظام الطلى وَله ... إِلَى العدا طفرة النظام مياد) (أسكنت قلبهم رعْبًا تذكره ... ينسى الشفوق الموَالِي ذكر أَوْلَاد) (أقبلتهم كل مر قَالَ وسابحة ... يسر عَن عَدو إِلَى الأعدا بأطواد) (من كل شهم إِلَى العلياء منتسب ... بسادة قادة للخيل أجواد) (فهاك يَا ابْن رَسُول الله مِدْحَة من ... أورت قريحته من بعد أخماد) (فأحكمت فِيك نظماً كُله غرر ... مَا أحرزت مثله أقيال بَغْدَاد) (أضحت قوافيه والآمال يسرحها ... روض البديع لأرصاد بمرصاد) (ترويه عني الثريا وَهِي هازئة ... بالأصمعي وَبِمَا يروي وَحَمَّاد) (وتستحث مطايا الزهر إِن ركدت ... كَأَنَّهَا بل يَحْدُو بهَا الْحَادِي) (وتوقظ الركب ميلًا من خمار كرى ... وَاللَّيْل من طوق نداب السرى هادي) (أتتك تسْأَل إقبالاً لمنشئها ... فاقبل تذللها يَا نسل أمجاد) (وأسبل السّتْر صفحاً إِن بدا خلل ... واهتك بِهِ ستر أَعدَاء وحساد) (لَا زلت يَا عز آل الْبَيْت فِي دعة ... تحف مِنْهُم بأنصار وأنجاد) (بِحَق طه وسبطية وأمهما ... والمرتضى والمثنى الطُّهْر وَالْهَادِي) (صلى عَلَيْهِم إِلَه الْعَرْش مَا سجعت ... قمرية أَو شدا فِي أيكه شادي) وَهَذِه القصيدة لَهَا شهرة بالحجاز طنانة وَقد عارضها جمَاعَة مِنْهُم القَاضِي تَاج الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الْمَالِكِي ومطلع قصيدته قَوْله (غذيت در التصابي قبل ميلادي ... فَلَا ترم يَا عذولي فِيهِ إرشادي) وَسَتَأْتِي فِي تَرْجَمته وَمِنْهُم السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود ومطلع قصيدته قَوْله (ألوى برسم اللوى الترحال وَالْحَادِي ... وقوّض الصَّبْر عَن قلب بأجياد) وثلاثتهم مدحوا بقصائدهم الشريف مَسْعُود وعارضهم الأديب مُحَمَّد بن أَحْمد حَكِيم الْملك بقصيدة مدح بهَا الشريف زيد بن محسن ومطلعها (صوادح البان وَهنا شجوها بَادِي ... فَمن عذير فَتى من فت أكباد) وَسَتَأْتِي الْأُخْرَى وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة مَا كتب بِهِ إِلَى القَاضِي تَاج الدّين الْمَذْكُور من الطَّائِف بقوله (لَا هاج قلباً هام من ... برح الْفِرَاق بالانصداع) (غيم أرق حواشيا ... من برد ضافيه القناع) (زجل الرعود كَأَنَّهَا ... نغمات آلَات السماع) (والهمع مثل الدمع من ... عَيْني مراء أَو مراع) (يهمى ويسكب كي يعم ... بَريَّة سعف التلاع) (والبرق يخْفق مثل قلب ... الصب فِي يَوْم الْوَدَاع) (ونسيمه قد رق من ... حر اشتياقي والتلاع) (لفراق تَاج الدّين ماضي ... الْأَمر قاضينا المطاع) (من جمعت فِيهِ العلى ... وتوفرت فِيهِ الدواع) (ذِي الْفضل بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ ... وَلَا أخص وَلَا أراع) (سبقت أنامله الْأَنَام ... فأحرزت قصب اليراع) (من ذَا يباري ذَا البنان ... براقم ويدي ضيَاع) (إِن حاك وشى مَا يحوك ... بالابتكار والاختراع) (لَا زَالَ مَحْمُود الْخِصَال ... ودام مشكور المساع) فَرَاجعه بقوله (إِن كَانَ قَلْبك صيب من ... برح الْفِرَاق بالانصداع) (فالقلب قد غادرته ... شذراً بمعترك الْوَدَاع) (أَو هاجكم زجل الرعود ... سرى وَأصْبح فِي اندفاع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 (وَسمعت من نغماته ... رنات آلَات السماع) (فَلَقَد رحلت بمقلة ... عميا وَسمع غير واع) (وَلَئِن يكن رق النسيم ... بِمَا يجن من التياع) (فبزفرتي اشتعل الْهَوَاء ... من الْعَنَان إِلَى الْبِقَاع) (كم قلت للقلب المصدع ... بالنوى جد بارتجاع) (فأحال ذَاك على انتظام ... الشمل فِي سلك اجْتِمَاع) (عهدي بِهِ لما إِن استولت ... عَلَيْهِ يَد الضّيَاع) (أضللته فِي موقف التوديع ... من دهش ارتياعي) (ناشدته نشداته ... لي بَين هاتيك الرباع) (تَحت المواطىء من ممر ... صديقي الْخلّ المراعي) (يَا سَيِّدي وَأخي هوى ... وجلالة ويدي وباعي) (من أَصبَحت شمس العلى ... بسناه ساطعة الشعاع) (فَخر الْقُضَاة وفيصل الْأَحْكَام ... فِي يَوْم التداعي) (بَحر الْعُلُوم فَإِن إفاد ... ترى لَهُ سَعَة اطلَاع) (قل للمحاول شأوه ... قصر خطا هذي المساعي) (فَانْظُر لمرآة الزَّمَان ... وَقد غَدَتْ ذَات التماع) (لَا غير صُورَة مجده ... فِيمَا ترَاهُ وَذَا انطباع) (يَا محرزا ببنانه ... قصب السباق بِلَا دفاع) (وموشياً حبر البلاغة ... والبراعة باليراع) (أَنى يحاكي وشيها ... بحياء كمتى ذَات الرّقاع) (كَانَ الحرىّ بهَا اشتمالي ... صوب سمتي وادراعي) (لَكِن أمرت بِأَن أجيبك ... وامتثال الْأَمر دَاعِي) (فأتتك من خجلٍ تجر ... الذيل مرخية القناع) (فانشر لَهَا ستر الرِّضَا المنسوج ... من كرم الطابع) (لَا زَالَ مجدك كل حِين ... فِي ازدياد وارتفاع) وَقَالَ فِي صوفية عصره (صوفية الْعَصْر والأوان ... صوفية الْعَصْر والأواني) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 (فاقوا على قوم لوط ... بنقرزان لنقرزان) وَمن بديع شعره مَا كتبه فِي ديوَان ابْن عقبَة بقرية السَّلامَة من أَعمال الطَّائِف وَهِي قصيدة فريدة لم أظفر مِنْهَا إِلَّا بِهَذَا الْقدر ومطلعها قَوْله (قصر ابْن عقبَة لَا زَالَت مُوَاصلَة ... مني إِلَيْك التحايا نسمَة السحر) (وَلَا عدتك غوادي السحب تسحبه ... رحابك الفيح ذيل الطل والمطر) (كم لَذَّة فِيك أرضيت الغرام بهَا ... يَوْمًا وأرغمت أنف الشَّمْس وَالْقَمَر) (وَكم صديق من الخلان حاورني ... أَطْرَاف أَخْبَار أهل الْكتب وَالسير) وَقَالَ مُعَللا تَسْمِيَة الْقدح قدحاً (مذ صب ساقينا الطلا ... حَتَّى تناثر وانتضح) (خالوا شراراً مَا رَأَوْا ... فلأجل ذَا قَالُوا قدح) وَمن شعره وَله فِي البرقع الشَّرْقِي الْمَعْرُوف عِنْد أهل الْيمن (وخود كبدر التم فِي جنح مصون ... حماها من الْأَبْصَار برقعها الشَّرْقِي) (نرى طرة مثل الْهلَال بَدَت لنا ... على شفق وَالْفرق كالفجر فِي الْأُفق) (فَقلت هِلَال لَاحَ والبدر طالع ... من الغرب أم لَاحَ الْهلَال من الشرق) وَقَوله فِي مثل ذَلِك (بالبرقع الشَّرْقِي تَحت ... المصون الباهي الْجمال) (أبدت لنا شفقاً وليلاً ... لَاحَ بَينهمَا الْهلَال) ويعجبني من شعره قَوْله فِي مطلع قصيدة مدح بهَا السَّيِّد شهوان بن مَسْعُود (فيروزج أم وشام الغادة الرود ... يَبْدُو على سمط در مِنْهُ منضود) وأعجب مِنْهُ مخلصها وَهُوَ (صهباء تفعل بالألباب سورتها ... فعل السخاء بشهوان بن مَسْعُود) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته لخمس خلون من ذِي الْحجَّة سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف وَاتفقَ تَارِيخ وَفَاته صدر هَذَا الْبَيْت (من شَاءَ بعْدك فليمت ... فَعَلَيْك كنت أحاذر) الشَّيْخ أَحْمد بن الْفضل بن مُحَمَّد باكثير الْمَكِّيّ الشَّافِعِي من أدباء الْحجاز وفضلائها المتمكنين كَانَ فَاضلا أديباً لَهُ مِقْدَار عَليّ وَفعل جلي وَكَانَ لَهُ فِي الْعُلُوم الفلكية وَعلم الأوفاق الزاير جايد عالية وَكَانَ لَهُ عِنْد أَشْرَاف مَكَّة منزلَة وشهرة وَكَانَ فِي الْمَوْسِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 يجلس فِي الْمَكَان الَّذِي يقسم فِيهِ الصر السلطاني بِالْحرم الشريف بَدَلا عَن شرِيف مَكَّة وَمن مؤلفاته حسن الْمَآل فِي مَنَاقِب الْآل جعله باسم الشريف إِدْرِيس أَمِير مَكَّة وَمن شعره قَوْله مصدرا ومعجزاً قصيدة المتنبي يمدح بهَا السَّيِّد عَليّ بن بَرَكَات الشريف الحسني وَهِي (حشاشة نفس ودّعت يَوْم ودعوا ... وَقَالَت لأظعان الْأَحِبَّة اتبعُوا) (وصبر نوّى الترحال يَوْم رحيلهم ... فَلم أدر أَي الظاعنين أودع) (أشاروا بِتَسْلِيم فجدنا بأنفس ... تسيل مَعَ الأنفاس لما تَرفعُوا) (وسارت فظلت فِي الخدود عيوننا ... تسيل من الآماق والسم أدمع) (حشاي على جمر ذكي من الْهوى ... وصبري مذ بانوا عَن الصَّبْر بلقع) (وقلبي لَدَى التوديع فِي حزن حزنه ... وعيناي فِي روض من الْحسن ترتع) (وَلَو حملت صم الْجبَال الَّذِي بِنَا ... من الوجد والتبريح كَانَت تضعضع) (وأكبادنا من لوعة الْبَين والنوى ... غَدَاة افترقنا أوشكت تتصدع) (بِمَا بَين جَنْبي الَّتِي خَاضَ طيفها ... دموعي فوافي بالتواصل يطْمع) (تخيل لي فِي غفوة وجهت بهَا ... إِلَى الدياجي والخليون هجع) (أَتَت زَائِرًا مَا خامر الطّيب ثوبها ... وخمرتها من مسك دارين أضوع) (فَقبلت إعظاماً لَهَا فضل ذيلها ... وكالمسك من أردانها يتضوع) (فشرد عِظَامِي لَهَا مَا أَتَى بهَا ... وَفَارَقت نومي والحشا يتقطع) (وَبت على جمر الغضا لفراقها ... من النَّوْع والتاع الْفُؤَاد المولع) (فيا لَيْلَة مَا كَانَ أطول بتها ... سمير السها حلف الدجى أتضرع) (يجر عني كاس الأسى فقد طيفها ... وسم الأفاعي عذب مَا أتجرع) (تذلل لَهَا واخضع على الْقرب والنوى ... لَعَلَّك تحظى بِالَّذِي فِيهِ تطمع) (وَلَا تأنفن من هضم نَفسك فِي الْهوى ... فَمَا عاشق من لَا يذل ويخضع) (وَلَا ثوب مجد مثل ثوب ابْن أَحْمد ... عَليّ بن بَرَكَات بِهِ الْفَخر أجمع) (عَلَيْهِ ضفا بالمكرمات وَلم يكن ... على أحد إِلَّا بلؤم مُرَقع) (وَإِن الَّذِي حابى جديلة طيىء ... بحاتمهم وَهُوَ الْجواد الممنع) (حبأ بعلي آل طه فَإِنَّهُ ... بِهِ الله يُعْطي من يَشَاء وَيمْنَع) (بِذِي كرم مَا مر يَوْم وشمسه ... بِغَيْر سنا مِنْهُ تضيء وتسطع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَمِنْهَا فِي الختام قَوْله (أَلا كل سمح غَيْرك الْيَوْم بَاطِل ... لِأَنَّك فَرد للكمالات تجمع) (وكل ثَنَا فِيك حق وَإِن علا ... وكل مديح فِي سواك مضيع) وَاتفقَ أَنه سمع وَهُوَ محتضر رجلا يُنَادي على فَاكِهَة ودعوا من دنا رحيله فَقَالَ بديهاً (يَا صَاح دَاعِي الْمنون وافى ... وَحل فِي حينا نُزُوله) (وَهَا أَنا قد رحلت عَنْكُم ... فودعوا من دنا رحيله) فَلم يلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة الأديب أَحْمد بن كَمَال الدّين بن مرعي الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي العيثاوي الأديب الذكي النَّاظِم اللبيب كَانَ جيد الْفَهم حُلْو الْعبارَة فائق النّظم على حَدَاثَة سنه وغضارة عوده ولد بِدِمَشْق وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ على وَالِده شَيْئا يَسِيرا من الْفِقْه وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة وفنون الْأَدَب على عُلَمَاء عصره وَمَال بكليته نَحْو الْأَدَب فنظم الشّعْر الْمُبْدع ومدح غَالب أَعْيَان وقته واشتهر فَضله ونبل قدره ووقفت لَهُ من الشّعْر على هَذِه القصيدة كتبهَا جَوَابا لقصيدة أرسلها إِلَيْهِ أَبُو بكر الْعمريّ وألغزله فِيهَا فِي صندل وَهِي قَوْله (يَا ناظم العقد الظريف ... بقريضك الْحسن اللَّطِيف) (بيراعك الصفحات تزهو ... بِالْعُقُودِ وبالشنوف) (وبفكرك الْوَقَّاد تهزء ... بالظريف وبالعفيف) (كم عين نقدك أظهرت ... بفصاحة خافي الزُّيُوف) (أَنْت المجلى كم بِطرف ... الطّرف جلت على الصُّفُوف) (وَيْح المجاري لم يكن ... من دأبه غير الْوُقُوف) (يَا من يفوق الشَّمْس بالْحسنِ ... المصون عَن الْكُسُوف) (الْبَدْر عِنْد كَمَاله ... بِالنَّقْصِ حط وبالخسوف) (هَل ذَا النظام حديقة ... تزهو بتذليل القطوف) (أم ذَاك للصادي النمير ... أَتَاهُ فِي حر المصيف) (أم ذَا الحبيب موايتاً ... كرما يوعد للدنيف) (أم ذَات حسن أَقبلت ... تجلى مخضبة الكفوف) (لَا بل دَوَاء متيم ... لَا زَالَ ذَا جسم نحيف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 (أفديك من بَحر أَتَى ... مبدي الْعَجَائِب والصنوف) (من بَعْضهَا الحسنا الَّتِي ... تنبي عَن الْفضل المنيف) (جَاءَت تجر الذيل من ... تيه على رغم الأنوف) (سترت صباح جبينها ... بظلام شعر كالسجوف) (فدهشت مذ أَبْصرت مِنْهَا ... الْفرق كالبرق الخطوف) (ووقفت إجلالاً لَهَا ... ولمثلها حتم الْوُقُوف) (وسألتها حسر اللثام ... بِحل مَعْنَاهَا اللَّطِيف) (فَأَبت وآبت وَهِي لم ... تَحَنن على فكري الضَّعِيف) (فَضربت تخت الِاجْتِمَاع ... فجَاء بالشكل الظريف) (فَوَجَدتهَا لمريدها ... لم تلف بِالطَّلَبِ الْخَفِيف) وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ شَاب فِي حَيَاة أَبِيه لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس لَيْلَة من جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الملقب شهَاب الدّين باجابر الْحَضْرَمِيّ ذكره الشلي فِي تَارِيخه الْمُرَتّب على السنين وَقَالَ فِي تَرْجَمته ذُو السودد الظَّاهِر وَالْفضل الباهر أَخذ عَن وَالِده الشَّيْخ مُحَمَّد وتربى تَحت حجزه وتحلى بجواهر بحره وَأخذ عَن غَيره من الْعلمَاء ورحل إِلَى الْهِنْد وَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن شيخ وَغَيره وَله نظم حسن ومدائح فِي السَّادة قَالَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر مدحني بقصيدة يَقُول فِيهَا (وَمَا قصدي الْجَزَاء سوى انتسابي ... إِلَى عليا كم يَوْم الْقِيَامَة) فَكَانَ من اخْتِيَار الله تَعَالَى لَهُ بِمُقْتَضى حسن نِيَّته إِلَى أَن مَاتَ قبل أَن يفتح الله علينا بِشَيْء من الدُّنْيَا وتأسفت على مَوته جدا وَكنت كلما ذكرته استثار مني الْحزن انْبَعَثَ الأسى والندم حَتَّى كَانَ مصابي بِاعْتِبَار ذَلِك جَدِيدا فِي كل آن ثمَّ كنت كثير الترحم عَلَيْهِ وَالدُّعَاء لَهُ وصنفت فِي أخباره وَمَا جرياته كتابا سميته صدق الْوَفَاء بِحَق الإخاء وَكَانَت وَفَاته بِبَلَدِهِ لاهور من الديار الْهِنْدِيَّة فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع عشر شَوَّال سنة إِحْدَى بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان شهَاب الدّين الْمُتَوَلِي الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي الْمصْرِيّ الإِمَام الْمُؤلف الْمُحَرر المتقن ذكره الشَّيْخ مَدين القوصوني فِيمَن تَرْجمهُ فَقَالَ بركَة الْمُسلمين ومفيد الطالبين شَيخنَا أَحْمد شهَاب الدّين كَانَ ورعاً متواضعاً وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 يجلس للوعظ بِالْمَدْرَسَةِ المؤيدية وَكَانَ لَا يسمع أصلا وَإِنَّمَا كُنَّا نكتب لَهُ مَا نَسْأَلهُ عَنهُ أَخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ يُوسُف بن شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا وَعَن الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وَعَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن حسن الطنجي وَغَيرهم وَله من المؤلفات شرح عَليّ الْجَامِع الصَّغِير وَهُوَ شرح مُفِيد جَامع وَمِنْه كَانَ يستمد الشَّيْخ عبد الرؤف الْمَنَاوِيّ فِي شروحه وَله مقدمه وَضعهَا قبل الشَّرْح الْمَذْكُور تشْتَمل على أَرْبَعَة وَعشْرين علما قلت وَقد رَأَيْت هَذَا الشَّرْح وطالعته فرأيته استوعب فِي مقدمته أَشْيَاء نفيسة جمة الْفَائِدَة وَله رِسَالَة سَمَّاهَا نيل الاهتداء فِي فضل الارتداء أَصْلهَا سُؤال عَن وضع الشد على الْكَتِفَيْنِ هَل لَهُ أصل فِي السّنة أَولا فَأجَاب فِيهَا بِمَا حَاصله أَن الأَصْل فِي ذَلِك الرِّدَاء ثمَّ قَالَ فَإِن قلت فَهَذَا الَّذِي اعتاده النَّاس من جعل ثوب على الْعُنُق وإرساله من الْجَانِبَيْنِ هَل لَهُ أصل من السّنة قلت لَا أصل لَهُ وَهُوَ عَادَة القبط قَدِيما كَمَا قَالَه أَبُو شامة وَغَيره مِمَّن ألف فِي الْحَوَادِث والبدع وَقد اعتاده النَّاس فَمن فعله حرم بركَة الاقتداءبه وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر والطبرني فِي الْأَوْسَط قَالَ وَمن تشبه بِقوم فهم مِنْهُم قَالَ وَأما الارتداء فَمن فعله فببركة أَتبَاع السّنة يَقِيه الله الْمَكْرُوه فَعَلَيْك بالاتباع وَإِيَّاك والابتداع وَمن عَجِيب مَا وَقع لي أَنه حضر بعض أكَابِر الْعلمَاء وَمن ينْسب إِلَى المشيخة الْكُبْرَى وَهَذَا الثَّوْب الَّذِي يعرف الْآن بالشد على عُنُقه على صُورَة فعل القبط فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي مَا مستندكم فِي هَذَا الْفِعْل وَلم عدلتم عَن اتِّبَاع مَا كَانَ يَفْعَله فَمَا أعَاد جَوَابا كَأَنَّهُ ألقم الْحجر ورحم الله ابْن رشد قَالَ كَانَ الْعلم فِي الصُّدُور فَصَارَ الْآن فِي الثِّيَاب انْتهى وَقَالَ قبل ذَلِك وَفِي النِّهَايَة الرِّدَاء الثَّوْب أَو الْبرد الَّذِي يَضَعهُ الْإِنْسَان على عَاتِقيهِ وَبَين كَتفيهِ فَوق ثِيَابه روى الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله قَالَ الارتداء لبسة الْعَرَب والالتفاع لبسة الايمان وَكَانَ رَسُول الله يَفْعَله قَالَ عبد الْملك بن جُبَير فِي شرح الْمُوَطَّأ الارتداء وضع الرِّدَاء على الْكَتِفَيْنِ والتلفع أَن يلقِي الانسان الثَّوْب على رَأسه ثمَّ يلتف بِهِ لَا يكون الالتفاع إِلَّا بتغطية الرَّأْس وروى ابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ طول رِدَاء رَسُول الله أَرْبَعَة أَذْرع وشبراً فِي ذِرَاع وروى ابْن سعد عَن عُرْوَة بن الزبير أَن طول رِدَاء النَّبِي أَرْبَعَة أَذْرع وَعرضه ذراعان انْتهى خَاتِمَة فِي بَيَان عبارَة صَاحب التَّرْجَمَة وَعبارَة غَيره من شرَّاح الْجَامِع الصَّغِير فِي جَوَاز اللَّعْن وتحريمه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الأول مَا نَصه وَقد أَجمعُوا على تَحْرِيم لعن الْمُسلم المصون وَأما لعن أهل الْمعاصِي لَا المعينين والمعروفين كلعن الله آكل الرِّبَا فَجَائِز وَأما لعن معِين متصف بِمَعْصِيَة كيهودي أَو مُصَور أَو آكل رَبًّا فَظَاهر الْأَحَادِيث أَنه جَائِز وَأَشَارَ الْغَزالِيّ إِلَى تَحْرِيمه وَأما لعن الْحَيَوَان والجماد فكله مَنْهِيّ عَنهُ مَذْمُوم قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَاحْتج شَيخنَا يَعْنِي البُلْقِينِيّ على جَوَاز لعن الْمعِين بِالْحَدِيثِ الْوَارِد فِي الْمَرْأَة إِذا دَعَاهَا زَوجهَا إِلَى فرَاشه فَأَبت لعنتها الْمَلَائِكَة حَتَّى تصبح وَهُوَ فِي الصَّحِيح وَتوقف فِيهِ بَعضهم فَإِن الاعن هُنَا الْمَلَائِكَة فَيتَوَقَّف الِاسْتِدْلَال بِهِ على جَوَاز التأسي بهم وعَلى التَّسْلِيم فَلَيْسَ فِي الْخَبَر تَسْمِيَتهَا وَالَّذِي قَالَه شَيخنَا أقوى فَإِن الْملك مَعْصُوم والتأسي بالمعصوم مَشْرُوع والبحث فِي جَوَاز الْمعِين وَهُوَ مَوْجُود قلت يحْتَمل أَن يُقَال هُوَ من خَصَائِص الْمَعْصُوم ليسقط الِاسْتِدْلَال بِهِ فَتَأمل هَذَا وَقد ثَبت النَّهْي عَن اللَّعْن فَحَمله على الْمعِين أولى انْتهى بِحُرُوفِهِ وَقَالَ شَيخنَا عبد الرؤف الْمَنَاوِيّ فِي شَرحه مَا نَصه وَأَجْمعُوا على تَحْرِيم لعن الْمُسلم المصون وَأما أهل الْمعاصِي غير الْمعِين فَجَائِز وَأما لعن معِين متصف بِمَعْصِيَة كيهودي أَو نَصْرَانِيّ وآكل رَبًّا فظواهر الْأَخْبَار جَوَازه وَأَشَارَ الْغَزالِيّ إِلَى تَحْرِيمه وَجوز البُلْقِينِيّ لعن العَاصِي وَلَو معينا لخَبر إِذا دَعَا الْمَرْأَة زَوجهَا إِلَى فرَاشه فَأَبت لعنتها الْمَلَائِكَة حَتَّى تصبح وَاعْترض بِأَن الِاسْتِدْلَال مُتَوَقف على وجوب التأسي بِالْمَلَائِكَةِ أَو جَوَازه مَعَ أَن لَيْسَ فِي الْخَبَر تَسْمِيَتهَا وَزعم بعض من كتب على الْكتاب أَنه من خَصَائِص الْمَعْصُوم فَلَا يسْتَدلّ بِهِ سَاقِط إِذْ لَا بُد فِي دَعْوَى الخصوصية من دَلِيل انْتهى كَلَام كل من الشَّارِحين وَقد رَأَيْت أصل الْعبارَة للْإِمَام النَّوَوِيّ فِي أَوَاخِر الاذكار وَعبارَته أَن الْغَزالِيّ أَشَارَ إِلَى التَّحْرِيم إِلَّا فِي حق من علمنَا أَنه مَاتَ على الْكفْر كَأبي لَهب لِأَن اللَّعْن هُوَ الإبعاد عَن رَحْمَة الله تَعَالَى وَمَا نَدْرِي مَا يخْتم بِهِ لهَذَا الْفَاسِق وَالْكَافِر وَله رِسَالَة قَالَ فِي أَولهَا فقد سَأَلَني بعض الاخوان أَن أعلق تَعْلِيقا لطيفاً ألذ من بُلُوغ الآمال جَوَابا عَن مسَائِل تتَعَلَّق بِعرْض الْأَعْمَال ورفعها إِلَى الله تَعَالَى فِي الْأَيَّام والليال فأجبته إِلَى ذَلِك السُّؤَال وجمعت هَذِه الرسَالَة الحاوية لنفائس الْجَوَاهِر واللآل وسميتها نجاح الآمال بإيضاح عرض الْأَعْمَال وَقَالَ فِي أواسطها رُوِيَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عبد الغفور بن عبد الْعَزِيز عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا تعرض الْأَعْمَال يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس على الله تَعَالَى وَتعرض على الْأَنْبِيَاء والآباء والأمهات يَوْم الْجُمُعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 فيفرحون بحسناتهم وتزداد وُجُوههم بَيَاضًا وإشراقاً فَاتَّقُوا الله وَلَا تُؤْذُوا مَوْتَاكُم ثمَّ قَالَ قَالَ الشَّيْخ ولي الدّين الْعِرَاقِيّ إِن قلت مَا معنى هَذَا مَعَ أَنه ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن الله تَعَالَى يرفع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل عمل النَّهَار وَعمل النَّهَار قبل عمل اللَّيْل قلت يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا أَن أَعمال الْعباد تعرض على الله تَعَالَى كل يَوْم ثمَّ تعرض عَلَيْهِ أَعمال الْجُمُعَة فِي كل اثْنَيْنِ وخميس ثمَّ تعرض عَلَيْهِ أَعمال السّنة فِي شعْبَان أَو تعرض عَلَيْهِ عرضا بعد عرض وَلكُل عرض حِكْمَة يطلع عَلَيْهَا من يَشَاء من خلقه أَو يستأثر بهَا عِنْده مَعَ أَنه تَعَالَى لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء من أَعْمَالهم وَلَا تخفى عَلَيْهِ خافية انْتهى قلت وَهِي رِسَالَة كَثِيرَة الْفَوَائِد جدا وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة السبت ثامن عشر ربيع الأول سنة ثَلَاث بعد الْألف وَدفن خَارج بَاب النَّصْر بتربة الشريف الدارس وَهِي بِالْقربِ من مُقَابلَة حَوْض اللفت رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الحصكفي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن المنلا وَتَمام نسبه وَقد ذكرته فِي يترجمة ابْنه إِبْرَاهِيم فَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَته وَأحمد هَذَا قد ذكره جمَاعَة من المؤرخين والمنشئين وَكلهمْ أثنوا عَلَيْهِ ووصفوه بأوصاف حَسَنَة رائقة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ وَاحِد الدَّهْر فِي كل فن من فنون الْأَدَب جمع بَين لطف التَّحْرِير وعذوبة الْبَيَان وَكَانَ بالشهباء أحد الْمَشَاهِير وَمن جملَة الجماهير نَشأ فِي كنف أَبِيه وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء وَأكْثر اشْتِغَاله على الرضي ابْن الْحَنْبَلِيّ صَاحب تَارِيخ حلب أَخذ عَنهُ رسَالَته سرح المقلتين فِي مسح الْقبْلَتَيْنِ دراية ورافق فِي سَماع تأليفه مخائل الملاحة فِي مسَائِل المساحة وشارك فِي الْجَبْر والمقابلة وَقَرَأَ الْمحلي الْأَصْلِيّ مَعَ مشارفة حَاشِيَته وَسمع شمايل النَّبِي لِلتِّرْمِذِي من لَفظه قَالَ ابْن الْحَنْبَلِيّ فِي تَارِيخه وَكَانَ أَي ابْن المنلا السَّبَب فِي أَن قلت (يَا من لمضطرم الأوام ... حَدِيثه الْمَرْوِيّ دوى) (أروى شمايلك الْعِظَام ... لرفقة حضر وَالِدي) (على أنال شَفَاعَة ... تسدي لَدَى العقبى إِلَى) (حاشا شمايلك اللطيفة ... أَن ترى عونا على) وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح المواقف والعضد مَعَ حَاشِيَة السَّيِّد الْجِرْجَانِيّ والسعد التَّفْتَازَانِيّ وَصَحب سَيِّدي علوان بن مُحَمَّد الْحَمَوِيّ وَهُوَ بحلب سنة أَربع وَخمسين وَسمع مِنْهُ الثُّلُث من البُخَارِيّ وَحضر مواعيده وَسمع الحَدِيث المسلسل بالأولية من الْبُرْهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الْعِمَادِيّ وَأَجَازَ لَهُ وَقَرَأَ بالتجويد على الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الضَّرِير الدِّمَشْقِي نزيل حلب كثيرا وَأَجَازَ لَهُ فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَدخل دمشق مرَّتَيْنِ وَأخذ بهَا عَن الْبَدْر الْغَزِّي وَحضر دروسه بالشامية البرانية وَقَرَأَ على النُّور النَّسَفِيّ بِدِمَشْق مطعه من البُخَارِيّ وَمُسلم وَحضر عِنْده دروساً من الْمحلى وَشرح الْبَهْجَة وَأَجَازَ لَهُ وَقَرَأَ بهَا شرح منلا زَاده على هِدَايَة الْحِكْمَة على محب الدّين التبريزي مجاور التكية السليمانية مَعَ سَمَاعه عَلَيْهِ بعض تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَقَرَأَ قطعتين صالحتين من المطول والأصفهاني على أبي الْفَتْح الشبستري ورحل فِي سنة ثَمَان وَخمسين إِلَى قطسنطينية صَحبه وَالِده فَأخذ رِسَالَة الاسطرلاب من نزيلها الشَّيْخ غرس الدّين الْحلَبِي وَاجْتمعَ بالمحقق السَّيِّد عبد الرَّحِيم العباسي واستجاز مِنْهُ رِوَايَة البُخَارِيّ فَأجَاز لَهُ ومدحه بقصيدة مطْلعهَا قَوْله (لَك الشّرف العالي على قادة النَّاس ... وَلم لَا وَأَنت الصَّدْر من آل عَبَّاس) وَهِي مَذْكُورَة فِي رحلته الَّتِي ألفها وسماها بالروضة الوردية فِي الرحلة الرومية وَرجع إِلَى حلب فولي تدريس البلاطية الَّتِي أَنْشَأَهَا الْحَاج بلاط دويدار الْحَاج اينال كافلها إِلَى جَانب تربته وتربة مخدومه وَأفَاد وصنف وَشرح مُغنِي اللبيب شرحاً جمع فِيهِ بَين الدماميني والشمني وَأطَال فِيهِ وَهُوَ فِي بَابه لَا نَظِير لَهُ وَله رسائل أدبية مِنْهَا رِسَالَة طالبة الْوِصَال من مقَام ذَلِك الغزال نسجها على منوال عِبْرَة الكئيب وعثرة اللبيب للصفدي وشكوى الدمع المراق من سِهَام الْفِرَاق وَوضع كتابا سَمَّاهُ عُقُود الجمان فِي وصف نبذة من الغلمان وَضعه على أسلوب كتاب شَيْخه ابْن الْحَنْبَلِيّ الْمُسَمّى بمرتع الظبا ومربع ذَوي الصِّبَا وتعاطى على صناعَة النّظم والنثر فَأحْسن فيهمَا إِلَى الْغَايَة وَمن محَاسِن شعره قَوْله (نَازع الخد عذار دائر ... فَوق خَال مسكه ثمَّ عبق) (قَائِلا للخد هَذَا خادمي ... ودليلي أَنه لوني سرق) (فانتضى الطّرف لَهُم سيف القضا ... ثمَّ نَادَى مَا الَّذِي أبدى الْفرق) (أَيهَا النُّعْمَان فِي مذهبكم ... حجَّة الْخَارِج بِالْملكِ أَحَق) قَوْله (وأسمر من بني الأتراك ذِي غنج ... يهز قدا كغصن البان فِي هيف) (كَأَنَّهُ حِين يَعْلُو سور قلعته ... وينثني شرفاً مِنْهُ على شرف) (غُصْن الصِّبَا مزهراً قد رنحته صبا ... عَلَيْهِ بدربدا من دارة الشّرف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَقَوله (ادعوا أَن خصره فِي انتحال ... فَلِذَا بَان قده الممشوق) (وَأَقَامُوا الدَّلِيل ردفا ثقيلا ... قلت مهلا دليلكم مطروق) وَله (قَالُوا حَبِيبك أَمْسَى لَا تكَلمه ... وَلَا تميل لرؤيا وَجهه النَّضر) (فَقلت أَمر دَعَاني نَحْو جفوته ... وَالْحب للقلب لَا للفظ وَالنَّظَر) وَقَوله (المشهدي لِسَانه ... قد فل كل مهند) (أَن رام إنشاد ... القريض فَقل لَهُ يَا سَيِّدي) يُشِير إِلَى قَول بَعضهم فِي قَول ابْن الشجري الْعلوِي (يَا سَيِّدي وَالَّذِي يعيذك من ... نظم قريض يصدا بِهِ الْفِكر) (مَا فِيك من جدك النَّبِي سوى ... أَنَّك لَا يَنْبَغِي لَك الشّعْر) وَهَذَا ألطف فِي التَّعْبِير بمراتب من قَول مخلد الْموصِلِي وَهُوَ (يَا نَبِي الله فِي الشّعْر ... وَيَا عِيسَى ابْن مَرْيَم) (أَنْت من أشعر ... خلق الله إِن لم تَتَكَلَّم) وَإِن كَانَ أَصله مَا قَالَه الثعالبي فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالشكاية والتعريف إِذا كَانَ الرجل متشاعراً غير شَاعِر قَالُوا فلَان نبى فِي الشّعْر يَعْنِي أَنه لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِك وَقَالَ (إِن كنت تَفْخَر يَا رقيع ... بِمَا زعمت من الشّرف) (فَالله يدْرِي مَا تَقول ... وَلست إِلَّا ذَا سرف) (أَنِّي أجل بني الرَّسُول ... من أَن تكون لَهُم خلف) (وَإِذا قبلنَا مَا نقُول ... فَإِنَّهُم نعم السّلف) وَمِنْه قَول أبي تَمام (لئيم الْفِعْل من قوم كرام ... لَهُ من بَينهم أَبَد اغواء) وَمن لطائف مضامينه البديعة قَوْله فِي شخص عابه بانحسار شعر رَأسه (يعيبني أَن شعر الرَّأْس منحسر ... مني فَتى قد عرى من حلَّة الْأَدَب) (وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا من ضرام هوى ... سرى إِلَى الرَّأْس مِنْهُ سَاطِع اللهب) (أقصر عدمتك إِذا دَاء بمعبره ... فالعيب فِي الرَّأْس دون الْعَيْب فِي الذَّنب) وَكتب مَعَ هَدِيَّة قَوْله (أقبل هَدِيَّة مخلص ... فِي وده وثنائه) (وأجبر بذلك كَسره ... واغنم جميل دُعَائِهِ) وَمِمَّا ينخرط فِي هَذَا السلك قَول سعيد بن أَحْمد (هديتي تقصر عَن همتي ... وهمتي تعلو على مَالِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 (فخالص الود ومحض الولا ... أحسن مَا يهديه أمثالي) وَله (قد بعثنَا إِلَيْك أكرمك الله ... ببر فَكُن لَهُ ذَا قبُول) (لَا تقسه إِلَى ندى كفك الْغمر ... وَلَا نيلك الْكثير الجزيل) (واغتفر قلَّة الْهَدِيَّة مني ... أَن جهد الْمقل غير قَلِيل) وَقَالَ فِي رحلته الرومية لمحت بعريض شيزر غزالاً بَين الغزلان نافر وشادنا طَار نَحوه قلبِي فأفى الَّذِي بَين جفنيه كاسر ومليحاً أَسْفر عَن بدر فِي تَمَامه وابتسم عَن ثنايا كَأَنَّهَا الدّرّ فِي انتظامه يتبعهُ شرذمة من خرد النِّسَاء الحسان وَهُوَ يلْعَب بَينهُنَّ كأنهن الْحور وَهُوَ من الْولدَان (صادني بالعريض ظَبْي غرير ... بحسام من حد جفن غضيض) (ثمَّ لما انثنى بأسمر قد ... أوقع الْقلب فِي الطَّوِيل العريض) وَله من رِسَالَة يقبل الأَرْض معترفاً برق الْعُبُودِيَّة قرباً وبعداً ومقراً بِأَن فِرَاق تِلْكَ الحضرة الزكية لم يبْق لَهُ على مقاومة الصَّبْر جهداً ارْتكب مجَاز التصبر ليفوز بِحَقِيقَة الاصطبار واستعار لِقَلْبِهِ جنَاح الشوق فها هُوَ يود لَو أَنه نحوكم طَار عجل عَلَيْهِ الْبَين يدنو حِينه وسبك فِي بودقة خديه خَالص ابريز دمعة عَنهُ وقطر بتصعيد أنفاسه لجين دُمُوعه وَنفى بتأوهه وأنينه طير هجوعه وَله غير ذَلِك من غرر القَوْل وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة ثَلَاث بعد الْألف قَتله الفلاحون فِي قَرْيَة باتشا من عمل معرة نسرين ظلما وعدواناً وَدفن بِالْجَبَلِ بِالْقربِ من تربة جده لأمه الخواجة اسكندر بن آيجق رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد نزيل طيبَة والمتوفى بهَا ابْن أَحْمد بن أَحْمد بن عمر بن أَحْمد ابْن أبي بكر بن أَحْمد الْعَبَّاس شهَاب الدّين الْفَقِيه الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بالشوبكي الصَّالِحِي كَانَ من أفاضل الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق وَكَانَ غزير الْعلم سريع الْفَهم حسن المحاضرة فصيح الْعبارَة وَفِيه تواضع وسخاء ولد بصالحية دمشق وَحفظ الْقُرْآن وَالْمقنع فِي الْفِقْه وَأخذ الْفِقْه وَغَيره عَن مُحَرر مَذْهَبهم الْعَلامَة مُوسَى الحجاوي الصَّالِحِي وَأخذ الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا من الْفُنُون عَن الشَّمْس مُحَمَّد بن طولون والملا محب الله والعلامة أبي الْفَتْح الشبستري والعلامة عَلَاء الدّين بن عماد الدّين والشهاب أَحْمد بن بدر الطَّيِّبِيّ الْكَبِير ثمَّ رَحل إِلَى مصر وَأخذ بهَا عَن الجلة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الْعلمَاء كشيخ الْإِسْلَام تَقِيّ بن أبي بكر بن مُحَمَّد الفيومي وَرجع إِلَى دمشق وَأفْتى بهَا ودرس نَحْو سِتِّينَ سنة وَسلم لَهُ فُقَهَاء الْمَذْهَب غير أَنه كَانَ على مَذْهَب ابْن تَيْمِية من القَوْل بتجويز بَقَاء التَّزْوِيج بعد الطلقات الثَّلَاث وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالصالحية وقناة العوني والكبرى وَكَانَ يحكم بِبيع الْأَوْقَاف وَترك الصالحية فِي أَوَاخِر عمره وقطن بِدِمَشْق بِالْقربِ من الْجَامِع الْأمَوِي وخطب مُدَّة طَوِيلَة بِجَامِع منجك بمجلة ميدان الْحَصَى وَكَانَ صَوته حسنا وتلاوته حَسَنَة وامتحن مَرَّات وسافر إِلَى قسطنطينية فِي بَعْضهَا وسرقت ثِيَابه وغالب مَا كَانَ يملك فِي منزله بِدِمَشْق دخل عيه اللُّصُوص وأمسكوا لحيته وَأَرَادُوا قَتله وَنسب فعل ذَلِك إِلَى غُلَام رومي كَانَ مَال إِلَيْهِ ثمَّ تَركه وَكَانَ وِلَادَته فِي سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي يَوْم عَرَفَة بعد الْعَصْر تَاسِع ذِي الْحجَّة سنة سبع بعد الْألف وَدفن بسفح قاسيون رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد الصفوي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الْمَعْرُوف بِابْن عبد الْهَادِي الْعمريّ الشَّافِعِي الْفَقِيه النَّبِيل من بَيت مَعْرُوف بقرية صفورية لَهُم الصّلاح وَالْعلم خرج مِنْهُم فضلاء جمة وَيَنْتَهِي نسبهم إِلَى سيدنَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَأول من قدم مِنْهُم إِلَى دمشق مُحَمَّد وَالِد أَحْمد هَذَا فقطن بقرية عقربا من نَاحيَة الغوطة وَاتخذ بهَا بساتين ومساكن وَتزَوج بنت الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الْقَادِر بن سوار شيخ الْمحيا بِدِمَشْق وجاءه مِنْهَا أَوْلَاد كَثِيرُونَ مِنْهُم أَحْمد صَاحب التَّرْجَمَة فَنَشَأَ طَالبا للعلوم والمعارف وَقَرَأَ على الْحسن البوريني الشَّافِعِي طرفا من فقه الشَّافِعِي وشيئاً من الْمعَانِي وَالْبَيَان واشغل على غَيره وبرع وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة سنة تسع بعد الْألف وَدفن بتربة القصارين فِي جَانب قبر عَاتِكَة ثمَّ رَأَيْت فِي الْكَوَاكِب السائرة أَن جدهم عبد الْهَادِي كَانَ يسكن دمشق بمحلة قبر عَاتِكَة وَوَصفه بالشيخ الصَّالح الصُّوفِي المسلك المربى ولي الله تَعَالَى وَذكر أَن وَفَاته كَانَت يَوْم الْأَحَد سادس عشر شَوَّال سنة ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَدفن بتربة بِالْقربِ من مَسْجِد الطالع بتربة الدقاقين أَحْمد بن مُحَمَّد اقاضي شهَاب الدّين الْجَعْفَرِي الصَّالِحِي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالمصارع ولي نِيَابَة الْقَضَاء بمحاكم دمشق وعزل آخر عَن نِيَابَة الْبَاب بعد أَن تعاقب عَلَيْهِ مرَارًا هُوَ وَالْقَاضِي مُحَمَّد الكنجي الْآتِي ذكره وَكَانَ يبْذل المَال لأجل تَوْلِيَة النِّيَابَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ويعزل سَرِيعا لحماقة كَانَت فِيهِ وَكَانَ مذموماً سيء الأطوار وَلما ولي نِيَابَة الحكم قيل فِيهِ (أَصبَحت يَا ابْن الجعفرية حَاكما ... فسد الزَّمَان ترَاهُ أم جن الْفلك) (أما الصراع فَأَنت فِيهِ عَارِف ... لَكِن شَرِيعَة أَحْمد من أَيْن لَك) وَجَرت لَهُ محن كَثِيرَة لطلاقة لِسَانه فِي حق الأكابر أصبح مَيتا فِي فرَاشه فِي يَوْم الْعشْرين من شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف وَدفن فِي مَقْبرَة الفراديس وَقيل فِي تَارِيخ مَوته (مصَارِع لَيْسَ لَهُ مضارع ... أَقرع رَأس بالأذى يقارع) (ألهمت يَوْم مَوته تَارِيخه ... مَاتَ إِلَى جَهَنَّم المصارع) وَقيل أَيْضا (مَاتَ المصارع والأنام تيقنوا ... أَن الْأَذَى لِلْخلقِ مِنْهُ يضرّهُ) (ألهمت يَوْم وَفَاته تَارِيخه ... أَن المصارع فِي الْجَحِيم مقره) أَحْمد بن مُحَمَّد بن راضي الشَّافِعِي العلواني من أَتبَاع الشَّيْخ عَليّ الكيزواني الشَّيْخ الصَّالح قَرَأَ على وَالِده فِي علم القراآت وَكَانَ لوالده الْيَد الطولي فِي هَذَا الْفَنّ وغالب قراء حلب فِي زَمَنه تعلمُوا مِنْهُ وَقَرَأَ على الشَّيْخ عمر العرضي مُدَّة مديدة وانتفع مِنْهُ بمباحث مفيدة كَانَ إِمَامًا بالكيزوانية ومتولياً وَاسْتولى على جَمِيع أوقافها بِاعْتِبَار انتسابهم فِي الْأَخْذ عَن الشَّيْخ الكيزواني طَريقَة العلوانية بل طَريقَة شَيْخه السَّيِّد عَليّ بن مَيْمُون فَإِن الكيزواني كَانَ من أَقْرَان الشَّيْخ علوان إِلَّا أَن سَيِّدي الشَّيْخ علوان كَانَ ذَا عُلُوم غزيرة من عُلُوم الشَّرِيعَة والحقيقة وَكَانَ الِاسْم الْكَبِير لَهُ والشهرة التَّامَّة فَإِن السَّيِّد عَليّ بن مَيْمُون خلف الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورين وَخلف الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن عراق وَخلف الشَّيْخ الزين الْحلَبِي مدفناً بالشيخ علوان لَهُ المصنفات الْعَظِيمَة نَحْو نسمات الأسحار ومصباح الْهِدَايَة وَشرح التائية الفارضية والتائية الصفدية وَغير ذَلِك وَالشَّيْخ الكيزواني لَهُ رسائل كَثِيرَة فِي التصوف إِلَّا أَنَّهَا مختصرة وَكَذَلِكَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن عراق وَتَوَلَّى صَاحب التَّرْجَمَة لمدرسة الاغونية وَكَانَ يتَوَلَّى تكاليف محلّة الْعقبَة فَمنهمْ المادح وَمِنْهُم غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان عشرَة بعد الْألف وَدفن بِقرب الْفَيْض وَقد جَاوز السِّتين تَقْرِيبًا رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن الْعَلامَة الشَّمْس مُحَمَّد بن شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن يُونُس بن إِسْمَاعِيل ابْن مَحْمُود السعودي الشهير بالشلبي الْمصْرِيّ الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الإِمَام الْمُحدث راس فُقَهَاء زَمَنه ومحدثيه وَكَانَ لَهُ بِعلم الحَدِيث اعتناء كَبِير محتاطاً فِيهِ عَارِفًا بِطرقِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وتقييداته وإقراء كتبه وَله سهم عَال فِي الْفِقْه والفرائض وَكَانَ سريع الْفَهم وافر الِاطِّلَاع ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن وَالِده وَعَن الْجمال يُوسُف بن القَاضِي زَكَرِيَّا وَغَيرهمَا وَعنهُ أَخذ الشهَاب أَحْمد الشَّوْبَرِيّ وَالشَّيْخ حسن الشُّرُنْبُلَالِيّ وَعمر الدفتري وَالشَّمْس مُحَمَّد البابلي وزين العابدين بن شيخ الْإِسْلَام القَاضِي زَكَرِيَّا وَغَيرهم وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي نَيف وَعشْرين وَألف الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالكواكبي البيري الأَصْل ثمَّ الْحلَبِي الْحَنَفِيّ الصُّوفِي أحد أَعْيَان عُلَمَاء حلب وكبرائها ذكره أَبُو الْوَفَاء العرضي وَقَالَ فِي تَرْجَمته لزم الِاشْتِغَال على الْوَالِد يَعْنِي الشَّيْخ عمر العرضي بُرْهَة من الزَّمَان حَتَّى وصل إِلَى قِرَاءَة المطول وحواشيه قِرَاءَة تَحْقِيق وَقَرَأَ على الشَّيْخ مُحَمَّد بن مُسلم المغربي أحد شُيُوخ الْوَالِد فِي الْمُغنِي وحاشيته وَقَرَأَ فقه الْحَنَفِيَّة على الشَّيْخ مُحَمَّد الْمصْرِيّ الْحَنَفِيّ وَكَانَ يحضر مجَالِس ذكر وَالِده وَكَانَ يخرج بِالذكر أَمَام الْجَنَائِز كَمَا هُوَ سنَن الصُّوفِيَّة وَكَانَ حنق على وَالِده فَأخذ الطَّرِيق على الشَّيْخ عيواد الكلشني وَهُوَ ارد ولي أَيْضا وَاتخذ لَهُ حَلقَة ذكر فِي جَامع بانقوسا ثمَّ رَجَعَ إِلَى طَاعَة وَالِده وَتَابَ إِلَى الله تَعَالَى وَتقدم عَلَيْهِ فِي بعض مجَالِس الذّكر الشَّيْخ عبد الله فَضَربهُ صَاحب التَّرْجَمَة وَألقى عمَامَته عَن رَأسه وَكَانَ فِي وَقت هوية الذّكر فَلم ينزعج الشَّيْخ عبد الله بل اسْتمرّ فِي ذكره وَهَذَا خلق حسن عَظِيم ثمَّ ترك زِيّ الصُّوفِيَّة وَشرع فِي أَخذ الْمدَارِس الحلبية ثمَّ حركه مبغضو الشَّيْخ أبي الْجُود على أَخذ إِفْتَاء حلب مِنْهُ فاستعظم ذَلِك ثمَّ توجه إِلَى قسطنطينية وَأَخذهَا وَتَوَلَّى الْقِسْمَة العسكرية بحلب مرَارًا وَصَارَ قَائِما مقَام القَاضِي إِذا تولى جَدِيدا حَتَّى جمع فِي سنة وَاحِدَة بَين التفوى وَالْقِسْمَة العسكرية مَعَ النِّيَابَة الْكُبْرَى عَن قَاضِي حلب وَالنَّظَر على كتخداي الباشا وكتخداي الدفتر دَار وَكَانَ عفيفاً فِي أقضيته لَهُ حسن مُعَاملَة مَعَ أَصْحَابه ومحبيه وأحبه كافل حلب نصوح باشا نكاية فِي أبي الْجُود لكَون أبي الْجُود صاهر الْعَسْكَر الدمشقيين ونصوح باشا كَانَ يبغضهم وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ وتزدحم على بَابه الأكابر والأعيان وَبنى دَارا عَظِيمَة بالجلوم إِلَى جنب زَاوِيَة جده بهَا مجَالِس عَظِيمَة وَبنى مَكَانا فِي دهليزها لطيفاً لَهُ شباك مشرف على زَاوِيَة جده من جِهَة الشرق وَلما تولى حُسَيْن باشا كَفَالَة حلب وعزل نصوح باشا وَوَقع بَينهمَا تِلْكَ الْفِتَن والمحن وَكَانَ حُسَيْن باشا ينظر إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة شزراً ويسمعه هجراً وَاشْتَدَّ الْوَهم بِهِ حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 تدلى لَيْلًا من السُّور وَانْهَزَمَ حَتَّى وصل إِلَى طرابلس سَرِيعا جدا فالتجأ إِلَى كرم بني سَيْفا فاستقبوله بالإجلال فَجَلَسَ هُنَاكَ شهوراً قَليلَة ثمَّ توجه إِلَى مصر وَحج وَاسْتمرّ بِمصْر حَتَّى ذهبت دولة جانبولاذ فَعَاد إِلَى حلب وَلبس ثِيَاب الصُّوفِيَّة وَجمع ليَالِي لجَمِيع الْمَشَايِخ والفقراء وَاتخذ لَهُ مجْلِس صَلَاة على النَّبِي وَكَانَ يَأْتِي إِلَيْهِ نَحْو ألف إِنْسَان مَا بَين ذَاكر وناظر وَكَانَ يُطِيل مجْلِس الصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّبِي حَتَّى يمل الْمُصَلِّي وَالسَّامِع فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ الشَّيْخ أَبُو النَّصْر طريقتنا قسم تهليل وَلَيْسَ فِيهِ الصَّلَاة على النَّبِي صَاحب التَّرْجَمَة يَقُول الصَّلَاة على النَّبِي بَعضهم يرجحها فِي الْفضل على لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ طَال الْجِدَال بَينهمَا حَتَّى أصلح الشَّيْخ أَبُو النَّصْر مَسْجِدا كَانَ مَهْجُورًا واتخذه للذّكر فِي ليَالِي الْجمع فَكَانَ الْأَكْثَر من النَّاس يأْتونَ إِلَى الشَّيْخ أبي النَّصْر لكَون ذكره بالنغم والأساليب الْحَسَنَة مَعَ الْعِبَادَة ومجلس صَاحب التَّرْجَمَة عبَادَة مَحْضَة وَكَانَ كتب فِي إمضائه نقل من السّجل المصان فاعترضه الشَّيْخ أَبُو الْجُود وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الوفا وَكَانَ سَأَلَني وَأَنا شَاب لم كَانَ اسْم الْفَاعِل مَعَ فَاعله لَيْسَ بجملة وَالْفِعْل مَعَ فَاعله جملَة فأجبت بِأَنَّهُ لما لم يخْتَلف غيبَة وتكلما وخطاباً عومل مُعَاملَة الْمُفْردَات وَأما الْفِعْل مَعَ فَاعله لما اخْتلف عومل مُعَاملَة الْجمل فأعجبه وَمن نظمه حِين أحب أَخُوهُ شَابًّا يُقَال لَهُ مَحْمُود فَأَنْشد (قد قلت للْأَخ لما زَاد فِي شغف ... ارْفُقْ بِنَفْسِك أَن الرِّفْق مَقْصُود) (فَقَالَ لَا أَبْتَغِي عَن ذَا الْهوى بَدَلا ... هواي بَين أهيل الْعِشْق مَحْمُود) وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَدفن فِي قُبُور الصَّالِحين السُّلْطَان أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُرَاد السُّلْطَان الْأَعْظَم والخاقان الأفخم أعظم مُلُوك آل عُثْمَان وأحلمهم وَأكْرمهمْ كَانَ سُلْطَانا عَظِيم الْقدر جميل الذّكر محباً للْعُلَمَاء وَآل الْبَيْت متمسكاً بِالسنةِ النَّبَوِيَّة حسن الِاعْتِقَاد معاشراً لأرباب الْفَضَائِل سمح الْكَفّ جواد الاتزال إحساناته للْفُقَرَاء واصلة وعطاياه لأرباب الِاسْتِحْقَاق مترادفة وَكَانَ مائلاً إِلَى الْأَدَب والمحاضرات وَله شعر بالتركية ومخلصه على قَاعِدَة شعراء الرّوم بختى وَمِمَّا يرْوى لَهُ من الشّعْر العري قَوْله وأجاد (ظَبْي يصول وَلَا اتِّصَال إِلَيْهِ ... جرح الْفُؤَاد بصارمي لحظيه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 (مَا قَامَ معتدلاً وهز قوامه ... إِلَّا تهتكت الستور عَلَيْهِ) (يسْقِي المدامة من سلافة رِيقه ... ويخصنا بالغنج من جفنيه) (عَيناهُ نرجسنا وآس عذره ... ريحاننا ولورد من خديه) (يَا شعر فِي بَصرِي وَلَا فِي خَدّه ... إِنِّي أغار من النسيم عَلَيْهِ) (عجبي لسلطان يعز بعدله ... ويجور سُلْطَان الغرام عَلَيْهِ) (لَوْلَا اخاف الله ثمَّ جحيمه ... لعبدته وسجدت بَين يَدَيْهِ) قلت والبستان الأخيران من جملَة قصيدة لِابْنِ رزيك الشيعي ومطلع قصيدته قَوْله (ومهفهف ثمل القوام سرت إِلَى ... أعطافه النشوات من عَيْنَيْهِ) وَلما توفّي وَالِده كَانَ الْوَزير لَهُ إِذْ ذَاك قَاسم باشا فأخفى الْوَزير موت السُّلْطَان وَدخل إِلَى دَاخل بَيت السلطنة وَذكر للسُّلْطَان أَحْمد الْمَذْكُور كلَاما يَقْتَضِي أَن يلبس السوَاد ويحضر فِي الْجمع وَيجْلس على الْكُرْسِيّ وَإِذا أحضر أَعْيَان الْعلمَاء وَأَصْحَاب المناصب وأركان الدولة من أكَابِر الوزراء والأمراء وقبلوا يَده وَبَايَعُوهُ على السلطنة على قانونهم فَيَقُول لَهُم كل وَاحِد مِنْكُم يمشي على طَرِيقه ويصله كَمَال الشَّفَقَة وَنِهَايَة المرحمة فَلَمَّا صدر ذَلِك خرج الْوَزير وَأرْسل وَرَاء الْأَعْيَان والوزراء فَحَضَرُوا وَأخذ كل وَاحِد مِنْهُم مَجْلِسه فَبعد هنيئة رَأَوْا شَابًّا حسن الْوَجْه رَقِيق الْجِسْم تعلوه هَيْبَة عَظِيمَة ووقار جسيم فجَاء حَتَّى جلس على كرْسِي السلطنة وَعَلِيهِ ثِيَاب سود ومئزر من الصُّوف على رَأسه على عَادَة آل عُثْمَان فِيمَا يلبسُونَ عِنْد موت وَاحِد مِنْهُم فَلَمَّا جلس علمُوا أَنه لسلطان وتحققوا موت وَالِده فَقَامُوا وقبلوا يَده وَحَدَّثَهُمْ بِمَا عهد إِلَيْهِ بِهِ الْوَزير وانقضى الْمجْلس على ذَلِك وشرعوا بعد ذَلِك فِي تجهيز السُّلْطَان مُحَمَّد وَدَفنه وَكَانَ ذَلِك نَهَار الْأَحَد سَابِع عشر شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف وَكَانَ عمر السُّلْطَان أَحْمد يَوْمئِذٍ أَرْبَعَة عشر سنة وَوَافَقَ تَارِيخ جُلُوسه مخلصه بخْتِي وَقيل فِي تَارِيخه أَيْضا هُوَ خير السلاطين ووفقت وَأَنا بالروم على مَجْمُوع بِخَط بعض الأفاضل لَا يحضرني اسْمه أنشأ فِيهِ تواريخ آل عُثْمَان شعرًا ويستخرج التَّارِيخ بطرِيق التعمية وَلم يعلق فِي خاطري إِلَّا تَارِيخ جُلُوس السُّلْطَان أَحْمد صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ (سلطاننا أَحْمد عزت ولَايَته ... تاريخها فِي اسْمه للنَّاس إِن حسبوا) (أعداد مضروبه اضْرِب فِي الْأُصُول وَفِي ... ثَانِيه رابعه يحصل لَك الأرب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَلما التحم أمره ابْتَدَأَ بإرسال وزيره عَليّ باشا الْوَزير الْأَعْظَم إِلَى جِهَة المجر بالعساكر فَمَاتَ وَهُوَ مُتَوَجّه فعين مَكَانَهُ مُحَمَّد باشا الَّذِي كَانَ سرداراً فِي روم ايلي ثمَّ بعد ذَلِك سعى فِي الصُّلْح مُرَاد باشا بَين السُّلْطَان والمجر على مُدَّة عشْرين سنة وَدخل إِلَى الديار الرومية يُرْسل الْكفَّار وَمَعَهُمْ الْهَدَايَا والتحف فَقبل السُّلْطَان أَحْمد ذَلِك ثمَّ سعى فِي قطع دابر الْبُغَاة الخارجين على السلطنة فِي أَيَّام وَالِده وَقد كَانَ جرى على أَيَّامه مِنْهُم مَا لم يجر على أحد من أهل بَيته مِمَّن تقدمه وَلَا تَأَخره حَتَّى أَنهم ملكوا غَالب النوحي والبلدان وقويت شوكتهم وَكبر شَأْنهمْ مِنْهُم حُسَيْن باشا الَّذِي كَانَ حَاكما فِي بِلَاد الْحَبَشَة ولخروجه أَسبَاب يطول الْكتاب بذكرها فأفسد وجبى الْأَمْوَال من الْبِلَاد وأحرق بعض النواحي من بِلَاد قرمان ونواحي أناطولي وَقتل وسبى وَأسر بعض الْقُضَاة وَاسْتمرّ فِي غلوائه حَتَّى وصل إِلَى مَدِينَة الرها وَبهَا العَاصِي الَّذِي أسس بِنَاء السكانية وَهُوَ عبد الْحَلِيم اليازجي فَلَمَّا وصل الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة التقى صلان صائلان وَاجْتمعَ ثعبانان منثعبان وأبرز كل مِنْهُمَا للْآخر حكما يشْهد بِأَن آل عُثْمَان قد أَمرُوهُ بقتل الآخر وَقد اتفقَا على الْمُخَالفَة لآل عُثْمَان دفْعَة وَاحِدَة وَنزلا فِي قلعة الرها وتحالفا أَن لَا يتخالفا فَلَمَّا شاع توافقهما عين السُّلْطَان لقتالهما الْوَزير مُحَمَّد باشا ابْن سِنَان باشا وَضم إِلَيْهِ عَسَاكِر الرّوم وَالشَّام وحلب وَغَيرهمَا فَرجع الْأَمر لتسليم عبد الْحَلِيم لحسين باشا وَأرْسل يطْلب رهنا من الْعَسْكَر السلطاني على أَن يدْفع لَهُم حُسَيْن باشا ويتركوه هُوَ فِي القلعة حَاكما فأرسلوا لَهُ من عَسْكَر دمشق كنعان لجركسي وَهُوَ من أَعْيَان عَسْكَر دمشق وَبكر دواتدار حَاكم دمشق خسرو باشا الْخَادِم وَجَمَاعَة فأذعن لإعطاء حُسَيْن باشا وَسلمهُ وَلما أخذت العساكر السُّلْطَانِيَّة حُسَيْن باشا مَالَتْ إِلَى ترك اليازجي فِي قلعة الرها لِأَن الْعَهْد هَكَذَا صدر مِنْهُ فَغَضب لذَلِك السردار مُحَمَّد باشا وَعرض ذَلِك للسُّلْطَان أَحْمد وَكَاد أَن يقتل بِسَبَبِهِ حَاكم دمشق خسرو باشا الْمَذْكُور لَوْلَا أَن تداركته المعونة وَاسْتمرّ عبد الْحَلِيم عَاصِيا حَتَّى قدم عَلَيْهِ الْوَزير حُسَيْن باشا ابْن الْوَزير مُحَمَّد باشا مَعَ العساكر السُّلْطَانِيَّة بأسرها فَالْتَقوا بِجمع الْبُغَاة وَكَبِيرهمْ عبد الْحَلِيم وَأَخُوهُ حسن فِي مَكَان يُقَال لَهُ الْبُسْتَان من نواحي مرعش فَاقْتَتلُوا هُنَاكَ وَكسر عَسْكَر الْبُغَاة وَقتل مِنْهُم مَا يزِيد على أَرْبَعَة آلَاف رجل ثمَّ إِن عبد الْحَلِيم مَاتَ فِي قَصَبَة سامسون وَاجْتمعَ الْبُغَاة على أَخِيه حسن وَكَانَ أَشْجَع من أَخِيه فوصل إِلَى الْوَزير الْمَذْكُور وَطَلَبه للمقابلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 فَخرج إِلَيْهِ بِمن مَعَه من العساكر فَمَا ثبتوا قُدَّام الْبُغَاة لَحْظَة حَتَّى كسروا وهرب حسن باشا إِلَى قلعة توقات وَمَا رفعوا إِلَّا بالحبال وهجم الْعَدو وعَلى الْمَدِينَة بأسرها وَصَارَت عَسَاكِر السُّلْطَان فِي أسر الْبُغَاة مَا عدا حسن باشا مَعَ بعض الْخَواص فَإِنَّهُ اعتقل فِي القلعة وأغلقت أَبْوَاب القلعة والعدو يحفها إِلَى أَن وَقع موت حسن باشا على يَد بعض خدمه كَمَا سَنذكرُهُ فِي تَرْجَمته فَرَحل حسن الْخَارِجِي عَن توقات وتقرب من جَانب قَرَأَ حِصَار ثمَّ إِن جمَاعَة قربوه إِلَى خاطر السُّلْطَان أَحْمد وَقَالُوا لَهُ أَن يقنع بِمنْصب فِي بِلَاد الرّوم فَأَعْطوهُ مَدِينَة طمشوار وَهِي فِي أقْصَى مدن الْإِسْلَام وَمِنْهَا بداية ولَايَة الْكفْر فدام فِيهَا مُدَّة طَوِيلَة وَحسن حَاله وَقلت أحقاده وخدم خدمَة حَسَنَة إِلَى أَن قدر الله عَلَيْهِ الْمُخَالفَة بَينه وَبَين أهل ولَايَته فأخرجوه مِنْهَا فَذهب إِلَى مَدِينَة بلغراد فَوَضعه حاكمها فِي القلعة مكرما فِي الظَّاهِر مَحْبُوسًا فِي الْبَاطِن وَعرض أمره إِلَى السُّلْطَان فَأرْسل أَمر إِلَى حَاكم بلغراد بقتْله فَقطع رَأسه وَخرج بعد ذَلِك على السلطنة ابْن جانبو لاذحاكم كاس وعزاز وَوصل إِلَى أَن جرد العساكر وَقَاتل عَسْكَر السُّلْطَان على حماة وَكَانَ رَئِيس العساكر الْأَمِير يُوسُف بن سَيْفا التركماني حَاكم بِلَاد طرابلس الشَّام وانكسر عَسْكَر ابْن سَيْفا وَمن مَعَه وَآل أَمر ابْن جانبولاذ إِلَى الطغيان الزَّائِد وَجَاء إِلَى دمشق ونهبها وَسَيَأْتِي تَفْصِيل مَا وَقع وَفعل بِدِمَشْق فِي تَرْجَمته ثمَّ رَحل إِلَى حلب وَمكث بهَا وَكَانَت جماعته تزيد يَوْمًا فيوما واشتهر أمره وقوى جاشه إِلَى أَن ورد الْوَزير الْأَعْظَم مُرَاد باشا إِلَى قسطنطينية من محاربة كفار المجر وتشاور الوزراء مَعَه فِي شَأْن ابْن جانبولاذ فَكَانَ شوراه أَن يذهب إِلَيْهِ وَهُوَ بحلب وَأَن يسْعَى فِي إِزَالَته وقهره فَفعل ذَلِك وَورد إِلَى حلب وانتزعها من أعوان ابْن جانبولاذ إِلَى أَن آل الْأَمر إِلَى دُخُوله إِلَى قسطنطينية وَاجْتمعَ مَعَ السُّلْطَان وَحكى لَهُ قصَّته فَقبل عذره وَأَعْطَاهُ حُكُومَة طمشوار وَلم يزل على حكومتها إِلَى أَن عرض لَهُ أَمر أوجب قِتَاله لرعايا تِلْكَ الْبِلَاد وانحصر فِي بعض القلاع فَعرض أمره إِلَى السُّلْطَان فبرز الْأَمر بقتْله فَفَتَلَ وَأرْسل رَأسه إِلَى بَاب السُّلْطَان وَكَانَ كلما قتل وَاحِدًا من الْبُغَاة وضع رَأسه فِي مَكَان تقبل فِي الوزراء ليعتبروا بِهِ وَكَانَ أجل من قَتله السُّلْطَان مِنْهُم نصوح باشا الْوَزير الْأَعْظَم وَكَانَ سَبَب قَتله أَن جمَاعَة جاؤا إِلَى السُّلْطَان بمكاتيب ادعوا أَنه كتبهَا الْجِهَة الْعَجم فِيهَا التحريض على عدم الصُّلْح والتلويح بمساعدتهم فحين قَرَأَ السُّلْطَان المكاتيب أرسل خلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 بعض الوزراء وَأمر بِفعل وَلِيمَة لجَماعَة نصوح باشا إِذْ ذَاك متمرضاً فجَاء أَتْبَاعه بأجمعهم إِلَى الْوَلِيمَة فحين خلا مَحَله من أَتْبَاعه أرسل السُّلْطَان جمَاعَة لقَتله فَاسْتَأْذنُوا فِي الدُّخُول عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم بعض جماعته لَا يُمكن الِاجْتِمَاع بِهِ فَقَالُوا لَا بُد من ذَلِك فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْده أحد وأظهروا الْأَمر السلطاني بقتْله فَقَالَ لَهُم أمهلوني لأصلي رَكْعَتَيْنِ فأمهلوه فَقَامَ وَتَوَضَّأ وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ لما فرغ خنقوه على سجادة الصَّلَاة ثمَّ ذَهَبُوا إِلَى السُّلْطَان وَأَخْبرُوهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِهِ فجاؤا بِهِ فَأمر بعوده وَدَفنه وَكَانَ السَّبَب فِي قَتله الْمُفْتِي الْأَعْظَم الْمولى مُحَمَّد بن سعد الدّين ثمَّ ولي مَكَانَهُ مُحَمَّد باشا زوج ابْنة السُّلْطَان وجهزه بالعساكر إِلَى بِلَاد الْعَجم وَوَقع المصاف بَينه وَبَين عَسَاكِر الْعَجم وَكَانَت الْهَزِيمَة على الْعَجم وَلما رَأَتْ الْأَعَاجِم ذَلِك أرْسلُوا استمالوا أَتْبَاعه فَحصل التواني وَوَقع الاختلال وَقتل من عَسْكَر السُّلْطَان جَانب كَبِير وَعَاد بِلَا فَائِدَة فَغَضب السُّلْطَان وَأَرَادَ قَتله كَمَا فعل بِمن قبله ثمَّ عَفا عَنهُ بِوَاسِطَة أم الْوَزير بِشَرْط جُلُوسه فِي اسكدار وَكَانَ السلسطان أَحْمد مُدَّة حَيَاته لَا يفتر عَن عمَارَة الْمَسَاجِد وَفعل الْخيرَات وَمن جملَة آثاره الجميلة أَنه كسا الْبَيْت الشريف وَكَذَلِكَ فعل بالحجرة النَّبَوِيَّة وكسا أضرحة جَمِيع سكان البقيع وسكان المعلاة وَكَانَ أَرَادَ أَن يَجْعَل حِجَارَة الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ملبسة وَاحِدًا بِالذَّهَب وواحداً بِالْفِضَّةِ فَمَنعه الْمولى مُحَمَّد بن سعد الدّين الْمُفْتِي وَقَالَ هَذَا يزِيل حُرْمَة الْبَيْت وَلَو أَرَادَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لجعله قِطْعَة من الْيَاقُوت فَكف عَن ذَلِك وَجعل ثَلَاث مناطق من الْفضة المحلاة بِالذَّهَب أَيْضا دَاخل الْكَعْبَة الشَّرِيفَة صونا لَهَا من الْهدم وَأول من حلاها فِي الْجَاهِلِيَّة عبد الْمطلب بن هَاشم جد النَّبِي وَفِي الْإِسْلَام الْوَلِيد بن عبد الْملك وَقيل أَبوهُ وَقيل ابْن الزبير وحلاها من العباسيين الْأمين والمتوكل والمعتضد وحلتها أم المقتدر العباسي وَالْملك الْمُجَاهِد صَاحب الْيمن وَمن مُلُوك آل عُثْمَان صَاحب التَّرْجَمَة وَمن آثاره أَيْضا تَجْدِيد مولد السيدة فَاطِمَة وتبييضه وَمِنْهَا عمَارَة مَسْجِد الْبيعَة وَهُوَ بِالْقربِ من عقبَة مني على يسَار الصاعد بَينه وَبَين عقبَة منى مِقْدَار غلوة سهم وَوهم من قَالَ أَنه من منى وَمِنْهَا عمَارَة الْعين وَأصْلح مآثر كَثِيرَة يمكة وَأَنْشَأَ وَقفا من قرى مصر على خدام الْحَرَمَيْنِ لأجل أَن يصرف علوفة الخدم السّنة تَمامًا لِأَن فِي الْقَدِيم مَا كَانَ يصرف لَهُم الْأَعْلَى حكم النّصْف وَفِي سنة أَربع وَعشْرين وَألف أرسل للحضرة الشَّرِيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 فصين من الألماس قيمتهمَا ثَمَانُون ألف دِينَار فوضعها فَوق الْكَوْكَب الدُّرِّي وَهَذَا الْكَوْكَب تجاه الْوَجْه الشريف فِي الْجِدَار وَهُوَ مِسْمَار من الْفضة مموه بِالذَّهَب فِي رخامة حَمْرَاء من استقبله كَانَ مُسْتَقْبل الْوَجْه الشريف كَذَا قَالَ ابْن حجر فِي الْجَوْهَر المنظم وَأنْشد بَعضهم (الْكَوْكَب الدُّرِّي من شَأْنه ... يخفى مَعَ الْوَجْه السراج الْمُنِير) (فكثروا الْجَوْهَر أَو قللُوا ... فالجوهر الْفَرد عديم النظير) وَبعث أَيْضا للحجرة بشبابيك من الْفضة المحلاة بِالذَّهَب وَأمر أَن يُرْسل إِلَيْهِ بالشبابيك الْقَدِيمَة ليجعلها فِي مدفنه الَّذِي أنشأه بقسطنطينية لأجل التَّبَرُّك فَمَنعه الْمُفْتِي وَاعْتَرضهُ فِي نقل الشبابيك فَقَالَ نَحن نرسلها من الْبَحْر فَإِن كَانَ النَّبِي يقبلهَا فَهِيَ تصل سَالِمَة من غير غرق وَإِلَّا فتغرق فِي الطَّرِيق فأرسلها من الْبَحْر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فوصلت سَالِمَة ثمَّ أرسلها من مصر إِلَى الْمَدِينَة المنورة فوصلت سَالِمَة أَيْضا وَكَذَلِكَ أَمر أَن يفعل بالشبابيك الْقَدِيمَة حِين ترسل إِلَيْهِ فوصلت إِلَى قسطنطينية من غير أدنى مشقة فَجَعلهَا فِي مدفنه كَمَا أَرَادَ وجدد عمَارَة العلمين اللَّذين هما حدا لحرم من جِهَة عَرَفَة فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف على يَد الباشا حسن المعمار وَأول من وضع انصاب الْحرم خوف اندراسه الْخَلِيل إِبْرَاهِيم على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام بِدلَالَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهِي فِي جَمِيع جوانبه خلا جِهَة جدة وجهة الْجِعِرَّانَة فَإِنَّهُ لَيْسَ فيهمَا انصاب ثمَّ نصبها إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام ثمَّ قصى بن كلاب وَقيل ابْن عدنان بن أد أول من وضع انصاب الْحرم حِين خَافَ أَن يندرس ونصبتها قُرَيْش بعد أَن نزعوها وَالنَّبِيّ بِمَكَّة قبل هجرته وَأمر النَّبِي عَام الْفَتْح تَمِيم بن أَسد فجددها ثمَّ إِن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بعث أَرْبَعَة نفر لتجديدها وهم مَخْزُوم بن نَوْفَل وَسَعِيد بن يَرْبُوع وَحُوَيْطِب بن عبد الْعُزَّى وأزهر بن عبد عَوْف ثمَّ عُثْمَان ثمَّ مُعَاوِيَة ثمَّ عبد الْملك بن مَرْوَان ثمَّ الْمهْدي العباسي ثمَّ أَمر الراضي العباسي بعمارة العلمين الكبيرين اللَّذين هما حدا لحرم من جِهَة التَّنْعِيم فِي سنة خمس وَعشْرين وثلثمائة ثمَّ أَمر المظفر صَاحب أربل بعمارة العلمين الَّذين هما حدا لحرم من جِهَة عَرَفَة فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ صَاحب التَّرْجَمَة كَمَا ذكرنَا وَبعث إِلَى بَيت الْمُقَدّس من فضَّة مطلية بِالذَّهَب لتوضع على الْقدَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الشريف بالصخرة وَهِي إِلَى الْآن مَوْجُودَة وَفِي شَوَّال سنة سِتّ وَعشْرين وَألف أرسل لِأَحْمَد باشا محافظ مصر بِأَن يُرْسل مِقْدَارًا من الخزينة لأجل عمَارَة الْحرم النَّبَوِيّ على حكم الْحرم الْمَكِّيّ فامتثل وَأرْسل وَمَات السُّلْطَان أَحْمد قبل الشُّرُوع فِي ذَلِك وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْمُعْطِي بن أبي الْفَتْح بن أَحْمد الإسحاقي فِي كِتَابه لطائف الْأَخْبَار الأول فِيمَن تصرف فِي مصر من أَرْبَاب الدول عِنْد ذكر السُّلْطَان أَحْمد وَمن جملَة محاسنه أَنه حصل فِي بِنَاء الْكَعْبَة الشَّرِيفَة ميلان فِي بعض أحجارها فَأرْسل عمدا من فولاذ مطلية بِالذَّهَب ومموهة بِالذَّهَب فطوقت بهَا الْكَعْبَة الشَّرِيفَة من الْجِهَات الْأَرْبَع وحفظت الْأَحْجَار من السُّقُوط وَأرْسل ميزابا من الْفضة مموها بِالذَّهَب وَوضع مَوضِع الْمِيزَاب الْعَتِيق وتسلم أَمِير الْحَاج الْمِيزَاب الْعَتِيق وأرسله إِلَى السُّلْطَان وَوضع فِي الخزانة العامرة تبركا وَعمل سَحَابَة بطرِيق الْحَاج الْمصْرِيّ يحمل بهَا المَاء للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ووقف عَلَيْهَا أوقافا وَهِي مستمرة إِلَى الْآن وَبهَا النَّفْع الْعَام ورتب من ريع وَفقه لفقراء الْحَرَمَيْنِ وأرباب وظائفهما زِيَادَة فِي معلومهم فِي كل سنة اثْنَي عشر كيسا تحمل إِلَيْهِم صُحْبَة الْحَاج الْمصْرِيّ ثمَّ قَالَ وَالَّذِي ضَبطه جَامع هَذِه الأرقام بطرِيق التَّقْرِيب ورقمه حسب مَا وصل إِلَيْهِ علمه من أَفْوَاه المباشرين وَالْكتاب أَن الَّذِي يُجهز فِي كل عَام إِلَى فُقَرَاء الاحرمين ومجاوزيهما من صدقَات آل عُثْمَان وَخدمَتهمْ وَمِمَّنْ سَيَأْتِي ذكره فِي اديار الْمصْرِيّ مَا هُوَ من المَال النَّقْد الْمُسَمّى بالصرة مائَة كيس وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ كيسا بَيَان ذَلِك مَا هُوَ من أوقاف الدشيشة الْكُبْرَى أَرْبَعَة وَسِتُّونَ كيسا وَمَا هُوَ من وقف السُّلْطَان مُرَاد سَبْعَة عشر كيسا وَمَا هُوَ من وقف السُّلْطَان مُحَمَّد اثْنَا عشر كيسا وَمَا هُوَ من وقف السُّلْطَان أَحْمد اثْنَا عشر كيسا وَمَا هُوَ من وقف الخاصكية عشرَة أكياس وَمَا هُوَ من وقف الْحَرَمَيْنِ عشرَة أكياس وَمَا هُوَ من وقف الْأَشْرَاف اثْنَا عشر ألف نصف وَمَا هُوَ من وقف الخدام ثَمَانُون ألف نصف وَمَا هُوَ من وقف رستم باشا اثْنَا عشر ألف نصف وَمَا هُوَ من وقف اسكندر باشا عشرَة آلَاف نصف وَمَا هُوَ من وقف سِنَان باشا عشرُون ألف نصف وَمَا هُوَ من وقف عَليّ باشا اثْنَان وَثَلَاثُونَ ألف نصف وَمَا هُوَ من الْحبّ فِي كل عَام ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ وَألف ادرب وَثَمَانمِائَة أردب وَذَلِكَ خَارج عَن صدقَات الْبِلَاد الرومية والشامية والحلبية وغالب الممالك الإسلامية قلت وَذَلِكَ شَيْء لَا يحصره ضبط وَلَا يحبط بِهِ وصف وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن محَاسِن هَذِه الدولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 العثمانية كَثِيرَة وخيراتهم غزيرة من آثاره الَّتِي بقسطنطينية الْجَامِع الَّذِي لم يعْمل مثله فِي إنشائه وَأَحْكَام بنائِهِ ودقة صنائعه إِلَى غير ذَلِك وَله سِتّ منارات حَسَنَة الْوَضع إِلَى الْغَايَة وداخله مزين بأنواع الْقَنَادِيل من البلور والقاشاني والسدف وَغير ذَلِك وَفِيه كل أعجوبة لَا نَظِير لَهَا وَلما تمّ وَضعه هادته مُلُوك الأقاليم بالتحف من قناديل الذَّهَب وَغَيرهَا لتَعلق فِيهِ وَبَلغت مصارف نَفَقَته نَحْو نَفَقَة عمَارَة جَامع بني أُميَّة بِدِمَشْق فَإِنَّهُ يُقَال أَن الْوَلِيد بن عبد الْملك الْخَلِيفَة الْأمَوِي أنْفق عَلَيْهِ أَرْبَعمِائَة صندوق من الذَّهَب فِي كل صندوق أحد عشر ألف مِثْقَال من الذَّهَب وَفِي خَارجه الْمَكَان الْمَعْرُوف بآت ميداني وَهُوَ ميدان وَاسع وَبِه رصد من نُحَاس على شكل أَفْعَى قيل أَنه كَانَ رصدا للحيات لَكِن الْآن بَطل عمله فَإِن السُّلْطَان مُرَاد ولد صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ كسر مِنْهُ قِطْعَة فَبَطل عمله لذَلِك ويروى أَنه بعد تَمام بنائِهِ واستحكامه كَانَ بَقِي فِي أحد جوانبه إعوجاج بِسَبَب بَيت صَغِير كَانَ لعجوز وَقد أرغبت بِالْمَالِ الْكثير لتبيعه فَأَبت فاتفق أَنَّهَا مَاتَت عَن غير وَارِث وَآل الْبَيْت إِلَى بَيت المَال فأضيف إِلَى الْجَامِع وتناسب بذلك وَضعه وَمِمَّا قيل فِيهِ من التواريخ تَارِيخ الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْغَنِيّ قَاضِي الْعَسْكَر وَهُوَ قَوْله (ذَا جَامع مؤسس ... على تقى الرب المتين) (بناه سُلْطَان الورى ... بعد لَهُ الجزل الرزين) (سمى أَحْمد الْهدى ... ظلّ إِلَه الْعَالمين) (حاولت تَارِيخا لَهُ ... من نَص قُرْآن مُبين) (فجَاء فِيهِ قَوْله ... لنعم دَار الْمُتَّقِينَ) وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن هَذَا السُّلْطَان أعظم سلاطين آل عُثْمَان قدرا وَكَانَت وِلَادَته فِي سَابِع عشر شهر رَجَب سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَقيل فِي تَارِيخه حفظه الله وابتدأه الْمَرَض فِي شَوَّال سنة سِتّ وَعشْرين وَألف بقرحة فِي ظَهره وَأخْبر عَنهُ مصطفى آغا ضَابِط الْحرم أَنه قبل مَوته بِيَوْم وَكَانَ قبل الْعَصْر صَار يَقُول وَعَلَيْكُم السَّلَام إِلَى أَن قَالَ ذَلِك أَربع مَرَّات قَالَ مصطفى آغا تسلمون على من فَقَالَ حضر لي فِي هَذَا الْوَقْت سيدنَا أَبُو بكر الصّديق وَسَيِّدنَا عمر وَسَيِّدنَا عُثْمَان وَسَيِّدنَا عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَقَالُوا لي أَنَّك تَجْتَمِع بسُلْطَان الدُّنْيَا وَالْآخِرَة سيدنَا مُحَمَّد فِي غَد مثل هَذَا الْوَقْت فَكَانَ كَمَا قَالَ فَمَاتَ فِي ثَانِي يَوْم وَهُوَ يَوْم الْأَرْبَعَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وَقد بلغ من الْعُمر ثَمَانِي وَعشْرين سنة وَدفن بجامعة الْمَذْكُور رَحمَه الله تَعَالَى وَخلف من الْأَوْلَاد أَرْبَعَة وهم السُّلْطَان عُثْمَان وَالسُّلْطَان مُحَمَّد توفّي شَهِيدا فِي سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَالسُّلْطَان مُرَاد السُّلْطَان إِبْرَاهِيم وثلاثتهم ولوا الْخلَافَة وَقد ذكرتهم فِي محالهم وَأما وزراؤه فسبعة وهم ياوز عَليّ باشا وَمُحَمّد باشا البوسنري ودرويش باشا وَمُرَاد باشا ونصوح باشا وَمُحَمّد باشا وخليل باشا رَحِمهم الله تَعَالَى السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى المتطبب الْحَنَفِيّ سبيويه زَمَانه وَإِمَام سَائِر فنون الْأَدَب فِي أَوَانه كَانَ فَقِيها محققا آلت الْفَتْوَى فِي مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة إِلَيْهِ وأمده الله تَعَالَى بِالْحِفْظِ فَكَانَ بحرا زاخرا فِي جَمِيع الْفُنُون وخصوصا علم النَّحْو ومتعلقاته مَعَ التَّحْقِيق الوافي والتدقيق الوافر أَخذ عَن وَالِده وَغَيره وَعنهُ أَخُوهُ عبد الله بن مُحَمَّد وَالسَّيِّد أَبُو بكر بن أبي الْقَاسِم الأهدل وَأَخُوهُ سُلَيْمَان وَكثير وَعلا صيته واشتهر أمره وَكَانَت وَفَاته فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَعشْرين وَألف بزبيد وَبهَا دفن بتربة بَاب سِهَام ورثاه الْفَقِيه الْفَاضِل المفنن أَبُو بكر بن عَليّ مهير أحد تلامذته بمرثية مِنْهَا قَوْله (إِمَام لَهُ فِي الْعلم بَاعَ وساعد ... وكف يكف الْخطب أَنى تغلبا) مِنْهَا (أما كَانَ فَردا فِي الْعُلُوم وملجأ ... إِذا مَا عرى خطب من الدَّهْر قلبا) (أما كَانَ فِي الْعلم الإِمَام الَّذِي لَهُ ... نرى فرض عين أَن يعدو يحسبا) (فَمن لدروس الْعلم بُد شتاتها ... يذلل مِنْهَا فهمه مَا تصعبا) (وَمن لخبايا النَّحْو كم قد تسترت ... فابدي لنا مِنْهَا ضميرا محجبا) (وَمن للفتاوي فِي الْعُلُوم بأسرها ... يفيدك إيجازا وَإِن شَاءَ أطنبا) (خَطِيبًا ترى قسا لَدَيْهِ كباقل ... فصيح إِذا مَا قَالَ أطرى وأطربا) (لقد بزمنا الدَّهْر وَجه بِلَادنَا ... وَفرق مِنْهَا الْحسن تفريقه سبا) الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد القادري الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي من ذُرِّيَّة القطب الْكَبِير الجيلاني المقيمين بحماه وهم رؤساؤها الْمشَار إِلَيْهِم تولى خلَافَة السَّادة القادرية بعد أَخِيه الشَّيْخ عبد الله وحظى بِكَثْرَة الْأَمْوَال والعقارات والبيوت الْحَسَنَة المطلة على نهر العَاصِي حَتَّى قبل لما مر السُّلْطَان سليم فاتح الأقطار الشامية والمصرية والحجازية أعجبه مكانهم فَقَالَ عَنهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَلم يدنس عرضه بتعاطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أَمْوَال المصادرات وَالدُّخُول فِي الْمَظَالِم كَمَا يَفْعَله كثير من مَشَايِخ حماه وَلَا يُكَلف أهل محلته المساعدة على قرى الضيوف كَمَا هُوَ من عَادَتهم وَكَانَ يقرى الضيوف مِمَّا حضر من غير تكلّف وَأما أَخُوهُ الشَّيْخ عبد الله فَإِنَّهُ كَانَ بحرا يتلاطم بالأمواج من السخاء حَتَّى أَن رجلا من حماه كَانَ لَيْلَة فِي الْحرم الشريف فَلَمَّا خلا المطاف نَادَى الْمَذْكُور الْأُسْتَاذ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد الْبكْرِيّ وَقَالَ تعال حَتَّى نختبي نَحن وَأَنت فَفعل ذَلِك وَوضع الشال عَلَيْهِمَا فَقَالَ الْقَائِل من دَاخل الشال الشَّيْخ عبد الله من الأبدال وَمَا نَالَ تِلْكَ الْمرتبَة إِلَّا بالسخاء وسلامة الصَّدْر وعلامته أَن لَا يعِيش لَهُ ولد وَقد حظى بِالْكَلِمَةِ النافذة وإقبال الوزراء والأمراء والقضاة وَالْعُلَمَاء وَكَانُوا يَأْخُذُونَ طَريقَة سَيِّدي عبد الْقَادِر الجيلاني وَكَانَ لَا يخرج لزيارة حَاكم وَلَا لغيره أصلا وَكَانَ كثير الصَّدقَات والهدايا إِلَى الْحُكَّام بعث ثَلَاثَة آلَاف من القروش صَدَقَة للجامع الْأَزْهَر وَبنى جَامع المعرة وجامع أرِيحَا وَمَسْجِد فِي بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ إِذا سَافر إِلَى بلد لَا يحب أَن يدخلهَا بالشهرة وَالْجَمَاعَات والأعلام كَمَا هُوَ عَادَة الْمَشَايِخ وَمن عَجِيب أمره أَن لَهُ حجرَة كَبِيرَة أَخذهَا الْأَمِير ابْن الأعوج فِي غيبته ووضعها فِي حمام لَهُ بناه وَبَقِي اخراجها صعبا فَلَمَّا رَجَعَ من الْحَج استقبله ابْن الأعوج فاسمعه مَا يكره وَقَالَ لَا بُد أَن تعيد الْحُجْرَة إِلَى مَكَانهَا فَلَا زَالَ ابْن الأعوج يسترضيه حَتَّى جعل لَهُ ثمن الْحُجْرَة مائَة وَخمسين قرشا فَقَالَ لَهُ لَا تتعب لَو أَعْطَيْت بثقلها ألماسا لَا أرْضى إِلَّا بِإِعَادَة حُجْرَتي إِلَى موضعهَا فوضعها موضعهَا وَمن عَجِيب أمره أَن مفتي أرِيحَا كَانَ يُحِبهُ ويعظمه وَلما قدم الشَّيْخ أَحْمد إِلَى حلب أَخذ يضيفه حَتَّى بَالغ فِي التَّعْظِيم لَهُ فَأعْطَاهُ الْكسْوَة القادرية ثمَّ بعد مُدَّة أَرَادَ الشَّيْخ مُحَمَّد مفتي أرِيحَا أَن يظْهر تَعْظِيمًا للشَّيْخ أَحْمد فَأخذ هَدِيَّة عَظِيمَة فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ غضب الشيح ورد إِلَيْهِ الْهَدِيَّة فَحصل لَهُ خجل ثمَّ نزل على ابْن عَم صَاحب التَّرْجَمَة فَقَالَ لَهُ مرْحَبًا وَلَكِن اجْلِسْ عندنَا اللَّيْلَة وصباحا توجهوا مَعَ السَّلامَة فَإِنِّي أَخَاف أَن يسمع الشَّيْخ فيغضب علينا وَفِي الْيَوْم الثَّانِي بعث جمَاعَة بالخفية يتوسلون بالشيخ لَعَلَّه يَأْذَن بِالْإِقَامَةِ فَلم يَأْذَن حَتَّى رَجَعَ إِلَى وَطنه وَقصد الشَّيْخ تَعْرِيف المريد صدق التلمذة وَمن عَجِيب أمره أَن الْوَزير الْأَعْظَم نصوح باشا لما قدم من آمد إِلَى حلب وَكَانَ الشَّيْخ فتح الله يَقُول لَهُ الشَّيْخ قل للوزير ينظر لي منزلا حسنا قَرِيبا مِنْهُ فَغَضب الشَّيْخ فتح الله وَقَالَ مَا أَنا متفرغ لهَذَا الْأَمر وَلَا الْوَزير الْأَعْظَم وَلَكِن الشَّيْخ ينزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 أَرض الله وَاسِعَة وَلَا بَأْس أَن ينزل فِي تكية الشَّيْخ أبي بكر فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى الشَّيْخ قَالَ وتربة الشَّيْخ عبد الْقَادِر مَا أنزل إِلَّا فِي نفس خيمة الْوَزير نكاية فِي الشَّيْخ فتح الله ثمَّ ركب بغلته وَدخل على الْوَزير فَاسْتَقْبلهُ بالتبجيل وَقَالَ لَهُ أَيْن نزلتم فَقَالَ الْمنزل عنْدكُمْ فنصب لَهُ خيمة عَظِيمَة بجانبه ووكل بِهِ أعظم جماعته أوقفهُ فِي خدمته ثمَّ كتب الشَّيْخ دفتراً عَظِيما فِيهِ هَدَايَا للوزير يبلغ ثمنهَا ألفا وَخَمْسمِائة قِرْش فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ فتح الله مَا أبقيتم لكم شَيْئا فَقَالَ أَنا فِي غنية لله الْحَمد ومرادي مُجَرّد محبَّة الْوَزير قيل قَالَ المنكرون لَو أعطيتموها للْفُقَرَاء فَقَالَ أَنا مَا أهادي الْحُكَّام إِلَّا لأجل الْفُقَرَاء ومصالحهم وَمن عَجِيب أمره أَنه كَانَ بَينه وَبَين أَمِير حماه ابْن الأعوج شَحْنَاء بِسَبَب ظلم ابْن الأعوج فَقدم وَزِير تولى مصر وخدمه ابْن الأعوج وَلم يحسن للوزير زِيَارَة الشَّيْخ أَحْمد فَقَالَ الشَّيْخ أَحْمد لبَعض جماعته اذْهَبْ إِلَى كتخذ الْوَزير وَقل لَهُ عِنْدِي بعض صدقت لأهل الْجَامِع الْأَزْهَر مرادي يُكَلف خاطره ويحضر عِنْدِي حَتَّى أعْطِيه إِيَّاهَا فَحَضَرَ الكتخدا فَفِي الْحَال أعطَاهُ نَحْو ثلثمِائة قِرْش وَأمره أَن يتَصَدَّق بهَا على أهل جَامع الْأَزْهَر وَأَعْطَاهُ لنَفسِهِ مَا ينوف عَن مائَة وَخمسين قرشا ثمَّ لما قَامَ من عِنْده قَالَ لَهُ عِنْدِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف قِرْش كَانَ مرادي أسلمها للباشا يُعْطِيهَا صَدَقَة لأهل الْأَزْهَر لَكِن مَا زارنا كَانَ عَادَة الوزراء أَن يزورونا وَلَكِن نصبر حَتَّى يمر علينا وَزِير مثله نُعْطِيه إِيَّاهَا فَاجْتمع الكتخدا بالباشا وَقَالَ لَهُ هَذَا قطب الْعَالم فَفِي الْحَال جَاءَ إِلَيْهِ الباشا زَائِرًا وَقبل يَدَيْهِ وَفِي صحبته ابْن الأعوج أَمِير حماه فَقَالَ الباشا ابْن الأعوج قريبنا يكون نظرك عَلَيْهِ فَقَالَ لَكِن عجزت عَن نصيحته عَن ظلم الْعباد فَلم يسمع مني فَكَانَت هَذِه نكاية مِنْهُ لِابْنِ الأعوج حَيْثُ لم يحسن لَهُ زيارته وَأعْطى الْوَزير الدَّرَاهِم لأهل الْأَزْهَر وخدمه بِهَدَايَا تَسَاوِي خَمْسمِائَة قِرْش فَلَمَّا ذهب الْوَزير قَالَ لجماعته جِئْت بالوزير على رغم أنف ابْن الأعوج وَجعلت قِيمَته عِنْده كَالْكَلْبِ وَالْحَاصِل أَنه كَانَ تقياً صَالحا مهاباً حصلت لَهُ الرياسة الْعُظْمَى وَمَا غضب على أحد وَكَانَت أَحْوَاله باهرة تقصده الوزراء والأمراء ويقبلون يَده وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاثِينَ بعد الْألف وَقد جَاوز التسعين وَدفن بزاويته بحماه رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد المغربي الأَصْل الْمَعْرُوف بالحمودي الطرابلسي الْمَالِكِي واشتهر بالصل كَانَ من فضلاء زَمَانه وَهُوَ مَعْدُود من الأدباء منخرط فِي سلكهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 قدم أَبوهُ إِلَى دمشق فِي عشر السّبْعين وَتِسْعمِائَة وتديرها وَولد بهَا أَحْمد هَذَا فَنَشَأَ وتفقه بِالْعَلَاءِ بن المرحل البعلي الْمَالِكِي وَالشَّمْس مُحَمَّد بن أَحْمد الأندلسي خَليفَة الحكم بِدِمَشْق وَحج فَأخذ بِمَكَّة عَن الشَّيْخ خَالِد التّونسِيّ وبالقاهرة عَن الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ وبالمدينة عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الْبري الْمَالِكِي وَالشَّيْخ مُحَمَّد زوز التّونسِيّ وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة بِدِمَشْق على الشَّيْخ أَحْمد الوفائي المفلحي وَالشَّيْخ تَاج الدّين الْقطَّان وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّمْس مُحَمَّد الدَّاودِيّ وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن كسباي وَالشَّيْخ مَحْمُود البيلوني وتأدب بالشيخ عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ وَفِي مَكَّة بالشيخ عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدي وَفِي المخا بالسيد حَاتِم فِي عدن بالسيد أَحْمد العيدروس ثمَّ رَحل إِلَى مَكَّة فِي سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف وَأقَام بهَا بَين ذهَاب إِلَى الْيمن وعود إِلَيْهَا وَكَانَ يرد الْمَدِينَة فِي كل سنة ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف واشتغل بمعاناة الْأَدَب وَكَانَ ينظم الشّعْر وشعره مستعذب وَمِنْه قَوْله من قصيدة كتب بهَا إِلَى عبد الْكَرِيم الطاراني جَوَابا عَن أَبْيَات كتبهَا لَهُ يستدعيه بهَا ومطلع قصيدة الصل قَوْله (على م أدرت يَا ذخر الموَالِي ... فَتى فِي الْحبّ من بعض الموَالِي) (تذكر لَيْلَة مرت وَطَابَتْ ... وَقد يُغْنِيك حَالي عَن سُؤَالِي) (بأقداح وأفراح وَأنس ... يَا صِحَاب وأعيان موَالِي) (ودارت بَيْننَا كاسات لفظ ... غَدَتْ أشهى من المَاء الزلَال) (وَكم ذكر جميل فِي وقار ... جرى منا لَدَى صحب أعالي) (وروحاً فِي حيازيم الْأَمَانِي ... وعينا للأحبا والأهالي) (نطارحهم بِأَلْفَاظ عَذَاب ... تنير الزهر فِي أفق الْمَعَالِي) (عجبت لَهَا وَقد خلبت فُؤَادِي ... مَعَانِيهَا كَمَا السحر الْحَلَال) (لَدَى صحب تساقوا كاس حب ... فأكسبهم ثَنَاء كالغوالي) (فبعضهم لَهُ جد وجد ... وَكلهمْ ذووا مجد أنال) (فَلَا تبعد عَن الأعطاف واعطف ... وقابل بالتحمل ذَا الدَّلال) (وصل من غاله فرط اشتياق ... وَلَا تقطع مَوَدَّة ذِي كَمَال) وَكَانَت وِلَادَته فِي لَيْلَة السبت رَابِع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي قَوْله من أرجوزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 (ومولدي لَيْلَة سبت زَاهِر ... رَابِع عشر من ربيع الآخر) (وَذَاكَ فِي عَام ثَلَاث وَثَمَانِينَ ... وَتِسْعمِائَة وَقد رمى) (بِي الدَّهْر بعد أَن كَبرت بالعرى ... وعشت دهراً فِي ذزى أم الْقرى) وَتُوفِّي فِي حلب فِي سَابِع شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف والحمودي نِسْبَة إِلَى قيلة من عرب الْمغرب مَنَازِلهمْ الْجَبَل الْأَخْضَر والصل مَعْرُوف وَكَانَ لَا يُنكر تلقيبه بِهِ قَالَ الطاراني وَكنت أُشير بنزله فيأبى وَالله أعلم الأديب أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن المنقار الْحلَبِي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الْوَفَاة الأديب الشَّاعِر الذكي البارع كَانَ مَشْهُورا بالذكاء والفطنة وَالْفضل لَازم الْعَلامَة الملا اسد الدّين بن معِين الدّين التبريزي نزيل دمشق وَأخذ عَنهُ الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان وَغَيرهَا وبرع فِي الْفُنُون وتميز على أقرانه وطار صيته وَصَارَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي الفطنة وَألف قبل أَن يبلغ الْعشْرين من سنه رِسَالَة مَقْبُولَة فِي مبَاحث الِاسْتِعَارَة وَبَيَان أقسامها وَتَحْقِيق الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وعرضها على عُلَمَاء عصره فقبلوها ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الفارسية ونظم الشّعْر الرَّائِق المعجب وَمن جيد شعره القصيدة الَّتِي كتب بهَا إِلَى الْحسن البوريني جَوَابا عَن قصيدة أرسلها إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْله (أَتَى ينثني كاللدن قده اسمى ... غزال بِفعل الجفن يُلْهِيك عَن أسما) (فريد جمال جَامع اللطف جؤذر ... أَمِير كَمَال أهيف أحور ألمي) (إِذا مَا بدا أوماس تيها وَإِن رنا ... ترى الْبَدْر مِنْهُ والمثقف والسهما) (لَهُ مقلة سيافة غمدها الحشا ... ونبالة قلبِي لَا سهمها مرمى) (تجسم من لطف وظرف أما ترى ... تغيره لما تخبلته وهما) وَمِنْهَا (يَمِينا بميمات الباسم أنني ... عَن الْحبّ لَا ألوي بلومهم العزما) (وَلَا أَبْتَغِي من قيد حبيه مخلصا ... سوى حسن فعلا وقولا كَذَا إسما) وَكَانَ سَافر إِلَى قسطنطينية لوفاة وَالِده مُحَمَّد بهَا وَكَانَ من قُضَاة العقبات فَتوجه أَحْمد إِلَيْهَا ليتناول مَا خَلفه وَالِده من المَال فاشتهر صيته بَين عُلَمَاء الرّوم حَتَّى أَن الْمُفْتِي الْأَعْظَم زَكَرِيَّا بن بيرام الْآتِي ذكره جعله ملازما فِيهِ على قَاعِدَة عُلَمَاء تِلْكَ الديار ثمَّ أَدَّاهُ لطف الطَّبْع والإمتزاج مَعَ ظرفاء تِلْكَ الْبَلدة إِلَى إستعمال بعض المكيفات فَغلبَتْ عَلَيْهِ السَّوْدَاء فاختلط عقله وَصَارَ يخلط فِي كَلَامه فوضعوه فِي دَار الشِّفَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ثمَّ لزم إرسالة إِلَى بِلَاده وَكَانَ بقسطنطينية أذ ذَاك بعض أَعْيَان دمشق فصحبه مَعَه موثقًا وَقدم بِهِ إِلَى دمشق ثمَّ تزايد عَلَيْهِ الْجُنُون حَتَّى حبس فِي بَيت لَا يخرج مِنْهُ إِلَّا فِي بعض الْأَوْقَات وَعَلِيهِ حارس مُوكل وَكَانَت حَالَته تزيد وتنقص بِحَسب فُصُول الْعَام قَالَ البوريني فِي تَرْجَمته وَلَقَد دخلت عَلَيْهِ مُسلما وَله من الدَّهْر متظلما فرأيته فِي سلسلة طَوِيلَة الذيل فأسبلت دموعي كالسيل حزنا عَلَيْهِ وشوقا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ يراسلني بقصائده ويتحفني بفرائده وَكنت أُجِيبهُ عَن رسائله وأحقق جَمِيع دلائله فَقَالَ لي وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَال متمثلا على سَبِيل الإرتجال مُشِيرا إِلَى سلسلته الَّتِي منعته الْمسير وصيرته فِي صُورَة الْأَسير (إِذا رَأَيْت عارضاً مسلسلا ... فِي وجنة كجنة يَا عاذلي) (فَاعْلَم يَقِينا اننا من أمة ... تقاد للجنة بالسلاسل) قلت البيتان للوداعي وأصلهما الحَدِيث عجب رَبك من أَقوام يقادون إِلَى الْجنَّة بالسلاسل قيل هم الأسرى يقادون إِلَى الْإِسْلَام مكرهين فَيكون ذَلِك سَبَب دُخُولهمْ الْجنَّة لَيْسَ أَن ثمَّة سلسلة وَيدخل فِيهِ كل من حمل على عمل من أَعمال الْخَيْر وَلَا يخفى لطف موقع الْبَيْت لما فِيهِ من دَعْوَى اأنه من أسرى الْمحبَّة وَقد بَقِي على ذَلِك الْحَال نَحْو ثَلَاثِينَ سنة إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَائِل شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَبَيت المنقار بحلب ودمشق بَيت علم ورياسة خرج مِنْهُم نجباء وجدهم الْأَعْلَى مُحَمَّد بن مبارك بن عبد الله الحسامي كَانَ أَمِيرا جَلِيلًا صَار أحد مقدمي الألوف بِالشَّام سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة وَولي كَفَالَة حماة فِي أَيَّام السُّلْطَان فرج بن برقوق وَجعله مرّة رَئِيس عسكره وَكَانَ أَولا يعرف بِابْن المهمندار وَهُوَ صَاحب الْوَقْف الْعَظِيم الْبَاقِي فِي يَد ذُريَّته بِدِمَشْق وحلب وَمِنْهُم الْفَقِير مؤلف هَذَا التَّارِيخ فَإِن حدتي وَالِدَة وَالِدي مِنْهُم وَهَذَا هُوَ الَّذِي لقب بالمنقار لِأَنَّهُ كَانَ لمطبخه طباخة مُسِنَّة وَكَانَ يُنكر عَلَيْهَا حسن الطَّبْخ مغضبا فَقَالَت لَهُ يَوْمًا إِلَى مَتى ترفع منقارك على تُرِيدُ بذلك رفع أَنفه عَلَيْهَا عِنْد غَضَبه فلقبه أعداؤه بالمنقار رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الصَّفَدِي الْمَعْرُوف بالخالدي الْفَقِيه الأديب الْحَنَفِيّ كَانَ إِمَامًا بارعا فَقِيها مطلعا وَكَانَ حسن المطارحة كثير الْفُنُون ولد بصفد وَبهَا نَشأ ثمَّ ارتحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا عَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ البهنسي الْعقيلِيّ الشَّافِعِي الْمصْرِيّ وَأَجَازَهُ بالبخاري فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَعَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 أَحْمد بن مُحَمَّد بن شعْبَان الْعمريّ الْحَنَفِيّ وَأَجَازَ لَهُ جَمِيع مروياته ومؤلفاته الَّتِي من جُمْلَتهَا تشنيف المسمع وَأَجَازَ لَهُ أَيْضا عَليّ بن حسن الشُّرُنْبُلَالِيّ وَمُحَمّد بن محيي الدّين النحريري الحنفيان جَمِيع مَا يجوز لَهما وعنهما وَعمر بن مَنْصُور الْحَنَفِيّ جَمِيع مَا يجوز لَهُ وَالشَّيْخ عبد الله بن بهاء الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين عبد الله بن نور الدّين الطنبغا التركي الشهير نسبه بالعجمي الشنشوري الفرضي الشَّافِعِي الْخَطِيب بالجامع الْأَزْهَر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة بِجَمِيعِ مروياته ومؤلفاته وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن غَانِم الخزرجي الْمَقْدِسِي ثمَّ الْمصْرِيّ متن الْكَنْز وَسَائِر كتب الْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير والتاريخ وَغَيرهَا فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْبكْرِيّ الصديقي سبط آل الْحسن بِجَمِيعِ مَا يجوز لَهُ وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم العلقمي بِجَمِيعِ مروياته وَعبد الرَّحْمَن المسيري الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الذِّئْب جَمِيع مَاله رِوَايَته وَأَبُو النجا سَالم بن مُحَمَّد عز الدّين بن نَاصِر الدّين السنهوري الْمَالِكِي بِجَمِيعِ مروياته وَيحيى الْقرشِي الْأَسدي الزبيرِي الشهير بالقرافي الشَّافِعِي بالصحيحين وَجَمِيع مروياته وَرجع إِلَى صفد ودرس وَأفْتى وناب فِي الْقَضَاء وَألف وَمن تآليفه شرح على ألفية ابْن مَالك وَكتاب فِي الْعرُوض وَله رحْلَة إِلَى الْحَج وَأُخْرَى إِلَى بَيت الْمُقَدّس نظما وَخمْس همزية إِلَّا بوصيري وبرأته وَله غير ذَلِك وَمن شعره قَوْله من قصيدة مطْلعهَا (من لي بهيفاء لَا أسطيع سلوانا ... عَنْهَا وَفِي دمع عَيْني عين سلوانا) وَكَانَت وَفَاته بصفد فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمصلى الْعِيدَيْنِ والخالدي نِسْبَة إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد السَّعْدِيّ الْحلَبِي الشهير بِابْن خَليفَة التركي أَخُو الشَّيْخ وَفَاء خَليفَة بني سعد الدّين الجباويين بحلب آلت إِلَيْهِ الْخلَافَة بعد موت أَخِيه الْمَذْكُور فلازم حَلقَة الذّكر بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي الْجَامِع الْكَبِير بحلب وصبر على مرَارَة الْفَاقَة وَتحمل أَحْوَال المريدين ولازم زاويته لَا يخرج إِلَّا للذّكر غَالِبا ويبذل قراه للواردين وَكَانَ كلما كبر عمره ازْدَادَ خيرا وصلاحا ودينا وفلاحا وَلما كَانَ الشَّيْخ عبد الرَّحِيم يذكر بِالْقربِ مِنْهُ كَانَ إِذا قَامَ الْفُقَرَاء للذّكر أَخذ الْفُقَرَاء وَأبْعد عَن فُقَرَاء الشَّيْخ عبد الرَّحِيم الْخَلِيفَة الثَّانِي للسعديين هربا من الْجِدَال والعداوة بِخِلَاف أَخِيه فَإِنَّهُ كَانَ يقرب من الشَّيْخ عبد الرَّحِيم حكى بعض الثِّقَات الْعُدُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 من كراماته أَنه أَمر نَفسه أَن يَأْخُذ على الْحمار حمل حِنْطَة ليطحنها فَطلب النَّقِيب مِنْهُ عثمانيين لأجل اليسقية قَالَ وَالله مَا معي صبرهم فَتوجه النَّقِيب وفم الْعدْل مربوط وَالْحِنْطَة نازلة عِنْد فَم الْعدْل وَعند عقبه حَتَّى يحصل التعادل فَلَمَّا وصل إِلَى اليسقي امْتنع من ترك العثمانيين وَقطع الْحَبل المربوط بِهِ فَم الْعدْل بالخنجر وَالْحِنْطَة متراكمة عِنْد فَم الْعدْل فَلم يسْقط مِنْهَا حَبَّة وَاحِدَة فَضَجَّ اليسقي بالبكاء وَذهب إِلَى الشَّيْخ تَائِبًا خاضعا مُعْتَقدًا ووالده شيخ عَالم شرح البحاري على أساليب مجَالِس الْوَعْظ وَذكر فِيهِ مسَائِل حَسَنَة وفوائد نفيسة وَله تأليف جمع فِيهِ مَنَاقِب شَيْخه سعد الدّين ومناقب أَوْلَاده من بعده وَكَانَت وَفَاته سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بزاوية جده رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود الْمَعْرُوف بِابْن الفرفور والفقيه الأديب الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي ذكره البديعي فِي ذكرى حبيب وَقَالَ فِي حَقه هُوَ من ذَوي الْحسب والعراقة وأرباب اللسن والطلاقة وآباؤه صُدُور الدُّرُوس وزينة الْأَزْمِنَة والطروس (جمال ذِي الأَرْض كَانُوا فِي الْحَيَاة وهم ... بعد الْمَمَات جمال الْكتب وَالسير) قلت وَكَانَ أَحْمد هَذَا وَاسِطَة عقدهم وفذلكة حِسَاب مجدهم كَمَا قَالَ فِيهِ أَبُو بكر بن أَحْمد الْجَوْهَرِي (أَبنَاء فرفور لقد حازوا العلى ... حَتَّى علوا فِي الْمجد هام الفرقد) (ورثوا الْفَضَائِل كَابِرًا عَن كَابر ... وَكَمَال ذَلِك بالشهاب الأحمد) ولد بِدِمَشْق وَقَرَأَ بهَا على عبد الْحق الْحِجَازِي وعَلى غَيره وَكَانَت لَهُ مُشَاركَة جَيِّدَة فِي الْفِقْه وَغَيره ودرس بالقضاعية الشَّافِعِيَّة وَاتفقَ أَن الدَّهْر ضرب على صماخيه بصمام الصمم فَكَانَ ثقل تِلْكَ الحاسة زادته خفَّة فَكَانَ لَا يجْتَمع إِلَّا بِبَعْض إخْوَان الْفَهم وألفوه وخلا بِنَفسِهِ واشتغل بِمَا هُوَ الأهم من أَمر معاشه ومعاده وَكَانَ لَهُ مَا يقوم بِهِ من وقف أجداده وتعاني النّظم وَكَانَ أَكثر مَا يمِيل طبعه إِلَى الأحاجي وَله فِي علمهَا وحلها الْيَد الطولي فَمن أحاجيه الَّتِي نظمها أحجية فِي نهروان كتب بهَا الأديب عبد اللَّطِيف المنقاري وَهِي قَوْله (يَا من سقى الْفضل مَاء فكرته ... فَمِنْهُ يحيا رَبِيعه الخصب) (مَا مثل من قَالَ وهوذ وظمأ ... وارى الحنايا لحعفر نصب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فَأَجَابَهُ (يَا فَاضلا أبرزت قريحته ... أحجية حَال شَأْنهَا عجب) (يَوْمًا ترَاهَا بالغرب ظَاهِرَة ... وَتارَة للعراق تنتسب) (مَاء وَلَكِن مَا لجانبه ... حوتان بالنَّار أَصْلهَا حطب) وَكتب إِلَيْهِ الْمُفْتِي الْعِمَادِيّ من قصيدة قَوْله (من لي بِظَبْيٍ كحلت ... أجفانه بِالسقمِ) (يفتر عَن ثغر غَدا ... عذب الثنا ياشبم) (أجْرى دموعي فِي الْهوى ... كمغد قات الديم) (وسل سيف لحظه ... وهز قد لهذم) (واختال فِي ثوب الصِّبَا ... يسحب كل معلم) (مصائب مَا جمعت ... إِلَّا لقتل المغرم) (يَا قَاتل الله الْهوى ... بدل دمعي بِالدَّمِ) (فكم لَهُ فِي خلدي ... سرائر لم تعدم) فَأَجَابَهُ بقوله (در سمت بالقيم ... وَسميت بالكلم) (أم رَوْضَة دَامَت عَلَيْهَا ... هاطلات الديم) (فلاح مِنْهَا نور ثغر ... نورها المبتسم) (أم غادة قلبِي كليم ... لحظها المكلم) (من بيضها وسمرها ... فِي الطرس قتل المغرم) (حيت فأحيت باللقا ... قلبا إِلَيْهَا قد ظمى) (لم لَا ومهديها كريم ... للكرام ينتمي) (أَلْفَاظه كالسحر ... إِلَّا أَنَّهَا لم تحرم) (مهذب آدابه ... تفوح بَين الْأُمَم) (كنشر روض قد سرى ... غب حَيا منسجم) وَكَانَت وِلَادَته فِي صفر سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْخَمِيس حادي عشر الْمحرم سنة سبع وَثَلَاثِينَ بعد الْألف وَدفن بتربتهم الملاصقة لضريح سَيِّدي الشَّيْخ أرسلان قدس الله سره ورثاه أحمدبن شاهين بقصيدة مطْلعهَا (بَكَيْت وأضللت الغواء مَعَ الرشد ... لمن عِنْده صبري وأحزانه عِنْدِي) وَهِي طَوِيلَة إِلَى الْغَايَة فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إيرادها والفرفوري بِضَم الْفَاء بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 كَمَا نَقله البوريني من خطّ الشَّمْس بن طولون المؤرخ وَلَا أَدْرِي هَذِه النِّسْبَة لماذا وَالله أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أدريس المنعوت شهَاب الدّين الْحلَبِي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الْمَعْرُوف بِابْن قولا قسز الْفَقِيه الْحَنَفِيّ كَانَ من أجل الْفُقَهَاء الْمَشْهُورين بسعة الِاطِّلَاع والتبحر تفقه على وَالِده شمس الدّين الْآتِي ذكره وعَلى جدي القَاضِي محب الدّين وَالشَّمْس مُحَمَّد بن هِلَال وَبِه تخرج فِي كِتَابه الأسئلة الْمُتَعَلّقَة بالفتاوي حَتَّى أَنه فاق فِيهَا من تقدمه واشتهر ذكره وَصَارَ مرجعا للنَّاس فِي المشكلات وانتفع بِهِ جمَاعَة كثير مِنْهُم عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد الفرفوري الْمُقدم ذكر أَبِيه والآتي ذكره ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الفارسية وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَمَات فِي تَاسِع شهر ربيع الأول سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من مَزَار بِلَال الحبشي وقولا قسر لَفْظَة تركية مَعْنَاهَا عادم الْأذن وَهُوَ وَالِد مُحَمَّد بن قولا قسر الَّذِي تولى النِّيَابَة الْكُبْرَى بِدِمَشْق ودرس بالشبليه الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله سميط بن عَليّ الْمَشْهُور بالسنهجي بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن علوي بن الْفَقِيه بن عبد الرَّحْمَن بن علوي بن مُحَمَّد صَاحب مرباط الشهير كسلفه بِابْن سميط اليمني الزَّاهِد صَاحب الْأَحْوَال والكرامات الشهيرة ولد بِمَدِينَة تريم وَصَحب بهَا عُلَمَاء جمة وسلك مَسْلَك آبَائِهِ وحذا حذوهم ثمَّ ارتحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ ملازما للطاعات كثير المجاهدة عَظِيم الرياضة إِلَى أَن حصل لَهُ من الآمال مَا لم يخْطر لَهُ على خاطر وَكَانَت تغلب عَلَيْهِ الْأَحْوَال فيضطرب أَقْوَاله وأفعاله وَكَثِيرًا مَا ينشد (أَلا يَا صَاحب الْخمر ... قتلت النَّاس بالسكر) (وسكر النَّاس لَا سكرى ... وسكرك قَاطع السكر) وَكَانَت لَهُ حالات تظهر فِي تِلْكَ الأطوار فتكشف عَن كرامات وخوارق عادات وَقد تستمر بِهِ الْحَال مُدَّة مديدة وأشهرا عديدة واعتقده النَّاس اعتقادا عَظِيما وتوطن آخر عمره ببندر جدة وَلم يزل قاطنا بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وقبره مَعْرُوف يزار رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن علوي بن أبي بكر الحبشي بن عَليّ بن الْفَقِيه أَحْمد بن مُحَمَّد أَسد الله بن حسن بن عَليّ بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الشهير كسلفه بالحبشي صَاحب الشّعب المشهوره وَأحد الْعلمَاء الْمَشْهُورين بِالْيمن ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الْقُرْآن وابتدأ التَّحْصِيل وَصَحب أكَابِر عصره وَأخذ عَنْهُم فَمن مشايخه الإِمَام عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين والعارف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو بكر بن عَليّ خرد وَالسَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن عقيل مذيحج وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر بن سَالم عينات وَكَانَ هُوَ وَالسَّيِّد الْعَظِيم عبد الله بن سَالم كالتو أَمِين وَأخذ كل مِنْهُمَا عَن صَاحبه ورحلا على قدم التَّجْرِيد إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ ابهما وباليمن عَن جمَاعَة كثيرين مِنْهُم الإِمَام الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى تَاج العارفين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ وجاور بالحرمين عدَّة سِنِين وَكَانَت لَهُ مجاهدات ورياضات وَرُبمَا ترك أَلا كل مُدَّة وَكَانَ كثير الصّيام وَالْقِيَام سالكا مَسْلَك الصُّوفِيَّة مواظبا على السّنَن والآداب الشَّرْعِيَّة مَا يعلم بفضيلة الأعمل بهَا وَلَا يسمع بِكَرَاهَة أَلا اجتنبها وَبَلغت شهرته الْآفَاق فهرعت إِلَيْهِ النَّاس وَكَانَ كرمه فَوق الْغَايَة وَكَانَ ورعا يصدع بِالْحَقِّ وَكَانَت لَهُ دعوات مستجابات وَكَانَ يعتني بِكَلَام الشَّيْخ عمر با مخربه وشعره وبشرح الحكم لِابْنِ عباد وَكَانَ يحب القهوة وَيَأْمُر بشربها وَكَانَ يَقُول هَذِه الثَّلَاثَة يَعْنِي كَلَام با مخرمه واللذين بعده من النعم الَّتِي اخْتصَّ بهَا الْمُتَأَخّرُونَ ثمَّ فِي آخر عمره استوطن الحسيسه فَكَانَ ملْجأ للواردين والوافدين إِلَى أَن مَاتَ بهَا وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وقبر فِي أَسْفَل الْجَبَل وَبني على قَبره قبَّة عَظِيمَة رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن لُقْمَان بن أَحْمد بن شمس الدّين بن الْمهْدي أَحْمد بن يحيى المرتضى اليمني الإِمَام المبرز فِي جَمِيع الْعُلُوم الكارع من مشارب الفهوم كَانَ من أرأس الْعلمَاء فِي عصره لَهُ مؤلفات مفيدة مِنْهَا شرح الكافل فِي علم الْأُصُول ومرقاة الْأُصُول للْإِمَام الْقَاسِم وَشرح الأساس لَهُ أَيْضا وَكَانَت وَفَاته فجر يَوْم الْخَمِيس تَاسِع رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف دفن بقلعة غمار من جبل دازح الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْعَيْش بن مُحَمَّد أَبُو الْعَبَّاس الْمقري التلمساني المولد الْمَالِكِي الْمَذْهَب نزيل فاس ثمَّ الْقَاهِرَة حَافظ الْمغرب جاحظ الْبَيَان وَمن لم ير نَظِيره فِي جودة القريحة وصفاء الذِّهْن وَقُوَّة البديهة وَكَانَ آيَة باهرة فِي علم الْكَلَام وَالتَّفْسِير والْحَدِيث ومعحزاً باهراً فِي الْأَدَب والمحاضرات وَله المؤلفات الشائعة مِنْهَا عرف الطّيب فِي أَخْبَار ابْن الْخَطِيب وَفتح المتعال الَّذِي صنفه فِي أَوْصَاف نعل النَّبِي وإضاءة الدجنة فِي عقائد أهل السّنة وأزهار الكمامة وأزهار الرياض فِي أَخْبَار القَاضِي عِيَاض وقطف المهتصر فِي أَخْبَار الْمُخْتَصر واتحاف المغري فِي تَكْمِيل شرح الصُّغْرَى وَعرف النشق فِي أَخْبَار دمشق والغث والسمين والرث والثمين وَروض الآس العاطر الأنفاس فِي ذكر من لَقيته من أَعْلَام مراكش وفاس والدر الثمين فِي أَسمَاء الْهَادِي الْأمين وحاشية شرح أم الْبَرَاهِين وَكتاب البدأة والنشأة كُله أدب ونظم وَله رِسَالَة فِي الوفق المخمس الْخَالِي الْوسط وَغير ذَلِك ولد بتلمسان وَنَشَأ بهَا وَحفظ اقرآن وَقَرَأَ وَحصل بهَا على عَمه الشَّيْخ الْجَلِيل الْعَالم أبي عُثْمَان سعيد بن أَحْمد الْمقري مفتي تلمسان سِتِّينَ سنة وَمن جملَة مَا قَرَأَ عَلَيْهِ صَحِيح البُخَارِيّ سبع مَرَّات وَرُوِيَ عَنهُ الْكتب السِّتَّة بِسَنَدِهِ عَن أبي عبد الله التنسي عَن وَالِده حَافظ عصره مُحَمَّد بن عبد الله التنسي عَن الْبَحْر أبي عبد الله بن مَرْزُوق عَن أبي حَيَّان عَن أبي جَعْفَر بن الزبير عَن أبي الرّبيع عَن القَاضِي عِيَاض بأسانيده الْمَذْكُورَة فِي كتاب الشفا وَالْأَحَادِيث المسندة فِي الشِّفَاء جَمِيعهَا سِتُّونَ حَدِيثا أفردها بَعضهم فِي جُزْء من أَرَادَ رِوَايَة الْكتب السِّتَّة من طَرِيقه فليأخذها من كتاب الشفا أَو من الْجُزْء الْمَذْكُور وَكَانَ يخبر عَن بَلْدَة تلمسان أَنَّهَا بَلْدَة عَظِيمَة من أحاسن بِلَاد الْمغرب وَأَنَّهَا فِي يَد العثمانيين سلاطين مملكتنا هِيَ الْحَد الْمَضْرُوب بَين سلطاننا وسلطان الْمغرب ورحل إِلَى فاس مرَّتَيْنِ مرّة سنة تسع بعد الْألف وَمرَّة سنة ثَلَاث عشرَة وَكَانَ يخبر أَنَّهَا دَار الْخلَافَة للمغرب وَكَانَ بهَا الْملك الْأَعْظَم مولَايَ أَحْمد الْمَنْصُور الْمَشْهُور بِالْفَضْلِ وَالْأَدب الْمُقدم ذكره وَأَن الْفَتْوَى صَارَت إِلَيْهِ فِي زَمَنه وَمن بعده لما اختلت أَحْوَال المملكة بِسَبَب أَوْلَاده إِلَى حَدِيث يطول ذكره ارتحل تَارِكًا للمنصب والوطن فِي أَوَاخِر شهر رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين بعد الْألف قَاصِدا حج بَيت الله الْحَرَام وَأنْشد صَاحب مراكش متمثلاً قَول عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْحَضْرَمِيّ (محبتي تَقْتَضِي مقَامي ... وحالتي تَقْتَضِي الرحيلا) فَأَجَابَهُ صَاحب مراكش بقوله (لَا أوحش الله مِنْك قوما ... تعودوا صنعك الجميلا) قلت وَبَيت الْحَضْرَمِيّ أول أَبْيَات ثَلَاثَة كتب بهَا الْعِزّ الدولة ابْن سقمون وَكَانَ فِي خدمته وَبعده (هَذَانِ خصمان لست أَقْْضِي ... بَينهمَا خوف أَن أميلا) (فَلَا يزَالَانِ فِي خصام ... حَتَّى أرى رَأْيك الجميلا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فَوَقع عز الدّين على ورقته الرَّأْي الْجَمِيل أَن تمنع من الرحيل وتسوغ الْإِقَامَة فِي ظلّ دوحة وإحسان غمامه قَالَ الْمقري وَكتب إِلَى الْفَقِيه الْكَاتِب أَبُو الْحسن عَليّ الخزرجي الفاسي الشهير بالشاحي بِمَا كتبه أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن خَاتمه المري المغربي إِلَى بعض أشياخه (أشمس الغرب حَقًا مَا سمعنَا ... بأنك قد سئمت من الْإِقَامَة) (وَإنَّك قد عزمت على طُلُوع ... إِلَى شَرق سموت بِهِ علامه) (لقد زلزلت منا كل قلب ... بِحَق الله لَا تقم الْقِيَامَة) ثمَّ ورد إِلَى مصر بعد أَدَاء الْحَج فِي رَجَب سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف وَتزَوج بهَا من السَّادة الوفائية وسكنها وَقد سُئِلَ عَن حَظه بهَا فَقَالَ قد دَخلهَا قبلنَا ابْن الْحَاجِب وَأنْشد فِيهَا قَوْله (يَا أهل مصر وجدت أَيْدِيكُم ... فِي بذلها بالسخاء منقبضه) (لما عدمت الْقرى بأرضكم ... أكلت كتبي كأنني أرضه) وَأنْشد هُوَ لنَفسِهِ (تركت رسوم عزي فِي بلادي ... وصرت بِمصْر منسي الرسوم) (وَنَفْسِي عفتها بالذل فِيهَا ... وَقلت لَهَا عَن العلياء صومي) (ولي عزم كَحَد السَّيْف مَاض ... وَلَكِن اللَّيَالِي من خصومي) ثمَّ زار بَيت الْمُقَدّس فِي شهر ربيع الأول سنة تسع وَعشْرين وَألف وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة وَكرر مِنْهَا الذّهاب إِلَى مَكَّة فَدَخلَهَا بتاريخ سنة سبع وَثَلَاثِينَ خمس مَرَّات وأملى بهَا دروساً عديدة ووفد على طيبَة سبع مَرَّات وأملى الحَدِيث النَّبَوِيّ بمرأى مِنْهُ ومسمع ثمَّ رَجَعَ إِلَى مصر فِي صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَدخل الْقُدس فِي رَجَب من تِلْكَ السّنة وَأقَام خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ ورد مِنْهَا إِلَى دمشق فَدَخلَهَا فِي أَوَائِل شعْبَان وأنزلته المغاربة فِي مَكَان لَا يَلِيق بِهِ فَأرْسل إِلَيْهِ أَحْمد بن شاهين مِفْتَاح مدرسة الجقمقية وَكتب مَعَ الْمِفْتَاح هَذِه الأبيات (كنف الْمقري شَيْخي مقرى ... وَإِلَيْهِ من الزَّمَان مفري) (كنف المعترى مثل صَدره فِي اتسعا ... وعلوم كالبحر فِي ضمن بَحر) (أَي بدر قد اطلع الدَّهْر مِنْهُ ... مَلأ الشرق نوره أَي بدر) (أَحْمد سَيِّدي وشيخي وذخري ... وَسمي ذَاك أشرف فخري) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 (لَو بِغَيْر الْأَقْدَام يسْعَى مشوق ... جِئْته زَائِرًا على وَجه شكري) فَأَجَابَهُ الْمقري بقوله (أَي نظم فِي حسنه حَار فكري ... وتحلى بدره صدر ذكري) (طَائِر الصيت لِابْنِ شاهين ينمي ... من بروض الندى لَهُ خير ذكر) (أَحْمد الممتطين ذرْوَة مجد ... لعوان من الْمَعَالِي وَبكر) (حل مِفْتَاح فَضله بَاب وصل ... من مَعَاني تَعْرِيفه دون نكر) (يَا بديع الزَّمَان دم فِي ازدياد ... بالعلى وازدياد تجنيس شكر) وَلما دخل إِلَيْهَا أَعْجَبته فَنقل أَسبَابه إِلَيْهَا واستوطنها مُدَّة إِقَامَته وأملى صَحِيح البُخَارِيّ بالجامع تَحت قبَّة النسْر بعد صَلَاة الصُّبْح وَلما كثر النَّاس بعد أَيَّام خرج إِلَى صحن الْجَامِع تجاه الْقبَّة الْمَعْرُوفَة بالباعونية وحضره غَالب أَعْيَان عُلَمَاء دمشق وَأما الطّلبَة فَلم يتَخَلَّف مِنْهُم أحد وَكَانَ يَوْم خَتمه حافلاً جدا اجْتمع فِيهِ الألوف من النَّاس وعلت الْأَصْوَات بالبكاء فنقلت حَلقَة الدَّرْس إِلَى وسط الصحن إِلَى الْبَاب الَّذِي يوضع فِيهِ الْعلم النَّبَوِيّ فِي الْجُمُعَات من رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وأتى لَهُ بكرسي الْوَعْظ فَصَعدَ عَلَيْهِ وَتكلم بِكَلَام فِي العقائد والْحَدِيث لم يسمع نَظِيره أبدا وَتكلم على تَرْجَمَة البُخَارِيّ وَأنْشد لَهُ بَيْتَيْنِ وَأفَاد أَن لَيْسَ للْبُخَارِيّ غَيرهمَا وهما (اغتنم فِي الْفَرَاغ فضل رُكُوع ... فَعَسَى أَن يكون موتك بغته) (كم صَحِيح قد مَاتَ قبل سقيم ... ذهبت نَفسه النفيسة فلته) قلت وَرَأَيْت فِي بعض المجاميع نقلا عَن الْحَافِظ ابْن حجر أَنه وَقع للْبُخَارِيّ ذَلِك أَو قريب مِنْهُ وَهَذِه من الغرائب انْتهى وَكَانَت الجلسة من طُلُوع الشَّمْس إِلَى قرب الظّهْر ثمَّ ختم الدَّرْس بِأَبْيَات قَالَهَا حِين ودع الْمُصْطَفى وَهِي قَوْله (يَا شَفِيع العصاة أَنْت رجائي ... كَيفَ يخْشَى الرَّجَاء عنْدك خيبه) (وَإِذا كنت حَاضرا بفؤادي ... غيبَة الْجِسْم عَنْك لَيست بغيبة) (لَيْسَ بالعيش فِي الْبِلَاد انْقِطَاع ... أطيب الْعَيْش مَا يكون بطيبه) وَنزل عَن الْكُرْسِيّ فازدحم النَّاس على تَقْبِيل يَده وَكَانَ ذَلِك نَهَار الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرى رَمَضَان سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَلم يتَّفق لغيره من الْعلمَاء الواردين إِلَى دمشق مَا اتّفق لَهُ من الحظوة وإقبال النَّاس وَكَانَ بعد مَا رأى من أَهلهَا مَا رأى كثر الاهتمام بمدحها وَقد عقد فِي كِتَابه عرف الطّيب فصلا يتَعَلَّق بهَا وبأهلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وَأورد فِي مدحها أشعاراً وَمن محَاسِن شعره فِي حَقّهَا قَوْله (محَاسِن الشَّام جلت ... عَن أَن تقاس بِحَدّ) (لَوْلَا حمى الشَّرْع قُلْنَا ... وَلم نقف عِنْد حد) (كَأَنَّهَا معجزات ... مقرونة بالتحدي) وَقَوله (قَالَ لي مَا تَقول فِي الشَّام حبر ... شام من بارق العلى مَا شامه) (قلت مَاذَا أَقُول فِي وصف أَرض ... هِيَ فِي وجنة المحاسن شامة) وَقَوله (قل لمن رام النَّوَى عَن وَطن ... قولة لَيْسَ بهَا من حرج) (فرج الْهم بسكنى جلق ... أَن فِي جلق بَاب الْفرج) وَجرى بَينه وَبَين أدبائها وعلمائها مطارحات شَتَّى فَمن ذَلِك مَا كتبه إِلَى الشاهيني مَعَ خَاتم ومسبحة أرسلهما لَهُ (يَا نجل شاهين الَّذِي ... حَاز الْمَعَالِي والمعالم) (يَا من دمشق بِطيب مَا ... يبديه عاطرة النواسم) (فالنهر مِنْهَا ذُو صفا ... والزهر مفتر المباسم) (والغصن يثني عطفه ... طَربا لتغريد الحمائم) (يَا أَحْمد الْأَوْصَاف يَا ... من حَاز أَنْوَاع المكارم) (أَنْت الَّذِي طوقتني ... مننا لَهَا تعنو الأعاظم) (فَمَتَى اؤدي شكرها ... وَالْعجز لي وصف ملازم) (والعذر بادان بعثت ... إِلَيْك من جنس الرتائم) (تَسْبِيحَة الذّكر الَّتِي ... جَاءَت بتصحيف ملايم) (وَنَجَا تمّ دَاع إِلَى ... فيض الندى من كف حَاتِم) (فامدد على جهد الْمقل ... رواق صفح ذَا دعائم) (لَا زلت سَابق غَايَة ... بَين الأعارب والأعاجم) سَيِّدي لَا يخفاك أنني بعثت بهَا رتيمه وَلَو أمكنني لأهديت من الْجَوَاهِر مَا ينوف على قدر الْقيمَة فهما أَعنِي الْخَاتم والمسبحة تذكير ليد العلى بخالص الوداد وَفِي الْمثل لَا كلفة بَين من تثبت بَينهم الألفة حَتَّى فِي الْوَرق والمداد وَالله يبقيك الْبَقَاء الْجَمِيل ويبلغك غَايَة التأميل وَالْعَفو مَطْلُوب وَالله عِنْد مكسرة الْقُلُوب وَهُوَ الْمَسْئُول أَن يحرسكم بِعَين عنايته الَّتِي لَا تنام بجاه من ترقي إِلَى أَعلَى مقَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وَللَّه در الْقَائِل (هَدِيَّة العَبْد على قدره ... وَالْفضل أَن يقبلهَا السَّيِّد) (فالعين مَعَ تَعْظِيم مقدارها ... تقبل مَا يهدي لَهَا المرود) فَكتب إِلَيْهِ الشاهيني قصيدة مطْلعهَا (يَا سيد اشعري لَهُ ... مَا أَن يقاوي أَو يُقَاوم) مِنْهَا وَهُوَ مَحل ذكر مَا أهداه إِلَيْهِ (قد جَاءَ مَا شرفتني ... بخصومه دون الأعاظم) (من خَاتم كفى بِهِ ... ورثت سُلَيْمَان العزائم) (وبسبحة شبهتها ... بِالشُّهُبِ فِي أسلاك ناظم) (فلتحسد الجوزاء مَا ... أحرزت من تِلْكَ المكارم) (هِيَ آلَة الذّكر لَكِن ... لي ذكرا فِي الحيازم) (فهواك فِي قلبِي وَمَا ... فِي الْقلب جلّ عَن الرتائم) (ماذي رتائم سَيِّدي ... بل إِنَّهَا عِنْدِي تمائم) (لَو أَنَّهَا من جنس مَا ... يطوى غَدَتْ فَوق النعائم) (لَكِنَّهَا قد زينت ... كفى وأزرت بالخواتم) وَاتفقَ للمقري مجْلِس فِي دَعْوَة بعض الْأَعْيَان وَكَانَ الْمُفْتِي الْعِمَادِيّ والشاهيني صحبته فِي يتلك الدعْوَة فمس ثلجاً وَقَالَ الماس هَذَا فَأَنْشد الشاهيني مرتجلا (شَيخنَا الْمقري وَهُوَ النَّاس ... وَالَّذِي بالأنام لَيْسَ يُقَاس) (مس ثلجاً وَقَالَ الماس هَذَا ... قلت الماس عندنَا الماس) ثمَّ ارتجل بِآخَرين فِي الثَّلج (غنيت بالثلج عَن سَوْدَاء حالكة ... من قهوة لم تكن فِي الأعصر الأول) (وَقلت لما غَدا خلى يعنفني ... فِي طلعة الشَّمْس مَا يُغْنِيك عَن زحل) فَقَالَ الْعِمَادِيّ (يَا بردهَا ثلجة جَاءَت على كبد ... حراء من فرقة الأحباب فِي وَجل) فَقَالَ الْمقري (تحلو إِذا كررت ذوقاً وَعَادَة مَا ... أُعِيد أَن يلتقي بالكره والملل) فَقَالَ الْعِمَادِيّ (لَعَلَّ إعلاله بالثلج ثَانِيَة ... يدب مِنْهَا نسيم الْبرد فِي عللي) فَقَالَ الْمقري (إِذا دَعَاني بِمصْر ذكر معهدها ... أجَاب دمعي وَمَا الدَّاعِي سوى طلل) فَقَالَ الْعِمَادِيّ (لَو كَانَ فِي مصر مَاء بَارِد لكفى ... عَن الثلوج وَمن للعور بالحول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَمن شعر الْمقري قَوْله مضمنا مَعَ الِاكْتِفَاء والتورية (لم أنس يَوْمًا للنواعير بِهِ ... فِي نهر فاس شجن هاج الجوى) (فَقلت إِذْ ذَكرنِي معاهدا ... لله مَا قد هجب يَا يَوْم النَّوَى) والمصراع الثَّانِي ضمنه من مَقْصُورَة حَازِم وَبعده (على فؤاد من بتاريخ الجوى ... ) وَرَأَيْت فِي بعض المجاميع نقلا عَن خطّ الْمقري قَالَ أَنْشدني صاحبنا الْعَلامَة البليغ النَّاظِم الناثر القَاضِي مُحَمَّد المنوفي لبَعض من قَصده الدَّهْر بسهامه وَلم يجد صبرا لإشكال صبره وانبهامه قَوْله (وأخفيت صبري سَاعَة بعد سَاعَة ... وَلَكِن عَيْني فِي الْأَحَايِين تَدْمَع) فَقلت مضمنا وَفِيه لُزُوم مَا لَا يلْزم (وقائلة مَالِي رَأَيْتُك ذَا شجى ... وَلم يَك قدما فِيك للشجو مطمع) (فَقلت أصابتني من الدَّهْر عينه ... وخالفت ذَا نصح لَهُ كنت أسمع) (فَقَالَت تصبروا كتم الْأَمر تسترح ... وَلَا تسأمن فالخير فِي ذَاك أجمع) (فَقلت لَهَا أرشدت من لَيْسَ جَاهِلا ... وأنشدتها والحي للسير أزمعوا) (وأخفيت صبري سَاعَة بعد سَاعَة ... وَلَكِن عَيْني فِي الْأَحَايِين تَدْمَع) قَالَ وَكَانَ شيخ مَشَايِخنَا القَاضِي الْأَجَل سَيِّدي عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الونشريسي التلمساني الأَصْل قَاضِي قُضَاة فاس المحروسة نظم بَيْتا ورمز فِيهِ للمواضع الَّتِي لَا يُصَلِّي فِيهَا على النَّبِي فَقَالَ (على عَاتِقي حملت ذَنْب جوارح ... تعبت بهَا وَالله للذنب غَافِر) وَهَذَا بَيَان مَا رمز على التَّرْتِيب عطاس عبره حمام ذبح جماع تعجب بيع فَقلت إِن قَوْله وَالله للذنب غَافِر لَا مَحل لَهُ فِي الرَّمْز مَعَ أَنه بقيت أَشْيَاء أخر لَو جعلت مَكَان هَذَا الْكَلَام لَكَانَ أحسن وَأَيْضًا فَإِن بَيته لَيْسَ فِيهِ مَا يفهم مِنْهُ مُرَاده فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك وطأت لَهُ بِبَيْت صرحت فِيهِ بالمراد وأبدلت قَوْله وَالله للذنب غَافِر بالرمز لما أغفله قلت وَالْفضل بالتقدم لَهُ (ينزه ذكر الْمُصْطَفى فِي مَوَاضِع ... لَهَا رمز أَلْفَاظ تبدي شمولها) (على عَاتِقي حملت ذَنْب جوارح ... تعبت بهَا قد أثقلتني حمولها) رمزت للقذر وَالْأكل وحاجة الْإِنْسَان لما يُقَال أَن الْحَاجة تدخل فِي قَوْله حملت لأَنا نقُول أَنه كرر فِي قَوْله على عَاتِقي وَذَلِكَ يدل على أَنه لَا يَكْتَفِي بِاللَّفْظِ الْوَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 ثمَّ ظهر لي بعد مَا تقدم أَن قولي ينزه إِلَى آخِره لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِعَدَمِ الصَّلَاة عَلَيْهِ فَقلت بدله (صَلَاة على الْمُخْتَار ردع فِي مَوَاضِع ... لَهَا رمز أَلْفَاظ تبدي شمولها) (عَلَيْك بإكثار الصَّلَاة على الَّذِي ... رسَالَته لِلْخلقِ باد شمولها) (ودعها بِعشر قلت فِي رمز عدهَا ... كلَاما عيوني زَاد مِنْهُ همولها) (على عَاتِقي حملت ذَنْب جوارح ... تعبت بهَا قد أثقلتني حمولها) وَمن املائه لبَعض فضلاء دمشق أَنه قَالَ حكى أَن أفلاطون كتب إِلَى بقراط قبل أَن يتَعَلَّم مِنْهُ إِنِّي أَسأَلك عَن ثَلَاثَة أَشْيَاء أَن أجبْت عَنْهَا تلمذت لَك فَكتب إِلَيْهِ بقراط سل وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق فَكتب إِلَيْهِ أَخْبرنِي من أَحَق النَّاس بِالرَّحْمَةِ وَمَتى يضيع أَمر النَّاس وَمَا تتلقى بِهِ النِّعْمَة من الله فَكتب إِلَيْهِ بقراط أما أَحَق النَّاس بِالرَّحْمَةِ فَثَلَاثَة البريكون فِي سُلْطَان فَاجر فَهُوَ الدَّهْر حَزِين لما يرى وَيسمع والعاقل فِي تَدْبِير الْجَاهِل فَهُوَ الدَّهْر مُتْعب مغموم والكريم يحْتَاج إِلَى اللَّئِيم فَهُوَ الدَّهْر خاضع دَلِيل وَأما تَضْييع أُمُور النَّاس فَإِذا كَانَ الرَّأْي عِنْد من لَا يقبل مِنْهُ وَالسِّلَاح عِنْد من لَا يَسْتَعْمِلهُ وَالْمَال عِنْد من لَا يُنْفِقهُ وَأما مَا بِهِ تتلقى النِّعْمَة من الله فبكثرة الشُّكْر وَلُزُوم طَاعَته وَاجْتنَاب مَعْصِيَته فَأقبل إِلَيْهِ أفلاطون وَصَارَ تلميذا لَهُ إِلَى أَن مَاتَ قَالَ الْمقري وَقد نظمت هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب فِي قولي (أرسل أفلاطون وَهُوَ الَّذِي ... قد مَا سما فِي النَّاس بالحكمة) (لشيخه بقراط من قبل أَن ... بِكَوْن مِمَّن قد حوى علمه) (أَن أَنْت حققت جوابي على ... ثَلَاثَة محضتك الْخدمَة) (وَكنت تلميذا مقرابما ... تسديه من علم وَمن حرمه) (فَقَالَ بَينهَا فَقَالَ اكشفن ... عَمَّن أَحَق النَّاس بِالرَّحْمَةِ) (وَعَن أُمُور النَّاس أوضح مَتى ... تضيع واستقبالنا النِّعْمَة) (من رَبنَا سُبْحَانَهُ مَا الَّذِي ... بِهِ تلقى فاشرح الْقِسْمَة) (فَقَالَ بقراط أَحَق الورى ... برحمة يَا موفي الذِّمَّة) (ذُو الْعقل فِي تَدْبِير ذِي الْجَهْل لَا ... يبرح طول الدَّهْر فِي غمه) (والبران أضحى بسُلْطَان من ... فجوره عَم الورى نقمه) (بحزنه مَا يسمع أَو مَا يرى ... مِنْهُ لِأَن الظُّلم ذُو ظلمَة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 (كَذَا كريم النَّفس ذُو حَاجَة ... إِلَى لئيم سَاقِط الهمه) (يَغْدُو ذليلا خاضعا خَاشِعًا ... لَهُ وناهيك بذا وصمه) (فاسأل من الرَّحْمَن سُبْحَانَهُ ... عَن الثَّلَاث الْحِفْظ والعصمة) (وَذي ثَلَاث أَن تكن فِي الورى ... ضَاعَت أُمُور النَّاس فِي مهمه) (المَال فِي كف امْرِئ مُمْسك ... لَهُ يرى أنفاقه ثلمه) (والرأي أَن كَانَ لَدَى من أَبَوا ... مِنْهُ قبولا وأبوا خرمه) (وَذُو سلَاح لَيْسَ مُسْتَعْملا ... وَله وَلم يكْسب لَهُ حشمه) (وَذي ثَلَاث غَيرهَا أوضحت ... عَمَّا بِهِ تسْتَقْبل النِّعْمَة) (ترك العباسي وَلُزُوم التقى ... وَكَثْرَة الشُّكْر فصن نظمه) وَذكر فِي بعض محاضراته أَن لِسَان الدّين بن الْخَطِيب ذكر فِي الكنبة الكامنة فِي أَبنَاء الثَّامِنَة جَوَابا عَن الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين وهما قَوْله (كسرت لما قد قلت قلبِي ... وَلم تضفه إِلَى فلَان) (مَا يملك المستهام قلبا ... يَا ظَالِم اللَّفْظ والمعاني) قَالَ والبيتان المشهوران اللَّذَان هتان وَجَوَاب عَنْهُمَا هما قَول الْقَائِل (يَا سَاكِنا قلبِي الْمَعْنى ... وَلَيْسَ فِيهِ سواهُ ثَانِي) (لاي معنى كسرت قلبِي ... وَمَا التقى فِيهِ ساكنان) وَرَأَيْت لبَعْضهِم جَوَابا عَنْهُمَا وَقد أَجَاد إِلَى الْغَايَة بقوله (سكنته وَهُوَ ذُو سُكُون ... لم يثنه عَن هواي ثَانِي) (فَكَانَ كسْرَى لَهُ قِيَاسا ... لما التقى فِيهِ ساكنان) وَأجَاب الْمقري بقوله (نحلتني طَائِعا فُؤَادِي ... فَصَارَ إِذْ حزنه مَكَاني) (لَا غروان لي مُضَافا ... إِنِّي على الْكسر فِيهِ باني) قلت وَذكر الخفاجي فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن الجيعان أَنه ذكر هَذَا السُّؤَال فِي بَيْتَيْنِ وَقَالَ إِذا التقى ساكنان كسر أَحدهمَا لَا مَحلهمَا وَكَون المُرَاد بِالْمحل الْكَلِمَة الَّتِي فِيهَا ذَلِك فَإِنَّهُ إِذا كسر أَحدهمَا كَانَت مَبْنِيَّة على الْكسر كأمس لَا تحتمله البلاغة قَالَ فَقلت لَهُ هَذَا مِمَّا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَأحسن مِنْهُ قولي فِي هَذَا الْمَعْنى (إِن ذَا الدَّهْر لَا يزَال يرى ... جمع شَمل الْكِرَام مُمْتَنعا) (فَهُوَ حتما محرك أبدا ... أحد الساكنين مَا اجْتمعَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 ولسان الدّين بن الْخَطِيب هُوَ الَّذِي ألف صَاحب التَّرْجَمَة كِتَابه عرف الطّيب فِي أخباره وَمن غَرِيب خَبره وَالْأَيَّام ترى الْغَرِيب من أفعالها وَتسمع العجيب من أحوالها أَنه رَحل من غرناطة وَدخل إِلَى مَدِينَة فاس فَبَالغ سلطانها فِي إكرامه فَتمكن مِنْهُ أعداؤه بالأندلس وأثبتوا عَلَيْهِ كَلِمَات منسوبة إِلَى الزندقة تكلم بهَا فسجل القَاضِي بِثُبُوت زندقته وَحكم بإراقة دَمه وَأرْسل بِهِ إِلَى سُلْطَان فاس فسجن بهَا وَدخل إِلَيْهِ بعض الأوغاد السجْن وَقَتله خنقاً وَأخذ جوَار مِنْهُ فدفنت فَأصْبح غدْوَة دَفنه طريحاً على شَفير قَبره وَقد ألقيت عَلَيْهِ الأحطاب وأضرمت فِيهَا النَّار فَاحْتَرَقَ شعره واسودت بَشرته ثمَّ أُعِيد إِلَى حفرته وَكَانَ ذَلِك سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَمن أعجب مَا وَقع لَهُ أَنه كَانَ نظم هَذَا الْمَقْطُوع وَهُوَ (قف لترى مغرب شمس الضُّحَى ... بَين صَلَاة الْعَصْر وَالْمغْرب) (واسترحم الله قَتِيلا بهَا ... كَانَ إِمَام الْعَصْر فِي الْمغرب) فاتفق أَنه قتل بَين هَاتين الصَّلَاتَيْنِ فَالْمُرَاد من شمس الضُّحَى نَفسه وَقَوله واسترحم الله قَتِيلا بهَا مَعْنَاهُ اسْأَل الله رَحْمَة للقتيل بشمس الضُّحَى فضمير بهَا عَائِد إِلَى شمس الضُّحَى على سَبِيل الِاسْتِخْدَام وكلا الْمَعْنيين مجازي وَقد أطلنا الْكَلَام حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ الْمقَام فلنرجع إِلَى الْغَرَض من ذكر بَقِيَّة خبر الْمقري فَنَقُول وَكَانَت إِقَامَته بِدِمَشْق دون الْأَرْبَعين يَوْمًا ثمَّ رَحل مِنْهَا فِي خَامِس شَوَّال سنة تسع وَثَلَاثِينَ إِلَى مصر وَعَاد إِلَى دمشق مرّة ثَانِيَة فِي أَوَاخِر شعْبَان سنة اربعين وَحصل لَهُ من الْإِكْرَام مَا صَحِلَ فِي قَدمته الأولى وَحين فَارقهَا أنْشد قَوْله (إِن شام قلبِي عَنْك بارق سلوة ... يَا شام كنت كمن يخون ويغدر) (كم راحل عَنْهَا لفرط ضَرُورَة ... وعَلى الْقَرار بغَيْرهَا لَا يقدر) (متصاعدا لزفرات مكلوم الحشا ... والدمع من أجفانه يتحدر) وَدخل مصر وَاسْتقر بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ طلق زَوجته الوفائية وَأَرَادَ الْعود إِلَى دمشق للتوطن بهَا ففاجأه الْحمام قبل نيل المرام وَكَانَت وَفَاته فِي جمادي الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة المجاورين وَقَالَ الأديب إِبْرَاهِيم الأكرمي فِي تَارِيخ وَفَاته (قد ختم الْفضل بِهِ ... فأرخوه خَاتم) والمقري بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الْقَاف وَآخِرهَا رَاء مُهْملَة وَقيل بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف لُغَتَانِ أشهرهما الأولى نِسْبَة إِلَى قَرْيَة من قرى تلمسان وإليها نِسْبَة آبَائِهِ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان القَاضِي شهَاب الدّين بن نَاصِر الدّين الأسطواني الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ رَئِيس الْكتاب بمحكمة الْبَاب كَانَ كَاتبا بارعاً تَامّ الْمعرفَة حسن الْخط وافر الضَّبْط قَرَأَ وَحصل فِي مباديه ثمَّ صَار كَاتبا للصكوك بالمحكمة الْكُبْرَى وَبعد مُدَّة نقل إِلَى الْبَاب وَصَارَ رَئِيس كتابها وانحصرت فِيهِ أمورها وَكَانَ يُرَاجع فِي المهام وَهُوَ فِي حد ذَاته من المتفوقين فِي صَنعته بري الساحة مِمَّا يدنسه كَامِل الْعرض حسن السمت وَخَلفه ابْنه حسن وَكَانَ على سمته وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْبَيْت فِي دمشق مَعْرُوف بالرؤساء الأجلاء وَلَهُم قدم ووجاهة وَاجْتنَاب للمكاره وَكَانَت وِلَادَته سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي عشرى الْمحرم سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الملقب شهَاب الدّين بن شمس الدّين بن نور الدّين الْمَعْرُوف بالغنيمي الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْحَنَفِيّ الْمصْرِيّ الإِمَام الْعَلامَة الْحجَّة خَاتِمَة الْمُحَقِّقين الْمشَار إِلَيْهِم بِالنّظرِ الصائب ولطائف التَّحْرِير ودقة النّظر وَهُوَ أجل الشُّيُوخ الَّذين انفردوا فِي عصرهم فِي علم الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وتبحروا فِي الْعُلُوم الدقيقة والفنون العويصة حَتَّى استخرجوها بِالنّظرِ الدَّقِيق والفكر الغامض وَكَانَ أَولا شافعيا حضر الجلة من مَشَايِخ الشَّافِعِيَّة وأتقن الْمَذْهَب ودرس فِيهِ ثمَّ إِنَّه لما صَار إِلَى الْبِلَاد الرومية وَأخذ بعض التداريس الْحَنَفِيَّة وَكَانَ ذَلِك بِالْمَدْرَسَةِ الأشرفية الَّتِي بصحراء مصر صَار حنفيا قَالَ مَدين القوصوني وَمِمَّا كتب لنا بِخَطِّهِ بعد الطّلب وَأما تَارِيخ مولدِي فَلَا أتحققه لَكِن أذكر مَا فِيهِ تقريب لَهُ وَهُوَ أَنِّي أدْركْت قتل مَحْمُود باشا وَكنت إِذْ ذَاك صَغِير بالمكتب أتهجى وَلما شاع الْخَبَر بقتْله جَاءَنِي عمي أَبُو بكر وحملني على كتفه وَذهب بِي إِلَى الْبَيْت خشيَة عَليّ وَلَا يخفى أَن تَارِيخ قَتله بالجمل عظه بالظاء المشالة وَأما مشايخي فهم شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وعارف الْوَقْت سَيِّدي مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي حَضرته فِي غَالب الشفا للْقَاضِي عِيَاض بِقِرَاءَة الشَّيْخ الْفَاضِل صفي الدّين الْغَزِّي عَلَيْهِ وَحين خَتمه استجاز فَقَالَ أجزتم رَضِي الله عَنْكُم لمن قَرَأَهُ أَو سَمعه أَو شَيْئا مِنْهُ أَن يرويهِ وَجَمِيع مَا يجوز لكم وعنكم رِوَايَته فَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَذْكُور نعم وَأهل الْعَصْر وحضرته أَيْضا فِي الشمايل ودرس التَّفْسِير والتصوف وَغير ذَلِك وَمِنْهُم شيخ الْإِسْلَام نجم الدّين الغيطي بِقِرَاءَة الشَّيْخ سَالم السنهوري الْمَالِكِي وَغَيره وَكنت إِذْ ذَاك صَغِيرا مَشْغُولًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 بِحِفْظ الْقُرْآن وَمِنْهُم الشَّيْخ يُوسُف جمال الدّين بن شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ اجْتمعت بِهِ مبركاً وحضرته مرّة أَو مرَّتَيْنِ بقراء الْعم جمال الشَّيْخ جمال الدّين عَلَيْهِ فِي الحَدِيث وَمِنْهُم عَالم الْحَنَفِيَّة الْعَلامَة الفهامة عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي حَضرته فِي المطول مَعَ حَاشِيَة الفنري وَمِنْهُم الشَّيْخ الفهامة المتقن إِبْرَاهِيم العلقمي لازمته زَمَانا كثيرا فِي يالبخاري وَغَيره وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَلامَة الفهامة فريد عصره ووحيد دهره أَحْمد بن قَاسم الْعَبَّادِيّ أخذت عَنهُ الْعَرَبيَّة بقرَاءَته ألفية ابْن مَالك مرَّتَيْنِ فِي دَاخل مَقْصُورَة الْجَامِع الْأَزْهَر بَين الْمغرب وَالْعشَاء وأصول الْفِقْه جمع الْجَوَامِع غالبه فِي الدَّرْس الْعَام وَمِنْهُم رَفِيقه فِي الِاشْتِغَال الْعَلامَة الشَّيْخ يُوسُف النَّحْوِيّ وَمِنْهُم شيخ الْإِسْلَام عَليّ نور الدّين الزيَادي وَمِنْهُم الشَّيْخَانِ العالمان العاملان الشَّيْخ مُحَمَّد الخفاجي وَالشَّيْخ أَبُو بكر الشنواني وَمِنْهُم الفهامة الشَّيْخ صَالح البُلْقِينِيّ وَمِنْهُم الْعَالم الشَّيْخ مُحَمَّد النحراوي وَمِنْهُم الشَّيْخ عبد الله السندي نزيل مَكَّة أخذت عَنهُ رِسَالَة الاستعارات وغالب شرحها للْمولى عِصَام الدّين وَبَينه وَبَين عِصَام الدّين شيخ وَاحِد وَمِنْهُم شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد البهنسي شَارِح البُخَارِيّ وَغَيره وَمِنْهُم الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الْحق السنباطي وَمِنْهُم الشَّيْخ نور الدّين العسيلي وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَاضِل أَبُو نصر الطبلاوي وَأما مؤلفاتي فَهِيَ أقل من أَن تذكر بَين مؤلفات الْمُحَقِّقين الْأَعْلَام لَكِن رَأَيْت من الْأَدَب حسن الِامْتِثَال فَمِنْهَا وَهِي أجلهَا حَاشِيَة على مُقَدّمَة الامام مُحَمَّد اسنوسي الْمُسَمَّاة بِأم الْبَرَاهِين فِي أصُول الدّين جَاءَت فِي نَحْو تسعين كراسة صَغِيرَة وَلم تكمل وَمِنْهَا شرح مُقَدّمَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الشعراوي فِي علم الْعَرَبيَّة قَالَ وَقد تعبت فِي شرحها لعدم ألفها وغريب صنعها ألزمني فِي ذَلِك بعض الاخوان وَمِنْهَا رِسَالَة فِي أَن الله سُبْحَانَهُ قديم الذَّات وَالزَّمَان ردا على من اعْترض علينا فِي خطْبَة حاشيتنا على أم البرهين حَيْثُ قُلْنَا فِيهَا ذَلِك وَهِي مفيدة عزيزة وَمِنْهَا رِسَالَة فِي تَحْرِير النّسَب الْأَرْبَع مَعَ نقائضها الْمَذْكُورَة فِي أَوَائِل الْمنطق وَمنا رِسَالَة فِي شرح الأبيات الْمَشْهُورَة الَّتِي اولها (مَا وحد الْوَاحِد من وَاحِد ... إِذْ كل من وَحده جَاحد) (تَوْحِيد من ينْطق عَن نَعته ... عَارِية أبطلها الْوَاحِد) (توحيده إِيَّاه توحيده ... ونعت من يَنْعَتهُ لأحد) واعتذرت فِي عدم الْكِتَابَة عَلَيْهَا بِأَنِّي لست من فرسَان هَذَا الميدان فالزمت أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 أكتب عَلَيْهَا على مُقْتَضى ظَاهر اللَّفْظ فَإِنَّهَا أرْسلت إِلَيْنَا من الصَّعِيد بالخصوص وَمِنْهَا رِسَالَة تتَعَلَّق بالخضر عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَنه نَبِي أَو ولي وَفِي نسبه وَغير ذَلِك مَعَ عدم الْوُقُوف على رِسَالَة الْجلَال السُّيُوطِيّ وَغَيره فِيهِ وَمِنْهَا رِسَالَة فِي مبَاحث مُتَفَرِّقَة قلت وَرَأَيْت فِي بعض التَّعَالِيق أَنه رَحل إِلَى الرّوم فتحول حنفيا بِأَمْر مولى من موَالِي الرّوم وحظى ثمَّة حظوة لم يحظها أحد فِي عصره من الْعَرَب وَالروم وَأعْطى الْمدَارِس الْعلية بِمصْر والوظائف والمعاليم ثمَّ عَاد إِلَى مصر من طَرِيق الْبَحْر إِلَى أَن وصل إِلَى ثغر الْإسْكَنْدَريَّة فانكسر الْمركب وضاعت جَمِيع أَسبَابه وَكتبه إِلَّا كتابا وَاحِدًا كَانَ بِيَدِهِ فَخرج بِهِ من الْمركب ثمَّ سرق مِنْهُ وَبَقِي صفر الْيَدَيْنِ ثمَّ أرسل إِلَى مفتي الرّوم وعرفه بِجَمِيعِ مَا حصل لَهُ فَعوضهُ عَن بعض ذَلِك وجدد لَهُ مراسيم بمدارسه ووظائفه وَاسْتمرّ بِمصْر وَعرض لَهُ فِي آخر عمره ثقل فِي سَمعه حَتَّى توفّي بِهِ وَقد انْتفع بِهِ أجلاء الْعلمَاء وَمِمَّنْ لَازمه سِنِين عديدة الْعَلَاء الشبراملسي وَكَانَ لَا يفتر عَن ذكره وَحكى عَنهُ أَنه قَالَ مَاتَ الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول بعده وَرَأَيْت بِخَط بعض الأخوان أَن لَهُ تآليف زَائِدَة على مَا ذكر مِنْهَا كتاب ابتهاج الصُّدُور فِي بَيَان كَيْفيَّة الْإِضَافَة والتثنية وَالْجمع للمنقوص والممدود والمقصور وَكتاب إرشاد الطلاب إِلَى لفظ بَاب الْإِعْرَاب قلت وَهَذَا شرح الشعرانية فِي علم الْعَرَبيَّة وَله حَاشِيَة على شرح الاستعارات للْمولى عِصَام وحاشية على شرح أيسا غوجي للْقَاضِي زَكَرِيَّاء وَله حواش نفيسة على طرر كتبه جرد مِنْهَا فِي حَال حَيَاته وَبعد مماته مِنْهَا مَا كتبه على شرح عقائد النَّسَفِيّ للتفتازاني وَمَا كتبه على شرح جمع الْجَوَامِع للمحلي وَمَا كتبه على شرح الأزهرية للشَّيْخ خَالِد وَغير ذَلِك من الرسائل المقبولة وَكَانَ الشبراملسي يَقُول من رأى دروس الغنيمي وَتَقْرِيره ودقة نظره لَا يجوز نِسْبَة هَذِه التآليف الَّتِي ألفها إِلَيْهِ لِأَن مقَامه أجل مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا فِي غَايَة الدقة وَحسن الصِّنَاعَة وَمِمَّا ظَفرت بِهِ من تحريراته مَا كتبه على عبارَة القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} حَيْثُ قَالَ الْبَيْضَاوِيّ وَهَذَا من عطف الْخَاص على الْعَام للْمُبَالَغَة إِلَّا أَن يحض الْعَمَل بِمَا يكون مَقْصُورا على كَمَاله انْتهى قَالَ الغنيمي الضَّمِير فِي كَمَاله يرجع إِلَى الْإِنْسَان وَهُوَ الظَّاهِر الْمُتَبَادر إِلَّا أَن يحض الْعَمَل الْمَفْهُوم من قَوْله {وَعمِلُوا الصَّالِحَات} بِعَمَل يكون ذَلِك الْعَمَل مَقْصُورا على كَمَال الْإِنْسَان نَفسه لَا يتجاوزه إِلَى غَيره وَحِينَئِذٍ لَا يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ عطف الْخَاص لِأَن التواصي لَيْسَ مَقْصُورا على كَمَال الْإِنْسَان نَفسه بل يتجاوزه إِلَى الْغَيْر وَيُمكن رُجُوع الضَّمِير إِلَى الْعَمَل وَيكون ذَلِك من قصر الجزئي على مَا للكلى فَالْمُرَاد من قَوْله وَعمِلُوا الصَّالِحَات الْأَعْمَال الْكَامِلَة إِمَّا لتبادرها عِنْد الاطلاق أَو من العنوان عَنْهَا بالصالحات مَعَ الْمقَام أَو غير ذَلِك فَقَوله وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ شَامِل للكاملة وَغَيرهَا وَيجوز أَن يكون مَا فِي قَوْله بِمَا يكون وَاقعَة على الدَّلِيل الْمُخَصّص أَلا أَن يخص الْعَمَل بِدَلِيل يكون مَقْصُورا على كَمَال الْعَمَل بِأَن يدل عَلَيْهِ انْتهى وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرى رَجَب سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة والغنيمي نِسْبَة إِلَى جده الشَّيْخ غنيم المدفون بالشرقية ويتصل نسبه إِلَى سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد البقاعي العرعاني نزيل دمشق الْفَقِيه الْمُحدث الشَّافِعِي الْمَذْهَب المعمر كَانَ من أجلاء الْعلمَاء لَهُ الشُّهْرَة التَّامَّة فِي الحَدِيث وَالرِّوَايَة أَخذ بِالشَّام عَن شيخ الْإِسْلَام الْبَدْر الْغَزِّي وَغَيره ورحل إِلَى مصر والحرمين فِي طلب الحَدِيث وَأخذ عَن الجلة من علمائها كالنجم الغيطي وَالشَّيْخ جمال الدّين بن القَاضِي زَكَرِيَّاء وَأبي النَّصْر الطبلاوي والاستاذ الْكَبِير مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ وَالشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ والنور عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ والعارف بِاللَّه عبد الْوَهَّاب الشعراوي وَأبي النجا سَالم السنهوري الْمَالِكِي وَالشَّيْخ العمريطي وبمكة عَن ابْن حجر الْمَكِّيّ وَغَيرهم وَرجع إِلَى دمشق وَكَانَ يجلس فِي الزاوية الغزالية يدرس ويقري وانتفع بِهِ خلق كثير وَكَانَ دينا خيرا مَقْبُول الرِّوَايَة ذكره الشَّيْخ عبد الْبَاقِي الْحَنْبَلِيّ فِي مشيخته وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَهُوَ من جملَة من روى عَنهُ وَأَخْبرنِي وَلَده أَبُو بكر وَهُوَ الْآن فِي الاحياء أَن ولادَة وَالِده كَانَت فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف والعرعاني بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَبعدهَا ألف وَنون نِسْبَة إِلَى عرعان قَرْيَة بالبقاع العزيزي الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد الْهَادِي بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ عَليّ اليمني الْمُفْتِي أَخذ عَن وَالِده وعميه الشَّيْخ شهَاب الدّين وَأبي بكر عدَّة عُلُوم مِنْهَا التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والنحو والتصوف وَأخذ عَن شيخ الاسلام عبد الله بن شيخ وَولده زين العابدين العيدروس وَأخذ عَن السَّيِّد الْجَلِيل عبد الرَّحْمَن بن عقيل وَغَيرهم ثمَّ ارتحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ بهما عَن جمَاعَة مِنْهُم الْعَارِف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد عَلان وَشَيخ الاسلام السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ ولازمه مُلَازمَة تَامَّة حَتَّى تخرج بِهِ وَكَانَ يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وزوجه بنته وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي وَالشَّيْخ أَحْمد الْخَطِيب وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْبري الْمَالِكِي الْمدنِي وَالشَّيْخ عبد الْملك العصامي وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخياري وَغَيرهم من أهل الْحَرَمَيْنِ وَلبس الْخِرْقَة من جمع كثير وأذنوا لَهُ بالالباس وأجازوه بالافتاء والتدريس فَجَلَسَ للاقراء بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَكَانَ لَهُ اعتناء بِكِتَاب احياء عُلُوم الدّين فَأَقْرَأهُ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام سِتّ مَرَّات وقرأه على وَالِده أَربع مَرَّات على شَيْخه عبد الله بن شيخ العيدروس أَربع مَرَّات وَرُبمَا قَرَأَ فِي التَّفْسِير وحضره جم وافر وَكَانَ طلق اللِّسَان متدرعاً جِلْبَاب الطَّاعَة عَاملا بِعِلْمِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ وفهمه مواظباً على السّنَن النَّبَوِيَّة كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ ملازماً للذّكر مَعَ غَايَة من الزّهْد والقناعة وَكَانَ شَدِيد الانكار يثب على الْمُنكر كَأَنَّهُ صَاحب ثأر لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وَلَا تَأْخُذهُ رأفة فِي دين الله وَإِذا حضر مَجْلِسا احتاط الْحَاضِرُونَ فِي ستر الْمُنْكَرَات والمتهجنات وَحكي أَنه دخل على بعض أَرْبَاب الدولة وَعِنْده من يضْرب بالآلة فأسكت المسمعين وَوعظ الْحَاضِرين وَأمرهمْ بِالتَّوْبَةِ وَكَانَ لطيف المعاشرة حسن المذاكرة لَهُ كرامات كَثِيرَة مِنْهَا أَنه دَعَا لجَماعَة من أَصْحَابه بمطالب دينية ودنيوية فنالوها ببركة دُعَائِهِ وَمِنْهَا أَن بعض أَصْحَابه اعتراه وسواس شديدحتى اتّفق لَهُ أَنه كَانَ فِي الطّواف فتخيل لَهُ أَنه خرج مِنْهُ بَوْل فأسرع بِالْخرُوجِ من الْمَسْجِد خشيَة تلويثه ثمَّ نظر إِلَى ثَوْبه فَلم يجد بللاً وَشك فِي وضوئِهِ وطهارة ثَوْبه وتعب تعباً شَدِيدا فَمر بِهِ صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالة فتلعق بِهِ وألزمه بِالدُّعَاءِ لَهُ فِي رفع تِلْكَ الوسوسة فَدَعَا لَهُ فأذهبها الله عَنهُ من حِينَئِذٍ وَكَانَ يحب الْفُقَرَاء والضعفاء ويكرمهم وَتخرج بِهِ جمَاعَة فِي عدَّة عُلُوم لَا سِيمَا التصوف وألبس الْخِرْقَة لجَماعَة وَلم يزل على حَالَته إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالمعلاة عِنْد قُبُور السَّادة الْأَشْرَاف بني علوي وقبره مَعْرُوف يزار رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالزريابي الدِّمَشْقِي الْمَالِكِي قَاضِي الْمَالِكِيَّة وفقيههم بِدِمَشْق كَانَ من الْفُضَلَاء الْمَشْهُورين والنبلاء المعروفين نَشأ بِدِمَشْق وَقَرَأَ على الْعَلامَة عمر بن مُحَمَّد الفاري وَالشَّيْخ تَاج الدّين المقرءوني ثمَّ رَحل إِلَى الْقَاهِرَة وتفقه على الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ وَأخذ عَنهُ بَقِيَّة الْعُلُوم وَأخذ من غَيره وَمكث ثَمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 سِنِين وَعَاد إِلَى دمشق وَولي إِفْتَاء الْمَالِكِيَّة وَالْقَضَاء بمحكمة الْبَاب عَن وَالِده وَذَلِكَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف ودرس بِالْمَدْرَسَةِ اليونسية بعد وَفَاة الْعَلامَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الحزرمي الْبَصِير الْآتِي ذكره سنة سِتّ وَأَرْبَعين ثمَّ فِي أَوَاخِر سنة تسع وَأَرْبَعين شرع فِي عمَارَة الشَّيْخ أرسلان قدس الله سره الْعَزِيز وَانْقطع هُنَاكَ وَصرف مَالا جزيلاً وَكَانَ صَاحب ثروة وأجرى مَاء للشباك قبالة الضريح وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمن شعره قَوْله لما عمر الْعِمَارَة الْمَذْكُورَة (قد شاده خويدم الأعتاب ... أَحْمد ذَاك الْمَالِكِي بِالْبَابِ) (فِي رَأس خمسين وَألف تتلو ... من هِجْرَة النَّبِي وَالْأَصْحَاب) وَقَوله يمدح الشَّيْخ أرسلان (رسْلَان يَا كَهْف لَدَى دَرك المنى ... وغياثنا وملادنا وَالْمطلب) (وَإِذا ألم بك الزَّمَان بنائب ... فانهض إِلَيْهِ فَهُوَ باز أَشهب) وَقَوله أَيْضا فِيهِ (أرسلان قد أظمأت نفسا تعشقت ... بحب إِلَه الْعَالمين تعشقا) (وأرويت مذ أرويت زند ولَايَة ... واسقيت أهل الشَّام كاسا مرّة وقا) وَكَانَت وِلَادَته سنة إِحْدَى وَألف وَتُوفِّي فِي سَابِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمسين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الحسني الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب الْحلَبِي الأديب المفنن البارع الْمَشْهُور ذكره البديعي فِي ذكرى حبيب فَقَالَ فِي حَقه عنوان الْفضل وبسملة كِتَابه وَفصل خطابه وفذلكة حسابه وسهام كِنَانَته ودلاص عيابه ورواء الشَّهْبَاء فخامة وجلالاً ووسامة وإقبالاً وَقد جمع الله لَهُ أَسبَاب السَّعَادَة كَمَا قصر عَلَيْهِ أدوات السِّيَادَة وَهُوَ فِي اقتناء السودد فريد وَإنَّهُ لحب الْخَيْر لشديد ومنزلته فِي النّظم رفيعة وطريقته فِي النثير بديعة ينظم فينثر الدُّرَر وينثر فينظم الْغرَر وحاشيته على الدُّرَر تشهد بِأَن الواني وابي وحبرية أثر فِي نَفسه وبراعته برهَان حق على مين مان فكم نمقت أفكاره فِي غلس الديجور مَا هُوَ أوقع فِي النُّفُوس من حور الْحور وقيدت بسلاسل السطور شوارد يقتبس مِنْهَا مشكاة الْهدى والنور وَهُوَ الْآن للأدب وأصوله وأنوعه وفصوله إِمَام أئمته وَمَالك أزمته ويروى غليل الإفهام سلسال تَقْرِيره وتحلى أجياد الأقلام عُقُود تحريره انْتهى قلت وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 رَأَيْت خَبره معصلا فِي بعض مَا كتبه إِلَى السَّيِّد عبد الله الْحِجَازِي رَحمَه الله تَعَالَى من تراجم الحلبيين قَالَ ولد بحلب وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن الْعَلامَة عمر العرضي وَغَيره وتأدب بإبراهيم بن المنلا وبرع ورحل إِلَى قسطنطينية وَولي الْقَضَاء بُرْهَة ثمَّ تقاعد عَن رُتْبَة الْقُدس وَولي نِيَابَة الْقَضَاء بحلب وَكَانَ لَهُ إحاطة تَامَّة بأنواع الْفُنُون وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة من مشاهير فضلاء حلب وَبِه انتفعوا وَألف حَاشِيَة على الْفُنُون وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة من مشاهير فضلاء حلب وَبِه انتفعوا وَألف حَاشِيَة على الدُّرَر وَالْغرر فِي الْفِقْه وأجاد فِيهَا جدا واطلعت أناله على تحريرات كَثِيرَة تدل على دقة نظره وغزارة فَضله أما شعره ونثره فاليهما النِّهَايَة فِي الْحسن فَمن شعره قَوْله من قصيدة (سقى الله عَيْشًا مر فِي زمن الصِّبَا ... وحياه عني بالعبير نسيم) (ودهراً بقسطينية قد قطعته ... إِذا السعد عبد لي بهَا وخديم) (بِلَاد هِيَ الدُّنْيَا إِذا مَا قطنتها ... فَوجه الْأَمَانِي مُسْفِر ووشيم) (وَمَا هِيَ الا جنَّة الْخلد بهجة ... وَمَا غَيرهَا إِلَّا لظى وجحيم) (فكم فِي مغانيها قضيت لبانة ... وزالت عَن الْقلب الكليم هموم) (وَقرب أبي أَيُّوب كم رَوْضَة إِذا ... حللت بهَا يَوْمًا فلست تريم) (تَقول إِذا شاهدت عالي قُصُورهَا ... أهذي جنان زخرفت ونعيم) (جرى مَاؤُهَا كالسلسبيل فمثلها ... إِذا مَا تذكرت الْبِقَاع عديم) (كستها الغوادي حلَّة سندسية ... وَأهْدى شذاها للنفوس شميم) (وبالسفح سفح الطوبخانة أَربع ... لَهَا النسْر فِي جو السَّمَاء نديم) (تلوح بهَا الغيد الصَّباح كَأَنَّمَا ... علوا وإشراقا تلوح نُجُوم) (يقابلها ذَاك الخليج بصفحة ... كَأَن لَهَا متن السَّمَاء خديم) (ترى السفن فِيهَا جاريات كَأَنَّهَا ... جِيَاد فَمِنْهَا سَابق ولطيم) (وَعند الحصارين المنيعين جيرة ... حَدِيث علاهم فِي الْأَنَام قديم) (عجبت لأيامي بهم كَيفَ لم تدم ... وَهل دَامَ شَيْء غَيرهَا فتدوم) وَكتب لبَعض الكبراء مَعَ قطاع من الصيني أهداها لَهُ قَوْله (إِن قصر الدَّاعِي وَأهْدى بِلَا ... روية محتقرا نزرا) (من عمل الصين قطاعا أَتَت ... لَا تسْتَحقّ الْوَصْف والذكرا) (فاعذر فقد أهْدى إِلَيْك الثنا ... عقد انظيما يخجل الْبَدْر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وَكتب مَعَ أُخْرَى يعتذرا عَن هَدِيَّة قَوْله (وهديت الْيَسِير فانعم وقابل ... نزره بِالْقبُولِ والامتنان) (فَلَو أَن العيوق وَالشَّمْس والبدر ... مَعَ الفرقدين فِي إمكاني) (كنت أَهْدَيْتهَا وقدمت عذرا ... وَرَأَيْت الْقُصُور مَعَ ذَاك شاني) وَقَالَ من فصل وَهُوَ مِمَّا يخْتَار لِلْكَاتِبِ مَعَ الْهَدَايَا قد جرت الْعَادة بمهاداة الخدم للسادة رَجَاء أَن يجددوا لَهُم ذكرا وَإِن كَانَت الْهَدِيَّة شَيْئا نزرا وَلَهُم فِي ذَلِك أُسْوَة بالسحاب إِذا أهْدى الْقطر إِلَى تيار الْبَحْر وبالنسيم إِذا أهْدى النشر إِلَى حديقة الزهر وَله من قصيدة يُخَاطب بهَا صديقا لَهُ (تَزُول الرواسِي عَن مقرّ رسومها ... وودي على الْأَيَّام لَيْسَ يَزُول) (وَلست بِمن يرضيه من أهل وده ... خَفِي وداد فِي الْفُؤَاد دخيل) (إِذا لم يكن فِي ظَاهر الْمَرْء شَاهد ... على سره فالود مِنْهُ عليل) (أأرضى بود فِي الْفُؤَاد مغيب ... وَلَيْسَ إِلَى علم الغيوب سَبِيل) (وَأَقْبل عَن هجري اعتذار مزينا ... تمحلته أَنِّي إِذا لجهول) (لعمرك قد حركت مَا كَانَ سَاكِنا ... وعلمتني بِالْغَيْبِ كَيفَ أصُول) وَكتب إِلَى العلامك البوسنوي يودعه حِين توجه إِلَى الرّوم من حلب من غير عزل وأقامه مقَامه (ركابك مقرون بعز وإقبال ... وسيرك مَيْمُون بطالعك العالي) (رحلت فأضرمت الْقُلُوب بجمرة ... وكل مَا أوريت من حرهَا صالي) (وغادرتنا حلف التأسف والأسى ... نبيت بآلام وتغدو بأوجال) (إِذا مَا تذكرنا زَمَانك وَالَّذِي ... جنيناه فِيهِ من جنى كل إفضال) (تمزق درع الصَّبْر عَنَّا تلهفا ... عَلَيْهِ وَلم نَبْرَح رهائن بلبال) (فَمَا أَنْت إِلَّا الْغَيْث نخصب إِن دنا ... ونجدب إِمَّا هم عَنَّا بترحال) (وَقد كَانَت الشَّهْبَاء لما حللتها ... تجر مروط الْعِزّ ناعمة البال) (وتفخر إعجابا وَمَا ذَاك بِدعَة ... فكم من عرين نَالَ فخرا بريبال) (فَصَارَت وَقد أَعرَضت عَنْهَا خلية ... عَن الْعدْل والانصاف فِي أسوء الْحَال) (كَانَ أمرأ الْقَيْس انتحاها بقوله ... أَلا عَم صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي) وَقَالَ يُخَاطب بعض أَصْحَابه بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 (رويدك شَأْن الدَّهْر أَن يتغيرا ... وشمته أَنا مَا صفا أَن يكدرا) (وعادته الشعاء فِي النَّاس أَنه ... إِذا جَاءَ بالبشرى تحول منذرا) (فَلَا بؤسه يبْقى وَأما نعيمه ... فكالطيف إِذْ تَلقاهُ فِي سنه الكرا) (فَلَا تَكُ مَسْرُورا إِذا كَانَ مُقبلا ... وَلَا تَكُ حزونا إِذا هُوَ أدبرا) (فَأَي دجى هم دهاك وَلم تَجِد ... صبا حَاله بالبشر وأفاك مُسْفِرًا) (وَقد هزلت أيامنا فَلَو أَنَّهَا ... أتتنا بجد كَانَ للهزل مظْهرا) وَمِنْهَا (وَلَيْسَ بِعَيْب الْبَدْر فقدان نوره ... إِذا كَانَ بعد الْفَقْد يظْهر مقمرا) وَكتب إِلَى بعض الموَالِي يودعه (أمامك التَّوْفِيق والرشد ... وخدنك التأييد والسعد) (وَكلما حليت فِي منزل ... قابلك الاقبال وَالْجد) (رحلت عَن ثهبائنا فانزوى ... الْفضل بهَا وانطمس الْمجد) (من بعد مَا أجريت عدلا بهَا ... فِيهِ تساوى الْحر وَالْعَبْد) (فَكُن مثل الشَّمْس ماشانها ... بِالنورِ إِلَّا الاعين الرمد) (فَكنت مثل الْورْد مَا زرتنا ... حَتَّى ترحلت كَذَا الْورْد) (لَا بل كريعان الصِّبَا سرنا ... حينا وَلَكِن ساءنا الْفَقْد) (فَاذْهَبْ فَأَنت الْغَيْث مَا حل فِي ... منزلَة الاله خمد) وَله وَهُوَ فِي غَايَة الْجَوْدَة (لدواة داعيكم مداد شَاب من ... جور الزَّمَان وَقد رثت لمصابه) (فَأَتَت تؤمل فَضلكُمْ وتروم من ... إحسانكم تَجْدِيد شرخ شبابه) وَكتب صدر رِسَالَة (أَيهَا الْفَاضِل الَّذِي خصّه الله ... من الْفضل والحجى بلبابه) (إِن شوقي إِلَيْك لَيْسَ بشوق ... يُمكن الْمَرْء شَرحه فِي كِتَابه) وَكتب إِلَى السَّيِّد مُحَمَّد العرضي قبل توجهه إِلَى الرّوم (مَا زلت محسوداً على أيامكم ... حَتَّى غَدَوْت ببعدكم مرحوما) (وَمن البلية قبل توديعي لكم ... أَصبَحت رزقا للنوى مقسوما) فَأَجَابَهُ وَكَانَ محموما (وافي الْكتاب وَكنت قبل وُرُوده ... من خوف ذكر فراقكم محموما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 (هَذَا ولي أَمر بصرفة عزمكم ... عَنهُ فَكيف إِذا غَدا محتوما) وَله (إِن شوقي يحل عَن أَن يُؤَدِّي ... بعض أَوْصَافه لِسَان اليراع) وَكتب لمن أَعَارَهُ مجموعا (مولَايَ هَب أَن الْمُحب فُؤَاده ... هبة مسلمة بِغَيْر رُجُوع) (فاقنع فديتك بالفؤاد تفضلا ... وانعم وَلَا تتبعه بالمجموع) قلت مِمَّا يُنَاسب هَذَا الْمَضْمُون وَيحسن موقعه عِنْده فِي المماطلة بِمَجْمُوع أَن الصَّدْر تَاج الدّين أَحْمد بن الْأَمِير الْكَاتِب اسْتعَار مجموعا من مُجَاهِد الدّين بن شقير وَأطَال مطله بِهِ فاتفق يَوْمًا أَن حضر إِلَى ديوَان المكاتبات فَقَالَ لَهُ ابْن الْأَمِير كَيفَ أَنْت يَا مُجَاهِد الدّين وَالله قلبِي وخاطري عنْدك فَقَالَ لَهُ وَالله وَأَنا محمو عي عنْدك فطرب لَهُ الْحَاضِرُونَ وَمن رباعيات ابْن النَّقِيب قَوْله (يَا من اخْتَرْت لي حبيباً قبله ... يَا من صيرت حسنه لي قبله) (روحي لَك قد أَخَذتهَا خَالِصَة ... فَاجْعَلْ ثمن الْمَبِيع مِنْهَا قبله) وَلما انْتقل أَخُوهُ بالوفاة كتب إِلَى أبي الْوَفَاء العرضي وَكَانَ أُصِيب بولديه قَوْله (رزء ألم وحسرة تتوالى ... ومصيبة قد جرت الأذيالا) (وجليل خطب لَو تكلّف حمله ... ثهلان ذُو الهضبات دك ومالا) (وفراق الف إِن أردْت تصبرا ... عَنهُ أردْت من الزَّمَان محالا) (وغروب عين لَيْسَ تفتر دَائِما ... عَن سكب رقراق الدُّمُوع سجالا) (بعد الدَّهْر شَأْنه أَن لَا يرى ... إِلَّا خؤونا غادرا محتالا) (نغتر فِيهِ بالسلامة بُرْهَة ... ونرى الْمَآل تمحقا وزوالا) (ويعيرنا ثوب الشبيبة ثمَّ لم ... يبرح بِهِ حَتَّى يرى أسمالا) (قبحت يَا وَجه الزَّمَان فَلَا أرى ... لَك بعد أَن فقد الْجمال جمالا) (ذَاك الَّذِي قد كَانَ قُرَّة ناظري ... وقرار قلبِي بل وَأعظم حَالا) (قد كنت أَرْجُو أَن يُؤَخر يَوْمه ... عني وَيحمل بعدِي إِلَّا ثقالا) (وَيَذُوق مَا قد ذقته لفراقه ... ويمارس الْأَهْوَال والأوجالا) (فتطاولت أَيدي الْمنية نَحوه ... وَبقيت فَردا أندب الأطلالا) (كُنَّا كغصني بانة قطع الردى ... منا الأغض إِلَّا رطب الميالا) (أَو كاليدين لذات شخص وَاحِد ... كَانَ الْيَمين لَهَا وَكنت شمالا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 (أسفى عَلَيْهِ شمس فضل عوجلت ... بكسوفها وعماد مجد مَالا) (لَا كَانَ يَوْمًا حسم فِيهِ فراقنا ... فَلَقَد أَطَالَ الْحزن والبابالا) (فبقى ضريحا صله صوب الحيا ... فِي كل وَقت لَا يغيب وصالا) وَمِنْهَا (هَيْهَات من لي بالرثاء وفقده ... لم يبْق فِي بَقِيَّة ومجالا) (أفحمتني يَا رزأه من بَعْدَمَا ... كنت الفصيح المصقع القوالا) (من لي بطبع اللوذعي أبي الوفا ... ذَاك الَّذِي بِالسحرِ جَاءَ حَلَالا) (مولى إِذا وعظ الْأَنَام رَأَيْته ... يلقى على كل امْرِئ زلزالا) (بزواجر لَو أَنه استقصى بهَا ... أهل الضلال لما رَأَيْت ضلالا) (مولَايَ يَا صدر الزَّمَان وَمن غَدا ... لِبَنِيهِ غوثا يرتجى وثمالا) (ذِي نفثة المصدور قد سرحتها ... لحماك تَشْكُو بثها إدلالا) (أَن الْمُصِيبَة ناسبت مَا بَيْننَا ... إِذْ حولت بحلولها إِلَّا حوالا) (فثكلت مخدومين كل مِنْهُمَا ... قد كَانَ فِي أفق السُّعُود هلالا) (لَو أمهلا مَلأ الْعُيُون محاسنا ... وَكَذَا الْقُلُوب مهابة وكمالا) (ولكان هَذَا للمعالي نَاظرا ... ولكان هَذَا فِي طلاها خالا) (خطفتهما أَيدي الْمنون وغادرت ... مَاء الْعُيُون عَلَيْهِمَا هطالا) فَأَجَابَهُ بقصيدة مِنْهَا (لهفي على بدر تَكَامل بَعْدَمَا ... قد سَار فِي ذَاك الْكَمَال هلالا) (أعظم بِهِ رزأ أتاح مضائبا ... فت القوب ومزق الأوصالا) (مَا كنت أعلم قبل حمل سَرِيره ... أَن الرِّجَال تسير إِلَّا جبالا) (وَعَجِبت للبحر الْمُحِيط بحفرة ... هَل غَابَ حَقًا أَو أرَاهُ خيالا) (يَا دافنيه من الْحيَاء تقنعوا ... غيبتم شمس الْغَدَاة ضلالا) (عهدي الْغَمَام حجابها مَالِي أرى ... أضحى الْحجاب جناد لَا ورمالا) وَكتب إِلَيْهِ فِي هَذَا الشَّأْن قَوْله (خطب بِقرب دونه الآجالا ... ويمزق الأحشاء والأوصالا) (فدع الجفون تجود إِن نضبت ... سحائب دمعها فِيهِ دَمًا هطالا) (أفلت نُجُوم الْفضل من فلك العلى ... ووهي ثبير المكرمات ومالا) (فقدت أولو الْأَلْبَاب الْمجد الَّذِي ... عدموا بفقد حَيَاته الإقبالا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 (فقدوا حَلِيف الْفضل من بِكَمَالِهِ ... وحجاه كُنَّا نضرب الأمثالا) (من شَاءَ للعلياء يسع فَإِن من ... كَانَت لَهُ بالْأَمْس ملكا زَالا) وَمِنْهَا (اعزز عَليّ بِأَن أرى رب ... الفصاحة والبلاغة لَا يُجيب سؤالا) (مَا كنت أعلم قبل يَوْم وَفَاته ... أَن الْكَوَاكِب تسكن الأرمالا) (مَا كنت أَحسب أَن أرى من قبله ... للشمس من قبل الزَّوَال زوالا) وَمِنْهَا (صبرا على مَا نالني فِي يَوْمه ... كالصبر مِنْهُ بِهِ على مَا نالا) (مَلأ الْقُلُوب من الأسى ولطالما ... مَلأ الْعُيُون مهابة وجلالا) (لَوْلَا أَخُوهُ أَبُو الْفَضَائِل أَحْمد ... لرأيت أندية العلى أطلالا) (الْكَامِل الفطن الَّذِي عزماته ... أَن صال تلقاها ظبا ونصالا) وَمِنْهَا (مَا رام بدر التم مثل كَمَاله ... إِلَّا وصيره المحاق هلالا) (مولَايَ يَا ابْن الرشدين وَمن لَهُم ... شرف على هام السماك تَعَالَى) (صبرا فَإِن الدَّهْر من عاداته ... يدني النَّوَى ويحول الأحوالا) وَقد اقتفى أثر الشريف الرضي فِي قصيدته الَّتِي رثى بهَا الصاحب ابْن عباد ومطلعها (أكذا الْمنون تقطر الأبطالا ... أكذا الزَّمَان يضعضع الأجيالا) وَهِي طَوِيلَة جدا فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إيرادها وَلابْن النَّقِيب غضة الشغوف مِنْهَا قولة حَضْرَة تقلدت أَعْنَاق الرِّجَال بقلائد نعمها وتدبجت رياض الآمال بهواطل سحب كرمها وطافت أفهام الطلاب بكعبة حقائقها وعلومها وسعت أفكار بني الْآدَاب بَين صفا منثورها ومروة منظومها لَا بَرحت الْأَيَّام باسمة الثغر بمعاليها والأنام حَالية النَّحْر بأياديها وَكَقَوْلِه وَهُوَ صدر الدُّنْيَا وركن الْعليا وواسطة عقد وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَوَاحِد هَذَا النَّوْع الانساني من الاحياء دَعْوَى لَا يدْخل بينتها وهم ونتيجة لَا يشين مقدماتها عقم فَإِن من كل صدر بني هَاشم وشنب ثغرهم الباسم وهم فِي الرّفْعَة والمنعة كَانَ أجل مَوْجُود وَأعظم من فِي الْوُجُود وَكَقَوْلِه قسما بِمن جعل محَاسِن الدُّنْيَا فِي تِلْكَ الذَّات محصوره وَأَسْبَاب الْعليا على مُلَازمَة عتباتها مقصوره أَن عقد عبوديتي عقد لَا تتطاول إِلَيْهِ الْأَيَّام بِفَسْخ وعهد مودتي عهد لَا تتوصل إِلَيْهِ الْحَوَادِث بنسخ وَكَيف يفْسخ وَصورته فِي الْجنان مجلوه أم كَيفَ ينْسَخ وسورته فِي كل حِين بِاللِّسَانِ متلوه ولعمري مهما نسيت فَإِنِّي لَا أنسى أيامي فِي خدمتها والتقاطي الدّرّ من مذاكرتها وَمَا كَانَ بَيْننَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 المصافاة الَّتِي هِيَ مصافاة المَاء مَعَ الراح وَمَا يجْرِي بَيْننَا من الْمُفَاوضَة الَّتِي هِيَ فِي الْحَقِيقَة مُفَاوَضَة الْورْد مَعَ التفاح وعَلى كل حَال فَلَا عوض لنا عَنْهَا إِلَى مَا تنقله الركْبَان من اخبار سلامتها وَمَا تودعه فِي صدفة آذاننا من جَوَاهِر آثَار عدالتها لَا جرم أَنه كلما تعطرت مجالسنا بِشَيْء من ذَلِك دَعونَا الله عز وَجل فِيمَا هُنَالك بِأَن يزِيد بَاعَ عدلها امتدادا وشعاع فَضلهَا سطوعا وازدياد وَأَن يبلغهَا أقْصَى مَا تطمح إِلَيْهِ عين طامحة أَو تجنح نَحْو نفس جانحة هَذَا والمتوقع من كرمها كَمَا هُوَ المألوف من شيمها أَن لَا تخرجنا من ضميرها الْمُنِير وَأَن تعدنا فِي جَرِيدَة من يلوذ بمقامها الخطير وَالله تَعَالَى يبْقى لنا تِلْكَ الذَّات سامية الركاب عالية القباب فِي رفْعَة دونهَا قاب الْعقَاب وَبِالْجُمْلَةِ فمحاسن هَذَا السَّيِّد كَثِيره وأشعاره ومنشآته غزريرة فلنكتف بِهَذَا الْمِقْدَار وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَخمسين وَألف وعمره ثَلَاث وَخَمْسُونَ سنة حَتَّى أَنه كَانَ يَقُول فِي مرض مَوته أَحْمد وَاقعَة الْحَال رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد بن مُحَمَّد بن نعْمَان بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالأيجي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ كَانَ فَاضلا كَامِلا سخياً سليم الصَّدْر صافي المشرب نَشأ بِدِمَشْق وَقَرَأَ على أَبِيه وَغَيره وَكَانَ شافعياً على مَذْهَب وَالِده ثمَّ تحنف وَتزَوج بابنة نقيب الْأَشْرَاف السَّيِّد مُحَمَّد بن حَمْزَة وجاءه مِنْهَا أَوْلَاد وَتَوَلَّى النيابات بنواحي دمشق ومحاكمها وَصَارَ قَاضِي الركب الشَّامي وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا ولازم من بعض الموَالِي ودرس بدار الحَدِيث الأحمدية الكائنة بالمشهد الشَّرْقِي من الجاامع الْأمَوِي وَقبل مَوته بأيام صَارَت لَهُ رُتْبَة الدَّاخِل المتعارفة الْآن عِنْد أهل دمشق تبعا لأهل الرّوم ونفذت كَلمته وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة ثَانِي عيد النَّحْر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير والأيجي بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَبعدهَا جِيم نِسْبَة إِلَى ايج بَلْدَة بالعجم قدم مِنْهَا جده أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن مُحَمَّد سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة وتوطن دمشق وَكَانَ من اجلاء الْعلمَاء وَله تَرْجَمَة طَوِيلَة فِي الْكَوَاكِب السائرة للنجم الْغَزِّي وَسَيَأْتِي فِي كتَابنَا ابْنه نعْمَان وَابْن ابْنه مُحَمَّد وَالِد أَحْمد وَيحيى أَخُو أَحْمد إِن شَاءَ الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن مُوسَى بن أبي بكر صَاحب الْخَال الْأَكْبَر ابْن مُحَمَّد بن عِيسَى بن سُلْطَان العارفين أَحْمد بن عمر الزَّيْلَعِيّ صَاحب اللِّحْيَة ابْن حُسَيْن بن ملكاي بن عقيل بن حُسَيْن بن طللة بن عَليّ بن أَحْمد بن حُسَيْن ابْن عمر بن أَحْمد بن جِبْرِيل بن عبد الرَّحْمَن بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن حسن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 أبي بكر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن جِبْرِيل بن مُحَمَّد بن جِبْرِيل بن مُحَمَّد بن سراج الدّين بن حَامِد بن عبد الله بن صَالح بن أَحْمد بن حُسَيْن بن زين العابدين ابْن مُسلم بن عقيل بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم الْمَعْرُوف بِصَاحِب الْخَال كَبِير اللِّحْيَة وصدرها وَشَيخ المعارف والعلوم ومعدن العوارف والفهوم الامام الْفَقِيه الْجَلِيل الْمُنْفَرد فِي عصره بعلوم الدّين وَالْولَايَة وَكَانَ قَاضِي اللِّحْيَة ومرجعها الَّذِي عَلَيْهِ الْمعول وَله الْكَلِمَة النافذة وَالْقَبُول التَّام والتمسك من التَّقْوَى بِسَبَب أقوى وجلالته ومهابته وخشيته من الله تَعَالَى مِمَّا اشْتهر وبهر ذكره الشلي فِيمَا أعلم ثمَّ رَأَيْت الْأَخ الْفَاضِل الشَّيْخ مصطفى بن فتح الله الْحَمَوِيّ الأَصْل ثمَّ الدِّمَشْقِي نزيل مَكَّة قد تَرْجمهُ وَذكر أَن وِلَادَته كَانَت فِي سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَحفظ الْقُرْآن والارشاد وعدة متون فِي جملَة فنون وَأخذ عَن شُيُوخ كثيرين مِنْهُم الْفَقِيه رَضِي الدّين بن أبي بكر الْقمرِي وَأَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن حجر الهيثمي وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عَليّ عَلان الصديقي وَعنهُ جمع من أَعْيَان الأفاضل وَكثير من الْعلمَاء مِنْهُم ولداه مُحَمَّد وَأَبُو بكر وَله مؤلفات مِنْهَا منظومة فِي الْحساب ومنظومة فِي أَسمَاء الصَّحَابَة الَّذين روى عَنْهُم البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف باللحية وَدفن بِقرب تربة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سَيِّدي المقبول صَاحب الْقَضِيب ابْن أَحْمد بن مُوسَى قدس الله سره الْعَزِيز الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَسدي الشَّافِعِي الْمَكِّيّ من فضلاء الزَّمَان وظرفائه ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَأخذ عَن وَالِده عدَّة عُلُوم وَأخذ عَن الشَّمْس مُحَمَّد بن عَلان والامام عَليّ ابْن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ مُحَمَّد الطَّائِفِي وَغَيرهم وتصدر للإقراء بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ وَكَانَ كثير الْعِبَادَة محبا للعزلة ونظم شذور الذَّهَب لِابْنِ هِشَام فِي أرجوزة سَمَّاهَا قلائد النحور بنظم الشذور وَله أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله متغزلا وَهُوَ أسلوب لطيف الْموقع حسن التأدية (دع المدامة يَعْلُو فَوْقهَا الحبب ... رضَا بِهِ وثناياه لنا أرب) (نزه فُؤَادك عَن رَاح الكؤس وَخذ ... رَاحا من الثغر عَنْهَا يعجز الْعِنَب) (شتان بَين حَلَال طيب عذب ... وحامص يزدريه الْعقل وَالْأَدب) (إِذا تغزلت فِي خمر وَفِي قدح ... فَمَا مرادي إِلَّا الثغر الشنب) (لله در مدام بت أرشفها ... من فِي غزال إِلَى الأتراك ينتسب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 (مهند اللحظ زنجي السوالف لم ... تحو الَّذِي قد حواه الْعَجم وَالْعرب) (قَالَت مباسمه للبرق حَتَّى سرى ... لقد حكيت وَلَكِن فاتك الشنب) (وَبت أشدو على الْغُصْن الرطيب لذا ... بيني وَبَيْنك يَا ورق الْحمى نسب) (يَقُول لما رأى دمعي جرى ذَهَبا ... يَا مطلبا لَيْسَ لي فِي غَيره أرب) (تبت يدا عاذلي عَمَّن أعوذه ... بِالنَّاسِ من نافث أَو غَاسِق يقب) (إِن الْمحرم سلواني لطلعته ... فَقل لشعبان عني إِنَّنِي رَجَب) (كَيفَ السلو وعيني كلما نظرت ... لوامع الْبَرْق قَالَت زَالَت الْحجب) وَقَوله من قصيدة يمتدح بهَا شَيْخه الإِمَام عَليّ بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ ويستجيزه (من أَيْن للبدر جُزْء من محياك ... أم للصباح نصيب من ثناياك) (والبدر يزريه مَا يعلوه من كلف ... وَالصُّبْح يَكْفِيهِ أَن يَدعِي بأفاك) (وَهل حوى الكاس مَا يحويه ثغرك من ... نفائس لم ينلها غير مسواك) (قد غره عِنْد مَا يعلوه من حبب ... قَول الَّذِي قَالَ إِلَّا خلته فَاك) (أَنْت البريئة من نقص تشان بِهِ ... حاشاك من وصمة حاشاك حاشاك) (كل المحاسن فِي مرآك قد جمعت ... فجل من بحلى الْحسن حلاك) (من علم الظبى أَن يرنو بناظره ... وَعلم الْغُصْن أَن يَهْتَز الاك) (وَالْبيض من لحظك الفتان راوية ... والسمر تنقل مَا ترويه عطفاك) (يَا كعبة الْحسن بل يَا ركن كعبته ... تبَارك الله من أنشا وَسوَاك) (رقى لصب فَقير من تصبره ... بِحَق من بكنوز الْحسن أَغْنَاك) (مني عَلَيْهِ بوصل بَات يرقبه ... فطرفه ساهر من صَار يهواك) (أَقْسَمت بِالْمِيم من طائي مبسمها ... وَنون حَاجِب ذَاك النَّاظر الشاكي) (أَن لَا مليح سواهَا فَهِيَ وَاحِدَة ... وَمَالهَا فِي البها شبه وَلَا حاكي) (أملي العذول سلوى وَهُوَ مؤتفك ... وعنك شنع هجري بعد أَمْلَاك) (كَيفَ السلو وقلبي مَا لَهُ شغل ... إِلَّا التفكر فِي تَحْقِيق معناك) (نعم بِحَضْرَة ذِي الآلاء قدوتنا ... رب المكارم مَوْلَانَا ومولاك) وَقَالَ فِي مليح اسْمه بِلَال (ومليح تَكَامل الْحسن فِيهِ ... لشفاء الْمُحب سمى بِلَالًا) (كلما رام مِنْهُ نيل وصال ... لَا ترَاهُ يُجيب إِلَّا بِلَالًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 واشعاره كلهَا من هَذَا النمط مستعذبة لَطِيفَة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَتُوفِّي فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف بِمَكَّة وَدفن بالشبيكة والأسدي نِسْبَة إِلَى أَسد بن عَامر أحد الْفُقَهَاء الْعَامِرِيين والأسديون كَثِيرُونَ بِالْيمن مَشْهُورُونَ بِالْعلمِ وَالصَّلَاح مِنْهُم الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ الْأَسدي الْمَعْرُوف بالبلاع صَاحب الكرامات الْمَشْهُورَة وَكَانَ يلقب بالمعمر لِأَنَّهُ عمر مائَة وَثَمَانِينَ سنة على مَا قيل وأصلهم من قَبيلَة يُقَال لَهُم آل خَالِد سكنهم بنواحي جازان قَرْيَة بِأَرْض الْيمن قلت جازان أَصْلهَا جوزان بِفَتْح الْجِيم وَالزَّاي وجازان لُغَة عامية هَكَذَا رَأَيْت فِي بعض التغاليق وَالله تَعَالَى أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالقلعي الْحِمصِي المولد الدِّمَشْقِي الدَّار الْفَقِيه الْحَنَفِيّ أحد مَشَايِخ دمشق المتصدرين للتدريس والنفع كَانَ إِمَامًا عَالما متبحراً فِي الْفِقْه مقدما فِي مَعْرفَته وإتقانه وَكَانَ لَهُ إِلْمَام بِغَيْرِهِ من الْعُلُوم وَكَانَ النَّاس يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ ويقتبسون مِنْهُ وَكَانَ حسن التَّعْلِيم جيد التفهيم وَنَفسه مُبَارَكًا انْتفع بِهِ خلق كثير وَأجل من قَرَأَ عَلَيْهِ شَيخنَا مُحَقّق الْعَصْر إِبْرَاهِيم بن مَنْصُور الفتال الْمُقدم ذكره وَسمعت مِنْهُ الثَّنَاء عَلَيْهِ بِالْعلمِ وَالتَّقوى مرَارًا وَذكره وَالِدي المرحوم فِي تَارِيخه وَقَالَ قدم مَعَ وَالِده إِلَى دمشق وَكَانَ صَغِيرا وَبَلغنِي أَن وَالِده توفّي فَجْأَة وهم داخلون إِلَى دمشق بِالْقربِ من مَسْجِد الأقصاب قبل أَن يصلوا وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع منجك وَدفن بمقبرة الفراديس وَاسْتمرّ أَحْمد هَذَا بِدِمَشْق وَقَرَأَ ودأب واتصل بِخِدْمَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُوسَى السيوري ولازمه مُدَّة مديدة واشتغل بِالْعلمِ على الْعَلامَة عمر الْقَارِي وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ وَالشَّيْخ الامام يُوسُف بن أبي الْفَتْح وَصَارَ معيد الدَّرْس السليمانية وَكَانَ مدرسها إِذْ ذَاك الْفَاضِل الْمَشْهُور مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالسكوني مفتي دمشق بعد الْعِمَادِيّ الْمَذْكُور وبرع وتنبل وَسكن آخرا دَاخل قلعة دمشق وَصَارَ إِمَامًا وَلذَلِك يدعى بالقلعي قَالَ وَالِدي رَحمَه الله قَرَأت عَلَيْهِ فِي أَوَائِل الطّلب مِقْدَار ثُلثي الْقَدُورِيّ وَحِصَّة من كتاب الِاخْتِيَار وَشرح الْمُخْتَار وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف الأديب أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بالجوهري الْمَكِّيّ الأديب الشَّاعِر البارع ذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي السلافة وَقَالَ فِي حَقه جوهري النثر والنظام ازهري السجايا الْعِظَام حلي بعقود نظمه عواطل الأجياد وَسبق بجواد فكره الصافنات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الْجِيَاد وتضلع من فنون الْعُلُوم واطلع على خفايا الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وترعرع ورحل إِلَى الْهِنْد فِي عنفوان عمره وَابْتِدَاء حَاله وَأمره فقطن بهَا خَمْسَة وَعشْرين سنة وَعَاد إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى فَأنْكر تقلب أمورها فانتقل مِنْهَا إِلَى فَارس فطنب بهَا خيامه وَلم يتم لَهُ فِيهَا مرامه فَرجع إِلَى الْهِنْد وَلم يزل حَتَّى دَعَاهُ أَجله فلبى وَقضى من الْحَيَاة نحبا وَمن رَقِيق شعره قَوْله (مَا شمت برقا سرى فِي جنح معتكر ... إِلَّا تذكرت برق المبسم الْعطر) (وَلَا صبوت إِلَى خل أسامره ... إِلَّا بَكَيْت زمَان اللَّهْو والسمر) (شلت يَد للنوى مَا كَانَ ضائرها ... لَو غادرتنا تقضي الْعَيْش بالوطر) (فِي خلسة من ليَالِي الْوَصْل مسرعة ... كَأَنَّمَا هِيَ بَين الوهن وَالسحر) (لَا نرقب النَّجْم من فقد النديم وَلَا ... نستعجل الخطو من خوف وَلَا حذر) (وأهيف الْقُدس ساقينا براحته ... كَأَنَّهُ صنم فِي هيكل الْبشر) (منعمين وَشَمل الْأنس مُنْتَظم ... يَرْبُو على نظم عقد فاخر الدُّرَر) (فَمَا انتهينا لأمر قد ألم بِنَا ... إِلَّا وَبدل ذَاك الصفو بالكدر) (لَا دردر زمَان رَاح مختلسا ... من بَيْننَا قمر أناهيك من قمر) (غزال أنس تحلى فِي حلى بشر ... وَبدر حسن تجلى فِي دجى شعر) (وغصن بَان تثنى فِي نقا كفل ... لَا غُصْن بَان تثنى فِي نقا مدر) (كَأَن ليلِي نَهَار بعد فرقته ... مِمَّا أقاسي بِهِ من شدَّة السهر) (يَا لَيْت شعري هَل حَالَتْ محاسنه ... وَهل تغير مَا باللحظ من حور) (فَإِن تكن فِي جنان الْخلد مبتهجا ... فاذكر معنى الْأَمَانِي ضائع النّظر) (وَإِن تأنست بالحور الحسان فَلَا ... تنس اللَّيَالِي الَّتِي سرت مَعَ الْقصر) وَقَوله (كَيفَ أسلو من مهجتي فِي يَدَيْهِ ... وفؤادي وَإِن رحلت لَدَيْهِ) (إِن طلبت الشِّفَاء من شَفَتَيْه ... جاد لي بالسقام من جفنيه) (إِن حلف السهاد عين رَأَتْهُ ... وجنت ورد جنتي خديه) (كلما رمت سلوة قَالَ قلبِي ... لَا تلمني فِي ذَا العكوف عَلَيْهِ) (لست وحدي متيما فِي هَوَاهُ ... كل أهل الغرام تصبو إِلَيْهِ) وَله مقاطيع سَمَّاهَا لآلىء الْجَوْهَرِي مِنْهَا قَوْله (كَيفَ يَرْجُو الْعرْفَان بِاللَّه من قد ... قيدته الذُّنُوب طول حَيَاته) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 (لَا لعمري أم كَيفَ يشرق قلب ... صور الكائنات فِي مرآته) وَقَوله (إِذا انْقَضتْ الْأَوْقَات من غير طَاعَة ... وَلم تَكُ مَحْزُونا قد أعظم الْخطب) (عَلامَة موت الْقلب أَن لَا ترى بِهِ ... حراكا إِلَى تقوى وميلا عَن الذَّنب) وَقَوله (إِن حزت علما فَاتخذ حِرْفَة ... تصون مَاء الْوَجْه لَا يبْذل) (وَلَا تهنه أَن ترى سَائِلًا ... فشأن أهل الْعلم أَن يسئلوا) وَقَوله (قل للَّذي يَنْبَغِي دَلِيلا ... من غير طول على الْمُهَيْمِن) (مَا ذرة فِي الْوُجُود إِلَّا ... فِيهَا دَلِيل عَلَيْهِ بَين) وَقَوله فِي الْغَزل (وَلَقَد سقتنا البابلية إِذْ رَأَتْ ... أَنا نحدثها ونسبر حسنها) (خمرًا أدراتها الْعُيُون فأذهبت ... منا الْعُقُول وَلم نفارق دنها) وَقَوله (لما بدا الْبَدْر يجلو ... دجى الظلام واسفر) (ذكرت وَجه حَبِيبِي ... وَالشَّيْء بالشَّيْء يذكر) وَقَوله (وأسمح النَّاس كفا ... من لَا يَقُول وَيفْعل) (وأعذب الشّعْر بَيت ... يرويهِ عذب الْمقبل) وَقَوله (لَا تعذلوني فِي وَقت السماع إِذا ... طربت وجدا فَخير النَّاس من عذرا) (حَتَّى الجماد إِذا غنت لَهَا طرب ... أما ترى الْعود طورا يقطع الوترا) فَكتب إِلَيْهِ بعض الأدباء مقرظا وصل البيتان بل القصران فَمَا ألفاظهما إِلَّا الدّرّ النظيم فَلَا وحقك لم يفه بمثلهما العصران لَا الحَدِيث وَلَا الْقَدِيم فَللَّه دَرك مَا أحفل دَرك وأبهج فِي أسلاك الْمعَانِي دَرك وَلَقَد خاطبت بمعناهما عِنْد سماعهما من عذل وطربت لحسن سبكهما طرب من منح عِنْد نشوته سبيك النضار وبذل بل طرب لَهما الجماد وَمن ذَا الَّذِي سمعهما وَمَا ماد فَالله تَعَالَى يبقيك للأدب كهفا يرجع إِلَيْهِ وذخرا عِنْد اشْتِبَاه الْأَلْفَاظ والمعاني يعول عَلَيْهِ وَقد نظمت البارحة أبياتا فِي الْعود أَحْبَبْت أَن يلاحظها بملاحظتك لَهَا السُّعُود وَهِي (وعود بِهِ عود المسرة مُورق ... يُغني كَمَا غنت عَلَيْهِ الحمائم) (إِذا حركت أوتاره كف غادة ... فسيان فِي شوق خلي وهائم) (يرنح من يصغي إِلَيْهِ صبَابَة ... كَمَا رنحته فِي الرياض النسائم) فَرَاجعه بقوله يَا مولَايَ الَّذِي إِن عد أَرْبَاب الْمجد عقدت عَلَيْهِ الخناصر وَإِن ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 أصخاب الْفضل فَلَا يدانيه مُتَقَدم وَلَا معاصر لَو أمدني ابْن العميد واضرابه والصاحب ابْن عباد وَأَصْحَابه مَا اسْتَطَعْت تقريظ أبياتك الأبيات إِلَّا مِنْك الممتنعات إِلَّا عَنْك فَأَنت فريد دهرك وَلَا أَقُول فِي هَذَا الْفَنّ ووحيد عصرك وَلَيْسَ ذَلِك عَن ظن وَقد دعتني دَاعِيَة الْأَدَب إِلَى أَن أَقُول أَن الْعود يفوق آلَات الطَّرب فمدحته كَمَا مدحته ووصفته كَمَا وَصفته وَقلت (فاق كل الْآلَات فِي اللّحن عود ... حِين تعلو أصواتها وترن) (فَكَانَ الْحمام ودهراً طَويلا ... عَلمته ألحانها وَهُوَ غُصْن) هَذَا من قَول أبي الْفضل أَحْمد بن يُوسُف الطَّيِّبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى (من أَيْن للعود هَذَا الصَّوْت تَأْخُذهُ ... أَطْرَافه بأطاريف الأناشيد) (أَظن حِين نشا فِي الدح علمه ... سجع الحمائم تَرْجِيع الأغاريد) وَمثله قَول معاصره الصفي الحلى (وعود بِهِ عَاد السرُور لِأَنَّهُ ... حوى اللَّهْو قدما وَهُوَ رَيَّان ناعم) (يغرب فِي تغريده فَكَأَنَّمَا ... يُعِيد لنا مَا لقنته الحمائم) ولبعضهم فِيهِ (وعود لَهُ نَوْعَانِ من لَذَّة المنى ... فبورك جَان يجتنيه وغارس) (تغنت عَلَيْهِ وَهُوَ رطب حمامة ... وغنت عَلَيْهِ قينة وَهُوَ يَابِس) وَمن لآلئه الْمَذْكُورَة قَوْله (لَا تجهلن قدرا لنَفسك إِنَّهَا ... علوِيَّة ترقى لما هُوَ شبهها) (وَالنَّفس كالمرآة يصقلها الْغِنَا ... قسراً وَيظْلم بِالْمَعَاصِي وَجههَا) وَقَوله (فِي الْمَنْع والاعطاء كن رَاضِيا ... واستقبل الْكل بِوَجْه الرِّضَا) (فالخير للعارف فِيمَا جرى ... وَرب منع كَانَ عين العطا) وَقَوله (إِذا الْتبس الْأَمْرَانِ فالخير فِي الَّذِي ... ترَاهُ إِذا كلفته النَّفس يثقل) (فجانب هَواهَا واطرح مَا تريده ... من اللَّهْو وَاللَّذَّات إِن كنت تعقل) وَهَذَا من قَول الْأَحْنَف بن قيس كفى بِالرجلِ رَأيا إِذا اجْتمع عَلَيْهِ أَمْرَانِ فَلم يدر أَيهمَا الصَّوَاب أَن ينظر أعجبهما إِلَيْهِ وأغلبهما عَلَيْهِ فليحذره وَقَرِيب مِنْهُ قَول أبي الْفَتْح البستي (وَإِن هَمَمْت بِأَمْر ... وَلم تطق تَخْرِيجه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 (فقس قِيَاسا صَحِيحا ... وَخذ بضد النتيجة) وَمن مقاطيعه فِي الْغَزل (أخجلت بدر الدياجي ... إِذْ تمّ فِي بَدْء أَمرك) (فَعَاد فِي النَّقْص حَتَّى ... حكى قلامة ظفرك) وَقَوله (وظبى نافر مِمَّا أرَاهُ ... يذل لحسنه الْملك المهيب) (عرفت مزاجه فانقاد طَوْعًا ... وَمن عرف المزاج هُوَ الطَّبِيب) وَقَوله (وأهيف كالسيف ألحاظه ... وقده الْعَسَّال كالسمهري) (أخجلني ثغر لَهُ باسم ... فاعجب لثغر مخجل الْجَوْهَرِي) وَقَوله (قَالَ عذولي إِذْ رأى ... أَخا الغزال الأعفر) (هَذَا الَّذِي مبسمه ... فتت قلب الْجَوْهَرِي) وَقَوله (جرح اللحظ خَال خد غُلَام ... فَضَح البان قده باعتداله) (فَإِذا ثار طاعنا لفؤادي ... قَالَ خُذْهَا من طَالب نَار خَاله) وَقَوله (تذكرت إِذْ جَاءَ الحجيج بِمَكَّة ... وَنحن وقُوف نَنْظُر الركب محرما) (فصرت بِأَرْض الْهِنْد فِي كل موسم ... يجدد تذكاري لقلبي مأتما) وَقَوله (وَلَو أَن أَرض الْهِنْد فِي الْحسن جنَّة ... وسكانها حور وأملكها وحدي) (لما قستها يَوْمًا ببطحاء مَكَّة ... وَلَا اخْتَرْت عَن سعدي بديلا هوى هِنْد) وَقَوله (وَقَالُوا بالمخاخير كثير ... فَقلت صَدقْتُمْ وَبهَا الْأمان) (وَلَكِن حرهَا يشوي البرايا ... وَلَوْلَا الرِّيق لاحترق اللِّسَان) وَقَوله (شهت أمواج بَحر الْهِنْد حَيْثُ رست ... بِهِ السفائن من هِنْد وَمن صين) (بأسطر فَوق قرطاس قد اتسقت ... والسفن فِيهِ عَلَامَات السلاطين) وَقَوله (إِذا لم تكن ناقدا للرِّجَال ... وصاحبت من لَا لَهُ تعرف) (فحالفه فِي بعض أَقْوَاله ... فَإنَّك عَن خلقه تكشف) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِالْهِنْدِ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الثمان بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر قَاضِي الْقُضَاة الملقب بشهاب الدّين الخفاجي الْمصْرِيّ الْحَنَفِيّ صَاحب التصانيف السائرة وَأحد أَفْرَاد الدُّنْيَا الْمُجْتَمع على تفوقه وبراعته وَكَانَ فِي عصره بدر سَمَاء الْعلم ونير أفق النثر وَالنّظم رَأس المؤلفين وَرَئِيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 المصنفين سَار ذكره سير الْمثل وطلعت أخباره وطلوع الشهب فِي الْفلك وكل من رَأَيْنَاهُ أَو سمعنَا بِهِ مِمَّن أدْرك وقته معترفون لَهُ بالتفرد فِي التَّقْرِير والتحرير وَحسن الْإِنْشَاء وَلَيْسَ فيهم من يلْحق شأوه وَلَا يَدعِي ذَلِك مَعَ أَن فِي الْخلق من يدعى مَا لَيْسَ فِيهِ وتآليفه كَثِيرَة ممتعة مَقْبُولَة وانتشرت فِي الْبِلَاد وزرق فِيهَا سَعَادَة عَظِيمَة فَإِن النَّاس اشتغلوا بهَا وأشعاره ومنشآته مسلمة لَا مجَال للخدش فِيهَا وَالْحَاصِل أَنه فاق كل من تقدمه فِي كل فَضِيلَة وأتعب من يَجِيء بعده مَعَ مَا خوله الله تَعَالَى من السعَة وَكَثْرَة الْكتب ولطف الطَّبْع والنكتة والنادرة وَقد ترْجم نَفسه فِي آخر ريحانته من حِين مبدئه فَقَالَ قد كنت فِي سنّ التَّمْيِيز فِي مغرز طيب النَّبَات عَزِيز فِي حجر وَالِدي ممتعا فَلَمَّا درجت من عشى قَرَأت على خَالِي سِيبَوَيْهٍ زَمَانه يَعْنِي أَبَا بكر الشنواني عُلُوم الْعَرَبيَّة ثمَّ ترقيت فَقَرَأت الْمعَانِي والمنطق وَبَقِيَّة الْعُلُوم الاثْنَي عشر وتظرت كتب المذهبين مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ مؤسسا على الْأَصْلَيْنِ من مَشَايِخ الْعَصْر وَمن أجل من أخذت عَنهُ شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الرَّمْلِيّ حضرت دروسه الفرعية وقرأت عَلَيْهِ شَيْئا من صَحِيح مُسلم وأجازني بذلك وبجميع مؤلفاته ومروياته بروايته عَن القَاضِي زَكَرِيَّاء عَن وَالِده مِنْهُم شَافِعِيّ زَمَانه الشَّيْخ نور الدّين على الزيَادي حضرت دروسه زَمنا طَويلا وَمِنْهُم الْعَلامَة الفهامة خَاتِمَة الْحفاظ والمحدثين إِبْرَاهِيم العلقمي قَرَأت عَلَيْهِ الشِّفَاء بِتَمَامِهِ وأجازني بِهِ وَبِغَيْرِهِ وشملني نظره وبركة دُعَائِهِ لي وَمِنْهُم الْعَلامَة فِي سَائِر الْفُنُون عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ حضرت دروسه وقرأت عَلَيْهِ الحَدِيث وَكتب لي إجَازَة بِخَطِّهِ وَمِمَّنْ أخذت عَنهُ الْأَدَب وَالشعر شَيخنَا أَحْمد العلقمي وَمُحَمّد الصَّالِحِي الشَّامي وَمِمَّنْ أخذت عَنهُ الطِّبّ الشَّيْخ دَاوُد الْبَصِير ثمَّ ارتحلت مَعَ وَالِدي للحرمين الشريفين وقرأت ثمَّة على الشَّيْخ عَليّ بن جَار الله العصام وَغَيره ثمَّ ارتحلت مَعَ وَالِدي للحرمين الشريفين وقرأت ثمَّة على الشَّيْخ عَليّ بن جَار الله العصام وَغَيره ثمَّ ارتحلت إِلَى قسطنطينية فتشرفت بِمن فِيهَا من الْفُضَلَاء والمصنفين واستفدت مِنْهُم وتخرجت عَلَيْهِم وَهِي إِذْ ذَاك مشحونة بالفضلاء الأذكياء كَابْن عبد الْغَنِيّ ومصطفى بن عزمي والحبر دَاوُد وَهُوَ مِمَّن أخذت عَنهُ الرياضيات وقرأت عَلَيْهِ اقليدس وَغَيره وأجلهم إِذْ ذَاك أستاذي سعد الْملَّة وَالدّين ابْن حسن أَخذ عَن خَاتِمَة الْمُفَسّرين أبي السُّعُود الْعِمَادِيّ عَن مؤيد زَاده عَن الْجلَال الدواني وَلما توفّي أستاذي قَامَ مقَامه صنع الله ثمَّ ولداه ثمَّ انقرضوا فِي مُدَّة يسيرَة ثمَّ لما عدت إِلَيْهَا ثَانِيًا بَعْدَمَا توليت قَضَاء الْعَسْكَر بِمصْر رَأَيْت تفاقم الْأَمر فَذكرت ذَلِك للوزير فَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 ذَلِك سَبَب لعزلي وأمري بِالْخرُوجِ من تِلْكَ الْمَدِينَة وَقد من الله تَعَالَى عَليّ بالسلامة ثمَّ ذكر أَن من تآليفه حَوَاشِي تَفْسِير القَاضِي وَهِي الَّتِي سَمَّاهَا عناية القَاضِي وَشرح الشِّفَاء وَشرح درة الغواص والريحانة والرسائل الْأَرْبَعين حَاشِيَة شرح الْفَرَائِض وَكتاب السوانح والرحلة وحواشي الرضى قلت وَله كتاب شِفَاء الغليل فِيمَا فِي كَلَام الْعَرَب من الدخيل والنادر الحوشي الْقَلِيل وَكتاب ديوَان الْأَدَب فِي ذكر شعراء الْعَرَب ذكر فِيهِ مشاهير الشُّعَرَاء من الْعَرَب العرباء والمولدين وَله كتاب طراز الْمجَالِس وَهُوَ مَجْمُوع حسن الْوَضع جم الْفَائِدَة رُتْبَة على خمسين مَجْلِسا ذكر فِيهِ مبَاحث تفسيرية ونحوية وأصولية وَغَيرهَا وَذكر فِي آخِره لما قَرَأت مَا قَالَه عُلَمَاء الحَدِيث فِي الخصائص النَّبَوِيَّة أَنه لم تلج النَّار جوفا فِيهِ قَطْرَة من فضلاته قَالَ بعض من كَانَ عندنَا حَاضر إِذا كَانَ هَكَذَا فَكيف تعذب أَرْحَام حَملته فَأَعْجَبَنِي كَلَامه ونظمته فِي قولي (لوالدي طه مقَام علا ... فِي جنَّة الْخلد وَدَار الثَّوَاب) (فقطرة من فضلات لَهُ ... فِي الْجوف تنجي من أَلِيم الْعقَاب) (فَكيف أَرْحَام لَهُ قد غَدَتْ ... حاملة تصلى بِنَار الْعَذَاب) ثمَّ ختم الْكتاب بقوله (أسْتَغْفر الله مَالِي بالورى شغل ... وَلَا سرُور وَلَا آسى لمفقود) (عَمَّا سوى سَيِّدي ذِي الطول قد قطعت ... مطالبي كلهَا مذ تمّ توحيدي) وَله رسائل كَثِيرَة ومكاتبات وافرة لم يجمعها ومقامات ذكر بَعْضهَا فِي ريحانته وَكَانَ لما وصل إِلَى الرّوم فِي رحلته الأولى ولي الْقَضَاء بِبِلَاد روم ايلي حَتَّى وصل إِلَى أَعلَى مناصبها كأسكوب وَغَيرهَا ثمَّ فِي زمن السُّلْطَان مُرَاد توصل حَتَّى اشْتهر بِالْفَضْلِ الباهر فولاه السُّلْطَان قَضَاء سلانيك فَحصل بهَا مَالا كثيرا ثمَّ أعْطى بعْدهَا قَضَاء مصر وَبَعْدَمَا عزل عَنْهَا رَجَعَ إِلَى الرّوم فَمر على دمشق وَأقَام بهَا أَيَّامًا ومدحه فضلاؤها بالقصائد واعتنى بِهِ أَهلهَا وعلماؤها فأكرمو نزله وَوَقع لَهُ لطائف من ذَلِك أَنه دَعَاهُ الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي إِلَى قصرهم بالصالحية فَمر الشهَاب وصحبته الْعِمَادِيّ وَابْن شاهين على الجسر الْأَبْيَض فَنظر إِلَى غُلَام وَاقِف هُنَاكَ نظرة ميل ووقف يتأمله فانتقد الْعِمَادِيّ وَابْن شاهين عَلَيْهِ ذَلِك فَأَنْشد بديهة قَوْله (قيل لَا تنظرن لوجه مليح ... إِن هَذَا مبدد الْحَسَنَات) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 (قلت هَذَا الْجمال لما تبدى ... أشغل الْكَاتِبين عَن سيئاتي) وَدخل حلب أثر ذَلِك ثمَّ وصل إِلَى الرّوم وَكَانَ إِذْ ذَاك مفتيها الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّاء فَأَعْرض عَنهُ أجل أُمُور انتقدت عَلَيْهِ أَيَّام قَضَائِهِ فِي سلانيك ومصر من الجرأة وَبَعض الطمع فَصنعَ مقامته الَّتِي ذكرهَا فِي الريحانة وَتعرض فِيهَا للْمولى الْمَذْكُور فَكَانَ ذَلِك سَببا لنفيه إِلَى مصر وَأعْطى قَضَاء ثمَّة على وَجه الْمَعيشَة فاستقر بِمصْر يؤلف ويصنف ويقرى وَأخذ عَنهُ جمَاعَة اشتهروا بِالْفَضْلِ الباهر من جُمْلَتهمْ الْعَلامَة عبد الْقَادِر الْبَغْدَادِيّ وَالسَّيِّد أَحْمد الْحَمَوِيّ وَغَيرهمَا وَاجْتمعَ بِهِ وَالِدي المرحوم فِي مُنْصَرفه إِلَى مصر وَأخذ عَنهُ وَكتب عَنهُ أصل الريحانة الَّذِي سَمَّاهُ خبايا الزوايا فِيمَا فِي الرِّجَال من البقايا وَكتب مِنْهَا فِي دمشق نسخ وَمن ثمَّ اشتهرت فضيلته وَذكره فِي رحلته فَقَالَ ثمَّ جِئْت إِلَى رياض الْعُلُوم المزهرة بأصناف الْفُنُون من منثور ومنظوم فجنيت زهر الْآدَاب من تِلْكَ الحدائق الرحاب فَكَانَ بَيت قصيدها وواسطة عقدهَا وفريدها مَالك أزمة هَذِه الصِّنَاعَة وَفَارِس حلبة البلاغة والبراعة جناب الْمولى الشهَاب انسان عين الموَالِي وزبدة الأحقاب (عَلامَة الْعلمَاء واللج الَّذِي ... لَا يَنْتَهِي وَلكُل لج سَاحل) قد أشرقت بشموس علومه أفلاكها ولمع بسنا الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم سماكها وتحلت أجياد الطروس بعقود أَلْفَاظه وراجت نقود آدابه فِي سوق عكاظه قد اتّفقت كلمة الكملة أَنه وَاحِد عصره بِلَا خلاف وأقرت لَهُ عُلَمَاء دهره فِي حِيَازَة السَّبق بالاعتراف فانتهت إِلَيْهِ الْيَوْم بلاغة البلغاء فَمَا تظل الخضراء وَلَا تقل الغبراء فِي زَمَاننَا أجْرى مِنْهُ فِي ميدانها وَأحسن تَصرفا بعنانها وَأما فنون الْآدَاب فَهُوَ بن بجدتها وأخو جُمْلَتهَا وَأَبُو عذرتها وَمَالك أزمتها (فَإِن أقرّ على رق أنامله ... أقرّ بِالرّقِّ كتاب الْأَنَام لَهُ) قد سقت عُيُون قريحته الْمسَائِل وبسقت فِي روضه أَغْصَان الْفَضَائِل فَصَارَ عَزِيز مصر وقاضيها وناشر لِوَاء الْعَدَالَة فِي نَوَاحِيهَا وَبنى وشيد بأيدي تحريراته معالم التَّنْزِيل ونضا قناع خفايا الْأَسْرَار بمحكم التَّأْوِيل فكم أبدع بِمَا أودع فِي خبايا الزوايا فِيمَا فِي الرِّجَال من البقايا فنظمه نفثات السحر وقلائد النَّحْر وغمزات الألحاظ المراض وعطفات الحسان بعد الْأَعْرَاض ونثره النثرة إشراقا وحباب الصَّهْبَاء رونقا واتسانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 (فقر لم يزل فَقِيرا إِلَيْهَا ... كل مبدي فصاحة وَبَيَان) وَقد حصلت على ضالتي المنشودة من لقيَاهُ وظفرت بالكنز الَّذِي كنت أتوقعه وأترجاه وشاهدت ثمار الْمجد والسودد تنثر من شمائله وَرَأَيْت فَضَائِل الدَّهْر عيالا على فضائله وَمن فَوَائده المعحبة الَّتِي لَا يَنْقَضِي التحسين لَهَا مَا نَقله فِي شرح الشفا عِنْد قَوْله وَمن دَلَائِل نبوته أَن الذُّبَاب كَانَ لَا يَقع على مَا طهر من جسده وَلَا يَقع على ثِيَابه مَا نَصه وَهَذَا مِمَّا قَالَه ابْن سبع أَيْضا إِلَّا أَنهم قَالُوا لَا يعلم من روى هَذَا والذباب وَاحِدَة ذُبَابَة قيل أَنه سمي بِهِ لِأَنَّهُ كلما ذب آب أَي كلما طرد رَجَعَ وَهَذَا مِمَّا أكْرمه الله بِهِ لِأَنَّهُ طهره من جَمِيع الأقذار وَهُوَ من استقذاره وَقد يَجِيء من مستقدر قيل وَقد نقل مثله عَن ولي الله الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني قدس الله سره وَلَا بعد فِيهِ لِأَن معجزات الْأَنْبِيَاء قد تكون كرامات لأولياء أمته وَفِي ربَاعِية لي (من أكْرم مُرْسل عَظِيم جلا ... لم تدن ذُبَابَة إِذا مَا حلا) (هَذَا عجب وَلم يذقْ ذُو نظر ... فِي الوجودات من حلاه أحلى) وتظرف مِنْهُ منلا جامي فَقَالَ مُحَمَّد رَسُول الله لَيْسَ فِيهِ حرف منقوط لِأَن النقط يشبه الذُّبَاب فصين اسْمه ونعته عَنهُ كَمَا قلت فِي مدحه (لقد ذب الذُّبَاب فَلَيْسَ يَعْلُو ... رَسُول الله مَحْمُودًا مُحَمَّد) (ونقط الْحَرْف يحكيه بشكل ... لذاك الْخط مِنْهُ قد تجرد) وَمن تحريراته فِي أَن الْقُرْآن هَل فِيهِ السجع أَولا قَالَ وَقَالَ البقاعي فِي كتاب مصاعد النّظر اخْتلف فِيهِ السّلف فَقَالَ أَبُو بكر الباقلاني فِي كتاب الإعجاز ذهب أَصْحَابنَا الأشاعرة كلهم إِلَى نفي السجع عَن الْقُرْآن كَمَا ذكره أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي غَيره مَوضِع من كتبه وَذهب كثير مِمَّن خالفهم إِلَى إثباتة انْتهى وَالْقَوْل الثَّانِي فَاسد من اخْتِلَاف أَكثر فواصله فِي الْوَزْن والروى وَلَا يَنْبَغِي الإغترار بِمَا ذكره بعض الأماثل كالبيضاوي والتفنا زاني من إِثْبَات الفواسل والسجع فِيهِ وَإِن مُخَالفَة النّظم فِي مثل هَارُون ومُوسَى بِحَسبِهِ وَنقل أَبُو حَيَّان فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا الظل وَلَا الحرور} فِي فاطر أَنه لَا يُقَال فِي الْقُرْآن قدم كَذَا وَأخر كَذَا للسجع لإن الإعجاز لَيْسَ فِي مُجَرّد اللَّفْظ بل فِيهِ وَفِي الْمَعْنى وَمَتى حول اللَّفْظ لاجل السجع عَمَّا كَانَ يتم بِهِ الْمَعْنى بِدُونِ سجع نقص الْمَعْنى ثمَّ أَنه قَالَ لَو كَانَ فِي الْقُرْآن سجع لم يخرج عَن أساليب كَلَامهم وَلم يَقع بِهِ إعجاز وَلَو حَاز أَن يُقَال سجع معجز جَازَ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 يُقَال شعر معجز والسجع مَا تؤلفه الْكُهَّان وَقد أنكر على من سجع عِنْده على مَا عرف فِي كتب الحَدِيث وَلَو كَانَ سجعاً لَكَانَ قبيحاً لتقارب أوزانه وَاخْتِلَاف طرقه فَيخرج عَن نهجه الْمَعْرُوف وَيكون كشعر غير مَوْزُون وَمَا احْتَجُّوا بِهِ من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لَيْسَ بِشَيْء وَأَنه كذكر الْقِصَّة بطرق مُخْتَلفَة أَقُول أَطَالَ بِلَا طائل لتوهمه أَن السجع كالشعر لالتزام تقفيته مَا يُنَافِي جزالة الْمَعْنى وبلاغته لاستتباعه للحشو والمخل وَأَن الإعجاز بمخالفته لأساليب الْكَلَام فشنع على هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام وَلَيْسَ بِشَيْء وَالْعجب مِنْهُ أَنه ذكر كَلَام الباقلاني مَعَ التَّصْرِيح فِيهِ بِأَن من السّلف من ذهب إِلَيْهِ وَالْحق أَنه وَقع فِي الْقُرْآن من غير الْتِزَام لَهُ فِي الْأَكْثَر فَكَانَ من نَفَاهُ نفي الْتِزَامه أَو أكثريته وَمن أثْبته أَرَادَ وُرُوده فِيهِ على الْجُمْلَة فاحفظه وَلَا تلْتَفت إِلَى مَا سواهُ وَهَذَا مِمَّا ينفعك فِيمَا سَيَأْتِي وَلذَا فصلنا هُنَا لتَكون على ثَبت مِنْهُ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعلمَاء أَنه تطلق الفواصل عَلَيْهِ دون السجع انْتهى وَمن غَرَائِبه الَّتِي زلق فِيهَا قلمه قَوْله عِنْد قَول القَاضِي وقرىء صِرَاط من أَنْعَمت فِيهِ دَلِيل على جَوَاز إِطْلَاق الْأَسْمَاء المبهمة على الله كَمَا ورد فِي الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة يَا من بِيَدِهِ الْخَيْر وَنَحْوه فَلَا يغرنك مَا نَقله الْحَفِيد عَن صَاحب الْمُتَوَسّط من مَنعه فَهَذَا مِنْهُ غَفلَة إِذْ من فِي الْقُرْآن لَيست وَاقعَة على الله حَتَّى يسْتَدلّ بهَا على جَوَاز الاطلاق انْتهى ونوقش فِي الْبَيْت الْمَشْهُور (كَأَنَّهُ فَوق شقات الرخام ضحى ... مَاء يسيل على أَثوَاب قصار) بعد قَوْله (لله يَوْم بحمام نعمت بِهِ ... وَالْمَاء من حَوْضه مَا بَيْننَا جاري) فَقيل لَهُ أَنه عيب حَتَّى قيل فِي قَائِله (وشاعر أوقد الطَّبْع الذكي لَهُ ... فكاد يحرقه من فرط لألاء) (أَقَامَ يعْمل أَيَّامًا رويته ... وَشبه المَاء بعد الْجهد بِالْمَاءِ) فَقَالَ هَذَا الْعَيْب لَيْسَ بِشَيْء فَإِنَّهُ شبه هَذَا الرخام فِي الْحمام بشقة قصار جرى عَلَيْهَا المَاء وَلم يرد تَشْبِيه المَاء وَلَكِن مَا ذكر فِي الطَّرفَيْنِ جَاءَ بَارِدًا فَأَشَارَ الشَّاعِر إِلَى برودته فِي كَلَامه بِمَا ذكره وَله ديوَان شعر وقفت عَلَيْهِ وكل شعر مفروغ فِي قالب لإجادة وَمن أجوده قصيدته الدالية الْمَشْهُورَة وَهِي قَوْله (قدحت رعود الْبَرْق زندا ... أضرّ من أشجانا ووجدا) (فِي فَحْمَة الظلماء إِذْ ... مدت على الخضراء بردا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 (حَتَّى تثاءب نوره ... وتمطت الأغصان قدا) (وأتى الشَّقِيق بمجمر ... للروض وَقد فِيهِ ندا) (وعَلى الغدير مفاضة ... سردت لَهُ النسمات سردا) (وحبابه من فَوْقه ... قد بَات يلْعَب فِيهِ نردا) (فسقى معاهد بالحمى ... قد أنبتت حبا وودا) (تذر اللَّيَالِي فِي ثرى ... من عنبر للمسك أهْدى) (عجبا لدر ناصع ... أودعن فِي مسك مندي) (فِي ظلّ عَيْش ناعم ... بنسيم أسحار تردى) (والدهر عبد طائع ... أهْدى لنا شرفا وسعدا) (مَا زَالَ اصدق نَاصح ... كم قَالَ لي هزلا وجدا) (سلم امْرُؤ عَن طوره ... فِي كل حَال مَا تعدى) (فالخطب بَحر زاخر ... فاصبر لَهُ جزرا ومدا) (لَا يختشى لسع الزنابير ... الَّذِي يستام شَهدا) (فِي ذمَّة الْأَيَّام للأحرار ... دين قد يُؤدى) (إِن مَا طلت فلربما ... أنجزن بعد المطل وَعدا) (فَإِذا رمى طأطىء لَهُ ... رَأْسا ترَاهُ عَنْك عدى) (أفبعد أخواني الالى ... درجوا أَخَاف الْيَوْم فقدا) (عَيْني إِذا استسقت بهم ... تسقى بدمع الْعين خدا) (لَو كَانَت القطرات تجمد ... نظمت فِي الْجيد عقدا) (قوم لَهُم يَدْعُو الثنا ... من شاسع الأقطار وَغدا) (كم فِي عكاظ نديهم ... جلبوا لَهُم شكرا وحمدا) (لَا يشْتَرونَ بذخرهم ... إِلَّا جميل الذّكر نَقْدا) (أبقى لَهُم حسن الحَدِيث ... برغم أنف الدَّهْر خلدا) (ورثوا المكارم كَابِرًا ... عَن كَابر فرضا وردا) (من كل طود شامخ ... متسربل برْدَاهُ مجدا) (أمست عيُونا كلهَا ... ترنو إِلَى الْأَعْدَاء حقدا) (تلقى الورى بنديهم ... نكس الْعُيُون إِذا تبدى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 (لبس الْجلَال على الْجمال ... فصد عَنهُ الطّرف صدا) (فهم بسُلْطَان التقى اتَّخذُوا ... قُلُوب النَّاس جندا) (أَمْسوا بغمد ضريحهم ... وَبقيت مثل السَّيْف فَردا) (مَالِي أقيم ببلدة ... فِيهَا بِنَاء الدّين هدا) (وَبهَا الشهَاب إِذا سما ... يخْشَى من الشَّيْطَان طردا) وَله قصيدة مطبوعة مطْلعهَا قَوْله (أرح طرف عين جفاها الهجوع ... فَإِن عناء الجفون الدُّمُوع) (إِذا علم الصَّبْر أَن يخدع العزائم ... دهر لحظي خدوع) (حسيت كؤوس الْهوى سحرة ... وساقى المنى لمرادي مُطِيع) (إِلَى حِين غَابَتْ نُجُوم الْهدى ... فَكَانَ لَهَا فِي عِذَارَيْ طُلُوع) (وباتت تحث مطايا الغرام ... فجالت بِقَيْد الكلال المنوع) (ربيئة قلبِي عين لَهَا ... لِسَان من الدمع سرى يشيع) (تحار بِنَا فِي مجَال الصِّبَا ... يَد للطلا من قناها الشموع) (وظبى ترى فِي حجور الْقُلُوب ... لَهُ توأم الْحسن خدن رَضِيع) (فلولا فُؤَادِي لَهُ مسكن ... لما كَانَ تحنو عَلَيْهِ الضلوع) (تقنعت بالوصل من طيفه ... وكل محب لعمري قنوع) (ولي حَاجَة عِنْده للجوى ... وَلَيْسَ لَهُ غير ذلي شَفِيع) (رهنت فُؤَادِي على حبه ... فَمَا باله لرهوني يضيع) (تجرد من لحظه صارم ... لعمر اصْطِبَارِي عَلَيْهِ قطوع) (وَلَو لم يكن قَاتلا للسكرى ... لما سَالَ من مقلتي النجيع) (بِمِرْآة خديه أصداغه ... تخال عذارا لصبري يروع) (تقيل المحاسن فِي ظله ... وَمَاء الْجمال لَدَيْهِ مريع) (لَهُ بسط الرَّوْض ديباجه ... ومدت عَلَيْهِ الْخيام الْفُرُوع) (وَقد ردد الطير آيَاته ... وللقضب فِي جانبيه رُكُوع) (كَانَ الشَّقِيق وَستر الضباب ... وزهر تبقى عَلَيْهَا هزيع) (مجامر تبر علاها الدُّخان ... وَقد أصبح الند فِيهَا يضوع) وَهِي قصيدة طَوِيلَة فلنقتصر مِنْهَا على هَذَا الْمِقْدَار طلبا للاختصار وَمن شعره قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 (قلت للندمان لما ... مزقوا برد الدياجي) (قتلتنا الراح صرفا ... فاقتلوها بالمزاج) أَصله قَول حسان (إِن الَّتِي ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل) قَالَ الرَّاغِب أصل الْقَتْل إِزَالَة الرّوح من الْجَسَد كالموت لَكِن إِذا اعْتبر بِفعل الْمُتَوَلِي لذَلِك يُقَال قتل وَإِذا اعْتبر بفوت الْحَيَاة يُقَال موت واستعير على سَبِيل الْمُبَالغَة قتلت الْخمر بِالْمَاءِ إِذا مزجته وَوجه الِاسْتِعَارَة فِيهِ أَنه يزِيل شدتها فَجعلت نشوتها كروحها وَجعلت سكرتها عدوا انْتهى وللشهاب (قبل يَد الْخيرَة أهل التقى ... وَلَا تخف طعن أعاديهم) (رَيْحَانَة الرَّحْمَن عباده ... وشمها لثم أياديهم) أَخذه من قَول عِيسَى بن حجاج اليمني وَهُوَ من كبراء الْأَوْلِيَاء وَكَانَ كل من دخل عَلَيْهِ أَو خرج يقبل يَده فَأنْكر عَلَيْهِ بَعضهم ذَلِك فَقَالَ العَبْد الْمُؤمن رَيْحَانَة الله فِي أرضه وَلَا بَأْس بشم الريحان فِي الدُّخُول وَالْخُرُوج وَمن شعره قَوْله (أَخُوك الَّذِي إِن جِئْته لملمة ... يشمر عَن سَاق بعزم مُسَدّد) (يُبَادر أَمر الْيَوْم قبل مضيه ... وَلَيْسَ محيلا فِي الْأُمُور على غَد) أَصله مَا روى عَن الْمفضل الضَّبِّيّ أَنه قَالَ قَالَ لي الْمهْدي يَوْمًا أبْغض شَيْء إِلَى أَن أجعَل عمل الْيَوْم فِي غَد فَقلت لَهُ أَنه الحزم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَمَا قَالَ أَخُو تَمِيم (أَخُوك لَهُ عزم على الحزم لم يقل ... غَدا يَوْمهَا إِن لم تعقه الْعَوَائِق) وَله من الرباعيات قَوْله (مذ أطنب بالمطال والايجاز ... فِي موعده ظننته بِي هازي) (حَتَّى أرى عقيق فِيهِ قبلا ... والخاتم من عَلامَة الانجاز) يُوضحهُ قَول بدر الدّين الْأَزْهَرِي (أمنت من خوف العدى وشرهم ... مذ جَاءَنِي بِخَاتم الْأمان) خَاتم الْأمان كمديل الْأمان يسْتَعْمل فِي أَمارَة الانجاز لِأَن الرؤساء اعتادوا إرْسَال ذَلِك إِذا أرادوه وَله (قد كَانَ لي خل على ... نهج النِّفَاق لقد سلك) (ركت ملابس وده ... فقطعته من حَيْثُ رك) أورد هَذَا فِي شرح درة الغواص عِنْد قَول الحريري وَيَقُولُونَ قطعه من حَيْثُ رق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَفِي كَلَام الْعَرَب اقطعه من حَيْثُ رك أَي من حَيْثُ ضعف وَمِنْه قيل للضعيف رَكِيك فِي الحَدِيث أَن الله تَعَالَى يبغض السُّلْطَان المركك وَقَالَ هُوَ عَلَيْهِ هَذَا على تَقْدِير السماع فِيهِ أَمر سهل فَإِنَّهُ يلْزم من رقة الثَّوْب عدم قوته فَلَا مَانع من إِرَادَة لَازمه وَبَاب الْمجَاز مَفْتُوح وَلذَا فسر أهل اللُّغَة رك برق وَلَا حَاجَة فِي أَن يُقَال تبدل الْكَاف قافا لقرب مخرجيهما وَمن ملح ابْن نباتة قَوْله (كَانَت للفظي رقة ... ضن الزَّمَان بِمَا اسْتحقَّت) (فصرفتها عَن فكرتي ... وقطعتها من حَيْثُ رقت) وللشهاب (كم من كريم قد بَات فِي دعة ... أَتَاهُ سيل الصَّباح بالنكد) (وَرب فرخ أراشه زمن ... فَصَارَ بالعز بَيْضَة الْبَلَد) هَذَا جَار على اسْتِعْمَال أهل الْحجاز يَقُولُونَ فِي الشتم وَهُوَ فرخ يَعْنِي ولد زنالا يعرف لَهُ أَب وَإِنَّمَا تعرف الدَّجَاجَة الَّتِي باضته وَفِي الحَدِيث الشريف على بعض الرِّوَايَات فرخ الزنالا يدْخل الْجنَّة وَهُوَ اسْتِعَارَة بديعة فِي بَابهَا وَقَوله فَصَارَ بالعز بَيْضَة الْبَلَد جرى فِيهِ على أحد احتمالية وَهُوَ الْمَدْح وَالْمرَاد بِهِ وَاحِد الْبَلَد الَّذِي يجمع إِلَيْهِ وَيقبل قَوْله لَكِن الْأَشْهر أَنه ذمّ وَقَوْلهمْ فلَان بَيْضَة الْبَلَد أبي لَا يعبأ بِهِ كَمَا ذكره فِي مجمع الْأَمْثَال وَله (سِهَام جفونه أعرضن عني ... فأسرع فتكها ونما جواها) (فيا لَك أسهما تصمي الرمايا ... إِذا صرفت إِلَى شَيْء سواهَا) وَمثله لِابْنِ الرُّومِي (نظرت فأقصدت الْفُؤَاد بسهمها ... ثمَّ انْثَنَتْ عَنهُ فكاد يهيم) (ويلاه إِن نظرت وَإِن هِيَ أقصدت ... وَقع السِّهَام وقصدهن اليم) وَمن شعره قَوْله (إِن يعد ذُو بغى عَلَيْك فخله ... وارقب زَمَانا لانتقام الطاغي) (وَاحْذَرْ من الْبَغي الوخيم فَلَو بغى ... جبل على جبل لَدُكَّ الْبَاغِي) أَصله مَا روى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لَو بغى جبل على جبل لَدُكَّ الْبَاغِي وَكَانَ الْمَأْمُون يتَمَثَّل بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ لِأَخِيهِ الْأمين (يَا صَاحب الْبَغي إِن الْبَغي مصرعة ... فاعدل فَخير فعال الْمَرْء أعدله) (فَلَو بغى جبل يَوْمًا على جبل ... لَا ندك مِنْهُ أعاليه وأسفله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وَقَالَ فِي هَذَا الْمَعْنى أَيْضا (بغى على لئيم دون سَابِقَة ... تَدعُوهُ غير فضول الْجَهْل والجاه) (فَلم ألمه سوى أَن قلت من جزع ... الْموعد الْحَشْر وَالْقَاضِي هُوَ الله) وَله (من يتْرك الدُّنْيَا يسد أَهلهَا ... ويقتطف زهرتها بِالْيَدِ) (لَا تسكن التَّقْوَى وَلَا حِكْمَة ... تنزل قلبا فِيهِ هم الْغَد) أَصله مَا روى عَن ابْن سينا أَنه قَالَ ورد فِي الحَدِيث الشريف أَن الْحِكْمَة لتنزل من السَّمَاء فَلَا تدخل قلبا فِيهِ هم عد وَقَالَ أَيْضا مضمنا (أرى عز غير الله للذل صائرا ... وكل هنى من سواهُ منغص) (وَفِي تَعب خود لَا عمى تزينت ... وَقَامَت لَهُ فِي ظلمَة اللَّيْل ترقص) (فَلَا ترج من أهل الزَّمَان مَوَدَّة ... إِذا غلت الأسعار بِالتّرْكِ ترخص) وَفِي مَعْنَاهُ قَول الصاحب ابْن عباد (أردْت وصل عَليّ ... فَقَالَ كم ذَا الذُّنُوب) (فَقلت كفر ذنوبا ... سلطتها فأتوب) وَمن مستظرفاته قَوْله (يَقُول من أهواه دَعْنِي وَتب ... يَا أَيهَا الْمفْتُون عَن حبي) (فَقلت مر حسنك أَن لَا يرى ... مسلطا عشقا على قلبِي) وَقَوله (قد كساني حلَّة هَذَا الضنا ... خاطها فِي لِليْل وجد لَا يمل) (ابر قد نَبتَت فِي مضجعي ... وخيوط من دموع لي تحل) وَله (رَئِيس تشفع بِي سيد ... اليه لأمر لقلبي طَبِيب) (فَقلت استرح واعفه إِنَّه ... إِذا مطل الدَّاء مل الطَّبِيب) وَفِي مَعْنَاهُ قَول الرئيس مُسْتَوْفِي اربل (غرام قديم الشجو أعوز بُرْؤُهُ ... إِذا طَال مطل الدَّاء غير طبيبه) وَمن ملحه قَوْله (أَيهَا السائلي عَن ابْن فلَان ... وديون عَلَيْهِ دهرا مَلِيًّا) (لَيْسَ يقضيك حَبَّة من دُيُون ... ويكيل الايمان كَيْلا وفيا) (إِن تخاشنه فِي تقاضيه يَوْمًا ... صَار بِالْحلف دينه مقضيا) وَلابْن بسام (إِذا آلت إِلَى ضيق ديوني ... وباكرني التُّجَّار ليجذبوني) (دفعتهم لمن لَو شَاءَ أدّى ... دُيُونهم إِلَيْهِم مُنْذُ حِين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 (فَمَا فِي حكمه تقشير رِزْقِي ... وتعذيبي بحنثي فِي يَمِيني) وَلابْن الرُّومِي (وَإِنِّي لذُو حلف كَاذِب ... إِذا مَا اضطررت فِي الْحَال ضيق) (وَهل من جنَاح غير مُسلم ... يدافع الله مَالا يُطيق) وللعجلي (وَإِن دَرَاهِم الْغُرَمَاء عِنْدِي ... معلقَة لَدَى بيض الأنوق) (فَإِن دلفو لفت لَهُم بِحلف ... كمعطى الْبرد لَيْسَ بِذِي فنوق) (وَإِن لانوا وعدتهم بلين ... وَفِي وعدي ثنيات الطَّرِيق) (وَإِن وَثبُوا على وجردوني ... جلفت لَهُم كالضرام الْحَرِيق) وَمن مجونه (مولَايَ شكرا لفرج لقد رقيت بِهِ ... فاستشفع الْحر واسأله بِمَا وَمنى) (واعضض عَلَيْهِ وعش فِي رقْعَة وغنى ... وانعم بعيش هني نلته بِهن) وَله فِي مَعْنَاهُ (قَالُوا فلَان قدرقي بِزَوْجَة ... لرتبة لم يَك قبلهَا جرى) (فَقَالَت الزَّوْجَة لما أَن علا ... لَوْلَا حرى مَا كَانَ ذابه حرى) وَنَحْوه قَول الآخر (قل للامير وَلَا تفزعك هيبته ... وَإِن تعاظم وَاسْتولى بمنصبه) (لَوْلَا فُلَانَة مَا استوزرت ثَانِيَة ... فاشكر حراصرت مَوْلَانَا الْوَزير بِهِ) وَله وَهُوَ من مبدعاته (لعمري لم أَبَد الْبكاء لذلة ... وَإِنِّي لسوء الذل لست مطيفا) (وَلَكِن أَرَادَ الطّرف تبريد غلتي ... برد لماء الْوَجْه حِين أريقا) وَله فِي الرثاء (قد ضمه الْبَحْر فِي لج مَخَافَة أَن ... يُؤْذِي التُّرَاب لجسم فِيهِ بيليه) (فالماء خر لى رَأس لفرقته ... والموج يلطم والأطيار تبكيه) وَلآخر (غريق كَأَن الْمَوْت رق لحسنه ... فلَان فِي صفحة المَاء جَانِبه) (أَبى الله أَن يسلوه قلبِي فَإِنَّهُ ... توفاة فِي المَاء الَّذِي أَنا شَاربه) وَلآخر (وَلما لم تسعه الأَرْض جمعا ... تضمن جِسْمه الْبَحْر الْمُحِيط) وَله فِي ثقيل (ازمنا قد ثقيل فَهَل ... لَهُ على الْأَرْوَاح مناديون) (تكرههُ الألحاظ منا لذا ... تلوذ بالأجفان منا الْعُيُون) جعل الْعُيُون لائذة بالأجفان كِتَابَة حَسَنَة عَن تغميض الْعُيُون وَأَصله قَول ابْن الرُّومِي (لنا صديق كلا صديق ... غث على أَنه سمين) (إِذا بدا وَجهه لقوم ... لاذت بأجفانها الْعُيُون) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 (كَأَنَّهُ عِنْدهم غَرِيم ... حلت عَلَيْهِم بِهِ دُيُون) وَله (الْعرف قرض لمن تزكو مروءته ... يهوى الْأَدَاء لَهُ فِي حَال مقدرته) (وَذَاكَ قيد لَهُ إِن لم يؤد فَلَا ... يفك إِلَّا بشكر أَو مكافأته) أَصله قَول ابْن المعتز الْمَعْرُوف على الْخَيْر غل لَا يفكه إِلَّا شكر أَو مُكَافَأَة وَله غير ذَلِك مِمَّا إِذا تتبعته جَاءَ فِي مجلدة ضخمة والعنوان يدل على الطرس وَكَانَت وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى يَوْم الثُّلَاثَاء لثنتي عشرَة خلت من شهر رَمَضَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَقد أناف على التسعين وَكَانَ توفّي قبله بِثَلَاثَة أشهر الْفَقِيه الْكَبِير مُحَمَّد بن أَحْمد الشَّوْبَرِيّ الملقب بالشافعي الصَّغِير فَقَالَ فيهمَا السَّيِّد الأديب أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَمَوِيّ الْمصْرِيّ يرثيهما وَكَانَ قَرَأَ عَلَيْهِمَا (مضى الإمامان فِي فقه وَفِي أدب ... الشَّوْبَرِيّ والخفاجي زِينَة الْعَرَب) (وَكنت أبْكِي لفقد الْفِقْه مُنْفَردا ... فصرت أبْكِي لفقد الْفِقْه وَالْأَدب) قلت الْبَيْت الْأَخير مضمن من قَول جحظة الْبَرْمَكِي فِي رثاء أبي بكر بن دُرَيْد اللّغَوِيّ مَعَ تَغْيِير يسير وَذَلِكَ قَوْله (فقدت يَا ابْن دُرَيْد كل فَائِدَة ... لما غَدا ثَالِث الْأَحْجَار والترب) (وَكنت أبْكِي لفقد الْجُود مُنْفَردا ... فصرت أبْكِي لفقد الْجُود وَالْأَدب) والخفاجي نِسْبَة إِلَى أَبِيه خفاجي وَلَا أَدْرِي مَعْنَاهُ وأصل وَالِده من سرياقوس من قَرْيَة من قرى الخانقاه وَالله تَعَالَى أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن البتروني الْحلَبِي وَتقدم تَتِمَّة نسبه فِي تَرْجَمَة ابْن عَمه إِبْرَاهِيم بن أبي الْيمن وَسَيَأْتِي أَبوهُ مُحَمَّد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن مفتي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ أحد كبراء حلب وَأحد رؤسائها وَكَانَ من أسخياء الْعَالم ذَا مُرُوءَة وهمة عالية وشهامة باهرة ولي الْقَضَاء مُدَّة مديدة ثمَّ تقاعد عَن رُتْبَة قَضَاء الشَّام وتصدر بحلب وانقاد إِلَيْهِ أَهلهَا ونفذت فِيمَا بَينهم كَلمته وجلت حرمته حصل أَمْوَالًا كَثِيرَة وجاها وافرا إِلَّا أَن بضاعته كَانَت كبضاعة أَبِيه مزجاة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُونُس الْمَدْعُو عبد النَّبِي بن أَحْمد بن السَّيِّد عَلَاء الدّين عَليّ ابْن السَّيِّد الحسيب النسيب يُوسُف بن حسن بن يس البدري نِسْبَة إِلَى السَّيِّد بدر الْوَلِيّ الْمَشْهُور المدفون بزاويته بوادي النُّور ظَاهر الْقُدس الشريف وَله ذُرِّيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 لَا يُحصونَ كَثْرَة قَالَ صَاحب الْإِنْس الْجَلِيل بتاريخ الْقُدس والخليل ومناقبهم لَا تحصى وَذكر مِنْهُم جمَاعَة وسَاق نسب السَّيِّد بدر فَقَالَ بدر بن مُحَمَّد بن يُوسُف ابْن بدر بن يَعْقُوب بن مظفر بن سَالم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زيد بن عَليّ بن الْحسن بن العريض الْأَكْبَر بن زيد بن زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ إِلَّا أَن الشَّيْخ أَحْمد كَانَ يخفي نسبه اكْتِفَاء بِنسَب التَّقْوَى المفضي للتنصل من أَسبَاب الْفَخر والجاه فِي الدُّنْيَا فتبعته على ذَلِك ذُريَّته وَكَانَت وَالِدَة الشَّيْخ مُحَمَّد الْمدنِي من ذُرِّيَّة سيدنَا تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله عَنهُ وهم كَثِيرُونَ بِبَيْت الْمُقَدّس ووالدة صَاحب التَّرْجَمَة من بَيت الْأنْصَارِيّ وَلِهَذَا كَانَ يكْتب بِخَطِّهِ أَحْمد الْمدنِي الْأنْصَارِيّ وَتارَة سبط الْأَنْصَار ورباه وَالِده وَأَقَرَّاهُ بعض الْمُقدمَات الْفِقْهِيَّة على مَذْهَب الإِمَام مَالك لِأَن وَالِده تمذهب بِمذهب شَيْخه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عِيسَى التلمساني وَكَانَ من كبراء الْعلمَاء والأولياء بِالْمَدِينَةِ ورحل بِهِ وَالِده إِلَى الْيمن فِي سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف فَأخذ عَن أَكثر علمائه وأوليائه خُصُوصا شُيُوخ وَالِده الْمَوْجُودين إِذْ ذَاك كالشيخ الْأمين بن الصّديق المراوحي وَالسَّيِّد مُحَمَّد الغرب وَالشَّيْخ أَحْمد السطيحة الزَّيْلَعِيّ وَالسَّيِّد عَليّ القبع وَالشَّيْخ عَليّ مطير وَمكث عِنْد وَالِده مُدَّة ثمَّ حدث لَهُ وَارِد مزعج فَخرج سائحاً من الْيمن حَتَّى وصل إِلَى مَكَّة وَمكث بهَا مُدَّة وَصَحب جمَاعَة كالسيد أبي الْغَيْث شجر وَالشَّيْخ سُلْطَان المجذوب وَعَاد إِلَى الْمَدِينَة وَصَحب بهَا الشَّيْخ أَحْمد بن الْفضل بن عبد النافع ابْن الشَّيْخ الْكَبِير مُحَمَّد بن عراق وَالشَّيْخ الْوَلِيّ عمر بن القطب بدر الدّين العادلي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين الملكاني وَغَيرهم ثمَّ لزم الشَّيْخ الْكَبِير أَحْمد بن عَليّ الشناوي الشهير بالخامي وتمذهب بمذهبه وسلك طَرِيقَته وَقَرَأَ كتبا فِي مشربه وَأخذ عَنهُ الحَدِيث وَغَيره وَلَا زَالَ ملازماً لَهُ حَتَّى اخْتصَّ بِهِ وزوجه ابْنَته واستخلفه ثمَّ أَخذ عَن رَفِيق شَيْخه فِي الْإِرَادَة السَّيِّد أسعد الْبَلْخِي ولازمه حَتَّى مَاتَ وَورث أَحْوَاله ثمَّ صحب خلقا يطول تعداد أسمائهم وَكَانَ جملَة من أَخذ عَنْهُم فِي طَرِيق الله تَعَالَى نَحْو مائَة شيخ مِنْهُم الشَّيْخ عبد الْحَكِيم خَاتِمَة أَصْحَاب الْغَوْث مؤلف الْجَوَاهِر الْخمس وَمِنْهُم الْعَلامَة المنلا شيخ الْكرْدِي قَرَأَ عَلَيْهِ فِي الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا وَلم يزل على قُوَّة حَاله حَتَّى انْتفع بِهِ النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم وانتشر صيته وَكَثُرت أَتْبَاعه فِي أقطار الأَرْض وَشهد لَهُ أَوْلِيَاء وقته بِأَنَّهُ الإِمَام الْمُفْرد كالشيخ أَيُّوب الدِّمَشْقِي فَإِنَّهُ كتب إِلَيْهِ كتبا يَقُول فِي بَعْضهَا إِنِّي لأعْلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 أَن لكل وَقت صَمد وَأَنَّك وَالله صَمد هَذَا الْوَقْت وَمِنْهُم الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مَقْبُول المحجب الزَّيْلَعِيّ وَالسَّيِّد عبد الله بن شيخ العيدروس بِحَيْثُ أَنه أَخذ عَنهُ فِي أَيَّام زيارته الْمَدِينَة وَمِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة الْوَلِيّ بَرَكَات التّونسِيّ وَالسَّيِّد عبد الْخَالِق الْهِنْدِيّ بل أَخذ عَنهُ كبار الشُّيُوخ كالسيد الْعَارِف بِاللَّه عبد الرَّحْمَن المغربي الإدريسي وَالشَّيْخ عِيسَى المغربي الْجَعْفَرِي وَالشَّيْخ مهنا بن عوض بامزروع وَالسَّيِّد عبد الله بافقيه وَجَمَاعَة من عُلَمَاء السَّادة بني علوي وَمن فُقَهَاء الْيمن من جعمان وَغَيرهم وَمِنْهُم نتيجة النتائج خَلِيفَته الروحاني إِبْرَاهِيم بن حسن الكوراني السهراني فَإِنَّهُ بِهِ تخرج وبعلومه انْتفع لَازمه مُدَّة حَيَاته وَصَارَ خَلِيفَته فِي التربية والإرشاد بعد مماته وَله مؤلفات كَثِيرَة الْمَوْجُود مِنْهَا نَحْو خمسين مؤلفاً مِنْهَا حَاشِيَة على الْمَوَاهِب وحاشية على الْإِنْسَان الْكَامِل للجيلي وحاشية على الكمالات الإلهية لَهُ وَشرح حكم ابْن عَطاء الله فِي مُجَلد ضخم وَشرح عقيدة ابْن عفيف وَكتاب النُّصُوص والكنز الْأَسْنَى فِي الصَّلَاة وَالسَّلَام على الذَّات المكملة الْحسنى وعقيدة منظومة فِي غَايَة الْحسن والاختصار وَكَانَ إِمَام الْقَائِلين بوحدة الْوُجُود حَافِظًا للمراتب الشَّرْعِيَّة متضلعاً من أذواق السّنة كثير النَّوَافِل وَالصِّيَام كَامِل الْعقل وَالْوَقار وَوصل إِلَى مقَام الختمة فِي عصره فقد قَالَ فِيمَا وجد بِخَطِّهِ على هَامِش رِسَالَة الْعَارِف بِاللَّه سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ باعلوي الْمُسَمَّاة بشق الجيب فِي معرفَة رجال الْغَيْب عِنْد قَوْله والختم وَهُوَ وَاحِد فِي كل زمَان يخْتم الله بِهِ الْولَايَة الْخَاصَّة وَهُوَ الشَّيْخ الْأَكْبَر انْتهى مَا نَصه الَّذِي يتَحَقَّق وجدانه أَن الختمة الْخَاصَّة مرتبَة إلهية ينزل بهَا كل أحد لَهَا حسب وقته وزمانه غيرم منقطعه أَبَد الآباد إِلَى أَن لَا يبْقى على وَجه الأَرْض من يَقُول الله الله لعدم خلو الْمَرَاتِب الإلهية عَن القائمين بهَا حَتَّى يصير الْقَائِم بهَا كالصفر الْحَافِظ لمرتبة الْعدَد فميا قبله وَبعده بأنفاسه تتمّ الصَّالِحَات وتقضى الْحَاجَات وَقد تحققنا بذلك حَقًا ونزلنا منازلة وصدقاً وَمِمَّنْ رَأَيْته من مشايخي من أهل الختمة الْمَذْكُورَة سنداً مُتَّصِلا مِنْهُم إِلَيْنَا من غير انْقِطَاع بِإِذن الله تَعَالَى خَمْسَة أنفس سادسهم كلبهم لَا رجماً بِالْغَيْبِ وربه ثمَّ قَالَ بعْدهَا قَالَه عبد الْجَمِيع أَحْمد بن مُحَمَّد الْمدنِي وَمثله لَا يتَكَلَّم بِمثل هَذَا الْكَلَام إِلَّا عَن إِذن إلهي وَنَفث روعي وَله ديوَان شعر مِنْهُ قَوْله (أَضَاءَت لنا بالرقمتين على نجد ... لوامع أنوار فهيجن لي وجدي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 (وذكرنني الْعَهْد الْقَدِيم ورامة ... وأوقات أنس مَا برحب بهَا أشدي) (وكأس مدام أدهقته كَرِيمَة ... تسمت بأسماها الربَاب مَعًا هِنْد) (فَلَمَّا تحسى الْقَوْم كأس غرامها ... غدوا لَهَا يشدون بِالْعلمِ الْفَرد) (فهم فتية صرف الغرام قُلُوبهم ... بمشهدها الْأَعْلَى لَدَى صفوة الْجند) (فَسَارُوا بهَا نَحْو الإضاءة يَبْتَغُوا ... خلاصاً إِلَيْهَا والبنود لَهُم تهدي) (أذلا لسلطان المليحة صبوة ... وذل الْهوى مستعذب الصَّدْر والورد) (فَلَمَّا اجتلوا للاسم جال بوسمه ... فأبدى مُسَمَّاهُ بِزَيْنَب والدّعد) وَقَوله أَيْضا (يَا قُرَّة الْعين إِن الْعين فِيك جلت ... مَحْض العيان بمسموع ومبصور) (فامتع قراك على علم بِذَاكَ فَذَاك ... الْغَيْب شاهدنا فِي كل مَنْظُور) وَله (هذي صلات الَّذِي دَامَت صلَاتهم ... مذ حَافظُوا بدوام النفح فِي الصُّور) وَقَوله (وَفِي مهجتي من نَار وَجدك فارض ... يقسم مِيرَاث الصبابة للْكُلّ) (يعشقني فِيهِ إِلَيْهِ بِوَجْهِهِ ... بِوَحْي وتكليف على مِلَّة الرُّسُل) (وَيَدْعُو إِلَى صرف اللِّقَاء بِمَوْت مَا ... ترا آه وهمي مذ تعين بالشكل) (فَهَل من سَبِيل والكفاح مُصَرح ... بِوَجْه محيا طالع الْبَدْر فِي نزل) (فَفِي الْفرق تَعْذِيب عذوبة مَائه ... مجاذبة الْأَسْمَاء فِي شاخص الظل) (وَأَنِّي أَنا المجذوب وَالْكل جاذب ... وقبلتنا الشّطْر الْحَرَام مَعَ الْكل) وَقَوله (لَا تعر عقلك غَيْرك ... فترى من بعد تندّم) (إِنَّمَا الْعقل ضِيَاء ... يهد للَّتِي هِيَ أقوم) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته رَحمَه الله نَهَار الْإِثْنَيْنِ آخر سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَدفن بِالبَقِيعِ شَرْقي قبَّة السيدة حليمة السعدية رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْعجل بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم ابْن الشَّيْخ القطب الْفَقِيه أَحْمد بن مُوسَى بن عجيل أَبُو الوفا اليمني الامام الْبَحْر الْعَارِف الاستاذ الشهير بالعجل بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وَالصَّوَاب فتح الْعين وَكسر الحيم كَذَا ضَبطه شَيخنَا عَلامَة الْقطر الْحِجَازِي الْحسن بن عَليّ العجيمي الْحَنَفِيّ فِيمَا كتبه إِلَى من خَبره وذكرانه ولد فِي بلدته الْمَعْرُوفَة بِبَيْت الْفَقِيه ابْن عجيل وَنَشَأ فِي حجر أَبَوَيْهِ فحفظه وَالِده الْقُرْآن وأقرأه فِي الْمِنْهَاج الفقهي وَألقى إِلَيْهِ مَا لَدَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 من الْمَعْلُوم الظَّاهِرَة والباطنة وَأَجَارَهُ وَحج بِهِ وزار النَّبِي مَرَّات وَأخذ عَن شُيُوخ الْحَرَمَيْنِ كَالْقَاضِي الْأَجَل عَليّ بن جَار الله بن ظهيرة بِمَكَّة وَالشَّيْخ المعمر حميد السندي بِالْمَدِينَةِ وَتزَوج وَولد لَهُ أَبُو الزين مُوسَى فِي سنة أَربع بعد الْألف وفيهَا دخل إِلَى زبيد وَمكث بهَا نَحْو احدى عشرَة سنة لَا يخرج مِنْهَا إِلَّا لِلْحَجِّ أَو زِيَارَة أَبِيه نَادرا ولازم بهَا الشَّيْخ الْعَلامَة الْوَلِيّ الزين بن المزجاجي فَقَرَأَ عَلَيْهِ كتبا كَثِيرَة مِنْهَا الفتوحات المكية وَأخذ عَن عُلَمَاء زبيد ونواحيها كالشيخ الصّديق الْخَاص وَأَجَازَهُ وَكَذَا أجَاز لَهُ مُسْند الْيمن السَّيِّد الطَّاهِر بن الْحُسَيْن الأهدل خَاتِمَة الآخذين عَن الديبع سَمَاعا وسلك على طَريقَة آبَائِهِ الأكرمين مَعَ الْعِنَايَة بِقِرَاءَة الحَدِيث وَغَيره حَتَّى وَفد إِلَى زبيد الشَّيْخ تَاج الدّين النقشبندي فَأخذ عَنهُ هُوَ ووالده وَأهل بَيته ولازمه ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة وَانْقطع بهَا مجاورا مَعَ وَلَده مُوسَى عِنْد الشَّيْخ تَاج الدّين سنة أَو أَكثر حَتَّى وصل إِلَى رُتْبَة الْخلَافَة وَكَانَ الشَّيْخ تَاج يجله حَتَّى كَانَ يجسله مَعَه على السرير وَسَائِر الْجَمَاعَة تحتهما وَمكث فِي بلدته مَقْصُود للزيارة والارشاد وَالرِّوَايَة وتعمر حَتَّى ألحق الأحفاد بالأجداد فَإِنَّهُ روى عَمَّن ذكر بِالْقِرَاءَةِ وَالسَّمَاع والاجازة وبالاجازة فَقَط عَن الشَّيْخ الامام الْبَدْر بن الرضى الْغَزِّي الدِّمَشْقِي قلت رِوَايَته عَن الْبَدْر الْغَزِّي غير بعيدَة بِأَن يكون أَبوهُ استجازه لَهُ بالمكاتبة وَيكون إِذْ ذَاك سنة سنة وَاحِد فَإِن وَفَاة الْبَدْر فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وولادة صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ومسافة الطَّرِيق سنة فصح مَا قلته وَله رِوَايَة عَن القطب الْمَكِّيّ وَعَن الامام يحيى الطَّبَرِيّ وَالشَّيْخ مُحَمَّد النحراوي الْحَنَفِيّ الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن فَهد وَغَيرهم وَكَانَ مِمَّن جمع لَهُ بَين الْعُلُوم الظَّاهِرَة والباطنة وَأظْهر على يَدَيْهِ الْأَسْرَار والكرامات الباهرة وَله فَوَائِد ونوادر من جُمْلَتهَا لدفع الْأَعْدَاء فِي كل صباح وَمَسَاء ثَلَاثًا اللَّهُمَّ يَا مخلص الْمَوْلُود من ضيق مَخَاض أمه وَيَا معافي الملدوغ من حمة سمه وَيَا قَادِرًا على كل شَيْء بِعِلْمِهِ أَسأَلك بِمُحَمد واسْمه أَن تكفيني كل ظَالِم يَظْلمه فَإنَّك فكفاه وَكَانَت وَفَاته بعد صَلَاة الْعشَاء من اللَّيْلَة الَّتِي تسفر صبيحتها عَن رَابِع عشر شعْبَان سنة أَربع وَسبعين وَألف وَجَاء تَارِيخ مَوته شيخ أجل مكمل وَدفن خَارج قبَّة وَالِده الْمَشْهُورَة بِبَلَدِهِ وَخَلفه وَلَده الْعَالم الْوَلِيّ أَبُو الزين مُوسَى الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَرْوَان القَاضِي بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد القَاضِي ابْن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 مجلى العباسي الْمَالِكِي المغربي التجموعتي السجلماسي الْحَافِظ الإِمَام الْمُحدث الْعَالم من بَيت الرياسة وَالْعلم بسجلماسة وَكَانَ عَلامَة نحويا فَقِيها مقريا شَائِع الصيت ذائع الذّكر توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَكَانَ لَهُ ثَلَاث أخوة مُحَمَّد وَعبد الْعَزِيز وَعبد الْملك وَكلهمْ عُلَمَاء أجلاء وأبوهم مُحَمَّد عَالم مُعْتَقد مَعْدُود من أَوْلِيَاء زَمَانه مَاتَ مُحَمَّد سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَعبد الْعَزِيز مَاتَ سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وَعبد المملك وَحج وجازر وَقَرَأَ فِي الْحَرَمَيْنِ الحَدِيث والعلوم وَهُوَ الْآن قَاضِي سجلماسة ولعَبْد الْعَزِيز ولد اسْمه أَحْمد عَلامَة كَبِير متبحر فِي الْعُلُوم ثَبت الرِّوَايَة قدم مصر وَحج وزار الْبَيْت الْمُقَدّس وَوجدت بِخَط صاحبنا الْفَاضِل الأديب إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان الجينيني أَن أَحْمد هَذَا أخبر حِين قدم الرملة مُتَوَجها لزيارة الْقُدس وَذَلِكَ نَهَار الثُّلَاثَاء سادس عشرى رَجَب سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف أَنه قَرَأَ كتابا بِمصْر جَاءَ من ملك سنار يُخَاطب بِهِ القَاضِي عمر السُّوسِي المغربي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِمصْر يتَضَمَّن بعد السَّلَام عَلَيْهِ آيَة كبرى وَهِي أَنه يَوْم الِاثْنَيْنِ بعد الْعَصْر الْحَادِي وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف سقط حجر ياقوت من السَّمَاء وَوجد يفه مَكْتُوب بقلم الْقُدْرَة لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله ثمَّ بعد ذَلِك بأيام وَقع حجر آخر صَغِير مَكْتُوب عَلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا الله وَذكر أَنه أرسل الْحجر السَّاقِط أَولا إِلَى الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة على الْحَال بهَا أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام والتحية انْتهى وَسَأَلت بعد ذَلِك صاحبنا الجينيني عَن هَذَا الْخَبَر فَقَالَ حَدثنَا بِهِ جمَاعَة أَنا فضلاء الرملة وَأَخْبرنِي أَنه أَخذ عَنهُ بهَا جمع من فضلائها وَسَأَلته عَن خَبره بعد ذَلِك فَقَالَ انْقَطع عَنَّا وَالظَّاهِر أَنه فِي الْأَحْيَاء الْآن والتجموعتي بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة وَسُكُون الْجِيم وَضم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَبعدهَا تَاء مثناة سَاكِنة نِسْبَة إِلَى بَلْدَة بالسوس والسجلماسي بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَالْجِيم وَسُكُون اللَّام وَفتح الْمِيم وَألف وسين ثَانِيَة وهاء نِسْبَة إِلَى ولَايَة مَشْهُورَة وَهِي مَدِينَة تلِي الخضراء الفاصلة بَين بِلَاد الْمغرب وبلاد السودَان وَلَيْسَ فِي جنوبها وغربها عمَارَة وَالله تَعَالَى أعلم الشريف أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَارِث بن الْحُسَيْن بن أبي نمى السَّيِّد الشريف الْأَفْضَل كَانَ آيَة فِي الْعقل والذكاء مرجعاً للأشراف الحسنيين مُلُوك مَكَّة فِي جَمِيع امورهم وَإِذا حكم بِأَمْر لَا يقدر أحد أَن يسْتَدرك عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئا لحسن أَحْكَامه وَلما وَقع بَين الشريف سعد بن زيد وين حسن باشا صَاحب جدة مَا وَقع وَذهب للمدينة ولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 صَاحب التَّرْجَمَة وَلم يتم لَهُ ذَلِك وَكَانَت وَفَاته تَاسِع رَجَب سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف بِمَكَّة وَدفن فِي قبه جده الشريف حسن إِلَى جنب تابوته مِمَّا يَلِي الشرق وَوضع عَلَيْهِ تَابُوت عَظِيم وَخلف أَوْلَاده أمجادا أكبرهم السَّيِّد مُحَمَّد كريم مَشْهُور وشجاع مخبور لَيْسَ فِي عصره أحد يماثله من الْأَشْرَاف جودا وسخاء وَأَخُوهُ السَّيِّد نَاصِر أحد دهاة الْأَشْرَاف وعقلائهم المرجوع إِلَيْهِم فِي الْمُهِمَّات كَانَ الشريف بَرَكَات يَقُول لَا أَخَاف من أحد من الْأَشْرَاف مَا أَخَاف من نَاصِر الْأَمِير أَحْمد بن مُحَمَّد معصوب بن نصير الدّين بن إِبْرَاهِيم الملقب نظام الدّين الْأَمِير بن الْأَمِير الصَّدْر العالي الْقدر وَالِد السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم صَاحب السلافة ذكره ابْنه فِي سلافته فَقَالَ فِي تَرْجَمته ناشر علم وَعلم وشاهر سيف وقلم وراقي رَبًّا نجد وسامي وَعلا ومجد إِمَام ابْن إِمَام وَهَمَّام ابْن همام وَكفى شَاهدا على هَذَا المرام قَول بعض أجداده الْكِرَام لَيْسَ فِي نسبنا إِلَّا ذُو فضل وحلم حَتَّى نقف على بَاب مَدِينَة الْعلم وَهَذَا فرع طابق أَصله ومبرز أحرز فَصله طلع فِي الدَّهْر غره فَمَلَأ الْعُيُون قره فَأَلْقَت إِلَيْهِ الرياسة قيادها وأقامت بِهِ السِّيَادَة منآدها فَأصْبح ومرتبته الْعليا وَعَبده الدَّهْر وَأمته الدُّنْيَا إِلَى علم بهرت حجَّته كالبحر زخرت لجته قذف درا فكشف ضرا وناهيك بمعرق أصل ذِي منطق فصل وَأَنا مَتى نعت حَسبه فَإِنَّمَا أَنعَت مجدي وَمَتى وصفت نسبه فَإِنَّمَا أصف جدي بيد أَنِّي أَقُول وَإِن دغم كل أبي (هَذَا أبي حِين يعزي سيدلاب ... هَيْهَات مَا للورى يَا دهر مثل أبي) مولده ومنشأه الطَّائِف بالحجاز والقطر الَّذِي هُوَ موطن الشّرف على الْحَقِيقَة وَسَوَاء الْمجَاز سنة سبع وَعشْرين وَألف وربى فِي حجر الْحجر وغذي بدرزمزم فغرد طَائِر يمنه على فتن سعده وزمزم وَلما ضَاعَ أرج ذكره نشر أَو تهلل محيا الْوُجُود بفضله بشرا وغار صيته وأنجد وأذعن لمجده كل همام أمجد عشقت أَوْصَافه الاسماع وتطابع على نبله العيان وَالسَّمَاع فاستهداه مَوْلَانَا السُّلْطَان إِلَى حَضرته الشَّرِيفَة واستدعاه إِلَى سدته المنيفة فَدخل إِلَى الديار الْهِنْدِيَّة عَام خمس وَخمسين وَألف فأملكه من عَامه ابْنَته وَأَسْكَنَهُ من انعامه جنته وَهُنَاكَ امْتَدَّ فِي الدُّنْيَا بَاعه وعمرت بإقباله رباعه وقصده الغادي والرائح وخدمته القرائح بالمدائح فَهُوَ متحلى من محتده الطَّاهِر ومفخره الباهر الظَّاهِر بِفضل تثني عَلَيْهِ الخناصر وتثنى عَلَيْهِ العناصر وأدب تشهد بِهِ الْأَعْلَام ونستمد مِنْهُ السّنة الأقلام قلت وَقد ذكر فِي كِتَابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 الْمَذْكُور كثيرا من مدائح الشُّعَرَاء فِيهِ وَجُمْلَة كَافِيَة من شعره وقطعا بديعة من نثره وَمرَاده بالسلطان الَّذِي استدعاه إِلَيْهِ وزوجه ابْنَته وضمه إِلَيْهِ شاهنشاه عبد الله بن مُحَمَّد قصب شاه ملك حيدر آباد وَمَا والاها من الْبِلَاد وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ بِسَبَب تقربه إِلَى السُّلْطَان بِتِلْكَ الأَرْض الرياسة وقصده النَّاس من أقْصَى الْبِلَاد النائية وساس أحسن سياسة حَتَّى أدْرك السُّلْطَان أَجله وظنه أَن يكون ملكا بعده فَم ينم لَهُ مَا أمله وَتَوَلَّى الْملك بعده الميرز أَبُو الْحسن من الْعَجم المقربين إِلَى الْملك الْمَزْبُور فِي قصَّة يطول شرحها فَقبض عَلَيْهِ وسجنه إِلَى أَن وفاه أَجله وَلَقي مَا عمله وَمن شعره قَوْله (مثير غرام المستهام ووجده ... وميض سرى من غور سلع ونجده) (وَبَات بأعلا الرقمتين التهابه ... فظل كئيبا من تذكره عَهده) (يحن إِلَى نَحْو اللوى وطويلع ... وبانات نجد والحجاز ورنده) (وضال بِذَات الضال مرح غصونه ... تفيأه طبي يميس بِبرْدِهِ) (يغار إِذا مَا قست بالبدر وَجهه ... ويغضب إِن شبهت وردا نجده) (كثير التجني ذُو قوام مهفهف ... صبيح الْمحيا لَيْسَ يُوفي بوعده) (مليح تسامى بالملاحة مُفردا ... كشمس الضُّحَى والبدر فِي برج سعده) (ثناياه برق والصباح جَبينه ... وَأما الثريا قد أنيطت بعقده) (فَمن وَصله سُكْنى الْجنان وطيبها ... وَلَكِن لظى النيرَان من نَار صده) (ترا آي لنا بالجيد كالظبي لفتة ... أُسَارَى الْهوى فِي حكمه بعض جنده) (روى حسنه أهل الغرام وَكلهمْ ... يتيه إِذا مَا شاهدوا ليل جعده) (يعنعن علم السحر هاروت لحظه ... ويروي عَن الزَّمَان كاعب نهده) (مضاء اليمانيات دون لحاظه ... وَفعل الردينيات من دون قده) (إِذا مَا نضا عَن وَجهه بعض حجبه ... صبا كل ذِي نسك ملازم زهده) (وَأبْدى محيا قاصرا عَنهُ كل من ... أَرَادَ لَهُ نعتا بتوصيف حَده) (هُوَ الْحسن بل حسن الورى مِنْهُ مجتدي ... وَكلهمْ يعزي لجوهر فَرده) (وَمَا تفعل الراح العتيقه بعض مَا ... بمبسمه بالمحتسى صفو وده) وَقَوله فِي مليح (يَا جوهرا فَردا علا ... من أَيْن جَاءَك ذَا الْعرض) اعتل طرفه (وعلام طرفك ذَا الْمَرِيض ... أعله هَذَا الْمَرَض) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 (عهدي بِهِ مِمَّا يُصِيب ... فَكيف صَار هُوَ الْغَرَض) (هَا قلبِي المعمود نصب ... للتوائب يرتكض) (فاجعله يَأْكُل المنى ... بَدَلا لما بك أَو عوض) (فَاسْلَمْ مدى الْأَيَّام يَا ... ذَا الْحسن مَا برق ومض) (فمذ اعتللت أَخا لَهَا ... فِي الطّرف طرفِي مَا غمض) (أَنْت المُرَاد وَلَيْسَ لي ... فِي غير وصفك من غَرَض) وَقَوله (خلت خَال الخد فِي وجنته ... نفطة العنبر فِي جمر الغضا) (دَامَت الأفراح لي مذ أَبْصرت ... مقلتي صبح محيا قد أضا) (يتَمَنَّى الْقلب مِنْهُ لفتة ... وَبِهَذَا اللحظ للعين رضَا) (جَاهِل رام سلوا عَنهُ إِذْ ... حظر الْوَصْل وأولاه النضا) (هامت الْعين بِهِ لما رَأَتْ ... حسن وَجه حِين كُنَّا بالأضا) وَقَوله (سلوا بطن مرو والغميم وموزعا ... مَتى اصطافها ظِلِّي التقا وتربعا) فِي الْغَزل (وَهل حل من شرقيها أَرض عجلة ... وَقد جادها مزن فَسَأَلَ وأمرعا) (سقى تِلْكَ من نوء السماكين حفل ... سحائب غيث مربعًا ثمَّ مربعًا) (تظل الصِّبَا تحدو بهَا وَهِي نعم ... وتنزلها سهلا وحزنا وأجرعا) (فَتلك مغان لَا تزَال تحلها ... مد ملجة السَّاقَيْن مهضومة المعا) (ربيبة خدر الصون والترف الَّذِي ... يزِيد على بدر اللَّيَالِي تمنعا) (تروت من الْحسن الْبَهِي خدودها ... وقامتها كالغصن حِين ترعرعا) وَكتب إِلَى الشَّيْخ مُحَمَّد الشَّامي رقْعَة صورتهَا يَا مَوْلَانَا عمر الله بِالْفَضْلِ زَمَانك وأنار فِي الْعَالم برهانك سمحت للْعَبد قريحته فِي ريم هَذِه صفته بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ (نراآي كالظبي خَائِف من حبائل ... يُشِير بِطرف ناعس مِنْهُ فاتر) (وَقد ملئت عَيناهُ من سحب جفْنه ... كنرجس روض جاده وبل ماطر) فَإِن رأى الْمولى يجيزهما ويجيرهما من النَّجس فَهُوَ المأمول من خصائل تِلْكَ النَّفس وَإِن رآهما من الغث فليدعهما كأمس وَلَعَلَّ الِاجْتِمَاع لكم فِي هَذَا الْيَوْم بعد الظّهْر وَقبل الْعَصْر لنحسو من كؤوس المحادثة مَا راق بعد الْعَصْر والمملوك كَانَ على جنَاح ركُوب بيد أَنه كتب هَذِه البطاقة وأرسلها إِلَى سوق أدبكم العامرة الَّتِي مَا برح إِلَيْهَا كل خير مجلوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 (فأسبل السّتْر صفحا أَن خلل ... تهتك بِهِ ستر أَعدَاء وحساد) فَكتب إِلَه بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ بديهة (ولرب ملتفت يَا جِيَاد المها ... نحوي وأيدي العيس تنفث سمها) (لم يبك من ألم الْفِرَاق وَإِنَّمَا ... يسْقِي سيوف لحاظه ليسمها) ثمَّ نظم المعني بِعَيْنِه فَقَالَ (وَلَقَد يُشِير إِلَيّ عَن حدق المها ... والرعب يخْفق فِي حشاه الضامر) (غشت نواظره الدُّمُوع كَأَنَّهَا ... مَاء ترقرق فِي متون بواتر) (رقت شمائله ورق أديمه ... فتكاد نشر بِهِ عُيُون النَّاظر) وَقَالَ أَحْمد الْجَوْهَر مُعَارضا (وظبي غرير بالدلال محجب ... يرى أَن ستر الْعين فرض المحاجر) (رماني بِطرف أسبل الدمع دونه ... لِئَلَّا أرى عَيْنَيْهِ من دون سَاتِر) وَلما وقفت أدباء الْيمن على بَيْتِي النظام تجاروا فيهمَا بسوابق النظام فَقَالَ السَّيِّد حسن بن المطهر الجرموزي (وريم فَلَا أصل المحاسن فَرعه ... تبدى كبدر فِي الدجى للنواظر) (سباني بجفن أدعج ماج مَاؤُهُ ... فطرز شهب الدمع ليل البواتر) وَقَالَ حسن بن عَليّ باعفيف (وخشف عَلَيْهِ الْحسن أوقف نَفسه ... لَهُ نَاظر يحميه من كل نَاظر) (نظرت إِلَيْهِ نَاظرا در دمعه ... فنظام فكري هام فِي در ناثر) وَقَالَ الشَّيْخ عبد الله الزنْجِي (وطرف لَهُ فعل السيوف البواتر ... يُصِيب بِهِ مستلئما دون حاسر) (رمى ورنا فانهل بالدمع جفْنه ... كدر حواه سمط نظم الْجَوَاهِر) وَقَالَ السَّيِّد عَليّ صَاحب السلافة (وَللَّه ظَبْي كالهلال جَبينه ... رماني بِسَهْم من جفون فواتر) (جرت بمآقيه الدُّمُوع كَأَنَّهَا ... سقاء فريد فِي شفار بواتر) وللنظام غير ذَلِك مِمَّا رق وراق من الْأَشْعَار الفائقة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف بِمَدِينَة حيدر آباد أَحْمد باشا بن مُحَمَّد باشا الْوَزير الْأَعْظَم الْمَعْرُوف بالفاضل أَحْمد باشا الكوبري الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 القسطنطيني المولد أحد وزراء الدولة العثمانية بل أوحدهم الَّذِي عزت بِهِ السلطنة وافتخرت الدولة وَكَانَ فِي وقته من مفاخره السامية وأفراده المتعالية وَبِه ظهر رونق الزَّمن وَعلا قدر الْفضل وَكَانَ عصره إِلَى أواسط مدَّته أحسن العصور وقته أَنْضَرُ الْأَوْقَات وَلم يكن فِي الوزراء من يحفظ أَمر الدّين وقانون الشَّرِيعَة مثله صعباً شَدِيدا فِي أُمُور الشَّرْع سهلاً فِي أُمُور الدُّنْيَا وَكَانَ حاذقاً مُدبر للْملك قَائِما بضبطه وَملك من نفائس الْكتب وعجائب الذَّخَائِر مَا لَا يدْخل تَحت الْحصْر وَلَا يضْبط بالاحصاء ولد بقسطنطينية وَنَشَأ بهَا واعتنى أَبوهُ بتهذيبه وأقرأه الْعُلُوم حَتَّى مهر وسمت همته نَحْو معالي الْأُمُور وسلك فِي بداية أمره طَرِيق المدرسين ثمَّ عدل إِلَى طَرِيق وَالِده فَتَوَلّى وَأَبوهُ فِي الصدارة الْعُظْمَى ولَايَة أَرض روم ايلي فظهرت كِفَايَته وحمدت طَرِيقَته ثمَّ انْتقل مِنْهَا إِلَى حُكُومَة الشَّام وأعطيها برتبة الوزارة وَذَلِكَ فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وقدمها وَكَانَت أمورها مختلة النظام فأصلها وتقيد فِي أُمُور الْأَوْقَاف وأزال مَا بهَا من محدثات الْوَظَائِف وَغَيرهَا وَركب على أَوْلَاد معن وَبني شهَاب وَأقَام بالبقاع العزيزي أَيَّامًا حَتَّى أزالهم عَن بِلَادهمْ وقمع أهل الْفِتَن وَكَانَ قبل وَطْأَة قدمه دمشق ولغت بهَا أَيدي الْقَحْط حَتَّى عَمها وَبَلغت غرارة الْحِنْطَة فِي الثّمن إِلَى ثَمَانِينَ قرشا فنفع النَّاس فِي جلب الحبوبات من مصر وَأمر هُوَ بالبقاع بعمارة قاعة معظمة دَاخل درا الْإِمَارَة بِدِمَشْق فبنيت على أسلوب عَجِيب وَوضع غَرِيب ثمَّ طلب من الْبِقَاع إِلَى الرّوم فَسَار بالسرعة وعزل عَن حُكُومَة دمشق وجاءه أَمر حُكُومَة حلب وَهُوَ ذَاهِب فِي الطَّرِيق وَلم يدخلهَا وَبعد وُصُوله إِلَى قسطنطينية صَار قَائِما مقَام أَبِيه فِيهَا وَكَانَ السُّلْطَان إِذْ ذَاك بأدرنة وَأقَام أَيَّامًا قَليلَة ثمَّ طلب إِلَى أدرنة وَكَانَ وَالِده قد ابتدأه الْمَرَض فَلَمَّا وَصلهَا صَار قَائِما مقَامه فِي حَيَاته وَبعد أَيَّام قَليلَة توفّي وَالِده فَتَوَلّى مَكَانَهُ وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وأرخ بَعضهم تَوليته بقوله دولته نعْمَة الْإِلَه وسلك طَرِيقا فِي وزارته لم يسْبقهُ إِلَيْهَا أحد وَبلغ من الْأَحْكَام ونفوذ القَوْل مبلغا لَيْسَ فِيهِ مستزاد وَلم يبْق للنَّاس سوى التَّمَسُّك بعنايته ومراعاة حَاشِيَته وَكَانَ صائب الرَّأْي كَامِل الفراسة وَمِمَّا ينْسب إِلَيْهِ من الفطنة أَنه جَاءَهُ يَوْمًا شخص بتوقيع فتفرس فِيهِ أَنه مَصْنُوع فَنَاوَلَهُ لأحد جماعته وَأمره بحفظه وَمضى على ذَلِك سِتّ سنوات فَجَاءَهُ يَوْمًا شخص آخر برقعة فَلَمَّا رَآهَا طلب التوقيع فجيء بِهِ فقابله على الرقعة ثمَّ سَأَلَ صَاحبهَا عَن كاتبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 فَأخْبرهُ بِهِ فَأرْسل إِلَيْهِ فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ أرَاهُ التوقيع وَقَالَ أَلَيْسَ هَذَا بخطك فاعترف بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كتبه فَأمر بِقطع يَمِينه وَعين لَهُ من بَيت المَال مَا يَكْفِيهِ فِي كل يَوْم وقصده الشُّعَرَاء من الْبِلَاد ومدحه جمَاعَة مِنْهُم وَالِدي المرحوم فَإِنَّهُ مدحه بِثَلَاث قصد أحداها الَّتِي أَولهَا (طيف يمثله الغرام بفكره ... أرجا يحار بطيه وبنشره) وَهِي قصيدة فائقة فِي بَابهَا وَكتب إِلَيْهِ رسائل عَجِيبَة الْإِنْشَاء وترجمه تَرْجَمَة استوعب الْمَدْح بِجَمِيعِ أفانينه فِيهَا وَكتب إِلَيْهِ الْأَمِير المنجكي فِي صدر رِسَالَة (يَا سيد الوزراء دَعْوَة مقْعد ... محت الْحَوَادِث رسمه فَعَسَى عَسى) (فَانْظُر إِلَيْهِ برأفة بل رَحْمَة ... يَكْفِيك من جرح الأسا ياما احتسى) (قد كَانَ سحبان الزَّمَان فَضِيلَة ... قطعت علوفته فَأصْبح أخرسا) وَمن الْغَزَوَات الَّتِي وَقعت أَيَّام وزارته وَعين إِلَيْهَا غَزْوَة إيوار عينه السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى فتحهَا فَسَار بِجَمِيعِ العساكر إِلَيْهَا وحاصرها وَوَقع بَينه وَبَين كفار المجر وقْعَة عَظِيمَة ومكروا بعسكره مَرَّات وخلصهم الله تَعَالَى بيمن تَدْبيره ثمَّ افتتحها فِي حادي عشري صفر سنة أَربع وَسبعين وَألف وَهدم مِمَّا يَليهَا قلعة تسمى بالقلعة الجديدة كَانَت الْكفَّار بنوها ليتحصنوا بهَا وَبَعْدَمَا قدم إِلَى مقرّ الدولة وَاسْتقر مُدَّة وَقد قويت شوكته وعظمت مهابته أَمر مخدومه بِالسَّفرِ إِلَى جَزِيرَة كريد لفتح بَلْدَة قندية الَّتِي كَانَت بَقِيَّة فِي هَذِه الجزيرة من بَين بلادها لم تفتح كَمَا شرحنا ذَلِك فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان إِبْرَاهِيم فوصلها فِي خَامِس ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَألف وَبنى بِالْقربِ مِنْهَا مَكَانا كَانَ متهدماً لتهيئة مهمات الْحصار ثمَّ نزلها بِمن مَعَه من العساكر وَكَانَ أَهلهَا حصنوها بأَشْيَاء لَا يُمكن حصرها وأضافوا لسورها سوراً آخر عمروه من دَاخل السُّور الْقَدِيم وَطَالَ الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ مُدَّة ثمَّ افتتحها صلحا فِي غرَّة جُمَادَى الأولى سنة ثَمَانِينَ وَألف ووردت البشائر إِلَى الْأَطْرَاف بالزينة وَكَثُرت تباشير النَّاس بِفَتْحِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن أمرهَا كَانَ بلغ الْغَايَة وَطَالَ حَتَّى مل النَّاس من خَبَرهَا وَأَكْثَرت الشُّعَرَاء من التواريخ لهَذَا الْفَتْح وعملت الْقَصْد العجيبة حَتَّى رَأَيْت بعض الْفُضَلَاء أفرد الْأَشْعَار الَّتِي نظمت فِي ذَلِك وَفِي مدح الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة فبلغت شَيْئا كثيرا وَمن نوادرها التَّارِيخ اللَّفْظِيّ الْمَعْنَوِيّ لصاحبنا الشَّيْخ الْفَاضِل أَحْمد الصَّفَدِي وَهُوَ قَوْله فِي عَام ألف وَثَمَانِينَ عَام وَمن التهنئات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 قصيدة الْعَلامَة الأديب الْمَشْهُور مصطفى بن عُثْمَان البابي الْحلَبِي قَاضِي الْمَدِينَة المنورة الْآتِي ذكره وَهِي من جيد شعره ومطلعها (لَك الله من ندب أذاهم صمما ... وطلاع أنجاد إِذا أم تمما) (نقاب بأعقاب الْأُمُور مُحدث ... كَأَن لَهُ مِنْهَا عَلَيْهَا مسترجما) (إِذا عرضت فِي جَانب الْملك زيغة ... أَرَاهَا قذى الأجفان أَو تتقوما) (وَقَامَ بأعباء الوزارة ناصحاً ... ووطأ فاستقصى وشاد فأحكما) (من النَّضر الغر الألى تركت لَهُم ... عزائمهم فِي غرَّة الدَّهْر مبسما) (إِذا ظمئت بيض الظبا فِي أكفهم ... تحاشوا لَهَا وردا سوى مصدر الظما) (لقد قرنوا بالنجدة الْعلم والتقى ... فقد نظموا طعمين شَهدا وعلقما) (فَفِي الجدب يستسقى بفضلهم احيا ... وَفِي الروع يستسقى ببيضهم الدما) (فيا أَسد الله الَّذِي إِن يحرم الفريسة ... أقراهم من الْأسد مطعما) (لِيَهنك فتح بَشرته سعوده ... بإقبال عز يمْلَأ الأَرْض والسما) (رَأَيْت بِهِ الْإِسْلَام يلتام شعبه ... وَقد كربت أَرْكَانه أَن تهدما) (فعلت بِجَيْش الْكفْر مَا أَنْت فَاعل ... وجرعته كأساً من الذل علقما) (فأخرت حَتَّى لم يجد مُتَأَخِّرًا ... وأقدمت حَتَّى لم يجد مُتَقَدما) (وَمَا اخْتَار موج الْبَحْر إِلَّا لِأَنَّهُ ... رأى موجه من موج سَيْفك أسلما) (فطوقتها طوق الْحَمَامَة نعْمَة ... وَإِنَّا لنَرْجُو فَوْقهَا لَك أنعما) (إِلَى أَن تعود الأَرْض بالأمن كعبة ... حَرَامًا وكل الدَّهْر شهرا محرما) وَبَعْدَمَا مهد أمورها وَبنى مَا كَانَ تهدم أَيَّام الْمُحَاربَة من مساكنها رَجَعَ إِلَى مقرّ حكومته وَكَانَ السُّلْطَان إِذْ ذَاك بأدرنة فَأَقَامَ مُدَّة ثمَّ عينه السُّلْطَان إِلَى محاربة الْقَوْم المعروفين بالليه من النَّصَارَى فَسَار فِي جمع عَظِيم لم يشْهد مثله وافتتح قلعة قمنيجة فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَعَاد إِلَى أدرنة وَأخذ فِي نقض الْأُمُور وإبرامها على الْوَجْه الحميد والرأي السديد ثمَّ تَغَيَّرت أطواره وحببت إِلَيْهِ الْعُزْلَة فَانْقَطع عَن الدِّيوَان وتعاطى الْمصَالح واشتغل باتخاذ الندماء وَكَانَ مَجْلِسه كُله فَوَائِد وَلم ينْسب إِلَيْهِ مَا يشينه سوى بعض التشاغل عَن أُمُور الرّعية وَإِلَّا فقد يُقَال إِن جَمِيع مزايا الْحسن جمعت فِيهِ فحاز من كل وصف كَمَاله وغايته ثمَّ رَحل السُّلْطَان من أدرنة إِلَى قسطنطينية وَذَلِكَ فِي أواسط الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف فَرَحل هُوَ مَعَه فَعِنْدَ وُصُوله ابتدأه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الْمَرَض وَكَانَ ابْتِدَاء مَرضه اليرقان الْأسود وعولج مِقْدَار سِتَّة أشهر فَلم يفد العلاج وَاشْتَدَّ بِهِ إِلَى أَن سَافر السُّلْطَان إِلَى أدرنة فِي شعْبَان من هَذِه السّنة وَخرج هُوَ على أَثَره من الْبَحْر فِي مركب إِلَى بلد سلورية وَوصل من الْبر إِلَى نواحي جور لي فأدركه أَجله فِي قَرْيَة بِالْقربِ مِنْهَا وَغسل بهَا وَأتوا بجنازته إِلَى قسطنطينية فَدفن مِمَّا يَلِي وَالِده بتربته الَّتِي كَانَ أَنْشَأَهَا بدرب الدِّيوَان وَصلى عَلَيْهِ مَكَان دَفنه وَذَلِكَ نَهَار الْأَرْبَعَاء سَابِع عشري شعْبَان سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ قبل وَفَاته وقف كتبه ووضعها فِي خزانَة بالتربة الْمَذْكُورَة ورتب لَهَا أَرْبَعَة حفاظ وفيهَا من نفائس الْكتب مَا لَا يُوجد فِي مَكَان وَأَخْبرنِي بعض من أَثِق بِهِ أَنَّهَا خمنت بِأَرْبَعِينَ ألف قِرْش رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَمِين الدّين بن شهَاب بن أبي الْفضل بن عمر بن أَحْمد بن شرف الدّين الْمَعْرُوف بالداراني الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْوَاعِظ الشَّافِعِي الْمَذْهَب كَانَ فَاضلا دينا خيرا لَهُ صَلَاح وَانْقِطَاع إِلَى الله تَعَالَى وَفِيه سَلامَة طبع وزهد وقناعة قَرَأَ على وَالِده وعَلى الشَّيْخ مُحَمَّد الأسطواني وَأخذ عَن مُحَمَّد البلباني وَمُحَمّد الخباز البطنيني وَعَن الْأُسْتَاذ الْكَبِير إِبْرَاهِيم بن حسن الكوراني نزيل الْمَدِينَة ودرس بِأحد بقع الْمدرسَة العمرية وَكَانَ يعظ بالجامع الْأمَوِي ويدرس بِهِ الْفِقْه وانتفع بِهِ جمَاعَة وَأَنا الْفَقِير من معتقديه ومحبيه فَإِنَّهُ كَانَ فِي جَمِيع أَحْوَاله على حد سَوَاء من الاسْتقَامَة وَالصَّلَاح وَكَانَ النَّاس يعظمونه وَيطْلبُونَ مِنْهُ الدُّعَاء وَهُوَ مَظَنَّة عَظِيمَة للدُّعَاء الصَّالح بل أرى ذَلِك فِيهِ عيَانًا وَكَانَ كثير الْأَمْرَاض نحيف الْبدن قانعاً بضنك الْعَيْش صبوراً وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ خير مَحْض من فرقه إِلَى قدمه وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمسين وَألف تَقْرِيبًا وَتُوفِّي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَانِي عشر صفر سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف وَكَانَت جنَازَته حافلة وَدفن بعد صَلَاة الْجُمُعَة بمقبرة بَاب الصَّغِير والداراني بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة ثمَّ ألف وَرَاء نِسْبَة إِلَى داريا بياء مُشَدّدَة قَرْيَة عَظِيمَة بِدِمَشْق وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا على داراني من شواذ النّسَب لِأَنَّهُ على غير قِيَاس إِذْ الْقيَاس أَن تحذف الْألف الْأَخِيرَة لوقوعها سادسة كَمَا قَالُوا فِي قبعثر فبعثرى ثمَّ تحذف الْيَاء الأولى وتقلب الثَّانِيَة واواً كَمَا قَالُوا قصوى نِسْبَة إِلَى قصي فَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال فِي النِّسْبَة إِلَيْهَا داروي وَالله تَعَالَى أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الصَّفَدِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ثمَّ الْحَنَفِيّ إِمَام الدرويشية صاحبنا الشَّيْخ الْأَجَل الأديب الْفَاضِل اللبيب الشَّاعِر كَانَ فِيمَا تحققته من حَاله كثير الْفضل غَايَة فِي حسن الْأَخْلَاق سخي الطَّبْع لطيف المعاشرة ظريف النُّكْتَة والنادرة حمولاً صَدُوقًا صحبته من سنة أَربع وَسبعين إِلَى أَن مَاتَ فَمَا أنْكرت شَيْئا من أخلاقه وَكَانَ كثير الشّعْر ندي الْقَلَم وشعره عَلَيْهِ مسحة من الطلاوة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِمَّن يُنَوّه بِذكرِهِ وَلَا يهمل إِيرَاد شعره ولد بصفد وَقدم إِلَى دمشق وَمَا جَاوز الْعشْرين بِكَثِير فَأَقَامَ بِجَامِع المرادية مشتغلا بِعلم القراآت وَنسخ الْكتب وَكتب كثيرا ثمَّ قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الشَّيْخ مَنْصُور السطوحي وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر الصفوري واستجازهما فَأَجَازَهُ بمالهما وَحج فَأخذ عَن عُلَمَاء الْحَرَمَيْنِ ثمَّ تقلبت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن صَار شَاهدا بالمحكمة الْكُبْرَى ومحكمة الْبَاب ثمَّ ترك وَصَارَ إِمَامًا بِجَامِع المرحوم درويش باشا وخطيبا بِجَامِع الأغا وسافر إِلَى الرّوم مَرَّات ونال جِهَات ومعاليم ودرس بالعمرية وَوعظ بالجامع فِي يَوْم الاربعاء وَكَانَ يُقيم أَكثر أوقاته بالخلوة بِجَامِع الدرويشية يدرس فِيهَا القراآت والْحَدِيث والعقائد وَالْفِقْه وَالْأَدب وَله من التآليف منظومة فِي العقائد وَكتاب جمع فِيهِ ألف حَدِيث رتبها على حُرُوف المعجم وَجمع من شعره ديوانا فَسرق ثمَّ جمع آخر أَكْثَره من شعره المستجد بعد ذَلِك وظفر فِي مسوداته بِبَعْض الْمَسْرُوق فألحقه وَكنت فِي بعض الْأَحَايِين أداعبه إِذا قَرَأت لَهُ شعرًا من الدِّيوَان الْمَذْكُور فَأَقُول لَهُ أَظن هَذَا من الشّعْر الْمَسْرُوق فيفطن للغرض فيبتسم وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَن الشَّيْخ مصطفى بن سعد الدّين كَانَ دعاءه وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ النابلسي وَعين يَوْمًا للدعوة ثمَّ عرض لَهُ مَانع فَأرْسل يعْتَذر إِلَيْهِمَا وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث وَسبعين فأرخ شَيخنَا تبطيله الدعْوَة الشَّيْخ قلب وتوارد مَعَه صَاحب التَّرْجَمَة مؤرخاً بقوله قلب الشَّيْخ وَكنت كثيرا مَا استنشده التاريخين وَأَقُول لَهُ أرى الشَّيْخ قلب الشَّيْخ قلب وَمن مستظرفاته مَا كتبه إِلَى شَيخنَا النابلسي الْمَذْكُور يستدعيه إِلَى روض وأرخ الدعْوَة بقوله (مَجْلِسنَا عبد الْغَنِيّ نزهة ... لناظر خَال عَن الْخَوْض) (فشرفونا واحضروا عندنَا ... فَنحْن فِي التَّارِيخ فِي روض) وَوَقع بيني وَبَينه مخاطبات نظماً ونثراً كَثِيرَة فَمن ذَلِك مَا كتبه إِلَيّ وَأَنا بالروم قَوْله (على الحبر الْأَجَل الْمُسْتَقيم ... طراز الْجُود ذِي الْفضل العميم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 (كثير الْخَيْر مِفْتَاح العطايا ... شرِيف النَّفس وَالنَّفس الْكَرِيم) (مُحَمَّد الْأمين وَمن تسامى ... بديع الصنع ذِي النّظر السَّلِيم) (عليم الْبَحْر من فن القوافي ... وبحر الْعلم ذِي الْقدر الجسيم) (بليغ النّظم مُنْتَظم اللآلئ ... طَوِيل الباع ذِي الْحلم الْحَلِيم) (كريم فاق فِي الْآفَاق ذكرا ... وَعم الأَرْض بِالْعلمِ الْعَلِيم) (سَلام من سَلام من سَلام ... قويم من قويم فِي قويم) (عَظِيم الْعرف كالمسك الذكي ... غضيض الطّرف كالورد الشميم) (ومصحوبا بخيرات حسان ... ورضوان بجنات النَّعيم) (فيغشى الْحبّ فِي روض أنيق ... ويلثم تربه لثم النديم) (وَفِي التَّقْبِيل عني نَاب أَنِّي ... كثير النوح فِي اللَّيْل البهيم) (من الأشواق شقّ الْقلب مني ... وأحرق مهجتي بعد الْحَمِيم) (لذيذ الْعَيْش عِنْدِي صَار مرا ... وَإِنِّي للفراق كَمَا السقيم) (فَإِن ألقيت طيفك فِي خيالي ... توقد فِي الحشا حمر الْجَحِيم) (وَلما جَاءَ طرس مِنْك حلى ... بنظم صَار كالدر النظيم) (فأنعشني وَلَكِن زَاد شوقي ... إِلَى لقياك فِي وجد عَظِيم) (فيا مولَايَ دم بِالْخَيرِ واسلم ... مدى الْأَيَّام بِالْفَضْلِ العميم) فَكتبت إِلَيْهِ الْجَواب (تذكر لَذَّة الْعَيْش الْمُقِيم ... فحن لذَلِك الْعَهْد الْقَدِيم) (وَبَات مؤرقا يطوي ضلوعا ... على شغف بشادنه الرخيم) (سقى عهدي بِهِ نوء الغوادي ... يرويهِ بصيبه العميم) (أَو أَنا كنت أجني فِي حماه ... ثمار الْحَظ فِي الرَّوْض النَّعيم) (وأروي فِيهِ زاهية القوافي ... عَن الصَّفَدِي كالدر النظيم) (بِأَلْفَاظ أرق من الحميا ... وألطف من محادثة النديم) (وأندى من رَبًّا هبت عَلَيْهَا ... صبا فاحت معطرة الشميم) (بروحي ثمَّ بِي أفدى سميري ... وَمن أَدْعُوهُ بالخل الْحَمِيم) (وَمن هُوَ فِي الحفيظة لَيْسَ يمشي ... على غير الصِّرَاط الْمُسْتَقيم) (أديب الدَّهْر مُخْتَار الْمعَانِي ... وفرد الْعَصْر ذُو الْقدر الجسيم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 (تملك كل وصف مستجاد ... بِحسن الْخلق والطبع السَّلِيم) (أيا مولَايَ دمت حفيظ ودي ... فودك من فُؤَادِي بالصميم) (بعثت إِلَيّ بالغر اللواتي ... تعرفنِي بأسلوب الْحَكِيم) (أَنْت نحوي على مضضي فَحلت ... حُلُول الْبُرْء فِي جسم السقيم) (وقاك الله من نكدي وحزني ... وحياني بمنظرك الوسيم) (وَدم تنتاشني من خطب دهر ... رماني بالنوى الصعب الذميم) (اجلك أَن يكون إِلَيْك هَذَا ... جوابي لَا من الوشي الرقيم) (فعذرا أَن فكري فِي انقباض ... تقاضاه التنائي كالغريم) (إِذا استنتجت مِنْهُ بعض شَيْء ... فينتجه من الشكل الْعَقِيم) وَكَانَت وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى نَهَار الْجُمُعَة سادس عشرى شهر ربيع الثَّانِي سنة مائَة وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَلم يُجَاوز السِّتين بِكَثِير وَقلت أرثيه (لهفي على الصَّفَدِي فَرد الدَّهْر من ... لعلاه كف المكرمات تُشِير) (طود الْفَضَائِل دكه حكم القضا ... فالأرض من أقْصَى التخوم تمور) (فَانْظُر ترى عجبا وَقد سَارُوا بِهِ ... جبلا غَدا فَوق الرِّجَال يسير) الشريف أَحْمد بن مَسْعُود بن حسن بن أبي نمى الشريف الحسني أحد أَشْرَاف مَكَّة صَاحب الْأَدَب البارع والأشعار السائرة المرغوبة ذكره ابْن مَعْصُوم فِي السلافة فَقَالَ فِي تَرْجَمته نَابِغَة بني حسن وباقعة الفصاحة واللسن الساحب ذيل البلاغة على سحبان والسائر بأفعاله وأقواله الركْبَان أحد السَّادة الَّذين رووا الحَدِيث برا عَن بر والساسة الَّذِي فتقت لَهُم ريح الجلاد بعنبر فاقتطفوا نور الشّرف من روض الْحبّ الأنضر وجنوا ثَمَر الوقائع يانعاً بالعز من ورق الْحَدِيد الْأَخْضَر كَانَت لَهُ همة تزاحم الأفلاك وتراغم بعلو قدرهَا الْأَمْلَاك لم يزل يطْلب من نيل الْملك مَا لم يَفِ بِهِ عدده وعدده وَلم يمده من الْقَضَاء مدده ومدده فاقتحم لطلبه برا وبحرا وقلد للملوك بمدحه جيدا ونحرا لم يسعفه أحد وَلم يساعد إِذا عظم الْمَطْلُوب قل المساعد وَكَانَ قد دخل شهارة من بِلَاد الْيمن فِي حدى الجماديين من سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وامتدح بهَا إمامها مُحَمَّد بن الْقَاسِم بقصيدة رَاح بهَا ثغر مديحه ضَاحِكا باسم وَطلب مساعدته على تَخْلِيص مَكَّة المشرفة لَهُ وإبلاغه من تحليته بولايتها امله وَكَانَ ملكهَا إِذْ ذَاك الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 فَأَشَارَ فِي بعض أبياتها إِلَيْهِ وَطعن فِيهَا بسنان بَيَانه عَلَيْهِ ومطلعها (سلا من دمي ذَات الخلاخل وَالْعقد ... بِمَاذَا استحلت أَخذ روحي على عمد) (فَإِن أمنت أَن لَا تقاد بِمَا جنت ... فقد قيل أَن لَا يقتل الْحر بِالْعَبدِ) مِنْهَا وَهُوَ مَحل الْغَرَض (أغث مَكَّة وانهض فَأَنت مؤيد ... من الله بِالْفَتْح المقوض وَالْجد) (وَقدم أَخا ود وَأخر مباغضا ... يساور طَعنا فِي الْمُؤَيد وَالْمهْدِي) (ويطعن فِي كل الْأَئِمَّة مُعْلنا ... ويرضى عَن ابْن الْعَاصِ والنجل من هِنْد) فَلم يحصل مِنْهُ على طائل إِلَّا مَا أجَازه من فضل ونائل فَعَاد إِلَى مَكَّة المشرفة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأقَام بهَا سنتَيْن ثمَّ توجه إِلَى الديار الرومية فِي أواسط شهر ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين قَاصِدا ملكهَا السُّلْطَان مُرَاد خَان فورد عَلَيْهِ قسطنطينية الْعُظْمَى مقرّ ملكه وَاجْتمعَ بِهِ ومدحه بقصيدة فريدة وَسَأَلَهُ فِيهَا تَوليته مَكَّة المشرفة وأنشده إِيَّاهَا فِي أَوَاخِر شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف ومطلعها قَوْله (أَلا هبي فقد بكر النداما ... وَمَج المرج من ظلم الندى مَا) فَيُقَال أَنه أَجَابَهُ إِلَى ملتمسه وَمرَاده وأرعاه من مقْصده أخصب مُرَاده وَلَكِن مدت إِلَيْهِ يدا لهلك قبل نيل الْملك وَقيل أجزل صلته فَقَط فقد طمعه عَمَّا تمناه وقط وَلم يعد إِلَى مَكَّة وَتُوفِّي فِي تِلْكَ السّنة أَو الَّتِي تَلِيهَا وظفرت فِي آثَار السَّيِّد مُحَمَّد بن العرضي الْحلَبِي بِذكرِهِ فِي تَرْجَمَة أفردها لَهُ وَهِي من محَاسِن الْمَقُول فَذَكرتهَا تَتِمَّة للفائدة وَالْمَقْصُود التطرية وَمَا تمّ لَهَا أحسن من الْكَلَام الْمُهَذّب الْجَارِي عَن أَمْثَال هَذَا فَقَالَ فِي حَقه النقاب ابْن النقاب وَمن غذي بلبان أبي تُرَاب نبغة من الشَّجَرَة النَّبَوِيَّة الزاكية النجار المعجونة طينتها برند نجد والعرار طلع علينا بحلب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف طُلُوع الْبَدْر فِي الدراه وَألقى بهَا عَصا التسيار وَكَأَنَّهُ من الْكَوَاكِب السيارة فَنزل مِنْهَا بصدر رحيب وقابلته بتأهيل وترحيب وكل من أبنائها تشوق لنزوله عِنْده فِي السعَة قَائِلا بِلِسَان الْحَال هَلُمَّ يَا ابْن رَسُول الله إِلَى الرَّاحَة والدعة فَأبى أَن ينزل الْأَعْلَى أفقر بَيت فِي الْمَدِينَة وَأَصْلحهُ هُوَ بَيت الشَّيْخ الزَّاهِد نَاصِر الدُّنْيَا وَالدّين الْمَعْرُوف بالصائغ وَمن ذيله بِالطَّهَارَةِ الدِّينِيَّة ضاف وسابغ مقتديا فِي ذَلِك بجده رَسُول الله حِين دخل الْمَدِينَة فَكَانَ كلما مر على دَار من دور الْأَنْصَار يَدعُونَهُ إِلَى الْمقَام عِنْدهم يَا رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 هَلُمَّ إِلَى الْقُوَّة والمنعة فَيَقُول خلوا سَبِيلهَا يَعْنِي النَّاقة أَنَّهَا مأمورة وَلم يَزُجّ من زمامها وَلم يحولها وَهِي تنظر يَمِينا وَشمَالًا حَتَّى إِذا أَتَت دَار مَالك بن النجار بَركت على بَاب الْمَسْجِد وَهُوَ يَوْمئِذٍ لسهل وَسُهيْل ابْني رَافع بن عَمْرو وهما يتيمان فِي حجر معَاذ بن عفراء وَيُقَال أسعد بن زُرَارَة وَهُوَ الْمُرَجح ثمَّ ثارت وَهُوَ عَلَيْهَا حَتَّى بَركت على بَاب أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ ثمَّ ثارت مِنْهُ وبركت فِي مبركها الأول وَأَلْقَتْ جِرَانهَا بِالْأَرْضِ يَعْنِي بَاطِن عُنُقهَا أَو مقدمها من المذبح ورزمت يَعْنِي صوتت من غير أَن تفتح فاها فَنزل عَنْهَا رَسُول الله وَقَالَ هَذَا الْمنزل إِن شَاءَ الله وَاحْتمل أَبُو أَيُّوب رَحْله وَأدْخلهُ بَيته وَمَعَهُ زيد بن حَارِثَة وَكَانَت دَار بني النجار أَوسط دور الْأَنْصَار وأفضلها وهم أخوال عبد الْمطلب جده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَذَا فِي الْمَوَاهِب اللدنية للقسطلاني عود إِلَى تَمام سيرة ابْن هِشَام وَابْن سيد النَّاس وَخير الْأَنَام الني هِيَ أزكى من الرَّوْض الْأنف يفتر عَن زهر الكمام ثمَّ انثالت إِلَيْهِ من أَبنَاء الشَّهْبَاء عُيُون أعيانها من وُجُوه علمائها واشرافها الَّذين هم إِنْسَان حدقة انسابها انثيال الدّرّ إِلَى الْوَاسِطَة من عقد النَّحْر واحتفت بِهِ احتفاف النُّجُوم بالبدر فَمن دَعَاهُ نَادِيه فلباه حظي بإقبال وَجهه وطلعة محياه فرأيناه يحاضرنا بأخبار الشريف الرضي من وَجه مذْهبه فِي البلاغة وضي وَطَرِيقه وَهُوَ أَخُو المرتضى مرضى ويلهج كثيرا بأخباره ويحفظ أغلب أشعاره فمدحته بقصيدة مطْلعهَا (لله أكناف بخيف ... طابت وطاب بهَا وُقُوفِي) إِلَى أَن قلت فِي التَّخَلُّص إِلَى المديح (وَإِذا طلبت عريفهم ... ولأنت بالفطن العريف) (فَهُوَ الشريف ابْن الشريف ... ابْن الشريف ابْن الشريف) فقابل لَدَى إنشادها طَربا وَأظْهر إعجابا بهَا وعجبا قَائِلا لَا فض الله فَاك وَكثر من أمثالك فَقلت اسْتَجَابَ الله دعَاك كَمَا اسْتَجَابَ من جدك رَسُول الله حِين أنْشدهُ النَّابِغَة الْجَعْدِي (بلغنَا السما مجدا وجودا وسوددا ... وَإِنَّا لنَرْجُو فَوق ذَلِك مظْهرا) فَقَالَ لَهُ إِلَى أَيْن يَا ابْن أبي ليلى قَالَ إِلَى الْجنَّة يَا رَسُول فَقَالَ أجل ثمَّ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 (وَلَا خير فِي حكم إِذا لم يكن لَهُ ... حَكِيم إِذا مَا أورد الْأَمر أصْدرَا) فَقَالَ لَا فض الله فَاك فَبلغ عمره مائَة سنة وَلم يتَغَيَّر لَهُ سنّ بل كَانَ أحسن النَّاس ثغرا ثمَّ قصد الشريف الْمَزْبُور دَار السلطنة فلقي سُلْطَان الْوَقْت إِذْ ذَاك مُرَاد الْغَازِي ومدحه بقصيدته الَّتِي مطْلعهَا قَوْله (أَلا هبي فقد بكر النداما ... وَمَج المرج من ظلم الندى مَا) مِنْهَا (فيا ملك الْمُلُوك وَلَا أحاشي ... وَلَا عذرا أسوق وَلَا احتشاما) (أنفت بأنني أَلْقَاك مِنْهُم ... بِمَنْزِلَة الرِّجَال من الْأَيَامَى) (إِلَى جدواك كلفنا المطايا ... دواما لَا نفارقها دواما) (صلينَا من سموم القيظ نَارا ... تكون ببردك الناشي سَلاما) (وخضنا الْبَحْر من ثلج إِلَى أَن ... حسبناه على البيدا الكماما) (نَؤُم رحابك الفيح اشتياقا ... ونأمل مِنْك آمالا جِسَامًا) (وَمن قصد الْكَرِيم غَدا أَمِيرا ... على مَا فِي يَدَيْهِ وَلنْ يضاماا) (وحاشا بحرك الْفَيَّاض أَنا ... نرد بغلة عَنهُ هياما) (وَقد وافاك عبد مستهيج ... ندى كفيك والشيم الضخاما) (وَحسن الظَّن يقطع لي بِأَنِّي ... أنال وَإِن سما مِنْك المراما) (وَلَا بدع إِذا وافاك عاف ... فَعَاد يَقُود ذَا الْجب لهاما) (فقد نزل ابْن ذِي يزن طريدا ... عَليّ كسْرَى فأنزله شماما) (أَتَى فَردا فآب يجر جَيْشًا ... كسا الآكام خيلا والرغاما) (بِهِ استبقى جميل الذّكر دهرا ... وَأَنت أجل من كسْرَى مقَاما) (وَسيف لَو سمادوني فَإِنِّي عصامي وأسموه عظاما) (بفاطمة وابنيها وطه ... وحيدرة الَّذِي أشفى السقاما) (عَلَيْهِم رَحْمَة تهدي سَلاما ... يكون لنشرها مسكا ختاما) (وَفِي أملي بِأَن يجْزِيك عني ... بِي عَفوه ويطفي الأواما) (فَخذ بيَدي وسنمنى محلا ... بقربي مِنْك فِيهِ لن أسامى) (وهب لي منصبي لتنال أجري ... وشكري مَا بقيت بهَا لزاما) (فقد لعبت بِبَيْت الله حَقًا ... زعانف يسْتَحلُّونَ الحراما) (أغثه فَلَيْسَ مسئول غَدَاة ... الْمعَاد سواك إِن بعثت قيَاما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 (وَفك أَسِير أسر لَيْسَ يرضى ... بِأَن يغشى وَإِن خَفِي الملاما) (فَقل سل تعط أَعْطَاك الَّذِي لم ... يخف نقصا وَلم يخْش انتقاما) (مدى الْأَيَّام تخْفض ذَا اعوجاج ... وترفع من أطاعك واستقاما) (وَدم فِي دَار عمرك والأعادي ... تمنى فِي مضاجعها الحماما) قَوْله فقد نزل الأبيات يلمح إِلَى قصَّة سيف ذِي يزن لما تغلبت الْحَبَشَة على ملك الْيمن فَنزل بكسرى مستنجدا فأمده بِجَيْش انقشعت بِهِ غمامتهم فَعَاد سيف قرير الْعين إِلَى ملكه وَسكن غمدان قصره وَرجع إِلَى صولته وفتكه فانثالت عَلَيْهِ وُفُود الْعَرَب بالتهنئة من كل فج عميق وَكَانَ من جُمْلَتهمْ عبد الْمطلب جدا النَّبِي وَهُوَ إِذْ ذَاك معرف قُرَيْش العريق وَالنَّبِيّ رَضِيع فِي المهاد محفوف بعيون الْعِنَايَة والاسعاد فَأخْبرهُ سيف أَنه سينجم أمره ويطلع بدره فِي قصَّة يطول شرحها مستوفاة فِي كتب السّير فَجعل صَاحب التَّرْجَمَة نَفسه كسيف وسلطان الْوَقْت ككسرى وَكَانَ الْأَنْسَب أَن يَجْعَل سُلْطَان الْوَقْت كقيصر لكَونه ملك الرّوم إِلَّا أَنه تحاشى عَن ذَلِك لكَون قَيْصر لما قَصده سيف لم ينجده وَلم يجبهُ إِلَى مُرَاده بل اعتذر إِلَيْهِ بانا نَحن والحبشة اخوان لكوننا جَمِيعًا أهل كتاب فَرجع من عِنْده خائبا قَالَ العرضي وَكَانَت رفادة الْبَيْت وسقاية الْحَاج الْمعبر عَنْهَا الْآن بسلطنة الْحَرَمَيْنِ مفوضا أمرهَا إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة إِلَّا أَنه فاضت فِي زمن تَوليته فتن ادت إِلَى خلعه وتولية ابْن عَمه الشريف زيد بن محسن بن حُسَيْن فسكن بيمن تَوليته نابض الْفِتْنَة وأخمد بِنور طلعته نَار المحنة وَكَذَا النُّور يخمد النيرَان فَلم يقر لصَاحب التَّرْجَمَة قَرَار دون أَن ينشر على رَأسه لواؤها وَالْعلم فَركب ابله وَجعل اللَّيْل جمله يفلي شعر الفلاة بِمشْط كل حافر ومنسم فَوجه تِلْقَاء مَدين دَار السلطنة العادلة رجاه ضَارِبًا بعصا تسياره أَحْجَار عرصاتها لينجز لَهُ مَا يترقبه ويتمناه من انعطاف السلطنة إِلَيْهِ ثَانِيًا فَلِذَا استماح سُلْطَان الْوَقْت بقوله وَقد أضحى لعنان همته ثَانِيًا ثمَّ ذكر قِطْعَة من قصيدته الْمُتَقَدّمَة قلت قد وقفت لَهُ على أشعار كَثِيرَة ذكرت مِنْهَا فِي النفحة الَّتِي ذيلت بهَا على الريحانة حِصَّة وافرة وقصيدته السينية الَّتِي مطْلعهَا قَوْله (حث قبل الصَّباح نجب كؤوسي ... فَهِيَ تسرى مسرى الفذافي فِي النُّفُوس) سائرة مَشْهُورَة فَلَا حَاجَة إِلَى ذكرهَا هُنَا وَكَانَ نظمها فِي طرسوس الْبَلدة الْمَعْرُوفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 قرب طرابلس الشَّام فَإِنَّهُ كَانَ مر عَلَيْهَا قادما من نَاحيَة مصر على طَرِيق السَّاحِل وَبعد مَا عَاد من الرّوم مَاتَ فِي الطَّرِيق وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَاخِر سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الْأَمِير أَحْمد بن مطاف أَمِير الْأُمَرَاء بحلب ذكره أَبُو الْوَفَاء العرضي فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي تَرْجَمته لم يزل يتدرج إِلَى المناصب حَتَّى تولى كَفَالَة حلب وَفِي تِلْكَ الْأَيَّام وَقع الْحَرِيق فِي سوق العطارين وَذهب للنَّاس أَمْوَال كَثِيرَة مَعَ أَن هَذَا الْأَمر لم يعْهَد فِي حلب قيل سَببه أَن بَعضهم نسي فِي الشقف بعض نَار وَقيل أَن جمَاعَة الكافل فعلوا ذَلِك عمدا حَتَّى يغرموا النَّاس الْأَمْوَال وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَالَّذِي قَالَه بعض أَرْبَاب الْعُقُول الْحَسَنَة أَن هَذَا الْأَمر وَقع من غفل رجل عَن النَّار وَظهر فِي زَمَنه من الْعَرَب فَسَاد كثير من قطع الطَّرِيق وَأخذ أَمْوَال النَّاس حَتَّى ركب ابْنه درويش بك بعساكر حلب نَحْو ألف فَارس وَكَانَ أَمِير الْعَرَب عرار خَال دندن فَاقْتَتلُوا وَانْهَزَمَ عَسْكَر حلب فَكَانَ عرار يتبعهُم وَحده وَيقتل مِنْهُم ويفرّ وَمن تَحْتَهُ فرسه الَّتِي لَا تسابق وَعَلِيهِ الدرْع الَّذِي لَا تعلم فِيهِ السِّهَام وَلَا السيوف قيل وَلَا المكاحل وَاسْتمرّ يتبعهُم إِلَى قرب حلب وَكَانَ عرار فِي الشجَاعَة والفروسية لَا يُطَاق وعاش درويش بعد وَالِده مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ من أكَابِر أَعْيَان المتفرقة وَحصل لَهُ الْقبُول التَّام عِنْد نصوح باشا وسعى على قتل السَّيِّد حُسَيْن نقيب الْأَشْرَاف بتحسين أَخِيه السَّيِّد لطفي قَائِلا لَهُ إِن أخي يفعل كَذَا وَيفْعل كَذَا وَسَيَأْتِي خبر قتل السَّيِّد حُسَيْن ثمَّ لما وَقعت الْفِتْنَة بَينه وَبَين حُسَيْن باشا ابْن جانبولاذ وَكَانَ يتهم درويش بك فِي أَنه هُوَ الَّذِي حسن لنصوح باشا كل هَذِه الْأُمُور فَلَمَّا ملك حُسَيْن باشا حلب وَصَارَ كافلها حبس درويش بك فِي القلعة وخنقه لَيْلًا وعلقه على بَاب الْحَبْس وَقَالَ إِن درويش بك هُوَ الَّذِي قتل نَفسه تجَاوز الله عَن الْجَمِيع وَكَانَ قَتله فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَأَبوهُ صَاحب التَّرْجَمَة مَاتَ قبله وَهُوَ باني الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بِهِ بحلب وَقد شَرط لمدرسها فِي الْيَوْم عشر قطع فضية فِي قَول عشْرين عثمانياً صَحِيحا وَاتخذ لَهُ ثَلَاثِينَ جُزْءا من كتاب الله تَعَالَى وَهُوَ ختم كَامِل وَبنى لَهُ مدفناً وَله خَان وَبَعض دكاكين وَقفهَا على هَذِه الْخيرَات وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان بعد الْألف وَدفن بمحلة الجلوم رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد السطيحة بن المقبول بن عبد الْغفار بن أبي بكر بن المقبول تعيش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الصَّائِم رَمَضَان فِي المهد ابْن أبي بكر صَاحب الْخَال الْأَكْبَر بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن أبي الْأَوْلِيَاء سُلْطَان العارفين بِاللَّه أَحْمد بن عمر الزَّيْلَعِيّ صَاحب اللِّحْيَة الَّذِي قَالَ فِي شَأْنه الْوَلِيّ الْكَبِير أَبُو الْغَيْث بن جميل حِين زَارَهُ وتعاطى خدمته بِنَفسِهِ وَقد سَأَلَ تلامذته عَنهُ وَعَن سَبَب تعاضيه خدمته بِنَفسِهِ دون غَيره من أَتْبَاعه أَنه مَا على الله الْآن أكْرم مِنْهُ وَأَن لَهُ لِوَاء يعرف بِهِ يَوْم الْقِيَامَة وأكون أَنا وَأَنْتُم تَحت لوائه الإِمَام الْعقيلِيّ أحد أَوْلِيَاء الله تَعَالَى الْكِبَار الَّذين اشتهروا فِي سَائِر الأقطار فعمت بركاته وعظمت حالاته مولده اللِّحْيَة وَبهَا نَشأ وأقعد وَهُوَ صَغِير وَأخذ عَن أكَابِر الشُّيُوخ وَعنهُ أَخذ كثير من العارفين مِنْهُم الْخَتْم الإلهي أَحْمد بن مُحَمَّد القشاشي وَالْوَلِيّ الشهير مَقْبُول المحجب الزَّيْلَعِيّ وَغَيرهمَا وَمن كراماته أَن بعض السَّادة جَاءَهُ وَهُوَ مقْعد وَكَانَ يتَعَلَّم الْقُرْآن وَهُوَ صَغِير جدا فَقَالَ لَهُ فِي أُذُنه لما رأى الْأَطْفَال قَامُوا يتمشون ويلعبون بعد انفضاضهم من الْقِرَاءَة نقيمك يَا سطيحة تمشي مَعَهم فَقَالَ لَهُ مجيباً إِن أقمتنا أقعدناك فصاح وَخرج هَارِبا وَمِنْهَا أَنه قبل مَوته بأيام كَانَ يَقُول لزوجته إِذا مت فَلَا تصيحوا وَلَا تنوحوا عَليّ فَإِنِّي مُتَوَجّه من مَكَان إِلَى آخر وَهِي تَقول لَهُ وَكَانَت هِيَ أَيْضا من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مَا يُمكن نخالف عَادَة أهل بلدنا فَإِذا لم نَفْعل ذَلِك يعيبوننا وَيَقُولُونَ إِنَّك عندنَا ممتهن فَقَالَ لَهَا إِن كُنْتُم تَفْعَلُونَ ذَلِك تفتشون عَليّ مَا تجدوني فَلَمَّا مَاتَ ناحوا عَلَيْهِ وَبكوا فَلَمَّا جهزوه وَأتوا بِهِ إِلَى الْمَسْجِد للصَّلَاة عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هم ينتظرون إِمَام الْمَسْجِد ليُصَلِّي عَلَيْهِ جَاءَ بعض النَّاس ومسه ليتبرك بِبدنِهِ فَلَمَّا وضع يَده على السَّاتِر الَّذِي يضعونه فَوق التابوت على الْمَيِّت لم يجده فِي التابوت فَأخْبر النَّاس فضحوا وتحيروا وصاروا يفتشون عَلَيْهِ ويظنون أَنه سقط حَتَّى جَاءَ بعض أكَابِر السَّادة بني الزَّيْلَعِيّ فَأَمرهمْ أَن يقرؤا سُورَة يس أَرْبَعِينَ مرّة فَلَمَّا أتموها وجدوه مَكَانَهُ وَكَانَت وَفَاته نصف لَيْلَة الْأَحَد ثامن شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف باللحية وَدفن بِقرب تربة جده الْفَقِيه أَحْمد بن عمر الزَّيْلَعِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى الْمولى أَحْمد بن نور الله البولوي نزيل قسطنطينية الْمَعْرُوف بذكي قَاضِي الْقُدس الشريف أحد من لَقيته من فضلاء اروم وأدبائها البارعين وَهُوَ أمثلهم فِي معرفَة فنون الْأَدَب واللغة وأرواهم للشعر الْعَرَبِيّ وأحفظهم للوقائع وَالْأَخْبَار وَكَانَ مَعَ ذَلِك متقناً للفقه والفرائض والصول كثير الْإِحَاطَة بمسائلها وَقد جمع إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 تَحْقِيق الْعَجم فصاحة الْعَرَب وَكَانَ أستاذي عَلامَة الرّوم الْمولى شيخ مُحَمَّد بن لطف الله الْمَعْرُوف بعزتي يعظمه وَيعرف قدره ويقدمه وَهُوَ أحد أَتْبَاعه وملازميه وَصَحبه إِلَى دمشق ومصر أَيَّام قَضَائِهِ فيهمَا وولاه فيهمَا الْقِسْمَة وَكنت وَأَنا بالروم لَزِمته للأخذ عَنهُ والتلقي مِنْهُ فَقَرَأت عَلَيْهِ أصُول الْفِقْه وَأخذت عَنهُ الْفَرَائِض وَالْعرُوض ورسالة الرّبع وَهُوَ أَخذ عَن خَاله الْعَلامَة الْكَبِير الْمولى أَحْمد وَعَن غَيره ونفع الطّلبَة فِي ابْتِدَاء أمره مُدَّة فِي إقراء الْعُلُوم ثمَّ إِنَّه مَال إِلَى سلوك طَرِيق الموَالِي فدرس بعدة مدارس بقسطنطينية إِلَى أَن وصل إِلَى الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بوفاء برتبة السلميانية وَأعْطى مِنْهَا قَضَاء الْقُدس فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف وَقدم إِلَى دمشق وَأَنا بهَا فاجتمعت بِهِ ثمَّ سَار إِلَى الْقُدس وسلك فِي قَضَائِهِ بهَا مسلكاً معتدلاً ثمَّ عزل وَقدم إِلَى دمشق فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَتِسْعين وَمرض بهَا مُدَّة أَيَّام ثمَّ توجه إِلَى الرّوم وَهُوَ مَرِيض فَمَاتَ فِي الطَّرِيق بِمَدِينَة أركلة أَوَاخِر صفر سنة خمس وَتِسْعين وَألف وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد بن يحيى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن رَجَب خطيب دمشق وَابْن خطيبها الْمَعْرُوف بالبهنسي الْحَنَفِيّ أحد الْعلمَاء الرؤساء النبلاء كَانَ عَالما وجيهاً كثير التَّخْصِيص والتنغم وافر الْعِزَّة وَالْحُرْمَة مَحْفُوظًا فِي الدُّنْيَا موقراً عِنْد الْخَاصَّة والعامة قَرَأَ فِي أول أمره على وَالِده وَأخذ عَنهُ النَّحْو وَأخذ النَّحْو والمعاني عَن الشَّيْخ الشَّمْس ابْن المنقار وَالْحسن البوريني وَالْفِقْه عَن أَبِيه وَغَيره وتصدر للإقراء وانتفع بِهِ جمَاعَة وسافر مَعَ أَبِيه إِلَى الرّوم ولازم من قَاضِي الْعَسْكَر الْمولى مُحَمَّد بن بُسْتَان وانفصل عَن بعض مدارس الْأَرْبَعين وناب فِي خطابة الْجَامِع الْأمَوِي عَن وَالِده ثمَّ أعطيها بعد موت أَبِيه وَأفْتى بِدِمَشْق نِيَابَة عَن الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ مفتي الْحَنَفِيَّة لما حج فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَكَذَا لما مَاتَ الْمُفْتِي الْمَذْكُور فِي سنة إِحْدَى وَخمسين إِلَى أَن وجهت للعلامة مُحَمَّد بن قباد الْمَعْرُوف بالسكوتي الْآتِي ذكره وَتوجه إِلَى الْقُدس وَإِلَى الْحَج فِي سنة خمس وَأَرْبَعين ودرس بالعادلية الصُّغْرَى والعذراوية وَفرغ عَن العذراوية آخرا إِلَى زوج ابْنَته عبد اللَّطِيف بن عَليّ الكريدي وَكَانَت وِلَادَته فِي منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي منتصف جُمَادَى الآخر ة سنة سِتّ وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من بِلَال الحبشي رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 الشَّيْخ أَحْمد بن يحيى بن حسن بن نَاصِر الْحَمَوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْمُؤَذّن الْفَقِيه الشَّافِعِي القادري الطَّرِيقَة خطيب جَامع السُّلْطَان بِمَدِينَة حماه وَكَانَ عَالما محققاً مطلعاً واعظاً مُعْتَقدًا رَحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا عَن الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ وَغَيره من عُلَمَاء الْأَزْهَر وتفوق وبرع وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة وَأخذ بهَا عَن الْحسن البوريني وَغَيره وتصدّر للإفادة بحماة فَانْتَفع بِهِ جمَاعَة وذاع ذكره ثمَّة بِالْعلمِ وَالصَّلَاح وَكَانَت وَفَاته فِي رَجَب سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف بحماة وَقد جَاوز السِّتين هَكَذَا أَخْبرنِي وَلَده الشَّيْخ الصَّالح مُحَمَّد فِي منزلي بِدِمَشْق الشَّيْخ أَحْمد بن يحيى بن يُوسُف بن أبي بكر بن أَحْمد بن أبي بكر بن يُوسُف بن أَحْمد الْحَنْبَلِيّ الكرمي نِسْبَة لطور كرم من قرى نابلس ثمَّ الْقُدس كَانَ من الْعلمَاء العاملين والأولياء الزاهدين ولد بِبَيْت الْمُقَدّس فِي سنة ألف وَقَرَأَ الْقُرْآن بطور كرم وَأخذ الطَّرِيق عَن الْعَارِف بِاللَّه مُحَمَّد العلمي ورحل إِلَى الْقَاهِرَة سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وَأخذ بهَا الْفِقْه وَغَيره عَن عَمه مرعي الْحَنْبَلِيّ وَعَن مَنْصُور البهوتي ويوسف الفتوحي الحنبليين وَأخذ النَّحْو عَن مُحَمَّد النَّحْوِيّ والفرائض والحساب عَن عبد الْمُنعم الشرنوبي والْحَدِيث عَن الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ وَعلي الأَجْهُورِيّ وَكثير وَكَانَ ملازماً لِلْعِبَادَةِ بمكانه الْمَعْرُوف بِجَامِع الْأَزْهَر مشتغلاً بالعلوم الدِّينِيَّة لَا يتَرَدَّد إِلَى أحد من أَرْبَاب الدُّنْيَا قانعاً باليسير من الرزق متقيداً بِصَلَاة الْجَمَاعَة فِي الصَّفّ الأول فِي الْأَوْقَات الْخَمْسَة قَلِيل الْكَلَام حسن السِّيرَة جَامعا لصفات الْخَيْر لَيْسَ فِيهِ شَيْء يشينه فِي دينه ودنياه حكى عَن وَلَده الشَّيْخ الْفَاضِل عبد الله أَنه رأى الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي النّوم ثَلَاث مَرَّات أَولهَا رأى الْمَلَائِكَة قد أَخَذُوهُ إِلَى النَّار فَإِذا بمناد من الْحق سُبْحَانَهُ لَيْسَ من أَهلهَا اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْجنَّة فَقَامَ من نَومه فَرَأى نَفسه فِي الْجَامِع الْأَزْهَر وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين بِقرب تربة عَمه مرعي رحمهمَا الله تَعَالَى السَّيِّد أَحْمد بن يحيى بن عمر الْحَمَوِيّ الْمَعْرُوف بالعسكري الشَّافِعِي مفتي الشَّافِعِيَّة بحماة الْعَالم الْعلم الفصيح الْعبارَة الْكَامِل الأدوات قَرَأَ على أَبِيه وعَلى الشَّيْخ سرى الدّين بن مُحَمَّد الْبكْرِيّ الشراباتي وَكَانَ فَقِيها فرضياً حسابياً أديباً لبيباً ودرس بعد أَبِيه بِالْمَدْرَسَةِ العصرونية بحماة وَكَانَت وَفَاته فِي ثَالِث عشر رَمَضَان سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَسَيَأْتِي أَبوهُ السَّيِّد يحيى إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 الْمولى أَحْمد بن يُوسُف الْمُفْتِي الْأَعْظَم الْمَعْرُوف بالمعيد الْمجمع على فَضله وديانته وتبحره فِي الْعُلُوم ورزق من الْحَظ والإقبال فِي أُمُوره مَا لم يكن لأحد من أهل عصره ولد بقرية قازطاغى وَقدم قسطنطينية واشتغل بالعلوم حَتَّى مهر فِيهَا ثمَّ صَار من طلبة الْمولى مُحَمَّد فهمي الْمَعْرُوف بِابْن الحنائي وَصَارَ معيد درسه فِي مدرسة عَليّ باشا الجديدة وشهرته بالمعيد لذَلِك ثمَّ لَازم مِنْهُ بعد انْفِصَاله عَن الْمدرسَة الْمَذْكُورَة واختص بالعلامة الْمُحَقق الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْغَنِيّ صَاحب الْحَاشِيَة على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ الْآتِي ذكره وَكَانَ كثير التقشف مداوماً على الْعِبَادَة وعلماء الرّوم ينظرُونَ إِلَيْهِ نظر التوقير ويتوسمون فِيهِ الصّلاح والفلاح ثمَّ درس بعد ذَلِك على قاعدتهم حَتَّى وصل إِلَى إِحْدَى مدارس السُّلْطَان سُلَيْمَان وَولي مِنْهَا قَضَاء دمشق نَهَار الْأَرْبَعَاء حادي عشر شهر رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَكَانَت سيرته فِي حكوماته مرضية جدا وَولد لَهُ فِي دمشق ولد سَمَّاهُ يحيى الشَّامي وَذَلِكَ فِي سَابِع ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقيل فِي تَارِيخه قدوم يحيى عَلَيْك عيد وعزل فِي ثَالِث يَوْم من وِلَادَته وَتُوفِّي ابْنه الْمَذْكُور ثَانِي يَوْم عَزله ثمَّ سَار إِلَى قسطنطينية وَبعد مُدَّة صَار قَاضِيا بِمصْر فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وعزل عَنْهَا وَولي بعد ذَلِك قَضَاء أدرنة وقسطنطينية وَقَضَاء الْعَسْكَر بأناطولي فِي عشرى ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَوَقع بَينه وَبَين الْعَلامَة يُوسُف بن أبي الْفَتْح الدِّمَشْقِي إِمَام السُّلْطَان امتحان بِسَبَب أَنه تخطاه فِي مجْلِس أحد الصُّدُور وَجلسَ فَوْقه وتباحثا فِي بعض مسَائِل من عُلُوم مُتَفَرِّقَة سأذكرها فِي تَرْجَمَة الْفَتْح إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِنَّهَا كثيرا مَا تطب وَيسْأل عَنْهَا وَذَاكَ محلهَا فَإِن الفتحى هُوَ السَّائِل وَله على لأجوبة إشكالات دقيقة المسلك وبسببها ظهر الفتي عَلَيْهِ فِي الْبَحْث فَأعْطى رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلي لِيَتَقَدَّم فِي الْجُلُوس على المعيد وَاسْتمرّ المعيد قَاضِي الْعَسْكَر باناطولي إِلَى أَن سَافر السُّلْطَان مُرَاد إِلَى بَغْدَاد وسافر هُوَ بخدمته حَتَّى وصلوا إِلَى ازنكميد فأهان رجلا من جمَاعَة الْمُفْتِي الْأَعْظَم الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّا فَغَضب السُّلْطَان عَلَيْهِ لذَلِك وعزله وَوجه إِلَيْهِ فضاء بلغراد مَعَ فتواها فَتوجه إِلَيْهَا وَكَانَ بعض المنجمين بشره بالفتوى فظنها هِيَ وَلم يعلم أَن الْفَتْوَى الْعُظْمَى مدخرة لَهُ ثمَّ أذن لَهُ بِالْعودِ من بلغراد وَأعْطى ثَانِيًا قَضَاء الْعَسْكَر باناطولي وَنقل مِنْهَا بعد مُدَّة إِلَى قَضَاء عَسْكَر روم ايلي فَأَقَامَ بهَا مُدَّة طَوِيلَة وعزل ثمَّ أعْطى منصب الْفَتْوَى فِي نَهَار الاربعاء خَامِس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 عشري ذِي الْحجَّة سنة خمس وَخمسين وَألف وأرخ تَوليته قَاضِي الْقُضَاة الشهَاب أَحْمد الخفاجي الْمُقدم ذكره بقوله (إِنِّي لأشكر دَهْرنَا ... مذ زَاد فِي الْحسنى وَأحمد) (إِذْ صير الْفَتْوَى إِلَى ... أتقى أهالي الْعَصْر أَحْمد) (أرخته فِي نَصره ... لشريعة الْمُخْتَار أَحْمد) (أمعيد شرع مُحَمَّد ... بِكَمَالِهِ وَالْعود أَحْمد) وَبنى مدرسة بقسطنطينية تجاه دَاره بِالْقربِ من جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد الفاتح وَمَات وَهُوَ مفت فِي خَامِس شهر ربيع الأول سنة سبع وَخمسين وَألف وَدفن بمدرسته الْمَذْكُورَة وَخلف مَالا جزيلاً وَلم يعقب إِلَّا بأنثى وقازطاغى بقاف ثمَّ ألف وزاي ثمَّ طاء وَألف وغين مُعْجمَة ثمَّ يَاء قَصَبَة مَعْرُوفَة قرب مَدِينَة بروسة سميت باسم جبل قريب مِنْهَا فَقَوْلهم قازطاغى أَي جبل الأوزفان القاز الأوز وطاغ الْجَبَل عَادَتهم تَقْدِيم الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف وازنكميد بِكَسْر الْهمزَة وَالزَّاي وَسُكُون النُّون وَكسر الْكَاف وَالْمِيم ثمَّ دَال والعامة تَقول ازميد بَلْدَة ببروسة وَالله تَعَالَى أعلم الشَّيْخ أَحْمد بن يُونُس بن أَحْمد بن أبي بكر الملقب شهَاب الدّين العيثاوي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي أحد شُيُوخ الْعلمَاء الأجلاء بِالشَّام المتصدين للإفتاء والتدريس ونفع النَّاس وَكَانَ عَالما ورعاً جليل الْقدر نبيه الذّكر جيد الملكة سليم الطَّبْع وَكَانَ ألطف الْأَشْيَاخ عبارَة وأجودهم تقريراً وَله من التآليف متن على طَرِيق الْإِرْشَاد فِي فقه الشَّافِعِي سَمَّاهُ الحبب وَشَرحه شرحاً لطيفاً سَمَّاهُ بالخبب فِي الْتِقَاط الحبب وَله غير ذَلِك من تحريرات رسائل وَأفْتى مُدَّة طَوِيلَة وانتفع بِهِ كثير من الْمُتَأَخِّرين الْفُضَلَاء وَعنهُ أخذُوا وَعمر حَتَّى لم يبْق من أقرانه فِي دمشق وحلب ومصر والحجاز أحد وَكَانَ لَهُ فِي الْولَايَة شَأْن عَال وأخبار عَجِيبَة قَرَأت فِي ثَبت الشَّيْخ مُحَمَّد المكبتي مِمَّا أرويه وأنقله عَن السَّادة الأخيار أَن عجاناً عجن عجينه بِالنَّهَارِ ثمَّ خبزه وأتى الْجَامِع فَتَوَضَّأ وَصلى الظّهْر واضطجع يُرِيد صَلَاة الْعَصْر فاسترسل بِهِ النّوم إِلَى وَقت السحر وَإِذا بِرَجُل شعل الْقَنَادِيل الَّتِي فَوق محراب الْمَالِكِيَّة وَعمد إِلَى الْبَاب الَّذِي يجْرِي فِيهِ مَاء الْحَنَفِيَّة ففتحه حَتَّى دخلت مِنْهُ رجال نَحْو الْأَرْبَعين فَلَمَّا رَآهُمْ العجان ظن أَن الصَّلَاة للمغرب أَو الْعشَاء فجَاء الْقَوْم وَاصْطَفُّوا منتظرين لإمامهم فَإِذا صَلَاة الْعشَاء قد أُقِيمَت للعيثاوي فَتقدم وَصلى إِمَامًا ثمَّ إِن الْقَوْم جاؤا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 إِلَيْهِ يَلْتَمِسُونَ مِنْهُ الْبركَة وَجَاء العجان على إثرهم فخاطبه وَأمره بِالْكِتْمَانِ مُدَّة الْحَيَاة ولد بِدِمَشْق وَقَرَأَ الْقُرْآن على الشهَاب أَحْمد بن النبيه ثمَّ قَرَأَ الْفِقْه والنحو على الشَّيْخ البارع تَاج الدّين ثمَّ لزم وَالِده الْفَقِيه الْكَبِير يُونُس ثمَّ أمره وَالِده بملازمة فَقِيه الْعَصْر أقضى الْقُضَاة نور الدّين عَليّ النَّسَفِيّ الْمصْرِيّ نزيل دمشق فلازمه سِنِين حَتَّى تبحر فِي الْفِقْه وَحضر بأَمْره أَيْضا دروس الْعَلَاء بن عماد الدّين وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّمْس مُحَمَّد بن طولون وَغَيره وَقَرَأَ فِي القراءآت على أستاذ الْقُرَّاء الشهَاب الطَّيِّبِيّ وَصَحب فِي طَرِيق الْقَوْم ومذاكرة الْعُلُوم الشهَاب أَحْمد بن الْبَدْر الْغَزِّي واصطحب فِي الطَّرِيق أَيْضا الشَّيْخ عبد الرَّحِيم الصَّالِحِي وَأَجَازَهُ الْبَدْر الْغَزِّي بالفتوى بعد وَفَاة الطَّيِّبِيّ وَأخذ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم الْحسن البوريني وَالشَّيْخ مُحَمَّد الجوخي والشرف الدِّمَشْقِي والنجم الْغَزِّي وَغَيرهم وَكَانَ أفقه أهل زَمَانه وَعَلِيهِ الْمعول فِي الْفَتْوَى وَمن بَينهم وَاخْتلف هُوَ والعلامة إِسْمَاعِيل النابلسي الشَّافِعِي فِي بِنَاء المنارة الْبَيْضَاء الَّتِي بنيت على كَنِيسَة النَّصَارَى دَاخل دمشق بمحلة الخراب فَأفْتى النابلسي بِعَدَمِ بنائها حذرا من أَن يكون إشهار الْأَذَان بهَا سَببا لسب النَّصَارَى لدين الْإِسْلَام وَنظر إِلَى الْآيَة {وَلَا تسبوا الَّذين يدعونَ من دون الله} الْآيَة وَأفْتى العيثاوي بِجَوَاز بنائها وَكَانَ الْبَانِي لَهَا عَلَاء الدّين بن الحجيج التَّاجِر الْكَبِير وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة مصطفى بن بُسْتَان مائلاً إِلَى مَا أفتى بِهِ العيثاوي ونائب الشَّام حسن باشا بن مُحَمَّد باشا مائلاً إِلَى مَا أفتى بِهِ النابلسي ثمَّ بنيت بِأَمْر القَاضِي بعد أَن بذل النَّصَارَى للوزير مَالا جماً وَألف العيثاوي فِي بنائها رِسَالَة لَطِيفَة وَكَانَ ذَلِك قبل التسعين والتسعمائة وَتَوَلَّى من الْوَظَائِف إِمَامَة الْجَامِع الْأمَوِي وخطابة الْجَامِع الْجَدِيد الْمَعْرُوف بالجامع الْمُعَلق خَارج بَاب الفراديس وَنصف خطابة التوريزية خَارج دمشق بمحلة قبر عَاتِكَة ودرس بالعمرية والعزيزية ثمَّ الظَّاهِرِيَّة ثمَّ الشامية البرانية وَوعظ بالجامع الْأمَوِي وجامع السُّلْطَان سُلَيْمَان وسافر إِلَى الْحصن وَإِلَى طرابلس الشَّام مرَّتَيْنِ لصلة أرحامه وَكَانَ لَهُ ثمَّ خؤلة وسافر إِلَى حلب مرَّتَيْنِ أَيْضا كِلَاهُمَا فِي مصلحَة أهالي دمشق الأولى سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف هُوَ وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وَآخَرُونَ بشكاية إِلَى الْوَزير مُرَاد باشا بِمَا وَقع بِدِمَشْق ونواحيها من عَليّ بن جانبولاذ وفخر الدّين بن معن وأحزابهما وعتوّهما فِي بِلَاد دمشق والقصة مَشْهُورَة وَسَتَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 فِي تَرْجَمَة ابْن جانبولاذ فِي حرف الْعين إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالثَّانيَِة فِي سنة خمس وَعشْرين لرفع التَّكْلِيف عَن أهل دمشق بِسَبَب سفر الْعَجم الْوَاقِع فِي تِلْكَ السّنة وَأَقْبَلت عَلَيْهِ أهالي حلب للأخذ عَنهُ وعظموه تَعْظِيمًا بليغاً وَرَأَيْت أَبَا الْوَفَاء العرضي يثني عَلَيْهِ فِي تَارِيخه كثيرا وَذكر علمه وورعه وَهُوَ فِي نفس الْأَمر أهل لكل وصف حسن وَكَانَ مرض مرّة عَاما كَامِلا وَكَانَ ابْتِدَاء مَرضه فِي عيد الْأَضْحَى سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وانْتهى فِي عيد الْأَضْحَى من الْعَام الْقَابِل فعيده الْحسن البوريني وَأنْشد لنَفسِهِ قَوْله (شهَاب الْمَعَالِي وَبدر الدجى ... وَمن مِنْهُ كل الورى تستفيد) (نذرت الصّيام ليَوْم الشفا ... وَكَيف يَصُوم الْفَتى يَوْم عيد) قَالَ النَّجْم الْغَزِّي فِي ذيله الْمُسَمّى بلطف السمر فِي أَعْيَان الْقرن الْحَادِي عشر أَخْبرنِي مرَارًا أَن مولده فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وتمرض بحمى الرّبع وَتُوفِّي فِي مستهل ذِي الْحجَّة سنة خمس وَعشْرين وَألف عَن أَربع وَثَمَانِينَ سنة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَقَالَ أَبُو بكر الْعمريّ فِي تَارِيخ وَفَاته (يَا أَخا الْعلم خَاضَ بَحر الْفَتَاوَى ... وَغدا الدّين دامي الطّرف أرمد) (مَاتَ غوث الْأَنَام من كَانَ يستسقى ... بِهِ الْغَيْث وَالْخَلَائِق تشهد) (شَيخنَا العيثوي بل شيخ أهل الْعَصْر ... طرّ ادْع جَاهِلا فِيهِ فند) (شَافِعِيّ الزَّمَان مَالك أَسبَاب ... الْعُلُوم الَّتِي بهَا النَّاس ترشد) (قل إلهي إِذا دَعَوْت وأرخ ... ارْحَمْ العيثوي عَبدك أَحْمد) والعيثاوي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة ثمَّ يَاء مُثَلّثَة وَألف مَقْصُورَة نِسْبَة إِلَى عيثاقرية من قرى الْبِقَاع العزيزي من ضواحي دمشق وَيُقَال فِي النِّسْبَة إِلَيْهَا عيثوي أَيْضا كَمَا اسْتَعْملهُ الْعمريّ وعيثالغة عامية وَكَانَ وَالِده يُونُس قدم مِنْهَا إِلَى دمشق وتوطنها ذكره البوريني أَحْمد بن يُونُس وَزِير شرِيف مَكَّة السَّيِّد إِدْرِيس بن الْحسن كَانَ شَدِيد الْبَأْس ذَا قُوَّة وَعدد ومدد وطار صيته فِي الْآفَاق وَأكْثر الدخل وَأَقل الْإِنْفَاق وَكَانَ ذَا تَدْبِير لأحواله حَتَّى جَاوز الْحُدُود فَوَقع مَا قَضَاء الله تَعَالَى وَذَلِكَ أَنه لما استفحل أمره وَعظم صَارَت الْأُمُور كلهَا منوطة بِرَأْيهِ فتعدى طوره وَلم يقف عِنْد حَده فتوافق الشريف إِدْرِيس والشريف محسن على عَزله فَأرْسل الشريف إِدْرِيس وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 إِذْ ذَاك بالمبعوث إِلَى الْقَائِم مقَامه بِمَكَّة السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب يَأْمُرهُ بِأخذ الْمهْر مِنْهُ وَهُوَ مهر الْعرُوض وَأرْسل الشريف محسن إِلَى الْقَائِد ياقوت بن سُلَيْمَان وَكَانَ وزيره بِأخذ مهره مِنْهُ فَفعل كل مَا أَمر بِهِ وَكَانَ الْأَخْذ الْمَذْكُور صَبِيحَة عَاشر رَمَضَان سنة سِتّ وَعشْرين وَألف فشاع فِي الْبَلَد عَزله وَأرْسل الشريف إِدْرِيس إِلَى الْقَائِد ريحَان بن سَالم حَاكم مَكَّة يَأْمُرهُ بالوصول إِلَيْهِ إِلَى الشرق فَقدم إِلَيْهِ فقلده منصب الوزارة فوصل إِلَى مَكَّة فِي الشَّهْر الْمَذْكُور فَلَمَّا كَانَ آخر الْعشْر الثَّانِي من رَمَضَان وصل الْخَبَر للسَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور بِأَن الْقَائِد أَحْمد يُرِيد الرّكُوب عَلَيْك وَقد اجْتمعت عِنْده الْعدَد والمدد وَوصل الْخَبَر إِلَى الْقَائِد أَحْمد بذلك أَيْضا فَركب كل مِنْهُمَا وألبس ووقف عِنْد بَاب دَاره ثمَّ انجلى الْأَمر وَظهر أَن مَا أخبر بِهِ كل مِنْهُمَا لَيْسَ لَهُ أصل وَأرْسل السَّيِّد مُحَمَّد إِلَى الشريف إِدْرِيس والشريف محسن يعرفهما بذلك وَلما كَانَ الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان ذهب الْقَائِد أَحْمد إِلَى الْمَبْعُوث وَأقَام هُنَاكَ فجَاء الْأَمر إِلَى السَّيِّد مُحَمَّد بِأخذ أَمْوَاله من دَاره وكل ماهو لَهُ وَأَن يحْتَفظ على ذَلِك فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْعِيد فرق السِّلَاح على الْعَسْكَر آخر اللَّيْل وَنزل إِلَى الْمَسْجِد وَصلى صَلَاة الْعِيد فَقَط وبرز من الْمَسْجِد قبل الْخطْبَة وعزم بالجيش إِلَى بَيت الْقَائِد الْمَذْكُور فختم على أَمْوَاله وَأمر أَن ينزل الْبَعْض مِنْهَا إِلَى الْبَلَد وَاسْتمرّ إِلَى بعد صَلَاة الْعَصْر فَنزل هُوَ والجيش بعد أَن احتاط بِبَقِيَّة الْأَمْوَال وَقبض على جمَاعَة من المنسوبين إِلَيْهِ وحبسهم بعد أَن ختم على بُيُوتهم ثمَّ فكوا بعد وُصُول الشريف إِدْرِيس إِلَّا إِبْرَاهِيم بن أَمِين كَاتبه وَأعظم المقربين إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يزل مسجوناً إِلَى أَن قضى الله عَلَيْهِ وَأما الْقَائِد أَحْمد فَإِنَّهُ اسْتمرّ بالمبعوث فثارت بسبه فِي ثَانِي شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فتْنَة أدَّت إِلَى الادراع ولإلباس ثمَّ رَحل إِلَى كلاح فَأَقَامَ بهَا ثمَّ رَجَعَ مِنْهَا إِلَى جِهَة الشَّام فَلَمَّا أَن كَانَ فِي أثْنَاء الطَّرِيق رَجَعَ فوصل إِلَى الشريف إِدْرِيس وَهُوَ بالشرق فِي السّنة الْمَذْكُورَة فسجنه وكبله بالحديد ثمَّ إِنَّه قَتله فِي الْعَام الْمَذْكُور فِي مَحل يُقَال لَهُ وَادي النَّار وَدفن هُنَاكَ عَفا الله عَنهُ أَحْمد الأحمدي الصعيدي من بَيت بني أَحْمد قَرْيَة من أَعمال الْمنية كَانَ مَاشِيا على طَرِيق الْقَوْم بِكَثْرَة الْعِبَادَة محباً للْفُقَرَاء وَالْعُلَمَاء صوفياً زاهداً عَمت إمداداته واشتهر صيته وَكَانَ يحجّ سنة وَيتْرك أُخْرَى مَعَ إدامته لخشونة عيشه وَكَانَ رُبمَا لبس الخيش وَكَانَ كثيرا مَا ينشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 (أقنع بلقمه وشربة مَاء وَلبس الخيش ... وَقل لقلبك مُلُوك الأَرْض راحوا بإيش) وَكَانَ كثير الْفِكر وَالذكر وَالصَّلَاة على النَّبِي وَأخْبر أَنه رأى النَّبِي وَأَنه إِذا زَارَهُ سمع مِنْهُ رد السَّلَام عَلَيْهِ كَانَت وَفَاته فِي سنة سبع بعد الْألف ذكر وَفَاته الْمَنَاوِيّ فِي طبقاته وَهُوَ عُمْدَة وَذكر الشلي أَن وَفَاته فِي رَجَب سنة عشر بعد الْألف وَلَا أَدْرِي عَمَّن نقل هَذَا وَالله أعلم الشَّيْخ أَحْمد المغربي الْمَالِكِي شيخ الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق والمتكلم عَلَيْهِم بعد الْعَلَاء ابْن المرحل كَانَ فَاضلا دينا وَفِيه خير وَصَلَاح وكلمته نَافِذَة عِنْد الْحُكَّام وَله استقامة لَا يتَكَلَّم فِي أحد بِسوء ولي نظارة الْجَامِع الْأمَوِي فحمدت سيرته وَكَانَ ينتدب الْأَوْقَاف فيعمرها مَعَ التوفير فِي المصارف ووسع الطرقات إِلَى الْجَامِع فَوسعَ بَاب الْبَرِيد بِتَأْخِير تخوته إِلَى خلف ووسع سوق السِّلَاح وَكَانَت وَفَاته فِي إِحْدَى الجمادين سنة ثَمَان وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى خَان أَحْمد الكيلاني الشريف الْحُسَيْنِي سُلْطَان بِلَاد كيلان من بَيت السلطنة أَبَا عَن جد وَكَانَ مَعَ كَونه من الْمُلُوك أحد أَفْرَاد الْعَالم فِي الْعُلُوم الرياضية والحكمية حصل علم الْهَيْئَة والهندسة والفلك وَكَانَ يدرس القوشجي فِي الْهَيْئَة وَكَانَ إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي الموسيقى وَالشعر الْفَارِسِي وَإِذا نظم غزلاً ربطه فِي أصوات ونغمات وَكَانَ طهماسب شاه قد اعتقله فِي قلعة دهقهه فِي بِلَاد الْعَجم وَمكث بهَا معتقلاً سِنِين عديدة وَكَانَ ولد طهماسب شاه إِسْمَاعِيل مَحْبُوسًا عِنْده فَقَالَ لَهُ أطلقني الله من الْحَبْس وولاني أَمر النَّاس فَللَّه عَليّ أَن أطلقك وأوليك بلادك فاتفق أَن الله تَعَالَى أطلقهُ وَأَعْطَاهُ سلطنة العراقين وأذربيجان وشروان وشيراز وخراسان وهمدان وبلاد الْجبَال فَأخْرجهُ من دهقهة لَكِن وَضعه فِي قلعة اصطخر وَقَالَ لَهُ أُرِيد أرسلك إِلَى بلادك مَعَ مزِيد التَّعْظِيم فَلم تطل مُدَّة إِسْمَاعِيل وَمَات ثمَّ استخرجه الشاه أعمى أَخُو إِسْمَاعِيل الْمُسَمّى بخداي بنده مُحَمَّد عِنْدَمَا تولى السلطنة بِاتِّفَاق أُمَرَاء قزلباش وَكَانَت إِقَامَته فِي زمن سلطنة أَبِيه وأخيه الشاه إِسْمَاعِيل فِي شيراز فَلَمَّا مَاتَ أَخُوهُ إِسْمَاعِيل لم يَجدوا فِي بَيت السلطنة ذكرا قَابلا للْملك سوى هَذَا فقالو اهو من بَيت السلطنة لَيْسَ إِلَّا فَنحْن نوليه ملك أَبِيه وَلَو كَانَ أعمى فَلَمَّا تولى السلطنة أرسل إِلَى خَان أَحْمد واستخرجه من اصطخر وولاه بِلَاد كيلان كَمَا كَانَ فَلم يزل بهَا إِلَى أَن أَخذ سُلْطَان الْإِسْلَام السُّلْطَان مُرَاد بن سليم غَالب عراق الْعَجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وكل عراق الْعَرَب وأذربيجان وشروان وبلاد الكرج فَلَزِمَ إِن شاه عَبَّاس بن خداي بنده الضَّرِير الْمَذْكُور أرسل عسكراً وافراً فَأخذُوا كيلان من يَد خَان أَحْمد فهرب مَعَ جمَاعَة معدودين إِلَى جَانب السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُرَاد فَدخل عَلَيْهِ وامتدحه بقصيدة عَظِيمَة يحثه فِيهَا على أَخذ كيلان من يَد شاه عَبَّاس وَأهْدى لَهُ شمعداناً مرصعاً قيل إِنَّه خمن بِثَمَانِينَ ألف دِينَار وَلم يحصل على مُرَاده من الْعَسْكَر وَذهب إِلَى بَغْدَاد بِإِذن السُّلْطَان فَمَاتَ بهَا فِي سنة تسع بعد الْألف الشَّيْخ أَحْمد الضوي الْمصْرِيّ الْمَعْرُوف بِأبي لبد لِأَنَّهُ كَانَ يتعمم بعدة برد وَيَضَع على رَأسه عقدَة لبد ويجعلها وَاحِدَة فَوق وَاحِدَة المجذوب الْيَقظَان الهائم السَّكْرَان كَانَ مُقيما بقلمه بِقرب قليوب لَا يأوي غَالِبا إِلَّا للكيمان وَكَانَ بَينه وَبَين النُّور ابْن العظمة الْآتِي ذكره مَا يكون بَين الأقران حَتَّى أَنه لم يدْخل مصر مُدَّة حَيَاته مهابة لَهُ وَله كرامات وأحوال غزيرة مِنْهَا مَا حَكَاهُ الحمصاني أَنه دخل على والدته ذَات يَوْم فَقَالَ أعندك شَيْء آكله فَقَالَت لم يكن عِنْدِي إِلَّا جبن فَقَالَ بلَى عنْدك لبن ادخرتيه لزوجك وَكَانَت ادّخرته لَهُ كَمَا قَالَ وَلم تعلم بِهِ أحدا قَالَ الحمصاني وَكَانَ لَهُ اطلَاع على الخواطر مَا وقف إِنْسَان تجاهه إِلَّا كاشفه بِمَا عِنْده وَمِنْهَا أَنه وجد غزالة مَعَ رجل بسوق طنان فَقَالَ لَهُ بِعني هَذِه فَقَالَ أَعْطَيْت خمسين نصفا فَقَالَ لَهُ خُذ هَذَا ثمنهَا فَوضع فِي يَده خَمْسَة أَنْصَاف فَأَعَادَهَا لَهُ وَقَالَ لَهُ أَقُول لَك أَعْطَيْت خمسين فَمَا يزَال يدفعهم لَهُ بعينهم وَفِي كل مرّة يزِيدُونَ وَيَقُول هم الثّمن إِلَى أَن صَارُوا خمسين وَله غير ذَلِك وَتُوفِّي فِي سنة سبع عشرَة بعد الْألف الشَّيْخ أَحْمد الْمَدْعُو حَمده المجذوب الصاحي كَانَ كشفه لَا يكَاد يتَخَلَّف وَكَثِيرًا مَا يخبرنا بالشَّيْء قبل وُقُوعه قَالَ الْمَنَاوِيّ قَالَ الْوَلَد يَعْنِي وَلَده زين العابدين الْآتِي ذكره مَا تلبست بِحَال إِلَّا كاشفني بِهِ وَهُوَ مُقيم عِنْد نسَاء بِبَاب الْفتُوح يخدمهن وبعضهن بغيات وَمَا مَاتَ أحد مِنْهُنَّ إِلَّا عَن تَوْبَة وَرُبمَا صَار بَعضهنَّ من أهل المقامات وَيذْهب كل يَوْم من بَاب الْفتُوح إِلَى بَاب زويلة يجمع لَهُنَّ دَرَاهِم من أَرْبَاب الحوانيت قَالَ وَقَالَ لي الحمصاني لَقيته مرّة وَإِذا بولدك قادم فَقَالَ لَهُ أَصبَحت فِينَا صيرفياً وَمن لم تستجوده فَلَيْسَ عبقرياً طَاعَتك علينا حكم الْفَرْض لَا نصدر إِلَّا عَن رَأْيك فِي الطول وَالْعرض وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَائِل سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وَدفن فِي الرَّوْضَة خَارج بَاب النَّصْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 الشَّيْخ أَحْمد الأحمدي الْمصْرِيّ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى المرشد الْمَعْرُوف بالسيحي ذكره أَحْمد العجمي فِي مشيخته قَالَ فِي تَرْجَمته تَلا الْقُرْآن على مُحَقّق عصره الشَّيْخ أَحْمد بن شيخ الشُّيُوخ عبد الْحق النباطي وَلَزِمَه وَأخذ عَنهُ وَأخذ عَن عُلَمَاء عصره الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَكَانَ فِي عداد طبقَة الْمَشَايِخ الْكِبَار بل أكبر مِنْهُم حَالا ومقالاً وَكَانُوا كلهم يعظمونه ويوقرونه ويتبركون بِهِ ثمَّ ارتحل من مصر بِإِشَارَة بعض أَرْبَاب الْأَحْوَال فَطَافَ الْبِلَاد الْبَعِيدَة على قدم التَّجْرِيد المجاهدة والتوكل وَدخل بَغْدَاد والكوفة وَالْبَصْرَة وَمَا وَرَاء تِلْكَ النواحي ثمَّ عَاد إِلَى مصر فابتنى مَسْجِدا بجوار مشْهد الشُّهَدَاء بالمنوفية وَأقَام فِيهِ لإقراء النَّاس الْقُرْآن فَانْتَفع بِهِ خلائق لَا يُحصونَ وَكَانَ يَجِيء إِلَى مصر فِي كل عَام مرّة يجلس أَحْيَانًا بِجَامِع الْأَزْهَر وَأَحْيَانا بمدرسة السيوفية وَالنَّاس يزدحمون عَلَيْهِ ثمَّ يعود إِلَى مَسْجده هَذَا دأبه مُدَّة حَيَاته وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمسجده وضريحه يزار رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد المغربي القيرواني الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِصَاحِب السَّعَادَة أحد أَعَاجِيب الزَّمَان ونوادره كَانَ فِي مبدأ أمره خرج من بِلَاده وَهُوَ متقن لمعارف وأفانين كَثِيرَة فِيهِ فضل وأدب فوصل إِلَى الرّوم وَاخْتَلَطَ بأدبائها وَلم يزل مُقيما بهَا حَتَّى صَار مُسْتَوْفيا بِبِلَاد الْيمن ورحل إِلَيْهَا فصادف بهَا حاكمها حيدر باشا فانخرط فِي سلك ندمائه وَلم يزل عِنْده فِي مكانة سامية حَتَّى وقف على جملَة من هزلياته فنفر عَنهُ وَعرض فِيهِ إِلَى جَانب السُّلْطَان فعزل وسافر إِلَى الرّوم فولي الْحُكُومَة بِمَدِينَة مرعش وَبَعْدَمَا صرف عَنْهَا حط بِهِ الدَّهْر إِلَى أَن بَقِي مُنْفَردا لَا يملك من حطام الدُّنْيَا إِلَّا مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب وَورد دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة أَخْبرنِي من كَانَ لَهُ وقُوف على حَاله أَنه كَانَ فَاسد الرَّأْي كثير الأزراء بِنَفسِهِ وَمن عَجِيب أطواره أَنه كَانَ يلبس ثوبا من الليف الْبُرُلُّسِيّ سوى أكمامه فَكَانَ يصنعها من الْكَتَّان الرفيع الفاخر وَكَانَ لَهُ ناسومتان إِحْدَاهمَا عتيقة يلبسهَا فِي أغلب أوقاته وَأُخْرَى جَيِّدَة يصطحبها دَاخل الْكيس مُعَلّق فِي خرامة إِذا أَرَادَ الدُّخُول على أحد من الْأَعْيَان لبسهَا وَوضع العتيقة مَكَانهَا فِي الْكيس إِلَى أَن يخرج فيعيدها وَكَانَ لَهُ مَعَ أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْمقري صُحْبَة أكيدة فَلَمَّا قدم الْمقري دمشق كَانَ لَا يُفَارِقهُ وبسببه اتَّحد مَعَ عُلَمَاء دمشق مِنْهُم أَحْمد الشاهيني وَلما رَحل الْمقري من دمشق أَقَامَ هُوَ بهَا فَتغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 (لَهَا برص بِإِحْدَى إسكتيها ... كعنفقة الفرزدق حِين شَابًّا) غير أَن الفرزدق نظام وَهَذَا من جملَة الْعَوام بل الْهَوَام أَو جحظة الْبَرْمَكِي الَّذِي يَقُول فِيهِ ابْن الرُّومِي (نبئت جحظة يستعير جحوظه ... من فيل شطرنج وَمن سرطان) (وارحمتا لمنادميه تحملوا ... ألم الْعُيُون للذة الآذان) خلا أَن منادم هَذَا يجمع بَين الألمين بَين ألم الْأذن وألم الْعين أَو هُوَ أَبُو زيد الَّذِي قَالَ فِيهِ الصاحب (انْظُر إِلَى وَجه أبي زيد ... أوحش من حبس وَمن قيد) (وحوشه ترتع فِي ثَوْبه ... وظهره يركب للصَّيْد) بيد أَن أَبَا زيد أثبت لَهُ الصاحب صفة الصَّيْد وَهُوَ لَا يكون إِلَّا لوزير أَو لأمير ابْن أَمِير وَهَذَا الفاتك المتناسك كَأَنَّهُ حجام أَو حائك أَو هُوَ عَيَّاش الَّذِي قَالَ فِيهِ أَبُو تَمام (أيا من أعرض الْعَالم طرّاً عَنهُ من بغضه ... وَيَا من بعضه يشْهد بالبغض على بعضه) (وَيَا أثقل خلق الله من ماش على أرضه ... وَيَا أقذر مَخْلُوق تناهى الْخلق فِي رفضه) (وَمن عاف مليك الْمَوْت ... واستقذر من قَبضه) وَأقسم بِاللَّه أَن قدر عَيَّاش مَا بَين الأوباش بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا القلاش فِي المعاش كنسبة أبي تَمام لبَعض أراذل الْعَوام وَلَيْسَ فِي نفس الْأَمر إِلَّا زيد الَّذِي وَصفه عَمْرو فَقَالَ يَا صَاحب الشقاوة ومنبع الغباوة كم تدّعى الْحَلَاوَة وَقَالَ مَا هَذِه العلاوة والطرف ذُو غشاوة وحظك الْعَدَاوَة وَقَالَ فِيهِ (يَا من بِهِ وبشكله ... لِذَوي البصائر تبصره) (أَخْلَاق ثَوْبك عِبْرَة ... للعاقلين وتذكره) (قومت مَا فِيهِ أَتَى ... بقمامة فِي مجزرة) (فِي كل مغر زابره ... قاذورة أَو مطهره) (مَا أَنْت إِلَّا دمثة ... مَكْرُوهَة مستقذره) وَقَالَ فِيهِ (يَا بَحر جهل قد زخر ... بالحمق دهراً فافتخر) (هلا تنسمت الَّذِي ... فِي الثَّوْب من فضل الْحجر) (مَا للكيف رَوَائِح ... فاحت بفيك من البخر) وَقَالَ فِيهِ (يَا ذَا الَّذِي قد جَاءَنَا ... والشكل مِنْهُ مزدرى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 (مَا إِن رَأَيْتُك مُقبلا ... إِلَّا تمنيت الْعَمى) أصبح فِي الشَّام كَأَنَّهُ فِي الْعَرَبيَّة ابْن هِشَام يتَكَلَّم بِغَيْر احتشام فَتَارَة يَدعِي أَنه أفضل أهل الْمشرق وَأَحْيَانا أَنه أفضل أهل الْمغرب وآونة أَنه أكمل فضلاء مصر ورادفة أَنه أجل أُمَرَاء الْعَصْر وَهُوَ خَارج من الْفَرِيقَيْنِ ودارج عَن الطَّرِيقَيْنِ (لَا إِلَى هَؤُلَاءِ إِن طلبوه ... وجدوه وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ) وَرُبمَا يلهو بلحيته الوسواس الخناس فيزكي نَفسه وَيَقُول أَنا أتقى النَّاس وَرُبمَا لج بِهِ الْغرُور حَتَّى فضل نَفسه على الْجُمْهُور وَإِذا تحكم بِهِ الطغيان صرح وَقَالَ من فلَان وَفُلَان وَحين يقرب بِزَعْمِهِ من نفس الْأَمر جعل نَفسه ثَانِيًا لوَاحِد الدَّهْر وَلَيْسَ حَظه من هَذِه الدَّعْوَى إِلَّا الْبلوى والشكوى وَلَا فَائِدَة وَلَا جدوى بل حَظه مِنْهَا الْجِدَال والمرا وَمن جهلت نَفسه قدره رأى غَيره فِيهِ مَا لَا يرى يزْعم أَنهم لقبوه صَاحب السَّعَادَة وَلَا أَدْرِي مَا السَّعَادَة الَّتِي ينتمي إِلَيْهَا والرياسة الَّتِي يلوب ويتهالك عَلَيْهَا إِن كَانَت أخروية فَذَلِك الْأَمر لَا يعرف كَيفَ يكون وَإِن كَانَت دنيوية فالرجل لَا محَالة مَجْنُون مفتون إِذْ لَيْسَ فِيهِ أثر من آثارها وَلَا ذرة من غبارها فالويل لَهُ من هَذِه الدَّعْوَى الكاذبة والتنابز بِالْأَلْقَابِ المخطئة الْغَيْر صائبة اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك عقلا يعقلنا عَن مثل تِلْكَ الحماقات ورشداً يمنعنا عَن تِلْكَ الدَّعَاوَى الباطلات العاطلات (والدعاوى مَا لم يقيموا عَلَيْهَا ... بَيِّنَات أبناؤها أدعياء) فَلَمَّا وصلت إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة أَخْبَار هَذِه الْمُقدمَة لم يزل يتطلبها حَتَّى وقف عَلَيْهَا وتحامق على حمقه وحنق وَذهب بهَا إِلَى الشَّيْخ الْمقري وَبكى وشكى من مؤلفها فَأرْسل مؤلفها يعرف الشَّيْخ سَبَب تأليفها وإنشائها وتصنيفها فَكتب إِلَيْهِ يَقُول وَلَقَد أجل سَيِّدي عَمَّا سيعرض على عالي جنابه وأنزه من ذَلِك شرِيف سَمعه وخطابه من هَذَا الوسواس المنافر والهذيان الوافي المتنافر والسخرية الَّتِي يحرس سمع الأديب عَنْهَا ويكلا والأعجوبة الَّتِي خَبَرهَا يسلى الحزين ويضحك الثكلى والمدح الَّذِي يلوح الْقدح على صفحاته والهزل الَّذِي يَأْخُذ الْجد بمخنق لهاته وَالشعر الَّذِي ينفث السحر بَين كَلِمَاته وفقراته والداعي إِلَى ائتلاف قوافيه وتضييع الْعُمر فِيهِ أَن هَذَا الرجل الملقب نَفسه بالضد وَهُوَ حَلِيف الشقاوة وَمن طَرِيق الْجد قد نصب حبائل الخداع فِي استجلاب مَا عندنَا من نفائس الْمَتَاع وَلم يفرق بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 عرُوض التُّجَّار وعروض الْأَشْعَار فجاءنا بوريقة فِيهَا خطوط أخلاط لَا يُدْرِكهَا وَلَا يفهمها بقراط مشوّشة المبنى مُخْتَلفَة الْمَعْنى يدعى أَنَّهَا تدخل فِي سلك النّظم لَا تساغ مَعَ الكظم وَلَا يعْمل فِيهَا الهضم إِنَّمَا هِيَ لقْمَة ذَات عظم لَا يُؤثر فِيهَا القضم فَمَا رَأَيْت قدرا أَكثر مِنْهَا عظما وَلَا آكلاً أَكثر مني كظماً كَمَا لم أر ناظماً أقبح مِنْهُ نظماً ثمَّ إِنَّه أَخذ يتقاضى الْجَواب وَلَا يمنعهُ الْحجاب وَلَا يعوقه البواب وَلَا يروعه الْبَاب فيقف بَين يَدي كَأَن لَهُ دينا عَليّ فيضغطني ضغطة الْغَرِيم اللَّئِيم للْمَدِين الْكَرِيم حَتَّى أردْت أَن أَقُول بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقلت أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم ثمَّ أَمْسَكت اليراع وَأَنا ممتلىء بالصداع ونظمت هَذِه الأبيات والنشوة على شرف الْفَوات وَمَا أنشأت هَذَا القريض حَتَّى انحط طبعي للحضيض ثمَّ لم يبرح من بَاب الدَّار حَتَّى أَمْسَكت بيَدي الطومار فَكتبت وشرخ البديهة عَازِب وَنجم القريحة غارب وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ كلهَا هجواً وَلما كَانَ بعض هجائها نجوى وَهَا هِيَ كَمَا يرَاهُ السَّيِّد مِنْهَا الرَّدِيء والجيد فَقلت مرتجلاً بديهة من غير توقف وَلَا تدبر (من رام يحوي فِي العلى مُرَاده ... فليصحبن صَاحب السعاده) (مهذب الرَّأْي الَّذِي دُنْيَاهُ فِي ... يَدَيْهِ لَا فِي قلبه معاده) (ذُو همة لَو جِيءَ بالعنقاء قد ... يَقُول هذى عندنَا جراده) (مقتصد عدوّه الأسراف فِي ... أُمُوره وخلقه الزهاده) (وَرُبمَا يرفل فِي ديباجه ... طوراً وطوراً لابساً نجاده) (وَلَو أَتَاهُ قس يَوْمًا حجَّة ... وَلَو غَدا مستنصراً إياده) (أَو حَاتِم وافاه رَاح خجلا ... وَلَو بطى قد نوى استنجاده) (يَقُول قس أَيْن لي فضل فَتى ... أحرز خصل الْفضل مَعَ زياده) (وحاتم يَقُول إِنِّي عَاجز ... عَن شأو مولى غَالب أضداده) (عَن الإِمَام المقرىء شَيخنَا ... رويت كلما رويت عَاده) (والمقري عِنْد أَصْحَاب النهى ... خُزَيْمَة فِي موطن الشَّهَادَة) (يحفظه الله الَّذِي أفادني ... إِفَادَة تغني عَن الْإِعَادَة) (قد كثر الله معاليه كَمَا ... قد كثر الله بهَا حساده) (لله مَا أسعد أوقاتي بِهِ ... وطبعه الْمَوْصُوف بالإجاده) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 (هُوَ الْقَرِيب للقريب جَامع ... فِي زمن مشتت أَفْرَاده) (قاءه وَطول بَاعَ فِي العلى ... وزي فقر فِي الْغنى استفاده) (طوّل فِي كل الْمعَانِي بَاعه ... من اعْتدى مقصراً نجاده) (أَحْمد ذَاك الْكَامِل السَّامِي الَّذِي ... قد لقبوه صَاحب السعاده) (المغربي القيرواني الَّذِي ... أشْرب قلب شرقنا وداده) (هِيَ الْخِصَال كلهَا غَرِيبَة ... جود وحزم ومعالي الساده) (من الذكاء قلبه مشتعل ... أورى لَهُ الْفضل بِهِ زناده) (فبذله كفضله وجوده ... من طبعه وقوته العباده) (يحْتَمل الْكل عَن الْخلّ الَّذِي ... أَضَافَهُ وَيكرهُ استبعاده) (مقتنع بِكُل مَا يَأْتِي بِهِ ... محسن للباذل اقتصاده) (لَا يَأْكُل الطَّعَام إِلَّا مرّة ... بحكمة من طبعه مفاده) (وَكلما ذكرت من أخلاقه ... مُبين من رشده سداده) (وَبَعض مَا أوردت من صِفَاته ... هُوَ الَّذِي مشرد رقاده) (لَك الصَّفَا لَك الهنا لَك المنا ... لَك الرِّضَا مَعَ مُنْتَهى الإراده) (إِن جئتنا فِي يَوْم سعد زَائِرًا ... يَا من يرى الْخلّ بِهِ أعياده) (يَا لهف نَفسِي كَيفَ أبغي مدحه ... لفاضل لست أرى أنداده) (أفيده مد حَاله وَهُوَ الَّذِي ... بِذَاتِهِ اسْتغنى عَن الإفاده) (أتحفني مِنْهُ بِشعر شَاعِر ... مَا مثله حَاز أَبُو عباده) (من لي بِشعر حرت فِي نشيده ... حِين سَمِعت فِي الملا إنشاده) (حسب ابْن شاهين بِأَن قد جِئْته ... بمدحه كَأَنَّهَا قلاده) (من لُؤْلُؤ وجوهر منضد ... يزين مِنْهَا نظمها أجياده) (فَإِن يجبك سَيِّدي بِمثل مَا ... أهديته فَمن علاك صَاده) (وَإِن يكن صَاد النُّجُوم مهدياً ... إِلَيْك فَهُوَ عِنْده مَا اعتاده) (فَلَا بَرحت سَيِّدي مرتقياً ... مراقي الْعِزّ والسياده) (فِي مدّة لَا فنيت بِعَارِض ... وعمره مُحَصل مُرَاده) وَكَانَت وَفَاة صَاحب السَّعَادَة فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف بالمحلة الْكُبْرَى أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بِالْحَافِظِ أحد وزراء الدولة العثمانية الكبراء وَكَانَ فَاضلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 كَامِلا عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية وَيعرف عُلُوم الْأَدَب وَالْعرُوض وَكَانَ متيقظاً مُدبرا حاذقاً خدم فِي مبادي أمره بدار السلطنة وَلم يزل يترقى فِي المناصب حَتَّى ولي كَفَالَة دمشق ودخلها يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة ثَمَان عشرَة وَألف وساس الْأُمُور فِي بداية أمره على النهج القويم إِلَّا أَنه لما طَالَتْ مدَّته تجبر وظلم النَّاس ظلما بلغ الْغَايَة وملأ من الرعب قُلُوب أهل دمشق وَلما مَاتَ الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن سعد الدّين تنَازع فِي المشيخة أَخُوهُ سعد الدّين وَابْن أَخِيه كَمَال الدّين وكل مِنْهُمَا ذُو أَمْوَال كَثِيرَة وعقارات غزيرة فَأخذ من كل وَاحِد مِنْهُمَا أَمْوَالًا لَا تحصى ثمَّ بَعْدَمَا استصفى مِنْهُم الْأَمْوَال أَخذ بستاناً عَظِيما يُسَاوِي خَمْسَة آلَاف دِينَار من الشَّيْخ سعد الدّين حَتَّى حَاز على المشيخة وَقطع آمال الشَّيْخ كَمَال الدّين وَكتب الشَّيْخ سعد الدّين حجَّة بِالْبيعِ لَهُ وَقبض الثّمن مِنْهُ وَقد كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة ذَا شهامة وَمَعْرِفَة تَامَّة بأحوال الحروب وتغريم الْأَمْوَال فصادر جماعات فِي دمشق وَأخذ مِنْهُم أَمْوَالًا بِغَيْر حق وَكَانَ أَرْبَاب الدولة من مقربي السلطنة يبعدونه دَائِما عَن السُّلْطَان لعلمهم أَنه إِذا قربوه سحر السُّلْطَان بسعة عقله وَتَمام فَضله وَكَثْرَة حيله وَقُوَّة مكره وَمن الْعجب أَن مدرسة انْحَلَّت فِي دمشق فَأمر القَاضِي أَن تُعْطى للشَّيْخ زين الدّين الأشعافي وَكَانَ أَرَادَ أَن يستوطن دمشق وَكَانَ عَالما وَسَتَأْتِي تَرْجَمته وَكَانَ صَاحب تآليف فِي علم الْعرُوض والحافظ طلبَهَا لأجل إِمَام لَهُ وَكَانَ صَالحا وَكَانَ يعرف بعض أَشْيَاء من الْعِبَادَات على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فَقيل لِلْحَافِظِ أَن الشَّيْخ زين الدّين ثَانِي الْخَلِيل فِي علم الْعرُوض فَسَأَلَهُ الْحَافِظ عَن تقطيع بَيت فقدّر الله أَنه عجز وَصَارَ لَهُ كَمَا صَار للحريري ثمَّ إِن الْحَافِظ وَجه الْمدرسَة لإمامه ثمَّ إِن السُّلْطَان اتَّخذهُ سرداراً على قتال الْأَمِير فَخر الدّين بن معن وَأمر كافل حلب وكافل ديار بكر وكافل طرابلس وأمراء الأكراد وَنَحْو النّصْف من السباهية وعساكر دمشق وعساكر حلب الْجَمِيع يكونُونَ تبعا لَهُ فَتوجه بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ ألفا وحاصر ابْن معن تِسْعَة أشهر فَلم يقدر أَن يَأْخُذ قلعة من القلاع ثمَّ بعده أخرج رجلا من جماعته وَقَالَ لمن فِي القلاع أَنا مَالِي عنْدكُمْ غَرَض الْوَزير الْأَعْظَم لَهُ غَرَض فَقولُوا للأمير فَخر الدّين أَن ينزل إِلَى خيامنا وَعَلِيهِ أَمَان الله ونأخذ مِنْهُ دَرَاهِم للسُّلْطَان وللوزير ونقرره فِي أماكنه فَقَالُوا الْأَمِير ذهب فِي المراكب إِلَى بِلَاد الفرنج فَلَمَّا تحقق ذَلِك رَضِي بنزول أم فَخر الدّين فَقَالَت نَحن مَا ضَبطنَا بَلَدا بِغَيْر إِذن السُّلْطَان وَلَا انْكَسَرَ عندنَا مَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 فَعِنْدَ ذَلِك أَعْطَتْ للسُّلْطَان مائَة ألف قِرْش وللوزير خمسين ألفا وللحافظ مثلهَا وانفصل الْأَمر على ذَلِك ثمَّ تولى كَفَالَة آمد فَقدر وَالله عز وَجل أَن كفلاء بَغْدَاد تجاوزوا فِي الظُّلم وَتَوَلَّى يُوسُف باشا بَغْدَاد وَكَانَ وزيراً شهماً فظلم وَكَانَ بكر أحد أجناد بَغْدَاد استطال على الْعَسْكَر لِكَثْرَة أَتْبَاعه وأمواله فَوَقع بَينه وَبَين الْوَزير الْمَذْكُور وَأَرَادَ الْوَزير قَتله فحاصر بكر بمعونة أَكثر عَسَاكِر بَغْدَاد قلعة بَغْدَاد وفيهَا الْوَزير فَكَانَ ينظر من أسوارها فَضربت مكحلة من جَانب عَسْكَر بكر فأصابت الْوَزير فَقتلته وَاسْتولى بكر على بَغْدَاد وَجعل نَفسه بيد حاكمها وَبعث الْأَمْوَال وَالْعرُوض والمحاضر إِلَى دَار السلطنة ليتولى على بَغْدَاد فَمَا أُجِيب إِلَى ذَلِك ثمَّ فِي خلال ذَلِك كتب الْحَافِظ أبياتاً بالتركية تَتَضَمَّن الْخطاب للسُّلْطَان أَحْمد أَنه مَا بَقِي عنْدكُمْ عَسْكَر وَلَا رجال وَلَا أَمْوَال حَتَّى تعينُوا سرداراً على بَغْدَاد وَكَانَ مُرَاده التَّوَصُّل إِلَى الوزارة الْعُظْمَى وَكَانَ عِنْده مَمْلُوك جميل اسْمه دلاور فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان قصيدة تركية يَقُول لَهُ فِيهَا مَا بَقِي عنْدك دلاور بمعان مُتعَدِّدَة ثمَّ بعد ذَلِك جعله السُّلْطَان سرداراً على بَغْدَاد وَأمر عدَّة أُمَرَاء أَن يَكُونُوا تبعا لَهُ وَجَمِيع الأكراد لَكِن مَا جعله وزيراً أعظم فَلَمَّا سمع ذَلِك بكر كتب لشاه عَبَّاس مَكْتُوبًا يَقُول لَهُ أسلمك بَغْدَاد بِشَرْط أَن تكون الْخطْبَة وَالسِّكَّة بِاسْمِك فَقَط فَرضِي الشاه بذلك فَقيل لَهُ أَنْت سني وَهَذَا شيعي كَيفَ تحكم الشِّيعَة فِي السّنيَّة فَقَالَ أَنا أكذب على الشاه إِذا رَجَعَ الْحَافِظ لَا أطمع بني عُثْمَان وَلَا الشاه فجَاء الْحَافِظ وحاصر بَغْدَاد وَقدر الله تَعَالَى أَن بَغْدَاد كَانَت فِي غَايَة الْقَحْط فَتحمل بكر المضض وَاسْتمرّ الْحَافِظ على المحاصرة حَتَّى سمع بِقرب الشاه مِنْهُ وَبَقِي بَينه وَبَين الشاه أَرْبَعَة أَيَّام فَكتب الْحَافِظ أَمر الْبكر أَنِّي جعلتك حَاكم بَغْدَاد ثمَّ تحول الْحَافِظ لعلمه بِكَثْرَة عَسَاكِر الشاه وَعدم استطاعته وتحول الْحَافِظ إِلَى ديار بكر وحاصر الشاه بَغْدَاد فضاقت الْمَعيشَة بعساكر بَغْدَاد ووصلوا إِلَى أَنهم كَانُوا يَأْكُلُون الْآدَمِيّين وَكَانَ بكر جعل على كل بَاب بِبَغْدَاد رجلا من أكَابِر أَقَاربه وَسلم القلعة لِابْنِهِ مُحَمَّد عَليّ فَلَمَّا رأى مُحَمَّد على أَن الْأُمُور صائرة إِلَى الْهَلَاك سمح بِهَلَاك وَالِده لنجاة نَفسه فَبعث للشاه ورقة التَّسْلِيم وَأدْخل لَيْلًا للقلعة عَسَاكِر الشاه وَلما كَانَ وَقت الصَّباح إِذا بطبول الشاه تضرب فِي القلعة فَانْقَطَعت قُلُوب أهل السّنة من الْخَوْف وامتلأت قُلُوب الشِّيعَة من الْفَرح وَالسُّرُور فَدخل الشاه صباحاً وَقتل بكر شَرّ قتلة وَوضع أَخا بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 عمر فِي السَّفِينَة وَألقى فِيهَا النفط والقطران وَالنَّار وأحضر المنلا عَليّ وَكَانَ سنياً حنفياً شَيخا كَبِيرا فَأحْضرهُ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ الْعَن الشَّيْخَيْنِ فَقَالَ يَا شاه أَنا عِشْت هَذَا الْعُمر مَا بَقِي لي غَرَض فِي الْحَيَاة لعنة الله على من يلعن أَصْحَاب رَسُول الله فَأخذ الشاه السَّيْف بِيَدِهِ وضربه ضربا متوالياً حَتَّى قتل شَهِيدا سعيداً ثمَّ نَادَى بقاضي بَغْدَاد الَّذِي ولاه السُّلْطَان مُرَاد وَطلب مِنْهُ أَن يسْعَى بَينه وَبَين السُّلْطَان مُرَاد فِي أَن يولي ابْن الشاه بَغْدَاد وَتَكون السِّكَّة وَالْخطْبَة باسم السُّلْطَان مُرَاد وَيُرْسل ابْنه فِي كل سنة خمسين ألف قِرْش فوعده القَاضِي بِالْخَيرِ فَقَالَ لَهُ خواصه إِن القَاضِي يَضرك عِنْد السُّلْطَان وَيحسن لَهُ أَخذ بَغْدَاد قَالَ صَدقْتُمْ وَقَتله ثمَّ قتل السَّيِّد مُحَمَّد نَائِب المحكمة والخطيب الْعَظِيم فِي بَغْدَاد وَكَانَت امْرَأَة فسخت نِكَاحهَا عَن زَوجهَا بسب تعذر النَّفَقَة كَمَا هُوَ مَذْهَب السَّادة الشَّافِعِيَّة وَعند الشِّيعَة لَا يجوز الْفَسْخ وَكَانَ السَّيِّد مُحَمَّد فِي الْمِنْبَر يُبَالغ فِي الدُّعَاء على الشاه وَفِي لَعنه فَقَالَ لَهُ أسمعنا تِلْكَ الْخطْبَة البليغة فَقَالَ لَهُ لَا وَلَكِنِّي أسمعك مولد النَّبِي فَقَالَ لَهُ كَيفَ تزوج امْرَأَة زَوجهَا حَيّ قَالَ فسخ عَنْهَا على قَاعِدَة مَذْهَب الشَّافِعِي فلعن الشَّافِعِي وَلعن بَقِيَّة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَضرب السَّيِّد مُحَمَّد بكلاب أخرجه من لِسَانه وصلبه وَحكى الشَّيْخ عُثْمَان الْخياط الْبَغْدَادِيّ أَنه رفس بِرجلِهِ صندوق الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَألقى عمَامَته عَن الصندوق وَسمر بَابه وَاتخذ تكيته اصطبلاً للخيل وَالْجمال وَفعل بِقَبْر الإِمَام أبي حنيفَة أَكثر من ذَلِك فَقَالَ لَهُ السَّيِّد دارج وَكَانَ نقيب الْأَشْرَاف بِبَغْدَاد الشَّيْخ عبد الْقَادِر شرِيف فَلم تهينه فَقَالَ لَهُ جمَاعَة من أَتبَاع الشاه لَيْسَ بشريف وَقَالَ لَهُ رجل نزل بِبَاب الأزج اجْعَل للشَّيْخ إهانة عَظِيمَة يهْلك بهَا أهل السّنة وَهِي أَن أَسد جَمِيع المراحيض فِي بَاب الأزج وَأسد بَاب مَزَار الشَّيْخ عبد الْقَادِر وأفتح من الْقبَّة طَاقَة على قبر الشَّيْخ فَجَمِيع من كَانَ مُرَاده أَن يَبُول ويتغوط تنزل فضلاته على قبر الشَّيْخ فَقَالَ خوب خوب وَبَاتُوا تِلْكَ اللَّيْلَة وَأخذ فِي سد الْأَبْوَاب من الْغَد فَقبل الْمغرب أَخذ خادمه يفتش على عرق ايكر فَقيل لَهُ لماذا قَالَ أَصَابَهُ قولنج ثمَّ مَاتَ سَرِيعا فَعلم الشاه أَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر صَاحب أَحْوَال وأهان جَمِيع أهل السّنة وَحكى أَن البغداديين الشِّيعَة كَانُوا إِذا وقفُوا يقرؤن الْفَاتِحَة عِنْد قبر الشَّيْخ عبد الْقَادِر أَو قبر أبي حنيفَة يَقُولُونَ يَا عَار يَا عَار يَا أنجس من الفار إِن كَانَ الله حَرمك من الْجنَّة لَا يحرمك من النَّار وَبدل الْجُمُعَة بخطيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 يصعد إِلَى الْمِنْبَر وَيذكر أَئِمَّة الْبَيْت الاثْنَي عشر ويلعن أَصْحَاب مُحَمَّد وَعَلَيْهِم ويلعن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْعُلَمَاء الْمَوْجُودين فِي الْأَحْيَاء وَينزل وَيصلونَ فُرَادَى ينتظرون خُرُوج الْمهْدي ويؤذنون وَيَقُولُونَ بعد الحيعلتين حَيّ على خير الْعَمَل مُحَمَّد وعَلى خيرالبشر وَضبط الشاه جَمِيع أَمْوَال عَسَاكِر بني عُثْمَان وأموال المنسوبين إِلَيْهِم ثمَّ بعد ذَلِك عين السُّلْطَان جركس مُحَمَّد باشا سردار على الشاه بَعْدَمَا يُقَاتل أبازه مُحَمَّد باشا وَلما ورد إِلَى توقات فقاتل أبازه وانكسر وَتَفَرَّقَتْ العساكر وَكَانَ جركس مُحَمَّد باشا يقْعد فِي خيمته ويتهجد وَيَدْعُو الله أَن لَا يظلم أحدا وَلَا يكسر خاطر أحد أصلا فأدركه الْمَوْت وخلصه الله من هَذِه المشاق فَاجْتمع رَأْي أَرْبَاب الدولة أَن يجْعَلُوا الْحَافِظ وزيراً أعظم فَتوجه لَكِن اغْترَّ بعزمه فَكَانَ يَقُول للعساكر مَفَاتِيح بَغْدَاد بيَدي وَسَببه أَن ضَابِط بَغْدَاد بعث إِلَيْهِ أَن يُسلمهُ بِمُجَرَّد وُصُوله إِلَيْهَا بِشَرْط أَن يُعْطِيهِ منصباً جَلِيلًا وَأَنا مَا أقدر أسلم مَا لم تحضر فَإِنِّي أَخَاف من عَسْكَر الشاه أَن يقتلوني فَلَمَّا وصل الْحَافِظ بالعسكر الْعَظِيم إِلَى خَارج بَغْدَاد أرسل جمَاعَة الشاه المكاحل وهم يصرخون وَيَقُولُونَ بالتركية خُذ هَذِه مَفَاتِيح بَغْدَاد فَعلم أَنهم أردوا الخداع وَالْمَكْر حَتَّى لَا يتدارك مهمات الْحصار وَاتَّخذُوا لقومات عديدة فَمَا أفادت شَيْئا سوى لقم وَاحِد اصطنعه ضَابِط الْجند خسرو باشا فَفتح جانبا عَظِيما وَلَكِن الْعَسْكَر لم يهجموا كلهم عَلَيْهِ فَإِن من عَادَة أكَابِر الْعَسْكَر أَنهم يُرِيدُونَ تَدْبِير بَعضهم بَعْضًا فَحِينَئِذٍ أقدم عَسَاكِر بَغْدَاد حَتَّى سدوا اللقم فَكَانَ خسرو باشا يبكي وينتف لحيته من قهره وَكَانَ الشاه نزل بِالْقربِ من بَغْدَاد نَحْو ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى تسمع عساكره فِي بَغْدَاد بِخَبَرِهِ فتقوى قُلُوبهم وتضعف قُلُوب عَسَاكِر السُّلْطَان وَكَانَ مُرَاد باشا الأرنبودي كافل حلب بقبح صَنِيع الْحَافِظ ويسبه وَيَقُول لأي شَيْء لَا يُرْسل عَسَاكِر من عِنْده وَكَانَ هُوَ مَعَه عَسَاكِر كَثِيرَة وَجَاء إِلَى الْحَافِظ وَقَالَ لَهُ أَعْطِنِي إجَازَة حَتَّى أتوجه إِلَى الشاه وأقتل جماعته وَرُبمَا قبضت عَلَيْهِ فَيَقُول لَهُ الْحَافِظ مُرَاد باشا لَا تفرق عساكرنا وتضعفهم فيهجم عَسَاكِر بَغْدَاد علينا ويقتلونا وَمُرَاد باشا يصمم على قتال الشاه فَقَالَ لَهُ الْحَافِظ إِن فعلت فَأَنت تعلم فَجمع مُرَاد باشا نَحْو أَرْبَعَة آلَاف وكبس الشاه فتحاربوا شَيْئا قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ مُرَاد باشا مكسوراً فَقَالَ لَهُ الْحَافِظ عرفت أَن قَول الشُّيُوخ أصوب من رَأْي الشبَّان وضاق الْأَمر على عَسَاكِر الْحَافِظ وَوَقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 الغلاء فيهم وهرب غالبهم ثمَّ بعد ذَلِك اجْتمع الْعَسْكَر وَرَجَمُوا الْحَافِظ وطلبوا مِنْهُ أَن يقوم بالعساكر عَن الْحصار ويرجعوا إِلَى أوطانهم فَقَالَ اصْبِرُوا عَليّ أسبوعاً فصبروا أسبوعين ثمَّ جاؤا فَلم يزل يواعدهم حَتَّى اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وَوَضَعُوا فِي عُنُقه مُحرمَة وجذبوه حَتَّى قَامَ من مَكَانَهُ وَشرع فِي الرحيل وَكَانَ عِنْده بعض مكاحل دَفنهَا فِي الأَرْض وَلم يعلم بذلك أحد إِلَّا شرذمة قَليلَة فَجرد بالمكاحل فَتَبِعهُمْ الشاه وَأَرَادَ الْعَسْكَر أَن يعجلوا فِي الرُّجُوع فَنَادَى كل من فَارق الْوَزير وَخرج عَن خيامه تخرج عَنهُ علوفته فَتَبِعهُمْ الشاه مرحلة مرحلة وَأَرَادَ الهجوم عَلَيْهِم فَلم يبالوا بِهِ وجمعهم الْحَافِظ وَتوجه إِلَى الشاه وقاتله حَتَّى رَجَعَ الشاه من خَوفه وَبعد يَوْمَيْنِ أحضر إِلَيْهِ مُرَاد باشا وَقَالَ لَهُ ألم أقل لَك لَا تركب حَتَّى كسرت العساكر وأظهرت الصيت الْقَبِيح لنا وَقَتله فِي الْحَال بَين خيامه وَأرْسل جثته إِلَى جماعته وَجَاء الْحَافِظ إِلَى حلب فَبعث الْهَدَايَا والتحف إِلَى السُّلْطَان وجماعته واسترضى السُّلْطَان وجماعته حَتَّى لَا يقتل لكنه عزل وَنزل بقسطنطينية خَائفًا مختفياً وَتَوَلَّى الوزارة بعده خَلِيل باشا وَبعده خسرو باشا ثمَّ تولاها الْحَافِظ صَاحب التَّرْجَمَة ثَانِيًا وَكَانَ للعساكر الطغيان الْعَظِيم فَاجْتمع عَلَيْهِ العساكر وقتلوه وَكَانَ السُّلْطَان خَيره بَين أَن يقْتله هُوَ بِنَفسِهِ وَيبْعَث بِرَأْسِهِ إِلَيْهِم ليطفي نَار غضبهم وَبَين أَن يُمكن العساكر مِنْهُ فَقَالَ الأولى أَن تسلمني للعساكر وَلَا تتقلد دمي ليبقى الْإِثْم فِي عنق الْعَسْكَر وَيكون لي فِي الْقِيَامَة الْمُطَالبَة الْكُبْرَى وَكَانَ قَتله فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى أَحْمد باشا الْوَزير الْكَبِير الْمَعْرُوف بكوجك أَحْمد الأرنودي أحد الوزراء الْمَشْهُورين بالشجاعة وَشدَّة الْبَأْس وَحسن التَّدْبِير وَكَانَ عَارِفًا بأحوال الحروب وَله طالع سعيد ورأي سديد وَكَانَ فِي مبدأ أمره خامل الذّكر ثمَّ نَهَضَ بِهِ الْحَظ حَتَّى صَار بكلر بكيا وَتَوَلَّى حُكُومَة سيواس ثمَّ ورد دمشق حَاكما بهَا أَولا فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف بَعْدَمَا عزل عَنْهَا ولي حُكُومَة كوتاهيه فنجم فِي بِلَاد الرّوم الياس باشا وَأظْهر العقوق للدولة العثمانية فعين السُّلْطَان مُرَاد صَاحب التَّرْجَمَة لمحاربته مَعَ جملَة من العساكر فَسَار إِلَيْهِ وقابله وفتك بِهِ فتكة بَالِغَة وأسره وغنم مِنْهُ غَنَائِم كَثِيرَة وَعَاد بِهِ إِلَى الْأَبْوَاب الْعَالِيَة فَأكْرمه السُّلْطَان لذَلِك وفوض إِلَيْهِ ثَانِيًا كَفَالَة دمشق وَكَانَ ذَلِك فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وخلع عَلَيْهِ خلعة الوزارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وعينه لمقاتلة الْأَمِير فَخر الدّين بن معن وَقد كَانَ خرج عَن طَاعَة السلطنة وَجَاوَزَ الْحَد فِي الطغيان وَأخذ كثيرا من القلاع من ضواحي دمشق وَتصرف فِي ثَلَاثِينَ حصنا وَجمع من طَائِفَة السكبان جمعا عَظِيما وَبِالْجُمْلَةِ فقد بلغ مبلغا لم يبْق وَرَاءه إِلَّا دَعْوَى السلطنة وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره تعين لمقاتلته الْحَافِظ الْمَار ذكره فَلم يُقَابله وهرب إِلَى بِلَاد الفرنج كَمَا سلف الْإِيمَاء إِلَيْهِ وَلما عَاد أفرط فِيمَا كَانَ يرتكبه إِلَى أَن تعين لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة وَأمر كافل حلب نوالي باشا وَجَمِيع أُمَرَاء أَطْرَاف الشَّام كطرابلس وغزة والقدس ونابلس واللجون وعجلون وحمص وحماه أَن يَكُونُوا تبعا لَهُ وَهُوَ رئيسهم فَبعد قدومه إِلَى دمشق جمع أَعْيَان الْعلمَاء وكبراء الْعَسْكَر وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة فقابلوها بِالطَّاعَةِ وَبَادرُوا إِلَى مهمات تدارك السّفر وَأخذت أُمَرَاء الْأَطْرَاف يردون وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن قدم نَائِب حلب فبرز بِمن مَعَه من الْعَسْكَر فِي ثَانِي عشر صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَقد كَانَ جدد الْمحمل الشريف فأطلعه أَمَامه وَأقَام بِالْقربِ من قَرْيَة الْكسْوَة بِأول الجسور أَيَّامًا قَليلَة إِلَى أَن تَكَامل جمع الجموع وَرجل لى قره خَان ثمَّ عين شرذمة من الْعَسْكَر لمنازلة بني الشهَاب الَّذين يسكنون وَادي تيم الله بن ثَعْلَبَة وهم منبع الشقاوة فَسَار كتخداه وَمَعَهُ بعض الْأُمَرَاء إِلَى جَانب حاصبيا وريشيا فاتفق من ألطاف الله أَن الْأَمِير على بن فَخر الدّين بن معن أَمِير صفد كَانَ مُتَوَجها لناحية وَالِده لمساعدته فَالتقى العسكران عِنْد صَلَاة الصُّبْح فانقضت فرقة الْعَسْكَر السلطاني انقضاض النسور على أَضْعَف الطُّيُور فمزقوهم بدداً وفرشوا الفضا بجثث الْقَتْلَى وَلم يعلم أحد أَن الْأَمِير عَليّ بَينهم وَلَو علمُوا لما ثَبت أحد لكبر صيته وَكَانَ من الِاتِّفَاق العجيب أَن بعض الشجعان صادفه فطعنه بِرُمْح رَمَاه عَن جَوَاده مَا عرفه فَأَتَاهُ رجل من الْجند وَكَانَ خدم الْأَمِير عَليّ فِي مبدئه فَنزل إِلَيْهِ ليحز رَأسه فَعرفهُ الْأَمِير عَليّ فَقَالَ لَهُ خلصني وَلَك عَليّ من المَال مَا تُرِيدُ فَقَالَ لَهُ إِن بَقَاءَك بعد هَذِه الْجراح محَال ثمَّ قطع رَأسه وأتى إِلَى مخيم الْوَزير فَدخل عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فَنَبَّهَهُ خدمه الموكلون بِهِ وَلما أَفَاق قبل يَدَيْهِ وَوضع الرَّأْس قدامه وَقَالَ لَهُ هَذَا رَأس رَئِيس الْقَوْم فَلم يصدقهُ حَتَّى جَاءَ من عرفه وحقق لَهُ الْأَمر فَضربت البشائر وَكَانَ الْعَسْكَر الَّذين تلاقوا مَعَ عَسْكَر الْأَمِير عَليّ انتصروا وغنموا غنيمَة عَظِيمَة وَقتلُوا وأسروا وَلم ينج من أَيْديهم إِلَّا شرذمة قَليلَة وَأرْسل أَحْمد باشا رَأس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الْأَمِير عَليّ إِلَى دمشق فِي جملَة من الرؤوس وأدخلوهم مشرعين على رُؤُوس الرماح وجهزوهم بعد أَيَّام إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة ثمَّ إِن أَحْمد باشا سَار إِلَى الْبِقَاع العزيزي وافتتح قلعة قبر الياس وَتوجه إِلَى جَانب صيدا وَأقَام بهَا مُدَّة شهر وَالْأَخْبَار عَن الْأَمِير فَخر الدّين مُخْتَلفَة فَمنهمْ من يَقُول إِنَّه فِي قلعة ينحا وَمِنْهُم من يَقُول إِنَّه فِي قلعة جزين وَكَانَ الْوَزير الْأَعْظَم مُحَمَّد باشا فِي حلب فاستدعى أَحْمد باشا فَسَار بخواص اتِّبَاعه وَأبقى جَمِيع الْعَسْكَر بِمَدِينَة صيدا وَاجْتمعَ بِهِ فِي حلب وَعَاد بالسرعة وَكَانَ تحقق أَن فَخر الدّين فِي قلعة جزين فَأخذ يحاصرها وَلما رأى فَخر الدّين أَنه مَأْخُوذ خرج من القلعة وأتى طَائِعا إِلَى أَحْمد باشا فَقبض عَلَيْهِ وأتى بِهِ إِلَى دمشق وَدخل بموكب حافل وفخر الدّين خَلفه مُقَيّد على فرس وَكثر دُعَاء النَّاس لَهُ ومدحه شعراء دمشق بالقصائد الطنانة وَأَكْثرُوا من التواريخ وَمن جملَة من مدحه الْأَمِير المنجكي فَإِنَّهُ مدحه بِهَذِهِ الأبيات (إِن الْوَزير أدام الله دولته ... أخباره سير فِي النَّاس تنْتَقل) (إِذْ طهر الأَرْض من كفر الدروز وَمن ... شَرّ الْبُغَاة الَّتِي من دونهَا الْأَجَل) (وجاءنا بِابْن معن بَعْدَمَا قطعت ... صم الصخور عَلَيْهِ وَهُوَ معتزل) (لم تغن عَنهُ الْحُصُون الْبيض إِذْ طلعت ... سوء الرزايا عَلَيْهِ الْيَوْم والقلل) (وَلَا الدلاص وَلَا ذَاك الرصاص وَلَا ... تِلْكَ الْجِيَاد وَلَا العسالة الذبل) (وَلَا من الْعَرَب من كَانَت جرائره ... تَأتي عَلَيْهِم وَلَا الْكتاب وَالرسل) (أطفاله لَهُم من حوله زجل ... كَأَنَّهُمْ قتلوا من غير مَا قتلوا) (كم بَات يحْسب فِي التَّقْوِيم مفتكراً ... فِي نجمه فَرَآهُ أَنه زحل) (من رَاح يَطْلُبهُ التَّقْدِير لَيْسَ لَهُ ... بَحر يَقِيه وَلَا برّ وَلَا جبل) (هذي عواقب من يطغى وحرفته ... فِي قومه وبنيه الْمَكْر والحيل) ثمَّ أرْسلهُ أَحْمد باشا مَعَ من وَكله بِهِ إِلَى مقرّ السلطنة فَبعد وُصُوله أَمر السُّلْطَان بقتْله وَسَيَأْتِي خَبره مفصلا فِي تَرْجَمته فِي حرف الْفَاء وَلما تمّ الْأَمر على هَذَا المنوال رَجَعَ صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى بِلَاد فَخر الدّين لضبط مَاله من الْأَمْوَال والأمتعة فنازل قلعة فيحة وتسلمها واستدعى قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام وعلماءها وأعيانها فتوجهوا إِلَيْهِ وحضروا الضَّبْط وَلم يظْهر من النُّقُود إِلَّا شَيْء يسير وَأما الْأَمْلَاك والعقارات والأمتعة وحلي النِّسَاء وأواني الذَّهَب وَالْفِضَّة وآلات الْحَرْب فقد ظهر مِنْهَا شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وافر وَكتب بذلك حجَّة وَعَاد صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة وَكَانَ عمر بِدِمَشْق تكية خَارج بَاب الله بِالْقربِ من رية الْقدَم ووقف عَلَيْهَا قرى من ضواحي صيدا وبعلبك وَكَانَ أملا كالفخر الدّين وَألْحق بذلك سِتِّينَ جزأ بالجامع الْأمَوِي وتعيينات لأهالي الْحَرَمَيْنِ وَبني سَبِيلا بِالْقربِ من عِمَارَته عَظِيم النَّفْع وَقيل فِي تَارِيخه (نشا الْوَزير للوفود منهلا ... لوجه مَوْلَاهُ إِذا وافى غَدا) (وَأنْشد الْوَارِد فِي تَارِيخه ... هَذَا السَّبِيل الأحمدي قد بدا) ثمَّ طلبه السُّلْطَان مُرَاد إِلَى محاربة الْعَجم فِي قلعة روان وعزل عَن حُكُومَة دمشق ثمَّ أُعِيد اليها قَرِيبا وَأمر بمحافظة الْموصل وَعين مَعَه عَسْكَر الشَّام فحافظوا مُدَّة وَمرض فِي أثْنَاء الْمُحَافظَة وَأَرَادَ المقاومة لشاه الْعَجم عَبَّاس شاه فَمَا ساعده الْقدر فَقتل وَأسر غَالب من مَعَه من العساكر وَأرْسل راسه إِلَى دمشق فَدفن فِي تكيته الْمَذْكُورَة وَكَانَ قَتله فِي ربيع الثَّانِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله الشَّيْخ أَحْمد باعنتر اليمني الْحَضْرَمِيّ نزيل الطَّائِف كَانَ من كبار الْعلمَاء قَالَ الشلي فِي تَرْجَمته ولد بحضرموت فِي سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَطلب الْعلم بهَا وَهُوَ صَغِير ثمَّ ارتحل إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا سِنِين وَأخذ عَن جمع مِنْهُم الشَّيْخ عبد الله الجبرتي وَمُحَمّد الطَّائِفِي وَالشَّيْخ عبد الله باقشير وَالشَّيْخ عَليّ بن الْجمال وَالشَّمْس مُحَمَّد البابلي وَالشَّيْخ عِيسَى بن مُحَمَّد الْجَعْفَرِي المغربي وَأخذ عَن الصفي القشاشي وتلقن مِنْهُ الذّكر وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وَمن الشَّيْخ مُحَمَّد باعلوي وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن المغربي وَأخذ عَن الشَّيْخ مهنا بن عوض بامزروع وزار النَّبِي مرَارًا كَثِيرَة ثمَّ تدير الطَّائِف وَجلسَ للتدريس وانتفع بِهِ خلق كثير فِي فنون عديدة واعتقده أهل تِلْكَ الْجِهَة لحسن سيرته وَكَانَ يغلب على أهل تِلْكَ الْبِلَاد عدم الاسْتقَامَة فَلم يزل يرشدهم إِلَى الشَّرِيعَة حَتَّى اهْتَدَى مِنْهُم خلائق وَلم يكن بَين اثْنَيْنِ مخاصمة ووصلوا إِلَيْهِ إِلَّا أصلح مَا بَينهم ويرضى كل بصلحه وَكَانَ أول أمره يعلم الْقُرْآن وَكَانَ فَقِيرا زاهداً قانعاً ثمَّ اتَّسع فِي آخر عمره وَكَانَ يحجّ فِي كل سنة وَيُقِيم بِمَكَّة إِلَى آخر الْمحرم ويزور النَّبِي كثيرا من السنين وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع شَوَّال سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف بِالطَّائِف وَحضر جنَازَته أَكثر أهل الْبَلَد وعطلوا الصَّنَائِع وَالتِّجَارَة وتعب النَّاس لفقده رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 الشَّيْخ إخلاص الخلوتي الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه نزل حلب كَانَ مسلكا ومرشداً حسن الْخلق وَهُوَ فِي الْمقَام اليونسي يقرب مريدوه من مائَة ألف أَو يزِيدُونَ وَذكره العرضي الصَّغِير وَوَصفه بِصِفَات كَثِيرَة ثمَّ قَالَ كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره خَادِمًا لبَعض أَرْبَاب الدول فلازم أعتاب أستاذه الشَّيْخ قايا خَليفَة الشَّيْخ شاه ولى وَأَقْبل على الرياضة وَكسر النَّفس وتهذيب الخلاق وقمع الشَّهَوَات وَالْمَنْع من اللَّذَّات وَالدُّخُول فِي الخلوات أُسْوَة غَيره من المريدين حَتَّى دنت وَفَاة الشَّيْخ قايا فامتدت أَعْنَاق المريدين إِلَى الْخلَافَة فَاخْتَارَ إخلاصاً مَعَ أَن لَهُ ابْنا صَالحا فَاضلا يُقَال لَهُ الشَّيْخ حَمْزَة لَكِن من عَادَة هَذِه الْفرْقَة من الخلوتية أَنهم لَا ينصبون خَليفَة إِلَّا الْأَجْنَبِيّ كَمَا أَن الْفرْقَة الْأُخْرَى من الخلوتية أَتبَاع جدنا لوالدتنا أَحْمد القصيري لَا يختارون إِلَّا ابنهم أَو أَخَاهُم أَو أحد أقاربهم وَدَلِيل الأولى اخْتِيَار النَّبِي الصّديق للخلافة مَعَ كَونه أَجْنَبِيّا مَعَ وجود الْعَبَّاس عَمه وَابْن عَمه عَليّ بن أبي طَالب وَدَلِيل الثَّانِيَة طمأنينة قُلُوب المريدين للأقارب وَعدم احتقارهم وَلِئَلَّا يَنْقَطِع الْخَيْر عَن ذُريَّته وَقد اتخذ لَهُ الْوَزير الْأَعْظَم مُحَمَّد باشا الأرنود زَاوِيَة صرف عَلَيْهَا مَالا جزيلاً ووقف عَلَيْهَا وَقفا عَظِيما يحصل مِنْهُ فِي الْيَوْم ثَلَاثَة قروش وَطعن فِيهِ بعض النَّاس أَنَّهَا من مَال الْعَوَارِض وَلَكِن قَالَ بَعضهم أَن الْوَزير اقْترض من رَئِيس الدفتريين مَالا جزيلاً لأجل مهمات السّفر وَحصل الْإِيفَاء من مَال الْعَوَارِض وَمَا أَظن الْكَلَامَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَحكى لنا الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن الأطرش وَهُوَ نَاشد حَلقَة ذكره أَنا كُنَّا مَعَ الشَّيْخ بِنَاحِيَة بيرة الفراة وَكَانَ معي رجل يُقَال لَهُ الْحَاج حُسَيْن وَالله أعلم قَالَ ذهبت مَعَه إِلَى مَاء هُنَاكَ للاغتسال فَنزل الْمَذْكُور إِلَى النَّهر فَرَآهُ عميقاً وَلَا قدرَة لَهُ على السباحة فِيهِ فغط وَأخرج رَأسه وصرخ إِنِّي هَلَكت وغط الثَّانِيَة وَأخرج رَأسه لَا يَسْتَطِيع الْكَلَام وَأَنا عَاجز عَن السباحة وَمَا عِنْدِي أحد وثيابه بِالْقربِ مني فهربت خوفًا من الْحُكَّام وَجئْت إِلَى الشَّيْخ فَقَالَ لي أَيْن الْحَاج حُسَيْن فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي لَا أَدْرِي فكرّر الْكَلَام ثَانِيًا وثالثاً وَقَالَ أَيْن هُوَ فَقلت وَالله يَا سَيِّدي لَا أعلم قَالَ يَا مَجْنُون الشَّيْخ الَّذِي لَا يحمي مريده لَا يكون شَيخا وَبعد زمَان طَوِيل وَإِذا بالحاج حُسَيْن مَحْمُول انتفخ من المَاء وَفِيه روح فعلقوه وَجعلُوا رَأسه تَحت وأقدامه فَوق حَتَّى نزل المَاء من فِيهِ وَحصل لَهُ الشِّفَاء فَسَأَلته قَالَ كنت قطعت بِالْمَوْتِ فَرَأَيْت يدا تدافعني إِلَى السَّاحِل حَتَّى خرجت سالما هَكَذَا أخبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 والعهدة عَلَيْهِ وَله فِي كل سنة أَيَّام الشتَاء خلْوَة عَامَّة يجْتَمع إِلَيْهَا المريدون فيصومون ثَلَاثَة أَيَّام ويأكلون عِنْد الْمسَاء مِقْدَار أوقيتين من الحريرة ورغيفا من الْخَبَر أَكثر من أُوقِيَّة وَلَا يشربون المَاء القراح بل يشربون القهوى ويستمرون فِي الذّكر وَالْعِبَادَة آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَأما بَاقِي الْأَيَّام فَيقومُونَ سحرًا ويتهجدون على قدر طاقتهم ثمَّ يَأْخُذُونَ فِي الذّكر إِلَى وَقت الْأَسْفَار ثمَّ يصلونَ الصُّبْح لكَون الشَّيْخ حنفيا ويقرؤن الأوراد إِلَى ارْتِفَاع الشَّمْس وَيصلونَ الْإِشْرَاق وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ الْعِبَادَات فِي أَوْقَات الصَّلَوَات المفروضات وَكَانَت وَفَاته فِي جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسبعين وَألف وَبلغ من الْعُمر إِحْدَى وَسبعين سنة الشريف إِدْرِيس بن الْحسن بن أبي نمى وَتَمام النّسَب تقدم فِي تَرْجَمَة أَخِيه الشريف أبي طَالب صَاحب مَكَّة وَكَانَ من أجل النَّاس من سراة الْأَشْرَاف شهما تهابه الْمُلُوك والأشراف شجاعا حسن الْأَخْلَاق ذَا تودد وسكينة وَكَانَ يكنى أَبَا عون ولد فِي سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَأمه هُنَا بنت أَحْمد بن خميصة بن مُحَمَّد بن بَرَكَات بن أبي نمى وَكَانَ لَهُ من العبيد المولدين وَالرَّقِيق الجلب مَا يزِيد على أَرْبَعمِائَة وَمن المقاديم من الْعَرَب جمَاعَة ولي مَكَّة بعد أَخِيه أبي طَالب فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَألف وأشرك مَعَه أَخَاهُ السَّيِّد فهيد ثمَّ خلعه فِي وَاقعَة ذكرتها فِي تَرْجَمته ثمَّ أشرك مَعَه ابْن أَخِيه الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن بِاتِّفَاق من أكَابِر الْأَشْرَاف وَتمكن من السطوة والعزة ووفد إِلَيْهِ ومدح كثيرا وَمن أَجود مَا مدح بِهِ قصيدة حُسَيْن بن أَحْمد الْجَزرِي الْحلَبِي وَهِي من أرق الشّعْر وأسوغه ومطلعها قَوْله (أألزم قلبِي فِيك حبك والصبرا ... سَأَلت مجيبا لَو ملكت لَهُ أمرا) (وَمَا الْحبّ من يبْقى على الصب لبه ... وَلَا الْقلب من يبْقى وَيحْتَمل الهجرا) (وَلَيْسَ التمَاس الْعين من سهد لَيْلهَا ... بأمنع مِنْهَا مِنْك إِن لم تكن سكرى) (طوى أَن أطل شرحا لَهُ قلت هُوَ هوا ... وَيَكْفِيك ذكر النَّار عَن فعلهَا ذكرا) (وموقف بَين لَا نذيع وداعه ... وَلم ندر الألحاظ الأبه شزرا) (أحم على الْعَينَيْنِ من وَجه لائم ... وأثقل فِي الأسماع من ذكره وقرا) (نموه فِي تسليمنا بِأَنا مل ... عَلَيْك فتنضي الْبيض أَو تهززا السمرا) (وَمن لي بكتم بَين واش وحاسد ... لسرك والأجفان توضحه جَهرا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 (فِرَاق تراق النَّفس فِيهِ مدامعا ... وَشَاهد قولي أَنَّهَا قطرت حمرا) (وَيَوْم يؤم الْمَرْء فِيهِ حتوفه ... وَإِلَّا فَمَا بَال الْوُجُوه ترى صفرا) (ودهر إِذا استعفيته عَن مظالمي ... كَأَنِّي سَأَلت الضَّب أَن يسْلك البحرا) (أصَاحب فِيهِ اللَّيْل والبيد والسرى ... وأفقد مِنْهُ الْأنس والأمن والفجرا) (وَمَا طَال إِلَّا ليل من طَال همه ... وَلَا زَاد إِلَّا هم من زَاده فكرا) (وحسبك من ليل إِذا رمت حدّه ... فأطول يَوْم الْبَين أقصره عمرا) (أكلف مهري فِيهِ كل تنوفة ... كَمَا كلف الْمُضْطَر فِي حَاجَة عمرا) (ليلحق بِي السُّلْطَان إِدْرِيس هَاشم ... ويركب هول الْبَحْر من طلب الدرا) (فَتى يهب العافين مَا دون مجده ... وَلَو كَانَ يعْطى سره بذل السرا) (إِذا مَا سَأَلت الْقطر ثمَّ سَأَلته ... توهمت أَن الْقطر يَسْأَلك القطرا) (وَلَا عيب فِيهِ غير أَن نواله ... على سَعَة الْآفَاق يستعبد الحرا) وَمن جُمْلَتهَا (من الْقَوْم أثنى الله فِي الذّكر عَنْهُم ... وطهرهم من رِجْس دنياهم طهرا) (فَمَا غَايَة الْمثنى عَلَيْهِم بِشعرِهِ ... وَلَو نظم الشعرى العبور بهم شعرًا) (وَمَا جهد من يَبْغِي اللحاق لشأوهم ... وَلَو ركب النكباء فِي سَيرهَا شهرا) (ومفترع العلياء بكرا وَلَيْسَ من ... يحاور عينا مثل من وطىء البكرا) (وَمَا زَادَت الْآفَاق إِلَّا بهم سنا ... وَمَا دلّت الْأَعْنَاق إِلَّا لَهُم قسرا) وَمِنْهَا (وَمن كَانَ نجلاً للنَّبِي مُحَمَّد ... فقد فَازَ فِي الدُّنْيَا مقَاما وَفِي الْأُخْرَى) (قدم ملكا كلتا يَدَيْهِ لتأمني ... فنأمن باليمنى ونوسر باليسرى) (مفدى بقيل بعد قيل وَمَا أَنا ... بِمن يرتضي زيدا فدالك أَو عمرا) ومدحه الْحسن البوريني لما حج فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَألف بقصيدة يَقُول فِيهَا من المديح (مولَايَ يَا ماجد لم يحكه أحد ... وَلَو سعى جهده فِي سالف الْأُمَم) (لَا بدع إِن فقدت كل النَّاس قاطبة ... فَأَنت من نسل خير الْخلق كلهم) (قصدت ساحة الْجُود فِي مَنَازِلكُمْ ... لم أستلمها وَلَا قبلتها بفمي) (وَلَا وَردت إِلَى شرب تروّقه ... مِنْك البشاشة وَالْقلب المشوق ظمى) (وَلِيكُم أَنا وَالْأَيَّام تشهد لي ... بِالصّدقِ من قبل أَن أَصبَحت ذَا حلم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 (أَرْجُو بكم شربة قد راق منهلها ... وَالْحَرِير كض فِي أحشاء مُحْتَرم) وللشاهيني فِيهِ قصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا (ياربع صبري عَاد فِيك دريسا ... وهواي أَمْسَى فِي هَوَاك حَبِيسًا) وَرَأَيْت لَهُ تَرْجَمَة فِي أنموذج السَّيِّد مُحَمَّد العرضي الْحلَبِي فَقَالَ فِي وَصفه سُلْطَان الأكياس وَمن سيرته سيرة ابْن سيد النَّاس ذُو الطلعة الغرا وزهرة فَاطِمَة الزهرا ذُو الجبين المستنير بالعرفان إِذا غَدا غَيره جهولا مقنعا بطيلسان الذل والهوان مَا جد احتبي بنطاق الْمجد كَمَا احتبي بالسحائب ثهلان وجواد أقسم جوده بِيَوْم الغدير والنهروان فأقسم بِرَبّ الْبدن تدمي مِنْهَا النَّحْو رانه الْوَارِث مِنْهُ وَقْفَة الحجيج والوفادة وسقايتهم والرفادة وشهوده على ذَلِك مني والمخيف وصم الصَّفَا والمعزف كَمَا قَالَ الشريف الرضى (لَهُ وقفات بالحجيج شهودها ... إِلَى عقب الدُّنْيَا مني والمخيف) (وَمن مأثرات غَيرهَا تيك لم تزل ... لَهُ عنق عَال على النَّاس مشرف) سَار الْمَذْكُور فِي أهل الْحجاز بسيرة جده من غير أَن يغمد فيهم سيف حَده وَمِمَّا أنشدت لَهُ من شعر الْمُلُوك الْمَحْمُود وَإِن قيل شعر الْهَاشِمِي لَا يجود قَوْله فِي الِاعْتِذَار عَن خضاب الشيب بالشباب الملبس الْمعَاد والتسر بل على موت الصِّبَا بِثِيَاب الْحداد (قَالُوا خضبت الشيب قلت لَهُم نعم ... مَا إِن طمعت بِذَاكَ فِي رد الصِّبَا) (لَكِن عقل الشيب مَا أحرزته ... فَخَشِيت أَن أدعى جهولا أشيبا) وَاسْتمرّ الشريف محسن مشاركا لَهُ على صدق الْكَلِمَة والنصح والمساعدة فِي الْأَحْوَال المهمة ونافره بَنو أَخِيه عبد الْمطلب بن حسن لأمر فَقَامَ الشريف محسن فِي موافقتهم لَهُ فتم ذَلِك ودخلوا فِي الطَّاعَة وَطَابَتْ نُفُوسهم وتوغل الشريف إِدْرِيس والشريف محسن فِي الشرق ووصلا بالفريق إِلَى قرب الأحسا واجتمعا بهم هُنَاكَ ثمَّ دخلا الأحسا وَضربت خيامهم قبالة الْبَاب القبلي من سور الأحسا وأكرمهما الله صَاحبهَا عَليّ باشا وَأَقَامَا نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام وَلم يتَّفق لأحد من أَشْرَاف مَكَّة المتولين من القتاديين دُخُول الأحسا كَمَا اتّفق لهذين الشريفين ثمَّ وَقع بَين الشريفين إِدْرِيس ومحسن تنافر بِسَبَب خدام الشريف إِدْرِيس وتجاوزهم فِي التَّعَدِّي وعمت الْبلوى بِمَا يصدر عَنْهُم من الْأُمُور الْمُشْتَملَة على التلبيس خُصُوصا من وزيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 أَحْمد بن يُونُس الْمُقدم ذكره وَكَانَ الشريف إِدْرِيس متغافلاً عَمَّا يصنعوه وَلم يلق سَمعه إِلَى مَا ينْهَى من فعلهم إِلَيْهِ وَلَا ينصف أحدا من شكايتهم وراجعه الشريف محسن فِي شَأْنهمْ مرَارًا وردد القَوْل فَكَانَت الشكوى إِلَى غير منصف فَرَأى الشريف محسن وخامة عواقب الْحَال فَعِنْدَ ذَلِك اجْتمع أهل الْحل وَالْعقد من بني عَمه من السَّادة الْأَشْرَاف وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء والأعيان فَرفعُوا الشريف إِدْرِيس عَن ولَايَة الْحجاز وفوضوا الْأَمر إِلَى الشريف محسن رَأَيْت فِي بعض التَّعَالِيق مَا نَصه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث الْمحرم سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف أشيع بِمَكَّة أَن السَّادة الْأَشْرَاف نيتهم إِقَامَة الشريف محسن مُسْتقِلّا بِالْأَمر فَحصل اضْطِرَاب عَظِيم فِي الْبَلَد وحركة عَظِيمَة وَقسمت آلَات الْحَرْب من الْجَانِبَيْنِ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ألبس كل مِنْهُمَا لمن مَعَه من العساكر والجنود ووقف كل مِنْهُمَا عِنْد بَاب دَاره فبرز من جمَاعَة الشريف محسن شرذمة من جَانب عقد السَّيِّد بشير بنية عقد النداء فِي الْبَلَد للشريف محسن اسْتِقْلَالا فَقبل وصولهم المقعد رَمَتْهُمْ الجبالية المجعولون فِي مدرسة السَّيِّد العيدروس بالبندق فَقتل من الْجَمَاعَة الْمَذْكُورين بالبندق السَّيِّد سلمَان بن عجلَان بن ثقبة والقائد مرجان بن زين العابدين وَزِير الشريف محسن فَرجع الْبَاقُونَ وَفِي ضحى هَذَا الْيَوْم ركب الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وَمَعَهُ خيل والمنادي يُنَادي بالبلاد للشريف محسن وَلم يزل هَذَا الِاضْطِرَاب فِي الْبَلَد ذَلِك الْيَوْم جَمِيعه وَمن ألطاف الله تَعَالَى أَن الْجَمَاعَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام قَائِمَة ذَلِك الْيَوْم والأسواق فَاتِحَة وفيهَا الأقوات وَلم يحصل تغير أبدا فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس الْمحرم وَقع الصُّلْح بَينهمَا على أَن يسْتَقلّ الشريف محسن بِالْأَمر وَيكون الْكَفّ عَن الْمُحَاربَة سِتَّة أشهر مِنْهَا ثَلَاثَة يكون الشريف إِدْرِيس فِيهَا بِالْبَلَدِ وَثَلَاثَة بِالْبرِّ فاتفق الْحَال ودعا الْخَطِيب للشريف محسن يَوْم الْجُمُعَة بمفرده ثمَّ خرج الشريف من مَكَّة لَيْلَة المولد وَنقل الثِّقَات أَنه لما ضويق وأجلبت عَلَيْهِ الْأَشْرَاف وَمن مَعَهم بِحَيْثُ أَنه أُصِيبَت جوَيْرِية من بَين يَدَيْهِ بالبندق فَسَقَطت ميتَة بَين يَدَيْهِ فارتاع لذَلِك وحزن وضع منديلاً لطيفاً على وَجهه وَبكى لفقد الناصرين فَدخلت عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الجالة أُخْته الشَّرِيفَة زَيْنَب بنت الْحسن فَقَالَت لَهُ علام ذَا الْحزن والعناء دعها لِابْنِ أَخِيك فقد وليتها مُدَّة طَوِيلَة فحيئذ أرسل إِلَى الشريف محسن والأشراف وَطلب مِنْهُم مهلة شَهْرَيْن فِي الْبَلَد وَأَرْبَعَة أشهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 خَارِجهَا ليتأهب للسَّفر إِلَى حَيْثُ شَاءَ فَأعْطَاهُ الشريف محسن ذَاك وَشرط عَلَيْهِ أَن لَا يحدث شَيْئا من المخالفات فاستمر شهر محرم وصفر فَمَرض فِيهِ حَتَّى خيف عَلَيْهِ فِي لَيْلَة المولد خرج من مَكَّة فَمَا طَاف للوداع إِلَّا فِي محفة وَخرج وَقد أضعفه الْمَرَض فَتوفي فِي سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة عِنْد جبل شبر وَدفن بِمحل يُسمى ياطب وَمن الإتفاق العجيب أَن حِسَاب يَا طب بالجمل اثْنَان وَعِشْرُونَ وَهِي مُدَّة ولَايَته مجبورة فَإِن ولَايَته إِحْدَى وَعِشْرُونَ وَنصف وَوصل خبر وَفَاته إِلَى مَكَّة فِي مستهل رَجَب وَصلى عَلَيْهِ غَائِبَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام رَحمَه الله تَعَالَى برحمته الشَّيْخ إِسْحَاق بن عمر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي اللطف الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي من بَيت الْعلم والرياسة بالقدس وَرَأس مِنْهُم جمَاعَة وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكتاب غالبهم وَكَانَ أَبُو إِسْحَاق هَذَا حنفيا ولى افتاء الْحَنَفِيَّة بالقدس ودرس بِالْمَدْرَسَةِ العثمانية وَابْنه هَذَا تحول إِلَى مَذْهَب أجداده وَكَانَ فَقِيها نبيلا وَله فِي الْفَرَائِض والحساب بَاعَ طَوِيل وَكَانَ فِي الْكَرم غَايَة لَا تدْرك وَحدث عَنهُ بعض من لقِيه أَنه كَانَ إِذا أَتَى إِلَى بَيت الْمُقَدّس قافلة رُبمَا أضَاف كل أَهلهَا وَلَا يمل ذَلِك الْمرة بعد الْمرة وشاع ذكره فِي الْآفَاق وَولى تدريس الْمدرسَة الصالحية بالقدس وَهِي مَشْرُوطَة لَا علم عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة فِي ديار الْعَرَب وعلوفتها فِي كل يَوْم مِثْقَال من الذَّهَب وَهِي من بِنَاء المرحوم الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب الَّذِي أَخذ الْقُدس من يَد النصاري وَكَانَ لَهُ شريك فِي التدريس الْمَذْكُور وَهُوَ ابْن عَمه الشَّيْخ يُوسُف بن أبي اللطف وَلَكِن التَّصَرُّف فِي الْغَالِب إِنَّمَا هُوَ لإسحاق الشَّيْخ إِسْحَاق بن مُحَمَّد الخربشي الْقُدسِي الْحَنْبَلِيّ كَانَ عَالما عَاملا أَخذ عَن وَالِده وَأم بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَكَانَ إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي علم القراآت لى الْعشْر حسن الصَّوْت وَالْأَدَاء لَا يمل من سَمَاعه طارحا للتكلف مشتغلا دَائِما بِالْقِرَاءَةِ ووالده مُحَمَّد صَاحب المؤلفات العديدة مَشْهُور توفّي إِسْحَاق فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم ابْن عبد الله بن جعمان بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين ابْن يحيى بن عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن الشويش بن عَليّ بن وهب بن عَليّ بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 صريف بن ذوال سنوه بن ثَوْبَان بن عِيسَى بن سحارة بن غَالب بن عبد الله بن عك ابْن عدنان العكي العدناني الصريفي الذوالي اليمني الزبيدِيّ الشَّافِعِي قَاضِي زبيد الْعَلامَة الَّذِي جمع أشتات الْعُلُوم وَحَازَ قصب السَّبق فِي الْعُلُوم الدِّينِيَّة وَنشر أَقْوَال الشَّافِعِيَّة وَقَامَ بنصر الأشاعرة وَأقَام الحجيج على الْمُخَالفين وقمع شبه غلاة المبتدعين مَعَ شدَّة فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وتبصر بالقواعد الْحكمِيَّة وتنفيذ للأقضية الْحكمِيَّة ولد بِمَدِينَة زبيد فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَحفظ بهَا الْقُرْآن وَأخذ عَن وَالِده عُلُوم الْفِقْه والْحَدِيث ولازم عَمه الطّيب بن أبي الْقَاسِم جمعان فِي كثير من عُلُوم السّنة وَالْقُرْآن وبرع وفَاق أقرانه خُصُوصا فِي علم الحَدِيث وَأَجَازَهُ شُيُوخ كَثِيرُونَ وَقَرَأَ بزبيد الْجَامِع الصَّحِيح للْبُخَارِيّ مرت كَثِيرَة وتكرر مِنْهُ خَتمه لَهُ وَسمع مِنْهُ بالحرمين خلق كثير لَا يُحصونَ مِنْهُم سيد الْمُحدثين فِي عصره إِبْرَاهِيم بن حسن الكوراني وَعِيسَى بن مُحَمَّد الْجَعْفَرِي وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الأول البرزنجي وَغَيرهم وَله مؤلفات نافعة مِنْهَا الْحَاشِيَة الأنيقة على مسَائِل الْمِنْهَاج الدقيقة وَله شعر مِنْهُ قصيدته الَّتِي عَارض بهَا القصيدة الموصلية الَّتِي أَولهَا (لمعت نارهم وَقد عسعس اللَّيْل ... ومل الْحَادِي وحار الدَّلِيل) وقصيدة هِيَ هَذِه (نفحت نفحة العبير وريا ... منْدَل الْحبّ أوصلتها شُمُول) (سحرًا والرفاق من سكرة النّوم ... على أظهر النجائب ميل) (فنشقنا نوافج الطّيب مِنْهَا ... إِذْ شذاها على الْخيام دَلِيل) (وابتسام المهاة فِي حندس اللَّيْل ... أَضَاء الدجى فَبَان السَّبِيل) (فحثثنا الْمطِي فِي أثر الطّيب ... سرَاعًا لَهَا إِلَيْهِ ذميل) (فطرقنا الْخيام منسلخ اللَّيْل ... وللصبح عَارض مستطيل) (فنزلنا فِيهَا بأكرم نزل ... عِنْد حَيّ يعزفيه النزيل) (نعم الطّرف عِنْدهم بِجَمَال ... لَيْسَ للبدر مثله فيخيل) (وَاحِد الْحسن مستضيء مضيء ... مستنير كَأَنَّهُ قنديل) (مشرق النُّور تَحت ليل بهيم ... مظلم فرقه لَهُ ترسيل) (بجبين كَأَنَّهُ صدف الدّرّ ... أَو الطرس زانه التصقيل) (فِيهِ قَوس وحاجب وسهام ... من لحاظ وَفِيه خد أسيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 (أوسع العاشقين سبيا وقتلا ... مَا لَهُم من حياضه تبليل) (قَامَ هاروت لحظه يجمع السَّبي ... وبالسفك قد قضي قابيل) (كم أَسِير مكبل بفنا ... الدَّار وفيهَا مجرح قَتِيل) (فائق للملاح بل هُوَ زين ... وَاسِط العقد بل هُوَ الأكليل) (باسم الثغر عَن نضيد نقى ... جوهري رحيقه معسول) (ثمَّ بتنا لَدَيْهِ والطرف مِنْهُ ... منعم الوشاة عَنهُ غفول) (وَسَقَانَا من كف يمناه كأسا ... سلسبيلا مزاجها زنجبيل) (نظرة مِنْك سَيِّدي يتلافى ... مستهام بهَا ويشفي غليل) (ثمَّ يطفي بهَا لهيب الْمَعْنى ... ويداوي من السقام العليل) (وفؤادي أودي بِهِ الشوق والوجد ... وجسمي بِهِ الضنا والنحول) (يَا حَبِيبِي إِن كَانَ خطبا جَلِيلًا ... هجركم فالوصال وصل جميل) (بَات يَرْمِي جَوَاهِر اللَّفْظ من فِيهِ ... ودرا من النظام نبيل) (بعتاب كَأَنَّهُ نسمَة الْفجْر ... جناها رضَا بهَا مطلول) (يَا حَبِيبِي قد كَانَ مَا كَانَ فاصفح ... وَتعطف فَلَيْسَ عنْدك بديل) (لَا وسقم الْهوى وَطيب التلاقي ... مَا فُؤَادِي إِلَى سواك يمِيل) (فَحكم مولَايَ واقض بِمَا شِئْت ... فَأَنت الْعَطاء والتنويل) وَكَانَت وَفَاته فِي ثَانِي شهر ربيع الثَّانِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف بِمَدِينَة زبيد وَدفن بتربة بَاب سِهَام عِنْد آبَائِهِ وأجداده رَحمَه الله تَعَالَى الْمولى أسعد بن سعد الدّين بن حسن جَان التبريزي الأَصْل القسطنطيني المولد ولوفاة مفتي التخت العثماني وَوَاحِد الزَّمَان فِي الْفضل والإتقان وَكَانَ عَالما محققا متجرا فِي الْعُلُوم طَوِيل الباع وَاتفقَ أهل عصره على أَنه لم يكل لَهُ نَظِير فِيهِ فضلا وديانة وإتقانا ونفاسة وَبلغ هَذَا الْمبلغ من الْكَمَال وَهُوَ حدث السن غض الشَّبَاب وغالب تَحْصِيله على وَالِده وعَلى الْمولى الْعَلامَة المنلا توفيق الكيلاوي الْآتِي ذكره قَالَ الْحسن البوريني أخبر فِي منلا توفيق من لَفظه وَقد نزل فِي مدرستي الناصرية الجوانية عِنْد وُرُوده إِلَى دمشق مَعَ المرحوم الْمولى عبد الله قَاضِي الْقُدس الشريف نَاوِيا عَن زِيَارَة الْقُدس أَنه لم ير فِي عُلَمَاء الرّوم أفضل من مَوْلَانَا أسعد وَحكى لي عَن فهمه وإدراكه شَيْئا لَا تسعه دَائِرَة الْعُقُول انْتهى وَقد لَازم من وَالِده وَولي الْمدَارِس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 والمناصب الرفيعة فِي عنفوان عمره مِنْهَا تدريس الْمدرسَة الْكُبْرَى الَّتِي تنْسب إِلَى وَالِدَة السُّلْطَان سليم الثَّانِي وَهِي من الْمدَارِس الَّتِي جرت الْعَادة بِنَقْل مدرسيها إِلَى إِحْدَى الْمدَارِس الثمان وَمِنْهَا إِلَى إِحْدَى الْمدَارِس السليمانية بِمَدِينَة قسطنطينية وَكَذَلِكَ وَقع لَهُ إِلَّا أَنه أَقَامَ فِي الْمدرسَة السليمانية مُدَّة طَوِيلَة وأكبّ على الِاشْتِغَال والإفادة فَلم يَنْقَطِع يَوْمًا وَاحِدًا مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة وَأما مَا شغله فِي منزله بالمطالعة فَإِنَّهُ فَوق مَا يُقَال وَكَانَ لَا يفتر وَلَا يمل وَلَا يقدم على ذَلِك أمرا مهما وَلَا حَاجَة من حوائج الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُ فِي الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية بَاعَ طَوِيل وَله أشعار رائقة فِي الألسن الثَّلَاثَة ثمَّ وَجه لَهُ قَضَاء أدرنة وَذَلِكَ فِي سنة أَربع بعد الْألف وَلما سَافر السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى بِلَاد الْكفَّار بِولَايَة الألمان مر فِي طَرِيقه على أدرنة فَوجدَ أهاليها شاكرين مِنْهُ فَأقبل عَلَيْهِ وَجلسَ لأَجله مَجْلِسا خَاصّا لَا يشركهُ فِيهِ أحد للسلام عَلَيْهِ فبمجرد نظره إِلَيْهِ قَامَ لَهُ وعظمه فِي الدُّخُول وَالْخُرُوج أَكثر من تَعْظِيمه لقضاة العساكر ثمَّ اقْتضى رَأْيه أَن يُكرمهُ ففوض إِلَيْهِ قَضَاء قسطنطينية فَبَيْنَمَا هُوَ فِي أثْنَاء الطَّرِيق إِذْ ورد إِلَيْهِ خبر أَن وَالِدَة السُّلْطَان قد امْتنعت من تَنْفِيذ هَذَا الْإِعْطَاء وصممت على رد هَذِه الْولَايَة وَوَلَّتْ قَاضِي استانبول السَّابِق لكَون السُّلْطَان فوض إِلَيْهَا أَمر ذَلِك وَأَنَّهَا تعزل من أَرْبَاب الدولة من أَرَادَت وتولي من أَرَادَت فاضطربت أَرْبَاب المناصب لهَذَا وَاسْتمرّ هُوَ معزولاً ثمَّ ولى بعد مُدَّة قَضَاء قسطنطينية وَكَانَت تَوليته لَهَا فِي الْمحرم سنة سبع بعد الْألف ثمَّ ولي قَضَاء باناطولي فِي صفر سنة عشر وَألف وعزل مِنْهُ فِي رَجَب سنة إِحْدَى عشرَة وَولي قَضَاء الرّوم مرّة فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمرَّة فِي الْمحرم سنة سبع عشرَة وانفصل عَنهُ مُدَّة وَفِي تِلْكَ الْمدَّة قدم إِلَى دمشق حَاجا وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وخدمته أهل دمشق خدمَة لم تتفق لغيره وبذلوا فِي تَعْظِيمه جهدهمْ ثمَّ حج ونظم قصيدته الْمَشْهُورَة وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ المنورة مدح بهَا النَّبِي (يَا رَسُول الله أَنْت الْمَقْصد ... أَنْت للراجين نعم الْمسند) (كل خير فَهُوَ مَجْمُوع لديك ... بَين جمع الرُّسُل أَنْت الْمُفْرد) (كل من ناداك فِيمَا نابه ... فَازَ بالإسعاد فِيمَا يقْصد) (قد أَتَى مُسْتَغْفِرًا مستشفعاً ... عَبدك الْمِسْكِين هَذَا أسعد) (مستغيثاً شاكياً من نَفسه ... باكياً مِمَّا جنت مِنْهُ الْيَد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 (مِنْك فتح الْبَاب أَرْجُو ضارعا ... قارعا أَبْوَاب فضل ترصد) (مِنْك يَا غيث الندى أَرْجُو الْهدى ... أَن فِي الأحشاء نَارا توقد) (مسني ضرّ وكرب مزعج ... فِي اللَّيَالِي بالتوالي أسهد) (طَال أَيَّام التنائي والأسى ... يَا طَبِيب الْقلب أَنْت المنجد) (يَا حبيب الله بِاللَّه الَّذِي ... غَيره سُبْحَانَهُ لَا معبد) (بِالَّذِي أَعْطَاك قدرا عَالِيا ... مَا لمخلوق إِلَيْهِ مصعد) (بِالَّذِي أَعْطَاك بَين الأنبيا ... مكرمات أَنْت فِيهَا أوحد) (بِالَّذِي أَعْطَاك مَا لم يُعْطه ... وَاحِدًا من خلقه يَا سيد) (عد بلطف مِنْك كن لي شافعا ... إِن تلاحظني فَإِنِّي أسعد) (لَا تخيبني فَإِنِّي سَائل ... سَائل الدمع الَّذِي لَا يطرد) (سل من الرَّحْمَن تَعْجِيل الشفا ... وانشراح الصَّدْر لي يَا أمجد) (كل من يَرْجُو الندى من بَابَكُمْ ... فَهُوَ من نيل الْأَمَانِي يسْعد) (أَنْت مَحْمُود لرَبي فعلى ... ذاتك لَا أحصي الثنايا أَحْمد) (صل يَا رب على خير الورى ... بِصَلَاة سرمدا لَا تنفد) (وَأَرْض عَن آل وَأَصْحَاب هم ... العابدون الراكعون السجد) وَرجع إِلَى الرّوم وَكَانَ أَخُوهُ الْأَكْبَر الْمولى مُحَمَّد مفتيا فَتوفي وَولي مَكَانَهُ صَاحب التَّرْجَمَة وجاءه المنشور وَهُوَ ذَاهِب فِي الطَّرِيق وَكَانَ ذَلِك فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَعشْرين وَألف وعزل فِي رَجَب سنة أحدى وَثَلَاثِينَ وتولاها ثَانِي مرّة فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتُوفِّي وَهُوَ مفت فِي ثَانِي عشر شعْبَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بتربة أسلافه بِمَدِينَة أبي أَيُّوب وَقَالَ الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي فِي تَارِيخ وَفَاته (نح على الْكَوْن غَابَ أوحده ... أعدم الْمجد فِيهِ موجده) (قَالَ فِي عَامه مؤرخه ... مَاتَ مولى فِي الرّوم وَاحِدَة) وَرَأَيْت فِي طَبَقَات التقى التَّمِيمِي الَّتِي ألفها فِي عُلَمَاء مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة ذكره وَذكر وِلَادَته كَانَت ثَانِي عشر الْمحرم سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة الْمولى أسعد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْبَاقِي القسطنطيني قَاضِي الْقُضَاة من ذَوي الْبيُوت الْمَعْرُوفَة بالروم وجده سُلْطَان الشُّعَرَاء بَاقِي صَاحب الدِّيوَان الْمَشْهُور وَسَيَأْتِي فِي كتَابنَا هَذَا فِي حرف الْعين إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ أسعد هَذَا صَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 معرفَة وَكَمَال وَله حسن خلة ومعاشرة وسخاء ورفعة شَأْن نَشأ فِي دولة أَبِيه واشتغل ودرس إِلَى أَن وصل إِلَى إِحْدَى الْمدَارِس السليمانية وَصَارَ مِنْهَا قَاضِيا بالغلطة ثمَّ بِدِمَشْق وَقدم إِلَيْهَا فِي حادي عشر رَمَضَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف ثمَّ عزل عَنْهَا وَتوجه إِلَى الرّوم وَلما وَقع الْحَرِيق الْكَبِير بقسطنطينية فِي ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَسبعين احترقت دَاره وَذهب لَهُ أَمْتعَة كَثِيرَة وَبعد مُدَّة أعْطى قَضَاء بروسة ثمَّ قَضَاء أدرنة وَبَعْدَمَا قدم مِنْهَا إِلَى قسطنطينية توفّي فَجْأَة كوالده وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع السُّلْطَان مُحَمَّد وَدفن إِلَى جَانب خَاله قَاضِي الْعَسْكَر الْمولى مُحَمَّد بن بُسْتَان دَاخل قسطنطينية بِجَامِع جد والدته الْمَعْرُوف بالنيشاني بِقرب قرمان الصَّغِيرَة السَّيِّد أسعد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْجُود بن عبد الرَّحْمَن وَتقدم تَمام النّسَب فِي تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم بن أبي الْيمن البتروني الْحلَبِي الأديب البارع الحلو الْعبارَة قَرَأَ ودأب بموطنه ثمَّ خرج فِي صباه إِلَى الرّوم فسلك طَرِيق الْقَضَاء وَدخل دمشق ومصر وحظي فِي دُنْيَاهُ كثيرا وسمت همته حَتَّى ولي إِفْتَاء الْحَنَفِيَّة بحلب عَن مفتيها الْعَلامَة مُحَمَّد بن حسن الكواكبي مُدَّة يسيرَة وَبعد ذَلِك ترقى فِي مناصب الْقَضَاء بالقصبات حَتَّى ولي أرقاها وَمَات وَهُوَ مَعْزُول عَن ازنكميد وَكَانَ فَاضلا أديباً حسن الْهَيْئَة فكهاً لطيف المحاورة شرِيف النَّفس متواضعاً وَفِيه تودد وَبشر وانبساط وَهُوَ مَعَ ذَلِك شَاعِر مطبوع إِلَّا أَن شعره قَلِيل وأغلبه فِي الهجاء وَكَانَ فِي هَذَا الْبَاب أعجب مَا سمع يخترع كل معنى غَرِيب ومضمون عَجِيب وَأما وقائعه وَمَا جرياته فَهِيَ من أعذب مَا يحاضر بِهِ وَكنت وَأَنا بالروم أسمع أشعاره وَوَقَائعه وَلم تتفق لي رُؤْيَته مَعَ الْمُجَاورَة وَقرب الْمحل إِلَّا بعد مُدَّة ثمَّ إِنِّي لَزِمت مَجْلِسه وَكنت مشغوفاً بملازمته ومؤانسته مستعذباً أسلوبه ومدحته بقصيدة مطْلعهَا (حنانيك هَل يلوي الحبيب المماطل ... فتنجح آمال وتقضى وَسَائِل) وَهِي طَوِيلَة جدا فَلَا حَاجَة إِلَى إيرادها وَمِمَّا أَخَذته من شعره قَوْله وَكتب بهَا إِلَى السَّيِّد مُوسَى الرامحمداني (قد حل أَمر عجب ... شيب بفودي يلْعَب) (نجومه لَا تغرب ... فَأَيْنَ أَيْن الْمَهْرَب) (أَرْجُو بَقَاء مَعَه ... مَا أَنا إِلَّا أشعب) (هَذَا الشَّبَاب قد مضى ... وَبَان مني الأطيب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 (هَل عيشة تصفو لمن ... قد غَابَ عَنهُ الطَّرب) (دهر أرانا عجبا ... وكل يَوْم رَجَب) (أندب أَيَّامًا مَضَت ... فِيهَا صفالي المشرب) (فِي حلب بسادة ... قد خدمتهم رتب) (من كل سمح ماجد ... تخجل مِنْهُ السحب) (أفناهم الْمَوْت الَّذِي ... لكل بكر يخْطب) (وَمَا بهَا بعد هم ... من للمعاني ينْسب) (سوى جهول سفلَة ... عَن كل فضل يحجب) (وَهُوَ إِذا أملته ... كلب عقور كلب) (أسْتَغْفر الله بهَا ... استاذنا الْمُهَذّب) (مُوسَى الَّذِي لفضله ... مد رواق مَذْهَب) (حَلَال كل مُشكل ... وحاتم إِذْ يهب) (إِن جرى فِي مُحكم ... يخال قسا يخْطب) (وَقد حوى معاليا ... تنحط عَنْهَا الشهب) (من سادة أحسابهم ... تنطق عَنْهَا الْكتب) (مولَايَ أَشْكُو غربَة ... طَالب وَعز الْمطلب) (وَتَحْت أذيال الدجى ... حاملة لَا تنجب) (أَلا بأولاد الزِّنَا ... هَذَا لعمري الْعجب) (إليكها خريدة ... منالها يستصعب) (جآذر الرّوم لَهَا ... تسْجد أَو تنتسب) (فَاسْلَمْ وَدم فِي رفْعَة ... للسعد فِيهَا كَوْكَب) (مَا حركت متيما ... وَرْقَاء حِين تندب) فَأَجَابَهُ عَنْهَا بقوله (مَا الدَّهْر الأعجب ... فَمِنْهُ لَا تستعجب) (أعمارنا تنتهب ... يَوْمًا فيوما تذْهب) (وَنحن نَلْهُو أبدا ... فِي غَفلَة وَنَلْعَب) (أَواه من يَوْم يجي ... وشمسه لَا تغرب) (صائلة فِيهِ المنى ... بصولة لَا تغلب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 (تسطو على أَرْوَاحنَا ... فَأَيْنَ أَيْن الْمَهْرَب) (تَبًّا لدنيانا الَّتِي ... لم يصف فِيهَا المشرب) (كم سيد غرّت بِهِ ... وَأرَاهُ لحد أحدب) (للدّود فِيهِ مرتع ... وللهوام ملعب) (وَالْوَيْل يَوْم الْعرض إِن ... لم ينج منا المذنب) (وَمن لظى نَار بهَا ... أَجْسَادنَا تلتهب) (لَا عمل يُرْجَى وَلَا ... غوث إِلَيْهِ ينْسب) (إِلَّا الْكَرِيم رَبنَا ... وَمن بِهِ نحتسب) (مَعَ الشَّفِيع من إِلَى ... جنابه ننتسب) (مُحَمَّد خير الورى ... مقصدنا وَالْمطلب) (الْحَمد لله فَلَا ... يكون مَا لَا يكْتب) (وَالْخَيْر فِيمَا اخْتَارَهُ ... حتم علينا يجب) (نَسْأَلهُ يبْقى لنا ... سيدنَا الْمُهَذّب) (أسعد من سَاد الورى ... بِهِ وساد الْعَرَب) (جَوْهَرَة العقد الَّذِي ... جوهره الْمُنْتَخب) (نجل الألى تجملت ... بهم قَدِيما حلب) (علما وحلماً وتقى ... وحسبٍ وَنسب) (يخجل من أخلاقه ... زهر سقته السحب) (وَمن جميل صنعه ... لَهُ الْمَعَالِي تخْطب) (طلق الْمحيا بهج ... مبجل محجب) (ولطف أنفاس الصِّبَا ... إِلَى علاهُ ينْسب) (وَمن الْمجد يجاريه ... فَلَا يصوّب) (زيد بنانا كَفه ... إِن ضَاقَ عَمَّا يهب) (فسبب صوب جوده ... يخجل مِنْهُ الصيب) (لم يحل خل غَيره ... مودّد محبب) وَله غير ذَلِك وابتلي فِي آخر أمره بِمَرَض المراقيا وعالجه مُدَّة وَكَانَ بِسَبَبِهِ كثير الْمُرَاجَعَة للأطباء وَكتب الطِّبّ حَتَّى صَار لَهُ فِي الطِّبّ مهارة كُلية ثمَّ بعد مُدَّة قوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 عَلَيْهِ الْمَرَض فَكَانَ سَبَب هَلَاكه وَتُوفِّي بقسطنطينية وَدفن بهَا وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف السَّيِّد أسعد الْبَلْخِي نزيل الْمَدِينَة النقشبندي الطَّرِيقَة أحد خلفاء السَّيِّد صبغة الله السندي الْآتِي ذكره وَكَانَ هُوَ وَالشَّيْخ أَحْمد الشناوي الْمُقدم ذكره فرسي رهان فِي التَّحْقِيق وَللسَّيِّد أسعد كتابات على شرح النُّصُوص للمحقق مُحَمَّد بن إِسْحَاق القونوي تدل على علو كَعبه فِي علم التصوف وَكَانَ ينظم الشّعْر الْعَرَبِيّ على مصطلح التصوف فَمن شعره مَا كتبه إِلَى السَّيِّد سَالم شَيْخَانِ من الْمَدِينَة المنورة إِلَى مَكَّة المشرفة وَهُوَ قَوْله (وَمن كَانَ فِي أم الْقرى مستقره ... لماذا امتطى الوخاد شوقاً ليثرب) (إِذا حنّ وجدا للتدلي دنوه ... ليبلونا خير إِمَام محجب) (أم اشتاق من عز الْغنى ذل فقرنا ... أَشد حنيناً يَا لَهُ من محبب) (كَذَاك حوى دور التسلسل دَائِما ... لينظم شَمل السّفل أوج المحدب) فَأَجَابَهُ بقوله (وَمن كَانَ عَن أم الْكتاب سفوره ... بِسبع مثان وَصفه للتحبب) (فتكوينه تدوين إعجاز مُحكم ... بإمكانه نشر الْوُجُود المغيب) (فَأم قراه مُسْتَقر وُجُوبه ... ومستودع الْإِمْكَان منهل يثرب) (إِلَيْهِ امتطى الوخاد من شَرق روحه ... ليسفر شمس الذَّات فِي لوح مغرب) (ويطلع بدر الْوَصْف من غرب كَونه ... بتفصيل تصريف وَلَكِن مُعرب) (بِمن عزه قد حنّ شوقاً لذلنا ... ليبلو فقرا بالغنى خبْرَة الْأَب) (وَيَتْلُو كتاب الْجمع من نقش نَفسه ... على فرض عين فِي وجود محجب) (ليتلو مِنْهُ شَاهد لَاحَ شَاهدا ... بِهِ الْوَجْه يَبْدُو سافراً يتحجب) (لرحمانه عرش على حكمه اسْتَوَى ... بِخلق وَأمر هجرتي فِي التغرب) (إِلَى من إِلَيْهِ كل أَمر مرده ... تسلسل فِي أدوار عنقاء مغرب) (عَلَيْهِ بِهِ صلى شَهِيد وجوده ... بآل وَصَحب مَا تلى الْمَدْح للنَّبِي) وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من كبار الْمُحَقِّقين العارفين وَكَانَت وَفَاته نَهَار السبت خَامِس عشري شهر ربيع الآخر سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بِالبَقِيعِ اسكندر بن يُوسُف بن إِسْحَاق الرُّومِي الأَصْل الدِّمَشْقِي أحد كتاب خزينة الشَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وَهُوَ ابْن أُخْت إِبْرَاهِيم بن عبد المنان الدفتري الْمُقدم ذكره وَأَصله من بوسنة كَانَ كَاتبا منشئاً عَارِفًا بالقوانين العثمانية وَله خبْرَة تَامَّة بِالْحِسَابِ وإنشاء الرسائل التركية مَعَ جرْأَة وإقدام وَهُوَ الَّذِي سعى فِي قطع رزق الْعلمَاء والصلحاء بِالشَّام من جوالي السُّلْطَان وسافر إِلَى الرّوم وتعاضد هُوَ والدفتري بِالشَّام إِذْ ذَاك وَبَعض عونه من الْكتاب وعرضوا مَا أبرموه على الْوَزير فجرت الْمَقَادِير على وفْق مَا أحكموه من الرَّأْي الْفَاسِد وَقطع عَن النَّاس شَيْء كثير وبسبب ذَلِك ضعفت قُوَّة الْعلمَاء بِالشَّام وَاسْتولى عَلَيْهِم الْفقر وَكَانَ ذَلِك فِي حُدُود سنة سِتِّينَ وَألف وَمِمَّا قيل فِي هَذَا الْخطب الفادح (شكت الشَّام عَمها المتوالي ... نَحْو بَاب المُرَاد فِي عرض حَال) (فَقَرَأَ على وفاقة النَّاس فاقت ... والجوالي لَهَا احتراق الجوى لي) (قطعوها ظلما وأبقوا يتامى ... فاقدي الزَّاد مَا لَهُم من نوال) (والفقيرات باكيات بِضعْف ... فقدوا قُوَّة لجسم وَمَال) (وَيْح من يستبيح رزقه محيا ... وَإِمَام طَالب ذِي عِيَال) (وكذاك المؤذنون أصيبوا ... وهم الذاكرون جنح اللَّيَالِي) (دفتري لَهُ القساوة طبع ... مبغض خائن دنيء الفعال) (أكل المَال بالخيانة حَتَّى ... صَار ذَا ثروة وَطول سبال) (ساعدوه جمَاعَة أشقياء ... ظَهَرُوا بَغْتَة بزِي الرِّجَال) (مِنْهُم اسكندر الْخَبيث المداجي ... مَعَ بعض أصون عَنهُ مقالي) (لَا جزاهم الهنا غير نَار ... تتلظى وحسرة فِي الوبال) (هَل لهَذَا الْمُصَاب مبلغ خير ... نَحْو بَاب المُرَاد بَين الموَالِي) (علهم يبلغون كَهْف العطايا ... منبع الْعدْل والندى والمعالي) (ملك زَاده الْإِلَه بهاء ... وَله الْيمن صَاحب والعوالي) (مَا نحا وَجهه من الْخَيْر إِلَّا ... بادرته مطيعة لَا تبالي) (نسْأَل الله أَن يديم علينا ... ملكه دَائِما بِأَحْسَن حَال) وَلم تطل بعد ذَلِك مُدَّة اسكندر حَتَّى مَاتَ بقسطنطينية مطعوناً فِي سنة أحدى وَسِتِّينَ وَألف وَقيل فِيهِ (يَقُولُونَ قد مَاتَ اسكندر وَمَا ... أُصِيب بِسيف مُسْتَحقّ بسيره) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 (فَقلت لَهُم سهم الْقَضَاء أَصَابَهُ ... وَمن لم يمت بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ) وَقيل فِي تَارِيخ مَوته (بشرى لأهل الجوالي ... هَلَاك منشي الضلال) (من طالما قد تعدّى ... وبالدعا لم يبالِ) (وضرّ بِالنَّاسِ حَتَّى ... أَتَاهُ سهم الوبال) (وَسَار نَحْو عَذَاب ... مؤبد واشتغال) (أرخ أَوَى فِي جحيم ... اسكندر وانتقال) السَّيِّد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن الْمهْدي بن إِبْرَاهِيم الْمهْدي بن أَحْمد بن يحيى بن الْقَاسِم بن يحيى بن عليان بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الملقب جحاف بن جَعْفَر بن الإِمَام الْقَاسِم بن عَليّ العياني بن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن الإِمَام الْقَاسِم الرسي بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه الْمَعْرُوف بالجحاف اليمني الأديب البليغ المتفرد فِي الأقطار اليمنية حفظ الْقُرْآن والحاجبية والازهار فِي الْفِقْه وَغَيرهمَا من الْمُتُون وَأخذ عَن أكَابِر شُيُوخ زَمَانه مِنْهُم وَالِده السَّيِّد إِبْرَاهِيم وجده السَّيِّد حُسَيْن بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الجحاف وَالسَّيِّد عَليّ بن حُسَيْن الجحاف وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن حُسَيْن الجحاف وَعنهُ أَخذ جمع من الْأَعْيَان مِنْهُم السَّيِّد شرف الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين الْحسن بن أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل إِسْمَاعِيل وغالب إخْوَته وسَادَة أهل بَلَده وَله شعر لطيف مِنْهُ قَوْله من قصيدة يمدح بهَا الإِمَام المتَوَكل إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم ويحثه على إحْيَاء مدارس الْعلم الَّتِي كَادَت أَن تندرس (أصبح الدَّهْر طيب الْأَوْقَات ... كَامِل الْحسن وافر الْحَسَنَات) (مشرق الْوَجْه باسم الثغر يزْدَاد بمر ... الشُّهُور والسنوات) (كعروس من فَوْقهَا زانها الحلى ... جمالاً إِلَى جمال الذَّات) (غادة تسلب الْعُقُول وتغتال ... قُلُوب الْأَنَام باللحظات) (بنت سبع وَأَرْبع وَثَلَاث ... برعت فِي السّكُون والحركات) (تتثنى فينثني من وراها ... خافق الْقلب ساكب العبرات) (جمعت كل مُفْرد من جمال ... وتثنت غصناً من المائسات) (مذ تولّى أَمر الْخلَافَة فِيهِ ... أوحديّ الفعال جم الصِّفَات) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 (ثَابت الرَّأْي ثَابت الجاش إِسْمَاعِيل ... حلف الْهدى حَلِيف الهداة) (الَّذِي بشرت بِهِ الرُّسُل حَقًا ... وحوى ذكره حَدِيث الثِّقَات) (فَهُوَ مهْدي هَاشم وهداها ... ذُو الكرامات فِي الورى الْبَينَات) (هدوى فِي نِسْبَة من أَبِيه ... قاسمي فِي نِسْبَة الْأُمَّهَات) (تتلاقى أَطْرَافه فِي الْمَعَالِي ... بَين خير وخيرة الصَّالِحَات) (فَهُوَ فرع لدوحة الْمجد شمس ... فِي بروج الفخار والمكرمات) (زَاده الله بَسطه فِي عُلُوم ... طالما أعجزت ذَوي الطلبات) (وجلاها من لَفظه بِبَيَان ... مستنير وأوضح المشكلات) (رغبت فِيهِ بعد طول نفار ... عَن سواهُ وأذعنت بالتفات) (واستعاذت صعابها من يَدَيْهِ ... طائعات لأَمره تابعات) (يَا إِمَام الزَّمَان قد أٍ سعد الله ... أُنَاسًا رأوك قبل الْمَمَات) (شَاهد وافيك من صِفَات عَليّ ... جملَة أخْبرت عَن الْبَاقِيَات) (علمه مَعَ بَيَانه وعلاه ... مَعَ خضوع وجوده مَعَ الثَّبَات) (وأهنيك يَا ابْن خير قُرَيْش ... عود عبد الصّيام بالخيرات) (جَاءَ مستوهبا نوالك فاغمره ... بمسنونه مَعَ الْوَاجِبَات) (طامعا أَن يفوز مِنْك بِفضل ... فيباهي أَمْثَاله الماضيات) (وَكَذَا شهرك الْكَرِيم يهنيك ... بِمَا حزت فِيهِ من قربات) (من صِيَام ودرس علم ووحي ... وَصَلَاة مَقْبُولَة وصلات) (طبق الأَرْض جود كفيك فِيهِ ... وغمرت الورى بأسنى الهبات) (يتبارى كَفاك وَالْبَحْر جودا ... فَأَنا فاستبقا على الذاريات) (صفة من صِفَات جدك قد جَاءَ ... بمضمونها حَدِيث الروَاة) (قد هدى الله أمة قُمْت فِيهَا ... قائدا وفدها إِلَى الجنات) (حطتها عَن عداتها بمواض ... وجياد سوابق مقربات) (كل من رام أَن يضم علاها ... عَاد مستوليا على الحسرات) (حجَّة الله لَا بَرحت بِخَير ... فِي رياض أنيقة مغدقات) (أَصبَحت عِبْرَة لكل نسيب ... عرصات من أَهلهَا مقفرات) (فتميل الْقُلُوب تَشْكُو إِلَيْهَا ... هجرها دَائِما بِكُل الْجِهَات) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 (لَيْسَ خلق سواك يحنو عَلَيْهَا ... يَا إِمَامًا فَوَات قبل الْفَوات) (وانتعش أَهلهَا وشيد بناها ... وأعدها فِي أحسن الْحَالَات) (أَنْت فِي الأَرْض رَحْمَة أهبطها الله ... تَعَالَى وسامع الدَّعْوَات) (أَنْت للنَّاس عصمَة فِي معاش ... ومعاد نمحو بِهِ السَّيِّئَات) (ختم الله بالرضى عَنْك سعيا ... إِنَّمَا الْفَوْز فِي رضى الخاتمات) (وعَلى الطُّهْر خَاتم الرُّسُل والآل ... سَلام وَأفضل الصَّلَوَات) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته بحبور فِي سنة أَربع وَعشْرين وَألف تَقْرِيبًا وَتُوفِّي لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر شعْبَان سنة سبع وَتِسْعين وَألف ببلدة وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن عبد الْحق بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْحِمصِي الأَصْل الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي القَاضِي الْفَاضِل الأديب الشَّاعِر وَيعرف بالحجازي لمجاورة جده مُحَمَّد بالحجاز كَمَا سَيَأْتِي ذكر ذَلِك فِي تَرْجَمته ذكر إِسْمَاعِيل هَذَا وَالِدي رحمهمَا الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ قَالَ قَرَأَ على الْعَلامَة فضل الله بن عِيسَى البوسنوي نزيل دمشق وعَلى الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي وَأخذ فقه الشَّافِعِيَّة عَن الشّرف الدِّمَشْقِي والطب عَن جده مُحَمَّد وَغَيره وَولي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بمحكمة قناة العوني وَنقل مِنْهَا إِلَى الْبَاب وَصَارَ رَئِيس الْأَطِبَّاء عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن الغزال وَكَانَ فَاضلا شَاعِرًا رَقِيق حَاشِيَة الطَّبْع رائق البديهة حسن الأسلوب لين الْعشْرَة لطيف المؤانسة حُلْو المذاكرة وَله أشعار كَثِيرَة مسبوكة فِي قالب الرقة جَارِيَة على وصف الشوق وَالْحب وَذكر الصبابة والغرام فَلهَذَا علقت بالقلوب ولطف مَكَانهَا عِنْد أَكثر النَّاس ومالوا إِلَيْهَا وتحفظوها وتداولوها بَينهم وَذكره البديعي فِي ذكرى حبيب فَقَالَ فِي حَقه أديب يطرب بألحانه مَا لَا يطرب المدام بحانه فَلَو أدْركهُ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ لوشح بِأَصْوَات موشحاته كتاب الأغاني ثمَّ عقب هَذَا الْكَلَام بِذكر سلسلته الْمَشْهُورَة الَّتِي مطْلعهَا قَوْله (مَا فاح شذا الْمسك من صفاتك أَو ضَاعَ ... إِلَّا وتذكرت مِنْك حسن أوضاع) وَذكره عبد الْبر الفيومي فِي كِتَابه المنتزه أَيْضا وَذكر شَيْئا من شعره فَقَالَ وَمن نظمه الْمَشْهُور قَوْله (وَرب عتاب بَيْننَا جدّد الْهوى ... شهيّ بِأَلْفَاظ أرق من السحر) (وَأحلى من المَاء الزلَال على الظما ... وألطف من مرّ النسيم إِذا يسري) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 (عتاب سرقناه على غَفلَة النَّوَى ... وَقد طرفت أَيدي الْهوى أعين الدَّهْر) (وَقد أخذتنا نشوة من حَدِيثه ... كأنا تعاطينا سلافا من الْخمر) (ورحنا بِحَال ترتضيها نفوسنا ... وَهَا أَنا بَين الصحو مَا زلت وَالسكر) وَقَوله (فؤاد أبي إِلَّا التولع فِي الْحبّ ... وَلم يرض بعد الْبَين يسكن فِي قلبِي) (وطرف قريح جفْنه قَاطع الْكرَى ... وواصله دمع يفوق حَيا السحب) (تساعد قلبِي فِي تلافي وناظري ... فَخذ لي حَقي مِنْهُمَا أَنْت يَا رَبِّي) (فطر فِي إِذا مَا رمت أمساك دمعه ... يزِيد عَن خدي سكبا عَن سكب) (وقلبي طلبت الصَّبْر مِنْهُ فخانني ... فَمَا للهوى ذَنْب إِذا خانني قلبِي) وَقَوله (وَلم أنس إِذْ جَاءَ الحبيب وودعا ... وَفِي الْقلب نيران التباعد أودعا) (وَقَوْلِي لَهُ هَل يجمع الله شملنا ... على رغم ذياك الحسود الَّذِي سعى) (رعى الله أَيَّامًا تقضت وَنحن فِي ... أَمَان من الهجران لن نتروعا) (نبيت كعصني بانه فِي ربى الصِّبَا ... يرنحنا صَوت الْحمام مرجعا) (إِلَى أَن دَعَانَا للفراق رقيبنا ... فياليت دَاع للتفرق مَا دَعَا) وملح وأطرب فِي قَوْله (كلما حدثت قلبِي سلوة ... عَن هواهم قَالَ لي لَا يُمكن) (وَإِذا ذكرته أَنهم ... قد أساؤا قَالَ لَا بل أَحْسنُوا) وَفِي قَوْله (ولي قلب أَلِيم من ... صدودك دَائِم الضرم) (بودي لَو أقطعه ... فَإِن وجوده عدمي) (وَلَكِن قَطْعِيّ الْعُضْو الْأَلِيم ... يزِيد فِي ألمي) وَقَالَ (قد وقفنا بعد التَّفَرُّق يَوْمًا ... فِي مَكَان فديته من مَكَان) (نتشاكى لَكِن بِغَيْر كَلَام ... نتحاكى لَكِن بِغَيْر لِسَان) وَقَالَ (وربة لَيْلَة قد زار فِيهَا ... خيال فِي الدجى مِنْهُ طروق) (وَبَات تشوقي يُدْنِيه منى ... ويبعده من الْقلب الخفوق ... ) (فَلَا أروي الحشامنة إعتناق ... وَلَا بل الجوى لي مِنْهُ ريق) وَقَالَ (طلع الْبَدْر والحبيب مَعًا ... فأضاء الْوُجُود والتمعا) (فتعجبت إِذْ رأيتهما ... فِي زمَان كِلَاهُمَا طلعا) (كَيفَ ببدر الْهلَال فِي زمن ... فِيهِ وَجه الحبيب قد سطعا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وَله فِي التورية (قَالَت حَبِيبِي قل لي ... يَا صَاح من أَي قوم) (أروم هجرك إِن لم ... تقل لنا قلت رومي) وَله (يَا أخلاي إِذا مَا جِئتُكُمْ ... فاعذروني ودعوا عني ملامي) (جَاءَ بِي الشوق إِلَى أَرْضكُم ... وَدَعَانِي نحوكم دَاعِي غرامي) وأشعاره كَثِيرَة والاختصار أولى بالمختصر وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمسين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة إِحْدَى وَألف وَدفن بِبَاب الصَّغِير إِلَى جَانب أَبِيه وجده الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن عبد الْغَنِيّ بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم النابلسي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد وَالدَّار الْعَلامَة الْفَقِيه الْحَنَفِيّ كَانَ عَالما متبحراً غواصاً على الْمعَانِي الدقيقة قوي الحافظة وَهُوَ أفضل أهل وقته فِي الْفِقْه وأعرفهم بِطرقِهِ وصنف كتبا كَثِيرَة أجلهَا وأحكمها كِتَابه الْأَحْكَام شرح الدُّرَر فِي اثْنَي عشر مجلداً بيض مِنْهَا أَرْبَعَة إِلَى كتاب النِّكَاح وَهُوَ كتاب جليل الْمِقْدَار مُشْتَمل على جلّ فروع الْمَذْهَب وَمَا عداهُ من تآليفه كلهَا بقيت فِي المسودات وَكَانَ أَولا اشْتغل بِمذهب الشَّافِعِي وَألف فِيهِ حَاشِيَة على شرح الْمِنْهَاج لِابْنِ حجر الْمُسَمّى بالتحفة ثمَّ عدل إِلَى مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة وَقَرَأَ بِدِمَشْق على الشّرف الدمشيق والمنلا مَحْمُود الْكرْدِي وَالشَّيْخ عمر الْقَارِي والعمادي الْمُفْتِي وتفقه بالشيخ عبد اللَّطِيف الجالقي وَأخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الْغَزِّي وبرع فِي الْعُلُوم ثمَّ شرع فِي إِلْقَاء الدُّرُوس وَفِي الْجَامِع الْأمَوِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وسافر إِلَى الرّوم ولازم من شيخ الْإِسْلَام يحيى بن زَكَرِيَّاء ودرس على قاعدتهم ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وكرّر الذّهاب إِلَى الرّوم وَأعْطى الْمدرسَة القيمرية بِدِمَشْق وَدخل حلب وَحج وقفل من الْحجاز إِلَى الْقَاهِرَة واخذ بهَا عَن الشهَاب أَحْمد الشَّوْبَرِيّ الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ حسن الشُّرُنْبُلَالِيّ ثمَّ توجه إِلَى الرّوم وَضم لَهُ قَضَاء صيدا وَعَاد وَلما توفّي الْمولى يُوسُف بن أبي الْفَتْح أَمَام السُّلْطَان كَانَ عَلَيْهِ تدريس جَامع السُّلْطَان سليم بصالحية دمشق فَوجه إِلَيْهِ وَأخذ عَنهُ بعد مُدَّة فَسَار إِلَى الرّوم وقرّره وَصَارَت لَهُ رُتْبَة مدارس الصحن وَكَانَ ذَلِك فِي سنة سِتِّينَ وَلما رَجَعَ إِلَى وَطنه انْعَزل عَن النَّاس للتحرير والمدارسة وَكَانَ لَا يفتر وَلَا يمل من المطالعة والمباحثة وَلَزِمَه جمَاعَة للأخذ عَنهُ وَبِه انتفعوا مِنْهُم شَيخنَا المرحوم إِبْرَاهِيم الفتال وأملى تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ بالجامع الْأمَوِي وَكَانَ يُورد عَلَيْهِ عِبَارَات تفاسير عديدة وَكلهَا إِلْقَاء من حفظه وَبِالْجُمْلَةِ فقوّة حافظته مِمَّا يقْضى مِنْهَا بالعجب وَكَانَ ينظم الشّعْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وشعره كثير مِنْهُ قَوْله وَكتب بِهِ ضمن كتاب أرْسلهُ إِلَى دمشق من حمص حِين توجه إِلَى الرّوم فِي أَوَاخِر رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف (إِن طلبتم أبدي لكم شرح حَالي ... فَهُوَ أَمر بِكُل عَنهُ مقالي) (لَا تَقولُوا مُسَافر بل مُقيم ... كل يَوْم سروره فِي كَمَال) (ثمَّ مَا قد أَصَابَنَا من رَفِيق ... وعزيز ومنبع الأفضال) (فَهُوَ أَمر عجزت أَن رمت أحصى ... مِنْهُ حَالا فَكيف بالأحوال) (غير أَنِّي قصدت من رقم هَذَا ... فهمكم حَالنَا على الْإِجْمَال) وَقَوله وَكتب فِي صدر مُكَاتبَة أَيْضا (إِذا قبل أَي إِمَام همام ... بليغ لقد فاق للفاضل) (غزيرالنوال عَزِيز المنال ... شرِيف الْخِصَال وَذي النائل) (وَحبر الْأَنَام وبحر الْكِرَام ... لخير يرام بِلَا سَائل) (كريم الْأُصُول ومحيي الْقبُول ... وَفضل يصول على الْجَاهِل) (أَشَارَ إِلَيْك جَمِيع الْأَنَام ... اشارة غرقي إِلَى السَّاحِل) أصل هَذَا مَا قَالَه فِي كتاب العقد أَنه وقف بعض الشُّعَرَاء على عبد الله بن طَاهِر فأنشده (إِذا قيل أَي فَتى تعلمُونَ ... أهش إِلَى البائس السَّائِل) (وأضرب للهام يَوْم الوغى ... وَأطْعم فِي الزَّمن الماحل) (أَشَارَ إِلَيْك جَمِيع الْأَنَام إِشَارَة غرقي إِلَى السَّاحِل ... ) وللنابلسي (لوى وَجهه عني على عزم أنني ... أداهنه من أجل أمرأ حاوله) (فَقلت لَهُ خفض عَلَيْك فإنني ... تكلفت هَذَا الْأَمر مِمَّن أخالله) (وصدقت ظَنِّي فِيك والطبع غَالب ... وكل يلاقي بِالَّذِي هُوَ فَاعله) وَله (وَلَو لم يكن علمي بأنك فَاعل ... من الْخَيْر أَضْعَاف الَّذِي أَنا فَاعل) (لما بسطت كفى إِلَيْك وَسِيلَة ... وَلَا وصلت مني إِلَيْك الرسائل) وَله هَذِه الرّبَاعِيّة (قد أقسم لي لما اعْتَرَانِي الوله ... أَن يعْطف لي لكنه أَوله) (لَا يسمح بالوصال إِلَّا غَلطا ... فِي النَّادِر والنادر لَا حكم لَهُ) وَله غير ذَلِك ووقفت على مَجْمُوع بِخَطِّهِ فِيهِ من انشائه وشعره أَشْيَاء كَثِيرَة وَمن جملَة ذَلِك خطب دروسه التفسيرية وفيهَا مناسبات ولطائف تعبيرات تشهد لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 بِالْيَدِ الطُّولى فِي كل فن وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع عشرَة وَألف وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بالمدفن الْمَعْرُوف بهم وَهُوَ بِالْقربِ من جَامع جراح وَلنَا قرَابَة مَعَهم من جِهَة الْأُمَّهَات فَإِن جدي محب الله ابْن عمَّة صَاحب التَّرْجَمَة وَلما مَاتَ رثاه بعض الأدباء بقوله (أودى الإِمَام الحبر إِسْمَاعِيل ... لهفي عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَنهُ بديل) (بَكت السما وَالْأَرْض يَوْم وَفَاته ... وَبكى عَلَيْهِ الْوَحْي والتنزيل) (وَالشَّمْس وَالْقَمَر الْمُنِير تناوحا ... حزنا عَلَيْهِ وللنجوم عويل) (أَيْن الإِمَام الْفَرد فِي آدابه ... مَا إِن لَهُ فِي الْعَالمين عديل) (لاتخدعنك مني الْحَيَاة فَإِنَّهَا ... تلهى وتنسى والمنى تضليل) (وتأهبن للْمَوْت قبل نُزُوله ... فالموت حتم والبقاء قَلِيل) إِسْمَاعِيل بن عبد الْوَهَّاب الْهَمدَانِي نزيل دمشق ذكره الْغَزِّي فِي ذيله وَقَالَ دخل دمشق فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَسكن بالمجاهدية وَكَانَ يَبِيع الحبر بِبَاب الْبَرِيد ويصبغ الْوَرق وَكَانَ يخْدم الْقُضَاة وَغَيرهم ونال شَيْئا من الجوالي ثمَّ أعْطى تَوْلِيَة جَامع سيباي خَارج بَاب الْجَابِيَة ثمَّ أعطَاهُ الْمولى عَليّ بن أَمر الله الْمَعْرُوف بِابْن الحنائي وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام تَوْلِيَة الْجَامِع الْأمَوِي عَن منلا أَسد بن معِين الدّين التبريزي وَضم إِلَيْهِ نظارة النظار عَن الْكَمَال بن الحمراوي وَبَقِي مُتَوَلِّيًا على الْجَامِع أَرْبَعِينَ سنة وَتصرف هُوَ وَالْقَاضِي أَبُو بكر بن الْموقع تَصرفا انتقد عَلَيْهِمَا أَكْثَره وَفِيهِمَا يَقُول شيخ الْإِسْلَام أَبُو الْفَتْح الْمَالِكِي مُشِيرا إِلَى مَا فعلاه بِالْوَقْفِ (يَقُول على مَا قيل جَامع جلق ... ألم يَك قَاضِي الشَّام عني مسئولا) (يسلم للأعجام وقفي لَا كُله ... ويروى لَهُم عني كتاب ابْن مَاكُولَا) (أبعد الْفَتى السُّبْكِيّ أعْطى لسيبك ... وَبعد الإِمَام الزنكلوني الزنكلولا) (أقاموه لي قرداً بشباك مشْهد ... وضموا لَهُ دباً على الرقص مجبولا) (يؤمل كل أكل وقفي بأسره ... فَلَا بلغ الله الْأَعَاجِم مأمولا) وَلما آل أَمر الْوَقْف إِلَى الضّيَاع وَلزِمَ توزيع نقص مَاله على أَرْبَاب الْوَظَائِف وَكَانَ يقسم على طَبَقَات اقْتضى صرف إِسْمَاعِيل عَن نظارته وَأعْطيت لبونسوز على سنة فطغى فِي نظارته ثمَّ عزل عَنْهَا وَولى مَكَانَهُ حسن باشا الشهير بشور بزه حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 فسلك فِيهِ أحسن السلوك من تنمية وَفقه وَإِعْطَاء علوفاته وَرفع يَد إِسْمَاعِيل وَكَانَ يوصله علوفته فاختل أمره وَبَقِي فِي زَوَايَا الخمول إِلَى أَن مَاتَ فِي سادس عشر شَوَّال سنة سِتّ بعد الْألف الإِمَام إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الرشيد بن أَحْمد بن الْأَمِير الْحُسَيْن بن عَليّ بن يحيى بن يُوسُف الملقب بالأشل بن الْقَاسِم بن الإِمَام يُوسُف الدَّاعِي ابْن الإِمَام الْمَنْصُور يحيى بن الإِمَام النَّاصِر أَحْمد بن الإِمَام الْهَادِي بن يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ المتَوَكل على الله الزيدي صَاحب الْيمن وَليهَا بعد وَفَاة أَخِيه مُحَمَّد الْمُؤَيد وخلع أَخِيه الإِمَام أَحْمد فِي سنة خمس وَخمسين وَألف وأرخ بَعضهم ابْتِدَاء دَعوته بقوله توكلت على الله وَحده أبدا وعظمت حرمته ورهبت سطوته ودانت لَهُ الأقاليم اليمنية وَسَار بِالنَّاسِ سيرة حَسَنَة وَكَانَ حَازِم الرَّأْي خَبِيرا بتدبير الْأُمُور حسن الْمُعَامَلَة مَحْمُود الْأَوْصَاف بَعيدا من الخناء وَالْفُحْش يملك نَفسه عِنْد الْمَحَارِم ويعد مَغَانِم الْفَاحِشَة من المغارم سَار السِّيرَة العادلة بِحَيْثُ لم يكن لَهُ همة بعد الإشتغال بِالْعلمِ إِلَّا التفكر فِي أُمُور الرعايا فأمنت السبل فِي أَيَّامه ورخصت الأسعار وَلم يتَمَكَّن أحد من ظلم أحد فِي ولَايَته وَلَو كَانَ كَافِرًا وَلم يَجْسُر أحد من عماله على ظلم أحد من الرعايا وَأمن النَّاس على أنفسهم وحريمهم وَأَوْلَادهمْ وترددت التُّجَّار لسَائِر الأقطار وَكَانَ حسن الشكل مليح الْوَجْه عَالما متضلعا أَخذ عَن كثير من الْمَشَايِخ من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة والزيدية وجد بالإشتغال بالعلوم الشَّرْعِيَّة والآلية وبرع فِي سَائِر الْفُنُون وَألف تآليفاً رائقة مِنْهَا شَرحه على جَامع الْأُصُول لِابْنِ الْأَثِير وَجمع أَرْبَعِينَ حَدِيثا تتَعَلَّق بِمذهب الزيدية وَشَرحهَا شرحا مستوعبا ذكر لي بعض الإخوان من أهل دمشق وَكَانَ رَحل إِلَى الْيمن أَنه رَآهُ وَهُوَ يحتوي على تحقيقات وأبحاث بديعه وَله العقيدة الصَّحِيحَة فِي الدّين النَّصِيحَة وَله رِسَالَة فِي التحسين والتقبيح الأصليين وَكَانَ بحاثا مناظرا وَكَانَ يعظم الشَّرْع وَلَا يخرج عَن حكمه ويوقر من زَارَهُ من الْفُضَلَاء وَكَانَ إِذا اجْتمع بِأحد من أهل الْعلم يقبل بِوَجْهِهِ عَلَيْهِ ويوده ويؤانسه وَمن سعادته أَنه كَانَ إِذا غضب على أحد فِي الْغَالِب لَا يزَال ذَلِك المغضوب عَلَيْهِ فِي خمول وتعس وتكد إِلَى أَن يَمُوت وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن جَمِيع أَيَّامه كَانَت غرراً وَفِي بعض التَّعَالِيق فِي سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 سبعين وَألف استولى الإِمَام إِسْمَاعِيل على حَضرمَوْت كلهَا وَأمرهمْ بِأَن يزِيدُوا فِي الْأَذَان حَيّ على خير الْعَمَل وَترك لترضى عَن الشَّيْخَيْنِ أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَمنع الدفوف واليراع فِي رابت السقاف وانتهت دولة آل كثير من تِلْكَ الديار وَكَانَ آخِرهم عبد الله بن عمر فَإِنَّهُ لما خلع نَفسه وَتَوَلَّى أَخُوهُ بدر بن عَمْرو فِي آخر دولته ظلم وطغى فهجم عَلَيْهِ ابْن أَخِيه بدر بن عبد الله وحبسه فدانت لَهُ الْعباد إِلَى أَن ظلم وصادر السَّادة فَاجْتمعُوا ودعوا عَلَيْهِ فَقدر الله أَن كتب عَمه بدر ابْن عمر وَهُوَ فِي الْحَبْس إِلَى الإِمَام إِسْمَاعِيل وهون عَلَيْهِ أَمر حَضرمَوْت فَكتب الإِمَام إِلَى السُّلْطَان بدر بن عبد الله بِإِخْرَاج عَمه من الْحَبْس فَأخْرجهُ ثمَّ اتَّصل بِالْإِمَامِ وَطلب مِنْهُ التَّجْهِيز على حَضرمَوْت وتكفل لَهُم بأَشْيَاء وساعده على ذَلِك الشَّيْخ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن العمودي شيخ العموديين وَكَانَ والياً على أَكثر وَادي دوعن فكاتبوا مَشَايِخ الْقَبَائِل وَأَرْسلُوا لَهُم بالأموال فَلَمَّا التقى الجيشان انْكَسَرَ جَيش السُّلْطَان بدر وَلم يُقَاتل مَعَه إِلَّا خواصه ثمَّ انْكَسَرَ مُنْهَزِمًا وَولى مُدبرا إِلَى جبل أَخْوَاله السناقر وَطلب لنَفسِهِ الْأمان فَأعْطِيه وَلما لم يطب لِأَحْمَد بن حسن الْمقَام بحضرموت أَقَامَ بهَا بدر بن بدر الكثيري وَرجع إِلَى عَمه الإِمَام إِسْمَاعِيل وَبقيت حَضرمَوْت فِي تصرف الإِمَام إِلَى مماته وَتمكن غَايَة التَّمَكُّن ومدحه شعراء عصره بالقصائد الطنانة مِنْهُم إِبْرَاهِيم بن صَالح الْمُهْتَدي فَإِنَّهُ مدحه بقصيدة غَايَة فِي الْحسن ويعجبني مِنْهَا قَوْله (نعم مَا لربات الحجول ذمام ... وَلَا لعهود الغانيات دوَام) (أعز إلام الْبَرْق عنْدك خلب ... وحتام سحب الْوَصْل مِنْك جهام) (تقلص ظلّ من وفائك سابغ ... ظَلِيل وَعَاد الرّيّ وَهُوَ أوام) (تخذت قلال الصَّدْر والبعد جنَّة ... مللت أَلا إنّ الملال ملام) (وَتلك لعمري فِي الحسان سجية ... وللشيخ فِي الما مهن لزام) (وَلكنه فِي حقهن ممدح ... يحل وَأما فِي الرِّجَال حرَام) (قصارى جمال الغيد وجدٌ ولوعةٌ ... لَهَا بَين أحناء الضلوع ضرام) (تصعبت حَتَّى مَا لمضناك حِصَّة ... من الْوَصْل إِلَّا من رناك سِهَام) (حسبت بَان الْحسن بَاقٍ وَرُبمَا ... غَدا نعيه يَا عز وَهُوَ تَمام) (وكل شباب بالمشيب مروع ... وَإِن لم يرعك الشيب رَاع حمام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 (ألم تعلمي أَن المحاسن دولة ... يَزُول إِذا زَالَت جوى وغرام) (وَلَو دَامَت الدولات كَانُوا لغَيرهم ... رعايا وَلَكِن مَا لَهُنَّ دوَام) (إِذا زِدْت بعدا أَو أطلت تجنبا ... رحلت وجسمي لم يذبه سقام) (وَمَا فضل رب السَّيْف لَو فتكت بِهِ ... جفون كليلات المضاء كهام) (أينصبن لي من هدبهن حبالة ... وَهل صيد فِي فخ الغزال حمام) (ولي همة لَا تمتطيها صبَابَة ... وحزم فَتى بالحتف لَيْسَ يسام) (وعزمة ندب لَا يزَال فُؤَاده ... وجانب حر لَا ترَاهُ يضام) (هيامي فِي نهد أقب مطهم ... إِذا الْقَوْم فِي نهد المليحة هاموا) (وَلم يَك عِنْدِي غير كتب نفيسة ... تروق وَإِلَّا ذابل وحسام) (ولي قلم كالصل أما لعابه ... فسم وَأما نفثه فمدام) (وَإِن رامنى دهري الخؤون بحادث ... فلي من أَمِير الْمُؤمنِينَ عِصَام) وَكَانَ ينظم الشّعْر وَرُوِيَ لَهُ أشعار جَيِّدَة مَقْبُولَة فَمن ذَلِك قَوْله من قصيدة مطْلعهَا (فِي المهجة أضحى معهده ... فَلِذَا فِي الْغَيْبَة تشهده) (فتان الْحسن ممنعه ... فتيَان الصبوة أعبده) (معسول الثغر مفلجة ... عَسَّال الْقد معربده) (وافي من بعد تجنبه ... ووفي بالزورة موعده) (وسرى كالبدر فسربه ... مسلوب كرى لَا يرقده) وَكتب إِلَيْهِ القَاضِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم السحولي (عجبا مَا للاخلة ... أَعرضُوا من غير عله) (وتجافوا عَن كئيب ... هائم الْقُلُوب موله) (مستهام عَذبته ... من غزال الرمل مقله) (ذُو قوام مثل غُصْن ... البان قد حل برمله) (ومحيا أورث الأنجم ... والأقمار خجله) (عبلة السَّاق رداح ... دونهَا فِي الْحسن عبلة) (غادة عَادَتهَا ... للصب أَن تكْثر مطله) (جعلت هجر الْمَعْنى ... فِي الْهوى دنيا ومله) (حرمت من وَصله مَا ... خَالق الْخلق أحله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 (وَأحلت قَتله وَالله ... قد حرم قَتله) (يَا ترى فِي أَي يَوْم ... يصل المحبوب حبله) (وَبِه فِي طيب عَيْش ... يجمع الرَّحْمَن شَمله) (وَيرى العاذل فِيهِ ... تَارِكًا فِي الْحبّ عذله) (وَيعود الصب للمعهود ... من غير تعله) (فهم قوم سراة ... أر يحيون أَجله) (وَلَهُم فِي الْقلب ود ... لَا يروم الْغَيْر نَقله) (غير أَن الدَّهْر أبدى ... مِنْهُم للصب غفله) (سد دون الضاحك الثغر ... طَرِيقا مِنْهُ سهله) (فتناسوا عهد صب ... ذاهل اللب موله) (وجفوه فرسوم الود ... مِنْهُم مضمحلة) (فَمَتَى فِي الدَّهْر نلقى ... شَيخنَا بدر الأهله) (علنا نشكو إِلَيْهِ ... سطوة الدَّهْر وَفعله) (نجل إِبْرَاهِيم عز الدّين ... مَحْمُود الجبلة) (أعظم الأخيار نيلا ... أكْرم الْأَحْرَار خله) (أحسن النَّاس خِصَالًا ... لم نرى فِي النَّاس مثله) (وَهُوَ للطَّالِب علما ... علم زاه وَقَبله) (يَا جمال الدّين من حَاز ... خِصَال الْمجد جمله) (هاك نظما من محب ... لَا يرى غَيْرك أَهله) (أوجدته فكرة قد ... كدرتها أَي شغله) (يرتجى مِنْك قبولا ... لنظام جَاءَ قبله) (مسبلا من دونه سترا ... من الْعَيْب وَكله) (دمت فِي أرغد عَيْش ... راقيا أَعلَى مَحَله) فَرَاجعه عَنْهَا بقوله (سامحوا الْمُلُوك لله ... واصفحوا عَن كل زلَّة) (عفوكم عَنَّا دَوَاء ... نَافِع من كل عِلّة) (والرضى مِنْكُم زلال ... مبرد من كل غلَّة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 (ودكم عِنْدِي أَمَان ... ببراهين الْأَدِلَّة) (حبكم شَرْعِي وديني ... وَهُوَ عِنْدِي خير مِلَّة) (وَهُوَ لي خلق كريم ... وطباع وجبلة) (وَلَقَد مازج روحي ... وَسَوَاد الْقلب حلّه) (قمر الْحسن وللحسن ... بدور وَأَهله) (لَو رَآهُ الْبَدْر أَعْلَاهُ ... مقَاما وأجله) (ضرب الْحسن علبه ... قبَّة تزهو وَكله) (يَا لقومي فِي كثير الْحسن ... حظى مَا أَقَله) (يَا رَسُولي قل لَهُ ... بِاللَّه إِن أَحْسَنت قل لَهُ) (كي يقْضِي الصب عمرا ... فعساه وَلَعَلَّه) (أَن يكن لَا يرتجى الوبل ... من الْوَصْل فطله) (وعَلى الْحسن زَكَاة ... وَردت فِيهَا الْأَدِلَّة) (وَهُوَ مِسْكين فَمنع الصّرْف ... فِيهِ من أحله) (لست أَشْكُو الْجور إِلَّا ... للأجل ابْن الأجلة) (من لَهُ كَثْرَة أَوْصَاف ... العلى من غير عله) (من رقى فِي الْمجد ... وَالْفَخْر إِلَى أرقى مَحَله) (ونضا منصل عزم ... مرهف بِالْحَدِّ وسله) (وسعى فِي طلب العلياء ... من غير تعله) (وسما فِي نيله ... الْفضل إِلَى أرفع قله) (مَا أحل الله شخصا ... فِي العلى حَيْثُ أحله) (يَا سليل الْعِزّ يَا من ... لأعاديه المذلة) (وصل الْمَمْلُوك وصل ... مِنْكُم أعلا مَحَله) (وكساه برد فحر ... زانه بَين الأخلة) (عقد نظم خلته وردا ... كَسَاه الصُّبْح طله) (أَو هُوَ الدّرّ نهاداه ... الغواني للأكلة) (وتود الغيد لَو أَن ... لَهَا مِنْهُ أشله) (بل هُوَ الْفضل ... أدام الله للْعَالم ظله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 (فِيهِ إعزاز لقدري ... ولنظمي فِيهِ ذله) (فاقبلوا مني جَوَابا ... جَاءَ فِي ضعف وقله) (طَال تقصيري وَلَكِن ... سامحوا الْمَمْلُوك لله) وَمن شعره الإِمَام قَوْله (وشادن أجْرى دموعي دَمًا ... سفحا على الْخَدين لَا ترقا) (أَخَاف مسود عِذَارَيْ بِهِ ... ببيض من حلته الزرقا) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة تسع عشرَة بعد الْألف وَتُوفِّي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَقَامَ بعده فِي طلب الْإِمَامَة لنَفسِهِ أَحْمد بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ونازعه فِيهَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم ابْن عَمه وَحصل بَينهمَا محاربة ثمَّ تمت الْولَايَة لِأَحْمَد كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد عماد الدّين الْمَعْرُوف بِابْن تبل الدِّمَشْقِي القبيباتي ذكره النَّجْم الْغَزِّي فِي ذيله فَقَالَ فِي حَقه كَانَ من أذكياء الْعَالم ودأب فِي الإشتغال حَتَّى برع فِي كل فن من الْفُنُون واشتهر بِالْفَضْلِ وَكَانَ شافعيا ثمَّ تحنف وَقصد أَن يسْلك طَرِيق الصُّوفِيَّة فاختلى عِنْد الشَّيْخ أَحْمد الحرستاني الْكَاتِب وَرَأى فِي الْوَاقِعَة بعد سِتَّة عشر يَوْمًا أَنه فِي فلاة فِيهَا كوم من أَحْجَار وأوساخ وَوجد عَلَيْهَا قِطْعَة خبر فَأكلهَا فَذكره هَذِه الرُّؤْيَا للشَّيْخ أَحْمد فَقَالَ لَهُ أخرج من الْخلْوَة فَإِن لَك خَوْلَة فِي الدُّنْيَا فَخرج ثمَّ تعلق بأنواع الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وسافر إِلَى الرّوم وسلك الطَّرِيق وخدم بعض الموَالِي حَتَّى صَار محاسبا بأوقاف قسطنطينية فِي زمن بعض قضاتها حَتَّى حصل دنيا عريضة واشتهر فِيمَا بَينهم بمنلا عماد ثمَّ تفرغ عَن ذَلِك كُله ووهب مَا عِنْده من مَتَاع وَغَيره وَلحق بالعارف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ مَحْمُود الإسكداري وَصَارَ من مريديه وَتُوفِّي عِنْده بأسكدار فِي سنة عشر بعد ألف رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام الْقَاسِم من أَوْلَاد الْأَئِمَّة بِالْيمن وجده هُوَ الَّذِي أخرج الأتراك من الْيمن وَكَانَ ذَا ولَايَة وَاسِعَة وَسَتَأْتِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ السَّيِّد إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور فِي الْمحل الْأَعْلَى من الفصاحة والبلاغة وَحسن الْأَدَب نقي الطبغ بهى الْآثَار رَقِيق جِلْبَاب النّظم وَله مؤلف سَمَّاهُ سمط اللآل بأشعار الْآل وفضله فِي الْيمن أشهر من أَن يذكر وَمن شعره النقي الْبَهِي قَوْله يمدح وَالِده مُحَمَّد بن الْحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 (أَتَرَى السَّلب للقلوب الشيجه ... لسواجي لحاظها كالسجية) (أم رمى غير عَامِد أسْهم الهدب ... وَلم يدر أَن قلبِي الرَّمية) (فعلت بِي الألحاظ شرفها الله ... تَعَالَى مَا تفعل المشرفية) (عَرفتنِي أسحار بَاب هاروت ... فَكَانَت عِنْدِي هِيَ البابلية) (نصبت لي أشراك هدب فَهَلا ... شَافِعِيّ وَاحِد من الزيدية) (أَنا شيعها وَبِالنَّصبِ جرتني ... إِلَى أَن وَقعت فِي الْمَالِكِيَّة) (ملكتني قلبا وعينا وَحَتَّى ... ملكتني قولا وفعلا ونيه) (مَا نوبت الطموح للْغَيْر إِلَّا ... حجبتني الحواجب النونيه) (وبنار الْأُخْدُود ذاب فُؤَادِي ... من خدود ندية عندميه) (أَي نَار لَهَا إتقاد لماء ... غير نَار على الخدود الندية) (يَا لَهَا فتْنَة لَهَا قدرهَا الله ... فَعَادَت عشاقها قدرية) (لَا يرَوْنَ السلوان مِمَّا يُطِيقُونَ ... وَلَا يدْفَعُونَ هذي البلية) (حققوا الْجَبْر فِي اعتزالهم اللوم ... فراحوا لفعلهم رافضيه) (فهم يفرقون من كل شَيْء ... أبدا فِي صباحهم والعشية) (مثل مَا يفرق الشجاع إِذا لَاقَى ... إِمَام الْعِصَابَة الهاشمية) (الإِمَام القوام لله بِالْحَقِّ ... بِإِجْمَاع الْجَمَاعَة النَّبَوِيَّة) (الْأَغَر الأبر عز الْهدى ... الْهَادِي البرايا إِلَى الطَّرِيق السويه) (الْمُفِيد المبيد شَمل الأعادي ... بالمواضي والبقنا السمهرية) (خير من هز صَار مَا يَوْم روع ... وعَلى صهوة الْجِيَاد الْعلية) (وَالَّذِي قاد شاردات الْمَعَالِي ... بالعوالي والهمة العلوية) (والذكي الَّذِي يحل من الأشكال ... مَا يعجز الفحول الذكية) (والجواد الَّذِي يَسُوق إِلَى العافين ... سحبا من اللهى عسجديه) (والمليك الَّذِي يدبر أَعمال ... نظام الشَّرِيعَة الأحمدية) (لم يزل فِي الْأُمُور يمْضِي بِرَأْي ... هُوَ أضوى من الشموس المضية) (أحلم النَّاس أعلم النَّاس أزكاهم ... مقَاما ومحتدا وطوية) (وَالَّذِي طَابَ نشر ذكرَاهُ حَتَّى ... طَابَ مِنْهُ أقْصَى الْجِهَات القصية) (هاكها بنت لَيْلَة حبرتها ... مَعَ شغل سليقة حسنيه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 (درها تخجل اليواقيت مِنْهُ ... ودراري الْكَوَاكِب العلوية) (فاقبل النزر من خطابي واعذر ... فِي خطاب جلبة وخفية) (إِنَّمَا يحسن النظام ويزكو ... حِين تزكوا الْعَوَارِض النفسية) (غير خَالف على أبي الْفضل أَن الضيم ... تأبى مِنْهُ النُّفُوس الأبيه) (وابق مَا مَالَتْ الغصون على الرَّوْض ... وغنت بأبكها قمرية) (وعَلى خَاتم النَّبِيين والآل ... صَلَاة من الْإِلَه سنية) (وَسَلام عَلَيْك نترى من الله تَعَالَى ... فِي بكرَة وَعَشِيَّة) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان أَو تسع وَسبعين وَألف وعمره فَوق الثَّلَاثِينَ وَتَحْت الْأَرْبَعين تَقْرِيبًا فِي مذيخره من أَعمال السعدين رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الأنقوري المولوي أحد خلفاء طَرِيق حَضْرَة مَوْلَانَا قدس الله سره الْعَزِيز الْمَشْهُود لَهُم بِالْفَضْلِ الباهي الباهر ولد بانقرة وساح وجد فِي طَرِيق المولوية إِلَى أَن أكمل الطَّرِيق ثمَّ ولي المشيخة الْوَاقِعَة بالغلطة الْمَنْسُوب إيقافها إِلَى اسكندر باشا وَكَانَت مجالسة غاصة بالأدباء والظرفاء وَكَانَ فَاضلا متورعا متشرعا أديبا وافر الْمعرفَة بِلِسَان الْقَوْم مطلعا على أَحْوَالهم وَله بالمثنوى المام كلي وَله عَلَيْهِ شرح نَفِيس وَشرح مشكلاته أَيْضا وَله تآليف كَثِيرَة مِنْهَا كتاب طريقت نامه وَشرح حَدِيث الْأَرْبَعين وَحجَّة السماع وَشرح التائية وَشرح الهياكل والفاتحة العينية وَهُوَ تَفْسِير الْفَاتِحَة بالتركية أَلفه بعد أَن طَرَأَ عَلَيْهِ الْعَمى وعوفي مِنْهُ فِي زَمَنه قدم الشَّيْخ عَبدِي المولوي من ديار أناطولي وجدد زاويتهم الْمَشْهُورَة بقاسم باشا وَكَانَ شَيخا صَالحا مُجَاهدًا عَظِيم الشَّأْن وَكَانَت وَفَاة الشَّيْخ إِسْمَاعِيل فِي أواسط سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف ذكر هَذَا ابْن نَوْعي فِي ذيل الشقائق التركي الشَّيْخ إِسْمَاعِيل السجيدي الْمصْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي كَانَ من أكَابِر الشَّافِعِيَّة بِمصْر وَكَانَ صَاحب عبارَة وبلاغة وفصاحة وبراعة إِمَامًا فِي الْعُلُوم الْعَرَبيَّة أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ الرَّمْلِيّ ولازمه إِلَى أَن مَاتَ وتكمل بِالنورِ الزيَادي وتصدر للإقراء بالجامع الْأَزْهَر سِنِين عديدة وَاسْتمرّ إِلَى أَن توفّي نَهَار الْإِثْنَيْنِ سَابِع ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَألف وعمره نَيف وَتسْعُونَ سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الكلشني خَليفَة الطَّائِفَة الكلشنية بحلب كَانَ من خِيَار الْخِيَار ذكره أَبُو الوفا العرضي فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي وَصفه أعْطى مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد وَصَارَ سمير الْعِبَادَة والزهادة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود نَشأ فِي الْعِبَادَة وَالتَّقوى مُنْذُ كَانَ طفْلا وَاسْتمرّ على حَالَة وَاحِدَة شَابًّا وشيخاً وكهلاً قَرَأَ على العرضي الْمَذْكُور فِي المصابيح للْإِمَام الْبَغَوِيّ مُدَّة مديدة ثمَّ استجازه فَأَجَازَهُ بِمَا يجوز لَهُ وَعنهُ رِوَايَته وَقَرَأَ على النَّجْم الحلفاوي فِي النَّحْو وَالْفِقْه مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ أَولا من المريدين للكلشنية وَكَانَت زوايتهم أول من أصلحها وَأَنْشَأَ هَذِه الطَّرِيقَة فِي الديار الحلبية درويش رَجَب ثمَّ إِنَّه فعل أوضاعاً مذمومة ثمَّ تولى المشيخة رضوَان دده فَجَلَسَ مُدَّة وَلم يقبل النَّاس عَلَيْهِ ثمَّ أَدْرَكته الْوَفَاة ثمَّ قدم صَاحب التَّرْجَمَة مجَازًا من الديار المصرية من صَاحب السجادة أحد أَعْيَان ذُرِّيَّة الكلشني فَوَجَدَهُ النَّاس ذَا هَيْئَة حَسَنَة وشكل حسن وَقِرَاءَة حَسَنَة مجودة فَإِنَّهُ قَرَأَ على الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن اليمني أحد أَئِمَّة الْقُرَّاء فِي الديار المصرية وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يقْرَأ بالألحان والأوزان والأنغام من غير أَن يخرج الْحُرُوف والكلمات عَن حُقُوقهَا فاستحلى جَمِيع النَّاس قِرَاءَته وَكَانُوا فِي ليَالِي شهر رَمَضَان يأْتونَ إِلَيْهِ من نواحي حلب للتلذذ بِسَمَاع قِرَاءَته مَعَ الْمُحَافظَة على الدّين والشريعة وَيعرف الْفِقْه معرفَة لَا بَأْس بهَا وَبَعض شَيْء فِي النَّحْو ويقرى المخاديم الصغار الْقُرْآن بالتجويد وَيُعلمهُم مُقَدمَات الْفِقْه وَاللِّسَان الْفَارِسِي مَعَ الضَّبْط لفقرائه بِحَيْثُ أَن غالبهم محافظون على الشَّرِيعَة وَكَانَ لَا يَمُوت أحد من الْأَعْيَان وَغَيرهم إِلَّا أحضروه يذكر أَمَام الْجِنَازَة تبركاً بِهِ ويعظمونه ويعطونه أَكثر من غَيره وَكَانَت الأكابر ترسل إِلَيْهِ بالإحسانات فيبذلها للمريدين وَلَا يخْتَص بهَا وَصَارَ لزاويته بعض خيرات وصدقات حَتَّى انتظم أمرهَا وَكَانَ يُقيم حَلقَة الذّكر لَيْلَة الْجُمُعَة فَيقْرَأ مَعَ الْجَمَاعَة سُورَة تبَارك على أسلوب لطيف تستحليه النَّاس أَرْبَاب الأذواق السليمة ثمَّ يذكر مَعَ الْقَوْم على أسلوب حسن مَعَ الرضى بالقناعة ثمَّ أَنه لما مَاتَ شَيْخه فِي مصر توجه إِلَى مصر ليَأْخُذ الْبيعَة على الشَّيْخ الْجَدِيد فَقدر الله أَن الشَّيْخ الْجَدِيد مَاتَ وَهُوَ فِي خلال الطَّرِيق وَتَوَلَّى غَيره وَحضر صَاحب التَّرْجَمَة فعظموه وأجلوه وَأَعْطوهُ إجَازَة أَيْضا فَرجع عَزِيزًا جَلِيلًا وَأقَام بحلب إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَسبعين وَألف أصلان دده المجذوب نزيل حلب قَالَ العرضي الْمَذْكُور آنِفا عِنْدَمَا ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 اخْتَرَطَ فِي مبادي الْعُمر شوك القناد وَاحْتمل المشقات والإنكاد من الْجُوع والعطش والعري والسهر وَكَانَ ينَام فِي الْمَسَاجِد بِغَيْر غطاء مَشْغُولًا بخويصة وجوده فِي منادماته وشهوده وَكَانَ نَائِبا لبَعض قُضَاة حلب فَحصل لَهُ الجذب الإلهي فِيهَا يُقَال إِنَّه قطع خصيتيه قَالَ وسمعته يقْرَأ أَحْيَانًا بعض عِبَارَات كَافِيَة ابْن الْحَاجِب وَكَانَ يسْرد أَحْيَانًا آيَات قرآنية ولازم بَيت القهوة فَكَانَ لَا يخرج مِنْهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا إِلَّا أَحْيَانًا قَليلَة وَلَا يتَكَلَّم مَعَ النَّاس إِلَّا الْقَلِيل من الْكَلِمَات تَارَة لَهَا انتظام وَأُخْرَى بِدُونِهِ ثمَّ خدمه رجل يُقَال لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد العجمي وَكَانَ شَيخا معلما لبَعض الأكابر من أَرْبَاب الدول وَكَانَ لَهُ صَوت حسن وَخط حسن فأجل مقَامه وَأظْهر احترامه فعكف الأكابر عَلَيْهِ وقدمت الْأَمْوَال إِلَيْهِ وَشَاهد كثير من النَّاس تصرفه التَّام وَمن كراماته مَا أَخْبرنِي بِهِ صهرنا الشَّيْخ أَحْمد الشَّيْبَانِيّ وَكَانَ عبدا صَالحا مُعْتَقدًا فِي الْأَوْلِيَاء من ذُرِّيَّة قوم كرام من ذُرِّيَّة بني الشَّيْبَانِيّ وَمن ذُرِّيَّة بَيت الشحني أَنه كَانَ لوالده مُعتق يُقَال لَهُ سُلَيْمَان ترقى فِي الرّفْعَة حَتَّى صَار كتخداي جَعْفَر باشا كافل بِلَاد اليمنية أَنه لما رَجَعَ من الْيمن على أنطاكية فَاسْتَقْبلهُ أَحْمد الْمَذْكُور فَأخْرج لَهُ ورقة تَتَضَمَّن أَن الشَّيْخ مُحَمَّد الزّجاج من أهل الْيمن يسلم على أصلان دده وَيقبل أياديه وَقَالَ لي قبل أياديه عني فَأَنا الْآن مَشْغُول بِخِدْمَة الباشا لَا أَسْتَطِيع الذّهاب إِلَى الْمَذْكُور فَأَنت كن نَائِبا عني فَلَمَّا جَاءَ أَحْمد الْمَذْكُور قَامَ لَهُ أصلان دده قَائِلا مرْحَبًا بِالَّذِي جَاءَ لنا بِسَلام أهل الْيمن كررها أَربع مَرَّات ثمَّ قَالَ وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وكررها أَربع مَرَّات ثمَّ قَالَ رَأَيْت الْجمل قل وَلَا الْجمال وكررها أَيْضا كل هَذَا وَأحمد الْمَذْكُور لم يكلمهُ بذلك وَلَا شطر كلمة وَإِنَّمَا عرض عَلَيْهِ الْأَمر فِي الْبَاطِن وَهَذِه الْكَلِمَات قَالَهَا بالتركي فَإِن أصلان دده كَانَ لَا يعرف الْعَرَبيَّة وَلسَانه تركي فَقَالَ لَهُ درويش على خَلِيفَته الْجَالِس فِي خدمته يَا سَيِّدي حَضْرَة الدده يَقُول لكم السَّلامَة وَلكم الْيمن وَالْبركَة وَلكم الْجمال لمَكَّة فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا صَدقْتُمْ هَذَا تَأْوِيل كَلَام الشَّيْخ (سَارَتْ مشرقة وسرت مغرباً ... شتان بَين مشرق ومغرب) وَمن كراماته أَن عسكرياً اشْترى من باياس أرزاً وبناً وسكراً وَقَالَ فِي ضَمِيره أعطي للمذكور مِنْهُ سِتَّة عشر أبلوجاً من السكر وَالْبَاقِي يَبِيعهُ خَلِيفَته سَيِّدي عَليّ ويحط الثّمن على دَرَاهِمه الْكَثِيرَة ثمَّ عدل وَقَالَ آخذ أبلوجين ثمَّ حمل السكر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 باياس فَسقط عَن الدَّابَّة وَوَقع فِي المَاء حَتَّى وصل إِلَى التّلف وَقدر الله أَن البن والأرز كَانَا يباعان بِأَحْسَن ثمن فَانْحَطَّ ثمنهَا فَفِي الْحَال ذهب وَأعْطى بَقِيَّة مَا نَذره فِي ضَمِيره فَمَا مضى ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى بَاعَ الْجَمِيع بأرفع الْأَثْمَان وَمِنْهَا أَنى الْفَقِير أردْت أَن آخذ مَكَانا خراباً كَانَ أَصله يُبَاع فِيهِ غزل الصُّوف من مُسْتَحقّ وَقفه فطلبته مِنْهُ فَامْتنعَ وَوَقع فِي خاطري وَكَانَ الْمَذْكُور كثيرا مَا يزورنا فِي زاويتنا العشائرية وَيدخل إِلَى بيتنا ولبيتنا بَاب آخر إِلَى الجراكسية وَإِلَى الْموضع الَّذِي طلبته وَمَا خرج الْمَذْكُور قطّ من ذَلِك الْبَاب فزارنا وَدخل إِلَى بيتنا وَفتح ذَلِك الْبَاب وَتوجه إِلَى ذَلِك الْمَكَان وَأسْندَ إِلَيْهِ ظَهره زَمَانا طَويلا ثمَّ عَاد إِلَى بيتنا وَخرج إِلَى زاويتنا فَفِي الْيَوْم الثَّانِي جَاءَنِي مُسْتَحقّ الْوَقْف يطْلب مني مَا كنت ذكرته لَهُ وَقضى الله الْمصلحَة وَمِنْهَا أَنه يَوْمًا من الْأَيَّام طلب ديوَان حَافظ وَاسْتمرّ عِنْده نَحْو شهر وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ ويقبله فَبعد ذَلِك تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار أَن الْحَافِظ صَار وزيراً أعظم وَكَانَ حِينَئِذٍ فِي آمد وَكَانَت الْهَدَايَا والنذورات تَأتيه على التوالي وتعطيه أَرْبَاب الدول المئات من القروش بِحَيْثُ إِذا شفع فِي أعظم شَفَاعَة تقبل مَعَ أَنه لَا يدْرك شَيْئا بِالْكُلِّيَّةِ لغَلَبَة الجذب عَلَيْهِ حَتَّى بنى لَهُ خَلِيفَته سَيِّدي عَليّ دكاكين وبيوتاً وَأخذ لَهُ خَان الْكَتَّان اتخذ لَهُ قهوة بعض الدكاكين وقف نَاصِر الدّين بن برهَان وَبَعضهَا وقف زَاوِيَة بَيت الشَّيْخ دامان الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الحبال وكتبها لنَفسِهِ فالخلوات ملك ثمَّ وَقفهَا وَأما الأرضية فَإِنَّهَا للْغَيْر بَعْضهَا لجامع نَاصِر الدّين بيك وَبَعضهَا لزاوية بَيت الشَّيْخ دامان فِي سويقة الحجارين وَاتخذ هَذَا الْبناء فِي زمن يسير من وزارة الْحَافِظ وَهُوَ الْوَزير الْأَعْظَم فَأعْطَاهُ ألف دِينَار وَمن عَجِيب أمره أَنه قبيل مَوته حضر لَدَيْهِ إِنْسَان يُشبههُ من كل وَجه بِحَيْثُ لَو رَآهُ الصَّغِير الَّذِي لَا يدْرك شَيْئا وَقيل لَهُ من هَذَا لقَالَ أَخُو أصلان دده فَادّعى أَنه أَخُوهُ وَجلسَ هُنَاكَ وسيدي عَليّ يُنكر ذَلِك فأحضر سَيِّدي عَليّ نَائِب المحكمة الصلاحية وأحضر هَذَا الرجل فَقَالَ من أَنْت فَقَالَ أَنا فلَان بن فلَان وَأمي فُلَانَة فَسمى أَبَاهُ وَأمه وَسُئِلَ صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ لَا يدْرك شَيْئا من الْأُمُور فَقَالَ أَنا فلَان وَأبي فلَان وَأمي فُلَانَة فَسمى أَبَاهُ وَأمه بِغَيْر مَا سَمَّاهُ وَأثبت النَّائِب أَنه لَيْسَ أَخَاهُ ثمَّ لم يفدهم ذَلِك شَيْئا وَاسْتمرّ يَأْخُذ من وقف التكية حَتَّى مَاتَ وَمِنْهَا مَا شَاهد النَّاس مِنْهُ أَنه لما كَانَ السُّلْطَان يطْلب بَغْدَاد كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة فِي تَعب باطني عَظِيم وَكَانَت وَفَاته بعد فتح بَغْدَاد بِقَلِيل وَالْفَتْح كَانَ فِي سنة ثَمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَأَرْبَعين وَألف وَقد عَاشَ نَحْو مائَة سنة رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أكمل الدّين بن عبد الْكَرِيم القطبي مفتي مَكَّة وعالمها كَانَ من الْعلمَاء الأجلاء لَهُ الشُّهْرَة الْعَظِيمَة والهيبة ودرس وَأفْتى وَأفَاد وَأخذ عَن جمَاعَة وَأخذ عَنهُ جمَاعَة وفتاويه شاهدة بِعِلْمِهِ الجم وَهِي مَقْبُولَة فِيمَا بَين عُلَمَاء مَكَّة مَرْغُوب إِلَيْهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من أساطين عُلَمَاء الْحجاز وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي شَهِيدا بالأعاضيد وَهُوَ اسْم مَحل بِهِ نخل ومزارع بَين الطَّائِف والمبعوث لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر شَوَّال سنة تسع بعد الْألف والشريف إِدْرِيس إِذْ ذَاك بالمبعوث وَدفن بالمسيل وَبَنُو القطب بِمَكَّة أَبنَاء علم ورياسة وَسَيَأْتِي مِنْهُم عبد الْكَرِيم بن أكمل الدّين هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى الأديب أكمل الدّين بن يُوسُف الْمَعْرُوف بِابْن كريم الدّين الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الأديب الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ فَاضلا مفنناً طلق اللِّسَان حُلْو الْعبارَة حسن الْخط عَارِفًا باللغة الفارسية والتركية صَاحب نظم ونثر فيهمَا وَكَانَ جَهورِي الصَّوْت ندي اللهجة متقناً للموسيقى وتوابعها وَله أغان كَانَ يصنعها وتنقل عَنهُ وَألف شرحاً على ديوَان ابْن الفارض لم يشْتَهر وَقد تلقى عَن أَشْيَاخ عدَّة مِنْهُم عبد الرَّحْمَن الْمُفْتِي الْعِمَادِيّ وَفضل الله بن عِيسَى البوسنوي نزيل دمشق وَالشَّيْخ عمر الْقَارِي والشرف الدِّمَشْقِي وَأخذ الحَدِيث عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْمقري وبرع ولازم من شيخ الْإِسْلَام يحيى بن زَكَرِيَّا وَولي نِيَابَة الْقَضَاء بمحاكم دمشق ودرس بِالْمَدْرَسَةِ القصاعية الْحَنَفِيَّة ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم وَصَحب مَعَه زَوجته وَأَوْلَاده وَأقَام بهَا مُدَّة جزئية وَأعْطى رُتْبَة الدَّاخِل فَقدم دمشق ثمَّ حبب إِلَيْهِ الانعزال عَن النَّاس وَلزِمَ الْوحدَة حَتَّى ابْتُلِيَ بالماليخوليا وأثرت فِيهِ آثاراً بَالِغَة وَكَانَت تصدر عَنهُ أَحْوَال غَرِيبَة يَجْعَلهَا أَكثر من يعرفهُ أَحَادِيث وأطروفات وَمن أعجبها مَا حَكَاهُ الدرويش ولي الدّين الْموصِلِي الطنبوري وَكَانَ لَهُ بِهِ صُحْبَة قَالَ استدعاني لَيْلَة إِلَى دَاره فَجَلَسْنَا للمفاكهة والغناء إِلَى وَقت نصف اللَّيْل ثمَّ نَهَضَ مسرعاً وَجَاء بِسيف مسلول ثمَّ قَالَ خطر فِي بالي الْآن أَن أَقْتلك وَأَنا مصمم عَلَيْهِ الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ ظهر لي أَنَّك جاسوس من جَانب شاه الْعَجم على بِلَادنَا وَأَنا متقرب بقتلك إِلَى خاطر سلطاننا فَإِنَّهُ إِذا بلغه هَذَا حصل لَهُ حَظّ عَظِيم وَإِن أردْت السَّلامَة فَأعْطِنِي موثقًا بأنك إِذا أطلقت ووصلت إِلَى الشاه فَلَا تذكرني فِي مَجْلِسه فَإِنَّهُ رُبمَا يكون ذَلِك سَببا لمجيئه إِلَى بِلَادنَا وَإِن ذَكرتني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وَلَا بدّ فَلْيَكُن ذكرك على وَجه الْمَدْح وأعلمه بِأَنِّي أعرف اللُّغَة الفارسية فَإِذا أرسل يطلبني سرت إِلَى خدمته فَإِنِّي سئمت من هَذِه الْبِلَاد وانفصل الْمجْلس بَينهمَا على هَذَا وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء أخر أَعرَضت عَلَيْهَا لشهرتها وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن أَوَائِله كَانَت فِي غَايَة من الظّرْف والكمال وَله أشعار كلهَا جَيِّدَة لَطِيفَة مستعذبة مِنْهَا قَوْله (وحديقة ينساب بَين غصونها نهر يرى كالفضة الْبَيْضَاء ... ) (قد ألبسته يَد الجنائب وَالصبَا ... زرداً كنبت الرَّوْضَة الْغناء) (دولابه بنحيبه كمذكر ... عهد الشَّبَاب ومعهد السَّرَّاء) (أبدا يَدُور على الْأَحِبَّة باكياً ... بمدامعٍ تربو على الأنواء) (ناح الْحمام عَلَيْهِ قدماً فَهُوَ فِي ... ترجيعه موف قديم إخاء) وَقد أَجَاد فِي قَوْله من ربَاعِية (حَيا وَسَقَى الحيا الربى والسفحا ... من غادية تشبه دمعي سفحا) (وَالله وَمَا ذكرت عيشي بهما ... إِلَّا وَضربت عَن سواهُم صفحا) وَقَالَ معمياً فِي اسْم عِيسَى (وَجهك الشَّمْس على ... قدّ لَهُ الْخَال شعار) (فتْنَة الْعَالم دارت ... مِنْك إِذْ دَار العذار) أَرَادَ بالشمس الْعين وبالقدّ الَّذِي لَهُ الْخَال شعار الْيَاء ونقطها وبالعذار المُرَاد بِهِ آس إِذا دَار كَانَ ساو فِيهِ دخل من جِهَة كِتَابَة عِيسَى بِالْيَاءِ الْمُسْتَخْرج للمعمي إِنَّمَا يسْتَخْرج مَا يرَاهُ مَكْتُوبًا وَالْأَمر فِي ذَلِك سهل وأشعاره كَثِيرَة وَقد استوعبت مِنْهَا طرفا فِي كتابي النفحة فَرَاجعه إِن شِئْت وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف وَتُوفِّي فِي حادي عشري صفر سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى اله بخش الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى واله بخش لفظ فَارسي مَعْنَاهُ عَطِيَّة الله الْهِنْدِيّ النقشبندي كَانَ صَاحب معرفَة وَكَمَال وتكميل وَكَانَت تطريقته طَريقَة العشقية وَكَانَ عالي المشرب نِهَايَة فِي المعارف نقلت عَنهُ التصرّفات العجيبة والكرامات الغريبة وَهُوَ من أجل مَشَايِخ الْعَارِف بِاللَّه تَاج الدّين الْهِنْدِيّ النقشبندي نزيل مَكَّة وَله مَعَه خوارق مِنْهَا أَن الشَّيْخ أرْسلهُ إِلَى بلد أمروهة لخدمة فَكَانَ يمشي فِي الطَّرِيق فَرَأى فِي أثْنَاء طَرِيقه امْرَأَة جميلَة فَتعلق قلبه بهَا وَصَارَ مشغوفاً بهَا حَتَّى خرج زِمَام اخْتِيَاره من يَده وَنسي تِلْكَ الْخدمَة وتبعها فَبَيْنَمَا هُوَ ذَلِك إِذْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 رأى الشَّيْخ على يَمِين تِلْكَ الْمَرْأَة ينظر إِلَيْهِ وَاضِعا إصبعه السبابَة فِي فَمه على طَرِيق التَّنْبِيه والتعجب فَلَمَّا رَآهُ حصل لَهُ مِنْهُ غَايَة الْحيَاء وَانْقطع أصل محبتها من قلبه وَمضى لسبيله وَلما رَجَعَ من الْخدمَة وصل إِلَى الشَّيْخ فَلَمَّا رَآهُ ضحك مِنْهُ فَعرف أَنه كَانَ مشعراً بذلك وَمِنْهَا أَن وَاحِدًا من أَصْحَاب الشَّيْخ اله بخش كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ شَيْئا فِي علم التصوف ذَات يَوْم فجَاء الْجَرَاد إِلَى الْبَلَد ووقف على أَشجَار النَّاس وزروعهم فجَاء راعي بُسْتَان الشَّيْخ وَأخْبرهُ بالجراد فَأرْسل الشَّيْخ وَاحِدًا من أَصْحَابه إِلَى الْبُسْتَان وَقَالَ لَهُ قل للجراد منادياً بِصَوْت رفيع إِنَّكُم أضيافنا ورعاية الأضياف لَازِمَة إِلَّا أَن بستاننا أشجاره صغَار لَا تحْتَمل ضيافتكم فالمروءة أَن تتركوه فمجرد مَا سمع الْجَرَاد هَذَا الْكَلَام من الرجل طَار وَخرج من بُسْتَان الشَّيْخ وَصَارَ زروع النَّاس وبساتينهم كعصف مَأْكُول إِلَّا بُسْتَان الشَّيْخ وَمِنْهَا أَن رجلا جَاءَ إِلَى الشَّيْخ اله بخش وشكا إِلَيْهِ الْفقر والضيق فِي الْمَعيشَة وَجلسَ أَيَّامًا فِي خدمته فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ إِذا حصل لَك شَيْء من الدُّنْيَا مَا تخرج لنا مِنْهُ فَقَالَ الْعشْر فَقَالَ لَهُ لَا تَسْتَطِيع فكرر عَلَيْهِ الْكَلَام حَتَّى اسْتَقر الْحَال على أَن يخرج لَهُ من كل مائَة وَاحِدًا فَأمره أَن يروح إِلَى وَاحِد من أهل الدُّنْيَا فَحصل لَهُ ببركة الشَّيْخ دنيا كَثِيرَة فِي أَيَّام قَليلَة فَكَانَ الشَّيْخ يُرْسل إِلَيْهِ الْفُقَرَاء وَيكْتب لَهُ بِأَن يعطيهم فَلَا يُؤَدِّي إِلَيْهِم شَيْئا ثمَّ اجْتمع عِنْده دَرَاهِم كَثِيرَة من حِصَّة الشَّيْخ فَكتب إِلَى الشَّيْخ أَنكُمْ تُرْسِلُوا وَاحِدًا من خدّامكم حَتَّى نرسل هَذِه الدَّرَاهِم إِلَيْكُم فَلَمَّا وصل مكتوبه حصل للشَّيْخ غيرَة وَغَضب وَقَالَ سُبْحَانَ الله مَا قلع أحد من وَقت آدم إِلَى يَوْمنَا هَذَا شَجَرَة غرسها بِنَفسِهِ إِلَّا أَنا أقلعه الْيَوْم فَجَاءَهُ بعد أَيَّام خبر مَوته وَله كرامات كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَألف وعمره اثْنَان وَثَمَانُونَ سنة وَهُوَ على ركبة تِلْمِيذه الشَّيْخ تَاج الدّين وأوصاه أَن لَا يغسلهُ وَلَا يُكَفِّنهُ إِلَّا هُوَ فَقبل وَصيته رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ إِمَام الدّين بن أَحْمد بن عِيسَى المرشدي الْعمريّ الْحَنَفِيّ مفتي مَكَّة الْفَاضِل الْعَالم الْعلم ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ الْقُرْآن وَحفظه وجود على الْفَقِيه الْمقري أَحْمد اسكندر وَحفظ الْكَنْز والهاملية وعرضهما على ابْن عَمه حنيف الدّين بن عبد الرَّحْمَن المرشدي الْآتِي ذكره ولازمه فِي دروسه حَتَّى حصل طرفا صَالحا فِي مَذْهَب الإِمَام الْأَعْظَم وَأخذ النَّحْو عَن عبد الله باقشير وَأخذ عَن عِيسَى المغربي الْجَعْفَرِي وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان نزيل مَكَّة وَقَرَأَ طرفا على السَّيِّد مُحَمَّد الشلي باعلوي من البُخَارِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 والشمايل وَشرح الْأَرْبَعين وَجُمْلَة كتب فِي علم الْعَرَبيَّة وَقَرَأَ الْفَرَائِض والحساب على أَحْمد بن عَليّ باقشير وجد واجتهد فِي طلب الْعُلُوم لَا سِيمَا الْفِقْه حَتَّى فاق أقرانه وَلبس الْخِرْقَة من السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الرَّحْمَن الإدريسي المغربي وَولي منصب الْإِفْتَاء بِمَكَّة وَلم يزل على طَريقَة حَسَنَة حَتَّى توفّي وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة فِي سوح السيدة خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا على يسَار الْخَارِج من الْقبَّة ثمَّ بعد سِنِين دفن عَلَيْهِ السَّيِّد إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أَخُو الشريف بَرَكَات وَبنى عَلَيْهِ بِنَاء مُرْتَفع يشبه التابوت الْمولى أويس القَاضِي الرُّومِي الْمَعْرُوف بويسي وَاحِد الزَّمَان فِي النّظم والنثر لم ير مثله فِي حسن التأدية وَالتَّصَرُّف فِي قوالب الشّعْر والإنشاء بِلِسَان التركي وَكَانَ فِي حَيَاته سُلْطَان الشُّعَرَاء بَاقِي الْآتِي ذكره يشار إِلَيْهِ بالبراعة التَّامَّة فَلَمَّا مَاتَ بَاقِي أذعنت لَهُ الشُّعَرَاء جَمِيعًا حَتَّى خاطبه أحدهم يَوْم موت بَاقِي بِبَيْت بالتركية تَرْجَمته هَكَذَا (لَئِن مضى للنعيم بَاقِي ... فَكُن لنا الدَّهْر أَنْت بَاقِي) وَكَانَ سريع البديهة إِذا أَخذ الْقَلَم بِيَدِهِ لَا يَدعه حَتَّى يَسْتَوْفِي غَرَضه وَأَخْبرنِي جمَاعَة عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول عَن نَفسه إِذا أخذت الْقَلَم بيَدي لأنشيء شَيْئا تزاحمت عليّ الْمعَانِي فَرُبمَا حررت فِي مقصد وَاحِد أَشْيَاء كَثِيرَة ثمَّ أَعُود فأنتخبها وأنتقيها وَقَرِيب من هَذَا مَا يُقَال أَن صديقا لكلثوم العتابي طلب مِنْهُ يَوْمًا أَن يصنع لَهُ رِسَالَة فاستمد مُدَّة ثمَّ علق الْقَلَم فَقَالَ لَهُ صَاحبه مَا أرى بلاغتك إِلَّا شاردة عَنْك فَقَالَ العتابي إِنِّي لما تناولت الْقَلَم تداعت عَليّ الْمعَانِي من كل جِهَة فَأَحْبَبْت أَن أترك كل معنى حَتَّى يرجع إِلَى مَوْضِعه وَهَذَا مثل قَول امرىء الْقَيْس يُقَال إِنَّه قَالَهَا وَهُوَ ابْن عشر سِنِين (أذود القوافي عني ذيادا ... كذود غُلَام غويّ جوادا) (فَلَمَّا كثرن وعنينه ... تخير مِنْهَا جواداً جوادا) (فأعزل مرجانها جانباً ... وآخذ من درها المستجادا) وَله تآليف حَسَنَة الْوَضع مِنْهَا سيرة النَّبِي بالتركية أحسن فِيهَا كل الْإِحْسَان وَقد طالعتها كثيرا فَشَكَرت صَنِيعه فِيهَا وَأورد فِيهَا أَشْيَاء مُنَاسبَة للمقصود فَمن ذَلِك مَا ذكره فِي فصل سفر النَّبِي إِلَى الشَّام واجتماعه ببحيرا الراهب قَالَ أَخْبرنِي الشَّاب الْفَاضِل عَليّ الْحلَبِي الأسكوبي وَأَنا قَاض بأسكوب وَقد طارحته فِي الوقائع النَّبَوِيَّة فَحكى لي أَنه فِي أثْنَاء سياحته مر على قَصَبَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 قصبات الرّوم تدعى دبرى بِكَسْر الدَّال ثمَّ بَاء مُوَحدَة وَرَاء مَكْسُورَة بعْدهَا يَاء قَالَ فَدخلت إِلَى دير مُعظم بِالْقربِ مِنْهَا فَلم أر أحسن مِنْهُ وضعا وتزييناً وَرَأَيْت فِيهِ مَجْلِسا عَظِيم الشَّأْن قد رتب ترتيباً أنيقاً فَسَأَلت عَنهُ ثمَّة رَاهِبًا من الرهبان الطاعنين فِي السن فجذبني إِلَى مَكَان لَا يَرَانَا فِيهِ أحد ثمَّ قَالَ لي هَذِه صُورَة الْمجْلس الَّذِي رتب فِيهِ بحيرا الضِّيَافَة لنبيكم مُحَمَّد لما ورد الشَّام للتِّجَارَة قَالَ فتأملته فَإِذا هُوَ على طبق مَا ذكره أهل السّير ثمَّ قلت للراهب أَتَرَى أَن نَبينَا لَو لم يكن عنْدكُمْ مَبْعُوثًا بِالْحَقِّ هَل كَانَ صناديدكم يتكلفون فِي تخليد مآثره هَذَا التَّكَلُّف وَهل كَانُوا يعتنون فِي إِقَامَة رسومه بَيْنكُم فَمَا هُوَ إِلَّا كَمَا نقُول قَالَ فَقَالَ لي أَنا نَحن مصدقون بنبوته موقنون بهَا وَرُبمَا أَنا لَو لم نخف من الجهلة لأقررنا بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْمَلأ الْعَام فَهُوَ النَّبِي الصَّادِق الْوَعْد الْمَبْعُوث فِي آخر الزَّمَان غير أننا قَائِلُونَ ببعثته إِلَى الْعَرَب خَاصَّة وَالله أعلم وَله كتاب واقعتنامه بالتركية أَلفه على طرز مُخَاطبَة جرت من البديع الْهَمدَانِي لِابْنِ فَارس صَاحب الْمُجْمل سأذكرها إِذا ذكرت ملخص هَذِه وَحَاصِل تأليفه أَنه رتب رُؤْيا وأبرزها فِي هَذَا القالب وَذَلِكَ فِي عهد السُّلْطَان أَحْمد فِي حُدُود سنة سبع عشرَة وَألف وَكَانَ أَمر الدولة إِذْ ذَاك فِي غَايَة الاضمحلال قَالَ لما لاحظت الْحَوَادِث فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد كنت أَتَمَنَّى لَو كلمت السُّلْطَان فِي هَذَا الشَّأْن بِلَا وَاسِطَة حَتَّى طرقني النّوم فِي أثْنَاء هَذِه الفكرة فَرَأَيْت جمَاعَة كل مِنْهُم فِي ناصيته نور السَّعَادَة لامع وشعاع الإقبال فِي وَجهه سَاطِع فنزلوا فِي بُسْتَان وكل مِنْهُم اسْتَقر على كرْسِي وَبقيت أَنا مَعَ الخدم فناداني المتأمر مِنْهُم وأجلسني فَسَأَلت عَنهُ فَقيل لي إِنَّه الْإِسْكَنْدَر ذُو القرنين وَالَّذين حوله هم مُلُوك آل عُثْمَان الماضين ثمَّ أقبل موكب حافل وأسفر عَن السُّلْطَان أَحْمد فجَاء وَجلسَ على سَرِير مُقَابل للإسكندر وَأخذ هُوَ والإسكندر فِي المكالمة فَكَانَ تَارَة يتَكَلَّم وَذَاكَ ينصت وَتارَة ينصت وَذَاكَ يتَكَلَّم حَتَّى ابتدر الْإِسْكَنْدَر وَقَالَ إِن السُّلْطَان قلب الْعَالم فَإِذا لم يكن الْقلب معتدل الْأَحْوَال انحرف الْعَالم عَن حد الِاعْتِدَال وَالْعدْل والرشاد مَادَّة السداد والمرحمة والإنصاف سَبَب جمعية الرعايا والجور والاعتساف باعث تَفْرِيق البرايا فتأوه السُّلْطَان ثمَّ قَالَ أَيهَا السُّلْطَان الْأَعْظَم كلامك حق مَعْلُوم أما اعْتِدَال الْقلب فموجود وَأما الْجور فَغير مجحود وَذَلِكَ لِأَن السلطنة لم تسلم لنا إِلَّا بعد خراب الدُّنْيَا فَإِنَّهُ من عهد جدي المرحوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث قد ارتكبت مكروهات لَا محيد عَنْهَا وَذَلِكَ بِسَبَب التصميم على قلع شَجَرَة الرَّفْض والإلحاد فَاقْتضى الْأَمر تعْيين العساكر الَّتِي لَا نِهَايَة لَهَا وَلزِمَ من ذَلِك إِعْطَاء المناصب الْعلية والمراتب السّنيَّة لغير أَهلهَا وَلزِمَ من ذهَاب العساكر وإيابها فِي كل سنة تكاليف الرعايا وَوَقع بَينهم وَبَين العساكر وَرُبمَا أدَّت مخاصمة للسان إِلَى محاكمة السَّيْف والسنان فَوَقع بِسَبَب ذَلِك الخراب فَقَالَ أَن قطع النّظر عَن ذَلِك وَادّعى الْعمار فِيمَا قبله وَأَن الدُّنْيَا لم تخرب إِلَّا فِي هَذَا الزَّمَان فيا لَيْت شعري مَتى كَانَت معمورة أَفِي زمَان آدم ثمَّ ذكر وقائع نَبِي بعد نَبِي إِلَى نَبينَا ثمَّ إِلَى الْخُلَفَاء ثمَّ إِلَى الْمُلُوك إِلَى زمَان الْملك النَّاصِر بن قلاوون وَلَا يتَعَرَّض إِلَّا لصَاحب مَا جرية غَرِيبَة وَبعد إِيرَاد الماجرية يَقُول فِي أَي زمَان هَذَا كَانَت الدُّنْيَا معمورة إِلَى آخر مَا ذكره من رِسَالَة البديع تعرف الأسلوب غير أَنه غَيره فِي كَونه ابْتَدَأَ من أول الدُّنْيَا إِلَى الطّرف الآخر والبديع ابْتَدَأَ من الطّرف الآخر وَهَذِه رِسَالَة البديع كَمَا ترَاهَا وَسبب إنشائها أَنه ذكر يَوْمًا البديع فِي مجْلِس ابْن فَارس فَقَالَ كلا مَا مَعْنَاهُ أَن البديع نسي حق تعليمنا إِيَّاه وعقنا وشمخ بِأَنْفِهِ علينا فَالْحَمْد لله على فَسَاد الزَّمَان وَتغَير نوع الْإِنْسَان فَبلغ ذَلِك البديع فَكتب إِلَيْهِ مجاوبا نعم أَطَالَ الله بَقَاء الشَّيْخ إِنَّه المحأ الْمسنون وَإِن ظنت الظنون وَالنَّاس لآدَم وَإِن كَانَ الْعَهْد قد تقادم وتركبت الاضداد وَاخْتلف الميلاد وَالشَّيْخ الإِمَام يَقُول فسد الزَّمَان أَفلا يَقُول مَتى كَانَ صَالحا أَفِي الدولة العباسية فقد رَأينَا آخرهَا وَسَمعنَا أَولهَا أم الْمدَّة المروانية وَفِي أَخْبَارهَا لَا يكسع الشول بأغبارها أم السنين الحربية وَالرمْح يركز فِي الكلا وَالسيف يغمد فِي الطلا ومنبت حجر بالفلا والحربان وكربلا أم الْبيعَة الهاشمية وَالْعشرَة تراس من بني فراس أم الْأَيَّام الأموية والنفير إِلَى الْحجاز والعيون فِي الإعجاز أم الْإِمَارَة العدوية وصاحبها يَقُول وَهل بعد البزول إِلَّا النُّزُول أم الْخلَافَة التيمية وَهُوَ يَقُول طُوبَى لمن مَاتَ فِي نأنأة الْإِسْلَام أم على عهد الرسَالَة وَيَوْم الْفَتْح قيل اسكني يَا فُلَانَة فقد ذهبت الْأَمَانَة أم فِي الْجَاهِلِيَّة ولبيد يَقُول (وَبقيت فِي خلف كَجلْد الأجرب ... ) أم قبل ذَلِك وأخو عَاد يَقُول (بِلَاد بهَا كُنَّا وَكُنَّا نحبها ... إِذْ النَّاس نَاس وَالزَّمَان زمَان) أم قبل ذَلِك ويروى عَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 (تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمن عَلَيْهَا ... وَوجه الأَرْض مسود قَبِيح) أم قبل ذَلِك وَالْمَلَائِكَة تَقول أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا مَا فسد النَّاس بل اطرد الْقيَاس وَلَا أظلمت الْأَيَّام بل امْتَدَّ الظلام وَهل يفْسد الشَّيْء إِلَّا عَن صَلَاح ويمسي الْمَرْء إِلَّا عَن صباح ولعمري إِن كَانَ كرم الْعَهْد كتابا يرد وجواباً يصدر أَنه لقريب الْمِثَال سهل المنال وإنني على توبيخه لي لفقير إِلَى لِقَائِه شفيق إِلَى بَقَائِهِ منتسب إِلَى ولائه شَاكر لآلائه إِلَى كَلَام آخر يتخضع لَهُ فِيهِ ويتملق وَالْغَرَض المسوق لَهُ الْكَلَام قد انْتهى بعون الله وَحسن توفيقه وَكَانَت وَفَاة أويس فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ أَيُّوب بن أَحْمد بن أَيُّوب الْأُسْتَاذ الْكَبِير الْحَنَفِيّ الخلوتي الصَّالِحِي أصل آبَائِهِ من الْبِقَاع العزيزي وَنسبه مُتَّصِل بسيدي عَليّ بن مُسَافر قدس الله سره ولد صَاحب التَّرْجَمَة وَنَشَأ بصالحية دمشق واشتغل فِي أَنْوَاع الْعُلُوم على جدي القَاضِي محب الدّين والمنلا نظام والمنلا أبي بكر السنديين وَعبد الْحق الْحِجَازِي وَأخذ الحَدِيث عَن الْمُحدث المعمر إِبْرَاهِيم بن الأحدب وَصَحب فِي طَرِيق الخلوتية الْعَارِف بِاللَّه أَحْمد العالي وَأخذ عَنهُ التصوف وَصَارَ شيخ وقته حَالا وَقَالا وفريد عصره اسْتِيلَاء على الكمالات واشتمالاً وكلماته فِي التَّحْقِيق مَشْهُورَة مدونة وَله تحريرات ورسائل لَا يُمكن حصرها وَلَا ضَبطهَا وأكبر مَا روى لَهُ من الْآثَار رسَالَته الَّتِي سَمَّاهَا ذخيرة الْفَتْح ودونها عقيلة التفريد وخميلة التَّوْحِيد وذخيرة الْأَنْوَار وسميرة الأفكار ورسالة الْيَقِين وذخيرة الْمَرَض وَمَا ينتجه من الْمعَانِي والرسالة الأسمائية فِي طَرِيق الخلوتية وذخيرة الْمَكْر الإلهي ورسالة التَّحْقِيق فِي سلالة الصّديق وَجمع جزأ لمشايخه فِي الحَدِيث وَاتفقَ كل من عاصره أَنه لم ير أحد مثله جمع بَين علمي الشَّرِيعَة والحقيقة وَبلغ الْغَايَة فِي كل فن من الْفُنُون وَأَخْبرنِي عَنهُ بعض الثِّقَات أَنه كَانَ يَقُول أعرف ثَمَانِينَ علما يعرف النَّاس بَعْضًا مِنْهَا بِالْحَقِيقَةِ وبعضاً بِالِاسْمِ وَالْبَعْض الآخر يجهلونه رَأْسا وَولي الْإِمَامَة بِجَامِع السُّلْطَان سليم بالصالحية وَكَانَ حسن الصَّوْت وَالْقِرَاءَة عَارِفًا بالموسيقى وَحج مرَّتَيْنِ وسافر إِلَى بَيت الْمُقَدّس سِتّ مَرَّات واستدعاه السُّلْطَان إِبْرَاهِيم للاجتماع بِهِ فِي سنة خمسين فَتوجه إِلَيْهِ وَاجْتمعَ بِهِ ودعا لَهُ وَعَاد وَكَانَ يَقُول قد أظلمت فِي وَجْهي الدُّنْيَا مُنْذُ خرجت من دمشق حَتَّى عدت إِلَيْهَا وَكَانَت أَحْوَاله غَرِيبَة جدا من التَّوَاضُع وَترك التَّكَلُّف وَحسن الْمُعَامَلَة إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 الْغَايَة وَكَانَ لَهُ الْكَشْف الصَّرِيح وَهُوَ لِسَان ابْن عَرَبِيّ وَسمعت الْفَقِيه الأديب إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق الْمُقدم ذكره يَقُول إِنِّي كنت نظمت قصيدة مدحته بهَا ومطلعها (دَعوه يكابد أشواقه ... فقد أَكثر الوجد أحراقه) قَالَ وَكنت لم أنْشد لأحد مِنْهَا شَيْئا فصادفت الشَّيْخ أَيُّوب دَاخِلا من بَاب العنبرانيين إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي فبادرني بإنشاد مطْلعهَا هَذَا فتعجبت من ذَلِك وظننت أَنِّي مَسْبُوق بِهِ فَقَالَ لي أنظمت شَيْئا من هَذَا الروي وَالْوَزْن فَقلت لَهُ نعم فَقَالَ فِي اللَّيْلَة الْمَاضِيَة أنشدتني قصيدة هَذَا مطْلعهَا اذْهَبْ وائتني بهَا وَله من هَذَا الأسلوب وقائع كَثِيرَة وَرُوِيَ عَنهُ أَنه رأى الشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ وعَلى أبوابه حجب كَثِيرَة نَحْو الْأَرْبَعين فَدَخلَهَا وَلم يمنعهُ أحد من الْحجاب فَلَمَّا كشفها وَوصل بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ أَنْت على قدمي يَا أَيُّوب وَلَا أعلم أحدا دخل عَليّ غَيْرك وَرَأى النَّبِي والسادة الْعشْرَة مَعَه وَهُوَ يَقُول لِابْنِ عَمه عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قل لأيوب طُوبَى لعصر أَنْت فِيهِ وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي همزيته الَّتِي أَولهَا (يَا عريبا حموا حمى الجرعاء ... ) وَكَانَ ملازماً فِي جَمِيع أوقاته على قَول لَا إِلَه إِلَّا الله حَتَّى امتزجت بِهِ فَكَانَ إِذا نَام يسمع هديره وَكَانَ يَقُول لَو كنت فِي مبد أَمْرِي اعْلَم مَا فِي لَا إِلَه إِلَّا الله من الْإِسْرَار مَا طلبت شَيْئا من الْعُلُوم وَذكر فِي رسَالَته الأسمائية أَن أسْرع الْأَذْكَار نتيجة لَا إِلَه إِلَّا الله وَقِرَاءَة سُورَة الْإِخْلَاص إِلَّا أَن هَذِه السُّورَة أورادها أقهر للنَّفس الأمارة وَأَشد تَأْثِيرا فِي فنائها فَهِيَ أولى للمتوسط فِي سلوك الطَّرِيقَة بعد ظُهُور نتائج كلمة التَّوْحِيد وَكَانَ مغرماً بالجمال الْمُطلق لَا يفتر وَلَا يمل من التعشق والتوله وَفِي ذَلِك يَقُول (قَالَ الْمُحَقق أَن القطب يعشق مَا ... بدا لَهُ من جمال قلت قد صدقا) (وَأَن تفِيد فَقل أصل الْجمال بِهِ ... مخيم لَا تلوم الْفَرْع إِن لَحقا) وَقَالَ أَيْضا (قد لامني الْخلق فِي عشق الْجمال وَمَا ... يدروا مرادي فِيهِ آه لَو عرفُوا) (وصلت مِنْهُ إِلَى الْإِطْلَاق ثمَّ سرى ... سرى إِلَى قيد حسن عَنهُ قد وقفُوا) وَكَانَ يَقع لَهُ فِي بَاب الْعِشْق أَحْوَال مقرونة بكرامات وَمن أشهرها مَا حدث بِهِ بعض الثِّقَات أَن الشَّيْخ حضر لَيْلَة عِنْد بعض خلانه وَكَانَ فِي الْمجْلس غُلَام بارع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 الْجمال فَلَمَّا أَرَادوا النّوم طلب الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة مضاجعته فَأنْكر عَلَيْهِ بعض الجلساء وَالْتزم مراقبته فِي ليلته ثمَّ اقْتضى خُرُوج الرجل فِي أثْنَاء اللَّيْل إِلَى خَارج الدَّار فصادف الشَّيْخ قَائِما يُصَلِّي وحقق شخصه ثمَّ دخل فَرَآهُ نَائِما وتكرر مِنْهُ فعل ذَلِك مرَارًا فَألْقى أَعِنَّة التَّسْلِيم وَرجع عَن إِنْكَاره وَهَذَا من صِفَات الْبَدَلِيَّة فَإِن الْأَوْلِيَاء يكونُونَ فِي مَكَان وشبههم فِي مَكَان آخر وَقد تكون تِلْكَ الصّفة الْكَشْف الصُّورِي الَّذِي ترفع فِيهِ الجدران وينتفي الاستطراف وَوَقع لَهُ نوع من هَذَا فِي الْخلْوَة بِجَامِع السليمية أَنه كبر وَعظم فِي الْخلقَة حَتَّى مَلأ الْخلْوَة رَآهُ على هَذِه الْحَالة بعض حفدته من الْعلمَاء وَأَظنهُ شَيخنَا عبد الْحَيّ العكري الصَّالِحِي رَحمَه الله تَعَالَى وَمن غَرِيب مَا وَقع لَهُ أَنه سحر فَعدم الْقَرار فَبَيْنَمَا هُوَ جَالس فِي السليمية فِي شباكها القبلي وَإِذا بِرَجُل طَوِيل الْقَامَة لم يره قبل ذَلِك الْيَوْم فَقَالَ لَهُ ائْتِنِي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس فَأَتَاهُ بهما ثمَّ قَالَ لَهُ اكْتُبْ مَا أمليك وَهُوَ باسم الله باديخ بِسم الله بيدوخ بِسم الله شمادخ بِسم الله شموخ بِسم الله برخوي بِسم الله بانوخ قَالَ مُوسَى مَا جئْتُمْ بِهِ السحر إِن الله سيبطله إِن الله لَا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الْحق بكلماته وَلَو كره المجرمون يَد الله فَوق أَيْديهم وعصا مُوسَى بَين أَعينهم كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا وَالله لَا يحب المفسدين فأغشيناهم فهم لَا يبصرون شَاهَت الْوُجُوه شَاهَت الْوُجُوه وعنت الْوُجُوه للحي القيوم وَقد خَابَ من حمل ظلما سُبْحَانَ الْملك القدوس مَالك الْملك ثمَّ قَالَ لَهُ يَكْفِي هَذَا الْقدر فَإِذا كَانَ عَلَيْك أَو على أحد سحر فَاكْتُبْ مِنْهُ نسختين تحمل وَاحِدَة وتغتسل بِالْأُخْرَى وَمن فَوَائده فِي رسَالَته الْأَنْوَار الْمرتبَة الثَّالِثَة أَو عَلمته أحدا من خلقك أَي ابْتِدَاء من غير أَن تكون لَهُ سلما أَو معراجاً أَي يكون لَهُ ذَلِك كمن يذكر اسْما من أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ فَيرجع فِي التجلي باسم آخر لم يعهده فيذكره فيتجلى عَلَيْهِ مِنْهُ غرائب وَرُبمَا أنكر عَلَيْهِ بعضه وَالْأول كثير وَمِنْه مَا وَقع للغوث الْهِنْدِيّ وَجمع مِنْهُ الْجَوَاهِر الْخمس وَهِي الْآن فِي عصرنا هَذَا لَا سِيمَا فِي مَكَّة قد اشتهرت واجتمعنا بِأَهْلِهَا وسلموا لنا بعد الامتحان ظنا مِنْهُم أَنَّهَا لم تصل إِلَيْنَا وَكَانَت قد وصلت إِلَيْنَا قبلهم فأخرجوا ثَلَاثِينَ كراساً قد شرحت فِيهَا الْجَوَاهِر الْخمس فأمليتهم إِيَّاهَا ثمَّ أمليتهم مَا فِيهَا فِي أدنى من سَاعَة رملية جملا جملا فَلم يستطيعوا بعد ذَلِك احتجاباً عني وَإِذا احْتَجَبت عَنْهُم لمصْلحَة طلبوني طلبا حثيثاً وَذَلِكَ أَنِّي لما عرفت وَنزلت إِلَى مَكَّة جَلَست تجاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 الْكَعْبَة المشرفة مشاهداً لَهَا فَبَيْنَمَا أَنا فِي حَالَة اعترتني وَإِذا بشاب وقف عَليّ وسألني فَقلت لَهُ هَذَا الَّذِي تسْأَل عَنهُ أطلبه من غَيْرِي فَسَأَلَ الْغَيْر فدله عَليّ فَقَالَ قُم معي فَإِن جمَاعَة يدعونك إِلَى عِنْدهم فَذَهَبت إِلَيْهِم فحين جَلَست كتب وَاحِد مِنْهُم يُقَال لَهُ الشَّيْخ مهنا من حَضرمَوْت الْيمن أبياتاً أرجوزة تقَارب خَمْسَة عشر بَيْتا يسألني عَن ثَلَاث مسَائِل مَا القطب الْأَكْبَر وَمَا الْخَتْم المحمدي وَمَا معنى قَول بعض الْمُحَقِّقين الْإِنْسَان الْكَامِل يعمر كل منزل ثمَّ قدمُوا إِلَيّ دَوَاة وقلما وقرطاساً فسميت الله تَعَالَى وغمست الْقَلَم وكتبت مائَة وَثَمَانِينَ بَيْتا من بَحر الرجز أَيْضا لم يقف الْقَلَم فِيهَا فَأَخَذُوهَا ورأوها من الكرامات الَّتِي يكرم الله بهَا عباده المضافين إِلَيْهِ فبيضوها وكتبوها بالورق الْحَرِير ثمَّ إِنَّهُم لزموني لُزُوم الظل وَلَا زَالُوا فِي هَذِه مَعنا إِلَى أَن خرجت من مَكَّة ولي مَعَهم أُمُور عَجِيبَة إِلَى الْآن يعلمهَا الله وكما وَقع للشَّيْخ الْأَكْبَر فِي كِتَابه طب الْمَرْء من نَفسه وتعريبه الْأَسْمَاء الْهِنْدِيَّة وَهُوَ كتاب بديع غَرِيب الْمظهر انْتهى وَقَالَ فِيهَا أَيْضا وَلَقَد رَأَيْت فِي واقعتي لَيْلَة تقييدي لأبيات من همزيتي فِي مدحه وَهِي قصيدة تزيد على أَرْبَعمِائَة بَيت والتزمت فِي كل بَيت جناسين من سَائِر أَنْوَاعه مَا خلا الْأَنْوَاع البديعية وَكنت فِي تِلَاوَة ورد الصُّبْح فَجَاءَت المبشرة مثل فلقها وَصورتهَا أَنه تراآى لي شَجَرَة كَمَا ذكر الله سُبْحَانَهُ أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء يَغْشَاهَا من الْأَنْوَار كَمَا يُقَال الرَّقَائِق الشمسية فطلبت فِي الْحَال مَا وَرَاءَهَا فأغشيتها وَرَأَيْت خلفهَا فضاء وَاسِعًا لَا حد لَهُ وَلَا نِهَايَة فَإِذا بِحَضْرَة الرَّسُول قد أقبل إِلَى الْجِهَة الَّتِي العَبْد فِيهَا وَمَعَهُ خلق لَا يحصيهم إِلَّا الله تَعَالَى وشعاع الْأَنْوَار سَاطِع من سَائِر مسام جسده الشريف وَكَانَ لي عَادَة مَعَه فِي الوقائع إِذا رَأَيْته انكب عَليّ فَيكون رَأسه الشريف فَوق رَأْسِي وصدره الشريف فَوق صَدْرِي وَيَضَع يَدَيْهِ الشريفتين على ظَهْري وَيَقُول لي بَارك الله فِيك وَفِي عصر أَنْت فِيهِ وَللَّه الْحَمد على مَا حصل من فيض فَضله وَسُئِلَ عَن معنى قَول الْقَائِل (رَأَتْ قمر السَّمَاء فأذكرتني ... ليَالِي وصلنا بالرقمتين) (كِلَانَا نَاظر قمراً وَلَكِن ... رَأَيْت بِعَينهَا وَرَأَتْ بعيني) فَأجَاب معنى هذَيْن الْبَيْتَيْنِ أَن المرئي الَّذِي هُوَ قمر السَّمَاء بِعَين المحبوبة ذَا ذكر الْمُحب اللَّيَالِي الَّتِي حصل لَهُ بهَا وصل هَذِه المحبوبة الَّتِي رَأَتْ قمر السَّمَاء فَكل مِنْهُمَا نظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 قمراً من باله وَلَكِن المحبوبة لما رَأَتْ ورؤيتها أذكرته رُؤْيَته إِيَّاهَا تِلْكَ اللَّيَالِي قمراً ادّعى أَنه رأى بِعَينهَا إِذْ لَا قمر عِنْده إِلَّا هِيَ وَهُوَ إِذا رأى الْقَمَر فقد رَآهَا وَهِي أَيْضا رَأَتْ بِعَيْنِه فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي عينه إِلَّا هِيَ الَّتِي هِيَ الْقَمَر المرئي مُطلقًا فَهُوَ معنى ادعائي فِي الرؤيتين وَهَذَا أحد الْوُجُوه فِي معنى هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَسُئِلَ عَن معنى قَول بَعضهم فِي القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِي مطْلعهَا (إِلَيْك وجهت وَجْهي لَا إِلَى الطلل ... ) مِنْهَا (يَا عين عِيسَى وَيَا لَام الْخَلِيل وَيَا ... يَاء الْحَقِيقَة يَا موحي إِلَى الرُّسُل) فَأجَاب (عين عِيسَى روح الْإِلَه تَعَالَى ... ثمَّ لَام الْخَلِيل روح لعَيْنِي) (روح هَذَا روح بَدَت لمثال ... من مليك لجبرئيل الْأمين) (وبروح الْخَلِيل معنى لطيف ... جَامع للوداد للمظهرين) (وبياء الْحَقِيقَة السرّ باد ... عِنْدهَا فِي لَطِيفَة النقطتين) (يَا عليا عَن السوى كن لقلبي ... موحياً للأسرار من غير مين) وقرأت بِخَطِّهِ هَذِه الأبيات ذكر أَنه توسل بقلب القطب الْغَوْث فَرد الزَّمَان (إلهي بِالْقَلْبِ الَّذِي حَاز نظرة ... فأحياه ذَاك اللحظ بعد مماته) (وصيره صبا صَبأ لحبيبه ... بعشقته للذات بعد صِفَاته) (وَلَا زَالَ هَذَا دأبه فِي حَيَاته ... إِلَى أَن أَتَاهُ الرّوح عِنْد وَفَاته) (وخاطبه سرا لتخلص لامه ... من الْألف الغراء بعد ثباته) (فخلصه مِنْهُ وخصصه بِهِ ... ورقاه فِي الْمِعْرَاج لَيْلًا بِذَاتِهِ) (وَقَالَ لَهُ عَبدِي أبحت مشاهدي ... لخاطرك المنتاب من رشفاته) (أنلني من هَذَا الْمقَام رقيقَة ... تمد فُؤَادِي قُوَّة فِي ثباته) وَمن غزلياته قَوْله (لَا تسألوا عَن أَسِير شفه الشغف ... فالحال يخبر عَنهُ فَوق مَا وصفوا) (إِنِّي غَرِيم غرام والهوى وطني ... وَلست عَنهُ مدى الْأَيَّام أنحرف) (وَكَيف يصرف من قد صَار فِي زمن ... لَهُ شوامته من صدقه اعْتَرَفُوا) (يخْتَار حَال الْهوى فِي سيره وَله ... فِي عقله وَله والدمع منذرف) (إِذا تذكر يَوْم الْبَين خالطه ... مَا لَيْسَ يعرفهُ من الْهوى عرفُوا) (يَقُول وَهُوَ لبلواه على رَمق ... وَالْعقل منزعج وَالْقلب منزعف) (أرى الطَّرِيق قَرِيبا حِين أسلكه ... إِلَى الحبيب بَعيدا حِين أنصرف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وَقَوله (وَلَيْلَة بت فِيهَا لَا أرى غيرا ... مَعَ شادن وَجهه قد أخجل القمرا) (نادمته قَالَ هَات الكأس قلت لَهُ ... جلّ الَّذِي لافتضاحي فِيك قد سترا) (وَقمت أرشف من ريق المدام وَمن ... مدام ريق وأقضي فِي الْهوى وطرا) (ولفنا الشوق فِي ثوبي نقى وَهوى ... وَطَالَ بالوصل لي وَاللَّيْل قد قصرا) وَأكْثر شعره مَوْجُود فِي أَيدي النَّاس فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِكْثَار مِنْهُ هُنَا لَكِن نذْكر من حكمه وكلماته مَا يستظرف فَمن ذَلِك قَوْله الخمول يُورث الْحجب والشهرة تورث الْعجب لَيْسَ الْعَارِف من ينْفق من الجيب بل الْعَارِف من ينْفق من الْغَيْب من صدقت سَرِيرَته انفتحت بصيرته من قنع من الدُّنْيَا باليسير هان عَلَيْهِ كل عسير من لم يكمل عقله لَا يُمكن نَقله من صدق مقاله استقام حَاله الْأَخ من يعرف حَال أَخِيه فِي حَيَاته وَبَعْدَمَا يواريه كل من الْخلق أَسِير نَفسه وَلَو كَانَ طلبه حَضْرَة قدسه مُعَاملَة الْإِنْسَان دَلِيل على ثُبُوت الْإِيمَان لَا ينَال غَايَة رِضَاهُ إِلَّا من خَالف نَفسه وهواه من عَلامَة أهل الْكَمَال عدم الثُّبُوت على حَال وَمن وَصَايَاهُ الجامعة مَا أوصى بِهِ أحد أَوْلَاده وَهِي مَا أَحْبَبْت أَن يعاملك بِهِ فعامل بِهِ خلقه وَبِالْجُمْلَةِ فآثاره وأخباره كَثِيرَة والعنوان يدل على الطرس وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الْأَرْبَعَاء مستهل صفر سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس الْمَعْرُوفَة بتربة الغرباء وَقيل فِي تَارِيخ مَوته الشَّيْخ أَيُّوب قطب رَحمَه الله تَعَالَى (حرف الْبَاء) السَّيِّد باكير بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب الْحلَبِي السَّيِّد الْأَجَل الْفَاضِل الأديب النَّاظِم الناثر كَانَ عَارِفًا باللغة وَالْأَدب حق الْمعرفَة وَلم يكن فِي حلب من أدباء عصره أَكثر رِوَايَة مِنْهُ للنظم والنثر قَالَ البديعي فِي وَصفه لَهُ كَلِمَات من النمط العالي فَكَأَنَّمَا عناه بقوله الميكالي (إِن كَلَام بن أَحْمد الحسني ... آسى كَلَام الهموم والحزن) (سحر وَلَكِن حكى الصِّبَا سحرًا ... فِي لطفه غب عَارض هتن) قَالَ وَجرى ذكر نجابته لَيْلَة فِي مجْلِس شَيخنَا النَّجْم الحلفاوي فَرَأى فِي مَنَامه كَأَن رجلا ينشده هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (باكير فاق على الأقران مرتقياً ... أوج الْمَعَالِي فَلَا قرن يدانيه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 (وَالْفرع إِن أثمرت أَيدي الْكِرَام بِهِ ... فَالْأَصْل من كوثر الإفضال يسْقِيه) قلت وَقد مدحه بعض الأدباء بقوله (إِذا رمت تلقى ذَات علم تكوّنت ... وتروي حَدِيث الْفضل عَن أوحد الدَّهْر) (فعرج على ذَات العواصم قَاصِدا ... سليل العلى نجل الْكِرَام أَبَا بكر) دأب فِي تَحْصِيل المعارف حَتَّى رقى ذرْوَة من الْفضل عَلَيْهِ وَكَانَ أَكثر اشْتِغَاله على وَالِده وَقَرَأَ على غَيره وتعانى صناعَة النّظم وشعره حسن الرونق بديع الأسلوب وَأَخْبرنِي من كَانَ يَدعِي معاشرته لَهُ وقُوف على حَاله أَن أَكثر شعره منحول من شعر وَالِده من جيد شعره قَوْله من قصيدة (لَاحَ الصَّباح كزرقة الألماس ... فلتصطبح ياقوت در الكاس) (من كف أهيف صان ورد خدوده ... بسياج خطّ قد بدا كالآس) (فَكَانَ مرْآة البديع صحيفَة ... لِلْحسنِ جدولها من الأنفاس) (فِي رَوْضَة قد صَاح فِيهَا الديك إِذْ ... عطس الصَّباح مشمت العطاس) (ضحِكت بهَا الأزهار لما أَن بَكت ... عين الْغَمَام القاتم الْعَبَّاس) (ورقى بهَا الشحرور أغصاناً غَدَتْ ... بتموج الأرياح فِي وسواس) (والورد تحمده البلابل هتفاً ... من فَوق غُصْن قوامه المياس) (وَيرى البنفسج عجبه فَيَعُود من ... حسد لسطوته ذليل الراس) (والطل حل بهَا كدمع متيم ... لمعاهد الأحباب لَيْسَ بناس) (فتظن ذَا ثغراً وَذَا عينا وَذَا ... خداً لغانية كظبي كناس) (واحمر خد شقائق مخضلة ... حميت بِطرف النرجس النعاس) (حسداً لخد الطرس لما أَن غَدا ... خطّ القريض بمدح فضلك كاس) وَقَوله مضمناً (بك صرح العلى سَام عماده ... وكذاك الْكَمَال وار زناده) (إِن كل الْأَنَام من نَاظر الدَّهْر بَيَاض ... وَأَنت مِنْهُ سوَاده) (قد غرقنا من فيض فضلك فِي ... أمواج بَحر تَتَابَعَت أزباده) (وَإِذا الْفِكر لم يحط بمعاليك جَمِيعًا ... وخاب فِيك اجْتِهَاده) (فاعتذاري بِبَيْت ندب همام ... مَا كبا فِي ميدان فضل جَوَاده) (إِن فِي الموج للغريق لعذراً ... وَاضحا أَن يفوتهُ تعداده) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وَمن مقاطيعه قَوْله فِي تَشْبِيه ثَلَاث شامات على نمط (فِي جَانب الخد وَهِي مصفوفة ... كَأَنَّهَا أنجم الذِّرَاع بَدَت) وَقَوله (فِي خَدّه القاني المضرج شامة ... قد زيد بالشعرات باهر شانها) (كلهيب جمر تَحت حَبَّة عنبر ... قد أوقدت فَبَدَا زكيّ دخانها) وَأنْشد لَهُ البديعي قَوْله من قصيدة فِي الْمَدْح (تهلل وَجه الْفضل وَالْعدْل بالبشر ... وَأصْبح شخص الْمجد مبتسم الثغر) وَمِنْهَا (فيا لَك من مولى بِهِ الشّعْر يزدهي ... إِذا مَا ازدهت أهل المدائح بالشعر) (فريد الْمَعَالِي لَا يرى لَك ثَانِيًا ... من النَّاس إِلَّا من غَدا أَحول الْفِكر) معنى الْبَيْت الأول مطروق وَأَصله قَول أبي تَمام (وَلم أمدحك تفخيماً بشعري ... وَلَكِنِّي مدحت بك المديحا) وَأَبُو تَمام أَخذه من قَول حسان فِي النَّبِي (مَا إِن مدحت مُحَمَّدًا بمقالتي ... لَكِن مدحت مَقَالَتي بِمُحَمد) وَالْبَيْت الثَّانِي مَأْخُوذ من قَول بَعضهم (إِن من يُشْرك بِاللَّه ... جهول بالمعاني) (أَحول الْفِكر لهَذَا ... ظن للْوَاحِد ثَانِي) وَله ويروى لوالده (صدر الْوُجُود وَعين هَذَا الْعَالم ... وملاذ كل أخي كَمَال عَالم) أَيْضا (إِن لم تكن لِذَوي الْفَضَائِل منقذاً ... من جور دهر فِي التحكم ظَالِم) (فبمن نلوذ من الزَّمَان وَبَاب من ... ننتاب فِي الْأَمر المهم اللَّازِم) (فَبِحَق من أَعْطَاك أرفع رُتْبَة ... أضحى لَهَا هَذَا الزَّمَان كخادم) (وحباك من سلطاننا بمواهب ... تركت حسودك فِي الحضيض القاتم) (فَإِذا تتوج كنت درة تاجه ... وَإِذا تختم كنت فص الْخَاتم) (إِلَّا نظرت بِعَين عطفك نحونا ... وَتركت فيهم كل لومة لائم) (ورعيت فِي داعيك نسبته إِلَى ... خير الْبَريَّة من سلالة هَاشم) (فالوقت عَبدك طوع أَمرك فاحتكم ... فيمَ تشَاء فَأَنت أعدل حَاكم) قلت هَكَذَا أَنْشدني لَهُ هَذِه الأبيات صاحبنا المرحوم عبد الْبَاقِي بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن السمان الدِّمَشْقِي وَذكر لي أَنه أَخذ قَوْله فَإِذا تتوج إِلَى آخِره من قَول أبي الْحُسَيْن العرضي الْعلوِي (كَأَنَّمَا الدَّهْر تَاج وَهُوَ درته ... وَالْملك وَالْملك كفٍّ وَهُوَ خَاتمه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 أَو لم يدر مَعَ سَعَة اطِّلَاعه أَن الْبَيْت برمتِهِ لأبي الطّيب فِي قصيدته الَّتِي أَولهَا (أَنا مِنْك بَين فَضَائِل وَمَكَارِم ... وَمن ارتياحك فِي غمام دَائِم) وَقد أطلنا الْكَلَام حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ الْمقَام وَبِالْجُمْلَةِ ففضل صَاحب التَّرْجَمَة غير خَفِي بل هُوَ أجلى من الْجَلِيّ وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَتُوفِّي فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَألف بحلب رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ بَرَكَات بن تَقِيّ الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الكيال الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي خطيب الصابونية كَانَ شَيخا صَالحا قَارِئًا مجوداً حسن السمت والاعتقاد يحب الطّيب وَيكثر التطبب أَخذ القراآت عَن شيخ الْقُرَّاء بِدِمَشْق الشهَاب الطَّيِّبِيّ وَولده وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن قِرَاءَة حَسَنَة وَولي خطابة الصابونية بعد ابْن عَمه ولي الدّين وناب فِي إِمَامَة الْجَامِع الْأمَوِي عَن ابْن الطَّيِّبِيّ الْمَذْكُور ولازم الْمحيا بالجامع الْأمَوِي وجامع الْبزورِي بمحلة قبر عَاتِكَة خَارج دمشق فِي زمن شيخ الْمحيا عبد الْقَادِر بن سوار وَكَانَ يقْرَأ الْعشْر الْمُعْتَاد من سُورَة الْأَحْزَاب فِي الْمحيا وَكَانَ بَيته بِالْقربِ من الْجَامِع قَرِيبا من بَيت منجك وَأكْثر أوقاته يُقيم بالجامع فِي الْحُجْرَة الصَّغِيرَة الَّتِي كَانَت بيد شَيْخه الطَّيِّبِيّ ثمَّ وَلَده عِنْد بَاب جبرون من جِهَة الْقبْلَة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان عشرَة بعد الْألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير قلت وَابْن عَمه ولي الدّين الْمَذْكُور هُوَ وَالِد جدة أبي لَامة وَله أوقاف دارة وَأَنا الْآن صَاحب نصيب وافر من خَيرهَا وَأَبُو شمس الدّين مثله صَاحب إدرارات وكلا الوقفين نصف نظارتهما عَليّ جزاهم الله عني خيرا وَبِاللَّهِ الِاسْتِعَانَة الشريف بَرَكَات بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن بَرَكَات بن أبي نمي بن بَرَكَات الشريف الحسني صَاحب مَكَّة وبلاد الْحجاز ونجد وَكَانَ من أمره لما توفّي الشريف زيد بن محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن وَقَامَ بِالْأَمر بعده الشريف سعد بعد أَن وَقعت بِمَكَّة رجة عَظِيمَة فِيمَن يتَوَلَّى بَين الشريف سعد والشريف حمود بن عبد الله وَقَامَ كل مِنْهُمَا وَجمع الجموع وتحصنوا بِالْبُيُوتِ والمنائر وانضم الْأَشْرَاف إِلَى الشريف حمود وَلم يبْق مَعَ الشريف سعد إِلَّا مبارك بن مُحَمَّد الْحَرْث وراجح بن قايتباي وَعبد الْمطلب ابْن مُحَمَّد وَمُضر بن المرتضى وَالسَّيِّد حُسَيْن بن يحيى وَفَارِس بن بَرَكَات وَمُحَمّد بن أَحْمد ابْن عَليّ وَهُوَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُنَادِي لِأَن من قَوَاعِد الْأَشْرَاف أَنه إِذا أولى أحدهم الْإِمَارَة مَشى شرِيف مِنْهُم مَعَ المنادى ليحميه مِمَّن يتَطَرَّق إِلَيْهِ من الْأَشْرَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 المبارزين حالتئذ وَكَانَ بِمَكَّة إِذْ ذَاك عماد أَمِير جدة وَشَيخ الْحرم فَردُّوا الْأَمر إِلَيْهِ فأخضر خلعة عِنْده وَالرسل تسْعَى من الشريف سعد إِلَيْهِ فاتفق الرَّأْي أَن يلبس الخلعة الشريف سعد فلبسها فِي بَيته وَكَانَ مجْلِس عماد فِي دكة عِنْد بَاب رِبَاط الداودية فَبعد أَن أخذت الخلعة قيل لَهُ أَن ابْن زيد مُحَمَّد يحيى هُوَ ولي الْعَهْد لِأَن وَالِده أخرج لَهُ مرسوماً سلطانياً بذلك فَقَالَ لمن أَخذ الخلعة قُولُوا للشريف سعد بِشَرْط أَنَّك قَائِم مقَام أَخِيك فَبعد أَن ذَهَبُوا بالخلعة وَمَشوا بهَا قَلِيلا دخل الْمَسْجِد من بَاب بني سهم الْمُسَمّى بِبَاب الْعمرَة جمَاعَة من الْأَشْرَاف مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله ومبارك بن فضل بن مَسْعُود وَعبد الله بن أَحْمد وَمُحَمّد بن أَحْمد بن حراز فِي نَحْو عشرَة أشخاص فوقفوا على عماد فَقَالَ لَهُم نَحن ألبسنا الشريف سعد بِشَرْط أَنه قَائِم مقَام أَخِيه فَقَالَ لَهُ السَّيِّد مبارك نَحن حمود شَيخنَا وَكَبِيرنَا وَلَا نرضى إِلَّا بِهِ وَكَانَ عِنْد عماد رَاجِح بن قايتباي من جَانب الشريف سعد فَوَقع بَينهمَا كَلَام طَوِيل ثمَّ ذهب الْأَشْرَاف وَالْخَيْل إِلَى حمود فَخرج عَلَيْهِم متعمماً بعمامة زرقاء فَجَلَسَ لَحْظَة ثمَّ قَامَ للنزول إِلَى تجهيز الشريف زيد وَمَعَهُ نَحْو ثَلَاثَة من بني عَمه فَلَمَّا كَانَ فِي الدرج أقبل عَلَيْهِ السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَرْث فَوقف لَهُ حمود وَقَالَ لَهُ لَا قطع الله هَذِه الزائلة فَأَجَابَهُ بقوله إِذا جاءتك الرِّجَال كن زيره فَرده وَرجع مَعَه وَلم يذهب إِلَى مَا كَانَ قَصده ثمَّ جهز الشريف زيد وَأخرج إِلَى الْمَسْجِد بعد صَلَاة الظّهْر وَخرج فِي جنَازَته من الْأَشْرَاف وَلَده حسن وَآخر من بني عَمه وَلم يخرج أحد من الْعَسْكَر والاتباع لاشتغالهم بِمَا هم فِيهِ وطلع مَعَه الْعَامَّة وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء وَجلسَ الشريف سعد للتهنئة بِالْملكِ ودعا مَشَايِخ الْعَرَب وَأَصْحَاب الْإِدْرَاك وألزم كلا بجهته ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّالِث من موت الشريف زيد وَقع الِاتِّفَاق بَين سعد وحمود على قدر مَعْلُوم من الْمَعْلُوم وعينت جهاته وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما عِنْد النَّاس وَحصل بذلك الْأَمْن وَأمر الشريف سعد بالزينة ثَلَاثَة أَيَّام وَكتب محضراً وَعَلِيهِ خطوط الْأَعْيَان وأرسله مَعَ أحد تَوَابِع أَبِيه إِلَى مصر فَأرْسلهُ وَزِير مصر إِلَى السُّلْطَان وَكَذَلِكَ كتب السَّيِّد حمود محضراً لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا خطوط الْأَشْرَاف وارسله مَعَ رجل مصري يُقَال لَهُ الشَّيْخ عِيسَى فَقدر الله أَنه مَاتَ عقب دُخُوله مصر بيومين وَكَانَ ذَلِك لسعد سعد فوجدوا الْعرض فِي تركته وَلم يصل إِلَى مقْصده وَكَذَلِكَ السَّيِّد مُحَمَّد يحيى بن الشريف زيد أرسل محضراً من الْمَدِينَة وَعَلِيهِ خطوط أعيانها وَقد كَانَ وَالِده أخرج لَهُ مرسوماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 سلطانياً كَمَا ذكرنَا فَلم يتَمَكَّن من تنفيذه دَرأ لملفسدة وَكَانَ لَا يحجّ مَعَ زيد غَالِبا كل سنة من أَوْلَاده إِلَّا حسن وَمُحَمّد يحيى وَكَانَ مُحَمَّد يحيى بِالْمَدِينَةِ فَطَلَبه لِلْحَجِّ فِي عَام مَوته فَامْتنعَ لأمر يُريدهُ الله فَلَمَّا بلغ زيدا قَالَ إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَكَانَ سعد فِي نَحْو الشرق فجَاء فِي ذَلِك الْعَام وتقرب من وَالِده وَحج مَعَه وَكَانَ من أَمر الله تَعَالَى مَا كَانَ واستمرّ النَّاس منتظرين خبر وُرُود الْأَمر السلطاني نَحْو سِتَّة أشهر إِلَى أَن وصل رَسُول السُّلْطَان بالخلعة لَهُ من غير شريك ودخلوا بهَا على معتادهم وقرىء المرسوم بِالْحرم وَاسْتقر لَهُ الْأَمر وَجلسَ للتهنئة وجاءه السَّيِّد حمود وَأَتْبَاعه من الْأَشْرَاف طائعين مظهرين لَهُ الوداد والصداقة وَكَانَ حمود فِي هَذِه الْمدَّة يطْلب مِنْهُ مَا يُرِيد فَيُجِيبهُ إِلَى طلبه ثمَّ حصل بَينهمَا تنافر فَخرج حمود يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَأقَام بالجوخى وَكَانَ كثيرا مَا ينشد فِي خُرُوجه بَيْتا للسَّيِّد قَتَادَة المستشهد بِهِ فِي وَاقعَة لَهُ (مصَارِع آل الْمُصْطَفى عدت مِثْلَمَا ... بدأت وَلَكِن صرت بَين الْأَقَارِب) وَلم تزل الرُّسُل تسْعَى بَينهمَا فَلم يتَّفقَا على حَال وَتوجه حمود إِلَى وَادي مرو وَأقَام بِمن مَعَه من الْأَشْرَاف وأتباعهم وَسعد لم يستخفه الطيش وَتوجه بَعضهم إِلَى طَرِيق جدة فوجدوا القوافل فنهبوها وفيهَا أَمْوَال عَظِيمَة للحجاج والتجار والعسكر فَقطعت السبل وَارْتَفَعت الأسعار وَلما قدم الْحَاج الْمصْرِيّ إِلَى مَكَّة وأميره الْأَمِير أوزبك ركب حمود وَمن مَعَه من الْأَشْرَاف إِلَيْهِ وَدخل عَلَيْهِ وَمَعَهُ أَحْمد الْحَرْث وَبشير ابْن سُلَيْمَان فأنهوا إِلَيْهِ حَالهم وَعدم الْوَفَاء من سعد فِيمَا الْتَزمهُ لَهُم من معاليمهم وَقَالُوا إننا لَا نَدع أحدا يحجّ إِلَّا أَن نَأْخُذ مَا هُوَ لنا وَكَانَ قدر مائَة ألف أشرفي فالتزم لَهُم أَن ينفذ الشريف نصفهَا قبل الصعُود فقبلوا الْتِزَامه وخلوا سَبيله وَمن مَعَه فَلَمَّا دخل الْأَمِير مَكَّة خرج الشريف سعد على الْمُعْتَاد إِلَى المختلع فَلبس الخلعة ثمَّ كَلمه الْأَمِير فِيمَا الْتَزمهُ لحمود وَمن مَعَه فَقبل وَسلم خَادِم حمود الْخمسين ألفا قبل الصعُود ثمَّ لما كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشري ذِي الْحجَّة وصل حمود إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ السَّيِّد عبد الْمعِين بن نَاصِر بن عبد الْمُنعم بن حسن وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن الْحسن وَالسَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان بن مُوسَى بن بَرَكَات بن أبي نمي وَالسَّيِّد مبارك وَنَافِع ابْنا نَاصِر ابْن عبد الْمُنعم فِي جمع من الْأَشْرَاف والقواد للصلح بَين سعد وحمود وترددت الرُّسُل بَينهمَا وألزموهما بالحضور إِلَى القَاضِي فجَاء حمود وَحضر الْأُمَرَاء ووجوه أَرْكَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 الدولة وعماد وأكابر الْعَسْكَر فَأرْسل سعد خادمه بِلَالًا وَكيلا عَنهُ فِي الْخُصُومَة وَالدَّعْوَى فاغتاظ حمود من ذَلِك وَأَرَادَ الفتك بِهِ فِي الْمجْلس فَذهب مسرعاً فَزعًا فَأرْسل عوضه أَخَاهُ مُحَمَّد يحيى وَكيلا وَادّعى على حمود بِمَا أَخذه فِي طَرِيق جده من الْأَمْوَال فَلم يثبت عَلَيْهِ ثمَّ طلب حمود أَن يتَوَجَّه إِلَى مصر وَيرْفَع أمره إِلَى السُّلْطَان فأذنوا لَهُ وَاتفقَ الْحَال على ذَلِك ثمَّ لما توجه الْحَاج الشَّامي وَسَائِر الْحجَّاج توجه مَعَهم حَتَّى وصل إِلَى بدر فَتخلف وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين توجه من بدر إِلَى يَنْبع فِي صفر وَأرْسل وَلَده أَبَا الْقَاسِم وَأحمد بن الْحَرْث وَولده مُحَمَّدًا ومعهما غَالب بن زامل بن عبد الله بن حسن وَجَمَاعَة من ذَوي عنقاء السَّيِّد بشير ابْن مُحَمَّد وظافر بن وَاضح وَمُحَمّد بن عنقاء وَولده وَأرْسل مَعَهم هَدِيَّة إِلَى وَزِير مصر عمر باشا نَحْو سِتَّة أَفْرَاس مِنْهُم البغيلة والكحيلة والهدباء فَسَارُوا إِلَى أَن بلغُوا الْحَوْرَاء الْمنزلَة الْمَعْرُوفَة فِي طَرِيق الْحَج فلاقاهم قَاصِدا إِبْرَاهِيم باشا الْمُتَوَلِي بعد صرف عمر باشا بمكاتيب متضمنة لِلْأَمْرِ بالإصلاح والاتفاق فَرجع غَالب صُحْبَة القاصد إِلَى مَكَّة لينْظر مَا يتم عَلَيْهِ الْحَال فأقاموا بالحوراء بِمَا مَعَهم نَحْو خَمْسَة عشر يَوْمًا ينتظرون فَلم يصل إِلَيْهِم خبر فَسَارُوا إِلَى مصر فَدَخَلُوهَا لَيْلَة المولد وَقدمُوا مَا مَعَهم من المقاود والمكاتيب لإِبْرَاهِيم باشا فأكرمهم وَزَاد فِي تعظيمهم وَاسْتمرّ كَذَلِك إِلَى جُمَادَى الْآخِرَة وَلم يرجع القاصد من مَكَّة إِلَى مصر وَأشيع بهَا أَن الْأَشْرَاف قَتَلُوهُ فَأَشَارَ على الْوَزير بعض أكَابِر الدولة بِمصْر أَن يقبض على السَّيِّد أبي الْقَاسِم ابْن حمود وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد الْحَرْث فَأمر بنقلهما من مَحلهمَا الأول بقايتباي إِلَى بَيت الْأَمِير يُوسُف وَفِي هَذِه الْمدَّة طلب مُحَمَّد يحيى من أَخِيه سعد أَن يَجْعَل لَهُ محصول ربع الْبِلَاد وينادي لَهُ بهَا فَامْتنعَ من ذَلِك فَغَضب الشريف أَحْمد بن زيد وَكَانَ بالشرق فجَاء إِلَى مَكَّة مسرعاً فلحق أَخَاهُ سَعْدا قبل أَن يتَوَجَّه وَتوجه مُحَمَّد يحيى وَلحق بحمود وَاتفقَ مَعَه وَأَقَامَا يعاندان الْقَضَاء وَأقَام سعد وَأَخُوهُ أَحْمد معِين لَهُ وَلما لم يحصل الِاتِّفَاق بَين سعد وحمود بعد وُصُول القاصد للإصلاح أرسل سعد إِلَى وَزِير مصر يعرفهُ بِمَا جرى ليعرضه على السُّلْطَان وَكَذَلِكَ أرسل حمود قَاصِدا أَيْضا برز يَوْم عشري ربيع الأول الشريف سعد إِلَى الجوخي فِي موكب عَظِيم بِمن مَعَه من الْأَشْرَاف والعساكر وَأقَام هُنَالك ينْتَظر وُصُول الْأَخْبَار فَلَمَّا وصلت الْأَخْبَار إِلَى وَزِير مصر أَمر بتجهيز خَمْسمِائَة من الْعَسْكَر أَمر عَلَيْهَا الْأَمِير يُوسُف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 مُتَوَلِّيًا جدة ومشيخة الْحرم وَصرف عماد عَنْهَا فَسَارُوا من مصر وهم بأتباعهم وَمن مَعَهم من الْحجَّاج والتجار يدْخلُونَ فِي ألف وَخَمْسمِائة فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى مَكَّة توجه حمود وَمَعَهُ سعيد بن بشير بن حسن وَكَانَ والياً على بيشة ونواحيها مُدَّة فِي زمن زيد فأخرجوه مِنْهَا فواجه الْعَسْكَر بينبع فِي جَيش لهام من أهل يَنْبع وجهينة وعنزة فَأَخَذُوهُمْ عَن آخِرهم وقتلوهم وسلبوا أَمْوَالهم وَأسرُوهُمْ وَلم يسلم مِنْهُم إِلَّا نَحْو مائَة وَقبض على الْأَمِير يُوسُف وَقتل حِينَئِذٍ من الْأَشْرَاف بشير بن أَحْمد بن عبد الله ابْن حسن وسرور بن عبد الْمُنعم وَمن ذَوي عنقاء زين العابدين بن نَاصِر وَقتل أَيْضا السَّيِّد لِبَاس وَسبب قَتله أَنه صعد أول الْحَرْب إِلَى متراس للترك ظَنّه متراساً لعسكر حمود فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم مَاشِيا صاعداً تلقوهُ فَقطعُوا رَأسه من حِينه ووضعوه فِي مخلاة علقت على بعير وَلم يدروا بِهِ إِلَّا بعد انكسار جَيش التّرْك وَجَاء بِهِ بعض من أَخذ الْجمل بِمَا عَلَيْهِ من الْمَتَاع وَأُصِيب السَّيِّد عبد الْمعِين بن نَاصِر فِي رَأسه بعد أَن زاغت عَنهُ الخوذة بِسَبَب وُقُوعه عَن الْفرس بكبوها وقتلها ونهبت الأجمال بالأحمال ثمَّ أَمر حمود بِجمع حَرِيم الْأَمِير يُوسُف وَغَيره فِي مخيم كَبِير وأجرى عَلَيْهِم المصروف وَمَات الْأَمِير يُوسُف وَكَانَ اللِّقَاء الْمَذْكُور يَوْم الْأَرْبَعَاء عَاشر رَجَب من هَذِه السّنة وَكَانَ حمود أرسل إِلَى الْعَسْكَر قبل قدومهم عَلَيْهِ أَن لَيْسَ لكم طَرِيق علينا إِن لم يكن السَّيِّد أَبُو الْقَاسِم مَعكُمْ وَالسَّيِّد مُحَمَّد فَلم يمتثلوا فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى مصر قتلوا من كَانَ من أَتبَاع السَّيِّد أبي الْقَاسِم وَالسَّيِّد مُحَمَّد وتتبعوهم فِي الْأَمَاكِن وَأمر بالسيدين إِلَى حبس الدَّم بعد أَن طلب وَزِير مصر الْفَتْوَى من الْعلمَاء بِجَوَاز قَتلهمَا فَلم يفتوه فَأمر باعتقالهما ثمَّ عزل إِبْرَاهِيم باشا عَام ثَمَانِينَ وَتَوَلَّى مصر حُسَيْن باشا ابْن جانبولاذ فَسَأَلَ عَن سَبَب حبسهما فَأخْبر بِمَا وَقع فِي الْعَسْكَر من أبويهما فَقَالَ هَل كَانَ الْوَاقِع قبل وصولهما أَو بعده فَقيل بعده بِمدَّة فَقَالَ لَا ينْسب شَيْء من ذَلِك إِلَيْهِمَا وَأمر بإخراجهما واستدناهما وأكرمهما وَأقَام لَهما من الْمعِين مَا يكفيهما وأنزلهما بِبَيْت نقيب الْأَشْرَاف فَلَمَّا كَانَ شهر رَمَضَان استدعاهما النَّقِيب لَيْلَة إِلَى الْإِفْطَار عِنْده فَأَتَاهُ أَبُو الْقَاسِم فِي جملَة من أَصْحَابه وَلم يَأْته مُحَمَّد فدعاهما فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة فَكَانَ كَذَلِك فاستنكر عدم مَجِيء مُحَمَّد تِلْكَ اللَّيْلَة فردّد الرُّسُل إِلَيْهِ فَلم يَأْتِ فقوي الريب عِنْده فَاعْتَذر عَنهُ أَبُو الْقَاسِم ثمَّ خرج مُحَمَّد بمفرده فارّاً من مصر إِلَى مَكَّة مَاشِيا حَتَّى انْتهى إِلَى الْعقبَة فَأتى لَهُ بِمَا يركبه وَأما أَبُو الْقَاسِم فاستمر إِلَى أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 توفّي فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف شَهِيد بالطاعون ثمَّ جهز عَسْكَر كثير من مصر وَمَعَهُ أميران وَعَلَيْهِم أَمِير مُحَمَّد جاويش مُتَوَلِّيًا جدة ومشيخة الْحرم فوصلوا إِلَى يَنْبع وَكَانُوا تلاقوا مَعَ الْحَاج قبلهَا بيومين أَو ثَلَاثَة ودخلوا مَعًا وَأَقَامُوا فِيهَا خَمْسَة أَيَّام أَو سِتَّة يكاتبون حموداً وَهُوَ يُجِيبهُمْ بِكَلَام شَدِيد فحملوا عَلَيْهِ فَلم يجدوه فَاقْتضى رَأْيهمْ أَن بَعضهم يُقيم لحفظ الْبَلَد وَالْآخر يحجّ وَهُوَ الْأَكْثَر فَدَخَلُوا مَكَّة بموكب عَظِيم سَابِع ذِي الْحجَّة وَمَعَهُمْ اثْنَا عشر كاشفاً تَحت يَد كل الكاشف جمَاعَة وَدخل الْحَاج الشَّامي واليماني وَالْمَدَنِي وَأما أهل الْعرَاق ونجد والحجاز وَسَائِر الْعَرَب فَلم يحجوا لما حصل لَهُم من التَّعَب والجوع وَالْخَوْف وَنزل الْعَسْكَر فِي بَيت حمود وَأحمد الْحَرْث وَجَمِيع الْأَشْرَاف الَّذين مَعَه وَقتل مُحَمَّد جاويش سِتَّة أشخاص من أَتبَاع حمود ثمَّ توجه الْحَاج الْمصْرِيّ وَمَعَهُ الْعَسْكَر والشريف سعد إِلَى يَنْبع نَحْو حمود وَأقَام أَخَاهُ السَّيِّد أَحْمد مقَامه بِمَكَّة فَلَمَّا وصلوا إِلَى يَنْبع تشاوروا هَل يُقِيمُونَ أَو يتوجهون وَرَاء حمود أَو يرجعُونَ إِلَى مصر فاتفق الرَّأْي أَن يذهبوا إِلَى مصر وَأقَام سعد وَمُحَمّد جاويش وَقبض سعد على جمَاعَة من المفسدين كَانُوا مَعَ حمود وكبلهم بالقيود والأغلال وَخرج من مَكَّة يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس صفر سنة تسع وَسبعين وَألف أَحْمد بن زيد بعسكره إِلَى جِهَة الْمَبْعُوث لإِصْلَاح تِلْكَ الْجِهَات والطرقات وَأقَام مقَامه بِمَكَّة بشير بن سُلَيْمَان ثمَّ دخل سعد إِلَى مَكَّة ثَانِي عشري ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَبعدهَا بأَرْبعَة أَيَّام دخل أَخُوهُ أَحْمد فَلَمَّا كَانَ رَابِع ذِي الْحجَّة وصل رَسُول من الْمَدِينَة يخبر بِأَن رجلا اسْمه حسن باشا قدم مُتَوَلِّيًا جده وَمَعَهُ أوَامِر سلطانية بِأَنَّهُ ينظر فِي أُمُور الْحَرَمَيْنِ فبرزت لَهُ عَسَاكِر الْمَدِينَة وكبراؤها وتلقوه بموكب عَظِيم وَالسَّبَب فِي وُصُوله أَن أهل الْمَدِينَة رفعوا أَمرهم إِلَى السُّلْطَان بالشكوى من الشريف سعد وَلما خرج من الْمَدِينَة مُتَوَجها إِلَى مَكَّة صَار يُنَادي مناديه فِي الطَّرِيق أَن الْبِلَاد للسُّلْطَان وَلَا يذكر الشريف سعد فَدخل الْحَاج الْمصْرِيّ إِلَى مَكَّة وَلبس الشريف خلعته الْمُعْتَادَة ثمَّ دخل الْحَاج الشَّامي ثمَّ دخل بعد الظّهْر حسن باشا فِي موكب عَظِيم إِلَى أَن وصل إِلَى بَاب السَّلَام فَنزل وَدخل الْمَسْجِد وَفِي الْيَوْم السَّابِع خرج الشريف لأمير الْحَاج الشَّامي وَلبس خلعته الْمُعْتَادَة ايضاً وَكَانَ من الْعَادة أَن يقسم بعض الصَّدقَات لأهل مَكَّة قبل الصعُود إِلَى عَرَفَة فَمنع من ذَلِك وتخلف مِنْهُم كثير عَن الْحَج لذَلِك فتعب الشريف سعد من أَحْوَاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 السَّابِقَة واللاحقة وَقَالَ إِن لم يظْهر مَا بِيَدِهِ من الْأَوَامِر فننظرها كَاذِبَة أَو صَادِقَة لم أحج فِي هَذَا الْعَام وَأرْسل بذلك إِلَيْهِ وَالِي الْأُمَرَاء وشدد فِي الْكَلَام وَوَقع اضْطِرَاب فِي الْبِلَاد وعزلت لأسواق وغلقت الْأَبْوَاب وخليت الطّرق وَجمع الشريف سعد جَيْشه وَقَامَ على قَدَمَيْهِ ثمَّ إِن الْأُمَرَاء وكبار الْعَسْكَر أَتَوا إِلَيْهِ مستشفعين لِلْحَجِّ فَعِنْدَ ذَلِك نَادَى مناديه بِأَن النَّاس يحجون وَصعد إِلَى عَرَفَات وَلم يحصل شَيْء مُخَالف ثمَّ سعى جمَاعَة بَينهمَا بِالصُّلْحِ مِنْهُم الْأَمِير عساف بن فروخ أَمِير الْحَاج الشَّامي وَكَانَ اجْتِمَاعهم بعد صَلَاة الْعَصْر ثَانِي الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وَألف خلف مقَام الْحَنَفِيّ بِحَضْرَة الْخَاص وَالْعَام ثمَّ تفَرقا وَرجع كل مِنْهُمَا إِلَى منزله وَأرْسل كل مِنْهُمَا نوبَته إِلَى الآخر فَضربت الطبول وَأرْسل كل مِنْهُمَا إِلَى الآخر هَدِيَّة سنية وَفِي الْيَوْم الثَّامِن من الْمحرم توجه بعد الْعَصْر الشريف سعد وَأَخُوهُ أَحْمد إِلَيْهِ مقابلهما بالإكرام والتعطف وَلما أَرَادَا الْقيام ألبس كلا مِنْهُمَا ثوبا نفيساً يَلِيق بِهِ وخرجا من عِنْده ثمَّ فِي الْيَوْم الْعَاشِر أَرَادَ حسن باشا التَّوَجُّه إِلَى جدة فَتوجه إِلَى الشريف بعد الْعَصْر وَمكث عِنْده سَاعَة وَلم يذقْ عِنْده شَيْئا من الطَّعَام وَادّعى أَنه صَائِم وَلما خرج قدم لَهُ فرسا مسرجة ملاحة فَلَمَّا وصل إِلَى جدة أغلق أبوابه وَحصل مِنْهُ أُمُور يطول شرحها ثمَّ فِي سَابِع عشر ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة أشرك الشريف سعد أَخَاهُ أَحْمد فِي الرّبع وَنُودِيَ فِي الْبِلَاد وَأمر الْخَطِيب بِالدُّعَاءِ لَهُ على الْمِنْبَر وَأرْسل إِلَيْهِ حسن باشا نوبَته فَضربت فِي بَيته ثَلَاثَة أَيَّام وأتته خلعة سلطانية مَعَ أَخِيه فِي الْمَوْسِم الثَّانِي وَلم يزل حسن باشا يُعَارض الشريف فِي أَحْوَاله وَأَحْكَامه ويستولي على غَالب محصول جدة والشريف يتلطف بِهِ وَهُوَ لَا يفِيدهُ ذَلِك حَتَّى كَانَ يَوْم الثَّالِث من منى بعد انتصاف النَّهَار نفر حسن باشا إِلَى رمي الْجمار فِي موكب عَظِيم والجند محدقون بِهِ فَلَمَّا كَانَ وَاقِفًا عِنْد الْعقبَة لرمي الْجمار رَمَاه ثَلَاثَة رجال بِثَلَاث بَنَادِق فَخر على وَجهه للتراب فَتَلقاهُ جنده فَرَفَعُوهُ إِلَى التخت وتحيروا فِيمَا نزل من هَذَا المضاب نزلُوا بِهِ إِلَى مَكَّة وصاروا يقتلُون من لاقوه فِي الطَّرِيق ووصلوا بِهِ إِلَى مَكَّة وتحصنوا فِي الْبيُوت وَدخل جمع مِنْهُم الْمَسْجِد بِالسِّلَاحِ وَالنَّار ورموا فِيهِ البندق إِلَى بَيت الشرق ووجهوا المدافع للأربع جِهَات واحترسوا غَايَة الاحتراس ثمَّ إِن الشريف توجه بعسكره وبالإشراف إِلَى مَكَّة ملبسين مدرعين فَاجْتمع الْأُمَرَاء حِينَئِذٍ وَاتَّفَقُوا على أَن يُعْطِيهِ مَا كَانَ استولى عَلَيْهِ من مَال جده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وَقدره ثَلَاثُونَ ألف قِرْش واستعطفوا الشريف بترك الثُّلُث فَتَركه وَأخذ عشْرين ألفا فَلم يسْتَطع الْمقَام بِمَكَّة فَأرْسل إِلَى جدة بعض أَتْبَاعه وَتوجه مَعَ الْحَاج الْمصْرِيّ إِلَى الْمَدِينَة وَأقَام بهَا فوفد عَلَيْهِ السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحَرْث فألزمه بالذهاب إِلَى وَالِده واستلحاقه إِلَيْهِ فِي الْمَدِينَة فَلَمَّا حضر نَادَى لَهُ فِي الْبِلَاد بعد أَن ألبسهُ خلعة وَأمر بِالدُّعَاءِ لَهُ على الْمِنْبَر وَقطع الدُّعَاء لسعد وَقد كَانَ سعد خرج صُحْبَة الْحَاج أَو عقبه حَتَّى وصل إِلَى يَنْبع فَأَقَامَ بهَا فَلَمَّا بلغه مَا فعل حسن باشا أرسل إِلَى أَحْمد الْحَرْث كتابا مضمونه بعد الثَّنَاء أَن هَذَا الْوَاقِع الَّذِي سمعنَا بِهِ من تقمصل برداء الْملك وأثوابه فَهَذَا أَمر أَنْت بَيته الْأَعْلَى وَمثلك أَحْرَى بِهِ وَأولى فأنك أَنْت الشَّيْخ وَالْوَالِد الْجَائِز كل كَمَال طريف وتالد فَإِن كَانَ هَذَا مُحكم الاساس فِي الْبُنيان جَارِيا على مُقْتَضى مرسوم السُّلْطَان فَنحْن بِالطَّاعَةِ أعوان وَإِن كَانَ الْأَمر خلاف ذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ من تسويلات هَذَا الظَّالِم الغادر وتنميقات ذَلِك المذمم الْغَيْر ظافر فأجل حلمك أَن تستخفه نكباء الطيش وَأَن تستزله اخلاط الأشارب وغوغاء الْجَيْش فَأرْسل إِلَيْهِ ابْن الْحَرْث الْجَواب بِأَن الْأَمر لم يكن على هواي وَإِنَّمَا هُوَ إِلْزَام مَعَ علمي بِأَن هَذَا الِابْتِدَاء لَا يكون لَهُ تَمام فاستشعر حسن باشا أَن من نِيَّة سعد الْمسير إِلَيْهِ فتهيأ لِلْقِتَالِ وصنع إكراً من حَدِيد قَرِيبا من مِائَتَيْنِ تسمى قنابر تملأ بالرصاص وَالْحَدِيد يَرْمِي بهَا من بعد إِلَى الْجَيْش وَكَانَ كلما أَرَادَ الْمسير ثبطه ابْن الْحَاجِب فعزم سعد وَأحمد إِلَى الْمَدِينَة وصمما على الْقِتَال وَكَانَ حمود نازلا بالمبعوث فِي المربعة المنسوبة إِلَى السَّيِّد مُحَمَّد الْحَرْث فَأَتَاهُ السَّيِّد أَحْمد بن حسن بن حراز رَسُولا من ابْن الْحَرْث وَحسن باشا بكتابين يستدعيانه إِلَيْهِمَا للانضمام ووعداه بِمَا يُريدهُ من الْجِهَات والمعينات ومضمون كتاب ابْن الْحَرْث بعد الثَّنَاء وَإِظْهَار الود والشوق أَن أَخَاك لم يكن لَهُ هَذَا الْأَمر ببال وَلم يلْتَفت إِلَيْهِ بالقال وَالْحَال وَإِنَّمَا لَحِقَنِي وَلَدي مُحَمَّد إِلَى الشعرى وَكرر عَليّ القَوْل مرّة بعد أُخْرَى وَلم أوافقه حَتَّى رَأَيْت جدك النَّبِي فِي الْمَنَام قَائِلا لي وَافق ودع الأوهام فحينذ رجعت وَالْقَصْد أَنِّي أَخُوك الَّذِي تعرفه وَلَا تنكره فاقبل إِلَيْنَا فَهُوَ أعظم جميل نذكرهُ ففكر حمود سَاعَة وَقَالَ كَأَنِّي برَسُول سعد يصبحنا إِن لم يماسنا فَقبل الْغُرُوب إِذا بِرَاكِب منيخ فَتقدم إِلَيْهِ وَأخرج مكتوبين من سعد وَأحمد مضمونهما استحثاثه فِي الْمسير اليهما وَإِن حسن باشا قد شمر عَن سَاقيه للحرب وكشر عَن نابيه لِلطَّعْنِ وَالضَّرْب وَاسْتشْهدَ سعد بقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 الشَّاعِر (مَا غَلطت رِقَاب الْأسد حَتَّى ... بأنفسها تولت مَا عناها) وَأتبعهُ بقوله وَأَنت تعلم أَن الْأَمر الَّذِي يعنانا يعناك وأدري بِمَا يؤل إِلَيْهِ الْأَمر فِي ذَاك وَهَذِه ألف دِينَار صُحْبَة الْوَاصِل إِلَيْك فَأدْرك وَأدْركَ أدام الله فَضله عَلَيْك فَقَالَ لَهُ بعض الْحَاضِرين مَا رَأَيْت لمن تتَوَجَّه قَالَ إِلَى سعد صَاحب الْفضل ومولاه فَإِن بيني وَبَينه فِي ضريح الحبر عبد الله عهودا لَو عارضني فِيهَا وَالِدي عبد الله لكفحت وَجهه بِالسَّيْفِ دونه ثمَّ توجه على الركاب يَوْمه الثَّانِي وقوض الأخبية وَفَارق المباني حَتَّى وصل إِلَى سعد وأخيه وهما بِمحل يُقَال لَهُ ملجة فوافي ذَلِك عزل حسن باشا وَطَلَبه فارتحل إِلَى الْمَدِينَة فَمَاتَ بطرِيق غَزَّة وَدفن هُنَاكَ وَأَتَتْ إِلَى الشريف الْخلْع من وَزِير مصر وَكَانَ إرسالها ضربا من المكايد ثمَّ فِي آخر ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة قدم مُحَمَّد جاويش الْمُقدم ذكره بجيوش نَحْو أَرْبَعَة آلَاف أَو خَمْسَة قبل قدوم الْحَاج بأيام وَنصب خيامه فِي أَسْفَل مَكَّة نَحْو الزَّاهِر بِمن مَعَه من العساكر وصاروا يدْخلُونَ خَمْسَة سَوَاء أَو عشرَة أَو مَا قَارب ذَلِك ثمَّ يرجعُونَ إِلَى خيامهم ثمَّ قدم الْحَاج الْمصْرِيّ وَلبس الشريف خلعته الْمُعْتَادَة وَقدم الْحَاج الشَّامي وَمَعَهُ حُسَيْن باشا الْوَزير كافل الشَّام بِنَحْوِ ثَلَاثَة آلَاف وَقد فوض إِلَيْهِ أَن يعْمل بِمَا يَقْتَضِيهِ رَأْيه فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم السَّابِع من ذِي الْحجَّة خرج الشريف لملاقاة أَمِير الْحَاج الشَّامي على الْمُعْتَاد فَطلب مِنْهُ أَن يَأْتِي إِلَى مخيم الْأَمِير فَلم يرض لكَونه غير مُعْتَاد لأسلافه وترددت إِلَيْهِ الرُّسُل فِي ذَلِك فَلم يجب بل عطف عنان فرسه رَاجعا من طَرِيق الشبيكة إِلَى مَكَّة فخشوا من وُقُوع فتْنَة فأرسلوا الخلعة مَعَ من لحقه بهَا فِي أثْنَاء الطَّرِيق ثمَّ صعد الحجيج إِلَى عَرَفَات فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفر وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام منى ترددت الرُّسُل من الشريف إِلَى أَمِير الْحَاج الشَّامي لما هُوَ الْمُعْتَاد من الخلعة الَّتِي مَعهَا المرسوم السلطاني الَّتِي يلبسهَا ذَلِك الْيَوْم وَيقْرَأ المرسوم ويسمعه القاصي والداني فَلم يُؤْت بهَا إِلَيْهِ فاستشعر حِينَئِذٍ أَن مُرَادهم بِهَذِهِ العساكر الْقَبْض عَلَيْهِ فأضمر الصولة عَلَيْهِم والمسير ثمَّ رجح الانكفاف والذهاب فسافر بِمن مَعَه على الْخَيل والركاب وَلما كَانَ ظهر الْيَوْم الثَّانِي عشر حضر حُسَيْن باشا وَمُحَمّد جاويش وأمراء الْحَاج وأكابر الدولة واستدعوا جمَاعَة من الْأَشْرَاف مِنْهُم السَّيِّد أَحْمد بن الْحَرْث وَالسَّيِّد يُشِير بن سُلَيْمَان وَالسَّيِّد بَرَكَات مُحَمَّد وأظهروا وأمرا سلطانيا للشريف بَرَكَات بولايته على مَكَّة وألبس حِينَئِذٍ خلعة سلطانية وَنزل من منى إِلَى بَيت أَبِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 الْمَعْرُوف بزقاق طاعنة وَورد فِي ذَلِك الْمَوْسِم كتاب للسَّيِّد أَحْمد بن الْحَرْث وَللسَّيِّد حمود وَللسَّيِّد بشير بن سُلَيْمَان مَضْمُون الْجَمِيع وَاحِد وعباراتهم مُخْتَلفَة وَلَفظ كتاب السَّيِّد حمود فرع دؤابه هَاشم وَشَيخ المحامد والمكارم السَّيِّد حمود نظم الله عقوده وأباد حسوده وَبعد فَلَا يخفى عَلَيْكُم أَن الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام ومطاف طواف الاسلام هُوَ أول بَيت وضع للنَّاس وَأسسَ على التَّقْوَى مِنْهُ الأساس وَأَنه لم يزل فِي هَذِه الدولة الْعلية آمنا أَهله من النوائب وروضا مخصبا بأحاسن الأطايب إِلَى أَن ظهر من السَّيِّد سعد من الْأَمر الشنيع مَا يشيب عِنْده الطِّفْل الرَّضِيع وَمَا كَفاهُ ذَلِك حَتَّى شدّ الخناق على أهل الْمَدِينَة البهية وأذاقهم كاس الْمنون روية فَلَمَّا بلغ هَذَا الْحَال السّمع الْكَرِيم السلطاني أَمر بعزله عَن مَكَّة وتفويضها إِلَى الشريف بَرَكَات ليعْمَل فِيهَا بِحسن التَّصَرُّفَات وتكونوا لَهُ معينا وظهيرا وناصحا ومشيرا وكل من يتَفَرَّع غصنه من دوحة فَاطِمَة الزهراء ويتصل نسبه إِلَى أَئِمَّة الْملَّة الغراء تهدونه إِلَى طَرِيق الْخَيْر وَالصَّلَاح وترشدونه إِلَى معالم الرشد والنجاح وَأَنْتُم على مَا تعهدون من التكريم والتبجيل وَالله على مَا نقُول وَكيل فاستقام الْأَمر بتولية الشريف بَرَكَات غَايَة الاسْتقَامَة وَكَانَ فِي الْبَاطِن طَالبا لهَذَا الْأَمر حَرِيصًا عَلَيْهِ وَذكر الشلي فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ عبد الله صَاحب رِبَاط الْحداد أَن الشريف بَرَكَات قبل أَن يتَوَلَّى الامارة بأيام أَتَاهُ وَهُوَ فِي الْحجر وَسَأَلَهُ الدُّعَاء بتيسير الْمَطْلُوب فَدَعَا لَهُ بذلك فَلَمَّا ذهب سَأَلَ الشَّيْخ رجل من أَشْرَاف مَكَّة عَمَّا طلب فَقَالَ أَنه طلب أَن يكون ملكا وَقد اسْتَجَابَ الله الدُّعَاء لَهُ فِي ذَلِك وَلما تولى توجه الشريف سعد من مَكَّة فَخرج الشريف بَرَكَات وَمَعَهُ العساكر فِي طلبه فسلك طَرِيق الثَّنية إِلَى الطَّائِف وَكَانَ الشريف سعد قد سلكها وَنزل بِالطَّائِف ثمَّ ارْتَفع عَنهُ إِلَى عباسه ثمَّ إِلَى تربة ثمَّ إِلَى بيشة فَتَبِعَهُ الشريف بَرَكَات حَتَّى قَارب تربة ثمَّ عَاد إِلَى الْمَبْعُوث ثمَّ إِلَى الطَّائِف وَأقَام بهَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة وحظى عِنْد السلطنة وَكَانَ مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْدهم مُعْتَقدًا لما كَانَ يكثره من مداراتهم وَكَانَ كثير الاحسان للأشراف والتعطف بهم وتقووا فِي زَمَنه وقويت شوكتهم وَكَثُرت أَمْوَالهم وبسبب ذَلِك بَقِي كبار الْأَشْرَاف وصغارهم تَحت طوعه وَكَانَ يخرج بهم لِحَرْب الْعَرَب من أهل الْفَرْع وَغَيرهم وَيكون الظفر فِيهِ لَهُ وللأشراف وحمدت طَرِيقَته وَأمنت فِي زَمَنه السبل وربحت التُّجَّار وانتظم الْأَمر خُصُوصا للحجاج وَفِيه يَقُول بعض أدباء دمشق وَقد حج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 (أنخ الركاب فَهَذِهِ أم الْقرى ... قد لَاحَ نور الْهدى من مشكاتها) (وَاجعَل شعارك فِيهِ تقوى الله كي ... تستنتج الْخيرَات من بركاتها) وَلم يزل كَذَلِك عالي الهمة مَيْمُون النقيبة إِلَى أَن تغلب عَلَيْهِ غَالب الْأَشْرَاف وَخرج السَّيِّد أَحْمد بن غَالب مفارقاً لَهُ فِي نَحْو ثَلَاثِينَ شريفاً من ذَوي مَسْعُود وَغَيرهم فَدخلت الْأَشْرَاف فِي الصُّلْح بَينهم فَلم يتم وَخَرجُوا إِلَى الركاني من وَادي مر واجتمعوا هُنَاكَ وتأهبوا وَسَارُوا مِنْهُ قَاصِدين الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فوصلوا إِلَى الشَّام فأنزلهم متوليها حُسَيْن باشا بِبَيْت عَظِيم وأجرى عَلَيْهِم مَا يكفيهم من الْمصرف وَبَالغ فِي تعظيمهم وَأرْسل يعرف بشأنهم إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية فَأمروا بِكِتَابَة عرض بِمَا يشكونه فكتبوه وأرسلوه مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُم وهما السَّيِّد مُحَمَّد بن مساعد وَالسَّيِّد بشير بن مبارك بن فضل فوعدوا بإزاحة شكواهم وَكَانَ الشريف بَرَكَات عرض لما فَارقه ابْن غَالب وَمن مَعَه أَن الْأَشْرَاف اتَّبعُوهُ بِالطَّلَبِ الشطيط وَأَنه بَالغ فِي رضاهم بِكُل وَجه وَقَالَ إِنِّي رضيت أَن أجعَل لَهُم مغل ثَلَاثَة أَربَاع الْبِلَاد وَيكون لي ربعه فأبرزوا لَهُ أمرا سلطانياً بذلك وَلما كَانَ حادي عشري ربيع الأول وَقعت فتْنَة سَببهَا أَن عبدا للسَّيِّد حسن ابْن حمود بن عبد الله اخْتصم مَعَ رجل من عَسْكَر مصر عِنْد البزابيز بالمسعى فَضرب العسكري العَبْد وَأخذ سلاحه فَحِينَئِذٍ استحشم السَّيِّد حسن الْأَشْرَاف وَالْعَبْد العبيد فَاجْتمعُوا كلهم عِنْد السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله ثمَّ انقلبت شرذمة من العبيد نَحْو الْخمسين شاهرين السِّلَاح فوصلوا إِلَى الْمَرْوَة فهربت الأتراك وَأَرَادُوا الرُّجُوع فَرَمَاهُمْ بعض الأتراك الساكنين فِي الرّبع بالأحجار فأرادوا الطُّلُوع إِلَيْهِم فكسروا بعض الدكاكين الَّتِي تَحْتَهُ ظنا أَنَّهَا بَاب الرّبع فوجدوها ملآنة من النّحاس والأثاث فنهبوا جَمِيع ذَلِك وفعلوا بدكان أُخْرَى مثل ذَلِك وصوبوا نَحْو ثَلَاثَة من التّرْك بِالسِّلَاحِ وَقتلُوا آخر من المجاورين كَانَ يحتجم عِنْد حلاق بالمروة ثمَّ ذَهَبُوا ثمَّ تحزبت الأتراك وجاؤوا إِلَى القَاضِي وَأَرْسلُوا إِلَى الشريف يطْلبُونَ الْغُرَمَاء فصبروا فَلم يصبروا وَأتوا إِلَى بَيت الشريف وَبَيت السَّيِّد أَحْمد بن الْحَرْث وَكَانَ بِهِ جمَاعَة من عَسْكَر الشريف فَرَمَوْهُمْ من بَيت الْحَرْث فَقتلُوا من التّرْك اثْنَيْنِ أَيْضا فَرجع التّرْك حِينَئِذٍ وَأرْسل الشريف بَرَكَات إِلَى الْأَشْرَاف يطالبهم بالغرماء فامتنعوا وَخَرجُوا إِلَى الشَّيْخ مَحْمُود وَقَالُوا من يطْلب الْغُرَمَاء يأتنا وَخرج العبيد حَتَّى عبيد الشريف بَرَكَات وَعبيد حَاكم مَكَّة الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر إِلَى بركَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 ماجن ووحدوا جمَاعَة من الأتراك المجاورين مقيلين فَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَهم وسلبوهم ونهبوا قَرِيبا من أَرْبَعمِائَة رَأس من الْغنم ثمَّ أرسل الشريف بَرَكَات أَخَاهُ عمر فردّ العبيد ثمَّ قصد الشريف تسكين الْفِتْنَة فَأمر بعبدين كَانَا محبوسين فِي سَرقَة أَن يشنقا فشنقا فَلم تطب نفوس الأتراك بذلك ثمَّ وجد السَّيِّد يحيى بن بَرَكَات وَكَانَ يعس الْبَلَد بِاللَّيْلِ عَبْدَيْنِ سارقين فَضرب عنقهما وَرمى بجثتهما تَحت جميزة المعلاة فَرضِي الأتراك حِينَئِذٍ واصطلح الْأَشْرَاف مَعَ الشريف ودخلوا إِلَى مَكَّة بأجمعهم وَوَقع بَينهم الِاتِّفَاق الَّذِي مَا شابه بعد وصمة واستقام الْأَمر وَفِي أَيَّامه فِي ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف وَقع سيل بِالْمَدِينَةِ خرب كثيرا من الدّور الَّتِي تحتهَا وَكَاد أَن يدخلهَا من بَاب الْمصْرِيّ وَاسْتمرّ خَمْسَة أَيَّام وَلم يهْلك من النَّاس إِلَّا شخص أَو شخصان وَفِي هَذِه السّنة حصل فِي قَرْيَة السَّلامَة وَمَا حولهَا من أَرض الطَّائِف برد شَدِيد لَهُ وَقع عَظِيم بِحَيْثُ صَار يضْرب بالصخور والأبواب كالبنادق غالبه كبيض الْحمام وَبَعضه كبيض الدَّجَاج قَالَ الشلي فِي تَارِيخه وَسمعت غير وَاحِد يَقُول وزنت وَاحِدَة فَكَانَت رطلا وَوَقع بعضه على قدر فخرقه وأتلف ثمار الْبَسَاتِين وجرح كثيرا من الْحَيَوَانَات وَبَعضهَا مَاتَ وَفِي ثَانِي عشري ذِي الْحجَّة من سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَقع بِمَكَّة سيل عَظِيم وسالت الأودية وَخَربَتْ مِنْهَا دوراً كَثِيرَة وأتلف أَمْوَالًا لَا تحصى وَأغْرقَ نَحْو ثلثمِائة نفس وَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَعلا على مقَام إِبْرَاهِيم ومقام الْمَالِكِي والحنبلي وَعلا بَاب الْكَعْبَة وَكَانَ الركب الْمصْرِيّ إِذْ ذَاك فِي نفير السّير من مَكَّة فَأكْثر الغرقاء كَانُوا غرباء وَاسْتمرّ نَحْو عشْرين دَرَجَة ثمَّ سكن الْمَطَر وَعَاد مرّة أُخْرَى وَاسْتمرّ فِيهَا نَحْو الأولى ثمَّ سكن وَفِي أَيَّامه عمرت الخاصكية التكية الْمَعْرُوفَة الْآن بِمَكَّة بَين البزابيز وَالْمُدَّعى وَصرف عَلَيْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَة وَقد وَقعت موقعها وَعم نَفعهَا وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف بِمَكَّة وَكَانَت ولَايَته عشر سِنِين وَأَرْبَعَة أشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا وَتَوَلَّى بعده وَلَده الشريف سعيد وَلم يخْتَلف فِيهِ اثْنَان من الْأَشْرَاف وَذَلِكَ أَنه بعد موت أَبِيه ذهب عَمه السَّيِّد عَمْرو فِي جمَاعَة من الْأَشْرَاف إِلَى القَاضِي وطلبوا مِنْهُ خلعة فَسَأَلَهُمْ هَل الْأَشْرَاف راضون فَقيل لَهُ نعم فَأتوا بهَا إِلَيْهِ فلبسها وَنُودِيَ فِي الْبِلَاد باسمه وَمَعَ الْمُنَادِي السَّيِّد الْحُسَيْن بن يحيى وَالسَّيِّد عبد الله بن هَاشم ثمَّ جهز الشريف وَصلى عَلَيْهِ ضحى إِمَامًا بِالنَّاسِ الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الشيبي فاتح الْبَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 فِي مشْهد حافل حضرت الْأَشْرَاف وَالْعُلَمَاء وَعَامة النَّاس وَدفن بحوطة السيفي على يسَار الذَّاهِب إِلَى المعلاة بِوَصِيَّة مِنْهُ وَلم يحصل بِمَوْتِهِ للنَّاس خوف وَلَا فزع ثمَّ عقد مجْلِس الِاجْتِمَاع يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي وَفَاة يَوْم أَبِيه بِالْحَطِيمِ حضرت الْأَشْرَاف وَالْعُلَمَاء والأعيان والعساكر فأظهر الشريف سعيد أمرا سلطانياً كَانَ برز لَهُ لما أرْسلهُ وَالِده إِلَى السُّلْطَان أَن الْملك بعد أَبِيه فقرىء بذلك الْمجمع وَلم تقع مُخَالفَة من أحد ثمَّ ورد الْأَمر الَّذِي كَانَ طلبه الشريف بَرَكَات بالأرباع بعد مَوته فأخفاه الشريف سعيد وَكَانَ الْأَشْرَاف متحققين خَبره قبل وُصُوله إِلَى مَكَّة فطلبوه من الشريف فَأحْضرهُ إِلَى مجْلِس الشَّرْع وسجل مضمونه وقسموا مَدْخُول الْبِلَاد أَربَاعًا ربع لشريف مَكَّة وَربع تشيخ فِيهِ السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله وَالسَّيِّد نَاصِر بن أَحْمد الْحَرْث ومعهما جمَاعَة من الْأَشْرَاف وَالرّبع الثَّالِث تشيخ فِيهِ السَّيِّد أَحْمد بن غَالب وَالسَّيِّد أَحْمد بن سعيد ومعهما جمَاعَة وَالرّبع الرَّابِع تشيخ فِيهِ السَّيِّد عَمْرو بن مُحَمَّد وَالسَّيِّد غَالب بن زامل ومعهما جمَاعَة فَحصل بذلك التشاجر فِي الْقِسْمَة والتعب والتشاحن وَوَقع فِي الْبِلَاد السّرقَة والنهب وَاخْتلفُوا فِيمَا بَينهم وَصَارَت الرّعية بِلَا رَاع وَلزِمَ من ذَلِك أَن كل صَاحب ربع يكون لَهُ كتبة وخدّام يجمعُونَ مَا هُوَ لَهُ وَجمع ابْن غَالب عسكراً وانضم إِلَيْهِ من العبيد كثير فتعب الشريف سعيد بذلك وَأمرهمْ بترك الْعَسْكَر فامتنعوا وَقَالُوا إِن السوالف سبقت بِمثل هَذَا لصَاحب الرّبع وَشهد بذلك كبار الْأَشْرَاف وَذكر الشريف سعيد أَنه متوهم من هَذَا الْفِعْل وَطلب من يكفل لَهُ ابْن غَالب فَكَفَلَهُ عشرَة من الْأَشْرَاف واصطلحا على ذَلِك ثمَّ ادّعى الشريف سعيد أَن عبيدهم أتلفوا الْبِلَاد وَالْقَصْد أَن أهل الأرباع كل مِنْهُم يُرْسل رجلا من جَانِبه يعس الْبِلَاد بِاللَّيْلِ مَعَ جماعته فَأرْسل ابْن غَالب أَخَاهُ السَّيِّد حسن وَأرْسل السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد ابْنه السَّيِّد بَرَكَات وَأرْسل الشريف سعيد السَّيِّد حَمْزَة بن مُوسَى بن سُلَيْمَان فِي جمَاعَة من الخيالة والمشاة وَمَعَهُمْ حَاكم مَكَّة الْقَائِد أَحْمد بن جَوْهَر وَلما قدم الْحَاج وَخرج الشريف لملاقاته على الْمُعْتَاد لم تخرج مَعَه الْأَشْرَاف فِي العرضة فَبعد أَن حج النَّاس ونزلوا عقد الشريف مَجْلِسا فِيهِ أَحْمد باشا حَاكم جدة وأمير الْحَاج الشَّامي صَالح باشا وأمير الْحَاج الْمصْرِيّ ذُو الفقار بيك وأمير الصرة وأكابر عَسْكَر الحجين فَلَمَّا حَضَرُوا جَمِيعهم شكا من السَّيِّد أَحْمد بن غَالب من جِهَة كِتَابَة الْعَسْكَر وَأَنه مناكد لَهُ فِي الْبِلَاد وَأَنه أفسد عَلَيْهِ الْأَشْرَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وَأَنه حصل مِنْهُ وَمن جماعته الْفساد فِي الْبِلَاد وَأَرْسلُوا لَهُ السَّيِّد غَالب بن زامل ليحضر فَيظْهر مِمَّن الْخلاف فَامْتنعَ من الْحُضُور فِي بَيت الشريف سعيد وَقَالَ إِن كَانَ الْقَصْد الِاجْتِمَاع فَفِي الْمَسْجِد وَإِن كَانَ لكم دَعْوَى فأوكل وَكيلا يسمع مَا تدعون بِهِ عَليّ فأرسلوا لَهُ من جِهَة كِتَابَة الْعَسْكَر وَمَا بعده فَأجَاب بِأَن هَذِه قَوَاعِد بَيْننَا قد سلفت أَن لصَاحب الرّبع أَن يكْتب عسكراً وَأما قَوْلكُم إِنَّه قد حصل من جماعتي أَو عسكري مفْسدَة فأطلقوا منادياً يُنَادي معاشر النَّاس كَافَّة هَل أحد مِنْكُم يشتكي من أَحْمد ابْن غَالب أَو من جماعته أَو من عسكره شَيْئا أَو أخذُوا حق أحد ظلما أَو ضربوا أحدا فَإِن وجدْتُم مشتكياً صَحَّ مَا قَالَه الشريف سعيد وَإِلَّا فَلَا وَجه لَهُ وَلكم وَأما قَوْلكُم إِنَّا تركنَا العرضة مَعَه فخفنا أَن يَقع شَيْء فينسب إِلَيْنَا أَو إِلَى جماعتنا كل هَذَا وَجَمِيع الْأَشْرَاف اجْتَمعُوا على قلب وَاحِد وخيولهم مسرجة ودروعهم على أظهرهم وملؤا أجياداً إِلَى العقد وتحركت الأنفة الهاشمية الَّتِي تأبى الضيم وَلما سمعُوا جَوَاب السَّيِّد أَحْمد بن غَالب علمُوا أَنه لَا وَجه لَهُ عَلَيْهِ فسعوا فِي الصُّلْح بَينهمَا وَكتب بَينهمَا بذلك حجَّة وطلبوا من ابْن غَالب أَن يَأْتِي إِلَى الشريف سعيد فَأَتَاهُ لَيْلَة ثمَّ أَتَاهُ الشريف سعيد لَيْلَة أُخْرَى وَتمّ الصُّلْح وَحصل من الشريف سعيد فِي ذَلِك الْمَوْسِم أَنه أَمر منادياً يُنَادي فِي الْبِلَاد بِإِخْرَاج الأغراب من مَكَّة من جَمِيع الطوائف فَحصل للنَّاس مزِيد تَعب فَتكلم الْعَسْكَر مَعَه فِي ذَلِك فَرجع فَلَمَّا رأى أَحْمد باشا حَاكم جدة اختلال حَاله تسطى على ربع الْحبّ الجراية الَّتِي ترد إِلَى مَكَّة وَأَرَادَ الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِ فَبلغ ذَلِك الْأَشْرَاف فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر الْمحرم افْتِتَاح سنة خمس وَتِسْعين أَرَادَ النُّزُول إِلَى جدة فحشكت عَلَيْهِ الْأَشْرَاف بعد أَن كَلمُوهُ فِي ذَلِك فَامْتنعَ وتحزبوا جَمِيعًا وَقَالُوا لَا ينزل حَتَّى يُعْطِينَا مَا هُوَ لنا وَلَا يبْقى لنا عِنْده شَيْء وَكَانَ ذَلِك بعد أَن قدم أَهله وأثقاله إِلَى خَارج مَكَّة قَاصِدين جدة فَصَارَ حِينَئِذٍ أحير من ضَب واجتمعوا كلهم بِبَيْت السَّيِّد مُحَمَّد بن حمود وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ السَّيِّد ثقبة فَقَالَ لَهُ إِن نزلت قبل أَن تصلح الْأَشْرَاف يَأْخُذُوا جَمِيع أسبابك الَّتِي تقدمتك وينهبوا حَرمك ويقتلوك فأذعن حِينَئِذٍ بوفائهم فَقَالُوا لَا نرضى بذلك حَتَّى يكفل لنا فَكَفَلَهُ كورد أَحْمد أغا وَجَمِيع رُؤَسَاء الْعَسْكَر وَكتب بذلك حجَّة وَأَنه إِن حصل مِنْهُ منع لبَعض حُقُوقهم يكن عاصي الشَّرْع وَالسُّلْطَان ثمَّ خرج من مَكَّة بعد الْعَصْر كالهارب وَطلب مِنْهُم شريفاً يوصله إِلَى جدة خوفًا من الْعَرَب أَن يطمعوا فِيهِ فَفَعَلُوا ذَلِك وَأَرْسلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 مَعَه السَّيِّد مبارك بن نَاصِر ثمَّ اشْتَدَّ الْبلَاء بِالسَّرقَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَكسرت الْبيُوت والدكاكين وَترك النَّاس صَلَاة الْعشَاء وَالْفَجْر بِالْمَسْجِدِ خوف الْقَتْل أَو الطعْن وَصَارَ العبيد لَا يأْتونَ إِلَّا ثَمَانِيَة أَو عشرَة وانقلب ليل النَّاس نَهَار وَكَثُرت الْقَتْلَى فِي الرّعية حَتَّى ضبطت الْقَتْلَى فِي شهر رَمَضَان فبلغت تِسْعَة أشخاص فضجت النَّاس من هَذِه الْأَحْوَال فَأرْسل الشريف سعيد إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة ترجمانه يذكر فَسَاد مَكَّة وَأَنَّهَا خربَتْ وَأرْسل يطب عسكراً لإصلاحها وَكَانَت النَّاس فِي هَذِه الْمدَّة يتوسلون إِلَى الله تَعَالَى أَن يصلح الْأُمُور فَاسْتَجَاب الله دعاءهم فَاقْتضى نظر السُّلْطَان وأركان دولته أَنه لَا يصلح هَذَا الْخلَل إِلَّا الشريف أَحْمد بن زيد فَأعْطى الشرافة فِي قصَّة ذكرنَا هُنَا فِي تَرْجَمته والشريف سعيد وَعَمه عَمْرو ينتظران الْجَواب فَلَمَّا كَانَ سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَتِسْعين ركب الشريف سعيد إِلَى أَحْمد باشا صَاحب جدة وَكَانَ بِالْأَبْطح بُسْتَان الْوَزير عُثْمَان بن حميدان وَاسْتمرّ عِنْده إِلَى جَانب يسير من اللَّيْل ثمَّ ركب وَقصد ثنية الْحجُون ذَاهِبًا إِلَى السَّيِّد غَالب بن زامل وَكَانَ نازلاً بِذِي طوى فَلَمَّا جَاوز الْحجُون إِذا هُوَ بِرَجُل على ذَلُول فاستخبره من أَي الْعَرَب فَقَالَ من بني صَخْر فَقَالَ لَهُ الشريف سعيد أَمَعَك كتاب من يحيى بن بَرَكَات فَقَالَ لَا وَكَانَ الشريف يحيى ذهب لملاقاة الْحَاج الشَّامي فَأمر بضربه وهدد بِالْقَتْلِ فأقره بِأَنَّهُ رَسُول من الشريف أَحْمد بن زيد إِلَى السَّيِّد أَحْمد بن غَالب وَأَنه قد جَاءَ مُتَوَلِّيًا مَكَّة وَلحق الْحَاج الشَّامي فِي الْعَلَاء ثمَّ ذهب لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري الشَّهْر المذكو إِلَى بَيت عَمه السَّيِّد عَمْرو واستدعى السَّيِّد غَالب بن زامل وَالسَّيِّد نَاصِر بن أَحْمد الْحَرْث وَعبد الله بن هَاشم وَتَشَاوَرُوا فِي إِظْهَار هَذَا الْأَمر كَيفَ يكون فاتفق الْأَمر على أَن يرسلوا إِلَى السَّيِّد مساعد بن الشريف سعد ابْن زيد فأرسلوا إِلَيْهِ السَّيِّد عبد الله بن هَاشم وَتَشَاوَرُوا فِي إِظْهَار هَذَا الْأَمر كَيفَ يكون فاتفق الْأَمر على أَن يرسلوا إِلَى السَّيِّد مساعد بن الشريف سعد ابْن زيد فأرسلوا إِلَيْهِ السَّيِّد عبد الله بن هَاشم وأتى بِهِ فَلَمَّا دخل بَيت السَّيِّد عَمْرو وَرَأى الْجَمَاعَة مُجْتَمعين جلس مَعَهم فَقَالَ لَهُ الشريف سعيد يَا سيد مساعد لم أرسل إِلَيْك فِي هَذَا الْوَقْت إِلَّا قصدي أودعك أَهلِي فَإِن عمك الشريف أَحْمد تولى مَكَّة وَأَنَّك تقوم مقَامه حَتَّى يصل وَأرْسل الشريف سعيد إِلَى أغاوات الْعَسْكَر الَّذين مَعَه وَقَالَ لَهُم إِن الْأَمر للسَّيِّد أَحْمد بن زيد فاخدموا سيدكم وَخرج الشريف سعيد تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى الْوَادي وَأقَام بِهِ حَتَّى سَافر الْحَاج الْمصْرِيّ من مَكَّة فَذهب مَعَه إِلَى مصر وَهُوَ الْآن مُقيم بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 الشَّيْخ بَرَكَات الملقب زين الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الْجمل الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الإِمَام الْعَالم الصَّالح المعتقد كَانَ حَافظ لكَلَام الله تَعَالَى عَارِفًا بالفقه والفرائض والعربية كثير التَّحَرِّي فِي الْعِبَادَة فَقِيرا صَابِرًا قانعا متواضعا عابدا زاهدا لَا يغتاب وَلَا يسمع الْغَيْبَة لزم الشهَاب بن الْبَدْر الْغَزِّي وَأخذ عَنهُ القراآت والفرائض والحساب وتفقه بالشرف يُونُس العيثاوي وَكتب الْكثير مَعَ ضعف بَصَره وانتفع بِهِ خلق فِي الْقُرْآن وَغَيره من الْعُلُوم وَكَانَ إِمَام الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بالمغيربية لصيق الدرويشية وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من الْقَوْم الأخيار وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث صفر سنة تسع عشرَة بعد الْألف صلى الْمغرب وَصعد إِلَى بَيته بالمكتب عِنْد الشادبكية دَرَجَتَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَقَط مَيتا وَوجد فِيهِ طاعون وَصلى عَلَيْهِ بالسيبائية وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من مَقَابِر بني قَاضِي عجلون قَرِيبا من ضريح سَيِّدي بِلَال الحبشي إِلَى جِهَة الغرب عَن نَحْو سِتِّينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى الْأَمِير برويز بن عبد الله الْأَمِير الْكَبِير أحد أَعْيَان كبراء دمشق وَأَصْحَاب الرَّأْي وَالتَّدْبِير وَكَانَ أَمِيرا جليل الْقدر عَليّ الهمة نَافِذا القَوْل مُحْتَرما يترددا إِلَيْهِ نواب الشَّام وقضاتها وَيَصْدُرُونَ عَن رَأْيه وَهُوَ فِي الأَصْل من أرقاء عَليّ حَلَبِيّ دفتري الشَّام سَابِقًا الَّذِي كَانَ يسكن بمحلة القيمرية فتنقل فِي مَرَاتِب الأخيار حَتَّى صَار أَمِير الْأُمَرَاء وتقاعد وَعمر مَسْجِدا بِالْقربِ من دَاره بمحلة القيمرية وَيعرف الْآن بِهِ ورتب لَهُ إِمَامًا ومؤذنا وأجزاء بِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من أَصْحَاب المروآت والوجاهة والمآثر الفائقة وَلم يسمع عَنهُ زلَّة وَبلغ من الْعُمر نَحْو تسعين سنة أَو قَارب الْمِائَة وَقتل فِي محاربة عَليّ بن جانبولاذ وَقد ذهب إِلَى الصالحية وزار بعض زيارتها ثمَّ ذهب إِلَى العراد وَكَانَت الْوَاقِعَة ثَانِي يَوْم ذَهَابه فَوجدَ مقتولا ودفنت جثته هُنَاكَ وَكَانَ ذَلِك فِي سنة خمس عشرَة وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ بُسْتَان الرُّومِي الْوَاعِظ البورسوي الْحَنَفِيّ نزيل دمشق وَشَيخ مدرسة المرحوم أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بشمسي وَكَانَ عَلَيْهِ الْوَعْظ فَوق الْكُرْسِيّ الرخام فِي مُقَابلَة مَزَار حَضْرَة النَّبِي يحيى عَلَيْهِ السَّلَام وَكَذَا خطابة السليمية بالصالحية وَكَانَ عَالما عَاملا صَالحا طارحا للتكلف وَلِلنَّاسِ فِيهِ إعتقاد عَظِيم خُصُوصا الأتراك يحْضرُون مجْلِس وعظه ويتهافتون على فَوَائده وَكَانَت عمدته فِي إمْلَائِهِ على عبارَة القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ وَالْإِمَام الْبَغَوِيّ وَكَانَ يحط على المتكبرين ويحاكيهم فِي أفعالهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 ويبالغ فِي تقبيح أُمُورهم ويبذل الْجهد فِي نصائحهم وهم مَعَ ذَلِك يحبونه ويحترمونه وَكَانَ عفيفا قانعا مَيْمُون الْوَجْه مَأْمُون العائلة يتَرَدَّد إِلَى الْحُكَّام فَلَا يتَكَلَّم الأنجير وَيُحب الصَّالِحين ويعترف بِالْفَضْلِ لأَهله وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث بعد الْألف عَن نَيف وَخمسين سنة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى بشير بن مُحَمَّد الخليلي الْقُدسِي الأديب الشَّاعِر الْفَائِق وَكَانَ بالقدس أحد من تفرد بالشعر وَالْأَدب وَلم يكن فِي زَمَنه من أقرانه فِيهِ الْأَشْرَف الدّين العسيلي الْآتِي ذكره لَكِن شعر بشير أغزر رمادة وأجود تخييلا وقفت لَهُ على قصيدة أجَاب بهَا عَن قصيدة شيخ الْإِسْلَام خير الدّين الرَّمْلِيّ الَّتِي صنعها وَهُوَ بالقدس يمتدحها ويمتدح أَهلهَا حِين رجل إِلَيْهَا ومطلع قصيدة الشَّيْخ خير الدّين (مَا كَانَ مرمى فُؤَادِي حَيْثُ هيئ لي ... فِيهِ الْبناء بهند بعد مرتحلي) وقصيدة بشير هِيَ هَذِه (صوب من الْغَيْث وافي زَائِد الهطل ... أَحْيَا رَبِّي الْقُدس عِنْد الجدب وَالْمحل) (أم شمس فضل ترقت فِي مطالعها ... أوج الفخار فَحلت ذرْوَة الْحمل) (أم بدر أفق الْمَعَالِي قد تنقل فِي ... بروجه وَكَانَ الْبَدْر فِي النَّقْل) (لَا بل هُوَ الْجَامِع الْعرف الَّذِي ملكت ... أَوْصَافه الْغرَر حب السهل والجبل) (أَرَادَ رَبك فِي تحريكه حكما ... وَرُبمَا صحت الْأَجْسَام الْعِلَل) (فزين الْمَسْجِد الْأَقْصَى بحليته ... وشوه الرملة الرملاء بالعطل) (فاهتز من طرب هَذَا لزائره ... وَارْتجَّ من حَرْب هَذَا المرتحل) (وَكم على الْمَسْجِد الأقدسي من فَرح ... وَكم على السَّاحِل البحري من خبل) (وَكَيف لَا وَهُوَ خير أَن أَقَامَ على ... أَرض تسامت وَأَن يرحل فَلَا تسل) (تجمعت فِيهِ أَوْصَاف الْكَمَال كَمَا ... تجمعت قسم التَّفْصِيل فِي الْجمل) (أَحْيَا الدُّرُوس وَقد أحفى الدُّرُوس بهَا ... وجاد وإبلها الظمآن بالنهل) (معالم لَو رأى الرَّازِيّ حقائقها ... لبات بِالريِّ يشكو برح الغلل) (بجود كف لَو الطَّائِي شَاهده ... لقَالَ لَا نَاقَتي فِيهَا وَلَا جمل) (ومنطق يتْرك الْأَلْبَاب ذاهله ... والكامل الْعقل مثل الشَّارِب الثمل) (كم أنشدت لِذَوي الْفَتْوَى براعته ... أَصَالَة الرَّأْي صانتني عَن الخطل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 (قلدت جيداها إِلَى الْقُدس عقد ثَنَا ... من درّ ألفاظك الْخَالِي عَن الْخلَل) (قصيدة مَا لَهَا مثل يناظرها ... سَارَتْ بلاغتها فِي الْكَوْن كالمثل) (لَو أنصفوا لم يكن موجودهم بَدَلا ... عَنْهَا وَهل ليتيم الدّرّ من بدل) (من أعجب الْأَمر تعريضي لَهَا هذراً ... وَلَو سترت عواري كَانَ أصلح لي) (فَمَا نظامي لما أَن يُقَاس بهَا ... إِلَّا نَظِير قِيَاس الشَّمْس مَعَ زحل) (لَكِن رَأَيْت انتظامي مَعَ قُصُور يَدي ... فِي سلك مدحكم عفوا من الزلل) (فرمته فَأتى يسْعَى على عجل ... فاعجب لَهُ من بسيط جَاءَ فِي رمل) (ولذ لي وصفك الزاكي فأذهلني ... عَن الْبدَاءَة بالتشبيب والغزل) (أَنا البشير وكل اسْم لصَاحبه ... مِنْهُ نصيب بنجح الْقَصْد والأمل) (فدم فَمَا زلت نورا يستضاء بِهِ ... إِلَى الْهدى وبعون الله لم تزل) (تَحْمِي حمى مِلَّة الْمُخْتَار أشرف من ... نَالَ الفخار من الْأَمْلَاك وَالرسل) (صلى عَلَيْهِ إلهي دَائِما أبدا ... والآل والصحب أهل الْعلم وَالْعَمَل) (مَا أنشدت فاستمالت قلب سامعها ... مَا كَانَ مرمى فُؤَادِي حَيْثُ هيىء لي) وَسمعت خبر فضائله كثيرا من أهل الْقُدس وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من الشُّعَرَاء البلغاء وَكَانَت وَفَاته سنة سِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى بعث الله الْمصْرِيّ الْحَنَفِيّ نزيل دمشق وَرُبمَا قيل فِي اسْمه بعث وَهُوَ مَنْقُول عَن الْفِعْل الْمَاضِي وَالْأول مَنْقُول عَن الْجُمْلَة شيخ المولد السوي وَأحد المؤذنين بِجَامِع بني أُميَّة وَكَانَ أعمى وَحفظ الْقُرْآن على كبر بعد مَجِيئه إِلَى دمشق وجوده على الشَّيْخ أَحْمد الضَّرِير وَكَانَ أعرف أهل زَمَانه بالموسيقى وَأَحْسَنهمْ صَوتا وَأَقْوَاهُمْ ملكة لَهُ تصرف عَجِيب فِي صَوته مَعَ جهارته ونداوته وَكَانَ يَقُول إِن الَّذِي بِهِ من حسن الصَّوْت بِدُعَاء أستاذ كَانَ لَهُ بِمصْر من الصَّالِحين وَأَنه لما أَرَادَ السّفر من مصر ذهب إِلَى وداعه فَقَالَ إِن شِئْت فتحت فَاك وَإِن شِئْت فتحت يدك قَالَ فَقلت لَهُ افْتَحْ فمي قَالَ وظننت أَنه يطعمني شَيْئا قَالَ افْتَحْ ففتحته فَوضع يَده على فمي وَقَالَ بسط الله لَك الشُّهْرَة فِي الْآفَاق فرزق الْحَظ الْعَظِيم وَكَانَ لَا ينشد شعرًا إِلَّا معرباً فصيحاً وَكَانَ آدم اللَّوْن وَفِيه يوقل مامية الرُّومِي الشَّاعِر مُشِيرا إِلَى فظاظته إِذا طلب للمولد (بعث الله ضريراً ... أورث الْقلب عذَابا) (قلت لما طيروه ... بعث الله غرابا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وَكَانَ فِي أول أمره يعْمل الْقَصْد إِذا دخل مجْلِس الأكابر فَلَمَّا حفظ الْقُرْآن صَار يَقُول لأهل الْمجْلس الَّذِي يدْخل إِلَيْهِ أسمعكم آيَات أم أَبْيَات وهم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يختاروا فِي ظَاهر الْحَال على كتاب الله غَيره وَإِن كَانَت خواطرهم فِي غير ذَلِك فَلَا يكون جوابهم إِلَّا طلب الْقُرْآن وَحج فِي سنة ثَمَان بعد الْألف فَلم ينشد شَيْئا فِي الْمَسْجِد إِلَّا أَنه قَرَأَ شَيْئا من الْقُرْآن وسافر قَدِيما إِلَى قسطنطينية وَقَرَأَ المولد فِي حَضْرَة السُّلْطَان مُرَاد ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وسافر إِلَى طرابلس وَاسْتقر آخرا بِدِمَشْق وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته بهَا أَرْبَعِينَ سنة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من محَاسِن وقته وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْإِثْنَيْنِ رَابِع شهر رَمَضَان سنة سِتّ عشرَة والف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ بكار بن عمرَان الرحيبي المولد الدِّمَشْقِي الْوَلِيّ الْعُرْيَان الْمُسْتَغْرق صَاحب الْحَال الباهر والكشف الصَّرِيح الَّذِي لَا يتَخَلَّف وَاتفقَ أهل عصره على ولَايَته وتفوقه وَله كرامات كَثِيرَة حدث بعض الثِّقَات قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه مُحَمَّد القشاشي نزيل مَكَّة وَنحن بهَا فِي سَابِع ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف أَن الشَّيْخ بكارا كَانَ عِنْده فِي ذَلِك الْيَوْم وَأخْبرهُ أَن الْوَزير الْأَعْظَم قره مصطفى باشا قتل وَجَاء خَاتم الوزارة إِلَى نَائِب الشَّام مُحَمَّد باشا سبط رستم باشا قَالَ فشككت فِي هَذَا الْخَبَر فَلَمَّا وافيت دمشق تحققته فَظهر لي أَن ختم الوزارة كَانَ وصل إِلَى الشَّام فِي الْيَوْم الَّذِي أخبرتي فِيهِ القشاشي بالْخبر وَسَأَلت عَن الشَّيْخ بكار هَل فَارق الشَّام فَقيل لي لم نره فَارقهَا مُنْذُ زمَان طَوِيل وَكَانَ كثير من الْحجَّاج يشاهدونه فِي الْموقف وَاقِفًا بِعَرَفَة وَذكر عَنهُ أَنه لما قدم الْمولى مُحَمَّد الْمَعْرُوف بقره جلبي زَاده إِلَى دمشق قَاضِيا لمَكَّة زَارَهُ الشَّيْخ بكار بِمَنْزِلَة الَّذِي نزل فِيهِ وَلبس صوفه وَوضع لَهُ الوسادة وَأمره بِالنَّوْمِ وَأخذ يُورد كلَاما مضمونه صَرِيح فِي تَوليته قَضَاء دمشق وَأَنه لَا يذهب مَكَّة فاتفق فِي ذَلِك الْيَوْم أَنه جَاءَهُ الْأَمر بتوليته قَضَاء دمشق وَصَرفه عَن مَكَّة وعَلى كل حَال فصلاحة وولايته مِمَّا أطبقت عَلَيْهَا أهل دمشق وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس الْمَعْرُوفَة بتربة الغرباء وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا لم يتَخَلَّف عَنْهَا أحد وقبره الْآن مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ وَمِمَّا قيل فِي تَارِيخ وَفَاته (مذ غَدا بكار فَرد الواصلين ... نازلا فِي ظلّ رب الْعَالمين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 (فجنان الْخلد نادت فرحة ... مرْحَبًا أَهلا بفخر القادمين) (طبت بكارا بهَا أرمخ وَقل ... ادخلوها بِسَلام آمِنين) والرحيبي بِضَم الرَّاء وَفتح الْحَاء وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ بعْدهَا بَاء مُوَحدَة نِسْبَة إِلَى قريب الرحيبة من ضواحي دمشق بِالْقربِ من منزلَة القطيفة بكر الْبَغْدَادِيّ تقدم ذكره ضمن تَرْجَمَة الْحَافِظ أَحْمد الْوَزير وعلينا هُنَا أَن نَعْرِف أَصله فَنَقُول هُوَ رومي الأَصْل سكن بَغْدَاد وَصَارَ من اكابر عسكرها وتغلب عَلَيْهَا وانبسطت يَده على مملكتها حَتَّى صَار إِذا جَاءَت وزراؤها من قبل السلاطين آل عُثْمَان متولين عَلَيْهَا مَا ينفذ من حكمهم إِلَّا مَا نفذه وَهُوَ الَّذِي أَدخل الشاه بَغْدَاد كَمَا ذكرته مفصلا فِي تَرْجَمَة الْحَافِظ وَقَتله الشاه وَولده مُحَمَّد شَرّ قتلة وَكَانَ قَتلهمَا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف برهَان الدّين بن مُحَمَّد البهنسي الدِّمَشْقِي الْمَشْهُور بشقلبها من ذَوي الْبيُوت بِدِمَشْق الَّذين خرج مِنْهُم عُلَمَاء وفضلاء وَتقدم ابْن عَمه أَحْمد الْخَطِيب وَسَيَأْتِي أَبُو أَحْمد يحيى وَهَذَا برهَان الدّين نَشأ فِي مبدا أمره يَبِيع الْحَرِير بحانوت قرب بَاب العنبرانيين من أَبْوَاب جَامع بني أُميَّة ثمَّ نما حَاله وأثرى فَرَحل إِلَى الرّوم وَعَاد مدرسا بِالْمَدْرَسَةِ السليمية وعد ذَلِك من الْعَجَائِب وَلم يطلّ أمره بهَا وَأَخذهَا عَنهُ الْمولى يُوسُف ابْن أبي الْفَتْح إِمَام السُّلْطَان فَتوجه إِلَى الرّوم ثَانِيًا وَولي قَضَاء صيدا وَلما عزل عَنْهَا اسْتَقر بِدِمَشْق وبقى يُعَامل الفلاحين واشتهر بالربا وَبلغ فِيهِ مبلغا لَيْسَ وَرَاء غَايَة وَكَانَ إِذا اسْتحق مَا لَهُ على الدَّائِن يغلظ عَلَيْهِ فِي طلبه وَيَقُول لَا سَبِيل إِلَّا أَن تُعْطِينِي مَالِي أَو تشقلبه وَهَذِه عبارَة جَارِيَة على السن الْعَوام يَقُولُونَ شقلب مَاله أَي رابح فِيهِ مرّة ثَانِيَة فَكَانَ مِنْهُم من يُعْطِيهِ مَاله وَمِنْهُم من يرابحه وَبِذَلِك عرف بشقلبها وَجمع كتا نفيسة وأملاكا وعقارات وامتحن مَرَّات فَكَانَ قَضَاء دمشق يهينونه كثيرا وَهُوَ لَا يعبأ بذلك وَكَانَ قرب دره قناة مَاء فأخرجها إِلَى الشَّارِع وعمرها وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف فَقَالَ الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي مؤرخا بناءها وَهُوَ من التواريخ العجيبة وَهُوَ قَوْله (لبرهان قناة قد بناها ... وشقلبها فَتلك لَهُ سمات) (فشقلب وَاحِدًا فِي الْعَدو احسب ... وأرخها مشقلبة قناة) قلت قد اعْتبر التَّاء المربوطة فِي قناة هَاء وَهِي مستعملة عِنْد الأدباء كَذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 كَمَا فِي المقامات الحريرية وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان قدس الله سره الْعَزِيز بير مُحَمَّد الْمَعْرُوف بمفتي اسكوب كَانَ أَبوهُ مَمْلُوكا وَولد هُوَ بقسطمون والتحق أَولا بطَائفَة البكتاشية من الدراويش ثمَّ طلب الْعلم وبرع ولازم من ابْن جوى ثمَّ صَار مفتيا بِمَدِينَة زعرة ودرس بهَا بمدرسة إِبْرَاهِيم الْمَقْتُول ثمَّ أعْطى فَتْوَى اسكوب وَبَقِي بهَا مُدَّة مديدة واشتهر صيته وَكَانَ فَقِيها مطلعا وَقد جمع مَا وَقع فِي زمن إفتائه من الْمسَائِل وأضاف إِلَيْهَا نقولها ودونها ورتبها على أَبْوَاب الْفِقْه وَهِي موسومة بفتاوي الإسكوبي وَهِي مَشْهُورَة عِنْد الروميين يعتمدون عَلَيْهَا فِي المراجعات وَكَانَت وَفَاته صَاحب التَّرْجَمَة سنة عشْرين وَألف هَكَذَا ذكره ابْن نَوْعي فِي ذيله التركي (حرف التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق) تَاج الدّين بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن محَاسِن الدِّمَشْقِي المولد وَالدَّار الأديب الألمعي كَانَ أحد أَعْيَان التُّجَّار المياسير وَكَانَ مَعَ ثروته لَا يَنْفَكّ عَن المذاكرة وَقَرَأَ فِي مبدأ أمره كثيرا وَحصل ورحل إِلَى مصر والحجاز للتِّجَارَة وَكَانَ لَهُ وجاهة تَامَّة بَين ابناء نَوعه ورزق الْحَظ الْعَظِيم وَكَانَ ينظم الشّعْر وَله شعر مطبوع غير متكلف فَمِنْهُ مَا قَالَه بِالْقَاهِرَةِ متشوقا إِلَى دمشق (مُنْذُ فَارَقت جلقا ورباها ... لم تذق مقلتي لذيذ كراها) (ولسكانها الْأَحِبَّة عِنْدِي ... فرط شوق بحث لَا يتناهى) (فسقى الله ربعهَا كل غيث ... وَحمى الله أَهلهَا وحماها) وَكتب إِلَى بعض أحبائه (يَا أحباي والمحب ذُكُور ... هَل لأيام وصلنا من رُجُوع) (وَترى الْعين مِنْكُم جمع شَمل ... مِثْلَمَا كَانَ حَالَة التوديع) وَكتب لِابْنِهِ مُحَمَّد الْخَطِيب بِجَامِع بني أُميَّة فِي صدر مُكَاتبَة من مصر يَقُول (أبدا إِلَيْك تشوقي يتزايد ... ولديك من صدق الْمحبَّة شَاهد) (والتيه إِن البعاد لمتلفي ... إِن دَامَ مَا يُبْدِي النَّوَى وأكابد) (كم ذَا أعلل حر قلبِي بالمنى ... فيعيده من طول نأبك عَائِد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 (وجار الزَّمَان على فِي أَحْكَامه ... ولطالما شكت الزَّمَان أساود) (والدهر حاول أَن يصدع شملنا ... فامتد مِنْهُ للتفرق ساعد) (يَا لَيْت شعري هَل يرق وطالما ... ألفيته لأولى الْكَمَال يعاند) (اشكوه للْمولى الَّذِي الطافه ... تزوي الخطوب إِذا أَتَت وتساعد) وَكتب مَعَ سجادة أهداها لبَعض الْعلمَاء (مولَايَ قد أرْسلت سجادة ... هَدِيَّة من بعض أنعامكم) (فلتقبلوها إِذْ مرادي بِأَن ... تنوب فِي تَقْبِيل أقدامكم) وَكتب على ديوَان أبي بكر الْجَوْهَرِي (طالعت هَذَا السّفر فِي لَيْلَة ... سامرت فِيهَا الْبَدْر والمشترى) (رَأَيْته عقدا ثمينا وَلَا ... يستنكر العقد على الْجَوْهَرِي) وَوجدت فِي بعض المجاميع إِن نِسْبَة بني محَاسِن فِي الأَصْل لبني فِرْعَوْن وَكتب صَاحب ذَلِك الْمَجْمُوع وَمِمَّا يرشد إِلَى مَا قُلْنَا أَنه لما تزوج تَاج الدّين يَعْنِي صَاحب التَّرْجَمَة ابْنة الْحسن البوريني أنْشد أَبُو الْمَعَالِي درويش مُحَمَّد الطالوي لنَفسِهِ فِي ذَلِك قَوْله (بَارك الله لِلْحسنِ ... ولبورين بالختن) (يَا ابْن فِرْعَوْن قد ظَفرت ... وَلَكِن ببنت من) وَالْأَصْل فِيهِ قَول مُحَمَّد بن حَازِم الْبَاهِلِيّ لما تزوج الْمَأْمُون بوران بنت الْحسن (بَارك الله لِلْحسنِ ... ولبوران بالختن) (يَا ابْن هرون قد ظَفرت ... وَلَكِن ببنت من) فنقله الطالوي نقلا اسْتَحَقَّه بِهِ ويروي أَن قَول الْبَاهِلِيّ لما بلغ الْمَأْمُون قَالَ وَالله مَا نَدْرِي خيرا أَرَادَ أم شرا وقصة تزوج الْمَأْمُون بوران مستفيضة شائعة وَكَانَت ولادَة تَاج الدّين فِي سنة تسعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لست بَقينَ من شعْبَان سنة سِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَسَيَأْتِي ابناه عبد الرَّحِيم وَمُحَمّد وَابْن أَخِيه يحيى القاصي تَاج الدّين بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن تَاج الدّين بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن تَاج الدّين أبي نصر عبد الْوَهَّاب ابْن أقضى الْقُضَاة جمال الدّين مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن يحيى بن يحيى ابْن عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي الْمدنِي ثمَّ الْمَكِّيّ وَيعرف بِابْن يَعْقُوب كَذَا ذكر نسبه ابْن فَهد فِي ذيله القَاضِي الْفَاضِل والحبر الْكَامِل كَانَ بِمَكَّة من صُدُور الخطباء والمدرسين وَمن أكَابِر الْعلمَاء الْمُحَقِّقين وَمِمَّنْ شيد ربوع الْأَدَب وَكَانَ بهَا ترجمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 لِسَان الْعَرَب غذته الْفَضَائِل بدرها وكللت تاجه بدرها مَعَ طيب محاورة تسكر مِنْهَا الْعُقُول وتهزأ بالشمول وجاه عِنْد الدولة ظَاهر وَكلمَة مسموعة عِنْد البادي والحاضر ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن أكَابِر شُيُوخ عصره كالعلامة عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَعبد الْملك العصامي وخَالِد الْمَالِكِي وَغَيرهم وَأَجَازَهُ عَامَّة شُيُوخه وتصدر للتدريس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وطار صيته عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ إِمَام الْإِنْشَاء فِي عصره ومفرد سمط المكاتبات فِي دهره فَلَا برح يتفجر ينبوع البلاغة من بنانه ويتلاعب بأساليب البراعة على طرف لِسَانه وَله ديوَان إنْشَاء جمع من المكاتبات أسماها وَمن المراسلات أسناها وفتاوى فقهية جمعهَا وَلَده أَحْمد فِي مَجْمُوع سَمَّاهُ تَاج المجاميع وَأما خطب الْجمع والعيد وَالِاسْتِسْقَاء فَجعله مجموعاً مُسْتقِلّا وَله رِسَالَة فِي شرح قصيدة الْعَفِيف التلمساني الَّتِي أَولهَا (إِذا كنت بعد الصحو فِي المحو سيدا ... ) سَمَّاهَا تطبيق المحو بعد الصحو على قَوَاعِد الشَّرِيعَة والنحو وَله رِسَالَة فِي الاسْتِغْفَار سَمَّاهَا فصوص الْأَدِلَّة المحققة فِي نُصُوص الاسْتِغْفَار الْمُطلقَة وَله رِسَالَة فِي الْكَلَام على الأسئلة الْوَارِدَة من بِلَاد جاوه فِيمَا يتَعَلَّق بالوحدانية سَمَّاهَا الجادة القويمة إِلَى تَحْقِيق مسئلة الْوُجُود وَتعلق الْقُدْرَة الْقَدِيمَة وَله رِسَالَة فِي العقائد سَمَّاهَا بَيَان التَّصْدِيق مفيدة جدا خُصُوصا للمبتدي وَله رسالتان كبرى وصغرى فِي شرح الْبَيْتَيْنِ اللَّذين هما (من قصر اللَّيْل إِذا زرتني ... أَشْكُو تشكين من الطول) (عدوّ عَيْنَيْك وشانيهما ... أصبح مَشْغُولًا بمشغول) وَله أشعار كَثِيرَة فَمن ذَلِك قصيدته الَّتِي مدح بهَا الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس ومطلعها قَوْله (غذيت در التصابي قبل ميلادي ... فَلَا ترم يَا عذولي فِيهِ إرشادي) (غي التصابي رشاد وَالْعَذَاب بِهِ ... عذب لدي كبرد المَاء للصادي) (وعاذل الصب فِي شرع الْهوى حرج ... يروم تَبْدِيل إصْلَاح بإفساد) (لَيْت العذول حوى قلبِي فيعذرني ... أوليت قلب عذولي بَين أكبادي) (لَو شام برق الثنايا والتثني من ... تِلْكَ القدود ثنى عطفا لإسعادي) (وَلَو رأى هادي الجيداء كَانَ درى ... أَن اشتقاق الْهدى من ذَلِك الْهَادِي) (كم بَات عقدا عَلَيْهِ ساعدي ويدي ... نطاق مُجْتَمع المخفي والبادي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 (إِذْ أعين الغيد لَا تنفك ظامئة ... لورد مَاء شَبَابِي دون أندادي) (فيا زمَان الصِّبَا حييت من زمن ... أوقاته لم نرع فِيهَا بإنكاد) (وَيَا أحبتنا روى معاهدكم ... من العهاد هتون رائح غاد) (معاهد كنّ مصطافي ومرتبعي ... وَكم بهَا طَال بل كم طَابَ تردادي) (يَا راحلين وقلبي إِثْر ظعنهم ... ونازحين وهم ذكري وأورادي) (إِن تَطْلُبُوا شرح مَا أَيدي النَّوَى صنعت ... بمغرم حلف إيحاش وإيحاد) (فقابلوا الرّيح إِن هبت شآمية ... تروي حَدِيثي لكم مَوْصُول إِسْنَاد) (والهف نَفسِي على مغنى بِهِ سلفت ... سَاعَات أنس لنا كَانَت كأعياد) (كَأَنَّهَا وأدام الله مشبهها ... أَيَّام دولة صدر الدست والنادي) (ذُو الْجُود مَسْعُود المسعود طالعه ... لَا زَالَ فِي برج إقبال وإسعاد) (عَادَتْ بدولته الْأَيَّام مشرقة ... تهز مختالة أعطاف مياد) (وقلد الْملك لما أَن تقلده ... فخراً على مرّ أزمان وآباد) (وَقَامَ بِاللَّه فِي تَدْبيره فغدا ... موفقاً حَال إصدار وإيراد) (حق لَهُ الْحَمد بعد الله مفترض ... فِي كل آونة من كل حَمَّاد) (أنقذتهم من يَد الْأَعْدَاء متخذاً ... عِنْد الْإِلَه يدا فيهم بإنجاد) (داركتهم سهداً رمقي فعادلهم ... غمضٌ لجفن وأرواح لأجساد) (بِشِرَاك يَا دهر حَاز الْملك كافله ... بِشِرَاك يَا دهر أُخْرَى بشرها باد) (عَادَتْ نُجُوم بني الزهراء لَا أفلت ... بعودة الدولة الزهرا لمعتاد) (واخضل روض الْأَمَانِي حِين أَصبَحت الأجواد ... عقدا على أجياد أجياد) (وَأصْبح الدّين وَالدُّنْيَا وأهلهما ... فِي ظلّ ملك لظل الْعدْل مدّاد) (يُبِيح هام الأعادي من صوارمه ... مَا استحصدت بالتعاصي من كل حصاد) (فهم أيادي أعاديه ونائله ... على الورى أَصبَحت أطواق أجياد) (يُفْضِي ميمم جدوى راحتيه إِلَى ... طلق الْمحيا كريم الْكَفّ جواد) (بذل الرغائب لَا يعتده كرماً ... مَا لم يكن غير مَسْبُوق بميعاد) (وَالْعَفو عَن قدرَة أشهى لمهجته ... صينت وأشفى من اسْتِيفَاء إيعاد) (مآثر كالدراري رفْعَة وسناً ... وَكَثْرَة فَهِيَ لَا تحصى بإعداد) (فَأَنت من معشر إِن غَارة عرضت ... خفوا إِلَيْهَا وَفِي النادي كأطواد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 (كم هجمة لَك والأبطال محجمة ... ووقفة أوقفت لَيْث الشرى العادي) (بِكُل مُجْتَمع الْأَطْرَاف معتدل ... لدن لعرق نجيع الْقرن فصاد) (فَخر الْمُلُوك الألى تزهو مناقبهم ... دم حائزاً ملك آبَاء وأجداد) (وليهن حلته إِذْ رَاح يلبسهَا ... فَأَصْبَحت خير أَثوَاب وأبراد) (واستجل أبكار أفكار مخدرة ... قد طَال تعنيسها من فقد أنداد) (كم ردّ خطابها حَتَّى رأتك وَقد ... أمّتك خاطبة يَا نسل أمجاد) (أفرغت فِي قالب الْأَلْفَاظ جوهرها ... سكباً بذهن وريّ الزند وقاد) (وصاغها فِي معاليكم وأخلصها ... ود ضميرك فِيهِ عَادل اشهاد) (يَحْدُو بهَا العيس حاديها إِذا رزمت ... من طول وخد وإرقال وآساد) (كَأَنَّهَا الراح بالألباب لاعبة ... إِذا شدا بَين سمار بهَا شادي) (بفضلها فضلاء الْعَصْر شاهدة ... وَالْفضل مَا كَانَ عَن تَسْلِيم أضداد) (فَلَو غَدَتْ من حبيب فِي مسامعه ... أَو الصفي استحلا بغض حساد) (واستنزلا عَن مطايا الْقَوْم رحلهما ... واستوقفا العيس لَا يَحْدُو بهَا الْحَادِي) (وحسبها فِي التسامي والتقدم فِي ... عد المفاخر إِذْ تعدو لتعداد) (تقريضها عِنْدَمَا جَاءَت مُعَارضَة ... عوجا قَلِيلا كَذَا عَن أَيمن الْوَادي) وَهِي عرُوض قصيدة الأديب الْفَاضِل أَحْمد بن عِيسَى المرشدي الْمُقدم ذكره ومطلعها الَّذِي ذكره عوجا قَلِيلا وَقد ذكرتها برمتها فِي تَرْجَمَة المرشدي الْمُقدم ذكره وَمن فَوَائده أَنه سُئِلَ عَن قَول الصفي الْحلِيّ (فلئن سطت أَيدي الْفِرَاق وأبعدت ... بَدْرًا تحجب نصفه بنصيف) (فَلَقَد نعمت بوصله فِي منزل ... قد طَابَ فِيهِ مربعي ومصيفي) فَأجَاب بقوله لَا يخفى أَن النصيف هُوَ الْخمار فَكَانَ الشَّاعِر تخيل أَن الجبين بدر تَامّ كَامِل الاستدارة ستر الْخمار نصفه الْأَعْلَى فَلَمَّا تخيل ذَلِك قَالَ بَدْرًا تحجب نصفه بنصيف ثمَّ ضمنه بقوله (أفدى الَّتِي جلب الغرام جبينها ... تَحت الْخمار لقلبي المشغوف) (فصبا لَهُ لما تحقق أَنه ... بدر تحجب نصفه بنصيف) وَقد سُئِلَ عَنهُ الإِمَام زين العابدين الطَّبَرِيّ الْحُسَيْنِي إِمَام الْمقَام فَأجَاب بِمَا لَفظه النصيف الْخمار وكل مَا يُغطي بِهِ الرَّأْس وَالْوَجْه هُوَ الْبَدْر فِي التَّشْبِيه فمراد الشَّاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 أَنَّهَا تلثمت بِبَعْض النصيف الَّذِي على رَأسهَا فَصَارَت بذلك ساترة لنصف وَجههَا الْأَسْفَل الْمُشبه بالبد فَصَارَ نصيفاً ونقاباً والنقاب مَا تنقبت بِهِ الْمَرْأَة كَمَا فِي الْقَامُوس وَهُوَ شَامِل لما كَانَ مُسْتقِلّا وَبَعض شَيْء آخر كَمَا يُقَال مثله أَيْضا فِي النصيف فَهُوَ نصيف وَإِن غطى رَأس الرَّأْس مَعَ الرَّأْس وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ عَادَة غَالب النِّسَاء الحسان فِي قطر الْعَرَب فَإِن الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ تنتقب بفاضل خمارها فتفتن الْعُقُول بِمَا ظهر من لواحظها وأسحارها انْتهى وَكتب القَاضِي تَاج الدّين إِلَى القَاضِي أَحْمد بن عِيسَى المرشدي معتذراً عَن وُصُوله إِلَيْهِ بعد وعده لَهُ بِهِ لعروض مَانع عرض لَهُ بقوله بديها (أَيهَا المعشر الَّذين إِلَيْهِم ... وَاجِب أَن يكون سعياً براسي) (لَا تظنوا تركي الْوُصُول إِلَيْكُم ... لملالي ودادكم أَو تناسي) (أَو تراخ عَنْكُم وَإِن كَانَ عُذْري ... هُوَ أَنِّي ندبت خير اناس) فَأَجَابَهُ بقوله (قد أَتَانِي اعتذاركم بعد أَنِّي ... بت من هجرك الْأَلِيم أقاسي) (فتلقيته بصدر رحيب ... ولصقت الْكتاب عزا براسي) (غير أَنِّي لَا أرتضيه إِذا لم ... تنعموا بالوصال والإيناس) (وأقلني العثار فِي النّظم أَنِّي ... قلته والفؤاد فِي وسواس) وَكتب إِلَى شَيْخه عبد الْملك العصامي مسائلاً بقوله (مَاذَا يَقُول إِمَام الْعَصْر سيدنَا ... وَمن لَدَيْهِ ينَال الْقَصْد طَالبه) (فِي الدَّار هَل جَائِز تذكير عائدها ... فِي قَوْلنَا مثلا فِي الدَّار صَاحبه) (وَمن إبانة همز ابْن أَرَادَ فَهَل ... يكون موصوفه سما يُطَالِبهُ) (أم كَونه علما كَاف وَلَو لقبا ... أَو كنية إِن أَرَادَ الْحَذف كَاتبه) (أفد فَمَا قد رَأينَا الْحق منخفضاً ... إِلَّا وَأَنت على التَّمْيِيز ناصبه) فَأَجَابَهُ بقوله (يَا فَاضلا لم يزل يهدي الفرائد من ... علومه وتروّينا سحائبه) (تأنيثك الدَّار حتم لَا سَبِيل إِلَى التَّذْكِير ... فامنع إِذا فِي الدَّار صَاحبه) (وَالِابْن موصوفه عمم فَإِن لقبا ... أَو كنية فارتكاب الْحَذف واجبه) (هَذَا جوابي فاعذر أَن ترى خللاً ... فمصدر الْعَجز وَالتَّقْصِير كَاتبه) (لَا زلت تاجاً لهامات الْهدى علما ... فِي الْعلم يحوي بك التَّحْقِيق طَالبه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وَمن شعر التَّاج قَوْله (غنيت بحليه حسنها ... عَن لبس أَصْنَاف الْحلِيّ) (وبذت بهيكلها البديع ... تَقول شَاهد واجتلى) (تَجِد المحاسن كلهَا ... قد جمعت فِي هيكلي) وَلما وقف عَلَيْهَا السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود شيد كل بَيت من أبياته قصرا وابتز ذَلِك الْمَعْنى باستحقاقه قسرا فَقَالَ (لله ظَبْي سربه ... يزهو بِهِ فِي المحفل) (قنص الْأسود بغالب ... قيد إِلَّا وأبد هيكلي) (وَله الْجَوَارِي الْمُنْشَآت ... جوى الحشاشة للخلى) (قد قَالَ فِي ظلمائه ... يَا أَيهَا اللَّيْل انجلى) وحذا حذرهما القَاضِي أَحْمد المرشدي الْمَذْكُور فَقَالَ (يَا ربة الْحسن الْجَلِيّ ... لمؤمل المستأمل) (صَدْرِي ووجهي منية ... للمجتني والمجتلى) (فالحظ بديع محاسني ... من تَحت أَنْوَاع الحلى) (تَجِد الهياكل والحلي ... جمَالهَا من هيكلي) وَكتب إِلَى بعض أصدقائه قَوْله (من كَانَ بالوادي الَّذِي هُوَ غير ذِي ... زرع وَعز عَلَيْهِ مَا يهديه) (فليهدين أَلْفَاظه الغر الَّتِي ... تحلوفوا كهها لكل نبيه) وَله مليحة اسْمهَا غربية (خَالَفت أهل الْعِشْق لما شرقوا ... فَجعلت نَحْو الغرب وحدي مذهبي) (قَالُوا عدلت عَن الصَّوَاب وأنشدوا ... شتان بَين مشرق ومغرب) (فأجبتهم هَذَا دليلي فانظروا ... للشمس هَل تسعي لغير الْمغرب) وَكتب إِلَى صاحبين لَهُ استدعياه فَتعذر عَلَيْهِ الذّهاب إِلَيْهِمَا فَقَالَ (يَا خليلي دمتما فِي سرُور ... ونعيم وَلَذَّة وتصافي) (لم يكن تركي الْإِجَابَة لما ... أَن أَتَانِي رَسُولكُم عَن تجافي) (كَيفَ والشوق فِي الحشاشة يقْضِي ... إِنَّنِي نحوكم أجوب الفيافي) (غير أَن الزَّمَان للحظ مني ... لم يزل مُولَعا بِحكم خلافي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 (عَارض الْمُقْتَضى من شوق بالمانع ... وَالْحكم عَنْكُم لَيْسَ خافي) (فسلام عَلَيْكُم وعَلى من ... فزتما من ثماره باقتطاف) وَله فِي الْمُفَاخَرَة بَين الإبرة المقص (فاخرت إبرة مقصا فَقَالَت ... لي فضل عَلَيْك باد مُسلم) (شَأْنك الْقطع يَا مقص وشأني ... وصل قطع شتان إِن كنت تعلم) وَأَصله قَول بَعضهم (إِن شَأْن المقص قطع وصال ... فَلهَذَا يضيع بَين الْجُلُوس) (وَترى الإبرة الَّتِي توصل الْقطع ... بعز مغروسة فِي الرؤس) وَكتب إِلَى الْفَاضِل مُحَمَّد بن درار يستدعيه (رق النسميم وذيل الْغَيْم منسدل ... على الْوُجُود وطرف الدَّهْر قد طرفا) (فاغنم معاقرة الْآدَاب واغن بهَا ... عَن المدام وَخذ من صفوها طرفا) (وانزع إِلَيْنَا لتجني من خمائلها ... وردا ونجذب من مرط الوفا طرفا) وَله أَيْضا يصف بركَة مَاء (أَلا فانظروا هَذَا الصفاء لبركة ... تَقول لمن قد غَابَ عَنْهَا من الصحب) (لَئِن غبت عَن عَيْني وكدرت مشربي ... تَأمل تَجِد تِمْثَال شخصك فِي قلبِي) وَمثله قَول الإِمَام عَليّ الطَّبَرِيّ (وبركة مَاء قد صفا سلسبيلها ... وَمن حولهَا روض تكلل بالزهر) (تخال إِذا مَا لَاحَ رونق حسنها ... كبدر سَمَاء حف بالأنجم الزهر) وَله فِي الفوارة (وفوارة من مروة قَامَ مَاؤُهَا ... كبزبوز إبريق وَلَيْسَ لَهُ عروه) (بدالي لما أَن وَردت صفاؤها ... وَلَا غرو أَن يَبْدُو الصفاء من المروه) وَمثله قَول الْفَخر الخاتوني الْآتِي ذكره (أَلا مل إِلَى روض بِهِ بركَة زهت ... بفوارة فِيهَا كفص مَا الماس) (إِذا مَا أَتَاهَا زائر قَامَ مَاؤُهَا ... فأجلسه مِنْهَا على الْعين والراس) وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَول ابْن المعتز (وقاذفه للْمَاء فِي وسط جنَّة ... قد التحفت كَمَا من الطل سجسجا) (إِذا انبعثت بِالْمَاءِ ردته منصلا ... وعَلى عَلَيْهَا ذَلِك النصل هودجا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 (تحاول إِدْرَاك النُّجُوم بقذفها ... كَأَن لَهَا قلبا على الجو محرجا) (لَدَى رَوْضَة جاد السَّحَاب ربوعها ... فزخرفها بَين الرياض ودبجا) (على نرجس غض يُلَاحظ سوسنا ... وآس ربيعي يناغي بنفسجا) (كَانَ غصون الأقحوان زمرد ... تعمم بالكافور ثمَّ تتوجا) (ونوار نسرين كَانَ شميمه ... من الْمسك فِي جو السَّمَاء تأرجا) وَكَانَت وَفَاة التَّاج بِمَكَّة ثامن شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وأرخ وَفَاته الشَّيْخ محب الدّين بن منلا جامي بقوله (لتاج الدّين أصبح كل حر ... حَزِين الْقلب باكي الطّرف أَواه) (أَقَامَ يسوح بَاب الله حَتَّى ... دَعَاهُ إِلَيْهِ أقبل ثمَّ لباه) (فتاريخ اللقا لما أناه ... جنان الْخلد منزلَة ومأواه) الشَّيْخ تَاج الدّين بن زَكَرِيَّا بن سُلْطَان العثماني النقشبندي الْهِنْدِيّ شيخ الطَّرِيقَة النقشبندية ورابطة الْإِرْشَاد إِلَى الْمنَازل للسالكين فِي السلوك وواسطة الْإِمْدَاد للمواهب الرحمانية من ملك الْمُلُوك كَانَ شَيخا كَبِيرا مهابا حسن التربية وَالدّلَالَة على الْوُصُول إِلَى الله تَعَالَى صَحبه خلق كثير من المريدين وَمِمَّنْ صَحبه ولازمه الْأُسْتَاذ أَحْمد أَبُو الْوَفَاء الْعجل العجيل الْمُقدم ذكره وَولد أَحْمد الْمَذْكُور الشَّيْخ مُوسَى وَالشَّيْخ مُحَمَّد ميرزا والأمير يحيى بن عَليّ باشا وَغَيرهم وَألف كتبا مِنْهَا تعريب النفحات للعارف عبد الرَّحْمَن الجامي وتعريب الرشحات ورسالة فِي طَرِيق السَّادة النقشبندية جمع فِيهَا الْكَلِمَات القدسية المآثورة المروية عَن حَضْرَة الخوجه عبد الْخَالِق الغجدواني المبنى عَلَيْهَا الطَّرِيق وَشَرحهَا بِأَحْسَن بَيَان والصراط الْمُسْتَقيم والنفخات الإلهية فِي موعظة النَّفس الزكية وجامع الْفَوَائِد وَقد افرد تَرْجَمته تلميذة السَّيِّد مَحْمُود بن أسرف الحسني فِي رِسَالَة سَمَّاهَا تحفة السالكين فِي ذكر تَاج العارفين وَقَالَ فِيهَا سمعته يَقُول أَنه قبل أَن يصل إِلَى الشَّيْخ إِلَه بخش فِي بداية أمره فِي غَلَبَة الجذبات بعد توفيق التَّوْبَة بِوَاسِطَة الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إشتغاله غَالِبا بالسياحة فِي طلب الشَّيْخ وَكَانَ ألزم نَفسه الْأُمُور المقررة فِي كتب الْمَشَايِخ أَنه يَنْبَغِي للمريد أَن يَجْعَلهَا على نَفسه قبل وُصُوله إِلَى الشَّيْخ ثمَّ بعد وُصُوله إِلَيْهِ لَا يخْتَار إِلَّا مَا احتاره وَكَانَ تحضر لَهُ أَرْوَاح الْمَشَايِخ وَحصل لَهُ الْكَشْف فَلَمَّا وصل إِلَى بَلْدَة أجمير الَّتِي فِيهَا قبر قطب وقته الشَّيْخ معِين الدّين الجشني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 حضرت لَهُ روحه وَعلمه طَرِيق النَّفْي والاثبات على كَيْفيَّة مَخْصُوصَة فِي طَرِيق الجشتية يسمونها حفظ الأنفاس وَأمره أَن يجلس وَيسْتَعْمل الذّكر بِهَذِهِ الطَّرِيقَة فِي بَلْدَة باكور الَّتِي فِيهَا قبر الشَّيْخ حميد الدّين الباكوري وَهُوَ من أجل أَصْحَابه وَقَالَ أَنِّي مَا جِئْت إِلَّا الْيَوْم بعد مُدَّة مديدة لِأَجلِك وَإِلَّا فَأَنا بِمَكَّة لِكَثْرَة الْبدع الَّتِي يعملونها على قَبره فسافر بِمُوجب أمره إِلَى باكور وَجلسَ بهَا يشْتَغل بِالذكر الْمَذْكُور ويزور أَحْيَانًا قبر الشَّيْخ حميد الدّين ويعلمه آدَاب الطَّرِيق فَكَانَ تظهر عَلَيْهِ الْأَنْوَار والتجليات وَالْأَحْوَال على طبق سلوك الجشتية وَقَالَ إِنِّي فِي تِلْكَ السّنة كنت أَدخل فِي خلْوَة كَانَت دَاخل ثَلَاث بيُوت فِي لَيْلَة مظْلمَة وأصك الْأَبْوَاب كلهَا فَكَانَ يظْهر لي نور مثل الشَّمْس ثمَّ يزِيد ثمَّ يُحِيط بِالْبَيْتِ وَيصير ضوءه مثل ضوء النَّهَار فَكنت أَقرَأ الْقُرْآن فِي ذَلِك الضَّوْء فَحصل لي الْأنس بذلك النُّور حَتَّى أَنِّي يَوْمًا من الْأَيَّام كنت أَمر بِبَعْض الطّرق فَإِذا رجل عِنْده رِسَالَة مَكْتُوب فِيهَا أَن بعض النَّاس يحصل لَهُم فِي أَوَان الذّكر نور فيغترون بِهِ وَأخذ الرسَالَة وَغَابَ وَمَا رَأَيْته بعد فانتبهت وَزَاد تعلقي بِهِ ثمَّ يَوْمًا كنت جَالِسا عِنْد قبر الشَّيْخ حميد الدّين فَحَضَرت روحه وَأَرَادَ أَن يعطيني خرقَة الْإِجَازَة وَكَانَ مُرَاده أَن يَأْمر فِي النّوم والواقعة لبَعض من كَانُوا على سَنَده من الْخُلَفَاء ليعطيني الْخِرْقَة فَقلت لَا أُرِيد أَن تُعْطِينِي إِلَّا بِيَدِك فَقَالَ الشَّيْخ هَذَا خلاف سنة الله فاطلب مِنْهُ فاستأذنت مِنْهُ وَخرجت فِي طلب الشَّيْخ وَكنت أسيح فِي الْجبَال والبراري والأغوار والأنجاد وَكنت أصل إِلَى الْمَشَايِخ كثيرا فَلم يحصل إِلَى الِاعْتِقَاد لأحد مِنْهُم وَكَانَ وصل فِي هَذِه الْمدَّة إِلَى الشَّيْخ نظام الدّين الباكوري وَكَانَ من الْمَشَايِخ الجشتية فَأَرَادَ الشَّيْخ كثيرا أَن يجلس عِنْده فَمَا جلس عِنْده وَرَأى كثيرا من مَشَايِخ الْوَقْت حَتَّى وصل إِلَى الشَّيْخ اله بخش فَلَمَّا رَآهُ حصل لَهُ فِيهِ أقْصَى مَا يكون من الِاعْتِقَاد وَالشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ تَلقاهُ بِحسن الْقبُول وَأظْهر لَهُ أَنه كَانَ منتظرا لَهُ وَكَانَ من طَريقَة الشَّيْخ أَن لَا يلقن أحدا إِلَّا بعد إِدْخَاله فِي الخدمات والرياضيات الشاقة الَّتِي تنكسر بهَا النَّفس وَتحصل بهَا التَّزْكِيَة فن التَّزْكِيَة مُقَدّمَة على التصفية عِنْد أَكثر الْمَشَايِخ بِخِلَاف النقشبندية فَإِن طريقتهم على الْعَكْس قَالُوا بَعْدَمَا يتَوَجَّه الانسان إِلَى التصفية والتوجه الْحق بِالصّدقِ فَيحصل لَهُ من التَّزْكِيَة بإمداد جذبة من جذبات الرَّحْمَن فِي سَاعَة مَا لَا يحصل لغيره من الرياضات والسياسات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 فِي سِنِين بِنَاء على تقدم الجذبة عِنْدهم على السلوك فَإِن سلوكهم مستدير لَا مستطيل وَأَن أول قدمهم فِي الْحيرَة والفناء كَمَا قَالَه الخوجة بهاء الدّين النقشبندي بدايتنا نِهَايَة الطّرق الآخر وَقَالَ أَيْضا معرفَة الْحق حرَام على بهاء الدّين إِن لم تكن بدايته نِهَايَة أبي يزِيد البسطامي وَقَالَ الخوجة عبيد الله أَحْرَار أَن اعْتِقَاد السّلف قد يذهب بِالْبَعْضِ إِلَى إِنْكَار هَذَا الْكَلَام مَعَ أَنه لَا يُنَافِي أمرا من أُمُور الشَّرْع بل حَدِيث مثل امتي مثل الْمَطَر لَا يدْرِي أَوله خير أم آخِره يدل على خلاف ذَلِك رَجَعَ إِلَى تَتِمَّة الْكَلَام السَّابِق قَالَ تِلْمِيذه فِي رسَالَته فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ اله بخش فِي الْوَاقِعَة يَا شيخ تَاج طريقنا أَن لَا نلقن الذّكر أحدا حَتَّى يحمل الْحَطب وَالْمَاء فاشتغل أَنْت بِحمْل المَاء إِلَى المطبخ ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ فَكَانَ يحمل فَوق طاقته وَكَانَ تظهر مِنْهُ الخوارق فِي تِلْكَ الْأَيَّام وأخبرت أَن أهل تِلْكَ الْبَلدة يَقُولُونَ أَن الشَّيْخ حِين كَانَ يحمل الجرة على رَأسه وَيَمْشي كُنَّا نرى الجرة مُنْفَصِلَة عَن رَأسه مِقْدَار ذِرَاع إِلَّا أنني سمعته يَقُول مَالِي علم بِهَذَا الْأَمر فبعدما تمّ لَهُ ثَلَاثَة أشهر قَالَ لَهُ الشَّيْخ آله بخش الْيَوْم قد تمّ أَمرك بِسم الله اشْتغل بِالذكر وَكَانَ أمره بِالْخدمَةِ الْمَذْكُورَة بالباطن وَقَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَام بِالظَّاهِرِ فلقنه ذكر العشقية فاشتغل بهَا وَلَا زَالَ فِي خدمته حَتَّى وصل إِلَى الْكَمَال والتكميل ثمَّ قَالَ إِن سَيِّدي الشَّيْخ تَاج خدم سَيِّدي الشَّيْخ آله بخش عشر سِنِين خدمَة خَارِجَة عَن طوق الْبشر وَأَجَازَهُ بإرشاد المريدين وَمَا كَانَ يُنَادِيه إِلَّا بقوله يَا تَاج الدّين قَالَ سَيِّدي الشَّيْخ تَاج الدّين وَحصل لي مَا كَانَ بشرني بِهِ الشَّيْخ آله بخش إِلَّا أَن حُصُوله بالتدريج وَبعد أُمُور منتظرة قَالَ الشَّيْخ تَاج الدّين وَكَانَ خدمته أَنْفَع لي من الذّكر وَإِنِّي كلما وجدته من الْأَحْوَال وجدته من الْخدمَة ثمَّ قَالَ فصل فِي ذكر نبذة من خوارقه ومعارفه سَمِعت من غير وَاحِد من أَصْحَاب الشَّيْخ أَن سَيِّدي الشَّيْخ كَانَ جَالِسا يَوْمًا فِي بلدنا أمروهه بالمراقب فَرفع رَأسه فانفصل مِنْهُ نور وَقع على شَجَرَة زمَان فَبعد ذَلِك الْيَوْم كَانَت تِلْكَ الشَّجَرَة كلهَا ثَمَرهَا وورقها وخشبها درياقا مجربا للنَّاس يستشفون بِهِ وَكَانَت هَذِه الْكَرَامَة ظَاهِرَة حَتَّى فنيت تِلْكَ الشَّجَرَة وَسمعت أَيْضا مِنْهُم أَن الشَّيْخ دخل يَوْمًا فِي بَيت وَقت القيلولة فرقد على سَرِيره وَخرج الْأَصْحَاب ثمَّ رجعُوا وَلم يَجدوا الشَّيْخ مَكَانَهُ فتحيروا ثمَّ ظهر الشَّيْخ مَكَانَهُ على السرير وَقَامَ واشتغل بِالصَّلَاةِ وَمَا اسْتَطَاعَ أحد أَن يسْأَله عَن ذَلِك وَسمعت أَيْضا أَن بِنْتا صَغِيرَة للشَّيْخ كَانَت مَرِيضَة وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 الشَّيْخ يتَوَضَّأ فألهمها الله أَن شربت من غسالة رجلَيْهِ عِنْد الْوضُوء فشفيت بِإِذن الله وَسمعت أَيْضا وَاحِدًا من أَصْحَابنَا الصَّالِحين يذكر أَن الشَّيْخ كَانَ يَوْمًا جَالِسا فِي مَكَان يتَكَلَّم فِي المعارف والحقائق وَفِي أثْنَاء ذَلِك الْكَلَام يمزح مَعَ أَصْحَابه ويضحك فخطر لبَعْضهِم أَن مقَام المشيخة لَا يُنَاسب المزاح أَو نَحْو ذَلِك فَاطلع على خاطره وَقَالَ أَن المزاح من سنة سيد الْمُرْسلين فَإِنَّهُ كَانَ يمزح مَعَ أَصْحَابه وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا وَذكر قصَّة وُقُوع ابْن أم مَكْتُوم فِي حَضرته وَضحك الْأَصْحَاب فِي الصَّلَاة وَمِنْهَا أَن وَاحِدًا من المكاشفين كَانَ بشر بعض أَصْحَاب سَيِّدي الشَّيْخ بأَشْيَاء فَلَمَّا وصل إِلَى مَكَّة كَانَ مَعَ الشَّيْخ فخطر لَهُ أَن الْأُمُور الَّتِي كَانَ بشره بهَا ذَلِك المكاشف مَا ظَهرت أَسبَابهَا وَكَانَ يختلج فِي سره أَن لَيْسَ لقَوْل ذَلِك المكاشف أثر وَإِلَّا كَيفَ الْحَال ثمَّ توجه إِلَى نَحْو الشَّيْخ فَقَالَ لَهُ قبل أَن يظْهر شَيْئا أَن أحدا من أَوْلِيَاء الله لَو بشر أحدا بِشَيْء لَا بُد أَن يظْهر وَلَو بعد عشر سِنِين أَو اثْنَتَيْ عشرَة سنة ففهم وَحصل لَهُ السّكُون وَسمعت من الشَّيْخ أَنه خرج إِلَى سفر وَوصل إِلَى بَلْدَة وَكَانَ جَالِسا فِيهَا مَعَ أَصْحَابه بالمراقبة فَحَضَرَ فِي حلقته رجل لَا يعرفهُ فَقرب الرجل وَقبل يَده وَرجله وَقَالَ أَنِّي من الْجِنّ وَهَذَا مَكَان سكنانا وَأَنا بَعْدَمَا رَأينَا طريقتكم أحببناكم فَأُرِيد أَن آخذ مِنْكُم الطَّرِيق فلقنه الطَّرِيقَة النقشبندية وَكَانَ يحضر عِنْده فِي الْحلقَة وَكَانَ يرَاهُ وَلَا يرَاهُ أحد غَيره وَقَالَ للشَّيْخ كل وَقت أردتم أَن أحضر عنْدكُمْ فَاكْتُبُوا اسْمِي على ورقة وضعوها تَحت أَرْجُلكُم أحضر عنْدكُمْ تِلْكَ السَّاعَة وَسمعت أَيْضا مِنْهُ أَنه حِين سَافر إِلَى كشمير حضر عِنْده وَاحِد من الْجِنّ وَأخذ عَنهُ الطَّرِيقَة وَأَرَادَ أَن يعرض على الشَّيْخ كثيرا من خَواص النباتات فَلم يقبل الشَّيْخ مِنْهُ ذَلِك وَكَانَ يلازم صُحْبَة الشَّيْخ إِلَّا أَن الشَّيْخ قَالَ أَنه كَانَ يحصل لي النفرة من صحبته فَإِن الْجُزْء الناري غَالب على مزاجهم فَيحصل من صحبتهم الْأَوْصَاف الْغَيْر المرضية الَّتِي نشأت من الْجُزْء الناري من الْغَضَب وَالْكبر فَأَرَدْت أَن أفعل بِهِ حِيلَة تنفره مني فَسَأَلته أَن يزوجني بِوَاحِدَة مِنْهُم فَقَالَ إِن لي أُخْتا بديعة الْجمال عديمة الْمِثَال إِلَّا أَنِّي أعرض عَلَيْكُم أَولا حِكَايَة ثمَّ الرَّأْي رَأْيكُمْ فَإِن الألفة والأنس بَين الجني والإنسي متعسر فَإِن الْجِنّ يصدر مِنْهُم كَثِيره من الحركات الَّتِي لَا تعرف الانس حَقِيقَتهَا فَلَا يَسْتَطِيع الصَّبْر عَلَيْهَا قَالَ إِنَّه كَانَ هُنَا وَاحِد من الصَّالِحين زوجناه وَاحِدَة منا فولد لَهَا مِنْهُ ولد وَكَانَ يُوقد نَارا فرمت الجنية وَلَدهَا فِي النَّار فَصَبر الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 ثمَّ ولد لَهَا ولد فَأَعْطَتْهُ الكلبة فأكلته فَصَبر الرجل ونسيت الثَّالِثَة فتعب الرجل وَمَا اسْتَطَاعَ الصَّبْر وَغَضب عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا أهلكت الْأَوْلَاد الثَّلَاثَة فأحضرت الثَّلَاثَة وَقَالَت كنت أَعطيتهم للتربية لإِخْوَانِنَا فَخذ أولادك من بعد الْيَوْم وَلَا أَجْلِس عنْدك وطارت من عِنْده ثمَّ سَافر الشَّيْخ من تِلْكَ الْبَلدة وَسمعت أَن الشَّيْخ كَانَ فِي أمروهة فمرضت امْرَأَة صَالِحَة من الْمشرق وَكَانَت معتقدة لَهُ فالتجأت إِلَيْهِ فَذهب إِلَيْهَا الشَّيْخ يعودها فَلَمَّا رأى حَالهَا أَخَذته الشَّفَقَة عَلَيْهَا وَالرَّحْمَة لَهَا وَكَانَت قد أشرفت على الْمَوْت فَأَخذهَا فِي ضمنه فبرأت كَأَن لم يكن بهَا شَيْء فَإِن الْأَخْذ فِي الضمن شَيْء مُقَرر عِنْد الأكابر النقشبندية إِلَّا أَنه لَا يتَصَوَّر إِلَّا قبل نزُول ملك الْمَوْت فَبعد نُزُوله لَا بُد من بدل كم أَن الخوجة الخاموش قدس الله سره كَانَ أَخذ وَاحِدًا من الْعلمَاء فِي ضمنه فشفي ساعتئذ وَقَالَ إِنِّي دَعَوْت الله سُبْحَانَهُ فِي وَقت لَا يرد بِثَلَاثَة أَشْيَاء وَقد استحببت أولاها أَن لَا يصل إِلَى أحد ضَرَر مني وَإِن غضِبت بِمُقْتَضى البشرية وَالثَّانِي أَن يَزُول مني الْكَشْف وَالثَّالِث أَن كل من اخذ الطَّرِيق مني تكون خاتمته خيرا أَو يَجعله الله مُنْكرا عَليّ ومعرضا عني ثمَّ يفعل الله بِهِ مَا يَشَاء انْتهى وَاعْلَم أَنه وَإِن دَعَا بِزَوَال الْكَشْف وَكَذَلِكَ يظْهر من كَلَامه فَإِنَّهُ يَقُول كثيرا للأصحاب أَن الشَّيْخ إِمَّا أَن يكون صَاحب كشف فَلَا يَنْبَغِي للمريد أَن يعرض عَلَيْهِ حَاله بل الْعرض عَلَيْهِ حِينَئِذٍ سوء أدب أَولا يكون صَاحب كشف فَيَنْبَغِي أَن يعرض عَلَيْهِ فيهم بسؤال احوال المريدين فيفهم مِنْهُ أَن يظْهر أَنه لَيْسَ يصاحب كشف إِلَّا أَن الظَّاهِر أَن لَهُ اطلاعا تَاما وإشراقا عَظِيما على الخواطر وَالْأَحْوَال فقد جرى لنا مَعَه أَحْوَال وَأُمُور كَثِيرَة وَكَانَ هَذَا من قسم الفراسة الَّتِي هِيَ أقوى وَأَرْفَع منزلَة من الْكَشْف وانْتهى وَاعْلَم أَنه قَرَأَ فِي فنون الْعلم كتبا كَثِيرَة كالكافية وَنَحْوهَا ثمَّ غلب عَلَيْهِ الجذب حَتَّى لم يبْق مِنْهُ أثر والآن لَيْسَ فن من فنون الْعلم إِلَّا وَهُوَ وَاقِف على دقائقه الَّتِي يتحير أَرْبَاب ذَلِك الْفَنّ فِي ادراكها وَلَيْسَ قسم من أَقسَام المدركات إِلَّا أدْركهُ على الْوَجْه الأتم والألطف وَله رِسَالَة فِي أَنْوَاع الْأَطْعِمَة وَكَيْفِيَّة طبخها ورسالة فِي كَيْفيَّة غرس الْأَشْجَار وَأُخْرَى فِي أَنْوَاع الطِّبّ وَدخل تَامّ فِي معرفَة أوضاع الْكِتَابَة وَغير ذَلِك وَدخل إِلَيْهِ أحد الأفاضل وَكَانَ لَهُ وقُوف تَامّ فِي الطِّبّ فَتكلم مَعَه بدقائق الْمنطق وَغَيره من الْعُلُوم حَتَّى صَار متحيرا وَكَانَ ذَلِك سَبَب سعادته ودخوله فِي الطَّرِيق وَمن مشايخه السَّيِّد عَليّ بن قوام الْهِنْدِيّ النقشبندي مولده ومسكنه ومدفنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 جانبور من بِلَاد الْهِنْد شَرْقي دهلي على مسيرَة شهر مِنْهُ كَانَ من أكَابِر أَوْلِيَاء الله تَعَالَى صَاحب تَصَرُّفَات عَجِيبَة وجذب قوي قَالَ بعض الصَّالِحين مَا ظهر فِي الْأمة المحمدية على نبيها أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام من أحد بعد القطب الرباني الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني رَضِي الله عَنهُ من الخوارق والكرامات والتصرفات مثل مَا ظهر مِنْهُ حَدثنَا شَيخنَا قَالَ حَدثنِي رجل أَنه كَانَ من طَريقَة السَّيِّد أَن لَا يدْخل عَلَيْهِ أحد إِلَى وَقت الضُّحَى وَكَانَ فِي هَذَا الْوَقْت يغلب عَلَيْهِ الجذب وَالنَّاس كلهم قد عرفُوا هَذَا الْأَمر فَمَا كَانَ يدْخل عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَقْت أحد فجَاء وَاحِد من الْأَعْرَاب كَأَنَّهُ كَانَ من أَوْلَاد شيخ السَّيِّد قدس الله سره فَمَنعه الْخَادِم من الدُّخُول عَلَيْهِ فَلم يقبل قَوْله وَأَرَادَ أَن يدْخل فَلَمَّا قرب وَسمع السَّيِّد صَوته قَالَ من أَنْت قَالَ أَنا فلَان قَالَ اهرب إِلَى وَرَاء الشَّجَرَة وَكَانَ هُنَاكَ شَجَرَة كَبِيرَة وَإِلَّا احترقت فهرب الرجل واستتر بِالشَّجَرَةِ فَخرجت نَار من بَاطِن السَّيِّد أخذت الشَّجَرَة كلهَا فأحرقتها وَبَقِي أَصْلهَا وَسلم الرجل وَكفى بِهَذِهِ إِشَارَة إِلَى كَمَال تَصَرُّفَاته ثمَّ قَالَ صَاحب التَّرْجَمَة اعْلَم أَن شَيخنَا مجَاز من الشَّيْخ اله بخش بالطريقة العشقية وبالطريقة القادرية وبالجشية والدارية وَله بِحَسب الْبَاطِن اجازة من رَئِيس كل طَرِيق وَكَذَلِكَ سَمِعت مِنْهُ أَنه سلك طَرِيق الكبروية من روحانية الشَّيْخ نجم الدّين الْكُبْرَى فِي ربع النَّهَار وَأَجَازَهُ وَله رِسَالَة فِي بَيَان سلوكهم ذكر فِيهَا أَن سلوكهم يتم بِتمَام الأطوار السَّبْعَة فِي كل طور يطوى عشرَة آلَاف حجاب حَتَّى يطوي فِي تَمام الأطوار السَّبْعَة تَمام السّبْعين ويصل إِلَى الله تَعَالَى وَلِهَذَا تَفْصِيل إِلَّا أَنه لَيْسَ مُقَيّدا إِلَّا بالتسليك بسلوك النقشبندية فَإِنِّي رَأَيْت فِي مَكْتُوب لَهُ إِلَى بعض أَصْحَابه ينصحه أَن الأكابر النقشبندية هم أَرْبَاب الْغيرَة ثمَّ ذكر أَنِّي بعد مَا أجازني الخوجة وَرخّص لي واشتغلت بالتربية على طَرِيق الأكابر النقشبندية لَو كَانَ يأتيني طَالب يُرِيد الطَّرِيقَة العشقية أَو غَيرهَا ألقنه فِيهَا وأربيه حَتَّى أَن يَوْمًا حضرت روحانية الْغَوْث الْأَعْظَم الخوجة عبيد الله أَحْرَار للخوجة مُحَمَّد الْبَاقِي وَقَالَ لَهُ أَن الشَّيْخ تَاج يَأْكُل من مطبخنا ويشكر غَيرنَا فأخرجناه من النِّسْبَة فَقَالَ الخوجة مُحَمَّد الْبَاقِي اعْفُ عَنهُ هَذِه الْمرة حَتَّى أخبرهُ فَكتب إِلَى الخوجة مُحَمَّد الْبَاقِي هَذِه الْوَاقِعَة فَتركت كل مَا كَانَ غير هَذِه السلسلة وحصرت التربية والتلقين فِيهَا انْتهى كَلَامه فَلهُ طَرِيق النقشبندية من الخوجة مُحَمَّد الْبَاقِي وَله من الخوجة إِلَّا ملتكن وَله من مَوْلَانَا درويش مُحَمَّد وَله من مَوْلَانَا مُحَمَّد زاهد وَله من الْغَوْث الاعظم عبيد الله أَحْرَار وَله من الشَّيْخ يَعْقُوب الجرخي وَله من حَضْرَة الخوجة الْكَبِير بهاء الْحق وَالدّين الْمَعْرُوف بنقشبند وَله من أَمِير سيد كلال وَله من الخوجة عبد الْخَالِق الغجد وَإِنِّي وَله من قطب الاقطاب الخوجة مُحَمَّد بَابا السماسي وَله من حَضْرَة الخوجة على الرامتيني وَله من حَضْرَة الخوجة مُحَمَّد الجرنفوري وَله من الخوجة عَارِف ويوكري وَله من الشَّيْخ يَعْقُوب بن أَيُّوب الْهَمدَانِي وَله من الشَّيْخ أبي على الفارمدي وَله من الشَّيْخ أبي الْحسن الخرقاني وَمن سُلْطَان العارفين أبي يزِيد البسطامي وَله من الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق وَله من قَاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَمن سلمَان الْفَارِسِي وَمن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَمن سيد الكائنات صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنِّسْبَة إِلَى الإِمَام جَعْفَر عَن أَبِيه إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه وَكَانَت وَفَاته قبل غرُوب يَوْم الاربعاء ثامن عشر جُمَادَى الأولى سنة خمسين وَألف وَدفن صبح يَوْم الْخَمِيس فِي تربته الَّتِي أعدهَا لَهُ فِي حَيَاته فِي سفح جبل قعيقان وضريحه ظَاهر يقْصد للزيارة وقعيقان كزعيفران جبل بِمَكَّة وَجهه إِلَى أبي قبيس لِأَن جرهم كَانَت تضع فِيهِ أسلحتها فتقعقع فِيهِ أَو لأَنهم لما تَحَارَبُوا قعقعوا بِالسِّلَاحِ وَالله تَعَالَى أعلم الشَّيْخ تَاج العارفين بن أَحْمد بن أَمِين الدّين بن عبد العال الْحَنَفِيّ الْمصْرِيّ الْعَلامَة الْمُفِيد الْمجِيد كَانَ بِمصْر صدر المدرسين رَئِيسا نبيلا روى عَن وَالِده ووالده روى عَن وَالِده وَهُوَ عَن وَالِده وَهُوَ عَن الْحَافِظ بن حجر الْعَسْقَلَانِي وَأَجَازَهُ شُيُوخ عصره بالافتاء والتدريس وتصدر للاقراء بِجَامِع الْأَزْهَر وَأفَاد الطّلبَة وأجاد وَألف مؤلفات عديدة ورسائل شهيرة فِي فقه الْحَنَفِيَّة وَلما سقط من الْبَيْت الشريف الْجِدَار الشَّامي بوجهيه وانجبذ مَعَه من الْجِدَار الشَّرْقِي إِلَى حد الْبَاب الشَّامي وَلم يبْقى سواهُ وَعَلِيهِ قوام الْبَاب من الْجِدَار الغربي من الْوَجْهَيْنِ نَحْو السُّدس وَمن الْوَجْه الظَّاهِر سقط مِنْهُ نَحْو الثُّلثَيْنِ وَبَعض السّقف وَهُوَ محاذ للجدار الشَّامي وَسَقَطت دَرَجَة السَّطْح وَكَانَ سُقُوطه كَذَلِك بعد عصر الْخَمِيس لعشرين من شعْبَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَنقل مَا فِيهَا من الْقَنَادِيل إِلَى بَيت السادن وعلق بَاقِي أخشاب سقفه خوفًا عَلَيْهِ من السُّقُوط جمع الشريف مَكَّة الشريف مَسْعُود عُلَمَاء الْبَلَد الْحَرَام وسألهم عَن حكم عمَارَة السَّاقِط وَلمن هِيَ وَمن أَي مَال تكون فَوَقع الْجَواب مِنْهُم بِأَنَّهَا تكون فرض كِفَايَة على سَائِر الْمُسلمين ولشريف الْبِلَاد النَّائِب عَن السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 الْأَعْظَم ذَلِك وَأَنه يعمرها بِمَال حَلَال وَمِنْه مَال الْقَنَادِيل الَّتِي بهَا مِمَّا لم يعلم أَنَّهَا عينت من واقفها لغير الْعِمَارَة وَوَافَقَهُمْ على ذَلِك الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَلان الْمَكِّيّ وَأفْتى بِهِ وَألف رسائل حافلة فِي شَأْن ذَلِك ثمَّ ورد السُّؤَال من الديار المكية إِلَى الديار المصرية عَن ذَلِك وَعَلِيهِ خطوط السَّادة المكيين بِالْجَوَابِ عَن ذَلِك ليعرض على حَضْرَة السُّلْطَان ينظر قَاضِي مصر إِذْ ذَاك الْمولى أَحْمد المعيد الْمُقدم ذكره فَسَأَلَهُ أَن يكْتب أَيْضا رِسَالَة فِي شَأْن ذَلِك لتعرض مَعَ أجوبة المكيين تَقْوِيَة لَهُم فَأَجَابَهُ لذَلِك وَألف رِسَالَة سَمَّاهَا الزلف والقربه فِي تعمير مَا سقط من الْكَعْبَة وَقد أحسن فِيهَا كل الاحسان وأجاد كل الإجادة وَكَانَ ينظم الشّعْر فَمن شعره مَا كتبه إِلَى الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي مفتي مَكَّة (أذكرت ربعا من أُمَيْمَة أقفرا ... فأسلت دمعا ذَا شُعَاع أحمرا) (أم شاقك الغادون عَنْك بسحرة ... لما سروا وتيمموا أم الْقرى) (زموا الْمطِي وأعنقوا فِي سيرهم ... لله دمعي خَلفهم ياما جرى) (مَا قطرت للسير أجمال لَهُم ... إِلَّا ودمعي فِي الركاب تقطرا) (فَكَانَ ظهر الْبيض بطن صحيفَة ... وقطارها فِيهِ يحاكي الأسطرا) (وَكَأَنَّهَا بهوادج قد رفعت ... سفن ودمع الصب يَحْكِي الأبحرا) (رحلوا وَمَا عَادوا على مضناهم ... واها لحظي لَيْت كنت مُؤَخرا) (أَن كَانَ جسمي فِي الديار مخلفا ... فالقلب مِنْهُم حَيْثُ قَالُوا اهجرا) (أظهرت صبري عَنْهُم متجلدا ... وكتمت وجدي فيهم متسترا) (وَغدا العذول يَقُول لي من بعدهمْ ... باد هَوَاك صبرت أم لم تصبرا) (أَقْسَمت أَن جاد الزَّمَان بمطلبي ... وسلكت ربعا بالمناسك عمرا) (وَشهِدت بدر الْحَيّ بعد أفوله ... مذلاح من أفق السَّعَادَة مقمرا) (أدبت خدمَة سيد سَنَد غَدا ... مفتي الْأَنَام وراثة بَين الورى) (هُوَ عَابِد الرَّحْمَن وَاحِد عصره ... فاسأل بذلك إِن شَككت مخبرا) (هَذَا إِمَام عرفه فِينَا حكى ... عرف الرياض إِذا سرى متعطرا) (ذُو همة تسمو على نسر السما ... فيشيف منهاها وَيَا متحدرا) (وسكينة تَلقاهُ فِيهَا مُفردا ... مَعَ لطف جسم بالفضائل عمرا) (وقريحة منقادة وقادة ... شبت كنار ثمَّ سَالَتْ أنهرا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 (كم حلبة فِي الْبَحْث أظلم نقعها ... يمشي جواد الْفِكر فِيهَا الْقَهْقَرَى) (آيَات فضلك مثل مجدك أحكمت ... وسنا سنائك نَفعه قد نورا) (وجياد فكرك كالرياح كواعب ... وضيا كمالك نور قد أزهرا) (من كنت أَنْت لَهُ ملاذا كَيفَ لَا ... يزهو بمدحك رفْعَة وتكبرا) (فَاسْلَمْ وَدم فِي ظلّ عَيْش أرغد ... مَا اهتز غُصْن فِي الرياض ونورا) وَكتب إِلَيْهِ فِي سنة ثَلَاثِينَ وَألف كتابا صورته (الْيَوْم مثل الدَّهْر حَتَّى أرى ... وَجهك والساعة كالشهر) إِن أبهى مَا تجملت بِهِ السطور والطروس وأشهى مَا استعذبته الألسن وطلبته النُّفُوس دُعَاء على ممر والدهور لَا يَنْقَضِي وابتهال بأكف الضراعة للإجابة مُقْتَضى أَن يديم على صفحات خدود الْوُجُود شامة دهرها وَوَاحِد وَقتهَا وعالم عصرها خَاتِمَة الْعلمَاء المتنوهين مَالك أزمة البراعة بفضله المتين شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين المستجمع لمكارم الْأَخْلَاق والشيم وَالْمُنْفَرد بمزاياها عِنْد الْخلق والأمم المشتهر عِنْد الْعَرَب والعجم بِأَنَّهُ ملك من الْعلم زمامه وَجعل العكوف عَلَيْهِ لزامه فانقاد إِلَيْهِ انقياد الْجواد وَجرى فِي ميدانه بِحسن السَّبق والفكر الْوَقَّاد عَالم الغرب والشرق ومزيل مَا تعَارض من الْمسَائِل بِحسن الحمع وَالْفرق الْجَامِع بَين رياستي الْعلم وَالْعَمَل وَالْمَانِع بإخلاص السريرة من لُحُوق عوارض الْعِلَل كنز الْعُلُوم والكشف بَحر الْهِدَايَة الَّذِي ارتوى مِنْهُ بالعب والرشف صرد الشَّرِيعَة الغرا وَشَيخ حرم الله بالإفتاء والأقرا من لَا يُمكن حصر وَصفه بالتفصيل فَإِن الْأَطْنَاب فِيهِ طَوِيل وَإِنَّمَا أُحِيل على مَا قيل (أَنْت الَّذِي يقف الثَّنَاء بسوقه ... وَجرى الندى بعروقه قبل الدَّم) فَالله سُبْحَانَهُ يمتع الْمُسلمين بِهَذِهِ الْأَخْلَاق ويديم فخار أهل الْجُود بِبَقَاء صَاحب هَذَا الِاسْتِحْقَاق وَلَا زَالَ مَذْهَب النُّعْمَان متحليا بعقوده متوشحا بطارفه وبروده هَذَا وَإِن الْتفت خاطره لتذكار ودوده والمخلص فِي دُعَائِهِ حَال رُكُوعه وَسُجُوده فَهُوَ بِخَير وعافية ونعمة وافرة وافيه نرجو من الله دوامها بدوام دعائكم إِذْ لَا شكّ أَنا من جملَة منسوبيكم وأنسابكم فَإنَّك الأَصْل فِي زكاء هَذَا الْفَرْع ونموه وَالسَّبَب الدَّاعِي إِلَى اعتلائه وسموه بامور يشْهد بهَا الخاطر فَتشهد بِالْإِقْرَارِ بنعم الله فِي الْبَاطِن وَالظَّاهِر غير أَن الخاطر كُله عنْدكُمْ وَفِي التألم لبعدكم وَمَا حصل لَهُ الْعَام من فقدكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 (رَوْضَة الْعلم قطبي بعد ضحك ... والبسي من بنفسج جلبابا) (وهبي النائحات منثور دمع ... فشقيق النُّعْمَان بَان وغابا) فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجزل لكم الثَّوَاب ويعوضكم خيرا فِيمَا بقى من الأحباب وَالسَّلَام وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف (ملكت سُورَة الرحيل عناني ... وأهاجت سواكن الأشجان) (أَتَمَنَّى أسرى وَهل يملك السّير ... طريح الندى أَسِير التداني) (يَا خليلي وَقْفَة بالمصلى ... عِنْد حمد السرى ودرك الْأَمَانِي) (فاعطفا وانزلا وبثا سلامي ... لوجيه الْعلَا فريد الْمعَانِي) (مرشد الْفضل وَابْنه من يضاهي ... عَالم الدّين عَابِد الرَّحْمَن) (أناما بَين لوعة علم الله ... وشوق لَهُ بطول الزَّمَان) (لَو تطِيق النياق شوقي لما ... جَفتْ خضوعا من تربها أجفاني) (وبقلبي من الوجيب إِلَيْهِ ... مثل مَا بالنياق من ثهلان) (فوعيش الصِّبَا وعهد التصابي ... وليالي الرِّضَا وَأنس التداني) (إِن قصدي لقياك لَكِن قيادي ... بيد لَيْسَ لي بهَا من يدان) فَرَاجعه (يَا خليلي بالصفا أسعداني ... وبوصل من الْإِيَاس عداني) بقوله (واحملا بعض مَا أُلَاقِي وبثا ... حَال صب متيم الْقلب عاني) (جِسْمه فِي جِيَاد وَالْقلب مِنْهُ ... فِي قرى مصر دَائِم الخفقان) (لم يزل شيقا ولوعا دواما ... شاخص الطّرف ساهر الأجفان) (يرقب النَّجْم ليله وَإِذا ... أصبح أضحى مناشد الركْبَان) (هَل رَأَيْتُمْ وَهل سَمِعْتُمْ حَدِيثا ... عَن قديم الأخا عَظِيم الْمعَانِي) (هُوَ تَاج للعارفين الَّذِي قد ... نَالَ ارثا عوارف الْعرْفَان) (من غَدا مُفردا بِمصْر بل الْعَصْر ... فَلَا يسمح الزَّمَان بثاني) (خص بِالْعلمِ والرياسة والود ... وهذي مواهب الرَّحْمَن) (فَهُوَ كنز وجامع لعلوم ... قد حواها بغاية الإتقان) (دَامَ فِينَا مبلغا مَا يُرْجَى ... من مُرَاد ورفعة وأماني) (مَا تغنى على الرياض هزار ... وأجابته أَلفه بالأغاني) وَله غير ذَلِك من الْآثَار وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود الْأَرْبَعين بعد الْألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 السَّيِّد تَاج العارفين بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي القادري أحد صُدُور المشايح ورؤساء المحافل بِدِمَشْق وَكَانَ شَيخا موقرا عالي الهمة مَبْسُوط الْكَفّ حمولا صبورا مداوما على الْعِبَادَة لَا يفتر عَنْهَا وَلزِمَ مُدَّة حَيَاته التَّرَدُّد إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي فِي السحر وَله نوبَة مَعَ أَخَوَيْهِ الاستاذ الْكَبِير الشَّيْخ صَالح والعالم الْعلم الشَّيْخ سلمَان فِي خدمَة مَزَار سَيِّدي الشَّيْخ أرسلان قدس الله سره وَكَانَ هُوَ الْقَائِم بأعباء أُمُور أَخِيه ومتعلقاتهم وَله تصرف عَجِيب وعقل وافر وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من الرؤساء الأخيار وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع وَعشْرين وَألف ووفاته فِي منتصف شهر ربيع الأول سنة تسع وَتِسْعين وَألف وَدفن بزاويتهم عِنْد أَبِيه وجده رَحمَه الله الشَّيْخ تَاج العارفين بن مُحَمَّد بن عَليّ أَبُو الْوَفَاء الْمصْرِيّ الشَّافِعِي أكبر أَوْلَاد الْأُسْتَاذ مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي سبط آل الْحسن كَانَ أَكْثَرهم مَالا وأوفرهم نعْمَة ذكره الْبكْرِيّ فِي تَارِيخه الَّذِي أَلفه فِي وُلَاة مصر فَقَالَ اشغل على أَبِيه وَغَيره من جَمَاهِير الْعلمَاء وتبحر فِي الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير وَالْأُصُول حَتَّى ألف تَفْسِير الْقُرْآن فِي أَربع مجلدات لم تبيض وَتَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام فِي مجلدين وَتَفْسِير سُورَة الْكَهْف فِي مُجَلد كَبِير وَتَفْسِير سُورَة الْفَتْح فِي مُجَلد مثله وَله رسائل عديدة وَشعر وَكَانَ فَاضلا كَامِلا وَله الْقدَم الراسخ فِي التصوف وَهُوَ أول من لقب بإفتاء السلطنة بِالْقَاهِرَةِ وَرَأَيْت لَهُ تَرْجَمَة فِي ذيل النَّجْم قَالَ عِنْدَمَا ذكره رَأَيْته بِمَكَّة سنة سبع وَألف فَرَأَيْت ملكا وحاله حَالَة الْمُلُوك لَا حَالَة الشُّيُوخ وسمته سمت الْأُمَرَاء لَا سمت الْعلمَاء وَإِن كَانَ فِي زيهم ومنخرطا فِي سلكهم فَإِنِّي رَأَيْته فِي حجرَة ينزلها أَهله عِنْد بَاب إِبْرَاهِيم وَرَأَيْت جدرانها مستورة بالرخوت المفضضة المطلية بِالذَّهَب وَالسُّيُوف المحلاة والتروس المكلفة وَرَأَيْت غلمانه الْحَبَش وَالتّرْك وكل وَاحِد عَلَيْهِ مَا يُسَاوِي المئات من الدَّنَانِير من لِبَاس الْحَرِير وَغَيره وَبَلغنِي أَن دائرته الَّتِي مَعَه فِي سفرته مائَة بعير وَمَا عَلَيْهَا ملكه غير الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَكَانَ مَعَه أَخُوهُ أَبُو الْمَوَاهِب وَهُوَ يُقَارِبه فِي سمته وَأَخُوهُ عبد الرَّحِيم وَهُوَ رجل مجذوب مَاتَ بِمَكَّة فِي تِلْكَ السّنة قَالَ وَرجع تَاج العارفين من سفرته تِلْكَ فَأَدْرَكته الْمنية قبل وُصُول الْحَاج الْمصْرِيّ إِلَى مصر بيومين وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة مَيتا فِي أَوَائِل صفر سنة ثَمَان وَألف هَكَذَا ذكره النَّجْم والبكري ذكر أَن وَفَاته لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثامن شهر ربيع الثَّانِي سنة سبع وَألف عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 سِتّ وَثَلَاثِينَ وَالله تَعَالَى أعلم أَي الْقَوْلَيْنِ الصَّوَاب القَاضِي تَقِيّ الدّين بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي الْمَعْرُوف بِالْقَاضِي التقى أصل وَالِده من مَدِينَة حمص وَولد هُوَ وَنَشَأ بصالحية دمشق وَكَانَ من ذَوي المروآت والفضائل كَامِل الإداة سخي النَّفس دمث الْأَخْلَاق حسن المطارحة لَهُ حسن أدب ومداراة لزم فِي مبدأ أمره أَبَا الْبَقَاء الصَّالِحِي الْمُقدم ذكره ثمَّ صَار من طلبة حسام الدّين مفتي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وسافر إِلَى الْحَج فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَلم يَتَيَسَّر لَهُ الْحَج بل أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ المنورة ثمَّ صَار شيخ الطَّعَام بالعمارة السُّلْطَانِيَّة السليمانية وَكَانَ لَهُ خدمَة بالسليمية أَيْضا وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى الْأَعْيَان ويتعهدهم بالهدية وَولي النِّيَابَة بالصالحية زَمَانا طَويلا ثمَّ سلك طَرِيق عُلَمَاء الرّوم ولازم ودرس بِأَرْبَعِينَ عثمانيا على قاعدتهم وَحج فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين ثمَّ ولي قَضَاء الركب الشَّامي وَسَار إِلَى الْحَج فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَصَارَ قسام الْعَسْكَر بِدِمَشْق وناب فِي الْقَضَاء بمحكمة الْبَاب وبالمحكمة الْكُبْرَى والميدان وَصَارَ محاسب الْأَوْقَاف وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من أَعْيَان أهل عصره وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع بعد الْألف وَتُوفِّي نَهَار الْأَرْبَعَاء ثامن شهر ربيع الأول سنة تسع وَخمسين وَألف وَدفن بسفح قاسيون وَكَانَ سَبَب مَوته التُّخمَة صَحبه قَاضِي دمشق الْمولى مصطفى بن جشمي قبل مَوته بِيَوْم إِلَى المنتزه الْمَعْرُوف بالسهرابية بالشرف القبلي من الْوَادي الْأَخْضَر فثقل من الطَّعَام وَفِي غَد ذَلِك الْيَوْم دخل إِلَى حمام الْمُقدم بالصالحية فَمَاتَ فِي دَاخله رَحمَه الله تَعَالَى تَقِيّ الدّين بن يحيى بن اسماعيل بن عبد الرَّحْمَن بن مصطفى السنجاري الْمَكِّيّ الْحَنَفِيّ الْفَاضِل الأديب النَّبِيل النبيه تَرْجَمَة السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي سلافته فَقَالَ فِي وَصفه أديب قَامَ بِهِ أدبه المكتسب إِذْ قعد بِهِ موروث الْحسب وَالنّسب فَهُوَ ابْن نَفسه العصامية إِذْ عدت الْآبَاء والجدود والمنشد لِسَان حَاله عِنْد افتخار السَّيِّد على المسود (مَا بقومي شرفت بل شرفوا بِي ... وبنفسي فخرت لَا بجدودي) سمع قَول بعض الأدباء (كن ابْن من شِئْت واكتسب أدبا ... يُغْنِيك مرورثه عَن الْحسب) فأجهد نَفسه فِي تَحْصِيل الْأَدَب واكتسابه وغنى عَن شرف النّسَب بانتمائه إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وانتسابه فتمثل فحرا على كل معرق غبي (إِن الْفَتى من يَقُول هَا أَنا ذَا ... لَيْسَ الْفَتى من يَقُول كَانَ أبي) قلت وَهَذِه التَّرْجَمَة كَانَت أعظم أَسبَاب التَّعَرُّض لسب السلافة وصاحبها فَإِن حفيد صَاحب التَّرْجَمَة صاحبنا الْفَاضِل الأديب عَليّ بن تَاج الدّين السنجاري لما رَآهَا استشاط غيظا وَعمل هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وهما (هَات اقر لي رَيْحَانَة ابْن خفاجة ... لأعطر بعد عروس لفظ مُحكم) (واترك سلافة رَافِضِي مبعد ... إِن السلافة لَا تحل لمُسلم) وَقَالَ أَيْضا (قولا لنجل ابْن مَعْصُوم إِذا نظرت ... إِلَيْهِ عيناكما عني وَلَا تخفا) (المزر أحسن من هذي السلافة إِذْ ... تديرها الْحَبَش فِي حيشانها غرفا) (مَا زِدْت عَن إِن أفدت النَّاس قاطبة ... يَا رَافِضِي بِمَا أضمرت للخلفا) وَقَالَ أَيْضا (مَا أحسن الْحق حِين يَبْدُو ... رغما على من يرى خِلَافه) (فَإِن للاسم والمسمى ... تنَاسبا عِنْد ذِي الظرافه) (مَجْمُوعَة ابْن النظام لما ... حوت من الرجس كل آفه) (وضمنت مدح قوم سوء ... روافض جاحدي الخلافه) (مَا سهل الله أَن تسمى ... لما حوته غير السلافه) وَمن ذَلِك كثر فِيهَا اللاغي والقادح وأهملت عَن الاعتناء بشأنها مَعَ أَنَّهَا أَحْرَى من كل حرى بِالْقبُولِ وَأَنت إِن اختبرتها عرفت لمؤلفها أغراضا قديمَة أَرَادَ بِهَذَا التَّأْلِيف تقييدها وَمن جملَة أغراضه أَنه إِذا ترْجم شِيعِيًّا يغالي فِي مدحه ويبالغ فِي تَعْظِيمه وَالْإِشَارَة إِلَيْهِ وَإِذ إِذْ كرسنيا لَا يُعْطِيهِ حَقه بل ينكت عَلَيْهِ حَتَّى أَنه لما ترْجم السَّيِّد الْجَلِيل الْمجمع على جلالته وَكَمَال علمه عمر بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ رَمَاه بسنان لِسَانه وَتكلم عَلَيْهِ بزوره وبهتانه وَبِالْجُمْلَةِ فَالله يسامحه على مَا ارْتَكَبهُ من الازدراء والامتهان فِيمَن تَرْجمهُ من الْفُضَلَاء والأعيان عود الْخَبَر صَاحب التَّرْجَمَة وَرَأَيْت لَهُ تَرْجَمَة فِي مَجْمُوع بِخَط الْأَخ الْفَاضِل الأديب مصطفى بن فتح الله وأغلب الِاحْتِمَال أَنَّهَا لَهُ قَالَ فِيهَا سَابق فرسَان الْإِحْسَان وَعين أَعْيَان الْبَيَان والتبيان رفع للعلوم رايه وَجمع فِيهَا بَين الرِّوَايَة والدراية وغاص فِي بَحر الْأَدَب فاستخرج درره وسما إِلَى مطالعه فاستجلى غرره فنظم اللآلئ والدراري ونثر وجدد مَا درس من مغاني الْمعَانِي ودثر ثمَّ أنْشد لَهُ من شعره قَوْله ملغزا فِي نَخْلَة وَكتب بهَا إِلَى القَاضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 تَاج الدّين الْمَالِكِي الْمُقدم ذكره (أَيهَا المصقع الَّذِي شرف ... الدَّهْر وَأَحْيَا دوارس الْآدَاب) (والهمام الَّذِي تسامى فخارا ... وتناهى فِي الْعلم والأحساب) (والخطيب الَّذِي إِذا قَالَ أما ... بعد أشفى بوعظه المستطاب) (وَالْإِمَام الَّذِي تهذب طفْلا ... وذكا فِي الْعُلُوم والأنساب) (جِئْت أَرْجُو كشفا لشَيْء تناهى ... فِي العلى وَاكْتفى عَن الْحجاب) (إِن تصحفه كَانَ فِيهِ شِفَاء ... وَبِه النَّص جَاءَنَا فِي الْكتاب) (وَلَك الْفضل إِن تصحفه أَيْضا ... بالعطا لَا بَرحت سامي الرحاب) (مُفْرد إِن حذفت مِنْهُ أخيرا ... صَار جمعاجنسا بِغَيْر ارتياب) (أَو وصلت الْأَخير مِنْهُ بصدر ... كَانَ عدا بِرَأْي أهل الْحساب) (أَو بثان إِن ضم تال إِلَيْهِ ... فَهُوَ خل من أعظم الْأَصْحَاب) (وَإِذا مَا صحفته لذ للنَّفس ... مذاقا فِي مطعم وشراب) (خل نصفا يحل عَنهُ وبادر ... قلع عين مَا إِن لَهَا من حِسَاب) (قلع الله عين شانيك يَا من ... قدره قد سما عَن الأسهاب) (وابق فِي نعْمَة وَعز منيع ... مَا حدا بالحجاز حادي الركاب) فَأَجَابَهُ بقوله (يَا إِمَامًا صلي وَسلم كل ... خَلفه من أَئِمَّة الْآدَاب) (وخطيبا رقي فضمخ طيبا ... مِنْبَر الْوَعْظ مِنْهُ فصل الْخطاب) (لم ينافس لدي التَّقَدُّم إِلَّا ... قَالَ محرابه هُوَ الأحرى بِي) (أشرقت شمس فَضله لَا تَوَارَتْ ... عينهَا عَن عياننا بحجاب) (وأتى روض فكره بعروس ... قد أمدت أنهارها من عباب) (تَقْتَضِي مني الْجَواب وعذرى ... فِي جوابي حوشيت أَن الجوى بِي) (شبه فِي حشاي فقد فتاة ... رحلت تمتطي متون الرّقاب) (وانطوت بعد بَينهَا بسط بسطي ... وَانْقَضَت دولة الصِّبَا والتصابي) (لَيْت شعري بِمن أهيم وشمسي ... مَا لَهَا فِي أفولها من أياب) (كَيفَ أصبو ووردة كَانَ روض الْأنس ... يزهو بهَا ثوث فِي التُّرَاب) (لَا وعيش مضى بهَا فِي نعيم ... لست أصبو من بعْدهَا لكعاب) (هَات قل لي يَا ملعب السرب مَالِي ... لَا أرى فِيك ظَبْيَة الأتراب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 (قَالَ سل حاسب الْكَوَاكِب عَمَّا ... حَار فِي دَفعه أولو الْأَلْبَاب) (أَصبَحت من بَنَات نعش وَكَانَت ... بدر تمّ فَهَل ترى من جَوَاب) (فابسط الْعذر يَا أَخا الْفضل فضلا ... أَن تجدني أَخْطَأت صوب الصَّوَاب) (أتصيب الصَّوَاب فكرة صب ... يحتسي كأس فرقة الأحباب) (وتطول وأسبل السّتْر صفحا ... فَهُوَ شَأْن الْخلّ الْمُحب المحابي) (فِي جَوَاب عَن نَخْلَة قد أتتنا ... بجني النَّحْل فِي سطور الْكتاب) (أتحفتنا باللغز فِي اسْم لاخت ... لَا بَينا خصت بذا الانتساب) (وَكَسَاهَا الْمَرْوِيّ من شبه الْمُؤمن ... فضلا فِي سَائِر الأحقاب) (وَهِي ترقي من غير سوء فطورا ... يسْتَحق الْجَانِي أَلِيم الْعَذَاب) (ثمَّ طورا وَهُوَ الْكثير يرى ... الْجَانِي عَلَيْهَا من أفضل الْأَصْحَاب) (وَلها أَن تشأ تصاحيف مِنْهَا ... مُفْرد فِيهِ غَايَة الأغراب) (جَاءَ قلب اسْم جنسه وَهُوَ لحن ... لَا تنافيه صَنْعَة الْأَعْرَاب) (ومسمى التَّصْحِيف هَذَا إِلَيْهِ الله ... أوحى سُبْحَانَهُ فِي الْكتاب) (وهوذ شَوْكَة وجند عَظِيم ... خلف يعسو بِهِ بِغَيْر حِسَاب) (ذُو دوِي فِي جحفل يمْلَأ الجو ... كرعد فِي مكفهر السَّحَاب) (حَيَوَان وَإِن يصحف جماد ... مفصح عَن مُرَاد سامي الجناب) (يَا خليلي بل يَا أَنا فِي اتِّحَاد ... بك عَيْني بدا بِغَيْر ارتياب) (إِن صنعي فِي حلي اللغز ... باللغز بديع فَلَا تفه بعتابي) (وابق فِي نعْمَة وَفِي جمع شَمل ... ببنيك الأفاضل الإنجاب) (مَا سرت نفحة الأزاهر تروي ... ضحك الرَّوْض من بكاء السَّحَاب) وأعقب ذَلِك بنثر صورته الْمولى الَّذِي إِذا أَخذ الْقَلَم وشي وَأرى غباره أَرْبَاب البلاغة والإنشا لَا يرى من رَمَاه الدَّهْر بسهمه ولعبت صوالج الأحزان بكرَة فهمه فمزج الْمَدْح بالرثاء وقابل النَّضر بالغثاء فقد بَان عذره واتضح فعل الزَّمَان بِهِ وغدره وَقد كنت قبل إدراج هَذَا الرثاء فِي اثناء الْجَواب أرقت ذَات لَيْلَة من تجرع صاب ذَلِك الْمُصَاب فنفثت القريحة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي كَاد أَن لَا يكون لَهَا صَبِيحَة (لقد كَانَ روض الْأنس يزهو بوردة ... شذا كل عطر بعد نفحة طيبها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 (فَمد إِلَيْهَا الْبَين كف اقتطافه ... وأمحل ذَاك الرَّوْض بعد مغيبها) (وَلم يصف لي من بعْدهَا كأس لَذَّة ... وَكَيف تلذ النَّفس بعد حبيبها) (فروى ثراها يَا سحائب أدمعي ... وَمن لي بِأَن تروى بسح صبيبها) فقصدت أَن أثبتها فِي ذيل الْجَواب وأخرياته لما عَسى أَن تكون من محفوظات مَوْلَانَا ومروياته وَقد طَال هَذَا إلهذا وطغى الْقَلَم بِمَا هُوَ للعين قذا فلنحبس عنانه ونرح سمع الْمولى وعيانه وَكَانَت ولادَة صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة عشر بعد الْألف بِمَكَّة وَتُوفِّي بهَا فِي سنة سبع وَخمسين وَألف وَدفن بالمعلاة والسنجاري بِكَسْر السِّين نِسْبَة إِلَى الْبَلدة الْمَعْرُوفَة القَاضِي تَقِيّ الدّين التَّمِيمِي الْغَزِّي الْحَنَفِيّ صَاحب الطَّبَقَات الْعَالم الْعلم الْفَاضِل الأديب لجم الْفَائِدَة المفنن أَخذ عَن عُلَمَاء كثيرين وجال فِي الْبِلَاد وَدخل الرّوم وَألف وصنف وَأحسن مَاله من التآليف طَبَقَات الْحَنَفِيَّة وقفت على حِصَّة مِنْهَا وَقد جمع فِيهَا جملَة من عُلَمَاء الرّوم وعظمائها وأكابر سارتها ورؤسائها وَذكره الخفاجي فِي ريحانته وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر أَنه كَانَ فِي مبدأ أمره وإقبال طلائع عمره حرفته الزهاده وحانوته السجادة ثمَّ سَاقه الْقدر والقضا فَرضِي بِمَا قدره الله وَقضى بَعْدَمَا كَانَ يَقُول (من تمنى القضا فَلَا تعطينه ... وَاجعَل الْمَوْت سَابِقًا للْقَضَاء) وَقد قَالُوا أَن من تولى الْقَضَاء وَلم يفْتَقر فَهُوَ لص والآن قد افْتَقَرت اللُّصُوص لما سرقت الْأُمَرَاء من الْخَوَاتِم الفصوص وَالسَّارِق إِذا سرق من سَارِق فقد عَامله بِرَأْس مَاله وَقَالَ الرِّبْح والفائدة السَّلامَة من خسران وباله وَمَا يسلب قَاطع الطَّرِيق الْعُرْيَان بل يهديه للسبيل وَيُعْطِيه الْأمان وَأورد من شعره قَوْله وَقد لبس من الْقَضَاء خلع المذلة وحاكت لَهُ الأطماع من نصب المناصب حلّه (أحبابنا نوب الزَّمَان كَثِيرَة ... وَأمر مِنْهَا رفْعَة السُّفَهَاء) (فَمَتَى يفِيق الدَّهْر من سكراته ... وَأرى الْيَهُود بذلة الْفُقَهَاء) وَله أَيْضا (مَا أَبْصرت عين امْرِئ ... فِي الدَّهْر يَوْمًا مثلنَا) (عشق وحرمان بِهِ ... أبدا تَرَانَا فِي عَنَّا) (الدون لَا نرضى بِهِ ... والعال لَا يرضى بِنَا) والعال بِمَعْنى العالي إِلَّا أَنَّهَا عامية مبتذلة وَقيل لِابْنِ المقفع لم لَا تَقول الشّعْر فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 لَا يَجِيء مَا نرضاه وَمَا نرضاه لَا يحيء وَله أَيْضا (إِذا أَكثر العَبْد الذُّنُوب وَلم يكن ... لَهُ شَافِع من حسنه يُوجب العذرا) (وأبصرت مَعَ مَوْلَاهُ الذَّنب ممهلا ... عَلَيْهِ فحقق أَن بَينهمَا أمرا) وَله (وَإِذا أَسَاءَ إِلَيْك خَادِم سيد ... وَأقرهُ فارحل وَلَا تتَوَقَّف) (وَاعْلَم بأنك قد ثقلت وَأَنه ... أَعْطَاك إِذْنا بالرحيل فَخفف) وَله (لنا صديق لَهُ بالغانيات هوى ... وابره لَا يزَال الدَّهْر طراقا) (كَأَنَّمَا هُوَ حرباء الهجير ضحى ... لَا يُرْسل السَّاق لَا ممسكا ساقا) وَقد سبقه لهَذَا ابْن الْأَنْبَارِي الْمصْرِيّ فَقَالَ (لَا يشغلنك شَيْء فِي زَمَانك عَن ... وصل الملاح وحاذر كل مَا عاقا) (وَكن كَمَا قيل فِي الحرباء من فطن ... لَا يُرْسل السَّاق إِلَّا ممسكا ساقا) وَهُوَ تضمين من قَول بعض شعراء الْجَاهِلِيَّة (إِنِّي يتيح لَهُ حرباء تنضبة ... لَا يُرْسل السَّاق إِلَّا ممسكا ساقا) والساق فِيهِ غُصْن الشَّجَرَة وَمن الْإِنْسَان مَعْرُوف وَبِه قَامَت التورية وضربه بعض الْعَرَب مثلا بألد الْخِصَام الَّذِي كلما انْقَضتْ حجَّة أَقَامَ لَهُ أُخْرَى والحرباء دويبة تسمى أم حبيرة تتلون ألوانا مَعَ الشَّمْس وتكنى أباقرة وَيُقَال حرباء تنضب كَمَا يُقَال ذِئْب غضا وَهُوَ شجر تتَّخذ مِنْهُ السِّهَام جمع تنضبة ويف الْمثل أحزم من حرباء لِأَنَّهُ مَعَ تقلبه مَعَ الشَّمْس لَا يُرْسل يَده من غُصْن حَتَّى يمسك آخر وَهُوَ الَّذِي عناه الشَّاعِر وضربه ابْن الرُّومِي مثلا للقبح فِي كَثْرَة التقلب انْتهى وَكَانَت وَفَاة التَّمِيمِي بِمصْر يَوْم السبت خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشر وَألف وَهُوَ فِي سنّ الكهولة رَحمَه الله تَعَالَى المنلا توفيق بن مُحَمَّد الكيلاني نزيل قسطنطينية وَأحد الْمُحَقِّقين الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ الباهر والحذق التَّام والمعرفة فِي الْفُنُون الغربية كالحكميات والإلهيات والرياضيات حصل ودأب ببلاده ثمَّ قدم إِلَى آمد وَأقَام بهَا مُدَّة يدرس ويفيد فِي الْعُلُوم وَكَانَ إِذْ ذَاك المنلا عماد الْآمِدِيّ بهَا وَكَانَ يَقع بَينهمَا مناظرات ومحاورات وَلما ولي حسن باشا بن مُحَمَّد باشا حُكُومَة الشَّام سَافر فِي صحبته إِلَيْهَا وَأَقَامَا بهَا مُدَّة ثمَّ رَحل المنلا توفيق إِلَى الرّوم وانحاز إِلَى الْمولى سعد الدّين بن حسن جَان معلم السُّلْطَان فعينه معلما لأولاده واتخذه نديما ومصاحبا وبسببه طَنَّتْ صحاة فَضله واشتهر وَأعْطى مدرسة حرزي قَاسم باشا الَّتِي بِأَيُّوب على طَرِيق التقاعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 هَكَذَا ذكر ابْن نوعى خَبره فِي ذيله التركي وَذكره البوريني فِي تَارِيخه وَأثْنى عَلَيْهِ قَالَ فِي تَرْجَمته كَانَت لَهُ مُعَارضَة مَعَ الْعِمَاد الْحَنَفِيّ السَّمرقَنْدِي الباياسوني النعماني وَكَانَ أهل النّظر لَا يرونه أَهلا لمعارضة الْعِمَاد وطالت بَينهمَا الْمُعَارضَة والمحاورة حَتَّى أَنَّهُمَا لم يجتمعا فِي مجْلِس لَكِن كَانَت السفار بَينهمَا غير مندفعة حَتَّى أَن المنلا توفيق لقب الْعِمَاد بقوله هُوَ كَيفَ الدّين لِأَنَّهُ كَانَ يتَنَاوَل شَيْئا من الأفيون فَأرْسل الْعِمَاد إِلَيْهِ قَائِلا الدّين مَاله كَيفَ بل لَهُ زائر وضيف فَأَنت يَا توفيق ضيف الدّين وَذَلِكَ لِأَنَّك كنت كيلانيا وَأهل كيلان زيديون وهم قسم من الشِّيعَة يرَوْنَ الْإِمَامَة لزيد بن الْحسن فَكَأَنَّهُ لما ترك تِلْكَ الْبِلَاد وَصَارَ حنفيا فِي بِلَاد آمد صَار ضيفا للدّين لِأَنَّهُ نزيل أهل السّنة وشاعت بَينهمَا أَمْثَال هَذِه الْأَقَاوِيل ثمَّ رَحل الْعِمَاد إِلَى دمشق ورحل توفيق إِلَى الرّوم فَتوفي بهَا فِي سنة عشر وَألف (حرف الْجِيم) جَار الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْقُدسِي الْمَعْرُوف بِابْن أبي اللطف الحصكفي الأَصْل مفتي الْحَنَفِيَّة ومدرس الْمدرسَة العثمانية بالقدس تولاها بعد موت عَمه عمر وَتوجه إِلَى الرّوم بعد موت عَمه الْمَذْكُور وتقرر فِي هَذِه المناصب وَله رحْلَة سَابِقَة إِلَى مصر أَخذ بهَا الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه عَن عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر وَأخذ عَن عَمه شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد وَكَانَ يُحِبهُ جدا حَتَّى أَنه زوجه ابْنَته قَالَ الْحسن البوريني حكى لي ولد مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ الشَّيْخ كَمَال الدّين مُحَمَّد بن أبي اللطف الْآتِي ذكره أَن وَالِده كَانَ قد زعم أَن يُزَوّج ابْنَته الْمَذْكُورَة بِابْن أَخ آخر لَهُ فرأت امْرَأَة صَالِحَة فِي دَارهم وَالِد الشَّيْخ مُحَمَّد وَهُوَ شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد شمس الدّين وَهُوَ يَقُول هَذِه الْبِنْت لَا يُعْطِيهَا مُحَمَّد لفُلَان بل يُعْطِيهَا لِجَار الله وَهَكَذَا رأى هَذَا الْمَنَام بِعَيْنِه رجل صَالح ضَاعَ عني اسْمه فَلَزِمَ أَنه أَعْطَاهَا لِجَار الله كَمَا حكم وَالِده فِي الرُّؤْيَا وَأصَاب فِي ذَلِك فَإِن ابْن أَخِيه الآخر مَاتَ سَرِيعا وَلم ينْتج وأنتج جَار الله وَكَانَ عَالما فَاضلا سخيا طلق الْكَفّ طلق الْوَجْه مبذول الْقرى قَرَأت بِخَط الْعَلامَة مُحَمَّد بن نعْمَان الأيجي الدِّمَشْقِي فِي مَجْمُوع لَهُ ذكر فِيهِ بعض وفيات قَالَ توفّي جَار الله مفتي الْقُدس فِي أَوَائِل شعْبَان سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف وَورد خبر مَوته إِلَى دمشق فِي أواسط شعْبَان وَكَانَت وَفَاته فَجْأَة من غير عِلّة وَسَيَأْتِي وَلَده على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 مفتي الْقُدس رَحمَه الله تَعَالَى جَعْفَر الصادقبن بن عَليّ بن زين العابدين بن عبد الله بن شيخ بن عبيد الله بن شيخ ابْن الشَّيْخ عبد الله العيدروس اليمني الشَّافِعِي الشريف الْفَائِق الْأَجَل الْمولى الْعلي الْقدر ولد بِمَدِينَة تريم وَصَحب أَبَاهُ ولازمه مُدَّة فِي فنون عديدة وَحفظ الْقُرْآن وجوده وَحفظ الْإِرْشَاد والمحلة والقطر وَغَيرهَا وَأخذ عَن ابْن عَمه عبد الرَّحْمَن السقاف ابْن مُحَمَّد العيدروس وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب وَالشَّيْخ زين بن حُسَيْن بَافضل وَأبي بكر الشلي باعلوي وبرع فِي التَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث والتصوف والعربية والحساب والفلك والفرائض وَكَانَ ناضر الْعَيْش رخى البال وأتحفه الله بِحسن الْفَهم وجمال الصُّورَة وَكَمَال الْخلقَة ورزقه قبولا تَاما وَكَانَ بيغا فِي نظمه وإنشائه ثمَّ حج وَأخذ بالحرمين عَن جمَاعَة ثمَّ عَاد إِلَى تريم وَلم يدْخل إِلَى بلد إِلَّا وأكرمه واليها غَايَة الْإِكْرَام وَلما قرب من تريم خرج النَّاس للقائه وَدخل فِي جَمِيع لم يتَّفق لأحد من أهل بَيته وَكَثُرت مزاحمة الرِّجَال وأرباب الدفوف والشبابات بَين يَدَيْهِ والمداح تمدحه وَتثني عَلَيْهِ وَسبب ذَلِك أَن أَبَاهُ كَانَ مُتَوَلِّيًا أَمر الإشراف وَكَانَ لَهُ إِلَيْهِ محبَّة زَائِدَة وَأقَام بتريم مُدَّة ثمَّ رَحل إِلَى الْهِنْد لطلب الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة فَدخل بندر سورت للأخذ عَن عَمه الشريف مُحَمَّد ثمَّ قصد إقليم الدكن فاتصل ثمَّة بالوزير الْأَعْظَم الْملك عنبر فنظمه فِي سلك ندمائه وناظر الْعلمَاء بِحَضْرَتِهِ فَظهر عيهم ثمَّ تصدر للتدريس واعتنى بِلِسَان الْفرس فحصله فِي مُدَّة يسيرَة وَلما رأى بعض الْعَجم العقد النَّبَوِيّ لجده الامام شيخ بن عبد الله طلب مِنْهُ أَن يترجمه لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ فترجمه بِأَحْسَن عبارَة وَلم يزل حَتَّى مَاتَ الْملك عنبر وأقيم وَلَده فتخ خَان مقَامه فَزَاد فِي إجلال صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى أَن قدر الله تَعَالَى على تِلْكَ الدولة مَا قدر من نفادها وتشتت أَرْبَابهَا فَعَاد الصَّادِق إِلَى بندر سورت وَقرر على مَا كَانَ عَلَيْهِ عَمه مُحَمَّد العيدروس من الْمَعْلُوم والغلال وزادوه كثيرا من الْأَرَاضِي فَكَانَ ينفقها على الْوَارِد وَألقى بالبندر عَصَاهُ واشتهر أمره وطنت حصاته وَكَانَ لَهُ من الْولَايَة نصيب وافر وَله كرامات ومكاشفات مِنْهَا مَا حدث بِهِ بعض الثِّقَات من أهل مَكَّة قَالَ أردْت السّفر لى وطني وَأَنا ببندر سورت فَدخلت عَلَيْهِ أودعهُ وأسأله الدُّعَاء بالوصول إِلَيْهَا سالما فَقَالَ لي تسْعَى بَين الصَّفَا والمروة فِي الْيَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من هَذَا الْيَوْم قَالَ فَلَمَّا وصلتها بَيْنَمَا أَنا أسعى إِذْ سَأَلَني رجل عَن السَّيِّد الْمَذْكُور فتذكرت قَوْله لي وحسبت الْأَيَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 فَإِذا الْأَمر كَمَا قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من خِيَار الْقَوْم وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن فِي مشْهد عَمه مُحَمَّد العبدروس وقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى جَعْفَر أَبُو الْبَحْر بن مُحَمَّد بن حسن بن عَليّ بن نَاصِر بن عبد الإِمَام الشهير بالخطي البحراني الْعَبْدي أحد بني عبد الْقَيْس بن شقّ بن قصي بن دعمة بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان ذكره فِي السلافة فَقَالَ فِي وَصفه ناهج طرق البلاغة والفصاحة الزاخر الباحة الرحيب الساحة البديع الْأَثر والعيان الْحَكِيم الشّعْر السَّاحر الْبَيَان ثقف بالبراعة قداحه وأدار على المسامع كؤسه وأقداحه فَأتى بِكُل مُبْتَدع مطرب ومخترع فِي جنسه مغرب وَمَعَ قرب عَهده قد بلغ ديوَان شعره من الشُّهْرَة الدى وَسَار بِهِ من لَا يسير مشمرا أَو غنى بِهِ من لَا يُغني مغردا وَكَانَ قد دخل الديار العجمية فقطن مِنْهَا بِفَارِس وَلم يزل وَهُوَ لرياض الْأَدَب جَان وغارس حَتَّى اختطفته أَيدي الْمنون فعرس بِفنَاء الفناء وخلد عرائس الْفُنُون وَلما دخل أَصْبَهَان اجْتمع بالشيخ بهاء الدّين مُحَمَّد العاملي وَعرض عَلَيْهِ أدبه فاقترح عَلَيْهِ مُعَارضَة قصيدته الَّتِي أَولهَا قَوْله (سرى الْبَرْق من جد فهيج تذكاري ... عهودا بجدوى والعذيب وَذي قار) فعارضه بقصيدة مطْلعهَا (هِيَ الدَّار تستسقيك مد مَعَك الْجَارِي ... فسقيا وَخير الدمع مَا كَانَ للدَّار) (وَلَا تستضع دمعا تريق مصونه ... لعزته مَا بَين نور أَحْجَار) (فَأَنت امْرُؤ بالْأَمْس قد كنت جارها ... وللجار حق قد علمت على الْجَار) (عشوت على اللَّذَّات فِيهَا على سنا ... سناء شموس مَا يغبن وأبكار) (فَأَصْبَحت قد أنفقت أطيب مَا مضى ... من الْعُمر فِيهَا بَين عون وأقمار) (نواصع بيض لَو أفضن على الدجى ... سناهن لاستغنى عَن الْكَوْكَب الساري) (خرائد يبصرن الْأُصُول بأوجه ... تغص بأمواه النضارة أَحْرَار) (معاطير لم تغمس يَد فِي لطيمة ... لَهُنَّ وَلَا استعبقن جونة عطار) (أبحنك مَمْنُوع الْوِصَال نواز لَا ... على حكم ناه كَيفَ شَاءَ وأمار) (أذابت تستقي الثغور مدامة ... أتتك فحيتك الخدود بأزهار) (أموسم لذاتي وسوق مآربي ... ومجني لباناتي ومنهب أوطاري) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 (سقتك برغم الْمحل أخلاف مزنة ... تلف إِذا جَاشَتْ سهولا بأوعار) (وفج كَمَا شَاءَ المجال خشوبه ... بعزمة عواد على الهول كرار) (تمرس بالأسفار حَتَّى تركنه ... لدقته كالقدح أرهفه الْبَارِي) (إِلَى ماجد يعزي إِذا انتسب الورى ... إِلَى معشر بيض أماجد أخيار) (ومضطلع بِالْفَضْلِ زر قمصه ... على كنز آثَار وعيبة أسرار) (سمى النَّبِي الْمُصْطَفى وأمينه ... على الدّين فِي إِيرَاد حكم وإصدار) (بِهِ قَامَ بعد الْميل وانتصبت بِهِ ... دعائم قد كَانَت على جرف هار) (فَلَمَّا أناخت بِي على بَاب دَاره ... مطاياي لم أذمم مغبة أسفاري) (نزلت بمغمتي الرواقين دَاره ... مثابة طواف وكعبة زوار) (فَكَانَ نزولي إِذْ نزلت بمغدق ... على الْمجد فضل الْبر عَار من الْعَار) (أساغ على رغم الحواسد مشربي ... وأعذب ورد الْعَيْش لي بعد امرار) (وأنقذني من قَبْضَة الدَّهْر بَعْدَمَا ... ألح بأنياب عَليّ وأظفار) (جهلت على مَعْرُوف فضلى فَلم يكن ... سواهُ من الأقوام يعرف مقداري) وَلما انْتهى إِلَى هَذَا الْبَيْت فِي الإنشاد قَالَ وَأَشَارَ إِلَى جمَاعَة من سادة البحريين وَهَؤُلَاء يعْرفُونَ مقدارك إِن شَاءَ الله تَعَالَى (على أَنه لم يبْق فِيمَا أَظُنهُ ... من الأَرْض شبر لم تطبقه أخباري) (وَلَا غرو فالأكسير أكبر شهرة ... وَمَا زَالَ من جهل بِهِ تَحت أَسْتَار) (مَتى بل لي كف فلست بآسف ... على دِرْهَم إِن لم ينله ودينار) (فيا ابْن الالى أثنى الْوَصِيّ عَلَيْهِم ... بِمَا لَيْسَ تثنى وَجهه يَد انكار) (بصفين إِذْ لم يلفه من أوليائه ... وَقد عض نَاب للورى غير فرار) (وَأبْصر مِنْهُم جن حَرْب تهافتوا ... على الْمَوْت اسراع الْفراش على النَّار) (سرَاعًا إِلَى دَعْوَى الْمنون يرونها ... على شربهَا الْأَعْمَار مورد أَعمار) (أطاروا غمود الْبيض واتكلوا على ... مفارق قوم فارقوا الْحق كفار) (وأرسوا وَقد لاثوا على الركب الجنى ... بروكا كهدى أبركوه لجزار) (فَقَالَ وَقد طابت هُنَالك نَفسه ... رضَا وأقروا عينه أَي إِقْرَار) (فَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة ... كَمَا أفصحت عَنهُ صحيحات أَخْبَار) يُشِير إِلَى هَمدَان وَهِي قَبيلَة من الْيمن يَنْتَهِي إِلَيْهِم نسب الممدوح وَكَانُوا قد أبلوا يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 صفّين بلَاء حسنا فروى أَنهم فِي بعض أَيَّامهَا حِين استجر الْقَتْل وَرَأَوا فرار النَّاس عَمدُوا إِلَى غمود سيوفهم فكسروها وعقلوا أنفسهم بعمائمهم وجثوا اللركب وبركوا للْقَتْل فَقَالَ فيهم أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه وَرَضي عَنهُ (لهمدان أَخْلَاق وَدين يزينها ... وبأس إِذْ لاقوا وَحسن كَلَام) (فَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة ... لَقلت لهمدان ادخُلُوا بِسَلام) وَقَالَ فيهم يَوْم الْجمل لَو تمت عدتهمْ ألفا لعبد الله حق عِبَادَته وَكَانَ إِذا رَآهُمْ تمثل بقول الشَّاعِر (ناديت هَمدَان والأبواب مغلقة ... وَمثل هَمدَان سني فَتْحة الْبَاب) (كالهندواني لم تقلل مضار بِهِ ... وَجه جميل وقلب غير وجاب) ذكره ابْن عبد ربه فِي العقد وهمدان بِسُكُون الْمِيم وَبعدهَا ذال مُهْملَة وَأما همذان بِفَتْح الْمِيم والذل الْمُعْجَمَة فبلد من بِلَاد الْعَجم وَهِي أول عراق الْعَجم وإليها ينْسب بديع الْجمال الهمذاني صَاحب المقامات الَّذِي اقتفى الحريري أَثَره فِيهَا وَتَمام القصيدة مَوْجُود فِي ديوَان صَاحب التَّرْجَمَة وَقد قرظ لَهُ عَلَيْهَا الشَّيْخ بهاء الدّين تقريظا حسنا ذكره فِي السلافة وَذكر لَهُ بعض أشعار أوردت مِنْهَا قِطْعَة فِي النفخة الَّتِي ذيلت بهَا على الريحانة ومطلعها (عاطنيها قبل ابتسام الصَّباح) وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى جَعْفَر باشا الْوَزير الخطير صَاحب الْيمن ذكره الإِمَام الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه وَقَالَ سَمِعت من لفظ وَالِدي قَالَ تباحثت أَنا وإياه فِي خَمْسَة عُلُوم التَّفْسِير والْحَدِيث والمعاني وَالْبَيَان والقراآت فَوَجَدته فِي كل مِنْهَا كَامِلا وَذكر مُحَمَّد بن كاني الرُّومِي فِي تَارِيخه أَنه كَانَ حَاكم بِلَاد الْحَبَشَة فأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بِبِلَاد الْيمن فوصل إِلَى بندر الصليف من حُدُود الْيمن فِي تَاسِع عشر شهر ربيع الآخر سنة سِتّ عشرَة وَألف وَدخل مَدِينَة صنعاء فِي رَابِع عشرى شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ جَامعا بَين محَاسِن الْخِصَال ومراتب الْكَمَال وَكَانَ عَالما عَاملا وَفِيه من الدّيانَة والتهجد مَا هُوَ كثير على امثاله وَكَانَ خليقا بِكُل وصف حسن إِلَّا أَنه كَانَ يحب الْفَخر وَفِيه من التبه شَيْء لطيف وَمن نظر إِلَيْهِ فِي بعض مجَالِس أنسه وَكَثْرَة انبساطه ظن أَنه يَعْتَرِيه الجذب وَلَو أَمن من سفك الدِّمَاء فِي آخر مَجِيئه إِلَى الْيمن لَكَانَ مِمَّن ملك الْقُلُوب وَهُوَ مَعْذُور فِي هَذَا الْأَمر فَإِنَّهُ لما دخل صنعاء تصفح أَحْوَال الْبِلَاد فَرَأى أَن تقوى الإِمَام الْقَاسِم بمساعدة عبد الرَّحِيم بن المطهر وَذَلِكَ بِسَبَب عزم سِنَان باشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 فَاسْتحْسن مصالحة الإِمَام فَصَالحه يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشري ذِي الْحجَّة سنة سِتّ عشرَة وَألف على جِهَات مَعْلُومَة وَهِي بِلَاد الأهتوم وبلاد عَدو والقصمات ووادعة وبلاد برض وَشرط الإِمَام خُرُوج أَوْلَاده ومكالفه وَأَصْحَابه من حصن كوكبان فَأَطْلَقَهُمْ الْوَزير الْمَذْكُور وَأحسن إِلَيْهِم إِلَى وَلَده السَّيِّد مُحَمَّد وتوجهت العساكر على عبد الرَّحِيم فَأسرهُ وأرسله إِلَى العتبة السُّلْطَانِيَّة فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان عشرَة وَألف وواجهه أَخُوهُ الْأَمِير أَحْمد والأمير مُحَمَّد فأكرمهما بصنجقين وسلطانيين وَفتح بِلَاد حجَّة والشرف وبلاده وحصونه وَفتح بِلَاد نبوه وصاب وَشرع فِي نظام الْبِلَاد وَسَار سيرة مرضية فوصلت الْأَخْبَار إِلَى الْيمن أَنَّهَا تَوَجَّهت إِلَى ضَابِط الْجند الْوَزير إِبْرَاهِيم فَخرج الْوَزير جَعْفَر قَاصِدا إِلَى الْأَبْوَاب فِي حادي عشر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَوصل الْوَزير إِبْرَاهِيم إِلَى بندر الصليف فِي سلخ صفر وَخرج إِلَى الْبر غرَّة شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين فطلع من الْيمن مُتَوَجها إِلَى صنعاء فَمَال إِلَيْهِ الْأَمِير عبد الله كتخدا الْوَزير جَعْفَر وانضم إِلَيْهِ وَلم يرع لوَلِيّ نعْمَته حُرْمَة وَلَا راقب فِيهِ ذمَّة فعين الْوَزير إِبْرَاهِيم مَعَه عسكراً جراراً وعينه عَلَيْهِم وعَلى من بصنعا من العساكر أمره بالتقدم قبله إِلَى صنعاء فَتقدم ونهض الْوَزير إِبْرَاهِيم إِلَيْهَا فوصل إِلَى زمار وَهُوَ مَرِيض ثمَّ نَهَضَ مِنْهَا فَلَمَّا وصل إِلَى منقذة وَهِي على مرحلة من زمارٍ مَاتَ وَفِي سَبَب مَوته أقاويل وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشري جُمَادَى الأولى من السّنة وَقد كَانَ الْوَزير جَعْفَر وصل إِلَى زبيد وَاسْتقر بهَا لأجل تَكْمِيل مهمات يحْتَاج إِلَيْهَا فِي الطَّرِيق فوصلت إِلَيْهِ الْأَخْبَار بِمَوْت خَلفه فَرجع قَاصِدا صنعاء لما أرسل إِلَيْهِ أَعْيَان الْبِلَاد المجتمعون فِي مَدِينَة زمار خَارِجا عَمَّن كَانَ مَعَ الْأَمِير عبد الله لِأَنَّهُ كَانَ وَزِير السُّلْطَان وَأولى النَّاس بِالْولَايَةِ لأجل الْحِفْظ حَتَّى يرى السُّلْطَان فِي ذَلِك بِرَأْيهِ فَلَمَّا بلغ الْأَمِير عبد الله رُجُوع الْوَزير جَعْفَر ضَاقَتْ نَفسه لجراءته وأحاطت بِهِ الأوهام فَاجْتمع الَّذين أساؤوا إِلَيْهِ من الْأُمَرَاء والجند فتشاجروا وتحاوروا على الْخلاف وَكَانَ الْأَمِير عبد الله يعدهم ويمنيهم بِالَّذِي يُوَافق أهويتهم فساعده بَقِيَّة الْعَسْكَر وَكَانَ فيهم من يُنكر فعلهم وَأظْهر الِاسْتِقْلَال بِالْأَمر الْأَمِير عبد الله وَلما وصل الْوَزير جَعْفَر إِلَى زمار أرسل إِلَيْهِ كتابا بالصفح وَالْعَفو فَتعذر بالعسكر الَّذين نصبوه كرها وحذره من الْوُصُول فَلَمَّا ترددت الرُّسُل مَا زَاد هُوَ وَمن مَعَه إِلَّا عُدْوانًا فعين الْوَزير كتخداه الْأَمِير حيدر سرداراً على الْعَسْكَر وأرسلهم فَلَمَّا تراآى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 الْجَمْعَانِ انْخَذَلَ بعض الْعَسْكَر وَجَاء إِلَى جَانب السردار وَثَبت بَعضهم لِلْقِتَالِ فَتقدم بِمن مَعَه عَلَيْهِم فَهَزَمَهُمْ وَلما بلغ عبد الله هزيمَة أعوانه تحصن فِي حصن صنعاء وَوصل السردار وَحط بِحَمْرَاء علب قرب صنعاء فَأرْسل إِلَى الْأُمَرَاء ووانسهم فطلبوا الْأمان فَأرْسل لَهُم بالأمان فَخَرجُوا إِلَى حَمْرَاء علب وتقدموا إِلَيْهِ فَمَا وسع الْأَمِير عبد الله إِلَّا النُّزُول إِلَيْهِ فَلَمَّا وصل شَاهد السردار أشقياء الْعَسْكَر يتزايدون ويتناقضون فِي الْكَلَام فحسم مواد الْفِتَن بِقطع رَأسه وخمدت نيران الْفِتْنَة وَذَلِكَ فِي أَوَائِل شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَوصل الْوَزير جَعْفَر إِلَى صنعاء وَكَانَ نُزُوله فِي الْبُسْتَان قبال بَاب السَّبي وَهُوَ أحد أَبْوَاب صنعاء فِي الْيَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر وَصَامَ شهر رَمَضَان فِي قصر صنعاء وتتبع من كَانَ سَببا للفتن وساعد الْأَمِير عبد الله فَقطع دابرهم وَعَفا عَن بَعضهم وَكَانَ الإِمَام الْقَاسِم قد اغتنم الفرصة مُدَّة هَذِه الْفِتْنَة فَبسط يَده على أَكثر بِلَاد الْقبْلَة والمغارب وتقوت شوكته فَجمع الْوَزير جَعْفَر جَيْشًا وَعين كتخداه حيدر سرداراً عَلَيْهِم فَتوجه فظفر بالسيد الْحسن بن الْقَاسِم فِي عرة الأشمور فَقبض عَلَيْهِ وأرسله إِلَى الْوَزير ثمَّ كَانَت الْحَرْب بعد ذَلِك سجالاً وَفِي آخر الْأَمر حصل الْحَرْب الأكيد فَقتل من الْجَانِبَيْنِ عَالم كثير فِي أَمَاكِن مُتعَدِّدَة وبينت عَن قتل السَّيِّد عَليّ بن الْقَاسِم فَكَانَ سَببا لإطفاء نيران الْحَرْب من الطَّرفَيْنِ وَفِي خلال ذَلِك وصلت الْأَخْبَار بِأَن ولَايَة الْيمن قد تَوَجَّهت إِلَى الْوَزير حاجي مُحَمَّد باشا فَاخْتَارَ الصُّلْح لاشتغالهما بأنفسهما فانعقد الصُّلْح بَين الْوَزير جَعْفَر وَبَين الإِمَام الْقَاسِم بِأَن لكل مِنْهُمَا مَا تَحت يَده من الْبِلَاد وَالْخيَار لمُحَمد باشا بعد وُصُوله إِلَى صنعاء فِي تَمام الصُّلْح وَعَدَمه وَخرج الْوَزير جَعْفَر من صنعاء مُتَوَجها إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة يَوْم تَاسِع عشري شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وَألف وَكَانَ أول دولته حَرْب وَنصر وأوسطها سلم وراحة وَآخِرهَا حَرْب وفتنة ومحنة وحقد انْتهى وَقد ذكر تَتِمَّة خَبره من هُنَا النَّجْم الْغَزِّي فِي ذيله فَقَالَ دخل دمشق مُنْفَصِلا عَن الْيمن يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة سبع وَعشْرين وَألف وَكَانَ دخل مصر وَأقَام بهَا مُدَّة قَالَ وَاجْتمعت بِهِ فِي الميدان الْأَخْضَر فَوَجَدته من أَفْرَاد الدَّهْر ينْطق بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيّ الفصيح وَهُوَ عَالم مُتَمَكن فِي الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير إِمَام فِي علم الْكَلَام وَمَعْرِفَة مَذَاهِب الْفرق وَيحسن الرَّد عَلَيْهِم بالأدلة الْعَقْلِيَّة عَارِف بِالْخِلَافِ بَين الْمذَاهب شَدِيد التعصب على الْمُعْتَزلَة وَالرَّوَافِض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 والزيدية لَا يمل من الْبَحْث وَلَا يفتر عَنهُ حاذق الفكرة جيد الذكاء ثمَّ سَافر من دمشق هُوَ وقاضي قُضَاة مصر السَّيِّد مُحَمَّد الشريف فِي يَوْم السبت حادي عشر أَو ثَانِي عشر رَجَب ثمَّ عَاد من الرّوم إِلَى الشَّام فِي أَوَاخِر سنة سبع وَعشْرين وَألف مُتَوَلِّيًا نِيَابَة مصر قَالَ وَاجْتمعت بِهِ فرأيته على حَالَته لم يتَغَيَّر عَنْهَا ثمَّ سَافر إِلَى مصر وعزل عَنْهَا وَتُوفِّي بهَا مطعوناً فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف انْتهى وَوجدت فِي تَارِيخ الْبكْرِيّ الَّذِي أَلفه فِي الْخُلَفَاء والسلاطين وذيله بنواب مصر وقضاتها عِنْد ذكر جَعْفَر باشا أَنه كَانَت تَوليته لمصر فِي نَهَار الْأَرْبَعَاء تَاسِع ربيع الأول سنة ثَمَان وَعشْرين وعزل يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشري شعْبَان من هَذِه السّنة فَكَانَت مُدَّة استيلائه خَمْسَة أشهر وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا قَالَ وَكَانَ من أجلاء الْعلمَاء لَهُ الْيَد الطُّولى فِي غَالب الْعُلُوم خُصُوصا التَّفْسِير وَوَقع فِي زَمَنه الفناء الْعَظِيم فَكل من مَاتَ فِي زَمَنه وَله ولد أعْطى علوفته لوَلَده أَو أَبِيه فَإِن لم يكن لَهُ ولد وَلَا أَب أعْطى ذَلِك لأقاربه مَعَ البشاشة وَكَانَ ابْتِدَاء الفناء فِي أَوَاخِر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَعشْرين وانتهاؤه فِي أَوَاخِر جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ غَالب من يَمُوت فِيهِ عمره مَا بَين الْخَمْسَة عشر سنة إِلَى خمس وَعشْرين سنة وَحصر من توفّي مضبوطاً من الحوانيت يَوْمًا بِيَوْم فَكَانَ من ابْتِدَائه إِلَى انتهائه مائَة ألف وخمساً وَثَلَاثِينَ ألفا هَذَا مَا أخرج من الحوانيت وَمَا عدا ذَلِك فَهُوَ كثير وَتُوفِّي جَعْفَر باشا فِي آخِره انْتهى قلت وَقد ولي الشَّام فِي جيلنا سميه الْوَزير جَعْفَر باشا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَوَقع فِي زَمَنه طاعون بِالشَّام لم يعْهَد مثله فِي الْكَثْرَة وَبلغ عدد الْجَنَائِز بِدِمَشْق يَوْمًا بِيَوْم ألفا وينوف وَاسْتمرّ سِتَّة أشهر وَإِنَّمَا ذكرت ذَلِك لمناسبة اسْم هذَيْن الوزيرين مَعَ أَن تَرْجَمَة هَذَا الثَّانِي مِمَّا يتَعَيَّن لكني لم أظفر بِخَبَر وَفَاته فَلهَذَا ذكرته بِهَذِهِ الْمُنَاسبَة واكتفيت بذلك عَن تَرْجَمته الشَّيْخ جلال بن أدهم بن عبد الصَّمد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن أدهم وَلَيْسَ هُوَ إِبْرَاهِيم بن أدهم السُّلْطَان الْوَلِيّ الْمَشْهُور وَإِن كَانَ نسب جلال مُتَّصِلا بِهِ لَكِن لم أَقف على تَتِمَّة نسبه وأصل آبَائِهِ من التركمان وَسَكنُوا مَدِينَة عكار وَكَانَ لَهُم بهَا أَمْلَاك دارة ومريدون وزاوية ورد مِنْهُم عبد الصَّمد إِلَى دمشق قبل الْأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وتوطنها وَكَانَ مَعَه حكم سلطاني بإفتاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وتدريس التقوية فنفذ حكمه قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين بن الفرفور وصيره مفتياً ومدرساً بِالْمَدْرَسَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 الْمَذْكُورَة وَكَانَ فَقِيها شَدِيد الْوَرع وَكَانَ يتَرَدَّد فِي السُّكْنَى بَين مدرستين فيسكن فِي الشتَاء بِالْمَدْرَسَةِ العادلية الْمُقَابلَة للظاهرية وَفِي الصَّيف بِالْمَدْرَسَةِ الجمالية بسفح قاسيون وطالت مدَّته وَهُوَ يُفْتِي إِلَى أَن مَاتَ نَهَار الْإِثْنَيْنِ ثامن رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَخَلفه ابْنه أدهم فدرس بالعادلية وَكَانَ صَالحا غير متكلف يلْبسهُ ومعيشته على أسلوب التركمان واتصل بالوزير الإعظم سِنَان باشا وَصَارَ لَهُ معلما ونال مِنْهُ خيرا كثيرا وَله مَعَه مكاشفات ووقائع سَيَأْتِي مِنْهَا شَيْء فِي تَرْجَمَة سِنَان باشا وَكَانَ بعد وَفَاته ولي سِنَان باشا حُكُومَة الشَّام بعد الوزارة الْعُظْمَى فصير ابْنه جلالا مُعْتَمدًا على جَامعه الَّذِي عمره خَارج بَاب الْجَابِيَة فاقتنى من ذَلِك أملاكا عَظِيمَة وأموالا جزيلا وَبنى بَيْتا خلف حمام العقيقي كَانَ حَماما مَوْقُوفا على أَمَاكِن كَثِيرَة مِنْهَا حِصَّة مَوْقُوفَة على أَئِمَّة الْجَامِع الْأمَوِي وَلم يهنأ عيشه بِهِ وَلَا اطْمَأَن خاطره فِيهِ وَبنى بالصالحية بَيْتا وقصرا وغرس بستانا لطيفا على نهر يزِيد قلت وَهُوَ الْقصر الْمَعْرُوف الْآن ببني عماد الدّين وَكَانَ جلال فَاضلا حسن الْعشْرَة وقصة توليهه بمملوكه مستفيضة وافتتانه فِيهِ شهيرة وَقد ذكرهَا البوريني فِي تَرْجَمته فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إيرادها وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْأَحَد ثامن رَجَب سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ جمال الدّين بن شمس الدّين مُحَمَّد الْمَشْهُور وَالِده بالعجمي الْقُدسِي الْوَاعِظ وَهُوَ وَالِد عبد الْغفار مفتي الْقُدس وأخيه الْحَافِظ القَاضِي الشَّاعِر الْآتِي ذكرهمَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَانَ وَالِده مُحَمَّد رجلا واعظا ذكيا حضر مَعَ السُّلْطَان سُلَيْمَان بن عُثْمَان فتح رودس وَحصل لَهُ مِنْهُ إكرام ثمَّ قدم الْقُدس وَاسْتمرّ بهَا يعظ النَّاس إِلَى أَن توفّي وَدفن بماملا بقبته الَّتِي أَنْشَأَهَا بجوار البسطامية شمَالي الكبكبية وَلم تكمل الْقبَّة بل مَاتَ قبل إكمالها وَنَشَأ وَلَده جمال الدّين هَذَا ورحل إِلَى مصر وَصَحب الزين المرصفي ثمَّ عَاد إِلَى الْقُدس فِي حُدُود سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة تَقْرِيبًا وَلزِمَ شيخ الصلاحية الشَّيْخ عفيف الدّين بن جمَاعَة ثمَّ تقرر فِي قِرَاءَة المولد والمعراج بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى عَن الشَّيْخ أبي الْفَتْح بن فتيَان إِمَام الصَّخْرَة ثمَّ قرر فِي تدريس دَار الحَدِيث الَّتِي تجاه دَار الْقُرْآن السلامية وَشر فِي الْمدرسَة الظافرية وَكَانَت متهدمة فعمر بهَا عمَارَة وَجمع مجموعا لَهُ فِي الْوَعْظ رَأَيْت بِخَط الإِمَام الْمُحدث الشَّمْس مُحَمَّد الدَّاودِيّ الْمَقْدِسِي ثمَّ الدِّمَشْقِي فِي أوراق كتب فِيهَا تراجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 بعض معاصريه وألحقها بِبَعْض وقائع قَالَ ذكر لنا وَلَده عبد الْغفار وَلما قدم إِلَى دمشق بعد وَفَاته أَنه يشْتَمل على ألف مجْلِس وَتُوفِّي فِي لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَألف وَكَانَ سنة ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَسنة وَخلف ثَلَاثَة أَوْلَاد ذُكُور وبنتين رحم الله الْجَمِيع برحمته وَالله أعلم جمال الدّين بن مجب الدّين الْمَعْرُوف بالجنيد الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي وشهرة أَهله ببني الكوكية وَيَنْتَهِي نسبهم إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ وَكَانُوا بِدِمَشْق من انتحار المياسير وَلَهُم مآثر وخيرات وَلَهُم أقَارِب بِمَكَّة وهم أَيْضا أَصْحَاب إدرارات وشهرة وجمال الدّين هَذَا خرج من بَينهم كَامِل الأدوات حسن الْآدَاب لطيف المطارحة حُلْو الحَدِيث صَاحب نكات ونوادر وَرِوَايَة وَاسِعَة فِي الْأَخْبَار والأشعار وَالْأَحَادِيث وَعمر كثيرا وَلَقي أساطين الْعلمَاء وَجَالسهمْ والنقط من فوائدهم وروى عَنْهُم ولازم الذّكر والأوراد من ابْتِدَاء عمره واشتغل بِالْعبَادَة وَلذَلِك لقب بالجنيد وَفِيه يَقُول الأديب الباهر مُحَمَّد بن يُوسُف الكريمي (أَنْت يَا شيخ الطَّرِيقَة ... فِيك وَالله حقيقه) (لم يفتها من مزايا ... جامعي الْفضل دقيقة) (أَنْت وَالله جُنَيْد الْوَقْت ... فِي كل حقيقه) (أَنْت من يرشد أَرْبَاب النهى ... خير طَرِيقه) (لَك أَخْلَاق بتقريض ... المجيدين خليقه) (لَو غَدا للفضل شخص ... فِي الورى كنت شقيقه) (إِنَّمَا أَنْت بأخلاقك ... روض أَو حديقة) (فلعمري أَنْت بدر ... فازمن كنت رَفِيقه) وَكَانَ يَحْكِي عَن نَفسه إِنَّه لم يتَّفق لَهُ مُدَّة عمره صَلَاة من قعُود وَكَانَ مواظبا على السّنَن والرواتب وَله صدقَات سَرِيَّة وَكتب الْكثير من الْكتب بِخَطِّهِ وَكَانَ خطه حسنا وَضَبطه بَينا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من مُفْرَدَات وقته وحسنات عصره وَذكره وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَارِيخه وترجمته هُوَ شويخ نسر لُقْمَان عِنْده فريخ عمر إِلَى أَن فَاتَ حد الماية وَلَقي الْقرن بعد الْقرن والغاية بعد الْغَايَة وعاشر الوزراء ونادم الكبراء وَتردد إِلَى الْأَعْيَان وهام فِي الغيد الحسان حَتَّى صَار شيخ الغرام ونقيب الوجد والهيام فَهُوَ صَغِير كَبِير وكبير صَغِير إِذا خالط الْكِبَار يكبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وَإِذا خالط الصغار يصغر مَحْبُوب قُلُوب الْأَنَام لَهُ فِيهَا التَّصَرُّف التَّام لَا يرَاهُ أحد من النَّاس إِلَّا وَيَوَد أَن يكون لَهُ من الندماء والجلاس يحب التلاق وبكره الْفِرَاق لَا يودع مُسَافِرًا وَلَا يعود مَرِيضا وَلَا يشيع جَنَازَة إِلَّا نَادرا وَكَانَت أوقاته مستغرقة فِي النزهات وَكَانَ لَهُ بعض ثروة وَيتَعَاطَى صَنْعَة القماش وَحج مرَّتَيْنِ متتابعتين وسافر إِلَى الْقُدس وحلب وَكَانَ يُورد قصصا وحكايات كَثِيرَة وَرُبمَا شَاهد غالبها بِالْعينِ وَكَانَ فِي ذَلِك تَارِيخا برحلين وَكَانَ مُفْرد وقته فِي لعب الشطرنج وَلم يكن فِي عصره مثله فِي مَعْرفَته وَالنَّاس يضْربُونَ بِهِ الْمثل فَيَقُولُونَ لمن يحسن لعبه فلَان يلْعَب مثل الْجُنَيْد وَرُبمَا كَانَ يمازحه بَعضهم بِأَنَّهُ أدْرك وَاضعه لكبر سنه ومهارته فِيهِ وَمِمَّا قيل فِيهِ وَكَانَ كَمَا وصف أصفر اللِّحْيَة (رب شخص بلحية نارنجي ... قَدمته نضيلة الشطرنج) وَكَانَ يكتم سنه فَإِذا ألح عَلَيْهِ فِي السُّؤَال ملح لم يزده على أَن سني عظم ويتمثل كثيرا بقول أبي الْعَلَاء الْبَغْدَادِيّ (احفظ لسَانك لَا تبح بِثَلَاثَة ... سنّ وَمَال مَا اسْتَطَعْت وَمذهب) (فعلى الثَّلَاثَة تبتلى بِثَلَاثَة ... بمكفر وبفاضح ومكذب) وَكَانَ يجْرِي لأدباء دمشق مَعَه مداعبات ومطارحات من أنفس مَا يسامر بِهِ فَمن ذَلِك مَا قَالَه فِيهِ الأديب إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الأكرمي الْمُقدم ذكره وَكَانَ لَهُ رَفِيق يلقب بالقطب (الشَّام أضحت أحوالها عجبا ... فِي دَهْرنَا والأمور أَسبَاب) (القطب فِيهَا بالعشق مشتهر ... لَا يستحي والجنيد دباب) وَقَالَ فِيهِ أَيْضا هَذِه الأبيات وفيهَا إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ فِيهِ من الشره فِي الْأكل وَيخرج مِنْهَا لفظ جُنَيْد بطرِيق النعمية (وَذي شَره مغرم بِالطَّعَامِ ... يسير على بَطْنه أَي سير) (ترَاهُ إِذا مد زاهي الطَّعَام ... وصف بأنواع لطف وَخير) (يمد يداجن من قبلهَا ... ويخلط كل الطَّعَام بِغَيْر) وَنقل عَنهُ أَنه حضر فِي ضِيَافَة عِنْد أحد الْأَعْيَان بِدِمَشْق فخلط فِي الطَّعَام على عَادَته فَأنْكر فعله بعض من كَانَ فِي الْمجْلس فَلَمَّا تنبه لإنكاره أنْشدهُ قَول الحريري (سامح أَخَاك إِذا خلط ... ) فذيل لَهُ الْمُنكر هَذَا المصراع بقوله فِي الرز والزردا فَقَط والرز لُغَة فِي الْأرز وَيُقَال رز وأرز مثل كتب وزرنز وَحكى لي وَالِدي المرحوم أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 حضر سماطا وإمامه الْجُنَيْد فَبَالغ فِي النهمة وَكَانَ فِي الْمجْلس بعض الأدباء فَأَنْشد قَول أبي مُحَمَّد الْقزْوِينِي الضَّرِير فِي رجل أكول (وَصَاحب لي بَطْنه كالهاوية ... كَانَ فِي أمعائه مُعَاوِيَة) قَالَ لي الْوَالِد وَهَذَا الْبَيْت قد ذكره الثعالبي فِي اليتيمية وإستجاد وجازه لَفظه وَوُقُوع الأمعاء إِلَى حنب مُعَاوِيَة لمزية ثَالِثَة وَهِي كَون الَّذِي أنْشد فِيهِ من نسل مُعَاوِيَة وَحضر لَيْلَة فِي دَعْوَة كَانَ فِيهَا حَافظ الْمغرب أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْمقري وَأحمد بن شاهين الْمُقدم ذكرهمَا فَلَمَّا قدم الطَّعَام قَامَ الْجُنَيْد وَتَوَضَّأ وَصلى بعض رَكْعَات فَقَالَ الْمقري مستجيزا (قَامَ الْجُنَيْد يُصَلِّي ... وَنحن نَأْكُل عَنهُ) فَأَجَابَهُ ابْن شاهين (تقبل الله منا ... وَلَا تقبل مِنْهُ) وقصيدة مُحَمَّد الكريمي الَّتِي قَالَهَا فِي هجائه مَشْهُورَة وَهِي طَوِيلَة فَنَذْكُر بَعْضًا مِنْهَا فَإِنَّهَا من رائق الْكَلَام وَسبب انشائها أَن بعض أدباء دمشق وَمِنْهُم الْجُنَيْد كَانُوا مُجْتَمعين فِي مَحل وَبَين يديهم رمان يَأْكُلُون فطلع عَلَيْهِم الكريمي فَقَامَ الْقَوْم كلهم إِلَّا الْجُنَيْد فَأَنْشَأَ الكريمي هَذِه القصيدة ومطلعها (تزهو بشاشك أَو بِمَالك ... وَكِلَاهُمَا من حَظّ مَالك) (فَم كم تنام وَفِي الْهوى ... مِنْهَا لكايا سوء حالك) (كَيفَ الْقيام لناسك ... إِنِّي لَا عجب من محالك) مِنْهَا (إِن الْمُعظم نَفسه ... يَا شيخ فِي بَحر المهالك) (يَا عير قَامَ الْقَوْم لي ... إِلَّا حمارا من مثالك) (لَكِن عذرك وَاضح ... فالأكل من أقوى اشتغالك) (هَذَا عتاب لاهجا ... وعظيم أَنْفك مَعَ سبالك) (حررته مُسْتَغْفِرًا ... إِذْ كدت أَدخل فِي وبالك) (هَذَا وَمَا عهد الْقيام ... من الجماد فدم بحالك) وَمِنْهَا (صدقت استاذي الْعِمَادِيّ ... فِي شَهَادَته بذلك) (بقصيدة الْكرْدِي والأغنام ... فاجعلها ببالك) (فاشكر صنيعي إِن عقلت ... وَإِن ترم خُذْهَا بفالك) (إِنِّي رَأَيْتُك قد مقت ... بعيد زهوك واختيالك) (واغتضت بالدنيا عَن الْأُخْرَى ... فراقب نَار مَالك) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 (ارْفُقْ بِنَفْسِك قد كَبرت ... وَزَاد هولك عَن مجالك) (وَأعد صَلَاتك مَا اسنطعت ... وعد عَن ماضى دلالك) (فَأَرَاك لَا تفرق ريالك ... فِي النَّجَاسَة من مبابك) (وَالْحق أَنَّك جَاهِل ... وتعد نقصك من كمالك) وَقَوله بقصيدة الْكرْدِي والأغنام إِشَارَة إِلَى أَن الأبيات الَّتِي نظمها فِيهِ الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي والشاهيني وَعبد اللَّطِيف بن المنقار من بَاب المساجلة بَينهم ومطلع هَذِه القصيدة (عذرتك يَا حلا حل بالجنيد ... وَقلت لَهُ سماعك بالمعيدي) وحلا حل هَذَا كَانَ رجلا كثير المجون واسْمه عَليّ وَسَيَأْتِي ذكره وَكَانَ كثير الْحَط على الْجُنَيْد شَدِيد الإزراء بِهِ وَله مَعَه نكايات ووقائع شَتَّى وَكَانَ الْجُنَيْد بِمُجَرَّد ذكره يتألم ويحنق لما كَانَ يلْحقهُ مِنْهُ من الأذية خُصُوصا فِي مجَالِس الْكِبَار والأعيان من الْعلمَاء وَغَيرهم وتتمة الأبيات (لَهُ شال بشابه عارضيه ... صفارا فَوق وَجه كالقريد) (ببادر للمآكل حِين يدعى ... ويشتم الروائح من بعيد) (ترَاهُ يمصمص الأعظام جوعا ... كَانَ أَبَاهُ بغدادي زبيدي) (ينكش سنه من شرب مَاء ... بإصبعه وطورا بالعويد) (وَيُصْبِح هائشا يَبْغِي طَعَاما ... يطوف على الْمنَازل كالجعيدي) (على الطَّحَّان يعتب كل آن ... وَيضْرب باليماني الهنيدمي) (وَمثل النَّحْل بِأَكْل كل شَيْء ... ويجني اللسع مَعَ عدم الشَّهِيد) (وتشكو ثقل فستقة حشاه ... ويزلط كل خرفان الكريدي) (وينكح بنت شَهْوَته طَعَاما ... وَيُعْطى مهرهَا نحل النقيد) (ويلبس فَرْوَة من جلد نمر ... يَقُول لبستها خوف الْبَرِيد) (بِمَوْت قد تلقب فِي البرايا ... وَبَين النَّاس يدعى بالصميدي) (على الْأَصْحَاب يطْرَح كل شاش ... بأَرْبعَة من الذَّهَب النقيدي) (بِرَأْس المَال يُخْبِرهُمْ كذوبا ... ويفترس الْأَنَام كَمَا الفهيد) (وَلما جِئْت مَا أهديت شَيْئا ... بعثت إِلَيْك هجوا من عنيدي) (وَإِن تنكر قوافيها فسامح ... فَإِن الشّعْر من ملامجيد) وملامجيد الْمَذْكُور كَانَ روميا نزل دمشق وقطن بهَا وَكَانَ ينظم أشعارا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 على طَرِيق المجون وَكَانَ أدباء دمشق كالمولى أَحْمد بن زين الدّين المنطقي وَابْن شاهين والأمير المنجكي ينظمون الْأَشْعَار الهزلية على لِسَانه وينسبونها إِلَيْهِ من نَوَادِر الْجُنَيْد أَنه لما وَصله خير الأبيات من الكريمي اجْتمع بِهِ واستنشده أياها فَلَمَّا أتم قرَاءَتهَا نظر إِلَيْهِ ينظر المستهزئ بِهِ وَلم يزده على أَن قَالَ لَهُ أَيْن الْأُم المشفقة الَّتِي تبْكي عَلَيْك وَهَذِه كِتَابَة عَن سوء حَاله فَإِن الكريمي ورث من أَبِيه مَالا كثيرا فأتلفه فِي مُدَّة جزئية وساء حَاله بعد ذَلِك وَحكى عَن الكريمي أَنه قابلني بِكَلِمَة لَو صرفت عمري فِي هجوه مَا وفيت بهَا وللجنيد نكات مَقْبُولَة ومقولات رائقة فَمن ذَلِك قَوْله لَا تسمع غناء الْأَمْن فَم تشْتَهي أَن تقبله وَمن لطائفه تَسْمِيَة فرع الْأَمْرَد بعريشة الْحسن وَقد نظمها الْأَخ الْفَاضِل إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد السّفر جلاني أبقاه الله تَعَالَى فِي مَقْطُوع فأجاد حَيْثُ قَالَ (قَالَ صف فرعي الَّذِي قد تدلى ... فَوق خدي إِن كنت من واصفيه) (قلت مَاذَا أَقُول فِي وصف روض ... قد تدلت عريشة الْحسن فِيهِ) وَمن غرائب وقائعه الَّتِي تسند إِلَى حسن عشرته وتحمله وَتَقْدِيم النشاط على غَيره أَنه مَاتَ لَهُ ولدان وَجِيء إِلَيْهِ بخبرهما وَهُوَ مَعَ جمَاعَة فِي بُسْتَان بالصالحية يلْعَب بالشطرنج فَلم يشْعر أحدا وَقَامَ وَأعْطى الْمخبر دَرَاهِم وفوض إِلَيْهِ أَمر يجهيزهما وَعَاد إِلَى مَا كَانَ يه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من نَوَادِر الزَّمن وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْأَرْبَعَاء ثامن عشرى ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى وَقد أرخ بَعضهم وَفَاته بقوله (مَا الدَّهْر دهر جَدِيد ... كَذَا تكون العبيد) (وَمَا سوى الله فَإِن ... وَأَيْنَ من لَا يبيد) (وَعمر هَذَا قصبر ... وَعمر هَذَا مديد) (وللفريقين يَوْم ... لَا بُد يَأْتِي شَدِيد) (أما سَمِعت المنايا ... تَقول مَاذَا يُفِيد) (طير الفنا أَن تؤرخ ... صَحَّ مَاتَ مَاتَ الْجُنَيْد) السَّيِّد جمال الدّين بن نور الدّين بن أبي الْحسن الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي الأديب الشَّاعِر الذيق كَانَ ألطف أَبنَاء وقته دماثه خلق وَخلق حسن معاشر لطيف الصُّحْبَة سهي النُّكْتَة والنادرة قَرَأَ بِدِمَشْق وَحصل وَحضر مجَالِس الْعَلامَة السَّيِّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 مُحَمَّد بن حَمْزَة نقيب الْأَشْرَاف فَأخذ عَنهُ من المعارف مَا تنافست عَلَيْهِ بِهِ الآراء ثمَّ هاحر إِلَى مَكَّة وَأَبوهُ ثمَّة فِي الْأَحْيَاء فجاور بهَا مُدَّة ثمَّ دخل الْيمن أَيَّام الإِمَام أَحْمد بن الْحسن فَعرف حَقه من الْفضل وراجت عِنْده بضاعته ومدحه بِهَذِهِ القصيدة (خليلي عود إِلَى فيا حبذا المطل ... إِذا كَانَ يُرْجَى فِي عواقبه الْوَصْل) (خليلي عودا وأسعد إِنِّي فأنتما ... أَحَق من الأهلين بل أَنْتُمَا الْأَهْل) (فقد طَال سيري واضمحلت جوارحي ... وَقد سئمت فرط السرى العيس وَالْإِبِل) (فعادا وَقَالا صَحَّ مَا بك من جوى ... وَفِي بعض مَا لاقيته شَاهد عدل) (وَلَكِن طول السّير لَيْسَ بضائر ... وغايته كنز الندى أَحْمد الشبل) مِنْهَا (أبانت بِهِ الْأَيَّام كل عَجِيبَة ... يسير بهَا الركب الْيَمَانِيّ والقفل) (فنيران بَأْس فِي بحار مَكَارِم ... وَمن فعله وصل وَفِي قَوْله فصل) (أرانا عيَانًا ضعف أَضْعَاف سمعنَا ... وَعَن جودة قد صَحَّ بِالنّظرِ النَّقْل) وَمِنْهَا (أَقُول وَقد طفت الْبِلَاد وَأَهْلهَا ... بلوتهم قولا يصدقهُ الْفِعْل) (إِذا مَا جرى ذكر الْبِلَاد وحسنها ... فَتلك فروع وَالْغِرَاس هِيَ الأَصْل) (وَإِن عد ذُو فضل ومجد مؤثل ... فَأَحْمَد من بَين الْأَنَام لَهُ الْفضل) (فَلَا غروان قصرت طول مدائحي ... فَفِي الْبعد قصر الْفَرْض جَاءَ بِهِ النَّقْل) (إِلَيْك صفي الدّين مني خريدة ... فريدة حسن لَا يصاب لَهَا مثل) (وَأعظم مَا ترجو الْقبُول فَإِنَّمَا ... قبُول الثنا بَاب يتم بِهِ السُّؤَال) (فحقق رجاها واحل عاطل جيدها ... بِمَا أَنْت يَا نجل الْكِرَام لَهُ أهل) ثمَّ فَارق الْيمن وَدخل الْهِنْد فوصل إِلَى حيدر آباد وصاحبها يَوْمئِذٍ الْملك أَبُو الْحسن فاتخذه نديم مَجْلِسه وَأَقْبل عَلَيْهِ بكليته وَهَذَا الْملك كَمَا بَلغنِي فِي هَذَا الْعَصْر الْأَخير من أَفْرَاد الدُّنْيَا وفور كرم وميلا للأدب وَأَهله فَأَقَامَ عِنْده فِي بلهنية عَيْش وصفاء عشرَة حَتَّى طرقت أَبَا الْحسن النكباء من طرف سُلْطَان الْهِنْد الْأَعْظَم السُّلْطَان محيي الدّين مُحَمَّد الشهير بأورنك زيب وَقبض عَلَيْهِ وحبسه وأحسب أَنه الْآن لم يزل مَحْبُوسًا هُنَاكَ فَانْقَلَبَ الدَّهْر على السَّيِّد جمال الدّين فبقى مُدَّة فِي حيدر آباد وَقد ذهب أَنه إِلَى أَن مَاتَ بهَا فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف كَمَا أَخْبرنِي بذلك أَخُوهُ روح الْأَدَب السَّيِّد عَليّ بِمَكَّة المشرفة حرسها الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 الْأَمِير جَوْهَر سحرتي لبرهان نظام شاه الْمُوفق سُلْطَان الْهِنْد أحد أُمَرَاء الديار الْهِنْدِيَّة الْمَشْهُورين بِحسن السِّيرَة جلب إِلَى الْهِنْد وَهُوَ صَغِير هُوَ وَأَخ لَهُ فاشتراهما السُّلْطَان الْعَادِل برهَان نظام شاه وَسلم جوهرا لمن يُعلمهُ الْقُرْآن فتعلمه وَحفظه وَحفظ غَيره ثمَّ تعلم الفروسية واللعب بِالسَّيْفِ وَالرمْح والسهام إِلَى أَن مهر فِي ذَلِك ثمَّ ترقى إِلَى أَن صَار أَمِيرا على مِائَتي فَارس وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب سمع من جمَاعَة وَقَرَأَ كتبا كَثِيرَة وَصَحب الْمَشَايِخ وَلزِمَ الشَّيْخ الإِمَام شيخ بن عبد الله العيدروس وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة ذكره الشلي وَقَالَ اجْتمعت بِهِ فِي رحلتي إِلَى الْهِنْد وَعرفت فَضله ودرجته فِي الْعلم وَقَرَأَ عَليّ فِي الْفِقْه والنحو والْحَدِيث فأقمت بُرْهَة أرتع فِي رياض فَضله وَكَانَ لَهُ من الْعِبَادَة شَيْء كثير لَا يفتر سَاعَة عَن تِلَاوَة أَو ذكر أَو صَلَاة على النَّبِي وَكَانَ لَهُ مطالعة فِي كتب الدقائق وسير الْمُلُوك وَالْخُلَفَاء وَكَانَ كثير الِاعْتِقَاد فِيمَن يثبت عِنْده صَلَاحه وَكَانَت لَهُ بشاشة وَجه وَكَانَ شجاعاً شهماً ذَا سياسة للرعايا كثير الْغَزْو وَالْجهَاد لقِتَال أهل الْكفْر ثمَّ رَمَاه الدَّهْر بسهمه فَفَارَقَ مَحل مَمْلَكَته وَتوجه إِلَى بيجافور فَمَاتَ بهَا وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة السَّادة وَالْعرب تَحت مَدِينَة بيجافور من أَرض الْهِنْد واعتنى السَّادة بتجهيزه وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَخلف وَلدين صغيرين فأقيما مقَامه رَحمَه الله تَعَالَى (حرف الْحَاء الْمُهْملَة) السَّيِّد حَاتِم بن أَحْمد بن مُوسَى بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَحْمد بن عمر بن أَحْمد بن عمر الأهدل اليمني الْحُسَيْنِي ذكره الشلي فِي تَارِيخه وَالسَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي سلافته وتلميذه الشَّيْخ شيخ بن عبد الله العيدروس وصنف وَلَده الشَّيْخ عبد الْقَادِر ابْن شيخ تَرْجَمته فِي الدّرّ الباسم من روض السَّيِّد حَاتِم وأثنوا عَلَيْهِ ثَنَاء لَيْسَ وَرَاءه غَايَة وَهُوَ وَاحِد الدَّهْر فِي جَمِيع أَنْوَاع الْعُلُوم والمعارف وَالنّظم والنثر رَحل إِلَى كثير من الْبلدَانِ وَأقَام بالحرمين ثمَّ توطن المخا وَحصل لَهُ بهَا شَأْن عَظِيم وَعم نَفعه بهَا وَفِيه يَقُول بَعضهم (تاهت بكم أَرض المخا وتجملت ... فالبندر المحروس زهواً يرفل) (لما طلعت بأفقه متهللاً ... أَمْسَى وظل بنوره يَتَهَلَّل) وَكَانَ يدْخل المخا فِي أَيَّامه مراكب عديدة وكل من حل عَلَيْهِ نظره تبدلت أَحْوَاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 السَّيئَة بِصِفَات محمودة وَحكى أَنه قَالَ ولاّني النَّبِي هَذِه الْبَلدة أَو هَذَا الْقطر ثمَّ قَصده النَّاس فَتخرج بِهِ جمع كثير وَكَانَ لَهُ يَد طولى فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والفنون الْعَرَبيَّة لَكِن غلب عَلَيْهِ التصوف وَكَانَ الشَّيْخ عمر بن عبد الله العيدروس إِذا جَاءَتْهُ مسئلة فِي التصوف أرسلها إِلَيْهِ ليجيب عَنْهَا فيجيب بِأَحْسَن جَوَاب وَكَانَت الْعُلُوم نصب عَيْنَيْهِ وَكَانَ متقناً لعلم الْأَسْمَاء والحروف ودوائر الْأَوْلِيَاء ومقامات الموقنين وَعلم الْأَسْرَار ومدد الْأَذْكَار حَتَّى قيل إِنَّه يعرف الِاسْم الْأَعْظَم وَالْحجر المكرم وَكَانَ زاهداً فِي الدُّنْيَا وَكَانَت الوزراء والأمراء يطْلبُونَ الِاجْتِمَاع بِهِ فَيمْتَنع من زهده أَنه لم يتَعَلَّق فِي الدُّنْيَا بِسَبَب من أَسبَابهَا وَمَات وَلم يخلف شَيْئا وَبلغ من جَمِيع الصِّفَات الْكَامِلَة مَا لم يبلغهُ أحد وَكَانَ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى السَّيِّد أَبُو بكر الْمَعْرُوف بصائم الدَّهْر يعظمه ويزوره إِلَى بَيته وَكَانَ يرى النَّبِي وَقَالَ رَأَيْت النَّبِي كَأَنِّي أَنا وَالسَّيِّد عَليّ بِأَسْعَد بَين يَدَيْهِ فألبس النَّبِي بِيَدِهِ الْمُبَارَكَة الشَّرِيفَة السَّيِّد عَليّ بِأَسْعَد طاقية وَأمره أَن يلبسني فألبسني إِيَّاهَا بِأَمْر النَّبِي وَكَانَ لَهُ تصرف فِي الموجودات وَظَهَرت لَهُ كرامات مِنْهَا أَنه أخبر بعض أَصْحَابه بكائنة تحدث فِي سنة أَربع فَوَقع الْأَمر بعد أَن أخبر كَمَا ذكر وَأخْبر بواقعة الشَّيْخ الصّديق الْخَاص وَأَنه يقتل فَقتل الشَّيْخ الصّديق بعد انْتِقَال السَّيِّد حَاتِم بأعوام وصادر بعض الوزراء الظلمَة بعض السَّادة الْأَشْرَاف وَطلب مِنْهُ مَالا فَذكر ذَلِك للسَّيِّد حَاتِم فَقَالَ لَهُ أعْطه فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَخذه فَلَمَّا أعطَاهُ وتناوله ذَلِك الظَّالِم آلمه ألماً شَدِيدا فصاح وَتَركه وَذهب وَحكى أَنه كَانَ جَالِسا فِي الْحرم الْمَكِّيّ وَعِنْده بعض مريديه فَجرى على خاطره أَن القطب يكون بِمَكَّة وَأَن يكون الْآن فَالْتَفت إِلَيْهِ السَّيِّد حَاتِم وَقَالَ لَهُ هُوَ الْآن على الْمِنْبَر فَقَامَ المريد إِلَى الْمِنْبَر فَوجدَ عَلَيْهِ تركياً طَوِيل الشَّوَارِب على هَيْئَة الجندي فَرجع إِلَى شَيْخه وَأخْبرهُ فَقَالَ أَتُرِيدُ أَن يَأْتِيك على صورته وَيَقُول لَك أَنا القطب فَرجع إِلَى الْمِنْبَر فَلم يجد أحدا وَمِنْهَا أَنه أَرَادَ السمر فَأمر بإحضار البخور والماورد فَقيل لَهُ فرغ الْعود فَأخْرج من تَحت الْبسَاط عوداً فاخر فَقَالَ تِلْمِيذه عَليّ الجازاني هَذَا الْعود من معدنه وَمِنْهَا أَن خادمه قَالَ لَهُ يَوْمًا لَيْسَ عندنَا مَا نشتري بِهِ الْقُوت فَأخْرج لَهُ دَرَاهِم من المنديل فَقَالَ لَهُ عهدي بالمنديل فَارغًا فَقَالَ لنا رخصَة فِي التَّصَرُّف بِقدر الْحَاجة مِمَّا يُبَاح لنا أَخذه وَحكى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 أَن السُّلْطَان فِي بعض السنين جدد السِّكَّة وَكَانَ بعض السَّادة من أهل زبيد رَأس مَاله كُله من الدَّرَاهِم الْقَدِيمَة فتضرر لذَلِك وَحكى حَاله للسَّيِّد حَاتِم فدله على بعض الْأَوْلِيَاء فِي زبيد فَذهب إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ السَّيِّد حَاتِم أقدر مني على قَضَاء حَاجَتك وَلَكِن اذْهَبْ إِلَى الْمَسْجِد الْفُلَانِيّ تَجِد فِيهِ شخصا يدلك فَذهب فَوجدَ الشَّخْص فَقَالَ لَهُ ادخل مَحل كَذَا حَيْثُ تَجِد رجلا يخرز النِّعَال الْقَدِيمَة فَدخل فَوَجَدَهُ كَذَلِك وَعِنْده إِنَاء فِيهِ مَاء متغير الرَّائِحَة من النِّعَال الَّتِي يخرزها فَجعل يدْخل النِّعَال فِي المَاء بِقُوَّة ليصيبه الرشاش فينفر عَنهُ فَأدْخل الرجل يَده فِي المَاء ورش على بدنه فَعرف الخراز أَنه لَا بُد لَهُ مِنْهُ فَأخذ الجراب الَّذِي فِيهِ الدَّرَاهِم وَجلسَ عَلَيْهِ سَاعَة ثمَّ أعطَاهُ إِيَّاه فَإِذا الدَّرَاهِم على السِّكَّة الجديدة ثمَّ قَالَ لَهُ الرجل الَّذِي لَقيته فِي الْمَسْجِد هُوَ الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام وَجعل يَقُول فضحوني وَمَات بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَمن كراماته اللطيفة أَنه وشى بِهِ إِلَى من يُحِبهُ بعض الوشاة فَلَمَّا علم بذلك قَالَ فِي موشح لَهُ على طَريقَة أهل الْيمن ياورنيسان يَا بهجة الدن والدان من علمك نقض العهود يبْلى بثعبان يلْدغ لِسَانه يَا فتان حَتَّى يصير فِي اللحود فسعت تِلْكَ اللَّيْلَة حَيَّة إِلَى لِسَان ذَلِك الواشي ولذعته ونفثت فِي فِيهِ سمها فَمَاتَ وَله كَلَام عَال فِي الْحَقَائِق والتصوف قَالَ بعض العارفين مَا رَأَيْت فِي شُيُوخنَا من اجْتمع لَهُ علم وَحَال غير حَاتِم إِذا رَأَيْت علمه رجحته على عمله وَإِذا رَأَيْت عمله رجحته على علمه وَله كتابات على أَبْيَات الْعَفِيف التلمساني الَّتِي أَولهَا قَوْله (إِذا كنت بعد الصحو فِي المحو سيدا ... أما مَا مثنى النَّعْت بِالذَّاتِ مُفردا) وَله كتابات على أَبْيَات الْعَفِيف الَّتِي أَولهَا (منعتها الصِّفَات والأسماء ... أَن ترى دون برقع أَسمَاء) وعَلى الأبيات الَّتِي أَولهَا (إِذا كنت فِي توحيدك الْمُطلق الْوَصْف ... على ثِقَة من عَالم الذَّوْق والكشف) وَمن نثره الْبَهِي قَوْله فِي بعض رسائله يقصر عَن جسم معاليك قَمِيص الثَّنَاء فَيفوت الرصاف وترفل زهواً إِذا فصلت لمعانيك حلل الْأَوْصَاف ويعترف بِالْعَجزِ سحبان إِذا سحبت ذيول الْبَيَان ويقر المعري بالتعري عَن لفظك الحريري الْمُشْتَمل على الْجَوَاهِر الحسان وَيلْحق القَاضِي الْفَاضِل النَّقْص فِي هَذَا الْمِيزَان ويزوي الْبَيَانِي عِنْد طُلُوع شمس معانيك البديعة التِّبْيَان وَمن شعره قَوْله مشطراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 فائية ابْن الفارض (قلبِي يحدثني بأنك متلفي ... عجل بِهِ وَلَك البقا وَتصرف) (قد قلت حِين جهلتني وعرفتني ... روحي فدَاك عرفت أم لم تعرف) (أَنْت الْقَتِيل بِأَيّ من أحببته ... فلك السَّعَادَة فِي الشَّهَادَة يَا وَفِي) (وَلَقَد وصفت لَك الغرام وَأَهله ... فاختر لنَفسك فِي الْهوى من تصطفي) وَقَوله مخمساً لقصيدة ابْن النبيه (رقم العذول زخارفاً وتصنعاً ... وأشاع نقض الْعَهْد عَنْك وشنعا) (فأجبته وَالنَّفس تقطر أدمعاً ... أفديه إِن حفظ الْهوى أَو ضيعا) (ملك الْفُؤَاد فَمَا عَسى أَن أصنعا ... ) (حكم الغرام فلذبه وبحكمه ... واثبت على مَفْرُوض وَاجِب رسمه) (واخضع لعدل الْحبّ فِيهِ وظلمه ... من لم يذقْ ظلم الحبيب وظلمه) (حلواً فقد جهل الْمحبَّة وَادّعى ... ) (يَا من بلطف جماله قلبِي اقتنص ... صبري على الأعقاب من جلدي نكص) (وثبات حملي حِين زمزمتم رقص ... يَا صَاحب الْوَجْه الْجَمِيل تدارك الصَّبْر) (الْجَمِيل فقد عَفا وتضعضعا ... ) (وفرت من نبل اللواحظ أسهمي ... وَكلمت أحشائي وَلم أَتكَلّم) (وهجرتني ظلما وَلم أتظلم ... مَا فِي فُؤَادك رَحْمَة لمتيم) (ضمت جوانحه فؤاداً موجعا ... ) (قلبِي إِلَيْك مسائر لَك سَائِر ... كلي عَلَيْك مسامع ومناظر) (وَإِذا شَككت بِأَصْل مَا أَنا ذَاكر ... فتش حشاي فَأَنت فِيهِ حَاضر) (تَجِد الحسود بضد مَا فِيهِ سعى ... ) (إِنِّي اعْترفت بزلتي وجنايتي ... ورضاك مقصودي وَغَايَة غايتي) (يَا من ضلالي فِيهِ عين هدايتي ... هَل من سَبِيل أَن أبث شكايتي) (أَو أشتكي بلواي أَو أتضرعا ... ) (لي فِي حماك مسارح ومطامح ... كم بت للغزلان فِيهِ أطارح) (يَا قلب أما الْيَوْم طيبك نازح ... يَا عين عذرك فِي حَبِيبك وَاضح) (سحى لفرقته دَمًا أَو أدمعا ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وَله نظم كثير جمع مِنْهُ بعض أَصْحَابه ديواناً حافلاً وَهُوَ متداول بني النَّاس وَكَانَ يَقُول وَقت الْوَارِد كتبُوا عني مَا أَقُول فيملى عَلَيْهِم وهم يَكْتُبُونَ وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْأَحَد سَابِع عشر الْمحرم سنة ثَلَاث عشرَة وَألف ببندر المخا وَدفن ببيته وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته بالمخا سبعا وَثَلَاثِينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى حَافظ الدّين بن مُحَمَّد الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بالسروري من ولد غَانِم الْعَالم الْعلم الْأَفْضَل الأمجد كَانَ ذَا فضل باهر وشيم مرضية وَكَانَ عَلامَة فِي المنقولات خُصُوصا الْأُصُول فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ غَايَة لَا تدْرك وَكَانَ كَأَنَّهُ امتزج بِلَحْمِهِ وَدَمه قَرَأَ بِبَلَدِهِ وَضبط ثمَّ رَحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ عَن الشَّيْخ الإِمَام مُحَمَّد المحبي والشهاب أَحْمد أبي الْمَوَاهِب الشناوي وَأَجَازَهُ فِي الحَدِيث وَرجع إِلَى الْقُدس وَاسْتقر بهَا وانتفع بِهِ وَلَده مُحَمَّد الْآتِي ذكره وَغَيره من عُلَمَاء الْقُدس الْمُتَأَخِّرين وَغلب عَلَيْهِ فِي آخر أمره التصوف وَلزِمَ الِانْفِرَاد مَعَ الإفادة فِي بعض الْأَحَايِين لبَعض تلامذته وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بِبَاب الرَّحْمَة ظَاهر الْقُدس رَحمَه الله تَعَالَى حبيب بن مَحْمُود النخجواني الأَصْل نزيل صالحية دمشق أحد الْكتاب الْمَشْهُورين بجودة الْخط وَكَانَ كل مَا يَكْتُبهُ قد استوفى أَقسَام الْحسن وَجمع أدوات الإجادة وَكَانَ يعرف اللُّغَات الثَّلَاث الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية وأصل وَالِده من نخجوان ورد دمشق فِي فتْنَة قزلباش لما استولى على بِلَاد الْعَجم وَنزل صالحية دمشق عِنْد جسرها الْأَبْيَض وَأَعْطَاهُ السُّلْطَان سُلَيْمَان زعامة والزعامة عبارَة عَن قرى يقطعهَا من أَعْطَاهَا وتخمن على الْأَقَل بِعشْرين ألف عثماني فِي كل سنة وَتزَوج بالصالحية وَولد لَهُ ولدان أَحدهمَا حبيب هَذَا وَالثَّانِي فروخ فَأَما حبيب هَذَا فَإِنَّهُ وصل مَعَ الزعامة إِلَى أَن صَار جاويش السُّلْطَان وَعلا أمره وَلما جَاءَ الْوَزير الْأَعْظَم مُرَاد باشا بعساكر الرّوم إِلَى حلب لإِزَالَة عَليّ بن جانبولاذ سَافر حبيب فِي ضمن العساكر الشامية فَمَاتَ بأنطاكية وَدفن عِنْد حَضْرَة حبيب النجار فَقَالَ النَّاس مَاتَ حبيب وَدفن عِنْد حبيب وَكَانَ ذَلِك فِي شهر رَجَب الْفَرد من سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى حبيب الله الشِّيرَازِيّ ثمَّ الْبَغْدَادِيّ ثمَّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي القادري قَالَ العرضي الْكَبِير فِي تَرْجَمته خرج من شيراز فَارًّا بِدِينِهِ مِمَّا كَانَ يطْرق سَمعه من سبّ أكَابِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 الصَّحَابَة على رُؤُوس الأشهاد فحج ثمَّ قطن بِمصْر بِجَامِع الْأَزْهَر ملازماً درس شيخ الْإِسْلَام الشَّمْس الرَّمْلِيّ وتلميذه النُّور الزيَادي ففهم الْفِقْه مَعَ مُشَاركَة فِي الْعُلُوم كالنحو وَالْكَلَام والمعاني والمنطق ثمَّ لزم الطَّرِيقَة القادرية وجاور فِي مشْهد الشَّيْخ عبد الْقَادِر بِبَغْدَاد بعد مُفَارقَة مصر وَمر بحلب فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا قَليلَة ثمَّ ارتحل إِلَى الْبَصْرَة لعدم رَاحَته فِي بَغْدَاد لِكَثْرَة الروافض فِيهَا وَقُوَّة شوكتهم فقطنها وَأعْطى بهَا جَزِيرَة كثر مِنْهَا رزقه وَأقَام ملازماً لِلْعِبَادَةِ وَالتَّقوى وَقِرَاءَة الدُّعَاء السيفي الْمُسَمّى بالحرز الْيَمَانِيّ وإكرام الضيفان وجبر خاطر القادمين عَلَيْهِ من الْفُقَرَاء والغرباء وَإِقَامَة حَلقَة الذّكر وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وملازمة الْجَمَاعَة وصيانة اللِّسَان والانتماء إِلَى الشَّيْخ عبد الْقَادِر رَضِي الله عَنهُ إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة أَربع عشرَة وَألف بِالْبَصْرَةِ رَحمَه الله تَعَالَى حبيب الدرويش الرُّومِي الْحَنَفِيّ المجاور بالخانقاه السميساطية بجوار الْجَامِع الموي الأقطع ذكره الْغَزِّي وَقَالَ فِي تَرْجَمته كَانَ طَوِيل الصمت لطيف الذَّات نظيف الأثواب متواضعاً صوفياً لَهُ ذوق فِي المعارف والحقائق وَله آدَاب وَكَانَ يمتهن نَفسه فِي الْخدمَة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَ عَلَيْهِ نورانية ظَاهِرَة قَالَ وَأَخْبرنِي بعض أَصْحَابه أَنه كَانَ قلندري المشرب وَلم أر مِنْهُ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ ملازماً لِلْمَسْجِدِ الْجَامِع فِي أَوْقَات الصَّلَاة وَكَانَ إِذا فتح عَلَيْهِ بنفيس الطَّعَام أكل وَإِذا تيَسّر لَهُ خشن الْخبز وَقَلِيل الْأدم قنع وَأقَام بِدِمَشْق أَكثر من عشْرين سنة وَلم أر شَيْئا انتقده عَلَيْهِ لِأَنِّي كنت أخالطه كثيرا مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة عَاشر شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى حسام الدّين المنتشي الْحَنَفِيّ أحد عُلَمَاء الرّوم ذكره ابْن نَوْعي فِي طبقَة عُلَمَاء دولة السُّلْطَان مُحَمَّد الثَّالِث وَقَالَ فِي تَرْجَمته أَصله من بَلْدَة منتشى وَهِي بَلْدَة من نواحي قرمان وإليها ينْسب من الْعلمَاء الشاهدي صَاحب الْكتاب الْمَشْهُور ولازم ودرس فِي مَدِينَة أدرنة بمدرسة طاشلق بالجامع الْعَتِيق وَكَانَ فَاضلا صَاحب تحريرات مَقْبُولَة ألّف حَاشِيَة على صدر الشَّرِيعَة وَلما توجه السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى سفر أكرى عرضهَا على الْمولى سعد الدّين معلم السُّلْطَان الْمَذْكُور فقبلها وَأَجَازَهُ عَلَيْهَا وَكَانَت وَفَاته فِي ربيع الآخر سنة عشر بعد الْألف حسام الدّين الرُّومِي مدرس السليمانية ومفتي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق كَانَ فَقِيها عَالما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 حسن الاستحضار وَكَانَ لَهُ بالطب إِلْمَام تَامّ وَكَانَ متكيفا إِلَّا أَنه حسن الْأَخْلَاق لطيف الذَّات يعرف قدر الْعلمَاء ويودهم وَتُوفِّي بِدِمَشْق يَوْم السبت سادس عشرى رَجَب سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله الْحسن بن أبي بكر بن سَالم بن عبد الله بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف اليمني الْحَضَر موتِي الْوَلِيّ الصَّالح المربي المرشد كَانَ فَرد زَمَانه وَوَاحِد قطره ولد بعينات وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن إخوانه الْكِبَار وَأدْركَ أَبَاهُ وَهُوَ صَغِير واشتغل بالعلوم والمعارف وعني بالفقه والتصوف وَولي قَضَاء بَلَده وحمدت سيرته وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ وَكَانَ شَدِيد المجاهدة متواضعا قانعا باليسير كريم النَّفس كلما ملكه أنفقهُ محبوبا عِنْد النَّاس وَكَانَ عَظِيم المكاشفات والكرامات وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ بركَة من بَرَكَات عصره وَكَانَت وَفَاته بِمَدِينَة عينات فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تمّ الْجُزْء الأول من خُلَاصَة الْأَثر ويليه الْجُزْء الثَّانِي أَوله الشريف حسن بن أبي نمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 الشريف حسن بن أبي نمي مُحَمَّد بن بَرَكَات بن مُحَمَّد وَتقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة ابْنه الشريف أبي طَالب ذكره الشهَاب فِي كِتَابيه وَأطَال الثَّنَاء فِي تَرْجَمته وَذكره الشلي فِي تَارِيخه وَقَالَ ولد لسبع فِي شهر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَأمه فَاطِمَة بنت سباط بن عنقًا بن وثير بن مُحَمَّد بن عاطف بن أبي نمي بن أبي سعيد ابْن عَليّ بن قَتَادَة حملت بِهِ سنة وَفَاة جده بَرَكَات وَنَشَأ فِي كَفَالَة وَالِده سعياً رَئِيسا حميدا وَلبس الخلعة الثَّانِيَة بعد وَفَاة أَخِيه أَحْمد وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ فوّض إِلَيْهِ وَالِده الْأَمر فَلبس الخلعة الْكُبْرَى الَّتِي لصَاحب مَكَّة وَلبس أَخُوهُ ثقبة الخلعة الثَّانِيَة وَاسْتمرّ مشاركاً لوالده فِي الإمرة إِلَى أَن انْتقل وَالِده يَوْم تاسوعاء سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فاستقل بسلطنة الْحجاز وَقَامَ بهَا أحسن قيام وَضبط الْأُمُور وَالْأَحْكَام على أحسن نظام وَأمنت الْبِلَاد واطمأنت الْعباد وَقطع دابر أهل الْفساد فَكَانَت القوافل والأحمال تسير بِكَثْرَة الْأَمْوَال مَعَ آحَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 الرِّجَال ولوفي المخاوف والمهالك وخافه كل مِقْدَام فاتك وَكَانَ عَظِيم الْقدر مفرط السخاء بَصيرًا بفصل الْأُمُور شجاعا مقداما حاذقا صَاحب فراسة عَجِيبَة حكى أَنه سرقت الفرضة السُّلْطَانِيَّة بجدة وَضاع مِنْهَا قماش لَهُ صُورَة وأموال كَثِيرَة وَلم يكسر بَابهَا وَلَا نقب جدارها وَلَا أثر يُحَال عَلَيْهِ معرفَة الْمَطْلُوب والطالب بل حَبل مسدول من بعض الجوانب فَلَمَّا عرض عَلَيْهِ طلب الْحَبل ثمَّ شمه ثمَّ قَالَ هَذَا حَبل عطار ثمَّ دَفعه إِلَى ثِقَة من خُدَّامه وَأمره أَن يَدُور على العطارين فَعرفهُ بَعضهم وَقَالَ هَذَا حَبل كَانَ عِنْدِي اشْتَرَاهُ مني فلَان ثمَّ نقل من رجل إِلَى رجل إِلَى أَن وصل لشخص من جمَاعَة أَمِير جدة ثمَّ وجدت السّرقَة بِعَينهَا فِي الْمحل الَّذِي ظَنّهَا فِيهِ وَمَعَ مَا كَانَ فِيهِ من هَذِه الصِّفَات كَانَ كل صَاحب فضل باهر وأدب غض ومحاضرة فائقة واستحضار غَرِيب حكى البديعي فِي كِتَابه الَّذِي أَلفه فِي حيثية المتنبي وَسَماهُ الصُّبْح المنبي عَن حيثية المتنبي عَن بعض عُلَمَاء الْقَاهِرَة وَأَظنهُ احْمَد الفيومي قَالَ كنت فِي حرم الْبَيْت المنيف فدعاني إِلَى بعض الْأَمَاكِن الشَّرِيفَة حسن الشريف وَسمع بِتِلْكَ الدعْوَة أحد بني عَمه الْكِرَام فسارع إِلَيْنَا مسارعة الْقطر من الْغَمَام وَاتفقَ أَن سقط من يَده الْكَرِيمَة خَاتم بِهِ حجر ثمين الْقيمَة فَقَالَ لَهُ لم لَا تقف على طلب ذَلِك الْخَاتم الثمين فَقَالَ لَهُ أَلَسْت من أَبنَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ فلمح الشريف إِلَى قَول أبي الطّيب شعر (بليت بلَى الأطلال أَن لم أَقف بهَا ... وقُوف شحيح ضَاعَ فِي الترب خَاتمه) ولمح ابْن عَمه إِلَى قَول المتنبي أَيْضا (كَذَا الفاطميون الندى فِي أكفهم ... أعز انمحاء من خطوط الرواجب) وَالْبَيْت الأول من قصيد للمتنبي كَثِيرَة الْعُيُوب وَذكر البديعي الْمَذْكُور عِنْد الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت نُكْتَة أَو ردهَا وَلم يتَنَبَّه لمحذورها وَهِي سَأَلَ بَعضهم كم قدر مَا يقف الشحيح على طلب الْخَاتم فَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ قيل لَهُ وَمن أَيْن علمت ذَلِك قَالَ من سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام فَإِنَّهُ وقف على طلب الْخَاتم أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقيل لَهُ وَمن أَيْن علمت أَنه بخيل قَالَ من قَوْله تَعَالَى هَب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يهب الله لِعِبَادِهِ أَضْعَاف ملكه انْتهى وَهَذَا كَلَام كَمَا ترَاهُ صادر عَن قلَّة التدبر فَإِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ينزه مقامهم عَن الْبُخْل المخل بنبوتهم وَمَا يتَوَهَّم فِيهِ من إِسْنَاد الْبُخْل إِلَى سُلَيْمَان قد دَفعه أَئِمَّة التَّفْسِير بأجوبة كَثِيرَة مِنْهَا أَن المُرَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 بقوله لَا يَنْبَغِي لأحد أَي أَن يسلبه مني فِي حَياتِي كَمَا فعل الشَّيْطَان الَّذِي لبس خَاتمه وَجلسَ على كرسيه وَمِنْهَا أَن الله تَعَالَى علم أَنه لَا يقوم غَيره من عباده بمصالح ذَلِك الْملك واقتضت حكمته تَخْصِيصه بِهِ فألهمه طلب تَخْصِيصه بِهِ وَمِنْهَا أَنه أَرَادَ بذلك ملكا عَظِيما فَعبر عَنهُ بِتِلْكَ الْعبارَة وَلم يقْصد بذلك الْأَعْظَم الْملك وسعته كَمَا تَقول لفُلَان مَا لَيْسَ لأحد من الْفضل أَو من المَال وتريد بذلك عظم فَضله أَو مَاله وَإِن كَانَ فِي النَّاس أَمْثَاله وَهَذَا كَلَام وَقع فِي الْبَين وقصدت إِيرَاده تطرية للسامع فَإِن الإنتقال من أسلوب إِلَى أسلوب آخر يحسن عِنْد ذَوي الآراء السليمة عودا إِلَى تَتِمَّة خبر الشريف حسن وَحكى بعض أهل الْأَدَب فِي مَجْمُوع ذكر فِيهِ بعض محاضرات أدبية أَن بعض بني عَم الشريف حسن ورد نَادِيه وَهُوَ يجر ذيلي التيه وَالْحمية الهاشمية فتصدر عَلَيْهِ بعض من حضر ذَلِك الْمجْلس فتجعدت أساريره وَظَهَرت حِدة طبعه فَلَمَّا فطن الشريف حسن لذَلِك قَالَ إِنَّه ليقودني للعجب ويهزمن عطف أريحيتي ساعد الطَّرب قصيدة أبي الطّيب الَّتِي أَولهَا شعر (فُؤَاده مَا يسليه المدام ... وَعمر مثل مَا يهب اللئام) فتسلى بذلك وَتَبَسم وَجهه بعد القطوب لِأَنَّهُ علم تلميحه إِلَى قَوْله فِيهَا شعر (وَلَو أَن الْمقَام لَهُ علو ... تَعَالَى الْجَيْش وانحط القتام) وَفِي سنة ثَمَان بعد الْألف أَمر أُمَرَاء الْحجَّاج أَن يلبسوا الخلعة الْكُبْرَى وَلَده أَبَا طَالب وَهُوَ يَوْمئِذٍ أكبر أَوْلَاده وَولي عَهده فِي بِلَاده والخلعة الثَّانِيَة لوَلَده عبد الْمطلب فلبسها أَيَّامًا ثمَّ جهز تَابعه بهْرَام بهدية سنية إِلَى السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُرَاد وَالْتمس مِنْهُ تقريراً لوَلَده أبي طَالب فَرجع بهْرَام بِجَمِيعِ مَا التمسه الشريف وَلم يزل ينفذ الْأَحْكَام إِلَى أَن رمي بِسَهْم الْحمام شعر (وَمَا هُوَ شخص قضى نحبه ... وَلكنه أمة قد خلت) على أَنه لم يمت من بقيت مآثره ونشرت من بعد طوى مفاخره فَكيف بِمن خلف ذكرا حسنا من أَوْلَاد كرام وذرية فحام فأولاده الذُّكُور حُسَيْن وَأَبُو طَالب وباز وَسَالم وَأَبُو الْقَاسِم ومسعود وَعبد الْمطلب وَعبد الْكَرِيم وَإِدْرِيس وَعقيل وَعبد الله وَعبد المحسن وَعبد الْمُنعم وعدنان وفهيد وشبير والمرتضى وهزاع وَعبد الْعَزِيز وجود الله وَعبيد الله وبركات وَمُحَمّد الْحَارِث وقايتباي وآدَم وَالْبَنَات سَبْعَة عشر وَقد أفرد ذكره بِبَاب مُسْتَقل السَّيِّد الإِمَام الْعَلامَة عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 من أرجوزته الْمُسَمَّاة بِحسن السِّيرَة وَشَرحهَا الْمُسَمّى بِحسن السريرة فَقَالَ (الْحسن الْملك الشريف بن أبي ... نمي بن بَرَكَات من حبي) (بنسبه إِلَى النَّبِي الْعَرَبِيّ ... وَالشَّرْح يعطيك تَمام النّسَب) وسرد نسبه فِي الشَّرْح على طبق مَا قدمْنَاهُ فِي تَرْجَمَة أبي طَالب شعر (هُوَ الشريف من كلا جديه ... من صفوة الْملك انْتَهَت إِلَيْهِ) (وَأمه بنت سباط فَاطِمَة ... أدنى الْإِلَه نَحْوهَا مراحمه) (وَكَانَ عَام حمله فِي ظلا ... على حِسَاب أبجد قد حلا) (أظهره الرَّحْمَن فِي ربيع ... يظل سوح الْحرم المنيع) أَشَارَ إِلَى أَنه شرِيف من أمه أَيْضا كَمَا قدمْنَاهُ وَأَنَّهَا حملت بِهِ فِي عَام إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَهُوَ حِسَاب ظلا الَّذِي ذكره شعر (فَلم يزل يصعد فِي الْمَعَالِي ... ويرتقي بصعدة العوالي) (حَتَّى أَتَتْهُ صفوة الْخلَافَة ... منقادة طَوْعًا بِلَا خِلَافه) (فِي عَام إِحْدَى بعد سِتِّينَ مَضَت ... من قبلهَا تسع مئين حفظت) (فشارك الْوَالِد فِي الْملك إِلَى ... أَن أم بَدْء عَام حتف نزلا) أَشَارَ بقوله إِلَى أَن أم إِلَى انْتِقَال وَالِده عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين كَمَا تقدم واستقلاله بعده بِجَمِيعِ الْأُمُور (وذب عَن بَيت الْإِلَه بالاسل ... منزها عَن التواني والكسل) (وأمّن السبل جَمِيعًا وَحمى ... كل المخاليف فأضحت حرما) (فطالما قد شدّت الرّحال ... موقرة من فَوْقهَا الْأَمْوَال) (من مَكَّة لبصرة وَنَحْوهَا ... قَاطِعَة لقفرها وبدوها) (وَلم يكن مَعهَا سوى حاديها ... من حاضري الْبَلدة أَو باديها) (فتصل الْمَقْصد وَهِي سَالِمَة ... ثمَّ تعود مثل ذَاك غانمة) ( ... وشاع هَذَا الْأَمر مِنْهُ واشتهر) معطراً بَاقِي الممالك الْأُخَر ... (فَكل من حج إِلَى الْبَيْت الْحَرَام ... وَشَاهد الْأَمْن استخار فِي الْمقَام) أَشَارَ بذلك إِلَى أَنه لم يزل حامياً حوزة الْبَيْت الْمُعظم وذابا عَن سوحة المطهر المفخم حَتَّى أَنه من مزِيد أَمنه اخْتَلَط فِيهِ الْعَرَب والعجم ورعى الذِّئْب مَعَ الْغنم وَأمن السبل الحجازية ومهد الطّرق الحرمية فَكَانَت تشد الرّحال فِي سَائِر جهاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 وَلَيْسَ مَعهَا خفير سوى الْأَجِير لَا يفقد مِنْهَا صواع وَلَا يختلس مِنْهَا وَلَا قدر صَاع وَرُبمَا ترك الْمَتَاع أَو الْمُنْقَطع فِي القفر السَّبَب ليؤتى لَهُ بِمَا يحمل عَلَيْهِ أَو يركب فيوجد سالما من الْآفَات وَلَو طَالَتْ الْأَوْقَات مَعَ كَثْرَة الطارقين لتِلْك الْمعَاهد والسالكين لهَذِهِ المواطن والمقاصد وَلم يعْهَد هَذَا إِلَّا فِي زمن هَذَا الْملك الْعَادِل وَلم ينْقل مثله عَن مثله من الْمُلُوك الْأَوَائِل فَلَقَد كَانَت هَذِه الطّرق فِي مبدأ ولَايَته مخوفه والمخاليف كلهَا غير مألوفة حَتَّى من أَرَادَ أَن يعزم من مَكَّة إِلَى التَّنْعِيم للاعتمار لَا بُد لَهُ أَن يَأْخُذ خفيرا من أَرْبَاب الدول الْكِبَار وَأَن لم يفعل ذَلِك يعطب فِي نَفسه وَمَاله وَلَا يرثي فِي أَخذ الثأر لحاله ولطالما نهبت الْأَمْوَال مَا بَين مَكَّة وعرفة لَيْلَة الصعُود إِلَيْهَا وسفكت الدِّمَاء فِي تِلْكَ المشاعر وجدلت الأجساد لَدَيْهَا وَإِذا سرق مَتَاع قل أَن يظفر بِهِ وَرُبمَا قتل صَاحبه عِنْد طلبه بسبسه وكل ذَلِك من الْعَرَب المحيطين بأطراف الْبِلَاد الساعين فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ فنبسط الله بِسَاط الْأمان بولايته ألزمهم بحراسة هَذِه المواطن وَغرم مَا يذهب للنَّاس فِي هَذِه الْأَمَاكِن وعاملهم بصنوف الْعقَاب وأنواع الْعَذَاب من الصلب وَقطع الْأَيْدِي وتكليف أحدهم بِالْقَتْلِ أَن لم يَدي إِلَى غير ذَلِك من أَصْنَاف الاجتهادات السياسية والآراء السُّلْطَانِيَّة المرضية حَتَّى صلح حَال الْعَالم غَايَة الْإِصْلَاح ونادى مُنَادِي الْأَمْن بالبشر والفلاح فاطمأنت النُّفُوس بِإِقَامَة هَذَا الناموس واعتدلت أَحْوَال الرعايا واتصل ذَلِك إِلَى علم الْمُلُوك البقايا فَشكر كل سَعْيه فِي هَذِه المآثر الحميدة وَحمد الله تَعَالَى فِي هَذِه المعدلة الظَّاهِرَة المجيدة وَكثر حجاج بَيت الله الْعَتِيق وضربوا إِلَيْهِ آباط الْإِبِل من كل فج عميق فيرون مَا كَانُوا يسمعُونَ بِهِ عيَانًا فيستخيرون الله فِي أَن تكون بَلَده لَهُم مسكنا وَأَهْلهَا إخْوَانًا شعر (فَمن هُنَا مَكَّة صَارَت مصرا ... محشودة بالعالمين طرا) (وَقبل هَذَا الْعَهْد لم يقم بهَا ... إِلَّا أنَاس شغفوا بحبها) (نَحْو ذَوي الْبيُوت مِمَّن قطنوا ... دهراً بهَا واستوطنوا وَسَكنُوا) (لذا انْتَهَت إِلَيْهِم الرياسة ... بطيبهم مناصب النفاسة) (والغير يَدْعُو بمنادى الْملك ... يامن قصى حرَامه من نسك) (ارجل إِلَى بلادك الْأَصْلِيَّة ... من يمن أوجهة شامية) (فان هَذَا الْبَلَد الحراما ... وادبلا زرع يرى ولاما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 (فيرحلون مَا عدا من ذكرا ... من أَهلهَا خلص من قد أمرا) (فَإِنَّهُم شوكته القوية ... وخادمو حَضرته الْعلية) (فَلم يزَالُوا هَكَذَا أَبَا بأب ... مقترين من أعالي ذَا النّسَب) أَشَارَ إِلَى الْقَوَاعِد الْقَدِيمَة لولاة مَكَّة الْكَرِيمَة أَن يُنَادى بعد لتَمام الْحَج يَا أهل الشَّام شامكم وَيَا أهل الْيمن يمنكم فيرحل كل إِلَى بَلَده وَلَا يُقيم بِمَكَّة الأخواص أَهلهَا من ذَوي الْبيُوت الْقَدِيمَة فَلَمَّا تولى مَكَّة وشاع ذكره رغب كل أحد فِي الْمُجَاورَة بهَا وَصَارَت مصر من الْأَمْصَار (فَعِنْدَ مَا قد أفضت الْخلَافَة ... لحسن وجاورت خلَافَة) (ومهد المسالك المخو فَهُوَ ... وشيد الْمعَاهد المألوفة) (وَكَثُرت بعدله الأرزاق ... وعمرت بأمنه الْأَسْوَاق) (وفجر الله عُيُون الأَرْض ... بصيته الْبَاقِي ليَوْم الْعرض) (أَقَامَ كل بفنا الْبَيْت الْعَتِيق ... وأملوه من ورا الْفَج العميق) (ونال كل مِنْهُ مَا قد أمله ... لما أناه قَاصِدا وَأم لَهُ) (وَالنَّاس فِي عَيْش بعدله خصيب ... وَقد حوى بفضله كل نصيب) (أما أولو الْعلم ففازوا بِالنعَم ... ونشروا على رُؤْسهمْ علم) (وتوجوا لَدَيْهِ بالوقار ... فَمَا رَآهُمْ قطّ باحتقار) (لَا سِيمَا من مِنْهُم ينتسب ... إِلَيْهِ بالإخلاص وَهُوَ السَّبَب) (ويخدم الخزانة المعمورة ... بِكُل آيَة لَهُ مسطورة) (من كل تأليف عَظِيم المنقبة ... بِهِ اسْتحق نيل تِلْكَ الْمرتبَة) (وهم لعمري فرقة كَبِيرَة ... وَمِنْهُم نالهم هذي السِّيرَة) (فَإِنَّهُ فِي كل عَام شمسى ... يبدع تأليفا بديع الْأنس) (الأصداف ... أسسها فِي ذرْوَة الْأَوْصَاف) (كذاعبون لمسائل حوى ... من الْعُلُوم أَرْبَعِينَ بالسوا) (وَشَرحه القصيدة الْمَقْصُورَة ... لِابْنِ دُرَيْد نِسْبَة شهيرة) (وَشَرحه أَيْضا لحسن السِّيرَة ... بِمَالِه من حسن السريره) (وغيرذا من غرر القصائد ... وكل نثرزينة الفرائد) أَشَارَ إِلَى احتفاله بِالْعلمِ وَأَهله حَتَّى ألفوا لَهُ التصانيف اللطيفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 (وَكم بِشعر فائق النّظم امتدح ... من كل قطر أمّ قصدا وامتنح) (وكل هَذَا خدمَة للسَّيِّد ... الْحسن الشريف عالى المحتد) (فَهُوَ الْحقيق دَائِما أَن يخدما ... وَأَن يكون مَالِكًا للعلما) (لبرّه اليهم وَعطفه ... عَلَيْهِم ببشره ولطفه) (يُجِيز بِالْألف على التَّأْلِيف ... وينصف الشَّخْص على التصنيف) (ثمَّ إِذا قدّم تأليف لَهُ ... طالعه غالبه أَو كُله) (وَأظْهر الرَّغْبَة فِيهِ جدّا ... وبالدعا لرَبه أمدا) (وَزَاد فِي رفعته وَقدره ... ليعلم الْعَالم شَأْن فخره) (قصد التَّرْغِيب الورى فِي الْعلم ... مشحذاً لفكرهم والفهم) (وكل ذَا ابْتِغَاء وَجه الله ... من غير مَا شكّ وَلَا اشْتِبَاه) (فَمن هُنَا تبادر النَّاس إِلَى ... درس الْعُلُوم بعد درس وبلى) (فأنتجت مَكَّة بعد العقم ... أفاضلاً شَتَّى كأبنا أمّ) (ملتحمين فِي الْعُلُوم وَالْأَدب ... كلحمة فِي سَبَب أَو فِي نسب) (نالوا علو مَا جمة مرتبه ... علوا بهَا على الشُّيُوخ مرتبه) (مَا ذَاك إِلَّا حَيْثُ كَانَ السَّيِّد ... ملتفتاً لما بنوا وشيدوا) (وَلم يضع صنيعهم لَهُ سدى ... لَا زَالَ متصفاً بِحَق أيدا) أَشَارَ إِلَى أَن الأفاضل كَانَت تتقرب إِلَى خدمته وَمِنْهُم الْعَلامَة خضر بن عَطاء الله الْموصِلِي ألف لَهُ الْإِسْعَاف فِي شرح شَوَاهِد القَاضِي والكشاف وَمِنْهُم النَّاظِم خدمَة بكتب مِنْهَا شرح القصيدة الدريدية وَأَجَازَهُ عَلَيْهَا بِأَلف دِينَار وَاتفقَ أَنه حكم تَارِيخه قَوْله (أرخني مُؤَلَّفِي ... بِبَيْت شعر مَا ذهب) (أَحْمد جود ماجد ... أجازني ألف ذهب) فَلَمَّا قَرَأَ الْبَيْتَيْنِ قَالَ لَهُ وَالله إِن هَذَا لنزر جدا بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا التَّأْلِيف وَلَكِن حَيْثُ وَقع الِاقْتِصَار عيله فعلى الرَّأْس وَالْعين وَأَعْطَاهُ ذَلِك (وَمَا أرى ذَا الْأَمر إِلَّا أثرا ... لطالع السَّيِّد حَيْثُ أثرا) (فِي أهل عصره السعيد الأبدي ... فَإِنَّهُ آلَة فعل الْأَحَد) (وَلَيْسَ بدعا فَلهَذَا السَّيِّد ... طالع سعد فالق للجلمد) (فَمَا رَأَيْنَاهُ أناب أحدا ... إِلَّا وَكَانَ كَامِلا مسدّدا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 (يَنْمُو كَمَا تنمو الثِّمَار بالعلل ... وَلم يزل دهراً مُجَانب الْعِلَل) (ويرزق الْقبُول والمحبة ... فَكل من خالطه أحبه) (وَلم يكن يبغض شخصا إِلَّا ... كَانَ لَدَى الْأَنَام رذلاً نذلا) (يذبل دهراً ثمَّ يضمحل ... وَعِنْدنَا لكل قسم مثل) (وَحِكْمَة التَّأْثِير عِنْد الْعَالم ... إِن المليك مثل قلب الْعَالم) (فَلم يزل مؤثراً للبسط ... وَالْقَبْض شبه آلَة للرّبط) يَنْبَغِي أَن يعلم أَن مَا تقدم من صَلَاح الزَّمَان وَأَهله فَهُوَ طالعه قَالَ الأبوصيري رَحمَه الله تَعَالَى (وَإِذا سخر الْإِلَه أُنَاسًا ... لسَعِيد فَإِنَّهُم سعداء) والمثل مَشْهُور فلأجل عين ألف عين تكرم وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى خطابا للنَّبِي {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم} وَقد اتّفق الْعُقَلَاء من أهل التنجيم أَن للطالع تَأْثِيرا وكل ذَلِك بِمَنْزِلَة الشَّرْط والآلة وَإِلَّا فالتصرف للْفَاعِل الْمُخْتَار لَا لَهُ وَقد منحه الله بِأَنَّهُ مَا توجه لأحد بِالرِّضَا إِلَّا ونما فَمن ذَلِك الْمولى خضر بن عَطاء الله الْمَذْكُور فَإِنَّهُ ورد إِلَى الديار المكية بِحَالَة من الْفقر لَا تذكر فَحل عَلَيْهِ نظره فتقلب فِي النعم إِلَى أَن جنت يَده عَلَيْهِ ورمت بسهام الْغدر إِلَيْهِ وَورد من الْبَصْرَة رجل من أهل الْعلم يُسمى نجم الدّين حصلت لَهُ عِنْده حظوة فنال مِنْهُ خيرا عَظِيما حَتَّى وَقعت مِنْهُ زلَّة قدم ردته إِلَى الحضيض وَكَذَلِكَ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن ظهيرة فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَايَة من الإجلال وَنِهَايَة من الرِّعَايَة حَتَّى تجرأ بِسوء أدبه فعامله بمتعلقات السحر فِي نَفسه الجليلة وَأثر ذَلِك عِنْده مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى أطلعه الله ببركة طالعه على هَذَا الْعَمَل فتفحص عَنهُ وَسَأَلَ فَوقف على أَنه الصَّانِع لذَلِك فأدبه بِالضَّرْبِ ثمَّ تَركه وحاله ونبذه ظهريا إِذْ كَانَ بعواقب الْأُمُور غبيا وَبِهَذَا الْقدر يَكْتَفِي اللبيب الْعَاقِل وَلَا بدع فِيمَا ذكر فالملك ظلّ الله على عباده وَقد حكى أَن بعض الْمُلُوك توجه بِجمع قَلِيل على بعض الْبُغَاة وهم طَائِفَة كَبِيرَة فذرأوه وَأَسْلمُوا لَهُ الْبَلَد وَلم يقاتله مِنْهُم أحد فَقيل لَهُم فِي ذَلِك فَقَالُوا رَأينَا بَين يَدَيْهِ شَخْصَيْنِ امتلأنا مِنْهُمَا رعْبًا فَسئلَ بعض الْأَوْلِيَاء عَن ذَلِك فَقَالَ هَذَانِ الْخضر والقطب مَا زَالا يؤيدان كل ملك يقيمه الله ويختاره على عباده وناهيك أَن قلب الْملك بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن يقلبه كَيفَ يَشَاء وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْقلب للْعَالم فبسطه يسري إِلَيْهِم وَقَبضه ينشر عَلَيْهِم (هَذَا وَمَا عَادَاهُ قطّ أحد ... إِلَّا وخاب خيبة لَا تجحد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 (فكم نوى جَانِبه بالأسوا ... جمَاعَة فامتحنوا بالبلوى) (وهلكوا فِي مُدَّة يسيرَة ... فليعتبر ذَا من لَهُ بَصِيرَة) (وَعنهُ كَانَ كل من وَالَاهُ ... وكف عَنهُ كل من عَادَاهُ) (فقد جرى لجدّه النبيّ ... هَذَا الولا وأبه عليّ) وَمن كَمَال سعده أَنه مَا عَاده أحد إِلَّا وَعَاد بالخيبة وقبح الأوبة وَلَا نَوَاه أحد بِسوء إِلَّا ودارت عَلَيْهِ دائرته فَمن ذَلِك أَن الْوَزير الْأَعْظَم مصطفى باشا قَصده بالأذى وجهز العساكر الرومية إِلَى مَكَّة وصمم على إِيذَاء هَذِه الذُّرِّيَّة فَمَا زَالَ كل من فِي قلبه ذرة إِسْلَام يثبطه عَن هَذَا الْعَزْم فَلم يجد فِيهِ نفعا فَاجْتمع جمَاعَة من أهل الْخَيْر وقرؤوا الْفَاتِحَة وَقَالُوا إِن هَؤُلَاءِ أَوْلَاد النَّبِي فنسأل الله بِحرْمَة جدهم وحرمتهم أَن يرينا فِي الْوَزير مَا يكون بِهِ عِبْرَة لمن اعْتبر فَمَا فارقوا مجلسهم إِلَّا وجاءهم خبر أَنه أُصِيب بالقولنج وَمَات لوقته فأوصلوا الْخَبَر للسُّلْطَان وقصوا عَلَيْهِ الْقِصَّة فَرجع عَن ذَلِك واستغفر الله وَمن ذَلِك أَن الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن المرشدي قصد السّفر إِلَى الْيمن فاستأذنه فَلم يَأْذَن لَهُ فَكَانَ مَنعه لَهُ عَن السّفر عين الْمصلحَة والنجاح فَإِن الْأَمر بعد ذَلِك أَسْفر عَن تغير قطر الْيمن وَانْقِطَاع سبله وَكَثْرَة الْخَوْف فِي طرقه بِمُوجب بعض الْفِتَن فَإِنَّهُ قَامَ ثمَّة قَائِم من أهل الْبَيْت يُسمى بالقاسم وَادّعى الْإِمَامَة وَظهر شَأْنه وقويت فِي الْجبَال دون تهَامَة شوكته وَالنَّاس إِذْ ذَاك فِي أَمر مريج وَقد عزم جمَاعَة إِلَى تِلْكَ الديار فعادوا مبادرين للفرار وَأَرَادَ الله للمذكور الرَّاحَة حَيْثُ اسْتَقر بِمَكَّة (من أَنه ابْن مستجاب الدعْوَة ... وَمَا لَهُ فِي عمره من صبوة) (وَكَيف لَا وَقد حمى الْبَيْت الْحَرَام ... بِنَفسِهِ خمْسا وَأَرْبَعين عَام) (مؤيدا شرائع الْإِسْلَام ... مشيداً شَعَائِر الْإِحْرَام) (مَعَ أَنه فِي زمن أيّ زمن ... مَظَنَّة لكل قَول وَفتن) (وَقد حكى بعض الورى عَن السّلف ... وَذَاكَ مَحْفُوظ لَهُم عَن الْخلف) (إنّ ولي مَكَّة يصير فِي ... مرتبَة القطب يَقِينا فاعرفِ) (فأظهر الصّلاح فِي الرعايا ... وَفِي مُلُوك الدول البقايا) قد اشْتهر عَنهُ أَنه مجاب الدعْوَة مِنْهَا أَنه كَانَ فِي عَام أَربع بعد الْألف فِي مَحل يُقَال لَهُ غَدِير وشحا فَأصَاب النَّاس غَايَة التَّعَب من الظما فورد إِلَيْهِ رعاء إبِله وتفاوضوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 مَعَه فِي وُرُودهَا وَمن أَي مَحل ترد فعددت أَمَاكِن بعيدَة عَن منزلهم هَذَا فَمَا ارتضى ذَلِك وَتوجه إِلَى الله تَعَالَى قَائِلا اللَّهُمَّ اسقها فَمَا كَانَ بَينه وَبَين السقيا إِلَّا ليلتهم تِلْكَ فانهلت عَلَيْهِم السَّمَاء كأفواه الْقرب ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى إِن الْإِبِل صدرت منتهلة من مباركها واستمروا مُدَّة لَا يردون إِلَّا من مآثر دَعوته الْمُبَارَكَة وَمِنْهَا أَن النَّاس أرجفوا فِي سنة ثَلَاث وَألف بوصول عَزِيز أَحْمد باشا إِلَى مَكَّة فِي عدَّة من العساكر وَكَذَلِكَ وَزِير الْيمن حسن باشا فانزعجت لذَلِك الرّعية إِذْ صَحَّ عزمها لجِهَة مَكَّة فَتوجه بخاطره إِلَى الله تَعَالَى فصرف أُولَئِكَ عَن الْعَزْم وأشغلهم بِمَوْت السُّلْطَان مُرَاد بن سليم رَحمَه الله تَعَالَى (وَقد حبى بِصَالح الذُّرِّيَّة ... ممتعاً بعيشة مرضية) (أما البنون فهم عشرُون مَعَ ... أَرْبَعَة فخذهم مِمَّن جمع) (لَاقَى الْإِلَه مِنْهُم ثَمَانِيَة ... إِذْ علمُوا الدُّنْيَا يَقِينا فانيه) (من بعد أَن قد كملوا وسادوا ... وللمعالي أسسوا وشادوا) (ثمَّ الْبَنَات وَبَنُو الْأَوْلَاد ... كثرتهم تنمو على التعداد) (كَذَا الْأَقَارِب الَّذين وصلوا ... إِلَيْهِ أدلاهم جدود أول) تقدم ذكر أَوْلَاده وَقد مَاتَ قبله مِنْهُم ثَمَانِيَة أَبُو الْقَاسِم وَالْحُسَيْن ومسعود وباز وَعقيل وهزاع وَعبد الْعَزِيز وَأَبُو طَالب (إِن ركبُوا فِي موكب فَإِنَّهُم ... كواكب الجوزاء وَهُوَ بدرهم) (لَا سِيمَا إِذْ يلبس التشريفا ... ثوبا سينياً فاخراً شريفا) (يَأْتِيهِ من سلطنة الرّوم الْعِظَام ... فِي غَايَة من الْبَهَاء والنظام) (مَا نَالَ من أسلافه مَا ناله ... من التشاريف ذَوي الْجَلالَة) (فَإِنَّهُ قَارن فِي ذِي المدّة ... من الْمُلُوك الأكرمين عدّه) (مِنْهُم سُلَيْمَان مليك الرّوم ... ثمَّ سليم صَاحب التكريم) (ثمَّ مُرَاد ثمَّ ملك الْعَصْر ... مُحَمَّد لَا زَالَ رب النَّصْر) (وَهُوَ لعمري قمن جدير ... بِكُل مَا قد صرح المنشور) (فَمَا سمعناه مثل نشره الْأمان ... قاطبة وَلَا فِي سَابق الزَّمَان) (وَمن رأى تَارِيخ مَكَّة أقرّ ... بِذَاكَ فَهِيَ الْآن أولى مستقرّ) (يعين من يُقيم بِالْإِحْسَانِ ... فضلا بِلَا منّ وَلَا تواني) (مَا أحد من الْمُلُوك صنعا ... صَنِيعه فَإِنَّهُ تبرّعا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 (بِمَال بَيت المَال تقريراً لمن ... يحْتَاج طبق مَا مضى من الزَّمن) (ومنذ دهر لم يقم ذَا الْوَاجِب ... وَلم يكن لبيت مَال راتب) (حَتَّى أَتَى الله بمولانا الامام ... غيث بنى الآمال بل غوث الْأَنَام) (فرتب المَال لذِي الْحَاجَات ... والعلما وخالصي النيات) (منزهاً لنَفسِهِ عَن مَالهم ... وموصلاً لَهُم إِلَى آمالهم) (أكْرم بهَا منقبة عظيمه ... ورتبة فاخرة فخيمه) (مَا أحد يقْصد فِي أَرض الْحجاز ... حَقِيقَة سواهُ من غير مجَاز) (لَهُ الكرامات الَّتِي لَا تحصر ... وَالْكَرم الَّذِي دهوراً يذكر) (وَمَا غزا الأوفاز بالظفر ... وافتتح الْبلدَانِ فتحا اسْتمرّ) (لَهُ مغاز فِي الْأَنَام عده ... حكى بهَا فِيهَا أبه وجده) (أما سراياه فزادت كثره ... وَكلهَا مقرونة بالنصره) (وَلم يكن مؤمراً فِيهَا سوى ... أَوْلَاده الْكِرَام أَرْبَاب اللوى) (وَقل مَا أَمر غَيرهم على ... بعوثه وَالْكل مِنْهُم ذُو علا) (وَحَاصِل الْأَمر بِأَن النصرا ... خادمه دهراً طَويلا عمرا) (لم يتَّفق وربنا المشكور ... لَهُ إنكسار بل هُوَ الْمَنْصُور) (كَأَنَّمَا ملائك الرَّحْمَن ... جُنُوده فِي سَائِر الْأَزْمَان) (وَلَيْسَ بدعافهم فِي بدر ... كَانُوا جنود جده الْأَغَر) سراياه كَثِيرَة شهيرة لم يُؤمر فِيهَا إِلَّا أَوْلَاده النجباء وَمِمَّنْ بَعثه مِنْهُم وَلَده الْحُسَيْن وَمِنْهُم أَبُو طَالب فقد أرْسلهُ غَيره مرّة وَمِنْهُم مَسْعُود عقيل وَمِنْهُم عقيل وَمِنْهُم عبد الْمطلب وَمِنْهُم عبد الله فَكَانَ بعزمه إصْلَاح جِهَات الْيمن (فاق الْمُلُوك بالنهى والحدس ... كَمَا بِهِ يشْهد عدل الْحس) (وَكم لَهُ قَضِيَّة شهيرة ... بَين الورى كَالشَّمْسِ فِي الظهيرة) قد فاق الْمُلُوك بمزيد الفطنة وَله فِي ذَلِك قضايا مَشْهُورَة مِنْهَا أَنه اخْتصم عِنْده رجلَانِ مصري ويماني فِي جَارِيَة فَادّعى كل مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ وَأقَام بذلك بَيته فأجال فكرته الوقادة وَطلب قَلِيلا من الْحبّ وَقَالَ لَهَا مَا اسْم هَذَا فِي بِلَاد كم فَقَالَت بر فَحكم بهَا لليمني فَظهر بعد ذَلِك أَنَّهَا ملكه وَمن ذَلِك أَنه اخْتصم لَدَيْهِ رجلَانِ شَامي ومصري فِي جمل وَادّعى كل مِنْهُمَا أَنه لَهُ وَأقَام بذلك حجَّة ثمَّ قَالَ لَهما أَنِّي سأحكم بِحكم فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 ظهر لي أَن الْحق بيد أحد كَمَا غرمت الآخر ثمن الْجمل فَأمر بِذبح الْجمل فذبح وَأمر باستخراج مخه فاستخرج فَتَأَمّله وَقضى بالجمل للشامي وَأمر الْمصْرِيّ بِتَسْلِيم الْقيمَة فَقيل لَهُ فِي ذَلِك رَأَيْت مخه منعقدا فاستدليت بذلك فَإِن أهل الشَّام يعلفون دوابهم الكرسنة وَهِي تعقد المخ وَأهل مصر يعلفون الفول وَهُوَ يعْقد الشَّحْم دون المخ فَظهر بعد ذَلِك أَن الْحق كَمَا قَالَ وَمن ذَلِك أَن شخصا دفن مَالا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ شخص يرقبه فَلَمَّا قصد لنفر مِنْهَا إِلَى منى وجد المَال قد حفر عَنهُ وَأخذ وَلم يظفر بأثر من آثَار الْغَرِيم إِلَّا بعصا ملقاة فَأَخذهَا وَرفع شكواه إِلَيْهِ وَذكر لَهُ الْقِصَّة فَسَأَلَهُ هَل وجد من أثر فَقَالَ نعم وجدت عَصا ملقاة فطلبها مِنْهُ فأحضرها ثمَّ تأملها فَأمر بإحضار جمَاعَة مخصوصين من الْعَرَب فَحَضَرُوا فأشرفهم على الْعَصَا وسألهم هَل يعْرفُونَ صَاحبهَا فَقَالُوا نعم هِيَ عَصا فلَان فَأحْضرهُ وَسَأَلَهُ فَأنْكر فَشدد عَلَيْهِ فَأقر بِالْمَالِ وَمن ذَلِك أَن شخصا من سَادَات الْيمن وصل إِلَى مَكَّة بِجَارِيَة حسنا مِنْهَا نَحْو الْعشْر سنوات فتعصب عَلَيْهِ طَائِفَة نم الجبرت وَادّعى بَعضهم أَنَّهَا حرَّة الأَصْل وَأَنَّهَا بنت فلَان وَشهد مِنْهُم شاهدات من طلبة الْعلم بذلك واستخلصوها من يَد ذَلِك السَّيِّد قهرا فَرفع الْقَضِيَّة لَهُ فَطلب الشَّاهِدين وَأخذ يستدرجهما بمدحهما وأنهما من مشاهير من جاور بِمَكَّة من مُدَّة طَوِيلَة وَأَن شَهَادَتهمَا مَقْبُولَة ثمَّ سَأَلَهُمَا عَن الشَّهَادَة فأدياها كَمَا سبق وَأَنَّهَا بنت فلَان الجبرتي ولدت بِبَلَدِهِ وَنحن بهَا قبل وصولنا إِلَى مَكَّة فَقبل شَهَادَتهمَا ثمَّ سَأَلَهُمَا عَن مُدَّة أقامتهما بِمَكَّة وَهل خرجا بعد دخولهما فَذكر أَن الْمدَّة تنوف على ثَلَاثِينَ سنة وأنهما مَا خرجا مِنْهَا إِلَى بلدهما بعد أَن دخلا فشاغلهما بالْكلَام سَاعَة ثمَّ سَأَلَهُمَا عَن سنّ الْجَارِيَة فَقَالَا لَهُ نَحْو عشر سِنِين فَأخذ يسبهما وَيتَكَلَّم عَلَيْهِمَا حَيْثُ شهد بولادتها وهما ببلدها وَقصد اتلافهما وَأعَاد الْجَارِيَة إِلَى سَيِّدهَا وَكَانَت هَذِه الْحُكُومَة مِنْهُ حِكْمَة بَالِغَة فَإِنَّهُ قَصم بهَا طَائِفَة الجبرت عَن مثل ذَلِك فَإِنَّهُم سلكوا هَذَا المسلك مُدَّة واستخلصوا بِهِ أرقاء النَّاس من أَيْديهم (هَذَا ومولانا رفيع الْعلم ... مِمَّن حظى بِسَيْفِهِ والقلم) (فَإِنَّهُ إِن بالمداد رقا ... فَكل مَا أبداه كَانَ حكما) (لَهُ الْكَلَام الْجَامِع الْمُهَذّب ... فِي فهمه لكل شخص مَذْهَب) (وَكم لَهُ من حسن المحاضرة ... مَا فَاتَ الْعَرَب بِهِ والحاضرة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 (قد ذقت من حَدِيثه حُلْو السمر ... كم لَيْلَة لذبها طول السهر) (فلفظه الدَّار إِذا مَا نثرا ... على بِسَاط السّمع من غير مرا) (كَأَنَّهُ من نفس النُّبُوَّة ... أجل لما فِيهِ من النُّبُوَّة) (فطالما أوقرت مِنْهُ سمعا ... قد جمع الْحِكْمَة فِيهِ جمعا) (وكل مَا فِيهِ أَنا من نعم ... فَأَنَّهُ آثَار تِلْكَ الحكم) (فَالله يبقيها وَيبقى مددى ... مِنْهَا ويغنيني بهذ السيدا) (دهرا طَويلا سالما من الْغَيْر ... وَلنْ يشوب صَفوه شوب الكدر) (ممتعاله خُصُوصا بِالْقَوِيّ ... وناشرا لنصره ذَاك اللوا) (وكافينه كل مَا أهمه ... من عين كل حَاسِد ملمه) (يبيد بِالْقُدْرَةِ من عَادَاهُ ... بطالع السعد الَّذِي حواه) (وَمن تولى نَصره الله فَمن ... يَخْذُلهُ وَذَاكَ مَوْلَانَا الْحسن) (وَإِلَى عَلَيْهِ رَبنَا مكارمه ... مَوْصُولَة مِنْهُ بِحسن الخاتمة) وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْخَمِيس لثلاث خلت من جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشرَة بعد الْألف فِي مَكَان يُقَال لَهُ الرفاعية بعد أَن توعك نَحْو يَوْمَيْنِ وَحمل إِلَى مَكَّة على محفة البغال وجهز فِي ليلته وَصلى عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فِي محفل جمع من الْعلمَاء والأشراف والعامة وَدفن بالمعلاة وَبني عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة وَله من الْعُمر نَحْو تسع وَسبعين سنة واستقل بعده ابْنه الشريف أَبُو طَالب كَمَا ذكرتا فِي تَرْجَمته سَابِقًا وَأول من ولي مَكَّة من أجداده الشريف قَتَادَة بن الشريف إِدْرِيس أَخذهَا من مُلُوكهَا الهواشم فِي سنة سبع أَو ثَمَان أَو تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَاسْتمرّ ملكهم إِلَى هَذَا الْحِين أدامه الله تَعَالَى وَقد جمع الإِمَام مُحَمَّد الشلي بأعلوي الْحُسَيْنِي رِسَالَة فِيمَن ملك مِنْهُم من قَتَادَة إِلَى ملك زَمَانه وَالله تَعَالَى أعلم الشَّيْخ حسن بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم أَبَا شُعَيْب الْحَضْرَمِيّ الوَاسِطِيّ الشَّافِعِي الإِمَام الْمُؤلف الزَّاهِد العابد أَخذ عَن الشَّيْخ أبي بكر بن سَالم وَتخرج بِهِ وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين واشتغل بالعلوم الشَّرْعِيَّة حَتَّى حصل مِنْهَا طرفا صَالحا وَحج وَأخذ بالحرمين عَن غير وَاحِد مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو بكر الشبامي أَخذ عَنهُ الْفِقْه وَغَيره وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعُلُوم والمعارف فِي بَلَده الْوَاسِطَة من أَعمال حضر موت وَكَانَ قدوة فِي القَوْل وَالْعَمَل وَأخذ عَنهُ جمع كثير مِنْهُم الشَّيْخ زين العابدين العيدروس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وَأَخُوهُ شيخ وَابْن أَخِيه سقاف وسيدي مُحَمَّد بن علوي وَأَبُو بكر الشلي والدا الْجمال المؤرخ وَعبد الرَّحْمَن الْمعلم وصنف كتبا كَثِيرَة مفيدة مِنْهَا كتاب سرُور السرائر وفسحة الْأَرْوَاح وراحة الْقُلُوب وَهُوَ كتاب مُفِيد جدا وَكتاب حَقِيقَة زبدة لبن الشَّرِيعَة بحركة مخض سلوك الطَّرِيقَة وَكتاب عَافِيَة الْبَاطِن وسلامة الدّين والصدق الصَّحِيح بِنَفْي كل مين ورين وَهُوَ شرح لأبياته وأوله الْحَمد لله الَّذِي كَون الْكَوْن وقط لَا يُشبههُ كَون وقصيدة السودي الَّتِي أَولهَا (أغريب قد مطرَت بلادك ... ) وقصيدته الَّتِي أَولهَا (شَاهد جمال محيا غَايَة الطّلب ... ) وَكَانَ حُلْو الْعبارَة لطيف الْإِشَارَة توفّي سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بقريته الْوَاسِطَة وقبره بهَا مَعْرُوف يزار رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد حسن بن أَحْمد الدِّمَشْقِي المعروق بِابْن الحجار السَّيِّد الْأَجَل من أهل الْعلم والورع وأسلافه كلهم تجار وَكَانَ هُوَ فِي مبدأ أمره يعاني التِّجَارَة وَعدل عَنْهَا إِلَى طلب الْعلم فتفقه بالشمس مُحَمَّد الميداني وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على المنلا حسن الْكرْدِي وتصدر للتدريس بِجَامِع بني أُميَّة ثمَّ بعد مُدَّة مَال إِلَى الظُّهُور فَتوجه إِلَى آمد لعرض أَحْوَال أهل دمشق وَمَا هم عَلَيْهِ من الحيف وَالظُّلم إِلَى الْوَزير الْأَعْظَم قره مصطفى باشا لما عَاد من بَغْدَاد وَكَانَ مَعَه الشَّيْخ الْعَلامَة رَمَضَان بن عبد الْحق العكاري خطيب جَامع السنانية بِدِمَشْق وَحصل لَهُ من الْوَزير الْمَذْكُور إقبال تَامّ وَأخذ الْمدرسَة الشامية الجوانية عَن الشَّمْس مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر الْقَارئ الْآتِي ذكره وَادّعى أَنَّهَا مَشْرُوطَة لأعْلم عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة وَأَن ابْن الْقَارئ صَار حنفيا فوجهت إِلَيْهِ وَتصرف بهَا مُدَّة ثمَّ قررت على ابْن الْقَارئ وَتوجه السَّيِّد حسن إِلَى الرّوم لأجل عرض مَادَّة الْعَوَارِض السُّلْطَانِيَّة بِدِمَشْق فَلَمَّا عرض ذَلِك على الْوَزير الْمَذْكُور آنِفا كَانَ ثَمَرَة ذَلِك أَنه عين مِنْهَا فِي كل سنة خمْسا وَعشْرين ألفا إِلَى خزينة السُّلْطَان وَلم يكن سبق ذَلِك وَأخذ مدرسة دَار الحَدِيث الأحمدية الكائنة بالمشهد الشَّرْقِي بِجَامِع بني أُميَّة عَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن تَاج الدّين الْمُقدم ذكره وَبعد مُدَّة قررت عَليّ ابْن تَاج الدّين وَبَقِي السَّيِّد حسن بِلَا مدرسة إِلَّا أَن توفّي فِي حادي عشر الْمحرم سنة إِحْدَى وَخمسين وَألف وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ الخالدية قبالة ضريح سَيِّدي الشَّيْخ أرسلان قدس الله سره وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة هَكَذَا رَأَيْته فِي بعض التَّعَالِيق فأدرجته كَمَا رَأَيْته وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 الْأَمِير حسن باشا بن أَحْمد بن رضوَان بن مصطفى وَتقدم ذكر أَبِيه الْغَزِّي المولد الْأَمِير الْكَبِير حَاكم غَزَّة وَكَانَ حسن السِّيرَة جواد ممدحا عَظِيم الْقدر وَكَانَ مغرما بِالنسَاء وَله فِي النِّكَاح حَظّ وافر وَجمع من الْخَطَايَا عددا كثيرا ورزق مِنْهُنَّ أَبنَاء كَثِيرَة نَحْو الْخَمْسَة وَثَمَانِينَ ولدا وينقل عَنهُ انه كَانَ إِذا حضر أحدهم لَدَيْهِ يسْأَله عَن اسْمه وَاتفقَ أَنه مَاتَ أحدهم فَلم يعرفهُ حَتَّى عرفوه لَهُ بوالدته وَقَالُوا لَهُ هَذَا ابْن فُلَانَة وَكَانَ عطاردى الطَّبْع يحسن غَالب الصَّنَائِع وجبب إِلَيْهِ الإنعزال عَن النَّاس فَكَانَ ينْفق أوقاته فِي أرغد عَيْش وأهناه وركبتة دُيُون كَثِيرَة لتبذير كَانَ فِيهِ وَعمر مَكَانا بغزة وتأنق فِيهِ جدا حَتَّى صيره أحسن منتزه فِي تِلْكَ الدائرة وَمَات وَلم يكمله وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ ممتعا فِي دُنْيَاهُ وَتُوفِّي سنة أَربع وَخمسين وَألف حسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الأسطواني الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ رَئِيس الْكتاب بمحكمة الْبَاب وَتقدم أَبوهُ أَحْمد فِي حرف الْهمزَة وَكَانَ حسن هَذَا فَقِيها كَامِلا حسن الْحَظ وَفِيه مُرُوءَة وسخاء نَشأ وَحصل ثمَّ صَار كَاتبا بمحكمة الْبَاب ثمَّ بعد مُدَّة ولى رياستها وعلت همته ونفذت كَلمته وَكَانَ قُضَاة الْقُضَاة يعتمدون عَلَيْهِ ويفوضون إِلَيْهِ أُمُورهم وَمَا زَالَ يزْدَاد فِي الترقي حَتَّى ولي نِيَابَة الحكم بِدِمَشْق مرَّتَيْنِ وحظي من دنياة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ مَأْمُون الغائلة وَفِيه لطف طبع وَحسن سلوك وَاتفقَ أَنه زوج أبنا لَهُ وختن آخر فَبَالغ فِي الكلفة بِحَيْثُ اتّفق أهل دمشق على انه لم يتَّفق مَا فعله من التبسط وَالْمُبَالغَة فِي الضيافات لَا حد قبله وَمَات بعد ذَلِك بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَذَلِكَ اتّفق لوالده أَنه مَاتَ بعد ضِيَافَة عرس ابْنه حسن الْمَذْكُور بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهَذَا من الإتفاق العجيب وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْخَمِيس ثَالِث عشرى جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحْمَة الله تَعَالَى الْحسن بن أَحْمد اليمني الْمَعْرُوف بالحيمي تَرْجَمَة الْأَخ الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله فِي مَجْمُوع لَهُ فَقَالَ فِي حَقه فائق أقرانه وسابق ميدانه وَأحد الْأَعْيَان الأفاضل الَّذين بداسنا الأقبال فِي سِيمَاهُمْ وأعرب مُبْتَدأ عمرهم عَن منتهاهم وَمِمَّنْ غَدا نجم سعادته سَابِقًا لائحا وَرَاح مسك شذاه عابقا فائحا كَانَ كَمَا أحبر بِهِ تِلْمِيذه الْعَلامَة صَالح بن الْمُهْتَدي المقيلي أما مَا فِي الْفِقْه مشاركاً فِيهِ مُشَاركَة تَامَّة وَكَانَ كَذَلِك فِي غَيره من الْعُلُوم صَاحب تَدْبِير ورياسة وَمَعْرِفَة فِي الْأُمُور المهمة مُعظما عِنْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 الدولة مشارا إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ أرْسلهُ الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم رَسُولا إِلَى الْحَبَشَة فِي أغراض مهمة قضيت بنظرة على أحسن حَال وَألف رِسَالَة فِي الْحَبَشَة لَطِيفَة وَهُوَ وَالِد القَاضِي مُحَمَّد وَيحيى الآتى ذكرهمَا وَله شعر حسن مِنْهُ قَوْله (فؤاد على هجر الْأَحِبَّة لَا يقوى ... وَكَيف وَربع العامرية قد أقوى) (وصبروا وَلَكِن غاله الهجر والنوى ... فَلَا نفع للمهجور وَفِيه وَلَا جدوى) (ولكنني قد ذبت فِي الْوَصْل بالرجا وَكم ذِي لبانات تمتّع بالرجوى ... ) (فيايها الْخلّ الَّذِي أَنا صبه ... عَلَيْك بآداب الحَدِيث الَّذِي يرْوى) (ومنّ علينا بالترسل أنني ... رَأَيْت حَدِيث المنّ أحلى من السلوى) وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد حسن بن أَحْمد الْجلَال اليمني الإِمَام الْعَلامَة الَّذِي بهر بتحقيقه واعترف الْفُضَلَاء بتدقيقه لَهُ المؤلفات الشهيرة والمحاسن السائرة المنيرة وَمن مصنفاته تَكْمِلَة الْكَشْف على الْكَشَّاف وَشرح على التَّهْذِيب والشمسية فِي الْمنطق وَشرح على الْفُصُول فِي الْأُصُول للسَّيِّد إِبْرَاهِيم بن الْوَزير وَشرح على الكافية فِي النَّحْو وَشرح على مُنْتَهى الشؤل لِابْنِ الْحَاجِب وَله مُخْتَصر فِي علم الْأُصُول شَرحه شرحا يدل على فَضله وَاخْتَارَ إختيارات مُخَالفَة لعلماء الْأُصُول وَله بديعية وَشَرحهَا شرحاً لطيفاً وَله شعر طيب النَّفس فِي فنون كَثِيرَة وَمن شعره قصيدته البائية وَله عَلَيْهَا شرح مُبين لمقاصدها وأولها (الْعلم علم مُحَمَّد وصحابه ... يَا هائماً بقياسه وَكتابه) (ولآله مِنْهُ الْخُلَاصَة كلهَا ... إِرْثا تنوسخ عَن هدى أصلابه) (علمُوا بمحكم كل آي كِتَابهمْ ... فجنوا بِهِ الْإِيمَان بالمتشابه) (مَا ضرّهم وَالْعلم كل فنونه ... لله غنيتهم بآمنا بِهِ) (بلغ الْوُقُوف على طَرِيقَته بهم ... عين الْيَقِين فأسكروا بشرابه) (وَرَأَوا حَقِيقَة أَمر آمُرهُم بِهِ ... فتجاهلوا ذلاً لعز جنابه) (وتجنبوا فِي الدّين دَاء جدالهم ... حذرا لما علموه من أوصابه) (وتبادر والأعمال حِين تيقنوا ... أَن النفيس أهم مَا يعْنى بِهِ) (إِن أبهم الْقُرْآن حكما أبهموا ... حذر ابتداعٍ خوّفوا بعقابه) (وبقوا على حكم الْأُصُول لفقده ... وكذاك مَا يجْرِي على آدابه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 (قد كَانَ لَا أَدْرِي لَهُم فِي علمهمْ ... ثُلثَيْهِ أَو كَانَت عَمُود نصابه) (بل آثروا حب الْكتاب لَهُم على ... ترك السُّؤَال تخوّفاً مِمَّا بِهِ) (فالمرء يلْزم غير حكم نَفسه ... فَيكون حكما لاصقاً بثيابه) (قد أبدع الرهبان رَهْبَانِيَّة ... باؤوا بشؤم بديعها ومصابه) (وَأَبُو حنيفَة إِذْ رأى الْإِيجَاب فِي ... نفل فباشر من هُنَا أفتى بِهِ) (تالله مَا عجزوا وَلَا من دونهم ... أَن يكتبوا إِلَّا لكتب خطابه) (أَو يدعوا نقض النُّصُوص ليحبطوا ... فِي كل وسواس أَتَى بعجابه) (فيفرّقوا دينا لأمة أحمدٍ ... كمذاهبٍ أشفت على إذهابه) وَمِنْهَا (وَعَن الحَدِيث نهى الْعَتِيق وَحمله ... كتبا محرّمها حذار كذابه) (وَعَن ابْن مسعودٍ مقَالَة مقسط ... وَيطول بسط القَوْل فِي أطنابه) (بِالِاجْتِهَادِ قضوا وَلَكِن رخصَة ... لمكلف يدريه عَن أَسبَابه) وَهِي طَوِيلَة يَقُول فِيهَا (يَا رَاكِبًا يهوى لقبر محمدٍ ... عرّج بِهِ متمسكاً بترابه) (واقرَ السلامَ عَلَيْهِ من صبٍّ بِهِ ... يبلغ إِلَيْهِ الْقُدس فِي محرابه) (وَقل ابْنك الْحسن الْجلَال مجانباً ... من قد غلا فِي الدّين من تلعابه) (لَا عَاجِزا عَن مثل أَقْوَال الورى ... أَو خَائفًا فِي علمهمْ لصعابه) (فالمشكلات شَوَاهِد لي أنني ... أشرقت كل مدقق بلعابه) (لَوْلَا محبَّة قدوتي بِمُحَمد ... زاحمت رسطاليس فِي أبوابه) (يَا سيد الرُّسُل الْكِرَام دُعَاء من ... أودى بِهِ الهجران من أحبابه) (وَلَك الشَّفَاعَة والكرامة عِنْده ... فاشفع بجاهك مَا لَهُ منجا بِهِ) (سل لي وراثة كنز علمك فالفتى ... يَبْغِي نَفِيس الْكَنْز فِي أعقابه) (وَقد انْفَرَدت عَن الرِّجَال ومؤنسي ... قرب إِلَيْك أَعُود حلْس جنابه) وَله غير ذَلِك من الْآثَار المرغوبة فِي بِلَادهمْ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من أَفْرَاد الْيمن وفور فضل وأدب وَكَثْرَة تأليف وتصنيف وَكَانَت وَفَاته فِي منزله بالخراف من أَعمال صنعاء سنة تسع وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ حسن بن أَحْمد الرُّومِي الْمَشْهُور بأمي سِنَان زَاده القسطنطيني الخلوتي الشَّيْخ الْبركَة المعتقد كَانَ فَرد وقته فِي المعارف الإلهية وَلأَهل الرّوم فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَهُوَ مَحَله أَخْبرنِي بعض مر يَدَيْهِ أَنه ولد بقسطنطينية وَنَشَأ لَا يَأْكُل إِلَّا من كسب يَمِينه وَكَانَ يصنع الصابون المطيب ويبيعه ويتقوت بِثمنِهِ وَلم يتَّفق لَهُ أَنه تغوط خَارج دَاره وَلم ينم مُدَّة عمره إِلَّا هنيئة بَين صَلَاتي الْإِشْرَاق والضخى ويحكى أَن والدته كَانَت تَقول لم أرضعه إِلَّا على طَهَارَة كَامِلَة وَظَهَرت لَهُ خوارق ومكاشفات مِنْهَا أَن شخصا يعرف بشيخ زَاده وَكَانَ حسن الصَّوْت جدا عَارِفًا بالموسيقى والأغاني والضروب وَالنَّاس يتهافتون على سَماع صَوته وأغانيه فَأَرَادَ أَخذ الطَّرِيق عَن الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة فَشرط عَلَيْهِ أَن يَدْعُو الله بِأَن ينْزع مِنْهُ حسن الصَّوْت حَتَّى لَا يسْتَعْمل الْغناء فاستمر خمس عشرَة سنة بعد ذَلِك الدُّعَاء لَا يخرج لَهُ صَوت ثمَّ بعد أَن بلغ رشده دَعَا الله لَهُ فَانْطَلق صَوته وَحكى لَهُ مريده الْمَذْكُور وَلَا أَشك فِي صدقه أَنه فِي ابْتِدَاء تلمذته لَهُ كَانَ تولع بِغُلَام وَأَرَادَ أَن يعْمل بِهِ الْفَاحِشَة فَلَمَّا أَرَادَ الْمُبَاشرَة رَأْي الشَّيْخ وَاقِفًا أَمَامه وَهُوَ يوبخه ويلومه فأقلع وَلم يعد بعْدهَا إِلَى شَيْء من ذَلِك وَكَانَ لَهُ حَلقَة ذكر بتكيته بمحلة كور كجي باشي بِالْقربِ من طوب قبوسي وَكَانَ قَلِيل الِاخْتِلَاط بِالنَّاسِ وَلما توفّي الشَّيْخ مَحْمُود الْمَعْرُوف بغفوري خَليفَة الشَّيْخ مَحْمُود الأسكدراي وَكَانَ واعظا بِجَامِع السُّلْطَان مُحَمَّد فَوجه إِلَيْهِ الْوَعْظ مَكَانَهُ واشتهر أمره بعد ذَلِك وانكبت عَلَيْهِ النَّاس ثمَّ استدعاه السُّلْطَان مُحَمَّد سُلْطَان زَمَاننَا إِلَى أدرنة ليجتمع بِهِ فَتوجه إِلَيْهِ فَلَمَّا وَقع بَصَره عَلَيْهِ طلب السُّلْطَان الرُّجُوع إِلَى قسطنطينية وَكَانَ النَّاس قد أيسوا من ذكره إِيَّاهَا فضلا عَن التَّوَجُّه إِلَيْهَا فعدد ذَلِك من كرامات الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة وشاع أَنه لما خرج من قسطنطينية تفوه بِأَنَّهُ يجلب السُّلْطَان إِلَيْهَا وَأَخْبرنِي بعض الإخوان أَنه لما توجه السُّلْطَان إِلَى أدرنة فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف كَانَ ذَلِك بوفق صدر من رجل يُقَال لَهُ صاجلوشج مُحَمَّد وَأَن أهل أدرنة كَانُوا شكوا إِلَيْهِ حَالهم وَمَا هم فِيهِ من ضنك الْمَعيشَة وصنع لَهُم وفقا لمجيء السُّلْطَان ثمَّ قَالَ حكم هَذَا الوفق يَمْتَد إِلَى ثَمَان عشرَة سنة ثمَّ يَأْتِي رجل اسْمه حسن فَيكون سَببا لأبطاله وَأقَام بأدرنة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ اسْتَأْذن فِي الرُّجُوع وَخرج وَلما دَخَلتهَا فِي ذَلِك الْأَثْنَاء رَأَيْته وَهُوَ يعظ النَّاس فِي جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد وَكَانَ حُلْو الْعبارَة متواضعا جدا أشاخص الْبَصَر إِلَى فَوق حَتَّى لَا يرى أحدا وَكَانَ هَذَا دأبه بِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ بَقِيَّة السّلف وَكَانَت وَفَاته فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع السُّلْطَان مُحَمَّد وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا قل أَن يَقع مثلهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَدفن بتكمينة ونسبته لامي سِنَان من جِهَة والدته وأظن أَنه قيل لي أَنه جدها لأَبِيهَا وَكَانَ أمى سِنَان الْمَذْكُور من صُدُور ومشايخ دولة السُّلْطَان سُلَيْمَان وَقد ذكره ابْن نوعى فِي ذيل الشقائق وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر أَن لَهُ من الرسائل رِسَالَة فِي ذكر سلسلة مَشَايِخ السَّادة الخلوتية ورسالة فِي الدوران وَالسَّمَاع ذكر فِي تِلْكَ الرسَالَة أَن وَالِده حكى عَن أَبِيه الشَّيْخ الْأَجَل يَعْقُوب أَن الشيح الْأَجَل سنبل سِنَان كَانَ من أهل السماع وَكَانَ إِذا دخل إِلَى السماع فِي الْجَامِع ترْتَفع قبَّة الْجَامِع إِلَى الْهَوَاء حَتَّى يرى دوران الْمَلَائِكَة وَكَانَ فِي زَمَنه الْمولى عرب وَهُوَ من كبار عُلَمَاء الظَّاهِر فَأطَال لِسَانه فِي حَقه وَأكْثر الوقيعة بِهِ فافترق الْعلمَاء أذذاك فرْقَتَيْن لَكِن الْفرْقَة الْكَثِيرَة كَانَت فِي طرف الشَّيْخ سنبل سِنَان فَاجْتمعُوا يَوْمًا فِي جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد ودعوا الشَّيْخ إِلَيْهِم فَحَضَرَ هُوَ واتباعه وَتقدم حَتَّى جلس فِي الْمِحْرَاب وَنظر عَن جانبيه ثمَّ قَالَ مَا أحسن جمعتكم مَا كَانَ الذاعي إِلَيْهَا فَأَجَابَهُ الْمولى صارى كرز وَكَانَ قَاضِي قسطنطينية أذذاك وَفِيه غلاظة أَن أتباعك يذكرُونَ الله بالدوران وَالسَّمَاع فَمَا دَلِيل جَوَاز ذَلِك يبنوه لنا وَإِلَّا فامتنعوا من ذَلِك فَقَالَ الشَّيْخ إِذا لم يكن الْمَرْء صَاحب اخْتِيَار مَاذَا يحكم عَلَيْهِ شرعا فَقَالَ القَاضِي أتزعم أَن هَؤُلَاءِ يسلبون الأختيار إِذا ذكرُوا فَقَالَ فيهم من هُوَ كَذَلِك فَقَالَ القَاضِي إِذا فرضناهم كَذَلِك فَمن سلب إختياره أتراه يسلب عقله أَو يجذب فَقَط فَقَالَ الشَّيْخ هَؤُلَاءِ عقلهم كَامِل فَقَالَ القَاضِي يَا الله الْعجب يسلب إختيارهم وتبعتى عُقُولهمْ هَذَا الْكَلَام من أَي مقولة هُوَ وفقال الشَّيْخ هلا أخذتك الْحمى قَالَ بلَى فَقَالَ لأي شَيْء كنت ترتعد أَتَرَى عقلك لم يكن فِي رَأسك فسلب الِاخْتِيَار لَا يُوجب زَوَال الْعقل فتفطن إِن كنت عَاقِلا فأفحم القَاضِي ثمَّ الْتفت إِلَى الْجَمَاعَة وخاطب كلاًّ بِمَا أبهته فَلم يَجدوا بعْدهَا جَوَابا وَختم الْمجْلس بقوله هَذِه أغراض نفسانية لَا مُحَصل لَهَا ثمَّ صعد الْمِنْبَر وَأبْدى فِي الْحَقَائِق أَشْيَاء تحير الأذهان وَوَقع اعْتِقَاده فِي صُدُور غَالب الْقَوْم وَأخذُوا عَنهُ الطَّرِيق فِي ذَلِك الْوَقْت وأذعنوا لَهُ وَمِمَّا يرْوى من مناقبه أَنه كَانَ وَقع بَينه وَبَين الْمولى أبي السُّعُود الْعِمَادِيّ صَاحب التَّفْسِير فِي مسئلة فحنق عَلَيْهِ الْمولى أَبُو السُّعُود وَحلف أَنه إِن مَاتَ الشَّيْخ سِنَان قبله لَا يحضر للصَّلَاة عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ خفض عَلَيْك لَا يُصَلِّي عليّ إِمَامًا إِلَّا أَنْت وَلَيْسَ لَك محيد عَن ذَلِك فاتفق أَنه يَوْم موت الشَّيْخ سِنَان توفيت ابْنة السُّلْطَان سُلَيْمَان وأحضرت الْجِنَازَة فِي الْجَامِع ودعي أَبُو السُّعُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 للصَّلَاة عَلَيْهِمَا وَكَانَ لم يبلغهُ وَفَاة الشَّيْخ فَقدم للصَّلَاة على الجنازتين وَلما أتم الصَّلَاة سَأَلَ فَقيل لَهُ هَذَا الشَّيْخ سنبل سِنَان فَكفر عَن يَمِينه وَكَانَ بعد ذَلِك إِذا طَرَأَ ذكره يعظمه وَيذكر أَحْوَاله والنما ذكرته وَلَيْسَ على شَرط كتابي ليعلم نِسْبَة الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة وَلما فِي ذكر هَؤُلَاءِ السَّادة من الْفَائِدَة التَّامَّة رَحِمهم الله تَعَالَى الشَّيْخ حسن بن زَاهِر الْمَقْدِسِي العاروري الْأنْصَارِيّ الشَّيْخ الصَّالح الْجواد المربي كَانَ من خِيَار النَّاس وَله صَلَاح وانعكاف على الْعِبَادَة وَلأَهل دائرته فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من عباد الله الصَّالِحين وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْخَمِيس بعد الظّهْر سادس عشر صفر سنة تسع وَسبعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ فِي الْيَوْم الْمَذْكُور بعد الْعَصْر وَدفن بمدفنه الَّذِي عمره دَاخل جَامعه الَّذِي بناه بقرية السيلة من أَعمال اللجون وَحضر جنَازَته غَالب أهالي الْقرى الَّتِي حولهَا وَجَمَاعَة من أهل جينين والعاروري نِسْبَة إِلَى عارورا بَلْدَة بضواحي بَيت الْمُقَدّس وَسِيلَة بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة قَرْيَة من عمل اللجون وَفِي نَاحيَة نابلس سيلة أُخْرَى غير هَذِه وَالله أعلم حسن بن زين الدّين الشَّهِيد العاملي الشهير بالشامي نزيل مصر من حَسَنَات الزَّمَان وأفراده ذكره الخفاجي فِي ريحانته وَقَالَ فِي وَصفه مَا جد صِيغ من مَعْدن السماح وابتسمت فِي جَبينه غرَّة الصَّباح إِلَى آخر مَا قَالَه وَذكر من شعر قَوْله (مصر تفوق على الْبِلَاد بحسنها ... وبنيلها الزاهي ورقة ناسها) (من كَانَ يُنكر فالتحكم بَيْننَا ... فِي رَوْضَة وَالْجمع فِي مقياسها) وَهُوَ يقرب من قَول الْقَائِل (أَن مصرا لَا طيب الأَرْض عِنْدِي ... لَيْسَ فِي حسنها البديع قِيَاس) (فأذاقتها بِأَرْض سوااها ... كَانَ بيني وَبَيْنك المقياس) وَذكره ابْن مَعْصُوم فِي السلافة فَقَالَ فِي وَصفه شيخ الْمَشَايِخ الجلة وَرَئِيس الْمَذْهَب وَالْملَّة الْوَاضِح الطَّرِيق وَالسّنَن الموضح الْفُرُوض وَالسّنَن يم الْعلم الَّذِي يُفِيد وَيفِيض وخضم الْفضل الَّذِي لَا ينضب وَلَا يغيض الْمُحَقق الَّذِي لَا يراع لَهُ يراع والمدقق الَّذِي راق فَضله وراع المتفنن فِي جَمِيع الْفُنُون والمفتخر بِهِ الْآبَاء والبنون قَامَ مقَام وَالِده فِي تمهيد قَوَاعِد الشَّرَائِع وَشرح الصُّدُور بتصنيفه الرَّائِق وتأليفه الرائع فنشر للفضائل حلا مطرزة الأكمام واماط عَن مباسم أزهار الْعُلُوم لثام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 الأكمام وشنف الإسماع بفرائد الْفَوَائِد وَعَاد على الطلاب بالصلات والعوائد وَأما الْأَدَب فَهُوَ روضه الأريض وَمَالك زِمَام السجع مِنْهُ والقريض والناظم لقلائده وعقوده والمميز عروضه من نقوده وسأثبت مِنْهُ مَا يزدهيك احسانه وتصيبك خرائده وحسانه وَمن مصنفاته كتاب منتقى الجمان فِي الْأَحَادِيث الصِّحَاح والحسان وَكتاب المعالم والأثني عشرِيَّة ومنسك الْحَج وَغير ذَلِك وَمن شعره قَوْله (طول اغترابي بفرط الشوق وأضناني ... والبين فِي غَمَرَات الوجد ألقاني) (يَا بارقا من نواحي الْحَيّ عارضني ... إِلَيْك عني فقد هيجت أشجاني) (فَمَا رَأَيْتُك فِي الْآفَاق مُعْتَرضًا ... أَلا وذكرتني أَهلِي وأوطاني) (وَلَا سَمِعت شجا الورقاء نائحة ... فِي الأيك أَلا وشبت مِنْهُ نيراني) (كم لَيْلَة من ليَالِي الْبَين بت بهَا ... أرعى النُّجُوم بطرفي وَهِي ترعاني) (كَانَ أَيدي خطوب الدَّهْر مُنْذُ نأوا ... عَن ناظري كحلت بالسهد أجفاني) (وَيَا نسيما سرى من حيهم سحرًا ... فِي طيه نشر ذَاك الرند والبان) (أَحييت مَيتا بِأَرْض الشَّام مهجته ... وَفِي الْعرَاق لَهُ تخييل جثمان) (وَكم حييت وَكم قدمت من شجن ... مَا ذَاك أول إحْيَاء وَلَا الثَّانِي) (شابت نواصي من وجدي فوا أسفي ... على الشَّبَاب فشيبي قبل أباني) (يالائمى كم بِهَذَا اللوم تزعجني ... ) دَعْنِي فلومك قد وَالله أغراني ... (لَا يسكن الوجد مَا دَامَ الشَّبَاب وَلَا ... تصفو المشارب لي إِلَّا بلبنان) (فِي ربع أنسى الَّذِي حل الشَّبَاب بِهِ ... تما ئمى وَبِه صحبي وخلاني) (كم قد عهِدت بهاتيك الْمعَاهد من ... أَخَوان صدق لعمري أَي إخْوَان) (وَكم تقضت لنا بالحي آونة ... على المسرة فِي كرم وبستان) (لم أدر حَال النَّوَى حَتَّى علقت بِهِ ... فغمرتني من وقوعي قبل عرفاني) (حتام دهري على ذَا الْهون تمسكني ... هلا جنحت لتسريح بِإِحْسَان) (أَقْسَمت لَوْلَا رَجَاء الْقرب يسعفني ... فَكلما مت بالأشواق أحياني) (لكدت أَقْْضِي بهَا نحبي وَلَا عجب ... كم اهلك الوجد من شيب وشبان) (يَا جيرة الْحَيّ قلبِي بعد بعد كم ... فِي حيرة بَين أوصاب وأحزان) (يمْضِي الزَّمَان عَلَيْهِ وَهُوَ مُلْتَزم ... بحبكم لم يدنسه بسلوان) (بَاقٍ على الْعَهْد رَاع للذمام فَمَا ... يشوب عهدكم يَوْمًا بنيسان) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 (فَإِن براني سقامي أَو نأى رشدي ... فلاعج الشوق أوهاني وألهاني) (وَإِن بَكت مقلتي بعد الْفِرَاق دَمًا ... فَمن تذكركم يَا خير جيران) وَقَوله وَهِي من محَاسِن شعره (فُؤَادِي ذِي ظاعن أثر النياق ... وجسمي قاطن أَرض الْعرَاق) (وَمن عجب الزَّمَان حَيَاة شخص ... ترحل بعضه وَالْبَعْض بَاقِي) (وَحل السقم فِي بدني وَأمسى ... لَهُ ليل النَّوَى ليل المحاق) (وصبري راحل عَمَّا قَلِيل ... لشدَّة لوعتي ولظى اشتياقي) (وفرط الشوق أصبح بِي خليعا ... وَلما يتوفى فِي الدُّنْيَا فراقي) (وتعبث ناره فِي الرّوح حينا ... فيوشك أَن تبلغها التراقي) (وأظماني النَّوَى وأراق دمعي ... فَلَا أروى وَلَا دمعي براقي) (وقيدني على حَال شَدِيد فَمَا حرز الرقي مِنْهُ براقي ... ) (أَبى الله الْمُهَيْمِن أَن تراني ... عُيُون الْخلق محلول الوثاق) (أَبيت مدى الزَّمَان بِنَار وجدي ... على جمر يزِيد بِهِ احتراقي) (وَمَا عَيْش امْرِئ فِي بَحر غم ... يضاهي كربه كرب السِّيَاق) (يود من الزَّمَان صفاء يَوْم ... يلوذ بظله مِمَّا يلاقي) (سقتني نائبات الدَّهْر كأسا مريرا من أَبَارِيق الْفِرَاق ... ) (وَلم يخْطر ببالي قبل هَذَا لفرط الْجَهْل إِن الدَّهْر ساقي ... ) (وفاض الكأس بعد الْبَين حَتَّى ... لعمري قد جرت مِنْهُ سواقي) (فَلَيْسَ لداء مَا ألْقى دَوَاء ... يؤمل نَفعه إِلَّا التلاقي) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة أَربع وَخمسين وَتِسْعمِائَة تَقْرِيبًا فَإِنِّي رَأَيْت فِي تَارِيخ الشلي إِن وَالِده مَاتَ فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَكَانَ عمره إِذْ ذَاك اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَيكون مولده على هَذَا فِي سنة أَربع وَخمسين كَمَا ذكرته وَتُوفِّي فِي سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف وَالله تَعَالَى أعلم السَّيِّد حسن بن شدقم الْمدنِي الْحُسَيْنِي الْفَاضِل الأديب الْكَامِل ذكره ابْن مَعْصُوم فِي السلافة فَقَالَ فِي حَقه وَاحِد السَّادة وأوحد الساسة وَثَانِي الوسادة فِي دست الرياسة الْقدر عَليّ والحسيني والخلق كالأسم حسن وَالنّسب حسيني جمع إِلَى شرف الْعلم وَعز الجاه ونال من خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مرتجاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَكَانَ قد دخل الديار الْهِنْدِيَّة فِي عنفوان شبابه فصدره الشّرف فِي مجْلِس أَهله وأربابه وَمَا زَالَ يورق فِي رياض الإقبال عوده حَتَّى أسفرت فِي سَمَاء الأسعاد سعوده فأملكه أحد ملوكه ابْنَته وَرفع فِي مَرَاتِب العلياء مرتبته فاجتلى عرائس آماله فِي منصات تيلها واستطلع أقمار سعده فِي نواشي لَيْلهَا واقتعد الرُّتْبَة القعا وَأصْبح وَهُوَ رَئِيس الرؤسا وَكَانَ من أحسن مَا قدر من عزمه وَدبره وحرره فِي صفحات غرسه وحبره إرْسَاله فِي كل عَام إِلَى بَلْدَة جملَة وافرة من طريف مَاله وتلده فاصفيت لَهُ بِهِ الحدائق الزاهية وشيدت لَهُ الْقُصُور الْعَالِيَة وَلما هلك الْملك أَبُو زوجه وَهوى قرحياته من أوجه انْقَلب بأَهْله إِلَى وَطنه مَسْرُورا وتقلت فِي تِلْكَ الحدائق والقصور بهجة وسرورا أَلا أَن الرياسة الَّتِي انتشى فِي تِلْكَ الرياض بكؤسها والمكانة الَّتِي تميز بعلوها بَين رئيسها ومرؤسها لم يجد عَنْهُمَا فِي وَطنه خلفا وَلم ترض أنفته أَن يرى فِي وَجه جلالته كلفا فأنثنى عاطفا عنانه وثانيه وَدخل الديار الْهِنْدِيَّة مرّة ثَانِيَة فَعَاد إِلَى أبهة عَظمته الفاخرة وَبهَا انْتقل من دَار الدُّنْيَا إِلَى دَار الْآخِرَة وَله شعر بديع فائق كَأَنَّمَا اقتطفه من أزهار تِلْكَ الحدائق فَمِنْهُ قَوْله حِين أنف من مقَامه فِي وَطنه بَين أَهله وأقوامه بِعَدَد عوده من الديار الْهِنْدِيَّة والإنتقال من ظلال عزه الندية (وَلَيْسَ غَرِيبا من نأى عَن دياره ... إِذا كَانَ ذَا مَال وينسب للفضل) د (وَأَنِّي غَرِيب بَين سكان طيبَة ... وَإِن كنت ذَا مَال وَعلم وَفِي أَهلِي) وَهُوَ من قَول البستي رَحمَه الله (وَإِنِّي غَرِيب بَين بست وَأَهْلهَا ... وَإِن كَانَ فِيهَا جيرتي وَبهَا أَهلِي) (وَلَيْسَ ذهَاب الرّوح يَوْمًا منية ... وَلَكِن ذهَاب الرّوح فِي عدم الشكل) (وَمَا غربَة الْإِنْسَان فِي شقة النَّوَى ... وَلكنهَا وَالله فِي عدم الشكل) وَمن شعره أَيْضا قَوْله (لَا بدّ للْإنْسَان من صَاحب ... يُبْدِي لَهُ الْمكنون من سربّه) (فاصحب كريم الأَصْل ذاعفة ... تأمن وَإِن عاداك من شرّه) وَله غَيْرك ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي شَوَّال سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف رَحْمَة الله تَعَالَى حسن باشا بن عبد الله الْأمين الْكَبِير الْمَعْرُوف بشورة حسن أحد صُدُور دمشق وأعيانها الَّذِي كَانَ يرجع إِلَيْهِم فِي الْمُهِمَّات ويعول عَلَيْهِم فِي الْأُمُور وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 كَامِل الْعقل حسن التَّدْبِير صافي المزاح وَكَانَ يعْتَمد الْعلمَاء والصلحاء ويتردد إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم فيكرمهم ويعظمهم وتقلبت بهَا الدُّنْيَا بَين نعيم وبؤس حَتَّى اسْتَقر فِي مركزه وَبلغ من الْعِزّ والجاه مبلغا لَيْسَ وَرَاءه غَايَة واحتوى على أَمْلَاك وعقارات كَثِيرَة وَعمر الخان الْمَعْرُوف بسوق جقمق وَوَقفه مَعَ جملَة من عقاراته على ذُريَّته وَكَانَ فِي مبدأ أمره من آحَاد جند الشَّام ثمَّ ترقى حَتَّى صَار كتخد أهم وَضرب وَاحِدًا مِنْهُم حَتَّى هلك فَقَامُوا عَلَيْهِ وَأَجْمعُوا على قَتله فخلص مِنْهُم وصولحوا بعزله فَاخْتَارَ فريقة التيمار حَتَّى صَار جاويش السُّلْطَان وسافر إِلَى قسطنطينية مرَارًا وَكَانَ إِذا سَافر إِلَيْهَا استنهضه النَّاس فِي قَضَاء مهامهم فيقضيها على أحسن وَجه ويسامح غالبهم بِمَا يذهب عَلَيْهَا من الخرج وَيَأْتِي كل نوبَة بحسنة إِلَى بعض الْمُسْتَحقّين من الْعلمَاء والصلحاء إِمَّا وَظِيفَة وَإِمَّا صَدَقَة وَكَانَ يحنو على الْأَيْتَام وحضن كثيرا مِنْهُم مِمَّن لَا ولي لَهُ ونمى أَمْوَالهم وَكَانَ منتميا إِلَى الْوَزير الْأَعْظَم سياغوش باشا فَدفع إِلَيْهِ مَالا وَأمره أَن يَبْنِي لَهُ مَسْجِدا بِدِمَشْق ويرتب فِيهِ من يقوم بشعائره فَبنى الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بالسياغوشية بِالْقربِ من دَاره بحارة القصاعين دَاخل بَاب الْجَابِيَة وَأحسن بناءها وَكَذَلِكَ فعل مَعَه الْوَزير الْأَعْظَم مُرَاد باشا فعمر لَهُ سوق المرادية بِبَاب الْبَرِيد والخان وسوق الذِّرَاع وَجعله وَقفا على الْحَرَمَيْنِ وَولى وقف البيمارستان النوري فَأَقَامَ شعائره بعد أَن كَانَت اضمحلت وَعمر أوقافه وأتى فِيهِ من حسن التنمية بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فاستدعاه الْمولى مصطفى الْمَعْرُوف بكوجك قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق لولاية البيمارستان القيمرى فَأبى حَتَّى أبرم عَلَيْهِ هُوَ وَرَئِيس الْأَطِبَّاء بِدِمَشْق الشَّيْخ شرف الدّين لاضمحلال حَاله ثمَّ قبله على شريطة أَن لَا يتَنَاوَل فِيهِ رَئِيس الْأَطِبَّاء بعض أَشْيَاء عينهَا وَلَا يخالطه من أُمُوره بسوي قبض الْقدر الْفُلَانِيّ من علوفته فَأَنَّهُ بِسَبَب تجاوزه وَتجَاوز أَمْثَاله خرب الْوَقْف فَقبل القَاضِي والرئيس شَرطه وعمره ونمى وَقفه وَولى تَوْلِيَة الْجَامِع الْأمَوِي بعد أَن كَانَ وَقفه يذهب فبذل جهده فِي ضَبطه وتنميته وَقد تقدم طرف من خبر تَوليته فِي تَرْجَمَة إِسْمَاعِيل بن عبد الْوَهَّاب العجمي فَارْجِع إِلَيْهِ هُنَاكَ وَعمر حمام البزورية وقف دَار الحَدِيث النورية بِأَمْر الْوَزير أَحْمد باشا الْحَافِظ وَصرف من مَاله مبلغا واستوفاه من أجوره ثمَّ سلمه لمتوليه بعد الِاسْتِيفَاء وترقى فِي المناصب بعد ذَلِك حَتَّى تقاعد عَن حُكُومَة قرمان وَكَانَ أَكثر قُضَاة الشَّام إِذا ولوا دمشق فَوضُوا إِلَيْهِ أُمُورهم حَتَّى يحضروا وَولي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 مُحَافظَة الشَّام فَقتل طَائِفَة من المناحيس وَلم تطل مُدَّة محافظته وَصَارَ مُسْتَوفى دمشق فاجتهد فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال السُّلْطَانِيَّة وشدد على كتاب الخزينة والأمناء فاضمر بعض الْكتاب لَهُ السوء فَلَمَّا عزل أخرجُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء انتقدوها عَلَيْهِ ووشوا بِهِ إِلَى الْوَزير الْحَافِظ الْمَذْكُور فكلفه مَا خرج عَلَيْهِ من المَال فَقبض مِنْهُ الْبَعْض وَسكت عَن الْبَعْض لما رأى من انقياده إِلَيْهِ وَلما قدم مُحَمَّد باشا السلحدار حَاكما بِالشَّام انتقد عَلَيْهِ مَا سكت عَنهُ الْحَافِظ وَعرض فِيهِ إِلَى بَاب السلطنة فَجَاءَت فِيهِ مناشير سلطانية وحوالة وَأخذ مِنْهُ مَا بَقِي عَلَيْهِ وَكَانَت دخلت عَلَيْهِ أَوْهَام من الْوَزير الْأَعْظَم نصوح باشا وَغَيره فلحقته الْأَمْرَاض والأسقام وَآل أمره إِلَى أَن يدافيه الفالح فأسرع فِي بعض أَعْضَائِهِ ثمَّ لما قدم مُحَمَّد باشا جوقدار السُّلْطَان أَحْمد قدم إِلَيْهِ سرادقاً عَظِيما وخدمة بِخِدْمَة عَظِيمَة فَالْتَفت إِلَيْهِ وقربه من مَجْلِسه وَلم تطل مدَّته بعد ذَلِك حَتَّى مَاتَ فِي زَمَنه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من صُدُور أَعْيَان عصره وَكَانَ لَهُ محَاسِن ومساوئ إِلَّا أَن محاسنه كَانَت أَكثر وتراكمت عَلَيْهِ المحن فِي آخر أمره إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة السبت ثامن عشر ربيع الثَّانِي سنة سبع وَعشْرين وَألف وَقَالَ النَّجْم الْغَزِّي يرثيه وَذكرهَا فِي ذيله (عجبت والدهر أعيتني أعاجيبه ... من عجمة لم تبن عَنْهَا تعاريبه) (أما رَأَيْت رحاه وَهِي دَائِرَة ... فِي النَّاس قد لعبت فيهم دواليبه) (وَالْمَوْت مَا زَالَ أخاذ الَّذِي نفس ... لَكِن قد اخْتلفت فيهم أساليبه) (مَا خَاصم الْخصم إِلَّا وَهُوَ خاصمه ... غلب الرِّجَال وَإِن جلت مغاليبه) (أما نظرت إِلَى شوربزهم حسن ... وَكَانَ كالسبع أدهتهم أراعيبه) (لَهُ محَاسِن لَا تحصى لكثرتها ... فطالما هطلت خيرا شآبيبه) (يحب تعمير أوقاف الْمَسَاجِد لَا ... يألو وَقد حسنت فِيهَا تراتيبه) (وَكَانَ يحسن للأيتام يحضنهم ... تجْرِي على مستوى فيهم أنابيبه) (لكنه كَانَ ذَا جاه وَذَا جرد ... وجرأة عظمت مِنْهَا تراهيبه) (عنت دمشق وَمن فِيهَا لَهُ وَغدا ... تجرهم غير آبَاء مجاذبية) (وَرُبمَا مس مِنْهُ الظُّلم بَعضهم ... وعاث فِي النَّاس تؤذيهم يعاسيبه) (يُبَادر النَّاس بالترهاب يوهمهم ... مِمَّا يبلغهُ عَنْهُم دياديبه) (أخلت منيته مِنْهُ الديار فقد ... أمست خلاء وتبكيه شناحيبه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 (من بعد مَا أفلجت مِنْهُ مفاصله ... وَمَا نفت عَنهُ أسقا مَا تقاربيه) (كَانَت تسوّم فِي عرض مراكبه ... فَصَارَ للْأَرْض وانفكت تراكيبه) (فليعتبر كل جَبَّار بميتته ... مَا خيله خلدت كلا وَلَا نيبه) (يَا طالما أبْصر الْآيَات ظَاهِرَة وَالْقلب مَا فعلت فِيهِ تقاليبه ... ) (وَمَا اعْتبرنَا بِمَا التاطت وَمَا نشبت ... فِي ذَا الزَّمَان باهليه مخاليبه) (نجرّب الدَّهْر تارات فتعرف مَا ... يجر بِهِ لم تلونا عَنهُ تجاريبه) (طُوبَى لمن لم يكن بالدهر مخدعاً وَلم تمله عَن التَّقْوَى محاببه ... ) (بِالْخَيرِ يذكر أَو بالشرّ كل فَتى ... قضى فَلَا ليثه يخْشَى وَلَا ذيبه) حسن بن عُثْمَان الرُّومِي الْحَنَفِيّ نزيل دمشق الْمَعْرُوف باوزون حسن أَي الطَّوِيل قدم فِي شيبته إِلَى قسطنطينية وخدم شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا بن بيرام مفتي التخت العثماني ولازم مِنْهُ ثمَّ لما توفّي الْمُفْتِي الْمَذْكُور بَقِي هُوَ فِي خدمَة ابْن استاذه شيخ الْإِسْلَام يحيى وَورد بخدمته إِلَى حلب ودمشق والقاهرة لما ولي قضاءها وَلما عزل عَن مصر وَدخل دمشق رَاجعا مِنْهَا كَانَ مَعَه أَيْضا فاستقر بِدِمَشْق وَتزَوج واقتنى دَار تجاه دَار الحَدِيث الأشرفية بِالْقربِ من بَاب القلعة قلت وَهُوَ الْآن بيد بني الْأَصْفَر ودرس بِالْمَدْرَسَةِ القصاعية الْحَنَفِيَّة والدرويشية وَولى تَوْلِيَة الْجَامِع الْأمَوِي ونظارته وتولية الدرويشية وَكَانَ الموَالِي قُضَاة الشَّام يرسلون يستنبيونه فِي قَضَائهَا مُدَّة إِلَى حِين وصولهم وَكَذَلِكَ قُضَاة العاكر يفوضون إِلَيْهِ الْقِسْمَة العسكرية وَصَارَ أحد كبراء دمشق وانعقدت عَلَيْهِ صدارتها وَكَانَ مهابا موقرا مُعظما سالكا مَسْلَك السّلف مُخْتَصرا فِي أُمُوره وَله عفة ونزاهة ومدحه الأديب ابراهيم الأكرمي الصَّالِحِي الْمُقدم ذكره بقصيده مطْلعهَا (مَا راقه بعد رامة وَطن ... وَكَيف وَهِي الغرام والشجن) وَهِي مَذْكُورَة فِي ديوَان الأكرمي فَلَا نطيل بذكرها وَكَانَت وَفَاته سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس الْمولى حسن بن عَليّ بن أَمر الله وَقيل اسرافيل القسطنطيني المولد الْمَعْرُوف بِابْن الحنائي صَاحب التَّذْكِرَة الَّتِي ألفها فِي شعراء الرّوم وَهِي لَهُم كدمية الْقصر للباخرزي تحتوي على لطائف المنثور ومنتخبات الْأَشْعَار وَذكر فِيهَا مُعظم شعرائهم من ابْتِدَاء الدولة العثمانية سلاطين زَمَاننَا إِلَى زَمَانه وَألف حَاشِيَة على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 الدُّرَر وَالْغرر مَقْبُولَة وَله غَيرهَا من التصانيف المقبولة بِلِسَان التركي وترسلات شائعة متداولة وَكَانَ جيد الْعبارَة لطيف الطَّبْع صَاحب نَوَادِر وتحف وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أحد أَفْرَاد الدَّهْر ومحاسن الْعَصْر ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ وَالِده إِذْ ذَاك ببروسة مدرس مدرسة حَمْزَة بيك وَأخذ عَن نَاظر زَاده مدرس عَليّ باشا الْجَدِيد وقاضي زَاده الْمَعْزُول عَن قَضَاء حلب ثمَّ وصل إِلَى مقَام شيخ الْإِسْلَام أبي السُّعُود الْعِمَادِيّ وَصَارَ من طلبته المختصين بِهِ وَحصل ودأب ولازم من الْمولى الْمَذْكُور ثمَّ درس إِلَى أَن وصل إِلَى الْمدرسَة السليمانية وَولى مِنْهَا قَضَاء حلب فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة ثمَّ ولى قَضَاء الْقَاهِرَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَألف ثمَّ ولى قَضَاء أدرنة فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع بعد الْألف ثمَّ ولى مصر ثَانِيًا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَألف ثمَّ قَضَاء بروسة فِي شَوَّال سنة سبع وَألف ثمَّ عزل وَعين لَهُ قَضَاء أيدنجك على وَجه التقاعد ثمَّ أعْطى قَضَاء كليبولي وَنقل مِنْهَا إِلَى قَضَاء أَيُّوب وَفِي صفر سنة إِحْدَى عشرَة وَألف أعْطى قَضَاء اسكى زغرة على طَرِيق التَّأْبِيد فاستولت عَلَيْهِ بهَا أمراض بلغمية منعته من الْحَرَكَة الأنادرا فَطلب قَضَاء رشيد من نواحي مصر فأعطيها بِقَيْد الْحَيَاة وَتوجه إِلَيْهَا وَتُوفِّي بهَا هَكَذَا ذكر ابْن نوعى فِي تَرْجَمته وَرَأَيْت فِي بعض أوراق بِخَط إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف برامي الدِّمَشْقِي أَنه بعد عَزله من أدرنة أَدْرَكته حِرْفَة الْأَدَب وولعت بِهِ فحطه الدَّهْر من علياء قدره بعد الرّفْعَة الْعَظِيمَة وتفرق شَمل حَاله من فقد رياشه وضيق معاشه وَوجدت فِي بعض المجاميع لبَعض فضلاء الرّوم أَنه كَانَ عِنْدَمَا ولع الزَّمَان بِهِ قد أغرى بإنشاد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لَا يجِف لِسَانه من ترديدهما فِي أَكثر أوقاته وأحواله وَلست أَدْرِي انهما لَهُ أَو لغيره وهما قَوْله (من كَانَ يَرْجُو أَن يعِيش فإنني ... أَصبَحت أَرْجُو أَن أَمُوت فأعتقا) (فِي الْمَوْت ألف فَضِيلَة لَو أَنَّهَا ... عرفت لَكَانَ سَبيله أَن يعشقا) ثمَّ رَأَيْت الْبَيْتَيْنِ منسوبين لِأَحْمَد بن أبي بكر الْكَاتِب وَقد اقْتدى فيهمَا بِابْن الرُّومِي فِي قَوْله (قد قلت مذ مدحوا الْحَيَاة وأسرفوا ... فِي الْمَوْت ألف فَضِيلَة لَا تعرف) (مِنْهَا أَمَان لِقَائِه بلقائه ... وفراق كل معاند لَا ينصف) وَهُوَ أول من فتح هَذَا الْبَاب انْتهى قَالَ رامي وَلم يزل صَاحب التَّرْجَمَة يعاني الحرمان كَمَا ذكر حَتَّى ولى قَضَاء رشيد فَتوفي بهَا فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 الإِمَام حسن بن عَليّ بن دَاوُد بن الْحسن بن عَليّ بن الْمُؤَيد المؤيدي قَامَ بِالْيمن فِي نصف شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقَامَ مَعَه الشِّيعَة فِي صعدة فَخرج مِنْهَا إِلَى جبل الأهنوم فاشتعلت الأَرْض نَارا وَفتح جملَة قرى وَأرْسل رسله بالرسائل وَكتب إِلَى لطف الله بن المطهر فَلم يجبهُ واضطربت عَلَيْهِ الْبِلَاد وَكتب إِلَى مُحَمَّد بن شمس الدّين بِمثل ذَلِك فَلم يجبهُ أَيْضا وَكتب إِلَى يحيى بن المطهر فكاد أَنه يُجيب وغره أحد إخْوَان الإِمَام فَأجَاب وَسلم إِلَيْهِ بعض الْحُصُون فَوجه لطف الله عبد الله بن أَحْمد بن شمس الدّين والنقيب مرجان فَخَرجُوا إِلَى الْخشب وفتحوا مَا قد خَالف ثمَّ خرج الْأَمِير سِنَان أعانة لَهُم من قبل مُرَاد باشا فهزموا أَصْحَاب الإِمَام وسكنت بِلَاد زمرمر وَعَاد سِنَان إِلَى صنعا ثمَّ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة توجه سِنَان الْمَذْكُور لِحَرْب الإِمَام الْحسن إِلَى الأهنوم وَاسْتولى سِنَان على أَكثر بِلَاد الإِمَام وضايقه فِي شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة فتح سِنَان جَمِيع بِلَاد الأهنوم وانحصر الإِمَام الْحسن فِي مَحل يُقَال لَهُ الصاب فنجح إِلَى السّلم وَخرج إِلَى يَد الْأَمِير سِنَان فِي سادس عشر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق أَنه دعى بِالْإِمَامَةِ فِي النّصْف من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأسر فِي النّصْف مِنْهُ سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَوصل الإِمَام الْحسن صُحْبَة الْأَمِير سِنَان إِلَى الْوَزير آخر يَوْم من شهر رَمَضَان فأودعه الْحِفْظ وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس عشر شَوَّال مِنْهَا وَجه الْوَزير الْأَمِير سِنَان بِالْإِمَامِ الْحسن وبأولاد المطهر لطف الله وَعلي وَيحيى وَحفظ الله وَإِبْرَاهِيم وَعبد الله وَجَمَاعَة آخَرين إِلَى الرّوم فَسَار بهم إِلَى المخا وأركبهم السَّفِينَة وَعَاد فَمَاتَ أَوْلَاد المطهر بالروم وَاحِدًا بعد وَاحِد وَتُوفِّي الإِمَام الْحسن بالروم أَيْضا فِي رَجَب سنة أَربع وَعشْرين وَألف رَحمَه الله حسن بن عَليّ بن حسن بن أَحْمد بن مَحْمُود العاملي الكونيني الشهير بالحانيني من أهل الْفضل وَالْأَدب جم الْفَائِدَة كَانَ شَاعِرًا مطبوعا كثير النّظم لَهُ فِيهِ الباع الطَّوِيل وَكَانَ مُقيما بِبَلَدِهِ بَيت حانيني من ضواحي صفد وَأفْتى مرّة فِي حَيَاة الشهَاب أَحْمد الخالدي الْمُقدم ذكره وَقد وقفت لَهُ على أشعار كَثِيرَة فِي مَجْمُوع جمع صَاحبه فِيهِ المدائح الَّتِي مدح بهَا الْأَمِير فَخر الدّين بن معن فانتقيت بَعْضًا مِنْهَا من ذَلِك قَوْله من قصيدة مدح بهَا الْأَمِير الْمَذْكُور ومطلعها (لنا فِي هوى ذَات الوشاح مَقَاصِد ... وَفِي خالها للعاشقين مراصد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 (على حبها نحيا ونحشر فِي الْهوى ... وَنحن على ميثاقها نتعاهد) (يقد قُلُوب الْأسد مائس قدها ... وللصيد مِنْهَا فِي الجفون مصايد) (أعارت شريد الريم حسن تلفت ... كَمَا قد أعارتها الْعُيُون إِلَّا وأبد) (موردة الْخَدين دعجاء طفلة ... برهرهة خمصانة الْبَطن ناهد) (غريرة حسن هام عِنْد جمَالهَا ... وَطيب شذاها مُسْتَقِيم وفاسد) (تعلمت الْبيض البواتر فتكها ... وَمن لينها سمر الرماج موايد) (أسَال دم العشاق سيف لحاظها ... على وجنتيها والغرام مساعد) (أذاب على الْخَدين ورد شقائق ... بأكنافه ذوب الشبيبة جامد) (مهاة مَتى أَلْقَت عقارب صدغها ... تشكل مِنْهَا فِي الْقُلُوب أساود) (فتاة كَانَ الصُّبْح فَوق جبينها ... وَبدر الدجى من جيبها متصاعد) (كَانَ هلالي الصَّوْم وَاضح طوقها ... وَمن خَلفه نظم النُّجُوم قلائد) (كَانَ خفوق الْبَرْق قلب عشيقها ... إِذا لامه بَين المحافل زاهد) (كَانَ سنا أوصافها مدح كَامِل ... وَبسط ثناه والأنام شَوَاهِد) وَهِي طَوِيلَة جدا فلنكتف مِنْهَا بِهَذَا الْمِقْدَار وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف الْحسن بن عَليّ بن جَابر الهبل اليمني ذكره ابْن أبي الرِّجَال فَقَالَ فِي وَصفه بديع الزَّمَان وقريع الأوان من لَا عيب فِيهِ سوى بعد بِلَاده وَقرب ميلاده فالمندل الرطب فِي أوطانه خشب أما صغر الميلاد فَللَّه در أَبى الطّيب حَيْثُ يَقُول (لَيْسَ الحداثة من حلم بمانعة ... قد يُوجد فِي الشبَّان والشيب) وَأما بعد الْبِلَاد فَأمر لَا يعتبره الحذاق وَإِن قَالُوا الْقرب المفرط مَانع لَا دراك الأحداق وَقَالَ بعض النَّاس (عذيري من عصبَة بالعراق ... قُلُوبهم بالجفا قلب) (يرَوْنَ العجيب كَلَام الْغَرِيب ... وَأما الْقَرِيب فَلَا يطرب) (وَعذرهمْ عِنْد توبيخهم ... مغنية الْحَيّ لَا تطرب) لَكِن الْعَاقِل الْفَاضِل لَا ينجح إِلَى التَّقْلِيد حَتَّى فِي تَفْضِيل الْحَصْبَاء على لآلئ الْجيد وَأَن الْإِنْصَاف من أجمل الْأَوْصَاف ولد بصنعا وَبهَا نَشأ على الْعِبَادَة والزهادة ومودة لعترة الطّيبَة السَّادة واشتغل بالعلوم والآداب حَتَّى برع على الشُّيُوخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 فضلا عَن الأتراب وَله ديوَان شعر فائق وسحر حَلَال رائق فِي كل معنى مليح نهيج مناهج الأدباء وجاراهم فِي رقيقهم وجزلهم وجدهم وهزلهم وَهُوَ مَعَ ذَلِك السَّابِق المجلي وَلَقَد رَأَيْت لَهُ مقاطيع باهرة وقصائد فاخرة وَنَفسه أشبه بِشعر الْحُسَيْن ابْن حجاج غيرانه مصون عَن الإقذاع وَأَنَّهَا هُوَ فِي الفصاحة والنصاعة وجودة السبك والصناعة وَقد كَانَ يُقَال أَن ابْن حجاج نَفسه يشبه نفس امْرِئ الْقَيْس ابْن حجر وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة قَوْله فِي الوعظيات (أَيْن اسْتَقر السّفر الأول ... عَمَّا قريب بهم ننزل) (مروا سرَاعًا نَحْو دَار البقا ... وَنحن فِي آثَارهم نرحل) (مَا هَذِه الدُّنْيَا لنا منزلا ... وَإِنَّمَا الْآخِرَة الْمنزل) (قد حذرتنا من تصاريفها ... لَو أننا نسْمع أَو نعقل) (يُطِيل فِيهَا الْمَرْء آماله ... وَالْمَوْت من دون الَّذِي يأمل) (بحلوله مَا مر من عيشها ... ودونه لَو عقل الحنظل) (ألهته عَن طَاعَة خلاقه ... وَالله لَا يلهو وَلَا يغْفل) (يَا صَاح مَا لَذَّة عَيْش بهَا ... وَالْمَوْت مَا تَدْرِي مَتى ينزل) (يَدْعُو لي الأحباب من بَيْننَا ... يجِيبه الأول فَالْأول) (يَا جَاهِلا بِجهْد فِي كسبها ... أغرك المشرب والمأكل) (وَيَا أَخا الْحِرْص على جمعهَا ... مهلا فعنها فِي قد تسئل) (لَا تتعبن فِيهَا وَلَا تأسفن ... لما مضى فَالْأَمْر مُسْتَقْبل) (مَا قَوْلنَا بَين يَدي حَاكم ... يعدل فِي الحكم وَلَا يعْزل) (مَا قَوْلنَا لله فِي موقف ... يخرس فِيهِ المصقع الْمَقُول) (وَإِن سئلنا فِيهِ عَن كل مَا ... نقُول فِي الدُّنْيَا وَمَا نَفْعل) (مَا الْفَوْز للْعَالم فِي علمه ... وَإِنَّمَا الْفَوْز لمن يعْمل) وَقَوله (لَا تعْتَبر ضعف حَالي وَاعْتبر أدبي ... وغض عَن رث أطماري وأسمالي) (فَمَا طلابي للدنيا بممتنع ... لَكِن رَأَيْت طلاب الْمجد أسمى لي) وَقَوله فِي العفاف (مَا زلت من درن الدنا يَا صائنا ... عرضا غَدا كالجوهر الشفاف) (وَإِذا جرى مرجا بميدان الصِّبَا ... مهر الْهوى ألحمته بعفاف) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 (وأذاهم وصفوا محَاسِن شادن ... مُسْتَكْمل لمحاسن الاوصاف) (أبديت فِيهِ من النسيب غرائبا ... ووصفت فِيهِ مَا عدا الأرداف) وَقَوله قَرِيبا من هَذَا الْمَعْنى (تغزلت حَتَّى قيل أَنِّي أَخُو الْهوى ... وشببت حَتَّى قيل فَاقِد الأوطان) (وَمَا بِي من عشق وشوق وَإِنَّمَا ... أتيت من الشّعْر البديع بإفنان) وَقَوله من قصيدة (حتام عَن جهل تلوم ... مهلا فَإِن اللوم لوم) (طرفِي الَّذِي يشكو السها ... دو قلبِي المضنى الكليم) (إِن الشقا فِي الْحبّ عِنْد ... العاشقين هُوَ النَّعيم) (مَا الْحبّ إِلَّا مقلة ... عبراء أَو جسم سقيم) (يَا من أكتم حبه ... وَالله بِي وَبِه عليم) (وبلابل بَين الجوانح ... لَا تنام وَلَا تنيم) (مَالِي وَمَا للوائمى ... أعليك ذُو عقل يلوم) (يَا هَل ترَاهُ يعود لي ... بك ذَلِك الزَّمن الْقَدِيم) (وهنى عَيْش باللوى ... لَو أَن عَيْش هُنَا يَدُوم) (وبرامة إِذْ نلْت من ... وصل الْأَحِبَّة مَا أروم) (يَا حبذا تِلْكَ الربوع ... وحبذا تِلْكَ الرسوم) (يَا تاركين بمهجتي ... شررا يذوب بهَا الْجَحِيم) (طَال المطال وَلم تهب ... لصدق وَعدكُم نسيم) (مطل الْغَرِيم غَرِيمه ... حاشا كم خلق ذميم) وَقَوله أَيْضا (ملكتم فاعدلوا فِي الصب أَو جوروا ... ذَنْب الْأَحِبَّة فِي العشاق مغْفُور) (وَقد تقرر فِي قلبِي مقركم ... دون الورى فأقيموا فِيهِ أَو سِيرُوا) (يَا مخربي ربع صبري بالجفا عَبَثا ... الْحَمد لله ربع الود معمور) (وَيَا مطول هجراني بِلَا سَبَب ... أما بدالك فِي الهجران تَقْصِير) (ومنكرا مَا أُلَاقِي من محبته ... حبي كطرفك بَين النَّاس مَشْهُور) (أَنا الكئيب الْمَعْنى فِي هَوَاك وَإِن ... اظهرت أَنِّي بِمَا أَلْقَاهُ مسرور) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 (الْإِخْلَاص لقلبي من صبابته ... فَإِنَّهُ فِي تعَاطِي الْحبّ مغرور) (كم ذَا أكابد ملوم أيسره بالطوردك لَهُ من ثقله الطّور ... ) (وَكم أرى طاويا كشحى على شجن ... ونار قلبِي لَهَا فِي الْقلب تسعير) (وَكم أراقب سارى الطّرف يطرقني ... وَإِنَّمَا الطيف تخييل وتزوير) (يَا للحمى كم على واديه طل دمى ... وكمم فؤاد محب ثمَّ مأسور) (وَفِي مليك جمال سيف مقلته ... مظفر بقلوب النَّاس مَنْصُور) (تبى حبي حسن لَهُ من روض وجنته ... جنَّات عدن وَمن ألحاظه حور) وَقَوله وَفِيه إبداع (يَا من أَطَالَ التجني ... مِنْك الصدود ومني) (مولَايَ إِن طَال هَذَا ... عَليّ فَاعْلَم بِأَنِّي) (أفديك قل لي ... مَاذَا الَّذِي يدالك مني) (تَرَكتنِي متهاما ... حيران أَقرع سني) (أَشْكُو إِلَيْك الَّذِي بِي ... وَأَنت تعرض عني) (وَلم ترق لحالي ... وَلَا رثيت لحزني) (أصخ لشكيتي وارفق ... بجسم فِيك قد نحلا) (وَقل لي من أحل دمي ... وَمن ذَا حرم القبلا) (وَإِن تنكر ضني جَسَدِي ... وَلم تعطف عَليّ وَلَا) (فَكف النبل من عَيْنَيْك ... يَكْفِي بعض مَا فعلا) (وَلَا تطلع لنا خداك وردر ياضها الحضلا ... ) وَقَوله وَفِيه الجناس الْكَامِل (رويدك من كسب الذُّنُوب فَأَنت لَا ... تطِيق على نَار الْجَحِيم وَلَا تقوى) (أترضى بِأَن تلقى الْمُهَيْمِن فِي غَد ... وَأَنت بِلَا علم لديك وَلَا تقوى) وَقَوله (أفزع إِلَى الْبَارِي وَكن ... مِمَّا جنيت على وَجل) (وأرج الْإِلَه فَلم يخب ... راجي الْإِلَه علا وَجل) قد سبق إِلَى هَذَا فِي قَول الْقَائِل (كن من مدبرك الْحَكِيم ... علا وَجل على وَجل) وَقَوله فِي الثِّقَة بِاللَّه وَفِيه الجناس الْكَامِل (ثق بِالَّذِي خلق الورى ... ودع الْبَريَّة عَن كمل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 (إنّ الصّديق إِذا اكْتفى ... وَرَأى غناء عَنْك مل) وَقَالَ وَقدر أَي شَعْرَة بَيْضَاء فِي رَأسه وَفِيهِمَا التورية والاكتفاء (شباب غير مَذْمُوم تولى ... وشيب قد أَتَى أَهلا وسهلا) (مضى عمري الطَّوِيل وَمر عيشي ... كَأَنِّي لم أعش فِي الدَّهْر إِلَّا) وَقَوله (أذن الندى عَن نِدَاء الشّعْر صماء ... فَلَيْسَ يجديك إنشاد وإنشاء) (يَا قالة الشّعْر مهلا لَا أبالكم ... رويدكم مَا لهَذَا الْقدح إيراء) (أَنا لفي زمن ود الفصيح بِهِ ... لَو أَنه ألكن فِي القَوْل فأفاء) (كم تمدحون وَلَا تعطون جَائِزَة ... كَأَنَّمَا مدحكم بِالْمَنْعِ إغراء) (قل للْمَسَاكِين أهل الشّعْر يَا تَعب ... الأفكار إِن لم يصيبهم مِنْهُ إثراء) (هذي الْمُلُوك مُلُوك الأَرْض هَل أحد ... مِنْهُم على سنَن المعروق مشاء) (كم قد مَدْحنَا فَمَا أَجدت مدائحنا ... لأَنهم إِنَّمَا يُعْطون من شاؤا) (مَا للقوافي إِذا أقوت معاهدها ... أَفِي زَمَانك يوهي الشّعْر إقواء) (من ذَا الَّذِي من مقَام الَّذِي ينهضها ... إِن نالها بنعال الذل إيطاء) (أُفٍّ لَهَا خطة يشقى ملابسها ... ضَاقَتْ بصاحبها للْأَرْض أرزاء) (وحرفة أزجيت فِينَا بضاعتها ... فربح صَاحبهَا فقروا كداء) (أَيهَا أغث مستغيثا أَنْت قطّ ... لَهُ المرجوان مَسّه بَأْس وضراء) وَله غير ذَلِك مِمَّا أوردت مِنْهُ كثيرا فِي كتابي النفحة وَكَانَت وَفَاته بصنعا فِي صفر سنة تسع وَسبعين وَألف وَدفن غربي الْقصر السعيد السَّيِّد حسن بن عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن مُحَمَّد بن عِيسَى النعمي الحسني من فضلاء الزَّمن وأدبائه وعلمائه وشعرائه ولد بصنعا وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ الْقُرْآن وَأخذ عَن وَالِده علو مَا جمة وقويت فِي طلب الْعُلُوم همته وَله نظم فاخر مِنْهُ مَا كتبه إِلَى القَاضِي النَّاصِر بن عبد الخفيظ المهلا نَائِيا عَن السَّيِّد جمال الْإِسْلَام مُحَمَّد بن صَلَاح يتشوق إِلَيْهِ بقوله (أَلا بِاللَّه يَا نفس الخيال ... اعدلي ذكر سالفة اللَّيَالِي) (وأتحفني بِذكر أهيل نجد ... وَمَا قد مر فِي تِلْكَ الْخلال) (فَأَنِّي إِن ذكرت زمَان وَصلى ... وَمَا قد مر من حسن اتصالي) (بِمن أهواه فِي عَيْش خصيب ... وَأَيَّام حلالها قد حلالي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 (أكاد أذوب من ولهي عَلَيْهِ ... وأضرب بِالْيَمِينِ على الشمَال) (واصبو للربوع وساكنيها ... وَأبقى فِي افتكار واشتغال) (وَأَرْجُو الله يجمعنا قَرِيبا ... بِذَات النَّفس لَا طيف الخيال) (ونقضي للصبابة والتصابي ... لبانات التواصل والوصال) (وَبعد فَحَث يَا حادي المطايا ... قلوصك باهتمام واحتفال) (وسر عجلا هديت وَلَا تأني ... وجوزها الحضيض مَعَ الرمال) (وأطلعها إِلَى الْجَبَل امتثالا ... وَحط الرحل فِي بلد بهالي) (أخلاء وأحباب وَأهل ... وَأَصْحَاب علوا رتب الْكَمَال) (وَفِيهِمْ نَاصِر الدّين المرجى ... لحل المشكلات من السُّؤَال) (ترَاهُ مذ نسا كلفا بِجمع ... لآثار النَّبِي وَخير آل) (وَإِن أمْلى تدفق مثل بَحر ... تدفق بالجواهر واللآلئ) (فَفِي الْمَعْنى وَفِي المغنى عَظِيم ... جليل فِي الْمقَال وَفِي الفعال) (حباه الله مِنْهُ بِكُل خير ... وفضله على كل الرِّجَال) (وَأَرْجُو الله يجبوني قَرِيبا ... بِأَن أضحى وعزمته قبالي) وَمن شعره أَيْضا قَوْله يُخَاطب السَّيِّد مساعد الْحسنى وَقد قدم من مَكَّة واليا على عتود وبيش وأعمالها بِأَمْر الشريف زيد بن محسن (شمس المحاسن قد لاحت من الْحجب ... فأشرق الْكَوْن نورا غير محتجب) (وَقد بِسمن ثغور الشّعب من عجب ... وماست القضب فَوق الكثب من طرب) (وغنت الْوَرق فِي أفنانها طَربا ... والزهر يفتر عَن طلع وَعَن حبب) (نسل الَّذين سما فِي الْمجد مفخرهم ... حَتَّى علا فَوق هام السَّبْعَة الشهب) (مساعد الِاسْم مَيْمُون الصِّفَات وَمن ... بسقن أعراقه من مغرس الْأَدَب) (صافي النضار وَمَيْمُون الفخار وعلوي ... النجار وسامي النَّفس والرتب) (لم يعرف الْمجد إِلَّا من أبوته ... مورثا مَا حواه عَن أَب فأب) (أَهلا وسهلا أقرّ الْعين مقدمكم ... ومرحبا يَا سليل السَّادة النجب) (تعطرت أَرْضنَا واخضر يابسها ... وافتر مبسمها عَن لُؤْلُؤ شنب) (وماس مخلافنا فِي روضه وزها ... تيها عَن الغوطة الغراء مَعَ حلب) (وفاح مِنْهُ شميم الْورْد وابتهجت ... مِنْهُ النُّفُوس لمرأى الْبَدْر فِي الكثب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 (وافيت للعدل فِيمَا قد ندبت لَهُ لله منتدبا من خير منتدب ... ) (مَا كَانَ ذَا الْملك الْمَنْصُور منتضيا ... من غمد دولته إِلَّا لذى شطب) (لَا يبرح الْيمن والتوفيق خادمه ... وَلَا بَرحت لجمع الشمل وَالنّسب) (وفقت فِي كل مَا قد رمت مرتفيا ... مَرَاتِب الْعِزّ والعلياء والحسب) (واسلم وَدم فِي نعيم لَا يكدره ... صرف الزَّمَان بِمَا يُبْدِي من النوب) وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فِي مستهل الْمحرم سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بالشبيكة بِالْقربِ من تربة السَّيِّد العيدروس والنعمي نِسْبَة إِلَى جدلهم اسْمه نعْمَة وَهَؤُلَاء سادة أَشْرَاف بَيت علم وَفضل وأدب وهم من ذُرِّيَّة الْحسن الْمثنى ومقامهم بِجِهَة صَبيا وَالْمَشْهُور مِنْهُم الْآن آل مُحَمَّد بن عِيسَى وَآل اخيه أَحْمد بن عِيسَى وَصَاحب التَّرْجَمَة من ذُرِّيَّة مُحَمَّد بن عِيسَى وَأما هَذَا الَّذِي يجي بعده وَأَخُوهُ مُحَمَّد فهما من ذُرِّيَّة أَحْمد بن عِيسَى وَالله تَعَالَى أعلم السَّيِّد حسن بن عَليّ بن حفظ الله بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن عَليّ بن أَحْمد بن عِيسَى النعمي الحسني السَّيِّد الْعَلامَة ابْن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن سَالم بن يحيى ابْن مهنا بن سرُور بن نعْمَة بن فلتية بن حُسَيْن بن يُوسُف بن نعْمَة بن عَليّ بن دَاوُد بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض ابْن الْحسن الْمثنى بِابْن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه والمحامد السامية والمكارم الْعَالِيَة بدر المحاسن الصاعدة الْعلية ومصباح العترة النَّبَوِيَّة وَحجَّة الأسرة من الْعِصَابَة الفاطمية من انحطت لمعاليه المشيدة طوالع الشهب وَقصرت على أياديه المديدة هوامع السحب ونطقت بمفاخرة العديدة الْآثَار والكتب وَاحِد الكملاء الْفُضَلَاء الَّذين تبوؤا من الطَّاعَات دَارا وَاتَّخذُوا رَوْضَة الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات سكنا وقرارا وَجعلُوا أردية الْفضل وأبنية الْكَرم والبذل شعارا ودثارا ولد سنة تسع وَعشْرين وَألف بالدهنا من أَعمال صَبيا وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن السَّيِّد الْعَلامَة عَليّ بن الْحسن النعمي وغيرة وبرع فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والمحاضرات الأدبية وَله أشعار رائقة بديعة مِنْهَا مَا كتبه لعَلي بن الْهَادِي المنسكي معتذرا إِلَيْهِ فِي إبطاء كتبه عَنهُ وَهُوَ قَوْله من كتاب (مَا بعد كتبي عَن الأحباب نِسْيَان ... وَقطع وَصلى لَهُم وَالله سلوان) (أَو سلوة بسواهم لَا وحقهم ... إِنِّي على عَهدهم بَاقٍ وَأَن بانوا) (وَكَيف أسلو وَفِي الأحشاء منزلهم ... وَالْقلب ربع لَهُم والجسم أوطان) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 (وَمن إِذا شمت برقا نَحْو ربعهم ... بلت من الدمع أجفان وأردان) (وَمن إِذا الطيف مِنْهُم زارني عجلا ... يشب فِي مهجتي جمر ونيران) وَكتب إِلَيْهِ من فصل وَقد جَاءَ تلقائه الْكتاب الْكَرِيم الشافي وَوصل من نَحوه الْمِثَال الفخيم الوافي جلت طوالعه المهنئة حنادس الهموم وحلت نوارعه فوارس البالاغة فِي يَوْم مشهود لَهُ النَّاس وَذَلِكَ يَوْم مَعْلُوم فَمَا تنزل بِهِ روح لمعانيه من بَيَان سَمَاء البلاغه إِلَّا لشفاء أوامي وَلَا تدلى أَمِين يراعته على بَيَان بلاغته إِلَّا لبرئ أسقامي فَمَا أحلى مَا شربت من زلاله الْمعِين شافيا وَمَا أَلد مَا ارتويت من برد غَيره المغيث صافيا وَمَا أنور مَا تَبَسم بِهِ ثغره عَن لُؤْلُؤ عتاب كريم وَمَا أعطر مَا تنسم بِهِ فجره عَن غفران من الْمولى وَسَلام قولا من رب رَحِيم وَكتب إِلَى القَاضِي الْفَاضِل الْحُسَيْن ابْن النَّاصِر المهلى الشرفي فِي قَوْله متشوقا إِلَيْهِ (لانت لمدلهم الْأَمر بدر ... يضيء وشمس معرفَة وبحر) (وطود مَكَارِم وسبيل حق لِليْل دجى من الشُّبُهَات فجر ... ) (وَنور هدى لمن يعروه جهل ... ويم ندى لمن وافاه فقر) (وفضلك شاع فِي الْعلمَاء حَتَّى ... تداول ذكره شام ومصر) (بيُوت علاك شامخة طوال ... ووروض هَوَاك ناضره يسر) (وفضلك جَاءَنِي فاهتز عطف ... لَهُ منى وطاب بِذَاكَ صدر) (علومك أَصبَحت عسلا مصفى ... وَفِي أَنهَار هالين وخمر) (وخور حسانها متبخترات ... تَدور بشأنها ولهنّ نشر) (واشبه بالنسيم الرطب شَيْئا ... عتاب فِيهِ للمعتوب عذر) (لتأخير الرسائل مِنْك عني ... وَذَلِكَ بَين أهل الودّ فَخر) (وَأَنت حميت نور سَواد عَيْني ... ورق ولاي تَحت ولاك حجر) (فَإِن لكم لَدَى بني المهلى ... وداد أَلا يحول وَلَا يُفَسر) (فجدلى يَا حُسَيْن بِحسن صفج فَمن يعْفُو لَهُ فضل وَأجر ... ) (عَلَيْك تَحِيَّة وَسَلام رب ... رَحِيم مَا أنار وضاء بدر) وَمِمَّا كتب إِلَيْهِ أَيْضا يتشوق بمروره بمحله (منتظر الْقلب مَتى وصلكم ... فحالنا شقّ بِهِ الأنتظار) (والشوق منا لم يزل صالبا ... جوانح الْقلب يجمر ونار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 (وربعنا تهتز أكنافه ... شوقا إِلَيْكُم يَا خِيَار الخبار) (لَا زلتم للحق قَوَّامَة ... وَفِي الْمَعَالِي قادة والفخار) (وَقد جعلت النَّاصِر المرتضى ... أَبَاك اذذاك الصفى النضار) (معتصما من هجركم سَابِقًا ... وملجأ من مثله مستجار) فَرَاجعه القَاضِي بقوله (يَا بدر أفق فِي اللَّيَالِي أنار ... وَمن لَا فلاك الْمَعَالِي أدَار) (يَا رَافعا دَار العلافي المَال ... فداره أضحى رفيع الْمنَار) (وساكنا أَرضًا فأضحت بِهِ ... غراء بَيْضَاء كشمس النَّهَار) (ومنبع السودد وَالْمجد فِي ... دَار لَهُ صارية خير دَار) (وافى إِلَيْنَا النّظم كَاللُّؤْلُؤِ المنظوم ... فِي حور فِيهَا يحار) (فَهُوَ لقلبي وفؤادي شفا ... وليميني ويساري يسَار) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي رَجَب سنة تسع وَسبعين وَألف الشَّيْخ حسن بن عمار بن عَليّ أَبُو الْإِخْلَاص الْمصْرِيّ الشَّرّ نبلالي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الوفائي كَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء وفضلاء عصره من سَار ذكره فانتشر أمره وَهُوَ أحسن الْمُتَأَخِّرين ملكة فِي الْفِقْه وأعرفهم كبصوصة وقواعده وأنداهم قَلما فِي التَّحْرِير والتصنيف وَكَانَ الْمعول عَلَيْهِ فِي الفتاوي فِي عصره قَرَأَ فِي صباه على الشَّيْخ مُحَمَّد الْحَمَوِيّ وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المسيري وتفقه على الإِمَام عبد الله التحريري والعلامة مُحَمَّد المحيي وَسَنَده فِي الْفِقْه عَن هذَيْن الْإِمَامَيْنِ وَعَن الشَّيْخ الإِمَام عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي مَشْهُور مستفيض ودرس بِجَامِع الْأَزْهَر وَتعين بِالْقَاهِرَةِ وَتقدم عِنْد أَرْبَاب الدولة واشتغل عَلَيْهِ خلق كثير وانتفعوا بِهِ مِنْهُم الْعَلامَة أَحْمد العجمي وَالسَّيِّد السَّنَد أَحْمد الحموى وَالشَّيْخ شاهين الأرمناوي وَغَيرهم من المصريين والعلامة اسماعيل النابلسي من الشاميين وَاجْتمعَ بِهِ وَالِدي المرحوم فِي متصرفه إِلَى مصر وَذكره فِي رحلته فَقَالَ فِي حَقه وَالشَّيْخ الْعُمْدَة الْحسن الشُّرُنْبُلَالِيّ مِصْبَاح الْأَزْهَر وكوكبه الْمُنِير المتلالي لورآه صَاحب السراج الْوَهَّاج لاقتبس من نوره أَو صَاحب الظهيرة لاختفى عِنْد ظُهُوره أَو ابْن الْحسن لأحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ أَو أَبُو يُوسُف لأَجله وَلم يأسف على غَيره وَلم يلْتَفت إِلَيْهِ عُمْدَة أَرْبَاب الْخلاف وعدة أَصْحَاب الإختلاف صَاحب التحريرات والرسائل الَّتِي فاقت أَنْفَع الْوَسَائِل مبدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 الْفَضَائِل بإيضاح تَقْرِيره ومحيي ذَوي الإفهام بدر رغرر تحريره نقال الْمسَائِل الدِّينِيَّة وموضح المعضلات اليقينية صَاحب خلق حسن وفصاحة ولسن وَكَانَ أحسن فُقَهَاء زَمَانه وصنف كتبا كَثِيرَة فِي الْمَذْهَب وأجلها حَاشِيَته على كتاب الدُّرَر وَالْغرر لمنلا خسروا واشتهرت فِي حَيَاته وانتفع النَّاس بهَا وَهِي أكبر دَلِيل على ملكته الراسخة وتجره وَشرح منظومة ابْن وهبان فِي مجلدين وَله متن فِي الْفِقْه ورسائل وتحريرات وافرة متداولة وَكَانَ لَهُ فِي علم الْقَوْم بَاعَ طَوِيل وَكَانَ مُعْتَقدًا للصالحين والمجاذيب وَله مَعَهم إشارات ووقائع أَحْوَال مِنْهَا أَن بَعضهم قَالَ لَهُ يَا حسن من هَذَا الْيَوْم لَا تشتر لَك وَلَا لأهْلك وأولادك كسْوَة فَكَانَت تَأتيه الْكسْوَة الفاخرة وَلم يشتر بعْدهَا شَيْئا من ذَلِك وَقدم الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف صَحبه الْأُسْتَاذ أبي الإسعاد يُوسُف بن وفا وَكَانَ خصيصا بِهِ فِي حَيَاته وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْجُمُعَة بعد صَلَاة الْعَصْر حادي عشرى شهر رَمَضَان سنة تِسْعَة وَسِتِّينَ وَألف عَن نَحْو خمس وَسبعين سنة وَدفن بتربة المجاورين والشرنبلالي بِضَم الشين الْمُثَلَّثَة مَعَ الرَّاء وَسُكُون النُّون وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ لَام ألف وَبعدهَا لَام نِسْبَة لشبرا بلولة وَهَذِه النِّسْبَة على غير قِيَاس وَالْأَصْل شبْرًا بلولى نِسْبَة كبلده تجاه منوف الْعليا بإقليم المنوفية بسواد مصر جَاءَ بِهِ وَالِده مِنْهَا إِلَى مصر وسنه يقرب من سِتَّة سِنِين فحفظ الْقُرْآن وَأخذ فِيهِ الإشتغال رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد حسن بن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ من مُلُوك الْيمن الَّذين تسنموا من الْفَخر عالى الذرى ووسع جودهم عَامَّة الورى أما الْعلم فَهُوَ من أفاضل جيله وَأما الْحلم فَهُوَ الناهج لسبيله وَأما الحماسة فَمَا إشتقاق الحمس إِلَّا من حماسته وَلَا السماحة الأ من فائض سماحته وَهُوَ الَّذِي فتح الْيمن وَأَخذه لأخويه مُحَمَّد وَإِسْمَاعِيل من الأتراك وأخرجهم مِنْهُ وَكَانَ مَعَ شجاعته ذَا سياسة وتدبير عَظِيم ومرجع الدولة فِي عصره إِلَيْهِ وَالْكل من بنى الْقَاسِم لَا يصدرون إِلَّا عَن رَأْيه ويعولون فِي جَمِيع الْأُمُور عَلَيْهِ وَكَانَ مَعَ إشتغاله بالحروب وقيامه بِأَمْر الْملك على ضروب يَهْتَز الشّعْر هز النشوان وَلَا يشْغلهُ شاغل عَن المذاكرة فِي كل أَوَان فَلَو رَآهُ ابْن الرُّومِي لما قَالَ شعر (ذهب الَّذين تهزهم مداحهم ... هز الكماة عوالي المرّان) وَكَانَ يبين بجودة دهنه الْوَقَّاد الْجواد والمقصر فِي ميدان الأنشاد وَكَانَ عَظِيم الْعَطاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 كثير الْمَعْرُوف محبا لفعل الْخَيْر وَكَانَ يجل أَوْلَاد الْأَوْلِيَاء وَالْعُلَمَاء يعرف لَهُم حَقهم وَلذَلِك تمّ لَهُ الدست وَكَانَ سعيدا فِي حروبه وَمَا اتّفق أَنه ركب فِي جَيش الأوعاد منصوراً وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ حَسَنَة فِي بني الْقَاسِم على وَجه الزَّمَان وَلَا يدانيه فِي شجاعته مِنْهُم مدان وَأما مَا قيل فِيهِ من المدائح فَيطول ذكره وَهُوَ الَّذِي اختط الْجَبَل الْمُسَمّى بضوران بضاد مُعْجمَة مَضْمُومَة فَبنى بِهِ حصناً مشيداً واختط بِهِ مَدِينَة عَظِيمَة وَأَحْيَا بِهِ أَرضًا دَائِرَة وغرس بهَا فواكه فَصَارَت مَدِينَة عَظِيمَة بأسواقها وحماماتها ومساجدها وَأمر كل أَمِير من أمرائه أَن يَبْنِي بهَا بَيْتا فاتبعوا أمره وَعمر مَا حول الْمَدِينَة من الْقرى وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت ثَانِي شَوَّال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف بِمَرَض ذَات الْجنب وَحصل بِمَوْتِهِ التَّعَب الشَّديد لعُمُوم نَفعه ورياسته وشجاعته وَحسن أخلاقه حَتَّى أَنه لما انتصر على الأروام فِي زبيد كَانَ يغريه المجالسون بالايقاع بهم لما صدر مِنْهُم من حربه فَلم يُؤثر فِيهِ العذل بل عَفا عَنْهُم وكساهم وَأحسن إِلَيْهِم وَكَانَت مُدَّة إمارته بعد خُرُوجه من صنعاء نَحْو خَمْسَة عشر عَاما وَدفن بضوران وَبنى عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة إِلَى جَانب مَسْجده الَّذِي أسسه وتممه وَلَده مُحَمَّد وأجرى الْمِيَاه هُنَالك إِلَيْهِ وَجَاء تَارِيخ وَفَاته حسن المخلد فِي الْجنان رَحمَه الله تَعَالَى حسن باشا ابْن مُحَمَّد باشا الْوَزير نَائِب الشَّام قد تقدم طرف من خَبره فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان أَحْمد وعلينا أَن نفصل أمره هُنَا فَنَقُول ولى فِي مبدا أمره كَفَالَة حلب ودخلها وَلم يلتح أَو لم تكمل لحيته ثمَّ ولى بعْدهَا كَفَالَة الشَّام فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وعزل عَنْهَا وَولي ولَايَة أَنا طولي ثمَّ ولَايَة أرزن الرّوم وَكَانَ الْوَزير الْأَعْظَم فرهاد باشا سر دَار أَعلَى العساكر العثمانية لغزاة ولَايَة الْعَجم فَاجْتمع بِهِ فِي ولَايَته الْمَذْكُورَة وَوَقع بَينهمَا أُمُور طَوِيلَة بِسَبَب أَن فرهاد باشا كَانَ بني بعض القلاع فِي ديار الشرق وَرفع حِسَاب كلفته عَلَيْهَا فِي دفتر وَطلب من بَقِيَّة الْأُمَرَاء إِمْضَاء ذَلِك الدفتر فَمنهمْ من أَمْضَاهُ وَمِنْهُم من رده وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة مِمَّن رده وَعرض إِلَى السُّلْطَان أَنا الْمبلغ الَّذِي رفع حسابه فرهاد باشا لَيْسَ كَمَا ذكر بل زَاد على جناب السلطنة شَيْئا كثيرا فنما إِلَيْهِ الْخَبَر وَكَانَ مُقيما بأرزن الرّوم حِينَئِذٍ فَأرْسل إِلَيْهِ وعاتبه على مَا بلغه عَنهُ فدار بَينهمَا كَلَام فِي أثْنَاء المعاتبة أدّى إِلَى نكايات وصمم كل مِنْهُمَا على قتل الآخر بالمواجهة فَدخل من كَانَ فِي الْمجْلس بَينهمَا بَادر صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى الرحيل فَرَحل من حِينه إِلَى طرف دَار السلطنة وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 يُقَال أَنه اشْترى تفتيش السردار الْمَذْكُور بأحمال من الذَّهَب فوصل الْخَبَر إِلَى السردار فَقبل ذَلِك خوفًا من التفتيش وَحدث بعض الثِّقَات أَنه قبله وُصُوله إِلَى قسطنطينية رأى رجل من قواد السلطنة وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة الْوَزير مُحَمَّد باشا فِي النّوم فَقَالَ لَهُ الْوَزير اذْهَبْ إِلَى جَمِيع أَرْكَان الدولة وأوصهم بِحسن وَلَدي وَقل لَهُم أَنِّي أوصيهم بِهِ فَقَامَ ذَلِك الْقَائِد مُتَعَجِّبا وَدَار على أَرْبَاب الدولة وَذكر لَهُم الْوَاقِعَة فتعجبوا وَلم يعلمُوا السَّبَب فِي الرُّؤْيَا الْمَذْكُورَة لأَنهم لَا علم لَهُم بِمَا صدر بَين حسن باشا وفرهاد ونما خبر الرُّؤْيَا حَتَّى وصل إِلَى السُّلْطَان مُرَاد بن سليم وَلما وصل حسن باشا ماجب لقدومه الدولة واضطر بت وَعلم النَّاس أَن وَالِده كَانَ من أَصْحَاب الْأَحْوَال وَأَقْبل السُّلْطَان عَلَيْهِ وولاه نِيَابَة الشَّام ثَانِيًا وَكَانَ ذَلِك فِي حُدُود سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ بهَا حَاكما مُدَّة تزيد على سنتَيْن وَسَار بهَا سيرة حَسَنَة وَوَقع فِي زَمَنه فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين ثلوج عَظِيمَة بِدِمَشْق ودامت نَحْو أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَسقط مِنْهَا بيُوت كَثِيرَة على أَقوام هَلَكُوا تَحت الرَّدْم فَأمر أَن لَا يكْشف على أحد مِنْهُم ونادى أَن كل من مَاتَ عِنْده أحد تَحت الْهدم يدفنه وَلَا يشاور عَلَيْهِ ثمَّ عزل وأعيد ثَالِثا وَلم يسْبق لأحد غَيره من أُمَرَاء آل عُثْمَان أَن يتَوَلَّى الشَّام ثَلَاث مَرَّات وَمن عَجِيب مَا وَقع فِي أَيَّامه حَادِثَة مَحْمُود لابواب الْمَعْرُوف بتكرى بلمزاي الَّذِي لَا يعرف الرب وَهَذَا الْحَادِثَة شهيرة وَلم يبْق أحد من المؤرخين وَأَصْحَاب المجاميع إِلَّا سَاقهَا وفيهَا طول وملخصها أَن شخصا يُقَال لَهُ مَحْمُود بن يُونُس بن شاهين الْأَعْوَر كَانَ قد هلك فِي ذِي الْقعدَة لسنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة بِدِمَشْق وَاتفقَ أَن شخصا يُقَال لَهُ يُوسُف السقا من الأجناد الدمشقيين تزوج بِزَوْجَة الْأَعْوَر وَذهب إِلَى الديار الرومية وأنهى عَن الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن خطاب وَولده القَاضِي كَمَال الدّين الْمَالِكِي خَليفَة الحكم بِدِمَشْق وَالْقَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد الرجيحي الْحَنْبَلِيّ وعلاء الدّين ابْن الخشاب الترجمان أَنهم أخذُوا جَمِيع مَال مَحْمُود الْأَعْوَر وَجُمْلَة مَا خَلفه بعد مَوته ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألف دِينَار ذَهَبا واقتسموه وَقد كَانَ حق بَيت المَال لمَوْته عَن غير وَارِث وَقرر أَنهم أثبتوا لَهُ ولدا صلياً لَا أصل لَهُ فعين بِمُجَرَّد انهائه مَحْمُود البواب الْمَذْكُور وَجَاء وصحبته يُوسُف السقا الْمَذْكُور وَقبض على الْقُضَاة الْمَذْكُورين بعد أَن هرب شمس الدّين الْخطابِيّ إِلَى طرابلس الشَّام وَأقَام فِي بَيت رجل من أَصْحَابه فَسَار البواب وَقبض عَلَيْهِ وأتى بِهِ إِلَى دمشق وعَلى رَأسه قلنسوة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 نَصْرَانِيّ وَفِي رجلَيْهِ الْقُيُود وَفِي عُنُقه الغل وَدخل بِهِ على هَذِه الْهَيْئَة وَالنَّاس ترمقه وَأما القَاضِي الرجيحي فَإِنَّهُ هرب إِلَى مصر وَأقَام بهَا مستخفياً وَوضع الَّذين قبض عَلَيْهِم من هَؤُلَاءِ فِي الزناجير والقيود وَأَخذهم مكبلين بالحديد إِلَى ديار الرّوم غير أَنه لم يدْخل بهم دَار السلطنة خشيَة من مفتيها لِئَلَّا يسْعَى فِي خلاصهم ثمَّ قفل بهم جَمِيعًا إِلَى دمشق والزناجير فِي رقابهم على مَلأ الأشهاد وَشرع يَأْخُذ جَمِيع مَا يملكونه من الأقمشة وَالْأَمْوَال وَالْعَقار والغلمان حَتَّى سلبهم الْجَمِيع وعاقبهم معاقبة بَالِغَة وَقبض فِي أثْنَاء مَا فعل على غَالب أَعْيَان دمشق وشيوخها مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام إِسْمَاعِيل النابلسي وَالشَّيْخ مُحَمَّد الْحِجَازِي وَمن رُؤَسَاء الصُّوفِيَّة الشَّيْخ أَبُو الوفا العقيبي الْعمريّ واغتصب من تجارها الْمَشَاهِير وَبَعض أَهلهَا الضُّعَفَاء مَالا جزيلاً أناف على مِائَتي ألف دِينَار وَمن التحف والأقمشة مَا لَا يُحْصى ثمَّ قبض على نائبي الحكم الْعَزِيز بالمحكمة الْكُبْرَى القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن جَانِبك الشَّافِعِي وَالْقَاضِي عبد الله ابْن الرَّمْلِيّ الْمَالِكِي وَضم مَعَهُمَا القَاضِي نجم الدّين بن أبي الْفضل الشَّافِعِي وَابْن عُمَيْر الصَّالِحِي وأصر على التَّعَدِّي وأضرار النَّاس مُدَّة تِسْعَة أشهر وطفق يتعاطى الْمُنْكَرَات وتوارى مِنْهُ عُلَمَاء دمشق وأعيانها خيفة مِنْهُ فَكتب جدي القَاضِي محب الدّين رسالتين وقصيدتين وَأرْسل كلا مِنْهُمَا وَاحِدَة إِلَى الْمُفْتى الْأَعْظَم الْمولى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الياس بن جوى وَالْأُخْرَى إِلَى الْمولى سعد الدّين معلم السُّلْطَان مُرَاد بِمَا فعل البواب مفصلا فعرضت الرسالتان على السُّلْطَان مُرَاد بِوَاسِطَة الْوَزير الْأَعْظَم سياغوش باشا فَخرج الحكم بقتْله بعد الاثبات عَلَيْهِ وَورد الحكم إِلَى دمشق ونائبها صَاحب التَّرْجَمَة وقاضي الْقُضَاة بهَا الْمولى على بن الْمولى سِنَان فَجمع الْوَزير أَعْيَان الشَّام بأسرهم وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة بِالْمَجْلِسِ وأخرجوا من كَانَ فِي حبس البواب على صورتهم بالقيود والأغلال فِي أَعْنَاقهم وَلما أحضر البواب إِلَى الدِّيوَان الْمَزْبُور أَمر الْوَزير بِنَزْع كسْوَة السُّلْطَان عَنهُ وألبس قلنسوة نَصْرَانِيّ وأوقف فِي حَاشِيَة الدِّيوَان وَادّعى عَلَيْهِ بعض المحبوسين من الْقُضَاة وأرباب المناصب وَقَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بتحقير الْعلمَاء وازدرائهم فَحكم عَلَيْهِ القَاضِي بِالْقَتْلِ لثُبُوت الرِّدَّة عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك فِي بعض أَيَّام التَّشْرِيق والأرجوحة مركبة على بَاب دَار الْإِمَارَة على قَاعِدَة الأروام فِي تركيبها أَيَّام الْعِيد فأنزلوه فَلَمَّا تحقق أَنه مقتول لَا محَالة طلب المهلة إِلَى أَن يغْتَسل كَأَنَّهُ كَانَ جنبا فأمهلوه حَتَّى اغْتسل فِي مَسْجِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 عِيسَى باشا الَّذِي على بَاب دَار الْإِمَارَة وَصلى رَكْعَتَيْنِ وصلبوه فِي خشب الأرجوحة وَكثر سرُور النَّاس بقتْله ولشعراء ذَلِك الْعَصْر فِي هَذِه الْحَادِثَة قصائد وتواريخ لَو ذكرتها مستوفاة لبلغت إِلَى مجلدة وَلما عزل صَاحب التَّرْجَمَة عَن الشَّام فِي هَذِه الْمرة سَافر إِلَى دَار السلطنة وتقلبت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن صَار حَاكما فِي بِلَاد الرّوم وَاسْتمرّ هُنَاكَ ونسبوا إِلَيْهِ فِي حكومته أمورا لَا أصل لَهَا فورد حكم سلطاني بقتْله فَلم يُسلمهُ الْعَسْكَر للْقَتْل ثمَّ حضر بعد ذَلِك إِلَى طرف السلطنة وَبحث عَن أصل الحكم الَّذِي ورد بقتْله فَلم يجد لَهُ أصلا وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوب إِلَى صنع بعض النِّسَاء وَلم يزل يطْلب التفلت من قسطنطينية حَتَّى أعطي ولَايَة بَغْدَاد وَمَا يَليهَا من بِلَاد عراق الْعَرَب فَذهب إِلَيْهَا بعسكر جرار ودخلها بعنوان عَجِيب وأطهر فِيهَا من الْحجاب مَالا يعْهَد لمثله وَلم يزل بهَا حَاكما حَتَّى حدثته نَفسه بِحَفر نهر أَخذه من دجلة فأجراه يسْقِي أَمَاكِن كَثِيرَة قيل أَن محصولها يزِيد فِي السّنة على عشْرين ألف دِينَار ذَهَبا وَحدث بَينه وَبَين الْعَسْكَر الْعِرَاقِيّ أُمُور أدَّت إِلَى أَن عرضهمْ على الحضرة السُّلْطَانِيَّة فأمروه بِالْخرُوجِ من بَغْدَاد فَخرج مِنْهُ خَائفًا من شقّ الْعَصَا وَأقَام بالموصل أَيَّامًا ثمَّ نازلهم منازلة الْمُحَارب إِلَى أَن جَاءَهُ الْأَمر بالانفصال بعد أَن نهبت جماعته فَتوجه إِلَى ديار بكر فَبَيْنَمَا هُوَ فِيهَا وَإِذا بِالْأَمر السلطاني جَاءَهُ أَن يصير أصفهلارا على العساكر وَيذْهب لقِتَال عبد الْحَلِيم اليازجي الْبَاغِي الناجم فِي نواحي سيواس هُوَ والطائفة السكيانية فتوقف فِي نواحي ديار بكر إِلَى أَن اجْتمع عَلَيْهِ العساكر من كل نَاحيَة وَلما تحقق قدومهم إِلَى نواحي الْفُرَات تقدم هُوَ أَيْضا وَاجْتمعَ بهم فِي مَدِينَة عينتاب وَهُنَاكَ عرض العساكر كلهَا واستدعى الشاميين وَكَانَ أَمِيرهمْ إِذْ ذَاك السَّيِّد مُحَمَّد الْأَصْفَهَانِي ورجفوا إِلَى جَانب الْخَارِجِي فورد الْخَبَر بِأَن حاجي إِبْرَاهِيم باشا ورد بالعساكر الرومية وَأَنه بَادر بهم إِلَى لِقَاء عبد الْحَلِيم وكسره عبد الْحَلِيم كسرة شنيعة وغنمه جَمِيعه فاستقبح النَّاس مبادرته إِلَى ذَلِك قبل استكمال العساكر وطمع الْعَدو وَكَانَ عبد الْحَلِيم يَقُول بَقِي علينا لِقَاء هَذِه الْقَافِلَة يُشِير إِلَى حسن باشا وعساكره وَلم يزل الْعَسْكَر السلطاني يتَقرَّب قَلِيلا قَلِيلا واليازجي يقابلهم إِلَى أَن التقى الجيشان فِي مَكَان من نواحي سيواس يُقَال لَهُ الْبُسْتَان فاستند اليازجي إِلَى ذيل جبل وَوضع المدافع الْكَبِيرَة الَّتِي كَانَ أَخذهَا من عَسْكَر إِبْرَاهِيم باشا حِين كَسره وصف رِجَاله وَضرب المدافع فِي وَجه الْعَسْكَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 فَلم تصب أحدا وصدم عَسْكَر الأكراد وعسكرا رزن الرّوم وَأَن إِلَى أَن أرجعهم إِلَى مواقفهم وَحسن باشا وَاقِف والألوية تخفق فَوق رَأسه وَكَانَ الْأَمر قد سبق لعسكر الشَّام بِأَن يتواقفوا فِي لِقَاء الْخَارِجِي ويكونوا كمينا فَلَمَّا تراجعت العساكر السُّلْطَانِيَّة بَادر الشاميون بِالتَّكْبِيرِ ودهموا عَسْكَر اليازجي فردوهم على أَعْقَابهم وَوَضَعُوا فيهم السَّيْف فَمَا مَضَت لَحْظَة من النَّهَار إِلَّا وَقد انْكَسَرَ عَسْكَر الْعَدو وولوا وَلم يزل عبد الْحَلِيم هَارِبا إِلَى أَن اسْتَقر بجبال جَانِبك واقصر العساكر عَن طلبه واجتمعوا على السردار فِي نواحي قونية وَلما تحققوا مَكَان عبد الْحَلِيم عطفوا السّير نَحوه وسارت وَرَاءه العساكر كلهَا الأشرذمة من عَسْكَر الشَّام وَلما قرب السردار من مقرّ عبد الْحَلِيم أرسل إِلَيْهِ عسكرا كثيفا فلحقوه فِي بعض الْجبَال فواقعهم وَكَانَ السردار عَلَيْهِم حِينَئِذٍ عُثْمَان باشا ابْن بَاقِي بيك التبريزي الأَصْل وَهُوَ من أقَارِب شيخ الْإِسْلَام الْمولى سعد الدّين معلم السُّلْطَان فَتقدم إِلَى أَن توَسط هاتيك الْجبَال فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْد الصَّباح وَإِذا بِقوم قد وَقع بَينهم وَمَا عرفهم فتحقق الْحَال فَإِذا هم جمَاعَة عبد الْحَلِيم فقبضوا عَلَيْهِ وأخذوه أَسِير إِلَى عبد الْحَلِيم فَأكْرمه وجلا مَا كَانَ فِيهِ من الْوَهم وَاسْتمرّ عِنْده مِقْدَار أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُقيما حَتَّى شيعه إِلَى جَانب السردار وَلما قدم وَاجْتمعَ بِهِ أظهر لَهُ الْعَدَاوَة وآلمه بالْكلَام ظنا مِنْهُ أَن ذَهَابه إِلَى عبد الْحَلِيم كَانَ بصنعه وصعب ذَلِك على عُثْمَان باشا فَخرج فِي لَيْلَة مستخفيا من الْعَسْكَر إِلَى طرف السلطنة يسير اللَّيْل وَالنَّهَار وَحَتَّى وصل إِلَى بَاب الدولة واختفى عِنْد قدومه حَتَّى طلبه السُّلْطَان وَسَأَلَهُ عَن اليازجي فَقَالَ يَا مَوْلَانَا السُّلْطَان أما اليازجي فَإِنَّهُ أقسم عَليّ بأنني إِذا وَقعت فِي أعتابكم أَقُول لكم يطْلب أَن يعْطى منصبا فِي ولَايَة الرّوم ويتكفل بجهاد الْكَافرين وَيُعْطى أَخُوهُ حسن صنجق جروم فِي بِلَاد سيواس وَأما أَنا فَالَّذِي أعلمهُ من حَاله أَنه خائن لَا يثبت على قَول وَأَنه يقْصد بِمَا ذكره من الطّلب أَن يرفع عَنهُ السردار وَيعود إِلَى الْعِصْيَان فَعِنْدَ ذَلِك صدق السُّلْطَان كَلَامه وَأرْسل إِلَى السردار رجلا من خواصه المقربين يُقَال لَهُ قيطاس كتخذا وَأرْسل مَعَه من جَانب السُّلْطَان تجملات ورسالة بِخَط يَد السُّلْطَان فِي بَقَائِهِ على السردارية وَفِي أثْنَاء ذَلِك مَاتَ عبد الْحَلِيم فِي قَصَبَة ساميسون وَاجْتمعَ الْبُغَاة بعده على أَخِيه حسن وَجَاء إِلَى محاربة الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة على حِين غَفلَة لَيْلَة عيد الْأَضْحَى إِلَى توقات بعد أَن كَانَ نهب أَسبَابه وتجملاته القادمة عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 من آمد وَكَانَ أرسل خَمْسمِائَة رجل من جماعته ليأتوا إِلَيْهِ بهَا فَخرج عَلَيْهِم حسن ونهبهم وَقتل الْجَمَاعَة المعينين وَكَانَ مَعَهم حظاياه وجواريه فَلم يتَعَرَّض لَهُنَّ بل جهزهن إِلَيْهِ بالأمانة والصيانة وَطَلَبه للمقابلة فَخرج إِلَيْهِ حسن باشا وَمن مَعَه من العساكر فَمَا ثبتوا أَقْدَام الْبُغَاة لَحْظَة حَتَّى كسروا وهرب حسن باشا إِلَى قلعة توقات ورفعوه إِلَيْهِ بالحبال وهجم الْعَدو وَجُنُوده يحفها وَمَا زَالَ على منازلتها حَتَّى قتل حسن باشا دَاخل القلعة على غير يَده فَسَار حسن إِلَى قره حِصَار وَتَمام قصَّته وَمَوته ذكرته فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان أَحْمد فَارْجِع إِلَيْهِ هُنَاكَ وَكَانَ سَبَب قتل حسن باشا صَبيا من جماعته يُقَال لَهُ درى كَانَ قد نَالَ مِنْهُ مقَاما فَضرب صبيان من صبيان خزينة حسن باشا فَنزل الصَّبِي الْمَضْرُوب إِلَى الْمَدِينَة وخالط الْبُغَاة إِلَى أَن امتزج بهم وَحكى لَهُم مَا صدر من درى فِي ضربه لَهُ وَأَنه جَاءَ مصادقا لَهُم فَقَالُوا لَهُ إِن كنت صَادِقا فِي مقالك فَأَيْنَ يجلس الْوَزير من القلعة فَقَالَ لَهُم إِنَّه يجلس دَائِما فِي هاتيك الغرفة وَرَاء ذَلِك الدفوف فجَاء رجل من الْبُغَاة وَجلسَ تَحت تِلْكَ الغرفة الَّتِي عينهَا لَهُ الصَّبِي وَفِي يَده بندقية فِيهَا رصاصتان فَضرب بهَا فَجَاءَت للْقَضَاء الْمُقدر تَحت إبط حسن باشا فَمَاتَ لساعته وَاسْتمرّ مُسْتَندا إِلَى الْجِدَار لَا يعلم أحد حَاله من الصَّباح إِلَى الظّهْر وَالنَّاس يظنون أَنه حَيّ سَاكِت فَبعد ذَلِك أشرفوا عَلَيْهِ فوجدوه قد مَاتَ وَهُوَ يَابِس جَالس فغسلوه ودفنوه وَكَانَ ذَلِك فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى الْأَمِير حسن بن مُحَمَّد الْأَمِير الْجَلِيل أَبُو الفوارس الْمَعْرُوف بِابْن الأعوج أَمِير حماة أوحد أُمَرَاء الدَّهْر وَعين باصرة الْأَدَب وشمس فلك الْمجد قد جمع الله لَهُ بَين أدوات المحاسن ورقاه إِلَى أَعلَى ذرْوَة والمفاخر مَعَ أدب بارع وَحسب تارع وَطيب أرومة وزكاء جرثومة وَكَانَ فِي الْكَرم غَايَة لَا تدْرك وَمِمَّا قَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء (حوى قصبات السَّبق فِي حومة الْعلَا ... نعم هُوَ للسباق مَا زَالَ يسْبق) (مَتى تبرز الْأَيَّام مثل وجوده ... جوادا بِمَا فِي كَفه يتَصَدَّق) (لقد زين الدُّنْيَا جمالا كَمَاله ... فَمِنْهُ على وَجه البسيطة ونق) ولد بحماة وَنَشَأ بهَا وَهُوَ من بَيت أصيل الرياسة عريق النّسَب من الْجِهَتَيْنِ أما من جِهَة أَبِيه فَهُوَ أَمِير ابْن أَمِير ورث السِّيَادَة كَابِرًا عَن كَابر وَأما من جِهَة والدته فَهِيَ ابْنة شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد بن سُلْطَان العارفين الشَّيْخ علوان الْحَمَوِيّ صَاحب الْكَشْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 والكرامات وَنَشَأ هُوَ فِي صدر الْعِزّ بنعم جزيلة فَمَال طبعه نَحْو الْكَمَال فَقَرَأَ على عُلَمَاء بَلَده عُلُوم الْعَرَبيَّة والفنون الأدبية وعاشر الأدباء وجالس الشُّعَرَاء وَلما شاع خَبره شدّ الرّحال إِلَيْهِ الأدباء من الأقطار وَاجْتمعَ عِنْده مِنْهُم مَا لم يجْتَمع عِنْد أحد من أُمَرَاء عصره وسافر إِلَى الرّوم فِي أَيَّام السُّلْطَان مُرَاد بن سليم شاه وَاجْتمعَ بمعلمه الْمولى سعد الدّين بن حسن جَان ومدحه بعدة قصائد فَأكْرمه ومدحه للسُّلْطَان وَجمعه بِهِ فولاه ولَايَة حماة وَرجع إِلَيْهَا فَأقبل عَلَيْهِ الشُّعَرَاء من كل مَكَان وَأقَام حَاكما بهَا ثَلَاث سِنِين ثمَّ عزل وَأقَام بمنزله ثمَّ بعد مُدَّة ولى إِمَارَة معرة النُّعْمَان وَتوجه إِلَيْهَا بعشائره وتكرر لَهُ الْعَزْل عَنْهَا وَعَن حماة وَالتَّوْلِيَة لَهما وعانده الدَّهْر فِي بعض الأحيان وَكَانَ صبورا على نوائبه وَكَانَ فِي جَمِيع حالاته مشتغلا بالأدب وَكَانَ ينظم الشّعْر فَيَأْتِي فِيهِ بِكُل معنى رائق وَلَفظ شائق مِمَّا يَلِيق أَن يعلق تَمِيمَة فِي جيد الزَّمَان وينظم فريدة فِي عقد الْحسن وَالْإِحْسَان فَمن ذَلِك قَوْله فِي الْعَزْل (آه من لي بظبية فتانة ... وَهِي تلهو ومهجتي ولهانه) (ذَات ثغر كَأَنَّهُ اللُّؤْلُؤ ... الرطب حكى كفها وحاكت بنانه) (هِيَ فِي الْقد غُصْن بَان وَلَكِن ... من رأى الْقد قَالَ ذِي رمانه) (يَا عجيبا مِنْهَا تظن سلوا ... من فُؤَادِي وتشتكى سلوانه) (يَا عجيبا إِنِّي أُرِيد رِضَاهَا ... وَهِي فِي حَالَة الرضى غضبانه) (لست أخْشَى فِي حبها من عذول ... فَدَعوهُ فِينَا يُطِيل لِسَانه) (حَاصِل الْأَمر أَن يُقَال فلَان ... طَار صيتًا بحبه لفلانه) (أناصب بحبها مستهام ... ملك الْحبّ سره وعيانه) (لست أنسى لما مضى ورقيبي ... عينه من يَد الْكرَى ملآنه) (وقضينا الْوِصَال رشفا وضما ... بقلوب هيمانة حيرانه) (وَأَرَادَ الجموح طرف التصابي ... فلوينا عَمَّا أَرَادَ عنانه) (وملكنا نفوسنا بِرِضَاهَا ... وزجرنا بعفة شَيْطَانه) (فدع العاذلين ينقلن عني ... آه من لي بظبية فتانه) وَمن شعره قَوْله من جملَة قصيدة يتشكى فِيهَا من الزَّمَان وَمَا لَاقَى من الْأَلَم فِي وَطنه (حادي العيس سر بِغَيْر ارتياب ... ففؤادي قد حن للاغتراب) (لَا أُرِيد الأوطان والذل فِيهَا ... وَاضع طوقه بِأَعْلَى الرّقاب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 (وَلَو أَنِّي قضيت فِيهَا سُرُورًا ... فِي شَبَابِي لم اكتئب لمصابي) (بل تولت نضارة الْعِزّ مني ... بَين عَيْش ضنك وفرط اكتئاب) (فالفرار الْفِرَار من دَار هون ... تَرَكتنِي أَشْكُو زمَان الشَّبَاب) (وَإِذا الضيم مَا أَقَامَ فأحبب ... بجياد تمرمر السَّحَاب) (لَو يكن فِي مقَام ذِي اللب فضل ... قطع السَّيْف وَهُوَ ضمن القراب) (أدْرك الْمسك بالتنقل شانا ... وَهُوَ فِي أرضه دوين التُّرَاب) (فالفتى الشهم من إِذا شام ضيما ... لَا يُبَالِي بفرقة الأحباب) (كَيفَ مكثى مَا بَين أظهر قوم ... عَهدهم فِي ثباته كسراب) (جارهم إِن غَدا عَزِيز عَلَيْهِم ... كَانَ كالشاة فِي مقيل الذئاب) (هم إِذا صادروا أسود شِرَاء ... وَإِذا حَاربُوا فدون الْكلاب) (كم إناس من دَارهم أخرجوهم ... ليسومونهم بِسوء الْعَذَاب) (إِن فِرْعَوْن ثمَّ نمْرُود كَانَا ... دونهم فِي اختراع شُؤْم الْعقَاب) (ومساويهم الَّتِي مثل هَذَا ... عدد الرمل والحصى وَالتُّرَاب) (رب يامن أباد عَاد وأودي ... بثمود ذَوي النُّفُوس الصعاب) (لَا تذر مِنْهُم على الأَرْض شخصا ... أَنهم جاحدون نَص الْكتاب) (وانتقم مسرعا وَعجل عَلَيْهِم ... لَيْسَ فِينَا صَبر ليَوْم الْحساب) وَرَأَيْت بِخَط الأديب إِبْرَاهِيم رامي كثيرا من أشعار صَاحب التَّرْجَمَة وَذكر فِي بعض أوراقه وَمن محَاسِن مَا اتّفق لَهُ فِي الشّعْر وَذَلِكَ أَن الْأَمِير مُوسَى بن الحرفوش أَمِير بعلبك عزم على الْحَرْب مَعَ الْأَمِير عَليّ بن سَيْفا فِي نَاحيَة غرير وَقتل ابْن سَيْفا جمَاعَة الْأَمِير مُوسَى فَكتب للأمير مُوسَى فِي ابْتِدَاء الْقِتَال هذَيْن الْبَيْتَيْنِ مَعَ كتاب أرْسلهُ أليه يستحثه على الْقِتَال فَقَالَ (غرير طور ونار الْحَرْب موقدة ... وَأَنت مُوسَى وَهَذَا الْيَوْم مِيقَات) (ألق الْعَصَا تتلقف كل مَا صَنَعُوا ... وَلَا تخف مَا حبال الْقَوْم حيات) قلت وَقد رَأَيْت الْبَيْتَيْنِ فِي تَارِيخ الصّلاح الصَّفَدِي فِي تَرْجَمَة الْأَشْرَف منسوبين للكمال ابْن النبيه ونظمهما عِنْد مَا نَازل مُوسَى الْأَشْرَف دمياط وصدرهما هَكَذَا دمياط طور إِلَى آخر الْبَيْتَيْنِ وللأمير حسن وَكتب بِهَذِهِ الأبيات إِلَى جدي القَاضِي محب الدّين فِي صدر كتاب وَكَانَ سمع بوفاة الْمولى سعد الدّين بن حسن جَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الْمَذْكُور آنِفا (فَجئْت بنعي لَو أبثك بعضه ... لأيقنت أَن الدَّهْر قد عدم الرشدا) (وَلَيْسَ يقر الْمَرْء عِنْد سَمَاعه ... وَلَو كَانَ قلب السَّامع الْحجر الصلدا) (وَلَو أَنه قد مر يَوْمًا بيذبل ... ورضوى لهَذَا الرزءد كهماهدا) (أَظُنك ذقت الْحزن مِمَّا سمعته ... فَإِنِّي لم آلوك فِي كشفه جهدا) (على أنني أَرْجُو بَقَاء مُحَمَّد ... وأسعد إِن غال الزَّمَان لنا سَعْدا) وَقَوله فِي حلاق سيء الْخلقَة (الأرب حلاق بليت بشره ... فأثر فِي رَأْسِي الْجراحَة والبؤسا) (أنامله كالطور من فَوق جبهتي ... ورأسي كليم كلما حرك الموسا) وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ بعض ندمائه الأدباء بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ (على الْبَاب الْمُعظم عبد رق ... بأنواع اللقا مِنْكُم يفوز) (يجوز الْبَاب عَن إِذن كريم ... وَإِلَّا فَهُوَ شَيْء لَا يجوز) فأنفذ إِلَيْهِ الْجَواب بهدية سنية (نحيط بعلمكم أَنا نشاوى ... وَقد جليت لنا بكر عَجُوز) (فَإِن جوزتم مَا نَحن فِيهِ ... وَإِلَّا فَهُوَ شَيْء لَا يجوز) وَمن غَرِيب مَا اتّفق لَهُ أَنه كَانَ من أقربائه شَاب يُسمى الْأَمِير يحيى وَكَانَ بارع الْجمال بعيد المنال وَكَانَ الْأَمِير حسن يُحِبهُ محبَّة شَدِيدَة بِمَنْزِلَة وَلَده وَكَانَ من المنسوبين إِلَيْهِ رجل من طلبة الْعلم كردِي الأَصْل يُسمى يحيى أَيْضا وَكَانَ عينه معلما للأمير يحيى الْمَذْكُور يقرئه الْعلم ويعلمه الْأَدَب فواظب على إقرائه دهرا طَويلا وَكَانَ الْأَمِير يحيى سَاكِنا فِي دَار مُسْتَقْبلَة قبالة دَار الْأَمِير حسن وَكَانَ يَتِيما فاتفق أَن الْأَمِير حسن بنى دَارا عَظِيمَة وَصرف عَلَيْهَا مَالا جزيلا وَلما تمت عمارتها وفرش مساكنها صنع وَلِيمَة عَظِيمَة ودعا أَعْيَان بلدته وَكَانَت الْوَلِيمَة لَيْلَة الْجُمُعَة فَاجْتمع أكَابِر الْبَلدة وَكَانَ الْأَمِير يحيى من جملَة الْقَوْم فسهروا قَرِيبا من ثلث اللَّيْل الْأَخير وباركوا للأمير بِالدَّار وَتَفَرَّقُوا فَتوجه الْأَمِير يحيى إِلَى منزله ونام واستغرق من تَعب السهر فَلَمَّا أصبح الصَّباح جَاءَ الشَّيْخ يحيى الْكرْدِي ودق الْبَاب عَلَيْهِ فَخرجت الْجَارِيَة فَقَالَ لَهَا نَادِي لي الْأَمِير لاقرئه الدَّرْس لِأَن لي حَاجَة مهمة أُرِيد الْمسير إِلَيْهَا فتعجبت الْجَارِيَة من مَجِيئه فِي ذَلِك الْوَقْت وَقَالَت لَهُ أَن الْأَمِير أَطَالَ السهر فِي هَذِه اللَّيْلَة وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 نَائِم وَأَن الْيَوْم يَوْم الْجُمُعَة وَمن عادتكم ترك الْقِرَاءَة فِي الْجمع فَقَالَ لَهَا لي حَاجَة مهمة أَخَاف من التعويق بِسَبَبِهَا عَن درس غَد فَرَجَعت الْجَارِيَة إِلَى الدَّار ونبهت الْأَمِير يحيى فَخرج مسرعا إِلَى الشَّيْخ وتلقاه وَسلم عَلَيْهِ وَتوجه هُوَ إِلَى قَضَاء الْحَاجة فَلَمَّا دخل بَيت الرَّاحَة تبعه الشَّيْخ وَأشهر سكينا ومسكه بعنف وَطَرحه على الأَرْض وذبحه وَخرج من الدَّار هَارِبا يُرِيد الْخَلَاص وَلم يكن فِي الدَّار إِلَّا الْجَارِيَة ففطنت للأمير وَخرجت خَلفه إِلَى الطَّرِيق وَنَادَتْ بِأَعْلَى صَوتهَا يَا قوم الشَّيْخ ذبح الْأَمِير يحيى فأدركوه من جَمِيع الْجِهَات وَأَحَاطُوا بِهِ فقاتل مَعَ النَّاس قتالا شَدِيدا وَقتل ثَلَاثَة رجال ثمَّ ضربه رجل من الْعَوام بِحجر كَبِير على ظَهره فَسقط مغشيا عَلَيْهِ فمسكوه ثمَّ أحضروه بَين يَدي الْأَمِير حسن فَسَأَلَهُ عَن سَبَب ذَلِك فَلم ينْطق بِحرف فَأمر بإحراقه فَجمعُوا حطبا وأوقدوه ثمَّ ألقوه فِي النَّار فَاحْتَرَقَ وَعجل بِرُوحِهِ إِلَى النَّار وَالَّذِي يظْهر أَن قَتله لَهُ إِنَّمَا كَانَ عَن ولوع وهيام وَرَأى أَنه إِذا قَتله يقتل بِهِ فيخلص مِمَّا كَانَ فِيهِ من الْمَشَقَّة والألم ونظم الْأَمِير حسن هَذِه الْوَاقِعَة فِي قصيدة يرثي بهَا الْأَمِير يحيى وأثبتها برمتها لغرابتها فِي بَابهَا وتضمنها مثل هَذِه الْوَاقِعَة العجيبة وَهِي قَوْله (عجبت لمن أَمْسَى يؤهل أَن يحيى ... بصفو وَربع الْأنس قد هده يحيى) (هِلَال قبيل التم وافى محاقه ... وَسَار إِلَى الْأُخْرَى فأظلمت الدُّنْيَا) (وغصن ذَوي من قبل أَن يُثمر المنى ... كَأَن الْأَمَانِي قاطعات على المنيا) (وَأصْبح روض الْعَيْش أغبر يَابسا ... وَعوض قبر بعد دوحته الْعليا) (أَتَاهُ الردى مِمَّن تربى بفضله ... فقد لح فِي كفران نعْمَته بغيا) (أقيم عَلَيْهِ حارسا رَاعيا لَهُ ... وَقَالُوا لَهُ رعيا فَقَالَ لَهُم نعيا) (وَمن وضع الْإِحْسَان فِي غير أَهله ... فَمن كَفه فِي عُنُقه وضع المديا) (وَمن يَجْعَل السرحان للظبي رَاعيا ... فَلَا يلم السرحان أَن قتل الظبيا) (وَمَا هَذِه الْأَمْثَال إِلَّا وَسِيلَة ... أسلى بهَا قلبا سلاه الجوى سليا) (وَإِلَّا الْقَضَاء الحتم إِن حل بالورى ... فأبصرهم أعمى وأحذقهم أعيا) (وَمَا لم يكن من جَانب الله حَافظ ... فَلَا ترج بالأشياء أَن تحفظ الأشيا) (فقد يشرق الرِّيق الْفَتى وَهُوَ عونه ... ويبري الحسام العضب صَاحبه بريا) (وَقد يفجأ الْمَوْت الْفَتى وَهُوَ آمن ... أينجو ونار الْحَرْب قد صليت صليا) (وَيدْرك عِنْد الْيَأْس مَا العَبْد طَالب ... وَيحرم عِنْد الرشد مِمَّا لَهُ غيا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 (ألم تَرَ من سموهُ يحيى تفاؤلا ... سَيبقى غَدا فِي الْحَال رهن أبي يجيى) (فويل امهِ الثكلى لَو أنّ مصابها ... برضوى دحاء الْخطب فِي أرضه دحيا) (تصوّره حَيا لفرط ذهولها ... وتسأل مِنْهُ أَن يرّد لَهُ هَديا) (تعانقه والعنق يجْرِي لَهَا دَمًا ... أظننت خلوقا حَيْثُ لم تملك الوعيا) (بَكَى لبكاها الجوّ وانهل دمعه ... بتموز شاهدنا يذرى الحياذر يَا) (وضج جَمِيع النَّاس ضجة وَاحِد ... لَهُ وَاحِد من فقد واظب النعيا) (فَلَو أَنه يفْدي فدته نفوسنا ... وسبقت لَهُ الْأَرْوَاح فِي حبه هَديا) (ولكنما الأقدار إخفاء سرّها ... لقد أذهل الأفكار وَالْعقل والرأيا) (فَإِن نَاب خطب سلم الْأَمر للَّذي ... بِحِكْمَتِهِ قد أحكم الْأَمر والنهيا) (وصبرا فَمَا الدُّنْيَا بدار إِقَامَة ... كَأَنَّك بالأحياء قد فاقوا الأحيا) (ألم يَك فِي قتل الْحُسَيْن مواعظ ... لمن رام انصافا من الدَّهْر أَو بقيا) (فَلَو تمّ شَيْء كَانَ آل نَبينَا ... أَحَق بِهِ من سَائِر النَّاس فِي الدُّنْيَا) (وَلكنهَا دَار الإهانة والعنا ... فتعسا لأَهْلهَا وخزيا لَهُم خزيا) (تبدّدهم فتكا وَلَا يتركونها ... وتسقيمهمو سما يَظُنُّونَهُ ريا) (تسرهم كَيْمَا تعنّ بِفِعْلِهَا ... وتلهيهمو نزرا وتفريهمو فريا) وَقد أطلنا الْكَلَام وَلَوْلَا خوف السَّآمَة لذكرت من محَاسِن هَذَا الْأَمِير ونوادره وأشعاره شَيْئا كثيرا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ زِينَة أُمَرَاء عصره وَمَعَ شهرته التَّامَّة وأدبه الغض لم يذكرهُ أحد من المؤرخين وَلم أظفر بِشَيْء من خَبره إِلَّا فِي وريقات بِخَط إِبْرَاهِيم رامى وَهَذَا من أعجب الْعجب وَقد ذكر إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور أَن وَفَاته لَيْلَة النّصْف من شعْبَان سنة تسع عشرَة وَألف وَدفن أَمَام دَاره بِجَامِع المرابد عِنْد وَالِده وأجداده قَالَ إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور واخبرني بعض أفاضل حماة مِمَّن كَانَ ينخرط فِي سلك ندماء الْأَمِير حسن بن الأعوج قَالَ دخلت عَلَيْهِ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَعِنْدَ دخولي أقبل بريد من الْبَاب العالي وبشره بإمارة حماة وَكَانَ لَهُ مُدَّة لم يتولها وناوله من يَده منشور الْحُكُومَة فَالْتَفت إِلَى الْبَرِيد وَقد أغر ورقت عينه بالدموع وتنفس الصعداء وَقَالَ بِصَوْت ضَعِيف قضى الْأَمر الَّذِي فِيهِ تستفتيان قَالَ فدعوت لَهُ بطول الْعُمر وسليته عَمَّا كَانَ فِيهِ من الأضطراب والألم فتلهف وتفجع وَبكى بكاء شَدِيدا ثمَّ مسك يَدي وَقَالَ أرى الْأَمر قد آن وَقرب الإرتحال وَلَا أرى لي مخلصا بعد مَا أناقيه من شدَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 الْمَرَض ثمَّ أنْشد بديها لنَفسِهِ (لَا يحْسب الْإِنْسَان بعد ذَهَابه ... مكث الأسى فِي عشرَة وقرين) (فِي الْحَال يعتاضون عَنهُ بِغَيْرِهِ ... وَيعود رب الْحزن غير حَزِين ... ) (العندليب الْورْد كَانَ أَمَامه ... لما قضي غَنِي على النسرين) ثمَّ فارقته فَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة قضى نحبه وَلَقي لرَبه رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ حسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسن بن عمر بن عبد الرَّحْمَن الصفوري الأَصْل الدِّمَشْقِي الملقب بدر الدّين البوريني الشَّافِعِي ذكره كثير من المؤرخين وأرباب الْآدَاب وأثنوا عَلَيْهِ وَكَانَ فَرد وقته فِي الْفُنُون كلهَا وَكَانَ يحفظ من الشّعْر والْآثَار وَالْأَخْبَار وَالْأَحَادِيث المسنده والأنساب مَا لم يرقط من يحفظ مثله ويحفظ دون ذَلِك من عُلُوم أخر مِنْهَا اللُّغَة والنحو وَالسير والمغازي وَمن آلَة المنادمة شَيْئا كثيرا وَألف التآليف البديعة مِنْهَا تحريراته على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وحاشية على المطول وَشرح ديوَان ابْن الفارض وَهُوَ أشهر تآليفه والتاريخ الَّذِي هُوَ أحد مآخذ تاريخي هَذَا وَقد سبق ذكر ذَلِك فِي الديباجة وَله رحْلَة حلبية وَأُخْرَى طرابلسية وَسبع مجاميع بِخَطِّهِ وسمهم بالسبع السيارة وَله رسائل كَثِيرَة ومنشآت عديدة وَجمع ديوانا من شعره وَهُوَ سَائِر متداول فِي أَيدي النَّاس وَكَانَ عَالما محققا ذكي الطَّبْع فصيح الْعبارَة طليق اللِّسَان متين الْحِفْظ حسن الْفَهم عذب المفاكهة وَكَانَ أَبوهُ فِي مبدأ أَمر منجدا ثمَّ صَار عطارا ثمَّ انْقَطع عَن الحرفة وَلزِمَ وَلَده وَكَانَت أمه من صفورية وَأَبوهُ من بورين وَولد هُوَ ببورين ثمَّ هَاجر بِهِ أَبوهُ فِي سنة ثَلَاث أَو أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ عمره أحدى أَو اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَنزل بصالحية دمشق بِالْقربِ من الْمدرسَة العمرية وأخذله حجرَة بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة وَشرع فِي الإشتغال فَقَرَأَ النَّحْو والفرائض والحساب على الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم بن الأحدب الْمُقدم ذكره وعَلى الشَّيْخ أبي بكر الذباح وَالشَّيْخ غَانِم الْمَقْدِسِي الضَّرِير نزيل دمشق وَلَا زَالَ فِي الإشتغال إِلَى سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة فَحصل بِدِمَشْق قحط فارتحل مَعَ وَالِده إِلَى بَيت الْمُقَدّس فاشتغل بهَا على شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أبي اللطف إِلَى حُدُود سنة تسع وَسبعين ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وَنزل مَعَ أَبِيه وَأمه بميدان الْحَصَى ودأب فِي التَّحْصِيل وَأخذ عَن الجلة من الْعلمَاء مِنْهُم الشهَاب الطَّيِّبِيّ الْكَبِير وَولده الشهَاب الطَّيِّبِيّ الْأَوْسَط وَعَن الشَّيْخ الْإِسْلَام الْبَدْر الغزى وَولده الشهَاب أَحْمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وَقَرَأَ المعقولات على جدى الْعَلامَة أبي الفدا إِسْمَاعِيل النابلسي والعماد الْحَنَفِيّ وَالشَّمْس مُحَمَّد بن المنقار والنجم مُحَمَّد بن البهنسي خطيب دمشق وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّمْس مُحَمَّد الدَّاودِيّ والشهاب أَحْمد العيثاوي وساد على أهل عصره وتصدر للتدريس وأملى على التَّفْسِير للبيضاوي والكشاف وَالْمولى أبي السُّعُود وَحج قَاضِيا بالركب الشَّامي سنة عشْرين وَألف ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية الجوانية والشامية البرانية والعادلية الصُّغْرَى والفارسية والمدرسة الكلاسة وَكَانَ لَهُ بقْعَة تدريس بالجامع الْأمَوِي وَوعظ بِجَامِع السُّلْطَان سُلَيْمَان بِدِمَشْق واشتهر فَضله وشاع ذكره وَلما ورد دمشق الْحَافِظ الْحُسَيْن التبريزي الْمَعْرُوف بِابْن الكربلالي فِي حُدُود سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة صَحبه وَتعلم مِنْهُ اللُّغَة الفارسية حَتَّى صَار يتَكَلَّم بهَا كَأَنَّهُ أعجمي وَفِي ذَلِك يَقُول (تعلمت لفظ الأعجمي وإنني ... من الْعَرَب العرباء لَا أتكتم) (وَمَا كَانَ قصدي غير صون حديثكم ... إِذا صرت من شوقي بِهِ أترنم) (وَإِن كنت بَين المعجمين فمعرب ... وَإِن كنت بَين المعربين فعجم) (فأغدوا بأشواقي إِلَيْكُم مترجما ... وسركم فِي خاطري لَيْسَ يعلم) ثمَّ تعلم فِي آخر حَالَة التركية وَكَانَ فِي الفارسية أبرع ونظم ونثر وَكَانَ من عَادَته الأطراء فِي مديحه فَإِذا كتب على شَيْء أَطَالَ جدا وَذكر النَّجْم الْغَزِّي قَالَ كنت مرّة عِنْد شَيخنَا القَاضِي محب الدّين يَعْنِي جدي فَدخل عَلَيْهِ سَالم العواد وَمَعَهُ محضربخط العناياتي وَقد قرظ عَلَيْهِ البوريني فَأطَال وأوسع فَلَمَّا تَأمله شَيخنَا قَالَ سُبْحَانَ الله مَا ترك البوريني فِي البراني شرابًا ولمح لما اشْتهر عَنهُ من نسبته إِلَى شرب الراح وَلم يكْتب عَلَيْهِ شَيخنَا وَوَقع لقَاضِي الْقُضَاة بِمصْر الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّا أَن البوريني لما عمل مجْلِس الحَدِيث بعد صَلَاة الْمغرب بالجامع الْأمَوِي وَكَانَ يتَكَلَّم على الشفا وَيُوضَع لَهُ الفانوس تقليداً للبكريين بِمصْر وَطلب البوريني من الْمولى يحيى حُضُور مَجْلِسه فحضره مرّة فَلَمَّا دَار الْكَلَام عِنْد الْمولى يحيى فِي تدريس البوريني قَالَ هُوَ بكري دمشق موريا فِي لفظ بكري فَإِنَّهُ فِي اللُّغَة التركية مدمن الشَّرَاب وَإِنَّمَا أشاع النَّاس ذَلِك عَنهُ لِأَنَّهُ كَانَ يعاشر الدولة كثيرا ويبيت عِنْدهم فَرُبمَا ذكر عَنهُ جَمَاعَتهمْ مثل ذَلِك وَذكره البديعي فِي ذكرَاهُ وَقَالَ فِي وَصفه حَسَنَة ازدان بهَا الدَّهْر ازديان الوجنات بالحبات وتاهت بِهِ الْأَيَّام إِذْ كَانَ لَهَا من الْحَسَنَات ومذ رأى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 الشَّبَاب يتأهب والشيب يتلهب شنف الأسماع بجواهر وعظه فليّن الْقُلُوب القاسية وأبرز خرائد حفظه فَذكر النُّفُوس الناسية بَعْدَمَا كَانَ يخرج فِي الْعشْرَة عَن القشرة فِي أَيَّامه الْمَاضِيَة وَمِمَّا وقفت عَلَيْهِ من آثاره هَذِه الرسَالَة جَوَابا عَن رِسَالَة أرسلها إِلَيْهِ بعض أحبابه موشحة بعتابه يذكرهُ تراضع الكاس فِي أَيَّام الإيناس فَأَجَابَهُ بقوله (مَضَت الشبيبة والحبيبة فانبرى ... دمعان فِي الأجفان يزدحمان) (مَا أنصفتني الحادثات رمينني ... بمودّعين وَلَيْسَ لي قلبان) وَردت رِسَالَتك الآمرة بالطيش المحسنة للانطلاق إِلَى نهب طيب الْعَيْش (فَقلت لَهَا أَهلا وسهلا ومرحبا ... بلطف حبيب زار عَن غير موعد) على أَنَّهَا وَردت رامزة إِلَى الْغَفْلَة عَن الإخوان مشيرة إِلَى نِسْيَان الْأَحِبَّة والخلان فكلا ثمَّ كلا وَالله مَا تبِعت فِي نِسْيَان الْأَحِبَّة الْهوى وَبِاللَّهِ إِنِّي صَاحبكُم وَمَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى (تجنوني ذنوباً مَا جنتها ... يداي وَلَا أمرت وَلَا نهيت) وَمَعَ ذَلِك (فَلَو كَانَ هَذَا مَوضِع العتب لاشتفى ... فُؤَادِي وَلَكِن للعتاب مَوَاضِع) وَلَئِن حصل فِي مُدَّة الْأَجَل انفساح لنعملنّ بقول الصّلاح (لَزِمت بَيْتِي كلزوم الْبَنَّا ... للْفِعْل والحرف على الأَصْل) (وَاسْتَوْحَشْت نَفسِي حَتَّى لقد ... تنفر لَو أمكن من ظِلِّي) وَهَذَا مُجمل يعسر تَفْصِيله وَحكم يصعب تَعْلِيله وَأما مَا أشرتم إِلَيْهِ بِمَا قَالَ أَبُو نواس وَالْعَمَل بقوله من ارتضاع الكأس فقبول لَو كَانَت منَازِل الشَّبَاب آهلة وأوقات الْهوى لصفاء الْعَيْش قَابِلَة وَلَكِن بعد نزُول الشيب والإنذار من عَالم الْغَيْب لَا مجَال لمصافحة بنت الدنان وَلَو أَنَّهَا بمشافهة الصفاح والسنان (صَحا الْقلب عَن سلمى وأقصر باطله ... وعرّى أَفْرَاس الصِّبَا ورواحله) نعم قد جلت فِي أَيَّام الشَّبَاب بميدان الصِّبَا فَمَا عثر طرفِي فِي قَضَاء وطر وَلَا كبا (وَلَقَد نهزت مَعَ الغواة بدلوهم ... وأسمت سرح الطّرق حَيْثُ أساموا) (وَبَلغت مَا بلغ امْرُؤ بشبابه ... فَإِذا عصارة كل ذَاك أثام) وَأما الْآن فَإِنِّي أَقُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 (فَمَا شاقتني ذكرى حبيب ومنزل ... وَلَا راقني للساجعات ترنم) (وَلَا أطرب الْحَادِي بترجيع لحنه ... وَلَا فاح من نشر الرياض مشمم) وَلَا يختاج ببالك أَن كلامنا هَذَا بِاللِّسَانِ من غير مُطَابقَة الْجنان فَإِنِّي أقسم بالوفا وَالْكَرم وَالْبَيْت وَالْحرم أَن ظَاهر هَذَا الْأَمر وباطنه سيان وَلَو أطلعت على الضَّمِير لَا زددت علما على مَا نطق بِهِ اللِّسَان وَلَو كنت مائلا إِلَى مَا أَشرت إِلَيْهِ وعولت فِي عبارتك عَلَيْهِ مَا كَانَت أجد مثلك من نديم كَفه كريم وخاطره سليم يفهم الْكَلَام بِالْإِشَارَةِ ويستغني عَن مَفْهُوم الْعبارَة (إِن كَانَ لَا بدّ من عَيْش وَمن سمر ... فَحَيْثُ آمن من خلى ويأمتني) نعم إِن مَالَتْ نَفسك إِلَى مجاذبة أَطْرَاف الْآدَاب والمحادثة عَمَّا مضى من وقائع الأحباب فَإنَّك وَالله أعز الإخوان وإنسان عين الخلان مَا رَأينَا مِنْك سوى مَا يسر الْقُلُوب وَيكون عين الْمَقْصُود وَالْمَطْلُوب فَأَنت الْمَقْصُود بقول الشَّاعِر (بروحي من نادمته فَوَجَدته ... أرق من الشكوى وأصفى من الدمع) (يوافقني فِي الجدّ والهزل دَائِما ... فَينْظر من عَيْني وَيسمع من سَمْعِي) هَذَا هُوَ الْجَواب مَعَ الإختصار وَعند مثلكُمْ يقبل الإعتذار انْتهى وَمن غَرِيب مَا اتّفق لَهُ إِنَّه كَانَ فِي مبدأ أمره وَلَا يتكيف وَلَا يَأْكُل من المكيفات شَيْئا حَتَّى قَالَ الشَّاعِر لما رأى إنكباب النَّاس على البرش وَهُوَ قَوْله (عمّ البلا يَأْكُل البرش فانتفعت ... مخايل النَّاس فِي خلق وأخلاق) (وَلَو تصوّر هَذَا الدَّهْر فِي رجل ... لأبصرته الورى فِي زِيّ درياق) ثمَّ ابتلى بِأَكْلِهِ حَتَّى ظهر فِي فعله وهيئته وحركته إِلَّا أَنه لم يُغير ذكاءه ونوادره ولطائفه كَثِيرَة فَمن ذَلِك مَا رَأَيْته بِخَطِّهِ أَنه سُئِلَ عَن الْحبّ هَل هُوَ بِالْكَسْرِ أَو بِالضَّمِّ فَقَالَ هُوَ بِالْكَسْرِ ويستحسن فِيهِ الضَّم وَعَن الجفن أهوَ بِالْكَسْرِ أَو بِالْفَتْح فَقَالَ هُوَ بِالْفَتْح ويستحسن فِيهِ الْكسر وَهَذَانِ الجوابان شبيهان بِجَوَاب الزَّمَخْشَرِيّ وَقد سُئِلَ عَن العثير أهوَ بِالْفَتْح أَو بِالْكَسْرِ فَقَالَ بِالْكَسْرِ وَلَا تفتح فِيهِ الْعين وَسُئِلَ الْمولى أَبُو السُّعُود الْمُفَسّر عَن الخزانة والقصعة فَقَالَ لَا تفتح الخزانة وتكسر الْقَصعَة وَمِمَّا يستظرف من مناسباته أَنه كَانَ يمِيل إِلَى غُلَام يتَخَلَّص برامى فجفاه مرّة ثمَّ جَاءَهُ معتذرا بِإِشَارَة خُفْيَة من جفنيه فأنشده بديهة قَول ابْن القارض (رمى فَأثْبت سَهْما من لواحظه ... فِي وسط قلبِي فوا شوقي إِلَى الرَّامِي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَكَانَ بَينه وَبَين أَحْمد بن شاهين مَوَدَّة أكيدة ومشيخة وتلمذة لِأَن الشاهيني تلميذ البوريني فَوَقع بَينه وَبَينه بِسَبَب أَن الشاهيني كَانَ نظم قصيدة مدح بهَا صنع الله المفعي لما ورد الشَّام مطْلعهَا (حَيّ الْمنَازل بالنقا فزرود ... فالرقمتين فعهدنا الْمَعْهُود) فنسبه البويني فِيهَا إِلَى الإنتحال وَجرى بذلك بَينهمَا شَحْنَاء وتقاطع وخاطبه الشاهيني بقصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا (قف بِي فلى أثر الحدوج حنين ... وَمن الصبابة طَاهِر وكمين) وأعقبها برسالة من انشائه المعجب ذكرهمَا البوريني فِي تَرْجَمته واجتمعا يَوْمًا فِي مجْلِس فَقَالَ لَهُ الشاهيني القصيدة المنحولة صدرت عَن طبع نَشأ فِي الرياض بَين لَا كمام لَا عَن طبع نَشأ فِي الْقرى بَين الآكام واجتمعا مرّة أُخْرَى فَنَاوَلَهُ الشاهيني لغزا صنعه فِي سكين فَلَمَّا فطن لَهُ قَالَ قد صَعب عَليّ استخراجه وَمن مقولاتهم الْمَعْنى فِي بطن الشَّاعِر وَكَانَ غَالب أَعْيَان الشَّام من الْعلمَاء يَغُضُّونَ من البوريني الإنطلاق لِسَانه ورربما أوقعوه فِي مكروهات من القَوْل وَالْفِعْل وازدروا بِهِ وَسعوا فِي توهِينه وَكَانَ كثير التيقظ لمكايدهم حكى أَن بعض وزراء الشَّام أقبل عَلَيْهِ واتخذه نديم مَجْلِسه وَكَانَ يُبَالغ فِي توقيره وتعظيمه فقصدوا توهِينه عِنْده فَاجْتمعُوا يَوْمًا فِي دَار الْحُكُومَة البوريني مَعَهم فأرسلوا إِلَى وَالِده يتطلبوه إِلَى الْوَزير بِنَاء على أَن الْوَزير استدعاء وَكَانَ رث الْهَيْئَة فِي زِيّ عوام السوقة كَمَا سلف فَلم يشْعر البوريني إِلَّا وَأَبوهُ مقبل فَنَهَضَ من مَقْعَده مسرعا واستقبله وَقبل يَده ثمَّ جَاءَ إِلَى الْوَزير وَقَالَ لَهُ حلت عَلَيْكُم الْبركَة بقدوم وَالِدي فَإِنَّهُ بركَة هَذَا الْوَقْت الصوام القوام الكذا والكذا فَنَهَضَ الْوَزير وَقبل يَده وَأَجْلسهُ وَبَالغ فِي تَعْظِيمه فَانْقَلَبَ أَعْيَان أُولَئِكَ وَلم يعودوا إِلَى مثلهَا وَهَكَذَا كَانَ البوريني صَاحب بذرقة فِي تعبيراته وأشعاره كَثِيرَة أخرجت مِنْهَا محاسنها وأثبتها هُنَا وَمَا محَاسِن شَيْء كُله حسن فَمن ذَلِك قَوْله وَقد تبع فِيهِ الشُّعَرَاء الأقدمين (وَكُنَّا كغصني بانة قد تألفا ... على دوحة حَتَّى استطالا وأينعا) (يغنيهما صدح الْحمام مرجعا ... ويسقيهما كأس السحائب مترعا) (سليمين من خطب الزَّمَان إِذا سَطَا ... خليين من قَول الحسود إِذا سعى) (ففارقني من غير ذَنْب جئيته ... وَأبقى بقلبي حرقة وتوجعا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 (عَفا الله عَنهُ ماجناه فانني ... حفظت لَهُ الْعَهْد الْقَدِيم وضيعا) (وَلَكِن سيدري ود من كَانَ مخلصا ... صَدُوقًا يدْرِي من يكون مصنعا) وَالْأَصْل فِي هَذَا مَا فِي أمالي القالي عَن أبي الْفضل الربعِي عَن أبي السمراء قَالَ دخلت منزل نخاس فِي شِرَاء جَارِيَة فَسمِعت صَوت جَارِيَة تَقول (وَكُنَّا كَزَوج من قطافي مفازة ... لَدَى خفض عَيْش معجب مونق رغد) (أصابهما ريب الزَّمَان فافردا ... وَلم نر شَيْئا قطّ أوحش من فَرد) قَالَ فَقلت للنخاس أعرض على هَذِه المنشدة فَقَالَ إِنَّهَا شعثة حزينة فَقلت وَلم ذَلِك قَالَ اشْتَرَيْتهَا من مِيرَاث وَهِي باكية على مَوْلَاهَا وَتقول (وَكُنَّا كغصنى بانة وسط رَوْضَة ... نَشُمُّ جنى الروضات فِي عيشة رغد) (فأفرد ذَاك الْغُصْن من ذَاك قَاطع ... فيا فردة باتت تحن إِلَى فَرد) قَالَ أَبُو السمراء فَكتبت إِلَى عبد الله بن طَاهِر أخبرهُ بخبرها فَكتب إِلَى أَن ألق هَذَا الْبَيْت عَلَيْهَا فَإِن أجازته فاشترها وَلَو بخراج خُرَاسَان وَالْبَيْت هُوَ هَذَا (بعيد وصل قريب جهد ... جعلته مِنْهُ لي ملاذا) فألقيته غليها فَقَالَت بِسُرْعَة (فعاتبوه فذاب شوقاً ... وَمَات عشقاً فَكَانَ مَاذَا) قَالَ أَبُو السمراء فاشتريتها بِأَلف دِينَار وحملتها إِلَيْهِ فَمَاتَتْ فِي الطَّرِيق فَكَانَت إِحْدَى الحسرات انْتهى وَفِي الحماسة الطائية لصفية الباهلية (كُنَّا كغصنين فِي جرثومة سميا ... حينا بِأَحْسَن مَا تسمو بِهِ الشّجر) (حَتَّى إِذا قيل قد طَالَتْ فروعهما ... وطاب فيؤهما واستنضر الثَّمر) (أخنى على وَاحِد ريب الزَّمَان وَمَا ... يبْقى الزَّمَان على شَيْء وَلَا يذر) (كُنَّا كأنجم ليل بَيْننَا قمر ... يجلو الدجى فهوى من بَيْننَا الْقَمَر) وللبوريني وَهُوَ من مستجاداته (يَقُولُونَ فِي الصُّبْح الدُّعَاء مُؤثر ... فَقلت نعم لَو كَانَ ليلِي لَهُ صبح) وَقد ترْجم هَذَا الْمَعْنى من الفارسية وَأَصله لشاعر الْعَجم وحشى سبكه فِي قالب حسن وَمثله قَول البها زُهَيْر (جعل الرقاد لكَي يواصل موعدا ... من أَيْن لي فِي حبه أَن أرقدا) وَقَول الباخرزي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 (قَالَت وَقد فتشت عَنْهَا كل من ... لاقيته من حَاضر أَو بَادِي) (أَنا فِي فُؤَادك فارم طرفك نَحوه ... ترنى فَقلت لَهَا وَأَيْنَ فُؤَادِي) والأدباء يستحسنونه وَلم يعرفوا أَنه من قَول عبد الله بن شبيب (هوى صَاحِبي ريح الشمَال إِذا جرت ... وأهوى لنَفْسي أَن تهب جنوب) (يَقُولُونَ لَو عذبت قَلْبك لارعوى ... فَقلت وَهل للعاشقين قُلُوب) وَتَابعه عُرْوَة بن أذينة (قَالَت وأودعتها سري فبحت بِهِ ... قد كنت عِنْدِي تحب السّتْر فاستتر) (أَلَسْت تبصر من حَولي فَقلت لَهَا ... غطى هَوَاك وَمَا ألْقى على بَصرِي) وذيل البوريني بَيته الْمُفْرد بِأَبْيَات وَهِي (فيا عجبا مني أر يَد لقاءه ... وَفِي جفْنه سيف وَفِي قدره رمح) (وإنسان عَيْني كَيفَ ينجو وَقد غَدا ... يطول لَهُ فِي لج مدمعه سبح) (وَإِن كَانَ يَوْم الْبَين يسود فحمه ... فَمن مهجتي نَار وَمن نَفسِي قدح) (وَلَيْسَ عجيبا أَن دمعي أَحْمَر ... وَفِي مهجتي جرح وَفِي مقلتي قرح) وَلَو تَركه مُفردا لَكَانَ أصوب وَمن شعره (أَحول وَجْهي حِين يقبل عَامِدًا ... مَخَافَة واش بَيْننَا ورقيب) (وَفِي باطني وَالله يعلم أعين ... تلاحظه من أضلع وَقُلُوب) وَالْمعْنَى حسن وَأحسن مِنْهُ قَول الخفاجي (تنَازع فِيهِ الشوق قلبِي وناظري ... فأثر فِيهِ الطّرف وَالْقلب نَائِب) (وتنظره من قلبِي الصب أعين ... عَلَيْهَا المحنى الضلوع حواجب) لَكِن أَخذه الشهَاب وَنَقله عَن مَعْنَاهُ المُرَاد من قَول الْقَائِل (خلقنَا بأطراف القنا فِي ظُهُورهمْ ... عيُونا لَهَا وَقع السيوف حواجب) قَالَ الحريري من سرق ورق فقد اسْتحق وَله فِي تَرْجَمَة من الفارسية (ورق الغصون إِذا نظرت دفاتر ... مشحونة بأدلة التَّوْحِيد) وَمثله لِلشِّهَابِ من ذَوَات أَمْثَاله (باح بنشر الرَّوْض خفاق الصِّبَا ... وأسكر الْغَيْث النَّبَات فِي الرِّبَا) (أما ترى فِي روضه إِلَّا وراقا ... رطب لِسَان يشْكر الخلاقا) (وَتلك للتوحيد كالدفاتر ... تقرؤها الطُّيُور فِي المنابر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وللبوريني (أيا قمرا قد بت فِي ليل هِجْرَة ... أراقب سيار الْكَوَاكِب حيرانا) (خبأتك فِي عَيْني لتخفى عَن الورى ... وَمَا كنت أَدْرِي أَن فِي الْعين إنْسَانا) وللخفاجي (خبأتك فِي الْعين خوف الوشاة ... وَكم شرف الدَّار سكانها) (وَمن غيرَة خفت أَن يفطنوا ... إِذا قيل فِي الْعين إلنسانها) وللبوريني (تعشقت مِنْهُ حَالَة لست قَادِرًا ... على وصفهَا إِن لم يذقها سوى قلبِي) وَله (أَتَرَى علمت بحالتي ... يَا من تغافل عَن شؤوني) (هلا رحمت مدامعا ... سَالَتْ عيُونا من عيوني) وَله من قصيدة يصف فِيهَا الغدير (يُجَاوب أسيحاع الْحمام خريره ... فتصغى لَهُ الورقاء من فَوق أيكة) وَتبع فِي ذَلِك أَبَا الحكم فِي قَوْله (وتحدث المَاء الزلَال مَعَ الصَّفَا ... فَجرى النسيم عَلَيْهِ يسمع مَا جرى) وللبوريني (أتنكر مني رفع صوتي بالبكا ... لبسين حبيب عز مِنْهُ معاد) (أَلَسْت ترى الثَّوْب الْجَدِيد وَقد غَدا ... يَصِيح لَدَى التَّفْرِيق وَهُوَ جماد) وَقَرِيب مِنْهُ قَول الْقَائِل (لَا غر وَمن جزعي لبينهم ... يَوْم النَّوَى وَأَنا أخوالهم) (فالقوس من خشب يَئِن إِذا ... مَا كلفوه فرقة السهْم) وَله (عمامتي لعبت أَيدي الزَّمَان بهَا ... كَأَنَّهَا نسجت من عهد حَوَّاء) (أُرِيد أغسلها وَالْخَوْف يَمْنعنِي ... من أَن ترى نزلت يَوْمًا مَعَ المَاء) وَهُوَ من قَول الْقَائِل (ولي ثِيَاب رقاق لست أغسلها ... أَخَاف أعصرها تجْرِي مَعَ المَاء) وَمن مَشْهُور شعره قَوْله فِي نصيحة (أوصيك أوصيك فاسمع مَا أقرره ... فقد نَصَحْتُك خلي نصح مُعْتَبر) (لأتركن إِلَى من لَيْسَ تعرفه ... وَمن عرفت فَكُن مِنْهُ على حذر) أَخذ من قَول ابْن فَارس (اسْمَع مقَالَة نَاصح ... جمع النَّصِيحَة والمقه) (إياك وَاحْذَرْ أَن تكون ... من الثِّقَات على ثِقَة) وَله (يَا ساكنين الْجزع لي بعدكم ... طرف مدى الْأَيَّام لَيْسَ بناظر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 (مَا زار إنساني سواكم بعدكم ... إِلَّا وَألقى سترد مَعَ سَاتِر) مَأْخُوذ من قَول الأرجاني (لي بعد آلا فِي الَّذين رحلوا ... وخلفوا صبري كَلْبِي منتهب) (إِنْسَان عين لم يزره غَيرهم ... إِلَّا وَألقى سترد مَعَ فاحتجب) وَله يعْتَذر عَن أَمر نقل عَنهُ (الله يعلم أَن ساحة خاطري ... مِمَّا رقمت صحيفَة بَيْضَاء) (وسنلتقي يَوْم الْقيام بموقف ... فِي ضمنه تتبين الْأَشْيَاء) وَاتفقَ لَهُ انه سَار إِلَى بعض غِيَاض دمشق وَأَرَادَ استدعاء بعض أحبابه فَلم يجد قَلما وَلَا دَوَاة وَكَانَ أَيَّام التوت الْأسود فَكتب بمائه بديها (يَا طَائِر البان خُذ مني مُكَاتبَة ... ضعها لدي منزل الظبي الَّذِي سخا) (هِيَ الشكاية من دَاء الْفِرَاق وَقد ... كتبتها بِدَم الْقلب الَّذِي جرحا) وَله (وتنفسي الصعداء لَيْسَ شكاية ... مني لهجرك يَا ضِيَاء النَّاظر) (لَكِن بقلبي من جفاك تألم ... فَأرى بذلك رَاحَة للخاظر) وَله (قَالَ لي عاذلي تسل قَلِيلا ... بمسير عَن الْحمى والربوع) (قلت يَا عاذلي تَأَخَّرت عني ... كَانَ هَذَا الْكَلَام قبل وقوعي) وَله (مرادي من الدُّنْيَا مُرَاد أريده ... من الْحبّ وَالْإِنْسَان قد يتَخَيَّر) (سوى وَقْفَة فِيهَا أسائل مَا الَّذِي ... يقدم غَيْرِي أَو لماذا أؤخر) وَله (بِحَق الَّذِي أَعْطَاك حسنا ودولة ... ولطفا بِهِ للضد مَا زلت تقهر) (لماذا رعاك الله غَيْرِي مقدم ... ومثلي على صدق الوداد مُؤخر) وَله (مَا رمت ترك الظُّلم مِنْهُ تبرما ... من حمل أثقال القطيعة والجفا) (لَكِن خشيت عَلَيْهِ عُقبى فعله ... فِي يَوْم يلقى الْمَرْء مَا قد أسلفا) وَله (وَكم قَائِل مَالِي أَرَاك مجانبا ... غرام مليح كالغزال المشرد) (فَقلت دعوا هَذَا الملام فائتني ... ختمت رسالات الْهوى بِمُحَمد) وَله غير ذَلِك من عُيُون الْأَشْعَار وَالْأَخْبَار مالوا ستقصيته لجاء فِي كتاب مُسْتَقل وَكَانَت وِلَادَته فِي قَرْيَة صفورية نَهَار الْجُمُعَة منتصف شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي بعد الظّهْر نَهَار الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَصلى عَلَيْهِ بالجامع الْأمَوِي من الْيَوْم الثَّانِي وَدفن بمقبرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 الفراديس وَكَانَ قبل مَوته بلحظة أَمر بعض من حضر عِنْده بِقِرَاءَة سُورَة يس فقرؤها وَكَانَ هُوَ فِي حَالَة النزع يُحَرك شفته مَعَهم إِلَى أَن وصلوا إِلَى قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون فَمد السبابَة إِشَارَة إِلَى الشَّهَادَة وَخرجت روحه وَرَآهُ بعض الثِّقَات لَيْلَة مَوته وَجَمَاعَة ينشدون هَذِه الْمقَالة ويذكرون أَن البوريني نظمها وَأوصى أَن ينشدونها أَمَام جنَازَته وَهِي للقاء الله باسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله كنت أمس بَين أحبابي وأصحابي وأترابي فدعاني نَحوه رَبِّي ألف أَهلا وَألف باسم الله وَرَآهُ بعض الْفُضَلَاء بعد مَوته فِي مَنَامه كَأَنَّهُ على كرْسِي عَظِيم فِي رَوْضَة غناء وَعَلِيهِ هَيْبَة وَإِلَى جَانِبه رجل وَهُوَ يعلم أَنه مَاتَ فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي كَيفَ حالك وَمَا فعل الله بك فَقَالَ إِنِّي جعلت بَيْتَيْنِ يعلم مِنْهُمَا مَا فعل الله بِي ثمَّ أنْشد قَوْله (وَفِي لي من أَهْوى وآنس وحشتي ... وداوى فُؤَادِي بالتداني وبالقرب) (فَظن بِهِ خيرا وَإِن كنت مذنبا ... فَمَا خَابَ عبد أحسن الظَّن بالرب) ونظم هَذِه الرّبَاعِيّة قبل مَوته وَأوصى أَن تكْتب على قَبره وَهِي قَوْله (يَا رب تبِعت سيد الْأَبْرَار ... واخترت سَبِيل صُحْبَة الأخيار) (وَالْيَوْم فَلَيْسَ لي سوى لطفك بِي ... يَا رب فوقني عَذَاب النَّار) ورثاه جمَاعَة من فضلاء زَمَانه مِنْهُم الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي وَكَانَ مِمَّن أَخذ عَنهُ وتلمذ لَهُ مُدَّة وقصيدته أحسن مَا قيل فِيهِ من المراثي وَهِي مَشْهُورَة متداولة مطْلعهَا قَوْله (زلزل الْكَوْن والقتام علا ... وَهوى الْبَدْر بَعْدَمَا كلا) ويعجبني مِنْهَا قَوْله (كم لَهُ من فَوَائِد وفدت ... قد غَدا ركنهن مرتحلا) (والبلاغات بعد مَا بلغت ... حَدهَا مِنْهُ دَانَتْ الأجلا) (فِي اللسانين فَارس بَطل ... فاللسان بعده بطلا) (راق روض النهى بِهِ زَمنا فِي دمشق وَبعده ذبلا ... ) (نَدم الدَّهْر حَيْثُ جادبه ... غلطة بعد طول مَا بخلا) (عقد در فِي السلك قد عبثت ... مِنْهُ أَيدي الْمنون فانفصلا) (كَانَ للدهر بهجة وسنا ... مِنْهُ أما إِذا غَابَ عَنهُ فَلَا) (قل لمن شَاءَ أَن يؤرخه ... بدر علم فِي الشَّام قد أَفلا) وَمن غَرِيب مَا وَقع بعد مَوته أَنه كَانَ فِي مَرضه تفرغ عَن الْمدرسَة الشامية البرانية لِلشِّهَابِ أَحْمد العيثاوي فَلم يقبل قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 بجوى زَاده ووجهها لعبد الْحَيّ بن يُوسُف وَعوض العيثاوي بالوعظ فِي السليمانية وَوجه الناصرية الجوانية لمنلا عبد الرَّحْمَن بن أويس الْكرْدِي والعادلية الصُّغْرَى للْقَاضِي عبد اللَّطِيف بن الجابي والبقعة بالكلاسة للشَّيْخ أَحْمد بن محب الدّين الْحَنَفِيّ والبقعة بالجامع الْأمَوِي لِأَخِيهِ إِبْرَاهِيم البوريني وَقِرَاءَة الحَدِيث بالجامع الْأمَوِي لعبد الرَّحِيم بن محَاسِن سبط البوريني فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت سادس عشر جُمَادَى الأولى اجْتمع جمَاعَة مِنْهُم أَحْمد بن شاهين وَأحمد بن زين الدّين المنطقي الْمُقدم ذكرهمَا وحسين بن عبد النَّبِي الشعال ورمضان بن عبد الْحق العكاري والكمال ابْن مرعي العيثاوي وَسليمَان الْحِمصِي وَشرف الدّين الدِّمَشْقِي وَمُحَمّد بن نعْمَان الأيجي وَإِبْرَاهِيم الْعِمَادِيّ الْوَاعِظ وَأحمد العرعاني وَكَانَ اجْتِمَاعهم بالجامع الْأمَوِي ثمَّ أحاطوا بالشمس الميداني ورأسوه عَلَيْهِم وَقَالُوا نَجْتَمِع وَنَذْهَب إِلَى القَاضِي والباشا ونطلب توزيع وظائف البوريني علينا ثمَّ ذهب مِنْهُم طَائِفَة إِلَى العيثاوي وسألوه أَن يذهبوا فِي خدمته إِلَى القَاضِي فَقَالَ لَهُم لَا تلِيق هَذِه الجمعية وَلَكِنِّي أذهب إِلَى القَاضِي وأنصحه فَذهب إِلَيْهِ وَتكلم مَعَه أَن يعْطى الحَدِيث لِابْنِ الأيجي وَتَكون الناصرية مُشْتَركَة بَين الملا عبد الرَّحْمَن الْكرْدِي وَآخر فَأَجَابَهُ القَاضِي إِلَى مَا قَالَ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ انْدفع الْقَوْم وَمَعَهُمْ آخَرُونَ فَدَخَلُوا على القَاضِي وجلبوا عَلَيْهِ فبادر القَاضِي وَقَالَ لَهُم اجلسوا واقتسموا الْوَظَائِف فجلسوا خَارج الْمجْلس يقتسمون وَالْكَاتِب يكْتب مَا يتفقون عَلَيْهِ ثمَّ خَرجُوا من عِنْده بِنَاء على أَن تكْتب التقارير على مَا رتبوه فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور جمع القَاضِي إِلَيْهِ العيثاوي ومنلا عبد الْحَيّ بن يُوسُف والخطيب يحيى بن مُحَمَّد البهنسي وَولده أَحْمد وَالْقَاضِي أَبُو الْبَقَاء الصَّالِحِي وَذهب بهم إِلَى نَائِب الشَّام إِذْ ذَاك مُحَمَّد باشا الجركسي وصور الدَّعْوَى عِنْد القَاضِي بن مغيزل قسام العسكري بِدِمَشْق وَكَانَ حَاضرا بالديوان بِإِذن الباشا على الْجَمَاعَة بالهجوم وَقلة الْأَدَب مَعَه وَأثبت ذَلِك عَلَيْهِم وَكتب بذلك صك فَتقدم مثلا زين الدّين وَالِد أَحْمد المنطقي وَتكلم مَعَ القَاضِي بِكَلِمَات فَاحِشَة وسجل عَلَيْهِم كل ذَلِك إِلَّا ابْن شاهين فَإِنَّهُ اسْتثْنى من الْكِتَابَة سرا لمكانة أَبِيه ثمَّ شفع العيثاوي وَمن مَعَه عِنْد القَاضِي فِي الْعَفو عَنْهُم من التعزيز بِالضَّرْبِ وانفصل الْمجْلس على ذَلِك ونظم النَّجْم الْغَزِّي هَذِه الْحَادِثَة فِي قصيدة طَوِيلَة ذكرهَا فِي ذيله ومطلعها قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 (رويدك أَن الْفضل للمرء نَافِع ... وَلَكِن على قدر الْعُقُول الْمَنَافِع) (مَتى ضل عقل الْمَرْء ضل طَرِيقه ... وَلَيْسَ لَهُ عَن وهدة الْجَهْل مَانع) (ألم تَرَ رهطا حاولوا رفع قدرهم ... بِأَنْفسِهِم وَالله مَا شَاءَ صانع) (سعوا نَحْو قَاضِي الشَّام صين جنابه ... وَكَانَ امْرِئ غاد وللنفس بَائِع) ... قضى الْحسن الْعَلامَة النّدب فاغتدوا ... وكل لَهُ بالاشتغال تنَازع) (يَقُولُونَ وجهت الْجِهَات لغيرنا ... أَبى الله معط من يَشَاء ومانع) (وَعَن أدب زاحوا فراحوا بنقمة ... وَقد ذل بَين النَّاس من هُوَ طامع) (وَقد كَاد لَوْلَا عَفوه وسماحه ... تماسهم مِنْهُ الْعَصَا والمقارع) (وَقد عزروا وافي مشْهد ثمَّ اسمعوا ... لما كَرهُوا وَالْقَوْل للمرء رادع) (أيجمل مِنْهُم مَا أَتَوا وتهوروا ... هُنَالك أَن الْعقل للمرء وازع) مِنْهَا (إِذا قارع الضرغام جدي لجهله ... بصولته فالليث للجدي قارع) (إِذا ركب الْإِنْسَان فِي غير سَرْجه ... أتيح لَهُ عَن ذَلِك السرج صارع) (وَمن لم تؤدبه الْعُلُوم وخف فِي ... هَوَاهُ نَهَاهُ أدبته الوقائع) (وَمن لم يكن فِي فورة الْأَمر نَاظرا ... عواقبه ينْدَم وللسن قارع) (وَقد هد مِنْهُ عَرْشه وَهُوَ نَاظر ... وَقد قد مِنْهُ عرضه وَهُوَ سامع) (تعجبت من تِلْكَ الْقَضِيَّة أَنَّهَا ... لعمري وعظ وَهِي للقلب صادع) (جرت بعد ألف ثمَّ عشْرين حجَّة ... بذا الْعَام حَيْثُ الْعَام من بعد رَابِع) (تَأمل رعاك الله أَفعَال رَبنَا ... فَلَيْسَ لما يَقْضِيه فِي الْكَوْن دَافع) (وَلَا ترج إِلَّا الله فِي كل مقصد ... تبَارك أَن الْفضل مِنْهُ لواسع) (وَبعد فَإِن الله جلّ جَلَاله ... لكل الورى يَوْم الْقِيَامَة جَامع) الشَّيْخ حسن بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل ابْن بَرَكَات بن أبي الوفا الملقب بدر الدّين الدِّمَشْقِي الميداني الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالموصلي الشَّيْبَانِيّ قَاضِي الشَّافِعِيَّة بِبَاب قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَاحِد أَعْيَان الْفُضَلَاء وَكَانَ عَالما فَقِيها نحويا بارعا وَفِيه أَنَاة وحلم وَمَكَارِم أَخْلَاق قَرَأَ بِدِمَشْق على جدي القَاضِي محب الدّين وجدي إِسْمَاعِيل النابلسي والعماد الْحَنَفِيّ والأسد بن معِين الدّين التبريزي وتفوق وَلزِمَ إِفَادَة الطّلبَة بالجامع الْأمَوِي مُدَّة وَلما انْحَلَّت إِمَامَة الشَّافِعِيَّة الأولى بالجامع عَن الشَّيْخ مُوسَى الجوسي فِي زمن قَاضِي دمشق الْمولى مصطفى الْمَعْرُوف بالكوجك اجْتمع عُلَمَاء الْبَلدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وطلبوها للمذكور وَكَانَ القَاضِي وَجههَا لِابْنِ أبي البقا فعارضوه وَذكروا أحقية الْمَذْكُور فَقَالَ انْظُرُوا ثَالِثا مِمَّن يَسْتَحِقهَا فَقَامَ الشَّمْس مُحَمَّد الميداني الْآتِي ذكره فِي الْمجْلس وَقَالَ أَنا الثَّالِث وطلبها فوجهها القَاضِي إِلَيْهِ وَخرج الْجَمَاعَة من عِنْد القَاضِي حنقين عَلَيْهِ ثمَّ سعى بعض أكابرهم فِي اتيان بَرَاءَة للبدر الْمَذْكُور فَلَمَّا قدم الْمولى مصطفى بن حسن قَاضِيا بِدِمَشْق ترافعا إِلَيْهِ بِمحضر من الْعلمَاء وكل مِنْهُمَا قدم بَرَاءَته فَاقْتضى رَأْي القَاضِي وَالْجَمَاعَة أَن تشطر بَينهمَا وداما على ذَلِك وَولي الْبَدْر بعد ذَلِك قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِطَلَب عُلَمَاء دمشق وحمدت سيرته فِيهَا وَلم يزل قَاضِيا حَتَّى توفّي فِي سنة ثَلَاث أَو أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِقرب مَسْجِد النارنج رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ حسن بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْكرْدِي الصهراني النورديني الشَّافِعِي الْمُحَقق الفهامة الْمُؤلف الْأُسْتَاذ كَانَ من أجلاء عُلَمَاء الأكراد وَله الباع الطَّوِيل فِي حل الغوامض والغوص على الْمعَانِي قدم إِلَى دمشق فِي حُدُود سنة خمس وَسبعين وَألف واختص أَولا بالملا أبي بكر ابْن منلا جامي الْمُقدم ذكره فاستنابه فِي تدريس الْمدرسَة السليمية لسوء مزاج كَانَ اعتراه وَعقد حَلقَة تدريس بالجامع الْأمَوِي عِنْد مقَام الْخضر وعاينته هُنَاكَ وَهُوَ يُقرر أَشْيَاء دقيقة المرمى تدل على نظر دَقِيق وَتَحْقِيق زَائِد وَأَخْبرنِي صاحبنا الملا مُحَمَّد بن رستم الصهراني وَهُوَ من أَقَاربه أَنه قَرَأَ بصهران على الْمولى رَسُول الصهراني وَأخذ بِبِلَاد ديار بكر عَن الْمولى قره قَاسم وَالْمولى عمر بن الْجَلِيّ صَاحب شرح البهائية فِي الْحساب والحاشية على ميزاب الْفَتْح فِي الْآدَاب وَحكى لي أَنه كَانَ يفضل الْجَلِيّ على جَمِيع من رَآهُ من أساتذته وَألف بِدِمَشْق شرحا على البهائية فِي غَايَة الدقة وَله رِسَالَة فِي سُورَة المطففين وَكَانَ شرع فِي تَحْرِير شرح على الْقطر لِابْنِ هِشَام على أسلوب عَجِيب من الدقة وَكتب مِنْهُ حِصَّة وافرة وَلم يكمله وَكَانَ فِي الزّهْد والورع غَايَة لَا تدْرك وَوَقع لَهُ أَحْوَال تدل على علو كَعبه فِي الْولَايَة حكى لي الملا مُحَمَّد الْمَذْكُور وَقَالَ أَخْبرنِي الملا حسن يَعْنِي صَاحب التَّرْجَمَة انه كَانَ فِي موطنه يكْتب مُصحفا فَجَلَسَ يَوْمًا للكتابة فَرَأى الدواة قد فاضت بالحبر حَتَّى امْتَلَأَ مَا حوله فَنَهَضَ مذعورا وركض مَسَافَة عشر خطوَات ثمَّ الْتفت فَرَأى خَلفه بحرا من حبر ثمَّ غاض فَرجع إِلَى مَكَانَهُ وَشرع يكْتب وحَدثني عَنهُ من هَذَا الأسلوب بأَشْيَاء كَثِيرَة وَلما مَاتَ الملا أَبُو بكر الْمَذْكُور فِي التَّارِيخ الَّذِي ذكرته فِي تَرْجَمته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 سَافر إِلَى الرّوم فِي طلب جهاته فأدركه أَجله بعد مُدَّة من وُصُوله وَكَانَت وَفَاته بأدرنة سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَهُوَ فِي سنّ الْأَرْبَعين السَّيِّد حسن بن مُحَمَّد بن عَليّ السَّيِّد الْأَجَل الحسنيني الْمَعْرُوف بالمنير الْحَمَوِيّ الأَصْل الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الشَّافِعِي خُلَاصَة الخلاصات من السَّادة الكمل الأخيار كَانَ عَالما فَقِيها ورعا زاهدا تَارِكًا لَا يُغْنِيه لَا يصرف أوقاته فِي عَبث بل كل أوقاته معمورة بالفائدة من مذاكرة علم أَو قِرَاءَة قُرْآن أَو عمل خير وَكَانَ فِي هَذَا الْعَصْر الْأَخير من أَفْرَاده جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل وَكَانَ فِيهِ نفع عَظِيم للنَّاس لَا زَالَ يقرىء الدُّرُوس بِجَامِع الدرويشية والسيبائية وَتخرج عَلَيْهِ خلق كثير من طلبة الْعلم من الشَّافِعِيَّة وَبِه تفقهوا وانتفعوا وَكَانَ النَّاس يعظمونه ويهابون ساحته وَإِذا أقبل من بعيد فِي سوق أَو زقاق تبَادرُوا إِلَى تَقْبِيل يَده وَطلب دُعَائِهِ وَكَانَ مرشداً متواضعاً سليم الصَّدْر بشوشاً إِلَى الْغَايَة لم نسْمع أَن أحد أتأذى مِنْهُ مده عمره فِي قَول أَو فعل ويحكى عَنهُ كرامات وأحوال هُوَ فِي أَعْلَاهَا ذرْوَة وأسماها منقبة وَبِالْجُمْلَةِ ففضائله مِمَّا لَا مُنَازع فِيهَا وَكَانَت وَفَاته عقيب الظّهْر بهنيئة من يَوْم الْأَحَد سادس عشرى شَوَّال سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من سَيِّدي نصر الْمَقْدِسِي وَسَيَأْتِي أَبوهُ مُحَمَّد فِي حرف الْمِيم إِن شَاءَ الله تَعَالَى الشَّيْخ حسن بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن عطيف الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ كَانَ فَاضلا سَاكِنا لَهُ حسن مطارحة وانعطاف وَكَانَ لطيف الصَّوْت قَارِئًا مجوداً قَرَأَ الْعَرَبيَّة على مصطفى بن محب الدّين وَغَيره وتفقه على وَالِده وعَلى الإِمَام رَمَضَان بن عبد الْحق العكاري وبرع فِي الْفُنُون وَتَوَلَّى الخطابة بِجَامِع العداس خَارج دمشق بمحلة القنوات ولازم الِاشْتِغَال هُوَ وَشَيخنَا أَخُوهُ الْعَلامَة رَمَضَان الْآتِي ذكره مُدَّة حياتهما وَكَانَا لَا يملان المذاكرة وَحُضُور الدُّرُوس وَلَا يكَاد أَن يفترقان لَحْظَة وَاحِدَة وَعرض لحسن فِي آخر عمره وَمرض الفالج فَانْقَطع عَن النَّاس سبع سِنِين وَمَا كَانَ يفهم مِنْهُ إِلَّا لفظ الله الله وَاسْتمرّ مفلوجاً إِلَى أَن توفّي نَهَار الثَّلَاث ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير قرب مَسْجِد النارنج وَأَخْبرنِي أَخُوهُ شَيخنَا الْمَذْكُور أَن وِلَادَته فِي سنة عشْرين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ الْحسن بن النَّاصِر بن عبد الحفيظ المهلا الشرفي الْعَلامَة الَّذِي تفرد فِي وقته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 الْفضل وَالْعلم والورع والزهد فِي الدُّنْيَا والإقبال على الْآخِرَة وَكَانَ كثير الصَّدَقَة على ذَوي الْفَاقَة حَرِيصًا على فعل الْخَيْر وَالْمَعْرُوف أَخذ عَن أَبِيه وجده وَسمع على أَخِيه الْحُسَيْن كثيرا من الْعُلُوم مَعَ كَونه أسن مِنْهُ بِنَحْوِ سبع سِنِين وَكَانَ لَهُ الْخط الْحسن الرَّائِق المضبوط وَالنّظم والنثر الفائقان ولقى جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء وَأخذ عَنْهُم كثيرا وحوى علما غزيرا وَله ارتحالات كَثِيرَة من جُمْلَتهَا ارتجاله مَعَ أَخَوَيْهِ إِلَى شهارة أَمَام دَعْوَة الْقَاسِم بن الإِمَام مُحَمَّد الْمُؤَيد وَأَقَامُوا بهَا ثَلَاثَة أشهر بداره الميمونة بالناصرة من شهارة فِي خلال الْإِقَامَة شَارك السَّيِّد أَحْمد بن الإِمَام المتَوَكل فِي قِرَاءَة التَّيْسِير للديبع وَغَيره من الْكتب الحديثية وَكَانَ فِي زمن حداثته مجدا فِي الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَطَلَبه على أَبِيه وجده مَعَ مُشَاركَة أَخِيه الْحُسَيْن وَكَانَ إِذا قَرَأَ شَيْئا فِي غيبَة أَخِيه الْحُسَيْن تتأثر نفس الْحُسَيْن فيعاتبه فِي ذَلِك فيعتذر صَاحب التَّرْجَمَة إِلَيْهِ وَيُعِيد مَا قَرَأَهُ عَلَيْهِمَا فَقَالَ فِي ذَلِك صنوه الْحُسَيْن أبياتا رائية معاتبا لَهُ وَجعل أول كل بَيت حرفا من حُرُوف الْعَجم وأولها قَوْله (أذاب فُؤَادِي بارق الْغَوْر إِذْ سرى ... بنفحة مسك من حدائقها تترى) (بحقك خبرني عَن الغورانة ... حَدِيث صَحِيح لَيْسَ فِي القَوْل مُنْكرا) (تَأمل بِهِ تِلْكَ المغاني تلق لي ... لطائف فاقت فِي المحاسن مخبرا) (ثملت وَقد دارت رحيقة وَصفَة ... فأنهلنا التسنيم من تِلْكَ مُسكرا) (جرى ذكر أحبابي بروضة قدسها ... وَقد كُسِيت بردا من الوشي أخضرا) (حووا من مليح الْوَصْف كل غَرِيبَة ... كزهر سَمَاء الأَرْض فِي حسنها ترى) (خليلي مَا واف بعهدي أَنْتُمَا ... إِذا لم تقصا وصفهَا لي وتخبرا) (دعوتكما كي تفهماني حَقِيقَة ... الْأَحِبَّة فِيمَا مفرقين وتحضرا) (ذكرت لَهُم ذكر الصِّفَات فهاج بِي ... من الشوق مَا ألفيته متذكرا) (رَأينَا بهَا مَا يمْلَأ الْعين قُرَّة ... فروحت الْأَرْوَاح من حسن مَا ترى) (زيارتهم فِيهَا لقلبي مَسَرَّة ... غَدَتْ مورد للصالحات ومصدرا) (سلى إِن أردْت الْيَوْم عني وعنهم ... ترى مَا يسر الْأَوْلِيَاء بِلَا مرا) (شفتنا وأولتنا فَوَائِد عِنْدهَا ... تسهل للأحباب مَا قد تعسرا) (صفت عندنَا تِلْكَ الصِّفَات الَّتِي علت ... وفاقت وراقت للقلوب بِلَا أمترا) (طوينا لذى الأحباب كل مقلة ... وَقد كَانَ فِي نَفسِي مقَال تكثرا) (ظفرنا بِمَا نرجو من الْحسن الَّذِي ... يفيدك أَن أقرا الْفَوَائِد أوقرا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 (عليم بأعقاب الْأُمُور كَأَنَّمَا ... لما فِي غَد من قبل يَأْتِيهِ أبصرا) (غَدَوْت عَلَيْهِ عاتبا تباحين أهمل ... الْأُخوة لما ينتظرني ويدكرا) (فواعجبا من فعله حِين غبت عَن ... محاملة هلا لحقي آثرا) (قَرَأت حماك الله لم تنْتَظر لنا ... وعذرى أَن السحب بالغيث أمطرا) (كفى حجَّة برهانها مشرق بِمَا ... فعلت على إهمال حقى بماهرا) (لويت عنان الْوَعْد عَنى عَامِدًا ... وأنسيت حَقًا للإخاء مؤثرا) (محلك فَوق الشَّمْس عِنْدِي وإنني ... لَا بنى لَهُ فَوق المجرة معمرا) (نخوتكم لما تقشع سحبها ... وسرت إِلَى سوح الْمَعَالِي مبكرا) (وَقد لَاحَ فِي الصُّبْح الثريا كَمَا ترى ... كعنقود ملاحية حِين نورا) (هُوَ الصنع أَن تعدل فَخير وَإِن بَدَت ... بِعُذْر فكم ريت بِهِ عَاد أكبرا) (لأعظ من أولى ووالى صَنِيعه ... وَحَازَ من الْخيرَات سَهْما موفرا) (يَقُول لَك الْقلب الَّذِي ترك الْهدى ... إِذا أَنْت راعيت الإخاء المقررا) (أَلَسْت من الْقَوْم الَّذين وليدهم ... يُرْجَى لإقراء الْعُلُوم وللقرى) (بلغنَا السما مجدا وَعزا وسؤددا ... وَأَنا لنَرْجُو فَوق ذَلِك مظْهرا) (تجرد لأخذ الْعلم عَنْهُم فَإِنَّهُم ... أئمته فارحل إِلَيْهِم مثمرا) (ثباتهم فِيهِ عَظِيم رسوخه ... وذكراء قد يُولى الثَّنَاء مُعْتَبرا) (جزى الله آبَائِي عَن الْكل خَيره ... وأبقاهم مَا قيل نظم وسيرا) (حما بعواليهم حمى الدّين واستووا ... على فلك العلياء لما نتوّرا) (عَلَيْك سَلام الله مَا انهلت السما ... بودق على روض أريض فأزهرا) فَأَجَابَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بقوله (أسرد إِذا خففت فِي الْقَوْم معشرا ... وتكثر أتراحي إِذا كَانَ أكثرا) (بِنَاء على أَن أمرأ باد عموه ... إِذا كَانَ فِي غير الْعُلُوم مكثرا) (تبينت أَن الْعِزّ فِي الْعلم والعلا ... وَأَن تجار الْعلم هم خيرة الورى) (ثنائي عَلَيْهِم لأعلى كل مهمل ... بجانبهم مِمَّن عتا وتكبرا) (جنوا ثمرا من كل روض فنونه ... وَأَعْطَاهُمْ الرَّحْمَن حظا موفرا) (حريون بالتقديم أَقْدَامهم على الثريا ... وَأهل الْجَهْل فِي أَسْفَل الثرى) (خلا من غَدا فِي دهره متعلما ومستمعا مَا فاق درا وجوهرا ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 (دنا مِنْهُم فازداد مجدا وَرَفعه ... وعاش حميدا فِي الورى منتصرا) (ذكرت خلالاً للحسين فسرني ... بِأَن أخي للْعلم أضحى مثمرا) (رضيت لَهُ هَذَا طَرِيقا ومسلكا ... وَصَاحبه فَوق النُّجُوم كَمَا ترى) (زِيَادَة مَا فَوق البسيطة لم تكن ... من الْعلم نُقْصَان وخسر بِلَا مرا) (سما من لَهُ الْعلم الشريف وَسِيلَة ... وَمَا فَازَ ذُو جهل وخاب من افترى) (شرى نَفسه يَبْغِي الرضى من الهه ... فيا فوزه بِالرِّبْحِ من خير مَا شرى) (صبور على درس الدقاتر مقبل ... سرىّ سرى وَالصُّبْح قد يحمد السرى) (طَوِيل عَلَيْهِ اللَّيْل أَن بَات مهملا ... قصير إِذا للدّرس بَات مؤثرا) (ضجيج كتاب لَا يُفَارِقهُ وَلَا ... يُوَافق إِلَّا عَالما متجرا) (ظَفرت بِمَا أمّلت فاشكر وَلَا تكن ... ملولا فَإِن الصَّيْد فِي بَاطِن اكفرا) (على أَنه وافى نظامك عاتبا ... علينا ومنظوما نظاما محبرا) (غَدَوْت بِهِ فِي نعْمَة لبلاغة ... حواها وألفاظ لَهَا قد تخيرا) (فواعجبا من عَاتب كَانَ حَقه ... بِأَن يبتدي بالعتب فِيمَا تحرّرا) (قوافيك والتنا محَاسِن عقدهَا ... تَقول وَقد خاطبت من كَانَ قصرا) (كَأَنَّك لم تعلم بِمن سَار أشهرا ... ليحظى بِعلم ثمَّ عَاد مطهرا) (لَهُ رحْلَة مَعْرُوفَة أَنْت أَهلهَا ... فواصل دروسا درسها لَك يسرا) (مدى الدَّهْر لَا تَبْرَح على الدس عاكفاً ... فَمَا الْعلم فِي الْأَسْوَاق بِالْمَالِ يشرتي) (نبيك لم يتْرك سوى الْعلم فاغتنم ... وراثته بالدرس عَن سيد الورى) (وَأَنت بِحَمْد الله قد صرت عَالما ... وَلَكِن نظمنا مَا ترَاهُ مذكرا) (هداك إِلَه الْخلق نهجا مبلغا ... إِلَى جنَّة الفردوس فضلا يسرا) (يُرِيد أخي قلبِي العتاب فَقل لَهُ ... يحِق لمثلي أَن يغض ويصبرا) (لَئِن كنت ترعى للحقوق فأنني ... لارعى لَهَا فاسأل بذلك من درى) (إِذا أَنا لم أحمل على النَّفس ضيمها ... سددت طَرِيقا للثناء منورّا) (بدالي عذر الصنو بعد حفائه ... وَذَلِكَ أنّ السحب دَامَ وأمطرا) (توالت بذا الْأُسْبُوع فضلا ونعمة ... فرام لهَذَا أَن يُقَال ويعذرا) (ثَلَاثًا هجرتم ثمَّ زدتم كمثلها ... لَك الله أَرْجُو أَن يقبل ويغفرا) (جرى مَا جرى مِنْكُم من الهجر والقلى ... وَفَوق ثَلَاث حرم الطُّهْر مَا جرا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 (عَلَيْك سَلام الله مَا ذَر شارق ... وآثر ذُو عزم لعلم وَمَا سرى) وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة نظم التَّلْقِين والوظائف المروية عَن جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ (تتبع يَا فَتى طرق السَّعَادَة ... فَتلك إِذا وصلت هِيَ السِّيَادَة) (وجنب نَفسك الشُّبُهَات وأصبر ... وَفِيمَا حل فالزمها الزهادة) (وَحب الله آثره وَأحسن ... وَثمّ بالواجبات من الْعِبَادَة) (تفكر فِي خلائقه وحاذر ... تصوّر ذَاته واعرف مُرَاده) (وقم بحوائج الإخوان فِيهِ ... لتحرز فَضله وَارْحَمْ عباده) (ولازم ذكره والجأ إِلَيْهِ ... تنَلْ مِنْهُ مَعَ الْحسنى زِيَادَة) (وَعظم أمره تَعْظِيم عبد ... تَيَقّن رحْلَة فأعدّ زَاده) (وَلَا تفرح بِمَا أُوتيت واندم ... على التَّفْرِيط عَن طلب السَّعَادَة) (وأبق بشكره النعماء وَاجعَل ... تدبرها لنَفسك كالقلادة) (تجنب مَا نهاك الله عَنهُ ... وَمَا يَعْنِيك لَا تهدم مشاده) (تَأمل عَاجل الْأَحْوَال وَانْظُر ... عواقبها على حسب الْإِرَادَة) (تصوّر بعد موتك مَا تلاقى ... فبدى الْأَمر تمكنه الْإِعَادَة ... ) (وجنب نَفسك الدُّنْيَا فَمن لم ... يحاذرها فقد ملكت قياده) (وَمهما آذَنت بصلاح أَمر ... ترَاهُ صَالحا فاحذر فَسَاده) (ورج الْخَيْر فِي الْأَحْوَال إِلَّا ... لذِي ذَنْب فخف واقدح زناده) (وأخلص نِيَّة فِي كل فعل ... لعالم غيب أَمرك وَالشَّهَادَة) (وحاذر عدّ نَفسك ذَات فضل ... وَأَنَّك بَالغ رتب السَّعَادَة) (فَتتْرك مَا بِهِ كلفت إِذْ قد ... وصلت كزعم أَرْبَاب البلاده) (أتأمن من لَهَا بالسوء أَمر ... بِهِ تعمي لذى لب فُؤَاده) (حذار الْجَبْر والتشبيه وَاحْذَرْ ... من الألحاد يَا علم الإفادة) (وحاذر من أُمُور زينوها ... بهَا حرمُوا ثَوَاب ذَوي الْعِبَادَة) (فَمَا قَالُوهُ من هَذَا ضلال ... تنزه عَنهُ أَرْبَاب السِّيَادَة) (وَمهما أمكنتك خِصَال خير ... فآثرها تفز وحز الإجادة) وَكَانَت وَفَاته سَابِع عشر ربيع الأول سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف بِمَدِينَة صنعا حسن باشا الْمَعْرُوف ببالجي المدفون بالجنينة الحمدانية تَحت قلعة دمشق على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 حافة نهر بردى ويليها من جِهَة شرقها الْمدرسَة الأيدغمشية كَانَ حسن باشا أَمِير بِلَاد صفد سكن الشَّام مُدَّة ثمَّ ولى حُكُومَة طرابلس الشَّام ثمَّ القرص وَكَانَ من أنصف الْحُكَّام توفّي بالقرص سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف وَحمل مِنْهَا فِي صندوق فِي محفة إِلَى دمشق وَحضر للصَّلَاة عَلَيْهِ الْوَزير مُرَاد باشا نَائِب الشَّام والدفتري وَالسَّيِّد معرفَة الله مفتي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَدفن فِي تربته الْمَذْكُورَة وَكَانَ أَنْشَأَهَا فِي حَيَاته قلت وَكَانَ يسكن فِي مُقَابلَة التربة الْمَذْكُورَة من جِهَة الْقبْلَة وَله ربعَة أَجزَاء فِي التربة تقْرَأ بعد الظّهْر والمتكلم على وقف هَذِه التربة الْآن أمْرَأَة من بَيت بَاقِي بيك وهم يدعونَ أَنه وقف أهلى وَالله أعلم والقرص بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء وَبعدهَا صَاد مُهْملَة بَلْدَة بِالْقربِ من أرزن الرّوم بيد مُلُوك آل عُثْمَان وَهِي الْحَد الْفَاصِل بَين مملكتهم ومملكة الْعَجم حسن باشا الطواشي الْوَزير الْأَعْظَم أحد وزراء دولة السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُرَاد كَانَ فِي ابْتِدَاء أَمر خزينه دَار السُّلْطَان ثمَّ ولي مصر فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وعزل عَنْهَا وَلما وصل إِلَى قسطنطينية فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين حُوسِبَ فَخرج عَلَيْهِ مَال كثير وَوضع فِي حبس يَدي قلَّة ثمَّ أعْطى حُكُومَة شرْوَان ثمَّ صَار وزيرا رَابِعا فِي سفراكرى حَافظ الْبَلدة الْمَذْكُورَة فَأعْطى ختم الوزارة الْعُظْمَى وَكَانَ ظَالِما جبارا مرتشيا تَرْجمهُ منشى الرّوم عبد الْكَرِيم بن اسكندر القَاضِي فَقَالَ فِي حَقه تحلى بحلى الوزارة وتملى بعروسها وراج سَكرَان فِي مجْلِس الْمجد برشف كؤوسها حل الدَّهْر عقد طالعه وَعقد لِوَاء ولائه فَأصْبح العقد والحل مفوضا إِلَى آرائه وَصفا مورد عيشه حَتَّى غَار نهر المجرة من صِفَاته (تمسى الْأَمَانِي صرعى دون مبلغه ... فَمَا يَقُول لشَيْء لَيْت ذَلِك لي) أقبل عَلَيْهِ السعد بِرجلِهِ وخيله وَقطع بمرافقة السرُور مَسَافَة يَوْمه وليله وَهُوَ منتصب على ذَلِك الْحَال يجر ذيل الْعِزّ والسعد والإقبال فَلم يشْكر نعم الله عَلَيْهِ وَلم يتوسل ببدائع الْخَيْر إِلَيْهِ بل هم بتوسيع بَاب الأرتشا وَأخذ بِالْأَخْذِ من النَّاس كَيفَ يشا رمى غَرَض الرشا فَأصَاب وَدعَاهُ دَاعِي البغى فَأجَاب وَجمع من شتيت الطمع مَا جمع وَنسخ حَدِيث أشعب من كتاب الطمع يجول حول مائَة وَهُوَ بَين الْورْد والصدر وَلَا يُبَالِي أكاس النَّاس صفو أم فِيهَا كدر فأجل مناه أَخذ أَمْوَال النَّاس وَقَاعِدَة ارتشائه كتضمين الْعَرَب على غير قِيَاس مَعَ أَن الْغَنِيّ رُبمَا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 (سَببا للعنا يجني الْغنى للشام لَو عقلوا ... مَا لَيْسَ يجني عَلَيْهِم الْعَدَم) مَا من منصب إِلَّا وَبَاعه لغير أَهله وَلم يجْتَهد فِي ايقاع تَقْلِيده فِي مَحَله إِلَّا مَا صَادف فِيهِ قسر الْإِيرَاد وَلَا يتصوّر فِيهِ راد فطاوعه مطاوعة السفن للتيار على رغم أَنفه وقاسي فِيهِ مقاساة تُرِيدُ على حتفه حَتَّى أَنه لما ذوت أَغْصَان رياض ابْن بُسْتَان وانتقل من هَذِه الديار إِلَى روضات الجنات هم بِصَرْف الْإِفْتَاء عَمَّن تحلت بِهِ الْمَرَاتِب وتوجت باسمه نواصي المناصب السَّيِّد السعد الَّذِي تمّ بِهِ الشّرف وَصَارَت تحف الْأَيَّام بمعاليه تحف وَسبب نزاعه لَهُ الْحَسَد الَّذِي امْتَلَأَ بِهِ إِنَاء الْجَسَد فَأَنْشد لِسَان الزَّمَان لمن عاداهم من السَّادة الْأَعْيَان (اصبر على مضض الحسود فَإِن صبرك قَاتله ... ) (فَالنَّار تَأْكُل بَعْضهَا ... إِن لم تَجِد مَا تَأْكُله) وَكَانَ ذَلِك سَببا لتأخيره وتدبير الدَّهْر فِي تدميره كَيفَ لَا وَهُوَ لَا يزَال فِي مجَالِس جود ومقام الْعِبَادَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود رَجَعَ إِلَى بعض أَوْصَافه من قلَّة مبالاته وَعدم انصافه فَلم يزل على هَذَا الأسلوب غافلا عَمَّا نَوَاه الدَّهْر من الخطوب يتَنَاوَل كؤوس الْفساد كالمغرم الهائم وَلَا يُبَالِي بعذل عاذل وَلَا لوم لائم لَا يُقَابل خَالص النصح بالإنتصاح وَقد غَدا فِي سَمعه أضيع من مِصْبَاح فِي الصَّباح (يقْضِي على الْمَرْء فِي أَيَّام دولته ... حَتَّى يرى حسنا مَا لَيْسَ بالْحسنِ) إِلَى أَن أَرَادَت دوحة غُصْن السلطنة الْأَزْهَر ومعدن الْخلَافَة الَّذِي حلى جيد الزَّمَان بذلك الْجَوْهَر رَافِعَة أَعْلَام الْخيرَات والناصبة لَهَا على طرق المبرات لَا زَالَت من حوادث الدَّهْر خليه وَمن أكدار الزَّمن صَفيه وضع أساس جَامع وَهُوَ لكل شرف وَأجر جَامع المؤسس الْبُنيان على تقوى من الله ورضوان فَاجْتمع هَالك أَعْيَان الدولة وَكثير من النَّاس ليؤخذ برأيهم الْكَشَّاف للمشكل فِي الأساس فوصل المترجم إِلَى ذَلِك الْمجْلس وَهُوَ فِي فلك الْعِزّ قمر لَا يخْشَى السرَار ويأبى لنَفسِهِ غير الأبدار وَنزل عَن جَوَاده ودوران الْفلك على قدر مُرَاده فبادر عُظَمَاء الدولة إِلَى استقباله وأدوا فَرَائض توقيره وإجلاله فَسلم عَلَيْهِم يَمِينا وَشمَالًا وَاسْتقر فِي الصَّدْر وعزه يهزأ بالبدر كمالا وَهُوَ يترنح من نشوة قهوة الْمجد سكرا وَينظر إِلَى كبراء الدولة شزرا فشرع فِي قطع الْأُمُور وَوَصلهَا وَأخذ فِي عقدهَا وحلها وهم لأَمره سامعون وبلسان الْحَال قَائِلُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 (مرنا بِأَمْر فَإنَّا لَا نخالفه ... وحدّ حدّا فَإنَّا عِنْده نقف) فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أقبل بعض خدمَة السلطنة لأخذ ختم الوزارة مِنْهُ وحبسه وَجعله غَرضا لسهام الدَّهْر هُوَ الْجَانِي على نَفسه وَمَعَهُ كتاب سلطاني بمحو حُرُوف الْمَظَالِم وَنسخ وجود كل ظَالِم مَا زبر حرف ولمح طرف وَلما دنا من الْمجْلس الَّذِي هُوَ فِيهِ والنادي الَّذِي يحويه قبل الْكتاب وَبَالغ فِي إجلاله وناوله إِيَّاه وَقد أُوتِيَ كِتَابه بِشمَالِهِ فبادر إِلَى فض خَتمه بعد تقبيله ولثمه فَإِذا هُوَ سطر عنبري كَأَنَّهُ من رماح الْخط فَكَلمهُ روحه قبل جِسْمه وَأبْدى السخط (جراحات السنان لَهَا التيام ... وَلَا يلتام مَا جرح اللِّسَان) فأثر تَأْثِير الرماح فِي اتلاف الْأَرْوَاح فأجال فِيهِ النّظر فكاد وَجهه يسفر عَن دم ويصبغ أديمه بعض الْبيَاض بصبغ عندم فَنَهَضَ من مَجْلِسه دهشاً وَمَشى خطوَات مرتعشاً فالتف من الْخَوْف سَاقه بساقه وَكَيف وَيَد الحنف أخذت بأطواقه فَأخذ من ذَلِك الْمقَام وأودع فِي السجْن بعض أَيَّام والدهر يسدد إِلَيْهِ سِهَام الْحمام إِلَى أَن برز الْأَمر بسلب سلب حَيَاته والباس لِبَاس مماته فسارعوا إِلَى السجْن حسب وُرُود الْأَمر فِي أمره وهبوا إِلَيْهِ كَالرِّيحِ لاطفاء سراج عمره وَقد صادفوه فِي ليل نابغي بهيم ووجدوه فِي ليل السَّلِيم غير سليم وَهُوَ مُفْرد قد جمع من الهموم أَنْوَاعهَا وأجناسها وتوحش من الْوحدَة وَهُوَ يذكر من أَيَّام السعد إيناسها لَا يرى أحد على بَابه وَلَا يظْهر حَاجِب من حجابه قد خلا مقَامه عَن خربه وأقفر مَجْلِسه عَن صَحبه مُنْفَردا عَن خدمَة وقارعاً سنّ ندمه وخائفاً من زلَّة قدمه وموقناً بإراقة دَمه وَهُوَ يتحزن فِي بَيت الوحشة وَحده ويتذكر فِي حمى الْإِنْسَان عَهده وَقَلبه من الْحَسْرَة على نيران الغضى ولسان حَاله ينشد متأسفاً على مَا مضى (قل لجيران الغضى آها على ... طيب عَيْش بالغضى لَو كَانَ داما) فأوتر لَهُ من الْحمام حنيه وَاتخذ غَرضا لسهام المنيه (شهى إِلَى النَّاس النَّجَاء من الردى ... وَلَا جيد إِلَّا وَهُوَ فِي فتر خانق) ومدت حبال الْمَوْت فالتوت على جيده التواء الأراقم وأحاطت بِهِ إحاطة السوار بالمعاصم فغربت شمس حَيَاته واستراح الْملك من كِتَابه سيئاته (وَإِنَّمَا الْمَرْء حَدِيث بعده ... فَكُن حَدِيثا حسنا لمن وعى) فَدفن فِي جَانب مدرسته المبنية فِي دَار السلطنة الْعلية وَسبب بنائِهِ لَهَا أَن لَهُ معلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 أَرَادَ أَن يكون فِي سلك المدرسين منتظما لاندراجه فِي خدمته فَمَا تيَسّر لَهُ ذَلِك لعدم أَهْلِيَّته فَلَمَّا عجز عَن هَذِه الْقَضِيَّة أَخَذته الحمية الْجَاهِلِيَّة فَبنى لَهُ تِلْكَ الْمدرسَة ليَكُون مدرسا بهَا لدروس الدُّرُوس وإمضاء للغيرة المقررة فِي النُّفُوس وفيهَا سِقَايَة للسبيل يرْوى بِمَائِهَا الغليل انْتهى قلت وَكَانَ مَقْتَله فِي سنة سِتّ بعد الْألف حسن باشا الشهير بميشجي هُوَ كَالَّذي قبله كَانَ أحد الوزراء فِي عهد السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُرَاد وَكَانَ فِي مبدئه من جمَاعَة السُّلْطَان فِي الدَّاخِل ثمَّ خرج ضابطا للجند الْجَدِيد وعزل ثمَّ أُعِيد ثمَّ أعْطى حُكُومَة شرْوَان ثمَّ عزل وَصَارَ وزيرا رَابِعا وَأعْطى التفتيش على السِّكَّة الجديدة وَالْأَمْوَال فِي شهر ربيع الأول سنة تسع بعد الْألف فَشَكَرت خدمته فَصَارَ قَائِم مقَام الْوَزير فِي شعْبَان من هَذِه السّنة ثمَّ أعْطى ختم الوزارة الْعُظْمَى فِي سادس عشرى محرم سنة عشرَة وَألف وَكَانَ جبارا خَبِيث الطَّبْع عنيدا وَقد تَرْجمهُ المنشي الْمَذْكُور آنِفا فأفرط فِي سبه حَيْثُ قَالَ فِي وَصفه قذاة عين الدّين وكمد قُلُوب الْمُوَحِّدين ضعف تركيب الْإِسْلَام وَقُوَّة عَبدة الْأَصْنَام من نبذ كتاب الله وَرَاء ظَهره وَلم يطع مَا أوجبه من نَهْيه وَأمره غَدا الفسادية مشدود الأزر ولعمري إِن وزارته مَأْخُوذَة من الْوزر كَانَ أسدا فِي السّلم وَفِي الْحَرْب نعاما وَلم يزل يتبع الْمعاصِي كالندامى لم يُمَيّز بَين الصُّوف والخز وَلم يفرق بَين العباءة والجز (وَمَا انْتِفَاع أخي الدُّنْيَا بناظره ... إِذا اسْتَوَت عِنْده الْأَنْوَار وَالظُّلم) إِلَيْهِ بِالْجَهْلِ يومي مثل حمَار الطَّبِيب توما لَكِن جَهله مركب لَو أنصفوه لَكَانَ مركب (لَو كَانَ خفَّة عقله فِي رجله ... سبق الغزال بهَا وصاد الأرنبا) غَدَتْ لَهُ عروس الوزارة الْعُظْمَى متدانيه وقطفت ثمار وَصلهَا يَده الجانية جازي من كَانَ السَّبَب فِي إفَاضَة تِلْكَ النِّعْمَة عَلَيْهِ بالكفران وَجعله غَرضا للنوائب وخانه فِي مُعَامَلَته وَالله لَا يحب كل خوان اسْتَعَانَ بنعمته على كفران نعْمَته وَجعل تِلْكَ السَّيئَة عنوان صحيفَة سيئته سل عَلَيْهِ سَيْفا يَده صقلته وَشرع عَلَيْهِ رمحا كَفه قومته عَامله بِمَا جبلت عَلَيْهِ سفالة سجيته وَلَا تَثْرِيب عَلَيْهِ إِذْ كل يعْمل على شاكلته لم يتَفَرَّع على مَا رتبه من مُقَدمَات الْغدر إِلَّا نتيجة قَتله كَيفَ لَا وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيئ إِلَّا بأَهْله لم يؤد الْأَمَانَة إِلَى أَهلهَا وَلم يزف الْعَرُوس إِلَى بَعْلهَا وَلم يدْفع الصَّحِيفَة إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 قاريها وَلم يُعْط الْقوس باريها (وَوضع الندى فِي مَوضِع السَّيْف بالفتى ... مُضر كوضع السَّيْف فِي مَوضِع الندى) فاستبد برياسة الأجناد فأحدقت بِهِ من سَائِر أطرافها الْآفَات والأنكاد اعتزلت عروس الْفَتْح فِي عَهده بِوَجْه عَابس وَلَا بدع فَإِنَّهُ كَانَ أشأم من طويس وداحس وَلم يطَأ جِسْرًا بشؤم أقدامه إِلَّا وَقد انْكَسَرَ كَمَا انْكَسَرَ ظهر الدّين فِي أَيَّامه قد استولى الْكفْر على بعض الْحُصُون الإسلامية من سخافة رَأْيه فاتخذت مساجدها كنائسا وأقيمت بهَا نواميس النواقيس فَأصْبح بِهَذَا السَّبَب ربع الْجِهَاد دارسا والعدا فِي أَيَّامه آمِنَة الثغور وباسمة الثغور وَلما عَاد غير مَحْمُود انْقَطع جلب الزَّاد واتصل الغلا وبعدت الرَّاحَة من الْعَسْكَر بِقرب الْأَعْدَاء والغزاة لم يستطيعوا مناما وَلم يَذُوقُوا طَعَاما وَكم واحدد من تِلْكَ الْجَمَاعَة قضى نحبه من المجاعة فَلَمَّا وصل إِلَى دَار السلطنة الْعلية رَاضِيا من الْغَنِيمَة بالأياب وَقد هلك من الْجند أَكثر من الْحَصَى وَالتُّرَاب فَعرف بزلة قدمه وأيقن بإراقة دَمه فَاسْتَجَارَ ببذل الْأَمْوَال من عصبَة بعصبة آملا مِنْهُم أَن يقيلوا عثاره وذنبه فتعصب لَهُ ذَلِك الحزب ليخلصه من شباك الْحِين فنكصوا على أَعْقَابهم وإنخذلت إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَظَهَرت الْعَدَاوَة والبغضاء وَلم يلتئم إِلَى الْآن شَمل الفئتين فاستقر فِي دست الوزارة وَأصْبح ساحباً ذيل الصدارة فَأخذ فِي إبعاد من تقرب إِلَى حَضْرَة السلطنة من الوزراء والحواشي من كل من هُوَ الدخيل فِي ذَلِك الْفَنّ والناشي زعما من سخيف عقله على أَن يسْتَقلّ بالوزارة على حكم الإنحصار وَلم يعلم بِأَن الْأَيَّام قد نهضت على قَوَائِم الهمة لأخذ الثأر حَتَّى قد سَوَّلت لَهُ نَفسه التَّفْرِيق بَين غُصْن الدولة ودوحته وَأصْبح هَذَا الْأَمر فِي صَدره أحل أمْنِيته فَعلم مَا أَرَادَ وَمَا شرع فِيهِ من الْمَكْر وَالْفساد فبادره الْعَزْل فاستمر عدَّة أَيَّام خَارج السُّور كالمحبوس وَقد نفضت النَّاس بِهَذَا السَّبَب غُبَار النكد والبؤس إِلَى أَن برز الْأَمر فِيهِ بتطهير الْعَالم من ذَلِك الْخبث الَّذِي هُوَ لنقض وضوء الْإِسْلَام حدث فغدا جيده فِي فتر خانق فاستراح مِمَّا ألم بِهِ من الْقلب الخافق فاتفقت مواراة سوأته بِقرب من قبله حسن باشا باسكدار وَمَا أبْغض الْجَار إِلَى الْجَار انْتهى قلت وَكَانَ قَتله فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف وَالله أعلم حسن باشا الْوَزير صَاحب الْيمن كَانَ من أَعْيَان الوزراء أرْسلهُ السُّلْطَان مُرَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 ابْن سليم إِلَى الْيمن فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فَدخل إِلَى صنعا عَاشر الْمحرم سنة تسع وَثَمَانِينَ وَكَانَ ذَلِك الْوَقْت جبال الْيمن وحصونها فِي أَيدي الْحُكَّام من الْأَشْرَاف الْآتِي ذكرهم كَانَ حصن ثلا وحصن مُدع وحصن نسور وبلادهم تَحت حكم السَّيِّد عَليّ بن يحيى بن المطهر ابْن الإِمَام شرف الدّين وَكَانَ حصن ذِي مرمر وبلاده وبلاد الشرق تَحت حكم السَّيِّد لطف الله بن المطهر وَكَانَ حصن غفار وبلاده فِي حكم السَّيِّد غوث الدّين بن المطهر وحصن مُبين وبلاد حجَّة فِي يَد السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن المطهر وحصن ظفار وبلاد الطَّاهِر فِي يَد السَّيِّد مُحَمَّد بن النَّاصِر الْجونِي وصعدة وبلادها فِي يَد الإِمَام الْحسن بن عَليّ المؤيدي الْقَائِم فِي زمن مُرَاد باشا وحصن كحلان وبلاده فِي يَد السَّيِّد حسن بن شرف الدّين وَكَانَ الْوَزير الْمَذْكُور كَمَا قَالَ الشَّاعِر (إِن المكارم وَالْمَعْرُوف أَوديَة ... أحله الله مِنْهَا حَيْثُ تَجْتَمِع) وَكَانَ عادلا وقورا عَارِفًا خيرا راجحا مشكورا مها بايحت الْأَشْرَاف وينصفهم وَمن أعجب الْأُمُور أَنه كَانَ بعض أَعدَاء آل المطهر حسن لَهُ التقبيح إِلَيْهِم فَقَالَ لَا أغير شَيْئا لآل الرَّسُول وَلَا أرميهم بالنَّار رِعَايَة لجدهم وَفِي دُخُوله إِلَى صنعا فكر ودبر فِي أَحْوَال الْيمن وشاور الْعُقَلَاء وجالس ذَوي الفطن ثمَّ نَهَضَ لِحَرْب مُلُوك الْيمن وَنحن نذْكر من فتوحاته نبذة على جِهَة الِاخْتِصَار فعين على العساكر كتخداه الْأَمِير سِنَان وَفتح حصن ظفار فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقبض على حاكمه السَّيِّد مُحَمَّد بن النَّاصِر الْجونِي وَفتح حصن عمرَان فِي سنة تسعين وَتِسْعمِائَة وحصن مُدع فِي صفر وحصن ذِي مرمر فِي ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَخرج إِلَى يَده حَاكم الْحصن السَّيِّد لطف الله بن المطهر وَفتح صعدة وبلادها فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَقتل حاكمها السَّيِّد أَحْمد بن الْحُسَيْن المؤيدي وَسلم الْفَقِيه عبد الله بن الْمعَافى حصن السودة طَاعَة للسُّلْطَان فكافئوه بالصنجق السلطاني وقررت بِلَاد السودة تَحت يَده وَهِي الْآن تَحت يَد أَوْلَاده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَفتح حصن ثلا فِي جُمَادَى الْآخِرَة نة ثَلَاث وَتِسْعين وَخرج إِلَى يَده السَّيِّد عَليّ بن يحيى بن المطهر وَقبض على الإِمَام الْحسن بن عَليّ المؤيدي وَفتح بِلَاده فِي شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة من الصأب بجبل أهنوم من جبال الأهنوم وَفتح حصن غفار فِي شهر ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وَخرج إِلَى يَده حاكمه السَّيِّد غوث الدّين بن المطهر وَفتح بِلَاد الصاب فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَقبض الْوَزير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 حسن على أَوْلَاد المطهر الْمَذْكُورين لأَنهم بعد طاعتهم لَهُ لم يسكتوا عَن إثارة الْفِتَن وَأرْسل لَهُم إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة وَذَلِكَ فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَتِسْعين وهم الإِمَام الْحسن بن عَليّ المؤيدي وَعلي يحيى ولطف الله وغوث الدّين وَحفظ الله وَمُحَمّد ابْن الْهَادِي الْجَمِيع آل المطهر وَعين الْوَزير حسن باشا لفتح بِلَاد يافع كتخداه الْأَمِير ستان سردارا على العساكر فَتقدم على بِلَاد يافع فِي الْعشْر الْأَوْسَط من ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فَلم يزل الْأَمِير سِنَان يغاديهم ويراوحهم بِالْحَرْبِ فَكَانَ بَينه وَبينهمْ ثَلَاثمِائَة وقْعَة سجالا تَارَة لَهُم وَتارَة عَلَيْهِم فَأعْطَاهُ الله النَّصْر عَلَيْهِم وَفتح بِلَاد يافع فِي سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَفتح أحور حصن الْغُرَاب وَرجع سالما غانماً فِي شعْبَان سنة تسع ة تسعين وَقد فتح الْيمن بأسرها وَلما استولى حسن باشا عَلَيْهَا وسكنت عَنهُ الْفِتَن وساعدته الأقدار ودانت لَهُ الأقطار ونامت عَنهُ عُيُون الْحَوَادِث استكثر العساكر فشرع فِي تقليلهم فَظهر فِي بِلَاد الشرق الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ وَادّعى الْإِمَامَة فِي سَابِع عشرَة الْمحرم سنة سِتّ بعد الْألف فأطبق اكثر أهل جبال الْيمن على طَاعَته وسارعوا إِلَى إجَابَته وصاروا من جملَة جماعته فاشتعلت نَار الْفِتَن وَضَاقَتْ أَحْوَال الْوَزير من تردد أَصْحَاب الإِمَام إِلَى صنعا وَقَامَ عَلَيْهِ الْأَعْلَى والأدنى وحاربه من كَانَ لَدَيْهِ فِي الْمحل الْأَسْنَى وَلم يبْق مُسْتَقِيمًا على الطَّاعَة إِلَّا الْأَمِير شمس الدّين أَحْمد بيك ابْن مُحَمَّد بيك ابْن شمس الدّين بن الْأَمَام شرف الدّين الْحَاكِم بمحروسة كوكبان فَإِنَّهُ لزم مَا الْتَزمهُ وَالِده للأمير مُحَمَّد من الطَّاعَة للسلطنة حَسْبَمَا تقرر بَينه وَبَين الْوَزير الْأَعْظَم سِنَان باشا فبذل النَّفس والنفيس فِي إشادة نصرها حَتَّى نَالَ بذلك مَا نَالَ وفاز فوزا عَظِيما وَقَفاهُ على فعله ولداه الْأَمِير أَحْمد والأمير إِسْمَاعِيل وتلاهما الْأَمِير جمال الدّين عَليّ بن شمس الدّين وولداه الْأَمِير وجيه الدّين وَعبد الرب فشيدا من الخدم السُّلْطَانِيَّة مَا فاقا بِهِ غَيرهمَا فَنَهَضَ حسن باشا وَجمع أهل النجدة من الرِّجَال وبذل الْأَمْوَال وَعين كتخداه الامير سِنَان سردار على العساكر وأمده بِالرِّجَالِ وَالْأَمْوَال وَطلب حَاكم الْحَبَشَة عَليّ باشا الجزائري فوصل وَكَانَ لوصوله تَأْثِير فِي تسكين الْفِتَن من بِلَاد الْيمن الْأَسْفَل ثمَّ توجه إِلَى بِلَاد يُنَوّه فاستشهد بهَا فِي ثَلَاث سنة ثَمَان وَألف وانضافت خزائنه بالعساكر إِلَى جَانب الْوَزير حسن باشا وَتوجه السردار الْأَمِير سِنَان إِلَى جِهَة كوكبان فَاجْتمع هُوَ والأمير أَحْمد بن شمس الدّين بن شرف الدّين فافتتحا بِلَاد كوكبان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 جَمِيعهَا بعد اسْتِيلَاء أَصْحَاب الإِمَام عَلَيْهَا ثمَّ توجه السردار على سَائِر الْبِلَاد فَفتح بِلَاد ثلا وحصنها وبلاد عمرَان وحصن مُدع وحصن غفار وحصن بِلَاد الطَّاهِر وبلاد حُضُور وبلاد الحمية وبلاد سحان وبلاد مغرب أنس وذمار وبلاد تريم وبلاد جبل اللوز وبلاد خولان ثمَّ عطف على بِلَاد الطَّاهِر فاستقر بِخَمْر والصرارة وهما بلدان يتوسطان بِلَاد الزيدية فوصل إِلَيْهِ الْأَمِير عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن ابْن المطهر وَكَانَ مواليا للسلطنة فحصره الإِمَام الْقَاسِم فِي حصن مُبين بِبِلَاد حجَّة فاستولى الإِمَام على بِلَاده فَخرج من حصن مُبين إِلَى عِنْد الإِمَام بالأمان فَأخذ عَلَيْهِ الْعَهْد مِنْهُ واليه وأرسله لِحَرْب السلطنة فَكَانَ طَرِيقه من عِنْد الإِمَام إِلَى عِنْد السردار فَاسْتَفْتَحَ بِلَاد حجَّة وألزمه السردار باستفتاح بِلَاد الشرق فاستفتحها فَلَمَّا شَاهد الْوَزير حسن باشا علو همته ومناصحته لجَانب السلطنة انْعمْ عَلَيْهِ بِبِلَاد الشرق وَقَررهُ على بِلَاد حجَّة وَكَانَت لَهُ إنعامات من السلطنة كَثِيرَة فَلم يرع حُقُوقهَا فِي آخر مدَّته بل طَغى وَسَنذكر مَا آل أمره إِلَيْهِ فِيمَا بعد وَاسْتولى الإِمَام على بِلَاد صعدة فَقَامَ على سَاق الْحَرْب الْأَمِير مصطفي وانتقل بالوفاة قُم قَامَ مقَامه الْأَمِير مُحَمَّد الْكرْدِي فاتفق الصُّلْح بَينه وَبَين الْأَمِير مُحَمَّد المؤيدي فَحصل الْفَتْح وأنعم عَلَيْهِم بالصنجق السلطاني ونال من السلطنة مَا رغم بِهِ أنف أعدائه وَكَانَ ذَلِك فِي صفر سنة سبع وَألف وضعفت شَوْكَة الْقَاسِم وَلم يبْق فِي يَده إِلَّا حصن شهارة فِي بِلَاد الأهنوم فتحصن بِهِ فعين الْأَمِير سِنَان عَلَيْهِ فأحدق بِهِ فَخرج وهرب من الْحصن متنكرا وَلم يشْعر بِهِ أحد وَبَقِي وَلَده السَّيِّد مُحَمَّد متحصنا مَكَانَهُ فَضَاقَ حَاله فَخرج بالأمان وَإِن يكون مقره عِنْد صَاحب كوكبان فَأعْطَاهُ الْأمان على ذَلِك وَكَانَ ذَلِك فِي سنة سِتّ عشرَة وَألف وَلما طَالَتْ مُدَّة صَاحب التَّرْجَمَة بِالْيمن عزل عَنهُ وَخرج على وَجه مستحسن فَتوجه إِلَى الرّوم فِي الْيَوْم الْحَادِي وَالْعِشْرين من صفر سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وَولى بعده كتخداه سِنَان باشا ثمَّ توفّي صَاحب التَّرْجَمَة بقسطنطينية سادس عشر رَجَب سنة سِتّ عشرَة وَألف رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد حسن المجذوب المعتقد الْمَعْرُوف بالغريق نزيل دمشق أَصله من قَرْيَة من ضواحي نابلس قيل أَن اسْمهَا زيتا قدم إِلَى دمشق وجاور بالجامع الْأمَوِي عِنْد رواق اليمانية وَكَانَ يكثر الْكَلَام فِي الْجَامِع بالصوت العالي ثمَّ خرج من الْجَامِع وَسكن فِي جَامع يلبغا وَاتفقَ أَن رجلا مُؤذنًا قتل هرة فِي الْجَامِع الْمَذْكُور ثمَّ نَام فَقَامَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 إِلَيْهِ السَّيِّد حسن وَألقى على رَأسه صَخْرَة عَظِيمَة فَقتله وَعرض على حسن باشا بن مُحَمَّد باشا الْمُقدم ذكره وَكَانَ نَائِب الشَّام حِينَئِذٍ فَسَأَلَهُ لم قتلت هَذَا فَقَالَ لِأَنَّهُ قتل قطى فَأَطْلقهُ لجذبه ثمَّ انْتقل بعد هَذِه الْحَادِثَة إِلَى بُسْتَان بِأَرْض أرزة من الْمزَارِع فقطن بِهِ نَحْو خمس سِنِين لَا يُفَارق الْبُسْتَان فِي الْفُصُول الْأَرْبَعَة وَكَانَ الثَّلج ينزل عَلَيْهِ يطمه وَهُوَ جَالس لَا يبرح وَقيل أَنه كَانَ لَا يُصِيبهُ الثَّلج إِذا وَقع وَلَا يُصِيب الْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ وَكَانَ لَا يتَضَرَّر من حر وَلَا برد صيفا وشتاء وَكَانَت النَّاس تقصده بالزيارة هُنَاكَ ويأتون إِلَيْهِ بِالطَّعَامِ وَالشرَاب وَرُبمَا يرَوْنَ مِنْهُ مكاشفات غَرِيبَة ثمَّ انْتقل إِلَى سفح قاسيون وَأقَام بمغارة الشياح بَين مغارة الدَّم وكهف جِبْرِيل وانضم إِلَيْهِ الشَّيْخ حُسَيْن الرُّومِي وَكَانَ يتعبد بذلك الْوَادي قبله بسنين فتجاورا وبالمغارة الْمَذْكُورَة وَتردد النَّاس إِلَيْهِمَا كثيرا وَكَانَ حسن مجذوبا كثير الْكَلَام عِنْد زِيَارَة الزائرين فَيَأْخُذ كل أحد من كَلَامه حِصَّة لنَفسِهِ تناسب مقْصده فاشتهر بالمكاشفة وَوَقع عَلَيْهِ أهل دمشق خُصُوصا النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ كن يترددن إِلَيْهِ كثيرا وَكَانَ يجْتَمع عِنْده مِنْهُنَّ فِي الْوَقْت الْوَاحِد مَا يزِيد عَن مائَة امْرَأَة وَكَانَ حُسَيْن عَليّ الرُّومِي عَاقِلا يعرف الْكَلَام وَكَانَ من الْعجب فِي كَونه قيد السَّيِّد حسن الْمَذْكُور فِي ذَلِك الْمَكَان وَكَانَ يطعمهُ ويسقيه ثمَّ إِن حُسَيْنًا تزوج بِامْرَأَة من نسَاء الصالحية وَنزلا من المغارة إِلَى بَيت الْمَرْأَة فِي الْجَبَل وَكَانَ النَّاس يقصدونه أَيْضا فِي بَيت الْمَرْأَة ويزورونه ويهدون إِلَيْهِ الْهَدَايَا الجليلة وَلم يزل هُوَ وحسين مقيمين على هَذَا الْحَال إِلَى أَن وَقع سيل عَظِيم فِي دمشق هلك فِيهِ أَكثر من مائَة نفس وَكَانَ مِنْهُم السَّيِّد حسن ورفيقه حُسَيْن وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر صفر سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَكَانَ ثامن أيار فَجَاءَت قبيل الْعَصْر سَحَابَة فِيهَا ريَاح عواصف ورعود شَدِيدَة وبروق متواترة ثمَّ تراكم غمامها وَجَاء برد شَدِيد كَبِير بِقدر البندق فِي ثَلَاث نوب أَو أَربع وَوَقع غالبه على الصالحية والجبل ومعظمه كَانَ بالجانب الغربي مِنْهَا وَكثير مِنْهُ على مَدِينَة دمشق حَتَّى امْتَلَأت مِنْهُ الأقنية والطرقات ثمَّ سَالَتْ أَوديَة الصالحية خُصُوصا الْوَادي الَّذِي فِيهِ مغارة الشياح فَأخذ السَّيْل دورا وقبورا وَفتح فِي تِلْكَ الأَرْض مَعَ صلابتها خنادق عَظِيمَة عميقة وأطلع صخورا عَظِيمَة واستخرج السَّيِّد حسن صَبِيحَة يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشر صفر من هَذِه السّنة وَحضر جنَازَته الجم الْغَفِير من الرِّجَال وَالنِّسَاء ثمَّ فِي آخر ذَلِك الْيَوْم نبش الدرويش حُسَيْن وَأخرج وَدفن من الْغدر رحمهمَا الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 الشَّيْخ حسن الدَّيْر عطاني من دير عَطِيَّة قَرْيَة من قرى دمشق تَابع نَاحيَة جُبَّة عَسَّال بِالْقربِ من النبك المجذوب ورد إِلَى دمشق وجاور بالجامع الْأمَوِي وَكَانَ لَا يخرج مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا وَكَانَ يُنكر على السوقة بيعهم المآكل الطّيبَة وَيَقُول أَنهم يكدرون على الْفُقَرَاء عيشهم ويؤذونهم وَكَانَ لَا يقتات إِلَّا بالْخبر الخشن ويتأدم بالخل وَالزَّيْتُون أَو نَحْوهمَا وَكَانَ لَا يقبل من أحد شَيْئا إِلَّا من بعض جمَاعَة مخصوصين وَيظْهر لامتناعه فِي الْغَالِب حِكْمَة من كَون مَا يدْفع إِلَيْهِ فِيهِ شُبْهَة أَو عدم إخلاص وَكَانَ لَهُ مكاشفات ظَاهِرَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ سوى قَمِيص أَزْرَق يلْبسهُ صيفا وشتاء وينام فِي الْجَامِع وَهُوَ نظيف الثَّوْب وَالْبدن وَإِذا كَانَ رَمَضَان ذهب إِلَى أَهله فصَام هُنَاكَ وَترك الْجَامِع لِاجْتِمَاع النَّاس فِيهِ وَكَثْرَة لغطهم وَذكر عَنهُ الإِمَام الْحجَّة الشهَاب أَحْمد بن أبي الوفا المفلحي الْمُقدم ذكره أَنه سَمعه قبل حَادِثَة ابْن جانبولاذ وَهُوَ يَقُول أظلم ظلمُوا أظلم ظلمُوا قَالَ فَقلت لَهُ عَمَّن تَقول قَالَ عَن هَؤُلَاءِ الظلمَة يُشِير إِلَى جند الشَّام سَوف ترى كَيفَ يُسَلط عَلَيْهِم عَليّ بن جانبولاذ فَلَمَّا تلاقوا مَعَه لم يصبروا حَتَّى انكسروا وهربوا مِنْهُ وتشتتوا فِي الْبِلَاد وَله غير ذَلِك من الْأَحْوَال الباهرة وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَحَد تَاسِع شعْبَان سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف تشكي يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ من غير انْقِطَاع وَلَا اضطجاع وَلما كَانَ الْيَوْم الْمَذْكُور أَرَادَ الْخُرُوج من الْجَامِع وَقت الضُّحَى والواعظ يعظ فَسقط قبل أَن يصل إِلَى بَاب العنبرانيين مَيتا وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى الْعِمَادِيّ الشَّيْخ حسن الْكرْدِي الْعِمَادِيّ الشَّافِعِي نزيل دمشق أحد الْمُحَقِّقين فِي الْعلم الْمَشْهُود لَهُم بالتبحر فِي العقليات قدم دمشق فِي حُدُود سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَألف وَتزَوج بهَا وتملك دَارا بِالْقربِ من الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة ودرس بِدِمَشْق فَانْتَفع بِهِ غَالب طلبة عصره من أَبنَاء دمشق وَكَانَ سريع الْكِتَابَة صَحِيح الضَّبْط كتب بِخَطِّهِ الْكثير من الْكتب من جملَة ذَلِك حَاشِيَة شَيْخي زَاده وقف جَمِيع كتبه على طلبة الْعلم بِدِمَشْق قلت وَهَذِه الْكتب مَوْضُوعَة عِنْد بني السعسعاني هِيَ وَكتب الدفتري وَهِي محتوية على نفائس الْكتب وَأعْطى المنلا حسن آخرا تدريس دَار الحَدِيث الأحمدية فدرس بهَا مُدَّة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من أَفْرَاد وقته علما وكمالا وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى الْخَارِجِي حسن باشا الناجم على الدولة فِي عهد السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم كَانَ فِي ابْتِدَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 أمره حَاكم التركمان ثمَّ ولى كَفَالَة حلب وَخرج بهَا عَن الطَّاعَة وفتك فِي تِلْكَ النواحي وانضم إِلَيْهِ بعض أُمَرَاء ورعاع من طَائِفَة السبكان وقويت شوكته وَلما تعين نَائِب الشَّام أَحْمد باشا ابْن الطيار إِلَى سفر السُّلْطَان فِي أواسط شعْبَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف خرج من الشَّام وَمَعَهُ خَمْسمِائَة نفر من جندها فَلَقِيَهُمْ حسن باشا فِي أَطْرَاف أنطاكية وضمهم إِلَيْهِ وَأرْسل إِلَى جَانب السلطنة يَقُول إِنَّه لَا يتَوَجَّه إِلَيْهِم أَلا أَن يقتلُوا الْوَزير الْأَعْظَم فَلم يُجِيبُوهُ إِلَى ذَلِك وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ ليَأْتِي إِلَيْهِم فَلم يفعل وَمَا زَالَ ينهب ويفتك إِلَى أَن وصل إِلَى بروسة ثمَّ عَاد وعسكر الشَّام مَعَه فعين السُّلْطَان لقتاله الْوَزير مرتضى مَعَ عدَّة أُمَرَاء وعساكر فتقابل الجيشان وانكسر مرتضى ونهبت أَمْوَاله ثمَّ خرج عَنهُ عَسْكَر الشَّام بأَمْره وَرَجَعُوا إِلَى دمشق وَبلغ السُّلْطَان مَا فعل فازداد غَضَبه عَلَيْهِ وَأرْسل إِلَى الْوَزير مرتضى وَمن مَعَه من العساكر يَقُول لَهُم أَنهم يدْخلُونَ حلب وأضاف إِلَيْهِم عَسَاكِر أحر وَأمر مرتضى باشا عَلَيْهِم وَكَانَ من جملَة أُولَئِكَ قدري باشا نَائِب الشَّام فَلَمَّا دخلُوا إِلَى حلب جَاءَ حسن باشا إِلَى كلس فَدخل بَين الْفَرِيقَيْنِ بعض أُمَرَاء تِلْكَ النَّاحِيَة بِالصُّلْحِ وَكَانَت حِيلَة من مرتضى باشا على أَن يَأْتِي حسن باشا إِلَى عِنْد مرتضى باشا فَإِذا اجْتمعَا حصلت المصافاة وَاتبع حسن باشا أَمر السُّلْطَان فِي الْمسير مَعَ مرتضى باشا إِلَى طرف السلطنة ورتب مرتضى باشا لحسن باشا ضِيَافَة وكل من أُمَرَاء مرتضى باشا أضَاف وَاحِدًا من جمَاعَة حسن باشا المتعينين بِأَمْر مرتضى باشا حَتَّى صَار كل وَاحِد من أُولَئِكَ عِنْد من عين لَهُ وأوقعوا بهم المكيدة وَقتلُوا حسن باشا وأعيان جماعته وتفرق عسكره ونهبت أَمْوَاله وَكَانَ ذَلِك فِي آخر جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسِتِّينَ ألف حسن الصَّفَدِي العيلبوني الشَّاعِر اللبيب الْفَائِق وَيُقَال فِيهِ أَنه درزي كَانَ حسن المطارحة طيب الْعشْرَة رَحل إِلَى مصر وَأخذ بهَا عَن الشَّمْس البابلي وَالشَّيْخ سُلْطَان والنور والشبراملسي وَغَيرهم وَدخل دمشق وجاور بهَا مُدَّة بالخانقاه السمياسطية وَله شعر كثير مِنْهُ قصيدة نونية هجا بهَا الدروز وَهِي طَوِيلَة تبلغ ثلثمِائة بَيت يذكر فِيهَا مَذْهَبهم الْفَاسِد وضلالاتهم وَله غير ذَلِك وأجود مَا ظَفرت بِهِ من شعره قَوْله (حكى دُخان سما من فَوق وجنة من ... قد مص غليونه أذ هزه الطَّرب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 (غيما على بدرتم قد تقطع من ... أَيدي النسيم فولى وَهُوَ ينسحب) (فَقلت وَالنَّار فِي قلبِي لَهَا لَهب ... لقد حكيت وَلَكِن فاتك الشنب) ثمَّ ارتحل من دمشق إِلَى عكة وَأقَام بهَا مُدَّة بهَا وَتُوفِّي وَكَانَت وَفَاته سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف والعيلبوني بِفَتْح الْعين ثمَّ يَاء مثناة من تَحت سَاكِنة فلام فموحدة مَضْمُومَة بعْدهَا وَاو ثمَّ نون نِسْبَة إِلَى عيلبون قَرْيَة من أَعمال صفد والدرزي سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي تَرْجَمَة فَخر الدّين بن معن فِي حرف الْفَاء إِن شَاءَ الله الشَّيْخ حُسَيْن بن أبي بكر بن سَالم بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف اليمني العناتي الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف كَانَ أحد أجواد زَمَانه وَله أَحْوَال باهرة وكرامات شائعة ولد بِمَدِينَة عينات وَقَرَأَ الْقُرْآن وَصَحب أَبَاهُ وَكَانَت الْولَايَة لائحة عَلَيْهِ من صغره وَظهر برهانها عَلَيْهِ فِي كبره واشتغل بالعلوم الشَّرْعِيَّة والتصوف وَلزِمَ مطالعة كتب الْغَزالِيّ وَصَحب أَعْيَان عصره وَأخذ عَنْهُم وَلما مَاتَ أَبوهُ قَامَ مقَامه وشاع أمره وَصَارَت إِلَيْهِ الرحلة فِي وقته وَكَانَت لَهُ حفدة كَثِيرُونَ وَكَانَت العربان تفد اليه من أقطار الأَرْض وترفع أمورها إِلَيْهِ وَكَانَ محسنا إِلَى الْفُقَرَاء وَيكرهُ لَهُم التفعل فِي طلب المقامات وَيَأْمُرهُمْ بإخلاص الْعَمَل وَيَقُول لَا تَتَّخِذُوا الْأَعْمَال وَسَائِل لمقاصد النُّفُوس تُحشرُوا مَعَ الخاسرين وَكَانَ يكره الْجَبَابِرَة وَلَا ينظر إِلَيْهِم الأشزرا وَإِذا جاءهوا أحدهم مَشى الهوينا وَلما كتب إِمَام الزيدية إِلَى أهل الْبِلَاد والخضرمية يستدعيهم إِلَى الدُّخُول فِي طَاعَته فَلم يرد لَهُم جَوَابا وَقَالَ حقيق لمن لم يدع إِلَى مَا يُرْجَى فِيهِ الثَّوَاب أَن يَنْقَلِب صَاحبه بِغَيْر جَوَاب وَكَانَ شَدِيد الْإِنْكَار على من يشرب التبغ واعتنى بإزالته من تِلْكَ الديار فتم لَهُ وَنُودِيَ فِي الْأَسْوَاق وصنف لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد عَليّ بن عَلان الْمَكِّيّ فِي حرمته مصنفين وَتَبعهُ بعض الْحَنَفِيَّة فِي تَحْرِيمه وَالَّذِي أفتى بِهِ الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي وَالشَّيْخ عبد الله بن سعيد باقشير من شافعية الْحجاز وَعدم الْحُرْمَة إِلَّا لمن حصل لَهُ بِهِ ضَرَر قلت وَظُهُور التنباك الْمُسَمّى بالتبغ وبالتتن بِجِهَة الغرب والحجاز واليمن وحضرموت كَانَ فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف كَمَا وجدته بِخَط بعض المكيين وتاريخه بغى وَأما ظُهُوره فِي بِلَادنَا الشامية فَلَا أتيقنه لكنه قريب من هَذَا التَّارِيخ انْتهى وَلما حصل على السُّلْطَان عبد الله بن عمر الكثيري مَا حصل خَافَ من الْقَبْض والأسرة التجأ إِلَيْهِ فَنَجَّاهُ مِمَّا حل بِهِ وَلم يَقع فِي الْبِلَاد اختلال ومحصل القَوْل أَنه كَانَ من صلحاء وقته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 وَكَانَت وَفَاته سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة عينات بِالْقربِ من وَالِده رَحمَه الله تَعَالَى الأديب حُسَيْن بن أَحْمد بن حُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن الْجَزرِي الشَّاعِر الْمَشْهُور الْحلَبِي أحد المجيدين جمع فِي شعره بَين الصِّنَاعَة والرقة نَشأ بحلب وَأخذ بهَا الْأَدَب عَن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن المنلا وَالْقَاضِي نصر الدّين مُحَمَّد الحلفا وشغف بتَعَلُّم الشّعْر صَغِيرا وَحفظ قصائد عديدة وفحص عَن مَعَانِيهَا وَأكْثر من مطالعة كتب الْأَدَب واللغة حَتَّى صَار لَهُ رسوخ ثمَّ أَخذ يمدح الْأَعْيَان وَكَانَ إِذا تكلم لَا يَظُنّهُ الْإِنْسَان يعرف شَيْئا وَكَانَ لَهُ خطّ نسخي فِي غَايَة الْحسن إِلَّا أَنه كَانَ سيء الْأَخْلَاق وَلما تنبل اقتعد غارب الأغتراب فَرَحل إِلَى الشَّام وَالْعراق وَدخل الرّوم فِي سنة أَربع عشرَة وَألف وَقَرَأَ فِيهَا على مُحَمَّد بن قَاسم القاسمي الْحلَبِي حِصَّة من هِدَايَة الْفِقْه وَفِي ذَلِك بقول فِي قصيدته البائية يمدح بهَا القاسمي الْمَذْكُور وَهِي (لقد آن أعراضي عَن الغي جانبا ... وَأَن أتصدّى للهداية طَالبا) وَهِي مَذْكُورَة فِي ديوانه فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى ذكرهَا عَاد إِلَى حلب وَاسْتقر بهَا وَكَانَ أَحْيَانًا يتَرَدَّد لبنى سَيْفا أُمَرَاء طرابلس وَله فيهم المدائح الْكَثِيرَة جمع لَهُ ديوانا وَهُوَ مَوْجُود بإيدي النَّاس وَكَانَ مغرما بِشعر أبي الْعلَا المعري كثيرا الْأَخْذ مِنْهُ وَأخْبر أَنه رَآهُ فِي مَنَامه وَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ اللُّزُوم وَفهم من تَقْرِيره فِي تِلْكَ الرُّؤْيَا الْخَيْر كل الْخَيْر فِيمَا أكرهت النَّفس الطبيعية عَلَيْهِ وَالشَّر كل الشَّرّ فِيمَا أكرهتك النَّفس الطبيعية عَلَيْهِ وَكتب على ديوانه اللُّزُوم قَوْله (إِن كنت متخذا لجرحك مرهما ... فكتاب رب الْعَالمين المرهم) (أوكنت مصطحبا حبيبا سالكا ... سبل الْهدى فلزوم مَا لم يلْزم) وَمن شعره فِي الْغَزل قَوْله (مَا عِشْت من ألم الْفِرَاق ... لَو لم أطل أمل التلاقي) (فأظل كالملسوع من ... أَفْعَى النَّوَى ورجاي راقي) (يَا ثَالِث القمرين إِلَّا ... فِي الْكُسُوف وَفِي المحاق) (حتام دمعي فِيك لَا ... يرقا وروحي فِي التراقي) ... وَالأُم يَسْتَسْقِي الْفُؤَاد ... ظما وأجفاني سواقي) (وغريق دمع الْعين لَا تَلقاهُ إِلَّا فِي احتراق ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 (وَالْحب مَا أورى الضلوع ... جوى وَمَا أروى المآقي) (فعساك إِن تجزي محبيك ... الْمحبَّة بالوفاق) (وَقد لقِيت هَوَاك ... أعظم مَا لقِيت وَمَا أُلَاقِي) (وَصَبَرت فِيك عَن العدا ... صَبر الْأَسير على الوثاق) (وَعلمت أَن الصَّبْر يَا ... عذب اللمى مرّ المذاق) (فَأَعْرض عَن الْأَعْرَاض ... أعراضي لديك عَن النِّفَاق) (وأرفق وَلَو بالألتفات ... عَليّ مَا بَين الرفاقّ) (فَلَقَد يكون تلفت الْأَعْنَاق ... دَاع للعناق) (واستبق مني باللقاء ... بواقيا لَيست بواقي) (أَعْضَاء صب مَاله ... ألاك من عَيْنَاك واقي) (فالبيض سود عيونها ... وأمضى من الْبيض الرقَاق) (وَقد ودهنّ واشق ... فِي الطعْن كالسمر الرشاق) (وَإِذا بليت بحبهنّ ... بليت بالدمع المراق) وَقَوله من قصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا (منهل دمع الْمُحب من دَمه ... فارفق بمغري الْفُؤَاد مغرمه) (أبكيته والبكاء شَاهد مَا ... يذوب من لَحْمه وأعظمه) (كَأَنَّهُ فِي الْفراش من سقم ... معنى رَقِيق يجول فِي فَمه) (يَا قمراً فَرعه الظلام على ... غُصْن النقابا سما بأنجمه) (أَي ظلوم سواك ينصره ... لم يخف الله فِي تظلمه) (والصب بيَدي أَلِيم صبوته للحب فِي الْحبّ من تألمه ... ) وَمن سَائِر شعره قَوْله متغزلا (ننقدّاك ساقياً قد كساك الْحسن ... من فرقك المضيء لساقك) (تشرق الشَّمْس من يَديك وَمن فِيك ... الثريا والبدر من أطواقك) (أوليس العجيب كونك بَدْرًا ... كَامِلا والمحاق فِي عشاقك) (فتنه أَنْت أذمتيت وتخمي ... بتلاقيك من تشاو فراقك) (لست من هَذِه الخليقة بل ... أنست مليك أرْسلت من خلاقك) وَقَوله (يَا لَيْلَة جمعتنَا وَالسُّرُور مَعًا ... لَا ورّعتها دوالي الْأُفق بالفلق) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 (لَو استطعنا وَقد شابت مفارقها ... صنعا لَهَا من سَواد الْقلب والحدق) (بكيتها وشباب الْعَيْش فِي دعة ... منا وغافل طرف الدَّهْر وَلم يفق) (علما بِأَن اللَّيَالِي غير بَاقِيَة ... وكل مُجْتَمع يَرْمِي بمفترق) وَله وَهُوَ معنى غَرِيب (وَبِي مضاضة عَيْش مهنى لغب ... مِنْهَا وساورني فِي سورها سغب) (حَتَّى تصوّر لي مِنْهَا على ظمأ ... أَن الْمنية فِي ثغر المنى شنب) وَله (أحجب من أهواه خوف وشاته ... وأقصيه عني والمزار قريب) (وَلم أر فِي الدُّنْيَا أشدّ مضاضة ... على الْقلب من حب عَلَيْهِ رَقِيب) وَقَوله وهما من ملحه (قديم محبَّة وَحَدِيث عهد ... مقرّهما فؤاد أَخ حميم) (وَأَن خلتم سواكم لي خَلِيلًا ... فَإِن الْحبّ للخل الْقَدِيم) وَقَالَ وَهُوَ بِدِمَشْق فِي غُلَام رمدت عينه (وَمَا رمد فِي عين حبي لعِلَّة ... وَلَكِنِّي أنبيكم بِوُجُودِهِ) (أَرَادَ يرى مَا فِي محياه من سنا ... فأثر فِيهِ جرم شمس خدوده) وَقَالَ يمدح فصل الرّبيع (قابلتنا أَيدي الرّبيع بِوَجْه ... حسن فِيهِ للمحاسن شَاهد) (ولنعم الزَّمَان مِنْهُ منحنا ... فضل فصل الرّبيع لَو كَانَ خَالِد) وَقَالَ (يَا خير من محوه يُرْجَى ... لزلة أَثْبَتَت بسهو) (إِنِّي أهل لكل ذَنْب ... وَأَنت أهل لكل عَفْو) وَمن مفرداته قَوْله (عَسى شمس هَذَا الدَّهْر تَأتي يوفق مَا ... نرجى وَسعد الوفق فِي شرف الشَّمْس) وَقَوله (تغافلت عَن أَشْيَاء مِنْهُ وَرُبمَا ... يَسُرك فِي بعض الْأُمُور التغافل) وَقَوله (نأسو برؤياك مَا أَسَاءَ بِنَا ... لَا يصلح الْجرْح غير مرهمه) (فَإِن هَذَا الزَّمَان محسنة ... كَفَّارَة عَن ذنُوب مجرمه) وَقَوله (وأجاد وليل كَانَ الصُّبْح فِيهِ مآرب ... نؤمل أَن تقضي وخل نصادقه) وَسَار فرفى آخر عمره إِلَى حماة الرَّجَاء عَن لَهُ بهَا فَرَأى لَيْلَة سيره كَأَنَّهُ يودع أَهله فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ ينشد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 (قومِي أحسني مِنْك وداعي فَمَا ... بعْدك حسنا يَا ابْنة الْقَوْم) (وزوّدي جفني طيف الكري ... فَلَيْسَ بعد الْيَوْم من نوم) فَلَمَّا دَخلهَا توفّي ابْن أميرها الْأَمِير عَليّ بن الأعوج واسْمه روحي فَقَالَ (لَا تعجبوا أَن سَالَ دمعي دَمًا ... واشتعلت نَارا تباريحي) (فلست من يبكي على غَيره ... وَإِنَّمَا أبكى على روحي) وَبعد مُدَّة توفّي وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف هَكَذَا ذكر البديعي وَفَاته فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَة من ديوَان ابْن الْجَزرِي بِخَط بعض الدمشقيين ذكرانه أخبرهُ الْأَمِير عَليّ بن الأعوج أَن الْجَزرِي مَاتَ بعد إنشاد الْبَيْتَيْنِ المذكوريين بِثَلَاثَة أَيَّام وَلم يقل بعدهمَا شعرًا وَأَن وَفَاته كَانَت فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وناقض أَبُو الْوَفَاء العرضي فِي وَفَاته فذكرانها فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَلست أَدْرِي أَي المقولات أصح وَزَاد العرضي أَنه توفّي غَرِيبا بحماة كَمَا توفّي وَالِده بِالْبَصْرَةِ غَرِيبا وعمره نَحْو الْخمس وَالثَّلَاثِينَ وَدفن بالتربة الْمَعْرُوفَة بالعليليات والجزري نِسْبَة إِلَى جَزِيرَة ابْن عمر من بِلَاد الأكراد بهَا كَانَ أجداده وَلَهُم فِيهَا المكانة والجاه كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي بعض قصائده (أنّ الجزيرة لَا عدا ... جوديها الْغَيْث الهتون) (خلقُوا بهَا آباي ... آساد الشرى وَهِي العرين) (وَلَهُم بهَا الْبَيْت المؤثل فِي قَوَاعِده المكين ... ) (وبركنه الْمجد المتين ... وظله الْمجد الْمُبين) (ولنابهم نسب على الدُّنْيَا لَهُ شرف وَدين ... ) وَهَذِه القصيدة من غرر وقصائده وَهِي طَوِيلَة فتكتفي مِنْهَا بِهَذَا الْمِقْدَار فَفِيهِ كِفَايَة حُسَيْن باشا بن جانبولاذ الْكرْدِي أَمِير الْأُمَرَاء بحلب كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره من المتفرقة ثمَّ تولى إِمَارَة كلس منصب وَالِده وعزله عَنهُ أَخُوهُ الْأَمِير حبيب وشبت الْعَدَاوَة بَينهمَا ثمَّ استمرّا بتعاذلان فَتَوَلّى ديو سُلَيْمَان كلس فَاحْتَاجَ إِلَى جمع السكبانية وَكَانَ ابْتِدَاء كثرتهم وَظُهُور قوانينهم من عبد الْحَلِيم اليازجي أحد أَتبَاع المسكور وولما سجن صَاحب التَّرْجَمَة بحلب وَيبْعَث جَمِيع أَسبَابه وعقاراته بأبخس الْأَثْمَان لمَال سلطاني كَانَ عَلَيْهِ تولى كلس بعد ذَلِك وصمم على الإمتناع من تَسْلِيمهَا أَن عَزله أحد فَكَانَ إِذا عزل من جَانب السلطنة سعى فِي الْعود من غير تَسْلِيم الْمُتَوَلِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 الْجَدِيد فلعلم أكَابِر الدولة أَنهم إِذا صمموا على عَزله شقّ العصافير فَتَرَكُوهُ وارتضوا بِالْمَالِ فكثرت أجناده وأمواله وَكَانَ لَهُ مُرُوءَة وفتوة ومحبة للْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ إِلَّا أَنه كَانَ ظَالِما لاحتياجه إِلَى علوفات السبكانية وَكَانَ لَهُ فَضِيلَة فِي علم المفلك والرايرجا والتقويمات والرمل وَصرف أَكثر عمره فِي ذَلِك وَلما توجه مُحَمَّد باشا الْوَزير ابْن سِنَان باشا الْوَزير الْأَعْظَم سردارا على حُسَيْن باشا أَمِير لِوَاء الْحَبَشَة وَكَانَ خرج عَن الطَّاعَة وشق الْعَصَا وَسَببه أَنه لما تولى إِمَارَة الْحَبَشَة أَخذ مِنْهُ أكَابِر الدولة مَالا جزيلاً اسْتَدَانَ غالبه ثمَّ عزلوه سَرِيعا فشق الْعَصَا مغاصباً لَهُم فَتوجه صَاحب التَّرْجَمَة لحربه صُحْبَة السردار فَقدم إِلَى كاس خارجي من السبكانية يُقَال لَهُ رستم وَمَعَهُ من الْبُغَاة أجناد كَثِيرَة وَكَانَ ضَابِط كاس عَزِيز كتخدا من جمَاعَة صَاحب التَّرْجَمَة فَبعث واستنجد بعساكر حلب مِنْهُم الْعَسْكَر الْجَدِيد فَخَرجُوا لنصرته واجتمعوا جَمِيعًا فتقابلت الأجناد وَقَامَ بَينهم سوق الْحَرْب والطعن وَالضَّرْب فانتصر عَسْكَر رستم على عَسْكَر كاس وحلب وَقتل عَزِيز كتخدا وَقتل من العسكرين مَا لَا يُحْصى وولوا منهزمين فنهب الْخَارِجِي كلس وصادر أَعْيَان أهل الْقرى وَلما تولى نصوح باشا كَفَالَة حلب وَكَانَ عَسَاكِر دمشق تغلبُوا على حلب ونواحيها وَأمره السُّلْطَان أَحْمد بإخراجهم وَعجز عَن ذَلِك فاستعان بِصَاحِب التَّرْجَمَة فَبعث ابْن أَخِيه الْأَمِير عَليّ بعسكر عَظِيم فَأصْبح نصوح باشا وَقد أَخذ القلعة وَوضع متاريس تَحت قلعة حلب واستعدت جماعته فَكَانُوا نَحْو سِتّمائَة فَأخذت العساكر الدمشقية بَاب بانقوسا واستعدوا وجمعوا عساكرهم نَحْو الْأَلفَيْنِ وهم لَا يعلمُونَ أَن صَاحب التَّرْجَمَة بعث عَسَاكِر فَاحْضُرْ نصوح باشا إِلَيْهِ كنعان سردار الدمشقيين وَأخْبرهُ أَن السُّلْطَان رفعهم من الِاسْتِخْدَام وَأمر بإخراجهم من حلب بعيالهم فامتنعوا ثمَّ تواردت الْأَخْبَار أَن الْأَمِير عَليّ بن جَانِبه ولاذ وصل إِلَى قَرْيَة حيلان بعساكر لَا تحصى فَخَرجُوا فِي الظلام وَلم يبْق مِنْهُم اُحْدُ وَفِي الْيَوْم الثَّانِي دخل الْأَمِير على العساكر المتكاثقة فَتَبِعهُمْ نصوح باشا وَمَعَهُ الْأَمِير عَليّ إِلَى قَرْيَة كفر طَابَ فَوَقع بَينهم محاربه فَانْهَزَمَ الدمشقيون بعد مَا قتل مِنْهُم جم غفير فصادر نوح باشا أقاربهم وأتباعهم وَفعل حُسَيْن باشا مَعَ نصوح باشا هَذَا الْفِعْل فَأخذ نصوح باشا يتَكَلَّم بَين النَّاس أَنه يُرِيد قتل حُسَيْن باشا فَسمع الْخَبَر فَأخذ فِي جمع العساكر وَبعث جمَاعَة إِلَى السردار جارسنان باشا ابْن جغاله الَّذِي أرْسلهُ السُّلْطَان لقِتَال الشاه فَبلغ ذَلِك نصوح باشا فاشتدت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 عداونه فعزم على المفاجأة بِالْقِتَالِ لكَون كلس قريبَة من حلب فَخرج فِي عساكره مجدا حَتَّى وَصلهَا فِي يَوْم وَاحِد فقابل حُسَيْن باشا بعسكره والتقت الفئتان فانكسر نصوح باشا وَقتل أَكثر عسكره وَدخل حلب مُنْهَزِمًا ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّانِي أَخذ فِي جمع الأجناد وبذل الْأَمْوَال لتكثير الْعدَد والأعداد ظنا مِنْهُ أَن صبح سعده أَسْفر ثمَّ جَاءَ رَسُول من السردار سِنَان باشا ابْن جغاله يُخبرهُ بالأوامر السردارية أَنه قد صَار حُسَيْن باشا كافل الممالك الحلبية وعزل نصوح باشا مِنْهَا فَلبس نصوح باشا جلد النمر وَامْتنع من تَسْلِيم حلب لحسين باشا وَقَالَ إِذا ولوا حلب لعبد أسود أطيع ذَلِك إِلَّا ابْن جانبولاذ فَمَا مضى أُسْبُوع إِلَّا وَقد أَقبلت عَسَاكِر حُسَيْن باشا بجموعها إِلَى قَرْيَة حيلان فَاسْتَقْبَلَهُمْ نصوح باشا بِالْحَرْبِ ثَانِيًا فانكسر ثَانِيًا فَنزل حُسَيْن باشا بعساكره فِي محلات حلب خَارج السُّور وأغلق نصوح باشا أَبْوَاب الْمَدِينَة وسدها بالأحجار وَفتح بَاب قنسرين وحرسه بعساكر أوقفهم هُنَاكَ وَقطع حُسَيْن باشا المَاء عَن حلب وَمنع الْميرَة وَالطَّعَام عَن دَاخل الْمَدِينَة وَنصب حُسَيْن باشا متاريس على أسوار الْمَدِينَة وصف عساكره على الأسوار مَعَ المكاحل وَقَامَت بَينهم حَرْب البسوس وَأخذ حُسَيْن باشا فِي حفر اللغوم والاحتيال على أَخذ الْبَلدة ونصوح باشا فِي حفر السراديب لدفع اللغوم وَعم الحلبيين الْبلَاء من الْمبيت على الأسوار وحفر السراديب ومصادرة الْفُقَرَاء والأغنياء كل يَوْم وَلَيْلَة لطعام السبكانية وعلوفاتهم وأغلقت الدكاكين وتعطلت الصناعات وَحرقت الأخشاب للطعام والقهوة بِسَبَب قطع حُسَيْن باشا الْميرَة حَتَّى الْخشب والحطب وَنزل الْبلَاء من جَانب السَّمَاء على حلب فَبيع مكوك الْحِنْطَة بِمِائَة قِرْش ريال وجرة الشيرج بِثمَانِيَة عشر قرشا ورطل لحم الْخَيل الكديش بِنصْف قِرْش والتنية الْوَاحِدَة بِقِطْعَة وأوقية بزر الْبِطِّيخ بِأَرْبَع قطع وَأعظم من فِي الْبَلدة يجد أكل البصل والخل من أحسن الْأَطْعِمَة وَكَانَ بَعضهم يَأْخُذ الشمع الشحمى ويضعه فِي طَعَام الْأرز والبرغل وَكَانَ العساكر لَا يَجدونَ التِّبْن بل يَأْخُذُونَ الْحصْر وينقعونها فِي المَاء ويقطعونها ويطعمونها للخيل بَدَلا من التِّبْن وكل فَقير يغرم فِي الْيَوْم قرشين والمتوسط عشرَة والغنى عشْرين وَاسْتمرّ الْحصار نَحْو أَرْبَعَة أشهر وأياماً ثمَّ قدم السَّيِّد مُحَمَّد الْمَشْهُور بشريف قَاضِيا بحلب فَنزل خَارج الْمَدِينَة وَأخذ يسْعَى فِي الصُّلْح ثمَّ عقد الصُّلْح وَلم يرض نصوح باشا إِلَّا أيمانات السبانية وعهودهم فَإِن لَهُم عهودا وَثِيقَة فحلفهم بِالسَّيْفِ أَن يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 آمنا على نَفسه وأمواله وَأَنه إِذا تعرضه حُسَيْن باشا يقاتلونه مَعَه ثمَّ أَمر الشريف نصوح باشا أَن يذهب بِنَفسِهِ إِلَى حُسَيْن باشا ويصالحه لكَون نصوح باشا كَانَ ضرب بنت حُسَيْن باشا وَأخذ أموالها فَذهب وَمَعَهُ شاطر وَاحِد إِلَى منزل حُسَيْن باشا فَأكْرمه وسقاه شربة سكر بَعْدَمَا امْتنع نصوح باشا فَشرب حُسَيْن باشا من الْإِنَاء قبله فاقتدى بِهِ وَشرب وَلما ذهب كَانَ لابسا درعا تَحت الثَّوْب وَظن النَّاس خُرُوج نصوح باشا خُفْيَة لَيْلًا خوفًا من حُسَيْن باشا وعساكره فَلم يكن الْأَمر كَذَلِك بل خرج بعساكره وطبوله وزموره وَقت الْغَدَاة فودعه حُسَيْن باشا وَاسْتولى على الديار الحلبية وشحنها من السكان وصادر الْأَغْنِيَاء والفقراء لأجل علوفة السكان ثمَّ أَمر سِنَان باشا حُسَيْن باشا بالتوجه إِلَيْهِ لقِتَال الشاه فَقدم رجلا وَأخر أُخْرَى وتثاقل عَن السّفر حَتَّى حصلت الكسرة بِبِلَاد الْعَجم للعساكر العثمانية فِي وقْعَة مَشْهُورَة قتل فِيهَا جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَكَانَت فِي سادس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة وَألف فَلَمَّا رَجَعَ الْوَزير سِنَان باشا ابْن جغالة أدْركهُ حُسَيْن باشا فِي رجعته بِمَدِينَة وَأَن فَقتله لتأخره فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ يُرِيد جعل ابْن أَخِيه الْأَمِير عليا قَائِما مقَامه بحلب فَلَمَّا بلغه قتل عَمه تملك حلب وَخرج بهَا على السلطنة وتولدت من ذَلِك فتن عَظِيمَة سنذكرها فِي تَرْجَمَة الْأَمِير عَليّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى الشَّيْخ حُسَيْن بن حسن بن أَحْمد بن سُلَيْمَان أَبُو مُحَمَّد الغريفي البحراني فَقِيه الْبَحْرين وعالمها المشارة إِلَيْهِ فِي عصره ذكره السَّيِّد عَليّ فِي السلافة فَقَالَ فِي حَقه ذونب يضاهي الصُّبْح عموده وَحسب أَوْرَق بالمكرمات عوده وناهيك بِمن ينتمي إِلَى النَّبِي فِي الأنتما وغصن شَجَرَة أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السما وَهُوَ بَحر علم تدفقت مِنْهُ الْعُلُوم أَنهَارًا وَبدر فضل عادبه ليل الْفَضَائِل نَهَارا شب فِي الْعلم واكتهل وهمي صيب فَضله واستهل فَجرى فِي ميدانه انه طلق عنانه وجنى من رياض فنونه أزهار أفنانه إِلَّا أَن الْفِقْه كَانَ أشهر علومه وَأكْثر مَفْهُومه ومعلومه عَنهُ تقتبس أنواره وَمِنْه يقتطف ثمره ونواره وَكَانَ بِالْبَحْرَيْنِ إمامها الَّذِي لَا يباريه مبار وهمامها الَّذِي يصدق خَبره الاختبار مَعَ سجايا تستمد مِنْهَا المكارم ومزايا تستهدي محاسنها الأكارم وَله نظم كثيرا مَا يمده بالفخر وكأنما نقره من صَخْر فَمِنْهُ قَوْله (قل للَّذي عَابَ فعاب الَّذِي ... قلت وَقلت السِّرّ مني ضرّ وَمن) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 (لَا تمتحنها فمتحن أَنَّهَا ... ولية قد وليت عَن مروس) (بل وقناتي صعدة صعبة ... تخبر أَنِّي الهبزري الشموس) قلت لَو كَانَ لي أَمر السلافة مَا رضيت لَهَا هَذَا العكر وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى بعد الْألف وَلما بلغ نعيه الشَّيْخ دَاوُد بن أبي شاقين البحراني اسْترْجع وَأنْشد بديها (هلك الصَّقْر يَا حمام فغنى ... طَربا أعالي الغصون) ورثاه الشَّيْخ جَعْفَر بن مُحَمَّد الخطي البحراني بقصيدة مِنْهَا قَوْله (جد الردى سلب الْإِسْلَام فانجذما ... وهد شامخ طود الدّين فانهدما) (وسام طرف الْعلَا غمضا فأغمضه ... وفل غرب حسام الْمجد فانثلما) (الله أكبر مَا أدهاك من زمن ... قصمت ظهر التقى وَالَّذين فانقصما) حُسَيْن باشا ابْن حسن بن أَحْمد بن رضوَان بن مصطفى الْغَزِّي المولد حَاكم عزة كَانَ نبيه الْقدر كَبِير الهمة حسن الشكل وَله آدَاب ومآثر مأثورة يحسن بِمَالِه وجاهه إِلَى قصاده وَكَانَ أُمِّيا ويحاكي الخطوط الْحَسَنَة من مهرَة الْكتاب ولي فِي حَيَاة أَبِيه إِمَارَة نابلس وإمارة الْحَاج سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَلما توفّي أَبوهُ صَار مَكَانَهُ حَاكم غَزَّة وَكَانَ لَهُ حزم وَسعد فكبرت دولته وأطاعته العربان وَصَارَ ركنا ركيناً ثمَّ انتشأ لَهُ ولد اسْمه إِبْرَاهِيم فولي حُكُومَة الْقُدس ثمَّ نزل لَهُ أَبوهُ عَن حُكُومَة غَزَّة وَصَارَ هُوَ حَاكم نابلس وأمير الْحَاج وسافر إِلَى الْحَج سنتَيْن وَلما مَاتَ وَلَده الْمَذْكُور فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف بالبقاع العزيزي وَقد كَانَ تعين للسَّفر على الدروز فِي خدمَة الْوَزير أَحْمد باشا عَاد حُسَيْن باشا إِلَى حُكُومَة غَزَّة بعده ووشى بِهِ إِلَى جَانب السلطنة بِسَبَب أُمُور يرجع أَكْثَرهَا إِلَى عدم تقيده بِأَمْر الْحجَّاج وحراستهم فَأتى بِهِ من المزيريب إِلَى قلعة دمشق وضبطت أَمْوَاله وَأقَام مُدَّة مسجوناً بالقلعة وَكتب إِلَيْهِ الْأَمِير المنجكي يسليه بِهَذِهِ الأبيات (جفن الحسام ترى أم مربض الْأسد ... سجن حللت بِهِ يَا خير مُعْتَمد) (أم شمس ذاتك عَن عين الغبى غَدَتْ ... محجوبة وَهِي فِي الْإِشْرَاق لِلْأَبَد) (وَقدر جاهك فِي الْآفَاق مُرْتَفع ... مَا حط يَوْمًا وَإِن لم يخل من حسد) ثمَّ أَخذ إِلَى الْبَاب السلطاني مُقَيّدا وأحاطت بِهِ المكاره فسجن ثمَّ قتل فِي السجْن وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وأنشدني صاحبنا المرحوم عبد الْبَاقِي بن أَحْمد السمان الدِّمَشْقِي هَذِه الأبيات لنَفسِهِ قَالَهَا فِي رثائه حِين بلغه قَتله وَكَانَ إِذْ ذَاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 بِمصْر قَالَ وَكنت لما مَرَرْت على غَزَّة فِي سنة إِحْدَى وَسبعين قَاصِدا مصر أسدى إِلَيّ مَعْرُوفا وأنعاماً فَقلت أرثيه (أسفي على بَحر النوال وَمن لَهُ ... بَأْس الْمُلُوك وعفة الزهاد) (لَو أَن بعض صِفَاته اقتسم الورى ... لرأيت أَدْنَاهُم كذي الأعواد) (لم يجن ذَنبا غير أَن زَمَانه ... قد فوض الْأَحْكَام للحساد) (هابوه وَهُوَ مُقَيّد فِي سجنه ... وَكَذَا السيوف تهاب فِي الأغماد) (ذهب السرُور بفقده فَكَأَنَّمَا ... أَرْوَاحنَا غَضبى على الأجساد) (يَا ثَالِث الحسنين عاجلك الردى ... والحتف قد يسرى إِلَى الأطواد) (لَك بالكواكب والسحائب أُسْوَة ... فَاذْهَبْ كَمَا ذهب السَّحَاب الغادي) (فسقى ثراءك مِنْهُ صيب رَحْمَة ... مَا أطرب الركْبَان صَوت الْحَادِي) حُسَيْن باشا بن رستم الْمَعْرُوف بباشا زَاده الرُّومِي نزيل مصر وَاحِد الدَّهْر على الْإِطْلَاق الْمُحَقق الفهامة رَأس الْفُضَلَاء فِي وقته رَأَيْت خَبره فِي كثير من التحريرات والمجاميع وَذكره الشَّيْخ مَدين القوصوني وَقَالَ فِي تَرْجَمته مولده ببلغراد فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر شَوَّال وَكَانَ ذَلِك فِي أَوَائِل فصل الخريف من سنة ثَمَان وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَقدم إِلَى مصر فِي سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَحج مِنْهَا إِلَى بَيت الله الْحَرَام ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْبِلَاد الرومية وَعَاد إِلَى مصر ثَانِيًا وَأقَام بهَا وَكَانَ وَالِده من موَالِي السُّلْطَان سُلَيْمَان ثمَّ إِنَّه لم يزل يتنقل فِي الولايات حَتَّى صَار أَمِير الْأُمَرَاء بطمشوار وبودين وَكَانَت وَفَاته بهَا وَأما والدته فَهِيَ بنت إِيَاس باشا الَّذِي كَانَ رَأس الوزراء فِي دولة السطان سليم وَكَانَ من موَالِي السُّلْطَان بايزيد بن مُحَمَّد وَأخذ صَاحب التَّرْجَمَة عَن جمَاعَة من الموَالِي الْعِظَام بالديار الرومية مِنْهُم الْمولى يحيى الَّذِي كَانَ متقاعداً عَن إِحْدَى الْمدَارِس الثمان وَكَانَ أَخا للسُّلْطَان سُلَيْمَان من الرَّضَاع وَكَانَ السُّلْطَان الْمَذْكُور يعظمه ويزوره أَحْيَانًا وَيقبل شَفَاعَته وَمِنْهُم لمولى عبد الْغَنِيّ وَمِنْهُم الْمولى محمدبن بُسْتَان الْمُفْتِي وَمِنْهُم الْمولى فُضَيْل بن الْمُفْتِي عَلَاء الدّين الحمالي وَمِنْهُم الْمولى مُحَمَّد ابْن أخي وَمِنْهُم الْمولى أَبُو السُّعُود الْمُفْتِي الْعِمَادِيّ صَاحب التَّفْسِير وَصَارَ ملازما بمدرسة السُّلْطَان سليم الأول بقسطنطينية ثمَّ ترك ذَلِك وعزم على الْإِقَامَة بِمصْر وَطلب من السُّلْطَان أَن يعين لَهُ من بَيت المَال مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَمن مَعَه من الْعِيَال من الدَّرَاهِم والغلال فعين لَهُ ذَلِك ثمَّ قدم إِلَى مصر وَأقَام بهَا بِالْعِزَّةِ والاحترام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 مَعَ الْإِحْسَان والشفاعات فِي العلوفات والجرايات للخاص وَالْعَام وَأَنْشَأَ بَيْتا متسعا مطلا على بركَة الْفِيل جعله محلا للجلوس يفه للواردين عَلَيْهِ انْتهى وَرَأَيْت لَهُ تَرْجَمَة فِي بعض المجاميع وأظنها من إنْشَاء بعض المصريين قَالَ فِيهِ بعد ذكر اسْمه وشهرته غرَّة جبهة الزَّمَان وواسطة عقد الْفَضَائِل المزري بعقود الجمان جر على هَامة المجرة ذيله وأنار بقمر فَضله ليله فاصبح وَهُوَ عَزِيز مصره والفاخر ذُو التَّاج المحجب فِي قصره أجْرى بِمصْر نيله فأخجل نيلها وَمَا زَالَ مانح الْفَضَائِل والفواضل وميلها وَأما أدبه فمادة البراعة وَالْإِحْسَان الْقَاصِر عَن نظمه ونثره سحبان وَحسان وَمَا بَرحت كواكب فَضله مشرقة لائحة وسوا كب أفضاله غادية رَائِحَة حَتَّى وافته بأجله وَفَاته وعفت آثاره وبكت عَلَيْهِ عفاته وَأثبت لَهُ من شعره مَا كتب بِهِ إِلَى القَاضِي مُحَمَّد بن دراز الْمَكِّيّ قَوْله (على ألمعي شاقني بخياله ... سَلام يحاكى مِنْهُ طيب خصاله) (عشقت وَمَا أبصرته غيرانني ... سَمِعت من الحاكين وصف كَمَاله) وَكتب إِلَى الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي (عِنْدِي لودك فَاعْلَم ذَاك مِيثَاق ... وللتملي بمرأى مِنْك أشتاق) (وللحلول بِأَرْض أَنْت ساكنها ... قلبِي بحادي الجوى والوجد ينساق) وظفرت لَهُ بقصيدة اثبتها لَهُ فِي تَرْجَمته فِي كتابي النفحة ومطلعها ... أَرَاك تروم الْمجد ثمَّ تساهل ... وزاملة الْعُمر الْيَسِير تناقل) وَهِي قصيدة لَا بَأْس بهَا فَارْجِع إِلَيْهَا فِي الْكتاب الْمَذْكُور وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي آخر يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَدفن يَوْم السبت بِالْقربِ من قبر القَاضِي بكار رَحمَه الله تَعَالَى الأديب حُسَيْن بن شهَاب الدّين حُسَيْن بن جاندار البقاعي الكركي الأديب الشَّاعِر العائق كَانَ أديبا شَاعِرًا مطبوعا مقتدرا على الشّعْر جيد القريحة سهل اللَّفْظ حسن الإبداع للمعاني ذكره البديعي فِي كِتَابه ذكرى حبيب وَقَالَ فِيهِ هُوَ ثَانِي أبي الْفضل البديع الْهَمدَانِي وثالث ابْن الْحجَّاج والواساني وَقد دون مدائحه وسماها كنز اللآل وَجمع أهاجيه ووسمها بالسلاسل والأغلال فَمن حسن شعره وشعره كُله حسن قَوْله من جملَة قصيدة مطْلعهَا (هُوَ الْحبّ لَا قرب يَدُوم وَلَا بعد ... وَقد دق معنى أَن يُحِيط بِهِ حد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 (يحار أولو الْأَلْبَاب فِي كنه ذَاته ... فَمن جده هزل وَمن هزله جد) (لَك الله قلبِي كم نجن لواعجا ... يذوب لَا دنى حرهَا الْحجر الصلد) (نَصَحْتُك جهدي لَو قبلت نصيحتي ... فَعدل الْهوى جور وحر الْهوى عبد) (لقد عالج الْحبّ المحبون قبلنَا ... فَمَا نالهم إِلَّا القطيعة والصد) (فَإِن قَالَ قوم أَن الْحبّ لَذَّة ... فَمَا اتصفوا هَذَا خلاف الَّذِي يَبْدُو) (نعيم هُوَ الْبلوى ورى هُوَ الظما ... وَذَاكَ فنَاء الْجِسْم يجلبه الوجد) (على أنني جربته وبلوته ... إِذا أَنه كالصاب ديف بِهِ الشهد) (وَمَا قلت جهلا بالغرام وَإِنَّمَا ... يصدق قولي من لَهُ بالهوى عهد) (لعا العثارى كم أحث عزائمي ... وَهل لنهوضي فِي طلاب العلى حد) (أما آن أَن أنضو الركائب بالثرى ... وَإِن مسني مِمَّا أكايده جهد) (وَإِن عايناي عناي بَان طويلع ... فبشراك يَا قلبِي ألم بك السعد) (ولاحت لنا تِلْكَ الْمعَاهد من قبا ... وَبَانَتْ قباب البان وَالْعلم الْفَرد) وَقَوله من قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا (مَا صَاح صاحي الْوَرق فِي أفنانه ... إِلَّا وأسكره بديع بَيَانه) (وَإِذا تنازعه اللوا ثمَّ فِي الْهوى ... ذكر العقيق فسح من أجفانه) (كلف إِذا هبت بِهِ نجدية ... يذكو بهَا مَا أَبَاحَ من أجفانه) (معري بِذكر العامرية مغرم ... ظام إِلَى عذب العذيب وبانه) (يخفى جوى لَو مس يذبل بعضه ... دكت هضاب الشم من أَرْكَانه) (ويروم أَعْضَاء الجفون على القذى ... فرقا فيعرب شانه عَن شانه) (يالائمى فِي حب أهيف لَو بدا ... للبدر لم تعدده من أقرانه) (متمنع يرنو بناظر جؤذر ... ويلاي من وسنانه وسانه) (أأذاد عَن مضمار حلبة حبه ... وَأَنا المجلى ويك خيل ورهانه) (أيلوم من أودي بمهجته الْهوى ... من لم يذقْ فِي الدَّهْر طعم طعانه) (حسبي بِمَا أَلْقَاهُ من ألم الجوى ... مَا قد ترى والعمر فِي ريعانه) (لَو أَن بالفلك الْمُحِيط ذبالة ... من حرقتي ألهته عَن دورانه) (أوحل وجدي بالكواكب لَا نبري ... بهرامها يشكو إِلَى كيوانه) (أوغال رضوى بعض مَا قد غالني ... لرأينه كالعهن قبل أَوَانه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 (أَو كَانَ يسعدني على قدر الْهوى ... دمعي لعم الأَرْض من طوفانه) (وَلَقَد سلكت الْحبّ لَا غرا بِهِ ... وَعرفت كنه خفيه وعيانه) (وَعلمت إِذْ ذقت الغرام بأنني ... حاس بكأس جميله وحسانه) وَقَوله من قصيدة مطْلعهَا (مَا لَاحَ برق من رَبِّي حاجر ... إِلَّا اسْتهلّ الدمع من ناظري) (وَلَا تذكرت عهود الْحمى ... إِلَّا وَسَار الْقلب عَن سائري) (أوّاه كم أحمل جور الْهوى ... مَا أشبه الأوّل بِالْآخرِ) (يَا هَل ترى يدْرِي نؤوم الضُّحَى ... بِحَال ساه فِي الدجى ساهر) (تهب إِن هبت يَمَانِية ... أشواقه للرّشأ النافر) (يضْرب فِي الْآفَاق لَا يأتلي ... فِي جوبها مثل السائر) (طوراً تهامياً وطوراً لَهُ ... شوق إِلَى من حل فِي الحائر) (كأنّ مِمَّا رابه قلبه ... علق فِي قادمتي طَائِر) أصل هَذَا الْمَعْنى لعروة بن حرَام (كَأَن قطاة علقت بجناحها ... على كَبِدِي من شدّة الخفقان) وَذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي السلافة فَقَالَ فِي حَقه طودرسي فِي مقرّ الْعلم ورسخ وَنسخ خطة الْجَهْل بِمَا خطّ وَنسخ رَأَيْته فَرَأَيْت مِنْهُ فَردا فِي الْعُلُوم وحيداً وكاملاً لَا يجد الْكَمَال عَنهُ محيداً تحل لَهُ الحبى وتعقد عَلَيْهِ الخناصر أوفى على من قبله واعترف بفضله المعاصر يستوعب شَوَاهِد الْعلم حفظا بَين مقروء ومسموع وَيجمع شوارد الْفضل جمعا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مُنْتَهى الجموع حَتَّى لم ير مثله فِي الْجد على نشر الْعلم وإحياء مواته وحرصه على جمع أَسبَابه وَتَحْصِيل أدواته وَقد كتب بِخَطِّهِ مايكل لِسَان الْقَلَم عَن ضَبطه واشتغل بِعلم الطِّبّ فِي آخر عمره فتحكم بالأرواح والأجسام نهية وَأمره غير أَنه كَانَ فِيهِ كثير الدَّعْوَى قَلِيل الْفَائِدَة والجدوى لَا تزَال سِهَام رَأْيه فِيهِ طائشة عَن الْغَرَض وَإِن أَصَابَت فَلَا تخطىء نفوس أولى الْمَرَض فكم عليل ذهب وَلم يلف لَدَيْهِ فرج فَأَنْشد أَنا الْقَتِيل بِلَا إِثْم وَلَا حرج (النَّاس يلحون الطَّبِيب وَإِنَّمَا ... غلط الطَّبِيب أصابة الْمَقْدُور) وَمَعَ ذَلِك فقد طوى أديمه من الْأَدَب على أغر رديمه وَمَتى هَتَفت لهاة قَالَه بالشعر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 أرخص من عُقُود اللآلي كل غالي السّعر إِلَى ظرف شيم وشمايل تطيب بأنفاسها الصِّبَا وَالشَّمَائِل والمام بنوادر المجون يحلى حَدِيثه والْحَدِيث شجون وَلم يزل يتنقل فِي الْبِلَاد ويتقلب حَتَّى قدم على وَالِده قدوم أخي الْعَرَب على آل الْمُهلب وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وَسبعين وَألف فأحله الْوَالِد لَدَيْهِ محلا عقد فِيهِ نواصي الآمال بَين يَدَيْهِ وأمطره سحائب جوده وَكَرمه ورد شباب أمله بعد هرمه فَأَقَامَ بِحَضْرَتِهِ بَين خير وَخير وَتقدم مَا شَاءَ مَا شابه تَأْخِير إِلَى أَن خوى من أفق الْحَيَاة طالعه وأدجت بأفول عمره مطالعه وَمن مصنفاته شرح نهج البلاغة وعقود الدُّرَر فِي حل أَبْيَات المطول والمختصر وهداية الْأَبْرَار فِي أصُول الدّين ومختصر الأغاني والاسعاف وَغير ذَلِك وَأنْشد لَهُ قَوْله من قصيدة مطْلعهَا (لَك الْخَيْر لَا زيد يَدُوم وَلَا عَمْرو ... وَلَا مَاء يبْقى فِي الدنان وَلَا خمر) (فبادر إِلَى اللَّذَّات غير مراقب ... فمالك أَن قصرت فِي نيلها عذر) (فَإِن قيل فِي الشيب الْوَقار لأَهله ... فَذَاك كَلَام عَنهُ فِي مسمعي وقر) (وَقَالُوا نَذِير الشيب جَاءَ كَمَا ترى ... فَقلت لَهُم هَيْهَات أَن تغني النّذر) (لَئِن كَانَ رَأْسِي غير الشيب لَونه ... فرقة طبعي لَا يغيرها الدَّهْر) (يَقُولُونَ دع عَنْك الغواني فَإِنَّمَا ... قصاراك لحظ الْعين وَالنَّظَر الشزر) (وَهل فِيك للغيد الحسان بَقِيَّة ... وَقد ظهر الْمكنون وارتفع السّتْر) (وَمَا للغواني وَابْن سبعين حجَّة ... وحلم الْهوى جهل ومعروفه نكر) (فَقلت دَعونِي فالهوى ذَلِك الْهوى ... وَمَا الْعُمر إِلَّا الْعَام وَالْيَوْم والشهر) (نشأت أحب الغيد طفْلا ويافعا ... وكهلا وَلَو أوفي على الْمِائَة الْعُمر) (وَهن وَإِن أعرضن عني حبائي ... لَهُنَّ عَليّ الحكم والنهى وَالْأَمر) (أحاشيك بِي مِنْهُم من لَو تعرضت ... لنوء الثريا لاستهل لَهَا الْقطر) (ترقرق مَاء الْحسن فِي نَار خدها ... فماء وَلَا مَاء وجمر وَلَا جمر) (فيا بعد مَا بَين الحسان وَبَينهَا ... لَهُنَّ جَمِيعًا شطرها وَلها الشّطْر) (برهرهة صفر الوشاح إِذا مشت ... تجاذب مِنْهَا الردف والعطف والخصر) (من الْبيض لم تغمس يدا فِي لطيمة ... وَقد مَلأ الْآفَاق من طيبها نشر) (تَخِر لَهَا زهر الْكَوَاكِب سجدا ... وتعنو لَهَا الشَّمْس المنيرة والبدر) (تخال بجفنيها من النّوم لوثة ... وتحسبها سكرى وَلَيْسَ بهَا سكر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 (وَقَالُوا إِلَى هاروت ينْسب سحرها ... أَبى الله بل عَن لحظها يُؤْخَذ السحر) (تخَالف حَالي فِي الغرام وحالها ... لَهَا مَحْض ودي فِي الْهوى ولي الهجر) قلت وَهَذِه القصيدة من أمتن شعره وأغلاه وَقد تَرْجَمته فِي كتابي النفحة وَذكرت لَهُ أَشْيَاء من شعره مَا عَلَيْهَا غُبَار وَبِالْجُمْلَةِ فَكل شعره لطيف السبك وَكَانَت وَفَاته على مَا ذكره ابْن مَعْصُوم يَوْم الِاثْنَيْنِ لإحدى عشرَة بقيت من صفر سنة سِتّ وَسبعين وَألف عَن أَربع وَسِتِّينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى حُسَيْن بن عبد الله بن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس الْحَضْرَمِيّ السَّيِّد الْأَجَل أحد أسخياء الْعَالم ذكره الشلي فِي تَارِيخه وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ قَالَ ولد بتريم فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة واجتهدوا تبع السّنة النَّبَوِيَّة وَتخرج بوالده وَأخذ عَن أَخِيه شيخ وَغَيره من الْعلمَاء العاملين والأولياء الصَّالِحين وَلبس الْخِرْقَة الشَّرِيفَة مِنْهُم وأجازوه فِي الألباس وانتفع بِهِ كثير من النَّاس وَقصد من الْبِلَاد الْبَعِيدَة وَكَانَ يكرم الوافدين وَيحسن للْفُقَرَاء وَله كرامات ظَاهِرَة وَله جاه عَظِيم عِنْد الأكابر لَا سِيمَا أَرْبَاب السَّيْف يقابلونه بالتعظيم وَكَانَ مَشْغُولًا بِذكر الله حَتَّى مَاتَ فِي سنة ثَمَان بعد الْألف وَدفن بمقبرة زنبل رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الْكَرِيم بن عبد الله الملقب زين الدّين الغزى الْمَعْرُوف بِابْن النخالة الشَّافِعِي مفتي الشَّافِعِيَّة بغزة الْفَقِيه البارع لمتمكن من بَيت ولَايَة وورع وتقوى وَحده عبد الله نطق لَهُ الْحمار كَمَا قراته فِي بعض إجازات حُسَيْن صَاحب التَّرْجَمَة من الشَّيْخ عَامر العزيزي الْآتِي ذكره وَنَشَأ حُسَيْن هَذَا فِي غَزَّة وَقَرَأَ بهَا ثمَّ رَحل إِلَى مصر فِي حُدُود سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَأخذ بهَا عَن إِمَام الْفَرَائِض فِي زَمَنه عبد الله الشنشوري الشَّافِعِي الْخَطِيب بِجَامِع الْأَزْهَر وَعَن الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ والنور عَليّ الزيَادي وَأبي بكر بن إِسْمَاعِيل الشنواني وَيحيى ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى الهيتمي الأَصْل الأنبابي وَالشَّمْس مُحَمَّد التَّمْر تاشي صَاحب التَّنْوِير والشهاب أَحْمد بن زين الدّين الْخَطِيب الشربيني الشَّافِعِي وَالشَّيْخ عَامر ابْن عبد الله العزيزي الشَّافِعِي وَالشَّيْخ عَليّ بن عمر بن شيخ البير الْغَزِّي وَالشَّيْخ عَليّ ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد أبي العزاين أَحْمد الْعزي الشَّافِعِي الْأنْصَارِيّ الْأَزْهَرِي وَرجع إِلَى عزة وانكب على الإفادة وشاع ذكره واشتهر فَضله وَكَانَ عَالما جَلِيلًا متضلعا من الْعُلُوم وَإِن غلب عَلَيْهِ علم الْفَرَائِض وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 الشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الله الْمَعْرُوف بالمملوك نزيل دمشق أحد الْأَفْرَاد الْمجمع على جلالته وتبحره فِي الْعُلُوم وتمكنه فِي التصوف والمعارف الألهية وَالْأَدب وَكَانَ عَالما متجرا زاهدا ورعا عابدا منتسكا متجردا عَن المَال والأهل مُنْفَرد فِي زَوَايَا التَّوَاضُع والمسكنة حكى عَن نَفسه مرَارًا أَنه كَانَ فِي مبدأ أمره رَقِيقا لرجل من أَعْيَان التُّجَّار بِمَدِينَة حلب بمحلة البياضة يُقَال لَهُ قرابكر وَاسْتمرّ مَوْلَاهُ يربيه كولده الَّذِي من صلبه ويعلمه الكمالات ويقرئه بإجتهاد وَطَلَبه من عهد حداثته وَأَيَّام شبابه حَتَّى مَال طبعه إِلَى الْكَمَال وَقَرَأَ على مَشَايِخ حلب مِنْهُم الشَّيْخ عمر العرضي وتلميذه الشَّمْس الْعِمَادِيّ الْعُلُوم الْعَرَبيَّة والفنون الأدبية وَلم يزل حَتَّى حصل شَيْئا وافراً من الْعُلُوم وَأخذ طَرِيق الْقَوْم عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الْعِمَادِيّ وَالِد الشَّمْس وَكَانَ لَهُ قدرَة على تأليف مقامات الصُّوفِيَّة بالألحان الطبية وينشد كَلَام الْقَوْم فِي حَلقَة الشَّيْخ مُحَمَّد الْعِمَادِيّ الْمَذْكُور ويقرئ الطّلبَة فِي مُقَدمَات الْعُلُوم وَكَانَ أعْتقهُ مَوْلَاهُ من رقّه وَأحسن إِلَيْهِ وَبَالغ فِي إكرامه وَسلم إِلَيْهِ جَمِيع مَاله وَصَارَ يُرْسِلهُ إِلَى الْبِلَاد بأسفار التِّجَارَة ويلاحظه السعد فِي أَسْفَاره إِلَى أَن حصل لسَيِّده شَيْئا كثيرا من المَال ثمَّ توفّي سَيّده بحلب فتجرد من قَيده فِي التِّجَارَة وَفَارق حلب ورحل إِلَى مصر وجاور فِي جَامع الْأَزْهَر وَقَرَأَ على مَشَايِخ ذَلِك الْعَصْر واجتهد فِي التَّحْصِيل إِلَى أَن صَار من أكَابِر الْعلمَاء وصناديد الْفُضَلَاء وَحج وجاور سِنِين وَقدم دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ سَافر إِلَى حلب وَأخذ الْعَهْد من طريف الخلوتية وتجرد وَترك صُحْبَة النَّاس ومعاشرتهم وَالْتزم السلوك فِي طَرِيق الْحَقِيقَة على دأب مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وبرع فِي الزّهْد وَالصَّلَاح وَكَانَ لَهُ فِي الْأَدَب حَظّ وافر وَله التفوق فِي دقائق الألغاز والمعميات ونظم الشّعْر البديع وَجمع لنَفسِهِ فِي آخر أمره ديوانا من شعره وَأحسن فِي جمعه وَضَبطه وَكَذَلِكَ جَمِيع ديوانا من ألغازه ورتبه على حُرُوف المعجم ووسمه بتشحيذ الحجا بألغاز حُرُوف الهجاء وَشرح ألغاز الْأُسْتَاذ عمر بن الفارض فِي نمط بديع وأسلوب عَجِيب وَألف رسائل كَثِيرَة فِي فنون عديدة وَمن شعره قصيدته النونية فِي مدح النَّبِي ومطلعها (لَاحَ برق من بروق الأربقين ... أم سنا من نور أهل الرقمتين) (حارت الْأَلْبَاب فِي مَعْنَاهُمَا ... وَمعنى الْوَصْل لَا يدْرِي لاين) (بعد الطَّالِب وَالْمَطْلُوب هَل ... تَنْفَع الشكوى بعيد الهجرتين) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 (لَيْسَ يُدْنِيه معِين إِذْ غَدا ... قاصي الدَّار معبن المقلتين) (فَدَعَاهُ بعد بعد رَحمَه ... هَاتِف الْغَيْب لمجلي الحضرتين) (ثمَّ نَادَى بِلِسَان طلق ... صَادِقا فِي قَوْله من غير مين) (يَا أَخا الْعَزْم بحزم حَازِم ... وبقلب يقظ مَا فِيهِ رين) (قدّم الْقلب وَأخر قالباً ... وألزم التَّقْوَى بِصدق الْقَدَمَيْنِ) (واطلب الشَّرْع ولازم عَرْشه ... مجمع الْبَحْرين جمع الجسّين) (وابق بالأخيار واجمع فَوْقهم ... وَكن ابْن الْوَقْت وأنف العدمين) (أَن ترم ترقى على هام العلى ... سامياً فَوق سَمَاء الفرقدين) (فأت من أَبْوَابهَا بوّابها ... وتوسل برَسُول الثقلَيْن) (أَحْمد الْمُخْتَار كننز الأتقيا ... بهجة الكونين نور المشرقين) (قامع الْكفَّار مَا حَيّ شركهم ... جَامع الْأَنْصَار حامي البلدتين) (فاتح الْأَمْصَار بِالسَّيْفِ سوى ... يمن الْيمن بهَا قرّة عين) (بِكِتَاب أسلمت واستسلمت ... عدن الْخَيْر وصنعا وعدين) (لم يكن لَوْلَا وجود الْمُصْطَفى ... جود غفران وجود الْعَالمين) (فجزاه الله أَعلَى مَا جزى ... من بني حَاتِم فياض الْيَدَيْنِ) (يَا رَسُول الله يَا سؤل الورى ... يَا جميل الْوَجْه أبهى القمرين) (يَا خطيب الْحق لِلْخلقِ وَيَا ... جَامع الصدْق أَمَام الْقبْلَتَيْنِ) (يرتجي الْحسنى حُسَيْن سَيِّدي ... يَا أَبَا الْإِحْسَان جدّ الحسنين) (كن لَهُ يَا ذَا الْمَعَالِي شافعاَ ... فِي عماد يَا عماد النشأتين) (وأعنه حَيْثُ يَأْتِيهِ القضا ... وأغثه من سُؤال الْملكَيْنِ) (وَتقبل سَعْيه يَا من بِهِ ... شرع الْحَج ومسعى المروتين) (فعلى ذاتك من رب السَّمَاء ... صَلَاة وَسلَامًا دائمين) (وعَلى الْآل مَعَ الْأَصْحَاب مَا ... ذكر الْبَدْر ببدر وحنين) وقرأت بِخَطِّهِ على هامشها مَا صورته هَذِه القصيدة عرضت على النَّبِي أَخْبرنِي بِهِ قطب وقته السَّيِّد صبغة الله القاطن بِالْمَدِينَةِ المنورة والعهدة عَلَيْهِ وقرأت بِخَط بعض النَّاس نقلا عَن صَاحب التَّرْجَمَة قَالَ ورد سُؤال إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر بِمصْر مُشْتَمل على بَيْتَيْنِ قيل أَنَّهُمَا للشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أبي الْحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 الشاذلي وهما (عينان عينان لم ترقأ دموعهما ... لكل عين من الْعَينَيْنِ نونان) (نوناّن نوناّن لم يخططهما قلم ... لكل نون من النونين عنان) فَأجَاب من أجَاب عَنهُ بِمَا ناسب قدره لكنه ضل فِي غيهب ليل فكرة وَمَا صَادِق قدره وألهمني الله عَنهُ مَا يقرب من الْجَواب فَلَعَلَّهُ أَن يكون قَاضِيا بِهِ لَا قاصيا عَن الصَّوَاب فَقلت (جَوَابه سُورَة الرَّحْمَن ناطفة ... بِهِ أيا روح ذاتي عين إنساني) (فَكل عين لَهَا نون عَلَيْك بهَا ... لَكِنَّهَا بإعتبار الْبسط نونان) (هَذَا ونونان أَن تطلب بيانهما ... فأسماهما مِنْهُمَا لَا رسم قُرْآن) (فاسم على سمك وأسم على ملك ... يرى لكل من الأسمين عنان) (هاك الْبَيَان بتقرير اللِّسَان بِهِ ... تَحْرِير سر جناه كنز عرفان) وَمن شعره قَوْله مقتبسا (كم من جهول فِي الْغَنِيّ سارح ... وَمن عليم فِي عناء مُقيم) (قد حارت الْأَلْبَاب فِي سرذا ... وطاشت النَّاس فَقَالَ الْحَكِيم) (لَا يسئل الخلاق عَن فعله ... ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم) وَقَوله (يَا رَاضِيا بِعُلُومِهِ بَين الورى ... إياك فيا أَن يشينك قَادِح) (لتَكون مرضياً بهَا عِنْد الندى ... يأيها الْإِنْسَان أَنَّك كَادِح) وَقَوله (يَا من يروم إِلَى الْحَقَائِق مسلكاً ... إِن شِئْت فِيهَا أَن تصبر بَصيرًا) (فَعَلَيْك بالهادي النصير كِفَايَة ... وَكفى بِرَبِّك هادياً ونصيراً) وَقَوله (ألهي تناجيك السَّمَاء وَأَهْلهَا ... وترجوك أهل الأَرْض حَقًا وتقصد) (تَبَارَكت يَا رَحْمَن أَنْت رحيمنا ... وَمَالك يَوْم الدّين أياك نعْبد) وَبِالْجُمْلَةِ فَلهُ آثَار كَثِيرَة وَاسْتقر آخر أمره بِدِمَشْق وَسكن فِي الْمدرسَة الكلاسة فِي حجرَة صَغِيرَة تجاه الْجَامِع الْأمَوِي فِي جوَار مرقد السُّلْطَان صَلَاح الدّين بن أَيُّوب وَقَرَأَ عَلَيْهِ الجم الْغَفِير من أهل دمشق أَنْوَاع الْعُلُوم وَبِه انتفعوا فِي فنون الْأَدَب وَفِي حل الْكَلَام ابْن الفارض وَكَانَ عيشه بِدِمَشْق أمرا غَرِيبا لَا يعرف لَهُ أحد وَجه معاش وَكَانَ لَا يقبل من أحد شَيْئا مَا وَلَو كَانَ على سَبِيل الْهَدِيَّة وَكَانَ لَا يعاشر بِلَا الْفُقَرَاء وأرباب الطَّرِيق من الصُّوفِيَّة وَكَانَ ملازما لزيارة قُبُور الْأَنْبِيَاء والأولياء ومشايخ الْعلم مِمَّن لَهُم مَرَاتِب مَعْلُومَة وَكَانَ فِي أَكثر أوقاته يُوجد منتزها فِي بساتين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 دمشق وغياضها وَيجْلس على جَانب الْأَنْهَار مَعَ طلبة الْعلم والفقراء المترددين إِلَيْهِ وَعمر كثيرا حَتَّى بلغ رُتْبَة الثَّمَانِينَ وحظى فِي زَمَانه بشرف صُحْبَة أَئِمَّة كبار جالسهم وعاشرهم وَأخذ الْعلم عَن أساطين عالية الْمَقَادِير وساح كثيرا فِي الْبِلَاد حَتَّى انْتَهَت سياحته إِلَى استقراره بِدِمَشْق وَبهَا توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَكَانَ مَرضه الاسهال وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَقَالَ أَبُو بكر الْعمريّ شيخ الْأَدَب الْمُقدم ذكره فِي تَارِيخ وَفَاته (مذ عَالم عصره أَمَام التَّوْحِيد ... قد حل برمسه غَرِيبا ووحيد) (قَالُوا أشهادة لَهُ قد حصلت ... أرخت بلَى حُسَيْن قد مَاتَ شَهِيد) الشَّيْخ حُسَيْن بن عبد النَّبِي بن عمر الْحلَبِي الأَصْل الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الشعال أَمَام السُّلْطَان الْعَالم الْمَشْهُور وَكَانَ أَبوهُ عبد النَّبِي خَادِم نَبِي الله يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام وكبير الشعالين بِجَامِع مَعَ بني أُميَّة وَنَشَأ حُسَيْن هَذَا وَلزِمَ الِاشْتِغَال حَتَّى برع فِي الْفُنُون خُصُوصا القرآت وَكَانَت قِرَاءَته جَيِّدَة وصوته حسنا وَكَانَ رجل رومي ورد إِلَى دمشق فأحدث لَهُ بعض قُضَاة الشَّام إِمَامَة بِجَامِع بني أُميَّة فَكَانَ يقْرَأ الْفَاتِحَة وَيَقُول وَلَا الضَّالّين بِفَتْح اللَّام على صِيغَة التَّثْنِيَة وَكَانَ يَقُول أَيْضا غير المغضوب بِفَتْح الضَّاد وَسُكُون الْوَاو فَأنْكر النَّاس عَلَيْهِ ففرغ لحسين هَذَا عَن وَظِيفَة الْإِمَامَة الْمَذْكُورَة وباشر هامدة وَكَانَ إِذْ ذَاك مَعَ حَدَاثَة سنه متصنعاً فِي أسلوبه متعظماً جدا وَله دَعْوَى عريضة وَدخُول فِي أَبْوَاب لم يحم حولهَا وَمِنْهَا الشّعْر حَتَّى نظم قصيدته الْمَشْهُورَة فِي مدح السَّيِّد الشريف مُحَمَّد بن السَّيِّد برهَان الدّين قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام وَهِي من أعجب مَا سمع من القَوْل وتعرف فِي هَذِه الْبِلَاد بالقصيدة القرمحشدية وأثبتها هُنَا لما اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْعجب العجاب وَهِي قَوْله مُحَمَّد قرم حشد مُحدث نجل حبر طهر حدث جزر مصدر الحكم مسبار سطاع سعدك سلع سماك سمحك شرح سكال سرك سهم سماط سحلك مدرار نجاف نجدك نجح نطاف نسلك نهر نجار نهجك نور نقاط نجلك مكثار نقاب نعتك نشر نُحَاس نجرك نقع نبال مدحك نظم نِفَاس مدحك مدكار شعاب شرك شقص شمال شهمك شرح شعار شجك شكد شقاب شهدك ممهار صدار صمدك صوف صنار صبرك صدع صِرَاط صدقك صنم صِحَاب صفقك مِقْدَار مُطَاع مرضك مَحْض مَخَاض معقك مخض ملاك ملكك ملك ملاع محرك مضمار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 دنار دينك دنس دلاض دبرك دفح دعاف دبسك دبل دثار دبرك مِسْمَار مهار معرك نتك ملاط مرحك ملح معاس معدك مهد ملاح مصرك معشار دوَام دولك درس ديار دبرك دعض دوَام درسك درد دلاس دهنك معطار جَراد جزلك جزر جماع جلك جفل جيار حرسك حَبل جراب حلبك مهدار وَهَذَا آخرهَا وَالْحَمْد لله على التَّمام وَقد شرحها الأديب أَبُو بكر الْعمريّ الْمُقدم ذكره شرحا مُسْتَوْفيا لخرافات ابتدعها وَقَالَ فِي ديباجة الشَّرْح الْحَمد لله الَّذِي خلق الْعقل وأودعه من أحب من هَذَا الْحَيَوَان النَّاطِق وَجعله زِينَة للنوع الإنساني وميز بِهِ الصاهل والناهق إِلَى آخر مَا قَالَه ثمَّ أَخذ فِي شرح الأبيات وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ شرح غَرِيب الْوَضع وَاسْتمرّ صَاحب التَّرْجَمَة مُقيما بِدِمَشْق إِلَى أَن وَقعت لَهُ مَعَ جملَة من فضلاء دمشق قصَّة جِهَات الْحسن البوريني لما مَاتَ كَمَا أسلفته فِي تَرْجَمته فَرَحل بعْدهَا إِلَى الرّوم وتوطنها وَأَرَادَ أَن يسْلك طَرِيق الموَالِي فَلم يَتَيَسَّر لَهُ فَصَارَ إِمَامًا ثَانِيًا فِي جَامع السُّلْطَان أَحْمد ثمَّ صَار خَطِيبًا بالسليمانية وَاسْتمرّ مُدَّة مديدة إِلَى أَن توفّي الْمولى يُوسُف بن أبي الْفَتْح الدِّمَشْقِي إِمَام الحضرة السُّلْطَانِيَّة فَصَارَ مَكَانَهُ إِمَامًا وَكَانَ ذَلِك فِي عهد السُّلْطَان إِبْرَاهِيم وسما حَظه ونما شَأْنه إِلَى أَن صَارَت لَهُ رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بروم إيلي وَكَانَ أَرْبَاب الدولة يجلونه ويعظمونه واشتغل عَلَيْهِ خلق كثير خُصُوصا من أهل الْحرم السلطاني وَكَانَ مغرما بالكيماء وَأنْفق عَلَيْهَا أَمْوَالًا جمة وَكَانَت وَفَاته فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله الْحُسَيْن بن عَليّ الْوَادي اليمني من شعراء الْيمن الفائقين وَكَانَ أديباً شَاعِرًا لطيف الطَّبْع كثير الْإِحْسَان فِي شعره رَأَيْت خَبره فِي مَجْمُوع بِخَط الْأَخ الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله وَقد أثنى على فضائله وَذكر لَهُ من شعره هَذِه القصيدة ومطلعها (نسيم الصِّبَا فِي سوحنا يتبختر ... لَك الله مَا هَذَا إِلَّا ريح المعنبر) (أَأَنْت رَسُول يَا نسيم الصباء عَن ... حُلُول الْحمى أم أَنْت عَنْهُم مُبشر) (فهمت الَّذِي أودعته غير أنني ... أحب حَدِيثا مِنْهُم يتكرّر) (لما ألفته النَّفس مِنْهُم وعوّدت ... وَإِلَّا فَعلم الْغَيْب لَا يتقدّر) (فكرّر على سَمْعِي أَحَادِيث ذكرهم ... عَسى تنطفي نَار بأحشاي تسعر) (هم استصحبوك السرّ بيني وَبينهمْ ... لِأَنَّك أبدى بالجميل وأبدر) (ومثلي هداك الله يَا ساري الصِّبَا ... يَسُرك وَالْمَعْرُوف أجدى وأجدر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 (وأبلج أمّا الخدّ مِنْهُ فأحمر ... وأمّا قوام الْقد مِنْهُ فأسمر) (وأمّا ثنايا ثغره حِين تجتلى ... فكأس جمانٍ فِيهِ خمرٌ وكوثرُ) (تغازل عَن عَيْني مهاة وشادن ... يلاحظنا مِنْهَا سِهَام وأبتر) (هِيَ الْبيض إِلَّا أَنَّهَا حندسية ... هِيَ النبل إِلَّا أَنَّهَا تتكسر) (هِيَ السحر إِلَّا أنّ فِيهَا خصائصاً ... بهَا عَالم السحر الصناعي يسحر) (وَفِي خدّه خَال يَقُولُونَ إِنَّه ... بِلَال لَهُ فِي جَامع الْحسن مِنْبَر) (بلَى ذَلِك الْخَال الصَّرِيح إِشَارَة ... عديمة مثل لَا بِلَال وَعَنْبَر) (شَكَوْت لَهُ من فَتْرَة فِي جفونه ... لشدّة مَا ألْقى بهَا حِين تفتر) (وَمَا أَنا فِيهِ من هوى وصبابة ... تبيت بهَا الأحشاء تطوى وتنشر) (وأفصح عَن لفظ توهمت أَنه ... جمان من الثغر الجمانيّ يبهر) (وَقَالَ نعم هَذَا لعَيْنِي مَذْهَب ... وفتنة نفس الْمَرْء شَيْء مُقَدّر) (بروحي جوّار اللحاظ وقدّه ... يُحَقّق فِينَا عدله حِين يخْطر) (أَلا إِن عدل الْقد أكبر شَاهد ... عَلَيْك بجور الحكم وَالله أكبر) (ورقة هَذَا الْجِسْم مِنْك بأنني ... رَقِيق هوى والمثل بِالْمثلِ ينظر) (فَللَّه أزمان تواصل يَوْمهَا ... بليلتها والعمر كالعيش أَخْضَر) (وليل عهدناه وَإِن كَانَ أسوداً ... كشعر الصِّبَا يشكو سواداً فيشكر) (وأحباب قلب لَيْسَ إلاّهم المنى ... صفاء ودادي فيهم لَا يكدر) (دَلَائِل عشقي فِي هواهم صَرِيحَة ... ومعرفتي فِي حبهم لَيْسَ تنكر) (ربحت هواهم فِي زمَان شبيبتي ... وشبت فَلَنْ أرْضى بِأَنِّي أخسر) (فَلَا تنكروا أَن أرسل الجفن دمعه ... وَقد جَاءَ فِي رَأْسِي من الشيب مُنْذر) (وَيَعْقُوب أحزاني ويوسف فتنتي ... وَصَالح أعمالي عساني أوجر) (خليليّ عهد الله إِن جزتما الْحمى ... وعاينتما قلبِي ببيداه يجأر) (فدلا عَلَيْهِ جيرة الْحَيّ واذكرا ... لَهُم من حَدِيث الصب مَا يَتَيَسَّر) وَمن شعره قَوْله وهما آخر شعر قَالَه (وَقد مَاتَ شيطاني وَلَكِن تَائِبًا ... عَن الغِي حَتَّى الشّعْر فَالله يرحمه) (وخلفت دين الصادرين إلَيْكُمَا ... يكفر ذَنبا للقريض ويختمه) وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَسبعين وَألف بالجبى بِفَتْح الْجِيم وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ يَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 نسب اسْم لحصن عَظِيم عَال من بِلَاد ريحة وَبَينه وَبَين السَّيِّد مُحَمَّد بن المطهر الجرموزي مراسلات لَطِيفَة ستأتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته الْأَمِير حسن بن فياض الحياري أَمِير الْعَرَب كَانَ من أمره أَنه لما مَاتَ أَبوهُ ظن أَنه ولي عَهده فِي الْإِمَارَة فَوضع يَدَيْهِ على خَزَائِن وَالِده واحتفت بِهِ الْعَرَب وَإِذا بِابْن عَمه الْكَبِير الْأَمِير مُدْلِج بن الْأَمِير ظَاهر قدم بِجَمَاعَة من الْأُمَرَاء وحولوا حُسَيْن عَن الْإِمَارَة وَعَن خَزَائِن وَالِده وحاولوا قَتله فهرب فانعقدت الْإِمَارَة لمدلج لكَونه أكبر مِنْهُ وأوجه وَأقرب إِلَى سلسلة الْإِمَارَة ولكونه كَانَ شريك وَالِده فِي قتل الْأَمِير شَدِيدا ابْن عَمهمَا الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ أَمِيرا وَكَانَ الْأَمِير فياض عاهده على أَنه إِذا مَاتَ تكون الْإِمَارَة من بعده لَهُ ثمَّ نزل حُسَيْن على بعض الكبراء واستظل بظله حَتَّى أصلح بَينه وَبَين مُدْلِج وَجعل لَهُ جانبا من الْولَايَة قَلِيلا ثمَّ وَقع فِي بَغْدَاد ونواحيها ثلج عَظِيم وَكَانَ لم يعْهَد وُقُوع الثَّلج قبل ذَلِك بِبَغْدَاد وحسين هُنَاكَ ومدلج بعيد عَنهُ فأمن مُدْلِج بِسَبَب ذَلِك فَركب حُسَيْن فِي الثَّلج وَذهب بعد أَيَّام إِلَى منَازِل مُدْلِج وَنزل خُفْيَة حَتَّى يدْرك اللَّيْل وَيدخل إِلَى نِسَائِهِ وَكَانَت زَوْجَة مُدْلِج بنت شَدِيد تساهر النِّسَاء وَكَانَ مُدْلِج يدْخل ثملا من الْخمر فَلبس حُسَيْن لِبَاس النِّسَاء وَدخل بَينهُنَّ وَأطَال الْجُلُوس حَتَّى يجد فرْصَة فِي قتل ابْن عَمه وَكَانَت بنت شَدِيد زَوْجَة لوالد حُسَيْن فبالفراسة عَرفته وتحيرت بَين أَن تسكت فَيقْتل زَوجهَا وَبَين أَن تَتَكَلَّم فَيقْتل ابْن زَوجهَا وَإِن قَالَت لَهُ اهرب تخَاف أَن يسمع زَوجهَا فَقَالَت فِي مُؤخر كَلَامهَا بمناسبة لَا يَنْبَغِي المخاطرة فِي الْأُمُور وَيَنْبَغِي الاحتفاظ على النَّفس من الْقَتْل فَلَمَّا علم حُسَيْن أَنَّهَا اطَّلَعت عَلَيْهِ خرج من بَين النِّسَاء هَارِبا ثمَّ وَقع فِي خاطرها أَنه رُبمَا يقتل زَوجهَا خَارج دارها فَصَبَرت سَاعَة ثمَّ بعثت لزَوجهَا إِنَّنِي رَأَيْت بَين النِّسَاء من يشبه الْحُسَيْن وَمَا تحققت هَذَا الْأَمر فاحتفظ على نَفسك فَعِنْدَ ذَلِك بعث مُدْلِج جماعته فوجدوا الْحُسَيْن ركب فرسه وَانْهَزَمَ فَاتبعهُ بالعساكر فَمَا أدركوه ثمَّ بعد ذَلِك كثر اتِّبَاع حُسَيْن من الْعَرَب وواعده طَائِفَة من الْعَرَب الَّذين عَن مُدْلِج أَن يتابعوه ويشايعوه فَأَشَارَ عَلَيْهِ قوم بِأَن يَأْخُذ من مُرَاد باشا حَاكم حلب عرضا فِي الْإِمَارَة ليتقوى من جَانب السلطنة بعد مَا قَالَ لَهُ بعض الْعَرَب الأروام لَا وَفَاء لَهُم بالعهود فَلم يسمع وَجَاء إِلَى حلب وَقدم الْهَدَايَا إِلَى الباشا ووعده وَكتب الْوَزير إِلَى مُدْلِج يطْلب مِنْهُ خَمْسَة وَعشْرين ألفا ليقْتل لَهُ الْحُسَيْن فوعده فغدر مُرَاد باشا بِحُسَيْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَوَضعه فِي سجن القلعة حَتَّى جَاءَ المَال فخنقه ثمَّ بعث عساكره لنهب أَمْوَاله وجماعته فقاتلوهم فَانْهَزَمَ اتِّبَاع مُرَاد باشا وَأخذ عرب حُسَيْن جَمِيع مَا كَانَ بيد جمَاعَة مُرَاد باشا حَتَّى نزعوا ثِيَابهمْ وأدخلوهم إِلَى بِلَاد أرِيحَا عُرَاة حُفَاة كَأَنَّهُمْ وردوا الْحساب ثمَّ إِن الله سلط الْوَزير الْحَافِظ حَتَّى قتل مُرَاد باشا حُسَيْن بن قَاسم بن أَحْمد بن مُحَمَّد الملقب حسام الدّين المغربي الجويزي الْمَالِكِي العتيقي الدرعي يُقَال الدروي الأديب الشَّاعِر المفلق ذكره الشهَاب الخفاجي فِي كِتَابيه فِي قسم المغاربة والنجم الْغَزِّي فِي ذيله وَقَالَ قدم دمشق فِي سنة خمس بعد الْألف وَكَانَ قدومه إِلَيْهَا من بِلَاد الرّوم صُحْبَة منلا مُحَمَّد أَمِين العجمي السابقي دفتري دمشق بعد أَن أَقَامَ بهَا مِقْدَار نصف سنة وَكَانَ مُحَمَّد أَمِين يعظمه ويصفه بالفضيلة وَكَانَ فِي نفس الْأَمر عَلامَة يعرف الْعَرَبيَّة بأنواعها ويحيط كثيرا وَيذكر أَخْبَار عُلَمَاء الغرب من أقرانه فَمن قبلهم ويستحضر وقائعهم وَوجدت بِخَط القَاضِي عبد الْكَرِيم الطَّبَرَانِيّ فِي بعض مجاميعه أَنه اجْتمع بِهِ وَسَأَلَهُ عَن مولده ونسبته ومشايخه فَذكر أَن مولده فِي أَوَائِل صفر سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة بوادي درا ونسبته إِلَى الْعَتِيق الإِمَام أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَأما مشايخه فَمنهمْ الشَّيْخ الإِمَام الْمَعْرُوف بالنجوري وَالْإِمَام الْحميدِي والزفوري والقدومي قَالَ وَأما شَيْخي الَّذِي عَلَيْهِ قَرَأت عدَّة فنون وَهِي الْفَرَائِض والحساب وَالْعرُوض وَالْفِقْه فَهُوَ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة وحيد تِلْكَ الديار الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس الْمَشْهُور بِابْن القَاضِي طالما أرضعني أفاويق در الْآدَاب وَألقى إِلَيّ علوما أجلهَا الْفَرَائِض والحساب قَالَ وَسَأَلته عَن سَبَب تغربه فَقَالَ هُوَ أَمر قدره الله وَكَانَ فِي نَفسِي مُشَاهدَة أفاضل الديار الدمشقية والتعبد بالجامع الْأمَوِي حَتَّى بَلغنِي الله الأمل وأملى كثيرا من شعر أهل الْمغرب وَله من أَبْيَات كتب بهَا إِلَى مُحَمَّد بن عَليّ الفشتالي كَاتب الْإِنْشَاء الشريف بالحضرة المراكشية معاتبا (عَلَيْك أَخَاف يَا مولى الْكِتَابَة ... ودادا بالصدود سددت بَابه) (وَمَا ذَنْب الْمغرب مَعَك حَتَّى ... تضاع ذمامه بجفا أرابه) قَالَ فَكتب إِلَيّ جَوَابا وَهُوَ قَوْله (أعيدك من ظنون واسترابه ... بنيت قبابها فَوق الضبابه) (بروق تَحت راعدة بصيف ... تثير سحابها ريح الْكِتَابَة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 (تهدد من أَخِيك بري عيب ... يفر إِلَى السرُور من الكآبة) (وَعند الله مجمع كل حق ... وَمَا كل الدُّعَاء بِذِي استجابة) وَذكره الفيومي فِي فهتزهه وَأنْشد لَهُ قَوْله (ولي صَاحب قد هذبته يَد الصِّبَا ... مودته فِي غية وعيان) (وَلَكِن هَوَاهُ مَعَ هواي تخالفا ... تخَالف رُؤْيا السجْن للفتيان) (فيهوى بني نجد ولين خصورهم ... وأهوى بَنَات الْغَوْر طول زماني) (تذكرني حَالي وإياه قَوْله ... رفيقك قيسي وَأَنت يماني) قَالَ النَّجْم الْغَزِّي ثمَّ خرج من دمشق حَاجا وقطن بِمَدِينَة العلافي طَرِيق الْمَدِينَة من الشَّام وأحبه أَهلهَا وَأَقْبلُوا عَلَيْهِ وجعلوه لَهُم إِمَامًا وخطيبا ومعلما لأطفالهم ومفتيا لَهُم على مَذْهَب مَالك لأَنهم مالكيون ثمَّ إِنَّه خرجت عِنْدهم عين مَاء قريبَة من الْبَلدة فَخرج إِلَيْهَا حُسَيْن فَوَجَدَهَا مُمكنَة الْوُصُول إِلَى مَدِينَة الْعلَا فساعده أَهلهَا حَتَّى أجروها إِلَى أَرض هُنَاكَ وخصوه بهَا وَرَأَوا أَن ذَلِك من بركته قَالَ وَلما حججْت فِي سنة سبع بعد الْألف زارني وحَدثني بِحَدِيث الْعين وَسَأَلته عَنْهَا فَأَخْبرنِي أَنَّهَا تبلغ مجْرى من المَاء بِحَيْثُ تستقل وتغني وَأَنه أَحْيَا بهَا أَرَاضِي كَثِيرَة قَالَ وحَدثني فِي تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة أَو عشرِيَّة بالمنزلة الْمَذْكُورَة قَالَ حَدثنِي الشَّيْخ مُحَمَّد بن العجيمي النجاري قَاضِي جبلة وزبيد بِالْيمن قَالَ سَأَلت ولي الله مُحَمَّد بن عجيل اليمني فَقلت لَهُ قد تزايد ظلم الأروام وَتجَاوز فَقَالَ قلت للبرهمتوشي يَعْنِي الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد البرهمتوشي الْحَنَفِيّ عَلامَة مصر مِثْلَمَا قلت لي فَقَالَ أنْكرت ذَلِك فَذَهَبت إِلَى الدفتر دَار فَكتبت سَائِر الْمَظَالِم وسافرت إِلَى السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان فَبَيْنَمَا أَنا فِي حلب إِذْ سَمِعت هاتفا جَالِسا فِي الْهَوَاء على كرْسِي فَقَالَ لي (إِذا نَحن شِئْنَا لَا يدبر ملكنا ... سوانا وَلم نحتج لشخص يدبر) (فَقل للَّذي قد رام مَا لَا نريده ... وحاول أَمر أدونه يتَعَذَّر) (لعمرك مَا التَّدْبِير إِلَّا لوَاحِد ... وَلَو شَاءَ لم يظْهر بِمَكَّة مُنكر) قَالَ فَرَجَعت وسلمت الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ (أرى غَارة الأقدار وللمرء لاحقه ... وَلَو فر منهارا كبا متن شاهقه) (وَمَا خطّ فِي أم الْكتاب تسوقه ... إِلَيْهِ الْمَقَادِير الَّتِي هِيَ سابقه) (فَلَا ذاق من صاب التغرب من بَكَى ... على مغربي ضَاعَ بَين مشارقه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 فعاتبته على ذَلِك وَقلت لَهُ مَا ضعت بَين المشارقة بل شاع ذكرك وَضاع نشْرك وسما قدرك فَمَا أنصفت فِيمَا قلت فاعترف بذلك من حَيْثُ لَا يَسعهُ الْإِنْكَار وَقَالَ إِنَّهَا نفثة مصدور على وَجه الِاعْتِذَار ثمَّ أدمج القَوْل بِأَنَّهُ وَإِن حصل فِي الْعلَا تَمام النِّعْمَة إِلَّا إِنَّه فِي بَلْدَة صَغِيرَة لَيْسَ بهَا عَالم يعرف قدره ثمَّ أَنْشدني مقَالَة العتابي يُشِير إِلَى ذَلِك (الْمَرْء فِي سوق الزَّمَان سلْعَة ... يرخص أَو يغلو بِقدر الْبقْعَة) (وَهَا أَنا بوادي درعة رخيص ... وَلَيْسَ لي عَمَّا قضى الله محيص) (يَا من يَلُومن على سكني درى فَلَا تقل لما جرى كَيفَ جرى ... ) وَهَذِه الأبيات تدل على أَنه يُقَال للمكان درعة بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَبعدهَا عين مُهْملَة ودرى وَالرَّاء مَفْتُوحَة إِلَّا أَنه سكنها ضَرُورَة ولغة فِي درعة وَمن هُنَا يُقَال فِي النِّسْبَة إِلَيْهَا درعى ودرى وَقَالَ ثمَّ اجْتَمَعنَا بِهِ فِي الرّجْعَة فِي أَوَاخِر الْمحرم سنة ثَمَان فأنس بِنَا وانسنا بِهِ وَلما عدت إِلَى الْحَج فِي سنة عشرَة رَأَيْته قد سَافر إِلَى الرّوم وعدت إِلَى الْحَج فِي سنة إِحْدَى عشرَة فَلَمَّا كُنَّا بِمَكَّة المشرفة فِي أواسط ذِي الْحجَّة بلغنَا أَنه غرق فِي بَحر جدة فِي الْمركب الْمَعْرُوف بالخاصكية فِي الشَّهْر الَّذِي قبله لحقته غَارة الأقدار وساقت إِلَيْهِ الْمَقَادِير مَا خطّ فِي أم الْكتاب رَحمَه الله تَعَالَى الْحُسَيْن بن الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن المهلا فِي حَقه إِمَام عُلُوم مُحَمَّد الَّذِي اعْترف أولو التَّحْقِيق بتحقيقه وأذعن أَرْبَاب التدقيق لتدقيقه واشتهر فِي جَمِيع الأقطار اليمنية بالعلوم السّنيَّة أَخذ عَن وَالِده الإِمَام الْمَنْصُور الْقَاسِم ولازمه حَتَّى برع وترعرع وَأخذ عَن الإِمَام الْعَلامَة لطف الله بن مُحَمَّد بن الغياث المظفري وجدي الْمُجْتَهد عبد الله المهلا وَلَقي كثيرا من شُيُوخ عصره وَله التصانيف الشهيرة كغاية السول فِي علم الْأُصُول وَشَرحه هِدَايَة الْعُقُول وَكتاب فِي آدَاب الْعلمَاء والمتعلمين اخْتَصَرَهُ من كتاب جَوَاهِر الْعقْدَيْنِ للسَّيِّد السمهودي وَكَانَ لَهُ الْخط الْحسن الَّذِي لَا نَظِير لَهُ وَمن شعره البديع قَوْله (مولَايَ جد بوصال صب مدنف ... وتلافه قبل التلاف بموقف) (وَارْحَمْ فديت قَتِيل سيف مرهف ... من مقلتيك طعين قد مر هف) (فَامْنُنْ بحقك يَا حبيب بزورة ... تحيي بهَا الْقلب القريح فيشتفي) (أعلمت أَن الصد أتلف مهجتي ... والصد للعشاق أعظم متْلف) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 (عجبا لعطفك كَيفَ رنح وانثنى ... متأودا وعَلى لم يتعطف) (أَنا عَبدك الملهوف فارث لذلتي ... وارفق فديتك بِي لطول تلهفي) (عَرفتنِي بهواك ثمَّ هجرتني ... يَا لَيْتَني بهواك لم أتعرف) (حَملتنِي مَالا أُطِيق من الْهوى ... وأذقتني سم الْفِرَاق المدلف) (يَا مهجتي ذوبي وَيَا روحي اذهبي ... من صده عني وَيَا عَيْني اذرفي) (هَل من معِين لي على طول البكا ... أَو راحمي أَو ناصري أَو منصفي) (وَإِلَيْك عاذل عَن ملامة مغرم ... لَا يرعوى عَمَّا يروم وَلَا يَفِي) (حاشاي أَن أسلو وانسي عهد من ... أحببته إِنِّي أَنا الْخلّ الوفي) (قل مَا تشَاء فانني يَا عاذلي ... لَا أَنْتَهِي لَا أنثني عَن متلفي) (أَنا عَبده لَا أكتفي عَن مالكي ... وَالْعَبْد عَن ملاكه لَا يَكْتَفِي) (يَا قلبه القاسي أما ترثي لمن ... قَاس هَوَاك جوى وَطول تأسف) (اعطف على قلب سلبت فُؤَاده ... واستبق مِنْهُ بِالنَّبِيِّ الْأَشْرَف) وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرى شهر ربيع الآخر سنة خمسين وَألف بِمَدِينَة ذمار وَبهَا دفن رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد حُسَيْن بن كَمَال الدّين بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمْزَة الْحَرَّانِي ابْن مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين بن عَليّ بن الْحُسَيْن المحترف ابْن إِسْمَاعِيل بن الْحُسَيْن النتيف ابْن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الثَّانِي ابْن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْأَعْرَج ابْن الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق ابْن الإِمَام مُحَمَّد الباقر ابْن الإِمَام عَليّ زين العابدين ابْن الإِمَام السَّيِّد الْحُسَيْن بن الإِمَام عَليّ بن أبي طَالب رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ هَذَا نسب بني حَمْزَة نقباء الشَّام وكبرائها أَبَا عَن جد وَسَيَأْتِي فِي كتَابنَا هَذَا مِنْهُم أنَاس تشرف بهم هَذَا الْعَصْر وَالسَّيِّد حُسَيْن هَذَا وَأَخُوهُ السَّيِّد مُحَمَّد روح الله تَعَالَى روحهما فرقد أَسمَاء هَذَا الْبَيْت ونير فلكه وكل مِنْهُمَا بارع فِي الْفُنُون كَبِير الشَّأْن وَسَيَأْتِي السَّيِّد مُحَمَّد كَمَا ذكرنَا واما السَّيِّد حُسَيْن فَإِنَّهُ اشْتغل وبرع وسما قدره إِلَى معالي الْأُمُور فسافر إِلَى الرّوم وَأقَام بهَا زَمَانا طَويلا وتقلبت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن قدم إِلَى دمشق وَرَأس فِيهَا وَصَارَ نَائِبا بالمحكمة الْكُبْرَى وقساما للعسكر ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الفارسية برتبة الدَّاخِل وَكَانَ فَاضلا كَامِلا وجيها حسن المصاحبة لطيف الْعشْرَة أديبا مطبوعا رَأَيْت من آثاره كتابا جمعه وَسَماهُ بالتذكرة الحسينية ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 فِيهِ شعراء متقدمين كالشريف الرضي وَمن نحا نَحوه وختمه يذكر بعض معاصريه من الشُّعَرَاء ثمَّ ذكر فِي آخِره حِصَّة وافية من نظمه فَمن ذَلِك قَوْله من قصيدة يمدح بهَا رُؤَسَاء الرّوم ومطلعها (خفض عَلَيْك أَخا الظباء الغيد ... وَارْحَمْ مدامع جفني المسهود) (كم ذَا أعلل بالأماني تَارَة ... قلبِي وطورا بانتظار وعود) (وَلكم أَبيت بليلة الملسوع فِي ... اذني سميع فِي الْتِفَات رصيد) (يَا مُسْرِفًا فِي هِجْرَة لمتيم ... هجرت محاجره لذيذ هجود) (أَهْون برغبتك القلى والجهد فِي ... تَعْذِيب شلو فُؤَادِي المفؤود) (لم يبْق هجرك فِي قلباً خافقا ... لسرور وغد أَو لخوف وَعِيد) (وغدوت من فعل السقام كأنني ... أَوْهَام فكر فِي خيال بليد) (أدنيتني حَتَّى ملكت حشاشتي ... وتركتني وَقفا على التنكيد) وَقَوله من أُخْرَى (معَاذ الْهوى إِن الصريع بِهِ يصحو ... ليعقل مَا يملى على سَمعه النصح) (وَكَيف ترجى مِنْهُ يَوْمًا إفاقة ة ... وَزيد الْهوى فِي عقله عظم الْقدح) (دع الْقلب يشقى فِي طَرِيق ضلاله ... فَفِي رَأْيه أَن الْوُصُول بهَا نحج) (تؤمل آمالا مدى الْعُمر دونهَا ... كَانَ مطايا النائبات بِهِ جمح) (يكتم أسرار الغرام فُؤَاده ... ويفضحه من مزن مقلته السح) (لقد ألفت عَيناهُ أَن تنضح الرما ... وَتلك دمالب بِهِ أحكم الجرج) (يعاف الْكرَى مِنْهُ المحاجر كَارِهًا ... نزُول جراح جرحها شَأْنه الرشح) (لَهُ فِي انْتِظَار لطيف جفن مؤرق ... تفيئه من شدَّة الأرق الْقرح) (وَلم يدر أَن الطيف يحذر ان يرى ... نزيل بيُوت دأب أَبْوَابهَا الْفَتْح) (غَدا دهره بالهجر لَيْلًا جَمِيعه ... وحسبك دهر بالنوى كُله جنح) (كَانَ نُجُوم الْأُفق فِيهِ تنصرت ... فَلَيْسَتْ لغير الشرق وجهتها تنحو) (كَانَ الثريا والنسور تخاصما ... وظلا على جد بجانبه المزح) (كَانَ بِهِ الشهب الثواقب تنبري ... مَرَاسِيل ذَات الْبَين يُرْجَى بهَا الصُّلْح) (كَانَ بِهِ خيط المجرة جدول ... توارده الحبشان وازدحم التَّرَحِ) (كَانَ ظلام اللَّيْل فِي الجو عثير ... تغشى صُفُوف الْجَيْش من جونه قبح) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 (كَانَ بِهِ العيوق ملك مبجل ... كَانَ اخضرار الْفجْر فِي أفقه صرح) وَقَوله من أُخْرَى (خفض عَلَيْك أَخا الظباء الرتع ... انت الشَّرِيك بِمَا رميت بِهِ معي) (أرْسلت من أجفان لحظك أسهما ... مد فوقت لم تحظ قلب مروع) (قد ظلّ موقعها الْفُؤَاد وإنني ... لم ألق غَيْرك ثمَّ فِي ذَا الْموضع) (كلفت بحبات الْقُلُوب كَأَنَّمَا ... تبغي الْوُقُوف على الضَّمِير الْمُودع) (يَا من غَدا يَسْطُو عَليّ بهجره ... أَو مَا رحمت نحيب صب مولع) (شَيْئَانِ تنصدع الجوانح مِنْهُمَا ... تغريد ساجعة وأنة موجع) (كم رمت أُخْفِي عَن سواك صبابتي ... وَبهَا ينم على شَاهد أدمعي) (يهفو لغي فِيك قلبِي ثمَّ لَا ... يصغى لغش بالرشاد مقنع) (قل للعذول عَلَيْك يتْرك غشه ... بالنصح لي فلذاك أدنى لَا تعي) (لم تخف قطّ بشاشة لؤم الْفَتى ... فالطبع يفضح حَالَة المتطبع) (إِن الملام وَحقّ وَجهك فِي الْهوى ... مَا زَاد غير تولهي وتولعي) (قد زَاد فِيك تالفي بتألمي ... وتفكري فِيك انْتهى لتمتعي) قَوْله خفض إِلَى آخر الأبيات الثَّلَاثَة من المطلع هُوَ مَضْمُون قَول مهيار فِي أبياته (أودع فُؤَادِي حرقا أودع ... ذَا تَكُ تؤذي أَنْت فِي أضلعي) (امسك سِهَام اللحظ أَو فارمها ... أَنْت بِمَا ترمي مصاب معي) (موقعها الْقلب وانت الَّذِي ... مَسْكَنه فِي ذَلِك الْموضع) وَمن شعره قَوْله من قصيدة أُخْرَى (أَرَانِي الزَّمَان فعالا خسيسا ... وخطبا يُبدل نعماه بوسا) مِنْهَا (ومذ أسكرتني صروف الزَّمَان ... نسيت بهَا الكاس والخندر يسا) (وألزمت نَفسِي حَال الخمول ... وعفت المنى وهجرت الجليسا) (فقد يمْكث السَّيْف فِي غمده ... حصونا ويستوطن اللَّيْث خيسا) وَمِنْهَا فِي المديح (بعزم ترَاهُ إِذا مَا بدا ... بمعضل امْر يفل الخميسا) (وَلَا تملك الْقلب مِنْهُ الرداح ... وَلَو أشبه الْوَجْه مِنْهَا الشموسا) (وَلَو تَكُ لَو تمس مَا اهتدت ... عصون الرياض إِلَى أَن تميسا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وَقَوله مضمنا بَيت الأرجاني مرتجلا (لست أنسى لياليا قد تقضت ... بوصال وَطيب عَيْش بمغنى) (كم قضينا بهَا لبانة أنس ... وظفرنا بِكُل مَا نتمنى) (حَيْثُ غُصْن الشَّبَاب رَيَّان ... من مَاء صباه مَعَ الْهوى يتثنى) (قد أَتَت بَغْتَة وَوَلَّتْ سرَاعًا ... كطروق الخيال مذ زار وَهنا) (أَتَرَى هَل تعود لي بالتداني ... ومحال جمعي بهَا أونثني) (غير أَنِّي اعلل النَّفس عَنْهَا ... بالاماني الْكذَّاب وهما ووهنا) (أَتَمَنَّى تِلْكَ اللَّيَالِي المنيرات ... وَجهد الْمُحب أَن يتَمَنَّى) وَهَذَا مَا وَقع اخْتِيَاري عَلَيْهِ للإثبات هُنَا من شعره وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَألف وَتُوفِّي فِي أَوَائِل شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن بتربة الايجية فِي سفح قاسيون رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد حُسَيْن بن مُحَمَّد البيمارستاني نقيب الاشراف بحلب وَكَانَ يكْتب الْحُسَيْنِي تولى نقابة حلب بعد موت وَالِده ونازعه الشَّمْس الرامحمداني فَإِنَّهُ كَانَ نَقِيبًا قبل وَالِد السَّيِّد حُسَيْن فتقرب السَّيِّد حُسَيْن إِلَى الْمولى يحيى بن سِنَان بالهدايا حَتَّى قررها عَلَيْهِ وَعرض لَهُ بهَا وَكَانَ صَاحب أَمْوَال جزيلة حصلها من التِّجَارَات والمداينات وَأخذ أمرا بالتقاعد عَن دفتر دارية حلب وَكَانَ لَا يَأْخُذ من الاشراف مَالا وَلَا يصادرهم بل كَانَ يبْذل لَهُم الْقرى وَيَقْضِي مهمات مصالحهم بِخِلَاف غَيره من النُّقَبَاء وَلما استولى خداوردي أحد جند الشَّام على حلب ونواحيها وامتدت يَده زوج ابْنَته لِابْنِ خداوردي كَمَا زوج الشَّيْخ أَبُو الْجُود ابْنَته لخداوردي تقربا إِلَى جاهه وَلما تولى الْوَزير نصوح كَفَالَة حلب وَفهم الشَّيْخ أَبُو الجودانة يُرِيد الانتقام من خداوردي وَبَقِيَّة أجناد دمشق المستولين على حلب فر قبل وَقع الْفِتْنَة إِلَى دمشق وَالسَّيِّد حُسَيْن ثَبت وَكَانَ يُدَارِي الباشا وَهُوَ فِي الْبَاطِن يبغضه وَيَنْوِي لَهُ السوء والأمير درويش بن مطاف أحد مُتَفَرِّقَة حلب مَقْبُول الباشا كثير البغض للسَّيِّد حُسَيْن بِوَاسِطَة أَخِيه السَّيِّد لطفي فَإِنَّهُ كَانَ عدوا للسَّيِّد حُسَيْن مَعَ كَونه أَخَاهُ فَكَانَ السَّيِّد لطفي يثلب أَخَاهُ بِحُضُور الْأَمِير درويش والأمير درويش ينْقل ذَلِك للباشا حَتَّى وَقع الْحَرْب بَين نصوح باشا وحسين باشا ابْن جانه ولاذ كَمَا ذَكرْنَاهُ سَابِقًا وانكسر نصوح باشا وَعَاد إِلَى حلب مقهور افوشي السَّيِّد لطفي أَن أَخَاهُ فَرح بِكَسْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 عَسْكَر الباشا وَأَنه قَرَأَ مولدا فِي هَذِه اللَّيْلَة للفرح فَذهب الباشا لَيْلًا إِلَى دَار السَّيِّد حُسَيْن فَسمع ضرب الدفوف وأصوات الغواني وأمارات السرُور وَكَانَ سَببه أَن بنت السَّيِّد حُسَيْن ولدت ولدا ذكرا فِي تِلْكَ الْأَيَّام فاجتمعت النِّسَاء للفرح فَفِي الْيَوْم الثَّانِي طلب الباشا السَّيِّد حُسَيْن فَأخذ مَعَه شريفا من بَيت ضِعَاف الْحَبْس ورجلا يُقَال لَهُ مَنْصُور بن حلاوة فَدخل الثَّلَاثَة إِلَى دَار السَّعَادَة فَأمر الباشا بخنقهم خُفْيَة فخنقوا وألقيت أَجْسَادهم فِي الخَنْدَق بِحَيْثُ لَا يشْعر بهم أحد وَضبط الباشا أَمْوَال السَّيِّد حُسَيْن وهرب السَّيِّد لطفي لما قيل لَهُ الباشا يقتلك أَيْضا وليوهم النَّاس أنني مَا سعيت فِي قتل أخي وَقد كَانَ السَّيِّد لطفي يحلف الإيمانات الْعَظِيمَة أَن أَخَاهُ يشرب الْخمر ويلبس لبوس النصاري وَيذكر ذَلِك للباشا وَكَانَ قَتله فِي سنة ثَلَاث عشرَة بعد الأ " لف وعمره نَحْو سبعين سنة رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ حُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد مولى عبد يدا الْحَضْرَمِيّ الشَّيْخ الْمُفْتِي الْعلم الْكَبِير قَالَ الشلي فِي تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَغَيره واعتنى بكشف المشكلات وَصَحب العارفين الأساتذة وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن حُسَيْن بافقيه وَالشَّيْخ زين العابدين بن عبد الله العيدروس وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف ابْن مُحَمَّد العيدروس واعتنى بِالْمذهبِ فاحكم أُصُوله وفروعه ثمَّ سعى الشَّيْخ زين العابدين فِي تَقْلِيده الْقَضَاء لواقعة وَقعت بَينه وَبَين أَخِيه شيخ بن عبد الله العيدروس سَيَأْتِي ذكرهَا فِي تَرْجَمَة زين العابدين فتقلد صَاحب التَّرْجَمَة الْقَضَاء فحمدت أَحْكَامه لكَمَال عقله وعلو همته وَلم تطل مدَّته ففصل عَنهُ وَأقَام مكباً على دروسه وفتاويه وَكَانَ كثيرا الْعِبَادَة معتنيا بالإصلاح كثير الْخُشُوع والورع وَكَانَت لَهُ عِنْد الْمُلُوك الْمنزلَة الْعليا قَالَ الشلي رَأَيْته فِي تريم وَقد وقف على ثنية الْوَدَاع وهمت أَرْكَان حَيَاته بالإنصداع وَلم يزل فِي عز محروس الدّين وَالنَّفس إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَرْبَعِينَ وَألف بِمَدِينَة تريم رَحمَه الله تَعَالَى الْمولى حُسَيْن بن مُحَمَّد بن نور الله بن يُوسُف الْمَعْرُوف بأخي زَاده مفتي دَار السلطنة وَأحد أَفْرَاد الْعَالم فِي الْفضل والذكا والمعرفة وَكَانَ أعجوبة وقته فِي التبحر فِي الْفُنُون وَمَعْرِفَة الْعَرَبيَّة وشاع ذكره واشتهر فَضله وَله تحريرات ورسائل تدل على دقة نظرة وتفوقه وأشعاره بالتركية كَثِيرَة وَكَانَ يتَخَلَّص بهدابي وَأما شعره الْعَرَبِيّ فَلم أَقف لَهُ الْأَعْلَى هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وهما قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 (أَيهَا المبتلي عَلَيْك بِخَمْر ... إِنَّهَا للعليل خير علاج) (ثمَّ لَا تشر بن الأبمزج ... أول الْوَاجِبَات أَمر المزاج) مولده بقسطنطينة وَبهَا نشأته ودأب فِي التَّحْصِيل حَتَّى فاق أهل عصره وَمَا زَالَ يترقى فِي المناصب إِلَى أَن ولى قَضَاء قسطنطينة فِي سنة سبع عشرَة وَألف وَليهَا ثَانِيًا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف بعد أَن كَانَ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بانا طولى ثمَّ ولي قَضَاء أَنا طولى مرّة ثَانِيَة فِي سنة خمس وَعشْرين وَولي بعد ذَلِك قَضَاء روم أيلي مرَّتَيْنِ عزل فِي الْمرة الْأَخِيرَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَكَانَ قبل ذَلِك لما مَاتَ شيخ الْإِسْلَام الْمولى أسعد وحاول فَتْوَى الممالك الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْغَنِيّ أرسل صَاحب التَّرْجَمَة يَقُول للسُّلْطَان كل من وقف على قَدَمَيْهِ بحضوركم وَرفعت إِلَيْهِ ثلثمِائة مسئلة وَكتب جَوَاب الْمِائَتَيْنِ من غير مُرَاجعَة فليعط الْفَتْوَى فَلم يضع إِلَى هَذَا ووجعت الْفَتْوَى للْمولى يحيى بن زَكَرِيَّا فَيُقَال أَنه فَرح بذلك لكَونه أكبر مِنْهُ وأقدم فِي المناصب وَإِنَّمَا غضب لَو أَخذهَا ابْن عبد الْغَنِيّ وَحين كَانَ قَاضِيا بعساكر الرّوم أيلي وَكَانَ الْوَزير الْأَعْظَم مره حُسَيْن باشا وَكَانَت العساكر متغلبة على الدولة بِسَبَب قتل السُّلْطَان عُثْمَان وَنسب الْقُضَاة والمدرسون إِلَى الْوَزير الْأَعْظَم أَنه قَالَ عَن صَاحب الرسَالَة أَن من مَاتَ من ألف سنة كَيفَ كَلَامه يعْتَبر وَقد صَار عظما رميما فسعى صَاحب التَّرْجَمَة فِي قَتله وعزل عَن الوزارة الْعُظْمَى وَقدم حُسَيْن باشا لضرب عُنُقه فَضَح العساكر فِي الدِّيوَان وَقَالُوا لَا تقتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى حَتَّى نقتلكم فَلم يبال صَاحب التَّرْجَمَة بل صعق بِصَوْت هائل وَقَالَ للجلاد اضْرِب عنق هَذَا اللغين فَضرب الجلاد عُنُقه فِي الْحَال ثمَّ بعد ذَلِك سعى فِي الْفَتْوَى وعزل الْمولى يحيى والعسكر متغلبون وَالسُّلْطَان مُرَاد ضَعِيف مَعَهم فَدخل عيد شهر رَمَضَان فَصنعَ العساكر الأراجيح وَفرقُوا الشمع على جَمِيع أكَابِر الرّوم وَكَانُوا يَقُولُونَ فلَان يعْطى مائَة قِرْش وَفُلَان يُعْطي ألف قِرْش حَتَّى فرقوا الشمع على جماعات من أهل السَّرَايَا وأعطوا الشمع للمفتي الْمَذْكُور فَرده ردا عنيفاً وأحضر أَخا لكبير أُمَرَاء السباهية وَقَالَ أَنا أعرف أَخَاك حِين كَانَ أَمْرَد معشوقاً لفُلَان واستطال عَلَيْهِ بالْكلَام فخضع لَهُ الْمَذْكُور ثمَّ إِن صَاحب التَّرْجَمَة قوى جنان السُّلْطَان مُرَاد حَتَّى جمع السُّلْطَان جمعية على السباهية زعزع أَرْكَان دولتهم وَجلسَ السُّلْطَان على سَرِير جلالته الْقَدِيمَة وَقتل الْوَزير الْأَعْظَم وَهُوَ رَجَب باشا الَّذِي كَانَ مستظلاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 بِظِل العساكر ثمَّ إِن السُّلْطَان مُرَاد بَعْدَمَا قتل صَنَادِيد الأجناد أَخذ يقتل بعض أَعْيَان الْقُضَاة من الموَالِي وَغير الموَالِي وَكَانَ من عَادَة بني عُثْمَان لَا يقتلُون الْعلمَاء فَفِي أثْنَاء ذَلِك توجه السُّلْطَان إِلَى بروسة فَاجْتمع جمَاعَة من الموَالِي وَشَكوا فِيمَا بَينهم من السُّلْطَان وَأَنه خَالف قانون أجداده فِي قتل الْعلمَاء ثمَّ إِن صَاحب التَّرْجَمَة كتب ورقة لحضرة وَالِدَة السُّلْطَان متضمنة أَن قوانين السلاطين أَن لَا يقتلُوا الْعلمَاء وَإِذا حصل مِنْهُم ظلم طردوهم إِلَى بِلَاد بعيدَة وَنحن من الداعين لابنك حَضْرَة السُّلْطَان فنؤمل إِذا قدم بِالصِّحَّةِ من السّفر تذكرين لَهُ ذَلِك بِحسن عبارَة ليترك هَذَا الْأَمر فَلَمَّا وصلت الورقة إِلَيْهَا فَكَأَنَّهُ وشى المفسدون أَن الْمُفْتِي وَالْعُلَمَاء يُرِيدُونَ الِاجْتِمَاع على خلع السُّلْطَان فَكتبت إِلَى السُّلْطَان ورقة بذلك وَبعثت بِوَرَقَة الْمُفْتِي فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَيْهِ بَادر بالمجيء من بروسة على أَجْنِحَة السرعة وَدخل قسطنطينية وأحضر الْمُفْتِي وخنقه فِي الْحَال وَذَلِكَ فِي خَارج قسطنطينية فِي قَرْيَة بساحل الْبَحْر وَدَفنه فِي مَكَان لَا يعلم قَبره وَبعث بِابْنِهِ إِلَى قبر قدس فاختل عقل ابْنه وَمَات فِي غُضُون ذَلِك وَولى الْفَتْوَى الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّا وَكَانَ قَتله فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ حُسَيْن بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن فرفرة الدِّمَشْقِي المجذوب الصَّالح المكاشف كَانَ فِي مبدأ أمره من آحَاد الْجند الشَّامي وَتعين مُدَّة فِي بَاب قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَكَانَ يحضر من يطْلب إِحْضَاره للمخاصمة فاتفق أَنه عينه بعض أَرْبَاب الْحُقُوق إِلَى قَرْيَة عين ترما من قرى دمشق لاحضار رجل من أهاليها فَسَار إِلَى أَن وصل إِلَى قرب الْقرْيَة الْمَذْكُورَة فصادفته الْعِنَايَة الربانية فسلب فِي ذَلِك الْمَكَان وساح فِي تِلْكَ الدائرة مُدَّة وَظَهَرت لَهُ أَحْوَال باهرة ثمَّ سكن حَاله وَاسْتقر فِي المنارة الغربية أحد المنارات الثَّلَاث بِجَامِع بني أُميَّة واتخذها دَار مبيته وَحفظ الْقُرْآن فِي مُدَّة قَليلَة وَكَانَ يدارس بِهِ فِي السَّبع بَين العشاءين بالجامع الْمَذْكُور وَيُؤذن بالمنارة الْمَذْكُورَة للأوقات الْخَمْسَة وَكَانَ قواما بِاللَّيْلِ يقْضِي ليله فِي تِلَاوَة الْقُرْآن وَالذكر والتوحيد وَإِذا جَاءَ وَقت الثُّلُث الْأَخير يَصِيح بِصَوْت شجي وَيَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله الْملك الْحق الْمُبين مُحَمَّد رَسُول الله الصَّادِق الْوَعْد الْأمين ويكررها إِلَى أَن يطلع المؤذنون إِلَى المنارة ويبدؤون بالتسبيح والتهليل ثمَّ يُؤذن مَعَهم أَذَان الصُّبْح وَيذْهب بعد طُلُوع الشَّمْس إِلَى مَزَار بعض الصَّالِحين تَحت القلعة بِالْقربِ من جَامع يلبغا فيمكث وَحده هُنَاكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 ثمَّ يعود إِلَى المنارة الْمَذْكُورَة وَكَانَ فِي بعض الْأَحَايِين يتركع بعد الْعشَاء أَو قبلهَا فِي محراب الْحَنَابِلَة رَكْعَات كثيرات غير معتدلة وَكَانَ لَهُ نزاهة وإعراض عَن الدُّنْيَا وَرُبمَا يُعْطِيهِ بعض النَّاس شَيْئا فَيَأْخُذ مِنْهُ وَيُعْطِيه على الْفَوْر لمن يسْتَحقّهُ وَكَانَ لطيف البداهة عذب المخاطبة وَكَلَامه أَكْثَره جَوَاب وَكَانَت تعتريه أَحْوَال عَجِيبَة وحركات غَرِيبَة وَله مَنَاقِب مَشْهُورَة ومكاشفات مأثورة حدث بعض الثِّقَات عَن الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ مفتي دمشق قَالَ لما قدم الشَّيْخ يُوسُف بن أبي الْفَتْح إِلَى دمشق بعد وَفَاة السُّلْطَان عُثْمَان وَرَأس فِي دمشق كَانَ يبلغنِي عَنهُ التَّعَرُّض إِلَيّ بِبَعْض الْمَكْرُوه فَذكرت ذَلِك للسَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بالمنير وَكَانَ من المعمر بن الصَّالِحين فَقَالَ لي الْوَقْت لحسين بن فرفرة تذكر لَهُ ذَلِك فَعرض ذَلِك عَلَيْهِ فجَاء حُسَيْن بعد يَوْمَيْنِ إِلَى درس الْمَذْكُور بالجامع الْأمَوِي والفتحي جَالس يلقِي الدَّرْس فِي الشفا للْقَاضِي عِيَاض وَمَعَهُ حرَام ملأَهُ أوخام من كناسَة الْجَامِع فَدخل ونفض مَا فِيهِ على الدَّرْس الْمَذْكُور ثمَّ خرج فَبعد شهر جَاءَ بريد يَطْلُبهُ لأمامة السُّلْطَان مُرَاد وَكَانَ أَمَامه الْمَعْرُوف بمنلا أوليا قد توفّي فِي روان فَذكر بعض خدمَة السلطنة ابْن أبي الْفَتْح وَأَنه كَانَ أَمَام الحضرة السُّلْطَانِيَّة فَأخذ من دمشق بالإكرام التَّام ثمَّ أَن الْعِمَادِيّ الْمَذْكُور قَالَ للسَّيِّد الْمُنِير ذهب الفتحي لَكِن مَا ذهبت صولته فَقَالَ لَهُ أَن الْمَقْصُود كَانَ ذَهَابه من هَذِه الْبَلدة على أَي حَالَة كَانَت وَهَذَا الأبعاد عَن الديار المقدسة إِلَى الْأَبَد وَهَكَذَا أوقع فَإِن الفتحي لم يعد بعْدهَا إِلَى دمشق وَمَات بالروم وَاتفقَ لصَاحب التَّرْجَمَة من الكرامات مَا اشْتهر انه أَتَى لدرس النَّجْم الغزى مفتي الشَّافِعِيَّة مُحدث الشَّام فِي عصره على الْإِطْلَاق وَكَانَ يقرئ صَحِيح البُخَارِيّ تَحت قبَّة النسْر من جَامع بني أُميَّة فَأخذ يُورد كلَاما خَالِيا عَن الضَّبْط وَيسْأل سُؤَالَات خَارِجَة عَن الْمَقْصُود فَقَالَ لَهُ النَّجْم اسْكُتْ فَقَالَ لَهُ بل أَنْت اسْكُتْ وَقَامَ مغضبا من مجْلِس الدَّرْس فاتفق أَن النَّجْم مرض بعد أَيَّام واعتراه طرف من الفالج فأسكت وَحضر الدَّرْس نَحْو سِتَّة أَعْوَام وَهُوَ سَاكِت ثمَّ تقرب إِلَى خاطر صَاحب التَّرْجَمَة فَانْطَلق لِسَانه بعد ذَلِك وَكَانَ يقبل يَد الْحُسَيْن وَيعْتَذر إِلَيْهِ بعْدهَا يوده وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من أَرْبَاب الْقُلُوب وَالْأَحْوَال وَمَا زَالَ على حَالَته لَا يتَغَيَّر فِي طوره من الأطوار إِلَى أَن توجه إِلَى الْحَج فانتقل بالوفاة إِلَى رَحمَه الله تَعَالَى فِي الطَّرِيق وَدفن بِمَنْزِلَة تَبُوك وقبره ظَاهر يزوره الْحجَّاج ويتبر كَون بِهِ وَكَانَت وَفَاته سنة سبع وَسِتِّينَ ألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 حُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالقاري الْفَاضِل الأديب الْكَامِل نَشأ فِي كنف أَخِيه أَحْمد واشتغل على شَيخنَا عَلامَة الْعَصْر إِبْرَاهِيم ابْن مَنْصُور الفتال وعَلى غَيره وَحصل فَضِيلَة باهرة وَكَانَ يكْتب الْخط التَّعْلِيق المعجب ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الجهاركسية بصالحية دمشق واشتهرت نجابته وَكَانَ لطيف الشكل حسن الْخطاب جميل المنظر طلق اللِّسَان عالي الهمة على صغر سنه وطراوة عوده ونظم الشّعْر إِلَّا أَن شعره قَلِيل وَقل أَن يُوجد فِيهِ نادرة أَنْشدني لَهُ بعض الأخلاء قَوْله مضمنا (بِاللَّه سل طرفِي السهران هَل هجعاً ... وَمَا بِهِ الْعِشْق والتبريح قد صنعا) (قد حدّث النَّاس عَن مضني الْهوى دنفا ... وَمَا أَصَابُوا وَلَكِن شنعوا شنعاً) (يَا ابْن الْكِرَام أَلا تَدْنُو فتبصر مَا ... قد حدثوك فَمَا رَاء كمن سمعا) وَقَوله من الرباعيات (أَن جزت بحيً منيتي حبيه ... وَأخْبرهُ عَن الْمُحب مَا يرضيه) (أَن زار فقد حييت فِي زورته ... أَو صدّفانّ مهجتي تفديه) وأنشدني قَوْله أَيْضا (أنادي إِذا نَام الهجيع تأسفاً ... وقلبي من بَين الضلوع كليم) (هَنِيئًا لطرف فِيك لَا يعرف الْكرَى ... وتباً لقلب لَيْسَ لافيك يهيم) وَقَوله (أفديه ظَبْيًا بِالشرابِ مُولَعا ... يترشف الأقداح وهوالاً كيس) (فَكَأَنَّهُ الْبَدْر الْمُنِير إِذا بدا ... من نور طلعته أَضَاء الْمجْلس) وَقَوله (زارو هُنَا مرنح الأعطاف ... بعد أَن كَانَ مائلاً للْخلاف) (كم بأصداغه وَرَاح لماه ... رحت نشوان سالف وسلاف) (صدّ ظلما وَلم يكن فيّ ذَنْب ... غير دمعي أذاع مَا هُوَ خافي) (أَيهَا العاذل الجهول تأمّل ... فِي محياه ثمَّ قل بِخِلَاف) وَفِي هَذَا الْقدر من أشعاره كِفَايَة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَسبعين وَألف عَن سبع وَعشْرين سنة وَدفن بمقبرة بَاب الضغير وَمن نوادره أَنه دخل عَلَيْهِ السَّيِّد مُحَمَّد بن حَمْزَة نقيب الْأَشْرَاف بِالشَّام فِي مرض مَوته يعودهُ وَكَانَ وصل إِلَى التلاف فَقَالَ للنقيب شرفتمونا تَارِيخ لعيادتكم هَذِه فَحسب فَوجدَ كَمَا قَالَ وَهَذَا من كَمَال فطنته الشَّيْخ حُسَيْن بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَقِيه ابْن أَحْمد الشَّهِيد بن الشَّيْخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 الْمَشْهُور الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الله بِأَفْضَل بلحاح الْحَضْرَمِيّ مؤلف الْمُخْتَصر الَّذِي شَرحه الشهَاب ابْن حجر ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْفَقِيه أبي بكر ابْن مُحَمَّد بلحاح ابْن عبد الرَّحْمَن بن القيه عبد الله بن يحيى بن القَاضِي أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن الْفَقِيه وظل ابْن مُحَمَّد ابْن عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد هَذَا مَا وجد من نسب آل أبي فضل وَلم يعلم إِلَى أَيْن يرجعُونَ وَفِي الظَّن أَنهم يرجعُونَ إِلَى قحطان لِأَن غَالب عرب الْيمن من قحطان وَنقل الثِّقَة عَن الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه فضل بن عبد الله صَاحب الشحر أَنهم يتصلون بِسَعْد الْعَشِيرَة وَنسب سعد الْعَشِيرَة مَذْكُور فِي سيرة ابْن هِشَام وَغَيرهَا من كتب السِّيرَة والتواريخ وَالنّسب فِي طرفَة الْأَصْحَاب فِي معرفَة الْأَنْسَاب للْملك الغساني سعد الْعَشِيرَة وَهُوَ ابْن مذْحج بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة ابْن أدد بن زيد بن عمر وبن عريب بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشحب بن يعرب بن قحطان بن هود عَلَيْهِ السَّلَام ابْن شالخ بن أزفحشد بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام ابْن ملك بن متوشلح بن أخونخ بن أنوش بن شِيث بن آدم عَلَيْهِمَا السَّلَام ومذحج هم الَّذين قَالَ فيهم رَسُول الله مذْحج هَامة الْعَرَب وغلصمتها وَقيل أَن آل أبي الْفضل ينسبون إِلَى بني هِلَال انْتهى والفقيه خسين الْمَذْكُور ولديندر الشحر فِي سنة تسع عشرَة وَقَرَأَ الْقُرْآن على عَمه الْفَقِيه أَحْمد بن إِبْرَاهِيم وتفقه على جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد شيخ بن الْجفْرِي قَاضِي الشحر وَقَرَأَ النَّحْو ثمَّ رَحل إِلَى الْيمن وَدخل عدنا وزبد أَو رَحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ فِي هَذِه الْبِلَاد عَن جمَاعَة وبرع فِي التصوف وَكَانَ رُبمَا تكلم بِكَلَام انتقد عَلَيْهِ ثمَّ عَاد إِلَى الشحر وَصَحب الشَّيْخ الْجَلِيل السَّيِّد أَحْمد بن نَاصِر وَالسَّيِّد حسن با عمر ورحل إِلَى الْهِنْد فَأخذ عَن السَّيِّد جَعْفَر بن عَليّ زين العابدين بن العيدروس وَعَن جمَاعَة وَعَاد إِلَى مَكَّة وَحج وَأخذ عَن ابْن عَم أَبِيه الشَّيْخ سَالم با فضل وَعَن السَّيِّد سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ وَصَحب الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الرَّحْمَن با وَزِير وَكَانَ يتَرَدَّد بَين المخبا وَمَكَّة كل سنة يتجر فِي البن والقماش وزار النَّبِي وَأخذ عَن الصفى القشاسي وَالشَّيْخ زين بن عبد الله بِأَحْسَن وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن علوي وَرَأى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف فِي مَنَامه كَانَ ملكا نزل من السَّمَاء فَقطع رجلَيْهِ قَالَ فجصل لي بذلك الْقطع لَذَّة عَظِيمَة وتأولها الْإِقَامَة بِمَكَّة وَكَانَ كَذَلِك وسافر إِلَى مَكَّة فَأَقَامَ بهَا من سنة سِتّ وَسِتِّينَ إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ كثير المطالعة للفتوحات المكية وَيحل مشكلاتها وَكَذَلِكَ غَيرهَا من كتب ابْن عَرَبِيّ وَالْإِنْسَان الْكَامِل وَكَانَ لَا يَقُول بِعلم غير هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 الْعلم وَكَانَ مُعْتَقد اللصوفية مُصدقا بِجَمِيعِ مَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ وَقد قَالَ الْجُنَيْد التَّصْدِيق بعلمنا هَذَا ولَايَة وَقَالَ إِذا رَأَيْتُمْ الرجل مُعْتَقد اللصوفية فَاطْلُبُوا مِنْهُ الدُّعَاء فَإِنَّهُ مجاب الدعْوَة وَكفى بِأبي الْقسم شَاهد حق وَصدق وَكَانَ قَائِلا بوحدة الْوُجُود الَّتِي عَلَيْهَا أَكثر الْمُحَقِّقين وَكَانَ يحضر درس الشَّمْس البابلي وَالشَّيْخ عِيسَى المغربي ثمَّ تجرد لِلْعِبَادَةِ ولازم الْمكتب الشَّرْعِيَّة حَتَّى صَار من أكَابِر العارفين المرشدين ولازم التِّلَاوَة وَالذكر وَله نظم حسن وَكَانَ ذَا ذوق وَفهم وَله تعلق بالأدب حفظ كثيرا من المقامات الحريرية وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ وَلما حج السَّيِّد عبد الله بن علوي الْحداد فِي سنة تسع وَسبعين قَامَ فِي خدمته وأكرمه إِكْرَاما عَظِيما وأنزله فِي دَاره وَقَامَ بِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَة مريديه وزار مَعَه النَّبِي ولازمه وَمرض بِالْمَدِينَةِ مَرضا شَدِيدا فكشف للسَّيِّد عبد الله أَن مدَّته قد انْقَضتْ فاستوهب لَهُ من جماعنه بعض أعمارهم فوهبوه وَتشفع بِالنَّبِيِّ فِي ذَلِك فَقبل وعاش بقد مَا وهبوه لَهُ وَمن نظمه قَوْله (لمعت لنا أنوار ليلى واعتلت ... ثمَّ انْثَنَتْ تدنوا إِلَيْنَا واختفت) وَمِنْه أَيْضا (بدالي سنا نجد فغابت نجومه ... فأفنى وجودي فِي شموس همومه) (وأبقاني الْوَصْف الشهودي فانياً ... وَأَحْكَام رسمي قد محته رسومه) (إِذا أَن لَا أفني وَلم أك بِالَّذِي ... أحَاط بِهِ الْمَعْنى فَأنى عديمه) (مَعَانِيه فِي المجلى تعاظم قدرهَا ... ويحظى بهَا من كَانَ حَقًا عظيمه) (شُهُودًا وَعرفا ناتراً كم فيضه ... على من سقَاهُ الوجد كأساً يقيمه) (شراب قديم ذُو نعيم معجل ... وساقيه قد أسْقى الندامة نعيمه) (هُوَ الذَّوْق للمشروب فَأعلمهُ يَا فَتى ... فَمن ذاق ذَاك الشّرْب فَهُوَ عليمه) (بِعلم قديم وَهُوَ فِي الْخلق حَادث ... وَمن حَضْرَة الْأَسْمَاء كَانَت علومه) (عُلُوم لَهَا فِي كل روح سرَايَة ... كنوز أَضَاءَت فِي الدياجي نجومه) (هُوَ الشَّمْس للأكوان وَالشَّمْس بدره ... بل الرّوح للأرواح طَابَ شميمه) ونظم تائية حَسَنَة على طَريقَة ابْن الفارض مطْلعهَا (بعثت غرامي حاد للأحبة ... يحثهم شوقاً لعزة عزة) وَمِنْهَا قَوْله (مظَاهر أَعْيَان الكيان تصورت ... وجود بلاعين على العدمية) (وَمن عجب أَنِّي أرى الْكَوْن ظَاهرا ... وَلَيْسَ لَهُ عين سوى المظهرية) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 (فَفِي طيه قد كَانَ فِي الْعلم مُجملا ... وَفِي نشره وافي بِكُل عَجِيبَة) (وَمن عجب الْأَشْيَاء عَليّ بِأَنَّهُ ... كصورة مَاء فِي سراب بقيعة) (فَمَا غير شمس أشرقت فِي مغيبها ... وَمَغْرِبهَا قد غَابَ فِي المشرقية) وَهِي طَوِيلَة وَكتب على المشكلات فِيهَا ثمَّ مرض مَرضا شَدِيدا فامر ببلها فبلوها فَعُوفِيَ وَمن فراسته أَن معلم أَوْلَاده عَليّ بأحداد رأى فِي مَنَامه أَنه يمشي فِي عقبه وَصَاحب التَّرْجَمَة يمشي خَلفه ثمَّ تقدم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة يدل ذَلِك على أَن ميلادك قبل ميلادي وَأَنا أَمُوت قبلك فبحث عَن ذَلِك فَوجدَ صَاحب التَّرْجَمَة ولد فِي سنة تسع عشرَة والفقيه ولد سنة ثَمَان عشرَة وَتُوفِّي والفقيه بَاقٍ وَكَانَت وَفَاته نَهَار الِاثْنَيْنِ آخر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف بِمَكَّة وَدفن بمقبرة الشويكة بِالْقربِ من قبر الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الله بن مُحَمَّد بافقيه رَحمَه الله تَعَالَى القَاضِي حُسَيْن بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُوسَى الْعَدوي الزوكاري الصَّالِحِي القَاضِي الْفَقِيه الأديب الشَّافِعِي الْمَذْهَب كَانَ أمثل الْفُضَلَاء والأدباء جيد الْفَهم عَجِيب المطارحة رَقِيق الطَّبْع اشْتغل فِي مباديه بِدِمَشْق على وَالِده وَأخذ عَن الشَّمْس الميداني والنجم الْغَزِّي ورحل إِلَى الْقَاهِرَة بعد الثَّلَاثِينَ وَأخذ بهَا عَن الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ وَأبي الْعَبَّاس الْمقري وَالشَّيْخ عَليّ الْحلَبِي صَاحب السِّيرَة وَالشَّمْس البابلي والعلا الأَجْهُورِيّ وَالشَّيْخ مُحَمَّد الْحَمَوِيّ وَالشَّيْخ عَامر الشبراوي وَحج وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَن الشَّيْخ غرس الدّين الخليلي نزيل الْمَدِينَة المنورة بِمَكَّة عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن عَلان الصديقي واقرأ بِدِمَشْق وَأفَاد وَضبط الْكثير وَولي قَضَاء الشَّافِعِيَّة بمحكمة الميدان والمحكمة الْكُبْرَى سِنِين وَأفْتى على مَذْهَبهم مُدَّة وَكَانَ معاشر اللكبراء لحلاوة ومصاحبته وسكونه وَله شعر كثير من جيده قَوْله (أرى كل إِنْسَان يرى أَن حِينه ... من الْخطب خَال أَن ذَاك لمغرور) (وَكَيف وأصل البنية المَاء وَالثَّرَى ... وسوف إِلَى ترب الْقُبُور تصير) (فَلَا تعتبن خلا إِذا جَار أَو جَفا ... فَأَنت وَرب الْعَالمين كدور) (فَإِن جنحت مِنْك الظنون لحادث ... فميلك للتوحيد يَا صَاح مبرور) (فَإِن بَقَاء الْعِزّ فِي وحدة الْفَتى ... كَمَا إِن كثار التَّرَدُّد مَحْذُور) (وَمَا مذهبي إِنِّي ملول لرفقتي ... وَلَكِن مسلوب الكفاء مَعْذُور) (أجل إِن أَبنَاء الزَّمَان مَا تفاوتت ... فَمنهمْ خَبِير بالأمور وتحرير) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 (وَبِالْجُمْلَةِ التَّحْقِيق فالأنس موحش ... وَعَما سوى الخلاق شغلك مدحور) (فيا رب جد بِالْعَفو والصفح وَالرِّضَا ... ففعلي مَذْمُوم فعلك مشكور) وَقَوله (وليل أدرنا فضل قاسون بَيْننَا ... فَكَادَتْ قُلُوب السامعين تطير) (فَلم ندر إِلَّا الْفجْر صَار دليلنا ... إِلَى سفحه السفح فِيهِ نغير) (وَفينَا هداة للطريق وقادة ... لَهُم كل فضل فِي الورى وصدور) (فسرنا فَلَا وَالله لم ندر مَا الَّذِي ... قطعناه بعد الْمَشْي كَيفَ يصير) (فَلَمَّا وصلنا المستغاث أغاثنا ... بِهِ الْغَيْث حَتَّى غوثنا لمطير) (فزرنا وكل نَالَ مَا كَانَ نَاوِيا ... وفزنا بِوَقْت حسنه لشهير) (وَمِنْه ركبنَا الجو حَتَّى كأننا ... نُجُوم سَمَاء والسحاب ثبير) (إِلَى أَن هبطنا قبَّة الْملك الَّتِي ... تسمى بنصر مذ أعَان نصير) (رَأينَا بهَا عقد الثريا مُعَلّقا ... وَعين الدراري النيرات تُشِير) (فَلم تَرَ برجا قبلهَا حل منزلا ... يسير إِلَيْهِ النَّاس وَهُوَ يسير) (وأعجب شَيْء أَن ترَاهَا مُقِيمَة ... وتمشي كَمَا يمشي الْفَتى ويفور) (وأعجب من هَذَا ترَاهَا عقيمة ... تربي بَنَات النعش وَهِي سَرِير) (وعدنا فحيانا حَيا فضل سحبها ... بِرِبْح لَهُ وَقع الْغَمَام صرير) (إِلَى أَن رمتنا بعد عالي مَكَاننَا ... على مغر فِيهَا الْمقَام غرور) (وَجِئْنَا حمانا مُطْمَئِنين أنفسا ... ععلى أَن مر فِي المكرمات عسير) وَدخل على شَيخنَا إِبْرَاهِيم بن الخياري الْمدنِي حِين دخل الشَّام زائر بعد انْقِطَاع فانشده معتذرا (وَمَا عاقني عَن لثم أذيال فَضلكُمْ ... سوى أَن عَيْني مُنْذُ فارقتكم رمدا) (فعاتبتها حَتَّى كَأَنِّي حبيبها ... فأبدت كلَاما كَانَ قلبِي لَهُ غمدا) (وَقَالَت لقد كحلت طرفِي برفه ... فأفتحها سَهوا وأغمضها عمدا) وَهَذَا معنى مبتكر جيد إِلَى الْغَايَة ثمَّ رَاجعه الخياري عَنهُ بقوله (أيا فَاضلا أبدي لنا فِي نظامه ... لطيف اعتذار سكن الشوق والوجدا) (وأشفى بلقياه مَرِيض بعاده ... وَقد كَانَ أشفى للبعاد وَمَا أودى) (فصان لَهُ الْعَرْش مقلته الَّتِي ... ترى كل معنى دق عَن فهمنا جدا) (لَئِن كحلت بالظرف قد أسكرت بِمَا ... أدارته من مقلوب أحداقها شَهدا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 (فَإِن ترني أشتاق خمرة قرقف ... فأطلبها سَهوا وأتركها عمدا) وَكنت فِي أَيَّام الصِّبَا تلقيت عَنهُ بعض مَعْلُومَات لاتصال شَدِيد كَانَ بَينه وَبَين وَالِدي رحمهمَا الله تَعَالَى واستجزته فأجازني بمروياته وَأَخْبرنِي أَن وِلَادَته كَانَت فِي سنة ثَمَانِي عشرَة بعد الْألف وَتُوفِّي نَهَار الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَتِسْعين وَألف وَدفن بسفح قاسيون حُسَيْن بن مشيخ الْمَعْرُوف بالقاطر وَمَعْنَاهُ الْبَغْل نزيل دمشق وَكَانَ فَقِيها عَارِفًا بِأُمُور النَّاس صَاحب دربة وَكَانَ يعرف اللِّسَان الْفَارِسِي والتركي والبوسنوي وَلما ورد دمشق وتوطنها تعلم اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة عمره وَتزَوج بِإِحْدَى ابْنَتي أبي الْمَعَالِي درويش مُحَمَّد الطالوي مفتي دمشق وَسكن فِي قاعته بمحلة التَّعْدِيل هُوَ وعديله على الشاطر وَفِيهِمَا يَقُول الْحسن البوريني يُخَاطب القاعة الْمَذْكُورَة (يَا قاعة لَيْسَ لَهَا من شبه ... يجلى بهَا النَّاظر والخاطر) (فَارقهَا من كَانَ أَهلا لَهَا ... وحلها الشاطر والقاطر) وَولي حُسَيْن النِّيَابَة بِدِمَشْق وحمدت سيرته وَكَانَت وَفَاته فِي خَامِس عشرى ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَخلف مَالا كثيرا وولدين أَحدهمَا زَكَرِيَّا وَالْآخر درويش مُحَمَّد وَسَيَأْتِي كل مِنْهُمَا فِي مَحَله حُسَيْن أَفَنْدِي بن مصطفى بن حسن الْمَعْرُوف بِابْن قرنق الدِّمَشْقِي مُفْرد وقته فِي محَاسِن الشيم وكرم الطَّبْع والمهارة فِي الْعُلُوم الغريبة مثل الطلسمات والنيرنجيات والأعمال العجيبة وَأخذ هَذِه الْعُلُوم عَن الشَّيْخ المفنن سيف الدّين الصّباغ وَكَانَ سيف الدّين الْمَذْكُور أحد أَعَاجِيب الدُّنْيَا فِي هَذِه الْعُلُوم وَإِلَيْهِ النِّهَايَة فِيهَا وحَدثني بعض من لَقيته عَن حسن أَنه كَانَ يَقُول كَانَ أستاذي يَعْنِي الشَّيْخ سيف الدّين الْمَذْكُور أَشَارَ إِلَيّ بِطَلَب الإستخدام وَأَمرَنِي برياضة أَرْبَعِينَ شهرا وخلوة أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَمَّا أكملتها خرجت إِلَى حَيَّة عَظِيمَة فابتلعتني وَأَنا أتلو الْأَسْمَاء حَتَّى وصلت فِي جوفها إِلَى عِنْد فِي فَعندهَا ضَاقَ فِي نَفسِي فَتركت الْأَسْمَاء فأخرجتني ثمَّ ظَهرت لي فِي صُورَة امْرَأَة حسناء وشرعت فِي توبيخي على تركي الْأَسْمَاء وَحصل لي مِنْهَا ضَرَر عَظِيم مَنَعَنِي النُّطْق وَأدّى إِلَى اختلال وَجْهي وَفِي فَحَضَرَ عِنْدِي الْأُسْتَاذ وَأصْلح مني مَا كَانَ اخْتَلَّ وَكَانَ يلومني بعد ذَلِك على تركي الْأَسْمَاء وَكَانَ كثير الاعتناء بشيخة الْمَذْكُور بِنَقْل عَنهُ احوالا غَرِيبَة ووقائع عَجِيبَة وَمِمَّا حدث بِهِ عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 فِي بعض محاضراته أَن الشَّيْخ سيف الدّين قصد يَوْمًا التَّنَزُّه فصحبه هُوَ ورفيقان من طلبته حَتَّى انْتَهوا إِلَى جَامع يلبغا فتفقدوا بعض دَرَاهِم لأجل نَفَقَة الْيَوْم فَلم يَجدوا مَعَهم شَيْئا فَلَمَّا فطن الشَّيْخ بهم قَالَ لحسين أَنا أُعْطِيك نَفَقَة الْيَوْم ثمَّ جَاءَ إِلَى رخامة فِي الْجَامِع وَخط عَلَيْهَا دَائِرَة ثمَّ قَالَ لَهُ اسحب فسحب شريطا من ذهب حَتَّى انْتهى إِلَى مِقْدَار ثمَّ قطعه وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ بِعْهُ وأتنا بِثمنِهِ قَالَ فَذَهَبت ووزنتته فجَاء وَزنه تِسْعَة مَثَاقِيل فأنقدت ثمنه ثمَّ أَتَيْته فَقَالَ لي اصرف مِنْهُ مِقْدَار كفايتنا وَالْبَاقِي دَعه مَعَك تنْتَفع لَهُ وَحدث أَن الشَّيْخ سيف الدّين كَانَ مستخدما كَمَا سلف قَالَ وَكنت يَوْمًا جَالِسا فَجَاءَنِي مِنْهُ رَسُول يناديني إِلَيْهِ فصحبته وَأَنا ذَاهِب فِي الطَّرِيق وَكنت إِذْ ذَاك مشتغلا بِتِلَاوَة الْأَسْمَاء فشرعت فِي تلاوتها فرأيته يتباعد عني فناديته وتكررت التِّلَاوَة مني والتباعد مِنْهُ فَقلت لَهُ مَالك تتباعد عي فَقَالَ لَا أقدر على الْقرب مِنْك وَأَنت تتلو هَذِه الْأَسْمَاء ففطنت بِهِ قَالَ وَلما اجْتمعت بالشيخ قلت أما كَانَ عنْدك رَسُول من الْأنس حى أرْسلت لي هَذَا فَأَجَابَنِي أَو تعرف إِن لي خدمَة غير هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْجِنّ وَبعد وَفَاة شَيْخه الْمَذْكُور انْفَرد هُوَ بِدِمَشْق بِمَعْرِِفَة هَذَا الْفَنّ وامتحن مَرَّات وَكَانَ من جملَة ذخائره فِي هَذِه الصِّنَاعَة مرْآة إِذا أبهم عَلَيْهِ أَمر يُعْطِيهَا لآحد جُلَسَائِهِ ينظر فِيهَا وَيَتْلُو هُوَ إسما فَيرى النَّاظر فِيهَا الْمَطْلُوب على كَيْفيَّة تنْتج مَعْرفَته حَتَّى يبْقى كَأَنَّهُ مشَاهد فيخبره بِهِ النَّاظر فيشرع فِي تَحْصِيله وَمن أغرب مَا سمعته عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب أحد قُضَاة دمشق كَانَ لَهُ أَخ فِي الرّوم وكا بهَا أحد الصُّدُور فَغَضب عَلَيْهِ السُّلْطَان وعزله عَن منصبه ونفاه عَن دَار السلطنة فَلَمَّا وصل خبر ذَلِك إِلَى أَخِيه قَاضِي دمشق ظن أَنه قتل وَحصل لَهُ من الْأَلَم مَا مَنعه الهجوع فاستدعى صَاحب التَّرْجَمَة وَطلب مِنْهُ النّظر فِي حَال أَخِيه فَظهر فِي الْمرْآة مَكَانَهُ وهيئته وَذكر أَنه مُرْسل إِلَى أَخِيه القَاضِي مَكْتُوبًا وَبَين عدد أسطره وَيَوْم وُصُوله فَطلب مِنْهُ قِرَاءَته فَكَانَ النَّاظر فِي الْمرْآة يملي عَلَيْهِ وَهُوَ يكْتب إِلَى أَن انْتهى وَاتفقَ مَجِيء الْمَكْتُوب فِي الْيَوْم الَّذِي عينه فقوبل على النُّسْخَة الَّتِي كتبت فَلم يزود وَلم ينقص وَهَذِه الْوَاقِعَة من أغرب مَا سمعته وَقد رزق من الْحَظ والإقبال فِي أُمُوره نَصِيبا وافرا وَتَوَلَّى المناصب السامية وانعقدت عَلَيْهِ صدارة دمشق وتملك الْأَمْلَاك الْكَثِيرَة وَعمر الْأَمَاكِن البهية من جُمْلَتهَا قصره وقاعته بالصالحية وَهُوَ أبهى مَكَان بهَا وَقد قَالَ فِيهِ مفتي الشَّام الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن المهمندار مؤرخا عَام بنائِهِ بقوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 (لقد شيد الشهم الْحُسَيْن الَّذِي لَهُ ... مآثر مجد لَا يُحِيط بهَا عد) (بِنَاء إِلَى أعلا السماكين أَرخُوا ... هِيَ القاعة الحسنا لطالعها السعد) وَذَلِكَ سنة سبع وَسبعين والف وَولي بِدِمَشْق منصب الْمُقَابلَة والمحاسبة وتولية الْحَرَمَيْنِ المصريين والسليمانية والسليمية والصابونية وَالْجَامِع الْأمَوِي وكوجك أَحْمد باشا وَبَلغت سفراته إِلَى الرّوم الْعشْرين وَحج فِي سنة خمس وَخمسين وَفِي سنة سِتّ وَسبعين وَتُوفِّي فِي تِلْكَ السّنة أَمِير الْحَاج يُوسُف باشا فِي الطَّرِيق فاختاره أَعْيَان الْحجَّاج أَن يكون أَمِيرا فباشرها وسلك مسلكا حسنا وسافر إِلَى الرّوم بعد ذَلِك وَأَخذه مقاطعة بعلبك واقتنى من العبيد والجواري والأحفاد مَا لَا يحصر وَبلغ من الْعِزّ والرفعة مبلغا عَظِيما ثمَّ تنزل فِي آخر أمره وَفرع عَن جَهَالَة وَبَاعَ بعض عقاراته وابتلى بأمراض مهولة وَاسْتمرّ بهَا إِلَى إِن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي الْمحرم سنة تسعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى المنلا حُسَيْن بن نَاصِر بن حسن بن مُحَمَّد بن نَاصِر بن الشَّيْخ القطب الرباني شهَاب الدّين الْأَشْقَر الْعقيلِيّ الْحَمَوِيّ جد صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله لامه وَكَانَ عَالما فهامة جَامعا لأنواع الْفُنُون ولد بحماة وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن أكَابِر شيوخها كالسيد عمر بن عَسْكَر وَالشَّيْخ نجم الدّين الْحِجَازِي وَغَيرهمَا من الائمة الْأَعْلَام وَأَجَازَهُ شُيُوخه وَتَوَلَّى بحماة الْمدرسَة الجلدكية واشتهر بِالْعلمِ وَالْفضل ثمَّ رَحل بأَهْله إِلَى دمشق وتوطنها وَأخذ بهَا عَن أكَابِر الْأَعْيَان كالنجم الْعزي وَغَيره ورحل إِلَى مصر وَأخذ بهَا عَن الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ وَغَيره وَكَانَ حسن الْخلق والخلق جميل الذّكر صافي الْقلب والفكر صَالحا خيرا متواضعا عَالما عَاملا مشتغلا بِالْعلمِ والإفادة مكبا على المطالعة ملازما للطاعات وَكتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة وَجمع مجاميع لَطِيفَة وَله أشعار بديعة وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس بِالْقربِ من قبر أبي شامة رَحمَه الله تَعَالَى الْأَمِير حُسَيْن بن يُوسُف بن سَيْفا الْأَمِير بن الْأَمِير ولي فِي حَيَاة وَالِده كَفَالَة طرابلس الشَّام ثمَّ عزل عَنْهَا ثمَّ ولي كَفَالَة الرها ثمَّ تَركهَا من غير عزل وَقدم حلب وكافلها مُحَمَّد باشا قُرَّة قاش فَحَضَرَ الْأَمِير حُسَيْن لَدَيْهِ مُسلما عَلَيْهِ فَأكْرمه واحترمه ثمَّ دَعَاهُ إِلَى وَلِيمَة فجَاء مَعَ جمَاعَة قَليلَة فاحتاطت بِهِ جمَاعَة قُرَّة قاش وَأمرهمْ أستاذهم بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فمسكوه ورفعوه إِلَى القلعة مسجونا وَوضع فِي مَسْجِد الْمقَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 يحْتَاط بِهِ الحرسة فَبعث قره قاش إِلَى السُّلْطَان يُخبرهُ بذلك وَبلغ وَالِده الْخَبَر فَبعث جماعته ووعد السُّلْطَان بِمِائَة ألف قِرْش إِن عَفا عَنهُ فَلم يجبهُ إِلَى ذَلِك وَبعث أمرا بقتْله فجَاء الجلاد فَقَالَ بقلب جرى وجنان قوي أيليق أَن أكون من الباشوات ويقتلني الجلاد ثمَّ إِنَّه أَشَارَ ألى رجل مُعظم من أَتبَاع قُرَّة قاش أَن يقْتله وَقَالَ لَهُ اصبر عَليّ حَتَّى أكتب مَكْتُوبًا إِلَى وَالِدي وأوصيه بعض وَصَايَا فَكتب ورقة أوصاه بأولاده وَعَزاهُ فِي نَفسه ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ واستغفر الله وَقَالَ رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وعملت سوءا بِجَهَالَة فتب عَليّ أَنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم وَوضع مُحرمَة نَفسه فِي عُنُقه وَأمر ذَلِك الرجل بخنقه وَبكى عَلَيْهِ جمَاعَة كَثِيرَة لحسنه وَكَونه شَابًّا وَكَانَ شجاعا بطلا إِلَّا أَنه كَانَ يُبَالغ فِي ظلم الْعباد ثمَّ أخرجت أمعاؤه ودفنت بتربة القلعيين وَصَبَرت جثته وَأرْسلت إِلَى وَالِده فَاسْتَقْبلهَا النِّسَاء وَالرِّجَال بالبكاء والصراخ وَالْوَيْل وَالثُّبُور وَصَارَ يَوْم دُخُوله كَيَوْم مقتل الْحُسَيْن وَقَالَت الغواني فِيهِ المراثي يضر بن وَقت إنشاد إِشْعَار مَقْتَله بالدف بِصَوْت خزين حكى قره قاش إِنِّي كنت فِي خدمَة السُّلْطَان أَحْمد وَقد خرج إِلَى الصَّيْد فعرضوا عَلَيْهِ طيور الصَّيْد ثمَّ جاؤه بطير عَظِيم لَا نَظِير لَهُ فتعجب مِنْهُ وَقَالَ من بعث هَذَا قَالُوا عَبدك حُسَيْن باشا ابْن سَيْفا أَمِير الامراء بطرابلس فَقَالَ السُّلْطَان آه آه آه من خِيَانَة مماليكي الْأَمر لله إِلَى هَذَا الْحِين هَذَا الْكَافِر بِالْحَيَاةِ فأسرها قره قاش فِي نَفسه وصاده بطيره وَكَانَ قَتله فِي أَربع عشرى شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وعمره قريب من الثَّلَاثِينَ رَحمَه الله تَعَالَى حُسَيْن الكفوي أحد موَالِي الرّوم الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ والبراعة ذكره ابْن نَوْعي واثنى عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ قَالَ قدم إِلَى قسطنطينية وَلزِمَ دَاوُد زَاده قَاضِي الْمَدِينَة ولازم مِنْهُ ودرس إِلَى أَن وصل إِلَى الْمدرسَة السلمانية ثمَّ ولى مِنْهَا قَضَاء الْقُدس فِي شعْبَان سنة سبع بعد الْألف ثمَّ وَجه إِلَيْهِ قَضَاء مَكَّة فِي شَوَّال سنة ثَمَان بعد الْألف ثمَّ عزل فِي صفر من سنة عشرَة وَكَانَ صَاحب لطائف وفضائل وَهُوَ أنبل ارباب المعارف فِي عصره لم تزل لطائفه متداولة وأشعاره وآثاره شائعة وَمن تأليفاته الجليلة تعليقاته على البُخَارِيّ وَمُسلم وَشرح الكلستان بالتركية يتَعَرَّض فِيهِ لشارحيه سروري وشمعي وَله كتاب قَالَ نامه يذكر فِيهِ غرائب وقائع وَقعت لمن تفائل بِالْقُرْآنِ وديوان حَافظ وَغَيرهمَا وَهُوَ أثر لطيف رَأَيْته وطالعته ونقلت مِنْهُ أَشْيَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 فَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ عَن قطب العارفين يَعْقُوب الجرخي انه ذكر فِي بعض مصنفاته أَن الْعِنَايَة الإلهية ساقته إِلَى خذمة الخوجة بهاء الدّين نقشبند قَالَ فَرَأَيْت من كرمه إِلَيْهِم غَايَة الِالْتِفَات وَظهر لي انه من خَواص الْأَوْلِيَاء وَأَنه كَامِل مكمل فتفاءلت فِي شَأْنه من الْمُصحف فورد قَوْله تَعَالَى اولئك الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده وَحكى انه لما توفّي الْمولى سِنَان محشي الْبَيْضَاوِيّ وَالْهِدَايَة أَخذ بعض أَرْبَاب الْقُلُوب الْمُصحف وتفاءل فِيهِ على حسب مَال الْمولى سِنَان فورد قَوْله تَعَالَى وَلَقَد اصطفيناه فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين وَحكى عَن نَفسه قَالَ كنت عزمت على الرحلة من بلدتي الكفة فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ أَنا ووالدتي لَكِن ترددت هَل اذْهَبْ بحرا أَو برا وتشعبت فِي المخيلة وساوس الْخَوْف من الْغَرق أَو كَثْرَة التَّعَب فتفاءلت من الْقُرْآن فورد قَوْله تَعَالَى قَالَ لَا تخافا إِنَّنِي مَعَكُمَا اسْمَع وَأرى ثمَّ أعقبت ذَلِك بتفاؤل آخر فورد ألم تَرَ أَن الله سخر لكم مَا فِي الأَرْض والفلك تجْرِي فِي الْبَحْر بأَمْره فتيمنت بالفال وركبنا الْبَحْر فوصلنا سَالِمين بعون الله تَعَالَى وَحكى أَن الْمولى مَعْرُوف أحد الموَالِي الْعِظَام الأخيار قَالَ رَأَيْت لَيْلَة رُؤْيا عَظِيمَة سررت بهَا كثيرا فَلَمَّا استيقظت أخذت أفكر فِيهَا هَل هِيَ من قبل الرَّحْمَن أَو من جَانب الشَّيْطَان فتفاءلت فِي الْجَامِع الصَّغِير للسيوطي فورد قَوْله رُؤْيا الْمُؤمن الصَّالح بشرى من الله وَهِي جُزْء من خمسين جُزْءا من النُّبُوَّة انْتهى وَكَانَ وَقع بَينه وَبَين نكسارى زَاده محاورى ألف فِيهَا رِسَالَة وَطعن عَلَيْهِ فِيهَا وَكَانَ فِي علم الموسيقى نِهَايَة وَله أغان ربطها مَقْبُولَة متداولة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد حُسَيْن الْحُسَيْنِي الخلخالي أحد مشاهير الْمُحَقِّقين وَالْعُلَمَاء العاملين أَخذ عَن الْعَلامَة حبيب الله الشهير بمرزاجان الشيزاري وَكثير وَعنهُ أَخذ عبد الْكَرِيم بن سُلَيْمَان بن عبد الْوَهَّاب الكوراني وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا إِثْبَات الْوَاجِب وحاشية على حَاشِيَة العصام عَليّ الْبَيْضَاوِيّ توفّي فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف من تحريرات الْأُسْتَاذ الباهر امام التَّحْقِيق الملا إِبْرَاهِيم بن حسن الْكرْدِي نزيل الْمَدِينَة المنورة رَحمَه الله تَعَالَى الْمولى حُسَيْن الشهير بالجنجي قَاضِي الْعَسْكَر فِي دولة السُّلْطَان إِبْرَاهِيم ولد بِمَدِينَة بور لي الزَّعْفَرَان وَكَانَ أَبوهُ من آحَاد الْمَشَايِخ بهَا فاخذ عَنهُ بعض عزائم وأدعية وَدخل قسطنطينية وتلمذ بهَا للْمولى شيخ مُحَمَّد الْمَعْرُوف حسن زَاده وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره تبدو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 مِنْهُ بَوَادِر بِأَنَّهُ سيصير صَاحب مرتبَة وجاه فيعجب مِنْهُ من يسمعهُ وَرُبمَا سخر وامنه وَاتفقَ أَن السُّلْطَان إِبْرَاهِيم طلب أَن يرْزق ولدا فَكَانَ يستدعى من مَشَايِخ وقته وأطبائه أدعيتهم ومعالجاتهم وَلِهَذَا كَانَ كل من عرف شخصا يتوسم فِيهِ الصّلاح أَو معرفَة الطِّبّ أَو العزائم يَسُوقهُ إِلَى طرف السلطنة وَكَانَت وَالِدَة صَاحب التَّرْجَمَة تعرف رجلا من مقربي السُّلْطَان فَذكرت لَهُ أَنه يعرف بعض العزائم فَلَمَّا بلغ خَبره إِلَى السُّلْطَان استحضره فَقَرَأَ شَيْئا من عَزَائِمه الَّتِي يعرفهَا فاعتدل مزاج السُّلْطَان وحملت بعض جواريه فَأقبل على صَاحب التَّرْجَمَة وَعين لَهُ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَوجه إِلَيْهِ مدرسة الْخَارِج والداخل والصحن دفْعَة ثمَّ وَجه إِلَيْهِ فِي مُدَّة قَليلَة قَضَاء الغلطة فتملك دَارا بِالْقربِ من جَامع مَحْمُود باشا وبناها بِنَاء عَظِيما وَصدر الْأَمر السلطاني للْمولى مَحْمُود بن قره جلبي أَن يُزَوجهُ ابْنَته فَزَوجهُ إِيَّاهَا وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدولى بخيلها ورجلها ثمَّ ولي قَضَاء عَسْكَر أَنا طولي وَأطلق عَلَيْهِ معلم السُّلْطَان وَحصل أَمْوَالًا عَظِيمَة وجاها بالغاوبني فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة ابنية جليلة وخانا وحماما وَحكى أَنه دفن فِي جدران ابنيته أَمْوَالًا كَثِيرَة فَلَمَّا خلع السُّلْطَان إِبْرَاهِيم أخرج من دفائنه نَحْو ثَلَاثَة آلَاف كيس كلهَا نقد ثمَّ حبس ثمَّ بعث بِهِ إِلَى قَصَبَة ميخاليج فَقتل بهَا وَكَانَ قَتله فِي أَوَاخِر سنة ثَمَان وَخمسين وَألف رَحمَه الله حُسَيْن باشا الْمَعْرُوف بدالي حُسَيْن نديم السُّلْطَان مُرَاد وَأحد الوزاراء الْكِبَار أَصله من قَصَبَة بيكشهر من نَاحيَة قرمان رَحل فِي مبدأ أمره إِلَى قسطنطينية وخدم فِي حرم السلطنة وَصَارَ بهَا من طَائِفَة اليلطجية وَقدم دمشق فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف قَاصد الْحَج وَعَلِيهِ خدمَة السِّقَايَة فِي طَرِيق الْحَج ثمَّ ترقى بعد ذَلِك إِلَى أَن صَار محافظ مصر وَقدم دمشق فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَتوجه إِلَيْهَا وَكَانَت أَحْكَامه فِيهَا معتدلة ثمَّ عزل عَنْهَا وَسَار إِلَى درا السلطنة وَلما اجْتمع بالسلطان مُرَاد أوصله دفترا بِجَمِيعِ مَا حصله فِي مصر من مَال وَأَسْبَاب وأمتعة وَقَالَ لَهُ هَذَا جَمِيع مَا أملكهُ فِي دولة الْملك فانعم عَلَيْهِ وقربه وَجعله من أخصائه وندمائه وَصَحبه مَعَه فِي سفر بَغْدَاد وَبعد وَفَاة السُّلْطَان مُرَاد ولي حُكُومَة بَغْدَاد وَهُوَ ثَالِث حَاكم بهَا بعد فتحهَا الْأَخير ثمَّ ولي بودين وَولي وزارة الْبَحْر ثمَّ عين فِي زمن السُّلْطَان إِبْرَاهِيم إِلَى حزيرة كريت فَسَار إِلَيْهَا وَأقَام بهَا سَبْعَة عشر سنة فِي محاربة وَفتح أَكثر بلادها وقراها وَلم يبْق بهَا إِلَّا قلعة قندية كَمَا أسلفته فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان إِبْرَاهِيم ثمَّ أرسل إِلَيْهِ ختم الوزارة الْعُظْمَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وَبَقِي لوصوله إِلَيْهِ مَسَافَة أَربع سَاعَات فاسترد وَكَانَت الوزارة فوضت إِلَى غَيره ثمَّ طلب هُوَ إِلَى تخت السلطة وَدخل إِلَى أدرنة بموكب حافل وَاجْتمعَ بالسلطان مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم فَأقبل عَلَيْهِ ثمَّ أرْسلهُ إِلَى قسطنطينة وَأمر بِوَضْعِهِ فِي الْمَكَان الْمَعْرُوف بيَدي قله وَبعد أَيَّام أَمر بقتْله فَقتل وَدفن فِي دَاخل الْمَكَان الْمَذْكُور وقبره ظَاهر ثمَّة ولقتله خبر مطول مخلصه إِسْنَاد بعض حَسَدْته إِلَيْهِ التهاون فِي أَمر قندية وَأَنه كَانَ فَاجر مَعَ الْكفَّار فِي محاصرتها واستفتى مفتي الدولة فِي قَتله فَامْتنعَ ذَهَابًا مِنْهُ إِلَى بَرَاءَته من ذَلِك فعزل ذَلِك الْمُفْتِي وَولي مَكَانَهُ رجل أفتى بقتْله فَقتل وَكَانَ قَتله سنة اثنيتين وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى حُسَيْن باشا الْوَزير الْمَعْرُوف بصاري حُسَيْن أَي الْأَصْغَر وَهُوَ أَخُو سياغوش باشا الْوَزير الْأَعْظَم كَانَ من مشاهير الوزراء لَهُ الصولة الباهرة والهيبة الْعَظِيمَة وَكَانَ فِيهِ تلطف بالرعايا وانتقام من ذَوي الْكبر والمناصب ولي حلب مُدَّة ثمَّ نقل مِنْهَا إِلَى نِيَابَة الشَّام فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف وعينه السُّلْطَان وَهُوَ نائبها السّفر قمنيجة من بِلَاد الليه فَتوجه إِلَيْهَا وَفِي خدمته العساكر الشامية وَتعين هُوَ وَبَعض الوزراء للمحاربة فَكَسرهُ وَهُوَ ورفقاؤه وشاع أَن الكسرة كَانَت بِسوء تَدْبِير مِنْهُ فَغَضب عَلَيْهِ السُّلْطَان وعزله عَن حُكُومَة الشَّام وَرفع مِنْهُ رُتْبَة الوزارة وَأمره بالإعتزال فِي دَاره بقسطنطينة فَأَقَامَ مُدَّة منعزلا حَتَّى لم يبْق فِيهِ رَمق ثمَّ عطفت عَلَيْهِ وَالِدَة السُّلْطَان وشفعت لَهُ بِمنْصب التفتيش بِولَايَة أَنا طولي فَوَلِيه وَظهر سَعْيه فِيهِ لطرف السلطنة فجوزى على ذَلِك بحكومة الشَّام ثَانِي مرّة فَقَدمهَا ومهد أمورها بعد إختلال كَانَ أَصَابَهَا من حكامها وساس الرّعية سياسة عَجِيبَة وَلزِمَ كل أحد حَده فِي عَهده وَعمر الْقصر الْمَعْرُوف بِهِ الْآن فِي طرف الشّرف بالميدان الْأَخْضَر من دمشق وَكَانَ مَكَانَهُ يعرف قَدِيما بالخانوتية وتأنق فِي وَضعه وغرس فِيهِ أَنْوَاع الْأَشْجَار من كل صنف وَعز عَلَيْهِ بِدِمَشْق بعض أَنْوَاع الْفَاكِهَة فجلب من أَمَاكِن بعيدَة وَالْحَاصِل أَنه أثر أثرا حسنا وَفِي أَيَّامه وَقع الْجَرَاد بِدِمَشْق ثَلَاث سِنِين مُتَوَالِيَات فَبعث رجلَيْنِ من أهل دمشق إِلَى أنقره ليأتيا بِمَاء السمرمر الَّذِي يُقَال أَنه إِذا كَانَ فِي بَلْدَة يطرد الْجَرَاد عَنْهَا وَكَانَ وصولهما إِلَى دمشق فِي أَوَاخِر الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف فَأمر حُسَيْن باشا بِخُرُوج الصُّوفِيَّة بالإعلام وَعَامة النَّاس بالتهليل إِلَى لِقَائِه فَدَخَلُوا بِهِ على سفح قاسيون من نَاحيَة القابون حَتَّى وضعُوا مِنْهُ حِصَّة عَليّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 رَأس المنارة الغربية بالجامع الْأمَوِي وَحِصَّة على مَنَارَة جَامع الْمصلى قلت وَمَاء السمرمر هَذَا قد ذكره غير وَاحِد مِنْهُم ابْن الوردي فِي خريدة الْعَجَائِب فِي فصل عجائب الْعُيُون والآبار قَالَ عين سرم وَهِي بَين أصفهان وشيراز بهَا مياه مَشْهُورَة وَهِي من عجائب الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَن الْجَرَاد إِذا نزلت وَوَقعت بِأَرْض يحمل إِلَيْهَا من تِلْكَ الْعين مَاء فِي ظرف أَو غَيره فَيتبع ذَلِك المَاء طيور سود تسمى السمرمر وَيُقَال لَهَا السوادية بِحَيْثُ أَن حَامِل المَاء لَا يَضَعهُ الأَرْض وَلَا يلْتَفت وَرَاءه فَتبقى تِلْكَ الطُّيُور على رَأس حَامِل ذَلِك المَاء كالسحابة السَّوْدَاء إِلَى أَن يصل إِلَى الأَرْض الَّتِي بهَا الْجَرَاد فَتُصْبِح الطُّيُور عَلَيْهَا وتقتلها فَلَا ترى من الْجَرَاد متحر كابل يموتون من أجل تِلْكَ الطُّيُور انْتهى وَذكر ابْن الْحَنْبَلِيّ فِي تَارِيخه أَن من شَرطه أَن يكون الْوَارِد بِهِ من أهل الصّلاح وَلَا يمر بِهِ تَحت سقف وَقَالَ الصّلاح الصَّفَدِي فِي الْجُزْء الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ من تَذكرته قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين أَبُو الثنا مَحْمُود الْأَصْبَهَانِيّ أَن بِمَدِينَة قشمير مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام عَن أَصْبَهَان عين مَاء سارحة بَرزَة يُسمى مَاؤُهَا بِمَاء الْجَرَاد لَهُ خاصية أَن من حمل من مَائِهَا فِي إِنَاء إِلَى الأَرْض الَّتِي أَتَاهَا الْجَرَاد فيعلق ذلمك الْإِنَاء فِي تِلْكَ الأَرْض فيقصدها مَا لَا يحصر من طير يُقَال لَهُ سَار يَأْكُل مَا فِيهَا من الْجَرَاد حَتَّى يفنى وَشرط هَذَا الْإِنَاء أَن لَا يمس الأَرْض فِي طَرِيقه وَلَا فِي مَكَان تَعْلِيقه انْتهى ثمَّ أَمر حُسَيْن باشا بِالسَّفرِ إِلَى محاصرة قلعة بتيج من بِلَاد الأنكروس فسافر إِلَيْهَا وَمَعَهُ عَسْكَر الشَّام وَكَانَ الْوَزير الْأَعْظَم قُرَّة مصطفى باشا قد سبقهمْ إِلَى بلغراد وَجعلهَا مجمع العساكر جَمِيعهَا وَلما تَكَامل جمع الجموع رَحل بهم إِلَيْهَا ونازلوها وَكَاد أَن يفتحوها عنْوَة قدر الله تَعَالَى مَا قدر من مَجِيء جَيش كَبِير من الْكفَّار وكسروا عَسْكَر الْمُسلمين وفرقوهم فِي تِلْكَ النواحي كَمَا سنفصله فِي تَرْجَمَة الْوَزير مصطفى باشا الْمَذْكُور وَنسب الْوَزير هَذِه الكسرة إِلَى فشل بعض الوزراء وَمِنْهُم حُسَيْن باشا صَاحب التَّرْجَمَة فَأَرَادَ قَتله فَكَانَت منينه أسبق فتوفى فِي غُضُون ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد حَمْزَة بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي المولد الْحَنَفِيّ السَّيِّد الْأَجَل الأديب الْفَاضِل كَانَ رَئِيسا نبيه الْقدر وافر الْحُرْمَة جليل الْقدر سَاكِنا وقورا نَشأ وَقَرَأَ على عُلَمَاء زَمَانه حَتَّى حصل فَضِيلَة مقبوله واشتهر بدماثة الْأَخْلَاق وَطيب الْعشْرَة وكرم النَّفس وَكَانَ حسن الْحَظ صَحِيح الإملا وَكتب كثيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 من الْكتب وخطه مَرْغُوب فِيهِ لضبطه وَحسنه وسافر إِلَى الرّوم فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف ولازم من نقيب الدولة السَّيِّد مُحَمَّد بن السَّيِّد برهَان الدّين الْمَعْرُوف بشيخي وولاة نقابة الشَّام عَن أَخِيه الْأَكْبَر السَّيِّد كَمَال الدّين وَعَاد إِلَى دمشق وَأقَام بمنزله فِي مهابة وإنكفاف عَن مُخَالطَة الْأُمُور وَبعد مُدَّة عزل عَن النقابة وأعيدت إِلَى أَخِيه الْمَذْكُور ثمَّ وَليهَا عَنهُ مرّة ثَانِيَة وَصَارَ نَائِبا بمحكمة الْبَاب فِي زمن قَاضِي الْقُضَاة الْمولى مصطفى الْمَعْرُوف بِابْن مرطلوس وَاسْتمرّ نَائِبا مدَّته كلهَا وانتظم حَاله بعد إختلال ثمَّ عزل عَن النقابة وأعيد إِلَيْهَا مرَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ للنيابة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الحافظية بصالحية دمشق وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة تسع وَألف وَتُوفِّي فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ حنيف الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى بن مرشد الْعمريّ الْحَنَفِيّ الْمَكِّيّ الْمُفْتِي الْحَنَفِيَّة بالديار الحجازية وَالْمَدينَة وَابْن مفتيها الْعَالم الْعلم الْفَقِيه الباهر كَانَ عَالما دينا عفيفا ملازما لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ يَصُوم رَجَب وَشَعْبَان وَالْأَيَّام الْبيض وَأخذ عَن وَالِده وَعبد الْعَزِيز الزمزمي وَأبي الْعَبَّاس الْمقري وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخياري وَالشَّيْخ خَالِد الْمَالِكِي وَغَيرهم وَولى بعد موت وَالِده خطابة الْجُمُعَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام والتدريس خلف مقَام الْحَنَفِيَّة وتدريس مدرسة مُحَمَّد باشا وَغير ذَلِك ثمَّ ولي الْإِفْتَاء السلطاني بالديار الحجازية فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وانتفع بِهِ خلق كَثِيرُونَ مِنْهُم وَلَده عبد الرَّحْمَن وَالشَّيْخ أَحْمد أوليا وَأَوْلَاد عَمه أَحْمد وهم عِيسَى ومرشد وَإِمَام الدّين ومصدر الدّين وقاسم سنجق دَار وَأحمد المنلا وصنف عدَّة كتب مِنْهَا شرح مَنَاسِك الْوَسِيط للمنلا على مَذْهَب الْحَنَفِيّ وَشرح على المنسك الصَّغِير للملا أَيْضا وَكتاب سَمَّاهُ بغيه السالك الناسك فِيمَا يتَعَلَّق بآداب السّفر وأدعية الْمَنَاسِك وشفاء الصَّدْر بِبَيَان لَيْلَة الْقدر وَالْقَوْل الْمُفِيد بِبَيَان فضل الْجُمُعَة الْيَوْم الْمَزِيد وَالْقَوْل الْمُحَقق فِي بَيَان التَّدْبِير الْمُطلق والمقيد وَالْمُعَلّق ورسالة فِي استبدال الْوَقْف سَمَّاهَا السَّيْف الشهير على من جوز استبدال الْوَقْف بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِير وَله نظم مستعذب وترجمه ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فِي حَقه فَاضل نبيه قَامَ مقَام أَبِيه فتقلد منصب الْفتيا بعده واجتلى فِي مطالع الإقبال سعده فَجلى بسناه الظُّلم وَمن يشابه أبه فَمَا ظلم (شَبيه أَبِيه خلقَة وخليقة ... كَمَا حذيت يَوْمًا على أُخْتهَا النَّعْل) وَبَلغنِي أَنه كَانَ يُنكر على أَبِيه عشرَة قضايا من فَتَاوِيهِ ثَبت لَدَيْهِ بصلانها وَلم ينص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 بِصِحَّتِهَا برهانها وَكَانَ يَقُول لَوْلَا خطة أخافها لأشتهر عني خلَافهَا وَله فِي الْأَدَب مَحل لَا ينْقض أبرامه وَلَا يحل ملك بِهِ زِمَام السجع والقريض وميز بِهِ بَين الصَّحِيح وَالْمَرِيض فَمن نظمه مَا كتبه إِلَى بعض الْأَعْيَان مراجعا عَن لِسَان وَالِده (تبدّي لنا برق بافق رَبِّي نجد ... فأذكرني عهدا وناهيك من عهد) (وهيمني شوقاً وَزَاد بِي الأسى ... وأضرم بِي نَار الصبابة والوجد) (وجددّ لي ذكر اللَّيَالِي الَّتِي خلت ... وَطيب زمَان بالحمى طيب الْورْد) (زَمَانا جلاذ وَالْحسن شمس جماله ... علينا فشاهدنا بِهِ الشَّمْس فِي برد) (وأيدت لنا ذَات الْجمال جبينها ... فأخجل بدر الْأُفق فِي طالع السعد) (هِيَ الرَّوْض تبدو للأنام بوجهها ... فنقطف زهر الْورْد من خدّها الوردي) (وفاع لنا نشر الخزامي بروضة ... شدت وَرقهَا شوقاً على الأغصن الملد) (تعنت على غُصْن الْأَرَاك بمدح من ... علا قدره السَّامِي على ذرْوَة الْمجد) (جمال أهالي الْعَصْر أوحد وقته ... مشيد ربع الْمجد بالسعد والجدم) (كَمَال قُضَاة الْمُسلمين أمامهم ... وموضح منهاج الرشاد لَدَى الرشد) (عَلَيْهِ مدى الْأَيَّام منى تَحِيَّة ... تفوق فتيت الْمسك وَالْعود والند) وَقَالَ فِي مثل هَذَا الْغَرَض (غنت الْوَرق فِي المسا والبكور ... ساجعات على غصون الزهور) (وتبدت من كلة الْحسن خود ... تخجل الشَّمْس من سناء البدور) (قد تحلت من الجمان بِعقد ... جلّ فِي الْحسن والبها عَن تظير) (فاقتطفنا من خدّها زهر ورد ... فاق نشر النسرين والمنثور) (وارتشفنا من ثغرها العذب شَهدا ... فانتشونا لَا نشوة المخمور) (برّدت بالوصال قلب كئيب ... كَانَ فِيهِ للهجر نَار السعير) (يَا لَهَا عذبة الثنايا رادحاً ... قد تبدّت فِي زِيّ طبي غرير) (قد أتتنا من عَالم الْعَصْر مولى ... قد تسامى على السهى والأثير) (الإِمَام الْهمام رب الْمَعَالِي ... الْفَقِيه البليغ فِي التَّقْرِير) (ظلّ دَوْمًا بِمصْر مفتي البرايا ... أوحد الْعَصْر ذِي الْمقَام الخطير) (قد أَتَانِي مولَايَ مِنْك كتاب ... ذُو نظام حكى عُقُود النحور) (ففضضت الختام عَن كنز علم ... حَاز مِنْهُ الْغناء كل فَقير) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 (وتأملت فِي رياض حماه ... وتنسمت مَا بِهِ من عبير) (فَبَدَا نظم طرسه مَعَ نثر ... ذِي بَيَان فسر مِنْهُ ضميري) (دمت يَا أوحد الزَّمَان فريدا ... فِي أَمَان بِحِفْظ رب خَبِير) (وَصَلَاة الْإِلَه تترى دواماً ... مَعَ سَلام على البشير النذير) وَمن شعره على مَا رَأَيْته مَنْسُوبا إِلَيْهِ قَوْله (أَمْسَى وَأصْبح من تدكاركم وصبا ... يرثى لي المشفقان الْأَهْل وَالْولد) (قد خدّد الدمع خدّي من تذكركم ... واعتادني المضنيان الوجد والكمد) (وَغَابَ عَن مقلتي نومي لغيبتكم وخانني المسعدان الصَّبْر وَالْجَلد ... ) (لاغر وللدّمع أَن تجْرِي غوار بِهِ ... وَتَحْته المظلمان الْقلب والكبد) (كَأَنَّمَا مهجتي شلو بمسبعة ... ينتابها الضاريان الذِّئْب والأسد) (لم يبْق غير خفيّ الرّوح فِي جَسَدِي ... فدى لَك الباقيان الرّوح والجسد) وَكَانَت وِلَادَته بِمَكَّة وَقت الْعشَاء من لَيْلَة الْأَحَد منتصف صفر سنة أَربع عشرَة بعد الأف وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لثلاث عشرَة خلون من شعْبَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف بِالْمَدِينَةِ وَدفن ببقيع الْغَرْقَد وَقيل فِي تَارِيخ وَفَاته (حنيف الدّين فِي الجنات راقى ... ) الْمولى حيدر بن إِبْرَاهِيم المنعوت بتاج الدّين الصَّغِير ابْن عبد الله الْحميدِي الْأَصْلِيّ أحد موَالِي الرّوم وَهُوَ أَخُو الْمولى عبد الْوَهَّاب قَاضِي الشَّام الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى أصل وَالِده من بَلْدَة حميد قدم إِلَى قسطنطينة وتوطن بهَا وَهُوَ من عُلَمَاء دولة السُّلْطَان سُلَيْمَان وَله حَاشِيَة على صدر الشَّرِيعَة يرد فِيهَا إعتراضات ابْن الْكَمَال على صدر الشَّرِيعَة وَولد ابْنه حيدر هَذَا بقسطنطينة وَنَشَأ ودأب بهَا حَتَّى تميز بِالْفَضْلِ الباهر وَله من الْآثَار تعليقات على الدُّرَر وَالْغرر ولازم من ابْن جوى ودرس بمدرسة أون قباني ثمَّ أعْطى مدرسة برغوس وَلما تمت مدرسة عَليّ باشا القبودان بطوبخانة فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة أعطيها وَهُوَ أول مدرس بهَا ثمَّ فِي سنة ألف نقل إِلَى مدرسة قلندرخانه ثمَّ نقل إِلَى إِحْدَى الثمان ثمَّ إِلَى مدرسة الشهزاده ثمَّ إِلَى السليمانية ثمَّ ولي قَضَاء حلب فأسكدار ثمَّ بروسة ثمَّ الْقَاهِرَة وَتوجه إِلَيْهَا بحراً فَفِي معبر الْإسْكَنْدَريَّة غرق الْمركب الَّذِي كَانَ فِيهِ وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَاخِر سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى (حرف الْخَاء الْمُعْجَمَة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 الشَّيْخ خَالِد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَالِكِي الْجَعْفَرِي المغربي ثمَّ الْمَكِّيّ صدر المدرسين فِي عصره بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وناشر لِوَاء سنة النَّبِي والمرجع فِي التَّمْيِيز بَين الْحَلَال وَالْحرَام وَالْحَاوِي شَرّ فِي الْعلم وَالنّسب وَالْجَامِع بَين طرفِي الْكَمَال الغزيزي والمكتسب قَرَأَ فِي الغرب على أجلاء شُيُوخ عارفين وأئمة محققين ورحل إِلَى مصر وَأخذ بهَا الحَدِيث عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ وَالْفِقْه والْحَدِيث والعربية عَن الْعَلامَة سَالم السنهوري الْمَالِكِي وَغَيرهمَا ثمَّ توجه إِلَى مَكَّة وجاور بهَا وتصدر للإفادة وَعنهُ أَخذ جمع من الْعلمَاء وَبِه تخْرجُوا كالعلامة مُحَمَّد عَليّ بن عَلان وَالْقَاضِي الْفَاضِل تَاج الدّين الْمَالِكِي وَغَيرهمَا وَلم يزل قَائِما بأعباء الْعلم وَالْعَمَل حَتَّى دَعَاهُ الله تَعَالَى إِلَيْهِ فَمَاتَ لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشر رَجَب سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف ونقلت من تَارِيخ الإِمَام عَليّ بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ أَنه اتّفق فِي عَام اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف أَن وصلت تذكرة من وَزِير مصر أذذاك بإمامة الْمقَام الْمَالِكِي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام لعَلي بن خَالِد يَعْنِي صَاحب التَّرْجَمَة فباشرها فِي موسم تِلْكَ السّنة مَعَ شركائه فألزمه المترجم بِالْمُبَاشرَةِ فِي نوته فِي جَمِيع السّنة وألزم شُرَكَاء بذلك فَوَافَقُوا وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى أَن توفّي فَترك الْمُبَاشرَة بعد وَالِده فِي جَمِيع السّنة إِلَّا فِي الصبخ وَأَيَّام الْمَوْسِم وَصَلَاة التَّرَاوِيح على الْمُعْتَاد خداوردي بن عبد الله الطاغية أحد كبراء جند الشَّام وَكَانَ متميزا فيهم بالبأس والجراءة والتوسع فِي الدُّنْيَا ونال حظا عَظِيما واشتهرت صولته واستتبع رعاعا وجهالا استخفهم فأطاعوه وَولى سردارية حلب ففتك فِيهَا وَنهب وتعدى واستلب حَتَّى ضجر مِنْهُ أهاليها وحكامها حِين قَامَت الْحَرْب بَينه وَبَين نصوح باشا وَبَينه وَبَين ابْن جانبولاذ وَكَانَ هُوَ وأحفاده قد عاثوا فِي الْبِلَاد وفتنوها وَمِنْه كَانَت نشأة فَسَاد الْعَسْكَر الشَّامي وطغيانهم وَمَا زَالَ بَينهم نَافِذا القَوْل مَقْبُول السمعة إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فِي بضع عشرَة وَألف الشَّيْخ خضر بن حُسَيْن المارديني سبط الْهِنْدِيّ شَارِح الكافية ذكره أَبُو الْوَفَاء العرضي فِي الْمَعَادِن وَقَالَ كَانَ حسن المطارحة لطيف المسامرة عذب الْبَيَان رطب اللِّسَان تدرج فِي دَرَجَات الْكَمَال وترقى فِي معارج الْمجد والإجلال كمن فِي أحناء الْعليا ومعاطف الإرتقا وبطون فحاج الدولة حَتَّى امْتَدَّ بضبعيه على الْجَلالَة والصوله فَصَارَ للحضرة النصوحية مثوى أسرارها وموطن مطالبها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 وأوطارها وسويداء أجفانها وَنور إنسانها وروح جسمانها وَحل أرقى مَحل فَصَارَ رابطة العقد والحل فحين زَادَت الرنعة على آمادها انعكست عَلَيْهِ الدَّوَائِر بأضدادها فافترسه نَاب النوب وَلَفظه الدَّهْر فِي هوة سوء المنقلب قدم حلب سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف وَكَانَ يعرف الألسن الثَّلَاثَة وَله فِيهَا إنْشَاء حسن ونظم وإطلاع على فَضَائِل الْعُلُوم فَسَأَلَ من الْوَالِد يَعْنِي الشَّيْخ عمر العرضي أَن يقرىء أحد تلامذته شرح الكافية للرضى ليسمع فَأمر الْوَالِد الشَّيْخ عبد الْحَيّ القوق سبط البيلوني فَكَانَ يسمع ويتقن تِلْكَ الدُّرُوس ويحتفل بهَا وَيسمع لاخى شرح الْمِفْتَاح للشريف وللفقير فِي شرح الطوالع للأصفهاني وتقرب للوزير نصوح حِين تولى كَفَالَة حلب حَتَّى أحبه وولاه قَائِما بمقام الدفتري وَلما تولى الْوَزير الْمَذْكُور كَفَالَة ديار بكر ثمَّ مَاتَ الْوَزير الْأَعْظَم مُرَاد باشا بهَا وجاءته الوزارة الْعُظْمَى بَعثه الْوَزير نصوح رَسُولا إِلَى بِلَاد الْعَجم للصلح بَين السُّلْطَان أَحْمد والشاه عَبَّاس وَكَانَ من جملَة مَا قَالَ خضر للشاه أهل السّنة يعترضون عَلَيْكُم بكونكم تحرمون طَعَام الْيَهُود وَالنَّصَارَى مَعَ كَونه مُخَالفا للنَّص قَالَ تَعَالَى {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} فَأمر الشاه الشَّيْخ بهَا الدّين العاملي بِالْجَوَابِ فَكتب رِسَالَة صدرها باسم الشاه وَقَالَ عَنهُ فِي أثْنَاء الْمَدْح شاه عَبَّاس الصفوي الموسوي الْحُسَيْنِي أَرَادَ الْمَنْسُوب إِلَى الشَّيْخ صفي الدّين والى مُوسَى الكاظم وَإِلَى الْحُسَيْن أما نِسْبَة الشاه إِلَى الشَّيْخ صفي الدّين فَلَا شكّ فِيهَا وَأما نسبته إِلَى الْحُسَيْن فَلم تعهد وَذكر أَن استحاق فِي الْأَمَام المرتضى للخلافة وتقدمه على جَمِيع الْآل وَالْأَصْحَاب فَمَا لَا يشك فِيهِ أولو الْأَلْبَاب وَأما تَحْرِيم طَعَام أهل الْكتاب فَأخذ يُجيب بأجوبة كلهَا واهية ثمَّ جَاءَ خضر برَسُول الصُّلْح من جَانب الشاه وَعقد الصُّلْح وَلما توجه الْوَزير نصوح إِلَى قسطنطينة وَصَارَ صَاحب الْحل وَالْعقد عِنْده خضر الْمَذْكُور قيل عَنهُ أَنه قَالَ لبَعض خدام السلطنة أَنا بتدبيري عقدت الصُّلْح وَلَو أسمع كَلَام الْوَزير وتدبيره مَا صَار الصُّلْح فَإِنَّهُ لَا معرفَة لَهُ بِالتَّدْبِيرِ فأسرها فِي نَفسه الْوَزير وولاه دفتر دارية وَأَن وَأخرجه فِي الْحَال من قسطنطينية وَبعث فِي الطَّرِيق وخنقه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ عَالما كَامِلا عَار فَإِذا خطّ حسن وإنشاء مستحسن قَالَ العرضي وَقد أسمعني بعض أشعار لَهُ فِي الطَّرِيق على نمط تائية ابْن الفارض وَذكر لي أَنه نظم الشافية لِابْنِ الْحَاجِب فِي التصريف وَكَانَ قَتله فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 الشَّيْخ خضر بن عَطاء الله الْموصِلِي نزيل مَكَّة الْعَالم الأديب الْمَشْهُور كَانَ إِمَامًا فِي الْعَرَبيَّة واللغة ومعاني الْأَشْعَار حَافِظًا لكثير مِنْهَا كثير الْعِنَايَة بهَا حسن الضَّبْط مَشْهُورا بمعرفتها وإتقانها هَاجر إِلَى مَكَّة فقطن بهَا وانتظم فِي سلك علمائها وَألف فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة باسم السَّيِّد حسن بن أبي نمى أَمِير مَكَّة كِتَابه الْإِسْعَاف بشرح أَبْيَات القَاضِي والكشاف وَهُوَ كتاب لم تكتحل عين الدَّهْر لَهُ بنظير وَلَا احتوى على مثل أزهار أَلْفَاظه وثمار مَعَانِيه روض نضير وَأَجَازَهُ عَلَيْهِ من المَال ألف دِينَار وَألف باسمه أَيْضا أرجوزة طَوِيلَة فِي فضل أهل الْبَيْت ووقائعهم وَلم يزل مُقيما فِي الْحرم واردا مناهل الْفضل وَالْكَرم حَتَّى رَمَاه عِنْد الشريف وزيره ابْن عَتيق بِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهِ الْمَظَالِم وَيكْتب بذلك إِلَى الرّوم والعجم وَهُوَ مَقْبُول القَوْل عِنْدهم فَأذن لَهُ الشريف فِي إجلائه عَن الْبَلَد الْحَرَام وألزمه بِالْخرُوجِ للْحَال فَخرج مُتَوَجها إِلَى مَدِينَة الرَّسُول وَقد ترنق ورد حَيَاته المغول وَمَا أبعد عَن مَكَّة مرحلَتَيْنِ حَتَّى استولى الْوَزير على دَاره وَنهب جَمِيع مَا فِيهَا ونادى عَلَيْهِ فِي الْأَسْوَاق كَمَا يُنَادي على تركات الْأَمْوَات فَبَلغهُ الْخَبَر فِي أثْنَاء الطَّرِيق فَأصْبح وَهُوَ فِي يم الْهم غريق وفاجأه أَجله قبل وُصُوله إِلَى الْمَدِينَة وَقد ذكره الخفاجي فِي كِتَابيه وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَأنْشد لَهُ من شعره قَوْله مضمنا فِي البرش (تبدل عَن البرش المبلد بالطلا ... فعالم أهل البرش غمر وجاهر) (فَمَا البرش أَن فتشت عَن كنهه سوى ... دويهية تصفر مِنْهَا الأنامل) قَالَ وَمِمَّا مدحته بِهِ فِي شبيبتي قبل نوم سيارة همتي وخمود نَار شرتي (وصبا من كؤس ذكرك سكرى ... لَك حملتها ثَنَاء وشكرا) (ولوجدي رقت كطبعك لطفا ... واستعارت من طيب ذكرك نشرا) (مَعَك الْقلب حَيْثُمَا سرت يسرى ... فاسألنه عَن فَذَلِك أدرى) (من أولي الْعَزْم لي فؤاد كليم ... فِي الْهوى لَا يزَال يتبع خضرًا) قلت وَرَأَيْت لَهُ من شعره هَذِه القصيدة مدح بهَا الشريف حسن الْمَذْكُور ومطلعها (بدر الْمُلُوك أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو ... عَليّ الْحسنى السَّامِي بِهِ ساموا) (خَليفَة الله من دَانَتْ بنصرته ... وَمَا يَشَاء من الأفلاك أجرام) (فِي كل نَاد لَهُ صيت يهتم بِهِ ... فِي كل وَاد عداهُ خشيَة هاموا) (لَو سَابق الدَّهْر لاستدراك فَائِتَة ... لرد مِمَّا حواه الدَّهْر أَعْوَام) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 (قل للخوارج موتوا فِي ضلالتكم ... فَإِنَّمَا الدّين عِنْد الله إِسْلَام) (هَذَا ابْن بنت رَسُول الله طَاعَته ... فرض وَفِيه لَا نف الدّين إرغام) (يطيعه من أطَاع الله متقيا ... وَمن عَصَاهُ عَلَيْهِ النَّص إِلْزَام) (وَفِي أولى الْأَمر قَول الله حجتنا ... وهم أَئِمَّتنَا بِالْحَقِّ قد قَامُوا) (يَا حجَّة الله وَالْحَبل المتين وَمن ... فِي غير مرضاته الطَّاعَات آثام) (أَن يمل نَابِغَة الْجِنّ القريض فلي ... فِي نظم مدحك من جِبْرِيل إلهام) (فها كها درة بل بَحر فَائِدَة ... لَدَى الْعُقُول ببذل الرّوح تستام) (تبقى وَتذهب أشعار ملفقة ... كغرة فِي جباه الدَّهْر أَو شام) (وَأسلم وَدم فِي سرُور بل وَفِي دعة ... مَا قَامَ بِالروحِ بل بِاللَّه أجسام) وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع بعد الْألف خَليفَة بن أبي الْفرج الزمزمي الْبَيْضَاوِيّ الأَصْل الْمَكِّيّ المولد والمنشأ الشَّافِعِي كَانَ فَاضلا أديبا ذكيا أريبا باهرا فِي الْأَدَب وفنونه قَرَأَ على الإِمَام مُحَمَّد بن عبد الله الطَّبَرِيّ وَالْإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ ومنم عاصرهما من المكيين وَمن مؤلفاته رونق الحسان فِي فَضَائِل الحبشان وَمن شعره قَوْله (زارت معذبتي لَيْلًا وَفِي يَدهَا ... كاس من الراح تسقيني وأسقيها) (ريم بقد كَمثل الْغُصْن قامتها ... مَا الظبي مَا الْبَدْر لَا شَيْء يحاكيها) (والوصل مِنْهَا عز يزقل نائله ... هَيْهَات مطلبها عزت مراميها) (دَامَت على الصد والهجران مذ نشأت ... ذل الْمحبَّة عز فِي مراقيها) وَكَانَت وَفَاته فِي ينف وَسِتِّينَ وَألف بِمَكَّة خَلِيل بن زين الدّين بن خَلِيل بن مَحْمُود بن برهَان الدّين الْمَعْرُوف بالاخنائي الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الشَّافِعِي من ذَوي الْبيُوت الْقَدِيمَة بِدِمَشْق وَيُقَال هم أقدم بَيت بهَا لأَنهم من نسل مُعَاوِيَة واتصلوا من عَهده وتفرعوا وأجداده غالبهم قُضَاة الْقُضَاة وصدور الصُّدُور وَلَهُم بِدِمَشْق آثَار كَثِيرَة وأوقاف وتعلقات وخليل هَذَا ولد بِدِمَشْق وَنَشَأ فِي جد واهتمام بتحصيل الْعلم وَقَرَأَ الْكثير وَضبط وَقيد وَأخذ عَن النَّجْم الْغَزِّي وَغَيره وَكَانَ فَاضلا كَامِلا سَاكِنا وقورا وَله مطارحة جَيِّدَة وَرُبمَا نظم الشّعْر لَكِن شعره لَيْسَ بالجيد وَكتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة وَهُوَ فِي الضَّبْط غَايَة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 خَلِيل بن عبد الرَّحِيم مفتي الشَّام الشهير بالسعساني لكَون وَالِده كَانَ إِمَامًا بسعسع وَأَصله من بَلْدَة علائية من بِلَاد قرمان وأظن أَن صَاحب التَّرْجَمَة ولد بسعسع وَنَشَأ بِدِمَشْق وَقَرَأَ وساد من حِين شبيبته فسافر إِلَى الرّوم ولازم على قاعدتهم وَلم يزل يسمو بِهِ حَظه إِلَى أَن ولي قَضَاء طرابلس الشَّام مرَّتَيْنِ وَولي قَضَاء قيصرية ثمَّ بعد ذَلِك ولي إِفْتَاء الشَّام وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء الْقُدس وَكَانَ مهابا جليل الْقدر عالي الهمة نبيه الذّكر وَفِيه مُرُوءَة وسخاء ومعروف ومتانة وتغلب وعزل عَن الْإِفْتَاء فاستقل بِمنْصب بعلبك على طَرِيق التَّأْبِيد وَلم يزل فِي عز وجاه إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْخَمِيس تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى خَلِيل باشا ابْن عُثْمَان الْمَعْرُوف بِابْن كيوان أَمِير الْحَاج الشَّامي وَهُوَ أَخُو إِبْرَاهِيم الْمُقدم ذكره فِي حرف الْهمزَة كَانَ من صُدُور دمشق وأعيانها الْمَشْهُود لَهُم بِالرَّأْيِ الصائب والدولة الباهرة وتخول فِي نعم ورفاهية عَيْش وتملك الْأَمْلَاك الْكَثِيرَة وانقاد لَهُ الزَّمن وأحبه أَرْكَان الدولة وملأ صيته بر الشَّام حَتَّى هابه عربانها وَغَيرهم وَكَانُوا يراجعونه فِي مهماتهم وينقادون لأَمره وَلَا يخالفونه فِي حَال من الْأَحْوَال وَقد أسلفنا فِي تَرْجَمَة أَخِيه إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ تفرغ عَن منصبه فِي الْعَسْكَر لِأَخِيهِ خَلِيل هَذَا وَكَانَ لَك ابْتِدَاء ظُهُوره وسافر إِلَى فتح إيوار فِي خدمَة الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الْفَاضِل سنة خمس وَسبعين وَألف واتصل بِهِ فَأَحبهُ وقربه وَعَاد إِلَى دمشق وَقد رَأس ثمَّ فرغ عَن منصبه لِابْنِ أَخِيه حُسَيْن وَهُوَ على الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وتقاعد هُوَ بعلوفة فِي خزينة الشَّام مُدَّة إِلَى أَن حدث من الْأَمِير حمد ابْن رشيد أَمِير بادية الشَّام فِي حق الْحجَّاج مَا حدث من النهب والغارة وَفعل الْأَمِير مُوسَى بن تركمان حسن الْآتِي ذكره مَا فعل من الْقَتْل وَاسْتمرّ فِي غيه وضلاله وَأمر الْحَاج فِي اختلال مُدَّة سِنِين وَلم يتَّفق اصلاحه بِحَال حَتَّى عرض ذَلِك على أَرْكَان الدولة فَرَأَوْا من الصَّوَاب تَوْلِيَة خَلِيل باشا هَذَا أَمر الْحَاج فولي الأمرية وَظَهَرت فِيهَا كِفَايَته وأطاعته جَمِيع العربان وَاسْتمرّ ثَلَاث سِنِين وَالْحجاج فِي أَيَّامه مطمئنون فِي بلهنية من الْعَيْش ورخاء وراحة إِلَى أَن توفّي وَهُوَ مُتَوَجّه بهم فِي أول السّنة الرَّابِعَة من تَوليته تمرض يَوْم طلعة الْمحمل وَيُقَال أَن نَائِب الشَّام سقَاهُ سما فَخرج مَعَ الْمحمل وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فأدركه أَجله بالضمين وَحمل إِلَى المزيريب وَكَانَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وَفَاته أَوَاخِر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وقبره بالمزيريب ظَاهر وَأَظنهُ مَا جَاوز عمره السِّتين بِكَثِير رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ خير الدّين بن أَحْمد بن نور الدّين عَليّ بن زين الدّين بن عبد الْوَهَّاب الأيوبي العليمي الفاروقي الرَّمْلِيّ الإِمَام الْمُفَسّر الْمُحدث الْفَقِيه اللّغَوِيّ الصرفي النَّحْوِيّ الْبَيَانِي الْعَرُوضِي المعمر شيخ الْحَنَفِيَّة فِي عصره وَصَاحب الفتاوي السائرة وَله غَيرهَا من التآليف النافعة فِي الْفِقْه مِنْهَا حَوَاشِيه على منح الْغفار رد فِيهَا غَالب اعتراضاته على الْكَنْز وحواشيه على شرح الْكَنْز للعيني وعَلى الْأَشْبَاه والنظائر وَله كتابات على الْبَحْر الرَّائِق والزيلعي وجامع الْفُصُولَيْنِ وَله رِسَالَة سَمَّاهَا مَسْلَك الْإِنْصَاف فِي عدم الْفرق بَين مسئلتي السُّبْكِيّ والخصاف الَّتِي فِي الْأَشْبَاه فِي الْقَوَاعِد ورسالة سَمَّاهَا الْفَوْز وَالْغنم فِي مسئلة الشّرف من الام ورسالة فِيمَن قَالَ إِن فعلت كَذَا فَأَنا كَافِر كَانَ أرسل يسْأَله عَنْهَا شيخ الْإِسْلَام يحيى المنقاري مفتي السلطنة الْعلية وَله ديوَان شعر مُرَتّب على حُرُوف المعجم رَأَيْته وانتخبت مِنْهُ بعض مستحسنات من أشعاره فَمن ذَلِك قَوْله فِي الزنبق الَّذِي يُوجد فِي سواحل الْبَحْر الشَّامي وهيئة نواره الْأَبْيَض قِطْعَة وَاحِدَة وَلَيْسَ مُتَفَرقًا كَهَيئَةِ الزنبق الْمُتَعَارف (وزنبقة قد أشبهت كاس فضَّة ... بِرَأْس قضيب من زمردة عجب) (سداسي شكل كل زَاوِيَة بِهِ ... على رَأسهَا الْأَعْلَى هِلَال من الذَّهَب) وَقَوله وَهُوَ من بدائعه (من شَارك الْإِنْسَان فِي اسْمه ... فحقه قطعا عَلَيْهِ وَجب) (لذاك من سمى من خلقه ... مُحَمَّدًا فَازَ بِهَذَا السَّبَب) وَقَوله متغزلا فِي الْخَال وَقد ذكره فِي مجموعته الَّتِي سَمَّاهَا بمطلب الْأَدَب وَغَايَة الأرب الْمُشْتَملَة على أحد عشر بَابا (بالخد مِنْهُ شَقِيق جلّ وَاضعه ... أعيا الورى فهم شامات بحمرته) (أَقُول هَذَا ولاعي وَلَا عجب ... قلب الشَّقِيق الَّذِي فِي وسط جنته) وَسمع قَول أبي الْعَلَاء المعري (إِذا مَا سمعنَا آدما وفعاله ... وتزويجه ابنيه بنتيه فِي الْخَنَا) (علمنَا بِأَن الْخلق من نسل فاحر ... وان جَمِيع النَّاس من عنصر الزِّنَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وَجَوَاب بَعضهم فِي رده بقوله (لعمرك أما القَوْل فِيك فصادق ... وَتكذب فِي البَاقِينَ من شط أَو دنا) (كَذَلِك اقرار الْفَتى لَازم لَهُ ... وَفِي غَيره لَغْو كَذَا جَاءَ شرعنا) فَكتب عَلَيْهِ لَا يخفى على الجدلي فَسَادًا كَلَام هَذَا الرَّاد الَّذِي يَأْخُذ بخناقه وَيَقْضِي بسماحة أخلاقه قولي فِي الرَّد عَلَيْهِ (كذبت بِإِجْمَاع الْأَنَام جَمِيعهم ... لَا فكك فِيمَا تدعيه من الْخَنَا) (وَكَيف وَقد فاض الدَّلِيل بحله ... فَأَنِّي يكون النَّاس من عنصر الزِّنَا) وَمن شعره قَوْله فِي العذار (عِنْدَمَا جدّ بالحبيب عذار ... أظهرت لامه لفتك البريه) (قَالَت النَّاس عِنْد ذَلِك فِيهِ ... قمر تِلْكَ لأمه القمرية) وقولا متغزلا (مهفهف الْقد مذ كواني ... بحمرة الخدّ مِنْهُ فِي الْحَيّ) (فَقلت بِي أَنْت داوني ... قَالَ آخر الطِّبّ عندنَا الكي) وَقَالَ متغزلا (أَمن ذكر جَار بِذَات السّلم ... أرقت دموعاً جرت كالعنم) (وَأم هَاجَتْ الرّيح من جَانب ... بِهِ شادن أهيف قد ألم) (أتحسب أَن الْهوى مختف ... ودمعك مِنْهُ جرى وانسجم) (عجبت لخصر لَهُ ناحل ... على حمل رد فِيهِ أَنِّي التأم) (إِذا مارنا بإهتزاز فقد ... رنا عِنْده هيجان الْأَلَم) (وَإِن لَاحَ كالظبي لي نافراً ... فقد جر قلبِي بواو الْقسم) (فَلَا عجب أَن نأى معرضًا ... لِأَن الظبا لم تزل فِيهِ لم) (وأدعى فصيحاً لَدَى عِتْرَتِي ... وأدعى لَدَيْهِ بداء إِلَيْكُم) (ترفق بقلب غَدا فِي يَديك ... رَقِيقا وفوّق بِتِلْكَ الشيم) (وضاهيت خضرًا لَهُ ناحلاً ... وَلَا زمني فِي هَوَاء السقم) (فذب يَا فُؤَادِي بِنَار الجوى ... فكم قد نهيتك عَن ذَا فَلم) (أما آن أَن يقْضِي ذَا القلا ... وَمَا آن مِنْك أَوَان الْكَرم) وَله غير ذَلِك فنكتفي بِهَذَا الْمِقْدَار وأوقفني صاحبنا الْفَاضِل الأديب إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان الجينيني الْحَنَفِيّ نزيل دمشق على كراسة ترْجم فِيهَا شَيْخه صَاحب التَّرْجَمَة فَمَا أذكرهُ ملخص مِنْهَا قَالَ سلمه الله تَعَالَى كَانَ مولد شَيخنَا بالرملة وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ الْقُرْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 ثمَّ جوده على الشَّيْخ الْقدْوَة مُوسَى بن حسن الغبي الشَّافِعِي الرَّمْلِيّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ شَيْئا من أبي شُجَاع فِي فقه الشَّافِعِي ولازمه فِي صغره وانتفع بِهِ وشملته بركته ثمَّ رَحل إِلَى مصر صُحْبَة أَخِيه الْكَبِير عبد النَّبِي فِي سنة سبع بعد الْألف وَكَانَ أَخُوهُ الْعَلامَة شمس الدّين تقدمه لمصر لطلب الْعلم وَكَانَ أسن مِنْهُ وَخير الدّين أَصْغَرهم قَالَ وَكَانَ يحدثنا أَنه فِي لَيْلَة دُخُوله إِلَى مصر أحس بالإحتلام فَلَمَّا أصبح طلب من أَخِيه عبد النَّبِي أَن يدْخلهُ الْحمام فَأدْخلهُ ثمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى جَامع الْأَزْهَر وَكَانَ بالجامع من الْأَوْلِيَاء الْمَشْهُورين الشَّيْخ فأيد وَكَانَ مقره دَائِما بِبَاب الْجَامِع وَكَانَ مُعْتَقدًا أهل مصر فِي وقته قَالَ وَعند دُخُول شَيخنَا الْجَامِع أَرَادَ أَن يقبل يَد الشَّيْخ فَايِد فقطب وَجهه فِيهِ وَقَالَ لَهُ رحَ عني وَلم يُمكنهُ من تَقْبِيل يَده فَدخل وخاطره منكسر من ذَلِك وَمكث أَيَّامًا فِي الْجَامِع فَفِي بعض الْأَيَّام كَانَ مارا وَإِذا بالشيخ فَايِد يَقُول تعال يَا شيخ الْإِسْلَام تعال يَا شيخ الْإِسْلَام بِهَذَا اللَّفْظ قَالَ فَمَا عرفت لمن النداء وَإِذا بِهِ يُشِير إِلَيّ فَجئْت إِلَيْهِ وَقبلت يَده فهش لي وَكَانَ بعْدهَا إِذا جِئْت إِلَيْهِ استقبلني وأجلسني وأستنشدني من كَلَام الْقَوْم حَتَّى كنت إِذا أردْت الْقيام لَا يمكنني إِلَّا بعد الْجهد وحصلت لي بركته وَكَانَ يحلق للنَّاس لوجه الله تَعَالَى وَعَلمنِي الحلاقة ووهبني موسين وَحجر مسن وهم عِنْدِي ثمَّ أَرَادَ الِاشْتِغَال بِفقه الشَّافِعِي واشتغل بِهِ أَيَّامًا فشق ذَلِك على أَخِيه وَعَلِيهِ لكَونه كَانَ خَالِي العذار وَلم يرض أَن يُوَافق أَخَاهُ فِي الِانْتِقَال لمَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَلم يرض أَخُوهُ أَن يُوَافقهُ فِي الِاشْتِغَال بِفقه الشَّافِعِي فَشَاور فِي ذَلِك بعض أكَابِر عُلَمَاء الْجَامِع قَالَ فَأَشَارَ لشَيْخِنَا بِأَن يكْتب رقْعَة بواقعة الْحَال ويلقي الرقعة على قبر الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَأَن يجلس هُنَاكَ فَكتب رقْعَة وَتوجه بهَا فألقاها وَجلسَ فَأَخَذته سنة من النّوم فرآى الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ يَقُول كلنا على هدى فجَاء وَأخْبر الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِ بذلك فَقَالَ لَهُ هَذِه إجَازَة من الإِمَام بِأَن توَافق أَخَاك فِي الْقِرَاءَة على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَوَافَقَ أَخَاهُ وجد واجتهد ودأب فِي تَحْصِيل الْعُلُوم وَأَخذهَا عَن أَهلهَا وفَاق أَخَاهُ ولازم الشَّيْخ عبد الله بن مُحَمَّد النحريري الْحَنَفِيّ علام الْأَزْهَر فِي فقه الْحَنَفِيَّة وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح الْكَنْز للعيني مرّة وَأُخْرَى لم تتمّ وغالب صدر الشَّرِيعَة وَمثله الْأَشْبَاه والنظائر وَجُمْلَة من شرح الْقطر للْمُصَنف وَجُمْلَة كَبِيرَة من تَبْيِين الْحَقَائِق وَالِاخْتِيَار شرح الْمُخْتَار وَابْن ملك على الْمجمع والسراجية مَعَ شرحها للسَّيِّد وَشرح الرحبية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 للشنشوري وَغَيرهَا من الْكتب وَكَانَ أخص مشايخه ولازمه مُدَّة إِقَامَته بِمصْر حَتَّى إِن النحريري كَانَ لَهُ خلْوَة بالبرقوقية فأنزله هُوَ وأخاه فِيهَا وَكَانَ يَأْتِي إِلَيْهِمَا بهَا كثيرا وَكَانَ يَجْعَل لَهما درسا خَاصّا غير درسه الْعَام الَّذِي بِجَامِع الْأَزْهَر وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ من أجلاء الْعلمَاء الجنفية الْعَلامَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد سراج الدّين الحانوتي صَاحب الفتاوي الْمَشْهُورَة قَرَأَ عَلَيْهِ دروسا من كنز الدقائق وَأَجَازَهُ فِي أواسط الْمحرم سنة تسع بعد الْألف وَقَرَأَ على الشَّيْخ الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد أَمِين الدّين بن عبد العال فِي تَقْسِيم شرح الْكَنْز للزيلعي وَكتب لَهُ إِجَارَة بِخَطِّهِ وَهُوَ يروي الحَدِيث عَنهُ وَهُوَ عَن وَالِده عَن شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا عَن الْحَافِظ ابْن حجر وَقَرَأَ الْأُصُول على الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن بنت مُحَمَّد وَقَرَأَ على الشَّيْخ مُحَمَّد بن بنت الشلبي والْحَدِيث عَن الْعَالم الْجَلِيل أبي النجا سَالم السنهوري مُحدث الْأَزْهَر والقراآت على مقري زَمَانه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن البهني وَأخذ النَّحْو عَن نادرة زمانة أبي بكر الشنواني وَعَن الشَّيْخ سُلَيْمَان ابْن عبد الدَّائِم البابلي وَكَانَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم اللَّقَّانِيّ رفيقهم على الشنواني إِذا فرغ من قِرَاءَته عَلَيْهِ عمل لَهُ درسا فيحضره أَيْضا وَأقَام بِمصْر بالجامع الْأَزْهَر فِي أَخذ الْعلم سِتّ سِنِين وَحصل كتبا بِخَطِّهِ وَكتب لغيره وَأفْتى وَهُوَ بِجَامِع الْأَزْهَر وَكتب لَهُ أجَازه الشَّيْخ التحريري وَشَيْخه ابْن عبد العال عِنْد توجهه فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وَقدم بَلْدَة الرملة فِي ذِي الْحجَّة أَوَاخِر هَذِه السّنة وَاجْتمعَ فِي عودة بعلماء غَزَّة وبحاكمها الْأَمِير أَحْمد بن رضوَان فَأكْرمه وَحصل لَهُ مِنْهُ أنعام واعتنى بِهِ وَأقَام بِبَلَدِهِ ثمَّ أَخذ فِي الْأَقْرَاء والتعليم والإفتاء والتدريس وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر واشتهر علمه وَبعد صيته وشاعت فَتَاوَاهُ فِي الْآفَاق ووردت إِلَيْهِ الأسئلة من كل جانت حَتَّى إِنَّه كَانَ لَا يكَاد يفرغ من الأشغال بالفتوى لِكَثْرَة مَا يرد عَلَيْهِ فِيهَا الْجَوْدَة كِتَابَته عَلَيْهَا وَأخذ فِي غرس الكروم ومباشرتها بِيَدِهِ حَتَّى أَنه غرس ألوفا من الْأَشْجَار الْمُخْتَلفَة من الْفَوَاكِه والتين وَالزَّيْتُون وَحصل أملاكا وعقارات غالبها من بنائِهِ وَكَانَ يَأْكُل مِنْهَا وَكَسبه من حل وَلم يتَعَرَّض من الْجِهَات والأوقاف لشَيْء وَفِي ذَلِك يَقُول (بورك لي فِي المرّ والمسحاة ... فَمَا هُوَ الملجئ للجهات) (وَهِي إِذا قَامَ عَلَيْهَا صَدَقَة ... وللذي فرط نَار محرقة) وَكَانَت خبراته عَامَّة على أَهله واتباعه وجيرانه بل على أهل بَلَده وانتفعوا بِهِ دينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 وَدُنْيا ورمم كثيرا من جوامعها ومساجدها ومدافن الْأَوْلِيَاء وَحصل من الْكتب شَيْئا كثيرا مَا ينوف عَن ألف ومئتي مُجَلد غالبها من نفائس الْكتب ومشاهيرها من كل علم وَكَانَ عِنْده مِنْهَا نسخ مكررة وانتفع بِهِ خلق لَا يُحصونَ وَكَانَت الوزراء والأمراء والموالي وَالْعُلَمَاء والمشايخ يسعون إِلَيْهِ وعظمت بركته وَعم نَفعه وَكثر أَخذ النَّاس عَنهُ وغالب من أَخذ عَنهُ اكابر النَّاس وأجلاؤهم مِنْهُم الموَالِي وَالْعُلَمَاء الْكِبَار والمفتون والمدرسون وَأَصْحَاب التآليف والمشاهير وقصده النَّاس من الأقطار الشاسعة للأخذ عَنهُ وَطلب الْإِجَازَة مِنْهُ فَمن أَخذ عَنهُ وَلَده الْعَلامَة محيي الدّين الْآتِي ذكره وَمَات فِي حَيَاة وَالِده وَالسَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد الْأَشْعَرِيّ مفتي الشَّافِعِيَّة بالقدس وَمن أهل الْقُدس الْعَلامَة السَّيِّد عبد الرَّحِيم بن أبي اللطف مفتي الْحَنَفِيَّة بهَا والعلامة مُحَمَّد بن حَافظ الدّين السروري والفاضل يُوسُف بن الشَّيْخ رَضِي الدّين اللطفي خطيب الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمن أهل غَزَّة الْعَلامَة عمر المشرقي مفتي الْحَنَفِيَّة بهَا وَالشَّيْخ عَليّ مفتي الشَّافِعِيَّة وَأخذ عَنهُ غَالب عُلَمَاء دمشق مِنْهُم من رَحل إِلَيْهِ وَمِنْهُم من استدعاه مِنْهُم الْعَالم الْهمام السَّيِّد مُحَمَّد بن السَّيِّد كَمَال الدّين بن حَمْزَة النَّقِيب وَأَوْلَاده الثَّلَاثَة السَّيِّد عب الرَّحْمَن وَالسَّيِّد عبد الْكَرِيم وَالسَّيِّد إِبْرَاهِيم رحم الله مِنْهُم ماضين أولين وَأبقى آخَرين آخَرين والعلامة الْفَقِيه مُحَمَّد عَلَاء الدّين ابْن عَليّ الحصكفي مفتي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق والعلامة السَّيِّد مُحَمَّد بن عجلَان النَّقِيب وَغَيرهم وَمن أهل الْحَرَمَيْنِ الْعَالم الْعُمْدَة عِيسَى بن مُحَمَّد الثعالبي المغربي نزيل مَكَّة والعلامة الْمُحَقق الْكَبِير مُحَمَّد بن سُلَيْمَان السُّوسِي المغربي نزيل مَكَّة وَفَارِس حلبة البراعة إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الخياري الْمدنِي وَغَيرهم وَمن أهل الرّوم الْفَاضِل الْمَشْهُور اللوذعي مصطفى باشا ابْن المرحوم الْوَزير الْأَعْظَم مُحَمَّد باشا الكوبري وَطلب الْإِجَازَة مِنْهُ لِأَخِيهِ الصَّدْر الْأَعْظَم أَحْمد باشا عِنْد مروره بالرملة فِي شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف وَمِنْهُم ابْن عَمه الْفَاضِل والمحقق حُسَيْن جلبي وَمن كَانَ فِي صحبتهم من الْفُضَلَاء وقرأوا عَلَيْهِ دروسا فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول وَأَجَازَ الْجَمِيع وَأخذ عَنهُ من المغاربة الشَّيْخ الإِمَام الْعُمْدَة الرحلة الْمُفَسّر الْمُحدث النَّحْوِيّ صَاحب التصانيف يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عِيسَى بن أبي البركات شَارِح خَلِيل الجزائري الشاوي المغربي حَال توجهه إِلَى الرّوم وَهُوَ آخر من أجَازه موفيهم الْعَالم الْعَامِل سَيِّدي عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر العياشي والفاضل الْكَامِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بن سَيِّدي مُحَمَّد العياشي الْوَلِيّ الْمَشْهُور سُلْطَان الغرب وَغَيرهم وانتفع بهم نَاس فَألْحق الأصاغر بالأكابر والأحفاد بالأجداد وَكَانَ سَمحا بِالْإِجَازَةِ مَا طلبَهَا أحد مِنْهُ ورده بل كل من طلبَهَا مِنْهُ يُجِيزهُ أما بِالْكِتَابَةِ وَأما بِاللِّسَانِ حَتَّى أَنه أجَاز أهل عصره وَكَانَ حَرِيصًا على إِفَادَة النَّاس وجبر خواطرهم مكرم للْعُلَمَاء وطلبة الْعلم غيورا عَلَيْهِم ناصراً لَهُم دافعا عَنْهُم مَا اسْتَطَاعَ وَكَانَ معتدل الطول شثن الْأَعْضَاء والأنامل أَبيض بياضه مشرب بحمرة ذَا شيبَة حَسَنَة وهيئة مستحسنة لم ير النَّاظر أبهى مِنْهُ وَجها من اجْتمع بِهِ لَا يكَاد ينساه لِكَثْرَة تواضعه ولين جَانِبه وَحسن مصاحبته وَكَثْرَة فَوَائده وفصاحة مَنْطِقه وإكرامه للوارد عَلَيْهِ ومجلسه مَحْفُوظ من الْفُحْش والغيبة لَا يخلى أوقاته من الْكِتَابَة أَو الإفادة أة الْمُرَاجَعَة للمسائل وتحريرها صَادِق اللهجة ذَا فراسة إيمانية وَحِكْمَة لقمانية متين الدّين عَظِيم الهيبة تهابه الْحُكَّام من الْقُضَاة وَأهل السياسة وَكَانَت الرملة فِي زَمَنه أعدل الْبِلَاد وللشرع بهَا ناموس عَظِيم وَكَذَا فِي غَالب الْبِلَاد الْقَرِيبَة مِنْهَا فَإِنَّهُ كَانَ إِذا حكم على إِنْسَان بِغَيْر وَجه شَرْعِي جَاءَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِصُورَة حجَّة القَاضِي قيفتيه بِبُطْلَانِهِ فنتقذ فتواه وَقل أَن تقع وَاقعَة مشكلة فِي دمشق أَو فِي غَيرهَا من المدن الْكِبَار إِلَّا ويستفتي فِيهَا مَعَ كَثْرَة الْعلمَاء والمفتين وَكَانَت أَعْرَاب الْبَوَادِي إِذا وصلت إِلَيْهِم فتواه لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا مَعَ أَنهم لَا يعْملُونَ بِالشَّرْعِ فِي غَالب أُمُورهم وَالْحَاصِل أَنه حاتمة الْعلمَاء الْكِبَار وَمَا ذكر من أَحْوَاله بِالنِّسْبَةِ إِلَى جلالة قدره وعلو شَأْنه قَطْرَة من بَحر وشذرة من عقد وَكَانَت وِلَادَته فِي أَوَائِل شهر رَمَضَان الْمُعظم من شهور سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد قريب الْفجْر السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمَكَان بمحلة الباشقردي قَرِيبا من مدفن الشَّيْخ ابْن عبد الله مُحَمَّد البطايحي رَحمَه الله تَعَالَى من جِهَة الْقبْلَة بِوَصِيَّة كَانَت صدرت مِنْهُ وَبني عَلَيْهِ وَلَده نجم الدّين قبَّة والعليمي بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء وَكسر الْمِيم هَذِه النِّسْبَة إِلَى سَيِّدي عَليّ بن عليم الْوَلِيّ الْمَشْهُور والفاروقي نِسْبَة إِلَى الْفَارُوق أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ صَحَّ نِسْبَة ابْن عليم إِلَيْهِ والأيوبي نِسْبَة إِلَى بعض أجداده دون ابْن عليم رَحمَه الله تَعَالَى (حرف الدَّال الْمُهْملَة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 السَّيِّد دَاوُد بن سُلَيْمَان بن علوان بن نور الدّين بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ولي بن عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن الْوَلِيّ الْعَارِف السَّيِّد نَفِيس الرحماني ابْن مُحَمَّد بن حيدر بن عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن مُحَمَّد الأشتر ابْن عبد الله الثَّالِث ابْن عَليّ أبي الْحسن الْأَكْبَر ابْن عبد الله الْأَصْغَر الثَّانِي ابْن عَليّ الصَّالح ابْن عبد الله الْأَعْرَج ابْن الْحُسَيْن بن زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِم الرحماني الشَّافِعِي الْمصْرِيّ السَّيِّد الْفَاضِل الْعلم الْعَامِل كَانَ من أجلاء الْمَشَايِخ الملازمين لإقراء الْعلم والإفتاء والتدريس بالجامع الْأَزْهَر وَمن الْمَشْهُورين بِالدّينِ المتين والورع وَالْعقل الرصين أَخذ عَن الشَّمْس مُحَمَّد الشَّوْبَرِيّ وعامر الشبراوي وسلطان المزاحي وَعلي الشبراملسي وَمُحَمّد البابلي وَغَيرهم وبرع فِي سَائِر الْفُنُون وَأَجَازَهُ شُيُوخه وَألف كتبا عديدة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْجلَال الْمحلي وحاشية على شرح التَّحْرِير وحاشية على شرح أبي شُجَاع لِابْنِ قَاسم الغزى وحاشية على شرح الشذور وحاشية على شرح الْقطر لِابْنِ هِشَام وحاشية على شرح السنوسية وَله كتاب تحفة أولي الْأَلْبَاب والجواهر السّنيَّة فِي أصُول طَريقَة الصُّوفِيَّة وتحفة السّمع وَالْبَصَر بصادق الْخَبَر ومناسك وَغير ذَلِك من الرسائل والكتب وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين والرحماني نِسْبَة إِلَى محلّة عبد الرَّحْمَن بالبحيرة من قرى مصر وَالله تَعَالَى أعلم الْحَكِيم دَاوُد بن عمر البصيراد نطاكي نزيل الْقَاهِرَة الْحَكِيم الطَّبِيب الْمَشْهُور رَأس الْأَطِبَّاء فِي زَمَانه وَشَيخ الْعُلُوم الْحكمِيَّة وأعجوبة الدَّهْر ذكره أَبُو الْمَعَالِي الطالوي فِي سانحانه وَأطَال فِي توصيفه ثمَّ قَالَ وَقد سَأَلته عَن مسْقط رَأسه ومشتعل نبراسه فَأخْبر أَنه ولد بانطاكية بِهَذَا الْعَارِض وَلم يكن لَهُ بعد الْولادَة بِعَارِض قَالَ ثمَّ إِنِّي بلغت من السن عدد سيارة النُّجُوم وَأَنا لَا أقدر على أَن أنهض وَلَا أقوم لعارص ريح تحكم فِي الأعصاب منع قوائمي من حَرَكَة الإنتصاب وَكَانَ وَالِدي رَئِيس قَرْيَة سَيِّدي حبيب النجار لَهُ كرم وخيم وَطيب نجار فَاتخذ قرب مَزَار سَيِّدي حبيب رِبَاطًا للواردين وَبني فِيهِ حجرات للْفُقَرَاء والمجاورين ورتب لَهَا فِي كل صباج من الطَّعَام مَا يحملهُ إِلَيْهَا بعض الخدام وَكنت أحمل فِي كل يَوْم إِلَى صحن الرِّبَاط فأقيم فِيهِ سَحَابَة يويمي ويعاد بِي إِلَى منزل وَالِدي عِنْد نومي وَكنت أذذاك قد حفظت الْقُرْآن ولقنت مُقَدمَات تثقيف اللِّسَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وَأَنا لَا أفتر فِي تِلْكَ الْحَال عَن مُنَاجَاة قيم الْعَالم فِي سري ومبدع الْكل فِيمَا إِلَيْهِ تؤول عَاقِبَة أَمْرِي فَبينا أَنا كَذَلِك إِذا بِرَجُل جَاءَ من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى كَأَنَّهُ ينشد ضَالَّة أَو أضلّ الْمَسْعَى فَنزل من الرِّبَاط بساحته وَقضى فِيهِ أَثوَاب سياحته فَإِذا هُوَ من أفاضل الْعَجم ذُو قدر منيف يدعى بِمُحَمد شرِيف فَبعد أَن ألْقى فِيهِ عَصا التسيار وَكَانَ لَا يألف منزلا كَالْقَمَرِ السيار استأذنه بعض المجاورين فِي الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وابتدأ فِي بعض الْعُلُوم الإلهية فَكنت أسابقه إِلَيْهِ فَلَمَّا رأى مَا رأى مني استخبر مِمَّن هُنَالك عني فأجبته وَلم يَك غير الدمع سَائِلًا ومجيبا فَعِنْدَ ذَلِك اصْطنع لي دهنا مسدني بِهِ فِي حر الشَّمْس ولفني بلفافة من فرقي إِلَى قدمي حَتَّى كذت أفقد عَن الْحس وتكرر مِنْهُ ذَلِك مرَارًا من غير فَاضل فمشت الْحَرَارَة الغريزية فِي كالحميا فِي المفاصل فبعدها شدّ من وثاقي وفصدني من عضدي وساقي فَقُمْت بقدرة لوَاحِد الْأَحَد بنفسي لَا بمعونة أحد وَدخلت الْمنزل على وَالِدي فَلم يَتَمَالَك سُرُورًا وانقلب إِلَى أَهله فَرحا مَسْرُورا فضمني إِلَى صَدره وسألني عَن حَالي فَحَدَّثته بِحَقِيقَة مَا جرى لي فَمشى من وقته إِلَى الْأُسْتَاذ وَدخل حجرته وشكر سَعْيه وأجزل عطيته فَقبل مِنْهُ شكره واستعفاه بره وَقَالَ إِنَّمَا فعلت ذَلِك لما رَأَيْت فِيهِ من الْهَيْئَة الاستعدادية لقبُول مَا يلقى إِلَيْهِ من الْعُلُوم الْحَقِيقِيَّة فابتدأت عَلَيْهِ بِقِرَاءَة الْمنطق ثمَّ اتبعته بالرياضي فَلَمَّا تمّ شرعت فِي الطبيعي فَلَمَّا أكملت شَرّ أَبَت نَفسِي لتعلم اللُّغَة الفارسية فَقَالَ يَا بني إِنَّهَا سهلة لكل أحد وَلَكِنِّي أفيدك اللُّغَة اليوناينة فَإِنِّي لَا أعلم الْآن على وَجه الأَرْض من يعرفهَا أحد غَيْرِي فأخذتها عَنهُ وَأَنا بِحَمْد الله الْآن فِيهَا كَهُوَ إِذْ ذَاك ثمَّ مَا برح أَن سَار كالبدر يطوي الْمنَازل لدياره وانقطعت عَنى بعد ذَلِك سيارة أخباره ثمَّ جرت الأقدار بِمَا جرت وخلت الديار من أَهلهَا وأقفرت بتنكرها عَليّ لانتقال وَالِدي واعتقال مَا أحرزته من طريفي وتالدي فَكَانَ ذَلِك دَاعِيَة المهاجرة لديار مصر والقاهرة فَخرجت عَن الوطن فِي رفْقَة كرام لؤم بعض المدن من سواحل الشَّام حَتَّى إِذا صرت فِي بعض ثغورها المحمية دعتني همة علية أَو علوِيَّة أَن أصعد مِنْهُ جبل عَامله فصعدته مَنْصُوبًا على الْمَدْح وَكنت عَامله وَأخذت عَن مشايخها مَا أخذت وبحثت مَعَ فضلائها فِيمَا بحثت ثمَّ ساقتني الْعِنَايَة الإلهية إِلَى أَنِّي دخلت حمى دمشق المحمية فاجتمعت بِبَعْض علمائها من مَشَايِخ الْإِسْلَام كَأبي الْفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 عبد السَّلَام وكشمس علومها الْبَدْر الْغَزِّي العامري ذَلِك الإِمَام وَالشَّيْخ عَلَاء الدّين الْعِمَادِيّ ثمَّ لم ألبث أَن هَبَطت مصر هبوط آدم من الْجنَّة لما وَجدتهَا كَمَا قَالَ أَبُو الطّيب ملاعب جنه فَكَأَنَّهَا مغاني الشّعب وَأَنا المعني فِيهَا بقوله (وَلَكِن الْفَتى الْعَرَبِيّ فِيهَا ... غَرِيب الْوَجْه وَالْيَد وَاللِّسَان) تنبو عَن قبُول الْحِكْمَة فِيهَا طباع الرِّجَال نبو قيناتهم الحسان لحى شيب القذال ترى نفرة أحدهم عَن كمالهم السرمد نفرة الظلام رأى الظلام فجود ثمَّ تمثل بقول الْقَائِل (مَا مقَامي بِأَرْض نحلة إِلَّا ... كمقام الْمَسِيح بَين الْيَهُود) (أَنا فِي أمة تداركها ... الله غَرِيب كصالح فِي ثَمُود) هَذَا مَا طارحني بِهِ فِي بعض مطارحاته وحَدثني فِي جملَة مسامراته وَكَانَ فِيهِ دعابة يؤنس بهَا جليسه كَيْلا يعرف الوحشة أنيسه إِلَى حسن سجايا كالرياض بكتها الأمطار فَضَحكت ثغور أقاحها عَن باسم الْأَنْوَار وكرم نجار وَطيب وخيم تعرف فِي وَجهه نَضرة النَّعيم وَأما فرقه من الْمعَاد وخشيته من رب الْعباد فَلم ير لغير من أهل هَذَا الطَّرِيق وَأَصْحَاب أُولَئِكَ الْفَرِيق وَكَثِيرًا مَا يتَمَثَّل بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وهما لعبد الله طَاهِر بن الْحُسَيْن (الْأُم تطيلي العتب فِي كل سَاعَة ... فَلم لَا تملين القطيعة والهجرا) (رويدك إِن الدَّهْر فِيهِ كِفَايَة ... لتفريق ذَات الْبَين فانتظري الدهرا) وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن شَيْء من الْفُنُون الْحكمِيَّة والطبيعية والرياضية أمْلى السَّائِل فِي ذَلِك مَا يبلغ الكراسة والكراستين كَمَا هُوَ مَشْهُور مثل ذَلِك عَن الشَّيْخ الرئيس أبي عَليّ بن الْحُسَيْن فَمن ذَلِك مَا شاهدته وَهُوَ بحجرته الظَّاهِرِيَّة وَقد سَأَلَهُ رجل عَن حَقِيقَة النَّفس الإنسانية فأملى على السَّائِل رِسَالَة عَظِيمَة فِي ذَلِك وعرضها عَلَيْهِ وَله من التآليف والرسائل والإشعار المزرية بروض الخمائل مَا هُوَ بأيدي النَّاس مألوف عِنْد أربابه من الْفُضَلَاء مَعْرُوف فَمن ذَلِك الْكتاب الَّذِي صنفه وَسَماهُ بتذكرة أولي الْأَلْبَاب وَالْجَامِع للعجب العجاب جمع فِيهَا الطِّبّ وَالْحكمَة وَهِي بأيدي النَّاس شهيرة ثمَّ احتصرها لقُصُور الهمم فِي مُجَلد وَله كتاب الْبَهْجَة فِي جلد والدرة المنتخبة فِيمَا صَحَّ من الْأَدْوِيَة المجربة وَله رِسَالَة فِي الْحمام ألفها باسم الْأُسْتَاذ الْبكْرِيّ وَشرح قصيدة النَّفس الْمَشْهُورَة للشَّيْخ الرئيس ابْن سينا وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 شرح فصل فِيهِ حَقِيقَة النَّفس وجوهرها النفيس يُرْضِي السَّائِل وان كَانَ هُوَ الشَّيْخ الرئيس وَله قِطْعَة منظومة فِي هَذَا الْمَعْنى تشعر باعتراض فِيهَا على الشَّيْخ وَهِي (من بَحر أنوار الْيَقِين بحسنها ... فلوصل اَوْ فصل تنوب كَمَا ادّعى) (أَو للكمال فهيكل لَا ترتضى ... للمطلق الثَّانِي يَصح لأَرْبَع) (هبه يَصح فقدره من أوج مَا ... قدست يكمل بالحضيض البلقع) (تالله مَا هَبَطت وَلَكِن أهبطت ... فبقسر أَو بِالِاخْتِيَارِ لمن يعي) (وَعَلَيْهِمَا تتبدد الأحيان أَو ... تفنى فَتدخل فِي الْمحل المفقع) وَكَانَت قصيدة الْحَكِيم الْفَاضِل والفيلسوف الْكَامِل أبي عَليّ الْحُسَيْن ابْن سطر الْبَغْدَادِيّ الَّتِي خَاطب بهَا الْفلك وتشتمل على مبَاحث الْحِكْمَة وَأكْثر مسَائِل الفلسفة وَهِي أبدع الشّعْر وأعذبه وأبلغ النّظم ومستعذبه كثيرا مَا يلهج يإيرادها ويعتني فِي غَالب أوقاته بإنشادها وَهِي (بِرَبِّك أَيهَا الْفلك الْمدَار ... أتصد ذَا الْمسير أم اضطرار) (مسيرك قل لنا فِي أَي شَيْء ... فَفِي أفهامنا مِنْك انبهار) (وفيك نرى الْقَضَاء فَهَل فضاء ... سوى هَذَا الفضاء بِهِ تدار) (وعندك ترتع الْأَرْوَاح أم هَل ... مَعَ الأجساد يُدْرِكهَا الْبَوَار) (وموج ذَا المجرة أم فرند ... على لجج الدروع لَهُ أوار) (وفيك الشَّمْس رَافِعَة شعاعا ... بأجنحة قوادمها قصار) (وطوق فِي النَّحْو من اللَّيَالِي ... هِلَال أم يَد فِيهَا سوار) (وشهب ذِي الخواطف أم ذبال ... عَلَيْهَا المرخ يقْدَح والعفار) (وترصيع نجومك أم حباب ... تؤلف بَينه للحجيج الغزار) (تمر بواديا لَيْلًا وتطوي ... نَهَارا أمثل مَا طوى النَّهَار) (فكم بصفائها صدأ البرايا ... وَمَا يصد لَهَا أبدا غرار) (تباري ثمَّ تحسر راجعات ... وتكنس مثل مَا كنس الصوار) (فَبينا الشرق يقذفها صعُودًا ... تلقاها من الغرب انحدارا) (عَليّ ذَا مَا مضى وَعَلِيهِ تمْضِي ... طوال مني وآجال قصار) (وَأَيَّام تعرفنا مداها ... لَهَا أنفاسنا أبدا شفار) (ودهر ينثر الْأَعْمَار نثرا ... كَمَا للغصن بالورق انتثار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 (وَدُنْيا كلما وضعت جَنِينا ... عداهُ من نوائبها ظؤار) (هِيَ العشواء مَا خبطت هشيم ... هِيَ العجماء مَا جرحت جَبَّار) (فَمن يَوْم بِلَا أمس ليَوْم ... بِغَيْر غَد إِلَيْهِ مَا يسَار) (وَمن نفين فِي أخدُود ... لروح الْمَرْء فِي الْجِسْم انتشار) وَكَانَ كثير التمثل بقول الشَّيْخ الرئيس أبي عَليّ بن سينا (عُطَارِد قد وَالله طَال ترددى ... مسَاء وصبحاً كي أَرَاك فأغنما) (فها أَنا فامدد لي قوى أدْرك المنى ... بهَا والعلوم الغامضات تكرّماً) (ووقني الْمَحْذُور والشركله ... بِأَمْر مليك خَالق الأَرْض والسما) قلت وَله فِي التَّذْكِرَة فصل عقده لدَعْوَة الْكَوَاكِب وَهُوَ الَّذِي فتح عَلَيْهِ بَاب الوقيعة حَتَّى استهدفه كثير من النَّاس بسهام الذَّم يذكر مُنَاجَاة الْكَوَاكِب وَالسُّجُود لَهَا فان وَقع فِي وهمك شَيْء من الْإِنْكَار فطالع ذَلِك الْفَصْل من أوّله تَجدهُ قد قَالَ وَمِنْهُم من يتَوَصَّل إِلَى خطاب الْأَرْوَاح بدعوات الْكَوَاكِب ودخنها وَفِيه إخلال بنواميس شرعنا لَا يملكهَا إِلَّا من يخرقه وحاشا أَن مثل هَذَا الْأُسْتَاذ يرضى لنَفسِهِ خرق الشَّرِيعَة وَإِنَّمَا ذكر مثل هَذَا فِي كِتَابه ليَكُون مُشْتَمِلًا على فنون شَتَّى نعم قد رَأَيْت مَدين القوصوني قد تَرْجمهُ وَجزم بِأَنَّهُ شيعي وَعبارَته فِي حَقه هَكَذَا وَكَانَ شِيعِيًّا مُخَالفا لعقيدة الأشعرية وهم الَّذين يثبتون لله صِفَات قديمَة ويثبتون الْإِمَامَة بالإتفاق وَالنَّص وموافقا لعقيدة الشِّيعَة وهم الَّذين بَايعُوا عليا وَقَالُوا بإمامته نصا وَوَصِيَّة وَالْحق أَحَق أَن يتبع فِي بَيَان مُعْتَقد الْإِنْسَان وَمَا هُوَ عَلَيْهِ كَانَ فقد قَالَ الإِمَام السُّبْكِيّ فِي أول طبقاته وَهَذَا شَيخنَا الذَّهَبِيّ من هَذَا الْقَبِيل لَهُ علم وديانة وَعِنْده على أهل السّنة تحمل مفرط فَلَا يجوز أَن يعْتَمد عَلَيْهِ وَهُوَ شَيخنَا ومعلمنا غير أَن الْحق أَحَق أَن يتبع وَقد وصل من التعصب المفرط إِلَى حد يستحيا مِنْهُ وَأَنا أخْشَى عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة من غَالب عُلَمَاء الْمُسلمين وأئمتهم الَّذين حملُوا لنا الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة فَإِن غالبهم أشاعرة وَهُوَ إِذا وَقع بأشعري لَا يبْقى وَلَا يذر وَالَّذِي أعتقده أَنهم خصماؤه يَوْم الْقِيَامَة فَالله الْمَسْئُول أَن يُخَفف عَنهُ وَأَن يشفعهم فِيهِ انْتهى وَصَاحب التَّرْجَمَة من هَذَا الْقَبِيل فكم لَهُ من إعتقادات فَاسِدَة وأقاويل كَاذِبَة بَاطِلَة مِنْهَا قَوْله فِي شرح منظومة الشَّيْخ ابْن سينا الَّتِي أَولهَا هَبَطت اليك من الْمحل الأرفع فِيمَا يتَعَلَّق بخرق الأفلاك مَا نَصه أَن جَوَاز الْخرق محَال لَا يُقَال يلْزم عَلَيْهِ تَكْذِيب صَاحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 الشَّرْع فِي دَعْوَى الْمِعْرَاج لعدم جَوَازه بِدُونِ ذَلِك لانا نقُول هَذَا شَيْء تَقول بِهِ سخفاء الْعُقُول من المتشرعين فَإِن الْمِعْرَاج إِن لم يكن مَشْرُوطًا بِعَدَمِ جَوَاز الْخرق لم يكن إعجاز إِذا المعجز الخارق للْعَادَة والصعود إِلَى السَّمَاء يسْتَلْزم الْخرق فَلَو كَانَ جَائِزا لم يكن لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام مزية على غَيره وَقد فرضناه مُنْفَردا عَن بني آدم كَافَّة بذلك هَذَا خلف انْتهى قلت قَالَ النَّسَفِيّ والمعراج برَسُول الله فِي الْيَقَظَة بشخصه إِلَى السَّمَاء ثمَّ إِلَى مَا شَاءَ الله تَعَالَى من الْعلَا حَتَّى قَالَ السعد التَّفْتَازَانِيّ أَي ثَابت بالْخبر الْمَشْهُور حَتَّى إِن منكره يكون مبتدعا وإنكاره وإدعاء استحالته إِنَّمَا يتبنى على أصُول الفلاسفة وَإِلَّا فالخرق والالتئام على السَّمَوَات جَائِز والأجسام متماثلة يَصح على كل مَا يَصح على الآخر وَالله تَعَالَى قَادر على الممكنات كلهَا انْتهى هَذَا وَمَا يَقُوله هَذَا الزاعم فِي قَوْله تَعَالَى وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا بل رَفعه الله إِلَيْهِ فِي حق سيدنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمَا يَقُول أَيْضا فِي الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي أخرجه القَاضِي عِيَاض فِي الشفا وَالْإِمَام مُسلم فِي صَحِيحه وَغَيرهمَا بالسند الْمُتَّصِل عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله قَالَ ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل من قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد قيل وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا أَنا بِابْني الْخَالَة عِيسَى بن مَرْيَم وَيحيى بن زَكَرِيَّا فَعلم بِمَا ذكره فِي النَّص من كتاب الله تَعَالَى بِرَفْع سيدنَا عِيسَى وَالنَّص من حَدِيث رَسُول الله إِنَّه وجده فِي السَّمَاء الثَّانِيَة فقد قَالَ الإِمَام النَّسَفِيّ ورد النُّصُوص كفر وَمِنْهَا قَوْله أَيْضا بعد مَا يطول ذكره نَاقِلا مَا فِي التَّنْزِيل عَن سيدنَا مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون فَقَالَ اخلفني فِي قومِي وَأصْلح وَهَذَا قَالَ يَعْنِي النَّبِي لسيدنا عَليّ أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى فالمشاورة المشرفة للتَّخْيِير على مقامات النُّبُوَّة خلية عَن الْوَحْي الملكي لَا للتَّخْيِير فنبي أَمن من الْخَطَأ يحرض على الْإِصْلَاح ووصى لم ير عصمته إِلَّا الْخَواص يشاور على الرضى بأعمال الْأَنْبِيَاء هَل هَذَا الْأَمر الْأسر جلبته الْخلَافَة وحققته الألوهية إِذا كَانَ الْكفْر خِلَافه انْتهى فَانْظُر إِلَى هَذَا الِاعْتِقَاد الظَّاهِر الْفساد الَّذِي أوجب لَهُ مَا أوجبه لغيره الْمُخَالفين لَهُ وهم أهل السّنة مَعَ إِجْمَاع الصَّحَابَة على خلَافَة أبي بكر وَكَيف وَقد قَالَ السعد التَّفْتَازَانِيّ بعد قَول الإِمَام النَّسَفِيّ وخلافتهم ثَابِتَة على هَذَا التَّرْتِيب يَعْنِي أَن الْخلَافَة بعد رَسُول الله لأبي بكر ثمَّ لعمر ثمَّ لعُثْمَان ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 لعَلي رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَذَلِكَ لِأَن الصَّحَابَة قد احجتوا يَوْم توفّي رَسُول الله فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وَاسْتقر رَأْيهمْ بعد الْمُشَاورَة والمنازعة على خلَافَة أبي بكر واجمعوا على ذَلِك وَبَايَعَهُ على على رُؤْس الْإِشْهَاد بعد توقف كَانَ مِنْهُ وَلَو لم تكن الْخلَافَة حَقًا لما اتّفق عَلَيْهَا لبصحابة ولنازعه عَليّ كَمَا نَازع مُعَاوِيَة ولاحتج عَلَيْهِم لَو كَانَ فِي حَقه نَص كَمَا زعمت الشِّيعَة فَكيف يتَصَوَّر فِي حق أَصْحَاب رَسُول الله الإتفاق على الْبَاطِل أَو ترك الْعَمَل بِالنَّصِّ الْوَارِد انْتهى كَلَام السعد هَذَا وَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة أَيْضا فِي الشَّرْح الْمَذْكُور لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار وَلَا فَتى إِلَّا على قَامَ الْحصْر دَلِيلا على الْقصر كَانَ قصر قلب فَصَارَ كشف كرب إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي فَقَالَ أخلفني فَلَا خلاف فِي الْخلَافَة إِثْبَاتًا والنبوة محوا وَقَالَ لعمَّار إِلَى كم تَأْكُل الْخَبَر وتشرب المَاء فَقَالَ أهوَ الْيَوْم فَقَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ فبرز فَكَانَ مَا كَانَ وَكَذَلِكَ خرج لَيْلَة ابْن ملجم فِي السحر ينظر إِلَى السَّمَاء تلذذا بِمَا خصص بِهِ وَطَاعَة وَإجَابَة فَأكْثر من ذَلِك ثمَّ نهى عَن ردع إِلَّا وزة وَقَالَ هِيَ صوايح يتلوهن النوايح كَيفَ يزْدَاد يَقِينا من جَمِيع المسئلة وَالْجَوَاب وأحاط بِكُل شَيْء علما فَهُوَ وَالله الْكتاب وَتَعيهَا إِذن وَاعِيَة فَآمن مَعَه وَصلى لَا ثَالِث لَهما فَجَاءَت الْخلَافَة عَن ثَلَاث فَكَانَ هُوَ الرَّابِع أخرج الْخَطِيب عَن عبد بن حميد فِي التوريريات يَا عَليّ من لم يقل أَنَّك رَابِع الْخُلَفَاء فَعَلَيهِ لعنة الله لِأَن الله قَالَ لآدَم إِنِّي جاعلك فِي الأَرْض خَليفَة يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُون أخلفني فِي قومِي ثمَّ قَالَ لَهُ يَوْم تَبُوك كن على مَا أَنا عَلَيْهِ حَتَّى أرجع فَقَالَ أَعلَى الصّبيان وَالنِّسَاء فَقَالَ أما ترْضى أَن تكون منى بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى الحَدِيث وَفِيه طول انْتهى وَهَذَا بعض مَا ذكره من الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام وَالله أعلم وَالسَّلَام فَتَأمل مَا فِيهِ عَن الْفساد وَالله لطيف بالعباد وَله من المؤلفات الشَّرْح الْمَذْكُور سَمَّاهُ الْكحل النفيس لجلاء عين الرئيس وَله غَايَة المرام فِي تَحْرِير الْمنطق وَالْكَلَام وَهَذَا الإسم للْإِمَام الْآمِدِيّ لَهُ كتاب سَمَّاهُ غَايَة المرام فِي علم الْكَلَام وَله نزهة الأذهان فِي إصْلَاح الْأَبدَان وَله زِينَة الطروس فِي أَحْكَام الْعُقُول والنفوس وَله الفية فِي الطِّبّ وَله نظم قانونجك وَله شرح على النّظم الْمَذْكُور وَله شرع على أَبْيَات السهروردي الَّتِي أَولهَا (خلعت هيا كلهَا بجرعاء الْحمى ... وصبت لمغناها الْقَدِيم تشوّقاً) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 وَله مُخْتَصر أسواق الأشواق للبقاعي سَمَّاهُ تَزْيِين الْأَسْوَاق وَله رِسَالَة فِي الْهَيْئَة وَله كِفَايَة الْمُحْتَاج فِي علم العلاج قلت وَهَذِه زِيَادَة على تأليفه الَّتِي ذكرهَا الطالوي وَقد ذكره البديعي فِي ذكرى حبيب فَقَالَ فِي وَصفه ضَرِير مَاله فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة نَظِير وطبيب مَاله فِي الْأَزْمِنَة الغابرة ضريب حَكِيم صفت من قذى الْخَطَأ موارد أنظاره وَصحت عَن غمام الأوهام آفَاق أفكاره حل عقد المشكلات بِمَا قَيده وبيض وَجه الْعُلُوم الرياضية بِمَا سوده بآثار تَقْتَضِي إِثْبَات محاسنه بالتخليد وَتَقْيِيد مآثره للتأبيد وَكَانَ ملازما لكتاب اخوان الصَّفَا وخلان الوفا للمجريطي ولكتابيه رُتْبَة الْحَكِيم وَغَايَة الْحَكِيم وَمن كتب الشَّيْخ القانون والشفا والنجاة وَالْحكمَة الشرقية والتعليقات ورسالة الأجرام السماوية والإشارات مَعَ شَرحه لنصير الدّين الطوسي وَللْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ والمحاكمات بَينهمَا لقطب الدّين الرَّازِيّ وحواشيه للسَّيِّد وَمن كتب السهروردي الْمَشَارِق والمطارحات وَكتاب التلويحات وَشَرحه لهبة الله الْبَغْدَادِيّ وَكَانَ شرِيف مَكَّة يلهج بتذكاره ويستهدي من الْحجَّاج تفاريق أخباره وهزه الشوق على أَن استقدمه عَلَيْهِ واستحضره إِلَيْهِ ليجعل السماع عيَانًا وَالْخَبَر برهانا فَلَمَّا مثل بساحته طامعا فِي تَقْبِيل رَاحَته أَمر أَن يعرض عَلَيْهِ أحد حاضري مجْلِس أنسه ليختبر بذلك قُوَّة حدسه فمذ صافحت يَده يَد ذَلِك الجليس قَالَ هَذِه يَد دعى خسيس لَا يضوع مِنْهَا أرج النُّبُوَّة وَلَا يستنشق عرف الفتوة ثمَّ أَمر بعرضه على الْقَوْم وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى وصل إِلَى الشريف فَقبل يَده تَقْبِيل الْمُحب الْوَاجِد وأعجب من ذَلِك مَا أَخْبرنِي بِهِ من أَثِق بِهِ بِالْقَاهِرَةِ المعزية قَالَ كَانَ لَهُ حجرَة بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة اتخذها لإجتماعه بِالنَّاسِ ومداواة أَصْحَاب الباس فورد عَلَيْهِ فِي بعض الْأَيَّام رجل من الِاجْتِهَاد مجهر بِالسَّلَامِ فمذ سمع سَلَامه عرف مرامه وَقَالَ اذْهَبْ فَلَا شفى الله لَك عِلّة وَلَا برد الله لَك غله تشرب الْخمر وَتفعل لَك الْأَمر حَتَّى يحدثا لَك هَذَا الدَّاء وَتَأْتِي الضَّرِير تروم مِنْهُ الأدواء ثمَّ استتابه وشفاه من دائه بعد مَا أشفاه وَمَا فهم كنه علته الْأَمْن تحرّك شفته وعجائبه فِي هَذَا الْبَاب لَا تحصى وغرائبه لَا تستقصى وَقَالَ الشلي فِي تَارِيخه العقد عِنْدَمَا ذكره أَنه استدعاه الشريف حسن لبَعض نِسَائِهِ فَلَمَّا دخل قادته جَارِيَة وَلما خرجت بِهِ قَالَ للشريف إِن الْجَارِيَة لما دخلت بِي كَانَت بكرا وَلما خرجت بِي صَارَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 ثَيِّبًا فَسَأَلَهَا الشريف وَأَعْطَاهَا الْأمان من المعاقبة فَأَخْبَرته أَن فلَانا استفضها قهرا فَسَأَلَهُ فاعترف بذلك وَحكى الشَّمْس البابلي الْمصْرِيّ أَن الْحَكِيم دَاوُد مر بِبَعْض الحارات الَّتِي يسكنهَا الضُّعَفَاء والفقراء فَسمع صَوت مَوْلُود حَال وِلَادَته فَقَالَ هَذَا صَوت بكري فتفحصوا عَن ذَلِك فوجدوه كَمَا قَالَ وَإِن بعض البكريين تزوج ببنت فَقير خُفْيَة وَوَافَقَ مُرُور صَاحب التَّرْجَمَة حَال وِلَادَتهَا بِالْوَلَدِ قلت وَمِمَّا ينْقل من غَرَائِبه وَلَا أَدعِي صِحَّته أَنه ورد إِلَى مَكَّة طَبِيب وَمَعَهُ حب قَابض فَرغب النَّاس فِيهِ واشتهر أمره فوصل خَبره إِلَى دَاوُد فجَاء إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن تركيب الْحبّ الْمَذْكُور فَأَجَابَهُ أَن شهرتك فِي الحذق تنبو عَن هَذَا السُّؤَال وَيَنْبَغِي لمثلك أَن يخبر بأجزائه إِذا أذاقه فَقَالَ لَهُ إِذا أَخْبَرتك هَل تصدقني وَلَا تخَالف على فِي شَيْء فأقسم لَهُ أَنه لايخالف عَلَيْهِ فِي شيئ فَقَالَ لَهُ كم عدد أَجْزَائِهِ فَقَالَ ثَلَاثُونَ فذاقه ثمَّ أَخذ يذكر الْأَجْزَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد والطبيب يصدقهُ على مَا يَقُول إِلَى أَن بَقِي جُزْء وَاحِد فاظهر الْعَجز عَن مَعْرفَته فَقَالَ لَهُ الطَّبِيب لَا بُد وَأَن تمعن النّظر فِيهِ وتظهره فذاق حَبَّة وَتوقف حِصَّة ثمَّ قَالَ لَهُ أَن كَانَ وَلَا بُد فَهَذَا الْجُزْء مِمَّا لَا طعم لَهُ وَلَا رَائِحَة وَهُوَ الكهربا وَهِي مُبَالغَة بَالِغَة إِلَى إفراط وَلَوْلَا شهرتها عَنهُ كثيرا فِي الْأَلْسِنَة مَا ذكرتها نعم حكوا عَنهُ مَا هُوَ ألطف موقعا من هَذِه وَهِي أَن رجلا دخل عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَي شَيْء يقوم مقَام اللَّحْم فَقَالَ الْبيض فَغَاب عَنهُ سنة وجاءه فَرَآهُ منهمكا فِي تركيب يجمع أجزاءه فَقَالَ لَهُ بِأَيّ شَيْء يقلى فَقَالَ بالسمن وَهَذِه شَبيهَة بِقصَّة أبي الْعَلَاء المعري مَعَ المنازي لما أنْشدهُ بِالشَّام أبياتا فَقَالَ أَنْت أشعر من بِالشَّام ثمَّ اتّفق اجْتِمَاعهمَا بالعراق بعد سبع سِنِين فَأَنْشد المنازي أبياتا أخر فَقَالَ لَهُ وَمن بالعراق قريب من هَذِه مَا يحْكى ى عَن أبي الْعَلَاء أَيْضا أَنه كَانَ سَافر مَعَ رَفِيق لَهُ إِلَى جِهَة فمرا فِي طريقهما بشجرة فَلَمَّا قربا مِنْهَا قَالَ لَهُ رَفِيقه إياك وشجرة أمامك فا نَحن حَتَّى تجاوزها فَلَمَّا رَجَعَ من ذَلِك الطَّرِيق أَيْضا انحنى أَبُو الْعَلَاء لما قرب من مَكَان الشَّجَرَة ورفيقه ينظر إِلَيْهِ وَقد تجاوزنا الْحَد فِي الإطالة فلنرجع إِلَى تَتِمَّة الشَّيْخ دَاوُد فَنَقُول وَله شعر كثير لَكِن لم يذكرله الَّذين ترجموه إِلَّا أبياته الْمَشْهُورَة وَهِي (من طول أبعاد ودهر جَائِر ... ومسيس حاجات وَقلة منصف) (ومغيب ألف لَا اعتياض بِغَيْرِهِ ... شط الزَّمَان بِهِ فَلَيْسَ بمسعف) (أوّاه لَو حلت لي الصَّهْبَاء كي ... أُنْثَى فأذهل عَن غرام متْلف) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 وَقد فحصت لَهُ عَن غير هَذِه الأبيات العينية الْمُتَقَدّمَة فَلم أظفر بِشَيْء وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من نَوَادِر الزَّمَان وأعاجيب الدوران وَكَانَت إِقَامَته بِمَكَّة دون السّنة وَمَات بهَا فِي سنة ثَمَان بعد الْألف هَكَذَا ذكره الشلي وَكَانَ مرض مَوته الإسهال عَن تنَاول عِنَب وَبَعْضهمْ يزْعم أَنه سم وَالله أعلم درويش مُحَمَّد بن أَحْمد وَقيل مُحَمَّد أَبُو الْمَعَالِي الطالوي الأرتقي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ أحد أَفْرَاد الدَّهْر ومحاسن الْعَصْر وَكَانَ ماهرا فِي كل فن من الْفُنُون مفرط الذكاء فصيح الْعبارَة منشئا بليغا حسن التَّصَرُّف فِي النّظم والنثر وَله كتاب سانحات دمى الْقصر جمع فِيهَا أشعاره وترسلاته وَهُوَ كتاب حسن الْوَضع متداول فِي أَيدي النَّاس ووالده رومي المحتد قدم إِلَى دمشق فِي صُحْبَة السُّلْطَان سليم وَكَانَ خَادِمًا لبَعض أَتْبَاعه فَتزَوج أم درويش مُحَمَّد وَهِي عنقًا بنت الْأَمِير عَليّ بن طالو وقطن مَعهَا بمحلة التَّعْدِيل من دمشق ثمَّ إِنَّه انْكَسَرَ عَلَيْهِ بعض مَال من ضَمَان أَمَانَة أقطاع كَانَت عَلَيْهِ فسارعن دمشق فَنَشَأَ وَلَده درويش مُحَمَّد فريدا وَأعْطى من أقطاع وَالِده حِصَّة يسيرَة وَفرغ عَنْهَا الآخر وَلزِمَ صَنْعَة السُّرُوج وَلم يطلّ مكثه بهَا حَتَّى جذبه الشهَاب أَحْمد بن الْبَدْر الْعزي إِلَيْهِ وَكَانَ توسم فِيهِ قابلية الْعلم وحبب إِلَيْهِ الطّلب وَلما ذاق حلاوة الْعلم أَشَارَ إِلَيْهِ بترك زِيّ الْجند وَلبس زِيّ الْعلمَاء ثمَّ صحب الْعَلامَة أَبَا الْفَتْح مُحَمَّد الْمَالِكِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْأَدَب والرياضي والمنطق وَالْحكمَة والتصوف وَغَيرهَا وَلَزِمَه مُدَّة مديدة وَأخذ عَن جمَاعَة من فضلاء الْعَجم الواردين إِلَى دمشق مِنْهُم الْمولى مُحَمَّد بن حسن المغاني وَلما أنزلهُ فِي مدرسة جده لأمه الْأَمِير عَليّ الْمَذْكُور وَقَرَأَ عَلَيْهِ حَاشِيَة الْمطَالع ومنلا زَاده فِي الْحِكْمَة وَغير ذَلِك وَأخذ التصوف عَن منلا غياث الدّين الشهير بمير مخدوم اللألائي التبريزي قَرَأَ عَلَيْهِ بِدِمَشْق مُقَدمَات الفصوص للشَّيْخ دَاوُد القيصري وَشرح الرباعيات للْمولى عبد الرَّحْمَن الجامي وَأخذ عَن الشَّيْخ سراج الدّين التبريزي نزيل مَكَّة المشرفة وَصَحبه بُرْهَة لما قدم من مَكَّة إِلَى دمشق فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَأخذ فرقة التصوف عَن الشَّيْخ مُحَمَّد النَّاشِرِيّ نزيل الْمَدِينَة المنورة وَإِمَام مَسْجِد قبَاء ثمَّ قَرَأَ الْفِقْه بعد وَفَاة شَيْخه أبي الْفَتْح على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الشَّيْخ نجم الدّين مُحَمَّد البهنسي خطيب دمشق ومفتيها والمعاني وَالْبَيَان على الْعِمَاد الْحَنَفِيّ وَحضر مجَالِس التَّفْسِير عَليّ الْبَدْر الْعزي فِي تَفْسِيره بالتقوية وَالْجَامِع الْأمَوِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 مَعَ مُلَازمَة وَلَده الشهَاب ثمَّ ولي تدريس الْمدرسَة الخانوتية دَاخل دمشق ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة قَاضِي الْقُضَاة الْمولى مُحَمَّد بن بُسْتَان حِين كَانَ قَاضِيا بِدِمَشْق فلازم خدمته وناب عَنهُ وَله فِيهِ مدائح كَثِيرَة ثمَّ ارتحل مَعَه إِلَى الرّوم وناب عَنهُ بهَا حِين ولي قضاءها وَلما ولي قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولي بَعثه إِلَى الشَّام قاما ثمَّ رَجَعَ إِلَى الرّوم وَولي بهَا عدَّة مدارس ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فِي سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَصَحب بهَا جمَاعَة من أَصْحَابه القدماء وَكَانَ يجْرِي بَينه وَبينهمْ مطارحات وترسلات فَمَا دَار بَينه وَبَين الْحسن البوريني أَن الْحسن نقل عَن الشَّيْخ الطَّيِّبِيّ بَيته الْمَشْهُور وَهُوَ (وَلَا تضف شهر اللَّفْظ شهر ... إِلَّا الَّذِي أوّله رافادر) فَمر بهم فِي المطالعة فِي حَوَاشِي الْكَشَّاف للسعد أَن إِضَافَة لفظ شهر إِلَى رَجَب مُمْتَنع فَقَالَ الطالوي يَنْبَغِي أَن يسْتَثْنى ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِيهِ كَلَام الطَّيِّبِيّ فَقَالَ لَهُ البوريني بَادرُوا إِلَى ذَلِك فَقَالَ إِلَّا الْأَصَم فَهُوَ فِيهِ مُمْتَنع فَقَالَ الْحسن مجيزا لِأَنَّهُ فِيمَا رَوَوْهُ مَا سمع وَبِهَذَا عالي السعد الْمَنْع وَكتب إِلَيْهِ البوريني عقب مقاطعة صدرت بَينهمَا قَوْله (يَا نَاسِيا من لم يزل ... فِي النَّاس يَتْلُو مننك) (يَا حسنا أَفعاله ... كَيفَ تسوء حسنك) فَرَاجعه بقوله (ماسؤب يَوْمًا حسنى ... فِي النَّاس يَتْلُو منني) (وَإِن تسؤ أَفعاله ... قابلتها بالْحسنِ) وَوَقع لَهُ فِي ذَلِك الْأَثْنَاء وَهُوَ بِدِمَشْق أَن ابْن خَالَته الْأَمِير إِبْرَاهِيم الطالوي تولى الْإِمَارَة بِولَايَة نابلس فَتوجه مَعَه وَأَعْطَاهُ الْأَمِير خيلاً وَمَا لَا وزوده وودعه فنوجه إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر بهَا نَحْو سنة وَأخذ بهَا عَن الْعَلامَة عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ وَالشَّمْس مُحَمَّد النحراوي الْبَصِير الْحَنَفِيّ وَشَيخ الشَّافِعِيَّة فِي عصره الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وَغَيرهم مِمَّن ذكره فِي كِتَابه السانحات وَعَاد من مصر إِلَى دمشق ثمَّ سَافر إِلَى الرّوم واتصل بالمولى سعد بن حسن جَان معلم السُّلْطَان مُحَمَّد فَأكْرم مثواه بِنَاء على معرفَة حُقُوق أَبنَاء النِّعْمَة وأغنياء الْأَصَالَة خُصُوصا الجامعين إِلَى شرف النّسَب شرف الْأَدَب وامتدحه وولديه مُحَمَّدًا وأسعد بقصائد كَثِيرَة وَولي بعنايته مدارس عديدة بالروم إِلَى أَن وصل إِلَى مدرسة خير الدّين باشا بِخَمْسِينَ عثمانيا ثمَّ أعْطى مِنْهَا الْمدرسَة السليمانية بِدِمَشْق والإفتاء بهَا فورد إِلَى دمشق وَاسْتقر بهَا إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 أَن مَاتَ وَكَانَ على تماسك حَاله شاكيا لدهره مستزيدا الْقُدْرَة وَكَانَت أحلاقه متفاوته فَمَا مدح أحدا إِلَّا هجاه وَله فِي ذَلِك أَعَاجِيب كَثِيرَة وَهُوَ فِي كل أسلوب من أساليب الشّعْر كثير الْملح كَأَنَّمَا يصدر شعره عَن طباع المفلقين من الشُّعَرَاء وَله القصيدة الَّتِي سَارَتْ فِي الْبِلَاد وطارت فِي الْآفَاق لحسن ديباجتها وَكَثْرَة وفقها وَكَانَ أرسلها من الرّوم إِلَى أَصْحَابه الْعلمَاء والأمراء المقيمين بِدِمَشْق أَولهَا (أنسيمة الرَّوْض المطير ... بالعهد من زمن السرُور) ولطولها وشهرتها لم اذْكُرْهَا وعَلى نمطها وَقعت قصائد كَثِيرَة جَاهِلِيَّة وإسلاما ومحدثة فَمِنْهَا للشريف الرضي الموسوي (نطق اللِّسَان عَن الضَّمِير ... والبشر عنوان الضَّمِير) وَلأبي بكر الْخَوَارِزْمِيّ (إِن الالئ خلف الْخُدُور ... هم فِي الضمائر والصدرو) وَمن هَذَا الْعرُوض قصيدة المنحل لمعظم بن الْحَارِث الْيَشْكُرِي كَمَا فِي حماسة أبي تَمام ومطلعها (إِن كنت عاذلتي فَيرى ... نَحْو الْحجاز وَلَا تجوري) ولإبراهيم بن المدير قصيدة فِي مدح المتَوَكل على هَذَا المنوال مِنْهَا (يَوْم أَتَانَا بالسرور ... وَالْحَمْد لله الْكَبِير) (أخلصت فِيهِ شكره ... ووفيت فِيهِ بالنذور) مِنْهَا (الْبَدْر ينْطق بَيْننَا ... أم جَعْفَر فَوق السريرد) (فَإِذا تواردت العظائم ... ثمَّ كنت مُنْقَطع النظير) وللطالوي يَسْتَدْعِي بعض أصدقائه إِلَى منتزه فِي بعض الْأَيَّام (قد غازل النسرين لحظ النرجس ... فِي مجْلِس سقى الحيا من مجْلِس) (يرنو إِلَيْهِ كَمَا رنت من خشيَة ... المراقباء غيد عَن لحاظ نعس) (والورد أخجله الحيا فَكَأَنَّهُ ... خد تورد من لهيب تنفس) (فِي فتية نشرت حدائق بردهَا ... فزهت على زهر الْجَوَارِي الكنس) (دارت سلاف الذّكر مِنْك عَلَيْهِم ... فغدت تمايل كالغصون الميس) (ترجو قدومك كي يتم سرورها ... وتقر عينا يَا حَيَاة الْأَنْفس) (لَا زَالَ وردك يانعا فِي رَوْضَة ... وشبابك الفتان زاهي الملبس) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 (مَا غرّدت ورق بِأَعْلَى أيكة ... فِي رَوْضَة كُسِيت مطارق سندس) وَله من قصيدة قَالَهَا وَهُوَ بالروم يتشوق فِيهَا لوطنه فِي قَوْله (على الشَّام مني كلما هبت الصِّبَا ... سَلام كنشر الرَّوْض طَابَ لَهُ نشر) (بِلَاد كأنفاس الشُّمُول شمالها ... وتربتها مسك وحصباؤها در) (سَقَاهَا وحياها الْإِلَه معاهداً ... سَحَاب دنوا الْعَهْد وافي بِهِ الْبشر) (فيا حبها زِدْنِي جوي كل لَيْلَة ... وَيَا سلوة الأحزان موعدك الْحَشْر) وَله من قصيدة تشْتَمل على وصف السِّرّ والسفينة مطْلعهَا (سرنا يَا سلامبول نبغي نزهة ... دعت الْفُؤَاد إِلَى الفضاء الْمُطلق) (ثمَّ امتطينا الْبَحْر فِي نوحية ... تجْرِي بِنَا فِي لج موج مطبق) (نشرت قوادم طَائِر ومشت بِهِ ... فِيهِ كنسر فِي السَّمَاء محلق) (بارت عِقَاب الجوّاذ طارت بِهِ ... بمثال قادمتي جنَاح العقعق) (فَكَأَنَّهَا باز وَنحن بمتنها ... تهوي بِنَا طوراً وطوراً ترتقي) (حَتَّى رست فِي شاطئ ورمت بِنَا ... تِلْكَ المذانب وسط روض مونق) (فَإِذا بِأَرْض فِي الصفاء كعسجد ... والمندل الشحري فِي المتنشق) (حفت بسرو كالقيان تلفعت ... خضر الملا وكشفن عَن سَاق نقي) هَذَا ينظر إِلَى قَول أَحْمد بن سُلَيْمَان بن وهب (حفت بسرو كالقيان تلبست ... خضر الْحَرِير على قوام معتدل) (فَكَأَنَّهَا وَالرِّيح تخطر بَينهَا ... تنوي التعانق ثمَّ يمْنَعهَا الخجل) وَقَالَ الصنوبري من أَبْيَات مطْلعهَا (يَا ريم قومِي الْآن وَيحك فانظري ... مَا للحدائق أظهرت إعْجَابهَا) (والسر وَشبه عرائس مجلوّة ... قد شمرت عَن سوقها أثوابها) وَقَالَ ابْن طَبَاطَبَا وَنقل عَن الصاحب أَنه كَانَ يعجب بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وينشدهما إِذا دخل بُسْتَان دَاره (يَا حسن بُسْتَان دَاري ... والورد يقطف طله) (والسرو قد مدّفيه ... على الرياحين ظله) وَقَالَ ابْن المعتز (والسرو مثل قضب الزبرجد ... قد استمدّ المَاء من ترب ندى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 رَجَعَ إِلَى القصيدة مِنْهَا (والغيم فِي وسط السَّمَاء كَأَنَّهُ ... قطع اللجين على بِسَاط أَزْرَق) أَخذه من قَول ابْن المعتز (والبدر فِي أفق السَّمَاء كدهم ... مقلى على ديباجة زرقاء) وَذكره الخفاجي فِي كِتَابيه وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر قصيدته الَّتِي راسله بهَا ومطلعها (قبلت مصطجا شفَاه الاكؤس ... وَالصُّبْح يبسم لي بثغر ألعس) وَجَوَاب الطالوي عَنْهَا بقوله (خد تورد من لهيب تنفس ... أم قد معسول المراشف ألعس) ثمَّ قَالَ فِي تَرْجَمته وَرَأى نبلوفرة صَارَت صد فاللآلئ السَّحَاب وحقة لدر الندى الْمُذَاب كَأَنَّهَا بوتقة أذاب فِيهَا الجو نضارة أَو كأس فِي يَد مصطج يداوي خماره أَو مقلة صب كئيب فاجأه على الْغَفْلَة الرَّقِيب بَعْدَمَا امْتَلَأت بدمع الجوي فتردد فِيهِ الدمع من صرة النَّوَى وَقد طفا المَاء الزلَال فَبلغ حافاتها وَمَا سَالَ بل تشبث بأهداب أوراقها خشيَة فراقها فَقَالَ (ونوفرة كعين الصب سكرى ... نجم المَاء خشيَة أَن يراقا) (ذكرت لَهَا النَّوَى يَوْمًا فَفَاضَتْ ... وَصَارَت كلهَا للدمع ماقا) قلت ضمن فِيهِ قَول المتنبي (نظرت إِلَيْهِم وَالْعين سكرى ... فَصَارَت كلهَا للدمع ماقا) وَمن غَرِيب مَا وَقع أَنه لما توجه من دمشق إِلَى الرّوم اجتاز بثغر صيدا وحاكمها إِذْ ذَاك الْأَمِير فَخر الدّين الْمَعْنى وَكَانَ مَعَه لَهُ مَكْتُوب بالتوصية فِيهِ من محافظ الديار الشامية الْوَزير شرِيف باشا فأوصله إِيَّاه مَعَ قصيدة مدحه بهَا مطْلعهَا (قل لمجرى الْجِيَاد قب الْبُطُون ... وأمير الْبِلَاد فَخر الدّين) وَكَانَ مَعَه غُلَام كالبدر لَوْلَا أفوله والغصن لَوْلَا ذبوله لَو رَآهُ الفرزدق سلا نوار بأحداقه الَّتِي تستوقف الْأَبْصَار فاغتصبه مِنْهُ فأسف على يوسفه أَسف يَعْقُوب وأمل النُّصْرَة على الدَّهْر فَأصْبح المغلوب فَكتب إِلَى الشريف الْوَزير يستعديه على ذَلِك الْأَمِير قصيدة أَولهَا (بِاللَّه يَا نشر العبير ... سيرى بروضات العرى) إِلَى أَن قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 (إِن جِئْت ربع الشَّام فاقصد ... ساحة الشّرف الْعلي) (أَعنِي الشريف ابْن الشريف ... ابْن الشريف الموسوي) (متحملاً مني السَّلَام ... كمسك دارين الذكى) (لجنات مَوْلَانَا الْوَزير ... وليّ مَوْلَانَا على) (ثمَّ اشرحن من حَال مَوْلَاهُ ... الْمُحب الطالوي) (مَاذَا ألْقى فِي ثغر صيدا ... من دروزي غوى) (دين التناسخ دينه ... لابل يدين بِكُل غي) (وَيرى الطبائع أَنَّهَا ... فعالة فِي كل شَيْء) (وافي بمكتوب الشَّرّ بف ... إِلَيْهِ من بلد قصى) (بوصيه فِيهِ كَأَنَّمَا ... يوصيه فِي أَخذ الصَّبِي) (فَسَقَاهُ يَوْم فِرَاقه ... لَا كَانَ بالكأس الروى) (وغد الحشا من بعده ... يبكي بدمع عِنْد مي) (فِي غربَة لَا يشتكي ... فِيهَا إِلَى خل وَفِي) (لَا جَار يحميه وَلَا ... يأوى إِلَى ركن قوى) (إِلَّا إِلَى ركن الشريف ... الطَّاهِر الشيم الزكي) (حامي حمى الشَّام الشريف ... بِكُل أَبيض مخذمي) (مولَايَ سمعا أَن لي ... حَقًا لديك بِغَيْر لي) (بولاء حيدرة الْوَصِيّ ... أخي النبيّ الْهَاشِمِي) (لأتهملن فِي أَخذ ثاري ... من كفور بِالنَّبِيِّ) (وَابعث إليّ مقانباً ... فِيهَا الكمى على الكمى) (لَو حَارَبت جند القضا ... ثنت سراه عَن مُضِيّ) (جرافة لم تبْق فِي ... أطلاله غير النؤى) (وأشيعت ينعي الديار مَعَ ... ابْن دأبة فِي النعى) قلت والدروزية تقدم الْكَلَام فِي تَرْجَمَة حسن العيلبوني أننا سنتكام عَلَيْهَا فِي تَرْجَمَة الْأَمِير فَخر الدّين بن معن فِي حرف الْفَاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى والنؤى فِي قَوْله جرافة إِلَى آخر الْبَيْت هُوَ الحفير حول الْخيام وأشبعت مُصَغرًا الوتد شج رَأسه وَابْن دَابَّة الْغُرَاب وَهُوَ علم جنس لَهُ مَمْنُوع من الصّرْف قيل سمي بِهِ لِأَن انثاه إِذا طارت من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 بيضها حضنها الذّكر فَيكون كالداية للْأُنْثَى وَمن عُقُود جمان الطالوي فصل من نثره شوقي إِلَى لِقَاء سَيِّدي عمر الله يذكرهُ رباع الْفضل كَمَا عمر طلاب الْعُلُوم نائله الجزل شوق الوامق لعذراه وَعُرْوَة إِلَى عفراه فصل وَهَا أَنا مذ سرت عَن حَضرته الجليلة مَا نسيت أيادية الجميلة وَهل ينسى المدلج قمر لَيْلَة وَسَاكن الْيمن مطلع سهيلة فصل وَإِن أَفْوَاه الحمائم أَو بروق الغمائم لَا تقدر أَن تصف مَا أجنه من الأرتياح لقُرْبه والإنضمام إِلَى معاشره وَحزبه فقد شهِدت أَنَّهَا أبلغ من سحبان وأفصح من صعصعة بن صوحا فصل أما الشوق فقد اشتعل ضراما وَكَاد عَذَابه إِن يكون غراماً حَتَّى قَالَ فَم الجفن بِلِسَان الدمع يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا فَإِنِّي ألْقى إِلَيّ كتاب كريم فاح مِنْهُ شميم عرار نجد وَمَا بعد العشية من شميم فتمتعت بِمَا هُوَ أحلى من الْوَصْل بعد الهجر وَمن الْأَمْن بعد الْخَوْف وَمن الْبُرْء بعد السقم وَلم أدر أطيف مَنَام أَو زائر أَحْلَام أم قرب نوى بعد البعاد أم حبيب يَأْتِي بِلَا ميعاد وَمن آخر أسأَل الله وهاب الصُّور خلاق الْقوي وَالْقدر فياض المعارف ذراف العوارف أَن يهب اقترابا صافيا من الكدر مغنيا عَن ورد الْمُكَاتبَة والصدر انْتهى وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ كَمَا قَالَ البديعي فِي وَصفه مقضى الأرب من أدوات الْأَدَب وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمسين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الْأَرْبَعَاء ختام شهر رَمَضَان سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَذكر البوريني فِي تَرْجَمته أَنه كَانَ قبل مَوته بأيام عمر فِي دَاخل بَيته بمحلة التَّعْدِيل بَيْتا صَغِيرا وَكَانَ يَقُول هَذَا الْبَيْت بَيت الفتاوي وَمَوْضِع الْكتب وَمن الْعجب أَنه نقل كتبه إِلَى الْبَيْت الْمَذْكُور فَكَانَ يصفها ويرتبها وَينظر فِيهَا ويقلبها وَهُوَ ينشد هَذَا الْبَيْت وَأَظنهُ من نظمه ونتائج فهمه وَهُوَ (أقلبها حفظا لَهَا وصيانة ... فيا لَيْت شعري من يقلبها بعدِي) فَمَاتَ بعد ذَلِك بِعشْرين يَوْمًا رَحمَه الله تَعَالَى درويش مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مسيح الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن القاطر الْمُقدم ذكر وَالِده والموعود بِذكرِهِ وَهُوَ سبط أبي الْمَعَالِي الطالوي الْمَذْكُور قبله وَرُبمَا أطلق عَلَيْهِ الطالوي أَيْضا كَانَ فَاضلا كَامِلا جيد الْخط منسوبه بلغ الشُّهْرَة التَّامَّة فِي قبُول خطه والتنافس فِيهِ وَكتب الْكثير وَكَانَ حسن المطارحة لطيف المذاكرة حُلْو الشكل طوَالًا وَكَانَ يعرف الموسيقى حد الْمعرفَة وَله شهرة بِهَذِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 الْمعرفَة عِنْد أَرْبَاب هَذَا الْفَنّ الحاذقين فِيهِ فَإِذا حَضَرُوا مَعَه مَجْلِسا عظموه وتراخوا فِي الْعَمَل حَتَّى يُشِير إِلَيْهِم وَكَانَ يعرف اللُّغَة التركية وَأَظنهُ يعرف الفارسية أَيْضا وَله فِي حل المعميات والألغاز الْيَد الطولي وَكَانَ فَقِيرا متقنعا باليسير من الرزق وَلما توفّي أَخُوهُ زَكَرِيَّا الْآتِي ذكره اتحصر ارثه فِيهِ فأثرى واعتدل حَاله إِلَّا أَنه لم تطل مدَّته فَتوفي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى درويش مُحَمَّد بن رَمَضَان سبط القَاضِي تَاج الدّين الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ كَانَ من الْفُضَلَاء الأذكياء لَهُ لطف طبع ومنادمة مَقْبُولَة وَكَانَ عطاردي الطَّبْع يحن غَالب الصناعات وَكَانَ يتقن اللُّغَة الفارسية والتركية وَله إنْشَاء بالتركية مستعذب ودراية فِي الْأَشْعَار وَاسِعَة قَرَأَ بِدِمَشْق على الشّرف الدِّمَشْقِي وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقي والعلامة فضل الله بن عِيسَى البوسنوي نزيل دمشق وسافر مَعَ أَبِيه إِلَى الرّوم ولازم من قَاضِي الْعَسْكَر الْمولى مُحَمَّد بن قره جلبي وَرجع إِلَى دمشق وناب فِي بعض محاكمها ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم فِي خدمَة شفيق أستاذه الْمَذْكُور الْمولى عبد الْعَزِيز وَأَرَادَ سلوك طَرِيق الْقَضَاء مثل وَالِده فَمَا تيَسّر لَهُ وَاتفقَ لَهُ أَنه كَانَ على أَبِيه دين لرجل من المتمولين فرغبه الدَّائِن فِي أَن يُعْطِيهِ مبلغا آخر ويضمه إِلَى الْمبلغ المستقر فِي ذمَّة وَالِده فَيكون المبلغان لازمين لَهُ فَرغب فِي ذَلِك وَلما أحضرهُ لَدَى القَاضِي لأجل صك الْإِقْرَار واعترف بالمبلغ السَّابِق ألزم بِهِ وَحبس وَبَقِي أَيَّامًا فِي الْحَبْس ثمَّ أطلق فَخلع عَنهُ اللبَاس واخذ طَرِيق المولوية وساح فِي بِلَاد الرّوم حَتَّى وصل إِلَى بَلْدَة كليبولي وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ قدم إِلَى دمشق وجاور مُدَّة فِي تكية المولوية ثمَّ انْتقل إِلَى دَاره وتغيرت أطواره وَولي تدريس البادرائية ونظارة وقف أجداده وَلبس الْعِمَامَة وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى مجَالِس الْقُضَاة بِدِمَشْق وينادمهم وَكَانَ حُلْو الحَدِيث عَارِفًا بطرِيق المنادمة ثمَّ بعد مُدَّة عزم على الْحَج وجاور بِالْمَدِينَةِ وَبهَا توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وقرأت بِخَط وَالِدي أَن وِلَادَته كَانَت فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ درويش بن سُلَيْمَان بن الشَّيْخ الْكَبِير الْفَقِيه الثبت الرحلة مُحَمَّد ابْن القطب الْكَبِير أَحْمد الدجاني الشَّافِعِي الْمُقَدّس الشَّيْخ الصَّالح الزَّاهِد فِي الدُّنْيَا الْعَفِيف كَانَ يحفظ الْكتاب الْعَزِيز ويدارس بِهِ وتفقه على الشَّيْخ مَنْصُور بن عَليّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 الْمحلى نزيل الْقُدس ثمَّ دمشق الْمَعْرُوف فِي دمشق بالصابوني وَسَيَأْتِي ذكره وَعَلِيهِ اشْتغل بالتصوف ولازمه مُدَّة إِقَامَته بالقدس ثمَّ بعد ارتحاله إِلَى دمشق أرسل لَهُ إجَازَة بالمشيخة على الْفُقَرَاء لصلاحه وديانته وَكَانَت وَفَاته فِي عشر ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الْأَمِير درويش الْمَعْرُوف بدالي درويش الجركسي الأَصْل نزيل دمشق الشجاع البطل الْمَشْهُور قدم إِلَى دمشق فِي خدمَة الْوَزير الخناق وَلما عزل مخدومه عَن نِيَابَة دمشق أَقَامَ هُوَ بهَا وتديرها وَصَارَ من أجنادها وسافر إِلَى روان ومروان وَأسر بِبِلَاد الْعَجم وشاع خبر مَقْتَله فضبطت أملاكه وأسبابه لطرف بَيت المَال ثمَّ ظهر بعد مُدَّة واستخلص مَا كَانَ ضبط من أَمْوَاله وسافر إِلَى بَغْدَاد عَام فتحهَا وَبعد مَا عَاد كَبرت دولته واشتهر صيته وَولي حُكُومَة تدمر وَظَهَرت شجاعته وَكَانَ يُغير على العربان وينهبهم ويأسر مِنْهُم وَيدخل إِلَى دمشق بالمواكب الحافلة ثمَّ ولي حُكُومَة حمص وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عزل عَنْهَا وَولي لِوَاء عجلون وَتوجه إِلَيْهَا فثار بَينه وَبَين أَهلهَا حروب كَثِيرَة وكسره وَأخذُوا غَالب أَسبَابه وخيوله فَعَاد إِلَى دمشق واشتكى إِلَى السدة الْعلية فَجَاءَهُ أوَامِر شريفة بركوب نَائِب الشَّام عَلَيْهِم وَأخذ مَا ذهب لَهُ فَلم يُفْسِدهُ ذَلِك شَيْئا وَأقَام منزويا بداره وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف درويش مُحَمَّد باشا الْوَزير الْأَعْظَم الْمَشْهُور هُوَ جركسي الأَصْل وَكَانَ أَولا من خدمَة المرحوم مصطفى أغا ضَابِط الْحرم السلطاني فِي عهد السُّلْطَان أَحْمد ثمَّ خدم الْوَزير الْأَعْظَم مُحَمَّد باشا الْمَعْرُوف بمنبسط الْقدَم وَكَانَ السُّلْطَان عُثْمَان يُحِبهُ لفروسيته وشجاعته وسافر فِي خدمَة الْوَزير الْمَذْكُور إِلَى مصر لما صَار محافظا بهَا وَكَانَ يقدمهُ على جَمِيع حفدته وولاه الخدمات السامية حَتَّى صيره كتخداله وَلما ولي الوزارة الْعُظْمَى قتل فِي زَمَنه أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بالكوحك وَكَانَ نَائِب الشَّام فولاه نيابتها وَكَانَ ذَلِك فِي أواسط سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وقدمها وَكَانَ ظَالِما جبارا ففتك فِي أَهلهَا وَتجَاوز فِي ظلمهم الْحَد وَفِي آخر أَيَّامه اجْتمع الْعَامَّة على القَاضِي واشتكوا من الظُّلم وبالغوا فِي التوسل بِهِ فَلَمَّا بلغه ركب وَكَانَ فِي الْوَادي الْأَخْضَر مخيما وأتى مغضبا وَسَفك فِي بَعضهم وَقتل رجلا صباغا من الصلحاء ثمَّ عزل وَصَارَ أَمِير الْأُمَرَاء بطرابلس الشَّام وَبعد ذَلِك ولي حُكُومَة بَغْدَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وتنقل فِي النيابات حَتَّى ولي فِي آخر أمره الوزارة الْعُظْمَى فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَمَات وَهُوَ فِي الصدارة فِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بقسطنطينية بِالْقربِ من مدرسة عَليّ باشا الجديدة فِي طَرِيق الدِّيوَان (حرف الذَّال الْمُعْجَمَة) ذهل بن عَليّ بن أَحْمد بن عبد الله بن الذهل بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عمر بن حشيبر الْعَارِف الْمَشْهُور بالغيثي نِسْبَة لسيدي أبي الْغَيْث بن جميل لِأَنَّهُ كَانَ تلميذة وَقَالَ لَهُ فِي بعض وقائعه أَنه حشي بر فَلذَلِك اشْتهر بحشيبر الحشبيري العدناني وَبَنُو حشبير هَؤُلَاءِ قوم يسكنون الزيدية عُلَمَاء أخيار قل من يدانيهم فِي الْعلم وَالْعَمَل وَالصَّلَاح وَذهل هَذَا رئيسهم وَكَانَ إِمَام أهل الْعرْفَان الْمشَار إِلَيْهِ بالبنان ولد فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف بِمَدِينَة الزيدية وَأخذ الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا من فنون الْعُلُوم عَن الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الْخَال ولازم الْعَلامَة الْمُحَقق الملا مُحَمَّد شرِيف الكوراني الصديقي حِين قدم الزيدية فِي رحلته لليمن وبرع فِي جملَة من الْعُلُوم وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه وأمروه بالتدريس ونفع النَّاس فتصدر وفَاق أقرانه وَألف مؤلفات عديدة مِنْهَا حَاشِيَة على الْمِنْهَاج سَمَّاهَا إِفَادَة الْمُحْتَاج على الْمِنْهَاج ومنظومة فِي العقائد سَمَّاهَا جَوَاهِر الْعُلُوم وأرجوزة فِي علم التَّصَرُّف سَمَّاهَا هِدَايَة السالك إِلَى رَضِي الْمَالِك وَشَرحهَا إِيضَاح المسالك وَله شعر كَثِيرَة مِنْهُ قَوْله يمدح النَّبِي (حنّ قلبِي شوقاً إِلَى لقياكا وتذكرت طيبَة وحماكاً) ... وقباها ومنبراً وصريحاً ( ... جَمِيع النُّور والبها أذحواكا) (وخلعت العذار عَن كل واش ... وتهتكت رَغْبَة فِي هواكا) (لست أصغى للأثم وعذول ... فمناي وبغيتي رؤياكا) (فَعَسَى أَن تجود بالوصل يَوْمًا ... وَيَزُول البعاد مِنْك عساكا) (وَمَتى ألثم الضريح وأسعى ... بَين تِلْكَ الرياض والشباكا) (وَأَقُول السَّلَام يَا سيد الرُّسُل ... جهار بالصوت مني علاكا) (يَا رَسُول الْإِلَه أَنْت المرجى ... زادك الله رفْعَة وحباكا) (يَا رَسُول الْإِلَه هَب لي نورا ... وسنا أستضيئه من سناكا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 (يَا نَبِي الْهدى أَغِثْنِي سَرِيعا ... وأقلني من عثرتي بدعاكا) (كن نصيري على الخطوب جَمِيعًا ... وأجرني من جورد هرتشاكا) (أَنْت سر الْوُجُود لولاك مَا ... كَون الْكَوْن سَيِّدي لولاك) (خصك الله بِالْبُرَاقِ وبالإسرا ... ورؤياه جهرة قد حباكا) (بت ترقى فِي لَيْلَة بفخار ... طَابَ فِيهَا إِلَى العلى مسراكا) (كَانَ جِبْرِيل خَادِمًا وسفيرا ... ولسبع الطباق قد راقاكا) (جزت حجبا وَكم عَلَوْت بساطا ... مَا علاهُ من الْأَنَام سواكا) (وصرير الأقلام من مستوى قد ... سمعته حَقًا كَذَا أذناكا) (وأتاك الندا من مَالك الْملك ... أدن مني وسل تقز بمتاكا) (وتجلى الْجَبَّار جلّ علاهُ ... وتدلى إِلَيْك بل واصطفاكا) (وتلذذت بِالْخِطَابِ عيَانًا ... وَلَقَاب للقوس قد ادناكا) (وتلاشيت فِي الغيوب بِلَا أبن ... فَمن ثمَّ لم تزل قدماكا) (وتولاك إِذْ هداك وولاك ... عَطاء وَيَا لجمال كساكا) (جمع الله فِيك كل فخار ... بل وأعطاك كل مَا أرضاكا) (خَاتم الرُّسُل سيد الْخلق طرا ... كلهم فِي الْمعَاد تَحت لواكا) (فَعَلَيْك الصَّلَاة تترى دواما ... وعَلى الْآل وَالتَّابِعِينَ هداكا) (وعَلى الصحب من حموك وآووا ... بل وَفِي الله جاهدوا أعداكا) (وعَلى كل تَابع وموال ... مقتف أَثَرهم يُرِيد رضاكا) (عد خلق الْإِلَه مني لترضى ... وليرضى الْإِلَه عني بذاكا) قَوْله متغزلا (يَا هِنْد جودي بوصال وَلَو ... مِقْدَار رد الطّرف إِذْ يطرف) (وروحي روحي برؤياك يَا ... سؤلي فَمَا غَيْرك بِي يلطف) (فقد فني صبري وَطَالَ المدى ... وحبذا وصل بِهِ تعطف) (راقت ورقت فِي العلى ... ونورها كالبرق قد يخطف) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي (حرف الرَّاء) ربيع النباطي نزيل مَكَّة كَانَ من عُظَمَاء الْعلمَاء السالكين مَنْهَج الرشاد وَهُوَ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 الْمَشَاهِير فِي ذَلِك الْقطر بعلو الْقدر فِي الْعلم وَالْعِبَادَة ومدحه كبار الْفُضَلَاء وأثنوا عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ وَكَانَ مَوْصُوفا بالسخاء والمكارم وَكَانَت وَفَاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف ورثاه جمَاعَة مِنْهُم الشهَاب أَحْمد الخفاجي فَإِنَّهُ رثاه مؤرخا وَفَاته بقوله (صَاح هَل نَافِع وَهل عَاصِم من ... نشر وجد أَمْسَى بطي الضلوع) (غير صَبر قد مرا ذمر من كَانَ ... ربيعا لكل غيث مربع) (كَامِل وافر رمانا زمَان ... فِيهِ بالبعد بعد فقد سريع) (هُوَ بر وَفِي المكارم بَحر ... من أصُول تزهو بِخلق بديع) (قد فَقدنَا فِيهِ اصطبار فارخ ... كل صَبر محرم فِي ربيع) ورثاه الشَّيْخ حسن الشَّامي مؤرخا (صبري تنَاقض لازدياد دموعي ... مِمَّا حوته من الْفِرَاق ضلوعي) (ذهب الَّذِي كُنَّا لَهُ جمعا بِهِ ... وفراق جمعي قد أضرّ جميعي) (يَا قلب إِن لم تستطع صبرا فنى ... رفقا بِنَا حل جسمي الموجوع) (وَإِذا ذكرت ربيع أَيَّام مَضَت ... أرخ بشوال فِرَاق الرّبيع) رَجَب بن حجازي الْحِمصِي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الْمَعْرُوف بالحريري الشَّاعِر الرِّجَال كَانَ صَحِيح التخيل فِي الْأَشْيَاء إِلَّا أَنه يغلب عَلَيْهِ جَانب الهجو فِي تخيله والأزراء حَتَّى بِنَفسِهِ جيد النَّقْد فِي الشّعْر مَعَ أَنه لَا يعرف الْعَرَبيَّة وزانا بالطبع وَإِن عرف شَيْئا من الْعرُوض وأميل مَا كَانَ فِي أَقسَام الشّعْر إِلَى الهجاء وَله فِيهِ نَوَادِر عَجِيبَة وَله كثير من الأزجال والرباعيات والمواليا والموشحات والتواريخ والأحاجي وكل ذَلِك كَانَ يَقع لَهُ من غير تكلّف روية بِحَيْثُ أَنه فِي سَاعَة وَاحِدَة ينظم مائَة بَيت وَمثلهَا قِطْعَة أَو قطعتين من الزجل والموشح وَقس على ذَلِك الْبَوَاقِي وَكَانَ قَلِيل الْحَظ كثير السياحة لم يَسعهُ مَكَان وَلم يقر لَهُ قَرَار وَكَانَت سياحته مَقْصُورَة على حلب ومصر ودائرة الشَّام وَحج وجاور بالحرمين سنتَيْن وَلم يزل شاكيا من دهره باكيا على سوء بخته وَرَأَيْت لَهُ أشعارا كَثِيرَة غالها شكاية وهجورا مَا غزله فقليل من أعذبه قَوْله من قصيدة مطْلعهَا (فيض المدامع نَار وجدي مَا طفا ... بل زِدْت مِنْهُ تلهبا وتلهقا) (وجوى أذاب جوارحي وجوانحي ... وَهوى على السلوان صال وألفا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 (وَمن النَّوَى بِي لوعة لَو بَعْضهَا ... فِي يذبل أَمْسَى رغاماً أَو عَفا) (زق الصِّبَا لصبابتي وَبكى على ... حَالي الْحمام وَلِأَن لي قلب الصَّفَا) (والسقم وأمل مهجتي لفراق من ... أحببته لَو عادلي عَاد الشفا) (من راحمي من مسعفي من مسعدي ... أفديك مَالك مهجتي زر مدنفاً) (يَا من بطلعته وسحر جفونه ... بهر الغزالة والغزال إِلَّا وطفاً) (بشمايل فَوق الشُّمُول لطاقة ... مِنْهَا ثملت وَمَا شربت القرقفا) (وبورد خد فَوق بانة قامة ... يجميه نرجس نَاظر أَن يقطفا) (وبراحة بَين العقيق ولؤلؤ ... اسمح وَدعنِي كأسها أَن أرشفا) (أرْفق بصب قد أذبت فُؤَاده ... ودع التجنب والتجني والجفا) (ونباكر الرَّوْض الأريض فقد حكى ... طيب الْجنان نضارة وتزخرفا) (والمزن أضحكه ونضر وَجهه ... وكساه بردا بالزهور مفوفا) وَقَوله من قصيدة أُخْرَى مستهلها (أبي الْقلب الأغراما ووجدا ... وطرفي الإبكاء وسهدا) (فَلم يبرح الصب تبريحه ... وَلَا الدمع راق وَلم يطف وقدا) (فلولا النَّوَى مَا ألفت البكا ... وَلَا كَانَ بِالسقمِ جمسي تردى) (وَلَا بت أرعى نُجُوم الدجى ... وَلَا كَانَ عني مَنَامِي تعدى) (فأوّاه صبري مُضِيّ لم يعد ... وَأما اشتياقي فَلم يحص عدا) (وَمَالِي معي سوى أدمعي ... وَقلت لصدا الْهوى مَا تصدا) (فَلَو بالكواكب مَا بِي هوت ... وَإِلَّا على يذبل كَانَ هدّا) (يذكرنِي ساجعات الرياض ... حبيبا وربعا ربيعا وودا) (وَمَا كنت أنسى وَلَكِن تزيد ... ولوعي قرباً وصبري بعدا) (رعى الله ربعا نعمنا بِهِ ... وعهداً ألفناه حَيَّاهُ عهدا) (فَمَا راقني بعده منزل وَلَا ... طَابَ عَيْشًا وَلَا راق وردا) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بحلب فِي صفر سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف رَجَب بن حُسَيْن بن علوان الْحَمَوِيّ الأَصْل الدِّمَشْقِي الميداني الشَّافِعِي الفرضي الفلكي أعجوبة الزَّمَان فِي الْعُلُوم الغربية وَكَانَ لَدَيْهِ مِنْهَا فنون عديدة وأمهر مَا كَانَ فِي الْعُلُوم الرياضية كالهيئة والحساب والفلك والموسيقى وَيعرف الْفَرَائِض حق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 الْمعرفَة وَأما فِي الموسيقى عل إختلاف أَنْوَاعه فَهُوَ فِيهِ أعرف من أدركناه وَسَمعنَا بِهِ وَله فِيهِ أغان صنعها على طَريقَة أساتذة هَذَا الْفَنّ لكنه كَانَ ردي الصَّوْت جَريا على الْعَادة فِي الْغَالِب من أَنه لَا يجْتَمع حسن الصَّوْت مَعَ المهارة الْكُلية فِي فن الموسيقى كَمَا امتحناه كثيرا فِي أَرْبَاب هَذَا الْفَنّ وَكَانَ رَحل فِي أول أمره إِلَى الْقَاهِرَة واستفاد هَذِه المعارف من أَرْبَابهَا الْمَشْهُود لَهُم فِيهَا بالتفوق وَقدم دمشق وانتفع بِهِ خلق كثير من فضلاء دمشق فِي هَذِه الْفُنُون من أَجلهم الشَّيْخ عبد الْحَيّ ابْن الْعِمَاد العكاري الصَّالِحِي الْآتِي ذكره وَكَانَ لَهُ ثروة ويتجر وَله بعض ايثارات وَكَانَ حسن الذَّات خلوقا كَامِل الصِّفَات ملازم الْعِبَادَة منغزلا عَن النَّاس ودودا متواضعا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من الكملاء المعروفين والفضلاء الموصوفين وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف رَجَب بن عماد الدّين المنلا العجمي الْكَاتِب ذكره النَّجْم فِي الذيل وَقَالَ فِي تَرْجَمته دخل دمشق فِي حُدُود الْألف وانتفع بِهِ خلق كثر فِي الْكِتَابَة عَلَيْهِ وَكَانَ حسن الْخط جدا وَله مُشَاركَة فِي بعض الْعُلُوم وَكَانَ يدعى معرفَة الموسيقى مَعَ أَنه لَا صَوت لَهُ وَيَزْعُم أَنه أحسن النَّاس صَوتا وَكَانَ يغلب على طبعه التغفل مَعَ دَعْوَى الفطانة وَكَانَت وَفَاته فِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشر ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف رَحْمَة الله بن عُثْمَان قَاضِي الْقُضَاة الينكيشري المولد أحد فضلاء الزَّمَان المتمكنين من المعارف والعلوم قدم من بَلْدَة قسطنطينية واشتغل بهَا إِلَى أَن برع ولازم من الْمولى عبد الْعَزِيز بن الْمولى سعد الدّين ثمَّ وصل إِلَى خدمه الْمولى حُسَيْن ابْن أخي الْمُقدم ذكره فصيره نَائِبه وَهُوَ قَاضِي الْعَسْكَر بروم إيلي وَلما ولي الْإِفْتَاء وَجه إِلَيْهِ أَمَانَة الْفَتْوَى ودرس بمدارس الرّوم إِلَى أَن وصل إِلَى الْمدرسَة السليمانية وَولي مِنْهَا قَضَاء حلب ثمَّ قَضَاء مصر وَلم تطل مدَّته بهَا وَنقل إِلَى قَضَاء الشَّام فِي غَزَّة جُمَادَى الأولى سنة سبع وَخمسين وَألف ودخلها فِي ثَالِث عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَكَانَ فِي غَايَة من الإعتدال فِي حكومته متشرعاً مراعياً القانون السّلف فَفِيهَا متضلعاً حسن الْعبارَة وَكَانَ يكْتب إِمْضَاء الصكوك بإنشاء عَجِيب مستحسن وَلَقَد وقفت لَهُ من ذَلِك على إمضاآت كَثِيرَة فَمن ذَلِك قَوْله بذلت الوسع فِي إِيضَاح مَا تكنه صُدُور سطور الرّقّ وَلم آل جهدا فِي تَحْقِيق الْحق وفحصا عَن كل مَا جلّ مِنْهُ ودق حَتَّى أَسْفر فجر الْحَقِيقَة على مَا سطر فِيهِ من النسق فحكمت بِكَوْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 الْحمام والمزرعة وَقفا على الْمدرسَة وقضيت بذلك حكما جزما وَقَضَاء حتما لما ظهر الْحق ظُهُور الشَّمْس بالحجج القاطعة على مَا نطق بِهِ الْكتاب من الْأَحَادِيث الصِّحَاح القاطعة وَمن ذَلِك مُطَالبَة هَؤُلَاءِ بمراسم ظلم عَظِيم يجب على الْحُكَّام مَنعه ومنكر يجب على الْوُلَاة نَهْيه وَرَفعه يلْزم على كل من كَانَ نَافِذ الْأَمر جَائِز الحكم قصر الْأَيْدِي المتطاولة الجاذبة وَقطع الأطماع الْفَاسِدَة الكاذبة فمنعته عَن هَذَا ابْتِغَاء لمرضاة الله وطلبا لثوابه وهربا من عِقَابه وأليم عَذَابه وَمن ذَلِك مَا كتبه على صك إِعْتَاق جَارِيَة لَهُ مَا نسب إِلَى فِي هَذَا الرّقّ من إِعْتَاق جاريتي فُلَانَة حق وَصدق أعتقتها ابْتِغَاء لمرضاة الله تَعَالَى وثوابه وهربا من عَظِيم عِقَابه وأليم عَذَابه عَسى الله أَن يبدلنا خيرا مِنْهَا وجزانا رَبنَا خيرا الْجَزَاء عَنْهَا انْتهى قلت وَهَذَا أسلوب لطيف جرى عَلَيْهِ كثير من قُضَاة الرّوم وتكلفه بَعضهم مِمَّن لَا يعرف أساليب الْإِنْشَاء الْعَرَبِيّ فجَاء سمجا مضحكا وَالْعجب المعجب مِنْهُ إمضاآت الْمولى مُحَمَّد بن حسن الَّذِي كَانَ ولي قَضَاء حلب ودمشق وَقد رَأَيْت جدي القَاضِي رَحمَه الله تَعَالَى جمع مِنْهَا حِصَّة وافرة فِي مَجْمُوع لَهُ وتعقبها بِكَلِمَات أظهرت زيفها فَأَرَدْت إِيرَاد نبذة مِنْهَا ليعلم الْفرق بَين مَا أوردته أَولا وَبَينهَا فَمن ذَلِك مَا كتبه على صدَاق اسْتَقر الصَدَاق بوكالة من أَئِمَّة الْآفَاق فقررت الصَدَاق كتبه عبد الخلاق قَالَ الْجد سُبْحَانَ الخلاق وَمِنْه مَا كتبه على صدَاق أَيْضا لامس هَذَا الأطلس كف العَبْد الأنجس وَمِنْه مَا كتبه على نظارة وقف قررت النّظر وَسَأَلت الْأَبْيَض والأحمر فَشَهِدُوا بالمحضر رجال عدُول مِنْهُم الْمُفْتِي الْأَكْبَر قَالَ الله أكبر وَمِنْه مَا كتبه على كتاب وقف الْجَامِع الْأمَوِي هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ أَنا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ وَيَوْم نبعث من كل أمة بِشَهِيد وَجِئْنَا بك على هَؤُلَاءِ شَهِيدا مَا عرج حول الْكتاب مِمَّا يقوم فِي ذيل ذَلِك الْبَاب من الإنشاد وَالْإِشْهَاد صَادف مَحَله وحاد مخله ثمَّ أمله وأجله متشبثا بذيل ذَوي الْإِحْسَان أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان مُحَمَّد بن حسن القَاضِي بِدِمَشْق خير الْأَمَاكِن فِي اللِّسَان عَفا عَنْهُمَا رب الْإِحْسَان وَالله أعلم عودا على بَدْء وَوَقع لصَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ قَاضِي دمشق أَن بعض أَرْبَاب فن الزايرجا استخرج لَهُ الْعود إِلَى قَضَاء مصر بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ (وَلَا بُد من عود إِلَى مصر ثَانِيًا ... تنفذ أحكاما بِأَمْر مبجلا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 فاتفق لَهُ أَنه وَليهَا بعد ذَلِك فِي تَاسِع عشر شعْبَان سنة ثَمَان وَخمسين وَبعدهَا ولي قَضَاء قسطنطينية وَتُوفِّي بعد ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف والينكيشهري بِفَتْح الْمُثَنَّاة من تَحت وَسُكُون النُّون وَكسر الْكَاف الفارسية وياء أُخْرَى وَفتح الشين وَسُكُون الْهَاء وَالرَّاء نِسْبَة إِلَى بَلْدَة فِي بِلَاد الرّوم بِالْقربِ من سلانيك وَهِي بَلْدَة كَبِيرَة من مشاهير الْبِلَاد وَمعنى ينكي شهر الْبَلَد الْجَدِيد وَالله أعلم مولَايَ رشيد بن عَليّ الْملك الْمُؤَيد الشريف الْحسنى ملك الْمغرب السُّلْطَان الْعَظِيم الْقدر السعيد الحركات المظفر الْكَامِل كَانَ من أمره أَنه تسلطن أَولا فِي بِلَاد تاقيلات ثمَّ وثب على مولَايَ مُحَمَّد الْحَاج ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر سُلْطَان فاس ومكناس وَالْقصر وَمَا والاها من أَرض الدلا وسلا وَغَيرهَا من أَرض الْمغرب وَكَانَ لَهُ فِي الْملك أَرْبَعُونَ سنة فانتزعه مِنْهُ وحبسه إِلَى أَن مَاتَ مسجونا وَخرب مدينتهم الْمَعْرُوفَة بالزاوية سميت بذلك لِأَن وَالِد مُحَمَّد الْحَاج وَهُوَ مُحَمَّد بن أبي بكر بنى بهَا زَاوِيَة عَظِيمَة وَكَانَت مأوى لمن يفد يطعم بهَا الطَّعَام للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ورحل شيعَة الْحَاج خوفًا مِنْهُ إِلَى تلمسان وَهِي كَمَا تقدم من بِلَاد العثامنة سلاطين بِلَادنَا أعز الله تَعَالَى نَصرهم ثمَّ قويت شَوْكَة مولَايَ رشيد وَرغب النَّاس فِي خدمته وَكثر جمعه وعظمت دولته وساس الرّعية سياسة لم يروها فِي عهد سُلْطَان من سلاطينهم وَمَا زَالَ يتَمَلَّك بَلَدا بعد بلد حَتَّى دخل بِلَاد السودَان وتملك مِنْهَا جانبا عَظِيما وَلم يبْق بِجَمِيعِ أقطار الْمغرب من الْبَحْر الْمُحِيط إِلَى أَطْرَاف تلمسان إِلَّا مَا هُوَ فِي طَاعَته وداخل فِي ولَايَته إِلَى غير ذَلِك وَتقدم فِي تَرْجَمَة مولَايَ أَحْمد الْمَنْصُور أَنه كَانَ قسم الولايات بَين بنيه وَكَانَ بَقِي الْأَمر على ذَلِك حَتَّى ظهر مولَايَ رشيد فَجَعلهَا ملكا وَاحِدًا وَكَانَ ملكا معتدلا هاشميا محسنا محبا للْعُلَمَاء واستقام فِي السلطنة سبع سنوات وَتُوفِّي فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وَأَخْبرنِي بعض المغاربة فِي سَبَب مَوته أَنه أَصَابَهُ فِي مَا يَلِي أُذُنه عود من شَجَرَة فِي بُسْتَان لَهُ كَانَ يرْكض جَوَاده فِيهِ فنفذ الْعود وَوَقع مولَايَ رشيد مَيتا رَحمَه الله تَعَالَى الْأَمِير رضوَان بن عبد الله الْغِفَارِيّ أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ الكرجي الأَصْل كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره من مماليك ذِي الفقار أحد أُمَرَاء مصر الْمَشْهُورين بالشأن الْعَظِيم والدولة الباهرة اشْتَرَاهُ صَغِيرا واعتنى بتربيته وَلما مَاتَ مَوْلَاهُ الْمَذْكُور رق حَاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 ثمَّ اسْتغنى وَنبهَ قدره وَكَانَ وقوراً مهيباً وَله سُكُون وديانة ورياسة واشتهر صيته وعظمت دائرته حَتَّى صَار أَرْبَعَة من مماليكه مثله أَصْحَاب لِوَاء وَعلم مَعَ مَا يتبعهُم من الْجند والكشاف والملتزمين وَله الْآثَار الْحَسَنَة فِي طَرِيق الْحَاج الْمصْرِيّ والحرمين وَكَانَ حسن السِّيرَة خُصُوصا فِي بر الْحجاز فَكَانَ معتنيا بأَهْله يُرْسل صرهم من حِين وُصُوله إِلَى يَنْبع إِلَى مَكَّة ويقسمه عَلَيْهِم قبل وُصُول الْحَاج وكل من لَهُ حَاجَة مِنْهُم بِمصْر قَضَاهَا لَهُ بأيسر حَال وَمكث نيفا وَعشْرين سنة أَمِير على الْحَاج وَفِي أثْنَاء ذَلِك وَقع لَهُ محنة فِي زمن مُحَمَّد باشا سبط رستم باشا الْآتِي ذكره وَكَانَ أذذاك محافظ مصر بِسَبَب أَمر افترى عَلَيْهِ فَعرض فِيهِ الْوَزير الْمَذْكُور إِلَى بَاب السُّلْطَان فجَاء الْأَمر الشريف بعزله عَن إِمَارَة الْحَاج فَلَمَّا بلغه توجه للأعتاب الْعَالِيَة هَارِبا وَاجْتمعَ بالسلطان مُرَاد فحبسه وَأمر بِبيع جَمِيع أملاكه وعقاراته فَبَقيَ مَحْبُوسًا مُدَّة وتكرر اجتماعه بالسلطان مُرَاد فَلم يَأْذَن الله تَعَالَى بإنطلاقه إِلَّا بعد موت السُّلْطَان الْمَذْكُور وتولية أَخِيه السُّلْطَان إِبْرَاهِيم السلطنة ثمَّ أطلق فَعَاد إِلَى مصر وَأخذ جَمِيع مَا ذهب لَهُ بعضه هبة وَبَعضه شِرَاء وانعقدت عَلَيْهِ رياسة مصر وَوَقع لَهُ محنة أُخْرَى فِي زمن أَحْمد باشا فَإِن الْأَمِير رضوَان سعى فِي نقص أَمر الْوَزير الْمَذْكُور وتغييره من مُحَافظَة مصر وفاوض جمَاعَة من الْأَعْيَان فِي ذَلِك فَلم يُوَافقهُ الْجند على ذَلِك وَتوجه الْأَمِير رضوَان إِلَى الْحَج والمنافرة وَاقعَة فراسل الْوَزير الْأَمِير على حَاكم جرجا وَأَلْقَتْ بَينه وَبَين الْأَمِير رضوَان الْعَدَاوَة ونصبه أَمِير الْحَاج مَكَانَهُ وَوجه جرجا لأحد مماليك الْأَمِير عَليّ وَقدم الْأَمِير عَليّ من جرجا إِلَى مصر وَلما قرب قدوم الْحَاج اسْتَشَارَ الْأَمِير على بعض أَصْحَابه فِي اسْتِقْبَال الْأَمِير رضوَان فأشاروا عَلَيْهِ بِأَن يفعل إِلَّا قَلِيلا من الأخصاء فَإِنَّهُم أنكروه فتبع رَأْي الأول وصمم على الإستقبال وَخرج بجمعية عَظِيمَة وَلما اجْتمع هُوَ والأمير رضوَان تسالما وَلم يبد من أَحدهمَا مَا يُغير خاطر الآخر وَكَانَ كل مِنْهُمَا يجل الآخر وَيعرف حَقه وَأَقَامَا يومهما والأمير رضوَان مفكر فِي أَمر الإجتماع بالوزير وَفِيمَا ينجر إِلَيْهِ حَاله فَقَامَ من الْمجْلس وَبَقِي جَمِيع الْأُمَرَاء والأعيان وطلع إِلَى جَانب وَوضع مجنا تَحت رَأسه وَأخذ يفكر فاتفق أَنه جَاءَ فِي ذَلِك الْوَقْت خبر عزل الْوَزير عَن مصر وَأَنه صَار مَكَانَهُ عبد الرَّحْمَن باشا الْخصي وَمر متسلمه على العادلية وَسَار إِلَى مصر فجَاء رجلَانِ إِلَى الْبركَة مَحل نزُول الْحَاج وهما فِي قصد الْأَمِير رضوَان ليبشراه فَلَمَّا أخبرا بمكانه أَسْرعَا إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 وإيقظاه وأخبراه بذلك فَكَانَ ذَلِك لَهُ من بَاب الْفرج بعد الشدَّة فَأتى المخيم وَالْقَوْم كلهم جُلُوس وَلما اسْتَقر بِهِ الْجُلُوس الْتفت إِلَى الْأَمِير مصطفى الدفتري بِمصْر وَأخْبرهُ جهارا بِالْخَيرِ فتعجب الْجَمِيع من ذَلِك وظنوا أَنه رأى مناما ثمَّ أخْبرهُم بِحَقِيقَة الْأَمر فصدقوا وَدخل مصر فَلم يتَّفق لَهُ اجْتِمَاع بالوزير واصطلح هُوَ والأمير على صلحا لافساد بعده وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن هذَيْن الأميرين كَانَا من الْأَفْرَاد وهما زِينَة ملك آل عُثْمَان وَكَانَت وَفَاة الْأَمِير رضوَان فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف رَضِي الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن الشهَاب أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حجر الهيثمي بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة نِسْبَة لمحلة أبي الْهَيْثَم من أقاليم مصر السَّعْدِيّ نِسْبَة لبني سعد الْمَوْجُودين بِمصْر وَسبب شهرة جسده بِحجر أَنه كَانَ ملازما للصمت فِي جَمِيع أَحْوَاله لَا ينْطق إِلَّا لضَرُورَة فَسُمي حجرا أحد أفاضل المكيين ووجوه الشَّافِعِيَّة وَكَانَ فَاضلا بارعا متقنا شَدِيدا فِي الدّين مشتغلا بِمَا يعنيه أَخذ عَن وَالِده وَعَن السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم الْبَصْرِيّ وَأحمد بن أبي الْفَتْح الْحكمِي وَعبد الْملك العصامي وَعبد الْعَزِيز الزمزمي وَأَجَازَهُ إجَازَة حافلة سَمَّاهَا لَهُ شَيْخه أَحْمد الْحكمِي فتح الرِّضَا فِي نشر الْعلم والإهتداء قَالَ فِيهَا لازمني زَاد الله فِي توفيقه وسلك بِهِ أقوم طَرِيقه من عَام ثَمَانِيَة عشر وَألف وَحضر دروسي بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام الَّذِي هُوَ أجل الْمَسَاجِد وأشرف وَسمع على كتاب الصَّوْم وَالْحج من تحفة الْمُحْتَاج لشرح الْمِنْهَاج لجدي وجده وغالب الرّبع الأول من مُؤَلفه فتح الْجواد مَعَ مطالعته للتحفة والإمداد وَالرّبع الأول من شرح الرَّوْض وغالب شرح الْمنْهَج لشيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا وَقطعَة من شرح الْقطر لِابْنِ هِشَام وَقَرَأَ على قراء خَاصَّة من أول كتاب البيع إِلَى كتاب الْوَقْف من شرح الْمنْهَج مَعَ مطالعة التُّحْفَة وَلم يزل ملازما للْقِرَاءَة والحضور ويبدي من الْفَوَائِد العجيبة والدقائق الغريبة والأبحاث الدقيقة فِي حقائق الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم والإشكالات الْوَثِيقَة المستنبط لَهَا من مدارك الْعُلُوم مَا يدل على غزارة فَضله وَأَحْكَام علمه وَنَقله وَلَا غرواذ هُوَ فرع ذَلِك الأَصْل الزكي والعنصر الطّيب الرضى ويحق أَن ينشد لِسَان حَالَة ويبدي فَإِن المَاء مَاء أبي وحدي إِلَى آخر مَا ذكره وَأخذ عَن سيدنَا أَحْمد القشاشي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف وَأَجَازَهُ بمروياته ولقنه الذّكر وَلما قدم إِلَى مَكَّة يَوْم السبت تَاسِع عشر ذِي الْقعدَة سنة أَرْبَعِينَ وَألف السَّيِّد الْجَلِيل الْعَارِف الراسخ مُحَمَّد بن علوي بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 عقيل قَرَأَ عَلَيْهِ طرفا من الشِّفَاء ثمَّ طلب مِنْهُ السَّيِّد عبد الرَّحِيم السمهودي وَأحمد ابْن عراق أَن يحضرا مَعَه فأجابهما السَّيِّد لذَلِك ثمَّ أخبرهُ أَن النَّبِي حَاضر حَال قِرَاءَته وَهَذِه منحة عظمى وَألبسهُ الْخِرْقَة وأرخى لَهُ العذبة ولقنه الذّكر وَألبسهُ عمَامَته وَألف صَاحب التَّرْجَمَة مؤلفات مِنْهَا حَاشِيَة على التُّحْفَة لجده رد بهَا اعتراضات الْعَلامَة ابْن قَاسم الْعَبَّادِيّ وَاخْتصرَ أَسْنَى المطالب فِي صلَة الْأَقَارِب اختصارا عجيبا وَالْفَتْح الْمُبين فِي شرح الْأَرْبَعين وَالْقَوْل الْمُخْتَصر فِي عَلَامَات الْمهْدي المنتظر لجده أَيْضا وَله رِسَالَة فِي الشَّيْخ الْأَكْبَر محيي الدّين بن عَرَبِيّ سَمَّاهَا شذرة من ذهب من تَرْجَمَة سيد طي الْعَرَب وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالمعلاة بِقرب تربة جده شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر رَحمَه الله تَعَالَى رَمَضَان بن عبد الْحق الْمَعْرُوف بالعكاري الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ كَانَ عَالما بالفقه والعربية متجرا فيهمَا مقدما فِي معرفتهما وإتقانهما وَكَانَ النَّاس يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ ويقتبسون مِنْهُ وَكَانَ غَايَة فِي جودة التَّعْلِيم وَحسن التفهيم وَله إطلاع زَائِد على فروع الْمَذْهَب مَعَ إتقان أُصُوله وَهُوَ وَإِن اشْتهر بِهَذَيْنِ العلمين فشهرته فيهمَا شهرة تفرد وَهُوَ قيمًا عداهما من الْعُلُوم كَامِل الأدوات عديم القرين أَخذ الحَدِيث بِدِمَشْق عَن الْمُحدث الْكَبِير مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن دَاوُد الْمَقْدِسِي نزيل دمشق وَعَن الإِمَام الْفَقِيه مُحَمَّد بن عَليّ الْمَقْدِسِي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالعلمي شيخ الْحَنَفِيَّة فِي وقته وَقَرَأَ المعقولات والعربية على المنلا أبي بكر السندي نزيل دمشق وعَلى غَيره وبرع وَولي خطابة جَامع سِنَان باشا خَارج بَاب الْجَابِيَة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة الْكُبْرَى وَرَأس آخر أمره بِدِمَشْق فَكَانَ يُفْتِي فِي حَيَاة الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي وَلما مَاتَ الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن قباد الْمَعْرُوف بالسكوتي وَكَانَ مفتي الشَّام أَرَادَ نَائِب دمشق أَن يعرض لَهُ بالفتوى فَمَا قبل القَاضِي الْقُضَاة الْمولى دَاوُد بن بايزيد وَعرض بهَا للشَّيْخ عماد الدّين ابْن الْعِمَادِيّ ووجهت لَهُ من طرف السلطنة أَيْضا وَأقَام صَاحب التَّرْجَمَة على وجاهته وتقيده بنشر المعارف والعلوم وَكَانَ يكْتب الْخط الْمَنْسُوب الْحسن وَيعرف اللُّغَة التركية معرفَة تَامَّة وَلَقَد سَمِعت كثيرا مِمَّن أدْركهُ تَرْجِيحه فِي الْفضل على أهل عصر فَلَمَّا اجْتمع فِيهِ مَا لم يجْتَمع فِي غَيره وحَدثني بعض الْعلمَاء نَاقِلا عَنهُ أَنه أخبرهُ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَنه لما حج اجْتمع بِرَجُل فِي الْحرم الْمَكِّيّ فَقَالَ لَهُ أَنْت إِمَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 الْعَصْر قَالَ ثمَّ غَابَ عني فِي مَحَله فَتبين لي أَنه الْخضر وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ بَين الْفضل مَشْهُور الْمعرفَة وَكَانَ لَهُ همة عالية وإقدام فِي الْأُمُور وَله إنْشَاء بِالْعَرَبِيَّةِ وَشعر قَلِيل لَا يحضرني مِنْهُ إِلَّا مَا قرأته بِخَط الإِمَام المتجر مُحَمَّد بن عَليّ الحرفوشي الحريري شَارِح الفاكهي فِي مَجْمُوع لَهُ قَالَ كتبت إِلَى الْأَخ الْعَلامَة رَمَضَان العكاري محاجيا فِي اسْمه وَنحن بقصر القرماني بالجسر الابيض من صالحية دمشق قولي (يَا زاكيا نجاره ... وَمن تسامى قدما) (مَاذَا يُسَاوِي قَول من ... حاجيته اقصد غنما) فَأجَاب بقوله (يَا فَاضلا مَا مثله ... من مَا جد تكرما) (أحجية تَضَمَّنت ... شهر الصّيام وأسلما) وَحج مرَّتَيْنِ ثَانِيهمَا فِي سنة خمس وَخمسين وَرجع متوعك المزاج وَمكث فِي دَاره يزار إِلَى لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة سِتّ وَخمسين وَألف فانتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَدفن بتربة بَاب الصَّغِير وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَذكر وَالِدي المرحوم فِي تَرْجَمته أَنه أخبرهُ الشَّيْخ الْفَاضِل تِلْمِيذه وسميه رَمَضَان بن مُوسَى بن عطيف الْآتِي ذكره بعده فِي منزله بِدِمَشْق أَنه رأى صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْمَنَام بعد وَفَاته جَالِسا بمحراب جَامع السنانية فَنظر إِلَيْهِ وَأنْشد بِلَفْظ عريض (مضى عصر الصِّبَا لَا فِي انْشِرَاح ... وَلَا وصل يلذ مَعَ الصَّباح) (وَلَا فِي خدمَة الْمولى تَعَالَى ... فَفِيهَا كل أَنْوَاع الْفَلاح) (وَكنت أَظن يصلحني مشيبي ... فشبت فَأَيْنَ آثَار الصّلاح) قلت وَسَأَلت أَنا شَيخنَا العطيفي عَن هَذِه الأبيات هَل يعرف أَنَّهَا من نظمه أَو من نظم غَيره فتوقف ثمَّ بعد ذَلِك لَا زلت أفحص عَنْهَا حَتَّى وَجدتهَا منسوبة لبَعض بني السُّبْكِيّ وَأَظنهُ الشَّيْخ الإِمَام رَمَضَان بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن عطيف الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ شَيخنَا الْأَجَل صَاحب الْفُنُون والآداب الْفَقِيه النَّحْوِيّ الْفَائِق البارع أحد أجلاء الْمَشَايِخ بِدِمَشْق فِي عصره كَانَ لطيف الطَّبْع حسن المعاشرة منطر حاوله منادمة تَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب يتَصَرَّف فِيهَا تَصرفا عجيبا وَله رِوَايَة فِي الشّعْر وَأَيَّام الْعَرَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وأخبار الْمُلُوك وَالشعرَاء قل أَن تُوجد فِي أحد من أَبنَاء الْعَصْر قَرَأَ بِدِمَشْق عَن الجلة من الْمَشَايِخ مِنْهُم العكارى الْمَذْكُور قبله والعمادي الْمُفْتِي وَالشَّيْخ مصطفى بن محب الدّين وَغَيرهم وَأخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الْغَزِّي وَالشَّيْخ غرس الدّين الخليلي الْمدنِي وَله مَشَايِخ كَثِيرُونَ غَيرهم وتصدر للأقراء مُدَّة حَيَاته فِي جَامع السنانية والدرويشية وانتفع بِهِ خلق كثير وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَجمع نفائس الْكتب من كل فن وَرَأَيْت لَهُ تعليقات ورسائل كَثِيرَة وَذكره شَيخنَا الخياري الْمدنِي فِي رحلته وَقَالَ فِي تَرْجَمته كَانَ بيني وَبَينه قبل اللِّقَاء مكاتبات فائقة ومراسلات شائقة تدل على غزارة علمه وفضله وتقضي للظمآن بورود نهله فَكنت أتعشقه على السماع ورؤيا الْآثَار وَأَرْجُو من الله حُصُول الإجتماع وتملى الْأَبْصَار حَتَّى كَانَ بِالشَّام وَكنت أتمناه بِمَدِينَة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فأنشدني من لَفظه أول مَا لَقِيَنِي للسلام وَأخْبر أَنه بديهة قَالَه فِي ذَلِك الْمقَام (أودّ زَمَانا أَن أَرَاكُم بمقلتي ... وأقضي فروضاً قد تعلقن ذِمَّتِي) (إِلَى أَن قضى الله اجتماعاً بوصلكم ... وَقد كَانَ هَذَا الْوَصْل فِي يَوْم جُمُعَة) قَالَ فأجبته بعد أَيَّام بِقَوْلِي (أيا سيدا سرّ الْفُؤَاد بِأَنَّهُ ... يُلَاحظ عبدا فِي حُضُور وغيبة) (وَقد علم الْمولى تَأَكد شوقنا ... فيسره بِالشَّام أنزه بقْعَة) (على أَنَّهَا فاقت بِمَا انْفَرَدت بِهِ ... من الْحسن من مَاء معِين وربوة) قَالَ وَكَانَ كتب إِلَى الْمشَار إِلَيْهِ من الشَّام وَأَنا بِالْمَدِينَةِ يطْلب مني تَرْجَمَة السَّيِّد مُحَمَّد جمال الدّين الْمَشْهُور بكبريت الْمدنِي (يَا خَطِيبًا بِأَرْض طيبَة أضحى ... أفْصح الْعَرَب عِنْده سكيتاً) (جد على العَبْد سَيِّدي بمناه ... وَهُوَ مَا ترجموا بِهِ كبريتاً) فأجبته وَقد رقمت لَهُ من تَرْجَمته مَا سمح بِهِ الخاطر (عين أهل الشَّام يَا وَاحِد الْعَصْر ... وَمن حَاز فِي الْمَعَالِي صيتًا) (دمت فِينَا زناد فضلك وار ... لست تحْتَاج للذكا كبريتاً) قَالَ وَكتب إِلَيّ (أشيخ الْوَقْت إِبْرَاهِيم يَا من ... عَلَوْت على الورى هام الدراري) (لأَنْت بِطيبَة من خير قوم ... خِيَار من خِيَار من خِيَار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وَلما رَأَيْت العطيفي تلاعب وتداعب باللقب أَجَبْته بذلك مراعيا فِي القافية لقبه أَيْضا غائصا بحره فَقلت (أيا مولى سَمَّاهُ شهر صَوْم ... يجل الْوَصْف عَن كم وَكَيف) (عطفت بوصل أَسبَاب التداني ... وَذَلِكَ لَيْسَ بدعا من عطيف) انْتهى وَمِمَّا رَأَيْته من آثَار قلمه هَذِه الْقطعَة من الْإِنْشَاء والأبيات كتب بهَا إِلَى بعض الْفُضَلَاء جَوَابا عَن لغز كتبه إِلَيْهِ فِي قرنفل يَا من زين سَمَاء الدُّنْيَا بزهر النُّجُوم وزين الأَرْض بزهرها المنثور والمنظوم نحمدك على مَا أبدعت حكمتك فِي هَذِه الْأَعْصَار من زاهي الأزهار وَنُصَلِّي ونسلم على نبيك الْمُخْتَار وَآله الأخيرا مَا اخْتلف اللَّيْل والهار عدد تنوع النَّهَار أما بعد فَإِن رَقِيق الْكَلَام ورشيق النظام مِمَّا يسحر الْأَلْبَاب وينسج مَا بَين الأحباب وَلَا يدع فقد قَالَ سيد الْأَنَام عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام أَن من الْبَيَان سحر أَوَان من الشّعْر حِكْمَة هَذَا وَقد أَخذ رائق كلامكم وفائق نظامكم بِهَذَا الصب أَخذ الأحباب الْأَرْوَاح وَلعب بِهِ وَلَا كتلعاب الراح كَيفَ لَا وَقد كسى حلل إلبها وَالْجمال وانتظم وَلَا كانتظام اللآل رق فاسترق الْأَحْرَار وحلي فتحلي بِهِ أهل الشعار وراق مَعْنَاهُ فأشرق مغناه وَحسن أتساقه فحلا مذاقه وفاج أرج القرنفل من رياضه وهبت نسمات الْجنان من غياضه فَللَّه دَرك ودر مَا ألغزت وَمَا أحسن مَا أبعدت وَقربت فقد أبدعت فاعبدت وأغربت فأرغبت لغز كالغزل فِي نشر طيه حلل من طول فِي مدحه فقد قصر وَمَا عَسى أَن يمدح الْبَحْر والجوهر وَلَكِن نعتذر إِلَيْكُم من هَذِه الشقشقات الَّتِي أوردناها على سَبِيل البديه وكل ينْفق مِمَّا عِنْده ويبديه وَحين ملت طَربا من ميل تِلْكَ اللامات قلت هَذِه الأبيات (أَتَانِي نظام مِنْك يزري بحسنه ... فقانبك من ذكرى حبيب ومنزل) (وأشممني مِنْهُ أريجا كَأَنَّهُ ... نسيم الصِّبَا جَاءَت بريا القرنفل) (فيا وَاحِد الدُّنْيَا وَلَيْسَ مدافع ... وَيَا من غَدا مدحي لَهُ من تغزل) (بعثت لنا عقدا ثميناً فَلَو رأى ... جواهره النظام ولى بمعزل) (وَلَو أَن رَآهُ امْرُؤ الْقَيْس لم يقل ... أَلا أَيهَا اللَّيْل الطَّوِيل أَلا انجلى) (فَمن بك نظاما فمثلك فَلْيَكُن ... فصاحة أَلْفَاظ بِمَعْنى مكمل) (رَقِيق لطيف رائق متحبب ... إِلَى كل نفس وَهُوَ فِي الْعين كالحلي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 (يفوح عبير الْمسك من طي نشره ... فَكيف وَقد ألغزته فِي القرنفل) (فَلَا زلت تحبونا بِكُل فَضِيلَة ... وَلَا زلت تحبينا بِعلم مفضل) (وَلَا زلت للدنيا إِمَامًا وَسَيِّدًا ... وعلمك يرْوى كالحديث المسلسل) (فيا من غَدا جبرا لكل كسيرة ... وَيَا من غَدا خيرا عَلَيْك معولي) (وَيَا من غَدا حبرًا لكل دقيقة ... وَيَا من غَدا بحرا لكل مُؤَمل) (بقيت بِخَير سالما وممتعا ... وقدرك فِي الدُّنْيَا يزِيد ويعتلي) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فِي شهر رَمَضَان سنة تسع عشرَة والف كَذَا سمعته من لَفظه وكتبته عَنهُ وَتُوفِّي نَهَار الْخَمِيس عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير فِي مَسْجِد النارنج رَحمَه الله روح الله بن مُحَمَّد أَمِين بن صدر الدّين الشرواني الأَصْل قَاضِي الْقُضَاة الْفَاضِل البارع الأديب كَانَ أحد أجلاء الموَالِي لَهُ جاه عريض وحشمة وافرة وَتثبت فِي الْأُمُور ودأب فِي الإشتغال حَتَّى تنبل ولازم من شيخ الْإِسْلَام الْمولى أسعد ودرس بمدارس قسطنطينية إِلَى أَن وصل إِلَى أحدى الْمدَارِس السليمانية وَولي مِنْهَا قَضَاء الْقُدس ثمَّ ولب وحلب ومصر وأدرنة وقسطنطينية وَكَانَ ينظم الشّعْر بالتركية ومخلصه على طريقتهم روحي وَله التَّارِيخ الْمَشْهُور قَالَه لما تسلطن السُّلْطَان وَهُوَ قَوْله خلد الله ملك إِبْرَاهِيم وَكَانَ بَينه وَبَين وَالِدي المرحوم مَوَدَّة ومراسلات كَثِيرَة ويعجبني مِنْهَا مَا كتبه وَالِدي إِلَيْهِ فِي صدر كتاب متمثلا وَهُوَ بالقدس (يَا نسمَة البان بل يَا نسمَة الرّيح ... إِن رحت يَوْمًا إِلَى من عِنْدهم روحي) (خذي لَهُم من ثنائي عنبرا عبقا ... وأوقديه بِنَا من تباريحي) أَقَامَ الله دعائم الْفضل وَشرح صدر الدّين بصدر الشَّرِيعَة وَالْعدْل بِبَقَاء روح الْقُدس وموطن الْأَمْن والأنس وحيد دهره وروح عصره وَمن آخر كتبه إِلَيْهِ وَهُوَ قَاض بحلب وَعِنْدِي من الأشواق مَا لَا تحمله متون الأوراق وَمن الغرام مَا لَا تشرحه أَلْسِنَة الأقلام فنسأله سُبْحَانَهُ أَن يمن علينا بمنة الاقتراب وَيحسن لشامنا بشريف ذَلِك الجناب لنرتع فِي روض دولته الوريفة ونتمتع بمشاهدة حَضرته الشَّرِيفَة وَتَكون أيامنا بجانبه أعياد الدَّهْر وليالينا بِهِ كلهَا لَيْلَة الْقدر ونعد ذَلِك مِنْهُ تَعَالَى نعْمَة وَأي نعمه لنؤدي بعض مَا يجب من أَدَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 لَوَازِم الْخدمَة وطالما طمعت الآمال بذلك مرَارًا وَلَو مرورا وَرُبمَا خطر ذَلِك فِي الْقلب فملأه ذَلِك الخاطر سُرُورًا على أننا لم نيأس من روح الله أَن يمن بلقائه وَأَن يكحل الْعين باثمد بهائه انْتهى وَكَانَ فِي آخر أمره ولع بِعلم النُّجُوم واستخراج بعض المغيبات الْمُتَعَلّقَة بامور السلطنة هُوَ وَبَعض أخذان لَهُ كَانَ يأنس بهم من جُمْلَتهمْ عبد الْبَاقِي بن مصطفى المتخلص بوجدي الشَّاعِر الْمَشْهُور فِي الرّوم فوصل خبرهم إِلَى الْوَزير الكوبري فسعى فِي قَتلهمْ فَقتلُوا فِي رَابِع شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف والشرواني بِكَسْر الشين وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو ثمَّ ألف وَنون نِسْبَة إِلَى بَلْدَة بالعجم خرج مِنْهَا عُلَمَاء وفضلاء من أَجلهم وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة وَسَتَأْتِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى روحي الشَّاعِر الْبَغْدَادِيّ الْمَشْهُور كَانَ من أَعَاجِيب الدُّنْيَا فِي صَنْعَة الشّعْر التركي لَهُ التخيلات اللطيفة والألفاظ الرشيقة وديوانه مَشْهُور يُوجد كثيرا بأيدي النَّاس وَكَانَ على أسلوب السياح وَله فِي سياحته ماجريات ووقائع كَثِيرَة وَاسْتقر آخر أمره بِدِمَشْق وَكنت سَمِعت خبْرَة قَدِيما من المرحوم الدرويش عِيسَى العينتابي نزيل دمشق وَكَانَ كثيرا مَا يلهج بأخباره ويورد ماجرياته وينشد أشعاره واظنه لم يُدْرِكهُ الإسنا لَا اجتماعه فروايته لأخباره عَن سَماع وَذكر أَن وَفَاته كَانَت سنة أَربع عشرَة بعد الْألف بِدِمَشْق ريحَان بن عبد الله الحبشي الأحمدي الشَّافِعِي الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى كَانَ مجاورا بالحجرة شمَالي مَسْجِد قبَاء ذكره النَّجْم فِي ذيله وَقَالَ كَانَ وَاضح الْكَشْف مجلو الْمرْآة ناقد البصيرة وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَ القَاضِي عبد الرَّحْمَن قَاضِي الْمَدِينَة عمر لَهُ مَسْجِدا قَدِيما خَارج بَاب الْمصْرِيّ وَعمر لَهُ فِي جَانِبه بَيْتا لطيفا فسكن بِهِ وَتزَوج قَالَ زرته أَنا وَوَلَدي بدر الدّين واستأجزت لَهُ فَأَجَازَهُ وَألبسهُ الْخِرْقَة الأحمدية بحضوري وَصَارَ بَيْننَا مؤاخاة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله (حرف الزَّاي) زَكَرِيَّا بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَظِيم بن أَحْمد أَبُو يحيى المعري الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ الإِمَام الْقدْوَة الْمُعْتَبر رَحل إِلَى مصر وَأخذ بهَا التَّفْسِير والْحَدِيث عَن الشَّيْخ مَنْصُور سبط الطبلاوي الشَّافِعِي وَكَانَ فَقِيها مُفَسرًا لَهُ بَاعَ طَوِيل فِي كثير من الْفُنُون وَولي إِفْتَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس ودرس وَأفَاد وانتفع بِهِ خلق كثير فِي الْفِقْه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وَغَيره وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ ألف زَكَرِيَّا بن بيرام مفتي الممالك الإسلامية علم الْعلمَاء المتجرين فِي جَمِيع الْعُلُوم وَكَانَ إِلَيْهِ الهاية فِي التَّحْقِيق وَهُوَ أَمِير أهل عصره فِي الْفِقْه وَالْأُصُول أَصله من أنقرة وَبهَا ولد وَنَشَأ ثمَّ قدم إِلَى قسطنطينة واشتغل بهَا على الْمولى عبد الْبَاقِي الْمَعْرُوف بعرب زَاده ثمَّ وصل إِلَى خدمَة مَعْلُول أَمِير فصحبه مَعَه إِلَى الْقَاهِرَة فِي سنة خمسين وَألف وشارك الْعَلامَة عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي فِي الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَلما وصل إِلَى قَضَاء أَنا طولي صيره حَافظ التذاكر ولازم مِنْهُ وأحاط بِكَثِير من الْعُلُوم إحاطة تَامَّة وَألف تآليف شاهدة بدقة نظره وتمكنه مِنْهَا حَوَاشِيه على أكمل الدّين وعَلى صدر الشَّرِيعَة وَغير ذَلِك وَله نظم ونثر بِالْعَرَبِيَّةِ مسبوكان فِي قالب الْجَوْدَة فَمن ذَلِك مَا قرظ بِهِ طَبَقَات القَاضِي تقى الدّين التَّمِيمِي الْمُقدم ذكره (هَذَا كتاب فاق فِي أقرانه ... يسبي الْعُقُول بكشفه وَبَيَانه) (سفر جليل عبقري ماجد ... سحر حَلَال جَاءَ من سحبانه) (أوراقه أَشجَار روض زَاهِر ... قد تجتني الثمرات من أفنانه) (لله در مؤلف فاق الورى ... بفرائد فغدا فريد زَمَانه) (فجزاه رب الْعَالمين بِلُطْفِهِ ... طَبَقَات عز فِي فسيح جنانه) لما تعمقت فِي لجج هَذَا الْبَحْر الزاخر صادفت أصداف أَصْنَاف الدُّرَر الكامنة النَّوَادِر وألفيته رَوْضَة غناء زاهرة أزهارها وزهرة زهراء ناضرة أنوارها وجنات شقائقها محمرة وجنات حدائقها فخصرة تذكرة لعارف تقى وتبصرة المتبصر عَن الرذائل نقى جَاوز الشعرى بِشعرِهِ الْفَائِق وفَاق النثرة بنثره الرَّائِق قد استضاء بجواهره المضيئة تَاج تراجم الْأَعْيَان فَصَارَ كَأَنَّهُ مرْآة انعكس فِيهَا صور سير الأسلاف وأشراف أفاضل الزَّمَان اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْننَا وَبينهمْ فِي غرف عدن وطبقات الْجنان وَمن شعره قَوْله (أخف عليّ من منن الرِّجَال ... من الدُّنْيَا الدنية ارتحالى) (لَئِن ساءت بِسوء الْجَار حَالي ... أحوّل بَلْدَة أُخْرَى رحالي) وَقَوله أَيْضا (إِذا مَا كنت مرضيّ السجايا ... وعاش النَّاس مِنْك على أَمَان) (فعش فِي الدَّهْر ذَا أَمن ويمن ... ويوصلك الْإِلَه إِلَى الْأَمَانِي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وَمن غزلياته قَوْله (قد قتل العشاق من لحظه ... دِمَاؤُهُمْ سَالَتْ على الأودية) (يَا عجبا من قَاتل أَنه ... لَيْسَ عَلَيْهِ قَود أَوديَة) وَله غير ذَلِك وَكَانَ درس بمدارس قسطنطينية حَتَّى وصل إِلَى السليمانية وَولي مِنْهَا قَضَاء حلب فِي سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة قَالَ الشَّيْخ عمر العرضي وَلما قدمهَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مُسلمين عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ رجل فَاضل لَهُ استحضار حسن فِي فقه أبي حنيفَة وَكم جرى بَيْننَا وَبَينه من الأبحاث الَّتِي تدل على حسن استحضاره وسألني ذَات يَوْم عَن قَول بعض كتب الْحَنَفِيَّة لَو ادّعى رجلَانِ على إمرأة أَنَّهَا زَوْجَة كل مِنْهُمَا أَحدهمَا زيد وَالْآخر عمر فَقَالَت فِي الحواب تزوجت زيدا بعد عمر وَحكم بِأَنَّهَا زَوْجَة لزيد لَكِن لَو قَالَ لَهَا القَاضِي روجه من أَنْت فَقَالَت تزوجت زيدا بعد عمر وَحكم بِأَنَّهَا زَوْجَة عمر وفقال لي مَا الْفرق بَينهمَا فبحثنا مَعَه على قدر الْإِمْكَان ثمَّ أَنه أظهر جَوَابا حسنا من الْخُلَاصَة فَأخذت الْجَواب وكتبت عَلَيْهِ رِسَالَة لَطِيفَة وَقعت عِنْده فِي حيّز الْقبُول ثمَّ إِنِّي كتبت لَهُ رِسَالَة تشْتَمل على ثَلَاثِينَ سؤالا من اثْنَيْنِ وَعشْرين علما أَرَادَ أَن يلْتَزم الْجَواب عَنْهَا فَأجَاب عَن بعض أسئلتها ثمَّ اعتذر بِكَثْرَة اشْتِغَاله بالحكومات وَغَيرهَا ثمَّ ترقى فِي المناصب إِلَى أَن صَار قَاضِي العساكر بانا طولي ثمَّ عزل وَدخل دمشق بعد عَزله فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة مُتَوَجها مِنْهَا إِلَى الْحَج وصحبته ولداه الْمولى يحيى الَّذِي صَار آخرا مفتي الدولة وَالْمولى لطف الله الْآتِي ذكرهمَا وَقعد مَا أَدّوا فَرِيضَة الْحَج عَادوا إِلَى الرّوم فولى صَاحب التَّرْجَمَة قَضَاء الْعَسْكَر بروم إيلي وَوَقع بَينه وَبَين سِنَان باشا الْوَزير الْأَعْظَم فِي شعْبَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فعزل ثمَّ ولي الْإِفْتَاء فِي رَجَب سنة إِحْدَى بعد الْألف وَأنْشد فِي تَوليته ابْن نوعى صَاحب ذيل الشقائق التركي بيتنا بالتركية استحسنته جدا فعربته فِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ومنهما يعلم مَعْنَاهُ وهما قَوْله (فِي رَأس كل مائَة يَجِيء من ... يجدد الدّين بِحسن الْوَصْف) (وَمثل ذَا مُجَدد الدّين لَا ... يَجِيء إِلَّا وَاحِد فِي الْألف) وَلم تطل مدَّته فَتوفي فِي شَوَّال من هَذِه السّنة وَكَانَت وَفَاته فَجْأَة دخل إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث وَاجْتمعَ بِهِ وَألبسهُ خلعة سنية فحال خُرُوجه سقط مَيتا وروى عَنهُ أَنه قبل وَفَاته بليلة وَاحِدَة رأى فِي مَنَامه كَأَن النَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 يَقُول لَهُ فِي غَد تَجْتَمِع بالسلطان وتلبس خلعة وَتَكون عندنَا فانتبه وَهُوَ متعجب وَكَانَ من أمره مَا كَانَ وَدفن فِي أحد مدرستيه اللَّتَيْنِ بناهما بقسطنطينية بِقرب جَامع السُّلْطَان سليم وحمامه رَحمَه الله تَعَالَى زَكَرِيَّاء بن حُسَيْن بن مسيح البوسنوي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد تقدم أَبوهُ حُسَيْن وَأَخُوهُ درويش مُحَمَّد وَنَشَأ هُوَ فِي كنف أَبِيه على صون ونزاهة واشتغل بِطَلَب الْعلم وَكَانَ فِي عنوان عمره جميلا غَايَة وَلم يكن فِي عصره من يُقَارِبه فِي الْحسن وَكَانَ تولع فِيهِ قوم من الأدباء والشعرء مِنْهُم الْأَمِير منجك المنجكي وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ (كلما رحت ذَاكِرًا زَكَرِيَّا ... عَاد قلبِي من الغرام مَلِيًّا) (رشأ كالمهاة جيدا ولحظا ... وقضيب يقل بَدْرًا سنيا) (أَتَرَى هَل أرَاهُ وَاللَّيْل داج ... طالعا بَين بردئي مضيا) (أجتني مَا اسْتَطَعْت من ورد ... خديه بأيدي اللحاظ وردا جنيا) (وأبل الأوام من رِيقه العذب ... وأسقى من فِيهِ رَاحا شهيا) (ثكلتني أم الصبابة إِن كنت ... أرى ساليا لَهُ أَو نسيا) وَقَالَ فِيهِ وَقد رَآهُ لابسا عِمَامَة وَهُوَ يقْرَأ فِي أحد دروس مَشَايِخ دمشق (وقارىء بمعن فِي درسه ... نفس المحبين فدا نَفسه) (معمم يشبه بدر الدجى ... مكوّر الشَّمْس على رَأسه) (غُصْن فُؤَادِي صَار روضاً لَهُ ... قد أبدع الغارس فِي غرسه) وَهَذَا الْأَمِير مَعَ ميله الزَّائِد إِلَى الحسان كَانَ نزيه النَّفس سليم النَّاحِيَة رفيع الهمة وَهُوَ الْقَائِل وَقد رأى إعْرَاضًا من معشوق لَهُ (قد أَبَت عبرتي بِأَن فُؤَادِي ... يصطفى من بِغَيْر طرفِي يشام) (أَنا لَا أَسْتَطِيع مَا يحمل النَّاس ... وَعِنْدِي بعض الْكَلَام كَلَام) (فَإِذا مَا الحبيب أعرض عني ... فعلى الْحبّ والحبيب السَّلَام) عودا إِلَى تَرْجَمَة زَكَرِيَّا وَبَعْدَمَا طلع عذاره نسخت آيَة جماله وكسفت صُورَة هلاله وَفِيه يَقُول أَحْمد بن شاهين بيتيه الْمَشْهُورين (ومذ بدا الشّعْر على وَجهه ... بدّلت الْحمرَة بالاصفرار) (كَأَنَّمَا الْعَارِض لما بدا ... قد صَار لِلْحسنِ جنَاحا فطار) ثمَّ بعد ذَلِك ولى النيبابات بمحاكم دمشق وسافر فِي خدمَة الْمولى شعْبَان بن ولي الدّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 لما نقل من قَضَاء دمشق إِلَى قَضَاء مصر فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وصيره ثمَّة قساماً ونائباً بالصالحية ثمَّ عَاد فِي خدمته إِلَى دمشق وسافر إِلَى الْحَج فِي سنة خمس وَخمسين ولازم من الْمولى الْمَذْكُور وَلما ولي الْمَذْكُور قَضَاء الْعَسْكَر بأناطولي وَجه إِلَيْهِ الْقِسْمَة العسكرية بِدِمَشْق وَولي بقْعَة تدريس بِجَامِع بني أُميَّة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة الْكُبْرَى وَكَانَ يحسن اللُّغَة الفارسية والتركية والبوسنوية والعربية لِسَانه وَكَانَ يكْتب الْخط الْمليح وَله فَضِيلَة وَحسن منادمة ومطارحة وَله خلاعة ومجون وَكَانَ بَينه وَبَين أبي مودّة أكيدة وصحبة بَالِغَة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من تحف الدَّهْر وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَعشْرين تَقْرِيبًا وَتُوفِّي فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى زَكَرِيَّاء ابْن خضر البقاعي العينتيتي الْفَقِيه الشَّافِعِي ورد دمشق فِي حُدُود سنة خمس أَو سِتّ أَو سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَأقَام مُدَّة بِجَامِع منجك خَارج دمشق بمحلة مَسْجِد الأقصاب وَقَرَأَ كثيرا وتفقه بالشهاب أَحْمد بن أَحْمد الطَّيِّبِيّ الْأَوْسَط ثمَّ لزم الْحسن البوريني فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْعَرَبيَّة والأصلين وشيئاً من الْمنطق وَتوجه إِلَى الْقَاهِرَة وتفقه بهَا على النُّور الزيَادي وَأَجَازَهُ بالفتوى والتدريس ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق وَولى إِعَادَة الناصرية الجوانية وتدريس الْمدرسَة النحاسية قرب مرج الدحداح وَكَانَ فَاضلا كَامِلا توفّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشر شهر رَمَضَان سنة عشْرين وَألف والعينتيتي بِعَين مُهْملَة مَفْتُوحَة وياء مثناة من أَسْفَل وَنون سَاكِنة وتاء مثناة من فَوق مَكْسُورَة يعقبها يَاء مثناة من أَسْفَل ثمَّ تَاء مثناة من فَوق نِسْبَة إِلَى قَرْيَة من قرى شوف الحراذين من جبل لبنان الشريف زيد بن محسن بن حُسَيْن بن حسن بن أبي نمي شرِيف مَكَّة الحسني وَقد تقدم ذكر تَتِمَّة نسبه فِي تَرْجَمَة عَم أَبِيه الشريف أبي طَالب فَليرْجع إِلَيْهِ ثمَّة كَانَ من أَمر زيد أَنه ولد بِمَكَّة فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وتربى فِي حجر وَالِده وسافر مَعَه إِلَى الْيمن وَلما توفّي أَبوهُ بِصَنْعَاء رَجَعَ إِلَى الْحجاز وَكَانَ قَامَ بِأَمْر الْحجاز الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب الْمُقدم ذكره فَلَمَّا قتل ولي مَكَانَهُ الشريف مَسْعُود بن إِدْرِيس ابْن حسن وولوه الْإِمَارَة وَكَانَ مَرِيضا بِمَرَض الدق فَمَاتَ بعد سنة وشهرين وَذَلِكَ فِي ثامن عشري شهر ربيع الثَّانِي سنة أَرْبَعِينَ وَألف فَاجْتمع الْأَشْرَاف على الشريف عبد الله بن حسن وولوه الْإِمَارَة وَاسْتمرّ نَحْو سنة ثمَّ خلع نَفسه وقلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 الْإِمَارَة وَلَده مُحَمَّدًا وأشرك مَعَه فِي الرّبع الشريف زيدا هَذَا فَبَقيَ أَمرهم على هَذَا الِاتِّفَاق مُدَّة قَليلَة فَدخل القنفدة فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف بعض عَسْكَر الْيمن الَّذين طردهم حاكمها قانصوه فأرسلوا إِلَى الشريف مُحَمَّد الْمَذْكُور أَنا نُرِيد مصر وقصدنا الْإِقَامَة بِمَكَّة أَيَّامًا لنتهياً لللسفر فَأبى خوفًا من الْفِتْنَة وَالْفساد فَلَمَّا وصلهم الْخَبَر أجمع رَأْيهمْ على دُخُول مَكَّة وولوا الشريف نامي بن عبد الْمطلب وأشركوا مَعَه الشريف عبد الْعَزِيز بن إِدْرِيس فِي الرّبع بِلَا شعار وأرسلوه إِلَى أَمِير جدة ليسلمها إِلَيْهِم فَأبى وَقتل الرُّسُل فتجهزوا وحاصروهم يَوْمَيْنِ ثمَّ دخلُوا جدة ونهبوها وَاسْتمرّ الشريف نامي يصادر أهل مَكَّة وَنهب عسكره الْبِلَاد واستباحوا الْمُحرمَات وَكَانَ الشريف زيد هرب إِلَى الْمَدِينَة وَكتب عرُوضا وأرسلها إِلَى صَاحب مصر مَعَ السَّيِّد عَليّ بن هيزع حِوَالَة مَكَّة بِمصْر وَلما وصل خبرهم لصَاحب مصر أرسل إِلَيْهِم سَبْعَة من الْأُمَرَاء وَأرْسل بخلع سلطانية للشريف زيد وبلغهم أَن الشريف زيدا بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلُوا وخلعوا عَلَيْهِ بِملك الْحجاز فِي الْحُجْرَة الشَّرِيفَة وَتوجه إِلَى الْعَسْكَر وَأتوا جَمِيعًا إِلَى مَكَّة وَلما وصلت العساكر إِلَى مر الظهْرَان خرجت الْخَوَارِج إِلَى جِهَة الشرق وَحج باالناس الشريف زيد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَلما فرغوا من الْمَنَاسِك توجهوا إِلَى مسك الْخَوَارِج فَلَمَّا بَلغهُمْ قصد الْعَسْكَر إِلَيْهِم تحَصَّنُوا بحصن تربة فحاصرتهم العساكر السُّلْطَانِيَّة وَكَانَت الْخَوَارِج فرْقَتَيْن فرقة رئيسهم يُقَال لَهُ الْأَمِير عَليّ وَالثَّانيَِة رئيسهم يُقَال لَهُ الْأَمِير مَحْمُود فَاسْتَمْسك الْأَمِير على نَفسه من أُمَرَاء مصر أَن يسلموه من الْقَتْل وَالْتزم لَهُم بالأمير مَحْمُود فقبلوا ذَلِك ومسكوا الْأَمِير مَحْمُود بحيلة دبروها وأتى بِهِ إِلَى مَكَّة وطيف بِهِ على جمل معذباً بالنَّار ثمَّ صلب حَيا بالمعلاة إِلَى أَن مَاتَ وأخذته الْعَامَّة وأحرقته فِي شُعْبَة العفاريت وَرجعت وَكَانَت الْخَوَارِج أَقَامَت الشريف نامي كَمَا تقدم وَكَانَ لَهُ اسْم الْأَمر فَقَط فَلَمَّا فرغوا من أَمر الْخَوَارِج قبضوا على الشريف نامي كَمَا تقدم وَكَانَ لَهُ اسْم الامر فَقَط فَلَمَّا فرغوا من أَمر الْخَوَارِج قبضوا على الشريف نامى وأخيه السَّيِّد وحبسوهما واستفتوا فيهمَا الْعلمَاء فأفتوا بِقَتْلِهِمَا فَقَتَلُوهُمَا وصلبوهما بجانبي رَأس الرَّدْم الْمُسَمّى الْآن بالمدعى وتمت الْولَايَة للشريف زيد وَكَانَ عادلاً مشفقاً على الرّعية وأزال فِي زَمَانه كثيرا من الْمُنْكَرَات وأبطل مَا خَالف الْكتاب وَالسّنة وَأمنت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 فِي أَيَّامه الرعايا وَعمر عمائر مستحسنة من جُمْلَتهَا سَبِيل وحنفية بِمَكَّة وَفِي تَارِيخه يَقُول القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي (لله تأسيس نما خَيره ... وفاز بالتطهير من أمّ لَهُ) (بِهِ سَبِيل وحنيفية ... وسلسسبيل فارتشف سلسله) (لَهُ نبا فِي الْفَيْض مهما روى ... حَدِيثه أروى بِمَا سلسله) (سَالَتْ عطاياه لجيناً فَمن ... رام نداه نَالَ مَا أمّله) (وَحَيْثُ لم يكتف سُؤَاله ... فَلَا يكف الْبَذْل أَن أرْسلهُ) (لأنّ من أسس بُنْيَانه ... غيث الورى فِي السّنة الممحلة) (من نَفسه يَوْم عطاه ترى ... أَن وهب الدُّنْيَا فقد قلله) (توجّه الله بتاج زها ... بجوهر الْمجد الَّذِي كلله) (وَالله من وافر إحسانه ... أجْرى لَهُ الْأجر الَّذِي أجزله) (فَإِن تسل عَن ضبط تَارِيخه ... فَخذ جَوَابا يُوضح المسئله) (أسسه سُلْطَان أم الْقرى ... زيد يَدُوم والعز والسعد لَهُ) وَفِي أَيَّامه وَقع بِمَكَّة سيل مرَّتَيْنِ مرّة فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لثلاث عشرَة بَقينَ من شَوَّال سنة خمس وَخمسين وَألف وَخرب دوراً وأبنية وَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَعلا على عتبَة بَاب الْكَعْبَة مِقْدَار ذِرَاع وأتلف مَا فِي قبَّة الفراشين من الْمَصَاحِف والرباع والكتب وامتلأ الْمَسْجِد بِالتُّرَابِ والقمامات فتصدى الشريف زيد ونادى على الْعَامَّة بتنظيف الْمَسْجِد وَحضر بِنَفسِهِ وساعده شيخ الْحرم الْأَمِير مصطفى صَاحب جدة وبذل من مَاله مَالا جزيلاً وَاسْتمرّ الْعَمَل فِيهِ إِلَى النّصْف من ذِي الْقعدَة فتم تنظيفه من سَائِر جهاته وَمرَّة فِي يَوْم السبت بعد الظّهْر سَابِع شعْبَان سنة أَربع وَسبعين وَكَانَ حصل مطر شَدِيد وسالت أَوديَة مَكَّة وَأخذ السَّيْل جملَة من الْأَبْنِيَة والعشش والدور وَزَاد المَاء فِي الرّفْعَة والعلو وَكلما مر على حَيَوَان أَو عشة حمله واقتلع مَا مر عَلَيْهِ من خيمة أَو مَكَان وَلما وصل بَاب أجياد تمانع هُوَ وسيل أجياد فِي السّير فغلب سيل أجياد وَدخل من سَائِر الْأَبْوَاب فَامْتَلَأَ صحن الْمَسْجِد وَاسْتمرّ الْمَطَر نَحْو ثَلَاثِينَ دَرَجَة وَبلغ قفل الْكَعْبَة وأتلف مَا فِي خلْوَة الفراشين وَمَا فِي الخلاوي الْقَرِيبَة من الْمَسْجِد من الْمَصَاحِف والكتب وامتلأ الْمَسْجِد من التُّرَاب والقمامات وأتلف أَمْوَالًا كَثِيرَة فِي الْبيُوت الْقَرِيبَة من المجرى وَخرب دوراً كَثِيرَة وغرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 فِيهِ سِتَّة أنفس وتعطل الْمَسْجِد عَن الْأَذَان وَالْجَمَاعَة فِي خَمْسَة أَوْقَات من الظّهْر فتقيد الشريف زيد فِي تنظيف الْمَسْجِد وَحضر بِنَفسِهِ ونادى على الْعَامَّة وَكَذَلِكَ صَاحب جدة الْأَمِير سُلَيْمَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ شيخ الْحرم الْمَكِّيّ وَعمل الْعلمَاء والمدرسون والخطباء والأشراف بِأَيْدِيهِم وبذل الشريف والأمير مَالا جزيلاً وأعملوا همتهم فتم تنظيفه فِي سَبْعَة أَيَّام وَكَانَ مسعوداً فِي سَائِر حركاته وَلم يَقْصِدهُ أَرْكَان الدولة بِسوء إِلَّا خيبهم الله تَعَالَى وَاتفقَ فِي زَمَانه أَن صَاحب جدة الْأَمِير مصطفى عظمت شوكته ونفذت كَلمته وَظَهَرت مِنْهُ أطوار لَا تلِيق بشأن الشريف زيد وَلم يزل كَذَلِك والشريف صابر عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ أَوَائِل سنة سبع وَخمسين طلع الْأَمِير الْمَذْكُور إِلَى الطَّائِف للزيارة وطلع مَعَه بشير الحبشي غُلَام السُّلْطَان مُرَاد وَهَذَا فِي مَجِيئه الثَّانِي مُتَوَلِّيًا مشيخة الْحرم النَّبَوِيّ فَأَقَامَ مَا شَاءَ الله أَن يُقيم فَلَمَّا أَن كَانَ نازلاً إِلَى مَكَّة طالعاً فِي الْمحل الَّذِي يُقَال لَهُ النقب الْأَحْمَر وَجه جبر كرا مِمَّا يَلِي الطَّائِف وَقد تَفَرَّقت عساكره خلفا وأماماً وَلم يبْق مَعَه سوى السايس وحامل كوز المَاء اعْتَرَضَهُ رجل عَرَبِيّ كَانَ يتعهده بِالْإِحْسَانِ يُقَال لَهُ الْجَعْفَرِي فَضَربهُ وَهُوَ متجرد للْإِحْرَام بجنبية أنفذها إِلَى أحشائه وَذهب فَلم يدر مَحَله قيل أَن السايس أَرَادَ ضرب الْقَاتِل فَوَقع السَّيْف فِي مُؤخر الحصان فقمص فَسقط عَنهُ الْأَمِير فتلاحقت العساكر فَلم يلبث إِلَّا نَحْو ساعتين وَتُوفِّي وَكَانَ قَتله يَوْم التَّاسِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة وَأدْخل إِلَى مَكَّة فِي التخت قَتِيلا غرَّة رَجَب مِنْهَا وَدفن بالمعلاة أَمَام قبَّة السيدة خَدِيجَة وَكَانَ الشريف زيد فِي تِلْكَ السّنة قد توجه إِلَى جِهَة الشرق فأبعد حَتَّى وصل قَرِيبا من الخرج وَكَانَ الْقَائِم مقَامه لحفظ مَكَّة السَّيِّد إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بن أبي نمى فاستدنى السَّيِّد إِبْرَاهِيم غَالب عَسْكَر الْأَمِير وأنزلهم فِي مَحل يسعهم بأجياد وأجرى عَلَيْهِم العلوفات وَأمر كتخدا الْعَسْكَر دلاور بالنزول لجدة لحفظ البندر فَامْتنعَ ثمَّ بعد لَيَال نزل دلاور بعد هزيع من اللَّيْل قَاصِدا جدة خلسة فشعر بِهِ السَّيِّد إِبْرَاهِيم وأرصد لَهُ جمَاعَة فمسكوه وَأتوا بِهِ إِلَيْهِ فحبسه ثمَّ اختلس بعض الْعَسْكَر نَفسه وَذهب إِلَى بشير بِالطَّائِف وَأخْبرهُ بِمَا وَقع فَأتى بشير إِلَى مَكَّة وَنزل بمدرسة بهْرَام بالمسعى فتردد السَّيِّد إِبْرَاهِيم فِي الذّهاب إِلَيْهِ وَعَدَمه لاخْتِلَاف المشير ثمَّ جزم فَتَلقاهُ بِمَا هُوَ الْوَاجِب ثمَّ قَالَ لَهُ بعد اسْتِقْرَار الْمجْلس لم حبس دلاور فَقَالَ حَبسته خشيَة إضراره فَإنَّا ألزمناه مرَارًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 بالذهاب إِلَى جدة فَامْتنعَ فارتبنا بذهابه خُفْيَة فَقَالَ بشيراً طلقه فَقَالَ لَا أطلقهُ حى يصل الشريف زيد ثمَّ قَامَ السَّيِّد إِبْرَاهِيم فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي نزل بشير إِلَى القَاضِي واستدعى السَّيِّد إِبْرَاهِيم فَحكم عَلَيْهِ بِإِطْلَاقِهِ فَأَطْلقهُ ثمَّ بعد يَوْمَانِ عزم السَّيِّد إِبْرَهِيمُ والقائد رشيد حَاكم مَكَّة إِلَى نَحْو بركَة ماجن للتنزه فاستجر بشير الْعَسْكَر وَوَعدهمْ فحملوا أثقالهم وأدخلوها من بَاب الْمَسْجِد وَخَرجُوا بهَا من بَاب ابْن عَتيق ثمَّ خَرجُوا بعد الْعَصْر حازبين مارين على دَار السَّعَادَة ثمَّ على السُّوق ثمَّ على سويقة إِلَى أَن وصلوا إِلَى بَيت بشير وَكَانَ نازلاً بالباسطية فوصل الْخَبَر للسَّيِّد إِبْرَاهِيم فجَاء إِلَى الْبَلَد وَقَالَ لبشير مَا هَذَا الْفِعْل فَقَالَ بشير مجالسه نعم عَسْكَر السُّلْطَان لَهُم فِي التربية أَعْوَام فتأخذهم فِي خَمْسَة أَيَّام وَكَانَ فِي عَسْكَرهمْ شخص كثير الْفساد فَأمر السَّيِّد إِبْرَاهِيم بقتْله أَيْنَمَا وجد فَوجدَ سكراناً على الخريق فتناوله عَسْكَر الشريف فقطعوه فثارت الْفِتْنَة وترامت العسكران بالرصاص وَقتل شخص من النَّاس خلف الْمقَام الْمَالِكِي وَقتل كتخذا بشير وَلم يزل مطروحاً عِنْد بَاب ابْن عَتيق من دَاخل الْمَسْجِد إِلَى اللَّيْل حَتَّى رَفعه بعض النَّاس ثمَّ سعى القَاضِي أَحْمد قره باش وَغَيره بِالصُّلْحِ وَأَن لَا يصل أحد إِلَى أحد بِسوء من الْجَانِبَيْنِ وَلَا تخرج جمَاعَة بشير إِلَى السُّوق إِلَّا ثَلَاثَة أشخاص معينون لقَضَاء حَوَائِجه من السُّوق وسكنت الْفِتْنَة حَتَّى وصل الشريف زيد إِلَى مَكَّة فَاسْتحْسن جَمِيع مَا فعله السَّيِّد إِبْرَهِيمُ ثمَّ ظفر الله تَعَالَى الشريف زيدا على الْجَمِيع وَنَصره عَلَيْهِم وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَنه زار النَّبِي عَام تسع وَخمسين وَكَانَ دُخُوله إِلَى الْمَدِينَة من شعْبَان فَنزل بالقاضية خَارج السُّور ثمَّ فِي فجر الْيَوْم الْعَاشِر من الشَّهْر الْمَذْكُور نزل القَاضِي زفر قَاضِي الْمَدِينَة إِذْ ذَاك رَاكِبًا وَمَعَهُ ثَلَاثَة من الخدام فَلَمَّا كَانَ عِنْد الدفتر داريه وَثَبت عَلَيْهِ شخص فَضَربهُ بِالْحَدِّ فِي ظَهره وضربة أنفذها من صَدره فأكب على قربوس الْفرس وَلم تزل دَاخِلَة بِهِ إِلَى محراب سيدنَا عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَإِمَام الشَّافِعِيَّة قَائِم يُصَلِّي الْفجْر فَقَامَ بعض النَّاس إِلَيْهِ وأنزلوه بآخر رَمق وَهُوَ يَقُول يَا رَسُول الله يَا رَسُول الله وضع إِمَام الْوَجْه الشريف فَبعد لَحْظَة قضى عَلَيْهِ فحشدت عَسَاكِر الْمَدِينَة واجتمعوا وَأَغْلقُوا أَبْوَاب الْمَدِينَة وَتَفَرَّقُوا فِي نَوَاحِيهَا وأسوارها ووجهوا المدافع إِلَى جِهَة الشريف وَنَادَوْا اخْرُج عَنَّا الْآن وبدا مِنْهُم مَا لَا يَلِيق فَلم يزل الشريف بهم حَتَّى أعمل الْحِيلَة وَدخل من بَاب هُوَ وعسكر بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 أَن نصب قَاضِيا واستدعى وُجُوههم لينْظر فِي قتلة القَاضِي ويبحث عَنْهُم فَأتوا إِلَيْهِ ثمَّ لم يزل يقبضهم وَاحِدًا بعد وَاحِد ففك بَعضهم بشفاعة وَذهب بالباقين مقيدين وأمربإبقاء بَعضهم فِي يَنْبع فاستمروا إِلَى مَجِيء الْحَاج فاستشفعوا بأميره فَأتى بهم إِلَى مَكَّة متشفعاً فيهم فَقبل الشريف شَفَاعَته وَعَفا عَنْهُم ثمَّ لم نزل بعد سفر الْحَاج قيطاس أَمِير جدة من مَكَّة إِلَى جدة مغاضباً للشريف زيد نزلُوا مَعَه وَكَتَبُوا أنفسهم من عسكره وَسبب غَضَبه الناشىء عَن الْحَرْب الْآتِي ذكره فِي سنة سِتِّينَ وَألف أُمُور مِنْهَا أَنه ورد إِلَى مَكَّة بعض تجار من الصعائدة وشخص عجمي يُسمى أَسد خَان من جِهَة الْيمن بِتِجَارَة ونزلوا من الْبَحْر إِلَى بندر القنفدة ووصلوا إِلَى مَكَّة وَلم يدخلُوا بندر جدة وَكَانَ قيطاس بِمَكَّة وَقد وصل لِلْحَجِّ فاحتال على الصعيدي وحبسه وَكَانَ الصعيدي ملتجئاً إِلَى السَّيِّد هَاشم بن عبد الله فألزم الشريف زيدا باطلاقه فوعده ثمَّ أَخَذته الحمية فَركب إِلَى الشريف ثَانِيًا ثمَّ نزل من عِنْده قَاصِدا بَيت قيطاس لفك الرجل من الْحَبْس فَنَادَى الشريف وَهُوَ قَائِم من روشته وَرَاء الرجل فَلَمَّا أقبل على بَيت قيطاس وجد الْمَحْبُوس مُنْطَلقًا فَرجع بِهِ وَمِنْهَا انجاء أُولَئِكَ النَّفر من عَسْكَر الْمَدِينَة ونسبتهم قتل القَاضِي إِلَيْهِ وَمِنْهَا تردد السَّيِّد عبد الْعَزِيز بن ادريس إِلَيْهِ ومواطأته وعده اسعافه بِمَا يأبي الله الا خلَافَة فَقبل أَن يُسَافر الْحَاج من مَكَّة نزل قيطاس للسَّيِّد عبد الْعَزِيز إِلَى مَكَّة وَنُودِيَ لَهُ بالبلاد وَأقَام حَاكما فِيهَا نَاصِر ابْن سعيد عَتيق مصطفى السيورى وأجرى الاحكام العجرفيه وَظن أَنَّهَا تكون أحمدية وَأَقْبل قيطاس وَمَعَهُ السَّيِّد الْمَذْكُور بِمن مَعَه وَمن اجْتمع عَلَيْهِ من عَسْكَر الْمَدِينَة وَخرج الشريف زيد وَكَانَ الْموقف فَوق التَّنْعِيم وَكَانَ السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَرْث مُتَقَدما فِي الميمنة بجماعته وَمن يَلِيهِ وَكَانَ فِي الميسرة كَذَلِك مُتَقَدما قَلِيلا السَّيِّد مبارك ابْن شبير بجماعته وَمن يَلِيهِ والشريف زيد بِمن مَعَه فِي الْقلب والعروج مَلَأت السهول والوعور وتراموا بالرصاص والمدافع وَكلما هم الاشراف بِالْجُمْلَةِ يَقُول لَهُم الشريف زيد مَعكُمْ مَعكُمْ كِنَايَة عَن التثبت والتأني وارتفع النَّهَار وحميت الشَّمْس فركض من الاشراف جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد وبيربن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَالسَّيِّد بشر بن سُلَيْمَان وَالسَّيِّد أَبُو الْقَاسِم فأصيب السَّيِّد وبير بالبندق فَسقط بَين الجمعين وَأُصِيب جمَاعَة من الْجَانِبَيْنِ وَحين اشْتَدَّ الْحَال على السَّيِّد عبد الْعَزِيز وَمن مَعَه فر إِلَى جمع السَّيِّد مبارك ابْن شبير دَاخِلا عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 طَالبا الْأمان لَهُ ولقيطاس وَمن مَعَه من الشريف زيد فجَاء بِهِ إِلَى الشريف زيد فآمنه وَوَقع الصُّلْح ونصبت للشريف خيمة فَنزل بهَا يستظل وَسَأَلَ السَّيِّد عبد الْعَزِيز من الشريف زيد أَن يُوصل قيطاس إِلَى مأمنه لِأَنَّهُ أشْفق من نهب العربان لَهُ فأصحبه الشريف خمسين رجلا من الْعَسْكَر فَذهب إِلَى جدة رَاجعا خائباً وَجَاء بعد أشهر عَزله فَذهب إِلَى يَنْبع وواجه الْحَاج وَبهَا وَمكث بهَا إِلَى عود الْحَاج من مَكَّة إِلَيْهَا فَتوجه مَعَهم إِلَى مصر وَتوجه مَعَه السَّيِّد عبد الْعَزِيز فاستمر قيطاس بِمصْر سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَجَاء فِي موسمها أَمِير الْحَاج الْمصْرِيّ فَلَمَّا خرج الشريف زيد لملاقاته للخلعة السُّلْطَانِيَّة على الْعَادة لم يكن بَينهمَا مناكبة على الْمُعْتَاد بل مد لَهُ الشريف يَده فصافحها وَمن عامئذ تركت مناكبة شرِيف مَكَّة لأمراء الحجيج وَبَالغ الْأَمِير فِي تَعْظِيم الشريف وَلم يظفر عَلَيْهِ فِي أمرما وَأقَام السَّيِّد عبد الْعَزِيز بِمصْر نَحْو سنتَيْن ثمَّ جَاءَ خبر وَفَاته فِي السّنة الثَّالِثَة شَهِيدا بالطاعون وانْتهى وَبِالْجُمْلَةِ فأحوال الشريف زيد طَوِيلَة وأخباره كَثِيرَة وَلَو بسط القَوْل فِي وقائعه وغزواته وسعوداته وموافقات الأقدار لمراداته لطال الْكَلَام وَقد مدح بالقصائد الطنانة النفيسة وقصدته الشُّعَرَاء من الْبِلَاد الْبَعِيدَة فَمن وَفد إِلَيْهِم مِنْهُم ومدحه بالقصيدة الفائقة فِي بَابهَا السَّيِّد أَحْمد الأنسي اليمني ومستهل قصيدته (سلوا آل نعم بَعدنَا أَيهَا السّفر ... أعندهم علم بِمَا صيع الدَّهْر) (تصدى لشت الشمل بيني وَبَينهَا ... فنزلها البطحا ومنزلي الْقصر) (رَآنِي وَنِعما لاهيين فغالنا ... فشلت يَد الدَّهْر الخؤن وَلَا عذر) (فوَاللَّه مَا مكر الْعَدو كمكره ... وَلَكِن مكراً صاغه فَهُوَ الْمَكْر) (فقولا لأحداث اللَّيَالِي تمهلى ... وَيَا أيهذا الدَّهْر موعدك الْحَشْر) (سَلام على ذَاك الزَّمَان وطيبه ... وعيش تفضى لي وَمَا نبت الشّعْر) (فَتلك الرياض الباسمات كَأَنَّمَا ... عواتقها من سندس حلل خضر) (تنضد فِيهَا الأقحوان ونرجس ... كأعين نعم إِذْ يقابلها الثغر) (كَأَن غصون الْورْد قضب زبرجد ... تخال من الْيَاقُوت أعلامها الْحمر) (إِذا خطرت فِي الرَّوْض نعم عَشِيَّة ... تفاوح من فضلات أردانها الْعطر) (وَإِن سحبت أذيالها خلت حَيَّة ... إِلَى المَاء تسْعَى مَالا خمصها أثر) (كساها الْجمال اليوسفي ملابسا ... فأهون ملبوس لَهَا التيه وَالْكبر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 (فكم تخجل الأغصان مِنْهَا إِذا انْثَنَتْ ... وتغضى حَيَاء من لواحظها البتر) (لَهَا طرة تكسو الظلام دياجياً ... على غرَّة إِن أسفرت طلع الْفجْر) (وجيد من البلور أَبيض ناعم ... كعنق غزال قد تكنفها الذعر) (وَنحر يَقُول الدّرّ أَن بِهِ غنى ... عَن الحلى لَكِن بِي إِلَى مثله نقر) (وحقان كالكافور ناف علاهما ... من الند مِثْقَال فندبه الصَّبْر) (رويدك يَا كافور إِن قُلُوبنَا ... ضِعَاف وَمَا كل الْبِلَاد هِيَ الْمصر) (بدا الْقد غصنا باسقا متأودا ... على تقوى رمل يطوف بِهِ نهر) (يكَاد يدق الخصر من هيف بِهِ ... روادفها لَوْلَا الثقافة والخصر) (لَهَا بشر مثل الْحَرِير ومنطق ... رخيم الْحَوَاشِي لَا هراء وَلَا نزر) (رأتني سقيمانا حلا والها بهَا ... فأدنت لَهَا عود أناملها الْعشْر) (وغنت بِبَيْت يلبث الركب عِنْده ... حيارى بِصَوْت عِنْده يرقص الْبر) (إِذا كنت مطبوباً فَلَا زلت هَكَذَا ... وَإِن كنت مسحوراً أَفلا برىء السحر) (فَقلت لَهَا وَالله يَا ابْنة مَالك ... لما شفني إِلَّا القطيعة والهجر) (رمتني الْعُيُون البابليات أسهما ... فأقصدني مِنْهَا سهامكم الْحمر) (فَقَالَت وَأَلْقَتْ فِي الحشا من كَلَامهَا ... تأجج نَار أَنْت من ملكنا حر) (فوَاللَّه مَا أنسى وَقد بكرت لنا ... بإبريقها تسْعَى بِهِ القنة الْبكر) (تَدور بكاسات الْعقار كأنجم ... إِذا طلعت من برجها أفل الْبَدْر) (نداماي نعم والرباب وَزَيْنَب ... ثَلَاث شخوص بَيْننَا النّظم والنثر) (على الناي وَالْعود الرخيم وقهوة ... يذكرهَا ذَنبا لأقدامنا الْعَصْر) (فتقتص من ألبابنا وعقولنا ... فَلم ندر هَل ذَاك النعاس أم السكر) (مُعتقة من عهد عَاد وجرهم ... ومودعها الأدنان لُقْمَان والنسر) (مشعشعة صفراً كَأَن حبابها ... على فرش من عسجد ينثر الدّرّ) (إِذا أفرغت فِي الكاس نعم وَأُخْتهَا ... تشابه من ثغريهما الرِّيق وَالْخمر) (خلا أَن ريق الثغر أشفى لمهجتي ... إِذا ذاقه قلبِي الشجي برد الْجَمْر) (وأنفع درياق لمن قتل الْهوى ... فهات ارتشاف الثغران سمح الثغر) (بِهَذَا عرفنَا الْفرق مَا بَين كأسها ... وَبَين مدام الظُّلم إِن أشكل الْأَمر) (فوَاللَّه مَا أسلو هَواهَا على النَّوَى ... بلَى إِن سلا بذل الندى الْملك لقسر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 (أَبُو حسن زيد الْمَعَالِي والتقى ... لَهُ دون أَمْلَاك الورى الْمجد وَالْفَخْر) (إِذا مَا مَشى بَين الصُّفُوف تزلزلت ... لهيبته الْأَمْلَاك والعسكر المجر) (وترجف ذَات الصدع خوفًا لِبَأْسِهِ ... فتندك أطواد الممالك والقفر) (فَلَو قَالَ للبحر المحي أئت طَائِعا ... أَتَاهُ بِإِذن الله فِي السَّاعَة الْبَحْر) (كريم مَتى تنزل بأعتاب دَاره ... تَجِد ملكا يزهو بِهِ النهى وَالْأَمر) (تَجِد ملكا يُغني الْوُفُود وينجز الوعود ... وَأدنى بذله الدهم والشقر) (على جوده من وَجهه وَلسَانه ... دليلان للوفد البشاشة والبشر) (فَمَا أحنف حلماً وَمَا حَاتِم بِذِي ... وَمَا عنتر يَوْم الْحَقِيقَة مَا عَمْرو) (هُوَ الْملك الضَّحَّاك يَوْم نزاله ... إِذا مَا الجبان الْوَجْه قطبه السكر) (لقد قر طرف الدَّهْر مِنْهُ لِأَنَّهُ ... لَدَيْهِ النوال الحلو والقضب المر) (حَيَاة وَمَوْت للموالي وللعدا ... لقد جمعا فِي كَفه الْجَبْر وَالْكَسْر) (أنخ عِنْده يَا طَالب الرزق فَالَّذِي ... حواه أنوشر وَإِن فِي عينه النزر) (وَلَا تصغ للعذال أذناوان وفوا ... بأحسابهم مِنْهُم فَمَا العَبْد وَالْحر) (وَهل يَسْتَوِي عذب فرات مروق ... وملح أجاج لَا وَلَا التِّبْن والتبر) (فَلَو سَمِعت أذن العداة لمجده ... مزاياه لاستحيت وَلَكِن بهَا وقر) (مليك إِلَيْهِ الِانْتِهَاء وَقَيْصَر ... يقصر عَنهُ بل وكسرى بِهِ كسر) (مليك لَهُ عِنْد الاله مكانة ... تبوأها من قبله الْيَأْس وَالْخضر) (مليك لَهُ سر خَفِي كَأَنَّمَا يناجيه بِالْغَيْبِ ابْن دَاوُد والحبر ... ) (فَإِن كذبُوا أَعدَاء زيد فحسبه ... من الشَّاهِد المقبول قصَّته الْبكر) (ليَالِي إِذْ جَاءَ الخصى وَأَكْثرُوا ... أقاويل غي ضَاقَ ذرعا بهَا الصَّدْر) (فأيقظه من نَومه بعد هجعة ... من اللَّيْل بَيت زَاد فخراً بِهِ الشّعْر) (كَأَن لم يكن أَمر وَإِن كَانَ كَائِن ... لَكَانَ بِهِ أَمر نفا ذَلِك الْأَمر) (وَفِي طي هَذَا عِبْرَة لَا ولى النهى ... وذكرى لمن كَانَت لَهُ فطنة نفر) (فيا زيد قل للحاسدين تحفظُوا ... بغيظكم أَن لَا يطيعكم الصَّبْر) (فجدي كَمَا قد تعلمُونَ مؤثل ... وكل حمام الْبر يقنصها الصَّقْر) (من الْقَوْم أَرْبَاب المكارم والعلى ... ميامين فِي أَيْديهم الْعسر واليسر) (مساميح فِي الأولى مصابيح فِي الدجى ... تصالح فِي معناهم الْخَيْر وَالشَّر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 (أسنتهم فِي كل شَرق ومغرب ... إِذا وَردت زرق وَإِن صدرت حمر) (مساعير حَرْب والقنا متشاجر ... وَيَوْم الندى تبدو حجاججة غر) (وليدهم دَان الْمُلُوك لأَمره ... تَقول لبدر التم مَا أنصف الشَّهْر) (بنى حسن لَا أبعد الله داركم ... وَلَا زَالَ منهلاً بأرجائها الْقطر) (وَلَا زَالَ صدر الدست منشر حابكم ... فعنكم وُلَاة الْبَيْت ينشرح الصَّدْر) (وَصلى على الْمُخْتَار والآل رَبنَا ... وَسلم مَا لَاحَ السما كَانَ والنسر) قلت وَهَذِه قصيدة معمورة وَقد ذكرهَا ابْن مَعْصُوم فِي تَرْجَمَة الأنسي فَقَالَ أجَازه الشريف زيد عَلَيْهَا جَائِزَة سنية النّيل قلت كَانَت الْجَائِزَة على مَا سمعته ألف ذهب وعبداً وفرسا وَالذَّهَب الْوَاحِد عِنْدهم بِمَثَابَة ثلث القرش فِي بِلَادنَا وَقعد تعقبها ابْن مَعْصُوم وَأَنا قد ذكرت فِي النفحة أجوبة التعقبات الَّتِي تعقبها فَارْجِع إِلَيْهَا ثمَّة وَقَول الأنسي فِيهَا (كَأَن لم يكن أَمر وَإِن كَانَ كَائِن ... لَكَانَ بِهِ أَمر نفى ذَلِك الْأَمر) لهَذَا الْبَيْت قصَّة محلهَا هُنَا وَهُوَ أَنه لما كَانَ أثْنَاء سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وصل بشير الحبشي الطواشي الْمَار الذّكر فِي قدمة أولى لَهُ إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ أوَامِر سلطانية من السُّلْطَان مُرَاد بِأَنَّهُ مُطلق التَّصَرُّف وَكَانَ فِي ظَنّه أَن يعْزل الشريف زيدا من منصبه ويولى غَيره فورد الْخَبَر بوفاة السُّلْطَان مُرَاد فشاع الْخَبَر بينبع ثمَّ كتمه بشير ليتم لَهُ مَا أَرَادَ وَكَانَ الشريف زيد هيأ لبشير عدَّة أَمَاكِن من الْمدَارِس والبيوت وَأمر بفرشها وَكَانَ نِيَّته مواجهته إِلَى مر وَأرْسل بعض خُدَّامه لينبع ليرى من مَعَ بشير من الْخَيل وَالرِّجَال فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا سمع هَذَا الْخَبَر وتحققه فَرجع مسرعاً مجداً إِلَى الشريف زيد فَلَمَّا تحقق صِحَة الْخَبَر أَمر بتحويل الْفرش الَّتِي فرشت فِي تِلْكَ الْأَمَاكِن وغلق بَعْضهَا ثمَّ لما قَارب بشير مَكَّة خرج إِلَيْهِ الشريف زيد ولاقاه فِي سَبِيل الجوخى مَحل ملاقاة أَمِير الْحَاج فَلَمَّا قابله وَفِي ظن بشير أَن الْخَبَر لم يبلغهُ وَأَنه يتم لَهُ مَا أَرَادَ فَلَمَّا تقاربا ركض الشريف زيد بفرسه مُقبلا على بشير قَائِلا لَهُ رحم الله مَوْلَانَا السُّلْطَان مُرَاد فأسقط فِي يَد بشير وَبَقِي كالأسير وَكَانَ الشريف زيد قد رأى فِي الْمَنَام كَأَن شخصا ينشده هَذَا الْبَيْت كَانَ لم يكن إِلَى آخر الْبَيْت فانتبه وَكتبه بِالسِّوَاكِ على رمل فِي صحن نُحَاس خشيَة النسْيَان وَكَانَت هَذِه الرُّؤْيَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي أَسْفر صياحها عَن هَذَا الْخَبَر فنظم السَّيِّد أَحْمد صَاحب التَّرْجَمَة هَذِه القصيدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وأدرج فِيهَا هَذَا الْبَيْت انْتهى وَكَانَت وَفَاة الشريف زيد فِي يَوْم الثلاثا لثلاث خلون من محرم سنة سبع وَسبعين وَألف وَدفن بالمعلاة فِي قبَّة عَم وَالِده الشريف أبي طَالب وأسف النَّاس عيه وَقَامَ بعده أَصْغَر أَوْلَاده الشريف سعد كَمَا ذكرنَا ذَلِك مفصلا فِي تَرْجَمَة الشريف بَرَكَات فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِعَادَة وَكَانَت مُدَّة ولَايَة صَاحب التَّرْجَمَة خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة وشهراً وأياماً وَكَانَ متخلقا بالأخلاق الحميدة متصفاً بِالصِّفَاتِ الجميلة كثير الْحلم وَالصَّبْر والشفقة وَلم يضْبط عَلَيْهِ أَنه قتل شخصا بِغَيْر حق فِي هَذِه الْمدَّة وَكَانَت الأقطار فِي زَمَنه آمِنَة مطمئنة وَكَانَ أهل مَكَّة ينذرون لَهُ النذور يأْتونَ بهَا إِلَيْهِ خُصُوصا بعد وَفَاته فَإِن العقيدة فِيهِ أَكثر وَظهر أمره فِي الْعَالم وَقد رَآهُ بعض الصَّالِحين الثِّقَات فِي الْمَنَام بعد وَفَاته وَهُوَ قَائِم على بعض آبار مَكَّة وَبِيَدِهِ دلو عَظِيم يملؤه من تِلْكَ الْبِئْر ويصبه فِي الأَرْض فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي مَا هَذَا أَنا أَحَق بِهِ مِنْك فَقَالَ لَهُ مَا تقدر على ذَلِك أما ترى إِلَى هَذِه النَّار وَأَنا أطفيها وَرَآهُ بَعضهم أَيْضا فِي بُسْتَان كَبِير وَهُوَ جَالس متكىء وأمامه من الْجِهَة الْأُخْرَى بَحر عَظِيم وَهُوَ فِي غَايَة الصِّحَّة فَتقدم إِلَيْهِ وَقبل يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي خاطرك مَعَ أولادك وَمَعَ الرّعية فَقَالَ لَهُ أما أَوْلَادِي فَالله وَرَسُوله مَعَهم وَمَا كَانَ من الرّعية فهم راضون عَنْهُم وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد سَبْعَة من الذُّكُور أَحْمد وحسين وناصر مَاتُوا فِي حَيَاته وَورثه أَرْبَعَة حسن وَمُحَمّد يحيى وَأحمد وَسعد مرتبتهم فِي السن كرتبتهم فِي الذّكر وَمن الاناث عدَّة وأرخ وَفَاته الشَّيْخ أَحْمد بن أبي الْقَاسِم الحلى بقوله (مَاتَ كَهْف الورى مليك مُلُوك ... الأَرْض من لم يزل مدى الدَّهْر محسن) (فالمعالي قَالَت لنا أرخوه ... قد ثوى فِي الْجنان زيد بن محسن) زين بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِجعْل اللَّيْل صَاحب الْمَدِينَة المنورة أحد الْمَشَاهِير بِالْكَرمِ والباع الطَّوِيل فِي الْمعرفَة وَالْيَقِين ولد بِمَدِينَة روغة وَنَشَأ بهَا ورباه جده السَّيِّد الْكَبِير عقيل بن مُحَمَّد باحسن وألزمه أحسن الطَّرِيقَة وَصَحب الْعلمَاء وغاص مَعَهم ثمَّ رَحل إِلَى تريم وَأخذ عَن جمَاعَة ثمَّ ارتحل إِلَى الديار الْهِنْدِيَّة فَدخل بندر سورت وَأخذ بِهِ عَن شمس الشموس مُحَمَّد ابْن عبد الله العيدروس ثمَّ حج سنة سبع عشرَة بعد الْألف وَعَاد إِلَى تِلْكَ الديار ثمَّ لما مَاتَ شَيْخه العيدروس اجْتمع هُوَ بالوزير الْأَشْهر الْملك عنبر فقابله بالاكرام وحظى عِنْده كثيرا وأحبه بعض الوزراء ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَصَحب بهما جمَاعَة وَأخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 عَنهُ جمَاعَة وَطَابَتْ لَهُ طيبَة فاستوطنها ودانت لَهُ أهاليها وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق معرضًا عَن الاكتراث بمفاخر الدُّنْيَا حَلِيمًا إِلَى الْغَايَة أجمع أَصْحَابه أَنه لم يغْضب وَلَا دَعَا على أحد وَإِن تكلم فِيهِ بقدح أَو سبه وَمِمَّا يحْكى عَنهُ أَنه كَانَ عَادَته الِاغْتِسَال للصبح كل يَوْم من إبريق معد لذَلِك فاتفق أَنه كثر فِي بعض اللَّيَالِي مرق العشاق فطرحه غُلَامه فِي ذَلِك الإبريق فَلَمَّا أصبح نَاوَلَهُ الإبريق فاغتسل بِهِ فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ الْغُلَام أَنا الَّذِي طرحته فِي الإبريق فَلم يغْضب وَلم يُعَاقب الْغُلَام وَكَانَ كثير الْبَذْل والولائم وَكَانَ لَا يتَمَيَّز بِشَيْء عَن ضيفانه ويساوي نَفسه بخدمه وَكَانَ كَثِيرُونَ يحْضرُون وليمته وَلَا يعْرفُونَ صورته وَإِذا اجْتمع الْفُقَرَاء تَحت دَاره قسم الطَّعَام عَلَيْهِم بِيَدِهِ وَلَا يُمكن من ذَلِك أحدا من عبيده وَمن تواضعه أَن جمَاعَة من مشايخه أذنوا لَهُ فِي التَّحْكِيم والالباس فَلم يفعل ذَلِك إِلَّا نَادرا وَبِالْجُمْلَةِ فقد عَمت بركته أهل عصره وَكَانَ مَعَ كَثْرَة مَا يُنْفِقهُ من الْأَمْوَال لَا يعرف لَهُ مَعْلُوم وَلَا جِهَة ظَاهِرَة فَكَانَ ينْفق من الْغَيْب وَكَانَ يتستر بالسلف وَالدّين وَلما سمع ذَلِك بعض وزراء الْهِنْد من محبيه أرسل لَهُ مركبا مشحوناً لقَضَاء الدّين الَّذِي عَلَيْهِ وَوصل الْمركب بندر جدة فَكَانَ فِي يَوْم وُصُوله قد استوفى أَجله فتوفى وَكَانَت وَفَاته فِي سادس ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وَدفن بِالبَقِيعِ بِالْقربِ من قبه أهل الْبَيْت وقبره مَعْرُوف يزار رَحمَه الله تَعَالَى زين بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الحديلي بن مُحَمَّد ابْن حسن الطَّوِيل ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْفَقِيه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن علوي بن مُحَمَّد صَاحب مرباط اليمني الإِمَام الْعَالم الْعلم أحد فصحاء الْعلمَاء ولد بِمَدِينَة تريم سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَحفظ الْقُرْآن والجزرية والعقيدة الغزالية وَالْأَرْبَعِينَ النووية والإرشاد والقطر والملحة وَغير ذَلِك وَكَانَ فِي الْحِفْظ آيَة غَرِيب الضَّبْط للألفاظ قَالَ الشلي فِي تَرْجَمته وَكَانَ رفيقي فِي الطّلب أَخذ الْفِقْه عَن شَيخنَا عبد الله بن أبي بكر الْخَطِيب وَشَيخنَا عبد الله بن زين بافقيه وَأخذ الْعَرَبيَّة عَنْهُم وَقَرَأَ الحَدِيث على شَيخنَا أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب وَشَيخنَا أَحْمد بن عمر البيتي وَلَكِن غلب عَلَيْهِ الْفِقْه وَكَانَ لَهُ عناية تَامَّة بالإرشاد ثمَّ ارتحل إِلَى الْهِنْد وَاجْتمعَ فِيهَا بخال كَانَ لَهُ هُنَاكَ فَأكْرمه وَلما مَاتَ خَاله تَعب تعباً شَدِيدا فِي الغربة فَرجع قَافِلًا إِلَى وَطنه فَلم يجد حَظه فَخرج من ديار حَضرمَوْت إِلَى الْيمن وتدبر بندر المخاو ورد علينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 بِمَكَّة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف فَوَجَدته محافظاً عل الصُّحْبَة وَلم يزل سالكاً سَبِيل النجَاة حَتَّى توفّي بالمخا وَكَانَت وَفَاته فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى زين بن مُحَمَّد بن عَليّ بن زين بن عَليّ بن علوي خرد ابْن مُحَمَّد حميدان ابْن عبد الرَّحْمَن ابْن مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْوَلِيّ عبد الله باعلوي السَّيِّد الامام الْفَاضِل صَاحب الشَّأْن الرفعي ذكره الشلي وَقَالَ فِي تَرْجَمته ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب أكَابِر الْقَوْم مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن عقيل مديحيج وَالسَّيِّد الْكَبِير أَبُو بكر بن على معلم خردو السَّيِّد لكبير عبد الرَّحْمَن بن عقيل السقاف قَرَأَ من الققه ربع الْعِبَادَات واعتنى بِعلم التصوف وَأحكم علم الْبَاطِن والحقائق وَله كَلَام فِي علم الْحَقَائِق وَكَانَ مُنْقَطع القرين فِي الزّهْد ومعاملات الْقُلُوب مجاب الدُّعَاء كَبِيرا لقدر كثيرا الذّكر والفكر كَامِل الْعِنَايَة حسن السمت وافر الْعقل خيرا رَقِيق الْقلب سريع الدمعة مَاشِيا على طَريقَة السّلف من خشونة الْعَيْش واللباس وَترك التَّكَلُّف سليم الصَّدْر حَلِيمًا صبوراً وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرَة من العارفين وَصَحبه جمع قَالَ وَهُوَ شَيْخي فِي زمن الشَّبَاب وَلم يزل مواظباً على حسن طَرِيقَته إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل رَحمَه الله تَعَالَى زين بن مُحَمَّد بن أَحْمد الوترية ابْن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الحديلي وتتمة النّسَب مَذْكُورَة فِي تَرْجَمَة زين بن عمر الْمَذْكُور قبل الَّذِي قبل هَذِه الشَّيْخ الْكَامِل الْفَائِق الْأَوْصَاف ذكره الشلي أَيْضا وَقَالَ فِي تَرْجَمته ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن واشتغل حَتَّى برع فِي علم النَّحْو والتصريف وَأخذ بوطنه عَن خلق كثير من أَجلهم الشَّيْخ الْكَبِير عبد الله بن أَحْمد العيدروس ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ وَكَانَ يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وَصَحب وَالِده مُحَمَّد بن أَحْمد الشلي الْكَبِير وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف ابْن مُحَمَّد العيدروس وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد إِمَام السقاف ثمَّ رَحل إِلَى كثير من الأقطار وَدخل بندر عدن وَأخذ عَن جمَاعَة من العارفين ورحل إِلَى الوهط وَأخذ عَن الْعَارِف بِاللَّه عبد الله بن عَليّ وَحج وَأخذ بِمَكَّة عَن الزمزمي وَعبد الله بن سعيد باقشير وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطَّائِفِي وَأخذ الطَّرِيقَة عَن الشَّيْخ عبد الْهَادِي باليل وبالمدينة عَن القشاشي وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وَأخذ عَن الشَّيْخ زين بن عبد الله باحسن وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن علوي وَلبس الْخِرْقَة مِنْهُ أَيْضا وَمن الشَّيْخ عبد الله بن أَحْمد العيدروس ورحل إِلَى الْهِنْد فَأخذ عَن السَّيِّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 جَعْفَر الصَّادِق وَعَن جمَاعَة من الْحفاظ واعتنى وَتقدم بِحسن ذكائه وذوقه وَلحق دَرَجَة من هُوَ فَوْقه وَكَانَ لَهُ اعتناء بِعلم النَّحْو واللغة وَضبط الْأَلْفَاظ وَكَانَ كَرِيمًا حسن الْأَخْلَاق صبوراً مُحْتملا للأذى محكماً أَمر دينه ودنياه ذَا رَأْي رصين وعقل وافر وانتفع بِهِ جمَاعَة من أهل عصره وَلم يشْتَهر أحد من أقرانه اشتهاره وَكَانَت وَفَاته ببندر المحاسنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف زين الدّين بن أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ الشَّافِعِي الْحلَبِي الْمَعْرُوف بالأشعافي نزيل دمشق الْفَاضِل الأديب الْعَرُوضِي السائر ذكره ولد بحلب وَنَشَأ بهَا وَأخذ عَن جمَاعَة وَلما دخل الْبَهَاء الْحَارِثِيّ العاملي حلب أَخذ عَنهُ وبرع فِي عدَّة فنون وَألف وصنف وَمن جملَة تأليفاته شرح عَليّ الشفا وَله رسائل فِي الْعرُوض كَثِيرَة مِنْهَا بل الْقَلِيل فِي علم الْخَلِيل وعمدة النَّبِيل ورسالة بَين فِيهَا عرُوض أَبْيَات من شَوَاهِد النَّحْو سَهَا فِيهَا الْعَلامَة الْعَيْنِيّ فِي مُخْتَصر شرح الشواهد سَمَّاهَا التَّنْبِيهَات الزينية على الغفلات العينية قَالَ فِي ديباجتها وَكنت أَولا أنسب ذَلِك إِلَى تَحْرِيف النساخ إِلَى أَن وقفت على نُسْخَة قُرِئت عَلَيْهِ وَكتب خطه فِي مَوَاضِع مِنْهَا وَفِي آخرهَا إجَازَة بِخَطِّهِ فتصفحتها فَإِذا هِيَ مُشْتَمِلَة على مَا فِي النّسخ مِمَّا هُوَ خلاف الصَّوَاب وَولي نظر الْمدرسَة الطرنطائية دَاخل بَاب الْملك بحلب وتعرف الْآن بالأويسية لسكن الطَّائِفَة الاويسية بهَا ثمَّ خرج إِلَى الرّوم وَمكث بهَا ثمَّ دخل دمشق وَاسْتقر بهَا وانتفع بِهِ كثير من أَهلهَا فِي الْعرُوض وَغَيره وَذكره البديعي فِي ذكرى حبيب وَقَالَ فِي وَصفه وَكَانَ لَهُ مذاكرة تَأْخُذ بلب الصاحب ومحاضرات ترغب عَن محاضرات الرَّاغِب ورقة طبع تملك زِمَام قياده لكل ريم وتهيمه لكل وليديراه هيمانه بنسيم وَله شعر نضير مِنْهُ قَوْله (كتبت وأفكاري بحقك مزقت ... كَمَا قد بَدَت فِي الْحبّ كل ممزق) (وَلَو حم لي التَّوْفِيق كنت تركته ... ولكنني أَصبَحت غير موفق) (إِذا قيل أَشْقَى النَّاس من بَات ذَا هوى ... فَلَا تنكرن هَذَا الْمقَال وَصدق) وَهَذَا كَقَوْل الآخر (سَأَلتهَا عَن فُؤَادِي أَيْن مَسْكَنه ... فَإِنَّهُ ضل عني عِنْد مسراها) (قَالَت لدي قُلُوب جمة جمعت ... فأيها أَنْت تبغي قلت أشقاها) وَكتب لبَعض أَصْحَابه يعزيه عَن نعل لَهُ ضَاعَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 (تعز أخي إِن كنت مِمَّن لَهُ عقل ... وَلَا تبد أحزانا إِذا ذهبت نعل) (وَلَا تعتب الدَّهْر الخؤون فدأبه ... لعقد اجْتِمَاع الشمل دون الورى حل) (لحى الله دهرا لَا يزَال مُولَعا ... بتكدير صفو الْعَيْش مِمَّن لَهُ فضل) (يفرق حَتَّى شَمل رجل ونعلها ... أَشد فِرَاق لَا يرى بعده شَمل) (فَمَا شِئْت فَاصْنَعْ مَا اللبيب بجازع ... وَلَا تَارِك صفوا وَلَو زلت النَّعْل) (بحقك قُم نسعى إِلَى الراح سحرة ... نجدد أفراجا لكل صدا تجلو) (إِلَى دَار لذات وَروض مَسَرَّة ... لرحب فناها من غصون المنى ظلّ) وَقد أورد لَهُ هَذِه الأبيات الخفاجي فِي تَرْجَمته وَذكره معارضات وَقعت لَهَا فِي هَذَا الْخُصُوص وَقد تَرْجمهُ الشهَاب تَرْجَمَة لَطِيفَة وَكَانَ فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف مَوْجُود فِي الْحَيَاة فَأَنِّي قَرَأت بِخَطِّهِ فِي آخر رِسَالَة التَّنْبِيهَات أَنه فرغ من كاتبها يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشرى صفر سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف ثمَّ أَخْبرنِي بعض الحلبيين مِمَّن يعرفهُ أَنه توفّي فِي حُدُود سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَأَرْبَعين بعد الْألف وَالله أعلم زين الدّين بن حُسَيْن بن الْفَقِيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَاج با فضل التريمي قَالَ الشلي فِي تَرْجَمته شيخ مَشَايِخنَا الإِمَام الْمَشْهُور ذُو الْأَحْوَال الشهيرة ولد بِمَدِينَة تريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَغَيره واشتغل فِي أَنْوَاع الْعُلُوم أَخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن إِسْمَعِيل با فضل وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَغَيرهمَا وتصوف على وَالِده حُسَيْن وَسمع مِنْهُ ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ وَأخذ عَن السَّيِّد الْجَلِيل عمر بن عبد الله العيدروس وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وجد فِي الإشتغال حَتَّى صَار أوحد زَمَانه وانتصب للأقراء والتدريس وإنتفاع النَّاس وبرع فِي الْعُلُوم وتميز وطار اسْمه واشتهر ورحل النَّاس إِلَيْهِ للأخذ عَنهُ وَأثْنى عَلَيْهِ فضلاء عصره طبقَة بعد طبقَة وَمِمَّنْ انْتفع بِهِ الإِمَام زين العابدين وَالسَّيِّد علوي بن عبد الله وَشَيخنَا شقاف بن مُحَمَّد العيدروسيون وسيدي الْوَالِد الْوَالِد وَشَيخنَا أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَغير هَؤُلَاءِ وَأكْثر عُلَمَاء تريم الَّذين أدركناهم بهَا من طلبته وَكَانَت سيرته أحسن سيرة قَوِيا من عنف لينًا من ضعف لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم مهابا أمره كُله جد لَا يكَاد يرى لَيْلًا أَو نَهَارا فِي غير عمل صَالح وَهُوَ لعمري جدير بِكُل نعت جميل وثناء حسن ومناقبه مَشْهُورَة وترجمته تِلْمِيذه السَّيِّد شيخ بن عبد الله العيدروس فِي السلسلة وَقَالَ كَانَ متفننا فِي جَمِيع الْعُلُوم مستشارا فِي المعضلات وَاحِد عصره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وأوانه وَكَانَ فِيهِ خمس خلال مَعَ خمس قل أَن تَجْتَمِع فِي أحد تواضع مَعَ شرف وهمة مَعَ فقر وفور عقل مَعَ سَلامَة صدر وَفقه مَعَ تصوف ورقة طبع مَعَ صلابة دين وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وعمره نَحْو السّبْعين زين الدّين بن مُحَمَّد بن حسن بن زين الدّين الشَّهِيد الشَّامي العاملي تقدم ذكر جده وزين الدّين هَذَا أحد فضلاء الزَّمَان ذكره صَاحب السلافة وَقَالَ فِي تَرْجَمته زين الْأَئِمَّة وفاضل الْأمة وملث غمام الْفضل وَكَاشف الْغُمَّة شرح الله صَدره للعلوم شرحا وَبنى لَهُ من رفيع الذّكر فِي الدَّاريْنِ صرحا إِلَى زهد أسس بُنْيَانه على تقوى وَصَلَاح آهل بِهِ ربعه فَمَا أقوى وآداب تحمر خدود الْورْد من أنفاسها خجلا وشيم أوضح بهَا غوامض مَكَارِم الْأَخْلَاق وجلا رَأَيْته بِمَكَّة والفلاح يشرق من محياه وَطيب الأعراق يفوح من نشر رياه وَمَا طَالَتْ مجاورته بهَا حَتَّى وافاه الْأَجَل وانتقل من جوَار حرم الله إِلَى جوَار الله عز وَجل وَله شعر خلب بِهِ الْعُقُول وسحر وحسدت رقته أنفاس نسيم السحر ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله من قصيدة فِي الْمَدْح مطْلعهَا (شام برقا لَاحَ بالأبرق وَهنا ... فصبا شوقا إِلَى لجزع وحنا) (وَجرى ذكر أثيلات النقا ... فَشكى من لاعج الوجد وَأَنا) (دنف قد عاقه صرف الردى ... وخطوب الدَّهْر عَمَّا يتَمَنَّى) (شفه الشوق إِلَى بَان اللوى ... فغدا منهمل الدمع معنى) (أسلمته للردى أَيدي الأسى ... عِنْد مَا أحسن بِالْأَيَّامِ ظنا) (طالما أمل المام الْكرَى ... طَمَعا فِي زورة الطيف وأنى) (كلما جن الدجى حن إِلَى ... زمن الْوَصْل بأبدى مَا أجنا) (واذاهب نسيم من رَبًّا ... حاجر أهْدى لَهُ سقما وحزنا) (يَا عريبا بالحمى لولاكم ... مَا صبا قلبِي إِلَى ربع ومغنى) (كَانَ لي صَبر فأوهاه النَّوَى ... بعدكم يَا جيرة الْحَيّ وأفنى) (قَاتل الله النَّوَى كم قرحت ... كبدا من ألم الشوق وجفنا) (كدّرت مورد لذاتي وَمَا ... تركت لي من جميل الصَّبْر ركنا) ( ... قطعت أفلاذ قلبِي والحشا ... وكستني من جليل السقم وَهنا) (فالي كم أشتكي جور الْهوى ... وأقاسي من هوى ليلى ولبنى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 (قد صَحا قلبِي من سكر الْهوى ... بعد مَا أزعجه السكر وعبى) (ونهاني عَن هوى الغيد النهى ... وحباني الشيب إحسانا وحسنا) (وتفرغت إِلَى مدح فَتى ... سنة الْمَعْرُوف والأفضال سنا) وَله من قصيدة أُخْرَى مستهلها (سئمت لفرط تنقلي الْبَيْدَاء ... وَشَكتْ لعظم ترحلي الأنضاء) (مَا إِن أرى فِي الدَّهْر غير مُودع ... خلا وتوديع الْخَلِيل عناء) (أبلى النَّوَى جلدي وأوقد فِي الحشا ... نيران وجد مَالهَا إطفاء) (فقدت لطول الْبَين عَيْني ماءها ... فبكاؤها بدل الدُّمُوع دِمَاء) (فَارَقت أوطاني وَأهل مودتي ... وحبائبا غيدا لَهُنَّ وَفَاء) (من كل مائسة القوام إِذْ أبدت ... لجمال بهجتها تغار ذكاء) (مَا أسفرت وَاللَّيْل مرخ ستره ... أَلا تهتك دونهَا الظلماء) (ترمي الْقُلُوب بأسهم تصمى وَمَا ... لجراحهن سوى الْوِصَال دَوَاء) (شمس تغار لَهَا الشموس مضيئة ... وَلها قُلُوب العاشقين سَمَاء) (هيفاء تختلس الْعُقُول إِذا رنت ... فَكَأَنَّمَا لحظاتها الصَّهْبَاء) (ومعاشر ماشان صدق ولائهم ... نقض العهود وَلَا الوداد مراء) (مَا كنت أَحسب قبل يَوْم فراقهم ... أَن سَوف يقْضِي بعد ذَاك بَقَاء) (فسقى رَبِّي وَادي دمشق وجادها ... من هاطل المزن الملث حَيَاء) (فِيهَا أهيل مودتي وبتربها ... لجليل وجدي والسقام شِفَاء) (ورعى ليالينا الَّتِي فِي ظلها ... سلفت ومقلة دَهْرنَا عمياء) (أَتَرَى الزَّمَان يجود لي بايابها ... وَيُبَاح لي بعد البعاد لِقَاء) (فَإلَى مَتى يَا دهر تصدع بالنوى ... أعشار قلب مَا لَهُنَّ قواء) (وتسومني فِيك الْمقَام بذلة ... ولهمتي عَمَّا تسوم إباء) (فَأَجَابَنِي لَوْلَا التغرب مَا ارْتقى ... رتب الْمَعَالِي قبلك الْآبَاء) (فاصبر على مر الخطوب فَإِنَّمَا ... من دون كل مَسَرَّة ضراء) (واترك تذكرك الشآم فَإِنَّمَا ... دون الشآم وَأَهْلهَا بيداء) وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ شَاعِر متفوق وشعره يدل على قُوَّة طبعه وصمادة فكره وَكَانَت وَفَاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 زين العابدين بن أبي الْجُود الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره مِمَّن جد واجتهد فِي التَّحْصِيل حَتَّى برع وَقَرَأَ الْكثير وَضبط أَكثر تخرجه بالشيخ مُحَمَّد بن على الحرفوشي الحريري وَكَانَ يصاحبه ويطارحه كثيرا وَجمع كتبا كَثِيرَة وَكَانَ لَهُ رِوَايَة وَاسِعَة فِي أَخْبَار السّلف وَمَا جرياتهم لَكِن رُبمَا نسب فِي بَعْضهَا إِلَى الْكَذِب وَغلب عَلَيْهِ فِي آخر عمره الكيف حَتَّى استغرق وَرُبمَا كَانَ يمر فِي طَرِيق من الطرقات فيغلب عَلَيْهِ نُعَاس الكيف فينام وَهُوَ قَائِم على قَدَمَيْهِ فَلَا يفِيق إِلَّا بعد زمَان طَوِيل وَكَانَ كثير من السراق يترقبون نعسته وَهُوَ فِي مَكَان مُنْفَرد فَيَأْخُذُونَ شَيْئا من ملبسه وَكَانَ فِيهِ تساهل فِي أَمر الدّين وَسمعت من لَفظه مرَارًا وَقد ذكر لَهُ صديق كَانَ يألفه وَكَانَ من أهل الْأَهْوَاء ثمَّ سُئِلَ عَن سَبَب الِاتِّحَاد بَينهمَا فَقَالَ لم يكن ثمَّة عِلّة إِلَّا الْإِلْحَاد وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ ابْن وقته يتَصَرَّف فِي مَجْلِسه كَيفَ شَاءَ وَعمر ونادم أَعْيَان الْفُضَلَاء والكبراء وَصلح حَاله آخرا بعض الصّلاح وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَائِل سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة وَدفن بمقبرة بَاب الفراديس زين العابدين بن زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مفرج الْغَزِّي العامري الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الفرضي الشَّافِعِي وَقد تقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة عَمه أبي الطّيب وَكَانَ زين العابدين هَذَا من فضلاء وقته وَله التفوق فِي علمي الْفَرَائِض والحساب أَخذ عَن عَمه النَّجْم الْغَزِّي وَعَن غَيره وَكَانَ عَمه الْمَذْكُور مَعَ تبحره فِي الْعُلُوم ومكانته الَّتِي ظَهرت فِيهَا كثيرا لمراجعة لَهُ فِيمَا يتَعَلَّق بالفرائض وَلما مَاتَ وَالِد زَكَرِيَّا كَانَ إِمَامًا بالجامع الْأمَوِي فوجهت إِلَيْهِ وَهِي الْآن بَاقِيَة فِي أَوْلَاده وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد وَهُوَ مَحَله لما كَانَ فِيهِ من الصّلاح وَاجْتنَاب مَا لَا يعنيه واعتنائه بِأُمُور الشَّرِيعَة وَبِالْجُمْلَةِ فَهَؤُلَاءِ بَيت مبارك وَكلهمْ صلحاء أتقياء وَهَذَا من وُجُوههم وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَان عشرَة بعد الْألف وَتُوفِّي فِي خَامِس رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة أجداده بني الْغَزِّي فِي تربة الشَّيْخ أرسلان رَحمَه الله تَعَالَى زين العابدين بن عبد الرؤوف بن تَاج العارفين بن عَليّ بن زين العابدين بن يحيى ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مخلوف بن عبد السَّلَام الحدادي ثمَّ الْمَنَاوِيّ القاهري الشَّافِعِي الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الاستاذ الْكَبِير ولد الإِمَام الْكَبِير الْمَنَاوِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 شَارِح الْجَامِع الصَّغِير الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ زين العابدين هَذَا عَالما متعبداً ورعاً خَاشِعًا نَشأ فِي حجر وَالِده وَحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وعدة متون وَهُوَ ابْن عشر مِنْهَا الزّبد لِابْنِ أرسلان والتحفة الوردية فِي النَّحْو وَكتاب الْإِرْشَاد فِي النَّحْو للسعد التَّفْتَازَانِيّ وَغَيرهَا وعرضها على مَشَايِخ عصره كَالشَّمْسِ مُحَمَّد الرَّمْلِيّ ثمَّ بعد وَفَاة الرَّمْلِيّ انْتقل إِلَى الشهَاب أَحْمد الشربيني الْخَطِيب وَالشَّيْخ حراز الغمري واشتغل بِعلم الْعَرَبيَّة على الشَّيْخ عبد الْكَرِيم البولاقي وبالأصول على الشَّمْس مُحَمَّد المأموني وألتى برمق وعرب زَاده قَاضِي مصر وَأخذ التَّفْسِير والْحَدِيث والجفر والمواليد والحساب والهندسة عَن الْعَلامَة عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي والْحَدِيث عَن الحافظين أبي النحا سَالم السنهوري والشهاب أَحْمد المتبولي وَعَن القَاضِي بدر الدّين الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي وَأَجَازَهُ كل مِنْهُم بمروياته ثمَّ سلك طَرِيق التصوف فَأخذ طَرِيق الخلوتية عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ صَالح مُحَمَّد تركي الخلوتي وَشَيخ الطَّرِيق أَحْمد العجمي وَالشَّيْخ خطر الخواطري العجمي وَالشَّيْخ عبد الله الرُّومِي وَالشَّيْخ مُحَمَّد اليوناني وَالشَّيْخ محرم الرُّومِي وَغَيرهم ثمَّ لَازم الْخلْوَة واشتغل حَتَّى صَار لَا يرى إِلَّا مُصَليا أَو ذَاكِرًا وَيقوم اللَّيْل كُله حَتَّى ظَهرت عَلَيْهِ خوارق وأحوال كَثِيرَة وانتفع بِهِ على صغر سنه جمَاعَة وَكَانَ من اللين وسعة الصَّدْر وَالِاحْتِمَال على جَانب عَظِيم وَكَانَ يرى النَّبِي وَهُوَ جَالس فِي ورده وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره أرْسلهُ وَالِده لمصْلحَة وَهُوَ مراهق فَمر بِابْن العظمة الْآتِي ذكره وَهُوَ لَا يعرفهُ فناداه يَا زين العابدين فَتقدم إِلَيْهِ فَوضع فِي فِيهِ قلب خس وَقَالَ اذْهَبْ فقد خصصناك وَكَانَت الْأَرْوَاح تألفه والأولياء تعرفه ويدخلون عَلَيْهِ لَيْلًا فِي مَحَله من خلال الشبابيك ويجلسون مَعَه ويخبرونه بِأُمُور لَا تتخلف من جُمْلَتهمْ الشَّيْخ شاه ولي العجمي كَانَ يدْخل عَلَيْهِ كثيرا من الشباك ويتعشى مَعَه وَاجْتمعَ بالقطب مرَارًا وَكَانَ فِي ابداء أمره يرى أنوارا وَيسمع كلَاما وأخبارا فَتَارَة يرى كنور الْقَمَر وَتارَة كنور الشَّمْس وَتارَة فتائل وقناديل ورؤس شمع موقودة بِهِ تسْقط عَلَيْهِ وَيرى منامات عالية الْمِقْدَار وَمن خوارقه أَن الإِمَام الشَّافِعِي كَانَ يخاطبه من قَبره وَكَانَ فِي بعض الأحيان يخرج يَده من الْقَبْر وَيَضَع لَهُ فِي يَده شَيْئا قَالَ وَمَا زرته يَوْمًا إِلَّا وَرَأَيْت عِنْد قُبَّته نهرين على أَحدهمَا حمامة بَيْضَاء وعَلى الآخر حمامة خضراء وَكَانَ يرى جده الشّرف يحيى الْمَنَاوِيّ وَهُوَ جَالس فِي قَبره وَعَلِيهِ ثِيَاب سود وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 يكلمهُ ويباسطه وَيَدْعُو لَهُ وَحدث الحمصاني وَهُوَ أحد الْمَشَايِخ قَالَ رَأَيْت طعيمة الصعيدي الْمصْرِيّ وَهُوَ من كبار الْأَوْلِيَاء فِي عَالم الْأَرْوَاح وأمامه إِنْسَان كالنور أَو نور كالإنسان قلت مَا هَذَا قَالَ زين العابدين الْمَنَاوِيّ قد وكل بِأَهْل البرزخ وَله تآليف كَثِيرَة مِنْهَا شرح على تائية ابْن الفارض وَشرح الْمشَاهد لِابْنِ عَرَبِيّ وَله حَاشِيَة على شرح الْمِنْهَاج للجلال الْمحلي وَشرح على الأزهرية وَجمع فتاوي جده شيخ الْإِسْلَام يحيى الْمَنَاوِيّ وجرد حَاشِيَة جده الْمَذْكُور على شرح الْبَهْجَة للعراقي وحاشيته على الرَّوْض الْأنف لِلسُّهَيْلِي وَله عدَّة رسائل مِنْهَا مَا كمل وَمِنْهَا مَا لم يكمل وأخباره وكراماته كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته صَبِيحَة يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَلم يمرض بل شكى بعد تنَاول الطَّعَام وَدخل فرَاشه إِلَى الْفجْر ثمَّ تَوَضَّأ وَصلى فَقضى عَلَيْهِ وَصلى عَلَيْهِ جمع حافل بِجَامِع الْأَزْهَر يَوْم الْأَرْبَعَاء وَدفن بَين الوليين العارفين الشَّيْخ أَحْمد الزَّاهِد وَالشَّيْخ مَدين الأشموني وَقَالَ الشَّيْخ عَليّ العاملي أحد عدُول محكمَة بَاب الشعرية فِي تَارِيخ وَفَاته (مَاتَ الإِمَام الْعَالم المتقي ... العابد الزَّاهِد عين الزَّمَان) (من كَانَ زين العابدين الَّذِي ... حَاز الْمعَانِي ببديع الْبَيَان) (فرحمه الله على روحه ... وذاته مَا أشرق النيرَان) (ومذ توفّي صَحَّ تَارِيخه ... أَمْسَى الْمَنَاوِيّ خَالِدا بالجنان) وَقَالَ أَيْضا (لقد توفّي الحبر بَحر التقى ... اللوذعي الْعُمْدَة الْفَاضِل) (لما توفّي جَاءَ تَارِيخه ... مَاتَ الْوَلِيّ الْعَارِف الْكَامِل) والحدادي والمناوي سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِمَا فِي تَرْجَمَة وَالِده عبد الرؤوف زين العابدين بن عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ الْحُسَيْنِي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي إِمَام الْمقَام الإبراهيمي الإِمَام ابْن الإِمَام مولده بِمَكَّة لَيْلَة ثامن عشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف كَمَا وجد ذَلِك بِخَط وَالِده وَنَشَأ وَحفظ القرأن وَأخذ عَن وَالِده وَعَن أكَابِر شُيُوخ الْحَرَمَيْنِ مِنْهُم الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الحصاري المعمر الَّذِي ولد فِي مستهل رَجَب سنة عشر وَتِسْعمِائَة وَأَجَازَ صَاحب التَّرْجَمَة مشافهة بِمَكَّة ختام عَام إِحْدَى عشرَة بعد الْألف وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه وَعنهُ أَخذ السَّيِّد مُحَمَّد الشلي باعلوي وَشَيخنَا الْحسن ابْن عَليّ العجيمي الْمَكِّيّ فسح الله فِي أَجله وَغَيرهمَا من الأفاضل وَله شعر لطيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 مِنْهُ قَوْله (غارت بدور التم من كاعب ... هام بهَا المفستون بَين الْأَنَام) (رنت بِطرف فاتر ناعس ... يرشق من ألحاظه بِالسِّهَامِ) (بديعة الشكل وَلكنهَا ... بعيدَة الْوَصْل على المستهام) (يود لوزار حماها على ... رغم العدا مختفياً فِي الظلام) (هَذَا ورؤياه إِلَى وَجههَا ... غَايَة مَا يحظى بِهِ وَالسَّلَام) وَله معومى فِي حسام (وسَاق كبدر التم فِي غسق الدجى ... يَدُور بأكواب ويرقص كالغصن) (فأفديه من سَاق سما فِي سما البها ... عَلَيْهِ إِذا مَا دَار تَاج من الْحسن) وَبَينه وَبَين القَاضِي تَاج الدّين الْمَالِكِي الْمُقدم ذكره وَغَيره من أفاضل المكيين مطارحات يطول ذكرهَا وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة بعد شروق يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَدفن بعد صَلَاة الْعَصْر بالمعلاة فِي تربة آبَائِهِ وَنسب بني الطَّبَرِيّ وشرفهم وَقد بَيتهمْ سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة الإِمَام عبد الْقَادِر إِذْ هُوَ أشهر هَذَا الْبَيْت من أبنائه الْمَذْكُورين فِي كتَابنَا هَذَا والشهرة تَقْتَضِي مزِيد الإعتناء والأفكار تنساق لنَحْو الْمَشْهُور كثيرا وَلم يتَقَدَّم مِنْهُم مَعنا إِلَّا زين العابدين هَذَا وَهُوَ لبس من الشُّهْرَة بِمحل وَالِده وَالله أعلم زين العابدين بن مُحَمَّد بن عَليّ الْبكْرِيّ الصديقي القاهري الشَّافِعِي الْأُسْتَاذ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى قَامَ مقَام أَبِيه من بعده ودرس وَأفْتى وَأفَاد وَكَانَ فِي مصر مَالك أزمة الوجاهة وسالك رُتْبَة البراعة واليراعة وَألف التآليف الْحَسَنَة الْوَضع وَأشهر مَاله من المؤلفات رِسَالَة إِلَّا ترج وَكَانَ أَخُوهُ أَبُو السرُور الْمُقدم ذكره من الْعلمَاء إِلَّا أَنه لم يبلغ دَرَجَة زين العابدين فِي التصوف والتكلم بِلِسَان الْمعرفَة وروى أَن والدهما الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ لخادمة لَهُ نَادَى لي زين العابدين فَذَهَبت وَنَادَتْ ابا السرُور فَقَالَ لَهَا بعد أَن خرج نَادِي لي زين العابدين فأنك إِذا ناديتيه وَلم تنادى أحدا غَيره فَأَنت حرَّة فَذَهَبت وَنَادَتْ زين العابدين قَالَت فَلَمَّا دخل على وَالِدَة قَالَ لَهُ اجْلِسْ وأملى عَلَيْهِ شيثا ثمَّ قَالَ لَهُ فهمت فهمت قَالَ نعم قَالَ قُم الْآن فَلَمَّا توفّي وَالِده ظهر بِمَا ظهر بِهِ من المعارف والحقائق وَذهب كثير من أهل مصر وَغَيرهم إِلَى أَن بدايته كَانَت نِهَايَة أَبِيه وَقد أَخذ الْعلم عَن وَالِده وَغَيره وَشَيْخه الْمُخْتَص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 بتعليمه الشَّيْخ بدر الدّين البرديني وتأخرت وَفَاته عَنهُ وانتهت إِلَيْهِ الرياسة بِالِاسْتِحْقَاقِ الذاتي وَكَانَ عَالما بارعا فِي الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير وعلوم البلاغة وَله شعر لطيف سَائِغ فَمِنْهُ قَوْله (محب لحر الْوَجْه فِي الترب مرغا ... وصب من الأجفان حَقًا تفرغا) (أماط الْهوى عَنهُ نقاب سلوه ... وأرخى عَلَيْهِ السّتْر لَيْلًا وأسبغا) (فيا حاد يَا ركب الملاح ترفقا ... وقصا نباه عِنْد سعدى وبلغا) (وقولا رَأينَا من تعد ضلوعه ... غراما وَمن نَالَ الضنى مِنْهُ مبلغا) وَقَوله (ومجلس لَذَّة أَمْسَى وجيها ... يضيء كَأَنَّهُ بدر مُنِير) (تجمع فِيهِ مشموم وَرَاح ... وأوتار وولدان وحور) (تجمعت الْحَواس الْخمس فِيهِ ... بِخمْس يستتم بهَا السرُور) (فَكَانَ الضَّم قسم اللَّمْس فِيهِ ... وَقسم الذَّوْق كاسات تَدور) (وللسمع الأغاني والغواني ... لاعيننا وللشم البخور) وَقَوله فِي القهوة (أَن تشرب القهوة فِي حانها ... فاللطف قد حف بندمانها) (حَان حكى الْجنَّة فِي بسطها ... برقة الْعَيْش وإخوانها) (بِمَائِهَا نغسل أكدارنا ... ونحرق الْهم بنيرانها) (لاهم يبْقى لَا وَلَا غم إِذْ ... قابلك الساقي بفنجانها) (يَقُول من أبْصر كَانُوا بهَا ... أُفٍّ على الْخمر وادنانها) (شراب أهل الله فِيهَا الشفا ... جَوَاب من يسْأَل عَن شانها) وَقَوله فِيهَا أَيْضا (اسقنا قهوة غدافية اللَّوْن ... حَلَالا تفرج الْهم عَنَّا) (وأدرها من خَالص اللَّبن صرفا ... لَا تشب حسنها بِغَيْر فتنا) (وَاتبع قَول أِشرف الرُّسُل حَقًا ... قَالَ قولا من غَشنَا لَيْسَ منا) وَذكره الخفاجي فَقَالَ فِي وَصفه تعَاطِي حِرْفَة الزهاده وَفتح حَانُوت السجادة وَادّعى الكرامات وقص منامات لَهَا الْكرَى مَاتَ وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَن النَّاس خَرجُوا للدُّعَاء بالاستسقا وَقدر رعى الْقَحْط الْبِلَاد فَلم يدع ثمرا وَلَا وَرقا والجو بالغمام مطبق وجفن السحب بدمع الْقطر مغرق فَلَمَّا دَعَا تجلى وَعَبس وَتَوَلَّى فَقُمْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 على سَاق الارتجال وأنشدت أَصْحَابِي فِي الْحَال (وَولي قطب لرب السَّمَاء ... أسْرع الصحو إِذْ دَعَا بِالْمَاءِ) (فِي صُرَاخ وأدمع هُوَ يُغني ... عَن رعو منهلة الأنواء) (فَكَأَن السَّحَاب كَانَ مَرِيضا ... مَاتَ لما دَعَا بالاستسقا) انْتهى قلت ذكره بِهَذَا الاسلوب من الشهَاب اسمج السمج وَالْحَامِل لَهُ على ذَلِك الْحَسَد لتصور مَا كَانَ عَلَيْهِ المترجم من الاقبال وَإِلَّا فالشهاب لَيْسَ من أقرانه بِحَسب الْوُجُود أما فِي حَيَاة المترجم فمعلوم ضَرُورَة أَن الخفاجي كَانَ إِذا ذَاك فِي ابْتِدَاء طلوعه وغضارته وَلَيْسَ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي أَمر وَأما بعد مَوته فَإِنَّهُ وَإِن ولي قَضَاء مصر لكنه لم يبلغ بعض مَا بلغ ذَاك من الْحُرْمَة والهيبة وأنى لَهُ وَلَو سلم هَذَا فَمَا الْمُقْتَضى لحسد رجل فَاتَ وولعت بِهِ أَيدي الْآفَات وَمَا ذكره وَقع قَرِيبا فِي بَلْدَتنَا دمشق مَا يُشبههُ وَذَلِكَ أَنهم خَرجُوا يستسقون فَلم يسقوا وَاتفقَ فِي ذَلِك الْيَوْم مجئ مظْلمَة سلطانية فَقَالَ فِي ذَلِك شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ النابلسي (خَرجُوا ليستسقوا الْغَدَاة فأمطروا ... سحب الجرائم من سما الْحُكَّام) (ودعوا فحين تصدعت أنفاسهم ... ردّت منكسة من الآثام) (وَلَو استقاموا فِي الْأُمُور تَتَابَعَت ... نعم الْإِلَه ومنة الْإِسْلَام) (إِن السِّهَام إِذا تعوّج نصلها ... عَادَتْ فأثر عودهَا بالرامي) عودا وَبلغ صَاحب التَّرْجَمَة فِي آخر أمره من الْجَلالَة ونفوذ الْكَلِمَة مبلغا لَيْسَ لَا حد وَرَاءه مطمع حَتَّى خشيَة حكام مصر وَكَانُوا يدارونه ويتوقعون رِضَاهُ إِلَى أَن ولي قَضَاء مصر الْمولى عبد الْوَهَّاب الْآتِي ذكره فَوَقع بَينهمَا فِي شَيْء فَعرض فِيهِ إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد ثَالِث شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث عشرَة وَألف طلع إِلَى إِبْرَاهِيم باشا بعد الْعَصْر على عَادَته فأحضر السماط ثمَّ القهوة فَلَمَّا أكلُوا وَشَرِبُوا خر زين العابدين مغشيا عَلَيْهِ وَحمل إِلَى بَيته فَمَاتَ هَذَا هُوَ المستفيض على أَلْسِنَة المؤرخين وروى بَعضهم أَن مَوته كَانَ خنقا أَو غَيره وَأَنه طرح على بَاب قلعة الْجَبَل واشتهر ذَلِك فِي دمشق فَبنى عبد الْحق بن مُحَمَّد الْحِجَازِي الدِّمَشْقِي قَوْله فِي رثائه عَلَيْهِ وأبياته هِيَ هَذِه (لم يهدموا أَرْكَان مصر وَإِنَّمَا ... هدموا بقتلك قبَّة الْإِسْلَام) (وتناوشتك يَد الْكلاب وطالما ... خضعت لغزك صولة الضرغام) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 (فسقى ثراك سَحَابَة قدسية ... تهمى عَلَيْك برحمة وَسَلام) وَلم يبْق إِبْرَاهِيم باشا بعده إِلَّا أَيَّامًا قَليلَة حَتَّى وَقع بَينه وَبَين عَسَاكِر مصر فَقَتَلُوهُ وحملوا رَأسه على رمح وطوفوا بِهِ مصر كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته وعوقب بذلك على الجراءة على قتلة صَاحب التَّرْجَمَة الله أعلم زين العابدين بن محيي الدّين بن ولي الدّين بن جمال الدّين يُوسُف بن زَكَرِيَّا أبي يحيى بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ السنيكي الشَّافِعِي الإِمَام الْفَاضِل الْعَالم الْعَامِل كَانَ أحد عباد الله تَعَالَى الصَّالِحين والإجلاء المعتقدين المخصوصين بالأخلاق الرضية والشمايل البهية المرضية ولد بِمصْر ضحى يَوْم الْخَمِيس خَامِس شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَألف وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وتلاه بالتجويد واعتنى بِهِ قِرَاءَة وفهما وَكِتَابَة ورسما واشتغل فِي عنفوان شبابه بِالطَّلَبِ وَأخذ عَن وَالِده ولازم أكَابِر شُيُوخ عصره وشارك الشبراملسي فِي كثير من شُيُوخه ثمَّ لَازمه مُلَازمَة الجفن للعين وَكَانَ الشبراملسي يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ ويعظمه فِي جَمِيع شؤونه حَتَّى توفّي فِي حَيَاة الشبراملسي فجزع عَلَيْهِ وَكَاد أَن يشق ثَوْبه عَلَيْهِ لكَونه خدنه وَصديقه وخليله ورفيقه وَقد ألف مؤلفات كَثِيرَة شهيرة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الجزرية لجده شيخ الْإِسْلَام القَاضِي زَكَرِيَّا فِي نَحْو عشْرين كراسة وَشرح على رِسَالَة جده الْمَذْكُور الْمُسَمَّاة بالفتوحات الآلهية سَمَّاهُ الْمنح الربانية وَكَانَت وَفَاته فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف بِمصْر وَدفن بالقرافة بِالْقربِ من تربة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على أَبِيه وجده والسبكي بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَإِسْكَان الْيَاء الْمُثَنَّاة وَآخر الْحُرُوف كَاف نِسْبَة لسنيكة بتاء التَّأْنِيث بليدَة من شَرْقي مصر ولد بهَا جده القَاضِي زَكَرِيَّا رَحمَه الله تَعَالَى زين العابدين الصَّفَدِي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ كَانَ من فضلاء زَمَانه قدم دمشق فِي عنفوان عمره واشتغل بهَا على عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر وَحصل فضلا باهراً ثمَّ رَحل إِلَى بلدته صفد وَأقَام بهَا وَولى افتاء الْحَنَفِيَّة مُدَّة ودرس وَأفَاد واشتهر صيته وَكَانَ ذَا همة عالية وَمَكَارِم أَخْلَاق وَأَصله من قَرْيَة كفر مندا من ضواحي صفد وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَرْبَعِينَ وَألف تَقْرِيبًا (حرف السِّين الْمُهْملَة) السَّيِّد سَالم بن أبي بكر بن سَالم بن أَحْمد بن شَيْخَانِ بن عَليّ بن أبي بكر بن عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 الرَّحْمَن بن عبد الله عبود بن عَليّ بن مُحَمَّد مولى الدويلة السَّيِّد الصفي الْحُسَيْنِي تقدم أَبوهُ أَبُو بكر وَيَأْتِي جده بعده وَهَذَا ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بفنون الْعُلُوم وَأخذ عَن وَالِده شَيْئا كثيرا ولازم الشَّيْخ عَليّ ابْن الْجمال وَعبد الله ابْن سعيد باقشير وَالسَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن أبي بكر الشلي باعلوي وَالشَّيْخ عبد الله ابْن الظَّاهِر العباسي وَغَيرهم وَأَجَازَهُ عَامَّة شُيُوخه وَأخذ عَن الوافدين إِلَى مَكَّة كَالشَّمْسِ البابلي وَمَنْصُور الطوخي وَغَيرهمَا وَله أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله من قصيدة عَارض بهَا كَافِيَة الْبَهَاء الْحَارِثِيّ (فاح عرف الشميم من ناديك ... يَا زعيما على الْأَنَام مليك) (كل يَوْم وَفِي الْقُلُوب لظى ... من تجنيك هَل ترى يرضيك) (يَا رعى الله جَمعنَا وَسَقَى ... منزل اللَّهْو والخلاعة فِيك) (يَوْم عَيْش الشَّبَاب لي نضر ... وزماني سمح فَلَا نشكيك) (أَي صَبر يكون لي وَلَقَد ... عيل صبري بمهجتي أفديك) (فَإلَى الله أشتكي أبدا ... سحر عَيْنَيْك إِنَّهَا الفتيك) (وقواما كَأَنَّهُ غُصْن بَان ... سالب عقل نَاظر نسيك) (وحديثا كَأَنَّهُ نثر زهر ... قد أَتَانِي معطرا من فِيك) (صَاح هَات المدام إِن لَهَا ... يبْقين على الهموم دليك) (واسقنيها ممزوجة بلمى ... ثغر حب وَلَا تقل بكفيك) (واسقنيها حَمْرَاء قد لبست ... شفق اللَّيْل أَو كعرف الديك) (واسقنيها فإنني شغف ... باحتساها معاند ناهيك) (وَتعطف على الحبيب عَسى ... يسمح الدَّهْر باللقا لأخيك) (وابق واسلم مَا الصب ينشدنا ... فاح عرف الشميم من ناديك) وَكَانَت وَفَاته فِي حَيَاة وَالِده وَهُوَ شَاب ظهر يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرى الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ بعد الْعَصْر وَالِده إِمَامًا بِالنَّاسِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فِي مشْهد عَظِيم وَدفن بحويطتهم بالمعلاة السَّيِّد سَالم بن أَحْمد بن شَيْخَانِ جد الَّذِي قبله وَالِد وَالِده الْأُسْتَاذ الباهر الطَّرِيقَة الْعَالم الْكَامِل نادرة الزَّمَان أفرد لَهُ وَالِده الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو بكر تَرْجَمَة فِي رِسَالَة قَالَ ولد فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر ربيع الثَّانِي سنة خمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ تَارِيخ ظُهُوره فيض الْجمال وَنَشَأ فِي طلب واجتهاد حَتَّى حصل وَقَرَأَ كتاب الْأَحْيَاء ثَلَاث مَرَّات على الشَّيْخ سعيد بابقي الْعَالم الوليالآتي ذكره وَصَحب الشَّيْخ أَحْمد الشناوي وَأخذ عَنهُ علوماً جمة وَالطَّرِيق المسلسل وَنشر كثيرا من الْعُلُوم والمعارف وانتفع بِهِ كثير من أَرْبَاب الذَّوْق وصنف فِي فنون الْعلم الْكتب والرسائل فَمِنْهَا فِي علم التَّحْقِيق بلغَة المريد وبغية المستفيد وتمشية أهل الْيَقِين على ذائقة التَّمْكِين وَهِي رِسَالَة مفيدة للشَّيْخ عبد الْكَرِيم الجيلي وَالْإِعْرَاب التَّام المسدد الْجَامِع لتوحد قيام مُحَمَّد الشافع وَشرح أَبْيَات للعفيف التلمساني الْبَيْت الأول مِنْهَا قَوْله (إِذا كنت بعد الصحو فِي المحو سيدا ... إِمَامًا مُبين النَّعْت بِالذَّاتِ مُفردا) وَشرح الْجَوْهَر الرَّابِع وَالْخَامِس من كتاب الْجَوَاهِر الْخمس للسَّيِّد مُحَمَّد غوث الله ابْن خطير الدّين أتم بِهِ شرح شَيْخه الشَّيْخ أَحْمد الشناوي فَإِنَّهُ شرح الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث فَقَط وَاتفقَ لَهُ أَنه قَرَأَ هَذَا الْكتاب أَعنِي الْجَوَاهِر على شَيْخه الْمَذْكُور سبع مَرَّات وَمن مصنفاته جَوَامِع كلم الْعُلُوم فِي الصَّلَاة على مداوي المكلوم وَنشر الإفادة بِذكر كلمتي الشَّهَادَة وَالسّفر المستور للدراية فِي الذّكر المنشور للولاية وَالْأَخْبَار والأنباء بشعار ذَوي الْقُرْبَى الألباء وجبر الْكَلِمَة القاصمة بِذكر الْكَلِمَة العاصمة والمقاصد العندية بمشاهد النقشبندية وشق الجيب فِي معرفَة أهل الشَّهَادَة والغيب وَمن مصنفاته فِي غَرِيب الْعُلُوم مِصْبَاح السِّرّ اللامع بمفتاح الجفر الْجَامِع وغرر الْبَيَان عَن عمر الزَّمَان والمشروط الأسمى الْأَسْنَى فِي شُرُوط الْأَسْمَاء الْحسنى وَالْعقد المنظوم فِي بعض مَا تحتوي عَلَيْهِ الْحُرُوف من الْخَواص والعلوم وإيوان المقعد الْحرفِي وديوان المشهد الوصفي يتَضَمَّن مَا يتَعَلَّق بالوفق المثلث ومرهم الْعَطف وَدِرْهَم الصّرْف وأسفار الحالك فِي الْعَمَل بِوتْر ابْن مَالك وموائد الْفضل الجامعة لبابا فِي موارد الرمل النافعة احبابا وَالْمَاء السلسال الرَّحِيق الأصفى فِي التَّعَلُّق بالأسماء الَّتِي اقْتَضَت بوبيتا تخليق الموجودات الامكانية وَمَالهَا منزلَة وحرفا وَجل الْمغنم فِي حل الطلسم والبرهان الْمَعْرُوف فِي مَوَازِين الْحُرُوف ومنتهى الطّلب فِي قسْمَة حُرُوف الرتب على الْكَوَاكِب السَّبْعَة وَالرَّأْس والذنب والجدول العذب الاهني من مشرب الْأَسْمَاء الْحسنى وَعقد الحكم فِي ورد الِاسْم وَعقد اللآلي الفخام فِي ورد اللَّيَالِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وَالْأَيَّام والتحصينات الْمَوَانِع بالدعوات الْجَوَامِع والتحبير فِي التسخير وَله غير ذَلِك من المؤلفات مِمَّا يطول ذكره قلت وَقد تيَسّر لي بِحَمْد الله تَعَالَى رِوَايَة جَمِيع مَاله من تأليف وَأثر ينْقل عَنهُ رِوَايَة عَامَّة عَن وَلَده سيدنَا ومولانا الاستاذ الْكَبِير الْعَظِيم الشَّأْن المعمر الْبركَة رونق قطر الْحجاز السَّيِّد عمر أجازني بذلك مشافهة أَيَّام مجاورتي فِي أواسط سنة مائَة وَألف وَللسَّيِّد سَالم أشعار كَثِيرَة مِنْهَا قصيدته الَّتِي قَالَهَا فِي مدح النَّبِي مطْلعهَا (لَك ذَات الْعُلُوم والأسماء ... يَا نَبيا نوابه الْأَنْبِيَاء) وَمن مقاطيعه قَوْله (ترا آي بديع الْحسن فِي صنع خلقه ... جميلاً فَظن الْمظهر النَّاظر القذى) (وَمَا هُوَ إِلَّا الله بالصنع بارز ... على صِيغ التخليق فِي الظَّاهِر الَّذِي) وَقَوله (رمى العَبْد سهم الْوَهم من قَوس حكمه ... فأدمى خيالا فِي منصاته السَّبع) (وَلَيْسَ إِذا حققت رام سوى الَّذِي ... أَتَاك بطي النشر فِي الطَّبْع والوضع) وَقَوله (كن ممسكاً بِالصَّوْمِ عَن كل السوى ... وَاذْكُر بفطرك من أَتَى معروفه) (وبفاطر عَن رُؤْيَة الأغيار صم ... من صَامَ عِنْد الله طَابَ خلوفه) وَله دَار الصَّفَا من بَحر الشفا وَهِي الوترية فِي مدخ خير الْبَريَّة وَله صلوَات على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَله غير ذَلِك ومحصل الْكَلَام أَنه أَكثر أهل عصره فَائِدَة ونفعا وَكَانَت وَفَاته ضحوة يَوْم الْأَحَد تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف وَدفن فِي عشيته على أَبِيه وجده بالمعلاة وَلما دفن تمثل الْوَلِيّ الْعَارِف الشريف الْعلوِي الحبشي بِبَيْت من الشّعْر وَهُوَ (حلف الزَّمَان ليَأْتِيَن بِمثلِهِ ... حنثت يَمِينك يَا زمَان فَكفر) وَجَاء تَارِيخ وَفَاته صَار إِلَى رَحْمَة الله سَالم بن حسن الشبشيري نزيل مصر الشَّافِعِي الإِمَام الْحجَّة شيخ وقته وَأعلم أهل عصره كَانَ فِي الْفِقْه بَحر الإيجاري وَفِي بَقِيَّة الْعُلُوم قدره مَشْهُور أَخذ الْفِقْه عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ وَغَيره من أكَابِر عصره وتكمل بِالنورِ الزيَادي ولازمه سِنِين عديدة وَكَانَ من أجل طلبته وَمِمَّنْ فنى فِي محبته وَكَانَ يطالع لجَماعَة الزيَادي درسه على عَادَة مَشَايِخ الأزهران أفضل الطّلبَة يطالع لطلبة الشَّيْخ درسه مطالعة بحث وَتَحْقِيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 حَتَّى يَأْتُوا إِلَى الشَّيْخ وهم متهيؤن لما يلقيه وَكَانَت جمَاعَة الزيَادي مَعَ مَا هم عَلَيْهِ من الْعلم والفهم الثاقب ملازمين لدروسه الفرعية وَمِمَّنْ لَازمه مِنْهُم الشَّمْس الشَّوْبَرِيّ والنور الْحلَبِي والشهاب القليوبي وعامر الشبراوي وخضر الشَّوْبَرِيّ وَعبد الْبر الاجهوري وَمُحَمّد البابلي والنور الشبراملسي وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحي وَكَانَ يُسَمِّيه وتد درسه ويفضله على شَيْخه الزيَادي وَيَقُول مَا رَأَيْت أفقه مِنْهُ وَكَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى فِي استحضار مسَائِل الْفِقْه وتصويرها وَمَعْرِفَة الْفرق وَالْجمع بَينهمَا والاطلاع على النقول والإحاطة بالفروع وَالْأُصُول وَكَانَ مَعَ كَونه فَقِيها خَالِصا من أكَابِر الْأَوْلِيَاء لَهُ كرامات خارقة وأحوال باهرة مِنْهَا مَا حَكَاهُ النُّور الشبراملسي فِي درسه أَنه طالع كتاب الْغرُور من الْأَحْيَاء للغزالي فَلَمَّا رأى مَا قَالَه الْغَزالِيّ فِي عُلَمَاء عصره وَمَا هم فِيهِ من الْغرُور مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل ذَلِك الْعَصْر من الْخَيْر أضمر فِي نَفسه أَن يتخلى لِلْعِبَادَةِ وَالصَّوْم وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَأَن يتْرك الْقِرَاءَة على الشُّيُوخ وَالِاجْتِهَاد فِي الطّلب لِأَنَّهُ قد حصل مَا يَكْفِيهِ فِي إِقَامَة دينه ودنياه وَكَانَ إِذْ ذَاك يحضر درس صاحبا لترجمة فجَاء ذَلِك الْيَوْم إِلَى الدَّرْس بِغَيْر مطالعة واشتغل سرا بِقِرَاءَة الْقُرْآن بِحَيْثُ لَا يسمع أحدا من الْحَاضِرين وَلم يُخْبِرهُمْ بِمَا أضمره فِي نَفسه وَإِنَّمَا جَاءَ إِلَى الدَّرْس مُرَاعَاة لخاطر الشَّيْخ لِئَلَّا يفتقده فَيسْأَل عَنهُ أَو يَأْتِي إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة شفاها يَا عَليّ مَالك الْيَوْم سَاكِت فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي مَا طالعت فَقَالَ لَهُ يَا عَليّ الْغَزالِيّ مَا ألف الْمُسْتَصْفى مَا ألف الْوَجِيز مَا ألف كَذَا مَا ألف كَذَا وعد مؤلفاته فَقَالَ لَهُ نعم يَا سَيِّدي فَقَالَ لَهُ كَأَنَّك اغتريت بِكِتَاب الْغرُور من الْأَحْيَاء لَا بقيت تفعل هَذَا واطلب الْعلم وَاتَّقِ الله مَا اسْتَطَعْت عَسى الله أَن يجعلك من المخلصين قَالَ الشبراملسي فَلَمَّا كاشفني بذلك رجعت لما كنت عَلَيْهِ من طلب الْعلم والاشتغال بِهِ وَصرف أوقاتي فِي المطالعة وَتركت مَا كنت أضمرته فِي نَفسِي وأنبأني الشَّيْخ عَنهُ حَتَّى كَانَ من أَمر الله مَا كَانَ وَالْحَمْد لله وَحده وَلم يزل صَاحب التَّرْجَمَة منهمكا على بَث الْعلم ونشره حَتَّى توفّي وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم السبت سَابِع عشرى ذِي الْحجَّة سنة تسع عشرَة وَألف وَحكى البشبيشي عَن شَيْخه الشَّيْخ سُلْطَان أَنه توفّي فِي سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع الْأَزْهَر وَكَانَ الإِمَام بِالنَّاسِ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ شَيْخه النُّور الزيَادي وَلم يجزع عُلَمَاء مصر على أحد من الْعلمَاء مَا جزعوا عَلَيْهِ رَحمَه الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 سَالم بن مُحَمَّد عز الدّين بن مُحَمَّد نَاصِر الدّين ابْن عز الدّين بن نَاصِر الدّين بن عز الْعَرَب أَبُو النجا السنهوري الْمصْرِيّ الْمَالِكِي الإِمَام الْكَبِير الْمُحدث الْحجَّة الثبت خَاتِمَة الخفاظ وَكَانَ أجل أهل عصره من غير مدافع وَهُوَ مفتي الْمَالِكِيَّة وَرَئِيسهمْ وَإِلَيْهِ الرحلة من الْآفَاق فِي وقته وَاجْتمعَ فِيهِ من الْعُلُوم مَا لم يجْتَمع فِي غَيره مولده بسنهور وَقدم إِلَى مصر وعمره إِحْدَى عشرَة سنة وَأخذ عَن الإِمَام الْمسند النَّجْم مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن أبي بكر الغيطي الإسكندري ثمَّ الْمصْرِيّ صَاحب الْمِعْرَاج وَعَن الإِمَام الْكَبِير الْحجَّة الشَّمْس مُحَمَّد النوفري الْمَالِكِي وَأدْركَ النَّاصِر اللَّقَّانِيّ وَأخذ عَنهُ الجم الْغَفِير الَّذين لَا يُحصونَ من أهل مصر وَالشَّام والحرمين مِنْهُم الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ والنور الأَجْهُورِيّ وَالْخَيْر الرَّمْلِيّ وَالشَّمْس البابلي وَالشَّيْخ سُلَيْمَان البابلي وَمِمَّنْ لَازمه وَسمع مِنْهُ الْأُمَّهَات السِّت كملا الشَّيْخ عَامر الشبرواي وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا حَاشِيَة على مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل فِي الْفِقْه وَهِي عزيزة الْوُجُود لقلَّة اشتهارها وانتشارها ورسالة فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَغَيرهمَا وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس عشرَة بعد الْألف وَدفن بمقبرة المجاورين وَبلغ من الْعُمر نَحْو السّبْعين وأرخ بَعضهم وَفَاته بقوله (مَاتَ شيخ الحَدِيث بل كل علم ... سَالم ذُو الْكَمَال أفضل حبر) (قلت من غير غَايَة لبكاء ... أرخوه قد مَاتَ عَالم مصر) سرُور بن الْحُسَيْن بن سِنِين الْحلَبِي الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ أحد أَفْرَاد الزَّمَان فِي النّظم وَله شعر بديع الصَّنْعَة مليح الأسلوب مفرغ فِي قالب الْحسن والجودة وَلما فَارق وَطنه بحلب وسارع إِلَى طرابلس الشَّام لمدح أمرائها بني سَيْفا والأمير مُحَمَّد بَينهم إِذْ ذَاك مقصد كل شَاعِر وممدوح كل نَاطِق أكْرم مثواه وَأحسن قراه فبغضه شعراء الْأَمِير الموجودون عِنْده والمقربون إِلَيْهِ وَذَلِكَ لأقبال الْأَمِير عَلَيْهِ وركبوا كل صَعب وَذَلُول فِي سبه حَتَّى خَاطب الْأَمِير حُسَيْن بن الْجَزرِي الْمُقدم ذكره بقوله معرضًا بسرور (وحقك مَا تركتك عَن ملال ... وبغض أَيهَا الْمولى الْأَمِير) (وَلَكِن مذ ألفت الْحزن قدما ... انفت مواطنا فِيهَا سرُور) وَلم يزل فِي تِلْكَ الغربة إِلَى أَن قضى وَمَا قضى وطره ومدائحه فِي بني سَيْفا غَايَة وَمن جيدها قصيدته الرائية الَّتِي قَالَهَا فِي مدح الْأَمِير مُحَمَّد ومستهلها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 (خلا ربع أنسى بعدكم فَهُوَ مقفر ... وأعوزني حَتَّى البكا والتبصر) (وَقد كنت عَمَّا يسهر الْعين غافلا ... فعلمني حبيكم كَيفَ أسهر) (وَوَاللَّه رَبِّي مَا تَغَيَّرت بعدكم ... وَإِن رابكم جسماني الْمُتَغَيّر) (عدمت اخْتِيَاري والحوادث جمة ... وَهل بيد الْإِنْسَان مَا يتَخَيَّر) (تذكرتكم وَالْعين تهمى دموعها ... وَأي دموع لم يهجها التَّذَكُّر) (وَلَيْسَت كَمَا ظن الغبي مدامعا ... وَلكنهَا نفس تذوب فتقظر) أَخذ الْأَخير من قَول بشار (وَلَيْسَ الَّذِي يجْرِي من الْعين مَاؤُهَا ... وَلكنهَا روح تذوب فتقظر) وَقد أَخذه المتنبي فحسنه بقوله (أشاروا بِتَسْلِيم فجدنا بأنفس ... تسيل من الآماق والسم أدمع) وَقد تداول الشُّعَرَاء هَذَا الْمَعْنى كثيرا وَلَو جمعت مَا قيل فِيهِ لناف على خَمْسمِائَة بَيت تَتِمَّة الرائية (لَعَلَّ ليل سامحتني بقربكم ... تُعَاد فتنهى فِي البعاد وتأمر) (هُنَالك أجزى الدَّهْر عَن حسن فعله ... وَاصْفَحْ عَن ذَنْب الزَّمَان وأغفر) (بكم روّضت دَاري وعزت وأشرقت ... فَأنْتم لَهَا بَحر وَبدر وقور) (بجيث التصابي كَانَ سهلاً جنا بِهِ ... بكم وشبابي أَبيض الْعَيْش أَخْضَر) وَمِنْهَا فِي المديح (أءكفر إِحْسَان ابْن سَيْفا مُحَمَّد ... فَذَلِك ذَنْب لَيْسَ عَنهُ مكفر) (مَتى وَردت جدوى الْأَمِير بِنَا المنى ... شربنا ببحر صَفوه لَا يكدر) (كثير سخاء الْكَفّ تحسب جنَّة ... تفجر فِيهَا من عطاياه كوثر) (وَمن نعْمَة قد أودعت قلب حَاسِد ... تفوح كَمَا يستودع الْعود مجمر) (وَإِن جدّ أمضى فِي الْأُمُور عَزِيمَة ... يحيض دَمًا مِنْهَا الحسام الْمُذكر) (يدبر أَمر الْجَيْش مِنْهُ ابْن حرَّة ... بَصِير بتدبير الْأُمُور مُدبر) (حسام لَهُ من حلية الْفضل جَوْهَر ... يروق كَمَا راق الحسام المجوهر) (وينتاش شلوا الْمجد من ثوب الردى ... وَقد نشبت فِيهِ نيوب وأظفر) (وَإِن زارت الْخَيل السوابق خيله ... أَتَى الطير من قبل اللِّقَاء يبشر) (تفدّيه بِالشُّهُبِ الصوافن ضمر ... عَلَيْهَا أسود من بني الْحَرْب ضمر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 (خلفت عليا يَا ابْنه فِي خلائق ... تَسَاوِي بهَا فرع زكي وعنصر) قلت هَذَا الْقدر هُوَ الْمَقْصُود مِمَّا نَحن فِيهِ وَهَذَا الشّعْر هُوَ السحر الْحَلَال فَللَّه دره مَا أسلس قياده وأعذب أَلْفَاظه وَأحسن سبكه وألطف مقاصده وَمن ملحه قَوْله (نزلنَا بِحكم الراح عنْدك منزلا ... نهبنا بِهِ الأفراح فِي ظله نهبا) (تدير علينا من حَدِيثك خمرة ... وَأُخْرَى من الراح الْمُعتقَة الصهبا) (فرحت فَلَا وَالله أعلم مَا الَّذِي ... تعاطيت رَاحا كَانَ أم لفظك العذبا) (كَانَ إِذا اشعشعتها أكفنا ... نقلب من كاساتها أنجما شهبا) وَمن غزليانه قَوْله (وَلكم بكرت إِلَى الرياض للذة ... فِي فتية بيض الْوُجُوه صباحها) (تهتز فِي ورق الشَّبَاب قدودهم ... كغصونها وثغورهم كاقاحها) (حَتَّى إِذا عَادوا لوصلي عاودت ... أَرْوَاح لذاتي إِلَى أشباحها) وَمن مطرباته الَّتِي استوفت أَقسَام الظّرْف قَوْله (بدا فَكَأَنَّمَا قمر ... على أطواقه ظهرا) (يعز إِذا خضعت لَهُ ... وَإِن دانبته نَفرا) (وَلم أر قبل مبسمه ... ثمين الدّرّ مَا صغرا) (يظل بِهِ على خطر ... فُؤَادِي كلما خطرا) وَمِمَّا يستجاد لَهُ قَوْله (صب جَفا فِي فراقك الرفقا ... جَار عَلَيْهِ الْهوى وَمَا رفقا) (يَكْفِيهِ من حالتيه أَن لَهُ ... فَمَا صموتا وناظرا قلقا) (ودمع عين يَبْدُو فاكتمه ... منحبسا تَارَة ومنطلقا) (وقفت أستنطق الربوع لَهُ ... لَو أَن ربعا لسائل نطقا) (عين ترى أَن تراك لَا سكبت ... للبين دمعا وَلَا اشتكت أرقا) (هَل فِيك من رَحْمَة تعين بهَا ... إِنْسَان عين أحرقته غرقا) (وغصن بَان مَشى فعلمني ... لما تثني وشاحه القلقا) أحسن مِنْهُ قَوْله أبي تَمام (وَإِذا مشت تركت بقلبك ضعف مَا ... يحليها من كَثْرَة الوسواس) رَجَعَ (أَوْرَق بالْحسنِ نبت عَارضه ... وَأحسن الْغُصْن مَا اكتسى الورقا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 (يمدلي من عذاره مُشْركًا ... يطول فِيهِ عَذَاب من علقا) (وَيحمل الصُّبْح تَحت ليل دجى ... فَوق قضيب على كثيب نقا) (أخذت بِالْمذهبِ الصَّحِيح وَقد ... تفرق النَّاس فِي الْهوى فرقا) (مقسمين الحظوظ بَينهم ... فِي الْحبّ قسمى سَعَادَة وشقا) وَله من قصيدة يذكر فِيهَا منتزهات حلب (أَلا لَيْت مَا بيني وَبَيْنك من بعد ... على الْقرب مابين الْقُلُوب من الود) (غرامي غرامي والهوى ذَلِك الْهوى ... قَدِيما ووجدي فِي محبتكم وجدي) (وَوَاللَّه مَا تَغَيَّرت بعدكم ... لبين فَهَل أَنْتُم تغيرتم بعدِي) (تذكرت أيامي وعودي بمائه ... وعيشي بكم لَو دَامَ فِي جنَّة الْخلد) (وَقلت تديموني على الْقرب دَائِما ... فخالفتموني واتفقتم على الْبعد) (وَلَيْلَة غاظ الْبَدْر فِيهَا اجتماعنا ... فَكُنَّا نرى فِي وَجهه أثر الحقد) (وملتقطات من فُؤَادِي تجتنى ... أَحَادِيث أحلى مجتنى من جنى الشهد) (ألذ من المَاء القراح على الظما ... وأعذب من طيب الْكرَى عقب السهد) (وبالبقعة الْغناء من سفح جوشن ... فَتلك الربى فالسفح من جوشن الْفَرد) (كَانَا على شاطىء مجر قويقها ... وَقد أشرف السعدى بكم أنجم السعد) (تَجِد بِنَا أهواؤنا فحلو منا ... موفرة فِيهَا على الْهزْل وَالْجد) (وَكم بردت للتل عين قريرة ... سُرُورًا بِنَا والشمل مُنْتَظم العقد) (لبسنا لَهَا وَاللَّيْل يعثر بالصبا ... بَقِيَّة قطع من دجى اللَّيْل مسود) (مَنَارَة قطر لابس الْقطر نورها ... فألبسها مِمَّا ينيل وَمَا يسدى) (رياض حكى الْبرد الْيَمَانِيّ وشيها ... وشاطىء غَدِير مثل حَاشِيَة الْبرد) (تحرى بهَا النوروز فصل اعتداله ... فَعدل فِيهَا قسْمَة الْحر وَالْبرد) (وَمن ورق للورد يصقله الندى ... فَيجْرِي يجاري الدمع من حمرَة الخد) (فيا نعْمَة أغفلتها فتصرمت ... مَضَت لم أقيدها بشكر وَلَا حمد) وَقد تضمن أَكثر شعره مدح الشَّهْبَاء تبعا للْمُتَقَدِّمين كَقَوْل البحتري (أَقَامَ كل ملث الودق رجاس ... على ديار بعلو الشَّام أدراس) (فِيهَا العلوة مصطاف ومرتبع ... من بانقوسا وبابلي وبطياس) (منَازِل أنكرتها بعد معرفَة ... وأوحشت من هوانا بعد إيناس) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 (يَا علو لَو شِئْت أبدلت الصدود لنا ... وصلا ولان لصب قَلْبك القاسي) (هَل لي سَبِيل إِلَى الطهران من حلب ... ونشوة بَين ذَاك الْورْد والآسى) وكقول ابْن الخفاجي (وَحل عُقُود المزن فِي حجراته ... نسيم بأدواء الْقُلُوب خَبِير) (فَمَا ذكرته النَّفس إِلَّا تبادرت ... مدامع لَا يخفى لَهُنَّ ضمير) وكقول أبي فراس (الشَّام لَا بلد الجزيرة لذتي ... وقويق لَا مَاء الْفُرَات منائي) (وأبيت مُرْتَهن الْفُؤَاد بمنيح ... الزَّوْرَاء لَا بالرقة الْبَيْضَاء) وكقول الْمُهَذّب عِيسَى الْحلَبِي (يَا حبذا التلعات الْخضر من حلب ... وحبذا طلل بالسفح من طلل) (يَا سَاكِني الْبَلَد الْأَقْصَى عَسى نفس ... من سفح جوشن يطفى لاعج الغلل) وكقول أبي بكر الصنوبري (قويق على الصَّفْرَاء ركب مَتنه ... رباه بِهَذَا شَاهد وحدائقه) (فَإِن جد جد الصَّيف غادر جِسْمه ... ضيئلاً وَلَكِن الشتَاء يُوَافقهُ) وَهَذَا الْبَاب وَاسع جدا فلنقتصر مِنْهُ على هَذَا الْمِقْدَار فَفِيهِ غنية وجوشن اسْم مَوضِع بحلب وقويق بِضَم الْقَاف على فعيل مصغر أنهر صَغِير بِظَاهِر حلب يجْرِي فِي الشتَاء وَالربيع وَيَنْقَطِع فِي الصَّيف وَقد ذكرته الشُّعَرَاء فِي أشعارهم كثيرا وبطياس بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَبعد الْألف سين مُهْملَة وَهِي قَرْيَة كَانَت بِظَاهِر حلب ودثرت وَلم يبْق مِنْهَا الْيَوْم أثر وبانقوسا وبابلي مكانان معروفان بحلب انْتهى ووفاة سرُور كَانَت فِي حُدُود الْعشْرين بعد الْألف بالتقريب كَمَا يرشد إِلَى ذَلِك مدائحه فِي بني سَيْفا وَالله أعلم سعد الدّين بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن حسن وَتقدم ذكر تَتِمَّة نسبه فِي تَرْجَمَة أَخِيه إِبْرَهِيمُ الشَّيْخ الْجواد المربي الدِّمَشْقِي القبيباتي الجباوي الشَّافِعِي أحد مَشَايِخ الصُّوفِيَّة بِدِمَشْق تولى مشيخة بَيتهمْ بعد أَخِيه مُحَمَّد وتصدى لتلقي الصُّوفِيَّة وَالزُّوَّارِ بزاويتهم الْمَعْرُوفَة بهم بمجلة القبيبات وَكَانَ يُقيم ميعاد الذّكر يَوْم الْجُمُعَة بالجامع الْأمَوِي وعلت كَلمته وعظمت حرمته وَأَنْشَأَ أملاكاً وعقارات كَثِيرَة وَحج فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف فَتوفي بمنى وَحمل إِلَى مَكَّة وَدفن بالمعلاة عِنْد العرابي وَكَانَت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 وَفَاته فِي خَامِس عشر ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة سعودي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْغَزِّي العامري الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي مفتي الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وَابْن مفتيها وَابْن ابْن مفتيها رُؤَسَاء الْعلم بِالشَّام وكبراؤه وشهرة بَيتهمْ لَا تحْتَاج إِلَى بَيَان وَكَانَ سعودي هَذَا فَاضلا وجيهاً رَقِيق الطَّبْع متساوي الْأَطْرَاف أَخذ الْفِقْه والْحَدِيث عَن جده لأمه الشهَاب أَحْمد العيثاوي الْمُقدم ذكره وَعَن وَالِده النَّجْم وسافر فِي خدمته إِلَى الْحَج فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَإِلَى الرّوم فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَلما حج وَالِده فِي سنة سبع وَأَرْبَعين أَقَامَهُ مقَامه فِي خدمَة فَتْوَى الشَّافِعِيَّة فباشرها وَظَهَرت كِفَايَته وحمدت سيرته ثمَّ مَاتَ أَبوهُ فِي سنة سِتِّينَ فاستقل بهَا وَأعْطى عَنهُ الْمدرسَة الشامية البرانية ودرس الحَدِيث تَحت قبَّة النسْر من جَامع بني أُميَّة وابتدأ من مَحل انْتهى إِلَيْهِ درس وَالِده فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَكَانَ وقف فِي آخر درس قَرَأَهُ على بَاب الْبكاء على الْمَيِّت وَاسْتمرّ مُدَّة يُفْتِي ويدرس وَله الْقبُول التَّام والتقدم بَين أَبنَاء نَوعه وَكَانَ حسن المطارحة وَالْأَدب وينسب إِلَيْهِ من الشّعْر شَيْء قَلِيل فَمن ذَلِك مَا رَأَيْته مَنْسُوبا إِلَيْهِ فِي بعض المجاميع وَلَا أتحققه وَذَلِكَ قَوْله فِي صَاحب لَهُ (لي صَاحب فِي نَقله مَا حكى ... للكذب عَن آبَائِهِ وَارِث) (فَكل مَا يَنْقُلهُ مثل مَا ... قَالَ الحريري حكى الْحَارِث) وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي أواسط ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة آبَائِهِ بتربة الشَّيْخ أرسلان قدس الله تَعَالَى سره الْعَزِيز سعيد بن عبد الرَّحْمَن بابقي الْحَضْرَمِيّ القيدوني بَلَدا الدوعني جِهَة الشَّيْبَانِيّ نسبا ثمَّ الْمَكِّيّ الشَّافِعِي الإِمَام الرباني والعارف الصمداني كَانَ من العارفين بِاللَّه تَعَالَى الواقفين مَعَ الْكتاب وَالسّنة وَكَانَ يتَكَلَّم عَن طَرِيق الصُّوفِيَّة بِمَا يبهر الْأَلْبَاب وَيحل مشكلات الْمُحَقِّقين على الْوَجْه الصَّوَاب مَعَ كَثْرَة الْعِبَادَة والتلاوة لِلْقُرْآنِ والتوجه إِلَى الله تَعَالَى فِي سره وعلانيته ولد كَمَا أخبر هُوَ بِهِ بعض تلامذته يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الْمحرم سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بِالْعلمِ على كثيرين من الحضارمة واليمنيين وساح مُدَّة مديدة فِي الْيمن وَدخل الْهِنْد وجال فِي بِلَاده ثمَّ رَجَعَ إِلَى عدن ورحل مِنْهَا إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأقَام بِمَكَّة وَأخذ بهَا عَن الْأُسْتَاذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 الشَّيْخ أبي الْحسن الْبكْرِيّ واشتهر ذكره واعتقده النَّاس وخضعت لَهُ الْعلمَاء الْأَعْلَام وَأخذ عَن جمع من أكَابِر الْعلمَاء الْأَعْيَان كالسيد الْجَلِيل سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ وكراماته أشهر من أَن تذكر وَأعظم من أَن تحصر وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الْجُمُعَة عَاشر محرم سنة سبع عشرَة وَألف بِمَكَّة وَدفن ببيته بجبل أبي قبيس وقبره درياق مجرّب لقَضَاء الْحَوَائِج سقر بن عمر اليفاوي الْمصْرِيّ الْوَلِيّ الصَّالح المجذوب ذكره الإِمَام عبد الرؤوف الْمَنَاوِيّ فِي طَبَقَات الْأَوْلِيَاء وَقَالَ كَانَ لَهُ الْقدَم الراسخة فِي الْولَايَة والكرامات الخارقة الَّتِي لَا يشك فِيهَا وَمِمَّا ذكر عَنهُ من أطواره أَنه كَانَ إِذا قرىء بِحَضْرَتِهِ الْقُرْآن خشع وَإِذا تلِي عَلَيْهِ كَلَام الْقَوْم هام وَخرج قَالَ وَوَقع لي مَعَه أُمُور غَرِيبَة وسمعته يقْرَأ الْقُرْآن بِقِرَاءَة مرتلة عَظِيمَة مَعَ أَنه لم يكن قارياً وَلَا مِمَّن حضر حَافِظًا وَكَانَت وَفَاته فِي أواسط سنة سِتّ وَعشْرين وَألف غريقاً بالخليج سقط بِنَفسِهِ وَدفن بِالْقربِ من عبد الْقَادِر الدشطوطي بِخَط بَاب الشعرية قَالَ ورأيته بعد مَوته حَيا وَهُوَ يَقُول سترى يَا فلَان فِيمَن فعلوا بِنَا رَحمَه الله تَعَالَى سُلْطَان بن أَحْمد بن سَلامَة بن إِسْمَاعِيل أَبُو العزائم المزاحي الْمصْرِيّ الْأَزْهَرِي الشَّافِعِي إِمَام الْأَئِمَّة وبحر الْعُلُوم وَسيد الْفُقَهَاء وخاتمة الْحفاظ والقراء فريد الْعَصْر وقدوة الْأَنَام وعلامة الزَّمَان الْوَرع العابد الزَّاهِد الناسك الصوام القوام قَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ الإِمَام المقرىء سيف الدّين بن عَطاء الله الفضالي بِفَتْح الْفَاء الْبَصِير وَأخذ الْعُلُوم الدِّينِيَّة عَن النُّور الزيَادي وَسَالم الشبشيربي وَأحمد بن خَلِيل السُّبْكِيّ وحجازي الْوَاعِظ وَمُحَمّد القصري تلميذ الشَّمْس مُحَمَّد الشربيني الْخَطِيب واشتغل بالعلوم الْعَقْلِيَّة على شُيُوخ كثيرين ينيفون على ثَلَاثِينَ وأجيز بالإفتاء والتدريس سنة ثَمَان بعد الْألف وتصدر بالأزهر للتدريس فَكَانَ يجلس فِي كل يَوْم مَجْلِسا يقرى فِيهِ الْفِقْه إِلَى قبيل الظّهْر وَبَقِيَّة أوقاته موزعة لقِرَاءَة غَيره من الْعُلُوم وانتفع النَّاس بمجلسه وبركة دُعَائِهِ وطهارة أنفاسه وَصدق نِيَّته وصفاء ظَاهره وباطنه وموافقة قَوْله لعمله وَأخذ عَنهُ جمع كثير من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين مِنْهُم الشَّمْس البابلي والعلامة الشبراملسي وَعبد الْقَادِر الصفوري وَمُحَمّد الخباز البطنيني الدمشقيان وَمَنْصُور الطوخي وَمُحَمّد البقري وَمُحَمّد بن خَليفَة الشَّوْبَرِيّ وَإِبْرَاهِيم المرحومي وَالسَّيِّد أَحْمد الْحَمَوِيّ وَعُثْمَان النحراوي وشاهين الأرمناوي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وَمُحَمّد البهوتي الْحَنْبَلِيّ وَعبد الْبَاقِي الزّرْقَانِيّ الْمَالِكِي وَمِنْهُم أَحْمد البشبيشي وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة وَجَمِيع فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة بِمصْر فِي عصرنا لم يَأْخُذُوا الْفِقْه إِلَّا عَنهُ وَكَانَ يَقُول من أَرَادَ أَن يصير عَالما فليحضر درسي لِأَنَّهُ كَانَ فِي كل سنة يخْتم نَحْو عشرَة كتب فِي عُلُوم عديدة يقْرؤهَا قِرَاءَة مفيدة وَكَانَ بَيته بَعيدا من الْجَامِع الْأَزْهَر بِقرب بَاب زويلة وَمَعَ ذَلِك يَأْتِي إِلَى الْأَزْهَر من أول ثلث اللَّيْل الْأَخير فيستمر يُصَلِّي إِلَى طُلُوع الْفجْر ثمَّ يُصَلِّي الصُّبْح إِمَامًا بِالنَّاسِ وَيجْلس بعد صَلَاة الصُّبْح إِلَى طُلُوع الشَّمْس لإقراء الْقُرْآن من طَرِيق الشاطبية والطيبة والدرة ثمَّ يذهب إِلَى فسقية الْجَامِع فيتوضأ وَيُصلي وَيجْلس للتدريس إِلَى قرب الظّهْر هَذَا دأبه كل يَوْم وَلم يره أحد يُصَلِّي قَاعِدا مَعَ كبر سنه وَضَعفه وَألف تآليف نافعة مِنْهَا حَاشِيَته على شرح الْمنْهَج للْقَاضِي زَكَرِيَّا فِي فقه الشَّافِعِي كَانَت بقيت فِي نسخته فجردها تِلْمِيذه الشَّيْخ مُطَاوع وَله مؤلف فِي القراآت الْأَرْبَع الزَّائِدَة على الْعشْر من طَرِيق القباقبي وَذكره الْعَلامَة أَحْمد العجمي الْمُقدم ذكره فِي مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم وَأطَال فِي تَرْجَمته وَذكره الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي رحلته فَقَالَ فِي وَصفه شيخ الْقُرَّاء بِالْقَاهِرَةِ على الْإِطْلَاق ومرجع الْفُقَهَاء بالِاتِّفَاقِ رَافع لِوَاء مَذْهَب الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الْهمام من حَظه فِي الْعُلُوم موفور وسعيه فِيهَا مشكور ومعوّل عَلَيْهِ فِي منقولها ومطلع على فروعها وأصولها مَنْهَج الطلاب وقدوة أَرْبَاب الْفَرَائِض والحساب لم يُغَادر من قَوَاعِده كَبِيرَة وَلَا صَغِيرَة إِلَّا أحصاها وَلم يدع من مسَائِله جليلة وَلَا حقيرة إِلَّا استولى عَلَيْهَا وحواها قد رَجَعَ عُلَمَاء الْعَصْر إِلَى مقاله وعالهم بموائد فَوَائده فَأَصْبحُوا فِي هَذَا الْفَنّ من عِيَاله وَلَا غرو فَإِنَّهُ الْآن لعلماء الْأَزْهَر سُلْطَان وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَسبعين وَألف وَتقدم للصَّلَاة عَلَيْهِ الشَّمْس البابلي وَدفن بتربة المجاورين وَقيل فِي تَارِيخ وَفَاته (شَافِعِيّ الْعَصْر ولي ... وَله فِي مصر سُلْطَان) (فِي جُمَادَى أرخوه ... فِي نعيم الْخلد سُلْطَان) والمزاحي بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الزَّاي وَبعدهَا ألف وحاء مُهْملَة نِسْبَة إِلَى منية مزاح قَرْيَة بِمصْر سُلَيْمَان بن أبي الْهدى الدَّاودِيّ الْمَقْدِسِي كَانَ قَاضِي الشَّافِعِيَّة بمحكمة الْقُدس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وَله علم وَمَعْرِفَة وَكَانَ مَأْمُون الغائلة ثمَّ فِي آخِره ترك المحكمة واختلى لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ فِي آخر النّصْف الْأَخير من اللَّيْل يخْدم كتب الْعلم كِتَابَة وإصلاحاً وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَدفن بمأمن الله رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد سُلَيْمَان بن حسن بن عبيد الله اشْتهر جده عبد الله بباقيه وبالنساخ واشتهر هُوَ بطير الله الْمَشْهُور بالتواضع والمصافاة والموافقة والمراعاة ولد بتريم وَنَشَأ بهَا وَصَحب جمَاعَة من السَّادة العارفين وَغَيرهم من الْعلمَاء العاملين ثمَّ حبب إِلَيْهِ الارتحال فسافر إِلَى كثير من الْبلدَانِ وَلَقي جمَاعَة من أكَابِر الرِّجَال وَلزِمَ الطَّاعَات وَأكْثر من الْعِبَادَات وجانب المخالفات وَكَانَ متمسكاً بِالسَّبَبِ الْأَقْوَى من التَّقْوَى ملازماً للأذكار إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فِي سنة تسع بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى سُلَيْمَان بن عَليّ اليساري أحد ظرفاء المصريين ولطفاء الفاضلين ولد بِمصْر وَنَشَأ بهَا وَتعلم الْأَدَب ونظم الشّعْر وَحج مرَارًا وجاور بِمَكَّة سنة ألف ومدح أَشْرَاف مَكَّة وأجازوه بِأَحْسَن الجوائز وطارح الأدباء الَّذين بهَا قَالَ الأديب أَحْمد بن مُحَمَّد الشَّاهِد اجْتمعت بِهِ فِي مجاورته بِمَكَّة وَجَاءَنِي يَوْمًا وَهُوَ فِي غَايَة القلق وَنِهَايَة التَّعَب والأرق شاكياً من شَيْئَيْنِ متعبين أَحدهمَا أَنه فَارق من يحب وَالْآخر أَنه قدم قصيدة إِلَى بعض الأكابر فَلم يجزه عَلَيْهَا بِشَيْء وَكنت أداعبه كثيرا فَقلت لَهُ يَا فلَان كَأَن لِسَان حالك فِي فِرَاق من هويت يتَمَثَّل بمحبوبك عَنْك حَيْثُ يَقُول (كفى حزنا أَنِّي مُقيم ببلدة ... وَأَنت بِأُخْرَى مَا إِلَيْك وُصُول) (إِذا لم يكن بيني وَبَيْنك مُرْسل ... فريح الصِّبَا مني إِلَيْك رَسُول) وَفِي الثَّانِي بقول الثَّانِي (وَإِن مُلُوك الأَرْض لم يحظ عِنْدهم ... من النَّاس إِلَّا من يَقُود ويصفح) فاحمد الله تَعَالَى لَا أَنْت وَلَا أَنْت فتسلى سَاعَة وَكَانَ من الظرفاء قلت وَهَذَا اليساري لم يَتَيَسَّر لي من شعره شَيْء حَتَّى أثْبته لَهُ غير أَنه من المعروفين فِي الْقَاهِرَة بصنعة الشّعْر وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث بعد الْألف كَذَا رَأَيْته فِي بعض المجاميع رَحمَه الله تَعَالَى سُلَيْمَان البابلي الْمصْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمَشْهُور بِكَثْرَة الْإِحَاطَة والتضلع من الْفِقْه وَكَانَ كَبِير الشَّأْن عالي الْقدر كَامِل الأدوات مَقْبُول الْخِصَال تفقه بالشيخ عبد الرَّحْمَن بن الْخَطِيب الشربيني وَالشَّيْخ سَالم الشبشيري الْمُقدم ذكره وَأخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 عَن النُّور الزيَادي وَرَأس فِي الْفتيا بعد وَفَاة شَيْخه الزيَادي فَكَانَ معول النَّاس عَلَيْهِ وانتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم ابْن أُخْته الشَّمْس مُحَمَّد البابلي الْبَصِير وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَألف بِالْقَاهِرَةِ وَوصل الْخَبَر بِمَوْتِهِ إِلَى دمشق فِي عشري جُمَادَى الأولى مِنْهَا سُلَيْمَان باشا الْوَزير نَائِب الشَّام كَانَ أَمِيرا خور السُّلْطَان وَولي مِنْهَا نِيَابَة الشَّاب ثمَّ جَاءَتْهُ الوزارة وَهُوَ بهَا دخل دمشق فِي أواسط شهر ربيع الثَّانِي سنة تسع وَعشْرين وَألف وَكَانَ يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ فصيحاً ويعظم الْعلمَاء ويحترمهم وَوَقع بَينه وَبَين الْمولى عبد الله بن مَحْمُود العباسي حِين كَانَ قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَكَانَ لَهُ شدَّة وتهور حَتَّى كتب لَهُ رقْعَة شَتمه فِيهَا فَصَبر عَلَيْهِ وعامله بالحلم وتعب النَّاس فِي الصُّلْح بَينهمَا ثمَّ عزل القَاضِي وعزل هُوَ بعده فولي كَفَالَة ديار بكر وَمَات بهَا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف سُلَيْمَان البوسنوي نزيل قسطنطينية الْمَشْهُور بمذاقى أحد بلغاء شعراء الرّوم وأذكيائهم وَكَانَ نديم الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الْفَاضِل وَمن خواصه وجلسائه الْمُتَقَدِّمين عِنْده وَلم يزل مكيناً لَدَيْهِ حظياً بالتفاته يُفْضِي إِلَيْهِ بسره ويأمنه على أخباره وَصَارَ كَاتب ديوانه وَلم يزل عِنْد أَرْبَاب الدولة فِي المكانة الْعلية لاستعداد ذاتي فِيهِ يقْضِي بتبجيله ولقربه من الْوَزير وَكَانَ قبل اتِّصَاله بِهِ جاب الْبِلَاد وساح الْآفَاق وَهُوَ على سمة الدراويش ولديه معارف وَعِنْده فَضَائِل وَدخل آخر أمره مصر وحاكمها أَيُّوب باشا فقربه وَأَدْنَاهُ وَعرف مكانته فَجعله كَاتب ديوانه وَصَاحب حلّه وعقده وَكَانَ شَدِيد التولع بالكيميا لَا يزَال يفحص عَنْهَا من كل من يجْتَمع بِهِ وَصرف عَلَيْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَة وبسببها اجْتمع بِكَثِير من أَرْبَاب الْمعرفَة والتقط من فوائدهم وحَدثني بعض أَصْحَابه عَنهُ أَنه اجْتمع فِي مصر بكنعان الكرجي الَّذِي اخترع البادزهر العملي الْمَعْرُوف بالكنعاني وَكَانَ ينْقل عَنهُ أَنه ابتدعه جربه لأمور كَثِيرَة مرَارًا وَصحت تجربته وَمن أفضل خواصه دفع السمُوم والآن قد اشْتهر أَمر هَذَا البادزهر وَرغب النَّاس فِيهِ وهم يتغالون فِي ثمنه وَذكر لي هَذَا النَّاقِل أَن صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ يعرف كَيْفيَّة عمله وَكَانَ لَدَيْهِ معارف كَثِيرَة وَكنت وَأَنا بالروم أسمع خَبره وحرصت على الِاجْتِمَاع بِهِ فَلم يقدر لي وَتُوفِّي بعد ذَلِك بقسطنيطينية وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 سهل بن أَحْمد بن سهل بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بجمل اللَّيَالِي اليمني القَاضِي الْمُفْتِي الْمدرس أحد مشاهير الْعلمَاء بِالْيمن ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن والإرشاد والملحة وتفقه بالشيخ عبد الرَّحْمَن بن علوي بافقيه وَأخذ الْأُصُول وَالْفِقْه والعربية عَن الشَّيْخ أَحْمد بن عمر عيديد والتصوف عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بسقاف العيدروس ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وَكَانَ يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وَأذن لَهُ غير وَاحِد بالإفتاء والتدريس وَكَانَ جيد الْفَهم حسن الْحِفْظ وانتفع بِهِ كَثِيرُونَ وَأخذ عَنهُ الْجمال مُحَمَّد بن أبي بكر الشلي باعلوي وَطلب لقَضَاء تريم فَامْتنعَ حَتَّى أَشَارَ عَلَيْهِ شَيْخه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن سقاف بِالْقبُولِ فَقبل وَلم يحفظ عَنهُ هفوة فِي إِفْتَاء أَو قَضَاء وَله كَلَام حسن الْموقع وَكَانَ وسيع البال يمِيل إِلَى الخمول وَبلغ من التَّوَاضُع مَا لَا يُوصف مَعَ البشاشة والشفقة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَسبعين وَألف بِمَدِينَة تريم وَدفن بمقبرة زنبل سِنَان باشا الْوَزير الْأَعْظَم صَاحب الْآثَار الْعَظِيمَة فِي الْبِلَاد من جُمْلَتهَا الْجَامِع بِدِمَشْق خَارج بَاب الْجَابِيَة وَالْحمام والسوق الْمُتَّفق على حسن وضعهم ودقة صنعتهم وَله مثل ذَلِك فِي كل من القطيفة وسعسع وعيون التُّجَّار وعكة مَعَ خانات ينزلها المسافرون وَله ببولاق جَامع عَظِيم وَمثله بِالْيمن وقسطنطينية وَغَيرهَا من الْبِلَاد جَوَامِع ومساجد ومدارس وخانات وحمامات تنوف على الْمِائَة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أَكثر وزراء آل عُثْمَان آثاراً وأعظمهم نفعا للنَّاس وَكَانَ وزيراً عالي الْقدر رفيع الهمة ولي الْحُكُومَة بِمصْر فِي زمن سلطنة السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان وَمن غَرِيب مَا وَقع لَهُ وَهُوَ حَاكم بهَا أَنه لما تعين الْوَزير لالا مصطفى باشا إِلَى فتح الْيمن سَار إِلَى مصر وتقاعس بهَا عَن السّير رَجَاء أَن تضم لَهُ إِمَارَة الْأُمَرَاء بِمصْر إِلَى سردارية العساكر الْمعينَة لليمن فاتفق مَعَ بعض خواصه أَن يضيف سِنَان باشا وَيَضَع لَهُ السم فِي المشروب ثمَّ دَعَاهُ فَأجَاب وَكَانَ الشَّيْخ أدهم بن عبد الصَّمد العكاري الْمُقدم طرف من أخباره فِي تَرْجَمَة ابْن جلال من معتقدي سِنَان باشا وَهُوَ عِنْده بِمَنْزِلَة مرشده ومربيه وَلَا يصدر فِي الْأُمُور إِلَّا عَن رَأْيه فاستدعاه وَقَالَ لَهُ قُم نَذْهَب إِلَى الضِّيَافَة فَقَالَ لَهُ وَالله مَا أَنا بذاهب مَعَك وَلَكِن احْتَرز أَنْت على نَفسك فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْك وَالْقَوْم عازمون على أَن يضروك فَلَمَّا قدمُوا إِلَيْهِ الْإِنَاء المسموم فِي مَاء الشّعير الْمحلى بالسكر لم يتَنَاوَل مِنْهُ شَيْئا ودعا بعض الْأُمَرَاء الْحَاضِرين إِلَى شربه فَقَالَ لَهُ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 دَعَاهُ أما أَنا فَلَا أشْرب من هَذَا الْإِنَاء فازداد وهمه فَقَالَ رجل وَاقِف للْخدمَة إِلَى مَتى تتوقفون فِي شربه وتناوله ليشربه فَلَمَّا وَضعه بَين شَفَتَيْه تناثر لحم فَمه فِي الْحَال وَوَقع مقدم أَسْنَانه وَسقط شعر لحيته فَألْقى الكاس من يَده وَعلم الْحَاضِرُونَ بالقصة فَقَامَ سِنَان باشا وَهُوَ يقْرَأ قَوْله تَعَالَى وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله ونادى بفرسه فركبها وَذهب ثمَّ عينه السُّلْطَان إِلَى الْيمن وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن إقليم الْيمن من صنعاء إِلَى عدن كَانَ دَاخِلا فِي حوزة سلاطيننا العثمانيين فِي أَيَّام السُّلْطَان سُلَيْمَان وَكَانَ لَهُ نَائِب وَاحِد وَاسْتمرّ زَمَانا إِلَى أَن فوضت حكومته لاثْنَيْنِ وَعين لكل مِنْهُمَا مَا حدّ من الْبِلَاد فَكَانَ ذَلِك باعث الِاخْتِلَاف والجدال وَكَانَ مطهر بن شرف الدّين يحيى الزيدي لعب الشَّيْطَان بعقله وسولت لَهُ نَفسه الْعِصْيَان فصادف انقسام المملكة وُصُول خبر وَفَاة السُّلْطَان سُلَيْمَان فَقطع الطَّرِيق وحاصر تعز وصنعا وسلب كثيرا من أُمَرَاء فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى السلطنة عينوا مصطفى باشا كَمَا تقدم ثمَّ عزلوه وعينوا مَكَانَهُ سِنَان باشا سردار على العساكر فَتوجه وَأصْلح مَا كَانَ اخْتَلَّ واستنقذ مَا كَانَ مطهر أَخذه بعد وقائع وَأُمُور يطول شرحها وَهِي مَذْكُورَة فِي تَارِيخ القطب الْمَكِّيّ وَفِي ذَلِك يَقُول بَعضهم من أَبْيَات (وَمَا يمن إِلَّا ممالك تبع ... وناهيك من ملك قديم وَمن فَخر) (تَملكهَا من آل عُثْمَان إِذْ مَضَت ... بَنو طَاهِر أهل الشآمة وَالذكر) (فَهَل يطْمع الزيدي فِي ملك تبعٍ ... وَيَأْخُذهُ من آل عُثْمَان بالمكر) (أَبى الله وَالْإِسْلَام وَالسيف والقنا ... وسر أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي بكر) ثمَّ إِنَّه بعد تمهيد هَذَا الْأَمر عَاد فَدخل مَكَّة المشرفة وَحج حجَّة الْإِسْلَام وصادف الْحَج فَلم يفته وَأَنْشَأَ بِمَكَّة آثاراً حَسَنَة مِنْهَا تعمير حَاشِيَة المطاف دَائِرَة حوله مفروشة بالحصى يَدُور بهَا دور حِجَارَة منحوتة مَبْنِيَّة حول الْحَاشِيَة كالإفريز لَهَا فَأمر أَن تفرش هَذِه الْحَاشِيَة بِالْحجرِ الصوان المنحوت ففرشت بِهِ فِي أَيَّام الْمَوْسِم وَصَارَ محلا لطيفاً دائراً بالمطاف من بعد أساطينه وَصَارَ مَا بعد ذَلِك مفروشاً بالحصى الصغار كَسَائِر الْمَسْجِد الْحَرَام وَهَذَا الْأَثر خَاص بِهِ وَمِنْهَا تعميره سَبِيل التَّنْعِيم أنشأه وَأمر بإجراء المَاء إِلَيْهِ من بِئْر بعيدَة يجْرِي المَاء مِنْهَا إِلَى السَّبِيل فِي ساقية مَبْنِيَّة فِيمَا بَينهمَا بالحصى والنورة وَعين لَهَا خَادِمًا يَسْتَقِي من الْبِئْر وَيصب فِي الساقية فيصل المَاء إِلَى السَّبِيل ليشْرب مِنْهُ وَيتَوَضَّأ المعتمرون وَعين لمصارف ذَلِك من ريع أوقاف لَهُ بِمصْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وَمِنْهَا آبار حفرهَا بِقرب الْمَدِينَة المنورة لقوافل الزوار فِي وَادي مُفَرع وَغَيرهَا كَثِيرَة النَّفْع جدا وَمِنْهَا قِرَاءَة ختمة شريفة فِي كل يَوْم يقْرؤهَا ثَلَاثُونَ نَفرا بِمَكَّة وَأُخْرَى بِالْمَدِينَةِ ثمَّ بعد أَن قدم إِلَى تخت السلطنة عينه السُّلْطَان سليم إِلَى فتح حلق الْوَادي بِبِلَاد تونس الغرب وَكَانَ النَّصَارَى استولوا عَلَيْهَا بِسَبَب الِاخْتِلَاف الْوَاقِع بَين سلاطين الغرب من آل حَفْص فَصَارَ بَعضهم يقوى على بعض بالفرنج وأطمعوهم فِي بِلَاد الْمُسلمين فاستولوا عَلَيْهَا وتمكنوا مِنْهَا وحصنوا الْحُصُون وأحكموا المقلاع بِحَيْثُ أيس الْمُسلمُونَ من فتحهَا وصاروا تَحت حكم الفرنج وَأخذُوا مملكة تونس وَوَضَعُوا السَّيْف فِي أَهلهَا فَقتلُوا الرِّجَال وَسبوا النِّسَاء وَالْأَوْلَاد فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان سليم ذَلِك أرسل مِائَتي غراب مشحونة بالأبطال والمدافع وَآلَة الْحَرْب وَعين مَعَهم سِنَان باشا وقلج عَليّ باشا وَكَانَت غَزْوَة مَشْهُورَة من أعظم غزوات بني عُثْمَان يحْتَاج إِلَى تفصيلها الْمُؤلف فنقتصر مِنْهَا على خلاصتها وَهُوَ أَن الْمُسلمين انتصروا على الْكفَّار وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو عشرَة آلَاف مَعَ الْحصار المديد والقتال وَمن الْعجب أَن الفرنج كَانَت بنت هُنَاكَ حصاراً حصيناً وقلعة منيعة أَقَامُوا فِي استحكامها وإتقان بنائها ثَلَاثًا وَأَرْبَعين سنة فافتتحها سِنَان باشا فِي ثَلَاث وَأَرْبَعين يَوْمًا من أَيَّام محاصرتها وَذَلِكَ فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ خرب الْوَزير القلاع والحصون فَلم يبْق لَهَا رسم ثمَّ توجه سِنَان باشا إِلَى دَار السلطنة فولى بعد مُدَّة الوزارة الْعُظْمَى وَذَلِكَ فِي زمن السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ عزل عَنْهَا وَولي بعْدهَا نِيَابَة الشَّام وَشرع فِي عمَارَة الْجَامِع الْمَذْكُور أَولا ثمَّ ولي الوزارة الْعُظْمَى بعد ذَلِك أَربع مَرَّات عزل من الثَّالِثَة فِي شهر ربيع الأول سنة أَربع بعد الْألف وَصَارَ مَكَانَهُ لالا مُحَمَّد باشا فَبعد ثَلَاثَة أَيَّام توفّي مُحَمَّد باشا فأعيد إِلَى مَكَانَهُ وَلم تطل مدَّته فَتوفي فِي شعْبَان من تِلْكَ السّنة وَكَانَ فِي أحد تولياته الوزارة تعين لمحاربة الْكفَّار المعروفين بالنمسة ووقفت على تَرْجَمَة لَهُ تَرْجَمَة بهَا منشيء الدِّيوَان عبد الْكَرِيم بن سِنَان ذكر فِيهَا غَزوه مَعَ الْكَفَرَة وَمن زبدتها قَوْله مَلأ بقتلاهم الهضب وَالْبِقَاع وَأخذ مِنْهُم القلاع وَالْبِقَاع وجبر قُلُوب الْإِسْلَام بِكَسْر الصلبان والأصنام وَمن غَرِيب فتوحاته تسخيراً لحصن الموسوم بيانق وَهُوَ على مَا يُقَال لسماك السَّمَاء معانق أحكمت يَد الدَّهْر بُنْيَانه وَقد أزرى بالهرم فِي الحصانه وَأَهله يقطفون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 بِأَيْدِيهِم نرجس الْكَوَاكِب ويثقبون بأسنتهم دراري الثواقب (يزر عَلَيْهِ الجو جيب غمامه ... ويلبسها من رونق الأنجم الزهر) وَقد أحاطت بِهِ الْأَنْهَار إحاطة الهالات بالأقمار وَكم ورد فِيهَا لحياض الْمنية من ورد وَلبس من حبكها المنسوج بيد الشمَال زرداً على زرد (فبالله من عجب دلاص ... يردّ بِهِ الْحمام غَدَتْ حَماما) وتيسر فَتحه فِي نَحْو سبعين يَوْمًا وجفون الْغُزَاة لم تكتحل بِغَيْر نقع الهيجاء وَلم تذق نوماً وَقد تثبتوا فِي الْحَرْب تثبت الْجبَال علما بِأَنَّهَا بَين الرِّجَال سِجَال فهناك باحت أغماد السيوف بأسرارها فطارت غربان البنادق من أوكارها وَكم قَتِيل غَدا بألسنة الأسنة مكلماً وأصبحت درعه تبْكي عَلَيْهِ بِأَلف عين دَمًا والأعداء كَأَنَّمَا أَجْسَادهم جرائر يحملهَا من الدِّمَاء السَّيْل وكأنما رؤوسهم أكر تلعب بهَا صوالج الْأَيْدِي والأرجل من الْخَيل شكرا لله مساعيه الراضية وأحله فِي قُصُور الْجنان الْعَالِيَة انْتهى سِنَان باشا الْوَزير حَاكم الْيمن كَانَ كتخدا حسن باشا صَاحب الْيمن الْمُقدم ذكره وَلما طَالَتْ مُدَّة الْوَزير حسن باشا فِي الْيمن وَأَرَادُوا عَزله مِنْهُ وَخُرُوجه على وَجه مستحسن أنعم السُّلْطَان بِبِلَاد الْيمن لكتخدانه سِنَان باشا الْمَذْكُور فَتوجه حسن باشا إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية فِي حادي عشري صفر سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف وَكَانَ سِنَان باشا الْمَذْكُور على مَا قَالَ الشَّاعِر (ملك سِنَان قناته وبنانه ... يتباريان دَمًا وَعرفا ساكبا) وَلما اسْتَقر فِي الْيمن وَظهر من شيخ البدو عَليّ بن فلاح تعدو وأخاف الطرقات وهم قَبيلَة وَاسِعَة بِلَادهمْ مَا بَين بِلَاد ذمار وسنحان مسيرَة يَوْم وَاحِد من صنعاء أرسل عَلَيْهِم جَيْشًا جراراً فمزقهم كل ممزق فأطاعوا وسلموا رهاين فأنعم عَلَيْهِم بِالْعَفو وَكَانَ عقيب ذَلِك ظُهُور الإِمَام الْقَاسِم من بِلَاد الشرق من برض إِلَى بِلَاد وَادعَة إِلَى جِهَة الظَّاهِر وَقد دارت بَينه وَبَين الْأَمِير عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن المطهر حَاكم بِلَاد حجَّة والشرق مكاتبات على اتِّحَاد الْحَال بَينهمَا بِفَتْح الْحَرْب على السلطنة ووثب الإِمَام على سَائِر الْقَبَائِل بجاري عَادَته الأولى فَأَجَابُوهُ وَقَامَت الْحَرْب على سَاقهَا فَوجه الْوَزير سِنَان المحاط إِلَى جِهَة عبد الرَّحِيم وَلم يزل على الْحَرْب حَتَّى ضعفت أَحْوَال الإِمَام الْقَاسِم عَن مُقَابلَة مَا لديهم من العساكر وَعطف بِأَكْثَرَ العساكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 على عبد الرَّحِيم وتكاثروا عَلَيْهِ ولحقه التَّعَب وَكَاد يشرف على العطب فحين رأى الإِمَام اشْتِغَال الْعَسْكَر بِعَبْد الرَّحِيم نَهَضَ على حصن شهاره وَسكن الإِمَام فِي شهاره والعساكر محدقون بِعَبْد الرَّحِيم فوصلت الْأَخْبَار أَن السُّلْطَان أنعم بِبِلَاد الْيمن على الْوَزير جَعْفَر باشا حَاكم بِلَاد الْحَبَشَة الْمُقدم ذكره فَخرج الْوَزير سِنَان من صنعا مُتَوَجها إِلَى الْأَبْوَاب الْعلية فِي رَجَب سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف فَلَمَّا وصل إِلَى بندر المخا انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَدفن إِلَى جَانب قبر القطب الشَّيْخ عَليّ بن عمر الشاذلي الْقرشِي نفع الله تَعَالَى بِهِ وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْخَامِس من شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ يحب الْعلمَاء والفقراء والصلحاء وَكَانَ محسناً جواداً وَكَانَ مَعَ ذَلِك سفاكاً وَمَضَت أَيَّامه بالفتن وآثار خيراته أَكثر من أَن تذكر وَمن الْعجب أَن حسن باشا مَاتَ فِي رَجَب وَسنَان باشا فِي شعْبَان وَكَانَا تمَكنا من الْيمن نَحْو ثَمَانِيَة وَعشْرين سنة وَكَانَت أيامهما زهرَة الْأَيَّام فِي الْيمن وَلما بلغ جَعْفَر باشا وَفَاته أرسل لضبط خزائنه عمر كتخداء فوصل إِلَى المخا وَاسْتولى عَلَيْهَا سِنَان باشا الْمَعْرُوف بكوجك سِنَان نَائِب الشَّام هُوَ فِي الأَصْل من مماليك مَحْمُود باشا الْمَقْتُول فِي مصر سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة وتاريخ قَتله ظلمه وَكَانَ من جملَة خدمته أَيْضا مُرَاد باشا الَّذِي صَار آخرا وَزِير أعظم فِي دولة السُّلْطَان مُحَمَّد وَكَانَ هُوَ وَسنَان باشا فِي وَقت خدمتهما لمحمود باشا يتحابان وَبَينهمَا مَوَدَّة أكيدة وافترقا فَأَقَامَ سِنَان باشا فِي مصر وَذهب مُرَاد باشا إِلَى الرّوم وسما بِهِ حَظه حَتَّى ولي الوزارة الْعُظْمَى فَأرْسل إِلَى سِنَان باشا فِي مصر وَطَلَبه فورد إِلَيْهِ فِي حلب وَهُوَ مخيم هُنَاكَ وَكَانَ معينا لقِتَال الْخَوَارِج فَجعله بِمُجَرَّد قدومه أَمِير الْأُمَرَاء فِي بِلَاد قرمان وَذكر الْحسن البوريني فِي تَرْجَمته أَنه لما سَافر يَعْنِي البوريني من دمشق إِلَى حلب ورد إِلَى الْوَزير فِي مخيمه خَارج حلب فَرَأى سِنَان باشا ملازماً لَهُ فِي غَالب أوقاته قَالَ وَلما اجْتمعت بِهِ تذاكرت مَعَه السّفر إِلَى جَانب الْأَعْدَاء فَقلت لَهُ مَا نيتكم بعد كسر الْبُغَاة فَقَالَ نيتي أَن أَسِير إِلَى مصر لِأَن وطني بهَا وَشرع يذكر مَا لَهُ بِمصْر من العلائق وَالْأَمْوَال والعقارات وَالدَّوَاب والخيول وَيَقُول أَنا لي بِمصْر ملاذ ونعيم لَا يكون إِلَّا للسلاطين فَقلت لَهُ إِنَّمَا تسير من هُنَا إِلَى دمشق حَاكما بهَا فَأخذ يبعد ذَلِك وَيَقُول مَا خطر لي هَذَا وَلَا ترقبت إِلَيْهِ همتي وَأَنا لَا أَحْلف لَهُ أَنه لَا بدّ أَن يردّ إِلَى دمشق حَاكما بهَا فَعِنْدَ ذَلِك سكت ومدّ يَده إليّ وَقَالَ عاهدني على الْأُخوة الْكَامِلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 الصادقة فمددت يَدي إِلَيْهِ وعاهدته وَكَانَ دَاعِيَة مَا صممت عَلَيْهِ من القَوْل أَنِّي قد رَأَيْت فِي الْمَنَام وَأَنا بحلب أَن بَاب دمشق قد أغلق وَأَن سِنَان باشا قد أَخذ مفاتحه بِيَدِهِ وَورد إِلَى الْبَاب وفتحه وَدخل رَاكِبًا إِلَى الْمَدِينَة وَمَعَهُ جمَاعَة مستكثرة ثمَّ فارقته وَتوجه هُوَ فِي خدمَة الْوَزير إِلَى توقات فولاه نِيَابَة دمشق ودخلها فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري شهر رَمَضَان سنة سبع عشرَة وَألف وَوَقع فِي زمن تَوليته أَن فرقة من عرب آل جَبَّار المعروفين بأولاد أبي ريشة نفروا من الْعرَاق بعد موت أَمِيرهمْ الْأَمِير أَحْمد بن أبي ريشة فوصلوا إِلَى نواحي تدمر وانضم إِلَيْهِم قوم من طَائِفَة السكبانية الَّذين هربوا من وقْعَة الْأَمِير عَليّ بن جانبولاذ فعاثوا فِي تِلْكَ الْبِلَاد وَقَطعُوا الطَّرِيق وَلما ورد من حلب الْعَسْكَر الْمصْرِيّ الَّذِي كَانَ قد طلب لقِتَال كَبِير السكبانية مُحَمَّد بن قلندر وَالْأسود سعيد فَوَرَدُوا إِلَى حلب ثمَّ إِلَى بِلَاد السوَاد فَكَانَ الْوَزير مُرَاد باشا رَأس العساكر السُّلْطَانِيَّة فَالتقى جَيش السُّلْطَان مَعَ جَيش الْبُغَاة فغلب عَسْكَر السُّلْطَان وهرب مِنْهُم جمع وَمن جملَة الهاربين بَين الْجَمَاعَة الْمَذْكُورين وَكَانُوا فِي الْعدَد نَحْو أَرْبَعمِائَة سكباني فَلَمَّا انضموا إِلَى الْعَرَب الْمَذْكُورين كَانَ السكبان يضْربُونَ بالبندق وَالْعرب يضْربُونَ بِالرِّمَاحِ وَالسُّيُوف وَأخذُوا قلعة القسطل وقلعة القطيفة ونهبوا المعصرة وَقتلُوا بهَا من الرِّجَال وَالنِّسَاء مَا يزِيد على عشرَة أشخاص فَلَمَّا بالغوا بِالْقَتْلِ والنهب والغارة والعدوان قصدهم سِنَان باشا وَمَعَهُ الْعَسْكَر الشَّامي وانضم إِلَيْهِم عرب المفارجة وَكَبِيرهمْ عَمْرو بن جبر فأدركوا الْعَرَب والسكبان فِي نواحي قلعة القطراني فَقتلُوا من السكبان نَحْو ثلثمِائة رجل وأمسكوا مِنْهُم نَحْو خمسين رجلا ودخلوا بهم إِلَى دمشق راكبين للجمال وعَلى كتف كل وَاحِد مِنْهُم خَشَبَة طَوِيلَة هِيَ خازوق لَهُ وَفِي الْيَوْم الثَّانِي أتلفوهم وَفرقُوا أَجْسَادهم على المحلات بِدِمَشْق وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن سِنَان باشا هَذَا أعْطى من السعد فِي أُمُوره مَا لم يُعْط لأحد من الْحُكَّام وَبعد عَزله من دمشق أعْطى كَفَالَة حلب وَتُوفِّي بعد ذَلِك وَلم يذكر البوريني فِي تَارِيخه وَفَاته وَالظَّاهِر من فحوى كَلَامه أَن وَفَاته لم تتجاوز الْعشْرين من هَذَا الْقرن بِكَثِير وَالله أعلم سِنَان باشا ابْن مَحْمُود نزيل دمشق ومتولى الْجَامِع الْأمَوِي بهَا أَمِير الْأُمَرَاء وَصدر أَعْيَان الشَّام فِي وقته أَصله من قَرْيَة دورلى بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَبعدهَا وَاو مَكْسُورَة وَرَاء سَاكِنة وَلَام مَكْسُورَة من ضواحي قرمان ورد إِلَى دمشق فِي خدمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 الْوَزير مصطفى باشا الخناق نَائِب الشَّام فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَبَعْدَمَا عزل مخدومه أَقَامَ هُوَ بِدِمَشْق وَصَارَ من جندها وَصَارَ زعيم دمشق مَرَّات وسرداراً بِخِدْمَة المحكمة وَصَارَ محتسباً مُدَّة طَوِيلَة وأحدث بهَا ثَمَان عشرَة بِدعَة بَاقِيَة إِلَى يَوْمنَا ثمَّ ترقى حَتَّى صَار باشجاويش وَحج سنتَيْن وَعمر دَارا قبالة البيمارستان النوري تعرف قَدِيما بدار الصَّابُونِي والصابوني هَذَا هُوَ صَاحب جَامع الصابونية وَبعد مُدَّة صَار كتخدا الْجند وسلك سلوكاً غَرِيبا حَتَّى فاق من قبله وأتعب من بعده وَكَانَ سخياً إِلَى الْغَايَة وَله بذل وعطايا وقرى ثمَّ صَار أَمِير الْحَاج وَأعْطى حُكُومَة نابلس فحج بِالنَّاسِ سنتَيْن وَذَلِكَ سنة تسع وَخمسين وَسنة سِتِّينَ ثمَّ عزل ورق حَاله وَلم يتَغَيَّر عَن كرمه ثمَّ سعى لَهُ بعض الْأَعْيَان وصيره أَمِير الْأُمَرَاء بالقدس وَبَعْدَمَا عزل عَنْهَا عَاد مديوناً وتضعضع حَاله وَكثر عَلَيْهِ الدّين حَتَّى بَاعَ أملاكه وسافر إِلَى الرّوم فَلم يحصل لَهُ منصب بل صَارَت لَهُ علوفة فِي خزينة دمشق على سَبِيل التقاعد وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَسِتِّينَ ثمَّ صَار مُتَوَلِّي أوقاف الْجَامِع الْأمَوِي وَلما قدم الْوَزير أَحْمد باشا الْفَاضِل جعله كتخدا الدفتر بِدِمَشْق وَهَذِه الْخدمَة تتَعَلَّق بأرباب التيمار وَأهل الزعامات وَمن يتولاها يكون ضابطاً لَهُم فانتظم حَاله وتنبه من رقدة الخمول قَالَ وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته وَبَعْدَمَا ناهز الثَّمَانِينَ ابتلى بمحبة غُلَام كَانَ عِنْده من الخدام وَلم يكن عهد فِي طبعه الرقة وَلَا عرف للغرام حَقه وَبَعْدَمَا تحكم عشقه فِيهِ نفر عَنهُ وَقصد تجافيه وخدم عِنْد الْوَزير قبلان نَائِب الشَّام وعسر عَلَيْهِ خلاصه من يَده واجتهد فِي تَحْصِيله غَايَة الِاجْتِهَاد فَلم يظفر مِنْهُ بِمُرَاد وَلم يزل يعاني فِيهِ الْغصَص ويتوقع مواقع الفرص إِلَى أَن مَاتَ وَمَا مَاتَت حسرته وخلفت أمْنِيته منيته وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من مَزَار بِلَال الحبشي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سيف الدّين أَبُو الْفَتْح ابْن عَطاء الله الوفائي الفضالي الْمقري الشَّافِعِي الْبَصِير شيخ الْقُرَّاء بِمصْر فِي عصره قَالَ بعض الْفُضَلَاء فِي حَقه فَاضل جني فواكه جنية من عُلُوم الْقُرْآن وَتقدم فِي علومه على الأقران قَرَأَ بالروايات على الشَّيْخَيْنِ الْإِمَامَيْنِ شحادة اليمني وَأحمد بن عبد الْحق وَبِهِمَا تخرج وَأخذ عَنهُ جمع من أكَابِر الشُّيُوخ مِنْهُم الشَّيْخ سُلْطَان المزاحي وَمُحَمّد بن عَلَاء الدّين البابلي وَله مؤلفات مفيدة نافعة مِنْهَا شرح بديع على الجزرية فِي التجويد ورسائل كَثِيرَة فِي القراآت وَكَانَت وَفَاته بِمصْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 بِمصْر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشر جُمَادَى الأولى سنة عشْرين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى (حرف الشين الْمُعْجَمَة) شاهين بن مَنْصُور بن عَامر الأرمناوي الْحَنَفِيّ أفقه الْحَنَفِيَّة فِي عصرنا الْأَخير بِالْقَاهِرَةِ اشْتهر صيته وسارت فَتَاوَاهُ فِي الْبِلَاد وَولد بِبَلَدِهِ وَحفظ الْقُرْآن والكنز والألفية والشاطبية والرحبية وَغَيرهَا ورحل إِلَى الْأَزْهَر فَقَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ الْعَلامَة المقرى عبد الرَّحْمَن اليمني ولازم فِي الْفِقْه الإِمَام الشهَاب الشَّوْبَرِيّ وَأحمد المنشاوي وَأحمد الرِّفَاعِي وَحسن الشُّرُنْبُلَالِيّ وَفِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الأحمدي الشهير بسيبويه تلميذ الْعَلامَة ابْن قَاسم الْعَبَّادِيّ ولازمه كثيرا وبشره بأَشْيَاء حصلت لَهُ وَأخذ عَن الْعَلامَة سري الدّين الدروري والنور الشبراملسي وسلطان المزاحي وَالشَّمْس البابلي وَيس الْحِمصِي وَمُحَمّد المنزلاوي وَعمر الدفري والشهاب القليوبي وَعبد السَّلَام اللَّقَّانِيّ وَإِبْرَاهِيم المأموني وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه وتصدّر للإقراء فِي الْأَزْهَر فِي فنون عديدة كالفقه والفرائض والحساب والنحو وَغَيرهَا وَعنهُ أَخذ جمع من أَعْيَان الأفاضل وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاثِينَ بعد الْألف وَتُوفِّي بِمصْر فِي سنة مائَة وَألف رَحمَه الله تَعَالَى شحادة بن إِبْرَاهِيم الْحلَبِي الشَّافِعِي نزيل الْقَاهِرَة قَالَ بعض الأفاضل فِي وَصفه عَلامَة الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَشَيخ أهل الْفُرُوع وَالْأُصُول ووحيد عصره وعميد مصره وَشَيخ الْجَامِع الْأَزْهَر ومشكاة مصباحه الأنور وَلَيْث الْعلم الَّذِي لَا يجارى وغيب الْفضل الَّذِي لَا يُبَارى ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وجدّ فِي الِاشْتِغَال بِالْعلمِ حَتَّى بلغ الْغَايَة القصوى وشدّت إِلَيْهِ الرّحال وَأخذ عَنهُ أكَابِر الرِّجَال وأدار عَلَيْهِ من أبحاثه بسلاف لَفظه الرَّقِيق مَا يقوم مقَام الرحق وَمن شُيُوخه خَاتِمَة الْفُقَهَاء الشهَاب أَحْمد الرَّمْلِيّ وخاتمة الْمُحدثين النَّجْم مُحَمَّد الغيطي وخاتمة الْمُحَقِّقين الشهَاب أَحْمد بن قَاسم الْعَبَّادِيّ وَغَيرهم وَعنهُ أَخذ كثير كالشيخ الْعَلامَة إِبْرَاهِيم المأموني والشهاب القليوبي والأديب الْفَاضِل درويش مُحَمَّد أَبُو الْمَعَالِي الطالوي وَذكره فِي سانحاته وَأثْنى عَلَيْهِ وَقدره بَين عُلَمَاء الْقَاهِرَة ممتاز مُسلم وَلم يشْتَهر لَهُ تأليف سوى رِسَالَة لَطِيفَة قرظ بهَا على رِسَالَة فِي نسب بني طالو لتلميذه أبي الْمَعَالِي وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشري جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشرَة وَألف بِالْقَاهِرَةِ وَقد جَاوز الثَّمَانِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 الْأَمِير شَدِيد بن احْمَد الْأَمِير حَاكم الْعَرَب وَهُوَ من آل جَبَّار حكام الْعَرَب أَبَا عَن جد يُقَال أَنهم من ذُرِّيَّة جَعْفَر الْبَرْمَكِي ومقام هَؤُلَاءِ فِي بِلَاد سلمية وعانا والحديثة وَمن عَادَتهم أَن من استولى مِنْهُم على خيمة المَال وَالسِّلَاح يكون حَاكما على الْعَرَب جَمِيعهم وَذَلِكَ أَن لَهُم خيمة من الشّعْر كَبِيرَة جدا وَلها نواطير وحرس بالنوبة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَكلهَا صناديق مقفلة بالأقفال الْحَدِيد المحكمة والصناديق مَمْلُوءَة من الذَّهَب وَالْفِضَّة والجوهر وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك من نفائس الْأَشْيَاء النفيسة وَكَانَ شَدِيد استولى عَلَيْهَا بعد أَبِيه أَحْمد وَكَانَ ظَالِما جباراً عنيداً متكبراً خسيساً قَبِيح المنظر وَالْفِعْل وَالْوَصْف غير محسن فِي شَيْء من الْأَشْيَاء وَلم يزل حَاكما إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة ثَمَان عشرَة بعد الْألف وَاتفقَ فِي هلكه عَجِيبَة أَنه كَانَ فِي خيمة فِي بعض صحارى حلب وَكَانَ ابْن عَمه مُدْلِج بن ظَاهر مَعَه فِي الْخَيْمَة وَكَانَ شَدِيد يلْعَب بالشطرنج مَعَ بعض أَقَاربه وَلم يكن عِنْده من إخْوَته أحد فاختلس مُدْلِج الفرصة فِي خلو الْأَمِير فناداه وَهُوَ يلْعَب يَا شَدِيد يَا شَدِيد فَقَالَ نعم فَمَا أتم قَوْله نعم إِلَّا ومدلج قد ضربه بخنجر فِي بَطْنه خرج من ظَهره وَلم يحْتَج فِي إِخْرَاج روحه إِلَى ضَرْبَة أُخْرَى وَلَقَد أرسل الْأَمِير فَخر الدّين بن معن مَكْتُوبًا يخبر فِيهِ عَن قتل شَدِيد وَقَالَ فِي مكتوبه إِن تَارِيخ قَتله قد اتّفق فِي هَذِه الْكَلِمَات وَهِي قَوْله مُدْلِج قتل شَدِيد ولد أَحْمد وَمن الْعجب أَن وَالِد شَدِيد أَحْمد كَانَ قتل ظَاهرا وَالِد مُدْلِج فِي بَيته وَهُوَ ضيف عِنْده فَقدر الله أَن ولد الْمَقْتُول قتل ولد الْقَاتِل قلت وَهَذَا ظَاهر هُوَ ابْن مُدْلِج المترجم فِي الْكَوَاكِب السائرة وَهُوَ ظَاهر بن عساف بن عجل بن مظين بن قدموس كَانَ أَمِير عرب الشَّام وَله قُوَّة وبطش بِحَيْثُ يمسك الدِّرْهَم من الْفضة بِأُصْبُعَيْهِ ويفركه فَيذْهب نقشه ويفتت الْحِنْطَة بَين أصبعيه وَمن عَجِيب أمره أَنه دخل عَلَيْهِ وَلَده قرموش وَهُوَ مَرِيض ليَقْتُلهُ فَضَربهُ بِسيف فَقتله وَشرب شخص لَبَنًا حليباً وَكَانَ بيد امْرَأَة فشكته إِلَيْهِ فاستخبره فَأنْكر وَحلف بحياته أَنه لم يشربه فطعنه بِرُمْح كَانَ بِيَدِهِ فَإِذا اللَّبن خَارج من جَوْفه فَأمر الْمَرْأَة بِأخذ بعير من بعرانه عوض لَبنهَا وَمَات على فرَاشه وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة انْتهى شرف الدّين بن زين العابدين بن محيي الدّين بن ولي الدّين بن جمال الدّين بن القَاضِي زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ السنيكي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي وَتقدم أَبوهُ الإِمَام الْجَلِيل كَانَ صَدرا من صُدُور زَمَنه مُعظما عِنْد الْعلمَاء مَقْبُول الشَّفَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 متقشفاً ورعاً دينا أَخذ الحَدِيث وَالْفِقْه وَغَيرهمَا عَن جمع مِنْهُم وَالِده وَأخذ عَن الشَّمْس شَوْبَرِيّ والنور الشبراملسي وَأَجَازَهُ شُيُوخه وتصدر للإقراء وَأفَاد وانتفع بِهِ خلق كثير وَألف مؤلفات عديدة مِنْهَا الطَّبَقَات ذكر فِيهَا شُيُوخه وعلماء عصره وَكَانَ لَهُ اعتناء تَامّ بِالْأَسَانِيدِ وَمَعْرِفَة الشُّيُوخ ومواليدهم ووفياتهم وَكَانَ الشبراملسي مَعَ جلالته يعظمه كثيرا وأقعد فِي آخر عمره وَانْقطع فِي بَيته فَكَانَت الطّلبَة تَأتيه وَتَأْخُذ عَنهُ وَكَانَت كتبه كَثِيرَة بِحَيْثُ أَنه اجْتمع عِنْده كتب جده شيخ الْإِسْلَام وَمن بعده من أسلافه على كثرتها وأضاف إِلَيْهَا مثلهَا شِرَاء واستكتاباً فَكَانَ إِذا أَتَاهُ أحد بِكِتَاب أَي كتاب للْبيع لَا يُخرجهُ من بَيته وَلَو بِزِيَادَة على ثمن مثله وَكَانَ حَرِيصًا على خطوط الْعلمَاء ضنيناً بهَا وَرَأَيْت بِخَط صاحبنا الْفَاضِل مصطفى ابْن فتح الله أَنه أخبرهُ أَن عِنْده من طَبَقَات السُّبْكِيّ الْكُبْرَى ثَمَانِيَة عشر نُسْخَة وَثَمَانِية وَعشْرين شرحاً على البُخَارِيّ وَأَرْبَعين تَفْسِيرا إِلَى غير ذَلِك وَلما مَاتَ تَفَرَّقت كتبه شذر مذر وَكَانَت تبَاع بالرتبيل بعد أَن كَانَ يشح بِوَرَقَة مِنْهَا قَالَ وَاتفقَ أَن شَيخنَا الْعَلامَة إِبْرَاهِيم الكوراني الْمدنِي أَرَادَ تَحْصِيل رِسَالَة لِلْحَافِظِ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِيمَا علق الشَّافِعِي القَوْل بِهِ على الصِّحَّة وَكَانَت مَوْجُودَة عِنْده فعول على لما تَوَجَّهت إِلَى مصر فِي استعارتها مِنْهُ وكتابتها فلازمته لأَجلهَا نَحْو شَهْرَيْن وَهُوَ يعْتَذر إليّ وَلم يُمكن تَحْصِيلهَا مِنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من الْعلمَاء النزهين وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاثِينَ وَألف تَقْرِيبًا وَتُوفِّي فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى بِقرب تربة الإِمَام الشَّافِعِي عِنْد قبر جده القَاضِي زَكَرِيَّا فِي قبَّة جدوده المعروفين شرف الدّين بن عبد الْقَادِر بن بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن حبيب الْغَزِّي الْحَنَفِيّ أحد الْعلمَاء الأجلاء من أهل التَّحْرِير والإتقان وَكَانَ فَقِيها مُتَمَكنًا مُفَسرًا نحوياً كَبِير الشَّأْن عالي الهمة وَله تآليف شائعة مِنْهَا حَاشِيَته الْمَشْهُورَة على الْأَشْبَاه والنظار لِابْنِ نجيم سَمَّاهَا تنوير البصائر وَرَأَيْت بِخَطِّهِ كثيرا من التحريرات على الدُّرَر وَالْغرر فِي الْفِقْه وَله كتاب محَاسِن الْفَضَائِل بِجمع الرسائل وَهُوَ ثَلَاث رسائل ثِنْتَانِ لَهُ وَوَاحِدَة لِلْحسنِ البوريني الدِّمَشْقِي رَأَيْتهَا وطالعتها جَمِيعًا وَسبب جمعهَا أَن الْحسن كَانَ أرسل إِلَى الْأَمِير أَحْمد بن رضوَان حَاكم غَزَّة رِسَالَة وَفِي ضمنهَا سُؤال عَن عبارَة للْمولى أبي السُّعُود وَقعت فِي تَفْسِيره فِي سُورَة الْفرْقَان عِنْد قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 تَعَالَى لَهُم فِيهَا مَا يشاؤن خَالِدين حَيْثُ قَالَ حَال من الضَّمِير المستكن فِي الْجَار وَالْمَجْرُور لاعتماده على الْمُبْتَدَأ وَقيل من فَاعل يشاؤون انْتهى وَطلب البوريني الْجَواب من شرف الدّين فألف رسَالَته الأولى وَقَالَ فِي ديباجتها بعد الحمدلة وَسبب التَّأْلِيف فاشتغلت بايتارقوس الْبَيَان وشرعت فِي الْجَواب مستمدا العون من الْملك الديَّان وكتبت فِي ذَلِك رِسَالَة سميتها ارواء الصادي فِي الْجَواب عَن أبي السُّعُود الْعِمَادِيّ وأرسلتها إِلَى الْفَاضِل الْحسن البوريني ذِي الأيادي فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ وتأملها بفكره اعْترف بِصِحَّة بَعْضهَا وَاعْترض على آخر بنكره فَكتبت لَهُ الْجَواب عَن إِيرَاده وَأَنه دَافع لمراده فَأَحْبَبْت أَن أجمع هَذِه الرسائل فِي كتاب مُفْرد وأجعله خدمَة لسدة مَوْلَانَا الْأَمِير الأمجد إِلَى أَن قَالَ وَسميت هَذَا الْكتاب محَاسِن الْفَضَائِل بِجمع الرسائل ورتبته على حسب الْوَاقِع فِي الزَّمَان فَقدمت رِسَالَة إرواء الصادي وثنيت برسالة الْحسن البوريني وثلثت برسالتنا الموسومة بأرج العهري والجادي فِي الدّفع عَن إرواس الصادي وَحَاصِل مَا أجَاب بِهِ أَن مَا مَوْصُولَة وَاقعَة على فنون الملاذ والمشتهيات وأنواع النَّعيم وَمن جملَة الْمَذْكُور الْحور والولدان وَغَيرهمَا من بني آدم وَبنَاته وَمَا الموصولة يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذكر والمؤنث والمثنى وَالْجمع وَالْغَالِب اسْتِعْمَالهَا فِيمَا لَا يعلم وَقد تسْتَعْمل فيهمَا وَيجوز فِي ضميرها مُرَاعَاة اللَّفْظ وَالْمعْنَى فرجوع الضَّمِير مجموعاً بِاعْتِبَار معنى مَا وَهَذَا جَوَاب عَن أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي وَهُوَ جمعه جمع الْعُقَلَاء أَن هَذَا من بَاب التغليب فغلب من يعقل من الْحور وَنَحْوهَا على مَا لَا يعقل من أَنْوَاع النَّعيم لِأَن كلمة مَا مَوْضُوعَة للْكُلّ أَو لارادة الْوَصْف كَمَا قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى ويعبدون من دون الله مَا أُرِيد مَا يعم الْعُقَلَاء وَغَيره أما لِأَن كلمة مَا مَوْضُوعَة للْكُلّ أَو لِأَنَّهُ أَرَادَ الْوَصْف لَا الذَّات كَأَنَّهُ قيل ومعبودهم أَو اعْتِبَار الْغَلَبَة عبدتها فَهِيَ على هَذَا حَال حَقِيقَة أَو ذَلِك بِاعْتِبَار مُلَابسَة بَين النَّعيم الْمعبر عَنهُ بماو بَين أَصْحَابه فصح كَون خَالِدين حَالا من الضَّمِير فِي الْخَبَر سَبَبِيَّة أَي خَالِدين أَهله فِيهِ ففاعل الْوَصْف يرجع إِلَى الْمُتَّقِينَ كَمَا فِي قَوْلك مَرَرْت بِالدَّار قَائِما سكانها كَمَا صرح بِهِ النحويون وَلَا يرد عَلَيْهِ عدم بروز الضَّمِير لِأَن هَذَا على مَذْهَب الْكُوفِي وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك لوروده كثيرا وَالْأول أولى كَمَا لَا يخفى انْتهى قلت وَقد تجاززت الْحَد الْمَضْرُوب للتاريخ وَلَكِن رُبمَا حسن هَذَا الاستطراد عِنْد قوم وَبِالْجُمْلَةِ فالمقصود الْفَائِدَة وَلَعَلَّ كتَابنَا هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 لَا يَخْلُو عَنْهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة شرف الدّين الْمَعْرُوف بالدمشقي الشَّافِعِي أحد أفاضل الشَّام الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ التَّام وَكَانَ متجراً ذَا فنون كَثِيرَة قَرَأَ الْكثير وَضبط وَقيد وَجلسَ مجْلِس التدريس ونفع كثيرا من الأفاضل أخذُوا عَنهُ وانتفعوا بِهِ وَصَارَ معيد درس الحَدِيث تَحت قبَّة النسْر وَشَيْخه إِذْ ذَاك الشَّمْس مُحَمَّد الميداني وَكَانَ الشَّمْس يجله كثيرا ويعظمه وَمرض مرّة سَبْعَة أَيَّام فَترك الدَّرْس لأَجله وَكَانَ لَهُ حَلقَة تدريس بِمَسْجِد هِشَام فِي سوق جقمق يقري بِهِ دروساً خَاصَّة وَعَن غَرِيب أمره أَنه كَانَ فِي علم الْعرُوض ثَانِي الْخَلِيل إِلَّا أَنه لم يتَّفق لَهُ نظم بَيت وَكَانَ إِذا قَرَأَ الشّعْر قَرَأَ على طَريقَة المجودين بمراعاة الْإِظْهَار والإدغام والإخفاء وَغير ذَلِك فَيَقَع سَمحا بَارِدًا وَكَانَ شَيخنَا النَّجْم الفرضي يثني على تَحْقِيقه وَحسن تفهيمه وَهُوَ مِمَّن أَخذ عَنهُ ونحا نَحوه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من كبار الْعلمَاء الَّذين ظنت حَصَاة فَضلهمْ فِي الْآفَاق وَكَانَت وَفَاته بعد عصر الْأَرْبَعَاء ختام شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير شرف الدّين العسيلي الْقُدسِي كَانَ من الأدباء أهل النادرة وَكَانَ يعرف علم الرمل والزايرجا وَاتفقَ لَهُ أَنه سَافر إِلَى الرّوم وَالْمولى عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الَّذِي صَار آخر أمره مفتياً فِي الدولة العثمانية قَاضِي العساكر باناطولي فاستخرج لَهُ أَنه فِي شهر كَذَا يُرْسل الْملك خليفه ويوليه الافتاء وَأخْبرهمْ بذلك فَلَمَّا وَقع لَهُ مَا قَالَه أحسن إِلَيْهِ وقربه وولاه قَضَاء شبشير من أقليم مصر فَذهب إِلَيْهَا وَعَاد إِلَى الرّوم فَأعْطَاهُ قَضَاء الْمنزلَة فاختر مِنْهُ الْمنية قبل ضَبطهَا وَكَانَ لَهُ شعر رَأَيْت لَهُ هَذِه القصيدة كتبت بهَا إِلَى مفتي الْحَنَفِيَّة بالقدس الشَّيْخ هبة الله بن عبد الْغفار العجمي ملغزاً وَهِي قَوْله (سليل الْمَعَالِي فرع أصل الفواضل ... وَبدر الْعلي يَا شمس أفق الأفاضل) (وَيَا وَاحِدًا فِي الدَّهْر مَا بَين أَهله ... وإنسان عين الْفضل روح الْكَامِل) (وَيَا هبة الله الْجَلِيل جماله ... وواسطة العقد الفريد المماثل) (أفدني رفيع الشان يَا وَاحِد العلى ... منيع الذرى قطبا بصدر المحافل) (فيا اسْم بِهِ شَيْء لطيف مصحف ... كَذَا فِيهِ معنى الْقرب يَبْدُو لواصل) (تصرف بقلب ثمَّ حرف مُصحفا ... ترى صنعتي ضدا حوتها معاولي) (وَفِيه بقلب اسْم فَاضل عصره ... وثانيه وردي من ثغور المناهل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 (نتيجة هَذَا الِاسْم روحي فداؤها ... هِيَ الشَّمْس إِن تبدو ضحى فِي الأصائل) (غرامي بِهِ نَام وَإِن دَامَ هاجري ... بصد وَبعد فَهُوَ لَا شكّ قاتلي) (تصرف وَبَين يَا بديع بدائعي ... وميز بِحَال مِنْك نعت العوامل) (فَلَا زلت كشافا لكل عويصة ... همام الْمَعَالِي قرم صدر الجحافل) (مدى الدَّهْر مَا صاغ العسيلي قلائدا ... من الدّرّ يبديها كشكل الْمسَائِل) فَأَجَابَهُ بقوله (أروض حوى الأزهار رطب الخمائل ... أم الغادة الْحَسْنَاء حلت منازلي) (أم الأغيد الْوَسْنَان وفى بعهده ... وأنعم لي بعد القلى بالتواصل) (وَمَا ذَاك الأنظم مُفْرد عصره ... هُوَ الشّرف المفضال رب الْفَضَائِل) (بلاغته فِي النّظم لَا شَيْء فَوْقهَا ... فَصَاحَته أزرت بسحبان وَائِل) (فيافذ هَذَا الدَّهْر قد جَاءَ مِنْكُم ... إِلَى نحونا لغز رفيع الْمنَازل) (فسحبان نصف اللغز ياهين أَهله ... وتاليه وردى من ثغور المناهل) (نتيجته أَنِّي أعيذ محبه ... بِيُوسُف وَالْإِخْلَاص من كل عاذل) (فسامح ضَعِيف النّظم مولَايَ أَنه ... إِذا رامه يلقاه صَعب التَّنَاوُل) (فَلَا زلت بالآداب تتحف صاحبا ... وتبدى اللآلي فِي نظام الرسائل) شعْبَان بن ولي الدّين البوسنوي التوسيلي نزيل قسطنطينية قَاضِي العساكر الصَّدْر الْكَبِير النبيه الْقدر كَانَ فَاضلا كَامِلا وَاسع الصَّدْر مَبْسُوط الرَّاحَة قدم إِلَى قسطنطينية فِي سنة خمس وَعشْرين وَألف وَهُوَ رَقِيق الْحَال وَكَانَ إِذا حدث بمبدأ حَاله يذكر قصَّة وَقعت لَهُ مَعَ رمال كَانَ رَآهُ واستخبر مِنْهُ عَن طالعه فَنظر الرمال فِيمَا خطه مرّة بعد أُخْرَى وَقَالَ لَهُ أَن صدق هَذَا الرمل فَصَاحب هَذَا الطالع يصير صَدرا وَتَكون لَهُ رفْعَة زَائِدَة بِحَيْثُ أَنه يصير قَاضِي الْعَسْكَر قَالَ وَكنت أعجب من ذَلِك ثمَّ بعد مُدَّة صَار من طلبة الْمولى أبي سعيد بن أسعد الْمُقدم ذكره وَهُوَ مدرس بِالْمَدْرَسَةِ السليمانية ثمَّ لَازم من الْمولى يحيى قَاضِي الْعَسْكَر باناطولي ودرس وَذكر وَالِدي المروحوم فِي تَرْجَمته قَالَ أَخْبرنِي من لَفظه على أغا الطَّوِيل لما ورد دمشق لِلْحَجِّ فِي سنة ثَمَان وَخمسين أَنه لما ولي الْمولى مُحَمَّد البهائي قَضَاء سلانيك كَانَ الصَّدْر الْكَبِير إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بالروزنامة حَيّ شفيعه فترجى عِنْد النِّيَابَة لصَاحب التَّرْجَمَة فَمَا أمكنه ذَلِك ثمَّ صَار الْمولى إِبْرَاهِيم بن كَمَال الدّين الطاشكبري بعده قَاضِيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 فصيره نَائِبا لَهُ وأنعم عَلَيْهِ وسما حَظه عِنْد ذَلِك فصيره الْمولى حُسَيْن ابْن أخي مفتي الدولة مدرساً بمدرسة جده الْعَلامَة سعدى الْمحشِي فَترك النِّيَابَة قبل الْعَزْل مِنْهَا وَقدم إِلَى قسطنطينية وَاخْتَلَطَ بأكابر الدولة وَاتفقَ بعد مُدَّة طُلُوع الْوَزير الْأَعْظَم مُحَمَّد باشا المنبسط الْقدَم إِلَى سفر الْعَجم وَكَانَ الروزنامة جي الْمُقدم ذكره عِنْده فِي نِهَايَة الخطوط فَقرب صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى خاطر الْوَزير فصيره قَاضِيا ينظر الْأَحْكَام فِي الْعَسْكَر الْمعِين مَعَه فَسَار بِخِدْمَة الْوَزير وَصَارَ لَهُ فِي الطَّرِيق رُتْبَة الدَّاخِل ورتبة الصحن ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بِقَضَاء أمد مَعَ بَقَائِهِ فِي الْخدمَة الْمَذْكُورَة وَلما قدم السُّلْطَان مُرَاد إِلَى أَخذ روان وعزل الْمولى أَحْمد بن زين الدّين الْمَعْرُوف بالمنطقي عَن قَضَاء دمشق سعى لَهُ الْوَزير مصطفى باشا السلاحدار نديم السُّلْطَان وَكَانَ إِذْ ذذاك نَائِب الشَّام فأنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بهَا وقدمها وَأظْهر عفة وَمَكَارِم أَخْلَاق وَنِعما لم تعهد من قَاض قبله وَله فِي هَذَا الْبَاب مَنَاقِب غَرِيبَة أورد مِنْهَا وَالِدي المرحوم أَشْيَاء ومدحه شعراء ذَلِك الْعَصْر بالقصائد الطنانة مِنْهُم أَحْمد بن شاهين فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ هَذِه القصيدة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة دَعَاهُ إِلَى مَجْلِسه فتمارض وَامْتنع من الْمَجِيء وَكتب إِلَيْهِ يعْتَذر بقوله (مولَايَ يَا من لَهُ فِي كل جارحة ... مني لِسَان يُؤَدِّي شكرماوجبا) (وَمن إِذا مَا ذكرنَا حسن عشرته ... وَطيب أخلاقه طرنا بِهِ طَربا) (وَمن لَهُ فِي فُؤَادِي من محبته ... منَازِل بلغت فِي أفقها الشهبا) مِنْهَا (أَنْت الَّذِي مارأينا مثله أبدا ... فضلا وبذلا وخلقا مِنْهُ منتخبا) (كَأَنَّهُ من معد فِي خلائقه ... وَلَيْسَ مِنْهُ إِذا مَا قَالَ لي نسبا) (وَلَيْسَ فضل الْفَتى فِي فضل نسبته ... إِن الْفَتى من يعد الْمجد والحسبا) (أَتَى كتابك فِي أَمر بذلت لَهُ ... وَجها لأمرك فَوق الترب منسحبا) (موشحا فِي كل أَمر راق مسمعه ... كَأَنَّهُ الدّرّ بكرا لَيْسَ منثقبا) (وَبت ألثمه حبا وتكرمة ... وَبَات يزعجني قلبا إِلَيْك صبا) (لَكِن عُذْري بعد عَن ذراك وَذَا ... باد وَعذر مَتى للْعَبد قد وجبا) (وَلست وَالله إِلَّا عبد تكرمة ... لَا عبد مَخْمَصَة إِن رحب منتسبا) (فَلَا تظن على مَا فِي من أنف ... أَو انقباض بَان أدعى فاحتجبا) (وَالله يعلم إِن لم يبْق لي زمن ... فِي أَمر جمعية مَعَ غَيْركُمْ أربا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 (واعذر فديتك وَاصْفَحْ عَن مؤاخذتي ... فَمن لعبد إِذا وافاك أَو هربا) (واسلم على كل حَال أَنْت طالبها ... فَلَا يسر الْفَتى إِلَّا بِمَا طلبا) وَمِنْهُم الْأَمِير المنجكي فَإِنَّهُ قَالَ فِي مدحه قصيدته الفائية الْمَشْهُورَة ومطلعها (صَبر الْفُؤَاد على فعال الجافي ... نعم الْكَفِيل لكل أَمر كَافِي) (فاحمل على النَّفس الصعاب مؤملا ... من فضل رَبك وَاسع الألطاف) (أَو لست من قوم إِذا ذكر العلى ... كَانُوا لَهُ من أشرف الأخلاف) (شادوا الْمَسَاجِد والقصور فَهَذِهِ ... للعابدين وَتلك للأضياف) (إِنِّي وَإِن كنت الْقَلِيل ثراؤه ... لست المقصر عَن ندى أسلافي) (كَانَ الزَّمَان لَهُم مُطيعًا خاضعاً ... وَأرَاهُ منتصباً لفعل خلافي) (لم تبْق لي الْأَيَّام إِلَّا من لَهُ ... أسعى بِخَير وَهُوَ فِي اتلافي) (أَو محرقاً قلبِي بهجر عتابه ... وَعَلِيهِ من نعماي ظلّ ضافي) (أَو لَيْسَ من إِحْدَى الْأُمُور تخلفي ... عَن مجْلِس الْمولى بِغَيْر خلاف) (اقضي قُضَاة الْمُسلمين وقامع الْقَوْم ... الْبُغَاة بصارم الأنصاف) (كشاف أسرار البلاغة من غَدا ... للنَّاس من دَاء الْجَهَالَة شافي) (بَحر الْعُلُوم الزاخر الطود الَّذِي ... أمنت دمشق بِهِ من الأرجاف) (من لَيْسَ تبلغ بعض أيسر وَصفه ... إِن أسهبت أَو أطنبت أوصافي) (مولَايَ شعْبَان الْمُعظم قدره ... أَنْت الرَّجَاء لكل راج عافي) (عذاراً لعبد لَيْسَ يبلغ بعض مَا ... هُوَ وَاجِب من حق قدرك وافي) (وَيرى صفاتك فِي النظام قد اغتدت ... بَين الورى كالدر فِي الأصداف) (إِن الْمقَال لحَال من هُوَ موثق ... بعقال أرجاف الزَّمَان منافي) (لكنما الورقاء أصدح مَا ترى ... عِنْد افتقاد الرَّوْض والألاف) (وَأَنا الَّذِي لَك مَا حييت لِسَانه ... رطب بأنواع الثَّنَاء موافي) (أبقاك رَبك للعباد فَلم تزل ... لتلافهم بيد الندى متلافي) (واسلم على مر الدهور ملاحظا ... بالعون والإسعاد والإسعاف) وَكتب إِلَيْهِ الأديب أَبُو بكر الْعمريّ هَذِه الأبيات وَيخرج من الْبَيْت الأول اسْم شعْبَان بطرِيق النعمية وَهِي قَوْله (غرَّة الشَّام أَصبَحت شمس فضل ... لَاحَ مِنْهَا فِي الشَّام أَي شُعَاع) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 (هُوَ قَاضِي الْقُضَاة عين الْمُسَمّى ... فِي المعمى يدريه رب اطلَاع) (أيهذا الْعَزِيز بَيته إِنِّي ... لَك دَاع وَلَا كمثلى دَاعِي) (ولعمري أظهرت فِي الشَّام عدلا ... قد رَوَاهُ توَافق الْإِجْمَاع) (زادك الله رفْعَة وعلوما ... وعلوا مَا طَاف بِالْبَيْتِ ساعي) وَاتفقَ أَنه توجه إِلَى الْحَج وَهُوَ مولى بعد أَن اسْتَأْذن من طرف السلطنة بذلك وَأَن يكون جدي محب الله قَائِما مقَامه فَجَاءَهُ أَمر شرِيف بِالْإِذْنِ وَمَعَهُ حجر من الألماس محفوف بأحجار مُخْتَلفَة مَكْفُوفَة بصفائح الْفضة وَالذَّهَب أرْسلهُ الْوَزير السلاحدار الْمَذْكُور ليوضع تَحت الحجرين الْمَشْهُورين بالحجرة النَّبَوِيَّة اللَّذين كَانَ أرسلهما السُّلْطَان أَحْمد كَمَا سلف فِي تَرْجَمته فَوَضعه صَاحب التَّرْجَمَة فِي جِدَار الضريح فَزَاد بِهِ شعار الاسلام جمالاً واكتسب هُوَ بِهَذِهِ لخدمة فَضِيلَة وإجلالاً وَقد قَالَ فِيهِ السَّيِّد مُحَمَّد جمال الدّين الْمَعْرُوف بكبريت الْمدنِي الْآتِي ذكره مُشِيرا لذَلِك بِهَذِهِ الأبيات (زار خير الْأَنَام حبر همام ... قد تسمى شعْبَان وَهُوَ ربيع) (عَم جيران أَحْمد بنوال ... دون ذَاك النوال خصب مريع) (جَاءَ بالجوهر الثمين لطه ... من وَزِير هُوَ الجناب المنيع) (مصطفى الْمجد والندى والمعالي ... وسلحدار نعْمَة لَا تضيع) (يَا لَهُ جوهراً تسامى وسامى ... بمقام فِيهِ الثَّنَاء يضوع) (عتد وَجه النَّبِي قد وضعوه ... فغدا وَهُوَ مشرق ولموع) (كَانَ هَذَا فِي عَام سبع وَألف ... وَتَمام النظام فِيهِ بديع) وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحجر الميمون مِمَّا زَاد وزان وَصَارَ أثرا حسنا يبْقى إِن شَاءَ الله تَعَالَى على ممر الْأَزْمَان كَمَا قيل (إِذا الدّرّ زَان حسن وُجُوه ... كَانَ للدر حسن وَجهك زينا) (وتزيدين أطيب الطّيب حسنا ... أَن تمسيه أَيْن مثلك أَيّنَا) وكما قَالَ الآخر (أَقُول والدر على جيدها ... يزهو بِمَا فِيهَا من الزين) (مَا علق الْجَوْهَر فِي نحرها ... إِلَّا لما يخْشَى من الْعين) وَقَالَ ابْن حجر فِي الْجَوْهَر المنظم تجاه الْوَجْه الشريف فِي الْجِدَار مِسْمَار من فضَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 مموه بِالذَّهَب فِي رخامة حَمْرَاء من استقبله كَانَ مُسْتَقْبل الْوَجْه الشريف حَتَّى كَانَ فِي أَيَّام السُّلْطَان أَحْمد خَان فَجعل عَلَيْهِ حجرين من الألماس مكفتين بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَب فهما من آثاره وَلَيْسَ لَهما قيمَة بِالنِّسْبَةِ لمن أرسلا إِلَى حجرته فَللَّه در الْقَائِل حَيْثُ يَقُول (الْكَوْكَب الدُّرِّي من شَأْنه ... يخفى لَدَى وَجه السراج الْمُنِير) (فكثروا الْجَوْهَر أَو قللُوا ... فالجوهر الْفَرد عديم النظير) انْتهى وَلما عَاد صَاحب التَّرْجَمَة من الْحَج أهْدى الْهَدَايَا السّنيَّة لغالب أهالي دمشق ثمَّ نقل بعد ذَلِك إِلَى قَضَاء مصر وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عزل فَتوجه إِلَى قسطنطينية واقتنى دَارا بِالْقربِ من جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد ثمَّ صَار قَاضِيا بأدرنة وَبعدهَا صَارَت لَهُ رُتْبَة قَضَاء قسطنطينية ثمَّ صَار قَاضِي الْعَسْكَر بأناطولي فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ ثمَّ صَار صدر ابروم إيلي فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وعزل فَصَارَ لَهُ بعض القصبات على التَّأْبِيد وَأقَام فِي دَاره صَدرا مبجلاً موقراً إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَسبعين وَألف عَن ثَمَان وَسبعين سنة والنوسيلي بِفَتْح النُّون وَالْوَاو وَكسر السِّين وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَبعدهَا لَام بَلْدَة بِالْقربِ من بوسنة شعْبَان بن الدمرداشي الْمصْرِيّ نزيل غَزَّة هَاشم الْمَعْرُوف بِأبي الْقُرُون كَانَ وَالِده من أُمَرَاء الجراكسة بِمصْر وَصَارَ أَولا هُوَ من جندها ثمَّ أَخذ طَرِيق الأحمدية عَن الشَّيْخ أَحْمد الجركسي خَليفَة سَيِّدي أَحْمد البدوي وَصَارَ من الكمل فِي الْعُلُوم الظَّاهِرَة والباطنة ثمَّ ساح فورد دمشق فِي حُدُود سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَنزل أَولا بزاوية الأحمدية دَاخل بَاب النَّصْر ثمَّ انْتقل إِلَى الْمدرسَة اليدغمشية بِخَط تَحت القلعة وَأقَام بهَا مُدَّة وَظهر لَهُ بعض مكاشفات وأحوال ثمَّ قصد الْحَج وَأخْبر أَنه فِي الْعود يُؤمر بالذهاب إِلَى غَزَّة هَاشم لِأَن حاكمها الباطني يَمُوت وَيُوجه مقَامه إِلَيْهِ وَكَانَ يَقُول أَن حُكُومَة غَزَّة الباطنية لَهَا رُتْبَة عالية عِنْد أهل الْبَاطِن لكَونهَا آخر الْبِلَاد المقدسة وَلما عَاد من الْحَج وَقع لَهُ مَا كَانَ يَقُوله فَتوجه إِلَى غَزَّة وَأقَام بهَا مُدَّة حَيَاته وَكَانَ لَهُ أَحْوَال عَجِيبَة من جُمْلَتهَا تسخير بعض الْهَوَام لَهُ وانقيادها إِلَيْهِ حَدثنِي بعض من أعْتَمد عَلَيْهِ عَن كثير مِمَّن لَقِيَهُمْ أَنه كَانَ عِنْده حَيَّة عَظِيمَة ألفته وَكَانَ سَمَّاهَا باسم فَكَانَ إِذا ناداها بذلك الِاسْم جَاءَتْهُ مسرعة وَقَعَدت على ركبته ثمَّ إِذا أَرَادَ ذهابها ناداها باسمها أَن اذهبي فتذهب وَمن غَرِيب حَاله أَنه كَانَ يمِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 إِلَى سَماع الْآلَات ويطرب لَهَا وَذكر لي كثير من النَّاس أَنه لما قربت وَفَاته أوصى بِأَن يغسل على السماع فنفذ مريدوه وَصيته وَكَانَ لَهُ مريدون وحفدة وَبِالْجُمْلَةِ فعامة من لقيناه معتقدون ولَايَته وصلاحه وَالله أعلم بِحَالهِ وَكَانَت وَفَاته بِذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بغزة شعْبَان الفيومي الْأَزْهَرِي الشَّافِعِي الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الْفَقِيه المتضلع من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة شيخ الْأَزْهَر نفع الله بِعِلْمِهِ فَمَا قَرَأَ عَلَيْهِ أحد إِلَّا انْتفع بِهِ وحصلت لَهُ بركته ولد بالفيوم فِي سنة خمس عشرَة وَألف تَقْرِيبًا وَحفظ الْقُرْآن ورحل إِلَى مصر وَأخذ عَن من بهَا من أكَابِر الْعلمَاء كالشهاب القليوبي وَحضر الشَّمْس الشَّوْبَرِيّ وَكَانَ ملازماً لَهما سِنِين عديدة وَكَانَ مُسْتَغْرقا أوقاته فِي إقراء الْعلم والتدريس فِي الْعُلُوم النافعة وَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ اسْتِقْلَالا كل يَوْم مَا ينيف على مائَة طَالب وَله فِي كل يَوْم ثَلَاثَة دروس حافلة وَاحِدهَا بعد الْفجْر إِلَى قريب طُلُوع الشَّمْس وَالثَّانِي بعد الظّهْر وَالثَّالِث بعد الْعَصْر هَذَا دأبه دَائِما وَكَانَ يجْتَمع فِيهَا من طلبة الْعلم خلق كثير وَكَانَ محافظاً على الْجُلُوس فِي الْأَزْهَر لَا يخرج مِنْهُ إِلَّا لحَاجَة وَكَانَ يستحضر غَالب كتب الْفِقْه المتداولة بَين المصريين وَتخرج بِهِ كثير من الْعلمَاء مِنْهُم الْعَلامَة مَنْصُور الطوخي وَإِبْرَاهِيم الْبرمَاوِيّ وعطية الشَّوْبَرِيّ وَغَيرهم وَكَانَ قَلِيل الْكَلَام كثير الاحتشام لَا يتَرَدَّد إِلَى أحد مُعظما عِنْد الْعلمَاء مَشْهُورا بالورع وَكَانَ إِذا قَرَأَ الْقُرْآن يكَاد يغيب عَن حواسه وَكَانَ كثير الدُّعَاء لمن يقْرَأ عَلَيْهِ وَلَا يسمع مِنْهُ كَلَام إِلَّا فِي تَقْرِير مسَائِل الْعلم وَكَانَ إِذا مر فِي السُّوق يمر مسرعاً مطرق الرَّأْس وَله كرامات علية مِنْهَا أَن رجلا تسلط عَلَيْهِ فَكَانَ إِذا مر مطرقاً يحاكيه ويمثل بِهِ ويطرق رَأسه مثله فَأتى إِلَيْهِ ذَات يَوْم وَهُوَ مطرق فَفعل مثله وأطرق رَأسه فَلم يقدر على رَفعه وَلَا تحريكه يَمِينا وَلَا شمالاً ثمَّ أَتَى إِلَيْهِ وَاعْتذر وَتَابَ من ذَنبه فَعَفَا عَنهُ ودعا لَهُ فعافاه الله تَعَالَى ببركته وَمِنْهَا الاسْتقَامَة فِي جَمِيع الْأَحْوَال الَّتِي هِيَ أوفى كَرَامَة وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسبعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْعِمَادِيّ الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ وَقد تقدم أَخُوهُ إِبْرَاهِيم أحد الصُّدُور الْفُضَلَاء وَكَانَ فَاضلا نبيلاً حسن الْفَهم أديباً شَاعِرًا منشياً وَله خطّ بديع وَسُرْعَة كِتَابَة وَضبط وَكَانَ وَاسِطَة عقد بَيت الْعِمَادِيّ وَإِلَيْهِ يرجع حلّه وعقده وَكَانَ وَالِده وشقيقاه منقادين إِلَى تَدْبيره لَا يسعهم خِلَافه بِحَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وَكَانَ لَهُ شهامة ودراية بالأمور تربى فِي حجر وَالِده واشتغل فِي مبدأ أمره على الْحسن البوريني والعلامتين الشهابين أَحْمد العيثاوي وَأحمد الوفائي وَعلي وَالِده وَأخذ عَن أبي الْعَبَّاس الْمقري ولازم من الْمولى السَّيِّد مُحَمَّد بن السَّيِّد مَحْمُود الْحميدِي الْمَعْرُوف بشريف قَاضِي الْعَسْكَر ونقيب الممالك العثمانية ودرس وَولي قَضَاء الركب الشَّامي وَحج وَفِي صحبته وَالِده ووالدته وَعَمَّته وأخواه وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف ودرس بعدة مدارس مِنْهَا الْمدرسَة النورية الْكُبْرَى والناصرية الجوانية برتبة الدَّاخِل وَلما انْتقل وَالِده بالوفاة سَافر هُوَ وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيم إِلَى الرّوم وتطلب فَتْوَى الشَّام فَلم يَتَيَسَّر لَهُ وَعَاد إِلَى دمشق ثمَّ فرغ لَهُ أَخُوهُ عماد الدّين الْآتِي ذكره عَن الْمدرسَة الشبلية وَبعد ذَلِك ولي تدريس السليمية وَلما مَاتَ أَخُوهُ عماد الدّين الْمَذْكُور كَانَ مفتيا فوجهت إِلَيْهِ الْفتيا بتقرير قَاضِي دمشق واختير من طرف السلطنة خَلِيل السعسعاني الْمُقدم ذكره ثمَّ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين صَار مفتيا بعد عبد الْوَهَّاب الفرفوري وَأخذ الْفَتْوَى عَنهُ قَرِيبا الْعَلَاء الحصكفي وَأقَام هُوَ بدارهم لَا يخالط أحدا وَلم يزل منغص الْعَيْش شاكيا لدهره متلهفا على ماضي عزه ومنصبه وَرَأَيْت لَهُ ترسلات وأشعارا كَثِيرَة يتظلم فِيهَا من الزَّمَان فَمن ذَلِك قَوْله من رِسَالَة إِلَى مفتي الدولة وَالْعلم الشريف مُحِيط بمظلوميتنا الَّتِي هِيَ أبين من فلق الصُّبْح وأوضح من الضح من عزلنا ظلما وغدرا عَن خدمتنا الموروثة لنا عَن الْآبَاء من سالف الإعصار وَتَقْدِيم غير الْأَهْل بالأجبار من غير مُوجب يَقْتَضِيهِ العقوق بعد الْحُقُوق إِلَّا الْجد وَالِاجْتِهَاد بالاضطرار فِي مداراة من تحار فِي مرضاته الأفكار وَمَا هُوَ إِلَّا الدَّهْر جَار فحار برقه خلب وَهُوَ أشعب فَلذَلِك أعضب وأشعب وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان وصنع الله أغلب (رفعت إِلَى رحماك مولَايَ قصتي ... بنفثة مصدور وَلست ألام) (فَأَنت الَّذِي قد شاع فِي الدَّهْر عدله ... وجود لَهُ كالجود وَهُوَ سجام) (إِذا لم تكن أَنْت الْمعِين فَلَيْسَ لي ... سواك معِين يرتجى ويرام) (فضع مِنْك لي هَذَا الْجَمِيل تفضلا ... فَلَيْسَ سوى صنع الْإِلَه مرام) (وشيد عمادي واغتنم دَعْوَة الورى ... فَهَذَا رجائي وَالدُّعَاء ختام) (فَلَا زلت فِي الْفَتْوَى وَلَا زلت ملْجأ ... لِأَنَّك للدّين القويم عِصَام) (مدى الدَّهْر مَا حق أُعِيد لأَهله ... وَمَا ضاء نجم واستحال ظلام) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وَلما عزل فِي الْمرة الْأَخِيرَة نظم هَذِه الأبيات وَهِي (رب فَتْوَى ضلت إِلَى غير أهل ... كَانَ توجيهها بِغَيْر صَوَاب) (أَن حَقًا أضاعه بعض قوم ... أسأَل الله ردّه لِلشِّهَابِ) (هوارث عَن وَالِد وأخيه ... حق للسيف ردّة للقراب) وَمِمَّا يستجاد لَهُ من الشّعْر قَوْله (أيا دير مَرْوَان سقاك غرام ... تروح وتغد وعينهن سَلام) (وحياك من دير وَحيا معاهدا ... بمغناك مَا ناع الزَّمَان حمام) (وقفت على ربع بِهِ رَاح دارسا ... وَقد فاع من عرف الرياض خزام) (فَقلت ولي فِيهِ رسيس صبَابَة ... وَفِي الْقلب مني لوعة وغرام) (كَأَن لم يكن بَين الْحجُون إِلَى الصَّفَا ... أنيس وَلم تهرق هُنَاكَ مدام) وَقَوله فِي الْغَزل (بروحي فتانا بلحظيه فاتك ... يرينا المنايا الْحمر بالأعين النجل) (يمِيل بقدّ أخجل الْغُصْن والقنا ... يجد على قتل المحبين بِالْهَزْلِ) (عجبت لهَذَا الْحبّ ترْضى فعاله ... وَأَن هُوَ بعد الْعِزّ بدل بالذل) وَكتب إِلَى وَالِدي فِي صدر رِسَالَة أرسلها إِلَيْهِ إِلَى الرّوم تَتَضَمَّن عتابا (أمولاي فضل الله دَامَ لَك الْفضل ... ودمت بِهِ تزهو وَأَنت لَهُ أهل) (يبعد مني الْقلب مَا عج لغوة ... بجلق حَتَّى مجه الْعقل وَالنَّقْل) (فَلَا تغضبن أَن الشهَاب لواثق ... بِرُكْن عماد شاده الْمجد وَالْفضل) (وَأَنت لَا دري بِي وداداً وخلة ... وَأَن لَيْسَ يلوي الْقلب عَن حبكم عذل) (فقلي قلبِي مثل مَا قد عهدته ... وقلبك فِيمَا أدّعى شَاهد عدل) وَمن نثره المتحف قَوْله من تقريظ قرظ بِهِ رحْلَة وَالِدي المرحوم الأولى إِلَى الرّوم حمدا لَك يَا من جعل لنا الأَرْض ذلولا لنمشي فِي مناكبها وسخر لنا الْفلك لتجري فِي الْبَحْر بأَمْره ولنمطتي كَاهِل مراكبنا وأمرنا بالسعي ابْتِغَاء فَضله ولطف بِنَا فِي تيسير التسيير فِي بره وبحره وحزنه وسهله وَصَلَاة وَسلَامًا على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم الْأَنْبِيَاء الْكِرَام وحاتم الْكَرم الْقَائِل سَافر واتغنموا وَالْمُسَافر من حرم إِلَى حرم وعَلى آله وَصَحبه الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالتَّابِعِينَ لَهُم مَا دَار الْفلك الدوار وَبعد فقد وقفنا على هَذِه الرحلة الَّتِي تشد إِلَيْهَا الرّحال وتعجز عَن بكر فكر منشيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 فحول الرِّجَال وسرحنا طرف الطّرف فِي روضها النَّضِير وشرحنا الصَّدْر بلذيذ أنباء الْخَبَر المعرب عَن ضمير مُقْتَضى الْحَال وَلَا ينبئك مثل خَبِير وأمعنا النّظر فِي مجَاز حسن مَعَانِيهَا وإعجاز مُبَالغَة تراكيب قصَص مغانيها فَلم نجد لَهَا فِي الْحَقِيقَة من نَظِير وعرفنا بهَا عرف ذَلِك الْفضل الْمَوْرُوث عَن طيب الأَصْل فَلم نعبرعنه بسوى العبير نجنى طورا من ذَلِك اليانع ثمار الْأَخْبَار عَن كتب وآونة ترتع فِي روض أريض من الْأَدَب لما أودع فِيهِ محرره من لطائف النكات وأبدع فِيهِ من ظرائف الأبيات الأبيات مَا يطرب كل سامع ويعجب كل مطالع ويغرب بِمَا يعرب عَن بدور الْمنَازل بِحَسب الطالع بِحَيْثُ صَار ذَلِك أنسا للحاضر المحاضر وَزَاد للحامل الْمُسَافِر وَقد حذا فِي ذَلِك حَذْو جده الْعَلامَة فنثر ونظم وَمن يشابه أَبَاهُ فَمَا ظلم واقتفى أَثَره فِي سيره ففاته بمراحل من رحلته المشحونة بأدبه فَكَانَ الْمُشبه أبلغ من الْمُشبه بِهِ وجد بجده فورى بِمَا روى قدح زنده وَلَا بدع فَهُوَ لَيْسَ يدعى فِيمَا يدعى وَقد تلمذ للْمولى المرحوم شيخ الْإِسْلَام الْوَالِد الْمَاجِد مده وفاز فِيهِ بِمَا أجَازه وأمده وَورث الْفضل وَالْأَدب عَن جد وَأب فضلا عَمَّا منح بِهِ من الْقبُول فَحسب (إِذا قيل من أضحى بجلق مدهشا ... بتبريزه فِي الْفضل وَالْعلم مذ نشا) (فَقل وَاحِد كالألف فِي كل مجمع ... وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يشا) هَذَا بعد مَا طالعنا رحْلَة جده شيح الْإِسْلَام المرحوم الْمُشْتَملَة على مراحل مصر وَالروم وأطلعنا على مَا حفت بِهِ من أرقام الأعقام وخطوط الخطوط المنسوبة إِلَى الْعلمَاء الْأَعْلَام فَكَانَ مِمَّن انتظم فِي سمطها والتحف بمرطها وأجاد وجد المرحوم الْعَلامَة عماد الدّين الْعِمَادِيّ الْجد فقد نثر فِي طرسها جَوَاهِر كَلمه ووشى بِمَا أنشأ فِي طرازها من نقش قلمه فثار عِنْد ذَلِك منا الْعِمَاد ودعانا دَاعِي الْفضل فِي اقتفاء أثر الأجداد فَلَا جرم حِينَئِذٍ أَن تحذو الْفُرُوع حَذْو الْأُصُول وَإِن لم يدْرك الضالع شأو الضليع فِي الْفضل فَفِي الفضول مَعَ الِاعْتِرَاف بالبضاعة المزجاه مرتجين من فَضله سُبْحَانَهُ حسن الْقبُول وَمَا خَابَ من رجاه فجزى الله الْمُؤلف على هَذَا التَّأْلِيف من أَنْوَاع الألطاف آلافا وضاعف جَزَاء هَذَا التصنيف من خير الدَّاريْنِ أضعافا وأدام بكتابه الِانْتِفَاع ولجنابه الِارْتفَاع ولأحبابه الِاتِّبَاع مَا نفحت رياض الْآدَاب فرنحت الْقُلُوب والألباب وَمَا طويت شقة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 بَين إغتراب وقفل غَرِيب إِلَى وَطنه وآب انْتهى وَقد رَأَيْت من آثاره كتابا صَغِير الحجم جمعه من بعض تعليقات لَهُ على مَوَاطِن من التَّفْسِير وَالْفِقْه ورسائل من منشآته وتقريظات وَرَأَيْت لَهُ أَيْضا مجموعا جمع فِيهِ مدائحه الَّتِي مدح بهَا وَهِي حِصَّة وافرة بِالْجُمْلَةِ فأخباره وآثاره شهية لَطِيفَة الْموقع وَقد تَرْجَمته فِي كتابي النفحة وَذكرت لَهُ أَشْيَاء مستعذبة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة سبع بعد الْألف وَتُوفِّي نَهَار الْجُمُعَة حادي عشرى رَجَب سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير تَحت قدمي وَالِديهِ شيخ بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن شيخ بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن السقاف الشهير وَالِده بالضعيف الشَّيْخ الْعَظِيم الْقدر أحد الْمَشَايِخ العارفين الزهاد الورعين ذكره الشلي وَقَالَ فِي وَصفه ولد بِمَدِينَة قسم وَحفظ الْقُرْآن بالتجويد واشتغل واعتنى بعلوم الصُّوفِيَّة وشارك فِي الْفِقْه والنحو وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين مِنْهُم الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو بكر بن سَالم وَولده عمر المحضار والمعلم عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم قسم وَغَيرهم وانتفع بِهِ غير وَاحِد وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ شدَّة التَّوَاضُع كأبيه وَكَانَ فِي معاشرته لطيفاً يحب الْعلمَاء ويحترمهم وَيرْحَم الضُّعَفَاء وَلم يزل إِلَى أَن مَاتَ بِمَدِينَة قسم فِي سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العبدروس اليمني الْأُسْتَاذ الْكَبِير الْمُحدث الصُّوفِي الْفَقِيه ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَغَيره واشتغل على وَالِده أَخذ عَنهُ علوماً كَثِيرَة وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وتفقه بالفقيه فضل بن عبد الرَّحْمَن با فضل وَالشَّيْخ زين باحسين بَافضل وَأخذ عَن القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَغَيرهم ورحل إِلَى الشحر واليمن والحرمين فِي سنة سِتّ عشرَة بعد الْألف وَأخذ عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الطيار وَله مَعَه مناظرات ومفاكهات وَأخذ عَن الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ صَاحب أكمة سعيف وَهِي قَرْيَة قريب الجندر وَحج فِي هَذِه السّنة وَأخذ بالحرمين عَن جمَاعَة وَأخذ فِي رُجُوعه من الْحجاز عَن السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه عبد الله ابْن عَليّ صَاحب الوهط وَالسَّيِّد الإِمَام أَحْمد بن عمر العيدروس بعدن وَالشَّيْخ عبد الْمَانِع وَألبسهُ خرقَة التصوف أَكثر مشايخه وَأخذ بِالْيمن عَن كثيرين مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد الحشيبري وَالسَّيِّد جَعْفَر بن رفيع الدّين وَالشَّيْخ مُوسَى بن جَعْفَر الكشميري وَالسَّيِّد عَليّ الأهدل وَسمع خلقا كثيرا ولازم الِاشْتِغَال وَالتَّقوى ثمَّ رَحل إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 الْهِنْد فَدَخلَهَا فِي سنة خمس وَعشْرين وَألف وَأخذ عَن عَمه الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن شيخ وَكَانَ يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وبشره ببشارات وَألبسهُ الْخِرْقَة وَحكمه وَكتب لَهُ إجَازَة مُطلقَة فِي أَحْكَام التَّحْكِيم ثمَّ قصد إقليم الدكن وَاجْتمعَ بالوزير الْأَعْظَم عنبر وبسلطانه برهَان نظام شاه وَحصل لَهُ عِنْدهمَا جاه عَظِيم وَأخذ عَنهُ جمَاعَة ثمَّ سعى بعض المردة بالنميمة فأفسدوا أَمر تِلْكَ الدائرة ففارقهم صَاحب التَّرْجَمَة وَقصد السُّلْطَان إِبْرَاهِيم عَادل شاه فَأَجله وعظمه وتبجح السُّلْطَان بمجيئه إِلَيْهِ وَعظم أمره فِي بِلَاده وَكَانَ لَا يصدر إِلَّا عَن رَأْيه وَسبب إقباله الزَّائِد عَلَيْهِ أَنه وَقع لَهُ حَال اجتماعه بِهِ كَرَامَة وَهِي أَن السُّلْطَان كَانَت إِصَابَته فِي مقعدته جِرَاحَة منعته الرَّاحَة وَالْجُلُوس وعجزت عَن علاجه حذاق الْأَطِبَّاء وَكَانَ سَببهَا أَن السَّيِّد الْجَلِيل عَليّ ابْن علو دَعَا عَلَيْهِ بِجرح لَا يبرأ فَلَمَّا أقبل صَاحب التَّرْجَمَة وَرَآهُ على حَالَته أمره أَن يجلس مستوياً فَجَلَسَ من حِينَئِذٍ وبرأ مِنْهَا وَكَانَ السُّلْطَان إِبْرَاهِيم رَافِضِيًّا فَلم يزل بِهِ حَتَّى أدخلهُ فِي عداد أهل السّنة فَلَمَّا رأى أهل تِلْكَ المملكة انقياد السُّلْطَان إِلَيْهِ أَقبلُوا عَلَيْهِ وهابوه وَحصل كتبا نفيسة وَاجْتمعَ لَهُ من الْأَمْوَال مَا لَا يُحْصى كَثْرَة وَكَانَ عزم أَن يعمر فِي حَضرمَوْت عمَارَة عالية ويغرس حدائق وَعين عدّة أوقاف تصرف على الْأَشْرَاف فَلم يُمكنهُ الزَّمَان وغرق جَمِيع مَا أرْسلهُ من الدَّرَاهِم فِي الْبَحْر وَله مصنفات عديدة مِنْهَا كتاب فِي الْخِرْقَة الشَّرِيفَة سَمَّاهُ السلسلة وَهُوَ غَرِيب الأسلوب وَلم يزل مُقيما عِنْد السُّلْطَان إِبْرَاهِيم عَادل شاه حَتَّى مَاتَ السُّلْطَان فَرَحل صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى دولت آباد وَكَانَ بهَا الْوَزير الْأَعْظَم فتح خَان ابْن الْملك عنبر فقربه وَأَدْنَاهُ وَأقَام عِنْده فِي أخصب عَيْش وأرغده إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالروضة الْمَعْرُوفَة بِقرب دولت آباد وقبره ظَاهر يزار وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة رَحمَه الله تَعَالَى شيخ بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن علوي بن أبي بكر بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الْمُقدم عرف كسلفه بالجفري بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْفَاء ثمَّ بعْدهَا رَاء المفضال الْكَامِل الْمَاجِد القَاضِي الْأَجَل الْمُحْتَرَم كَانَ من رُؤَسَاء الْعلم جليل الْمِقْدَار ذائع الذّكر مَقْبُول السمعة وافر الْحُرْمَة ولد بقرية تريس بِالسِّين الْمُهْملَة وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن جمَاعَة من العارفين ثمَّ دخل بِلَاد الْهِنْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 والسواحل وَأخذ عَن أجلاء لَقِيَهُمْ من الْعلمَاء الْأَعْلَام وَضبط وَقيد ورحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وفَاق فِي الْعُلُوم النقلية والعقلية ثمَّ تدير بندر الشحر فاشتهر بهَا وَعلا صيته وَأَقْبل عَلَيْهِ أَهلهَا وعظموه وأجلوه وَولى بهَا مشيخة التدريس بِالْمَدْرَسَةِ السُّلْطَانِيَّة فدرس فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَأفَاد وانتفع بِهِ خلق كثير وَولى خطابة الْجَامِع ثمَّ ولي الْقَضَاء وَجمع بَين أَطْرَاف الرياسة والمراتب وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من صُدُور الْعلمَاء الْأَعْلَام وَكَانَت وَفَاته ببندر الشحر فِي صفر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف (حرف الصَّاد الْمُهْملَة) السَّيِّد صَادِق بن أَحْمد بن مُحَمَّد مير بادشاه الْحَنَفِيّ مفتي مَكَّة الْعَالم الْعَلامَة كَانَ من أجلاء فضلاء الدَّهْر ذَا فنون كَثِيرَة أَخذ بِمَكَّة عَن عُلَمَاء عصره وَله أجازة من الإِمَام مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر النَّحْوِيّ يرى الْحَنَفِيّ الْمصْرِيّ وَولي إِفْتَاء الْحَنَفِيَّة بِمَكَّة وذاع فَضله وسما قدره وجده مير بادشاه الْمَذْكُور صَاحب الْحَاشِيَة على الْبَيْضَاوِيّ من كبار أهل التَّحْقِيق وَكَانَت وَفَاة السَّيِّد صَادِق يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر شعْبَان سنة تسع وَسبعين وَألف وَتُوفِّي ذَلِك الْيَوْم مَعَه من الْأَعْيَان الشَّيْخ المجذوب عَلان بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عَلان الصديقي الشَّافِعِي وَالسَّيِّد مُحَمَّد هَاشم بن علوي المهدلي صَالح بن أَحْمد الشَّيْخ الإِمَام الْمَعْرُوف بالبلقيني الْمصْرِيّ شيخ الْمحيا بِالْقَاهِرَةِ وَابْن شَيْخه الشهَاب الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى علاّمة الْمُحَقِّقين كَانَ من كبار الْعلمَاء والزهاد وَله الْقدَم الراسخة فِي التصوف وَفقه الشَّافِعِي والمعقولات بأسرها أَخذ عَن أَبِيه وَغَيره وشاع أمره وقصده النَّاس للتلقي عَنهُ وَكَانَ يقرىء شرح القطب وحواشيه من الْمنطق وَهُوَ فِي شكل عُرْيَان الرَّأْس فِي غَالب الْأَوْقَات وَلم يزل فِي إِفَادَة واجتهاد بِالْعبَادَة إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي إِحْدَى الجمادين سنة خمس عشرَة بعد الْألف عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة والبلقيني بِضَم أَوله نِسْبَة لبلقينة من غربية مصر صَالح بن إِسْحَاق الشرواني الأَصْل القسطنطيني الْمَعْرُوف بظهوري وَإِسْحَاق زَاده قَاضِي قُضَاة مصر وَأحد فضلاء الْعَصْر الَّذِي اتّفقت على فَضله كلمة الكملة وَكَانَ من حَسَنَات الرّوم وأدبائها لم يخرج مِنْهَا فِي عصرنا هَذَا من يعادله فِي الْفضل ورقة الطَّبْع وحلاوة الْمنطق ونزاهة النَّفس إِلَّا الْقَلِيل وَكَانَ من شفوف طبعه مغرماً بمنادمة الْأَصْحَاب ومذاكرة الْأَدَب ومناقلة الْأَخْبَار وَكَانَ عَالما بأيام النَّاس والأنساب والتواريخ وَكَانَ يحفظ من الشّعْر وَالْأَخْبَار شَيْئا كثيرا وَله مصنفات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 حَسَنَة الأسلوب تدل على زِيَادَة تبحره مِنْهَا بعض تعليقات على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَله رسائل كَثِيرَة لم يبيض مِنْهَا شَيْئا من سَواد مسوداته وأشعاره بالتركية ومنشآته سائرة مرغوبة وَكَانَ مغرماً بالكيمياء وعملها وَله مهارة كُلية فِي تَحْقِيق علمهَا وَألف فِيهَا مؤلفات وأتلف عَلَيْهَا مَالا كثيرا وَكَانَ أَكثر اشْتِغَاله فِي الْعُلُوم على الْمولى مُحَمَّد الْكرْدِي الشهير بمنلا جلبي قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى ولازم من الْمولى عبد الله بن عمر معلم السُّلْطَان عُثْمَان أَبوهُ الْآتِي ذكره أَيْضا وَحج فِي صُحْبَة وَالِده لما ولي قَضَاء مَكَّة فِي سنة خمسين وَألف ثمَّ عَاد إِلَى الرّوم ودرس بمدارس قسطنطينية إِلَى أَن ولي الْمولى شيخ الْإِسْلَام يحيى بن عمر المنقاري الْفتيا وراجت فِي زَمَنه بضَاعَة الأفاضل وَصدر مِنْهُ الامتحان للمدرسين فَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة مِمَّن ظَهرت فضيلته وَبَانَتْ مزيته وَشهد لَهُ بِالْفَضْلِ فصيره مدرساً بمدرسة أياصوفية ثمَّ ولاه الْمدرسَة السليمانية وَأعْطى رُتْبَة دَار الحَدِيث وَمِنْهَا صَار قَاضِيا بينكى شهر برتبة قَضَاء الشَّام ثمَّ ولي قَضَاء بروسة ثمَّ مصر وَبهَا توفّي وَهُوَ قَاض وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف عَن اثْنَتَيْنِ وَخمسين سنة رَحمَه الله تَعَالَى صَالح بن عبد الْقَادِر الخلوتي الكبيسي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي ثمَّ الْحَنَفِيّ كَانَ فَاضلا صَالحا أَخذ طَرِيق الخلوتية عَن الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ بن سَالم الْمُقدم ذكره وَلزِمَ الْعِبَادَة والأوراد وَحصل فِي التصوف معرفَة ونظم الشّعْر لَكِن لم أَقف من نظمه على شَيْء حَتَّى أثْبته لَهُ وَكَانَت وِلَادَته فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة ختام شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس صَالح بن عَليّ الصَّفَدِي الْحَنَفِيّ مفتي الْحَنَفِيَّة بصفد كَانَ فَقِيها فَاضلا حسن التَّحْرِير رَحل فِي مبدأ أمره إِلَى الْقُدس وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد العلمي ثمَّ رَحل إِلَى الْقَاهِرَة وتفقه بهَا على الْحسن الشُّرُنْبُلَالِيّ والشهاب الشَّوْبَرِيّ الْمُقدم ذكرهمَا وَأخذ الحَدِيث وَغَيره عَن الشَّيْخ سُلْطَان وَالشَّمْس البابلي وَغَيرهمَا وَرجع إِلَى وَطنه فدرس وَأفَاد وَألف وَله من التآليف الشهيرة كِتَابه بغية المبتدى فِي اخْتِصَار متن الْكَنْز ثمَّ سكن عكة وَكَانَ يُفْتِي بهَا إِلَى أَن مَاتَ ابْن عَمه أَبُو الْهدى فِي سنة خمس وَخمسين وَألف وَكَانَ مفتي الْحَنَفِيَّة بصفد فوجهت الْفَتْوَى بهَا إِلَيْهِ وانتقل إِلَيْهَا وسكنها وَلم يزل مفتياً بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 القَاضِي صَالح بن عمر بن القَاضِي سعد الدّين بن الْعلم أَخُو الشَّيْخ مُحَمَّد العلمي الصُّوفِي الْمَشْهُور الْآتِي ذكره كَانَ قدم إِلَى دمشق وَولي بهَا نِيَابَة قَضَاء الْمَالِكِيَّة بمحكمة الميدان حِين كَانَ عَمه القَاضِي فَخر الدّين عُثْمَان بِدِمَشْق متخلياً عَن نِيَابَة الحكم بمحكمة الْبَاب وَشرع فِي طَرِيق الزعماء فسعى لِابْنِ أَخِيه الْمَذْكُور فِي نِيَابَة الْمَالِكِيَّة بمحكمة السويقة الْمَذْكُورَة وَكَانَ لَهُم تعلقات بالقدس فَلم يقدر على الْإِقَامَة بِدِمَشْق فَكَانَ يتوطن بالقدس وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى الشَّام لزيارة أَخِيه الشَّيْخ مُحَمَّد وخاله الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ مدرس الشبلية الْآتِي ذكرهمَا وَكَانَ بَينه وَبَين الشَّيْخ عَليّ بن مُحَمَّد القلعي الْقُدسِي نزاع بِسَبَب وقف سَيِّدي أَحْمد الثَّوْريّ فاتفق أَن مَاتَ ذَاك فِي شعْبَان غَرِيبا فِي قَرْيَة من قرى سَيِّدي عَليّ بن عليل وَمَات هَذَا فِي رَابِع عشر شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف غَرِيبا فِي الرملة صَالح بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد الْخَطِيب ابْن مُحَمَّد الْخَطِيب ابْن مُحَمَّد الْخَطِيب ابْن إِبْرَاهِيم الْخَطِيب التُّمُرْتَاشِيّ الْغَزِّي الْحَنَفِيّ ابْن الإِمَام الْكَبِير صَاحب التَّنْوِير فِي الْفِقْه الْآتِي ذكره الإِمَام ابْن الإِمَام كَانَ فَاضلا متبحراً بحاثاً وَله إحاطة بِفُرُوع الْمَذْهَب أَخذ عَن وَالِده ورحل إِلَى مصر وَأخذ عَن علمائها وتصدر فِي ذَلِك الْقطر بعد وَفَاة أَبِيه ونفع النَّاس فِي الْفَتَاوَى وَألف التآليف النافعة فِي الْفِقْه وَغَيره مِنْهَا حَاشِيَة على الْأَشْبَاه والنظائر الَّتِي سَمَّاهَا زواهر الْجَوَاهِر وَله منظومة فِي الْفِقْه وَشرح تحفة الْمُلُوك وَشرح ألفية وَلَده مُحَمَّد الْآتِي ذكره فِي النَّحْو الَّتِي أَولهَا (قَالَ مُحَمَّد هُوَ ابْن صَالح ... أَحْمد رَبِّي الله خير فاتح) وَله شرح النقاية سَمَّاهُ الْعِنَايَة وَشرح تَارِيخ شيخ الْإِسْلَام سعدي المحشى وَله رسائل كَثِيرَة مِنْهَا رِسَالَة فِي سيدنَا مُحَمَّد وأخيه هَارُون عَلَيْهِمَا السَّلَام ورسالة فِي علم الْوَضع وترسلاته وأشعاره وافرة مطبوعة وقفت لَهُ على هَذِه الأبيات كتب بهَا إِلَى الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي صدر رِسَالَة وَقد استحسنتها فأثبتها لَهُ وَهِي قَوْله (إِن جزت عَن رَملَة لي ثمَّ إِنْسَان ... حبر همام لَهُ علم وإحسان) (فِي الْعلم نعمانه فِي الْجُود حاتمه ... وَمَاله فيهمَا ضد وأفران) (وَالْخَيْر أَوله وَالْخَيْر شيمته ... وَالدّين قيد لَهُ فِي الْعلم إِمْكَان) (قَالُوا هُوَ الْبَحْر قلت الْبَحْر ذُو غرق ... قَالُوا هُوَ الْبَدْر لَا يعروه نُقْصَان) (قَالُوا هُوَ اللَّيْث قلت اللَّيْث ذُو حمق ... قَالُوا هُوَ الشَّمْس قلت الشَّمْس ميزَان) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 (قَالُوا هُوَ السَّيْف قلت السَّيْف ذُو كلل ... وَرُبمَا جَاءَ مِنْهُ صَاح عدوات) (قَالُوا فَمَا هُوَ قل لي قلت قد جمعت ... فِيهِ الْخِصَال وزادت فِيهِ عرفان) (أَخُوهُ شمس بِهِ ضاءت مَنَازِله ... وصدره بعلوم الله رَيَّان) (ليثان حبران فِي آجام معرفَة ... يروي بانداهما للْعلم ظمآن) ( ... قد جَاءَ للرملة البيضا وَقد درست ... فِيهَا الْعُلُوم وفيهَا لَاحَ طغيان) (فجدد الْعلم فِيهَا واستنار بِهِ ... عرش الْعُلُوم وفيهَا زَاد إِيمَان) وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من أجلاء الْعلمَاء وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي سنة خمس وَخمسين بعد الْألف صَالح بن مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن يس الدجاني الْمَقْدِسِي كَانَ من أهل الْفضل وَالْأَدب وبيتهم بالقدس بَيت علم وتصوف خرج مِنْهَا نامر كثير من الْمَشَاهِير وجدهم أَحْمد بن عَليّ أحد أَصْحَاب سَيِّدي عَليّ بن مَيْمُون وَصَاحب سَيِّدي مُحَمَّد بن عراق وَكَانَ من كبار الصُّوفِيَّة فِي زَمَنه وَله تَرْجَمَة وَاسِعَة فِي الْكَوَاكِب السائرة للنجم الْغَزِّي ذكر فِيهَا أَشْيَاء من مناقبه وأحواله وَصَالح هَذَا ولد بالقدس وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على أَبِيه مُحَمَّد الْآتِي ذكره فِي أَنْوَاع الْعُلُوم ونظم ونثر وَكَانَ مَقْبُول الشيمة لطيف الطَّبْع حسن الْعشْرَة خلوقا متوددا وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس وَخمسين وَألف صَالح بن نصر الله وَيعرف بِابْن سلوم بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام الْحلَبِي رَئِيس أطباء الدولة العثمانية ونديم السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم سيد الْأَطِبَّاء والحكماء وَوَاحِد الظرفاء والندماء أظهر فِي فنون الطِّبّ كل معنى غَرِيب وركها بمقدمات حسه كل تركيب عَجِيب فأنتج اسْتِخْرَاج الْأَمْرَاض من أوكارها وَكَانَ كل طَبِيب يعجز عَن إظهارها كَانَ للطفة إِذا جس نبضا يُعْطِيهِ روح الْأَرْوَاح وَيفْعل لرقته فِي النُّفُوس ماذ تَفْعَلهُ الراح وَهَذَا التَّعْرِيف لغيري احتجته فَفِي مَحَله أدرجته ولد بحلب وَنَشَأ بهَا وَأخذ عَن أكَابِر شيوخها واشتغل بالعلوم الْعَقْلِيَّة وجد فِي تَحْصِيلهَا حَتَّى برع وَغلب عَلَيْهِ علم الطِّبّ وَكَانَ حسن الصَّوْت عَارِفًا بالموسيقى صارفا أوقاته فِي الملاذ ومسالمة أَبنَاء الْوَقْت ثمَّ تولى مشيخة الْأَطِبَّاء بحلب وَلم يزل على تِلْكَ الْحَالة حَتَّى رَحل إِلَى الرّوم واختلظ بكبرائها واشتهر أمره بَينهم ونما حَظه حَتَّى وصل خَبره إِلَى السُّلْطَان فاستدعاه وَأَعْجَبهُ لطف طبعه فصيره رَئِيس الْأَطِبَّاء وَأَعْطَاهُ رُتْبَة قَضَاء قسطنطينية وقربه وَأَدْنَاهُ وَبلغ من الإقبال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 ونفوذ الْكَلِمَة مبلغا رفيعا وَكَانَ فِي حد ذَاته أعجب من رؤى وَسمع فِي لطف البداهة والنكتة والنادرة وَله رِوَايَة فِي الشّعْر وَالْأَخْبَار وَاسِعَة وَكَانَ ينظم الشّعْر وَلم أر لَهُ الا هَذَا الْمَقْطُوع وَقد جَاءَ فِيهِ بمضمون لطيف وَهُوَ (سقاني من أَهْوى كلون خدوده ... مدا مَا يرى سر الْقُلُوب مذاعا) (ومذ شَبَّبَ الإبريق فِي كأس حاننا ... أَقَامَت دراويش الْحباب سَمَاعا) وَألف فِي الطِّبّ تأليفا لطيفا سَمَّاهُ برْء سَاعَة وسمت همته فِي اقتناص شوارد المكرمات حَتَّى نفع بجاهه كثيرا من أهل دائرته ومدحه شعراء الْعَصْر وَأحسن مَا رَأَيْت من مدائحه قصيدة مدحه بهَا صاحبنا المرحوم عبد الْبَاقِي بن أَحْمد السمان الدِّمَشْقِي مستهلها (بذكرك بعد الله يستفتح الذّكر ... فَمَا لسواك الْآن نهى وَلَا أَمر) (وباسمك يسترقى السقيم فيشتفى ... بِهِ ويسح الْغَيْث أَو يبطل السحر) (وَلَو لقن الشَّيْخ المريد حُرُوفه ... تجلت لَهُ الْأَنْوَار وانكشف السّتْر) (ولور قموافي راية الْجَيْش رسمه ... لجاء على آثارها الْفَتْح والنصر) (وَمَا الْمجد إِلَّا صُورَة أَنْت روحها ... كَمَا أَنْت معنى لَفظه الْكَوْن والدهر) (وَمَا الْخَيْر إِلَّا مِنْك أوفيك أَو لَدَى ... جنابك أَو من شِئْت واليمن واليسر) (جنابك مَسْعُود وبابك كعبة ... تَطوف بهَا الآمال تسبيحها الشُّكْر) (تكَاد ترى خلق الفعال حَقِيقَة ... إِذا عدت ذَا سقم فعادلة الْعُمر) (إِذا جدت بالدنيا جَمِيعًا لآمل ... تَقول لَهُ عد ثَانِيًا وَلَك الْعذر) (إِذا مَا تَلا أوصافك الغر مادح ... يُقَال أفيمن همه الْحَمد وَالْأَجْر) (وَقد حزت مجدا يحسر الطّرف دونه ... وتعنو لَهُ الأفلاك أَو تسْجد الزهر) (وسعدا مكينا الوحوى الْبَدْر بعضه ... تنْزع عَن نقص وَلم يكسف الْبَدْر) (وَأُوتِيت مَا لم يُؤْت لُقْمَان بعضه ... فَأَنت بِجمع الْفضل بَين الورى وتر) (وجودا يكَاد الْبَحْر يشبه فيضه ... وهيهات أَن يحْكى مواهبك الْبَحْر) مِنْهَا (أمولاي إقبالا لعبد تَوَجَّهت ... إِلَيْك بِهِ الآمال وصلته الشُّكْر) (إِذا مَا جرى ذكراك فِي مجْلِس غَدا ... يمِيل كَمَا النشوان مَالَتْ بِهِ الْخمر) (وَيبْخَل بالتصريح بِاسْمِك غيرَة ... وحبا وإجلالا وَإِن علم الْأَمر) (وَهل تختفي الشَّمْس المنيرة فِي الضُّحَى ... ويكتم نور الْبَدْر أَو يستر الْفجْر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَكَانَت وَفَاته بينكي شهر وَهُوَ فِي خدمَة السُّلْطَان فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف صَالح الرُّومِي الْمَعْرُوف بدرس عَام القسطنطيني الْمُحَقق الشهير أحد من أَدْرَكته فَرَأَيْت الْفضل مُشْتَمِلًا بِهِ وَهُوَ أحد نَوَادِر الدَّهْر فِي الْفضل والإتقان وَتَحْقِيق الْعُلُوم والفضلاء الرّوم تهافت بَالغ على الْوُصُول إِلَيْهِ والإقتباس مِمَّا لَدَيْهِ وَهُوَ فِي نفس الْأَمر عَجِيب الصَّنْعَة فِي تَقْرِيره وتفهيمه جَار على طَريقَة محققي الْعَجم والأكراد فِي مُرَاعَاة آدَاب الْبَحْث وَكَانَت لَهُ فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة مهارة كُلية بِحَيْثُ لَا يشق فِيهَا غباره وَقد ولد بقسطنطينية وَبَلغنِي أَنه كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره مزيناً ثمَّ حبب إِلَيْهِ الطّلب فجد واجتهد وَصرف شطرا عَظِيما من عمره فِي الِاشْتِغَال حَتَّى بهر وَمهر وَجلسَ مجْلِس التدريس فأكبت عَلَيْهِ الطّلبَة وَمَا برحوا فِي زِيَادَة واعتناء بِهِ ثمَّ سلك طَرِيق الموَالِي فدرس بعدة مدارس وَلما قدمت قسطنطينية من أدرنة فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ صادفته مدرساً بِإِحْدَى مدرستي زَكَرِيَّاء برتبة موصلة الصُّحُف وَكَانَ إِذْ ذَاك يقرى كتاب مُغنِي اللبيب لِابْنِ هِشَام فيحضره جمع كثير من الأفاضل ثمَّ انْتقل إِلَى إِحْدَى الْمدَارِس الثمان فدرس فِيهَا شرح المواقف على مُقْتَضى شَرط واقفها وَكَانَ لَهُ فِي بَيته دروس خَاصَّة وَتُوفِّي وَهُوَ مدرس إِحْدَى الثمان وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاربعاء رَابِع عشر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف صَالح باشا الموستاري نَائِب الشَّام كَانَ فِي الأَصْل من خدمَة الْوَزير مصطفى باشا الْمَعْرُوف بالفراري ورد فِي خدمته إِلَى دمشق وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى مصر حَاكما بهَا ثمَّ بعد أَن عزل مخدومه عَن مصر صَحبه إِلَى الرّوم وَصَارَ ضَابِط الْجند الشَّامي وَورد إِلَى دمشق فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَلم يحصل لَهُ حَظّ تَامّ لوُجُود صولة الْجند فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ بعد زَوَال بَعضهم نفذت كَلمته وَلما ولي الْوَزير أَحْمد باشا الْفَاضِل نِيَابَة الشَّام جعله قَائِما مقَامه إِلَى أَن قدم إِلَيْهَا فصيره كتنداه وَلما ولي الوزارة الْعُظْمَى جعله أَمِيرا خور السُّلْطَان ثمَّ جعله ضَابِط الْجند بقسطنطينية وسافر فِي خدمَة الْوَزير إِلَى سفر إيران فاتفق أَنه اسْتشْهد نَائِب الشَّام الْوَزير مصطفى باشا القليلي فَوجه إِلَيْهِ مَكَانَهُ وَأرْسل متسلماً من قبله وَأقَام هُوَ فِي السّفر السلطاني وَأمر بعمارة خَان حسية ووكل فِي الْعِمَارَة وَالصرْف جمَاعَة من أهل دمشق فعمروه ووسعوه ثمَّ أَمر بعمارة خَان السبك فعمروه عمَارَة لَطِيفَة وقلدوا فِي بُنْيَانه ببنيان عمَارَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 القطيفة من السُّوق وَالْجَامِع وَالْحمام والعمارة وَوَقع هَذَا الخان فِي موقعه وَاتفقَ لَهُ تواريخ عديدة بِالْعَرَبِيَّةِ والتركية وأجودها التَّارِيخ الَّذِي صنعه الْأَمِير المنجكي رَحمَه الله تَعَالَى وَذَلِكَ قَوْله (صَالح للخير لما أَن بني ... مخلصا خَانا بِفعل متقن) (وَهُوَ وَالِي الشَّام من أضحى لَهُ ... حسن ذكر فِي جَمِيع الألسن) (قَالَ دَاعِي الْبر بشرى أَرخُوا ... فِي سَبِيل الله خَان قد بنى) وَكَانَ ذَلِك فِي سنة خمس وَسبعين وَألف ثمَّ عمر واله بأَمْره الْحمام خَارج بَاب الْجَابِيَة بِملَّة القماحين ورتب عشرَة أَجزَاء بالجامع الْأمَوِي تجاه رَوْضَة سيدنَا يحيى عَلَيْهِ السَّلَام وَشرط نظارة وَفقه لمفتي دمشق وَكَانَ يحب الْعلمَاء ويجالس الصلحاء وَكَانَت وَفَاته بِمَدِينَة صوفية فِي سنة سِتّ وَسبعين وَألف والموستاري بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَالسِّين الْمُهْملَة وَبعدهَا تَاء مثناة من فَوق وَألف وَرَاء نِسْبَة إِلَى بَلْدَة مَشْهُورَة فِي دَائِرَة بوسنة السَّيِّد صبغة الله بن روح الله بن جمال الله البروجي الشريف الْحُسَيْنِي النقشبندي نزيل الْمَدِينَة المنورة الْأُسْتَاذ الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى كَانَ أحد أَفْرَاد الزَّمَان فِي المعارف الإلهية وَله الْيَد الطُّولى فِي أَنْوَاع الْفُنُون وَله الْحَاشِيَة الْمَشْهُورَة على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَهِي مَشْهُورَة فِي بِلَاد الرّوم وَله مصنفات غَيرهَا مِنْهَا كتاب بَاب الْوحدَة ورسالة إراءة الدقائق فِي شرح مرْآة الْحَقَائِق ورسالتان فِي الصَّنْعَة الجابرية ورسالة فِي الجفر وَمَا لَا يسع المريد تَركه كل يَوْم من سنَن الْقَوْم وتعريب جَوَاهِر الْغَوْث ولد بِمَدِينَة بروج بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو ثمَّ جِيم مَدِينَة بِالْهِنْدِ وَأَصله من أصفهان انْتقل جده مِنْهَا إِلَى الْهِنْد وَسكن بِالْمَدِينَةِ الْمَذْكُورَة وَأخذ فِي الْهِنْد عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى وجيه الدّين الْعلوِي الْهِنْدِيّ تلميذ الشَّيْخ مُحَمَّد الْغَوْث البسطامي وتأدب بِهِ وأكمل عِنْده الطَّرِيق وَأَجَازَهُ للإرشاد فَأقبل عَلَيْهِ النَّاس وَبعد صيته وَعظم أمره عِنْد مُلُوك الْهِنْد إِلَى الْغَايَة لما شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه مَعَ عدم تردده إِلَى أحد من أعيانها وَعدم قبُوله الْعَطاء من السُّلْطَان وَغَيره إِلَّا نَادرا ثمَّ رَحل إِلَى الْحجاز وَحج فِي سنة خمس بعد الْألف وَأقَام بِالْمَدِينَةِ يدرس للطلبة ويربي المريدين وانتفع بِهِ الجم الْغَفِير أَجلهم السَّيِّد الأمجد ميرزا توفّي بِالْمَدِينَةِ فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 بِالبَقِيعِ وَالسَّيِّد أسعد الْبَلْخِي وَالشَّيْخ أَحْمد الشناوي الْمُقدم ذكرهمَا وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْهِنْدِيّ توفّي بِالْهِنْدِ وَالشَّيْخ محيي الدّين الْمصْرِيّ والملا شيخ بن الياس الْكرْدِي نزيل الْمَدِينَة والملا نظام الدّين السندي نزيل دمشق وَجَمَاعَة لَا يُمكن ضبطهم وَكَانَ مشتغلا بالتدريس والتحرير ويلازم الصَّلَوَات الْخمس بِالْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ عِنْد الشباك الشَّرْقِي من الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة وَكَانَ لَهُ شهامة وسخاء مفرط فَرُبمَا أرسل إِلَيْهِ من أقاصي الْبِلَاد وأدانيها فِي دور السّنة مِقْدَار مائَة ألف قِرْش فَلَا يبْقى مِنْهَا شَيْئا ويصرفها على الْفُقَرَاء وَكَانَ لَهُ أَحْوَال وخوارق فِي بَاب الْولَايَة عَجِيبَة جدا حكى عَنهُ تِلْمِيذه الملا نظام الدّين الْمَذْكُور قَالَ لما كنت فِي خدمته تذكرت لَيْلَة وطني وَأَهلي فغلبني الْبكاء والنحيب فَفطن بِي الْأُسْتَاذ فَقَالَ لي مَا يبكيك فَقلت قد طَالَتْ شقة النَّوَى وَزَاد بِي الشوق إِلَى الوطن والأهل وَكَانَ ذَلِك بعد صَلَاة الْعشَاء بهنيئة فَقَالَ لي ادن مني فدنوت من السجادة الَّتِي يجلس عَلَيْهَا فَرَفعهَا فتراءت لي بلدتي وسكني ثمَّ لم أشعر إِلَّا وَأَنا ثمَّة وَالنَّاس قد خَرجُوا من صَلَاة الْعشَاء فَسلمت وَدخلت إِلَى دَاري وَاجْتمعت بأهلي تِلْكَ اللَّيْلَة وأقمت عِنْدهم إِلَى أَن صليت مَعَهم الصُّبْح ثمَّ وجدت نَفسِي بَين يَدي الْأُسْتَاذ انْتهى ويروى عَنهُ أَحْوَال غير هَذِه وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ كَبِير الشَّأْن سامي الْقدر مَشْهُور بِالْولَايَةِ وَكَانَت وَفَاته فِي سادس عشري جُمَادَى الأولى سنة خمس عشرَة بعد الْألف وَدفن ببقيع الْغَرْقَد وقبره ظَاهر يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى الملاصفي الدّين بن مُحَمَّد الكيلاني نزيل مَكَّة المشرفة الشَّافِعِي الأديب الطَّبِيب فريد عصره كَانَ أعجوبة فِي الذكاء والفهم اشْتغل بِالطَّلَبِ حَتَّى أتقن الْعُلُوم الْعَرَبيَّة والمنطق ثمَّ تعانى الطِّبّ حَتَّى رَأس فِيهِ وَأخذ بِمَكَّة عَن عبد الرؤوف الْمَكِّيّ عدَّة عُلُوم وروى عَنهُ كثيرا وَله مؤلفات عديدة فِي الطِّبّ وَغَيره وَشرح القصيدة الخمرية لِابْنِ الفارض شرحاً حسنا وَجعله باسم الشريف حسن بن أبي نمي وَأَجَازَهُ عَلَيْهِ إجَازَة عَظِيمَة وَكَانَ يحسن إِلَيْهِ وانتفع بِهِ جمَاعَة فِي الطِّبّ وَغَيره ويحكى عَنهُ فِي الطِّبّ غرائب مِنْهَا أَنه مر عَلَيْهِ بِجنَازَة بعض الطرحاء الْفُقَرَاء فَدَعَا بِهِ وَأخذ من دكان بعض العطارين شَيْئا نفخه فِي أنف الطريح فَجَلَسَ وعاش مُدَّة فتعجب النَّاس من ذَلِك وَسَأَلَهُ بعض أَصْحَابه عَن ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت أقدامه واقفة فَعلمت أَنه حَيّ وَمِنْهَا أَن بعض التُّجَّار كَانَ يطعن فِيهِ وَيتَكَلَّم عَلَيْهِ فَلَمَّا بلغه أرسل بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 الْفُقَرَاء بِغُصْن من نَبَات لَهُ رَائِحَة طيبَة فَلَمَّا شمه التَّاجِر انتفخ بَطْنه وَعجز الْأَطِبَّاء الموجودون عَن علاجه فاضطر إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة فَأرْسل إِلَيْهِ واستعطفه فَأعْطَاهُ سفوفاً من ذَلِك النَّبَات فَعُوفِيَ مِمَّا بِهِ وَنَظِير ذَلِك مَا وَقع لِابْنِ البيطار الْمَشْهُور أَن بعض معاصريه امتحنه عِنْد السُّلْطَان فجَاء للسُّلْطَان بنبات وَقَالَ إِذا طلع إِلَيْك ابْن البيطار مره أَن يشم من هَذَا الْمحل يتَبَيَّن لَك مَعْرفَته وجهله فَلَمَّا طلع إِلَيْهِ أمره أَن يشمه من الْمحل الْمعِين فشمه مِنْهُ فرعف لوقته رعافاً شَدِيدا فقلبه وَشمه من الْجَانِب الآخر فسكن رعافه لوقته ثمَّ قَالَ للسُّلْطَان مر الَّذِي جَاءَ بِهِ أَن يشمه من الْموضع الأول فَإِن عرف أَن فِيهِ الْفَائِدَة الْأُخْرَى فَهُوَ طَبِيب وَإِلَّا فَهُوَ متشيع بِمَا لم يُعْط فَلَمَّا طلع أمره بشمه من الْموضع فرعف رعافاً شَدِيدا فَقَالَ لَهُ اقطعه فعجز وحار فِي أمره وَكَاد أَن يهْلك فَأمره أَن يقلبه ويشمه فَفعل فَانْقَطع رعافه فَمن يَوْمئِذٍ زَادَت مكانة ابْن البيطار عِنْد السُّلْطَان وَمِنْهَا أَن بعض أَوْلَاد الشريف حسن أَصَابَته عِلّة فَأمر صفي الدّين أَن يعْمل لَهُ كوفية من العنبر فَفعل لَهُ فَزَالَتْ الْعلَّة وأصابت تِلْكَ الْعلَّة بعض الرّعية فَفعل لَهُ كوفية من ضفع الْبَقر فَعُوفِيَ فَقيل لَهُ أَلَيْسَ عِلّة الرجلَيْن وَاحِدَة فَقَالَ نعم وَلَكِن ولد الشريف نَشأ على الرَّائِحَة الطّيبَة فَلَو عملت لَهُ من الضفع لزادت علته وَالْآخر بعكسه فداوينا كلا بِمَا يُنَاسِبه وَكَانَ يَأْمر من مرض أَن يخرج من مَكَّة ولوالي المنحنى لِأَن هَوَاء مَكَّة فِي غَايَة الِاعْتِدَال لَكِن رَائِحَة البالوعات تفسده وَلِهَذَا بنى بَيْتا بالمحصب يسكنهُ من بِهِ مرض وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من أَعَاجِيب الدُّنْيَا وَكَانَت وَفَاته فِي سنة عشر بعد الْألف السَّيِّد صَلَاح بن أَحْمد بن عز الدّين بن الْحُسَيْن بن عز الدّين بن الإِمَام الْحسن ابْن الإِمَام عز الدّين بن الْحسن بن عَليّ بن الْمُؤَيد بن جِبْرِيل بن الْمُؤَيد بن أَحْمد بن يحيى ابْن أَحْمد بن يحيى بن يحيى بن النَّاصِر بن الْحسن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن النَّاصِر بن أَحْمد بن الْهَادِي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ ابْن أبي الرِّجَال نَشأ هَذَا السَّيِّد على الْأَدَب والبلاغة وَكَانَ صَدرا فِي مجَالِس الكبراء مقدّماً حسن التَّعْبِير مولده فِي خَامِس شهر ربيع الأول سنة خمس عشرَة وَألف بدار الإِمَام شرف الدّين بِصَنْعَاء الْيمن الْمُسَمّى بدار الْعلف عِنْد مَسْجِد مَحْمُود لِأَنَّهُ قد كَانَ ملكه السَّادة من أَخْوَاله الْأُمَرَاء آل المؤيدي وَله من الْأَشْعَار فِي كل معنى مِنْهَا قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 يمدح السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام الْقَاسِم (بنفسي وَمَالِي خير ملك من الورى ... وأقومهم بِالْحَقِّ فِي كل موقف) (رأى حزن يَعْقُوب يساور مهجتي ... فَأعْطى لَهُ من حسنه حسن يُوسُف) (فَإِن منحته شكر دَاوُد همتي ... فَمَا منحت من وَاجِب فعل منصف) (فَمن حلم إِبْرَاهِيم حلم مُحَمَّد ... وَمن طبع إِسْمَاعِيل علم أَن يَفِي) (صبور كأيوب خطيب كَأَنَّهُ ... شُعَيْب أَخُو القَوْل الْبَهِي المفوق) (كريم كيحيى لم يهم بريبة ... طَبِيب كعيسى كم بِهِ مدنف شفي) (كإدريس صدّيق عَزِيز كصالح ... برهط كرام دافعي كل مُسْرِف) (فيا رب ذِي الْخلق الْعَظِيم مُحَمَّد ... بِهِ وبهم نج المليك وَشرف) (وزد فِي بَقَاء عمر نوح وأوله ... كملك سُلَيْمَان لجان ومعتفي) (وصل على من قد ذَكرْنَاهُ أَنهم ... هم خير هاد فِي البرايا ومقتفي) وَرَأَيْت فِي بعض أَخْبَار عُلَمَاء الْيمن أَن لصَاحب التَّرْجَمَة مؤلفات مفيدة وأجوبة شهيرة مِنْهَا شرح الْفُصُول فِي علم الْأُصُول للسَّيِّد الْعَلامَة صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن الْوَزير وَهُوَ من أَقَاربه يَعْنِي أَن صَاحب التَّرْجَمَة من أَقَاربه قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن المهلا فِي وَصفه أَنه من أصدقاء وَالِدي وَأهل مودته وَأرْسل وَهُوَ بجبل رازح من أَعمال صعدة كتابا إِلَى صَاحب لَهُ بِأبي عَرِيش يُسمى بصديق ابْن مُحَمَّد وافتتحه بقول أبي مُحَمَّد بن سارة (يَا من تعرض دونه شحط النَّوَى ... فاستشرفت لحديثه أسماعي) (لم تطوك الْأَيَّام عني إِنَّمَا ... نقلتك من عَيْني إِلَى أضلاعي) فَأَجَابَهُ وَالِدي النَّاصِر نِيَابَة عَن صديق بقوله (وافى المشرف رائق الإبداع ... من سيد ندب كريم مساعي) (أضحى لأشتات الْفَضَائِل جَامعا ... حَتَّى اجْتَمعْنَ لَدَيْهِ بِالْإِجْمَاع) (يجْرِي بميدان الطروس أَعِنَّة الأقلام ... بالتكميل للإبداع) (أيلم بِي سقم الْفِرَاق وَكتبه ... فِيهَا نسيم الْبُرْء للأوجاع) (وَصديقه صدّيق ابْن مُحَمَّد ... يكبو إِذا مَا همّ بالإسراع) (مَا ابْن اللَّبُون يصول صولة بازل ... فِيهِ قُصُور عَن طَوِيل الباع) (فانعم وَدم مُتَمَكنًا متملكاً ... لشوارد الْأَشْعَار والأسجاع) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 (من ذَاك للود الْقَدِيم وَحفظه ... كصلاح الشهم الْجَلِيل يُرَاعِي) (لَا زلت فِي غرف العلى متوئا ... مِنْهَا على أَمَاكِن وبقاع) (تهدي إِلَى الْأَبْصَار أَزْهَر خطكم ... وجواهر الْأَلْفَاظ للإسماع) فَأَجَابَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بقوله (أسرعت فِي نيل الصَّوَاب وَلم تزل ... مذ لَاحَ شخصك فِيهِ ذَا إسراع) (وسبقت أهل الشّعْر لما قُمْت فِي ... حصل السباق بِهِ طَوِيل الباع) (وبهرت أَرْبَاب القريض فَصَارَ كالتمتام ... من فِي النُّطْق كالقعقاع) (وكشفت من سر البلاغة أوجها ... كَانَت من قبيل لقاك خلف قناع) (وأجبت شعرًا قلته متمثلا ... بجوابك الشافي لَا إِلَّا قناعي) (أودعته نكت البديع فحارت ... الأفكار فِي الإبداع والإيداع) (صدّقت أَرْبَاب البلاغة إِذْ أَتَت ... وحفظت إِذْ نسيب وَكنت الواعي) (وجمعت يَا صدّيق كل لَطِيفَة ... حَتَّى لطفت وفزت بِالْإِجْمَاع) (وَنزلت من أهل الْفَضَائِل كلهم ... بمنازل الْأَبْصَار والإسماع) (هَذَا لديك النَّاصِر الأواه وَالْهَادِي ... بن عُثْمَان أَبُو الإسجاع) (قد أرصداً من سحر شعرهما لمن ... يهواك كل براعة ويراع) (فَإذْ حباك الدّرّ بِالْوَزْنِ امْرُؤ ... كالوا لَهُ عَن درّهم بالصاع) (وَإِذا دنا شبْرًا إِلَيْك مواصل ... منحوه من لقياك ألف ذِرَاع) (فضلا حباك بِهِ الْإِلَه ونعمة ... وَالله يحبو من يشا ويراعي) (وإليكما عَمَّن يوزع قلبه ... البرحا فَخُذُوا سمع عَن الْأَوْزَاعِيّ) (قد كنت عقت الشّعْر ثمَّ أَتَيْته ... وأجبته إِذْ كنت أَنْت الدَّاعِي) (ليلوح عنْدك صدق قولي إِنَّمَا ... نقلتك من عَيْني إِلَى أضلاعي) فَأَجَابَهُ النَّاصِر الْمَذْكُور عَنْهَا بقوله (انطق فعندك للقريض دواعي ... قد جَاءَ من شعر الْهمام دواعي) (وسعى صَلَاح فِي صَلَاح قريحتي ... وجزى بِعشر الصَّاع ألف صَاع) (قد كَانَ بِي ألم لنصف اسْمِي فمذ ... وافي أَتَى بالضدّ من أوجاعي) (أَعنِي الْكتاب مطرزاً بجواهر ... يقْضِي على الْأَيَّام بالإقلاع) (لافض فَور جلّ جليل قَالَهَا ... لفتى قَلِيل بضَاعَة ومتاع) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 (مَا كَانَ من ثدى الفصاحة راضعاً ... لَكِن تعاطاها بِغَيْر رضَاع) (فَلِذَا يرى وَقت السباق مقصراً ... فاعذر فَتى فِيهَا قصير الباع) (قد شاع سابغ نعْمَة الله الَّتِي ... أسدى لكم فِي الْآل والأشياع) (ونظمت يَا بَحر الغلوم فرائداً ... نظمت لكم سحبان فِي الأتباع) (واستعبد الْملك ابْن حجر شعركم ... لَو عَاشَ لم يقدر على مصراع) (واقرّ كتاب الْأَنَام بأهم ... رق لرق رائق الأسجاع) (من آل أَحْمد لم يزل يوليهم ... الْخيرَات فِي جبل سما وبقاع) (فلذاك عز الدّين وانتشر الْهدى ... إِذْ كَانَ عز الدّين أكْرم ساعي) (أبدى صلاحاً لَاحَ من أثوابه ... نور بدا فِي عَارض هماع) (أَحْيَا بِهِ الأرباء والأدبا مَعًا ... من كل دَان أَو بعيد بقاع) (لَا سِيمَا الْهَادِي الْأَجَل وَمن لَهُ ... ود أكيد والمحب الدَّاعِي) (فَأَبُو عَرِيش فاق بلدان الورى ... إِذْ صرت راقماً اسْمه برقاعي) (شرفتموه إِذْ مدحتم أَهله ... بمدائح عَن خاطر مطواع) (ونعتم صدّيقه بصديقكم ... عطفا وتأكيداً بِغَيْر نزاع) (من لم يكن عَن ودّكم بدل لَهُ ... فلرفعه قد صَار بِالْإِجْمَاع) (يَكْفِيهِ فجرا مَا جرى من مدح من ... فاق الورى لطفاً وَحسن طباع) (لَا منّ أَن أَحْبَبْت آل مُحَمَّد ... فهم الْأمان لنا من الأفزاع) وَمِمَّا قَالَه صَاحب التَّرْجَمَة يُخَاطب القَاضِي الْعَلامَة مطهر بن عَليّ الضمدي وَقد طلب عَارِية كتاب إِيثَار الْحق على الْخلق (آثرونا يَا صَاح بالإيثار ... كي يكون الْبلُوغ للأوطار) (عجلوا عجلوا جزيتم بِخَير ... فَلهَذَا الْكتاب طَال انتظاري) وَهِي من أَبْيَات وَأجَاب القَاضِي عَنْهَا بِأَبْيَات رائقة مطْلعهَا (قسما بالعقول والإنظار ... وَبِمَا ضمنت من الْأَسْرَار) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَاخِر سنة سبعين وَألف القَاضِي صَلَاح الدّين بن زين العابدين القَاضِي الصَّالح الباعوني كَانَ من الْفُضَلَاء المعروفين والكملاء الموصوفين وَكَانَ صَاحب أَخْلَاق حَسَنَة وشمائل رائقة وَكَانَ مُقيما بصالحية دمشق وَولي نيابتها مدّة مستطيلة وَكَانَ وَالِده زين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 العابدين الْمَذْكُور جمانا فِي المحكمة عِنْده وَكَانَ لَهُ حديقة بالصالحية يُقيم فِيهَا ويجتمع عِنْده شعراء ذَلِك الْعَصْر ويتذاكرون الْأَدَب مِنْهُم إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الأكرمي الْمُقدم ذكره فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَنْفَكّ عَنهُ وَله فِيهِ مدائح مِنْهَا قَوْله وَقد نظم هَذِه الأبيات فِي حديقته الْمَذْكُورَة وَهِي قَوْله (لم أنس مجمع أنسنا ... فِي رَوْضَة القَاضِي الصّلاح) (رب العوارف واللطائف ... والمكارم والسماح) (مولى طليق الْوَجْه عِنْد الْعَالمين ... سموح رَاح) (لله حسن مقامنا ... إِذْ نَحن فِي الْبسط السراح) (تتفاوض السحر الْحَلَال ... ونعتفي جد المزاح) (ونفوسنا سكرى التنعم ... وَالسُّرُور بِغَيْر رَاح) (فِي ظلّ روض عَمه ... نفح الازاهر والأقاح) (حَيْثُ النسيم الرطب قد ... أرسى على المَاء الفراح) (وَالطير تشدو فِي الغصون ... بِطيب ألحان صِحَاح) (وفواكة الأغصان تنثر فِيهِ ... من كل النواحي) (حييت يَا يَوْم الجنينة ... كل غادية وَرَاح) (من يَوْم أنس لم يكدر ... صَفوه واش ولاحي) (مَا أنسى لَا أنسى اجتماعي ... فِيك بالغر الصَّباح) (تَغْدُو علينا الطَّيِّبَات من ... الغدو إِلَى الرواح) (لَا زَالَ صاحبنا الصّلاح ... يؤم فِي حَال الصّلاح) (وَبَقِي مدى الْأَيَّام فِي ... حرز السَّلامَة والنجاح) (مَا غردت ورق الحمائم ... فِي الْمسَاء وَفِي الصَّباح) وَكَانَت وَفَاة القَاضِي صَلَاح الدّين فِي ثَالِث عشر محرم سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بسفح قاسيون السَّيِّد صَلَاح الدّين بن عبد الْخَالِق بن يحيى بن الْمهْدي بن إِبْرَاهِيم ابْن الْمهْدي الحجاف القاسمي الحسني الحبوري الإِمَام الْعَلامَة الْجَلِيل الشَّأْن كَانَ مفننا فِي عُلُوم كَثِيرَة وَله تآليف مَشْهُورَة مِنْهَا شرح تَكْمِلَة الْأَحْكَام فِي علم الطَّرِيقَة وأجوبة مسَائِل مَشْهُورَة ونظمه أَسِير من مثل فِي بِلَاد الْيمن وَله ديوَان شعر مدون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 تلقيت خَبره من مَجْمُوع الْأَخ الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله سلمه الله تَعَالَى وَأنْشد لَهُ من شعره قَوْله يمدح الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد بن عَليّ (بأفعاله يسمو الْكَرِيم ويشرف ... وَيذكر مَا بَين الْأَنَام وَيعرف) (وَقد يسْعد الله امْرأ مَعَ هَذِه ... بأسلاف صدق بالمكارم تُوصَف) (فيجتمع الْمجد التليد وطارف ... فَلَا الأَصْل مَذْمُوم وَلَا الْفَرْع مقرف) (ألم تَرَ أَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ... بنى شرفا يحظى بِنَبِيِّهِ ويزلف) (فَلم يكنف الْمولى الْمُؤَيد بِالَّذِي ... بنى بل بنى مجدا يزِيد ويضعف) (أَلَيْسَ لَهُ أَيَّام وَالِده من المواقف ... مَا لم يحكها قطّ موقف) (بِهن اسْتَفَادَ الدّين رونق وَجهه ... وَكَانَ تبدي وَجهه وَهُوَ أكاف) (عَشِيَّة جلّ الْخطب وَالْأَرْض أظلمت ... وأضحت قُلُوب النَّاس وَهِي ترجف) (وخان الرِّجَال الصَّادِقين ثِيَابهمْ ... وَقل امْرُؤ من وصمة الذل يأنف) (وأرعشت الْأَيْدِي فَلم يغن صارم ... وَلم ينك قطّ السمهري المثقف) (وَقد شَمل النَّاس الْبلَاء فلاحق ... بِأَرْض ومستدن لما يتخوف) (ومدت إِلَى الله الأكف عواتق ... لطمن خدودا والمدامع ذرف) (هُنَالك رد الله فِي الدّين روحه ... بِهِ وتلافاه وَقد كَاد يتْلف) (وأرسى بِهِ الدُّنْيَا وَمَا فَوق ظهرهَا ... وَكَانَت بِمن فِيهَا تميد وترجف) (إِلَى غير هَذَا من مواقفه الَّتِي ... بهَا الدّين أضحى شَمله يتألف) (وَقَامَ بِأَمْر الْمُسلمين فَأحْسن ... الْخلَافَة إِذْ لَا مثله قطّ يخلف) (فَبَايعهُ مِمَّن يشار إِلَيْهِم ... يحار إِذا استنزفتها لَيْسَ تنزف) (نحارير لَو شاؤا وَقد شَاءَ بَعضهم ... لقد ألفوا فِي كل فن وصنفوا) (فَمَا فاتنا من قَاسم غير وَجهه ... وَلم يفتنا نائل وَتعطف) (ورفق وبر وانطلاق وَرَحْمَة ... وَبشر وتقريب لنا وتلطف) (وَعلم وإنصاف وحلم على أَذَى ... ممض يخلي عِنْده الْحلم أحنف) (ثمال الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين لم يزل ... أبالهم يحنو عَلَيْهِم ويرأف) (لَهُم قطرت غلظ لَهُ من صَنِيعه ... إِلَيْهِم وَشعر فِي الرؤس مسرهف) (مجالسه عاف يفاد وعالم ... يُفِيد وَسيف فِي القراب ومصحف) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 (ونهمته استنباط حكم دَلِيله ... قَضِيَّة عقل أَو قِيَاس مؤلف) (أَو السّمع لَا التَّقْلِيد أذذاك منهو ... وَكَانَ بنيق بَين قطريه تفنف) (وَمَا زَالَ للعافي غياثاً وملجأ ... ومنتجعاً يؤوي إِلَيْهِ ويؤلف) (أمولاي يَا من وَصفه فَاتَ قدرتي ... وَقصر عَنهُ ذَا النظام المؤف) (أهنيك بالعيد الْأَغَر الَّذِي لَهُ ... خَصَائِص لَا تحصي بهَا أَنْت أعرف) (وفيت بِمَا وَفِي الْخَلِيل بهَا لمن ... براك فَأَنت المخبت المتحنف) (وأحييت مَعْلُومَات شهرك بِالَّذِي ... يسن ومعدوداته لَا تكلّف) (وَصليت قربت النسائك خَالِصا ... لمولاك لَا تزهى وَلَا تتغطوف) (فشاركت إِذْ وفيت للعيد حَقه ... رجَالًا أهلوا محرمين وعرّفوا) (يباهي بهم رب السَّمَاء جمَاعَة الملائك ... بعد الْعَصْر سَاعَة وقفُوا) (لَهُم دعوات لَا تردّ وَرَنَّة ... مذكرة بالنحل حِين يرفرف) (سَأَلت الْعَظِيم الأيد وَالْملك الَّذِي ... لَهُ قطعُوا عرض الفلاة وأوجفوا) (بِمن فيهم من صَالح وَبِمَا دعوا ... وَمَا مسحوا الْأَركان تِلْكَ وطوّفوا) (يهينك مَا أولاك تنفك سالما ... إِلَيْك خطوب الدَّهْر لَا تتطرف) (ويحميك مَا هَب النسيم وغردت ... أصيلاً حمامات على الأيك هتف) (وَإِنِّي وأصحابي مَعًا بعد هَذِه ... سيجمعنا ذَاك الجناب المشرف) (نوافي إِلَيْهِ بعد لأي كأننا ... رذايا عقيب الواردات تخلف) (وننشدك الْبَيْتَيْنِ لَا ناظرين فِي ... عوامل علم النَّحْو كَيفَ تصرف) (وَلَكِن لما قد جَاءَ أخوة يُوسُف ... إِلَيْهِ فَأَنت الْيَوْم لَا شكّ يُوسُف) (إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ رمت بِنَا ... خطوب المنى والهرجل المتعسف) (ومض زمَان يَا ابْن مَرْوَان لم يدع ... من المَال إِلَّا مسحة أَو مخلف) (وهاك نظاما زانه وصفك الَّذِي ... يكرم شعرًا حازه ويشرف) (يميزه الذَّوْق السَّلِيم وَحسنه ... يدق على فهم الغبي ويلطف) (فكم ناقد للشعر مبلغ علمه ... هُوَ الْوَزْن وَاللَّفْظ الْكثير المرصف) (وَلم يدر مَا الْمَعْنى البليغ لجهله ... وَلَا الْمَقْصد الغث الركيك المزيف) (وَمَا السِّرّ إِلَّا فِي معَان مصونة ... عليهنّ ستر لم يزحزحه مغدف) (وَمثل أَمِير الْمُؤمنِينَ مُمَيّز ... مطل على تِلْكَ الْمَقَاصِد مشرف) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 (فَيعرف للعلق النفيس فَضِيلَة ... بهَا يزدري القَوْل اللَّطِيف الملفلف) (فدونك يَا مولَايَ مَا هُوَ خَالِد ... وَمَا دونه فَإِن من المَال متْلف) (يسير مسير الْبَدْر والبدر قَاصِر ... وينقله بَحر ورعن وصفصف) (ويسطر بالأقلام فِي كل دفتر ... بِهِ يتحف السمار لَيْلًا ويطرف) (مقَال امرىء مَا قَالَ فِي غير قَاسم ... ونجليه مدحاً والأمور تكشف) (وَمَا قلت فِي سُلْطَان جور قصيدة ... أَبى الله ينهاني التقى وَالتَّعَفُّف) (وَقد صان وَجْهي الله عَن قصد غَيرهم ... إِذا سَأَلَ السُّؤَال يَوْمًا فألحفوا) وَهَذَا آخرهَا وَكَانَت وَفَاة السَّيِّد صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف بجبرو من أَرض الْيمن رَحمَه الله تَعَالَى القَاضِي صَلَاح الدّين الْمَعْرُوف بالكوراني الْحلَبِي مولداً وتربة شيخ الْأَدَب ومركز دائرته بقطر الشَّهْبَاء وَكَانَ رَئِيس الْكتاب بمحكمة قَاضِي قضاتها وَله أَخ اسْمه تَاج الدّين كَانَ يتَوَلَّى النِّيَابَة بهَا وَالْقَاضِي صَلَاح الدّين هَذَا من مشاهير الأدباء لَهُ شعر مطبوع ونظم مَصْنُوع مَعَ مُشَاركَة فِي فنون عديدة وخبرة بمفاهيم عَجِيبَة وَهُوَ من المكثرين فِي الشّعْر فَلَيْسَ لأحد من أَبنَاء عصره عشر مَاله من الشّعْر وناهيك بِمن لم يخل بَيَاض يَوْم وَلَا سَواد لَيْلَة من تبييض وتسويد وَلم يبْق أحد يتوسم فِيهِ النجابة إِلَّا مدحه أَو راسله أَو طارحه إِلَى أَن صعد درج الثَّمَانِينَ ورقى التسعين وَذكره البديعي فَقَالَ فِي وَصفه شَاعِر إِن ذكر المجيدون فَهُوَ الْوَاحِد الْكَامِل ونائران وصف المنتمون إِلَى الْآدَاب فَهُوَ القَاضِي الْفَاضِل وَمن محَاسِن إنشائه مَا كتبه إِلَى السَّيِّد أَحْمد بن النَّقِيب الْحلَبِي الْمُقدم ذكره ملغزا فِي اسْم عندليب وَهُوَ أَيهَا الشريف الْفَاضِل واللطيف الْكَامِل قد تمسكت الأحباء بأرج أعتابك وَتمسك الألباء بأهداب آدابك وخلصت المشكلات بالتلخيص ولخصت المعضلات بالتخليص وملكت الاستعارات فأعرت مَا ملكت وسبكت الْكِنَايَات فأنكيت بِمَا سبكت وانعقدت على عفتك الخناصر وَقيل للخائن إِلَى الخناصر وَكَيف تَنْصَرِف عَن سَلامَة الطَّبْع وَالصّفة وفيك اجْتمع الْوَزْن والمعرفة وَقد ارْتَاحَ الصّلاح إِلَى خفض الْجنَاح لديك وعول عَلَيْك وَطلب أَن يعْذر وَيُقَال فِيمَا أَطَالَ وَقَالَ مَا اسْم بالظرف مَوْصُوف على أَنه بعض الأحيان مظروف وَإِن قلت ظرف مَكَان فَهُوَ فِي حيّز الْإِمْكَان ويضاف إِلَيْهِ ظرف الزَّمَان على أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 من وصف الآرام اللَّاتِي هم المرام أَو على أَنه أنالك كَمَا لي أَن أعرف كمالك وتصحيف شطره الأول وَالثَّانِي جيد لَا غيد وَإِن قلت أَسد فَهُوَ للإيضاح لَيْث أَسد وَإِن شِئْت قلت مَوضِع لبث القلائد من الصُّدُور أَو مَا اسْترق من رمل الصخور وَإِن أردْت الْمجَاز فالخمر من صروفه وَإِن أردْت الْحَقِيقَة فظرفه من مظروفه وَكَيف يخفى وأوله اسْم سَنَام الْأَنْعَام وثانيه حَيَوَان فِي الْبَحْر الْعَام وثالثه اسْم امْرَأَة ذَات سمن من ورابعه شجر ذوفين وخامسه اسْم نَاحيَة من نواحي الْبِقَاع وسادسه اسْم رجل كثير الوقاع على أَن أَوله وَالثَّالِث وَالرَّابِع ينبي عَن قلب سقط الزند الْوَاقِع وَالثَّانِي وَالثَّالِث عَن أطيب الْعرف نافت وَهُوَ نديم الْمُلُوك فِي الْقُصُور وخديم ربات الشنوف فِي الْخُدُور حقير المقدرا جليل الِاعْتِبَار وأقواله مُؤثرَة فِي مثل قلب عنتر مَعَ أَنه صَغِير ضَعِيف الجثمانية مغتر فَهَل يخفى بعد شرح هَذِه الْأُمُور وَلَكِن الخفاء فِي شدَّة الظُّهُور فجد مجيباً مجيداً لَا بَرحت مُفِيدا سعيداً فَأَجَابَهُ ملغزاله فِي بازي بقوله راسلتني لأبرح عِنْد عندليب الفصاحة صادحاً على رياض مراسلتك وقمر البراغة لائحاً من أفق أفلاك عبارتك وَحمى الْفضل محمياً بسمهري أقلامك وجيد الْأَدَب محلى بدر وعقود نظامك وَإِن لي قريحة قريحة بصروف حوادث الزَّمن وفكرة جريحة من معاناة خطوب هَذِه المحن وأدرت على سَمْعِي من سلاف ألفاظك مَا هُوَ عِنْدِي أرق من نسيم الصِّبَا وَأهْديت إِلَى فكرتي من نفائس صنائعك مَا ذَكرتني بِهِ زمَان اللَّهْو وَالصبَا وأتحفتني ببدائع مَا احمر الْورْد إِلَّا خجلاً من بهجتها وَلَا اصْفَرَّتْ الصَّهْبَاء إِلَّا حسداً لما شاهدته من استيلائها على الْعقل وسطوتها لَا غرو أَنَّهَا صدرت من قس الفصاحة وقاضيها الْفَاضِل وَأَتَتْ من رَئِيس هَذِه الصِّنَاعَة وأمامها الْمشَار إِلَيْهِ بالأنامل فادخرتها تحفة للوارد والصادر ورقتا بقلم الْفِكر على لوحة الخاطر فأماطت النقاب وأزالت الْحجاب عَن اسْم مطرب مَا زَالَ يغرد فِي الرياض بَين الأفنان ويحرك بِصَوْتِهِ الشجي مَا سكن فِي خاطر الولهان ويتعشق الْوُرُود لشبهها بخدود الملاح ويراقبها مراقبة المهجور فِي الاغتياق والاصطباح طالما جنى عَلَيْهِ لِسَانه فحبسوه وضيقوا عَلَيْهِ وَمن عجب أمره أَنه لم يحبس إِلَّا لزِيَادَة حبه وَشدَّة الْميل إِلَيْهِ صحف النّصْف الأول مِنْهُ تَجدهُ عبدا عَن الْخدمَة لَا يحول وَإِذا شِئْت قلت عيد بالمسرة والهناء مَوْصُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وَرُبمَا أظهر لَك غيداء ممنعة الْحجاب وَأبْدى لَك بقلب بعضه عذب الرضاب واحذف ثلثا مِنْهُ نجده عِنْدِي مَوْجُودا كَمَا أَن ذَلِك الثُّلُث الْمَحْذُوف مَا زَالَ مني فِي هوى الحسان مفقوداً وَإِن صحفت ثلثه وقلبته قلب كل أرتك لديعاً بعقرب السالف أَو قلبتها قلب بعض أبدت لَك اسْم شَاعِر من شعراء الزَّمن السالف وَإِن صحفت نصفه الْأَخير قلت ليته من هَذَا التَّصْحِيف خَالص فَإِنَّهُ يظْهر لَك ليثاً ترتعد مِنْهُ الفرائص وَرُبمَا ظهر لَك بأوله ورابعه وخامسه أَنه على الْمقَام وبثانيه وثالثه وخامسه ندى عرف يحسن مِنْهُ الختام فأجبر جَابر هَذِه كسر هَذَا الْجَواب وألق عَلَيْهِ من أكسير قبولك مَا يرفع بِهِ عِنْد بني الْآدَاب وَلَقَد عَن لي أَن أعول على جنابك وأسأل من شرِيف أعتابك عَن اسْم يعرف بالشجاعة تقر لَهُ أَبنَاء جنسه بِالطَّاعَةِ تخدمه الْمُلُوك والأعيان وتتبعه فِي المهامه الفرسان وموضوع وَهُوَ مَحْمُول وعزيز مَعَ أَنه مُقَيّد مغلول طالما سَطَا على عدوه فَأوردهُ الْحمام ونال من أراقة دَمه المرام وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ يُؤثر بِمَا لَدَيْهِ وَهُوَ جَائِع وَيفْعل وَلَا يَقُول وَهَذَا من اشرف الطبائع رباعي مَعَ أَن نصفه حرف من حُرُوف الهجاء وَإِن صحف كَانَ حرفا يسْتَعْمل عِنْد الطّلب والرجاء وَإِن حذفت أخيره وصحفت الْبَاقِي ظهر لَك أَنه أحد العناصر وبتصحيف آخر من غير حذف يَبْدُو لَك أحد أَسمَاء الْقَادِر القاهر مظلوم مَعَ أَنه إِن لوحظ نصفه الْأَخير كَانَ فِي زِيّ ظَالِم وَرُبمَا أشعر بتصحيفه وَحذف ثَانِيه أَنه برىء من جَمِيع الْمَظَالِم فبالذي شيد بك دعائم الْأَدَب والكمال وجلى بفكرك فنهب كل اشكال إِلَّا مَا أوضحت مشكله وبينت خفيه ومقفله لَا بَرحت بَنو الْآدَاب ترد حِيَاض آدابك الدافقة ويجنون من أزاهر رياض فضائلك الفائقة مَا ترنم عندليب على فنن وحرك بشجوه من كل مغرم مَا سكن انْتهى قَالَ السَّيِّد أَحْمد بن النَّقِيب الْمَذْكُور فِي تَرْجَمَة صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ بِالْقربِ من ضريح المرحوم يَعْنِي وَالِده السَّيِّد مُحَمَّد عدَّة أَشجَار من الْعنَّاب فشاهدت يَوْمًا أَغْصَانهَا المخضرة تزهو بثمارها المحمرة فأتبعت الْحَسْرَة بالحسرة وَلم أملك سوابق الْعبْرَة وجادت الطبيعة بِأَبْيَات على البديهة وَهِي (وقائلة والدمع فِي صحن خدها ... يفِيض كهطال من السحب قد همى) (أرى شجر الْعنَّاب فِي الْبقْعَة الَّتِي ... بهَا جدث ضم الشريف المعظما) (لَهُ خضرَة المرتاح حَتَّى كَأَنَّهُ ... على فَقده مَا إِن أحس تألما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 (وأغصانه فِيهَا ثمار كَأَنَّهَا ... بحمرتها تبدي السرُور تلوما) (وَلَو أنصفت كَانَت لعظم مصابه ... ذوت واكفهرت حيرة وتندما) (فَقلت لَهَا مَا كَانَ ذَاك تهاونا ... بِمَا نالنا من رزئه وتهضما) (وَلكنهَا لما وَضعنَا بِأَصْلِهِ ... غديراً بأنواع الْفَضَائِل مفعما) (بَدَت خضرَة مِنْهُ تروق وحزنه ... كمين فَلَا تستفظعيه توهما) (وَمَا احْمَرَّتْ الأثمار إِلَّا لأننا ... سقيناه دمعاً كَانَ أَكْثَره دَمًا) فَوقف الكوراني على ذَلِك فَقَالَ أبياتاً مِنْهَا (فيا شجر الْعنَّاب مَالك مثمر ... سُرُورًا وَلم تجزع على سيد الْحمى) (على رمسه أورقت تهتز فرحة ... وتدلى إِلَيْهِ كل غُصْن تمنما) (أهذي أَمَارَات المسرة قد بَدَت ... أما لحزن قد أبكاك من دونه دَمًا) وَمِنْهَا على لِسَان الْعنَّاب (نعم فرحتي أَنِّي مجاور سيد ... نما حسبا فِي عصره وتكرما) (وحضرته روض من الْجنَّة الَّتِي ... زهت بضجيع كَانَ بِالْعلمِ مغرما) (أتعجب بِي إِذْ كنت فِي جنب رَوْضَة ... وحقي فِيهَا أَن أقيم والزما) (كعادة أَشجَار الرياض فَإِنَّهَا ... تمكن فِيهَا الأَصْل وَالْفرع قد نما) (وَقد قيل فِي الأسماع إِن كنت سَامِعًا ... خُذ الْجَار قبل الدَّار إِذْ كنت مُسلما) (أما سَار من دَار الفناء إِلَى البقا ... وَأبقى ثَنَاء بالجميل مُعظما) (وَمن كَانَ بعد الْمَوْت يذكر بالعلى ... فبالذكر يحيا ثَانِيًا حَيْثُ يمما) (فَقلت لَهُ يهنيك طيب جوره ... وحياك وسمى الْغَمَام إِذا همى) (لتسقط أثماراً على جنب قَبره ... ليلقطها من زَارَهُ وترحما) (فواعجباً حَتَّى النَّبَات زها بِهِ ... فَحق لنا عَن فَضله أَن نترجما) (فَلَا زَالَت الأنواء مغدقة على ... ثرى قَبره مَا ناح طير وزمزما) وَمِمَّا اشْتهر لَهُ قَوْله فِي دُخان التبغ (لقد عنفونا بالدخان وشربه ... فَقلت دعوا التعنيف فَالْأَمْر أحوجا) (أَلا إِن صل الْغم فِي غَار صدرنا ... عصانا قد خنا عَلَيْهِ ليخرجا) الصل الْحَيَّة السَّوْدَاء وَمن شَأْنهَا أَنَّهَا إِذا عصيت فِي وَكرها دخن عَلَيْهَا التخرج وللصلاح أَيْضا وَفِيه وَهُوَ معنى حسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 (لَو لم تكن أَيدي إِلَّا كارم لجة ... مَا كَانَ فِي أطرافها الغليون) والغليون أطلق على سفينة معهودة بَين الْعَوام وعَلى آلَة يوضع فِيهَا ورق التبغ وَيشْرب وَكِلَاهُمَا غير لغَوِيّ وَهُوَ فِي اللُّغَة اسْم للقدر وَفِيه يَقُول عبد الْبر الفيومي صَاحب المنتزه مَعَ احْتِمَال الغليون للمعنى اللّغَوِيّ (غليوننا لقد غلا ... مَا فِيهِ وَالْمَاء يفور) (فِي مهجتي ومقلتي ... دخانه أضحى يَدُور) وللصلاح معمي باسم أَحْمد وَهُوَ قَوْله (فُؤَادِي محا عَن لوح خاطره الْهوى ... فأثبته صدغ لَهُ قد تسلسلا) وَله باسم عمر (تساقط در من سَحَاب مسيره ... إِلَى تَاج روض قل وَمَا كَانَ مُنْقَطع) وَله باسم يُوسُف (إِذا صَحَّ تَقْبِيل على خَال خدّه ... أحاول شَيْئا مِنْهُ فِي دَاخل الشفه) وَمن غرامياته قَوْله (أَيْن فصل الرّبيع أَيْن الشَّبَاب ... يئست من رُجُوعه الأحباب) (غادرته مواقع أعدمته ... فشارب الرّبيع رغماً سراب) (خرس العندليب فِيهِ وأضحى ... صَاحب النُّطْق فِي رباه الْغُرَاب) (لَو علمنَا أَن الزَّمَان خؤون ... فِيهِ تنأى عَن اللقا الْأَصْحَاب) (لشفينا من اللِّقَاء قلوباً ... لم يرعها من الزَّمَان انقلاب) (لَكِن الْمَرْء لَا يزَال غفولاً ... بَين هَذَا وَبَين ذَاك حجاب) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بحلب فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف صنع الله بن جَعْفَر شيخ الْإِسْلَام ومفتي التخت العثماني فِي عهد السُّلْطَان مُحَمَّد وَولده السُّلْطَان أَحْمد الإِمَام الْكَبِير الْفَقِيه الْحجَّة الْخَيْر كَانَ فِي وقته إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي الْفِقْه والإطلاع على مسَائِله وأصوله وفتاواه مدونه شهيرة خُصُوصا فِي بِلَاد الرّوم يعتمدون عَلَيْهَا ويراجعون مسائها فِي الوقائع وَكلهمْ متفقون على ديانته وتوثيقه واحترامه وَقد درس بالمدارس الْعلية حَتَّى انْتهى أمره إِلَى أَن صَار قَاضِي قسطنطينية فِي رَجَب سنة ألف وَنقل بعد أَيَّام قَليلَة فِي الشَّهْر الْمَذْكُور إِلَى قَضَاء الْعَسْكَر بأناطولي وَبَقِي فِيهِ إِلَى شَوَّال سنة إِحْدَى وَألف فَنقل إِلَى قَضَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 روم إيلي ثمَّ فِي أثنا جُلُوس السُّلْطَان مُحَمَّد تقاعد بوظيفة أَمْثَاله وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث بعد الْألف ثمَّ ولي الْإِفْتَاء بعد وَفَاة الْمولى سعد الدّين بن حسن جَان فِي ربيع الأول سنة ثَمَان وَألف وعزل فِي صفة سنة عشر وَألف ثمَّ أُعِيد ثَانِيًا فِي ثَانِي عشري رَجَب سنة إِحْدَى عشرَة وعزل بعد إِحْدَى وَثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ أُعِيد ثَالِثا فِي عَاشر الْمحرم سنة ثَلَاث عشرَة وعزل فِي ربيع الآخر سنة خمس عشرَة ثمَّ أُعِيد رَابِعا فِي رَجَب من هَذِه السّنة وعزل فِي صفر سنة سبع عشرَة وَاتفقَ لَهُ فِي إِحْدَى هَاتين الْأَخِيرَتَيْنِ أَن وَالِدَة السُّلْطَان كَانَت رجت من ابْنهَا تَوْجِيه الْفتيا للْمولى مُحَمَّد بن سعد الدّين فَأخذ الْقَلَم وَكتب التَّوْجِيه وَدفعه إِلَيْهَا فرأته كتب مَكَان الِاسْم صنع الله فراجعته ثَلَاث مَرَّات وَفِي الْجَمِيع يجْرِي الْقَلَم بصنع الله وَهُوَ يعْتَذر عَن ذَلِك بِأَنَّهُ عَن غير قصد فَفِي الثَّالِثَة قَالَت لَهُ اعْتمد على مَا كتبت وَليكن الموجه إِلَيْهِ صنع الله فَأرْسل الْخط الشريف إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة وصيره مفتياً وَهَذِه الاتفاقية غَرِيبَة جدّاً وَحكى أَنه مرّة وجهت الْفَتْوَى إِلَى رجل أَبَاهُ الْقَوْم فأشاروا إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة بِأَن يطْلبهَا لنَفسِهِ فَقَالَ كَيفَ يكون ذَلِك فَقَالُوا تبْعَث إِلَى السُّلْطَان تطلب مِنْهُ ذَلِك فَقَالَ لَا حَاجَة بِنَا إِلَى أَن نرسل أحدا ونطلب ذَلِك بالواسطة ونطلب وَنحن مستقرون فِي مَكَاننَا فَلم تمض هنيئة إِلَّا وسلحدار السُّلْطَان جَاءَهُ بالتقليد وَلما عزل فِي الْمرة الْأَخِيرَة أَرَادَ الْحَج فورد الشَّام يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهل شهر رَمَضَان سنة تسع عشرَة وَكَانَ منزوياً قل أَن يجْتَمع بِأحد وَكَانَ إِمَام الْمَقْصُورَة الشَّافِعِي يُصَلِّي الْعشَاء فِي أول الْوَقْت وَيُصلي بعده الإِمَام الْحَنَفِيّ فَقَالَ يُصَلِّي الْحَنَفِيّ أَولا لِأَنَّهُ على مَذْهَب السُّلْطَان وروجع فِي ذَلِك فَلم يفعل فصلى إِمَام الْحَنَفِيَّة أَولا ثمَّ إِمَام الشَّافِعِيَّة فِي لَيْلَة الْجُمُعَة لَيْلَة عيد الْفطر وَكَانَ قدم مَعَه صهره زوج ابْنَته قَاضِي الْقُضَاة بِالشَّام نوح بن أَحْمد الْأنْصَارِيّ فأبرم ذَلِك وَبَقِي الْأَمر على ذَلِك مُدَّة ثمَّ بَطل الشَّافِعِي الْمُرَتّب من صَلَاة الْعشَاء وَبَقِي الْحَنَفِيّ وَحده وَأهل جيلنا لم يدركوا إِلَّا الْحَنَفِيّ وَحده وَكَانَ أَحْمد بن شاهين مدح صَاحب التَّرْجَمَة بقصيدة تقدم طرف من خَبَرهَا فِي تَرْجَمَة البوريني وَذكرنَا مطْلعهَا وَهُوَ (حيّ الْمنَازل بالنقافز رَود ... فالرقمتين فعهدنا الْمَعْهُود) فَعَن لي أَن أثبت مِنْهَا هُنَا بعض أبياتها لحسنها وَبعد المطلع (وَأنزل فَإِن ثرى معافرة الْهوى ... ليجل عَن وَطْء المهاري الْقود) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 (واحبس مطيك دون منعرج اللوى ... سطراً صَحِيفَته بَيَاض البيد) (وأفض فديتك فِي الحَدِيث كَأَنَّهُ ... نظم الْعُقُود فَأَنت جيد عقيد) (واستفت غادية الصِّبَا هَل صافحت ... حوذان أفنية المهاة الرود) (وتحرشت بالأقحوان يَنُوب عَن ... برد بفيها كالخباب برود) (وتلطفت حَتَّى انبرت بخبائها ... وَهنا تسر لبانة المعمود) (وسرت بلَيْل بَين أتراب لَهَا ... كَالْعَيْنِ من سرب الظباء الغيد) (فتناوشت طرزاً وبثت عنبراً ... وتلاعبت بذوائب وقدود) (من كل سَاحِرَة الْعُيُون لحاظها ... يسبين كل متيم مجهود) (أسفرن بَين ذوائب أسبلنها ... كالزهر تشرق فِي اللَّيَالِي السود) (لم أُنْسُهَا من بَينهُنَّ وَقد أَتَت ... سدراء فِي حلى لَهَا وبرود) (تختال من شرخ الشبيبة وَالصبَا ... زهواً كخود البانة الأملود) (ونضت كَمَا شَاءَت وَشاء لي الْهوى ... عَن رَوْضَة من نرجس وورود) (فَنَهَضت مسلوب الحشاشة مقسمًا ... إِلَّا وطِئت محاجري وخدودي) (بتنا وأثلثنا العفاف وبيننا ... عتب كمبسمها ونظم عقودي) (سامرتها وَاللَّيْل شَاب عذاره ... كبياض خطّ شيب بالتسويد) (تَشْكُو صبابتها وأشكو صبوتي ... شكوى العميد من الْهوى لعميد) (حَتَّى بدا فلق الصَّباح كَأَنَّهُ ... من وَجه صنع الله بَحر الْجُود) (مفتي الْأَنَام وَسيد الْعلمَاء من ... أَلْقَت إِلَيْهِ أزمة التَّقْلِيد) (الْمُفْرد الْعلم الَّذِي أَوْصَافه ... جلت عَن التَّعْرِيف والتحديد) (باهت دمشق الرّوم مُنْذُ تشرفت ... بورود هَذَا الطالع المسعود) (كل الموَالِي ثمَّ كالأيام إِذْ ... أضحى هُنَا مِنْهَا كَيَوْم الْعِيد) (مولى الموَالِي دَعْوَة من خَادِم ... دَاع لعز علاك بالتخليد) (أجريت فِي مسراك بحراً زاخراً ... غصت بفائضه عراص البيد) (وحملت نوحًا فِي سفينة شَرعه ... حَتَّى اسْتَوَت بِدِمَشْق فَوق الجودي) (فجلا ظلام الظُّلم عَنْهَا واكتست ... أنوار صبح الْعدْل والتوحيد) من جُمْلَتهَا (مَاذَا أَقُول وَأَنت صنع الله من ... قد خص فِي الآراء بالتسديد) (إِن الَّذِي يَرْجُو لفضلك غَايَة ... ليروم شَيْئا لَيْسَ بالموجود) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 (وَلَئِن مدحتك بِالَّذِي هُوَ مُمكن ... من طَاقَة الْمَخْلُوق يَا ذَا الْجُود) (فَلَقَد رسفت بفكرة قد أوشكت ... تثنى عَلَيْك لشاعر مَعْدُود) (وإليكها عذراء مل يَد المنى ... تصف البراعة وَهِي بكر قصيد) مِنْهَا (فِي كل بَيت من بديع بَيَانهَا ... غرر لديك على الحسود شُهُود) (إِن يصدح الْبَازِي على عذباتها ... فخراً فَبِي لَا عَن أبي وجدودي) (هِيَ جنَّة المأوى بمدحك سَيِّدي ... تزدان لَا بشقائقٍ وورود) (لَا زلت قطب مدَار أفلاك العلى ... فِي أنعم ومسرة وسعود) (مَا حبرت وشياً يراعة بارعٍ ... وجنى ثمار الْمَدْح فكر مجيد) ثمَّ حج وَرجع من طَرِيق الشَّام أَيْضا إِلَى الرّوم وَأقَام بهَا وَلم يل منصباً إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة إِحْدَى وَعشْرين وَألف بعلة البرسام رَحمَه الله تَعَالَى صنع الله بن محب الله بن مُحَمَّد محب الدّين بن أبي بكر تَقِيّ الدّين بن دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْخَالِق بن عبد الرَّحْمَن المحبي الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ عمي شَقِيق وَالِدي وَكَانَ لي مَكَان وَالِدي فَإِن أبي سَافر إِلَى بِلَاد الرّوم وعمري إِحْدَى عشرَة سنة فتقيد بِي ورباني وأقدمني على الطّلب وَجعل أهم أمره أَمْرِي وَكَانَ جزاه الله تَعَالَى عني خيرا برا بِي شفوقاً عَليّ مرِيدا لي كل خير عَاجل وآجل وَمَا عَاهَدت مِنْهُ لَحْظَة مَا إساءة أَو مقتاً بل كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى يألم لما آلم مِنْهُ وينشرح لما أنشرح لَهُ بل يغْضب لغضبي ويرضى لرضائي وعَلى كثير من مناهجه فِي التودد نهجت وعَلى آدابه وَحسن طويته درجت وَكَانَ بل الله ثراه بوابل الغفران لطيف الطَّبْع حمولاً فَاضلا كَامِلا طارحاً للتكلف حسن الْعشْرَة متودداً وَكَانَ أَبوهُ فيحياته يُحِبهُ كثيرا فربى عَزِيزًا مكرماً وَلما مَاتَ أَبوهُ كَانَ عمره عشر سِنِين فرباه أبي وتقيد بِهِ وَكَانَ لَهُ إِلَيْهِ محبَّة لم أرها من أحد وَلم أسمع بِمِثْلِهَا وَكَانَ هُوَ كَذَلِك وَكَثِيرًا مَا كنت أسمعهُ يَقُول أَرْجُو الله تَعَالَى أَن لَا يريني يَوْم موت أخي وأكون أَنا السَّابِق عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ حَتَّى قدر الله أَنه مَا رأى يَوْم مَوته لَكِن لَا لمَوْته قبله بل لِأَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا فِي بِلَاد الرّوم وَقد اشْتغل بِالْعلمِ كثيرا فِي مباديه فَقَرَأَ على الشَّيْخ أَحْمد القلعي وعَلى شَيخنَا النَّجْم الفرضي وعَلى غَيرهمَا وناب فِي الْقَضَاء بمحاكم دمشق كالكبرى وَالْقِسْمَة والميدان والعونية وَصَارَ نَائِبا بالقدس فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف ثمَّ إِنَّه سَافر إِلَى الرّوم وَصَارَ قَاضِيا بحمص وَرجع إِلَى الشَّام وَكَانَ بِالشَّام إِذْ ذَاك شيخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الْإِسْلَام مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم البرسوي وَقد رَجَعَ من الْحَج فَجَاءَهُ قَضَاء الْقُدس فَتوجه مَعَه وخدمه فِي نِيَابَة غَزَّة ثمَّ قدم فِي خدمته إِلَى الشَّام بعد أَن عزل وَكَانَ أَمر بالتوجه إِلَى وَطنه بروسه فصحبه إِلَى الرّوم وسافرت أَنا مَعَهم ودخلنا بروسة فِي خدمَة الْمولى الْمَذْكُور ثمَّ فارقناه وتوجهنا بحراً إِلَى نَاحيَة أدرنة والدولة إِذْ ذَاك بهَا فوصلناها وأقمنا بهَا مُدَّة ثمَّ لما توجه السُّلْطَان مُحَمَّد إِلَى قسطنطينية جِئْت أَنا وإياه إِلَيْهَا فولي بهَا قَضَاء معرة المصريين وَتوجه إِلَيْهَا وضبطها وَرجع إِلَى الرّوم وَأَنا مُقيم بهَا ثمَّ أعْطى قَضَاء معرة المصريين ثَانِيًا وسافر إِلَيْهَا فصحبته فِي الطَّرِيق إِلَى أَن وصلنا إِلَى أنطاكية ثمَّ افترقنا وَلم يقدر الله تَعَالَى بعد ذَلِك اجتماعاً فَإِنِّي قدمت إِلَى دمشق وألقيت بهَا عَصا الترحال وَوصل هُوَ إِلَى قَضَائِهِ وَضبط المنصب وعزل عَنهُ ثمَّ سَافر إِلَى الرّوم وَولي قَضَاء سرمين وَوصل إِلَيْهَا فَتوفي بهَا وَهُوَ قَاض وَكَانَت وَفَاته فِي ثامن شهر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وَألف عَن سِتِّينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى (حرف الضَّاد الْمُعْجَمَة خَالِي) (حرف الطَّاء الْمُهْملَة المشالة) طعيمة الصعيدي الْمصْرِيّ الصُّوفِي الْكَبِير كَانَ مؤدب الْأَطْفَال بأشمون الصَّعِيد نظر فِي الْعُلُوم وَتكلم فِي الْكَلَام واشتغل بِمذهب الشَّافِعِي على جهابذة الْعلمَاء وَطَاف الْبِلَاد وَغلب عَلَيْهِ الْحَال وَعَكَفَ على التصوف وَلَقي من الْقَوْم رجَالًا وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الْأَعْيَان ونوه بِذكرِهِ بعض عُلَمَاء وقته وَصَارَ كالشيخ مُحَمَّد بن الترجمان الْآتِي ذكره فِي طَائِفَة من معتقديه ومتبعيه وَمن كراماته مَا ذكره بَعضهم أَنه كَانَ يتهجد بِالْقُرْآنِ وَيمْكث اللَّيَالِي وَالْأَيَّام يَأْكُل وَيشْرب وَلَا يحْتَاج للتوجه للبراز وَلم يزل على هَذَا الْحَال إِلَى أَن توجه لزيارة الْقُدس فَقتله بعض أَرْبَاب الْحَال وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمس بعد الْألف قلت كثيرا مَا يذكر المؤرخون أَن فلَانا قتل بِالْحَال وَشبهه وَفِي سُؤال مَشْهُور فِي كتب الشَّافِعِيَّة أَنه هَل يجوز الْقَتْل بِالْحَال وَهل فِيهِ قصاص أم لَا فِي التُّحْفَة لِابْنِ حجر تَفْصِيله وَأما عُلَمَاؤُنَا الْحَنَفِيَّة فَلم أر لَهُم فِيهِ شَيْئا وَالله أعلم طه بن صَالح بن يحيى بن قَاضِي الْقُضَاة وَشَيخ الْإِسْلَام نجم الدّين أبي البركات مُحَمَّد المكنى بِأبي الرِّضَا الديري الْمَقْدِسِي الْحَنَفِيّ أَخذ الْعلم عَن مَشَايِخ عدَّة أَجلهم الشَّيْخ رَضِي الدّين اللطفي مُفَسّر الْقُرْآن وَكَانَ معيداً لدرسه التَّفْسِير بِالْبَابِ القبلي فِي الصَّخْرَة وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي علم الْأُصُول والنحو وَالتَّفْسِير وَولي نِيَابَة الحكم وَكِتَابَة الصكوك بالقدس من سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَحج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وَولي نِيَابَة الحكم بِمَكَّة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأخذ الحَدِيث بِمَكَّة عَن مُحَمَّد بن عَلان الْبكْرِيّ الصديقي الشَّافِعِي وَكتب لَهُ إجَازَة مؤرخة بأواخر شهر رَمَضَان سنة أَربع وَأَرْبَعين ثمَّ عَاد إِلَى الْقُدس وانعكف بِمحل سكنه الْمدرسَة الفارسية بِطرف الْمَسْجِد الْأَقْصَى من الْجِهَة الشمالية يُفِيد السَّائِلين وَيقْرَأ الدُّرُوس بِالْمَدْرَسَةِ الفارسية كالهداية وَغَيرهَا من كتب الْفِقْه وأقرأ آخر أمره البُخَارِيّ فِي كل يَوْم بالصخرة الشَّرِيفَة بعد صَلَاة الْعَصْر نَحوا من سبع سِنِين وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بعد صَلَاة الْعشَاء حادي عشر شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَدفن بتربة مأمن الله مُقَابلا لقبر الإِمَام الْكَمَال بن أبي شرِيف وَكَانَ لَهُ مشْهد حافل رَحمَه الله تَعَالَى (حرف الظَّاء الْمُعْجَمَة) طَاهِر الشَّافِعِي مفتي عانة والخرث من أَرض الْعرَاق كَانَ فَقِيها مشاركا فِي عدَّة فنون ورد دمشق وَحج مِنْهَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاده فَتوفي بهَا وَكَانَت وَفَاته فِي بضع عشرَة بعد الْألف ظهير الدّين الْحلَبِي القَاضِي الأديب الشَّاعِر الْفَائِق قَالَ البديعي فِي وَصفه أديب فَضله ظهير وفاضل مورد أدبه نمير تردد مرَارًا إِلَى الرّوم ونثل كَائِن المنثور والمنظوم وَاجْتمعَ بِهِ الشهَاب الخفاجي وَهُوَ بالروم وَذكر أَنه أنْشدهُ قَوْله من قصيدة نبوية (نسيم الصِّبَا من لعلع ونواحيه ... سرت فأزالت صَبرنَا من صياصيه) (وَمن بارق شام المتيم بارقا ... بدا فتداعى شوقه من أقاصيه) (وَمن ذكر أَيَّام العذيب تكدرت ... مشارب صب قل عَنهُ مناجيه) (إِذا قفل الْحجَّاج زَاد ولوعه ... وَأرْسل دمعا قانيا من مآقيه) (وَبِي من غَدا يختال فِيهَا بعجبه ... وطلعته سَكرَان من خمرة التيه) (وَفِي الْقرب أخشاه وَفِي الْبعد قاتلي ... فوا حَربًا من بعده وتدانيه) (يفوق من جفنيه للحرب أسهما ... بأوهنها يَرْمِي الكمى فيصميه) (بذلت لَهُ روحي فَأَعْرض معجبا ... وَقَالَ أملكي عَاد ملكك تهديه) (وبالشعب من وَادي النقا خير جيرة ... غَدَتْ بغيتي وَالله من غير تمويه) (إِذا ذكرُوا يرتاح قلبِي كَأَنَّمَا ... أَتَت نَحوه تنقاد قسرا أمانيه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وَأنْشد لَهُ التقى الفارسكوري فِي كِتَابه المدائح قصيدة مدح بهَا شيخ الْإِسْلَام يحيى ابْن زَكَرِيَّا ومطلعها (أيا عَالما فَضله كَامِل ... وإحسانه للورى شَامِل) (وَمن هُوَ للْعلم فِي ذرْوَة ... يقصر عَن نيلها الْفَاضِل) (أُعِيذك من أَن يرى فَاضل ... بدولتكم ذكره خامل) وَكَانَ قَاضِيا من قُضَاة القصبات بِبِلَاد أناطولي وَولي مناصب عديدة ونسبته ومولده ووفاته لم أطلع عَلَيْهَا مَعَ السُّؤَال إِلَّا أَن هَذِه القصيدة الْأَخِيرَة تدل على أَنه كَانَ مَوْجُودا فِي سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف فَإِنَّهُ ترجى فِيهَا منصبا من ممدوحه الْمَذْكُور وَهُوَ قَاضِي أناطولي فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور (حرف الْعين الْمُهْملَة) عَامر بن شرف الدّين الْمَعْرُوف بالشبراوي الشَّافِعِي الْمصْرِيّ الإِمَام الْهمام الْعَالم الْكَبِير الرحلة كَانَ فِي عصره من الْمشَار إِلَيْهِم بِالْفَضْلِ التَّام وَله بَين عُلَمَاء الْأَزْهَر الْموقع الْعَظِيم لَا يزَال مُحْتَرما موقراً جليل الشَّأْن وَهُوَ من جِهَة وَالِده عريق فِي الْفضل وَمن جِهَة والدته أصيل فِي الْولَايَة فَإِن والدته فَاطِمَة بنت خَدِيجَة بنت الشَّيْخ القطب مُحَمَّد الشناوي أَتَت بِهِ وَهُوَ صَغِير إِلَى الْأُسْتَاذ الْكَبِير عبد الْوَهَّاب الشعراني وَقَالَت لَهُ ادْع لَهُ فَدَعَا لَهُ وَغسل لَهُ يَدَيْهِ بِنَفسِهِ نفع الله تَعَالَى بِهِ روى الْفِقْه عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ والنور الزيَادي وَسَالم الشبشيري وَأخذ الحَدِيث عَن أبي النجا سَالم السنهوري وَسمع عَلَيْهِ الْكتب السِّتَّة كملاً وَكَانَ يفتخر بذلك على أقرانه من مَشَايِخ مصر ولازم فِي عُلُوم الْعَرَبيَّة أَبَا بكر الشنواني فِي نَحْو عشْرين سنة وَهُوَ من أجل تلامذته وَأَجَازَهُ شُيُوخه وبرع فِي كثير من الْعُلُوم وَصَارَ أوحد وقته فِي الْفتيا والمرجع فِي القضايا المشكلة وَكَانَ مَشْهُورا بالصلاح واستجابة الدُّعَاء وَكَانَ كثير الْعِبَادَة ملازماً للسيرة النَّبَوِيَّة مواظباً على الدُّرُوس والإفتاء وَكَانَ غَايَة فِي الْحِفْظ والاستحضار والإتقان وروى عَنهُ أَنه قَالَ أحفظ أَرْبَعَة عشر ألفية فِي فنون الْعُلُوم وكف بَصَره آخر عمره وَاسْتمرّ على بَث الْعلم ونشره وَاجْتمعَ بِهِ وَالِدي فِي رحلته إِلَى مصر وترجمه بالشيخ الْكَامِل والعالم الْفَاضِل حائز للعلوم والعرفان وفائز بالقدح الْمُعَلَّى من التَّحْقِيق والإتقان علم الْعلم وَالْهَدْي ومنار الْفضل والتقى بِيَدِهِ عنان الفواضل فيمنح بهَا كل مُحْتَاج وَمَالك أزمة الْفَضَائِل فينشرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 على كل لائذ وراج زبدة الْعلمَاء الراسخين الأخيار وعمدة الجهابذة المتورعين الْأَبْرَار وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بتربة المجاورين هَكَذَا رَأَيْته بِخَط بعض الأفاضل ثمَّ رَأَيْت بِخَط صاحبنا الْفَاضِل إِبْرَاهِيم الجنيني أَن وَفَاته كَانَت فِي غرَّة الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ ثمَّ تحرر عِنْدِي من تَارِيخ الشلي ووفيات الْأَخ الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله أَنه توفّي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فاعتمدت عَلَيْهِ لكَون من تحرر عَنْهُمَا أمس النَّاس بأحوال وفيات عُلَمَاء مصر وَالله أعلم عَامر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الرشيد بن أَحْمد بن الْأَمِير الْحُسَيْن بن الْأَمِير عَليّ بن يحيى الْعَالم الْبر بن مُحَمَّد الْعَالم التقي بن يُوسُف الأشل بن الدَّاعِي الإِمَام يُوسُف الْأَكْبَر ابْن الإِمَام الْمَنْصُور يحيى ابْن الإِمَام النَّاصِر أَحْمد وَبَقِيَّة النّسَب مَذْكُورَة فِي تَرْجَمَة الإِمَام إِسْمَاعِيل المتَوَكل صَاحب الْيمن ذكره القَاضِي أَحْمد بن صَالح بن أبي الرِّجَال فِي تَارِيخه مطلع البدور وَمجمع البحور فَقَالَ السَّيِّد الشَّهِيد الْعَالم الفريد الْأَمِير الْكَبِير كَانَ فَاضلا رَئِيسا سرياً عالي الهمة عَارِفًا نَهَضَ مَعَ ابْن أَخِيه الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد فنازل الْمُلُوك وطارح الْكِبَار وفل الشَّوْكَة وَعلا صيته وَكَانَت لَهُ مشَاهد عَظِيمَة مَعَ الْأُمَرَاء أهل كوكبان وجنود الأروام وأفضى أمره إِلَى السَّعَادَة على نهج سلفه الْكِرَام غير أَنه زَاد بالمثلة فَإِنَّهُ سلخ جلده وذر عَلَيْهِ الْملح وَلم يزل كل يَوْم يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْء حَتَّى انْتهى وقبره بِخَمْر وَكَانَ مَا وصفناه من الْمثلَة بحمومة من أَعمال خمر وَيُقَال إِن رَأسه بِصَنْعَاء وَقد بنى عَلَيْهِ وَلَده عبد الله قبَّة وَله تَرْجَمَة وَضعهَا شَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن سعد الدّين وترجمه بعض أحفاده فَذكر شَيْئا من جميل حَاله وَقَالَ مولده سنة خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ على السِّيَادَة وَالطَّهَارَة وَطلب الْعلم وَقَرَأَ على القَاضِي الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بمحرفة هَكَذَا قَالَ عبد الرَّحْمَن وَلم يكن مر بسمعي فَائِدَة فَائِدَة أُخْرَى وَقَرَأَ كتب النَّحْو وَالْأَدب والكشاف على السَّيِّد الْفَاضِل عُثْمَان بن عَليّ ابْن الإِمَام شرف الدّين بشبام قبل دَعْوَة الإِمَام الْقَاسِم وَسكن بأَهْله هُنَاكَ يطْلب الْعلم وَلما دَعَا الإِمَام بِبِلَاد قاره كتب إِلَيْهِ فوصل إِلَى شوذة شظب وَتوجه بجُنُوده فَافْتتحَ من بلَاء الْأُمَرَاء آل شمس الدّين كثيرا وَكَانُوا أعضاد الْوَزير الْحسن والكتخدا سِنَان فَمَا زَالَ كَذَلِك من سنة سِتّ وَألف إِلَى سنة ثَمَان وَألف ثمَّ عَابَ فِيهِ جمَاعَة من أهل قاعة وَكَانَ قد تزوج امْرَأَة هُنَالك وتفرّق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 عَنهُ أَصْحَابه وَلم يبْق إِلَّا هُوَ وقصده جمَاعَة من الأتراك فأحاطوا بِهِ ثمَّ أسروه وأدخلوه شبام فطافوا بِهِ فِي كوكبان وشبام وأمير كوكبان يَوْمئِذٍ عَليّ بن شمس الدّين ثمَّ إِن عليا بن شمس الدّين أرسل بِهِ مَعَ جمَاعَة من التّرْك إِلَى حمومة من بني صويم إِلَى الكتخدا سِنَان فَأمر أَن يمثل بِهِ فسلخ جلده قَالَ الإِمَام الْقَاسِم وصبر فَلم يسمع لَهُ أَنِين وَلَا شكوى إِلَّا قِرَاءَة قل هُوَ الله أحد وَكَانَ سلخ جلده يَوْم الْأَحَد الْخَامِس عشر من رَجَب سنة ثَمَان بعد الْألف ثمَّ إِن سِنَان مَلأ جلده تبناً وَأرْسل بِهِ على جمل إِلَى صنعاء إِلَى الْوَزير حسن فشهر جلده على الدهابر على ميمنة بَاب الْيمن مِمَّا يَلِي الشرق وَسَائِر جسده دفن فحمومة ثمَّ نقل إِلَى خمر بِأَمْر الإِمَام الْقَاسِم وقبره مَشْهُور مزور لَهُ التعظيمات وَالنُّذُور ثمَّ احتال بعض النَّاس فِي الْجلد فأسقطه إِلَى تَحت الداير وَدَفنه على خُفْيَة وَعَلِيهِ ضريح وقبة على يسَار الْخَارِج من بَاب الْيمن وَقد ترْجم لَهُ الإِمَام الْقَاسِم تَرْجَمَة بِخَطِّهِ فِي نُسْخَة الْبَحْر الَّتِي للْإِمَام وَترْجم لَهُ السَّيِّد الْعَلامَة صدر الْعلمَاء أَحْمد بن مُحَمَّد الشرفي وَالْقَاضِي الْعَلامَة أَحْمد بن سعد الدّين ورثاه بقصيدة مِنْهَا (أزائر هَذَا الْقَبْر حييت زَائِرًا ... ونلت بِهِ سَهْما من الْأجر قامرا) (وأدّيت حق الْمُصْطَفى ووصيه ... فهنيت لما زرت فِي الله عَامِرًا) (سليل الْكِرَام الشم من آل أَحْمد ... وَمن كَانَ للدّين الحنيفي عَامِرًا) (وَعم الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد ... إِمَام الْهدى من قَامَ لله ناصرا) (وَمن شدّ أزراً مِنْهُ حِين دَعَا إِلَى ... رضى ربه أكْرم بذلك آزرا) (فقلده الْمَنْصُور سَيْفا مهنداً ... وَكَانَ لَهُ فِي وَجه أعداه شاهرا) (وَكَانَ لَهُ من موقف شهِدت لَهُ ... أعاديه أَن فاق الْأَوَائِل آخرا) عَامر بن مُحَمَّد الصباحي نِسْبَة إِلَى بيضًا صباح قَرْيَة مَشْهُورَة فِي مشارف الْيمن تغرب من قرن الْمَنْسُوب إِلَيْهَا أَو بس الْقَرنِي على نَحْو مرحلَتَيْنِ ذكره ابْن أبي الرِّجَال أَيْضا فِي تَارِيخه الْمَذْكُور فَقَالَ القَاضِي الْعَلامَة المذاكر شيخ الْأَئِمَّة ولسان الْفِقْه وإنسان عينه كَانَ وحيد وقته فريد عصره إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي تَحْقِيق الفروغ ينْقل عَنهُ النَّاس ويقررون عَنهُ قَوَاعِد الْمَذْهَب رَحل فِي مبادى أمره إِلَى ذمار وَلَقي شيوخها الْمُحَقِّقين وَحصل على قشف فِي الْعَيْش وَشدَّة فِي الْأَمر يرْوى عَنهُ أَنه كَانَ لَا يملك غير فرو من جُلُود الضَّأْن وَكَانَ إِذا احْتَلَمَ غسله للتطهير ثمَّ يلْبسهُ أَخْضَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 لِأَنَّهُ لَا يجد غَيره وَكَانَ مواظباً على الْعلم أَشد الْمُوَاظبَة أَيَّام هَذِه الشدَّة الْمَذْكُورَة وَكَانَ أَبوهُ من أهل الثروة وَالْمَال لكنه حبس وأوذي فِي الله تَعَالَى من قبل الأتراك لموالاته أهل الْبَيْت ثمَّ رَحل القَاضِي إِلَى صنعاء وَأقَام بهَا ودرس ورحل إِلَى شيخ الزيدية إِمَام الْفُرُوع وَالْأُصُول إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود الْحِمْيَرِي إِلَى الظهرين وَكَانَ إِذْ ذَاك بَقِيَّة الْعلمَاء وَله بالتذكرة خُصُوصا فرط الْفِقْه فَطلب القَاضِي عَامر أَن يقرئه فِيهَا فَأَجَابَهُ وَلم يستعد لتدريسه لظَنّه أَنه من عَامَّة الطّلبَة فَلَمَّا اجْتمعَا للْقِرَاءَة رأى فِي القَاضِي عَامر حضارة وحافظية وَمَعْرِفَة كَامِلَة فَقَالَ لَهُ يَا وَلَدي لست بصاحبك الْيَوْم فاترك الْقِرَاءَة فَتَركهَا ثمَّ استعد لَهَا فاستخرج ببحثه من جَوَاهِر علم القَاضِي نفائس وذخائر وعلق بِهِ ثمَّ إِنَّه عاوده بالرحلة إِلَيْهِ للزيارة فَأكْرمه الْفَقِيه صارم الدّين وَأمر النَّاس بإكرامه ورحل إِلَيْهِ من صنعاء لمسئلة وَاحِدَة أشكلت عَلَيْهِ غَابَتْ عني مَعَ معرفتي لَهَا لَوْلَا طول الْعَهْد رُوِيَ أَنَّهَا أشكلت عَلَيْهِ فَلم يبت إِلَّا فِي الطَّرِيق قَاصِدا إِلَى حجه ورحل القَاضِي إِلَى صعدة فَقَرَأَ الحَدِيث على شَيْخه الْوَجِيه عبد الْعَزِيز الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف ببهران وَلَقي الإِمَام الْحسن وَصَحبه وَمَا زَالَ حلفا للصالحات مواظباً على الْخيرَات وَلما دَعَا الإِمَام الْقَاسِم الْمَنْصُور بِاللَّه وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِصَنْعَاء فَخرج إِلَيْهِ وَصَحبه وَقَرَأَ عَلَيْهِ الإِمَام كتاب الشِّفَاء ثمَّ ولي الْقَضَاء بِولَايَة يعز نظيرها فَإِنَّهُ كَانَ من الْحلم والأناة وَالْوَفَاء بِمحل لَا يلْحق وَكَانَ وحيداً فِي الْعلم وصادقاً فِي كل عَزِيمَة قولية أَو فعلية فزاده الله تَعَالَى الْجَلالَة والمهابة فِي المصدور إِذا برز فِي الْجَامِع خضع النَّاس شاخصين إِلَيْهِ مَعَ كَمَال صورته وَطول قامته وَكَانَ لذَلِك الْجلَال الرحماني لَا يحْتَاج للأعوان بل يبرز للْقَضَاء وَإِذا أَرَادَ حبس أحد من أجلاء الرِّجَال وأعيان الدولة الْتفت إِلَى أقرب النَّاس إِلَيْهِ كَائِنا من كَانَ فَأمره بِالْمَسِيرِ بِهِ إِلَى الْحَبْس فَلَا يَسْتَطِيع أحد الِامْتِنَاع عَن أمره وَهُوَ الَّذِي قوى أعضاد الدولة المؤيدية وَكَانَ الصَّدْر يَوْمئِذٍ غير مدافع وَاسْتقر بِحَضْرَة الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُدَّة ثمَّ نَهَضَ إِلَى جِهَة خولان الْعَالِيَة فاستوطن وَادي عَاشر وابتنى بهَا دَارا عَظِيمَة من أحسن الْمنَازل تولى بناءها وَلَده الْعَلامَة الْأَمِير شرف الدّين الْحسن بن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَحْمد بن عَامر فهيأها للضيوف على قدر ههمته وَكَانَ مضيافاً كَرِيمًا وَلما اسْتَقر القَاضِي بعاشر انْتفع بِهِ الْعَامَّة والخاصة ورحل إِلَيْهِ الْفُضَلَاء للْقِرَاءَة كَالْقَاضِي الْمُحَقق مُحَمَّد بن نَاصِر بن دعيش وَكَانَ أحد رُوَاة أخباره قَالَ وَكَانَ لَا يتْرك الْأَشْرَاف على التَّذْكِرَة فِي الْفِقْه كل يَوْم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 يطالع فِيهَا وَمن رُوَاة أخباره تِلْمِيذه أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد فَإِنَّهُ الَّذِي تولى تهذيبه وَكَانَ مُولَعا بِهِ ويخصصه بمزايا حَتَّى إِنَّه كَانَ لَا يقبل فِي مجْلِس الْقِرَاءَة أُمُور يعتادها الطّلبَة إِلَّا من الامام فَكَانَ يقبلهَا مِنْهُ لِكَثْرَة محبته إِلَيْهِ وتنويره وَكَانَ يتَوَلَّى عظائم الْأُمُور ورحل إِلَى صنعاء لعقد عقده بَين الأروام وَالْإِمَام واستنهض الإِمَام لِحَرْب الأروام وَلما كثرت كتب خولان الْعَالِيَة والحدا وَمن قابلهم من قبائل الزيدية إِلَى القَاضِي عَامر يستنهضونه لاستنهاض الإِمَام لِلْخُرُوجِ على التّرْك وَكَانَ الإِمَام قد فعل لكنه احْتَاجَ إِلَى الكتم حَتَّى من القَاضِي على جلالته فَدخل يَوْمًا إِلَيْهِ وعنف الإِمَام فَأخْبرهُ بِأَن أخوته قد خَرجُوا مِنْهُم من جَاءَ من الْمغرب وَهُوَ الْحُسَيْن وَمِنْهُم من جَاءَ من الْمشرق وَهُوَ الْحسن وَمِنْهُم الْمُتَوَسّط بَينهمَا وَهُوَ أَحْمد قَامَ القَاضِي على وقاره وَكبر سنه فحجل كَمَا فعل جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أحد السّنَن المأثورة وَلم يكن بَين وَفَاته وَبَين وَفَاة وَلَده أَحْمد إِلَّا أَيَّام قَليلَة وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن ينْقل وَإِن كَانَ بترجمة وَلَده أَحْمد أليق لكنه اقْتضى الْحَال كِتَابَته هُنَا وَهُوَ أَن أَحْمد بن عَامر لما تمّ لَهُ الْحُضُور مَعَ أَبنَاء الإِمَام فِي حروب زبيد اسْتَأْذن الْحسن بن الْقَاسِم فِي زِيَارَة وَالِده فَقَالَ لَهُ ابْن الإِمَام قد عزمنا على الطُّلُوع جَمِيعًا فَتَأَخر لَهُ يويمات فَرَأى القَاضِي أَحْمد فِي الْمَنَام رجلَيْنِ يَقُول أَحدهمَا للْآخر اقبض روحه فَيَقُول الآخر لَا أَقبض روحه فَإِن لَهُ أَبَا شَيخا كَبِيرا قد سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يرِيه إِيَّاه فَلَا أَقبض روحه حَتَّى يصل إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَقر هَذَا فِي ذهنه دخل إِلَى الْحسن وألح عَلَيْهِ فِي الْفَسْخ وَلَعَلَّه أسره بذلك فَأذن لَهُ فطلع حَتَّى وصل إِلَى ذمار وَكَانَ هُنَالك صفي الدّين أَحْمد ابْن الإِمَام فَأكْرمه وعظمه وعول عَلَيْهِ فِي الْإِقَامَة عِنْده أَيَّامًا ليتصحح وَيَزُول عَنهُ وعثاء السّفر وَكثر عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَرَأى القَاضِي الرجلَيْن الْأَوَّلين يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه اقبض روحه فَإِنَّهُ أَبْطَأَ وتراخى وَلم يبْق لَهُ فِي الْأَجَل سَعَة فَأَجَابَهُ الآخر بِمَا أَجَابَهُ بِهِ أَولا فتيقظ القَاضِي لنَفسِهِ وعزم على الْمُبَادرَة فَلَمَّا وصل إِلَى هِجْرَة مشوكان وَهِي بِالْقربِ من وَادي عَاشر مسكن وَالِده فوصل إِلَيْهِ الْقَبَائِل والشيوخ فَإِنَّهُ كَانَ صدر آمن الصُّدُور فصدوه عَن زِيَارَة وَالِده فَرَأى الرجلَيْن فَقَالَ أَحدهمَا مَا قَالَ أَولا وَذكر أَن القَاضِي ترَاخى فَأَجَابَهُ الآخر أجَاب ثمَّ قَالَ يكون لَهُ مهلة حَتَّى يزور وَالِده وَيبقى خَمْسَة أَيَّام ثمَّ نقبض روحه فَتوجه القَاضِي مبادراً إِلَى حَضْرَة وَالِده فَتَلقاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَحصل بِهِ الْأنس ثمَّ أوصى وَصِيَّة عَظِيمَة وَهُوَ كَامِل الْحَواس وَلما كَانَ الْيَوْم الْخَامِس أشعر وَالِده وودعه ثمَّ قبض الله تَعَالَى روحه فَتَوَلّى وَالِده أَعماله وَدَفنه بَقِيَّة هُنَاكَ وَقَامَ كالخطيب فِي النَّاس ووعظهم وَذكرهمْ حَتَّى بَكَى الْحَاضِرُونَ وَكَانَ القَاضِي عَامر لَا يتْرك كل يَوْم وَلَيْلَة ثَلَاثَة أَجزَاء من الْقُرْآن على الإستمرار وَيَدْعُو بِدُعَاء الصَّحِيفَة وَيَقُول أَنا أستحي من الدُّعَاء بِهِ لما فِيهِ من التذلل وَذكر الْبكاء والنحول ولسنا كذالك بتصاغر كَمَا جرت عَادَة الْفُضَلَاء وروى عَنهُ أَنه كَانَ لَهُ راتب لَا سم من أَسمَاء الله تَعَالَى الْحسنى فَحَضَرَ عِنْده خَادِم الأسم فَقَالَ مَا تُرِيدُ مني فَقَالَ مَا أُرِيد مِنْك شَيْئا فَقَالَ هَذَا الْعدَد الَّذِي صرت ترتبه من هَذَا الإسم يَسْتَدْعِي حضوري فَإِن كنت لَا تُرِيدُ إِلَّا الذّكر فزد على هَذَا الْعدَد أَو انقص وَكَانَت وَفَاته فِي حادي عشر شهر رَمَضَان سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف وقبر فِي الْقبَّة الَّتِي قبر فِيهَا عبد الْقَادِر التهامي وقبر فِيهَا وَلَده أَحْمد بن عَامر من أَعمال عَاشر من جِهَة خولان الْعَالِيَة الشاه عَبَّاس بن سُلْطَان مُحَمَّد خدابنده ابْن طهماسب بن شاه اسمعيل بن سُلْطَان حيدر بن سُلْطَان شيخ جُنَيْد بن سُلْطَان شيخ صدر الدّين إِبْرَاهِيم بن سُلْطَان خواجه عَليّ بن شيخ صدر الدّين مُوسَى بن سُلْطَان شيخ صفي الدّين أبي إِسْحَق بن شيخ أَمِين الدّين جِبْرِيل بن السَّيِّد صَالح بن السَّيِّد قطب الدّين أَحْمد بن السَّيِّد صَلَاح الدّين رشيد بن السَّيِّد مُحَمَّد الْحَافِظ كَلَام الله بن السَّيِّد عوض الْخَواص بن السَّيِّد فَيْرُوز شاه درين كلاه بن مُحَمَّد شرف شاه بن مُحَمَّد بن أبي حسن بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد بن إِسْمَعِيل بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْعِرَاقِيّ بن مُحَمَّد قَاسم بن أبي الْقسم حَمْزَة بن الإِمَام مُوسَى الكاظم بن الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق بن الإِمَام مُحَمَّد الباقر ببن الإِمَام عَليّ زين العابدين بن الإِمَام الْحُسَيْن ابْن الإِمَام عَليّ بن أبي طَالب رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم هَذَا نسب سلاطين الْعَجم الَّذين مِنْهُم صَاحب التَّرْجَمَة وَأول من بَالغ فِي التَّشَيُّع وأظهره سُلْطَان حيدر وَكَانَ ذَلِك فِي سنة سِتّ وَتِسْعمِائَة وَقيل فِي تَارِيخه مَذْهَبنَا حق ويروي أَن بعض أهل السّنة سمع هَذَا التَّارِيخ فَقَالَ مَذْهَب نَا حق على النَّفْي فَإِن نَا فِي الْفَارِسِي أَدَاة نفي وَمن ذَلِك الْعَهْد هَاجر كثير من أهل السّنة الَّذين فِي بِلَادهمْ إِلَى كثير من الْبِلَاد وتغلبت سلاطين بِلَادنَا العثامنة على مُلُوكهمْ من عهد السُّلْطَان سليم الأول فَإِنَّهُ ركب على شاه إِسْمَعِيل وَأخذ مِنْهُ بِلَاد أوقهرة وَكَذَلِكَ فعل السُّلْطَان سليم الثَّانِي فَأَنَّهُ جهز عَلَيْهِم جَيْشًا فَأخذُوا مِنْهُم تبريز وشروان وكيلان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 وروان وَكَثِيرًا من القصبات والولايات واستمروا مغلوبين إِلَى أَن ظهر شاه عَبَّاس صَاحب التَّرْجَمَة فولى السلطنة بخراسان فِي سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة مَكَان وَالِده فِي حَيَاته وَكَانَ جُلُوسه بقزوين لكَون وَالِده كَانَ أعمى وَقد استولت فِي أَيَّامه أُمَرَاء قزلباش على الدولة واتخذوها حصصاً فسفك فيهم واستقل بِالْأَمر وَكَانَ فِي ابْتِدَاء أمره يدارى طرف آل عُثْمَان وَيُرْسل ابْن أَخِيه حيدر بالهدايا والتحف إِلَى أَن مَاتَ ملك الأوزبك أوزبك خَان وَولده عبد الْمُؤمن فِي سنة عشر بعد الْألف وَكَانَ مُلُوك الأوزبك أخذُوا من خُرَاسَان بلاداً فاستخلصها وَاحِدَة بعد وَاحِدَة ثمَّ قصد جِدَال عُثْمَان لما كَانَ وَقع من الاختلال بِسَبَب الجلالية الَّذين ظَهَرُوا فِي زمن السُّلْطَان أَحْمد وَنقض الْعَهْد الَّذِي بَينه وَبينهمْ وحاصر مملكة تبريز وروان وَاسْتولى عَلَيْهِمَا ثمَّ أَخذ قندهار من بِلَاد الْهِنْد وَاسْتولى على خوارزم وكيلان وسجستان ثَلَاثَة وَأَرْبَعين سنة وَكَانَ سُلْطَانا صَاحب جاش وَقُوَّة مكر غداراً محتالاً فاسترد بعض الْبِلَاد وتقوى فِي الْعَسْكَر وَالْعدة فَأخذ بَغْدَاد من يَد آل عُثْمَان وَقد قدمنَا سَبَب أَخذه لَهَا وَإنَّهُ كَانَ الْفَاعِل لذَلِك بكر كَبِير عسكرها وَإِن الشاه دَخلهَا بمخامرة مِنْهُ وَمن ابْنه مُحَمَّد وَفعل مَا فعل فِيهَا وَفِي أَهلهَا وَكَانَ أَخذه لَهَا فِي ثَالِث شهر ربيع الثَّانِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف واستمرت فِي يَده إِلَى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين فَأَخذهَا من يَده السُّلْطَان مُرَاد وَسَنذكر خبر أَخذهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان مُرَاد الْمَذْكُور وَمن ذَلِك الْعَهْد لزم شاه عَبَّاس حَدهمْ الْأَصْلِيّ الَّذِي كَانَ فِي زمن الشاه اسماعيل وَلم يتجاوزه لَا هُوَ وَلَا أبناؤه إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَطَالَ عمره فِي السلطنة وَبلغ من الْعِزَّة وَالْحُرْمَة نِهَايَة أمانيه وخدمه أجلاء الْعلمَاء فِي مناصبه مِنْهُم الشَّيْخ الاستاذ مُحَمَّد بهاء الدّين بن حُسَيْن الْحَارِثِيّ الْهَمدَانِي الشَّامي فَإِنَّهُ كَانَ مفتيه ومشيد أَرْكَان دولته وباسمه ألف كثيرا من كتبه ورسائله ونوه بِهِ وَقد رَأَيْت فِي بعض كتبه غَرِيبَة حَكَاهَا فِي سِيَاق ذكره قَالَ إِن سُلْطَان زَمَاننَا خلد الله ملكه وأجرى فِي بحار التَّأْبِيد فلكه عرض لَهُ يَوْمًا فِي مصيده خِنْزِير عَظِيم الجثة طَوِيل السن الْخَارِج فَضَربهُ بِالسَّيْفِ ضربه نصفه بهَا نِصْفَيْنِ ثمَّ أَمر بقلع سنه والاتيان بهَا إِلَيْهِ فَوجدَ مَكْتُوبًا عَلَيْهَا لفظ الْجَلالَة بِخَط بَين مُثبت ناتىء مِنْهَا فَحصل لَهُ وَلنَا وَلمن حضر المصيدة من الْعَسْكَر الْمَنْصُور نِهَايَة الْعجب فَإِن ذَلِك من أغرب الغرائب وَلما أرانيها أدام الله نَصره وتأييده قَالَ لي كَيفَ يجْتَمع هَذَا مَعَ نَجَاسَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 الْخِنْزِير فَقلت لَهُ إِن السَّيِّد المرتضى قَائِل بِطَهَارَة مَا لَا تحله الْحَيَاة من نجس الْعين وَوُجُود هَذَا الْخط على هَذَا السن رُبمَا يُؤَيّد كَلَامه طَابَ ثراه فَإِن السن مِمَّا لَا تحله الْحَيَاة انْتهى وَمن المقربين إِلَيْهِ من الحذاق الْحَكِيم شفائي وَكَانَ حكيمه وطبيبه ونديمه الْخَاص وَكَانَ شَاعِرًا مطبوعاً مليح التخيل وَكَانَ عِنْد الشاه فِي المكانة المكينة ثمَّ غضب عَلَيْهِ فحمى ميلًا حديداً وكحله بِهِ فأعماه وأبعده عَن مَجْلِسه وأحواله وأموره غَرِيبَة جدا وَمِمَّا يحْكى عَنهُ فِي بَاب اللطائف والنكات مِمَّا يستظرف وأبدعها مَا كَانَ يَقع لَهُ مَعَ الرَّسُول الْمُرْسل إِلَيْهِ من طرف سلطاننا السُّلْطَان مُرَاد الْمُسَمّى بإنجيلي جاويش وَكَانَ طلق اللِّسَان حَاضر الْجَواب نِهَايَة فِي اللطائف والأعاجيب وَكَانَ الشاه يبتدره بمخترع من الْفِعْل أَو القَوْل ويقصد بذلك الأزراء بِجَانِب سلطاننا فَيُجِيبهُ عَنهُ بِأَحْسَن جَوَاب يدْفع بِهِ ذَلِك الأزراء وَرُبمَا قلت عيانه فأزرى بِطرف الشاه وَكَانَ الشاه يعجب من تيقظه وينتقل مَعَه انتقالات عَجِيبَة خَارِجَة عَن هَذَا الأزراء وَمن جُمْلَتهَا أَنه جلس الشاه يَوْمًا على حرف جبل فِي الصَّحرَاء والجاويش الْمَذْكُور عِنْده فَقَالَ لَهُ الشاه أتحبني فَقَالَ لَهُ نعم فَقَالَ إِن كنت تحبني فارم بِنَفْسِك من هَذَا الْجَبَل إِلَى تَحت فَقَامَ وَمَشى مَسَافَة بعيدَة إِلَى ظهر الْجَبَل ثمَّ رَجَعَ وَهُوَ يرْكض حد الركض حَتَّى انْتهى إِلَى طرف الْجَبَل ثمَّ وقف فَقَالَ لَهُ الشاه مَالك فَقَالَ محبتي لَك انْتَهَت إِلَى هَذَا الْمحل وأراها لَا تتجاوز وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء أخر وللشاه عَبَّاس فِي سياسة الرّعية وَالرِّعَايَة لجانبهم والذب عَنْهُم وإكرام التُّجَّار الواردين إِلَى بِلَاده من أهل السّنة أَحْوَال مستفيضة شائعة وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يَجِيء من سلسلتهم مثله وَكَانَت وَفَاته فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف بدار ملكه مَدِينَة أصفهان وَدفن بأردبيل فِي تربة الشَّيْخ صفي الدّين وَكَانَ عمره ينيف عَن السّبْعين عبد الْأَحَد الشَّيْخ الْبركَة نزل قسطنطينية هُوَ رومي الأَصْل وَلَا أَدْرِي نسبته إِلَى أَي بَلْدَة وَكَانَ خلوتي الطَّرِيقَة وَهُوَ وَالشَّيْخ عبد الْمجِيد السيواسي رَفِيقًا عنان فِي الصّلاح والزهد والمعرفة والإتقان وَكَانَ عبد الْوَاحِد من أَفْرَاد الْعباد مُعْتَقدًا مُعظما مبجلاً وَكَانَ لَهُ مريدون وأذكار وَوعظ ونصيحة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من خِيَار الْخِيَار وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَألف بِمَدِينَة قسطنطينية عبد الْبَارِي بن مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن حسن بن عمر بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن أَحْمد بن عمر بن الشَّيْخ عَليّ الأهدل اليمني السَّيِّد الْجَلِيل الْوَلِيّ كَانَ من الكملاء الْمَشْهُورين جواداً مبذول النِّعْمَة وافر السخاء وَله فَضَائِل عديدة وأفعال حميدة وَصيته بِبِلَاد الْيمن شَائِع ذائع بِالْفَضْلِ وَالْكَرم وَكَانَت وَفَاته فِي حادي عشري ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف بقرية المراوعة وَدفن بهَا عِنْد أجداده بن الأهدل وَحصل عَلَيْهِ الأسف الْعَظِيم رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْبَاقِي بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن السمان الدِّمَشْقِي نزيل قسطنطينية صاحبنا الْفَاضِل الأديب الألمعي البارع كَانَ مفرط الذكاء قوي الحافظة وَله الِاطِّلَاع التَّام على أشعار الْعَرَب الخلص وأيامهم وأمثالهم وَكَانَ يحفظ مِنْهَا شَيْئا كثيرا وَقد عاينته مَرَّات وَهُوَ يسْرد من أشعارهم ألف بَيت أَو أَكثر من غير أَن يزِيغ عَن نهجه أَو يشرق بريقه وَكَانَت فكرته جَيِّدَة فِي النَّقْد والغوص على الْمعَانِي وَحسن التَّأْدِيب وَله تصانيف كَثِيرَة لم يكمل مِنْهَا إِلَّا شرح الْأَسْمَاء الْحسنى وَشرح شَوَاهِد الجامي ومختصر التَّهْذِيب فِي الْمنطق وَكَانَ شرع فِي كتاب سَمَّاهُ سرقات الشُّعَرَاء كتب مِنْهُ حِصَّة يسيرَة وَلَو تمّ لجاء كتابا عجيباً وَجمع سَبْعَة مجاميع بِخَطِّهِ تحتوي على كل تَحْقِيق وأدب وَشرع قريب مَوته فِي الْجَمِيع بَين الصَّحِيحَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم وَمَات وَلم يكمله وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ فِي التآليف وَاقِفًا تَحت قَول المتنبي (وَلَيْسَ بِأول ذِي همة ... دَعَتْهُ لما لَيْسَ بالنائل) وَكَانَ فِي أول أمره قَرَأَ النَّحْو وَالْفِقْه بِدِمَشْق على الْفَقِيه الْمَشْهُور أَحْمد القلعي ثمَّ فَارق دمشق وَهُوَ غض الحداثة مقتبل الشبيبة وَدخل الْقَاهِرَة فِي حُدُود سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف واشتغل بهَا على الشَّيْخ عبد الْبَاقِي بن غَانِم الْمَقْدِسِي الْآتِي ذكره وعَلى السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَمَوِيّ الْمصْرِيّ وَعَلِيهِ تخرج فِي الْأَدَب وبرع ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى الرّوم وتصرفت بِهِ أَحْوَال كَثِيرَة وأسفار عديدة وَلم يبْق بَلْدَة من أُمَّهَات بِلَاد الرّوم حَتَّى دَخلهَا وَوصل إِلَى جَزِيرَة كريد والوزير الْفَاضِل منازلها فمدحه بقصيدة ومطلعها (أخف النَّوَى مَا سهلته الرسائل ... وَأحلى الْهوى مَا كررته العواذل) يَقُول فِيهَا (يعيرني قومِي بقومي ومحتدي ... كَمَا عيب بالعضب الصَّقِيل الحمائل) (أجل حسدوني حَيْثُ فضلت دونهم ... وَكم حسدت فِي النَّاس قبلي الأفاضل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 (وَمَا الْفَخر بالأجسام وَالْمَال والعلى ... وَلَكِن بأنواع الْكَمَال التَّفَاضُل) (وَمن يَك أعمى الْقلب يلْزم بقوله ... كَمَا يحذر الْأَعْمَى الْعَصَا إِذْ يُقَاتل) (وَمَا يصنع الْإِنْسَان يَوْمًا بنوره ... إِذا عادلت فِيهِ النُّجُوم الجنادل) (وفيم نضيع الْعُمر فِي غير طائل ... إِذا مَا اسْتَوَى فِي النَّاس قس وباقل) (وأصعب مَا حاولت تثقيف أَعْوَج ... وأثقل شَيْء جَاهِل متعاقل) (إِذا جَاءَ نقاد الرِّجَال من الوغى ... تميز عَن أهل الْكَمَال الأراذل) (عنيت الْوَزير بن الْوَزير الَّذِي بِهِ ... تذل وتعنوا للشعوب الْقَبَائِل) ومدح أَخَاهُ الْفَاضِل مصطفى بقصيدة أُخْرَى مطْلعهَا (بِالنَّفسِ يسمح من أَرَادَ نفيسا ... وَالْحب أول مَا يكون رسيسا) وكلا القصيدتين قد ذكرتهما فِي تَرْجَمته فِي كتابي النفحة فَلَا نطيل هُنَا الْكَلَام بهما فَأَنا نذْكر لَهُ هُنَا غَيرهمَا وكل جَدِيد لَهُ لَذَّة وأجيز على هَاتين جَائِزَة سنية وَوصل من الجزيرة الْمَذْكُورَة إِلَى سلانيك ويكى شهر وَالسُّلْطَان مُحَمَّد ثمَّة فَكَانَ خَاتِمَة مطافه أَن بلغ خَبره السُّلْطَان فاتخذه نديماً وفاز مُدَّة بعطاياه الطائلة وَلم يطلّ أمره فِي المنادمة فَأعْطى مدرسة بقسطنطينية وَأبْعد عَن الدولة إِلَيْهَا فَألْقى رَحْله بهَا واتخذها دَار قراره وَمجمع أَسبَابه وأحبه كبراؤها ومالوا إِلَيْهِ خُصُوصا المرحوم الْأُسْتَاذ عزتي قَاضِي الْعَسْكَر فَإِنَّهُ أقبل عَلَيْهِ بكليته وَكَانَ يمده بعطاياه وافرة وَلما دخلت قسطنطينية فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف رَأَيْته وَهُوَ مدرس الفتحية برتبة مَوْصُولَة الصحن فاتحدت مَعهَا اتحاداً لم يتَّفق لي مَعَ أحد غَيره لما كنت أشاهد مِنْهُ من الْمحبَّة والصدق الَّذِي لَا مزِيد عَلَيْهِ وَأَنا مُنْذُ توفّي إِلَى الْآن أذكر صنائعه من الْمَعْرُوف معي فَلَا أعرف نهايتها وأقصر عَن أَدَاء حَقّهَا بيد أَنِّي أَرْجُو الله أَن يجْزِيه عَن حسن محبته لي أحسن جَزَاء وأعظمه وَاتفقَ لي مَعَه محاورات ومخاطبات كَثِيرَة فَمن ذَلِك أَنِّي أنشدته يَوْمًا قولي (ومقرطق ترف الْأَدِيم تخاله ... كالغصن قد لعب النسيم بقده) (ويكاد أَن شرب المدامة أَن يرى ... مَا مر مِنْهَا تَحت أَحْمَر خَدّه) فأنشدني مرتجلاً قَوْله (ومهفهف لَوْلَا جفون عيونه ... خلنا دم الوجنات من ألحاظه) (وتكاد تقْرَأ من صفاء خدوده ... مَا مر خلف الخد من أَلْفَاظه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وَسَأَلته عَن نُكْتَة تَخْصِيص الْمُؤمن فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله فَأجَاب مرتجلاً (الْجِسْم بَيت وقنديل الْفُؤَاد بِهِ ... والقبة الرَّأْس فِيهَا المقلة الْجَام) (فَإِن غَدا فِيهِ نور الْحق متقداً ... أَضَاء أَرْكَانه والجام نمام) (فالعارفون بِنور الله إِذْ نظرُوا ... صحت فراستهم وَالنَّاس أَقسَام) وَركبت مَعَه الْبَحْر يَوْمًا فِي زورق وتوجهنا إِلَى الْمَكَان الْمَعْرُوف ببشكطاش فَأَنْشَدته بالمناسبة قَول ابْن ملطية (وزورق أبصرته عائماً ... وَقد تمطى ظهر دأماء) (كَأَنَّهُ فِي شكله طَائِر ... مدّ جناحيه على المَاء) ثمَّ انجرت المصاحبة إِلَى تعداد أَنْوَاع السفن وأسمائها حَتَّى ذكر الْغُرَاب وَهُوَ الْمركب الطَّوِيل الَّذِي يسير بالمجاديف فَأَنْشد فِيهِ قَول ابْن الساعاتي (وَلَقَد ركبت الْبَحْر وَهُوَ كحلبة ... وَالْمَوْت تحسبه جياداً تركض) (كم من غراب للقطيعة أسود ... فِيهِ يطير بِهِ جنَاح أَبيض) ثمَّ ذكر لي أَن بعض النَّاس توهم أَن تَسْمِيَة هَذَا النَّوْع من السفن بالغراب مترجم عَن اسْمه بالتركية لِأَن اسْمهَا عِنْدهم تادرغة فظنها قارغة وَهُوَ بالتركية الْغُرَاب قَالَ وَأقَام المتوهم النكير على المترجم من كَونه وهم لتقارب الْأَلْفَاظ اتِّفَاقًا وَلم يدر أَن مَا قَالَه هُوَ الْوَهم بل وَجه الْمُنَاسبَة فِي التَّسْمِيَة أَنَّهَا شبهت بالغراب لسوادها وَشبه المجاديف بالأجنحة وَهُوَ حسن ثمَّ رَأَيْت هَذَا الْكَلَام لِلشِّهَابِ الخفاجي فِي كِتَابه طراز الْمجَالِس فَرَاجعه إِن شِئْت وَكتب إليّ هَذِه الأبيات مداعباً فِي أَيَّام برد الْعَجُوز (بفض بكر وَبشر الْعَجُوز ... يدْفع بعض النَّاس برد الْعَجُوز) (وَنحن قوم مَا لنا ثروة ... وَلَا نرى فِي الشَّرْع مَا لَا يجوز) (قهوتنا قهوة بن زكتْ ... تعيد أَيَّام الصِّبَا للعجوز) (وَعِنْدنَا كانون جمر لقد ... أعَاد فِي كانون قيظا تموز) (وصحبة طوع يدا للهولا ... تفرقهم أَن خلطوا بالعنوز) (فانهض إِلَيْنَا نغتنم صُحْبَة ... فالزمن الْجَانِي سريع النُّشُوز) (وَأعرف النَّاس بِهِ عَاقل ... بلذة قبل التقضي يفوز) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 (لَا يرتضي الْعَاقِل عَن فرْصَة ... من فرص الدَّهْر بملء الْكُنُوز) (لَو لم يجنّ الدَّهْر مَا علقت ... عَلَيْهِ فِي رَأس الْهلَال الحروز) (من غير مَأْمُور وَدم سالما ... لدفع خطب ولحل الرموز) فَحَضَرت إِلَيْهِ وَكَانَ بمجلسه أحد أَبنَاء الرّوم مِمَّن يَدعِي الْأَدَب فَأخذ فِي بحث أَيَّام الْعَجُوز وَلم سميت بِهَذَا الِاسْم حَتَّى تحرر لنا وَجه التَّسْمِيَة من كتاب لِابْنِ قَاضِي شُهْبَة سَمَّاهُ تطريف الْمجَالِس بِذكر الْفَوَائِد والنفائس وَمُلَخَّص مَا قَالَ فيهم أَنهم زَعَمُوا أَن عجوزاً دهرية كاهنة من الْعَرَب كَانَت تخبر قَومهَا بِبرد يَقع فِي آخر الشتَاء يسوء أَثَره على الْمَوَاشِي فَلم يكترثوا بقولِهَا وجزوا أغنامهم واثقين بإقبال الرّبيع فَإِذا هم بِبرد شَدِيد أهلك الزَّرْع والضرع فَقيل أَيَّام الْعَجُوز وَبرد الْعَجُوز وَقيل هِيَ عَجُوز كَانَ لَهَا سبع بَنِينَ وسألتهم أَن يزوجوها وألحت فَقَالُوا ابرزي للهواء سبع لَيَال حَتَّى نُزَوِّجك فَفعلت وَالزَّمَان شتاء فَمَاتَتْ فِي السَّابِعَة فنسبت إِلَيْهَا الْأَيَّام وَقيل هِيَ الْأَيَّام السَّبْعَة الَّتِي أهلكت فِيهَا عَاد وَلَكِن تِلْكَ ثَمَانِيَة بِنَصّ الْكتاب وَقيل أَيَّام الْعَجز وَهِي آخر الشتَاء وَالله أعلم وكتبت إِلَيْهِ بعد أَيَّام أَدْعُوهُ إِلَى متنزه فِي يَوْم النوروز وأشير إِلَى مَضْمُون أبياته (أنقذتنا مواسم النوروز ... من عَذَاب الشتا وَبرد الْعَجُوز) (ألبس الأَرْض من غلائله الْخضر ... فجرت ذيولها فِي الخزوز) (وَإِذا أشرقت ذكاء حَسبنَا الأَرْض ... أبدت مَا تحتهَا من كنوز) (فاتركاني من ضرب زيد لعَمْرو ... وَبَيَان الْمَقْصُور والمهموز) (وَقفا بِي على الرياض قَلِيلا ... لنرى قدرَة الْحَكِيم الْعَزِيز) (فَكَأَن الْحباب وَالْمَاء فِيهَا ... فضَّة تَحت لُؤْلُؤ مغروز) (أَيهَا الْفَاضِل الَّذِي يفصل الْبَحْث ... وَلَو طَال بالْكلَام الْوَجِيز) (لَو جهلناه مَا علمنَا يَقِينا ... محكمات التَّحْرِيم والتجويز) (أَو رَآهُ الزُّهْرِيّ وَابْن معِين ... أسْند الْعلم عَنهُ كالمستجيز) (جد بإنجاز مَا وعدت فَلَيْسَ المطل ... عِنْد الْكِرَام كالتنجيز) (فلدينا من يسحر اللب وَالْعقل ... إِذا مَا شدا من النيريز) (فاتر الطّرف لَو رَأَتْهُ زليخا ... نسيت ذكر يُوسُف والعزيز) (حسدت منزلي عَلَيْهِ بقاع الأَرْض ... من جلق إِلَى تبريز) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 (لَا تكلّف فكري بَيَانا فَلَا ... يُمكن وصف الْجمال بالأرجوز) (فتعجل فالوقت كالسيف والعاقل ... يدْرِي مَا تَحت ذيل الرموز) وَلما كنت بأدرنة ورد مِنْهُ كتاب لبَعض أخدانه وَأمره بتبليغ السَّلَام إليّ بِاللِّسَانِ وَاعْتذر عَن عدم إرْسَال كتاب مُسْتَقل إِلَيّ فَكتبت إِلَيْهِ قصيدة طَوِيلَة مِنْهَا (بنفسي من خدره الْمغرب ... هِلَال عَن الْقلب لَا يغرب) (وَمَا أَنا فِي حبه ثَابت ... تباخل بالكتب أَو يكْتب) (وَمن لَو وزنت بعشاقه ... رحجتهم والهوى مُتْعب) (وقيدني الْجُود فِي وده ... فَمَالِي عَن حبه مَذْهَب) (أَرْجَى لِقَاء رَجَاء الْحَيَاة ... والنجم من قربه أقرب) (وَيَا من تعجب من رقتي ... حَيَاة قَتِيل النَّوَى أعجب) (لقد ودعوني فَسَار السرُور ... وَمَا لذلي بعدهمْ مشرب) (وَلم أر من بعد أنوارهم ... نَهَارا وَلَو أقلع الغيهب) (وَمَا كنت أَحسب صبري يخون ... ويخدعني برقه الْحَلب) (وَلَو كنت أملك قلبِي صنعت ... كَمَا صَنَعُوا والهوى أغلب) وأنشدني يَوْمًا قصيدة غزلية نظمها لم يعلق مِنْهَا فِي خاطري إِلَّا بَيت المطلع وَهُوَ هَذَا (غُصْن رنحه سكر الدَّلال ... ينثني رَيَّان من مَاء الْجمال) واقترح عَليّ أَن أنظم على وَزنهَا ورويها قصيدة فنظمت هَذِه القصيدة وعرضتها عَلَيْهِ وَهِي قولي (شاقني غُصْن نقا تَحت هِلَال ... ينثني نشوان من خمر الدَّلال) (كل لحظ مِنْهُ نهاب النهى ... يسحر الْأَلْبَاب بِالسحرِ الْحَلَال) (ترتع الأحداق من طلعته ... فِي رياض بَين حسن وجمال) (خَدّه كالورد غشاه الحيا ... عرقا كالدر يزرى بالغوالي) (من عذيري من خَلِيل غادر ... الْجِسْم من سلوته رق الْخلال) (يعد الْوَصْل وبقضيني الجفا ... ويمنيني ويرضى بالمحال) (حمل الْقلب من الأعباء مَا ... لَو أقلت صدعت صم الْجبَال) (يَا بقومي قامة مِنْهُ وَيَا ... خجلة الأغصان مِنْهَا والعوالي) (ومحيا يفتك النساك حسنا ... ويستعبد ربات الحجال) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 (ولحاظ دونهَا فتك الظبا ... تنهب الْأَعْمَار من غَيره قتال) (وقسى تصدع اللب إِذا ... فوّقت انفذ من زرق النصال) (ولمى يفتر عَنهُ مبسم ... من عقيق فَوق درّ كاللآلى) (ترق الْجِسْم يكَاد القدّ ينقدّ ... أَن رنحه سكر الدَّلال) (وشجاني صادح فِي فنن ... كلما أشكوله الشوق شكالي) (يَا لَك الله كِلَانَا وَاحِد ... يشتكي بعد حبيب وطلال) (كلنا يبكي على غُصْن لَهُ ... نازح الأحباب منبت الحبال) (يَا خليليّ وسلطان الْهوى ... يَقْتَضِي حكم الموَالِي فِي الموَالِي) (لَا تلوماني على جهد البلا ... فالهوى ضرب من الدَّاء العضال) (يبْعَث الْعَاقِل للحسين القضا ... ويغص الْمَرْء بِالْمَاءِ الزلَال) (أَي خليّ الْقلب عني أنني ... لست بالمختار فِي هَذَا النكال) (لَو يكن فِي الْحبّ رأى لم تَجِد ... أَسد الغابة فِي أسر الغزال) (خل إرشادي وذق طعم الْهوى ... أنني قد بِعْت رشدي بالضلال) (لَا تلم من ذل فِي نيل المنى ... أَن عز الْحبّ فِي ذل السُّؤَال) (كم أداري مهجة ذَابَتْ أسى ... بَين أطماع ووعد ومطال) (تلفت روحي وَمَا من عجب ... تلف الْأَرْوَاح من دون الْوِصَال) (مَا الَّذِي ضرّ جميل الْوَجْه لَو ... كَانَ أفديه جميلاً فِي الفعال) (آثر الْجور على الْعدْل وَلم ... يدر أَن الْجور من شَرّ الْخِصَال) (يَا أحباي وَفِي آثَاركُم ... فرج الْقلب وَحل من عقال) (عللوا روحي بأرواح الصِّبَا ... وابعثوا أخباركم لي فِي الشمَال) (واسعفوا المضني بتنجيز المنى ... أَن تتجيز المنى خير النوال) (وَإِذا لم تنعموا لي باللقا ... فاحسنوا إِلَى إِذْ أذنتم بالخيال) (لَيْت شعري والهوى كم فِيهِ من ... عجب والصب مُغْرِي بالجدال) (أقصير اللَّيْل يدْرِي حالتي ... فِي ليَالِي هجره السود الطوَال) (يشتكي من قصر اللَّيْل إِذا ... مَا اشْتَكَى الخالون من طول الليال) وَأهْدى أَلِي مرّة شاشا فَكتبت إِلَيْهِ (روحي فدَاء لَا غرّ سما ... بسودد كالشامخ الراسي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 (ذُو خلق يَحْكِي شذا رَوْضَة ... قد أحدقت بالورد والآسى) (فالربيع الطلق وشى الربى ... بردا وَمَا السلسل فِي الكماس) (ألطف من نسمَة أخلاقه ... عرفتها من طيب أنفاس) (نزلت فِي دوحته معدما ... فَلم يدع برئي وإيناسي) (يَا سيدا أنطقني فَضله ... بشكره من بعد إخراسي) (أَرَاك رَأس النَّاس لامرية ... لذاك تهدى حلَّة الراس) وجمعني وإياه مجْلِس لأحد الْكِبَار فلعب بالشطرنج وَكَانَ إِذا لعب ظهر مِنْهُ بعض الطيش وَالدَّعْوَى وَكَانَ بِالْمَجْلِسِ بعض الْعلمَاء فأبدى التَّعَجُّب من أطواره فَأَنْشد بديهاً (لَئِن أمسيت أدنى الْقَوْم سنا ... فعد فضائلي لَا يُسْتَطَاع) (كشطرنج ترى الْأَلْبَاب فِيهِ ... حيارى وَهُوَ رقعته ذِرَاع) قلت وَكَانَ مُفردا فِي لعب الشطرنج وَله فِيهِ محنة زَائِدَة وتفرغ أَيَّامًا لحساب حَبَّة الْقَمْح الَّتِي اقترحها وَاضع الشطرنج وَهُوَ صصه بن داهر الْهِنْدِيّ على الْملك الَّذِي وَضعه باسمه وَهُوَ شهرام وَأَرَادَ أَن يسْتَخْرج الْعدَد وصنع جد وَلَا عَظِيما وَأَظنهُ استخرجه وَأَنا قد رَأَيْت بعض الْحساب اعتنى بذلك وَضَبطه ضبطاً قَوِيا وَجعله فِي مصراع من بَيت وَهُوَ قَوْله (إِن رمت تَضْعِيف شطرنج فجملته ... هَا واه طعجز مدز ودوحا) وَجُمْلَة ذَلِك ثَمَانِيَة عشر ألف ألف ألف ألف ألف ألف سِتّ مَرَّات وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة وَأَرْبَعُونَ ألف ألف ألف ألف ألف خمس مَرَّات وَسَبْعمائة وَأَرْبَعُونَ ألف ألف ألف ألف أَربع مَرَّات وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ ألف ألف ألف ثَلَاث مَرَّات وَسَبْعمائة وَتِسْعَة آلَاف ألف ألف مرَّتَيْنِ وَخَمْسمِائة وَاحِد وَخَمْسُونَ ألف وسِتمِائَة وَخَمْسَة عشر وأقلع آخر عَن صبوته فَترك مَحْض أشعاره فِي الْغَزل وقص قوادمها وخوافيها بأشعار فِي الزّهْد وَالْحكم وأبلغ مَا أَنْشدني فِي ذَلِك المعرض هَذِه القصيدة الغراء عَارض بهَا معلقَة امرىء الْقَيْس وقصيدته تلِيق أَن تعلق تَمِيمَة فِي جيد الزَّمَان لما اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْأَمْثَال وَالْحكم والسلاسة وَقد أوردتها برمتها حرصاً على كَثْرَة فائدتها وتعرضت لبَعض إبضاحاتها وَهِي (توكل على الرَّحْمَن حق التَّوَكُّل ... فَلَيْسَ لما فِي علمه من مبدل) (لعمر مَا يدْرِي المنجم مَا غَدا ... يكون وَعلم الْحَال عِنْد المحول) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 (وَأَنا فَلَا تعجب لفي غَفلَة بِمَا ... يُرَاد بِنَا فِي عَاجل أَو مُؤَجل) (نسير وَلَا نَدْرِي كركب سفينة ... وَعمر الْفَتى كالفيء جم التنقل) (ويرشقنا قَوس الخطوب بأسهم ... على أسْهم كالطل يتبعهُ الْوَلِيّ) (وَنحن نَبَات والزما حصادنا ... أَلَيْسَ بوافي كل شهر بمنجل) تَشْبِيه الْهلَال بالمنجل مُسْتَعْمل فِي أشعار الْعَرَب كثيرا وَمن أحسن مَا مر لي فِيهِ قَول الشهَاب (رَأَيْت هِلَال الشَّهْر منجل حاصد ... لَا عمارنا وَهِي الهشيم المحطم) (وَمَا سلخت تِلْكَ الشُّهُور وَإِنَّمَا ... دياجي الْأَمَانِي الْجلد والشفق الدَّم) (وآمالنا تزداد فِي كل سَاعَة ... وَمن أضيع الْأَشْيَاء عمر المؤمل) (إِلَى الله نشكو مَا بِنَا من جَهَالَة ... وَمن تتعبده المطامع يجهل) (وَمن لم يكن فِي أمره ذَا بَصِيرَة ... يكن هدفاً للنائبات وَيقتل) (وهم الورى كل على قدر عقله ... وَمَا فَازَ باللذات غير الْمُغَفَّل) (وَلَا عجب أَن فاوت الْحَظ بَيْننَا ... فَمن رامح نجم السَّمَاء وأعزل) (ألم تَرَ أَن الطير يرتع شَرها ... وَيحبس فِي أقفاصه كل بلبل) (وَإِنِّي من الْقَوْم الْكِرَام أولى الوفا ... إِذا بخلت مزن السما لم تبخل) (وَإِن نَدع عِنْد الجدب نسمح بجهدنا ... وَإِن نَدع يَوْم الْبَأْس لم نتعلل) (ونرحل بعد النَّاس من كل منزل ... ونصدر قبل النَّاس من كل منهل) (ويمنعنا فرط الْحيَاء عَن الْخَنَا ... وَإِن كَانَ فينارقة المتغزل) (ووهابة الأحزان نهابة النهى ... منعمة الْأَطْرَاف عذب الْمقبل) (رقيقَة خصر لَا ترق لمغرم ... قسية قلب لَا تلين لمبتلى) (يرى وَجهه فِي وَجههَا من يضمها ... كمرآة هندي براحة صيقل) (تخادع أَرْبَاب النهى عَن عُقُولهمْ ... وتسحر لب الناسك المتبتل) (إِذا التفتت نَحْو الخلى بطرفها ... سرى حبها كَالْخمرِ فِي كل مفصل) (تحوم رماح الْخط حول خبائها ... كَمَا حاطت الْأَهْدَاب مقلة اكحل) (فكم فِي حماها من سليم مسهد ... وحول خباها من صريع مجندل) (صرفت الْهوى عَنْهُن لَا خشيَة الردى ... وَذُو الرَّأْي مهما يَأْمر الْقلب يفعل) (وَربع وقفت العيس فِيهِ فَلم أجد ... بأرجائه غير الْغُرَاب المكبل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 (عهِدت بِهِ الْبيض الدمى فَوَجَدته ... من الْأَهْل كالجيد الْأَغَر الْمُعَطل) (وَبَات سميري فِيهِ ضار غضنفر ... لَهُ منظر وعر وناب كمعول) (وعينان كلما وتين توقدا ... ظلاماً فَلم نحتج إِلَى ضوء مشتعل) (وسَاق شَدِيد الْبَطْش عبل مفتل ... كحبل الْجَوَارِي الْمُنْشَآت المجدل) (كَأَن عِظَام الْوَحْش حول عرينه ... بقايا بِنَاء ألقيت حول هيكل) (أَتَانِي فَلم يبصر فؤاداً مروّعاً ... فَقَامَ مقَام السَّائِل المتطفل) (فَقلت لَهُ عذرا أُسَامَة إِنَّنِي ... أرى جمل زادي قادحاً فِي التَّوَكُّل) (أقِم فَلَعَلَّ الله يرزقنا مَعًا ... فَإِن لنا رزقا على المتَوَكل) (فعنّ لَهُ سرب كأنّ نعاجه ... غوان تهادى فِي الحلى حول جدول) (فثار فَلَمَّا أبصرته تلاحقت ... كَمَا انْسَلَّ در من نظام مفصل) (فناديته صبرا وللضيف حُرْمَة ... فَلَا تتكلف هم قوت ومأكل) (وَقمت إِلَيْهَا طَالبا فَوق ضامر ... كَمَا انقض صقر أجدل فَوق أجدل) (وفوّقت سَهْما مصمياً نَحْو بَعْضهَا ... وَمن وعد الضَّيْف الْقرى فليعجل) (وقاسمته زادي وَبَات مقابلي ... كَمَا قَابل المقرور نَارا ليصطلي) (وأوسعني شكرا وَمَا كَانَ ناطقاً ... وَلَكِن لِسَان الْحَال أصدق مقول) (وسرت وسرا الصُّبْح فِي خاطر الدجى ... وَنجم السما يرنو بمقلة أَحول) (وَإِنِّي مُقيم للصديق على الوفا ... سريع إِذا سَاءَ الْجوَار ترحلي) (وَلَيْسَ ارتحالي عَن ملالٍ وَإِنَّمَا ... رَأَيْت مَكَان الذل أَسْوَأ منزل) (وَمن كَانَ ذَا صَبر على الْجور والجفا ... فَإِنِّي مجدّ فِي خلاف السمندل) (أَلا فِي سَبِيل الله ود صرفته ... لمن خَان ميثاقي وأشمت عذلي) (جَزَاء سنمار جزاني على الْهوى ... وَكَانَ يمنيني وَفَاء السموأل) سنمار رجل رومي بنى الخورنق الَّذِي بِظهْر الْكُوفَة للنعمان بن امرىء الْقَيْس فَلَمَّا فرغ مِنْهُ أَلْقَاهُ من أَعْلَاهُ فخرّ مَيتا وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لِئَلَّا يبْنى مثله لغيره فَضربت الْعَرَب بِهِ الْمثل لمن يجزى بِالْإِحْسَانِ الْإِسَاءَة قَالَ الشَّاعِر (جزتنا بَنو سعد بِحسن فعالنا ... جَزَاء سنمار وَمَا كَانَ ذَا ذَنْب) وَيُقَال هُوَ الَّذِي بنى أطماً لأحيحة بن الجلاح فَلَمَّا فرغ مِنْهُ قَالَ لَهُ أحيحة لقد أحكمته فَقَالَ إِنِّي لأعرف فِيهِ حجرا لَو نزع لتقوّض من آخِره فَسَأَلَهُ عَن الْحجر فَأرَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 مَوْضِعه فَدفعهُ أحيحة من الأطم فَخر مَيتا والسموأل بِفَتْح السِّين وَالْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَبعدهَا همزَة ثمَّ لَام ابْن حَيَّان بن عاديا الْيَهُودِيّ كَانَ من وفائه أَن امْرأ الْقَيْس لما أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى قَيْصر استودع السموأل دروعاً وأحيحة بن الجلاح أَيْضا دروعاً فَلَمَّا مَاتَ امْرُؤ الْقَيْس غزاه ملك من مُلُوك الشَّام فتحرز مِنْهُ السموأل فَأخذ الْملك ابْنا لَهُ وَكَانَ خَارِجا من الْحصن فصاح الْملك بالسموأل فَأَشْرَف فَقَالَ هَذَا ابْنك فِي يَدي وَقد علمت أَن امْرأ الْقَيْس ابْن عمي وَمن عشيرتي وَأَنا أَحَق بميراثه فَإِن دفعت إليّ الدروع وَإِلَّا ذبحت ابْنك فَقَالَ أجلني فَأَجله فَجمع أهل بَيته ونساءه فشاورهم فَكل أَشَارَ عَلَيْهِ أَن يدْفع الدروع ويستنقذ ابْنه فَلَمَّا أصبح أشرف عَلَيْهِ فَقَالَ لَيْسَ إِلَى دفع الدروع سَبِيل فَاصْنَعْ مَا أَنْت صانع فذبح الْملك ابْنه وَهُوَ مشرف ينظر إِلَيْهِ ثمَّ انْصَرف الْملك بالخيبة (فَمن مبلغ الإخوان عني رِسَالَة ... عليّ يُدِير القَوْل من خير مُرْسل) (مقَالَة من يجزى على الْفِعْل مثله ... وَلَا يظلم المجزيّ حَبَّة خَرْدَل) (مقَالَة من تخشى بوادره وَمن ... تساوى لَدَيْهِ طعم شهد وحنظل) (مقَالَة من لَا يختشي ذمّ جارح ... وَلَا يرتجي فِي النصح حمد المعوّل) (دعوا الْبَغي أَن الْبَغي يصرع أَهله ... ويوقع فِي دَاء من الْخطب معضل) (وَلَا تجحدوا حق المحق فَإِنَّهُ ... سيبدو ظُهُور النَّار من فَوق يذبل) (وَلَا تظهروا شَيْئا وَفِي النَّفس غيرَة ... بِوَجْه ضحوك فَوق قلب كمرجل) (وَهل يختفي عَن حافظين وَشَاهد ... رَقِيب عَلَيْكُم بالقلوب مُوكل) (وَمن كَانَ ذَا رَأْي سديد وفطنة ... رأى مَا نأى عَنهُ بِأَدْنَى تأصل) (أسرّة وَجه الْمَرْء عِنْد كَلَامه ... تفصل من أسراره كل مُجمل) (وأسرع شَيْء يضمحل وجوده ... تصنع كَذَّاب وصولة مُبْطل) (وَلَا تنقضوا الْمِيثَاق فَالله سَائل ... عَن الْعَهْد فِي يَوْم الْجَزَاء الْمُؤَجل) (وَلَا تحقروا كيد الضَّعِيف فَرُبمَا ... يساعده الدَّهْر الْكثير التحوّل) (وَكم خادمٍ أضحى لمَوْلَاهُ سيداً ... وأسدى إِلَيْهِ مِنْهُ المتفضل) (أحبتنا رفقا علينا ورقة ... فزينة لب الْمَرْء حسن الترسل) (تحملت مِنْكُم مَا يذوب بِهِ الصَّفَا ... وَقد يهْلك الْإِنْسَان فرط التَّحَمُّل) (أَفِي كل يَوْم أختشي سبق جَاهِل ... كجلمود صَخْر حطه السَّيْل من عل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 (إِذا قدموهم ثمَّ أَقبلت أخروا ... وَيبْطل نهر الله جدول معقل) نهر معقل بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ معقل بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ معقل بن يسَار الْمُزنِيّ الصَّحَابِيّ وينسب إِلَيْهِ التَّمْر المعقلي وَفِي الْمثل إِذا جَاءَ نهر الله بَطل نهر معقل وَالْمرَاد بنهر الله مَا يَقع عِنْد الْمَدّ فَإِنَّهُ يطم على الْأَنْهَار كلهَا (وَمن قاسني بالحاسدين فَضِيلَة ... كمن قَاس فِي السَّبق المجلى بفسكل) الفسكل هُوَ من خيل السباق الْعشْرَة وَهُوَ الَّذِي فِي آخر الحلبة آخر الْخَيل وَيُقَال لَهُ القاسور والسكيت أَيْضا هَذَا مَا عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي قَالَ ابْن الْحَنْبَلِيّ فِي تَارِيخه بعد كَلَام ذكره وَلم أجد للقاسور ذكرا فِيمَا أنْشدهُ الصَّفَدِي فِي تَارِيخه لِابْنِ مَالك النَّحْوِيّ جَامعا لأسماء خيل السباق الْعشْرَة فِي قَوْله (خيل السباق مجل يقتفيه مصل ... والمسلى وتال قبل مرتاح) (وعاطف وخطّي والمؤمل واللطيم ... والفسكل السّكيت يَا صَاح) وَكَأَنَّهُ تَركه لِأَنَّهُ والفسكل والسكيت وَاحِد كَمَا عَلَيْهِ الْجَوْهَرِي (سأرتكب الْخطب الْعَظِيم مخاطراً ... وأخلع عَن عطفي برد التجمل) (وأبذلها إِمَّا على النَّفس أَولهَا ... وَمن يطْلب الغايات للنَّفس يبْذل) (فَإِن عِشْت أدْركْت الْأَمَانِي وَإِن أمت ... فَتلك سَبِيل لست فِيهَا بأوّل) (وأنبئت أَن ابْن اللئيمة سبني ... وَلَيْسَ على عهد الدمى من معوّل) (وَقَالَ لمن أَحْوَاله وَهُوَ صَادِق ... أَلسنا صُدُور النَّاس فِي كل محفل) (ورثت العلى عَن كابرٍ بعد كَابر ... وسوّدت بالمجد الرفيع المؤثل) (نعم مَا بنوا من مجدهم قد هدمته ... وأصبحت فيهم وَاو عَمْرو المذيل) (لَئِن نلْت مَا أملته من حُكُومَة ... لتنشر فِيهَا شرع حَاكم جبل) جبل بِفَتْح الْجِيم وَضم الْبَاء الْمُشَدّدَة بلد بشاطىء دجلة وقاضي جبل يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْجَهْل فَيُقَال أَجْهَل من قَاضِي جبل يُقَال أَنه قضى لخصم جَاءَهُ وَحده ثمَّ نقض حكمه لما جَاءَ الْخصم الآخر وَفِيه يَقُول مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات (قضى لمخاصم يَوْمًا فَلَمَّا ... أَتَاهُ خَصمه نقض الْقَضَاء) (دنا مِنْك العدوّ وغبت عَنهُ ... فَقَالَ بِحكمِهِ مَا كَانَ شَاءَ) وَمن ظريف مَا يحْكى عَنهُ أَن الْمَأْمُون لما خرج إِلَى فَم الصُّلْح للابتناء ببوران إِذا جمَاعَة على الشط وَفِيهِمْ رجل يُنَادي بِأَعْلَى صَوته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نعم القَاضِي قَاضِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 جبل جزاه الله عَنَّا أفضل مَا جزى بِهِ أحدا من الْقُضَاة فَهُوَ الْعَفِيف النَّظِيف الناصح الحبيب الْمَأْمُون الْعَيْب وَكَانَ القَاضِي يحيى بن أَكْثَم يعرف قَاضِي جبل وَهُوَ الَّذِي ولاه وَأَشَارَ بِهِ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن هَذَا الَّذِي يُنَادي ويثني على القَاضِي هُوَ القَاضِي نَفسه فاستضحك الْمَأْمُون واستظرفه وَأقرهُ على الْقَضَاء وَقد كَانَ أهل جبل وَقَعُوا عَلَيْهِ وَذكروا أَنه سَفِيه حَدِيد يعَض رُؤُوس الْخُصُوم (سيندم قوم حاربوني وَإِنَّهُم ... ستطرقهم من جَانِبي أم قسطل) أم قسطل الداهية (وَإِن لساني مبضع أَي مبضع ... وَفِي كل عُضْو مِنْهُم عرق أكحل) (وَأقسم لَوْلَا خشيَة الله والحيا ... نسخت بِهِ ذكرى جرير وجرول) (بأسهم لفظ كالصواعق أرْسلت ... وأنصل معنى كالقضاء الْمنزل) (وقافية تزداد حسنا وَجدّة ... وَتبقى بَقَاء الْوَحْي فِي صم جندل) (قلائد مَا مرت بفكر مرقش ... وَلَا خطرت يَوْمًا ببال المهلهل) (فَكُن حذرا فالحزم ينفع أَهله ... وَإِن كنت مِمَّن يجهل الْأَمر فاسأل) وَقد أطلنا تَرْجَمته حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ الْحَال وَحَاصِله أَنه كَانَ فريد زَمَانه ووحيد أَوَانه وَمَا أَدْرِي بِأَيّ عبارَة أصف محاسنه وأذكر صنائعه وَكَانَ قبل مَوته بأيام نَهَضَ حَظه نهضة عَجِيبَة وَذَلِكَ لإقبال الْوَزير الْأَعْظَم مصطفى باشا الْمَقْتُول عَلَيْهِ وأدرّ عَلَيْهِ إدرارات كَثِيرَة وشفع لَهُ عِنْد الْمُفْتِي فولاه إِحْدَى الْمدَارِس الثمان ثمَّ بعد أشهر ولاه مدرسة زَالَ باشا الَّتِي بِأَيُّوب وَفَرح فَرحا شَدِيدا وَاتفقَ لي أَنِّي كنت عِنْده فَجَاءَهُ للتهنئة الْمولى رفقي الْمدرس بمدرسة إِبْرَاهِيم باشا بِمَدِينَة الغلطة فهناه ثمَّ ذكر لَهُ أَن هَذِه الْمدرسَة مَشْهُورَة بِالْيمن وَمن جملَة يمنها أَنه لم يَقع لأحد من مدرسيها أَنه مَاتَ وَهِي عَلَيْهَا فعجبت من هَذَا وَوَقع فِي وهمي أَن يكون مبدأ لمَوْت بعض مدرسيها وانفصل الْمجْلس ثمَّ فِي ثَانِي يَوْم رَأَيْت قرطاساً فِي وسط دواته فتأملت فِيهَا فرأيته قد شرع فِي عمل قصيدة وَكتب قوافيها وَلم يكْتب مِنْهَا إِلَّا المطلع وَهُوَ هَذَا (ألم تَرَ أَن الْهم قد زَالَ بزالا ... وَأحسن آمالنا وَلنَا ومآلا) فاستحكمت الطَّيرَة فِي وهمي من لَفْظَة زَالَ وفارقته عَشِيَّة النَّهَار وَهُوَ فِي لب الصِّحَّة فَفِي الصَّباح جَاءَنِي خَادِم لَهُ يدعوني إِلَيْهِ وَذكر لي الْخَادِم بِأَنَّهُ طعن بِاللَّيْلِ فأسرعت إِلَيْهِ فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ رَأَيْته قد انْعَقَد لِسَانه وأشرف على الْمَوْت وَبَقِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 إِلَى اللَّيْلَة الْقَابِلَة فَقضى نحبه وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وَكَانَ عمره أَرْبعا وَثَلَاثِينَ سنة فَإِن مولده على مَا أَخْبرنِي بِهِ فِي سنة خمس وَخمسين وَألف وَدفن خَارج بَاب أدرنة على يمنة الطَّرِيق الْآخِذ إِلَى مَدِينَة أَيُّوب وَقلت أرثيه بِهَذِهِ الأبيات (كل حَيّ على البسيطة فَانِي ... غير وَجه الْمُهَيْمِن الرَّحْمَن) (وشراب الْمنون فِي النَّاس يسرى ... سريان الْأَرْوَاح فِي الْأَبدَان) (عَم حكم الفناء فِي الْخلق حَتَّى ... سَوف يرقى الردى إِلَى كيوان) (وفناء الأقران شَاهد عدل ... وَدَلِيل على فَنًّا الأقران) (لَو نجا من يَد الردى ذُو فخار ... خلد الْعدْل صَاحب الإيوان) (إِن فِي الْمَوْت عِبْرَة للبيب ... لم تعقه علائق الجثمان) (وَالسَّفِيه السَّفِيه من صرف الْعُمر ... بِشرب الطلا وَقرب الغواني) (وَالَّذِي يَشْتَرِي جَهَنَّم باللذات ... أولى التُّجَّار بالخسران) (فاغتنم فرْصَة الْحَيَاة فَمَا التسويف ... إِلَّا مَطِيَّة الحرمان) (كل نفس تجزى بِمَا قدّمته ... وَجَزَاء الْإِحْسَان بِالْإِحْسَانِ) (كَيفَ نرجو من الزَّمَان بَقَاء ... والمنايا تحول دون الْأَمَانِي) (والورى وَالثَّرَى حباب وَمَاء ... ينطفي وَاحِد ويطفو الثَّانِي) (أَيْن روح الزَّمَان من كنت فِي حِين ... وإياه كحلتي حلوان) (كَانَ فِينَا كالورد فِي وجنات الغيد ... وَالسحر فِي عُيُون الحسان) (عَاجل الدَّهْر نير الْفضل بالكسف ... وَبدر الْكَمَال بِالنُّقْصَانِ) (رَجَعَ الْجَوْهَر النفيس إِلَى الأَصْل ... وأضحى مقره فِي الْجنان) (لَيْت شعري وَلَيْسَ يجدي أَمن عمدٍ ... رمته الخطوب أم نِسْيَان) (كَيفَ دكيت أَيهَا الحتف رضوى ... ونقلت الهضاب من ثهلان) (جَادَتْ السحب قَبره من فَقِيه ... كَانَ فِي الْفِقْه وَارِث النُّعْمَان) (وَحَكِيم يكَاد ينْطق عَن ... وَحي نَبِي أَو عَن نبا لُقْمَان) (وأديب يغار من نثره الدّرّ ... وَمن نظمه عُقُود الجمان) (وجوادٍ كَانَ فِي كَفه عَيْني ... محب أَو ملتقى عمان) (كَانَ نفعا وَلم يزل وأحق النَّاس ... بِالْحَمْد دَائِم الْإِحْسَان) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 (هوّن الدَّهْر بعده كل خطب ... فترانا من حربه فِي أَمَان) (يَا صديقي تَرَكتنِي لخطوب ... يَنْقَضِي قبلهَا زمَان الزَّمَان) (لست أرْضى عَلَيْك حكم لبيد ... مذهبي فِي الْوَفَاء حكم ابْن هاني) (عيل صبري وَإِنَّمَا أتأسى ... بِعُمُوم الْمُصَاب فِي الْأَعْيَان) (أسعد الصاحبين من مَاتَ من قبل ... وَأبقى الصّديق للأحزان) (إِنَّمَا هَذِه مراحل تطوى ... والبرايا تساق كالركبان) (كنت أخْشَى الورى لِرَبِّك خوفًا ... وَلمن خَافَ ربه جنتان) (وَلَك السَّبق فِي جَمِيع الْمَعَالِي ... فتمتع بِالروحِ وَالريحَان) عبد الْبَاقِي بن الشَّيْخ الْوَلِيّ الزين المزجاجي التحيتي بِالتَّصْغِيرِ نِسْبَة إِلَى التحيتة خَارج زبيد الزبيدِيّ الشَّيْخ القطب الْفَرد الْجَامِع الْغَوْث الإلهي الصُّوفِي الْعَارِف بِاللَّه وَالدَّال عَلَيْهِ الإِمَام الْمجمع على تحَققه بالحقائق الغيبية ولد بالتحيتة وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن شُيُوخ كثيرين بِالْيمن وَأخذ طَرِيق النقشبندية عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى تَاج الدّين الْهِنْدِيّ وَبِه تخرج وَصَارَ خَلِيفَته من بعده فِي طَرِيق النقشبندية وَأخذ عَنهُ خلق لَا يُحصونَ مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد الْبَنَّا الدمياطي رَحل إِلَيْهِ ولازمه مُدَّة مديدة وَبِه تخرج وَلم يزل ينفع النَّاس حَتَّى نَقله الله تَعَالَى إِلَى دَار كرامته وَكَانَت وَفَاته فِي شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسبعين وَألف بِبَلَدِهِ التحيتة وَبهَا دفن وَآل المزجاجي قوم صَالِحُونَ لَهُم شهرة وسيادة بِالْيمن والمزجاجي بِكَسْر ثمَّ معجمات نِسْبَة إِلَى المزجاجية مَوضِع يصنع فِيهِ المزجاج بِالْقربِ من زبيد عبد الْبَاقِي بن عبد الْبَاقِي بن عبد الْقَادِر بن عبد الْبَاقِي بن إِبْرَاهِيم بن عمر بن مُحَمَّد الْحَنْبَلِيّ البعلي الْأَزْهَرِي الدِّمَشْقِي المحدّث الْمقري الأثري الشهير بِابْن الْبَدْر ثمَّ بِابْن فَقِيه فصة وَهِي بفاء مَكْسُورَة ومهملة قَرْيَة ببعلبك من جِهَة دمشق نَحْو فَرسَخ وَكَانَ أحد أجداده يتَوَجَّه ويخطب فِيهَا فَلذَلِك اشْتهر بهَا وأجداده كلهم حنابلة وَقد ولد هُوَ ببعلبك وَقَرَأَ أَولا على وَالِده الْقُرْآن الْعَظِيم ثمَّ ارتحل إِلَى دمشق وَأخذ بهَا الْفِقْه عَن القَاضِي مَحْمُود بن عبد الحميد الْحَنْبَلِيّ خَليفَة الحكم الْعَزِيز بِدِمَشْق حفيد الشَّيْخ مُوسَى الحجاوي صَاحب الْإِقْنَاع وَعَن الشَّيْخ الْعَالم المحدّث أَحْمد بن أبي الوفا المفلحي المقدّم ذكره وَأخذ طَرِيق الصُّوفِيَّة عَن ابْن عَمه الشَّيْخ نور الدّين البعلي خَليفَة الشَّيْخ مُحَمَّد العلمي الْقُدسِي ولقنه الذّكر وَأَجَازَهُ الشَّيْخ العلمي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 الْمَذْكُور فِي الْقُدس بالبداءة فِي الأوراد والأذكار والمحيا ورحل إِلَى مصر فِي سنة تسع وَعشْرين وَألف وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ مَنْصُور وَالشَّيْخ مرعي البهوتيين وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر الدنوشري وَالشَّيْخ يُوسُف الفتوحي سبط ابْن النجار وَأخذ القراآت عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن اليمني والْحَدِيث عَن الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ وَأبي الْعَبَّاس الْمقري والفرائض عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الشمريسي وَالشَّيْخ زين العابدين أبي دري الْمَالِكِي وَالشَّيْخ عبد الْجواد الجنبلاطي وَالْعرُوض عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الْحَمَوِيّ وَحِصَّة من الْمنطق والعربية عَن الشَّيْخ مُحَمَّد البابلي وَحضر دروسه ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وَقَرَأَ على الْعَلامَة عمر القارىء فِي النَّحْو والمعاني والْحَدِيث وَالْأُصُول وَحج فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف وَأَجَازَهُ عُلَمَاء مَكَّة كالشيخ مُحَمَّد بن عَلان الصديقي وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي الْحَنَفِيّ مفتي مَكَّة وَأخذ عَن أهل الْمَدِينَة كالشيخ عبد الرَّحْمَن الخياري وَكَذَلِكَ عَن عُلَمَاء بَيت الْمُقَدّس وَأَعْلَى سَنَد لَهُ فِي الحَدِيث مرويات الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي جَمِيع كتب الحَدِيث عَن الشَّيْخ حجازي الْوَاعِظ عَن ابْن أركماس من أهل غيط الْعدة بِمصْر عَن الْحَافِظ ابْن حجر وَحضر دروس الحَدِيث بالجامع الْأمَوِي عِنْد الشَّمْس الميداني والنجم الْغَزِّي ودروس التَّفْسِير عِنْد الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي وتصدر للإقراء بالجامع الْمَذْكُور فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف بكرَة النَّهَار وَبَين العشاءين فَقَرَأَ الْجَامِع الصَّغِير فِي الحَدِيث مرَّتَيْنِ وَتَفْسِير الجلالين مرَّتَيْنِ وَقَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ وَمُسلم والشفا والمواهب وَالتَّرْغِيب والترهيب والتذكرة للقرطبي وَشرح البرءة والمنفرجة والشمايل والإحياء جَمِيع ذَلِك فِيهِ نظر ولازم ذَلِك مُلَازمَة كُلية بمحراب الْحَنَابِلَة أَولا ثمَّ بمحراب الشَّافِعِيَّة وَلم ينْفَصل عَن ذَلِك شتاء وَلَا صيفاً وَلَا لَيْلَة عيد حَتَّى أَنه لما زوج ولديه حضر تِلْكَ اللَّيْلَة وَكَانَ فِيهِ نفع عَظِيم وَأخذ عَنهُ خلق كثير أَجلهم الْأُسْتَاذ الْكَبِير وَاحِد الدُّنْيَا فِي المعارف إِبْرَاهِيم الكوراني نزيل الْمَدِينَة وَالسَّيِّد الْعَالم مُحَمَّد بن عبد الرَّسُول البرزنجي وَمِنْهُم وَلَده الْعَالم الْعلم الدّين الْخَيْر أَبُو الْمَوَاهِب مفتي الْحَنَابِلَة الْآن أبقى الله وجوده ونفع بِهِ وَشَيخنَا المرحوم عبد الْحَيّ العكري الْآتِي ذكره وَغَيرهم وَله مؤلفات مِنْهَا شرح على البُخَارِيّ لم يكمله ودرس بِالْمَدْرَسَةِ العادلية الصُّغْرَى وَصَارَ خَطِيبًا بِجَامِع منجك الَّذِي يعرف بِمَسْجِد الأقصاب خَارج دمشق وَكَانَ شيخ الْقُرَّاء بِدِمَشْق ونظم الشّعْر إِلَّا أَن شعره شعر الْعلمَاء وَلَقَد رَأَيْت من شعره الْكثير فَلم أر فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 مَا يصلح للإيراد وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي ذكر مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْعُلُوم والأوصاف الفائقة مَا يُغني عَن الشّعْر وأشباهه وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة السبت ثامن شهر ربيع الثَّانِي سنة خمس بعد الْألف وَتُوفِّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع عشري ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَدفن بتربة الغربا من مَقْبرَة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْبَاقِي بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن خَلِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن غَانِم بن عَليّ بن حسن بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز بن سعيد بن سعد ابْن عبَادَة سيد الْخَزْرَج الْمَقْدِسِي الأَصْل الْمصْرِيّ إِمَام الأشرفية بِمصْر هَكَذَا رَأَيْت نسب جده إِمَام الْمُحَقِّقين الْآتِي ذكره فِي غَالب الْيَقِين أَن فِيهِ نقصا كَانَ صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة من مشاهير الأفاضل لَهُ انهماك على تَحْصِيل الْعُلُوم وَتَقْيِيد الْفَوَائِد الغريبة وَكَانَ يحفظ مِنْهَا كثيرا وَحصل بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة جدا فِي فنون وَكَانَ ملازماً لِلْعِبَادَةِ والاستفادة مترفعاً عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا لَا يتَرَدَّد إِلَى أحد إِلَّا فِي خير وَكَانَ نير الْوَجْه جمالِيًّا سمح النَّفس حسن الصِّفَات شرِيف الطباع مَشْهُورا بِقِيَام اللَّيْل وإحياء اللَّيَالِي الفاضلة قَرَأَ فِي الْفِقْه على الشَّمْس مُحَمَّد المحبي وَمُحَمّد الشلبي والشهاب أَحْمد الشَّوْبَرِيّ وَحسن الشُّرُنْبُلَالِيّ الحنفيين وَغَيرهم وَأخذ بَقِيَّة الْعُلُوم عَن كثيرين مِنْهُم الشَّمْس الشَّوْبَرِيّ وَيس الْحِمصِي والنور الشبراملسي وسلطان المزاحي وَمُحَمّد البابلي وَعبد الْجواد الخوانكي وسري الدّين الدروري وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ مِنْهُم صاحبنا المرحوم عبد الْبَاقِي بن أَحْمد السمان وصاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله وَكَانَ صاحبنا الأول يثني عَلَيْهِ ثَنَاء بليغاً ويفضله على جَمِيع من عاصره من عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة وَحكى لي أَنه كَانَ مَعَ مَا اجْتمع فِيهِ من المهابة شَدِيد الْبسط كثير الدعابة والغزل وَطرح التسمت مليح الحَدِيث لَا يمل وَإِن طَال وَله تآليف كَثِيرَة من أجلهَا شَرحه على الْكَنْز فِي الْفِقْه سَمَّاهُ الرَّمْز وَالسُّيُوف الصقال فِي رَقَبَة من يُنكر كرامات الْأَوْلِيَاء بعد الِانْتِقَال وَله تذكرة فِي أَربع مجلدات جمع فِيهَا فأوعى وقفت عَلَيْهَا شكرا لله سَعْيه وَقد سَمَّاهَا رَوْضَة الْآدَاب وفيهَا يَقُول ابْن السمان الْمَذْكُور مادحاً لَهَا ولمؤلفها (مَا عروس بَدَت بِغَيْر حجاب ... وكؤوس جلت صدا الْأَلْبَاب) (ورحيق مزاجه سلسبيل ... روّقته السقاة فِي الأكواب) (وربيب إِذا رَأَتْ وَجهه الشَّمْس ... تَوَارَتْ من وَقتهَا بالحجاب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 (ذُو لحاظ ترمي سِهَام المنيات ... بهَا من كنائن الْأَهْدَاب) (تَحت فرع كَأَنَّهُ ظلمَة الْبعد ... وَفرق كالوصل والاقتراب) (فَإِذا مَا شدا بِصَوْت رخيم ... ذكر الناسكين عهد التصابي) (كثمار من الْفَوَائِد فِي أَغْصَان ... علم بروضة الْآدَاب) (أبدعتها أَيدي إِمَام الْهدى وَالْعصر ... بَحر الندا مُبين الصعاب) (عَالم الْوَقْت منبع الشَّرْع وَالدّين ... يفضل النهى وَفصل الْخطاب) (من بألفاظه لقد شرف الْمِنْبَر ... وازداد رونق الْمِحْرَاب) (هُوَ كالبحر كل صَاد تروى ... من نداه وَغَيره كالسراب) (دَامَ فَردا فِي الْفضل جَامع علم ... مَا صبا مغرم لعهد الشَّبَاب) وَأَخْبرنِي أَنه كَانَ هُوَ وإياه فِي مجْلِس حافل فَدخل عَلَيْهِم رجل وَأنْشد قصيدة فِي مديح الْمَقْدِسِي منحطة الرُّتْبَة وَاعْتذر فِيهَا عَن قصوره قَالَ فأنشدت بديها هَذِه الأبيات على الْوَزْن والقافية (قصرت فِي مدح الإِمَام الْمَقْدِسِي ... وحوادث الْأَيَّام عذر الْمُفلس) (عَلامَة الْأَعْلَام والغصن الَّذِي ... بِالْفَضْلِ يعرف فِيهِ طيب المغرس) (سَعْدا لكَمَال وَسيد الْعلمَاء من ... بِوُجُودِهِ نعفو عَن الزَّمن المسي) (حبر إِذا اجْتمع الصُّدُور بِمَجْلِس ... يَوْم التفاخر فَهُوَ صدر الْمجْلس) (شدّت بأوتار النُّجُوم خيامه ... مَضْرُوبَة فَوق الْأَثِير الأطلس) (أفكاره تجلو الخطوب عَن الورى ... وضياؤه يجلو ظلام الحندس) (قد مثل الله الْعُلُوم لَهُ كَمَا ... لنَبيه تَمْثِيل بَيت الْمُقَدّس) (فَإِذا مدحت أولي الْفَضَائِل والنهى ... فالبس من الْآدَاب أَفْخَر ملبس) (فالمدح بالشعر الضَّعِيف لمثله ... كالهجو تكرههُ كرام الْأَنْفس) وَحكى لي الْأَخ الشَّيْخ مصطفى أَنه حضر دروسه فِي الْجَامِع الصَّغِير للسيوطي بالأشرفية قَالَ وَاتفقَ أَنِّي دخلت عَلَيْهِ يَوْم عيد فِي بَيته أُعِيدهُ وأعوده وَهُوَ مَرِيض مرض الْمَوْت وَكَانَ لَهُ ولد صَغِير فَلَمَّا خرجت من عِنْده أَعْطيته شَيْئا من الدَّرَاهِم فَرجع إِلَى وَالِده فَأخْبرهُ فناداني وَقَالَ لي فِي الْجنَّة بَاب يدْخل مِنْهُ مفرحو الْأَطْفَال أَرْجُو الله تَعَالَى أَن تكون مِنْهُم قَالَ وَرَأَيْت بِخَطِّهِ من شعره قَوْله (صادني خشف ربيب ... فاتن بالْحسنِ يسمو) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 (ظن عذالي سلوى ... إِن بعض الظَّن إِثْم) وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْبَاقِي بن يُوسُف بن أَحْمد شهَاب الدّين بن مُحَمَّد بن علوان الزّرْقَانِيّ الْمَالِكِي الْعَلامَة الإِمَام الْحجَّة شرف الْعلمَاء ومرجع الْمَالِكِيَّة وَكَانَ عَالما نبيلاً فَقِيها متبحراً لطيف الْعبارَة ولد بِمصْر فِي سنة عشْرين وَألف وَبهَا نَشأ وَلزِمَ النُّور الأَجْهُورِيّ سِنِين عديدة وَشهد لَهُ بِالْفَضْلِ وَأخذ عُلُوم الْعَرَبيَّة عَن الْعَلامَة يس الْحِمصِي والنور الشبراملسي وَحضر الشَّمْس البابلي فِي دروسه الحَدِيث وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه وتصدر للإقراء بِجَامِع الْأَزْهَر وَألف مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا شرح على مُخْتَصر خَلِيل تشد إِلَيْهِ الرّحال وَشرح على العزية وَغير ذَلِك وَكَانَ رَقِيق الطَّبْع حسن الْخلق جميل المحاورة لطيف التأدية للْكَلَام وَكَانَت وَفَاته ضحى يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشري شهر رَمَضَان سنة تسع وَتِسْعين وَألف بِمصْر وَدفن بتربة المجورين عبد الْبَاقِي شَاعِر الرّوم وحسانها الأديب الشَّاعِر الْفَائِق الشهير بباقي كَانَ أوحد أهل عصره فِي الْفضل وَالْأَدب وَله الشُّهْرَة الطنانة فِي الشّعْر البليغ وَأهل الرّوم يطلقون عَلَيْهِ سُلْطَان الشُّعَرَاء فِيمَا بَينهم وَذكر مبدأه أَنه كَانَ يتعانى حِرْفَة السُّرُوج ثمَّ تَركهَا وتشبث بأذيال الْعُلُوم واشتغل على كثير من عُلَمَاء وقته وَوصل آخرا إِلَى شيخ الْإِسْلَام أبي السُّعُود الْعِمَادِيّ فواظب على درسه وفاز مِنْهُ بالملازمة الْعُرْفِيَّة وَمَا زَالَ صيته يسمو بِحسن الشّعْر حَتَّى وصل إِلَى مسامع السُّلْطَان سُلَيْمَان فَالْتَفت إِلَيْهِ وصيره مدرساً وَلم يزل يترقى فِي الْمدَارِس إِلَى أَن وصل إِلَى إِحْدَى الْمدَارِس السليمانية ثمَّ عزل عَنْهَا بِلَا مُوجب وأدركته حِرْفَة الْأَدَب ثمَّ بعد مُدَّة ولي الْمدرسَة السليمية بدار السلطنة وَولي مِنْهَا قَضَاء مَكَّة المشرفة ثمَّ نقل إِلَى قَضَاء الْمَدِينَة المنورة وعزل عَنْهَا فَأَقَامَ معزولاً عدَّة سِنِين ثمَّ استقضى بدار السلطنة ونال بعد ذَلِك قَضَاء العسكرين مرّة بعد مرّة وَقد ذكره الْمولى عبد الْكَرِيم بن سِنَان فِي تراجمه فَقَالَ فِي وَصفه كَانَ ذَا بَيَان عذب ولسان عضب حل عقد الفصاحة بِمَا قَيده وبيض وَجه البلاغة بِمَا سوده نفث فِي عقول الْبَحْر بسحره وطار إِلَى الأقطار هزار شعره لَهُ منظوم أرق من الدمع ومنثور يقتطف ببنان السّمع (بِكُل لفظ كَأَنَّهُ نفس ... غير مُمل لطول ترديد) حلى جيد الزَّمَان بفرائد قلائده وَمَا الدَّهْر إِلَّا من رُوَاة قصائده سَارَتْ بأشعاره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 الصِّبَا وَالْقَبُول وصادفت من النَّاس مواقع الْقبُول كَأَنَّهَا نفس الريحان وأزهاره تمزجه صبا الأصائل من أنفاس نواره فَكَأَن مداد دواته من غاليه إِذْ أَصبَحت أسعار أشعاره غَالِيَة أَلْفَاظ كَمَا نورت الْأَشْجَار وَمَعَان كَمَا تنفست الأسحار إِذا ألبس قلمه ثوب المداد عرى من الفصاحة قس إياد وَلَو حاراه الْكُمَيْت فِي حلبة البلاغة لَكَانَ قصاراه التَّقْصِير وَلَو ناظره ابْن برد لقيل لَهُ هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير فيا لَهُ من شعر سَار مسير الْأَمْثَال وَبلغ مَا بلغ الصِّبَا وَالشمَال يكَاد يخرج من حدّ الشّعْر إِلَى حد السحر شفت ظروف حُرُوف مبانيه فَنمت على سلافة لطافة مَعَانِيه كَمَا نمّ الزّجاج على الرَّحِيق والنسيم على شذا الرَّوْض الأنيق وَكَانَ ذَا نفس أَبِيه وهمة وحميه يُجَاهر فِي سبّ أَعْيَان زَمَانه من أضرابه وأقرانه بل كَانَ لَا يسلم من عضب لِسَانه أحد وَلَا يدْرك لَهُ غَايَة وَلَا حد فَرُبمَا أصبح كَذَلِك وَهُوَ بِإِحْرَام الحرمان مُشْتَمل أشبعتهم سباً وفازوا بِالْإِبِلِ وَكَانَت صحبته أحلى من قبْلَة الحبيب وغفلة الرَّقِيب انْتهى قلت وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ نادرة الزَّمَان وَوَاحِد الرّوم فِي الشّعْر وَمَعَ كَثْرَة شعره بالتركية والفارسية لم أظفر لَهُ من شعره الْعَرَبِيّ إِلَّا بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ التوأمين وهما قَوْله (لم يبْق منا غير آثارنا ... وتنمحي من بعد أَخْلَاق) (وكلنَا مرجعنا للفنا ... وَإِنَّمَا الله هُوَ الْبَاقِي) ثمَّ وقفت لَهُ على هَذَا الْبَيْت الْفَذ قَالَه فِي هجاء ابْن بُسْتَان الرُّومِي وَهُوَ قَوْله (وَإِذا أَشرت إِلَى كذوب مفتر ... فَإلَى ابْن بُسْتَان بِكَذَّابٍ أشر) وَكَانَ يجْرِي لَهُ مَعَ أدباء عصره مطارحات ومنادمات يتداولها إِلَى الْآن أدباء الرّوم فِي مجَالِسهمْ وَيَتَحَدَّثُونَ عَنهُ بنكات كَانَت تصدر عَنهُ من ألطف مَا يكون وَمن أحْسنهَا موقعاً مَا اشْتهر عَنهُ أَنه كَانَ نظم قِطْعَة من الشّعْر فِي غُلَام مَشْهُور بالجمال فَلَمَّا سمع الْغُلَام الْقطعَة أعجبه مَا فِيهَا من التخيل وَأقسم أَنه يقبل رجله إِذا رَآهُ فاتفق أَنه صادفه فِي بعض أسواق قسطنطينية وَبَاقِي رَاكب وجماعته فِي خدمته فَدخل الْغُلَام وَأَرَادَ يقبل رجله فَمَنعه من ذَلِك وَقَالَ مَا حملك على هَذَا أَلَك حَاجَة فَقَالَ لَا وَأخْبرهُ بِالْيَمِينِ الَّذِي حلفه فَقَالَ لَهُ أَنا نظمت الشّعْر بفمي وَلم أنظمه برجلي فَخَجِلَ الْغُلَام وَانْصَرف وَوجدت فِي ديوَان أبي بكر الْعمريّ ذكر هَذِه الْوَاقِعَة وَقد نظمها فِي أَبْيَات ثَلَاثَة وَهِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 (قَالَ لما وَصفته ببديع الْحسن ... ظَبْي يجل عَن وصف مثلي) (مكن العَبْد أَن يقبل رجلا ... لَك كَيْمَا يُجِيز فضلا بِفضل) (قلت أنصف فدتك روحي فَإِنِّي ... بفمي قد نظمته لَا برجلي) وَقَرِيب من هَذَا قَول الصاحب ابْن عباد (وشادن جماله ... تقصر عَنهُ صِفَتي) (أَهْوى لتقبيل يَدي ... فَقلت لَا بل شفتي) وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة من هَذَا النَّوْع لطائف كَثِيرَة والعنوان يدل على مَا فِي الصَّحِيفَة وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة ثَمَان بعد الْألف عبد الْبَاقِي الْمَعْرُوف بالإسحاقي المنوفي الأديب الشَّاعِر الْفَائِق كَانَ قَاضِيا فَاضلا عَالما مؤرخاً كثير النّظم للشعر صَحِيح الفكرة وَله تَارِيخ لطيف ورسائل كَثِيرَة قَرَأَ بِبَلَدِهِ على شُيُوخ كثيرين وَكَانَ يتردّد إِلَى مصر وَأخذ بهَا عَن أكَابِر علمائها وَمن شعره الغض الْبَهِي قَوْله (تمشت لنا تخجل الكوكبا ... فناديتها مرْحَبًا مرْحَبًا) (غزالة أنس لَهَا طلعة ... إِذا خالها الصب حَقًا صبا) (أدارت بحضرتنا قهوة ... وطافت بكأس الطلا مذهبا) (رنت ورمتني بألحاظها ... وَقد أذكرتني عهد الصِّبَا) (فَلَو أنّ نظرتها كالظبا ... لهان وَلَكِن كحدّ الظبا) (وغنت لنا فطربنا لَهَا ... فيا حسن ذَاك الَّذِي أطربا) (غزالية آنست صبها ... وَأَنت محبتها زينبا) (فهمنا فهمنا غراماً بهَا ... وَعَن حالتي حبها أعربا) (وصبّرت قلباً غَدا هائماً ... وَقد كَاد فِي الْحبّ أَن يذهبا) (فَفِيهَا مديحي عذب يرى ... وَفِي غَيرهَا الْمَدْح لن يعذبا) (سأجعل فِي وصفهَا نبذة ... وأركب فِي حبها أشهبا) (مدحت فقصر قلبِي المديح ... وَكَانَ مرادي أستوعبا) (وَإِنِّي فِي وَصلهَا سَيِّدي ... تراني بَين الورى أشعبا) (فبالله يَا نسمَة البان أَن ... حففت على حَيّ ذَاك الرِّبَا) (وجزت رياضاً بهَا غادتي ... فهات لنا عَن حلاها نبا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 (أيا عاذلي فِي هَواهَا اتئد ... حَدِيثك عِنْدِي مثل الهبا) (سقى الله روضاً بِهِ سادتي ... من الوبل غيثاً بِهِ صيّبا) (لِأَنِّي بَاقٍ على عَهدهم ... أرى حبهم مذهبا مذهبا) وَمن مطرياته هَذِه الخمرية وَهِي قَوْله (أمل لي كأساً تَمامًا ... واسقني جَاما فجاما) (وَاجعَل الدرة كأساً ... وَخذ التبر مداما) (تمم الكاس فَإِن الكاس ... مَا كَانَ تَمامًا) (واتخذها سلما للهو ... يسمو أَن يساما) (وتوهم أَنَّهَا الْحل ... وَإِن كَانَت حَرَامًا) (ثمَّ أزهى مَوضِع فِي الرَّوْض ... فاختره مقَاما) (وَإِذا مَا شِئْت أَن تسكر ... فاستدع النداما) (وَليكن خمرك عاديا ... وساقيك غُلَاما) (يمْلَأ الكاسات والألحان ... برأَ وسقاما) (يمْلَأ الْقلب سُرُورًا ... وانبساطاً وغراما) (عابثاً بالغصن أعطافاً ... وبالزهر ابتساما) (ومحلى بالطلا جيدا ... وبالعارض لاما) (وَترى مِنْهُ القوام الْغُصْن ... والغصن القواما) (وَترى الأغصان إجلالاً لَهُ ... هيباً قيَاما) (وَترى الشَّمْس وَبدر التم ... نَارا ثمَّ راما) (فَهُوَ الْمَطْلُوب للمجلس رَأْسا ... وَأما مَا) (اسْقِنِي بالكوب والكاس ... فُرَادَى وتؤاما) (ثمَّ بالطاس إِلَى أَن ... تتراءى الْهَام هاما) (ثمَّ بالجرّّة فالجرّة ... حَتَّى أترامى) (اسْقِنِي حِينَئِذٍ بالزق ... حَتَّى لَا كلَاما) (ثمَّ بالدن فَتلك الْغَايَة ... القصوى تَمامًا) (ثمَّ خُذ عني مَا شِئْت ... وَلَا تخش أثاما) (والتقط مني الجمان ... الْفَرد نثراً ونظاما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 (وَإِذا لم يكن الطافح ... بالكاس هماما) (فاغد واعذر وَإِذا رام ... خطابا قل سَلاما) ويستحسن مِنْهُ قَوْله (أذكرت أيتها الْحَمَامَة غيدا ... ومعاهداً سلفت لنا وعهودا) (وصدحت فَوق أراكة فتصدّعت ... قلباً وَحين صعدت ذَا الأملودا) (أذكرت أشجاناً لنا ومعاهداً ... وَصفا تقضّى طارفاً وتليدا) (هَذَا على أَن الغرام إِذا زكى ... ظلّ الشجى يتَوَقَّع التغريدا) (لله أَيَّام نعمت بهَا وَقد ... عقد الْغَمَام على الغصون نهودا) (حَيْثُ الشجى طوراً يخمش كاعباً ... وَمن الجوى طوراً بجمش رودا) (حَيْثُ الشمَال يُحَرك العذبات إِذْ ... يخطو ويخطر والرياض وبيدا) (حَيْثُ المثاني والمثالث هَذِه ... ترنو وَذي بشجى تحرّك عودا) (هَذَا وَمَعَ أَنا وَلَو طفحت كؤوس ... الراح واشتعل المدام وقودا) (مَا حركت منا المدام سوى الرؤوس ... كَذَا الشمَال تحرّك الأملودا) (أتؤوب هاتيك اللويلات الَّتِي ... فِيهَا نظمت لآلئاً وعقودا) (ولرب خل حَاز أَنْوَاع الذكا ... وَلذَا غَدا فِي المكرمات فريدا) (سامرته وجنوت من أَلْفَاظه ... مَا يخجل الصَّهْبَاء والعنقودا) (وجلا عليّ عرائساً من فكره ... حسنت طلاً ومعاطفاً وقدودا) (وأفادني وأفدته والخل يحمد ... أَن يفاد معانياً ويفيدا) (فالعقل نَام والعفاف بِحَالهِ ... ومجيد فكرتنا استمرّ مجيدا) (يَا عبد فابق على اصطباحك واغتباقك ... واصحبن الْعَهْد والمعهودا) وَقد ذكرته فِي كتابي النفحة وَذكرت لَهُ من غزلياته قدرا زَائِدا على هَذَا وَالْحق أَن شعره مَا عَلَيْهِ غُبَار وَكَانَت وَفَاته فِي نَيف وَسِتِّينَ وَألف ببلدة منوف عبد الْبر بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زين الفيومي الْعَوْفِيّ الْحَنَفِيّ أحد أدباء الزَّمَان المتفوقين وفضلائه البارعين كَانَ كثير الْفضل جم الْفَائِدَة شَاعِرًا مطبوعاً مقتدراً على الشّعْر قريب المأخذ سهل اللَّفْظ حسن الإبداع للمعاني مخالطاً لكبار الْعلمَاء والأدباء معدوداً من جُمْلَتهمْ أَخذ الْعلم بِمصْر عَن الشَّيْخ أَحْمد الوارثي الصديقي وَالْأَدب عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الْحَمَوِيّ والقراآت عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن اليمني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وَفَارق موطنه فحج أَولا وَأخذ بِمَكَّة عَن ابْن عَلان الصديقي وَكتب لَهُ إجَازَة مؤرخة بأواخر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف ثمَّ دخل دمشق وحلب فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأخذ بحلب عَن النَّجْم الحلفاوي الْأنْصَارِيّ وَلَزِمَه للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فِي شرح الدُّرَر فِي الْفِقْه مَعَ حَاشِيَة الوافي وَشرح ابْن ملك على الْمنَار مَعَ حَوَاشِيه الثَّلَاث عزمي زَاده وقرا كَمَال والرضي بن الْحَنْبَلِيّ الْحلَبِي وَشرح الجامي مَعَ حَاشِيَته لعبد الغفور ومختصر الْمعَانِي مَعَ حَاشِيَته للخطائي ثمَّ خرج إِلَى الرّوم فورد مورد الْعَلامَة أبي السُّعُود الشعراني وَقَرَأَ عِنْده جَامع الْأُصُول للربيع اليمني وَهُوَ فِي تَحْرِير الْأَحَادِيث وَشرح الهمزية لِابْنِ حجر بِتَمَامِهِ وَنصف سيرة الْخَمِيس أَو قَرِيبا مِنْهُ وجانباً من فتاوي قَاضِي خَان وَبَعض فَرَائض السِّرَاجِيَّة وَكَثِيرًا من مبَاحث التَّفْسِير وَأَجَازَهُ وَلزِمَ الشهَاب الخفاجي فَقَرَأَ عَلَيْهِ بعض شرح الْمِفْتَاح للتفتازاني وَبَعض شرح نَفسه على الشفا وَكتب لَهُ خطه على هَامِش الْكِتَابَيْنِ وَلما ولي قَضَاء مصر استصحبه مَعَه إِلَى صلَة رَحمَه واستنابه بَين بَابي الْفَتْح والنصر وصيره معيداً لدرسه فِي حَاشِيَته على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَفِي شرح صَحِيح مُسلم للنووي وَأخذ بالروم عَن الْمولى يُوسُف بن أبي الْفَتْح الدِّمَشْقِي إِمَام السُّلْطَان وَولي من المناصب إِفْتَاء الشَّافِعِيَّة بالقدس مَعَ الْمدرسَة الصلاحية وَدخل دمشق وَأقَام بهَا فِي حجرَة بِجَامِع المرادية نَحْو سنتَيْن وَلم يقدر على الدُّخُول إِلَى الْقُدس خوفًا من الشَّيْخ عمر بن أبي اللطف مفتي الشَّافِعِيَّة قبله ثمَّ لما مَاتَ الشَّيْخ عمر ترحل إِلَيْهَا وَمكث بهَا أَيَّامًا وَلما لم ينل حَظه من أَهلهَا ترك الْفَتْوَى والتدريس وَرَأى الْمصلحَة فِي الرُّجُوع إِلَى الرّوم فانتقل إِلَيْهَا وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ انتظم فِي سلك الموَالِي فولي بعض مناصب وَمَات وَهُوَ مَعْزُول عَن ساقز وَله تآليف كَثِيرَة حَسَنَة الْوَضع أشهرها كِتَابه منتزه الْعُيُون والألباب فِي بعض الْمُتَأَخِّرين من أهل الْآدَاب جعله على طَريقَة الريحانة إِلَّا أَنه رتبه على حُرُوف المعجم وَجمع فِيهِ بَين شعراء الريحانة وشعراء المدائح الَّذِي أَلفه التقي الفارسكوري وَزَاد من عِنْده بعض متقدميه وَبَعض عصريين وَهُوَ مَجْمُوع لطيف وَفِيه يَقُول الأديب يُوسُف البديعي (كتاب ذِي الْفضل عبد الْبر منتزه الْعُيُون ... أحسن تأليف وَمُنْتَخب) (حوى محَاسِن أَقوام كَلَامهم ... فِي النّظم والنثر يلفى زبدة الْأَدَب) (رأى البديعي مَا فِيهِ فحقق أَن ... مَا مثل رونقه فِي سَائِر الْكتب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وَله حَاشِيَة على شرح الْهمزَة لِابْنِ حجر صَغِيرَة الحجم وَكتاب بُلُوغ الأرب والسول بالتشرف بِذكر نسب الرَّسُول وَكتاب اللطائف المنيفة فِي فضل الْحَرَمَيْنِ وَمَا حولهما من الْأَمَاكِن الشَّرِيفَة وَكتاب حسن الصَّنِيع فِي علم البديع وَله بديعية على حرف النُّون وَشَرحهَا ومطلعها (لما تذكرت سفح الْخيف والبان ... أهلّ دمعي وروّى رَوْضَة البان) وَقد عَارض فِيهِ بديعية شَيْخه الْحَمَوِيّ ومطلع قصيدته (هجري على ولي وصل بأحياني ... أماتني الهجر جَاءَ الْوَصْل أحياني) وَله رِسَالَة فِي التوشيع سَمَّاهَا إرشاد الْمُطِيع ورسالة سَمَّاهَا مشكاة الاستنارة فِي معنى حَدِيث الاستخارة ورسالة فِي الْقَلَم وَأُخْرَى فِي السَّيْف وَله شعر كثير غالبه مسبوك فِي قالب الإجادة وَعَلِيهِ رونق الانسجام والبلاغة فَمن ذَلِك قَوْله (تبدّى مليك الْحسن فِي مجْلِس الْبسط ... بقدٍّ كغصن البان أَو ألف الْخط) (وَأبْدى على شَرط الْمحبَّة حجَّة ... مسلمة أَحْكَامهَا قطّ مَا تخطي) (وَمن شَرطه فِي الخدّ قبْلَة عاشق ... فَكَانَ مداد الْحسن فِي ذَلِك الشَّرْط) اختلسه من قَول ابْن حجَّة فِي قصيدته الَّتِي قَالَهَا فِي مدح حماه (وَقد جَاءَ شَرط الْبَين أَنِّي أغيب عَن ... حماها لقد أدْمى فُؤَادِي بِالشّرطِ) وَمن تشبيهاته (رَأَيْت يَوْمًا عجبا ... فيا لَهُ من عجب) (النُّور مبيضّاً على ... محمر لون القضب) (كخيمة من فضَّة ... على عَمُود ذهب) وَمن ذَلِك قَوْله (انْظُر إِلَى الزهر النَّضِير العسجدي ... يَدْعُو إِلَى لَهو كوجه الأغيد) (فالورد فِي الروضات محمرّ على ... أغصانه الْخضر الحسان الميد) (ملاءة من ذهب منشورة ... من تحتهَا قَوَائِم الزبرجد) وَله فِي الدولاب (إِنَّمَا الدولاب فِي دوره ... يهيم من شوق وأشجان) (ينوح حزنا وَيرى باكياً ... بأعين تهمى على البان) وَقَرِيب مِنْهُ قَول أَحْمد بن عبد السَّلَام الْمصْرِيّ (وروضة دولابها دائر ... موله من فرط أشجانه) (فكله من وجده أعين ... تبْكي على فرقة أغصانه) وَالْأَصْل فِيهِ قَول ابْن تَمِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 (ودولاب روض كَانَ من قبل أغصنا ... تميس فَلَمَّا غيرتها يَد الدَّهْر) (تذكر عهدا بالرياض فكله ... عُيُون على أَيَّام عهد الصِّبَا تجْرِي) ولعَبْد الْبر فِي دولاب الْعِيد الَّذِي يَدُور بالأولاد (إِنَّمَا الْولدَان فِي عيدهم ... من فَوق دولاب بهم دَارا) (قد أدركوا الْعِشْق وأحواله ... فالعقل قد دَارا وَمَا دَارا) وَله فِيهِ أَيْضا (دولاب عيد دَار بالمنحنى ... لطلعة قامتها ناضرة) (يروي لنا عَن فلك دائر ... وَالشَّمْس مَا زَالَت بِهِ دَائِرَة) قَالَ وَلما وَردت بروسة وَرَأَيْت الْحمام الخلقي الَّذِي يُقَال لَهُ قبلجة وَهُوَ مَاء حَار يخرج من تَحت جبل عَال قلت (وَمَاء لَهُ طبع الْحَرَارَة خلقَة ... من الْجَبَل الصلد الْعَظِيم لقد سلك) (إِلَى كل حَوْض مستدير موسع ... ترَاهُ مدَار المَاء ملعبه السّمك) (تَدور بِهِ الْولدَان طالعة وَقد ... تغيب كشأن النيرين من الْفلك) وَقلت فِيهِ أَيْضا وَهُوَ معنى حسن (وحوض كَبِير مستدير وماؤه ... حرارته بالطبع للبرد دافعه) (أحاطت بِهِ الأقمار من كل جَانب ... وَمن أفقه شمس المحاسن طالعه) وَمن لطائف شعره قَوْله فِي الْغَزل (لي حبيب قد سالماه ... عذباً وطرفاه سالماه) (فيا خليلاي عذر صب ... جواداً وَإِلَّا فسالماه) (فالطرف هام من التَّجَافِي ... طول اللَّيَالِي قد سَالَ ماه) (وَسَاكن الْقلب مذرآه ... يهيم بالوجد سَالَ مَا هُوَ) الأول سَاءَ بِالْهَمْزَةِ مَقْصُور للشعر ولمى أَي الرِّيق فَاعل وإساءته مَنعه لوارده وَالثَّانِي مَاض وَالْألف للتثنية وَالثَّالِث أَمر لاثْنَيْنِ وَالرَّابِع من الإسالة وَالْمَاء قصر للضَّرُورَة وَالْخَامِس من السُّؤَال سهلت الْهمزَة ضَرُورَة وَمَا سُؤال على سَبِيل تجاهل الْعَارِف وَقد حذا فِي هَذَا حَذْو أَحْمد النَّسَفِيّ الْمَعْرُوف بقعود وَزَاد عَلَيْهِ بالتصريع وأبيات النَّسَفِيّ هِيَ هَذِه (يَا صاحبيّ اتركا معنى ... أَو فاعذلاه وعارضاه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 (فَمَا تطيقان رشد غاو ... بِمَا يلاقي وعارضاه) (سبى حشاه وَالْعقل مِنْهُ ... عينا غزال وعارضاه) (يَا جمع من صير التصابي ... فِي الْحسن عاراً بالعارضا هَوَاهُ) وَمن شعر الفيومي قَوْله فِي الْغَزل (حبيب لَهُ جسمي وقلبي رَاغِب ... ولي مِنْهُ هجر وَهُوَ للوصل رَاهِب) (لَهُ من غرامي فِي فُؤَادِي أعين ... ولي من جفاه والتباعد حَاجِب) (نزيل الحشا لم يرع مثوى بِهِ نشا ... وَكَيف انتشى والوجد للصب ناصب) (وَلم طبعه لم يكْسب الْخَفْض بُرْهَة ... من الجفن والولهان للكسر كاسب) (لَهُ فِي عيوني من رقيبي حارس ... وَمن خاطري خل وفيّ وَصَاحب) وَله من فصل فِي (غُضُون شكاية من الزَّمن ... قد كَانَ الْفضل فِي المراقي) من نصل عُيُون الدَّهْر هُوَ الراقي والترقي فِي الْأَدَب بِهِ التوقي من النصب والوصب وكل هَذَا ذهب وانحصر الدَّوَاء فِي الْفضة وَالذَّهَب فالمفلحون فِي خبايا النُّقُود قعُود والمفلسون فِي زَوَايَا الخمول رقود فدع فضل الْعلم والحسب وَاسع أَن يكون لَك من المَال خير نشب فقد كَانَ الْأَدَب وَدِيعَة واسترد وَصَارَ الدِّرْهَم مرهماً ولبرء سَاعَة استعد وَمن هَذَا الْقَبِيل قَول زين الدّين بن الْجَزرِي من مقامة لَهُ قد كَانَ شراب الْأُصُول يداوي العليل والآن لَيْسَ فِي غير الديناء شِفَاء للغليل ألم تسمع أَن الدَّرَاهِم لجروح الْعَدَم مراهم وَقد استردّت الْأَيَّام ودائع المكارم والكرام يحسن فِي هَذَا الْمقَام قَول ابْن أبي الْفَتْح الإِمَام السلطاني (أهل الْعُلُوم ذَهَبُوا ... وَلَيْسَ إِلَّا الذَّاهِب) ولعَبْد الْبر وَهُوَ معنى مليح (فكري وعقلي عنْدكُمْ وبكم ... قد صرت فِي شغل وَفِي سكر) (فاعجب لمن كتبت أنامله ... خطا بِلَا عقل وَلَا فكر) وَله (قَالَ لي شخص رَأَيْت العجبا ... صدر الْجُهَّال فَوق الأدبا) (قلت شَأْن الدَّهْر لَا يهوى فَتى ... فَاضلا حَاز الْهدى والأدبا) (كَيفَ حَال الصب مَعَ حجاجهم ... حَيْثُ أرْضى عجمهم والعربا) وَهَذَا الْمَعْنى مطروق من أشهره قَول عبد الرَّحِيم العباسي (أرى الدَّهْر يمنح جَهَالَة ... فأعظم قدرا بِهِ الْجَاهِل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 (وَانْظُر حظي بِهِ نَاقِصا ... أيحسبني أنني فَاضل) وَمن شعره قَوْله فِي جناس التَّصْحِيف (لعقرب صُدْغه حَال عَجِيب ... أديرت فِي حراسة مسك خَاله) (وَلَكِن أهملته للدغ قلب ... تقلب فِي لظى فاعجب لحاله) ألطف مِنْهُ قَول ابْن الحنائي الرُّومِي (أرى من صدغك المعوج دَالا ... وَلَكِن نقطت من مسك خَالك) (فَأصْبح داله بالنقط ذالاً ... فها أَنا هَالك من أجل ذَلِك) وَمن شعره قَوْله فِي الحكم (إِذا مَا رَأَيْت لَهُم شدَّة ... لبست لدهري ثوب النمر) (وَإِن هم من اللطف فِي حلَّة ... لبست لِبَاس اللَّطِيف السمر) (فراع الزَّمَان وأحواله ... وَحَال اللَّطِيف وَحَال الأشر) وَقَوله فِي مِثَال النَّعْل الشريف (لمثل نعل الْمُصْطَفى شرف ... وفوائد زَادَت على العدّ) (فكأنّما هُوَ دارتا قمر ... يهدي الْأَنَام وَلَو على بعد) (قبلتها وَجعلت صورتهَا ... فَوق الجبين عَلامَة السعد) (لَو كَانَ يحسن أَن أشركها ... جلدي جعلت شراكها خدي) وَالْبَيْت الْأَخير مضمن من بَيْتَيْنِ لأبي الْعَتَاهِيَة وَقد أهْدى إِلَى الْفضل بن الرّبيع نعلا وكتبهما مَعهَا وهما (نعل بعثت بهَا لتلبسها ... قدم بهَا تسْعَى إِلَى الْمجد) لَو كَانَ يحسن إِلَى آخر الْبَيْت وَله مضمناً فِي النَّصِيحَة وَحسن الصُّحْبَة (صديقك إِن أخْفى عيوباً لنَفسِهِ ... وَأظْهر عَيْبا فِيك وَهُوَ يُصَرح) (فَخذ غَيره واترك مناهج وده ... فَكل إِنَاء بِالَّذِي فِيهِ ينضح) أَصله مَا فِي تَارِيخ ابْن خلكان قَالَ الشَّيْخ نصر الله بن مجلى وَكَانَ من ثِقَات أهل السّنة رَأَيْت فِي الْمَنَام عَليّ بن أبي طَالب فَقلت لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تفتحون مَكَّة فتقولون من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن ثمَّ يتم على ولدك الْحُسَيْن يَوْم الطف مَا تمّ فَقَالَ لي أما سَمِعت أَبْيَات ابْن الصيفي فِي هَذَا فَقلت لَا فَقَالَ اسمعها مِنْهُ ثمَّ استيقظت فبادرت إِلَى دَار حيص بيص فَخرج إِلَيّ فَذكرت لَهُ الرُّؤْيَا فشهق وأجهش بالبكاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وَحلف بِاللَّه إِن كَانَت خرجت من فمي أَو خطي إِلَى أحد وَإِن كنت نظمتها إِلَّا فِي لَيْلَتي هَذِه ثمَّ أَنْشدني (ملكنا فَكَانَ الْعَفو منا سجية ... فَلَمَّا ملكتم سَالَ بِالدَّمِ أبطح) (وحللتم قتل الْأُسَارَى وطالما ... غدونا عَن الأسرى نعف ونصفح) (وحسبكم هَذَا التَّفَاوُت بَيْننَا ... وكل إِنَاء بِالَّذِي فِيهِ ينضح) ولعَبْد الْبر وَهُوَ معنى بديع (قد قيل أَن المَال عقل الْفَتى ... بِهِ لَهُ التصريف فِي النَّقْل) (فَقلت لَا تعجب فكم فِي الورى ... من عَاقل أضحى بِلَا عقل) وَله من مَقْصُورَة عَارض بهَا مَقْصُورَة ابْن دُرَيْد الْمَشْهُورَة ومطلع مقصورته (أيا مهاة قد رعت بالمنحنى ... حشاشة الرَّاعِي بِأَكْنَافِ اللوى) (هَل وَقْفَة وَلَو قَلِيل بَعْدَمَا ... جرت على الصب تباريح الجوى) (فَتى كئيب والهوى أَحْكَامه ... عجسة إِن كَانَ سخطًا أَو رضى) (محاه حب الغيد محواً فانبرى ... وَلَا يرى إِلَّا المنايا فِي المنى) وَله فِي بعض المحتجبين (أتيت بَاب كَبِير عِنْد نائبة ... وجدته مغلقاً قلت الْفَتى فطن) (فَقَالَ لي صَاحِبي الرَّأْي قلت لَهُ ... رأى ابْن عَبدُوس رَأْي كَامِل حسن) وَلابْن الْخِصَال مثله (جئْنَاك للْحَاجة الممطول صَاحبهَا ... ) وَأَنت تنعم والإخوان فِي بوس ... (وَقد وقفنا طَويلا عِنْد بَابَكُمْ ... ثمَّ انصرفنا على رَأْي ابْن عَبدُوس) ولمحمد بن بدر الدّين القوصوني مثله من فصل الرَّأْي الصَّوَاب فِي التواري بالحجاب (رأى ابْن عَبدُوس ... وَمَا سواهُ رأى منحوس) (بل عَذَاب وبوس ... ) وَرَأى ابْن عَبدُوس قَوْله (لنا قَاض لَهُ خلق ... أقل ذميمة النزق) (إِذا جئناه يحجبنا ... فنلعنه ونفترق) وَله فِي الخضوع (يَا من لَهُ مهجتي رق ولي شرف ... بأنني عَبده جهري وإسراري) (عتقت قلبِي من زيغ وَمن زلل ... وَعتق ذِي سفه فِيمَا بَقِي ساري) (مننت باللطف فِي الأولى وَلَا عجب ... أَن تعْتق الْجِسْم فِي الْأُخْرَى من النَّار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 مِنْهُ قَول الْبَدْر الْقَرَافِيّ (مِنْك الْبدَاءَة بِالْإِحْسَانِ حَاصِلَة ... ملكتني الرّقّ فضلا مِنْك لي ساري) (ألهمتني بعده عتقا لتكرمني ... فاختم بِخَير بِهِ عتقي من النَّار) وللحافظ ابْن حجر (يَا رب أَعْضَاء السُّجُود عتقتها ... من فضلك الوافي وَأَنت الواقي) (وَالْعِتْق يسري فِي الْفَتى يَا ذَا الْغنى ... فَامْنُنْ على الفاني بِعِتْق الْبَاقِي) وَالْأَصْل فِيهِ قَول ذِي الرمة قَالَ الشريشي هُوَ آخر شعر قَالَه (يَا رب قد أسرفت نَفسِي وَقد علمت ... علما يَقِينا لقد أحصيت آثاري) (يَا مخرج الرّوح من نَفسِي إِذا احتضرت ... وفارج الكرب زحزحني عَن النَّار) وَله قصيدة ميمية عَارض بهَا ميمية شَيخا الْإِسْلَام أبي السُّعُود الْعِمَادِيّ الَّتِي مطْلعهَا (أبعد سليمى مطلب ومرام ... وَغير هَواهَا لوعة وغرام) ومطلع قصيدته هُوَ هَذَا (أهيل النقا هَل بالديار مقَام ... وَهل حَيّ سلمى مسكن ومقام) وَهِي طَوِيلَة تنوف على ثَمَانِينَ بَيْتا وَقد تَضَمَّنت حكما كَثِيرَة وَلَوْلَا طولهَا لذكرتها كلهَا وَقد ختم كِتَابه المنتزه بهَا وَلم يذكر بعْدهَا إِلَّا تَارِيخ ابْتِدَاء إنشائه لهَذَا الْكتاب وَهُوَ يَوْم الْخَمِيس سادس عشر صفر سنة خمس وَخمسين وتاريخ الْفَرَاغ من تبييضه كُله وَهُوَ يَوْم الْأَحَد حادي عشري الْمحرم سنة سِتِّينَ وَألف وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف بقسطنطينية والفيومي نِسْبَة إِلَى الفيوم وَهِي بَلْدَة مَشْهُورَة فِي إقليم مصر وَأَبوهُ عبد الْقَادِر سَيَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى عبد الْبر الأَجْهُورِيّ الشَّافِعِي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْفَقِيه الْحجَّة الفهامة ذُو التصانيف العديدة والفوائد الجزيلة قَرَأَ الْفِقْه على الإِمَام النُّور الزيَادي وَمهر فِيهِ حَتَّى صَار فَقِيه عصره والمشار إِلَيْهِ فِي مصره وَأخذ بَقِيَّة الْعُلُوم عَن شُيُوخ كثيرين من شُيُوخ جَامع الْأَزْهَر وَألف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْمِنْهَاج للمحلى وحاشية على شرح الْمنْهَج وحاشية على شرح التَّحْرِير وحاشية على شرح الْغَايَة لِابْنِ قَاسم وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فِي سنة والأجهوري بِضَم الْهمزَة نِسْبَة لأجهور الْكُبْرَى بساحل الْبَحْر من عمل القليوبية عبد الْجَامِع بن أبي بكر بارجاء الْحَضْرَمِيّ الزَّاهِد ذكره الشلي فِي تَارِيخه وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 فِي وَصفه كَانَ فِي غَايَة التقشف والورع والزهد وميلاده بسيوون وَنَشَأ بهَا ولازم خَاله عبد الرَّحْمَن بأرجاء وَأخذ عَنهُ ورباه أحسن تربية ورحل إِلَى تريم وَأخذ عَن ساداتها وَلَقي بهَا الأكابر مِنْهُم وَالسَّيِّد زين العابدين وَأحمد بن عبد الله وَالسَّيِّد سقاف العبدروسيين وَالسَّيِّد أَبُو بكر بن شهَاب الدّين وَأَخُوهُ الْهَادِي وشهاب الدّين أَحْمد بن حُسَيْن بلفقيه وَغَيرهم وَأخذ عَن السَّيِّد حُسَيْن بن الشَّيْخ أبي بكر ابْن سَالم بعينات وَحصل لَهُ مزِيد عناية وَعَن أَخِيه الْحسن وارتحل إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا ولازم السَّيِّد أَحْمد بن الْهَادِي فِي دروسه وَالسَّيِّد مُحَمَّد با علوي وَألبسهُ الْخِرْقَة ولقنه الذّكر جمَاعَة وَحصل لَهُ مِنْهُم مدد عَظِيم وَلزِمَ الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي فِي درسه الفقهي وَالشَّيْخ مُحَمَّد الطَّائِفِي ودروس الشَّمْس البابلي وَأخذ عَن الوافدين إِلَى مَكَّة من أهل مصر واليمن وَكَانَ ملازماً لِلْعِبَادَةِ وزار الْقَبْر الشريف مرَارًا وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخياري وَصَحب السَّيِّد زين باحسن ولازم صُحْبَة السَّيِّد عيدروس ابْن حُسَيْن الْبَار مُدَّة مديدة وَكَانَ السَّيِّد عيدروس قَائِما بِمَا يَحْتَاجهُ من كسْوَة وَنَفَقَة وَغير ذَلِك ولازمه فِي زياراته كلهَا وَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الله الجبرتي وَلم يتَزَوَّج أبدا وَكَانَ مُعْتَقدًا جدا لَا سِيمَا عِنْد أهل الطَّائِف وَأهل الْهِنْد لَهُم فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت وَفَاته فِي سادس ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف بِمَكَّة وَدفن بمقبرة الشبيكة تَحت الظلة وَحضر جنَازَته عَالم كثير تركت الدُّرُوس ذَلِك الْيَوْم وَلم يخلف شَيْئا من الدُّنْيَا سوى ثِيَابه الَّتِي كَانَ يلبسهَا وفراشه رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْجَلِيل بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالشامي الدِّمَشْقِي المولد والمنشأ الْحَنَفِيّ كَانَ من أهل الْفضل والمعرفة وَالْأَدب مطبوع الْخلال لطيف الذَّات جميل الشكل حسن الصَّوْت وَفِيه حلم وأناة وَله مطارحة نفيسة وذكاء دأب فِي التَّحْصِيل من طَلِيعَة عمره حَتَّى برع واشتهر فَضله بَين فضلاء وقته وَكَانَ اشْتِغَاله فِي الْفُنُون على الْعِمَادِيّ الْمُفْتِي وعَلى الإِمَام يُوسُف بن أبي الْفَتْح ورمضان بن عبد الْحق العكاري وَعبد اللَّطِيف بن حسن الجالقي الْمَعْرُوف بالقزديري وَمُحَمّد الحزرمي الْبَصِير وَفرغ لَهُ وَالِده عَن إِمَامَة الْجَامِع الْأمَوِي وخطابة الْجَامِع السلطاني السليمي بصالحية دمشق وباشرهما وَهُوَ خَالِي العذار واستكثر عَلَيْهِ ذَلِك وَفِي ذَلِك يَقُول عمر بن الصَّغِير مؤرخاً (عبد الْجَلِيل ذُو الْكَمَال والعلى ... الْعَالم الأوحد وَالْبَحْر الْعباب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 (أولاه مَوْلَاهُ الْكَرِيم رُتْبَة ... أنضت بأعداه إِلَى حسر الثِّيَاب) (مَعَ الْعُلُوم الباهرات أَرخُوا ... زَاد الْجَلِيل عَبده فصل الْخطاب) وَكَانَ ذَلِك فِي سنة أَرْبَعِينَ بعد الْألف وتصدر للتدريس والإفادة وَلَزِمَه جمَاعَة من طلبة وقته وانتفعوا بِهِ فِي بعض الْفُنُون وَلما جَاءَ السُّلْطَان مُرَاد لحلب بنية السّفر إِلَى بَغْدَاد سَافر عبد الْجَلِيل من دمشق إِلَى حلب لأجل الاجتاع بشيخه الفتحي وَكَانَ فِي خدمَة السُّلْطَان وترجى مِنْهُ بعض أَمَان لَهُ فخاب ظَنّه فِيهِ وَرجع من حلب فاحترمته الْمنية فِي منزلَة القطيفة قبل أَي يدْخل إِلَى دمشق وَأدْخل إِلَيْهَا مَيتا وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان قدس الله سره الْعَزِيز وَكَانَ عمره خمْسا وَعشْرين سنة فَإِن وِلَادَته فِي سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَخلف ولدا رضيعاً اسْمه مُحَمَّد ووجهت لَهُ الْإِمَامَة بالجامع الْأمَوِي ثمَّ بعد مُدَّة استقرغ وَصِيّه عَنْهَا للشَّيْخ زين الدّين بن مُحَمَّد النابلسي خطيب السليمانية بِدِمَشْق وَأخذ الْوَصِيّ مِنْهُ مبلغا من الدَّرَاهِم فِي مُقَابلَة الْفَرَاغ لأجل الْقَاصِر قلت وَهَذَا الْقَاصِر الْآن فِي الْأَحْيَاء وَهُوَ من الْفُضَلَاء البارعين كثر الله تَعَالَى من أَمْثَاله عبد الْجَلِيل بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن تَقِيّ الدّين أبي بكر الْمَعْرُوف بِابْن عبد الْهَادِي الْعمريّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الصُّوفِي الْفَاضِل المتفوق الذيق كَانَ من نبلاء وقته ولطائفه مستعذف الْخَلِيفَة حُلْو المفاكهة وَله فِي أَنْوَاع الْفُنُون خبْرَة تَامَّة وقريحة متوقدة أَخذ العقاد والتصوف عَن وَالِده الاستاذ بركَة الشَّام وَقَرَأَ فنون الْأَدَب والمنطق على شَيخنَا عَلامَة الزَّمَان إِبْرَاهِيم الفتال وَشَيخنَا الْمُحَقق ابْن عَمه عبد الْقَادِر بن بهاء الدّين الْعمريّ وَأخذ الْعُلُوم الرياضية عَن الشَّيْخ رَجَب بن حُسَيْن الْمُقدم ذكره والْحَدِيث عَن الشَّيْخ الْكَبِير مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي ورحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا عَن النُّور الشبراملسي وتصدر للإقراء بِجَامِع الْأمَوِي مُدَّة وانتفع بِهِ جمَاعَة وَألف تآليف فائقة مِنْهَا شرح الجزرية سَمَّاهُ الدرة السّنيَّة وَشرح رِسَالَة الشَّيْخ أرسلان فِي التصوف وَله الرّبع الْجَامِع فِي الْفلك فِي أَعمال اللَّيْل وَالنَّهَار ورسالة سَمَّاهَا الدّرّ اللامع فِي الْعَمَل بِالربعِ الْجَامِع ورسالة فِي الرّبع المقنطر ورسالة فِي الهندسة ورسالة فِي الرمل سَمَّاهَا الْمُمْتَنع السهل فِي علم الرمل وَمن كَلِمَاته فِي الْحَقِيقَة لَا تزَال فِي ربقة الْأَمَانِي مَا دَامَت فِي ساحة المباني الْبَقَاء مرْآة التحلي والفناء منهل التخلي وَالْجمع منصة التحلي الرّكُوب للْغَيْر قطيعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 فِي السّير الزّهْد فِي الظَّاهِر رَغْبَة فِي الْمظَاهر اتقان الْحَواس وَظِيفَة الإفلاس ورؤية الايناس مَظَنَّة الوسواس حَرَكَة الشوق عَصا السُّوق وَله شعر مستحلى مِنْهُ قَوْله وَفِيه اقتباس واكتفاء وتورية (يَا لقومي من غزال ... خنس الأعطاف ألمى) (إِذْ تَلا سُورَة حسن ... وَجهه وَالْحسن عَمَّا) (سَأَلُوا عَن مُحكم الْأَوْصَاف فِيهِ قَالَ عَمَّا ... ) وَقَوله فِي العذار (نسج الْفضل عَلَيْهِ ... حلَّة تنمو وقارا) (فِي المجياحين حلت ... رقم الْحسن عذارا) وَقَوله فِي الْخَال (خَال الحبيب بدا فِي الخد مبتهجا ... وَالْقلب من شغف للخال قد جنحا) (قد عَمه الْحسن يَا من خَاله حسن ... وَالْعم فِي خدمَة للخال مَا برحا) وَقَوله (يَا رب إِن فؤاد الصب فِي قلق ... وَالْخَال من ذَا المفدى زَاده قلقا) (يَبْدُو على الْجيد فِي صفحات منظره ... كحب مسك عَلَاء الْحسن فاتفقا) وَقَوله (يَا خَاله لما بدا ... فِي عرش خد واستوى) (أوحى لصدغ آيَة ... تَدْعُو كرا مَا للهوى) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فِي يَوْم السبت السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وَخمسين وَألف وَتُوفِّي يَوْم السبت الثَّانِي عشر من الْمحرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف بِالْمَدِينَةِ المنورة وَدفن بِالبَقِيعِ عبد الْجواد بن شُعَيْب بن أَحْمد بن عباد بن شُعَيْب القنائي الأَصْل الخوانكي المولد والمنشأ ثمَّ الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْأنْصَارِيّ القضائي الوفائي من عُلَمَاء مصر وأدبائها صوفي المشرب إِذا حدث أعجب وأبدع وَأغْرب وَكَانَ كثير الْحِفْظ للأشعار ونوادر الْأَخْبَار ذَا نظر فِي الْعلم دَقِيق وَزِيَادَة حذق وَتَحْقِيق وتقوى ظَاهره وَمظَاهر باهره أَخذ عَن النُّور الزيَادي وَمن فِي طبقته وَعنهُ أَخذ جمَاعَة وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا رِسَالَة بديعة فِي الاستعارات سَمَّاهَا القهوة المدارة فِي تَقْسِيم الِاسْتِعَارَة ونظم الورقات والنسيم العاطر فِي تَقْسِيم الخاطر والعظة الوفية فِي يقظة الصُّوفِيَّة وكشف الريب عَن مَاء الْغَيْب شرح الأبيات الثَّلَاثَة وَهِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 (تَوَضَّأ بِمَاء الْغَيْب إِن كنت ذَا سر ... والا تيَمّم بالصعيد وبالصخر) (وَقدم إِمَامًا كنت أَنْت إِمَامه ... وصل صَلَاة الْعَصْر فِي أول الْفجْر) (فهذي صَلَاة العارفين برَبهمْ ... فَإِن كنت مِنْهُم فامزج الْبر بالبحر) وَمن شعره قَوْله فِي ضَابِط همز الْوَصْل وهمز الْقطع (زد همزَة الْوَصْل لماض كاغندى ... وَالْأَمر والمصدر مِنْهُ وَإِذا) (أمرت من نَحْو اخش واغز وارم ... وَفِي ابنم وَابْن وَفِي است وَاسم) (واثنين واثنتين وَايْم وامرىء ... وَامْرَأَة وهمز أل كالنبأ) (وهمز كرام وَنَحْو اقْطَعْ ... وَفعل ذِي تكلم كادعي) (وَصفَة قد شبهت وَفِي ندا ... جلالة حَرَّره مُعْتَمدًا) (عبد الْجواد بن شُعَيْب فَادع لَهُ ... كي يلهم الْجَواب عِنْد المسئلة) وَله ضَابِط مَا يجوز فِيهِ عود الضَّمِير على مُتَأَخّر لفظا ورتبة (فِي سنة أخر ضميراً لفظا ... ورتبة واحرص عَلَيْهَا حفظا) (الْأَمر والشان وَرب وَالْبدل ... نعم وَبئسَ مَعَ تنَازع الْعَمَل) وَله ضَابِط مَا يعلق بِهِ الْعَامِل (يعلق فعل الْقلب مَا ثمَّ لَا وان ... لنفي وَلَام الِابْتِدَاء مَعَ الْقسم) (كَذَلِك الِاسْتِفْهَام بالحرف دَائِما ... أَو الِاسْم فاعرف أَيهَا الْمُفْرد الْعلم) وَمن غزلياته قَوْله (مَا اصْطفى قلبِي إِلَّا مصطفى ... هُوَ حسبي من حبيب وَكفى) (أسعد الله تَعَالَى طالعاً ... حل فِيهِ وَأرَاهُ الشرفا) (مَا عَلَيْهِ لَو سقاني رِيقه ... إِنَّه الشهد وَفِي الشهد شفا) (إِن وفى الدَّهْر بِهِ فِي لَيْلَة ... فَهُوَ عِنْدِي دَائِما أهل الوفا) وَمن مدائحه قَوْله (حسبي الَّذِي لم يخب من احتسبه ... من الْمَعَالِي إِلَيْهِ منتسبه) (أكْرم من أكْرم العفاة وَمن ... أسدى إِلَى مرتجيه مطلبه) (أكمل من تجتني فَوَائده ... أَفْئِدَة الوافدين والطلبه) (أسمح من يمنح الجزيل وَمَا ... يطْلب شكرا جَزَاء مَا وهبه) (يبصر من خلف ستر هيكله ... كناظر والزجاج مَا حجبه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 (ينقش فِي لوح سره صوراً ... عَن غَيره فِي الْوُجُود محتجبه) (فيصدر الْأَمر عَن حَقِيقَته ... متسق الْحسن بادياً حببه) قدم مَكَّة حَاجا وجاور بهَا سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَأخذ عَنهُ بهَا كثير من فضلائها وَرجع إِلَى بَلَده وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف عبد الْجواد بن مُحَمَّد بن أَحْمد المنوفي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي الأديب اللوذعي كَانَ فَاضلا أديباً حسن المذاكرة أَخذ بِمَكَّة عَن علمائها وَولي بهَا مدرسة ورزق بعض مَعْلُوم من الرّوم فتعصب عَلَيْهِ جمَاعَة ومنعوه من ذَلِك فَرَحل إِلَى مصر وَأقَام بهَا وَكَانَ أَبوهُ حَيا وَكَانَ لَهُ فِي مبدأ أمره ثروة وغناء فتضايق وَلم يقر لَهُ بِمصْر قَرَار دون أَن سَافر إِلَى الرّوم فصحبه وَلَده هَذَا ثمَّ رجعا فَمَاتَ وَالِده بِالشَّام فتكدّر حَاله ثمَّ لحق بِالْحرم الْمَكِّيّ فتقدّم عِنْد الشريف وَبلغ رُتْبَة عالية وَقد ذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي السلافة فَقَالَ فِي وَصفه جواد علم لَا يكبو وحسام فضل لَا ينبو سبق فِي ميدان الْفضل أقرانه واجتلى من سعد جده ومجده قرانه وَولى الْقَضَاء مرّة بعد أُخْرَى فكسى بمنصبه شرفاً وفخراً ثمَّ تقلد منصب الْفَتْوَى فبرز فِيهَا إِلَى الْغَايَة القصوى مَعَ تحليه بِالْإِمَامَةِ والخطابة والهمة الَّتِي مَلأ بهَا من الثَّنَاء وطابه وَكَانَت لَهُ عِنْد شرِيف مَكَّة الْمنزلَة الْعليا والمكانة الَّتِي لَا تنافسه فِيهَا الدُّنْيَا إِلَى أَن دَعَاهُ ربه فَقضى نحبه قَالَ وَقد وقفت لَهُ على رِسَالَة فِي شرح الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين وهما (من قصر اللَّيْل إِذا زرتني ... أَشْكُو وتشكين من الطول) (عدوّ شانيك وشانيهما ... أصبح مَشْغُولًا بمشغول) أبدع فِيهَا وَأغْرب ثمَّ أورد لَهُ من شعره قَوْله (أتزعم أَنَّك الخدن المفدّى ... وَأَنت مصادق أعداي حَقًا) (إليّ إليّ فَاجْعَلْنِي صديقا ... وصادق من أصادقه محقا) (وجانب من أعاديه إِذا مَا ... أردْت تكون لي خدناً وَتبقى) وَهُوَ ينظر إِلَى قَول الآخر (إِذا صافي صديقك من تعادي ... فقد عاداك وانفصل الْكَلَام) وَبَينه وَبَين أهل عصره من المكيين وَغَيرهم مطارحات ومراسلات كَثِيرَة وَله فِي الْأَشْرَاف الحسنيين مُلُوك مَكَّة مدائح خطيرة أَعرَضت عَنْهَا لطولها انْتهى وَذكر عبد الْبر الفيومي فِي المنتزه أَن لَهُ تآليف مِنْهَا شرح على الأجرومية وتحريراته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 ومنشآته كَثِيرَة وَله شعر فائق مِنْهُ قَوْله من قصيدة مدح بهَا الْأَمِير مُحَمَّد بن فروخ أَمِير الْحَاج الشَّامي فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف يتشكى من جور الزَّمَان ويلتجي إِلَيْهِ مِمَّا نابه ومطلعها (لأيّ كَمَال مِنْك مَالك أذكر ... وأيّ جميل من جميلك أشكر) (جمعت كمالاً فِي سواك مفرّقاً ... وَأَنت بِهِ فَرد وجمعك أَكثر) وَمِنْهَا وَهُوَ مَحل الشَّاهِد (فيا أَيهَا الشهم الهزبر الَّذِي إِذا ... دَعَاهُ امْرُؤ أغناه إِذْ هُوَ مفقر) (إليّ فَمَا لي غير سوحك منجد ... أمس بوجهي بَابه وأغفر) (وَقد ضَاقَتْ الدُّنْيَا عليّ بأسرها ... وضقت بهَا ذرعاً وقفري مقفر) (وَأَنت لنا غيث إِذا شح ماطر ... وماسح يرْوى الممطرين ويمطر) (وَأَنت الَّذِي قد عَم وكف أكفه ... بِوَزْن نضار لَا بمزن يدرّر) (وسائله نيلاً وسائله تراى ... مَقَاصِد عَمَّن رامها لَيْسَ تقصر) (إليّ وَفرج مَا انطوى فِي جوانحي ... من الْهم حَتَّى بعد لَا أتأمر) (فكم لَك فِي يَوْم الوغى من مفارج ... وَمن فرج فرجتها حِين تنصر) (وَكم لَك فِي الْحجَّاج آي جميلَة ... يقصر عَنْهَا فِي منى الْفضل قَيْصر) (وَكم لَك فِينَا أهل مَكَّة من يَد ... وَمن حَسَنَات فَضلهَا لَيْسَ يحصر) (وماذا عَسى أحصى صفاتك والورى ... بأجمعهم عَن وصف فضلك تقصر) وَكَانَ بَينه وَبَين عبد الْبر الْمَذْكُور مَوَدَّة وصداقة صُحْبَة زمن إِقَامَته بِمصْر وَقد أثنى عَلَيْهِ كثيرا قَالَ وَقد سَأَلَني عَن معنى بَيْتَيْنِ للنواجي وهما (جثثت القوافي فِي طَرِيق رضائه ... بتأسيس نظم مَا نحاه خَلِيل) (فأطنب ردف فِي الْخُرُوج بوصله ... وأوجز خصر فِي الْوَفَاء دخيل) وضمنها قصيدة لَهُ طَوِيلَة يسْأَل فِيهَا عَن مَعْنَاهُمَا مطْلعهَا (شُرُوح متون الْمَدْح فِيك تطول ... فَكيف مقالي وَالْمقَام طَوِيل) (وَكَيف اقتفائي فِي الثَّنَاء عروضكم ... وقفر القوافي فِي مَا إِلَيْهِ وُصُول) (وَكَيف اقتطافي زهر روض مديحكم ... وجسم انتحالي فِي القريض نحيل) قَالَ فأجبته بقصيدة تَتَضَمَّن مَعْنَاهُمَا مطْلعهَا (ترفق دليلي فالطريق طَوِيل ... وحادي ركاب الظاعنين مطيل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 (عَسى يقتفي من قد تخلف إثرهم ... وَيهْدِي بهم من للرشاد يمِيل) (فطبع الموَالِي يكرمون نَزِيلهُمْ ... ويولونه الْإِحْسَان وَهُوَ نزيل) (وَأَنِّي وَإِن كَانَ الطَّرِيق مجندلاً ... فلي بِاتِّبَاع السَّابِقين وُصُول) وَذَلِكَ ضمن رِسَالَة مَشْهُورَة سميتها الذكاء المسكي فِي جَوَاب الْفَاضِل الْمَكِّيّ قَالَ وَأرْسلت لَهُ مَكْتُوبًا وَأَنا بالروم إِلَى مَكَّة مَعَ بعض الْحجَّاج عنونته ببيتين وهما (لم أنس عهدي بكم وَالطير ساجعة ... وَالرَّوْض زاه وَربع الْحَيّ مأنوس) (وَإِن بعدتم فَإِن الْقلب عنْدكُمْ ... والجسم بالروم دون الْعود مأيوس) وَكَانَت وَفَاته خَامِس شَوَّال سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف بِالطَّائِف وَدفن بِقرب تربة ابْن عَبَّاس عبد الْجواد بن نور الدّين الْبُرُلُّسِيّ الْمصْرِيّ خطيب جَامع الْأَزْهَر الإِمَام الْجَلِيل الَّذِي فَضله أعظم من أَن يذكر وَأشهر من أَن يشهر أَخذ عَن وَالِده وَبِه تخرج وبرع وتفنن فِي عُلُوم كَثِيرَة وانتفع بِهِ جمع وَكَانَ لَهُ وجاهة ونباهة ونظم الشّعْر الْفَائِق واشتغل بُرْهَة بعلوم الرَّقَائِق وَكَانَ خَطِيبًا مصقعاً وَمن لطيف شعره قَوْله من رِسَالَة (أودى إِلَى أعتاب عزتك الْعليا ... سَلاما سعى بالودّ نحوكم سعيا) (وأنهى إِلَى ذَاك الْوَجِيه مدائحاً ... وأدعية فِي أَزْهَر الْعلم والمحيا) (وَأبْدى لَهُ وجدي وفرط تشوّقي ... رعى الله عهدا قد تقضى بِهِ رعيا) (وأنشدكم بِاللَّه عطفا على فَتى ... لبعدكم لم يلف صبرا وَلَا عيا) (فَأَنت وجيه الدّين غَايَة مقصدي ... لبعدك باشرت المتاعب والإعيا) (بقيت لنفع النَّاس فِي خير موطن ... تعطر أرجاء الأباطح بالفتيا) وَمن مدائحه قَوْله مهنئاً بعض قُضَاة مصر بإبلال من مرض (يَا سيداً بفضله ... يرقى لهامات القمم) (لَا زلت فِي عافيةٍ ... والضدّ فِي كل وغم) (فِي صِحَة دائمةٍ ... يَا ذَا الْكَمَال والهمم) (برؤك يَا كنز الْهدى ... بِهِ السرُور قد ألم) (تَارِيخه مَعَ عجل ... بَرِئت من كل سقم) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته خَامِس عشري شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف بِمصْر والبرلسي بِضَم الْمُوَحدَة وَالرَّاء وَاللَّام مَعَ تشديدها نِسْبَة إِلَى البرلس ثغر عَظِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 من سواحل مصر عبد الْجواد الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الصَّالح المجذوب نزيل دمشق ذكره النَّجْم الْغَزِّي فِي ذيله وَقَالَ فِي تَرْجَمته كَانَ يعلم الْأَطْفَال بالبقاع وَغَيره من أَعمال دمشق ثمَّ قطن دمشق وَقَرَأَ بهَا وَحفظ بعض الْمسَائِل ثمَّ غلب عَلَيْهِ الوسواس حَتَّى وصل إِلَى أُمُور عَجِيبَة وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الجذب وَكَانَ يكره التَّسْمِيَة بِعَبْد الْجواد وَيَقُول مَا أسمى نَفسِي إِلَّا مُحَمَّد الْمُؤَيد الْمَنْصُور وَيعْتَذر عَن ذَلِك بِأَن الْعَامَّة تشدد الْوَاو فَتكون تَسْمِيَته سَببا لتغيير اسْم الله تَعَالَى وكف بَصَره فِي آخر الْأَمر وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك كشف رَأسه عِنْد الْوضُوء وَكَثْرَة صب المَاء عَلَيْهِ ثمَّ مَاتَ بعلة الاسْتِسْقَاء فِي أَوَاخِر الْمحرم سنة سبع عشرَة بعد الْألف عبد الحفيظ بن عبد الله المهلا الهدوي الشرفي قَالَ حفيده الْحُسَيْن حرسه الله من الْغَيْن فِي وَصفه كَانَ إِمَامًا فِي عُلُوم الِاجْتِهَاد لَهُ فَضَائِل أذعنت لَهَا أَرْبَاب التَّحْقِيق فِي كل الْبِلَاد وَكَانَ يملي من التَّحْقِيق فِي جَمِيع الْعُلُوم مَا تَنْشَرِح لَهُ صُدُور الأمجاد ويحفظ فِي جَمِيع الْعُلُوم مؤلفات عديدة مَعَ شروحها بِحَيْثُ كَانَ لَا يمر فِي طَرِيق أَو غَيرهَا إِلَّا وَهُوَ يملي عَليّ من صَحبه من فوائدها وينبه على مباحثها سهل الْإِمْلَاء عَظِيم الِاطِّلَاع لطيف الشَّمَائِل وَكَانَ لَا يمر فِي علم التَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث والنحو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان وَالْعرُوض وَسَائِر الْعُلُوم راو إِلَّا وأملى أَحْوَاله وأخباره ونظمه ونثره وَسيرَته ووفاته وَمَا يتَعَلَّق بذلك من جرح وتعديل وَضبط وَحفظ وَلَا بِبَيْت شعر إِلَّا وأملى مَا بعده وَمَا قبله وقائله وأخباره وَسبب نظمه وَكَانَ من الملكة فِي الْأَصْلَيْنِ بِأَعْلَى الْمَرَاتِب وَمن سَائِر الْعُلُوم بِالْمحل الَّذِي لَا يخفى على أحد أَخذ عَن وَالِده وَسمع عَلَيْهِ كتبا كَثِيرَة من كتب الْفُرُوع مِنْهَا الأزهار للْإِمَام الْمهْدي وَشَرحه لِابْنِ مِفْتَاح والتذكرة للفقيه حسن وَالْكَوَاكِب عَلَيْهَا وَالْأَحْكَام للهادي إِلَى الْحق يحيى بن الْحُسَيْن وَشرح القَاضِي زيد إِلَّا الرّبع الْأَخير وَالْبَيَان لِابْنِ مظفر والتبيان لَهُ والبستان وَالْبَحْر الزخار للْإِمَام الْمهْدي وَشَرحه للْإِمَام عز الدّين وَابْن مرسم والأثمار للْإِمَام شرف الدّين وَشرح ابْن بهران عَلَيْهِ وَتَخْرِيج أَحَادِيث الْبَحْر لَهُ وَغير ذَلِك من كتب الْفِقْه وَسمع كثيرا من أصُول الْفِقْه المعيار وَشَرحه الْمِنْهَاج للْإِمَام الْمهْدي والفصول وحواشيه ومختصر الْمُنْتَهى لِابْنِ الْحَاجِب وَشَرحه للعضد مَعَ حَاشِيَة التَّفْتَازَانِيّ عَلَيْهِ والرفو للنيسابوري والكافل لِابْنِ بهران وَمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 كتب النَّحْو الكافية لِابْنِ الْحَاجِب وَشَرحهَا للرضي وَابْن تياح والرصاص وحاشية السَّيِّد الْمُفْتِي عَلَيْهَا والخبيصي والطاهرية وشروحها والفصل وشروحها المتداولة وَمن التصريف الشافية وَشَرحهَا للرضي وركن الدّين وَمن الْمعَانِي التَّلْخِيص وشروحه المطول والمختصر ومفتاح السكاكي وَشَرحه للسَّيِّد وَمن كتب اللُّغَة كِفَايَة المتحفظ وضياء الحلوم والقاموس الْمُحِيط وديوان الْأَدَب ونظام الْغَرِيب والمقامات للحريري وَشَرحهَا للمسعودي وَغَيرهَا من كتب الْفَرَائِض الْمِفْتَاح للضنفري والشاطري عَلَيْهَا وَشرح الخالدي إِلَّا الضَّرْب آخِره والوسيط للْقَاضِي أَحْمد بن نسر وَشرح الْأَعْرَج على الْمِفْتَاح وَمن كتب التَّفْسِير الْكَشَّاف والثمرات للفقيه يُوسُف وَتَجْرِيد الْكَشَّاف والاتقان للسيوطي وَشرح الْخَمْسمِائَةِ للتحري وتهذيب الْحَاكِم وَالْبَغوِيّ والبيضاوي وَمن كتب الْمنطق ايساغوجي وَشَرحه للكاتي والشمسية وَشَرحهَا للقطب والتهذيب للسعد وَشَرحه للشيرازي واليزدي وَمن كتب الْعرُوض الْمُخْتَصر الشافي لِابْنِ بهران وَغَيره وَمن كتب الطَّرِيقَة تصفية الامام يحيى والإرشاد للعبسي وكنز الرشاد للْإِمَام عز الدّين وَكتاب الْبركَة للحبيشي وَغَيرهَا وَفِي أصُول الدّين المعيار للنجري والمنهاج للقرشي وَشَرحه للْإِمَام عز الدّين وَشرح الْأُصُول الْخمس للسَّيِّد مانكديم وَشرح قَوَاعِد النَّسَفِيّ للتفتازاني وَسمع عَلَيْهِ سيرة ابْن هِشَام وبهجة العامري وَشَرحهَا لمُحَمد بن أبي بكر الأشخر وتاريخ ابْن خلكان وتاريخ الرّبيع والبائية وَشَرحهَا للرصيف وَمن كتب الحَدِيث أصُول الْأَحْكَام للْإِمَام أَحْمد بن سُلَيْمَان وشفاء الْأَمِير الْحُسَيْن وتتمته للسَّيِّد صَلَاح بن الْحَلَال وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَتَجْرِيد الْأُصُول لهبة الله الْبَارِزِيّ وَغَيرهَا وَأَجَازَ لَهُ سَائِر مسموعاته على كثرتها وأماما سَمعه على غَيره فكثير فَسمع الأساس على مُؤَلفه الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ بداره بحصن شهاره وَأَجَازَهُ بِهِ وبمرورياته وَسمع طرفا من عُلُوم أهل الْبَيْت على الإِمَام مُحَمَّد الْمُؤَيد بن الإِمَام الْقَاسِم وَسمع غَايَة السول على مُؤَلفه السَّيِّد الْحُسَيْن بن الْقَاسِم مَعَ إملاء مَا تيَسّر من شَرحه مَعَ المعاونة بِالنّظرِ فِي المباحث وَسمع المطول والمختصر للسعد على السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن صَلَاح وعَلى القَاضِي الْعَلامَة الْحسن بن سعيد الفيرري وَسمع ايساغوجي وَشَرحه على السَّيِّد النَّاصِر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن بنت النَّاصِر بِصَنْعَاء وَأخذ الْعرُوض عَن الْفَقِيه الأديب مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْعَرُوضِي وَسمع الْقُرْآن لنافع وراوييه على الْفَقِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 الْمقري الْمهْدي الْبَصِير بِصَنْعَاء وعَلى الْفَقِيه صَلَاح الْوَاسِع كَذَلِك فِي مَسْجِد دَاوُد بِصَنْعَاء وعَلى الْفَقِيه مُحَمَّد بن صَالح الأصابي الْمَكِّيّ وَسمع بزييد صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْجَامِع الصَّغِير وذيله للسيوطي وتمييز الطّيب من الْخَبيث فِي علم الحَدِيث للديبع والتيسير الْجَامِع للأمهات السِّت البُخَارِيّ وَمُسلم والموطأ وَسنَن أبي دَاوُد وجامع التِّرْمِذِيّ وَسنَن النَّسَائِيّ على الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث مُحَمَّد بن الصّديق الْخَاص السراج الخنفي سنة تسع وَأَرْبَعين وَبَعضه فِي سنة خمسين وَأَجَازَهُ بمرورياته بِإِجَازَة كتبهَا لَهُ سنة خمسين وَألف وَسمع أَيْضا صَحِيح البُخَارِيّ على الْفَقِيه الْعَلامَة عَليّ بن أَحْمد الحشيبري وَسمع على الْفَقِيه الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن مطير جمع الْجَوَامِع للسبكي وصحيح البُخَارِيّ وَتَفْسِير الْبَغَوِيّ فِي بَيت الْفَقِيه الزيدية وَفِي مَدِينَة زبيد وَسمع صَحِيح البُخَارِيّ أَيْضا على الْفَقِيه الْعَلامَة عبد الْوَهَّاب بن الصّديق الْخَاص الزبيدِيّ وَسمع الْجَامِع الصَّغِير وصحيح مُسلم على الْفَقِيه الْعَلامَة مُحَمَّد بن عمر حشيبر الْحَافِظ الْمُحدث فِي بَيت الْفَقِيه الزيدية وَكَانَ يحضر فِي قِرَاءَة هَذِه الْكتب مَا يتَعَلَّق بهَا من المصنفات فِي عُلُوم الحَدِيث وَرِجَاله وَتَفْسِير غَرِيبَة وَأَجَازَهُ مشايخه المذكورون بِسَائِر مسموعاتهم ومجازاتهم وَذكر لَهُ عدَّة أَسَانِيد أَعرَضت عَنْهَا لطولها وَبِمَا ذكر تعرف جلالة قدره وَطول بَاعه فِي جَمِيع الْعُلُوم وَله أجوبة على مسَائِل كَثِيرَة وَردت عَلَيْهِ من عُلَمَاء ذَلِك الزَّمَان ورسائل بليغة وخطب رائقة وأشعار فائقة وَلما أنْشد بعض من حضر مجْلِس سَمَاعه فِي الحَدِيث بزبيد المحروسة على شَيْخه مُحَمَّد الْخَاص الحني بَيْتِي ابْن حزم الظَّاهِرِيّ وهما (إِن كنت كَاذِبَة الَّتِي حَدَّثتنِي ... فَعَلَيْك إِثْم أبي حنيفَة أوزفر) (الواثبين على الْقيَاس تمردا ... والراغبين عَن التَّمَسُّك بالأثر) أَخذ الشَّيْخ فِي ذمّ ابْن حزم لَا جلهما فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة بديهة (مَا كَانَ يحسن يَا ابْن حزم ذمّ من ... حَاز الْعُلُوم وفَاق فضلا واشتهر) (فَأَبُو حنيفَة فَضله متواتر ... وَنَظِيره فِي الْفضل صَاحبه زفر) (أَن لم تكن قد تبت من هَذَا فَفِي ... ظَنِّي بأنك لَا تبَاعد عَن سفر) (لَيْسَ الْقيَاس مَعَ وجود أَدِلَّة ... للْحكم من نَص الْكتاب أَو الْخَبَر) (لكنّ مَعَ عدم تقاس أَدِلَّة ... وبذاك قدوصي معَاذ إِذْ أَمر) فأعجب الْحَاضِرُونَ بذلك وكتبوه عَنهُ فِي الْحَال وَحضر مجْلِس التدريس فِي بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 الْأَيَّام وَهُوَ فِي قَمِيص أَزْرَق اللَّوْن وَوَجهه يتلألأ كَالْقَمَرِ فَأَنْشد وَلَده النَّاصِر فِي الْحَال (أَبَد ربداً فِي لون زرقاء أَخْضَر ... تضوّع من طيبين مسك وَعَنْبَر) (قد انتعل الْجَوْز مجداً ورفعة ... كَمَا أَنه للجود وَالْحَمْد مُشْتَرِي) (بني عرشة فَوق السماك علومه ... سرى هديها فِي كل واع ومبصر) (ويملي لنا من كل فنّ دقائقاً ... يضن بهَا عَن أَن تبَاع بجوهر) (فَللَّه من قَامُوس علم وبحره ... مُحِيط بأنباء صِحَاح لجوهري) (وَعلم حَدِيث والأصولين أَنَّهَا ... لمن بعض مَا يملي ويقري وأيسر) (حقيق بِمَا قد قَالَه خير نَاظر ... خَبِير بأرباب المكارم أشهر) (فَمَا خلقت إِلَّا لطرس أكفه ... وأقدامه إِلَّا لسرج ومنبر) وَله من الْفَضَائِل والفواضل وَالتَّحْقِيق فِي الْعُلُوم ولطائف النّظم والنثر مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحصْر وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْخَمِيس سلح شهر ربيع الأول سنة سبع وَسبعين وَألف وَحضر للصَّلَاة عَلَيْهِ عَالم كثير من جَمِيع الْجِهَات وقبره بالإشغاف من عمل الشجعة مَشْهُور ورثاء عُلَمَاء الْعَصْر بمراث بليغة كَثِيرَة مِنْهَا قَول السَّيِّد جمال الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح بن الْهَادِي الوشلي قصيدة مِنْهَا (الله أكبر كل خطب هَين ... الْأَعْلَى عبد الحفيظ فيكبر) (حبر الْأَنَام وَحجَّة الْإِسْلَام أَن ... أَمر عرى وَالْعَاقِب المتبصر) (أعْطى الْجِهَاد حُقُوقه وسمت بِهِ ... للِاجْتِهَاد عوارف لَا تنكر) وَمِنْهُم الْعَلامَة عَليّ بن مُحَمَّد بن سَلامَة عَالم صنعاء رثاه بقصيدة مطْلعهَا (مادت جبال بالتهائم والشرف ... وذوت غصون للفضائل والشرف) (وتضعضعت أَرْكَان مجد شامخ ... للفضل فِي الْعلم الشريف لمن عرف) ورثاء السَّيِّد يحيى بن أَحْمد الشَّرّ فِي نظما ونثرا من ذَلِك قَوْله أول قصيدة (قَضَاء لَا يرد وَلَا يعاب ... وَحكم من مدبره صَوَاب) ورثاه القَاضِي حفظ الله بن مُحَمَّد بن سُهَيْل (هَل قد دحي الْبَحْر الْمُحِيط نضوبه ... أم ذِي الْجبَال الراسيات تسير) (أوآن مِنْهَا كسفا أم دكت ... الأرضون أَن هذي السما تتفظر) (أم مَاتَ ذُو الْفضل الشهير وَمن لَهُ ... بَين الْخَلَائق مفخر لَا يُنكر) (عبد الحفيظ الْعَالم الْعَلامَة النّدب ... الذكي الْعَارِف المتجر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 (ذُو الِاجْتِهَاد وَذُو الْجِهَاد فمنهما ... يحمى العثار بِهِ ويحمى العثير) ورثاه حفيده القَاضِي حُسَيْن بن النَّاصِر بمراث طَوِيلَة مِنْهَا قصيدة أَولهَا (الأَرْض ترجف والسحائب تمطر ... لوفاة بحرٍ بالفضائل يزخر) مِنْهَا (عضد لأرباب الْأُصُول وَغَايَة ... مِنْهَا الشموس بَدَت لنا والأقمر) (وبفكره الصافي تحصل للورى ... علم بِهِ تَصْدِيقه يتصوّر) (وغدت قضاياها موجهة بِمَا ... يدرى بغامض أمرهَا من يبصر) وَمِنْهَا (فالمجد مَرْفُوع بِذَاكَ ومرسل ... وَكَأَنَّهُ يَا حبذا مَا يهمر) (لم يَنْقَطِع عَن فَضله ذُو فطنة ... فَيُقَال مَتْرُوك هُنَاكَ ومنكر) (لم يبْق للموضوع فِي أَيَّامه ... أصل يشاد وَلَا طَرِيق يظْهر) عبد الْحق بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْحِمصِي الأَصْل الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الملقب زين الدّين الْحِجَازِي الْفَاضِل الأديب الْمَشْهُور ذكره كثير من المنشئين وَأَصْحَاب التواريخ والمجاميع وأثنوا عَلَيْهِ وَكَانَ معمور الْأَطْرَاف كَامِل الأدوات أديباً مُتَمَكنًا من فنون كَثِيرَة جيد الفكرة لطيف المعاشرة وَكَانَ اشْتِغَاله على وَالِده وغلبت عَلَيْهِ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة مَعَ إحاطة تَامَّة بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُول وَصَحب الشَّيْخ مُحَمَّد بن عمر بن فواز الْآتِي ذكره وَكَانَ يَسْتَفِيد مِنْهُ فِي صُورَة المذاكرة وَأكْثر انتفاعه بِهِ وَله مَعَه مطارحات مَقْبُولَة مِنْهَا مَا كتبه الْحِجَازِي إِلَيْهِ وَقد انْقَطع عَنهُ مجافياً (يَا غَائِبا والذنب ذَنْبك ... متعتباً الله حَسبك) (لَا تبعدن فَإِنَّمَا ... أملي من الْأَيَّام قربك) (فلأصبرن وأرضين ... بِمَا قَضَاهُ الله رَبك) وَكَانَ خرج فِي شبيبته إِلَى حلب مغاضباً لوالده فَبعث إِلَيْهِ من رده وَرجع بِهِ واستمرت الشحناء بَينهمَا مُدَّة حياتهما وَكَانَ يجفو أَبَاهُ ويهجره وَهُوَ يُقَابله بالمحبة وَلم يزل على مجافاته حَتَّى سَافر إِلَى الرّوم فِي سنة أَربع بعد الْألف وَأخذ عَن أَبِيه الْمدرسَة التقوية وَدَار الحَدِيث الأشرفية وبقيتا عَلَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ ودرس ببقعة فِي الْجَامِع الْأمَوِي وَكَانَ لَهُ حجرَة بالجامع القلعي فِي سوق جقمق وَكَانَت الطّلبَة يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ بهَا وَيَأْخُذُونَ عَنهُ وَكَانَ كثير الْفَائِدَة طَوِيل الباع فِي النّظم والنثر وَله شعر كُله نَفِيس حسن التخيل متين التَّرْكِيب فَمن ذَلِك قَوْله من قصيدة مطْلعهَا (بَين جنبيّ للتفرق نَار ... وبخديّ للبكا أَنهَار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 (وبقلبي لواعج من شجون ... هيجتها الأطلال والْآثَار) (أَربع كنّ للأوانس مرعى ... فَهِيَ الْآن للكوانس دَار) (نهبتها أَيدي الروامس نهباً ... مِثْلَمَا تنهب الْعُقُول الْعقار) (جللتها ثوب العفاء السَّوَارِي ... ومحتها الرِّيَاح والأمطار) (طلل حلّه الأوابد لما ... نعبت فِيهِ للنوى أطيار) (كنت والدور بالدمى آهلات ... جزعاً كَيفَ أَنْت وَهِي قفار) (أدلجوا للسرى وَسَارُوا سرَاعًا ... وخلت أَربع لَهُم وديار) (أوحشوا ربعهم فليت العوادي ... ساعدتهم وليتهم مَا سَارُوا) (وتراموا بِكُل خرق مخوف ... صيخد لَا يرى بهَا سفار) (هُوَ جلّ تتْرك العباهل صرعى ... وَبهَا للردى يخاض غمار) (وَكَأن الْأَعْلَام إِذْ تتراآى ... شامخات الذرى غُبَار مثار) (والفيافي كأنهن طروس ... وكأنّ الركائب الأسطار) (ورياح الجداء فِيهِنَّ تزجى ... سفن عبس لَهَا السراب بحار) (وكأنّ الأحداج أكمام طلع ... وَلها الْبيض والدمى أزهار) (قاصرات عين أوانس غيد ... عَن هواهن لَيْسَ لي أقصار) (بِفُرُوع كأنهن الدياجي ... ووجوه كَأَنَّهَا الأقمار) (وَلكم راعني لئيم بلؤم ... هُوَ مِنْهُ سفاهة واغترار) (كَيفَ أسلو عَن منهل طَابَ ريا ... لي مِنْهُ الْإِيرَاد والإصدار) (وخيال ألم الركب ساه ... وكؤوس الْكرَى عَلَيْهِم تدار) (قلت لما طوى القفار ووافى ... وأضاءت لزوره الأقطار) (بدر أفق أنار أم لمع برق ... يتلالى أم كَوْكَب أم نَار) (أم سليمى إِذْ جنني اللَّيْل زارت ... فغدا وَهُوَ من سناها نَهَار) (ساورتني الأحزان واقتسمتني ... فِي هَواهَا الهموم والأكدار) (مثل مَا اجتازت الْحَوَادِث جَاءَت ... وسطت فيّ لَا كَمَا أخْتَار) (وكذاك الْأَيَّام تسطو بِذِي الْفضل ... وللدهر غفوة واعتذار) (هَل مجير من حادثات اللَّيَالِي ... لَيْسَ شخص على الخطوب يجار) (مصلت صارمي عناد وبغي ... زمن لَيْسَ مِنْهُ يدْرك ثار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 (ألبستني لَهُ سوابغ بَأْس ... عَزمَات لم يثنها أضجار) وَهِي طَوِيلَة وَمَا أوردناه مِنْهَا كَاف فِي الدّلَالَة على حسن انسجامها ومتانة لَفظهَا وَله من قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا (أعرت خدود الغيد من مهجتي جمرا ... وعلقن فِي الأجياد من مدمعي درا) (ومعرك حَرْب فِي فُؤَادِي أثاره ... من الشوق جَيش لَا يُحِيط بِهِ خَبرا) (على هدف الأحشاء وَقع سهامه ... يفوّقها للقلب فتاكة عذرا) (وَقَالُوا تصبر قلت شَيْء جهلته ... وَكَيف يُطيق الصَّبْر من يجهل الصبرا) (خليليّ عوجا بَارك الله فيكما ... وحثا المطايا واقصدا الرند والسدرا) (فلي فِيهِ خود بالصدود تسربلت ... وَقد تخذت سمر الرماح لَهَا خدرا) (ربيبة ألوت بعزم تجلدي ... وأذكت على الأحشاء من نأيها جمرا) (أَبى الْقلب إِلَّا أَن يكون بهَا مغرى ... ومذ أيقنت سوق العدا أخذت حذرا) (وَكم حذرتني فِي هَواهَا عواذلي ... وَلَا أَحسب التحذير إِلَّا بهَا أغرا) (أَلا أَيهَا الْقلب الَّذِي لج فِي الْهوى ... إلام الوفا والغيد أزمعت الغدرا) (وهذي دواعي الشيب تَدْعُو إِلَى الْهدى ... وَقد زجرتني عَن دواعي الصِّبَا زجرا) (وَقد شَاب كَبِدِي قبل رَأْسِي ولمتي ... فحتام قلبِي لَا يفِيق بهم سكرا) (وَمَا كَانَ شيبي من تطاول أزمني ... ولكنني لاقيت من دهري النكرا) أَخذ هَذَا من قَول بَعضهم (وَمَا شَاب رَأْسِي من سِنِين تَتَابَعَت ... عليّ وَلَكِن شيبتني الوقائع) وَمن جيد شعره قَوْله (وَحقّ الْهوى إِن الْهوى فِيك لم يزل ... لنا قسما لَا حنث فِيهِ عَظِيما) (لقد هجت بالألطاف لي مِنْك لوعة ... وجدّدت وجدا فِي الْفُؤَاد قَدِيما) (ومزقت صبرا كنت قدماً تخذته ... ظهيراً بِهِ ألْقى الْهوى ورحيما) (فَأَصْبَحت فِيك الْآن لَا أملك الجوى ... وَلَا أرتضي إِلَّا هَوَاك نديما) وَكَانَ بَينه وَبَين مُحَمَّد الصَّالِحِي الملقب أَمِين الدّين الْآتِي ذكره مَوَدَّة أكيدة واجتماع كثير ثمَّ انْقَطع أَمِين الدّين عَنهُ فسير إِلَيْهِ يعتبه لانقطاعه عَنهُ قَوْله (طَالَتْ الأشواق وازداد العنا ... وَتَمَادَى الْبَين فِيمَا بَيْننَا) (فامنحوا الْقرب محباً مخلصاً ... فَلَعَلَّ الْقرب يشفي مَا سنا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 (لَيْسَ فِي هَذَا عَلَيْكُم كلفة ... إِنَّمَا نطلب شَيْئا هُنَا) فَكتب إِلَيْهِ من نظمه (أَنا فِي الْقرب وَفِي الْبعد أَنا ... لَيْسَ فِي الْحَالين لي عَنْكُم غنا) (أفضل الْأَشْيَاء عِنْدِي حبكم ... وَهُوَ فِي وسط فُؤَادِي مكنا) (لَكِن الْأَيَّام أشكوها لكم ... جورها قد أورث الْجِسْم الضنا) فَرَاجعه الْحِجَازِي بقوله (قد عناني من جفاكم مَا عَنَّا ... إِذْ جعلتم هجركم لي ديدنا) (لَا أُطِيق الصَّبْر عَنْكُم سَاعَة ... أَنْتُم دون الورى عِنْدِي المنى) (لَا وَلَا يشفى غليلي قَوْلكُم ... أَنا فِي الْقرب وَفِي الْبعد أَنا) وَجمعه مجْلِس صُحْبَة أخدان لَهُ فِي بلهنية شبابه فَقَالَ هَذِه الأبيات يمدحهم بهَا (فديت معاشرا كالزهر أربت ... وُجُوههم على زهر النُّجُوم) (أحاسن من أكارم صيرتهم ... يَد الْإِحْسَان كالدر النظيم) (جلونا من محياهم حميا ... تجلى ظلمَة اللَّيْل البهيم) (جَوَاهِر زينت سلك الْمَعَالِي ... وأعلت راية الْحبّ الْكَرِيم) (رياض بنفسج وَهنا نفوس ... وكشف كرائب ودجا هموم) (وألطاف إِذا شملت شجيا ... جلت عَن قلبه كرب الهموم) (بهم نفس العلى وَالْمجد طابت ... وقرت بالهنا عين الْعُلُوم) (واصبح عقد جيد الْفضل يزهو ... بدر نظمته يَد الفهوم) (يعير الْحسن أجياد الغواني ... وَيهْدِي السحر للطرف السقيم) (ألذ من الصِّبَا لَا خي التصابي ... وألطف من مطارحة النسيم) وَكتب لبَعض أحبابه فِي صدر رِسَالَة (أحبتنا مَاذَا نُؤَدِّي رِسَالَة ... وَهل تحصر الأوراق بعض بتاريحي) (ولكنني أهدي إِلَيْكُم تَحِيَّة ... مَعَ البارق النجدي لَا نسمَة الرّيح) (فَتلك سراها بالهوينا تعللا ... ولطا لِأَنِّي مُرْسل مَعهَا روحي) (وَذَلِكَ يهدي لي السَّلَام بلمحة ... فَفرج عَن قلب من الْبَين مَجْرُوح) وَكَانَ الْحسن البوريني سَافر إِلَى ترابلس الشَّام فِي أَوَاخِر سنة ثَمَان بعد الْألف فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى دمشق حضر علماؤها للسلام عَلَيْهِ وَتَأَخر صَاحب التَّرْجَمَة لمَرض كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 عرض لَهُ فَكتب إِلَيْهِ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (أعدتم إِلَيْنَا بهمة أدبية ... بهَا افتر ثغر الْفضل وَالْعود أَحْمد) (وأحييتم وَادي دمشق بعودة ... أضاعبها فِيهِ مصلى وَمَسْجِد) وَمن غرائب حكيمياته قَوْله (نقل الطباع عَن الْإِنْسَان مُمْتَنع ... صَعب إِذا رامه من لَيْسَ من أربه) (يُرِيد شَيْئا وتأباه طبائعه ... والطبع أملك للْإنْسَان من أدبه) وَقَوله (أَلا رب من تحنو عَلَيْهِ وَلَو ترى ... طويته سَاءَ تَكُ تِلْكَ الضمائر) (فَلَا تأمن خلا وَلَا تغترر بِهِ ... إِذا لم تطب مِنْهُ لديك المخابر) وَقَوله (يزين الْبَذْل كل أخي كَمَال ... ويزري الْبُخْل بِالرجلِ البجال) (وَلَو عقل الْبَخِيل الْبُخْل يَوْمًا ... لما علقت أنامله بِمَال) وَذكره الشهَاب الخفاجي فِي كِتَابه وَقَالَ فِي تَرْجَمته رَأَيْت لَهُ جَوَابا عَن سُؤال رفع إِلَيْهِ فِي الْفرق بَين هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَأيهمَا أبدع وأبلغ وهما قَول ابْن نباتة السَّعْدِيّ فِي قصيدته الَّتِي أَولهَا (رَضِينَا وَمَا ترْضى السيوف القواضب ... نجاذبها عَن هامكم وتجاذب) (خلقنَا بأطراف القنافي ظُهُورهمْ ... عيُونا لَهَا وَقع السيوف حواجب) وَقَول أبي إِسْحَاق الْغَزِّي (خلقنَا لَهُم فِي كل عين وحاجب ... بسمر القنا وَالْبيض عينا وحاجباً) فَادّعى أَن بَيت الْغَزِّي أبدع لما فِيهِ من الصَّنَائِع كالطباق بَين السمر وَالْبيض ورد الْعَجز على الصَّدْر واللف والنشر ومراعاة النظير وَادّعى أَنه يجوز أَن يُرَاد بِالْعينِ فِيهِ الرئيس وبالحاجب من تبعه وحجابه وَالْمعْنَى رماحنا وسيوفنا نَالَتْ الْحَاجِب والمحجوب والرئيس والمرؤوس وَهُوَ مُشْتَمل على التورية والإستعارة أَيْضا وَهَذَا مِمَّا خلا عَنهُ الْبَيْت الأول مَعَ مَا فِيهِ من الإفتخار بِقِتَال أعدائهم الثابتين لَا المنهزمين فَإِنَّهُ لَا يفتخر بِمثلِهِ وَلذَا يعاب الْبَيْت الأول وَإِن ذكر صَاحب إِيضَاح الْمعَانِي أَنه أبلغ لإشتماله على زِيَادَة معنى وَهُوَ الْإِشَارَة إِلَى انهزامه وَأطَال وأسهب وَبعد وَقرب وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ صَاحب الْإِيضَاح خطيب الْمعَانِي فَإِن بَيت النباتي أحلى لما فِيهِ من التَّشْبِيه البديع لجعل أثر الطعنة المستدير عَنَّا وشطبة السَّيْف فَوْقهَا حاجبا والإغراب بِجعْل الظّهْر مَحل الْعين والحاجب وَأما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 انهزامهم فَلَا يدل على عدم شحاعتهم حَتَّى يخل بالفخر فَإِن الشجاع ينهزم مِمَّن هُوَ أَشْجَع مِنْهُ وَلذَا قيل الْفِرَار مِمَّا لَا يُطَاق من سنَن الْأَنْبِيَاء كَمَا فر مُوسَى حِين هم بِهِ القبط وَأما ماذكره من معنى الْعين والحاجب فسخيف وتخيل ضَعِيف على أَن جعل الْعين والحاجب بِمَعْنى الرئيس والمرؤوس فَمن الْعَجَائِب وَمَا ذكره من النَّقْد عَلَيْهِ نَقله ابْن الشّحْنَة فِي أَمَالِيهِ عَن الشريف المرتضى وَقَالَ إِنَّه عيب عَلَيْهِ قَوْله فِي ظُهُورهمْ وَقَالَ لَو قَالَ فِي صُدُورهمْ كَانَ أمدح لِأَن الطعْن وَالضَّرْب فِي الصَّدْر أدل على الْإِقْدَام والشجاعة للطاعن والضارب والمطعون والمضروب لِأَن الرجل إِذا وصف قرينه بالإقدام مَعَ ظُهُوره عَلَيْهِ كَانَ أمدح من وَصفه بالانهزام فَلِذَا قَالَ أَبُو تَمام (حرَام على أرماحنا طعن مُدبر ... وتندق فِي أعلا الصُّدُور صدورها) وَقد عرفت جَوَابه مِمَّا تقدم فَتذكر انْتهى وأخبار عبد الْحق وآثاره كَثِيرَة وَفِي الَّذِي أوردناه لَهُ كِفَايَة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وأقعد بالفالج نَحْو سنتَيْن ثمَّ توفّي نَهَار الاحد خَامِس عشر شهر رَمَضَان وَقت الْغَدَاة من سنة عشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير عِنْد قبر أَبِيه وَوضع على قَبره تَابُوت من دون قبر أَبِيه وَبَينه وَبَين وَالِده فِي الْوَفَاة أحد وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَقَالَ وَلَده القَاضِي إِسْمَاعِيل الْمُقدم ذكره يرثيه بِهَذِهِ الأبيات وفيهَا تاريح وَفَاته (طرف تقرح من دم متدفق ... وحشا تجرح من جوى وَتحرق) (وأسى تجمع لم يكن بمجمع ... لشتات شَمل لم يكن بمفرق) (خطب لقد صدع الجفا مِنْهُ وَمن ... بَين أُتِي من غير وعد مطبق) (ذهب الَّذِي كَانَت سحائب فَضله ... تهمى بروض بالعلوم معبق) (مولى مكارمه إِذا مَا جمعت ... فاقت على سح السَّحَاب المغدق) (وَإِذا غَدا ليل المباحث مظلما ... كَالشَّمْسِ صيره بفهم مخرق) (وَإِذا تعقد مُشكل لَك حلّه ... بيَدي إِمَام فِي الْعُلُوم مُحَقّق) (قد حَاز فضلا فِي ميادين العلى ... وَالْعلم حَتَّى إِنَّه لم يسْبق) (جاد الزَّمَان بِهِ فَعَاد بجوده ... بخلا وَكَانَ كبارق متألق) (هَيْهَات أَن يَأْتِي الزَّمَان بعالم ... يحكيه فِي حسن الصِّفَات مدقق) (مَا حيلتي والدهر لم يَك مسعفي ... وَقضى عَليّ بلوعة وتفرق) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 (يَا لَيْت يَوْمًا كَانَ فِيهِ ذَهَابه ... لَا كَانَ بل لَيْت النَّوَى لم يخلق) (بل لَيْت بدر الْأُفق لم يَك طالعاً ... وَكَذَا الغزالة ليتها لم تشرق) (كُنَّا نصول بِهِ على كبد العدا ... وَيكون ذخر للشدائد لَو بقى) (لكنه حم القضا وتقطعت ... أَيدي الرجا مناببين موبق) (فيحق للعيني تبْكي بعده ... بِدَم غزير لَا بدمع مُطلق) (ويحق للقلب السَّلِيم بِأَنَّهُ ... يفنى عَلَيْهِ من الْفِرَاق المقلق) (ويحق للدهر الخؤون بكاؤه ... ويحق للشبان شيب المفرق) (قد كَانَ غصناً بالتهاني مورقا ... فذوي وَفَاتَ كَأَنَّهُ لم يورق) (أَعماله كالمسك قَامَ عبيرها ... ختمت برضوان الاله المعيق) (لما تفوي بالرضى أرخته ... قد مَاتَ قطب عَالم فِي جلق) عبد الْحق بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَحْمد بن عمر بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الْفَرد فِي زَمَانه الشَّيْخ محيى الدّين بن سيف بن علم الدّين سُلَيْمَان بن عبد الرَّزَّاق بن قيس شَاكر بن سُوَيْد بن عفيف الدّين بن سعيد بن عَليّ الهائم بن مَنْصُور الموله بن تَاج الدّين ثَوْبَان بن الْأَمِير الْكَبِير إِسْحَاق بن السُّلْطَان إِبْرَاهِيم بن الأدهم الأدهمي الْحَنْبَلِيّ الصُّوفِي القادري الْمَعْرُوف بالمرزباني كَانَ من مشاهير صوفية الشَّام لَهُ الْوَقار والهيبة وَعِنْده المام بمعارف كَثِيرَة وَكَانَ مَعَ ذَلِك أديبا يارعاً حسن المحاضرة وَله اطلَاع كثير على الْأَشْعَار والنوادر وَرَأَيْت بِخَطِّهِ مجموعاً فِيهِ كل معنى نَادِر وحكاية مستلذة وَكَانَ رَحل إِلَى الرّوم فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف ونال بعض جِهَات فِي الشَّام ثمَّ قدم إِلَى دمشق وَأقَام بداره بالصالحية وَكَانَ مخالطاً للأدباء وَله كرم وإيثار لَا يزَال مَجْلِسه غاصاً بِأَهْل الْأَدَب والمعرفة وَكَانَ يجْرِي بَينه وَبينهمْ محاورات وَكَانَ ينظم الشّعْر وشعره مستحسن فَمن مَشْهُور مَاله قَوْله وَكتب بِهِ إِلَى فتح الله بن النّحاس الْحلَبِي الشَّاعِر الْمَشْهُور يستدعيه إِلَى مَحَله (أَن اغلق الْأَعْدَاء أَبْوَابهم ... عني وَلم يصغوا إِلَى نصحي) (وزرتني يَوْمًا وَلَو سَاعَة ... فِي الدَّهْر تبغي بَينهم نحجي) (علمت أَن الْحق من لطفه ... قد خصني بالنصر وَالْفَتْح) (لَا زلت فِي عز مدى الدَّهْر مَا ... غردت الأطيار فِي الصُّبْح) فَرَاجعه بقوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 (مولَايَ يَا من خصّه ربه ... بَين الورى بالنصر وَالْفَتْح) (فِي الظّهْر وَالْعصر إِلَى بَابَكُمْ ... أسعى وَفِي الْمغرب وَالصُّبْح) (وَكَيف لَا أسعى إِلَى بَاب من ... فِي وَجهه دَاع إِلَى النجح) (لَا زلت من قدح العدا سالما ... وَلَا خلا زندك من قدح) وقرأت بِخَطِّهِ هَذِه الأبيات نَسَبهَا لنَفسِهِ وَهِي (وَلَقَد ذكرتك حِين قابلت العدا ... وَالسيف يحصدها مُهِمّ كالمنجل) (وَالرمْح مياس كقدك طَاعن ... قلب الشجاع وكل قرن مقبل) (والجو صَاف من العجاج كَأَنَّهُ ... ليل وَذَاكَ اللَّيْل لَيْسَ بمنجل) (والأسد عابسة كَأَن قد راعها ... يَوْم الوغى وَالْأَمر لَيْسَ بمشكل) (فترى الشجاع كَأَن رنة سَيْفه ... أشهى إِلَيْهِ من صفير البلبل) (وَكَأَنَّهُ فِي رَوْضَة قد فوقت ... بشقائق وشذاه عرف قرنفل) (وَترى الجبان كَأَنَّهُ من خَوفه ... يلوى عنان جَوَاده بتهرول) (فهناك ناديت الْأَحِبَّة ليتهم ... نظرُوا بِعَين برحم وتعقل) (هَل كَانَ لي فِي الْقلب غير هواهم ... بَاقٍ على طول المدى المسترسل) (لَا وَالَّذِي خلق الْخَلَائق كلهم ... وَقضى بطول تسهدي وتململي) (مَا خُنْت يَوْمًا عَهدهم بتغافل ... عَنْهُم وَلَا بمقال زور العذل) وَهَذَا الأسلوب قد أَكثر فِيهِ الشُّعَرَاء قَدِيما وحديثاً وَمن جيده قَول ابْن مطروح (وَلَقَد ذكرتك والصوارم لمع ... من حولنا والسمهرية سَطَعَ) (وعَلى مكافحة الْعَدو فَفِي الحشا ... شوق إِلَيْك تضيق عَنهُ الأضلع) (وَمن الصِّبَا وهلم جراشيمتي ... حفظ الوداد فَكيف عَنهُ أرجع) وَقَول ابْن رَشِيق (وَلَقَد ذكرتك فِي السَّفِينَة والردى ... متوقع بتلاطم الأمواج) (والجو يهطل والرياح عواصف ... وَاللَّيْل مسود الذوائب داج) (وعَلى السواحل اللاعادي عَسْكَر ... يتوقعون لغارة وَهياج) (وعلت لأَصْحَاب السَّفِينَة ضجة ... وَأَنا وذكرك فِي ألذ تناجي) وَقَول أبي السنا مَحْمُود (وَلَقَد ذكرتك وَالسُّيُوف لوامع ... وَالْمَوْت يرقت تَحت حصن المرقب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 (والحصن من شفق الدروع تخاله ... حسناء ترفل فِي رِدَاء مَذْهَب) (سامي السماك فَمن تطاول نَحوه ... للسمع مستمعاً رَمَاه بكوكب) (وَالْمَوْت يلْعَب بالنفوس وخاطري ... يلهو بِطيب ذكرك المستعذب) وَقَول الصفي الْحلِيّ (وَلَقَد ذكرتك والعجاج كَأَنَّهُ ... مطل الغنيّ وَسُوء عَيْش الْمُعسر) (والشرس بَين مجدل فِي جندل ... مناوبين معفر فِي مغفر) (فَظَنَنْت أَنِّي فِي صباح مُسْفِر ... بضياء وَجهك أَو سَمَاء مقمر) (وتعطرت أَرض الكفاح كَأَنَّمَا ... فتقت لنا أَرض الجلاد بعنبر) والفاتح لهَذَا الْبَاب عنترة الْعَبْسِي فِي قَوْله (وَلَقَد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الْهِنْد تقطر من دمي) (فوددت تَقْبِيل السيوف لِأَنَّهَا ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم) ولعَبْد الْحق أَشْيَاء أخر غير مَا أثْبته لَهُ وَفِي الَّذِي ذكر مقنع وقرأت بِخَطِّهِ أَن وِلَادَته كَانَت أول سَاعَة من نَهَار الْخَمِيس ثامن ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة سبعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ بالجامع المظفري وَدفن بروضة السفح ونسبته إِلَى سُلْطَان الْأَوْلِيَاء إِبْرَاهِيم بن أدهم مستفيضة مَشْهُورَة وَقد وقفت على كتابات لعلماء دمشق على هَذِه النِّسْبَة كَثِيرَة والمرزباني نِسْبَة إِلَى أحد أجدادهم وَهُوَ الشَّيْخ محيي الدّين المرزباني سمي بذلك لانقياد السبَاع وإطاعتها لَهُ وَأَصله الْمَرْزُبَان وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ السُّلْطَان الملا عبد الْحَكِيم بن شمس الدّين الْهِنْدِيّ السلكوتي عَلامَة الْهِنْد وَإِمَام الْعُلُوم وترجمان المظنون فِيهَا والمعلوم كَانَ من كبار الْعلمَاء وخيارهم مُسْتَقِيم العقيدة صَحِيح الطَّرِيقَة صادعاً بِالْحَقِّ مجاهراً بِهِ الْأُمَرَاء الْأَعْيَان وَكَانَ رَئِيس الْعلمَاء عِنْد سُلْطَان الْهِنْد خرم شاه جهان لَا يصدر إِلَّا عَن رَأْيه وَلم يبلغ أحد من عُلَمَاء الْهِنْد فِي وقته مَا بلغ من الشَّأْن والرفعة وَلَا انْتهى وَاحِد مِنْهُم إِلَى مَا انْتهى إِلَيْهِ جمع الْفَضَائِل عَن يَد وَحَازَ الْعُلُوم وَانْفَرَدَ وأفنى كهولته وشيخوخته فِي الانهماك على الْعُلُوم وَحل دقائقها وَمضى من جليها وغامضها على حقائقها وَألف مؤلفات عديدة مِنْهَا حَاشِيَة على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ على بعض سُورَة الْبَقَرَة رَأَيْتهَا وطالعت فِيهَا أبحاثاً دقيقة وَله حَاشِيَة على مطول السعد ومختصره وحاشية على شرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 العقائد النسفية للسعد وحاشية على شرح تصريف الْعُزَّى للسعد أَيْضا وَله غير ذَلِك وفضله أشهر من أَن يُزَاد فِي وَصفه وَكَانَت وَفَاته فِي نَيف وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْحَلِيم بن برهَان الدّين بن مُحَمَّد البهنسي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن شقلبها الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْمَذْهَب أنبل آل بَيته فِي عصرنا كَانَ من الْفُضَلَاء المتضلعين من فنون شَتَّى لَكِن غلب اشتهاره بالفقه نَشأ بِدِمَشْق وَقَرَأَ بهَا على مَشَايِخ كثيرين وَتقدم أَن وَالِده كَانَ ذَا ثروة عَظِيمَة وَجمع كتبا كَثِيرَة فتمتع عبد الْحَلِيم بهَا وَلما مَاتَ أَبوهُ وضع يَده على مخلفاته وأتلفها فِي مُدَّة قَليلَة على أهواء مُتَفَرِّقَة يرجع أَكْثَرهَا إِلَى حب الرياسة وَمَا نَالَ من ذَلِك إِلَّا الخسران وَقلت ذَات يَده فانزوى مُدَّة فِي بَيته لَا يدرى عَنهُ إِلَّا بمحض الْوُجُود ثمَّ ظهر بعض الظُّهُور أَيَّام كَانَ الْعلَا الحصكفي مفتي الشَّام وَأخذ يُفْتِي فِي بعض وقائع فَمَنعه قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق عَن الْفَتْوَى لما يتفرغ على ذَلِك من كَثْرَة اللَّغط وَمُخَالفَة أَمر السُّلْطَان فِي أَن الْمُفْتِي الْحَنَفِيّ لَا يكون إِلَّا وَاحِدًا فَلم يلبث أَن رَحل إِلَى مصر وَكَانَ قاضيها عامئذٍ الْمولى مصطفى ختن المنقاري الْمُفْتِي فتقرّب إِلَيْهِ وَصَارَ من جملَة نوابه ثمَّ لما عزل صَحبه إِلَى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة وَقد اجْتمعت بِهِ فِيهَا كثيرا وَكَانَ شرع فِي نظم مُغنِي اللبيب لِابْنِ هِشَام فنظم مِنْهُ مِقْدَارًا وافراً وَكتب على ألفية ابْن مَالك شرحاً وَمَات وَلم يكمله فَبَقيَ فِي مسوّداته وَكَانَ على مَا شاهدته من أطواره أحد عجائب الْمَخْلُوقَات لَا يسْتَقرّ فِي أَمر المشرب على حَال وَكَانَ ينظم الشّعْر إِلَّا أَن شعره فِي غَايَة القلاقة والتعقيد وَلم أر لَهُ مَا يحسن إِيرَاده وَكَانَ ولاه مخدومه الْمَذْكُور نِيَابَة قَضَائِهِ كليبولى فَتوجه إِلَيْهَا وَمَات بهَا وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة تسعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْحَلِيم بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بأخي زادة القسطنطيني المولد والمنشأ والوفاة أحد أَفْرَاد الدولة العثمانية وسراة علمائها كَانَ نَسِيج وَحده فِي ثقوب الذِّهْن وَصِحَّة الْإِدْرَاك والتضلع من الْفُنُون نَشأ بكنف وَالِده مشاراً إِلَيْهِ فِي التبريز بميدان الْفضل وركوب السوابق فِي حلبة المعلومات وَكَانَ أَبوهُ متقاعداً عَن قَضَاء عَسْكَر أناطولي وجده لأمه شيخ الْإِسْلَام سعدي الْمحشِي قَالَ ابْن نَوْعي فِي تَرْجَمته أَخذ بأدرنة وابوه قَاض بهَا فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة عَن حسام الدّين بن قره جلبي مدرس طاشلق وَعَن عبد الرؤوف الشهير بعرب زَاده مدرس أوج شرفلي ثمَّ أَخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 عَن صَالح الملا مدرس السُّلْطَان بايزيد وخواجكي زَاده أَفَنْدِي مدرس السُّلْطَان سليم بقسطنطينية ثمَّ وصل إِلَى خدمَة فُضَيْل الجمالي وَلَزِمَه ثمَّ وصل إِلَى خدمَة شيخ الْإِسْلَام أبي السُّعُود الْعِمَادِيّ ولازم مِنْهُ فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ ثمَّ درس فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ بمدرسة إِبْرَاهِيم باشا الْجَدِيد ابْتِدَاء وَلم يزل ينْتَقل من مدرسة إِلَى مدرسة حَتَّى وصل إِلَى مدرسة الوالدة باسكدار فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَولي مِنْهَا قَضَاء بروسة فِي رَمَضَان سنة ألف وَنقل مِنْهَا إِلَى أدرنة فِي رَجَب سنة إِحْدَى وَألف وعزل مِنْهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث ثمَّ ولي قَضَاء قسطنطينية فِي منتصف رَجَب سنة أَربع وَنقل مِنْهَا إِلَى صدارة أناطولي فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وعزل مِنْهَا فِي صفر سنة سبع وتقاعد بوظيفة أَمْثَاله ثمَّ أُعِيد إِلَيْهَا فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وتقاعد عَنْهَا فِي شهر رَمَضَان سنة تسع ثمَّ صَار قَاضِي عَسْكَر روم إيلي فِي صفر سنة عشر وَألف وتقاعد فِي ذِي الْحجَّة وَله تآليف كَثِيرَة رائقة مِنْهَا شرح على الْهِدَايَة وتعليقات على شُرُوح الْمِفْتَاح وجامع الفصوليين والدرر وَالْغرر والأشباه والنظائر وَله رِسَالَة تفسيرية فِي امتحان كَانَ صدر وَأما مَاله من الْآثَار غير ذَلِك فَمَا لَا يعدّ وَلَا يُحْصى وعَلى الْخُصُوص فِيمَا يتَعَلَّق بالصكوك والحجج والتمسكات وَله تَرْجَمَة شَوَاهِد النُّبُوَّة تركي وَله شعر مَرْغُوب بالتركية ومخلصه على دأبهم حليمى انْتهى وَذكره النَّجْم الْغَزِّي فِي ذيله وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء بليغاً وَقَالَ وحَدثني شَيخنَا القَاضِي محب الدّين الْحَنَفِيّ على رَأس الْألف قَالَ اتّفق أهل الرّوم قاطبة على أَن استانبول لَيْسَ من نَشأ فِيهَا الْآن من أَوْلَاد الْعلمَاء وَغَيرهم أفضل من رجلَيْنِ شابين أَحدهمَا عبد الْحَلِيم هَذَا وَالثَّانِي أسعد بن الْمولى سعد الدّين ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَيهمَا أفضل قَالَ وَبَلغنِي أَن عبد الْحَلِيم كَانَ أفقه وأسعد كَانَ أعلم بالمعقولات وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن فضل عبد الْحَلِيم مُسلم عِنْد أهل الرّوم وَلَيْسَ فيهم من يُنكره وَذكره الطالوي فِي كِتَابه السانحات فِي مَوَاضِع مِنْهَا وَبَالغ فِي وَصفه وَأورد قصائد قَالَهَا فِي مدحه ثمَّ ذكر مَجْلِسا ضمه هُوَ وإياه فِي نَادِيه قَالَ فَأقبل عليّ بمؤانسته وقرّبني مِنْهُ فِي مُجَالَسَته وَلم يزل ينثر على سَمْعِي لآليء من فقره ويجلو عليّ من أبكار فكره مَا يحار اللبيب فِي وَصفه ويغار الأديب من نسقه ورصفه فَمن جملَة مَا شنّف بِهِ سَمْعِي وَجَعَلته سمير ضمير جمعي مَا قرظ بِهِ كتاب بعض الْكتاب من حسن سجع تغار مِنْهُ ألحان السواجع ويودّ البادي لَو كَانَ فِيهَا المراجع إِلَى زواهر فقر تخجل در الأسلاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وتزرى بدرى الأفلاك لَو رَآهَا صَاحب الْيَتِيمَة اتخذها لكتابة تَمِيمَة أَو الْعِمَاد الْكَاتِب تسلى عَن خريدة الكاعب وَهُوَ نظرت فِي هَذَا الْكتاب المنطوي على بَدَائِع صنائع الْكتاب المحتوي على لطائف الإيجاز والإطناب الْخَالِي عَن شوائب معايب الْإِخْلَال والإسهاب المسبوك فِي قالب بديع تميل إِلَيْهِ الْقُلُوب المنسوج على أحسن منوال وأبهى أسلوب فَوَجَدته بحراً زاخراً متلاطم الأمواج ودراً زاهراً سلب الشَّمْس عَن رُتْبَة الابتهاج فيا لَهُ من كَاتب طوى منشور الخطباء بإيجازه وكوى صُدُور البلغاء بمحاسن حَقِيقَته ومجازه حقيق لِأَن تسير بِذكرِهِ الركْبَان وخليق لِأَن يُرْسل هَدِيَّة إِلَى فصحاء فطحان إِذْ وقف فرسَان البلاغة عَن الجري فِي مضماره وَاتفقَ شجعان البراعة على أَنه لَا يصطلى بناره تضمن دُرَر عِبَارَات مَا اسْتوْدعت أصداف الآذان إِلَى الْآن أَمْثَال تِلْكَ اللآل فِي الْأَزْمِنَة الخوال وَمَا طلع فِي أفق سَواد الْعين مذ أمدت بِالنورِ وَمثل ذَلِك هِلَال واختوى جَوْهَر أَلْفَاظ أخلب للقلوب من غمزات الألحاظ وأسحر للعقول من فترات مراض الأجفان مَعَ معَان هِيَ أحسن من أَيَّام محسن معَان وأبهج من نيل أَمَان فِي ظلّ صِحَة وأمان ولعمري أَن هَذَا الْكتاب أضحى لما فِيهِ من الْفَضَائِل مصداق قَول الْقَائِل (وخريدة برزت لنا من خدرها ... كالبدر يَبْدُو من رَقِيق غمام) (عرضت على كل الْأَنَام جمَالهَا ... كي تستميل قُلُوبهم بِتمَام) (تسبي من الْعَرَب الْعُقُول بأسرها ... وَتَطير لب الرّوم والأعجام) فَللَّه در الأديب الأريب المتعاطي لهَذَا الْجمع وَالتَّرْتِيب الْآتِي بِهَذَا الْإِنْشَاء والاختراع الَّذِي لَا يُمكن الْخُرُوج من عُهْدَة مدحه وإطرائه بِاللِّسَانِ واليراع بلغه الله تَعَالَى وطره وجزاه الْحسنى وَزِيَادَة بِمَا سطره حَيْثُ أذرج فِيهِ لطائف تنجلي لخطابها كالعروس وأدمج نفائس تتبادر إِلَيْهَا الْأَرْوَاح والنفوس وضع فِيهِ مآرب تَغْدُو إِلَى الرّوح وَأَشَارَ إِلَى نكات سَرِيَّة كالورد الطري تفوح فَأتي بِمَا لم تستطعه الْأَوَائِل وَعجز عَن الْإِتْيَان بِهِ سحبان وَائِل انْتهى ونظم الطالوي فِيهِ قصيدة طَوِيلَة قريب ذَلِك وَأَشَارَ بهَا إِلَى حسن هَذِه الْقطعَة بقوله (لله مَا فقر فِي الطرس تحسبها ... وسط الْبيَاض سَواد الْعين وَالْبَصَر) (أَو كالرياض كستها السحب سَارِيَة ... مطارف الوشي أَو موشية الحبر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 (مثل الْكَوَاكِب لَيْلًا قد طلعن على ... نهر المجرة وكالروض ذِي الزهر) (تود لَو حلت الجوزاء من شغف ... فِيهَا النطاق وَلَو أمست على خطر) (كَأَن در يَوَاقِيت الحسبان بِهِ ... قد رصعت فِي الْحَوَاشِي مَوضِع الْفقر) وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي الْيَوْم الرَّابِع وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف وَدفن فِي تربتهم قبالة دَارهم الْمَعْرُوفَة بقسطنطينية قرب مدرسة الوالدة عبد الْحَلِيم الْبَاغِي الْمَعْرُوف باليازجي أحد الطغاة الَّذين خَرجُوا على السلطنة فِي زمن السُّلْطَان مُحَمَّد الثَّالِث وَقد تقدم طرف من خبْرَة فِي تَرْجَمَة حسن باشا ابْن الْوَزير مُحَمَّد باشا وَكَانَ فِي مبدأ أمره من الطَّائِفَة السكبانية وَكَانَ نَازل الرُّتْبَة حَتَّى صحب الْأَمِير درويش الرُّومِي حَاكم صفد فقربه وَأَدْنَاهُ وصيره رَأس جماعته وَلما عزل الْأَمِير درويش عَن حُكُومَة صفد ولي مَكَانَهُ الْأَمِير عَليّ الجركسي فَذهب ليتسلم الْولَايَة فَقَالَ عبد الْحَلِيم للأمير درويش لَا تسلم الْولَايَة للأمير عَليّ وَأَنا أمْنَعهُ عَنْك بِالْحَرْبِ والمقاتلة فَمَال إِلَى كَلَامه وَلم يسلم وَلما شاع أباؤه عَن التَّسْلِيم أرسل إِلَيْهِ نَائِب الشَّام خسرو باشا كتخذاه مَعَ طَائِفَة من عَسْكَر الشَّام إِلَى ولَايَة صفد لِيخْرجُوا الْأَمِير درويش عَنْهَا ويسلموها للأمير عَليّ فَلَمَّا وصلوا إِلَى نواحي صفد خرج إِلَيْهِم الْأَمِير درويش وَفِي صحبته عبد الْحَلِيم وَمن مَعَهم فقابلوهم وقاتلوهم ومنعوهم من الدُّخُول إِلَى صفد ودام الْقِتَال بَينهم أَيَّامًا إِلَى أَن تجرد عَسْكَر الشَّام لِلْقِتَالِ وبرزوا لِلطَّعْنِ وَالضَّرْب وَنزل عبد الْحَلِيم مَعَ جماعته إِلَى السهل فَقطعُوا سرداق الْأَمِير عَليّ ونهبوا مَا فِيهِ ثمَّ أَدْرَكته الحمية فقاتل السكبان حَتَّى قتل مِنْهُم عشرَة أَنْفَار وَكسر نُفُوسهم وَدخل عَلَيْهِم اللَّيْل ثمَّ بعد ذَلِك لم يزَالُوا فِي قتال ومحاربة إِلَى أَن أَشَارَ الْعُقَلَاء على الْأَمِير درويش بِالْخرُوجِ مَعَ من كَانَ عِنْده من الْعَسْكَر ويكف عَن المبارزة فَخرج من الْمَدِينَة وَخرج مَعَه عبد الْحَلِيم مَعَ أَصْحَابه وَسَارُوا على طَرِيق صيدا من جِهَة الشقيف فَوَرَدُوا على الْأَمِير فَخر الدّين بن معن فزودهم وسيرهم فَسَار الْأَمِير درويش إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة وَذَهَبت وَرَاءه المحاضر والشكايات من أهل بِلَاد صفد فَعرض الْوَزير أمره على السُّلْطَان فَأمر بصلبه فصلب بثيابه وَكَانَ عبد الْحَلِيم وَأَصْحَاب درويش سَارُوا على سَاحل الْبَحْر إِلَى ترابلس الشَّام ثمَّ إِلَى جَانب حلب ثمَّ دخلُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 مَدِينَة كلز بِإِشَارَة من أميرها الْأَمِير حُسَيْن بن جانبولاذ ثمَّ شرعوا فِي الْفساد فَتنبه لَهُم نَائِب حلب وَأرْسل إِلَيْهِم جَيْشًا لمحاربتهم فتقابلوا على بَاب كلز وَكَانَت النُّصْرَة لعسكر حلب وَقتلُوا من أَصْحَاب عبد الْحَلِيم مقتلة عَظِيمَة وَخرج عبد الْحَلِيم بِمن بَقِي مَعَه من أَصْحَابه مكسورين وَسَار إِلَى حصن سميساط فقاتله صَاحب الْحصن وتواقعا ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى مَدِينَة الرها واحتال على أَن جَاءَتْهُ أَحْكَام سلطانية بِأَن يكون محافظاً بهَا وَفِي أثْنَاء ذَلِك خرج عَن ربقة الطَّاعَة حُسَيْن باشا الَّذِي كَانَ أَمِير الْأُمَرَاء بِولَايَة الْحَبَشَة وَوصل إِلَى مَدِينَة أركله من بِلَاد قرمان فثار إِلَيْهِ أَهلهَا ليردوه فسطا عَلَيْهِم ونما خَبره إِلَى السُّلْطَان فَأرْسل إِلَيْهِ عسكراً عَظِيما فخاف من هولهم وفر قَاصِدا أَن يخرج إِلَى بِلَاد الْعَرَب فَمَنعه العبور جسر جيحان فعطف على جِهَة الشرق حَتَّى وصل إِلَى الرها فَالتقى بِعَبْد الْحَلِيم وأوهمه أَنه ناصره وَلم تمض أَيَّام قَليلَة إِلَّا وَمُحَمّد باشا ابْن المرحوم سِنَان باشا قصد الْبَلَد الْمَذْكُور بجماهير من العساكر تسد الفضاء وَمن جُمْلَتهَا عَسْكَر الشَّام فنازلوا الرها ودام محاصرتهم لَهَا وَالْحَرب بَين الْفَرِيقَيْنِ وَاقع إِلَى أَن لَاحَ لعبد الْحَلِيم أَنه مَأْخُوذ لِأَنَّهُ مَحْصُور فشرع فِي طلب الْأمان من الْوَزير على شَرط أَن يسلم إِلَيْهِم حُسَيْن باشا وَيكون هُوَ ناجياً مِنْهُم وَكَانَ حُسَيْن شجاعاً بطلاً باسلاً لكنه كَانَ عاطلاً من الخديعة فَوَقع فِي شَرط عبد الْحَلِيم فَأنْزل عبد الْحَلِيم أَخَاهُ حسنا بالأمان بعد أَن استرهن عِنْده جمَاعَة من الْعَسْكَر السلطاني وترددت الرسائل بَينهم وحسين يظنّ أَن أَصْحَابه مَعَه وهم عَلَيْهِ فانعقد الْمقَال وَأخرج حُسَيْن من مَوْضِعه وَلما تحقق المكيدة قَالَ لعبد الْحَلِيم مُخَاطبا هَكَذَا تكون عهود الشجعان وتسلمه عَسْكَر الشَّام وَأَعْطوهُ للوزير وَبَات الْوَزير تِلْكَ اللَّيْلَة وَهُوَ يؤلمه بالْكلَام الموجع وَهُوَ يعْتَذر بأعذار غير مَقْبُولَة ثمَّ أرْسلهُ الْوَزير إِلَى بَاب السُّلْطَان فَلَمَّا وصل أحضر إِلَى الدِّيوَان فَنَادَى بشعار الشَّرْع فَأَجَابُوهُ إِلَى مَا أَرَادَ وحققوا عَلَيْهِ الْفساد والطغيان فَحكم القَاضِي بقتْله وصلب فِي وقته وَكَانَ بعد تَسْلِيم عبد الْحَلِيم لحسين ارتحل عَسْكَر الشَّام سَرِيعا لهجوم الشتَاء وَلم يمْكث الْوَزير بعدهمْ إِلَّا أَيَّامًا قَليلَة ورحل إِلَى جَانب حلب وَاسْتمرّ عبد الْحَلِيم مُدَّة الشتَاء مُقيما فِي الرها وثار فِي الرّبيع إِلَى عينتاب فَغَضب السُّلْطَان لبَقَائه فِي الْحَيَاة وَأرْسل لقتاله عسكراً وَجعل الْمُقدم على العساكر كلهَا حسن باشا ابْن الْوَزير مُحَمَّد باشا وَأرْسل من جَانب بَابه العالي أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 الْوَزير إِبْرَاهِيم باشا الَّذِي كَانَ نَائِبا بحلب مقدما على عشرَة آلَاف عسكري من جَانب عَسْكَر بَاب السُّلْطَان وَعين نَائِب الشَّام مُحَمَّد باشا الْأَصْفَهَانِي وَفِي خدمته عَسَاكِر الشَّام فَمشى السِّرّ دَار الْكَبِير من جَانب بَغْدَاد إِلَى أَن وصل إِلَى مَدِينَة آمد وَجمع العساكر هُنَاكَ ورحل بِمن مَعَه من العساكر إِلَى أَن وصلوا إِلَى مرحلة الْبُسْتَان فنزلوا بهَا وَبَاتُوا تِلْكَ اللَّيْلَة وَكَانَ نزولهم فِي مُقَابلَة جبل فِيهِ مَكَان أهل الْكَهْف على أصح الْأَقْوَال فَبَيْنَمَا هم على الصَّباح إِذا بعسكر عبد الْحَلِيم قد أقبل من جَانب الشرق وتصادم الْفَرِيقَانِ سَاعَة وَإِذا بعسكر عبد الْحَلِيم قد عبر على عَسْكَر السُّلْطَان فَالْتَقوا بِهِ وصدموه صدمة أزالته عَن منزله فولى هَارِبا فتبعوه وَوَضَعُوا السَّيْف فِي أَصْحَابه فَقتلُوا مِنْهُم فِي ذَلِك الْيَوْم مَا يزِيد على أَرْبَعَة آلَاف رجل وهرب عبد الْحَلِيم واستمرّ هَارِبا إِلَى أَن دخل إِلَى ساميسون على سَاحل الْبَحْر وَدخل الشتَاء فشتى حسن باشا فِي مَدِينَة توقات وَمَات عبد الْحَلِيم فِي أثْنَاء ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فِي الْيَوْم السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة عشر بعد الْألف وافترقت أَصْحَابه فرْقَتَيْن وَاحِدَة طلبت الْأمان من السردار الْمَذْكُور وَأُخْرَى ذهبت مَعَ أخي عبد الْحَلِيم حسن إِلَى رستم العَاصِي الْمُقِيم بملطية وَبَقِيَّة خبر حسن مَذْكُورَة فِي تَرْجَمَة حسن باشا الْمَذْكُور فِي حرف الْحَاء فَارْجِع إِلَيْهِ ثمَّة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم والسكبانية طَائِفَة مَعْرُوفَة ونسبتهم إِلَى سكبان فَارسي مركب من سك وَهُوَ الْكَلْب وَبَان وَهُوَ الحامي فَمَعْنَاه حامي الْكَلْب وأصل موضوعهم لقود الْكلاب أَمَام الكبراء والأمراء حِين يَسِيرُونَ إِلَى الصَّيْد وسميساط بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْمُثَنَّاة من تَحت وسين ثَانِيَة مُهْملَة وَألف وطاء مُهْملَة مشالة فِي الآخر بَلْدَة بالفرات بِالْقربِ من حصن مَنْصُور واركله بِفَتْح الْهمزَة وَالرَّاء وَسُكُون الْكَاف الفارسية وَفتح اللَّام ثمَّ هَاء قَصَبَة من أَعمال قرمان على طَرِيق قسطنطينية حَسَنَة التربة لَطِيفَة الْهَوَاء وَهِي وقف على الْحَرَمَيْنِ الشريفين وفيهَا من الْأَعَاجِيب فِي مَحل قريب مِنْهَا فوار مَاء يخرج مِنْهُ المَاء سيالاً فَإِذا وصل إِلَى الأَرْض جمد وَصَارَ كالرخام الْأَبْيَض لَا يتكسر إِلَّا بالحديد دون غَيره وَلَا ينماع وَإِن حمى على النَّار وللحجر الْمَذْكُور صلابة زَائِدَة وساميسون بَلْدَة مَشْهُورَة فِي بِلَاد التّرْك بِالْقربِ من طرابزون والعامة تَقول صاميصون بالصَّاد عبد الْحَلِيم المتخلص بحليمي أحد شعراء الرّوم وشهرته بمعجم زَاده كَانَ من حفدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 الْمولى السَّيِّد مُحَمَّد بن مَعْلُول وَكَانَ مشاركاً فِي فنون عديدة ورد إِلَى الشَّام وَهُوَ فِي خدمَة مخدومه ابْن مَعْلُول الْمَذْكُور ثمَّ رَجَعَ إِلَى الرّوم وَمكث سِنِين ثمَّ دخل دمشق قبل الْألف وَسكن بهَا فِي الْمدرسَة البلخية جوَار الْمدرسَة الصادرية وَعين لَهُ من الجوالي مَا يَكْفِيهِ وَولي تدريس الجقمقية بعد الشَّيْخ شرف الدّين رَئِيس الْأَطِبَّاء بِدِمَشْق وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى قُضَاة الْقُضَاة والأكابر فيكرمونه لعلو سنه واتصاله بالمتقدمين من أكَابِر الْعلمَاء بالروم وَكَانَ لَهُ مطارحة جَيِّدَة ويحفظ وقائع كَثِيرَة وَمَا زَالَ بِدِمَشْق إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته نَهَار السبت عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف عَن نَحْو مائَة سنة وَدفن بمقبرة الفراديس عبد الحميد ابْن أَحْمد بن يحيى بن عَمْرو بن الْمعَافي اليمني ذكره ابْن أبي الرِّجَال فِي تَارِيخه فَقَالَ كَانَ من عُيُون الزَّمَان وأفراد الْوَقْت بليغا منطيقا ناظما ناثرا من بَيت معمور بِالْفَضْلِ والكمال من بني عبد المدان كَمَا صرح بِهِ النسابون وَصرح بِهِ ابْن عقبَة وَذكر هَذَا الْعَلامَة فِي منظومة لَهُ وَفِيهِمْ الْعلم والرياسة واستمرت لَهُ الْإِمَارَة وعلو الْكَلِمَة مَعَ الْأَئِمَّة فَكَانُوا عُلَمَاء أُمَرَاء تنفذ أحكامهم بجهتهم وَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى تولى مِنْهُم الْأَمِير عبد الله بن الْمعَافي للأروام وَزَاد فِي عتوة وَبَالغ فِيمَا لَا يَلِيق بمنصبه فَكَانَ أَمِير الْأُمَرَاء مَعَ التّرْك ولى أَكثر ذَلِك الأقليم إِلَى نواحي الأهنوم ووادعة وعذرين وَغير ذَلِك فمالت بِهِ شهواته حَتَّى غَازِي الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد فَكَانَ مَا كَانَ وختام ذَلِك قَتله بغارب أيكة وَلما جاؤا بِرَأْسِهِ إِلَى الإِمَام قَالَ لَو جئْتُمْ بِهِ أَسِيرًا ولوح إِلَى أَنه كَانَ يُرِيد مكافأته على سَابِقَة لَهُ مَعَ الإِمَام وَهِي أَنه وصل بعض الطغاة وَبِيَدِهِ خطى فهزه من خلف الإِمَام وهم بطعنه من خَلفه غدروا والأمير عبد الله مُقَابل لَهُ فَأمْسك على لحيته يُشِير إِلَى أَن الْغدر غير لَائِق وَكَيف يقْتله وَهُوَ فِي أَمن من قبله فَكف عَنهُ وَبَعض خَاصَّة الإِمَام المحبين لَهُ يُشَاهد ذَلِك فَذكره للْإِمَام فَأَرَادَ مكافأته على ذَلِك ثمَّ أَن الْأَمِير ذكر للْإِمَام أَن الأتراك قد أحاطوا بالبلاد وَأَشَارَ بالتقدم على تِلْكَ الْبِلَاد الَّتِي قد أحاطوا بهَا وَبعث مَعَه من الرِّجَال من يركن إِلَيْهِ حَتَّى انْفَصل عَن بِلَاد السودة ثمَّ كَانَ من أمره مَا كَانَ وختام ذَلِك قَتله بغارب أيكة فِي الْحَرْب الْمَشْهُور هُنَالك فتضاءل منصب الْقُضَاة الْمَذْكُورين على جلالتهم وَفِيهِمْ بَقِيَّة صَالِحَة وَأَحْيَا مآثرهم صَاحب التَّرْجَمَة فَإِنَّهُ كَانَ أحد الْعلمَاء سِيمَا فِي الْعَرَبيَّة شرح الملحة وَكتب حَوَاشِي وأجوبة مفيدة النَّحْو وَشرح الْهِدَايَة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 الْمولى السَّيِّد مُحَمَّد بن مَعْلُول وَكَانَ مشاركا فِي فنون عديدة ورد إِلَى الشَّام وَهُوَ فِي خدمَة مخدومة ابْن مَعْلُول الْمَذْكُور ثمَّ رَجَعَ إِلَى الرّوم وَمكث سِنِين ثمَّ دخل دمشق قبل الْألف وَسكن بهَا فِي الْمدرسَة البلخية جوَار الْمدرسَة الصادرية وَعين لَهُ من الجوالي مَا يَكْفِيهِ وَولي تدريس الجقمقية بعد الشَّيْخ شرف الدّين رَئِيس الْأَطِبَّاء بِدِمَشْق وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى قُضَاة الْقُضَاة والأكابر فيكرمونه لعلو سنه واتصاله بالمتقدمين من أكَابِر الْعلمَاء بالروم وَكَانَ لَهُ مطارحة جَيِّدَة ويحفظ وقائع كَثِيرَة وَمَا زَالَ بِدِمَشْق إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته نَهَار السبت عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف عَن نَحْو مائَة سنة وَدفن بمقبرة الفراديس عبد الحميد ابْن أَحْمد بن يحيى بن عَمْرو بن الْمعَافي اليمني ذكره ابْن أبي الرِّجَال فِي تَارِيخه فَقَالَ كَانَ فِي عُيُون الزَّمَان وإفراد الْوَقْت بليغاً منطيقاً ناظماً ناثراً من بَيت معمور بِالْفَضْلِ والكمال من بني عبد المدان كَمَا صرح بِهِ النسابون وَصرح بِهِ ابْن عقبَة وَذكر هَذَا الْعَلامَة فِي منظومة لَهُ وَفِيهِمْ الْعلم والرياسة واستمرت لَهُ الْإِمَارَة وعلو الْكَلِمَة مَعَ الْأَئِمَّة فَكَانُوا عُلَمَاء أُمَرَاء تنفذ أحكامهم بجهتهم وَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى تولى مِنْهُم الْأَمِير عبد الله بن الْمعَافي للأروام وَزَاد فِي عتوه وَبَالغ فِيمَا لَا يَلِيق بمنصبه فَكَانَ أَمِير الْأُمَرَاء مَعَ التّرْك ولي أَكثر ذَلِك الإقليم إِلَى نواحي الأهنوم ووادعة وعذرين وَغير ذَلِك فمالت بِهِ شهواته حَتَّى غازى الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد فَكَانَ مَا كَانَ وختام ذَلِك قَتله بغارب أيكة وَلما جاؤوا بِرَأْسِهِ إِلَى الإِمَام قَالَ لَو جئْتُمْ بِهِ أَسِيرًا ولوح إِلَى أَنه كَانَ يُرِيد مكافأته على سَابِقَة لَهُ مَعَ الإِمَام وَهِي أَنه وصل بعض الطغاة وَبِيَدِهِ خطى فهزه من خلف الإِمَام وهم بطعنه من خَلفه غدرا والأمير عبد الله مُقَابل لَهُ فَأمْسك على لحيته يُشِير إِلَى أَن الْغدر غير لَائِق وَكَيف يقْتله وَهُوَ فِي أَمن من قبله فَكف عَنهُ وَبَعض خَاصَّة الامام المحبين لَهُ يُشَاهد ذَلِك فَذكره للْإِمَام فَأَرَادَ مكافأته على ذَلِك ثمَّ إِن الْأَمِير ذكر للْإِمَام أَن الأتراك قد أحاطوا بالبلاد وَأَشَارَ بالتقدم عَن تِلْكَ الْبِلَاد الَّتِي قد أحاطوا بهَا وَبعث مَعَه من الرِّجَال من يركن إِلَيْهِ حَتَّى انْفَصل عَن بِلَاد السودة ثمَّ كَانَ من أمره مَا كَانَ وختام ذَلِك قَتله بغارب أيكة فِي الْحَرْب الْمَشْهُور هُنَالك فتضاءل منصب الْقُضَاة الْمَذْكُورين على جلالتهم وَفِيهِمْ بَقِيَّة صَالِحَة وَأَحْيَا مآثرهم صَاحب التَّرْجَمَة فَإِنَّهُ كَانَ أَخذ الْعلمَاء سِيمَا فِي الْعَرَبيَّة شرح الملحة وَكتب حَوَاشِي وأجوبة مفيدة فِي النَّحْو وَشرح الْهِدَايَة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 الْفِقْه وَلَا أعرف هَل تيَسّر لَهُ الْإِتْمَام أَولا وَشرح الازهار بشرح اعتنى فِيهِ بموافقة إِعْرَاب الأزهار فَإِن شرح ابْن مِفْتَاح قد لَا يتناسب فِيهِ إِعْرَاب الْمَتْن مَعَ الشَّرْح إِلَى بتحويل للمتن من رفع إِلَى نصب وَنَحْو ذَلِك وَله شعر حسن وَخط جيد وَكَانَ يتأنى فِي الْكِتَابَة فيجيد فِي الْإِنْشَاء كثيرا وَله تخميس قصيدة الصفي الْحلِيّ فيروزدج الصُّبْح أم ياقوتة الشَّفق وَمن شعره فِي راية للْإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه ابْن الْقَاسِم (أيا راية أَصبَحت فِي الْحسن آيَة ... وفَاق على الْأَعْلَام حسنك عَن يَد) (قرنت بنصر الله حِين صنعت للْإِمَام ... أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُؤَيد) (أَمَام حلى جيد الْكَمَال بجوده ... مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد) وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَنه لما مَاتَ السَّيِّد الْعَلامَة إِبْرَاهِيم ابْن الإِمَام المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل وَكَانَ من حَسَنَات الْأَيَّام حفظه قد ألم بِكُل غَرِيبَة من عُلُوم القراآت والنحو وأشعار الْحِكْمَة والأدعية وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ من أوعية الْعلم مَعَ كَونه أكمه وَكَانَ من أصلح النَّاس على صغر سنه وَكَانَ من جملَة من اتَّصل بِهِ الْفَقِيه الْعَلامَة صَلَاح الذنوبي وغذاه بالفوائد فَإِنَّهُ كَانَ وحيداً فَلَمَّا مَاتَ عظم الْخطب فَكتبت أَنا إِلَى الإِمَام أَبْيَات الإِمَام شرف الدّين الَّتِي أَولهَا (حمدت الله رَبِّي يأبنيا ... على علم نعيت بِهِ اليا) (نغصت حشاشتي وَالروح لما ... نفضت تُرَاب قبرك من يديا) (وَلما أَن ختمت الذّكر غيباً ... قدمت بِهِ على الْبَارِي صَبيا) (وَكُنَّا فِي زفاف الْخَتْم نسعى ... وَقَالَ الرب زفته اليا) (لإحدى عشرَة مَعَ نصف عَام ... وطِئت بهمة هام الثريا) (وَكنت قد امْتَلَأت من الْمَعَالِي ... وَلم تتْرك من الْإِحْسَان شيا) وَمِنْهَا (يَقُول الصَّبْر للزفرات مهلا ... وَقَالَ اللاعج الأسفيّ هيا) (وَلما لم أجد لي عَنهُ بدا ... صبرت تكلفاً بعد اللتيا) (ومالتيا بتصغير لَهَا من ... رزية هَالك أَحْرَى لتيا) (وَمهما رام قلبِي الصَّبْر كَيْمَا ... أناب كواه عِنْد الوجد كيا) (فَكيف يلام ذِي حزن على من ... بميز فِي الصِّبَا رشدا وغيا) (وَكم يَوْم مَلَأت بِمَا أرى من ... مخايل فِيك صَالِحَة يديا) (فَلَا زَالَت ركاب الشُّكْر تطوى ... الْقَضَاء لله ذِي الملكوت طيا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 (وأولها يحط لَدَيْهِ وقرا ... وَآخِرهَا تحمل من لديا) ثمَّ لم أشعر إِلَّا بِكِتَاب إِلَى الإِمَام من عبد الحميد المترجم بالأبيات فعجبت من توارد الخاطر على التمثل ثمَّ ذكرت قَضيته لهَذِهِ الأبيات وَهِي أَنه لما مَاتَ ابْن الإِمَام شرف الدّين الْمُسَمّى بِعَبْد القيوم وَكَانَ من سَادَات العترة وَلم يبلغ عمره إِلَّا إِحْدَى عشرَة سنة وَنصفا وَقد كَانَ يجاري الْعلمَاء وقبره فِي الْقبَّة قبلى الحراف من أَعمال صنعاء مَشْهُور مزور وَمِمَّا يرْوى أَنه حضر فِي مَسْجِد الحسحوش بالحراف وَالْعُلَمَاء يَخُوضُونَ فِي مسئلة الْبَهَائِم إِذا تمّ سؤالها وحسابها أَيْن تصير فَذكرُوا المقالات وَلم يذكرُوا أشهرها وأحسنها وَهُوَ أَن الله تَعَالَى يخلق لَهُنَّ رحبة فِي الْجنَّة فَلَمَّا كثر الْخَوْض قَالَ السَّيِّد عبد القيوم وَمَا يشكل عَلَيْكُم من أمرهن لَعَلَّ الله يخلق لَهُنَّ رحبة يتنعمن فِيهَا فأعجب الْحَاضِرُونَ بذلك وكتبوه عَنهُ وَلما مَاتَ عبد القيوم الْمَذْكُور أنْشد وَالِده هَذِه القصيدة وأكثرها من شعر الْأَمِير صَلَاح الدّين الأربلي وفيهَا بَيت مَشْهُور مُتَقَدم على الْأَمِير صَلَاح الدّين وَهُوَ (حمدت الله رَبِّي يَا بنيا ... ) فَإِن أَصله (حمدت الله رَبِّي يَا عليا ... ) مِمَّا قَالَه بعض النَّاس فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهَذِه الْألف فِي قَوْله يَا عليا ألف الندبة فَلَمَّا أخرج الْأَمِير القصيدة أخرج السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن الْقَاسِم الْعلوِي القصيدة أَيْضا فاتفقت خواطرهما وَذَلِكَ من الْعَجَائِب انْتهى كَلَامه وَلم يذكر وَفَاة عبد الحميد بل ذكر أَنه مدفون بالسودة عِنْد بَابهَا القبلي لَكِن سِيَاق كَلَامه يَقْتَضِي أَن وَفَاته تَأَخَّرت إِلَى مَا بعد الْخمسين وَألف عبد الحميد بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم السندي الفاروقي الْحَنَفِيّ نزيل مَكَّة المكرمة الشَّيْخ الْجَلِيل الحميد الْخِصَال الْجَمِيل الفعال كَانَ صَاحب معارف وفنون أَصله من أَرض السَّنَد الإقليم الشهير وَنَشَأ فِيهِ على فضل عَظِيم ورحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَصَحب كثيرا من الْعلمَاء الأفاضل وَأخذ عَن جمع مِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أَبُو الْفضل زين الدّين تلميذ الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَمِنْهُم أَخُوهُ وَكَانَ وافر الصّلاح وَحصل لَهُ بِمَكَّة جاه وَاسع وصيت شاسع وَكَانَ صوفي الْأَخْلَاق كثير الْخَوْف خشن الْعَيْش حسن الْعشْرَة وَلم يزل بِمَكَّة إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته سنة تسع بعد الْألف وعمره نَحْو تسعين سنة وَدفن بالمعلاة بِجنب قبر أَخِيه وَمُدَّة إِقَامَته بِمَكَّة تسع سِنِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 عبد الْحَيّ بن أبي بكر الْمَعْرُوف بطرز الريحان البعلي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الْحَنَفِيّ الأديب الشَّاعِر الْجيد الطَّرِيقَة كَانَ فِي عصرنا هَذَا الْأَخير من أرق من عَرفْنَاهُ طبعا وألطفهم شعرًا وَله قريحة سيالة وفكرة نقادة وَكَانَ عشاقا ولوعا بالجمال يتفانى صبَابَة وعشقا وتأخذه حيرة الغرام فيسكر وجدا وشغفا وَكَانَ سهل الْأَلْفَاظ فِي شعر رَشِيق التأدية قَرَأَ على أَبِيهِم وعَلى قريبهم الشَّيْخ مُحَمَّد السليمي وَأخذ عَن عبد الباقي الْحَنْبَلِيّ وَأحمد القلعي وتأدب بِأبي بكر الْقطَّان الْمَشْهُور بغصين البان وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَكَانَ حسن الْخط صَحِيح الضَّبْط وَكَانَ يحفظ بعض مقامات الحريري وَبهَا تقوى على ضبط اللُّغَة وَكَانَ بعرف اللُّغَة معرفَة جَيِّدَة وَحفظ من الْأَشْعَار شَيْئا كثيرا وتجرد مُدَّة على هَيئته وَدخل فِي هَيْئَة الدراويش السواح فَطَافَ الْبِلَاد وَدخل الرّوم ومصر وحلب وَاسْتقر بِدِمَشْق آخرا وَتزَوج بهَا ثمَّ انْعَزل فِي خلْوَة بِالْمَدْرَسَةِ العزيزية وَقد عاشرته مُدَّة فرأيته من أكمل النَّاس يمشي فِي الْعشْرَة على قدم وَاحِدَة يتودد وَيحسن المجاملة وَكَانَ مَعَ خلاعته وتولعه بالحب عف الأزار دين مثابرا على الطَّاعَة وَله تهجدات وأوراد وخشية من الله تَعَالَى وَحج آخر عمره فَرجع متنسكا تَارِكًا للدنيا متقشفا وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى من خلص الأقوام وَقد جمع لنَفسِهِ ديوانا رَأَيْته بِخَطِّهِ وانتقيت مِنْهُ أطايبه فَمن ذَلِك قصيدته الَّتِي عَارض بهَا قصيدة أبي فراس الحمداني الَّتِي أَولهَا (يَا حسرة مَا أكاد أحملها ... آخرهَا مزعج وأولها) ومستهل قصيدته هَذَا (نفس أمانيها تعللها ... تعلها تَارَة وتنهلها) (ولوعة فِي الضلوع أصعب مَا ... يذيب صلد الحجار أسهلها) (غَدَاة بانوا فَلَا وَرَبك مَا ... ظننتني فِي الركاب أثقلها) (رفقا بهَا حادي المطى فَفِي ... خلب فُؤَادِي تدوس أرجلها) (وَفِي سَبِيل الغرام لي كبد ... تبيت أَيدي النَّوَى تململها) (تعلة للمنون قائدة ... آخرهَا كَاذِب وأولها) (أساور النَّجْم أبتغى قصرا ... لليلتي والجوى يطولها) (وليت ساجي اللحا طير حم من ... يبيت من أجلهَا يدملها) (الله فِي ذمَّة أضعت وَفِي ... حشاشة من لَهَا معلمها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 (أما وجفنيك والفتور وَمَا ... أورث جسمي ضني مذبلها) (وأسهم قد أراشاها حور ... تقصد حب الْقُلُوب أنصلها) (لمهجتي فِي هَوَاك تكبر أَن ... يصدّها مَا يَقُول عذلها) (الْأُم تقضي وَفِي الحشا حرق ... لَا تَسْتَطِيع الْجبَال تحملهَا) (صبَابَة إِن أردْت أجملها ... لديك ذل الْهوى يفصلها) (أَو جسم تالله مذ أَرَاك فقد ... أعجز عَن كلمة أحصلها) (ومنطقي فِيك عَن فَصَاحَته ... يعود سحبان وَهُوَ باقلها) (وَهَذِه حَالَة الكئيب وَلَو ... حجدتها مَا أَظن تجهلها) (تَرَكتنِي واستعضت عني من ... أخف أَلْفَاظه أثاقلها) (أعدمني الله فِي الْهوى فِئَة ... ثناك عَن وصلتي تقوّلها) (هم أشربوا طبعك القساوة هَل ... نرَاك يَوْمًا للْعَطْف تبدلها) (أما عرفت العفاف من دنف ... مدَاخِل السوء لَيْسَ يدخلهَا) (يأنف بالطبع كل فَاحِشَة ... مَذَاهِب الشَّرْع لَيْسَ تقبلهَا) (غذي لبان الْهوى على صغر ... فَهُوَ لاهل الشجون موثلها) (أَن رَاح يَحْكِي صبَابَة خضعت ... لَهُ القوافي ودان مشكلها) (يعلم النوح كل ساجعة ... فَهُوَ صدا دوحها وبلبلها) (وَيْح قُلُوب المتيمين إِذا ... تصرمت فِي الْهوى حبائلها) (أفديك يَا قاتلي بِلَا سَبَب ... قتلة مضناك من يحللها) (أَصبَحت شيخ الغرام فِيك وَمَا ... رِوَايَة أدمعي تسلسلها) (وفيك حُلْو الشَّبَاب مرّ وَلم ... أفز بأمنية أؤملها) (تِلْكَ لعمر الْهوى رضاك فان ... غز فيا خيبة أنازلها) (تالله لَو شاهدت عيونك مَا ... أَلْقَاهُ سحت وجاد وابلها) (عساك تحنو لمن مطامعه ... عَلَيْك دون الورى معوّلها) (وَكم لَيَال سهرتهن ولي ... رامحها سامر وأعزلها) (ومفرشي وسط كل مسبعَة ... قتيادها والوساد فنقلها) (وَلَيْسَ الأهواك يؤنسني ... بِصُورَة مِنْك لي يمثلها) (أما كفى يَا ظلوم مَا فعلت ... غزَاة جفنيك بِي وغزلها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 (وَلست أشكوك بل يلذ لمن ... تولهت نَفسه تذللها) (فَأَنت عِنْدِي وَلَو هدرت دمي ... خير وُلَاة الورى وأعدلها) (وَإِن تَوَارَتْ شموس حسنك عَن ... نواظري فالفؤاد عاقلها) (وَإِن تناءت ركائبي وَدنت ... رسائلي فالرياح تنقلها) (فَاسْلَمْ وَلَا تكترث بحرفة ذِي ... نفس أمانيها تعللها) وَمن رائق نظمه قصيدته الدالية الْمَشْهُورَة الَّتِي مطْلعهَا (لحظات لَا تحامي القودا ... قد تناهبن الحشا والكبدا) (بلحاظ تستلذ فتكها ... لَا عدمنا لحظك المجردا) (دُونك الصبرا حطمي جُنُوده ... واجعلي شَمل السلو بددا) (وامنعي وردا وَورد اللحيا ... والحياة من جنى أَو وردا) (يَا مهز الْغُصْن من عطفيه مل ... واعتدل لم تلق من قَالَ اعْتدي) (يَا منَاط القرطمن نغنغه ... قد تركت الظبي يجْرِي فِي الكدا) (كَيفَ للظبي بفرع فَاحم ... زَان بالتصفيف جيدا أجيدا) (مذ غَدا الْمِحْرَاب من حَاجِبه ... قبْلَة خرّت جفوني سجدا) (هَكَذَا الْحبّ يعز شَأْنه ... صبغة الله تَعَالَى موجدا) (مالكي بالْحسنِ وَالْحسن احتكم ... حق أَن تضحى لمثلي سيدا) (إِن من كنت لَهُ مولى فقد ... عَاشَ يَا مولَايَ عَيْش السعدا) (صبح الله بِكُل الْخَيْر من ... كَانَ مرآك لعينيه ابتدا) (أَنْت روحي فَإِذا مَا غبت عَن ... ناظري فَارق روحي الجسدا) وَله من قصيدته الْمَشْهُورَة الَّتِي مدح بهَا الْأُسْتَاذ مُحَمَّد الْبكْرِيّ بِالْقَاهِرَةِ ومطلعها (بعثت لَهُ الذكرى شجن ... فصبا وحنّ إِلَى الوطن) (دنف إِذا ابتسم الخليّ غشاه ... تعبيس الْحزن) (قلق الركائب مَا اسْتَقر ... بِهِ السرى إِلَّا ظعن) (والبين أصعب مَا يرَاهُ ... أَخُو الشدائد والمحن) (من مبلغ تِلْكَ المرابع ... والمراتع والدمن) (أشواقي اللَّاتِي زحمن ... الرّوح فِي مثوى الْبدن) (فِي ذمَّة الله الَّذين هم ... فروضي وَالسّنَن) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 (بِي مِنْهُم الرشأ الغضيض الطّرف ... نهاب الوسن) (متناسق الْأَعْضَاء أَيَّامًا ... لحظت بِهِ فتن) (ملح تعلم عاشقيه ... بِهِ التغزل والفنن) (فَكَأَنَّهَا من روض مدح ... بني أبي بكر فنن) (الضاربين على الفخار ... سرادقاً من كل فن) (السَّادة الْبيض المآثر ... فِي العلى غرر الزَّمن) (ومقلدي أَعْنَاق هَذَا الدَّهْر ... أطواق المنن) (بوراثة نبوية ... مهلا أَتَتْهُ على سنَن) (حَتَّى اسْتَقل بهَا الإِمَام ... ابْن الإِمَام المؤتمن) (قطب الْعُلُوم مُحَمَّد ... ذُو الْخلق والخلق الْحسن) مِنْهَا (يَا سَيِّدي وَلَئِن قبلت ... تعبدي فلأفخرن) (عطفا على قلبِي الْكَبِير ... بنظرة فلأجبرن) (إِنِّي أنخت مطيتي ... بمصيف مجدك فاقبلن) (مولَايَ دَعْوَة موثق ... بيد القطيعة مُرْتَهن) (متصبر وَالصَّبْر أولى ... مَا تداوى الممتحن) (لَكِن يعاير بالجراح ... مفرّط ألْقى الْمِجَن) (ومديح علياكم بني الصّديق ... جنَّة ذِي الشجن) (وبحبكم تشفى الْقُلُوب ... وتنجلي ظلم الشحن) (هَذَا هُوَ الْفَخر الْعلي ... وَمَا سواهُ فممتهن) (من جَاءَ يفخر عنْدكُمْ ... قُولُوا لَهُ أَنْت ابْن من) وَمن غزلياته قَوْله (مل فَإِنِّي لميلك المستميل ... متلق على مراح الْقبُول) (وَعَجِيب ميل الغصوب إِلَى نَحْو ... مهب الْهوى بِغَيْر مميل) (لَكِن الْميل بانجذاب هوى النَّفس ... أبيّ الزَّوَال والتحويل) (حبذا مَيْلَة خلست بهَا الْقلب ... اختلاس الشُّمُول حر الْعُقُول) (معطف عاطف وجيد مجاد ... والتفات يسبى بِطرف كحيل) (وطلا وَاضح وَلَفظ خلوب ... ينفث السحر فِي خلال الْمَقُول) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 (وبروحي إِذا تغضبت والمبسم ... يفترّ عَن رضى فِي نُكُول) (لعب فِي تأدبّ وتجنّ ... ضمن عطف ومنعة فِي حُصُول) (هَكَذَا هَكَذَا تبَارك من ... أودع فِي ذَا الْجمال كل جميل) قَالَ وَمن الْوَاقِعَات فِي بعض الروعات (بروحي الَّذِي أَشْقَى الْعُيُون ارتقابه ... وَأخرج عَن حد التعادل أحوالي) (تمثله الأشواق لي فَإِذا أرى ... مليحاً على بعد تظناه بلبالي) (فأقصده قصد العطاش توهمت ... سراباً فَلَمَّا حَان إِذْ هِيَ بالآل) (فصرت بِحَال لَو أرَاهُ حَقِيقَة ... نكرت على عَيْني وكذبت آمالي) وَقَالَ مجيباً لمن عَابَ عَلَيْهِ كتمان الْحبّ وآثر الشُّهْرَة وَقَالَ بِأَن كتم الْحبّ من الْجُبْن (لَيْسَ جبنا أَنِّي أموّه فِي الْحبّ ... وأخفي وأستشين البيانا) (غير أَنِّي أجل مَالك رقي ... إنّ مثلي يشدو بِهِ إعلانا) (فَإِذا مَا فخرت أَفْخَر بِالصبرِ ... وألفى لسره صوّانا) (وَإِذا مَا شَكَوْت فلتك شكواي ... إِلَيْهِ عساه أَن يتدانا) (فشجاع الْهوى الصبور على جرح ... مباريه صَارِمًا وسنانا) (لَا الَّذِي إِن تشكه بادرة الطّرف ... ترَاهُ يقرع الأسنانا) (أَنا من قسم الْفُؤَاد فَأعْطى ... مِنْهُ كلاكما يَلِيق مَكَانا) (ومراح الغزال فِيهِ مصان ... عَن سواهُ وَحقه أَن يصانا) وَقَالَ (مَا الَّذِي أوجب صدّك ... وَلما أخلفت وَعدك) (ألشغل دنيويّ ... أم عَذَابي كَانَ قصدك) (أم دلال أم تجنّ ... أم قرين السوء صدّك) (وعَلى أَيَّة حَال ... أسعد الغفران جدّك) (بِالَّذِي ولاك رقي ... سَيِّدي لَا تنس عَبدك) (أَنا فِي قرب وَبعد ... حَافظ تالله عَهْدك) (وفؤادي حَيْثُمَا كنت ... وَايْم الله عنْدك) (لطفك الْمَعْهُود خلاني ... أَسِيرًا لَك وَحدك) (هَل من الْإِنْصَاف إقصاد ... الَّذِي ينظم قصدك) (حاش ألطافك من أَن ... تمنع الظمآن وردك) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 (أَنا من شاد كَمَا شَاءَ ... التقى والصون ودّك) (كم خلونا والمروءات ... وشت بردى وبردك) (وعفاف الذيل قد طوّق ... جيد الصب زندك) (هَكَذَا نَحن فَظن الْخَيْر ... يَا سَائل جهدك) (أَنا من يتبع غيّ الْحبّ ... فَاتبع أَنْت رشدك) وَقَالَ مودعاً بعض إخوانه (حياك عهد الحبيب عهد ... أَوْطَفُ جفن السَّحَاب ورد) (بعْدك مَا جف من جفوني ... دمع وَلم يجفهن سهد) (كَأَنَّمَا كَانَ لليالي ... دُيُون بَين وحان وعد) (يَا لَيْت مذ فرضت بعاداً ... سنت وداعاً غَدَاة شدوا) (أستودع الله من جفاني ... ضَرُورَة وَهُوَ لي بودّ) (سَار بقلبي حماه رَبِّي ... وَلم يقل كَيفَ بعد تَغْدُو) (حداه أَنِّي أنتحي فلاح ... وقاده للنجاح رشد) (وَمَا عَلَيْهِ بِذَاكَ عتب ... إِرَادَة الله لَا تردّ) وَقَالَ أَيْضا (خلياني ولوعتي ونحيبي ... لَيْسَ الإصاب بدمع صبيب) (وابكياني فإنّ من جرح اللحظ ... قَتِيل وَمَاله من طَبِيب) (أَي صب سمعتما علقته ... أعين الغيد فَهُوَ غير سليب) (يَأْبَى معرضًا أُلُوف نفار ... ذَا اخْتِلَاق تعنتاً للذنوب) (فعله كُله حبائل فتك ... قد أعدّت لصيد كل الْقُلُوب) (تتحرى مقَاتل الصب عَيناهُ ... برشق النبال فِي التصويب) (ذُو وقار أهابه أَن أحييه ... إِذا مَا بدا بِلَفْظ حَبِيبِي) (فَهُوَ لم أدر جَاهِل خبر حَالي ... أم يريني تجاهلاً كمريب) (أبدا دأبه ودأبي هَذَا ... وكلانا فِي الْحَال غير مُصِيب) (ليته لَو أقرّ قلبِي على الْحبّ ... بِلَا رِيبَة وَوجه قطوب) (وَإِذا شَاءَ بعد ذَاك تجنى ... لَذَّة الْحبّ غُصَّة التعذيب) (مَا يُبَالِي من اسْتهلّ عَلَيْهِ ... من سَمَاء الغرام غيث اللغوب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 (جاب كل الْبِلَاد يحْسب أَن الْحَظ ... شَيْء يعْطى لكل غَرِيب) وَقَالَ (أَطَالَت وَقَالَت من تصبر يظفر ... فديتك لَكِن مدّة الْعُمر تقصر) (فَفِي كل قطر غربَة وتشتت ... وَفِي كل عصر حرقة وتحسر) (يخيل لي فِي كل قفراء إِنَّمَا ... بهَا الْآل أشراك الهوان فأنفر) (أَهجر مِنْهَا حَيْثُ تستعر الْحَصَى ... وتصخب حرباء الهجير وتزفر) (وَحَتَّى إِذا شمس الْأَصِيل تقنعت ... حداداً على فقد النَّهَار أشمر) (فأختبط الظلماء أَحسب أَنَّهَا ... مَسَافَة خطّ بالخطا تتقصر) (وَلَو أنّ لي مِنْك الْتِفَات مودّة ... لما كنت أطوي فِي الْبِلَاد وأنشر) وَقَالَ مضمناً بَيت المنجكى فِي ثقيل (عجبت من طالع الْمُحب وَمن ... سرعَة أكذاب يأسه الأملا) (أَن زَارَهُ من يحب عَن غلط ... أناه كابوس يقظة عجلاً) (كَأَنَّهُ طَارق الْمنون فَلَا ... حِيلَة فِي دَفعه إِذا نزلا) (أَو الْغَرِيم الْملح فِي زمن الْعسر ... أَو الدَّاء صَادف الأجلا) (نثيل روح يزور فِي زمن ... لَو زار فِيهِ الحبيب مَا قبلا) (يَقُول أيه وَقد وجمت وَمن ... ينْطق أَو من يُطيق مُحْتملا) (يسْأَل مَا تَشْتَكِي فَقلت لَهُ ... دَاء عراني فَقَالَ لَا وصلا) (فَقلت آمين يَا مُجيب أزل ... مَا نشتكيه فَإِن يدم قتلا) (يَا لَيْت لَو أَنه اسْتُجِيبَ لنا ... دَعوتنَا تِلْكَ وَالْمَكَان خلا) (لم يحل بل ضَاعَ وقتنا هدرا ... وملّ منا الحبيب وارتحلا) وَكَانَ يهوى غُلَاما فاتفق أَنه مر عَلَيْهِ والغلام يلْعَب بالنرد فِي أحد بيُوت القهوة فَلم يكترث بِهِ وتشاغل باللعب فنظم فِيهِ هَذِه الأبيات وَهِي من محاسنه (أنكرتني ذَات السوار الصموت ... عجبا مَا لعرفتي من ثُبُوت) (لَا بل العانبات يعددن من أمسك ... من وصلهن حَيا كمبت) (ومريد من الغزاني وَفَاء ... منْدَل بشعرة العنكبوت) (لَا رعى الله مهجة علقتهن ... وَلَا أسعفت بِفضل القوب) (حقرت هِنْد ذِمَّتِي واستعاضت ... عَن صدوح الرياض بالعفريت) (لست أنسى يومي بمجتمع اللَّهْو ... وفكري يجيد فِيهَا نعوتي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 (اذبدت فِي غلالة النِّيَّة وَالْعجب ... وَبرد الْجلَال والجبروت) (تتهادى فِي السرب حَتَّى إِذا مَا ... وصلت حوزتي أرتني موتِي) (بتغاض مَعَ الْتِفَات إِلَى الدون ... ومقت وَلست بالممقوت) (ويحها لم تحيني بَين جمعي ... لَو تحسي قُلْنَا لَهَا حييت) (وتلاهت بالنرد فِي ذَلِك الْمجْلس ... خوف اتهامها بِالسُّكُوتِ) (ثمَّ ولت وخلقتني أعض الْكَفّ ... مُسْتَدْرك القضا بعد فَوت) (هِنْد قلي من التجني فلسنا ... من يرضيه فَضله مِمَّن فتيت) (لست لأثنين أَو ثَلَاث فنأسى ... أَن تخصى بَعْضًا وبعضا تفوتي) (أَنْت وقف على الْعباد وَمن يطْمع ... فِي الْوَقْف وَاجِب التكيت) (أتظنين أَن لي بك شغلاً ... لي قلبِي إِن شِئْت ذَا أَو أبيتي) (إِنَّنِي عفت بَيت حسنك مأهولاً ... فَإِنِّي وَمَا بِهِ غير بَيت) (لَيْسَ عِنْدِي بعد احتقارك قدري ... لَك كفؤ غير الطَّلَاق البتوت) (لَا أسوفا على جمالك أَن بدل ... قبحاً وَمر طعم الشتيت) (غير إِنِّي أسفت أَن ضَاعَ شعري ... فِيك مكن مَا باختباري حبيتي) (إِذْ بلائي بمبتلاك دَعَا الْفِكر ... لِأَن شاد فِيك بعض بيُوت) (آه من صُحْبَة الْعباد وواها ... لزمان يمرّ فِي تشتيت) (صدق الْقَائِل السَّلامَة فِي الصمت كَذَا الْخَيْر فِي لُزُوم الْبيُوت ... ) (طالما مَا قد جررت ذيل التصابي ... وتناسيت عضة التفويت) (لَا يظنّ عَاقل بِي ميلًا ... لمليح من آنس أَو مقوت) (رفضت نفيسي الْهوى خيفة الذل ... وَأَن تبتلي برق فليب) (وهجرت المدام مِمَّا يُؤَدِّي لأفتضاح ... القؤول والسكيت) (واختلاط بِغَيْر مرضِي عقل ... وانطراح مَعَ كل ذِي تنكيت) (فَإِذا مَا ذكرت أَيَّام الْهوى ... قلت أَيَّام ذلتي لَا سقيت) (لَذَّة الْحرفِي اكْتِسَاب الْمَعَالِي ... لَا افتراش الدمى وحسو الْكُمَيْت ... وَأَخْبرنِي فِي أَنه رأى مَا ذكره ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة ابْن الْعَتَاهِيَة أَنه لما ترك قَول الشّعْر حَبسه الْمهْدي فِي حبس الجرائم فَلَمَّا دخله رأى كهلا حسن الْبرة وَالْوَجْه عَلَيْهِ سِيمَا الْخَيْر فقصده وَجلسَ من غير سَلام عَلَيْهِ لما هُوَ فِيهِ من الْجزع والحيرة والفكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 فَمَكثَ كَذَلِك فَإِذا الرجل ينشد (تعودت مس الضّر حَتَّى ألفته ... وأسلمي حسن العزاء إِلَى الصَّبْر) (وصيرني يأسي من النَّاس واثقا ... بِحسن صَنِيع الله من حَيْثُ لَا أَدْرِي) فَاسْتحْسن أَبُو الْعَتَاهِيَة الْبَيْتَيْنِ وتبرك بهما قَالَ وثاب عَقْلِي إِلَيّ فَقلت لَهُ تفضل بإعادتهما فَقَالَ مَا أَسْوَأ أدبك دخلت فَلم تسلم ثمَّ لما سَمِعت مني بَيْتَيْنِ من الشّعْر الَّذِي لم يَجْعَل الله فِيك خيرا وَلَا أدبا وَلَا معاشا غَيره طفقت تستنشدني مبتديا كَأَن بَيْننَا أنسا وسالف مَوَدَّة توجب بسط الْقَبْض فَقلت اعذرني فَقَالَ وفيم أَنْت تركت الشّعْر الَّذِي هُوَ جاهك عِنْدهم وسببك إِلَيْهِم وَلَا بُد أَن تَقوله فَتطلق وَأَنا يدعى بِي فأطلب بِعِيسَى بن زيد بن رَسُول الله فَإِن دللت عَلَيْهِ لقِيت الله تَعَالَى بدمه وَكَانَ رَسُول الله خصمي فِيهِ وَإِلَّا قتلت فَأَنا أولى بِالْحيرَةِ مِنْك وَهَا أَنْت ترى صبري واحتسابي ثمَّ أعَاد لي الْبَيْتَيْنِ حَتَّى حفظهما ثمَّ دعى بِي وَبِه فَقلت لَهُ من أَنْت فَقَالَ أَنا حَاضر صَاحب عِيسَى بن زيد فأدخلنا على الْمهْدي فَقَالَ للرجل أَيْن عِيسَى فَقَالَ وَمَا يدريني تطلبته فهرب مِنْك فِي الْبِلَاد وحبستني فَمن أَيْن أَقف على خَبره قَالَ لَهُ مَتى كَانَ متواريا وَأَيْنَ آخر عَهْدك بِهِ وَعند من ليقته قَالَ مَا لَقيته مُنْذُ توارى وَلَا عرفت لَهُ خَبرا قَالَ وَالله للتدلن عَلَيْهِ أَولا أضربن عُنُقك السَّاعَة فَقَالَ اصْنَع مَا بدا لَك فوَاللَّه لَا أدلك على ابْن رَسُول الله وَألقى الله وَرَسُوله بدمه وَلَو كَانَ بَين ثوبي وجلدي مَا كشفت لَك عَنهُ قَالَ اضربوا عُنُقه فَأمر بِهِ فَضربت عُنُقه ثمَّ دَعَا بِي وَقَالَ أَتَقول الشّعْر أَو ألحقك بِهِ قلت بل أَقُول قَالَ أَطْلقُوهُ فأطلقت وَقد روى أَبُو عَليّ التنوخي فِي الْبَيْتَيْنِ زِيَادَة بَيت ثَالِث وَهُوَ (إِذا أَنا لم أقنع من الدَّهْر بِالَّذِي ... تكرهت مِنْهُ طَال عتبي على الدَّهْر) انْتهى قَالَ المترجم فاستحسنت هَذِه الأبيات وذيلت عَلَيْهَا بِقَوْلِي (وَفِي صرفه شغل عَن العتب صَارف ... كشغل غريق الْبَحْر عَن دُرَر الْبَحْر) (وَمَا الدَّهْر وَالْأَيَّام وَالْوَقْت والورى ... سوى الْفَاعِل الْمُخْتَار رجل عَن الْحصْر) (وَعَن حِكْمَة تجْرِي مقادير عَالم ... لموقع نفع العَبْد من موقع الضّر) (وَأَنت إِذا حققت إِن كنت عَارِفًا ... شغلت مَكَان العتب بِالْحَمْد وَالشُّكْر) (فعتبك للأيام غير مصادف ... محلا إِذْ الْأَيَّام أَنْت وَلَا تَدْرِي) (فَكُن ذَا سكُوت فِي مجاري الْقَضَاء أَو ... تأسف فَإِن الْكل فِي قَبْضَة الْأَمر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 (وَمَا الطيش مغن عَنْك فِي حل عقلة الوثاق ... سوى التَّشْدِيد فِي عقدَة الْأسر) وَمن نَوَادِر أسماره ومحاسن أخباره أَنه كَانَ فِي غُضُون الصِّبَا يهوى حبيبا كَأَنَّمَا تكون من رقة الصِّبَا وَكَانَ يَذُوق من تقلباته مَا يحر فِيهِ الْوَهم ويعجز عَن حمل بعضه الطود الأشم على أَن مَا قاساه من البلايا والمحن لم يكن بمستحقها وَلَكِن يرى حسنا مَا لَيْسَ بالْحسنِ فَجَلَسَ يَوْمًا الإقراء تلميذ لَهُ وَكَانَ مِمَّن تسْجد لطلعته الأقمار ويلعب بالعقول لعب الْعقار بالأفكار فَحَدَّثته نَفسه بِأَن يتَخَلَّص من ذَلِك الشّرك وينقل الرّوح من أٍ سر ذَلِك المارد إِلَى هَذَا الْملك فَعرض لَهُ طائف من عَالم الخيال وهبت عَلَيْهِ نفحة من برزخ الْمِثَال فَرَأى شكل حَبِيبه الَّذِي شب بِهِ ضرام الجوى ينظر إِلَيْهِ شررا وَهُوَ مار فِي الْهوى وَهُوَ يومي إِلَيْهِ كالمعاتب ويلومه بِلِسَان الْحَال كَمَا يلام الْقَادِر الْكَاذِب فَحصل لَهُ من الْحيَاء والحجاب مَا أوقعه فِي أعظم مصاب وَعطف على الْقلب اللجوج وَقد أطرق إطراق المحجوج فَبَيْنَمَا هُوَ لَا يُدِير لحظا وَلَا يحير لفظا إِذا بِرَجُل أعظم مَا يكون مد يَده إِلَى فُؤَاده واختطفه بِسُرْعَة عزمه وَقُوَّة سداده وألقاه إِلَى ذَلِك الْمِثَال فَأَخذه وَولي من حَيْثُ جَاءَ فِي عَالم الخيال فَاسْتَيْقَظَ وَقد أضلّ قلبه وضيع صبره وليه وَعقد التَّوْبَة عَمَّا جنى فِي شرع الْهوى من الذُّنُوب وَفِي كل عين مِنْهُ أحفان وَيَعْقُوب وَمن أناشده لنَفسِهِ مَا تلقيته عَنهُ من فِيهِ فِي أحد مجالسي مَعَه قَوْله (سقتك الغر يَا عهد الشبيبة ... ترنح مِنْك أغصانا عسيبة) (وَإِلَّا فالنواقع من جفوني ... وَإِن تَكُ لأرواء وَلَا عذوبة) (فكم لي فِي ظلالك من مقيل ... حسون بِهِ الْهوى كأسا وكوبه) (بِكُل ندى جسم كنت أظمى ... النواظر عَنهُ خشيَة أَن تذيبه) (كَانَ بِكُل عُضْو مِنْهُ بَدْرًا ... منيرا أَو مدبجة خصيبة) (وكل مرنح الأعطاف يخطو ... فيكتسب الصِّبَا مِنْهُ هبوبه) (إِذا مَا رام يعبث بِي دلالا ... يقطب والرضى يمحو قطوبه) (فَمن لَك بالسلامة أَن تثني ... وهز قناة عطفيه الرطيبة) (وأبلج مستدير الشكل أبدت ... بِهِ الأصداغ أشكالا عَجِيبَة) (تريك بسيمياء الْحسن روضا ... حذارا مِنْهُ أَن تصلى لهيبة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 (وفاحم طرة شكرا لأيدي ... الرعونة كم لَهَا أمست لعوبه) (تبدّدها كذوب الْمسك طوراً ... على غُصْن تجسد من رطوبه) (وطوراً يظْهر الشربوش مِنْهَا ... كأطراف البنان غَدَتْ خضيبه) (وآونة يرى مِنْهَا زباناً ... يموج وَكم بِهِ كبد لسيبه) (فَأَنِّي يطْرق السلوان قلباً ... حمته جيوش خضراء الكتيبة) (وَلَا كنواعس أرشقن قلبِي ... صوائب غادرته أَخا مصيبه) (شهرن ظبا وقلن أَلا صيود ... فَكَانَت مهجتي أولى مجيبه) (لحالها الله أيّ عَنَّا تلقت ... تقمص مِنْهُ جثماني شحوبه) (وَلم أك ألحها إِلَّا أضطراراً ... فَلم تَكُ بِالَّذِي فعلت معيبه) (هِيَ الأحداق مَا مستك إِلَّا ... وفزت من الشَّهَادَة بالمثوبه) (جرى قلم الْقَضَاء لنا بِهَذَا ... وَلَا يعدو امْرُؤ أبدا نصِيبه) وَمِمَّا نقلته من خطه قَوْله (تولى زماني بالتلاعب وانقضى ... وحبل شَبَابِي بالمشيب تنقضا) (أراقب لمحا من سُهَيْل مطالبي ... وأرصد برقاً من أمانيّ أَو مضا) (يخيل لي أنّ الدجا وَجه باخل ... وكف الثريا للسؤال تعرّضا) (فآنف من نيل الْغنى بمذلة ... وألوي عنان الْقَصْد عَنهُ مفوّضاً) (وأعيا طلابي من زماني صاحباً ... يكون لحالي بِالْوَفَاءِ منهضاً) (فأيقنت أنّ الْخلّ أفقد ثَالِث ... مَعَ الغول والعنقاء فِي قَول من مُضِيّ) (وَقد صَحَّ عِنْدِي إِنَّمَا الْخلّ خلة ... أروم لَهَا سد الكفاف مَعَ الرِّضَا) (إِذا قطع الْإِنْسَان أطماع نَفسه ... من النَّاس كَانَ الْيَأْس أهنى معوّضاً) (هُنَاكَ يكون الْمَرْء بِاللَّه مُقبلا ... على شَأْنه مَا أَن يكل لَهُ مضا) (فذالك الَّذِي بِالْعقلِ صَحَّ اتصافه ... وَمن لَا فَلَا وَالله بَالغ مَا قضى) ونقلت أَيْضا من خطه قَوْله (لَا تتْرك الْجد فِي جمع الْكَمَال لِأَن ... بارت تِجَارَة سوق الْفضل فِي الزَّمن) (لَا بدّ أَن ترغم الْجُهَّال حَاجتهم ... إِلَى كمالك أَن يرضوك فِي الثّمن) (وحسبك الله إِن لم تلق مُشْتَريا ... عَن الغبي بعرف الْعرف أَنْت غَنِي) وَمن مقطوعاته قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 (إِذا كَانَ فقر الْمَرْء يزري كَمَاله ... فتنفر مِنْهُ الأصدقاء بِلَا عذر) (فيا ضَيْعَة الْحسنى وَيَا خيبة الرجا ... وَيَا موت زرانّ الْحَيَاة على خسر) وَقَوله (رَأَيْت التواني أنكح الْعَجز بنته ... وسَاق إِلَيْهَا حِين زفت لَهُ مهْرا) (فراشا وطياً ثمَّ قَالَ لَهَا اتكي ... فَلَا بدّ للزوجين أَن يلدا فقرا) وَهَذَانِ البيتان قديمان وَإِن أثبتهما فِي ديوانه وَمن مقاطيعه قَوْله (عني إِلَيْكُم بني هَذَا الزَّمَان فقد ... عَاهَدت قلبِي أَن لَا رام ودّكم) (أَبَا حكم بَيت ودّ كَانَ تصدية ... صَلَاتكُمْ عِنْده فَالْآن صدّكم) وَقَوله (إياك يَا ابْن أبي عني نصيحة من ... يَد التجارب قَامَت عَنهُ بالأود) (إياك صُحْبَة غير الْجِنْس مَا بشر ... يقوى لِأَن يجمع الضدّين فِي جَسَد) وَقَوله (نَفسِي لتؤثر أَن تفنى بمحنتهم ... لِأَنَّهَا لسوى الأحباب لم تكن) (الْمَرْء يُرْجَى لضرّ أَو لمَنْفَعَة ... وَمَا خلقت لغير الْحبّ والشجن) وَقَوله (الأهم الأهم إِن كَانَ لَا بدّ ... فَإِن الزَّمَان فِينَا قصير) (لَا تضع فرْصَة الحيا فَمَا للعمر ... حَيْثُ انْتهى مداه معير) وَاتفقَ لي مَعَه يَوْم من أطيب الْأَيَّام فِي رَوْضَة غشيت بنسيج يَد الْغَمَام لبست خضر المطارف وتزينت بأنواع الزخارف وصحبتنا من السَّادة الأفاضل زمرة قد تألفت طباعهم بالفرح والمسرة فأخذني من النشاط مَا بَعَثَنِي على مدحهم بِأَبْيَات فَقلت وَأَنا معترف فِي وَصفهم بِضيق المجال فِي الْعبارَات والأبيات هِيَ هَذِه (فديت خلا بِصدق عشرته ... هذب نَفسِي إِذْ جَاءَ يرشدها) (عرّفني مَا جهلته زَمنا ... من شُبُهَات لِلْخلقِ توجدها) (حَتَّى إِذا مَا أنْكرت فعلهم ... وتوبتي تمّ فِيهِ موعدها) (فاوضني فِي هواي مختبراً ... وَكله حِكْمَة يزوّدها) (فَقَالَ أَي الذوات تعشقها ... قلت كريم الأمجاد سَيِّدهَا) (فَقَالَ أَي الأوتار تؤثره ... قلت صرير اليراع أَجودهَا) (فَقلت كَيفَ الرياض قلت لَهُ ... عِنْد طباع الْكِرَام أجحدها) (فَقَالَ وَالطّيب قلت عرف ثَنَا ... خلائق لَا أَزَال أحمدها) (فَقَالَ وَالنَّقْل كَيفَ قلت وَهل ... ذَاك سوى الْأَشْعَار ننشدها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 (فَقَالَ أَي الندمان أَنْت لَهُ ... تبذل نفسا تضيق حسدها) (فَقلت لي سادة بهم عذبت ... مناهلي حَيْثُ طَابَ موردها) (فَكل وَقت يمرّ لي بهم ... أشرف كل الْأَوْقَات أسعدها) (داموا ودامت لنا فضائلهم ... نَأْخُذ عَنْهَا وَلَيْسَ نفقدها) وَقد أطلنا حسب الْمُقْتَضى وَلَوْلَا خوف الْخُرُوج عَن الِاعْتِدَال لذكرت من أشعار المترجم شَيْئا كثيرا وَلَكِن فِي هَذَا الْقدر كِفَايَة وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَائِل ذِي الْحجَّة سنة تسع وَتِسْعين وَألف عَن خمس وَسِتِّينَ سنة وَدفن بمقبرة الفراديس والسليمى نِسْبَة لبني سليم من الْعَرَب العاربة وشهرته بطرز الريحان لموشح قَالَه فِي أَيَّام صبوته مطلعه (طرز الريحان حلَّة الْورْد ... ) فاشتهر بِهِ عبد الْحَيّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الْعِمَاد أَبُو الْفَلاح العكري الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ شَيخنَا الْعَالم الْهمام المُصَنّف الأديب المفنن الطرفة الإخباري العجيب الشَّأْن فِي التَّحَوُّل فِي المذاكرة ومداخلة الْأَعْيَان والتمتع بالخزائن العلمية وَتَقْيِيد الشوارد من كل فن وَكَانَ من آدب النَّاس وأعرفهم بالفنون المتكاثرة وأغزرهم إحاطة بالآثار وأجودهم مساجلة وأقدرهم على الْكِتَابَة والتحرير وَله من التصانيف شَرحه على متن الْمُنْتَهى فِي فقه الْحَنَابِلَة حَرَّره تحريراً أنيقاً وَله التَّارِيخ الَّذِي صنفه وَسَماهُ شذرات الذَّهَب فِي أَخْبَار من ذهب وَله غير ذَلِك من رسائل وتحريرات وَكَانَ أَخذ عَن الْأَعْلَام الْأَشْيَاخ بِدِمَشْق من أَجلهم الْأُسْتَاذ الشَّيْخ أَيُّوب وَالشَّيْخ عبد الْبَاقِي الْحَنْبَلِيّ وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن بدر الدّين البلباني الصَّالِحِي وأجازوه ثمَّ رَحل إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة للأخذ عَن علمائها وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ سُلْطَان المزاحي والنور الشبراملسي وَالشَّمْس البابلي والشهاب القليوبي وَغَيرهم ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق وَلزِمَ الإفادة والتدريس وانتفع بِهِ كثير من أهل الْعَصْر وَكَانَ لَا يمل وَلَا يفتر عَن المذاكرة والاشتغال وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَكَانَ خطه حسنا بَين الضَّبْط حُلْو الأسلوب وَكَانَ مَعَ كَثْرَة امتزاجه بالأدب وأربابه مائل الطَّبْع إِلَى نظم الشّعْر إِلَّا أَنه لم يتَّفق لَهُ نظم شَيْء فِيمَا عَلمته مِنْهُ ثمَّ أَخْبرنِي بعض الإخوان أَنه ذكر لَهُ أَنه رأى فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ ينشد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ قَالَ وأظن أَنَّهُمَا لَهُ وهما (كنت فِي لجة الْمعاصِي غريقاً ... لم تصلني يَد تروم خلاصي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 (أنقذتني يَد الْعِنَايَة مِنْهَا ... بعد ظَنِّي أَن لات حِين مناص) ثمَّ وقفت لَهُ على أَبْيَات بناها على لغز فِي طَرِيق وَهِي (مَا اسْم رباعي الْحُرُوف تخاله ... لمناط أَمر المنزلين سَبِيلا) (وتراه متضحاً جلياً ظَاهرا ... ولطالما حاولت فِيهِ دَلِيلا) (وَله صِفَات تبَاين وتناقض ... فَيرى قَصِيرا تَارَة وطويلا) (ومقوّماً ومعوّجاً ومسهلا ... ومصعداً ومحزناً وسهولا) (وَالْخَيْر وَالشَّر الْقَبِيح كِلَاهُمَا ... لَا تلق عَنهُ فيهمَا تحويلا) (سعدت بِهِ أهل التصوّف إِذْ بِهِ امتازوا ... فَلَا يبغوا بِهِ تبديلا) (تصحيفه وصف لطيف إِن بِهِ ... جملت أوصافاً تنَال قبولا) (وَإِذا تصحف بعد حذف الرّبع مِنْهُ ... تَجدهُ حرفا فابغه تَأْوِيلا) (أَو ظرفا أَو فعلا لشخص قد غَدا ... فِي وَجهه بَاب الرجا مقفولا) (وبقلبه وَزِيَادَة فِي قلبه ... لبَيَان قدر النَّقْص صَار كَفِيلا) (وبحذف ثالثه وقلب حُرُوفه ... كم راقت الحسنا بِهِ تجميلا) (فَأَبِنْ معماه بقيت مُعظما ... تزداد بَين أولى الحجى تكميلا) وَكنت فِي عنفوان عمري تلمذت لَهُ وَأخذت عَنهُ وَكنت أرى لَقيته فَائِدَة اكتسبها وَجُمْلَة فَخر لَا أتعداها فَلَزِمته حَتَّى قَرَأت عَلَيْهِ الصّرْف والحساب وَكَانَ يتحفني بفوائد جليلة ويلقيها عَليّ وحباني الدَّهْر مُدَّة بمجالسته فَلم يزل يتَرَدَّد إِلَيّ تردد الآسي إِلَى الْمَرِيض حَتَّى قدر الله تَعَالَى لي الرحلة عَن وطني إِلَى ديار الرّوم وطالت مُدَّة غيبتي وَأَنا أشوق إِلَيْهِ من كل شيق حَتَّى ورد عَليّ خبر مَوته وَأَنا بهَا فتجددت لوعتي أسفا على ماضي عهوده وحزناً على فقد فضائله وآدابه وَكَانَ قد حج فَمَاتَ بِمَكَّة وَكَانَت وَفَاته سادس عشر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بالمعلاة وَكَانَ عمره ثَمَانِي وَخمسين سنة فَإِنِّي قَرَأت بِخَط بعض الْأَصْحَاب أَن وِلَادَته كَانَت نَهَار الْأَرْبَعَاء ثامن رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف عبد الْحَيّ بن عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد محب الدّين بن أبي بكر تَقِيّ الدّين بن دَاوُد المحبي الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي ابْن عَم أبي الْفَاضِل الْكَامِل كَانَ من لطف الطَّبْع وسلامة النَّاحِيَة على جَانب عَظِيم وَكَانَ مَقْبُول الْعشْرَة حسن الْخلق والخلق سخياً متودداً نَشأ فِي دولة أَبِيه الباهرة وَكَانَ أَبوهُ ذَا ثروة عَظِيمَة فَإِنَّهُ حصلا أَمْوَالًا وافرة وتملك أملاكاً جليلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 ورزق وَلدين عبد الْحَيّ هَذَا ومحمداً وَسَيَأْتِي ذكره وَهُوَ أَخُو جدي لِأَبِيهِ وَأم عبد الْحَيّ أُخْته لأمه وَهِي بنت الشَّيْخ الإِمَام عبد الصَّمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد العكاري الْمُتَوفَّى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وجده عبد الصَّمد مفتي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَرَئِيس علمائها كَانَ وَكَانَ اسْمهَا بعديعة الزَّمَان وَكَانَت من الْعلم والمعرفة ونظم الشّعْر فِي مَحل سَام اشتغلت الْكثير على جدي القَاضِي محب الدّين وَأخذت عَنهُ الْفِقْه والعربية وَقَرَأَ عَلَيْهَا ابْنهَا عبد الْحَيّ هَذَا وَأَخُوهُ ثمَّ لزم عبد الْحَيّ الِاشْتِغَال فَقَرَأَ على عُلَمَاء عصره مِنْهُم الْعِمَاد الْمُفْتِي وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقي ونبل ثمَّ مَاتَ أَبوهُ فِي سنة سبع وَعشْرين وَألف فِيمَا أَحسب ونفدت أَمْوَاله فِي مُدَّة يسيرَة فضمه وأخاه جدي محب الله إِلَيْهِ وأمدهما بإمداداته الدارة وميزهما على أقرانهما فبلغا رفْعَة وشأناً عَظِيما واستبد عبد الْحَيّ بتولية نيابات المحاكم بِدِمَشْق فولى الميدان والعونية ودرس بمدرسة دَار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق ثمَّ ورد إِلَى دمشق قَاض للْحَاج فاتحد بِهِ وألفه وفوض إِلَيْهِ أَمر نيابته فِي الطَّرِيق فصحبه فَمَاتَ فِي الطَّرِيق بِمَنْزِلَة عسفان وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف عبد الْحَيّ بن فيض الله بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن الْقَاف القسطنطيني المولد والمنشأ المتخلص بفائضي شَاعِر الرّوم وظريفها كَانَ فريد دهره أدباً وفضلاً وكرماً ومجداً وبلاغة وبراعة ولطافة وظرافة وديوان شعره مَشْهُور سَائِر بَين الْحسن والجودة والجزالة والعذوبة وَمَعَهُ رواء الطَّبْع وشيمة الظّرْف وَهُوَ من بَيت بالروم لَهُم الصدارة والتقدم وَأَبوهُ فيض الله سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَنَشَأ هُوَ ودأب فِي التَّحْصِيل حَتَّى برع وسما قدره من حِين شبيبته وَكَانَ كبار الْعلمَاء والأدباء يميزونه ويأنسون بِهِ وَكَانَ بَينه بَين نفعي الشَّاعِر الْمَشْهُور وقائع وحروب كَثِيرَة وهجاه نفعي بأهاج مفرطة فِي المذمة مَذْكُورَة فِي كِتَابه سِهَام الْقَضَاء وَقد درس بمدارس مُتعَدِّدَة وَولي قَضَاء سلانيك فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وَوَافَقَ تَارِيخ تَوليته لَهُ نَفسه قَضَاء عبد الْحَيّ وعزل عَنْهَا فَأَقَامَ معزولاً إِلَى أَن مَاتَ وَلم ينل غَيرهَا وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف بقسطنطينية عبد الْحَيّ بن مَحْمُود الْحلَبِي الأَصْل الْحِمصِي المولد الدمشق الدَّار الْحَنَفِيّ الصُّوفِي كَانَ من أجلاء الْفُضَلَاء طَوِيل الباع فِي المعارف وانتفع بِهِ خلق بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ ذكره النَّجْم الْغَزِّي وَقَالَ فِي تَرْجَمته كَانَ فِي مبدأ أمره من فُقَرَاء الشَّيْخ أبي الْوَفَاء بن الشَّيْخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 علوان وَكَانَ كثيرا مَا يخرج من حمص إِلَى حماة لزيارته فخطر لَهُ خاطر فِي طلب الْعلم فاسشار أَبَاهُ فَقَالَ لَهُ أَبوهُ اذْهَبْ إِلَى شيخك سَيِّدي أبي الْوَفَاء وَانْظُر إِلَى مَا يُشِير بِهِ عَلَيْك وَأي مَدِينَة يَأْمُرك بِالسَّفرِ إِلَيْهَا وَطلب الْعلم بهَا فسافر إِلَى الشَّيْخ وقص لَهُ قصَّته وَمَا قَالَ لَهُ أَبوهُ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو الْوَفَاء اذْهَبْ موقف حماة فهناك مجذوب قف أَمَامه وَقل لَهُ إِن وَفَاء بن علوان يُقْرِئك السَّلَام وَلَا تزد على ذَلِك وَانْظُر مَاذَا يجيبك بِهِ قَالَ فمضيت إِلَيْهِ ووقفت أَمَامه فَلَمَّا أحس بِي رفع إِلَيّ رَأسه فَقلت لَهُ إِن الشَّيْخ وَفَاء ابْن الشَّيْخ علوان يُقْرِئك السَّلَام فَقَالَ حَيَّاهُ الله عَلَيْك وَعَلِيهِ السَّلَام ثمَّ انتصب قَائِما وصفق بيدَيْهِ ونادى بِأَعْلَى صَوته حَيا الله بِلَاد الشَّام فِيهَا الخوخ وَالرُّمَّان فِيهَا زقزق العصفور فِيهَا شيخ بِلَا طرطور وَكرر ذَلِك مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا قَالَ فَرَجَعت وأخبرت الشَّيْخ فَقَالَ لي يَا عبد الْحَيّ اذْهَبْ إِلَى دمشق يحصل لَك الْعلم وَالدُّنْيَا وَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ فَقبل إِشَارَة شَيْخه وسافر إِلَى دمشق وَقَرَأَ بهَا على الْعَلامَة الْعلَا بن عماد الدّين والشهاب أَحْمد الطَّيِّبِيّ ثمَّ لزم أَبَا الْفِدَاء اسماعيل النابلسي ورفيقه الْعِمَاد الْحَنَفِيّ حَتَّى برع ودرس بِالْعَرَبِيَّةِ والتركية وَكَانَ يعرف اللُّغَة التركية معرفَة متقنة وَكَانَ يحب الصَّالِحين ويتردد إِلَيْهِم وسافر إِلَى الرّوم وَكَانَ مِمَّن أَخذ عَنهُ الْمولى يحيى ابْن زَكَرِيَّاء وَلما ولي قَضَاء الشَّام أَجله وَاتفقَ لَهُ أَنه كَانَ مدرساً بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة فَأخذ توليتها القَاضِي مُحَمَّد بن الكيال وَكَانَ بالروم انْتَمَى إِلَى الْمولى يحيى الْمَذْكُور وَعَاد فِي خدمته إِلَى دمشق فَوَقع بَينه وَبَين صَاحب التَّرْجَمَة بِسَبَب التَّوْلِيَة وتشاتما ثمَّ ترافعا إِلَى القَاضِي وكل مِنْهُمَا يعْتَمد مَاله عَلَيْهِ من النّظر فَلم ينصف عبد الْحَيّ واشار عَلَيْهِمَا بِالصُّلْحِ فَلَمَّا قَامَ من الْمجْلس دخل على شَيخنَا القَاضِي محب الدّين فاحتشم لَهُ وَغَضب من أَجله ثمَّ التمس شَيخنَا الشهَاب العيثاوي وَبَقِيَّة أهل الْعلم وَتَشَاوَرُوا فِي ذَلِك فَاقْتضى الرَّأْي أَن يجتمعوا فِي الْيَوْم الثَّانِي ويذهبوا إِلَى القَاضِي ويطلبوا مِنْهُ الْخُرُوج من حق ابْن الكيال بالتعزيز فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي اجْتَمَعنَا فَلَمَّا حضر الشَّيْخ عبد الْحَيّ تشكر من الْحَاضِرين وقص علينا رُؤْيا أَنه رأى الشَّيْخ عبد الْقَادِر ابْن حبيب الصَّفَدِي فِي الْمَنَام وَهُوَ فِي بُسْتَان عَظِيم قَالَ فَدخلت عَلَيْهِ فشكوت إِلَيْهِ فَقَالَ لي يَا عبد الْحَيّ أما قَرَأت تأتين فَقلت نعم فَقَالَ أما قَرَأت قولي فِيهَا (إِن لم تَجِد منصفا للحق كُله إِلَى ... مولى البرايا وخلاق السَّمَوَات) قَالَ فَاسْتَيْقَظت وخاطري متبلخ واستخرت الله عَن الِانْتِصَار فجزاكم الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 عَنَّا خيرا وشكر سعيكم ثمَّ صرف الْقَوْم قَالَ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَحَد سادس شهر رَمَضَان سنة عشر بعد الْألف وَدفن بمقبرة الفراديس وَرَأَيْت بِخَط مُحَمَّد المرزناتي الصَّالِحِي أَن وَفَاته كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس بَين الأذانين بعد أَن تسحر ثَالِث عشر شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة عبد الْحَيّ بن يُوسُف الْكرْدِي نزيل دمشق أحد أَعْيَان الْعلمَاء كَانَ لَهُ بَاعَ طائل فِي المعقولات اتَّصل أَولا بِخِدْمَة أَو يس باشا وَلما ولى مصر كَانَ مَعَه وَجعله قَاضِي الحضرة وَحصل بهَا مَالا كثيرا ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق فَلَزِمَ بَيته لَا يخرج لجمعة وَلَا جمَاعَة إِلَّا نَادرا وَكَانَ فِي الأَصْل شافعياً ثمَّ صَار حنفياً وَولي تدريس الْمدرس المعينية وَكَانَ لَهُ مُرَتّب فِي جوالي بَيت المَال وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى الْقُضَاة والولاة وَصَحب أَحْمد باشا الْحَافِظ لما كَانَ فحافظ الديار الشامية وعلت كَلمته عِنْده وَلم يعْهَد مِنْهُ ضَرَر لأحد من النَّاس وَلما مَاتَ الْحسن البوريني وَجه إِلَيْهِ قَاضِي دمشق عَنهُ الْمدرسَة الشامية البرانية فَبَقيت فِي يَده أشهراً ثمَّ وجهت من طرف السلطنة إِلَى الشهَاب العيثاوي بَقِي عبد الْحَيّ على عزلته وانزوائه إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَعشْرين وَألف عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن الْعلم ابْن إِبْرَاهِيم بن عمر بن عبد الله وطب بن مُحَمَّد النَّضر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ عبد الله باعلوي الْمَعْرُوف كسلفة بالمعلم أوحد الزَّمَان وباقعة الدَّهْر إِمَام العارفين وقدوة الصُّوفِيَّة ولد بِمَدِينَة قسم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بالعلوم والمعارف وَأكْثر الْأَخْذ عَن عُلَمَاء عصره وَصَحب أكَابِر العارفين وانتفع وَأخذ بِبَلَدِهِ عَن الإِمَام الْعَارِف الأديب خسن بن إِبْرَاهِيم باشعيب وَعَن أَوْلَاد الشَّيْخ أبي بكر بن سَالم وَدخل مَدِينَة تريم وَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَولده تَاج العارفين عَليّ زين العابدين وحفيده عبد الرَّحْمَن السقاف بن مُحَمَّد وَالْقَاضِي عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَأَوْلَاده الْمَشْهُورين وَرجل إِلَى الواديين الْمَشْهُورين وَادي دوعن ووادي عمد وَأخذ بهما عَن أجلاء أكَابِر مِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف أَحْمد بن عبد الْقَادِر الشهير بباعشن وَجَمَاعَة من العموديين ثمَّ رَحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ عَن السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخياري والصفي القشاشي وَالشَّيْخ أَحْمد الشناوي وَغَيرهم وتفنن فِي فنون كَثِيرَة لَكِن غلب عَلَيْهِ علم التصوف والحقائق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وازدهت بِهِ بَلَده وَاتَّفَقُوا على تَقْدِيمه وإمامته وَكَانَ أول أمره يعلم الْقُرْآن وَلما رَحل قَامَ أَخُوهُ مقَامه وَلما عَاد نصب نَفسه لتدريس الْعُلُوم وَكَانَ لَهُ غوص على دقائق السلوك وَله فِي لبس خرقَة التصوف طرق متبوعة وأجيز بالإرشاد والإلباس والتربية وَبلغ الْغَايَة القصوى وعد من الفحول وَوصل بِصُحْبَتِهِ كَثِيرُونَ إِلَى الْمَرَاتِب الْعلية فظهرت لَهُم مِنْهُ آيَات عالية قَالَ الشلي وصحبته مُدَّة مديدة وَحَضَرت لَهُ مجَالِس وَكَانَ يخبو على حنو الْوَالِد وأتحفنى بفوائد كَثِيرَة وَله فِي التصوف رسائل مفيدة وَأَشْيَاء لَطِيفَة وَكَانَ لَهُ حسن خلق وسمت كثيرا لوقار لم تسمع مِنْهُ كلمة مجون متواضعا متقشفا محبوبا عِنْد النَّاس مُعْتَقدًا عِنْدهم مَقْبُول القَوْل لديهم زاهدا فِيمَا بِأَيْدِيهِم مغتنما لوقته مشتغلا بِنَفسِهِ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَخمسين وَألف بقرية قسم وَدفن بتربتها الْمَشْهُورَة بالمصف وقبره مَشْهُور يزار عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْكرْدِي الصهري الشَّافِعِي نزيل ديار بكر الْعَلامَة الْمُحَقق أَخذ عَن ملاجلبي الْجَزرِي الْكرْدِي وَبِه تخرج وَمن مؤلفاته رِسَالَة فِي سُورَة يس وحاشية على حَاشِيَة عِصَام على الْجُزْء الْأَخير من الْقُرْآن وَله مَا ينيف على أَرْبَعِينَ رِسَالَة وَله رباعي فَارسي ذكر فِيهِ ابْتِدَاء تَحْصِيله للعلوم وَهُوَ قَوْله (شدّ هزار وبيست بنج از هجرت خير الْأَنَام ... كشت ازان بس بنده مر استاد صرفي راغلام) (شهر ثَانِي از شهور جَار وَجل بعد ازهزار ... دروى آمد شكر لله صدر تدر يسم مقَام) وَكَانَت تَأتيه النَّاس من الْعَجم وَمَا وَرَاء النَّهر للأخذ عَنهُ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع أَو خمس وَسِتِّينَ وَألف بِمَدِينَة ديار بكر والصهري بِضَم الصَّاد وَسُكُون الْهَاء نِسْبَة إِلَى صهران عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن المزور الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ نزيل قسطنطينية وخاطب جَامع السُّلْطَان أَحْمد بهَا وَكَانَ إِمَامه أَيْضا وَكَانَ من خِيَار الْعلمَاء مشاركاً فِي عُلُوم شَتَّى وَكَانَ صَالحا حسن السمت لَهُ تواضع ومسكنة وَكَانَ عَالما بالقراآت وانتفع بِهِ خلق كثير من أهالي الرّوم وَذكره شَيخنَا الخياري فِي رحلته وَأثْنى عَلَيْهِ قَالَ وَحج مرَارًا وجاور بِالْمَدِينَةِ أشهراً وَاتفقَ لَهُ أَمر لم يتَّفق لغيره من أهل الأقطار وَذَلِكَ أَنه لما وصل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة كَانَ شيخ الْحرم إِذْ ذَاك بهَا من قبل السُّلْطَان المرحوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 عبد الْكَرِيم أغا وَكَانَ تلميذاً لعبد الرَّحْمَن فَطلب لَهُ من خطباء ذَلِك الْمقَام الْمُبَاشرَة فِي نوبَته نِيَابَة عَنهُ طلبا للتشرف فوافقه على ذَلِك فباشر خطْبَة بذلك الْمِنْبَر الشريف وَكَانَ كثير الافتخار بذلك على سَائِر خطباء الْأَمْصَار وَوَجهه أَنه لم يعْهَد مُبَاشرَة الْخطْبَة بالمنبر الشريف لمن لَيْسَ لَهُ نوبَة من خطبائه وَكَانَ وَهُوَ بالروم اخترع أَدَاء مولداً بَين وضع التّرْك وَالْعرب وَقد عمر كثيرا حَتَّى قَارب الْمِائَة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف بقسطنطينية عبد الرَّحْمَن بن أبي الْفضل بن بَرَكَات الْموصِلِي الميداني الشَّافِعِي كَانَ شيخ زَاوِيَة الموصليين بمحلة ميدان الْحَصَى وَلما اسْتَخْلَفَهُ وَالِده فِي حَيَاته ذكر أَنهم كَانَ لَهُم حَلقَة يَوْم الْجُمُعَة فِي الْجَامِع الْأمَوِي قد تركت من زمَان قديم فَأذن لوَلَده الْمَذْكُور فَعمِلت لَهُم حَلقَة غربي بَاب السنجق دَاخل الْجَامِع فِي حُدُود الْألف وَكَانَ عبد الرَّحْمَن أسن إخْوَته وَكَانَ صافي المشرب لين العريكة وَكَانَت وَفَاته أول وَقت الظّهْر ليَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر ربيع الثَّانِي سنة سبع عشرَة بعد الْألف وَدفن لصيق وَالِده فِي تربتهم الملاصقة لمَسْجِد النارنج وَمَسْجِد الْمصلى وَجلسَ مَكَانَهُ بعده أَخُوهُ الشَّيْخ بدر الدّين فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر شهر ربيع الثَّانِي بِإِجَازَة عَمه الشَّيْخ الصَّالح تَقِيّ الدّين السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْبيض بن عبد الرَّحْمَن بن حُسَيْن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم الْفَقِيه الْمُقدم الملقب وجيه السَّيِّد الْهمام الْعلي الْقدر والهمة أحد أَشْرَاف بني علوي الْمَشْهُورين ولد ببندر الشحر وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بتحصيل الْعلم حَتَّى حصل طرفا صَالحا مِنْهُ ثمَّ رَحل إِلَى تريم وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة من العارفين ثمَّ قصد عينات لزيارة الشَّيْخ الْكَبِير أبي بكر بن سَالم فلازمه مُلَازمَة تَامَّة حَتَّى تخرج بِهِ وَألبسهُ خرقَة التصوف وَحكمه واعتنى بِعلم التصوف والْحَدِيث وَالْأَدب وَله نظم حسن ومدح شَيْخه الشَّيْخ أَبَا بكر الْمَذْكُور وَغَيره بقصائد كَثِيرَة ونظمه متداول وَكَانَ ظَاهر الْفضل باهر الْعقل مَعَ الذكاء العجيب والفهم الْغَرِيب والمكارم الْعلية والأخلاق اللطيفة واقتنى كتبا كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته لست خلون من جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَألف وَدفن بمقبرة بندر الشحر وقبره مَعْرُوف يزار السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الإدريسي المكناسي الحسني المغربي نزيل مَكَّة السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى قطب زَمَانه كَانَ من كبار الْأَوْلِيَاء لَهُ الْكَشْف الصَّرِيح وَالْأَحْوَال الباهرة وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ الأديب مُحَمَّد بن الدرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 الدِّمَشْقِي فِي أَيَّام مجاورته بِمَكَّة المشرفة (فِي ظلّ حمى السَّيِّد عبد الرَّحْمَن ... خيم لتفوز بالرضى والغفران) (واحفظ نجواك عِنْده والإعلان ... كي تَنْشَق عرف عَرَفَات الْإِحْسَان) ولد بمكناسة الزَّيْتُون من أَرض الْمغرب الْأَقْصَى فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف ورحل فِي ابْتِدَائه من الْمغرب فَدخل مصر وَالشَّام وبلاد الرّوم وَاجْتمعَ بالسلطان مُرَاد وَوَقع لَهُ كرامات خارقة وَحج سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وجاور بِمَكَّة ثمَّ رَحل إِلَى الْيمن لزيارة من بهَا من الْأَوْلِيَاء فَاجْتمع بكثيرين من أكَابِر الْمَشَايِخ مِنْهُم السَّيِّد عبد الرَّحْمَن ابْن عقيل صَاحب المخا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة وتديرها وَصَارَ مرجعاً لأَهْلهَا والواردين إِلَيْهَا وَكَانَ فِي الْكَرم غَايَة لَا تدْرك وَكَانَ يعْمل الولائم الْعَظِيمَة للخاص وَالْعَام وَكَانَت النذور تَأتيه من الْمغرب والهند وَالشَّام ومصر ويصرفها للْفُقَرَاء وَكَانَ مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْد جَمِيع النَّاس وَإِذا جَاءَهُ الْمَدِين الْمُفلس ليشفع لَهُ عِنْد دائنه فبمجرد أَنه يكلمهُ فِي ذَلِك يمتثل أمره بِطيب نفس وَرُبمَا أَبرَأَهُ من دينه وَإِذا جَار أحد من السَّادة على عبد أَو أمة وَدخل عَلَيْهِ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بأغلى ثمن وَأعْتقهُ حَتَّى أعتق أرقاء كثيرا ووقف عَلَيْهِم دوراً وَكَانَ حسن الْعشْرَة إِذا اجْتمع بِهِ أحد لم يرد مُفَارقَته وَكَانَ كثير الشفاعات وَكَانَ يحب الْعلمَاء ويكرمهم وَيحسن للْفُقَرَاء ويتفقدهم بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة الْعَظِيمَة وَكَانَ يَدْعُو الله تَعَالَى بِحَالهِ ومقاله وَكَانَ لَا يلبس إِلَّا ثوبا وَاحِدًا صيفاً وشتاءً وقلنسوة وعَلى رَأسه يلبس سروالاً وَكَانَ يحث من يجْتَمع بِهِ على مُلَازمَة مَا يُنَاسِبه من صنوف الْخَيْر من تِلَاوَة قُرْآن وَصَلَاة على النَّبِي وَكَثْرَة اسْتِغْفَار وأوراد حسان ويحض من رَأْي فِيهِ عَلامَة خير على اعْتِقَاد الصُّوفِيَّة والتصديق بكلامهم وعلومهم وأحوالهم وخصوصاً الشَّيْخ الْأَكْبَر فَإِنَّهُ كَانَ يعظمه كثيرا وَيَأْمُر بتعظيمه حكى لي الْأَخ الْفَاضِل الْكَامِل الشَّيْخ مصطفى بن فتح الله قَالَ دخلت عَلَيْهِ فِي بَيته بِمَكَّة مَعَ الشَّيْخ الْعَارِف حُسَيْن بن مُحَمَّد با فضل وَكنت لم أَدخل عَلَيْهِ قبل ذَلِك وَكَانَ لَا يخْطر ببالي ذكر الصُّوفِيَّة وَلَا أَحْوَالهم فحين اجتماعي بِهِ قَالَ لي مَا تَقول فِي الصُّوفِيَّة فَسكت لعدم معرفتي بِشَيْء من ذَلِك فَذكر الإِمَام الْغَزالِيّ وَمَا وَقع للْقَاضِي عِيَاض بِسَبَب إِنْكَاره عَلَيْهِ وَحَرقه كتاب الْأَحْيَاء فِي قصَّة طَوِيلَة عَجِيبَة ثمَّ ذكر الشَّيْخ الْأَكْبَر محيي الدّين بن عَرَبِيّ وأحواله ومؤلفاته وَأطَال فِي وَصفه وَأَنه الْخَتْم الإلهي وَأَمرَنِي أمرا جَازِمًا باعتقاد الصُّوفِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 ومطالعة كتبهمْ وَالتَّسْلِيم لَهُم والتصديق بعلومهم وأحوالهم قَالَ فَكَأَنَّمَا طبع الله كَلَامه فِي قلبِي فَمن ذَلِك الْوَقْت وَللَّه الْحَمد ملئت اعتقادا ومحبة فيهم وَإِن لم أكن على سُنَنهمْ وَأَرْجُو من الله سُبْحَانَهُ أَن يحشرني مَعَهم وَفِي حزبهم ولقنني رَضِي الله عَنهُ الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله وألبسني الْخِرْقَة الشَّرِيفَة وَكَانَ يَدْعُو لي كثيرا وَكَانَ لَهُ الكرامات الْعَظِيمَة مِنْهَا مَا حَكَاهُ السَّيِّد الْجَلِيل عمر بن سَالم شَيْخَانِ يَا علوي أَنه سَافر مَعَه إِلَى الْيمن وَكَانَ مَعَهُمَا الشَّيْخ الْفَاضِل عبد الله بن مُحَمَّد الطَّاهِر العباسي الْمَكِّيّ فهاج عَلَيْهِم الْبَحْر وكادوا يشرفون على الْهَلَاك فَقَالُوا لَهُ يَا سَيِّدي انْظُر إِلَى مَا نَحن فِيهِ من الْحَال ادْع الله لنا أَن يفرج عَنَّا فَقَالَ للبحر اسكن بِإِذن الله فسكن من حِينه ووقف الرّيح فَقَالَ للريس سر على بركَة الله تَعَالَى فَقَالَ يَا سَيِّدي كَيفَ أسافر بِلَا ريح فَقَالَ لَهُ سر يَأْتِي الله بِالرِّيحِ فَسَار فأتتهم ريح طيبَة وصلوا فِيهَا إِلَى مقصودهم وَزَالَ عَنْهُم مَا كَانُوا يجدونه من الْخَوْف ببركته وَمِنْهَا أَيْضا مَا أخبر بِهِ السَّيِّد الْمَذْكُور أَنه لما ذهب نفع الله تَعَالَى بِهِ إِلَى زِيَارَة سَيِّدي الشَّيْخ أَحْمد بن علوان بِمَدِينَة يغْرس أَتَى الشَّيْخ خادمه فِي الْمَنَام قبل وُصُول السَّيِّد بليلة وَقَالَ لَهُ فِي غَد يصبح عَلَيْك رجل صفته كَذَا وَكَذَا فأفعل لَهُ ضِيَافَة عَظِيمَة وَبَالغ فِي تَعْظِيمه وَأكْرم نزله ومثواه فَإِنَّهُ من أكَابِر أهل الله فامتثل الْخَادِم أَمر الشَّيْخ وَفعل مَا أمره بِهِ وانتظره فِي الْوَقْت الَّذِي ذكره لَهُ فَلم يجده فَذهب خَارج الْبَلَد لَعَلَّه يجده فَلم ير لَهُ أثرا وَلَا خَبرا فَرجع وَقد أيس من وُصُوله وَدخل مقَام الشَّيْخ فَوَجَدَهُ فِيهِ بِصفتِهِ وَكَانَت الْأَبْوَاب مصكوكة ففتحت لَهُ ومفاتيحها بيد الْخَادِم فَعرفهُ وَقبل يَدَيْهِ وَذكر لَهُ مَا أمره بِهِ الشَّيْخ وَذهب بِهِ إِلَى مَكَان الضِّيَافَة وَبَالغ فِي إكرامه وَمِنْهَا مَا حَكَاهُ السَّيِّد الْمَذْكُور أَنه كَانَ ببندر المخا وَكَانَ رجلَانِ من أَصْحَابه متوجهين إِلَى الْهِنْد فَأتيَا إِلَيْهِ يودعانه ويطلبان مِنْهُ الدُّعَاء فَقَالَ لأَحَدهمَا يحصل لَك مشقة كَبِيرَة فِي الْبَحْر وَلَكِن عَاقبَتهَا سليمَة فَكَانَ كَمَا قَالَ وَقَالَ للْآخر إِذا رَأَيْتنِي فِي الْهِنْد فَلَا تكلمني فَلَمَّا وصل إِلَى الْهِنْد وَتوجه إِلَى دهلي جهان آباد سَرِير السُّلْطَان فَجَلَسَ يَوْمًا على بَاب دَاره فَإِذا أَبَا السَّيِّد مقبل وَعَلِيهِ سلهامة سَوْدَاء فَعرفهُ وَقَالَ لبَعض أَصْحَابه هَذَا السَّيِّد عبد الرَّحْمَن وركض ليقبل يَدَيْهِ فشزره بِعَيْنيهِ فَتذكر كَلَامه فَرجع وأغشى عَلَيْهِ وَحصل لَهُ حَال عَظِيم فَلَمَّا أَفَاق لم يره نفع الله بِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَاتِمَة الْأَوْلِيَاء فِي عصره وَقد تقدم ذكر وِلَادَته وَأما وَفَاته فقد كَانَت نَهَار الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 بزاوية السَّيِّد سَالم شَيْخَانِ اشْتَرَاهَا من أَوْلَاده وَأوصى أَن يدْفن فِيهَا رَحمَه الله تَعَالَى عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل الخلي اليمني الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي القحطاني وجيه الدّين وَأحد الْقُضَاة الْعدْل بِالْيمن الميمون ولد بِبَلَدِهِ الجديدة فِي سنة ثَمَان عشرَة بعد الْألف وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن أكَابِر الشُّيُوخ بِالْيمن وأجيز بالإفتاء والتدريس وَهُوَ ابْن ثَمَانِي عشرَة سنة وَولي الْقَضَاء الْأَكْبَر بِبَلَدِهِ وَسَار فِيهِ أحسن سيرة ونفذت كَلمته وَأَحْكَامه حَتَّى أَن أَئِمَّة الدّين لَا تنقض حكمه إِذا قضى فِي مسئلة وَلَو كَانَت مُخَالفَة لما هم عَلَيْهِ وَبَالغ النَّاس فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ بالتقوى وَالدّين وَزِيَادَة الْعلم والتمكين حَتَّى قَالَ بَعضهم لَيْسَ فِي تهَامَة الْيمن الْآن مثله وَله من شعر الْعلمَاء مَا يقبل فَمن ذَلِك مَا كتبه إِلَى ابْن عَمه الْفَاضِل أَحْمد الخلي فِي صدر رِسَالَة (سَلام على الْوَلَد الْفَاضِل ... سليل الْكِرَام الْوَلِيّ الْكَامِل) (وَمن حبه صَار فِي مهجتي ... مُقيما بهَا لَيْسَ بالراحل) (على الْعلم الْفَرد عالي الذرى ... وَمن مجده لَيْسَ بالزائل) (هُوَ الْعلم الْمَاجِد المرتضى ... حَلِيف التقى ذُو الْمقَام الْعلي) (على أَحْمد خير مولى لقد ... تسامى بِفضل وفخر جلى) (فَتى أَحْمد خير أفرانه ... هُوَ ابْن مُحَمَّد أَبوهُ على) (فَتى عمر الْخَيْر خليهم ... وَمن فَضله قطّ لم يجهل) (أَمَام تسلسل من سادة ... حووا الْعلم فِي الزَّمن الأوّل) (وأنصار دين إِلَه الورى ... وَمن يجهل الْقدر فليسأل) (وشهرتهم تغنى عَن وَصفهم ... وَذَا غير خَافَ على الْفَاضِل) (وَذَا أَحْمد نجلهم قد غَدا ... كشمس الضُّحَى فاعتمد مقولي) (وَبعد وصلني الْكتاب الَّذِي ... لَهُ يشْرَح الصَّدْر للمجتلي) (قَرَأت لَهُ بعد تقبيله ... وَوضع على الرَّأْس والكاهل) (تضمن لفظا عَزِيزًا غَدا ... كدر يجيد لذات الْحلِيّ) (وحسناً لَهَا رُتْبَة فِي الملا ... بقدّ قويم وَوجه جلى) (هِيَ السؤل يَا سَيِّدي والمنى ... أدام صفاه إِلَى الموئل) (وَإِعْرَابه عَن صفا حالكم ... بِهِ حصل الْقَصْد للآمل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 (وَلَا زلتم فِي الصَّفَا والوفا ... بِحَق رَسُول الاله الْوَلِيّ) (وشوقي لكم قد غَدا زَائِدا ... ووجدي بكم سَيِّدي مذهلي) (سَأَلت إلهي اللقا عَاجلا ... بكم قبل سيري للمنزل) (بِحَق الرَّسُول النَّبِي الْمُجْتَبى ... مُحَمَّد خير الورى الْأَفْضَل) (وبالآل والصحب أهل التقى ... نُجُوم الْهدى السَّادة الكمل) فَرَاجعه بقوله (أما آن للموعد الماطل ... يجود بوصل على السَّائِل) (جرى مَا كفى بل كفى مَا جرى ... من المدمع الفائض السَّائِل) (بروحي من علمتني الْهوى ... محَاسِن وَجه لَهُ كَامِل) (وَقد كنت من قبله فَارغًا ... فَأَصْبَحت فِي شغل شاغل) (إِلَى الله أَشْكُو غرامي بِهِ ... ووجدي الَّذِي لَيْسَ بالزائل) (وتقريح جفن طما مَاؤُهُ ... فأغنى عَن الْعَارِض الهاطل) (وشرخ الشَّبَاب الَّذِي لم يزل ... يمر ويمضي بِلَا طائل) (وَطول اشتغالي بِمَا لم يفد ... وَكَثْرَة ممشاي فِي الْبَاطِل) (فيا نفس لَا تطلبي عَاجلا ... يَزُول قَرِيبا عَن الآجل) (وخل الدنا وخيالاتها ... فَلَيْسَتْ تخيل على عَاقل) (أَلَيْسَ قصارى مُقيم بهَا ... رحيل فَمَا الشّغل بالراحل) (فهيىء لقد طَال نومك فِي البطالة ... من حظك الخامل) (فَإِن البطالة قتالة ... وَمَا نَام فِيهَا سوى جَاهِل) (فقومي بجد وجدي السرى ... فَمن جد يلْحق بالواصل) (وَلَا تتراخي إِلَى قَابل ... فكم قد مضى لَك من قَابل) (عَسى نفحة من جناب الْوَجِيه ... خلنا الْعَالم الْعَامِل) (نفك عَن العَبْد أغلاله ... وَتكشف عَن قلبه الغافل) (وتغسل أدرانه قبل أَن ... يَمُوت ويعرض للغاسل) (فيا غيث بريعم الورى ... وبحر عُلُوم بِلَا سَاحل) (أَتَانِي كتابك من بعد أَن ... تَمَادى المطال على الآمل) (وكدت أقطع حَبل الرجا ... وأرضى وأقنع بالحاصل) (فَلَمَّا فضضت ختام الْكتاب ... سكرت بريحانه الذابل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 (ونزهت طرفِي فِي حسنه ... وأدهشت من سحره البابلي) (وأيقنت بِالْفَتْح من سَاعَتِي ... وَقلت قد انْفَتح الْبَاب لي) (فشكراً لما خولتني يداك ... فَمَا ذَاك مِنْك ابتدا نائل) (فكم مِنْك لاحت عُقُود الثنا ... قَدِيما على جيدي العاطل) (وألبستني من فنون المديح ... بروداً بهَا الزهو قد طَابَ لي) (وحملتني ممناً جمة ... وحقك قد أثقلت كاهلي) (فَلَا زلت يَا نجم بَادِي السنا ... تلوح لنا لست بالآفل) وللمترجم غير مَا أوردته لَهُ من الْآثَار وَقد اكتفيت عَنْهَا بِهَذِهِ الْقطعَة المثبتة لشرف الْقَائِل وَكَانَت وَفَاته فِي عَاشر الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وَألف والخلى بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام الْمُشَدّدَة نِسْبَة إِلَى الْخلّ الْمَعْرُوف نسب إِلَيْهِ لكرامة صدرت من بعض أسلافه بقلب المَاء خلا وَكثير من النَّاس بِكَسْر الْخَاء ويهم فِي ذَلِك وَمَا ذكرته فِي سَبَب النِّسْبَة هُوَ المتلقى عَنْهُم فَلَا عدُول عَنهُ إِلَى أَن تكون النِّسْبَة إِلَى الْخلّ مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة قرب مرحح وَلَا إِلَى الْخلّ منزل فِي طَرِيق وَاسِط إِلَى مَكَّة قرب لينَة وَلَا إِلَى خلة بِزِيَادَة الْهَاء قَرْيَة بِالْيمن قرب عدن وَبَنُو الخلى قوم صَالِحُونَ يتوارثون الْعلم وموطنهم من الْيمن بَيت مرجل فِيهِ جمَاعَة مِنْهُم ومسكن صَاحب التَّرْجَمَة الحديدة وَهِي بساحل الْبَحْر بِالْقربِ من بَيت الْفَقِيه أَحْمد بن عجيل عبد الرَّحْمَن بن أويس الْكرْدِي الأَصْل الشَّافِعِي الْمَذْهَب نزيل دمشق الْفَاضِل الْوَرع الْخَيْر قدم إِلَى دمشق وَصَارَ معلما لأَوْلَاد الْوَزير حسن باشا بن سِنَان باشا واستوطن دمشق وَسكن بِالْمَدْرَسَةِ الناصرية وَلما مَاتَ الْحسن البوريني كَانَ مدرساً بهَا فوجهت إِلَيْهِ وَبقيت فِي يَده ثمَّ أخذت عَنهُ وَبعد ذَلِك شطرت بَينه وَبَين شهَاب الدّين الْعِمَادِيّ الْمُقدم ذكره وَحج صَاحب التَّرْجَمَة وسافر إِلَى مصر مرَارًا وَحفظ فِي آخر عمره الْقُرْآن ولازم على تِلَاوَته واشتهر بِالْعلمِ وَالصَّلَاح وَلم يزل بِدِمَشْق إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس عبد الرَّحْمَن بن حسان الدّين الْمَعْرُوف بحسام زَاده الرُّومِي مفتي الدولة العثمانية وَوَاحِد الدَّهْر الَّذِي باهت بفضله الْأَيَّام وتاهت بمعارفه الْأَزْمَان وَكَانَ عَالما متجراً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 كثير الْإِحَاطَة بمواد التَّفْسِير والعربية جم الْفَائِدَة ممدحاً كَبِير الشَّأْن وكل من رَأَيْته من الْفُضَلَاء يغلو فِي تَقْدِيمه وَحفظ محاسنه وَيَقُول إِنَّه لم تخرج الرّوم مثله فِي الْجمع بَين أفانين المعلومات العجيبة والألفاظ المزخرفة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أشهر الْمُتَأَخِّرين من عُلَمَاء الرّوم فِي ديار الْعَرَب وأكبرهم شَأْنًا وَسبب شهرته الزَّائِدَة طول تردده إِلَى هَذِه الْبِلَاد وَكَثْرَة مدح شعرائها لَهُ والمغالاة فِي وَصفه وشيوع خَبره بِالْكَرمِ والعطايا الجزيلة وَكَانَ حسن الْخط إِلَى الْغَايَة وَالنَّاس يضْربُونَ بجودة خطه الْمثل لمتانته وَحسن أسلوبه وَكَانَ حسن النادرة كثير اللطائف وَمن لطائفه أَنه سُئِلَ عَن الحَدِيث الصَّدَقَة تدفع الْبلَاء مالمراد بالبلاء فَأجَاب بِمَا قيل فِيهِ ثمَّ قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون الْبلَاء هُوَ السَّائِل نَفسه فالصدقة تَدْفَعهُ بِمَعْنى تدفع ثقله وَقد نَشأ على التَّحْصِيل حَتَّى فاق ولازم من الْمولى مُحَمَّد بن سعد الدّين ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية وسافر مَعَ أَبِيه من الْبَحْر على طَرِيق مصر إِلَى الْقُدس فِي سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَأخذ بهَا الحَدِيث عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد الدجاني وتلقن كلمة التَّوْحِيد فِي ضريح سيدنَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ عزل وَالِده عَن الْقُدس وَعوض عَنْهَا بِالْمَدِينَةِ المنورة ثمَّ عَاد فِي خدمَة وَالِده إِلَى وَطنه فولى تفتيش الْأَوْقَاف وباشره أحسن مُبَاشرَة فاشتهر بالعفة حَتَّى نما خَبره إِلَى السُّلْطَان مُرَاد فاتصل بجانبه وَبَلغنِي أَن الْعلَّة فِي تقربه إِلَيْهِ إتقانه للرمي بِالسِّهَامِ وَمِنْه تعلمه السُّلْطَان الْمَذْكُور وأتقنه وَلم يزل مشمولاً بعنايته وَهُوَ يترقى فِي الْمدَارِس إِلَى أَن وصل إِلَى الْمدرسَة السليمانية وَولي مِنْهَا قَضَاء حلب فَقدم إِلَيْهَا وَسيرَته بهَا مَذْكُورَة مَشْهُورَة ولأدبائها فِيهِ مدائح كَثِيرَة وَكَانَ الأديب يُوسُف البديعي الدِّمَشْقِي نزيل حلب إِذْ ذَاك من خواصه وندماء مَجْلِسه وباسمه ألف كِتَابيه ذكرى حبيب وَالصُّبْح المنبي عَن حيثية المتنبي وترجمة بترجمة مُسْتَقلَّة وَذكر أَنه كَانَ بَينه وَبَين النَّجْم الحلفاوي مودّة أكيدة وَلم يتَّفق لَهُ نظم شَيْء من الشّعْر إِلَّا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ قالهما فِي حق النَّجْم الْمَذْكُور وهما (عَلَيْك بِنَجْم الدّين فالزمه إِنَّه ... سيهدي إِلَى جنس الْعُلُوم بِلَا فصل) (بِنور اسْمه السَّامِي هدى كل عَارِف ... أَلا إِنَّه شمس المعارف وَالْفضل) قَالَ وَلما أنشدهما قلت بديهة مُخَاطبا شَيخنَا الحلفاوي بِقَوْلِي (كَفاك افتخاراً أَيهَا النَّجْم إِن ذَا المآثر ... بدر الْمجد شمس ضحى الْعدْل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 (حَلِيف العلى نجل الحسام الْمُهَذّب الَّذِي ... عزمه مَا زَالَ أمضى من النصل) (وَمن أشرقت شهباؤنا بِعُلُومِهِ ... وزحزح عَنْهَا ظلمَة الظُّلم وَالْجهل) (حباك ببيتي سودد بل بدرّتي ... فحار على أهل المآثر وَالْفضل) ثمَّ نقل من قَضَاء حلب إِلَى قَضَاء الشَّام وقدمها فِي منتصف شعْبَان سنة إِحْدَى وَخمسين وَألف وَله فِيهَا مآثر مَا زَالَت تتداولها الشفاه وتتناقلها الروَاة وَلما وردهَا صَحبه البديعي الْمَذْكُور فصيره نَائِبا بالمحكمة العونية وَكَانَ فِي خدمته أَيْضا الأديب الْفَائِق الْمَشْهُور مصطفى بن عُثْمَان الْمَعْرُوف بالبابي وَهُوَ الْقَائِل فِيهِ من قصيدة مستهلها (هُوَ الشوق حَتَّى يَسْتَوِي الْقرب والبعد ... وَصدق الوفا حَتَّى كانّ القلى ودّ) يَقُول من جُمْلَتهَا فِي مدحه (همام تناجينا مخايل عزمه ... بأنّ إِلَيْهِ يرجع الْحل وَالْعقد) (وأنّ على أعتابه تقصر العلى ... وأنّ إِلَى آرائه يَنْتَهِي الْجد) (هَمت راحتاه للعدا وعفاته ... فَمن هَذِه سم وَمن هَذِه شهد) (من الْقَوْم قد صانوا حمى حوزة العلى ... طريفاً وصانتهم معاليهم التلد) (هُنَالك ألْقى رَحْله الْبَأْس والندى ... وَألقى عَصا التسيار واستوطن الْمجد) (حديقة فضل لَا يصوّح نبتها ... ونهر عَطاء مَا لسائله رد) (ورقة أَخْلَاق يسير بهَا الصِّبَا ... وبأس لَهُ ترى فرائسها الْأسد) (قطفنا جنى جدواه جينا وَلم يزل ... علينا لَهُ ظلّ من السّير ممتد) (وَغَابَ وَعِنْدِي من أياديه شَاهد ... وواعجبا من أَيْن لي بعْدهَا عِنْد) (وآب فلاد ورد البشاشة ناضب ... لَدَيْهِ وَلَا بَاب المكارم منسد) (فيا أوبة ذَابَتْ لَهَا كبد النَّوَى ... لأَنْت برغم الْبعد فِي كَبِدِي برد) (وَفَاء بِلَا وعد من الدَّهْر حَيْثُ لم ... يكن قبل قسطنطينة باللقا وعد) (أروض اللقا وَالله يبقيك أخضراً ... أبن لي هَل آس نباتك أم ورد) (هَنِيئًا بالقسطنطينة الرّوم قد قَضَت ... لبانتها واسترجع المنضل الغمد) (أرانيه فِيهِ الله والدهر لائذ ... بأعتابه مَا الْوَفْد يزحمه الْوَفْد) وَهِي قصيدة لَطِيفَة المسلك وَسَتَأْتِي تَتِمَّة غزلها فِي تَرْجَمَة البابي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَت أَيَّام ابْن الحسام بالشأم شامة فِي وَجه الدَّهْر هِيَ مواسم الْأَدَاء وأعياد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 الْفُضَلَاء وَمَا اتّفق فِي زَمَنه من نفاق سوق الْأَدَب ورواق سعر الشّعْر لم يتَّفق فِي زمن غَيره من الْقُضَاة وَكَانَ أدباء ذَلِك الْحِين كالشاهيني والأمير المنجكي لَا ينفكون عَن مَجْلِسه إِلَّا نَادرا وَيَقَع بَينهم محاورات ومطارحات وَلَهُم فِيهِ مدائح لَو أفردت بالتدوين لجاءت فِي مجلدة فَمن ذَلِك مَا قَالَه الشاهيني فِيهِ (يَا سيدا فَوق مَا قَالُوا وَمَا كتبُوا ... وَفَوق مَا وصفوا دهراً وَمَا نسبوا) (وَيَا وحيداً رأى الشَّام الشريف بِهِ ... أَضْعَاف مَا قد رَأَتْ من عدله حلب) (وَيَا مجيداً وَصفنَا بعض سؤدده ... وفاتنا مِنْهُ مِقْدَار الَّذِي يجب) (وَيَا كَرِيمًا رَأينَا من بدائعه ... مَا قصرت دونه الْأَخْبَار والكتب) (سعيت نَحْوك شوقاً طَالبا أدباً ... يَا من لَدَيْهِ يصاب الْعلم وَالْأَدب) (فصدّني عَنْك حظى والحجاب بِهِ ... وَلَيْسَ نور ذكاء تمنع الْحجب) (فَعَاد عَنْك بِطرف مطرق رمد ... وَقد تذكر بَيْتا صوغه عجب) (لَيْسَ الْحجاب بمقص عَنْك لي أملاً ... إنّ السَّمَاء ترجى حِين تحتجب) (وَاعْلَم بِأَنِّي محب لَا لشائبة ... وَلَيْسَ من رِيبَة تخشى فتجتنب) (وإنني بك رَاض فِي معاملتي ... لأَنْت يَا سَيِّدي قَاض ومحتسب) (واسلم فإنّ دُعَاء بتّ أرْسلهُ ... إِلَيْك حَقًا نَظِير الْغَيْث ينسكب) وللأمير المنجكي فِيهِ من جملَة مدائح مَذْكُورَة فِي ديوانه (آلى الزَّمَان عَلَيْهِ أَن يواليكا ... يثني عَلَيْك وَلَا يَأْتِي بشانيكا) (فَإِن سَطَا فبأحكام تنفذها ... وَإِن سخا فبفضل من مساعيكا) (لِيهن ذَا الْعِيد حَظّ مِنْك حِين غَدَتْ ... علاهُ ثمَّ حلاه من أياديكا) (مُجملا بأياد مِنْك فائقة ... معطراً بغوال من غواليكا) (وافى يهنى بك الدُّنْيَا وَنحن بِهِ ... يَا بهجة الدّين وَالدُّنْيَا نهنيكا) (من ذَا يضاهيك فِيمَا حزت من شرف ... وَمن يدانيك فِي حكم ويحكيكا) (فالشمس مهما ترقت فَهِيَ قَاصِرَة ... عَن بعض أيسر شَيْء من مراقيكا) (والبدر طود تسامى فَهُوَ محتقر ... إِذا بَدَت وهذي من دراريكا) (وكل مجد فَمن علياك مكتسب ... وكل فَخر نرَاهُ من حواشيكا) (وَمَا حكى السّلف الْمَاضِي وحدّثنا ... من السجايا بِهِ إِحْدَى الَّتِي فيكا) (تعنوا لَرَفَعَتْك الزهاد مذعنة ... ويحسد الْفلك الْأَعْلَى مغانيكا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 (يَا ابْن الحسام الَّذِي للدّين نصرته ... أَنْت المفدى فَكل النَّاس تفديكا) (أعيادنا كلهَا يَوْم نرَاك بِهِ ... وَلَيْلَة الْقدر وَقت من لياليكا) وَله أَيْضا فِي يَوْم نوروز (النَّاس كلهم شِرَاء عطائه ... والعيد والنوروز من آلائه) (يختال ذَا بالحلي من عليائه ... شرفا وَذَا بالوشي من نعمائه) (قرت بِهِ عين الغزالة واعتدت ... مكحولة فِي أفقها بضيائه) (مَا أنبت الأدواح بعد ذيولها ... إِلَّا سُقُوط الطل من أنوائه) (سلسالها ونسيمها من لطفه ... وعبيرها من بعض طيب ثنائه) (مولى أقل هباته الدُّنْيَا فَقل ... مَا شِئْت فِي معروفه وسخائه) (عدل لَهُ مَا زَالَ يورق عوده ... حَتَّى استظل النَّاس فِي أفيائه) (غيث أغاث بِهِ الْمُهَيْمِن خلقه ... متفضلا وَقضى لَهُم بِقَضَائِهِ) (نجل لذِي الأفضال من كفائه ... وحسام دين الله من أَسْمَائِهِ) (السعد من خُدَّامه والعز من ... أَتْبَاعه وَالْمجد من ندمائه) (تسْعَى المواسم كلهَا الرحابة ... إِذْ لَا بهاء لَهَا بِغَيْر بهائه) وَله أَيْضا فِيهِ هَذِه الْقطعَة (فَضَح الشَّمْس بالضياء بهاؤه ... بدر عدل أفق السداد سماؤه) (من لَهُ المكرمات والجود وَالْفضل ... صِفَات تسمو بهَا أسماؤه) (الْوَلِيّ الْوَلِيّ من غادر الدَّهْر ... رياضا تغيثها أنداؤه) (استمالت قُلُوبنَا واسترقت ... لذراه رقابنا آلاؤه) (لوسها عَن ثَنَا علاهُ لِسَان ... لرأي مج حمله أعضاؤه) (من يرَاهُ وَلَو بلمحة طرف ... فسعيد صباحه ومساؤه) وَأهْدى إِلَيْهِ المنجكي طرفا وَكتب مَعَه هَذِه الأبيات (يَا من إِذا وهب الدُّنْيَا فيحسبها ... بخلا وحاشا علاهُ فَهُوَ مفضال) (أهديك طرفا وَمن نعماك كم أخذت ... مثلي وَمثل الَّذِي أهديت سُؤال) (لَكِن عَبدك يخْشَى أَن يُقَال لَهُ ... لَا خيل عنْدك تهديها وَلَا مَال) (قبولك الْمِنَّة الْعُظْمَى عَليّ ولي ... بهَا من الدَّهْر إكرام وإجلال) ثمَّ عزل عَن قَضَاء دمشق وأنشده النَّجْم الْغَزِّي ارتجالا يَوْم وُصُول خبر عَزله قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 (عزلك يَا ابْن الحسام مَا تمّ ... وَمن يجي بعد كم فَمَا تمّ) وسافر إِلَى الرّوم وَأقَام بهَا مدّة معزولا ثمَّ صَار قَاضِي دَار السلطنة وَكَانَ ذَلِك فِي حَيَاة وَالِده وَكَانَ وَالِده معزولا عَن قَضَائهَا فساواه فِي الرُّتْبَة وَهَذَا من أغرب مَا وَقع بَين موَالِي الرّوم وَقد اتّفق لَهُ أَيْضا أَنه لما انْتقل وَالِده بالوفاة فِي صفر سنة أَربع وَخمسين وَألف وَجه إِلَيْهِ مَا بِيَدِهِ من وَظِيفَة وَقَضَاء تأبيدا ثمَّ بعد مُدَّة صَار قَاضِيا بعسكر أناطولي وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَخمسين فَقَالَ ابْن عَم وَالِدي الأديب مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي المحبي القَاضِي فِي تَارِيخ تَوليته وَكَانَ أذذاك بقسطنطينة (لما تولى الْعَالم ابْن الحسام ... قَاضِي العساكر أوحد الْأَعْلَام) (صدر الموَالِي الحبر والكثز الَّذِي ... كَأبي حنيفَة مَا هد الْأَحْكَام) (فَهُوَ الَّذِي افتخر الزَّمَان بعد لَهُ ... وبحكمه بالروم غب الشَّام) (فلذاك عَام السعد قَالَ مؤرخاً ... بشرى الورى بالعادل ابْن حسام) ثمَّ صَار قَاضِيا بِولَايَة الرّوم فِي ثَانِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَلما وَقعت فتْنَة الْوَزير الْأَعْظَم ابشير عزل الْمُفْتِي أَبُو سعيد بن أسعد فصيرا بن الحسام صَاحب التَّرْجَمَة مفتيا مَكَانَهُ وَذَلِكَ فِي رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ ثمَّ عزل فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأعْطى قَضَاء الْقُدس وَصَارَ مفتيا مَكَانَهُ الْمولى مصطفى الْمَعْرُوف بممك زَاده نصف لَيْلَة وَفِي ثَانِي يَوْم قَامَ الْعَسْكَر فِي الصَّباح وعزلوه وأرسلوه إِلَى حلب وَمَات بهَا ورحل ابْن الحسام من الرّوم فورد دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة وَبدل عَن قَضَاء الْقُدس بِقَضَاء طرابلس الشَّام وَأرْسل إِلَيْهَا نَائِبا وَاسْتقر هُوَ بِدِمَشْق وَفِي أَيَّام استقراره هَذَا أَشَارَ إِلَى وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى بِجمع ديوَان الْأَمِير المنجكي فَجمع أَكثر شعره وعنونه باسم ابْن الحسام وَهُوَ المتداول الْآن فِي أَيدي النَّاس وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة ولد اسْمه أسعد بَقِي فِي الرّوم وَكَانَ من مدرسي إِحْدَى الْمدَارِس الثمان فورد عَلَيْهِ خبر مَوته وَهُوَ بِدِمَشْق فَحزن لمَوْته حزنا عَظِيما وَكَانَ وَلَده هَذَا من الْفُضَلَاء الْمَشْهُورين والأدباء الْمَذْكُورين وَحكى لي وَالِدي روح الله تَعَالَى روحه قَالَ بَلغنِي أَنه لما مَاتَ رثاه الْفَاضِل مصطفى البابي بقصيدة فائية قَالَ وأنشدتها فَلم يعلق فِي فكري مِنْهَا شَيْء فَبعد إِتْمَامهَا بأيام رَآهُ البابي فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ من بَحر القصيدة ورويها (لقد لطف الْمولى بِنَا فأراحنا ... وأغلب ظَنِّي أَنه بك يلطف) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 ثمَّ بعد ذَلِك عزل المترجم عَن قَضَاء طرابلس وَأمر بالتوجه إِلَى مصر وَأعْطى قَضَاء الجيزة فَرَحل من دمشق إل مصر وَأقَام بهَا مُدَّة حَيَاته مُعظما مبجلا وَكَانَ كبراء مصر وعلماؤها يهرعون إِلَيْهِ ويعظمون حَضرته التَّعْظِيم البليغ ويقبلون شَفَاعَته وَكَانَ يدرس فِي بَيته التَّفْسِير فيحضره الْفُضَلَاء المشهورون من فضلاء مصر وَكَانَ كثير الاعتناء بالكشاف دَائِم المطالعة فِيهِ ويحفظ أَكثر أبحاثه عَن ظهر قلب وَبِالْجُمْلَةِ ففضائله وأحواله مِمَّا يطرز بهَا كم الْمجد وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث بعد الْألف وَتُوفِّي بِمصْر فِي أواسط جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف عبد الرَّحْمَن بن حسن بن شيخ بن حسن بن شيخ بن عَليّ بن شيخ بن عَليّ بن مُحَمَّد مولى الدويلة الشَّيْخ الْجَلِيل الْكَبِير أحد عُلَمَاء الْيمن وكبرائها ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بِطَلَب الْعلم واجتهد فِي التصوف وَأخذ عَن عُلَمَاء كثيرين وَصَحب جمَاعَة وواظب على مصاحبة أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَلزِمَ الطَّرِيقَة الحميدة ورحل إِلَى الْيمن وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة وَأقَام فِي بندر المخا وَحصل لَهُ بِهِ قبُول تَامّ وانتشر ذكره وَاسْتمرّ هُنَاكَ إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع عشرَة بعد الْألف عبد الرَّحْمَن بن زين العابدين بن مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي سبط آل الْحسن القاهري الاستاذ الشهير السَّامِي الْقدر الجم الْفَضَائِل كَانَ من كبار الْعلمَاء وأرباب الْأَحْوَال وَهُوَ الْأَوْسَط من أَوْلَاد الاستاذ الْأَعْظَم زين العابدين وهم أَحْمد وَقد تقدم ذكره وَعبد الرَّحْمَن هَذَا والاستاذ مُحَمَّد وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد رَأَيْت لعبد الرَّحْمَن هَذَا تَرْجَمَة بِخَط الْأَخ الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله قَالَ فِيهَا هُوَ شيخ الْمَشَايِخ السَّادة الجلة الْعِظَام وَرَئِيس رُؤَسَاء القادة الفخام يم الْفضل الَّذِي يُفِيد وَيفِيض وجم الْفضل الَّذِي لَا ينضب وَلَا يغيض الْمُحَقق الَّذِي لَا يراع لَهُ يراع والمدقق الَّذِي راق فَضله وراع المفنن فِي جَمِيع الْفُنُون والمفتخر بِهِ الْآبَاء والبنون قَرَأَ على أَخِيه أَحْمد وَبِه تخرج وبرع وتفوق وَأخذ عَن الْعَلامَة جودة الضَّرِير الْمَالِكِي عُلُوم الْعَرَبيَّة وَقَامَ بعد أَخِيه الْمَذْكُور مقَامه فِي التدريس فنشر للفضل حللاً مطرزة الأكمام وماط عَن مباسم أزهار الْعُلُوم لثام الاختتام وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمن شعره قَوْله (بِاللَّه أَي فَتى مثلي بكم فتنا ... يبكي فيبكى حَماما فِي الدجى شجنا) (أنفاسه كلهيب الْبَرْق وامضة ... وَقَلبه برعود الشوق ماسكنا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 (كَأَنَّمَا جفْنه سحب الشتَاء إِذا ... كانونها بهمير الدمع قد هتنا) (قد صَار من شغف فِيكُم من أَسف ... حَلِيف وجد وأشجان بكم وضنى) (وَأَن يُنَادي مُنَاد كل نَاحيَة ... من عذب الْحبّ والهجران قلت أَنا) (وَالله مَا ملت عَنْكُم بعدكم أبدا ... وَلَا مللت سهاداً أحرم الوسنا) (وإنني عَابِد الرَّحْمَن منتسب ... إِلَى صديق نَبِي أوضح السننا) (أبي هُوَ القطب زين العابدين وَمن ... فِي سبل أهل الْمَعَالِي اقتفى السننا) وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الْخَمِيس خَامِس شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف من غير مرض وَدفن يَوْم الْجمع بالقرافة الْكُبْرَى بتربة أسلافه عبد الرَّحْمَن بن شحاذة الْمَعْرُوف باليمني الشَّافِعِي شيخ الْقُرَّاء وَإِمَام المجودين فِي زَمَانه وفقيه عصره وشهرته تغنى عَن الْأَطْنَاب فِي وَصفه ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ بالروايات السَّبع على وَالِده من أول الْقُرْآن إِلَى قَوْله تَعَالَى فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد إِلَى آخر الْآيَة ثمَّ توفّي وَالِده فاستأنف الْقِرَاءَة جمعا للسبعة ثمَّ للعشرة على تلميذ وَالِده الشهَاب أَحْمد بن عبد الْحق السنباطي وَحضر دروس الشَّمْس الرَّمْلِيّ فِي الْفِقْه مُدَّة ولازم بعده النُّور والزيادي وَبِه تخرج وَأخذ عُلُوم الْأَدَب عَن كثيرين حَتَّى بلغ الْغَايَة فِي الْعُلُوم وانتهت إِلَيْهِ رياسة علم القراآت وَكَانَ شَيخا مهاباً عَظِيم الْهَيْئَة حسن الْوَجْه والحلية جليل الْمِقْدَار عِنْد عَامَّة النَّاس وخاصتهم وَكَانَ يقْرَأ فِي كل سنة كتابا من كتب الْفِقْه الْمُعْتَبرَة وَكَانَ النُّور الشبراملسي من ملازمي دروسه الْفِقْهِيَّة وَغَيرهَا وَكَانَ لَا يفتر عَن الثَّنَاء عَلَيْهِ فِي مجالسه وَكَانَ هُوَ شَدِيد الْمحبَّة للشبراملسي وَاتفقَ للشبراملسي أَنه حضر بعض معاصريه فِي شرح التَّلْخِيص للسعد فَبَلغهُ ذَلِك فَقَالَ لَهُ لما أَتَى إِلَى الدَّرْس بَلغنِي أَنَّك تحضر فلَانا وَإنَّك وَالله أفضل مِنْهُ وَحلف عَلَيْهِ بِالطَّلَاق الثَّلَاث أَن لَا يحضر دروسه فِيمَا بعد فامتثل أمره وَكَانَ يتعاطى التِّجَارَة وَله أَمْوَال كَثِيرَة زَائِدَة الْوَصْف وَكَانَ كثير الْبر لطلبة الْعلم والفقراء وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من أهل الْخَيْر وَالدّين وأكابر أَوْلِيَاء الله تَعَالَى العارفين وَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ بالروايات الشبراملسي الْمَذْكُور وَالشَّيْخ عبد السَّلَام بن إِبْرَاهِيم اللَّقَّانِيّ وَالشَّيْخ عبد الْبَاقِي الْحَنْبَلِيّ الدِّمَشْقِي وَمُحَمّد البقري وشاهين الأرمناوي وغالب قراء جِهَات الْحجاز وَالشَّام ومصر أخذُوا عَنهُ هَذَا الْعلم وانتفعوا بِهِ وَعم نفعهم ببركته وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 وَتُوفِّي فَجَاءَهُ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس عشرى شَوَّال سنة خمسين وَألف عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ عَليّ بن أبي بكر بن السقاف الْحَضْرَمِيّ مفتي الشَّافِعِيَّة بديار حَضرمَوْت الشَّيْخ الْعَالم الْعلم قَاضِي الْقُضَاة ذكره الشلي وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ ولد بِمَدِينَة تريم فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَحفظ الْقُرْآن والإرشاد والقطر والملحة وَغَيرهَا واشتغل بالتحصيل وَأخذ الْعُلُوم الشهيرة عَن مَشَايِخ كثيرين من أَجلهم الْمُحدث مُحَمَّد بن عَليّ خرد وَالْقَاضِي مُحَمَّد بن حسن بن الشَّيْخ عَليّ وَالشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الله بَافضل وارتحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ بهما عَن جمَاعَة من المجاورين وبرع فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والعربية وَأَجَازَهُ جمَاعَة من مشايخه بالإفتاء والتدريس وَلبس الْخِرْقَة من مشايخه الْمَذْكُورين وَحكمه غير وَاحِد وأذنوا لَهُ فِي الإلباس والتحكيم وَجلسَ للدروس وَأَقْبل عَلَيْهِ الطلاب وانتفع بِهِ خلق كثير وَتخرج بِهِ جمَاعَة مِنْهُم أَوْلَاده والشلّي الْكَبِير وَالِد المؤرخ وَعبد الله بن عمر بن سَالم بَافضل وَمُحَمّد الْخَطِيب القطب ثمَّ ولي الْقَضَاء بتريم فسلك أحسن السلوك وَلم يشْغلهُ الْقَضَاء عَن التدريس والإفتاء وَكَانَ حسن الْعبارَة وَله فَتَاوَى مفيدة قَالَ الشلّي وَهُوَ شيخ مَشَايِخنَا الَّذين عَادَتْ علينا بَرَكَات أنفاسهم واستضأنا من ضِيَاء نبراسهم وَكَانَ مَحْفُوظ الْأَوْقَات مواظباً على قيام اللَّيْل وَالذكر والتلاوة وَجمع من الْكتب النفيسة مَا لم يجمعه أحد من أهل عصره ووقفها على طلبة الْعلم الشريف بِمَدِينَة تريم وَقَالَ الشلي فِي تَارِيخه الْمُرَتّب على السنين تَرْجمهُ تِلْمِيذه شيخ عبد الله فِي السلسلة قَالَ وَكَانَ ذَا سخاء ومروءة وَعلم وفتوة ثمَّ قرب بانتقاله حصلت لَهُ جذبة من جذبات الْحق اندهش بهَا عقله وَأخذ عَن نَفسه فَكَانَ يقوم إِلَى الصَّلَاة بطرِيق الْعَادة وَهُوَ مَأْخُوذ عَن نَفسه وَرُبمَا صلى إِلَى غير الْقبْلَة وَذَلِكَ لما استولى عَلَيْهِ من سُلْطَان الْحَقِيقَة فتلاشت عنديته وَنُودِيَ بِفنَاء الفناء من عَالم الْبَقَاء وَرفعت عَنهُ الْجِهَات لما تحقق بِحَقِيقَة الإبصار وأشرق فِيهِ نور حَضْرَة الْبَهَاء وَشَاهد سره الْمُعظم إِلَّا على حكم سر قَوْله تَعَالَى فأينما توَلّوا فثم وَجه الله وَصَارَت لَهُ جَمِيع الْجِهَات مصلى وَمكث كَذَلِك أشهراً إِلَى أَن مَاتَ قَالَ الشلي وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر شهر رَمَضَان سنة أَربع عشرَة وَألف بِمَدِينَة تريم وَدفن بمقبرة زنيل وَحضر الصَّلَاة عَلَيْهِ جم غفير وَصلى عَلَيْهِ إِمَامًا بِالنَّاسِ الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 بِوَصِيَّة مِنْهُ بقوله السَّيِّد عبد الله أولى بِي حَيا وَمَيتًا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دَاوُد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عَليّ بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الله بن دعيش بن عيثان بن مُحَمَّد الشّعبِيّ ثمَّ الْخَولَانِيّ ثمَّ الْحرَازِي ذكره ابْن أبي الرِّجَال فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي حَقه الْعَلامَة المحدّث الْمُجْتَهد العابد السائح المتأله شيخ الشُّيُوخ وَإِمَام الرسوخ صَاحب الْعِبَادَة والزهادة والسياحة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَكَانَ لَا يلْحق فِي علم الْكَلَام إِمَامًا فِي الْعَرَبيَّة مُفَسرًا لِلْقُرْآنِ صنف تَفْسِيرا وَكتبه فِي مصحف جمع فِيهِ صناعات الْمَصَاحِف وصيره إِمَامًا يقْتَدى بِهِ واستقصى على مَا فِي الْمُصحف العثماني وَجمع فِيهِ مَا لَا يُوجد بِغَيْرِهِ واصطنع الكاغد بِيَدِهِ ليَكُون طَاهِرا بِالْإِجْمَاع والحبر وخدمه خدمَة فائقة وَهُوَ مرجع قد كتب عَلَيْهِ بعض الْعلمَاء مُصحفا وَأمر الإِمَام بِكِتَابَة مصحف أَيْضا يجمع مَا فِيهِ وَلم أتيقن تَمام ذَلِك وَصَارَ هَذَا الْمُصحف بيد السَّيِّد صفيّ الدّين أَحْمد بن الإِمَام الْقَاسِم استهداه من ابْنة الْعَلامَة الْمَذْكُور فَإِنَّهَا عاشت مدّة مواظبة على الْعِبَادَة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يسيح فِي الْبِلَاد ويمضي فِي مَوَاقِف الْعلمَاء والهجر ويصحح النّسخ ويحشى عَلَيْهَا إِذا مر بخزانة كتب فِي بعض الهجر أَقَامَ حَتَّى يمر عَلَيْهَا ويصحح مَا فِيهَا مَعَ اطِّلَاعه فَكل كتاب قد مر عَلَيْهِ فَهُوَ إِمَام غير مُحْتَاج إِلَى أستاذ وَكَانَ يلبس الخشن وَيحمل مَعَه آلَة النجارة وَيصْلح بهَا أَبْوَاب الْمَسَاجِد وَنَحْوهَا وَلَعَلَّه يسترزق مِنْهَا وَكَانَ فِي الحَدِيث إِمَامًا جَلِيلًا وَكَانَ شَيخنَا الْوَجِيه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بثنى عَلَيْهِ إِلَّا أَنه زعم أَنه حفظ الْمُتُون حفظا عَظِيما وَلم يطلع على شُرُوح الحَدِيث وَله كتب نافعة من مشهورها رِسَالَة فِي نظر الْأَجْنَبِيَّة وتضعيف الرِّوَايَة عَن الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة بِجَوَاز ذَلِك وَاسْتظْهر بالأدلة وبأقوال الْفَرِيقَيْنِ وَأحسن مَا شَاءَ وَلَا جرم أَن تِلْكَ الرِّوَايَة غلط مِنْهُم وَقد حرّر الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم سؤالاً إِلَى شيخ الشَّافِعِيَّة مُحَمَّد بن الْخَالِص بن عنقاء فَأَجَابَهُ بِجَوَاب بسيط حَاصله مَا ذَكرْنَاهُ وَإِن لم أطلع عَلَيْهِ لكنه أفادنيه شَيْخي شمس الدّين وَصَاحب التَّرْجَمَة شيخ الإِمَام الْقَاسِم وَشَيخ الْعَلامَة عبد الْهَادِي الحسوسة وَكَانَت وَفَاته فِي ثَالِث عشر شَوَّال سنة ثَلَاث بعد الْألف وقبره بحدبة الرَّوْض وَهُوَ يلتبس برجلَيْن من الحيمة أَحدهمَا القَاضِي الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الْآتِي ذكره والعلامة الْكَبِير عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد شيخ الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَكَانَ حَافِظًا وَإِن لم يكن لَهُ قُوَّة وَإِدْرَاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 فِي النَّقْد والاستنباط وَتعلق بكتب الأشاعرة وَحفظ مِنْهَا كثيرا قَرَأنَا عَلَيْهِ فَهُوَ أحد شُيُوخنَا فِي الْمُنْتَهى والعضد إِلَى الْمَقَاصِد وَفِي كتاب شرح الكافية لنجم الْأَئِمَّة إِلَى التوابع وَالْمُغني إِلَى اللَّام والألفية لِلْحَافِظِ الْعِرَاقِيّ والألفية للسيوطي وَكَانَ وَالِده مُحَمَّد فِيمَا حَكَاهُ سيدنَا سعد الدّين وَالِد القَاضِي أَحْمد من صالحي الْعلمَاء وَمن أهل الْمَوَدَّة لعترة رَسُول الله قَرَأَ عَلَيْهِ سيدنَا سعد الدّين فِي الْفَرَائِض عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عَتيق الْحَضْرَمِيّ الأَصْل الْمَكِّيّ المولد والمنشأ وَزِير الشريف حسن بن أبي نمى صَاحب مَكَّة تزوج وَالِده بنت الشَّيْخ مُحَمَّد جَار الله بن أَمِين الظهيري فَجَاءَت مِنْهُ بِصَاحِب التَّرْجَمَة وأخيه أبي بكر فخدم الشريف حسن ابْن أبي نمى سنة ثَلَاث بعد الْألف وأفهمه النصح فِي الْخدمَة وسحره إِلَى أَن تمكن مِنْهُ غَايَة التَّمَكُّن وَبَقِي حَاله كَمَا قَالَ الشَّاعِر (أَمرك مَرْدُود إِلَى أمره ... وَأمره لَيْسَ لَهُ رد) فتسلط على جَمِيع المملكة وَتصرف فِيهَا كَيفَ شَاءَ وَبَقِي كل من يَمُوت من أهل الْبَلَد أَو من الْحجَّاج يستأصل مَاله بِحَيْثُ لَا يتْرك لوَارِثه شَيْئا فَإِذا تكلم الْوَارِث ظهر لَهُ حجَّة أَن مُوَرِثه كَانَ قد اقْترض مِنْهُ فِي الزَّمن الْفُلَانِيّ كَذَا كَذَا ألف دِينَار وَيَقُول هَذَا الَّذِي أَخَذته دون حَقي وَبَقِي لي كَذَا وَكَذَا وَطَرِيق كِتَابَته لهَذِهِ الْحجَّة وأمثالها أَن كتبة المحكمة تَحت أمره وقهره فيأمرهم بِكِتَابَة الْحجَّة فيكتبونها وَعِنْده أَكثر من مائَة مهر للقضاة والنواب السَّابِقين فيمهرها وَيَأْمُر عبد الرَّحْمَن المحالبي أَن يكْتب إِمْضَاء القَاضِي الَّذِي قد مهر الْحجَّة بمهره وَيكْتب خَاله الشَّيْخ على ابْن جَار الله وَعبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن جَار الله شَهَادَتهمَا وَيكْتب الشَّيْخ عَليّ أَيْضا عَلَيْهَا مَا نَصه تَأَمَّلت هَذِه الْحجَّة فَوَجَدتهَا مسددة وَشهد بذلك مُحَمَّد بن عبد الْمُعْطِي الظهيري وَابْن عَمه صَلَاح الدّين بن أبي السعادات الظميري وَأحمد بن عبد الله الْحَنْبَلِيّ الظهيري وَغَيرهم ثمَّ إِنَّه يظْهر الْحجَّة ويقرؤها بَين النَّاس وجميعهم يعرف أَنَّهَا زور وَلَا أصل لَهَا وَلَا يقدرُونَ أَن يتكلموا بِكَلِمَة وَاحِدَة خوفًا من شَره وَقُوَّة قهره وَاسْتولى بِهَذَا الأسلوب على مَا أَرَادَ كَمَا أَرَادَ وَإِذا شكى إِلَى الشريف حسن يَقُول هَذِه حجَّة شَرْعِيَّة وشهودها مثل هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة الإجلاء فنفرت قُلُوب النَّاس من ابْن عَتيق وضجوا وضجروا وكل من أمكنه السّفر سَافر وَمَا تَأَخّر إِلَّا الْعَاجِز وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 الشريف أَبُو طَالب بن حسن كلما سمع شَيْئا من هَذِه الْأُمُور تألم غَايَة التألم فأوّل مَا اسْتَقل بالشرافة أرسل من الْمَبْعُوث قبل وُصُوله إِلَى مَكَّة رسله بمسك ابْن عَتيق فمسك يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر وَاسْتمرّ فِي الْحَبْس يَوْم السبت والأحد فَلَمَّا وصل الشريف أَبُو طَالب إِلَى مَكَّة وَتَوَلَّى أَمر وَالِده الشريف حسن وَدَفنه استدعى ابْن عَتيق وَسَأَلَهُ عَن أَحْوَاله فَقَالَ قد فعلت جَمِيع ذَلِك ثمَّ ردّه إِلَى الْحَبْس فَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ أَخذ ابْن عَتيق جنبية العَبْد الوصيف المرسم عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فَاسْتَيْقَظَ العَبْد وخلصها مِنْهُ فَأخْبر سَيّده الشريف أَبَا طَالب بذلك فَأعْطَاهُ جنبية وَقَالَ لَهُ خُذ هَذِه وَقل لَهُ لَا تسرق الجنبية بِاللَّيْلِ وأسرع بإرسالها إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير فَأخْبرهُ الوصيف بِمَا قَالَه الشريف فَأَخذهَا مِنْهُ وَأدْخل مِنْهَا فِي بَطْنه نَحْو أصْبع ثمَّ أخرجهَا ثمَّ أَعَادَهَا وَأدْخل مِنْهَا ضعف الأول ثمَّ أدخلها جَمِيعًا ثمَّ أخرجهَا وَقَالَ وامالي وَاسْتمرّ ذَلِك الْيَوْم إِلَى ظهر يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشر وَألف فَمَاتَ وَكَانَ يتبجح وَيَقُول الشَّرْع مَا نريده وأبطل فِي أَيَّامه عدَّة من الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة كالوصايا وَالْعِتْق وَالتَّدْبِير وَبَاعَ أُمَّهَات الْأَوْلَاد بأولادهن وَرمى بِهِ فِي درب جدة فِي حُفْرَة صَغِيرَة بِلَا غسل وَلَا صَلَاة وَلَا كفن ورمت عَلَيْهِ الْعَامَّة الْحِجَارَة وعملت الْفُضَلَاء فِيهِ تواريخ فَمِنْهَا قَول بَعضهم (أَشْقَى النُّفُوس الباغية ... ابْن عَتيق الطاغية) (نَار الْجَحِيم استعوذت ... مِنْهُ وَقَالَت مَا ليه) (لما أَتَى تَارِيخه ... أجب لظى والهاوية) ذكر ذَلِك عبد الْكَرِيم بن محب الدّين القطبي فِي تَارِيخه الَّذِي ذكر فِيهِ بعض وقائع مَكَّة عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد كريشه بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن السقاف اشْتهر جده الْأَعْلَى بكريشة أحد الْعلمَاء الأجلاء الزَّاهِد العابد الْوَرع ولد بِمَكَّة فِي سنة أَربع عشرَة وَألف وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن واشتغل على خَاله عمر بن عبد الرَّحِيم وتأدب بِهِ وَصَحبه من صغره ولازمه فِي دروسه واقتدى بِهِ فِي أَحْوَاله وَكَانَ يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وَأَجَازَهُ بمروياته وَأذن لَهُ فِي الْإِفْتَاء والتدريس وَأَرَادَ أَن ينزل لَهُ عَن وَظِيفَة التدريس فَأبى وَقَالَ أَنا رجل مَشْغُول بِالتِّجَارَة وانتفع بِهِ جمَاعَة من أَصْحَابه وَكَانَ لَهُ نفع عَام وَنظر دَقِيق حَرِيصًا على سلوك مسالك أهل السّنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وَالْجَمَاعَة مواظباً على الْخَيْر مَعَ أدب باهر وَمَات وَهُوَ فِي حد الاكتهال وَكَانَت وَفَاته فِي سنة أَربع وَخمسين وَألف وعمره يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ سنة وَدفن بالمعلاة بمقبرة بني علوي وقبره مَعْرُوف يزار عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن صَلَاح بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد ابْن عَليّ القَاضِي الْعَلامَة الْمُفِيد كَانَ فَقِيها عَارِفًا ولي الْقَضَاء بِجِهَة الحيمة من الْيمن للْإِمَام الْمُؤَيد وأخيه الإِمَام المتَوَكل وَكَانَ نبيلاً فَاضلا حسن التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم مُؤديا لَهُ تأدية حَسَنَة ويلتقي نسبه وَنسب عبد الرَّحْمَن بن عبد الله شيخ الإِمَام الْقَاسِم فِي دَاوُد بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور وجدّهما سُلَيْمَان الْمَذْكُور يجمع نسبهم وَنسب فُقَهَاء حصيان وفقهاء العيانة ومشايخ سماة بني النجار وفقهاء الرَّجْم هَكَذَا قَالَه المترجم قَالَ بعض اليمينيين وبنوا النوار فِيمَا أَحسب ينسبون أنفسهم إِلَى غير هَذَا النّسَب وَالله أعلم وَكَانَت وَفَاته فِي نَيف وَسِتِّينَ وَألف وَاخْتَلَطَ فِي آخر عمره عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ بن هرون بن حسن بن عَليّ بن الشَّيْخ مُحَمَّد حمل اللَّيْل الإِمَام الْعَالم الفصيح الزَّاهِد النَّاصِر للشريعة الْمُجَاهِد ذكره الشلي وَوَصفه وَصفا بليغاً من جنس هَذَا الْوَصْف ثمَّ قَالَ ولد بتريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن ثمَّ اشْتغل بتحصيل الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وفنون الْأَدَب فتفقه على القَاضِي أَحْمد بن حُسَيْن وَالشَّيْخ أَحْمد بن عمر عيديد وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن علوي بافقيه وَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَولده زين العابدين وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف العيدروس وَأخذ عَن السَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد الْهَادِي بن شهَاب وأخيه الشَّيْخ أبي بكر ابْن شهَاب وَغَيرهم وَحفظ عدّة متون وعرضها على مشايخه ثمَّ دخل الْهِنْد وَاجْتمعَ بِجَمَاعَة من علمائها وأحبه بعض أمرائها الْكِبَار ثمَّ حج وَعَاد إِلَى تريم وَأخذ عَمَّن بهَا ودرس وَأخذ عَنهُ جمع طَرِيق الْقَوْم ثمَّ عَاد إِلَى الْهِنْد ودرس بهَا وَأخذ عَنهُ جمع كثير ودرس فِي الحَدِيث قَالَ الشلي وَاجْتمعت بِهِ هُنَاكَ ولازمته مُدَّة يسيرَة واستفدت مِنْهُ فَوَائِد غزيرة وَكَانَ مُقيما عِنْد بعض الوزراء ونال مِنْهُ كثيرا من الْأَمْتِعَة ثمَّ ورد إِلَى وَطنه وَأقَام بهَا مُجْتَهدا فِي الطَّاعَة وَطلب للْقَضَاء فَأبى فعاودوه حَتَّى قبله وَمَشى على طَرِيق الْقُضَاة قبله فحمدت أَفعاله وَلم يشْغلهُ الْقَضَاء عَن الإفادة وَالِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة وَتُوفِّي فِي سنة سبعين وَألف وَقد أناف على السِّتين وَدفن بمقبرة زنبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن زوقا بن مُوسَى بن أَحْمد السُّلْطَان بِمَدِينَة تونس فِي عصر الشَّيْخ أبي مَدين بن السُّلْطَان سعيد بن السُّلْطَان فاشين ابْن السُّلْطَان يحيى ابْن السُّلْطَان زوقا الشعراوي وَيُقَال الشعراني أَيْضا الْمصْرِيّ الْأُسْتَاذ الْعَام الصَّالح ابْن الإِمَام الْكَبِير العابد الزَّاهِد صَاحب التآليف الْكَثِيرَة السائرة وَيَنْتَهِي نسبهم إِلَى الإِمَام مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ عبد الرَّحْمَن هَذَا لطيف الذَّات حسن الْخلال وَلما مَاتَ وَالِده فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَتِسْعمِائَة قَامَ بعده بزاويته الْمَعْرُوفَة بَين السورين فَقَامَ عَلَيْهِ أَوْلَاد عَمه ومقدمهم الشَّيْخ عبد اللَّطِيف وسلك سَبِيل عَمه وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْكَرم والبذل والإيثار حَتَّى بملبوسه فضلا عَن طَعَامه وَكَانَ عبد الرَّحْمَن يرْمى بالإمساك فَمَال فُقَرَاء الزاوية عَلَيْهِ مَعَ عبد اللَّطِيف فترافعوا للحكام غير مرّة وَكَاد أَمرهم يتم فَلم يلبث عبد اللَّطِيف أَن مَاتَ وَاسْتقر الْأَمر لصَاحب التَّرْجَمَة فَصَارَ مُعظما عِنْد الْحُكَّام وانتظم أَمر الزاوية لكنه أقبل على جمع المَال ثمَّ ترك الْمدرسَة وتحوّل بعياله فسكن على بركَة الْفِيل وَصَارَ لَا يَأْتِي إِلَى الزاوية إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة غَالِبا فتلاشت أحوالها جدا حَتَّى صَار مجْلِس لَيْلَة الْجُمُعَة يجلس فِيهِ نَحْو اثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة أول اللَّيْل ثمَّ يغلب عَلَيْهِم النّوم وَكَانَ فِي زمن وَالِده يصعد المؤذنون من نَحْو نصف اللَّيْل فَيحصل من إيقاظ النيام والاشتغال بِالذكر والتهجد وَالْقِيَام والأنس التَّام مَا يثلج الصُّدُور ويحث على فعل الحبور وَبِالْجُمْلَةِ فبيتهم مبارك لَا يزَال مُتَّصِل المدد وَفِيه الْخَيْر وَالْبركَة وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فِي أَوَاخِر سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف وَدفن بزاوية وَالِده بِبَاب الشعرية والشعراوي تقدّم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي تَرْجَمَة قريبَة أبي السُّعُود بن عبد الرَّحِيم الشعراني القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن عقيل بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عقيل بن أَحْمد بن الشَّيْخ عَليّ اليمني شيخ مَشَايِخ الطَّرِيقَة المربي الْكَامِل مُلْحق الأصاغر بالأكابر قَالَ الشلي فِي تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَطلب الْعلم خُصُوصا التصوف وَأكْثر من قِرَاءَة الْأَحْيَاء والعوارف وَصَحب أكَابِر العارفين وَلبس الْخِرْقَة فَمن مشايخه بتريم السَّيِّد عبد الله بن شيخ العيدروس وَولده زين العابدين وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين والفقيه الإِمَام السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن عقيل وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل بَافضل ثمَّ فَارق ديار حَضرمَوْت ورحل إِلَى الْيمن وَأخذ عَن الْعَارِف بِاللَّه الْوَلِيّ عبد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 عَليّ وَالسَّيِّد حَاتِم المهدلي وَحج حجَّة الْإِسْلَام وَاجْتمعَ فِي الْحَرَمَيْنِ بِجَمَاعَة ثمَّ دخل بِلَاد الْهِنْد وَأخذ بهَا عَن غير وَاحِد وَقَامَ بخدمته بعض الوزراء ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن وَدخل بندر عدن وساح وَأخذ عَن جمَاعَة ثمَّ دخل بندر المخا وَاسْتقر بِهِ وَاجْتمعَ بالشيخ صندل المجذوب وانتفع بِصُحْبَتِهِ وشاع ذكره ثمَّة واجتهد فِي الْعِبَادَة وَنشر الْعلم وَكَانَ آيَة فِي الْفَهم وَالْحِفْظ وَغلب عَلَيْهِ التصوف وَله فِيهِ كَلَام مَقْبُول قَالَ الشلي وَفِي ثَمَان وَخمسين وَألف قدمت عَلَيْهِ وَأخذت عَنهُ وَكَانَ من الطَّائِفَة الَّذين يخفون أَكثر محاسنهم ويبالغون فِي نفي رُؤْيَة المخلوقين وَكَانَ لَهُ غيرَة على الدّين مصمماً فِي الْحق صادعاً بِالشَّرْعِ وَكَانَ لَهُ جاه عَظِيم تَأتيه النذور من كل مَكَان وَاجْتمعَ عِنْده مَال جسيم وَكَانَ لَا يدرى مِمَّن تِلْكَ الأنذار بل كَانَت ترمى فِي نَاحيَة من دَاره وَرُبمَا أكل الصُّوف العث والأرضة وَلم يزل مراقباً لله فِي سره ونجواه إِلَى أَن انْقَضتْ مُدَّة حَيَاته فَتوفي ببندر المخا ثَانِي عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وَخمسين وَألف وَدفن بِجنب قبر السَّيِّد مُحَمَّد بن بَرَكَات كريشة وقبره مَعْرُوف يزار عبد الرَّحْمَن بن علوي بن أَحْمد بن علوي بن مُحَمَّد مولى عيديد يعرف كسلفه ببافقيه الْمُحدث الصُّوفِي الْفَقِيه الإِمَام قَالَ الشلي كَانَ مُقيما بِمَدِينَة حَضرمَوْت ومولده تريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَأكْثر الْمِنْهَاج واعتنى بالفقه وَأكْثر انتفاعه بالشيخ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَالْقَاضِي عبد الرَّحْمَن بن شهَاب وَأخذ التصوف عَنْهُمَا وَعَن السَّيِّد سَالم بن أبي بكر الْكَاف وَالسَّيِّد الْفَقِيه مُحَمَّد بن الْفَقِيه عَليّ بن عبد الرَّحْمَن وَغَيرهم واجتهد فِي الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة وشارك فِي الْأَصْلَيْنِ وَلبس الْخِرْقَة من جمَاعَة وَأَجَازَهُ غير وَاحِد بالإفتاء والتدريس وَكَانَ منعزلاً عَن النَّاس زاهداً فِي الدُّنْيَا مواظباً على الْجَمَاعَة وأنواع الْخَيْر وانتفع بِهِ كثير وَنشر الْعلم بعد اندراسه وَلَزِمتهُ الطّلبَة وَكَانَ متين المناظرة حسن الْعبارَة لطيف الْإِشَارَة قوي الحافظة إِذا قَالَ فِي المسئلة لَا أحفظ فِيهَا شَيْئا لَا تكَاد تُوجد فِي كتب الْأَصْحَاب وَكَانَ لَا يتوسع فِي الْعبارَة بل يقْتَصر على مسئلة الْكتاب وَمن تكلم عَلَيْهَا وَكَانَ مبارك التدريس يحْكى عَن جمَاعَة مِمَّن قرؤوا عَلَيْهِ أَنهم قَالُوا مَا وجدنَا عِنْد اُحْدُ مِمَّن قَرَأنَا عَلَيْهِ مَا وجدنَا عِنْده وغالب عُلَمَاء الْعَصْر أخذُوا عَنهُ قَالَ الشلي وَهُوَ شَيْخي الَّذِي أخذت عَنهُ فِي الْبِدَايَة واشتغلت عَلَيْهِ فِي عُلُوم الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وقرأت عَلَيْهِ كتبا كَثِيرَة وَسمعت مِنْهُ بِقِرَاءَة غَيْرِي الْكثير مِنْهَا التَّفْسِير الْكَبِير وإحياء عُلُوم الدّين بِقِرَاءَة شَيخنَا عمر الهندوان وَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 لَا يَقُول بالمحاباة فيزيف كَلَام الْغَيْر إِذا لم يرضه وَلَو كَانَ أَبَاهُ وَإِذا خَاضَ فِي عُلُوم الصُّوفِيَّة أَنْكَرُوا وَكَانَ شَدِيد الْإِنْكَار على النَّاس فِيمَا يُخَالف الشَّرْع لَا سِيمَا مَا أجمع على حظره أَو ترجح الْإِنْكَار فِي نظره لَا يقنع فِي أَمر الْحق بِغَيْر إِظْهَاره مطبوعاً على الالتذاذ بِهِ متحملاً للأذى من النَّاس بِسَبَبِهِ يدافع ذَلِك بِيَدِهِ وَلسَانه بِحَسب وَسعه وَإِذا لم يسْتَطع الدّفع تأثر بِهِ شَدِيدا وَرُبمَا أَصَابَته الْحمى وَقد ورد فِي الحَدِيث أَنه قَالَ يَأْتِي على النَّاس زمَان يذوب قلب الْمُؤمن كَمَا يذوب الْملح قيل يَا رَسُول الله مِم ذَلِك قَالَ مِمَّا يرى من الْمُنكر لَا يَسْتَطِيع تَغْيِيره وَكَانَ لصدقه وَحسن نِيَّته تهابه أَرْبَاب الْفسق ويهربون مِنْهُ وَرُبمَا إِذا أحس بِهِ الصّبيان تركُوا اللّعب هَيْبَة مِنْهُ وَكَانَ فِي جَمِيع أَحْوَاله ملازماً للأدب زاهداً فِي الدُّنْيَا وَعرض عَلَيْهِ قَضَاء بَلْدَة تريم فَلم يقبل وَكَانَ ملازماً للتلاوة وَالِاعْتِكَاف وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن عصره وتحائف دهره وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل من جنَّات بشار رَحمَه الله عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الحديلي بن مُحَمَّد بن حسن الطَّوِيل بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْفَقِيه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن علوي بن مُحَمَّد صَاحب مرباط عرف كسلفه بباحسن الحديلي صَاحب القاره أحد فضلاء الْيمن الْمَشْهُورين قَالَ الشلي ولد بِمَدِينَة تريم وتفقه بهَا وَأخذ التصوف عَن جمَاعَة وغلبت عَلَيْهِ فنون الْأَدَب فَكَانَ لَا يشار بهَا إِلَّا إِلَيْهِ وَكَانَ جيد البديهة حُلْو النادرة سريع الْجَواب وَهُوَ فِي ذَلِك من الْعَجَائِب وَكَانَ يسْأَل عَن الْمسَائِل المعمية فَيكْتب الْجَواب بِاللَّفْظِ الفصيح والسجع اللَّطِيف قَالَ وَكنت وقفت على بعض أجوبته فِي الصغر وَلم أظفر الْآن بِشَيْء مِنْهَا وَلَا أحفظ الْآن من تِلْكَ الْأَجْوِبَة إِلَّا قَوْله لجَعْفَر الصَّادِق لما قَالَ نصف اسْمِي فِي ثَلَاثَة أَرْبَاعه رَجَعَ وَله رسائل فائقة وأشعار مستعذبة وانتفع بِهِ كثير وَكَانَ لَهُ اعتناء بنظم الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ عمر بن عبد بامخرمة فَجمع مِنْهُ مجلدات وَكَانَ يُوضح مشكلاته وَيبين مَا دق مِنْهُ وَكَانَ هُوَ وَإِمَام الْعُلُوم السَّيِّد عبد الله بن مُحَمَّد بروم فِي ذَلِك الزَّمَان فرسي رهان فَكَانَا عَيْني ذَلِك الْعَصْر وَأقَام بالقرية الْمُسَمَّاة بالقاره وصدقاته دارّة على الْفُقَرَاء وَكَانَ كثير الْإِحْسَان جم النوال وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بقرية القارة رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُوسَى بن خضر الخياري الشَّافِعِي نزيل الْمَدِينَة المنورة وخطيبها ومحدثها الإِمَام الْكَبِير الْجَلِيل الشَّأْن الْمَشْهُور فِي الْآفَاق أَخذ بِمصْر عَن الجلة من الْمَشَايِخ وشيوخه كَثِيرُونَ مِنْهُم النُّور الزيَادي وَهُوَ أَجلهم وَمِنْهُم أَبُو بكر الشنواني وَأحمد الغنيمي وَالشَّيْخ مُحَمَّد الخفاجي وَمن فِي طبقتهم من عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر وأجازوه وشهدوا لَهُ بِالْفَضْلِ وتصدر للإقراء بِجَامِع الْأَزْهَر ولازمه جمع من أكَابِر الشُّيُوخ وَأخذُوا عَنهُ الْعلم مِنْهُم النُّور الشبراملسي وَكَانَ يثني عَلَيْهِ كثيرا ويطرز درسه بِذكرِهِ وَيُشِير إِلَى جلالة قدره وَكَانَ هُوَ وَالشَّيْخ عَليّ الْحلَبِي صَاحب السِّيرَة كفرسي رهان وفارسي ميدان وَكَانَا إِذا مرا فِي الْأَزْهَر يُقَال أقبل السعد وَالسَّيِّد ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة المنورة وسكنها بِإِذن من النَّبِي حكى ذَلِك الشهَاب البشبيشي وَكَانَ وُصُوله إِلَيْهَا فِي أواسط الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَألف وانتفع بِهِ أَهلهَا للأخذ عَنهُ والتلقي مِنْهُ وَكَانَ لَهُ يَد طولى فِي جَمِيع الْفُنُون مَعَ السكينَة وَالْوَقار وَيُقَال إِنَّه كَانَ يرى رَسُول الله عيَانًا وَاتفقَ لَهُ أَن ختم كتابا فِي الحَدِيث وَشرع فِي الدُّعَاء ثمَّ وقف منتصباً رَافعا يَدَيْهِ كالمؤمّن على الدُّعَاء فَقَامَ أهل الدَّرْس من طلبة وَغَيرهم ثمَّ طَال وُقُوفه بِحَيْثُ أَن بَعضهم تَعب من الْوُقُوف وَذهب وَبَقِي الواقفون متعجبون مِنْهُ وَهُوَ مطرق وَكَأَنَّهُ فِي غير شُعُور فَبعد خَتمه الدُّعَاء قَالَ لَهُ بعض أخصائه من تلامذته مَا هَذَا الْوُقُوف يَا سَيِّدي فَإِنَّهُ لم يعْهَد لَك مثله فَقَالَ وَالله مَا وقفت إِلَّا وَقد رَأَيْت رَسُول الله وَاقِفًا يَدْعُو لنا فاستمريت منتظراً حَتَّى فرغ من دُعَائِهِ وَهَذِه من كراماته وَذكره الخفاجي فِي كِتَابه الخبايا فَقَالَ فِي وَصفه دوحة الزَّمَان بسام طليق وَعوده بُسْتَان وريق فَاضل جمع الْفضل فَهُوَ مُنْتَهى الجموع وكامل كَمَاله كثمار الْجنَّة غير مَقْطُوع وَلَا مَمْنُوع شَقِيق روحي وصديقها وَرَيْحَان مسرتي وشقيقها (وَنَفس بأعقاب الْأُمُور بَصِيرَة ... لَهَا من طباع الْغَيْب حاد وقائد) يلوح من بشره نور الْفَلاح وَمن سكينته وقار الصّلاح كأنّ الله جمع لَهُ المناقب فَاخْتَارَ مِنْهَا وانتقى وَرَأى أَن أحْسنهَا وَأَكْرمهَا التقى لَهُ فِي الْفُنُون يَد بَيْضَاء وَفِي الْأَدَب سجية سَمْحَة خضراء وَلما علم أَن الله أوصى بالجار رَحل لطيبة الطّيبَة وَسكن فِي جوَار النَّبِي الْمُخْتَار فَدخل رَوْضَة من رياض الْجنَّة فِي جناته وَإِذا أنعم الله بِنِعْمَة على عَبده فِي حَيَاته لَا يسلبها إِلَّا بعد مماته فَكتبت لَهُ متشوقاً للقائه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 وملتمساً لصالح دُعَائِهِ (يَا نسيماً من نَحْو طيبَة ساري ... مهدياً عطر رندها والعرار) (من رَبًّا نشره بعنبر شحر ... فِي حَشا جونة الْفَتى الْعَطَّار) (خُذ فُؤَادِي فَذَاك مجمر شوق ... وغرامي بمضمر الوجد دَاري) (موقد فِيهِ عنبر من مديحي ... لحبيب الْمُهَيْمِن الْمُخْتَار) (لمقام بِمُقْتَضَاهُ بليغ ... لَا يُوفى بلاغة الْأَسْرَار) (وَلمن فِي ذراه من كل جَار ... حَاز خفضاً لعيشه بالجوار) (فهم خزرجي وأوسي وَإِن لم ... يسعف الدَّهْر بالمنى أَنْصَارِي) (سِيمَا صنوى الشَّقِيق وروحي ... وَهُوَ عبد الرَّحْمَن حامي الذمار) (قد تملى بروضة حَاز فِيهَا ... مثمر السعد مظهر الْأَنْوَار) (بَاعَ دنيا دنت بِأُخْرَى تسامت ... فغدا فِي بَيْعه بِالْخِيَارِ) (فعساه يمنّ لي بِدُعَاء ... مستجاب فِي ليله وَالنَّهَار) (ليحوز الشهَاب أعظم سؤل ... وأمان من مطلع الْأَنْوَار) (وَصَلَاة الْإِلَه فِي كل حِين ... لَك تهدى يَا سيد الْأَبْرَار) فَأَجَابَهُ بقوله (بعد اهدا أَسْنَى السَّلَام الساري ... من رَبًّا طيبه مقَام الْخِيَار) (فائقاً طيبه شذا كل مسك ... فاتقاً نوره دجى الأسحار) (لحبيب فِي الله خل وفيّ ... طيب الأَصْل ذِي الثَّنَاء الساري) (أَحْمد الْفِعْل والشهاب المرجى ... كاشف المشكلات كنز الفخار) (دَامَ فِي نعْمَة وَعز ولطف ... من إِلَه الورى الْكَرِيم الْبَارِي) (محيياً سنة الألى سَبَقُوهُ ... بِاتِّبَاع الألى وَحسن الْوَقار) (وَصَلَاة مَعَ السَّلَام دواماً ... للنبيّ الممجد الْمُخْتَار) (ولآل وَصَحبه مَا اضمحلت ... ظلم الظُّلم لاجتلا الْأَنْوَار) وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من خِيَار الْخِيَار وَكَانَت وَفَاته فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالْعِشْرين من شهر ربيع الثَّانِي سنة سِتّ وَخمسين وَألف وَدفن ببقيع الْغَرْقَد وَقَالَ وَلَده شَيخنَا الإِمَام الْعَالم إِبْرَاهِيم فِي تَارِيخ مَوته (إِذا مَا قيل لي فِي أيّ عَام ... وَفَاة الحبر والدك الخيارى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 (أَقُول وَقد تدرعت اصطباراً ... نؤرخه أحلّ بِخَير دَار) عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى بن مرشد أَبُو الوجاهة الْعمريّ الْمَعْرُوف بالمرشدي الْحَنَفِيّ مفتي الْحرم الْمَكِّيّ وعالم قطر الْحجاز وأوحد أَهله فِي الْفضل والمعرفة وَالْأَدب وَهُوَ من بَيت الْعلم وَالْفضل والديانة ذكر السخاوي فِي الضَّوْء اللامع والتقي التَّمِيمِي فِي طَبَقَات الْحَنَفِيَّة جمَاعَة من آل بَيته وَكَانَ هُوَ من كبار الْعلمَاء الأجلاء انْعَقَدت عَلَيْهِ صدارة الْحجاز نَشأ بِمَكَّة وَحفظ الْقُرْآن وَصلى بِهِ التَّرَاوِيح إِمَامًا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَحفظ الألفية وَالْأَرْبَعِينَ للنووي وكنز الدقائق إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُ والجزرية وَغَيرهَا وَشرع فِي الِاشْتِغَال من سنة تسع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فلازم الشَّيْخ عبد الرَّحِيم بن حسان وَأخذ عَن الشَّيْخ عَليّ بن جَار الله بن ظهيرة والمنلا عبد الله الْكرْدِي وَالسَّيِّد غضنفر وَالشَّيْخ عبد السَّلَام وَزِير السلار وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عَليّ الركروك الجزائري وروى الحَدِيث عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ وَعَن الشَّيْخ المعمر المنلا حميد السندي وَالشَّيْخ أَحْمد الشربيني وَالشَّمْس النحراوي وَأخذ القراآت عَن الملا عَليّ الْقَارِي الْهَرَوِيّ وَولي تدريس مدرسة المرحوم مُحَمَّد باشا فِي حُدُود سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فدرس بهَا صَحِيح البُخَارِيّ وأملى عَلَيْهِ شرحاً بلغ فِيهِ إِلَى بَاب رفع الْعلم وَظُهُور الْجَهْل فعزل عَنْهَا ووليها مدرسها الأول ونظم منظومة فِي علم التصريف عدّتها خَمْسمِائَة بَيت من بَحر الرجز سَمَّاهَا ترصيف التصريف وَشَرحهَا شرحاً نفيساً سَمَّاهُ فتح اللَّطِيف وَشرح كتاب الْكَافِي فِي علمي الْعرُوض والقوافي سَمَّاهُ الوافي فِي شرح الْكَافِي وَألف رِسَالَة بديعة سَمَّاهَا براعة الاستهلال فِيمَا يتَعَلَّق بالشهر والهلال ونظم رِسَالَة مُتَعَلقَة بمنازل الْقَمَر موسومة بمناهل السمر وَشَرحهَا شرحاً لطيفاً وَألف رِسَالَة تتَعَلَّق بتفسير آيَة الْكُرْسِيّ معنونة بِالْفَتْح الْقُدسِي وَكتب قِطْعَة على الخزرجية فِي علم الْعرُوض وَولي التدريس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فِي سنة خمس وَألف وَشرع فِي كِتَابَة شرح الْكَنْز فِي سنة ثَمَان وَسُئِلَ عَن عبارَة وَقعت فِي تَفْسِير آخر سُورَة الْمَائِدَة من تَفْسِير الجلالين فَكتب عَلَيْهَا رِسَالَة موسومة بتعميم الْفَائِدَة بتتميم سُورَة الْمَائِدَة وتعاطى الْفَتْوَى على مَذْهَب أبي حنيفَة عَام وَفَاة شَيْخه القَاضِي عَليّ بن جَار الله وَهُوَ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَألف وباشر ذَلِك وَشَيْخه فِي قيد الْحَيَاة استفتى فِي مسئلة فِي الْوَقْف فَأفْتى فِيهَا بِمَا هُوَ الْمُخْتَار للْفَتْوَى فِيهِ وَهُوَ قَول أبي يُوسُف من أَن الْوَقْف يتم بِمُجَرَّد التَّلَفُّظ بِهِ كَغَيْرِهِ من الْعُقُود من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 غير حَاجَة إِلَى حكم حَاكم أَو تَسْلِيم إِلَى متول وبدخول أَوْلَاد الْبَنَات فِي الْوَقْف على الذُّرِّيَّة فخالفه فِي ذَلِك بعض الْقُضَاة فألف رِسَالَة فِي ذَلِك سَمَّاهَا وقف الْهمام الْمنصف عِنْد قَول الإِمَام أبي يُوسُف وأرسلها إِلَى مصر فأيده علماؤها وَكَتَبُوا على جَوَابه وصوبوه وخطؤوا قَول الْمُخَالف لَهُ فِي ذَلِك وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَشرح عُقُود الجمان فِي الْمعَانِي للأسيوطي شرحاً حافلاً مزج فِيهِ عبارَة النّظم فِي الشَّرْح فاق على شرح مؤلفها بِكَثِير وَجرى فِي مجْلِس قَاضِي مَكَّة ذكر المسئلة الَّتِي ذكرهَا قَاضِي خَان فِي فَتَاوِيهِ وَهِي مَا لَو قَالَ قَائِل إِن كَانَ الله يعذب الْمُشْركين فامرأتي طَالِق قَالُوا إِنَّهَا لَا تطلق فألف فِيهَا رِسَالَة سَمَّاهَا الْجَواب المكين عَن مسئلة إِن كَانَ يعذب الْمُشْركين وَولي إِمَامَة الْمَسْجِد الْحَرَام وخطابته والإفتاء السلطاني فِي سنة عشْرين وَألف فباشر جَمِيع ذَلِك وَكَانَت مُبَاشَرَته للْإِمَامَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس الْمحرم من السّنة الْمَذْكُورَة وَوَافَقَ ذَلِك الْيَوْم النوروز السلطاني وَكَانَ أوّل فرض صَلَاة بمقام الْحَنَفِيَّة ظهر الْيَوْم الْمَذْكُور اقْتِدَاء برَسُول الله حَيْثُ كَانَ أول صَلَاة صلاهَا بعد الافتراض هِيَ الظّهْر وباشر الخطابة فِي السَّابِع عشر من الشَّهْر الْمَذْكُور وَمَشى الْأَعْيَان بَين يَدَيْهِ ذَهَابًا وإياباً وأفاض عَلَيْهِ سُلْطَان مَكَّة حِينَئِذٍ وَهُوَ الشريف إِدْرِيس تَشْرِيفًا سلطانياً بعد فَرَاغه من الْخطْبَة وَالصَّلَاة ووردت إِلَيْهِ فِي آخر سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف الخلعة السُّلْطَانِيَّة المحمولة لمفتي مَكَّة فِي كل عَام صُحْبَة أَمِير الركب الْمصْرِيّ فلبسها من الْمحل الْمُعْتَاد الَّذِي يلبس مِنْهُ شرِيف مَكَّة وَكَانَ ذَلِك بعد انقطاعها نَحوا من خمس سِنِين بِمُوجب حكم سلطاني ورد إِلَى صَاحب مصر يتَضَمَّن الْأَمر بتجهيزها على الأسلوب السَّابِق وإفاضتها عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّابِع من ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ تولى تدريس الْمدرسَة السليمانية الْحَنَفِيَّة الَّتِي أَنْشَأَهَا المرحوم السُّلْطَان سُلَيْمَان جوَار الْمَسْجِد الْحَرَام برسم عُلَمَاء الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَكَانَت هَذِه الْمدرسَة أسست برسم الْحَنَفِيَّة وَكَانَ أوّل من وَليهَا مِنْهُم ودرس بهَا مفتي مَكَّة القطب الْمَكِّيّ النهرواني الْحَنَفِيّ ثمَّ وَليهَا بعد وَفَاته خير الدّين الرُّومِي الْحَنَفِيّ ثمَّ قررها بعده شرِيف مَكَّة الشريف حسن للقضاي عَليّ بن جَار الله الْحَنَفِيّ ثمَّ ورد فِيهَا مصلح الدّين الرُّومِي الْحَنَفِيّ ثمَّ بعد وَفَاته فِي أَوَاخِر سنة ثَلَاث عشرَة وَألف تقرّر فِيهَا القَاضِي يحيى بن أبي السعادات ابْن ظهيرة خطيب مَكَّة وغفل عَن كَونهَا مَشْرُوطَة للحنفية فَعِنْدَ وَفَاته فِي خَامِس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 رَجَب سنة سبع وَعشْرين وَألف أَعَادَهَا الله لأصلها فقرّرها شرِيف مَكَّة الشريف إِدْرِيس لصَاحب التَّرْجَمَة وَذَلِكَ فِي سَابِع عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة وباشر الدَّرْس فِيهَا سادس شعْبَان مِنْهَا وافتتح الدَّرْس فِي تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ من قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ} وَحضر مَجْلِسه فِيهَا يَوْمئِذٍ جَمِيع الْعلمَاء والأعيان وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَورد إِلَيْهِ فِي غرَّة ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَألف تَفْوِيض النّظر فِي قَضَاء مَكَّة وأعمالها من لدن قاضيها يَوْمئِذٍ الْمولى رضوَان بن عُثْمَان الْمُنْفَصِل عَن قَضَاء مصر لتخلفه عَن الْوُصُول إِلَى مَكَّة ففوض إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة النّظر فِي ذَلِك فباشره وَأقَام أَخَاهُ القَاضِي أَحْمد نَائِبا بِمَكَّة ووقف بالحجيج تِلْكَ السّنة وَوَافَقَ يَوْم عَرَفَة يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ هُوَ خطيب التَّرويَة أَيْضا فِي تِلْكَ السّنة وخطيب الْجُمُعَة فِي شهر ذِي الْحجَّة وَكَانَ اتّفق لَهُ نَظِير ذَلِك فِي سنة عشْرين وَألف حِين تولى قَضَاء مَكَّة الْمولى صَالح بن الْمولى سعد الدّين إِلَّا أَنه لم يتَّفق لَهُ فِي ذَلِك الْعَام الْوُقُوف بالحجاج لانفصاله عَن النّظر فِي الْقَضَاء بالمولى أَحْمد الإياشي وَمِمَّا اتّفق لَهُ فِي هَذِه الْولَايَة الثَّانِيَة أَنه ورد من ابْن سُلْطَان الْهِنْد خرم شاه بن سليم شاه بن جلال الدّين الْأَكْبَر صَدَقَة إِلَى فُقَرَاء مَكَّة وَالْمَدينَة فأنيط توزيعها بنظره فوزعها بَين الْأَعْيَان والفقراء ذُكُورا وإناثاً واستوعبهم استيعاباً شَامِلًا وخطب بِمَسْجِد نمرة بِعَرَفَة وَالْحَاصِل أَنه لَقِي من سمو الشَّأْن وعلو الرُّتْبَة مَا لم يلقه أحد من معاصريه بالحجاز وَقد ذكره جمَاعَة من المؤرخين والمنشئين فَمِمَّنْ ذكره الْحسن البوريني وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء عَظِيما قَالَ وَاجْتمعت بِهِ فِي مَكَّة واختبرته فَرَأَيْت عربيته متينة وحركته فِي فهم الْعبارَات جَيِّدَة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ الْآن عين مَكَّة وعالمها وَإِلَيْهِ يرجع عاميها وحاكمها انْتهى وَرَأَيْت فِي بعض المجاميع مَنْقُولًا من خطّ أبي الْعَبَّاس المقرى قَالَ ذكر الشَّيْخ أَبُو الْمَوَاهِب الْبكْرِيّ أَنه تمثل للشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي الْمَذْكُور بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي أثْنَاء مكالمة وهما (عرضنَا أَنْفُسنَا عزت علينا ... عَلَيْكُم فاستخف بهَا الهوان) (وَلَو أَنا حفظناها لعزت ... وَلَكِن كل معروض يهان) قَالَ فَأَجَابَنِي (نفوسكم وحقكم لدينا ... نفيسات تعز وَلَا تهان) (وَتلك جَوَاهِر فلأجل هَذَا ... غَدَتْ معروضة بقيت تصان) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَقد وقفت لَهُ على قصيدة عَجِيبَة فِي بَابهَا مدح بهَا الشريف حسن وَابْنه أَبَا طَالب مهنئاً لَهما بظفر الثَّانِي مِنْهُمَا بِأَهْل شمر وَهُوَ جبل بِنَجْد وَهِي (نقع العجاج لَدَى هياج العثير ... أذكى لدينا من دُخان العنبر) (وصليل تَجْرِيد الحسام ووقعه ... فِي الْهَام أشدى نَغمَة من جؤذر) (وسنا الأسنة لامعاً فِي قسطل ... أَسْنَى وأسمى من محيا مُسْفِر) (وتسربل فِي سابغات مزرد ... أبهى علينا من قبَاء عبقري) (وتتوج بقوانس مصقولة ... أزهى علينا من سدوس أَخْضَر) (وكذاك صهوة سابح ومطهم ... أشهى إِلَيْنَا من أريكة أحور) (ولقا الكمى مدرعاً فِي مغفر ... كلقا الغرير بمقنع وبمخمر) (ألفت أسنتنا الْوُرُود بمنهل ... علقت بِهِ علق النجيع الْأَحْمَر) (وسيوفنا هجرت جوَار غمودها ... شوقاً لهامة كل أصيد أصعر) (فتخالها لما تجرد عِنْدَمَا ... هام القتام بوارقاً بكنهور) (وصهيل جرد الْخَيل خيل كَأَنَّهُ ... رعد يزمجر فِي الجدى المتعنجر) (وَدم العدى متقاطراً متدفقاً ... كالوبل كالسيل الجراف الْجور) (ورؤوسهم تجْرِي بِهِ كجنادل ... قذفت بِهِ موج السُّيُول الهمر) (غشيتهم فِي الْعَام منا فرقة ... تركت فريقهم كسبسب مقفر) (أودتهم قتلا وأجلتهم إِلَى ... أَن حطم الْهِنْدِيّ ظهر الْمُدبر) (تركت صحاراهم مَوَائِد ضمنت ... أشلاء كل مسود وغضنفر) (ودعت ضيوف الْوَحْش تقريها بِمَا ... أفنى المهند والوشيج السمهري) (فأجابها من كل غيل زمرة ... تحدو منار عملس أَو قسور) (وأظلها ظلل نشاص سحابها المركوم ... أَجْنِحَة البزاة الأنسر) (فبراثن الآساد تضنب فِي الكلى ... ومخالب العقبان تنشب فِي المرى) (شكرت صَنِيع المشرفية والقنا ... إِذْ لم تضفها الهبر غير مهبر) (فغدت قُبُورهم بطُون الْوَحْش مِنْهَا ... يبعثون إِذا دعوا للمحشر) (وخلت دِيَارهمْ وَأقوى ربعهم ... وسرى السرى مشمراً عَن شمر) (أنفت من استقصاء قتل شريدهم ... كَيْمَا يخبر قَائِلا من مخبري) (فثنت أَعِنَّة خَيْلنَا أجيادها ... عَن قتل كل مزند وخزور) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 (حَتَّى إِذا حَان القطاف ليانع ... من أرؤس تركت وَلما تؤبر) (عصفت بهَا ريب الْمنون فألقحت ... وتحركت بزعازع من صَرْصَر) (فدعَتْ سراة كماتنا لقطافها ... بأنامل الْقصب الْأَصَم الأسمر) (فتجهزت لحصادها فِي فيلق ... لَو يسبحون بزاخر لم يزخر) (مَلأ تتوق إِلَى الكفاح نُفُوسهم ... توقانها اللقا الرداح المعصر) (يغشون أبطال الْوَطِيس بواسما ... كالليث أَن يلق الفريسة يكثر) (وتخالهم فَوق الْجِيَاد لوابسا ... سداً يموج من الْحَرِير الْأَخْضَر) (فَإِذا هم ازدحموا بجزع وانثنوا ... أورى زناد دروعهم نَارا ترى) (جَيش طلائعه الأوابد إِن تصخ ... لَو جيبه من قيد شهر تنفر) (يقتاده الْملك المشيخ كَأَنَّهُ ... بَين العوالي ضيغم فِي مزأر) (ملك تدرع بالبسالة فاغتنى ... يَوْم الوغى عَن سابغ وسنور) (ملك تتوج بالمهابة فَاكْتفى ... عِنْد الطعان لقرنه ععن مغفر) (ملك تذكرنا مواقع حَده ... فِي الْهَام وقْعَة جده فِي خَيْبَر) (ملك إِذا مَا جال يَوْم كريهة ... لم تلق غير مجدل ومعفر) (ملك يُجهز من جحافل رَأْيه ... قبل الوقيعة جحفلاً لم ينظر) (ملك تُسنم ذرْوَة الْمجد الَّتِي ... من دونهَا المريخ بل وَالْمُشْتَرِي) (ملك نداه الْبَحْر إِلَّا أَنه ... عذب أَهَذا الْبَحْر نهر الْكَوْثَر) (ملك إِذا مَا جاد حدث مُسْندًا ... عَن جوده جود الْغَمَام الممطر) (الْأَشْرَف الشهم الَّذِي خضعت لَهُ ... شم الأنوف وكل حججاج سرى) (الْأَفْضَل السَّنَد الَّذِي أَوْصَافه ... أنست سما الوضاح وَابْن الْمُنْذر) (الأكرم المفضال من إحسانه ... أربى على كسْرَى الْمُلُوك وَقَيْصَر) (ذُو الهمة الْعليا الَّذِي قد نَالَ مَا ... عَنهُ تقصر همة الاسكندر) (شرفاً تَقَاعَسَتْ الْكَوَاكِب دونه ... لَو لم تمد بنوره لم تزهر) (هبها بمنطقة البروج مقرها ... أمنا هز هَذَا بنوة حيدر) (كلا فَكيف بِمن حواها جَامعا ... نسبا سما بابوة المدثر) (أعظم بهَا من نِسْبَة نبوية ... علوِيَّة تنمي لأصل أطهر) (قد شَرقَتْ بَدَأَ بأشرف مُرْسل ... وَنِهَايَة بالسيد الْحسن السّري) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 (فَخر الْخَلَائق درة التَّاج الَّذِي ... بسواه هام ذَوي العلى لم يفخر) (بشر وَلَكِن فِي صِفَات ملائك ... جليت لنا أخلاقه فاستبصر) (لم تلقه يومي وغى وعطا سوى ... طلق الْمحيا فِي حلى المستبشر) (يلقى العفاة وَقد تلألأ وَجهه ... بسنا السرُور وَذَاكَ أَنْضَرُ منظر) (يعْفُو عَن الذَّنب الْعَظِيم مجازياً ... جازيه بِالْحُسْنَى كَأَن لم يؤزر) (يَا سيد السادات دُونك مِدْحَة ... نفحت بعرف من ثناك معطر) (قد فصلت بلآلىء الْمَدْح الَّتِي ... يقف ابْن أَوْس دونهَا والبحتري) (وافتك ترفل فِي برود بلاغة ... وبراعة ببرود صنعا تزدري) (صاغت حلاها فكرة قد صانها ... شمم الإباء عَن امتداح مقصر) (مَا شَأْنهَا نظم القريض تكسبا ... لَوْلَا مقامك ذُو العلى لم تشعر) (فوردت منهلها الروى فَلم أجد ... أجداً فنلت صفاء غير مكدر) (فنهلت مِنْهُ وعلني بنميره ... وطفقت وارده وَلما أصدر) (وطفقت فِيهِ غائصا للآلي ... فِي غير نظم مديحكم لم تنثر) (لَا تدعني الْعليا رَضِيع لبانها ... إِن كنت فِي تِلْكَ الْمقَالة مفترى) (خُذْهَا عقيلة كسر خدر فصاحة ... سفرت نقاباً عَن محيا مُسْفِر) (جمعت بلاغة منطق الْإِعْرَاب مَعَ ... حسن الْبَيَان ورقة المستحضر) (لوسامها قس لما سَمِعت بِهِ ... بعكاظ يَوْمًا خطْبَة فِي مِنْبَر) (شرفت على من عارضته بمدح من ... أضحى القريض بِهِ كعقد جوهري) (فاستجلها وافت تهنى بِالَّذِي ... نفحت بشائره بمسك أذفر) (نصر تهز بنوده ريح الصِّبَا ... خَفَقت على هام الأشم الخرمر) (هُوَ نجلك الْمَنْصُور دَامَ مؤيداً ... بك أَيْنَمَا يلق الغريمة يظفر) (لَا زلتما فِي ظلّ مَالك باذخ ... وجنود ملككم مُلُوك الأعصر) (مستمسكين بهدى جدكم الَّذِي ... بِالرُّعْبِ ينصر من مَسَافَة أشهر) (أهْدى الآله صلَاته وَسَلَامه ... لجنابه فِي طي نشر العهر) (ولآله وصحابه وَالتَّابِعِينَ ... لَهُم بِإِحْسَان ليَوْم الْمَحْشَر) (مَا استنشق الْأَبْطَال فِي يَوْم الوغى ... نقع العجاج لَدَى هياج العثير) قلت تبَارك الله على هَذِه الطبيعة المطيعة وَمن مثل هَذِه القصيدة يعرف متانة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 الشّعْر وَقُوَّة الطَّبْع على النّظم وَله منشآت كَثِيرَة أغلبها مَجْمُوع فِي سفر وَلأَهل مَكَّة على إنشائه تهافت وَبِالْجُمْلَةِ فَكل آثاره مستحسنة وَذكره السَّيِّد عَليّ فِي السلافة فَقَالَ فِي وَصفه عَلامَة الْقطر الْحِجَازِي ومفتيه وَمولى مَعْرُوف المعارف ومؤتيه وبحر الْعلم الَّذِي لَا يدْرك ساحله وبره الَّذِي لَا تطوى مراحله أشرقت فِي سَمَاء الْفضل ذكاء ذكائه وخرس بِهِ نَاطِق الْجَهْل بعد تصديته ومكائه فَأصْبح وَهُوَ للْعلم وَالْجهل مُثبت وماحق وَسبق إِلَى غايات الْفضل وَمَا للْوَجْه لَاحق حَتَّى طَار صيته فِي الْآفَاق وانعقد على فَضله الْوِفَاق وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم بِالْبَلَدِ الْأمين فتصدر وَهُوَ منتجع الوافدين والآمين مِنْهُ تقتبس أنوار أَنْوَاع الْفُنُون وَعنهُ تُؤْخَذ أَحْكَام الْمَفْرُوض والمسنون تشد الرّحال إِلَى لِقَائِه ويستنشق أرج الْفضل من تلقائه وتصانيفه فِي أَقسَام الْعلم صنوف وتآليفه فِي مسامع الدَّهْر أقراط وشنوف أَن نثر فَمَا أزاهر الرياض غب المزن الهاطل أَو نظم فَمَا جَوَاهِر الْعُقُود تحلت بِهِ الغيد العواطل وَهَا أَنا أقص عَلَيْك من خَبره مَا يزدهيك وشى حبره وأتلو عَلَيْك من تَفْصِيل حَاله مَا يروقك خصبه وتأسف على إمحاله ثمَّ أثبت من منظومه بعد منثوره مَا يطرب الأسماع بِحسن مأثوره وَلم يزل ممتطياً صهوة الْعِزّ المكين راقياً ذرْوَة طود الجاه الركين لَا يُقَاس بِهِ قرين وَلَا تطَأ آساد الشرى لَهُ عرين إِلَى أَن تولى الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب مَكَّة المشرفة ورفل فِي حلل ولايتها المفوفة وَكَانَ فِي نَفسه من الشَّيْخ الْمشَار إِلَيْهِ ضغن حل بصميم مهجته وَمَا طعن فَأمر أَولا بِنَهْب دَاره وخفض مَحَله ومقداره ثمَّ قبض عَلَيْهِ قبض الْمُعْتَمد على ابْن عمار وجزاه الدَّهْر على يَدَيْهِ جَزَاء سنمار إِلَّا أَن الْمُعْتَمد أغص ابْن عمار بالحسام الْأَبْيَض وَهَذَا طوقه هلالاً بزغ من أنامل عبد أسود فجرعه كأس الْمَوْت الْأَحْمَر وَكَانَ قد أبقاه فِي حَبسه إِلَى لَيْلَة عَرَفَة ثمَّ خشى أَن يسْعَى فِي خلاصه من أكَابِر الرّوم من عرفه فَوجه إِلَيْهِ بزنجي أشوه خلق الله خلقا وَتقدم إِلَيْهِ بقتْله فِي تِلْكَ اللَّيْلَة خنقاً فامتثل أمره فِيهِ وجلله من برد الْهَلَاك بضافيه فأقفرت لمَوْته الْمدَارِس وأصبحت ربوع الْفضل وَهِي دوارس وَذَلِكَ فِي عَام سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَمن الِاتِّفَاق أَن الشريف الْمَذْكُور قتل هَذِه القتلة بِعَينهَا حِين تقاضت مِنْهُ اللَّيَالِي مَا أسلفت من دينهَا وَفِي الْأَثر كَمَا تدين تدان وَهَذَا حَال الدَّهْر مَعَ كل قاص ودان انْتهى قلت وَقد قدمت خبر مَقْتَله فِي تَرْجَمَة الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 فِي حرف الْهمزَة فَارْجِع إِلَيْهِ هُنَاكَ وَكَانَت ولادَة المرشدي بِمَكَّة لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس جُمَادَى الأولى سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة ولقب شرف الدّين وَقتل لَيْلَة الْجُمُعَة لأحدى عشرَة خلون من ذِي الْحجَّة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَفِي الْمَشْهُور أَن سَبَب قَتله تَوليته ديوَان الْإِنْشَاء فِي ولَايَة الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف فَلَمَّا توفّي الشريف محسن وَولي مَكَانَهُ الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب قبض على المرشدي فِي أَوَاخِر شهر رَمَضَان من سنة سبع وَثَلَاثِينَ وسجنه وَنهب دَاره وَكتبه وَطَلَبه يَوْمًا إِلَى مَجْلِسه وَهُوَ غاص بأَهْله وعاتبه أَشد عتاب فَأَجَابَهُ بِأَحْسَن جَوَاب ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى السجْن وَقَالَ للحاضرين وَالله إِنِّي أعلم وأعتقد أَنه من أفضل عُلَمَاء زَمَانه وَأتقى أهل عصره وَاسْتمرّ فِي السجْن إِلَى يَوْم النَّحْر فَأمر بخنقه وَغسل وَصلى عَلَيْهِ وَدفن بالشبيكة بِالْقربِ من ضريح سيدنَا الْمسَاوِي وقبره بهَا مَعْرُوف يزار وَوجدت فِي رِسَالَة بِخَط الْعَالم عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ مفتي الشَّام كتب بهَا إِلَى أبي الْعَبَّاس الْمقري يذكر فِيهَا قتلة المرشدي ويعزيه من جُمْلَتهَا وَأما مُصِيبَة من كَانَ وليي وَسمي ومنجدي الشَّهِيد السعيد الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي فَإِنَّهَا وَإِن أَصَابَت منا ومنكم الْأَخَوَيْنِ فقد عَمت الْحَرَمَيْنِ بل طمت الثقلَيْن وَلَقَد عد مصابه فِي الْإِسْلَام ثلمة وفقد مِنْهُ فِي حرم الله من كَانَ يدعى للملمة وَلم يبْق بعده من يدعى إِذا يحاس الحيس وَيسْتَحق أَن ينشد فِي حَقه وَإِن لم يقس بِهِ قيس ( ... وَمَا كَانَ قيس هلكه هلك وَاحِد ... ) وَلَكِن بُنيان قوم تهدما وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة كل مِنْهُم تسمى عبد الرَّحْمَن وهم عبد الرَّحْمَن اليمني بِمصْر وَعبد الرَّحْمَن الخياري بِالْمَدِينَةِ وَعبد الرَّحْمَن المرشدي بِمَكَّة وَقد تقدمُوا ثَلَاثَتهمْ على هَذَا التَّرْتِيب وَعبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ بِالشَّام وَسَيَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أربعتهم عمد الدّين وَقد جمعهم عصر وَاحِد فتشرف بهم وَأَنا أَحْمد الله تَعَالَى على تشرف كتابي بذكرهم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْحميدِي الْمصْرِيّ شيخ أهل الوراقة بِمصْر الأديب الشَّاعِر الْفَائِق ذكره الشهَاب الخفاجي فِي كِتَابيه وَقَالَ فِي وَصفه كَانَ أديباً تفتحت بصبا اللطف أنوار شمائله ورقت على دوح أدبه خطباء بلابله إِذا صدحت بلابل مَعَانِيه وتبرجت حدائق معاليه جلبن الْهوى من حَيْثُ أدرى وَلَا أَدْرِي نظم فِي جيد الدَّهْر جمانه وَسلم إِلَى يَد الشّرف عنانه خاطراً فِي رِدَاء مجد ذِي حواش وبطانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 ناشراً فرائد بَيَان ينثرها اللِّسَان فتودع حقاق الآذان وَله فِي الطِّبّ يَد مسيحية تحيى ميت الْأَمْرَاض وتبدل جَوَاهِر الْجَوَاهِر بالأعراض (مبارك الطلغة ميمونها ... لَكِن على الحفار والغاسل) وديوان شعره شَائِع وذائع إِلَّا أَنِّي استودعته النسْيَان وَلَا بُد أَن ترد الودائع وَلما نظم البديعية مُعَارضا لِابْنِ حجَّة وَشَرحهَا نظرت فِيهَا فِي أَوَان الصِّبَا فَرَأَيْت مِنْهَا مَوَاضِع لَا تَخْلُو من الخطا فنبهته لذَلِك فَأطَال لِسَانه لانحرافه وَزعم أَنه هجاني بِبَعْض أَوْصَافه فَكتبت إِلَيْهِ متهكماً مَا صورته مولَايَ أسرفت فِي الامتنان وأسأت لنا قبل الْإِحْسَان وعاقبت من غير جِنَايَة سَابِقَة وَحرمت من لَيْسَ لَهُ فِيك آمال رائقة فَكَانَت حَالي مَعَك كَمَا قيل إِنَّه هبت ريح شَدِيدَة فصاح النَّاس الْقِيَامَة الْقِيَامَة فَقَالَ بعض المجان مَا هَذِه الْقِيَامَة على الرِّيق أَيْن الدَّجَّال وَالْمهْدِي وأشراطها فِي ذَلِك أَقُول (أسرفت فِي الصد فخف خَالِقًا ... لَا يرتضي أسراف مَخْلُوق) (يَا هاجراً من لم يذقْ وَصله ... جرعته الصَّبْر على الرِّيق) انْتهى وَكَانَت وَفَاة الْحميدِي سَابِع عشر الْمحرم سنة خمس بعد الْألف عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ أبي الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي القاهري أحد أَوْلَاد الْأُسْتَاذ مُحَمَّد الْبكْرِيّ كَانَ من أَرْبَاب الْأَحْوَال لَهُ الْكَشْف الصَّرِيح والإنابة وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم ذكره النَّجْم الْغَزِّي فِي الذيل وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة المشرفة فِي حادي أَو ثَانِي عشرى ذِي الْحجَّة سنة سبع بعد الْألف وصلينا عَلَيْهِ فِي الْحرم الْمَكِّيّ فِي وَجه الْكَعْبَة المنورة قَالَ وَأَخْبرنِي صاحبنا الْعَلامَة ولي الله سَيِّدي مُحَمَّد التكروري أَنه أَشَارَ إِلَيْهِ بِقرب الْأَجَل وَإنَّهُ لَا يخرج من مَكَّة وَمَات بعد أَن كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة بِالطّوافِ فَشكى من قلبه ثمَّ حمل إِلَى منزلهم عِنْد بَاب إِبْرَاهِيم فَمَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عقيل بن أَحْمد بن الشَّيْخ عَليّ الْحَضْرَمِيّ الْمَعْرُوف بالسقاف أحد أَرْكَان الطَّرِيقَة السَّيِّد المفضال كَانَ حسن الصِّفَات عالي الهمة ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَغَيره من الْمنون واشتغل بالعلوم وَصَحب أكَابِر العارفين واعتنى بِعلم التصوف والكتب الغزالية وجد فِيهَا حَتَّى طَال بَاعه وَأخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 عَن الإِمَام الْعَالم السَّيِّد أبي بكر سَالم وَمن مشايخه السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن وَالْإِمَام السَّيِّد مُحَمَّد بن عقيل وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَأذن لَهُ غير وَاحِد فِي التدريس وَلبس الْخِرْقَة من كثيرين وأدنوا لَهُ فِي الالباس والتحكيم وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وتخرجوا عَلَيْهِ مِنْهُم وَلَده السَّيِّد عقيل وَالشَّيْخ أَبُو بكر الشلي وَالِد الْجمال المؤرخ وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف العيدروس وَأخذ عَنهُ السَّيِّد أَبُو بكر بن عَليّ معلم وَهُوَ أَخذ عَنهُ أَيْضا وَكَانَ آيَة فِي الْفَهم عَاملا بِعِلْمِهِ كثيرا السخاء وَكَانَت لَهُ هَيْبَة فِي الْقُلُوب وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وتسمائة وَتُوفِّي سنة إِحْدَى عشرَة وَألف وَدفن بجنان بشار عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المنعوت زين الدّين بن شمس الدّين الْخَطِيب الشربيني الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمصْرِيّ الإِمَام الْعُمْدَة ابْن الإِمَام الْعُمْدَة كَانَ من أهل الْعلم والبراعة فِي فنون كَثِيرَة حسن الْأَخْلَاق كثير التَّوَاضُع أَخذ عَن وَالِده وَغَيره وَكَانَ كثيرا مَا يحجّ ويجاور بِمَكَّة وَاجْتمعَ بِهِ النَّجْم الْغَزِّي بِالْمَدِينَةِ فِي أواسط الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف قَالَ فَسَأَلته كم حججتم فَقَالَ أَرْبعا وَعشْرين مرّة فَقلت لَهُ أَنْتُم يَا مَوْلَانَا معاشر عُلَمَاء مصر يحجّ الْوَاحِد مِنْكُم مَرَّات وَأما أهل الشَّام فَلَا يكَاد الْوَاحِد مِنْهُم يحجّ إِلَّا مرّة فَأنْتم أَرغب فِي الْخَيْر منا فَقَالَ لي يَا مَوْلَانَا الْوَاحِد منا يسْتَأْجر بَعِيرًا بِعشْرَة ذَهَبا وَيحمل تَحْتَهُ القريقشات ويحج وَأَنْتُم إِذا حج أحدكُم يتَكَلَّف كلفة زَائِدَة تَكْفِي عدَّة منا وطريقكم أَشد من طريقنا وَالْأَجْر يكون على قدر النصب وَالنَّفقَة كَمَا فِي الحَدِيث فحجة الْوَاحِد مِنْكُم تعدل حجات الْوَاحِد منا وَهَذَا دَلِيل على إنصافه وَحسن نظره قَالَ وَوصل خبر مَوته إِلَى دمشق فِي أَوَائِل جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَحَجَجْت فِي تِلْكَ السّنة وحررت وَفَاته عَن بعض فضلاء مَكَّة أَنَّهَا كَانَت فِي صفر سنة أَربع عشرَة الْمَذْكُورَة عبد الرَّحْمَن أَبُو الْعِزّ بن مُحَمَّد القصري الفاسي كَانَ إِمَامًا عُمْدَة فِي الْعلم وَالْعَمَل الظَّاهِر وَالْبَاطِن قَرَأَ على أَخِيه أبي المحاسن يُوسُف الفاسي وَعلي الْفَقِيه الْمُفْتِي الْخَطِيب أبي زَكَرِيَّا يحيى بن مُحَمَّد السراج وَالْقَاضِي الْفَقِيه الْخَطِيب بن مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الْحميدِي وَالْإِمَام المفنن الْأُسْتَاذ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ المنجور وَالْإِمَام الْأُسْتَاذ النَّحْوِيّ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن قَاسم الْعَزْرَمِي وَالْإِمَام الْمُحَقق النظار أبي عبد الله مُحَمَّد بن قَاسم الْقَيْسِي الْقصار وَالْإِمَام الْمقري المنجور أبي مُحَمَّد الْحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 ابْن مُحَمَّد الدراوي وَعنهُ خلق لَا يُحصونَ مِنْهُم وَارثه الأول المكمل أَبُو النصائح مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن عبد الله معن ووارثه الثَّانِي وَابْن ابْن أَخِيه الْعَلامَة عبد الْقَادِر الفاسي وَقد أفرد تَرْجَمته وترجمة شُيُوخه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَادِر الفاسي فِي مُجَلد حافل وَله مؤلفات مِنْهَا حَاشِيَة على البُخَارِيّ وحاشية على شرح الصُّغْرَى للسنوسي وكراماته كَثِيرَة شهيرة وَكَانَ بعض النَّاس فِي عصره يلازم تَنْبِيه الْأَنَام كثيرا فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ انْظُرُوا هَل أنتج لَهُ شَيْء من كَثْرَة صلَاته على النَّبِي وَإِلَّا فاعلموا أَن بَاطِنه مشوب فَدلَّ كَلَامه على أَن الطَّاعَات وَلَا سِيمَا الصَّلَاة على الْوَسِيلَة الْعُظْمَى الَّذِي هُوَ أصل كل خير إِذا صادفت محلا طَاهِرا أشرقت فِيهِ أنوارها ولاحت عَلَيْهِ أسرارها وَإِنَّمَا يَدْفَعهَا عدم القابلية كَالثَّوْبِ الكدر لَا يشتعل وَكَانَ نفع الله تَعَالَى بِهِ يَقُول إِنَّمَا يصحب النَّاس الْمَشَايِخ ليعرفوهم أَنهم عبيد الله فيرضوا بِمَا يصدر لَا ليدافعوا مَا يصدر مِنْهُم وَكَانَت وِلَادَته فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر شهر ربيع الأول من شهور سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السقاف السَّيِّد الإِمَام الْحَافِظ المجدث الْجَامِع بَين الرِّوَايَة والدراية قَالَ الشلي فِي تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ الْعُلُوم عَن الكمل من الْعلمَاء وَصَحب الْأَئِمَّة ولازم الشَّيْخ أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب وَأخذ عَنهُ التَّفْسِير والْحَدِيث والأصلين والتصوف والعربية واشتهر وتفوق وَكَانَ فِي الْفَهم آيَة باهرة وَفِي الْحِفْظ نِهَايَة وَجلسَ للتدريس فِي الْفُنُون وَكَانَ شَدِيد الانقباض عَن النَّاس حَافِظًا لِلِسَانِهِ وقف نَفسه على الْعُلُوم مَعَ عقل وأدب وخفة روح وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الطلاب وَظَهَرت بركاته قَالَ الشلي وَهُوَ من أعظم مشايخي الَّذين أخذت عَنْهُم وانتفعت بهم لازمت حَضرته واغتنمت بركته واقتبست من فَوَائده واستمتعت بفرائده فَقَرَأت عَلَيْهِ الْبِدَايَة والتبيان قِرَاءَة تَحْقِيق وَبَيَان وَسمعت الْأَحْيَاء بِقِرَاءَة غَيْرِي وانتفع بِهِ جَمِيع من الْخَلَائق وصاروا بِهِ من أهل الْحَقَائِق وَكَانَ من سَادَات الصُّوفِيَّة الزهاد ورؤس الْأَوْلِيَاء الْعباد حَرِيصًا على فعل الْخَيْر لَا يَخُوض فِيمَا لَا يعنيه وَكَانَ عَارِفًا بمذاهب الْعلمَاء نير الْقلب صافي السريرة فاق أقرانه وَلم ير الرؤان فِي زَمَانه مثله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَكَانَ قَلِيل الْكَلَام جدا من غير إعياء وَلَا خلل وَكَانَ لَهُ خطّ حسن مَرْغُوب فِيهِ وَكَانَ أضبط يكْتب بكلتا يَدَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من الكمل فِي زَمَانه وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل من جنان بشار السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن شرف الدّين الحجافي اليمني الْعَالم البارع كَانَ عَلامَة يضْرب بِهِ الْمثل فِي الذكاء وَكَانَ يشبه بجده من قبل الْأُمَّهَات السَّيِّد عبد الرَّحْمَن وَكَانَ محققاً فِي الْأُصُول والمنطق واشتغل فِي التَّفْسِير فِي آخر أمره وَله شرح على غَايَة السول للسَّيِّد الْحُسَيْن بن الْقَاسِم أَجَاد فِيهِ كل الإجادة وَكَانَ مُتَوَلِّيًا لأعمال حفاش ثمَّ اسْتَقر بِصَنْعَاء وَكَانَ لَا يطْمع فِي شَيْء من زِينَة الدُّنْيَا وَلَا هم لَهُ بِغَيْر الْعلم توفّي بالحشيشة من مخارف صنعاء فِي نَيف وَخمسين بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد عماد الدّين بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عماد الدّين الْعِمَادِيّ الحني الدِّمَشْقِي أحد أَفْرَاد الدَّهْر وأعيان الْعلم وأعلام الْفضل وَهُوَ الْمُفْتِي بِالشَّام بعد أَن كَانَ أَبوهُ بهَا حينا مرجع النَّاس للْفَتْوَى حَتَّى استغرق علمه وَاسْتحق مكانته وَكَانَ فِي عصره مِمَّن يباهي بالتردد إِلَيْهِ والاكتساب من معلوماته وحوى من الصِّفَات الْحَسَنَة والأخلاق الرائقة مَا انْفَرد بِهِ دون مُنَازع واختص بِهِ من غير مشارك وَكَانَ كثير الْفضل جم الْفَائِدَة وَله محاضرة تستفز الحلوم وفطنه تسحر الْعُقُول وَألف حَاشِيَة على بعض تَفْسِير الْكَشَّاف بقيت فِي مسوداته وَله المنسك الْمَشْهُور الَّذِي سَمَّاهُ بالمستطاع من الزَّاد وَكتاب الْهَدِيَّة فِي عبادات الْفِقْه وَالرَّوْضَة الريا فِيمَن دفن بداريا وَله رسائل كَثِيرَة فِي سَائِر الْفُنُون ومنشآت وأشعار أَكْثَرهَا لطيف المسلك حسن الْموقع وَنَشَأ فِي مطلع عمره يَتِيما فَإِن وَالِده مَاتَ وَله من الْعُمر سبع سِنِين وَكَانَ كثيرا مَا ينشد فِي ذَلِك كنت ابْن سبع حِين مَاتَ أبي واجتهد فِي التَّحْصِيل أَولا على الْحسن البوريني وعَلى ابْن خَالَته الشَّيْخ مُحَمَّد بن محب الدّين الْحَنَفِيّ ثمَّ لزم جدي القَاضِي محب الدّين وَأخذ عَنهُ مُعظم الْفُنُون وَأخذ عَن الشَّمْس ابْن المنقار والمنلا مُحَمَّد بن عبد الْملك الْبَغْدَادِيّ وبرع البراعة التَّامَّة وتفوق وَحج فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَن السَّيِّد صبغة الله بن روح الله الْمُقدم ذكره طَرِيق النقشبندية وَكَانَ الْجد القَاضِي الْمَذْكُور فِي تِلْكَ السّنة قَاضِيا بالركب وَجرى للعمادي أَنه لما أَرَادَ الدُّخُول إِلَى الْبَيْت المشرف وَقع فانصدعت رجله من شدَّة الزحام وعالجها فبرأت وَلَكِن بَقِي أثر الانصداع فَكَانَ يعرج شَيْئا مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 مِنْهَا وَمن المعجب مَا كتبه الْجد فِي شَأْنه هَذَا إِلَى تِلْمِيذه الأديب الذيق الألمعي أبي الطّيب الْغَزِّي الْمُقدم ذكره وَكَانَ أرسل إِلَيْهِ كتابا مَعَ نجاب الشَّام وَكتب إِلَيْهِ فِي حَاشِيَته مَا نَصه وَأما أخوكم الْعَلامَة ولدنَا الْعِمَادِيّ فَإِنَّهُ فِي الصِّحَّة والسلامة وَالنعْمَة والكرامة وَهُوَ يسلم عَلَيْكُم ويعرض وافر شوقه إِلَيْكُم فانتقد أَبُو الطّيب من تَعْبِيره بِلَفْظ الْعَلامَة المستفيض إِطْلَاقه على الزَّمَخْشَرِيّ مَا جنح إِلَيْهِ وَحكم عَلَيْهِ بِقُوَّة حدسه وَبعد مَا رَجَعَ إِلَى دمشق تخلص للإقراء والإفادة وَولي تدريس الْمدرسَة الشبلية فِي سنة سبع عشرَة وَألف ثمَّ ولي بعْدهَا الْمدرسَة السليمية فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَلما ورد دمشق الْمولى أسعد بن سعد الدّين قَاصِدا الْحَج راجت لَدَيْهِ فضائله وَظَهَرت لَهُ مزيته فَأقبل عَلَيْهِ بكليته وَلما عَاد إِلَى الرّوم وَولي الْإِفْتَاء صيره ملازماً على قاعدتهم وَكَانَ قبل ذَلِك بِمدَّة أَخذ عَنهُ الْمولى أَحْمد بن زين الدّين المنطقي الْمُقدم ذكره الْمدرسَة السليمية فَصنعَ الْعِمَادِيّ قصيدة فِي مدح الْمولى أسعد الْمَذْكُور يتطلب فِيهَا إِعَادَة الْمدرسَة إِلَيْهِ ويتظلم من الدَّهْر ومطلعها (بك أسعد الرّوم ابْن سعد الدّين ... يسمو عماد الْعلم ثمَّ الدّين) وَمن جُمْلَتهَا وَهُوَ مَحل الْغَرَض (لَك أشتكي مولَايَ أفظع وصمة ... كَادَت لشدَّة قهرها تصميني) (يَا ضَيْعَة الإعمار فِي طلب العلى ... بِالْعلمِ وَالنّسب الَّذِي بالشين) (أَمن الْمُرُوءَة وَهِي أسمى رُتْبَة ... أَنى أعادل بِابْن زين الدّين) (لَا بل يرجح ثمَّ يغصب منصبي ... وأعود مِنْهُ بصفقة المغبون) (لَو كنت مَعَ كفو قرنت لهان لي ... لكنه بئس القرين قريني) (أَو كَانَ ثمَّ تعادل لهضمته ... فَانْظُر إِلَى دهري بِمن يبلوني) فقرر عَلَيْهِ الْمدرسَة وَله فِيهِ قصيدة بديعة يشْكر صَنِيعه فِيهَا مطْلعهَا (إِلَّا هَكَذَا فليسعد العَبْد سيد ... فَلَا زلت فِي سعد ومولاي أسعد) وَهِي طَوِيلَة ثمَّ ولي بعد ذَلِك الْمدرسَة السليمانية والإفتاء بِالشَّام فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَألف وَتوجه إِلَى الْحَج وَهُوَ مفت فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَكبر صيته بعد ذَلِك واشتهر وَسلم لَهُ عُلَمَاء عصره وَمِمَّا يرْوى أَنه رفع مِنْهُ لشيخ الْإِسْلَام يحيى بن زَكَرِيَّا فَتْوَى وَعَلَيْهَا جَوَابه فَكتب ابْن زَكَرِيَّا عَلَيْهَا إِلَى جَانِبه الْجَواب كَمَا بِهِ أخونا الْعَلامَة أجَاب وَهَذِه غَايَة فِي المدحة وعلو الرُّتْبَة وَقد مدحه أَكثر الشُّعَرَاء عصره من الأدباء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 بالقصائد السائرة وخلدوا مدائحه فِي صفحات آثَارهم وَبِالْجُمْلَةِ فأخباره وفضائله مَلَأت كل محفل ووقفت لَهُ على تحريرات أدبية كَثِيرَة وَمن ألطفها جَوَابه عَن سُؤال رَفعه إِلَيْهِ بعض الأدباء فِي الأغاليط الَّتِي ذكرهَا صَاحب الْقَامُوس عِنْدَمَا ذكر الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين وهما (لَا در در إناس خَابَ سَعْيهمْ ... يستمطرون لَدَى الْأَزْمَان بالعشر) (أجاعل أَنْت بيقورا مسلعة ... ذَرِيعَة لَك بَين الله والمطر) فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبَيْت الثَّانِي تِسْعَة أغلاط فَأجَاب بِمَا نَصه أَقُول قد لَاحَ لي فِي هَذِه الْأَلْفَاظ تِسْعَة وُجُوه خطرت بالبال وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال الأول ادخال الْهمزَة على غير مَحل الْإِنْكَار وَهُوَ جَاعل وَالْوَاجِب إدخالها على السّلْعَة لِأَنَّهَا مَحل الْإِنْكَار الثَّانِي تَقْدِيم الْمسند الَّذِي هُوَ خلاف الأَصْل فَلَا يرتكب إِلَّا لسَبَب فَكَانَ الْوَاجِب تَقْدِيم المسلعة وَإِدْخَال الْهمزَة عَلَيْهَا بِأَن يُقَال أمسلعة أَنْت تجْعَل ذَرِيعَة الثَّالِث أَن تَرْتِيب هَذَا الْبَيْت على مَا قبله يَقْتَضِي أَنه قصد الِالْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب قطعا وَأَنه بعد أَن حكى عَنْهُم حالتهم الشنيعة الْتفت إِلَى خطابهم بالإنكار ومواجهتهم بالتوبيخ حَتَّى كَأَنَّهُمْ حاضرون يَسْتَمِعُون وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ أَنه أَخطَأ فِي إِيرَاد أحد اللَّفْظَيْنِ بِالْجمعِ وَالْآخر بِالْإِفْرَادِ وَلَا شكّ أَن شَرط الِالْتِفَات الِاتِّحَاد الرَّابِع أَن الجاعلين هم الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة الَّذين حكى عَنْهُم فِي الْبَيْت الأول فَلَا وَجه لتخصيص الْوَاحِد مِنْهُم بالإنكار عَلَيْهِ دون الْبَقِيَّة لَا يُقَال هَذَا الْوَجْه دَاخل فِي الَّذِي قبله لأَنا نقُول هَذَا وَارِد بِقطع النّظر عَن كَون الْكَلَام التفاتاً أَو غير الْتِفَات من حَيْثُ أَنه نسب أمرا إِلَى جمَاعَة ثمَّ خصص وَاحِدًا بالإنكار من غير الْتِفَات إِلَى الِالْتِفَات أصلا الْخَامِس تنكير الْمسند إِذْ لَا وَجه لَهُ مَعَ تقدّم الْعَهْد حَيْثُ علم أَن مُرَاده بالجاعل هم الأناس المذكورون فِي الْبَيْت الأول فَكيف يُنكر الْمَعْهُود فَكَانَ حق الْكَلَام أَن يُقَال أمسلعة أَنْتُم الجاعلون السَّادِس البيقور اسْم جمع كَمَا فِي الْقَامُوس وَاسم الْجمع وَإِن كَانَ يذكر وَيُؤَنث لَكِن قَالَ الرضي فِي بحث الْعدَد مَا محصله أَن اسْم الْجمع وَإِن كَانَ مُخْتَصًّا بِجمع الْمُذكر كالرهط والنفر وَالْقَوْم فَإِنَّهَا بِمَعْنى الرِّجَال فيعطي حكم الْمُذكر فِي التَّذْكِير فَيُقَال تِسْعَة رَهْط وَلَا يُقَال تسع رَهْط كَمَا تَقول تِسْعَة رجال وَلَا تَقول تسع رجال وَإِن كَانَ مُخْتَصًّا بالمؤنث فَيعْطى حكم جمع الْإِنَاث نَحْو ثَلَاث من الْمَخَاض لِأَنَّهَا بِمَعْنى حوامل النوق وَإِن احتملها كالخيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَالْإِبِل وَالْغنم لِأَنَّهَا تقع على الذُّكُور وَالْإِنَاث فَإِن نصت على أحد المحتملين فَإِن الِاعْتِبَار بذلك النَّص انْتهى فقد صرح بِأَنَّهَا إِن اسْتعْملت مرَادا بهَا الذُّكُور تُعْطى حكم الذُّكُور وَقد نَص صَاحب الْقَامُوس وَغَيره على أَنهم كَانُوا يعلقون السّلع على الثيران كَمَا تقدم فَبِهَذَا الِاعْتِبَار لَا يسوغ وصف البقور بالمسلعة السَّابِع إِيرَاد المسلعة صفة جَارِيَة على مَوْصُوف مَذْكُور وَالَّذِي يظْهر من عبارَة صَاحب الصِّحَاح أَنَّهَا اسْم للبقر الَّتِي يعلق عَلَيْهَا السّلع للاستمطار لَا صفة مَحْضَة حَيْثُ قَالَ وَمِنْه المسلعة إِلَى آخِره وَلم يقل وَمِنْه الْبَقر المسلعة وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح شَوَاهِد الْمُغنِي نقلا عَن أَئِمَّة اللُّغَة أَن المسلعة ثيران وَحش علق فِيهَا السّلع وَحِينَئِذٍ فَلَا تجْرِي على مَوْصُوف كَمَا أَن لفظ الركب اسْم لركبان الْإِبِل مُشْتَقّ من الرّكُوب وَلم يسْتَعْمل جَارِيا على مَوْصُوف فَلَا يُقَال جَاءَ رجال ركب بل جَاءَ ركب الثَّامِن أَن الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي كتب اللُّغَة أَن الذريعة بِمَعْنى الْوَسِيلَة لَا غير وَأَن الْوَسِيلَة مستعملة فِي التَّعْدِيَة بإلى فاستعمال الذريعة هُنَا بِدُونِ إِلَى مَعَ لَفْظَة بَين مُخَالف لوضعها واستعمالها الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَأما اللَّام فِي لَك فَإِنَّهَا للاختصاص فَلَا دخل لَهَا فِي التَّعْدِيَة كَمَا يُقَال اجْعَل هَذَا الْكتاب تحفة لَك التَّاسِع قَوْله بَين الله والمطر لَا معنى لَهُ وَالصَّوَاب بَيْنك وَبَين الله لأجل الْمَطَر وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يشعلون النيرَان فِي السّلع وَالْعشر الْمُعَلقَة على الثيران ليرحمها الله تَعَالَى وَينزل الْمَطَر لإطفاء النَّار عَنْهَا كَمَا تقدم وَالله أعلم أَقُول لَا يخفى أَن مَا استخرجه لَا يُسمى أغلبة أغاليط فأجل فكرك فِيمَا هُنَالك تصب المحز والسلع بِفتْحَتَيْنِ وَالْعشر بضمة ففتحة ضَرْبَان من الشّجر كَانَت الْعَرَب إِذا أَرَادوا الاسْتِسْقَاء فِي سنة الجدب عقدوها فِي أَذْنَاب الْبَقر وَبَين عراقيبها وأطلقوا فِيهَا النَّار وصعدوا بهَا الْجبَال وَرفعُوا أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ وَهَذِه النَّار أحد نيران الْعَرَب وَهِي أَرْبَعَة عشر نَار الْمزْدَلِفَة توقد حَتَّى يَرَاهَا من دفع من عَرَفَة وأوّل من أوقدها قصي بن كلاب وَهَذِه ونار التَّحَالُف لَا يعقدون الْحلف إِلَّا عَلَيْهَا يطرحون فِيهَا الْملك والكبريت فَإِذا استشاطت قَالُوا هَذِه النَّار قد تهددتك ونار الْغدر كَانُوا إِذا غدر الرجل بجاره أوقدوا لَهُ نَارا بمنى أَيَّام الْحَج ثمَّ صاحوا هَذِه غدرة فلَان فيفتضح الغادر دنيا وَأُخْرَى فينصب لَهُ لِوَاء يَوْم الْمَحْشَر وينادى عَلَيْهِ على رُؤُوس الأشهاد هَذِه غدرة فلَان بن فلَان ثمَّ يلقى فِي النَّار ونار السَّلامَة توقد للقادم من سَفَره سالما غانماً ونار الزائر وَالْمُسَافر وَذَلِكَ أَنهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 إِذا لم يُحِبُّوا الزائر وَلَا الْمُسَافِر أَن يرجعا أوقدوا خَلفه نَارا وَقَالُوا أبعده الله وأسحقه ونار الْحَرْب وَتسَمى نَار الأهبة يوقدونها على يفاع إعلاماً لمن بعد مِنْهُم ونار الصَّيْد يوقدونها للظباء لتعشى أَبْصَارهم ونار الْأسد يوقدونها إِذا خافوه لِأَنَّهُ إِذا رَآهَا حدّق إِلَيْهَا وتأملها ونار السَّلِيم توقد للملدوغ إِذا سهر والمجروح إِذا نزف وَمن الْكَلْب الْكَلْب يوقدونها حَتَّى لَا يَنَامُوا ونار الْفِدَاء كَانَت مُلُوكهمْ إِذا سبوا قَبيلَة وَطلب مِنْهَا الْفِدَاء كَرهُوا أَن يعرضُوا النِّسَاء نَهَارا لِئَلَّا يفتضحن ونار الوسم الَّتِي يسمون بهَا الْإِبِل لتعرف إبل الْمُلُوك فَترد المَاء أَولا ونار الْقرى وَهِي أعظم النيرَان ونار الحرمز وَهِي النَّار الَّتِي أطفأها الله لخَالِد بن سِنَان الْعَبْسِي احتفروا لَهُ بِئْرا ثمَّ أَدخل فِيهَا وَالنَّاس يرونه ثمَّ اقتحمها وَخرج مِنْهَا انْتهى عوداً إِلَى مَا نَحن بصدده وللعمادي من لطائف الْأَشْعَار مَا رقّ وراق فَمن ذَلِك قَوْله فِي الْغَزل (أكفكف دمع الْعين خوفًا وأكتم ... عَن النَّاس والمخفي فِي الْقلب أعظم) (وهبني كتمت الدمع عَنْهُم تجلداً ... على حر نَار فِي الحشا تتضرم) (أيخفى نحول الْجِسْم عَن عين نَاظر ... وَهل ذلة النَّفس العزيزة تكْتم) (لقد شهد العدلان فِيمَا كتمته ... وهيهات أَن يخفى الْمُحب المتيم) (كلفت ببدر مَا تجلى بِوَجْهِهِ ... لبدر الدجى إِلَّا انجلى وَهُوَ مظلم) (وَيسْتر فِي أوراقه الْغُصْن خجله ... إِذا مَا بدا مِنْهُ قوام مقوّم) (وَكم من وشَاة نازعوا فِي جماله ... فَلَمَّا تبدّى يخجل الشَّمْس سلمُوا) (إِذا لَام يَوْمًا عاذلي فِيهِ أنني ... أَصمّ وَسمع اللوم عِنْدِي محرّم) (وَقد كنت أَهْوى الْحسن فِي كل صُورَة ... فقنعني هَذَا الحبيب المعمم) قَوْله فقنعني من القناعة وَفِيه إِيهَام الْمُقَابلَة بَين الْمقنع وَهُوَ المستور وَيخْتَص بِالنسَاء والمعمم وَيُقَال على الذكران من الحسان وَمن التعبيرات قَوْلهم فلَان على طَريقَة ابْن أَكْثَم من الْإِعْرَاض عَن الحبيب الْمقنع والميل إِلَى المعمم وَيحسن فِي هَذَا الْمحل قَول أبي الْعَلَاء المعري (أفق إِنَّمَا الْبَدْر الْمقنع رَأسه ... ضلال وبغي مثل بدر الْمقنع) وَوَقع فِي شعر ابْن سناء الْملك (رويداً فَمَا بدر الْمقنع طالعاً ... بأفتك من ألحاظي بَدْرِي المعمم) وَكِلَاهُمَا إِشَارَة إِلَى بدر وأظهره رجل سحار فِي بِلَاد الشرق واسْمه عَطاء الْخُرَاسَانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَجعله دَلِيلا على ربوبيته وَإِنَّمَا قيل لَهُ الْمقنع لِأَنَّهُ كَانَ يقنع رَأسه لِأَنَّهُ كَانَ قَبِيح الْوَجْه جدّاً وَكَانَ من خَبره أَنه كَانَ أوّل أمره قصاراً من أهل مرو وَكَانَ يعرف شَيْئا من السحر والنيرنجيات فادّعى الربوبية من طَرِيق المناسخة وَقَالَ لأشياعه أَن الله تَعَالَى تحوّل إِلَى صُورَة آدم فَلذَلِك قَالَ للْمَلَائكَة اسجدوا لَهُ فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس فَاسْتحقَّ بذلك السخط ثمَّ تحول من صُورَة آدم إِلَى صُورَة نوح وَهَكَذَا إِلَى صور الْأَنْبِيَاء والحكماء حَتَّى حصل فِي صُورَة أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي ثمَّ زعم أَنه انْتقل إِلَيْهِ فَقبل قوم دَعْوَاهُ وعبدوه وقاتلوا دونه مَعَ مَا عاينوا من عَظِيم ادعائه وقبح صورته لِأَنَّهُ كَانَ مُشَوه الْخلق أَعور لَكِن إِنَّمَا غلب على عُقُولهمْ بالتمويهات الَّتِي أظهرها لَهُم بِالسحرِ والنيرنجيات وَكَانَ فِي جملَة مَا أظهر لَهُم صُورَة بدر يطلع فيراه النَّاس من مَسَافَة شَهْرَيْن من مَوْضِعه ثمَّ يغيب فَعظم اعْتِقَادهم فِيهِ وَلما اشْتهر أمره ثار عَلَيْهِ النَّاس وقصدوه فِي قلعته الَّتِي كَانَ قد اعْتصمَ بهَا وحصروه فَلَمَّا أَيقَن بِالْهَلَاكِ جمع نِسَاءَهُ وسقاهن سما فمتن مِنْهُ ثمَّ تنَاول شربة من ذَلِك السم فَمَاتَ وَدخل الْمُسلمُونَ فَقتلُوا من فِيهَا من أشياعه وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة انْتهى وللعمادي (صب تحكم فِي حشاه وَجَسَده ... إِن جَار متلفه عَلَيْهِ فعبده) (يَا من جَفا جفني لذيذ مَنَامه ... لما تصدّى لي جفاه وصدّه) (أستعذب التعذيب فِيك وكل مَا ... ترضاه لي وَلَو أَن روحي ضدّه) (أَحْبَبْت تسهيدي فرحت أحبه ... وَأَرَدْت إتلافي فلست أردّه) (وجفوتني فجفوت نَفسِي رَاضِيا ... لَا يَنْبَغِي من لَا تودّ أودّه) وَهَذِه الأبيات أجراها على أسلوب أَبْيَات أبي الشيص الْمَشْهُورَة وَهِي (وقف الْهوى بِي حَيْثُ أَنْت فَلَيْسَ لي ... مُتَأَخّر عَنهُ وَلَا متقدّم) (أجد الْمَلَامَة فِي هَوَاك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوّم) (أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إِذا كَانَ حظي مِنْك حظي مِنْهُم) (وأهنتني فأهنت نَفسِي صاغراً ... مَا من يهون عَلَيْك مِمَّن يكرم) وَمن مقطوعاته قَوْله مضمناً قَول أبي تَمام (واوات أصداغه للْعَطْف بالأرب ... وَسيف ألحاظه ينبي عَن العطب) (وَالنَّفس بَينهمَا حارت فَقلت لَهَا ... السَّيْف أصدق إنباء من الْكتب) وَمن لطائفه قَوْله فِي مدح آل الْبَيْت وَبَيت الصّديق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 (صَحَّ عِنْدِي فِي بَيت آل حَبِيبِي ... ثمَّ آل الصدّيق قَول حبيب) (كل شعب حلوا بِهِ حَيْثُ كَانُوا ... فَهُوَ شعبي وَشعب كل أديب) (أنّ قلبِي لَهُم لكالكبد الحرّا ... وقلبي لغَيرهم كالقلوب) والبيتان الأخيران لأبي تَمام فِي مدح سُلَيْمَان وأخيه الْحسن ابْني وهب لَكِن تصرف فيهمَا بعض تصرف وَالَّذِي حمله على تضمينهما مَا قَالَه ابْن خلكان عَن بعض الأفاضل أَنه لما سمع هذَيْن الْبَيْتَيْنِ قَالَ لَو كَانَا فِي آل رَسُول الله كَانَ أليق فَمَا يسْتَحق ذَلِك القَوْل إِلَّا هم وَله فِي الْغَزل وَهُوَ حسن (أضحى هلالاً مذ تعذر بدرنا ... ثمَّ التحى فمحا الْهلَال محاق) (عهدي بلام الخد خطا فانثنت ... وَلها بجملة وَجهه استغراق) وَله (لَا تعذلوني فِي غرامي بِهِ ... وَفِي سقامي من تجافيه) (فإنني من مُنْذُ أبصرته ... علمت أَنِّي ميت فِيهِ) وَكتب إِلَيْهِ الأديب مُحَمَّد بن محيي الدّين الْحَادِي الصَّيْدَاوِيُّ قصيدة من نظمه أَرَادَ مُرَاجعَته بهَا فوصلته وَهُوَ مَرِيض فَكتب إِلَيْهِ (قد أَتَانِي مِنْك القريض وفكري ... من مدى السقم فِي الطَّوِيل العريض) (وَأَرَدْت الْجَواب بالنظم فِي الْحَال ... فحال الجريض دون القريض) الجريض الغصة من الجرض وَهُوَ الرِّيق يغص بِهِ والقريض الشّعْر وَحَال الجريض مثل قَالَه شوشن الْكلابِي حِين مَنعه أَبوهُ من الشّعْر فَمَرض حزنا حَتَّى أشرف على الْهَلَاك فَأذن لَهُ أَبوهُ فِي قَول الشّعْر فَقَالَ هَذَا القَوْل وَكتب إِلَى البوريني وَكَانَ أَعَارَهُ مجموعاً (مولَايَ مجموعاي عنْدك دَائِما ... فاحفظهما وَلَك الْبَقَاء السرمد) (فاقر الَّذِي لَا يَسْتَطِيع تجلداً ... بتعطف واقرا الَّذِي يتجلد) فَكتب إِلَيْهِ (الْقلب مني لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي ... أبوابكم ملقى وربي يشْهد) (مجموعكم مولَايَ عِنْدِي لم يزل ... وسط الْفُؤَاد بِعَين قلبِي يشْهد) وَله غير ذَلِك وَذكره البوريني فِي تَارِيخه وَلم يوفه حَقه وَذكره وَالِدي فَأطَال فِي تَرْجَمته وأطاب كَيفَ وَهُوَ أحد مشايخه الَّذين افتخر بهم وتميز بالانتماء إِلَيْهِم وَقد تمثل فِي حَقه بقول بعض الأدباء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 (أَصبَحت من بَيت الْعِمَاد بجلق ... أروي رِوَايَات الثنا الْمَشْهُور) ... فلقاه فِيهَا نَافِع وحماه فِيهَا عَاصِم (ونوا لَهُ ابْن كثير ... ) هَذَانِ من المؤرخين وَأما أَرْبَاب الإنشاد فقد ذكره مِنْهُم الخفاجي فِي كِتَابيه وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَمَا أحسن مَا تمثل فِي حَقه بقول الشهَاب المنصوري (أَرَأَيْتُم فِي النَّاس ذَات لطيف ... تشرح الصَّدْر مثل ذَات الْعِمَاد) (حسبها من لطافة أَنَّهَا لم ... يخلق الله مثلهَا فِي الْبِلَاد) وَذكره عبد الْبر الفيومي فِي المنتزه والبديعي فِي ذكرى حبيب وَعبارَته فِي حَقه هَذِه مفتي الديار الشامية وَصَاحب الإفادة بِالْمَدْرَسَةِ السليمانية سيداً استعبد الْمجد وَالنَّاس من ذَلِك أَحْرَار وَظَهَرت فِي الْخَافِقين فضائله كَمَا ظهر النَّهَار جبلت رَاحَته على الإنعام كَمَا جبل اللِّسَان على الْكَلَام وَقد أنْفق عمره على اجتلاء فرائد التَّفْسِير إِلَى أَن لحق بجوار ربه اللَّطِيف الْخَبِير وَقد أورث مجده أبناءه الَّذين إِذا دجت الخطوب فأراعم كَالنُّجُومِ العوائم (ثَلَاثَة أَرْكَان وَمَا انهد سودد ... إِذا اثبتت فِيهِ ثَلَاث دعائم) ثمَّ أورد بعض أشعار ومنشآت لَهُ من جُمْلَتهَا أبياته الْمَشْهُورَة الَّتِي مستهلها (سأطمس آثَار هواي أثارها ... وأنفض من ذيل الْفُؤَاد غبارها) (لقد آن صحوي من سلاف صبَابَة ... فقد طالما خامرت جهلا خمارها) (هجرت الْهوى والزهو حَتَّى اشتياقه ... وَطيب لَيَال اللَّهْو حَتَّى ادّكارها) (وعفيت سبل الْهزْل بالجدّ مقلعاً ... وعفت مسرّات جنيت ثمارها) (أثام كفيت الْيَوْم بِالتّرْكِ شرّها ... لعَلي غَدا فِي الْحَشْر أكفى شِرَارهَا) (قطفت أزاهير الصبابة فِي الصِّبَا ... وَقد صَار عاراً أَن أَشمّ عرارها) (فَلَو صائدات الْقلب أقبلن كالمها ... وقبلن رَأْسِي مَا قبلت مزارها) (وَقد كنت أودعت الحجا فاستردّه ... إِلَى النَّفس شيب قد أعَاد وقارها) (وَكَانَ شَبَابِي شب نَار صبابتي ... فمذ لَاحَ نور الشيب أخمد نارها) (ترى شيبتي مَا عذرها لشبيتي ... وَقد سبقت قبل الْكَمَال عذارها) (تَبَسم ثغر الشّعْر فِيهَا تَعَجبا ... لَهَا إِذْ رأى ليل السبال نَهَارهَا) (فَمَا زار وكر الشّعْر فِيهَا غرابة ... وَلَا دَار حَتَّى استوطن الباز دارها) (عَسى الْآن عَمَّا قد عثرت إنابة ... يقيل بهَا للنَّفس رَبِّي عثارها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 (عَسى رَحْمَة أَو نظرة أَو عناية ... يتم سعودي فِي صعودي منارها) (عَسى نفحة من نور نور معارف ... تهب فتختار الْفُؤَاد قَرَارهَا) (ويشرح صَدْرِي نور علم مقدس ... يريني أسرار الْعُلُوم جهارها) (وأمنح ألطافاً من الْأنس أَبْتَغِي ... خفاها ويأبى الوجد إِلَّا اشتهارها) (ويكشف عَن عَيْني البصيرة حجبها ... بأنوار عرفان تزيح استتارها) (فَيظْهر لي سر الْحَقِيقَة مشرقاً ... على ظلم الْكَوْن الَّتِي قد أنارها) (فأحظى بحالات من الْقرب أَبْتَغِي ... بدنيا وَأُخْرَى فَضلهَا وفخارها) (ولطف إلهي قطب دَائِرَة المنى ... فَإِن عَلَيْهِ فِي الْعَطاء مدارها) وَلما طعن فِي السنّ ورقى درج السّبْعين نظم هَذِه الأبيات وَهِي متداولة فِي أَيدي النَّاس وَهِي (قد شَاب فودي حِين ثاب فُؤَادِي ... فَكَأَنَّمَا كَانَا على ميعاد) (حسن الْخَوَاتِم أرتجي من محسن ... قد منّ لي قدماً بِحسن ميادي) (وعمادي التَّوْحِيد فَهُوَ وسيلتي ... فِي نيل مَا أرجوه عِنْد معادي) (أَن قيل أيّ سفينة تجْرِي بِلَا ... مَاء وَلَيْسَ لأَهْلهَا من زَاد) (قل رَحْمَة الرَّحْمَن من أَنا عَبده ... تسع الْعباد فَمن هُوَ ابْن عماد) وأشعاره كَثِيرَة جدا وشهرتها كَافِيَة عَن الإطناب بذكرها وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع عشر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَخمسين وَألف وَدفن إِلَى جَانب وَالِده بمقبرة بَاب الصَّغِير وَأَخْبرنِي بعض من أَثِق بِهِ أَنه لَيْلَة وَفَاته كَانَ ماراً على دَاره فَرَأى يقظة كوكبا من السَّمَاء كَبِيرا انقض من الْأُفق وَهوى إِلَى سطح دَار الْعِمَادِيّ فَلم يمض إِلَّا والصياح قد قَامَ وشاع مَوته ورؤيت لَهُ منامات صَالِحَة بعد مَوته وَاتفقَ لَهُ أَنه وقف فِي آخر درس من دروسه التفسيرية فِي الْمدرسَة السليمانية على قَوْله تَعَالَى {كتب على نَفسه الرَّحْمَة} وَكَانَ اتّفق لَهُ وَهُوَ يقْرَأ على الشَّمْس بن المنقار فِي تَفْسِير الْكَشَّاف أَنه وقف على قَوْله تَعَالَى {إِن رحمت الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} ورثاه جمَاعَة من كبراء شعراء عصره مِنْهُم أَحْمد بن شاهين ومطلع مرثيته (خلت الديار فَلَا أنيس داني ... وتضعضعت بتضعضع الْأَركان) (ووهى عماد علومها وحلومها ... وَهوى بِنَا أَرْكَانهَا لهوان) ( ... ) ( ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 (وغدت دمشق وليدة مسنامة ... للمفلسين بأبخس الْأَثْمَان) (وتبدّلت مِنْهَا المحاسن فاغتدت ... ثَكْلَى تعط الجيب للأردان) (أثرت حَقًا يَا زمَان بجلق ... وسلبتها إِحْسَان ذِي إِحْسَان) (ومحوت أنس سرورها فتبدّلت ... جَهرا بظلمة وَحْشَة الأحزان) (يَا موحشاً أهل الْحَيَاة بفقده ... آنست فِي الْمَوْتَى حمى رضوَان) (يَا رَاقِدًا ثقل الرقاد بجفنه ... أنعم عليّ بيقظة الْوَسْنَان) (يَا مفتياً طَال السُّؤَال لقبره ... وَجَوَابه مُتَعَذر الْإِمْكَان) (هلا أجبْت سؤالنا ولطالما ... كنت الْمُجيب لنا عَن الْقُرْآن) (أَواه والهفاً لأعظم طَارق ... وافى فأدهشنا من الْحدثَان) (فلك هوى مَا كَانَ أحراه بِأَن ... يبْقى وتهوى قبتا كيوان) (شمس بِنور الْعلم ضاءت بُرْهَة ... فكست نُجُوم الأَرْض باللمعان) مِنْهَا (كَيفَ اسْتَوَى الْبَحْر الخضم بحفرة ... أم كَيفَ حل الْكَنْز فِي هميان) (يَا عبد رَحْمَن السَّمَوَات العلى ... أبشر برحمة رَبك الرَّحْمَن) وَهِي طَوِيلَة وَفِيمَا أوردناه مِنْهَا غنية عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس الشهير بسقاف الإِمَام الْجَلِيل قطب الْمُحَقِّقين قَالَ الشلي فِي تَرْجَمته ولد سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة بِمَدِينَة تريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن على الشَّيْخ الأديب الْمعلم عمر بن عبد الله الْخَطِيب وجوّده وَأخذ علم القراآت الْعشْر إفراداً وجمعاً على الْمقري الْكَبِير الشَّيْخ مُحَمَّد بن حكم باقشير وَأخذ عَن القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وجدّه شيخ الْإِسْلَام عبد الله بن شيخ العيدروس وَعَمه إِمَام العارفين عَليّ زين العابدين وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل با فضل وَغَيرهم واعتنى بِفُرُوع الْفِقْه وأصوله وبرع فِي مَفْهُومه ومنقوله وَحفظ الْإِرْشَاد ولاحظته الْعِنَايَة بالإسعاد والإمداد وبرع فِي الْعُلُوم شرعيها وعقليها وعربيها وخاض فِي بحار عُلُوم الصُّوفِيَّة قيل كَانَ يعلم علما متقناً أَرْبَعَة عشر فَنًّا وَأذن لَهُ غير وَاحِد من مشايخه فِي التدريس فدرس وَتخرج بِهِ كَثِيرُونَ وَلما توفّي عَمه إِمَام العارفين الشَّيْخ عَليّ زين العابدين قَامَ بمنصبهم أتمّ قيام وسلك مَسْلَك آبَائِهِ الْكِرَام ثمَّ جلس مجْلِس عَمه للتدريس الْعَام وَاسْتقر فِي ذرْوَة المنصب حَيْثُ يمتطى السنام وَكَانَ يجلس كل يَوْم من أول النَّهَار إِلَى آخر الضُّحَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 الْأَعْلَى وَالنَّاس يَغْدُونَ عَلَيْهِ ويردون من فَضله الغل والنهل وَحضر هَذَا الدَّرْس عُلَمَاء أَعْلَام ومشايخ إِسْلَام قَالَ الشلي وحضرته مَرَّات ودعا لي بدعوات وَكَانَت عباداته أَكْثَرهَا قلبية وَكَانَ ملازماً لقِيَام الثُّلُث الْأَخير من اللَّيْل هُوَ وَالْإِمَام الشَّيْخ مُحَمَّد باعيشة يقرآن الْقُرْآن كل ختمة لشيخ من الْقُرَّاء السَّبْعَة وَيسْتَعْمل السّنة فِي مدخله ومخرجه بل فِي جَمِيع أُمُوره وَألبسهُ الله رِدَاء جميلاً وكل من رَآهُ انْتفع بِرُؤْيَتِهِ قبل كَلَام يتَكَلَّم بِهِ وَإِذا تكلم كَانَ الْبَهَاء والنور على أَلْفَاظه قَالَ بعض عُلَمَاء وقته لقد طفت كثيرا من الْبِلَاد وَرَأَيْت الْأَئِمَّة والزهاد فَمَا رَأَيْت أكمل مِنْهُ نعتاً وَلَا أحسن وَصفا وَبِالْجُمْلَةِ فأقواله مفيدة وأفعاله حميدة وَإِذا كَانَ أَعْيَان زَمَانه قصيدة فَهُوَ بَيتهَا وَإِن انتظموا عقدا كَانَ هُوَ واسطته وَمَعَ تبحره فِي الْعُلُوم العديدة لم يسمع أَنه ألف رِسَالَة وَلَا نظم شعرًا وَلَا قصيدة وَلم يزل يترقى فِي المقامات وَالْأَحْوَال حَتَّى نَالَ غَايَة الآمال وَدعَاهُ دَاعِي الِانْتِقَال وَكَانَ انْتِقَاله فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وفيهَا مَاتَ جمَاعَة من أهل الْأَحْوَال فَلِذَا أرخها بَعضهم بقوله غَابَ الْوُجُود وَدفن بقبة جده وقبره مَشْهُور عِنْد النَّاس وَمن استجار بِهِ أَمن من كل باس رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد كَمَال الدّين بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب وَقد تقدم تَتِمَّة نسبه فِي تَرْجَمَة عَمه السَّيِّد حُسَيْن وَكَانَ السَّيِّد الْمَذْكُور نادرة وقته فِي الْفضل وَالْأَدب والذكاء وجودة القريحة وَحسن التخيل وَكَانَ مطلعاً على اللُّغَة وَالشعر وأنواعه الِاطِّلَاع التَّام وفضله أشهر من أَن ينوّه بِهِ أَو ينيبه عَلَيْهِ تخرج بوالده وَغَيره من فضلاء الْعَصْر حَتَّى برع وأتقن فنوناً ثمَّ تعانى الْإِنْشَاء ونظم الشّعْر فِي طَلِيعَة عمره فَأحْسن فيهمَا كل الْإِحْسَان وَضرب فيهمَا بالقدح الْمُعَلَّى وَكَانَ يتخيل التخيلات الْبَعِيدَة البديعة فِي التشابيه العجيبة والنكات المتقنة والمعميات العويصة وَكَلَامه كَمَا ترَاهُ يجمع بَين الجزالة وَحسن التَّرْكِيب فِي لطائف الصَّنْعَة وتملك رق الإتقان والإبداع ويعرب عَمَّا وَرَاءه من أدب كثير وَحفظ غزير وقريحة غير قريحة وطبع غير طبع وَقد وقفت لَهُ على أَشْيَاء يحْسد الأول الْأَخير عَلَيْهَا فَمن ذَلِك رقْعَة بِخَطِّهِ كتبهَا إِلَى صاحبنا المرحوم زين الدّين بن أَحْمد البصراوي يستدعيه وَيطْلب مِنْهُ رَيْحَانَة الشهَاب يَقُول فِيهَا (يَا أديباً يُبْدِي من الْأَدَب الغض ... رياضاً موشية الديباج) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 (قد نمتها سحب الحيا وسقاها الطل ... قبل الصَّباح وعذب المزاج) (إنّ فصل الرّبيع وافى بورد ... مُنْذُ أضحت نفوسنا فِي ابتهاج) (ولغض الريحان مَعَ يَانِع الْورْد ... ازدواج فِي قُوَّة الامتزاج) (فتفتضل مَعَ الرَّسُول إِذا شِئْت ... بريحانة الشهَاب الخفاجي) هَذَا وَالْمَقْصُود مِنْهَا تَعْلِيق مَا يَقع عَلَيْهِ الِاخْتِيَار مِمَّا يصلح لحاجتي من بَدَائِع الْأَشْعَار والكف عَن التَّطْوِيل بِمَا لَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل وَقد اتّفق لي بالصالحية من يوميات ربيعية من بَاب تجريب الخاطر وَهِي (بكر الرَّوْض بالنسيم الواني ... وتجلى الرّبيع فِي ألوان) (وأملت حمائم الدوح ألحاناً ... أمالت معاطف الأغصان) (وبدا الْورْد فِي خدود دوَام ... للعذارى من القطوف الدواني) (وانجلى الصُّبْح عَن مواليد مزن ... أودعتها ضمائر الأفنان) (مَا ألذ الرّبيع فِي زمن الْورْد ... وَأحلى الشَّبَاب فِي العنفوان) وَقلت فِي أَيَّام الرّبيع (حبانا لذيذ الْعَيْش آذار واغتدت ... أزاهره تهدي لنا الطّيب والعرفا) (ووافت بواكير الرّبيع بجدة ... تزف عروس الرَّوْض من خدرها زفا) (وهب النسيم اللدن من جَانب الربى ... يلين لَهَا عطفا ويسألها عطفا) (إِذا ضمهَا عرف الكمائم ضمخت ... صباه وسامته معاطفها اللطفا) (محبان فِي وسط الرياض تألفا ... أجنت لَهُ سرّ الغرام بِمَا أخْفى) (وجمشها حَتَّى زها شمس نورها ... فعبس وَجه النَّهر واختطف الشنفا) وأحدث الخاطر معمى فِي اسْم مُحَمَّد وَهُوَ (رب ظَبْي مقرطق قد تبدّى ... خلت بَدْرًا من فَوْقه قد تلالا) (لَاحَ فِي الثغر جَوْهَر من ثناياه ... فأبدى فِي الخدّ خالا بِلَالًا) وَقلت بعده فِي هانىء (حِين بَان الخليط وازداد وجدي ... قلت والدمع فِي الخدود يسيل) (يَا رَسُولي إِلَيْهِ روحي خُذْهَا ... منجداً إثره بهَا يَا رَسُول) وَقلت بعده فِي سُلَيْمَان (لقد سقاني الحبيب كأساً ... لم أرو مِنْهَا ورمت أُخْرَى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 (فَقَالَ خُذ مَا بَقِي بكاسي ... سؤراً وَأحسن بِذَاكَ سؤرا) (فَعِنْدَ مَا جادلي بِمَا فِي ... أَوَاخِر الكاس مت سكرا) هَذَا مَا قرأته بِخَطِّهِ وَمن معمياته العويصة قَوْله فِي سليم وعَلى مَعَ اخْتِلَاف الْأَعْمَال (وَرْقَاء قلبِي قد أضحت مرفرفة ... على قوامك يَا من طرفه عجمي) (وَأَنَّهَا هَبَطت مِنْهُ على غُصْن ... فغض طرفك وارسله إِلَى الْقدَم) أرادها من أَنَّهَا بِعَمَل التَّحْلِيل وَهِي بِسِتَّة وبالعجمية شش فَإِذا هَبَطت صَارَت سينا والغصن الْألف وَهِي يَك وَلها اللَّام بِالْعدَدِ الحسابي من أبجد وغض مرادفه كف وَهِي بِمِائَة فَإِذا هَبَطت لَهَا الْيَاء وَالْمِيم من الْغَايَة وَأما طَريقَة اسْتِخْرَاج على فَإِنَّهُ أَرَادَ قلت وَقد أَكثر فِي أشعاره من المعميات وَكَانَ شَدِيد الاعتناء بِهَذَا النَّوْع جدا وَهَذَا من الْأَنْوَاع اللطيفة المسلك وَقد أدرجه بعض الْمُتَأَخِّرين فِي فنون البديع وعدّه من المحسنات وَاعْترض بِأَن مُلَاحظَة المحسن إِنَّمَا هِيَ بعد رِعَايَة الفصاحة البلاغة والبلاغة مَشْرُوطَة بِعَدَمِ التعقيد لفظا وَمعنى وَكِلَاهُمَا وجود فِي المعمى فَهُوَ خَارج عَنهُ وَقد يُجَاب بِأَن محققي هَذَا الْفَنّ شرطُوا لصِحَّته وجود الْمَعْنى الشعري فِيهِ وَإِذا لم يكن مَوْجُودا فَلَيْسَ بمعتد بِهِ فَعَلَيهِ يكون دَاخِلا فِي المحسنات قطعا وَإِن كَانَ بعض مُتَقَدِّمي علمائه لم يشْتَرط ذَلِك لصِحَّته وَهُوَ مِمَّا لَا اعْتِدَاد بِهِ وَمن غَرِيب مَا وَقع لي مَعَ بعض أدباء الرّوم وَقد ذكر المعمى فَقَالَ أَبنَاء الْعَرَب لَا يعْرفُونَ المعمى فأوردت لَهُ أَشْيَاء مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فاعترف بِأَن الْمُتَأَخِّرين مَشوا على نهج الْأَعَاجِم والأروام فِيهِ لِكَثْرَة اختلاطهم بهم وَأما المتقدمون فَلَا يعرفونه فأخرجت لَهُ دفتراً من جمعياتي نقلت فِيهِ عَن ابْن قُتَيْبَة اللّغَوِيّ قَالَ إِن هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة وَهِي الأحاجي واللغز والمعميات من خَصَائِص الْعَرَب وكل من نظم فِيهَا من أَبنَاء فَارس وَأَبْنَاء الرّوم إِنَّمَا أَخذ ذَلِك عَنْهُم وتطفل على موائدهم وَانْظُر إِلَى تَسْمِيَة هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة هَل هِيَ عَرَبِيَّة أَو فارسية فالمعمى من التعمية وَهِي التغطية والأحجية من الحجا وَهُوَ الْعقل كَأَنَّهُ يختبر فِيهَا الْعقل واللغز الْإخْفَاء انْتهى مَا قَالَه وَلَكِن مَعَ هَذَا فَالْحق أَحَق أَن يتبع أَن تطفل الْفرس وَالروم وعَلى الْعَرَب فِي هَذِه الْأُمُور وَإِن كَانَ وَاقعا لكِنهمْ لجودة أفكارهم تصرّفوا فِيهِ تصرّف الْملاك فاستحقوا أَن يوصفوا بالتفرد بِهِ وَلَقَد وقفت فِي الرّوم على رِسَالَة للسَّيِّد شرِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 فِي المعمى ذكر فِيهَا أَنه صنع بَيْتا وَاحِدًا يخرج مِنْهُ ألف اسْم بطرِيق التعمية مَعَ الْتِزَام تعدّد الْإِيهَام فِي كل اسْم وَهَذِه الْأَنْوَاع وَإِن انْفَرد كل وَاحِد مِنْهَا بأسلوب يَخُصُّهُ إِلَّا أَنَّهَا ترجع إِلَى أصل وَاحِد هُوَ إبراز الْكَلَام على خلاف مُقْتَضى الْعبارَة فالأحجية أَن يُؤْتى بِلَفْظ مركب وَيطْلب مَعْنَاهُ من تَحْلِيل لفظ مُفْرد كَقَوْلِك هدهداي ارْجع ارْجع وَأما المعمى فَهُوَ قَول يسْتَخْرج مِنْهُ كلمة فَأكْثر بطرِيق الرَّمْز والإيماء بِحَيْثُ يقبله الذَّوْق السَّلِيم واللغز مثله إِلَّا أَنه يَجِيء على طَريقَة السُّؤَال وَالْفرق بَينه وَبَين المعمى أَن الْكَلَام إِذا دلّ على ذَات شَيْء من الْأَشْيَاء بِذكر صِفَات لَهُ تميزه عَمَّا عداهُ كَانَ ذَلِك لغزاً وَإِذا دلّ على اسْم خَاص بملاحظة كَونه لفظا بِدلَالَة مرموزه سمى ذَلِك معمى فَالْكَلَام الدَّال على بعض الْأَسْمَاء يكون معمى من حَيْثُ أَن مَدْلُوله ذَات من الذوات لَا بملاحظة أوصافها فعلى هَذَا يكون قَول الْقَائِل فِي اسْم كَون (يَا أَيهَا الْعَطَّار أعرب لنا ... عَن اسْم شَيْء قل فِي سومك) (تنظره بِالْعينِ فِي يقظة ... كَمَا ترى بِالْقَلْبِ فِي نومك) صَالحا لِأَن يكون فِي اصطلاحهم معمى بِاعْتِبَار دلَالَته على اسْم بطرِيق الرَّمْز وَمثل ذَلِك كثير فِي أشعار الْعَرَب فَلَا حَاجَة إِلَى تَكْثِير الْأَمْثِلَة وَاعْلَم أَن أَرْبَاب المعمى لم يشترطوا فِي اسْتِخْرَاج الْكَلِمَة بطرِيق التعمية حُصُولهَا بحركاتها وسكناتها بل يَكْفِي حُصُول حُرُوف الْكَلِمَة من غير مُلَاحظَة هيئتها الْخَاصَّة فَإِن وَقع التَّعَرُّض للحركات والسكنات أَيْضا كَانَ ذَلِك من المحسنات ويسمون هَذَا عملا تذييلياً وَقد خرجنَا عَن الصدد الَّذِي نَحن فِيهِ فلعلك لَا تسأم وقرأت بِخَط بعض الأدباء نَاقِلا عَن خطّ السَّيِّد صَاحب التَّرْجَمَة قَالَ أنْشد الْعَلامَة نَسِيج وحدة المرحوم الشَّيْخ أَحْمد الْمقري المغربي فِي كِتَابه أزهار الرياض فِي أَخْبَار عِيَاض فِي جملَة مَا أوردهُ من شعر ابْن زمرك الأندلسي من كتاب ذكر أَنه من تآليف بعض سلاطين تلمسان بني الْأَحْمَر وَهُوَ حفيد ابْن الْأَحْمَر المخلوع سُلْطَان الأندلس الَّذِي كتب إِلَيْهِ ابْن زمرك بعد ابْن الْخَطِيب قَالَ وَهُوَ سفر ضخم سَمَّاهُ بالبقية والمدرك من شعر ابْن زمرك لَيْسَ فِيهِ إِلَّا نظمه فَقَط فَقَالَ وَمن وَصفه فِي زهر القرنفل الصعب الاجتناء بجبل الْفَتْح وَقد وَقع لَهُ مَوْلَانَا المستعين بِاللَّه بذلك فارتجل قطعا مِنْهَا (أَتَوْنِي بنوّار يروق نضاره ... كخدّ الَّذِي أَهْوى وَطيب تنفسه) (وجاؤوا بِهِ من شَاهِق متمنع ... تمنع ذَاك الظبي فِي ظلّ مكنسه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 (رعى الله مِنْهُ عَاشِقًا متقنعاً ... بزهر حكى فِي الْحسن خدّ مؤنسه) (وَإِن هَب خفاق النسيم بنفحه ... حكت عرفه طيبا يَفِي بتأنسه) قَالَ وَكنت من أَعمال الْفِكر فِي عدَّة تماثيل أصفه بهَا تكون من هَذَا الزهر على حَالَة تحْشر لَهَا النَّفس بتحريك نَازع الاقتدار وَتصرف عَنْهَا الخاطر كبارًا لِأَن أكون فاتح هَذَا الْبَاب من غير وَطْأَة ثَابِتَة فِي اسْمه ومنتهاه حَتَّى رَأَيْت فِي ذكر معزاه مَا ترى فَقلت فِيهِ عدّة مقاطيع مِنْهَا (وجنّى من القرنفل يُبْدِي ... لَك عرفا من نشره بابتسام) (فَوق سوق كَأَنَّهَا من أَبَارِيق ... الحميا مساكب للمدام) (وسدت فَوْقهَا السقاة خدوداً ... داميات مِنْهَا مَكَان الْفِدَام) وَمِنْهَا (قُم بِنَا يَا نديم فالطير غرّد ... لمدام كؤوسه تتوقد) (فلدينا قرنفل قد نماه ... جبل الْفَتْح نشره قد تصعد) (بَين سوق عوج الرّقاب لطاف ... شَعرَات من لينها تتجعد) وَمِنْهَا (أهْدى لنا الرَّوْض من قرنفله ... عبير مسك لَدَيْهِ مغتوت) (كَأَنَّمَا سوقه وَمَا حملت ... من حسن زهر بالطيب منعوت) (صوالج من زبرجد خرطت ... لَهَا الغوادي كرات ياقوت) وَمِنْهَا (أرى زهر القرنفل قد جلته ... قدود ترجحن بِهِ قيام) (أخال لَو أَنَّهَا أَعْنَاق طير ... نهضن بِهِ لَقلت هِيَ النعام) (توقد زهرَة جمرا لدينا ... وَتلك لَهَا من الْجَمْر التقام) وَمِنْهَا فِي الْأَبْيَض مِنْهُ من أَبْيَات (مَا ترى ناصع القرنفل وافى ... بتحايا الشميم بَين الزهور) (قضب من زبرجد حاملات ... قطعا فَككت من الكافور) هَذَا مَا وجدته مَنْقُولًا عَنهُ وَرَأَيْت فِي شعر من تقدمه تَشْبِيه الْمُسْتَعْمل فَمن اسْتَعْملهُ من المدركين أَبُو مُفْلِح البيلوني الْحلَبِي فِي مَقْصُورَة لَهُ مُقَدّمَة التَّارِيخ حَيْثُ قَالَ (قرنفل الرَّوْض شفَاه ضمهَا ... لعسا لكَي يلثم ناشقادنا) وَاسْتعْمل قبله الْكَمَال مُحَمَّد بن أبي اللطف الْمَقْدِسِي الْمُتَوفَّى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف فِي قَوْله (حكى القرنفل محمراً على قضب ... خضر لَهَا صَار بالتفضيل منعوتا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 (كفا على معصم نقش بِهِ خضر ... غَدا لَهُ كَافِر العذال مبهوتا) (أبدته خود وَقد ضمت أناملها ... كأساً تشعر لطفاً صِيغ ياقوتا) وَالَّذِي حَاز فِي تشبيهه قصب السَّبق فِيمَا أعلم الشهَاب أَحْمد بن خلوف الأندلسي أحد الْمَشَاهِير المجيدين حَيْثُ قَالَ من قصيدة (وللقرنفل راحات مخضبة ... على معاصم خضر فتْنَة الرَّائِي) (كأنجم من عقيق فِي ذرى فلك ... من الزّجاج أرت أشطان لألاء) وَكَانَ السَّيِّد صَاحب التَّرْجَمَة لما أنشأ هَذِه المقاطيع الَّتِي تقدّمت اشْتهر أمرهَا فحذا حذوها فِي بَابهَا جمَاعَة من أدباء الشَّام ونظموا فِيهِ تشابيه متنوعة فَمنهمْ الْأَمِير المنجكي حَيْثُ قَالَ (قرنفلنا العطري لونا كَأَنَّهُ ... رُؤُوس العذارى ضمخت بعبير) (مداهن ياقوت بأعلا زبرجد ... لقد أحكمت صنعا بِأَمْر قدير) وَمِنْهُم شَيخنَا الْمولى أَحْمد المهمنداري مفتي الشَّام أبقى الله وجوده حلية للفضائل والآداب حَيْثُ قَالَ (قرنفل فِي الرياض هَيئته ... تحكي وَقد مدّ للسحاب يدا) (فوّارة من زبرجد فتقت ... ففار مِنْهَا العقيق وانحمدا) وَقَالَ أَيْضا (هَذَا القرنفل قد بدا ... فِي لَونه القانيّ يحمد) (فَكَانَ مرآه الأنيق لَدَى ... الرياض إِذا تنهد) (قطع العقيق تناثرت ... فتخطفته يَد الزبرجد) وَمِنْهُم شَيخنَا الْأُسْتَاذ الباهر الطَّرِيقَة عبد الْغَنِيّ بن إِسْمَاعِيل النابلسي فِي قَوْله (كَأَن قرنفلاً فِي الرَّوْض يسبى ... شذا رياه منتشق الأنوف) (سواعد من زبرجد قائمات ... بِلَا بدن مخضبة الكفوف) وَقَالَ أَيْضا (قُم يَا نديمي لداعي اللَّهْو منشرحاً ... فقد ترنمت الورقاء فِي الْوَرق) (وَانْظُر إِلَى حسن باقات القرنفل مَا ... بَين الربى نفحت كالمندل العبق) (أطفا النسيم لهيباً من مشاعلها ... فِي ظلة الرَّوْض حَتَّى جمرهنّ بقى) وَقَالَ (بَين الحدائق أعطاف القرنفل فِي ... زهو برِيح الصِّبَا الزاكي وتمييل) (مثل العرائس فِي خضر الملابس قد ... لاشت على وَجههَا حمر المناديل) وَقَالَ فِي القرنفل الْأَبْيَض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 (هيا بِنَا فالطير صَاح مغرّدا ... مَا إِن يُقَاس لَدَى الورى بمغرّد) (وَالرَّوْض مدّمن القرنفل للندى ... كاسات در فِي زنود زبرجد) وَقَالَ فِي القرنفل المشرب بخمرة (وزهر قرنفل فِي الرَّوْض يحْكى ... قُصُور دم على صفحات مَاء) (رأى وجنات من أَهْوى فأغضى ... فَبَان بِوَجْهِهِ أثر الْحيَاء) وَقد تطفلت على هَؤُلَاءِ السَّادة بِهَذَا الْمَقْطُوع فَقلت (وافى القرنفل معجباً ... فِينَا بمنظره الأنيق) (يُبْدِي زنود زبرجد ... حملت تروساً من عقيق) وَهَذَا مَا وصل إليّ من التشابيه الَّتِي قيلت فِي القرنفل وَإِن ظَفرت بِشَيْء زَائِد يصلح للإلحاق ألحقته فِي الْهَامِش بِمَشِيئَة الله تَعَالَى وإذنه وقرأت بِخَط السَّيِّد أَنه كَانَ أَصَابَهُ رمد فنظم فِيهِ قَوْله (مذ رأى عَيْني وَقد رمدت ... لون خدّيه من الْأَلَم) (رام يبكيها ورقّ لَهَا ... فاتقته من دم بِدَم) قلت لقد أبدع فِي النَّقْل من قَول الْمَأْمُون لما طلب الدُّخُول على بوران بنت الْحسن ابْن سهل فدافعوه لعذر بهَا فَلم ينْدَفع فَلَمَّا زفت إِلَيْهِ وجدهَا حَائِضًا فَتَركهَا فَلَمَّا قعد للنَّاس من الْغَد دخل عَلَيْهِ أَحْمد بن يُوسُف الْكَاتِب وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هُنَاكَ الله بِمَا أخذت من الْأَمر بِالْيمن وَالْبركَة وَشدَّة الْحَرَكَة وَالظفر بالمعركة فَأَنْشد الْمَأْمُون (فَارس مَاض بحربته ... صَادِق بالطعن فِي الظُّلم) (رام أَن يدمي فريسته ... فاتقته من دم بِدَم) وَهُوَ من لطيف الْكِنَايَات وَنَقله ألطف وَاتفقَ لصَاحب التَّرْجَمَة أَنه رأى نَفسه فِي عَالم الخيال هُوَ وَبَعض أدباء دمشق فِي روض فاقترح عَلَيْهِ نظم بَيْتَيْنِ من الْغَزل فنظم هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وانتبه وَهُوَ ينشدهما وهما (جَاءَ الحبيب بطيبه ... ونأى الرَّقِيب بِكُل واشي) (الْمَتْن لَا تهوى سواهُ ... ودع معاناة الْحَوَاشِي) وأوقفني شقيقه فِي الْفضل وَالْأَدب سيد السادات بِالشَّام السَّيِّد عبد الْكَرِيم النَّقِيب حرس الله وجوده من الْغَيْر وَجعل سيرته أحسن السّير على قِطْعَة نظمها يذكر فِيهَا الندماء وأرباب الْغناء من الْمَشَاهِير فَذَكرتهَا مُشِيرا لتعريف من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 ذكره فِي أثْنَاء النّظم على طَرِيق الِاخْتِصَار وَأَنا جازم إِن شَاءَ الله تَعَالَى بعد توفيتي هَذَا الْكتاب على أَن أشرحها شرحاً مفصلا لما فِيهَا من الْفَائِدَة فَإِنَّهَا وَحدهَا عبارَة عَن طَبَقَات هَؤُلَاءِ وَالْحَاجة عِنْد اللطفاء ماسة إِلَى معرفتهم والاطلاع عَلَيْهِم والقطعة هِيَ هَذِه (كلما جدّد الشجى ادكاره ... ازعج الشوق قلبه واستطاره) (لَيْت شعري أَيْن اسْتَقل عَن اللَّهْو ... بنوه وَكَيف أخلوا مزاره) (بَعْدَمَا راوحتهم صفوة الْعَيْش ... ونالوا وفْق الْهوى أوطاره) (وجروا فِي مطارد الْأنس طلقاً ... واجتلوا من زمانهم أبكاره) (بَين كاس وروضة وغدير ... وَسَمَاع وَلَذَّة وغضاره) (أَيْن حلوا فعشب ومقيل ... أَو أناخوا فوردة وبهاره) (من مليك زفت بِحَضْرَتِهِ الكاس ... قيان يعزفن خلف الستاره) (ووزير يرقد بَات يسترق اللَّذَّات ... وَهنا وَاللَّيْل مرخ إزَاره) (وأمير ممنطق بنداماه ... وكاس الطلا لديهم مَدَاره) (كم فَتى من بني أُميَّة أَمْسَى ... وخيول الْهوى بِهِ مستطاره) (كيزيد وشأنه مَعَ أبي قيس ... وَمَا قد عراه فِي عماره) أَبُو قيس قرد يزِيد كَانَ ينادمه فَكَانَ إِذا رَآهُ قَالَ شيخ من بني إِسْرَائِيل أَصَابَته خَطِيئَة فمسخه الله تَعَالَى فَصَارَ قرداً وَله مَعَه أَخْبَار وَله يَقُول (نديمي أَبُو قيس أخف مُؤنَة ... وأحلم مَا غَابَ حلم المنادم) وَعمارَة أُخْت الْغَرِيض وَكَانَت من أحسن النَّاس وَجها وغناء أخذت الْغناء عَن أَخِيهَا وَعَن ابْن سُرَيج وَابْن مُحرز وليزيد فِيهَا خبر طَوِيل وفيهَا يَقُول بعض فتيَان الْمَدِينَة (لَو تمنيت مَا اشْتهيت لكَانَتْ ... غَايَة النَّفس فِي الْهوى عماره) (بِأبي وَجههَا الْجَمِيل الَّذِي يزْدَاد ... حسنا وبهجةً ونضاره) (ونداماه كَابْن جعدة والأخطل ... إِذْ عاقراه صفوا عقاره) ابْن جعدة هُوَ قدامَة بن جعدة بن هُبَيْرَة الخزرجي من ندمائه والأخطل هُوَ الشَّاعِر الْمَشْهُور النَّصْرَانِي (وَقضى لَيْلَة مَعَ ابْن زِيَاد ... وقتيب بن مُسلم ونهاره) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 ابْن زِيَاد هُوَ مُسلم بن زِيَاد وَكَانَ نديماً ليزِيد وقتيب بن مُسلم هُوَ قُتَيْبَة الْبَاهِلِيّ وَكَانَ نديماً لَهُ وَكَانَ أَبوهُ مُسلم كَبِير الْقدر عِنْد يزِيد (وكمروان وَابْنه حِين واسى ... بلذاذات عيسه سماره) مَرْوَان هُوَ مَرْوَان بن الحكم وَكَانَ غليظاً وَابْنه هُوَ عبد الْملك بن مَرْوَان (نادمته أَبنَاء يالية اللائي ... قضى فِي ربوعهم أسحاره) أَبنَاء يالية هم أَبنَاء يالية بن هرم بن رَوَاحَة وَكَانَ يغشى مَنَازِلهمْ لَيْلًا وينادمهم وَفِيهِمْ يَقُول من شعر (يَا خَبرا دَار بني ياليه ... إِنِّي أرى ليلتهم لاهيه) (وكمثل الْوَلِيد ذِي القصف إِذْ كَانَ ... يغب اصطباحه وابتكاره) (ولديه الْغَرِيض وَابْن سُرَيج ... أظهرا كل صَنْعَة مختاره) (من غناء ألذ من نشوة الكاس ... وأشهى من صبوة مستثاره) الْغَرِيض أحد المغنين اسْمه عبد الْملك وكنيته أَبُو زيد وَقيل أَبُو مَرْوَان ذكر صَاحب الأغاني أَنه كَانَ يضْرب بِالْيَدِ وينقر بالدف ويوقع بالقضيب أَخذ الْغناء فِي أول أمره عَن ابْن سُرَيج وَهُوَ أَبُو يحيى عبد الله بن سُرَيج أحد المغنين ذكر صَاحب الأغاني أَنه كَانَ أحسن النَّاس غناء وَكَانَ يُغني مرتجلاً ويوقع بالقضيب (وَسليمَان ذِي العتوّ لنَحْو الذلفاء ... يُبْدِي حنينه وافتراره) سُلَيْمَان بن عبد الْملك والدلفاء جَارِيَة كَانَت لِأَخِيهِ شراؤها عَلَيْهِ ألف ألف دِرْهَم ثمَّ صَارَت إِلَى سُلَيْمَان وَهِي الَّتِي يَقُول فِيهَا الشَّاعِر (إِنَّمَا الذلفاء ياقوتة ... أخرجت من كيس دهقان) (وَيزِيد بن خَالِد وَأَبُو يزِيد ... يجيدان فِي الندام سراره) (إِذْ بمغني سِنَان كَانَ يغالي ... ويجلي بشدوه أكداره) يزِيد هُوَ ابْن خَالِد التَّيْمِيّ وَكَانَ سُلَيْمَان يَخُصُّهُ وينادمه سرا قبل أَن يُبَاشر الشَّرَاب وَأَبُو زيد هُوَ أَبُو زيد الْأَسدي وَكَانَ خَاصّا بِهِ يجالسه وينادمه وَسنَان مغن لَهُ كَانَ يأنس بِهِ ويسكن إِلَيْهِ وَيكثر الْخلْوَة مَعَه ويستمتع بحَديثه وغنائه (وَابْن عبد الْعَزِيز إِذْ راوح الكاس ... ووالاه فِي زمَان الإماره) (وَيزِيد المعمود إِذْ خامرته ... نشوة الراح ليله ونهاره) (وسبت لبه حبابة واستهوته ... حَتَّى أَبَاحَ فِيهَا اشتهاره) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 حبابة جَارِيَة كَانَت لِابْنِ سينا تسمى الْعَالِيَة أخذت عَن ابْن سُرَيج وَكَانَت مَدَنِيَّة (واستمالت بِهِ سَلامَة حَتَّى ... أقلق الوجد فكره وأثاره) سَلامَة جَارِيَة شريت ليزِيد من الْمَدِينَة بِعشْرَة آلَاف دِينَار وَكَانَت حَسَنَة الْوَجْه والغناء (إِذْ يناجيه لحن معبد ... بالشجو كَمَا شَاءَ معملا أَو تَارَة) (وَلكم ألف الْغناء لَدَيْهِ ... ضرب عواده على زماره) معبد هُوَ معبد بن وهب أحد المغنين الْمَشْهُورين وَخَبره فِي الأغاني (وَهِشَام إِذا استبد اخْتِيَارا ... بالرساطون واستلذ اختباره) (من شراب ظلت أفاوية ... الْعطر بِهِ ذَات نفحة سيارة) الرساطون شراب كَانَ يصنع لَهُ يَعْنِي لهشام تسميه أهل الشَّام الرساطون يطْبخ بأفاويه كَثِيرَة فَيَجِيء طيب الرَّائِحَة قَوِيا صلبا وَفِي جَامع التَّقْرِير الرساطون شراب يتَّخذ من الْخمر وَالْعَسَل أَعْجَمِيَّة لِأَن فعالون من أبنية كَلَامهم (والوليد المليك إِذْ وَاصل ... الكاسات وَاللَّهْو جهده واقتداره) (واغتدى فِي تهتك ومجون ... كَانَ يجني قطوفه وثماره) (ومناه ذكري سليمى لوجد ... ظلّ يذكي لهيبه واستعاره) (إِذا يُغْنِيه مَالك بن أبي السَّمْح ... وَعمر والوافي فينفي وقاره) سليمى هِيَ سليمى بنت سعيد بن خَالِد أُخْت أم عبد الْملك الَّتِي كَانَت تَحْتَهُ وَله فِيهَا خبر طَوِيل وَملك هُوَ مَالك بن أبي السَّمْح الطَّائِي قَالَ صَاحب العقد أَخذ الْغناء عَن معبد وَكَانَ لَا يضْرب بِعُود إِنَّمَا يُغني مرتجلا (وَلكم خفف ابْن عَائِشَة اللّحن ... لَهُ فاستخفه واستطاره) ابْن عَائِشَة هُوَ مُحَمَّد بن عَائِشَة ويكنى أَبَا جَعْفَر أَخذ عَن معبد وَمَالك وابتداؤه بِالْغنَاءِ كَانَ يضْرب بِهِ الْمثل (وَابْن ميادة بن ابرد ... وَالقَاسِم كَانَا يحثحثان عقاره) (بندام ألذ من زورة الْحبّ ... وأبهى من رَوْضَة فِي قراره) ابْن ميادة اسْمه الرماح ابْن أبرد من بني غطفان كَانَ ينادمه ويحدثه حَدِيث الْإِعْرَاب وَالقَاسِم هُوَ الْقَاسِم الطَّوِيل الْعَبَّادِيّ وَكَانَ أقرب ندمائه إِلَيْهِ وأخصهم بِهِ (وبذيح أَتَى بِأَمْر عُجاب ... إِذْ تولى على القرود والإمارة) بذيح هُوَ مولى عبد الله بن جَعْفَر ملهيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 (وَيزِيد المليك إِذْ كَانَ يهوى ... صَوت حدو الحداة فِي كل تَارَة) (وتغنى الركْبَان إِذْ كَانَ منشاه الْبَوَادِي ... حَتَّى اعترته الحضارة) (وكمر وَإِن الفتوة إِذْ كَانَ ... يوالي فِي عبطة أَسْفَاره) مَرْوَان ذِي الفتوة كَانَ منشأه بالبادية فِي كلب ففصح لِسَانه (فَيرى اللَّهْو وَالسَّمَاع مناه ... وَيرى الْحَرْب قطبه ومداره) (وكآل الْعَبَّاس إِذْ كَانَ عبد الله ... يقْضِي طوع المنى أوطاره) (كم غذا لَيْلَة الثُّلَاثَاء والسبت ... يوالي الغبوق بالقرقارة) (وَابْن صَفْوَان فِي الندامى يعاطيه ... كؤوس الحَدِيث خلف الستارة) (ولديهم أَبُو دلامة طورا ... يصطفيه ويجتلي أشعاره) ابْن صَفْوَان هُوَ خَالِد بن صَفْوَان كَانَ من أقرب النَّاس منزلَة عِنْد أبي الْعَبَّاس ينادمه ويسامره لطول لِسَانه وبلاغته وَكَثْرَة رِوَايَته وَأَبُو دلامة اسْمه زيد بن الْحَارِث وَكَانَ مولى لبني أَسد ظريفا فصيحا كثير النَّوَادِر باحثا خليعا مدمنا للشراب راوية للْأَخْبَار والأشعار (وتحيي منصورهم من ورا النّسك ... رَاحا وَإِلَى عَلَيْهَا استتاره) (حل مِنْهُ ابْن جَعْفَر فِي نداماه ... محلا إِذْ كَانَ يبلو اعتشاره) (فيراه فيهم ظريفا أديبا ... لسنا حاذقا لطيف الْإِشَارَة) ابْن جَعْفَر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَكَانَ يأنس بِهِ ويلتذ بِهِ وبمحادثته ويأنس بِهِ خَالِيا وَكَانَ كَمَا ذكر (ثمَّ كَانَ الْمهْدي يجلس للأنس ... فيصفي لشربه أَو طاره) (وفليح بن العورا يشد ولديه ... فينسى حنينه وادكاره) (ولديه ترب الْغناء أَبُو إِسْحَاق ... يشدو بصنع ومهاره) قَالَ إِسْحَاق كَانَ الْمهْدي فِي أول أمره يساتر بِالشرابِ حَتَّى قدم عَلَيْهِ فليح ابْن العوراء الْمُغنِي فَكَانَ يُغْنِيه فِيمَا مدح بِهِ من الشّعْر وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ إِبْرَاهِيم الْموصِلِي الْمَشْهُور بِالْغنَاءِ (ثمَّ كَانَ الْهَادِي إِذا حاول الشّرْب ... وغنى ابْن جَامع نختاره) (يتَوَلَّى الندام عِيسَى بن دَاب ... عِنْده والطلا لَدَيْهِ مَدَاره) (وكذاك ابْن مُصعب والعزيزي ... أَنا خايدا إنيان اخْتِيَاره) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 ابْن جَامع من المغنين الْمَشْهُورين وَكَانَ أحلاهم نَغمَة وَعِيسَى بن دأب كَانَ أديباً وأحلاهم ألفاظا وَابْن مُصعب هُوَ عبد الله بن مُصعب الزبيدِيّ يخْتَص بمنادمة الْهَادِي (وتحمى الرشيد فِي دير مرّان ... على كل تلعة وقراره) (من مدام حكت رهابنة الدَّيْر ... بهَا فِي بهارة جلناره) (وعَلى ضرب زلزل كَانَ برصوما ... لَدَيْهِ مواصلا مزماره) قَالَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ دير مران هُوَ بِنَاحِيَة من دمشق على ثلة من قرى ومزارع وغدران ورياض وزلزل كَانَ يضْرب فَقَط واسْمه مَنْصُور وَكَانَ فِي الطَّبَقَة الأولى وبرصوما كَانَ زامر فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة فطرب مِنْهُ الرشيد يَوْمًا فرفعه إِلَى الطَّبَقَة الأولى (ثمَّ كَانَ الْأَمِير يمرح فِي اللَّذَّات ... مَا شَاءَ ساحباً أوزاره) (وترامى بحب كوثر حَتَّى ... سكن الْحبّ قلبه واستخاره) (ولديه مُخَارق فِي المعنين ... وبذل الْكَبِيرَة المهتارة) (وَالْحُسَيْن الخليع كَانَ يعاطيه ... مداماً كالعقد تنوي انتشاره) (ثمَّ يجلو أَبُو نواس على السّمع ... كؤساً من الْهوى مستعاره) كوثر خادمه وَكَانَ يهواه حَتَّى قَالَ فِيهِ من شعر (كوثر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي ... ) ومخارق كَانَ مَمْلُوكا لأمرأة من أهل الْكُوفَة فَاشْتَرَاهُ مِنْهَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم فَأَخذه الرشيد مِنْهُ وبذل الْكَبِيرَة جَارِيَة كَانَت لجَعْفَر بن مُوسَى الْهَادِي وَالْحُسَيْن الخليع صريع الغواني وَأَبُو نواس الْحسن بن هَانِئ الشَّاعِر الْمَشْهُور (وأدار الْمَأْمُون للراح كاساً ... شعشع الْبَيْت نورها واستناره) (حَيْثُ علوِيَّة الْمُغنِي وَإِسْحَاق ... يزفان فِي الدجى أقماره) (حَيْثُ يحيى بن أَكْثَم يتَوَلَّى ... بَسطه وَابْن طَاهِر أسماره) (وعريب مَعَ القيان تفنيه ... بِصَوْت تخيرت أشعاره) علوِيَّة من المغنين للرشيد وَهُوَ من الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَإِسْحَاق اشْتهر بِهِ وحظى عِنْده وعريب جَارِيَة عبد الله بن إِسْمَاعِيل صَاحب المراكب كَانَت أحسن النَّاس وَجها وأظرفهم طبعا وَأَحْسَنهمْ غناء (وَابْن هرون كَانَ يألف إِبْرَاهِيم ... شوقاً ويستلذ اعتشاره) إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن الْمهْدي الْخَلِيفَة الْمَذْكُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 (واغتدى الواثق الْمُقدم فِي الشّعْر ... على الكاس معملاً أدواره) (إِذْ تولى بأَمْره مهج الْخَادِم ... عِنْد اصطحابه وابتكاره) (واغتدى أَحْمد النديم على ... شَرط بني اللَّهْو وناشر أخباره) (وانثنى الْفَتْح ينتحي من ... أَحَادِيث الْهوى ممتعاته وقصاره) (فتنته فريدة وعَلى قدر ... الْهوى يخلع الْمُحب وقاره) مهج خادمه الَّذِي كَانَ يأنس بِهِ ويهواه وَله فِيهِ أشعار كَثِيرَة حَسَنَة وَالْفَتْح هُوَ الْفَتْح ابْن خاقَان وفريدة هِيَ جَارِيَة كَانَ أهدا هاله عَمْرو بن بانة فحظيت عِنْده وَكَانَت من الموصوفات بالجمال الْفَائِق والغناء الرَّائِق (وَأَبُو الْفضل كَانَ يَغْدُو إِلَّا الراح ... مبيداً الْجنَّة ونضاره) (حَيْثُ كَانَ الكشحي يَأْخُذ عرض ... القَوْل فِيمَا أحبه وَاخْتَارَهُ) (وزنام بالدف يعزف طوراً ... وبنان بِالْعودِ يضْرب تَارَة) (ويغني عَمْرو بن بانة والطبل ... عَلَيْهِ سلمَان يُبْدِي اقتداره) الكشحي أَبُو بَحر كَانَ من أطيب النَّاس وَأَكْثَرهم نَوَادِر وَكَانَ المتَوَكل لإيكاد يصبر عَنهُ وَلَا يكون لَهُ مجْلِس إِلَّا بِهِ وَعَمْرو بن بانة من المغنين وسلمان طبال ماهر (وَأَبُو جَعْفَر أزاح اغتناما ... مَعَ يزِيد المهلبي استشاره) يزِيد بن مُحَمَّد المهلبي مدحه ونادمه حَتَّى اشْتهر بِهِ (وَغدا المستعين يحرق للندمان ... بالمن نده وصواره) (ثمَّ هام المعتز بِابْن بغاء ... عِنْدَمَا شام وَجهه وعذاره) ابْن بغاء هُوَ يُونُس غُلَامه وَكَانَ يفرط فِي الشغف بِهِ وَهُوَ مَذْكُور فِي شعر البحتري (وانثنى ابْن الْقصار طوراً ... يفنيه بطنبوره فيوقد ناره) ابْن الْقصار طنبوري كَانَ من المهرة فِي زَمَانه (وبدا الْمُهْتَدي فَكَانَ اصطناع ... الْعرف والجود سمته وشعاره) (وأناخ ابْن جَعْفَر فِي مدَار العزف ... والقصف نافياً أكداره) (ومناه فِي الشد وَشد وعريب ... كَمَا اعتاده الْهوى واستثاره) عريب هِيَ عريب المأمونية وَكَانَ معجبا بغنائها (واحتسى درة الكروم أَبُو الْعَبَّاس ... والدن يستدر قطاره) أَبُو الْعَبَّاس هُوَ أَبُو الْعَبَّاس الْمُعْتَمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 (نادمته أَبنَاء حمدون واستهواه ... بدر حِين اجتلى ابداره) بدر هُوَ بدر الجلنار غُلَامه (ورذاذ موقع بغناء ... لَيْسَ يَخْلُو من صَنْعَة مختاره) (واغتذى المكتفي يمرح والصولي ... يروي محاضراً أشعاره) (وَأَبُو الْفضل كَانَ يرتع من روق ... صباه فِي جدة ونضاره) (حرق الندّ والكبا الرطب والعنبر ... مُتَمَتِّعا بِهِ وأثاره) (وَأقَام الراضي يفرق مَا بَين ... الندامى فِي كل وَقت نثاره) (رب كاس لَهُ بَقِيَّة نشوان ... وَفِي حجرَة الرخام أداره) (ونعيم وَالَاهُ فِي حجرَة الأترج ... وَالْمَاء قد أثار بخاره) (لَيْت شعري أَيْن اسْتَقل بَنو برمك ... من بعد مَا توَلّوا الوزاره) (حِين كَانَت أيامهم غرر الْعَيْش ... وَكَانَت أكفهم مدراره) (والوزير المهلبي وَمَا نول ... وَابْن العميد ترب الصداره) (وَكَذَا الصاحب بن عباد حَيَّاهُ ... وَحيا نظامه ونثاره) (بل وَأَيْنَ السراة من آل حمدَان ... وَمَا قد تخولوا فِي الإماره) (أَيْن من بَات رَافعا لبني اللَّهْو ... الملمين بالتحايا عماره) (أَيْن من رَاح والمجاسد تزدان ... عَلَيْهِ بأعين النظاره) (طوّقته المخانق البرمكيات ... فَكَانَت بَين الظراف شعاره) (وتردّت من الْعَوَاتِق بالمنديل ... مذ رَاح عاقداً زناره) (وعَلى رَأسه أكاليل آس ... كللت أدمع الندى أقطاره) (وعَلى الْإِذْن مِنْهُ رَيْحَانَة من ... أذريون كمن يروم سراره) (أَيْن من كَانَ جَانب الزهر مناساً ... لَدَيْهِ والعيش يندى غضاره) (ينتحي منتحى المروآت طلقا ... فِي لذاذاته ويبدي افتراره) (وَترى عِنْده مزملة المَاء ... وخيش النسيم يَعْلُو جِدَاره) (وسحاب البخور يهطل مِنْهُ ... مَاء ورد يزجي النسيم قطاره) (أَيْن من كَانَ فِي فضاء من الغوطة ... يجلى من قبلنَا أبصاره) (أَيْن من بَات نَاعِمًا فِي مغاني ... شعب بوّان ناشقاً أزهاره) (أَيْن من أطلق النواظر فِي صغد ... سَمَرْقَنْد واجتلى أنواره) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 (أَيْن من حل بالأبلة قدماً ... وجلى فِي رياضها أفكاره) (أَيْن من بَات بالسماوة فِي منَاف ... روض يبثه أسراره) (بنسيم يحل فِي غلس الأسحار ... عَن جيب نوره أزراره) (حَيْثُ تندى مباسم الزهر فِيهِ ... وتحيى أنفاسه زوّاره) (فسقت عهد من مضى أدمع المزن ... وجادت بصوبها آثاره) (مَا سرت نسمَة الصَّباح بروض ... كحلاهم فهيجت أطياره) وَهَذَا آخرهَا وَله آثَار كَثِيرَة غَيرهَا أوردت لَهُ كثيرا مِنْهَا فِي كتابي النفحة وَكَانَت وِلَادَته فِي ثامن عشري شهر ربيع سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَتُوفِّي مطعوناً نَهَار الِاثْنَيْنِ ثامن شهر ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن مُحَمَّد الملاح الْحَنَفِيّ الْمصْرِيّ النَّاظِم الناثر الْكَاتِب الشَّاعِر أوحد أهل زَمَانه والمتميز بِالْفَضْلِ على أقرانه كَانَ أديباً فَاضلا شَاعِرًا مجيداً زاحم بمنكبه صُدُور الأماجد ونظم مَعَ بلغاء عصره ذَوي المحامد لَهُ نظم أرق من النسيم ونثر أحلى من التسنيم وَكَانَ لَهُ حظوة تَامَّة عِنْد الْأُسْتَاذ الشَّيْخ زين العابدين بن مُحَمَّد الْبكْرِيّ ثمَّ لَازم بعده أَخَاهُ أَبَا الْمَوَاهِب ثمَّ لَازم الشَّيْخ أَحْمد بن زين العابدين وَكَانَ كَاتب يَد الْجَمِيع إِلَى أَن اخترمته الْمنية وَمن شعره قَوْله من قصيدة (مَا لحاوي الْجمال فِي الْحسن ثَانِي ... وفؤادي مَا مَال عَنهُ لثاني) (ذِي جمال بطلعة كهلال ... حَار فِي حسنه البديع لساني) (رشأ راشق فُؤَادِي بقدٍّ ... إِن تثنى يَا خجلة الأغصان) (نَاسخ حقق الْمحبَّة عِنْدِي ... بعذار وسالف ريحاني) (مَاس غصناً رنا غزالاً وظبياً ... لَاحَ بَدْرًا علا على غُصْن بَان) (بخدود لبهجة الْورْد تروى ... ونهود رَوَت عَن الرمات) (يَا بديع الْجمال يَا نور عَيْني ... أَنْت وَالله فاضح الغزلان) (لَا تعذب قلبِي بصدّ وَبَين ... وبعاد يَا سَاحر الأجفان) (لَا تُطِع يَا مليح كل عذول ... عذله والملام قد أذياني) (وَاتَّقِ الله فِي حشاشة قلبِي ... لَا تذقها حرارة الهجران) (يَا كحيل الْعُيُون يَكْفِي بعاد ... بتثني قوامك الفتّان) (أَنْت قصدي من الملاح وحسبي ... لَك دَاعِي الغرام قد ألواني) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 (لَا تذقني صدّاً وبعداً وسهدا ... وَتغَير يَا منيتي ألواني) (يَا عذولي على غرام مليح ... كَامِل الظّرْف من حسان الْجنان) (هَل حَبِيبِي شمس والإهلال ... أم من الْحور أم من الْولدَان) (هُوَ لَا شكّ مُفْرد الْحسن حَقًا ... وَأرَاهُ قد فرّ من رضوَان) (قسما يَا مليح مَالك ثَانِي ... لَا وَلَا مثل فضل عُثْمَان ثَانِي) وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشر شعْبَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف بِمصْر وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع الْأَزْهَر فِي مشْهد عَظِيم لم ير مثله حَضَره أكَابِر الْعلمَاء رَحمَه الله تَعَالَى عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن عَليّ الملقب زين الدّين بن القَاضِي جمال الدّين بن الشَّيْخ نور الدّين البهوتي الْحَنْبَلِيّ الْمصْرِيّ خَاتِمَة المعمرين الْبركَة الْعُمْدَة ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ الْكتب السِّتَّة وَغَيرهَا من كتب الحَدِيث وروى المسلسل بالأولية عَن الْجمال يُوسُف بن القَاضِي زَكَرِيَّا وعلوم الحَدِيث عَن الشَّمْس الشَّامي صَاحب السِّيرَة تلميذ السُّيُوطِيّ وَمن مشايخه فِي فقه مذْهبه وَالِده وجده والتقى الفتوحي الْحَنْبَلِيّ صَاحب مُنْتَهى الارادات وَأَخُوهُ عبد الرَّحْمَن ابْنا شيخ الْإِسْلَام الشهَاب أَحْمد بن النجار الفتوحي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين البهوتي الْحَنْبَلِيّ وَغَيرهم وَفِي فقه الإِمَام مَالك الشَّيْخ زين الجيزي وَالشَّيْخ مُحَمَّد الفيشي وَالشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الدَّمِيرِيّ شَارِح الْمُخْتَصر وَالشَّيْخ مُحَمَّد الْخطاب المالكيون وَفِي فقه أبي حنيفَة الشَّيْخ شمس الدّين البرهمتوشي وَأَبُو الْفَيْض السّلمِيّ وَأمين الدّين بن عبد العال وعَلى بن غَانِم الْمَقْدِسِي الحنفيون وَفِي فقه الشَّافِعِي الشَّمْس الْخَطِيب الشربيني وَالشَّمْس العلقمي شَارِح الْجَامِع الصَّغِير وَالشَّيْخ ولي الدّين الضَّرِير شَارِح التَّنْبِيه فِي أَربع مجلدات وَعنهُ أَخذ جمع مِنْهُم مَنْصُور بن يُونُس البهوتي وَعبد الْبَاقِي الْحَنْبَلِيّ الدِّمَشْقِي وَكَانَ فِي سنة أَرْبَعِينَ وَألف مَوْجُودا فِي الْأَحْيَاء عبد الرَّحْمَن الْمحلي الشَّافِعِي نزيل دميا الشَّيْخ الْمُحَقق التَّحْرِير مُحَرر الْعبارَات الفهامة الدَّقِيق النّظر الْقوي التَّرْجِيح والفكرة كَانَ غَايَة فِي لطافة الْأَخْلَاق وَحسن الْعشْرَة والمحاورة (يكَاد من رقة الْأَلْفَاظ يحملهُ ... روح النسيم وبرق السّمع يخطفه) (قدر حَتَّى إِذا الوحل من أدب ... فِي طرف ذِي رمد مَا كَانَ يطرفه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 مولده الْمحلة الْكُبْرَى وَهِي قَصَبَة الغربية من مصر وَقدم الْقَاهِرَة واشتغل بِالْعلمِ وجد فِيهِ وَأخذ عَن الزين عبد الرَّحْمَن اليمني ومحيى الدّين بن شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّاء والنور على الْحلَبِي وَالشَّمْس مُحَمَّد الشَّوْبَرِيّ وَصَحب النُّور الشبراملسي وَاقْتصر عَلَيْهِ من بَين شُيُوخه ولازمه وَصَارَ الشبراملسي لَا يصدر إِلَّا عَن رَأْيه وَمن غَرِيب مَا اتّفق لَهُ مَعَه أَن الشبراملسي كَانَ يحضر دروس الشَّمْس الشَّوْبَرِيّ لكَونه أسن مِنْهُ وَكَانَ الشَّمْس الْمَذْكُور يعْتَقد زِيَادَة فضل الشبراملسي وَيكثر المطالعة لأَجله ويمعن النّظر فِي تَحْرِير الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة وَكَانَ مَعَ مزِيد جلالته إِذا توقف فِي أثْنَاء مطالعته فِي شَيْء وَلم يظْهر الْجَواب عَنهُ يكْتب عَلَيْهِ ويعرضه على الشبراملسي فَيُجِيبهُ عَنهُ وَكَانَ الشبراملسي من دقة النّظر بمَكَان فَلَمَّا رأى الْمحلى ذَلِك منع الشبراملسي من حُضُور درس الشَّوْبَرِيّ وَحلف عَلَيْهِ بِاللَّه سُبْحَانَهُ أَنه لَا يحضرهُ فحاول أَن يخلصه من الْيَمين فَلم يقدر وَلم تطب نَفسه أَن يتكدر مِنْهُ خاطره لما تقدم من شدَّة انقياده إِلَيْهِ فَترك حُضُور الدَّرْس وَبلغ ذَلِك الشَّوْبَرِيّ فتألم غَايَة التألم وَظهر مِنْهُ التَّغَيُّر الشَّديد على الْمحلى ودعا عَلَيْهِ بدعوات مِنْهَا أَن الله سُبْحَانَهُ يقطعهُ عَن جَامع الْأَزْهَر كَمَا قطع الشبراملسي عَن حُضُور درسه فَاسْتَجَاب الله سُبْحَانَهُ دعاءه وَهَاجَر من الْجَامِع الْأَزْهَر بِغَيْر سَبَب وَلم يطب لَهُ الْمكْث فِي مصر وَتوجه إِلَى دمياط وَأقَام بهَا وَلم يرْزق فِيهَا حظاً فِي دروسه مَعَ أَنه أفضل من فِيهَا من علمائها وَله مؤلفات ورسائل كَثِيرَة مِنْهَا حَاشِيَة على تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ وَكَانَت وَفَاته بدمياط فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف كَذَا رَأَيْته بِخَط الْأَخ الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله عبد الرَّحِيم بن أبي بكر بن حسان الْمَكِّيّ الْحَنَفِيّ الإِمَام الْعَالم الْفَقِيه المفنن كَانَ محمدثاً فَقِيها نَحْو يَا مشاركاً فِي عُلُوم كَثِيرَة ورعًا تقياً مثابراً على الِاشْتِغَال بِالْعلمِ محباً لأَهله طَاهِر النَّفس سريع التَّأْثِير فِي طبائع التلامذة قريب الإنتاج لَهُم بِحَيْثُ أَن علمه يلقح الطّلع كَمَا يلقح الطّلع وَكَانَ نفع الله تَعَالَى بِهِ لَا يحضر المحافل وَلَا يفنى وَعِنْده انجماع عَن النَّاس وَعدم معرفَة بِأُمُور الدُّنْيَا بمعزل عَن طلب الرياسة وَالدُّخُول فِي المناصب مُقبلا على الِاشْتِغَال بِالْعلمِ ونفع النَّاس ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن شُيُوخ الْحَرَمَيْنِ مِنْهُم سِيبَوَيْهٍ زَمَانه عبد الله الفاكهي والعلامة أَحْمد بن حجر الهيثمي وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن فَهد وَغَيرهم وَعنهُ الإِمَام عبد الْقَادِر الطَّبَرِيّ وَعبد الرَّحْمَن المرشدي وَغَيرهمَا وَمن فَوَائده أَنه سُئِلَ عَن إِعْرَاب قَوْله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله إِن مَا مَوْصُول اسْمِي وَمَا بعده صلَة وَلَا عَائِد يربطها بالموصول لَا لفظا وَهُوَ ظَاهر وَلَا تَقْديرا لِأَن ذَلِك الْعَائِد إِمَّا أَن يقدر ضميراً مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا وَلَا سَبِيل إِلَى الأول لمرجوحية اتِّصَال ضميري النصب إِذا اتحدا رُتْبَة وَاخْتلفَا لفظا كَقَوْلِه إِنَّا لَهما قفوا كرم وَالِد وَلَا إِلَى الثَّانِي لِأَن الْعَائِد الْمَنْصُوب لَا يحذف إِذا كَانَ ضميراً مُنْفَصِلا فَأجَاب بقوله الْعَائِد إِلَى مَا الموصولة ضمير مَحْذُوف يقدر مُنْفَصِلا مُؤَخرا عَن عَامله أَي بِالَّذِي آتَاهُم الله إِيَّاه وَقَول السَّائِل لِأَن الْعَائِد الْمَنْصُوب لَا يحذف إِذا كَانَ ضميراً مُنْفَصِلا لَيْسَ على إِطْلَاقه انْتهى وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى عبد الرَّحِيم بن إسكندر أحد الموَالِي الرومية كَانَ عَالما حسن الْأَخْلَاق ورد الشَّام قَدِيما مَعَ بعض قضاتها وَأخذ بهَا عَن الْبَدْر الْغَزِّي وَحضر دروسه ثمَّ ولي قَضَاء الشَّام فِي سنة تسع بعد الْألف وَقدم إِلَيْهَا وَكَانَ دينا عفيفاً جميل السِّيرَة وَفِيه تعطف ومحبة للْعُلَمَاء والصلحاء وَلم يقم بِدِمَشْق إِلَّا شهرا وَاحِدًا ثمَّ انْفَصل عَنْهَا وسافر فِي شهر ربيع الأول وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الثَّانِي وَهُوَ ذَاهِب فِي الطَّرِيق بِمَدِينَة أركله رَحمَه الله تَعَالَى عبد الرَّحِيم بن تَاج الدّين بن أَحْمد بن محَاسِن الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ تقدّم أَبوهُ فِي حرف التَّاء وَعبد الرَّحِيم هَذَا ولد بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا ودأب فِي التَّحْصِيل حَتَّى تفوّق فِي عنفوان عمره وَكَانَ فَاضلا أديباً ذكياً قوي الحافظة يحتوي على فنون وَكَانَ فِي الْحسن إِلَيْهِ النِّهَايَة ورحل بِهِ أَبوهُ إِلَى الْقَاهِرَة فَأخذ بهَا الْفِقْه عَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الطوري مفتي الْحَنَفِيَّة وَالشَّيْخ مُحَمَّد المحبي الْحَنَفِيّ حكى لي أَخُوهُ الشَّيْخ الإِمَام إِسْمَاعِيل الْخَطِيب بِجَامِع دمشق قَالَ كَانَ إِذا جَاءَ إِلَى حَلقَة المحبي يَأْمُرهُ أَن يجلس خَلفه ويدير ظَهره إِلَى ظَهره وَيَقُول المحبي إِنَّمَا أفعل ذَلِك صِيَانة لوجهه عَن أَن يرَاهُ أحد قلت وَمثل هَذَا يرْوى عَن الإِمَام أبي حنيفَة مَعَ الإِمَام مُحَمَّد وَحكى لي أَيْضا أَنه كَانَ يحفظ كتبا عدّة من جُمْلَتهَا تَارِيخ ابْن خلكان وامتحن فِيهِ مَرَّات فَظهر أَنه متقن حفظه وَكَانَ يكْتب الْخط الْحسن وَيَرْمِي بِالسِّهَامِ رمياً جيدا ويعوم وَله معرفَة باللغة الفارسية وَبلغ مَا بلغ من هَذِه الغايات وَسنة لم يبلغ الْعشْرين وَحكى لي أَخُوهُ الْمَذْكُور قَالَ كَانَ إِذا فرغ من دروسه جَاءَ إِلَى الْمنزل وَأخذ يلْعَب لعب الصّبيان الْمَعْرُوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 فَكَانَ عَمه أَبُو الصَّفَا يَقُول لَهُ أيجمل بك هَذَا وَأَنت فِي هَذِه المثابة من الِاشْتِغَال فَكَانَ يَقُول أَنا قصدي أَن أوفي الصباوة حَقّهَا قلت وَمثل هَذَا يحْكى عَن الرئيس أبي عَليّ بن سيناء وَرَأَيْت بِخَط عبد الرَّحِيم المترجم مجموعاً مُشْتَمِلًا على قصائد ومقطعات من بواكير طبعه فاخترت مِنْهَا اللَّائِق بكتابي هَذَا فَمن ذَلِك قَوْله فِي الْغَزل (ملت العذال من عذلي وَمَا ... ملّ جفناك من الفتك بقلبي) (لَو رآك النَّاس بِالْعينِ الَّتِي ... أَنا رائيك بهَا مَا ازْدَادَ كربي) (واستراح الْقلب من عذلهم ... إِن طول العذل دَاء للمحب) (بل وَلَو كَانَ بهم مثل الَّذِي ... بفؤادي لم يمت شخص بنحب) وَقَوله (لي فؤاد على المودّة بَاقِي ... لم يزغ عَن تذكر الْمِيثَاق) (غير أَن البعاد جَار عَلَيْهِ ... فبراه وَلم يدع مِنْهُ بَاقِي) (وجفون جَفتْ لذيذ كراها ... واستفاضت بمدمع غيداق) (كلما طَال عهدها طَال مِنْهَا ... مدمع يرتقي وَلَيْسَ براقي) (إِن درّاً أودعتموه بأذني ... درّ مذ بنتم من الآماق) معنى الْبَيْت الْأَخير مطروق وَمِمَّا استحسنته من شعره قَوْله (تطاولت الْخمر اختباراً لعقلنا ... فَقَالَت لنا إِنِّي كجفنية أكسر) (فبادرها الْإِنْكَار منا لقولها ... على أننا بِالْحَقِّ وَالله ننكر) (فرقت لنعفو واستحت فلأجل ذَا ... نرى وَجههَا يبود لنا وَهُوَ أَحْمَر) وعَلى ذكر استحياء الْخمر تذكرت لَطِيفَة وَهِي أَن بعض الظرفاء كَانَ يسْتَعْمل الشَّرَاب سرا وَكَانَ عَلَيْهِ حجر من وَالِده فَمَا زَالَ وَالِده يتبعهُ إِلَى أَن لقِيه يَوْمًا وَمَعَهُ قنينة خمر فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا قَالَ لبن قَالَ وَيحك اللَّبن أَبيض وَهَذَا أَحْمَر قَالَ صدقت لما رآك خجل واستحى واحمرّ وقبح الله من لَا يستحي فَخَجِلَ وَانْصَرف وخلاه وَمن مقاطيعه قَوْله (أَسِير وقلبي عنْدكُمْ لست عَالما ... بِمَا فِيهِ هاتيك اللواحظ تصنع) (وَمَا زلت مشتاقاً لطيف خيالكم ... وَأَنِّي من الدُّنْيَا بذلك أقنع) وَقَوله على أسلوب أَبْيَات الحريري يَا خَاطب الدُّنْيَا الدنيه وَفِيه التَّصْرِيح (يَا من نأى متجبراً يَا جاني ... صيرتني متحيراً فِي شاني) (هلا وَقد أبعدتني وقليتني ... أرْسلت طيفك فِي الْكرَى يلقاني) (أمْطرت مني عِبْرَة هِيَ عِبْرَة ... فضحت هوى متستراً بجناني) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 وَمِمَّا يستجاد لَهُ قَوْله (قَالَ العذول دع الَّذِي فِي حبه ... عَيْنَاك قد سمحت بدمع هامع) (فأجبته إِن كنت لست بناظر ... هَذَا الغزال فلست مِنْك بسامع) ونقلت من خطه قَالَ رَأَيْت فِي آخر الكلستان للشَّيْخ سعدي مَا مَعْنَاهُ سُئِلَ بَعضهم عَن الْيَد الْيُمْنَى مَا بالها مَعَ فَضلهَا الجزيل وكراماتها الْمَعْلُومَة لم يوضع فِيهَا الْخَاتم وَوضع فِي الشمَال قَالَ فنظمت هَذَا الْمَعْنى فِي بَيْتَيْنِ (إِن الْفَتى الْعَالم مَعَ علمه ... ترَاهُ محروماً من الْعَالم) (مثل الْيَد الْيُمْنَى لفضل بهَا ... قد منعت من زِينَة الْخَاتم) ثمَّ ناقضته بِقَوْلِي (تالله مَا ذَاك مخل بهَا ... بل شرفت من وَاحِد رَاحِم) (وَإِنَّمَا الْفضل لَهَا زِينَة ... بِهِ اغتنت عَن زِينَة الْخَاتم) قلت والتختم باليسرى إِنَّمَا حدث فِي وقْعَة صفّين حِين خطب عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَ أَلا أَنِّي خلعت الْخلَافَة من عَليّ كخلع خَاتمِي هَذَا من يَمِيني وجعلتها فِي مُعَاوِيَة كَمَا جعلت هَذَا فِي يساري فَبَقيت سنة عَمْرو بَين الْعَامَّة إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَأما النَّبِي وَكَذَا الْخُلَفَاء الراشدون بعده فَكَانُوا يتختمون بِالْيَمِينِ وَقد ذكر فقهاؤنا مِنْهُم الْبر جندي فِي الرَّهْن منكشف الْبَزْدَوِيّ أَنه يتختم باليسرى وَقيل باليمني إِلَّا أَنه شعار الروافض فَيجب التَّحَرُّز عَنهُ قَالَ شَيخنَا الْعلَا الحصفكي فِي شرح الْمُلْتَقى وَلَا شُعُور لنا بِهَذَا الشعار فِي هَذِه الْأَمْصَار فنتبع أَمر الْمُخْتَار يَعْنِي فِي الحَدِيث أَفعَلهَا فِي يَمِينك إِذْ ثَبت الْخِيَار كَمَا جزم بِهِ بعض الأخيار وَالَّذِي رَأَيْته فِي الكلستان أَن أول من وضع الْخَاتم فِي الْيَد جمشيد الْملك فَقيل لَهُ لم وَضعته فِي الشمَال وَلم تضعه فِي الْيَمين فَقَالَ أما الْيَمين فزينتها كَونهَا يَمِينا فَقيل لأي شَيْء وَضعته فِي الْخِنْصر فَقَالَ جبرا لَهَا لِأَن مَا عَداهَا كبرهاز ينقلها وَقيل لبَعْضهِم لماذا حرمت الْيَمين من الْخَاتم فَقَالَ أهل الْفضل محرومون وَمَا أحسن قَول الشَّيْخ أبي عَامر الْفضل التَّمِيمِي الْجِرْجَانِيّ (تختم فِي الْيَسَار فلست تلقى ... طراز الْكمّ إِلَّا فِي الْيَسَار) (وَمَا نَقَصُوا الْيَمين بِهِ وَلَكِن ... لِبَاس الزين أولى بالصغار) (لذاك ترى إِلَّا بأهم عاطلات ... وَهن على الأكف من الْكِبَار) وَقد عرفت الحَدِيث فَكل هَذَا غَفلَة عَنهُ وَكَانَت ولادَة عبد الرَّحِيم هَذَا بِدِمَشْق فِي سنة عشر بعد الْألف وَتُوفِّي بِالْقَاهِرَةِ مطعونا فِي سنة سبع وَعشْرين وَألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 رَحمَه الله تَعَالَى عبد الرَّحِيم بن عبد المحسن بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الشعراني الْمصْرِيّ نزيل قسطنطينية وَهُوَ وَالِد قَاضِي الْقُضَاة أبي السُّعُود الْمُقدم ذكره وَكَانَ من أجلاء عُلَمَاء عصره ولد بِمصْر وَقَرَأَ وَحصل بهَا وَأجل أشياخه قَرِيبه القطب الرباني الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الشعراني صَاحب العهود وَغَيرهَا وَصَحب الْأُسْتَاذ مُحَمَّد الْبكْرِيّ وَكَانَ كثير الْمُلَازمَة لَهُ شَدِيد الإتصال بِهِ وَكَانَ يَقع لَهُ مَعَه أَحْوَال ومكاشفات حدث بِكَثِير مِنْهَا ثمَّ رَحل إِلَى الرّوم وتوطنها وَولي قَضَاء الْحَرَمَيْنِ ثمَّ تقاعد بمدرسة السُّلْطَان أَحْمد وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن وَله حافظة قَوِيَّة فِي أَنْوَاع الْفُنُون وَله تآليف مِنْهَا رسَالَته الَّتِي سَمَّاهَا أيقاظ الْوَسْنَان من سنته فِي بَيَان آل الْمَوْصُول وصلته نَحْو ثَلَاثَة كراريس وَله شعر قَلِيل مِنْهُ قَوْله (يَا سيد الرُّسُل وَمن جوده ... لكل خلق الله مسترسل) (أَنْت الَّذِي خصك رَبِّي بِمَا ... لم يحصر المزبر وَالْمقول) (وإنني عَبدك من جرمه ... لفكر ذِي اللب الذكي يذهل) (قد جِئْت أبغي تَوْبَة ينمحي ... عني بهَا الْوزر الَّذِي يثقل) (والستر فِي ديني وَأَهلي وَمن ... يحويه ببيتي أَو بِهِ ينزل) (فَأَنت بَاب الله أَي امْرِئ ... أَتَاهُ من غَيْرك لَا يدْخل) وَقد ضمن الْبَيْت الْأَخير من قصيدة الْأُسْتَاذ الْبكْرِيّ الْمَذْكُور الَّتِي أَولهَا (مَا أرسل الرَّحْمَن أَو يُرْسل ... من رَحْمَة تصعد أَو تنزل) وَرَأَيْت بِخَط السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الْقُدسِي الدِّمَشْقِي قَالَ أَنْشدني الْعَلامَة عبد الرَّحِيم الشعراني هَذِه الأبيات وَلست أَدْرِي أَهِي لَهُ أم لغيره وَهِي (كَاتب فِي السَّابِق كسْرَى قَيْصر ... بِمَا استقام ملككم وَالظفر) (فَقَالَ قد دَامَ لنا الْوَلَاء ... بِخَمْسَة طَابَ بهَا الهناء) (إِن استشرنا فذوي الْعُقُول ... وَإِن تولى فذوي الْأُصُول) (وَلَيْسَ فِي وعد وَلَا وَعِيد ... تخَالف القَوْل على التَّأْبِيد) (وَإِن نعاقب فعلى قدر السَّبَب ... من الذُّنُوب لَا على قدر الْغَضَب) (وَلَا نقدم الشَّبَاب مُطلقًا ... على الشُّيُوخ فِي وَلَاء أطلقا) وَكَانَت وَفَاته فِي الثُّلُث الأول من اللَّيْل بعد فَرَاغه من صَلَاة الْعشَاء بعد أَن قَرَأَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 سُورَة الْملك فِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشرى رَجَب سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف بقسطنطينية الرّوم عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد مفتي الدولة العثمانية الْمُحَقق الشهير أحد أَعْيَان عُلَمَاء الزَّمَان الَّذين ابتهجت بهم الْأَوْقَات وتزينت بحلى مآثرهم الْأَيَّام رَحل فِي مبدأ أمره من بَلَده ادنه إِلَى بِلَاد الأراد وَقَرَأَ بهَا الْعُلُوم الْحكمِيَّة والرياضية والطبيعية والإلهية على الْمولى أَحْمد المنجلي وَالْمولى حُسَيْن الخلخالي وَالْمولى مُحَمَّد أَمِين بن صدر الدّين الشرواني وفَاق فِي الْمعرفَة والاتقان ثمَّ اعتني بتتميم الْمَادَّة حَتَّى اجْتمع فِيهِ من الْفُنُون مَا لم يجْتَمع فِيمَا سواهُ مِمَّن عاصره وَكَانَ فِي جَمِيع أجواله مثابراً على التَّحْصِيل لَا يمل وَلَا يفتر وَحكى لي بعض من لَقيته من عُلَمَاء الرّوم قَالَ كَانَ كثيرا مَا ينْقل أمرا عجيباً وَقع لَهُ فِي إبان طلبه ويعجب مِنْهُ وَذَلِكَ أَن أحد أساتذته كَانَ امتحنه بِعِبَارَة وَأَظنهُ قَالَ إِنَّهَا فِي التَّفْسِير وَقَالَ لي اذْهَبْ هَذِه اللَّيْلَة إِلَى حجرتك ودقق النّظر فِي هَذَا الْمحل وَفِي غَد أَتكَلّم مَعَك فِيهِ قَالَ فَذَهَبت إِلَى حُجْرَتي وَكَانَ رجل من سكان الْمدرسَة الَّتِي كَانَ مسكني فِيهَا يتَرَدَّد إِلَيّ ويخدمني فَوضعت الكاغد قدامي وَجَلَست أنظر فِيهِ وَكَانَ ذَلِك الرجل يأتيني بالمأكل وَالْمشْرَب فأستعمل مِنْهُ وحررت على ذَلِك الْمحل رِسَالَة من أنفس مَا يكون ثمَّ جَاءَنِي الرجل وَقَالَ لي حَسبك من هَذَا النّظر فَسَأَلته عَن الْوَقْت فَقَالَ لي الْيَوْم كَذَا وَأَنت لَك الْآن عشرَة أَيَّام على هَذِه الْحَالة قَالَ فَقُمْت وَأَنا متعجب فِي ذَلِك وفكرت فِيمَا قَالَه فرأيته حَقًا وَمثل هَذَا لَا يستبعد عَن مثله وَبعد مَا برع رَحل إِلَى الرّوم وَحكى وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته قَالَ لما وردهَا لم يجد بهَا من يعرفهُ فاضطرب ثمَّ ذهب إِلَى جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد فَرَأى رجلا من سكان الْمدَارِس الثمان فَأنى بِهِ ثمَّ دَعَاهُ الرجل إِلَى حجرته وَبَات عِنْده تِلْكَ اللَّيْلَة وانجر مَعَه فِي أثْنَاء المكالمة إِلَى ذكر مَا وَقع لَهُ من الوحشة وشكى إِلَيْهِ رقة حَاله فسلاه ثمَّ قَالَ لَهُ إِنِّي كنت الْيَوْم عِنْد الْمولى عبد الْعَزِيز بن الْمولى سعد الدّين فَذكر أَن وَلَده مُحَمَّد البهائي قد تهَيَّأ للمذاكرة واستعد للْقِرَاءَة وَطلب مني استاذاً فلعلك تكون ذَلِك فانجلى عَن صَاحب التَّرْجَمَة مَا كَانَ يجده من الْغم وَلما أصبحا توجه الرجل إِلَى الْمولى الْمَذْكُور وأصحب صَاحب التَّرْجَمَة مَعَه وَعرف بِحَالهِ ونوه فصيره الْمولى عبد الْعَزِيز معلما لوَلَده الْمَذْكُور فاهتم بتعليمه الْفُنُون حَتَّى نبل وساد ثمَّ بعد مُدَّة لَازم على قاعدتهم من الْمولى الْمشَار إِلَيْهِ وَحج فِي خدمته سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 خمس وَعشْرين وَألف ودرس بعد ذَلِك بمدارس الطَّرِيق وَأخذ عَنهُ الجم الْغَفِير مِنْهُم الْمُحَقق الْكَبِير الْمولى مصطفى البولوي والعلامة المتقن يحيى المنقاري المفتيان ونما بِهِ حَظه فوصل إِلَى الْمدرسَة السليمانية وَولي مِنْهَا قَضَاء ينكى شهر ثمَّ تقاعد بعد ذَلِك عَن الْقَضَاء وَاخْتَارَ التدريس فوجهت إِلَيْهِ مدرسة السُّلْطَان أَحْمد برتبة قَضَاء قسطنطينية ثمَّ ولي قضاءها اسْتِقْلَالا وَنقل مِنْهَا إِلَى قَضَاء الْعَسْكَر باباطولي فِي سنة خمس وَألف وَلما عزل عَنْهَا أَمر بالتوجه إِلَى بَلَده ادنه بِالْأَمر السلطاني ثمَّ عَاد مِنْهَا بِطَلَب من جَانب السلطنة وَولي قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلي فِي شَوَّال سنة خمس وَخمسين ثمَّ صَار مفتي الدولة فِي سنة سبع وَخمسين وتمكنت قَوَاعِد جاهه فِي الْفتيا واستقل بِأَمْر الدولة حَتَّى كَانَ بِرَأْيهِ قتل السُّلْطَان إِبْرَاهِيم وَقد قَامَ بذلك الْأَمر أتم الْقيام وَأفْتى بقتْله بِنَاء على أَنه انتهك بعض الحرمات وانجر أمره فِي ذَلِك إِلَى غصب بعض نسَاء ذَوَات أَزوَاج ونقم عَلَيْهِ أُمُور غير ذَلِك كلهَا خَارِجَة عَن جادة الشَّرِيعَة فخلعه صَاحب التَّرْجَمَة من السلطنة وَأفْتى بقتْله فَقتل كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي تَرْجَمته وعلت حُرْمَة المترجم بعد ذَلِك وهابه الْخلق ثمَّ عزل عَن الْفتيا وَأمر بالتوجه إِلَى الْحَج فَسَار من الْبَحْر إِلَى مصر وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَخمسين ثمَّ بعد مَا حج عَاد من الطَّرِيق الشَّامي وَنزل بِالْمَدْرَسَةِ السليمانية وَوجه إِلَيْهِ قَضَاء الْقُدس فَتوجه إِلَيْهَا وأزال مِنْهَا بعض أُمُوره مُنكرَة ثمَّ وَجه إِلَيْهِ قَضَاء بلغراد وإفتاؤها فسافر إِلَيْهَا وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي حُدُود سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله عبد الرؤف بن تَاج العارفين بن عَليّ بن زين العابدين الملقب زين الدّين الحدادي ثمَّ الْمَنَاوِيّ القاهري الشَّافِعِي وَقد تقدم ذكر تَتِمَّة نسبه فِي تَرْجَمَة ابْنة زين العابدين الإِمَام الْكَبِير الْحجَّة الثبت الْقدْوَة صَاحب التصانيف السائرة وَأجل أهل عصره من غير ارتياب وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا زاهداً عابداً قَانِتًا لله خَاشِعًا لَهُ كثير النَّفْع وَكَانَ متقرباً بِحسن الْعَمَل مثابراً على التَّسْبِيح والإذكار صَابِرًا صَادِقا وَكَانَ يقْتَصر يَوْمه وَلَيْلَته على أَكلَة وَاحِدَة من الطَّعَام وَقد جمع من الْعُلُوم والمعارف على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وتباين أقسامها مَا لم يجْتَمع فِي أحد مِمَّن عاصره نَشأ فِي حجر وَالِده وَحفظ الْقُرْآن قبل بُلُوغه ثمَّ حفظ الْبَهْجَة وَغَيرهَا من متون الشَّافِعِيَّة وألفية ابْن مَالك وألفية سيرة الْعِرَاقِيّ وألفية الحَدِيث لَهُ أَيْضا وَعرض ذَلِك على مَشَايِخ عصره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 فِي حَيَاة وَالِده ثمَّ أقبل على الِاشْتِغَال فَقَرَأَ على وَالِده عُلُوم الْعَرَبيَّة وتفقه بالشمس الرَّمْلِيّ وَأخذ التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأَدب عَن النُّور عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي وَحضر دروس الاستاذ مُحَمَّد الْبكْرِيّ فِي التَّفْسِير والتصوف وَأخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الغيطي وَالشَّيْخ قَاسم وَالشَّيْخ حمدَان الْفَقِيه وَالشَّيْخ الطبلاوي لَكِن كَانَ أَكثر اخْتِصَاصه بالشمس الرَّمْلِيّ وَبِه برع وَأخذ التصوف عَن جَمِيع وتلقن الذّكر من قطب زَمَانه الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الشعراوي ثمَّ أَخذ طَرِيق الخلوتية عَن الشَّيْخ مُحَمَّد المناخلي أخى عبد الله وأخلاه مرَارًا ثمَّ عَن الشَّيْخ محرم الرُّومِي حِين قدم مصر بِقصد الْحَج وَطَرِيق البيرامية عَن الشَّيْخ حُسَيْن الرُّومِي المنتشوى وَطَرِيق الشاذلية عَن الشَّيْخ مَنْصُور الغيطي وَطَرِيق النقشبندية عَن السَّيِّد الحسيب النسيب مَسْعُود الطاشكندي وَغَيرهم من مَشَايِخ عصره وتقلد النِّيَابَة الشَّافِعِيَّة بِبَعْض الْمجَالِس فسلك فِيهَا الطَّرِيقَة الحميدة وَكَانَ لَا يتَنَاوَل مِنْهَا شَيْئا ثمَّ رفع نَفسه عَنْهَا وَانْقطع عَن مُخَالطَة النَّاس وانعزل فِي منزله وَأَقْبل على التَّأْلِيف فصنف فِي غَالب الْعُلُوم ثمَّ ولي تدريس الْمدرسَة الصالحية فحسده أهل عصره وَكَانُوا لَا يعْرفُونَ مزية عمله لانزوائه عَنْهُم وَلما حضر الدَّرْس فِيهَا ورد عَلَيْهِ من كل مَذْهَب فضلاؤه منتقدين عَلَيْهِ وَشرع فِي إقراء مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَنصب الجدل فِي الْمذَاهب وَأتي فِي تَقْرِيره بِمَا لم يسمع من غَيره فأذعنوا لفضله وَصَارَ إجلاء الْعلمَاء يبادرون لحضوره وَأخذ عَنهُ مِنْهُم خلق كثير مِنْهُم الشَّيْخ سُلَيْمَان البابلي وَالسَّيِّد إِبْرَاهِيم الطاشكندي وَالشَّيْخ عَليّ الأَجْهُورِيّ وَالْوَلِيّ المعتقد أَحْمد الْكَلْبِيّ وَولده الشَّيْخ مُحَمَّد وَغَيرهم وَكَانَ مَعَ ذَلِك لم يخل من طَاعن وحاسد حَتَّى دس عَلَيْهِ السم فتوالي عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك نقص فِي أَطْرَافه وبدنه من كَثْرَة التَّدَاوِي وَلما عجز صَار وَلَده تَاج الدّين مُحَمَّد يستملي مِنْهُ التآليف ويسطرها وتآليفه كَثِيرَة مِنْهَا تَفْسِيره على سُورَة الْفَاتِحَة وَبَعض سُورَة الْبَقَرَة وَشرح على شرح العقائد للسعد التَّفْتَازَانِيّ سَمَّاهُ غَايَة الْأَمَانِي لم يكمل وَشرح على نظم العقائد لِابْنِ أبي شرِيف وَشرح على الْفَنّ الأول من كتاب النقاية للجلال السُّيُوطِيّ وَكتاب سَمَّاهُ أَعْلَام الْأَعْلَام بأصول فني الْمنطق وَالْكَلَام وَشرح على متن النخبة كَبِير سَمَّاهُ نتيجة الْفِكر وَآخر صَغِير وَشرح على شرح النخبة سَمَّاهُ اليواقيت والدرر وَشرح عَليّ الْجَامِع الصَّغِير ثمَّ اخْتَصَرَهُ فِي أقل من ثلث حجمه وَسَماهُ التَّيْسِير وَشرح قِطْعَة من زَوَائِد الْجَامِع الصَّغِير وَسَماهُ مِفْتَاح السَّعَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 بشرح الزياد وَله كتاب جمع فِيهِ ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث وَبَين مَا فِيهِ من الزِّيَادَة على الْجَامِع الْكَبِير وعقب كل حَدِيث بِبَيَان رتبته وَسَماهُ الْجَامِع الْأَزْهَر من حَدِيث النَّبِي الأنور وَكتاب آخر فِي الْأَحَادِيث الْقصار عقب كل حَدِيث بِبَيَان رتبته سَمَّاهُ الْمَجْمُوع الْفَائِق من حَدِيث خَاتِمَة رسل الْخَلَائق وَكتاب انتقاه من لِسَان الْمِيزَان وَبَين فِيهِ الْمَوْضُوع وَالْمُنكر والمتروك والضعيف ورتبه كالجامع الصَّغِير وَكتاب فِي الْأَحَادِيث الْقصار جمع فِيهِ عشرَة آلَاف حَدِيث فِي عشر كراريس كل كراسة ألف حَدِيث كل حَدِيث فِي نصف سطر يقْرَأ طرداً وعكساً سَمَّاهُ كنز الْحَقَائِق فِي حَدِيث خير الْخَلَائق وَشرح على نبذة شيخ الْإِسْلَام الْبكْرِيّ فِي فضل لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَكتاب فِي فضل لَيْلَة الْقدر سَمَّاهُ أسفار الْبَدْر عَن لَيْلَة الْقدر وَشرح على الْأَرْبَعين النووية ورتب كتاب الشهَاب الْقُضَاعِي وَشَرحه وَسَماهُ إمعان الطلاب بشرح تَرْتِيب الشهَاب وَله كتاب فِي الْأَحَادِيث القدسية وَشرح الْكتاب الْمَذْكُور وَشرح الْبَاب الأول من الشفا وَشرح الشمايل لِلتِّرْمِذِي شرحين أَحدهمَا مزج وَالْآخر قولات لكنه لم يكمل وَشرح ألفية السِّيرَة لجده الْعِرَاقِيّ شرحين أَحدهمَا قولات وَالْآخر مزج سَمَّاهُ الفتوحات السبحانية فِي شرح نظم الدُّرَر السّنيَّة فِي السِّيرَة الزكية وَشرح الخصائص الصُّغْرَى للجلال السُّيُوطِيّ شرحين صَغِير سَمَّاهُ فتح الرؤف الْمُجيب بشرح خَصَائِص الحبيب وَشرح كَبِير سَمَّاهُ توضيح فتح الرؤف الْمُجيب وَاخْتصرَ شمائل التِّرْمِذِيّ وَزَاد عَلَيْهِ أَكثر من النّصْف وَسَماهُ الرَّوْض الباسم فِي شمايل الْمُصْطَفى أبي الْقَاسِم وَخرج أَحَادِيث القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ وَكتاب الْأَدْعِيَة المأثورة بالأحاديث المأثورة وَكتاب آخر سَمَّاهُ بالمطالب الْعلية فِي الْأَدْعِيَة الزهية وَكتاب فِي اصْطِلَاح الحَدِيث سَمَّاهُ بغية الطالبين لمعْرِفَة اصْطِلَاح الْمُحدثين وَشرح على وَرَقَات إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَآخر على وَرَقَات شيخ الْإِسْلَام ابْن أبي شرِيف وَاخْتصرَ التَّمْهِيد للأسنوي لكنه لم يكمله وَله كتاب فِي الْأَوْقَاف سَمَّاهُ تيسير الْوُقُوف على غوامض احكام الْوُقُوف وَهُوَ كتاب لم يسْبق إِلَى مثله وَشرح زبد ابْن أرسلان الَّتِي نظم فِيهَا أَرْبَعَة عُلُوم أصُول الدّين وأصول الْفِقْه وَالْفِقْه والتصوف وَسَماهُ فتح الرؤف الصَّمد بشرح صفوة الزّبد وَشرح التَّحْرِير لشيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا سَمَّاهُ إِحْسَان التَّقْرِير بشرح التَّحْرِير ثمَّ شرح نظمه للعمريطي بالتماس بعض الْأَوْلِيَاء وَسَماهُ فتح الرؤف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 الْخَبِير بشرح كتاب التَّيْسِير نظم التَّحْرِير وصل فِيهِ إِلَى كتاب الْفَرَائِض وكمله ابْنه تَاج الدّين مُحَمَّد وَشرح على عماد الرضي فِي آدَاب الْقَضَاء سَمَّاهُ فتح الرؤف الْقَادِر لعَبْدِهِ هَذَا الْعَاجِز الْقَاصِر وَشرح على الْعباب سَمَّاهُ اتحاف الطلاب بشرح كتاب الْعباب انْتهى فِيهِ إِلَى كتاب النِّكَاح وحاشية عَلَيْهِ لكنه لم يكملها وَشرح على الْمنْهَج انْتهى فِيهِ إِلَى الضَّمَان وحاشية على شرح الْمنْهَج لم تكمل وَكتاب فِي أَحْكَام الْمَسَاجِد سَمَّاهُ تَهْذِيب التسهيل وَكتاب فِي مَنَاسِك الْحَج على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة سَمَّاهُ اتحاف الناسك بِأَحْكَام الْمَنَاسِك وَشرح على الْبَهْجَة الوردية سَمَّاهُ الْفَتْح السماوي بشرح بهجة الطَّحَاوِيّ ثمَّ اخْتَصَرَهُ فِي نَحْو ثلث حجمه وَكِلَاهُمَا لم يكمل وَكتاب فِي أَحْكَام الْحمام الشَّرْعِيَّة والطبية سَمَّاهُ النزهة الزهية فِي أَحْكَام الْحمام الشَّرْعِيَّة والطبية وَشرح على هَدِيَّة الناصح للشَّيْخ أَحْمد الزَّاهِد لكنه لم يكمل وَشرح على تَصْحِيح الْمِنْهَاج سَمَّاهُ الدّرّ المصون فِي تَصْحِيح القَاضِي ابْن عجلون لكنه لم يكمل وَشرح على مُخْتَصر الْمُزنِيّ لم يكمل وَاخْتصرَ الْعباب وَسَماهُ جمع الْجَوَامِع وَلم يكمل وَكتاب فِي الألغاز والحيل سَمَّاهُ بُلُوغ الأمل بِمَعْرِِفَة الألغاز والحيل وَكتاب فِي الْفَرَائِض وَشرح على الشمعة المضية فِي علم الْعَرَبيَّة للسيوطي سَمَّاهُ المحاضر الوضية فِي الشمعة المضية وَكتاب جمع فِيهِ عشرَة عُلُوم أصُول الدّين وأصول الْفِقْه والفرائض والنحو والتشريح والطب والهيئة وَأَحْكَام النُّجُوم والتصوف وَكتاب فِي فضل الْعلم وَأَهله وَكتاب اختصر فِيهِ الْجُزْء الأول من الْمُبَاح فِي علم الْمِنْهَاج للجلدكي وَشرح على الْقَامُوس انْتهى فِيهِ إِلَى حرف الذَّال وَاخْتصرَ الأساس ورتبه كالقاموس وَسَماهُ أَحْكَام الأساس وَكتاب الْأَمْثَال وَكتاب سَمَّاهُ عماد البلاغة وَكتاب فِي أَسمَاء الْبلدَانِ وَكتاب فِي التعاريف سَمَّاهُ التَّوْقِيف على مهمات التعاريف وَكتاب فِي أَسمَاء الْحَيَوَان سَمَّاهُ قُرَّة عين الْإِنْسَان بِذكر أَسمَاء الْحَيَوَان وَكتاب فِي أَحْكَام الْحَيَوَان سَمَّاهُ الْإِحْسَان بِبَيَان أَحْكَام الْحَيَوَان وَكتاب فِي الْأَشْجَار سَمَّاهُ غَايَة الْإِرْشَاد إِلَى معرفَة أَحْكَام الْحَيَوَان والنبات والجماد وَكتاب فِي التَّفْصِيل بَين الْملك وَالْإِنْسَان وَكتاب الْأَنْبِيَاء سَمَّاهُ فردوس الْجنان فِي مَنَاقِب الْأَنْبِيَاء الْمَذْكُورين فِي الْقُرْآن وَكتاب الطَّبَقَات الْكُبْرَى سَمَّاهُ الْكَوَاكِب الدرية فِي تراجم السَّادة الصُّوفِيَّة وَكتاب الصفوة بمناقب بَيت آل النُّبُوَّة وأفرد السيدة فَاطِمَة بترجمة وَالْإِمَام الشَّافِعِي بترجمة وَكَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 الشَّيْخ عَليّ الْخَواص شيخ الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الشعراني وَله شرح على منَازِل السائرين وَحكم ابْن عَطاء الله وترتيب الحكم للشَّيْخ على التقى سَمَّاهُ فتح الحكم بشرح تَرْتِيب الحكم لكنه لم يكمل وَشرح على رِسَالَة ابْن سينا فِي التصوف سَمَّاهُ إرْسَال أهل التَّعْرِيف وَشرح قصيدة العينية وَله شرح على المواقف التقوية لم يكمل وَشرح على رِسَالَة الشَّيْخ ابْن علوان فِي التصوف وَكتاب منحة الطالبين لمعْرِفَة أسرار الطواعين وَكتاب فِي التشريح وَالروح وَمَا بِهِ من صَلَاح الْإِنْسَان وفساده وَكتاب فِي دَلَائِل خلق الْإِنْسَان وَشرح على ألفية ابْن الوردي فِي المنامات وَشرح على منظومة ابْن الْعِمَاد فِي آدَاب الْأكل سَمَّاهُ فتح الرؤف الْجواد وَهُوَ أول كتاب شَرحه فِي الْآدَاب وَكتاب فِي آدَاب الْمُلُوك سَمَّاهُ الْجَوَاهِر المضية فِي بَيَان الْآدَاب السُّلْطَانِيَّة وَكتاب فِي الطِّبّ سَمَّاهُ بغية الْمُحْتَاج إِلَى معرفَة أصُول الطِّبّ والعلاج وَكتاب سَمَّاهُ الدّرّ المنضود فِي ذمّ الْبُخْل ومدح الْجُود وَكتاب فِي تَارِيخ الْخُلَفَاء وَتَذْكِرَة فِيهَا رسائل عَظِيمَة النَّفْع يَنْبَغِي أَن يفرد كل مِنْهَا بالتأليف وَله مؤلفات أخر غير هَذِه وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أعظم عُلَمَاء هَذَا التَّارِيخ آثارا ومؤلفاته غالبها متداولة كَثِيرَة النَّفْع وَلِلنَّاسِ عَلَيْهَا تهافت زَائِد ويتغالون فِي أثمانها وأشهرها شرحاه على الْجَامِع الصَّغِير وَشرح السِّيرَة الْمَنْظُومَة للعراقي وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث وَالْعِشْرين من صفر سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع الْأَزْهَر يَوْم الْجُمُعَة وَدفن بِجَانِب زاويته الَّتِي أَنْشَأَهَا بِخَط الْمقسم الْمُبَارك فِيمَا بَين زاويتي سَيِّدي الشَّيْخ أَحْمد الزَّاهِد وَالشَّيْخ مَدين الأشموني وَقيل فِي تَارِيخ مَوته مَاتَ شَافِعِيّ الزَّمَان رَحمَه الله تَعَالَى عبد السَّلَام بن إِبْرَاهِيم بن إِبْرَاهِيم اللَّقَّانِيّ الْمصْرِيّ الْمَالِكِي الْحَافِظ المتقن الفهامة شيخ الْمَالِكِيَّة فِي وقته بِالْقَاهِرَةِ كَانَ فِي مبدأ أمره على مَا حكى من أهل الْأَهْوَاء المارقين وَلم يتَّفق أَنه رؤى بِمصْر فِي مَكَان إِلَّا فِي درس وَالِده الْبُرْهَان وَكَانَ إِذا انْتهى الدَّرْس ينفقد فَلَا يُوجد ويمضي لما كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ أَبوهُ فتصدر فِي مَكَانَهُ بِجَامِع الْأَزْهَر للتدريس وَنزع عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي أَيَّام شبابه وَظهر مِنْهُ مَا لَا يخمن فِيهِ من الْعلم وَالتَّحْقِيق وَلَزِمَه غَالب الْجَمَاعَة الَّذين كَانُوا يحْضرُون درس وَالِده وانتفع بِهِ خلق كثير وَكَانَ إِمَامًا كَبِيرا مُحدثا باهرا أصوليا إِلَيْهِ النِّهَايَة وَله تآليف حَسَنَة الْوَضع مِنْهَا شرح الْمَنْظُومَة الجزائرية فِي العقائد وَله ثَلَاثَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 شُرُوح على عقيدة وَالِده الْجَوْهَرَة وَكَانَ ذَا شهامة ونفسانية كثير الْخط على عُلَمَاء عصره وَكَانَت لَهُ شدَّة وهيبة لَا سِيمَا فِي دروسه فَكَانَ لَا يقدر أحد من الْحَاضِرين أَن يسْأَله أَو يرد عَلَيْهِ هَيْبَة لَهُ وَكَانَ كبار الْمَشَايِخ من أهل وقته يحترمون ساحته وينقادون لرأيه وَسمعت بعض الْأَشْيَاخ المصريين يَقُول أَنه لَو كَانَ على وتيرة وَالِده من الأكباب على الإفادة لفاته بمراحل على أَنه كَانَ فِي طبقته فضلا ومهابة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الْجُمُعَة خَامِس عشرى شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَحكى شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة يحيى الشاوي المغربي روح الله تَعَالَى روحه أَنه رَآهُ بعد مَوته فِي الْمَنَام فأنشده (حَدثنِي ذَا الْمُصْطَفى ... من لَفظه ألف حَدِيث) (وقصده بحفظها ... سيري إِلَيْهِ بالحثيث) عبد السَّلَام بن عبد النَّبِي المرعشي المولد نزيل دمشق وَأحد أَعْيَان الْجند بِالشَّام كَانَ وَالِده فِي الأَصْل من البوابين بالأبواب السُّلْطَانِيَّة قدم إِلَى دمشق وَصَارَ بهَا رَئِيس المحاضر وتديرها وَلما مَاتَ خلف أَوْلَادًا كَثِيرَة وَكَانَ عبد السَّلَام أكبرهم فانحاز إِلَى خدمَة الْأَمِير فروخ أَمِير الْحَاج الشَّامي وَصَارَ كَاتبا عِنْده وَاسْتمرّ فِي خدمته إِلَى أَن توفّي الْأَمِير الْمَذْكُور بِمَكَّة فأقيم مكانة أَمِيرا وَقدم بالركب إِلَى دمشق ثمَّ قطنها وَصَارَ من الْجند واقتنى دَارا بدرب الْوَزير وَكَانَ فِي بعض الْأَحَايِين يتَرَدَّد إِلَى نابلس لعلاقة كَانَت لَهُ بهَا ثمَّ سَافر إِلَى مصر فِي خدمَة حاكمها دالي حُسَيْن باشا وتقرب إِلَيْهِ فَأَحبهُ وَأَدْنَاهُ وَلما عزل أَصْحَبهُ مَعَه إِلَى الرّوم وسافر مَعَه إِلَى روان وبغداد وَعَاد إِلَى دمشق مُتَوَلِّيًا على أوقاف السُّلْطَان سليم وَصَارَ بعد ذَلِك باش جاويش وَتوجه بِهَذِهِ الْخدمَة إِلَى الْحَج عدَّة سِنِين ثمَّ صَار كتخدا الْجند وتنقل فِي مناصبهم كثيرا حَتَّى اسْتَقر آخرا يياباشيا وَكَبرت دولته وَعلا صيته وانعقد على صدارته الْإِجْمَاع وَلم يكن أحد تعين تعينه فَإِنَّهُ انحصرت فِيهِ أُمُور الشَّام بأجمعها وَتصرف تَصرفا فاعجيبا عَاما بِحَيْثُ لم يُخَالف فِي رَأْي يقترحه وَأنْشد فِيهِ بعض الأدباء هذَيْن الْبَيْتَيْنِ مغيرا لَهما عَن أَصلهمَا وهما (يَا سائلي عَن جلق ... وَمن بهَا من الْأَنَام) (هاك الْجَواب عَاجلا ... عبد السَّلَام وَالسَّلَام) والبيتان أَصلهمَا للشَّيْخ أَحْمد الْمقري قالهما فِي بني الفصين كبراء غَزَّة وَسَيَأْتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 خبرهما فِي تَرْجَمَة الرئيس مُحَمَّد بن الفصين وَكَانَ عبد السَّلَام لما وجهت نِيَابَة الشَّام لمرتضى باشا الكرحي ثَانِيًا فِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَتصرف بهَا متسلمه اضْطربَ لذَلِك اضطرابا شَدِيدا لما كَانَ وَقع لَهُ مَعَه من المعاداة فِي تَوليته الأولى فَأخذ يدبر أَشْيَاء لمدافعته ثمَّ أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى أَن جمع جمعا عَظِيما بالجامع الْأمَوِي وأحضر أَكثر أهل الْبَلدة وَذكر لَهُم ظلمه وَأَشَارَ عَلَيْهِم بِأَن لَا يرضوه حَاكما عَلَيْهِم وَكَانَ نَائِب الشَّام السَّابِق الْمَعْرُوف بالسلاحدار لم يخرج بعد من دمشق وَكَانَ مُقيما بالميدان الْأَخْضَر فَذهب الْقَوْم إِلَيْهِ وأبرموا عَلَيْهِ بِأَن يبْقى نَائِبا وَكَتَبُوا فِي هَذَا الشَّأْن عرُوضا ومحاضر وأرسلوها إِلَى الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة وَخرج متسلم مرتضى باشا هَارِبا وَلما وصل إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الطَّرِيق أرسل إِلَى الْبَاب السلطاني يعلمهُمْ بِمَا وَقع فقرر فِي نِيَابَة الشَّام بِخَط شرِيف فَلم يمكنوه وأظهروا الممانعة وجمعوا جمعا عَظِيما من أوباش الشَّام وعزموا على محاربته وطلعوا إِلَى قَرْيَة دَوْمًا وهم فِي جَيش عَرَمْرَم وَكَانَ مرتضى باشا وصل إِلَى القطيفة فَلَمَّا بلغه خبرهم ولى رَاجعا وَسَار إِلَى أَن وصل إِلَى أدنة وَعَاد الْجمع فِي صَبِيحَة توجههم إِلَى دمشق ثمَّ بعد مُدَّة وجهت نِيَابَة الشَّام إِلَى أَحْمد باشا ابْن الطيار وَأعْطى مرتضى باشا كَفَالَة ديار بكر مَكَانَهُ وَتعين ابْن الطيار إِلَى السّفر السلطاني وَأمر الْعَسْكَر الشَّامي بِالسَّفرِ مَعَه وَكَانَ عبد السَّلَام أحد من تعين للسَّفر فَأرْسل بَدَلا عَنهُ وَلم يُسَافر بِنَفسِهِ خوفًا من إِيقَاع المكيدة بِهِ وانحاز ابْن الطيار إِلَى حسن باشا الْخَارِج على الدولة الْمُقدم ذكره فعزل عَن نِيَابَة الشَّام وَولي مَكَانَهُ عبد الْقَادِر باشا وَقدم إِلَى دمشق وَكَانَ عبد السَّلَام وأحزابه فِي قلق عَظِيم من طرف السلطنة لما فَعَلُوهُ فأرسلوا من جانبهم جمَاعَة لاستعطاف خاطر الدولة عَلَيْهِم وَكَانَ الْأَمر تشدد عَلَيْهِم كثيرا فبرز أَمر السُّلْطَان بقتل عبد السَّلَام ورفيقه عبد الْبَاقِي بن إِسْمَاعِيل كَاتب الْجند وَجَمَاعَة كَثِيرَة من أحزابهما وَورد الْأَمر إِلَى عبد الْقَادِر باشا فَقَتلهُمْ وَضبط جَمِيع أملاكهم وَأَمْوَالهمْ وَكَانَ الَّذِي ضبط شَيْئا كثيرا وخمدت نَار الْفِتْنَة بِقَتْلِهِم وَكَانَ مقتلهم فِي صَبِيحَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن عبد السَّلَام وَعبد الْبَاقِي بمقبرة بَاب الصَّغِير وألحقوا بعد مُدَّة أَيَّام بِجَمَاعَة أُخْرَى قتلوا وَالله أعلم عبد الصَّمد بن عبد الله با كثير اليمني خَاتِمَة مفلقي الشُّعَرَاء بِالْيمن ونابغة الْعَصْر وباقعة الزَّمن يَنْتَهِي نسبه إِلَى كِنْدَة وَهُوَ نسب تقف الفصاحة قَدِيما وحديثا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 عِنْده وَكَانَ كَاتب الْإِنْشَاء للسُّلْطَان عمر بن بدر ملك الشحر وشاعره الَّذِي تنفث فِي مدائحه سحر الْبَيَان وَبَيَان السحر وَله ترسل وإنشاء تصرف فِي إعجازهما كَيفَ شَاءَ وديوان شعره مَشْهُور تتلو محاسنه ألسن الْأَيَّام والشهور وَلم يزل كَاتبا للسطان الْمَذْكُور فِي عَهده ثمَّ لوَلَده عبد الله بن عمر من بعده حَتَّى انْقَضى أَجله وعمره وَهوى من أفق الْحَيَاة قمره فَمن شعره قَوْله من قصيدة (رعيا لأيام تقضت بالحمى ... فرنا بهَا ووشاتنا غفلاء) (جاد الزَّمَان بهَا وأسعفنا بِمن ... نهوى وَلم تشعر بِنَا الرقباء) (وَمنا دمى يدر على غُصْن على ... حقف لَهُ قلبِي العميد خباء) (عذب الْمقبل عاطر الأنفاس درياق ... النُّفُوس شفاهه اللعساء) (متبسم عَن أشنب شنب لَهُ ... مهما تَبَسم فِي الدجى لألاء) (مَا مسك دارين بأطيب نكهة ... مِنْهُ وَقد ضَاعَت لَهُ رِيَاء) (عبر النسيم يجر فضل رِدَائه ... فحبته من كافورها الأنداء) (فتعطرت من طيب فائح نشره ... أَرْوَاحنَا وسرت لَهُ السَّرَّاء) (فسقى الْإِلَه مراتع الغزلان من ... وَادي النقا وهمت بهَا الأنواء) (وتهللت برياضها سحب الحيا ... وسرت عَلَيْهَا دِيمَة وطفاء) (حَتَّى يَرَاهَا الطّرف ابهج رَوْضَة ... فيروقها الأصباح والأمساء) (وَالطير عاكفة بِكُل حديقة ... فَكَأَنَّهَا بلحونها قراء) (وَالرَّوْض مبتهج الحيا فَكَأَنَّمَا ... وَأرَاهُ من غمر الندى داماء) وَقَوله من أُخْرَى (هذي المرابع والكثيب إِلَّا وعس ... وظبا الْخيام الآنسات الكنس) (قف بِي عَلَيْهَا سَاعَة فَلَعَلَّ أَن ... يَبْدُو لي الخشف الأغن إِلَّا لعس) (فلطالما عفت الْكرَى عَن ناظري ... شوقا إِلَيْهِ ومدمعي يتحبس) (ينهل سَحا مثل منهمر الحيا ... فَوق المحاجر مُطلقًا لَا يحبس) (وأغن ناعس طرفه سلب الْكرَى ... عَنى فطرفي ساهر لَا يَنْعس) (أشتاقه مَا لَاحَ صبح مُسْفِر ... فِي أفقه أَو جن ليل حندس) مِنْهَا (يَا عاذلي دَعْنِي وشأني أَن لي ... قلبا بِغَيْر الْحبّ لَا يسْتَأْنس) (لَك قدرَة أَن لَا تلوم وَلَيْسَ لي ... صَبر بِهِ دون الورى أتلبس) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 (كَيفَ السلو عَن الْأَحِبَّة بَعْدَمَا ... دارت عَليّ من الصبابة أكؤس) (نقل الصِّبَا نشر الحبيب وحبذا ... نشربه ريح الصِّبَا تتنفس) (آها وَلَا يجدي التأوه والأسى ... فالصبر أجمل والتحمل أَكيس) وَقَوله أَيْضا (جاد الْغَمَام مراتع الغزلان ... ومرابع الرشا الأغن الغاني) (وسرى عَلَيْهَا كل أسحم هاطل ... غدق يسح بوابل هتان) (يحيى ربوعا طالما لعبت بهَا الغيد ... الحسان نواعس الأجفان) (من كل فاتنة اللحاظ إِذا رنت ... سلبت بِسحر اللحظ كل جنان) (فَكَأَنَّهَا الأقمار تطلع فِي دجى ... ليل من المسترسل الغثيان) (وكأنما تِلْكَ القدود إِذا انْثَنَتْ ... قضب تمايل فِي ربى الكثبان) (وبمهجتي خشف أغن مهفهف ... أصمي فُؤَادِي إذر نافر ماني) (ظَبْي من الْأَعْرَاب فِي وجناته ... قوت الْقُلُوب وسلوة الأحزان) (بِاللَّه مَا طالعت طلعة وَجهه ... إِلَّا ورحت براحة النشوان) (مَاء الشبيبة فَوق ورد خدوده ... يجْرِي على متلهب النيرَان) (ذَابَتْ عَلَيْهِ حشاشتي وجدابه ... وصبابة وجفا الْكرَى أجفان) (لم أنس أَيَّام التواصل واللقا ... والشمل مُجْتَمع بوادي البان) (ومنادمي من قد هويت وبيننا الصّرْف ... الْكُمَيْت تدار فِي الأدنان) (شمس مطالعها سعود كؤسها ... بَين الندامى فِي بروج تهاني) (فِي رَوْضَة مفروشة أرجاؤها ... بالورد والمنثور وَالريحَان) (يتراقص الندماء من طرب بهَا ... بتراجع النغمات والعيدان) (لم لَا يواصلنا السرُور وَنحن فِي ... الفردوس بَين الْحور والولدان) وَقَوله من قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا (أشتاق من سَاكِني ذَاك الْحمى خيما ... لأَجلهَا زَاد شوقي فِي الحشا ونما) (ولاعج الشوق والتبريح من كمد ... أجْرى من الْعين مَعًا يخجل الديما) (مَا جن ليلِي إِلَّا بت من كلف ... أرعى النُّجُوم بِطرف يستهل دَمًا) (لَوْلَا هوى شادن فِي الْقلب مرتعه ... مَا اشْتقت وَادي النقا واليان والعلما) (نَفسِي الْفِدَاء لظبي وَجهه قمر ... وبرجه فِي سما قلبِي العميد سما) (يصمي فُؤَادِي بنبل من لواحظه ... عَن قَوس حَاجِبه مهما رنا وَرمى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 (فِي ثغره الدّرّ منظوماً فيا لَك من ... ثغر شنيب يُرِيك الدّرّ منتظماً) (جلّ الَّذِي صاغه بَدْرًا على غُصْن ... على كثيب بأبداه لنا صنما) (لم يكسه الْحسن ثوبا من مطارفه ... إِلَّا كسا جَسَدِي من عشقه سقماً) وَقَوله من أُخْرَى مستهلها (عاذل فِي الغرام مهلا فقلبي ... حَملته الأحباب مَا لَا يُطيق) (كَيفَ يصغي إِلَى اللوائم صب ... فِي حشاه من الْفِرَاق حريق) (سلبته اللواحظ البابليات ... وأردى بِهِ القوام الرشيق) (وسباه أغن أحوى رداح ... ينشد الْعِشْق حسنه المعشوق) (قد كَفاهُ عَن المهند لحظ ... وَعَن الرمْح قدة الممشوق) (روض خديه جنَّة لَاحَ فِيهَا ... جلنار وسوسن وشقيق) (وَله مبسم يضيء سناه ... عَن شنيب حَكَاهُ درنسيق) وَكَانَت وَفَاته بالشحر فِي سنة خمس وَعشْرين وَألف وَقد عمر طَويلا عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد وَتقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة ابْن عَمه أَحْمد بن صَالح العلمي الْقُدسِي ابْن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد العلمي الْأُسْتَاذ الشهير كَانَ مَعَ وَالِده بِدِمَشْق لما كَانَ قاطنا بهَا واستخلفه أَبوهُ بعد الْألف وَكَانَ يجلس فِي حلقه الذّكر وَحده أَو مَعَ أَبِيه وَهُوَ غض الحداثة بارع الْحسن وَعَلِيهِ وقار الْأَشْيَاخ وَلما حج وَالِده فِي سنة إِحْدَى عشرَة بعد الْألف حج مَعَه وجاور أَبوهُ وَرجع هُوَ ثمَّ رَجَعَ أَبوهُ فِي السّنة الثَّانِيَة وَلم يلبثا بِدِمَشْق بل رحلا إِلَى بَيت الْمُقَدّس وتوطنا بهَا وَتُوفِّي عبد الصَّمد فِي حَيَاة وَالِده وَكَانَت وَفَاته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْعَزِيز بن حسام الدّين الْمَعْرُوف بقره حَلَبِيّ زَاده الرُّومِي أحد مفتي التخت العثماني وَهُوَ من بَيت كَبِير فِي الرّوم أسلافه كلهم صُدُور أجلاء وَكَانَ هُوَ من كبار الْعلمَاء حسن الأرومة طيب الْعرق عذب الشمايل عالي الْقدر كثير التنعم والترفه وَكَانَ مثريا جدا وَله خيرات ومبرات كَثِيرَة خُصُوصا بِمَدِينَة بروسه وَكَانَ معتنيا بالتآليف وَله من الْآثَار المرغوية كتاب الألغاز فِي فقه الْحَنَفِيَّة وَألف تَارِيخا مُخْتَصرا وَآخر مطبولا فِي الدولة العثمانية كِلَاهُمَا بالتركية يحتويان على ضروب من حسن الْإِنْشَاء والترصيع وجعلهما برسم خزانَة السُّلْطَان مُرَاد وَكَانَ ينظم الشّعْر التركي وَله إنْشَاء مشتعذب وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من مشاهير عُلَمَاء الرّوم نَشأ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 كنف أَبِيه ولازم من شيخ الْإِسْلَام صنع الله بن جَعْفَر الْمُفْتِي ثمَّ درس إِلَى أَن وصل إِلَى الْمدرسَة السليمانية وَولي مِنْهَا قَضَاء ينكى شهر فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف ثمَّ ولي قَضَاء مَكَّة المشرفة فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقدم إِلَى دمشق وَبَعْدَمَا عزل وردهَا قَافِلًا وَأقَام بهَا مُدَّة وَتوجه إِلَى الْقُدس لزيارة معاهدها فاعترضه قطاع الطَّرِيق قريب الْمنية وَأخذُوا لَهُ بعض أَسبَاب فَعَاد إِلَى دمشق وَلم يحصل على الزِّيَارَة وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته بِدِمَشْق مختلطا بأدبائها مُقبلا عَلَيْهِم وَله لديهم منائج وَلَهُم فِيهِ مدائح فَمنهمْ الشاهيني فَإِنَّهُ مدحه بقصيدة حَسَنَة فِي أسلوبها ومستهلها (اقتضبنا المديح وَهُوَ عَزِيز ... حَيْثُ معنى النسيب لَيْسَ يجوز) (ونظمنا من الْكَلَام عقودا ... در مَعْنَاهُ فِي النهى مكنوز) (ونسجنا من القريض برودا ... طرزها لَا يزينه التطريز) (ورغبنا عَن كل مدح مشوب ... بنسيب فمدحنا إبريز) (واجتبينا من بَين كل الموَالِي ... أوحدا يملك العلى ويحوز) (عَالما كل مَا يحوز لَدَيْهِ ... هُوَ شرع وَغَيره لَا يجوز) (حَاز ضدين فِي الْكَلَام فَمَعْنَى ... مسهب وَاسع وَلَفظ وجيز) (قد أذلّ الصعاب من كل معنى ... فلذاك اسْمه الْكَرِيم الْعَزِيز) (لم يعزز بثالث فِي نداه ... بعزيز لحاتم تعزيز) (لَيْلَة الْقدر لَيْلَة فِي حماه ... قد تقضت ويومه نوروز) (هجر الْمَنْع فِي الْكَلَام فمهما ... رام نطقا فَمَنعه تَنْجِيز) (كل أوصافك الحسان العوالي ... عوذ تحفظ العلى وحروز) (أَي نفس غَدَتْ من الْخَيْر صفرا ... تِلْكَ نفس بطوعكم لَا تفوز) (فإليك الَّتِي تحاول كُفؤًا ... وَلها عَن حمى سواك نشوز) (كل معنى يجْرِي بأبلغ وَجه ... فَهُوَ عقد لمدحكم محروز) (قد نماها من ابْن شاهين باز ... عَلمته صيد القوافي بؤز) وَمِنْهُم مُحَمَّد بن يُوسُف الكريمي فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ قصيدة جَيِّدَة أَو ردتها برمتها اللطافة نسيجها وسلاسة تغزلها ومطلعها (من لقلب مَا بَين سمر وبيض ... من قوام لدن وطرف مَرِيض) (من لمن صادم الْهوى من نصير ... فإليه إِذا سَطَا تفويضي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 (زارني فِي الدجى فَكَانَ كبدر ... التم قد لَاحَ فِي اللَّيَالِي الْبيض) (شادن لَو يُقَابل الشَّمْس والبدر ... لكانا فِي رُتْبَة المستفيض) (سلب الْعقل والفؤاد وخلاني ... لهجرانه الطَّوِيل العريض) (فنهاري نَهَار منتظر فِيهِ وليلى ... لَا ذقت ليل الْمَرِيض) (عاقني عَن شكايتي مَا أُلَاقِي ... عَن سوى مدحك امْتنَاع القريض) (سنَن النسيب كُنَّا نرَاهَا ... سَقَطت لاشتغالنا بالفروض) (هُوَ مولى سما السماكين فضلا ... وعداه من الثرى فِي حضيض) (وانجلت عِنْد فَضله مشكلات ... للمعاني فمالها من غموض) (قَوْله فِي الْعُلُوم يرْوى صَحِيحا ... وسواه بِصِيغَة التمريض) (جمعت ذَاته المكارم حَتَّى ... مَالهَا غير كَفه من مفيض) (وَاسْتحق الْعليا فَإِن أصف الْغَيْر ... بعليا يكن بِهِ تعريضي) (قعدت حاسدوه عَن شأ وعلياه ... قصورا فمالها من نهوض) (وابتني فِي ذرى العلى غرف الْمجد ... وماذا الْبناء بالمنقوض) (جاد طبعا فَعنده اللوم فِي الْجُود ... كحث عَلَيْهِ أَو تحريض) (رام لَو شاطر العميد لذيذ النّوم ... لَو كَانَ مُمكن التَّبْعِيض) (مَا عَزِيز بِمصْر عنْدك يلفي ... بعزيز بل إِنَّه كالنقيض) (فالعزيز الَّذِي يعز بِهِ الْغَيْر ... كمولاي مِنْهُ عزقر يضي) (غرر فاقت الثريا نظاما ... فَهِيَ تزري بِكُل روض أريض) (وقواف كَأَنَّهَا الشهب لاحت ... فِي سما الْمَدْح من بروج الْعرُوض) (هِيَ لي بنت لَيْلَة وَهِي ترضي ... من قبُول بمهرها الْمَقْبُوض) (مَالهَا غير أَن تبقى رَجَاء ... هَل لصافي الْحَيَاة من تعويض) (خاطري أَو جز المديح ولولاك ... لما جَاءَ برقه بالوميض) (لَك عِنْدِي مدى الزَّمَان ثَنَاء ... وثناء عددته من فروضي) ثمَّ سَافر إِلَى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ ولي قَضَاء قسطنطينية فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَكَانَ السُّلْطَان مُرَاد سَافر فِي أَيَّام قَضَاءَهُ إِلَى أدرنة فأشيع عَنهُ فِي قَضَائِهِ بعض أُمُور ونما خَبَرهَا إِلَى السُّلْطَان فَعَزله ونفاه إِلَى جزير قبرس وَبَقِي بهَا مُدَّة منطرحا وَذكر وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى أَنه وقف لَهُ على قصيدة بالتركية يتظلم فِيهَا الْوُلَاة الْأَمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 من الزَّمَان وَيطْلب عوده إِلَى موطنه وضمنها الْمثل الْمَشْهُور وَهُوَ قَوْلهم ارحموا عَزِيز قوم ذل فشفع فِيهِ أحد أَرْكَان الدولة فأعبدو بعد مُدَّة صَار لَهُ رُتْبَة قَضَاء العسكرين وَلما وَقع مقتل السُّلْطَان إِبْرَاهِيم أظهر نَفسه فِي ذَلِك الغضون وسعى فَصَارَ قَاضِي الْعَسْكَر بروم إيلي وَأعْطى رُتْبَة الْفَتْوَى وَلم يسمع أَنَّهَا صَارَت لَا حد قبله ثمَّ صَار مفتيا فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَبَقِي مفتيا أَرْبَعَة أشهر ثمَّ عزل فِي ثَانِي عشر شهر رَمَضَان وَنفي إِلَى بروسه وَأعْطِي قَضَاء جَزِيرَة ساقز فَأَقَامَ ببروسه إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبعين وَألف تَقْرِيبًا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن يحيى بهران التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ ثمَّ الصعدي ذكره ابْن أبي الرِّجَال فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي حَقه القَاضِي الْعَلامَة كَانَ متضلعا من كل الْعُلُوم قَالَ شَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن يحيى حَابِس أَنه كَانَ يعرف جَمِيع عُلُوم الإجتهاد علم إتقان لكنه لَا يستنبط الْأَحْكَام وَهُوَ شيخ الشيوح فِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَمن كراماته أَنه كَانَ فِي آخر عمره لَا يستضيء إِلَّا الْعلم حكى تِلْمِيذه السَّيِّد دَاوُد بن الْهَادِي أَنه كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ فِي الزّبد بصعد فَكَانَ يَوْمئِذٍ ينظر فِي حَوَاشِي فِي الْكتاب لَا يميزها إِلَّا حاد الْبَصَر وَأدْركَ ذَلِك ثمَّ خرجا فَأصَاب جملا يحمل لَحْمًا أَو حطبا فَقَالَ لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ لَهُ مقسمًا مَا ميزته وَله فِي الْفِقْه قدم رامخة وَهُوَ الَّذِي أجْرى القوانين فِي آبار صعدة فِي المساقي وَقدر الأحباب الْمَعْرُوفَة من المَاء وَجعل المغارم تَابِعَة للعروض أَيْضا وَذَلِكَ أَنه عرف جَمِيع الصَّنَائِع تَحْقِيقا وذرع المَاء على الطين ثمَّ أَنه كتب شَيْئا من الْحجَج فمدحه ابْن عمر الضمدي بقوله (لله دَرك يَا عبد الْعَزِيز لقد ... وضعت هَذَا الدوا فِي مَوضِع الوجع) بعد أَن كَانَ ابْن عمر مَنعه من المناظرة وَمِمَّا يروي عَنهُ أَنه تشارع إِلَيْهِ بعض العتاة أهل السطوة فَلَمَّا أَرَادَ الحكم على ذَلِك الطاغي أَشَارَ إِلَيْهِ أَنه سيعيد إِلَيْهِ عنبه إِذا حكم قَالَ القَاضِي أخروا الحكم ثمَّ طلب بعض النَّاس وَبَاعَ مِنْهُ الْعِنَب جَمِيعه وَطلب الْخصم وَحكم عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ الْعِنَب قد بعناه من فلَان لَا تغلظ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن رَجَب سنة عشرَة وَألف بِمَدِينَة صعدة عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد سعد الدّين بن حسن جَان التبريزي الأَصْل القسطنطيني أحد صُدُور الرّوم وعلمائها وَهُوَ وَالِد مُحَمَّد البهائي الْمُفْتِي الْمَشْهُور الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَانَ من كبار رُؤَسَاء الْعلمَاء لَهُ الصدارة والتقدم والشهامة التَّامَّة ولي قَضَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 قسطنطينية فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف ثمَّ ولي قَضَاء الْعَسْكَر باناطولي فِي سنة خمس عشرَة ثمَّ قَضَاء الرّوم مرَّتَيْنِ وعزل عَن الْأَخِيرَة فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَعشْرين وَكَانَ فِي صدر الدولة العثمانية كل من دعى أَمِير الْأُمَرَاء يتَقَدَّم فِي الْجُلُوس على قَضَاء العساكر إِلَى أَن ولي الْمولى أَحْمد بن مَحْمُود الشهير بقاضي زَاده وَالْمولى مُحَمَّد بن شيخ مُحَمَّد بن الياس الشهير بجوى زَاده قَضَاء العسكرين فَكَانَا سَببا فِي تَقْدِيم قُضَاة العساكر على أُمَرَاء الْأُمَرَاء فِي الْجُلُوس فَوْقهم مَا عدا أَمِير الْأُمَرَاء بروم أيلي وأناطولي إِلَى أَن ولي صَاحب التَّرْجَمَة قَضَاء روم أيلي فاتفق أَن أَمِير الْأُمَرَاء بروم أيلي كَانَ من أسافل النَّاس يُسمى ماريول حُسَيْن باشا فاستنكف صَاحب التَّرْجَمَة من الْجُلُوس دونه فَعرض ذَلِك إِلَى السُّلْطَان أَحْمد فَخرج خطّ شرِيف بِتَقْدِيم قُضَاة العساكر على مُطلق أُمَرَاء الْأُمَرَاء وَكَانَ ذَلِك فِي سنة سبع عشرَة وَألف وَحج صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة خمس وَعشْرين ثمَّ رَجَعَ وَلم يتَوَلَّى بعد ذَلِك منصبا إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَعشْرين وَألف عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد أَبُو فَارس المغربي الْمَعْرُوف بالفشتالي كَاتب الْملك الْمَنْصُور مولَايَ أَحْمد صَاحب الْمغرب الَّذِي يَقُول فِيهِ أَن الفشتالي نفتخر بِهِ على الْمُلُوك ونباري بِهِ لِسَان الدّين بن الْخَطِيب كَمَا ذكره أَبُو الْعَبَّاس الْمقري فِي كِتَابه نفح الطّيب وناهيك بِمثل هَذَا القَوْل من مثل هَذَا الْملك وَهُوَ شَاهد بِكَمَال فضل الْمَقُول فِيهِ وَأَنه فِي نفس الْأَمر كَمَا قيل فِيهِ وَقد ذكره الخفاجي فَقَالَ فِي وَصفه أديب عذب الْبَيَان ماضي شبا اللِّسَان إِلَى أَن قَالَ جر عَلَيْهِ الدَّهْر ذيول إقباله وفوقه فِي الدولة الأحمدية على أقرانه وَأَمْثَاله فَمَا ارتشفه فَم السّمع من مورده العذب الْبَيَان وتشنف من لآلئه الَّتِي أصدافها الْقُلُوب والآذان قَوْله (حِين أزمعت عِنْد خوف البعاد ... وَعَدتنِي من الْفِرَاق العوادي) (قَالَ صحبي وَقد أطلت التفاتي ... أَي شَيْء تركت قلت فُؤَادِي) وَذكر لَهُ عبد الْبر الفيومي فِي المنتزه هَذِه الأبيات وَقَالَ كتب بهَا الأستاذنا نَا الْمقري (يَا نسمَة عطست بهَا أنف الصِّبَا ... فتضمخت بعبيرها فنن الرِّبَا) (هبي على عرصات أَحْمد واشرخي ... شوقي إِلَى رُؤْيَاهُ شرحاً مطنباً) (وصفي لَهُ بالمنحنى من أضلعي ... قلباً على جمر الغضا متقلباً) (بَان الْأَحِبَّة عَنهُ حب قد توى ... عَنهُ وَآخر قد نأى وتغيباً) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 (فعساك تسعد يَا زمَان بقربهم ... فَأَقُول أَهلا باللقاء ومرحبا) ثمَّ قَالَ متعرضا للخفاجي فِي اعتراضه على المطلع أَن اسْتِعَارَة العطاس للنسيم لييست بحسنة مَقْبُولَة وَالْمَعْرُوف عطس الصُّبْح وَالْفَجْر إِلَى آخر مَا قَالَه حَيْثُ أُرِيد التَّشْبِيه صَحَّ التشميت فَإِن الْمعَانِي مُتَسَاوِيَة بَين الْأَنَام لَا خُصُوصِيَّة لَهَا بعصر دون عصر كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَقَول المرزوقي فِي شرح الفصيح وعطس الصُّبْح انفجر على التَّشْبِيه كَقَوْل أبي إِسْحَق الْغَزِّي (كم من بكور إِلَى إِحْرَاز منقبة ... جعلته لعطاس الْفجْر تشميتا) لَيْسَ فِيهِ منع لاستعماله على وَجه التَّشْبِيه فِي غير الصُّبْح بل هُوَ أتم فِي الرّيح مِنْهُ فِي الْفجْر لقَوْل الْمَذْكُور يُقَال عطس إِذا فاجأته صَيْحَة من غير إِرَادَة وهبوب الرّيح فَجْأَة كَذَلِك بِخِلَاف الْفجْر فَإِنَّهُ يلوح شَيْئا فَشَيْئًا انْتهى وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة على مَا أنْشدهُ لَهُ ابْن مَعْصُوم فِي السلافة قَوْله فِي بعض المباني المنصورية (مَعَاني الْحسن تظهر فِي المغاني ... ظُهُور السحر فِي حدق الحسان) (مشابه فِي صِفَات الْحسن أضحت ... تمت بهَا المغاني للغواني) (بِكُل عَمُود صبح من لجين ... تكون فِي استقامة خوط بَان) (مفصلة القدود ممثلات ... مُوَاصلَة العناق من التداني) (تردت سابري الْحسن يزري ... بِحسن السابري الخسرواني) (وتعطو الخيزرانة من دماها ... بسالفة القطيع البرهماني) (لمجدك تنتمي لَكِن نماها ... إِلَى صنعاء مَا صنع اليدان) (يدين لَك ابْن ذِي يزن ويعنو ... لَهَا غمدان فِي الأَصْل الْيَمَانِيّ) (غَدَتْ حرما وَلَكِن حل مِنْهَا ... لوفدكم الْأمان مَعَ الْأَمَانِي) (مبان بالخلافة آهلات ... بهَا يَتْلُو الْهدى السَّبع المثاني) (هِيَ الدُّنْيَا وساكنها إِمَام ... لأهل الأَرْض من قاص ودان) (قُصُور حَالهَا فِي الأَرْض شبه ... وَمَا فِي الأَرْض للمنصور ثَان) قَالَ الْمقري فِي كِتَابه نفح الطبب وَقد بَلغنِي وَفَاته وَأَنا بِمصْر عَام ثَلَاثِينَ وَألف وَذكر الشلي أَن وَفَاته كَانَت فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَلم أدر عَمَّن حَرَّره وَالله أعلم عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بن مُوسَى بن أبي بكر بن أكبر عَليّ بن احْمَد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن دَاوُد الْبَيْضَاوِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 الشِّيرَازِيّ الأَصْل ثمَّ الْمَكِّيّ الزمزمي نِسْبَة لبئر زَمْزَم لِأَن جده عَليّ بن مُحَمَّد قدم مَكَّة فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة عَام قدمهَا الْفِيل من الْعرَاق فِي قصَّة ذكرهَا المؤرخون فباشر عَن الشَّيْخ سَالم بن ياقوت الْمُؤَذّن فِي خدمَة بِئْر زَمْزَم فَلَمَّا ظهر لَهُ خَيره نزل لَهُ عَنْهَا وزوجه بابنته فولد مِنْهَا وَلَده أَحْمد الْمَذْكُور وَغَيره من إخْوَته وَصَارَ لَهُم أَمر الْبِئْر وَكَانَ مَعَه أَيْضا سِقَايَة الْعَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمَا زَالُوا يتوالدون إِلَى أَن ولد عبد الْعَزِيز صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ عريق فِي الْمجد من الطَّرفَيْنِ فَإِن جده لأمه الشهَاب أَحْمد بن حجر الْمَكِّيّ وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب كأسلافه كلهم وَكَانَ إِمَامًا كَبِير الشَّأْن عَالما رَئِيسا نبيها نَشأ بِمَكَّة وَأخذ عَن أساطين علمائها وجد وبرع فِي الْعُلُوم سيمى الْفِقْه وطار صيته وانتفع بِهِ النَّاس طبقَة بعد طبقَة وانتهت إِلَيْهِ رياسة الشَّافِعِيَّة على الْإِطْلَاق وسارت فَتَاوِيهِ وَعمر حَتَّى صَار الْعلم الْفَرد وَألف وَمن جملَة تأليفاته كتابات على التُّحْفَة تأليف جده ابْن حجر الْمَذْكُور وَهِي تدل على سَعَة اطِّلَاعه وَأخذ عَنهُ الشلي وَذكره فِي تَارِيخه عقد الْجَوَاهِر وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا قَالَ وَكَانَت وِلَادَته بِمَكَّة المشرفة فِي سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة بعد وَفَاة جده ابْن حجر بِثَلَاث سِنِين كَمَا أَخْبرنِي بذلك مشافهة وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد لثمان بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف قلت وَأَبوهُ مُحَمَّد كَانَ رَئِيس مَكَّة فِي عصره أَخذ عَن وَالِده عبد الْعَزِيز وَعَن ابْن حجر وَأخذ عَنهُ النَّجْم الْغَزِّي الدِّمَشْقِي وَتُوفِّي سنة تسع وَألف وَإِنَّمَا ذكرته هُنَا لِأَنَّهُ لم يصلني من خَبره إِلَّا مَا ذكرته وجده عبد الْعَزِيز لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة فِي الْكَوَاكِب السائرة ذكر الْغَزِّي ابْنه مُحَمَّدًا فِي ضمنهَا فأدرجته أَنا فِي الضمن أَيْضا اقْتِدَاء بِالنَّجْمِ وَأَيّمَا كَانَ فقد حصلت على ذكره وَإِذا جَاءَ مَحل ذكره ذكرت اسْمه وأشرت إِلَى ذكره فِي هَذَا الْموضع عبد عَليّ بن نَاصِر بن رَحْمَة الحويزي الأديب الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ أوحد زَمَانه فِي الْأَدَب الغض وَالشعر البديع وَقد ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فِي حَقه فَاضل قَالَ من الْفضل بِظِل وريف وكامل حل من الْكَمَال بَين خصب وريف فالإسماع من زهرات أدبه فِي ربيع وَمن ثَمَرَات فَضله فِي خريف إِن أنشأ ينشئ أبدى من فنون السجع ضَرَائِب أَو طفق ينظم أهْدى الشنوف للإسماع والعقود للترائب ومؤلفاته فِي الْأَدَب أحلى من رشف الضَّرْب بل أجل من نيل الأرب وَمَتى جاراه قوم فِي كَلَام الْعَرَب كَانَ النبع وَكَانَ الغرب واتصل بحكام الْبَصْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 وولاتها فوصلته بأسنى أفضالها وأهنى صلَاتهَا وهبت عَلَيْهِ من قبلهم رخاء الإقبال وعاش فِي كنفهم بَين نَضرة الْعَيْش ورخاء البال وَلم يزل بهَا حَتَّى انصرمت من الْحَيَاة أَيَّامه وقوضت من هَذِه الدَّار الفانية خيامه وَمن مؤلفاته الْمعول فِي شرح شَوَاهِد المطول وقطر الْغَمَام فِي شرح كَلَام الْمُلُوك مُلُوك الْكَلَام وَغير ذَلِك وَله ديوَان شعر بِالْعَرَبِيَّةِ وانتخب مِنْهُ نبذة سَمَّاهَا بحلي الأفاضل وَله أشعار بالتركية والفارسية ثمَّ أنْشد لَهُ هَذِه القصيدة يمدح بهَا عَليّ باشا ابْن أفرا سياب حَاكم الْبَصْرَة ويستأذنه فِي الْحَج وزياة النَّبِي ومطلعها (لمع الْبَرْق فِي اكف السقاة ... وبدا الصُّبْح فِي سنا الكاسات) (فالبدار البدار حَيّ على الراح ... وهبوا لأكمل اللذا) (نَار مُوسَى بَدَت فَأَيْنَ كليم الذَّات ... يمحو بهَا حجاب الصِّفَات) (صَاح ديك الصَّباح يَا صَاح بِالرَّاحِ ... فَوَات الأفراح قبل الْفَوات) (واصطبحنا اصطباح من رَاح ... لَا يفرق بَين الشموس والذرات) (تلق فِيهَا الْعُقُول منتقشات ... كانتقاش الْأَشْخَاص فِي الْمرْآة) (فَهِيَ الشربة الَّتِي عثر الْخضر عَلَيْهَا ... فِي عين مَاء الْحَيَاة) (وتقصى الاسكندر الْبَحْث عَنْهَا ... فعداها وتاه فِي الظُّلُمَات) (سكنت من حضائر الْقُدس حانا ... جلّ عَن أَن يُقَاس بالحانات) (نور حق بِنَفسِهِ قَامَ مَا احْتَاجَ ... إِلَى كوَّة وَلَا مشكاة) (قبس أشعلته أَيدي التجلي ... فَأَضَاءَتْ بِهِ جَمِيع الْجِهَات) (حجبت بالزجاج وَهِي عيان ... كاحتجاب البذور بالهالات) (يَا نديمي أجل لي عرائس سر ... بغواشي الكؤس محتجبات) (هَات راحي وناد خُذْهَا فَإِنِّي ... لست أنسى يَوْم اللقا خُذ وهات) (فَلَقَد هد ركن نحسي لما ... سعدت بالحبيب كل جهاتي) (هِيَ شهد الشُّهُود بل رَاحَة الْأَرْوَاح ... بل حسن طلعة الْحَسَنَات) (يَا سقاتي لَا تصرفوا الصّرْف عني ... فحياتي فِي رشفها يَا سقاتي) (غير بدع مِمَّن حساها إِذا ارْتَاحَ ... وَقَالَ الْوُجُود بعض هباتي) (قَامَ زين الْعباد من شربهَا قطبا ... عَلَيْهِ دارت رحى الْبَينَات) (فتلاشى بشعلة فتح الْعَينَيْنِ ... مِنْهَا إِلَى عُيُون الذَّات) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 (وخطت بالجنيد لجة بَحر ... غرقت فِيهِ أَكثر الكائنات) (ورمت بالحسين حَتَّى ترقى ... بِأَن الْحق أرفع الدَّرَجَات) (واستمعنا من شيخ بسطَام مَا أعظم ... ذاتي بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات) (وقصارى خلع العذار بهَا نيل ... مقَام يُقَاوم المعجزات) (رب وفر مِنْهَا يُصِيب فَتى الْمجد ... عَليّ العلى سرى السراة) (فَهُوَ فِي سره المنزه سرى ... أَنه لم يهم بجوز الفلاة) (حاد عَن مَذْهَب التقشف ... وانحاز إِلَى مَذْهَب الحماة الكماة) (وتردّى برد البواطن وَالْأَصْل ... خلوص الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) (فَهُوَ فِي السِّرّ خَادِم الْفقر عاف ... وَهُوَ فِي الْجَهْر ضيغم الْملك عاتي) (وَله فِي مَرَاتِب الْفضل ذهن ... هُوَ مِفْتَاح مقفل المشكلات) (كتمته أولى الدهور وأبدته ... على فَتْرَة من المكرمات) (فأفادت بمجده الْبَصْرَة الفيحاء ... حلى الْمعَاهد العاطلات) (حل من حفظ نَفسه للْمَسَاكِين ... سَنَام الْمَرَاتِب العاليات) (أَسد فِي ملاحم الْحَرْب غيث ... فِي الندى خضرم بِعلم اللُّغَات) (كَفه مقلة العدوّة فَلَا يَنْفَكّ ... كل عَن شِيمَة المرسلات) (وَكَذَا خيله وأفئدة الْأَعْدَاء ... سيان فِي رَحا العاديات) (وَكَذَا مَاله وأرواح من عَادَاهُ ... فِي كونهن فِي النازعات) (أَن يضع وَقت من سواي فَإِنِّي ... لي بعلياه أشرف الْأَوْقَات) (شملتني مِنْهُ الْعِنَايَة حَتَّى ... قد سمت همتي عَن النيرات) (يَا إِمَام الْكِرَام يَا صَادِق الْوَعْد ... إِذا لم يَفِ الورى بالعدات) (وهما مَا تعوّد الْحلم والجود ... وَهَاتَانِ أكْرم الْعَادَات) (نلْت من جودك العميم نوالا ... وَجَبت فِيهِ حجتي وزكاتي) (عرف النَّاس فِي حماك وُقُوفِي ... فأجزني الْوُقُوف فِي عَرَفَات) (ومرادي لَك الثَّوَاب وللرق ... قَضَاء الْمَنَاسِك الْوَاجِبَات) (طوف بَيت الله الْحَرَام وتقبيل ... ثرى قبر سيد الكائنات) (لم أُفَارِق حمى العلى لبيت ... غير بَيت العلى ذِي الدَّرَجَات) (وابق واسلم على الرَّجَاء مليكاً ... طوع مَا يَشْتَهِي الزَّمَان المواتي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 ( ... ) قلت أَخْبرنِي بعض المكيين أَن حج وَفِي ذكرى أَنه قَالَ لي جاور وَاتفقَ لَهُ مَعَ أدباء مَكَّة مطارحات ومدائح فَمن قصيدته الَّتِي مدح بهَا الشريف رَاشد ومستهلها (الآم انتظاري للوصال وَلَا وصل ... وحتام لَا تَدْنُو إليّ وَلَا أسلو) (وَبَين ضلوعي زفرَة لَو تبوّأت ... فُؤَادك مَا أيقنت أَن الْهوى سهل) (جميلاً بصب زَاده النأي صبوة ... ورفقاً بقلب مَسّه بعْدك الخبل) (إِذا أطرفت مِنْك الْعُيُون بنظرة ... فأيسر شَيْء عِنْد عاشقك الْقَتْل) (أمنعمة بالزورة الظبية الَّتِي ... بخلخالها حلم وَفِي قُرْطهَا جهل) (وَمن كلما جردتها من ثِيَابهَا ... كساها ثيابًا غَيرهَا الفاجم الجثل) (سقى المزن أَقْوَامًا بو عساء رامة ... لقد قطعت بيني وَبينهمْ السبل) (وَحيا زَمَانا كلما جِئْت طَارِقًا ... سليمى أجابتني إِلَى وَصلهَا جمل) (تود وَلَا أصبو وَتُوفِّي وَلَا أَفِي ... وأنأي وَلَا تنأى وأسلو وَلَا تسلو) (إِذا الْغُصْن غض والشباب بمائه ... وجيد الرِّضَا من كل نائبة عطل) (وَمن خشيَة النَّار الَّتِي فَوق وجنتي ... تقاصر أَن يدنو يعارضي النَّمْل) (بروحي من ودعتها ومدامعي ... كسقط جمان جد من سمطه الْحَبل) (كَانَ قلاص الْمَالِكِيَّة نوخت ... على مدمعي فَارْفض مذ سَارَتْ الأبل) (وَمَا ضربت تِلْكَ الْخيام بعالج ... لقصد سوى أَن لَا يصاحبني الْعقل) (وحدب كَانَ العيس فِيهِ إِذا خطت ... تسابق ظلا أَو يسابقها الظل) (سئمن بِنَا الأمضاء حَتَّى كأننا ... حياري ذجى أَو أَرْضنَا مَعنا قفل) (إِذا عرضت لي من بِلَاد مذلة ... فأيسر شَيْء عِنْدِي الوخد والرحل) (وَلَيْسَ اعتساف البيد عَن مربع الْأَذَى ... بذل وَلَكِن الْمقَام هُوَ الذل) (وَلَا أَنا مِمَّن أَن جهلت خلاله ... أَقَامَت بِهِ القامات والأعين النجل) (فَكل رياض جِئْتهَا إِلَى مرتع ... وكل أنَاس أكرموني هم الْأَهْل) (ولي بإعتماد إِلَّا بلج الْوَجْه رَاشد ... عَن الشّغل فِي آثَار هَذَا الورى شغل) (همام رست للمجد فِي جنب عزمه ... جبال جبال الأَرْض فِي جنبها سهل) (وَلَيْث هياج مَا عرين جفونه ... من الْكحل إِلَّا والعجاج لَهَا كحل) (يقوم مقَام الْجَيْش إِن غَابَ جَيْشه ... ويخلف حد النصل إِن غمد النصل) (زكتْ شرفاً أعراقه وفروعه ... وَطَابَتْ لنا مِنْهُ الْفَضَائِل وَالْفِعْل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 (إِذا لم يكن فعل الْكَرِيم كَأَصْلِهِ ... كَرِيمًا فَمَا تغني الْمُنَاسب وَالْأَصْل) (من النَّفر الغر الَّذين تحالفوا ... مدى الدَّهْر أَن يَأْتِي دِيَارهمْ الْبُخْل) (كرام إِذا راموا فطام وليدهم ... عَن الثدي حطوا الْبُخْل فانفطم النجل) (لُيُوث إِذا صالوا غيوث إِذا هموا ... بحور إِذا جادوا سيوف إِذا سلوا) (وَإِن خطبوا مجدا فَإِن سيوفهم ... مُهُور وأطراف الْقَنَاة لَهُم رسل) (إِذا قَفَلُوا تنأى الْعلَا حَيْثُمَا نأوا ... وَإِن نزلُوا حل الندى أَيْنَمَا حلوا) (توالت على كسب الثَّنَاء طباعهم ... فأعراضهم حرم وَأَمْوَالهمْ حل) (أمولاي أَن يمضوا ففيك سما الْعلَا ... وَقَامَت قناة الدّين وانتشر الْعقل) (وَإِن يَك قد أفْضى الزَّمَان بسالم ... فَإنَّك روض الوبل إِن ذهب الوبل) (إِلَيْك ارتمت فِينَا قلُوص كَأَنَّهَا ... قسى بأسفار كَأَنَّهُمْ نبل) (وَمَا زجرا إِلَّا نضاء سَوْطِي وَإِنَّمَا ... إِلَيْك بِلَا سوق تسابقت الْإِبِل) (يَمِينك لَا أقْصَى الزَّمَان بهَا حَيا ... وكهفك لَا أودى الزَّمَان بِهِ ظلّ) (وكل لحاظ لست أنسانها قذى ... وَلَك بِلَاد لست صيبها مَحل) وَمن مبدعاته خمريته الَّتِي تخلص فِيهَا إِلَى مدح الشريف الْمَذْكُور وأولها (أقرقف فِي الزّجاج أم ذهب ... ولؤلؤ مَا عَلَيْهِ أم حبب) (شمس علا فَوق قرصها شهب ... وَالْعجب الشَّمْس فَوْقهَا الحبب) (حَمْرَاء قد عتقت فَلَو نطقت ... حكت بِخلق السَّمَاء مَا السَّبَب) (إِن لهبوها السقاة فِي غسق ... يمزق اللَّيْل ذَلِك اللهب) (وَإِن حساها النديم مصطبحا ... ألم فِي الْجَيْش همه الطَّرب) (لم أدر من قبل ذوب عسجدها ... أَن بهَا التبر أَصله الْعِنَب) (لله أيامنا بِذِي سلم ... سقتك أَيَّام وصلنا السحب) (وَالرَّوْض بالمزن يَانِع أنق ... والغصن بِالرِّيحِ هزه الطَّرب) (وَالنّهر يحتاكه الصِّبَا زردا ... إِذا نضت من بوارق قضب) (فحاننا الدَّهْر بالفراق وَقد ... رثت جلابيب وصلنا القشب) (عجبت للدهر فِي تصرفه ... وكل أَفعَال دَهْرنَا عجب) (يعاند الدَّهْر كل ذِي أدب ... كَأَنَّمَا ناك أمه الْأَدَب) (يَا عربا باللوى وكاظمه ... لي فِي مقاصير حيكم أرب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 (بأهيف كالقضيب قامته ... تسقيه دَوْمًا جفوني السكب) (كَالشَّمْسِ أنواره وغرته ... فَمَا لَهُ بالظلام ينتسب) (تسفح من سفح مقلته سحب ... إِذْ لَاحَ من فِيهِ بارق شنب) (كَأَنَّمَا فيضها ووابلها ... أَعَارَهُ الْفَيْض رَاشد النّدب) وَكَانَ فِي فن الموسيقى من الْأَفْرَاد وَله أغان متداولة ومقبولة جَارِيَة على الصَّنْعَة البارعة وَأكْثر أغانيه من نظمه المطرب فَمن ذَلِك مَا ابتدعه فِي نَغمَة السيكاه من الثقيل (أما والهوى لَوْلَا العذار المنمنم ... لما اهتاج وجدي ساجع يترنم) (وَلَا اهتجعت عَيْنَايَ من فيض أدمعي ... قضى جريها أَن لَا يفارقها الدَّم) (هُوَ الْحبّ مَا أحلى مقاساة خطبه ... وأعذبه لَو كَانَت الْعين تكْتم) وَله من نَغمَة الْحجاز وَالضَّرْب مخمس (لَا تطلعي فِي قمر أنني ... أَخَاف أَن تغلط أهل السّفر) (أَو طلعت شمس فَلَا تطلعي ... أَخَاف أَن تعمي عُيُون الْبشر) وَله من هَذِه النغمة وَالضَّرْب دارج (لمن العيس عشيا تترامى ... تركتهَا شقق الْبَين سهاما) (كلما برقعها نشر الصِّبَا ... لبست من أَحْمَر الدمع لثاما) (شفها جذب براها للحمى ... فَهِيَ تصمي لرب نجد زماما) (فِي هواكم آل نجد زَاد وجدي ... وَغدا الْقلب ولوعا مستهاما) وَله من الألحان الفارسية الْمَشْهُورَة مسرت آباد فِي نَغمَة الْعرَاق وضربه ثقيل وجام جم فِي نَغمَة الْحُسَيْنِي وضربه خَفِيف وَغير ذَلِك وَأشهر مَاله من الشعرة وَله فِي راقص (وراقص تقضيب الْبَانِي قامته ... تكَاد تذْهب روحي فِي تنقله) (لَا تَسْتَقِر لَهُ فِي رقصه قدم ... كَأَنَّمَا نَار قلبِي تَحت أرجله) وَكثير من أهل الْأَدَب يظنون أَنه مخترع هَذَا الْمَعْنى وَلم يعلمُوا أَنه اختلسه من قَول السرى الرفاء فِي وصف جواد (لَا يسْتَقرّ كَانَ أَرْبَعه ... فرش الثرى من تحتهَا جَمْرَة) وأشعاره وأخباره كَثِيرَة وَكَانَ يُسَمِّي نَفسه كلب عَليّ ويروي لَهُ فِي هَذَا المعرض بَيت هُوَ قَوْله (فتية الْكَهْف نجا كلبهم ... كَيفَ لَا ينجو غَدا كلب عَليّ) وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أديب بِحقِّهِ وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف بِالْبَصْرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 عبد الْغفار بن يُوسُف جمال الدّين بن مُحَمَّد شمس الدّين بن مُحَمَّد ظهير الدّين الْقُدسِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالعجمي من أَعْيَان عُلَمَاء عصره وَكَانَ عَالما وجيها متواضعا متلطفا قَرَأَ بِبَلَدِهِ على أَبِيه وَالشَّمْس الخريشي الْحَنْبَلِيّ وَأخذ الحَدِيث عَن السراج عمر اللطفي وَالشَّيْخ مَحْمُود البيلوني الْحلَبِي قدم عَلَيْهِم الْقُدس وَأخذ طَرِيق النقشبندية عَن الْمولى مُحَمَّد صَادِق النقشبندي لما قدم لزيارة الْبَيْت الْمُقَدّس وَطَرِيق العلوانية عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الدجاني وَله رحلتان إِلَى الْقَاهِرَة أولاهما فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين تِسْعمائَة أَخذ بهَا الحَدِيث عَن الْأُسْتَاذ مُحَمَّد الْبكْرِيّ وَالْفِقْه عَن النُّور عَليّ بن غَانِم الْمَقْدِسِي وَالشَّمْس النحريري والسراج الحانوتي وَالشَّيْخ عمر بن نجيم وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الذِّئْب والفرائض عَن الشَّيْخ عبد الله الشنشوري وَالْأُصُول عَن الشَّيْخ حسن الطناني والقراآت عَن الشهَاب أَحْمد بن عبد الْحق وَالثَّانيَِة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف رَاجعا بحرا من الرّوم وَأخذ عَن الشهَاب عبد الرؤوف الْمَنَاوِيّ وَأخذ بِدِمَشْق عَن الشهَاب العيثاوي وبحلب عَن الشَّيْخ عمر العرضي وسافر إِلَى الرّوم مرَّتَيْنِ وَولي إِفْتَاء الْحَنَفِيَّة بالقدس وتدريس الْمدرسَة العثمانية وتصدر وَأخذ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم وَلَده هبة الله مفتي الْقُدس وَالشَّمْس مُحَمَّد بن عَليّ المكتبي الدِّمَشْقِي وَغَيرهمَا وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث أَو أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الْخَمِيس غرَّة ذِي الْقعدَة سنة سبع وَخمسين بعد الْألف رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْغَنِيّ بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الملقب زين الدّين النابلسي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي وَهُوَ وَالِد إِسْمَاعِيل النابلسي الْمُقدم ذكره وخال جدي وَالِد وَالِدي محب الله كَانَ من الْفُضَلَاء الأعزاء نَشأ فِي كنف أَبِيه شيخ مَشَايِخ الشَّام وكبيرها وعالمها ومرجعها وَلما مَاتَ وَالِده تَوَجَّهت إِلَيْهِ جهاته ومعاليمه مِنْهَا تدريس الشَّافِعِيَّة بِجَامِع المرحوم درويش باشا الْمَشْرُوط لَهُ ولذريته وَآل إِلَيْهِ من مِيرَاث وَالِده أَشْيَاء كَثِيرَة من كتب وأثاث فاختص وتنعم مُدَّة عمره واشتغل بالتحصيل على الشهَاب أَحْمد الوفائي الْحَنْبَلِيّ وَلكنه لم يبلغ فِي الْعلم دَرَجَة يُنَوّه بهَا كَمَا بلغ وَالِده وَولده إِلَّا أَنه كَانَ متأدبا سخيا حسن المعاشرة وَله مذاكرة حلوة ولطف شمايل وَكَانَت وَفَاته فِي أواسط رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن مَعَ وَالِده فِي قَبره فِي المدفن الْمعد لنا وَلَهُم بالصف الْمُقَابل لجامع جراح خَارج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 بَاب الشاغور رَحمَه الله عبد الْغَنِيّ بن صَلَاح الدّين الْمَعْرُوف بالخاني الْحَنْبَلِيّ الْحَنَفِيّ الأديب الأريب نزيل الْمَدِينَة المنورة كَانَ فَاضلا أديبا جميل المنظر وافر الْحُرْمَة ولد بحلب وَقَرَأَ بهَا واشتغل ورحل لكثير من الْبلدَانِ للتِّجَارَة فَدخل الشَّام ومصر وَالروم واليمن وَالْعراق وتكرر دُخُوله للحرمين لِلْحَجِّ ثمَّ ترك الْأَسْفَار واشتغل على أَخِيه ومربيه الشَّيْخ قَاسم الخاني بحلب وَبِه تخرج وَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا من مؤلفاته وَاتفقَ لَهُ أَنه أمره بمطالعة بعض رسائله ألف مرّة فامتثل أمره ثمَّ جاور بالحرمين مُدَّة مديدة إِلَى أَن توطن طيبَة الطّيبَة وَأقَام فِيهَا وأكب على تَحْصِيل الْعلم وانهمك ولازم شيخ الْعَصْر إِبْرَاهِيم الْكرْدِي الكوراني وَأخذ عَنهُ الطَّرِيق ولحظه باكسير نظره حَتَّى ألف الرسائل اللطيفة وَتَوَلَّى بِالْمَدِينَةِ المناصب الْعلية واشتهر أمره وَكَانَ ينظم الشّعْر وَله ترسلات رائقة وَقد تلقيت خَبره من صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله فَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر لي أَن بَينه وَبَينه مراسلات كَثِيرَة لَكِنَّهَا فقدت مِنْهُ وَالْحَاصِل أَنه أديب فَاضل وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ فِي ثَانِي عشر صفر سنة خمس وَتِسْعين وَألف وَدفن بِالبَقِيعِ عبد الْغَنِيّ بن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن خَلِيل العنبوسي الدِّمَشْقِي الْفَاضِل الْفَقِيه الْمُتَكَلّم الْحَنَفِيّ الْمَذْهَب أَخذ بِدِمَشْق عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الْحِجَازِي وَولده عبد الْحق وَالْقَاضِي أكمل بن مُفْلِح وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ يحيى بن مُحَمَّد البهنسي الْخَطِيب والقراآت عَن الْعَلَاء الطرابلسي ثمَّ لزم الْعَلامَة فضل الله بن عِيسَى البوسنوي نزيل دمشق وانتفع بِهِ فِي كثير من الْفُنُون وَأخذ التصوف وَالْكَلَام عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه مُحَمَّد الأتراوي المغربي نزيل دمشق الْآتِي ذكره وبرع فِي الْفُنُون خُصُوصا الْكَلَام فَإِنَّهُ كَانَ ماهرا فِيهِ وَأَخذه عَنهُ جمَاعَة وَتَوَلَّى الْكِتَابَة بالمحكمة العونية مُدَّة وَكَانَ أَبوهُ بهَا قَاضِيا شافعيا ثمَّ فرغ عَن الْكِتَابَة وَصَارَ خَطِيبًا بِجَامِع يلبغا ومتوليا على أوقافه وَحج فِي سنة تسع وَخمسين وَكَانَ يعرف اللِّسَان التركي وَكَانَ لَهُ معرفَة تَامَّة بأحوال النَّاس وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الثُّلَاثَاء عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من قبر أَوْس بن أَوْس والعنبوسي بِفَتْح الْبَاب الْمُهْملَة وَالنُّون من غير تَشْدِيد ثمَّ بعْدهَا مُوَحدَة وواو وسين مُهْملَة نِسْبَة إِلَى قَرْيَة من قرى نابلس خرج مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 جمَاعَة من الْفُضَلَاء مِنْهُم أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن أبي الْفِدَاء المكتبي الشَّاعِر من أَجود شعره قَوْله (أَنا الْمقل وحبي ... إذاب قلبِي ولوعه) (أبْكِي عَلَيْهِ بجهدي ... حسب الْمقل دُمُوعه) عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن فرج الشَّافِعِي خطيب جدة وعالمها والمقدم فِيهَا بالعلوم الشَّرْعِيَّة والأخلاق النَّبَوِيَّة ولد بجدة وَبهَا نَشأ وَأخذ بِمَكَّة عَن شيخ الْإِسْلَام الشهَاب أَحْمد بن حجر الهيثمي وَغَيره من عُلَمَاء عصره وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الخلي وَله مؤلفات مِنْهَا السِّلَاح وَالْعدة فِي فضل ثغر جدة وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم السبت سَابِع شهر رَمَضَان سنة عشر بعد الْألف بجدة وَبهَا دَفنه رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الصُّوفِي القادري صدر أَشْيَاخ الشَّام وَصَاحب الْقدَم الراسخة فِي المعارف والكمالات وَكَانَ كَبِير الْقدر سامي الرُّتْبَة جم المناقب حسن الْخلق طليق الْوَجْه مفرط السخاء والتودد نَشأ فِي حجر وَالِده إِلَى أَن بلغ من الْعُمر اثْنَتَيْ عشر سنة فَمَاتَ أَبوهُ وَجلسَ مَكَانَهُ على سجادة المشيخة فِي يَوْم مَوته وَكَانَ لِأَبِيهِ خَليفَة وَهُوَ الشَّيْخ مُحَمَّد المرزناتي الصَّالِحِي فَطلب الْخلَافَة لنَفسِهِ وتعصب مَعَه قوم مِنْهُم الشَّمْس بن المنقار وَكَانَ جدي القَاضِي محب الدّين مِمَّن قَامَ مَعَ عبد الْقَادِر واهتم بأَمْره وَوَقع بِسَبَب ذَلِك أُمُور ومحاربات كَثِيرَة وَمن جُمْلَتهَا فِي المحاورات الخطابية مَا أنْشدهُ الشَّمْس الذُّكُور فِي مجمع حافل بزاويتهم القلجية وَأَرَادَ بذلك الإزراء بالجد وَعبد الْقَادِر وَذَلِكَ الْبَيْت الْمَشْهُور (شَيْئَانِ عجيبان هما أبرد من يخ ... شيخ يتصابى وَصبي يتشايخ) فَأَجَابَهُ الْجد وَكَانَ أَصْغَر مِنْهُ سنا وأكبر مرتبَة بقوله تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} وَأنْشد معرضًا بِهِ وبالمرزناتي الْمَذْكُور (لَو كَانَ كبر السن محمودة ... فضل إِبْلِيس على آدم) واستمرت هَذِه الشّحْنَة بَين الْجد وَالشَّمْس أَيَّامًا حَتَّى اجْتمعَا يَوْمًا فِي مجْلِس الدُّعَاء للسُّلْطَان بالجامع الْأمَوِي وَكَانَا قبل ذَلِك الْيَوْم إِذا حضرا مَجْلِسا مثل هَذَا يجلس قَاضِي الْبَلَد وَيجْلس وَاحِد مِنْهُمَا عَن الْيَمين وَالْآخر عَن الشمَال فَفِي ذَلِك الْيَوْم جَاءَ الْجد إِلَى الطّرف الَّذِي فِيهِ الشَّمْس وَجلسَ بَينه وَبَين القَاضِي فَلَمَّا تمّ الدُّعَاء قَامَ الشَّمْس مغضبا ونادى بِأَعْلَى صَوته أتجلس فَوقِي وَأَنا مفتي الْبَلدة من مُنْذُ كَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 فَأَجَابَهُ الْجد كل هَؤُلَاءِ يعلمُونَ أَن الْمُفْتِي بِالْأَمر السلطاني أَنا وَأما أَنْت فلك أُسْوَة بِمن يُفْتِي مثلك من غير إِذن فرتبة الرحجاني لي فَكل من حضر صدق قَوْله وَكَانَ الْجَمِيع يَغُضُّونَ من الشَّمْس ويكرهونه لسوء أخلاقه فَيُقَال أَنه ذهب من ذَلِك الْمجْلس محموما وَبَقِي أَيَّامًا وَمَات عودا على بَدْء واستقام الْأَمر لعبد الْقَادِر صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْخلَافَة فسلك مَنْهَج وَالِده من إِقَامَة الذّكر بالجامع الْأمَوِي بعد صَلَاة الْجُمُعَة عِنْد بَاب الخطابة وبزاويتهم يَوْم الِاثْنَيْنِ بعد الْعَصْر وَمَا زَالَ يسمو ويرتفع حَتَّى بلغت شهرته الْآفَاق وَكَانَ حكام الشَّام وكبراؤها يقبلُونَ عَلَيْهِ ويترددون إِلَيْهِ وَيطْلبُونَ مدده وَتوجه إِلَى الْقُدس على عَادَة صوفية الشَّام بحشمة وافرة وَحج فِي سنة خمس عشرَة وَألف وسافر إِلَى قسطنطينية أَربع مَرَّات وانحصرت آخرا فِيهِ رياسة الْمَشَايِخ بِدِمَشْق وَكَانَ أَكْثَرهم حَالا وَقَالا وَبلغ من نُفُوذ الْكَلِمَة وشهرة الاعتناء مرتبَة علمية وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَاتِمَة أولى النباهة من الرؤساء وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الْخَمِيس سادس جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بزاويتهم إِلَى جَانب وَالِده ورثاه جمَاعَة مِنْهُم الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن عبد الْغَنِيّ الْمُقدم ذكره وَهَذِه أبياته (شيخ شُيُوخ الشَّام يَا مرشد ... من جنَّة الْخلد لَك المرقد) (من للمريدين وَمن يلتجي ... إِلَيْهِ فِي الْمُشكل أَو ينجد) (من للمهماة إِذا أعضلت ... وللمساكين إِذا أجهدوا) (من لعيال وَالِد ماجد ... مَعَ أمّهم فِي سَاعَة يفقد) (أَواه من عظم مصاب بهم ... وَمثل هَذَا الْخطب مَا يعْهَد) (يَا حَاتِم الطَّبْع والمنتمى ... جودك بالموجود لَا يجْحَد) (وحلمك الْمَعْرُوف مَا مثله ... قد كَانَ فِي الدَّهْر وَلَا يُوجد) (من عَام خمس كنت شَيخا لَهُ ... سجادة ديدنه يرشد) (طلق الْمحيا هاضما نَفسه ... وَتارَة يرْكَع أَو يسْجد) (يَا شامة الشَّام وَيَا قطبها ... قد طَابَ مِنْك السِّرّ والمشهد) (أودعك الْأَسْرَار كَهْف الورى ... والدك السَّامِي الذرى أَحْمد) (وَأَنت أودعت الَّذِي حُزْته ... للخلف الصَّالح كي يسْعد) (بهم تسلينا وَمن بعده ... مثلهم يُوجد لَا يفقد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 (أشياخنا السادات أهل التقى ... وَذُو الكرامات الَّتِي تورد) (لَا سِيمَا من كنت أجلسته ... وَهُوَ الْكَبِير الصَّالح المرشد) (ميزته بِالسِّنِّ إِذْ كلهم ... أَعْلَام إرشاد لم يسْعد) (لَا زَالَ هَذَا الْبَيْت ملجاً لَهُ ... سكان ذخر لنا منجد) (وَلم تزل رَحْمَة رَبِّي رَبِّي على ... ضريحك الرَّوْضَة تستخلد) عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن يحيى بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن شعْبَان الْمَعْرُوف بِابْن الغصين الْغَازِي الشَّافِعِي الْعَالم الْعَامِل الْوَلِيّ الصَّالح رَحل إِلَى مصر وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ عَليّ الْحلَبِي وَأبي الْعَبَّاس الْمقري والبرهان اللَّقَّانِيّ وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن اليمني وَالشَّيْخ حجاز الْوَاعِظ والميناوي والنور الشبراملسي وَالشَّمْس البابلي وَأخذ طَرِيق الرفاعية عَن الْأُسْتَاذ الْكَبِير مُحَمَّد العلمي الْقُدسِي وبرع فِي علمي الظَّاهِر وَالْبَاطِن وَحفظ عَلَيْهِ الْقُرْآن جماعات لَا يُحصونَ وَأخذ عَنهُ الحَدِيث وَغَيره كثير مِنْهُم صاحبنا الْفَاضِل الْكَامِل المكمل إِبْرَاهِيم الجينيني وَأَخْبرنِي أَنه كَانَ صَاحب كرامات وأحوال باهرة قَالَ وَذكر لنا أَنه من مُنْذُ عرف نَفسه لم يُصَلِّي صَلَاة إِلَّا بِجَمَاعَة وَلم يفته إِلَّا صَلَاة وَاحِدَة وَهِي صَلَاة الصُّبْح وَكَانَ مُسَافِرًا فِي طَرِيق مَكَّة فغلبه النّوم وَلم يفق إِلَّا بعد طُلُوع الشَّمْس وَأخْبرنَا صاحبنا الْمَذْكُور أَن مولده فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وَأَنه رَحل إِلَى مصر لطلب الْعلم سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَقدم غَزَّة فِي الْمحرم سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَن وَفَاته كَانَت فِي نَهَار الِاثْنَيْنِ سَابِع عشرى ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَلم يخلف بعده فِي غَزَّة مثله علما وَعَملا عبد الْقَادِر بن بهاء الدّين بن نَبهَان بن جلال الدّين بن تَقِيّ الدّين أبي بكر الْمَعْرُوف بِابْن عبد الْهَادِي الْعمريّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي شَيخنَا الجهبذ الْمُحَقق المدقق الفطن الذيق كَانَ من الغواصين عَن المباحث وَحل غوامضها وتبيين مبهماتها وَله فكرة تتوقد ذكاء وتتلهب فطنة وَكَانَ أغلب معلوماته أصُول الدّين وَالْفِقْه وَبِهِمَا تقوى وَضبط التحقيقات مَعَ الإتقان للعلوم الطبيعية والرياضية وَقَرَأَ الْكثير وَقيد وَضبط واستفاد وَأفَاد وَمن مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم المنلا مَحْمُود الْكرْدِي والمنلا مَحْمُود أَمِين اللاري وَشَيخنَا إِبْرَاهِيم الفتال وَحضر دروس السَّيِّد مُحَمَّد نقيب الشَّام الْمَعْرُوف بِابْن حَمْزَة فِي التَّفْسِير وَغَيره وَجل انتفاعه بِهِ وتصدر للإقراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 فاشتغل عَلَيْهِ جمع كثير مِنْهُم ابْن عَمه عبد الْجَلِيل ورفيقي فِي الطّلب مُحَمَّد بن مُحَمَّد القَاضِي الْمَالِكِي بالمحكمة الْكُبْرَى وَالْفَقِير قَرَأت أَنا وإياه عَلَيْهِ طرفا من شرح الْعَضُد على مُخْتَصر الْمُنْتَهى لِابْنِ الْحَاجِب فِي الْأُصُول وَشرح الرسَالَة الوضعية للعصام وَكُنَّا نطالع شَرحه الَّذِي وَضعه على الْمُخْتَصر الْمَذْكُور وحقق فِيهِ التَّحْقِيق الَّذِي مَا وَرَاءه غَايَة وَألف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا شَرحه هَذَا وَشرح على عقيدة الْمقري الْمُسَمَّاة بإضاءة الدجنة فِي عقائد أهل السّنة وَاخْتصرَ الهمع للسيوطي فِي النَّحْو وَشَرحه شرحاً نفيساً وَله منظومات فِي عُلُوم مُتَفَرِّقَة ومسائل متنوعة وَله شعر كثير وَكَانَ سَافر إِلَى الرّوم صُحْبَة الْأُسْتَاذ الْعَالم الْكَبِير مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربي السُّوسِي نزيل مَكَّة وتقرب إِلَيْهِ وَأخذ عَنهُ فنوناً كَثِيرَة وبسببه عرف فَضله عِنْد الْوَزير الْأَعْظَم الْفَاضِل وأخيه مصطفى باشا وَابْن عَمهمَا حُسَيْن حَلَبِيّ وَكَانَ وَهُوَ بالروم مَاتَ الشَّيْخ الإِمَام عبد الْقَادِر الصفوري الْآتِي ذكره قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ مدرس دَار الحَدِيث الأشرفية فوجهت لصَاحب التَّرْجَمَة فَقدم دمشق وَأقَام بهَا على الِاشْتِغَال والتحصيل والإفادة والتصنيف وَكَانَ ابتلى بِمَرَض المراقيا وعالجه مُدَّة فَلم يفد علاجه ثمَّ استحكم فِيهِ فَكَانَ سَبَب وَفَاته فَتوفي فِي نَهَار الْخَمِيس ثَانِي صفر سنة مائَة وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس مِمَّا يَلِي عَمه الْأُسْتَاذ مُحَمَّد وَوضع عَلَيْهِمَا تَابُوت من الْخشب عبد الْقَادِر بن حاجي المؤيدي مفتي الرّوم وَصدر الدولة الْمَعْرُوف بشيخي وَهُوَ ابْن أخي الْمولى عبد الرَّحْمَن المؤيدي كَبِير الْعلمَاء بالروم فِي عهد السُّلْطَان بايزيد وَولده السُّلْطَان سليم الفاتح ذكره ابْن نَوْعي فِي ذيل الشقائق وَقَالَ فِي تَرْجَمته ولد فِي حُدُود سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة وجد واجتهد ثمَّ وصل إِلَى مجْلِس شيخ الْإِسْلَام أبي السُّعُود الْعِمَادِيّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ ولازم مِنْهُ وَتَوَلَّى التدريس إِلَى أَن وصل إِلَى الْمدرسَة السليمانية فولي مِنْهَا قَضَاء الشَّام فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة بعد الْمولى عَليّ بن أَمر الله الْمَعْرُوف بِابْن الحنائي الْمَذْكُور ثمَّ تولى قَضَاء بروسة بعد سلفه الْمَذْكُور أَيْضا فِي رَجَب سنة سِتّ وَسبعين ثمَّ ولي قَضَاء قسطنطينية فِي رَجَب سنة سبع وَسبعين وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة من سنة ثَمَان وَسبعين ولي قَضَاء الْعَسْكَر بأناطولي وَفِي الْمحرم سنة تسع وَسبعين ولي قَضَاء روم ايلي وَفِي الْمحرم سنة إِحْدَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 وَثَمَانِينَ تقاعد بوظيفة أَمْثَاله ثمَّ فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَتِسْعين ضمت إِلَيْهِ دَار الحَدِيث وَفِي جُمَادَى الأولى سنة خمس وَتِسْعين صَار مفتياً وَكَانَ صَدرا جَلِيلًا صَاحب قدر عَال جبلا شامخاً من الْفضل وَالتَّقوى مَعْرُوفا بالنباهة مَوْصُوفا بالنزاهة شيخ فن الْفضل وَالْأَدب وَجُمْلَة ملك الْحسب وَالنّسب ثمَّ عزل عَن الْفَتْوَى فِي سنة سبع وَتِسْعين وتقاعد بِخَمْسِينَ عثمانياً وَاسْتمرّ مشتغلاً بِعبَادة الله وتقواه حَتَّى توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَاخِر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف وَدفن بِجنب وَالِده فِي جوَار أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عبد الْقَادِر بن حسن المنعوت محيى الدّين بن بدر الدّين الْبكْرِيّ الصديقي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الإِمَام الْفَقِيه الزَّاهِد العابد الْوَرع كَانَ من اجلاء الْعلمَاء الْكِبَار أَصْحَاب الدّيانَة والصلف وَله الْفضل الباهر والمشاركة التَّامَّة فِي فنون كَثِيرَة أجلهَا الْفِقْه والعربية وَكَانَ مُنْقَطِعًا عَن النَّاس قَلِيل الِاخْتِلَاط بهم ملازماً للاشتغال وَالْعِبَادَة مَوْصُوفا بِحسن الْأَخْلَاق وجلالة الْمِقْدَار وَهُوَ من بَيت عريق مجمع على صِحَة انتسابه للأسرة الصديقية وَلَا يشك فِي نسبهم إِلَّا جَاهِل أَو معاند وناهيك بِنِسْبَة لم يبْق من عُلَمَاء دمشق الْكِبَار الْمَشْهُورين فِي هَذِه لمِائَة وَالَّتِي قبلهَا أحد إِلَّا وَشهد بحقيتها وَمِنْهُم أمس النَّاس بِهَذِهِ النِّسْبَة السادات البكرية بِمصْر ولهذه النِّسْبَة الْعَظِيمَة كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة مُعظما مُحْتَرما وانضاف إِلَيْهِ الْفضل التَّام فَزَاد احترامه وَقد قَرَأت بِخَط الأديب عبد الْكَرِيم الكريمي الطاراني الدِّمَشْقِي قَالَ سَأَلت عَنهُ صاحبنا الإِمَام الْعَلامَة زين الدّين عمر بن مُحَمَّد الْقَارِي الشَّافِعِي فَقَالَ كَانَ ماهراً فِي عُلُوم شَتَّى مِنْهَا الْفَرَائِض والحساب وَالْكَلَام وَالْعرُوض وَأما الْفِقْه والعربية فَكَانَ فيهمَا الْغَايَة القصوى لَا أرى لَهُ ضريباً فِي الْفُنُون الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُ تلقاها عَن مَشَايِخ عِظَام ودأب فِي تَحْصِيل الْكَمَال وَذكره النَّجْم فِي الذيل وَقَالَ فِي تَرْجَمته حضر دروس شيخ الْإِسْلَام وَالِدي وَقَرَأَ على أخي الشهَاب شرح الْمحلى مصاحباً لرفيقه التَّاج الفرعوني مَعَ مطالعة حَاشِيَة الْوَالِد الصُّغْرَى عَلَيْهِ وَمَعَ إمْسَاك الشهَاب شرح وَالِده الصَّغِير على الْمِنْهَاج ولازمه فِي غير ذَلِك ولازم النُّور النَّسَفِيّ الْمصْرِيّ نزيل دمشق وَلَعَلَّه أول من قَرَأَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تزوج بِأم الشَّيْخ محيى الدّين وَسكن عِنْدهم بمحلة بَاب توما وَقَرَأَ أَيْضا على الشَّيْخ اسماعيل النابلسي مرافقاً للشَّيْخ عمر الْقَارِي واصطحبا مُدَّة ثمَّ تقاطعا وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 فِي الثُّلُث الْأَخير من لَيْلَة الْأَحَد لليلتين بَقِيَتَا من صفر سنة ثَلَاث بعد الْألف وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْقَادِر بن شيخ عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس الملقب محيي الدّين الشَّيْخ الإِمَام أَبُو بكر اليمني الحضرموتي الْهِنْدِيّ أحد أكَابِر عُلَمَاء الحضارمة ذكره الشلي فِي تَارِيخه وَقَالَ فِي تَرْجَمته قد ترْجم نَفسه هُوَ فِي تَارِيخه النُّور السافر عَن أَخْبَار الْقرن الْعَاشِر فَقَالَ ولدت فِي عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس لعشرين خلت من شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة بِمَدِينَة أَحْمد أباد من بِلَاد الْهِنْد وَكَانَ وَالِدي رأى فِي الْمَنَام قبل ولادتي بِنَحْوِ نصف شهر جمَاعَة من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مِنْهُم الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني وَالشَّيْخ أَبُو بكر العيدروس وَكَانَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر يُرِيد حَاجَة من الْوَالِد فَذَلِك هُوَ الَّذِي حمله على تسميتي بِهَذَا الِاسْم وَكَنَّانِي أَيْضا أَبَا بكر ولقبني محيي الدّين وتقرر عِنْده أَنه سَيكون لي شَأْن وَكَانَ قل أَن يسلم لَهُ ولد بِأَرْض الْهِنْد فَمَا عَاشَ لَهُ مِنْهُم غَيْرِي وَكَانَ يحبني جدا وَقَالَ لي مرّة إِذا وَقع زَمَانك افْعَل مَا شِئْت وَحكى بعض الثِّقَات قَالَ جَاءَ بعض الوزراء الْكِبَار إِلَى والدك يطْلب مِنْهُ الدُّعَاء فِي أَمر من الْأُمُور وَكنت إِذْ ذَاك صَغِيرا جدا وَكنت جَالِسا بَين يَدَيْهِ فَقَرَأت فِي الْحَال هَذِه الْآيَة {وَأُخْرَى تحبونها نصر من الله وَفتح قريب} فَقَالَ الشَّيْخ يكفيكم هَذَا الْمقَال هَذَا مثل الْوَحْي قَالَ ثمَّ قضيت تِلْكَ الْحَاجة وَكَانَت أُمِّي أم ولد هندية وهبتها بعض النِّسَاء من بَيت الْملك الْمَشْهُورَة بالصدقات لأبي وأعطتها جَمِيع مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من أثاث وأخدمتها جملَة من الْجَوَارِي وَكَانَت تنظرها مثل ابْنَتهَا وتزورها فِي الشَّهْر مَرَّات وَكَانَت هِيَ إِذْ ذَاك بكرا وَلم تَلد لَهُ من الْأَوْلَاد غَيْرِي وَكَانَت من الصَّالِحَات وقرأت الْقُرْآن حَتَّى ختمته على يَد بعض أَوْلِيَاء الله فِي حَيَاة الْوَالِد ثمَّ اشتغلت بالتحصيل وقرأت عدَّة متون على جمَاعَة من الْعلمَاء وتصديت لنشر الْعلم وشاركت فِي كثير من الْفُنُون وتفرغت لتَحْصِيل الْعُلُوم النافعة وأعملت الهمة فِي اقتناء الْكتب المفيدة وبالغت فِي طلبَهَا من أقطار الْبِلَاد مَعَ مَا صَار إليّ من كتب الْوَالِد فَاجْتمع عِنْدِي جملَة وَلما بَلغنِي أَن سَيِّدي الشَّيْخ عبد الله العيدروس قَالَ من حصل كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين وَجعله فِي أَرْبَعِينَ جلدا ضمنت لَهُ على الله بِالْجنَّةِ فحصلته كَذَلِك بِهَذِهِ النِّيَّة ووفقت لاستماع الْأَحَادِيث وإشغال الْأَوْقَات بهَا وطالعت كثيرا من الْكتب ووقفت على أَشْيَاء غَرِيبَة مَعَ مَا تلقيته عَن الْمَشَايِخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 فَلم تفتني بِحَمْد الله إِشَارَة صوفية أَو مسئلة علمية أَو نُكْتَة أدبية وَلَكِنِّي مَعَ ذَلِك أظهر التجاهل فِي ذَلِك لِأَن الْكَلَام على إشارات التصوف ومقامات الصُّوفِيَّة لَا يَنْبَغِي للشَّخْص أَن يقدم عَلَيْهَا إِلَّا إِن كَانَ متحققاً بهَا وَمَعَ ذَلِك فَلَا يجوز لَهُ أَن يَخُوض فِيهَا مَعَ غير أَهلهَا لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة على المواجيد والأذواق لَا يطلع على بَيَان حَقِيقَتهَا بالألسنة والأوراق ثمَّ من الله عَليّ بمالاً كَانَ لي قطّ فِي حِسَاب حَتَّى سَارَتْ بمصنفاتي الرفاق وَقَالَ بِفضل عُلَمَاء الْآفَاق وَرزقت محبَّة أَرْبَاب الْقُلُوب من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وحظيت بدعواتهم الصَّالِحَة وعظمني الْعلمَاء شرقاً وغرباً وخضع لي الرؤساء طَوْعًا وَكرها وكاتبني مُلُوك الْأَطْرَاف وأرفدوني بصلاتهم الجميلة ووصلت إِلَى المدائح من الْآفَاق كمصر وأقصى الْيمن وَغَيرهمَا وَأخذ عني غير وَاحِد من الْأَعْلَام وَلبس مني خرقَة التصوف جم غفير من الْأَعْيَان وألفت جملَة من الْكتب المقبولة الَّتِي لم أسبق إِلَى مثلهَا ككتاب الفتوحات القدوسية فِي الخرفة العيدروسية وَهُوَ كتاب نَفِيس لم يؤلف قبله أجمع مِنْهُ وَهُوَ مُجَلد ضخم وقرظه جمَاعَة من الْعلمَاء الْأَعْلَام حَتَّى بلغت تقاريظه كراريس وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق أَن تَارِيخه جَاءَ مطابقاً لموضوعه وَهُوَ لبس خرقَة وَكتاب الحدائق الخضرة فِي سيرة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه الْعشْرَة وَهُوَ أول كتاب ألفته وسنى إِذْ ذَاك دون الْعشْرين وَكتاب إتحاف الحضرة العزيزة بعيون السِّيرَة الوجيزة وَهُوَ على نمط الحدائق إِلَّا أَنه أَصْغَر وَكتاب الْمُنْتَخب الْمُصْطَفى فِي أَخْبَار مولد الْمُصْطَفى وَكتاب الْمِنْهَاج إِلَى معرفَة الْمِعْرَاج وَكتاب الأنموذج اللَّطِيف فِي أهل بدر الشريف وَكتاب أَسبَاب النجَاة والنجاح فِي أذكار الْمسَاء والصباح وَكتاب الدّرّ الثمين فِي بَيَان المهم من الدّين وَكتاب الحوشي الرشيقة على العروة الْوَثِيقَة وَكتاب منح الْبَارِي بِخَتْم البُخَارِيّ وَكتاب تَعْرِيف الْأَحْيَاء بفضائل الْأَحْيَاء وباعثه أَن سَيِّدي الشَّيْخ عبد الله العيدروس قَالَ غفر الله لمن يكْتب كَلَامي فِي الْغَزالِيّ فرجوت أَن يتناولني دعاؤه وَأَرَدْت إسعاف وَالِدي بتحقيق رجاه فَإِنِّي سمعته يَقُول إِن أمْهل الزَّمَان جمعت كَلَام الشَّيْخ عبد الله فِي الْغَزالِيّ فِي كتاب وأسميه الْجَوْهَر المتلالي فِي كَلَام الشَّيْخ عبد الله فِي الْغَزالِيّ وَكتاب عقد اللآل بفضائل الْآل وَكتاب خدمَة السَّادة بني علوي بِاخْتِصَار العقد النَّبَوِيّ وَأَرْجُو أَن يوفقني الله لإتمامه وَكتاب بغية المستفيد بشرح تحفة المريد وَهُوَ مُخْتَصر جدا وَكتاب النفحة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 العنبرية فِي شرح الْبَيْتَيْنِ العدنية وَكتاب غَايَة الْقرب فِي شرح نِهَايَة الطّلب اعتنى بِهِ النَّاس كثيرا وحصلوا مِنْهُ نسخا عديدة نَحْو الْأَرْبَعين فِيمَا علمت وَشرح على قصيدة الشَّيْخ أبي بكر العيدروس صَاحب عدن النونية وَكتاب إتحاف إخْوَان الصفاء بشرح تحفة الظرفاء بأسماء الْخُلَفَاء وَكتاب صدق الْوَفَاء بِحَق الإخاء وَكتاب النُّور السافر عَن أَخْبَار الْقرن الْعَاشِر وتقريظ على شرح قصيدة البوصيري الَّتِي عَارض بهَا بَانَتْ سعاد لشَيْخِنَا شيخ الْإِسْلَام عبد الْملك بن عبد السَّلَام دعسين الْأمَوِي اليمني الشَّافِعِي وَآخر على رِسَالَة صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْبكْرِيّ فِي تَنْزِيه الإِمَام مَالك عَن تِلْكَ الْمقَالة الشنيعة الَّتِي نَسَبهَا إِلَيْهِ من لَا خلاق لَهُ وَأَجَازَ للفقيه الصَّالح أَحْمد بن الْفَقِيه مُحَمَّد باجابر وديوان شعر اسْمه الرَّوْض الأريض والفيض المستفيض انْتهى كَلَامه فِي حق نَفسه قَالَ الشلي وَمن مؤلفاته الَّتِي لم يذكرهَا الزهر الباسم من روض الْأُسْتَاذ حَاتِم وَهُوَ شرح رِسَالَة من السَّيِّد حَاتِم إِلَيْهِ وَهُوَ مطول نَحْو مجلدين وَكتاب قُرَّة الْعين فِي مَنَاقِب الْوَلِيّ عمر بن مُحَمَّد باحسين قَالَ فِي الزهر الباسم وَشَيخنَا وإمامنا فِي هَذَا الشَّأْن شيخ الْإِسْلَام الْعَالم الرباني المربي شيخ بن عبد الله العيدروس فَإِنَّهُ رباني بنظره وغذاني بسره وصدرني فِي مَكَانَهُ وَشَيخنَا الثَّانِي الشَّيْخ الَّذِي هُوَ الْأَخ وَابْن الْعم الإنساني الْكَامِل والجزء الَّذِي هُوَ الْكل شَامِل أَبُو الْأَرْوَاح وَشَيخ الْأَشْيَاخ حَاتِم بن أَحْمد الأهدل وَهُوَ الَّذِي أسْرع بأسرارنا حَتَّى لحقت وفتق ألسنتنا حَتَّى نطقت وَشَيخنَا الثَّالِث قطب الْوُجُود وَإِمَام أهل الشُّهُود وشمس الشموس الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس صنوي ووالدي فَإِنَّهُ حكمني وألبسني الْخِرْقَة ونصبني شَيخا وَذكر صُورَة إِجَازَته لَهُ وتحكيمه وَشَيخنَا الرَّابِع درويش حُسَيْن الكشميري وَشَيخنَا الْخَامِس مُوسَى بن جَعْفَر الكشميري وَذكر تَرْجَمَة هذَيْن وَأَجَازَهُ الثَّانِي لَهُ وَشَيخنَا السَّادِس الْوَلِيّ الْكَبِير الْقدْوَة الشهير مُحَمَّد بن الشَّيْخ حسن جشني انْتهى وَلم يزل فِي أَحْمد أباد مستمراً على نفع الْعباد إِلَى أَن انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف بِمَدِينَة أَحْمد أباد وعمره سِتُّونَ سنة وقبره فِيهَا مَشْهُور مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ عبد الْقَادِر بن عُثْمَان القاهري الْحَنَفِيّ الشهير بالطوري مفتي الْحَنَفِيَّة بِمصْر من بَيت أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة ذَوي حسب وَكَانَ عَالما فَاضلا فَقِيها أديباً وَله وجاهة ونباهة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَكَانَ ملازما على الْإِفْتَاء والتدريس بِجَامِع الْأَزْهَر وَله تصانيف مِنْهَا شرح على الْكَنْز فِي الْفِقْه وتكملة الْبَحْر الرَّائِق وَله كتاب فِي الْأَدَب جمعه من نظمه ونثره سَمَّاهُ الفواكة الطورية وَفِي هَذِه التَّسْمِيَة لطف لِأَن بلدته الطّور أَكثر تِلْكَ الدائرة فَاكِهَة ويعجبني مَا كتبه إِلَيْهِ بعض الأدباء فِي طلب كِتَابه هَذَا وَكَانَ وعده بإرساله إِلَيْهِ وَذَلِكَ (يَا إِمَامًا لقد حوى دررا ... بِكُل نظم وكل منثور) (غرست بِالْفَضْلِ رَوْضَة بسقت ... ثمارها من طلائع النُّور) (يشتاق طرفِي لِأَن يشاهدها ... فَتلك عِنْدِي أجل مَنْظُور) (وفؤادي العليل من قدم ... يتَمَنَّى فواكه الطّور) وَذكره الشهَاب فِي الخبايا فَقَالَ فِي تَرْجَمته وَالطور وَكتاب مسطور لَهو صديق لي تجربه الْمَوَدَّة حلل الحبور روض مجد ناضر وبحر أدب وافر لَكِن طبعه أم الضقر مقلات نزور وَلم يورق حَتَّى احْتضرَ وَمضى بِأَمْر عَزِيز مقتدر ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله (تنور منيتي بلطيف صنع ... مَعَاني حسنه أضحت غزيرة) (لَهُ قد رَشِيق ثمَّ جسم ... عَلَيْهِ حِين لَاحَ رَأَيْت نوره) ثمَّ تعقبه بِمَا فِي تَحْرِير التحريف للصفدي يَقُولُونَ تنور الرحل من النورة وَالصَّوَاب اتنور واتنار وَلَا يُقَال تنور إِلَّا إِذا أبْصر الْمنَار ثمَّ قَالَ وَمَا مَنعه صرح بِهِ غَيره من أهل اللُّغَة لَكِن الْمَشْهُور هَذَا قلت وَيشْهد للْأولِ مَا فِي حماسة الطَّائِي قَالَ أَعْرَابِي لابْنَيْهِ وَقد دخلا الْحمام فأحرقتهما النورة (نهيتهما عَن نورة أحرقتهما ... وحمام سوء مَاؤُهُ يتسعر) (أجدكما لم تعلما أَن جارنا ... أَبَا الحسل فِي الصَّحرَاء لَا يتنور) على أَن تنور فِي كَلَام الطوري لَا يتَعَيَّن حمله على تعَاطِي النورة لاحْتِمَال جعل لَهُ نورا وَقَول الشهَاب فِي حَقه لَكِن طبعه أم الصقور إِلَى أَخّرهُ إِشَارَة إِلَى أَنه كَانَ قَلِيل الإفادة والْآثَار وَهُوَ حل لقَوْل النفيه الحماسي (يغاث لطير أَكْثَرهَا فراخا ... وَأم الصَّقْر مقلات نزور) والمقلات بِالْفَتْح نَاقَة تضع وَاحِدًا ثمَّ لَا تحمل والنزور النَّاقة مَاتَ وَلَدهَا وتروم ولدا لَهَا وَقَوله وَيشْهد للْأولِ إِلَى آخِره هَذِه عبارَة الطَّائِي وَقَالَ الشريشي فِي شرح المقامات روى أَن عبيد بن قرط الْأَسدي دخل مَعَ صاحبين لَهُ بَلَدا فِيهِ حمام فَأحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 صَاحِبَاه دُخُوله فَنَهَاهُمَا عبيد فأبيا إِلَّا دُخُوله فَلَمَّا دخلا رَأيا فِيهِ رجلا يتنور أَي يسْتَعْمل النورة فسألا عَنْهَا فأخبرا بإذهابها الشّعْر فاستعملاها فَلم يحسنا فأحرقتهما وأضرت بهما فَقَالَ عبيد (لعمري لقد حذرت قرطا وجاره ... وَلَا ينفع التحذير من لَيْسَ يحذر) (نهيتهما عَن نورة أحرقتهما ... وحمام سوء ناره تتسعر) (فَمَا مِنْهُمَا إِلَّا أَتَانِي موقعاً ... بِهِ أثر من مَسهَا يتقسر) (أجدكما لم تعلما أَن جارنا ... أَبَا الحسل بِالْبَيْدَاءِ لَا يتنور) (وَلم تعلما حمامنا فِي بِلَادنَا ... إِذا جعل الحرباء فِي الحدل يحضر) والنورة قيل إِنَّهَا لَيست عَرَبِيَّة فِي الأَصْل واشتقاقها يشابه اشتقاق الْعَرَبِيّ فَزعم قوم أَنَّهَا سميت بذلك لِأَن أول من عَملهَا امْرَأَة يُقَال لَهَا نورة وَقد استعملتها الْعَرَب فِي الشّعْر الْقَدِيم قَالَ الراجز (يَا رب إِن كَانَ بَنو عميره ... رَهْط الثلب هَؤُلَاءِ مقصوره) (قد أَجمعُوا الخلعة مشهوره ... واجتمعوا كَأَنَّهُمْ قاروره) (فَابْعَثْ عَلَيْهِم سنة قاشوره ... تحتلق المَال احتلاق النوره) انْتهى وَقد تفحصت عَن وَفَاة الطوري كثيرا فَلم أظفر بهَا سوى أَنِّي رَأَيْت فِي مَجْمُوع بِخَط بعض الأفاضل الأدباء وَكَانَ مِمَّن قَرَأَ على الطوري أَنه كَانَ مَوْجُودا فِي سنة سِتّ وَعشْرين ألف عبد الْقَادِر بن عَليّ بن يُوسُف بن مُحَمَّد أَبُو السُّعُود بن أبي الْحسن بن أبي المحاسن المغربي الفاسي الْمَالِكِي الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث الْمُفَسّر الصُّوفِي البارع فِي جَمِيع الْعُلُوم جَمِيع من انتسب إِلَى الْمغرب متفقون على جلالته وتوحده وَإنَّهُ عديم النظير وأوحد الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء وَشَيخ الشُّيُوخ وسلطان عُلَمَاء الزَّمَان وَقد كَانَ جَامعا بَين الْعلم الظَّاهِر وَالْبَاطِن اشْتهر ذكره من حَال صغره وَكثر الثَّنَاء عَلَيْهِ وَبعد صيته فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وَكثر أَخذ النَّاس عَنهُ بِحَيْثُ أَن تلامذته لَا يُحصونَ وَلم يحرم أحد مِنْهُم من الْعلم السِّرّ فِيهِ وَفِي آبَائِهِ وبركته مَشْهُورَة بِحَيْثُ أَن الطّلبَة تقصده من الْبِلَاد النائية لذَلِك وَقد جرب ذَلِك واشتهر عِنْد أهل الْمغرب وَكَانَ عَظِيم الْحِفْظ عَجِيب الاملاء إِذا قَرَأَ كتابا استوفى مَا فِيهِ فَإِن وجد فِيهِ مسئلة نَاقِصَة تممها أَو شَيْئا مستغلقاً شَرحه أَو طَويلا اخْتَصَرَهُ دون أَن يخل بِشَيْء من مَعَانِيه أَو مسَائِل مختلطة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 رتبها أَو وجد فِيهِ خطأ بَينه بغاية الْأَدَب بِحَيْثُ لَا ينتقص مُصَنفه وَكَانَ من الْحلم والبذل وَالصَّبْر بِحَيْثُ فاق أقرانه فِي ذَلِك خُصُوصا مَعَ ندرة ذَلِك فِي أهل الغرب وَكَانَ من الهيبة بِحَيْثُ تخافه الْمُلُوك وتخشى سطوته الْأُمَرَاء وَكَانَت الْعلمَاء والعامة منقادين لأَمره فِيمَا يرومه مَعَ وُقُوفه عِنْد حَده فِي سَائِر شؤونه وأدب نَفسه وَلسَانه إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ من حسن اللِّقَاء وَجَمِيل الْمُعَامَلَة وَالْإِكْرَام لجليسه وَكَانَ لجماله وبداعة وَجهه وَحسن صورته لَا يمْلَأ النَّاس مِنْهُ نظرتهم وَقد أفرد وَلَده عبد الرَّحْمَن لترجمته مجلداً حافلاً سَمَّاهُ تحفة الأكابر بمناقب الشَّيْخ عبد الْقَادِر ذكر فِيهِ بعض أخلاقه وعلومه اللدنية والمكتسبة ومنازلاته وكراماته وأسراره ومعاملاته مَعَ ربه سُبْحَانَهُ وإشاراته مِمَّا ذكره بِلِسَانِهِ أَو كتبه أَو قَرَّرَهُ فِي آيَة من كتاب الله عز وَجل من عِنْد نَفسه أَو من حَاصِل مَا حفظ وَنقل وَمَا تكلم بِهِ فِي بعض الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة أَو فِي بعض الْحَقَائِق المنقولة عَن أحد الصُّوفِيَّة وَبَعض كَلَامه فِي الحكم والحقائق وَمَا قَالَه من الشّعْر أَو قيل فِيهِ مِمَّا يتَضَمَّن ذكر الطَّرِيق وَأَهله إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يتعرف مِنْهُ مبْنى طَرِيقه وتبريزه فِي الْمعرفَة وَالْعلم وتحقيقه فَقَالَ ولد بِالْقصرِ الْكَبِير عِنْد زَوَال يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر رَمَضَان سنة سبع بعد الْألف وَتسَمى هَذِه السّنة بالمغرب سنة الْفِيل وَسبب ذَلِك أَن فِي هَذِه السّنة فِي شهر رَمَضَان مِنْهَا بعث السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس الْمَنْصُور لوَلَده الْمَأْمُون هَدِيَّة من مراكش إِلَى فاس اشْتَمَلت على تحف وَبعث مَعهَا فيلة خَارج أهل فاس كلهم للقائها بِمِائَة ألف أَو يزِيدُونَ فَعظم وقعها وَكثر التَّعَجُّب مِنْهَا وَنَشَأ فِي حجر وَالِده مصوناً عَن عَبث الصّبيان ملازماً لدار جده وَبهَا ولدور بِي محفوفاً بالتدريج الرحماني فَقَرَأَ على وَالِده وَتعلم الْقُرْآن وَحفظه على معلمه غَانِم السفياني ثمَّ لَازم الْقِرَاءَة على أَخِيه أبي الْعَبَّاس أَحْمد وَقَرَأَ أَيْضا على الْفَقِيه مُحَمَّد الزيات وَمُحَمّد الرفاس وَعبد الْقوي كلهم من فُقَهَاء الْقصر ثمَّ رَحل إِلَى فاس بِقصد الْقِرَاءَة فِي أَوَائِل رَجَب سنة خمس وَعشْرين وَألف فَنزل بِالْمَدْرَسَةِ المصباحية وأكب على الِاجْتِهَاد فَكَانَ كثيرا مَا يجد نَفسه فِي الطَّرِيق سائراً لتَعلق قلبه بمجالس الْعلم وحنينه إِلَى أَمَاكِن الْقِرَاءَة فِي وَقتهَا وَفِي غير وَقتهَا فَانْتَفع فِي أقرب مُدَّة وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْأَشْيَاخ مِنْهُم عَم أَبِيه الْعَارِف بِاللَّه أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ثمَّ قَرَأَ على غَيره من عُلَمَاء فاس كالشيخ أبي الْقَاسِم بن أبي النَّعيم الغسان وَالْإِمَام الْحَافِظ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الْمقري التلمساني وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْجنان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 الغرناطي وَأبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن عَاشر وَأبي الْحسن بن الزبير السلجماسي وَقَرَأَ فِي خلال ذَلِك وَبعده على عَمه الْعَلامَة أبي حَامِد مُحَمَّد الْعَرَبِيّ ولازم فِي أول أمره بفاس أَبَا الْحسن عَليّ بن أبي الْقَاسِم بن القَاضِي فِي كثير من الْأُمَّهَات النحوية والرسمية والعروضية والحسابية وَقَرَأَ أَيْضا فِي الْمنطق وَغَيره على أبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمُزنِيّ الشريف التلمساني وجود بفاس الْقُرْآن على الْأُسْتَاذ الْمقري أبي عبد الله مُحَمَّد الخروبي وَأخذ الْعشْر النافع عَن الْفَقِيه أبي مهْدي عِيسَى الشرفي وَعَن الْأُسْتَاذ أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد السُّوسِي وَعَن الْفَقِيه الْأُسْتَاذ أبي زيد عبد الرَّحْمَن بن أبي الْقَاسِم القَاضِي وَأخذ الشاطبية بمضمنها سَمَاعا عَن ابْن عَاشر الْمَذْكُور فَأَما شَيْخه أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن فمولده فِي الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشري شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف وَقَرَأَ على أَخِيه أبي المحاسن وعَلى الْفَقِيه الْمُفْتِي الْخَطِيب أبي زَكَرِيَّا يحيى بن مُحَمَّد السراج والفقيه القَاضِي الْخَطِيب أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الْحميدِي وَالْإِمَام المتفنن الْأُسْتَاذ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ المنجور وَالْإِمَام الْأُسْتَاذ النَّحْوِيّ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن قَاسم العزومي وَالْإِمَام الْمُحَقق النظار أبي عبد الله مُحَمَّد بن قَاسم الْقَيْسِي الْقصار وَالْإِمَام الْمقري المجود أبي مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد الدراوي وَغَيرهم وَقد اسْتَوْفَيْنَا مشايخه فِي تَرْجَمته وَأما وَالِده فَعَن وَالِده والسراج والْحميدِي والمنجور والعزومي وَزَاد عَن الْفَقِيه النوازلي أبي رَاشد يَعْقُوب بن يحيى البدري ومولده سنة ثَمَان وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَن أبي الْحسن عَليّ ابْن هَارُون وَأبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن سُفْيَان وهما عَن ابْن غَازِي وَغَيره وَزَاد أَيْضا عَن أبي عبد الله بن مجير المساري وَأبي عبد الله الترغي المساري وَأبي النَّعيم رضوَان ابْن عبد الله الجنوي وَأبي النجد مبارك بن عَليّ المصمودي وَغَيرهم ومولد ابْن مجير فِي أول الْعَاشِرَة وَتُوفِّي فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَن ابْن غَازِي وَغَيره وَتُوفِّي الترعي سنة تسع بعد الْألف وَأخذ عَن أبي عبد الله الخروبي الطرابلسي عَن سَيِّدي زَرُّوق وَغَيره وَعَن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد إِبْرَاهِيم ومولده سنة سِتّ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَن ابْن غَازِي وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف الدقون وَتُوفِّي فِي مستهل شعْبَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وَتِسْعمِائَة عَن أبي عبد الله الْمواق وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة سبع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 عَن المستوري بأسانيده الَّتِي فِي فهرسته ولد وَالِد شَيخنَا فِي نصف رَمَضَان سنة سِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي عصر الْجُمُعَة السَّادِس عشر من جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَله تَرْجَمَة على حِدة اسْتَوْفَيْنَا فِيهَا أَحْوَاله ومشايخه وَأما عَمه الشَّيْخ أَبُو حَامِد فمولده سادس شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي رَابِع عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَأَخذه عَن وَالِده الشَّيْخ أبي المحاسن ومولده سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْأَحَد الثَّامِن عشر من شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وَعَن الإِمَام الْقصار ومولده سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي سنة آخر شعْبَان سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَعَن الْفَقِيه المشارك أبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي الْعَرَب السفياني وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وَعَن الأديب الْفَقِيه أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن عَليّ الْقَنْطَرِي القصري وَتُوفِّي فِي التَّارِيخ أَيْضا وَعَن القَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد المركني المغراوي وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة وَألف وَعَن عَمه الإِمَام أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الْمُتَقَدّم وَعَن شقيقه الْحَافِظ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف ومولده فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَألف وَعَن الإِمَام أبي الطّيب الْحسن بن يُوسُف الزناتي ومولده سنة سِتِّينَ من الْعَاشِرَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَأخذ وَالِده عَن البستيني وَابْن جلال وَأبي زيد بن إِبْرَاهِيم وَعبد الْوَهَّاب الرقَاق والخباز وخروف وَابْن مجير والمصمودي وأسانيدهم فِي تَرْجَمته وترجمة أَخِيه أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن وَأخذ الْقصار عَنْهُم مَا عدا الخباز والمصمودي وَزَاد عَن أبي شامة بن إِبْرَاهِيم وَأبي الْحسن الرَّاشِدِي وَأبي عبد الله بن هبة وَأبي النَّعيم رضوَان وَأبي الْعَبَّاس التسولي وبالإجارة عَن أبي الطّيب الْغَزِّي والبدر الْقَرَافِيّ وَأبي زَكَرِيَّا الْحطاب وزين العابدين الْبكْرِيّ وَأبي الْقَاسِم بن عبد الْجَبَّار القيجميجي وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وأسانيدهم مَذْكُورَة فِي غير هَذَا وَأخذ ابْن القَاضِي عَن ابْن مجير وَأبي الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم والقدومي والسراج والْحميدِي والبدري وَغَيرهم وَأخذ المري عَن المنجور وَشَيْخه أبي الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم وَأخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 ابْن أبي الْعَرَب عَن المنجور والقصار وَأخذ الْقَنْطَرِي عَن أبي المحاسن الفاسي وَأبي النَّعيم رضوَان والمنجور وَأخذ المركني عَن ابْن مجبر وَالْمَجْبُور والسراج والْحميدِي والقدومي وَأبي الْقَاسِم بن عبد الْجَبَّار وَأبي الْقَاسِم بن سَوْدَة وَأما ابْن أبي النَّعيم فمولده فِي رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي خَامِس ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَأخذ عَن ابْن مجبر وَعَن السراج والْحميدِي والمنجور والقدومي وَقد تقدمُوا وَعَن الْفَقِيه الْمُحدث أبي الْعَبَّاس أَحْمد بَابا ابْن أَحْمد بن أَحْمد ابْن عمر بن اقيت السوداني وَتُوفِّي فِي سَابِع شعْبَان سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف وَأخذ عَن وَالِده عَن جمَاعَة مشارقة ومغاربة وَتُوفِّي وَالِده فِي سَابِع عشر شعْبَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة ومولده فِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَأما الْمقري فَتوفي بِمصْر فِي منتصف رَجَب أَو شعْبَان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف وَرُوِيَ عَن الْقصار وَقَبله عَن عَمه الْمُفْتِي أبي عُثْمَان سعيد بن أَحْمد عَن الزقاق والونشريشي وَابْن جلال وسُفْيَان وَابْن هَارُون وخروف وَسَعِيد المانوي وَغَيرهم وَأما الْجنان فمولده سنة ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي آخر ذِي الْحجَّة سنة خمسين وَألف وَأخذ عَن ابْن مجير والقدومي والبدري والسراج والْحميدِي والمنجور وَقد تقدمُوا عَن أبي عبد الله الحضري وَتُوفِّي سنة خمس عشرَة وَألف وَهُوَ عَن الخروبي وَقد تقدم وَأما ابْن عَاشر فَعَن الْقصار وَابْن أبي النَّعيم وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَزِيز التجِيبِي وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن شقرون بن القَاضِي وَأبي عبد الله مُحَمَّد الهراوي وبالمشرق عَن سَالم السنهوري وَعبد الله الدنوشري وبركات الْحطاب والصفي الْعزي وَغَيرهم وَتُوفِّي ابْن عَاشر ثَالِث الْحجَّة سنة أَرْبَعِينَ وَألف وَابْن عَزِيز سنة ثَلَاث وَعشْرين ومولده سنة أَربع وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَهُوَ يروي عَن القدومي والمنجور والْحميدِي والسراج وَأبي إِسْحَاق ابْن عبد الْجَبَّار الفحبي وَمُحَمّد بن عَليّ الشَّامي فَالْأول عَن ابْن غَازِي وَالثَّانِي عَن سُفْيَان وَأما ابْن الزبير فَعَن الشَّيْخ الْوَرع الصَّالح النَّحْوِيّ أبي يزِيد عبد الرَّحْمَن بن قَاسم بن مُحَمَّد بن عبد الله إِعْرَاب المكناسي وَولد سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي بعد الْألف وَتُوفِّي ابْن الزبير سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَأما أَبُو الْحسن بن القَاضِي فَتوفي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف عَن خمس وَأَرْبَعين سنة وَأخذ عَن أَبِيه وَعَن ابْن عَمه أبي الْعَبَّاس بن شقرون وَقد تقدما وَعَن عَمه أبي مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن القَاضِي وَتُوفِّي سنة سِتّ وَألف ومولده بعد الْخمسين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 وَتِسْعمِائَة وَأخذ أَبوهُ وَعَمه وَابْن عَمه جَمِيعًا عَن جدنا أبي المحاسن يُوسُف بن مُحَمَّد وَأخذ أَبُو الْحسن أَيْضا عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد حبيب عَن الشَّيْخ أبي المحاسن أَيْضا وَأخذ أَبُو الْحسن أَيْضا عَن الْفَقِيه الْمُحدث أبي الْحسن عَليّ الشريشي وَتُوفِّي تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَعشْرين وَألف عَن أبي النَّعيم رضوَان بن عبد الله وَتُوفِّي سنة إجدى وَتِسْعين من الْعَاشِرَة ومولده سنة اثْنَتَيْ عشرَة مِنْهَا وَأخذ عَن سُفْيَان وَغَيره وَأخذ أَبُو الْحسن المري عَن أَبِيه الْمُفْتِي أبي عبد الله مُحَمَّد وَعَن الْحميدِي والسراج وَابْن أبي النَّعيم والمقري وَقد تقدمُوا وَعَن القَاضِي أبي الْحسن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن عمرَان وَتُوفِّي سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَأخذ عَن الْأُسْتَاذ الْفَقِيه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الزموري وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَألف عَن الونشريشي والزقاق وَأبي الْقسم بن إِبْرَاهِيم وَغَيرهم وَلم يُمكن بسط أسانيدهم وَقد بسطناها فِي غير هَذَا وَلما أكمل الْقِرَاءَة شَيخنَا اقْتصر على شَيْخه أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن عَم أَبِيه بِقصد التربية مظْهرا بالحقاق الربانية وَلم ينتسب إِلَّا إِلَيْهِ إِلَى أَن ربطه بعده بالشيخ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَكَانَ لَقِي قبله رجَالًا من أهل الله مِنْهُم الشَّيْخ سَيِّدي أَبُو الْقَاسِم ابْن الزبير المصباحي وَكَثِيرًا مَا تردد إِلَيْهِ بِالْقصرِ قبل رحلته إِلَى فاس وَكَانَ جليل الْقدر محافظاً على رسوم الشَّرِيعَة مَعَ تغفل فِي دُنْيَاهُ وغيبة لَا يُنكر فِيهَا من أَحْوَاله شَيْء وَله منازلات ومكاشفات توفّي فِي مستهل الْمحرم سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَأخذ عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْحسن بن عِيسَى المصباحي من أكَابِر أَصْحَاب الغزواني وَعَن وَالِده أبي مُحَمَّد عِيسَى بن الْحسن عَن وَالِده وَعَن أبي عبد الله الطَّالِب وَارِث الغزواني وَأخذُوا وَالِده أَيْضا عَن أبي عسرية المصباحي وَمِنْهُم الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى الشريعي الفجاج وَكَانَ جليل الْقدر كثير المكاشفات وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَأخذ عَن أبي عبد الله الصّباغ القصري عَن أبي الْحسن فندرير عَن أبي الْعَبَّاس الحساني عَن أبي الْحسن عَليّ صَالح عَن التباع وَأخذ أَيْضا عَن سَيِّدي أبي شتاغي عَن سَيِّدي الغزواني وَمِنْهُم الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الصرصري وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَألف وَأخذ عَن أبي مهْدي عِيسَى بن الْحسن وَعَن أَبِيه الْمَذْكُورين وَمِنْهُم الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن أَيُّوب الخلطي وَأخذ عَنْهُمَا أَيْضا فِيمَا أَظن وَمِنْهُم الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد القجيري القصري وَكَانَ صَاحبه حَال عَظِيم توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَأخذ عَن الشَّيْخ الْفَقِيه الصَّالح أبي مُحَمَّد عبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 ابْن حسون السلائي دفن بسلا وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وَهُوَ عَن سَيِّدي عبد الله الهيطي وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف عَن سَيِّدي الغزوانني وَتُوفِّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ عَن التياع وَتُوفِّي سنة أَربع عشرَة كلهم من الْعَاشِرَة وَمِنْهُم الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ المصمدي وَتُوفِّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَأخذ عَن أبي الْحسن الجعيدي وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف عَن الشَّيْخ أبي الْحجَّاج يُوسُف التليدي أحد وارثي الغزواني وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة واختص بعده بتلميذه سَيِّدي مَنْصُور بن عبد الْمُنعم وَمِنْهُم الشَّيْخ سَيِّدي عبد الرَّحْمَن الشريف وَغَيرهم وَنَشَأ مُنْذُ صباه مُسْتَقِيم النَّفس على التَّزْكِيَة بالطاعات فيسر الله لَهُ التَّعَلُّم حَتَّى كَانَ يحفظ دون كثير قِرَاءَة فحدثنا من كَانَ يقْرَأ مَعَه فِي الصغر أَنه كَانَ ينظر فِي اللَّوْح ويحرك شَفَتَيْه من غير أَن يسمع لَهُ صَوت ثمَّ يعرض لوحه كَمَا يَنْبَغِي وَدخل فِي طَرِيق الْقَوْم وَكَانَ يحضر حزب أَخِيه أبي عسرية وَغَيره ثمَّ دخل فاس فلازم عَم أَبِيه قِرَاءَة وَطلب مِنْهُ الدُّخُول فِي حزب أَصْحَابه مَعَ جمَاعَة مِمَّن يقْرَأ مَعَه فَأَشَارَ بِالْقبُولِ وَلَكِن شَرط عَلَيْهِم حلق الشّعْر وَكَانَ للشَّيْخ شنتوف إِذْ ذَاك فبادر إِلَى حلقه وأغفل غَيره احتقاراً للشّرط فَلَمَّا أكمل الْقِرَاءَة طُولِبَ بِالرُّجُوعِ إِلَى وَطنه بعد كتبه الْإِجَازَة عَن شَيْخه أبي النَّعيم وأستاذه عَم أَبِيه وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ لَو كنت وَحدك مَا أطلقتك وَلَكِن سر فَلَمَّا وصل بعث إِلَيْهِ بالعوذ ليَأْتِيه فاختص بِهِ وَكَانَ يطالعه سَائِر يَوْمه وَرُبمَا خرج لَيْلًا بِحَسب مَا يحدث لَهُ من حَال يبثه أَو علم ينشره وَلم يزل يلازمه إِلَى وَفَاته مَعَ مَا كَانَ يُنَوّه بِهِ ويثني عَلَيْهِ وَيُشِير إِلَيْهِ بالخصوصية ثمَّ ظهر بعده الشَّيْخ الْعَارِف الشَّيْخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله معَان الأندلسي بِإِخْرَاج الْجَمَاعَة لَهُ فاستخرجوه جمعا لأمرهم وضبطاً لحالهم فصادفوا الْإِذْن لَهُ فِي ذَلِك فأظهر مَا كَانَ خَفِي ولاحت أنواره وَنزل لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة فخدمه إِلَى وَفَاته جمعا للآراء وَلم يزل الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَزْبُور يتيمن بِعلم المترجم وَيُشِير إِلَى توفيقه واختصاصه من بَين أَهله بِمَا هُوَ أقوى من التَّصْرِيح بتقديمه بعده فهمه وعرفه من سلم من شين الْحَسَد وَأخذ غَيره بعموقات لَا تفِيد شَيْئا لقَوْله الْوَقْت غال وَلَيْسَ هَذَا وَقت فقر إِنَّمَا نطلب أَن نموت مُسلمين وَمَا علم أَن هَذَا قَالَه الشَّيْخ المجذوب قبله وَقَالَهُ من الْمُتَقَدِّمين كثير بل وَالشَّيْخ وأشياخنا كَانُوا ينفون المشيخة عَنْهُم وَعَن أهل وقتهم ثمَّ قَالَ وَكَانَ أعلم أهل زَمَانه وأثبتهم وأضبطهم وَأَكْثَرهم تحريراً وَكَانَ يحفظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 مَا يسمع وَلَا يَعْتَرِيه نِسْيَان مُنْذُ زمن قِرَاءَته وَكَانَ لَا يدع مُشكلا فِي علم يسْأَل عَنهُ وَلَا يتَكَلَّم مَعَه فِي نازلة إِلَّا ويفكها وَلَا يتَكَلَّم مَعَه فِي علم إِلَّا ويفيد ثَمَرَته عَن روية لَا بتكلف مطالعة وَلَا ترددّ بِعِبَارَة سهلة لَا يتَكَلَّف لَهَا تأنقاً وَلَا يلْتَزم لَهَا خُرُوجًا عَن لِسَان الْوَقْت بل كَانَ تدريسه على ذَلِك تَارَة بِعِبَارَة الْوَقْت وَتارَة بِالْعَرَبِيَّةِ الْمَحْضَة فَإِذا كتب ظَهرت الفصاحة والبلاغة على الْوَجْه الَّذِي يبلغ من استحسانه كل مبلغ وَمَا رَأينَا تحصيلاً أتمّ من تَحْصِيله مَعَ التبحر فِي الْعُلُوم وَالْجمع لأدوات الِاجْتِهَاد وَكَانَ يمِيل إِلَيْهِ إِلَّا أَنه يوفق بَين رَأْيه ورأي أهل الْمذَاهب حَتَّى يصيره قولا جَارِيا على مَشْهُور الْمذَاهب وَلَا يقنع فِي أجوبته بِمَا يرَاهُ بنظره بل يَسْتَخْرِجهُ من النُّصُوص وَيَردهُ إِلَى مفهومها وَكَانَ لَهُ التَّمْكِين الْعَظِيم مَعَ قُوَّة التضلع فِي التَّفْسِير والْحَدِيث ومعاني الْكتاب وَالسّنة وَله فِي التصوف الْيَد الْبَيْضَاء وَأما الْعَرَبيَّة فَهُوَ أَبُو عذرها حَتَّى كَانَ يَقُول تِلْمِيذه الإِمَام الْعَلامَة أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن جلال كل من يحسن النَّحْو بفاس وَيَزْعُم أَنه أَخذه عَن غير سَيِّدي عبد الْقَادِر فَهُوَ كَذَّاب وَأما الْأُصُول والمنطق وَالْبَيَان فَكَانَ يَقُول تِلْمِيذه الْمَذْكُور مارسنا الْعلمَاء فَكَانَ إِذا أشكل علينا فِي الْمحلى أَو السعد أَو غَيرهمَا شَيْء أَتَيْنَا شَيخنَا أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن عمرَان وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ مَعَه فِي ذَلِك فَسَأَلْنَاهُ فَيَأْخُذ الْكتب من أَيْدِينَا فيتأملها ثمَّ يجيبنا وَإِذا أَتَيْنَا سَيِّدي عبد الْقَادِر وسألناه أجابنا على البديهة دون تَأمل كتاب وَقد نفقت بضَاعَة سَائِر الْعُلُوم فِي عصره ببركته فتضلع بهَا تلامذته وتلامذة تلامذته حَتَّى صَارُوا يلقون من يَأْتِي بِشَيْء مِنْهَا مسارعين وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أكمل أهل زَمَانه وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف عبد الْقَادِر بن عمر الْبَغْدَادِيّ نزيل الْقَاهِرَة الأديب المُصَنّف الرّحال الباهر الطَّرِيقَة فِي الْإِحَاطَة بالمعارف والتضلع من الذَّخَائِر العلمية وَكَانَ فَاضلا بارعاً مطلعاً على أَقسَام كَلَام الْعَرَب النّظم والنثر رَاوِيا لوقائعها وحروبها وأيامها وَكَانَ يحفظ مقامات الحريري وَكَثِيرًا من دواوين الْعَرَب على اخْتِلَاف طبقاتهم وَهُوَ أحسن الْمُتَأَخِّرين معرفَة باللغة والأشعار والحكايات البديعة مَعَ التثبت فِي النَّقْل وَزِيَادَة الْفضل والانتقاد الْحسن ومناسبة إِيرَاد كل شَيْء مِنْهَا فِي مَوْضِعه مَعَ اللطافة وَقُوَّة المذاكرة وَحسن المنادمة وَحفظ اللُّغَة الفارسية والتركية وإتقانهما كل الإتقان وَمَعْرِفَة الْأَشْعَار الْحَسَنَة مِنْهُمَا وأخبار الْفرس خرج من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 بَغْدَاد وَهُوَ متقن لهَذِهِ اللُّغَات الثَّلَاث وَورد دمشق وَقَرَأَ بهَا على الْعَلامَة السَّيِّد مُحَمَّد بن كَمَال الدّين نقيب الشَّام وعَلى شَيخنَا النَّجْم مُحَمَّد بن يحيى الفرضي فِي الْعَرَبيَّة وَأقَام بِدِمَشْق فِي مَسْجِد قبالة دَار النَّقِيب الْمَذْكُور مِقْدَار سنة ثمَّ رَحل إِلَى مصر فَدَخلَهَا فِي سنة خمسين وَألف بعد فتح بَغْدَاد بعامين وَأخذ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وآلاتها النقلية والعقلية عَن جمع من مَشَايِخ الْأَزْهَر أَجلهم الشهَاب الخفاجي وَالسري الدروري والبرهان المأموني والنور الشبراملسي وَالشَّيْخ يس الْحِمصِي وَغَيرهم وَأكْثر لُزُومه كَانَ للخفاجي قَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا من التَّفْسِير والْحَدِيث والآداب وَأَجَازَهُ بذلك وبمؤلفاته وَكَانَ الخفاجي مَعَ جلالته وعظمته يُرَاجِعهُ فِي الْمسَائِل الغريبة لمعرفته مظانها وسعة اطِّلَاعه وَطول بَاعه حكى صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله قَالَ قلت لَهُ لما رَأَيْته من سَعَة حفظه واستحضاره مَا أَظن هَذَا الْعَصْر سمح بِرَجُل مثلك فَقَالَ لي جَمِيع مَا حفظته قَطْرَة من غَدِير الشهَاب وَمَا استغدت هَذِه الْعُلُوم الأدبية إِلَّا مِنْهُ وَلما مَاتَ الشهَاب تملك أَكثر كتبه وَجمع كتبا كَثِيرَة غَيرهَا وَأَخْبرنِي عَنهُ بعض من لَقيته أَنه كَانَ عِنْده ألف ديوَان من دواوين الْعَرَب العاربة وَألف المؤلفات الفائقة مِنْهَا شرح شَوَاهِد شرح الكافية للرضي الاسترابادي فِي ثَمَان مجلدات جمع فِيهِ عُلُوم الْأَدَب واللغة ومتعلقاتها بأسرها إِلَّا الْقَلِيل وملكته بالروم وانتفعت بِهِ ونقلت مِنْهُ فِي مجاميع لي نفائس أبحاث يعز وجودهَا فِي غَيره وَله أَيْضا شرح شَوَاهِد شرح الشافية للرضي أَيْضا والحاشية على شرح بَانَتْ سعاد لِابْنِ هِشَام وَقد رَأَيْتهَا وانتقيت مِنْهَا مبَاحث ونوادر كَثِيرَة من جُمْلَتهَا الناسب يجوز لَهُ أَن يذكر مَا تقدم وَأَن يفرغ مجهوده فِيمَا يدل على الصبابة وإفراط الوجد واللوعة والانحلال وَعدم الصَّبْر وَمَا أشبه ذَلِك من التذلل والتوله وَيجب أَن يجْتَنب مَا يدل على الإباء والعزة والتخشن والجلادة كَقَوْل إِسْحَاق الْأَعْرَج (فَلَمَّا بدا لي مَا رَابَنِي ... نزعت نزوع الأبيّ الْكَرِيم) فَإِنَّهُ وصف نَفسه بِالْجلدِ والإقناع والتسلي وَهَذَا نقض للغرض وَقد عَابَ عَلَيْهِ بَعضهم فَقَالَ قبحه الله مَا أحبها سَاعَة قطّ وكقول عبد الرَّحْمَن (إِن تنأ دَارك لَا أمل تذكرا ... وَعَلَيْك مني رَحْمَة وَسَلام) فَهَذَا وَإِن كَانَ معنى صَحِيحا لكنه أثقل من رضوى لَيْسَ فِيهِ لطف وَلَا عذوبة وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 بالرثاء أشبه مِنْهُ بالنسيب ثمَّ إِن مثله إِنَّمَا يُخَاطب بِهِ الأماثل من الرِّجَال وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يُخَاطب بِهِ النسوان وربات الحجال إِذْ لَيْسَ فِيهِ من الصنبوة والخلاعة مَا يجلب بِهِ مودتهن وَمن المخاشنة قَول طرفَة (وَإِذا تلسنني ألسنها ... إِنَّنِي لست بموهون فقر) وَمن النِّهَايَة فِي المخاشنة قَول الآخر (سَلام لَيْت لِسَانا تنطقين بِهِ ... قبل الَّذِي نالني من صَوته قطعا) فَهَذَا قَول عَدو مكاشر لَا محب مكاسر وأقبح من هَذَا قَول عبد بني الحسحاس فِي الدُّعَاء على محبوبته (وراهن رَبِّي مثل مَا قدورينني ... وأحمي على اكبادهن المكاويا) وَمثله قَول جَنَازَة (من حبها أَتَمَنَّى أَن يلاقيني ... من نَحْو بلدتها ناع فينعاها) (لكَي يكون فِرَاق لَا لِقَاء لَهُ ... وتضمر النَّفس يأسا ثمَّ تسلاها) انْتهى وَله من التآليف أَيْضا شرح الشاهدي الْجَامِع بَين الْفَارِسِي والتركي وَغير ذَلِك مِمَّا لم يصل إِلَيّ خَبره وكل تآليفه مفيدة نافعة وَكَانَ مَعَ تبحره فِي الْآدَاب وَمَعْرِفَة الشّعْر لم يتَّفق لَهُ نظم حَتَّى طلبت من بعض المختصين بِهِ شَيْئا من شعره لأثبته فِي تَرْجَمته فَذكر لي فِيمَا زعم أَنه لم يتفوه بِشَيْء مِنْهُ ترفعا عَنهُ ثمَّ رَأَيْت الشلي ذكر لَهُ فِي تَرْجَمته هَذِه الأبيات فِي هجاء طَبِيب يَهُودِيّ يعرف بِابْن جَمِيع (يَا ابْن جَمِيع أَصبَحت تمتحن النَّحْو ... ودعواك فِيهِ منحولة) (أمك مَا بالها فقد ذهبت ... مَرْفُوعَة السَّاق وَهِي مفعولة) (فاعلها الا يرو وَهُوَ منتصب ... مسَائِل قد أتتك مَجْهُولَة) (وَالْعين عطل وَعين عصعصها ... بِنُقْطَة الخصيتين مشكولة) وَدخل دمشق فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف وَكَانَ فِي صُحْبَة الْوَزير إِبْرَاهِيم باشا الْمَعْرُوف بكتخذا الْوَزير منصرفا من حُكُومَة مصر وسافر مَعَه إِلَى أردنة راجيا أَن يحل من الزَّمَان مَحل الفريدة من العقد فَدخل إِلَى مجْلِس الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الْفَاضِل واستمكن مِنْهُ واختص بِهِ وَلما حللت أدرنة فِي ذَلِك الْعَهْد زرته مرّة فِي معهده وَكَانَ بَينه وَبَين وَالِدي حُقُوق ومودة قديمَة فَرَحَّبَ بِي وَأَقْبل عَليّ وَكَانَ إِذْ ذَاك فِي غَايَة من إقبال الكبراء عَلَيْهِ فَلم يلبث حَتَّى هجمت عَلَيْهِ على فأسى مِنْهَا آلاما شَدِيدَة وَلم يبْق طَبِيب حَتَّى بَاشر معالجته وَكَانَ أمره فِي نيل أمانيه مأخوذا على التَّرَاخِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 فعاجله الملال والسآمة وضاق بِهِ الْأَمر فَذهب إِلَى معرة مصر وَعَاد مرّة ثَانِيَة وَأَنا بالروم فَابْتلى برمد فِي عَيْنَيْهِ حَتَّى قَارب أَن يكف فسافر من طَرِيق الْبَحْر إِلَى مصر فوصلها وَلم تطل مدَّته بِهِ حَتَّى توفّي وَكَانَت وِلَادَته بِبَغْدَاد فِي سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَتُوفِّي فِي أحد الربعين من سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن سوار الدِّمَشْقِي العاتكي شيخ الْمحيا بِالشَّام وَأحد الكبراء الصلحاء أَصْحَاب الشان كَانَ فِي مبدأ أمره يُسَافر إِلَى الْقَاهِرَة للتِّجَارَة فَحَضَرَ مجْلِس النَّبِي وَشَيْخه أذذاك الشَّيْخ شهَاب الدّين البُلْقِينِيّ فَوَقع عمله فِي خاطره ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق فابتدأ بِعَمَل الْمحيا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة بِجَامِع الْبزورِي بمحلة قبر عَاتِكَة فِي رَجَب سنة سبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ يحضر مَعَه رجلَانِ أَو ثَلَاثَة من جِيرَانه أَنه لَا يزِيدُونَ فحضرهم ذَات لَيْلَة الشهَاب بن الْبَدْر الْغَزِّي فَاسْتحْسن فعلهم وَكَانَ يعاودهم كثيرا واعتنى بهم جدا وَمن لطائفه مَا قَالَه فِي مدح الْمحيا (أَمَانَة تفسي فِي مطالعة الأحيا ... وَأَحْيَاء روحي فِي مُشَاهدَة الْمحيا) (فيارب هَذَا دأب عَبدك دَائِما ... وديدنه مَا دَامَ فِي هَذِه الدِّينَا) وَلما طَال تردده إِلَيْهِم ذكر ذَلِك لوالده الْبَدْر فَاسْتَحْسَنَهُ وَأمره أَن يَأْتِي بالشيخ عبد الْقَادِر إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ أَشَارَ لَهُ بِعَمَل الْمحيا فِي الْجَامِع الْأمَوِي بالمشهد الْمَعْرُوف بزين العابدين فامتثل أمره وقوى قلبه وابتدأه فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَسبعين لرؤيا رَآهَا هُوَ وَرجل يُقَال لَهُ بَرَكَات العقرباني موافقين لإشارة الْبَدْر وَحدث الشَّيْخ عبد الْقَادِر أَنه فِي أَوَائِل عمل المحياد دخل عَلَيْهِ الشَّيْخ صَالح خير الدّين الْمصْرِيّ الْحَنَفِيّ فَقَالَ رَأَيْت رَسُول الله وَمَعَهُ الشَّيْخ عَليّ الشوني وَهُوَ أول من عمل مجْلِس الصَّلَاة على رَسُول الله بِمصْر وَالشَّيْخ شهَاب الدّين البُلْقِينِيّ وَهُوَ خَلِيفَته فِي الْمجْلس فَقَالَ لي رَسُول الله تعرف الشَّيْخ عبد الْقَادِر إِمَام الْجَامِع الْبزورِي فَقلت لَهُ نعم فَقَالَ اذْهَبْ إِلَيْهِ وَقل لَهُ يعْمل الْمحيا على طَريقَة الشَّيْخَيْنِ وَأَشَارَ إِلَى الشوني والبلقيني ثمَّ رأى الشَّيْخ عبد الْقَادِر نَفسه رَسُول الله فِي النّوم فَقَالَ لَهُ اسْتَعِنْ عَن مجلسي بِأَصْحَابِك ثمَّ التمس بعد مُدَّة من الرُّؤْيَا من أَصْحَابه مساعدته فَلم يطعه مِنْهُم أحد وَقَالُوا لَا قدرَة لنا على سهر اللَّيْل فَرَأى رَسُول الله مرّة ثَانِيَة فَقَالَ لَهُ أما قلت لَك اسْتَعِنْ على الْمجْلس بِأَصْحَابِك قَالَ فَقلت لَهُ مَا أَطَاعَنِي أحد فَقَالَ لَهُ أرسل إِلَيْك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 جمَاعَة يعاونونك قَالَ فَبعد أَن رَأَيْت ذَلِك يسر الله لي جمَاعَة وَكَانَ يرى النَّبِي فِي الْمَنَام كثيرا وَيحدث عَن رُؤْيَاهُ فَرُبمَا وَقع بعض النَّاس الضُّعَفَاء فِيهِ حَتَّى اتّفق للشَّيْخ الْفَاضِل الْبَدْر حسن بن عبد الْقَادِر محيي الدّين الْبكْرِيّ الصديقي وَكَانَ مِمَّن يُنكر ذَلِك عَلَيْهِ فَرَأى فِي مَنَامه أَن الْجَامِع الْأمَوِي ملآن من النَّاس وهم ينتظرون قَالَ فَقلت مَا تنتظرون قَالُوا نَنْتَظِر رَسُول الله فَبعد ذَلِك دخل النَّبِي فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يقبلُونَ يَدَيْهِ وَكنت مِمَّن قبل يَده وَقلت لَهُ من أَنْت يَا سَيِّدي قَالَ أَنا رَسُول الله الَّذِي يَقُول الشَّيْخ عبد الْقَادِر ابْن سوار كثيرا أَنه يراني فِي مَنَامه وَقد جِئْت لحضور مَجْلِسه فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ تَابَ عَن الْإِنْكَار وَصَارَ يلازم مجْلِس ابْن سوار ويعتقده وَيقبل يَده وَكَانَ للشَّيْخ عبد الْقَادِر فَضِيلَة وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن مجوداً وَكَانَ من أحسن النَّاس قِرَاءَة وَله رِوَايَة عَن الْبَدْر الْغَزِّي وَالشَّيْخ أبي الْحسن الْبكْرِيّ والشهاب أَحْمد الطَّيِّبِيّ الْكَبِير قَالَ النَّجْم وَرَأَيْت فِي تَارِيخ ابْن طولون بِخَطِّهِ هَذِه الأبيات منسوبة للشَّيْخ عبد الْقَادِر بن سوار وَهِي هَذِه (لَوْلَا ثَلَاث لم أرد عيشة ... أعيش فِيهَا مدّة الْعُمر) (محيا رَسُول الله ذخر الورى ... من نوره أَسْنَى من الْبَدْر) (وصحبة الإخوان لي دَائِما ... بِالصّدقِ وَالْإِخْلَاص وَالذكر) (وتوبة تمحو الَّذِي قد مضى ... فِي الزَّمن الْمَاضِي من الْوزر) (فأسأل الرَّحْمَن تيسيرها ... فَهُوَ إلهي مَالك الْأَمر) وَكنت أستبعد أَن تكون لَهُ فَقلت لَهُ رَأَيْت بِخَط ابْن طولون هَذِه الأبيات منسوبة لكم فَهَل أَنْتُم قُلْتُمُوهَا فَقَالَ لي وَإِنَّمَا هِيَ لأخيك الشَّيْخ شهَاب الدّين وَكنت أتفرس ذَلِك حَتَّى أَخْبرنِي الشَّيْخ عبد الْقَادِر أَنه كَانَ يتَمَثَّل بهَا فَظن الشَّيْخ شمس الدّين بن طولون أَنَّهَا نظمه ونقلها النَّاس من خطّ ابْن طولون منسوبة إِلَى الشَّيْخ عبد الْقَادِر حَتَّى رَأَيْتهَا بِخَط الدَّاودِيّ وَغَيره وَكَانَت ولادَة ابْن سوار لَيْلَة دُخُول السُّلْطَان سليم إِلَى دمشق وَهِي لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي سحر لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشر جُمَادَى الأولى سنة أَربع عشرَة بعد الْألف عَن أحد وَتِسْعين سنة وَسِتَّة أشهر وَعشْرين يَوْمًا وَصلى عَلَيْهِ فِي التوريزية وَدفن بمقبرة الدقاقين شرقيها من جِهَة الْقبْلَة بمحلة قبر عَاتِكَة وَقيل فِي تَارِيخ مَوته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 (قَالُوا قضى قطب الورى نحبه ... وَذَاكَ عبد الْقَادِر المرتضى) (فَهَل قضى الله لَهُ بِالرِّضَا ... فَقلت فِي تَارِيخه قد قضى) عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن زين الفيومي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الإِمَام الْكَبِير الْمَعْرُوف وَهُوَ وَالِد عبد الْبر صَاحب المنتزه الْمُقدم ذكره لزم الشَّمْس الرَّمْلِيّ مُدَّة سِنِين وتفقه بِهِ وَأخذ عَن الشهَاب أَحْمد بن أَحْمد بن عبد الْحق السنباطي وَعَن شيخ الْقُرَّاء الشَّيْخ شحاذة اليمني وَأبي النجا سَالم السنهوري وَالشَّمْس مُحَمَّد البنوفري وَالشَّيْخ صَالح البُلْقِينِيّ وَمن مشايخه أَيْضا النُّور الزيَادي وتلقى الرياضيات عَن السَّيِّد الشريف الطَّحَّان وفَاق فِي الْفُنُون فَجمع بَين الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَكَانَ فَقِيها مُحدثا فرضياً صوفياً وَيعرف الْحساب والهيئة والميقات والموسيقى وَغَيرهَا وتصدّر للإفتاء والتدريس وانتفع بِهِ كثير من الطّلبَة واشتهر فَضله والف تآليف كَثِيرَة مِنْهَا شَرحه الْكَبِير لمنهاج النَّوَوِيّ جمع فِيهِ بَين شرحي شَيْخه الرَّمْلِيّ وشرحي الْخَطِيب وَابْن حجر وَهُوَ عُمْدَة فِي مَذْهَبهم وَله شرح عَلَيْهِ مُخْتَصر من هَذَا سَمَّاهُ الرَّوْض الْمُهَذّب فِي تَحْرِير مَا لخصته من فروع الْمَذْهَب وَكتب على شرح الْمنْهَج وَشرح الْبَهْجَة وَشرح النزهة فِي الْحساب وَمتْن اللمع وَشرح متن الْمقنع فِي الْجَبْر والمقابلة وَشرح الْمَنْظُومَة الشهيرة بالرحبية فِي الْفَرَائِض وَله نظم يتَعَلَّق بالتصوف والعقائد وَمن شعره مَا رثى بِهِ شَيْخه الشمسي الرَّمْلِيّ الْمَذْكُور (واحر قلبِي على حبر قضى وَمضى ... لَو كَانَ يفدى فدته الْعين بالبصر) (فالعين تَدْمَع وَالْقلب الحزين غَدا ... بجمرة أوقدت باللهب والشرر) (لفقد شمس لدين الله سيدنَا ... وَمن هدى النَّاس من بَدو وَمن حضر) (مُحَمَّد الْعَالم المفضال من سطعت ... بِهِ الْفَضَائِل فِي العلياء كَالْقَمَرِ) وَكَانَ لَهُ رُتْبَة علية بَين الْأَوْلِيَاء وَكَانَ يصدر عَنهُ كرامات وأحوال باهرة مِنْهَا أَنه مرض لَهُ ولد فزار الإِمَام الشَّافِعِي فَاجْتمع بزين العابدين الْمَنَاوِيّ فَقَالَ لَهُ مصلحتك عِنْد ذَاك الرجل وَأَشَارَ بِهِ إِلَى رجل جَالس فِي طاق من بَيت فَذهب إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ بعض أَصْحَابه من الْعلمَاء فَذكر لَهُ فَدَعَا لوَلَده فَعُوفِيَ وَمِنْهَا أَنه رأى منا مَا عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي طَرِيق مطهرة الْجَامِع الْأَزْهَر فَسَأَلَهُ الدُّعَاء فَقَالَ لَهُ بَقِي من عمرك ثَلَاثَة أَيَّام فَذهب إِلَى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد البنوفري فَقص عَلَيْهِ الْمَنَام فَقَالَ لَهُ من عمرك الَّذِي مَعَ الْمَشَقَّة والكدر فَكَانَ كَذَلِك فَعَاشَ بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 ذَلِك مَا ينوف على ثَلَاثِينَ سنة وَسُئِلَ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى صَالح البُلْقِينِيّ عَن القطب فَقَالَ من أَرَادَ أَن يرى القطب فَلْينْظر إِلَى عبد الْقَادِر إِلَى غير ذَلِك من كراماته الْمَشْهُورَة بَين عُلَمَاء جَامع الْأَزْهَر وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَكَانَ هيأ قَبره قبل مَوته بِمدَّة جوَار الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد بن الترجمان الْمَشْهُور تجاه مقَام السُّلْطَان قايتباي بصحراء مصر عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن يحيى بن مكرم بن محب الدّين بن رَضِي الدّين بن محب الدّين ابْن شهَاب الدّين بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن عَليّ بن فَارس بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد بن مُوسَى ابْن إِبْرَاهِيم بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن السبط بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْحُسَيْنِي الطَّبَرِيّ الْمَكِّيّ الشَّافِعِي إِمَام أَئِمَّة الْحجاز قد ترْجم نَفسه فِي بعض كتبه فَقَالَ بعد أَن ذكر نسبه هَكَذَا سرد نسبه هَذَا أَئِمَّة التَّارِيخ وَالْعُلَمَاء الأكابر وَهُوَ متلق لَهُ كَابِرًا عَن كَابر فَإِن الْحَافِظ الْعُمْدَة سراج الدّين عمر بن فَهد مؤرخ مَكَّة ترْجم أَبَا بكر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ وَنسبه فِي كتاب التَّبْيِين فِي تراجم الطبريين بِهَذَا النّسَب وَوجد ذَلِك بِخَط الْحَافِظ الْعُمْدَة الْمُحدث أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْوَادي آشي وبخط الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن فَهد وَذكر أَنه وجده بِخَط الإِمَام رَضِي الدّين بن الْمُحب الطَّبَرِيّ وسرده كَذَلِك السراج الفهدي فِي مُعْجَمه وذيله على تَارِيخ الفاسي الْمُسَمّى بالدر الكمين بذيل العقد الثمين عِنْد تَرْجَمَة الإِمَام محب الدّين الطَّبَرِيّ وَذكره فِي تَرْجَمَة الْمَذْكُور أَيْضا الشَّيْخ الْعَلامَة عز الدّين بن فَهد فِي مُعْجَمه وَفِي كِتَابه الْمُسَمّى نزهة ذَوي الأحلام بأخبار الخطباء وَالْأَئِمَّة وقضاة بلد الله الْحَرَام وَسَاقه أَيْضا الشَّيْخ الرحلة جَار الله بن فَهد فِي مُعْجَمه الْمُسَمّى نوافج النفح المسكي بمعجم جَار الله بن فَهد الْمَكِّيّ عِنْد تَرْجَمَة شَيْخه الإِمَام محيي الدّين الطَّبَرِيّ وَفِي كِتَابه الْمُسَمّى القَوْل المؤتلف فِي الْخَمْسَة الْبيُوت المنسوبين للشرف وَصَاحب هَذِه التَّرْجَمَة ولد وَنَشَأ بِمَكَّة وترعرع فِي حجر أَبَوَيْهِ وأكمل حفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَصلى بِهِ التَّرَاوِيح فِي مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فِي هَذَا السن وَحفظ عدَّة متون مِنْهَا الْأَرْبَعين النووية فِي الحَدِيث والإشارات عَلَيْهَا والعقائد النسفية وألفية ابْن مَالك فِي النَّحْو وَثلث الْمنْهَج لشيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا فِي الْفِقْه وَعرض جُمْلَتهَا على عدَّة مَشَايِخ فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة مِنْهُم شَافِعِيّ عصره الشَّمْس مُحَمَّد الرَّمْلِيّ الْمصْرِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 الشَّافِعِي والعلامة المفنن شمس الدّين مُحَمَّد النحراوي الْحَنَفِيّ والقدوة الْمُفِيد عبد الرَّحْمَن الشربيني الْخَطِيب وَالشَّيْخ الإِمَام الْعُمْدَة عَليّ بن جَار الله بن ظهيرة الْحَنَفِيّ وَالشَّيْخ الصَّالح الْعَالم يحيى بن مُحَمَّد الْحطاب الْمَالِكِي وَجَمَاعَة كَثِيرُونَ وأجازوه بمحفوظاته إجَازَة رِوَايَة وَكَتَبُوا لَهُ مَا يكْتب مثله فِي الْعَادة من الْإِجَازَة وَشرع من هَذَا الْعَام فِي الِاشْتِغَال وَحل الْمُتُون على الْمَشَايِخ فلازم دروس الرَّمْلِيّ فِي مجاورته تِلْكَ السّنة بِمَكَّة تبركاً وَشرع فِي حل الْمنْهَج على الشربيني وانْتهى فِيهِ إِلَى شُرُوط الصَّلَاة ولازم دروس الشَّيْخ الْجَلِيل المتقن المفنن عبد الرَّحِيم بن أبي بكر ابْن حسان الْحَنَفِيّ وَأخذ عَنهُ النَّحْو وَالصرْف وَأخذ النَّحْو وَالْعرُوض عَن الأديب الألمعي جمال الدّين بن إِسْمَاعِيل العصامي والمنطق عَن أخي الْمَذْكُور على العصامي وَحضر عِنْده قِرَاءَة شرح آدَاب الْبَحْث لمنلا حَنَفِيّ وَقطعَة من أَوَائِل الْمُغنِي لِابْنِ هِشَام وَقطعَة من شرح الجامي على الكافية وَحضر قِرَاءَة جَانب من شرح الْمنْهَج على الشَّيْخ الْقدْوَة أبي الْبَقَاء الغمري وَحضر عِنْده أَيْضا قِرَاءَة شرح الورقات للمحلى وَقَرَأَ قِطْعَة من أَوَائِل شرح الْمنْهَج على الشَّيْخ الصَّالح نصر الله بن مُحَمَّد وجانباً مِنْهُ أَيْضا على الشَّيْخ الْمُفِيد مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الزمزمي وَقَرَأَ جانباً من متن الْمِنْهَاج على الشَّيْخ الْجَامِع المطلع مُحَمَّد البهنسي وَقَرَأَ جانباً من متن الشاطبية بعد حفظ نصفهَا على الشَّيْخ المفنن عَليّ الْهَرَوِيّ وَجمع عَلَيْهِ للقراء السَّبْعَة سُورَة الْبَقَرَة بكمالها وَقَرَأَ جانباً من تَهْذِيب الْمنطق للْقَاضِي زَكَرِيَّا عَليّ الشَّيْخ عَليّ بن ظهيرة ولازم ودأب وأعانه فهمه الثاقب فتصرف فِي النّظم والإنشاء وإنشاء الرسائل البديعة واطلع على الْعُلُوم الْعَرَبيَّة الأدبية فانقادت لَهُ طَائِعَة ثمَّ ترقى إِلَى مَا هُوَ أصعب مَسْلَك فاهتم بِقِرَاءَة جَانب من شرح الجغميني فِي الْهَيْئَة وَقطعَة من أَوَائِل شرح التَّجْرِيد للمنلا عَليّ القوشجي على الْعَلامَة الْجَلِيل نصير الدّين بن مُحَمَّد غياث الدّين مَنْصُور وَقَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من رِسَالَة الإسطرلاب وَقَرَأَ جانباً من كليات شرح الموجز فِي الطِّبّ للنفيسي على الْفَاضِل الْكَامِل يُوسُف الكيلاني وَقَرَأَ جانباً من شرح هِدَايَة الْحِكْمَة لمير قَاضِي حُسَيْن على السَّيِّد الْجَلِيل غضنفر ثمَّ صنف وأجاد كتبا عديدة مِنْهَا مقامة سَمَّاهَا درة الأصداف السّنيَّة فِي ذرْوَة الْأَوْصَاف الحسنية وَكتاب مُشْتَمل على زبدة أَرْبَعِينَ علما سَمَّاهُ عُيُون الْمسَائِل من أَعْيَان الرسائل وَشرح على الدريدية سَمَّاهُ الْآيَات الْمَقْصُورَة على الأبيات الْمَقْصُورَة وَشرح على سيرته الَّتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 نظمها سَمَّاهُ حسن السريرة فِي حسن السِّيرَة وَشَرحه على قِطْعَة من ديوَان المتنبي سَمَّاهُ الْكَلم الطّيب على كَلَام أبي الطّيب وعلو الْحجَّة بِتَأْخِير أبي بكر بن حجَّة وَله رسائل علمية مِنْهَا قِطْعَة على أَوَائِل صَحِيح البُخَارِيّ سَمَّاهَا إفحام المجاري فِي إفهام البُخَارِيّ ورسالة سل السَّيْف على حل كَيفَ ورسالة فسر بهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} سَمَّاهَا عرائس الْأَبْكَار وغرائس الأفكار وَمِنْهَا شرح على كتاب الْكَافِي فِي علمي الْعرُوض والقوافي سَمَّاهُ كشف الخافي من كتاب الْكَافِي وَلم يزل منهمكاً على الْعلم مباحثاً فِيهِ مَعْرُوفا بِهِ وَله الْأَشْعَار الرائقة الحلوة فَمن ذَلِك قَوْله يمدح الشريف حسن بن أبي نمي (بَدَت تجر ذيول التيه والخيلا ... فِي رَوْضَة الْعجب حَتَّى قلت حيّ على) (خود تجرّد بيضًا من لواحظها ... فَتتْرك الْأسد فِي ساحاتها قَتْلَى) (وتنثني بقوام زانه هيف ... فتجعل الْغُصْن تعديلاً كَذَا ميلًا) (مَا أطلعت لي هلالاً من مبرقعها ... إِلَّا وعاينته بَدْرًا فَلَا أَفلا) (وَلَا رنت لي بلحظ فَتْرَة كسلا ... إِلَّا وَقد بعثت جَوف الحشا رسلًا) (يَا حسنها من فتاة حل مبسمها ... ظلم يفوق على لذاته العسلا) (ورصعته لآل حول منبتها ... زمزّد الوشم يَا لله من فعلا) (ناديتها ورماح الْحَيّ معلنة ... يَا ظَبْيَة الْحَيّ هَل مَا يبلغ الأملا) (لوالهٍ عبثت أَيدي الغرام بِهِ ... أما ترى شَأْنه أَن يبدع الغزلا) (قَالَت صدقت وَلَكِن ذَاك تَوْطِئَة ... لمدح أفضل من فِي الأَرْض قد عدلا) (السَّيِّد الْحسن الْملك الْهمام وَمن ... ترَاهُ بِالْحَقِّ للجوزاء منتعلا) (سُلْطَان مَكَّة حامي الْبَيْت من شهِدت ... بعد لَهُ الأَرْض لما مهد السبلا) (مؤيد الدّين بالفهم الَّذِي اقترنت ... بِهِ السعادات فِي حالاته جملا) (لَيْث الكتيبة مروى المشرفية من ... دم العدا منهلاً إِذا أرعف الأسلا) (صَاد الصناديد يَوْم الْحَرْب مَا بَطل ... رأى عجائبه إِلَّا وَقد بطلا) (كم ذَا أبانت عَن العلياء همته ... وَكم أبادت معالي عزمه رجلا) (وَكم محا سَيْفه أهل الْفساد وأرباب ... العناد فجارى سَيْفه الأجلا) (فَأَصْبحُوا لَا ترى إِلَّا مساكنهم ... بلاقعاً قد كساها الذل ثوب بلَى) (وَلَيْسَ بدعاً فَهَذَا شَأْن وَالِده ... على المرتضى السَّامِي بِفضل وَلَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 (فسل حنيناً وسل بَدْرًا وسل أحدا ... والنهروان وسل صفّين والجملا) (فيا ابْن طه عَلَوْت النَّاس مرتبَة ... وَجل قدرك أَن تحكي لَهُ مثلا) (هَل أَنْت ملك عَظِيم الْخلق أم ملك ... أبن فأمرك هَذَا حير العقلا) (جمعت كل صِفَات الْحسن أعظمها ... جبر الخواطر للعاني وَمن وصلا) (لَا سِيمَا من عبيد غرس نعمتكم ... أَبَا وجدا فَمن ذَا أَصْبحُوا أصلا) (لذا حثثت مطايا الْعَزْم مسرعة ... إِلَى فنائك كَيْمَا أبلغ الأملا) مِنْهَا (مَا ينفذ حكم الشَّرْع دَامَ سوى ... ذَات الشريف وَمَا عَنهُ نرى حولا) (أدامه الله فِي سعد يسر بِهِ ... وَذَا دُعَاء لكل الْخلق قد شملا) (ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار من مُضر ... والآل والصحب مَا مدح الشريف حلا) وَلما وقف على قَول الْبَدْر الدماميني (يَا سَاكِني مَكَّة لَا زلتم ... أنسا لنا أَنِّي لم أنسكم) (مَا فِيكُم عيب سوى قَوْلكُم ... عِنْد اللقا أوحشنا إنسكم) قَالَ مجيباً (مَا عيبنا هَذَا وَلكنه ... من سوء فهم جَاءَ من حدسكم) (لم نعن بالإيحاش عِنْد اللقا ... بل مَا مضى فابكوا على نفسكم) وحذا حذوه وَلَده زين العابدين الْمُقدم ذكره فَقَالَ (يَا مظهر الْعَيْب على قَوْلنَا ... عِنْد اللقا أوحشنا أنسكم) (مَا قصدنا مَا قد جنحتم لَهُ ... من خطأ قد جَاءَ فِي فهمكم) (فقولنا الْمَذْكُور جَار على ... حذف مُضَاف غَابَ من حدسكم) (وَالْقَصْد فقد الْأنس فِيمَا مضى ... لَا ضِدّه الْوَاقِع فِي وهمكم) (فالأنس لم يوحش بلَى فَقده ... هُوَ الَّذِي يوحش من مثلكُمْ) (وَبعد أَن بَان لكم فاجزموا ... بِنِسْبَة الْعَيْب إِلَى نفسكم) وَحين وقف على مَا قَالَه الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الرؤف قَالَ مجيباً ومعتذراً عَن الدماميني (صونا موَالِي الْفضل بَين الورى ... للبدر إِن تُدْرِكهُ شمسكم) (وجللوه بعباء الإخا ... فَإِنَّهُ الْأَنْسَب من قدسيكم) (فَإِنَّهُ الْكَنْز وبنيانه ... مؤسس قد مَا على أسكم) (كَأَنَّهُ أضمر أَن شانكم ... صناعَة الْإِيهَام فِي لفظكم) (فَاسْتعْمل النَّوْع الَّذِي أَنْتُم ... أَدْرِي بِهِ كي يجتني غرسكم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 (وَلم يَسعهُ كَونه مُنْكرا ... لمثل هَذَا الحذق من مثلكُمْ) (فَإِن هَذَا سَائِغ شَائِع ... برهانه أوحشنا أنسكم) وَكَانَت ولادَة صَاحب التَّرْجَمَة آخر نَهَار السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر سنة سِتّ وَسبعين وَتِسْعمِائَة بِمَكَّة وَتُوفِّي فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَتُوفِّي وَالِده الإِمَام مُحَمَّد ابْن يحيى سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَسبب موت صَاحب التَّرْجَمَة أَنه لما كَانَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سلح شهر رَمَضَان أَمر حيدر باشا مُتَوَلِّي الْيمن أَن لَا يخْطب الْعِيد فِي هَذَا الْعَام إِلَّا خطيب حَنَفِيّ وَكَانَت النّوبَة لصَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ قد تهَيَّأ للخطبة وَأخذ جَمِيع مَا يَحْتَاجهُ من السماط والحلوى على عَادَة خطيب الْعِيد بِمَكَّة فراجع حيدر باشا فِي ذَلِك فَلم يفعل وشدد فِي مَنعه مُبَاشرَة خطْبَة الْعِيد فتعب لذَلِك تعباً شَدِيدا فَمَاتَ فَجْأَة وَصلى عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْعِيد من يَوْمه والطبريون بَيت علم وَشرف مَشْهُورُونَ فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وهم أقدم ذَوي الْبيُوت بِمَكَّة فَإِن الشَّيْخ نجم الدّين عمر بن فَهد ذكر ذَلِك فِي كِتَابه التَّبْيِين بتراجم الطبريين وَقَالَ إِن أول من قدم مَكَّة مِنْهُم الشَّيْخ رَضِي الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن فَارس الْحُسَيْنِي الطَّبَرِيّ قيل سنة سبعين وَخَمْسمِائة أوفى الَّتِي بعْدهَا وَانْقطع بهَا وزار النَّبِي وَسَأَلَ الله تَعَالَى عِنْده أَوْلَادًا عُلَمَاء هداة مرضيين فولد لَهُ سَبْعَة أَوْلَاد وهم مُحَمَّد وَأحمد وَعلي وَإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَكَانُوا كلهم فُقَهَاء عُلَمَاء مدرسين وَكَانَ دُخُول الْقَضَاء وإمامة مقَام إِبْرَاهِيم فِي بَيتهمْ سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة كَمَا ذكره النَّجْم بن فَهد فِي تَارِيخه إتحاف الورى بأخبار أم الْقرى وَذكره الفاسي فِي تَارِيخه العقد الثمين فِي تَارِيخ بلد الله الْأمين وَلم تزل إِمَامَة الْمقَام الْمَذْكُور مَخْصُوصَة بهم لَا مدْخل مَعَهم فِي ذَلِك الْأَجْنَبِيّ وكل من كمل مِنْهُم للمباشرة يُبَاشر وَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن جَدِيد لوُقُوع الْإِذْن الْمُطلق لَهُم من زمن السلاطين السَّابِقين والأشراف الْمُتَقَدِّمين وَاتفقَ فِي عَام إِحْدَى وَأَرْبَعين وَألف أَن إنْسَانا رام الدُّخُول مَعَهم فِي ذَلِك وَقع كَلَام طَوِيل فِي ذَلِك ثمَّ مَنعه الشريف عبد الله بن الْحسن ثمَّ ورد أَمر من وَزِير مصر حِينَئِذٍ مُحَمَّد باشا بِمَنْع الْمَذْكُور أَيْضا وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى الْآن وَمَا زَالَت المناصب الْعلية فِي أَيْديهم يتلقونها كَابِرًا عَن كَابر ويعقدون عَلَيْهَا فِي مقَام الافتخار بالخناصر من الْقَضَاء وَالْفَتْوَى والتدريس والإمامة والخطابة بِبَلَد الله النفيس وَكَانَ منصب الخطابة قَدِيما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 ينْتَقل بِمَكَّة فِي ثَلَاثَة بيُوت الطبريين والظهيريين والنويريين وَبَيت الطَّبَرِيّ أقدمهم فِي ذَلِك كَمَا يعلم من كتب التواريخ الْقَدِيمَة وَمن خطباء الطبيين الْمُحب الطَّبَرِيّ والبهاء الطَّبَرِيّ ثمَّ إِنَّه فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ وَألف جدد خطيب مالكي ثمَّ حنبلي ثمَّ آخر حنبلي فِي عَام ثَلَاث وَأَرْبَعين وَكَانَ منصب الخطابة مَحْفُوظًا عَن أَحْدَاث النَّاس فَلَا يقلده إِلَّا الْعَظِيم علما أَو نسبا وَاتفقَ فِي عَام إِحْدَى وَأَرْبَعين أَن بَاشر الخطابة الشَّيْخ مُحَمَّد المنوفي فورد أَمر من وَزِير مصر مُخَاطبا بِهِ صَاحب مَكَّة وقاضيها وَشَيخ حرمهَا بِمَنْعه من ذَلِك فَلَمَّا جَاءَت نوبَته امْتنع قَاضِي مَكَّة إِذْ ذَاك شكر الله أَفَنْدِي من الصَّلَاة خَلفه فَأرْسل إِلَى الشريف زيد وَكَانَ بمصلاه بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَقد صعد الْمِنْبَر وخطب فَأرْسل إِلَيْهِ الشريف وَمنعه من الصَّلَاة وَأَشَارَ إِلَى غَيره فصلى بِالنَّاسِ ثمَّ الخطباء فِي زَمَاننَا بغاية الْكَثْرَة بِحَيْثُ أَنه لم يصل الْوَاحِد مِنْهُم إِلَى نوبَته إِلَّا بعد مُضِيّ سنة ولنبي الطَّبَرِيّ مزِيد التَّقْوَى والورع وَالصَّلَاح وَتُوفِّي أَسبَاب الْخَيْر والفلاح وَزِيَادَة الألفة بَينهم وَبَين وُلَاة مَكَّة المشرفة والتراسل بَينهم بالأشعار الْحَسَنَة اللطيفة مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي التواريخ الْمَذْكُورَة وَغَيرهَا حَتَّى أَن تِلْكَ الألفة بَينهم اقْتَضَت المواصلة بالمصاهرة وأكملت مَا هُوَ من أَسبَاب الْمُفَاخَرَة فقد نقل الفاسي أَن زَيْنَب بنت قَاضِي مَكَّة الشهَاب أَحْمد بن قاضيها أَيْضا الْجمال مُحَمَّد الطَّبَرِيّ كَانَت زَوْجَة للشريف عجلَان صَاحب مَكَّة سنة سبعين وَسَبْعمائة ثمَّ اخْتلعت مِنْهُ لتسريه عَلَيْهَا وَمن طالع العقد الثمين علم مَا لَهُم من المناقب وَمَا اشتملوا عَلَيْهِ من المناصب وناهيك بالمقامة الَّتِي أَنْشَأَهَا الْحَافِظ جلال الدّين السُّيُوطِيّ مهنئاً الْمُحب الطَّبَرِيّ الْمُتَأَخر لما عزل أَبَا السعادات وَأَبا البركات ابْني ظهيرة عَن خطة الْقَضَاء وَولي ذَلِك بمفرده مَعَ مَا أضيف إِلَيْهِ من المناصب بسعاية الشريف أبي الْقَاسِم بن حسن بن عجلَان صَاحب مَكَّة وَمن جملَة المقامة (إِن الْقُضَاة بِمَكَّة لثَلَاثَة ... طبقًا لما قد جَاءَ فِي الْأَخْبَار) (شيخ الْمقَام وَقد مضى فِي جنَّة ... والقاضيان كِلَاهُمَا فِي النَّار) وَذكر الْحَافِظ نجم الدّين عمر بن فَهد فِي تَذكرته الْمُسَمَّاة نور الْعُيُون بِمَا تفرق من الْفُنُون قَالَ لما كنت بِالْقَاهِرَةِ المحروسة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة ورد إِلَيْهَا القَاضِي أَبُو البركات بن عَليّ بن ظهيرة ساعياً لِأَخِيهِ أبي السعادات فِي عوده لمنصبه قَضَاء الشَّافِعِيَّة وصحبة سؤالان مَعْنَاهُمَا أَن رجلَيْنِ من طلبة الْعلم الشريف بهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 تنَازعا فِي مسئلة فَرضِيَّة فقصد أَحدهمَا بالسؤال عَنْهَا أَخَاهُ أَبَا السعادات وَامْتنع الآخر فَحلف الأول بِالطَّلَاق الثَّلَاث أَنه لَيْسَ بِمَكَّة وأعمالها أحد أعلم مِنْهُ فَهَل يَقع على الْحَالِف حنث أم لَا وَهل بِالْبَلَدِ من يُسَاوِي الْمشَار إِلَيْهِ فِي الْعلم أَو يفوقه فَأجَاب شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ الشهَاب أَحْمد بن حجر الْعَسْقَلَانِي الْكِنَانِي وَالْإِمَام السنباطي بِعَدَمِ الْحِنْث وَأطلق الأول بِانْفِرَادِهِ فِي وقته وَعدم مساواته فضلا عَن أَن يفوقه أحد فِي بَلَده وَقيد الثَّانِي بِأَنَّهُ إِذا سُئِلَ فِي الْفِقْه أجَاب فِي الْحَال من الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة أَو فِي الْأُصُول فَمن ابْن الْحَاجِب والبيضاوي وَكَذَا الحَدِيث وَالتَّفْسِير كَمَا شَاهده مِنْهُ فِي مجاورته بِبَلَدِهِ فَلَمَّا اطلع على السؤالين وجوابهما الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي الْمُحب الطَّبَرِيّ كتب فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة قصيدة لامية من نظمه إِلَى الْحَافِظ ابْن حجر مضمونها الْإِنْكَار عَلَيْهِ وعَلى السنباطي فِي الْفتيا وَهِي هَذِه (يقبل الأَرْض عبد قد أحبكم ... طفْلا وَفِي كبرٍ فِي الْحبّ مَا عدلا) (وَيسْأل الله أَن يحظى برؤيتكم ... على الصَّفَا فَعَسَى أَن يبلغ الأملا) (يَا وَاحِد الْعَصْر خُذ منا مراسلة ... تَشْكُو لما قد حكى عَنْكُم وَمَا حصلا) (من مَكَّة صدرت تَشْكُو لخالقها ... أَيْضا وتروى لكم عَن ألسن الفضلا) (مَا بَال سيدنَا زلت أنامله ... وَالله تِلْكَ لعمري زلَّة العقلا) (جَاءَت لمَكَّة فتيا قد جزمت بهَا ... بِأَن أفضلهَا هَذَا الَّذِي خذلا) (وَقلت هَذَا طَلَاق لم يَقع وَلَقَد ... قَالَ المحق طَلَاق الأحمق اتصلا) (إِن كَانَ أعملها من قد ذكرت فقد ... صَارَت بِلَا عَالم وَالْعلم قد هزلا) (رام الترقي إِلَى الْعليا فأنزله ... ذَا الدَّهْر من طيشه لَا زَالَ مستفلا) (قد أوقع الحبر فِيمَا لَيْسَ شيمته ... كَانَ الإِمَام عَن التحريف منعزلا) (ارْجع هداك الَّذِي أَعْطَاك منزلَة ... عَن ذِي الْمقَالة وَالْأَمر الَّذِي نقلا) (مَا يحمد الله فِي الدّين والهوى وَلَقَد ... ذمّ الَّذِي بالهوى قد كَانَ مشتغلا) (هلا كتبتم أدام الله دولتكم ... مثل السباطي إِذْ من أَكلَة وحلا) (خُذ زادك الله حرصاً ذكر سيرته ... عَن وَاحِد لم يزدْ فِيهَا وَلَا جهلا) (أَبُو السعادات هَذَا من شبيبته ... وَفِي كهولته مَا حَاز قطّ علا) (لم يَأْخُذ الْعلم عَن شيخ يعرفهُ ... وَجه الصَّوَاب وَلَا أصغى وَلَا قبلا) (يُفْتِي من الْكتب إِن أخطا فعادته ... وَإِن أصَاب فَوجه الذَّم مَا جهلا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 (والنحو لم يدر فِيهِ قطّ مسئلة ... مثل الْحمار إِذا مَا فِيهِ قد سئلا) (كَذَا الْأُصُول إِذا مَا قلت مبحثه ... ينشى الرياسة إِذْ كَانَت لَهُ شغلا) (علم الْفَرَائِض لم يحسن لمسئلة ... مِنْهُ وَلَا لحساب الأَصْل قد عملا) (قد ضيع الْعُمر حسداً للملا وَله ... عجب وَكبر وحقد بئْسَمَا فعلا) (أضحى بِمَكَّة يُؤْذِي الْخلق من حمق ... وَلَيْسَ فِي النَّاس شخص من أَذَاهُ خلا) (لَهُ مثالب أُخْرَى غير مَا ذكرت ... إِنِّي عقلت لساني عَنهُ فانعقلا) (جَمِيع جيران بَيت الله يَعْقِلهَا ... إِن اتهمت فسل عَن ذَاك من عقلا) (فَكيف ينْسب من هَذَا لَهُ صفة ... بِأَنَّهُ عَالم وَالْحَال مَا نقلا) (فَكُن رعاك الْإِلَه الْيَوْم معتذراً ... عَمَّا جنيت وَقل وَالله قد جهلا) (الله يبْقى لنا هَذَا المليك لقد ... أراح مَكَّة من أَحْكَام من عزلا) (كَانَت ولَايَته للْحكم نازلة ... وَالْحَمْد لله عَنَّا زَالَ مَا نزلا) (أسْتَغْفر الله فِي تَقْصِيرهَا فَلَقَد ... جَاءَت بذب لما بِالنَّاسِ قد حصلا) (وصل رب على الْمُخْتَار من مُضر ... وَآله وأجب يَا خير من سئلا) (كَذَلِك الصحب والأتباع مَا طلعت ... شمس ولاح ضِيَاء الْأُفق أَو أَفلا) وَقد أطلقنا عنان الْقَلَم فِي ميدان المداد وَإِن كَانَ لَيْسَ من شَرط المُرَاد إِذْ الحَدِيث شجون وَالْكَلَام يجر بعضه بَعْضًا هَذَا وَقد قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي الْمَذْكُور فِي بعض كتبه أَن قَول الأقران بَعضهم فِي بعض غير مَقْبُول قَالَ وَمَا علمت عصراً سلم أَهله من ذَلِك غير عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ انْتهى كَلَامه قلت وَفِي قَوْله غير عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ تَأمل إِذْ لم يسلمُوا أَيْضا من ذَلِك كَمَا يعرفهُ من طالع سيرهم فَالظَّاهِر الْعُمُوم وَلَعَلَّ كَلَامه مَبْنِيّ على الْأَكْثَر وَالْغَالِب لقلته فيهم بِالنِّسْبَةِ لمن بعدهمْ وَالله تَعَالَى أعلم عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد أبي الغيض السَّيِّد الْأَفْضَل أَبُو مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن قضيب البان يتَّصل نسبه بِأبي عبد الله الْحُسَيْن قضيب البان الْموصِلِي من أَوْلَاد مُوسَى الجون بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن السبط بن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ ابْن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَالْحُسَيْن قضيب البان الْمَذْكُور صَاحب الكرامات الْمَشْهُورَة ذكره كثير من النسابة والمؤرخين وَهُوَ الَّذِي كَانَ صحب الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني قدّس سره وَزوج الشَّيْخ عبد الْقَادِر ابْنَته الْمُسَمَّاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 بخديجة السمينة لأبي المحاسن على ولد الشَّيْخ قضيب البان الْمَذْكُور وَكَانَت قبل تَحت ولد الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الطنشونجي فَمَاتَ عَنْهَا جده وَتَزَوجهَا بعده أَبُو المحاسن عَليّ الْمَذْكُور واستولدها ذكر ذَلِك عبد الله بن سعد اليافعي وَشَيخ الشّرف فِي كِتَابَيْهِمَا فَيكون نسب السَّيِّد عبد الْقَادِر صَاحب التَّرْجَمَة مُتَّصِلا بِحَضْرَة الشَّيْخ عبد الْقَادِر الكيلاني من ابْنَته خَدِيجَة السمينة وبحضرة الشَّيْخ قضيب البان من وَلَده أبي المحاسن على المسطور وَهَذَا السَّيِّد هُوَ أكبر أهل وقته وفريد أقرانه ولد بحماه وَهَاجَر بِهِ أَبوهُ إِلَى حلب وتوطن بهَا إِلَى سنة ألف وفيهَا حج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وجاور بِمَكَّة إِلَى حُدُود سنة اثْنَتَيْ عشرَة بعد الْألف وَمِنْهَا توجه إِلَى الْقَاهِرَة بِإِشَارَة القطب وَكَانَ شيخ الْإِسْلَام يحيى بن زَكَرِيَّا قَاضِيا بِمصْر فزاره وَكَانَ مُعْتَقدًا على الْمَشَايِخ والأولياء فبشره بمشيخة الْإِسْلَام وَبَايَعَهُ على الطّرق الثَّلَاثَة النقشبندية والقادرية والخلوتية ثمَّ أقره على طَرِيق النقشبندية وَأمره بالاشتغال بِالذكر القلبي وَله مَعَه كرامات ومكاشفات وَلما ولي الْإِفْتَاء وَجه إِلَيْهِ نقابة حلب وديار بكر وَمَا والاهما مَعَ قَضَاء حماه بطرِيق التَّأْبِيد برتبة مَكَّة المكرمة فَلم يقبل الْقَضَاء والرتبة وَاعْتذر عَن عدم قبُوله وَقبل النقابة لكَونهَا خدمَة آل الرَّسُول وَاسْتمرّ نَقِيبًا بحلب إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ لَهُ كرامات شهيرة وأحوال باهرة وَألف التآليف الْحَسَنَة الْوَضع الدَّالَّة على رسوخ قدمه فِي التصوف والمعارف الإلهية من جُمْلَتهَا الفتوحات المدنية ألفها على وتيرة الفتوحات المكية والمدنية للشَّيْخ الْأَكْبَر ابْن عَرَبِيّ وفيهَا يَقُول شيخ الْإِسْلَام ابْن زَكَرِيَّا الْمَذْكُور مقرظاً عَلَيْهَا بقوله (فتوحات شَيْخي غادة مَدَنِيَّة ... كستها نفيسات الْعُلُوم ملابسا) (فَلَا عجب لَو تشتهيها نفوسنا ... وأبحاثها أبدت إِلَيْنَا نفائسا) (فَللَّه در الشَّيْخ أكبر عصره ... بأنفاسه لَا زَالَ يحيي المجالسا) وَله كتاب نهج السَّعَادَة فِي التصوف وناقوس الطباع فِي أسرار السماع وَشرح أَسمَاء الله الْحسنى ورسالة فِي أسرار الْحُرُوف وَكتاب مَقَاصِد القصائد ونفحة البان وحديقة اللآل فِي وصف الْآل وَكتاب المواقف الإلهية وعقيدة أَرْبَاب الْخَواص وَغير ذَلِك مَا ينوف على أَرْبَعِينَ تأليفاً وَله ديوَان شعر كُله فِي لِسَان الْقَوْم وَله تائية عَارض بهَا تائية ابْن الفارض وَقد شرحها الْعَلامَة إِبْرَاهِيم بن المنلا الْمُقدم ذكره شرحاً لطيفاً وَمن لطائف شعره قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 (أرى للقلب نحوكم انجذابا ... لأسْمع من جنابكم خطابا) (فكم ليل بقربكم تقضى ... إِلَى سحر سُجُود أَو اقترابا) (وَكم من نشوة وَردت نَهَارا ... فَلَا خطأ وعيت وَلَا صَوَابا) (وَكم سحت علينا من نداكم ... غيوث لَا تفارقنا انسكابا) (وَكم نفحات أنس أسكرتنا ... بهَا حضر الصَّفَا وَالْقَبْض غابا) (توافقت الْقُلُوب على التداني ... فَلم نشْهد بِهِ مِنْكُم حِجَابا) (لقد حَاز الْوَلِيّ بِكُل حَال ... من الرَّحْمَن فيضاً مستطابا) (ترَاهُ بَين أهل الأَرْض أضحى ... لداعي الْحبّ أسرعهم جَوَابا) (وَغير الله لَيْسَ لَهُ مُرَاد ... وَغير حماه لَا يَرْجُو انتسابا) وَمن رَقِيقه قَوْله (سقاني الْحبّ من خمر العيان ... فتهت بسكرتي بَين الدنان) (وَقلت لرفقتي رفقا بقلبي ... وخاطبت الحبيب بِلَا لِسَان) (شربت لحبه خمرًا سقاني ... كصحبي فانتشى مِنْهَا جناني) (شطحت بشربها بَين الندامى ... ورشدي ضَاعَ مِمَّا قد دهاني) (فأكرمني وتوجني بتاج ... يقوم بسره قطب الزَّمَان) (وَأَمرَنِي على الأقطاب حَتَّى ... سرى أَمْرِي بهم فِي كل شان) (وأطلعني على سر خفيّ ... وَقَالَ السّتْر من سر الْمعَانِي) (فهام أولو النهى من بعد سكري ... وغابوا فِي الشُّهُود عَن الْمَكَان) (مريدي لَا تخف واشطح بسري ... فقد أذن الحبيب بِمَا حباني) وَقَوله (نظرت إِلَيْك بِعَين الطّلب ... ومنك إِذن طلبي وَالسَّبَب) (رَأَيْتُك فِي كل شَيْء بدا ... وَلَيْسَ سواك لعَيْنِي حجب) (فَأَنت هُوَ الظَّاهِر المرتجى ... وَأَنت هُوَ الْبَاطِن المرتقب) (وَأَنت الْوُجُود لأهل الشُّهُود ... وَأَنت الَّذِي كل شَيْء وهب) (وعيني بِعَيْنِك قد أَبْصرت ... لعينك فِي كل تِلْكَ النّسَب) وَمن مقاطيعه قَوْله (وَلَقَد شكوتك فِي الضَّمِير إِلَى الْهوى ... وعتبت من حنق عَلَيْك تجننا) (منيت نَفسِي فِي هَوَاك فَلم أجد ... إِلَّا الْمنية عِنْد مَا هجم المنا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 وَقَوله (إِذا امتدّ كف للأنام بحاجة ... فقوّتها من عَادَة الهمة السُّفْلى) (وَمن يَك يَسْتَغْنِي عَن الْخلق جملَة ... فيغنيه رب الْخلق من فَضله الْأَعْلَى) وَقَوله (إِذا أَسَأْت فَأحْسن ... واستغفر الله تنجو) (وَتب على الْفَوْر وارجع ... وَرَحْمَة الله فارجو) وَله غير ذَلِك من لطائف القَوْل وَكَانَت وِلَادَته بحماه فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي حُدُود سنة أَرْبَعِينَ وَألف بحلب عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن عمر العلمي الْمَقْدِسِي بن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ مُحَمَّد العلمي وَقد تقدم ذكر تَتِمَّة نسبه كَانَ عبد الْقَادِر هَذَا من الصلحاء الأجلاء وَكَانَ من محَاسِن وقته ونوادره فِي لطف الطَّبْع والتواضع والمعرفة وَكَانَ مَشْهُورا بالصلاح وَإِلَيْهِ كتب الإِمَام خير الدّين الرَّمْلِيّ فِي صدر كتاب قَوْله (لحضرة القطب وَابْن القطب سيدنَا ... مختارنا العلمي دَامَت فضائله) (مني سَلاما كعد الْقطر أخصره ... وَذَاكَ نزر إِذا نصت شمائله) وَكَانَت وَفَاته نَهَار الْأَحَد وَدفن نَهَار الْإِثْنَيْنِ ثَانِي جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسبعين وَألف بِمَدِينَة لدّ بِضَم اللَّام وَتَشْديد الدَّال وَهِي الْقرْيَة الْمَشْهُورَة قرب مَدِينَة الرملة من نواحي الْبَيْت المقدّس فِيهَا يقتل الدَّجَّال فِيمَا يَزْعمُونَ عبد الْقَادِر بن مصطفى الصفوري الأَصْل الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْمُحَقق الْكَبِير كَانَ من أساطين أفاضل عصره مَشْهُور الذّكر بعيد الصيت اتّفق أهل عصرنا على جلالته وَعظم شَأْنه وَدينه وورعه وصيانته وأمانته كَانَ فَقِيها مُفَسرًا محدّثاً أصولياً نحوياً وَعِنْده فنون كَثِيرَة غَيرهَا وَكَانَ مُنْقَطِعًا عَن النَّاس كثير الْبلوى والأمراض أَخذ بِدِمَشْق عَن الشَّمْس الميداني وَغَيره ثمَّ رَحل فِي صباه إِلَى مصر وَأخذ بهَا عَن الْبُرْهَان اللَّقَّانِيّ وَأبي الْعَبَّاس الْمقري وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن النَّقِيب الْبَيْرُوتِي نزيل دمياط وَجمع لنَفسِهِ مشيخة رَأَيْتهَا وَعَلَيْهَا خطه وَأكْثر الرِّوَايَة فِيهَا عَن ابْن النَّقِيب الْمَذْكُور ثمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّام ودرس بهَا وَأفَاد وانتفع بِهِ جمَاعَة ثمَّ سَافر إِلَى الرّوم وَمكث بهَا زَمَانا وَلم يحصل على أمانيه فورد دمشق وَأعْطى بعد ذَلِك الْمدرسَة البلخية وَدَار الحَدِيث الأشرفية فسكنهما ودرس بهما مُدَّة حَيَاته وَكَانَ يدرس بالجامع الْأمَوِي فيحضره أَعْيَان الطّلبَة الشَّافِعِيَّة وَأجل من انْتفع بِهِ وَحصل ودأب مَوْلَانَا الشَّيْخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 الْعَالم الصَّالح الْوَرع تَقِيّ الدّين بن شمس الدّين السَّيِّد الحصني نفع الله بِهِ فَإِنَّهُ لَازمه سِنِين وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ صاحبنا الْفَاضِل أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّفَدِي إِمَام الدرويشية الْمُقدم ذكره وصاحبنا الأديب الْفَاضِل زين الدّين بن أَحْمد البصراوي وَغَيرهم وَله تحريرات ورسائل كَثِيرَة ووقفت لَهُ على تَحْرِير علقه على عبارَة الْغَزالِيّ الْمَشْهُورَة فَذَكرتهَا هُنَا لما فِيهَا من الْفَائِدَة والعبارة هِيَ قَوْله لَيْسَ فِي الْإِمْكَان أبدع مِمَّا كَانَ وَكَانَ بعض الطّلبَة سَأَلَهُ عَنْهَا فَأجَاب بِمَا نَصه اعْلَم أَيهَا الْأَخ أَن الْمحَال على قسمَيْنِ أَحدهمَا محَال لذاته وَالثَّانِي محَال لغيره فَإِن الْمُمكن قد يصير محالاً لغيره أَو وَاجِبا لغيره مِثَاله بعث الْمَوْتَى من قُبُورهم مُمكن فِي حد ذَاته لِأَنَّهُ إِذا خلى الْعقل وَنَفسه حكم بِجَوَازِهِ لَكِن لما أخبر سُبْحَانَهُ صَار وَاجِب الْوُقُوع بِالنّظرِ إِلَى خبر الله تَعَالَى لَا يتَخَلَّف عَدمه وَصَارَ محالاً لغيره بِهَذَا الِاعْتِبَار إِذا تقرر لَك هَذَا علمت أَن مَا قَالَه حجَّة الْإِسْلَام حق وإيضاحه إِنَّمَا هُوَ بعد أَن تعلم أَن علم الله تَعَالَى قديم وَأَنه تعلق فِي الْأَزَل بِأَن الْمُمكن الَّذِي وجد يُوجد فِي أَي زمَان وَفِي أَي مَكَان وعَلى أَي صفة وَحِينَئِذٍ فوقوعه على خلاف مَا تعلق بِهِ الْعلم محَال لغيره لِأَنَّهُ لَو وَقع على خلاف ذَلِك لزم انقلاب الْعلم جهلا وَأَنه محَال فِي حق الْحَكِيم الْخَبِير الْعَلِيم الْقَدِيم والإرادة وَالْقُدْرَة تعلقهما بالممكن إِنَّمَا يكون على وفْق تعلق الْعلم الْقَدِيم بِهِ وحينئذٍ تعلم أَن عدم إِمْكَان أبدع مِمَّا كَانَ لَيْسَ فِيهِ نِسْبَة الْجَهْل وَلَا نِسْبَة الْعَجز إِلَى الْملك الديَّان كَيفَ يظنّ ذَلِك بِحجَّة الْإِسْلَام الَّتِي مَلَأت معلوماته الدُّنْيَا بل عدم إِمْكَانه إِنَّمَا هُوَ لعدم تعلق الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة بِهِ لما يلْزم عَلَيْهِ من الْمحَال فَتدبر ذَلِك ينْدَفع عَنْك خيال أَوْهَام من لم يعلمُوا مواقع الْكَلَام وَلم يَذُوقُوا دقائق الْعُلُوم بل مطمح أنظارهم اعْتِرَاض أكَابِر الْعلمَاء والطعن على وَرَثَة الْأَنْبِيَاء كَأَنَّهُمْ صَارُوا لَهُم ضدّا فصرف الله تَعَالَى أذهانهم عَن الْوُصُول إِلَى غوامض الْمعَانِي وتمسكوا بظواهر المباني وَمن أجَاب بِأَن مَا مَوْصُولَة لم يُصَادف محلا لِأَن الْمَنْقُول عَن الإِمَام أَنه قَالَ لَيْسَ فِي الْإِمْكَان إِلَى آخِره وَجَوَاب هَذَا الْمُجيب مَبْنِيّ على أَن كَلَام الْحجَّة مَا فِي الْإِمْكَان إِلَى آخِره وَلَيْسَ هُوَ إِلَّا لَيْسَ كَمَا نَقله عَنهُ بعض الْمُتَأَخِّرين وَتكلم عَلَيْهِ بِكَلَام طَوِيل أَيْضا وقفت عَلَيْهِ بعد كتابتي مَا تقدم ورأيته نقل كَلَام الْحجَّة وَمن جملَة مَا نَقله أَن الْبذر الزَّرْكَشِيّ تكلم على هَذِه الْكَلِمَة فِي تَذكرته وَنقل كَلَام بعض من تقدمه فِيهَا هَذَا آخر مَا حَرَّره بفكره وَله ذيل نَقله عَن الإِمَام الْغَزالِيّ وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا التَّحْرِير لِكَثْرَة تداول النَّاس هَذِه الْعبارَة وَبِاللَّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 التَّوْفِيق وَكَانَت ولادَة الصفوري فِي سنة عشرَة بعد الْألف وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير عبد الْقَادِر بن الْمَعْرُوف بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُوسَى المشرع بن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد أخي سَيِّدي الْفَقِيه أَحْمد بن مُوسَى بن مُوسَى المشرع الصُّوفِي العجيل أحد الصُّوفِيَّة السالكين طَريقَة الأسلاف المتمكنين فِي الْمعرفَة الملازمين لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ مِمَّن كمله الله فِي خلقه وخلقه وكرم طبعه وَحسن طَرِيقَته وَكَانَت لَهُ مهابة فِي الْقُلُوب مَعَ خلق جميل وأدب وبراعة وإحسان وَكَانَ المنكرون عَلَيْهِ إِذا سَقَطت عينهم عَلَيْهِ يفرون مِنْهُ فرار الوحوش من الْأسد وَلَا يسْلك مَعَهم إِذا بلغه ذَلِك إِلَّا الْفِعْل الْأسد وَله ثبات على ظُهُور المقربات وَيَد طولي فِي على المقامات وتواترت مِنْهُ الكرامات الَّتِي اشتهرت ووضحت وَكَانَ متواضعاً حسن الْمُعَامَلَة للْمُسلمين وَلَا ينزل نَفسه منزلتها وَله عناية بكتب الصُّوفِيَّة وميل لعلوم الشَّرِيعَة وَكَانَ قَائِما بِخِدْمَة منصب آبَائِهِ وَله فِي بَيت جده الْفَقِيه أَحْمد بن مُوسَى العجيل ظُهُور تَامّ ومنزلة علية ونفوذ كلمة عِنْد الْأُمَرَاء والحكام وَكَانَ من الْكَرم فِي ذروته الْعَالِيَة وتلتمس بركته من الأقطار وَكَانَ من الملازمين للصَّلَاة على النَّبِي فِي خلواته وجلواته على طَريقَة جده فَإِن لَهُ فِيهَا طَرِيقا راسخة وَكَانَت وَفَاته نفع الله تَعَالَى بِهِ فِي نَيف وَسِتِّينَ وَألف بِبَلَدِهِ بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل وَدفن فِي قبَّة آبَائِهِ وَخَلفه فِي منصبه الشَّيْخ عبد الرَّزَّاق العجيل عبد الْقَادِر بن ميمي الْبَصْرِيّ الْحَنَفِيّ الأديب الْفَاضِل الشَّاعِر عرفني بِهِ المرحوم السَّيِّد عبد الله بن حجازي الْحلَبِي روح الله تَعَالَى روحه وَكنت رَأَيْت تَرْجَمته الَّذِي تَرْجمهُ بهَا فِي التَّأْلِيف الَّذِي أَرَادَ أَن يذيل بِهِ على الريحانة وَقد أثنى عَلَيْهِ وَوَصفه بالأدب وَالْفضل وَرَأَيْت خَبره فِي تعاليق الْأَخ الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله فَقَالَ فِي حَقه كَانَ إِمَامًا عَالما فَاضلا أَخذ عَن عُلَمَاء بَلَده وَقَرَأَ على المنلا إِبْرَاهِيم بن حسن الْكرْدِي نزيل الْمَدِينَة المنورة وَله تآليف مِنْهَا سالة فِي الْمنطق وَأُخْرَى فِي الْعرُوض وَأُخْرَى فِي التصريف وحاشية على تلويح السعد وَكَانَت وَفَاته بِالْبَصْرَةِ فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف رَحمَه الله السَّيِّد عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن عَليّ بن شمس الدّين ابْن الإِمَام يحيى شرف الدّين صَاحب كوكبان أحد أَفْرَاد الزَّمَان الْمجمع على جلالته مولده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 كوكبان وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ الْقُرْآن وَأخذ بهَا عَن أكَابِر الْعلمَاء الْأَعْيَان وَلم يزل يكْتَسب الْفَضَائِل ويجد فِي تَحْصِيل دَقِيق الْمسَائِل حَتَّى نَالَ مَا ناله ثمَّ تولى بعد وَالِده ملك كوكبان وَمَا والاها من الْبِلَاد وَعلا شَأْنه وَقصد وحطت عِنْده رحال أهل الآمال وَكَانَت حَضرته مجمع الأدباء وحلبة الشُّعَرَاء وهمته مَقْصُورَة على مجد يشيده وأنعام يجدده وَفضل يصطنعه وخامل وَضعه الدَّهْر فيصنعه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ فاق فِي عصره بِالْيمن على الأقران وساد الْأَعْيَان فَلَا يدانيه مدان مَعَ مَا يُضَاف إِلَى ذَلِك من منظر وسيم ومخبر كريم وخلائق رقت وراقت وطرائق علت وفاقت وفضائل ضفت مدارها وشمائل صفت مشارعها وسودد تثنى بِهِ عُقُود الخناصر ويثنى عَلَيْهِ طيب العناصر وللفقيه الْعَارِف صَالح ابْن الصّديق النمازي الخزرجي أرجوزة سرد فِيهَا نسب جد صَاحب التَّرْجَمَة الإِمَام المتَوَكل على الله يحيى شرف الدّين بن شمس الدّين وأضاف القَاضِي الْفَاضِل الْعَلامَة أَبُو الْفضل عماد الدّين يحيى بن الْحسن الحيمي نسب صَاحب التَّرْجَمَة إِلَى الإِمَام شرف الدّين فلنذكر أَولا أَبْيَات الحيمى ثمَّ نعقبها بِأَبْيَات النمازي فمطلع الأولى هُوَ قَوْله (أَقُول بعد الْحَمد فِي مقالي ... وَالشُّكْر للخالق ذِي الْجلَال) (وَبعد أَن أهْدى الصَّلَاة سرمدا ... ثمَّ السَّلَام قَاصِدا مُحَمَّدًا) إِلَى أَن يَقُول (معطي الجزيل ذِي النوال الغامر ... مولَايَ عبد الْقَادِر بن النَّاصِر) (سليل عبد الْبر ذِي المكارم ... نل على صفوة الأكارم) (سليل شمس الدّين ذِي الْكَمَال ... رَافع بَيت الْمجد والمعالي) (ابْن الإِمَام الحبر ذِي الْعُلُوم ... كَهْف اللهيف كافل الْيَتِيم) (يحيى بن شمس الدّين من سَاد الورى ... وَمن حَدِيث مجده لن يفترى) (هَيْهَات أَن تحصى لَهُ مَكَارِم ... أَو أَن تكون مثله الأكارم) (دَعَا إِلَى الله بعزم صَادِق ... وَقَامَ بِالْفَرْضِ وَحقّ الْخَالِق) (ومهد الأقطار والبلادا ... وَأصْلح الله بِهِ العبادا) (أَحْيَا من الْعلم بدرس مَا درس ... وَاتبع النَّاس هدى ذَا القبس) (وهاك مَا أوردت فِي إيجازي ... متمماً مَا نظم النمازي) (فِي نظمه سلسلة الإبريز ... وسردها فِي النّسَب الْعَزِيز) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 (الْحَمد لله الْعلي الْأَحَد ... الْقَادِر الْفَرد الْعَزِيز الصَّمد) (ذِي الطول والإجلال وَالْإِكْرَام ... وَالْفضل وَالْإِحْسَان والأنعام) (أَحْمَده على توالي النعم ... وأستمده صنوف الحكم) (وَبعده فأفضل السَّلَام ... على النَّبِي سيد الْأَنَام) (مُحَمَّد وَآله الْكِرَام ... سفن النجَاة أنجم الظلام) (وَهَذِه أرجوزة شريفة ... نظمت فِيهَا نسب الْخَلِيفَة) (الْجَوْهَر الْمُفْرد فِي الْكَمَال ... لما حوى من أكمل الْخِصَال) (فِي ذَاته الْعُظْمَى وَفِي الْأُصُول ... وَفِي حَوَاشِيه وَفِي الْفُصُول) (فَمَاله فِي النَّاس من نَظِير ... شَهَادَة من عَارِف خَبِير) (ألبسهُ الله حلى الخلافه ... فصانها بِالْعَدْلِ والعفافه) (كعبة أهل الْفضل والعلوم ... وَحجَّة الله على الْعُمُوم) (أَحْيَا بِهِ الله أموراً جمه ... من دَرَجَات الْآل والأئمه) (وَكم لَهُ من آيَة وحجه ... دَعَا بهَا النَّاس إِلَى المحجه) (ليهتدوا فَمن أجَاب الدَّاعِي ... فَهُوَ على الْحق بِلَا اندفاع) (وَفقه الرَّحْمَن للإجابه ... ولقبول الْحق والإنابه) (وَمن عَصَاهُ فِي شقاء سرمدي ... فِي هَذِه الدُّنْيَا وَفِي يَوْم غَد) (مَا بَين مقتول ومستهان ... وَبَين مطرود مدى الزَّمَان) (وَهَذِه من أعظم الْآيَات ... عِنْد جَمِيع العلما الْأَثْبَات) (فِي كل حِين مِنْهُ يُسْتَفَاد ... علم بِهِ يَتَّضِح الرشاد) (راياته محفوفة بالسعد ... يحيى بن شمس الدّين نجل الْمهْدي) (أَحْمد أَعنِي نجل يحيى الحجه ... نجل الإِمَام المرتضى المحجه) (ابْن الْجواد أَحْمد بن المرتضى ... ابْن مفضل بن مَنْصُور الرِّضَا) (ابْن مفضل بن حجاج العلى ... لله من قوم أولي فضل جلى) (ابْن عَليّ نجل يحيى الْكَامِل ... وَذَاكَ نجل الْقَاسِم الحلاحل) (نجل الإِمَام يُوسُف الدَّاعِي إِلَى ... هدى الْإِلَه نجل يحيى ذِي العلى) (ابْن الإِمَام النَّاصِر بن الْهَادِي ... يحيى إِمَام الْحق والرشاد) (ابْن الْحُسَيْن بن الإِمَام الْقَاسِم ... سليل إِبْرَاهِيم ذِي المكارم) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 (سليل إِسْمَاعِيل ذِي الذّكر الْحسن ... سليل إِبْرَاهِيم أَعنِي بن الْحسن) (هُوَ الْمثنى نجل سبط الْمُصْطَفى ... ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ المقتفى) (أَعنِي سليل الدرة البتول ... بنت النَّبِي الْمُصْطَفى الرَّسُول) (مُحَمَّد خير الْأَنَام طرّا ... أكْرم بِهِ من نسب أغرّا) (وسمته سلسلة الإبريز ... والجوهر الْمُرْتَفع الْعَزِيز) (ورقية لكل دَاء معضل ... فِي الدّين وَالدُّنْيَا فَخذهَا تعتلي) (وَقد سَأَلت الله بِالْجَمِيعِ ... وبالنبي الْمُصْطَفى الشَّفِيع) (سُؤال من يستيقن الإجابه ... ويرتجي فِي ذَلِك الإثابه) (الْعَفو وَالْقَبُول والإنابه ... والفهم والتوفيق والإصابه) (وجملاً مضمرة فِي النَّفس ... مقدورة قطعا بِغَيْر لبس) (وَالله ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام ... يعلمهَا وَيعلم اعتصامي) (بهؤلاء السَّادة الْأَعْلَام ... أول البها والنيل والأحلام) (حاشا جلال الله أَن يردّا ... يداي صفراً بعد أَن تمدّا) وَشرح هَذِه الأرجوزة شرحاً وجيزاً لطيفاً السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد ابْن إِبْرَاهِيم الْوَزير جمع فِيهِ سير الْمَذْكُورين فِيهَا وَبَعض فضائلهم وَقد استوفى أَخْبَار الإِمَام شرف الدّين السَّيِّد عِيسَى بن لطف الله بن المطهر بن الإِمَام شرف الدّين فِي تَارِيخ لطيف سَمَّاهُ روح الرّوح وَذكر وقائعه مَعَ التّرْك وماجرياته رَجَعَ إِلَى ذكر المترجم وَمن شعره قَوْله (قد طَار قلبِي إِلَى من لَا أُسَمِّيهِ ... وَإِن تناسى الوفا فَالله يحميه) (مهفهف ماد من تيه وَمن جذل ... فكاد قدّ قضيب البان يحكيه) (بدر تكَاد بدور التم تشبهه ... والظبي حاكاه لَكِن مَا يُسَاوِيه) (ذُو مقلة يعرف السحر الْحَلَال بهَا ... قلبِي بهَا يتقلى فِي تلظيه) (كم أكتم الْحبّ فِي قلبِي وأضمره ... لَكِن مدامع عَيْني لَيْسَ تخفيه) (أَبيت أرعى نُجُوم اللَّيْل منزعجاً ... ألتاع شوقاً وَفِي قلبِي الَّذِي فِيهِ) (لي نَار وجد وأشواق أكابدها ... لله قلبِي فِيهِ كم يقاسيه) (الْبَرْق يذهله وَالرِّيح تدهشه ... والشوق ينشره حينا ويطويه) وَكَانَت وَفَاته فِي الْمحرم سنة سبع وَتِسْعين وَألف بكوكبان وَكَانَ مَرضه ثَلَاثَة أَيَّام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 السَّيِّد عبد الْقَادِر القيصري نقيب الْأَشْرَاف بالممالك العثمانية من بَيت مَعْرُوف بِصِحَّة النّسَب فِي مَدِينَة قيصرية دخل دَار السلطنة فِي ابْتِدَاء أمره وجدّ واشتغل ثمَّ لَازم من الْمولى بهاء الدّين زَاده وسلك طَرِيق الْقَضَاء فولي قَضَاء بلدته قيصرية وَمَا انْعَزل عَنْهَا بقريب حَتَّى طلب من طرف السلطنة وَأعْطى نقابة الْأَشْرَاف بالممالك وَكَانَ النَّقِيب إِذْ ذَاك السَّيِّد يحيى قد مَاتَ وَكَانَ ذَلِك فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان بعد الْألف فاستمر نَقِيبًا إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ فَاضلا أديباً شَاعِرًا ومخلصه على قاعدتهم قدري ذكره ابْن نَوْعي فِي ذيله وَقَالَ كَانَت وَفَاته فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وَولي النقابة بعده السَّيِّد ياوز الْمَعْرُوف بياوز أَمِير عبد الْقَادِر قَاضِي الْعَسْكَر الشهير بقدري وَهُوَ صَاحب الْفَتَاوَى الْمَشْهُورَة بفتاويه قدري وَيُطلق عَلَيْهَا لفظ الْمَجْمُوعَة وَهِي الْآن عُمْدَة الْحُكَّام فِي أحكامهم والمفتين فِي فتاويهم وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهَا مَجْمُوعَة نفيسة أَكثر مسائلها وقائع وَكَانَت تقع أَيَّام الْمُفْتِي يحيى بن زَكَرِيَّا وَكَانَ هُوَ فِي خدمَة الْمُفْتِي الْمشَار إِلَيْهِ موزع الْفَتْوَى وموزع الْفَتْوَى عِنْدهم عبارَة عَن رجل يجمع الْفَتَاوَى الَّتِي كتبت أجوبتها ويدعها إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء من كل أُسْبُوع فَهَذَا يَوْم التَّوْزِيع فيقف فِي مَكَان من دَار الْمُفْتِي الْمعِين وينادي بأسماء أَصْحَاب الْفَتَاوَى وأسماؤهم مَكْتُوبَة على ظهر قرطاس الْفَتْوَى فَهَذِهِ خدمَة الموزع وَأمين الْفَتْوَى هُوَ الَّذِي يُرَاجع الْمسَائِل من محالها وَينزل عَلَيْهَا الوقائع وَاسْتمرّ عِنْد ابْن زَكَرِيَّا بِهَذِهِ الْخدمَة زَمَانا طَويلا وَكَانَ من ذَلِك الْعَهْد مَوْصُوفا بالتقى والإقبال على أَمر الْآخِرَة وَفِيه صَلَاح وإنابة وَمن هُنَا يحْكى أَن الْمُفْتِي الْمَذْكُور كَانَ أعرف أهل زَمَانه وَاجْتمعَ عِنْده من الحفدة أَرْبَاب الْمعرفَة مَا لم يجْتَمع عِنْد غَيره فَكَانَ إِذا أَرَادَ الْمُفَاوضَة مَعَ أحد فِي أَمر الدُّنْيَا والدولة وأحوال النَّاس قدم الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم البورسوي الَّذِي صَار آخرا مفتياً الْآتِي ذكره وَكَانَ عِنْده أَمِين الْفَتْوَى وَأقرب المقربين فيتفاوض مَعَه فِي هَذِه الْأُمُور لكَمَال فطنته ودربته ومعرفته بأحوال النَّاس وَإِذا أَرَادَ المذاكرة فِي مشكلات الْفِقْه والمسائل اخْتَار الْمولى أوزون حسن أَي الطَّوِيل وَكَانَ من خواصه وَإِذا أَرَادَ المباحثة فِي أَنْوَاع الْفُنُون الْعَقْلِيَّة رجح الْمولى مصطفى البولوي الَّذِي صَار آخرا مفتياً وَكَانَ من حَوَاشِيه وَإِذا أَرَادَ المناقشة فِي الْأَدَب وَالشعر ميز الْمولى مُحَمَّد بن فضل الله الشهير بعصمتي الَّذِي صَار آخرا قَاضِي العساكر وَكَانَ من ندمائه وَإِذا أَرَادَ المفاكرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 فِي أَمر الْآخِرَة وأحوال الْمعَاد وَالْجنَّة وَالنَّار استدعى صَاحب التَّرْجَمَة وعَلى كل حَال فَهُوَ من خِيَار الموَالِي الْعِظَام ولي قَضَاء قسطنطينية وَقَضَاء العسكرين مَرَّات وَكَانَ عَالما فَاضلا وقوراً عَلَيْهِ مهابة الْعلم وَالصَّلَاح وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف بقسطنطينية وَدفن خَارج بَاب أدرنه عبد الْكَرِيم بن الْعَالم الْوَلِيّ أبي بكر الشهير بالمصنف ابْن السَّيِّد هِدَايَة الله الْحُسَيْنِي الكوراني الشاهوي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْمُفِيد أَخذ عَن وَالِده ثمَّ رَحل إِلَى الْفَاضِل المنلا أَحْمد الْكرْدِي المجلى بِضَم الْمِيم ثمَّ جِيم مَفْتُوحَة على وزن صرد قَبيلَة من الأكراد قَالَه بَعضهم وَقَالَ آخر إِنَّه نِسْبَة إِلَى مجلان قَرْيَة تلميذ المنلا حبيب الله الشهير بميرزاجان الشِّيرَازِيّ تِلْمِيذه جمال الدّين مَحْمُود الشِّيرَازِيّ تلميذ جلال الدّين مُحَمَّد الدواني فَقَرَأَ عَلَيْهِ إِثْبَات الْوَاجِب وَشرح حِكْمَة الْعين وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب للْقَاضِي عضد الدّين ثمَّ عَاد وَأَبوهُ مَوْجُود وَأقَام على بَث الْعلم ونشره وَله من التصانيف تَفْسِير الْقُرْآن وصل فِيهِ إِلَى سُورَة النَّحْل فِي ثَلَاث مجلدات وَكتاب فِي المواعظ وَعنهُ أَخذ عَلامَة الْوُجُود الإِمَام الْكَبِير المنلا إِبْرَاهِيم بن حسن الْكرْدِي الكوراني نزيل الْمَدِينَة المنورة وَكَانَت وَفَاته فِي سنة خمسين بعد الْألف عبد الْكَرِيم بن أكمل الدّين بن عبد الْكَرِيم بن محب الدّين بن أبي عِيسَى عَلَاء الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن قاضيخان وَهَذَا قاضيخان غير صَاحب الْفَتَاوَى بن بهاء الدّين يَعْقُوب بن إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن الْقَاسِم ابْن الْفَقِيه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الْعَدنِي ثمَّ البيجابوري ثمَّ النهرواني الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالقطبي وَسَيَأْتِي جده عبد الْكَرِيم قَرِيبا كَانَ هَذَا من أَعْيَان الْفُضَلَاء بِمَكَّة وَمن أجلاء الصُّوفِيَّة المجللين ولد بِمَكَّة وَأخذ عَن وَالِده وَغَيره وَأخذ الطَّرِيق عَن الشهَاب أَحْمد الشناوي ولازم بعده تِلْمِيذه السَّيِّد الْجَلِيل سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ وَفتح الله تَعَالَى عَلَيْهِ بفتوحات وَتحقّق بِمَعْرِِفَة الْوحدَة الوجودية وَله شرح على فصوص القونوي واعتراه فِي آخِره أمره جذب كَانَ يغيب فِيهِ أَحْيَانًا عَن وجوده مَعَ حفظ الْمَرَاتِب الشَّرْعِيَّة وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بَين العشاءين عَاشر شهر ربيع الأول سنة خمس وَخمسين وَألف بِمَكَّة وَدفن صَبِيحَة يَوْمه بالمعلاة المنلا عبد الْكَرِيم بن المنلا سُلَيْمَان بن مصطفى بن حسن القَاضِي بديورنه وَسَنَده ابْن عبد الْوَهَّاب الْكرْدِي الشَّامي الخالدي الشَّافِعِي نزيل دمشق الْعَالم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 الْكَبِير الزَّاهِد العابد كَانَ من أمره أَنه قَرَأَ ببلاده واجتهد وَأخذ عَن كبار الْمُحَقِّقين ومشايخه كَثِيرُونَ فَمن أَخذ عَنهُ الحَدِيث عَمه مُحَمَّد عَن ميرزا مُحَمَّد الكوراني وَهُوَ عَن أَبِيه عبد اللَّطِيف عَن المنلا إلْيَاس من كلاط من كوران صَاحب التسهيل على العوامل وَهُوَ أَخذ عَن الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي بأسانيده الْمَشْهُورَة وَأخذ الْفِقْه عَن المنلا أَحْمد الْعُمر ابادي وَهُوَ أَخذ عَن المنلا إلْيَاس الثَّانِي البروزي وَهُوَ أَخذ عَن المنلا إلْيَاس الْمُتَقَدّم بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم وَالتَّفْسِير عَن المنلا يُوسُف الكوراني عَن الشَّيْخ عبد الْكَرِيم الشهرزوري الكركدري عَن المنلا إلْيَاس الْمَذْكُور بِسَنَدِهِ وَأخذ تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ عَن المنلا محسن بن المنلا سُلَيْمَان الدشاني قِرَاءَة لبعضه وسماعاً لباقيه فِي الرَّوْضَة الشَّرِيفَة وَهُوَ أَخذه عَن السَّيِّد ميرزا إِبْرَاهِيم الهمذاني وَعَن المنلا أَحْمد المنجلي تلميذ ميرزاجان وَأخذ الْفَرَائِض عَن القَاضِي شكر الله الشقري عَن الشَّيْخ بدر الدّين الطَّائِي عَن الْمولى إلْيَاس الْمَذْكُور بِهَذَا السَّنَد والنحو عَن المنلا عبد الصَّمد الموجشي نِسْبَة إِلَى قَرْيَة موجش من قرى كوران وَله رِوَايَات غير هَذِه وَتمكن فِي الْعُلُوم والمعارف كل التَّمَكُّن وَورد دمشق وَأقَام بهَا وَأخذ عَنهُ بهَا غَالب فضلائها الَّذين بهروا واشتهروا مِنْهُم الْعَلامَة السَّيِّد مُحَمَّد بن كَمَال الدّين النَّقِيب وَالشَّيْخ مُحَمَّد العيثي وَشَيخنَا إِبْرَاهِيم الفتال وَالسَّيِّد الْعَالم شمس الدّين مُحَمَّد الحصني وَكَانَ صَاحب قدم راسخة فِي الْولَايَة وصدرت عَنهُ كرامات ومكاشفات كَثِيرَة مِنْهَا أَنه صَار يَوْمًا إِلَى ربوة دمشق وَمَعَهُ تلامذته المذكورون وَكَانَ الشَّمْس العيثي احْتَلَمَ فِي ليلته تِلْكَ وغفل عَن الِاغْتِسَال فَلَمَّا قَامُوا لصَلَاة الظّهْر تَوَضَّأ وَأَرَادَ الشُّرُوع فِي الصَّلَاة فَجَذَبَهُ المنلا عبد الْكَرِيم من كتفه وَقَالَ لَهُ امْضِ اغْتسل ثمَّ صل فَذهب واغتسل ثمَّ عَاد وَصلى وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء وَكَانَت وَفَاته رَحمَه الله تَعَالَى تمّ الْجُزْء الثَّانِي ويليه الْجُزْء الثَّالِث وأوله عبد الْكَرِيم بن سِنَان المنشي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عبد الْكَرِيم بن سِنَان أحد موالى الرّوم ومنشى الدوران وَأحسن أهل الرّوم لهجة فى النثر العجيب المدهش وأوفرهم اطلاعا على فنون الادب وأعرفهم باللغة الْعَرَبيَّة قَرَأَ على الْمولى على بن سِنَان المحشى ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة فى حُدُود التسعين وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ بهَا على النُّور على بن غَانِم المقدسى الحنفى وَصَحب مُدَّة اقامتة بهَا القاضى بدر الدّين القرافى المالكى وَبَينهمَا مفاوضات وأناشيد كَثِيرَة ثمَّ رَجَعَ الى الرّوم وسلك طَرِيق الموالى فدرس ثمَّ صَار قاضى حلب فى سنة ثَمَان وَعشْرين وَله مَعَ أدبائها مكالمات ومخاطبات ثمَّ عزل عَنْهَا وَولى قَضَاء الْقَاهِرَة وَذَلِكَ يَوْم السبت رَابِع عشرى جُمَادَى الاولى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَكَانَت مُدَّة قَضَائِهِ بهَا خَمْسَة أشهر وَأَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا وَله مَعَ أَبى الْعَبَّاس المقرى صُحْبَة ومودة وَكَانَ المقرى عرض عَلَيْهِ كِتَابه فتح المتعال فى وصف النِّعَال وَطلب مِنْهُ أَن يقرظ لَهُ عَلَيْهِ فَكتب تقريظا لم يسْبق الى مثله لَكِن فِيهِ طول وَمن جملَته قَوْله فى وصف الْمُؤلف صَاحب الذِّهْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 المتوقد فى فهم المشكلات وَحل رموزها وصائب الْفِكر المتوهج فى فك طلاسمها وَفتح كنوزها (يحل رموزا لَا يرى من يحلهَا ... وَمَا شَذَّ فهما من كَلَام الاوائل) طرز حلل الْعُلُوم بوشى أرقامه وَرمى أغراض الْفُنُون بسهام أقلامه (سِهَام اذا مَا راشها ببنانه ... أُصِيب بهَا قلب البلاغة والنحر) صفت عَن قذى الْخَطَأ منا هَل أنظاره وَصحت من غمام الأوهام آفَاق افكاره وَشرح ببراعة يراعته صُدُور المهارق وأتى من معجزات البلاغة بالخوارق ان نظم أزرى بِعقد الثريا أَو نثر أخجل زهر الرَّوْض الباسم الْمحيا اذا نطق يطلع نور الْفضل من أفق بَيَانه أَو كتب يجرى زلال الادب من ميزاب قلمه ببنانه (قلم أَقَامَ وَلَفظه متداول ... مَا بَين مشرق شمسها وَالْمغْرب) الى أَن قَالَ ألْقى عَلَيْهِ الشّرف رِدَاءَهُ وَالْمجد سرباله فاستسعد بِخِدْمَة نعل النبى عَلَيْهِ سَلام الله مَا هبت الصِّبَا فطوبى لَهُ وناهيك بنعلين لَو أَن الفرقدين حازا أملا لَهما أَن يَكُونَا مِنْهُمَا بَدَلا يَا لَهُ من مَجْمُوع جمع أنواعا وأجناسا من المحاسن وَجرى مَاء البلاغة فى جداول سطوره غير آسن نفث فى عقد الْعُقُول بسحره وسبى أَفْئِدَة البلغاء بنظمه ونثره شفت ظروف حُرُوف مبانيه فَنمت على سلافة لطافة مَعَانِيه كَمَا نم الزّجاج على الرَّحِيق والنسيم على شذى الرَّوْض الانيق (انى لَا قسم لَو تجسم لَفظه ... أنفت نحور الغانيات الجوهرا) فَكَانَ البلاغة قَالَت لَا أعصى لَك أمرا وبحور الشّعْر أَطَاعَته فاستخرج مِنْهَا جوهرا ودرا فرشحات تِلْكَ الاقلام نافثات الْمسك ندها (والعنبر الرطب غَدا قَائِلا ... لَا تدعنى الا بياعبدها) وَلما استكشفت وُجُوه عرائس مَعَانِيه المخبأة تَحت براقع أسجاعه وقوافيه لمحت ربات جمال قد حسرت لثامها عَن منظر متهلل باسم فتمسكت بِشعر الاديب الناثر النَّاظِم أَبى الْفَتْح كشاجم (شخص الانام الى صليعك فاستعذ ... من شَرّ أَعينهم بِعَين الْوَاحِد) فتيقنت ان ارادة التقريظ باجالة جواد الْقَلَم فى ذَلِك المجال لَيْسَ الا للاستعاذة من شرعين الْكَمَال فَمَا أحقنى بقول من قَالَ (جعلت تقريظى لَهُ عوذة ... تقيه من شَرّ أَذَى الْعين) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 انْتهى وَمن بدائعه الفائقة تراجم أَنْشَأَهَا وَترْجم بهَا بعض الوزراء ومشايخ الاسلام وَبَعض الموالى وَالْكتاب وَالْعُلَمَاء وَكلهَا لَا تنوف على الْعشْرين تَرْجَمَة بِكَثِير وهى مَجْمُوعَة عندى فى دفتر من أَمَاكِن مُتَفَرِّقَة وَقد ذكرت مِنْهَا فى محالها بَعْضًا وسأذكر الْبَعْض الآخر ان شَاءَ الله تَعَالَى فانها من نفائس القَوْل وأعجبها التَّرْجَمَة الوهابية ترْجم بهَا أَحْوَال القاضى عبد الْوَهَّاب قاضى الْقُضَاة بِالشَّام كَانَ وَقد ذكر الخفاجى قِطْعَة مِنْهَا عِنْد مَا تَرْجمهُ فى كِتَابه الريحانه وَهَذِه هى برمتها بعد ذكر اسْم المترجم ضَاعَت أوقاته وغلبت على حَسَنَاته سيئاته تمحض للفحص عَن أَحْوَال النَّاس وأخبارهم وتفرغ لنبش خباياهم وأسرارهم يسْأَل من يدْخل عَلَيْهِ عَن الوقائع والحوادث ويشرع فى الْبَحْث عَن النَّاس وَفِيه مبَاحث شعر (وَلَو نظر العياب فى عيب نَفسه ... لَكَانَ لَهُ شغل عَن النَّاس شاغل) لَعَلَّه لم يعلم أَن من غربل النَّاس نخلوه وَأَن من أظهر لَهُم الصعوبة ذللوه فيا لهفى على اضاعة بضَاعَة أوقاته بَين حَدِيث غث وَكَلَام رث تمجه نفس السَّامع وتتلوث بِهِ المسامع وَبَين تَدْبِير الاكل وَالشرب وَالْحَالة انه يكفى الانسان لقْمَة تقيم الصلب (أَظُنك من بَقِيَّة قوم مُوسَى ... فهم لَا يصبرون على طَعَام) وَلَقَد رَأَيْته وَهُوَ يُكَرر ابتلاع الجوارش وَلَاء وَذَلِكَ لدفع التُّخمَة احْتِيَاطًا وان اسْتَحَالَ أَن تحس تِلْكَ الْمعدة امتلاء لعمرى لَو أكل لُقْمَان العادى ذَلِك الْقدر مِنْهُ لقضى نحبه من التخم ولألقى رَحْله الى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم وليت شعرى مَا يلْزمه عنيف اكل حَتَّى تشبث فى هضمه بأذيال الجوارشات وَكَانَ قد وَجب عَلَيْهِ حَيْثُ انه مغرم بالاكل أَن يتحاشى اكثاره لَان الْعَامَّة تَقول رب اكلة تمنع اكلات (وَلَيْسَ الاكل بالقنطار لَكِن ... على مِقْدَار مَا تسع الْبُطُون) وَلَو رَأَيْته اذا حضر عِنْده الطَّعَام لرأيته حوتى الالتقام خطا فى الاختطاف ثعبانى الجذبات غضنفرى الوثبات وَكَانَ الْحَيَاة على زَعمه لَيست مخلوقة الا للشُّرْب والاكل وان الانسانية فى اعْتِقَاده مَا هى الا عبارَة عَن الْهَيْئَة والشكل وان سَاعَات اللَّيْل وَالْيَوْم مَا وضعت الا للسّنة وَالنَّوْم فيا ضَيْعَة الاعمار تمضى سَبَهْلَلا من زَارَهُ زار شَيخا ملآن الحشا متتابع التمطى والجشا وارحمتا لمجالسيه من الروائح الَّتِى تهب من فِيهِ وَكَانَ يواظب على مَجْلِسه فى خوانه أتراك بَلَده وَمَا يَليهَا من أخدانه واخوانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 (وَأنس القرين الى شكله ... كأنس الخنافس بالعقرب) من كل من اذا وَقع الْخطاب الْعَام لَا يصلح للخطاب وَمن باكأذيبه تنعطف الْقُلُوب على مُسَيْلمَة الْكذَّاب فيتخذون تِلْكَ الدَّار دَار الندوه ويعدون للصوارم نبوه وللجياد كبوه يتجاذبون لُحُوم أَصْحَاب الاعراض فَلَا بدع فانهم كلاب بل ذئاب على اجسادها ثِيَاب وَمن ذَلِك الحزب الخاسر لئيمهم يلقب بجثى جحود الْحَشْر والبعث قد بلغنى عَنهُ لَا بلغه الله الامل وَلَا زَالَ فى النَّدَم الْمُقِيم المقعد من مجازاة سوء الْعَمَل (جزى ربه عَنى عدى بن حَاتِم ... جَزَاء الْكلاب العاويات وَقد فعل) أَنه يروم تَفْضِيل نَفسه بتنقيص الافاضل ويؤمل بِهَذَا السَّبَب تنويه ذكره وَهُوَ فى النَّاس خامل وهيهات واين الثريا من يَد المتناول فتصاممت وَقلت الجانى حمَار وجرح العجماء جَبَّار من ذَا يعَض الْكَلْب ان عضا وحسبت مقاله طنين الذُّبَاب أَو صرير الْبَاب أذن الْكَرِيم عَن الْفَحْشَاء صماء وَقد مَا قيل لَا يضر السَّحَاب نباح الْكلاب وتمثلت بقول أَبى اسحاق الصابى (لَا تؤمل أَنى أَقُول لَك اخْسَأْ ... لست أسخو بهَا لكل الْكلاب) وَلَا عتب عَلَيْهِ فان المسعود مَحْسُود وَهل تلام الثعالب بحسد الاسود ونزهت نفسى عَن مجاراة مثله مَتى كَانَت الآساد مثل الثعالب وَبعد هَذَا خض الله تَعَالَى فَاه وَلَا زَالَت ترد وُفُود الصفع على قَفاهُ لم يزل يُدِير على كاسات الاذى مترعة بالقذى (قد أَصبَحت أم الشرور تدعى ... على ذَنبا كُله لم أصنع) حَتَّى كَأَنَّهُ اتخذ ثلبى وردم يتَقرَّب الى الشَّيْطَان بِهِ والى الْآن لم أَقف على سَببه كم تحملت مِنْهُ الاذى وَهُوَ البادى وَكم شربت على القذى وَأَنا الصادى وَلما طَال تماديه فى الْبَاطِل بتجانبه عَن الْحق واعراضه لَا غر وحركا أظفار الاقلام فى تخديش صفحات أعراضه فوَاللَّه لانت الظَّالِم لنَفسك فى هَذَا الامر والجانى عَلَيْهَا فى نفخ هَذَا الْجَمْر وَلست الا كَالْكَلْبِ يكْسب لَهُ نباحه الضَّرْب وَمَا مثلك الا مثل كلب غادا فَمه لَهُ ظلوما اذ جنى على استه بِأَكْل الْعِظَام كلوما فانى قد كنت طويت عَن مثالب النَّاس كشحا وَضربت دون ذكر مناقبهم صفحا وأمسيت غضيض الطّرف عَن أَحْوَالهم فَلم أر لَهُم محاسنا ومساويا فَلَا رَحِمك الله ذكرتنى الطعْن وَكنت نَاسِيا عمرى لقد زاحمت الْبَحْر الخضم وتلاعبت بأنياب الاسود والارقم وَمَا أَنْت الا أذلّ من النَّقْد كمبتغى الصَّيْد فى عريسة الاسد أَو مَا خشيت من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 اليراعة الَّتِى لعاب الافاعى القاتلات لُعَابهَا أَو مَا خفت من البراعة الَّتِى لَا ينْفق سوق الادب الا بهَا اَوْ مَا قلت ان أَمَامِي مَالا أسامى أتتحكك بأنياب الاسود وبراثن الاسد أَو تراجم جندلا أَو تهادى أجدلا لقد سخنت عَيْنك وحان حينك وَقد قيل اذا جَاءَ أجل الْبَعِير حام حول البير (يَا سالكا بَين الاسنة والقنا ... انى أَشمّ عَلَيْك رَائِحَة الدَّم) ولعلك تمسكت بقول الهمدانى من انقادت لعذوبة بَيَانه الْمعَانى (يَا خَائِف الهجو على نَفسه ... كن فى أَمَان الله من مَسّه) (أَنْت بِهَذَا الْعرض بَين الورى ... مثل الخرا يمْنَع عَن نَفسه) نعم الامر كَذَلِك لَكِن الْعبْرَة بقول أَبى الطّيب رقرق على تربه من سِجَال الغفران الصيب وفى عنق الْحَسْنَاء يستحسن العقد وَلَقَد أحسن هَذَا الْمَعْنى الاديب ابْن االزقاق الاندلسى من بأدبه فضل الْمُتَقَدّم قد نسى (زَادَت على كحل الْعُيُون تكحلا ... ويسم نصل السَّيْف وَهُوَ قتول) الام تجس المعايب وتطعن فى النَّاس أكليب خُذْهَا من يدى جساس يَا أقذر من آلَة الاحتقان مَتى فست بك فقحة الزَّمَان يَا أنتن من مبال الطواشى وَيَا أنجس من شعير رَوْث المواشى يَا ضمادا الْجرْح وَقد مَضَت عَلَيْهِ عدَّة لَيَال يَا قِطْعَة البلغم فى رئة المسلول وَلم يُخرجهَا السعال يَا تنفس من بِهِ ضيق النَّفس وَيَا اراقة بَوْل قد احْتبسَ يَا طول شعر العانه وَيَا قار مرّة مقروح المثانه يَا لعاب فَم المجذوم وَيَا جشاء من أكل الثوم يَا مَحِيض النِّسَاء وَيَا فسَاء الخنفساء يَا أنجس من سُؤْر الْكَلْب وَيَا أقذر من سَرَاوِيل من بِهِ الجرب الرطب يَا منديل المسلول وَقد لزقت بِهِ قطعات البلغم يَا ريح فَم المخمور المتقيء قبل ان يغسل الْفَم يَا من أغنت عَن المسهلات طلعته يَا من تكفل عمل المغيبات رُؤْيَته يَا من يُكرمهُ النَّاس فى الْمجَالِس والمجامع اكرام الْكَلْب المبتسل اذا دخل الْجَامِع يَا من تحار فى فهم كَلِمَاته الْعَارِية عَن الْمَعْنى والتناسب عقول الافاضل وتذكر فى تِلْكَ الْجمل قَول صَاحب التَّحْقِيق تمثيلا دَرَجَات الْحمل ثَلَاثُونَ وفى عين الذُّبَاب جحوظ وجالينوس ماهر فى الطِّبّ والقرد شَبيه بالآدمى وَكم الامير فى غَايَة الطول يَا من أربى على أَبى جهل فى الضلاله يَا من أتعب بترهاته الْجمال النقاله يَا كَاف وَجه الايام يَا قرحَة عين الاسلام يَا افلاس العاشق يَا تعفف الْفَاسِق يَا صباح المخمور يَا ليل الْغَرِيب يَا سُقُوط نبض الْمَرِيض وَيَا يأس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 الطَّبِيب يَا خيبة من رَجَعَ رَاضِيا من الْغَنِيمَة بالاياب وندامة رستم بعد قتل ابْنه سهراب يَا من نتج عِنْده من الْخبث طريفه وتلاده وَيَا من تصلح معايبه مِثَالا لكلى لَا تتناهى أَفْرَاده يَا من جمع من القبائح أنواعا وأجناسا فى قالب وَاحِد وَيَا من عناه ابْن الرومى بقوله (وَلَو لم تكن فى صلب آدم نُطْفَة ... لخر لَهُ ابليس أول ساجد) يَا أكره من حَدِيث معاد وَيَا أعبس من وَجه التَّاجِر فى أَيَّام الكساد يَا خجل الْعَرُوس عِنْد أَهلهَا قد فض خَتمهَا غير بَعْلهَا يَا قذارة من يستنجى بِالْمَاءِ الْقَلِيل وَيَا عقدَة تكة أَبَت الْحل وَالْبَوْل يكَاد يحرق الاحليل يَا مسبار الْحجام يَا بَيت حلاقة الْعَانَة فى الْحمام يَا سجادة الزَّانِيَة وَيَا منديل مسح اللائط بعد أَن يرتكب الْحَرَام يَا شَعْرَة رَأس الْقَلَم حِين شُرُوع الْكَاتِب فى الرقم يَا قِطْعَة البلعم فى حلق المغنى عِنْد بَدْء النغم يَا وَاسع الْمَذْهَب وَيَا ضيق الصَّدْر يَا وسخ الْعرض يَا نظيف الْقدر يَا من ألزم كَاتب الْيَسَار كل حِين كِتَابه وَيَا من لَا يَأْثَم عِنْد الله من اغتابه يَا من أدْمى أنامل حِسَاب قبائحه ومعايبه يَا من أحفى أَقْلَام كتاب مساويه ومثالبه (مسَاوٍ لَو قسمن على الغوانى ... لما أمهرن الا بِالطَّلَاق) فاليكها وتفكه قبل أَن يقدم لَك الطَّعَام بِهَذَا الحنظل فانى سَوف ألقمك الخرا بالخردل وَلم أزل أذيقك من هَذِه الْفُصُول الموجعة للقلب سياطا الى أَن لَا تتمالك استك الْوَاسِع ضراطا فَترد عَن نَفسك اذ ذَاك وتطفى فى قَلْبك هَذَا الْجَمْر كماردها يَوْمًا بسوأته عَمْرو وَمَا أَنْت الا كالحبارى لَيْسَ سلاحها فى مدافعة السقر الا سلاحها لعمرى لقد أدخلتك هَذِه الاسجاع فى حجر ضَب خرب أَو فى است كلب جرب فأبشرفان بَقِيَّة عمرك القذر تمضى فى ذَلِك الْمنزل الرحب العذب مَاؤُهُ الطّيب هواؤه وَكَانَ وَجب على ذمَّة الحمية الابية مجازاتك فأدينا اليك الْكَيْل صَاعا بِصَاع وأحرقناك شواظ من النَّار الَّتِى هى عبارَة عَن هَذِه الاسجاع كلا وشتان بَينهمَا فان هَذِه لَا تقاس بدواجن كلماتك وَنهى كَمَا تعرفها لَا تخرج من دَارك وَلَا يتعهدها من بجوارك وَأما تِلْكَ الْفُصُول فستسير مسرى الصِّبَا وَالْقَبُول وتصادف من النَّاس مواقع الْقبُول فَلَا غر وأوجبنا عَلَيْك ان نشافهك بِمَا اتصفت بِهِ من المعايب والمثالب وَلَا عتب علينا لَان مَا لَا يتم الْوَاجِب الابه فَهُوَ وَاجِب وَوَاللَّه ان تِلْكَ الالفاظ لتأنف مِنْك وانى أستغفره تَعَالَى فى تعذيبها بك وايذائها بخطابك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 كَيفَ لَا وانك لعذرة ملْء اهابك وَمِمَّا بلغنى عَنْك أَن لِسَان الدَّهْر لما أسمعك بعض أسجاعنا الذى تخضع لَهُ رِقَاب القوافى ويميس من حلل البلاغة فى البرود الضوافى بادرت الى مطالعة فقر المقامات لَعَلَّك تجدها فِيهَا أَو فى كتاب آخر يضاهها وتفضل علينا بتصحيح صلَاتهَا وَجعلهَا أنموذج فضلك الغزير فهاتها ونسأل الله السَّلامَة من الوصمة والامداد بالتوفيق والعصمة والارشاد الى سلوك سَبِيل التَّقْوَى والتمسك فى كل حَال بِسَبَبِهَا الاقوى انْتهى وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فى عشر الاربعين وَالله أعلم عبد الْكَرِيم بن محب الدّين بن أَبى عِيسَى عَلَاء الدّين وَتقدم تَمام النّسَب فى تَرْجَمَة حفيده القطبى الحنفى مفتى مَكَّة المشرفة الامام الْعَلامَة الملقب بهاء الدّين كَانَ اماما فَاضلا لَهُ اشْتِغَال تَامّ بِالْعلمِ وَخط حسن وَنسخ بِخَطِّهِ كتبا وَله حفظ جيد ومذاكرة قَوِيَّة وَكَانَ عَارِفًا بالفقه خَبِيرا بأحكامه وقواعده مطلعا على نصوصه مَعَ طلاقة الْوَجْه وَكَثْرَة السّكُون وَأما الادب فَكَانَ فِيهِ فريداً يفهم نكته ويكشف غوامضه ويستحضر من الاخبار والوقائع وأحوال الْعلمَاء جملَة كَثِيرَة وَكَانَ من أذكياء الْعَالم ذَا انصاف فى الْبَحْث لَازم عَمه وأستاذه الْعَلامَة قطب الدّين الحنفى مفتى مَكَّة وَبِه تفقه وَعَلِيهِ تخرج وَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الله السندى والعلامة الشهَاب أَحْمد بن ججر الهيتمى روى عَنهُ صَحِيح البخارى وَمِمَّنْ أَخذ عَن المترجم السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَتَوَلَّى افتاء مَكَّة سنة ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَولى ايضا الْمدرسَة السُّلْطَانِيَّة المرادية بِمَكَّة وَألف مؤلفات لَطِيفَة مِنْهَا شرح على البخارى ممزوج لم يكمله سَمَّاهُ النَّهر الجارى على البخارى وتاريخ سَمَّاهُ اعلام الْعلمَاء الاعلام بِبِنَاء الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُوَ مُخْتَصر تَارِيخ عَمه الْمَذْكُور زَاد فِيهِ أَشْيَاء حَسَنَة مهمة مِمَّا يحْتَاج اليه وَمَا حدث بعد تألفيه منبهاً عَلَيْهِ وَحكى الامام على الطبرى أَن صَاحب التَّرْجَمَة شَارك فى حُدُود التسعين وَتِسْعمِائَة أَئِمَّة الْمقَام فى امامته وهم السَّادة البخاريون فانهم أقدمهم ثمَّ بَيت الشَّيْخ أَبى سَلمَة وَكَانُوا لَا يزِيدُونَ على أَرْبَعَة أَنْفَار غَالِبا فَكَانَ حَافِظًا للمقام وصائنا لَهُ عَن تطرق مشارك فى الامامة بِحَيْثُ انه ورد سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وَظِيفَة امامة مستجدة للملامكى بن فروخ فَمَنعه صَاحب التَّرْجَمَة بِمَا بِيَدِهِ من الاحكام السُّلْطَانِيَّة لانه كَانَ قد استخرج خُطُوطًا سلطانية بِعرْض صَاحب مَكَّة ان لَا تتجدد وَظِيفَة بالْمقَام الْمَذْكُور فتشفع فروخ والدمكى بِبَعْض أكَابِر الاروام فَبلغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 صَاحب التَّرْجَمَة ذَلِك فَبين الْحَال للمتشفع فامتع من الرَّجَاء فى ذَلِك حِينَئِذٍ فَلَمَّا توفى صَاحب التَّرْجَمَة قَامَ بِهَذَا الشان وَلَده اكمل الدّين وَحفظ النظام ثمَّ جرى عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْقدر فَمَاتَ شَهِيدا فى سنة عشْرين وَألف بعد قصَّة طَوِيلَة فَحِينَئِذٍ انْفَتح الْبَاب فى الامامة فَلم يزل التزايد الى أَن بلغُوا فى زَمَاننَا أَرْبَعَة عشر اماما انْتهى كَلَامه قلت وَقد بلغُوا الْآن نَحْو أَرْبَعِينَ وَصَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الذى سعى فى احداث مَعْلُوم من بندر جده يكون فى مُقَابلَة خدمَة افتاء الْحَنَفِيَّة بِمَكَّة وَأجِيب الى ذَلِك وَجعلت لَهُ خلعة تحمل مَعَ الركب المصرى يلبسهَا فى يَوْم العرضة ثمَّ أحدث لَهُ فى مُقَابلَة ذَلِك أَيْضا صوفان من الديار الرومية وفى ضمنهما مائَة دِينَار وَاسْتمرّ ذَلِك لمفتى مَكَّة الى الْآن وَكَانَت وِلَادَته ضحى يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر شَوَّال سنة احدى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة بِأَحْمَد آباد من بِلَاد الْهِنْد وكنى بأبى الْفَضَائِل وَهُوَ تَارِيخ وِلَادَته وَقدم مَكَّة مَعَ وَالِده وَبهَا نَشأ وَتوفى بهَا قبل غرُوب شمس يَوْم الاربعاء خَامِس عشر ذى الْحجَّة سنة أَربع عشرَة بعد الالف وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله تَعَالَى عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالعبادى الدمشقى الحنفى الاديب الْفَاضِل الذكى كَانَ لَهُ مُشَاركَة تَامَّة فى الْفُنُون وخبرة فى نقد الشّعْر وَله فى المعميات وحلها الْيَد الطُّولى قَرَأَ بِدِمَشْق على الشَّيْخ عمر القارى وَعبد الرَّحْمَن العمادى والشرف الدمشقى وَعبد اللَّطِيف الجالقى وَغَيرهم وَأخذ طَرِيق الرفاعية عَن الشَّيْخ مُحَمَّد العلمى القدسى وَحج فى بعض السنين وينقل لحجة سَبَب عَجِيب وَهُوَ انه كَانَ لَهُ بعض اخوان مِمَّن اخْتَلَط بهم وامتزج فتوجهوا قَاصِدين الْحَج فَسَار لوداعهم وَكَانَ الْفَصْل فصل الصَّيف وَعَلِيهِ الصُّوف وعَلى رَأسه الْعِمَامَة الْكَبِيرَة فَلَمَّا وصلوا الى بَاب الله أبرموا عَلَيْهِ ان يسير مَعَهم الى الْكسْوَة وَمَا برحوا يلحون عَلَيْهِ الحاحا بعد الحاح الى ان أَخَذُوهُ مَعَهم بنية الْمسير الى المزيريب وفى لَيْلَة الْمسير أبرموا عَلَيْهِ بِأَن يتَوَجَّه مَعَهم الى الْحَج فَلم يخالفهم وَتوجه مَعَهم وكل مِنْهُم أعطَاهُ مَا يحْتَاج اليه فحج حجَّة وَمَا زَالَ مُدَّة عمره يذكر مَا وَقع لَهُ فِيهَا من الاكرام والانبساط ثمَّ عَاد الى دمشق ولازم بعد مُدَّة من الْمولى عبد الْعَزِيز بن قره حلبى الْمُقدم ذكره وناب فى الْقَضَاء بمحكمة الميدان ثمَّ سَافر الى الرّوم فى سنة احدى وَخمسين وَألف وسلك طَرِيق الْقَضَاء فولى قَضَاء بيروت ثمَّ سَافر الى الرّوم مرّة ثَانِيَة وانتقل الى اقليم مصر فَصَارَ قاضى أبيار ثمَّ أَتَى الى دمشق وَصَارَ بهَا مُتَوَلِّيًا على أوقاف الْجَامِع الاموى مُدَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 وعزل لاختلال وَقع فى الْوَقْف وَولى قسْمَة الْعَسْكَر ثمَّ سَافر الى الرّوم مرّة ثَالِثَة وَصَارَ قاضى بنى سويف وَتوجه اليها فَمَاتَ بهَا وَكَانَ فى أَوَائِل عمره مائلا لجَانب الصّلاح ثمَّ اخْتلف وَكَانَ مفرط السخاء احسن المعاشرة والمحاورة وَكَانَ بَينه وَبَين مُحَمَّد وأخيه أكمل الكريميين مَوَدَّة وصحبة وَجرى بَينهم مفاكهات ومطارحات كَثِيرَة فَمن ذَلِك مَا اتّفق لَهُم وَقد ضمهم مجْلِس فابتدر مُحَمَّد على طَرِيق المساجلة فَقَالَ (هواى عذرى وَلَا أعذر ... هَذَا على أهل النهى يُنكر) (يعذلنى اللؤام فى صبوتى ... جهلا وَمَجْنُون الْهوى يعْذر) (وجدى بِمن تخجل شمس الضُّحَى ... اذا تبدى وَجههَا الانور) (قد سل من أجفانها أَبيض ... وهز من أعطافها أسمر) وَقَالَ أَخُوهُ أكمل (يُرِيك أَن مَاس قِنَا قدها ... غصنا بنوار البها يُثمر) (ظَبْيَة أنس كم سبت جؤذرا ... وان سبا ريم الفلا الجؤذر) (تريش من أجفانها أسهما ... يرْمى بهَا حاجبها الموتر) (لم يقنى من حربها جوشن ... كلا وَلَا درع وَلَا مغفر) (ينهانى اللائم فى حبها ... هَل أنْتَهى وَالْحسن لى يَأْمر) وَقَالَ عبد الْكَرِيم صَاحب التَّرْجَمَة (غادة دلّ أختشى غدرها ... يَا من رأى الغادة لَا تغدر) (رحت عَلَيْهَا فى الجفا صَابِرًا ... لَكِن عَنْهَا قطّ لَا أَصْبِر) (ورد الحيا يقطف من خدها ... وماؤه من وَجههَا يقطر) وَقَالَ أكمل أَيْضا (دموع عينى فى الْهوى ترسل ... عَمَّا يعانيه الحشا تخبر) (نمام دمع الصب عاداته ... لكل مَا يطوى الحشا ينشر) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى سنة سبعين وَألف وَبَنُو العبادى فِيمَا يَزْعمُونَ ينتسبون الى سعد بن عبَادَة سيد الْخَزْرَج الصحابى الْجَلِيل فَعَلَيهِ يكون العبادى بِضَم الْعين والعامة تكسرها فَهُوَ غلط مَشْهُور عبد الْكَرِيم بن مَحْمُود بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالطارانى الميقاتى البعلى الاصل الدمشقى المولد وَالدَّار والوفاة الْكَاتِب الشَّاعِر المؤرخ الملقب كريم الدّين أحد كتاب محكمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 القسام بِدِمَشْق كَانَ من أَفْرَاد الزَّمَان ومحاسن الايام انْتَهَت اليه الْمعرفَة بِأُمُور الْكِتَابَة والتوريق والانشاء والحساب مَعَ مُشَاركَة تَامَّة فى فنون الادب وَغَيرهَا وَله النّظم الْجيد جَالس جدى القاضى محب الدّين وَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا وعَلى غَيره كالحسن البورينى وتأدب بالشمس مُحَمَّد الصالحى الهلالى الشَّاعِر الْمَشْهُور وَكَانَ مليح الْعبارَة فى انشاء الوثائق جيد الفكرة لطيف المحاورة وَكتب الْكثير وَكَانَ كثير المحفوظات عَجِيب الايراد وَله تشيع وَكتب النَّاس عَنهُ كثيرا من نظمه ونثره وقرأت فى بعض مجاميعه بِخَطِّهِ قَالَ جرى لى يَوْمًا فى بعض الاندية أَنه ذكر أشج بنى مَرْوَان عمر ابْن عبد الْعَزِيز وَمَا فعله وَهُوَ خَليفَة من أمره بالكف عَن لعن أَمِير الْمُؤمنِينَ على ابْن أَبى طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على المنابر مُدَّة تزيد على سبعين عَاما كَمَا هُوَ مَشْهُور وتلاوة قَوْله تَعَالَى ان الله يَأْمر بِالْعَدْلِ والاحسان الى آخر الْآيَة عقيب انْتِهَاء خطْبَة يَوْم الْجُمُعَة وَصَارَ هَذَا دأب الخطباء فى جَمِيع الامصار وانجر الْكَلَام من بعض من حضر الى مَا نظمه الشريف الرضى الموسوى فى هَذَا الْمَعْنى بقوله من أَبْيَات يُخَاطب بهَا عمر بن عبد الْعَزِيز (يَا ابْن عبد الْعَزِيز لَو بَكت ... الْعين فَتى من أُميَّة لبكيتك) الى آخر الابيات فنظمت هَذِه الابيات وهى من أحسن الشّعْر وأجوده (أشج بنى مَرْوَان لله دره ... لقد كف عَن سبّ الامام الْمفضل) (خَليفَة خير النَّاس والاول الذى ... دَعَاهُ رَسُول الله فى كل معضل) (على أَمِير الْمُؤمنِينَ وصنوه ... وناصره فى يَوْم زحف ومحفل) (لقد خصّه فى فتح مَكَّة بالاخا ... وبالراية الْعُظْمَى وناهيك من على) (غَدَاة دَعَاهُ مر حب يَوْم خَيْبَر ... فجلله بِالسَّيْفِ وَالْحَرب تصطلى) (وفى يَوْم أحزاب أَتَى بفضيلة ... بقتل ابْن ود العامرى المضلل) (وفى الْحَرْب يَوْم النهروان لقد شفى ... غليلا وحرقوص يجول بمفصل) (فَأَلْقَاهُ مطروحا صَرِيعًا مجدلا ... كاصحابه النائين عَن نهج مُرْسل) (أَتَاهُم فلاقاهم رجَالًا خوارجا ... فأرداهم طرا بِغَيْر تمهل) (وَلم ينج من صماصمه غير سَبْعَة ... وَكلهمْ باؤا باثم معجل) (كأشقى مُرَاد نَالَ خزيا وذلة ... بقتل امام عَارِف متبتل) (عَلَيْهِ من الله الْمُهَيْمِن لعنة ... مدى الدَّهْر مَا هبت نسيمات شمأل) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 (فَلم تبك شخصا من أُميَّة أعين ... بَكت مِنْهُم عين الاشج بمسيل) (عَظِيم بنى مَرْوَان خير خَليفَة ... وَخير ذويه من أكول وأحول) (لقد نزه الماضين عَن لعن سيد ... يكنى أَبَا السبطين فى كل منزل) (وَعوض ان الله يَأْمر فافتهم ... لما جَاءَ فى نَص الْكتاب الْمنزل) (فروى ضريحا ضمه صوب رَحْمَة ... وجازاه ربى بالثواب الْمُعَجل) (وانى لراج أَن أنال بحبه ... من الله فى الفردوس كل مُؤَمل) (فيا رب بوئنى بحقك جنَّة ... وَأحسن الهى فى الْقِيَامَة موئلى) قلت وَالْمرَاد من أشج بنى مَرْوَان عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان وَأمه أم عَاصِم بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب وَكَانَ ابْن الْخطاب رضى الله عَنهُ يَقُول ان من ولدى رجلا بِوَجْهِهِ أثر يمْلَأ الارض عدلا كَمَا ملئت جوراً وَلما نفحه حمَار بِرجلِهِ فَأصَاب جَبهته وَأثر بهَا قَالَ أَخُوهُ اصبع الله أكبر هَذَا أشج بنى أُميَّة يملك ويملأ الارض عدلا انْتهى وَلَا يرد عَلَيْهِ عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب فانه وان كَانَ أشج أَيْضا وَهُوَ من أَوْلَاد عمر الا انه لم يل حكما وبشجته ضرب الْمثل لمستهجن يزِيد بِهِ صَاحبه حسنا فانه كَانَ من أجمل أهل زَمَانه وأصابته شجه فزادته حسنا قَالَه فى ربيع الابرار وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة أَخ اسْمه مُحَمَّد وَكَانَ أحد الْمَشْهُورين بجودة الْخط الى الْغَايَة وَكَانَ يكْتب أَنْوَاع الخطوط بأجمعها ويقلد أقسامها على اخْتِلَاف أجناسها وَرُبمَا قلد الْعَلامَة السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ سَافر الى مصر فاتفق انه حصلت لَهُ كائنة أدَّت الى وُصُول خَبره الى حَاكم مصر بتقليده الطغرا فَاسْتَحْضرهُ وألح عَلَيْهِ بالاعتراف بذلك فاعترف فَقطعت يَمِينه وَكَانَ بعد ذَلِك أَيْضا يلف على يَده خرقَة ويمسك بهَا الْقَلَم وَيكْتب وَقد وقفت لاخيه عبد الْكَرِيم على أَبْيَات أرسلها اليه بعد حُصُول هَذِه الكائنة لَهُ وَذكر فى أَولهَا مَا هَذَا نَصه من مراسلات كَاتب الْحُرُوف الى اخيه شقيقه وَهُوَ بالديار المصرية مُشِيرا الى حادثته الَّتِى أبكت الْعُيُون وأورثت الْقُلُوب الشجون ومتشوقا اليه (سَلام كنشر الرَّوْض باكره الْقطر ... على ساكنى قلبى ومنزلهم مصر) (سَلام عَلَيْهِم من كئيب متيم ... توالى على خديه مدمعه الْغمر) (وان لَاحَ برق حن شوقا اليهم ... حنين أخى الاشجان قد خانه الصَّبْر) (وَبعد فانى يَا أخى لما جرى ... أَخُو عِبْرَة تنهر اذ فدح الامر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 (وَلم يَنْقَطِع ذكرى لايامنا الَّتِى ... تقضت بِأَرْض الشأم وهى بكم غر) (وَكَيف وَقد كُنَّا جَمِيعًا بألفة ... وحاسدنا من غمَّة شفه الْقَهْر) (واخواننا فى خفض عَيْش وكلنَا ... لفرط ائتلاف لَا يروعنا الذعر) (وَلَكِن قضى هَذَا الزَّمَان بصدعنا ... وتشتيتنا صبرا على مَا قضى الدَّهْر) (فَللَّه منا الْحَمد وَالشُّكْر دَائِما ... على المنن اللاتى يجل لَهَا الْحصْر) (وَلَا زلت ترقى ذرْوَة الْعِزّ مَا شدا ... حمام على غُصْن وَمَا اكتمل الْبَدْر) (وحن الى الاوطان كل مغرب ... مشوقا الى أهليه وانسكب الْقطر) وقرأت بِخَطِّهِ مِمَّا نظمته ارتجالا وَقد جلس الى جانبى مليح من ملاح الشأم فى مَكَان مُرْتَفع وَكَانَ الْقَمَر فى تِلْكَ اللَّيْلَة فى حَالَة الابدار وَهُوَ مطل علينا فَقَالَ لى انْظُر الْبَدْر أمامك فَقلت لَهُ الْبَدْر أمامى على أى حَالَة فَخَجِلَ فَقلت منشدا (وذى قوام رَشِيق ... دنا لبدر التَّمام) (فَقَالَ والثغر مِنْهُ ... حَال بِحسن ابتسام) (غَدا أمامك بدر ... فَقلت بدرى أمامى) وأشعاره وأخباره كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته فى ثامن شعْبَان سنة احدى وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقابر الشِّيعَة فى بَاب الصَّغِير والطارانى نِسْبَة الى طارية وهى قَرْيَة من قرى بعلبك قدم مِنْهَا وَالِده الى دمشق ورأيته فى بعض مجاميعه ينتسب بالطيرانى بِالْيَاءِ ولعلها نِسْبَة على خلاف قِيَاس وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم عبد الْكَرِيم الواردارى مفتى الْحَنَفِيَّة بالشأم ومدرس السليمانية بهَا كَانَ من أهل الْعلم وَالدّين قدم الى دمشق صُحْبَة نائبها الْوَزير سِنَان باشا حِين وَليهَا بعد انْفِصَاله عَن الوزارة الْعُظْمَى فَرفع مرتبته حَتَّى صيره مفتيا فَأَقَامَ بِدِمَشْق سِنِين وَتزَوج بنت الشَّيْخ برهَان الدّين بن أدهم بن عبد الصَّمد وَكَانَ معلما لسنان باشا المومى اليه وَكَانَ كثير الصمت حسن السمت عَلَيْهِ مهابة الْعلم وسكينة الْفضل وَوَقع بَينه وَبَين الشَّمْس ابْن المنقار بِسَبَب مسئلة تحَالفا فِيهَا وَكَانَ ابْن المنقار يتبجح بِهَذِهِ الْقِصَّة وينشد (أَنا صَخْرَة الوادى اذا هى زوحمت ... واذا نطقت فاننى الجوزاء) فَكتب لَهُ عبد الْكَرِيم رِسَالَة لَطِيفَة قَالَ فِيهَا بلغنَا انكم حِينَئِذٍ تفخرون وتنشدون أَنا صَخْرَة الوادى وفى الحَدِيث الْمُؤمن هَين لين وَحج من دمشق ثمَّ عَاد اليها وَترك شعر رَأسه بعد حلق النّسك فَلم يحلقه ثمَّ صَار يضفره وَكَانَ مَقْبُولًا ثمَّ عزل عَن فَتْوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 الشأم ورحل الى قسطنيطينية وَكَانَ سِنَان باشا بنى دَار الحَدِيث عِنْد تربته الْمَعْرُوفَة بقسطنطينية فَشرط تدريسها لصَاحب التَّرْجَمَة فَصَارَ يدرس بهَا وَأقَام سنوات الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته بهَا فى صفر سنة ثَلَاث بعد الالف كَذَا قرأته بِخَط الشَّمْس الداودى المقدسى نزيل دمشق عبد اللَّطِيف بن أَحْمد بن أَبى الوفا المفلحى الانصارى الحنبلى الدمشقى تقدم أَبوهُ أَحْمد وَكَانَ عبد اللَّطِيف هَذَا فَقِيها مشتغلا مَشْهُور السمعة جريئا فى فصل الامور رَحل الى مصر فى سنة خمس عشرَة بعد الالف وَأخذ بهَا الحَدِيث عَن النُّور الزيادى وتفقه بالشيخ يحيى بن مُوسَى الحجاوى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف البهوتى وأجازاه بالفتوى والتدريس وَذكر لَهُ الحجاوى فى اجازته أَنه أفتى بالجامع الازهر مرَارًا وَأفَاد واستفاد ثمَّ رَجَعَ فى سنة سبع عشرَة وَولى قَضَاء الْحَنَابِلَة بالمحكمة الْكُبْرَى أَولا ثمَّ صَار قاضى قُضَاة الْحَنَابِلَة بمحكمة الْبَاب وَكَانَت وَفَاته فى سادس عشر شعْبَان سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف عبد اللَّطِيف بن بهاء الدّين بن عبد الباقى البعلى الحنفى الْمَعْرُوف بالبهائى القاضى الاجل الافضل كَانَ بارعا فى كثير من الْفُنُون فَارِسًا فى الْبَحْث نظارا مفرط الذكاء قوى الحافظة كثير الِاشْتِغَال حسن العقيدة قَرَأَ بِبَلَدِهِ بعلبك على جده لامه الْعَلامَة مُحَمَّد البهائى ثمَّ قدم الى دمشق وعمره سِتّ وَعِشْرُونَ سنة وَلزِمَ بهَا الشّرف الدمشقى والامام يُوسُف الفتحى وَأخذ عَنْهُمَا وبرع ثمَّ سَافر الى لروم وسلك طَرِيق الْقَضَاء الى أَن ولى أكبر المناصب بِبِلَاد الرّوم ثمَّ انحاز الى الْمُفْتى الْعَلامَة يحيى بن عمر المنقارى فقربه وَأَدْنَاهُ وَنَقله من طَرِيق الْقَضَاء الى طَرِيق الموالى فَأعْطَاهُ قَضَاء ترابلس الشأم ثمَّ بلغراد ثمَّ فلبه ونما حَظه واشتهر فَضله وَألف تآليف حَسَنَة تدل على قُوَّة بَاعه فى الْعُلُوم مِنْهَا شَرحه على فصوص ابْن عربى ونظم متن الْمنَار فى الاصول فى تِسْعمائَة وَثَلَاثَة أَبْيَات وَسَماهُ قُرَّة عين الطَّالِب وَهُوَ عدد أبياته ثمَّ شَرحه شرحا لطيفا وعنونه باسم الْوَزير أَحْمد باشا الْفَاضِل وَله شرح على ديوَان أَبى فراس أبدع فِيهِ كل الابداع ونظمه ونثره كثيران مستوفيان شَرَائِط الْحسن والمتانة فَمن ذَلِك قَوْله فى الْمَدْح (اليك دون الورى انْتهى الْكَرم ... وَمن أياديك تكسب النعم) (لن يبلغ الْمَدْح فِيك غَايَته ... بل دون معناك تنفد الْكَلم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 (أَنْت الذى ترتجى مكارمه ... وَكم أنَاس وجودهم عدم) (أَنْت الذى الدَّهْر دون همته ... وَفَوق هام السهى لَهُ قدم) (طود وقار بالحلم مُشْتَمل ... بَحر نوال بالجود ملتطم) (يخجل صوب الْغَمَام نائله ... بل دون هتان كَفه الديم) (أعتابه مأمن لداخلها ... من كل هول كَأَنَّهَا حرم) وَقَالَ يمدح شيخ الاسلام المنقارى بقوله (معَاذ الوفا أَن يصبح العَبْد خَالِيا ... عَن الشُّكْر للْمولى الذى قد وفاليا) (وأنعم حَتَّى لم يدع لى مطلبا ... وأنكى بِمَا أسدى الى الاعاديا) (وكل الذى أملته من نواله ... حظيت بِهِ بل فَوق مَا كنت راجيا) (وَفرغ عَن قلبى سوى حبه الذى ... تمكن فى قلبى وأنعم بَالِيًا) (فغاية سؤلى فى الزَّمَان رضاؤه ... وأقصى المنى ان كَانَ عَنى رَاضِيا) (ولى نفس حر قد أَبَت غير حبه ... وحاشا لمثلى أَن يرى عَنهُ ساليا) (وقلب اذا مَا الْبَرْق أومض موهنا ... قدحت بِهِ زندا من الشوق واريا) (تحكم فِيهِ حَبَّة واشتياقه ... لَهُ الحكم فليقض الذى كَانَ قَاضِيا) (فَللَّه عَيْش مر لى بظلاله ... أجربه ذيل المآرب ضافيا) (أروح بافضال وأغدو بأنعم ... ويمنحنى ورد الْمحبَّة صافيا) (وفزت بِعلم مِنْهُ عز اكتسابه ... وأصبحت من حلى الْفَضَائِل حاليا) (اذا مَا دجى بحث وأظلم مُشكل ... أَضَاء بِنور الْفِكر مِنْهُ الدياجيا) (يجول على نجب الذكاء بفكرة ... أَبَت فى الذى تبديه الا التناهيا) (يفوق على الْبَحْر الخضم بِعِلْمِهِ ... ويرجح فى الْحلم الْجبَال الرواسيا) (يسابق أجناد الرِّيَاح الى الندى ... وينضح جدوى راحتيه الغواديا) (نظمت لَهُ عقد المديح منضدا ... جعلت مَكَان الدّرّ فِيهِ القوافيا) وَكتب اليه يمدحه أَيْضا (بأى لِسَان يحصر العَبْد مدح من ... دمى من أياديه ولحمى وأعظمى) (وَمن عِشْت دهرا تَحت اكناف ظله ... أروح بافضال وأغدو بانعم) (وفزت بِعلم مِنْهُ عز اكتسابه ... وَذَاكَ لعمرى حسرة المتعلم) (ينزهنى فى ظاهرى وسرائرى ... بارشاده عَن كل ريب ومأثم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 (ويمنحنى مَحْض النَّصِيحَة جاهدا ... يعلمنى طرق الْعلَا والتكرم) (ولولاه من عبد اللَّطِيف وَمن لَهُ ... وَمن يخْدم الاشراف يشرف وَيكرم) (وحسبى من شكرى اعترافى بفضله ... وتصديق قلبى والجوارح والفم) وَمن شعره قَوْله (لَا تويسين عدوا ... من الوداد وداجى) (تسرى اليه بلَيْل ... من المكيدة داجى) عقد فِيهِ حِكْمَة وهى لَا تويسن عَدوك من ودادك تسرى اليه بلَيْل من المكيدة وَهُوَ لَا يدرى وَمن لطائفه قَوْله (ان الشجَاعَة والندى ... سيان فى الْخلق الْجَمِيل) (ثِقَة الْكَرِيم بربه ... ثِقَة الْمُجَاهِد فى السَّبِيل) وَله غير ذَلِك مِمَّا يطول وَلَا تنتهى محاسنه وَكَانَت وَفَاته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف بِقَلْبِه وَهُوَ قَاض بهَا عبد اللَّطِيف بن حسن الجالقى الْمَعْرُوف بالقزديرى الدمشقى الحنفى الْعَالم الْكَبِير الْمُفِيد المتورع الزَّاهِد البارع كَانَ من كبار عُلَمَاء زَمَانه لم يزل مكبا على الافادة والتدريس زاهدا فى الدُّنْيَا رَاغِبًا فى الْآخِرَة مُنْقَطِعًا عَن النَّاس غنى النَّفس فَقِيرا صَابِرًا أَخذ عَن جدى القاضى محب الدّين وَعَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن هِلَال وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن على العلمى المقدسى نزيل دمشق وتفقه بهم ولازمهم كثيرا حَتَّى تمهر وتجرد لنفع النَّاس فَلَزِمَهُ الجم الْغَفِير من الْفُضَلَاء وقرأوا عَلَيْهِ وغالب الافاضل الَّذين نبلوا قريب عَهده تلامذته وَكَانَ صَاحب نفس مبارك فَمَا قَرَأَ عَلَيْهِ أحد الا انْتفع بِهِ وَكَانَ شَدِيد الْحِرْص على تَأْدِيب جمَاعَة درسه لَا يبرح يخلقهم بالاخلاق الْحَسَنَة ودرس بِالْمَدْرَسَةِ العادلية الْكُبْرَى وسكنها الى أَن مَاتَ وَله من التآليف منظومة فى عبادات الْفِقْه يتداولها الطّلبَة وهى مَشْهُورَة بِالْبركَةِ واليمن وَله شعر كثير الا أَنه من شعر الْعلمَاء وأجود مَا رَأَيْت لَهُ قَوْله من قصيدة (شغفنها ذَات حسن مَعَ سيادتها ... وَلم ترق لرق صَار يرقيها) (لَا عيب فِيهَا سوى بخل على دنف ... بالوصل يَوْمًا وَمَا رقت حواشيها) (وَلست كُفؤًا لَهَا شعرًا وَلَا أدبا ... وَلَيْسَ صفر وَلَا بيض فأهديها) (وَذَاكَ من زمن قد راب ذامحن ... من غير مَا منحة للنَّفس تجديها) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 وَلَقَد رَأَيْت جمَاعَة من الآخذين عَنهُ وكل وَاحِد مِنْهُم يتغالى فى مدحه مغالاة زَائِدَة وَقَالُوا فية مَعَ فضيلته غَفلَة وَصُورَة بله فى الظَّاهِر من حَاله حَتَّى قَالُوا انه كَانَ يَوْمًا فى مجْلِس أحد قُضَاة دمشق فَدخل العاضل الاديب عبد اللَّطِيف بن يحيى المنقارى الآتى ذكره قَرِيبا ان شَاءَ الله تَعَالَى وَجلسَ فى الْجَانِب الْمُقَابل لَهُ فَقَالَ لَهما القاضى فى اثناء المخاطبة الْحَمد لله حصل لنا اللطف من كلا الْجَانِبَيْنِ فَأَنْشد الجالقى (وفى الْحَيَوَان يشْتَرك اضطرارا ... ارسطا لَيْسَ وَالْكَلب الْعَقُور) فَقَالَ المنقارى الشق الاول لنا والثانى لكم فَخَجِلَ وَأخذ يعْتَذر عَن هفوته وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء اخر وَمَعَ ذَلِك فَالْقَوْل فِيهِ انه بركَة من بَرَكَات الزَّمَان وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى يَوْم الثُّلَاثَاء ثانى عشر الْمحرم سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف بعلة الاسهال وَأوصى عِنْد الاحتضار أَن يُقَال عِنْد الصَّلَاة عَلَيْهِ الصَّلَاة على العَبْد الْفَقِير الحقير خَادِم الْعلم الشريف عبد اللَّطِيف ونفذت وَصيته وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى عبد اللَّطِيف بن عبد الْمُنعم بن زين الدّين بن يُونُس بن مُحَمَّد العجلونى الاصل الدمشقى المولد الْمَعْرُوف بِابْن الجابى الْفَقِيه القاضى الشافعى كَانَ أَبوهُ تَاجِرًا فى المصوغات بصاغة دمشق وَنَشَأ هُوَ وَقَرَأَ ودأب وَأخذ عَن الْبَدْر الغزى والْعَلَاء ابْن عماد الدّين والشهاب الفلوجى والشهاب أَحْمد بن أَحْمد بن أَحْمد الطيبى وتلقى عَنهُ القرا آتٍ والعربية وَالْفِقْه حَتَّى فضل وَكَانَ الطيبى فِيهِ علاقَة وسعى لَهُ فى وَظِيفَة الْوَعْظ يَوْم الثُّلَاثَاء بالجامع الاموى وَكَانَ فصيح اللِّسَان فى الْوَعْظ وَفرغ لَهُ عَن خطابة التوريزية وَغَضب عَلَيْهِ آخرا فسعى فى أَخذهَا عَنهُ وَولى عبد اللَّطِيف نِيَابَة الْقَضَاء بمحكمة الْكُبْرَى ثمَّ نقل الى الْبَاب بعد موت القاضى تقى الدّين الزهيرى وسافر الى الرّوم وَرجع وَمَعَهُ بَرَاءَة بتدريس الشامية البرانية عَن عَم أَبى القاضى عبد اللَّطِيف وَقَضَاء الشَّافِعِيَّة بِالْبَابِ بعد ان كَانَ وَجه للقاضى مَحْمُود الْعَدْوى الزوكارى فَسلمت اليه النِّيَابَة وَلم تسلم لَهُ الْمدرسَة ثمَّ وجهت اليه الْمدرسَة بعد مُدَّة من جَانب ابْن عزمى وَلم تبْق مَعَه الا قَلِيلا حَتَّى جَاءَت عَنهُ لِلْحسنِ البورينى وبقى ابْن الجابى نَائِبا الى أَن مَاتَ وَكَانَ سيئ السِّيرَة متهاونا فى أُمُور الشَّرْع وَكَانَ يَأْكُل البرش وَكَانَ ثقيلا جدا حَتَّى لقب بشباط وَفِيه يَقُول النَّجْم الغزى (مَا زَالَ اشباط بكيفية ... مختلة فى حَال اخباط) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 (يهذى على النَّاس كَمَا يشتهى ... وَالنَّاس كانون باشباط) وكانون فى الْبَيْت بِفَتْح النُّون جمع كَانَ قَالَ فى الصِّحَاح رجل كَانَ وَقوم كانون وَهُوَ من كنيت عَن الشئ اذا أخْبرت عَنهُ وَلم تصرح باسمه وَمِمَّا قيل فى التَّعْرِيض بِهِ بَيْتا الشاهينى وهما (حركات حاكمنا وَقد بلغت ... فى الْبرد أقْصَى غَايَة الامد) (حركات غيم شباط حِين بدا ... ملآن من ثلج وَمن برد) وَكَانَ ينظم الشّعْر وَلَقَد رَأَيْت لَهُ أشعارا كَثِيرَة فى مَجْمُوع كَبِير بِخَطِّهِ وَلم أستحسن لَهُ الا هَذِه الْقطعَة من قصيدة مدح بهَا ابْن عزمى وَالْحق انها من سَائِغ الْمَقُول ومطلعها (مَا كَانَ يخْطر قطّ فى أوهامى ... ان الاسود مصايد الآرام) (قف حَيْثُ فوقت اللحاظ سهامها ... وَانْظُر لمرمى هُنَاكَ ورامى) (وسل الامان فكم خلى فارغ ... أَمْسَى قَتِيل محبَّة وغرام) (لله مَا بِالْقَلْبِ والاحشاء من ... حرق وَمَا بالجسم من أسقام) (ومدامع تهمى فيحرق لدغها ... خدى وَمن يقوى للدغ هوَام) (وبمهجتى الْبَدْر الذى وجناته ... وعذاره كالورد والنمام) (الْقَاتِل الآلاف من عشاقه ... عمدا بِلَا جرح وَلَا آثام) (ان لم يكن بمثقل ومحدد ... فبسحر الحاظ وسحر كَلَام) (باللحظ مِنْهُ غنيت عَن زهر وَعَن ... خمر فَمِنْهُ نرجسى ومدامى) (فى خَدّه لَام تجر الى الْهوى ... فالقلب مجرور تِلْكَ اللَّام) (ظبى من الاتراك مرعاه الحشا ... والمورد الدمع الغزير الهامى) (عرف المُرَاد من الدُّمُوع فَلم يزل ... يرنو لعاشقه بِطرف ظامى) وقرأت بِخَطِّهِ هَذِه الابيات خَاطب بهَا بعض من تصدر من غير أهل التصدر (أَرَاك تلوم النَّاس بِالنَّقْصِ مِنْهُم ... وَأَنت لعمرى أنقص النَّاس فى الذّكر) (فان أَنْت فى جمع حضرت وَبينهمْ ... افاضل لم تنطق بشئ سوى الْحصْر) (فَأَنت كنون الْجمع حَال اضافة ... وان شِئْت بل مثل القلامة من ظفر) ونقلت من خطه اعجوبة ذكرانه رَآهَا بِجَزِيرَة ساقز وَهُوَ رَاجع من الرّوم بحرا وهى شجر يحمل بطيخا أصفر يعْنى الخربز والقاوون أشبه مَا يكون بشجر التوت وعَلى هامشه وأعجب مِنْهُ مَا رَأَيْت فى جَزِيرَة مرمرة وهى جَزِيرَة بَين مَدِينَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 كليبولى وبغاز حصارى يخرج من قاع الْبَحْر عين زَيْت طيب ويعلو الى وَجه الْبَحْر لَا يَنْقَطِع مدى الدَّهْر أبدا رَأَيْتهَا بعينى مرَّتَيْنِ من غير شكّ فى طعمه ورائحته انْتهى وَكَانَت وَفَاته نَهَار السبت ثانى شعْبَان سنة سِتّ وَعشْرين وَألف عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد محب الدّين ابْن ابى بكر تقى الدّين عَم أَبى القاضى عبد اللَّطِيف ابْن القاضى محب الدّين أحد فضلاء الزَّمَان البارعين كَانَ فِيمَا أعلم من أَحْوَاله دراية وخبرا من أنبل أهل عصره معرفَة واتقانا وجمعية للفنون وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَضبط وَرَأَيْت من متملكاته الَّتِى وقف اكثرها أخر أمره مَا يُقَارب مائَة وَخمسين كتابا وغالبها بِخَطِّهِ فَمَا وجدت كتابا مِنْهَا خَالِيا من تَصْحِيح وتحرير لَهُ وَألف تآليف تدل على تمكنه واحاطته مِنْهَا تَفْسِير على سُورَة الْفَتْح وَكتاب جمعه فى خَمْسَة عُلُوم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف والادب وَفِيه أَشْيَاء جَيِّدَة الى الْغَايَة طالعته كثيرا وانتفعت بِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمن رأى كِتَابه هَذَا عرف مِقْدَاره من الْفضل واكثر قِرَاءَته على وَالِده وَلما قدم الشَّام مَعَ أَبِيه حضر عِنْد الْبَدْر الغزى وَأخذ عَنهُ وَله مَشَايِخ كَثِيرَة وسافر الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة ونال فى صر مَكَّة دِينَارا ذَهَبا كل يَوْم غير مَا ناله من الْقَمْح المجهز الى الْحَرَمَيْنِ من مصر وسافر فى أَوَاخِر الالف الى مَكَّة بنية الْمُجَاورَة وجاور سنة أَو سنتَيْن وَصَحب بِمَكَّة السُّلْطَان مَسْعُود بن الشريف حسن بن أَبى نمى وَصَارَ لَهُ حظوة عِنْدهم ومدحهم بعدة قصائد وَتزَوج ثمَّة ثمَّ اقْتضى رَأْيه انه تفرغ عَن الصر الْمَذْكُور وَعَاد الى دمشق ثمَّ سَافر مِنْهَا الى الرّوم وَولى قَضَاء حماة وَحصل مِنْهَا مَالا طائلا ثمَّ بعد عَزله مِنْهَا قدم دمشق وتديرها وَعمر دَاره الْمَعْرُوفَة بِهِ بسوق العنبرانيين عِنْد بَاب الْجَامِع الاموى وَكَانَ مَحل الْبَيْت خَانا يعرف بخان الخرفان وقف بعض الْمكَاتب فَاشْترى اقلاده من الشهَاب أَحْمد الوفائى متولى الْمكتب واحتكر أرضه بِأُجْرَة ثمَّ هَدمه وعمره بَيْتا واقتنى طاحونا وَبَيت قهوة خَارج بَاب السَّلامَة وبساتين فى بَيت لهيا ووقفها على قراء ومدرس ومرتزفة يُعْطون علوفات عينهَا لَهُم وَشرط أَن يكون الْمدرس الشَّيْخ أَحْمد الوفائى الْمَذْكُور وَولى نِيَابَة الْبَاب فِيمَا بَين مَرَّات وَقَضَاء الْقِسْمَة العسكرية وَكَانَ لَهُ عفة ونزاهة وَلما مَاتَ وَالِده وَجه اليه الْمولى ابراهيم بن على الازنيقى قاضى قُضَاة الشَّام الْمدرسَة الشامية البرانية عَنهُ وَكَانَ بِيَدِهِ قبل ذَلِك تدريس الظَّاهِرِيَّة فَجمع لَهُ بَينهمَا ثمَّ تفرغ عَن الظَّاهِرِيَّة وَبقيت الشامية فى يَده وَأَخذهَا عَنهُ القاضى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 عبد اللَّطِيف بن الجابى الْمُقدم ذكره فَلم تسلم اليه ثمَّ بعد مُدَّة وجهت عَنهُ الى الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن أَحْمد الحتاتى المصرى الآتى ذكره واستفرغه عَنْهَا ابْن الجابى ثمَّ وجهت لِلْحسنِ البورينى وبقى صَاحب التَّرْجَمَة بِلَا مدرسة مُدَّة حَتَّى أُعِيدَت اليه واستمرت عَلَيْهِ الى أَن مَاتَ وَكَانَ مبتلى بعلة الكبد ولازم الحمية مُدَّة مديدة وَكَانَ أول مَا عرض لَهُ هَذَا الدَّاء أَشَارَ اليه بعض الْحُكَمَاء أَن يكف عَن شَيْئَيْنِ كل مِنْهُمَا يقتل صَاحب هَذَا الدَّاء وهما التُّخمَة وَالْجِمَاع فَكَانَ حذرا من ذَلِك حَتَّى كَانَ لَا يَأْكُل من الْخبز الا قَلِيلا جدا فاتفق لَهُ انه ذهب يَوْمًا الى بُسْتَان لَهُ واستدعى بعض أخدانه وَعمل لَهُم وَلِيمَة فِيهِ فَأكل من الْفَاكِهَة والنفائس أَكثر من عَادَته ثمَّ عَاد الى بَيته فَمَاتَ فى ليلته وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاربعاء لليلتين بَقِيَتَا من صفر سنة ثَلَاث وَعشْرين بعد الالف وَيُقَال انه جَامع فى تِلْكَ اللَّيْلَة فَمَاتَ فَجْأَة وَدفن فى بَيت صَغِير عمره بالخشابين خَارج بَاب الشاغور وَعمر عِنْده مكتبا لطيفا وَهُوَ على طَرِيق مَقْبرَة بَاب الصَّغِير قريب مِنْهَا وقرأت بِخَط وَالِده ان وِلَادَته كَانَت فى أَوَاخِر شعْبَان سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة عبد اللَّطِيف بن يحيى بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْمَعْرُوف بلطفى بن المنقار الدمشقى الحنفى أحد مشاهير الْفُضَلَاء النبلاء وَكَانَ مَعَ تمكنه فى الْفِقْه واحاطته التَّامَّة بفروعه أديبا اليه النِّهَايَة فى المحاضرات وَحسن البديهة وَالشعر المرقص أَخذ الْعَرَبيَّة عَن الْحسن البورينى وتفقه بِعَبْد الرَّحْمَن العمادى وَأحمد بن مُحَمَّد بن قولاقسز الْمُقدم ذكره وَعَلِيهِ تخرج فى كِتَابَة الاسئلة الْمُتَعَلّقَة بالفتوى وفَاق فى جَمِيع أدوات الِاتِّفَاق وَولى تدريس الماردانية وَكتب للعمادى الاسئلة واشتهر أمره وسافر الى حلب مَرَّات والى ديار بكر فى عنفوان عمره لعَارض عشق عرض لَهُ وَلم ير لَهُ خلاصا الا السّفر والتشاغل بطى المراحل وَكنت وقفت على قصيدة لِابْنِ شاهين الدمشقى أرسلها اليه الى حلب وَسبب ارسالها أَن أَحْمد بن زين الدّين المنطقى ولى قضاءها وَقدم اليها وصير أَخَاهُ مُحَمَّدًا نَائِبا بمحكمة الْبَاب ووزع بَقِيَّة الخدمات على أقربائه الاعاجم فَأرْسل اليه القصيدة الْمَذْكُورَة يَرْجُو مِنْهُ الْقدوم الى الشأم وصدرها بقوله (طلعت عَلَيْك طَلِيعَة الاعجام ... فانهض الينا قادما بِسَلام) وهى قصيدة عَجِيبَة نحا بهَا منحى قصيدة السرى الرفا الَّتِى أَولهَا (طلعت عَلَيْك طَلِيعَة الاعراب ... فاحفظ ثِيَابك يَا أَبَا الْخطاب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وَقد ذهبت منى نُسْخَة القصيدة وتطلبتها فَلم أجد من ياتينى عَنْهَا بِخَبَر وَلَو وَجدتهَا أوردتها هُنَا لبداعة أسلوبها وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة مَعَ أدباء حلب اخْتِلَاط تَامّ ومراسلات كَثِيرَة وَذكره مِنْهُم السَّيِّد أَحْمد بن النَّقِيب فى مَجْمُوعَة فَقَالَ فى وَصفه من فضلاء الزَّمَان الَّذين يشار اليهم بالبنان وأفراده الَّذين قلدوا جيده بفرائدهم عقودا وأفاضوا على أعطافه من فوائدهم برودا وَله مذاكرة كلهَا جَارِيَة على نهج الِاسْتِحْسَان ومحاورة تحسد عَلَيْهَا الْعُيُون الآذان وأشعار قد سرقت نسمَة الاسحار من لطفها لطفا وَجرى طرف فصاحتها فى ميادين البلاغة فَلم يتْرك أَمَامه طرفا وَمن شعره قَوْله من قصيدة مستهلها (بَين خبايا ضلوعى اللهب ... وَمن جفونى استهلت السحب) (وفى فؤادى غليل منتزح ... يعاف أَن الديار تقترب) (يَا بأبى الْيَوْم شادن غنج ... يعبث بِالْقَلْبِ وَهُوَ يلتهب) (يسنح لَكِن بصفحتى رشأ ... وَالْقد ان ماد دونه القضب) (صفر وشاح يزينه هيف ... لَيْسَ كخود يزينه الْقلب) ... ان لَاحَ فى الحى بدر طلعته ... فالشمس فى الافق مِنْهُ تحتجب) (أشنب لم تحك برق مبسمه ... يَا برق الا وفاتك الشنب) (يطفو على الثغر فى مقبله ... حباب ظلم وحبذا الحبب) (كَأَنَّهُ لُؤْلُؤ تبدده ... أيدى عذارى أفْضى بهَا اللّعب) (مَا مر فى الحلى وَهُوَ مؤتلق ... الا ازدهى الحلى ثغره الشنب) (يعطو بجيد كقرطه قلق ... وَالْقلب مَا جال مِنْهُ يضطرب) (وسانحات نفثن فى عقدا لَا لباب سحرًا ودونه العطب ... ) (بِهِ اختلسن الْفُؤَاد من كثب ... واقتاد جسمى السقام والوصب) (تجرح مِنْهُنَّ مهجتى مقل ... يفعلن مَا لَيْسَ تفعل القضب) (ظعن وَالْقلب فى ركائبهم ... يخْفق والجسم للضنى نهب) (من فَوق خلبى وضعت صَاح يدى ... فَلم أَجِدهُ وصدها لَهب) هَذَا أدق من قَول المتنبى (ظلت بهَا تنطوى على كبد ... نضيجة فَوق خلبها يَدهَا) (لما تيقنت أَن روحتهم ... لَيْسَ لَهَا مَا حييت مُنْقَلب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 (ابليت صبرا لم يبله أحد ... واقتسمتني مآرب شعب) (مِنْهُنَّ ذَات دملج سلبت ... عقلى وعادت تَقول مَا السَّبَب) أَخذ هَذَا من قَول مهيار (قتلتنى وانثنت تسْأَل بى ... أَيهَا النَّاس لمن هَذَا الْقَتِيل) (يصبو جنونا ويدعى سفها ... انى لَهُ دون ذَا الورى طلب) (وَلَيْسَ عندى علم بصبوته ... وَلَا تعهدت انه وصب) (لَو كَانَ فِيمَا يَقُوله شغفا ... صدق عراه لعشقنا النصب) (فَقلت لَو شِئْت يَا مناى لما ... سَأَلت عَنى وَأَنت لى أرب) (ان نحولى وعبرتى مَعًا ... بعد أنينى لشاهد عجب) وَقَوله من قصيدة أرسلها من بِلَاد ديار بكر يتشوق بهَا الى دمشق وَيذكر منتزهاتها ومطلعها (سقى دَار سعدى من دمشق غمام ... وحيى بقاع الغوطتين سَلام) (وجاد هضاب الصالحية صيب ... لَهُ فى رياض النير بَين ركام) مِنْهَا (ذكرت الْحمى وَالدَّار ذكر طريدة ... تذاد كظمآن سَلام أوام) (فنحت على تِلْكَ الربوع تشوقا ... كَمَا ناح من فقد الْحَمِيم حمام) (أيا صاحبى نجواى يَوْم ترحلوا ... وحزن الفلا مَا بَيْننَا واكام) (نشدتكما بالود هَل جاد بَعدنَا ... دمشق كأجفانى القراح غمام) (وَهل عذبات البان فِيهَا موائس ... وزهر الربى هَل أبرزته كمام) (وَهل أعشب الرَّوْض الدمشقى غبنا ... وَهل فاح فى الوادى السعيد بشام) (وَهل ربوة الانس الَّتِى شاع ذكرهَا ... تجول بهَا الانهار وهى حمام) (وَهل شرف الاعلى مطل وقصره ... على المرجة الخضراء فِيهِ كرام) (وَهل ظلّ ذَاك الدوح ضاف وغصنه ... وريق وَبدر الحى فِيهِ يُقَام) (وَهل ظبيات فى ضمير سوانح ... وَعين المها هَل قادهن زِمَام) (وَهل أموى الْعلم وَالدّين جَامع ... شعائره وَالذكر ليه يُقَام) (وَهل قاسيون قلبه متفطر ... وَفِيه الرِّجَال الاربعون صِيَام) (أَلا لَيْت شعرى هَل أَعُود لجلق ... وَهل لى بوادى النير بَين مقَام) (وَهل أردن مَاء الجزيرة راتعا ... بمقصفها والحظ فِيهِ مدام) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 (سَلام على تِلْكَ المغانى وَأَهْلهَا ... وان ريش لى من نأيهن سِهَام) (لقد جمعت فِيهَا محَاسِن أَصبَحت ... لدرج فنجار الشَّام وهى ختام) (بِلَاد بهَا الْحَصْبَاء در وتربها ... عبير أنفاس الشمَال مدام) (وغرتها أضحت بجبهة روضها ... تضئ فخلخال الغدير لزام) (تناءيت عَنْهَا فالفؤاد مشتت ... ووعر الفيافى بَيْننَا ورغام) (لقد كدت أقضى من بعادى تشوقا ... اليها وجسمى قد عراه سقام) ويستحاد لَهُ قَوْله (لهفى على زمن قَضيته جذلا ... مسربلا ببرود الْعِزّ وَالنعَم) (مضى كَانَ لم يكن ذَاك الزَّمَان أَتَى ... حَتَّى كأنى بِهِ فى غَفلَة الْحلم) (مَا أثمرت لى لياليه الَّتِى سلفت ... بلذة الْعَيْش الا زهرَة النَّدَم) وَقَوله (لله معترك يجول مهفهف ... فِيهِ وَلم يثن القوام عقار) (وبكفه قصب الدُّخان كَأَنَّهَا الصعدات لَكِن للنديم نثار ... ) (وَالْوَجْه عِنْد الشّرْب مِنْهُ كَأَنَّهُ ... حلى الْمِجَن وَقد أثير غُبَار) وَذكره الخفاجى فى كِتَابه الريحانه فَقَالَ وَلما ارتحلت عَن مصر فَارَقت أترابى ولداتى وَمَا بهَا من ذخائر مالى وكنز حياتى (وظئر بِلَاد أرضعتنى بِمَائِهَا ... وأنفاس نسمات ومهد ديار) مَرَرْت على دمشق الشَّام فَرَأَيْت من بهَا من الْكِرَام فَكَانَ مِمَّن نعمت بلقياه ووقفت على هضبات علاهُ هَذَا الاديب الحسيب وَالرَّوْض الاريض وَالربيع الخصيب فحبانى بانفاس من أنفاس الخزامة أندى وهبت مِنْهُ نفحات أنس كنفحات روض قبيل الصُّبْح يلتها الا ندا فعطر بفضائله المجامع وفكه بثمرات أدبه المسامع وَأهْدى الى فى مشرفة قصيدة حبانى بهَا وهى قَوْله (بأفق دمشق قد طلع الشهَاب ... ) ثمَّ أوردهَا بِتَمَامِهَا فَلَا حَاجَة بايرادها هُنَا فَالْحَاصِل أَن فضائله وآدابه مَشْهُورَة مسلمة وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَخمسين وَألف رَحمَه الله عبد اللَّطِيف الْمَعْرُوف بأنسى أحد موالى الرّوم ودرة قلادة الادب وَوَاحِد الزَّمَان فى الْكَمَال والمعرفة أَصله من بَلْدَة كوتاهية وَبهَا ولد ثمَّ دخل دَار الْخلَافَة فى حَدَاثَة سنه فخدم قاضى الْقُضَاة مُحَمَّد بن يُوسُف الشهير بنهالى وَورد مَعَه الى دمشق لما ولى قضاءها فى سنة اثنتى عشرَة وَألف واعتنى بِهِ مخدومه هَذَا فَأَقْرَأهُ وأدبه حَتَّى مهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وتفوق وصيره ملازما مِنْهُ وَكَانَ من أَوَائِل أمره ظريف النادرة وَكَانَ رُبمَا قصد مخدومه بنكاته فيستحسنها وَيزِيد فى الاقبال عَلَيْهِ وَمِمَّا يستحسن من مضامينه مَعَه أَن مخدومة تبجح يَوْمًا بِأَنَّهُ لم يل مُدَّة عمره مدرسة وَلَا منصبا مرَّتَيْنِ فَقَالَ أَحْمد الله على انه لم يَقع لى حَرَكَة مثلية وَكَانَ السُّلْطَان قبل ذَلِك نَفَاهُ مرَّتَيْنِ الى جَزِيرَة قبرس لامر جرى لَهُ فَقَالَ لَهُ انسى فى الْجَواب استثنوا تِلْكَ الْحَرَكَة المثلية الى قبرس ثمَّ بعد موت مخدومه تلاعبت بِهِ الاسفار والاحوال الى أَن اسْتَقر بِمصْر وَولى قَضَاء الركب المصرى ومحاسبة أوقاف مصر وَذَلِكَ فى سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف ثمَّ عَاد الى الرّوم وَولى بهَا مدرسة ثمَّ صَار قَاضِيا بطرابلس الشأم فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَوَقع بَينه وَبَين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى اذ ذَاك مراسلات فَمن ذَلِك مَا كتبه اليه العمادى (مولاى أنسى الذى طابت طرابلس ... بِهِ وَأصْبح فِيهَا الْوَحْش فى أنس) (وَمن غَدا فَضله فى الْعَصْر مشتهرا ... كَالشَّمْسِ فى شفق وَالصُّبْح فى غلس) (أَنْت الذى فَخر الْعَصْر العصور بِهِ ... وَقصرت كل مصر عَن طرابلس) (أوصيكم بالحكيم الشَّيْخ مخلصكم ... مُحَمَّد بن غَدا يعزى الاندلس) (حَملته بَث شوقى كرتين لكم ... لَعَلَّه بثه أَو كَانَ قبل نسى) (قد كَانَ لى حر أشواق فضاعفه ... قرب الديار كشب النَّار بالقبس) (لَكِن رجونا لِقَاء مِنْك يطفئه ... يَا رب فَاجْعَلْ رجائى غير منعكس) فَرَاجعه بقوله (هَذَا كتابك أم ذى نفحة الْقُدس ... يَا طيب الله ذاكى عرف ذَا النَّفس) (فقد حلا كلما كررته بفمى ... كَأَنَّهُ أشنب قد جاد باللعس) (كانما كل سطر مفعم أدبا ... غُصْن توقره الاثمار لم يمس) (كأنهن المهارى وقرها دُرَر ... وفى سوى الْقلب والاسماع لم تطس) (نظم بديع جناس الِالْتِفَات حلا ... مِنْهُ فبالله هَذَا ظَبْيَة الانس) (مخايل السحر تبدو من دقائقه ... كاللحظ أجفانه مَالَتْ إِلَى التعس) (لنا بِهِ كل وَقت عَن سواهُ غنى ... فى طلعة الشَّمْس مَا يغنى عَن القبس) (تكسو المسامع أشنافا مضاعفة ... وتكتسى صنع صنعاء واندلس) (فَبَيْنَمَا نَحن نجنى من أزاهرها ... اذ أشرقت وهى مثل الزهر فى الْغَلَس) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 (وبينما هى تجلى فى طرابلس ... والشأم طلت على مصر ونابلس) (أذكرتنى مِنْهُ مَا لم أنيه أبدا ... وَلم يزل مؤنسى فى مجْلِس الانس) (يَا من تنزه عَن احصا فضائله ... هَل فى حِسَابك انسى للعهود نسى) (واننى لحفيظ للوداد وَلَو ... أعياك رسم وداد غير مندرس) (لَا زلت عُمْدَة أهل الْفَصْل فى صعد ... الى العلى يَا عمادى غير منتكس) (مَا لى سوى نسمات الشّعْر أبعثها ... تَحِيَّة لدمشق من طرابلس) فَكتب اليه العمادى وَغير الْوَزْن والقافية (عقدت لنفسى عهد ودك يَا أنسى ... وقلبى حفيظ قطّ للْعهد مَا أنسى) (وحسبك اذ أضحى ثناؤك ديدنى ... فيورد فى وردى ويسرد فى درسى) (رفعت عمادى فى بيُوت بنيتها ... من الْمجد وَالْفضل البليغ على أس) (لقد سحبت سحبان للعى مفحما ... وَجَرت جرير اللفهاهة مَعَ قس) (أَتَت تتهادى فى الطروس كَأَنَّهَا الْعَرُوس اذا مَا تجلى لَيْلَة الْعرس) (وَلما تجلى فى دجى النَّفس بدرها ... تَلَوت عَلَيْهَا عوذة آيَة الكرسى) (اذا مَسهَا كف الحسود لحسنها ... تخبطه الشَّيْطَان غيظا من الْمس) (وتعقل عقل الساحرين بسحرها ... فَأحْسن بهَا فتانة الْجِنّ وَالْإِنْس) (جَنِينا ثمار الْفضل من روض غرسها ... وناهيك روضا يانعا طيب الْغَرْس) (فيأيها الْمولى الذى شاع فَضله ... لاسماعنا حَتَّى شهدناه بالحس) (قصيدتك الفصحى كستنا بفصلها ... ملابس فَخر لبسهَا أنفس اللّبْس) (وشاع لَهَا مَا بَين جلة جلق ... سنا بهجة قد لقبت ضرَّة الشَّمْس) (فَمَا كل من صاغ الْمعَانى صائغا ... وَكم بَين دِينَار نضار الى فلس) (فدم لتنال الشَّام فوزا بكم كَمَا ... طرابلس فازت ومصر مَعَ الْقُدس) (وَلَا زلت فى ثوب السَّعَادَة رافلا ... وتصبح فى عز وفى نعْمَة تمسى) (خدين الْعلَا مَا الشَّمْس حَمْرَاء أشرقت ... وَمَا غربت فى الافق صفراء كالورس) ثمَّ ولى قَضَاء بَلْدَة كوتاهية ومرعش مَرَّات وَأعْطى قَضَاء الجيزة بِمصْر على وَجه التَّأْبِيد فَرَحل الى مصر وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ ولى قَضَاء طرابلس ثَانِيًا وعزل عَنْهَا ثمَّ صَار قَاضِيا بِمَكَّة المكرمة ثمَّ بَغْدَاد ثمَّ طرابلس ثَالِث مرّة وَلما أنشأ الْوَزير مُحَمَّد باشا كوبريلى وَقفه كَاف الى انشاء وقفية فصنعها على أسلوب عَجِيب من الانشاء التركى البديع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 وصدرها بديباجة من انشائه العربى فَقَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ مَا أصح حجتك وَمَا أوضح محجتك تبَارك اسْمك يَا مَالك الْملك والملكوت وَتَعَالَى جدك يَا ذَا الْجلَال والجبروت لَك الْحَمد على آلَائِكَ المسلسل غيثها ونعمائك المحتبس على سَبِيل الاطلاق غوثها حمدا تدوم موحباته وَتقوم على قَائِمَة الابد مثوباته تتباهى بِهِ الاخيار لم لَا وَأَنت بِهِ الْمَحْمُود وَلَا يتناهى من بركاته الادرار كَيفَ وَهُوَ بدار الخلود وَلَك الشُّكْر على هدايتك لشراء جَوَاهِر الاجور الْبَاقِيَة بالاعراض السيالة الفانيه وَبيع زواهر الامور الدُّنْيَوِيَّة الدنيه بأزاهر الرياض الاخروية الرضية السنيه شكرا يَلِيق بِمَا أوليت من توالى رواتب نعمك وَيُذِيق الواقفين نفائس أنفاسهم على اسْتِعْمَال ذكرك لَذَّة الْقبُول بكرمك أَنْت مبدئ النشأة الاولى فضلا بِلَا اسْتِحْقَاق تَبَارَكت عَن الْوُجُوب عَلَيْك ومعيد النشأة الاخرى لانجاز وعد الْجَزَاء فَسُبْحَانَك لَا شئ الا مِنْك واليك لَا اله غَيْرك وَلَا مرجو الا خيرك صل وَسلم على مَدِينَة الْعلم نبيك الامى وخزينة الْحلم رَسُولك العربى سيدنَا وسندنا مُحَمَّد معلم النَّاس الْخَيْر ومتمم النعم عَلَيْهِم فقريب القربات اليهم ليجلبوا النَّفْع ويدفعوا الضير وعَلى آله أكارم الْخلق فى مَكَارِم الاخلاق وَصَحبه الصارفين فى ارتزاق الْمُحْسِنِينَ بانفاس الْهِدَايَة نفائس الارزاق مَا دَعَا الى تشمير سَاق البرداعى الدواعى وسعى لتعشير خطى الْخَيْر ساعى المساعى فَلَمَّا رَآهَا الْوَزير أعجبه حسن رونقها فَأقبل عَلَيْهِ وصيره قَاضِيا بازمير فضبطها مُدَّة سنتَيْن وَحصل مِنْهَا مَالا كثيرا فَكَانَت سَبَب انتظام حَاله وَعَن مدَّتهَا عَنى فى قَوْله وَقد سُئِلَ عَن عمره فَقَالَ سنتَانِ يومى الى قَوْلهم عمر الْفَتى زمَان الرَّاحَة وَمن هَذَا الْبَاب قَول مُحَمَّد الحتاتى الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى (عمر الْفَتى قَالُوا زمَان الرِّضَا ... بصفوة الاحباب فى الْيُسْر) (صدقت مَا قَالُوهُ كى يقبلُوا ... فينظروا شَيخا بِلَا عمر) وَمِنْه قَول الشاهينى من قصيدة (عددت أويقاتى ولاحظت طيها ... فأجودها مَا مر فى الْحلم من دهرى) (اذا رحت أحصيها اأعلم يسرها ... عدمت حياتى والمصير الى عسر) (مَتى مَا اعْتبرت الْعُمر مَا كَانَ صافيا ... تَجِد رجلا قد عَاشَ عمرا بِلَا عمر) وَكِلَاهُمَا أَخذ من قَول الامير اسامة بن منقذ (قَالُوا نَهَاهُ الاربعون عَن الصِّبَا ... وأخو المشيب بحوز ثمَّة يهتدى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 (كم حَار فى ليل الشَّبَاب فدله ... صبح المشيب على الطَّرِيق الاقصد) (واذا عددت سنى ثمَّ نقصتها ... زمن الهموم فَتلك سَاعَة مولدى) ويروى عَن بعض المجان انه قَالَ صرفت من عمرى كَذَا فى بَلْدَة كَذَا وَكَذَا فى كَذَا وَكَذَا فى بعلبك فَمَا كَانَ فى غَيرهَا عددته من عمرى وَلَا خسران وَمَا كَانَ فِيهَا فعلى الطَّلَاق لَا أعده من عمرى فانه مَحْض خسارة وَصَاحب التَّرْجَمَة كَمَا رَأَيْت مِمَّن أُوتى حسن الانشاء العربى وَقد وقفت لَهُ على رِسَالَة كتب بهَا الى الْمولى عبد الله بن عمر معلم السُّلْطَان عُثْمَان وَالِده وَهُوَ قاضى الْعَسْكَر يتشكى فِيهَا من معاناة بعض الخطوب وَهَذِه الرسَالَة انا شغف بهَا جدا وَكَثِيرًا مَا يختلج فى صدرى أَن أشرحها شرحا أبين فِيهِ مَا تَضَمَّنت من الامثال والنوادر وَقد عَن لى الْآن ان أذكرها وأوضح بعض مغلقاتها وَهَذِه هى طالما شمت بروقك مستمطر اللامانى فَكَانَت خلبا وتعرضت لعوارضك مُسْتَبْشِرًا بالتهانى فانحسرت قلبا وَلم يصب ربى مآربى من هاطل سحائب زخارفك وابل وَلَا طل وَلَا حصلت سوائم مطالبى من غُدْرَان طرائفك على نهل وَلَا عل ورصفت صروفك لى سافا على ساف فأسفت حَتَّى مَا أشتكى السواف السواف ذهَاب المَال واذا أَتَت على أم اللهيم لَا رئمت لخلق بوضيم أَتَت عَلَيْهِ أم اللهيم أى اهلكته الداهية وَيُقَال الْمنية والبوجلد الحوار المحشو تبنأ وَأَصله ان النَّاقة اذا أَلْقَت سقطها فحيف انْقِطَاع لَبنهَا أخذُوا جلد حوارها فيحشى تبنا ويلطخ بشئ من سلاها فتر أمه وَترد عَلَيْهِ يُقَال نَاقَة رؤم اذا رئمت بوها أَو وَلَدهَا فان رئمته لم تدر عَلَيْهِ فَتلك الْعلُوق يضْرب الْمثل لمن ألف الضيم ورضى بالخسف طلبا لرضى غَيره بل لما دلكت بوح فَلَا ترى وَرَأَيْت الْكَوَاكِب مظْهرا قلت الظمأ الفادح خير من الرى الفاضح ظمأ قامح الى آخِره قَالَ الْخَلِيل القامح والمقامح من الابل مَا اشْتَدَّ عطشه حَتَّى فتر لذَلِك فتورا شَدِيدا فوصف بِهِ الظمأ وَهُوَ فى الْمَعْنى لصَاحبه يضْرب فى وجوب صون الْعرض وان احتملت فِيهِ المشاق وتجنب القريحة وان قرن بهَا الْعَيْش الْبَارِد وَيُقَال القامح الذى يرد الْحَوْض وَلَا يشرب يضْرب فى القناعة وكتمان الْفَاقَة ويروى ظمأ فادح خير من رى فاضح الفادح المثقل يُقَال فدحه الدّين أى أثقله فَمَا وهى لصروفك سقائى وَلَا هريق لحدثانك بالفلاة مائى أصل الْمثل خل سَبِيل من وهى سقاؤه وَمن هريق بالفلاة مَاؤُهُ أى اذاكره الْخَلِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 صحبتك وَلم يستقم لَك فَازَ هدفيه كزهده فِيك وهراقة المَاء مثل لخلو الْقلب عَن الْمَوَدَّة يضْرب لمن كره صحبتك وزهد فِيك وَلم أقل لشدائدك الوصام مَا وَرَاءَك يَا عِصَام مَا وَرَاءَك يَا عِصَام مثل يورى بِكَسْر الْكَاف وَخرج على مَا قَالَ الْمفضل أول من قَالَ ذَلِك الْحَارِث بن عَمْرو ملك كِنْدَة وَذَلِكَ أَنه لما بلغه جمال ابْنة عَوْف بن محلم وكمالها وَقُوَّة عقلهَا دَعَا امْرَأَة من كِنْدَة يُقَال لَهَا عِصَام ذَات عقل ولسان وأدب وَقَالَ لَهَا اذهبى حَتَّى تعلمى لى علم ابْنة عَوْف فمضت حَتَّى انْتَهَت الى أمهَا وهى أُمَامَة بنت الْحَارِث فأعلمتها مَا قدمت لَهُ فَأرْسلت الى ابْنَتهَا وَقَالَت أى بنية هَذِه خالتك أتتك لتنظر اليك فَلَا تسترى عَنْهَا شَيْئا ان أَرَادَت النّظر الى وَجه وَلَا خلق وناطقها ان استنطقتك فَدخلت اليها فَنَظَرت الى مَا لم تَرَ مثله قطّ فَخرجت من عِنْدهَا وهى تَقول ترك الخداع من كشف القناع فأرسلتها مثلا ثمَّ انْطَلَقت الى الْحَارِث فَلَمَّا رَآهَا مقبلة قَالَ مَا وَرَاءَك يَا عِصَام قَالَت صرح الْمَحْض عَن الزّبد ثمَّ ذكرت محاسنها وحملت اليه فَعظم موقعها مِنْهُ وَولدت لَهُ الْمُلُوك السَّبْعَة الَّذين ملكوا بعده الْيمن وروى أَبُو عبيد مَا وَرَاءَك على التَّذْكِير وَقَالَ يُقَال ان الْمُتَكَلّم بِهِ النَّابِغَة الذيبانى قَالَه لعصام ابْن شهير حَاجِب النُّعْمَان وَكَانَ النُّعْمَان مَرِيضا فَسَأَلَهُ النَّابِغَة عَن حَال النُّعْمَان فَقَالَ لَهُ مَا وَرَاءَك وَمَعْنَاهُ مَا خلفت من أَمر العليل أوما أمامك من حَاله ووراء من الاضداد قَالَ الميدانى قلت يجوز أَن يكون أصل الْمثل مَا ذكر ثمَّ اتّفق الاسمان فخوطب كل بِمَا اسْتحق من التَّذْكِير والتأنيث هَذَا وان صرت الحوالت وأربت بالكلاب الثعالب فانى لم يصلد قدحى وَلم أَجْهَل وسم قدحى بل لَزِمت لكل حَال مقَاما وَنَفس عِصَام سودت عصاما وان يَك قد بدر من صروفك مَا بدر فَمَا سلمت الجلة فالنيب هدر الجلة جمع جليل يعْنى الْعِظَام من الابل والنيب جمع نَاب وهى النَّاقة المسنة يعْنى اذا سلم مَا ينْتَفع بِهِ هان مَا لَا ينْتَفع بِهِ لقد زهدت فى الضنائن وَقبل الرماء تملأ الكنائن قبل الرماء تملأ الكنائن أى تُؤْخَذ الاهبة قبل وُقُوع الامر (وانى لاخفى باطنى وَهُوَ موجع ... فَينْظر منى ظاهرى وَهُوَ ضَاحِك) (وأسئل عَن حالى وبى كل فاقة ... فأوهم أَنى للعراقين مَالك) يَا طالما زممت نفسى عَن شربة بالوشل وكل شئ أَخطَأ الانف جلل وانى وان كسرت على الارعلظ وأزمعت على أَن ترمينى من نَار صروفك بشواظ وقشرت لى الْعَصَا وَركبت على أصوص صوصا قشرت لَهُ الْعَصَا يضْرب فى خلوص الود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 أى أظهرت لَهُ مَا كَانَ فى نفسى وَيُقَال أقشر لَهُ الْعَصَا أى كاشفه وَأظْهر لَهُ الْعَدَاوَة والثانى هُوَ المُرَاد هُنَا وَركبت على أصوص صوصا الاصوص النَّاقة الْحَائِل السمينة والصوص اللَّئِيم كراكب على جناحى نعامه وانى لأجمل أَخْلَاقًا من ذى الْعِمَامَة ركب على جناحى نعامه يضْرب لمن جد فى أمرا مَا الانهزام واما غير ذَلِك وأجمل من ذى الْعِمَامَة مثل من أَمْثَال أهل مَكَّة وَذُو الْعِمَامَة سعيد بن الْعَاصِ ابْن أُميَّة وَكَانَ فى الْجَاهِلِيَّة اذا لبس عِمَامَة لَا يلبس قرشى عِمَامَة على لَوْنهَا واذا خرج لم تبْق امْرَأَة الا خرجت لتنظر اليه من جماله وَزعم بعض أَصْحَاب الْمعَانى أَن هَذَا اللقب انما لزم سعيد بن الْعَاصِ كِنَايَة عَن السِّيَادَة قَالَ وَذَلِكَ لَان الْعَرَب تَقول فلَان معمم يُرِيدُونَ أَن كل جِنَايَة يجنيها الجانى بِتِلْكَ الْقَبِيلَة أَو الْعَشِيرَة فهى معصوبة بِرَأْسِهِ فالى مثل هَذَا الْمَعْنى ذَهَبُوا فى تسميتهم سعيدا ذَا الْعِصَابَة وَذَا الْعِمَامَة (تزيدنى شدَّة الايام طيب ثَنَا ... كاننى الْمسك بَين الفهر وَالْحجر) بيد أَنى أعتبك فى أُخْرَى وألومك على الاحرى حَيْثُ أقصيتنى من معَاذ المعتفين وعياذ المقتدين والمقتفين قَائِد كتائب سباق المعالى فى مضمار الْمجد والممدوح بِذكر محامده المحمودة فى كل غور ونجد مَالك نواصى مصَالح الْجُمْهُور ماضى حسام الامر فى مستقبلات الامور جرثومة الْفَضَائِل والمحامد أرومة قطيبة الافاضل والاماجد أفلاطون الاوان ارسطاليس الزَّمَان مربى السلطنة السّنيَّة العثمانية معلم الحضرة الْعلية السُّلْطَانِيَّة من يَقُول لِسَان الْحَال فى شانه وعلو قدر مخدومه وسلطانه (من مخبر الاقوام أَنى بعدهمْ ... لاقيت رسطاليس والاسكندرا) (وَرَأَيْت كل الفاضلين كَأَنَّمَا ... رد الاله نُفُوسهم والاعصرا) (نسقوا النانسق الْحساب مقدما ... وأتى فذالك اذ أتيت مُؤَخرا) وَكَيف لَا وَهُوَ الذى يتزين بِمثلِهِ ألقابه ويتشرف بالانتساب اليه أنسابه (من شاد سيرته المرضى منهجها ... بِالْعَدْلِ وَالْحق مَا قد شاده عمر) (وَهُوَ الْمُسَمّى بِهِ لَا زَالَ يتبعهُ ... فى فعله مَا أَضَاء الشَّمْس وَالْقَمَر) لعمرى لقد حوى كل فضل ومكرمه واذا تولى عقد شئ أحكمه مَرْكَز دَائِرَة السماحة والحماسة قطب رحى السياسة والرياسه (تودعيون النَّاس عِنْد ثنائه ... لَو انقلبت أحداقها بالمسامع) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 فانى لما تَوَجَّهت تِلْقَاء مَدين وجوده وجدت على مَاء كرمه وجوده أمة من النَّاس يسقون ويستقون وبعلى هممه وعميم نعمه الى مدارج معارج المعالى يرقون ويرتقون (فَمَا ألبس الله امْر أبين خلقه ... من الْمجد الا بعض مَا هُوَ لابسه) وَلما صَار أَيهَا الدَّهْر الغدار أثر الصرار دون الذئار أَصله أثر الصرار يأتى دون الذئار الصرار خيط يشد فَوق الْخلف والتودية لِئَلَّا يرضع الفصيل والذئار بعرر طب يلطخ بِهِ أطباء النَّاقة لِئَلَّا يرتضع الفصيل أَيْضا فاذا جعل الذئار على الْخلف ثمَّ شدّ عَلَيْهِ الصرار فَرُبمَا قطع الْخلف يضْرب هَذَا فى مَوضِع قَوْلهم بلغ الحزام الطبيين يعْنى تجَاوز الامر حَده وَقلت اذ نبذتنى بالعرا أسوأة عروس ترى فَمَا ساءتك لحوادثك شرواى وَلَا شغلت شعابى جدواى (تنكرت لى دهرى وَلم تدر أننى ... أعزو وأهوال الزَّمَان تهون) (فَبت ترينى الْخطب كَيفَ اعتداؤه ... وَبت أريك الصَّبْر كَيفَ يكون) وان يَك عدا قارصك فحذر وأخلف مدك فجزر القارص اللَّبن يحذى اللِّسَان والحازر الحامض جدا عدا القارص فحذر مثل يضْرب فى الامر يَتَفَاقَم ويروى بِنصب القارص أى عدا القارص أى حد القارص وَمن رفع جعل الْمَفْعُول محذوفا أى جَاوز القارص حَده فحزر فانا الذى لَا تعصب سلماته وأخبرت عَن مجهولاته مرآته لم أبع الكبة بالهبه وشتى تؤوب الحلبه شَتَّى تؤوب الحلبه كَانُوا يوردون ابلهم وهم مجتمعون فاذا صدر واتفرقوا واشتغل كل وَاحِد بحلب نَاقَته ثمَّ يؤوب الاول فالاول وشتى فى مَوضِع الْحَال أى تؤوب الحلبة مُتَفَرّقين يضْرب فى اخْتِلَاف النَّاس وتفرقهم فى الاخلاق (لله در النائبات فانها ... صدأ اللئام وصيقل الاحرار) وَلَئِن أظهر هلالى ثراؤك وهاجت زبراؤك وانكشف بلمعك اللامع واتسع الْخرق على الراقع وَقَالَ لِسَان حالك لَوْلَا الوئام لهلك الانام لَوْلَا الوئام هلك الانام الوئام الْمُوَافقَة يُقَال واءمته مواءمة ووئاما وهى أَن تفعل كَمَا يفعل أى لَوْلَا مُوَافقَة النَّاس بَعضهم بَعْضًا فى الصُّحْبَة والمعاشرة لكَانَتْ الهلكة هَذَا قَول أَبى عبيد وَغَيره من الْعلمَاء وَأما أَبُو عُبَيْدَة فانه يرْوى لَوْلَا الوئام لهلك اللئام وَقَالَ الوئام المباهاة قَالَ ان اللئام لَيْسُوا يأْتونَ الْجَمِيل من الامور على انها أَخْلَاقهم وانما يفعلونها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 مباهاة وتشبها بَاهل الْكَرم وَلَوْلَا ذَلِك هَلَكُوا ويروى لَوْلَا اللئام لهلك الانام من قَوْلهم لأمت بَينهمَا أصلحت من اللأم وَهُوَ الاصلاح ويروى اللوام بِمَعْنى الملاومة من اللوم صبرا على مجامر الْكِرَام قَالَ قوم رواد يسَار الكواعب مولاته عَن نَفسهَا فنهته فَلم ينْتَه فواعدته فخذل فَذكر ذَلِك لصَاحب لَهُ فَقَالَ وَيلك يَا يسَار كل من لحم الْجوَار واشرب من لبن العشار واياك وَبَنَات الاحرار فَأبى الا هَواهَا فَأَتَاهَا فَقَالَت لَهُ انى مبخرتك ببخور فان صبرت عَلَيْهِ طاوعتك ثمَّ أَتَتْهُ بمجمرة فَلَمَّا جَعلتهَا تَحْتَهُ قبضت على مذاكيره فقطعتها فَقَالَت صبرا على مجامر الْكِرَام يضْرب فى احْتِمَال الشدائد عِنْد صُحْبَة الكبراء هَيْهَات أَيكُون الوعر سهلا وَالْخمر تكنى بالطلا هى الْخمر تكنى بالطلا يضْرب للامر ظَاهره حسن وباطنه على خلاف ذَلِك اذلام المعيدى وَنَفر وَاعْتبر بأوله السّفر وحجت السحائب السُّوق وشب عمر وَعَن الطوق فالبث قَلِيلا تلْحق الحلائب انه مَعَ الخواطئ سهم صائب يضْرب للذى يخطى مرَارًا ويصيب مرّة والخواطئ الَّتِى تخطئ القرطاس وهى من خطئت أى أَخْطَأت قَالَ أَبُو الْهَيْثَم هى لُغَة ردية قَالَ وَمثل الْعَامَّة فى هَذَا رب رمية من غير رام قَالَ أَبُو عبيد يضْرب قَوْله مَعَ الخواطى للبخيل يعْطى أَحْيَانًا مَعَ بخله (وَلست بمفراح اذا الدَّهْر سرنى ... وَلَا جازع من صرفه المتقلب) انى قد شمرت ذيلا وادرعت لَيْلًا وقدمت كتابى وتوجهت بِوَجْه خطابى الى حَضْرَة مولى الموالى وقرة عين الموالى سيد صَنَادِيد الرّوم وَسَنَد السَّادة القروم أنهى الى سدته السنيه وعتبته الْعلية أَن شوقى الى تمريغ خد الْمُلَازمَة فى تُرَاب بَابه المشيد وَبسط ذراعى الْعُبُودِيَّة بوصيدة السعيد شوق الْغَرِيب الى الوطن والنازح الى السكن والمهجور الى العناق والمخمور الى الكاس الدهاق والصديان الى المَاء القراح والحيران الى تبلج الصَّباح وَلَوْلَا خشيَة الاملال بعد رِعَايَة عدم الاخلال لأرخيت عنان أدهم الْقَلَم فى ميادين الشكوى ونشرت دَفِين الالم الذى عَلَيْهِ أطوى لكنى زحمت جماحه وَكسرت جنَاحه رفقا أَن يألم مولاى واشفاقا أَن يلتاح قلبه من جراى وأمرته أَن يرد فنَاء سيدى مَسْرُورا فَرحا وان يسحب ذيله بساحاته مرحا ويسفر طلاقة وسرورا بشرا ويفتر بمبسم خريدة عذرا مُقبلا للارض بَين يَدَيْهِ قَاضِيا بعض مَا يجب من الثَّنَاء عمليه اذ لَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 بممكن أَدَاء الثَّنَاء بِوَجْهِهِ وَلَا الْبلُوغ الى غَايَته وكنهه (هَيْهَات أَن تصل العناكب بالذى ... نسجت أناملها ذرى الافلاك) ذَلِك أعز من بيض الانوق وَأبْعد من العيوق والابلق العقوق وَلَكِن كفى الْمَتْن الْمُفَسّر وَمَا يَوْم حليمة بسر ثمَّ أَمرته أَن يُنَادى فى شرِيف حَضرته بَين قطيبته وأسرته (يَا من يعز على الاعزة جَاره ... ويذل من سطواته الْجَبَّار) (لله قَلْبك لَا يخَاف من الردى ... وَتخَاف أَن يدنو اليك الْعَار) أشكوك اذ قلب لى دهرى ظهر الْمِجَن وَأَرْدَفَ على الخطوب والمحن وتركى فى أقفر من ابرق الْفِرَاق وَأهْلك من ترهات البسابس والجراق يُقَال أقفر من بَريَّة الْفِرَاق وَمن بَريَّة خساق وَأهْلك من ترهات البسابس قَالَ ابو عُبَيْدَة انه مثل من أَمْثَال بنى تَمِيم وَذَلِكَ ان لغتهم أَن يَقُولُوا هَلَكت الشئ بِمَعْنى أهلكته وَقَالَ الاصمعى ان الترهات الطّرق الصغار المتشعبة من الطَّرِيق الاعظم والبسابس جمع بسبس وَهُوَ الصَّحرَاء الواسعة الَّتِى لَا شئ فِيهَا فَيُقَال لَهَا بسبس وَسبب بِمَعْنى وَاحِد هَذَا أصل الْكَلِمَة ثمَّ يُقَال لمن جَاءَ بِكَلَام محَال أَخذ فى ترهات البسابس وَجَاء بالترهات وَمعنى الْمثل انه أَخذ فى غير الْقَصْد وسلك فى الطَّرِيق الذى لَا ينْتَفع بِهِ كَقَوْلِهِم ركب فلَان بنيات الطَّرِيق وَأخذ يتعلل بالاباطيل وَقَوله والجراق لم أره فى الامثال ولظاهر انه أَرَادَ الجراق بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيد وَهُوَ السَّيْل الذى يذهب بِكُل شئ وَكَانَ لى أخلف من خفى حنين وأشح من ذَات النحيين وسلكنى فى طَرِيق يحن فِيهِ الْعود ومهمه يظمأ فِيهِ الذود وأعطانى اللفا عَن الوفا وجر عَنى حَيْثُ لَا يضع الراقى انفا رضى من الوفا باللفا الْوَفَاء التوفية يُقَال وفيته حَقه تَوْفِيَة ووفاء واللفا الشئ الحقير يُقَال لفه حَقه اذ ابخسه فاللفا وَالْوَفَاء مصدران يقومان مقَام التوفيه واللفية يضْرب لمن رضى بالتافه الذى لَا قدر لَهُ دون التَّام الوافر وجدد لى فى كل آن متربه وأرانى فى كل وَاد أثرا من ثَعْلَبه بِكُل وَاد أثر من ثَعْلَبه هَذَا من قَول ثعلبى رأى من قومه مَا يسوءه فانتقل الى غَيرهم فَرَأى أَيْضا مِنْهُم مثل ذَلِك يضْرب لمن يرى مَالا يُرِيد أَيْن توجه وَمثله بِكُل وَاد بَنو سعد فنفرت الذود عَن الاعطان والتقت حلقتا لبطان وَلَا يدعى للجلى الا أَخُوهَا وللعظيمة الا أَبوهَا وَقد حسداني فكرى الى ساحتك الْكَرِيمَة حدوا وأعلقت بدلوى دلواً وَقلت لنفسى أصبح ليلك ووفى كيلك لقد بلغت العلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وأصبت قرن الكلا وَركبت على أتمك من سَنَام وألقيت مرامى مرامك بذى رمرام الرمرام حشيش الرّبيع وَالشَّاة ترم الْحَشِيش بمرمتها فيأيها الْمولى الذى عز جَاره وَلَا تصطلى ناره اليك قد أفضيت بشقورى وأخبرتك بعجرى وبجورى الشقور بِفَتْح الشين وَضمّهَا فعلى الاول هُوَ فى مَذْهَب النَّعْت والشقور الامور المهمة الْوَاحِدَة شقرة وَيُقَال أَيْضا شقور وفقور وَاحِد الفقور فقر وَقَالَ ثَعْلَب يُقَال لامور النَّاس شقور وفقور وهماهم النَّفس وحوائجها يضْرب لمن يفضى اليه بِمَا يكتم عَن غَيره من السِّرّ فانك ابْن بجدة المكارم وعذيقها المرجب ومرمى نجدة الاكارم وبازها الاشهب (يَا من ألوذ بِهِ فِيمَا أؤمله ... وَمن أعوذ بِهِ فِيمَا أحاذره) (لَا يجْبر النَّاس عظما أَنْت كاسره ... وَلَا يهيضون عظما أَنْت جابره) (وَمن توهمت أَن الْبَحْر رَاحَته ... جوداً وَأَن عطاياه جواهره) اللَّهُمَّ جدا لَا كدا سمعا لَا بلغا فانى لم ازل فى خلال هَذِه الضراعه لابسا جميل حلل القناعه مرتديا بِبُرْدَةٍ الصَّبْر الْجَمِيل سالكا فى سلوك آدابى سَوَاء السَّبِيل (مدامى مدادى والكؤس محابرى ... وندماى أقلامى وفاكهتى شعرى) (ومستمعى وَرْقَاء ضنت بحسنها ... فأسدلت الاستار من ورق خضر) الى ان آنست من جَانب طورك نَار الْقرى وَعلمت أَن الصَّيْد فى جَوف الفرا فخلعت عِنْد ذَلِك نعلى عزيمتى وحققت فى المأمول مِنْك صريمتى وأرعيت سمعى لمنادى جودك من جَانب طور وجودك مَتى يُقَال لى أفرخ روعك واخضل فرعك وبرأ جرحك وَزَالَ برحك (قصدى والراجون قصدى اليهم ... كثير وَلَكِن لَيْسَ كالذنب الانف) (وَلَا الْفضة الْبَيْضَاء والتبر وَاحِدًا ... نفوعان للمكدى وَبَينهمَا صرف) حاشا سيدى أَن يخلف مخيلة عَبده أَو يصده بِعُذْر عَن مأموله وقصده فَأَكُون لَا مائى أبقيت وَلَا درنى انقيت فان الاسعاف شرف والمعذرة طرف (حاشا سجيتك الْكَرِيمَة أَن تحد ... عَن مَنْهَج الاسعاف والاسعاد) ودونك مَا سردته من أَمْثَال الْعَرَب السائرة الساريه وأوردته عِنْد اجالتى فى تيارها جوارى فكرى الجاريه فَخذهَا وَلَو بقرطى ماريه وان كنت فى ارْتِكَاب هَذِه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 الخطه وطى هَذِه الشقة المشطه كمستبضع الثَّمر الى هجر والفصاحة لاهل الْوَبر لكنى أردْت ازالة وهم المتوهم من كل منجد ومتهم أَن مكابدة هَذِه الشدائد الَّتِى لَا يُنَادى لَهَا ولائد لم تمنعنى من الِاجْتِهَاد والطلب للعلوم النافعة والادب فان الْمَوْت الفادح خير من الْمَعْنى الفاضح وأخصر عطب عدم الادب والا فَأَنا وكل يعلم أَن الفصيح لَدَى سيدى أبكم وَمَعَ ذَلِك فجل الْقَصْد وَغَايَة المبذول من الْجهد التَّوَصُّل بالانتساب الى رفيع أعتابك والانتماء الى منيع جنابك الى البراعة فى سَائِر الْعُلُوم من كل مَنْطُوق وَمَفْهُوم وحراسات الاوقات بادراك متوسط الاقوات وَقد نثرت فى وصف محامك الحميدة درها وَمن ينْكح الْحَسْنَاء يُعْط مهرهَا هَذَا جناى وخياره فِيهِ وكل جَان يَده الى فِيهِ والمرجو والمسؤل التلقى بِالْقبُولِ والاسعاف بنيل المأمول فان مَوْلَانَا أكْرم النَّاس شنشنه واولى من ستر سَيِّئَة وَنشر حسنه لَا أصابتك عين الْكَمَال وَلَا سلب الدَّهْر بفقدك ثوب الْجمال وَلَا بَرحت كعبة للجود وعصرة للمنجود ونوراً يلوح فى أَبنَاء الْوُجُود مَا حدى بالضمر الْقود الى شَفِيع الْيَوْم الْمَشْهُود شعر (فيأيها الْمَنْصُور بالجد سَعْيه ... ويأيها الْمَنْصُور بالسعى جده) (لَئِن نلْت مَا أملت مِنْك لربما ... شربت بِمَاء يعجز الطير ورده) (فَكُن فى اصطناعى محسنا كمجرب ... يبن لَك تقريب الْجِيَاد وشده) (اذا كنت فى شكّ من السَّيْف قابله ... فاماتنفيه واما تعده) (وَمَا الصارم الْهِنْدِيّ الا كَغَيْرِهِ ... اذا لم يُفَارِقهُ النجاد وغمده) (وانك للمشكور فى كل حَالَة ... وَلَو لم تكن الا البشاشة رفده) (وكل نوال كَانَ أَو هُوَ كَائِن ... فلحظة طرف فاح عندى نده) (وَمَا رغبتى فى عجد أستفيده ... ولكنما فى مفخر أستجده) (يجود بِهِ من يفضح الْجُود جوده ... وَيَحْمَدهُ من يفضح الْحَمد حَمده) (فانك مَا مر النحوس بكوكب ... وقابلته الا ووجهك سعده) هَذَا مَا رَآهُ قريح القريحة الكابى جوادها وأوراه قدح قدح لافكار الخابى زنادها (فقد يكبو الْجواد لغيرداء ... وَقد يخبوا الزِّنَاد وَفِيه نَار) وَلما عرضته على ذَلِك الجناب الرفيع الرحيب رحاب الْجد وأحللته تِلْكَ الابواب الموقفة على الاعتاب بالجد لحظه من الرضى بعيون ترى النُّجُوم ظهرا وقابله بِقبُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 يخلق لقلائد الْمَدْح من المكارم صَدرا وان كنت فى ذَلِك كمهدى نور نور البراعة لذكاء روض الذكا وجالب برودوشى الصَّنَائِع بَين يدى صنائع بلاغته صنعا فكالنجم يهتدى بِهِ وان غطت على نوره الشَّمْس وكالسحاب يستمطر الْيَوْم وان أمدته الْبحار أمس وَعلمت أَن حَصْبَاء ثرى الجدبها أثرى من درارى السَّمَاء سنا وأسنى من دُرَر الْبحار بهَا وَكَاد سقى الله ثراه ورقى الى أَعلَى العليين ذرى مثواه ان ينتاشنى بيد الاسعاف من بَين أَنْيَاب أَسد النوائب وَيكْتب على صَحَائِف الزَّمَان بنصرى كتب كتائب المصائب ثمَّ لم ألبث الا وَقد انفجر فجر لَيْلَة الْوَصْل عَن ينابيع النَّوَى وحالت غيوم سوء الْحَظ بَين طرف المنى وشمس الضُّحَى فظل سَائِر تِلْكَ الآمال فى هجير الاغفال لَا يجد ظلا وَروض هاتيك المواعيد لَا يرى من الانجاز وابلا وَلَا طلا وَصَارَ نسيا منسيا كَأَنَّهُ لم يكن شيا (ويممته بحرا وَقد حَال دونه ... عواصف سوء الْحَظ لَا بخل الْبَحْر) فَبينا أَنا فى لَيْلَة طَال جنح سهادها وعبثت أيدى أَطْفَال الافكار بكاس رقادها أقلب فى أسفاط الْخُمُور أسفار الاداب النكاسده وألحظ سَائل سلسال المعارف بعيون الافهام الجامدة اذ عثر ذيل نظرى بخدر خود فكرى فَرَأَيْت هَذِه الاوراق مخبوءة فى زَوَايَا خمولها مرتقبة فى ليل آمالها طُلُوع صبح بُلُوغ مأمولها فمت اذ ذَاك وتهللت فَرحا وَقلت الوحا الوحا فقد جَاءَ الابان وآن الاوان وَأَقْبل سعد الاوان وَقَامَت سوق الْعرْفَان وطلعت الشَّمْس ان غَابَ بدر وخلفت الْبحار ان أخلف قطر فَمَا دولة سيدى خَامِس العبادلة سلمه الله تَعَالَى الا موسم الاحرار وَربح متاجر مدائح الاخبار فَالْوَلَد سر أَبِيه وَفرع ذَلِك الاصل النبيه (بِأَبِيهِ اقْتدى عدى فى الْكَرم ... وَمن يشابه أبه فَمَا ظلم) وَعلمت انه أحرز رقى بالولا لما ورث عَن أَبِيه الْعلَا وانه بذلك أَحْرَى وجواد جوده أجْرى وانى وان عرضتها على جناب حَضرته وتعرضت بهَا لنفحات أريحيته قد أَعْطَيْت الْقوس باريها ووافيت حومة السَّبق بمجليها وان مواطر تِلْكَ لرعود تنْبت الْآن زهر الظفر وأزهار سرورها يجنى غبها من الانجاز الثَّمر (خلائق دلتنا على طيب أَصْلهَا ... وَمن طيب أصل الْمَرْء طيب فعاله) كشجرة طيبَة أَصْلهَا ثَابت وفرعها فى السَّمَاء تُؤْتى اكلها كل حِين باذن رَبهَا فها أَنا قد مثلتها بَين يَدَيْهِ لتقبيل ذيوله واكف دعائها مبسوطة تِلْقَاء مَدين سَمَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 قبُوله فَالله يبقيه مَا لمع بارق وانجز وعد صَادِق وَهَذَا آخرهَا والانصاف انها من امتن الانشاء وأجوده وَله اخرى لَا تقصر عَنْهَا أوردتها فى كتابى النفحة واشعاره ومنشآته بِالْعَرَبِيَّةِ والتركية كَثِيرَة وَكلهَا جَيِّدَة مرغوبة وَكَانَ لما سَافر الْوَزير أَحْمد باشا الْفَاضِل الى سعر ايوار جعله قَاضِيا ينظر الاحكام فى العساكر فَتوجه مَعَه وَأعْطى قَضَاء سيروز على وَجه التَّأْبِيد ثمَّ بعد فتح ايوار وَجه اليه قَضَاء الشَّام فَدَخلَهَا نَهَار الثُّلَاثَاء ثانى عشر جُمَادَى الاولى سنة خمس وَسبعين وَألف وَقيل فى تَارِيخ تَوليته أَزَال الله وحشتنا بأنسى وَكَانَ قدومه عِنْد أهل الادب موسما عَظِيما وتباشر الْفُضَلَاء بذلك وسروا وَشرع الشُّعَرَاء يردون عَلَيْهِ بالمدائح الْعَظِيمَة وَمِمَّنْ مدحه الامير المنجكى بقصيدته الْمَشْهُورَة الَّتِى مطْلعهَا (غَرِيب وانى فى الْعَشِيرَة من أهلى ... أرى الخصب مَمْنُوع الجوانب من مَحل) ثمَّ فى ثَالِث يَوْم من وُصُوله مرض وَاسْتمرّ مَرِيضا سِتَّة أَيَّام ثمَّ توفى عصر نَهَار الثُّلَاثَاء تَاسِع عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَصلى عَلَيْهِ ثانى يَوْم من وَفَاته فى الْجَامِع الاموى فى مشْهد حافل وَدفن فى الحديقة قبالة جَامع السنانية وَكثر الاسف عَلَيْهِ عبد الله بن أَبى بكر صَائِم الدَّهْر الْيُمْنَى السَّيِّد الولى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى كَانَ على قدم كَامِل من الْعِبَادَة وَالصِّيَام وَالْقِيَام وسلامة الصَّدْر ولين الْجَانِب توفى فى شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَدفن بتربة أَبِيه بالمرتفع من أَعمال بَيت الْفَقِيه ابْن حشيبر وَكَانَت وَفَاة أَبِيه سنة ألف ووفاة أَخِيه الولى الشهير أَبى الْقَاسِم بن أَبى بكر سنة سبع عشرَة وَألف وَكَانَ ذَا صِيَام وَقيام وَعلم وَعمل وأخلاق رضية وتصرفات فى الْولَايَة ظَاهِرَة بِالْجُمْلَةِ فشهرتهم كلهم تغنى عَن التَّصْرِيح بحالهم عبد الله بن أَبى الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم بن أَحْمد بن أَبى الْقَاسِم بن يحيى ابْن ابراهيم بن مُحَمَّد بن عمر بن على بن أَبى بكر بن على الاهدل كَانَ سيدا كَامِل الْمعرفَة بالعلوم من الْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير والنحو والمنطق وَله الحكم العجيبة فتحا من الله تَعَالَى والقدم الراسخ فى الْعِبَادَة ذكره السَّيِّد أَبُو بكر بن أَبى الْقَاسِم فى نفحة المندل فَقَالَ فَقِيه أديب فطن لَبِيب حسن المحاضرة جيد المذاكرة وَله همة علية فى تَحْصِيل فنون الْعلم وخطه فى نِهَايَة الْحسن وَكَذَا تجليده الْكتب وَيحسن غير ذَلِك من الصناعات كالصياغة لجودة فهمه وحدة ذكائه وَله نقد صائب فى الشّعْر بِحَيْثُ يعرف جيده من رديه وشعره جيد وَكَانَ مَسْكَنه المنيرة وَكَانَت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 وَفَاته فى عشر الاربعين وَألف عبد الله بن أَحْمد بن حُسَيْن بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس ذكره الشلى وَقَالَ فى وَصفه صَاحب الكرامات الظَّاهِرَة والكشف الجلى لَهُ قدس اللاهوت وعالم الملكوت صحب جمَاعَة من أَعْيَان الصُّوفِيَّة مِنْهُم وَالِده أَحْمد وَالشَّيْخ أَحْمد بن علوى باجحدب والفقيه على بن أَحْمد السياح ابْن عبد الله الصافى بافرج وَغَيرهم وسافر الى مَكَّة المشرفة مصاحبا لاخيه مُحَمَّد فحجا حجَّة الاسلام وَسبب سفرهما محنة لحقتهما وَكَانَت سَببا لِلْحَجِّ وسئلوا الاقامة بِالْيمن فَلم يجيبوا وَلما عَاد الى تريم ظَهرت عَنهُ عجائب وغرائب وانتفع بِهِ النَّاس وَصَحبه خلق كثير وَكَانَ من أخص النَّاس بِصُحْبَتِهِ أَحْمد بن أَخِيه مُحَمَّد وَكَانَت ترد عَلَيْهِ أَحْوَال عَظِيمَة تخرجه عَن شعوره فَيَصِيح بِأَعْلَى صَوته وَرُبمَا حصل لَهُ شطح وَيَأْمُر بِالسَّمَاعِ بِضَرْب الدفوف ويدور بِأَهْل السماع فى الازقة بِاللَّيْلِ الى الْفجْر وَكَانَ ذَا كَاف بِالنسَاء فَتزَوج عدَّة زَوْجَات وَتوسع فى افخاذهن وخلط فى جنوسهن فَانْتهى فى ذَلِك الى أمد لم يبلغهُ أحد من نظرائه وَولد لَهُ أَوْلَاد كَثِيرُونَ وَأما الذى صَحَّ عَنهُ من الكرامات وَصِحَّة الفراسات واستجابة الدَّعْوَات فَأمر مَشْهُور متداول بَين النَّاس وَله مكاشفات كفلق الصُّبْح من جُمْلَتهَا انه مَا جَاءَهُ طَالب الا رَجَعَ بمطلوبه وَمَا ضَاعَ لَاحَدَّ شئ وأتى اليه الا طفر بِهِ وَمَا اضمر أحد شَيْئا الا أخبرهُ بضميره وَمَا اسْتَغَاثَ بِهِ أحد من أهل الْمشرق وَالْمغْرب الا أغاثه الله ببركاته وَبشر غير وَاحِد بِالْجنَّةِ فَكف بصرهم وَتَابَ جمَاعَة من الْفُسَّاق بدعائه لَهُم وَله فى ذَلِك حكايات يطول شرحها بل مَا من أحد من أهل الْعَصْر من أهل تِلْكَ الْجِهَة الا ويحفظ لَهُ عدَّة حكايات وترجمه تِلْمِيذه الشَّيْخ شيخ ابْن عبد الله العيدروس فى السلسلة قَالَ وَكَانَ فَرد أهل زَمَانه مِمَّن وهبه الله الِاطِّلَاع على أسرار الاولياء وَله لقدم الراسخ فى منازلات العارفين وَكَانَ ذاهيبة وسطوة قل أَن يرقد من اللَّيْل الا الْقَلِيل وَكَانَ يحب السماع وَرُبمَا أَخذ الدُّف وضربه بِيَدِهِ وَله قبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَكَانَت وَفَاته نَهَار الاربعاء لثمان خلون من الْمحرم سنة خمس وَعشْرين وَألف عبد الله بن أَحْمد بن حُسَيْن بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس الامام الْكَبِير أحد كبراء الْعلمَاء باقليم حَضرمَوْت وَكَانَ شَاعِرًا ناثرا ظريفا لَهُ لطف طبع قَالَ الشلى فى تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم فى سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف وتربى فى حجر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 الْولَايَة وَحفظ الْقُرْآن والارشاد والملحة وَطلب من صباه واعتنى اعتناء لم يشاكاه فِيهِ مثله وَأخذ أَولا عَن وَالِده وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة ولازمه الى أَن مَاتَ وتفقه على الْفَقِيه فضل بن عبد الله بن فضل بن سَالم والقاضى أَحْمد بن خبل وَأخذ عَن شيخ الزَّمَان أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن علم الحَدِيث وَالتَّفْسِير والعربية والمعانى وَالْبَيَان وَأَلْقَتْ اليه أقرانه مقاليد التَّسْلِيم وَأخذ علم الطَّرِيقَة والتصوف عَن الجلة مِنْهُم الشَّيْخ زين العابدين وَكَانَ يُحِبهُ ويثنى عَلَيْهِ وزوجه بابنته وَمن مشايخه شهَاب الدّين القاضى أَحْمد بن حُسَيْن وَشَيخ السَّادة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف وارتحل لزيارة الْحَد الاعلى أَحْمد بن عِيسَى وَأخذ عَن السَّيِّد الْكَبِير أَحْمد بن مُحَمَّد الحبشى ومشايخه كثير وانتفع بِهِ خلق قَالَ الشلى وصحبته زَمَانا طَويلا واستفدت مِنْهُ وَكَانَ بَينه وَبَين الْوَالِد مَوَدَّة شَدِيدَة وَكَانَ هُوَ وَشَيخنَا عمر بن حُسَيْن رَفِيقَيْنِ فى الطّلب وَكَانَا فرسى رهان الا أَن صَاحب التَّرْجَمَة يفوق فى الْحِفْظ والاتقان وَكَانَ يخرج بِأَصْحَابِهِ النجباء الى مَحَله الشهير بالشبير بِضَم الشين مُصَغرًا ويجرى فِيمَا بَينهم مفاكهات وَكَانَ مِمَّن جمع لَهُ الْحِفْظ والفهم وَكَانَ حسن الشّعْر والنثر اماما فى الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة عَالما بِالْعَرَبِيَّةِ وفنون الادب وَكَانَ من أعرف النَّاس بِعلم الانساب والحساب والفرائض حَافِظًا للسير والامثال يستشهد بهَا فى محاضراته وَكَانَ يتبع أَحْوَال كل اقليم وَيسْأل عَن مَرَاتِبهمْ وأحوالهم كثير الفحص عَن فضائلهم وَله اعتناء بمطالعة الْكتب وابراز خفياتها وَهُوَ مَعَ ذَلِك سالك طَرِيق الْقَوْم متمسك بِالسَّبَبِ الاقوى من الزّهْد وَالْعِبَادَة وشاع ذكره وقصدته النَّاس وَاتفقَ أهل عصره على انه لم يغْضب على مَخْلُوق وَلم يتَكَلَّم على اُحْدُ بِمَا يكره وانه مَا سُئِلَ شَيْئا فَقَالَ لَا وَبِالْجُمْلَةِ فقد شهد لَهُ أهل زَمَانه بِأَنَّهُ لم ير مثله وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وعمره احدى وَخَمْسُونَ سنه الشريف عبد الله بن الْحسن بن أَبى نمى صَاحب مَكَّة كَانَ سيداً جَلِيلًا عَظِيما صَالحا ولى مَكَّة بعد ابْن أَخِيه الشريف مَسْعُود وَهُوَ اكبر آل أَبى نمى بالِاتِّفَاقِ من الاشراف وأمراء السُّلْطَان وَكَانَ قد تخلف عَن الْجِنَازَة لذَلِك بعد ان امْتنع من الْقبُول فألزموه بذلك حَقنا لدماء الْعَالم وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى رضى وَحصل بولايته الامن والامان وَكَانَ الِاجْتِمَاع لذَلِك فى السَّبِيل الْمَنْسُوب لمُحَمد بن مزهر كَاتب السِّرّ الْكَائِن فى جِهَة الصَّفَا الْمَعْرُوف علوه فى زَمَاننَا بسكن الشَّيْخ على الايوبى وَاسْتمرّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 الى أَن حج بِالنَّاسِ سنة أَرْبَعِينَ وَألف ثمَّ فى الْمحرم سنة احدى وَأَرْبَعين خلع نَفسه من الْولَايَة وَولى وَلَده مُحَمَّد وأشرك مَعَه زيد بن محسن كَمَا أسلفنا وَتوجه الى عبَادَة ربه الى أَن توفى لَيْلَة الْجُمُعَة عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة فَكَانَت مُدَّة ولَايَته تِسْعَة اشهر وَثَلَاثَة أَيَّام عبد الله بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن على بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد الشهير بمولى عيديد يعرف كسلفه ببافقيه صَاحب مَدِينَة كنور أحد عُلَمَاء الاسلام الْكِبَار ذكره الشلى وَقَالَ ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن على الْفَقِيه الْمعلم مُحَمَّد با عائشه وَحفظ الجزرية وَقرأَهَا عَلَيْهِ وَحفظ بعد الارشاد والملحة والقطر وعرضها على مشايخه وتفقه بوالده حُسَيْن وأخد عدَّة عُلُوم عَن الشَّيْخ أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين مِنْهَا الحَدِيث والعربية واكثر الْعُلُوم الادبية وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن علوى بافقيه وَمن مشايخه عبد الرَّحْمَن السقاف ابْن مُحَمَّد العيدروس والقاضى أَحْمد بن حُسَيْن والقاضى أَحْمد بن عمر عيديد وَالشَّيْخ أَحْمد بن عمر البيتى والشلى الْكَبِير وَأخذ التصوف عَن أَكثر مشايخه الْمَذْكُورين وَلبس الحرقة من غير وَاحِد وجد فى الطّلب واعتنى بعلوم الادب حَتَّى شهر أمره وَبعد صيته ثمَّ دخل الْهِنْد وَاجْتمعَ فى رحلته هَذِه بِكَثِير من أَرْبَاب الْفضل وَالْحَال ثمَّ قصد مَدِينَة كنور وَأخذ بهَا عَن السَّيِّد الْكَبِير ابْن مُحَمَّد بن عمر بافقيه وَغَيره وَحصل لَهُ قبُول تَامّ عِنْد صَاحبهَا الْوَزير عبد لوهاب وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة اذ ذَاك شَابًّا فَرغب فى صهارته وزوجه بابنته وَأَعْطَاهُ دست الوزارة فنصب نَفسه للتدريس والاقراء ونفع الْعَالمين فشاع ذكره شرقا وغربا وَكَانَ لَا يُقَاوم فى المناظرة وَألف تآليف عديدة مِنْهَا شرح الاجرومية وَشرح الملحة ومختصرها وَشرح مُخْتَصره وَله رسائل بديعة وَكَانَ فى صناعَة النّظم والنثر حَاز قصب السباق وَله قصائد غَرِيبَة قَالَ الشلى وَرَأَيْت لَهُ رسائل وَأَنا صَغِير أَتَى فِيهَا بِمَا لم يسْبق الى مثله كَانَ أرسلها الى سيدى الْوَالِد وَلم يتَّفق لى الى الْآن الْوُقُوف على شئ من مؤلفاته وَلَا قصائده وَلم يقدر لى الله الِاجْتِمَاع بِهِ فى رحلتى الى الْهِنْد وَكَانَ من علو همته لَا يسمع بشئ الا أحب أَن يقف على أَصله ومادته ويتطلب أربابه من سَائِر الْآفَاق حَتَّى أحكم على الرمل والهيئة والاسماء والاوفاق واجتهد فى علم الكيميا غَايَة الِاجْتِهَاد وَيُقَال انه ناله وَكَانَ مَعَ ذَلِك كُله ذَا قدم راسخة فى الصّلاح وَالتَّقوى وَالدّين مُقبلا على الطَّاعَة وَله خلق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 حسن وعذوبة كَلَام ولين جَانب لَا يزَال مَسْرُورا وَكَانَ آيَة فى الْكَرم كثير الاحسان وَكَانَ ينْفق نَفَقَة السُّلْطَان ويسكن الْعَظِيم من الدّور ويركب الْخَيل الْجِيَاد وَهُوَ قَائِم بنفع الْعباد عاكف على طلبة الْعلم وَلم تطل لياليه حَتَّى مَاتَ وَهُوَ فى الوزارة عبد الله بن الْحُسَيْن اليزدى صَاحب التحقيقات عَلامَة زَمَانه بِغَيْر دفاع وخاتمة محققى الْعَجم من غير نزاع لم يدانه أحد فى عصره مِنْهُم فى جلالة الْقدر وعلو الْمنزلَة وَكَثْرَة الْوَرع وَكَانَ منهمكا على المطالعة والاشتغال بِالْعلمِ ومنحه لمستحقيه وَكَانَ مبارك التدريس مَا اشْتغل عَلَيْهِ أحد الا انْتفع بِهِ وَكَانَ عَظِيم الْهَيْئَة نير الصُّورَة شَدِيد الْخَوْف والخشية ذَا سكينَة وانصاف فى الْبَحْث وَأخذ عَنهُ خلق لَا يُحصونَ مِنْهُم بهاء الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن العاملى والميزرا ابراهيم الهمدانى وَولده حسن على وَله مؤلفات مفيدة سهلة الْعبارَة مَعَ الوجازة مِنْهَا شرح الْقَوَاعِد فى الْفِقْه وَشرح العجالة وحاشية على الشَّرْح الْمُخْتَصر على التَّلْخِيص للسعد وحاشية على حَاشِيَة الْعَلامَة الخطائى على الشَّرْح الْمَذْكُور وَشرح على تَهْذِيب الْمنطق للسعد وَكلهَا مرغوبة ممتعة قد رزقه الله تَعَالَى فِيهَا الْقبُول وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس عشرَة بعد الالف بِمَدِينَة أَصْبَهَان عبد الله بن زين بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن زين بن مُحَمَّد مولى عيديد الْفَقِيه الاجل الامام النظار قَالَ الشلى ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن ثمَّ طلب الْعلم وَحفظ الجزرية والعقيدة الغزالية والاربعين النواوية والملحة والقطر والارشاد وَعرض محفوظاته على الْعلمَاء الاجلاء وتفقه على القاضى أَحْمد بن حُسَيْن ولازمه الى أَن تخرج بِهِ وبرع وَجمع من الْفَوَائِد شَيْئا كثيرا وَأخذ عدَّة عُلُوم مِنْهَا الحَدِيث وَالتَّفْسِير والعربية عَن الشَّيْخ أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأخذ عَن أَخِيه مُحَمَّد الهادى التصوف والْحَدِيث وَمن مشايخه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد العيدروس وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن علوى بافقيه وَغَيرهم وَكَانَ فى الْحِفْظ مُنْقَطع القرين لَا تغيب عَن حفظه شاردة وَكَانَ أجمع أقرانه للفقه وأبرعهم فِيهِ وَأذن لَهُ غير وَاحِد من مشايخه بالافتاء والتدريس فدرس وَأفْتى وانتفع بِهِ جمَاعَة قَالَ الشلى وَحَضَرت دروسه وقرأت عَلَيْهِ بعض الارشاد وَحَضَرت بِقِرَاءَة غيرى فتح الْجواد وَكَانَ آيَة فى الْفُرُوع والاصول محققا وَمَا شهِدت الطّلبَة أسْرع من نَقله وَكَانَ علمه أوسع من عقله وَلما حفظ الارشاد جَمِيعه حصل لَهُ خلل فى سَمعه واشتهر عِنْد الْعَوام أَن من حفظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 الارشاد كُله ابتلى بعلة وَلذَا كَانَ كثير مِمَّن حفظه يتْرك بعضه وَمن حسن المناظرة قَالَ وَوَقع بَينه وَبَين شَيخنَا القاضى عبد الله بن أَبى بكر الْخَطِيب مناظرات فى مسَائِل مشكلات وَرُبمَا تناظرا أَكثر اللَّيْل وَكَانَ صَاحب حد فِي الدّين وَكَانَ ذَا هدى ورشاد وَصَلَاح معرضًا عَن الرين حسن الصيت نير الْوَجْه والسريرة بَصِير الْقلب وَالْبَصَر متقللا من الدُّنْيَا وارتحل من بَلْدَة تريم وَدخل الْهِنْد وَأخذ عَن السَّيِّد الْجَلِيل عمر بن عبد الله باشيبان عُلُوم الصُّوفِيَّة والادب وَأخذ السَّيِّد عمر عَنهُ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَطلب مِنْهُ السَّيِّد عمر أَن يُقيم عِنْده وَالْتزم لَهُ بِمَا يَحْتَاجهُ فَقَالَ حَتَّى اجْتمع بِمن فى الْهِنْد من الْمُحَقِّقين فقصد مَدِينَة بيجافور وَاجْتمعَ فِيهَا بالشيخ أَبى بكر بن حُسَيْن بافقيه أخى شَيْخه القاضى بافقيه وَأخذ عَن هذَيْن عُلُوم التصوف والحقيقة وَجلسَ يدرس أَيَّامًا ثمَّ مَاتَ بِمَدِينَة بيجافور وَدفن عِنْد قُبُور بنى عَمه من السَّادة رضوَان الله عَلَيْهِم عبد الله بن سَالم بن مُحَمَّد بن سهل بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن علوى بن مُحَمَّد مولى الدويله اشْتهر جده عبد الرَّحْمَن بِصَاحِب خيله الشَّيْخ الصوفى الْكَبِير أحد أَرْكَان حضر موت ذكره الشلى وَقَالَ فى حَقه ولد بتريم وَأخذ عَن الائمة الْكِبَار وَصَحب الْعلمَاء العارفين وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن السَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن عقيل وطب وَالشَّيْخ عبد الله بن شيخ والقاضى عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَالسَّيِّد سَالم بن أَبى بكر الْكَاف وَغَيرهم ولازم الاخير مُلَازمَة تَامَّة وبرع فى التصوف والحقائق وَلبس الْخِرْقَة من جمَاعَة من مشايخه واعتنى بِعلم الحَدِيث وسلك منهاج الصَّالِحين من السّلف من الزّهْد وَالتَّقوى والتقشف مَعَ الْوَرع الزَّائِد ورحل الى الْيمن وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة ثمَّ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ وجاور بِمَكَّة سِنِين وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة من العارفين مِنْهُم الشَّيْخ الْكَبِير ابراهيم الْبَنَّا تلميذ الْعَارِف بِاللَّه عبد الله بن مُحَمَّد بافقيه وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان وَالسَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَالشَّيْخ سعيد بابفى وَغَيرهم ثمَّ عَاد الى تريم وَلما قدمهَا قَالَ الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس قدم تريم صَاحبهَا وَأقَام بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ توجه إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأقَام بهما سبع سِنِين وَصَحب جمَاعَة من العارفين وَأخذ عَن غير وَاحِد من المستوطنين والواردين مِنْهُم الشَّيْخ الْكَبِير الْعلم الشهير تَاج العارفين سيدى مُحَمَّد بن مُحَمَّد البكرى وَحضر درس الشَّيْخ الامام الشَّمْس مُحَمَّد الرملى وَلما دخل على تَاج العارفين قَرَأَ لَهُ قَوْله تَعَالَى (أَفَمَن وعدناه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وَعدا حسنا فَهُوَ لاقيه} وَهَذِه عَادَته رضى الله عَنهُ يقْرَأ لمن دخل عَلَيْهِ من العارفين آيَة مُنَاسبَة لحاله ومقامه وتجرد صَاحب التَّرْجَمَة للْقِيَام بوظائف الْعِبَادَة والامعان فى الرياضات وَلما رَجَعَ الى تريم نصب نَفسه للارشاد وَحصل بِهِ نفع عَام وَتخرج بِهِ خلق كثير مِنْهُم وَلَده سَالم وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن امام السقاف وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الله الْغُصْن وَكَانَ هُوَ وَالسَّيِّد الْجَلِيل أَحْمد بن مُحَمَّد الحبشى رَفِيقَيْنِ فى الطّلب من الصغر لَا يفترقان وَمن أَوْصَاف صَاحب التَّرْجَمَة انه كَانَ حابسا نَفسه عَن أَرْبَاب الدُّنْيَا لَا يقبل مِنْهُم هَدِيَّة بل كَانَ غَنِيا بِمَا رزقه الله تَعَالَى وَكَانَ قوته كفافا وَلما قَالَ لَهُ بعض أهل الدُّنْيَا أُرِيد أشترى لَك نخلا ينْتَفع بِهِ أولادك وَلَا يكونُونَ كلا بعْدك فَقَالَ قد تكفل برزق الاولاد خَالق الْعباد وَله كرامات يظهرها عِنْد الْحَاجة مِنْهَا أَن بعض بَنَات الدُّنْيَا عبرت بعض بَنَاته بالفقر فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ لَهَا سيفتح الله عَلَيْكُم بِمَا يغنيكم وَيحْتَاج غَيْركُمْ اليكم فَكَانَ الامر كَمَا قَالَ فتح الله على بَنَاته حَتَّى احْتَاجَت تِلْكَ الْبِنْت الَّتِى عيرتهن الى أَن تستعير مِنْهُنَّ الحلى فى مهماتها وَلم يزل على طَرِيقَته المحمودة حَتَّى توفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن أَبى بكر باقشير المكى استاذ الاستاذين وكبير عُلَمَاء قطر الْحجاز فى عصره وَكَانَ أديبا باهرا وشاعرا ماهراً ذكره السَّيِّد على فى السلافة فَقَالَ فى وَصفه خَاتِمَة أَئِمَّة الْعَرَبيَّة وقائد صعابها الابية وَمن لَهُ فِيهَا المزية الْعُظْمَى وَالْمحل الرفيع الاسمى مَعَ تعلق بِسَائِر الْفُنُون وَتحقّق صدق بِهِ الظنون ورتبة فى الادب معروفه وهمة الى تأثيل الْفضل مصر وفه رَأَيْته غير مرّة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فى حَلقَة درسه وَهُوَ يجنى الاسماع من روض فَضله ثمار غرسه وَقد أصغت الاسماع اليه وجثت الطّلبَة على الركب بَين يَدَيْهِ وَذكره الشلى فى تَارِيخه الْمُرَتّب على السنين وَبَالغ فى وَصفه جدا ثمَّ قَالَ ولد بِمَكَّة فى سنة ثَلَاث بعد الالف وَحفظ الْقُرْآن والشاطبية وجوده وَأحكم علم التجويد وَالْقُرْآن وجد فى الِاشْتِغَال حَتَّى وصل الى مرتبَة لم ينلها أحد غَيره من أهل عصره وَكَانَ على اخْتِصَاصه بِحل الْفُنُون أدبيا اليه النِّهَايَة متميزا فى المعارف والآداب أَخذ عَن أَئِمَّة عديدة من أهل مَكَّة مِنْهُم السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى والامام عبد الْقَادِر الطبرى وَعبد الْملك العصامى وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان وَأحمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 الحكمى وَمن الواردين عَن الْبُرْهَان اللقانى وَكَانَ قوى الذكاء والفهم طلق اللِّسَان خاشع الْقلب صادعا بِالْحَقِّ ندى الْقَلَم وَجلسَ للتدريس فَلَزِمته الطّلبَة وأنجب تلاميذ أفاضل وَاتفقَ لَهُ انه أَقرَأ التُّحْفَة لِابْنِ حجر درسا عَاما بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام الى أَن خَتمهَا ثمَّ أعَاد قرَاءَتهَا الى أَن وصل فِيهَا الى بَاب الاجارة فتوفى فَفِيهِ اشارة الى ثُبُوت الاجر لَهُ ان شَاءَ الله تَعَالَى فكمل وَلَده الْعَلامَة سعيد على قِرَاءَة وَالِده حَتَّى وصل الى بَاب الْجعَالَة ثمَّ توفى الى رَحْمَة الله تَعَالَى وَثَبت لَهُ الْجعل من الله تَعَالَى اذ لم يكن لَهما مَعْلُوم على تدريسهما وَهَذَا من لطيف الِاتِّفَاق ذكر ذَلِك بعض تلامذتهما وَكَانَ من عجائب الدَّهْر كتب الْكثير وحشى الحواشى وعلق التَّعَالِيق النفيسة والفتاوى العجيبة وَكَانَ كثير الْمَحْفُوظ لطيف الاخلاق منور الشيبة كثير الْوَقار قَلِيل الْكَلَام طارحا للتكلف جميل الْعشْرَة كثير التودد للنَّاس قوى الهمة فى الِاشْتِغَال مَعَ الطّلب بأدب وَحفظ لِسَان وَحسن تصرف فى الْكَلَام واحسان واعتراف واخلاص طوية لَا يقْصد الا وَجه الله تَعَالَى وانتفع بِهِ خلق كثير من أهل مَكَّة واليمن والشأم وَالْعراق وصنف التصانيف المقبولة مِنْهَا مُخْتَصر الْفَتْح شرح الارشاد وَالْتزم فِيهِ ذكر خلاف التُّحْفَة وَالنِّهَايَة والمغنى لكنه لم يتم وَاخْتصرَ نظم عقيدة اللقانى وَشرح نظمه وَاخْتصرَ تصريف الزنجاني نظماً وَشَرحه شرحاً مُفِيدا ونظم الحكم وَشَرحه ونظم آدَاب الاكل وَشَرحه وَمن شعره قَوْله (جاذبتها طرق الحَدِيث مفاكها ... فَأَبت سوى التهديد والتعنيف) (ورجوت مِنْهَا الْوَصْل لمحة نَاظر ... لأفوز بالتكريم والتشريف) (فكانها التَّنْوِين رام اضافة ... للصرف أَو لازالة التَّعْرِيف) وَقَوله (يَا رب مَا أمرضت من مُسلم ... فنجه من ثقل الْعَائِد) (فانه أعظم مِمَّا بِهِ ... وَلم يفدر مر من الجامد) وَقَوله (مناصب الْعِزّ بأيدى الرعاع ... من ذكرهَا ينقصم الظّهْر) (يَا زَمنا نكس اعلامه ... ملاذ من تمتحن الصَّبْر) وحذا حذوه صنوه مُحَمَّد بن سعيد فَقَالَ (مناصب الْعِزّ لمن لَا يرى ... الا فَتى جلبابه الصَّبْر) (فان عَن الكونين بَاقٍ بِهِ ... تغبطه الْعِزَّة والفقر) (يعْمل شكرا وَكثير الورى ... يَبْعَثهُ للْعَمَل الشُّكْر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ لخمس بَقينَ من شهر ربيع الاول سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَتوفى قَرِيبا مِنْهُ أَخُوهُ ووالده ودفنوا كلهم بالمعلاة رَحِمهم الله تَعَالَى السَّيِّد عبد الله بن سيف الله السَّيِّد الشريف الْمَعْرُوف بِابْن سعدى القسطنطينى أحدالموالى الاجلاء الاديب المنشى الشَّاعِر المتخلص على دأب شعراء الرّوم بفائزى كَانَ فَاضلا أديبا جسيما وسيما حسن النّظم والنثر فى الالسنة الثَّلَاثَة عَارِفًا بِنَقْد الشّعْر وأساليبه وَله الشُّهْرَة التَّامَّة بالمعرفة والتفنن لقى كثيرا من الْفُضَلَاء وَأخذ عَنْهُم ولازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَورد دمشق فى خدمَة أَبِيه لما صَار قَاضِيا بالقدس ثمَّ بعد عوده الى الرّوم درس بمدارس دَار الْخلَافَة الى أَن وصل الى مدرسة موصلة السليمانية فَجرى بَينه وَبَين عمر بن سعدى القرمانى الْمدرس امتحان فى مجْلِس الْمُفْتى الاعظم وَكَانَ القرمانى الْمَذْكُور قَلِيل البضاعة جدا لَكِن ساعده الْقدر بِسَبَب انفعال السَّيِّد عبد الله من اقترانه بِهِ فتلاشى فى الْبَحْث وَظهر القرمانى عَلَيْهِ فَقدم عَلَيْهِ الى الْمدرسَة السليمانية وَكَانَ كثيرا مَا يتَمَثَّل بعد هَذِه الْوَاقِعَة بالبيتين الْمَشْهُورين وهما (ان أصلى وذكائى ... من مرادى حرمانى) (ليتنى كنت من التر ... ك جهولا قرمانى) ثمَّ بعد مُدَّة وصل الى السليمانية وَدَار الحَدِيث وَولى مِنْهَا قَضَاء سلانيك فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وتعصب عَلَيْهِ طَائِفَة من أَهلهَا فاشتكوا مِنْهُ الى السُّلْطَان ونقموا عَلَيْهِ أَشْيَاء فعزل فى مُدَّة جزئية وَخرج خطّ شرِيف فِيهِ بِأَن لَا يلى الْقَضَاء بعْدهَا فبقى مُدَّة وَقد ضربت الْعُزْلَة عَلَيْهِ حجابها وَانْقطع عَن النَّاس وضاق حَاله من تكدر عيشه وتشتت حواسه حَتَّى ولى شيخ الاسلام يحيى المنقارى منصب الفيتا فأنقذه من ذَلِك الْحَال وشفع لَهُ عِنْد السُّلْطَان بتوليته قَضَاء بروسه ثمَّ نَقله فى مُدَّة جزئية الى ازمير فقوى رياشه وَحسن معاشه ثمَّ بعد مُدَّة ولاه قَضَاء مَكَّة المشرفة فورد دمشق فى منتصف شعْبَان فى سنة ثَمَان وَسبعين وَألف ورأيته بهَا فَرَأَيْت أديبا كَامِل الاوصاف قوى البداهة والحافظة الا أَن طبعه خَارج عَن الطباع لما فِيهِ من شدَّة الْحَرَارَة فقد شاهدته فى بحبوحة الشتَاء واستحكام برد الشأم يجلس كاشفا رَأسه وكأنما بخار الْحَرَارَة الصاعد من رَأسه دُخان مدخنة حمام وَلَا يسْتَقرّ لَحْظَة الا ويتطلب ثلجا فيأكله بنهمة وَكَانَ بَينه وَبَين والدى المرحوم مَوَدَّة سالفة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 وصحبة قديمَة فتقيد برعاية جَانِبه وَسمعت والدى يَقُول وَقد سُئِلَ عَنهُ كَأَنَّمَا البلاغة تُؤْخَذ عَن لَفظه والآداب ترنو عَن لحظه وَكَانَ جرى بَينهمَا مطارحات ومراسلات كَثِيرَة من جُمْلَتهَا قصيدة كَانَ والدى كتب اليه بهَا ومطلعها (يَا سَاكِنا بشغافى ... وَعَن عيونى خافى) (طولت مُدَّة بينى ... وَبَعضهَا كَانَ كافى) (كدرت بالبعد عيشى ... من بَعْدَمَا كَانَ صافى) (لهفى لطيب لَيَال ... مرت لنا بالتصافى) (حَيْثُ الشَّبَاب قشيب ... والدهر فِيهِ موافى) (وسالف من زمَان ... تدار فِيهِ سلافى) (من كف ريم كغصن ... يمِيل بالاعطاف) (يزهو بوردى خد ... يزرى بورد القطاف) (زمَان لَهو تولى ... بروضة ميناف) (تسقى من السحب وَبلا ... بِعَارِض وكاف) (يَا دهر رفقا بصب ... حَتَّى مَتى ذَا التجافى) (وعدتنى بالامانى ... فَكُن بوعدك وافى) (واسمح بِرُؤْيَة مولى ... سليل عبد منَاف) (ذَاك الْهمام المفدى ... وَسيد الاشراف) (كم حل مُشكل بحث ... بِلَفْظِهِ الْكَشَّاف) (مولاى يَا بَحر فضل ... طام من الْجُود طافى) (وفائزا بقواف ... قد أعجزت ابْن قَاف) (يَا مُفْرد الرّوم حَقًا ... وجامع الالطاف) (أَنْت الْغنى بمدحى ... عَن كَثْرَة الاوصاف) (فَلَا تظن بأنى ... لسابق الود جافى) (لَو كنت أعلم صبرى ... لَكِن أمرى خافى) (لَكَانَ سعيى اليكم ... وفى حماكم طوافى) (فربع غَيْرك عندى ... مولاى كالاعراف) (ان رمت تَفْصِيل حالى ... من الزَّمَان المجافى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 (ملان تمنيت شَيْئا ... الا أَتَى بِالْخِلَافِ) (من جوره ضَاقَ صدرى ... فسحت فى الارياف) (صَحِبت بالرغم منى ... قوما من الاجلاف) (حَتَّى حللت بِمصْر ... من بعد قطع الفيافى) (فَلم أجد لى فِيهَا ... غير الثَّلَاث الاثافى) (فَلَا صديق صَدُوق ... وَلَا حبيب يوافى) (هَذَا زمَان عَجِيب ... مَا فِيهِ خل مصافى) (وَالْفضل قد صَار ذَنبا ... وللرواج منافى) (عَسى الاله قَرِيبا ... يمن بالاسعاف) (بجاه خير البرايا ... والآل أهل العفاف) (واعذر بِفَضْلِك فضلى ... ضَاقَتْ على القوافى) (وَدم بسعدك ترقى ... لمنهل لَك صافى) (مَا غرد الْورْد شجوا ... على غصون الْخلاف) (مفكرا عهد صب ... نأى عَن الاحلاف) فَرَاجعه عَنْهَا بِهَذِهِ القصيدة ومطلعها (يَا خير خل مصافى ... لَا زَالَ وردك صافى) (أَيْن الزَّمَان الذى قد ... كِتَابه فى التصافى) (مَا بَيْننَا غير ود ... مَا بَيْننَا من خلاف) (طورا نرى من رياض الْعُلُوم فى الاقتطاف ... ) (وَتارَة من بحار القريض فى الاغتراف ... ) (كُنَّا كَمثل الثريا ... بِصُحْبَة وائتلاف) (فصيرتنا بَنَات النعش الليالى الجوافى ... ) (بَيْتا نروض بروض ... يَوْمًا مَعَ الاحلاف) (وطيره فى وفَاق ... ولحنه فى خلاف) (اذ صَاح مِنْهَا غداف ... تعسا لذاك الغداف) (فَبَان كل عَن الالف وهى ذَات الاف ... ) (قد انصرفنا بِصَرْف الزَّمَان أى انصراف ... ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 (كل امْرِئ صَار فى جَانب من الأكناف ... ) (ألْقى الزَّمَان المعادى الا حباب فى الاطراف ... ) (أرجوا لما فَاتَ من ذ لَك التلاف التلافى ... ) (عساى نَحْو دمشق ... عَمَّا قَلِيل أوافى) (عَسى لَيَال تقضت ... يعدن بالاسعاف) (آه عَلَيْهَا فآه ... قد أسرعت فى التجافى) (مَضَت سَرِيعا وَوَلَّتْ ... كَمثل دهم خفاف) (مرت كخاطف برق ... وطرن كالخطاف) (تبعتها لَو أعانت ... قوادمى والخوافى) (قد كن شام زمانى ... كالشأم فى الارياف) (دمشق أعنى ودامت ... مخضرة الاكناف) (قد خصها الله بَين الْبِلَاد بالالطاف ... ) (شوقى لَهَا كل يَوْم ... يزْدَاد بالاضعاف) (أصبو الى برداها ... بلوعة والتهاف) (وَلَو قدرت اليها ... أسرعت رجلَانِ حافى) (نسيمها وَهُوَ ذُو عِلّة لدائى شافى ... ) (انهارها لجيوش الهموم كالاسياف ... ) (يزِيد دمعى اذاما ... ذكرت تِلْكَ الصوافى) (بهَا حدائق فاقت ... فى أحسن الاوصاف) (تِلْكَ الحدائق تحكى ... صِفَات خلى المصافى) (أَخُو وَفَاء يُرَاعى ... اخوانه ويصافى) (كل لَهُ مُثبت الْفضل مَاله من نافى ... ) (مليك نظم ونثر ... ملاك أَمر القوافى) (الْحل وَالْعقد فى كَفه بِغَيْر خلاف ... ) (بجلق ذَات فضل ... الله ذى الالطاف) (يَا من لَهُ كَابْن برد ... برد من الْفضل ضافى) (يَا ظافرا بقواف ... أعيت عويف القوافى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 (أتحفتنا بقريض ... أحسن بذا الاتحاف) (أقرضت قرضا وأسلفت أحسن الاسلاف ... ) (فائية مَا رَأينَا ... مثلا لَهَا فى القوافى) (مَا من سناد خليلى ... بهَا وَمن اصراف) (زففت بكرا عروبا ... الى خير زفاف) (بختمها بلغتنى ... مصونة فى السجاف) (صَدَاقهَا صدق ودى ... حفظته فى شغافى) (أحببتها مُنْذُ دهر ... وأولعت بخلافى) (علقتها ذَات ظلم ... عديمة الانصاف) (عشقتها فغدت فى ... هجرى وفى احصافى) (قد أدنفتنى زَمَانا ... وَمَا لدائى شافى) (والآن رقت فوافت ... أعزز بطب موافى) (عَادَتْ فَعَادَت لتبرى ... مريضها وتعافى) (قد عاملت بعد حيف ... بِالْفَضْلِ والالطاف) (زارتنى من غير وعد ... بعد اجتياب الفيافى) (قد كنت أرقبها قَائِلا عَسى أَن توافى ... ) (ياصاح يامن حكى طبعه الزلَال الصافى) (عتبت ودك فى ترك الْكتب والعتب شافى ... ) (لَا تعذلنى فَهَذَا ... حوب الزَّمَان المجافى) (وان يكن ذَاك ذنبى ... فاصفح وَمثلك عافى) (مَا أجمل الصفح عَن ذَنْب مجرم ذى اعْتِرَاف ... ) (وَالله ربى الذى لَا ... تخفى عَلَيْهِ الخوافى) (حبيسك فى كل حِين ... يكون فى استحصاف) (راس كقاف وان كَانَ ... بَيْننَا بعد قَاف) (لَا زلت ترفل عزا ... وثوب قدرك ضافى) (قابلت جَيِّدَة قد ... أهديت بالسفساف) (فاعذروثن بِأُخْرَى ... يَا وَاحِد الآلاف) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 هَذَا مَا وقفت عَلَيْهِ من شعره العربى وَأما شعره التركى ومنشآته وآثاره فكثيرة ورحل مَعَ الْحَج وَحج تِلْكَ السّنة وَأقَام بِمَكَّة فتوفى فى أَوَائِل سنة تسع وَسبعين وَألف عَن خمسين سنة فان وِلَادَته فى سنة ثَلَاثِينَ وَألف كَمَا حررها والدى عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس المكنى بأبى مُحَمَّد الامام الْكَبِير استاذ الاساتذة وخاتمة الْعلمَاء بقطر الْيمن قَالَ الشلى فى تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم فى سنة خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن واعتنى بِالطَّلَبِ أتم الاعتناء وَلزِمَ وَالِده وَأَخذه عَنهُ كثيرا من الْفُنُون وَهُوَ شَاب وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن وَالشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بلحاج وَالشَّيْخ الولى أَحْمد بن عبد الله بن عبد القوى ثمَّ ارتحل لوالده بِأَحْمَد آباد فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَنهُ علوما شَتَّى وَأول كتاب قَرَأَهُ عَلَيْهِ كتاب الشفا وَحج وَأخذ بالحرمين عَن جمع كثير ثمَّ عَاد الى بَلْدَة تريم وَنصب نَفسه للنفع والاقراء وقصده النَّاس من أقْصَى الْبِلَاد وَصَارَ شيخ الْبِلَاد الحضرمية وَألْحق الاحفاد بالاجداد وَكَانَ عَالما متضلعا تَفْسِيرا وحديثا وأصولا وَأخذ عَنهُ خلق لَا يُحصونَ أَكْثَرهم مِمَّن بلغ فَضله حد التَّوَاتُر مِنْهُم أَوْلَاده الثَّلَاثَة مُحَمَّد وَشَيخ وزين العابدين وحفيده الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف بن مُحَمَّد وَالشَّيْخ أَبُو بكر الشلى والامام عبد الله بن مُحَمَّد بروم وَالشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الله الْغُصْن وَشَيخ الاسلام أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وشهاب الدّين والقاضى أَحْمد بن حُسَيْن بلفقيه وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عقيل وَالسَّيِّد أَبُو بكر بن على خرد وَالشَّيْخ نزين وحسين بَافضل وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى وَكَانَ يجلس من اول الضُّحَى الى منتصف النَّهَار وَمد الله تَعَالَى لَهُ فى عمره حَتَّى انْتفع بِهِ الْعلمَاء الْكِبَار من كل قطر وَكَانَ كَرِيمًا الى الْغَايَة صَاحب جاه وشأن وَاتفقَ أهل عصره على امامته وتقدمه وَكَانَ لَهُ فى الْقُلُوب هَيْبَة عَظِيمَة مَعَ حسن الْخلقَة وَقبُول الصُّورَة وَنور الطَّاعَة وجلالة الْعباد وَحسن الْخلق وَكَانَ كثير الانصات دَائِم الْعِبَادَة وَكَانَ لَا يخرج من بَيته الا لحضور جُمُعَة أَو جمَاعَة أَو لاجابة وَلِيمَة واذا خرج من بَيته يزدحم النَّاس على تَقْبِيل يَده ويلتمسون بركته وَله كرامات كَثِيرَة من أعظمها أَن بعض اتِّبَاعه سرق بعض مَتَاعه فتعب لذَلِك تعبا شَدِيدا فَلَمَّا رأى شدَّة تَعبه قَالَ لَهُ اذْهَبْ الى مَحل كَذَا واجلس فِيهِ وَأول من يمر بك أمْسكهُ وطالبه بِمَا سرق لَك فان أَعْطَاك والا فأت بِهِ الى فَفعل ذَلِك فَأعْطَاهُ مَتَاعه كَمَا هُوَ وَلم يذهب مِنْهُ شئ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وَرَأى بعض العارفين فى الْمَنَام النبى يصلى فى محراب مَسْجِد مديحج وَالشَّيْخ عبد الله صَاحب التَّرْجَمَة يصلى خَلفه مقتدياً بِهِ وَالشَّيْخ عبد الله بن أَحْمد بن حُسَيْن العيدروس يصلى خلف صَاحب التَّرْجَمَة والاولان فى الرواق المسقف والاخير فى الصحن والمطر نَازل عَلَيْهِ فَلَمَّا أصبح قصها على بعض العارفين فَقَالَ هَذِه الرُّؤْيَا تدل على كَمَال اتِّبَاع الشَّيْخ عبد الله بن شيخ للنبى لكَونه أقرب اليه وعَلى صفته والمطر هُوَ الكرامات لَان عبد الله بن أَحْمد كثير الكرامات وَاتفقَ لَهُ كثير مِمَّا يدل على رِعَايَة الاحوال الباطنية ومحاسبة النَّفس وَمن شرح أَحْوَاله وحكاياته من جماعته لم يعلم الْوُقُوف على كثير من كشفه وكراماته وَله مآثر كَثِيرَة بتريم مِنْهَا المسجدان المشهوران أَحدهمَا فى طَرِيق تريم الشمالى وَيُسمى مَسْجِد الابرار وَالْآخر فى طرفها الجنوبى وَيُسمى مَسْجِد النُّور وَبنى بِقرب مَسْجِد النُّور سَبِيلا يمْلَأ دَائِما وَغير ذَلِك وغرس نخيلا كثيرا ينْتَفع بِهِ كَثِيرُونَ من الْفُقَرَاء وَأَبْنَاء السَّبِيل ومدحه كثير من الْفُضَلَاء بقصائد طنانة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ عَالم ذَلِك الْقطر وامامه وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر ذى الْقعدَة سنة تسع عشرَة وَألف وَهُوَ ساجد فى صَلَاة الْعَصْر بعد توعك قَلِيل وارتجت لمَوْته الْبِلَاد وَحضر لتشييعه خلائق لَا يُحصونَ وصلوا عَلَيْهِ عَشِيَّة يَوْم الْجُمُعَة صلى عَلَيْهِ اماما وَلَده الشَّيْخ زين العابدين وَحضر السُّلْطَان وَأَتْبَاعه للصَّلَاة عَلَيْهِ وَدفن بِمحل بِطرف مَقْبرَة زنبل اشْتَرَاهُ وَهُوَ بَين الْمقْبرَة وَمَسْجِد النُّور وَعمل عَلَيْهِ قبَّة عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن شيخ بن عبد الله بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف اشْتهر جده بالضعيف تَصْغِير ضَعِيف الشَّيْخ العالى الْقدر الْعَالم الربانى ولد بِمَدِينَة قسم وَصَحب أَبَاهُ وَأخذ عَمَّن بهَا من الاعيان ثمَّ رَحل الى تريم وَأخذ عَن جمَاعَة من علمائها مِنْهُم الشَّيْخ عبد الله بن شيخ وَولده زين العابدين وَعبد الرَّحْمَن السقاف العيدروسيين وَأخذ عَن الشَّيْخ أَبى بكر الشلى ثمَّ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ بِمَكَّة عَن السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَالشَّيْخ الْعَارِف أَحْمد بن عَلان وَالشَّيْخ تَاج الهندى وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَن كثيرين من السَّادة السمهوديين وَعَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخيارى وَغَيرهم من عُلَمَاء الْحرم الوافدين عَلَيْهِ وَكَانَ كثير الطَّاعَة وَالْعِبَادَة حَرِيصًا على طلب الْفَائِدَة وَأكْثر اشْتِغَاله بِعلم التصوف وَكَانَ مَبْسُوط الْكَفّ متواضعا وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَأَرْبَعين ألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 وَدفن بِالبَقِيعِ عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ حفيد الشَّيْخ عبد الله الْمَذْكُور قبل هَذَا الذى اتَّصل ذكره الشَّيْخ الْكَبِير الْعلم الصوفى ولد بتريم سنة سبع وَعشْرين وَألف ورباه عَمه زين العابدين واشتغل بتحصيل الْعُلُوم فَأخذ عَن ابْن عَمه الشَّيْخ عبد الله السقاف بن مُحَمَّد العيدروس ولازمه فى دروسه وَأخذ عَن الشَّيْخ أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب والعارف بِاللَّه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد امام السقاف وَلبس الْخِرْقَة من كثيرين مِنْهُم وَالِده وَعَمه زين العابدين وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف وَالشَّيْخ عبد الله بن أَحْمد العيدروس وَغير هَؤُلَاءِ ورحل إِلَى بندر الشّجر وَأخذ عَن جمَاعَة من العارفين وَحج وَأخذ عَن جمَاعَة ثمَّ عَاد الى بَلَده ودخلها فى موكب عَظِيم وَخرج شَيْخه عبد الرَّحْمَن السقاف بِأَهْل السماع بِالدُّفُوفِ واليراع واشتهر صيته وَبلغ على صغر سنه مَا لم تبلغه الْمَشَايِخ الْكِبَار وبرع فى كثير من الْفُنُون وَلما مَاتَ شَيْخه الشَّيْخ الامام عبد الرَّحْمَن السقاف قَامَ بِمنْصب آباءه أتم قيام من اطعام الطَّعَام وبذل الشَّفَاعَة وفى سنة سِتِّينَ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي وَالشَّيْخ عبد الله بن سعيد باقشير وَاجْتمعَ بالشيخ الْعَارِف مُحَمَّد بن علوى وَأخذ عَنهُ وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة وَجمع كتبا كَثِيرَة من كل فن وَأخذ عَنهُ جمَاعَة علم التصوف قَالَ الشلى وَاجْتمعت بِهِ بِمَكَّة واستفدت مِنْهُ فَوَائِد ثمَّ رَحل الى الْمَدِينَة وَأخذ عَن الصفى القشاشى وَدخل مَعَه الْخلْوَة سَبْعَة أَيَّام ثمَّ رَحل الى الْهِنْد فَدخل بندر سورت وَأخذ عَن ابْن عَمه الامام جَعْفَر الصَّادِق ولازمه بُرْهَة ثمَّ سَار الى تلميذ وَالِده الْوَزير الْعَظِيم حبشخان فَعرف لَهُ حَقه وأحله مَحل مهجته وزوجه بابنته ثمَّ رَحل إِلَى مَدِينَة بيجافور وَاجْتمعَ بسلطانها مَحْمُود شاه ابْن ابراهيم شاه فاكرمه ثمَّ حصل من بعض الحسدة فى حَقه بعض كَلَام ففارقها وَرجع الى بَلَده تريم وانعقدت عَلَيْهِ صدارتها وقصده النَّاس وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الانزواء وَصرف الاوقات فى الْعِبَادَة ثمَّ رَحل الى بندر الشحر وَصَارَ بِهِ مقصد القاصدين وَله كرامات كَثِيرَة وَمَا زَالَ مُقيما ببندر الشحر حَتَّى مَاتَ وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة السبت خَامِس عشر ذى الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف عبد الله بن طورسون الْمَوْصُوف بفيض الله طورسون زَاده أحد موالى الرّوم الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ الباهى الباهر أَخذ عَن كبار الاساتذة ثمَّ وصل الى خدمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 السَّيِّد مُحَمَّد مَعْلُول زَاده الْمُفْتى والنقيب ولازم مِنْهُ ودرس أَولا بمدرسة مُحَمَّد باشا النيشانى لما تمت فى جُمَادَى الاولى سنة احدى وَألف وَهُوَ أول مدرس بهَا برتبة الْخَارِج ثمَّ ترقى فى الْمدَارِس الى أَن وصل الى مدرسة وَالِدَة السُّلْطَان بأسكدار فولى مِنْهَا قَضَاء الْقُدس سنة عشرَة وَألف ثمَّ ولى بَغْدَاد فى شهر رَمَضَان سنة احدى عشرَة ثمَّ قَضَاء أَيُّوب فى ذى الْحجَّة سنة أَربع عشرَة ثمَّ قَضَاء اسكدار فى شَوَّال سنة ثَمَان عشرَة وَكَانَ عَالما فَاضلا مَشْهُورا بِالْفَضْلِ التَّام ماهرا فى اسلوب التَّحْرِير بالالسنة الثَّلَاثَة وَله شعر وانشاء مقبولان وَكَانَ حسن الْخط الى الْغَايَة وَله تآليف سَائِغَة دقيقة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الجامى وصل فِيهَا الى بحث المرفوعات وَله على التَّفْسِير تعليقات وَكَذَلِكَ على شُرُوح الْهِدَايَة والمفتاح ونظم الْفَرَائِض بالتركية ثمَّ شَرحه شرحا لطيفا وَله فى معجزات الانبياء رِسَالَة بالتركى وَكَانَ فى فن الصكوك والحجج ماهرا جدا وَجمع فِيهَا صور وقفيات وتمسكات وهى دستور الْعَمَل عِنْد أهل الرّوم وَله رِسَالَة قلمية وَكَانَ فى فن المعميات فى معادلة مير وشهاب عِنْد الْفرس وَقد صنع بَيْتا يخرج مِنْهُ مائَة اسْم وَهُوَ هَذَا (درديمه درمان أَو لوردى اولسه كراى سر وَقد ... درده غايت درده غايت درده غايت درده حد) وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ قَاض بأسكدار فى جُمَادَى الاولى سنة تسع عشرَة وَألف السيدعبد الله بن عَامر بن على الْيُمْنَى ذكره ابْن أَبى الرِّجَال فى تَارِيخه وَقَالَ فى تَرْجَمته هُوَ ابْن عَم الامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن على كَانَ عَالما متيقظا ذكيا فصيحا مجيدا فى الشّعْر على منهاج الْعَرَب الاولى وَكَانَ شَيخنَا شمس الدّين أَحْمد بن سعد الدّين يثنى على شعره وَيَقُول السَّيِّد مجيد وَهُوَ كَذَلِك وَلم يظْهر شعره الا فى آخر أَيَّامه بعد موت وَلَده أَبى تُرَاب على بن عبد الله فانه اكثر فِيهِ المراثى وناح عَلَيْهِ بِشعر كثير وَلَعَلَّه كَانَ يكره شعره فى مبادى أمره وَكَانَ فِيهِ ثَلَاث خِصَال اسْتَأْثر بهَا مِنْهَا جودة خطه فانه فائق عَجِيب وَمِنْهَا جودة الرماية بالبندق فانه كَانَ استاذا بارعا فى صَنْعَة الرماية لم يسْبق اليه ويعالج البنادق وَمِنْهَا ركُوب الْخَيل وَكَانَ وحيدا فى ذَلِك وَأَخْبرنِي أَنه لم يتْرك فِي تعلم الْكِتَابَة والرماية مجهوداً حَتَّى أَنه بلغه أَن فِي مشْهد الامام أَحْمد بن الْحُسَيْن رجلَيْنِ أَحدهمَا يجيد الْكِتَابَة وَالْآخر يجيد الرمى فَبَالغ فى وُصُوله الى ذيبين لامتحان الرجلَيْن فوجدهما كَمَا وصف لكنه فاق عَلَيْهِمَا ووقف بذيبين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 أَيَّامًا عَن رأى الامام الْقَاسِم أرْسلهُ الى القاضى الْعَلامَة الهادى بن عبد الله ابْن ابى الرِّجَال فاستقر عِنْده مُدَّة وَكَانَ لَا يزَال يحدث عَن القاضى بعجائب من السَّعَادَة ومطاوعة حسى حاشدو بكيل لَهُ وَهُوَ كَذَلِك فانه مَا اتّفق لَاحَدَّ مَا اتّفق لَهُ وَكَانَ والدنا القاضى الْعَلامَة على بن أَحْمد صديق السَّيِّد الْمَذْكُور لانه تولى وادعه والقاضى على كَانَ يلى أَمر الْقَضَاء وَكَانَ بَينهمَا من التَّحِيَّات والتواصل أَمر عَجِيب واعتنى المترجم بِالْجمعِ بَين الْمُنْتَخب والاحكام وفى بالى انه أَرَادَ التَّصَرُّف بالاختصار لَاحَدَّ الْكِتَابَيْنِ وسمى الْكتاب الْمَذْكُور بالتصريح بِالْمذهبِ الصَّحِيح والاختصار الذى فى ذهنى تحققته فَوَجَدته فى أَسَانِيد الْمُنْتَخب تَركهَا وَلم يستحسن ذَلِك الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم واشعاره كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته بحوت لانه استوطنها واستوطن هِجْرَة الحموس بِبِلَاد غدد فى سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف أَحْسبهُ فى رَجَب مِنْهَا وَالله أعلم عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن على بن مُحَمَّد الدنوشرى الشافعى خَليفَة الحكم بِمصْر أحد فضلاء الزَّمَان الَّذين بلغُوا الْغَايَة فى التَّحْقِيق والاجادة وضربوا فى الْفُنُون بالقدح الْمُعَلَّى وَكَانَ لغوياً نحوياً حسن التَّقْرِير باهر التَّحْرِير ولد بِمصْر وَبهَا نشا وَأخذ عَن الشَّمْس الرملى والشهاب ابْن قَاسم العبادى وَالشَّمْس مُحَمَّد العلقمى وَغَيرهم وتصدر بِجَامِع الازهر وأقرأ الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا من الْعُلُوم وانتفع بِهِ جمَاعَة أجلاء مِنْهُم الشَّمْس البابلى والنور الشبراملسى وَغَيرهمَا وَألف تآليف كَثِيرَة فى النَّحْو مِنْهَا حَاشِيَة على شرح التَّوْضِيح للشَّيْخ خَالِد وَله رسائل وتعليقات ورحل الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد الى الْقَاهِرَة وَرَأس بهَا وَبَلغت شهرته حد التَّوَاتُر وَكَانَ ينظم الشّعْر وَأكْثر شعره مَقْصُور على نظم مسَائِل نحوية فَمن ذَلِك جَوَابه عَن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (أفدنى يَا نحوى مَا اسْم غَدَتْ بِهِ ... مَوَانِع صرف خَمْسَة قد تجمعت) (فان زَالَ مِنْهَا وَاحِد فاصرفنه ... أجبنى جَوَابا يَا أخى نَقله ثَبت) وَجَوَابه هُوَ هَذَا (نظمت نظاما مبدعا فى اتساقه ... سؤالا عَظِيما كاللآلى تنظمت) (وَقد غصت فى بَحر من النَّحْو زاخر ... فصغت جَوَابا ناره قطّ مَا خبت) (وَذَا أذربيجان اسْم قَرْيَة اعجم ... حوى عجمة تركيبه ثمَّ قد حوت) (زِيَادَته تَعْرِيفه كَون لَفظه ... مؤنثا اعرفه سلمت من الْعَنَت) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 قلت مَا مشنى عَلَيْهِ هَذَا السَّائِل هُوَ مَا ذهب اليه ابْن جنى وَفرع الْمَوَانِع الْخَمْسَة فِيهِ على كَون اذربيجان مُعرب آذر بايكان مركب واذربيجان اقليم من بِلَاد الْعَجم يُقَال فِيهِ نهر يجرى مَاؤُهُ يستحجر فَيصير صفايح صَخْر يستعملونه فى النباء الاذربى نِسْبَة الى اذربيجان قَالَه الْمبرد وَالْقِيَاس اذرى بِلَا بَاء كرامى فى رامهرمز ابْن الاثير هَذَا مطرد فى النّسَب الى الاسماء المركبة وَضبط اذربيجان النووى فى تَهْذِيب الاسماء واللغات بِهَمْزَة مَفْتُوحَة غير ممدودة ثمَّ ذال مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة ثمَّ يَاء مثناة من تَحت ثمَّ جِيم ثمَّ الف ثمَّ نون هَذَا هُوَ الاشهر والاكثر فى ضَبطهَا قَالَ صَاحب الْمطَالع هَذَا هُوَ الْمَشْهُور قَالَ وَمد الاصلى والمهلب الْهمزَة يعْنى مَعَ فتح الذَّال واسكان الرَّاء قَالَ والافصح الْقصر واسكان الذَّال وَرَأَيْت من آثَار الدبوشرى مَا نَصه قَالَ ابْن مَالك لَك فى يَاء الذى وَجْهَان الاثبات والحذف فعلى الاثبات تكون اما خَفِيفَة فَتكون سَاكِنة واما شَدِيدَة فَتكون اما مَكْسُورَة أَو جَارِيَة بِوُجُوه الاعراب وعَلى الْحَذف فَيكون الْحَرْف الذى قبلهَا اما مكسورا كَمَا كَانَ قبل الْحَذف واما سَاكِنا وَلَك فى يَاء الَّتِى من اللُّغَات الْخمس مَالك فى يَاء الذى وَقد نظمت هَذَا فَقلت (وفى الذى وفى الَّتِى لُغَات ... خمس رَوَاهَا السَّادة الاثبات) (اسكان يَاء ثمَّ تَشْدِيد أَتَى ... بِكَسْر يَاء مُطلقًا فأثبتا) (وَمَعَهُ جَازَت أوجه الاعراب ... أَيْضا وَهَذَا جَاءَ فى الصَّوَاب) (وَجَاء حذف الْيَاء والتسكين ... وَالْكَسْر أَيْضا هَكَذَا التَّبْيِين) (فَهَذِهِ الْخمس أَتَت محرره ... وَاضِحَة مبينَة مقرره) وَورد عَلَيْهِ سُؤال وَهُوَ هَذَا (يأيها الْعَارِف فى فنه ... ومدعى الْفَهم وَعلم الْبَيَان) (مَا قَوْلكُم فى أحرف خَمْسَة ... اذا مضى حرف تبقى ثَمَان) (ترَاهُ بِالْعينِ وَلكنه ... يحْتَاج فى الْقلع الى ترجمان) فَأجَاب عَنهُ بِجَوَاب ضمنه لغزا فى لَفْظَة بَاب وَهُوَ قَوْله (قد جاءنى لفظ بديع علا ... يحكيه فى نظم عُقُود الجمان) (دلّ على فضل وَعلم زكا ... يشْعر بِاللَّفْظِ العلى الْمَكَان) (ترض عَن عُثْمَان يَا سيدى ... وَعَن جَمِيع الصحب أهل الْجنان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 (هَذَا وَمَا اسْم طرده عكة ... يحجب بَين النَّاس رأى العيان) (وجوفه اعتل وتلقاه فى ... أَبْوَاب فقه يَا فصيح الزَّمَان) وَله لغز اجْتمع فِيهِ أَربع يَا آتٍ مُتَوَالِيَة وَهُوَ (أَلا يَا عَالما بِالصرْفِ يَا من ... لنَحْو علومه صرف الا عَنهُ) (أبن لى أَربع اليا آتٍ فى اسْم ... توالت وهى فِيهِ مستكنه) وَذكره الخفاجى فِي كِتَابيه فَقَالَ فى وَصفه جَامع التَّقْرِير والتحرير الراقى الى ربوة الْمجد الخطير تآليفه أصبح الدَّهْر من خطابها وآثار اقلامه يتلمظ أَفْوَاه السامعين الى ثمار آدابها وَله عقائل طالما جلاها على وَأهْدى باكورتها الى الا انه كَانَ يعد الشّعْر سهلا ويمزج بالجد هزلا فَهُوَ فى سَمَاء الْفضل والعلوم تحسد علاهُ الْكَوَاكِب والنجوم (وهى تخفى عِنْد الصَّباح وَهَذَا ... ظَاهر فى صباحه والمساء) فَهُوَ جَوْهَر نَفِيس فى صناديق الْقبُول وسر مَكْتُوم فى ضمائر الخمول فَمَا كتبه الى قَوْله وأرسلها الى الى الْقُسْطَنْطِينِيَّة (نوالك يَا شهَاب الدّين زَائِد ... وبحر نداك يَا مولاى زابد) (تركت العَبْد لم تنظر اليه ... وَقد عودته أَسْنَى العوائد) (مَتى يَأْتِيهِ مِنْك جَوَاب كتب ... وتأتيه الصلات مَعَ العوائد) (ويكحل جفْنه ميل التلاقى ... ويغمد سيف هجرك عَنهُ غامد) وَأنْشد لَهُ التقى الفارسكورى فى كِتَابه المدائح قصائد عديدة من أَجودهَا قصيدة مطْلعهَا (غنى الهزار فأغنانى عَن الْعود ... فى روض أنس أنيق مورد الْعود) (وَطَاف بالقهوة السمرا بِهِ رشأ ... مذ أطلق الطّرف عوملنا تَقْيِيد) (كالبدر لَكِن أضلتنا غدائره ... بغدرها غادرتنا كالجلاميد) (لقدر متناقسى من حواجبه ... وَلَيْسَ غير الحشا منا بمقصود) (حللت فِيهِ عذارى مذ عقدت لَهُ ... حبا فصرت بمحلول ومعقود) (يمِيل بى حسنه نَحْو الْهوى وانا ... مَا حلت عَنهُ لذى عذل وتفنيد) (أَشْكُو لَهُ فرط وجدى عل يرحمنى ... يَا ليته لَو صغى يَوْمًا لمكمود) (أَعرَضت عَنهُ لمدح الحبر سيدنَا ... قاضى الْقُضَاة الذى قد فاق بالجود) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وَأنْشد لَهُ غير قَوْله (أرى فى مصر أَقْوَامًا لِئَامًا ... وهم مَا بَين ذى جهل ونذل) (شجاعتهم بألسنة حداد ... وعيشهم بجبن وَهُوَ مقلى) وَقَوله فى قاضى مصر وَكَانَ اسْمه مُوسَى (لقد كَانَ فى مصر الامينة حَاكم ... تسمى بفرعون وَكَانَ لنا مُوسَى) (وفى عصرنا هَذَا لقلَّة قسمنا ... لنا ألف فِرْعَوْن وَلَيْسَ لنا مُوسَى) قلت والقاضى الْمَذْكُور هُوَ الذى يَقُول فِيهِ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى مفتى الشَّام مؤرخا (أهل مصر بشرا كم بسعود ... لَا تذوقون بعده قطّ بوسا) (سنة الْخَيْر والهنا أرخوها ... مِنْهَا فِرْعَوْن أقبل مُوسَى) وَركب بعض شُهُود المحاكم بِمصْر ثورا تشهيرا فَكتب الدنوشرى اليه (ان ركبوك الثور فى مصراذ ... جرست بالظلم وبالجور) (فاصبر وَلَا تحزن لما قد جرى ... فَالنَّاس وَالدُّنْيَا على ثَوْر) وَكتب لتلميذه مُحَمَّد بن أَبى اللطف الشامى وَقد ترك حُضُور درسه (يَا سيدى يَا ابْن أَبى اللطف ... يَا صَاحب الاحسان والعطف) (وعدتنا وَعدا وأخلفته ... وَمَا درينا سَبَب الْخلف) (الْوَعْد بدر نوره بالوفا ... وَالْخلف فى الميعاد كالكسف) (هَل كَانَ عرقوب عديم الوفا ... أَوْصَاك بالتسويف فى الْعرف) وَمر يَوْمًا على صَاحبه درويش الْمحلى وفى يَده دِينَار فَسقط من يَده فَقَالَ بديها (يَا فائقا بالجود بَين الورى ... ومشبها للمزن فى وكفه) (مذ سقط الدِّينَار من كفكم ... وَعَاد مثل الْبَرْق فِي خطفه) (كذبت من قد قَالَ فى حقكم ... لَا يسْقط الْخَرْدَل من كَفه) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الاحد غرَّة شهر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَألف عبد الله ابْن الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن بن سراج باجمال الحضرمى الغرفى ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته ذكره تِلْمِيذه الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد باجمال مُؤذن الشهير بالاصبحى فى كِتَابه مطالع الانوار فى بروج الْجمال بِبَيَان الشَّجَرَة والمناقب لآل باجمال فَقَالَ أحد الْفُقَهَاء الْمُحَقِّقين وَالْعُلَمَاء العاملين أَخذ الْفِقْه عَن وَالِده بِبَلَدِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 الغرفة ثمَّ ارتحل إِلَى الشحر فَأَخذه عَن شيخ وَالِده الشَّيْخ على بن على بايزيد وَولى امامة مَسْجِد الغرفة مُدَّة ثمَّ ولى تدريس الْجَامِع بالشحر ثمَّ ولى الْقَضَاء فِيهِ فحمدت أَحْكَامه وَاسْتمرّ بالشحر نَحْو ثمانى عشرَة سنة ثمَّ عَاد الى وَطنه الغرفة وَولى قضاءها ودرس وانتفع بِهِ جمَاعَة وَله مؤلفات مِنْهَا شرح القصيدة البستية نظم الشَّيْخ أَبى الْفَتْح البستى الَّتِى أَولهَا (زِيَادَة الْمَرْء فى دُنْيَاهُ نُقْصَان ... وَربحه غير مَحْض الْخَيْر خسران) جمع فِيهِ آدابا كَثِيرَة وَله تَنْبِيه الثِّقَات على كثير من حُقُوق الاحياء والاموات وَله نظم حسن ونثر بديع وَله فَتَاوَى غير مَجْمُوعَة وَكَانَ ذَا يَد طولى فى اسْتِخْرَاج الغوامض وَعبارَته فى أجوبته حَسَنَة جدا وَكَانَت وَفَاته فى شعْبَان سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن فى تربة الغرفة غربى دَاره فى الْجَانِب الجنوبى وَهُوَ أول من دفن هُنَاكَ وَكَانَ يُشِير الى ذَلِك فى حَيَاته لَان تربة باجمال الشمالية ضَاقَتْ عَن الدّفن وَلما مَاتَ رثاه تِلْمِيذه الاصبحى الْمَذْكُور بقصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا (أرقت وليلى طَال مَا آن ينجلى ... وَبَات سلؤى يَا رفيقى بمعزل) عبد الله بن عبد الله بن المهلا بن سعيد بن على النيسائى ثمَّ الشرفى الانصارى الخزرجى قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال فى تَارِيخه هُوَ الْعَلامَة الْمُحَقق المدقق الْحَافِظ لعلوم الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول شيخ شُيُوخ زَمَانه وامام الِاجْتِهَاد فى اوانه رَحل اليه الطّلبَة وانتفعوا بِعُلُومِهِ وَاسْتقر بِبَاب الاهجر زَمَانا ووفد اليه الطّلبَة وَكَانَ نظيراً للسعد التفتازانى فى عُلُوم الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير وَله أجوبة مسَائِل تدل على علم وَاسع وَمن تلامذته الامام الْقَاسِم وَأكْثر الْفُضَلَاء فى زَمَانه عِيَال عَلَيْهِ وَتَشَوُّقِ اليه الْوَزير جَعْفَر عِنْد اقامته بصنعا فَلم يَتَيَسَّر لَهُ لقاؤه حَتَّى نكب بنكبة من الْوُلَاة بمطالبته أَو مُطَالبَة شركائه فى المَال بخراج فتمتع ورحل الى الْوَزير فَعَدهَا الْوَزير من سعادات الايام فَأَجله وَأعظم مَحَله وسَاق اليه من النَّفَقَات مَا يجل خطره وَاسْتمرّ على ذَلِك ورسم لَهُ باعفاء شركائه من الْمَطْلُوب مِنْهُم وَكَانَ يعده الْوَزير عين اهل الحضرة مَعَ كَثْرَة الْعلمَاء فيهم وَاتفقَ أَن الْوَزير أَرَادَ امتحان أهل حَضرته بِحَدِيث اختلقه من عِنْد نَفسه نمق الفاظه فَلَمَّا أملاه ابتدر الْحَاضِرُونَ من الْفُقَهَاء لكنابته وأثنوا على الْوَزير بروايته وَقَالُوا نتشرف بعلو اسناده فَلم يَتَحَرَّك صَاحب التَّرْجَمَة لشئ من ذَلِك فَسَأَلَهُ لم لم تكْتب كالاصحاب فَقَالَ أَنْتُم قد أفدتم وَالْجَمَاعَة كتبُوا وَنحن حفظنا فَقَالَ هَذَا وَالله هُوَ الْعَالم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر لَهُم أَن الحَدِيث // لَا أصل لَهُ // وانما المُرَاد بِهِ الِاخْتِيَار وَكَانَ لَهُ أَوْلَاد عُلَمَاء نبلاء وَله أحفاد فيهم الْفَضِيلَة وَالْعلم مَا مِنْهُم الا عَالم شهير مُصَنف مرجوع اليه فى التَّحْقِيق وَحل المشكلات وَقَالَ سيدنَا احْمَد بن يحيى بن حَنش سَأَلت الْفَقِيه الْعَلامَة بدر الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن المهلا عَن أَحْوَال وَالِده ومشايخه ووفاته فَأجَاب بِأَنَّهُ ولد فى صفر سنة خمسين وَتِسْعمِائَة فى بلد الدعليه من الشّرف الاعلى وَطلب الْعلم فى حداثته وَأخذ عَن وَالِده وَعَن جمَاعَة من الْعلمَاء الاكابر وَأدْركَ السَّيِّد عبد الله بن قَاسم العلوى وَلم يتأت لَهُ الاخذ عَنهُ وارتحل للْعلم الى الاقطار صُحْبَة وَالِده وَأخذ فنون الْعَرَبيَّة عَن عبد الله وأخيه ابراهيم ابنى الرَّاغِب وَعَن السَّيِّد هادى الوشلى ثمَّ ارتحل الى الشّرف وارتحل لقِرَاءَة الْفِقْه الى غرفَة عفار وَقَرَأَ على القاضى على بن عطف الله ثمَّ ارتحل الى الظفر وَقَرَأَ الْبَحْر على السَّيِّد احْمَد ابْن الْمُنْتَصر الغربابى ثمَّ تزامل هُوَ والامام الْحسن بن على فى قِرَاءَة الْعَضُد والكشاف على السَّيِّد الهادى الوشلى وَكَانَت قراءتهما عَلَيْهِ فى الدعلية ثمَّ ارتحل لطلب الحَدِيث فَقَرَأَ كتبا على وَالِده وعَلى القاضى على بن عطف الله وسافر الى جبل تنس وَقَرَأَ البخارى وَمُسلمًا وَتَجْرِيد الاصول وَغَيرهَا على الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن النزيلى وَأَجَازَهُ ثمَّ رَجَعَ الى الشّرف وَأخذ عَنهُ الامام الْقسم وَالسَّيِّد أَمِير الدّين أصُول الْفِقْه وطلع الى صنعا عَام خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَأقَام فِيهَا أَيَّامًا وَأخذ عَنهُ جمَاعَة ثمَّ انْتقل بأولاده الى الاهجر من بِلَاد كوكبان وَأقَام فِيهِ تسع سِنِين وارتحل اليه الطّلبَة من صنعا والاهنوم وبلاد أنس والخيمة والشرف وبشام وكوكبان اسْتَفَادَ مِنْهُ خلق كثير وفى خلال ذَلِك قرا الرسَالَة الشمسية على الشَّيْخ نجم الدّين البصرى الْوَاصِل الى الْيمن سنة ألف ثمَّ رَجَعَ الى وَطنه وَأقَام بَقِيَّة عمره يقرى وَله كرامات كَثِيرَة مِنْهَا أَن بعض عُلَمَاء سادة تهَامَة الْيمن رَآهُ فى النّوم بِصفتِهِ الْحَسَنَة وهيئته الجميلة ثمَّ رأى بعد ذَلِك قَائِلا يَأْمُرهُ بزيارة الْعَلامَة عبد الله المهلا فَقَالَ لَا أعرفهُ فَقَالَ هُوَ الرجل الذى رَأَيْته فى الْمَنَام وبلده الشجعة من الشّرف وبيته بِالْقربِ من بَاب الْبَلَد وَهُوَ أول من ترَاهُ اذا بلغت اليها فارتحل الرجل حَتَّى بلغ أَطْرَاف الشّرف وَسَأَلَ عَن بلد تسمى الشجعة فَقيل لَهُ بلد الْعَالم الشهير عبد الله المهلا فسر واستبشر وَعلم صدق رُؤْيَاهُ الَّتِى أَمر فِيهَا بزيارته واغتنامها لقرب أَجله وَكَانَ أول من رَآهُ عِنْد دُخُولهَا بِالصّفةِ الَّتِى رَآهُ عَلَيْهَا فى مَنَامه فاكب عَلَيْهِ يقبل اقدامه ويبكى ويسأله الدُّعَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 ثمَّ أسر برؤياه الى بعض أَوْلَاده أَظُنهُ عبد الحفيظ وَأقَام مُدَّة سمع فِيهَا شَيْئا من الْعُلُوم وَحضر مجَالِس الْعلمَاء وَأَظنهُ شهد دَفنه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا ذكره حفيده الْعَلامَة النَّاصِر بن عبد الحفيظ من قَائِل يَقُول فى الْمَنَام لم يبْق من عمر جدك عبد الله غير تسع وَعشْرين لَيْلَة وَكَانَ كَمَا قَالَ وَمِنْهَا مَا رَآهُ بعض السَّادة قبل مَوته من أَخذ النبى بِيَدِهِ ذَاهِبًا بِهِ نَحْو الْموضع الذى فِيهِ ضريحه بالاشعاف ثمَّ الى الْمَدِينَة والى هَذَا أَشَارَ وَلَده القاضى عبد الحفيظ بقوله وَرَأى تقى الْبَيْت وَمِنْهَا الْكَرَامَة الشهيرة من بُلُوغه الى قريب مَكَّة على مرحلة أَو مرحلَتَيْنِ وَكَانَ يتَخَلَّف عَن الْقَافِلَة للصَّلَاة وَيلْحق بهَا على حمَار مَوْصُوف بِسُرْعَة المشى فَأَبْطَأَ فى بعض الايام عَن اللحوق بالقافلة ركونا مِنْهُ على مَا جرت عَادَته بِهِ فَركب حِمَاره فَلم يقدر على المشى البته فَلَمَّا علم تعذر مَشْيه وفوت الْقَافِلَة وَعدم مَعْرفَته بِالطَّرِيقِ تحير وَصلى رَكْعَتَيْنِ ودعا الله تَعَالَى وَأَقْبل على التِّلَاوَة فاذا بِرَجُل أَخْضَر اللَّوْن حسن الْقَامَة ينحط عَن جبل قريب مِنْهُ ويسرع المشى نَحوه فحياه باسمه وَقَالَ أَبْطَأت عَن الْقَافِلَة فاقف أثرى وَحمل مَا مَعَه من أَشْيَاء كَانَ يستصحبها فَوَقع فى نَفسه انْقِطَاعه عَن النَّاس وان هَذَا رجل لَا يدرى من هُوَ فَالْتَفت اليه مُتَبَسِّمًا وَأخْبرهُ بِمَا وَقع فى نَفسه فاطمأن وَمَا زَالَ يحدثه حَتَّى بلغ بِهِ بركَة مَا جن فى مَكَّة وَأخذ لَهُ مَاء اغْتسل بِهِ وأعلمه بِالْحرم الشريف وَالطَّرِيق اليه بعد ان أحرم من الْمِيقَات وَقَالَ ان لقيتنى بعد ذَلِك والا فَأَنا أستودع الله تَعَالَى دينك وأمانتك وخواتيم عَمَلك وودعه وَمضى وَلم يره بعد ذَلِك وَكَانَ من الْعَجَائِب مصادفة الْحمار على أحسن أَحْوَاله بعد مُدَّة فى مَوضِع الِانْقِطَاع انْتهى وَكَانَت ترد اليه كتب الْعلمَاء فى عصره لاستيضاح المشكلات فى كل فن من جَمِيع الْجِهَات وَبَينه وَبَين الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد الرومى الحنفى والعلامة سعد الدّين وأخيه على ابنى الْحُسَيْن المسورى مكاتبات ومحاورات طَوِيلَة ذكرهَا ابْن أَبى الرِّجَال فى تَارِيخه وَكَانَت وَفَاته فى ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف بالشجعة وقبره بالاشعاف بهَا وَكَانَ عمره ثَمَانِيَة وَسبعين سنة ورثاه بعد مَوته جمَاعَة عِظَام وَكَانَ من جُمْلَتهمْ وَلَده القاضى عبد الحفيظ فَقَالَ يرثيه بقصيدة مطْلعهَا (يَا غيث يَا وكاف يَا سحاح جد ... متعطفا مترددا بهناء) (قبرا على الاشعاف جلّ ضريحه ... مستوطنا عَلامَة الْعلمَاء) (بالسفح من جبل الْعَرُوس ومربع الشّرف الَّتِى فاقت على الانحاء ... ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 (بدر مُنِير للانام اذا هم ... فى لَيْلَة من جهلهم ظلماء) (أقلامه مثل الاسنة فى الوغى ... والحبر أفضل من دم الشُّهَدَاء) (ان الذى دفنوه بَين ظُهُورهمْ ... متبركين بِهِ من السُّعَدَاء) (كَانَ الزَّمَان اذا بدا بقبحيه ... وبداله ولى على استحياء) (ان مُشكل فى أى فن قد بدا ... أبدى ظهورا فِيهِ بعد خَفَاء) مِنْهَا (سبعين فَنًّا حازها فى صَدره ... لله ذَلِك سيد الكملاء) مِنْهَا (يَا قَبره وافيت بحرا زاخرا ... هَذَا لعمرى أعجب الاشياء) (وَرَأَيْت من مَلأ الْبِلَاد بِعِلْمِهِ ... من مَكَّة الغرا الى صنعاء) (لَكِن وسعت الْعلم اذ هُوَ ميت ... لَو كَانَ حَيا ضَاقَ كل فضاء) (ووفاته ثلم لدين مُحَمَّد ... ومعاشر الاشراف والرؤساء) (مَا كل سَالَ بعد موت نظيريه ... الا شَبيه بَهِيمَة عمياء) (واذا بدا منى سلو فَهُوَ من ... حمدى على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) (يأيها الرجل الذى بهر الورى ... علما وحلما فائق النظراء) (أبقيت ذكرا للمهلا طيبا ... يَا طيب الْآبَاء والابناء) (وَتركت علما نَافِعًا فِينَا وفى ... أهل الزَّمَان زَمَاننَا الاحياء) (فجزاك رَبك مَا جزى أحبابه ... الاخيار عَنَّا أفضل الاجزاء) (وَمن الْعَجَائِب ان رَأَيْت مُحَمَّدًا ... فى عامك الماضى أَتَى بوفاء) (ورآك فى ثوبى مَنَامك هاجعا ... فوقاك عَن برد بِخَير وقاء) (وَرَأى فَتى لَك شافعى انه ... أضحى النبى الهادى من الرفقاء) (وَرَأى تقى فاطمى انه ... صلى عَلَيْهِ الله كل مسَاء) (مَاض بك السهل الرحيب بِنَفسِهِ ... نَحْو الْمَدِينَة طيبَة الفيحاء) (فسررت ثمَّ خشيت فرقتك الَّتِى ... هى عندنَا من أعظم البلواء) (لله دَرك يَا حمام الايك كم ... أَحْسَنت حفظا عُهْدَة الْآبَاء) (انى نظيرك فى وفائى بعده ... أَيْضا وفى حزنى وَبَعض بكائى) (لَكِن تسلينا بِمَوْت مُحَمَّد ... صلى عَلَيْهِ طيب الاسماء) (والآل مَا طلعت شموس علومه ... تنصب فى الْآفَاق والانحاء) السَّيِّد عبد الله بن علوى باذنجان علوى أحد أَوْلِيَاء حضر موت ذكره الشلى وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 فى تَرْجَمته ولد بظفار فى أَوَائِل سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ بهَا وَكَانَ أُمِّيا لَا يقْرَأ وَله سيرة حميدة مرضية صحب شَيخنَا السَّيِّد عقيل با عمر وانتفع بِهِ وفاضت عَلَيْهِ بَرَكَات انفاسه وَرَأى بعض السَّادة الاخيار فى الْمَنَام كَأَنَّهُ جَالس وَعِنْده بعض الصَّالِحين فَقَالَ ذَلِك الصَّالح من أَرَادَ أَن ينظر الى ولى فَلْينْظر الى هَذَا وَأَشَارَ الى صَاحب التَّرْجَمَة وَمن كراماته أَنه كَانَ إِذا أَذَاهُ أحد أُصِيب أما فِي حَال أَو مآل وَقَالَ مرّة فِي رجل وَقد أَذَاهُ يقتل فَقتل بعد مُدَّة يسيرَة فَلَمَّا قتل قَالَ مَا أحد يسْتَوْفى بِهِ قصاصا وَلَا دِيَة فَكَانَ الامر كَمَا قَالَ وَمِنْهَا ان امْرَأَة أَتَت الى زرع لَهُ وَأخذت مِنْهُ حمولة قصب على رَأسهَا وَبقيت قَائِمَة فكانها لَا تَسْتَطِيع المشى ثمَّ بعد سَاعَة جَاءَ صَاحب التَّرْجَمَة وهى لَا تعرفه فَقَالَ لَهَا اذهبى لِئَلَّا يراك صَاحب الزَّرْع يعْنى نَفسه وَكَانَت وَفَاته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف عبد الله بن على بن حسن بن الشَّيْخ على أحد سَادَات الْيمن الْمُتَّفق على ولايتهم وجلالتهم قَالَ الشلى فى تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن مَشَايِخ عصره مِنْهُم الشَّيْخ زين بن حُسَيْن بَافضل وَالسَّيِّد الْجَلِيل عبد الله بن سَالم خيله وَالشَّيْخ شهَاب الدّين ثمَّ رَحل الى بندر الشحر وتفقه بهَا على الْفَقِيه الْمُحَقق نور الدّين على بن على بايزيد ولازمه فِيهِ حَتَّى برع وَكَذَلِكَ أَخذ عَن هَؤُلَاءِ النصوف والعربية وَدخل اقليم السواحل وَاجْتمعَ بعلمائها وَأخذ عَنْهُم وَأخذ عَنهُ بَعضهم ورحل الى الديار الْهِنْدِيَّة وَقصد أَحْمد آباد وَأخذ عَن شيخ الاسلام شيخ بن عبد الله العيدروس وَقَرَأَ عَلَيْهِ بعض مؤلفاته وَألبسهُ الْخِرْقَة الشَّرِيفَة ولازمه مُدَّة مديدة ثمَّ أمره بالرحلة الى السَّيِّد الْكَبِير عمر بن عبد الله العيدروس ببندر عدن فَرَحل اليه وَقَرَأَ عَلَيْهِ عدَّة فنون وَحكمه وَألبسهُ الْخِرْقَة ولازمه حَتَّى صَار علما من الاعلام وصادف بِالْيمن قبولا عَظِيما وَكَانَ لَهُ مجاهدات ورياضات وَظهر لَهُ ابليس فى صُورَة عبد أسود كاشفا رُكْبَتَيْهِ على عَادَة بادية تِلْكَ الْجِهَة وَقَالَ لَهُ مَا عبد أحد مثل عبادتك فطرده ثمَّ توطن قَرْيَة الوهط وقصده النَّاس وانتهت اليه تربية المريدين وَاجْتمعَ عِنْده خلق من المنقطعين وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الاولياء والصلحاء مِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه شيخ بن عبد الله بن شيخ العيدروس صَاحب دولة أباد وَالسَّيِّد الولى مُحَمَّد بن علوى نزيل الْحَرَمَيْنِ والامام الْجَلِيل عبد الرَّحْمَن بن عقيل نزيل المخا وَالسَّيِّد الْكَبِير أَبُو الْغَيْث بن أَحْمد صَاحب لحج وَالسَّيِّد الْعَظِيم عبد الله المساوى صَاحب أَب وَالسَّيِّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 عقيل بن عمرَان صَاحب ظفار وَغَيرهم وَكَانَ ينْفق نَفَقَة الْمُلُوك وَرُبمَا أعْطى المَال الجزيل لفقير وَاحِد وَكَانَ لَهُ قبُول تَامّ عِنْد الوزراء والامراء وشفاعته لَا ترد مهما كَانَت وَله انشاء بليغ ونظم مستحسن جمعه فى ديوَان مَشْهُور بَين النَّاس وَله كرامات وخوارق مِنْهَا انه لما دخل السواحل طلبُوا مِنْهُ العشور والمكس فَامْتنعَ من اعطائه لكَونه حَرَامًا فَقَالَ الوالى لابد من أَخذ ذَلِك فَتَنَاول السَّيِّد الْحمل وَكَانَ لَا يحملهُ الا أَرْبَعَة رجال بِيَدِهِ وَرَفعه بِيَدِهِ كَأَنَّهُ كرة وَرمى بِهِ فَتنحّى عَنهُ فخاف الوالى وَطلب الْعَفو مِنْهُ وَاعْتذر اليه وَمِنْهَا انه دَعَا لجَماعَة من الْفُقَرَاء بالغنى فأغناهم الله وَطلب بَعضهم مِنْهُ الدُّعَاء بِأَن ييسر الله لَهُ الْحَج فَدَعَا لَهُ فحج وَكَانَ بكره اظهار الكرامات وَيَأْمُر أَصْحَابه المخصوصين بِعَدَمِ اظهارها وَيَقُول عَلَيْكُم بالاستقامة فانها أعظم كَرَامَة وَيَقُول صَاح مُتَعَيّن الاولياء بِأخذ الْعَهْد عَلَيْهِم أَن يستردوا مَا عِنْدهم بعد الاربعين وَألف وَلم يزل على حَالَته الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ والف فى قَرْيَة الوهط وقبره بهَا ظَاهر مَقْصُود بالزيارة وَقَضَاء الْحَاجَات وَمن استجار بِهِ نجا من جَمِيع المخاوف وَعمل مُحَمَّد باشا حَاكم الْيمن على قَبره قبَّة عَظِيمَة والوهط قَرْيَة قريبَة من لحج عدن باقليم الْيمن وهى غير الوهط الْمَشْهُورَة باقليم الْحجاز قريبَة من الطَّائِف وهى الْمَذْكُورَة فى كتب اللُّغَة قَالَ صَاحب مُعْجم الْبلدَانِ الوهط بِفَتْح أَوله وَسُكُون ثَانِيَة وطاء مُهْملَة الْمَكَان المطمئن المستوى ينْبت العضاه والسمر والطلح وَبِه سمى الوهط وَهُوَ مَال كَانَ لعَمْرو بن الْعَاصِ بِالطَّائِف وَهُوَ كرم كَانَ على ألف الف خَشَبَة شِرَاء كل خَشَبَة بدرهم انْتهى وَلما رَآهُ سُلَيْمَان بن عبد الْملك قَالَ هَذَا أكْرم مَال وَأحسنه لَوْلَا هَذِه الْحرَّة فى وَسطه فَقَالُوا هَذِه زبيبة جمع فى وَسطه وَهُوَ الْآن قَرْيَة وبساتين السَّيِّد عبد بن على بلفقيه بن عبد الله العيدروس صَاحب الشبيكة بِمَكَّة المشرفة قَالَ الشلى فى وَصفه كَانَ من عباد الله الصَّالِحين أهل الْولَايَة وَله كرامات خارقة مِنْهَا أَن بعض أَصْحَابه الْفُقَرَاء جَاءَ لَيْلَة عيد الْفطر وَهُوَ ذُو بَنَات وثيابهن عِنْد الصّباغ لم يقدر على أجرته وشكا حَاله اليه فَقَالَ اذْهَبْ الى المسفلة لنا هُنَاكَ نذر خُذْهُ فَخرج فاذا هُوَ بِرَجُل بدوى يسْأَل عَن بَيت السَّيِّد فَقَالَ لَهُ أَنا خادمه فَقَالَ هَذِه نَاقَة نذر لَهُ فَأَخذهَا وباعها وَأعْطى الصّباغ أجرته وَعِيد بالباقى وَمِنْهَا أَن رجلا من أَصْحَاب السَّيِّد هَاشم الحبشى أَمر بقتْله مَعَ آخَرين الشريف ادريس وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 بِالطَّائِف فَمَا مروا بِهِ سوق المعلاة رَآهُ أَخُوهُ مكتوفا فجَاء الى السَّيِّد هَاشم وَبكى وَقَالَ لَهُ ذَهَبُوا بأخى للْقَتْل فَقَالَ لَيْسَ هَذَا من وظيفتى فَذهب بِهِ السَّيِّد هَاشم الى صَاحب التَّرْجَمَة فَدَعَا الله تَعَالَى وَقَالَ يسلم من الْقَتْل ان شَاءَ الله تَعَالَى فَلَمَّا أَصْبحُوا خَرجُوا بهم من الْحَبْس الى مَحل الْقَتْل فتعب أَخُو الرجل وأتى للسَّيِّد وَهُوَ يبكى فَقَالَ لَهُ لَا بَأْس على أَخِيك فَبَيْنَمَا هم اذ جَاءَ رَسُول من عِنْد الشريف ادريس بفك الرجل الْمَذْكُور وَسَببه ان الشريف كَانَ يصلى الْمغرب فَدخل عَلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة وَمَعَهُ الرجل فَقَالَ لَهُ فك هَذَا الرجل فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قَالَ للحاجب اطلب السَّيِّد عبد الله فَقَالَ الْحَاجِب مَا دخل على أحد فَأرْسل الى أهل الْفَرِيق ان السَّيِّد عبد الله ضيفنا أَرْسلُوهُ لنا فسألوا عَنهُ فى الْفَرِيق فَلم يُوجد فَأرْسل فى الْحَال قَاصِدا يفك الرجل فَأتى وَقد قتل أَصْحَابه فَلم هموا بقتْله اذا هم بالرسول فأطلقوه وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمسين وَألف وَدفن بقبة أَبِيه وجده بالشبيكة عبد الله بن عمر بن عبد الله بن أَحْمد باجمال الحضرمى ذكره الشلى وَقَالَ فى وَصفه ذُو المقامات الفاخرة والاحوال الظَّاهِرَة أَخذ الْعلم عَن الشيح الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن بن سراج وَغَيره وجد فى الطّلب واجتهد فى الْعِبَادَات واستغرق بهَا حَتَّى فتح الله تَعَالَى عَلَيْهِ بالمقامات الْعلية ثمَّ تصدى للارشاد وشاع ذكره فقصده النَّاس وَكَانَ شفوقا على النَّاس حسن التودد اليهم وَكَانَت كتب الرَّقَائِق والسلوك وصفات رجال الطَّرِيق كَأَهل الرسَالَة نصب عَيْنَيْهِ وَاتفقَ أهل بَلَده على انه أكملهم علما وَعَملا وزهدا وكرما وورعا وتواضعا ومروءة وصبرا وحلما وَله كرامات خارقة وَكَانَ لَا يرد سَائِلًا كَائِنا مَا كَانَ وَيتَصَدَّق بغالب أَمْوَاله الْبر وَكَانَت صدقاته كَثِيرَة وَحصل كتبا كَثِيرَة ووقفها وَله مؤلفات نافعة فى مهمات الدّين وَاخْتصرَ الزواجر لِابْنِ حجر وَكَانَ اذا جَاءَهُ صَاحب الدُّنْيَا اسْتَحى من حَاله ويزهد فى الدُّنْيَا واذا جَاءَهُ الْفَقِير استقوى قلبه وزادت رغبته فى الْآخِرَة وَلم يتَزَوَّج لاستغراقه فى مقَام الاحسان وَكَانَت لَهُ أَحْوَال عَجِيبَة فَتَارَة يبرز للنَّاس ويدرس فى الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة كالتفسير والْحَدِيث وَالْفِقْه وَكتب الرَّقَائِق وَتارَة يحتجب عَن النَّاس أشهرا وأياما وَلما قربت وَفَاته وَردت عَلَيْهِ حَالَة عَظِيمَة واعتراه من الهيبة والانوار مَا يدهش الْعُقُول فَأرْسل اليه بعض المريدين الصَّادِقين الاولياء وَهُوَ فى ذَلِك الْحَال ليحمل عَنهُ بعض مَا نزل بِهِ من الاحوال فَقَالَ للرسول قل لَهُ لَو وَقعت عَلَيْك ذرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 لقتلتك وَتوفى من غير مرض وانخسف الْقَمَر لَيْلَة وَفَاته وَوَقعت الهيبة فى قُلُوب الْحَاضِرين فَسَكَتُوا وَلم ينطقوا بِكَلِمَة وَلم تأت امْرَأَة الى الْبَيْت الذى توفى فِيهِ وَحضر النَّاس من الْبِلَاد الَّتِى وصل اليها خبر وَفَاته وازدحم النَّاس على مَاء غسله وَكَانَت وِلَادَته فى يَوْم الْجُمُعَة لخمس خلون من شهر ربيع سنة ثَمَان وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى صبح يَوْم الثلاثا ثَالِث عشر شَوَّال سنة ثَمَان عشرَة وَألف عبد الله بن عمر الشهير بخواجه زَاده قاضى الْعَسْكَر القسطنطينى المولد الصَّدْر الْكَبِير الالمعى الاديب الْفَاضِل كَانَ من الاذكياء الْمَشْهُورين لَهُ التفوق فى الادب والتبريز فى الشهامة وَكَانَ يحفظ كثيرا من أشعار الْعَرَب وأمثالهم ووقائعهم وبحاضر بهَا وسما حَظه فى طَلِيعَة عمره لتعين وَالِده بَين عُلَمَاء الدولة وقربه من السلطنة لكَونه كَانَ معلم السُّلْطَان عُثْمَان وملتفته ومرغوبه وَنَشَأ وَلَده هَذَا واشتغل على عُلَمَاء عصره حَتَّى سَاد واشتهر بِالْفَضْلِ والادب ولازم من الْمولى شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا ثمَّ درس بالمدارس الْعلية وتوصل فى مُدَّة قَليلَة الى الْمدرسَة السليمانية وَصَارَ قَاضِيا بأدرنة بِلَا وَاسِطَة وَاتفقَ لَهُ انه اجْتمع بشيخ الاسلام الْمولى أسعد فأشعره بِأَنَّهُ استكثر ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ لَيست بِأول قَارُورَة كسرت فى الاسلام يُشِير بذلك الى مَا وَقع للْمولى الْمَذْكُور من صَيْرُورَته ابْتِدَاء قَاضِيا بأدرنه وَذَلِكَ لمكانة وَالِده عِنْد السُّلْطَان مُحَمَّد لكَونه كَانَ معلما لَهُ ثمَّ بعد ذَلِك صَار قاضى دَار السلطنة وعزل عَنْهَا فى مقتل السُّلْطَان عُثْمَان وطالت مُدَّة عَزله حَتَّى قاربت عشر سنوات ثمَّ صَار قاضى الْعَسْكَر بِأَنا طولى وَأَقْبل عَلَيْهِ السُّلْطَان مُرَاد فرقاه الى قَضَاء عَسْكَر روم ايلى وسافر فى خدمَة السُّلْطَان الْمشَار اليه الى روان ثمَّ طلب وَهُوَ فى الصدارة قَضَاء الْقَاهِرَة فَوجه اليه وَورد دمشق فى ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَتوجه الى الْقَاهِرَة فَابْتلى عِنْد دُخُوله اليها بالاسهال وَلم تطل مدَّته حَتَّى توفى فى السّنة الْمَذْكُورَة رَحمَه الله تَعَالَى عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله المصرى الشَّيْخ العابد الزَّاهِد الْمَعْرُوف بِابْن الصبان لَان وَالِده كَانَ يَبِيع الصابون فى بَاب زويلة من أَبْوَاب الْقَاهِرَة ذكره المناوى فى طَبَقَات الاولياء وَقَالَ فى تَرْجَمته نَشأ وَقَرَأَ الْقُرْآن عِنْد ابْن المناديلى بِبَاب الْخرق ثمَّ غلب عَلَيْهِ الْحَال وَهُوَ فى سنّ الِاحْتِلَام فَكَانَ يهيم ويصعق أَحْيَانًا ثمَّ حبب اليه لُزُوم مجْلِس الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الملقب كريم الدّين الخلوتى فَأخذ عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 واختص بِهِ وأرشده كريم الدّين الى سُكْنى زَاوِيَة الشَّيْخ دمرداش فناب عَن بعض أَوْلَاد الشَّيْخ فى عدَّة وظائف وأقرأ بهَا الاطفال وَهُوَ فى خلال ذَلِك يلازم مجْلِس شَيْخه ويعرض عَلَيْهِ وقائعه ويقص عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ وَهُوَ يرقيه فى الْمَرَاتِب ويخليه وتكرر لَهُ ذَلِك فَاسْتَأْذن الشَّيْخ يَوْمًا أَن يتْرك أكل الْحَيَوَان وَمَا خرج مِنْهُ فَمَنعه ثمَّ أذن نمكث كَذَلِك مُدَّة فرق حجابه وقويت روحا نِيَّته وتمثلت لَهُ الارواح وخاطب وخوطب ثمَّ حصل لَهُ لمحة من التجلى البرقى فهام وَغَابَ عَن حواسه فَوكل بِهِ الشَّيْخ من لَازمه ليضبط حَاله وَصَارَ يَأْكُل كل يَوْم عدَّة من رُؤْس الْغنم ويشكو الْجُوع وَالنَّار ثمَّ انحل ذَلِك وَأَجَازَهُ الشَّيْخ بالتربية والارشاد وَلما مَاتَ الشَّيْخ شرع يلقن ويخلى فتشوش جمَاعَة الشَّيْخ وَقَالُوا ولد ابْنَته سيدى مُحَمَّدًا حق بارث المشيخة وَتوجه جمع مِنْهُم الى زَاوِيَة دمرداش فَضربُوا صَاحب التَّرْجَمَة وجماعته وأخرجوهم من الْخلْوَة فَشَكَاهُمْ الى شيخ الْحَنَفِيَّة على بن غَانِم المقدسى وَشَيخ الشَّافِعِيَّة الشَّمْس الرملى فأرسلا يَقُولَانِ ان لم يحصل الْكَفّ عَن هَذَا الرجل والا أخبرنَا الْحَاكِم بِمَا نعلمهُ من أَحْوَال الْفَرِيقَيْنِ فكفوا وَبنى الامر على السّكُون وَلم يزل أَمر الشَّيْخ عبد الله فى ازدياد حَتَّى اشْتهر بالمكاشفات وشوهد لَهُ كرامات شَتَّى من جُمْلَتهَا انه دخل بَيته لَيْلًا فى الظلمَة فأضاء هيكله وَصَارَ كالشمعة ثمَّ تحول من زَاوِيَة الشَّيْخ دمرداش وَسكن بمدرسة ابْن حجر بِخَط حارة بهاء الدّين فَأقبل النَّاس عَلَيْهِ أَكثر واشتهر ذكره وَبعد صيته وَلم يزل يسوح فى رياض الاذكار الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى بعد الالف وَهُوَ فى عشر التسعين وَدفن تجاه الْمدرسَة وَله عدَّة رسائل فى الطَّرِيق واستخلف أَخَاهُ الشَّيْخ مُحَمَّدًا رَحمَه الله تَعَالَى عبد الله بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ الحنفى امام مدرسة شادى بك خَارج دمشق بمحلة القنوات كَانَ فَاضلا وَله معرفَة بعدة فنون أجلهَا الْعَرَبيَّة وفروع الْفِقْه مَعَ مُشَاركَة فى أصُول الْفِقْه الى غير ذَلِك وَكَانَ حسن الاخلاق ضَاحِك السن عادم الكلفة سمح الْكَفّ مَعَ ضيق يَده قَرَأت بِخَط عبد الْكَرِيم بن مَحْمُود الطارانى فى مَجْمُوع ترْجم فِيهِ بعض من أدركهم من الْعلمَاء وَمِنْهُم صَاحب التَّرْجَمَة قَالَ فى تَرْجَمته ورد الى دمشق من مصر فى سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَاخْتَارَ الاقامة بهَا فتديرها ولازم عُلَمَاء دمشق مُدَّة وَاسْتمرّ بهَا زَمَانا الى أَن اشْتهر وَصَارَ خَطِيبًا بِجَامِع العداس بمحلة القنوات واماما بمدرسة شادى بك بالجامع الاموى أَيَّامًا مَا قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وأخبرنى انه قَرَأَ الْعلم زَمَانا بِمصْر وَمن جملَة أشياخه الَّذِي أَخذ عَنْهُم وأجازوه بالاقراء الشَّيْخ الامام على بن غَانِم المقدسى وَشَيخ الادب مُحَمَّد الحنبلى الْمَعْرُوف بالفارضى صَاحب الْمَقْصُورَة فى مديح مفتى الرّوم عَلامَة الْوُجُود الْمولى أَبى السُّعُود وَكَانَ مُدَّة اقامته يظْهر كَمَال الشوق الى زِيَارَة الْبَيْت الْحَرَام والتثام ثرى الْقَبْر الشريف قَالَ الْحسن البورينى وسمعته يلهح بِهَذِهِ الْكَلِمَات (ارى نفسى باشواق رهينه ... لقبر قد ثوى وسط المدينه) (وللبيت الْحَرَام وَمَا حواه ... من الدُّرَر المعظمة الثمينة) فاتفق انه فى سنة أَربع بعد الالف ولى امامة الركب الشامى وَحج فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ الْحَاج الى منزلَة الجديدة بَين الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَأَرَادَ الرحلة مِنْهَا قدمت لَهُ نَاقَة من جمال السلطنة فَلَمَّا أَرَادَ ركُوبهَا وقصته فَمَاتَ شَهِيدا عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة وَدفن ثمَّة رَحمَه الله تَعَالَى عبد الله بن مُحَمَّد بن محيى الدّين عبد الْقَادِر بن زين الدّين بن نَاصِر الدّين النحراوى الحنفى أوحد الْفُضَلَاء الْفُقَهَاء وَأجل أَصْحَاب التخاريج فى مَذْهَب النُّعْمَان الَّذين تكحلت بحبرهم عُيُون الْفَتْوَى فى عصره ارْتَفع الى ذرى الْفَضَائِل وسابق فى حلبة الْعُلُوم فحاز قصب الفواضل أَخذ عَن وَالِده فسرى فى ليل الْمجد فباكره الْفَلاح وَحط رَحْله فى شأو الْعلم فَمَا ترك من أَبِيه مغدى وَلَا مراح وَأفْتى ودرس وَنزل فى ساحة الْفضل وعرس وَأخذ عَنهُ الْخلق الْكثير وانتفع بِهِ الجم الْغَفِير وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى أحد الربيعين سنة سِتّ وَعشْرين وَألف عَن نَحْو خمسين سنة السَّيِّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الحسينى المغربى الاصل ثمَّ القاهرى الشافعى الْمَعْرُوف بالطبلاوى ولنزوله بِمصْر عِنْد الشَّيْخ الْعَلامَة نَاصِر الدّين الطبلاوى الشافعى وَكَانَ أعظم شُيُوخه الشَّيْخ الْمَذْكُور أَخذ عَنهُ عدَّة عُلُوم مِنْهَا علم القراآت وساد فِيهَا سيادة عَظِيمَة بِحَيْثُ انه كتب فِيهَا حواشى عل شرح الشاطبية للجعبرى بِخَطِّهِ جردها تِلْمِيذه الشَّيْخ سُلَيْمَان اليسارى المقرى وَانْفَرَدَ بِعلم اللُّغَة فى زَمَنه على جَمِيع أقرانه بِحَيْثُ انه كتب نسخا مُتعَدِّدَة من الْقَامُوس وَاخْتصرَ لِسَان الْعَرَب وَسَماهُ رشف الضَّرْب من لِسَان الْعَرَب لم يكمل وَكَانَ عَارِفًا بارعا بِعلم الْعرُوض وَله شرح على تأنيس المروض فى علم الْعرُوض وَله شرح على عُقُود الجمان فى الْمعَانى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 وَالْبَيَان تأليف الْجلَال السيوطى وَله حَاشِيَة على حَاشِيَة الْعَلامَة الْبَدْر الدمامينى على مغنى اللبيب لِابْنِ هِشَام وَسُئِلَ عَن معنى بَيت النهروانى وَهُوَ (فِيك خلاف لخلاف الذى ... فِيهِ خلاف لخلاف الْجَمِيل) فَأجَاب بقوله من أَبْيَات (ان كَلَام النهروانى الذى ... ذكرتموه فِيهِ مدح جليل) (ترَاهُ من لفظ خلاف حوى ... أَرْبَعَة مِنْهَا خلاف الْجَمِيل) (يعْنى قبيحا قبله ثَالِث ... خِلَافه وَهُوَ جميل نبيل) (خِلَافه الثانى قَبِيح ففى ... خِلَافه الاول مدح جميل) وَرَأَيْت لَهُ تَرْجَمَة بِخَط صاحبنا الْفَاضِل اللبيب مصطفى بن فتح الله قَالَ فِيهَا فرع نما من أَفْخَر نسب جَامع فضيلتى الْعلم والحسب (أَلا ان مخزوما لَهَا الشّرف الذى ... غَدا وَهُوَ مَا بَين الْبَريَّة وَاضح) (لَهَا من رَسُول الله أقرب نِسْبَة ... فيا لَك عزا نَحوه الطّرف طامح) كَانَ من المشتغلين بِالْعلمِ فقها وأصولا وَمن أَعْيَان الادباء نثرا ونظما وَكَانَ خطه يضْرب بِهِ الْمثل فى الْحسن وَالصِّحَّة وَكتب بِخَطِّهِ من الْقَامُوس نسخا هى الْآن مرجع المصريين لتحرية فى تحريرها وَكَانَ كريم النَّفس حسن الْخلق والخلق من بَيت علم وَدين لَهُ شُيُوخ كَثِيرُونَ مِنْهُم الْعَلامَة أَبُو النَّصْر الطبلاوى وَالشَّمْس الرملى والشهاب أَحْمد بن قَاسم العبادى وَغَيرهم من أكَابِر الْمُحَقِّقين وَاسْتمرّ حسن السِّيرَة جميل الطريقه الى أَن نقل من مجَاز دَار الدُّنْيَا الى الْحَقِيقَة وشعره مَشْهُور ونثره منثور ولواء حَمده على كَاهِل الدَّهْر منشور وَله قصيدة مدح بهَا أستاذه الطبلاوى الْمَذْكُور وَالْتزم فى قوافيها تجنيس الْخَال وهى مَشْهُورَة ومطلعها يَا سلسلة الصدغ من لواك على الْخَال وَذكره الخفاجى وأخاه السَّيِّد مُحَمَّد وَأثْنى عَلَيْهِمَا كثيرا وَكَانَت وَفَاة السَّيِّد عبد الله فى صبح يَوْم الِاثْنَيْنِ مستهل ذى الْحجَّة سنة سبع وَعشْرين وَألف وَصلى عَلَيْهِ بالازهر وَدفن بِالْقربِ من الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سيدى عمر بن الْعَارِف وَقد ناهز السّبْعين وَكَانَ مولده بقرية يُقَال لَهَا أَبُو الريش بِالْقربِ من دمنهور الْوَحْش بالبحيرة عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حسن بروم ابْن مُحَمَّد بن علوى الشيبه ابْن عبد الله بن على بن الشَّيْخ عبد الله باعلوى الْمسند الاخبارى الْعلم الصوفى ولد بتريم وَحفظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 الْقُرْآن وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وَقَرَأَ القراآت وَأَخذهَا عَن جمع ثمَّ اشْتغل بعلوم الدّين فَأخذ عَن الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس ولازمه فى جَمِيع دروسه وتفقه على قاضى تريم وفقيهها القاضى عبد الرَّحْمَن بن شهَاب وعَلى الشَّيْخ الامام مُحَمَّد بن اسماعيل بَافضل وَسمع من كثيرين وَصَحب جمَاعَة من الاكابر واشتغل بعلوم الصُّوفِيَّة ثمَّ ارتحل الى الْيمن والحجاز وجاور بالحرمين سِنِين وَأخذ بهما عَن جمَاعَة وَكَانَ كثير الاعتمار وَالصَّلَاة وَالطّواف وتلاوة الْقُرْآن قَلِيل الِاجْتِمَاع بِالنَّاسِ ثمَّ رَجَعَ الى وَطنه تريم وَأخذ عَنهُ خلق كثير لَا سِيمَا الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَكَانَت تعتريه حِدة عِنْد المذاكرة وَكَانَ يحضر درس الشَّيْخ على زين العابدين وَيتَكَلَّم بِحَضْرَتِهِ فى الْمسَائِل المشكلة فينصت لما يَقُوله وَكَانَ زين العابدين يُحِبهُ ويثنى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كَانَ وَالِده عبد الله بن شيخ يعظمه ويكرمه وَكَانَ قَلِيل الغلال كثير العائلة وَكَانَ لَا يخَاف لومة لائم فى أَمر الدّين وَلَا يقبل من أَرْبَاب الدولة هَدِيَّة وَكَانَ سعى فى تَوْلِيَة أَمر أوقاف آل عبد الله با علوى فولاه السُّلْطَان أمرهَا وَأنْفق على الْفُقَرَاء مِنْهُم وَمن غَيرهم وَاسْتمرّ على ذَلِك مُدَّة يسيرَة ثمَّ سعى كل وَاحِد فى رد مَا كَانَ تَحت يَده من الْوَقْف وَرجع على مَا كَانَ عَلَيْهِ أَولا وَجَرت فى ذَلِك أُمُور ثمَّ سعى لَهُ الشَّيْخ زين العابدين فى امامة الْمَسْجِد الْجَامِع ورتب لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَاسْتمرّ على حَاله حَتَّى مَاتَ فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَقد أناف على السّبْعين وَدفن بمقبرة زنبل عبد الله بن مُحَمَّد قاضى الْقُضَاة بالشأم الْمَعْرُوف بالطويل الْفَقِيه المتشرع الدّين الْخَيْر المتقى ولى قَضَاء حلب ثمَّ دمشق وَورد اليها فى سنة سِتّ وَسبعين وَألف واجتهد فى اجراء الاحكام والتصلب فى أَمر الشَّرْع وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ السّكُون وَهُوَ فى الْعِفَّة والاستقامة أعظم من رَأَيْنَاهُ وَسَمعنَا بِهِ وَكَانَ مثابرا على الْعِبَادَة كثير التَّرَدُّد الى الْمَسْجِد الْجَامِع مواظبا على فعل الْخَيْر وكل أَحْوَاله تدل على صَلَاح حَاله ثمَّ عزل عَن دمشق وَتوجه الى الرّوم فَلم تطل مدَّته حَتَّى توفى وَكَانَت وَفَاته فى حُدُود سنة ثَمَان وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد أَحْمد قسم ابْن علوى بن عبد الله بن على بن الشَّيْخ عبد الله با علوى امام أهل زَمَانه فى الزّهْد والورع ولد بِمَدِينَة قسم ونشأبها وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب عُلَمَاء زَمَانه وَأخذ عَن جمع مِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْمعلم وَجَمَاعَة من آل باقشير وَآل باشعيب ورحل الى تريم فَأخذ عَن الشَّيْخ أَبى بكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 الشلى وَعَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف العيدروس وَالشَّيْخ الْجَلِيل الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى السَّيِّد حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الحبشى وَلَزِمَه وحذا حذوه فى الْعُزْلَة وَقِرَاءَة كتب الصُّوفِيَّة لَا سِيمَا كتب الشاذلية والكتب الغزالية وَغَيرهم ثمَّ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ بِمَكَّة عَن غير وَاحِد ثمَّ رَحل إِلَى الْمَدِينَة وتوطنها واشتهر بهَا شَأْنه وَكَانَ كثير المطالعة لكتب الاولين لَا سِيمَا كتاب الاحياء فانه كَانَ ملازما لقرَاءَته وروى انه الْتزم بِالنذرِ كل يَوْم قِرَاءَة بعضه الا لعذر من سَفَره ومرضه وَأخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ مِنْهُم الْجمال الشلى المؤرخ وَكَانَ عَارِفًا بِكَلَام الْقَوْم واصطلاحاتهم واذا تكلم فى مسئلة أفادوا وأجاد متقللا من الدُّنْيَا قانعا مِنْهَا بالكفاف سائراً على طَريقَة سلفه وَمِمَّا يدل على زِيَادَة فَضله ورفعة قدره انه لما طاح بعض قناديل الْحُجْرَة الشَّرِيفَة على الْقَبْر الشريف فتحير أهل الْمَدِينَة فى ذَلِك وَأَرْسلُوا الى الْخَلِيفَة السُّلْطَان مُحَمَّد بن ابراهيم يخبرونه بذلك فَاسْتَشَارَ أَعْيَان أَصْحَابه فى ذَلِك فاتفقوا على أَن لَا يتعاطى اخراجه الا أفضل أهل الْمَدِينَة فَأرْسل اليهم يَأْمُرهُم بذلك فَأَجْمعُوا على أَن الْمُسْتَحق لهَذَا الْوَصْف صَاحب التَّرْجَمَة فأخبروه بِأَمْر السُّلْطَان فامتثل الامر ورفعوه فى لوح وأنزلوه على الْقَبْر الشريف فَرفع الْقنْدِيل ثمَّ أرْسلُوا بِهِ الى السُّلْطَان فَوَضعه فى خزانته وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من أكَابِر عصره وَكَانَت وِلَادَته فى سنة خمس عشرَة وَألف وَتوفى بِالْمَدِينَةِ نَهَار الاربعاء أول شعْبَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بِالبَقِيعِ وقبره مَعْرُوف يزار عبد الله بن مُحَمَّد بن قَاسم الْمَعْرُوف بقاسم زَاده الحلبى الاصل القسطنطينى المولد المنشأ والوفاة قاضى الْقُضَاة الْفَاضِل اللوذعى الحذق الباهر الطَّرِيقَة نَشأ وَقَرَأَ على وَالِده الْعَلامَة الشهير مُحَمَّد بن قَاسم المترجم فى الريحانة الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى وبرع وتفوق ثمَّ درس بمدارس الرّوم وَولى قَضَاء الْقُدس ثمَّ قَضَاء ازمير ثمَّ قَضَاء الشأم فى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ والف وَكَانَ أحد أَعَاجِيب الزَّمَان فى فصل الاحكام واستحضار الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة فَلَا يشذ عَن فكره مِنْهَا الا الْقَلِيل وَكَانَ مَعَ كَونه متكيفا مُسْتَغْرقا فى الكيف حَاضر الذِّهْن جدا واذا عرض عَلَيْهِ أطول حجَّة أوصك انساق فكره الى منَاط الحكم بِسُرْعَة وَأصَاب فِيهَا المحزو بِالْجُمْلَةِ فَلم ير مثله فى هَذَا الْبَاب ثمَّ عزل عَن قَضَاء الشأم وَورد الرّوم وأقرأ دروسا خَاصَّة فى أَنْوَاع الْفُنُون وَلم تطل مدَّته بعد ذَلِك حَتَّى توفى الى رَحْمَة الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى الثَّامِن وَالْعِشْرين من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 شهر رَمَضَان سنة احدى وَتِسْعين وَألف عبد الله بن مُحَمَّد طَاهِر بن مُحَمَّد صفا التاشكندى الاصل المكى الشهير بعباسى لكَونه ولد فى الطَّائِف الْمَعْرُوف عِنْد بعض النَّاس بوادى الْعَبَّاس أحد صُدُور الشَّافِعِيَّة بالديار المكية وَمِمَّنْ برع فى فنون الْعَرَبيَّة كَانَ ذَا همة عالية واخلاق لَطِيفَة قطع ريعان عمره وشيخوخته بالاشتغال بِالْعلمِ والانهماك عَلَيْهِ وَكَانَ ذكى الْفَهم حسن الْعبارَة لطيف المحاضرة ويغلب عَلَيْهِ حِدة المزاج مَعَ سَلامَة الصَّدْر ولد بِمَكَّة فى سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف تَقْرِيبًا وَأخذ عَن السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَهُوَ آخر تلامذته موتا وَصَحب الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ وَأخذ عَنهُ الطَّرِيق وتلقن مِنْهُ الذّكر وَلبس الْخِرْقَة وَأَجَازَهُ بمروياته ولازم خدمته سِنِين كَثِيرَة وَمَات وَهُوَ عَنهُ رَاض وَكَانَ يَقُول كل مَا أَنا فِيهِ من الْخَيْر وَالْبركَة فَهُوَ من سيدى سَالم وَلذَلِك كَانَ كثير الادب مَعَ أَوْلَاده ملازما لَهُم فى سَائِر أَحْوَاله وَأخذ الْفِقْه وَغَيره عَن الْعَلامَة على بن الْجمال وَعبد الله بن سعيد باقشير وَمُحَمّد بن عبد الْمُنعم الطائفى وَلما قدم الشَّمْس مُحَمَّد البابلى الى مَكَّة لَازمه كثيرا وَأخذ عَنهُ واختص بِهِ وَكَانَ يطالع لَهُ دروسه وَأخذ عَن الْعَلامَة عِيسَى المغربى وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان وَحكى انه لما حج النَّجْم الغزى مُحدث الشأم ذهب مَعَ شَيْخه البابلى وَأخذ عَنهُ وَأَجَازَهُ بمروياته وَصَحب السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الرَّحْمَن الادريسى وَتوجه صحبتة الى الْيمن وَدخل زبيد والمخا وموزع وغالب تهَامَة وَأخذ عَمَّن بهَا من أكَابِر الْعلمَاء وَأَجَازَهُ عَامَّة شُيُوخه وتصدر للتدريس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام بِأَمْر من شُيُوخه وَأخذ عَنهُ فضلاء فخام مِنْهُم السَّيِّد أَحْمد بن أَبى بكر شَيْخَانِ وَأَخُوهُ سَالم وَابْن عَمهمَا السَّيِّد مُحَمَّد بن عمر وَعمر وَعبد الله بن سَالم البصرى والامام على بن فضل الطبرى وَأحمد ابْن أَبى الْقسم الخلى وَمُحَمّد بن أَحْمد الاسدى وَحضر دروسه الاخ الْفَاضِل مصطفى ابْن فتح الله وَأَجَازَهُ بمروياته وَكَانَت وَفَاته فى ثانى عشر شَوَّال سنة خمس وَتِسْعين وَألف بِمَكَّة وَدفن بحوطة السَّادة آل شَيْخَانِ قدس الله تَعَالَى أسرارهم بالمعلاة رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد عبد الله بن مُحَمَّد حجازى بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد أَبى الْفَيْض الشهير بِابْن قضيب البان الحلبى الحنفى الْفَاضِل الاديب الشَّاعِر المنشى البليغ كَانَ وَاحِد الزَّمن وغرة جبهة الدَّهْر وَله فى الْفضل شهرة طنانة وَحَدِيث لَا يمل وَكَانَ مَعَ علو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 قدره وسمو شَأْنه لين قشرة الْعشْرَة ممتع المؤانسة حُلْو المذاكرة جَامعا آدَاب المنادمه عَارِفًا بِشُرُوط المعاقره وَكَانَ أحد المبرزين بِحسن الْخط مَعَ أَخذه من البلاغة بأوفر الْحَظ وَله تآليف سَائِغَة مِنْهَا نظمه للاشباه الْفِقْهِيَّة وَكتاب حل العقال وذيل على كتاب الريحانة وَلم يكمله وشعره وانشاؤه فى الالسنة الثَّلَاثَة حُلْو مطبوع وَكَانَ دأب فى طَلِيعَة عمره وَحصل وَأخذ عَن جملَة من الْعلمَاء مِنْهُم الْعَلامَة مُحَمَّد بن حسن الكواكبى مفتى حلب والمنلا مُحَمَّد امين اللارى قدم عَلَيْهِم حلب وَالسَّيِّد مُحَمَّد التَّقْوَى الْحَكِيم وَالشَّيْخ مصطفى الزيبارى وتفوق وتصدر للتدريس فى الْمدرسَة الحلاوية وَولى نقابة الاشراف وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء ديار بكر ثمَّ استدعاه الْوَزير الْفَاضِل لما بلغه فَضله فانحاز اليه وَاشْتَدَّ اخْتِصَاصه بِهِ وَحل مِنْهُ مَحل الْوَاسِطَة من العقد فسير فِيهِ قصائد فائقة أنشدنى مِنْهَا جلها فَلم يعلق فى خاطرى مِنْهَا أَلا قَوْله من قصيدة حَسَنَة التَّرْكِيب وَذَلِكَ مَحل التَّخَلُّص مِنْهَا (ولرب يَوْم قد تلفعت الضُّحَى ... مِنْهُ بثوبى قسطل وغمام) (حسرت فناع النَّقْع عَنهُ عصبَة ... غبر الْوُجُوه مضيئة الاحلام) (متجردين الى النزال كَأَنَّمَا ... يتجردون لواجب الا حرَام) (لَا يأنسون بِغَيْر أَطْرَاف القنا ... كالاسد تألف مربض الآجام) (يسرى بهم نجمان فى ليل الوغى ... رأى الْوَزير وَرَايَة الاسلام) ثمَّ ترقى عِنْده فى الْمنزلَة حَتَّى استدعاه اليه وصيره نديم مَجْلِسه الْخَاص فحسده حواشى الْوَزير وَدخل اليه أحدهم فى زى نَاصح يَقُول لَهُ ان حَال الدولة فى تقلباتها لَيْسَ بالخفى وَقد امكنت الفرصة فاذا طلبت قَضَاء نلْت مَا طلبته على الْفَوْر فانساغ لهَذَا القَوْل وَوَقعت مِنْهُ هفوة الطّلب والالحاح فانحرف الْوَزير عَلَيْهِ وَظن أَنه سئم من مَجْلِسه فَوجه اليه قَضَاء ديار بكر اسْتِقْلَالا فَتوجه اليه وَكَانَ من خبرته وتجربته للامور سيء التَّدْبِير فانزوى عَن الِاجْتِمَاع بِأحد وفوض أَمر الْقَضَاء لرجل من أَتْبَاعه فَتَجَاوز الْحَد فى أَخذ مَال النَّاس والرشوة وَلم يُمكنهُم عرض ذَلِك على السَّيِّد صَاحب التَّرْجَمَة فشكوا أَمرهم الى جَانب السلطنة فعزلوه وانخفض قدره وَأقَام مُدَّة طامعا فى أَن يحصل على غَرَض من اغراضه فَمَا قدر لَهُ وَاسْتمرّ بالروم نَحْو خَمْسَة اعوام منزويا وَاجْتمعت بِهِ فى أَيَّام انزوائه بقسطنيطينية ومدحته بقصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 (بدا فَأَرَاك الْغُصْن والشادن الخشفا ... بديع جمال جَاوز النَّعْت والوصفا) (أغن يكَاد الظبى يَحْكِي التفاته ... وتختلس الصَّهْبَاء من جِسْمه لطفا) (اذا طرفت مِنْهُ الْعُيُون بلمحة ... فأيسر شئ مِنْهُ مَا ينهب الطرفا) (تروح بِهِ الالباب نهب هجيره ... وَمَا عفرت خدا وَلَا انتشقت عرفا) (سقى عَهده بالسفح حلَّة هاطل ... من المزن لم يطو الزَّمَان لَهَا سجفا) (أَوَان توافينا نشاوى من الصِّبَا ... وَلم يبْق منا الوجد الاهوى يخفى) (تحجبنا الظلماء حَتَّى كأننا ... رعينا لَهَا من كل مكرمَة صنفا) (وَبَات يحيينى بممزوجة الطلا ... فانى قد آلَيْت لاذقتها صرفا) (الى أَن تولى اللَّيْل قَائِد جَيْشه ... وَرَاح سُهَيْل الافق يقدمهُ طرفا) (وقفنا وأدمينا المحاجر بُرْهَة ... فسالت نفوس فى مهارقنا ذرفا) (وَسَار مسير الْبَدْر يطوى منازلا ... على انه لَا محق فِيهِ وَلَا خسفا) (فأودعني مِنْهُ تعلة وامق ... وزفرة وجد لم تكد أبدا تطفا) (أسر بتجديد الْهوى ذكره عَهده ... وان كنت لَا أقوى لاعبائه ضعفا) (عدمت فؤاد الم تبت فِيهِ لوعة ... من الْعِشْق تذكيه لواعجها لهفا) (أَبيت ولى قلب يقلب فى الجوى ... فللشوق مَا أبدى وللوجد مَا أخْفى) (ويذكرنى عهد التصابى مغرد ... من الشجو يَتْلُو فى أغاريده صحفا) (كِلَانَا غَرِيب يشتكى فقد الفه ... فيبكى وَحقّ الالف أَن يبكى الالفا) (تعللنا الآمال وهى كواذب ... وَمن دونهَا وعد نرى دونهَا خلفا) (فليت الْهوى فِينَا رخاء صَنِيعه ... وَلم يبْق رحما من لدينا وَلَا عطفا) (فنفرغ عَن كل الآمانى لمدح من ... بِهِ صَحَّ جسم الْفضل من بعد مَا أشفى) (هُوَ ابْن الحجازى الرفيع جنابه ... أعز الورى جاها وَأَعْلَاهُمْ كهفا) (فَتى طابت الدُّنْيَا بِحسن خصاله ... وَلم يبْق فِيهَا الدَّهْر خطبا وَلَا صرفا) (تثقفت الآراء مِنْهُ بأروع ... يخيف الضوارى حَيْثُ مَا اقتحمت حرفا) (ويفتر عَن لألاء بشركانه ... مقبل شاد لَا تمل بِهِ الرشفا) (فَمَا رَوْضَة قد فاح نشر عبيرها ... بأطيب يَوْمًا من خلائقه عرفا) (تحلت بِهِ الاعناق عقد مواهب ... اذا مَا هطلن استحين المزنة الوطفا) (فَمَا تنطق الافواه الا بمدحه ... وَلَا ترفع الآمال الا لَهُ كفا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 (فديتك يَا من لَو صرفت لمدحه ... جَمِيع وجودى رحت أَحْسبهُ قذفا) (وأحقر فِيهِ الْمَدْح حَتَّى لَو انه ... تجَاوز ضعف الضعْف بل مثله ضعفا) (فيأيها الْمولى الذى عَم جوده ... وَمن عِشْت دهر الم أُفَارِق لَهُ عطفا) (لرحماك أَشْكُو من زمانى حوادثا ... أبادت بقايا الصَّبْر من جلدى عنفا) (فَمَا كنت الا الشَّمْس فى فلك العلى ... تعدى عَلَيْهَا الْبَين فانمحقت كسفا) (حنانك فالحظنى بنظرة مُشفق ... تنبه منى الْحَظ من بعد مَا أغفى) (ودونكها وَرْقَاء فى روض محتد ... تقلد أذن الدَّهْر من درها شنفا) (تود نُجُوم الافق لَو كن منطقا ... لَهَا وكلا البدرين يشطرها وحفا) (نثرت عَلَيْهَا من مديحك لؤلؤا ... فأهوت أيادى الْمجد ترصفه رصفا) (تمتّع بهَا واستر بعفوك هفوها ... فَمن دونهَا الحساد ترمقها طرفا) (وَدم فى عرين الْعِزّ صدر ليوثه ... وكل البرايا مِنْك قد نكبت خلفا) (مدى الدَّهْر مَا جَادَتْ قريحة شَاعِر ... بِبَيْت فحاز الْفَخر دُنْيَاهُ واستكفى) فَمَا أنشدتها بَين يَدَيْهِ نشط لَهَا وتبجح بهَا وَتحفظ أغلبها وأجزل صلتى عَلَيْهَا وَمن عهدها لَزِمته لُزُوما لَا انفكاك مَعَه وَوَقع لى مَعَه محاورات عَجِيبَة من جُمْلَتهَا انى دخلت عَلَيْهِ يَوْمًا فى وَقت الصبوح فرأيته نَائِما فَكتبت هَذِه الابيات بديهة ووضعتها على وسادته وهى (أَيهَا الراقد طَابَ الْعَيْش ... فاستحكم فَلَا حك) (قُم نبا كرها شمولا ... تبْعَث الْيَوْم انشراحك) (واصطبح كأس الحميا ... أسعد الله صباحك) فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ دعانى اليه وَجَلَسْنَا نتفاوض المطارحة والمساجلة ثمَّ استغرق بِنَا الْوَقْت ثَلَاثَة أَيَّام فَكَانَ يَقُول لى كل بَيت بِيَوْم وَدخلت عَلَيْهِ يَوْمًا فَوَجَدته منقبضا والفكرة قد استوعبه وَكَانَ اذ ذَاك فى غَايَة الانحطاط فَأَنْشَدته (وَلَو كَانَ عقل النَّفس فى الْمَرْء كَامِلا ... لما أضمرت فِيمَا يلم بهَا هما) فأنشدنى على الْفَوْر (وَمَا ذَنْب الضراغم حَيْثُ كَانَت ... وصير زَادهَا فِيمَا يذم) وَوَقع حريق فى دَاره فَاحْتَرَقَ لَهُ شئ من الملبوس والكتب فَكتبت اليه مسليا (فدى لَك مَا على الدُّنْيَا جَمِيعًا ... فعش فى صِحَة وابل الربوعا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 (لَئِن جزع الانام لفقد شئ ... فلست لفقدك الدُّنْيَا جزوعا) (تعلمنا الاناءة مِنْك حَتَّى ... توطنا بهَا الشّرف الرفيعا) (أَفَاضَ الله جودك فى البرايا ... وَأنْبت من أياديك الربيعا) (وصورك الْمُهَيْمِن من كَمَال ... لتعلم صنع خالقك البديعا) (فمرواحكم بِمَا تخْتَار فِينَا ... تَجِد كلا كَمَا تهوى مُطيعًا) (فَلَو كلفت يَوْم الامس عودا ... لخاض اللَّيْل وَاخْتَارَ الرجوعا) (وَلَو ناديت سَهْما فى هَوَاء ... لعاد الْقَهْقَرَى وأتى سَرِيعا) (يضم الْبرد مِنْك أَخا فخار ... يبيت اللَّيْل لَا يدرى الهجوعا) (وانى من بجودك قد ترقى ... وَحل من العلى حصنا منيعا) (خلقت على الْوَفَاء لكم مُقيما ... وأوفى النَّاس من حفظ الصنيعا) وَمِمَّا طارحنى بِهِ فى جملَة مطارحاته انه لما كَانَ مر بِدِمَشْق قَاصِدا الْحَج شغف بِأحد أَبنَاء سراتها وَكَانَ من الاشراف قَالَ ثمَّ فارقته وتباكينا عِنْد التوديع فَكتبت اليه من الطَّرِيق مضمنا بَيت البحترى فَقلت (يَا آل بَيت الْمُصْطَفى هَل رَحْمَة ... لفؤاد مشبوب الجوانح ثَائِر) (ضلت نواظره الرقاد وَمَا اهتدت ... ببياض دمع من سَواد ضمائر) (دمع تعلق بالشؤون فساقه ... زفرات برح من جوى متخامر) (لَو تنْظرُون الى الشتيت وسربه ... يقفو سروب زواخر زوافر) (لعذرتموه وَمَاله من عاذل ... وعذلتموه وَمَاله من عاذر) (واها لايام تقضت خلسة ... فى ظلّ دوح بالسيادة ناضر) (دوح عَلَيْهِ من النبى مُحَمَّد ... وضح الصَّباح ونفح روض باكر) (لم أنسه يَوْم الْوَدَاع وطرفه ... يرنوا لى شعث النجيب الضامر) (وفعاله تبدى نفاسة عرفه ... فى فضل وَجه بالسماحة زَاهِر) (حَتَّى اذا جدت بِنَا ذلل النَّوَى ... وَالْعين تسفح بالنجيع المائر) (سرنا وعاود كالمقيم وَرُبمَا ... كَانَ الْمُقِيم علاقَة للسائر) وَمَا زَالَ مُدَّة اقامته يعْمل حِيلَة ويصطنع خدعة ليحصل على أرب فَمَا نَهَضَ بِهِ حَظّ وَاسْتمرّ الى أَن سَافر السُّلْطَان مُحَمَّد الى جِهَة أدرنه فى سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف وَتَبعهُ الْوَزير فلحقهم وَاسْتمرّ مَعَهم مُدَّة خمس وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ قدم الى استانبول وأشاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 انه أعْطى قَضَاء الْقُدس والتفتيش على الاشراف بِبِلَاد الْعَرَب وَأقَام أَيَّامًا قَليلَة ثمَّ سَافر وَالْتزم التفتيش من حِين دُخُوله الى بَلَده حلب الى أَن دخل الْقَاهِرَة من طَرِيق السَّاحِل وَأَرَادَ أَن يفعل ذَلِك فى الْقَاهِرَة فَلم يمكنوه وَرُبمَا أَرَادوا ايقاع مَكْرُوه بِهِ فَخرج حَاجا ثمَّ بعد ان حج رَجَعَ من طَرِيق الشَّام وَتوجه الى حلب وَأقَام بهَا فى رفْعَة وصولة وَالنَّاس يعظمونه ويحترمون ساحته واشتغل مُدَّة بالاقراء فأقرأ التَّلْوِيح وانكف عَن أُمُور مَحْذُورَة كَانَ يرتكبها وَكنت اذ ذَاك قدمت الشَّام فبلغنى حسن مُعَامَلَته للنَّاس وانقياده للزمن فَكتبت اليه قصيدة أَولهَا (أرى النّدب من صافى الزَّمَان المحاربا ... وأغبى الورى من بَات للدهر عاتبا) (أتعتب من لَا يعقل العتب والوفا ... وَلَا همه شئ فيخشى العواقبا) (وان ضن لم يسمح بمثقال ذرة ... وَلم يبْق موهوبا وَلم يبْق واهبا) (وَلَا جنَّة تغنيك ان كَانَ مَانِعا ... وَلَا منزل يؤويك ان كَانَ طَالبا) (أحاول شكواه فَألْقى نوائبا ... تهون عندى مِنْهُ تِلْكَ النوائبا) (ولين يسْبق الاقدار من كَانَ سَابِقًا ... وَلَا يغلب الايام من كَانَ غَالِبا) (وَمن صحب الدُّنْيَا وَلَو عمر سَاعَة ... رأى من صروف الدَّهْر فِيهَا عجائبا) (وقفر كَيَوْم الْحَشْر أَو شقة النَّوَى ... يضل القطا أعملت فِيهِ النجائبا) (وليل كقلب السامرى قطعته ... الى أَن حكى بِالْفَجْرِ أسود شائبا) (وَمَا كنت أرْضى بالنوى غير أننى ... جدير بَان لَا ارتضى الذل صاحبا) (فنظمت من در الْمعَانى قلائدا ... جعلت قوافيها النُّجُوم الثواقبا) (ويممت أقْصَى الارض فى طلب العلى ... وَلم أصطحب الا القنا والقواضبا) (فلاقيت فى الاسفار كل غَرِيبَة ... وَمن يغترب يلق الامور الغرائبا) (وخلفت من يَرْجُو من الاهل أَو بتى ... كَمَا انْتظر الْقَوْم العطاش السحائبا) (وَكم قَائِل لاقرب الله دَاره ... وَمن يتَمَنَّى لَو بلغت المطالبا) (فعدت على رغم الْفَرِيقَيْنِ سالما ... وَلم أقض من حق الْفَضَائِل وَاجِبا) (وحسبى وجود ابْن الحجازى نائلا ... بِهِ لم أزل ألْقى المنا والمآربا) (فَتى قد جهلت الْعسر مُنْذُ عَلمته ... ولانت لى الايام عطفا وجانبا) (وَأصْبح يلقانى الْعَدو مسالما ... وَقد كَانَ يلقانى الصّديق مُحَاربًا) (تخيم فَوق الفرقدين مقَامه ... وَمد على أفق السَّمَاء مضاربا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 (بعزم يرد الْخطب والخطب مقبل ... وَرَأى وتدبير يرد الكتائبا) (وحزم يُمَيّز الْحق من غير رِيبَة ... وَحكم يديب الشامخات الرواسبا) (فراسته تغنيك عَن ألف شَاهد ... تريه من الاشياء مَا كَانَ غَائِبا) (لقد نسخت أنواره كل ظلمَة ... كَمَا نسخت شمس النَّهَار الغياهبا) (وقور كَانَ الطير فَوق جليسه ... ترى الدَّهْر مِنْهُ خَائِف الدَّهْر رَاهِبًا) (أَخَاف سِبَاع الطير من سَوط رَأْيه ... فَكَادَتْ لفرط الْخَوْف تلقى المخالبا) (وَلَو أدْرك الْمَجْنُون أَيَّام حكمه ... لَا عرض عَن ليلى وَأصْبح تَائِبًا) (جواد بِمَا يحويه فى كل حَالَة ... اذا مل قوم لم يمل المواهبا) (نقى عَن الْفِعْل الْقَبِيح منزه ... كلا حافظين يكتبان الرغائبا) (خَبِير بتحقيق الْعُلُوم مدقق ... اذا جال فى بحث أَرَاك العجائبا) (وان نثرت يمناه فى الطرس لؤلؤا ... كتبنَا على تِلْكَ اللآلى مطالبا) (فَتى لَا يحب الْهزْل والهزل بَاطِل ... وَمَا خلق الله السَّمَوَات لاعبا) (يبيت بحب المكرمات متيما ... اذا عشق النَّاس الحسان الكواعبا) (اذا رمت أَن تحصى فضائله وَلم ... تدع قَلما فى الارض لم تقض وَاجِبا) (فانى رَأَيْته الْمَدْح دون مقَامه ... فَلَا أيتم الرَّحْمَن مِنْهُ المراتبا) وذيلتها برسالة وهى أقسم بِمن جلت عَظمته وعلت كَلمته وسخر الْقُلُوب للمودة المؤبدة وَجعل الارواح جُنُودا مجندة اننى أشوق الى لثم يَد مولاى من الرَّوْض الى الْغَمَام وَمن السارى الى ببلج الْقَمَر فى الظلام وَقد كَانَت حالتى هَذِه وَأَنا جَاره فَكيف الْآن وَقد بَعدت عَنى دَاره وَلَيْسَت غيبته عَنى الا غيبَة الرّوح عَن الْجَسَد الباقى الْمَطْرُوح وَلَا العيشة بعد فِرَاقه الجانى الا كَمَا قَالَ البديع الهمدانى عيشة الْحُوت فى الْبر والثلج فى الْحر وَلَيْسَ الشوق اليه بشوق وانما هُوَ الْعظم الكسير والنزع العسير والسم يسرى ويسير وَالنَّار تشوى وَتَطير وَلَا الصَّبْر عَنهُ بصبر وانما هُوَ الصاب والمصاب والكبد فى يَد القصاب وَالنَّفس رهينة الاوصاب والحين الحائن وَأَيْنَ يصاب وَقد كتبت الى مولاى هَذِه القصيدة وانا لَا أحسبها من الاحسان بعيده وَهَذَا الْكتاب وَقد أنفقت عَلَيْهِ مُدَّة من الْعُمر وصرفت على تحريره حينا من الدَّهْر وحررته وَأَنا مشغوف بذكرك مَشْغُول بحَمْدك وشكرك وعينى تود لَو كَانَت مَكَانَهُ وأمكنت من قطع الْمسَافَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 امكانه كل ذَلِك لتذكرى عَهْدك ومقامى عنْدك فى أَوْقَات ألذ من شفَاه الغيد وأشهى من قبل الخدود ذَات التوريد حَيْثُمَا الْعَيْش آخذ فى طلقه وَاسْتوْفى من الامانى حَقه وَأَنت تقرط سمعى بفرائدك وتملأ صدفة أدنى بلآلى فوائدك من أدب أغزر مَادَّة من الديم وَأنْشط للقلب من بَوَادِر النعم وَلَقَد يعز على أَن ألفى بَعيدا عَنْك مَتْرُوك الذّكر مِنْك وَلَكِن هُوَ الدَّهْر وعلاجه الصَّبْر (فصبرا على الازمان فى كل حَالَة ... فكم فى ضمير الْغَيْب سر محجب) وَرُبمَا تَخَالَجَ فى صدرى لرعونة أوجبهَا طلب ازدياد قدرى أَن يشرفنى بمكاتبه ويؤهلنى الى مخاطبه جَريا على معروفه الْمَعْرُوف وَطَمَعًا فى اغتنام كرمه الْمَوْصُوف حَتَّى أباهى بِكَلِمَة الزَّمَان وأجعلها حرز الامانى والامان وَأَظنهُ يفعل ذَلِك متفضلا لابرح لكل احسان مؤملا فَكتب الى فى الْجَواب (نَحن عفنا الشَّهْبَاء شوقا اليكم ... هَل لديكم بِالشَّام شوقا الينا) (قد عجزتم عَن أَن ترونا لديكم ... وعجزنا عَن أَن نَرَاكُمْ لدينا) (حفظ الله عهد من حفظ الْعَهْد ... ووفى بِهِ كَمَا وَفينَا) اللَّهُمَّ جَامع المحبين بعد الْبَين ومعين القوى على ألم النَّوَى وَمَا جعل الله لرجل من قلبين أَسأَلك بِمَا أودعته فى سرائر المخلصين من أسرار المحبه وَأنْبت فى رياض صُدُورهمْ من الْمَوَدَّة الَّتِى هى كحبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائَة حبه فارع فرع الشَّجَرَة المحبية وَأَصلهَا وأفض عَلَيْهَا فواضلك الَّتِى كَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا واحفظ اللَّهُمَّ هاتيك الذَّات الزكية الَّتِى رؤيتها أجل الامانى وَنور تِلْكَ الصِّفَات الَّتِى اذا تليت تلقتها الاسماع كَمَا تتلقى آيَات المثانى هَذَا وَمَا الصب الى الحبيب وَالْمَرِيض الى الطَّبِيب بأشوق منى الى تلقى خَبره واستماع مَا يفتخر بِهِ الركْبَان من حسن أَثَره وَمَا غرضى من عرض الاشواق الَّتِى ضَاقَتْ عَنْهَا صُدُور الاوراق الا تَأْكِيدًا لما يُحِيط بِهِ علمه الْمُحْتَرَم وتشنيف لمسامع اليراع بِذكر صِفَاته الَّتِى تطرب فيترنم بألطف نغم وَلَقَد كنت أتوقع زيارته لما قدم من الْبَلدة النجرا فَثنى عنان الاعراض وأجرى جواد الانبرا (وَمَا هَكَذَا كُنَّا لقد كَانَ بَيْننَا ... مُعَاملَة عَن غير هَذَا الجفا تنبى) هَذَا وَضمير الاخ أنور من أَن يستضئ بمصباح الِاعْتِذَار وَأعلم بِصدق الْمحبَّة فى حالتى الْقرب والبعد والاعلان والاسرار وَلَيْسَ يندمل الْجرْح منا الا بمرهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 لِقَائِه وَلَا يشفى غليله الا بَرى رُوَائِهِ فالرجاء أَن يتلافى مَا فرط بل أفرط من الاعراض ويسمح بِمَا نتوقعه مِنْهُ بِلَا اغماض (هى الْغَايَة القصوى فان فَاتَ نيلها ... فَكل من الدُّنْيَا على حرَام) وَمن شعره الذى اشْتهر قصيدته الَّتِى أرسلها الى الامير المنجكى وهى قصيدة طَوِيلَة اختصرت مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَار وَهُوَ زبدتها وأولها (سقى جلقا صوب السَّحَاب المزرد ... وباكر من أفنائها كل معهد) (وقلد أجياد الربى فى عراصها ... يَد الْغَيْث عقدى لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد) (وَلَا زَالَ خفاق النعامى منبها ... عُيُون الخزامى بالحفيف المحسد) (وغنت بهَا الاطيار من كل نَغمَة ... تهجن ألحان النديم ومعبد) (لقد هَتَفت مِنْهَا بوجدى سواجع ... تلفع أظلال الغصون وترتدى) (تنوح وتشجينا فتزداد عيمة ... ستعلم ان متْنا صدى أَيّنَا الصدى) (أَشْيَم بروقا بالشآم مثيرة ... عقابيل شوق بالفؤاد المشرد) (وأستاف نشرا كلما هَب ضائعا ... يحدث أنفاس الحبيب المبعد) (فيهتز من رياه قلبى وينثنى ... وَلَوْلَا اهتزاز الْغُصْن لم يتأود) (فوا حرقتى ان لم أبلغ نعيمها ... ووافرقتى ان بت والبين مقعدى) (وَيَوْم بلألاء الكؤس مفضض ... كسته يَد الصَّهْبَاء حلَّة عسجد) (قضيت بِهِ حق الْهوى غير اننى ... مَتى أدن مِنْهُ الْيَوْم ينأى وَيبعد) (رعى الله أَيَّام الْوِصَال فانها ... ألذ من التهويم فى جفن أرمد) (نقضت وضن الدَّهْر مِنْهَا بنهلة ... تبل غليل الشائق المتزود) مِنْهَا (عَسى تقذف الْبَيْدَاء نضوى برحلة ... تنفس عَن أسر المشوق الْمُقَيد) (الى بقْعَة زينت بباقعة الحجى ... سليل المعالى المنجكى مُحَمَّد) (عريق بِلَاد الشَّام درة تاجها ... غياث بنى الْآدَاب مأوى المطرد) مِنْهَا (أخامنجك يَا أكمل النَّاس فطنة ... وأشرفهم بَيْتا بِغَيْر تردد) (صبغت العلى بالمكرمات فَلم تحل ... وينكر فى الاعراض غير التجدد) (أمولاى يَا بدر المعالى وشمسها ... وَيَا رحْلَة الآمال من غير موعد) (لقد ذلقت فى وصف مجدك ألسن ... وعجت بِهِ الركْبَان فى كل مشْهد) (وأهدت لنا من بَحر طبعك لؤلؤا ... على الطرس حَتَّى كَاد يلقط بِالْيَدِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 مِنْهَا (فأسلفتك الا عِظَام والود موفيا ... حُقُوق معاليك الَّتِى لم تعدد) (وقدمت من فكرى اليك ألوكة ... حبتك بمغبوط من الْمَدْح سرمد) (تخبر عَمَّا فى الْقُلُوب من الجوى ... ويأتيك بالاخبار من لم تزَود) (فَأوجب لَهَا حَقًا وأنعم بِمِثْلِهَا ... وعفنى بنظم من عقودك يحمد) (أروى بهَا من لاعج الشوق والنوى ... غليل فؤاد بالصبابة مكمد) (وَآخِرهَا فَأَنت لجفن الدَّهْر سيف وناظر ... ولولاك لم يبصر وَلم يتقلد) ثمَّ أعقبها بِقِطْعَة نثر وهى حَامِل لِوَاء النّظم والنثر وحامى بيضته عَن الصدع وَالْكَسْر مَحل اسْتِوَاء شموس الْكَرم العاصر بمجده عنقود الثريا تَحت الْقدَم وَاسِطَة قلادة الْفَضَائِل وَعقد نظامها وَبَيت قصيدة الْآدَاب ورونق كَلَامهَا جناب الامير ابْن الامير والعطر بَين العبير لَا بَرحت ظلال معاليه ممتدة على مفارق الايام وظل حساده أقلص من جفون العاشق عَن طيب الْمَنَام هَذَا وَلَو أُوتى الداعى لَهُ زكن اياس واستضاء من محاضرة أَبى الْفرج بنبراس وَملك براعة ابْن العميد وأحرز خطب ابْن نباتة وبداهة عبد الحميد وَأعْطى بلاغة الصاحب ونوادر أَبى القندين ونال مقامات البديع ومفاوضات الخالديين وَحَازَ محاورات الاحنف وفصاحة سحبان وحوى منشآت القاضى الْفَاضِل ومدائح حسان ورام أَن يزخرف كلا مَا يُنَاسب مُقْتَضى الْمقَام وَالْحَال لفل حد الْقَلَم وضاق ذرع المجال وان أحجم بقيت فى النَّفس حاجه وعصف على الْقلب ريح حسرة فهاجه فَلذَلِك أقدم على الثَّانِيَة سجيا وَأبْدى لتِلْك الحضرة الْعَالِيَة هَديا فان أكْرم الامير مثواها فنظم من فرائد عوائده فحلاها وَأجَاب بِمَا يرْوى غليل الْفُؤَاد ويخصب مُرَاد المُرَاد فَذَلِك من مساعى فطرته المنجكية ودواعى شيمته البرمكية فوصلته القصيدة والرسالة وَهُوَ متوعك المزاج فَرَاجعه بِهَذِهِ الابيات (أمولاى من دون الانام وسيدى ... بمدحك قد بلغتنى كل سودد) (بعثت بِأَبْيَات كَانَ عقودها ... منضدة من لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد) (أمتع طرفى فى طروس كَأَنَّهَا ... مبادى عذار فَوق خد مورد) (سطور اذا مَا رمت قتل حواسدى ... أجرد مِنْهَا كل عضب مهند) (تكلفنى رد الْجَواب واننى ... أَبيت بفكر فى الزَّمَان مشرد) (وَلَيْسَ يجيد الشّعْر منطق عَاجز ... ضئيل على فرش السهاد موسد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 (يمر بِهِ الْعُمر الطَّوِيل مضيعا ... على الكره مِنْهُ بَين واش وحسد) (فعذرا أَخا العلياء قلت عزائمى ... وَقد كنت كالسيف الصَّقِيل الْمُجَرّد) (فانك أهل العغو والصفه وَالرِّضَا ... وانك من نسل النَّبِي مُحَمَّد) (أعز بنى الدُّنْيَا وأشرف من سما ... الى الرُّتْبَة الْعليا بِغَيْر تردد) (صَغِير اذا عدت سنى زَمَانه ... كَبِير بِهِ أشياخنا الغر تقتدى) (تملك رق الْحَمد وَالشُّكْر والثنا ... بكف على فعل الْجَمِيل معود) (فَلَا زَالَ عينا للزمان وَأَهله ... يجرر ذيل الْفَخر فى كل مشْهد) وبلغنى فى أخريات أمره انه تَغَيَّرت أطواره وانقلب الى طبعه الاول وتجرأ على النَّاس بالاذية وَسُوء الْمُعَامَلَة وَمَا زَالَ حَتَّى اجْتمع عَلَيْهِ أهل بَلَده وقتلوه وَكَانَ قَتله نَهَار الاربعاء سَابِع عشرى جُمَادَى الاولى سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف ويروى خبر قَتله على أنحاء شَتَّى والذيعتمدتع أَنه كَانَ سعر الْقَمْح بحلب قد نَهَضَ وَلم يزل يترقى حَتَّى بيع الاردب بِخَمْسَة وَعشْرين قرشا وشاع الْخَبَر أَن السَّيِّد عبد الله ارتشى هُوَ وقاضى حلب من المحتكرين بِأَلف قِرْش ليبيعوه بِهَذَا الثّمن فَبلغ ذَلِك حَاكم الْعرف فَنَادَى بِأَن يُبَاع الاردب بِخَمْسَة عشر قرشا وتقيد بِنَفسِهِ فى اخراج المحتكر من الْحبّ واعتنى بذلك اعتناء بليغا فَأسر لَهُ ابْن الحجازى المكيدة وَاتفقَ فى ذَلِك الغضون ان بعض أَعْيَان حلب دَعَا المتسلم وَبَعض أَعْيَان الْبَلدة وَمِنْهُم ابْن الحجازى فَلَمَّا تفَرقُوا صحب ابْن الحجازى المتسلم وَدعَاهُ الى دَاره فَيُقَال انه فى أثْنَاء الْمجْلس أَتَاهُ بمشروب مَسْمُوم فَلَمَّا تنَاوله أحس بالسم وتمت عَلَيْهِ المكيدة فَخرج وَاسْتمرّ ثَمَانِيَة أَيَّام يعالج نَفسه فَلم يفد ثمَّ انه مَاتَ فى الْيَوْم الثَّامِن وأخرجوا جنَازَته وَخرج ابْن الحجازى فى جملَة من خرج الى الْجِنَازَة وَكَانَ النَّاس قد كرهوه وسئموا من أَحْوَاله وهم يترقبون لقَتله فرْصَة فَلَمَّا دفنُوا المتسلم ركب فرسه وَأَرَادَ الِانْصِرَاف فنادت امْرَأَة هَذَا قَاتل المتسلم فتبعها رجل من الْعَوام واتصل ذَلِك بِالرِّجَالِ وَالصبيان وَالنِّسَاء فَضَربهُ رجل بِحجر فَأصَاب رَأسه وعثرت بِهِ الْفرس فانسكب على وَجهه فهجم النَّاس عَلَيْهِ وقتلوه وَلم يبقوا عضوا صَحِيحا وَذهب دَمه هدرا وَمضى هُوَ وَأَوْلَاده واتباعه فى أقل الازمنة عبد الله بن مَحْمُود العباسى الْمَعْرُوف بمحمود زَاده قاضى الْقُضَاة الْفَاضِل التقى الْمَشْهُور كَانَ مهابا وقورا لَهُ فصاحة منطق وَصَوت حسن وَهُوَ فى الْعِفَّة الْغَايَة الَّتِى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 لَا تدْرك وَكَانَ كَرِيمًا مفرط السخاء الا أَنه مفتون بعقله لَازم من شيخ الاسلام زَكَرِيَّا ابْن بيرام ثمَّ درس وَولى قَضَاء حلب ثمَّ نقل الى قَضَاء الْقُدس ثمَّ الى قَضَاء الشأم وَذَلِكَ فى غرَّة رَجَب سنة ثَلَاثِينَ وَألف وشكرت فِيهَا سيرته وجدد من مَاله بهَا تعمير ثَلَاث قباب لزوجتى النبى المدفونتين بمقبرة بَاب الصَّغِير وهما أم سَلمَة ومَيْمُونَة على قَول قلت وَذَلِكَ قَول شَاذ مُخَالف لما أطبق عَلَيْهِ المؤرخون من أَن زَوْجَاته لم يمت أحد مِنْهُنَّ خَارج أَرض الْحجاز وَأما مَيْمُونَة فقد ذكر الْحَافِظ الباجى انها مَاتَت بسرف وَهُوَ مَاء مَعْرُوف على أَمْيَال من مَكَّة ودفنت ثمَّة بالِاتِّفَاقِ وَكَانَ بنى بهَا هُنَاكَ أَيْضا بعد عمْرَة الْقَضَاء وَبنى على قبر أَبى بن كَعْب رضى الله عَنهُ خَارج بَاب شرقى قبتين ويليهما مَسْجِد وَصرف على ذَلِك من خَالص مَاله ألف دِينَار وَكَانَ يحسن الى المحتاجين من الْفُقَرَاء والايتام والارامل وَالْمَسَاكِين وَالْحَاصِل انه الْتزم أَن يصرف جَمِيع مَا حصله فى أَيَّام قَضَائِهِ بِدِمَشْق على جِهَات الْخَيْر وَفعل وَخرج مِنْهَا مديونا وَكَانَ وَقع بَينه وَبَين محافظ الشأم سُلَيْمَان باشا كَمَا تقدم فى تَرْجَمته منافرة كُلية أدَّت الى أَنه عرض فِيهِ الى الابواب السُّلْطَانِيَّة فعزل عَن دمشق ورحل عَنْهَا فَبينا هُوَ فى أثْنَاء الطَّرِيق جَاءَهُ أَمر قَضَاء مصر فَعَاد الى دمشق وَتوجه اليها وباشر قضاءها ثمَّ عزل وأعيد اليها ثَانِيًا وَكتب اليه الاديب مُحَمَّد بن يُوسُف الكريمى الدمشقى قصيدة يهنيه بهَا وَذكر فِيهَا تَارِيخ تَوليته ومطلعها (تَبَسم للزمان الْيَوْم ثغر ... وأشرق للمعالى فِيهِ بدر) (وأخصبت الامانى بعد جَدب ... فَوَافى فِي ربى الآمال زهر) (وطاب لمغرم الْحبّ التصابى ... ولذ سوى عَن المعشوق صَبر) (وأضحى أوقر العذال صبا ... خليعا عذله واللوم عذر) (وَقد عدم العواذل كل صب ... عدمتهم فَذكرهمْ مُضر) (فَلَا أجد الغرام بِلَا وشَاة ... كَأَنَّهُمْ لِليْل الْوَصْل فجر) (علقت بناعس الالحاظ ريم ... صَحِيح هَوَاهُ فى جفنيه كسر) (رمى خلدى بِسَهْم اللحظ حَتَّى ... أَتَى نحوى بِطرف فِيهِ سحر) (فيالله من ظبى نفور ... على حكم الْهوى لَا يسْتَقرّ) (ورحت وللغرام على حكم ... وفى أذنى عَن التصنيف وقر) (كَذَا من قَادَهُ وَله وَوجد ... وأضحى للغرام عَلَيْهِ أَمر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 (غرام قد تحمله فؤادى ... يضيق لَهُ لَو ان الْكَوْن صدر) (غزال من هَوَاهُ حشاى جمر ... وَكفى من نوال لقاه صفر) (لنا من ثغره المعسول شهد ... وَمن ألحاظه رَاح وخمر) (وَلَيْسَ لمغرم يهواه الا ... صدود دَائِم وجفا وهجر) (اذا ذكر اسْمه أهتز وجدا ... ويعر وَالْقلب من ذكرَاهُ ذعر) (كَمَا يَهْتَز من ذعر ظلوم ... مَتى يُتْلَى لعبد الله ذكر) (امام عَادل حكم همام ... لَهُ فى ذرْوَة الْعليا مقرّ) (يضاهى وَجهه للجود بشر ... وفى كفيه للاحسان بَحر) (وصارم عدله الْمَشْهُور أضحى ... لَهُ بَين الانام سَطَا وَنصر) (لقد حَاز المعالى حَيْثُ لاحت ... نُجُوم من سنا علياه زهر) (فبشرى أهل مصر لقد أَتَاهَا ... بِفضل الله بعد الْعسر يسر) (ووافى نيلها اذ قد تسامت ... بِعَبْد الله بعد الْكسر جبر) (ونيلك ان وفى فى الْعَام يَوْمًا ... فعبد الله بَحر مُسْتَمر) (لَهُ فى المكرمات بحار جود ... فَلَا يلفى لبحر نداه بر) (فمذ حلت ركائبه بِمصْر ... وَزَالَ بعدله ظلم وقهر) (تَبَسم ثغرها جذلا وبشرا ... وَبَان لسعدها وَجه أغر) (ونادى هَاتِف بالبشر أرخ ... لقد زهيت بِعَبْد الله مصر) قَالَ مَدين القوصونى دخل الى مصر مُتَوَلِّيًا قضاءها فى يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين من ذى الْحجَّة سنة احدى وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ فَاضلا متواضعا متعففا أديبا وَمن نظمه وَمن خطه نقلت (دُرَر أَضَاءَت فى لجين صَحَائِف ... كَالْكَوْكَبِ الدرى فى أضوائه) (فكانها منشورة بطروسها ... نجم تضئ سماؤه بسنائه) (وكأنما هى فى يدى غواصها ... نور الْيَد البيضا وَحسن ثنائه) (لله غواص أَتَى بفرائد ... يسْتَوْجب الا علا على نظرائه) وَمن نظمه أَيْضا قَوْله (لبحرندا كم قد وَردت على ظما ... وَمن ورد الْبَحْر اسْتَقل السواقيا) (عَسى قَطْرَة من بَحر فيض نوالكم ... أكون بهَا رَيَّان مذ كنت صاديا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وَتوفى بهَا لَيْلَة السبت سَابِع عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف بمنزل نقيب الاشراف المطل على بركَة الْفِيل بِالْقربِ من بَاب جَامع قوصون وَدفن بِالْقربِ من القاضى بكار عَن ثَمَان وَخمسين سنة كَذَا قَالَ أخبرنَا بذلك وَهُوَ مَرِيض رَحمَه الله تَعَالَى عبد الله بن المهدى بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن مَسْعُود الحوالى قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال فى تَرْجَمته سِيبَوَيْهٍ زَمَانه وخليل الْعُلُوم فى أَوَانه امام الادب الْفَاضِل الْمُحَقق الْحَافِظ المدقق كَانَ علما فى الْعُلُوم أديبا لبيبا مطلعا على أَفْرَاد اللُّغَة وَعلم تراكيبها حَافِظًا لايام الْعَرَب فى الْجَاهِلِيَّة والاسلام واشتهر باللغة وَكَانَ برز فِيهَا واستدرك على الْمُحَقِّقين من أَهلهَا كصاحب الصِّحَاح والقاموس وأضرابهما وَكَانَ بعض مَشَايِخنَا يُسَمِّيه بالبحر وَرَأَيْت استدراكات مِنْهُ على أَئِمَّة اللُّغَة فَقلت كم ترك الاول للْآخر وَكَانَ من لين العريكة وسهولة النَّاحِيَة وعذوبة الْحَاشِيَة بِمحل يكَاد تسيل لَدَيْهِ طباعه سيلانا ويتواجد للالهيات ويهتز للادبيات وَلم تطمح نَفسه مَعَ أَهْلِيَّته الى شئ من الْمَرَاتِب ولقيته بوطنه الظهرين بِحجَّة فَرَأَيْت فَوق مَا سَمِعت وَعلمت أَن الله تَعَالَى لم يعطل الزَّمَان وَكَانَ لَهُ شعر فى الذرْوَة الْعليا وَله القصيدة الطنانة الَّتِى طارت فى الْآفَاق يمدح بهَا الامام الْمُؤَيد بِاللَّه واخوته الثَّلَاثَة الحسنيين وَأحمد أَيَّام الْجِهَاد وأجاد مَا شَاءَ وَكَانَ يَقُول انها لَيست من جيد شعرى وهى طَوِيلَة مطْلعهَا (عَن سعاد وحاجر حدثانى ... ودعانى عَن الملام دعانى) (واذكرا بُرْهَة من الدَّهْر مرت ... كنت أدعى بهَا صريع الغوانى) (انا لَا أكتفى بنأى زنام ... والربوع الرحاب من نعْمَان) (فلسقتنى بكاسها من مدام ... هيم الْقلب لَوْنهَا الارجوانى) (عتقت فى الدنان من عهد كسْرَى ... فهى تنمى الى أنوشروان) (بهرت فى الصِّفَات صفراء حَمْرَاء سرُور الْقلب والابدان ... ) (وَصفا وَقتهَا فَلم يلع الْهم بساحاتها مَعَ الاحزان ... ) (يَا عذولى وَلست للعذل أصغى ... غير قلبى يهيم بالسلوان) (وَلَو انى رزقت حظا لما صرت أعانى من الْهوى مَا أعانى ... ) (وَلما ثرت حَاجَة فى فؤادى ... صنتها عَن فُلَانَة وَفُلَان) (وسأقضى لبانتى عَن قريب ... بنجيب شمردل غير وان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 مِنْهَا فى المديح (صال هَذَا المصال يبغى رضى الله ونلنا بِهِ المنى والامانى ... ) (وَانْقَضَت دولة العلوج ونالت ... ساسة الْملك من بنى عُثْمَان) (وَتَوَلَّى دِيَارهمْ عبقرى ... لَيْسَ يقوى قَوِيَّة الثَّقَلَان) وَمِنْهَا (قسما بالامام غوث البرايا ... وَهُوَ عندى من اعظم الايمان) (لقد اقتاد عنْوَة كل صَعب ... وَلَقَد غم صولة كل جانى) (أَيهَا النَّاس قد علمْتُم بذا الْفَتْح وَذَا الفتك فى قديم الزَّمَان ... ) (يَا لفخر سما لَهُ الحسنان ... نسخ الظَّن بعده بالعيان) (نهضا للعلى أداراً رحى الْحر ... ب وقاما ببكرها والعوان) (فسقوا من دم الاعادى صَبُوحًا ... كل عضب مهند وَسنَان) (أقحموا خيلهم غمار المنايا ... وأبادوا الجيوش بِالْهِنْدِ وانى) (وَلَقَد حاق بالعدى يَوْم روع ... وَسقوا أحمرا من الدمع قانى) (يَا لَهَا صولة شفت عِلّة الْقلب ... وأهدت من المنى مَا كفانى) (حِين شدت لريمة ابْن حميد ... كل جردا طمرة وحصان) (طَال فِيهِ النزال والطعن وَالضَّرْب واعمال عَامل ويمانى ... ) (وَاذْكُر السَّيِّد الهزبر المحامى ... من أدَار الرَّحَى على عمرَان) (أَحْمد بن الامام غيظ الاعادى ... نَاصِر الدّين قاهر الاقران) (أعجز المفسدين أَن يطمعوا فِيهِ وأخنى على ذوى الشنآن ... ) (يَا بنى الْقَاسِم الامام حماكم ... رَبنَا بالزبور وَالْفرْقَان) (فباقدامكم حَيا ميت الْمجد وقمتم بنصرة الاديان ... ) الى أَن قَالَ (فَكفى الله كل ضير وهول ... بامام الْهدى كَمَال الزَّمَان) (فكراماته غَدَتْ خارقات ... وَهُوَ لاغر ومظهر الْبُرْهَان) وَمِنْهَا (فليفز بالنجاة قوم تولوه وَقَامُوا بِطَاعَة الرَّحْمَن ... ) قَالَ وَلَوْلَا اشتهارها لذكرناها بِطُولِهَا وَله مقاطيع وكل // معنى حسن // وَله دوبيت (يَا جود حَيا على الجناب الغربى ... قد أنعمه بوا كفات السحب) (أَحييت الارض فى رباه فَمَتَى ... يحيا بالوصل من حبيبى قلبى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 وَكَانَت وَفَاته بوصه فى أَفْرَاد سنة احدى وَسِتِّينَ ألف عبد الله الكردى البغدادى ثمَّ الدمشقى اشْتغل بالعلوم أَولا وفَاق اقرانه ثمَّ غلب عَلَيْهِ الْحَال وَرمى كتبه فى المَاء وسلك الطَّرِيقَة ونال الرُّتْبَة الْعلية وَنزل دمشق وَسكن بالكلاسة وَيُقَال انه كَانَ من الابدال السَّبْعَة وَله كرامات شهيرة قيل كَانَ تَارَة لَا يَأْكُل وَلَا يشرب أسبوعا وَتارَة يَأْكُل أكل سَبْعَة رجال وَكَانَ شخص من أَعْيَان دمشق يُقَال لَهُ رَجَب محبا لَهُ فزاره مرّة وَكَانَ محموما فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أخذت حماك فبرأ من الْحمى مُدَّة عمره وَقيل لما دخل الشَّيْخ بُسْتَان الْوَاعِظ الى دمشق ولقى الشَّيْخ فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا أعطيناك الْوَظِيفَة أشرفيا فَبعد أَيَّام جعلُوا لَهُ وَظِيفَة بذلك الْقدر وَكَانَ خَلِيل باشا نَائِب الشأم يزوره كثيرا فَلَمَّا عزل أَشَارَ بوصوله الى المنصب الاعلى وَقَالَ لَهُ أودعناك الله تَعَالَى ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا وصل الى دَار السلطنة صَار وزيرا كَبِيرا وصهراً للسُّلْطَان فَظهر مَا أَشَارَ بِهِ الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق فى سنة ثَلَاث بعد الالف تَقْرِيبًا وَدفن بمقبرة الفراديس عبد الله الكردى الشافعى العلوانى الامام الْعَلامَة ذكره النَّجْم الغزى وَقَالَ فى تَرْجَمته حج من بِلَاده مرَارًا فَدخل بِلَاد الشأم غير مرّة وَأخذ بهَا عَن الْبَدْر الغزى وَغَيره وَأخذ الطَّرِيق عَن سيدى أَبى الوفا ابْن الشَّيْخ علوان الحموى وَلما أجَازه كتب لَهُ الاجازة الصُّغْرَى فَقَالَ لَهُ يَا سيدى اكْتُبْ لى الاجازة الْكُبْرَى فَقَالَ وَمَا الاجازة الْكُبْرَى فَقَالَ لَهُ هى فى كتاب صفته كَذَا وَكَذَا ولون جلده كَذَا وَهُوَ تَحت الْكتب كلهَا وَكَانَ الامر كَذَلِك فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الوفا من أخْبرك بِهَذَا فَقَالَ يَا سيدى أخبرنى بِهِ الشَّيْخ الْكَبِير سيدى علوان البارحة فى منامى وَقَالَ لى قل لابى الوفا يعطيك الاجازة الْكُبْرَى وَأَشَارَ الى مَا ذكرت لكم فَأَجَازَهُ الشَّيْخ أَبُو الوفا الاجازة الْكُبْرَى باشارة وَالِده قَالَ النَّجْم حَدَّثَنى بذلك الشَّيْخ أَبُو الْجُود البترونى الحنفى مفتى حلب فى يَوْم الثلاثا خَامِس جُمَادَى الاولى سنة اثنتى عشرَة بعد الالف وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة ببلاده بعد أَن جاور بِدِمَشْق مُدَّة مديدة فى حُدُود سنة سِتّ بعد الالف عبد الله البخارى الحنفى مفتى الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق ومدرس السليمانية بهَا كَانَ عَالما صَالحا متواضعا صوفى المشرب توفى بِدِمَشْق نَهَار السبت سَابِع ذِي الْحجَّة سنة عشرَة وَألف بِسوء القنيه وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 عبد الله الرومى البوسنوى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى وَاحِد عُلَمَاء الرّوم وعظمائهم الامجاد الْمَشْهُور الذّكر المتحقق بِحَق الْيَقِين كَانَ عَالما عَاملا عَارِفًا بالدقائق والحقائق متجرا فى الْعُلُوم النقلية والعقلية الى جاه عَظِيم وَقدر جسيم ومنظر بهى وَوجه نورانى ولد بالروم وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن أكَابِر العارفين وَلبس الْخِرْقَة وتلقن الذّكر من كثيرين وبرع فى جَمِيع الْعُلُوم حَتَّى صَار مُنْقَطع القرين وزار النَّبِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين والف وَكَانَ يتَمَنَّى رُؤْيَة السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ باعلوى الحسينى فَلم تتيسر لَهُ تِلْكَ الامنية وانتقل السَّيِّد قبل وُصُوله الى مَكَّة بأيام قَليلَة ورحل الى مصر والشأم وَاجْتمعَ بِمن بهما من الْعلمَاء واشتهر فى سَائِر الْبِقَاع الاسلامية وحظى عِنْد أكَابِر الدولة وَأخذ عَنهُ شُيُوخ كرام عِظَام مِنْهُم الشَّيْخ غرس الدّين الخليلى وَالشَّيْخ مُحَمَّد ميرز الدمشقى الصوفى وَالشَّيْخ مُحَمَّد مكى المدنى وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَبى بكر الْقعُود وَألف مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا وَهُوَ أجلهَا شرح على الفصوص وعَلى التائية للشَّيْخ الاكبر محيى الدّين وَشرح على نظم مَرَاتِب الْوُجُود للجيلى للشَّيْخ غرس الدّين الْمَذْكُور ورسالة فى تَفْضِيل الْبشر على الْملك وَمِمَّا اتّفق لَهُ مَعَ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد المغربى نزيل مَكَّة انه لما دخل الْقُسْطَنْطِينِيَّة اسْتَأْذن مِنْهُ صَاحب التَّرْجَمَة فى الدُّخُول اليه للسلام عَلَيْهِ فَلم يَأْذَن لَهُ وتكرر مِنْهُ ذَلِك مَرَّات عديدة فَركب يَوْمًا وَأَرَادَ الدُّخُول عَلَيْهِ بِلَا اذن فَلَمَّا وصل الى بَيت السَّيِّد وَنزل عَن دَابَّته فبمجرد نُزُوله سقط على رجله فَانْكَسَرت فتحقق حِينَئِذٍ انها كَرَامَة من السَّيِّد نفع الله بِهِ وَرجع الى بَيته وَمكث شهورا وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع الْخُرُوج حَتَّى سَافر السَّيِّد من الرّوم وَلم يقدر لَهُ الِاجْتِمَاع بِهِ وَكَانَت وَفَاته عقب رُجُوعه من الْحَج سنة أَربع وَخمسين وَألف بِمَدِينَة قونيه وَدفن بِالْقربِ من قبَّة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى صدر الدّين القونوى وَبنى عَلَيْهِ قبَّة وَكتب على قَبره هَذَا قبر غَرِيب الله فى أرضه واسْمه عبد الله الشريف عبد الْمطلب بن حسن بن أَبى نمى الشريف الْحسنى كَانَ على غَايَة من الْكَمَال وَمن مشاهير الابطال وَمن أكمل أهل زَمَانه عقلا وَأكْرمهمْ احسانا وفضلا ذَا مُرُوءَة تَامَّة وفتوة عَامه وَكَانَ يلبس الخلعة الثَّانِيَة فى حَيَاة أَبِيه وَكَانَ وَالِده يعْتَمد عَلَيْهِ فى الامور ويفتخر بِهِ وَاسْتمرّ الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة عشرَة بعد الالف بِمَكَّة بعد أَبِيه الشريف حسن بِقَلِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 عبد الْملك بن جمال العصامى بن صدر الدّين بن عِصَام الدّين الاسفراينى الْمَشْهُور بالملا عِصَام صَاحب الْحَاشِيَة على الشَّرْح الْجَدِيد على الكافية والاطول الذى عَارض بِهِ المطول وَغَيرهمَا من التصانيف المفيدة والتآليف السديدة وَعبد الْملك هَذَا امام الْعُلُوم الْعَرَبيَّة وعلامها والمنشورة بِهِ فى الْخَافِقين أعلامها والسالك أوضح مسالكها وَالْمَالِك لازمتها وَابْن مَالِكهَا ورد عذب الْفضل نهلا وَعلا وفاز من سهامه بالقدح الْمُعَلَّى فجدد مغنى الْعلم الدريس وَنصب نَفسه للاقراء والتدريس واشتغل بالتصنيف والتأليف وتخلى عَن كل أنيس وأليف حَتَّى بلغت مؤلفاته السِّتين من شرح مُفِيد وَمتْن متين فلقب بخاتمة الْمُحَقِّقين وعد من أَرْبَاب الْفضل وَالْيَقِين الى زهد وَصَلَاح وتقوى أشرق نورها فى أسرة وَجهه ولاح والمام بالادب وافر طلع فى أفق الاحسان يدره السافر الا أته قل مَا أعَار ذهنه وفكره غير مسَائِل الْعلم الَّتِى خلدت فى صَحَائِف الايام ذكره ولد بِمَكَّة فى سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَجَاء تَارِيخه نعم الْمَوْلُود ذَا وَنَشَأ وَأخذ عَن وَالِده وَعَن عَمه القاضى على بن صدر الدّين الشهير بالحفيد وَعبد الْكَرِيم بن محب الدّين القطبى وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد الشهير بمير بادشاه وَالشَّيْخ عبد الرؤف المكى وَعنهُ الامام مُحَمَّد على بن عَلان والقاضى تَاج الدّين المالكى وَعبد الله بن سعيد باقشير وعَلى بن الْجمال والخطيب أَحْمد البرى المدنى وَغَيرهم ولازم الاقراء والتدريس حَتَّى فاق واشتهر وَبلغ فى التَّحْقِيق مبلغا عَالِيا وانعقد عَلَيْهِ الاجماع وَتفرد بصنوف الْفضل فبهر النواظر والاسماع فَمَا من قَول الا وَله فِيهِ الْقدح الْمُعَلَّى والمورد العذب الْمحلى ان قَالَ لم يدع قولا لقَائِل أَو طَال لم يَأْتِ غَيره بطائل حَتَّى قَالَ فِيهِ بعض عُلَمَاء عصره (لم ترعينى عَالما ... تَحت أَدِيم الْفلك) (مثل امام الْحَرَمَيْنِ ... الشَّيْخ عبد الْملك) وَله تآليف كَثِيرَة مِنْهَا شرح شرح الشذور لِابْنِ هِشَام وَشرح الارشاد فى النَّحْو أَيْضا وحاشية على شرح الْقطر للْمُصَنف وحاشية على شرح الْقَوَاعِد للشَّيْخ خَالِد وَشرح على الخرزجية وَشرح على منظومة السمنى فى أصُول الحَدِيث ومنظومة فى الالغاز النحوية وَشَرحهَا وبلوغ الارب من كَلَام الْعَرَب وشرحان على رِسَالَة الاستعارات للسمرقندى كَبِير وصغير وَشرح ايساغوجى والكافى فى الْعرُوض والقوافى والتسهيل فى الْعرُوض وَكتب اليه القاضى تَاج الدّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 المالكى مسائلا (مَاذَا يَقُول امام الْعَصْر عالمه ... وَمن لَدَيْهِ يرى التَّحْقِيق طَالبه) (فى الدَّار هَل جَائِز تذكير عائدها ... فى قَوْلنَا مثلا فى الدَّار صَاحبه) (وَمن ابانة همز ابْن أَرَادَ فَهَل ... يكون موصوفه اسْما تطالبه) (أم كَونه علما كَاف وَلَو لقبا ... أَو كنية ان أَرَادَ الْحَذف كَاتبه) (أخد فَمَا رَأينَا الْحق منخفضا ... الا وَأَنت على التَّحْقِيق ناصبه) فَأَجَابَهُ بقوله (يَا فَاضلا لم يزل يهدى الفرائد من ... علومه وتروينا سحائبه) (تأنيشك الدَّار حتم لَا سَبِيل الى ... التَّذْكِير فامنع اذا فى الدَّار صَاحبه) (وَالِاسْم مَوْصُوفَة عمم فان لقبا ... أَو كنية فارتكاب الْحَذف واجبه) (هَذَا جوابى فاعذران تَجِد خللا ... فصدر الْعَجز وَالتَّقْصِير كانبه) (لَا زلت تاجاً لَهَا مَاتَ العلى علما ... فى الْعلم يحوى بك التَّحْقِيق طَالبه) وَمن نظمه قَوْله (أهْدى لمجلسه الْكَرِيم ... فرائدا تهدى اليه) (كالبحر يمطره السَّحَاب ... وَمَا لَهُ فضل عَلَيْهِ) وَهُوَ من قَول البديع هبة الله الاسطرلابي (أهْدى لمجلسه الْكَرِيم وانما ... أهْدى لَهُ مَا خرت من نعمائه) (كالبحر يمطره السَّحَاب وَمَاله ... فضل عَلَيْهِ لانه من مَائه) وتناوله الامير أَبُو بكر بن جلالا الحلبى وأفرغه فى قَوْله (أيا بحرا غدونا من نداه ... نقدم بعض أنعمه لَدَيْهِ) (كَذَاك الْبَحْر ينشأ مِنْهُ غيث ... وَبَعض سحابه يهدى اليه) وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة بِالْمَدِينَةِ المشرفة فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن ببقيع الْغَرْقَد عبد الْملك بن عبد السَّلَام بن عبد الحفيظ بن عبد الله بن دعسين بِفَتْح السِّين ابْن عبد الله بن أَبى بكر بن أَحْمد بن على بن عبد الله بن الْفَقِيه مُحَمَّد دعسين ابْن هبينى بن ربيعَة بن على بن أَحْمد بن شكر بن رزام بن يحيى بن عبد الله بن زَكَرِيَّا ابْن خَالِد ابْن عبد الْعَزِيز بن عبد الله ابْن الصحابى خَالِد بن أسيد بن الْعيص بن أُميَّة الاكبر ابْن عبد شمس بن عبد منَاف ابْن قصى الاموى القرشى الْيُمْنَى الامام الْكَبِير كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 أعجوبة من أَعَاجِيب الزَّمَان ذكره الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى حَاتِم بن أَحْمد الاهدل وَقَالَ فى حَقه امام المصنفين وعلامة المؤلفين وَفِيه يَقُول بعض الشُّعَرَاء (لم ترعينى فى أَدِيم الْفلك ... مثل الامام النّدب عبد الْملك) وتصانيفه اليها النِّهَايَة فى التَّنْقِيح وَكَانَت لَهُ يَد طولى فى جَمِيع الْعُلُوم كالحديث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه والتصوف والاصلين والفرائض والحساب والنحو وَالصرْف واللغة والمعانى وَالْبَيَان والهيئة والفلك وَالشعر والتاريخ والانساب وَالْعرُوض وصنف فى كثير من هَذِه الْعُلُوم وَمن مصنفاته منحة الْملك الْوَهَّاب بشرح ملحة الاعراب وَشرح مُعَارضَة بَانَتْ سعاد الْمُسَمّى اعداد الزَّاد بشرح ذخر الْمعَاد فى مُعَارضَة بَانَتْ سعاد وَشرح قصيدة ابْن نَاصِر الدّين ابْن بنت الميلق من ذاق طعم شراب الْقَوْم يدريه شرحا بديعا سَمَّاهُ جَوَاهِر السلوك المتحلى بهَا جيد السلوك الى ملك الْمُلُوك وَهُوَ شرح نَفِيس فى غَايَة الْحسن وَهُوَ أول من شرحها شرحا حافلا وَكتب عَلَيْهَا قبله الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الولى عبد الْقَادِر بن الْجُنَيْد المشرع الزبيدى شرحا كالتعليق مُخْتَصرا فى أوراق قَليلَة نَحْو الكراس الا انه نحا فِيهِ منحى الصُّوفِيَّة وَكَانَ عَالما بِالْكتاب وَالسّنة عَاملا بهما حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى مواظبا على تِلَاوَته ناصرا لشرع الله مثابرا على نشره قَائِما بِمَا جرى عَلَيْهِ سلفه الصَّالح من الاوراد والاذكار واكرام الوافدين وبذل الجاه وَكَانَ حسن الاخلاق عَظِيم التَّوَاضُع سخى النَّفس وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خير كُله من فرقه الى قدمه وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمن شعره قَوْله ملغزا (مَا ذُو بِنَاء حوى جمعا من الْبشر ... نصيفه اسْم لواد أَخْضَر نضر) (ان انت ضعفت هَذَا النّصْف جَاءَك فى ... تَضْعِيف تركيبه نوع من الْحجر) د (وَمَا بقى ان تضعفه أَتَاك بِتَضْعِيف لَهُ جبل يدريه ذُو الْفِكر ... ) (معكوسه ان تصحفه رَأَيْت بِهِ ... طيرا يغرد بالآصال وَالْبكْر) (وان تزل من جَمِيع الِاسْم أَوله ... بدا بباقيه قوم طالبو سفر) (مقلوبهم ان تحقق مِنْهُ جملَته ... يكن معينا على الادلاج فى السحر) (وان تزل آخرا للاسم تلق بعكس مَا يبْقى اسْم ذى طعم من الْبشر ... ) (يَأْتِيك فى صفة من كَانَ لازمها ... فَهُوَ الْمُعظم بَين البدو والحضر) أجَاب الشَّمْس مُحَمَّد العجمى بقوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 (ركبت من لغزك الجارى على خطر ... وغصت من حلّه فى لجة الْفِكر) (وَمر بى نصفه لما عبرت على ... روض هُنَاكَ مريع رائق نضر) (صقلت فكرتى الدُّنْيَا بمرمره ... حَتَّى رَأَتْ كبكب العالى على النّظر) (وغرد الصب من وجد بِهِ طَربا ... كبلبل صَاح بالالحان فى السحر) (أشجى بنغمته أهل الغرام فكم ... من سابح فى الْهوى يجرى على غرر) (قد شدّ بكر هَوَاهُ والها غزلا ... ونال غَايَة مَا يَرْجُو من الوطر) (وَحَازَ من ساكنى وادى النقا كرما ... وَعَاد فى مركب الاقبال بالظفر) وَمن مناقبه أَن بعض الاخيار رأى النبى فى الْمَنَام كسا عبد الْملك هَذَا قَمِيصًا بعد أَن عرض عَلَيْهِ كراسا من تصنيفه وَكَانَت وَفَاته لعشر بَقينَ من شهر ربيع الاول سنة سِتّ بعد الالف وعمره ارْبَعْ وَخَمْسُونَ سنة وَدفن بمقبرة بندر المخا وَبَنُو دعسين قَبيلَة مَشْهُورَة بِالْيمن اشْتهر مِنْهُم جمَاعَة بِالْولَايَةِ وَالْعلم حَتَّى ان صَاحب التَّرْجَمَة أفردهم بتأليف سَمَّاهُ قُرَّة الْعين بِمَعْرِِفَة بنى دعسين عبد الْمُنعم الماطى المصرى الشَّاعِر الماهر ذكره الخفاجى وَقَالَ فى حَقه أديب أسكرنا بِلَفْظِهِ العذب الانسجام وجلا علينا من مدام فكره فى نَادَى الانس جَام وَقد كَانَ فى شرخ الشَّبَاب وطليعة اقباله العجاب (زمانى كالورد طيبا وبهجة ... فيا لَيْت ذَاك الْورْد كَانَ نصيبى) وَنشر أفكاره دارى وَمن بَحر كرمه لنارى وان توقد ذكائه لنارى وَله اخلاق ذَات حواش رقاق فَمن شعره الذى أنْشدهُ لى قَوْله (اذا رام مَحْفُوظ يرينى للشرا ... من الدّفن قطرالانظير لحسنه) (فقولا لَهُ انى وَحقّ حَيَاته ... مرادى أرى تَعْلِيقه قبل دَفنه) وَقَوله (وَعَن كَبْش الذَّبِيح سَأَلت يَوْمًا ... خَبِيرا بالعلوم أَتَى اليا) (أيحيا الْكَبْش يَوْم الْبَعْث أَيْضا ... فأخبرنى بِأَن الْكَبْش يحيى) انْتهى وَكَانَت وَفَاته بِمصْر سنة خمس بعد الالف عبد النافع بن عمر الحموى نزيل طرابلس الشأم الحنفى الْفَاضِل الاديب الْمَشْهُور كَانَ فى غَايَة من الذكاء والفطنة والتضلع من أَنْوَاع الْفُنُون وَكَانَ فى أول أمره سَاقِط الرُّتْبَة فخدم القاضى مُحَمَّد بن الاعوج باقراء أَوْلَاده الْقُرْآن فَجعله كَاتبا بمحكمة حماة ثمَّ انه ترقى الى أَن أفتى وَانْفَرَدَ بالفتوى من حمص الى معرة النُّعْمَان وَألف وَمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 تآليفه منظومة فى العقائد سَمَّاهَا الرسَالَة الهادية الى اعْتِقَاد الْفرْقَة النَّاجِية وَتَفْسِير سُورَة الاخلاص فى مُجَلد وشاع ذكره فى الْبِلَاد الشامية وَكَانَ على شهامته بذى اللِّسَان مغرى بالهجا وَكَانَت بَينه وَبَين الْحسن البورينى مَا جرت الْعَادة بِمثلِهِ بَين الْفُضَلَاء من التنافر والتنافس وكل مِنْهُمَا لَهُ فى حق الآخر أهاج شنيعة أَعرَضت عَن ذكرهَا لبذاءتها وَلم أختر مِنْهَا الا هَذِه الاحجية بعث بهَا عبد النافع للعلامة أَبى المعالى درويش مُحَمَّد الطالوى فى بورينى وهى هَذِه (على الاخلاء الا جلاء فى ... دمشق سلم غير ذَاك السمج) (وَقل لَهُم حَاجا كم ذُو الحجى ... مَا مثل قولى سمك مَا نضج) وَكَانَ بَينه وَبَين قَاض بحماة مشاحنة وتعاضد القاضى مَعَ أَمِير حماة الامير حسن ابْن الاعوج عَلَيْهِ فَكتب الى ابْن الاعوج قَوْله (تخذت وليا ظَالِما ذَا مذلة ... وَقد كنت لَا ترْضى وليا من الذل) (وَمن يتَّخذ نسج العناكب درعه ... فسهم معاديه غنى عَن النصل) ثمَّ هجا بنى الاعوج وَأطلق فيهم لِسَانه فَضَاقَ عَلَيْهِ حمى حماة فأقلع الى طرابلس الشأم وسكنها وَكَانَ حاكمها اذ ذَاك الامير يُوسُف بن سَيْفا فمدحه وتقرب اليه وَكَانَ بطرابلس رجل متصوف من أهالي حمص يدعى بِعَبْد النافع أَيْضا وَكَانَ الْأَمِير يُوسُف يوده فاتفق أَن الامير أرسل لعبد النافع الحموى مَالا من مرتبه على صدقَات السلطنة بطرابلس فَأَخذهَا رَسُوله الى عبد النافع الحمصى لاشتراك الِاسْم فَلَمَّا وصل الْخَبَر الى الحموى قصد الامير وَقَالَ لَهُ ان اشْتِرَاك الِاسْم قد يضر وَهَذِه دراهمى ذهبت الى عبد النافع الحمصى فَلَا بُد من تَمْيِيز يكون سَبَب رفع الِاشْتِبَاه فَقَالَ لَهُ انْظُر وَصفا مُمَيّزا فَقَالَ لَهُ أَنا أكون عبد النافع الشَّاعِر يُشِير الى أَن يكون ذَاك عبد النافع المشعور لانه حمصى وَالْمَشْهُور أَن أهل حمص مشعورون فى الْعقل لنقصانهم فِيهِ فَضَحِك الامير وَأرْسل اليه بِالْمَالِ الذى ذهب الى الحمصى ثمَّ انه أطلق لِسَانه فى الامير ابْن سَيْفا وَاتفقَ فى ذَلِك الاثناء نهوض الامير على بن جانبولاذ الى نواحى طرابلس لمحاربته فهرب ابْن سَيْفا مِنْهُ الى نواحى حيفا كَمَا سنفصله فى تَرْجَمَة ابْن جانبولاذ وَدخل بعض أقَارِب ابْن جانبولاذ الى طرابلس ناهباً لاموالها وَكَانَ عبد النافع دَلِيله فَلَمَّا آل الامر الى الصُّلْح وَرجع ابْن سَيْفا الى طرابلس صمم على قتل عبد النافع فهرب مِنْهُ الى حلب وَكَانَ يتَرَدَّد مِنْهَا الى الْبلدَانِ الَّتِى بقربها وَمِنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 ادلب الصُّغْرَى وَقد وقفت لَهُ على أشعار لَطِيفَة المسلك من جُمْلَتهَا هَذَانِ البيتان وَقد أحسن فى مَعْنَاهُمَا كل الاحسان وهما (كَأَن الدجى ظرف على الصُّبْح موكأ ... وَلَكِن لطول الا متلا والبلى انْفَلق) (فَسَالَ فَغطّى أنجما مَا تعلمت ... لقصر المدى سبحا فأدركها الْغَرق) وَمن ذَلِك قَوْله فى هجاء قَاض (من شَرّ بَيت شَرّ قَاض أَتَى ... حماته يَا قبح مَا استحسنت) (أَبوهُ محتال دنىء وَكم ... فى رَأسه من دوحة أغصنت) (وَأمه مَرْيَم لَكِنَّهَا ... وعيشكم لَيْسَ الَّتِى أحصنت) وَذكره الخفاجى وَقَالَ فى تَرْجَمته فَاضل تود الْعين قربه ويعتقد أَن وده أعظم قربه وأديب بديع زَمَانه وتاج رُؤْس أقرانه يستعير السحر رقته من طبعه الرفيع وَلَا تنكر الِاسْتِعَارَة من صَاحب الْبَيَان البديع الا انه اقْتدى فى شعره بِابْن حجاج كَقَوْلِه فى هجاء من لقب بالتاج (أقبح خلق الله فى خلقه ... وخلقه وَهُوَ خسيس وضيع) (لقب بالتاج وَلكنه ... تَاج الخصا وَهُوَ مجَال وسيع) وَسُئِلَ عَن قَول أَبى تَمام (رَقِيق حواشى الْحلم لوأن حلمه ... بكفيك ماريت فى انه برد) كَيفَ وصف الْحلم بالرقة فَأجَاب بِمَا لَا يشفى الغليل مِمَّا رَأَيْت تَركه خيرا من ذكره وانا أقوله قَالَ الْقطر بلَى والآمدى انه مِمَّا يضْحك مِنْهُ لانه لم يصف الْحلم بالخفة وانما وصف بالرزانة فخفته ورقته ذمّ وَقَوله بكفيك فى غَايَة السخافة وَقَالَ ابْن السَّيِّد مَا قَالَاه لَا يلْزمه لِأَنَّهُ لم يُطلق الرقة على حلمه أجمع وانما أَرَادَ أَنه ترك الْجد الى الْهزْل فى بعض الاوقات وَالْوَقار الى الانبساط وَلذَا تحفظ بِأَن جعل الرقة للحواشى خَاصَّة واذا لم تكن الرقة الا لحواشيه فمعظمه كثيف وَقد كرر هَذَا فى قَوْله (لَا طايش يهفو وخلائقه وَلَا ... خشن الْوَقار كَأَنَّهُ فى محفل) وَقَوله (الْجد شيمته وَفِيه فكاهة ... سمح وَلَا جد لمن لَا يلْعَب) ثمَّ أَقُول وَمِمَّا يُوضح خطأه انه لم يخترع هَذِه الِاسْتِعَارَة وَقد انشد صَاحب زهر الْآدَاب فى قصَّة وَقعت مَعَ الرشيد لبَعض الاعراب من شعر أوردهُ لَهُ (رَقِيق حواشى الْحلم حِين تثوره ... يُرِيد الهوينا والأمور تطير) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 // فَاسْتَحْسَنَهُ وَأَجَازَهُ جَائِزَة سنية // فاذا عرفت انه مسموع لمن قبله من الْعَرَب من غير انكار عَلَيْهِ اتَّضَح خطاؤه وانه لَيْسَ المُرَاد مَا ذكره الْمُجيب بل المُرَاد انه مُحِيط بأفعاله وأقواله احاطة الرِّدَاء ثمَّ وَصفه بالرقة اشارة الى لطفه وَحَيْثُ وصف بالرزانة فباعتبار عدم تغيره لَا بِاعْتِبَار ثقله أَلا تراك لَو قلت ثقيل الْحلم لم يحسن مِنْك ذَلِك فاعرفه انْتهى وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة بأدلب الصُّغْرَى فى احدى الجماديين سنة سِتّ عشرَة وَألف وَاتفقَ لَهُ قبل مَوته بأيام انه نظم هَذِه الابيات وهى قَوْله (فؤادى مِمَّا لَا أُسَمِّيهِ مكاوم ... وذنبى اليه عِنْد مولاى مَعْلُوم) (فَلَا عجب ان ضَاعَ حقى لَدَيْهِ بل ... عجبت لانى عِنْد مولاى محروم) (فقد مسنى الضّر الذى لَيْسَ فَوْقه ... فَلَيْسَ كمثلى فى التواريخ مظلوم) فَكَانَ لفظ مظلوم تَارِيخا لوفاته مَعَ مظلوميته فقصد هُوَ الثَّانِيَة وأجرى الله الاولى على لِسَان الْفَاضِل الاديب ابراهيم بن أَبى الْيمن البترونى الحلبى وَكَانَ اذ ذَاك قَاضِيا بحماة فَقَالَ (قد مَاتَ عبد النافع الحبر الذى ... مَاتَت بِهِ فى الْعَالمين عُلُوم) (فى أدلب الصُّغْرَى غَرِيبا نَائِيا ... عَن أَهله تَارِيخه مظلوم) عبد الهادى بن أَحْمد بن صَلَاح بن مُحَمَّد بن الْحسن الثلاثى الْمَعْرُوف بالحسوسه ذكره ابْن أَبى الرِّجَال فى تَارِيخه وَقَالَ فى وَصفه كَانَ مُنْقَطع القرين فى علومه يملى من صَدره مَا لَا تسعه الاوراق قَالَ سيدنَا أَحْمد بن سعد الدّين كَانَ هَذَا القاضى يحفظ مجموعات الْقَاسِم والهادى وَغَيرهمَا من الائمة ويمليها عَن ظهر قلبه غيبا بِمَا يبهر الْعُقُول مَعَ عُلُوم سَائِر أهل الْكَلَام فَهُوَ أَحَق من يمثل لَهُ بِمَا قيل فى أَبى الْهُذيْل (أطل أَبُو الْهُذيْل على الْكَلَام ... كاطلال الْغَمَام على الانام) وَكَانَ يحفظ أَحْوَال النَّاس ولقى الْعلمَاء الْفُضَلَاء وَقَرَأَ عَلَيْهِم وَمن جملَة شُيُوخه عبد الرَّحِيم الخيمى وَعِيسَى دعفان فِيمَا أَظُنهُ وعَلى بن الْحَاج وَتحمل القاضى عبد الهادى من جليل الْكَلَام ودقيقه مَا لَا يُشبههُ فِيهِ أحد حَتَّى أَن الامام الْقسم بن مُحَمَّد لما اجْتمع بِهِ فى ذيبين بِبَيْت الْفَقِيه الْفَاضِل مُحَمَّد بن يُوسُف الشرعى وراجعه وَكَانَ مَعَه ابْنه أَحْمد بن الهادى وَكَانَ فَاضلا فَلَمَّا افْتَرَقُوا قَالَ الامام ظنى أَن عبد الهادى أوسع علما من أَبى الْهُذيْل لانه اطلع على مَا حصله أَبُو الْهُذيْل وَغَيره وَكَانَ مطلعا على قَوَاعِد البهشمية لَا يند عَنهُ مِنْهَا شئ وَلَا يخفى عَلَيْهِ شئ من أَحْوَال أهل الْعلم الكلامى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 يحفظ قَوَاعِد أَهله وأخبارهم وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ فى علم آل مُحَمَّد الخريت الماهر عَن سَماع وَرِوَايَة روى أَن شَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن سعيد بن صَلَاح الهبل لما بلغه أَن عبد الهادى درس فى مَجْمُوع الْقسم الرسى قَالَ هَذَا الْكتاب لَيْسَ من كتب الْمُعْتَزلَة كالعرض بعيد الهادى انه لَا يعرف علم الائمة فَبَلغهُ ذَلِك فضجر وَقَالَ وَالله انى لأعرف آل مُحَمَّد وَأَبوهُ القاضى سعيد فى بُد يَده غير مُتَعَلق بِالْعلمِ أَو كَمَا قَالَ وَقد كَانَ يظنّ بعض النَّاس لِكَثْرَة حفظه لقواعد الْمُعْتَزلَة انه يمِيل عَن مَذْهَب العترة وَهُوَ ترجمان ذَلِك وحافظه روى أَنه ذكر بعض تلامذته شَيْئا من أَحْوَاله فنسب اليه الْميل عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ على بن أَبى طَالب رضى الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا يمِيل الْمُعْتَزلَة فاتفق أَن القاضى أمْلى فى فَضَائِل على مَا لَا يعرفهُ الا هُوَ وَأطَال وأتى بِكُل عَجِيب وغريب وَكَانَ فِي التلامذة الْفَقِيه على الشَّارِح وَكَانَ شِيعِيًّا كَمَا يُقَال جلدا فَقَامَ وحجل على رجلَيْهِ أَو نَحْو ذَلِك فَرحا بِمَا سمع فَسَأَلَهُمْ القاضى عَن سَبَب ذَلِك فأخبروه بِمَا حصل من التلميذ فى اعْتِقَاده فى أَمِير الْمُؤمنِينَ وانه نسب اليه مَا ينْسب الى غَيره فَبكى من ذَلِك وتجرم من الْقَائِل وَهُوَ شيخ الشُّيُوخ انْقَطع اليه الْعلمَاء وقرأوا عَلَيْهِ كالقاضى ابراهيم ابْن يحيى والقاضى أَحْمد بن صَالح العنسى وَآل الحربى وَغَيرهم وَسَيِّدنَا أَحْمد بن سعد الدّين المسورى وَكَانَ يعطر الْمجَالِس بفكره ويملى عَنهُ غرائب وَولى الْقَضَاء بصنعا فتم بسعيه أُمُور عَظِيمَة للاسلام بحذاقة وبهارة وصناعة خارقة وَله فى السياسة مَا لَا يبلغهُ أحد وقصصه فى ذَلِك مَشْهُورَة وَله أَوْلَاد نجباء مِنْهُم عَلامَة الزَّمَان المهدى وَهُوَ على منوال وَالِده فى التَّحْقِيق والحذاقة وَمِنْهُم على وَهُوَ من الْعلمَاء الكملة وَالْحُسَيْن من فضلاء الْوَقْت وانتقل من صنعاء الى ثلافى أَوَائِل مرض مَوته ثمَّ توفى بثلا وَكَانَت وَفَاته نصف لَيْلَة الْجُمُعَة الثانى عشر من ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف القاضى عبد الهادى بن المقبول بن عبد الاول بن أَبى بكر بن عبد الاول بن عِيسَى بن عبد الْغفار بن عبد الاول بن الاستاذ مُحَمَّد بن عِيسَى بن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن عمر الزيلعى صَاحب اللِّحْيَة وَأمه مَرْيَم بنت عِيسَى بن يُوسُف بن أَبى بكر صَاحب الْحَال الاكبر ابْن مُحَمَّد بن عِيسَى بن أَحْمد بن عمر الزيلعى أحد الْعلمَاء الزهاد جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل والادب الغزير مَعَ اطلَاع وافر وذكاء وفطنة وسؤال عَمَّا أشكل فى مَوَاضِع الافادة بِحَيْثُ لَا يمر على الْمُشكل الا بعد أَن ينْحل عقده ويتضح مَعْنَاهُ وَيظْهر دَلِيله وَله مسابقة الى التمَاس الْفَوَائِد وَله فى آل رَسُول الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 محبَّة راسخة وَلذَا حصلت لَهُ الْجَلالَة والاحترام عِنْد الائمة بنى الْقسم وَبَينه وَبينهمْ مكاتبات ومودة ولد بجازان سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ الْقُرْآن وجوده على الْفَقِيه مَقْبُول القرشى وَقَرَأَ بالحجزين وهى قَرْيَة غربى صَبيا مُخْتَصر أَبى شُجَاع وَشَرحه لِابْنِ قَاسم الغزى على الْفَقِيه مُحَمَّد بن صديق الديباجى وبصبيا شرح الْمِنْهَاج للمحلى على الْفَقِيه أَحْمد بن علم الدّين شَافِع وعَلى الْفَقِيه اسماعيل ابْن مُحَمَّد المحلوى شرح الاجروميه لخَالِد الازهرى وَشرح الرحبية لابى محزمة ثمَّ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ وَقَرَأَ بجدة على عبد الْقَادِر بن أَحْمد الخلى وَأخذ بِمَكَّة عَن شُيُوخ كثيرين مِنْهُم الْمُحدث الْكَبِير مُحَمَّد على بن عَلان وَالشَّمْس البابلى وَعبد الله بن سعيد باقشير وَصَحب الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مهنا بن عوض بامزروع الحضرمى وَأخذ عَنهُ الطَّرِيق وتلقن الذّكر وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة ثمَّ رَجَعَ الى الْيمن وَقدم اللِّحْيَة وَأخذ بهَا عَن الْجمال مُحَمَّد صَاحب الْحَال وَصَحب عَارِف زَمَانه ولى الله تَعَالَى الْفَقِيه مَقْبُول ابْن أَحْمد المحجب وَكَانَ يجله ويعظمه ويميزه على وَلَده أَحْمد وَيَقُول لَهُ من خلف مثلك مَا مَاتَ ويتمثل لَهُ بقول بَعضهم (لَوْلَا بك النَّفْع مَا أخرجت من بلد ... الى الَّتِى خصصت فى سَابق الْقدَم) وَرجع الى بَلْدَة جازان وَصَحب بهَا الشَّيْخ سعيد بادهمج زمن اقامته بهَا معتكفا بِمَسْجِد بنى عبد الاول وَكَانَ لَهُ عِنْده مقَام رفيع وَيُشِير اليه فِيمَا يخْطر لَهُ من الخواطر الرحمانية وَيَقُول لَهُ أَنْت معَان وَلَا تقوم فى أَمر الا أعانك الله تَعَالَى عَلَيْهِ وشيوخه بِالسَّمَاعِ والاجازة كَثِيرُونَ مِنْهُم عَالم الْيمن القاضى حُسَيْن المهلا وَأحمد بن أَبى بكر ابْن مجنة الكنانى الشافعى والفقيه أَحْمد بن صديق الحشيبرى وَبَينه وَبَين الْعَلامَة السَّيِّد يحيى بن أَحْمد الشرفى وَغَيره من الاكابر مكاتبات ومراسلات وَله أشعار حسان مِنْهَا قَوْله يرثى السَّيِّد يحيى الْمَذْكُور (أفل الْبَدْر من سَمَاء السُّعُود ... واختفى النُّور عَن سناء السعيد) (وَغدا الدَّهْر لابسا ثوب حزن ... أسفا مُنْذُ غَابَ عين الْوُجُود) (لَا رعى الله لليالى ذماما ... اذ دهتنا بِكُل حتف سديد) (حِين وافت عين الخطوب بخطب ... ومصاب مشيب للوليد) وَمِنْهَا (وعَلى الدَّهْر والليالى سَلام ... بعد فقد الحبيب زاكى الجدود) (صفوة الْآل والمكارم يحيى ... مَعْدن الْفضل والوفا بالعهود) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وَمِنْهَا (كل صَعب سوى مصابك سهل ... لَيْسَ فِيمَا أَقُول من ترديد) (غير أَن المُرَاد لله فِيمَا ... شَاءَ فى الْخلق من جَمِيع العبيد) وَكَانَت وَفَاته سلخ ذى الْقعدَة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف بجازان رَحمَه الله عبد الْوَاحِد بن أَبى بكر الانصارى الشافعى قاضى القنفدة الامام الْفَاضِل كَانَ بمَكَان مكين من الْعلم غَايَة فى الذكاء والفهم حسن التَّقْرِير والتحرير روى الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا عَن الْعَلامَة الشَّيْخ على بن الْجمال وَعبد الله بن سعيد باقشير وَعِيسَى بن مُحَمَّد الجعفرى وَله فِيهِ مدائح كَثِيرَة ومرثيات كَثِيرَة وجاور بالحرمين سِنِين // وَأَجَازَ شُيُوخه // وَكَانَ رَئِيس القنفدة وَمَا والاها من أَرض الْحجاز لَا تصدر حَقِيقَة أمورها الا عَن رَأْيه وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى سعى بِهِ بعض الوشاة بِسَبَب سَعْيه فى صلح بَين الاشراف بنى عبد الله الى الشريف سعيد بن زيد ورماه بِأُمُور أوجبت ان أَمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَنهب دَاره وَجَمِيع أثاثه ودثاره ثمَّ قيد بالقيود وأتى بِهِ اليه وَأَرَادَ قَتله بعد الذى جرى عَلَيْهِ من حلق ذقنه ولحيته فشفع فِيهِ بعض الاعيان فَعَفَا عَنهُ وَاخْتَارَ الاقامة بعد ذَلِك بِنَجْد الْحجاز وَلم تسمح نَفسه بسكنى بَلَده القنفدة بل كَانَ يتَرَدَّد اليها أَحْيَانًا لزيارة من بهَا من أحبابه وتوطن محلّة موطف وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا نظم الْمنْهَج وَشرح على الرحبية فى الْفَرَائِض ومنظومة فى أصُول الدّين وَشرح عقيدة الامام اسماعيل بن الْقسم ملك الْيمن وَبَين فِيهَا أَدِلَّة أهل السّنة ورد على الزيدية وَله رسائل كَثِيرَة مِنْهَا رِسَالَة سَمَّاهَا الْجَواب الابى فى صِحَة الطَّلَاق مَعَ الْكَلَام الْقَلِيل وان كَانَ بالاجنبى وَغير ذَلِك من المنثور والمنظوم وَالشعر الْفَائِق وَكَانَت وَفَاته فى جُمَادَى الاولى سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن على بن عَاشر الانصارى نسبا الاندلسى أصلا الفاسى منشأ ودارا ذكره تِلْمِيذه الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الشهير بميارة فى شَرحه على منظومة المترجم الْمُسَمّى بالدر الثمين والمورد الْمعِين فى شرح المرشد الْمعِين على الضرورى من عُلُوم الدّين فَقَالَ كَانَ اماما عَالما ورعاً عابداً متفننا فى عُلُوم شَتَّى قَرَأَ الْقُرْآن على الامام الشهير الاستاذ الْمُحَقق أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن الْفَقِيه والاستاذ عُثْمَان اللمطى وعَلى غَيرهمَا وَأخذ قِرَاءَة الائمة السَّبْعَة عَن الاستاذ الْمُحَقق أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن الكفيف ثمَّ عَن الْعَارِف الشهير مفتى فاس وخطيب حضرتها أَبى عبد الله مُحَمَّد الشريف المرى وَغَيرهمَا وَلَا شكّ انه فاق أشياخه فى التفنن فى التوجيهات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 والتعليلات وَأخذ النَّحْو وَغَيره من الْعُلُوم عَن جمَاعَة من الائمة كالامام الْعَالم المتفنن مفتى فاس وخطيب حضرتها أَبى عبد الله مُحَمَّد بن قَاسم الْقصار القيسى وكالامام النحوى الاستاذ أَبى الْفضل قَاسم بن أَبى الْعَافِيَة الشهير بِابْن القاضى وكشيخنا الْفَقِيه الْمُحدث الْمسند الرِّوَايَة الاديب الْحَاج الابر أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى الْعَافِيَة الشهير بِابْن القاضى ابْن عَم أَبى الْفضل الْمَذْكُور قبله وكالامام الْعَالم الْمُحَقق قاضى الْجَمَاعَة بفاس أَبى الْحسن على بن عمرَان وكالامام الْعَالم مفتى فاس وخطيب حضرتها أَبى عبد الله الهوارى وكالشيخ الْعَالم الْعَامِل الْوَرع الزَّاهِد أَبى عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد التجيبى شهر بِابْن عَزِيز بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الزاى وَكَانَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى يذكر لنا عَنهُ كرامات نفعنا الله تَعَالَى بِهِ وكشيخنا الامام الْعَالم المتفنن الْمُفَسّر المسن قاضى الْجَمَاعَة بفاس وخطيب حضرتها ومفتيها أَبى الْفضل قَاسم بن مُحَمَّد أَبى النَّعيم الغسانى وَغَيرهم من الائمة وَأخذ الحَدِيث عَن بعض من تقدم من الشُّيُوخ الفاسيين كَابْن عَزِيز والقصار وَشَيخنَا ابْن القاضى وَعَن غَيرهم من المشارقة لما حج وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَألف وَدخل مصر فَمنهمْ الامام الْمُحدث المعمر صفى الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يحيى الْعُزَّى بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَكسر الزاى الْمُشَدّدَة الشافعى وَقَرَأَ موطأ مَالك بن أنس على الْفَقِيه الْعَالم الْحسن أَبى عبد الله مُحَمَّد الْجنان وشمايل الترمذى على شَيخنَا الامام الْعَالم الْمُحدث أَبى الْحسن على البطوى وَكَانَ ذَا معرفَة بالقراآت وتوجيهها وبالنحور وَالتَّفْسِير والاعراب والرسم والضبط وَعلم الْكَلَام يحفظ نظم ابْن ذكرى عَن ظهر قلب وبعلم الاصول وَالْفِقْه والتوقيت وَالتَّعْدِيل والحساب والفرائض والمنطق وَالْبَيَان وَالْعرُوض والطب وَغير ذَلِك وَحج وجاهد وَاعْتَكف وَكَانَ يقوم من اللَّيْل مَا شَاءَ الله وَألف تآليف عديدة مِنْهَا هَذِه الْمَنْظُومَة العديمة الْمِثَال فى الِاخْتِصَار وَكَثْرَة الْفَوَائِد وَالتَّحْقِيق وموافقة الْمَشْهُور ومحاذاة مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل وَالْجمع بَين أصُول الدّين وفروعه بِحَيْثُ أَن من قَرَأَهَا وَفهم مسائلها خرج قطعا عَن ربقة التَّقْلِيد الْمُخْتَلف فى ايمان صَاحبه وَأدّى مَا أوجب الله عَلَيْهِ تعلمه من الْعلم الْوَاجِب على الاعيان وَلذَا قَالَ فِيهَا الْفَقِيه الاديب النحوى اللغوى أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الشَّيْخ الاجل الولى الصَّالح الْمُجَاهِد المرابط بالثغورذى الفتوحات العديدة والمآثر الحميدة أَبى عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد العباشى أبقى الله وجوده كهفا للاسلام وجلاء لغياهب الظلام مَا نَصه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 (عَلَيْك اذا رمت الْهدى وَطَرِيقه ... وبالدين للْمولى الْكَرِيم تدين) (بِحِفْظ لنظم كالجمان فصوله ... وَمَا هُوَ الا مرشد ومعين) (كَانَ الْمعَانى تَحت الفاظه وَقد ... بَدَت سلسبيل بالرياض معِين) (وَكَيف وَقد أبداه فكر ابْن عَاشر ... امام هدى للمشكلات يبين) (تضلع من كل الْعُلُوم فَمَاله ... شَبيه وَلَا فى المعلوات قرين) (وأبرز ربات الْجمال بفهمه ... فها هى أبكار لَدَيْهِ وَعون) (وأعمل فكرا سالما فى جَمِيعهَا ... فذل لَهُ صَعب ولان خرون) (وأنهى الى قطب الْوُجُود تَحِيَّة ... علينا بهَا كل الامور تهون) وَمِنْهَا شَرحه العجيب على مورد الظمآن فى علم رسم الْقُرْآن فقد أَجَاد فِيهِ مَا شَاءَ وَلَيْسَ الْخَبَر كالعيان وأدرج فِيهِ تأليفا آخر سَمَّاهُ الاعلان بتكميل مورد الظمآن فى كَيْفيَّة رسم الْقُرْآن لغير نَافِع من بَقِيَّة السَّبْعَة فى نَحْو خمسين بَيْتا وَشَرحه وابتدأ شرحا على مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل مُلْتَزما فِيهِ نقل لفظ ابْن الْحَاجِب ثمَّ لفظ التَّوْضِيح وأضاف الى ذَلِك فَوَائِد عَجِيبَة ونكثا غَرِيبه كتب مِنْهُ من قَوْله فى النِّكَاح والكفاءة الدّين وَالْحَال الى بَاب السّلم وَالله أعلم وَله طرر عَجِيبَة مفيدة على الْمُخْتَصر الْمَذْكُور بَعْضهَا يتَعَلَّق بِلَفْظ الْمُخْتَصر وَبَعضهَا بِلَفْظ شَارِحه الامام التتائى فى شَرحه الصَّغِير وَله رساله عَجِيبَة فى عمل الرّبع الْمُجيب فى نَحْو مائَة وَثَلَاثِينَ بَيْتا من الرجز وَله تقاييد على العقيدة الْكُبْرَى للامام السنوسى وَله طرر عَجِيبَة على شرح الامام أَبى عبد الله مُحَمَّد التنسى لذيل مورد الظمآن فى الضَّبْط وَله المقطعات فى جمع نَظَائِر رساله مهمة من الْفِقْه والنحو وَغَيرهمَا وَمن نظمه وَكَانَ يكثر من ذكره عِنْدَمَا تكْثر عِنْده الاسئلة الْفِقْهِيَّة وَمن املائه نقلت (يزهدنى فى الْفِقْه أَنى لَا أرى ... يسائل عَنهُ غير صنفين فى الورى) (فزوجان راما رَجْعَة بعد بتة ... وذئبان راما جيفة فتسعرا) أُصِيب بالداء الذى يُسمى على لِسَان الْعَامَّة بالنقطة ضحى يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذى الْحجَّة سنة أَرْبَعِينَ وَألف وَمَات عِنْد الاصفرار من ذَلِك الْيَوْم والى سنة وَفَاته أَشرت بالشين وَالْمِيم بِحِسَاب الْجمل من قولى فى جملَة أَبْيَات فى تواريخ وفيات جملَة من شُيُوخنَا والاشارة الى بعض صفاتهم (وعاشر المبرور غزوا وَحجَّة ... امام التقى وَالْعلم شم قرنفل) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 عبد الْوَاحِد الرشيدى البرجى الشافعى تَرْجمهُ الخفاجى وَقَالَ فى نَعته حَسَنَة بهَا ذَنْب الزَّمَان غفر وَأصْبح بِهِ عصره على سَائِر الازمان يفتخر فَهُوَ رَيْحَانَة الدَّهْر النَّضر والذائع ذكره حَتَّى كَأَنَّمَا سعى بِهِ الْخضر لَهُ محاورات تطرز بهَا حلل الوشائع وسقيط حَدِيث كَأَنَّهُ جنى النَّحْل ممزوجاً بِمَاء الوقائع ثمَّ قَالَ فَمن لؤلؤة الرطب وَرشح قلمه العذب قَوْله فى نَائِب غير رشيد تفلج بِهِ ثغر رشيد (قلت للنائب الذى ... قد رَأينَا معائبه) (لست عندى بنائب ... انما أَنْت نَائِبه) وَمثله قَول الآخر (وقاض لنا حكمه بَاطِل ... وَأَحْكَام زَوجته ماضيه) (فيا ليته لم يكن قَاضِيا ... وَيَا ليتها كَانَت القاضيه) وللارجانى (وَمن النوائب اننى ... فى مثل هَذَا الامر نَائِب) وَله (لَا تحسبن أَن هجوى فِيك مكرمَة ... شعرى بهجو لئيم قطّ مَا سَمحا) (لَكِن أجرب طبعى فِيك فَهُوَ كَمَا ... جربت فى الْكَلْب سَيْفا عِنْدَمَا نبحا) وَمِنْه قَول الآخر (هجوتك لَا لانك أهل هجو ... ولكنى أجرب فِيك سبى) (وَلَيْسَ يضر شفرة حد سيف ... اذا مَا جربت فى جلد كلب) وَله وَقد سمع بِمَوْت بعض قُضَاة مصر (قَالُوا قضى القاضى فواحسرتا ... ان لم يكن قد مَاتَ من جُمُعَة) (مُصِيبَة لَا غفر الله لى ... ان كنت أجريت لَهَا دمعتى) وَقَالَ الشَّيْخ مَدين القوصونى فى تَرْجَمته شَيخنَا الشَّيْخ الْفَاضِل والامام الْكَامِل الْوَرع الزَّاهِد كَانَ عَارِفًا بعلوم شَتَّى وَكَانَ يستحضر أَشْيَاء كَثِيرَة من النَّوَادِر قَالَ وَرَأَيْت لَهُ من المؤلفات كتاب نزهة السامره فى أَخْبَار مصر والقاهره ذكر فِيهِ الوزراء الَّذين توَلّوا مصر الى الْوَزير الاعظم كَانَ مُحَمَّد باشا وَأنْشد لَهُ من شعره قَوْله (يَقُولُونَ لى قهوة البن هَل ... تجل وتؤمن آفاتها) (فَقلت نعم هى مَأْمُونَة ... وَمَا الصعب الا مضافاتها) قَالَ وَسَأَلته عَن مضافتها فأجابنى هى مَا يسْتَعْمل مَعهَا من المكيفات وَمن املائه بثغر رشيد فى سنة تسع بعد الالف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 (لعمرك مَا أهديت للحب خَاتمًا ... وَلَا قَلما يبرى ولابست عينه) (وَلَا آلَة للْقطع تقطع بَيْننَا ... فَمَا سَبَب التَّفْرِيق بينى وَبَينه) وَقَالَ غَيره فى توصيفه عبد الْوَاحِد الرشيدى امام برج مغيزل الشَّيْخ الامام الْعَلامَة كَانَ من مشاهير الْفُضَلَاء قَرَأَ عَلَيْهِ كثير مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد الجمازى ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله (لَا تصحبن نَاقِصا فتضحى ... قَلِيل حَظّ كثير ذَنْب) (وَانْظُر الى الرّفْع من أَبُو من ... والخفض فى الْقَبْر بعد حَرْب) وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى شَوَّال سنة ثَلَاث وَعشْرين والف وَدفن بتربة الْجلَال السيوطى وَبلغ من الْعُمر مائَة فَأكْثر قَالَه الشَّيْخ مَدين والبرجى تبين انها نِسْبَة لبرج مغيزل عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود بن عبد الله بن مَحْمُود الفرفورى الدمشقى الحنفى مفتى الشأم وَأحد الْفُضَلَاء المبرزين كَانَ فَقِيها وجيها جليل الْقدر سامى الرُّتْبَة قوى الحافظة طَوِيل الباع وَله أدب بارع ومحاضرة جَيِّدَة اشْتغل فى مباديه على الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى والشرف الدمشقى وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّيْخ عمر الْقَارئ ثمَّ لزم العمادى الْمُفْتى وَمَال اليه العمادى بكليته فصيره معيد درسه فى صَحِيح البخارى وَتخرج فى كِتَابَة الاسئلة الْمُتَعَلّقَة بالفتيا على الشهَاب أَحْمد بن قولا قسز وَعبد اللَّطِيف المنقارى ثمَّ لَازم ودرس على قَاعِدَة الرّوم وَفرغ لَهُ أَحْمد بن شاهين عَن تدريس الجقمقية قبل وَفَاته ثمَّ درس وَأفَاد وانتفع بِهِ جمَاعَة وَتَوَلَّى النِّيَابَة الْكُبْرَى مَرَّات مُتعَدِّدَة ونال رُتْبَة الدَّاخِل المتعارفة الْآن فى بِلَادنَا وَلما قدم الْوَزير أَحْمد باشا الْفَاضِل الى دمشق أقبل عَلَيْهِ كثيرا لما رأى من فَضله فَلَمَّا ولى الوزارة الْعُظْمَى صيره مفتيا بالشأم وَوَقعت مِنْهُ موقعها وَكتب اليه الامير المنجكى قَوْله (شكت الى الرّوم أحباؤنا ... من فتية تفتى على جهلها) (فارسل الْفَتْوَى مليك الورى ... لنجل فرفور على رسلها) (وَأصْبح الْفضل لنا قَائِلا ... أَدّوا الامانات الى أَهلهَا) وأرخ تَوليته شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْغنى النابلسى فَقَالَ (قد جَاءَت الْفَتْوَى الى بَابَكُمْ ... مسرعة تولى معاليها) (لما بكم لاقت ولقتم بهَا ... والدهر أعْطى الْقوس باريها) (وَالله مَا جارت بكم آرخوا ... بل آلت الْفَتْوَى لأهليها) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وَقد تمكنت قَوَاعِده فى الْفتيا واشتهر أمره وَكَانَ مَعَ عراقته الطائلة وتفوقه فى الْفضل والادب متواضعا دمث الاخلاق ودودا حسن الْعشْرَة طارحا للتكلف فَلهَذَا مَالَتْ اليه الْقُلُوب وانبعثت اليه الاهواء وَكَانَ فى الِاطِّلَاع على فروع الْفِقْه والاخذ بمحال الاحكام فى الذورة الْعَالِيَة وَمن غَرِيب أمره انه مَعَ فَضله الباهر لم يرو لَهُ أثر من تَحْرِير أَو تَقْرِير وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمن // جيد شعره // قَوْله (لله بدر قد حكى بخدوده ... ورد الربى وشقائق النُّعْمَان) (وبثغره زهر الاقاح منضد ... وبقده المياس غُصْن البان) (وبطيبه طيب الرياض ونشرها ... وبصدغه للاس وَالريحَان) (واذا محاسنه بَدَت لعيوننا ... تجلى فَلَا نحتاج للبستان) وَقَوله (ان غبت عَن ناظرة يَا من كلفت بِهِ ... فَمَا أَرَاك عقيب الْآن فى عمرى) (لَان عينى تجرى بعد فرقتكم ... دَمًا ويتبعه ماطل من بصرى) وَقَوله (دع الْحبّ ان الْحبّ لِلْعَقْلِ سالب ... وعش خَالِيا فالحب فِيهِ النوائب) (فَلَا يصلحن الا لمثلى فاننى ... فَتى دون نَعْلَيْه السهى وَالْكَوَاكِب) (فَمن كَانَ مثلى كَانَ بالحب لائقا ... والا فَهَب بالصبابة لاعب) وَكتب الى جدى محب الله فى غَرَض (يَا من أياديه سَحَاب ممطر ... ولديه حَاتِم فى السخا لَا يذكر) (وَعَلِيهِ من سِيمَا الْكِرَام دلَالَة ... وشواهد تبدو عَلَيْهِ وَتظهر) (طوقتنى من راحتيك بمنة ... أضحت على طول الليالى تنشر) (لم أقض حق ثنائها لَو أَن لى ... فى كل جارحة لِسَانا يشْكر) وَلم تطل مدَّته فتوفى وَكَانَت وِلَادَته فى سنة اثنتى عشرَة وَألف وَتوفى فى خَامِس عشر الْمحرم سنة ثَلَاثَة وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة أجداده بنى الفرفورى لصيق مَزَار الشَّيْخ أرسلان قدس الله تَعَالَى سره الْعَزِيز وَقَالَ الامير المنجكى يرثيه (رَيْحَانَة الافضال عاجلها الردى ... ولفقدها مس الانام زكام) (مَا كَانَت الايام الا مقلة ... وَلها ابْن فرفور ضيا ومنام) (حيته أَرْوَاح الرِّضَا من ربه ... وهمى عَلَيْهِ من الهبات غمام) عبد الْوَهَّاب بن رَجَب المنعوت تَاج الدّين الحموى الشافعى نزيل دمشق الاديب النَّحْو الْمَشْهُور ورد دمشق مَعَ عَمه حسن واشتغل بهَا على جدى ابى الفدا النابلسى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 والقاضى محب الدّين وعَلى العمادى الحنفى وَالشَّمْس المنقارى وَغَيرهم لكنه بجدى القاضى أَكثر اختصاصا وَكَانَ معيد دروسه وبرع فى الْفُنُون الا أَنه غلب عَلَيْهِ علم الْعَرَبيَّة حَتَّى صَار فِيهِ من الراسخين وَلَعَلَّه كَانَ أنحى أهل عصره ودرس ببقعة فى الْجَامِع الاموى وانتفع بِهِ كثير من الْفُضَلَاء وَكَانَ من خِيَار النَّاس وَهُوَ من بَيت كَبِير بحماة من جملَة أقاربهم أَوْلَاد الاعوج امراء حماة وَكَانَ التَّاج صَاحب التَّرْجَمَة مشتغلا بخويصة نَفسه لَا يشْتَغل غَالِبا الا بِمَا يَنْفَعهُ يأتى كل يَوْم الى الْجَامِع وَيصلى الظّهْر وَيجْلس للاقراء الى أَن يفرغ وَيذْهب الى بَيته فى جوَار الْمدرسَة الصابونية خَارج بَاب النَّصْر وَهُوَ ممتحن بأمرين غريبين الاول انه اذا أتلف الْحُكَّام من الْمُجْرمين أحد وأشهروه فانه يتبع ذَلِك الرجل وَلَا يزَال تَابعا لَهُ الى الْمَكَان الذى يقتل فِيهِ فيقف فى أقرب مَكَان مِنْهُ الى أَن يُشَاهد صُورَة قَتله وَيسْتَمر وَاقِفًا الى انْتِهَاء الامر وَهَذِه عَادَته دَائِما وَسُئِلَ عَن سَبَب هَذَا الامر فَقَالَ أقصد بذلك تَأْدِيب نفسى بِهِ وزجرها بمشاهدة ذَلِك الثانى انه كَانَ متهالكا على لعب الشطرنج فى دكاكين بَاب الْجَابِيَة يجلس فى بعض الدكاكين ويلعب مَعَ من أَرَادَ ويكشف رَأسه وَيَضَع الْعِمَامَة الى جَانِبه وَلَا يزَال يلْعَب الى أَن تغرب الشَّمْس فى غَالب الاوقات وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ من محَاسِن الايام وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس عشرَة وَألف عبد الْوَهَّاب بن سعيد بن عبد الله بن مَسْعُود الحميرى الحوالى ذكره ابْن أَبى الرَّجَاء فى تَارِيخه وَقَالَ فى وَصفه كَانَ عَالما مُجْتَهدا من بَيت شهير بِالْعلمِ معمور بِالْفَضْلِ نسبهم الى ذى حوال فهم وَآل يعفر وَالْفُقَهَاء آل الاكوع فى نسب وَاحِد وَكَانَ من فضلاء وقته وَيُسمى الصنعانى نِسْبَة الى أمه وَكَانَ مُتَعَلقا بالسياحة دمث الاخلاق كريم السجايا وَله مَكَارِم وآداب وَكَانَ يأتى الى ذيبين للتنزه أَيَّام الخريف فيجتمع بِهِ الْفُضَلَاء وَيتم لَهُم بِهِ الانس وَكَانَ جميل الثِّيَاب حسن الْهَيْئَة وَيُقَال انه يعرف السيميا وَلما اعتقل بكوكبان ظهر هَذَا مِنْهُ فانه كَانَ يخرج من السجْن وَيَضَع ثِيَابه عِنْد أهل السجْن ويغيب الْيَوْم واليومين ثمَّ يرجع ويفارقهم من مَحل وعر لَا يُمكن النّفُوذ مِنْهُ وَله صناعَة فى الامر بِالْمَعْرُوفِ والنهى عَن الْمُنكر مِمَّا يدل على ذَلِك مَا اشْتهر عَنهُ انه طلع الى بعض جبال ذيبين فَوجدَ فى بعض الكهوف امْرَأَة تبكى وَعِنْدهَا رجل رَقِيب عَلَيْهَا فَسَأَلَهَا عَن شَأْنهَا وَمِمَّا سَبَب بكائها فَأَخْبَرته انها امْرَأَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 محتشمة لَيست من ذَوَات الريب وانه اتّفق بهَا نَحْو ثَمَانِيَة من العتاة العصاة فاغتصبوها نَفسهَا وَأمرُوا ذَلِك الرجل رقيباً بحفظها وعزموا ليأتوا بِمَا يَلِيق بمعصيتهم من لحم يسرقونه وَنَحْو ذَلِك فَلَمَّا أَطَالَ مَعهَا الحَدِيث جَاءَ ذَلِك الرَّقِيب واستنكر الْخطاب فَقَالَ القاضى الْمَذْكُور لَهُ يَا مِسْكين ترْضى لنَفسك بِهَذِهِ الْحَال الدنية وَالْحَال الْعلية تمكنك قَالَ وَمَا هى قَالَ أزَوجك هَذِه الْمَرْأَة وَتَكون لَك خَاصَّة قَالَ الرجل وَهَذَا يتم قَالَ نعم فعقد لَهُ بِغَيْر شُهُود فَلَمَّا وصل أَصْحَاب ذَلِك الرجل لَقِيَهُمْ وَقَالَ لَهُم هَذِه صَارَت زوجتى بِحكم القاضى فَلَا يقربهَا أحد فَمَنعهُمْ وَنزل القاضى وَعقد لَهُ عقدا جَدِيدا وَكَانَ يزورها كل سنة وَكَانَ مَعَ هَذَا الْحلم الْكثير بَينه وَبَين الْعَلامَة ابراهيم بن مَسْعُود وَحْشَة وَذَلِكَ من الْعَجَائِب وَقد روى انه صلح أَمرهمَا وتراضيا وَتوفى بالظهرين هجرتهم الْمَعْرُوفَة بِحجَّة فى تَاسِع عشرى رَجَب سنة ثَمَان عشرَة وَألف وقبره الى جنب السَّيِّد الْفَاضِل شرف الدّين بن مُحَمَّد الحميرى من جِهَة الْقبْلَة ورثاه السَّيِّد الْعَلامَة على بن صَلَاح العبالى فَقَالَ (عين جودى بدمعك الهتان ... واندبى ماجدا عَظِيم الشان) (فَاضل طلق الدنا وتخلى ... عَالم عَامل بِكُل مَكَان) (لم يدع بغية من الْفضل الا ... نالها بالسباق طلق الْعَنَان) (يَا لَهُ من مبرز فى عُلُوم ... مَا حواها سواهُ من انسان) (فلفقدانه ثوت بفؤادى ... لوعة دونهَا لظى النيرَان) (آه أضحى الانام عميا عَلَيْهِ ... لَا يرَوْنَ الضيا من الضبعان) (رحم الله تربة ابْن سعيد ... وَسَقَى من لَدَيْهِ بالهتان) (وتغشى ضريحه بِصَلَاة ... انه كَانَ طيب الاردان) عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن الدمشقى الحنفى القاضى تَاج الدّين الْمَعْرُوف بالتاجى أحد كبراء دمشق وَكَانَ لَهُ فى وقته شهامة وَحُرْمَة وسخاء ورزق وسعة طائلة ونعمة وافرة تفقه بِالنَّجْمِ البهنسى الْخَطِيب واخذ عَن الْبَدْر الغزى وَكَانَ جيد الْمُشَاركَة فى الْفِقْه وسافر الى الرّوم وَولى قَضَاء بعض القصبات الى أَن وصل الى قَضَاء حماة وتقاعد بعْدهَا بِدِمَشْق وَتَوَلَّى قَضَاء الركب الشامى فى سنة سبع بعد الالف وَكَانَ يرْمى بِأَنَّهُ سامرى الاصل وَاتفقَ لَهُ انه ادّعى الشّرف من جِهَة أمه لكَونهَا شريفة وهى بنت السَّيِّد القطبى وَوضع الْعَلامَة الخضراء فى عمَامَته فَقَالَ فِيهِ أَبُو المعالى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 درويش مُحَمَّد الطالوى مضمنا بَيت المتنبى (طافت يَهُودِيَّة بِالْبَيْتِ قلت لَهما ... حويت كفرا واسلاما نرى عجبا) (فاستضحكت ثمَّ قَالَت كالذبيح يرى ... مشرفاً وَهُوَ من عجل اذا انتسبا) وَلما تعين الْوَزير نصوح باشا سردارا على العساكر لمحاربة شاه الْعَجم رَحل اليه القاضى تَاج الدّين فَلَقِيَهُ بديار بكر وَطلب أَن يُعْطِيهِ تقاعدا عَن دفتر داريه الشَّام حَتَّى يجلس فَوق الاقوام فَمَاتَ بديار بكر وَصَحَّ خبر مَوته بِدِمَشْق فى منتصف شعْبَان سنة عشْرين بعد الالف عُثْمَان بن ابراهيم أَبى سيفين بن عمر بن أَحْمد أَبى مُوسَى بن أَبى بكر صَاحب الْخَال الاكبر بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن الشَّيْخ أَحْمد بن عمر الزيلعى العقيلى صَاحب اللِّحْيَة كنى وَالِده بأبى سيفين بكنية الْفَقِيه ابراهيم بن مُحَمَّد بن عِيسَى لانه كَانَ لَهُ سيفان فى صغره فكنى بهما وَاتفقَ لوالد صَاحب التَّرْجَمَة انه كَانَ لَهُ سيف فَضَاعَ مِنْهُ فَقيل لَهُ أَنْت أَبُو سيفين فَأَيْنَ الثانى فَأخْرج سَيْفا من فَمه بدله كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة عمار زَمَانه وسلمان أَوَانه صبيح الْوَجْه حسن الْخلق رَقِيق الْخلق مَا رَآهُ أحد الا ذكر الله أفنى كهولته وشيخوخته فى طَاعَة خالقه وَكَانَ امام الشَّرِيعَة والطريقة وحيد وقته وفريد عصره وَكَانَ صَدرا من الصُّدُور تفزع اليه النَّاس ويجلون مَحَله ويعظمونه لمكانته فى الْعلم وَالْولَايَة وَكَانَ سَمحا فى المأكل وَالْمشْرَب والملبس ورعا تقيا محافظا على الطَّاعَات ملازما للجماعات ولد بِجَزِيرَة عِيسَى من اعمال اللِّحْيَة وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن ورباه وَالِده أحسن تربية حَتَّى فاق جماعته واخوته وَكَانَ كثير الاحسان وصُولا لما أَمر الله بِهِ أَن يُوصل وَكَانَ الله سُبْحَانَهُ يجرى لَهُ ألطافه فى افعاله فقد حكى عَنهُ أَن ابْن عَمه الْعَارِف بِاللَّه أَحْمد السطيحة عمل وَلِيمَة ختان أَو عرس لخاصته من أَهله وجماعته فَلم يشْعر الا ووجوه النَّاس وقبائل الْعَرَب أَتَت اليه لتتبرك بِحُضُور الْوَلِيمَة وَلم يكن متهيئا لَهُم وَلَيْسَ عِنْده مَا يكفيهم من المأكل فبقى متحيرا كَيفَ يفعل فَذكر لبَعض خاصته ذَلِك فَقَالَ لَهُ عَلَيْك بالفقيه عُثْمَان فَأتى اليه فَقَالَ لَهُ يَا عَم أَتَيْتُك فى مُهِمّ وَذكر لَهُ الْقِصَّة فَقَالَ مَا هُنَاكَ خلاف وأتى مَعَه الى منزله وَأمر النِّسَاء ان يخلوا الْمَكَان الْمعد للطبخ ليتعاطى الامر بِنَفسِهِ فاخلوه فَأَمرهمْ بِتَقْدِيم الْمَائِدَة للنِّسَاء أَولا وَأتوا بأواني الاكل اليه ليغرف لَهُم بِيَدِهِ فَصَارَ يُحَرك الْقُدُور ويغرف لَهُم مِنْهَا حَتَّى قدم لَهُم مَا كفاهم وَفضل مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 شئ كثير ثمَّ فعل بِالرِّجَالِ كَذَلِك حَتَّى شبع الْجَمِيع وغرف للجيران والفقراء وَجَمِيع من كَانَ حَاضرا فى ذَلِك المهم وبقى الذى فى الْقُدُور على حَاله لم ينقص مِنْهُ شئ وَله وقائع كَثِيرَة وكرامات شهيرة وَكَانَت وَفَاته فى نَيف وَثَلَاثِينَ وَألف بِجَزِيرَة عِيسَى بن أَحْمد وَبهَا دفن وأعقب ذُرِّيَّة صَالِحَة رضى الله عَنهُ السُّلْطَان عُثْمَان بن السُّلْطَان أَحْمد بن السُّلْطَان مُحَمَّد بن السُّلْطَان مُرَاد بن السُّلْطَان سليم الثانى ابْن سُلَيْمَان بن سليم السُّلْطَان الاعظم أحد مُلُوك آل عُثْمَان رحم الله الماضين مِنْهُم وَأبقى البَاقِينَ كَانَ السُّلْطَان الْمَذْكُور أحسن هَؤُلَاءِ الْمُلُوك خلقا وخلقا وأجملهم شيما وطباعا لَهُ أدب وحياء وعرفان وَفِيه شجاعة وفروسية وَكَانَ ينظم الشّعْر التركى ومخلصه على طَريقَة شعراء الرّوم فارسى ولى الْخلَافَة عَن عَمه السُّلْطَان مصطفى لما خلع فى سادس سَاعَة من لَيْلَة الاربعاء ثامن شهر ربيع الاول سنة سبع وَعشْرين وَألف وسافر على القزق وَقبل ذَهَابه قتل أَخَاهُ السُّلْطَان مُحَمَّدًا خوفًا من الْفِتْنَة بعده وَلما أَرَادوا قَتله أحضرهُ الى مَحل جُلُوسه وَكَانَ جَالِسا على صفة وَبِيَدِهِ كتاب يقْرَأ فِيهِ فَلَمَّا حضر بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ بِاللَّه عَلَيْك لَا تدخل فى دمى وَلَا تجعلنى خصمك يَوْم الْقِيَامَة وَأَنا أقنع مِنْك برغيف فَمَا كَانَ من جَوَابه الا الامر بخنقه فخنق بالوتر بَين يَدَيْهِ ففار من مَنْخرَيْهِ الدَّم الى أَن وصل الى عِمَامَة السُّلْطَان وَيُقَال ان آخر كَلَام قَالَه فى خطاب أَخِيه سلط الله عَلَيْك من لَا يَرْحَمك وَلَا يخشاك وَكَانَ قَتله فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاثِينَ فَمَا فَاتَ الْحول بِكَثِير حَتَّى فعل بِهِ كَمَا فعل بأَخيه وَخرج لِلْقِتَالِ فى أَوَاخِر جُمَادَى الْآخِرَة فى نَحْو سِتّمائَة ألف مقَاتل وَجعل القنطرة الَّتِى على الْبَحْر الحاجز بَينه وَبَين الطَّائِفَة الْمَذْكُورَة وأتقنها وَهَذِه القنطرة هى الَّتِى أحدثها هُوَ من حِين حُلُول ركابه بِبِلَاد القزق وَأخذ الْجِزْيَة مِنْهُم عَن ثَلَاث سِنِين وانتصر عَلَيْهِم مَعَ أَخذ قلاع مُتعَدِّدَة وَغَنَائِم وَعَاد الى مقرّ خِلَافَته فى أَوَاخِر السّنة الْمَذْكُورَة وأنعم على العساكر انعامات عَظِيمَة فهابته مُلُوك الْآفَاق وقويت شوكته واتسعت فى أَيَّامه دَائِرَة الْملك واتصل بعقيلة شيخ الاسلام الْمولى أسعد وَلم يتَّفق التَّزَوُّج بِنِكَاح لَاحَدَّ من آل بَيته الا لجده الاعلى وسميه السُّلْطَان عُثْمَان فانه تزوج بابنة الْمولى اده بالى كَمَا هُوَ مَذْكُور فى الشقائق النعمانية وَكَانَ فِيهِ صَلَاح وَتعطف وخشوع وَأمر فى أَيَّامه بتعطيل حانات الْخمر وَدَار عَلَيْهَا بِنَفسِهِ وقفل أَبْوَابهَا وطرد أَصْحَابهَا وفى أَيَّامه فى سنة ثَلَاثِينَ جمد الْبَحْر الحاجز بَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 قسطنطينية وأسكدار والغلطة جلد من شدَّة الْبرد وَمر على الجليد اناس من اسكدار الى قسطنطينية وَهَذَا لم يتَّفق فى زمن من الازمنة وَقد مدح بالقصائد النفيسة من جُمْلَتهَا قصيدة امامه وملتفته الشَّيْخ الامام يُوسُف بن أَبى الْفَتْح الدمشقى ومطلعها (تذكر من أكناف رامة مربعًا ... ومغنى بِهِ غُصْن الشبيبة أينعا) (فَبَاتَ على جمر الغضى يستفزه ... غرام فيذرى الدمع أَربع أَرْبعا) (كئيبا لليلات الغميم متيما ... معنى بايام الْحجُون مُولَعا) (يُخَالف بَين الراحتين على الحشا ... ويلوى على الْقلب الضلوع توجعا) (فَمن صبوات تستفز فُؤَاده ... وَمن زفرات أضرمت مِنْهُ أضلعا) (أَلا فى سَبِيل الْحبّ مهجة عاشق ... تولع فِيهِ الْحبّ حَتَّى تولعا) (وَعين أَبَت بعد الاحبة سحبها ... وَفَاء بِحَق الرّبع أَن تتقشعا) (سقى الله من دارين لى كل لَيْلَة ... هى الْعُمر كَانَت والشباب المودعا) (وَيَا جاد أَيَّامًا بهَا قد تصرمت ... ثَلَاثًا وَمن لى أَن أراهن أَرْبعا) (وَحيا مقامى بالْمقَام وأربعا ... لَدَى عَزمَات يَا سقاهن أَرْبعا) (فَللَّه مَا أبهى بِمَكَّة معشرا ... وَللَّه مَا أحلى لزمزم مشرعا) (أَلا ورعى دهرا تقضى بجلق ... وَلَوْلَا الْهوى مَا قلت يَوْمًا لهارعا) (وَيَا عاقب الله الغرام بِمثلِهِ ... لكى يعْذر المشتاق فِيمَن تولعا) (خليلى مالى كلما لَاحَ بارق ... تكَاد حَصَاة الْقلب أَن تتصدعا) (وان نسمت من قاسيون رويحة ... أجد أدمعا منى تساجل أدمعا) (وحتام قلبى يستطير اذ شدا ... حمام اللوى بالرقمتين ورجعا) (وَكم ذَا أقاسى سُورَة الْبَين والاسى ... وَلَا يرحم العذال منى توجعا) (أَلا هَكَذَا فعل الغرام بأَهْله ... وَمن مَاتَ من صنع الْهوى مَا تصنعا) (عذيرى من هَذَا الزَّمَان وَأَهله ... وَمن لى بِمن يصغى لشكواى مسمعا) (يخوفنى مِنْهُ الْعَدو قطيعة ... وَيظْهر لى مِنْهُ الصّديق توجعا) (وَلم يدر أَنى للْقَضَاء مفوض ... وَمَا كَانَ قلبى للْقَضَاء ليجزعا) (وَكَيف أَخَاف الدَّهْر يَوْمًا وَقد غَدا ... نصيرى مولاى الْهمام السميدعا) (مليك الورى ركن الْعلي كعبة التقى ... حَلِيف الْعلَا نجم الْهدى المتورعا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 (خَليفَة رب الْعَالمين وظله ... على خلقه والمعقل المتمنعا) (وقطبا يَدُور الامر وفْق ارادة ... عَلَيْهِ كَمَا فى الْعلم كَانَ موقعا) (وَمن قلبه بَين اصبعين لرَبه ... يصرفهُ وفْق الْمَشِيئَة طيعا) (مَتى فلك التَّقْدِير دَار لحكمة ... بشئ تَجدهُ نَحوه صَار مسرعا) (بنى فَوق هام النيرين مكانة ... لَهَا النسْر أغضى والسماك تضعضعا) (مليك لَهُ كل الْمُلُوك تَوَابِع ... فدع ذكرهم اسكندرا ثمَّ تبعا) (رأى كموكب الاقبال فَوق جَبينه ... فَقَالَ لقد صادفت للعز مطلعا) (وَأبْصر مأوى سعده فلك العلى ... فألفاه أرقى من علاهُ وأرفعا) (بَصِير بأعقاب الامور اذا رأى ... رَحِيم باحوال الرّعية ان رعا) (جزاه اله الْعَرْش خير عَن الورى ... فكم أحكم الاحكام فيهم ووقعا) (وَحيا على رغم الكواعب غرَّة ... تعلم مِنْهَا الْبَدْر أَن يتشعشعا) (عَلَيْهَا من النُّور الالهى مسحة ... تردى محياه بهَا وتلفعا) (لقد جِئْت قسطنطينة طوع أمره ... ووافيت بحرا بالمكارم مترعا) (وشمت محيا بِالْحَيَاءِ مبرقعا ... وأبصرت روضا بالمعارف ممرعا) (وأبصرت قلبا فِيهِ خشيَة ربه ... وَمَا كَانَ قلب الخاشعين ليخشعا) (اذا سمع الْقُرْآن يَوْمًا بأذنه ... ترى الْقلب مِنْهُ خَاشِعًا متصدعا) (وان ذكرُوا فضل الْجِهَاد رَأَيْته ... يمد جيوشا نَاوِيا كَونه مَعًا) (كَمَا كَانَ ذُو النورين وَهُوَ سميه ... يُجهز جَيش العسرتين توسعا) (الهى بِحَق الواردين لزمزم ... وَمن طَاف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق وَمن سعا) (أطل عمره واشرح بلطفك صَدره ... وعامله بالالطاف يَا وَاسع الدعا) (وأيده بالنصر الْعَزِيز وَكن لَهُ ... مُمِدًّا وبالفتح الْمُبين ممتعا) (مدى الدَّهْر مَا سَار الحجيج لمَكَّة ... وَمَا زَمْزَم الحادى لطيبة مسرعا) وَقصد السّفر الى الشَّام بنية الْحَج وَأخرج خيامه وسرادقه الى أسكدار وَذَلِكَ فى يَوْم الاربعاء سَابِع رَجَب سنة احدى وَثَلَاثِينَ وصمم على هَذَا الامر فَحصل اللَّغط من الْعَسْكَر فى ذَلِك الْيَوْم وَقَامَت الْفِتْنَة وَاجْتمعت العساكر وَاتَّفَقُوا على عدم السّفر مَعَه ثمَّ تجمعُوا فى الْمَكَان الْمَعْرُوف بآت ميدانى وَاتَّفَقُوا على قتل الْوَزير الاعظم دلاور باشا وَضَابِط الْحرم السلطانى وَالِد فتردار ومعلم السُّلْطَان الْمولى عمر بِدَعْوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 انهم كَانُوا السَّبَب لتحرك السُّلْطَان على السّفر الى الْحَج وهجموا فى ذَلِك الْيَوْم بعد الظّهْر على بَيت معلم الْملك ونهبوا أَمْوَاله وَأَرَادُوا قَتله فَمَا وجدوه ثمَّ فِي وَقت الْعَصْر اجْتمع كبار الْعلمَاء بالسلطان وسألوه أَن يسلم الْوَزير الاعظم وَضَابِط الْحرم أَو يقتلهما هُوَ حَتَّى تسكن الْفِتْنَة وأبرموا عَلَيْهِ بالسؤال فَامْتنعَ ثمَّ تفرق الْعَسْكَر وفى ثانى يَوْم وَهُوَ يَوْم الْخَمِيس اجْتَمعُوا أَيْضا والعسكر كلهم بالاسلحة وَآلَة الْحَرْب وذهبوا الى الموالى وجمعوهم بالجامع الْجَدِيد الذى عمره السُّلْطَان أَحْمد وَأَرْسلُوا قاضى الْعَسْكَر وقاضى دَار السلطنة وَبَعض الموالى الى السُّلْطَان بِطَلَب الْجَمَاعَة الَّذين اتَّفقُوا على قَتلهمْ الْمَذْكُورين أَولا فَامْتنعَ من تسليمهم واستمروا فى مُرَاجعَته الى وَقت الظّهْر ومل الْعَسْكَر من الِانْتِظَار فَهَجَمُوا على دَار الْخلَافَة فوجدوا السُّلْطَان مصطفى بَين الابواب فأخرجوه وأجلسوه وَلما رأى السُّلْطَان مَا حل بِهِ تحير فى أمره فَأخذ مَعَه الْوَزير الاعظم السَّابِق حُسَيْن باشا وَذهب الى بَيت ضَابِط الْجند ليدبر أمره وَقَالَ لَهُ السُّلْطَان تذْهب وَتَأْخُذ خاطر الْعَسْكَر وَتجْعَل لكل انسان مِنْهُم خمسين شريفيا وَخَمْسَة أَذْرع من الجوخ وألزمه بذلك فَذهب الى الْعَسْكَر وكلمهم فى ذَلِك فَمَا كَانَ من جوابهم الا قَتله وذهبوا من وقتهم الى بَيته وَقتلُوا حُسَيْن باشا وقبضوا على السُّلْطَان وأحضروه بَين يَدي السُّلْطَان مصطفى فَأرْسلهُ الى يدى قلَّة وأحضروا دلاور باشا وَضَابِط الْحرم وَقَطعُوا رأسهما وعلقوا رُؤْس الْجَمِيع على جَامع السُّلْطَان بايزيد وَقعت الْبيعَة الْعَامَّة للسُّلْطَان مصطفى فَجعل زوج أُخْته دَاوُد باشا وَزِير أعظم وَبعد الْعَصْر من هَذَا الْيَوْم ذهب دَاوُد باشا الى يدى قلَّة من غير علم السُّلْطَان مصطفى وخنق السُّلْطَان عُثْمَان وغسله وكفنه وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه عِنْد أَبِيه السُّلْطَان أَحْمد وَكَانَ ذَلِك فى الْيَوْم الثَّامِن من رَجَب وَجَرت أُمُور هائلة ونهبت دور كَثِيرَة من دور أَرْكَان الدولة وَقد استخرج بعض المعتنين بالجفر قَتله فى تِلْكَ السّنة من جفر الشَّيْخ الاكبر ابْن عربى برموز ظَاهِرَة وفى ذيلها الْعجب كل الْعجب بَين جُمَادَى وَرَجَب وَقيل فى تَارِيخ قَتله (مَاتَ سُلْطَان البرايا ... فَهُوَ فى الاخرى سعيد) (قَالَ لى الْهَاتِف أرخ ... ان عُثْمَان شَهِيد) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وَمُدَّة خِلَافَته أَربع سنوات وشهراً وَاحِدًا وَقتل وَله من الْعُمر سبع عشرَة سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 عُثْمَان بن أَحْمد بن القاضى الْعَلامَة تقى الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن على بن ابراهيم بن رشد بِضَم الرَّاء الفتوحى القاهرى الحنبلى الشهير بِابْن النجار أحد أجلاء عُلَمَاء الْحَنَابِلَة بِمصْر كَانَ قَاضِيا بالمحكمة الْكُبْرَى بِمصْر فَاضلا مجللا ذَا وجاهة ومهابة عِنْد عَامَّة النَّاس وخاصتهم حسن السمت والسيرة والخلق قَلِيل الْكَلَام لَهُ فى الْفِقْه مهارة كُلية واحاطة بالعلوم الْعَقْلِيَّة ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَأخذ الْفِقْه عَن وَالِده وَعَن مُحَمَّد المرداوى الشامى وَعبد الرَّحْمَن البهوتى الحنبليين وَأخذ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة عَن كثير كابراهيم اللقانى وَمن عاصره وَعَن وَلَده القاضى مُحَمَّد والقاضى مُحَمَّد الحواوشى وَعبد الله بن أَحْمد المقدسى وَكثير وَمن مؤلفاته حَاشِيَة على الْمُنْتَهى فى الْفِقْه وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى شهر ربيع الاول سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بتربة المجاورين بتربة أَبِيه وجده قَرِيبا من شيخ الْحَنَفِيَّة السراج الهندى عُثْمَان بن على بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزى المالكى أحد أجلاء شُيُوخ الْعَرَبيَّة وَصدر انديتها النديه وَمِمَّنْ تصدر بالديار المصرية للتدريس فى كل علم نَفِيس واستفاد طلبة الْعلم من فَوَائده وَأَجَازَهُ بِصَلَاتِهِ وعوائده وأتى الْعُلُوم من أَبْوَابهَا وجرد مرهفات السّنة من قرابها ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن شُيُوخ كثيرين وَعنهُ جمع من أكَابِر الْعلمَاء مِنْهُم الشهَاب أَحْمد الخفاجى وَألف مؤلفات مفيدة وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم السبت سَابِع عشر الْمحرم سنة تسع بعد الالف وَهُوَ فى عشر السّبْعين ورثاه الشَّيْخ صَالح النوسى بقوله (اذا مَا دَعَوْت الصَّبْر بعْدك والبكا ... أجَاب البكا طَوْعًا وَلم يجب الصَّبْر) (فان يَنْقَطِع مِنْك الرَّجَاء فانه ... سَيبقى عَلَيْك الْحزن مَا بقى الدَّهْر) السَّيِّد عُثْمَان البيراقى كَانَ عَالما صَالحا سكن عِنْد الشَّيْخ غضنفر البيراق واجازه بالارشاد وَسكن ببلدة قَاسم باشا تجاه قسطنطينية بزاوية وَله كشف وكرامات قَالَ حسن بيك ابْن جاشنكير كَانَ النقشى المنجم مُنْكرا عَلَيْهِ فاتفق انه جَاءَ يَوْمًا الى قَاسم باشا وقر عِنْد زَاوِيَة الشَّيْخ فَرَأى الْجَمَاعَة قد قَامُوا الصَّلَاة الظّهْر فَدخل الزاوية وَقَامَ جنب الشَّيْخ فى الصَّفّ الاول وَكَانَ بَين يدى الشَّيْخ جلد ظبى مفروشا طولا لاجل السجادة فخطر للنقشى ليته لَو كَانَ الْجلد قَرِيبا مِنْهُ حَتَّى يقوم عَلَيْهِ مَعَ الشَّيْخ فَانْقَلَبَ الْجلد فى الْحَال عرضا بِحَيْثُ كَانَ هُوَ وَالشَّيْخ يسجدان عَلَيْهِ فَلَمَّا تمت الصَّلَاة قبل النقشى يَد الشَّيْخ وَتَابَ وَصَارَ مرِيدا ومعتقدا لَهُ وَكَانَت وَفَاته بعد سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 ثَلَاث وَألف وَدفن بزاويته بِالْمحل الْمَعْرُوف با ينجيل عَرَفَة بن أَحْمد الدجانى القدسى الشَّيْخ الامام الْقدْوَة رَأَيْت تَرْجَمته بِخَط الشَّمْس مُحَمَّد بن مُحَمَّد الداودى القدسى نزيل دمشق الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ فى حَقه كَانَ عبدا صَالحا خيرا عَالما عَاملا فَاضلا مُنْقَطِعًا فى منزله بدير صهيون بجوار ضريح نبى الله دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام رَحل فى حَيَاة وَالِده هُوَ وأخواه مُحَمَّد ومحمود الى مصر وقرؤا بالجامع الازهر واشتغل كل مِنْهُم بِمذهب امام فاشتغل هُوَ بِمذهب الامام مَالك وَمُحَمّد بِمذهب الشافعى ومحمود بِمذهب أَبى حنيفَة وحصلوا وفضلوا وعادوا الى الْقُدس ملازمين الِاشْتِغَال والاشغال فَأَما مَحْمُود فَلم تطل مدَّته بل قتل شَهِيدا أُصِيب بِسَهْم لَيْلًا من قطاع الطَّرِيق بَين نابلس والقدس قبل سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَأما مُحَمَّد وعرفة فبقيا الى أَن حج الشَّيْخ عَرَفَة فى سنة ثَلَاث بعد الالف فَمَاتَ بِمَكَّة عقب فَرَاغه من الْحَج السَّيِّد عز الدّين بن دريب بن المطهر بن دريب بن عِيسَى بن دريب بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مهنا بن سرُور بن دهاس بن سُلْطَان بن منيف بن يحيى بن ادريس بن يحيى بن على بن بَرَكَات بن فليته بن حُسَيْن العابد ابْن يُوسُف بن نعْمَة بن على بن دَاوُد الْمَحْمُود ابْن سُلَيْمَان الشَّيْخ الْكَرِيم ابْن عبد الله الْبر الملقب بالشيخ الصَّالح ابْن مُوسَى الجون ابْن عبد الله الْكَامِل شيبَة الْحَمد ابْن الْحسن الْمَحْض ابْن الْحسن السبط ابْن على بن أَبى طَالب رضى الله تَعَالَى عَنهُ ذكره ابْن أَبى الرِّجَال وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ سيدا سريا فَاضلا عَارِفًا بالفقه مشرفاً على غَيره ممتلئا من الْوَقار والحشمة والجلال قَرَأَ على القاضى النَّاصِر بن عبد الحفيظ المهلا الْفُصُول فى أصُول الْفِقْه مُدَّة اقامته بشهارة أَيَّام الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم فى لَيَال قَليلَة وَكَانَ يسْتَغْرق أَكثر اللَّيْل فى درسه مَعَ تِلَاوَته لقرآن النافع بِوَجْهِهِ وبحضرة كثير من الْفُضَلَاء وَهُوَ من بلد الجمالة خَارج صَبيا وَكَانَ مسعودا ميمونا رَحل الى صعدة وَتمّ لَهُ بهَا فضل وَعرف بالمعلم ثمَّ لَازم السَّيِّد الامام أَحْمد بن مُحَمَّد بن لُقْمَان واختص بِهِ وانتفع بِهِ وَذَلِكَ سَبَب سُكُون السَّيِّد عز الدّين فى الطَّوِيلَة فانه سكنها وَولى أمورها وتمول وَكَانَ هُوَ الْمرجع لاهل الاقليم فى الْقَضَاء والفتيا وَفِيمَا يعوز من أُمُور السياسة والولاة يَجْتَمعُونَ عِنْده لكل مُهِمّ وَهُوَ فيهم نَافِذ الْكَلِمَة رحب الفناء وَله أَمْوَال هُنَالك ودور ومقام عَظِيم وابتنى بالطويلة جَامعا عَظِيما ووقف عَلَيْهِ أوقافا وَكَانَ من أسعد النَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 باعتبارات كَثِيرَة من ذَلِك خزانَة كتب الْمُخَالفين والموالفين وَله معرفَة بانساب أهل الْبَيْت وَسَمَاع فى الحَدِيث وَله كتاب فى الاصول يجرى مجْرى الشَّرْح للثلاثين مسئلة ويتعرض فِيهَا لفوائد كَثِيرَة وَله على الانساب اطلَاع وَلما تَوَجَّهت العساكر المتوكلية الى حَضرمَوْت صُحْبَة سيف الاسلام أَحْمد بن الْحسن بن الْقَاسِم كَانَ هَذَا الشريف أحد الاعضاد وَنزل هُنَالك وَعَاد مسعودا وَكَانَت وَفَاته فى نَيف وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بِقرب الْجَامِع الذى بناه فى الطَّوِيلَة السَّيِّد عز الدّين بن على بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى ابْن مُحَمَّد بن عِيسَى وتتمة نسبه مَذْكُورَة فى تَرْجَمَة السَّيِّد الْحسن النعمى الْحسنى السَّيِّد الْعَلامَة الْعَارِف بِجَمِيعِ الْعُلُوم والكارع من مشارب الفهوم ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف بعتود وَنَشَأ بالدهناء وَعَكَفَ فى محاريب الْفُنُون كلهَا لَا سِيمَا الادبية وَحَازَ من تِلْكَ المزايا أَسْنَى المفاخر وَسَار فى الْآفَاق صيت فَضله وَكَانَ قاضى الْحَج اليمانى من قبل الامام المتَوَكل على الله اسماعيل بن الْقَاسِم ارتحل فى أول طلبه الى صعدة وَأخذ الْفِقْه عَمَّن بهَا ثمَّ الى صنعاء وَأخذ عَن الْعَلامَة القاضى أَحْمد ابْن أَبى الرِّجَال فنونا عديدة وَعَن الْعَلامَة مُحَمَّد بن ابراهيم السحوتى وَأخذ عَن السَّادة آل حجاف بحبور وَاسْتمرّ قاضى الْحَج من سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف الى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ فَعرض لَهُ عمى فعزل وَكَانَ لَهُ على ذَلِك جَائِزَة عَظِيمَة فَكتب الى الامام يستعطفه وَيطْلب مِنْهُ أَن يجرى عَلَيْهِ مَا كَانَ لَهُ قصيدة مطْلعهَا (اليك يدا ذَا الْعَرْش من متظلم ... رمته قسى الْبَين من غير ظَالِم) (يمد يدا مِنْهُ ويبسط أنملا ... يُبِيح بشكوى من أسى وجرائم) (وَمن عقد أَنْت اللَّطِيف بحلها ... وَمَا نفثت فِيهَا ذَوَات التمائم) (تبصرت الايام منى خلسة ... فصالت على جسمى بِرُمْح وصارم) (وأشلت على صرمى بنيها تعمدا ... فعفت بديوان الصلات معالمى) (محت مِنْهُ آمالى ومالى وَمَا رعت ... خلَافَة مهدى تسمى بقاسم) (خلَافَة مهدى علت بركاته ... على النَّجْم حمال لثقل المغارم) (وَمَا جَازَ فى دين الخلائف انهم ... يعودون فِيمَا عودوا من مَكَارِم) (وَمَا أشرفت مِنْهُم على حِين غَفلَة ... عُيُون العدى الا رموا برواجم) (يرد مشير السوء عَن مقْعد الندى ... ذَمِيمًا وَمن يسْعَى بِقطع الغلاصم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 (فعطفا أَمِير الْمُؤمنِينَ ومنة ... على العَبْد من تَغْيِير وصل ملازم) (فانى أرى الْعَادَات مِنْك كَرِيمَة ... وَأَكْرمهَا عادات أهل المواسم) (لَهُم كل عَام مِنْك سَبَب الى منى ... بمحكم ديوَان جزيل الْمَغَانِم) (وَقد كَانَ لى فِيهِ عَطاء مخلد ... برسم كريم رَازِق غير حارم) (فان يكن الامر الذى أَصبَحت بِهِ ... عيونى فى قلبى محا اسمى وخاتمى) (وألق عَن الظّهْر النحيف علائقا ... لفصل القضا والرسم مَفْرُوض حَاكم) (فهبه فَهَلا كَانَ فى سَعَة الندى ... لفاقد عَيْنَيْهِ اقالة رَاحِم) (واجراء مالى من نوال مدفتر ... تخب بِهِ نحوى حداة الرواسم) (وَمَا راش ذُو سهم سِهَام ابْن حرَّة ... بريش أَخِيه من حَدِيث وقادم) قَوْله فان يكن الامر الْبَيْت يُشِير الى قَول ابْن عَبَّاس رضى الله تَعَالَى عَنْهُمَا ان يَأْخُذ الله من عينى نورهما وَكتب الى السَّيِّد الْحسن بن الامام اسماعيل المتَوَكل شاكيا من السَّيِّد سَالم بن مهنا وَهُوَ اذ ذَاك والى تبش والشريف أَبى طَالب بن مُحَمَّد بن حُسَيْن الخواجى صَاحب صَبيا لما أرْسلُوا عسكرا عَمت بليتهم ذَا الجرم وَمن لَا جرم لَهُ على لِسَان أهل المخلاف بقوله (أمثلك يَا ابْن بجدتها ينَام ... على حَال يضام بِهِ الانام) (يسامون الَّتِى فِيهَا هوان ... وَذَلِكَ لَا يُقَاس بِهِ اثام) (وَيُؤْخَذ سَالم مِنْهَا بجان ... وَيتْرك من بِهِ مِنْهُم سقام) (الْيَسْ لذا الورى مِنْكُم ذمام ... وَلَيْسَ وَرَاء ذمتكم ذمام) (فكلهم لَدَى حرم أَمِين ... وَأَنت لخوفهم بلد حرَام) (وَقد وصلوا بعروتكم حِبَالًا ... متانا مَا لعروتها انفصام) (فَلَا ترضوا بِمَال من دعى ... يصادرانكم قوم كرام) (نقيبان ببلداتنا أناخا ... منا خالا يسد بِهِ انثلام) (رَأَوْا مَالا يرى حسنا ومالوا ... الى غير الذى شرع الامام) (وَهل الابكم تحمى الرعايا ... ويأمن مِنْهُم يمن وشام) (بِمثل علاك يعتصمون يَوْمًا ... يكون لِبَأْسِهِ فِيهِ ضرام) (وَأَنت الْبَدْر يهدى من ضلال ... ويستجلى بطلعته الظلام) (وَسيف للامام أَبى المعالى ... ومهدى الزَّمَان فَلَا يضام) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 (وفيك يُقَال لَيْسَ لَهُ نَظِير ... وفيك يناظر الْبَحْر اللهام) (فكفوا سنة الاجناد عَنْهُم ... فان الْجند أشرار طغام) (وَمَا المهدى الا خير هاد ... وَسيرَته على النَّاس الْغَمَام) (تعيش بِهِ الْبَريَّة فاستغيثوا ... لَهُم بِالْعَدْلِ مِنْهُ وَالسَّلَام) وَكتب اليه وَهُوَ بِمَدِينَة حبور وَكَانَ اذ ذَاك بِحَضْرَتِهِ بهَا (بقيت أَبَا يحيى على النَّجْم واطيا ... وبالنصر مخدوما وللدين حاميا) (وَبدر الهالات المعارف ساطعا ... وبحر الطلاب العوارف طاميا) (دَعَانَا الى علياك فضل أرى لَهُ ... رَوَائِح فى هَذَا الورى وغواديا) (فأيقظت آمالى وَمَا كن غفلا ... وكلفتها طودا تناجى الدراريا) (أَقُول لنفسى وهى تركب روعها ... وَقد بلغت مِمَّا تلاقى التراقيا) (وَقد قصرت عَن قلَّة النيق بغلتى ... وأعوزنى حالى الى المشى راقيا) (مديحن لَا ينجيك مِنْهُ تَمِيمَة ... وَلَا ذورقى ان تطلبى لَك راقيا) مديحن اسْم لعقبة ينفذها الطَّرِيق السالك الى مَدِينَة حبور (وَمَا كنت أخْشَى أَن تعاطى ركُوبه ... وَلَا أَن تلاقى مِنْهُ تِلْكَ الملاقيا) (فَقَالَت اذا كَانَت مراقيه تنتهى ... الى حسن أحسن بِهن مراقيا) (الى ملك يستسهل الصعب والسرى ... اليه ويرمى بالنفوس المراميا) (ويمتاح للآمال من عتباته ... رغائب ينقعن الْقُلُوب الصواديا) عَزِيز المعزلى المكنى بابى عَزِيز نزيل مصر ذكره المناوى فى الطَّبَقَات وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ مُقيما بِمصْر فى الْجَامِع الازهر وَهُوَ من أَرْبَاب المجاهدة وَالذكر والفكر وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الجذب والاستغراق وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن وَيكثر من تِلَاوَته وَمن كراماته الخارقة انه كَانَ اذا غلب عَلَيْهِ الْحَال أكل رَطْل كبريت مدقوقا وَرُبمَا زَاد على ذَلِك وَيَأْخُذ صحن الْجَامِع فى وثبة وَاحِدَة وَرُبمَا أَقَامَ صَارِخًا أَو شاخصا الْيَوْم أَو اللَّيْلَة قَالَ وَاجْتمعت بِهِ فى جَامع طولون من غير قصد منى فانى بَيْنَمَا أَنا جَالس بِهِ اذ هُوَ قد أتانى وَوضع يَده فى يدى فَوَجَدتهَا من كَثْرَة المجاهدة وَغَلَبَة الْحَال جلدا بِلَا لحم قَالَ وَكَانَت وَفَاته فى سنة عشرَة بعد الالف وَتوفى بالصحراء السَّيِّد عَطاء الله بن مَحْمُود الْمَعْرُوف بالصادقى الحلبى القاضى كَانَ من أدباء الْعَصْر الفائقين وَله منادمة مبهجة وشعره بديع الصِّيغَة والصنعة رَقِيق النادرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 ولى الْقَضَاء فى عدَّة بِلَاد الى أَن وصل الى قَضَاء الْموصل وفيهَا نظم أبياته الْمَشْهُورَة اللطيفة الْموقع يُشِير فِيهَا الى بَيْتَيْنِ للامير شرف الدولة أَبى الْفضل بن منقذ وأبياته هى قَوْله (ومعذر حلوا للمى قبلته ... نظرا الى ذَاك الْجمال الاول) (وَطلبت مِنْهُ وَصله فأجابنى ... ولى زمَان تعطفى وتدللى) (نضبت مياه الْحسن من خدي وَقد ... ذهب الروى من غُصْن قدى الاعدل) (قلت الحديقة لَيْسَ يحسن وصفهَا ... الا اذا حفت بنبت مبقل) (دعك اتبع قَول ابْن منقذ طَائِعا ... وَاعْلَم بأنى صرت قاضى موصل) وبيتا ابْن منقذهما قَوْله (كتب العذار على صحيفَة خَدّه ... سطرا يحير نَاظر المتأمل) (بالغت فى استخراجه فَوَجَدته ... لَا رأى الا رأى أهل الْموصل) وأصل هَذَا مَا شاع عَن أهل الْموصل انهم لَا يهوون الا المعذر وَرُبمَا بَالغ بَعضهم فَقَالَ نَحن قوم اذا سمحنا فى طَرِيق الْمحبَّة بنوال لَا نسمح الا لمن ينْفق على عِيَاله وَهَذَا مَذْهَب جرى عَلَيْهِ الحلبيون أَيْضا وسؤالا الْعَلامَة الْعِمَاد الحنفى الدمشقى للاستاذ أَحْمد بن المنلا الحلبى فى قصيدة لَهُ عَن ترك الْميل الى المرد والميل الى المعذرين وَجَوَاب ابْن المنلا بِمَا لَا يشفى الغليل فى قصيدة أُخْرَى كِلَاهُمَا مثبتان فى رَيْحَانَة الشهَاب وَكَانَت وَفَاة الصادقى المترجم فى سنة احدى وَتِسْعين وَألف عقيل بن عبد الله بن عقيل بن شيخ بن على بن عبد الله وطب ابْن مُحَمَّد منقذ ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ عبد الله باعلوى الحضرمى الامام الْعَالم الْعلم ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بِالْعلمِ والادب وتفقه بالسيد الْجَلِيل مُحَمَّد بن الْفَقِيه على بن عبد الرَّحْمَن وَصَحب الامام الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عَمه السَّيِّد مُحَمَّد بن عقيل ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ ثمَّ رَحل الى الْمَسْجِد الْحَرَام وَحج ثمَّ رَحل الى الديار الْهِنْدِيَّة وَحصل لَهُ بهَا جاه عَظِيم وَكَانَ لَهُ اعتناء تَامّ بِجمع الْكتب النفيسة فَجمع مِنْهَا حِصَّة عَظِيمَة ثمَّ عَاد الى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ بهما عَن جمَاعَة ثمَّ رَجَعَ الى وَطنه تريم وَألقى بهَا عَصَاهُ الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين بعد الالف وَدفن بمقبرة السَّادة الشهيرة بزنبل عقيل بن عمر اشْتهر بعمران بن عبد الله بن على بن عمر بن سَالم بن مُحَمَّد بن عمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 ابْن على بن أَحْمد بن الاستاذ الاعظم الْفَقِيه الْمُقدم أَبى الْمَوَاهِب أحد الْعباد الْمَشْهُورين ولد بقرية المرباط من قرى ظفار الحبوطي وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب العارفين والمشايخ فَأول سَمَاعه وَهُوَ ابْن عشر سِنِين من السَّيِّد الْجَلِيل شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الهادى ابْن شهَاب الدّين بظفار أَخذ عَنهُ وَعَن غَيره وَكَانَ لَهُ فى ابْتِدَائه سياحات واجتهادات فَكَانَ يَنْعَزِل عِنْد قبر جده الاعلى مُحَمَّد بن على بمرباط الْمدَّة المديدة وَكَذَا عِنْد قبر الْعَارِف بِاللَّه صَاحب حاسك وَرُبمَا تعبد فى بعض الْجبَال قريب الْبِلَاد ثمَّ رَحل الى الديار الحضرمية فلقى جمَاعَة من السَّادة العلوية وَأخذ بتريم عَن تَاج العارفين الشَّيْخ زين العابدين العيدروس وأخيه الشَّيْخ شيخ وَابْن أَخِيه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف العيدروس وَأخذ عَن السَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد الهادى ابْن عبد الرَّحْمَن ولازمه مُلَازمَة تَامَّة وَأخذ عَنهُ عدَّة عُلُوم وَلبس الْخِرْقَة من هَؤُلَاءِ وتفقه على القاضى السَّيِّد أَحْمد بن حُسَيْن بلفقيه وَأخذ التصوف والحقائق عَن السَّيِّد الْجَلِيل أَبى بكر الْجُنَيْد وَعَن السرى بن عمر بن عبد الله باهرون بروغة وَصَحب السَّيِّد بن الْحُسَيْن وَالْحسن ابنى أَبى بكر بن سَالم بعينات وَغَيرهمَا من أَوْلَاده وَأخذ عَن الشَّيْخ حسن باشعيب بالواسطة ثمَّ رَحل الى الْيمن للسَّيِّد الْعَارِف عبد الله بن على ابْن حسن ثمَّ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ فى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَحضر دروس السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى الْفِقْهِيَّة وَغَيرهَا وَأخذ عَن الشَّيْخ الْكَبِير أَحْمد بن عَلان وَالسَّيِّد الْجَلِيل على باهرون والعارف بِاللَّه سغيدبا بقى وَغَيرهم ثمَّ رَحل لطيبة وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة ثمَّ عَاد إِلَى شَيْخه الْعَارِف عبد الله بن على الوهط ولازمه مُلَازمَة تَامَّة وَأخذ عَنهُ علوما جمه وَألبسهُ الْخِرْقَة وَلما ألبسهُ قَالَ فِيهِ (لبست تِلْكَ الْخِرْقَة الانيقة ... وحزت اسرارا لَهَا دقيقة) (فهمت مَا قد لَاحَ أَو تلالا ... من نور تِلْكَ البرقة المشيقه) (وَأَنت مخطوب لسر معنى ... أهل الطَّرِيق صرت والحقيقه) ثمَّ عَاد الى مَدِينَة تريم وَأخذ عَنهُ جمَاعَة ثمَّ عَاد لوطنه ظفار وَألقى بهَا عَصا السّفر وَنصب نَفسه لنفع الانام وَأخذ عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد الصَّالح الولى ابْن عَمه عمر بن على وَولده السَّيِّد على بن عمر بن على الشهير باقليم ظفار وَمِنْهُم اولاده السَّادة أَحْمد وطه وزين العابدين وقاضى ظفار الشَّيْخ عمر بن عبد الرَّحِيم بارجا الشهير بالخطيب وَالشَّيْخ الْكَبِير مُحَمَّد بلعفيف وَأَخُوهُ الشَّيْخ أَبُو بكر صَاحب طابقة وَالشَّيْخ أَحْمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 حاسكى ابْن الشَّيْخ سعد وَغَيرهم قَالَ الشَّيْخ الشلى وَاجْتمعت بِهِ فى ظفار سنة احدى وَخمسين وَألف وقرأت عَلَيْهِ كتاب التَّنْوِير لِابْنِ عَطاء الله الاسكندرى وَبَعض احياء عُلُوم الدّين وقرأت عَلَيْهِ تأليفه الْمُسَمّى فتح الْكَرِيم الغافر فى شرح حلية الْمُسَافِر وَسمعت بِقِرَاءَة غيرى كتبا كَثِيرَة وألبسنى الْخِرْقَة وأجازنى فى جَمِيع مروياته وَأذن لى فى الالباس وَله مؤلفات مفيدة مِنْهَا العقيدة وهى منظومة وَشَرحهَا الشَّيْخ أَحْمد ابْن مُحَمَّد المدنى الشهير بالقشاشى شرحا عَظِيما وَشَرحهَا أَيْضا تِلْمِيذه الْعَارِف بِاللَّه على بن عمر با عمر بأبسط من شرح القشاشى وَله شرح على قصيدة الْعَارِف بِاللَّه سعيد ابْن عمر بلحاق الَّتِى مطْلعهَا لما بَدَت لى حلية الْمُسَافِر سَمَّاهُ فتح الْكَرِيم الغافر لم يسْبقهُ غَيره الى نسج مثله ورتبه على تَرْتِيب السلوك الى ملك الْمُلُوك مَعَ زِيَادَة أَمْثِلَة فى معنى السّفر الحسى والمعنوى وَله نظم بديع الاسلوب وَأَكْثَره على طَريقَة الصُّوفِيَّة وَكَانَ يحب السماع وَكَانَ لَهُ جاه وَاسع وأخلاق شريفة وَكَانَ ملْجأ للوافدين يكرم الضيفان ويكسو الْعُرْيَان وَكَانَ ملازم الاسْتقَامَة وَظَهَرت مِنْهُ كرامات وَكَانَ يَقُول شفعت فى أهل وقتى من قَاف الى قَاف اشارة الى أَنه أعْطى الْولَايَة الْكُبْرَى وَلم يزل فى ظفار الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاربعاء لليلتين بَقِيَتَا من الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وشيعه خلائق لَا يُحصونَ وَدفن بقرية المرباط وقبره بهَا مَعْرُوف باستجابة الدُّعَاء عِنْده ورثاه السَّيِّد على بن عمر بقصيدة أَولهَا (سَلام على من حل فى لب خاطرى ... وان غَابَ عَن عينى شُهُود النواظر) (محب ومحبوب وداع الى الْهوى ... وفتاق سر السِّرّ من قرب قَادر) ثمَّ قَالَ فى اثنائها (لَئِن قَالَ مَعْرُوف وَبشر وحاتم ... وَسَهل مقامات جُنَيْد البواهر) (وغزال تصنيف ومحضار سطوة ... وجيلان بَغْدَاد سما عِنْد عَاقِر) (وبسطام أَحْوَال وشبلى وشاذلى ... أَبُو الْغَيْث جذبات حظى بالبشائر) (فَفِيهِ انطوت أَحْوَالهم وتجمعت ... فَصَارَ اماما جلّ عَن كل ماهر) وهى طَوِيلَة ورثاه غَيره السَّيِّد علوى بن اسماعيل البحرانى الاديب الشَّاعِر ذكره السَّيِّد على ابْن مَعْصُوم وَقَالَ فى وَصفه شَاعِر هجر ومنطيقها الذى وَاصل الْمنطق الْفَصْل وَمَا هجر يفسح للْبَيَان مجالا ويوضح مِنْهُ غرارا وأحجالا ويطلع فى آفاقه بدورا وشموسا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 ويروض من صعابه جموحا وشموسا ويشتار من جناه علا ويهز من قناه أسلا ومعظم شعره فائق مستجاد فَمِنْهُ قَوْله فى النسيب وأجاد (بنفسى أفدى وَقل الفدا ... غزالا بوادى النقا أغيدا) (مليحا اذا نض عَن وَجهه ... نقاب الحيا خلت بدر ابدا) (غزال وَلَكِن اذا مَا نصبت شراكا لأصطاده استأسدا ... ) (سقيم اللواحظ مكحولها ... وَلم يعرف الْميل والاثمدا) (رَشِيق القوام اذا هزه ... رَأَيْت الغصون لَهُ سجدا) (لَهُ رِيقه طعمها سكر ... يجلى الصدا ويروى الصدا) (ولحظ كعضب وَلكنه ... يشق الْقُلُوب وَمَا جردا) (تفرد بالْحسنِ دون الملا ... فسبحان مولى لَهُ أفرادا) (نأى بعد فَهُوَ لغيرى ولى ... قريب المزار بعيد الملا) (رعى الله ليلاتنا الماضيات ... وعيش ألفنا بِهِ أرغدا) (وصب على ترب تِلْكَ الربوع متعنجرا مبرقا مرعدا ... ) (الى حَيْثُ أخنت صروف الزَّمَان ... وَشَمل الْوِصَال بهَا بددا) (وأضحت قفارا وَلَيْسَ بِهن من ذَلِك الْجمع الا الصدا ... ) (اذا قلت أَيْن حبيبى غَدا ... يُجيب بأين حبيبى غَدا) وَكَانَت وَفَاته فى سنة تسع وَسبعين وَألف بِالْبَحْرَيْنِ وَدفن بِمَسْجِد أَبى عنبرة علوى بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن حُسَيْن بن عبد الله العيدروس النَّاقِد الْمُحَقق البارع النجيب كَانَ فَرد وقته فى اقتناء المفاخر وَالْعلم الجم ولد بتريم فى سنة ألف وَحفظ الْقُرْآن وَأَدَّاهُ بالتجويد واشتغل حَتَّى بلغ مَا لم يبلغهُ الْمَشَايِخ الْكِبَار مَعَ تقدس نفس وَمَكَارِم أَخْلَاق وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن علوى بافقيه ولازمه مُلَازمَة تَامَّة وَكَانَ جلّ انتفاعه عَلَيْهِ وَأخذ عَن الشَّيْخ أَحْمد بن عمر عبديد عدَّة عُلُوم ثمَّ حج وَدخل الْمَدِينَة وَعَاد الى مَكَّة وتديرها واشتغل على السَّيِّد عمر ابْن عبد الرَّحِيم ولازمه فى دروسه وَأخذ عَن السَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن عمر الحبشى وصاهره بابنته وَكَانَ ملازما للشريعة والطريقة كثير التحرى فى الدّين وانتفع بِهِ جمع وَكَانَ كَلَامه مُشْتَمِلًا على الْعبارَات الفصيحة والنكت البديعة وَكَانَ مُجْتَهدا فى الْعِبَادَة وَنشر الْعلم يصدع بِالْحَقِّ ويسطو على الفسقة وَكَانَ متورعا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 صُحْبَة الْمُلُوك متجردا عَن الدُّنْيَا قانعا مِنْهَا بالكفاف لَا يشْتَغل بشئ من أُمُور الدُّنْيَا وَكَانَ النَّاس يعتقدونه ويأتون اليه بالنذور وَلَا يَأْخُذ الا عَن تثبت وَمَا دخل عَلَيْهِ أنفقهُ على من عِنْده من الْفُقَرَاء ملازما لاخيه الشَّيْخ أَبى بكر مُتبعا لامره وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى توفى وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة المكرمة فى سنة خمس وَخمسين وَألف وَدفن فى مَقْبرَة المعلاه رَحمَه الله تَعَالَى علوى بن عبد الله بن أَحْمد بن حُسَيْن بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس امام الاولياء الاخيار وقدوة العارفين الْكِبَار قَالَ الشلى فى تَرْجَمته ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن ثمَّ اشْتغل فصحب السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى علوى بن مُحَمَّد با فرج وَالسَّيِّد الْعَالم الْعَارِف عبد الله بن سَالم وَبدر الدّين الشَّيْخ زين بن حُسَيْن أَخذ عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عدَّة عُلُوم من عُلُوم الشَّرِيعَة والحقيقة وألبسوه خرقَة التصوف وَصَحب وَالِده واجتهد فى الْعِبَادَات ولازم السّنَن النَّبَوِيَّة وَجمع بَين الْعلم وَالْعَمَل وَجمع الله تَعَالَى لَهُ بَين تَمام الْفضل وَكَمَال الْعقل وحببه الى جَمِيع الانام وَكَانَ يحب الْعُزْلَة والانقطاع وَله مكاشفات شَتَّى وَخرج عَن تريم الى مَحَله الْمَعْرُوف بوادى بتى وخلا بِنَفسِهِ وقصده النَّاس فى مَحَله وتصدر للِانْتِفَاع فَسَار ذكره وانتفع بِهِ خلائق لَا يُحصونَ وَتخرج بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُم الشَّيْخ الْعَالم الْعَامِل أَحْمد بن عمر بن فلاح وَولده الشَّيْخ عمر وَسَالم ابْن زين بَافضل وَعبد الله بَافضل وَأَخُوهُ وحسين قَالَ الشلى وَقد حضرت عِنْده مرَارًا بمجلسه وانتفعت بِصُحْبَتِهِ واستفدت من درسه وَكَانَ حسن الْعبارَة عَالما متضلعا فى علم التصوف والْحَدِيث وَالْفِقْه صادعا بِالْحَقِّ كثيرا الشفاعات يجْهر بِالْحَقِّ على السُّلْطَان فَمن دونه وَلَا يعبأ بالجهال وَله فى ذَلِك وقائع كَثِيرَة وَلم يزل فى ذَلِك الوادى حَتَّى توفى فى سنة خمس وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل من جنان بشار السَّيِّد علوى بن على بن عقيل بن أَحْمد بن أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن السقاف نزيل مَكَّة الاستاذ الْكَبِير الولى صَاحب الكرامات الخارقه والانفاس الصادقه قَالَ الشلى ولد بتريم فى سنة ثَمَان وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ بهَا وَكَانَ أميالا يقْرَأ وَلَا يكْتب وارتحل الى الْيمن والحرمين وَكَانَ يتَرَدَّد اليهما وَيتَعَاطَى أول أمره أَسبَاب التِّجَارَة وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين وانتفع بصحبتهم وَرَأى لَيْلَة الْقدر ودعا بدعوات مِنْهَا أَن يُبَارك الله فى رزقه وعمره ودعا بِدُعَاء الْقُنُوت اللَّهُمَّ اهدنى فِيمَن هديت الى آخِره وَكَانَ أَكثر أَعماله قلبية ثمَّ أَقَامَ بِمَكَّة واستوطنها وَترك التِّجَارَة وَتزَوج بهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وَولد لَهُ أَوْلَاد نجباء وَأَقْبل عَلَيْهِ النَّاس بالاعتقاد وَاخْتلفت اليه أكَابِر مَكَّة وأعيانها لالتماس بركته ودعائه وَكَانَ يكره تردد النَّاس اليه ويهضم نَفسه على الدَّوَام لَا يصف نَفسه بِحَال وَلَا مقَام لَهُ آدَاب نبوية وَمَكَارِم حاتمية مَقْبُول الشَّفَاعَة عِنْد الْمُلُوك فَمن دونهم وَكَانَ شرِيف مَكَّة يحترمه غَايَة الاحترام وانتفع النَّاس بِصُحْبَتِهِ الا ان صحبته كَانَت صعبة غَالب النَّاس لَا يقدر عَلَيْهَا وَله كرامات كَثِيرَة مِنْهَا أَن كَانَ كثير العطب لمن تعرض لَهُ بالاذى فَكل من أَذَاهُ أَو أنكر عَلَيْهِ لابد أَن يحصل لَهُ نكد اما مرض أَو موت أَو سَرقَة مَال أَو موت من يُحِبهُ أَو خُرُوج من وَطن أَو نَحْو ذَلِك وَقد جمع كراماته فقراؤه فى جُزْء لطيف وَهَذِه نبذة مِنْهَا ملخصة من هَذَا الْجُزْء مِنْهَا أَن شرِيف مَكَّة وَكَانَ اذ ذَاك الشريف محسن بن حُسَيْن كَانَ وزيره أَخذ بعض حبوب الجراية الَّتِى ترد لحكة من مصر فَأرْسل اليه السَّيِّد علوى يشفع فى رده لاهله فَلم يقبل شَفَاعَته فَأرْسل اليه ثَانِيًا يَقُول لَهُ ان أخذت حبوب الْفُقَرَاء تسكن هَذِه السّنة آخر سنة لَك ولسيدك فَلم يلْتَفت اليه فَكَانَ الامر كَمَا قَالَ فَمَا حَال عَلَيْهِمَا الْحول حَتَّى استلبوا دولتهم وعذب ذَلِك الْوَزير بِعَذَاب عَظِيم وَمِنْهَا ان الْوَجِيه عبد الرَّحْمَن بن عَتيق الحضرمى وَكَانَ وزيرا بِمَكَّة تعرض لبَعض آل باعلوى بالاذى فَجَاءُوا الى السَّيِّد علوى وَأَخْبرُوهُ بذلك وطلبوا مِنْهُ أَن يَدْعُو عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم كفيتم شَره فَلَمَّا أَمْسَى اللَّيْل انْهَدَمت دَار ابْن عَتيق عَلَيْهِ وَكَانَ جَدِيدا وَخَافَ على نَفسه الْهَلَاك ثمَّ عَاهَدَ الله تَعَالَى فى سره أَن لَا يتَعَرَّض لَاحَدَّ مِنْهُم أبدا وَمِنْهَا أَن بعض المتعجرفين أَسَاءَ الادب بِحَضْرَة السَّيِّد علوى فزجره بعض أَقَاربه فَلم ينزجر وَقَالَ ان كَانَ السَّيِّد كَذَا فَليدع الله على بِالْمَوْتِ فَدَعَا السَّيِّد علوى عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ فَمَاتَ فى ذَلِك الْيَوْم وَمِنْهَا أَنه جَاءَهُ جوخ فَطلب صَاحب المكس مكس ذَلِك الجوخ فَقَالَ السَّيِّد مَا على مكس وَلَا أعْطى شَيْئا فى ذَلِك فَأرْسل المكاس يَقُول لَئِن لم تعط طَوْعًا والا أرسلنَا لَك عشرَة عبيد يَأْخُذُونَ مِنْك ذَلِك كرها فَقَالَ السَّيِّد للرسول قل لَهُ ان أَصبَحت على وَجه الارض فَأرْسل مائَة وصيف فَمَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَة وَمِنْهَا أَنه أَتَاهُ عبيد فَطلب مكاس بندر جدة رسم تِلْكَ العبيد فَامْتنعَ السَّيِّد من الاعطاء وَقَالَ مَا على رسم فلازمه فى ذَلِك فَأعْطَاهُ ثَلَاثَة أحرف وَقَالَ هَذِه ثَلَاثَة بِثَلَاث سِنِين مَا يأتيكم موسم الْهِنْد فَوَقع الامر كَمَا قَالَ وَمِنْهَا ان زبدية صَارَت ملآنة قهوة فى الروشن فَجَاءَت يَده عَلَيْهَا على غَفلَة فطاحت الى الزقاق فَأمر عَبده أَن يأتى بهَا فَخرج وفى ظَنّه ان الزبدية صَارَت رضاضا لكَونهَا طاحت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 من علو وهى ملانة فَوَجَدَهَا سَالِمَة والقهوة فِيهَا فهت عِنْد ذَلِك وَمِنْهَا ان أَوْلَاده أَرَادوا أَن يحلقوا رُؤْسهمْ فشرعوا فى الْحلق وَقد جَاءَ وَقت ذهابهم الى الْكتاب فخافوا من الْفَقِيه أَن يَضْرِبهُمْ لتأخرهم فَقَالَ لَهُم نَحن نمسك الشَّمْس لكم حَتَّى تحلقوا رؤسكم وَقَالَ اللَّهُمَّ بجاه نبيك مُحَمَّد أَن توقف الشَّمْس حَتَّى يحلق الاولاد رُؤْسهمْ فوقفت الشَّمْس حَتَّى حَلقُوا رُؤْسهمْ كلهم وَشَاهد ذَلِك من حضر وَمِنْهَا أَن بعض الْفُقَرَاء أَتَى اليه وَقَالَ لَهُ لَيْسَ عِنْده نَفَقَة هَذَا الْيَوْم وَكَانَ عِنْده عُمَّال يفرشون طينا فَقَالَ لَهُ السَّيِّد اعْمَلْ مَعَهم لَعَلَّك تَجِد مَا تنفقه فَعمل مَعَهم فاذا بِدِينَار ذَهَبا وَمِنْهَا أَن بعض الْفُقَرَاء ألح عَلَيْهِ فى الطّلب وَكَانَت لَهُ بقرة عِنْدهم فَأمرهَا أَن تنطحه فتبعته وَهُوَ شارد مِنْهَا حَتَّى أحَال النَّاس بَينه وَبَينهَا وَمِنْهَا أَن بعض آل باعلوى طلب أَن يَدْعُو الله تَعَالَى أَن يُوسع عَلَيْهِ فى الدُّنْيَا فَدَعَا لَهُ بذلك وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ واعمل أكياسا للدراهم فَفعل فَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وهى راغمة حَتَّى امْتَلَأت تِلْكَ الاكياس وَمِنْهَا أَنه أَتَى من سفر فَلَمَّا وصل بندر القنفدة طلب مِنْهُ بعض الْمُسَافِرين أَن يتَقَدَّم الى أَهله ليخبرهم بوصوله وَطلب مِنْهُ سبْحَة عَلامَة فَأبى فَأخذ السبحة على حِين غَفلَة من السَّيِّد وسافر بهَا فتعرضت لَهُ حَيَّة عَظِيمَة على طَرِيقه فمنعته السّفر الى مَكَّة حَتَّى رَجَعَ الى السَّيِّد وَاعْتذر اليه ومناقبه كَثِيرَة وَكَانَ زاهدا فى الدُّنْيَا ورياستها وَمن زهده فِيهَا أَنه طلب ورثته من حَضرمَوْت وَقسم بَينهم جَمِيع مَا عِنْده من المَال على حسب ارثهم وتجرد عَن الدُّنْيَا وتكفل بخدمته وَنَفَقَته تِلْمِيذه ابْن ابْن ابْن أَخِيه أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن على بن عقيل لكَونه كَانَ يُحِبهُ جدا وَلم تطل حَيَاته بعد ذَلِك وَكَانَ سَبَب مَوته أَنه سئم من الْحَيَاة وَطلب من الله تَعَالَى أَن يقبضهُ اليه فَظهر فى بدنه بثرة وَلم تزل تزداد كل يَوْم وَاشْتَدَّ بِهِ الالم وَعرض على كثير من الاطباء وَالَّذين يعانون الْجِرَاحَات فَلم يُوجد عِنْدهم طب وَلم يعرفوا لَهَا دَوَاء وَاسْتمرّ مَرضه نَحْو اثنى عشر يَوْمًا وَمَات فى يَوْم الاربعاء وَقت الضُّحَى لخمس مضين من الْمحرم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وحزن النَّاس لفقده وَاجْتمعَ الْخَلَائق للصَّلَاة عَلَيْهِ فى الْمَسْجِد الْحَرَام وَحضر الصَّلَاة عَلَيْهِ شرِيف مَكَّة الشريف زيد بن محسن وَدفن بالمعلاة فى حوطة آل باعلوى وقبره بهَا مَعْرُوف يزار رَحمَه الله تَعَالَى علوى بن عمر بن عقيل بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن الشَّيْخ مُحَمَّد جمل اللَّيْل الامام الْجَامِع بَين الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول قَالَ الشلى فى تَرْجَمته ولد بقرية روعة وَحفظ الْقُرْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 بالتجويد ثمَّ اشْتغل بِالْعلمِ وتفقه فى الدّين على جمَاعَة واعتنى بِسَائِر الْعُلُوم وَجمع بَين الْحَقِيقَة والشريعة ثمَّ دخل الْهِنْد فقابله بعض وزراء السُّلْطَان الْمُسَمّى ملك ريحَان بالاكرام واقام عِنْده بُرْهَة يدرس ويفيد ثمَّ عَاد الى وَطنه وَمَشى على طَريقَة آبَائِهِ من النَّفْع والقرى فَظهر شَأْنه وَدخل الْهِنْد مرّة ثَانِيَة ونال عِنْد الْملك ريحَان مرتبَة علية قَالَ وبلغنى انه حج وانه أَخذ عَن جمَاعَة من العارفين بالحرمين وَلم تكن لَهُ كَثْرَة قِرَاءَة وانما كَانَ مجداً فى الطّلب لَهُ جلد على مطالعة الْكتب وَرُبمَا سهر أَكثر اللَّيْل فى ذَلِك وَله خطّ حسن كتب بِخَطِّهِ عدَّة كتب اكثرها فى الْعَرَبيَّة والادب وَله رسائل مُشْتَمِلَة على عِبَارَات فصيحة ونكت بديعة وَكَانَ عذب اللِّسَان حُلْو الْمنطق جوادا سخيا كثير الْوَرع تَامّ الْمُرُوءَة كَامِل الفتوة حَافِظًا لسيرة السّلف وَلم يزل فى التَّحْصِيل حَتَّى توفى الى رَحْمَة الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَخمسين وَألف رَحمَه الله السَّيِّد علوى بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن علوى بن أَبى بكر الجفرى بن مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الاستاذ الاعظم الْفَقِيه الْمُقدم وَيعرف كسلفه بالجفرى أحد الْعباد الْمَشْهُورين ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة قسم وَنَشَأ بهَا ثمَّ اشْتغل بِالتِّجَارَة وبورك لَهُ فِيهَا وجاب الْبِلَاد وَسَار الى الْجبَال وَأقَام بالمستفاض أَرض المهرة مُدَّة وعظمه سلطانها ورحل الى السواحل وبجله مُلُوكهَا وارتحل الى الْهِنْد واليمن ومصر وَغَيرهَا وَكَانَ كثير الاسفار الى الْحَج وزيارة النبى وَصَحب جمَاعَة من اكابر الصُّوفِيَّة وانتفع بصحبتهم وَكَانَ غَايَة فى الْجُود وَالْكَرم وصلَة الرَّحِم وَحب الْفُقَرَاء والاحسان اليهم ومحبة الْعلم وَالْعُلَمَاء والصلحاء والاولياء وَكَانَ دينا صَدُوقًا وقورا مَشْهُورا بالعفاف وكرم النَّفس كثير الْوَرع وَكَانَ على قدم كَامِل من الصّلاح وَالْعِبَادَة وَكَثْرَة الصَّدَقَة والصلة ثمَّ أَقَامَ يتريم وَترك السّفر وتخلى لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ من عَادَته حِين يستهل شهر رَمَضَان لَا يخرج من بَيته حَتَّى يَنْسَلِخ الا لصَلَاة الْجُمُعَة أَو صَلَاة صَلَاة التَّرَاوِيح وَكَانَ وجيها عِنْد النَّاس مَقْبُول الشَّفَاعَة وَالْقَوْل مسموع الْكَلِمَة صبورا على السعى فى قَضَاء حوائج الْمُسلمين وَكَانَ عَاقِلا محتشما ذَا رأى صَوَاب وَكَانَ بَينه وَبَين سيدى مُحَمَّد بن عمر البيتى صُحْبَة ومودة عَظِيمَة قَالَ الشلى وَكَانَ الْوَالِد يعْنى وَالِده أَبَا بكر يَقُول لم أر مثلهَا بَين اثْنَيْنِ قطّ وَلزِمَ صُحْبَة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف بن مُحَمَّد العيدروس فى آخر عمره مُلَازمَة تَامَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وَكَانَ يمشى على نهجهويتبع طَريقَة ويقتدى بصنيعه وَكَانَ كثير الاعتناء بِهِ وَكَانَ بيتهما من الصُّحْبَة والالفة مَا هُوَ مَشْهُور فَلَا حَاجَة الى الاطالة فِيهِ وَكَانَ من طَرِيقَته ان تَفْرِيق الصَّدَقَة على جماعته أحب اليه من أَن يُعْطِيهَا رجلا وَاحِدًا وَهَذِه مسئلة ذكرهَا الشَّافِعِيَّة وَاخْتلفُوا فى انه لَو سد جوعة مِسْكين عشرَة أَيَّام هَل أجره كَأَجر من سد جوعه عشرَة مَسَاكِين فالذى قَالَه ابْن عبد السَّلَام وَتَبعهُ كَثِيرُونَ لَا يكون كأجره فقد يكون فى الْجمع ولى وَقد حث الله تَعَالَى على الاحسان للصالحين وَهَذَا لَا يتَحَقَّق فى وَاحِد ولانه يُرْجَى من دُعَاء الْجمع مَا لَا يُرْجَى من دُعَاء الْوَاحِد وَمن ثمَّ أوجب الشافعى رَحمَه الله تَعَالَى دفع الزَّكَاة الى جَمِيع الاصناف انْتهى وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة صافى الْفُؤَاد حسن الِاعْتِقَاد لَا يعرف الغل وَالْخداع وعاش فى النِّعْمَة معززا مكرما وَحج آخر عمره وَكَانَ الْوُقُوف يَوْم الْجُمُعَة وَعَاد الى وَطنه تريم فتوفى بهَا وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف على بن ابراهيم بن أَحْمد بن على بن عمر الملقب نور الدّين بن برهَان الدّين الحلبى القاهرى الشافعى صَاحب السِّيرَة النَّبَوِيَّة الامام الْكَبِير أجل أَعْلَام الْمَشَايِخ وعلامة الزَّمَان كَانَ جبلا من جبال الْعلم وبحرا لَا سَاحل لَهُ وَاسع الْحلم عَلامَة جليل الْمِقْدَار جَامعا لاشتات العلى صارفا نقد عمره فى بَث الْعلم النافع ونشره وحظى فِيهِ حظوة لم يحظها أحد مثله فَكَانَ درسه مجمع الْفُضَلَاء ومحط رحال النبلاء وَكَانَ غَايَة فى التَّحْقِيق حاد الْفَهم قوى الفكرة متحريا فى الْفَتَاوَى جَامعا بَين الْعلم وَالْعَمَل صَاحب جد واجتهاد عَم نَفعه النَّاس فَكَانُوا يأتونه لاخذ الْعَمَل عَنهُ من الْبِلَاد مهابا عِنْد خَاصَّة النَّاس وعامتهم حسن الْخلق والخلق ذَا دعابة لَطِيفَة فى درسه مَعَ جلالته وَكَانَ الشُّيُوخ يثنون عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله من الْفضل التَّام ومزيد الْجَلالَة والاحترام وَكَانَ اذا مر على الشَّيْخ سُلْطَان المزاحى وَهُوَ فى درسه مَعَ جلالته يقوم لَهُ وَيقبل يَدَيْهِ وَيَأْخُذ سر موذته بِيَدِهِ ويضعها فى خزانَة الشَّيْخ على ويفرش لَهُ سجادته الَّتِى يجلس عَلَيْهَا فى التدريس ثمَّ يرجع الى درسه ووقف جَمِيع كتبه على الشَّيْخ الْمَذْكُور ولد بِمصْر فى سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة وروى عَن الشَّمْس الرملى ولازمه سِنِين عديدة وَعَن الاستاذ مُحَمَّد البكرى والنور الزيادى والشهاب ابْن قَاسم وابراهيم العلقمى وَصَالح البلقينى وأبى النَّصْر الطبلاوى وَعبد الله الشنشورى وَسعد الدّين المرحومى وَسَالم الشبشيرى وَعبد الْكَرِيم البولاقى وَمُحَمّد الخفاجى وأبى بكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 الشنوانى وَمَنْصُور الخوانكى وَمُحَمّد الميمونى الشافعيين وَعَن الامام على بن غَانِم المقدسى الحنفى وَمُحَمّد النحريرى الحنفى وَسَالم السنهورى المالكى وَمُحَمّد بن الترجمان الحنفى وَمُحَمّد الزفزاف وَعبد الْمجِيد خَليفَة سيدى أَحْمد البدوى وانتفع بِهِ خلق لَا يُحصونَ كَثْرَة مِنْهُم النُّور الشبراملسى وَالشَّمْس مُحَمَّد الوسيمى وَالشَّمْس مُحَمَّد النحريرى وَغَيرهم ألف المؤلفات البديعة مِنْهَا السِّيرَة النَّبَوِيَّة الَّتِى سَمَّاهَا انسان الْعُيُون فى سيرى النبى الْمَأْمُون فى ثَلَاث مجلدات اختصرها من سيرة الشَّيْخ مُحَمَّد الشامى وَزَاد أَشْيَاء لَطِيفَة الْموقع وَقد اشتهرت اشتهارا كثيرا وتلقتها افاضل الْعَصْر بِالْقبُولِ حررها تحريرا مَا مَعَ الشَّيْخ سُلْطَان وَله حَاشِيَة على مَنْهَج القاضى زَكَرِيَّا وحاشية على شرح الْمِنْهَاج للجلال الْمحلى وحاشية على شرح الورقات للجلال الْمَذْكُور وحاشية على شرح الورقات لِابْنِ امام الكاملية وحاشية على شرح التصريف للسعد وَشرح على الاربعين النووية وَشرح على الشَّمَائِل النَّبَوِيَّة لم يتم سَمَّاهُ الوفا لشرح شمائل الْمُصْطَفى رد فِيهِ كثيرا على عصريه عبد الرؤف المناوى وَحسن التَّبْيِين لما وَقع فى مِعْرَاج الشَّيْخ نجم الدّين وَالْفَجْر الْمُنِير بمولد البشير النذير وَشرح لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَشرح على الْبردَة وَشرح على المنفرجة وزهر المزهر وَهُوَ مُخْتَصر المزهر للسيوطى فى اللُّغَة وَشرح على شرح الْقطر للفاكهى ومطالع البدور فى الْجمع بَين الْقطر والشذور والفوائد العلوية بشرح شرح الازهرية والتحفة السّنيَّة شرح الاجرومية وَغَايَة الاحسان بِوَصْف من لقِيه من أَبنَاء الزَّمَان وَحسن الْوُصُول الى لطائف حكم الْفُصُول والمحاسن السّنيَّة من الرسَالَة القشيرية وَالْجَامِع الازهر لما تفرق من ملح الشَّيْخ الاكبر والنفحة العلوية من الاجوبة الحلبية والنصيحة العلوية فى بَيَان حسن الطَّرِيقَة الاحمدية وَالْمُخْتَار من حسن الثنا فى الْعَفو عَمَّن جنا واللطائف من عوارف المعارف وتحرير الْمقَال فى بَيَان وحدة من نَحْو لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده من أى أَنْوَاع الْحَال والطراز المنقوش فى أَوْصَاف الحبوش وصبابة الصبابه مُخْتَصر ديوَان الصبابه وانقاذ المهج بمختصر الْفرج وَمتْن فى التصريف وحسنات الوجنات النواخر من الْوُجُوه والنظائر واعلام الناسك بِأَحْكَام الْمَنَاسِك وَقطعَة لَطِيفَة على الْجَامِع الصَّغِير وَشرح على شرح الْبَسْمَلَة للقاضى زَكَرِيَّا سَمَّاهُ خير الْكَلَام على الْبَسْمَلَة وَالْحَمْد لَهُ لشيخ الاسلام وَله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 قِطْعَة علقها على أَوَائِل تَفْسِير البيضاويوله رِسَالَة لَطِيفَة فى التصوف ودخان التبغ وَغير ذَلِك وَكَانَ أحد مَشَايِخ الْمدرسَة الصلاحية الَّتِى هى تَاج الْمدَارِس الكائنة بجوار الامام الشافعى وَأَعْطَاهُ الله الْقبُول التَّام فى تأليفه وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت آخر يَوْم من شعْبَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة المجاورين رَحمَه الله على بن ابراهيم بن على المنعوت بعلاء الدّين أَبُو الْحسن الْمَعْرُوف بالقبردى الدمشقى الصالحى الشافعى الْعَالم الْمَشْهُور أوحد أهل عصره فى الْجمع بَين الْفُنُون والاخذ بدقها وجلها الى التَّحْقِيق الباهر الذى يعجب مِنْهُ الْعجب وَقُوَّة الحافظة وَحسن الاداء والتفهيم وَبِالْجُمْلَةِ فَكل من عاصره معترف لَهُ بالتفوق ومقر لَهُ بالتقدم قَرَأَ العقليات على المنلا أَبى بكر والمنلا نظام الدّين السنديين وَأخذ الشرعيات عَن أجلاء كثيرين مِنْهُم الْبُرْهَان ابراهيم بن الاحدب الْمُقدم ذكره وَأعَاد درس الحَدِيث تَحت قبَّة النسْر وَشَيْخه الشَّمْس الميدانى وَكَانَ الميدانى مَعَ كَونه شَيْخه وَقد تلقى مِنْهُ فنونا عديدة يعرف حَقه واذا أبدى سؤالا تَلقاهُ بِالْقبُولِ ويقدمه على غَيره وَيشْهد لَهُ بِالْفَضْلِ التَّام وَلما حج أَقَامَهُ مقَامه فى بقْعَة التدريس الَّتِى كَانَت لَهُ فى الْجَامِع الاموى واشتهر بعد ذَلِك كل الاشتهار وَصَارَ يومأ اليه بالاتقان والاحاطة التَّامَّة واقام بالصالحية فى حجره من حجرات الْمدرسَة العمرية لَا يتَرَدَّد الى أحد وَهُوَ رَاض بخشونة الْعَيْش ورقة الْحَال وَلَزِمَه جمَاعَة للاخذ عَنهُ فانتفعوا بِهِ ونبلوا وأجلهم السَّيِّد مُحَمَّد بن كَمَال الدّين بن حَمْزَة نقيب الشَّام وَشَيخنَا عبد الحى بن أَحْمد بن الْعِمَاد العكرى وَكَانَت الطّلبَة تقصده حَيْثُ كَانَ حَتَّى انهم يُسَارِعُونَ إِلَيْهِ من الْمَدِينَة فى زمن الشتَاء وَلَا يمنعهُم الْمَطَر والثلج حرصا على فَوَائده وَمن فَوَائده المنقولة عَنهُ على مَا رَأَيْته بِخَط بعض الفضلا ان الشَّيْخ يصغر على شيخ وَلَا يجوز تصغيره على شويخ لَان أَصله الْيَاء وَله جموع سَبْعَة وَقد نظمها بَعضهم فَقَالَ (اذا رمت جمع الشَّيْخ وَهُوَ مُجَرّد ... يصير مزيدا عِنْدَمَا ضمه الْجمع) (شُيُوخ وأشياخ وشيخان شيخة ... مَشَايِخ مشيوخاء مشيخة سبع) واعتراه مرض بركبتيه فَانْقَطع مُدَّة وَلما ولى الْمولى أَحْمد بن المنلا زين الدّين المنطقى قَضَاء الشأم وَجه اليه الْمدرسَة المرشدية بصالحية دمشق وَكَانَ يجله كثيرا وعَلى كل حَال فَهُوَ من عِظَام الْعلمَاء الْمُحَقِّقين وَكَانَت ولاته فى سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وعمى قبل مَوته بِمِقْدَار سنتَيْن ثمَّ توفى فى ثَالِث عشرى ذى الْقعدَة سنة سِتِّينَ وَألف وَدفن بسفح قاسيون السَّيِّد على بن ابراهيم بن على بن المهدى بن صَلَاح بن على بن أَحْمد بن الامام مُحَمَّد ابْن جَعْفَر القاسمى الْمَعْرُوف بالعالم الشرفى وَمُحَمّد بن جَعْفَر الْمَذْكُور فى نسبه هُوَ المقبور فى جبل حرَام من الشّرف مَشْهُور مزور عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة ابْن الْحُسَيْن بن فليته ابْن على بن الْحُسَيْن بن أَبى البركات بن الْحُسَيْن بن يحيى بن على بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ابْن الْقَاسِم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الْحسن بن الْحسن بن على بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال فى تَارِيخه هُوَ أحد السَّادة المعروفين بِالْفَضْلِ الموسومين بِالْخَيرِ وَكَانَ السَّيِّد الْعَالم صَاحب التَّرْجَمَة وَالسَّيِّد العابد الآتى ذكره فرسى رهان فى الْفَضَائِل وذكرهما مَلأ الْآفَاق وَكَانَ السَّيِّد العابد قد رأى فى النّوم انه نزل بِالْمُسْلِمين خطب عينه فى الرُّؤْيَا لم يحضرنى مَا هُوَ فهرب النَّاس وَنَجَا هُوَ بِنَفسِهِ مَعَهم وَأما السَّيِّد الْعَالم فاشتغل باطلاع النَّاس من مَوَاضِع الهلكة الى النجوة فَعرض الرُّؤْيَا عَلَيْهِ فَقَالَ الامر كَذَلِك أَنْت مَشْغُول بِنَفْسِك وَأَنا بِالْمُسْلِمين وَصَاحب التَّرْجَمَة أحد شُيُوخ الامام الْقَاسِم مولده فى يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر صفر سنة ثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ بِبَلَدِهِ هِجْرَة الجاهلى من الشاهل ورباه عَمه السَّيِّد صَلَاح الدّين بن على بن المهدى وَكَانَ السَّيِّد صَلَاح هَذَا من أَعْيَان أعوان الامام شرف الدّين وَتَوَلَّى الْقَضَاء بجهات الشّرف والاوقاف للامام ثمَّ ارتحل السَّيِّد على بن ابراهيم الى صنعاء لطلب الْعلم وَأقَام مُدَّة حَتَّى فتح الله تَعَالَى عَلَيْهِ بِمَعْرِِفَة تَامَّة فى الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة ثمَّ رَجَعَ الى بَلَده وَقد كَادَت تضعف دولة الامام شرف الدّين فَحصل على كثير من عُلَمَاء صعدة مَا أوجب الْهِجْرَة من أوطانهم من تغلب أهل الْجور فوفد الى السَّيِّد على بن ابراهيم جمَاعَة من أَعْيَان أهل التَّقْوَى وَالْعلم من بعض أهل علاف وَبَعض بنى عقبَة فأفادوا السَّيِّد الْمَذْكُور علما الى علمه وَكَانَ موردا للطالبين وكعبة للمسترشدين وَتخرج على يَدَيْهِ جمَاعَة من أهل الْفضل وَالْعلم وَالْعَمَل مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة الهادى بن الْحسن من هِجْرَة بنى أَسد وَمِنْهُم السَّيِّد رَأس الْعباد وَعين الزهاد وخاتمة أهل التَّقْوَى وَالْيَقِين شمس الدّين صَلَاح بن يُونُس صَاحب هِجْرَة أسلم ناشر من أَوْلَاد الامام المتَوَكل على الله المطهر بن الامام يحيى شرف الدّين وَمِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن الحسبن بن على صَاحب هِجْرَة الخواقع من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 حَبل الشاهل تولى الْقَضَاء للامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَغَيرهم من الْفُقَهَاء من أهل هجر الشّرف وَغَيرهَا ودرس فى شرح ابْن مِفْتَاح على الازهار والتذكرة وَالْبَيَان مُدَّة مديدة وَلما مَاتَ السَّيِّد الاجل الْمُجَاهِد المطهر بن الامام شرف الدّين ظهر بِجِهَة الشّرف من أَنْوَاع الْمُنْكَرَات مَا لَا يقدر قدره وَذَلِكَ سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فوصل قبائل تِلْكَ الْجِهَات الى السيدين الْعَالم وَالْعَابِد الآتى ذكرهمَا يستغيثون بهما فى دفع مَا حصل من الظُّلم والجور فَلم يجد عذرا عِنْد الله تَعَالَى فى التّرْك وَمن أعظم الاسباب فى قيامهما مرجان متولى تِلْكَ الْجِهَة من أَعمال غوث الدّين بن المطهر ابْن شرف الدّين تظاهر بِفعل الْمُنْكَرَات وعسف وأفرط فى ظلمه فَاجْتمع من قبائل الشّرف الى السيدين قدر خَمْسمِائَة مقَاتل فقصد الى المحابشة بِمن اجْتمع اليهما الى مَوضِع يُقَال لَهُ جبل الغابش وطلع مقدماتهم الى حصن الْقَاهِرَة من المحابشة فَلَقِيَهُمْ مرجان بمحطة من الْجند فناوشوهم الْقِتَال فَقتل من الْقَبَائِل خَمْسَة رجال ثمَّ انهزم الْقَبَائِل وَلم يثبت مِنْهُم أحد وغدر أهل المحابشة بِمَا قد تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ من الْقيام بالامر بِالْمَعْرُوفِ ومعاونة السيدين ثمَّ قصد مرجان الْمَذْكُور قَبيلَة الا مُرُور فَقتل مِنْهُم عشْرين رجلا فَهَاجَرَ السَّيِّد على بن ابراهيم العابد إِلَى غفار للْقِرَاءَة والاقراء وَأما السَّيِّد عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْعَالم فَلم يزل يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر ويدرس الْعُلُوم بهجرته ثمَّ هَاجر بأَهْله وَأَوْلَاده الى حجور الاسلام وَوصل الى السَّيِّد غوث الدّين بن المطهر الى قفل مدوم فَوضع لَهُ مَوْضُوعا فى الِاسْتِمْرَار على حَالَته من التدريس واحترام جَانِبه وَمن يلوذ بِهِ حَتَّى دَعَا الامام النَّاصِر لدين الله الْحسن بن على بن دَاوُد فَقَامَ بهَا فى تِلْكَ الْجِهَة الشرفية وَلما أسر الامام الْحسن أَخذ السَّيِّد على فى معاونة الامام الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن مُحَمَّد على الْقيام بالامامة وَجمع لَهُ من أَمْوَال فضلات الاوقاف والزكوات ونذورا كَثِيرَة وحشد لَهُ من بَلَده أهل السِّلَاح قدر سِتِّينَ رجلا وَكَانَ الامام الْقَاسِم الْمَذْكُور مِمَّن أَخذ عَنهُ الْعلم من صغره وَكَانَ كثير تِلَاوَة الْقُرْآن وَالْعِبَادَة وَله كرامات مَشْهُورَة فى حَيَاته وَبعد وَفَاته مَاتَ فى شهر ربيع الآخر سنة سِتّ بعد الالف واستجاب الله تَعَالَى دعاءه أَن لَا يميته الا بعد ظُهُور قَائِم من أهل الْبَيْت وقبر بِهِجْرَة الجاهلى وَعَلِيهِ مشْهد مزور وَخلف وَلدين السَّيِّد الْعَلامَة الاوحد بدر الدّين مُحَمَّد بن على وَكَانَ عَالما نبيلا مدرسا للفقه والفرائض وَهُوَ شيخ السَّيِّد الْحُسَيْن بن الْقَاسِم فى الْفَرَائِض وَتَوَلَّى الفضاء للامام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 الْقَاسِم فى الْجِهَات الشرفية وأرسله الى عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن المطهر فى الصُّلْح الاول وَتمّ على يَدَيْهِ وَاسْتمرّ على حَاله من الِاشْتِغَال بِأُمُور الْمُسلمين وتدريس الْعلم الى ان اخْتَار الله تَعَالَى لَهُ مَا عِنْده من الِانْتِقَال الى دَار الْقَرار سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف تَقْرِيبًا وعقبه فى هِجْرَة الجاهلى من الشاهل وَقت رقم هَذِه سنة احدى وَثَمَانِينَ نَحْو ثَمَانِينَ رجلا مِنْهُم الْعلمَاء الْعَامِلُونَ كالسيد الْعَلامَة أَحْمد بن صَلَاح بن مُحَمَّد بن على بن ابراهيم أَخذ الْعلم عَن السَّيِّد مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتى بِمَدِينَة صنعاء ثمَّ رَجَعَ الى بَلَده الْهِجْرَة بعد أَن أَقَامَ بِصَنْعَاء سبع سِنِين فَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الطّلبَة علم الْفِقْه بتحقيق قَوَاعِده وَاسْتمرّ على ذَلِك الى وقتنا هَذَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِجِهَة الشّرف الاسفل مَعَ مَكَارِم أَخْلَاق واكرام للوافدين وَالْولد الآخر من ولدى السَّيِّد على بن ابراهيم هُوَ السَّيِّد صارم الدّين ابراهيم بن على مَاتَ مُهَاجرا بِمَدِينَة حوت سنة اثنتى عشرَة وَألف وَله الْعقب الاطيب الاكثر خلف سِتَّة أَوْلَاد مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة شرف الدّين بن ابراهيم وَهُوَ اكبر أَوْلَاده وَكَانَ من أَعْيَان أهل الْبَيْت علما وَعَملا وسعة صدر وَتَوَلَّى الْقَضَاء للامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم بعد وَفَاة عَمه مُحَمَّد بن على وَاسْتمرّ عَلَيْهِ الى أَن مَاتَ سنة أَربع وَسبعين وَألف وعمره سِتّ وَثَمَانُونَ وَخلف أَرْبَعَة عشر ولدا وَمِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة الْمُحَقق فى الاصول وَالْفُرُوع شمس الدّين بن ابراهيم بن على الْعَالم كَانَ من الْعباد الجامعين بَين فَضِيلَة الْعلم وَالْجهَاد وَلم يتول شَيْئا من الاعمال الى أَن مَاتَ سنة أَربع وَخمسين وَألف وعمره خمس وَسِتُّونَ سنة وَللسَّيِّد ابراهيم أَرْبَعَة أَوْلَاد غير هذَيْن وهم السَّيِّد مُحَمَّد بن ابراهيم وَالسَّيِّد العابد أَحْمد بن ابراهيم وَالسَّيِّد صَلَاح بن ابراهيم وَالسَّيِّد الْحُسَيْن بن ابراهيم وكل مِنْهُم خلف جمَاعَة من الاولاد ذكورهم فى تَارِيخ رَاقِم هَذِه الاحرف خَمْسَة وَسَبْعُونَ مَا بَين كهل وشاب وصغير وَلم يخل الله تَعَالَى أَوْلَادهم من التَّمَسُّك بِالْعلمِ وسلوك طَرِيق سلفهم الطاهرين هَكَذَا نَقله ولد ولد وَلَده السَّيِّد أَحْمد بن الْحُسَيْن بن ابراهيم بن على الْعَالم رَحِمهم الله تَعَالَى على بن ابراهيم بن على بن ابراهيم بن المهدى بن أَحْمد بن يحيى بن الْقَاسِم بن يحيى ابْن عليان وَمن هُنَا تَتِمَّة النّسَب قد ذكرتها فى تَرْجَمَة السَّيِّد اسماعيل الحجاف السَّيِّد الْجَلِيل الصَّالح الولى رَأس الْفُضَلَاء وتاج الكبراء كَانَ سيدا مُبَارَكًا عادلا عَارِفًا لَهُ أَخْلَاق رضية وشمائل مرضية تولى الجعفرية وَمَا والاها من أَرض الْيمن نَحْو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة وَهُوَ على حَالَة وَاحِدَة مُسْتَقِيمَة وَكَانَ من الاحسان الى السَّادة والفقراء بمَكَان لَا يُسَاوِيه فِيهِ غَيره وخلالته عِنْد الائمة اشهر من أَن تذكر وَلم يذكر عِنْد أحد من أهل الدّين وَالصَّلَاح الا اثنى عَلَيْهِ ودعا لَهُ وَكفى بذلك منقبة وَهُوَ وَالِد السبيد النجيب فَخر أهل الزَّمَان زيد بن على صَاحب المخا ذكرته فى كتابى النفخة وَذكره صَاحب التَّرْجَمَة السَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن الطَّاهِر الْبَحْر فى تَارِيخه واثنى عَلَيْهِ قَالَ وَمَا رَأَيْت فِيمَن رَأَيْت من الْوُلَاة فى عصرنا اتَّقى وَلَا اكرم مِنْهُ وَكَانَت وَفَاته فى كسمه فى رَجَب سنة احدى وَسبعين وَألف عَن نَحْو ثَمَانِينَ عَاما وَدفن هُنَالك فى جَانب مَسْجده الذى أسسه على بن ابراهيم الْخياط الرشيدى الشافعى الشَّيْخ الامام الْحجَّة الولى المفنن فى الْعُلُوم وَالْجَامِع لَهَا والمقدم فى المعارف كلهَا والمتكلم فى أَنْوَاعهَا والناقد فى جَمِيعهَا والحريص على أَدَائِهَا مَعَ ذهن ثاقب وآداب أَخْلَاق وَحسن معاشرة ولين جَانب وَكَثْرَة احْتِمَال وكرم نفس وَحسن عهد وثبات ود وملازمة طَاعَة وَكَثْرَة ذكر ولد فى الْعشْر الاول من هَذِه الْمِائَة برشيد وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وجوده وَأخذ عَمَّن بهَا من عُلَمَاء عصره ثمَّ قدم مصر وَقَرَأَ بالروايات على مقرى مصر عبد الرَّحْمَن الْيُمْنَى وَأخذ الْفِقْه والعلوم الشَّرْعِيَّة والعقلية عَن شُيُوخ كثيرين مِنْهُم النُّور على الحلبى والبرهان اللقانى وَالشَّمْس الشوبرى وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحى والنور الشبراملسى وَالشَّمْس البابلى وجد واجتهد الى أَن بلغ الْغَايَة القصوى وَرجع الى بَلَده وحمدت سيرته فِيهَا وَأَقْبل عَلَيْهِ جَمِيع أَهلهَا واعتقده عَامَّة ذَلِك الاقليم وَظَهَرت لَهُ كرامات كَثِيرَة وتصدر للتدريس وَأخذ عَنهُ خلق كَثِيرُونَ مِنْهُم الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الرَّزَّاق الرشيدى وَأَقْبل على قِرَاءَة الْقُرْآن قبل مَوته بِسنة فَصَارَ لَا يَتْرُكهَا صباحا وَمَسَاء وكل وَقت حَتَّى ترك التدريس الى أَن توفى فى أَوَائِل رَجَب سنة أَربع وَتِسْعين وَألف برشيد وَبهَا دفن وَأخْبر وَلَده انه لما احْتضرَ قَرَأَ بعض الْحَاضِرين سُورَة يس والرعد فَلَمَّا بلغ الى قَوْله تَعَالَى سَلام عَلَيْكُم طبتم الْآيَة خرجت روحه وَكَانَ أخبرهُ بعض الاولياء انه يَمُوت فى رَجَب فَكَانَ كلما اتى رَجَب يقبل على الْعِبَادَة الى أَن توفى رَحمَه الله تَعَالَى على بن أَبى بكر بن على نور الدّين بن أَبى بكر بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالجمال المصرى بن أَبى بكر بن على بن يُوسُف بن ابراهيم بن مُوسَى بن ضرغام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 ابْن طعان بن حميد الانصارى الخزرجى المكى الشافعى الامام الْحجَّة الْمُؤلف المُصَنّف كَانَ صَدرا عالى الْقدر وَاسع الْمَحْفُوظ محققا تشد اليه الرّحال للاخذ عَنهُ ذكره الشلي وسَاق نسبه كَمَا ذكرته ثمَّ قَالَ ولد بِمَكَّة سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَمَات أَبوهُ سنة سِتّ بعد الالف كَمَا تقدم فى تَرْجَمته فَنَشَأَ يَتِيما فقيض الله تَعَالَى لَهُ الشَّيْخ الولى أَبَا الْفرج المزين فاحتفل بتربيته واشتغل أَولا بالقراآت على الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أَبى الْحسن بن نَاصِر الاشعرى فَقَرَأَ عَلَيْهِ الى أَن مَاتَ فى سنة احدى وَثَلَاثِينَ والف فاكمل الْقِرَاءَة على تِلْمِيذه الشَّيْخ أَحْمد الحكمى وَقَرَأَ على الشَّيْخ مُحَمَّد تقى الدّين الزبيرى وَسَنَد الزبيرى وَسَنَد الشَّيْخ أَبى الْحسن من طَرِيق أهل الْمَدِينَة وَاحِد فانهما قرآ جَمِيعًا على المقرى الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَبى الْحرم المدنى وَهُوَ عَن جمَاعَة اجلاء من اعلاهم سَنَد الشَّيْخ الامام الشَّمْس مُحَمَّد بن ابراهيم السمديسى المصرى الحنفى وَهُوَ عَن شيخ الْقُرَّاء أَحْمد بن رَاشد الاسيوطى وَهُوَ عَن امام الْقُرَّاء أَبى الْخَبِير مُحَمَّد بن مُحَمَّد الجزرى وَسَنَده مَذْكُور فى النشر وَغَيره وَلم يَأْخُذ الشَّيْخ مُحَمَّد تقى الا عَن شَيْخه الْمَذْكُور واما الشَّيْخ أَبُو الْحسن فَلهُ سَنَد آخر من طَرِيق أهل مَكَّة فَهُوَ عَن الامام عمر الشعرانى وَهُوَ عَن اجلاء معتبرين من أهل الْيمن مِنْهُم الشَّيْخ عبد الله بن رعيل الحضرمى الضَّرِير وَالشَّيْخ على الريمى القرشى وَله اسانيد أخر وَأخذ صَاحب التَّرْجَمَة النَّحْو والاصول وَالْعرُوض عَن الشَّيْخ عبد الْملك العصامى وَالْكَلَام عَن الْبُرْهَان اللقانى وَأخذ عَن السَّيِّد عمر ابْن عبد الرَّحِيم البصرى الْفِقْه والاصول والعربية والْحَدِيث واصوله وَالتَّفْسِير والمعانى وَالْبَيَان وَأَجَازَهُ بِاللَّفْظِ فى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَأخذ عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن ابراهيم عَلان العقائد والْحَدِيث وَعَن الشهَاب الخفاجى الحَدِيث وَعَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الرَّحْمَن باوزير التصوف وتصدر للاقراء والتدريس فى الْمَسْجِد الْحَرَام وانتفع بِهِ جمَاعَة من الاعلام مِنْهُم الشَّيْخ عبد الله بن مُحَمَّد طَاهِر عباسى وَالشَّيْخ أَحْمد باقشير قلت وَشَيخنَا الْحسن العجيمى وَشَيخنَا أَحْمد النخلى فسح الله تَعَالَى فى اجلهما قَالَ وقرأت عَلَيْهِ الْفِقْه والفرائض والحساب والاصلين والْحَدِيث واصوله وَكَانَ لَهُ قُوَّة اقدام على تَفْرِيق كِتَابَة المشكلات وَله مؤلفات عديدة مِنْهَا الْمَجْمُوع الوضاح على مَنَاسِك الايضاح وشرحان على ابيات ابْن المقرى كَبِير وصغير وَله كافى الْمُحْتَاج لفرائض الْمِنْهَاج وَفتح الْفَيَّاض بِعلم الْقَرَاض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 وقرة عين الرائض فى فنى الْحساب والفرائض وَله الْمُذَلل فى الْفَرَائِض والنفحة المكية بشرح التُّحْفَة القدسية لِابْنِ الهائم والنقول الْوَاضِحَة الصَّرِيحَة فى عدم كَون الْعمرَة قبل النَّفر صَحِيحَة ورسالة فى التَّقْلِيد وَشرح ابيات الْجلَال السيوطى الَّتِى أَولهَا يتبع الْفَرْع فى انتساب أَبَاهُ وَفتح الْوَهَّاب بشرح نزهة الاحباب والتحفة الحجازية فى الاعمال الحسابية وتحرير الْمقَال فِي قَول ابْن المجدى فِي الشَّرِيك أشكال والدر النضيد فِي مَأْخَذ القراآت من القصيد والمواهب السنيه فى علم الْجَبْر والمقابلة وَشرح الياسمينية فى الْجَبْر والمقابلة ورسالة فى احكام النُّون الساكنة والتنوين وصلَة المبتدى بشرح نظم در المهتدى وَهُوَ فى الْفَرَائِض على مَذْهَب أَبى حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَله ابيات مسوغات الِابْتِدَاء وَشَرحهَا وَله مؤلف سَمَّاهُ الِانْتِصَار النفيس لجناب مُحَمَّد بن ادريس ردا على بعض الْحَنَفِيَّة فى زَمَانه زعم ان حَدِيث لَا تسبوا قُريْشًا فان عالمها يمْلَأ الارض علما منزل على ابْن عَبَّاس وَزعم ان مَا ورد فى فضل قُرَيْش مَخْصُوص بالقاطنين بِأم الْقرى وَله غير ذَلِك من تآليف واشعار وآثار وَانْفَرَدَ فى فقههم بمسائل لم يُوَافقهُ عَلَيْهَا أحد من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة مِنْهَا ان الْمصلى فى دَاخل الْمَسْجِد بقبة مثلا مَبْنِيَّة فِيهِ اذا صك عَلَيْهِ بَابهَا مَعَ علمه بانتقالات الامام وَلم يُمكنهُ الْوُصُول مِنْهَا اليه كمقام ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فان قدوته غير صَحِيحَة وَصلَاته بَاطِلَة وَمِنْهَا فى الْحَج ان من وصل الى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّفر الاول نَاوِيا النَّفر ورماها فَهُوَ عِنْد وُصُوله اليها خَارج منى فَيجب عَلَيْهِ بعد رميها الرُّجُوع الى حد منى ثمَّ ينفر عقبه لَان الاول كَانَ قبل استكمال الرمى وان مَا عَلَيْهِ عمل النَّاس الْيَوْم من سيرهم من منى وافاضتهم عقب رمى جَمْرَة الْعقبَة سِيمَا النِّسَاء غير صَحِيح قَالَ كَمَا تَقْتَضِيه عباراتهم سِيمَا عبارَة التُّحْفَة هَذَا مَا ظهر فان ظهر نقل بِخِلَافِهِ فالمعول عَلَيْهِ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان بَقينَ من شهر ربيع الثانى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة المعلاة على بن أَبى بكر بن المقبول صَاحب الْحَال الزيلعى العقيلى وَتقدم رفع نسبه فى تَرْجَمَة أَبِيه كَانَ من أكَابِر بنى الزيلعى ووجوههم وَمن خِيَار عباد الله الصَّالِحين المتمسكين بِالسنةِ وَكَانَ حسن الْخلق والخلق لطيف الطباع حسن الشَّمَائِل متواضعا خيرا كَرِيمًا ملازما لطاعة الله وَذكره الشلى وَقَالَ ولد باللحية فى سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن أَبِيه وَعَن الْفَقِيه مَقْبُول بن أَحْمد المحجب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 وَاجْتمعَ بِكَثِير من الاولياء وَأخذ عَنْهُم وأجازوه واشتهر ذكره بِبَلَدِهِ ورحل إِلَى الْحَرَمَيْنِ ثمَّ الى صَعِيد مصر وَمكث ثمَّة نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ مسموع الْكَلِمَة عِنْد امرائها مَقْبُول الشَّفَاعَة مجللا مُعظما وَله كرامات كَثِيرَة مِنْهَا ان بعض الاصحاب كَانَ مُسَافِرًا فى سفينة المترجم من الْقصير الى الينبع فهاج الْبَحْر وتعب أهل السَّفِينَة كثيرا وأيقنوا بِالْهَلَاكِ فَقَالَ فى نَفسه سُبْحَانَ الله النَّاس يَقُولُونَ ان صَاحب هَذِه السَّفِينَة من أَوْلِيَاء الله وَلَا يُلَاحظ سفينته وتحكم ذَلِك فى خاطره فَأَخَذته سنة من النّوم فَرَآهُ وَهُوَ ماسك مقدمها بِيَدِهِ يَقُودهَا والتفت اليه وَقَالَ لَهُ يَا فلَان لَا تخف فَنحْن لَا نغفل عَن سواعينا قُم من النّوم وَلكم السَّلامَة فأفاق من نَومه فَوجدَ الامر هان والسفينة اسْتَقَرَّتْ وسلموا وبلغوا الينبع وَرَآهُ فِيهَا على صورته الَّتِى رَآهُ عَلَيْهَا فى النّوم وَمِنْهَا ان الامير مُحَمَّد أَمِير الصَّعِيد كَانَ يَعْتَقِدهُ كثيرا وَكَانَ لَهُ مركب فَقَالَ يَا شيخ على اشْتَرِ هَذَا الْمركب وَأعْطِ حَقه على حسب التَّيْسِير فَأخذ مِنْهُ بألفي قِرْش فَبعد مُدَّة حصل على الامير مَا حصل من قيام وَزِير مصر وعسكرها عَلَيْهِ حَتَّى جهزوا عَلَيْهِ عسكرا جراراً وقتلوه وضبطوا مخلفاته فوجدوا الْمبلغ مَكْتُوبًا فى الدفاتر على الشَّيْخ على فَجَاءَهُ رَسُول من وَزِير مصر يقبض جَمِيع المخلفات فَطلب من الشَّيْخ على الْمبلغ الْمَذْكُور فَذكر لَهُم انه أَخذه من الامير على التدريج وَلَا يقدر على دفع شئ فى هَذِه الْحَال من ثمنه أَو يأخذوه بِعَيْنِه فَأبى الرَّسُول ذَلِك فَاقْتضى نظر أَمِير الصَّعِيد الامير أَحْمد ان يُسَافر الى مصر وَيرد الامر الى الْوَزير فَذهب الى مصر وَمَعَهُ جمَاعَة مطلوبون أَيْضا فى دُيُون مَعَ رَسُول الْوَزير فأهانهم وأجلسهم مَجْلِسا غير مُنَاسِب فى السَّفِينَة المتوجهة بهم الى مصر وَصَارَ يمْنَع النَّاس عَن الِاجْتِمَاع بهم فنصحه الشَّيْخ وَقَالَ لَهُ مَالك حَاجَة بِنَا فَلم يفده فَخرج لَهُ فى دبره شئ مَنعه من الْجُلُوس وَالطَّعَام وَالشرَاب وَاشْتَدَّ بِهِ ذَلِك فَأرْسل اليه وَقَالَ لَهُ يَا سيدى تبت الى الله فَقَرَأَ عَلَيْهِ شَيْئا من الْقُرْآن فعوفى لوقته وَصَارَ يتعاطى خدمته بِنَفسِهِ الى مصر فَلَمَّا وصلا الى مصر قَالَ لَهُ يَا سيدى انْزِلْ عندى فى بيتى وأقضى لَك جَمِيع امورك فَأبى وَنزل عِنْد بعض أَصْحَابه ثمَّة من أهل الْيمن ثمَّ ذهب الى الامير قيطاس واخبره بذلك وَكَانَ فى ذَلِك الْوَقْت رَئِيس مصر فَذهب بِهِ الى الْوَزير فبمجرد ان وَقع بصر الْوَزير عَلَيْهِ قَامَ لَهُ اجلالا وبقى بَين يَدَيْهِ كالطفل الصَّغِير وَهُوَ فى غَايَة التأدب فَأخْبرهُ بذلك فَقَالَ نحط عَنْكُم من الْمبلغ كَذَا والباقى مِنْهُ نحاسبكم بِهِ من اجرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 حبوب الْحَرَمَيْنِ الَّتِى نضعها فى السَّفِينَة ونادى الْكتاب فى ذَلِك الْوَقْت فَحَسبُوا ذَلِك وَفضل لَهُ من الاجرة شئ كثير فدفعوه لَهُ فى الْحَال وزاده الْوَزير من عِنْده شَيْئا وكساه ثيابًا فاخرة وَبَالغ فى اكرامه وَقَالَ لَهُ الْحُبُوب نزلُوا مِنْهَا فى الساعية الَّتِى تريدوها والباقى يكون فى سفرة اخرى وَأمر أَمِير الصَّعِيد ان يدْفع لَهُ من الْحُبُوب شَيْئا كثيرا وَرجع الشَّيْخ الى الصَّعِيد منصورا مظفرا وَتشفع بِهِ بَقِيَّة المطلوبين بِمَا عَلَيْهِم من الدّين فَقبل شَفَاعَته وسامحهم الْوَزير بذلك وَكَانَ حَافِظًا للمراتب الشَّرْعِيَّة وَمن الْقَائِلين بالوحدة وَكَانَ ملآنا من معرفَة الله تَعَالَى وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى رَجَعَ الى الْحَرَمَيْنِ وَمكث مُدَّة ثمَّ توجه الى الْيمن فى سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَرجع من عَامه فتوفى بِمَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ حادى عشرى ذى الْقعدَة الشَّرِيفَة سنة خمس وَتِسْعين وَألف وَدفن بالشبيكة رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد على بن أَبى الْحسن الملقب نور الدّين الحسينى الشامى العاملى الامام الْهمام الْعَالم المنطيق الجم الْفَائِدَة الْمَشْهُور ذكره السَّيِّد على بن مَعْصُوم فى السلافة فَقَالَ فِي تَعْرِيفه طود الْعلم المنيف وعضد الدّين الحنيف وَمَالك ازمة التَّأْلِيف والتصنيف الباهر بالرواية والدراية والرافع لخميس المكارم أعظم رايه فضل يعثر فى مداه مقتفيه وَمحل يتَمَنَّى الْبَدْر لَو أشرق فِيهِ وكرم يخجل المزن الهاطل وشيم يتحلى بهَا جيد الزَّمَان العاطل وصيت حل من حسن السمعة بَين السحر والنحر (فَسَار مسير الشَّمْس فى كل بَلْدَة ... وهب مهب الرّيح فى الْبر وَالْبَحْر) حَتَّى كَانَ رائد الْمجد لم ينتجع سوى جنابه وبريد الْفضل لم يقعقع سوى حَلقَة بَابه وَكَانَ لَهُ فى مبدا أمره بِالشَّام مجَال لَا يكذبهُ بارق الْعِزّ اذا شام بَين اعزاز وتمكين وَمَكَان فى جَانب صَاحبهَا مكين ثمَّ انثنى عاطفا عنانه وثانية فقطن بِمَكَّة شرفها الله تَعَالَى وَهُوَ كعبتها الثَّانِيَة تستلم اركانه كَمَا تستلم اركان الْبَيْت الْعَتِيق وتستنسم اخلاقه كَمَا يستنسم الْمسك الفتيق وَلَقَد رَأَيْته بهَا وَقد أناف على التسعين وَالنَّاس تستعين بِهِ وَلَا يَسْتَعِين والنور يسطع من اسارير جَبهته والعز يرتع فى ميادين جلهته وَلم يزل بهَا الى ان دعى فَأجَاب وَكَأَنَّهُ الْغَمَام امرع الْبِلَاد فانجاب وَله شعر يدل على علو مَحَله وابلاغه هدى القَوْل الى مَحَله فَمِنْهُ قَوْله متغزلا (يَا من مضوا بفؤادى عِنْدَمَا رحلوا ... من بعد مَا فى سويدا الْقلب قد نزلُوا) (جاروا على مهجتى ظلما بِلَا سَبَب ... فليت شعرى الى من فى الْهوى عدلوا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 (وأطلقوا عبرتى من بعد بعدهمْ ... وَالْعين اجفانها بالسهد قد كحلوا) (يَا من تعذب من تسويفهم كبدى ... مَا آن يَوْمًا لقطع الْحَبل أَن تصلوا) (جادوا على غَيرنَا بالوصل مُتَّصِلا ... وفى الزَّمَان علينا مرّة بخلوا) (كَيفَ السَّبِيل الى من فى هَوَاهُ مضى ... عمرى وَمَا صدنى عَن ذكره شغل) (واحيرتى ضَاعَ مَا أوليت من زمن ... اذ خَابَ فى وصل من أهواهم الامل) (فى أى شرع دِمَاء العاشقين غَدَتْ ... هدرى وَلَيْسَ لَهُم ثار اذا قتلوا) (يَا للرِّجَال من الْبيض الرشاق أما ... كفاهم مَا الذى بِالنَّاسِ قد فعلوا) (من منصفى من غزال مَاله شغل ... عَنى وَلَا عاقنى عَن حبه عمل) (نصبت أشراك صيدى فى مراتعه ... وَالصَّيْد فنى ولى فى طرقه حيل) (فصاح بى صائح خفض عَلَيْك فقد ... صيد الغزال الذى تبغيه يَا رجل) (فصرت كالوا لَهُ الساهى وفارقنى ... عقلى وَضَاقَتْ على الارض والسبل) (وَقلت بِاللَّه قل لى أَيْن ساربه ... من صَاده علهم فى السّير مَا عمِلُوا) (فَقَالَ لى كَيفَ تلقاهم وَقد رحلوا ... من وقتهم واستجدت سَيرهَا الابل) وَقَوله من قصيدة طَوِيلَة فى الْمَدْح أَولهَا (لَك الْفَخر بالعليا لَك السعد راتب ... لَك الْعِزّ والاقبال والنصر غَالب) مِنْهَا (سموت على قب السراحين صائلا ... فكلت بكفيك القنا والقواضب) (وحزت رهان السَّبق فى حلبة العلى ... فَأَنت لَهَا دون الْبَريَّة صَاحب) (وجلت بحومات الوغى جول باسل ... فَردَّتْ على اعقابهن الْكَتَائِب) (فَلَا الدارعات المقتمات تكنها ... ملابسها لما تحق الْمضَارب) (وَلَا كَثْرَة الاعداء تغنى جموعها ... اذا لمعت مِنْك النُّجُوم الثواقب) (خض الحتف لَا تخش الردى واقهر العدى ... فَلَيْسَ سوى الاقدام فى الرأى صائب) (وشمر ذيول الحزم عَن سَاق عزمها ... فَمَا ازدحمت الا عَلَيْك الْمَرَاتِب) (اذا صدقت للناظرين دَلَائِل ... فدع عَنْك مَا تبدى الظنون الكواذب) (ببيض المواضى يدْرك الْمَرْء شأوه ... وبالسمران ضَاقَتْ تهون المصاعب) (لاسلافك الغر الْكِرَام قَوَاعِد ... على مثلهَا تبنى العلى والمناصب) (زكوت وحزت الْمجد فرعا ومحتدا ... فآباؤك الصَّيْد الْكِرَام الا طائب) (وَمن يزك أصلافى المعالى سمت بِهِ ... ذرى لمجد وانقادت اليه الرغائب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 (بَنو عمكم لما اضاءت مَشَارِق ... بكم أشرقت مِنْهُم علينا مغارب) (وَفِيكُمْ لنا بدر من الغرب طالع ... فَلَا غروان كَانَت لَدَيْهِ الْعَجَائِب) (هُوَ الْفَخر مد الله فى الارض ظله ... وَلَا زَالَ تجلى من سناه الغياهب) (الى حلب الشَّهْبَاء منى بِشَارَة ... تعطر حَتَّى تستطيب الجوانب) (اذا مَا مضى من بعد عشر ثَلَاثَة ... من الدّور فِيهَا تستتم المآرب) (لقد حدثت عَنْهَا أولو الْعلم مِثْلَمَا ... جرى وَانْقَضَت تِلْكَ السنوات الجوادب) (بدا سعدها لما على بدابها ... وَيَا طالما قد أنحست وَهُوَ غارب) (وَفَوْز على بالعلى فوز هابه ... فَكل الى كل مُضَاف مُنَاسِب) (كأنى بِسيف الدولة الْآن واردا ... اليها يلاقى مَا جنته الثعالب) (لقد جادها صوب الحيا بعد محلهَا ... وشرفها من أحكمته التجارب) (كريم اذا مَا أمحل الْغَيْث أمْطرت ... أياديه جودا مِنْهُ تصفو المشارب) (أديب اريب لَو تجسم لَفظه ... أَصَابَته عقدا للنحور الكواعب) (فيا أَيهَا الْمَنْصُور بِشِرَاك رُتْبَة ... بهَا السعد حَقًا وَالسُّرُور مواظب) (مدحتكم والمدح فِيكُم تِجَارَة ... بهَا تثمر النعمى وتغلوا المكاسب) (الى بَاب عليا كم شددت رواحلى ... وَيَا طالما شدت اليها الركائب) (بهَا الْفضل منشور بهَا الْجُود وافر ... بهَا فتح من سدت عَلَيْهِ الْمذَاهب) (وماذا عَسى أَن يبلغ الْوَصْف فِيكُم ... الى غَايَة هَل ينقص الْبَحْر شَارِب) (فَلَا زلتم فى اكمل السعد والهنا ... مدى الدَّهْر مَا مَالَتْ وَمَا سِتّ ذوائب) وَله غير ذَلِك وفضله اشهر من ان يذكر وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة المشرفة لثلاث عشرَة بَقينَ من ذى الْحجَّة الْحَرَام سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف وَابْنه السَّيِّد جمال الدّين تقدم فى حرف الْجِيم على بن أَحْمد بن حصن الْمَشْهُور بحشيش الولى الْمَشْهُور المصرى ذكره المناوى فى الطَّبَقَات وَقَالَ أَصله من هلبا سُوَيْد من نَاحيَة الحاجر من أَعمال بلبيس نَشأ على طَرِيق المطاوعة وَأخذ بالريف وَغَيره عَن جمع من الْمَشَايِخ مِنْهُم وَالِده وَالشَّيْخ أَبُو بكر بن قعُود وَمُحَمّد بن الْحصين والكاشف غنيم والحماقى ومجاع ومرجات وَعَلِيم المدفون بالحشيبة وعَلى الْجمل والفتى وَعمر السلمونى والخضيرى والبحيرى وَغَيرهم ثمَّ دخل مصر فَصَارَ يَبِيع الحمص المجوهر يَدُور بِهِ فى الاسواق ثمَّ جلس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 يَبِيعهُ بِالْقربِ من سوق تَحت الرّبع وَله أَحْوَال باهرة وكرامات ظَاهِرَة لكنه مَسْتُور عَن أَكثر النَّاس لَا يعْرفُونَ الا انه رجل مبارك وَمن كراماته انه اذا زار أحدا من الاولياء ظَهرت لَهُ روحانيته فتخاطبه وَقع لَهُ ذَلِك مَعَ الشافعى وَغَيره وانه مَشى فى الْهَوَاء وعَلى المَاء وَذكر أَنه رأى جبل قَاف أَرضًا تتحرك بِنَفسِهَا وانها تسمى الرجراج لَيْسَ بهَا سَاكن وانه اطلع على بَحر الظُّلُمَات وَبِه بلد لَا يبصر أَهلهَا الا فى الظلمَة وانه رأى ارْمِ ذَات الْعِمَاد وَاجْتمعَ بأصحاب الْكَهْف قَالَ ولابد لسالك الطَّرِيق من رُؤْيَتهمْ وَرَأى روح الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَاجْتمعَ بالخضر عَلَيْهِ السَّلَام فَوَجَدَهُ يظْهر فى صور مُخْتَلفَة وبالقطب فَوَجَدَهُ يلبس كل يَوْم لباسا لَونه غير لون الآخر وَلم يذكر وَفَاته وَقد رَأَيْتهَا بِخَط الاخ مصطفى بن فتح الله حرس الله وجوده من الطوارق وانها كَانَت بِمصْر فى سنة احدى بعد الالف وَدفن بسويقة الصباغين على بن أَحْمد الملقب عَلَاء الدّين الحموى الاصل الطرابلسى الحنفى الْمَعْرُوف بِابْن القبانى نزيل دمشق كَانَ فَقِيها نبيلا ورد الى دمشق فى صُحْبَة وَالِده وَسكن بمحلة قبر عَاتِكَة وَأَبوهُ هُوَ الْمَعْرُوف بالقبانى ثمَّ سكن الصالحية وَأخذ القراآت والعربية عَن شيخ الْقُرَّاء الشهَاب الطيبى والْحَدِيث عَن الْبَدْر الغزى والشرف يُونُس العيثاوى وتفقه بِالنَّجْمِ البهنسى خطيب دمشق وَكَانَ فَاضلا لطيف المحاورة ظريف النادرة وَله حسن صَوت وَقِرَاءَة جَيِّدَة وَولى امامة السليمية وخطابة جَامع يلبغا عَن الداودى وناب فى خطابة الْجَامِع الاموى عَن شَيْخه البهنسى قَدِيما وَعَن وَلَده الشَّيْخ يحيى حِين سَافر الى الرّوم وَكَانَ حسن الْخط لطيف التأدية وَله شعر متوسط لم أر فِيهِ مَا هُوَ من شَرط كتابى وَكَانَت وَفَاته بصالحية دمشق لَيْلَة الاربعاء ثامن عشر شهر ربيع الثانى سنة سبع بعد الالف وَقد تجَاوز السّبْعين وَحمل الى محلّة قبر عَاتِكَة فَدفن بمقبرة الدقاقين الامير على بن أَحْمد بن جانبولاذ بن قَاسم الكردى القصيرى قد أَكثر أهل التَّارِيخ والمجاميع مِمَّن لَحِقُوا واقعته من ذكره وَذكر مَا فعله بِدِمَشْق وَمَا جرى لحكام الشَّام وَأَهْلهَا مَعَه من الوقائع وَقد اخْتَرْت من ذَلِك مَا أودعته فى هَذِه الاوراق من مبدأ أمره الى منتهاه وأماذ كرّ أَصله ومنزعه فجده جانبولاذ هَذَا كَانَ يعرف بِابْن عربوا وَكَانَ أَمِير لِوَاء الاكراد بحلب ولى حُكُومَة المعرة وكلس وعزاز وَكَانَ لَهُ صيت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 شَائِع وهمة علية ومبدا الامير على هَذَا انه كَانَ فى طَلِيعَة عمره ولى حُكُومَة العزيزى وَقد تقدم فى تَرْجَمَة عَمه حُسَيْن باشا انه لما قَتله الْوَزير ابْن جغال لتراخيه فى أَمر السّفر الذى كَانَ عين لَهُ خرج الامير على عَن طَاعَة السلطنة وَجمع جمعا عَظِيما من السكبانية حَتَّى صَار عِنْده مِنْهُم مَا يزِيد على عشرَة آلَاف وَمنع المَال الْمُرَتّب عَلَيْهِ وَقتل وَنهب فى تِلْكَ الاطراف ودبر على قتل نَائِب حلب حُسَيْن باشا وَكَانَ ولاه السُّلْطَان نياتها وصل الى اذنة وَكَانَ باذنة حَاكم يعرف بجمشيد فَكتب اليه ابْن جانبولاذ أَن يصنع لَهُ ضِيَافَة ويقتله فَفعل ونما خَبره الى الاقطار وَاسْتمرّ فى حلب يظْهر الشقاق الى أَن أرسل الامير يُوسُف بن سَيْفا صَاحب عكار الى بَاب السلطنة رِسَالَة يطْلب فِيهَا أَن يكون أَمِيرا على عَسَاكِر الشَّام وَالْتزم بازالة الامير على عَن حلب فَجَاءَهُ الامر على مَا الْتزم وَأرْسل الى عَسْكَر دمشق وأمراء ضواحيها يطلبهم الى مُجْتَمع العساكر وَهُوَ مَدِينَة حماه فتجمعوا هُنَاكَ من كل نَاحيَة وَجَاء ابْن جانبولاذ الى حماه وتلاقيا وتصادما فَمَا هُوَ الا ان كَانَ اجْتِمَاعهم بِمِقْدَار نحر جزور فانكسر ابْن سَيْفا وَأَتْبَاعه وَرجع بأَرْبعَة أَنْفَار وَاسْتولى ابْن جانبولاذ على مخيمه ومخيم عَسْكَر الشَّام ثمَّ انه راسل الامير فَخر الدّين بن معن أَمِير الشّرف وبلاد صيدا وَأظْهر لَهُ انه قَرِيبه مَعَ بعد النِّسْبَة فَحَضَرَ اليه واجتمعا عِنْد منبع العاصى وتشاورا على أَن يقصدا طرابلس الشَّام لاجل الانتقام من ابْن سَيْفا فَسَار ابْن سَيْفا فى الْبَحْر وأخلى لَهُم طرابلس وعكار وَأرْسل اولاده وَعِيَاله الى دمشق وأجلس مَمْلُوكه يُوسُف فى قلعة طرابلس فتحصن بهَا وَبعث ابْن جانبولاذ الامير درويش بن حبيب بن جانبولاذ الى طرابلس فضبطها وَاسْتولى على غَالب أَمْوَال من وجد هُنَاكَ واستخرج دفائن كَثِيرَة لاهلها وَلم يسْتَطع أَن يملك قلعتها وَسَار الامير على وَمَعَهُ ابْن معن الى نَاحيَة الْبِقَاع العزيزي من نواحى دمشق وَمَرا على بعلبك وخربا مَا أمكن تخريبه مِنْهَا وَاسْتقر فى الْبِقَاع وأظهرا انهما يُريدَان مقاتلة عَسْكَر الشَّام وَلم تزل العساكر الشامية ترد الى دمشق حَتَّى اسْتَقر فى وادى دمشق الغربى مَا يزِيد على عشرَة آلَاف وتزاحف العسكران حَتَّى اسْتَقر ابْن جانبولاذ وَابْن معن فى نواحى العراد وزحف الْعَسْكَر الدمشقى الى مقابلتهما وَكَانَ ابْن سَيْفا وصل الى دمشق وَأظْهر التمارض وَلم يرحل مَعَ الْعَسْكَر الشامى واستمرت الرُّسُل مترددة بَين الْفَرِيقَيْنِ ليصطلحا فَلم يقدر لَهُم الِاصْطِلَاح وتزاحف الجيشان فَتوهم ابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 جانبولاذ من صدمة الْعَسْكَر الشامى فشرع فى تفخيذ أكَابِر الْعَسْكَر عَن الِاتِّفَاق وأوقع بَينهم ثمَّ انه أرسل الى طَائِفَة من أكابرهم فَوَرَدُوا عَلَيْهِ فى مخيمه لَيْلًا وألبسهم الْخلْع وتوافقوا مَعَه على انهم ينكسرون عِنْد الْمُقَابلَة وَكَانَ فى جَانب ابْن جانبولاذ ابْن معن وَابْن الشهَاب أَمِير وادى التيم وَيُونُس بن الحرفوش فطابت نفسهم لملاقاة الشاميين وتقابل الْفَرِيقَانِ فى يَوْم السبت من أواسط جُمَادَى الاخرة سنة خمس عشرَة بعد الالف وَلم يَقع قتال فاصل بَين الْفَرِيقَيْنِ ثمَّ فى صَبِيحَة نَهَار الاحد وقف الْعَسْكَر الشامى فى الْمُقَابلَة واقتتلا فَمَا مر مِقْدَار جلْسَة خطيب الا وَقد انفل الْعَسْكَر الشامى حَتَّى قَالَ ابْن جانبولاذ الْعَسْكَر الشامى مَا قاتلنا وانما قابلنا للسلام علينا فَلَمَّا ولى عَسْكَر دمشق زحف ابْن جانبولاذ حَتَّى نزل بقرية المزة وَكَانَ نُزُوله فى الْخيام وَأما ابْن معن فانه كَانَ ضَعِيف الْجَسَد فى هاتيك الايام وَكَانَ نُزُوله فى جَامع المزة وأصبحت أَبْوَاب الْبَلدة يَوْم الِاثْنَيْنِ مقفلة وَقد خرج مِنْهَا ابْن سَيْفا وجماعته لَيْلًا بعد ان اجْتمع بِهِ قاضى الْقُضَاة بِالشَّام الْمولى ابراهيم بن على الازنبقى وَحسن باشا الدفترى الْمُقدم ذكرهمَا وَلم يمكناه من الْخُرُوج حَتَّى دفع اليهما مائَة ألف قِرْش ليفتدوا بهَا الشَّام من ابْن جانبولاذ ثمَّ خرج وَمَعَهُ الامير مُوسَى ابْن الحرفوش وَلما بلغ الامير ابْن جانبولاذ خُرُوجه غضب وَقَالَ أهل دمشق لَو أَرَادوا السَّلامَة منى مَا مكنوا ابْن سَيْفا من الْخُرُوج وهم يعْرفُونَ اننى مَا وَردت بِلَادهمْ الا لاجله ونادى عِنْد ذَلِك بالسكبانية أَن يذهبوا مَعَ الدروز جمَاعَة ابْن معن لنهب دمشق فوردت السكبانية والدروز أَفْوَاجًا الى خَارج دمشق وشرعوا فى نهب المحلات الْخَارِجَة فَلَمَّا اشْتَدَّ الكرب وَالْحَرب على المحلات وتلاحم الْقِتَال خَافَ الْعُقَلَاء فى دمشق فَخرج جمَاعَة الى ابْن جانبولاذ وَقَالُوا لَهُ ان ابْن سَيْفا قد وضع لَك عِنْد قاضى الشَّام مائَة ألف قِرْش وتداركوا لَهُ خَمْسَة وَعشْرين ألف قِرْش أُخْرَى كَمَا وَقع عَلَيْهِ مَعَه الِاتِّفَاق من مَال بعض الايتام الَّتِى كَانَت على طَرِيق الامانة فى قلعة دمشق وَبعد ذَلِك أَدَّاهَا أَيْضا ابْن سَيْفا كالمائة ألف فَلَمَّا تكلم النَّاس فى الصُّلْح طلب ابْن جانبولاذ المَال الذى وَقع عَلَيْهِ الصُّلْح على يَد الدفترى وَقَالَ ان جاءنى المَال فى هَذَا الْوَقْت رحلت فحملوا لَهُ مائَة ألف قِرْش وَخَمْسَة وَعشْرين ونادى بالرحيل عَن المزة فى الْيَوْم الرَّابِع من نُزُوله وَاسْتمرّ النهب فى أَطْرَاف دمشق ثَلَاثَة أَيَّام مُتَوَالِيَة وَكَانُوا يَأْخُذُونَ الاموال والاولاد الذُّكُور وَلم يتَعَرَّضُوا للنِّسَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وَلما رَحل ابْن جانبولاذ ارْتَفع النهب عَن الْمَدِينَة وَفتحت أَبْوَاب الْمَدِينَة فى الْيَوْم الرَّابِع فازدحم النَّاس على الْخُرُوج أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا وَدخل اليها من نهبت أَسبَابه من المحلات الْخَارِجَة فَكَانُوا لَا يعْرفُونَ لتغير أسبابهم ووجوههم وابتدأت العساكر الهاربة تتراجع الى دمشق وَلم ينالوا بِمَا صدر مِنْهُم من الفضيحة وَلما فَارق ابْن جانبولاذ دمشق سَار على طَرِيق الْبِقَاع وَفَارق ابْن معن هُنَاكَ ورحل الى أَن وصل الى مُقَابلَة حصن الاكراد وَأقَام هُنَاكَ وَأرْسل الى ابْن سَيْفا يطْلب مِنْهُ الصُّلْح والمصاهرة فَأَجَابَهُ وَأَعْطَاهُ مَا يقرب من ثَلَاث كرات من القروش وزوجه ابْنَته وَتزَوج مِنْهُ أُخْته لِابْنِهِ الامير حُسَيْن ورحل ابْن جانبولاذ من هُنَاكَ إِلَى جَانب حلب وجاءته الرُّسُل من جَانب السلطنة تقج عَلَيْهِ مَا فعل بِالشَّام فَكَانَ تَارَة يُنكر فعلته وَتارَة يحِيل الامر على عَسْكَر الشَّام وَشرع يسد الطرقات وَيقتل من يعرف انه سَائِر الى طرف السلطنة لابلاغ مَا صدر مِنْهُ حَتَّى أَخَاف الْخلق وَنفذ حكمه من ادنه الى نواحى غَزَّة وَكَانَ ابْن سَيْفا ممتثلا لامره غير تَارِك مداراة السلطنة وَاتفقَ مَعَه على ان تكون حمص تَحت حكم ابْن سَيْفا وَكَانَت حماة وَمَا وَرَاءَهَا من الْجَانِب الشمالى الى ادنه فى تعلق ابْن جانبولاذ وانقطعت أَحْكَام السلطنة عَن الْبِلَاد الْمَذْكُورَة نَحْو سنتَيْن وَوَقعت الوحشة وانقطعت الطرقات الى أَن ولى الوزارة الْعُظْمَى مُرَاد باشا وَكَانَ سَافر فى ابْتِدَاء وزارته الى الرّوم وَأصْلح مَا بَين السُّلْطَان وَمَا بَين سلاطين المجر فَلَمَّا قدم عينه السُّلْطَان لدفع ابْن جانبولاذ وَبَقِيَّة الْخَوَارِج مثل العَبْد سعيد وَمُحَمّد الطَّوِيل الْخَارِج فى نواحى سيواس فَقدم الْوَزير الْمَذْكُور وَمَعَهُ من العساكر الرومية مَا يزِيد على ثلثمِائة ألف مَا بَين فَارس وراجل وَكَانَ كلما مر بِقوم السكبانية الخارجين يقتلهُمْ حَتَّى أَزَال السبكانية الخارجين وَلم يبْق سوى العَبْد سعيد والطويل مُحَمَّد فانهما حادا عَن طَرِيقه وَلم يسْتَطع لحاقهما وَوصل الى ادنه فخلصها من يَد جمشيد الخارجى وَلما انْفَصل عَن جسر المصيصة الى هَذَا الْجَانِب تَيَقّن ابْن جانبولاذ انه قاصده فَجمع جموعه المتفرقة فى الْبِلَاد حَتَّى اجْتمع عِنْده أَرْبَعُونَ ألفا وَخرج من حلب والوزير فى بِلَاد مرعش وَجزم بمقابلته وَكَانَ الْوَزير فى أثْنَاء ذَلِك يراسله بالكلمات الطّيبَة طَمَعا فى اصلاح أمره فَلم يَزْدَدْ الا عتوا وَلما تلاقى الْفَرِيقَانِ برز عَسْكَر ابْن جانبولاذ الى الْمُقَاتلَة يَوْمَيْنِ وَلم يظْهر لَاحَدَّ الفئتين غَلَبَة على الاخرى ففى الْيَوْم الثَّالِث التحم الْقِتَال حَتَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 كَاد أَن يكون عَسْكَر الْبُغَاة غَالِبا وَكَانَ من أَعَاجِيب الامر ان وزيرا يُقَال لَهُ حسن باشا الترياقى وَكَانَ من جملَة الْعَسْكَر السلطانى رتب عَسْكَر السُّلْطَان وَقَالَ قَاتلُوا الْبُغَاة الى وَقت الظّهْر فاذا حكم وَقت الظّهْر فافترقوا فرْقَتَيْن فرقة مِنْكُم تذْهب لجَانب الْيَمين وَأُخْرَى تذْهب لجِهَة الشمَال وَاجْعَلُوا عَرصَة الْقِتَال خَالِيَة للاعداء وحدهم وَقد أخْفى المدافع الْكَبِيرَة فى مُقَابلَة الْعَدو وملأها بالبارود فَلَمَّا افترق عَسْكَر السُّلْطَان ظن حزب ابْن جانبولاذ انهم كسروا فبالغوا فى اتِّبَاع عَسْكَر السُّلْطَان الى أَن كَادُوا يخالطونهم فَلَمَّا قربوا وخلت لَهُم عَرصَة الْقِتَال أطْلقُوا عَلَيْهِم المدافع ولحقوهم بِالسُّيُوفِ الى ان أزاحوهم عَن خيامهم وكسروهم كسرة شنيعة وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا وهرب ابْن جانبولاذ الى حلب وَلم يقربهَا الا لَيْلَة وَاحِدَة فَوضع أَهله وَعِيَاله وذخائره فى قلعتها وَخرج مِنْهَا الى أَن أَلْجَأَهُ الْهَرَب الى ملطيه وبقى الْوَزير يتبع أعوان ابْن جانبولاذ فأبادهم قتلا بِالسَّيْفِ وَجَاء الى حلب بالجنود فَرَأى قلعتها فى أيدى بعض أعوان الْبُغَاة فرام محاصرتها فتحقق من فِيهَا ان كل مَحْصُور مَأْخُوذ فطلبوا الامان من الْوَزير فأنزلهم بأمانه وَكَانُوا نَحْو ألف رجل وَكَانَ مَعَهم نسَاء ابْن جانبولاذ وَكَانَ أكَابِر الْجَمَاعَة أَرْبَعَة من رُؤْس السكبانية فَلَمَّا نزلُوا بَادرُوا الى تَقْبِيل ذيل الْوَزير فَأَشَارَ الى النِّسَاء بالكن فى مَكَان مَعْلُوم وَفرق الرِّجَال على أَرْبَاب المناصب وطلع الى القلعة وَرَأى مَا بهَا من أَمْوَال ابْن جانبولاذ وتحفه العزيزة فضبط ذَلِك كُله لبيت المَال ثمَّ شرع يتجسس فى حلب على الاشقياء واتباعهم فَقتل جملَة من الِاتِّبَاع وهجم الشتَاء فَفرق العساكر فى الاطراف وشتى هُوَ فى حلب وَأما ابْن جانبولاذ فانه خرج من ملطيه وَسَار الى الطَّوِيل العاصى فَلَا بِلَاد انا طولى وأرد أَن يتحد مَعَه فَأرْسل اليه الطَّوِيل يَقُول لَهُ أَنْت بالغت فى الْعِصْيَان وَأَنا وان كنت مُسَمّى باسم عَاص لكنى مَا وصلت فى الْعِصْيَان الى رتبتك فَرَحل عَنهُ بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَسَار الى العاصى الْمَعْرُوف بقرًا سعيد وَمَعَهُ ابْن قلندر وَلما وصل الى جمعية هَؤُلَاءِ العصاة تلقوهُ وعظموه وحسنوا فعلته مَعَ العساكر السُّلْطَانِيَّة وَأَرَادُوا أَن يَجْعَلُوهُ عَلَيْهِم رَئِيسا فَشرط عَلَيْهِم شُرُوطًا فَمَا قبلوها فاطمأن تِلْكَ اللَّيْلَة الى أَن هجم اللَّيْل وَأخذ عَمه حيدر وَابْن عَمه مصطفى وَابْن عَمه مُحَمَّدًا وَخرج وَلم يزل سائرا حَتَّى دخل بروسة مَعَ اللَّيْل وَتوجه الى حاكمها وَأخْبرهُ بِنَفسِهِ فتحير مِنْهُ وَلما تحقق ذَلِك قَالَ لَهُ مَا سَبَب وقوعك فَقَالَ ضجرت من الْعِصْيَان وَهَا أَنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 ذَاهِب الى الْملك فأرسلنى اليه فى الْبَحْر فَأرْسلهُ من طَرِيق الْبَحْر فَلَمَّا دخل دَار السلطنة أعلم بِهِ السُّلْطَان فَقَالَ أحضروه فَلَمَّا حضر اليه قَالَ لَهُ مَا سَبَب عصيانك فَقَالَ لَهُ مَا أَنا عَاص وانما اجْتمعت على فرق الاشقياء وَمَا خلصت مِنْهُم الابان ألقيتهم فى فَم جنودك وفررت اليك فرار المذنبين فان عَفَوْت فَأَنت لذَلِك أهل وان أخذت فحكمك الاقوى فَعَفَا عَنهُ وَأَعْطَاهُ حُكُومَة طمشوار فى دَاخل بِلَاد الرّوم وَنَجَا بذلك وَلم يزل على حكومتها الى أَن عرض لَهُ أَمر أوجب قِتَاله لرعايا تِلْكَ الديار وَلزِمَ انه انحصر فى بعض القلاع فى بِلَاد الرّوم فَعرض أمره الى بَاب السلطنة الاحمدية فبرز الامر بقتْله وَعدم اخراجه من تِلْكَ القلعة فَقتل وَأرْسل رَأسه الى بَاب السلطنة وَكَانَ ذَلِك فى حُدُود الْعشْرين وَألف وَالله أعلم على باشا بن أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بكوزلجه هُوَ وَمن بَلْدَة استانكوى وجده لامه قيا باشا فَهُوَ سيد صَحِيح النّسَب قَالَ ابْن نوعى فى تَرْجَمته كَانَ أَبوهُ أَمِير الامراء بتونس من بِلَاد الغرب فَلَمَّا خرج بِتِلْكَ الدائرة الخارجى الْمَعْرُوف بِيَحْيَى وَادّعى أَنه مهدى الزَّمَان حاربه أَحْمد باشا فَقتل أَحْمد باشا فى تِلْكَ الْوَقْعَة بعد حروب كَثِيرَة وَكَانَ ذَلِك فى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ سنّ على باشا اذ ذَاك تسع سِنِين فَبعد مُدَّة من قتل أَبِيه تسلط بعض عبيدهم على يحيى وَوجد فرْصَة فَقتله ثمَّ قدم على باشا الرّوم فولى حُكُومَة دمياط فضبطها خَمْسَة عشر سنة ثمَّ قدم الى طرف الدولة وَكَانَ السُّلْطَان أَحْمد عَازِمًا على التَّوَجُّه الى بروسه فَأَخذه فى سفينته الْمعينَة لَهُ وَذَلِكَ فى سنة أَربع عشرَة وَألف وفى تِلْكَ الاثناء أعْطى ولَايَة الْيمن فَلم يقبلهَا ثمَّ عرضت عَلَيْهِ حُكُومَة مانجوسة قبرس فَلم يقبلهَا أَيْضا ثمَّ أعْطى ولَايَة تونس فتصرف بهَا سنتَيْن وَعمر بهَا جَامعا ثمَّ أعْطى حُكُومَة موره وَبعد ثَلَاث سِنِين نقل الى حُكُومَة قبرس ثمَّ أعْطى تونس برتبة الوزارة ثمَّ صَار حَاكم الْبَحْر فى الْمحرم سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وانفق لَهُ فى سفرته الثَّالِثَة انه أَخذ سِتَّة غلايين من غلايين الْكفَّار وَجَاء بهَا الى دَار الْخلَافَة وأتى بغنائم كَثِيرَة لَا تعد وَلَا تحصى وَأهْدى الى السُّلْطَان هَدِيَّة لَا يُمكن وصفهَا فَكَانَت جائزته من السُّلْطَان مصطفى أَن ميزه على سَائِر الوزراء بزنجير ذهب يَضَعهُ لجواده اذا ركب ثمَّ صَار صدر الوزراء فى الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَألف وَأثر آثارا حَسَنَة مِنْهَا جَامع فى جَزِيرَة ساقز وَآخر فى ينكى كوى قرب حِصَار روم ايلى من ضواحى قسطنطينية وسَاق المَاء لزاوية عمرها للشَّيْخ أَمِير بقصبة قَاسم باشا قبالة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 قسطنطينية وَكَانَت وَفَاته فى خَامِس عشر شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بيشكطاش فى تربة مَخْصُوصَة وَكَانَ عمره لما مَاتَ احدى وَأَرْبَعين سنة رَحمَه الله تَعَالَى على بن أَحْمد أَبُو الْحسن الفاسى الشهير بالشامى نِسْبَة الى الشَّام لَان جده قدم من الشَّام الى فاس فشهر بنوه بِالنِّسْبَةِ الى الشَّام أديب لَهُ فى الادب مَذْهَب طرازه بِحسن البلاغة مَذْهَب وشعره ألطف من دلّ الحبيب وأسحر من مقلة الشادن الربيب يتَصَرَّف فِيهِ وَلَا يتَكَلَّف ويتقدم بِهِ وَلَا يتَخَلَّف وَهُوَ اذا تغزل أهْدى نفحات نجد واذا تشوق أورى لفحات شوق وَوجد على ان عَلَيْهِ من الجزالة ديباجة تفوق عبقرى الوشى وديباجه لَا يشينه من الْكَلَام حوشيه وَلَا يلم بِسَاحَة أنسه وحشية فَمن تفثات قلمه السحار ونسمات كَلمه الفائقة نسائم الاسحار قَوْله مُخَاطبا للشَّيْخ أَحْمد المقرى بمحروسة فاس عَام سبع وَعشْرين وَألف وَأَشَارَ فِيهَا الى كِتَابه أزهار الرياض (دعوا شفة المشتاق من سقمها تشفى ... وترشف من آثَار ترب الْهدى رشفا) (وتلثم تمثالا لنعل كَرِيمَة ... بهَا الدَّهْر يستسقى الْغَمَام ويستشفى) (وَلَا تصرفوها عَن هَواهَا وسؤلها ... بعد لكم فالعدل يمْنَعهَا الصرفا) (وَلَا تعتبوها فالعتاب يزيدها ... هياما ويسقيها مدام الْهوى صرفا) (جفتها بكتم الدمع بخلا جفونها ... فَمن لامها فى للثم فَهُوَ لَهَا أجفى) (لَئِن حجبت بالبعد عَنْهُم فَهَذِهِ ... مكارمهم لم تبْق سترا وَلَا سحفا) (وان كَانَ ذَاك الْخيف ملفى وصالهم ... فها نفحة الافضال قربت الملفى) (فحركت الاشواق منا لروضة ... أَبَاحَ لنا الاسعاد من زهرها قطفا) (زَمَانا بِهِ موصولنا نَالَ عَائِدًا ... واكد نَحْو الْوَصْل من نحوهم عطفا) (تولى كَمثل الطيف اذ زار فى الْكرَى ... والا كَمثل الْبَرْق اذ سارع الخطفا) مِنْهَا (كَانَا وَمَا كُنَّا نجوب منازلا ... يود بهَا المشتاق لَو وَافق الحتفا) (وَلم تبصر الابصار مِنْهَا محاسنا ... وَلم تسمع الآدان من ذكرهَا هتفا) (كَذَاك الليالى لم تحل عَن طباعها ... مَتى واصلت يَوْمًا تصل قطعهَا ألفا) (فَلَا عَيْش لى أرجوه من بعد بعدهمْ ... وهيهات يَرْجُو الْعَيْش من فَارق الالفا) مِنْهَا (أيا من نأت عَنهُ ديار أحبة ... فَمن بعدهمْ مثلى على الهلك قد أشفى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 (لَئِن فاتنا وصل بمنزل خيفهم ... فَمَا نفحة من عيشهم للحشا أشفى) (وهاتيك أزهار الرياض تنفست ... بِأَنْفَاسِهِمْ فاستشفين بهَا تشفى) (وَقل للالى هاموا اشتياقا ببانهم ... هلموا الْعرف البان نستنشق العرفا) (فصفحة هَذَا الطرس أبدت نعَالهمْ ... وَصَارَت لَهَا ظرفا فيا حسنه ظرفا) (تَعَالَوْا نغالى فى مديح علائها ... فَرب غلو لم يعب ربه عرفا) (وَللَّه قوم فى هَواهَا تنافسوا ... وَقد غرفوا من بَحر أمداحها غرفا) (وانا وان كُنَّا على الْكل لم نطق ... نحاول بعض الْبَعْض من بعض مَا يلفى) (لَئِن قبلوا ألفا نزد نَحن بعدهمْ ... على الْألف مَا يسْتَغْرق الْعَدو والالفا) (وان وصفوا واستغرقوا الْوَصْف حَسبنَا ... نجيل بروض الْحسن من وَصفهم طرفا) (ونقبس من آثَارهم قدر وسعنا ... ونركض فى مضمار آثَارهم طرفا) وَمن مديحها فى النبى (أناديك يَا خير الْبَريَّة كلهَا ... نِدَاء عبيد يرتجى الْعَطف واللطفا) (وانى محق فى هوى حبك الذى ... يفك جيوش الْهم ان أَقبلت زحفا) (وَمَا أَنا فِيهِ بالذى قَالَ هازلا ... أليلتنا اذ أرْسلت واردا وجفا) أَشَارَ بِهَذَا الْبَيْت الى قصيدة ابْن هانى الاندلسى الَّتِى أَولهَا (أليلتنا اذ أرْسلت وَارِد وجفا ... ) وَكَانَت وَفَاته بفاس بعد الثَّلَاثِينَ وَألف القاضى على بن أَحْمد بن ابراهيم بن أَبى الرِّجَال قَالَ القاضى الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال فى تَرْجَمته كَانَ فَقِيها عَالما بالفروع الْفِقْهِيَّة حقق فِيهَا وبرز وَيُقَال انه حفظ شرح الازهار غيبا وَكُنَّا نَسْمَعهُ عَلَيْهِ وَمِمَّا شاع فى ألسن الْفُقَهَاء انه لَوْلَا الْجِهَاد لَكَانَ القاضى على بن أَحْمد بِمَنْزِلَة الْفَقِيه على بن يحيى الوشلى صَاحب الزهرة وَلَقَد تعجب مِنْهُ كثير من الْمُحَقِّقين فى مسَائِل وتحصيلات أملاها فى الغصوب وَالرَّهْن وَمَعَ ذَلِك فقد أَقرَأ فى الْفُنُون الاخرى قَرَأَ مستصفى الامام الغزالى فى الاصول على السَّيِّد الْعَلامَة على بن صَلَاح العيالى وهما فى صف الْحَرْب كَانَ اذا سكن عَنْهُم الْعَدو وقرأوا واذا كرّ عَلَيْهِم الْعَدو وَأَقْبلُوا عَلَيْهِ وَلما أَمر الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم السَّيِّد على بن ابراهيم الحيدانى الماضى ذكره بِولَايَة بِلَاد حاشد وبكيل أَمر القاضى أَن يقْرَأ عَلَيْهِ الْبَحْر فَكَانَت من أعجب القراآت كَانُوا يلبثُونَ فى الْبَحْث من عقيب صَلَاة الْفجْر الى ظهيرة النَّهَار وَاتفقَ انه وَفد الى حَضْرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 الامام الى شَهَادَة بعض الْعلمَاء الْكِبَار من أهل الشَّام فَأعْطَاهُ الامام مَا يسْتَحقّهُ من التَّعْظِيم لقُوَّة حرص الامام على انزال النَّاس مَنَازِلهمْ وبادر بارسال السَّيِّد الْعَلامَة صَلَاح بن عبد الْخَالِق الحجاف وَصَاحب التَّرْجَمَة الى ذَلِك الْعَالم ليعرفوا فضيلته فوجدوه لما يسْتَقرّ وخدمه فى أثْنَاء التَّنْظِيف للمحل فحيوه ثمَّ رحبوا بِهِ وتعرفا لَهُ قَالَ القاضى لذَلِك الرجل هَذَا السَّيِّد صَلَاح من كبار الْعلمَاء وَنسب الامام وَنَحْو هَذَا ثمَّ قَالَ السَّيِّد وَهَذَا القاضى على قاضى الامام أحد الْعلمَاء الاحلاء وَوصف بِمَا ينبغى فَأجَاب انكما لستما مِمَّن يعرف الادب وَلَا يسْتَحق هَذِه الصِّفَات كَيفَ تكون منزلتكما هَذِه الْمنزلَة وتفدان على وَأَنا مدهوش لم أستقر فى رحلى وَلَا تتمّ لى مجاراتكم بالانس فاستحيا اليه ثمَّ عزم القاضى الى ذيبين وَأخذُوا فى قِرَاءَة الْبَحْر هَذِه الْمَذْكُورَة وَفِيهِمْ الْبَقِيَّة من شيعَة الطَّاهِر يَوْمئِذٍ كالقاضى الْعَلامَة مُحَمَّد بن صَالح بن حَنش والقاضى الْحسن بن مُحَمَّد ابْن سَلَامه وَغَيرهم فوفد الى الْمَسْجِد الْجَامِع وهم يَخُوضُونَ بحار التَّحْقِيق ويأتى كل مِنْهُم بالاشكال ويحله الآخر وَذَلِكَ الْعَالم يتفكر فيهم فَلَمَّا أَتموا الْقِرَاءَة انزله السَّيِّد منزلا يَلِيق بِهِ فانه عَظِيم الشَّأْن وآنسه القاضى لسابق تِلْكَ الْمعرفَة فَقَالَ ذَلِك الْعَالم يَا قاضى أَنْتُم معاشر اليمانيين لَا تَنْزِلُونَ الْعلم مَنْزِلَته فَقَالَ لَهُ مَا استنكرت من طريقتنا قَالَ رَأَيْت الْيَوْم مجلسكم للْقِرَاءَة فَرَأَيْت مَا لم أره من الِاطِّلَاع على الْفِقْه وَالتَّحْقِيق بِحَيْثُ ان كل انسان من الْحَاضِرين لَو برز باقليم لعلا صيته وَقل نَظِيره وَمَعَ هَذَا فَأنْتم لَا تعتمون الا بعمائم سود وَلَا تلبسُونَ الْجيد من الثِّيَاب فَلم يُبدلهُ القاضى حَقِيقَة الْعذر فى ذَلِك وَكَانَ الْمُقْتَضى لمرور هَذَا الْعَالم ذيبين ان السودة كَانَت يَوْمئِذٍ فى ايدى الاتراك وَصَنْعَاء فَمر ذيبين مجتازا الى صنعاء وَكَانَ عِنْده من ضريبة الامام دَرَاهِم جعلهَا فى ذيبين سبائك وَكَانَت قِرَاءَة صَاحب التَّرْجَمَة على عبد الْقَادِر التهامى البيهى رَحل اليه الى عَاشر وَقَرَأَ على السكامدى الْكَبِير يذمار وَأحسن السكامدى رعايته وَحين أَرَادَ الِانْصِرَاف خرج وَلَده الْعَلامَة الشَّهِيد لتجهيز القاضى وَأَعْطَاهُ زاداً ثمَّ قَرَأَ على الْعَلامَة على بن قَاسم السخانى وَمن جملَة مَا قَرَأَهُ مقامات الحريرى وفى بالى انه قَرَأَ مِفْتَاح السكاكى عَن أَمر شَيْخه السخانى على بعض الآفاقيين وَلم يكن لَهُ فى الْعَرَبيَّة ذوق وَقد كَانَ اشْتغل بشرح الازهار بلغ فِيهِ الى التتميم حَتَّى مر عَلَيْهِ السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الشرفى الى السرات من بِلَاد الصَّيْد فَأعلمهُ بعنايته بشرح مَعَ كَمَال اهلية السَّيِّد فَأَضْرب عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 ذَلِك وَكَانَت لَهُ عدَّة كَبِيرَة من الْكتب من خزانَة السّلف وَكَانَت لَهُ همة فى الْجِهَاد وشجاعة مَعَ قُوَّة فى بدنه وَهُوَ أول من سارع الى الْجِهَاد قبل ابْن عَمه القاضى الشَّهِيد الهادى بن عبد الله فانه نَهَضَ فى سنة سِتّ وهى سنة الدعْوَة بحارف واعيان قبائل يلبل نَحْو ألف رجل وَدخل هزم وانصاف اليه الاعيان لَا على جِهَة الِاسْتِقْلَال مِنْهُم بل على جِهَة الْعَادة كالسيد الا غضب من حوث استدرجه القاضى حَتَّى ادخله هزم واما الْحَاج أَحْمد بن عوض فوصل مغيرا من نهم ووقف خَارج الْبِلَاد على رَأس الاكمة المشرفة على الْقرْيَة وَغير هَؤُلَاءِ من الرؤساء وَكَانَت الحروب الْمَشْهُورَة نَحْو أَرْبَعَة اشهر والقاضى أَبُو عذرها وَاتفقَ فى هَذِه النهضة قَضِيَّة تعد فى كرامات الامام الشَّهِيد أَحْمد بن الْحُسَيْن وَذَلِكَ ان القاضى وصل الى ناعط من بِلَاد حاشد وخطاط النَّاس ففقدوا رجلا يُسمى الهامى من أهل ظفار وَكَانَ لَهُ خَبِير يعرف بحوال فَبَحَثُوا عَنهُ فَلم يجدو لَهُ أثر فاتفق عِنْد مجئ النَّاس من الخطاط أَن بعض النَّاس سمع صَوتا فى شعب فَبَحَثُوا عَنهُ فَلم يَجدوا لَهُ أثرا فَأخْبر القاضى بقضيته وَهُوَ انه خرج من مَسْجِد ناعط فأحس بِحَال غير مُعْتَادَة فَلم يفقد نَفسه الا فى عَالم آخر وَفِيهِمْ رَئِيس كَبِير بَين يَدَيْهِ خلق قيام فاشتكى رجل من اولئك ان هَذَا التهامى رجمه فَأنْكر التهامى فَقَالَ لَهُ بلَى أَنْت رجمت خَشَبَة حطت فى القنة بِالْقَافِ وَالنُّون وَهُوَ جبل هُنَالك وعندك من عبيد المشهد فلَان بن فلَان قَالَ التهامى نعم هَذَا اتّفق لكنى غير عَارِف بمحلك فَقَالَ ذَلِك الرئيس يَا معاشر الْجِنّ نزهوا أَنفسكُم هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِين لَا يرونكم ثمَّ الْتفت الى التهامى فَقَالَ من أَيْن أَنْت فَقَالَ مسكنى ذيبين والاصل من ظفار الا انى مُقيم بمشهد الامام قَالَ فلاى شئ وصلت الى ناعط قَالَ صُحْبَة القاضى على بن أَحْمد مغيرين على الامام فَقَالَ ذَلِك الرجل الْكَبِير قد التزمت بِمَا لزم هَذَا من الارش رِعَايَة لحق الامام الشَّهِيد أَحْمد بن الْحُسَيْن وأبلغ عَنى القاضى عليا السَّلَام الْكثير وَهَذِه قَضِيَّة مَشْهُورَة تناقلها الْفُقَهَاء وَسمعتهَا عَن غير وَاحِد من الْفُضَلَاء مِنْهُم من شهد الْمقَام وَالله أعلم وللقاضى فى مقامات الْجِهَاد مساع مَشْهُورَة تولى بِلَاد حاشد وبلبل وَتَوَلَّى بِلَاد خولان الطبال وافتتح حصن جبل اللوز وغنم مِنْهُ غنيمَة وَكَانَ الْعَلامَة السَّيِّد أَحْمد بن على الشامى شَرِيكه فى حِصَار الْحصن غير ان أَصْحَاب القاضى بَنو جُبَير وَأَصْحَاب السَّيِّد غَيرهم فَكَانَت الْيَد للقاضى وَكَانَ الامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد يفضله فى الشجَاعَة على غَيره بل نقل السَّيِّد عبد الله بن عَامر بن على انه سمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 الامام يحْكى ان القاضى اشجع من رَآهُ الامام وَحكى لَهُ قصَّة وَاجْتمعت بالقاضى فى منزل السَّيِّد عبد الله بن عَامر بالجراف من مخارف صنعاء فَسَأَلَهُ السَّيِّد عَن الْقَضِيَّة فأخبروه وَأَنا اسْمَع قَالَ تَوَجَّهت العساكر من جِهَة التّرْك على السَّيِّد الْمُجَاهِد مُحَمَّد بن عَامر الى مَحل بِجِهَة وَادعَة سَمَّاهُ فاتنى اسْمه فَأَغَارَ الامام وأغرنا مَعَه فَوَجَدنَا فى الطَّرِيق قضبة معمورة على رَأسهَا كالصفيف قد دَخلهَا نَحْو سَبْعَة نفر رُمَاة الذى فى ذهنى من الرِّوَايَة انهم سَبْعَة وَذكر سيدنَا المتَوَكل على الله اسماعيل ان القاضى ذكر انهما رجلَانِ فَقَط لكنهما قد قتلا نَحْو سَبْعَة نفر فَلَعَلَّ الذى فى ذهنى ذكر السَّبْعَة فمنعوا جَيش الامام من الْغَارة فتخوف الامام على السَّيِّد مُحَمَّد بن عَامر الاستئصال فَقَالَ من يحب الله وَرَسُوله حمل على هَؤُلَاءِ فَسمع القاضى وأعلنها فى النَّاس لَعَلَّ رَاغِبًا يرغب فَلم ينْهض أحد فَوضع شملة سَوْدَاء على عمَامَته وَحمل متفردا وَلحق رجل من ظفار فَرَمَوْهُ من القصبة فسلمه الله تَعَالَى ثمَّ نفذ الى تَحت القصبة وَقَالَ لصَاحب ظفار أعطنى ظهرك اصْعَدْ عَلَيْهِ فارتقى على ظَهره وَوضع على عمَامَته تَحت الصفيف ونطحه حَتَّى انتثر الْبناء وَهُوَ من الْبناء الْمَعْرُوف بِجِهَة الْبَادِيَة فالقى الله الرعب فى قُلُوب اولئك فَانْهَزَمُوا مِنْهُ وثب الى دَاخل القصبة ثمَّ دَعَا بأصحاب الامام فَأَقْبَلُوا وظفروا بِبَعْض أُولَئِكَ وَقتل بَعضهم صبرا بَين يدى الامام الْقَاسِم وَاتفقَ لَهُ ان بعض المفسدين عاث فى الْحجَّاج وأذاهم وَنهب من نهب فتجرد لَهُ القاضى وارتبطه ارتباطا وفى آخر أمره تولى الْقَضَاء بِجِهَة وصاب بعد ان شهد الْمشَاهد الامامية جَمِيعهَا وَتوفى بالدن وقبر بالروضة هُنَالك فى شهر ربيع سنة احدى وَخمسين وَألف ورثاه المقرى الْفَاضِل صَلَاح بن مُحَمَّد السودى الصعدى بقصيدة مطْلعهَا (هُوَ الدَّهْر مَا كافاه ملجا وَلَا كَهْف ... اذا لم تطق منعا وَقد وَقع الصّرْف) (ألم بِهِ عِنْد الملمات واحتسب ... بِهِ لَامة من دونهَا الْبيض والزعف) (أخى ألق اعباء الاسى لَا مجهلا ... وَخذ فى الاسى نهجا فمثلك لَا يهفو) (فَمَا جزع يغنى فتيلا لجازع ... وَلَا عبرى تجدى وَلَو جادها الوكف) (واما الْفَتى الماضى لوجه سَبيله ... فَمَا رزؤه فى الدّين الا البلا الصّرْف) (لَئِن غَابَ نور الدّين وانهد طوده ... فَهَذَا الخسوف الْحق عمرك والخسف) (وَمَا الْمَوْت الا للاكارم وَاصل ... وَلكنه عَن وصل غَيرهم يجفو) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 (فَللَّه مَا أحلى الثرى من صِفَاته ... صِفَات علا فَوق الثريا لَهَا وصف) (فَتى قد نمته من عدى غطارف ... ضراغم غلابون شم الذرى أنف) (مفاخرهم كَالشَّمْسِ نورا ورفعة ... وَفِيهِمْ بِحسن الذّكر أَنْعَمت الصُّحُف) (فَتى ان دجا فى الْعلم وَالْمحل مُشكل ... فَمن عِنْده فى الْحَالَتَيْنِ لَهَا كشف) (فينحل مَعْقُود ويرتاح منكد ... وينهل مطرود ومنهله يصفو) مِنْهَا (ويبكى لَهُ الملهوف للْعلم والندى ... يحِق لَهُ فِيهَا التأسف واللهف) (وتبكيه بيض الْهِنْد والسند وَالثَّرَى ... ويرتاح مِنْهُ الطّرف ان سخن الطّرف) (وَمَا الْمَوْت الاكل حى يذوقه ... وَآخر هَذَا الحى أَوله يعْفُو) (لَئِن شيب الابكار عظم مصابه ... فَفِيهِ جَمِيع الْوَصْف بِالْحَقِّ ملتف) (عَلَيْهِ سَلام الله مَا فَاه عَارِف ... بأوصافه الْحسنى وفاح لَهَا عرف) على بن أَحْمد المدنى الحشيبرى الشافعى كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب والاحاديث النَّبَوِيَّة مَعَ التفاسير يملى من حفظه على الدرسة بِنَقْل صَحِيح غير متكلف وَكَانَ على جَانب عَظِيم من الْوَرع فى الْفَتْوَى وَغَيرهَا وفى التدريس أَخذ عَنهُ كثير مِنْهُم السَّيِّد الطَّاهِر بن الْبَحْر وَولده مُحَمَّد وَكَانَت وَفَاته فى سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَخمسين وَألف بِبَيْت الْفَقِيه الايمن وَدفن عِنْد اجداده وَللسَّيِّد مُحَمَّد بن الظَّاهِر فِيهِ مرثيات عديدة مِنْهَا قَوْله (أخلاى ضَاعَ الدّين من بعد شَيخنَا ... امام الْهدى شمس المعالى ابْن أَحْمد) (أَفَاضَ على الطلاب من فيض علمه ... وأوسعهم من بحره المتزيد) (أَمَام صبور صَادِق متورع ... أحَاط بِعلم الشَّافِعِي مُحَمَّد) (وحقق منهاج النواوى محققا ... وارشادنا الْمَشْهُور فى كل مشْهد) وهى طَوِيلَة فَبِهَذَا الْقدر مِنْهَا كِفَايَة على بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن بجع البعلى الاصل الدمشقى الشافعى الاديب البارع كَانَ حسن الْمعرفَة بفنون كَثِيرَة كثير الِاشْتِغَال والمثابرة حسن العقيدة جيد المحاضرة قَرَأَ بِدِمَشْق على جمَاعَة ورحل الى الرملة وَأخذ عَن شيخ الْحَنَفِيَّة الْخَيْر الرملى وَحج وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَن الامام الْكَبِير الْحجَّة الصفى أَحْمد القشاشى وَعَن المنلا ابراهيم بن حسن الكورانى ثمَّ رَحل الى مصر فى سنة أَربع وَسبعين وَألف وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ عبد السَّلَام اللقانى وَغَيره كَانَ شَدِيد الاعتناء بِجمع الْفَوَائِد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 ووقفت لَهُ على مَجْمُوع بِخَطِّهِ فِيهِ كل ذخيرة من نفائس الادب ومحاسنه وَرَأَيْت فِيهِ من آثاره هَذَا الْجَواب عَن اللغز الْمَشْهُور وَهُوَ (يَا أَيهَا الْمولى الذى ... علم الْعرُوض بِهِ امتزج) (بَين لنا دَائِرَة ... فِيهَا بسيط وهزج) قَالَ سألنى عَنهُ بعض الاخوان فأجبته بديها أَن المُرَاد بالدائرة الدولاب وَأَرَادَ بالبسيط فِيهَا المَاء وَأَرَادَ بالهزج صَوت الدولاب فَيكون الْمَعْنى بَين لنا دَائِرَة جمعت بَين الْبَسِيط والهزج لَا الْمَذْكُورين فى علم الْعرُوض وان ساعده قَوْله علم الْعرُوض بِهِ امتزج لما بَينهمَا من الْبعد اذ الْبَسِيط ثمانى الاجزاء والهزج سداسيها وهما لَا يَجْتَمِعَانِ قلت وَالْمَعْرُوف ان بعض الْعلمَاء سُئِلَ عَن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ففكر سَاعَة ثمَّ أجَاب فَقَالَ لَهُ السَّائِل اجبت الْجَواب الْحق وَلَكِن درت فى الدولاب كثيرا وقرأت بِخَطِّهِ قَالَ كَانَ عندى مَجْمُوع عَارِية للعلامة الشَّيْخ حسن الصفدى العيلبونى طلبه فأرسلته اليه وكتبت مَعَه (جَاءَت من الْمولى الاجل بطاقة ... ترجو مرا مَا لَيْسَ بالممنوع) (فالقلب عنْدك رهن ود صَادِق ... والآن قد أرْسلت بالمجموع) قَالَ فَكتب الى (أرْسلت مجموعى وَقد امسكت مَا ... هُوَ قلبى الذ كَانَ بَين ضلوعى) (فَبَكَيْت من شوقى اليه مدامعا ... حمرا وَلَيْسَت غير صرف نجيع) (فجرت على هذى البطاقة احرفا ... مجموعها يومى بسلب جميعى) فَكتبت اليه (لَا تبك عَيْنك واتئد فلربما ... أودعته وَالله غير مضيع) (وَارْحَمْ اسير هوى طليق مدامع ... لم يقْض فى شرع الْهوى بِرُجُوع) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَتوفى نَهَار السبت ثانى عشر الْمحرم سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس القاضى على بن اسماعيل صدر الدّين بن الْعَلامَة ابراهيم بن مُحَمَّد بن عربشاه الشهير بعصام الدّين الاسفراينى الشافعى المكى المشتهر بالعصامى ذكره الشهَاب فى كِتَابيه وَقَالَ فى وَصفه وَهَذَا الْحَفِيد عقد المناقب بِهِ نضيد لم يفتخر بآبائه وَلم يبتهج بنضارة أَصله وَلَا مائَة لما اعْتصمَ بِعُرْوَة الْفضل الوثقى وَصعد الى ربوة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 الْمجد وترقى وَقَالَ أَنا عصامى لَا عظامى وان كنت لذمام مآثرى حامى فالف وصنف وَنَوع قرى الاسماع وأتحف وَأفَاد الطلاب وَحل باسنان قلمه عقد المشكلات الصعاب قَالَ وَذكر مرّة قَول الرئيس ابْن سينا فى بعض كتبه حَدِيث ان الْحِكْمَة لتنزل من السَّمَاء فَلَا تدخل قلبا فِيهِ هم الْغَد فَقلت لَهُ انه لم يسْندهُ وَهُوَ بِكَلَام النُّبُوَّة اشبه وَقد نظمته فى قولى (من ترك الدُّنْيَا يسد أَهلهَا ... ويقتطف زهرتها بِالْيَدِ) (لَا تسكن التَّقْوَى وَلَا حِكْمَة ... تنزل قلبا فِيهِ هم الْغَد) وللامام الشافعى قريب مِنْهُ (كم ضَاحِك والمنايا فَوق هامته ... لَو كَانَ يعلم غيبا مَاتَ من كمد) (من كَانَ لم يُؤْت علما فى بَقَاء غَد ... مَاذَا تفكره فى رزق بعد غَد) وَذكر الامام على بن عبد الْقَادِر الطبرى فى تَارِيخه ان ميرزا مخدوم أَقَامَ صَاحب التَّرْجَمَة قَاضِيا شافعيا ليتعاطى الاحكام على مَذْهَب الشافعى بِمَكَّة وَاسْتمرّ من ذَلِك الْحِين اقامة أَرْبَعَة قُضَاة الى سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف ثمَّ ترك ذَلِك وَصَارَ القاضى وَاحِدًا حنفيا من الرّوم وينبغى اقامة الْقُضَاة على الْمذَاهب خُصُوصا مَذْهَب الشافعى فان غَالب أهل الْقطر الحجازى شافعيون والائمة جَمِيعًا على هدى وَذكر أَيْضا انه أول من سعى فى جعل مَعْلُوم لمفتى الشَّافِعِيَّة فانه توجه الى الديار الرومية وَجعل لَهُ خمسين عثمانيا من جدة فى مُقَابل افتاء الشَّافِعِيَّة وَمن مؤلفاته حَاشِيَة على شرح الاستعارات لجده العصام أَتَى فِيهَا بالعجب العجاب من فَوَائِد الْبَيَان وتلقاها الْفُضَلَاء بِالْقبُولِ وَلم يزل بجوار بَيت الله حَتَّى توفى الى رَحمَه الله وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع بعد الالف بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة السَّيِّد على بن الامام المتَوَكل على الله اسماعيل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن على السَّيِّد الامام العلى الْمقَام قَرَأَ واشتغل وَحج سنة سبعين وَألف وَمَعَهُ جملَة من الاعيان ولازم حَضْرَة وَالِده الَّتِى كَانَت محط الرّحال وَأخذ عَن جمع من الشُّيُوخ وَرغب فى الادب فَبلغ الْغَايَة القصوى فِيهِ وَلما تفرس فِيهِ وَالِده النجابة قَلّدهُ اعمال بِلَاد ضوران وَمَا حولهَا من الْبِلَاد وَكَانَ وَالِده اذ ذَاك مُقيما يحصن شهارة وَلم يزل مُقيما على عمله حَتَّى توفى ابْن عَمه السَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم وَكَانَت الْيمن منوطة بنظرة فاستخلفه وَالِده على اعماله وقلده ولَايَة ذَلِك الاقليم وَاسْتقر فِيهِ الى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 ان توفى وَالِده وَتَوَلَّى الامامة من بعده الامام أَحْمد المهتدى بن الْحسن فأقره على مَا كَانَ فى حَيَاة وَالِده عَلَيْهِ وفوض جَمِيع الاعمال اليمنية اليه وَكَانَ غَالب اقامته بتعز وخيله وَلم يزل محط رحال الادباء والفضلاء وَله من // الشّعْر مَا حسن لَفظه وَمَعْنَاهُ // وَدلّ بفحواه على مغزاه فَمِنْهُ قَوْله (صب يكَاد يذوب من حر الجوى ... لَوْلَا انهمال جفونه بالادمع) (واذا تنفست الصِّبَا ذكر الصِّبَا ... ولياليا مرت بوادى الاجرع) (آه على ذَاك الزَّمَان وطيبه ... حَيْثُ الغضا سكى وَمن أَهْوى معى) (ولياليا مرت فيالله مَا ... أحلى وأملحها فَهَل من مرجع) الى ان خَتمهَا ببيتى الذهبى على جِهَة التَّضْمِين (أحمامة الوادى بشرقى الغضا ... ان كنت مسْعدَة الكئيب فرجعى) (انا تقاسمنا الغضا فغصونه ... فى راحتيك وجمره فى أضلعى) وَمِنْه قَوْله يمدح أَخَاهُ الْحسن (اكذا المشتاق يؤرقه ... تغريد الْوَرق ويقلقه) (واذا مَا لَاحَ على اضم ... برق أشجاه تألقه) (يخفى الاشواق فيظهرها ... دمع فى الخد يرقرقه) (آها يَا برق أما خبر ... عَن أهل الْغَوْر تحَققه) (فيزيل جوى لَا سير هوى ... مضنى قد طَال تشوقه) (ريم الهيجاء وربربها ... خمرى الثغر مُعْتقه) (ممشوق الْقد لَهُ كفل ... يتشكى الضعْف ممنطقه) (مغرى بالعذل لعاشقه ... وبدرع الصَّبْر يمزقه) (يَا ريم السفح علام ترى ... ترْضى الواشى وَتصدقه) (رفقا بالصب فان لَهُ ... قلبا بهواك تعلقه) (فَعَسَى بالوصل تجود وَلَو ... فى اللَّيْل خيالك يطرقه) (أَو مَا ترثى لشج قد زَاد ... بطول اللَّيْل تحرقه) (وَأرَاهُ الصد سيخرجه ... من أسر الْحبّ ويطلقه) (فَلهُ نفس تأبى كرما ... يَأْتِيهِ النَّقْص ويلحقه) (ولذاك سلت نتذركها ... لأخ بالمجد تخلقه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 (شرف الاسلام وبهجته ... وختام الْجُود ومغدقه) (وعماد الْملك ومفخره ... وسنام الدّين ومفرقه) (من دون علاهُ لرائمه ... برج الجوزاء ومشرقه) (حلم كالطود لنائله ... جود كالبحر تدفقه) (اسْمَع مولاى نظام أَخ ... قد زَاد بمدحك رونقه) (ود قد صَار يكلفه ... لمقال الشّعْر وينطقه) (فاحفظ ودى لَا تصغ لما ... يملى الواشى وينمقه) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة خمسين وَألف وَتوفى يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف بتعز وَبهَا دفن القاضى على بن جَار الله بن مُحَمَّد بن أَبى الْيمن بن أَبى بكر بن على بن أَبى البركات مُحَمَّد بن أَبى السُّعُود مُحَمَّد بن حُسَيْن بن على بن أَحْمد بن عَطِيَّة بن ظهيرة بن مَرْزُوق بن مُحَمَّد بن عليان بن هَاشم بن حرَام بن على بن رَاجِح بن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن حَارِث بن ادريس بن سَالم بن جَعْفَر بن هَاشم بن الْوَلِيد بن جُنْدُب بن عبد الله بن الْحَارِث بن عبد الله بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم القرشى المخزومى الظهيرى الحنفى مفتى مَكَّة الشهير بِابْن ظهيرة ونسبهم هَذَا مصحح مُسلم لَا غُبَار عَلَيْهِ وبيتهم بَيت علم وَفضل بالحجاز قَالَ السخاوى فى الضَّوْء اللامع وَأول من تحنف من بنى ظهيرة أَبُو الْيمن وَصَاحب التَّرْجَمَة هُوَ الْمُفْتى والخطيب بِالْحرم المكى فى عصره وَله الشُّهْرَة الطنانة وَالْفَخْر الاتم وَقد ذكره الخفاجى فى كِتَابيه وَقَالَ فى حَقه خطيب مصقع وبليغ لَفظه موشى موشع اذا انحدر فى أَوديَة الْكَلَام مَاء بلاغته وسال فى بطاحها سلسال فَصَاحَته شهد النَّاس بفضله من فَاجر وَمن بر وَكَاد أَن يخضر أَعْوَاد كل مِنْبَر (فتهتز أَعْوَاد المنابر باسمه ... فَهَل ذكرت أَيَّامهَا وهى أَغْصَان) وَله آثَار يتحلى بعذو بتهافم اللسن وعقود سجع نظمتها يَد فَضله فى لبات الزَّمن رَأَيْته وَقد طعن فى السن وَلَيْسَ لَهُ الا الْعَصَا فَتى ورقى شرف التسعين وهى آخر سلم الفنا وَقَالَ الشلى فى تَرْجَمته اعتنى بِالْعلمِ فاشتغل بِهِ على جمَاعَة من الْكِبَار وحظى مِنْهُ بأوفر نصيب وانتفع بِهِ جمَاعَة من الْكِبَار مِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدى وَأَخُوهُ قاضى الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد والامام عبد الْقَادِر الطبرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 وَغَيرهم وَله تصانيف مفيدة ومآثر حميدة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح التَّوْضِيح وحاشية على شرح ايساغوجى للقاضى زَكَرِيَّا وَتَذْكِرَة مفيدة وَله فَتَاوَى مَشْهُورَة لَكِنَّهَا غير مَجْمُوعَة وَله ديوَان شعر وَمن نظمه قَوْله (قلت لشهر الصَّوْم لما وفى ... مودعا منى وداع الصّديق) (سلم على الْمَوْسِم بِاللَّه لى ... وَقل لَهُ أقبل فَهَذَا الطَّرِيق) وكف بَصَره فى آخر عمره وَتوفى سنة عشر بعد الالف وَقد جَاوز التسعين على بن جَار الله بن أَبى بكر بن مُحَمَّد وَتقدم تَمام النّسَب فى تَرْجَمَة أَبِيه جَار الله وَيعرف بَيتهمْ بالقدس ببنى اللطف وعَلى هَذَا نَشأ على سمت وَالِده ومذهبه وَكَانَ حنفيا كَمَا تقدم وَمهر فى فنون عديدة وَكَانَ فَاضلا الى الْغَايَة محققا قوى الحافظة أديباً سَمحا جوادا ممدحاً فَردا فِي وقته سَافر الى الرّوم مرَارًا وَولى افتاء الْحَنَفِيَّة بالقدس وخطابة الْمَسْجِد الاقصى وَكَانَ كثير المجون متهتكا فى التعشق والصبابة وَله شعر يدل على رقة طبعه فَمِنْهُ قَوْله من قصيدة (من دياجى الْبعد هَل للقرب ومض ... أم بمضمار التهانى ثمَّ ركض) (لَا أمنى النَّفس مَا لى والمنى ... عاقنى من أدهم الايام ركض) (كَانَ تسآلى مخلا بالعطا ... يَوْم لَا نأى دنا بالعيش غض) (يَوْم كَانَ الشّرْب سمعا وانا ... بلبل ثمَّ سما وَالْكل أَرض) (صَاح عاطينى وَلَا تسْأَل لما ... جفن كاسى وجفونى لَا تغض) (ان تقل جرح زمانى كاتم ... مِنْهُم فى الْقلب جرح لَا يمض) (علق الْقلب بلحظ ان رنا ... قَاتل أَو كف ظن الْكَفّ غمض) (من مجيرى من هوى من ليثه ... فى عرين الْقلب فرات وربض) (كنت لَا أعرف تمزيق الْكرَى ... فأرانى كَيفَ عضب الجفن ينضو) (وَرَأى طغيان قلبى فرنا ... ليريه شهب الطاغى تقض) (فتأسيت بلمع برقة ... مذ بدا لى مِنْهُ بسط ثمَّ قبض) (قَالَ لى والصحو مَا خامره ... واستملى قده طول وَعرض) (هَل تخمرت بِنور طرتى ... أم جفون الشّعْر داناهن غمض) (قلت شيبى من سعير مهجتى ... أبرزته زفرات الْقلب ومض) (أَو سِنَان طَاعن قلب الصَّفَا ... أَو شهَاب أَو لختم الْعَيْش فض) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 (ودموعى مَاء قلبى ناره ... أخرجتها من قُرُوح الجفن بض) (قَالَ لى والغصن يثنيه الْهوى ... قد أَتَى من سَائِر الاجفان عرض) (فَارْجِع الدمع لتطفى ناره ... حَيْثُ لى فى منزل الاشواق عرض) (حلية العاشق قرب وقلى ... أى وجد لفؤاد لَا يرض) وَقَوله فى ذمّ الزَّمَان (خليلى هَذَا لدهر دَانَتْ عجائبه ... فطمن فؤادا ابْن نشبن مخالبه) (وَلَا تعتبنه ان تَأَخّر ذوى حجا ... فَذا الدَّهْر لم يحرز سباقا معاتبه) (سكرت بِهَذَا الدَّهْر لَا من عقاره ... وَلَكِن لما أبدته عندى عجائبه) (فَمَا محرم الانسان الا علومه ... وَمَا ذائقوه السم الا أَقَاربه) قَوْله وَمَا ذائقوه الى آخِره فِيهِ ايماء الى قَول ابْن العميد (آخ الرِّجَال من الاباعد والاقارب لَا تقَارب ... ) (ان الاقارب كالعقارب بل أضرّ من العقارب ... ) وفى الْمثل ظلم الاقارب أَشد مضضا من وَقع السَّيْف وَقيل انما أخْشَى سيل تلعتى والتلعة سيل الوادى من النجد الى بطن الوادى وَمعنى الْمثل انما أَخَاف شَرّ أقاربى وَمن شعر ابْن جَار الله قَوْله (اشرب الكاسات صرفا ... واغتنم رشف الثغور) (واعتقد فى الله خيرا ... ان ربى لغَفُور) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بغزة هَاشم فى سنة سبعين وَألف قَتله حاكمها الامير حُسَيْن ابْن حسن الْمُقدم ذكره قيل عُدْوانًا وَقيل ورد فِيهِ أَمر شرِيف بقتْله وَذَلِكَ لامور مُنكرَة كَانَت صدرت مِنْهُ يرجع اكثرها الى حب الدُّنْيَا والرياسة على بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن مُحَمَّد بن عِيسَى وَتقدم تَمام النّسَب فى تَرْجَمَة السَّيِّد الْحسن الملقب ضِيَاء الدّين النعمى الشريف الْحسنى الْيُمْنَى أحد فضلاء الْيمن وأجلائه واكابر سراته وَكَانَ عَالما فَاضلا شَاعِرًا اولى الْقَضَاء بِجِهَة صَبيا وفَاق اقرانه بالتحقيق وَألف المؤلفات العديدة والرسائل الشهيرة ورزق الحظوة التَّامَّة فى الْبَنِينَ حَتَّى أعقب اثنى عشر ولدا ذكرا كلهم عُلَمَاء أدباء شعراء وَكَانَ يَهْتَز للادب وَالْعلم ويحفظ الاخبار والْآثَار ويطلع على الْقَصَص الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة وَكَانَ يأتى على اكثر الْكَشَّاف غيبا وانتفع بِهِ أهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 الاقليم ومسكنه جِهَة سلفه الدهناء من أَعمال وادى بيشر والمحلة وَاتخذ بَيْتا بعتود وَكَانَ عَلَيْهِ مدَار المخلاف وَكَانَ وَاسع الصَّدْر مهيبا جَلِيلًا أحنفى الْحلم حيدرى الْبَأْس وَالْعلم ولى الْقَضَاء عَن أَمر امام زَمَانه الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم ثمَّ أَخِيه المتَوَكل على الله اسماعيل الى أَن مَاتَ وَذَلِكَ بِمَدِينَة صَبيا وأعمالها // وَله نظم ونثر جيدان // فَمن نظمه قَوْله فى مدح شرح الازهار (درسة الشَّرْح نزهة للنفوس ... وَبهَا مرهم لداء وبوس) (وهى أشهى لالفها من سلاف ... قد أديرت على ندامى الكؤس) (وَلها صُورَة بمنظر قلبى ... هى أبهى من صُورَة الطاوس) (فاستمروا فى درسها فالمعالى ... تتهادى فى حالكات الدُّرُوس) (والمعانى مهورهن مغان ... واردات عَن صفوة القدوس) (وجليس مذاكر فى رشاد ... خير خل وَصَاحب جليس) (فاذا لم يكن فصحبة سفر ... هى عِنْد اللبيب خير أنيس) (وَاسْتَمَدُّوا فضلا من الله يأتى ... فِيهِ نور يفوق ضوء الشموس) (وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ كَيْمَا تفوزوا ... بخلال عَظِيمَة الناموس) (فلام عَلَيْكُم مُسْتَمر ... مَا همى عَارض الْغَمَام الرجيس) وَقَوله أَيْضا يُخَاطب الْعَلامَة السَّيِّد شرف الدّين الْحسن بن عقيل (قل للاديب سليل كل خَلِيل ... خدن العفاف مقرّ كل جميل) (نجل الميامين السراة وَمن لَهُم ... أَصْنَاف مجد فى الانام اثيل) (يمم هديت مدارج السّلف الالى ... نشأوا على التَّفْرِيع والتأصيل) (واسلك سبيلهم فانك فرع من ... سَاس الورى بدلائل التَّنْزِيل) (طه عَلَيْهِ الله صلى مَا سرى ... برق وَمَا أجْرى معِين النّيل) وَله من رِسَالَة كتبهَا الى الْفَقِيه أَبى الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَبى هم فى مسئلة حصل بَينهمَا فِيهَا نزاع وَقد كَانَ الاولى رفع النَّفس عَن مجاراتك فى جهلك والالتفات الى فرطات عقلك وكف الْيَد عَن جوابك وَقطع المدعن اعتابك غير انى اعْلَم انك لم تعدنى بالاعراض متكرما وَلَا بالازورار عَنْك مستحكماً بل تقدر مَعَ ذَلِك انك قد أصبت مُعظم الصَّوَاب من هَذَا الْبَحْث وانك قد أخذت بمقالك الاقبح الارفث وَأَيْضًا فان من مُحكم كَلَام الْجَلِيل وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل وَمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 قَول حكم الشّعْر (اذا أَتَت الاساءة من وضيع ... وَلم ألم المسئ فَمن ألوم) وَبعد هَذَا فاعرف مَوضِع قدمك قبل الْمسير وتبصر فى الامور أَيهَا الْجَاهِل الغرير وقف عِنْد انْتِهَاء قدرك وَانْظُر فى اصلاح أَمرك فالاولى لَك أَن تكون متعلما لَا معلما وَلَيْسَ لَك فِيمَا سلكت جمل وَلَا نَاقَة وَلَا مُقَدّمَة وَلَا سَاقه وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى ذى الْحجَّة سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف والنعمى تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فى تَرْجَمَة ابْن عَمه السَّيِّد حسن بن على بن عبد الرَّحْمَن فى حرف الْحَاء وَتقدم ان هَؤُلَاءِ الاشراف فرقتان آل مُحَمَّد بن عِيسَى وَآل أَحْمد بن عِيسَى فَصَاحب التَّرْجَمَة من آل مُحَمَّد وَالسَّيِّد حسن من آل أَحْمد ولآل أَحْمد على غير هَذَا وَهُوَ ابْن حسن بن عقيل تولى هُوَ وَأَبوهُ الْقَضَاء بصبيا ببلدة تسمى العثيرة أَسْفَل وادى وساع مَاتَ فى أَوَائِل الْمحرم سنة خمس وَسبعين وَألف فى طَرِيق الْحَج وَهُوَ آيب من مَكَّة فى حمصة محط الْحَاج اليمانى بِالْقربِ من وادى عتود وَكَانَ وَالِده فى الْحَيَاة فَلَمَّا أخبر بِمَوْتِهِ انفطر قلبه حزنا عَلَيْهِ لانه لم يكن لَهُ من الاولاد سواهُ فتوفى بعده بِعشْرين يَوْمًا بالدهناء وَدفن بِالْهِجْرَةِ من العثيرة ورثاهما السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور فى تَرْجَمَة أَخِيه السَّيِّد حسن فى حرف الْحَاء بقصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا (صدم الدَّهْر طود مجد أثيل ... ووهى الدّين بالمصاب الْجَلِيل) (ونجوم الْهدى هوت وأغيضت ... أبحر الْجُود بعد نجلى عقيل) (فسرى أفقها وطودى علاها ... وعمودى نوالها المأمول) (جبلى أمنها اذا نَاب خطب ... وجمال الورى لحمل الثقيل) وَمِنْهَا (وَسَلام على ضريحين ضما ... نخوة الملتجى وكهف النزيل) وَأما أَوْلَاده الاثنا عشر فهم مُحَمَّد وَحسن وَأحمد وَعبد الرَّحْمَن وَيحيى ومحسن وحسين وَعز الدّين وابراهيم وشبير واسماعيل وشمس الدّين فَأَما مُحَمَّد فتوفى فى سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وأعقب أَوْلَادًا امجاداً ذوى معرفَة وَأما حسن فَكَانَ لَهُ مُشَاركَة فى الْعُلُوم ونظم بديع وَتوفى فى غرَّة الْمحرم سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف بِمَكَّة المشرفة وَدفن بالشبيكة بِقرب تربة العيدروس وَأما أَحْمد فَكَانَ اماما عَلامَة مَاتَ بِمَكَّة فى سنة سبع وَسبعين وَألف وَدفن بِجَانِب قبر أَخِيه وَمَات عَن وَلدين موجودين وَأما عبد الرَّحْمَن فَكَانَ على طَريقَة الصَّالِحين من الْمُوَاظبَة على الطَّاعَات وَله أَوْلَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 على صفته وَأما حُسَيْن فموجود وَلَيْسَ لَهُ عقب وَأما عز الدّين فذو معرفَة تَامَّة فى جَمِيع الْعُلُوم ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَكَانَ قاضى حَاج الْيمن وَقد تقدم ذكره وَأما ابراهيم فَكَانَ عَلامَة وَقد توفى وَخلف أَوْلَادًا اكبرهم طَالب علم وَأما شبير فمشارك فى الْعُلُوم واسماعيل درج وَلَيْسَ لَهُ عقب وَأما شمس الدّين فذو فضل باهر وَهُوَ الْآن خطيب صَبيا القاضى على بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن غَانِم بن يُوسُف بن عبد الهادى ابْن على بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْوَاحِد بن عبد الحميد الاصغر بن عبد الحميد الاكبر قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال فى تَارِيخه هَكَذَا رقم نسبه القاضى أَحْمد بن سعد الدّين الى عبد الحميد وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَنسب عبد الحميد مَشْهُور مَذْكُور من بنى المنشأ سلاطين مسور وَلَهُم عقب هُنَالك مَشْهُور مِنْهُم من سكن وادى عبال على بِبِلَاد مسور وَسكن هَؤُلَاءِ الْقُضَاة وادى صارة فهم بَيت شهير لَهُم نمط متجدد لَا يحتلفون فِيهِ وخاتمة بَيت الْمعلم عقد القاضى الْحُسَيْن بن مُحَمَّد فَأَما عقب سعد الدّين فقد انْقَطع بِمَوْت القاضى أَحْمد بن سعد الدّين وَأما عقب على الْمَذْكُور فبقى مِنْهُم طِفْل صَغِير بثغر العدنية ابْن لمُحَمد بن على بن الْحُسَيْن ثمَّ درج وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا أديبا لبيباً يجيد الترسل وَيحسن الشّعْر على نهج أَهله وَتعلق بالطب وَهُوَ الذى لمح اليه فى قصيدته البائية الَّتِى انشدها بالقدوم وَاسْتقر صَاحب التَّرْجَمَة مُدَّة بِجِهَة الوعلية من الشّرف الاعلى ورحل الى صنعاء وَقَرَأَ بهَا وحقق فى جَمِيع الْعُلُوم سِيمَا فى المعقولات وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير الْعِبَادَة حسن السمت محبوبا عِنْد كل أحد وَمِمَّا شاع فى الالسن على الْعُمُوم لَو أَن فى الارض مَلَائِكَة يَمْشُونَ كَانَ القَاضِي على بن الْحُسَيْن مِنْهُم وَرويت هَذِه اللَّفْظَة عَن الامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ وَهُوَ شيخ شَيخنَا الْعَلامَة شمس الدّين فى كثير من الْعُلُوم كَانَ يَأْتِيهِ القاضى صفى الدّين من هجر ابْن المكروم الى الْقدوم أَيَّام سكونه فِيهِ كل يَوْم فَيقْرَأ عَلَيْهِ جَمِيع نَهَاره ثمَّ يعود الى الهجر وأخبرنى القاضى صفى الدّين انه كَانَ يُشَاهد من يَصْحَبهُ من الْجِنّ فى اثناء الطَّرِيق ويسير بسيره قَالَ القاضى صفى الدّين فى مشيخته عِنْد ذكر وَالِده وَعَمه الْمَذْكُور اما عمى ووالدى على بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المسورى وَسعد الدّين بن الْحُسَيْن المسورى فانهما بعد الله وَرَسُوله قَائِمَة الْهدى أصل هدايتى وعنوان رَحْمَة الله تَعَالَى لى بِمَا رزقنى من تأديبهما وتهذيبهما وتعليمهما وارشادهما وتلقينهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 اياى فَوَائِد الْعلم وغرائب الحكم وتغذيتهما اياى بحب الله عز وَجل وَحب رَسُوله وَحب أهل بَيته الَّذين أذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة بَحر الْعُلُوم الطامي وجبل الحلوم السامى صَاحب عبَادَة وزهادة وخلوص طوية حَلِيف الْقُرْآن رطب اللِّسَان بِهِ لَا يزَال موجها للْقبْلَة وَكَانَ لَهُ فى الشّعْر قدم راسخة وَمن مخترعاته قَوْله فى كرسى التَّسْبِيح (صبرت على شقى بنشر وان لي ... بِيَحْيَى نبى الله أُسْوَة عَارِف) (فجوزى جنَّات النَّعيم بصبره ... وجوزيت عَن شقى بِحمْل الْمَصَاحِف) (وصرت جليس الاتقياء وَلم أزل ... على حَالَة يرضى بهَا كل عَارِف) وَله قصيدة يحث بهَا الامام الْقَاسِم على شرح الاساس وَكَانَت وَفَاته بِمَدِينَة صَبيا من المخلاف السليمانى فى ثانى عشرى ذى الْقعدَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَهُوَ مُتَوَجّه لفريضة حج بَيت الله الْحَرَام وقبر عِنْد الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِمَسْجِد عقيل على بن حُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن الارنؤد أحد كبراء جند الشَّام كَانَ وَالِده قدم الى دمشق وَتزَوج بهَا وَصَارَ من جندها ثمَّ صَار رَئِيس الجاويشية وسافر الى الْحَج بِهَذِهِ الْخدمَة سِنِين وَمَات بِمَكَّة فى سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَخلف وَلدين وهما على وخداوردى فاما خداوردى فقد أَدْرَكته وَكَانَ من أَعْيَان الْجند أَرْبَاب الْمُرُوءَة والسخاء وَقد توفى بجرش من بِلَاد حوران فى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَأما على صَاحب التَّرْجَمَة فَصَارَ أَولا من آحَاد الْجند وتنقل فى مَرَاتِبهمْ وَلما توفى أَبوهُ وَجه اليه منصبه الْمَذْكُور وسافر مَرَّات الى الْحَج بِكَمَال الوسعة واشتهر بِالْمَالِ وسعة الدائرة ثمَّ صَار كتخدا الْجند وَتعين فى هَذَا المنصب وتطلب امارة الْحَاج وجاءه الْخَبَر بحصولها ثمَّ وَقع بَينه وَبَين نَائِب الشَّام الْوَزير أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بالسرجى وَكَانَ مغفلا فَلم يعتبره وَكَانَ يَقْصِدهُ بِالْهَزْلِ والملاعبة فَبَلغهُ ذَلِك فَغَضب وَجمع ديوانا حافلا وَأمر اتِّبَاعه بِحمْل السِّلَاح واستحقر الْعَسْكَر الشامى وَكَانَ على فى حديقته خَارج بَاب الفراديس فَأرْسل اليه مرسالا خَاصّا وأحضره الى الدِّيوَان ثمَّ أهانه وَأمر بقتْله فَقتل فى ذَلِك الْوَقْت وَألقى خَارج بَاب السَّعَادَة ثمَّ غسله بِجَامِع الصابونية وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَكَانَ مَقْتَله فى الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين والف وَاتفقَ ان الشَّيْخ مُحَمَّد المتبولى المصرى صَاحب التقاويم تعرض لذكره فى تَقْوِيم تِلْكَ السّنة بقوله يَا سَلام سلم من قَول يَا على كلم وضبطت أَمْوَاله ومتعلقاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 لجِهَة السلطنة وَكَانَ شَيْئا كثيرا وَذهب دَمه هدرا على بن حُسَيْن بن عمر بن حُسَيْن بن عمر بن الشَّيْخ على الشَّيْخ الْعَالم الْيُمْنَى المكى ولد بلحج من أَرض الْيمن وَنَشَأ بِهِ وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد الْجَلِيل عبد الله بن على صَاحب الوهط وَالسَّيِّد أَبُو الْغَيْث ثمَّ رَحل الى مَكَّة فحج وجاور بهَا وَصَحب كثيرين مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد بن ابراهيم عَلان وَابْن أَخِيه الشَّيْخ مُحَمَّد على وَالسَّيِّد الْجَلِيل عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَالسَّيِّد مُحَمَّد الحبشى الشهير بالغزالى وشهاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الهادى بن شهَاب وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلى المصرى وَالشَّيْخ مُحَمَّد مكى بن فروخ الحنفى وَغَيرهم ورحل الى الْمَدِينَة وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد القشاشى وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن على ثمَّ قطن بِمَكَّة وتجرد لِلْعِبَادَةِ مواظبا على الْجَمَاعَة فى الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا فَاتَتْهُ تَكْبِيرَة الاحرام وَكَانَ لَا يَنْفَكّ عَن صَلَاة أَو مطالعة وَكَانَ عَاملا بِعِلْمِهِ قَلِيل المخالطة لَا يجْتَمع بِأحد الا فى الْمَسْجِد قَلِيل الْكَلَام وَكَانَ النَّاس يعتقدونه اعتقادا عَظِيما لزهده وورعه وَكَانَ قانعا متقشفا فى الملبس والمطعم متواضعا وَلم يتَزَوَّج قطّ وَلَا ملك جَارِيَة وَلَا عبدا وَجمع كتبا عَظِيمَة ووقفها على طلبة الْعلم وَكَانَت وَفَاته قَافِلًا من الْمَدِينَة بِالْقربِ من بندر جدة سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَحمل الى البندر وَدفن بهَا وقبره بهَا مَشْهُور يزار على بن زين العابدين مُحَمَّد بن أَبى مُحَمَّد زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن على أَبُو الارشاد نور الدّين الاجهورى بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْجِيم وَضم الْهَاء نِسْبَة الى اجهور الْورْد قَرْيَة بريف مصر المالكى شيخ الْمَالِكِيَّة فى عصره بِالْقَاهِرَةِ وامام الائمة وَعلم الارشاد وعلامة الْعَصْر وبركة الزَّمَان كَانَ مُحدثا فَقِيها رحْلَة كَبِير الشَّأْن وَقد جمع الله تَعَالَى لَهُ بَين الْعلم وَالْعَمَل وطار صيته فى الْخَافِقين وَعم نَفعه وعظمت بركته وَقد جد فبرع فى الْفُنُون فقها وعربية وأصلين وبلاغة ومنطقا ودرس وَأفْتى وصنف وَألف وَعمر كثيرا ورحل النَّاس اليه من الْآفَاق للاخذ عَنهُ فَألْحق الاحفاد بالاجداد أَخذ عَن مَشَايِخ كثيرين سرد مِنْهُم الشهَاب العجمى فى مشيخته نَحْو ثَلَاثِينَ رجلا واعلاهم قدرا الشَّمْس مُحَمَّد الرملى والبدر حسن الكرخى والسراج عمر ابْن الجاى والحافظ نور الدّين على بن أَبى بكر القرافى الشافعى وامام الْمَالِكِيَّة فى عصره الشَّمْس مُحَمَّد بن سَلامَة البنوفرى وقاضى الْمَالِكِيَّة الْبَدْر ابْن يحيى القرافى وأملى الْكثير من الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَأخذ عَنهُ الشَّمْس البابلى والنور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 الشبراملسى والشهاب العجمى وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة وَألف التآليف الْكَثِيرَة مِنْهَا شروحه الثَّلَاثَة على مُخْتَصر خَلِيل فى فقه الْمَالِكِيَّة كَبِير فى اثنى عشر مجلدا لم يخرج عَن المسودة ووسيط فى خَمْسَة وصغير فى مجلدين وحاشية على شرح التتائى للرسالة وَشرح عقيدة الرسَالَة وَشرح الفنية السِّيرَة للزين العراقى ومجلد لطيف فى الْمِعْرَاج ومجلد فى الاحاديث الَّتِى اختصرها ابْن أَبى جَمْرَة من البخارى وَشرح ألفية ابْن مَالك لم يخرج عَن المسودة وَشرح التَّهْذِيب للتفتازانى فى الْمنطق وحاشية على شرح النخبة لِلْحَافِظِ ابْن حجر ومنسك صَغِير وجزء فى مسئلة الدُّخان وَكِتَابَة على الشمايل لم تخرج من المسودة وعقيدة منظومة وَشَرحهَا شرحا نفيسا وَشرح على رِسَالَة ابْن أَبى زيد القيروانى فى الْفِقْه فى مجلدات وَغير ذَلِك ورزق فى كتبه الْحَظ وَالْقَبُول واصيب آخرا فى بَصَره بِسَبَب غَرِيب وَهُوَ ان بعض الطّلبَة مِمَّن أَرَادَ الله بِهِ شرا كَانَ يحضر مجْلِس الاجهورى وَكَانَ فى ظَاهر حَاله صَالحا فاتفق ان تزوج وَوَقع بَينه وَبَين زَوجته مشاجرة فَطلقهَا ثَلَاثًا ثمَّ أدْركهُ تَعب فاستفتى الاجهورى فأفتاه بِأَنَّهَا لَا تحل لَهُ الا بعد زوج آخر فتوعده بانه يقْتله ان لم يردهَا فَلم يكترث الاجهورى بِكَلَامِهِ فَترك الاجهورى يَوْمًا حَتَّى جلس للتدريس على عَادَته فجَاء وَتَحْت صوفه سيف فاستله وَضرب الاجهورى على رَأسه فَقَامَ عَلَيْهِ أهل الْحلقَة وَمن حضرهم من أهل الْجَامِع فتناولوه يَمِينا وَشمَالًا بالنعال والحصر حَتَّى حالوا بَينه وَبَين الاجهورى وَقد شجه فى رَأسه وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى قَتَلُوهُ دوسا بالارجل وَضَربا بالايدى وَالنعال والعصى وَرفع الاجهورى الى دَاره فأثرت تِلْكَ الشَّجَّة فى بَصَره وللاجهورى فَوَائِد وآثار كَثِيرَة معجبة مِنْهَا مَا نقلته عَن معراجة التَّتِمَّة الرَّابِعَة ورد أَن الْحور الْعين يَتَغَنَّيْنَ بِمَا يَقُوله شعراء الاسلام كَمَا ذكره بَعضهم فَقَالَ اخْرُج الديلمى عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا ان الشُّعَرَاء الَّذين يموتون فى الاسلام يَأْمُرهُم الله تَعَالَى ان يَقُولُوا مَا تتغنى بِهِ الْحور الْعين لازواجهن فى الْجنَّة وَالَّذين مَاتُوا فى الشّرك يدعونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور وَقد نظم ذَلِك بَعضهم فَقَالَ (الديلمى عَن ابْن معسود روى ... فى آيَة الشعرا حَدِيثا مُسْندًا) (من مَاتَ فى الاسلام مِنْهُم فى غَد ... بالشعر يَأْمُرهُ الاله فينشدا) (ونشيده من كل حوراء الى ... زوج لَهَا تلفى على طول المدى) (وَالْمُشْرِكُونَ دعاؤهم فى نارهم ... ويل ثبور كل وَقت سرمدا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 وَمن فَوَائده المأثورة عَنهُ ان من قَرَأَ عِنْد النّوم قَوْله تَعَالَى {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه سميع عليم} ان الَّذين اتَّقوا اذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا فاذا هم مبصرون أَمن من الِاحْتِلَام تِلْكَ اللَّيْلَة وَمن قَرَأَ فى آخر جُمُعَة من رَجَب والخطيب على الْمِنْبَر أَحْمد رَسُول الله مُحَمَّد رَسُول الله خمْسا وَثَلَاثِينَ مرّة لَا تَنْقَطِع الدَّرَاهِم من يَده تِلْكَ السّنة وَأفَاد لقَضَاء الْحَوَائِج أَن تَقول وَأَنت مُتَوَجّه الى حَاجَتك عشر مَرَّات اللَّهُمَّ أَنْت لَهَا وَلكُل حَاجَة فاقضها بِفضل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا ولبكاء الاطفال يكْتب فى ورقة ويعلق على رَأس الصَّغِير بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء} سُلَيْمَان وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء بلقيس وتعز من تشَاء ادريس وتذل من تشَاء ابليس عِيسَى ولدليلة السبت وَلَا ريح ينفح وَلَا كلب ينبح ارقد أَيهَا الطِّفْل حَتَّى تصبح أَفَمَن هَذَا الحَدِيث تعْجبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طائف من رَبك وهم نائمون وَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه العلى الْعَظِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَمن فَوَائده جِيم جماجم طهطيل جبال راسيات سندية هندية قدسية من قَرَأَهَا اذا أَوَى الى فرَاشه ثَلَاث مَرَّات لم تقربه وفراشه حَيَّة وَلَا عقرب وَمن نظمه لفوائد جليلة الْموقع هَذِه الابيات فى قَاعِدَة النكرَة اذا أُعِيدَت نكرَة اَوْ معرفَة وَبِالْعَكْسِ (وان يعد مُنكر مُنْكرا ... فالثانى غير أول بِلَا مرا) (وفى سوى ذَا الثانى عين الاول ... الى ثَلَاثَة فذو الاصل جلى) (قلت وفى مغنى اللبيب حكما ... بِأَن هَذَا كُله مَا سلما) (اذ قَوْله فَوق الْعَذَاب أبْطلهُ ... وَالصُّلْح خير قد أبان خلله) (وَذَا لَان الصُّلْح عَم الاولا ... والشئ فَوق نَفسه لن يعقلا) (وَقَوله عَلَيْهِم كتابا ... يردهُ فاستمع الخطابا) (وَقَوله وَالنَّفس بِالنَّفسِ وَمَا ... شاكلها يُخَالف اللذ رسما) (وَقَوله أَيْضا وفى الارض اله ... لَان ربى وَاحِد بِلَا اشْتِبَاه) (الا اذا قيل بِأَن ذَلِك ... ان لم تكن قرينَة هُنَالك) (فان تكن ثمَّ فَلَا يعول ... الا عَلَيْهَا فَالْمُرَاد يسهل) وَله فى تَقْدِيم بعض الْفَاكِهَة على الطَّعَام وتأخيرها عَنهُ ومعية بَعْضهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 (قدم على الطَّعَام توتا خوخا ... ومشمشا والتين والبطيخا) (وَبعده الاجاص كمثرى عِنَب ... كَذَاك تفاح وَمثله الرطب) (وَمَعَهُ الْخِيَار والجميز ... قثا ورمان كَذَاك الْجَوْز) وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ جم الْفَائِدَة منشور العائدة وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة بِمصْر وَتوفى بهَا لَيْلَة الاحد مستهل جُمَادَى الاولى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ صبيحتها بِجَامِع الازهر وَدفن بتربة سلفه بجوار المشهد الْمَعْرُوف باخوة سيدنَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ أخبرهُ بعض الاولياء انه يعِيش مائَة سنة فَلَمَّا مرض وَعرف انه مرض الْمَوْت وَكَانَ قد بلغ تسعا وَتِسْعين سنة تعجب وَقَالَ كَلَام الاولياء لَا يتَخَلَّف قَالَ الشَّيْخ أَحْمد البشبيشى فَلَعَلَّهُ اشْتبهَ عَلَيْهِ مولده انْتهى أَو يُقَال مَا قَارب الشئ أعْطى حكمه على بن سعد الدّين بن علوان المكتبى الْمَعْرُوف بالاسود الْفَقِيه الشافعى الدمشقى كَانَ من الْعلمَاء الصلحاء كثير التصلب فى دينه منعزلا عَن النَّاس مشتغلا بالافادة أَخذ عَن الشهَاب العيثاوى وَالشَّيْخ النجار وأبى الْقَاسِم المغربى مفتى الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق وخطب بِجَامِع الْمصلى وَكَانَ يقرئ الاطفال فى مكتب المرادية فَإِذا صرفهم عقد حَلقَة تدريس بحجره لَهُ فى جَامع المرادية يقرئ بهَا الطّلبَة الْفِقْه والنحو والتجويد وانتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم وَلَده الشَّيْخ الامام مُحَمَّد الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ يَأْكُل من كسب يَمِينه وَكتب كتبا كَثِيرَة بِخَطِّهِ مِنْهَا الْجَامِع الصَّغِير للسيوطى كتب مِنْهُ احدى وَعشْرين نُسْخَة واشتهر فِيهَا وَسبب ذَلِك انه كَانَ اشْترى نُسْخَة من بعض الافاضل وقابلها وصححها وَكتب على ألفاظها المشكلة مقالات شراحه واعتنى بهَا ولزمها حَتَّى حفظ الْكتاب عَن ظهر قلب ومحصل القَوْل فِيهِ انه كَانَ بركَة من بَرَكَات عصره وَكَانَت وِلَادَته فى سنة احدى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وتمرض مقْعدا ثَلَاث سِنِين ثمَّ توفى فى سلخ شَوَّال سنة أَربع وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير على بن سعودى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزى العامرى الشافعى مفتى الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وَأحد رُؤَسَاء الْعلم بهَا وَشرف بَيته ومكانتهم تقدم ذكره مرَارًا وسيأتى جده النَّجْم مُحدث الشَّام وَكَانَ على هَذَا فَقِيها فَاضلا جيد المحاضرة لطيف النُّكْتَة والنادرة سخيا جواد طليق اللِّسَان صَاحب نخوة وفتوة أَخذ عَن جده ودرس بالشامية البرانية وَأفْتى مُدَّة طَوِيلَة بعد أَبِيه وفتاواه كلهَا مسددة وَكَانَت وِلَادَته فى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَتوفى فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ والف وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان على بن عبد الْقَادِر النبتيتى موقت الْجَامِع الازهر أحد المتجرين فى علم الْمِيقَات والحساب من الْعلمَاء العاملين الفائقين فى فن الزايرجة والاوفاق والمنفردين بِعلم الدعْوَة والاسماء باجماع أهل الْخلاف والوفاق وَكَانَ مَعَ ذَلِك مفننا على علم الادب قَائِما بوظائف الْعُبُودِيَّة مجد بالاشتغال لَهُ كفاف وقناعة أَخذ الحَدِيث عَن شُيُوخ مِنْهُم أَبُو النجا سَالم السنهورى وَالْفِقْه عَن جمع مِنْهُم الشَّمْس مُحَمَّد المحبى والعربية عَن أَبى بكر الشنوانى وَعنهُ عبد الْمُنعم النبتيتى وَمُحَمّد بن حُسَيْن المنلا الدمشقى وكثيرون لَهُ مؤلفات كَثِيرَة شهيرة نافعة مِنْهَا شرح على مِعْرَاج النَّجْم الغيطى وَشرح على شرح الازهرية للشَّيْخ خَالِد وَشرح على شرح الآجرومية لَهُ أَيْضا وَشرح على الرحبية فى الْفَرَائِض وَكتاب حافل فى الاوفاق سَمَّاهُ مطالع السَّعَادَة الابدية فى وضع الاوفاق والخواص الحرفية والعددية وَله رسائل كَثِيرَة فى فنون شَتَّى وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى نَيف وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بتربة المجاورين والنبتيتى تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فى تَرْجَمَة ابراهيم النبتيتى فَليرْجع اليها ثمَّة على بن عبد الْقَادِر الطبرى الحسينى المكى الشافعى الامام بن الامام تقدم ذكر نسبهم فَلَا حَاجَة الى اعادته وعَلى هَذَا ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وجوده ولازم وَالِده فى الْفُنُون العلمية وَأخذ عَمَّن عاصره من أكَابِر الْعلمَاء حَتَّى رقى الْمَرَاتِب الْعلية وجد فى التَّحْصِيل واشتغل بالعلوم على الانماط الْحَسَنَة وسلك فى الطّلب الطَّرِيق الاقوم وَبَدَأَ بِمَا هُوَ الاقدم فشرع فى الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة ثمَّ صرف الهمة للْقِيَام بخدمتى التدريس والافتا والانتصاب لجواب من سَأَلَ واستفتى وفى غُضُون هَذِه الْمدَّة صنف كتبا عديدة مِنْهَا التَّارِيخ الذى جمع فأوعى وأقربه النَّاظر عينا وشنف سمعا المتضمن أَخْبَار الْبَلَد الامين الْمُسَمّى بالارج المسنكى والتاريخ المكى وَهُوَ تَارِيخ حافل مُتَضَمّن لاخبار الْحرم والكعبة المشرفة وَالْبَيْت الْحَرَام وَمَا فِيهِ من مَنَابِر وقباب وأساطين وَغير ذَلِك مِمَّا يتَعَلَّق بِمَكَّة وتراجم الْخُلَفَاء والملوك من زمن الصّديق رضى الله تَعَالَى عَنهُ الى زَمَنه وَمِنْه الْجَوَاهِر المنظمة بفضيلة الْكَعْبَة المعظمة وَله رِسَالَة فى بَيَان الْعِمَارَة الْوَاقِعَة بعد سُقُوطهَا سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف ثمَّ مَا وَقع من اصلاح سقفها وتغيير بَابهَا سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 خمس وَأَرْبَعين وَألف وَله منظومة سَمَّاهَا شرح الصُّدُور وتنوير الْقُلُوب فى الاعمال المكفرة للمتأخر والمتقدم من الذُّنُوب وَشَرحهَا وَمن شعره قَوْله (غانية تخجل بدر التَّمام ... غَايَة سؤلى من جَمِيع الانام) (رقيقَة الخصر حوى لَفظهَا ... رقى فَأَصْبَحت لَهَا كالغلام) (بَين ثناياها وَذَاكَ اللما ... برق تلألأ فى دياجى الظلام) (يحسدها الْمسك على لَوْنهَا ... يَا للهوى والريق يحْكى المدام) (هَمت بهَا جدا وَكم فى الْهوى ... هام بهَا فى الْعِشْق قبلى هيام) وَقَوله فى مليحة تسمى غَرِيبه (ولى جِهَة غربية أشرقت بهَا ... لعينى شمس الافق من غير مَا حجب) (ولاح بهَا بدر التَّمام لناظرى ... وَمن عجب شمس وَبدر من الغرب) وَقَوله فِيهَا (ان الاهلة مذ بَدَت غربية ... فالغرب مِنْهُ ضيا المسرة يشرق) (فالشرق دَعه فَلَيْسَ مِنْهُ سوى ذكا ... تحترفي وسط النَّهَار وَتحرق) وَذكره السَّيِّد على بن مَعْصُوم فَقَالَ فى حَقه سَابق فرسَان الاحسان وَعين أَعْيَان الْبَيَان الْمشَار اليه فى المحافل الحالب ضرع الادب الحافل والباهر الالباب والعقول بفوائد الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول غاص فى بحار الادب فاستخرج درره وسا إِلَى مطالعه فاستجلى غرره فنظم اللآلي والدرارى ونثر وجدد مَا درس من مغانى الْمعَانى ودثر فَمن نثره مَا كتبه الى القاضى تَاج الدّين المالكى مسائلا سيدنَا المقتدى بآثاره المهتدى بأنواره امام محراب الْعُلُوم البديعه وخطيب مِنْبَر البلاغة الَّتِى أضحت مذعنة لَهُ ومطيعه قمر سَمَاء الْمجد الاثيل فلك شمس فَخر كل ذى مقَام جليل المميطة يَد بَيَانه حواجز الاشكال عَن وُجُوه الْمعَانى الْمُعْتَرف بمنطقه الفصيح القاصى من هَذِه الامة والدانى عُمْدَة الْمُحَقِّقين قَدِيما وحديثا ملاذ المدققين تَفْسِيرا وتحديثا الصاعد معارج الْعليا بِكَمَالِهِ المنشد فى مقَام الافتخار لِسَان حَاله (لنا نفوس لنيل الْمجد عاشقة ... وَلَو تسلت أسلناها على الاسل) (لَا ينزل الْمجد الا فى مَنَازلنَا ... كالنوم لَيْسَ لَهُ مأوى سوى الْمقل) وَالْقَائِل عِنْد المجادلة فى مقَام المباهلة (نَحن الَّذين غَدَتْ رحى أحسابهم ... وَلها على قطب الفخار مدَار) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 الْمَمْلُوك يقبل الارض الَّتِى ينَال بهَا القاصد مَا يؤمله ويرتجيه وَينْهى انه نظم بعض الجهابذة الاعيان بَيْتَيْنِ فى التَّشْبِيه وَالسَّبَب الداعى لَهما وَالْمعْنَى الْمُقْتَضى لنظمهما انه أَبْصرت الْعين ظَبْيًا يرتع فى رياضه وَيمْنَع بسيوف جماله عَن وُرُود حياضه يرى العاشق سيآته حَسَنَات جاد بهَا وَأحسن ويعترف لَهُ بالْحسنِ كل حسن فى الانام وَابْن أحسن بدا وَهُوَ الْجَوْهَر السَّالِم من الْعرض وَظهر وَعَلِيهِ أثر من آثَار الْمَرَض فَأَرَادَ الْمُشبه تشبيهه فى هَذِه الْحَالة فشبهه بِغُصْن ذابل قَائِلا لَا محاله ونظم ذَلِك الْمَعْنى فشدا بِمَا قَالَه صادح الفصاحة وغنى وَهُوَ (بدا وَعَلِيهِ أثر من سقام ... كمكحول من الآرام ساهى) (فخيل لى كبدر فَوق غُصْن ... ذوى للبعد من قرب الْمِيَاه) فَاعْترضَ معترض عَالم بالاصدار والايراد قَائِلا ان الْبَيْت الثانى لَا يُؤدى الْمَعْنى المُرَاد اذ الْقَصْد تشبيهه بالغصن الْمَوْصُوف وَلَيْسَ المُرَاد تشبيهه بالبدر فالبدر لَا يُوصف الا بالخسوف فطالت بَين الْمُعْتَرض والمعترض عَلَيْهِ المنازعه وَلم يسلم كل وَاحِد مِنْهُمَا للثانى مَا جادل فِيهِ ونازعه فاختارا القاضى الْفَاضِل حكما ورضيا سيدنَا حَاكما ومحكما فليحكم بِمَا هُوَ شَأْنه وشيمته من الْحق وليتأمل مَا عَسى أَن يكون قد خفى عَن نظرهما ودق والاقدام مقبله وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد مَا هبت المرسله فَأَجَابَهُ القاضى بِمَا هَذَا صورته سيدنَا الامام الْهمام الذى أضحى علم الائمة الاعلام الامام المقتدى بِهِ وانما جعل امام الحبر الذى قصرت عَن اسْتِيفَاء فضائله الارقام وَلَو ان مَا فى الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَارِث الْجَلالَة عَن آبَائِهِ الَّذين زهت بذكرهم الاخبار وَالسير الْمُقِيم من نَفسه العصامية على ذَلِك أوضح دلَالَة يصدق فِيهَا الْخَيْر الْخَبَر الحرى بِمَا اسْتشْهد بِهِ فى شَأْن الْمَمْلُوك السالك من الْكَمَال طَريقَة عز على غَيره فِيهَا لعزته السلوك يقبل الْمَمْلُوك الارض بَين يَدَيْهِ ويؤدى بذلك مَا هُوَ الْوَاجِب عَلَيْهِ وَينْهى وُصُول الْمِثَال العالى الفائقة جَوَاهِر كَلِمَاته على فرائد اللآلى يتَضَمَّن السُّؤَال عَن بيتى ذَلِك الجهبذ فى الشَّأْن الذى قضى حسنه أَن تسلب الارواح وَتُؤْخَذ وَمنع حبه الْكَلَام الالسن وَكَانَ الدَّلِيل على ذَلِك اعْتِرَاف ابْن أحسن فانه ذُو النّظر العالى الْمدْرك حَقِيقَة الكنه فاذا تنور من أَذْرُعَات أدنى مَا تنوره الى قيد شبر مِنْهُ فَتَأمل الْمَمْلُوك مَا وَقع من تِلْكَ المعارضه الَّتِى أفضت الى التَّحْكِيم والمفاوضه فاذا المتعارضان قد مزجا فى حُلْو فكاهتهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 شدَّة الْبَأْس فى الْبَحْث برقة الْغَزل وَأَخْرَجَا الْكَلَام لبلاغتهما على مُقْتَضى حَال من جد وهزل وجريا الى غَايَة حققا عِنْد كل سَابق انه الْمَسْبُوق وأريا غبارهما لمن أَرَادَ اللحوق وَكَانَ الاحرى بالمملوك ستر عوار نَفسه وَحبس عنان قلمه ان يجرى فى ميدان طرسه لَكِن لما كَانَ ترك الْجَواب من الامر الْمَحْظُور لم يلْتَفت الى مَا يَتَرَتَّب على الْوَاجِب من الْمَحْذُور فَقَالَ حَيْثُ كَانَ الامر على مَا السندة مَوْلَانَا عَن الناطم وروى من انه قصد التَّشْبِيه فى حَال بقايا أثر السقام بِغُصْن ذوى فَعدل الى سبكه فى قالب صياغته وسلكه فى سلك بلاغته فلاشك انه أَتَى بِمَا لَا يدل على المُرَاد دلَالَة أولية ظَاهِرَة وَكَانَ كمن شبه الاغصان أَمَام الْبَدْر ببنت مليك خلف شباكها ناظره وَحِينَئِذٍ فاطلاق القَوْل بِأَن الْبَيْت الثانى لَا يدل على مَا أُرِيد رُبمَا تمسك الْخصم فى عدم ثُبُوت الحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ اطلاق فى مَحل التَّقْيِيد كَمَا ان للمعترض أَن يتَمَسَّك فى ذَلِك باشفاء الدّلَالَة الاولوية فَيكون الْمَحْكُوم بِهِ هُوَ المتعارض فى الْقَضِيَّة وَهَذَا أجدى مَا رَآهُ الْمَمْلُوك فى فصل الْخطاب وَأَحْرَى مَا تحرى فِيهِ انه الصَّوَاب مَعَ اتهامه نَفسه فى مُطَابقَة الْوَاقِع فى الْفَهم لعلمه بدقة نظر مَوْلَانَا اذا قرطس اغراض الْمعَانى من فهمه بِسَهْم وتجويزه على نَفسه الْعَجز عَن الْوُصُول الى مَأْخَذ مَوْلَانَا ومدركه واعترافه بِأَنَّهُ لَا يجارى فى نقد الشّعْر لانه فَارس معركة انْتهى قَوْله فى أثْنَاء الْجَواب كَانَ كمن شبه الاغصان أَمَام الْبَدْر ببنت مليك خلف شباكها ناظره يُشِير بِهِ الى الصّلاح الصفدى حَيْثُ قَالَ (كَأَنَّمَا الاغصان لما انْثَنَتْ ... امام بدر التم فى غيهبه) (بنت مليك خلف شباكها ... تفرجت مِنْهُ على موكبه) وَقَالَ فى ذَلِك أَيْضا (كَأَنَّمَا الاغصان فى روضها ... والبدر فى أَثْنَائِهَا مُسْفِر) (بنت مليك سَار فى موكب ... قَامَت الى شباكها تنظر) قَالَ النواجى لَا يخفى مَا فى هذَيْن المقطوعين من ضعف التَّرْكِيب وَكَثْرَة الحشو وقلب الْمَعْنى وَذَلِكَ انه جعل الاغصان مُبْتَدأ وَأخْبر عَنهُ ببنت المليك وَهُوَ فَاسد وان كَانَ قَصده تَشْبِيه الْمَجْمُوع بالمجموع الا أَن الاعرب لم يساعده على انه لم يخترع هَذَا الْمَعْنى بل سبقه اليه القاضى محيى الدّين بن قرناص فَقَالَ (وحديقة غناء يتظم الندى ... بفروعها كالدر فى الاسلاك) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 (والبدر من خلل الغصون كَأَنَّهُ ... وَجه المليحة طل من شباك) فَانْظُر الى حشمة هَذَا التَّرْكِيب وانسجامه وَعدم التَّكَلُّف والحشو وَاسْتِيفَاء الْمَعْنى فى الْبَيْت الثانى فَحسب والصفدى لم يسْتَوْف الا فى بَيْتَيْنِ على مَا فيهمَا فَلَو قَالَ فى الْمَقْطُوع الاول (كَانَ بدر التم لما بدا ... من خلل الاغصان فى غيهبه) (بنت مليك خلف شباكها ... تفرجت مِنْهُ على موكبه) وفى الْمَقْطُوع الثانى (كَانَ بدر التم فى رَوْضَة ... من خلل الاغصان اذ يسفر) (بنت مليك سَار فى موكب ... فامت الى شباكها تنظر) وَمن شعر الامام الْمَذْكُور قَوْله (هذى رياض الْحسن أَغْصَانهَا ... غرد بالدوحة مِنْهُ الهزار) (يَهْتَز فِيهَا قد ذَات الرنى ... رقيقَة الخصر على الِاخْتِصَار) (بت ونار الشوق قد أضرمت ... بمهجة قد أحرقها الاستعار) (رام عذولى هد ركن الْهوى ... يَا كعبة الْحسن بك الاستجار) (غضيت ذَاك الطّرف عَن نَاظر ... هيجة الوجد عفيف الازار) وَقَوله مشجرا (غزال كبدر التم لَاحَ بِوَجْهِهِ ... هِلَال رَأَتْهُ الْعين من أفق الشَّمْس) (رنا طرفه الفتان يَوْمًا لناظر ... يهيم بِهِ من حَيْثُ يصبح أَو يمسى) (بدا لى فى خضر الرياض بأسمر ... بِهِ سودها تيبك الحدائق فى لبس) (يُعلل بالتسويف قلبى فليته ... رأى دنفا مَا زَالَ يقنع باللمس) (هَلَكت جوى مِنْهُ فَمن لمتيم ... غَرِيب عَن الاوطان يدنو من الرمس) وَقَوله فى الفتاة الْمَار ذكرهَا وهى غربية (هيفاء كَالشَّمْسِ وَلكنهَا ... غربية يَا قوم عِنْد الشروق) (يفتر مِنْهَا الثغر عَن لُؤْلُؤ ... رطب ويبدو مِنْهُ لمع البروق) (بِاللَّه يَا عاذل عَنى فَذا ... بارده السلسل فِيهِ يروق) (رفقا فَمَا فى العذلى لى طَاقَة ... يُمكن مِنْهَا العذولى الطروق) (غبت عَن العاذل فِيهَا فَمَا ... هزل وجد لذوات الفروق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وَقَوله فى صدر كتاب (على الحضرة العلياء دَامَ مقَامهَا ... عليا سَلام طيب النشر وَالْعرْف) (الى نَحْوهَا حَملته نسمَة الصِّبَا ... لتكسب وَصفا من شذا ذَلِك الْوَصْف) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبعين وَألف بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة بتربتهم الْمَعْرُوفَة السَّيِّد على بن عبد الله بلفقيه الشَّيْخ الشهير صَاحب الشبيكة بِمَكَّة المشرفة الصوفى ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد بتريم وارتحل مَعَ أَبِيه وَهُوَ صَغِير الى مَكَّة واستوطنها وَكَانَ شَيخا مُعْتَقدًا عِنْد الْخَاص وَالْعَام مَقْبُول الشَّفَاعَة وَقَامَ بِمنْصب وَالِده بعده أتم قيام وَظَهَرت مِنْهُ كرامات كَثِيرَة وَحج مَعَ وَالِده وَأخذ عَنهُ ولازمه مُلَازمَة تَامَّة حَتَّى تخرج بِهِ وَكَانَ وَالِده يثنى عَلَيْهِ وَحضر الشَّيْخ ابْن حجر وَأَظنهُ أَخذ عَنهُ مؤلفاته وَغَيرهَا وَأخذ عَنهُ التصوف والخرقة الشَّرِيفَة خلق وترجمه تِلْمِيذه الشَّيْخ شيخ بن عبد الله العيدروس فى السلسلة وَقَالَ كَانَ من الْمَشَايِخ العارفين لَهُ قدم راسخة فى الْحَقِيقَة وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الصمت وَحكى انه لما زار النبى آخر زياراته نهى النَّاس عَن الدُّخُول مَعَه فى الْحُجْرَة وَتَبعهُ خَادِم لَهُ فَلَمَّا دخل الْحُجْرَة وَرَأى الانوار صَاح الْخَادِم فَدَعَا عَلَيْهِ بِأخذ عَيْنَيْهِ فَلَمَّا أَصْبحُوا أَتَى سيل عَظِيم وَنهى السَّيِّد خادمه عَن الذّهاب الى السَّيْل فَذهب وَدخل السَّيِّد يغْتَسل فَأَخذه السَّيْل ورماه بِمحل بعيد مَيتا وأكلت الطُّيُور عَيْنَيْهِ وَله أَحْوَاله ومقامات مأثورة وكرامات كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَعشْرين وَألف وعمره أَكثر من سبعين سنة وازدحم النَّاس على جنَازَته وَصلى عَلَيْهِ بِالْحرم الشريف وَدفن بقبة وَالِده عبد الله الى جِهَة الْقبْلَة على زين العابدين بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس الْمَشْهُور بزين العابدين وتاج العارفين وَهُوَ وَالِد جَعْفَر الصَّادِق الْمُقدم ذكره الشريف الحضرمى الامام الفنن الْكَبِير كَانَ فى عصره رَئِيس الْعلمَاء بحضرموت وَكَانَ أَمر اشرافها اليه وَكَانَ ذَا جاه عَظِيم عِنْد السُّلْطَان يصرفهُ فى مَمْلَكَته كَيفَ شَاءَ ويأتيه الى بَيته ويصدر عَن رَأْيه وتناهى فى الرياسة حَتَّى كَانَ هُوَ الْمُخَاطب بالامور ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَكَانَ سريع الْحِفْظ حسن البديهة وَنَشَأ فى حجر أَبِيه وَكَانَ مَعَ تفرده بعلو الْمنزلَة بارا بوالده يقف بَين يَدَيْهِ ويعتنى بخدمته فَكَانَ يمده بدعائه وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والتصوف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 وَألبسهُ الْخِرْقَة وَأخذ عَن جمَاعَة من الاعيان وَصَحب كثيرا فَمن مشايخه الشَّيْخ زين بن حُسَيْن وَالسَّيِّد الْجَلِيل عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عقيل وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن اسماعيل والاديب السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن على با حسن صَاحب القارة والامام السَّيِّد عبد الله بن مُحَمَّد بروم وَغَيرهم وبرع وَمَا خطّ عذاره وتميز على مشايخه ثمَّ جلس للتدريس فدرس التَّفْسِير وحضره من اشياخه جمع كثير وانتفع بِهِ خلائق لَا يُحصونَ وَكَانَ شَيْخه السَّيِّد عبد الله بروم مَعَ جلالة قدره وَكبر سنه يَأْخُذ الْكتاب وَيقْرَأ عَلَيْهِ وَوَقع بَينه وَبَين أَخِيه الامام شيخ خصومه سَببهَا ان أباهما خص زين العابدين بِبَعْض الْعقار نذر لَهُ بِهِ دون أَخَوَيْهِ مُحَمَّد وَشَيخ فسعى السَّيِّد شيخ فى ابطال النّذر وساعده القاضى أَحْمد بن حُسَيْن بلفقيه وَقَالَ احكم بابطاله فسعى زين العابدين فى عَزله عَن الْقَضَاء فَعَزله السُّلْطَان وَولى تلميذ زين العابدين القاضى حُسَيْن بن عمر بافقيه وَحكم بِصِحَّة النّذر قَالَ الشلى والمسئلة ذَات خلاف فَمِمَّنْ أفتى بِعَدَمِ الصِّحَّة قاضى الْقُضَاة زَكَرِيَّا وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن زِيَاد وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ جمَاعَة مِنْهُم الشهَاب أَحْمد بن حجر فى تحفته واطال فى الِاسْتِدْلَال فى فَتَاوِيهِ بِمَا يعرف حسنه من وقف عَلَيْهِ قَالَ وَمحل الْخلاف حَيْثُ لم يسن ايثار بَعضهم أما اذا ندر للْفَقِير أَو الصَّالح أَو الْبَار مُهِمّ فَيصح اتِّفَاقًا وَقَالَ فى كتاب الْوَقْف وَقد اتّفق أَئِمَّتنَا كاكثر الْعلمَاء على ان تَخْصِيص بعض الاولاد بِمَالِه كُله أَو بعضه هبة أَو وَقفا أَو غَيرهمَا لَا حُرْمَة فِيهِ وَلَو لغير عذراها واشتغل فى آخر عمره بِعلم الطِّبّ حَتَّى تمهر فِيهِ وَكَانَ من اعرف النَّاس بِأُمُور الدُّنْيَا وَيعرف عيب كل صَنْعَة وحسنها وَاتفقَ فى عصره جمَاعَة من الْفُضَلَاء والادباء فَكَانُوا يَجْتَمعُونَ فى مَجْلِسه وَيَقَع لَهُ مَعَهم نكات رشيقة وَكَانَ فى استحضار مباجث التَّفْسِير والْحَدِيث والتصوف آيَة لَا تدْرك وَكَانَ حَافِظًا لشوارد اللُّغَة وشواهد النَّحْو مستحضرا لَهَا وَله نظم ونثر كثير واكثر شعره يُوجد مقاطيع وَله رسائل كَثِيرَة فى عُلُوم شَتَّى وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ صدر من صُدُور الزَّمَان وَكَانَت وِلَادَته فى ذى الْحجَّة سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ مرض اياما فغم النَّاس لَهُ ثمَّ برأَ فاظهر النَّاس الْفَرح بِصِحَّتِهِ وَقَالَ كانكم بى وَقد عملت لكم عمل ولد الزرافة ثمَّ أَصَابَهُ حصر الْبَوْل فَكَانَ سَبَب مَوته فتوفى فى يَوْم الاحد لخمس بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة احدى وَأَرْبَعين وَألف وَقَامَ عَلَيْهِ الصياح من كل جَانب وجهز فى يَوْمه بِوَصِيَّة مِنْهُ وأتى السُّلْطَان عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 ابْن عمر من بَلَده سيوون وجد فى السّير فوصل تريم بعد الْعَصْر واسرع النَّاس من كل فج فضاقت بجنازته الطّرق وَأجْمع من شَاهد جنَازَته على انه لم ير اكثر جمعا مِنْهَا وَصلى عَلَيْهِ ابْن أَخِيه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف وَدفن دَاخل قبَّة وَالِده بجنان بشار على بن عبد الله بن المهلا بن سعيد بن على الميساى ثمَّ الشرفى قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال فى تَارِيخه كَانَ من حَملَة الْآدَاب وكملة الْعلمَاء الاطياب مولده بكوكبان وَبِه نَشأ وَقَرَأَ بصعدة والشرف ثمَّ قَرَأَ بِصَنْعَاء مُدَّة وَعَاد الى كوكبان ثمَّ تزوج بِهِ وَحمل أَهله الى صنعاء تَرْجمهُ وَلَده فَخر الدّين عبد الله بن على فَقَالَ كَانَ عَالما فى الْفِقْه والنحو والمعانى وَالْبَيَان والمنطق والتاريخ أَخذ عَن جمَاعَة من الْمَشَايِخ مِنْهُم مُحَمَّد بن عبد الله المهلا والعلامة عبد الحفيظ بن عبد الله بن المهلا وعَلى بن مُحَمَّد الجملونى وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتى وَالسَّيِّد عِيسَى بن لطف الله وَغَيرهم من الْعلمَاء قلت وَكَانَ محببا الى الْفُضَلَاء بمكارم اخلاقه طالما سَمِعت سيدنَا الْحسن بن أَحْمد الْحمى يحن اليه وينوح بعد فِرَاقه عَلَيْهِ وَيذكر من مَكَارِم اخلاقه مَا تتزين بِهِ الاوراق وَله شعر سيال قَلِيل النظير فى عصره أخبرنى السَّيِّد صَلَاح بن أَحْمد بن عز الدّين المؤيدى قَالَ قلت قصيدة فى السَّيِّد الْحسن بن الامام الْقَاسِم فَلَمَّا عرف انى اريد الْقِرَاءَة لقصيدتى قَالَ لى انه قد قَالَ فِينَا الْفَقِيه على بن عبد الله المهلا قصيدتين بليغتين تطلع عَلَيْهِمَا قَالَ السَّيِّد صَلَاح وَعرفت انه أَرَادَ ان يعرفنى انه يعرف جيد الشّعْر من زيفه فَقَرَأت القصيدتين فَرَأَيْت الْعجب وَكَانَ السَّيِّد الْحسن يذكرهما للادباء لهَذَا الْمَقْصد والقصيدتان الاولى مِنْهُمَا فى فتح ربيد وهى (لَا تحسبوه عَن هواكم سلا ... كلا وَلَا فارقكم عَن قلا) (وَلَا ثنت وهنانة قلبه ... هضيمة الكشح صموت الخلا) الوهنانة لينَة الْجِسْم ناعمة تكَاد تساقط من النعومة (تفضح بالقد غصون النقا ... لينًا وتحكى الشادن الاكحلا) (نشوانة مَا شربت قرقفا ... سحارة مَا عرفت بابلا) (آهلة الدَّار بأترابها ... لَا عفت الرّيح لَهَا منزلا) (نسيمها حدث عَن مسكها ... فخاله أهل الْهوى مُرْسلا) (دع التصابى فى الْمقَام الذى ... فاق سناه واقصد الافضلا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 (وَقل باعلى الصَّوْت ان جِئْته ... يَا ملكا حَاز جَمِيع الْعلَا) (هنيت هَذَا الشّرف الا طولا ... فالمفخر الباذج فَوق الملا) (ادركت مجدا عشر معشاره ... قد اعجز الاخر والاولا) (مَا أَنْت الا آيَة انزلت ... تقمع من حاف وَمن أبطلا) (يشْهد مَا فى الارض من خلقه ... انك صرت الاوحد الاكملا) (نور هدى يهدى بِهِ ذُو التقى ... نَار وغى حامية المصطلى) (وبحر علم مَاله سَاحل ... يذخر ان فصل أَو أجملا) (دَقِيق فكر مَا رأى مُشكلا ... الاوحل الْمُشكل المعضلا) (يَا ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ الذى ... مَا برح النَّصْر لَهُ مُقبلا) (رمحك لَا يألف الا الحشى ... سَيْفك لَا يعشق الا الطلا) (طرفك يختاض دِمَاء العدى ... كَأَنَّهَا كَانَت لَهُ منهلا) (منتعلا فى الروع هاماتهم ... مجللا أكبادهم والكلى) (مهدت للترك وَقد حزبوا ... أجنادهم تملأ عرض الفلا) (تغص قيعان زبيد بهم ... تخال فرسانهم أَََجَلًا) (فدارت الْحَرْب وَقد أملوا ... رَأيا وَقد يعكس من أملا) (وزاولوا مِنْك فَتى ماجدا ... لَا يرهب الْمَوْت اذا أَقبلَا) (يستحسن الدرْع على جِسْمه ... ثوبا ويستخشن ثوب الملا) (سابغه تسخر بالبيض فى الهيجا وتستزرى القنا الذبلا ... ) (فجرعوا من بأسه علقما ... معتصرا من شجرات الملا) (واستبدلوا عَن صهوات الذرى ... والضمر الجرد بطُون البلا) (فَمنهمْ من جَاءَ مستسلما ... وَمِنْهُم من طَار خوفًا الى) (فَهَكَذَا فلتكن الهمة القصعاء وَالْفَخْر والا فَلَا ... ) (فانقشعت تِلْكَ الغيابات عَن ... مهذب كَالْقَمَرِ المجنلى) (عَن فاطمى ذكر أَيَّامه ... يفعل فى السَّامع فعل الطلا) (الْحسن بن الْقَاسِم النّدب من ... غَار على الاسلام أَن يهملا) (وشادر كُنَّا لبنى هَاشم ... طاول من رفعته يذبلا) (سَاس من الشحر الى مَكَّة ... الى الْحمى عمرانها والخلا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 (ودوخ الارض فَلَو رام تخت الشَّام بله الرّوم والموصلا ... ) (لأقبلت بالطوع منقادة ... لامره أسْرع من لَا وَلَا) (ونال مِنْهَا كل مَا يبتغى ... وحازها بِالسَّيْفِ أَو بالجلا) (وَمَا هى الارض وَمَا قدرهَا ... عنْدك يَا من قدره قد علا) (لَو أَنَّهَا عنْدك مَجْمُوعَة ... وهبتها من قبل أَن تسألا) (وَلَو أمرت الشهب اقبالها ... نَحْوك لَا تلبث أَن تنزلا) (وضيغم الافلاك لَو رمته ... جعلت من فروته أنعلا) (وَلَو نهيت الدَّهْر عَن فعله ... بِالْحرِّ لاستعبد واستمثلا) (وان يرد مِنْهُ على بخله ... يوليه برأَ كَاد أَن يفعلا) (دمت لدين الْمُصْطَفى معقلا ... وللهيف المعتفى موئلا) وَالثَّانيَِة مِنْهُمَا قَوْله (هام وجدا بساكنى نعْمَان ... حَسبه من أحبة وَمَكَان) (جيرة خيموا فخيم قلبى ... واستقلوا فهام فى الاظعان) (ألفتهم روحى فهانت عَلَيْهِم ... قَلما يسلم الْهوى من هوان) (الْهوى شَأْنه عَجِيب فكم من ... مُسبل مَاء شَأْنه اثر شان) (علق الْقلب مِنْهُم بدرتم ... سَاحر اللحظ فاتر الاجفان) (وافر الردف كَامِل الطلعة الغراء مر الصدود حُلْو اللِّسَان) (من لقلبى بعض تفاحه الغض وتقبيل خَدّه الارجوانى ... ) (فأداوى الْفُؤَاد من ألم الْحبّ ليشفى معذب الهجران ... ) (مالكى مَا تُرِيدُ أصلحك الله باتلاف مُطلق الدمع عان ... ) (نم هَنِيئًا ملْء الجفون فان عاود طرفى الْكرَى فَقل لَا هنانى ... ) (يصطبينى هوى الحسان وَلَكِن ... مَا رآنى ربى بِحَيْثُ نهانى) (بل تحامى نفسى القريض فيدنيها اليه تشبيهها بالغوانى ... ) (أجماح مَعَ الصِّبَا بعد مَا لاحت ثَلَاث بيض ثنين عنانى ... ) (فاتنى ريق الشَّبَاب وَأَرْجُو ... عوده من أكف فَرد الزَّمَان) (يَا أَبَا أَحْمد بقيت فَمَا غَيْرك يدعى اذا التقى الْجَمْعَانِ ... ) (ذدعن الدّين واحمه بالصفاح الْبيض والصافنات والمران ... ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 (أَنْت مهدى هَذِه الامة المرجو احياؤه عقيب الزَّمَان ... ) (لَك من قَول جدك الصَّادِق الهادى وَمن قَول حيدر شَاهِدَانِ ... ) (زمن الدَّهْر عِنْدَمَا درس الْحق فمذ جِئْت عَاد فى العنفوان ... ) (غبن الْمُدعى علاك لقد مد يدا ويحه الى كيوان ... ) (يرتجى شأوك الرفيع لقد ضل وغرته نَفسه بالامانى ... ) (رفع الله مِنْك راية حق ... يتقى بأسها أولو الطغيان) (سل زبيدا والنجد نجد المحيريب وقاع القياب من سنجان ... ) (لَو تصدى لَهَا سواك اذا آل كسير القنا قَتِيل طعان ... ) (طفق الرّوم تَحت سَيْفك أَفْوَاجًا يخرؤن مِنْهُ للاذقان) (ان أعداءك الْبُغَاة لفى النَّار يطوفون فى حميم آن ... ) (ألفت خيلك الوغى فهى من ... شوق اليهم تهم بالطيران) (كم جيوش غادرتها للاعادى ... جزرا للنسور والعقبان) (من رأى بأسك الشَّديد واقدامك يَوْم الوغى على الاقران ... ) (معلما يلتقى الْكَتَائِب فَردا ... حَيْثُ تنسى مَوَدَّة الاخوان) (لَا يرى غيرهامة أَو نجيع ... أَو قتام أَو صارم أَو سِنَان) (علم النَّاس أَن مَالك ثانى ... واستبانوا ان الفخار يمانى) (الْغنى والفنا بكفيك موجودان ذَا اللعافى وَذَا اللجانى ... ) (وَلَك المحتد الرفيع وعلياك على الْخلق مَا لَهَا من مدانى ... ) (راق مدحى فِيمَن حوى قصب السَّبق ودانت لامره الخافقان ... ) (الْهمام الذى لَهُ الوقعات السود فى أهل الزيغ والعدوان ... ) (ملك يقهر الْجَبَابِرَة الصَّيْد ويعنو لَهُ ذَوُو التيجان ... ) (حسن بن الْمَنْصُور سبط السجايا ... مربع الْفضل منبع الاحسان) (سنّ للنَّاس مَذْهَب الْجُود والبأس فَمَا زيد الْخَيل وَابْن سِنَان ... ) (نشر الله عدله فى البرايا ... ليفوزوا بالامن والايمان) (وَأعَاد الاعياد تترى عَلَيْهِ ... أبدا مَا تعاقب الملوان) وَذكره بعض الافاضل فى بعض مجاميعه فَقَالَ فَاضل مبرز فى جَمِيع الْعُلُوم يهتدى بِهِ فى أَرض المكارم كَمَا يهتدى بالنجوم وبليغ ببلاغته أهل زَمَانه وَجَاء من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 الْمعَانى المبتكرة بِمَا لَا يُوجد فى أَقْوَال الكملة من أَرْبَاب أَو أَنه مَعَ كرم وثروة وَفضل ومروة مَسْكَنه مَدِينَة شبام من أَعمال كوكبان وَسبب استيطانه اياها ان وَالِده أَقَامَ بالاهجر من أَعمال كوكبان فى ذَلِك الزَّمَان وقصده الطّلبَة وعلماء الارض من كل مَكَان وَأَحْيَا فِيهِ علوما أَيَّام الامير الْكَبِير الْعَظِيم الشان عبد الرب بن شمس الدّين بن الامام شرف الدّين انْتفع بهَا القاصى والدان وَلم يزل صَاحب التَّرْجَمَة منهمكا على افادة الْعُلُوم حَتَّى توفى فى أَيَّام الامام مُحَمَّد الْمُؤَيد بن الامام الْقَاسِم وَكَانَت وَفَاته بِصَنْعَاء فى سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بحزيبة على بن عبد الله بن أَحْمد بن حُسَيْن بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس سراج الاصفياء وَنور الْعَالم قَالَ الشلى فى تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن على معلمنا الشَّيْخ عبد الله بن عمر باغريب وَحفظ بعض الْمِنْهَاج وَغَيره واشتغل بِطَلَب الْفَضَائِل وتأثيل الفواضل فَقَرَأَ الْفِقْه والتصوف على شَيخنَا عبد الرَّحْمَن بن علوى بافقيه وَأخذ عَن غَيره من الْعلمَاء وَصَحب كثيرين من أكَابِر العارفين ثمَّ اشْتغل بِعبَادة مَوْلَاهُ وَمَا يَنْفَعهُ فى آخرته ودنياه وَسَار سيرة آبَائِهِ الاكرمين وَنصب نَفسه لنفع الانام وَكَانَ سالكا مَعَ النَّاس أحسن سلوك وانتشر صيته فى تِلْكَ الْبلدَانِ وَكَانَ مأوى للغريب وملاذا للبعيد والقريب وَظَهَرت مِنْهُ كرامات وخوارق عادات لَا سِيمَا لمن هفا هفوه أَو ندرت مِنْهُ نادرة أَو جفوه واقر بِذَنبِهِ واعترف وَنَدم على مَا صدر مِنْهُ وتأسف فَمثل هَذَا يقوم فى خلاصه بِالْحَال والقال وبالعناية والاحتفال وَكَانَ النَّاس يقصدونه بالنذور والهدايا ويجازى كلا بالاكرام والعطايا وَلم يزل على مَا يُحِبهُ الله ويرضاه الى أَن ناداه منادى الْمنون فلباه وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَسبعين وَألف على بن عبد الله باراس الدوعنى الحضرمى أحد مَشَايِخ الطَّرِيقَة الجامعين بَين الشَّرِيعَة والحقيقة انْفَرد فى ذَلِك الاقليم بالارشاد والامداد وَصَحب فى بدايته الشريف الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عمر العطامى با علوى تلميذ الشَّيْخ حُسَيْن بن القطب الشَّيْخ أَبى بكر بن سَالم باعلوى صَاحب عينات واستفاد مِنْهُ وَكَانَ يُحِبهُ حبا شَدِيدا ويثنى عَلَيْهِ ولقى جمعا من أكَابِر السَّادة العلويين وانتفع بهم فَفتح الله تَعَالَى عَلَيْهِ بفتوحات كَثِيرَة وقصده النَّاس من نواحى شَتَّى وَتخرج بِهِ خلق كثير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 مِنْهُم الشَّيْخ الولى الزَّاهِد مُحَمَّد بن أَحْمد بامشموس الدوعنى وَحكى السَّيِّد الْجَلِيل مُحَمَّد بن عبد الله خرد باعلوى ان الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الْقَادِر باعشر الدوعنى بشربه قبل وجوده فَكَانَ يَقُول سيخرج بعدى فى هَذَا الْبَلَد رجل اسْمه كَذَا وَصفته كَذَا بوصفه هُوَ شمس هَذَا الاقليم ونوره وَله نفع الله تَعَالَى بِهِ المصنفات النافعة الْكَثِيرَة الشهيرة الَّتِى تلقاها أهل ذَلِك الاقليم بِالْقبُولِ التَّام مِنْهَا شرحان على الحكم العطائية كَبِير وصغير وَشرح قصيدة القطب الشَّيْخ أَبى بكر بن عبد الله العيدروس الَّتِى أَولهَا (مَا حسن يعشق غير حسن لبنى ... مَا مثلهَا مَحْبُوب) (وَلَا جمال يذكر بِكُل معنى ... الا لَهَا مَنْسُوب) وَغير ذَلِك مِمَّا يطول وَكَانَت وَفَاته بالحزيبة بِالتَّصْغِيرِ من أَعمال دوعن من حَضرمَوْت فى تَاسِع عشر شهر ربيع الاول سنة أَربع وَخمسين ألف على بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن يحيى بن أَبى يحيى بن أَحْمد ابْن السراج أَبُو الْحسن الانصارى السجلماسى الجزائرى قَالَ تِلْمِيذه الامام الْعَلامَة عِيسَى أَبُو مهدى بن مُحَمَّد الثعالبى نزيل مَكَّة رَأَيْت بِخَطِّهِ نسبه مَرْفُوعا إِلَى سعد بن عبَادَة سيد الْخَزْرَج وَكَانَ عَالما مُحدثا اخبارياً أديبا قَالَ الفيومى والشلى ولد بثافلات وَنَشَأ بسجلماسسة ثمَّ رَحل الى فاس وَأدْركَ بهَا جلة الْعلمَاء فَأخذ عَنْهُم بهَا عدَّة فنون وَكَانَ جلّ أَخذه عَن الاستاذ الْكَبِير نخبة الشّرف السَّيِّد أَبى مُحَمَّد عفيف الدّين عبد الله بن على بن طَاهِر الْحسنى السجلماسى والعالم الولى بَقِيَّة السّلف أَبى عبد الله مُحَمَّد أَبى بكر الدلائى الصنهاجى وحافظ الْعَصْر أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد المقرى التلمسانى وَبلغ الْغَايَة القصوى فى الرِّوَايَة والمحفوظات وَكَثْرَة الْقِرَاءَة وَحكى بعض تلامذته انه قَرَأَ السِّتَّة على مشايخه دراية وَقَرَأَ البخارى سبع عشرَة مرّة بالدرس قِرَاءَة بحث وتدقيق وَمر على الْكَشَّاف من أَوله الى آخِره ثَلَاثِينَ مرّة مِنْهَا قِرَاءَة وَمِنْهَا مطالعة ثمَّ رَحل بعد الاربعين من بِلَاده فحج وَدخل مصر فى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَأخذ بهَا عَن الشهابين أَحْمد الغنيمى وَأحمد بن عبد الْوَارِث البكرى وَعَن النُّور على الاجهورى الْمَار ذكرهم وَغَيرهم ولقيه الشَّيْخ الامام عبد الْقَادِر بن مصطفى الصفورى الدمشقى فى مرتحله الى الْقَاهِرَة فَأخذ عَنهُ مَعَ جمع ثمَّ عَاد الى الْمغرب وَوصل الى فاس ثمَّ صَار مفتيا بِالْجَبَلِ الاخضر وبقى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 هُنَاكَ وَكَانَ آيَة باهرة فى جَمِيع الْعُلُوم وَجَمِيع أجواله كلهَا مرضية وَله مؤلفات كَثِيرَة غالبها نظم مِنْهَا التَّفْسِير بلغ فِيهِ الى قَوْله تَعَالَى وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَشرح النخبة لِابْنِ عَاصِم لم يخرج من المسودة وَتَقْيِيد على مُخْتَصر خَلِيل لم يكمل والمنح الاحسانية فى الاجوبة التلمسانية وَمِنْهَا نظم السِّيرَة النَّبَوِيَّة سَمَّاهُ الدرة المنيفة فى السِّيرَة الشَّرِيفَة افتتحها بقوله (قَالَ على حَامِل الاوزار ... هُوَ ابْن عبد الْوَاحِد الانصارى) ومنظومة جَامِعَة الاسرار فى قَوَاعِد الاسلام الْخمس واليواقيت الثمينة فى العقائد والاشباه والنظائر فى فقه عَالم الْمَدِينَة وَهُوَ نظم وَعقد الْجَوَاهِر فى نظم النَّظَائِر لم يتم والسيرة الصُّغْرَى نظم أَيْضا وَالنّظم الْمُسَمّى بمسالك الْوُصُول الى مدارك الاصول ونظم أصُول الشريف التلمسانى وَشَرحه ومنظومة فى وفيات الاعيان وَأُخْرَى فى التَّفْسِير وَأُخْرَى فى مصطلح الحَدِيث وَأُخْرَى فى الاصول غير مَا تقدم وَأُخْرَى فى النَّحْو وَأُخْرَى فى الصّرْف وَأُخْرَى فى الْمعَانى وَالْبَيَان وَأُخْرَى فى الجدل وَأُخْرَى فى الْمنطق وَأُخْرَى فى الْفَرَائِض وَأُخْرَى فى التصوف وَأُخْرَى فى الطِّبّ وَأُخْرَى فى التشريح وَشرح الاجرومية وَشرح الدُّرَر اللوامع لابى الْحسن بن بَرى وديوان خطب ونظم فى مسئلة الاوتاد والابدال وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى أَوَاخِر شعْبَان سنة سبع وَخمسين وَألف شَهِيدا بالطاعون فى الجزائر من الديار المغربية وسجلماسه تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فى تَرْجَمَة أَحْمد بن أَبى مران على بن على أَبُو الضياء نور الدّين الشبراملسى الشافعى القاهرى خَاتِمَة الْمُحَقِّقين وَولى الله تَعَالَى مُحَرر الْعُلُوم النقلية وَأعلم أهل زَمَانه لم يَأْتِ مثله فى دقة النّظر وجودة الْفَهم وَسُرْعَة اسْتِخْرَاج الاحكام من عِبَارَات الْعلمَاء وَقُوَّة التأنى فى الْبَحْث واللطيف والحلم والانصاف بِحَيْثُ انه لم يعْهَد مِنْهُ انه أَسَاءَ الى أحد من الطّلبَة بِكَلِمَة حصل لَهُ مِنْهَا تَعب بل كَانَ غَايَة مَا يَقُول اذا تغير من أحد من تلامذته الله يصلح حالك يَا فلَان وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا عَالما عَاملا لَهُ قُوَّة اقدام على تَفْرِيق كتائب المشكلات ورسوخ قدم فى حل اقفال المقفلات مهابا موقرا فى النُّفُوس بِحَيْثُ ان الانسان اذا تَأمل وَجهه النورانى ولحيتة الْبَيْضَاء الطاهرة وهيئته الْحَسَنَة يخشع لرُؤْيَته وَلَا يُرِيد مُفَارقَته وَكَانَ حسن المنادمة لطيف المداعبة لَا يتَكَلَّم الا فى مَا يعنيه وَكَانَ مَجْلِسه مصونا عَن الْغَيْبَة وَذكر النَّاس بِسوء وَجَمِيع أوقاته مصروفة فى المطالعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَالصَّلَاة وَالْعِبَادَة وَكَانَ زاهدا فى الدُّنْيَا لَا يعرف أَحْوَال أَهلهَا وَلَا يتَرَدَّد الى أحد مِنْهُم الا فى شَفَاعَة خير وَكَانَ اذا مر فى السُّوق تتزاحم النَّاس مسلمها وكافرها على تَقْبِيل يَده وَلم يُنكر أحد من عُلَمَاء عصره وأقرانه فَضله بل جَمِيع الْعلمَاء اذا أشكلت عَلَيْهِم مسئلة يراجعونه فِيهَا فيبينها لَهُم على أحسن وَجه وأتمة وَقَالَ فِيهِ الْعَلامَة سرى الدّين الدرورى لَا يكلمهُ أحد الا علاهُ فى كل فن وَكَانَ يَقُول مَا فى الْجَامِع الا الاعمى وَيُشِير اليه وَكَانَ سرى الدّين هَذَا فريد عصره فى الْعُلُوم النظرية وَسُئِلَ البشبيشى عَن سرى الدّين وَعَن المترجم فَقَالَ ان سرى الدّين كَانَ اذا طالع الدَّرْس لَا يقدر عَلَيْهِ أحد فِيهِ واذا نقل الى غَيره وقف يُشِير إِلَى قلَّة استحضاره وَأما الشبر املسى فَكَانَ اذا نقل الى أى فن كَانَ لايختل وَلَا يتَوَقَّف لقُوَّة فهمه وَسُرْعَة استحضاره للقواعد من الْعُلُوم وَكَانَ جبلا من جبال الْعلم لَا يضجر من الْبَحْث فى الدَّرْس ويتعب ان لم يبْحَث مَعَه الطّلبَة وَيَقُول لَهُم مَا لنا الْيَوْم هَكَذَا واذا بحث مَعَ أحد من الْمُتَقَدِّمين يبْحَث بغاية الادب وَمن مقولاته قِيرَاط من الادب خير من أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطا من الْعلم ولد بِبَلَدِهِ شبراملس وَحفظ بهَا الْقُرْآن وَكَانَ أَصَابَهُ الجدرى وَهُوَ ابْن ثَلَاث سِتِّينَ فَكف بَصَره وَكَانَ يَقُول لَا أعرف من الالوان الا الاحمر لانه كَانَ يَوْمئِذٍ لابسه ثمَّ قدم مصر صُحْبَة وَالِده فى سنة ثَمَان بعد الالف وَحفظ الشاطبية وَالْخُلَاصَة والبهجة الوردية والمنهاج ونظم التَّحْرِير للعمر يطى والغاية والجزرية والكفاية والرحبية وَغير ذَلِك وتلا جَمِيع الْقُرْآن للسبعة من طريقى التَّيْسِير والشاطبية وختمه فى سنة سِتّ عشرَة وَألف ثمَّ قَرَأَهُ كُله للعشرة من طَرِيق الشاطبية وختمه فى سنة خمس وَعشْرين وَألف على شيخ الْقُرَّاء فى زَمَانه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْيُمْنَى وَحضر دروس الشَّيْخ عبد الرؤف المناوى فى مُخْتَصر المزنى فى الْمدرسَة الصلاحية جوَار الامام الشافعى وَأخذ الْفِقْه والْحَدِيث عَن النُّور الزيادى وَسَالم الشبشيرى وانتفع بِهِ كثيرا وَكَانَ يحْكى عَنهُ كَرَامَة وَقعت لَهُ مَعَه تقدم ذكرهَا فى تَرْجَمَة الشبشيرى ولازم النُّور الحلبى صَاحب السِّيرَة الْمُلَازمَة الْكُلية وَالشَّمْس الشوبزى وَعبد الرَّحْمَن الخيارى ومحيى الدّين بن شيخ الاسلام وفخر الدّين وسراج الدّين الشنوانيين وَسليمَان البابلى وَلزِمَ فى العقليات الشهَاب الغنيمى وَكَانَ لَا يفتر عَن ذكره وَسمع الصَّحِيحَيْنِ والشفاء على الْمُحدث الْكَبِير الشهَاب أَحْمد السبكى شَارِح الشِّفَاء وَسمع أَيْضا صَحِيح البخارى والشمايل والمواهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 وَشرح عقائد النسفى وَشرح جمع الْجَوَامِع ومغنى اللبيب وَشرح ابْن ناظم الْخُلَاصَة وَشرح جَوْهَرَة التَّوْحِيد كل ذَلِك على الْبُرْهَان اللقانى وَحضر الاجهورى فى شرح نحبة الاثر وَشرح ألفية السِّيرَة وَالْجَامِع الصَّغِير وَشرح الشمسية وَشرح التَّهْذِيب والحفيد وَحضر عبد الله الدنوشرى فى جَمِيع شرح ابْن عقيل وَشرح الْبَهْجَة للولى العراقى فى مقدمتين فى الْعرُوض وتصدر للاقراء بِجَامِع الازهر فَانْفَرد فى عصره بِجَمِيعِ الْعُلُوم وانتهت اليه الرياسة وَكَانَ آخر أقرانه موتا ولازمه لاخذ الْعلم عَنهُ أكَابِر عُلَمَاء عصره كالشيخ شرف الدّين بن شيخ الاسلام وَالشَّيْخ زين العابدين وَمُحَمّد البهوتى الحنبلى وَيس الحمصى وَمَنْصُور الطوخى وَعبد الرَّحْمَن الْمحلى والشهاب البشيشى وَالسَّيِّد أَحْمد الحموى وَعبد الباقى الزرقانى وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى وَكَانَ يكْتب على جَمِيع مَا يَقْرَؤُهُ من الْكتب وَلَو جمع مَا كتبه لجاوز الْحَد وَلكنه تبدد بَين يدى طلبته فَمنهمْ من نسب مَا بِيَدِهِ لَهُ وَمِنْهُم من مَاتَ وَذهب مَا كتبه وَلم يشْتَهر من مؤلفاته الا حَاشِيَته على الْمَوَاهِب اللدنية فى خمس مجلدات ضخام وحاشية على شرح الشمايل لِابْنِ حجر وحاشية على شرح الورقات الصَّغِير لِابْنِ قَاسم وحاشية على شرح أَبى شُجَاع لِابْنِ قَاسم الغزى وحاشية على شرح الجزرية للقاضى زَكَرِيَّا وحاشية على شرح الْمِنْهَاج النِّهَايَة للشمس الرملى وَسبب كِتَابَته عَلَيْهِ انه كَانَ يطالع التُّحْفَة لِابْنِ حجر فَأَتَاهُ الشَّمْس الرملى فى الْمَنَام وَقَالَ لَهُ يَا شيخ على أحى كتابى النِّهَايَة يحى الله قَلْبك فاشتغل بمطالعتها من ذَلِك الْحِين وتقيد بِهِ وَكتب عَلَيْهِ هَذِه الْحَاشِيَة فى سِتّ مجلدات ضخام وَكَانَ اذا أَتَى الى الدَّرْس فى آخر عمره يجلس وَهُوَ فى غَايَة التَّعَب من الْكبر بِحَيْثُ انه لَا يَسْتَطِيع النُّطْق الا بِصَوْت خفى ثمَّ يقوى فى الدَّرْس شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى يصير كالشاب ويتجلد للبحث وَكَانَ كثير المطالعة واذا تَركهَا أَيَّامًا تَأتيه الْحمى وَالْحَاصِل انه مستحسن الْخِصَال كلهَا وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع أَو ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشر شَوَّال سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَتَوَلَّى غسله بِيَدِهِ تِلْمِيذه الْفَاضِل أَحْمد الْبناء الدمياطى فانه أَتَاهُ فى الْمَنَام قبل مَوته بأيام وَأمره أَن يتَوَلَّى غسله فَتوجه من دمياط الى مصر فَأصْبح بهَا يَوْم وَفَاته وباشر غسله وتكفينه بِيَدِهِ وَحكى انه لما وضأه ظهر مِنْهُ نور مَلأ الْبَيْت بِحَيْثُ انه لم يسْتَطع بعد النّظر اليه وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع الازهر يَوْم الْخَمِيس اماما بِالنَّاسِ الشَّيْخ شرف الدّين بن شيخ الاسلام زَكَرِيَّا وَكَانَ لَهُ مشْهد عَظِيم وَحصل للنَّاس عَلَيْهِ من الْجزع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 مَا لم يعْهَد لمثله والشبراملسى بشين مُعْجمَة فموحدة فراء فألف مَقْصُورَة على وزن سكرى كَمَا فى الْقَامُوس مُضَافَة الى ملس بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام الْمُشَدّدَة وبالسين الْمُهْملَة أَو مركبة تركيب مزج وهى قَرْيَة بِمصْر على بن عمر الْمَشْهُور بالعقيبى الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى ابْن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى زين الدّين نزيل دمشق الْمجمع على ولَايَته وَكَانَ حموياً وَهُوَ من أكبر تلامذة الشَّيْخ علوان وَكَانَ امْرَهْ بالذهاب الى دمشق فَقَدمهَا وَسكن بمحلة العقيبة خَارج دمشق عِنْد جَامع التَّوْبَة وَلِهَذَا لقب بالعقيبى وَابْنه على هَذَا أدْرك الشَّيْخ علوان وَولى مشيختهم بعد أَخِيه الشَّيْخ مُحَمَّد وَكَانَ لَهُ ذوق فى بَيَان الخواطر اذا شكيت اليه وَحكى ان الشهَاب أَحْمد بن الْبَدْر الغزى لقِيه يَوْمًا فَقَالَ لَهُ يَا سيدى رَأَيْت فى بعض الْكتب عَن بعض السَّادة يَا نفس هونى وعَلى مَا كَانَت النَّاس كونى وتأملت فى ظَاهر هَذَا الْكَلَام فرأيته غير مُسلم فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا المُرَاد بِالنَّاسِ الكاملون فى الانسانية مثل أَبى بكر وَعمر وأمثالهما فَقَالَ لَهُ الشهَاب بَارك الله تَعَالَى فِيك بِهَذَا يَزُول اشكال هَذَا الْكَلَام قَالَ النَّجْم فى تَرْجَمته لقيناه وصحبناه بُرْهَة من الزَّمَان وَدخلت عَلَيْهِ فى مرض مَوته فَسَمعته يَقُول وَهُوَ فى سَكَرَات الْمَوْت يَا سيدى يَا حبيبى يَا ربى وَالله انك لتعلم انى أحبك ثمَّ مَاتَ عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ قد ضعف بَصَره فى آخر عمره وَيُقَال انه أوفى على الْمِائَة سنة وَمَات فى لَيْلَة السبت سَابِع شهر ربيع الاول سنة احدى بعد الالف وَدفن عِنْد أَبِيه بزاويتهم بمحلة العقيبة وَكَانَت لَهُ جَنَازَة مَشْهُودَة وَجلسَ وَلَده الشَّيْخ أَبُو الوفا مَكَان بالزاوية يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع يَوْم دَفنه وَاجْتمعت عَلَيْهِ الْفُقَرَاء على بن عمر بن على بن مُحَمَّد فَقِيه بن عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ على السَّيِّد الْعَالم الْهمام العلى الْقدر قَالَ الشلى فى تَرْجَمته ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن وعدة متون مِنْهَا الارشاد وَعرض محفوظاته على مشايخه ثمَّ اشْتغل بتحصيل الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والادبية والصوفية وجد حَتَّى عد من الفحول وتفقه على شافعى زَمَانه القاضى أَحْمد بن حُسَيْن بلفقيه وَأخذ التَّفْسِير والْحَدِيث والمعانى وَالْبَيَان عَن الْعَلامَة أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين والعربية وَالْفِقْه وَغَيرهمَا عَن أَحْمد بن عمر عبديد والتصوف والْحَدِيث وَغَيرهمَا عَن تَاج العارفين الشَّيْخ زين العابدين وَابْن أَخِيه عبد الرَّحْمَن السقاف وَأخذ ذَلِك عَن الْعَارِف بِاللَّه السَّيِّد علوى بن عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 العيدروس ولازمه وَأكْثر التَّرَدُّد اليه وَكَانَ جلّ انتفاعه بِهِ واعتنى بِهِ الشَّيْخ علوى من بَين أَصْحَابه ورحل الى وادى دوعن ووادى عمد وَأخذ بهما عَن أكَابِر الْعلمَاء وَلبس الْخِرْقَة من مشايخه الْمَشْهُورين وأذنوا لَهُ فى الالباس والاقراء ونفع النَّاس وبرع فى عدَّة عُلُوم الا ان الْفِقْه أشهر علومه والتصوف أَكثر معلوماته وَكَانَ حسن المذاكرة كثير الْفَوَائِد كَرِيمًا سخيا عفيفا ذكيا بَصيرًا بالامور نظيف الثِّيَاب كثير البشاشة محبوبا لجَمِيع الانام مَقْبُول الشَّفَاعَة وَجمع كتبا كَثِيرَة ووقفها على طلبة الْعلم بتريم وَتوفى قبل الاكتهال فى أَوَائِل شَوَّال سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة زنبل رَحمَه الله تَعَالَى على بن عمر بن على بن عبد الله بن عمر بن سَالم بن مُحَمَّد بن عمر بن على بن أَحْمد ابْن الاستاذ الاعظم الْفَقِيه الْمُقدم اشْتهر جده الاعلى ببا عمر الولى الْعَارِف القطب قَالَ الشلى فى تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة ظفار وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بالتحصيل فَأخذ عَن الشَّيْخ عقيل بن عمرَان ولازمه فى دروسه واعتنى بِهِ الاعتناء التَّام حَتَّى وصل الى رُتْبَة السَّادة ثمَّ قصد مَكَّة فحج ثمَّ دخل الْهِنْد وبلاد جاوة ثمَّ رَجَعَ الى وَطنه وَعظم قدره وأزال مَا فِيهَا من الْفساد وانقادت لامره أهل دائرتها وَجلسَ للتدريس فقصده النَّاس ثمَّ قصد مَكَّة وَأقَام بهَا مُدَّة وَأخذ عَن جمع كثير وَأخذ عَنهُ كَثِيرُونَ قَالَ الشلى وَحضر بعض دروسى وَسمع منى بِقِرَاءَة غَيره وأجزته بِجَمِيعِ مصنفاتى ومروياتى وألبسته الْخِرْقَة ثمَّ قصد الْمَدِينَة وَحصل لَهُ هُنَاكَ غَايَة الانعام وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من المريدين ثمَّ رَجَعَ الى وَطنه وَهُوَ فريد زَمَانه منحه الله تَعَالَى حسن الاخلاق وحلما عَظِيما وَغير ذَلِك من المحاسن وَله نظم ونثر قلت لم يذكر لَهُ شَيْئا مِنْهُمَا وَكَانَت وَفَاته بظفار فى سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف المنلا على بن المنلا قَاسم بن نعْمَة الله الشيرازى المكى الاديب الْفَاضِل ذكره ابْن مَعْصُوم فى سلافته فى نَعته هُوَ امام الْمعَانى وَالْبَيَان والغنى فَضله عَن الايضاح والتبيان وَمن عَلَيْهِ الْمعول فى كل مُخْتَصر ومطول وَأما الادب فان نثر فالنثرة فى قلق أَو شعر عاذت الشعرى بِرَبّ الفلق وَهُوَ شيرازى المحتد حجازى المولد وجده الرَّابِع من آبَائِهِ الشَّيْخ ظهير الدّين كَانَ أحد الْعلمَاء الْمُحَقِّقين وَله بشيراز مدرسة وطلبة ورتبة أحرز بهَا من الْخَيْر مَا طلبه وَولد صَاحب التَّرْجَمَة بِمَكَّة ونشأبها وأكب على كسب الْعلم وتحصيله وتأثيل الْفضل وتاصيله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 حَتَّى ظهر شانه وتهدلت بفنون الْعلم أفنانه فَلَمَّا نبابه الوطن وضاق عَنهُ العطن ارْتَاحَ للسَّفر وأمل حُصُول الظفر وامتثل قَول الاول (واذا نبا بك منزل فتحول ... ) فَدخل الْعَجم أَولا والهند ثَانِيًا وَرَاح لعنانة عَن أوطانه ثَانِيًا فاختطفته الْمنية فى بعض الْبِلَاد الْهِنْدِيَّة ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله فى صدر كتاب (أَنَاخَ بسوحى جَيش هم وأبطال ... وأضحى قرين الْقلب من بعد ترحال) (وَمَا فل ذَاك الْجَيْش غير صحيفَة ... تجل لعمرى عَن شَبيه وتمثال) (أَتَت تسلب الالباب طرا كَأَنَّهَا ... ربيبة خدر ذَات سمط وخلخال) (أَتَت من خَلِيل قربه غَايَة المنى ... ومنظره الاسنى غَدا جلّ آمالى) (فَلَا زَالَ مَحْفُوظًا عَن الْحزن والاسى ... وَلَا زَالَ محفوفا بعز واجلال) وَقَوله مضمنا (وَلما أتتنى من جنابك نفحة ... تضوع من أنفاسها الْمسك والكد) (وقفت فأتبعت الرَّسُول مسائلا ... وأنشدته بَيْتا هُوَ الْعلم الْفَرد) (وحدثتنى يَا سعد عَنْهَا فزدتنى ... شجونا فزدنى من حَدِيثك يَا سعد) وَالْبَيْت المضمن للْعَبَّاس بن الاحنف وَبعده (هَواهَا هوى لم يعرف الْقلب غَيره ... فَلَيْسَ لَهُ قبل وَلَيْسَ لَهُ بعد) قلت وَصَاحب الترخمة كَانَ تزوج بِأم السَّيِّد على صَاحب السلافة واستولدها وَلَده أَحْمد بن المنلا أحد أدباء مَكَّة الْآن وَهُوَ فى الاحياء كَامِل الادوات لطيف الذَّات فَهُوَ أَخُو السَّيِّد على بن مَعْصُوم لامه وَكَانَت وَفَاة المترجم فى الْمحرم سنة احدى وَخمسين وَألف على بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن أَحْمد بن ابراهيم الملقب عَلَاء الدّين بن نور الدّين بن القاضى برهَان الدّين البعلى الْمَعْرُوف بِابْن المرحل الامام الْفَقِيه المالكى الْمَذْهَب القاضى الْمُفْتى نزيل دمشق ينتهى نسبه الى صدر الدّين بن الْوَكِيل قَرَأَ بِبَلَدِهِ بعلبك على الشَّيْخ شهَاب الدّين الفصى وَغَيره ورحل الى مصر فى رَمَضَان سنة تسع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَن ابْن الصيرفى وَحج من مصر فى تِلْكَ السّنة وَعَاد اليها وَصَحب الشَّيْخ شرف الدّين البرهمتوشى الحنفى وَقَرَأَ فى الرسَالَة على الشَّيْخ الامام عبد الرَّحْمَن التاجورى المغربى وعَلى الشَّيْخ على الصعيدى والمختصر للشَّيْخ خَلِيل على الشَّيْخ نَاصِر الصعيدى مرَارًا وتفقه على الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الاجهورى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 والناصر اللقانى وَآخَرين وَأخذ النَّحْو عَن الشَّيْخ سراج الدّين امام الْحَنَفِيَّة بِجَامِع الازهر وَصَحب الشَّيْخ الاستاذ أَبَا الْحسن البكرى ثمَّ حج وَدخل الْيمن وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد الى بعلبك وَأقَام بهَا يدرس ويفتى حَتَّى جرت لَهُ بهَا محنة سَافر بِسَبَبِهَا الى الرّوم ثمَّ دخل فى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وقطن بهَا وَصَحب الشهَاب الغزى وَقَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من الاحياء ولازم درس الْبَدْر الغزى فى الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَغَيرهمَا وَقَرَأَ على الْعَلَاء بن عماد الدّين والشهاب الفلوجى والبدر حسن بن المزلق ثمَّ صحب الشَّيْخ أَحْمد بن سُلَيْمَان الصوفى وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر بن سوار ولازم عِنْده حُضُور الْمحيا الى الْمَمَات وَكَانَ يصحب أَيْضا الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وأخاه الشَّيْخ ابراهيم وَكَانَ بِهِ أخص وَكَانَ من اشراف النَّاس انْتَهَت اليه رياسة مذْهبه وَكَانَ يحفظ الْمَذْهَب على ظهر قلبه وَولى نِيَابَة الْقَضَاء بمحكمة الْبَاب مرَارًا وَلم يتَنَاوَل شَيْئا من الْمَحْصُول وَيَقُول للقضاة أَنا مرادى بالنيابة قيام الناموس وَكَانَ عِنْده حمية وَولى امامة الْمَالِكِيَّة بالجامع الاموى وَكَانَ سليط اللِّسَان قوى النَّفس فى انكار الْمُنكر وَغَيره وَكَانَ يعْزل نَفسه عَن النِّيَابَة لنصرة الْحق ولتنفيذ كَلمته ثمَّ تلاطفه الْقُضَاة فَيَعُود الى النِّيَابَة عَزِيزًا مكرما وَفرغ عَن النِّيَابَة والامامة آخرا وَحج صُحْبَة الشَّيْخ ابراهيم بن سعد الدّين وجاورا وَعَاد فى سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وبقى بفتى الى أَن مَاتَ وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى شهر ربيع الاول سنة ثَلَاث بعد الالف وَدفن خَارج بَاب الله عِنْد قُبُور بنى سعد الدّين على بن مُحَمَّد بن على بن خَلِيل بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن مُوسَى بن غَانِم بن على ابْن حسن بن ابراهيم بن عبد الْعَزِيز بن سعيد بن سعد بن عبَادَة سيد الْخَزْرَج الخزرجى السعدى العبادى المقدسى الاصل القاهرى المولد والسكن الملقب نور الدّين الحنفى الْعَالم الْكَبِير الْحجَّة الرحلة الْقدْوَة رَأس الْحَنَفِيَّة فى عصره وامام أَئِمَّة الدَّهْر على الاطلاق وَأحد أَفْرَاد الْعلم الْمجمع على جلالته وبراعته وتفوقه فى كل فن من الْفُنُون وَبِالْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيل فَهُوَ أعلم عُلَمَاء هَذَا التَّارِيخ وَأَكْثَرهم تبحرا وأجمعهم للفنون مَعَ الْولَايَة والورع والزهد والشهرة الطنانة الَّتِى سلم لَهَا أهل عصره وأذعنوا لَهَا مَعَ ان العصريين يجحدون فضل بَعضهم بَعْضًا وَلَا يذعنون كل الاذعان وَقد وقفت على أخباره كثيرا فى التواريخ وَكتب الْآدَاب الْمُؤَلّفَة فانتقيت مَا يحصل المُرَاد من تَرْجَمته فَأَقُول انه نَشأ بِمصْر وَحفظ الْقُرْآن وتلاه بالسبع على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 الشَّيْخ الْفَقِيه الْوَرع الزَّاهِد شهَاب الدّين أَحْمد بن الْفَقِيه على بن حسن المقدسى الحنبلى وَأخذ عَن قاضى الْقُضَاة محب الدّين أَبى الْجُود مُحَمَّد بن ابراهيم السديسى الحنفى قَرَأَ عَلَيْهِ القراآت وَالْفِقْه وَسمع عَلَيْهِ كثيرا وَعَن قاضى الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن على الفتوحى الحنبلى الشهير بِابْن النجار قَرَأَ عَلَيْهِ الصَّحِيحَيْنِ وَبَعض كل من السّنَن الاربعة وَسمع عَلَيْهِ بعض معانى الْآثَار للطحاوى وَغير ذَلِك من كتب الحَدِيث وَغَيرهَا وَمن مشايخه الْمُحَقق شهَاب الدّين أَحْمد بن يُونُس الحلبى الشهير بِابْن الشلبى صَاحب الْفَتَاوَى قَرَأَ عَلَيْهِ الْفِقْه وَسمع عَلَيْهِ الحَدِيث وَغَيره وَمِنْهُم خَاتِمَة الْمُحَقِّقين الشَّيْخ نَاصِر الدّين الطبلاوى وَالشَّيْخ الامام نَاصِر الدّين اللقانى المالكى والاستاذ الْعَارِف الْكَبِير أَبُو الْحسن البكرى وَالشَّيْخ الشهَاب الرملى والعلامة الشهير بعالم الرّبع العامر الامام المفنن شمس الدّين مُحَمَّد الشهير بمفوش المغربى التونسى قَرَأَ عَلَيْهِ بعض مُسلم وَأَجَازَهُ بسائره وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَسمع عِنْده كثيرا من الْعُلُوم وَمِنْهُم الشَّيْخ الْمسند شمس الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين السكندرى يرْوى عَنهُ الحَدِيث المسلسل بالاولية والكتب السِّتَّة والقراآت وَمِنْهُم السَّيِّد قطب الدّين عِيسَى بن صفى الدّين الشيرازى ثمَّ المكى الشهير بالصفوى يرْوى عَنهُ البخارى والشفاء سَمَاعا لبعضهما واجازة لسائرهما وشاركه فى الاخذ عَن شَيْخه السَّيِّد أَبى الْفضل الاسترابادى تلميذ شيخ الاسلام احْمَد بن يحيى الهروى حفيد السعد التفتازانى سمع عَلَيْهِ التَّلْوِيح للتفتازانى وَسمع على السَّيِّد الشريف مير عليم البخارى شَارِح الْفَوَائِد الغياثية وَالْمولى مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الشهير بمعلول أَمِير وقاضى الْقُضَاة عبد الله بن عبد الْعَزِيز الشهير ببرويز قاضى الْعَسْكَر بِمصْر وَكِلَاهُمَا يرْوى عَن الْعَلامَة أَحْمد بن سُلَيْمَان الشهير بِابْن الْكَمَال الْمُفْتى وَالْمولى سعدى المحشى الْمُفْتى وتفوق على أهل عصره فى كل علم وَكَانَ اليه الرحلة من الْآفَاق وَأفْتى مُدَّة حَيَاته وانتفع بِهِ الجم الْغَفِير من كبار أهل زَمَانه مِنْهُم الشهابان الغنيمى والخفاجى وَأَبُو المعالى الطالوى الدمشقى وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى وَولى المناصب الجليلة كامامة الاشرفية ومشيختها ومشيخة مدرسة الْوَزير سُلَيْمَان باشا ومشيخة الاقراء بمدرسة السُّلْطَان حسن وتدريس الصرغتمشية وَغير ذَلِك وَحج مرَّتَيْنِ ورحل الى الْقُدس ثَلَاث مَرَّات وَألف التآليف النافعة فى الْفِقْه وَغَيره مِنْهَا شرح نظم الْكَنْز سَمَّاهُ الرَّمْز وَشرح الاشباه والنظائر وَله الشمعة فى أَحْكَام الْجُمُعَة الَّتِى قَالَ فى مدحها الْمولى على بن أَمر الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 الحنائى (لقد أنست عيناى لمحة شمعة ... توقد من مشكاة علم وايقان) (جلا نورها الوضاح أفق كَمَاله ... غياهب شكّ كَانَ فى ليل نُقْصَان) وَكتب عَلَيْهَا شاه مُحَمَّد الفنارى (أَضَاءَت خفيات الْعُلُوم بشمعة ... توقد فى مشكاة علم واتقان) (جلا نورها البادى بصبح كمالها ... غياهب شكّ كَانَ فى ليل نُقْصَان) وَله غير ذَلِك وَذكره الخفاجى وَقَالَ فى وَصفه امام اقتدت بِهِ عُلَمَاء الامصار وتنزهت من فضائله فى حدائق ذَات بهجة وأنوار أثمرت أَغْصَان الاقلام فى حدائق فضائله وسالت فى بطاح المكارم بحار فواضله (فَالنَّاس كلهم لِسَان وَاحِد ... يَتْلُو الثَّنَاء عَلَيْهِ وَالدُّنْيَا فَم) فالعلم مَدِينَة وعَلى بَابهَا وكعبة تحج لَهَا آمال الْفُضَلَاء وألبابها لَو مست رَاحَته هَذَا السَّحَاب أمطر كرما ومجدا أَو النُّجُوم جرين فى التربيع سَعْدا وَلَو رَآهُ النُّعْمَان لقَالَ هَذَا أخى وشقيقى أَو الصاحب لقَالَ أَنْت فى طرق البلاغة رفيقى (صِفَاته لم تزِدْه معرفَة ... لكننا لَذَّة ذَكرنَاهَا) وَله فى كل فن كَعْب على وفكر بِنَقْد جواهره ملى مَعَ نباهة تحلت بهَا الاشعار وطارت بأجنحة الثَّنَاء فى الاقطار كَأَنَّهُ بكر معنى سَار فى مثل كَمَا قَالَ فى قصيدة لَهُ (لله دَرك يَا من نظمه دُرَر ... قلائد لنحور الغيد تدخر) (أَو روض فضل نضير لَا نَظِير لَهُ ... فى دوحه ثَمَر مَا مثله ثَمَر) (مسك الفصاحة من فحواه منتشق ... واللؤلؤ الرطب من مَعْنَاهُ منتثر) دخلت نَادِيه والكون متعطر بنشره متبسم الايام بثغر سروره وبشره وقرأت عَلَيْهِ طرفا من الْعُلُوم وَمن حَدِيث الرَّسُول وأمدنى بِدُعَاء لَا أَشك فى انه على أكف الْقبُول مَحْمُول وَكَانَ يُنَوّه باسمى ويتوج رَأس الدَّهْر برسمى وَكنت وَأَنا أجتنى باكورة التَّحْصِيل كتبت عِنْد وُرُود البشائر بوفاء النّيل لَهُ بَيْتَيْنِ وهما (قسما لَيْسَ نيل كفك كالنيل اذا راية المكارم تنشر ... ) (أَنْت عِنْد الْوَفَاء طلق الْمحيا ... وَأرى النّيل فى الوفا يتكدر) فنثر عَلَيْهِمَا من نثار الِاسْتِحْسَان مَا يهزأ بانتظام عُقُود الجمان قَالَ قلت وَلم أورد غير هَذَا من شعره لما قَالَه ابْن بسام فى الذَّخِيرَة أشعار الْعلمَاء على قديم الدَّهْر وَحَدِيثه بَيِّنَة التَّكْلِيف وشعرهم الذى روى لَهُم // ضَعِيف // اشا طَائِفَة مِنْهُم خلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 الاحمر فان لَهُ مَا يستندر هَذَا مَا أوردهُ وَأَنت اذا أنصفت لم تقدم على هَذِه الْمقَالة فى حق مَا أوردهُ من هَذِه الابيات فانها متنزهة عَن التَّكَلُّف والاعتساف وترجمه عبد الْكَرِيم بن سِنَان المنشى فَأحْسن فى تَرْجَمته كل الاحسان حَيْثُ قَالَ على الذَّات قدسى الصِّفَات الْعقل الحادى عشر روح الْقُدس فى صُورَة الْبشر درة مقدسية الصدف من فاق شمس الاشراق فى الشّرف صَاحب أنفاس قدسية وفصاحة قسية نخبة عصره وعزيز مصره لَهُ اخلاق أرق من نسمات السحر وألطف من نغمات الْوتر تحلى جيده بقلائد الْفَتْوَى وعقدت لَهُ بِالْقَاهِرَةِ عروس الْفَتْوَى وَكنت فى شرخ الشَّبَاب ركبت غارب الاغتراب فَلَمَّا أنخت مَطِيَّة السّفر بِالْقَاهِرَةِ المعزيه أشرفت على شمس ذَاته العليه فتقرطقت أذنى بلآلئ كَلَامه واكتحلت عينى بمواقع أقلامه وَذَلِكَ التَّارِيخ فى حُدُود التسعين وَالشَّيْخ قدرقى شرف الثَّمَانِينَ وهواى اذ ذَاك مَعَ الركب اليمانين قَرَأت عَلَيْهِ مُقَدّمَة الاعراب الحاجبية وسرحت طرف الطّرف فى رياض فضائله الجنية وَكَانَ مَعَ غزارة فَضله جَامعا بَين النّظم والنثر وناظما لَهما فى سلك السحر وَله آثَار يحِق أَن تكْتب بِالنورِ على صفحات وجنات الْحور وَكَانَ لَهُ من الزّهْد حَظّ وافر وَقد رزق من الْعُمر مَا ألحق الاصاغر بالاكابر وَلم يزل بنان قلمه يحل عقد الْمسَائِل ومورد فَضله لكل سَائل سَائل الى أَن ختمت صفحات حَسَنَاته وجف من منهل الْعُمر مَاء حَيَاته وَله أَبْيَات يقرظ بهَا كتابا حازت من نقد البلاغة نِصَابا ويعجبنى مِنْهَا فى الِاعْتِذَار عَن التقريظ بَيت ولعمرى انه بَيت لَا يُقَال فِيهِ لَو وَلَا لَيْت هُوَ (جعلت تقريظى لَهُ عوذة ... تقيه من شَرّ أَذَى الْعين) انْتهى وَذكره ابْن نوعى فى ذيل الشقائق واستوعب ذكر علومه وأحواله ثمَّ قَالَ وَكَانَ مَعَ علمه الزاخر عَالما بِغَرَائِب الْفُنُون وَله أفاعيل عَجِيبَة فى بَاب السيميا مِنْهَا مَا حكى ان أَحْمد باشا الْحَافِظ لما كَانَ واليا بِمصْر فى حُدُود سنة ألف غضب على بعض الجناة فَأمر بِهِ الى مركب الْحجر وَكَانَ لَهُ وَالِد ووالدة فتوسلا بالشيخ فشفع عِنْده فِيهِ فَلم يقبل شَفَاعَته فَأرَاهُ فى الْحَال من ضروب السيميا انه جَاءَهُ من طرف الدولة بريد وانه خرج الى استقباله فى مركب فصادف مراكب الفرنج فأسروه هُوَ وجماعته وربطوهم للجدف بالمجاديف فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك اذ رأى الشَّيْخ المترجم وَاقِفًا على سَاحل الْبَحْر وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 يخاطبه كَيفَ رَأَيْت جدف المجاديف هلى هُوَ سهل وَهل تُرِيدُ الْخَلَاص فاستغاث بِهِ فمسك بيد الْحَافِظ وحركه فَتنبه وَنظر الى حَالَته فَرَأى نَفسه فى مقَامه الاول والمجلس لم يتَغَيَّر وَكَانَ غيبته كَانَت لَحْظَة فهوى هلى يَد الشَّيْخ يقبلهَا وَأمر باطلاق ذَلِك الرجل وَاتفقَ لَهُ بعْدهَا مَعَ الْحَافِظ الْمَذْكُور انه صُحْبَة للتنزه فى الْمَكَان الْمَعْرُوف بالسبيكة فَطلب مِنْهُ أَن يرِيه شَيْئا من الاعمال الغريبة فى السيميا فَطلب الشَّيْخ مِنْهُ خَاتمه الذى فى يَده فَلَمَّا أعطَاهُ اياه أَلْقَاهُ فى النّيل فَبعد حِصَّة من النَّهَار جئ الى الْمجْلس ببطيخ فَأَشَارَ الى الْحَافِظ بِأَن الْهَوَاء حَار جدا فَلَا بَأْس بِأَن تقطعوا البطيخة أَنْتُم ليحصل لكم رُطُوبَة فامتثل أمره فَلَمَّا فلقها خرج الْخَاتم فى وَسطهَا قَالَ وَحكى انه نَشأ لَهُ ولد وَكَانَ يمِيل اليه ميلًا زَائِدا فَعلمه الْعُلُوم الغريبة بأسرها ثمَّ انه تغلغل فى الْهوى وَالْفِسْق والفجور وَتعرض لبَعض حرم الْمُسلمين فَأفْتى الشَّيْخ بقتْله آخرا وَذهب الى الْحَافِظ وَأمره بقتْله فسجل عَلَيْهِ وَقتل وَمن فَوَائده الْمَنْظُومَة نظم من حفظ الْقُرْآن فى زَمَنه (وحافظ الْقُرْآن بالغيوب ... زيد أَبُو زيد أَبُو أَيُّوب) (عُثْمَان مِنْهُم وَتَمِيم الدارى ... عبَادَة معَاذ الانصارى) ونظمهم أَيْضا وهم ثَمَانِيَة (وجامع الْقُرْآن فى عصر النبى ... زيد وثابت معَاذ وأبى) (عُثْمَان مِنْهُم وَتَمِيم الدارى ... عبَادَة بن الصَّامِت الانصارى) وَله نظم من أفتى فى عصره على مَا فى شرح الْمَشَارِق للاربلى (فَازَ جمع فى الصحب بالافتاء ... فمعاذ مَعَ أَربع الْخُلَفَاء) (وأبى ونجل مَسْعُود زيد ... وَابْن عَوْف كَذَا أَبُو الدَّرْدَاء) (ثمَّ سلمَان مَعَ حُذَيْفَة عمار مَعَ الاشعرى رب الثَّنَاء ... ) وَذكره المناوى فى طَبَقَات الاولياء وَعدد الْعُلُوم الَّتِى ينْسب اليه مَعْرفَتهَا واتقانها ثمَّ قَالَ وَصَارَ فى آخر أمره حفيظا على المراقبة يَقُول اللَّيْل فى عبَادَة رب الْعَالمين وينام النَّهَار بعد التوقيع على أسئلة الْمُسلمين ويبر الْفُقَرَاء ويتحيل على كتمان أمره يفرق الذَّهَب ويحافظ على ستره وَكَانَ يجْتَمع بالفقراء ويحبهم وَيُحِبُّونَهُ ويعرفهم ويعرفونه ويكرمه الْحَاضِر والبادى وَكم لَهُ على أهل مصر من الايادى يعظم الصُّوفِيَّة وَيحسن فيهم الِاعْتِقَاد وَيَقُول طَرِيق الصُّوفِيَّة اذا صحت طَرِيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 الرشاد وَرَأى الْمُصْطَفى مرَارًا عديدة وَأخْبر شَيْخه الشَّيْخ كريم الدّين الخلوتى انه شهد الْوحدَة فى الْكَثْرَة وَالْكَثْرَة فى الوجدة وانه وصل الى مقَام اسْتحق أَن يَأْخُذ الْعَهْد ويربى وَأَجَازَهُ بذلك وَلم يزل على هَذَا حَتَّى حل بحماه الْحمام قَالَ النَّجْم الغزى وقرأت بِخَطِّهِ أَن مولده فى أَوَائِل ذى الْقعدَة الْحَرَام عَام عشْرين وَتِسْعمِائَة ثمَّ رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ عبد الْغفار العجمى القدسى أَن وِلَادَته كَانَت فى سادس ذى الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة فَهُوَ بَيَان للاوائل وَتوفى لَيْلَة السبت ثامن عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع بعد الالف وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع الازهر فى محفل حافل وَدفن بَين القصرين من يَوْم السبت بتربة المجاورين قبلى مدفن السراج الهندى وَكَانَ قبل وَفَاته بِخَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا توفى شيخ الشَّافِعِيَّة فى وقته الامام الْكَبِير الشَّمْس الرملى فَقَالَ بعض الادباء بِالْقَاهِرَةِ فى تَارِيخ وفاتهما (لما قضى الرملى شيخ الورى ... من كَانَ يملى مَذْهَب الشافعى) (ثمَّ تلاه المقدسى الذى ... حَاز عُلُوم الصحب والتابعى) (فَقلت فى مَوْتهمَا أرخا ... مَاتَ أَبُو يُوسُف والرافعى) قلت وسيأتى فى تَرْجَمَة الرملى الْمَذْكُور انه ذهب كثيرا الى أَنه المجدد على رَأس الْمِائَة وَأَن المجدد لَا يسْتَقلّ بِمذهب دون مَذْهَب بل وَلَا منصب دون منصب فَلَعَلَّ صَاحب التَّرْجَمَة يكون المجدد من الْحَنَفِيَّة والرملى من الشَّافِعِيَّة وَالله أعلم على بن مُحَمَّد سُلْطَان الهروى الْمَعْرُوف بالقارى الحنفى نزيل مَكَّة وَأحد صُدُور الْعلم فَرد عصره الباهر السمت فى التَّحْقِيق وتنقيح الْعبارَات وشهرته كَافِيَة عَن الاطراء فى وَصفه ولد بهراة وَرجل الى مَكَّة وتديرها وَأخذ بهَا عَن الاستاذ أَبى الْحسن البكرى وَالسَّيِّد زَكَرِيَّا الحسينى والشهاب أَحْمد بن حجر الهيتمى وَالشَّيْخ أَحْمد المصرى تلميذ القاضى زَكَرِيَّا وَالشَّيْخ عبد الله السندى والعلامة قطب الدّين المكى وَغَيرهم واشتهر ذكره وطار صيته وَألف التآليف الْكَثِيرَة اللطيفة التأدية المحتوية على الْفَوَائِد الجليلة مِنْهَا شَرحه على الْمشكاة فى مجلدات وَهُوَ أكبرها وأجلها وَشرح الشِّفَاء وَشرح الشمايل وَشرح النخبة وَشرح الشاطبية وَشرح الجزرية ولخص من الْقَامُوس مواد وَسَماهُ الناموس وَله الاثمار الجنية فى اسماء الْحَنَفِيَّة وَشرح ثلاثيات البخارى ونزهة الخاطر الفاتر فى تَرْجَمَة الشَّيْخ عبد الْقَادِر لكنه امتحن بالاعتراض على الائمة لَا سِيمَا الشافعى وَأَصْحَابه رَحِمهم الله تَعَالَى وَاعْترض على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 الامام مَالك فى ارسال الْيَد فى الصَّلَاة وَألف فى ذَلِك رساله فَانْتدبَ لجوابه الشَّيْخ مُحَمَّد مكين وَألف رِسَالَة جَوَابا لَهُ فى جَمِيع مَا قَالَه ورد عَلَيْهِ اعتراضاته وأعجب من ذَلِك مَا نَقله عَنهُ السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الرَّسُول البرزنجى الحسينى فى كِتَابه سداد الدّين وسداد الدّين فى اثبات النجَاة فى الدَّرَجَات للْوَالِدين انه شرح الْفِقْه الاكبر الْمَنْسُوب الى الامام أَبى حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وتعدى فِيهِ طوره فى الاساءة فى حق الْوَالِدين ثمَّ انه مَا كَفاهُ ذَلِك حَتَّى ألف فِيهِ رِسَالَة وَقَالَ فى شَرحه للشفاء متبجحا ومفتخرا بذلك انى ألفت فى كفرهما رِسَالَة فليته اذ لم يراع حق رَسُول الله حَيْثُ آذاه بذلك كَانَ استحيا من ذكر ذَلِك فى شرح الشفا الْمَوْضُوع لبَيَان شرف الْمُصْطَفى وَقد عَابَ النَّاس على صَاحب الشِّفَاء ذكره فِيهِ عدم مفروضية الصَّلَاة عَلَيْهِ فى الصَّلَاة وَادّعى تفرد الشافعى بذلك بِأَن هَذِه المسئلة لَيْت من مَوْضُوع كِتَابه وَقد قيض الله تَعَالَى الامام عبد الْقَادِر الطبرى للرَّدّ على القارى فألف رِسَالَة أغْلظ فِيهَا فى الرَّد عَلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فقد صدر مِنْهُ امثال لما ذكر كَانَ غَنِيا عَن ان تصدر مِنْهُ ولولاها لاشتهرت مؤلفاته بِحَيْثُ مَلَأت الدُّنْيَا لِكَثْرَة فائدتها وَحسن انسجامها وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فى شَوَّال سنة أَربع عشرَة وَألف وَدفن بالمعلاة وَلما بلغ خبر وَفَاته عُلَمَاء مصر صلوا عَلَيْهِ بِجَامِع الازهر صَلَاة الْغَيْبَة فى مجمع حافل يجمع أَرْبَعَة آلَاف نسمَة فَأكْثر على بن مُحَمَّد الملقب عَلَاء الدّين بن نَاصِر الدّين الطرابلسى الاصل الدمشقى الحنفى شيخ الاقراء بِدِمَشْق وامام الْجَامِع الاموى كَانَ عَلامَة فى القراآت والفرائض والحساب وَالْفِقْه وَغَيرهَا وَله تآليف عديدة أشهرها شَرحه على فَرَائض ملتقى الابحر سَمَّاهُ سكب الانهر وَله مُقَدّمَة فى علم التجويد سَمَّاهَا الْمُقدمَة العلائية فى تجويد التِّلَاوَة القرآنية ونظم أسئلة تتَعَلَّق بِبَعْض المشكلات والالغاز فى القراآت الْعشْر وسماها الالغاز العلائية وعدة أبياتها مائَة وَسِتَّة وَعِشْرُونَ بَيْتا وَلم يجب عَنْهَا أحد الى الْآن وَقع لَهُ فى بعض تآليفه عِنْد ذكر تَارِيخ ختامه هَذَا التَّرْكِيب وَقد انْتهى فى التَّارِيخ الْمُوَافق للخمس الْخَامِس من السُّدس الرَّابِع من الثُّلُث الثَّالِث من الرّبع الثانى من الْعشْر الْعَاشِر من الْعشْر التَّاسِع من الْعشْر الْعَاشِر من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة وَقد سألنى فى حلّه بعض الاصدقاء فوفقت اليه بعناية الله تَعَالَى وَمرَاده انه انْتهى فى الْيَوْم الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة لسنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 تسعين وَتِسْعمِائَة لَان الْمِائَة الْعَاشِرَة عَاشر أعشار الالف وتاسع اعشار الْمِائَة من الاحد والثمانين الى التسعين وعاشر الْعشْرَة وَهُوَ سنة تسعين وَالثلث الثَّالِث من الرّبع الثانى هُوَ الشَّهْر السَّادِس من السّنة وَهُوَ جُمَادَى الْآخِرَة ورابع أسداسه من سِتَّة عشر الى عشْرين وخامس السُّدس هُوَ الْعشْرُونَ انْتهى وَله آثَار كَثِيرَة تدل على نباهته ومولده بِدِمَشْق وَقَرَأَ الْقُرْآن على مَشَايِخ مِنْهُم وَالِده والشهاب الطَّيِّبِيّ الْكَبِير وَالشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الحنفى امام الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَالشَّيْخ شهَاب الدّين الايدونى الشافعى امام الْجَامِع الاموى والشهاب الفلوجى الامام الشافعى بالجامع أَيْضا وَجمع القراآت السَّبع ثمَّ الْعشْر على الْمَشَايِخ الْمَذْكُورين وتفقه على الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الْمَذْكُور وعَلى شيخ الاسلام النَّجْم البهنسى شَارِح الْمُلْتَقى خطيب دمشق فى وقته ومفتيها وَقَرَأَ الْفَرَائِض على الشَّيْخ مُحَمَّد النجدى الحنبلى الفرضى وعَلى الشهَاب العلموى الملقب بشكارة والحساب والجبر والمقابلة مَعَ الهندسة على الشَّيْخ عبد اللَّطِيف بن الكيال الْمُؤَقت بالجامع الاموى وَأخذ عَنهُ كثيرا من علم الْفلك وَأخذ قَوَاعِد هَذَا الْعلم حَتَّى مهر فِيهِ عَن الشَّيْخ أَبى بكر تقى الدّين الصهيونى وَأخذ الحَدِيث رِوَايَة ودراية عَن شيخ الاسلام الْبَدْر الغزى وعلوم الْعَرَبيَّة عَن الْعِمَاد الحنفى وَالشَّمْس بن المنقار وَعرض الفية ابْن مَالك على الْعَلامَة الْعَلَاء بن عماد الدّين وَولى تدريس الدولعية اليونسية والكوجانية والصباية وتدريس بقْعَة بالجامع الاموى وَكَانَ امام الْحَنَفِيَّة بِهِ وَله كرسى وعظ فى الاشهر الثَّلَاثَة وَغير ذَلِك من الْوَظَائِف الدِّينِيَّة قَالَ الْحسن البورينى أخبرنى من لَفظه أَن وِلَادَته كَانَت فى صَبِيحَة نَهَار الْجُمُعَة مستهل شَوَّال سنة خمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى بعد ان انْقَطع فى بَيته سنوات وأقعد عِنْد طُلُوع الشَّمْس من صبح يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر جُمَادَى الثَّانِيَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير غربى سيدى بِلَال الحبشى فى قبر وَالِده على بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف برضائى سبط شيخ الاسلام زَكَرِيَّا بن بيرام الْمُقدم ذكره القسطنطينى المولد قاضى الْقُضَاة بِمصْر الاديب الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ أوحد قطر الرّوم وباقعة تِلْكَ الْبقْعَة لطيف نفث السحر خَفِيف روح النّظم والنثر وأشعاره بالتركية فى الذرْوَة الْعليا من الرقة والانسجام وَحسن التأدية وهى مَجْمُوعَة فى ديوَان مَشْهُور وَأما شعره العربى فَلم أَقف مِنْهُ الا على هَذَا الْمَقْطُوع فى التبغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 وَهُوَ قَوْله (غليوننا حِين هَمت كل نائبة ... بِهِ وسامرنا هم وأفكار) (قد اهتدينا الى شرب الدُّخان بِهِ ... كَأَنَّهُ علم فى رَأسه نَار) وَهُوَ تضمين حسن فان المصراع الاخير مضمن من قَول الخنساء فى أَخِيهَا صَخْر (وان صخرا التأتم الهداة بِهِ ... كَأَنَّهُ علم فى رَأسه نَار) وَكَانَ كثير الاعتناء بالادب وَاخْتصرَ خريدة الْقصر للعماد الْكَاتِب وَسَماهُ عود الشَّبَاب وَقَالَ فى الِاعْتِذَار عَن اختصاره وَلما وجدت بعض نَقده أزيف من زائج زَمَاننَا شرعت فى تَمْيِيز الْجِيَاد واكتفيت باقتطاف الْجِيَاد من ثمار أَغْصَانهَا بل قنعت بِالْعرْفِ الضائع من بانها وانى وان فاتنى بعض جواهره فالغائص يعْذر بِمَا فى يَدَيْهِ ويشكر الصِّبَا مُقبلا من الحبيب بِبَعْض عرف صدغيه فجَاء بِحَمْد الله تَعَالَى غادة تسحر الْقُلُوب بألفاظاها القسية وألحاظها البابلية تصيد الْقُلُوب بألحاظها الَّتِى زينها الْجمال بالفتور فَمن نظر فِيهِ يشتعل قلبه بالنَّار وتكتحل عينه بِالنورِ وانى غير آمل من أَبنَاء الزَّمَان تحسيبنهم وبقلادة حسن الْقبُول توشيحهم وتزيينهم فان من جرب النَّاس فى أَمرهم يعرف ان النَّاس مشتقون من دهرهم بل نؤمن من كرمهم الفسيح أَن لَا يوردوا وَجهه بالتصريح بِأَنَّهُ قَبِيح (انا لفى زمن ترك الْقَبِيح بِهِ ... من أَكثر النَّاس احسان واجمال) ثمَّ ختم الديباجة بِذكر خَاله شيخ الاسلام بحيى وَجعل الْمُخْتَصر معنونا باسمه وعقبه بِهَذِهِ الابيات وأظنها من نظمه (يَا مصدر الآمال بدنا بَعْدَمَا ... سقنا اليك مَعَ الرجا أنقاضها) (عش فى ذرى كافى الكفاة مصاحبا ... نعما بَيَاض الصُّبْح خَافَ بياضها) (وَخذ الْجَوَاهِر من قلائد مقولى ... اذ كَانَ غَيْرِي مهديا أعراضها) انْتهى قَالَ الشَّيْخ مَدين ولى قَضَاء مصر فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدخل بولاق فى يَوْم السبت السَّابِع من ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَهُوَ رمدان ثمَّ دخل مَحل حكمه بعد غرُوب شمس لَيْلَة الْخَمِيس ثانى عشرى ذى الْحجَّة ثمَّ بعد مَا شفى من الرمد حصل عِنْده اسهال فاستمر الى ان مَاتَ بِهِ وَكَانَت وَفَاته فى الثَّامِن وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف بمنزل أَخِيه الامير اسماعيل وَدفن بِالْقربِ من قبر القاضى بكار وَكَانَت مُدَّة اقامته بِمصْر دون ثَلَاثَة أشهر انْتهى قلت وَقد بلغنى انه لما بلغت وَفَاته خَاله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 الْمَذْكُور قَالَ آه وآه رضائى فصادف تَارِيخ وَفَاته على بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن ابراهيم بن أَبى الْقَاسِم بن عمر بن أَحْمد بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن عِيسَى مطيرا الحكمى الْيُمْنَى عَلامَة بنى مطير الْمَشْهُورين بِالْعلمِ وَالْخَيْر الصارفين نفائس أوقاتهم فى خدمَة الحَدِيث النبوى والملازمين الِاتِّبَاع للشَّرْع المصطفوى فَضلهمْ مَشْهُور لَا يحْتَاج الى بَيَان كَالشَّمْسِ لَا تحْتَاج الى دَلِيل وبرهان ولد سنة خمسين وَتِسْعمِائَة وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بفنون الْعُلُوم وَأخذ عَن شُيُوخ كثيرين مِنْهُم الامين بن ابراهيم بن مطير وَأَبُو بكر بن ابراهيم مطير والفقيه عبد السَّلَام النزيلى وَغَيرهم وَألف المؤلفات الْكَثِيرَة النافعة الشهيرة مِنْهَا الاتحاف مُخْتَصر التُّحْفَة لِابْنِ حجر والديباج على الْمِنْهَاج وكشف النقاب بشرح ملحة الاعراب للحريرى وخلاصة الاحرى فى تَعْلِيق الطَّلَاق على الابرا وتكملة تَفْسِير جده ابراهيم بن أَبى الْقَاسِم مطير من أول الْكَهْف الى آخر الْقُرْآن الْمُسَمّى بالضنائن وَشرح قصيدة جده ابراهيم الْمَذْكُور فى التصوف سَمَّاهَا بِالْفَتْح الْمُبين فى شرح قصيدة الامام ضِيَاء الدّين وَغير ذَلِك وَله شعر كثير مِنْهُ قَوْله يمدح النبى (متيم ان سرت ريح الشآم صبا ... ومستهام اذا مرت عَلَيْهِ صبا) (وَذُو شجون وَمَا غنت مطوقة ... تبكى على الالف الا دمعه سكبا) (يبكى ويدمع لَو فياضى مدمعه ... من جوده جاد يَوْمًا طوقها سلبا) (وان تذكر أَيَّامًا لَهُ سلفت ... مَعَ الاحبة فى أوطانهم جذبا) (روى الرّبيع مغانيهم ومربعهم ... وعمم الْغَيْث مِنْهَا السهل والحدبا) (وأزهر الرَّوْض مِنْهَا وَالْحمام غَدَتْ ... مغردات عَلَيْهِ تمتطى العذبا) (وَكلما رام يبغى نحوهم طرقا ... يعمى السَّبِيل عَلَيْهِ أَيْنَمَا ذَهَبا) (سُبْحَانَ من نفذت فِينَا مشئته ... فَمَا يسهل لَهُ يسهل وَمَا صعبا) (مَا زلت أَقرع أَبْوَاب الرجا وَرَجا ... نفسى تفوز بجود شَامِل وحبا) (وعمنى الله بالاحسان مرحمة ... فضلا من الله لَا فرضا وَلَا سَببا) (وان تغلقت الابواب عَن أمْلى ... قصدت من طَابَ فرعاه وطاب أَبَا) (مُحَمَّد العاقب الماحى الذى انختمت ... بِهِ النُّبُوَّة بل أَعلَى الورى رتبا) (فَهُوَ الذى ملا الاكوان أجمعها ... نورا وَفتح فِينَا الشَّخْص والحقبا) (يَا من علا فَوق متن للبراق وَيَا ... خير الْخَلَائق قاصيهم وَمن قربا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 (وَجئْت بِالسنةِ البيضا جعلت فدا ... لحافظيها وَمن فى درسها دأبا) (وَلم تزل فرقة من تابعيك على ... نهج الْهدى لم يضرهم قَول من كذبا) (فهم شموس وَلم تأفل مَنَافِعهَا ... وَلنْ يزَال بهَا نفع وَمَا غربا) (وَكم معاجز لَا تحصى بعثت بهَا ... عَنْهَا نُجُوم العوالى ضمنت كتبا) (يَا سيد الْخلق يَا مِفْتَاح يَوْم غَد ... تولى الشَّفَاعَة يَوْم الْحَشْر اذ صعبا) (أَنْت الذى يَوْم بعث الْخلق شافعنا ... سبقا وأثبتهم اذ ألزموا رهبا) (يَا سيدى يَا رَسُول الله يَا سندى ... اليك جِئْت لما قد خفته رهبا) (سمى صنوك حاشا أَن تضيعه ... تكفى السماية عِنْد السَّادة النجبا) (يَا خَاتم الرُّسُل يَا مُخْتَار من مُضر ... بِاللَّه رَبك قل مَا قلته وجبا) (وان تقدّمت للعظمى بِيَوْم غَد ... لله رَبك مَقْبُولًا ومحتسبا) (فَقل فروع مطير سيدى حسبوا ... على فَازَ الذى من حزبهم حسبا) (وعمهم رَحْمَة يَا سيدى وندى ... يَا ملْجأ طَابَ للاجين والغربا) (وَاشْفَعْ ليبقى بهم مَا مِنْكُم ورثوا ... الْعلم والنور لَا الْبَيْضَاء والذهبا) (وَالْمُسْلِمين أنل كلا مطالبهم ... فى الْخَيْر مِنْهُم جَمِيعًا واكشف الكربا) (ثمَّ الصَّلَاة مَعَ التَّسْلِيم دائمة ... على الْمُهَيْمِن مَا أم الْوُفُود قبا) (والآل والصحب مَا غنت مطوقة ... على أَرَاك فأضحى الدمع منسكبا) وَكَانَت وَفَاته فى حادى عشرى ذى الْقعدَة سنة احدى وَأَرْبَعين وَألف بعبس الحضن من المخلاف السليمانى بِالْيمن وَبَنُو مطير منسوبون لمطير تَصْغِير مطر بن على ابْن عُثْمَان الحكمى من حكماء الحرهن وَكَانَ مطير من أعيانهم وغالبهم فى الْمَكَان الْمَعْرُوف بالحضن من المخلاف السليمانى وهم بَيت علم وَصَلَاح مَشْهُورُونَ بِالْيمن واعتقدهم جَمِيع أَهله بل جَمِيع الْبِلَاد لسلوكهم على الْمنْهَج القويم ولابمن قَائِم مِنْهُم يكون رَأْسا للْعُلَمَاء ومرجعا عِنْد اخْتِلَاف الفهماء وَحكما للمشكلات للحكماء اذ لَا يتعصبون للمذاهب والاقوال وَلَا ينافسون فى المناصب وَلَا ينقبون على أهل الاجوال وَلَا يخرجهم عَن الْحق غضب وَلَا يدخلهم فى الْبَاطِل رضَا وَلَا يميلون الى الْحِرْص على الاموال عصمتهم الْكتاب وَالسّنة وعقيدتهم فى الله تَعَالَى حَسَنَة وَله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِم الْمِنَّة قَالَ السَّيِّد الشريف الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى حُسَيْن الاهدل انه اعْتقد فضل بنى مطير جَمِيع الْبِلَاد وَقَالَ الْفَقِيه الصَّالح الولى الْمَشْهُور مُحَمَّد بن الْحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 المحلوى وقبره طرف بَيت عَطاء من جِهَة الْيمن رَأَيْت رَسُول الله فى الْمَنَام وسيدى أَحْمد بن ابراهيم بن مطير يلازمه ويلح عَلَيْهِ فَرَأَيْت قَلما من جِهَة النبى يكْتب أَوْلَادنَا أَوْلَادكُم وَمَا يعنانا يعنا كم وَلَقَد كَانَ لكم فى رَسُول الله اسوة حَسَنَة وَقد اشْتهر اخْتِصَاص بنى مطير بمزيد محبَّة رَسُول الله وانهم من موَالِيه وَذكروا ذَلِك فى أشعارهم وَغَيرهَا وانه يحصل لَهُم الْعلم من غير كَثْرَة طلب حَتَّى قَالَ الشريف الولى حبيب آل مطير أَبُو بكر ابْن أَبى الْقَاسِم بن اسمعيل الحسينى صَائِم الدَّهْر طِفْل بنى مطير بِئْر علم مطوية لَا يحْتَاج الى اخراج التُّرَاب الْوَاقِع فِيهَا ولامير الْمُؤمنِينَ على بن أَبى طَالب كرم الله تَعَالَى وَجهه اتِّصَال بالعلماء مِنْهُم فى الْمَنَام وآثار صَادِقَة ذكرهَا مِنْهُم الْعلمَاء الاعلام نفع الله تَعَالَى بهم وَأفَاد السَّيِّد حُسَيْن الاهدل فى تحفة الزَّمن أَن بنى مطير ينتسبون الى السَّيِّد الاهدل قَالَ وانما نبهت على ذَلِك لَان كثيرا من الاهدليين الَّذين لَا خبْرَة لَهُم يُنكرُونَ نسبهم الى الاهدل وَمِمَّا يدل على شرفهم قَول السَّيِّد الولى الشهير بدر الدّين حُسَيْن بن الصّديق بن حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الاهدلى فى بعض قصائده (فان غصنى من أَغْصَان دوحتكم ... فَالله فى رحمى فالرحم مَوْصُول) وَقَالَ الْعَلامَة الْفَقِيه ضِيَاء الدّين بن ابراهيم بن أَبى الْقَاسِم مطير فى بعض قصائده (الَّتِى توسل بهَا وبالاهدليين الْكِرَام فانهم ... لَهُم نسب فى ذرْوَة العزيرتمى) وفى كَلَام عبد الرَّحِيم البرعى الْقطع بشرفهم مَشْهُور فى قصائده على بن مُحَمَّد بن ابراهيم الجملولى الهنومى نِسْبَة الى هنوم بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون النُّون أحد جبال الاهنوم ثمَّ السيرافى قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال كَانَ عَالما كَبِيرا حَافِظًا لكل طَريقَة يجرى مَعَ النَّاس على طبقاتهم بِمَا تنجبر بِهِ قُلُوبهم من غير أَن يكون عَلَيْهِ وصمة وَذَلِكَ من عجائبه وَله تجربة فى الامور كلهَا كَامِلَة وآراء ثاقبة يجرى كَلَامه مجْرى الامثال وَهُوَ من بَيت شهير بِالْفَضْلِ أصلهم من الجملول بهنوم ثمَّ سكنوا الجهرة بسيراف وَله تلامذة كَثِيرُونَ كالقاضى أَحْمد بن سعد الدّين والقاضى جمال الدّين وَهُوَ كثير الرِّوَايَة عَنهُ وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاربعاء ثَالِث رَجَب سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف بحصن كوكبان شبام كَانَ مُقيما هُنَالك للْقَضَاء والتدريس بامر الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم السَّيِّد على بن مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن عمر بن علوى الشبيه ابْن عبد الله بن على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 ابْن عبد الله باعلوى الشهير بشييان أحد مَشَايِخ الطَّرِيق العارفين بِاللَّه تَعَالَى كَانَ كثيرا التِّلَاوَة لكتاب الله تَعَالَى كثير الْبكاء وَكَانَ مَشْهُورا بالزهد والورع صحب كثيرا من العارفين مِنْهُم السَّيِّد الْجَلِيل زين بن مُحَمَّد خرد ولازمه مُلَازمَة تَامَّة وَغَيره من أكَابِر العارفين فى زَمَانه وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الخمول والتقشف فى الملبس والمأكل وَيُحب الانعزال عَن النَّاس لَا يجْتَمع بهم الا فى الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة معرضًا عَن اللَّهْو واللعب متقمصا بقميص الْجد وَالِاجْتِهَاد كثيرا الْقيام والتهجد بِاللَّيْلِ متواضعا جدا لَا يرى نَفسه الا أدنى النَّاس ويلتمس بركته من اجْتمع بِهِ مُعْتَقدًا عِنْد الانام وَصَحبه جمَاعَة كَثِيرُونَ مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن أَبى بكر الشلى باعلوى صَاحب التَّارِيخ وَذكره فى تَارِيخه وَقَالَ استضأنا من ضِيَاء نبراسه وعادت علينا بَرَكَات أنفاسه وَمَا زَالَ يزْدَاد من فعل الْخيرَات والتقرب الى الله تَعَالَى بالقربات الى أَن مَاتَ فى سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف بتريم وَدفن بمقبرة زنبل على بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الامام الْحَافِظ مُحدث الْيمن وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن على بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن عمر بن على الرّبيع بن يُوسُف بن أَحْمد بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن على بن عمر بن يحيى بن مَالك بن حرَام بن عَمْرو بن مَالك بن مطرق بن شريك بن عمر بن قيس بن شرَاحِيل بن همام بن مرّة بن ذهل ابْن شَيبَان بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَغِير بن على بن بكر بن وَائِل بن قاسط بن هبت بن أقْصَى بن دهمى بن جديلة بن أَسد بن ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان الشيبانى الزبيدى الشافعى رَأَيْت بِخَط صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله النّسَب هَكَذَا سَاقه وَقَالَ كَذَا نقلت نسبه من مؤلف لجده عبد الرَّحْمَن الذيبع عمله فِيهِ وَنقل عَن مؤرخ الْيمن أَبى الْحسن الخزرجى أَن سَبَب نسبتهم الى الديبع هُوَ ان وَالِد على يُوسُف بن أَحْمد بن عمر كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد وهم على وَعبد الله وَأحمد خَرجُوا ذَات يَوْم يَلْعَبُونَ مَعَ الصّبيان كعادتهم ولوالدهم عبد نوبى يُقَال لَهُ جَوْهَر فَقَالَ لَهُ سَيّده الْمَذْكُور ادْع لى سيدك على فَقَالَ ديبع ديبع على سَبِيل الِاسْتِفْهَام فَقَالَ نعم فَخرج يُنَادِيه ديبع ديبع فَسَمعهُ الصّبيان فَنَادَوْهُ بِهِ فَلَزِمَهُ هَذَا اللقب وَلزِمَ ذُريَّته من بعده فَلَا يعْرفُونَ الا بِهِ وَمَعْنَاهُ الابيض بلغَة النّوبَة قَالَ السخاوى فى الضَّوْء اللامع الديبع بِمُهْملَة مَفْتُوحَة بعْدهَا تَحْتَانِيَّة ثمَّ مُوَحدَة مَفْتُوحَة وَآخره مُهْملَة وَهُوَ لقب لجده الاعلى على بن يُوسُف وَمَعْنَاهُ بلغَة النّوبَة الابيض كَانَ على الْمَذْكُور امام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 الْمُحدثين والقراء وامام أهل التدريس والاقراء وَاحْذَرْ بيد فى عصره اماما عَاملا عَالما فَاضلا كَامِلا أَخذ عَن شُيُوخ زبيد مِنْهُم الْفَقِيه مُحَمَّد بن الصّديق الْخَاص الزبيدى والفقيه الصَّالح الْعَلامَة عماد الدّين يحيى بن مُحَمَّد الحرازمى ولازم عصريه الْعَلامَة اسحق بن جعمان وَأَجَازَهُ كثير من شُيُوخه وَقدم مَكَّة مَرَّات وَأخذ عَمَّن بهَا من شُيُوخ عصره وجاور بِالْمَدِينَةِ كثيرا ولازم بهَا الاستاذ الْكَامِل أَحْمد ابْن مُحَمَّد القشاشى وَأخذ عَنهُ الطَّرِيق واختص بِهِ وَعنهُ أَخذ الاستاذ الْكَبِير ابراهيم بن حسن الكورانى قَرَأَ عَلَيْهِ طرفا من البخارى سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف فى الرَّوْضَة الشَّرِيفَة وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الرَّسُول البرزنجى وَشَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن على العجيمى المكى وَغَيرهم وَكَانَت وِلَادَته بزبيد فى حُدُود سنة ألف وَتوفى بهَا فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن بتربة جده عبد الرَّحْمَن الديبع الْمَذْكُور بِقرب تربة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سيدى اسمعيل الجبرتى على بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مطير الْعَالم الْعَلامَة الْحجَّة كَانَ اماما جَلِيلًا وعارفا نبيلا عمرت أوقاته بِالْعلمِ وقصده الغادى والرائح مَعَ الْحِرْص على سلوك طَرِيق أهل السّنة وَالْجَمَاعَة والمواظبة على الْخَيْر والاشتغال بِالْحَدِيثِ النبوى وعلوم الدّين والانهماك على بَث الْعلم وَالتَّقوى والورع وَعدم مُخَالطَة أحد من الْحُكَّام أَخذ الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا من الْعُلُوم النافعة عَن كثير مِنْهُم الْعَلامَة مُحَمَّد بن على مظير خَاله وَأَخُوهُ خَاتِمَة الْمُحَقِّقين أَحْمد بن على مطير وَأَجَازَهُ شُيُوخه بالافتاء والتدريس وَعنهُ أَخذ جمع مِنْهُم الشَّيْخ ذهل بن على حشيبر وَألف مؤلفات مِنْهَا مُخْتَصر التَّلْخِيص فى الْفِقْه لِابْنِ مطير وَلم يزل على بَث الْعلم ونشره وملازمة طَاعَة الله تَعَالَى حَتَّى مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى رَجَب سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف بِمَدِينَة الزيدية وَدفن بِقرب تربة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى ذهل بن ابراهيم الحشيبرى على بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن محب الدّين بن أَيُّوب الشهير بالايوبى الشافعى المكى أحد أجلاء خطباء الْمَسْجِد الْحَرَام وسراة الْعلمَاء الْفُقَهَاء الْمُحدثين ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن والارشاد والالفية لِابْنِ مَالك وألفية الحَدِيث وَغَيرهَا ولازم الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الزمزمى فى دروسه وَالشَّيْخ على بن الْجمال وَالشَّيْخ عبد الله باقشير وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عَلان وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطائفى ثمَّ لَازم الشَّمْس مُحَمَّد البابلى أَيَّام مجاورته بِمَكَّة فى جَمِيع دروسه وَكَانَ معيد درسه وَأَجَازَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 أَكثر مشايخه وتصدر للاقراء والتدريس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام قَالَ فى بعض رسائله ترعرعت فى رياض الْعُلُوم وتمتعت بِتِلَاوَة كتاب الله تَعَالَى الذى يشفى الامراض والكلوم ولازمت الجلة وَأخذت عَن عدَّة من الْعلمَاء فَعَاد على من بركاتهم واسرارهم مَالا يُنكره الا كل جَاهِل وَلَا يجحده الا كل حسود متجاهل ومذ نشأت وهب صبا الصِّبَا لم يحصل لَهَا عَثْرَة وَلَا كبوة بل كنت اذا فرغت من التِّلَاوَة والطلب عدت الى الْبَيْت لتكرار بعض الْمُتُون وَتَحْصِيل الْكتب الَّتِى لَيست عندى وَذَلِكَ دأبى مُنْذُ نشأت واذا نودى الى الصَّلَاة حوقلت واذا دعيت للصَّلَاة لبيت وأجبت وَلم يزل ذَلِك دأبى الى آخر عمرى بِحَيْثُ صَار لى طَريقَة وَعَادَة راجيا ان شَاءَ الله تَعَالَى أَن تكون نِهَايَة للعناية والسعادة وَهَذَا أقل اثر من حُلُول نظر الْعلمَاء العاملين وحظوظ أثر الْفُضَلَاء الكاملين وكل مِنْهُم كَانَ يثنى فى فى غيبتى واذا بلغنى ذَلِك امْتَلَأت بالسرور والبشر وَطَابَتْ رغبتى وَكنت سليم الصَّدْر من الْغِشّ والغل وَمن التَّعَرُّض لاعراض الْمُسلمين سالما مجانبا لما فِيهِ أذاهم مناصحا لَهُم وموادا لَهُم ومسالما لَا اجْتمع بهم الا لحَاجَة مهمة أَو أَدَاء وَاجِب أَو للتأنس بصديق يكَاد من لطفه يَعْلُو على الْعين والحاجب وَأقسم بِاللَّه الذى هُوَ أبر ألية وَيَمِين وَقد خَابَ وخسر من يفترى عَلَيْهِ وَيَمِين ان خلقى قَدِيما حب الخمول والعزله وبغض الِاشْتِغَال بِمَا لَا يعْنى جده وهزله وانما الْقُدْرَة الالهية هى الَّتِى أَرَادَت الشُّهْرَة لى والظهور ومخاطبتى للنَّاس فِيمَا يقصم الظُّهُور وان كَانَت النُّفُوس الابية تروم طلب الْعليا والشيم الادبية تسمو أَن تَدْنُو الى سفاسف الدُّنْيَا لَكِن لما طلب الْحَسْنَاء قَبِيح الْخِصَال وخطب الْعليا غير أكفاء وَدخل بَيت قصيدها زحاف الطى وَالْقَبْض والاقواء أعرض عَن عرضهَا كل ذى نفس نفيسه ونكحها كل دنى ذى نفس خسيسه (لقد هزلت حَتَّى بدا من هزالها ... كلاها وَحَتَّى سامها كل مُفلس) وَذَلِكَ انى لما بلغت الاشد وَبَلغت أَرْبَعِينَ سنه وَكنت عَن طلب المناصب فى أحلى نومَة وسنه لم أشعر الا وَقد خطبت لتقليد الخطابه وألزمنى بِهِ من أخْشَى عواقبه وَلَا أقدر أَن أرد خطابه وَعلمت ان هَذَا من ارادة الْمولى وَلَا مَانع لما أَرَادَ وَلَا دَافع لما قَضَاهُ فى الازل وَلَا راد فَحِينَئِذٍ شهرت حسام الْعَزْم وأنشأت لكل نوبَة خطْبَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 يستملحها ذُو الْفضل والانصاف ويستحسنها أولو الشيم الحميدة والاوصاف بِحَيْثُ انى كلما باشرت بِخطْبَة طلبَهَا منى بعض النَّاس وخطبها كثير من أهل مَكَّة ومصر وَالشَّام واليمن وَالْعراق والاكراد على اخْتِلَاف الاجناس فسارت بهَا الركْبَان شرقا وغربا وطارت الْغرْبَان بهَا عجما وعربا بِحَيْثُ فاقت خطب الَّذين قبلى من الخطباء وفاقت على انشاء الْمُتَقَدِّمين من الْفُضَلَاء والادباء ثمَّ صَار يطْلب منى مجَالِس الانكحة وعقودها بِحَيْثُ جمعت من ذَلِك ديوانا حافلا سحبت فِيهِ مطارف البلاغة وَكنت فى برد الفصاحة رافلا ثمَّ لما حصل جَدب فى بعض السنين أمرنى الشريف زيد أَن أباشر الدُّعَاء وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء فصعب ذَلِك على بعض النَّاس وَظهر الصفار فى وَجهه كَانَ بِهِ عِلّة الاسْتِسْقَاء ثمَّ لما ورد الامر السلطانى بِالدُّعَاءِ على بَاب الْبَيْت الشريف أمرنى صَاحب الْعِزّ الشريف سعد وَشَيخ الْحرم عماد وقاضى مَكَّة بِمُبَاشَرَة الدُّعَاء فأنشأت لكل يَوْم دُعَاء غير الاول اظهارا لما أنعم الله بِهِ على من نعْمَة وخول انْتهى الْمَقْصُود من ذَلِك وَكتب رِسَالَة يمدح بهَا قاضى مَكَّة الْمولى أَحْمد البياضى سَمَّاهَا الْقُصُور المشيدة المشرفة فى مدح الْمقَام العالى الْمولى أَحْمد قاضى مَكَّة المشرفة وَله // (نظم حسن بليغ) // وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف على بن المقبول الاهدل السَّيِّد الْجَلِيل الولى الشهير تمكن كل التَّمَكُّن من الْعُلُوم الربانية وَهُوَ الذى اختط قَرْيَة الدريهمى وَبنى جَامعهَا بالآجر والنورة وعمره بِالْجمعَةِ وَالْجَمَاعَة وأقامه أتم قيام ورزق الْقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَله فى الطِّبّ الْيَد الطُّولى كَمَا لابيه وجده فتحا من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صَحبه السَّيِّد مُحَمَّد بن الطَّاهِر الْبَحْر وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَخمسين وَألف على بن يحيى الملقب نور الدّين الزيادى المصرى الشافعى الامام الْحجَّة العلى الشَّأْن رَئِيس الْعلمَاء بِمصْر ذكره العجمى فى مشيخته وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وسرد مشايخه الَّذين تلقى عَنْهُم من أَجلهم الشهَاب أَحْمد بن حَمْزَة الرملى شَارِح الزّبد وَغَيره وَولده الشَّمْس والشهاب عميرَة البرلسى والشهاب أَحْمد بن حجر الهيتمى والنور على الطندتائى وَالشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى شهَاب الدّين البلقينى شيخ الْمحيا بِجَامِع الازهر بعد شَيْخه الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ نور الدّين الشنوانى والقطب الربانى أَبُو الْحسن البكرى وروى الموطا من طَرِيق يحيى بن يحيى عَن الشهَاب الرملى عَن الْحَافِظ أَبى الْخَيْر السخاوى عَن الْعِزّ أَبى مُحَمَّد الحنفى بِسَنَدِهِ وروى كتاب الْمَوَاهِب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 اللدنية عَن قطب الْوُجُود الاستاذ أَبى الْحسن البكرى عَن مُؤَلفه الامام الشهَاب أَحْمد القسطلانى وروى الْجَامِع الصَّغِير عَن السَّيِّد الشريف جمال الدّين الارميونى المالكى امام الْمدرسَة الكاملية عَن مُؤَلفه الامام الْحَافِظ السيوطى وَاجْتمعَ بشيخ الاسلام الْبَدْر الغزى وَهُوَ بِمصْر فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَنهُ وَبَلغت شهرته الْآفَاق وتصدر للتدريس بالازهر وانتهت اليه فى عصره رياسة الْعلم بِحَيْثُ ان جَمِيع عُلَمَاء عصره مَا مِنْهُم الاوله عَلَيْهِ مشيخة وَكَانَ الْعلمَاء الاكابر تحضر درسه وهم فى غَايَة الادب وَكَانَت حلقته صُفُوفا مِنْهُم الافضل فالافضل والامثل فالامثل وَكَانَ يُقَال فلَان من الطَّبَقَة الاولى وَفُلَان من الثَّانِيَة وَفُلَان من الثَّالِثَة وَكَانَ لَهُ فى درسه محتسب يجلس كل أحد مِنْهُم فى مَكَانَهُ وَمِمَّنْ لَازمه مُدَّة مديدة الْعَلامَة سَالم الشبشيرى فَكَانَ مَحَله مِنْهُ مَحل الْوَلَد من الْوَالِد وَكَانَ بَينهمَا محبَّة أكيدة ومداعبات لَطِيفَة وَتوفى فى حَيَاة شَيْخه فجزع عَلَيْهِ جزعا شَدِيدا بِحَيْثُ انه لم يعْقد بعده درسا الا ويترنم بِذكرِهِ وَيُشِير الى جلالة قدره واذا توقف أهل الدَّرْس فى مسئلة تأوه تأوه الحزين وَهُوَ يَقُول كالهائم أتعبنا موت سَالم وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ الْبُرْهَان اللقانى والنوران الحلبى والاجهورى والشمسان الشوبرى والبابلى والشهاب القليوبى وَالشَّيْخ سُلْطَان والنور الشبراملسى وَعبد الْبر الاجهورى وخضر الشوبرى وعامر الشبراوى والشهاب الخفاجى وَهُوَ الْقَائِل فِيهِ ... لنُور الدّين فضل لَيْسَ يخفى ... تضئ بِهِ الليالى المدلهمه) (يُرِيد الحاسدون ليطفئوه ... ويأبى الله الا أَن يتمه) ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الطيبرسية وَكَانَ يقرئ الاصول بافريز الازهر شمالى قبْلَة الْحَنَفِيَّة فى الاشهر الثَّلَاثَة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وَكَانَ مُنْقَطِعًا للاشتغال وَالْفَتْوَى وَكَانَ اذا أتم الدَّرْس يجلس بِبَاب دكان بِقرب بَاب الْجَامِع للْفَتْوَى وَكَانَ يصلى اماما بِصَحْنِ الْجَامِع الازهر اذا أذن الْمُؤَذّن دَائِما وَيتم الْفَرْض قبل أَن يفرغ الْمُؤَذّن من الاذان وَألف مؤلفات نافعة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْمنْهَج اعتنى بهَا مَشَايِخ مصر وَغَيرهم من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة بِحَيْثُ انه لَا يقْرَأ مِنْهُم أحد شرح الْمنْهَج الا ويطالعها وَقد اشتهرت بركتها لمن طالعها وَله شرح على الْمُحَرر للرافعى يُوجد كثيرا بِبِلَاد الاكراد وَكَانَ يصدر عَنهُ كرامات مِنْهَا انه زار بعض أَقَاربه من النِّسَاء فَدخل عَلَيْهَا وهى تملأ من الْبِئْر مَاء فَلَمَّا رَأَتْهُ مُقبلا أسرعت اليه تقبل يَدَيْهِ فَسقط الدَّلْو فى الْبِئْر فانزعجت لذَلِك فَوقف على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 الْبِئْر وتناوله بِيَدِهِ من قَعْر الْبِئْر من غير انحناء وَلَا تكلّف وَأَعْطَاهَا اياه وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس شهر ربيع الاول سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَدفن بِبَاب تربة المجاورين وَقد كَانَ البلقينى كتب لَهُ بِخَطِّهِ فى اجازته أَنا مَدِينَة الْعلم وعَلى بَابهَا وَكَانَ الامر كَذَلِك بعد مَوْتهمَا دفن البلقينى بالصدر والزيادى بِالْبَابِ والزيادى بِفَتْح الزاى وَتَشْديد الْيَاء نِسْبَة لمحلة زِيَاد بالبحيرة على بن يحيى الخيوانى قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال هُوَ من فُقَهَاء الزَّمَان وأعيان الاوان من بَيت رياسة من خيوان لَهُم منصب هُنَالك فَهُوَ من أَبنَاء الْوُجُوه المقدمين فى الْقَبَائِل وَلكنه منح الْحِكْمَة وَطلب الْعلم وَكَانَ أَيَّام السَّيِّد الْحسن بن الامام الْقَاسِم فى الْقصر بِصَنْعَاء هُنَالك فَقَرَأَ وَعرف فَضَائِل الْعلم وَأَهله وَكَانَ هما مَا ذكيا حفظه لَا يشق لَهُ غُبَار وَنور الله تَعَالَى قلبه بأنوار الْمحبَّة لآل مُحَمَّد فَمَا عكف على غير علومهم ثمَّ دخل صعدة وَاسْتقر بهَا ودرس وَكَانَ فى الْفُرُوع نبيلا مُفِيدا وَله حَاشِيَة على الازهار وَلما فتحت صنعاء ايام الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم خرج اليها وحقق وَأعَاد شَيْئا من المسموعات على الْعَلامَة الْمُحَقق مُحَمَّد بن عز الدّين وَكَانَ أحد عُيُون حَضْرَة السَّيِّد فاستفاد وَزَاد علمه مَعَ انه كَانَ أَيَّام اقامته بصعدة من أعيانها وَكَانَ القاضى أَحْمد بن يحيى بن حَابِس يحضرهُ ويحضر الْعَلامَة على بن هادى الْقصار عِنْد جمعه للتكميل ويسألهم وَلَهُم ثَالِث كَانَ القاضى يستدينه ويسأله فَاتَ منى وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة مكفوف الْبَصَر وَلم يزل موفور النِّعْمَة صَالح الْحَال مُقبلا على الْعلم والادب حَتَّى اخْتَار الله تَعَالَى لَهُ جواره وَكَانَت وَفَاته بِصَنْعَاء فى افراد سنة سِتِّينَ وَألف فِيمَا أَحسب على بن يُوسُف الْمَعْرُوف بسنان بن حُسَيْن بن الياس بن حسن الاماسى الاصل أحد موالى الرّوم وفضلائها البارعين كَانَ من كبار الافاضل أَخذ عَن وَالِده الْعَلامَة الْمُحَقق سِنَان الدّين صَاحب الْحَاشِيَة على تَفْسِير البيضاوى ثمَّ انحاز الى السَّيِّد مُحَمَّد الْمَعْرُوف بمعلول أَمِير وتلقى عَنهُ كثيرا من الْمسَائِل ولازم مِنْهُ ودرس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى احدى الثمان ثمَّ ولى قَضَاء حلب فى سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ ولى بعْدهَا قَضَاء دمشق فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ ثمَّ قَضَاء بروسه وانفصل عَنْهَا مُدَّة ثمَّ أُعِيد الى قَضَاء دمشق ثَانِيًا فى سنة احدى وَتِسْعين وَوَقع فى أَيَّام قَضَائِهِ قَضِيَّة ابْن خطاب مَعَ القابوجى وَقد تقدّمت فى حرف الْحَاء فى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 تَرْجَمَة حسن باشا وَكَانَ القاضى صَاحب التَّرْجَمَة متشددا على الفابوجى وصمم على قَتله فشنق وعد ذَلِك من صلابته فى دينه ثمَّ قَضَاء الشَّام ولى قَضَاء قسطنطينية وَقَضَاء العسكرين على التَّرْتِيب واشتهر صيته وذاع أمره فى الْفضل والرسوخ وَقد ذكره عبد الْكَرِيم المنشى فِيمَن ترْجم فَقَالَ فى حَقه سليل الْعَالم الطَّائِر صيت فَضله فى الاقطار وَمن غَدَتْ فى عقده أبكار الافكار الْمولى الْعَلامَة سِنَان لَا زَالَ مأنوس الجدث بملائكة الرضْوَان أحد صُدُور الْعَصْر السليمانى الذى جنى الْعَالم من روضه ثمار الامانى اشْتغل بِالْعلمِ واستضاء من أنوار وَالِده وفاز من نِصَاب الْفضل بطارفه وتالده (ان السرى اذا سرى فبنفسه ... وَابْن السرى اذا سرى أسراهما) ثمَّ أنْشد فى حَقه (عَلَوْت اسْما ومقدارا وَمعنى ... فيالله من معنى جلى) (كأنكم الثَّلَاثَة ضرب خيط ... على فى على فى على) وَكَانَت وَفَاته بقسطنطينية فى سنة خمس بعد الالف وَدفن بجوار أَبِيه دَاخل سور قسطنطينية على بن يُوسُف بن مُحَمَّد أَبُو الْحسن بن أَبى المحاسن الْقصرى الفاسى المالكى الامام الْعَلامَة الشهير فى أقطار الْمغرب الْجَامِع بَين الظَّاهِر وَالْبَاطِن أَخذ عَن وَالِده والسراج الحميدى والمنجور والعزومى وَعَن الْفَقِيه النوازلى أَبى رَاشد يَعْقُوب بن يحيى البدرى وَغَيرهم وَأدْركَ الشَّيْخ سيدى عبد الرَّحْمَن المجذوب وتبرك بِهِ ولقى كثيرا من السَّادة وَعنهُ أَخذ كَثِيرُونَ مِنْهُم وَلَده عَالم الْمغرب عبد الْقَادِر الفاسى الْمُقدم ذكره وَقد أفرد تَرْجَمته على حِدة حفيده عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ عبد الْقَادِر استوفى فِيهَا أَحْوَاله ومشايخه قَالَ وَلما حملت بِهِ أمه رأى بعض قرَابَته بفاس فى الْمَنَام أَن قِنْدِيلًا يضئ بصومعة العزوين فى غَايَة الِارْتفَاع على الْبِلَاد كلهَا وَالنَّاس ينظرُونَ الى طوله وظهوره وامتداد ضوئه ونوره وَكَأن قَائِلا يَقُول هَذَا قنديل سيدى على الفاسى وَكَانَ يَوْمئِذٍ نسَاء من قرَابَته حوامل فَلَمَّا ولدن سمين أَوْلَادهنَّ بعلى الفاسى قصدا ان يكون ذَلِك وَالله أعلم بِمَا يفعل والقنديل يعبر بِالْوَلَدِ فَظهر بعد ذَلِك صَاحب التَّرْجَمَة وَولد لَهُ الشَّيْخ عبد الْقَادِر الذى طبق أَرض الغرب علما قَالَ وَكَانَت وَفَاته عصر يَوْم الْجُمُعَة السَّادِس عشر من جُمَادَى الاولى سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 ثَلَاثِينَ وَألف على المنعوت بِنور الدّين بن العظمة المصرى المجذوب الْمُسْتَغْرق ذكره المناوى فى طبقاته وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ أَبوهُ مقدم الجمالة بركب الْحَاج وَكَانَ فى دَائِرَة كَبِيرَة من المَال وَالرِّجَال وَالْجمال فَنَشَأَ وَلَده هَذَا على طَرِيقَته فَبَيْنَمَا هُوَ وَالشَّيْخ أَحْمد البهنسى فِي الجيزة فِي فلاة أَرض وَذَا بطَائفَة من الْفُقَرَاء السائرين الَّذين سخر لَهُم الْهَوَاء يَأْكُلُون تَمرا فدفعوا اليهما ثَلَاث تمرات فاكل الشَّيْخ أَحْمد ثِنْتَيْنِ فَثَبت وَأكل صَاحب التَّرْجَمَة وَاحِدَة فجذب وَنزع ثِيَابه وَصَارَ عُريَانا مُسْتَغْرقا متجردا عَن الثِّيَاب حَتَّى عَن سَاتِر عَوْرَته وَكَانَ بدنه أَحْمَر يلمع كالبلور وَلَيْسَ فى جسده وَلَا لحيته وَلَا رَأسه شَعْرَة وَاحِدَة وَكَانَ كَأَنَّهُ مدهون بِزَيْت من فرقه لقدمه شتاء وصيفا بِحَيْثُ اذا رَآهُ الجلف الغبى قطع بولايته وَكَانَ أهل الطَّرِيق يعْرفُونَ مقَامه حَتَّى ان بَعضهم لم يسْتَطع دُخُول مصر مُدَّة حَيَاته مهابة لَهُ وَكَانَ مَعَ استغراقه يَتْلُو الْقُرْآن وَيسلم على من شَاءَ وَله كرامات شَتَّى مِنْهَا مَا حَكَاهُ الشَّيْخ حشيش الحمصانى انه مر عَلَيْهِ فَجرى فى خاطره الانكار عَلَيْهِ لعدم ستره لعورته فَمَا تمّ الخاطر الا وَقد وجد نَفسه بَين اصبعين من أَصَابِعه يقلبه كَيفَ شَاءَ وَيَقُول لَهُ انْظُر الى قُلُوبهم لَا تنظر الى فروجهم وَذكر انه حج فَخرج عَلَيْهِ جمَاعَة فى ساقة الْحَج فضربوه وسلبوه ثِيَابه ومتاعه وَجلسَ وَهُوَ متحير فَمَا شعر الا وَقد اعتنقه ابْن العظمة من خَلفه وَهُوَ يلحسه وَيَقُول لَهُ قد كَانَ عَلَيْك بَقِيَّة فأخذناها وَكَانَت وَفَاته فى أَوَائِل هَذَا الْقرن وَدفن بزاوية عمرت لَهُ بِرَأْس سويقة السباعين بِخَط منَازِل آبَائِهِ وأجداده على الغزى القاهرى الشافعى الملقب عَلَاء الدّين ذكره العرضى الْكَبِير فى تَارِيخه وَقَالَ فى حَقه الْعَالم الْمُحَقق ولد بغزة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة تَقْرِيبًا وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على شَيخنَا الشَّمْس بن المشرقى ثمَّ رَحل الى مصر فَقَرَأَ على اللقانى يعْنى النَّاصِر الْقَدِيم وَأكْثر من مُلَازمَة الشَّيْخ نور الدّين الطندتائى ثمَّ من بعده لَازم الْخَطِيب الشربينى شَارِح الْمِنْهَاج ولازم الاستاذ البكرى والشهاب الرملى وَولده الشَّمْس والشهاب بن قَاسم والنجم الغيطى وَآخَرين وَصَارَ من فضلاء المصريين قدم حلب تَاجِرًا فى سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَسَأَلَ شَيخنَا ابْن الحنبلى عَن مسئلة أَن الِاسْم غير الْمُسَمّى أَو عينه فَكتب شَيخنَا فى ذَلِك رسَالَته الْمُسَمَّاة فتح الْعين عَن الِاسْم غير أَو عين ثمَّ ان صَاحب العلائى اسْتشْكل عَلَيْهِ أَشْيَاء أبدع فِيهَا فَأجَاب عَنْهَا شَيخنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 وَسمعت الرسَالَة الْمَذْكُورَة على مؤلفها شَيخنَا بِقِرَاءَة الشهَاب أَحْمد بن المنلا ثمَّ ان الشَّيْخ عَلَاء الدّين قدم حلب مرّة أُخْرَى فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ فاذا آثَار الشيخوخة ظَهرت عَلَيْهِ فَاجْتَمَعْنَا بِهِ فى الْجَامِع وفى منزله ومنزلنا فاذا هُوَ فَاضل عَجِيب ذُو ملكة حَسَنَة وقدرة على الْبَحْث وثبات للمصادمة ولسن لطيف حسن الروية تَامّ الصّلاح وَالتَّقوى جرى بَيْننَا وَبَينه مذاكرة فى أَنْوَاع من الْعُلُوم وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الزَّمَان وأرانى فى خلال اجتماعنا بِهِ أَيْضا كراريس ألفها على تَفْسِير الجلالين أبدع فِيهَا وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى بعد الالف على الطورى الْمصْرِيّ الحنفى الْعَالم الْمُقدم فى نتائج الْفضل كَانَ عَالما فَاضلا فَقِيها مطلعا على مسَائِل الْمَذْهَب ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن الشَّيْخ زين بن نجيم وَغَيره حَتَّى برع وتفنن وَألف مؤلفات ورسائل فى الْفِقْه كَثِيرَة وَكَانَ يُفْتى وفتاويه جَيِّدَة مَقْبُولَة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ فى فقه الْحَنَفِيَّة الْجَامِع الْكَبِير لَهُ الشُّهْرَة التَّامَّة فى عصره والصيت الذائع وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى سنة أَربع بعد الالف على دده البوسنوى الْمَعْرُوف بشيخ التربة ولد ببلدة موستار من مضافات لِوَاء هرسك من بِلَاد بوسنه وَقَرَأَ الْعُلُوم ثمَّ سلك الطَّرِيقَة عِنْد الشَّيْخ مصلح الدّين بن نور الدّين الخلوتى واجتهد عِنْده الى أَن صَار من جملَة خلفائه ثمَّ لما فتح السُّلْطَان سُلَيْمَان قلعة سكتوار من بِلَاد انكروس وَمَات بهَا عِنْد الْفَتْح ودفنوا أمعاءه عِنْد القلعة الْمَذْكُورَة وَجعلُوا عَلَيْهِ قبَّة وقفُوا عَلَيْهَا ضيَاعًا صَار بهَا شَيخا وَسكن بهَا الى آخر عمره وَبعد صيته وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا توفى بقلعة صولنق فى سنة سبع بعد الالف على الدفترى صَاحب الْكتب الْمَوْقُوفَة بِدِمَشْق ولى دفترية الشَّام مرَّتَيْنِ الاولى فى سنة سبع بعد الالف وَالثَّانيَِة فى سنة أَربع عشرَة وَحج فى السنتين المذكورتين وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة جَيِّدَة فى الْفُنُون وَله أَخذ بظواهر كَلَام الشَّيْخ الاكبر قدس الله سره واعتقاد تَامّ فِيهِ واحتفال بكتبه ووقف كتبه واستودعها بَيت الخطابة بِالْقربِ من الْمَقْصُورَة بالجامع الاموى وَلم تزل هُنَاكَ الى أَن ادّعى النظارة عَلَيْهَا بعض مفتى الشَّام واحتوى عَلَيْهَا وفيهَا نفائس الْكتب وَكَانَ على الْمَذْكُور محبا للْعُلَمَاء مكثرا من مجالستهم ومعاشرتهم وَكَانَت وَفَاته فى يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس رَجَب سنة ثَمَان عشرَة بعد الالف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 على الْمَعْرُوف بالنجار الدمشقى الصالحى الشافعى القادرى الامام الْعَامِل العابد المعتقد كَانَ فى ابْتِدَاء أمره مُقيما بالصالحية وَكَانَ وَالِده نجارا ينْفق عَلَيْهِ وَهُوَ مشتغل بِطَلَب الْعلم من كَسبه أَخذ الْفَرَائِض عَن الشَّيْخ الامام مُحَمَّد بن ابراهيم التنورى الميدانى والمحدث الْكَبِير ابراهيم بن الاحدب ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة ولازم النُّور الزيادى والشهاب البلقينى وَقَرَأَ الْجَامِع الصَّغِير على الشَّيْخ مُحَمَّد حجازى الشعراوى وَأقَام بِمصْر سبع سِنِين حَتَّى أجَازه شُيُوخه ثمَّ رَجَعَ الى دمشق فَاجْتمع اليه خلق كثير من الطلاب للْقِرَاءَة وانتفعوا بِهِ وَكَانَ مُقبلا على المجاذيب وَكَانُوا هم يأوون اليه وَيعرف مَا يَقُولُونَ بالاشارة وَرُبمَا تكلم فى الحضرة عَنْهُم بِكَلِمَات تظهر فى وَقتهَا وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَهُوَ مَحل الِاعْتِقَاد لانقطاعه الى الله تَعَالَى ومثابرته على النَّفْع والافادة وَكتب حَاشِيَة على شرح الْقطر للفاكهى لم تشتهر وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَخمسين وَألف على العزيزى البولاقى الشافعى كَانَ اماما فَقِيها مُحدثا حَافِظًا متقنا ذكيا سريع الْحِفْظ بعيد النسْيَان مواظبا على النّظر والتحصيل كثير التِّلَاوَة سريعها متودداً متواضعاً كثير الِاشْتِغَال بِالْعلمِ محباً لأَهله خُصُوصا أهل الحَدِيث حسن الْخلق والمحاضرة مشار اليه فى الْعلم شَارك النُّور الشبراملسى فى كثير من شُيُوخه وَأخذ عَنهُ واستفاد مِنْهُ وَكَانَ يلازمه فى دروسه الاصلية والفرعية وفنون الْعَرَبيَّة وَله مؤلفات كَثِيرَة نَقله فِيهَا يزِيد على تصرفه مِنْهَا شرح على الْجَامِع الصَّغِير للسيوطى فى مجلدات وحاشية على شرح التَّحْرِير للقاضى زَكَرِيَّا وحاشية على شرح الْغَايَة لِابْنِ قَاسم فى نَحْو سبعين كراسة وَأُخْرَى على شرحها للخطيب وَكَانَت وَفَاته ببولاق فِي سنة سبعين وَألف وَبهَا دفن والعزيزى بفتحة ومعجمتين مكسورتين بَينهمَا يَاء تحتية نِسْبَة للعزيزة من الشرقية بِمصْر على الْبَصِير الحنفى الحموى مفتى طرابلس الشَّام الْفَقِيه البارع اللسن كَانَ آيَة باهرة فى الْحِفْظ والاتقان ولد بحماة وَقَرَأَ بهَا ثمَّ رَحل الى طرابلس وعمره أَرْبَعُونَ سنة وتوطنها وَولى الافتاء بهَا مُدَّة حَيَاته وَله تآليف كَثِيرَة فى الْفِقْه وَغَيره مِنْهَا شرح الْمُلْتَقى سَمَّاهُ قلائد الانحر ونظم الْغرَر فى القى بَيت ونظم العوامل الجرجانية ونظم قَوَاعِد الاعراب وَله كتاب منظوم فى الْغَاز الْفِقْه سَمَّاهُ الْحور الْعين يشْتَمل على ألف سُؤال وأجوبتها ومفتتحة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 (قَول على الحنفى الْمِسْكِين ... من بعد بِسم الله ذى التَّمْكِين) (حمدا لمن فقهنا فى الدّين ... فقها باجمال مَعَ التَّبْيِين) (ثمَّ صَلَاة بِسَلام تليت ... على النبى الْمُصْطَفى الامين) (ثمَّ على الْآل وصحبته وَمن ... يتبعهُم بشرعه الْمُبين) (وَبعد انى قد نظمت بعض مَا ... وجدت فى مَذْهَبنَا المنين) (من الْمسَائِل الَّتِى تعسر عَن ... كل فَقِيه جَامع رزين) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى ذى الْحجَّة سنة تسعين وَألف وَدفن بجبانة الغرباء ظَاهر طرابلس رَحمَه الله تَعَالَى على الْمحلى الشافعى كَانَ اماما فَقِيها مفتياً ذَاكِرًا للْمَذْهَب عَالما بدقائقه عُمْدَة الْفَتْوَى فى اقليم الغزبية بِمصْر كثيرا الْفَوَائِد حسن المحاضرة لذيذ المفاكهة جيد المناظرة مكرما لجليسه مؤنسا لَهُ وَعِنْده كياسة وحشمة وانسانية ومروءة وَكَانَ عَزِيز النَّفس لطيف الذَّوْق يَقُول الْحق وينكر الْمُنكر ويخاطب الْحُكَّام بالغلظة وامتحن بِسَبَب ذَلِك امتحانا كثيرا وَكَانَ كثير الْمُلَازمَة لبيته لَا يخرج الا لضَرُورَة محبا للغرباء محسنا اليهم مُعْتَقد الاهل الْخَيْر وَكَانَ فى الْفُنُون الْعَقْلِيَّة بحرا زاخرا وشاعت فَتَاوِيهِ فى الْآفَاق مَعَ التوقى الشَّديد فى سَائِر أَحْوَاله ولد بالمحلة وَبهَا نَشأ وَقدم مصر وَأخذ بهَا عَن النُّور الزيادى وَسَالم الشبشيرى وعَلى الحلبى وَمن عاصرهم من عُلَمَاء جَامع الازهر وَقَرَأَ على النُّور الشبراملسى ولازمه كثيرا مَعَ كَونه شَاركهُ فى كثير من شُيُوخه وَأَجَازَهُ شُيُوخ كَثِيرُونَ وَأذن لجَماعَة بمروياته وَحج مَرَّات ورحل الى الْيمن وَاجْتمعَ فِيهِ بالامام المتَوَكل على الله اسماعيل بن الْقَاسِم وحظى عِنْده وعظمت مكانته وأجزل صلته ثمَّ رَجَعَ الى بَلَده وَصَحب الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى حسنا البدوى ولازمه وَله مَعَه وقائع كَثِيرَة وتصدر للتدريس وَأخذ عَنهُ جمع من الاكابر مِنْهُم الشهَاب البشبيشى وَكَانَ يتعاطى التِّجَارَة حَتَّى أثرى وَكثر مَاله وَجمع الله تَعَالَى لَهُ بَين سَعَادَة الدَّاريْنِ وانتهت اليه رياسة الشَّافِعِيَّة بِبَلَدِهِ وَتفرد بالمشيخة وَكَانَ عَارِفًا بالامور يَد يمن بِرَأْيهِ وَله حَظّ من الصَّلَاة وَالصِّيَام قَلِيل الوقيعة فى النَّاس حَافِظًا لِلِسَانِهِ مقتصدا فى ملبسه وعيشه وَمن الرِّوَايَة عَنهُ مَا أخبر بِهِ الشهَاب البشبيشى عَنهُ بِسَنَدِهِ الى لحافظ عبد الله مُحَمَّد بن أَبى بكر بن أَبى الدُّنْيَا حَدثنَا مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان الاسدى حَدثنَا أَبُو الاحوص عَن بنان عَن قيس بن أَبى حَازِم عَن أَبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 هُرَيْرَة رضى الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله لَان يحتطب أحدكُم على ظَهره فبقى بِهِ وَجهه خير من أَن يسْأَل رجلا أعطَاهُ أَو مَنعه قلت ويناسبه مَا رَأَيْته فى تَارِيخ النَّجْم الكواكبى فى تَرْجَمَة الفارضى المصرى أوحى الله تَعَالَى الى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن تدخل يدك فى فَم التنين خير من أَن تبسطها الى غنى قد نَشأ فى الْفقر وَمِمَّا اتّفق لصَاحب التَّرْجَمَة ان قَاضِيا شريفا فَاضلا تولى قَضَاء الْمحلة فَأرْسل اليه بعد قدومه اليها يطْلب مِنْهُ المناظرة ليتبين لَهُ حَاله لما بلغه مَا هُوَ عَلَيْهِ من كَمَال الْفضل فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ المناظرة مُنْتَهى مَقْصُود الْعلمَاء ودأبهم قَدِيما وحديثا فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة لَا بَأْس بذلك لَوْلَا أَنَّك شرِيف لقَوْله قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها وَقد قَالَ بعض شرَّاح الحَدِيث فى مَعْنَاهُ أى لَا تغالبوها والمناظرة مغالبة وَقد نهينَا عَنْهَا مَعكُمْ فَاسْتحْسن القاضى جَوَابه وَسُرْعَة استحضاره وَتركهَا وَزَاد فى اجلاله وَكَانَت وَفَاته بالمحلة الْكُبْرَى فى سنة تسعين وَألف الملا على الكوراتى الشافعى امام مَسْجِد النبى جرجيس عَلَيْهِ السَّلَام بِمَدِينَة الْموصل أحد أكَابِر الْمُحَقِّقين لَهُ مؤلفات حَسَنَة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الشمسية للقطب وحاشية على شرح عقائد النسفى للتفتازانى وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَتِسْعين وَألف بالموصل وَدفن بِالْمَسْجِدِ الْمَذْكُور عماد الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد العمادى مفتى الْحَنَفِيَّة بِالشَّام وَابْن مفتيها كَانَ فَاضلا وقورا سليم الصَّدْر نحيف الْجِسْم متواضعا صامتا صَادِق الود وثيق الْعَهْد طَاهِر الْفَم والذيل عَمَّا يشينه قَرَأَ على وَالِده وعَلى الْحسن البورينى وَالشَّيْخ تَاج الدّين القرعونى وَالشَّمْس مُحَمَّد بن محب الدّين وَأخذ عَن الشهابين العيثاوى والوفائى ولازم من الْمولى مصطفى بن عزمى ودرس أَولا بالشبلية فراغا من وَالِده لَهُ وَلما مَاتَ أَبوهُ أَرَادَ أَن يصير مفتيا مَكَانَهُ فَمَا قدرت لَهُ ووجهت الى مُحَمَّد بن قياد السكوتى الآتى ذكره ان شَاءَ الله ثمَّ بعد وَفَاة السكوتى وجهت اليه وعظمت حرمته وَأَقْبَلت عَلَيْهِ كبراء وقته وعظمته حكام الشَّام وأعيانها ونفذت كَلمته عِنْد الْخَاص وَالْعَام وخدمته الافاضل وَكَانَ مَعَ هَذَا لَا يرى لنَفسِهِ وجودا وَكَانَ لَهُ فى الصّلاح وَالتَّقوى قدم راسخة وَذكر لى والدى المرحوم انه سمع بعض المجاذيب بِمصْر يَقُول ان صَاحب التَّرْجَمَة لَهُ رُتْبَة بَين الاولياء وَهُوَ لَا يعرف نَفسه وَأقَام ثمانى عشرَة سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 مفتيا وفتاويه بأيدى النَّاس متداولة مَقْبُولَة مسددة وَكَانَ يصدر عَنهُ كرامات وأحوال كَثِيرَة وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ صَدرا من صُدُور الشَّام وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع بعد الالف وَتوفى نَهَار الْخَمِيس خَامِس عشر رَجَب سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير عِنْد اسلافه السَّيِّد عمار بن بَرَكَات بن جَعْفَر بن بَرَكَات بن أَبى نمى الْحسنى أحد اشراف مَكَّة الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ والادب وَحسن الشّعْر ذكره السَّيِّد ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه عمار أبنية الْمجد والمكارم وَرَافِع ألوية شرف آبَائِهِ الخضارم نسب فى السِّيَادَة كعمود الصُّبْح وَحسب تنزه بجده الْحسن عَن الْقبْح طلع فى أفق الْجَلالَة بَدْرًا وسما فى سَمَاء الابالة قدرا رَأَيْته فى حَضْرَة الْوَالِد بالديار الْهِنْدِيَّة وَقد تفيأ ظلال مكارمه الندية وَكَانَ قد دَخلهَا فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف فَرَأَيْت فِيهِ الْفضل مصورا وجنيت بِهِ روض السِّرّ ورمنورا وَلَقَد كَانَ يجمعنى واياه مجْلِس والدى حسب الاقتراح وبيننا من المصافاة مَا بَين الراح وَالْمَاء القراح وَهُوَ كهل شبت بالظرف شمايله وهبت باللطف جنائبه وشمائله وَرُبمَا جمعتنَا حلبة أدهم وكميت أَو بَيت شعر لم تتحكم عَلَيْهِ لَو وَلَا لَيْت فننتقل من متن جواد الى شرح بَيت وَله شعر يفعل بالالباب فعل السحر أثبت مِنْهُ مَا هُوَ أحلى من جنى النَّحْل وأجدى من الْقطر فى الْبَلَد الْمحل فَمِنْهُ قَوْله مُخَاطبا الْوَالِد النظام أَحْمد بن مَعْصُوم (زرت خلا صَبِيحَة فحبانى ... بسؤال أشفى وأرغم شانى) (قَالَ لما نظرت نور محياه ونلت المنى وكل الامانى ... ) (كَيفَ أَصبَحت كَيفَ أمسيت مِمَّا ... ينْبت الْحبّ فى قُلُوب الغوانى) (فتحرجت أَن أفوه بِمَا قد ... كَانَ منى طبعا مدى الازمان) (يَا أَخا الْمجد والمكارم وَالْفضل وَمن لَا أرى لَهُ الْيَوْم ثانى ... ) (أدْرك أدْرك متيما فى هواكم ... قبل تسطو بِهِ يَد الْحدثَان) (وابق واسلم ممتعا فى سرُور ... مَا تغنت ورق على غُصْن بَان) فَرَاجعه بقوله (لَيْت شعرى مَتى يكون التدانى ... لبلاد بهَا الحسان الغوانى) (وَبهَا الْكَرم مثمر والاقاحى ... ضحِكت عَن ثغور زهر لحانى) (والبساتين فائحات بعطر ... يخجل العنبر الذكى اليمانى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 (وطيور بهَا تجاوبن صبحا ... وعشيا كنغمة العيدان) (وبألحانها تذيب ذوى اللب وتحيى مَيتا من الهجران) (وتمشى بهَا الظباء الحوالى ... مائسات كناعم الأغصان) (كل خود تسطو بلحظ حسام ... وتثن كماقنا المران) (وَجههَا الصُّبْح لَكِن الْفَرْع مِنْهَا ... ليل صب من لوعة الْحبّ فان) (غادة كَالنُّجُومِ عقد حلاها ... مَا اللآلى وَمَا حلى العقيان) (ان ياقوت خدها أرخص الْيَاقُوت سعرا وَعَابَ بالمرجان ... ) (كل يَوْم يقْضى بِقرب لَدَيْهَا ... فَهُوَ يَوْم النوروز والمهرجان) مِنْهَا (تِلْكَ من فاقت الظباء افتتانا ... فَلِذَا وصفهَا أَتَى بافتنان) (مالمضنى أُصِيب من أسْهم اللحظ نجاة من طَارق الْحدثَان ... ) (أذكرتنى أَيَّام تِلْكَ وعزت ... أعينى بالبكاء والهملان) (نفثات كالسحر يصدعن فى قلب معنى من الْمَلَامَة عان) وَمِنْهَا (كَلِمَات لَكِنَّهَا كالدرارى ... وسطور حوت بديع الْمعَانى) (اذ أَتَت من أَخ شَقِيق المعالى ... فائق الاصل غرَّة فى الزَّمَان) (ضافي الود صافى الْقلب قرم ... كعبة قد علا على كيوان) (ذَاكِرًا لى فِيهَا تزايد شوق ... وولوعا بِهِ مدى الازمان) (ففهمت الذى نحاه وَلَكِن ... لَيْت شعرى يدرى بِمَا قد دهانى) (أَنا قيس فى الْحبّ بل هُوَ دونى ... لَا جميل حالى وَلَا كَابْن هانى) (يَا أَخا الْعَزْم قد سلمت ووجدى ... طافح زَائِد بِغَيْر توان) (فلحتفى أَبْصرت من قد رمانى ... وعناء تصيد الغزلان) (ان تشا شرح حَال صب كئيب ... فَلَقَد قَالَه بديع الْمعَانى) (مرضى من مَرِيضَة الاجفان ... ) الى آخر الْبَيْت للشَّيْخ محيى الدّين بن عربى وَللسَّيِّد عمار مذيلا بَيت أَبى زَمعَة جد أُميَّة بن أَبى الصَّلْت ومادحا ابْن مَعْصُوم الْمَذْكُور (اشرب هَنِيئًا عَلَيْك التَّاج مرتفعا ... فى رَأس غمدان دَار مِنْك محلالا) (تسْعَى اليك بهَا هيفاء غانية ... مياسة الْقد كحلا الطّرف مكسالا) (اذا تثنت كغصن البان من ترف ... وان تجلت كبدر زَان تمثالا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 (كَأَنَّهَا وأدام الله بهجتها ... ظبى رنا فسبى تيها وادلالا) (وَكَيف لَا وهى أمست فِيهِ ساحبة ... بِخِدْمَة السَّيِّد المفضال اذيالا) (ذَاك الذى جلّ عَن تنويه تَسْمِيَة ... شمس علت هَل ترى للبدر أَمْثَالًا) (الباسم الثغر والابطال عابسة ... والباذل المَال لم يتبعهُ أَنْكَالًا) (عَار من الْعَار كاس من محامده ... لَا يعرف الْخلف فى الاقوال ان قَالَا) (ان قَالَ أفحم ندب الْقَوْم مقوله ... أَو صال أخجل لَيْث الغاب ان صالا) (علابه النّسَب الوضاح منزلَة ... عَن أَن يماثل اعظاما واجلالا) (خُذْهَا ربيبة فكر طالما حجبت ... لَوْلَا علاك وود قطّ مَا حَالا) (واسمح بِفَضْلِك عَن تَقْصِير منشئها ... وَحسن بشرك لم يبرح لَهَا فالا) (ثمَّ الصَّلَاة على أزكى الورى نسبا ... وَآله الغر تَفْصِيلًا واجمالا) قَالَ السَّيِّد على لقد رَأَيْت هَذَا المادح ساحبا أذيال الْعِزّ والجلال بِحَضْرَة ممدوحه هَذَا السَّيِّد المفضال وَقد أنزلهُ بِأَعَز مَكَان وأحله عِنْده مَحل ابْن ذى يزن من رَأس غمدان حَتَّى وعده بوعد شام من وميض بارقه السعد فَلم يلبث أَن استوفى ملْء مكاليه وهتفت بِهِ دواعى آجاله فوافت الْمِسْكِين منيته قبل تقضى أمْنِيته وَهَكَذَا حلق الدَّهْر العرام وَكم حسرات فى نفوس الْكِرَام وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْجُمُعَة لعشر بَقينَ من شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف عمر بن ابراهيم بن مُحَمَّد المنعوت بسراج الدّين الشهير بِابْن تجيم الحنفى المصرى الْفَقِيه الْمُحَقق الرشيق الْعبارَة الْكَامِل الِاطِّلَاع كَانَ متجرا فى الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة غواصا على الْمسَائِل الغريبة محققا الى الْغَايَة سيال اليراع نديه فى التَّحْرِير جَامعا لادوات التفرد فى حسن أسلوبه جم الْفَائِدَة وجيها عِنْد الْحُكَّام فى زَمَنه مُعظما عِنْد الْخَاص وَالْعَام أَخذ عَن أَخِيه الشَّيْخ زين صَاحب الْبَحْر وَألف كِتَابه الذى سَمَّاهُ بالنهر الْفَائِق شرح الْكَنْز ضاهى بِهِ كتاب أَخِيه الْبَحْر الرَّائِق لكنه أربى عَلَيْهِ فى حسن السبك للعبارات والتنقيح التَّام قَالَ فى أَوله بعد الْبَسْمَلَة أحمدك يَا من أظهر مَا شَاءَ لمن شَاءَ من كنوز هدايته وأطلع من أحب من دقائق الْحَقَائِق بفيض فَضله وعنايته وأصلى وَأسلم على نِهَايَة خُلَاصَة الاصفياء وذخيرة نخبة الْعلمَاء من الانبياء مُحَمَّد الْمُخْتَار من خِيَار الاخيار وعَلى آله وَصَحبه كرام الابرار مَا تكَرر اللَّيْل وَالنَّهَار وتراسلت قطرات الامطار فى الاقطار وتواصلت أبكار نفائس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 الافكار وَله فِيهِ مناقشات على شرح أَخِيه مِنْهَا قَوْله فى بَاب التَّيَمُّم بعد نقل كَلَام أَخِيه وَأَقُول هَذَا سَاقِط جدا وَله غَيره من الرسائل والتآليف وَكَانَت وَفَاته يَوْم الثُّلَاثَاء سادس شهر ربيع الاول سنة خمس بعد الالف بدرب الاتراك وَدفن عِنْد أَخِيه الشَّيْخ زين بجوار السيدة سكينَة تجاه مقلاة الحمص قيل مَاتَ مسموما من بعض النِّسَاء وَيدل على ذَلِك كَثْرَة تزَوجه وَعدم مَرضه السَّيِّد عمر بن ابراهيم بن مُحَمَّد شجر القديمى الحسينى كَانَ سيدا كَبِير الْحَال عَظِيم الْمقَال لَهُ كرامات شهيرة وَكَانَ من الزّهْد فى الدُّنْيَا وَعدم النّظر اليها بِمَنْزِلَة علية وَكَانَ ينْفق جَمِيع مَا يَأْتِيهِ من الفتوحات وَالنُّذُور على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَله بجدة زَاوِيَة يجْتَمع فِيهَا النَّاس لذكر الله تَعَالَى وطاعته وكل من حضر مَعَهم يحصل لَهُ فتح اما دينى واما دنيوى وَكَانَ يجلس فى غَالب أوقاته بجدة على سَرِير لَهُ مَنْصُوب بِقرب بَاب صريف من الْجِهَة الشامية مِنْهَا وكل من لَهُ حَاجَة أَتَى اليه وتوسل بِهِ فى قَضَائهَا فتقضى باذن الله تَعَالَى وسريره الى الْآن مَنْصُوب بجدة فى مَكَانَهُ يتبرك النَّاس بمسه وَلَا يقدر أحد أَن يجلس عَلَيْهِ وَمن جلس عَلَيْهِ ضرب من يَوْمه وَقد جرب ذَلِك وَالنَّاس يتحاشون عَن الْجُلُوس عَلَيْهِ خوفًا من ذَلِك وَحكى السَّيِّد مُحَمَّد بن الطَّاهِر ابْن بَحر فى تَارِيخه الذى سَمَّاهُ تحفة الدهران صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ على جَانب عَظِيم من الْخيرَات يحب الْفُقَرَاء ويؤوى الْمَسَاكِين وَيكرم الوافدين وَيطْعم الهريسة فى أَيَّام منى لَا كثر أهل الْمَوْسِم على طَريقَة عَمه السَّيِّد الولى الْمَشْهُور أَبى الْغَيْث بن مُحَمَّد الشّجر الْمُقدم ذكره قَالَ وَحكى لى والدى أَن صَاحب التَّرْجَمَة ربى يَتِيما وَله وَالِدَة وَهُوَ بهَا بر كَانَت تضربه وتأمره بالامور فيأتمر حَتَّى كبر وَبلغ الْحِنْث وَكَانَ يحاول شَيْئا من أُمُور الدُّنْيَا فَلَا ينَال مِنْهَا وَكَانَ يضْحك الْقَوْم مِنْهُ لفقره وتغفله فحج وزار والنبى فحصلت لَهُ عناية ربانية بِوَاسِطَة جده فرزق الْقبُول التَّام حَتَّى استوطن مَكَّة وَأَقْبل عَلَيْهِ أَهلهَا وأمراء الاروام فَمَا دونهم وَكَانَ يزور الْيمن فَيقبل عَلَيْهِ النَّاس اقبالا تَاما وَمَا تفوه بِهِ أَئِمَّة الله تَعَالَى وَجَمِيع مَا يدْخل عَلَيْهِ يُنْفِقهُ فى سَبِيل الْخَيْر وَمَا زَالَ على هَذِه الْحَال حَتَّى توفى الى رَحْمَة الله تَعَالَى وغفرانه وَكَانَت وَفَاته فى سنة عشر بعد الالف بجدة وَبهَا دفن وَلَا عقب لَهُ عمر بن ابراهيم بن على بن أَحْمد بن على السعدى الحموى الاصل الدمشقى المولد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 الْمَعْرُوف بِابْن كاسوحة الْمُقدم ذكر أَبِيه فى حرف الْهمزَة كَانَ وَالِده شَدِيدا الاعتناء بِهِ حَتَّى أشغله واجتهد على تَعْلِيمه وَدخل بِهِ الْقَاهِرَة غير مرّة وأحضره عِنْد الجلة من الْمَشَايِخ مِنْهُم الشَّمْس الرملى والنور بن غَانِم المقدسى وابراهيم العلقمى والشهاب الخانوتى والنور الزيادى والشهاب بن قَاسم والشهاب أَحْمد بن أَحْمد بن عبد الْحق وَالشَّيْخ صدر الدّين الحنفى والزين عبد الرَّحْمَن الْخَطِيب الشَّرّ بينى وَسمع مِنْهُم وأجاوزوه وَأخذ بِدِمَشْق عَن الشَّمْس الداودى ولازمه مُدَّة وَحضر مَعَ أَبِيه دروس الشهَاب العيثاوى ولازم الْبُرْهَان بن كسباى فى القراآت حَتَّى صَار أمثل جماعته ثمَّ تصدر للاقراء وَكَانَ حسن التِّلَاوَة متقنا مجودا خَالِيا من التَّكَلُّف والتعسف مَعَ انه لم يكن حسن الصَّوْت وَكَانَ قَلِيل الْحَظ من الدُّنْيَا ومعيشته أَكثر مَا كَانَت من كسب أَبِيه قَالَ النَّجْم الغزى قَرَأت بِخَطِّهِ ان مولده فى أَوَاخِر رَجَب سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى يَوْم الاحد عشرى جُمَادَى الاولى سنة سبع عشرَة وَألف بعلة الاسْتِسْقَاء وَدفن عِنْد أَبِيه بمقبرة بَاب الصَّغِير السَّيِّد عمر بن أَحْمد بن أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد منفز بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الله باعلوى يعرف كسلفه بآل منفز أحد فحول الرِّجَال قَالَ الشلى فى تَرْجَمته كَانَ من الْمشَار اليهم بالزهد وَالصَّلَاح وَالْعِبَادَة وَحسن الطَّرِيقَة صحب الاكابر من الاولياء وَالْعُلَمَاء وَتخرج بهم فى سلوك الطَّرِيقَة ولقى أستاذ حَضرمَوْت الامام أَحْمد بن علوى باحجذب ولازم الامام الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد بن عقيل صَاحب مد يحجّ وَكَانَ متمسكا بآداب الشَّرِيعَة مُحْتَرما عِنْد الْمُلُوك والاشراف وَكَانَ فى أقْصَى الْمُرُوءَة وَغَايَة التَّوَاضُع منقاد للخير جوادا سخيا يعظم أهل الدّين وَيكرم الْفُقَرَاء كثير الصَّدَقَة والاحسان اليهم عَظِيم الْبر مَعَ اقباله على طَريقَة أسلافه من الْعِبَادَة والتهجد وَقيام اللَّيْل كَانَ يقوم ربع اللَّيْل الاخير وَيخرج من مَسْجِد آل باعلوى وَيُقِيم كل من كَانَ نَائِما فِيهِ ذَلِك الْوَقْت وَرُبمَا ضرب من تكاسل عَن الْقيام وَكَانَ مستهينا بالدنيا وعروضها مجانبا كثير الدُّنْيَا محتقر الارباب الدولة وَمن يتَرَدَّد اليهم يُطلق لِسَانه على أهل الظُّلم والفسوق وَألقى الله هيبته ومحبته فِي الْقُلُوب وتزايد اعْتِقَاد النَّاس فِيهِ وَلما تولى السَّيِّد عبد الله بروم نظر أوقاف آل عبد الله باعلوى طلع صَاحب التَّرْجَمَة الى السُّلْطَان وَأَغْلظ عَلَيْهِ القَوْل وَكَانَ نظر اوقاف مَسْجِد آل باعلوى اليه وأوقف عَلَيْهِ أَمْوَالًا كَثِيرَة وَكَانَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَله كرامات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وافضالات وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاربعاء لتسْع خلون من شَوَّال سنة عشْرين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل وقبره مَعْرُوف السَّيِّد عمر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى بكر بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف يعرف كأبيه بالمساوى وَيعرف جده مُحَمَّد ببا مقلف ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته أحد الاعيان مُدبر الامور وَصَاحب الرأى الصائب ولد بتريم وَنَشَأ بهَا وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين واشتهر بالعفة وجودة الرأى ووفور الهيبة وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فى جودة الذكاء وانتفع بِهِ النَّاس فى الاصلاح بَينهم فى أُمُور لَا يتقنها غَيره مَعَ الصَّبْر على الامور الدِّينِيَّة كالاقامة بتجهيز الْمَيِّت ونزوله قبر واذا مر خطب دبره أحسن تَدْبِير وَكفى النَّاس أمره وَكَانَ حيسوبا سريع الْجَواب حسن الابتدار عَجِيب الحافظة جيد المحاضرة وَكَانَ صَدرا رَئِيسا مُعظما عِنْد الْخَاص وَالْعَام تقدمه جَمِيع الطوائف وَكَانَ أديبا فَاضلا ذكيا مداوماً على الْعِبَادَة وَالْجَمَاعَة والتهجد وزيارة الصَّالِحين وَغير ذَلِك من الصِّفَات الجميلة غير انه خدشها بتردد على السُّلْطَان فَلم يكن يعاب باشد من ركونه اليهم ثمَّ اخْتلفت الاحوال مَا بَين انخفاض وارتفاع ووشى بِهِ الى السُّلْطَان فاعتقله بالحصن فَأسلم الى من عاقبه وَعمل لَهُ قَمِيصًا من لِيف النّخل واحرق ذَلِك الليف ثمَّ صودر وَأخذ مِنْهُ جَمِيع مَا مَعَه من النَّقْدَيْنِ وَمَاله بايدى النَّاس وَمَا مَعَه من الامتعة والاوانى وَيُقَال ان مَجْمُوع مَا أَخذ مِنْهُ نَحْو عشرَة آلَاف وَكَانَ مَحْفُوظًا فِيمَا امتحن بِهِ مستسلما فِيمَا ابتلى بِهِ ثمَّ جد واجتهد فى الْعِبَادَة وَتوجه بِظَاهِرِهِ وباطنه الى الله تَعَالَى حَتَّى بلغ رُتْبَة الْكَمَال وعد من الفحول وَوصل الى الْمَرَاتِب الْعلية وَظَهَرت مِنْهُ كرامات وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَعظم أَسف النَّاس عَلَيْهِ وأثنوا عَلَيْهِ كثيرا وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا وَلم يخلف بعده مثله فى خصاله السُّلْطَان عمر بن بدر بن عبد الله بن جَعْفَر الكثيرى سُلْطَان حَضرمَوْت بالشحر ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ حسن الشمايل وافر الْعقل كثير الْعدْل وَكَانَت سيرته مرضية وَله الْتِفَات تَامّ الى الرعايا حسن السياسة صَادِق الفراسة صَاحب أَخْلَاق حميدة قل ان ورد عَلَيْهِ أحد من الغرباء الا وَصدر يثنى عَلَيْهِ الثَّنَاء الْجَمِيل وَكَانَ شجاعا مقداماً ولعَبْد الصَّمد باكثير فِيهِ عدَّة مدائح وَكَانَت وَفَاته سنة احدى وَعشْرين وَألف وأرخ وَفَاته عبد الصَّمد الْمَذْكُور بقوله رضاك وَتَوَلَّى بعده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 ابْنه السُّلْطَان عبد الله وَكَانَ حسن الْخلق والخلق مهاب المنظر آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر ولى الْملك فاحسن الْقيام بِهِ وَأظْهر السطوة وقهر الْبَادِيَة وَغَيرهم فهابته النُّفُوس وَأمنت الْبِلَاد ثمَّ حصلت لَهُ جذبة ربانية فَلم يرض الا بالدرجة الْعليا وَخرج عَن أَهله وَمَاله وَقصد الْحرم الشريف واعرض عَن الْملك وَأقَام بِمَكَّة الى ان توفى فى سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالشبيكة عمر بن حُسَيْن بن على بن مُحَمَّد فَقِيه بن عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ على امام الزَّمَان أحد الاساتذة الَّذين جعلهم الله تَعَالَى خلفاء على عباده وأمناء عَلَيْهِم من حَيْثُ التربية والتهيئة لفيوضات امداده قَالَ الشلى ولد بتريم وتفقه على جمَاعَة مِنْهُم القاضى أَحْمد ابْن حُسَيْن بلفقيه والقاضى أَحْمد بن عمر عيديد والفقيه فضل بن عبد الرَّحْمَن بَافضل وَأخذ التَّفْسِير والْحَدِيث عَن الْعَلامَة أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن بن شهَاب والتصوف والحقائق عَن تَاج العارفين الشَّيْخ زين العابدين وَالشَّيْخ علوى بن عبد الله العيدروس ثمَّ رَحل الى وادى دوعن وَأخذ عَن جمع مِنْهُم الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الامام عبد الْقَادِر باعشن ورحل الى الْيمن وَدخل بندر عدن وَأخذ عَن كثيرين ثمَّ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ عَن السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَالشَّيْخ أَحْمد بن ابراهيم بن عَلان وَالسَّيِّد الْجَلِيل أَحْمد بن الهادى وَأَجَازَهُ أَكثر مشايخه وَألبسهُ الْخِرْقَة جمع وأذنوا لَهُ فى الالباس وَلما رَجَعَ الى مَدِينَة تريم قَصده الْعلمَاء ولازموه وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَوصل على يَده غير وَاحِد من الافاضل مِنْهُم السَّيِّد الْجَلِيل على بن عمر وَالسَّيِّد عمر بن عبد الله فَقِيه وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد شاطرى قَالَ الشلى وصحبته مديدة وأفادنى فَوَائِد وَكَانَ لَهُ اعتناء تَامّ بكتب الشَّيْخ الشعرانى وَله رسائل الى أَصْحَابه تشْتَمل على عِبَارَات رشيقة وَكَانَ بَينه وَبَين شَيخنَا الشَّيْخ عبد الله بن أَحْمد العيدروس صُحْبَة أكيدة وَكَانَا فرسى رهان وَكَانَ كثيرا الصَّلَاة محافظا على سننها تقيا نقيا كريم الاخلاق يحب أهل الْعلم وَالدّين وَيكرهُ المتمشدقين وَكَانَ مرجعا فى الامور باذلا نصيحته لكل اُحْدُ وَكَانَت وَفَاته بتريم فى سنة خمس وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل رَحمَه الله السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى الحسينى الشافعى نزيل مَكَّة المشرفة الامام الْمُحَقق أستاذ الاستاذين كَانَ فَقِيها عَارِفًا مربياً كَبِير الْقدر عالى الصيت حسن السِّيرَة كَامِل الْوَقار ذكره الشلى وَأطَال فى وَصفه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أدْرك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 الامام الشَّمْس مُحَمَّد الرملى والشهاب أَحْمد بن قَاسم الْعِبَادَة وَأخذ عَنْهُمَا عدَّة عُلُوم وَقَرَأَ على الشَّيْخ بدر الدّين البرنبالى وَالشَّيْخ الشهَاب الهيثمى والمنلا عبد الله السندى وَالشَّيْخ على العصامى والقاضى على بن جَار الله وَالشَّيْخ عبد الرَّحِيم الحسائى وَالسَّيِّد الْجَلِيل مير بادشاه والمنلا نضر الله وَغَيرهم وفَاق فى الْفُنُون وأنجب تلامذة أفاضل وَألْحق الاواخر بالاوائل وَأخذ عَنهُ خلق كثير من أَجلهم الشَّيْخ عبد الله بن سعيد باقشير وَالشَّيْخ على بن الْجمال وزين العابدين وَأَخُوهُ على ابْنا الامام عبد الْقَادِر الطبرى وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطائفى وَالشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو الْجُود المزين وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ وتر بى بِهِ وَلَده مُحَمَّد وَالسَّيِّد الْجَلِيل عبد الرَّحْمَن كريشه السقاف وَالسَّيِّد الْفَقِيه مفتى الْحَنَفِيَّة السَّيِّد صَادِق بادشاه وَله كتابات حَسَنَة على هَامِش التُّحْفَة وعَلى شرح الالفية للسيوطى وَله فَتَاوَى مفيدة وَصَحب أكَابِر العارفين وَأخذ عَنْهُم عُلُوم التصوف والحقائق قَالَ وَرَأَيْت بِخَط شَيخنَا الشَّيْخ على بن الْجمال مانصه وَمن كراماته وهى أشهر من ان تذكر انه مَا كَانَ يسْبق لِسَانه الى كَلَام يقرره فى الدَّرْس الا وَهُوَ حق يتَعَيَّن الْمصير اليه وَمِنْهَا مَا وَقع للْفَقِير دَائِما انه اذا قرر كلَاما لم يفهمهُ فى مَجْلِسه فَلَا يبرز من دَاره الا وَقد فتح الله بِهِ وَمِنْهَا أَنه كثيرا مَا تشكل الْمسَائِل على كَاتبه الْفَقِير فبمجرد أَن يجلس بَين يَدَيْهِ يحصل الْفَتْح وَمِنْهَا أَن مَجْلِسه الشريف مَحْفُوظ من الْغَيْبَة وَمِنْهَا مَا أخبر بِهِ الثِّقَة تِلْمِيذه وَشَيخنَا الشَّيْخ أَحْمد الحكمى بعد وَفَاته بأسبوع انه رَآهُ فى الْمَنَام فَسَأَلَهُ يَا سيدى انكم انتقلتم فَقَالَ نعم واقرأ يَا فلَان مَا تيَسّر فَقَرَأَ من قَوْله تَعَالَى الَّذين {آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ} فَلَمَّا وصل الى قَوْله عز وَجل {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ} فَقَالَ لَهُ قف أَنا مِنْهُم ثمَّ قَالَ لَهُ يَا فلَان ان الله تَعَالَى تجلى على بعض قُلُوب أوليائه بِلَا وَاسِطَة وعَلى بَعْضهَا بِوَاسِطَة وارجو ان تكون مِنْهُم فَقَالَ لَهُ سيدى الشَّيْخ أَحْمد الحكمى يَا سيدى فَكيف الْعِيَال والاولاد فَقَالَ اما أَنا فقد استرحت وهم لَهُم الله تَعَالَى فانتبه وَأما عمله فناهيك بِهِ انه قد وصل لرتة الِاجْتِهَاد وانخرط فى سلك أَهله الامجاد وَلكنه مَعَ ذَلِك كَانَ متعبدا بِمذهب الامام الشافعى فى الْفَتْوَى والتدريس وَنشر الْعلم الى ان نَقله الله تَعَالَى لدار كرامته وَذكره ابْن مَعْصُوم فى السلافة فَقَالَ فِيهِ نَاصِر الشَّرِيعَة والطريقة وهاصر أفنان رياضها الوريقه المخبت الاواه الناطقة بفضله الالسن والافواه السالك مسالك الْقَوْم ذُو الشيمة الغالية والسوم جمع بَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 الْعلم وَالْعَمَل وَبلغ من الْفضل مُنْتَهى الامل فرفل فى حلل الزّهْد والتقى ورقى من الشّرف أرفع مرتقى الى بلاغة وبراعه أرعف بهما مخاطم اليراعه وفصاحة ولسن أرهف بهما مخاذم الْكَلَام وَسن وَأنْشد لَهُ غَيره من شعره قَوْله فى التَّرْغِيب بفتوحات ابْن عربى (يَا رائما قرع أَبْوَاب الْمُهِمَّات ... وشائما فى امتطاء الْحور زهرات) (ان كنت ترغب فى نحج الكرامات ... فَالْزَمْ فديتك أَبْوَاب الفتوحات) وَله رِسَالَة فى معنى قَول ابْن الفارض فى تائيته (وَمَا الودق الا من تحلب أدمعى ... وَمَا الْبَرْق الا من تلهب زفرتى) تدل على تمكنه فى التصوف وَكَانَت وَفَاته مَعَ أَذَان ظهر يَوْم الْخَمِيس الثَّامِن عشر وَقيل الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر ربيع الثانى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بالمعلاة وَحكى الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد العباسى المكى انه حضر وَفَاته قَالَ وَكَانَ آخر كَلَام تكلم بِهِ قَول السودى (وَقضى يَعْقُوب حَاجته ... وانْتهى زيد الى الوطر) ثمَّ خرجت روحه عمر بن عبد الصَّمد بن مُحَمَّد الغلمى وَتقدم تَمام النّسَب المقدسى الشَّيْخ الْبركَة الصَّالح المرشد كَانَ من خِيَار خلق الله تَعَالَى حسن الاخلاق صافى السريرة بشوشا سخيا وافرا الْحُرْمَة مَقْبُول الْكَلِمَة مجللا عِنْد خَاصَّة النَّاس وعامتهم وَكَانَ لَهُ صلابة فى دينه مُنْقَطِعًا الى الله تَعَالَى منزويا عَن النَّاس الا فى شَفَاعَة مَقْبُولَة أَو أَمر مَنْدُوب اليه وَكَانَ فَاضلا عَارِفًا بِكَلَام الصُّوفِيَّة جَارِيا على مناهجهم السوية أدْرك جده الاستاذ الْكَبِير وتلقن مِنْهُ وَصَارَ شَيخا مَكَانَهُ وعظمته النَّاس وتبركت بِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ فى عصرنا من بَرَكَات الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف عمر بن عبد الْقَادِر المشرقى الغزى الْعَلامَة المفنن اشْتغل بِطَلَب الْعلم وجد زَمَانا بغزة وَأخذ عَن جمَاعَة من أَجلهم الشَّيْخ صَالح بن الشَّيْخ مُحَمَّد صَاحب التَّنْوِير أَخذ عَنهُ النَّحْو والمعانى وَالْبَيَان وَغَيرهَا غير الْفِقْه فانه كَانَ شافعى الْمَذْهَب أَخذ فقه الشافعى عَن الشَّيْخ حُسَيْن النخالى وَغَيره وَفضل وَصَارَ من أجلاء عُلَمَاء غَزَّة وَلما توفى الشَّيْخ صَالح ابْن صَاحب التَّنْوِير الْمُفْتى الحنفى بغزة بعد وَالِده صَار مفتيا بعده الشَّيْخ عمر بن عَلَاء الدّين الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى فَلَمَّا توفى الشَّيْخ عمر الْمَذْكُور فى سنة ثَمَان وَخمسين وَألف لم يُوجد بغزة من لَهُ شهرة بِفقه الْحَنَفِيَّة ليَكُون مفتيا فاتفق رأى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 حاكمها حُسَيْن باشا وأكابر الْبَلَد أَن يكون الشَّيْخ عمر المترجم مفتيا وانه ينْتَقل الى مَذْهَب الحنفى وألزموه بذلك لحاجتهم الى مفت حنفى فجَاء من غَزَّة الى الرملة هُوَ والرئيس مُحَمَّد بن الغصين وَمكث بهَا مُدَّة وَقَرَأَ على شيخ الحنفيه الشَّيْخ خير الدّين الرملى دروسا فى الْفِقْه من الْكَنْز وَغَيره وَأَجَازَهُ بالافتاء والتدريس وَمكث مفتيا حنفيا الى ان توفى وحمدت كِتَابَته على الْفَتَاوَى وَلم يعرف لَهُ هفوة لعلمه وتثبته فِيمَا يكْتب وَكَانَ من أهل الثروة مبجلا مُعظما وَله فصاحة كَامِلَة وَحسن انشاء حَتَّى انه كَانَ حَاكم غَزَّة اذا كَاتب أحد تكون مُكَاتبَته بِخَط المشرقى الْمَذْكُور وَبَينه وَبَين الْخَيْر الرملى وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن حَمْزَة نقيب الشَّام مكاتبات عديدة وَمن مخاطبات الْخَيْر لَهُ فصيح الدَّهْر وبليغ الْعَصْر الذى يتقهقر عِنْد مَنْطِقه كل منطيق واذا سئم بليغ من مجاراته أجَاب بِلَا أُطِيق لَا أُطِيق عمر الزَّمَان وزهر الاوان (من طلعت على الورى ذكاؤه ... فَقيل هَا أنوار شمس المشرقى) (قلت وفى رَاحَة كفى رقمه ... سُبْحَانَ من يهدى لهَذَا الْمنطق) وهى قصيدة ثَلَاثَة عشر بَيْتا وَكتب اليه فى صدر كتاب (الى ذى المعالى والمعارف من بِهِ ... تتيه على الامصار غَزَّة هَاشم) (وأعنى بِذَاكَ المشرقى الى سما ... على من سواهُ بالسخا والمكارم) وَكتب الى الْخَيْر يسْأَله عَن مسئلة الامى اذا تعلم مَا تصح بِهِ صلَاته فَكتب اليه (سحر ترى مَا أرى أم نسمَة سحرًا ... أم كَوْكَب غلبت أنواره القمرا) (أم رَوْضَة أينعت أَغْصَانهَا فغدت ... تُعْطى المنى كل من قدسا مها نظرا) (بهَا الَّذِي تشتهيه النَّفس من نعم ... يمِيل ميلًا لمن يجنى بهَا ثمرا) (أم اللآلى ترى نورا اذا لمحت ... كَذَا ترى اذ صفت ألوانها الدررا) (أم تِلْكَ يَا عمر شمس المشرقى بَدَت ... فجددت عهد فاروق القضا عمرا) (نعم بِلَا شُبْهَة هَذَا الاخير هُوَ الذى وعيشك للانظار قد ظهرا ... ) (تالله يَا عمر الْعَصْر الجدير بِأَن ... نثنى عَلَيْك لقد فقت الذى غبرا) (أَعْطَيْت خطا وحظا جَامعا بهما ... علما وحلما يردان الذى افتخرا) (فصرت مرجع أهل الْفضل لَا بَرحت ... علومهم فى ازدياد تقتفى الاثرا) (هَذَا وَقد جاءنى رق الْبَلَاغ فَمَا ... أبقى محلا لما جَاءَت بِهِ الشعرا) (ففى الفصاحة شان لَا نَظِير لَهُ ... وفى البلاغة مَا ان مثله نظرا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 (وَكم بِهِ معَان لَيْسَ يُدْرِكهَا ... الا ذوونا الالى شدوا لَهَا الازرا) (وَلم أقلهَا لشئ أجتنيه وَمَا ... من عادتى فى مديحى اجتنى الكبرا) (لَكِن علينا عهود الله قد أخذت ... لَا نغمط الْحق لَا سِيمَا اذا ذكرا) (واننى والذى ينشى السَّحَاب كَمَا ... يَشَاء حبى لاهل الْعلم قد كبرا) (فانهم هم مصابيح الْهدى فَمَتَى ... خلوا من النَّاس كَانُوا فى الظلام سرا) (فَلَا خلا مِنْهُم عصر لانهم ... مثل النُّجُوم اذا غَابُوا بِهِ اعتكرا) (أَقُول قولى هَذَا ثمَّ أعقبه ... جَوَاب مسئلة الامى مُخْتَصرا) (اذا تعلم قُرْآنًا تصح بِهِ ... صلَاته خلف شخص قد درى وقرا) (فِيهِ الْخلاف حكوا والاكثرون رَأَوْا ... فَسَادهَا اعْتِمَاد لَيْسَ فِيهِ مرا) (لانه قَارِئ حكما بأوله ... حَقِيقَة بعده فاستوجب الغيرا) (وَقد بنى كَامِلا وَالْحَال مَا ذكرا ... فِيهِ على نَاقص قد صَار مقتدرا) (وَالْفرق فى الْقَارئ الاصلى أَن لَهُ ... مَحْض الْكَمَال على الْحَالين مؤتثرا) (لَكِن أَبُو اللَّيْث مَوْلَانَا الْفَقِيه حكى ... فى عكس هَذَا اتِّفَاقًا بعد مسطرا) (لانه قَارِئ فى الْحَالَتَيْنِ وَلَا ... فرق اذا مَا أعَاد النَّاظر النظرا) (كَذَاك صَححهُ بعض وأيده ... لَكِن قواعدنا تقضى لمن كثرا) (لَا سِيمَا ومتون الْفِقْه قاطبة ... قد أطلقت قَوْلهَا فى الاثنتى عشرا) (وَتلك مَوْضُوعَة فِيمَا بدا أبدا ... تقضى وتفتى فَلَا تعدى اذا صَدرا) وَكتب اليه أَيْضا (الى عمر الْعُلُوم سَلام خل ... يَدُوم بَقَاؤُهُ أمد الدهور) (فليت الِاجْتِمَاع أَقَامَ دهرا ... ليبقى الْقلب فى أَعلَى السرُور) وَكَانَت وَفَاته بغزة نَهَار الاربعاء عَاشر شَوَّال سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَبَنُو المشرقى بَيت علم ومجد شهير بغزة من أهل بَيتهمْ الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد المشرقى أَخذ عَنهُ الشَّيْخ مُحَمَّد صَاحب التَّنْوِير وترجمه النَّجْم الغزى فى الْكَوَاكِب السائرة وَذكر انه أَخذ عَن القاضى زَكَرِيَّا وانه توفى سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة عمر بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَبى بكر باشيبان بن مُحَمَّد أَسد الله بن حسن بن على بن الاستاذ الْفَقِيه الشهير كسلفه بباشيبان الامام الْمَشْهُور الحضرمى الاصل الهندى المولد أَخذ عَن جمَاعَة بِبِلَاد الْهِنْد ثمَّ رَحل الى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 تريم وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخَيْنِ الجليلين الشَّيْخ عبد الله بن شيخ وَولده زين العابدين وتفقه على القاضى عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَأخذ عُلُوم الدّين عَن الشَّيْخ أَبى بكر ابْن شهَاب وأخويه مُحَمَّد الْهَادِي وَأحمد شهَاب الدّين ثمَّ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ وجاور بهما عدَّة سِنِين وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَالشَّيْخ أَحْمد بن ابراهيم عَلان وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْخَطِيب وَغَيرهم وَلبس الْخِرْقَة من أَكثر مشايخه وَأَجَازَهُ أَكْثَرهم ثمَّ عَاد الى تريم وَتزَوج بهَا ودرس ثمَّ رَحل الى الديار الْهِنْدِيَّة وَقصد شيخ الاسلام السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله العيدروس ببندر سورت ولازمه وَتخرج بِهِ فى طَرِيق الْقَوْم وَأخذ عَنهُ عدَّة عُلُوم وَقصد الْوَزير الْملك عنبر وَأقَام عِنْده يدرس فى الْفُنُون الْعَرَبيَّة الى أَن انْتقل الْملك عنبر فَرَحل الى السُّلْطَان عَادل شاه وَحصل لَهُ عِنْده قبُول تَامّ وَأقَام بِمَدِينَة بيجافور عِنْده عدَّة أَعْوَام وأنعم عَلَيْهِ بخراج جرام بِالْقربِ من مَدِينَة بلقام ثمَّ اختبار التوطن بِمَدِينَة بلقام وتصدر للنفع واقتنى كتبا وأموالا كَثِيرَة وَكَانَ من قَصده من الطّلبَة يقوم بِنَفَقَتِهِ وَكسوته وَأخذ عَنهُ الجم الْغَفِير وَظَهَرت بركته وَكَانَ حسن الاخلاق عَظِيم الشهامة لم يدنس مِقْدَاره بذم قطّ وَلم يزل بِمَدِينَة بلقام الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وقبره بهَا مَعْرُوف عمر بن عبد الْوَهَّاب بن ابراهيم بن مَحْمُود بن على بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن العرضى الحلبى الشافعى القادرى الْمُحدث الْفَقِيه الْكَبِير مفتى حلب وواعظ تِلْكَ الدائرة كَانَ أوحد وقته فى فنون الحَدِيث وَالْفِقْه والادب وشهرته تغنى عَن الاطراء فى وَصفه اشْتغل بِالطَّلَبِ على وَالِده ثمَّ لزم الشَّيْخ الامام مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن حسن البابى الحلبى الْمَعْرُوف بِابْن البيلونى وَكَانَ عمره اذ ذَاك أَربع عشرَة سنة فَقَرَأَ عَلَيْهِ الجزرية ومقدمة التصريف العزية وتجويد الْقُرْآن وَقطعَة من تيسير الدانى ثمَّ انحاز الى المنلا ابرهيم بن مُحَمَّد البيانى الكردى ثمَّ الحلبى الشافعى فَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا من الْفُنُون ثمَّ وصل الى الْعَالم الْكَبِير مُحَمَّد رضى الدّين بن الحنبلى فَقَرَأَ عَلَيْهِ وانتفع بِهِ وَتخرج عَلَيْهِ وَأخذ عَن الْعَالم الْعَلامَة مُحَمَّد بن الْمُسلم التنوسى الحصينى نِسْبَة الى بنى الْحصين طَائِفَة من الانصار المالكى نزيل حلب لَازمه سِنِين وانتفع بِعِلْمِهِ وَسمع من لَفظه صَحِيح البخارى تَمامًا مَرَّات عديدة وجانبا كَبِيرا من صَحِيح مُسلم بِقِرَاءَة وَلَده مُحَمَّد الْمَقْتُول وَمن لَفظه حِصَّة كَبِيرَة من الشِّفَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 للقاضى عِيَاض وَقَرَأَ عَلَيْهِ فى المطول من بحث أَحْوَال متعلقات الْفِعْل الى آخر الْكتاب وَكَانَ قَرَأَ من أَوله الى هَذَا الْمحل على شَيْخه المنلا ابراهيم الكردى الْمَذْكُور آنِفا وَسمع عَلَيْهِ بِقِرَاءَة غَيره فى شرح الالفية للمرادى وفى معنى اللبيب وفى شرح ابْن النَّاظِم على ألفية أَبِيه وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح العراقى على ألفيته بِتَمَامِهِ وَحِصَّة يسيرَة من شرح الْعَضُد على مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَشرح عَلَيْهِ فى قِرَاءَة الاصفهانى شرح طوالع البيضاوى فى بحث الالهيات فَقَرَأَ عَلَيْهِ درسين ثمَّ حم ابْن الْمُسلم وَمَات وَرِوَايَة ابْن الْمُسلم البخارى عَن الْبُرْهَان العمادى الحلبى وَأَسَانِيده مَعْرُوفَة وَعَن الفخرى عُثْمَان بن مَنْصُور الطرابلسى وَهُوَ يرويهِ عَن أَبى الْعَبَّاس أَحْمد الشاوى الحنفى والزين الهرهامى عَن الْحَافِظ العراقى بأسانيده وَيَرْوِيه وَسَائِر كتب السّنَن عَن قاضى الْجَمَاعَة بتونس سيدى أَحْمد السليطى سَمَاعا من لَفظه لصحيح البخارى واجازة لباقى كتب السّنَن وَأَجَازَهُ الْبَدْر الغزى من دمشق بالمكاتبة ودرس وَأفَاد وَصرف أوقاته فى الافادة وَلم يكن فى عصره وَاحِد مثله مجدا فى الِاشْتِغَال وافادة الطّلبَة لَازم الزاوية الحبشية المنسوبة الى بنى العشائر مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ أَكثر فضلاء زَمَانه تلامذته وأنبلهم الشَّمْس مُحَمَّد وَأَخُوهُ الْبُرْهَان ابراهيم ابْنا الشهَاب أَحْمد بن المنلا وَولده أَبُو الْوَفَاء العرضى وَنجم الدّين الخلفاوى وَغَيرهم من رُؤَسَاء الْعلم وَصَارَ مفتى الشَّافِعِيَّة بحلب وواعظها بجامعها يعظ النَّاس يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر وَاسْتمرّ على ذَلِك مُدَّة حَيَاته وَألف تآليف كَثِيرَة مِنْهَا شرح شرح الجامى ابتدا فِيهِ من عِنْد قَوْله فالمفرد المنصرف الى المنصوبات وَلم تساعده الايام على اتمامه وَكَانَ شَدِيد الاعتناء بالجامى حَرِيصًا على مطالعته واقرائه وَفِيه يَقُول (لله در امام طالما سطعت ... أنوار افضاله من علمه السامى) (أَلْفَاظه أسكرت أسماعنا طَربا ... كَأَنَّهَا الْخمر تسقى من صفا الجامى) واقتدى فى ذَلِك بشيخه ابْن الحنبلى فى قَوْله (لكَافِيَة الاعراب شرح منقح ... ذَلُول الْمعَانى ذُو انتساب الى الجامى) (مَعَانِيه تجلى حِين تثلى كَأَنَّهَا ... هى الْخمر يَبْدُو جرمها من صفا الجامى) ولعَبْد الله الدنوشرى المصرى فِيهِ (لله شرح بِهِ شرح الصُّدُور لنا ... كَأَنَّهُ الدَّار أَو أزهار اكمام) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 (قد أسكر السّمع اذ تتلى عجائبه ... وَالسكر لَا غرو مَعْرُوف من الجامى) وَله شرح على رِسَالَة القشيرى وَشرح العقائد وَشرح الشفا فى حَدِيث الْمُصْطَفى أَرْبَعَة أسفار ضخمة كل سفر قدره أَرْبَعُونَ كراسا فى مسطرة أحد وَأَرْبَعين سطرا سَمَّاهُ فتح الْغفار بِمَا أكْرم الله بِهِ نبيه الْمُخْتَار صرف همته مُدَّة اثنتى عشرَة سنة فى تأليفه وأبرز فِيهِ علوماً جمة وشاع فى الْآفَاق واستكتبه عُلَمَاء الرّوم وَالْعرب وَكتب حَاشِيَة على تَفْسِير الْمولى أَبى السُّعُود فى سُورَة الاعراف وَأما رسائله فَلَا تحصر وأجوبته وفتاويه كَثِيرَة متواترة وَمن رسائله رِسَالَة سَمَّاهَا الدّرّ الثمين فى جَوَاز حبس المتهمين ورسالة مناهج أهل الوفا فِيمَا تضمنه من الْفَوَائِد اسْم الْمُصْطَفى رِسَالَة فى تَفْضِيل الصَّلَاة على البشير النذير ورسالة فى شرح قصيدة ابْن الفارض الدالية ورسالة أُخْرَى فى شرح التائية وَأُخْرَى فى شرح اليائية ورسالة على قَوْله تَعَالَى {ألم تَرَ إِلَى رَبك} كَيفَ مد الظل وَغير ذَلِك من الرسائل وَمن تعليقاته جَوَابه عَن مقَالَة الاستاذ مُحَمَّد البكرى ان النبى كَانَ يعلم جَمِيع علم الله تَعَالَى وَقد سُئِلَ عَنْهَا فى مجْلِس درس فَأجَاب بِأَن مقَالَة الشَّيْخ هَذِه صَحِيحَة وَلَا انكار عَلَيْهِ فِيهَا اذ يجوز أَن الله يَهبهُ علمه ويطلعه عَلَيْهِ وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يدْرك مُحَمَّد مقَام الربوبية اذا الْعلم الْمَذْكُور ثَابت لله تَعَالَى بِذَاتِهِ وللمصطفى بتعليم الله تَعَالَى اياه والى مثل ذَلِك أَشَارَ الابوصيرى بقوله (فان من جودك الدُّنْيَا وضرتها ... وَمن علومك علم اللَّوْح والقلم) وفى الحَدِيث قَالَ لى ربى لَيْلَة الاسراء فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّد قلت لَا أدرى فَوضع يَده بَين كتفى فَوجدت بردهَا فى ثديى فَعلمت علم الاولين والآخرين ثمَّ قَالَ فيمَ يخْتَصم الملا الاعلى فَقلت فى الْوضُوء على المكاره الى آخر الحَدِيث وَأورد فى تَارِيخه فى تَرْجَمَة شَيْخه ابْن مُسلم نَاقِلا عَن تَارِيخ شَيْخه ابْن الحنبلى انه قَالَ اجْتمعت بِهِ أى بِابْن مُسلم مرّة عِنْد مولاى الرشيد بن سُلْطَان تونس اذ دخل حلب فَجرى ذكر بنى أُميَّة فأوردت ان من الْمُفَسّرين من ذهب الى ان الشَّجَرَة الملعونة فى الْقُرْآن هى بَنو أُميَّة فَتغير ذَلِك فَقلت سُبْحَانَ الله قيل مَا قيل والعهدة على قَائِله فَطلب صَاحب الْمجْلس من النَّقْل فأظهرته من تَارِيخ الْمُحب بن الْوَلِيد بن الشّحْنَة قَالَ وَأَقُول ان هَذِه الْمقَالة لم يقلها عَالم مُعْتَبر وانما هى من ترهات الشِّيعَة لغلوهم فى بغض بنى أُميَّة والا فبنو أُميَّة مِنْهُم الْجيد والردئ فاذا يفعل قَائِل ذَلِك فى عُثْمَان الْمَشْهُود لَهُ بِالْجنَّةِ وذى النورين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 جَامع الْقُرْآن وَمَا يصنع فى عَمْرو بن الْعَاصِ وَولده عبد الله الناسك أحد العبادلة الاربعة وفى مُعَاوِيَة بن أَبى سُفْيَان وَغَيرهم من أكَابِر الصلحاء كعمر بن عبد الْعَزِيز وَمُعَاوِيَة الصَّغِير وَكَيف تكون بَنو أُميَّة شَجَرَة ملعونة وهم عنصر النبى وَبَنُو عَمه وَابْن الشّحْنَة كَانَ رجلا غَايَته انه من فضلاء النَّاس وَلَيْسَ قَوْله بِحجَّة وَتَفْسِير الْقُرْآن لَا يحْتَج فِيهِ بِمثل ابْن الشحنه وَلَا بمقالته انْتهى وللعرض شعر قَلِيل أنْشد لَهُ بعض الادباء قَوْله وَهُوَ // (معنى حسن) // (لم أكتحل فى صباح يَوْم ... أريق فِيهِ دم الْحُسَيْن) (الالانى لفرط حزنى ... سودت فِيهِ بَيَاض عينى) وَأَصله قَول بَعضهم (وَقَائِل لم كحلت عينا ... يَوْم اسْتَبَّا حوادم الْحُسَيْن) (فَقلت كفوا أَحَق شئ ... يلبس فِيهِ السوَاد عينى) وَمثله لابى بكر الْعُمْرَى الدمشقى (فى يَوْم عَاشُورَاء لم أكتحل ... وَلم أزين ناظرى بِالسَّوَادِ) (لَكِن على من فِيهِ حينا قضى ... ألبست عينى ثِيَاب الْحداد) وَكَانَت وِلَادَته بحلب بقاعة العشائرية الملاصقة لزاويتهم دَار الْقُرْآن شمالى جَامع حلب فى صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمسين وَتِسْعمِائَة وَجَاء تَارِيخ مولده شيخ حلب وَمَات يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشر أَو سادس عشر شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَألف قَالَ الصّلاح الكورانى مؤرخا وَفَاته (امام الْعُلُوم وزين الْعلَا ... سراج الْهدى عمر ذُو الوفا) (تولى فأرخ سراج بهَا الْعُلُوم هدى فرقا فانطفى ... ) عمر بن عَلَاء الدّين بن عبيد بن حسن بن عمر الغزى الحنفى الْمَعْرُوف بِابْن عَلَاء الدّين أحد فضلاء الدَّهْر قَرَأَ بغزة على الشَّيْخ شرف الدّين بن حبيب الغزى وعَلى الشَّيْخ صَالح بن الشَّيْخ مُحَمَّد صَاحب التَّنْوِير الغزى ورحل الى الْقَاهِرَة فى سنة احدى وَعشْرين وَألف وَأخذ عَن علمائها وَمكث بهَا الاخذ الْمعلم سِتّ سنوات وَولى افتاء غَزَّة من حُدُود الْخمسين الى أَن توفى وَله رِسَالَة فى قَوْله تَعَالَى ان رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ ورسالة فى قَوْله {وَفِي السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون} ورسالة فى قَوْله تَعَالَى {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى جُمَادَى الاولى سنة ثَمَان وَخمسين وَألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 السَّيِّد عمر بن على بن عبد الله بن على بن عمر بن سَالم بن مُحَمَّد بن عمر بن على بن عمر بن أَحْمد بن الشَّيْخ الاستاذ الاعظم مُحَمَّد بن على باعلوى الحضرمى ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته أحد الزهاد الْمَشْهُورين كَانَ على جَانب عَظِيم من القناعة وَالصَّبْر وَالتَّسْلِيم وَالرِّضَا ولد بظفار سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف وَنَشَأ فى حجر وَالِده وَكَانَ يجله ويخصه بأَشْيَاء من بَين أَوْلَاده وَصَحب ابْن عَمه السَّيِّد عقيل بن عمرَان باعمر علوى وَحضر دروسه وانتفع بِهِ ولازمه وَألبسهُ خرقَة التصوف وَهُوَ من أخص خَواص أَصْحَابه وَكَانَ السَّيِّد عمر يَقُول فى شَيْخه هَذَا اعتقادى فِيهِ انه قطب الْوَقْت انه وَارِث السِّرّ المحمدى وَذَلِكَ لامور شَاهدهَا فِيهِ وَلما توجه الى الْحَج اجْتمع بِجَمَاعَة من أكَابِر السَّادة من أَجلهم السَّيِّد عبد الله بن على صَاحب الوهط وَالسَّيِّد أَحْمد بن عمر العيدروس وَالسَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَالشَّيْخ أَحْمد بن ابراهيم عَلان وَغَيرهم وَكَانَ كثيرا الرُّؤْيَا للنبى من ذَلِك أَنه رَآهُ بِالْمَدِينَةِ متوشحا بِثَوْب الْوَقار والانوار تغشاه فَقَالَ لَهُ يَا رَسُول الله بلغنَا عَن الثِّقَات ان الشَّيْخ أَبَا الْغَيْث بن جميل الْيُمْنَى أَب من لَا أَب لَهُ يَوْم الْقيمَة هَل ذَلِك صَحِيح أم لَا فَقَالَ لَهُ النبى نعم صَحِيح ثمَّ قَالَ لَهُ يَا رَسُول الله وَنحن فَقَالَ وَأَنْتُم منا والينا أَو كَمَا قَالَ ثمَّ ان قصّ الرُّؤْيَا بعض عُلَمَاء الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ رُؤْيَاك صدق وَحقّ وَلَكِن ستفقد شَيْئا مَعَك وسيعوضك الله مَا هُوَ خير مِنْهُ وَأفضل سرا وَعَلَانِيَة وَكَانَ الامر كَمَا ذكر لى فعوضنى الله سُبْحَانَهُ مَا كنت أرجوه وأطلبه فحمدت الله تَعَالَى قَالَ وَلما قفلت من الْحَج والزيارة من طَرِيق الْيمن اجْتمعت بالسيد عبد الرَّحْمَن بن شيخ صَاحب تعز وَحصل لى مِنْهُ استمداد وألبسنى الْخِرْقَة ثمَّ أذن لى بِالسَّفرِ الى الوطن وَقَالَ لى عِنْد الْوَدَاع ستجتمع بالخضر فى طريقك قَالَ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا فى المرحلة الاخيرة الى الْحَج صلينَا الصُّبْح وَكُنَّا جمَاعَة الله فى الْقَافِلَة ثمَّ ركبت على الْجمل فحال ان استويت على ظَهره اذا بِرَجُل لم أعرفهُ غير ان لَهُ هَيْبَة ناولنى رغيفين حارين وَلم يره غيرى وَلم يكن بذلك الْموضع قَرْيَة وَلَا غَيرهَا ثمَّ غَابَ عَنى وَلم أره ثمَّ وجدت فى صدرى انشراحا وفرحا ومزيداً يمَان لاجتماعى بالخضر واتمام مَا وعد بِهِ السَّيِّد وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة لَهُ ذوق فى كتب الْقَوْم وَله كرامات كَثِيرَة مِنْهَا انه قَالَ مرّة لجَماعَة ان أَمِير الْبَلَد يقتل ويسحب بِرجلِهِ فَمَا مَضَت الا مُدَّة يسيرَة واذا بالامير الذى عناه قتل وَفعل بِهِ كَمَا ذكرْتُمْ سَافر الى الْهِنْد سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَاجْتمعَ بالسيد أَبى بكر بن حُسَيْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 بلفقيه وَألبسهُ الْخِرْقَة وَكَانَ ذَلِك بِبَلَدِهِ بيجافور فَأَقَامَ بهَا بَقِيَّة تِلْكَ السّنة ثمَّ مرض بهَا وَكَانَ لَهُ خَادِم يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن قشقاش قَالَ مُحَمَّد الْمَذْكُور كنت أرى من سيدى كرامات كَثِيرَة وَهُوَ يأمرنى بكتمها مِنْهَا انه قَالَ فى لَيْلَة وَفَاته اذا رَأَيْت شَيْئا فَلَا تفزع قَالَ مُحَمَّد فَلَمَّا كَانَ آخر تِلْكَ اللَّيْلَة رَأَيْت نورا سَطَعَ حَتَّى أَضَاء ذَلِك الْموضع الذى هُوَ فِيهِ فدخلنى من الهيبة والاقشعرار مَا شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ دَنَوْت مِنْهُ فاذا هُوَ ميت وَكَانَت وَفَاته فى شعْبَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف فَجهز وَحضر جنَازَته جمع كثير من السَّادة وَغَيرهم وَدفن بمقبرة السَّادة بنى علوى هُنَاكَ عمر بن عمر الزهرى الدفرى الحنفى القاهرى الامام الْعَالم الْعَلامَة كَانَ اماما جَلِيلًا عَارِفًا نبيلا لَهُ المهارة الْكُلية فى فقه أَبى حنيفَة وَزِيَادَة اطلَاع على النقول ومشاركة جَيِّدَة فى عُلُوم الْعَرَبيَّة أَخذ الْفِقْه عَن الشَّمْس المحبى وَعبد الله النحريرى وَعبد الله المسيرى الشهير بِابْن الذيب وَعبد الْقَادِر الطورى وَبَقِيَّة الْعُلُوم عَن الْبُرْهَان اللقانى وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه وتصدر للاقراء بِجَامِع الازهر وانتفع بِهِ خلق لَا يُحصونَ وَكَانَ مَشْهُورا بِالْبركَةِ لمن يقْرَأ عَلَيْهِ صَالحا عفيفا حسن المذاكرة حلوا الصُّحْبَة وَمن غَرِيب مَا انفق لَهُ انه كف بَصَره نَحْو عشْرين سنة ثمَّ من الله عَلَيْهِ بِعُود بَصَره اليه من غير علاج الى أَن توفاه الله تَعَالَى وَمن مؤلفاته الدرة المنيفة فى فقه أَبى حنيفَة وَشَرحهَا شرحا نفيساً فى مُجَلد أقرأه مَرَّات عديدة بِجَامِع الازهر وَعم النَّفْع بِهِ وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى سنة تسع وَسبعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين وَقد جَاوز الثَّمَانِينَ عمر بن مُحَمَّد بن أَبى اللطف الملقب سراج الدّين بن الامام شمس الدّين اللطفى المقدسى الشافعى ثمَّ الحنفى رَئِيس عُلَمَاء الْقُدس فى عصره ومفتيها ومدرسها قَرَأَ على وَالِده وَغَيره ورحل الى مصر وَأخذ بهَا عَن الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن النجار الفتوحى وقرأت بِخَط الشَّيْخ عبد الْغفار المقدسى قَالَ أخبرنى انه لما قدم من الْقَاهِرَة قبل يَد وَالِده فَقَالَ لَهُ بأى هَدِيَّة قدمت الينا عَمَّن أخذت الحَدِيث فَقلت لَهُ عَن ابْن النجار فَحَمدَ الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ ان للاب أَن يَأْخُذ عَن الابْن وهى رِوَايَة الْآبَاء عَن الابناء فاستعفاه فألح وَقَرَأَ حِصَّة من صَحِيح البخارى فَأَجَازَهُ متأدبا وَهُوَ يطْلب مِنْهُ الْعَفو وسافر الى دمشق هُوَ وَأَخُوهُ أَبُو بكر فقرآهما وَالشَّيْخ الامام شمس الدّين العجلونى الريمونى على الْبَدْر الغزى شرح جمع الْجَوَامِع للمحلى وَأخذُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 عَنهُ ثمَّ رَحل الاخوان الى الْقُدس وَأقَام عمر بهَا يدرس ويفتى وَعرض لَهُ فى آخر عمره صمم بِسَبَب كبر السن وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَرْبَعِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى بِبَيْت الْمُقَدّس فى سنة ثَلَاث بعد الالف عمر بن مُحَمَّد بن أَبى بكر المصرى الشهير بالفارسكورى الْعَلامَة الاديب المفنن ذكره الخفاجى وَقَالَ فى حَقه فَاضل قلد جيد عصره من فضائله بحليها ونظم عقد محاسنه فى صدر ثديها جنى ثَمَرَات الْعُلُوم الرياضية مَعَ ان أنوارها لم تبرز من الاكمام واجتلى أبكارها وعونها وهى حور مقصورات فى الْخيام فَملك من ذَلِك الْفَنّ خمائله ورياضه وَكَثِيرًا مَا استنشقت عرف خَبره واجتلوت من الشقة الفارسكورية رحيق حبره فتكرر من كَمَاله مَا ثنى الاعجاب عطفه وحقق ان عمر علم فى الْمعرفَة ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله وَكتب بهَا الى ابْنة تقى الدّين مُحَمَّد الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى فى حرف الْمِيم وَهُوَ بالروم (شكل اشتياقى مَاله من حد ... ونقطة الصَّبْر محاها وجدى) (وامتد خطّ الدمع من محاجرى ... بِلَا تناه فَوق سطح الخد) (وهيئة الْجِسْم اضمحلت مذ نأى ... وانحصرت حباتها بالعد) (وضاق صدرى حرجا لما استدارت حركاتى حول قطب الصد ... ) (وأصبحت كرات حظى مركزا ... مسكا فى وسط جرم الْجهد) (وَمن قسى الهجر كم من أسْهم ... نحوى مَا شقَّتْ جُيُوب وجدى) (والزمن القطاع قد ألف مَا ... بَين محاجرى وَبَين السهد) وَذكره عبد الْبر الفيومى فى المنتزه وَقَالَ فى وَصفه عَالم نشرت ألوية فَضله عَن الْآفَاق وفاضل ظَهرت براعة علمه فتحلى بهَا فضلاء الحذاق لَهُ الْيَد الطُّولى فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية والراحة الْبَيْضَاء فى تعاطى أَنْوَاع الْفُنُون الرياضية وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ عَالم متضلع وأستاذ قَامَ بالافادة وَهُوَ متربع وَقد انْتفع بِهِ كثير من الْعلمَاء وتصدر من طلبته بِمصْر جم غفير من العظماء ثمَّ ذكر لَهُ قصيدة قَالَهَا فى مدح شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا ومطلعها (بشر الصابر لَا يخْشَى الجنف ... فسعود الردف حلت فى الشّرف) وهى طَوِيلَة فَلَا حَاجَة بِنَا الى ايرادها وَوجدت فى بعض المسودات لبَعض الْفُضَلَاء ذكره وَوَصفه بالتفوق وجلالة الْقدر قَالَ وَكَانَ شافعى الْمَذْهَب وَله من التآليف مَا لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 يسمح بِمثلِهِ الْفلك الدوار مِنْهَا كتاب ناشئة اللَّيْل ونظم الارتشاف ورسائل شَتَّى فى علم الْهَيْئَة ونظم الْقطر فى علم النَّحْو وَسَماهُ بالنبات وَجعل أبياته على عدد لَفظه وَله كتاب جَوَامِع الاعراب وهوا مَعَ الْآدَاب فى الْعَرَبيَّة أَيْضا نظم فِيهِ جمع الْجَوَامِع وَشَرحه همع الهوامع للسيوطى واستوعب فِيهِ استيعابا زَائِدا وَقَالَ فى آخِره (فرغته فى مبتدا ذى الْحجَّة ... لتسعة الاشهر من ذى الحجه) (نظمت فِيهَا الْخَمْسَة الآلاف مَعَ ... خمس مئين بالثوانى والتبع) (وَخَمْسَة المئين باقى العده ... فى نَحْو شهر قبل هذى المده) (فكملت فى عشرَة شهور ... مبدلة المعسور بالميسور) (فى عَام نظمية فَقلت مجمله ... الْحَمد لله على التَّيْسِير لَهُ) وَقَوله فى عَام نظميه يعْنى انه فرغ مِنْهُ فى سنة خمس وَألف وَقَوله الْحَمد لله على التَّيْسِير لَهُ تَارِيخ ثَان فليتبه لَهُ وَمن فائق شعره قَوْله من قصيدة كتبهَا لوَلَده وَهُوَ بالروم (الدَّار بعْدك لَا تروق لناظرى ... وَالرّبع بعْدك لَا يشق لخاطرى) (قد كَانَ لى من ساكنيه أحبة ... كجآذر بَين العقيق وحاجر) (فَتَفَرَّقُوا كنظيم عقد جَوَاهِر ... عبثت بِهِ يَد انفصام الناثر) مِنْهَا (فهجرت مذ هجر الحبيب معاهدا ... ووجدتنى عَنْهُن أنفر نافر) (فطفقن يذرفن الدُّمُوع سواجما ... لمهاجر فارقنه ومهاجر) وَمِنْهَا (وازور عَنْهُن الحبيب وَلم يعج ... فى يقظة أَو طيف نوم زائر) (بل غادر الاجفان يرقبن السهى ... وجفا لذيذ الغمض مقلة ساهر) (مَا هَكَذَا الْبر التقى أراغب ... فى أَن يُبدل بالشقى الْفَاجِر) (أَو أَن يُقَال شرى الضَّلَالَة بِالْهدى ... دَوْمًا لربح وهى صَفْقَة خاسر) (أَو أَن يُقَال قضى الشبيبة عنة ... وصبت كهولته لنفثة سَاحر) وَمِنْهَا أَيْضا (أَمن البصيرة والعمى يغشى الْهدى ... حَتَّى يرى الاعمى بِصُورَة باصر) (لَكِن أحذرك الزَّمَان وَأَهله ... من كائد أَو مَاكِرًا وغادر) (أَو مظهر بالختل سنّ تَبَسم ... واذا اختبرت فناب ذِئْب كاسر) (والدهر مغن عَن نصيحة واعظ ... يرْوى الغرائب خابرا عَن خابر) (وَالله ملهمك الصَّوَاب لترعوى ... وتؤب أوبة صَابِرًا وشاكرا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 (ان كَانَ ذَاك فحبذا ولربما ... كَانَ النهى للنَّفس أنهى زاجر) (أَو كَانَت الاخرى فرفقة يُوسُف ... وبكاء يَعْقُوب الكئيب الصابر) (وَالصَّبْر داعى الضّر مَا من صابر ... لكريهة الايغاث بناصر) (والقهر للناسوت ضَرْبَة لازب ... وَالْحكم لله العلى القاهر) وَمن مستحسن شعره قَوْله (اذا كَانَت الافلاك وهى مُحِيطَة ... علينا قسيا والسهام المصائب) (وراميها البارى فَأَيْنَ فرارنا ... وَسَهْم رَمَاه الله لَا شكّ صائب) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت سَابِع عشر شَوَّال سنة ثَمَان عشرَة وَألف بدمياط وَحمل الى بَلْدَة فارسكور فَدفن بهَا عمر بن مُحَمَّد بن أَبى بكر مطير كَانَ مشاهير الْعلمَاء المطيريين واجلاء الْمَشَايِخ اليمنيين المنهمكين على خدمَة كتب السّنة والملازمين لطاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَانَ ذَا خلق عَظِيم وَخلق وسيم وجود عميم وطبع سليم حسن المحاضرة حُلْو الالفاظ مرضى الشيم صَاحب همة أَخذ عَن وَالِده وَغَيره من عُلَمَاء عصره وأجيز بالافتاء والتدريس وَنشر معالم الْعلم وَألف وصنف وَاسْتمرّ على مَا هُوَ عَلَيْهِ من الصِّفَات حَتَّى وفى بِبَيْت الْفَقِيه الزيدية وَكَانَت وَفَاته فجر يَوْم الاربعاء عشرى رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد وَقيل عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن عِيسَى الملقب زين الدّين القارى الشافعى الدمشقى رَئِيس أجلاء الشُّيُوخ بِالشَّام وكبير الْعلمَاء وَصدر الصُّدُور كَانَ اماما مفننا بارعا وحيدا مُحدثا فَقِيها أصوليا حسن الرواء متواضعا خلوقا جم الْفَائِدَة والادب طَوِيل الباع حسن الْخط والتقرير قَرَأَ الْعَرَبيَّة والمعانى وَالْبَيَان على الْعِمَاد الحنفى والاصول على أَبى الْفِدَاء اسماعيل النابلسى وتفقه على جمَاعَة مِنْهُم النُّور النسفى وَأخذ الْحساب عَن الشَّيْخ مُحَمَّد التنورى الميدانى والهيئة عَن الشَّيْخ عبد الْملك البغدادى وتلقى الاجازة فى الحَدِيث من الْبَدْر الغزى والشهاب أَحْمد بن أَحْمد الطيبى وَكَانَ يعده أجل شُيُوخه وينقل عَنهُ كَرَامَة وَقعت لَهُ مَعَه قَالَ بَينا نَحن جُلُوس عِنْده فى خلوته الصَّغِيرَة يسَار الدَّاخِل من بَاب جيروان اذ أقبل رجل مُسلما على الشَّيْخ وَمَعَهُ هَدِيَّة لَهُ من هَدَايَا الرّوم وفيهَا امشاط فَأعْطى كل وَاحِد من الطّلبَة مشطا الا أَنا فَلم يعطنى فَقَالَ لَهُ بعض تلامذته مَالك يَا مولاى قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 خصصت قوما ومنعت آخَرين فَصَعدَ النّظر الى نَاحيَة الشَّيْخ عمر وَكَانَ أجمل أهل زَمَانه فَرَأى لحيتة قد استوفت الْغَايَة وَكَانَ لَهُ ثَلَاث سنوات قد نبت الشّعْر بخديه فَأعْطَاهُ وساله عَن لحيته فَقَالَ لَهَا ثَلَاث سنوات قد طلعت وَكَانَ هَذِه الْمدَّة لَا يرفع رَأسه نَحوه وبرع فى فنون كَثِيرَة وانتفع بِهِ كثير من الْفُضَلَاء مِنْهُم أَحْمد بن شاهين واسمعيل النابلسى الصَّغِير وَعبد الْوَهَّاب الفرفورى وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن حَمْزَة النَّقِيب وَغَيرهم ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الشامية الجوانية وَكَانَ لَهُ بقْعَة تدريس بالجامع الاموى وَكتب الْخط الْمَنْسُوب على الشَّيْخ مُحَمَّد الحرستانى نزيل دمشق ونال جاها وثروة بِسَبَب أوقاف انْتَقَلت اليه وانحصرت فِيهِ وَكَانَت دَاعِيَة لكلال طبعة فى الْجُمْلَة من الْجد والاشتغال الذى كَانَ فِيهِ ويحكي انه لما تشاغل بهَا كَانَ الْحسن البورينى يَقُول الْآن نلْت أمانى من الزَّمَان يُشِير الى أَنه طَالب التفوق عَلَيْهِ فى الشُّهْرَة وَكَانَ بَينهمَا مَا بَين الاقران من التنافر وفى نفس الامر لَو كَانَ بقى على جده لادرك مرتبَة غَايَة فى الشُّهْرَة على انه مَا قصر عَنْهَا وَكَانَ البورينى الْمَذْكُور يَقُول عَنهُ انه وجود بَين عدمين يُشِير الى أَن أَبَاهُ لم يكن من أهل الْعلم وَخرج ابْنه على على غير سمته فانه كَانَ من العسرك وَبِالْجُمْلَةِ ففضائل الشَّيْخ عمر أَكثر من أَن تعد وآثاره لَا تحصى وَلَا تحد وَكَانَ لَهُ مَعَ هَذِه الْكُلية شئ من النّظم فَمن ذَلِك مَا قرأته بِخَطِّهِ (لَوْلَا ثَلَاث هن أقْصَى المُرَاد ... مَا اخْتَرْت ان أبقى بدار النفاد) (تَهْذِيب نفسى بالعلوم الَّتِى ... بِهِ لقد نلْت جَمِيع المُرَاد) (وَطَاعَة أَرْجُو باخلاصها ... نورا بِهِ تشرق أَرض الْفُؤَاد) (كَذَاك عرفان الاله الذى ... لاجله كَانَ وجود الْعباد) (فأسأل الرَّحْمَن بالمصطفى ... وَآله التَّوْفِيق فَهُوَ الْجواد) وَمثله لبَعْضهِم ورايته بِخَطِّهِ فِيمَا أَظن (لَوْلَا ثَلَاث خِصَال هن من أمْلى ... مَا كنت أَو ثران يَمْتَد بى أجلى) (كسب الْعُلُوم الَّتِى من نور بهجتها ... يبين لى مسلكى فى القَوْل وَالْعَمَل) (وجبر خاطر من قد ذل جَانِبه ... وَلم يجد مسعفا فى الْحَادِث الجلل) (كَذَاك لله تسليمى ومرتجعى ... فَهَذِهِ جلّ مَا أرجوه من أمْلى) (فيا اله الورى سهل مطالبها ... فَأَنت غوث لمن يَرْجُو النجَاة ولى) وَمرض مرّة فَلم يعده ابْن شاهين فَلَمَّا نصل من مَرضه أرسل اليه رقْعَة يعتبه فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 فَكتب اليه هَذِه الابيات وَكَانَ اتّفق مجئ الْعِيد (يَا سيدا يفْدِيه عبد قد توجع سَيّده ... ) (اخْتَرْت أَمر عيادتى ... والعذر عَنهُ أشيده) (مذ وَافق الافراق عيد مِنْك وافى جيده ... ) (قُلْنَا مقَالَة مخلص ... فى الود وَهُوَ يُؤَيّدهُ) (نسعى اليه مهنئين نعوده ونعيده ... ) وَكَانَت وِلَادَته فى ثَالِث عشر ذى الْقعدَة سنة ثَمَان وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى لَيْلَة الْخَمِيس ختام جُمَادَى الاولى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير عمر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الصَّغِير بِصِيغَة التصغير الدمشقى شيخ الادب بِالشَّام بعد شَيْخه أَبى بكر بن مَنْصُور الْعُمْرَى الْمُقدم ذكره الشَّاعِر كَانَ شَاعِرًا مطبوعا حسن التخيل وَله مُشَاركَة فى الادب جَيِّدَة قرا فى مبادى أمره الْعَرَبيَّة وبرع حَتَّى صَار قيم الادب وَلما مَاتَ الْعُمْرَى صَار مَكَانَهُ شيخ الادب وَكَانَ يَقُول بعد أَبى بكر عمر وَلم يتَزَوَّج فى عمره وَكَانَ لَهُ خبْرَة بالطب وأشعاره كَثِيرَة سائرة وَمِمَّا يستجاد لَهُ قَوْله معميا باسم خَالِد (مذ رق مَاء للجمال بوجنة ... كالورد فِي الأغصان كلله الندى) (ة تمثلت أهدابنا فِيهِ فظنوه ... العذار وَلَا عذار بهَا بدا) وَقد أَخذ الْمَعْنى من قَول الْبَعْض (أعد نظر فَمَا فِي الخد نبت ... حماه الله من ريب الْمنون) ( ... وَلَكِن رق مَاء الْحسن حَتَّى ... أَرَاك خيال أهداب الجفون) وَأنْشد لَهُ البديعى فى ذكرى حبيب قَوْله (أفدى الذى دخل الْحمام متزرا ... بأسود وبليل الشّعْر ملتحفا) (دقوا بطاساتهم لما رَأَوْهُ بدا ... توهما ان بدر التم قد كسفا) وَهُوَ // معنى حسن // تصرف فِيهِ وَأَصله مَا اشْتهر فى بِلَاد الْعَجم ان الْقَمَر اذا خسف يضْربُونَ على الطاسات وباقى النّحاس حَتَّى يرْتَفع الصَّوْت زاعمين بذلك انه يكون سَببا لجلاء الخسوف وَظُهُور الضَّوْء هَكَذَا قَالَه بعض الادباء والذى يعول عَلَيْهِ فى أَصله ان هلاكو ملك التتار لما قبض على النصير الطوسى وَأمر بقتْله لاخباره بِبَعْض المغيبات فَقَالَ لَهُ النصير فى اللَّيْلَة الْفُلَانِيَّة فى الْوَقْت الفلانى يخسف الْقَمَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 فَقَالَ هلاكو احْبِسُوهُ ان صدق أطلقناه وأحسنا اليه وان كذب قَتَلْنَاهُ فحبس الى اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة فَخسفَ الْقَمَر خسوفا بَالغا وَاتفقَ ان هلاكو غلب عَلَيْهِ السكر تِلْكَ اللَّيْلَة فَنَامَ وَلم يَجْسُر أحد على انباهه فَقيل للنصير ذَلِك فَقَالَ ان لم ير الْقَمَر بعينة والا فَأصْبح مقتولا لَا محَالة وفكر سَاعَة ثمَّ قَالَ للمغل دقوا على الطاسات والا يذهب قمركم الى يَوْم الْقِيَامَة فشرع كل وَاحِد يدق على طاسة فعظمت الغوغاء فانتبه هلاكو بِهَذِهِ الْحِيلَة وَرَأى الْقَمَر قد خسف فَصدقهُ وبقى ذَلِك الى يَوْمنَا هَذَا وعَلى هَذَا فَمن ظريف مَا يحْكى ان شخصا من ظرفاء الْعَجم كَانَ جَالِسا مَعَ بعض كبرائهم على بركَة مَاء صَاف تحكى خيال مَا قابلها فَقَامَ سَاق جميل الْوَجْه يسقى فَتَنَاول مِنْهُ الطاس ليشْرب فَأَمْسكهَا حينا نَاظرا لخيال الساقى فى المَاء مشتغلا بذلك عَن اعادتها اليه فَفطن كَبِير الْمجْلس لذَلِك فحرك المَاء بقضيب كَانَ فى يَده فَعِنْدَ تحريكه ذهب خيال تِلْكَ الصُّورَة فَأخذ ذَلِك الشَّخْص الظريف يضْرب على الطاس فَسَأَلَهُ من كَانَ مَعَه عَن ذَلِك فَأجَاب بقوله هَذِه عَادَة بِلَادنَا اذا خسف الْقَمَر فاستظرف الْكَبِير والحاضرون مِنْهُ ذَلِك وَقد كَانَ شغلهمْ مَا شغله كَذَلِك قلت وَمن هَذَا الْبَاب بل أدق مِنْهُ تخيلا وأرق مسلكاً مَا قرأته فِي ديوَان أبي بكر الْعمريّ قَالَ وَمِمَّا اتّفق لي أَنِّي كنت مرّة جَالِسا بِالْمَكَانِ الْمعد لبيع القهوة الْمُسَمّى بالقهوة الجديدة تَحت قلعة دمشق والى جانبى الشَّمْس مُحَمَّد بن عين الْملك واذا بِغُلَام بديع الْجمال بارع فى الْحسن والكمال جلس بِالْقربِ منا فأخذنا نتأمله ونتواصف محاسنه ولطف شمايله واذا بِرَجُل طَوِيل من النَّاس غليظ يكَاد يكون جدارا فَجَلَسَ بازائنا وَحَال بَيْننَا وَبَين رُؤْيَة الْغُلَام فَحصل لنا غم شَدِيد فَقَالَ ابْن عين الْملك الْغُلَام هُوَ الْقَمَر وَهَذَا الغليظ هُوَ الخسوف لانه حجب عَنَّا رُؤْيَته فَبينا نَحن فى تِلْكَ المصاحبة واذا بِالرجلِ نزع عمَامَته فاذا هُوَ أَقرع وَكَانَ رَأسه قِطْعَة من النّحاس فَقلت للشمسنى مُحَمَّد الْآن صَحَّ تشبيهك فَقَالَ اذا يجوز ان تنظم هَذَا الْمَعْنى فَأخذت الْقَلَم وكتبت ارتجالا (حجب الْبَدْر أَقرع عَن عيونى ... فغدا الطّرف خاسئا مطروفا) (قَالَ لى اللائمون كف فناديت دعونى وأقصروا التعنيفا ... ) (عَادَة الْبَدْر ينجلى لَيْلَة الْخَسْف بدق النّحاس دقا عنيفا ... ) (وتراءيت طاسة فَجعلت الصفع دقا فَكَانَ عذرا لطيفا ... ) وَمن شعره الى الصَّغِيرَة قَوْله معميا فى علوان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 (فديت حبيبا ازارنى بعد صده ... وَمن رِيقه واللحظ مَعَ كاس قرقف) (سقانى ثَلَاثًا يَا خليلى وانها ... شِفَاء لذى سقم وراحة مدنف) وَله باسم سُلَيْمَان (رأى عاذلى منيتى زار فى ... ازار فحيد عَن نهجها) (وَقد لَام فى مثل عشقى لَهَا ... وَمَا شَاهد الْخَال فى وَجههَا) وَله باسم سَالم (يَا غزالا أَطَالَ بالمطل سهدى ... أنْجز الْوَعْد عله مِنْك يجدى) (قَالَ مهلا وليل جعدى وقدى ... بعد خطّ العذار انجاز وعدى) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى حُدُود سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس عمر بن نصوح الرومى أحد كبراء الدولة العثمانية وَهُوَ ابْن الْوَزير الاعظم نصوح باشا الْمَار طرف من خَبره فى تَرْجَمَة السُّلْطَان أَحْمد والآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى فى حرف النُّون وَكَانَ عمر هَذَا من أَفْرَاد الدَّهْر فى المعارف وجودة الْخط النّسخ لم يكن فى عصره مثله وَجمع من خطوط الْمُتَقَدِّمين أَشْيَاء وافرة وَكَانَ ضنينا بِالْكِتَابَةِ لَا يسمح لَاحَدَّ مِنْهَا بشئ الا بعد جهد وَالنَّاس يتخالون فى خطه ويتفاخرون بِوُجُود شئ مِنْهُ عِنْدهم وَكَانَ قدم دمشق لجمع مَال الْعَوَارِض فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وَكَانَ الْوَزير مُحَمَّد باشا الْمَعْرُوف بِابْن الدفتر دَار نَائِب الشَّام فَكَانَ يجله ويعظمه وحدثنى بعض الاخوان انه طلب مِنْهُ كِتَابَة سُورَة الانعام فتباطأ فى كتَابَتهَا فاستدعاه يَوْمًا وَأَعْطَاهُ فَرْوَة من السمور وَخَمْسمِائة قِرْش وَعين رجلا من أخصائه يلازمه الى أَن يُتمهَا فأتمها فى شهر وجلدها وأرسلها الله اليه فَوَقَعت عِنْده الْموقع الْعَظِيم وَبعد رحيله من دمشق تقلبت بِهِ المناصب حَتَّى اسْتَقر نشانيا وسافر فى خدمَة الْوَزير أَحْمد باشا الْفَاضِل الى كريت فَمَاتَ بهَا وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَانِينَ وَألف والنشانى نِسْبَة الى النشان وَهُوَ الطرة الَّتِى ترسم فى أَعلَى الاوامر والبراآت السُّلْطَانِيَّة وَيُقَال لَهَا الطغرى أَيْضا وَالله تَعَالَى أعلم عمر بن يحيى القاضى زين الدّين الشافعى الْمَعْرُوف بِابْن الدويك الدمشقى من أفاضل الزَّمن وأدبائه وَكَانَ عَارِفًا بفنون عديدة وَله فى الرياضيات خُصُوصا الْفلك والميقات مهارة تَامَّة وَكَانَ وقورا مهابا عَظِيم الْهَيْئَة ولى الْقَضَاء بمحكمة قناة العونى ثمَّ نقل الى محكمَة الْبَاب فى سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وَكَانَ ينظم الشّعْر وَله شعر رائق مِنْهُ قَوْله من قصيدة رَاجع بهَا بعض الادباء ومطلعها (جَازَت على تهز فى أردان ... هيفاء رمح قوامها أردانى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 (تركية الا لحاظلا ان رنت ... نحوى بِطرف ناعس أصمانى) (غرثى الوشاح ترنحت أعطافها ... من ذَا الذى عَن حبها ينهانى) (فى خدها الوردى نَار أضرمن ... فعجبت للروضات فى النيرَان) (لما انْثَنَتْ تختال فى حلل البها ... سجدت لقامتها غصون البان) (جارت على ضعفى بعادل قدها ... عجبا فَهَل ضدان يَجْتَمِعَانِ) (لَوْلَا جعيد الشّعْر مَعَ فرق لَهَا ... مَا كَانَ لى ليل وصبح ثَان) (قسما بطلعتها ولفته جيدها ... وبثغرها وبقدها الريان) (وبنون حاجبها رَوْضَة خدها ... وبلطفها وبحسنها الفتان) (لم أنس لما ان أَتَت بملابس ... قد طرزت بمحاسن الاحسان) (وافت وثوب اللَّيْل أسدل ستره ... حَتَّى غَدا كَالثَّوْبِ للعريان) (فضممتها ورشفت برد الثغركى ... أطفى بذلك حرقة الاشجان) (باتت تعاطينى كؤس حَدِيثهَا ... وتشنف الاسماع بالالحان) (بتنا على رغم الحسود بغبطة ... وبفرحة ومسرة وأمان) (حَتَّى دنا الْفجْر الْمُنِير فراعنى ... شيب بِرَأْس اللَّيْل نحوى دَان) (قَامَت وَقد ألوت النحوى جيدها ... خوف النَّوَى وَالْقلب فى خفقان) (ودعتها والدمع يجرى عِنْدَمَا ... فى الخد حَتَّى قرحت أجفانى) (سقيا لَهَا من لَيْلَة قضيتها ... فى طيب عَيْش وَالسُّرُور مدان) وَكتب اليه شَيخنَا عبد الْغنى بن اسمعيل النابلسى مداعبا وَبَينهمَا قرَابَة من جِهَة وَالِدَة شَيخنَا فانها مِنْهُم (قلت وَقد أطرب نظمى الورى ... لحاسدى المغموم خفض عَلَيْك) (لابدع أَن يطرب صوب الذى ... اتَّصَلت نسبته بالدويك) وَكَانَت وَفَاته فى أَوَائِل شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير عمر الْمَعْرُوف بنفعى بن رومى عَالم الرّوم وشاعرها المتفوق وَكَانَ أحد أَعْيَان كتاب الدولة وَله شهرة طنانة وَهُوَ من بَلْدَة يُقَال لَهَا حسن قلعه سى بَينهَا وَبَين أرزن الرّوم خمس سَاعَات الى جِهَة القرص ولد بهَا ثمَّ قدم الى قسطنطينية وتعانى الْكِتَابَة والادب وَمهر فِيهَا وشعره غَايَة فى الملاحة سِيمَا مدائحه وَأما أهاجيه فَلم يصل أحد الى فحشها فِيمَا أعلم وَقد دونهَا ووسمها بسهام الْقَضَاء وَحكى انه لما تمّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 جمعهَا وصل خَبَرهَا الى السُّلْطَان أَحْمد فطلبها وقرئت بِمحضر مِنْهُ فَمَاتَتْ قرَاءَتهَا الا وأرعدت السَّمَاء وأبرقت وَنزلت صَاعِقَة بِالْقربِ من مَكَان الْقِرَاءَة وَلِهَذَا شاع بَين النَّاس أَن قرَاءَتهَا تورث بلَاء مَا وَأدْركَ عهد السُّلْطَان مُرَاد وَكَانَ السُّلْطَان يُحِبهُ ويقربه وتعجبه مسامرته وَلما ولى الوزارة الْعُظْمَى بيرام باشا وَكَانَ طاعنا فى السن وَفِيه غَفلَة أمره السُّلْطَان بهجائه فَامْتنعَ من ذَلِك فألح عَلَيْهِ السُّلْطَان فَفعل قصيدة طَوِيلَة أفرط فِيهَا كل الافراط فبلغت الْوَزير فتألم وأكن لَهُ الْقَتْل ثمَّ دخل الْوَزير الى السُّلْطَان شاكيا مِنْهُ وَقَالَ لَهُ ان لم تقتل نفعى فقد اخْتَرْت أَن تقتلنى وأبرم على السُّلْطَان بذلك ففوض اليه أمره فَقتله هَكَذَا تلقيته من الافواه ثمَّ حكى بعض من لَهُ اطلَاع على أمره أَن الْوَزير لما بلغه هجوه اياه طلب نائلى الشَّاعِر الْمَشْهُور وَكَانَ مِمَّن تخرج على نفعى وَله بِهِ زِيَادَة اتِّصَال وَأمره بِأَن يهجو نفعى وَلَا زَالَ يبرم عَلَيْهِ حَتَّى هجاه بقصيدة وكتبها للوزير بِخَطِّهِ وَأَعْطَاهُ اياها فَطلب نفعى وَأَعْطَاهُ الورقة فَفطن للغرض وأخذته الحدة فَطرح الورقة قبالة الْوَزير بغيظ فحنق الْوَزير وَقَتله فى الْحَال وَكَانَ قَتله فى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف قلت وقصة قَتله شَبيهَة بِقصَّة قتل ابْن الرومى وَقد حَكَاهَا كثير من المؤرخين وَذَلِكَ أَن الْفضل بن مَرْوَان وَزِير المعتصم العباسى دَعَا أُنَاسًا لوليمة صنعها وَلم يدع ابْن الرومى فافتكره فى آخر الْوَلِيمَة فَجهز خَلفه فَلَمَّا حضر أحضر طبق فِيهِ بيض مصبوغ سَبْعَة ألوان فَمد يَده ابْن الرومى وَأكل بَيْضَة حَمْرَاء وَتوجه فَصنعَ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وهما قَوْله (وزيرنا أكْرم من حَاتِم ... أكلت فى دَعوته بيضه) (قذ أدخلتها أمه فى استها ... وضمختها بِدَم الحيضه) فَلَمَّا سمع المعتصم الْبَيْتَيْنِ ضحك ثمَّ نَادَى ابْن الرومى وَقَالَ لَهُ اهجنى فَقَالَ الله الله من ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ أهجو من مدحه الله وَرَسُوله فَقَالَ لَهُ المعتصم هَذَا على سَبِيل المداعبة لاجل خاطر الْوَزير لَا يغتاظ فَامْتنعَ من ذَلِك فالح عَلَيْهِ المعتصم فَقَالَ (مُلُوك بنى الْعَبَّاس فى الارض سَبْعَة ... وَلم تأتنا عَن ثامن لَهُم كتب) (كَذَلِك أهل الْكَهْف فى الْكَهْف سَبْعَة ... كرام اذا عدوا وثامنهم كلب) فَضَحِك المعتصم وأسرها فى نَفسه وَقَالَ مَتى خرج من عندى أشهر عَنى الهجو فَلَمَّا حضر السماط أَخذ المعتصم سنبوسكة وشغلها بالسم وناولها لِابْنِ الرومى فَقَامَ وَأَخذهَا وَلم يشْعر بِمَا فِيهَا فَلَمَّا أكلهَا والسم فِيهَا قَامَ مستعجلا وَهُوَ ماسك قلبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 فَقَالَ لَهُ المعتصم الى أَيْن فَقَالَ الى مَكَان بعثتنى اليه فَقَالَ والى أَيْن بَعَثْتُك قَالَ الى الْقَبْر فَقَالَ لَهُ المعتصم سلم أَبى هرون فَقَالَ مالى على جَهَنَّم طَرِيق قَالَ وَهل أَبى فى جَهَنَّم قَالَ نعم من تكون أَنْت وَلَده فَمَا يكون مَأْوَاه الا جَهَنَّم وأتى منزله وَمَات الْملك عنبر شنبو سنجس خَان وَزِير الْهِنْد ومدبره ومرجع أَهله هُوَ فى الاصل حبشى من الامحره وَتسَمى قبيلته مايه وَيُقَال انه من عبيد القاضى حُسَيْن الْمَشْهُور بِمَكَّة ثمَّ اشْتَرَاهُ بعض التُّجَّار وجلبه الى الْهِنْد فَاشْتَرَاهُ الْوَزير سنجس خَان وَلما مَاتَ سنجس خَان تنقلت بِهِ الاحوال الى أَن صَار من عَسَاكِر عَادل شاه صَاحب بيجافور من اقليم الدكن وَكَانَ المَال الذى يعطاه لَا يَكْفِيهِ لِكَثْرَة سماحته وانفاقه فاستزاده من الْوَزير الاعظم فَلم يزده فَخرج الْملك عنبر من حِينه خَائفًا يترقب وَكَانَ السَّيِّد الْجَلِيل على حداد باعلوى قد وعده بِأَنَّهُ سيصير ملكا عَظِيما فَكَانَ لَهُ ظُهُور عَجِيب يحْتَاج الى تَارِيخ مُسْتَقل ولعذوبته ذكرته لكنى لخصته من ملخص مَا ذكره الشلى فى تَرْجَمته قَالَ وَحَاصِله انه خرج من عِنْد عَادل شاه سنة سِتّ بعد الالف وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُفلس وَخرج مَعَه السَّيِّد على ثمَّ وصل بِهِ الْحَال الى أَنه لم يقدر على نَفَقَة يَوْمه ثمَّ أعلم السَّيِّد عليا بِمَا هُوَ فِيهِ من ضيق الْحَال فَدَعَا الله تَعَالَى فوجدوا ركازا جاهليا فاتسع أمره وَأكْثر من العساكر والاتباع وَلَا زَالَ أمره يعظم الى ان ملك بلادا كَثِيرَة وَكَانَ كلما ملك بَلَدا أَو قَرْيَة أحسن الى الرعايا وَأظْهر الْعدْل والاحسان وَنصب قَاضِيا للاحكام وحاكما للسياسة ثمَّ استدعاه السُّلْطَان حُسَيْن نظام شاه من سلاطين الدكن فانحاز اليه وَهُوَ من أعظم سلاطين الْهِنْد لَكِن مذْهبه فى الِاعْتِقَاد مَذْهَب الرَّفْض وَكَانَ مقرّ سلطنته دولة آباد وَكَانَ وزيره الاعظم كَافِرًا شجاعا فاتكا صَاحب جيوش وأموال مستوليا على المملكة وَكَانَ الْملك عنبر يعجز عَن مقاومته فَصَارَ يداريه ويترصد لَهُ فرْصَة حَتَّى قَتله على حِين غَفلَة وَولى مَكَانَهُ الوزارة الْعُظْمَى وَرَأى السُّلْطَان محبته وجده فأمده واتفقت لَهُ وقائع كَثِيرَة وَفتح قلاعا ونفذت كَلمته واتسعت مَمْلَكَته وأخرب الْكَنَائِس وَعمر شَعَائِر الاسلام ثمَّ مَاتَ السُّلْطَان حُسَيْن نظام شاه وَكَانَ وَلَده برهَان صَغِيرا فعقد الْملك عنبر لَهُ الْبيعَة وَلم يكن لَهُ من السلطنة الا الِاسْم وَجَمِيع الامور بيد الْملك عنبر كَمَا كَانَ الْخُلَفَاء العباسيون بِبَغْدَاد ثمَّ استبد الْملك عنبر بالامور وَاسْتمرّ فى الْقِتَال والجلاد وأزال الْمَظَالِم من تِلْكَ الْجِهَة وعمرها وأخمد الْفِتْنَة والبدعة وَعمر الْمَسَاجِد والمآثر وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 مؤيدا فى حروبه ومغازيه مُسَددًا فى رَأْيه مسعودا فى أَحْوَاله وَكَانَ كثير الاحسان الى السَّادة وَأهل الْعلم وقصدته النَّاس من جَمِيع الْبلدَانِ فغمرهم باحسانه خُصُوصا أهل تريم من السادات وَكَانَ يحسن لمشايخ الطَّرِيق والصوفية وَكَانَ عصره أحسن الاعصار وزمانه أَنْضَرُ الازمنة وَكَانَ يحمل كل سنة الى حَضرمَوْت من الاموال والكسوات للسادة والمشايخ والفقراء مَا يقوم بهم سنة وَكَانَ لَهُ ديوَان مُرَتّب باسم أَرْبَاب الرسوم والقصاد ووقف ربعَة قُرْآن بمنية تريم ووقف بِمَكَّة وَالْمَدينَة مصحفين وَاشْترى فى الْحَرَمَيْنِ دورا ووقفها على من يقْرَأ فيهمَا ويهدى ثَوَاب الْقِرَاءَة اليه وَمن آثاره الْحَسَنَة أَنه عقم نهر الكركى وَهُوَ نهر عَظِيم يمر تَحت الْبِلَاد وَلَا تنْتَفع بِهِ وَسبب ذَلِك ان بعض وزراء عَادل شاه وَهُوَ المنلا مُحَمَّد الخراسانى استبعد وُقُوع ذَلِك لسعته وَكَثْرَة مَائه وَظن انه يحْتَاج الى عمل كثير لَا يقدر عَلَيْهِ أحد من الْمَخْلُوقَات وَغرم مَالا كثير الْملك عنبران قدر على ذَلِك فشرع فِيهِ وساعد الْقدر فكمل الْعَمَل فى خَمْسَة أشهر وَجعل لَهُ قنوات تجرى الى الْبَسَاتِين والزراعات وَكثر بِهِ النَّفْع وَجمع من فى ذَلِك الْمَكَان من السَّادة والاعيان وأنعم عَلَيْهِم وأجزل الصَّدقَات وَكَانَت عِمَارَته فى سنة أَربع وَعشْرين وَألف واخترع الْفُضَلَاء لذَلِك تواريخ عديدة بِكُل لِسَان وَمن ألطف مَا قيل فِيهِ خير جارى وَأكْثر من شِرَاء الحبوش وَكَانَت التُّجَّار تجلبهم اليه يتغالون فى أثمانهم الى أَن كثر واجدا يُقَال ان جملَة مَا اشْتَرَاهُ من الذُّكُور نَحْو ألفى حبشى وَكَانَ الجلب أول مَا يَشْتَرِيهِ يُسلمهُ الى من يُعلمهُ الْقُرْآن والخط ثمَّ الى من يُعلمهُ الفروسية واللعب بِالسَّيْفِ وَالْعود والسهام الى أَن يتفرس فى أَنْوَاع الْحَرْب والحيل وَالْخداع ثمَّ يترقى وصاروا يترقون فى الْمَرَاتِب ويتفاضلون فى المناصب كل بِمِقْدَار سَعْيه واستحقاقه ومرتبته وَكَانَ لَهُم اعتناء باقامة الْجَمَاعَة وَأُمُور الدّين وَكَانَ لكل أَمِير مِنْهُم فَقِيه يتَعَلَّم مِنْهُ الْفِقْه وَأُمُور الدّين وامام يصلى بِهِ ومؤذن وَجَمَاعَة يتدارسون الْقُرْآن وَجَمَاعَة يذكرُونَ الله تَعَالَى لَيْلَة الْجُمُعَة والاثنين وَكَانَ لكل أَمِير سماط مَمْلُوء بأنواع الاطعمة الفاخرة وَبِالْجُمْلَةِ فانهم وان كَانُوا عبيدا حبشة فَلم تكن الْعَرَب تفوقهم الا بِالنّسَبِ وقصده جمَاعَة من مشاهير شعراء عصره من الْبِلَاد الشاسعة ومدحوه بِأَحْسَن المدائح وَكَانَ السُّلْطَان ابراهيم عَادل شاه أظهر لَهُ الْعَدَاوَة والحسد وَبلغ غَايَة جهده فى اضمحلال هَذَا الرجل وبذل أَمْوَالًا كَثِيرَة لمن يقْتله أَو يسمه فَلم يقدر لَهُ ذَلِك وَمن عداوته لَهُ انه عزم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 جهان كير أعظم سلاطين الْهِنْد لمقاتلته وعهد اليه أَن يبْذل لَهُ فى كل مرحلة مائَة ألف هن والهن بِضَم الْهَاء نحودينار ذَهَبا فَأرْسل جهان كير بعساكر وخيل وأفيال ضَاقَ عَنْهَا الفضاء وَجرى على مُرَاد الله الْقدر وَأَقْبل عَادل شاه بعساكر من الْجَانِب الثانى وأيقن كل من عِنْد الْملك عنبر بِالْهَلَاكِ فَجمع من عِنْده من السَّادة الاشراف وَالْعرب وَطلب مِنْهُم أَن يجتمعوا للدُّعَاء كل يَوْم وبذل الخزائن للعساكر وَأَقْبل بعساكره على الْقِتَال ثابتين ثبات الْجبَال وَحمل بِمن مَعَه فَقتلُوا خلائق لَا يُحصونَ وأسروا من وزراء جهان كير وعادل شاه وَأَرْبَعين أَو يزِيدُونَ وَرجع الْملك عنبر ظافرا منصورا ثمَّ بعد ذَلِك جَرَادًا الْحمام سَيْفه عَلَيْهِ ومزق جِلْبَاب ملكه وَتوفى فى سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَأكْثر النَّاس والضعفاء والفقراء والارامل والايتام من الْبكاء حول جنَازَته وَيُقَال انه لم يعْهَد عِنْد أهل الْهِنْد مثل ذَلِك الْيَوْم وَدفن بالروضة وهى مَوضِع بِالْقربِ من دولة آباد وَعمل على قَبره قبَّة عَظِيمَة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وتحترمه الْمُلُوك والسلاطين وَمن استجار بقبره لَا يقدر أحد أَن يَنَالهُ بمكروه ورثاه الشُّعَرَاء والفضلاء بِأَحْسَن المراثى وَعمل الادباء لعام وَفَاته تواريخ نظما ونثرا وَمن أحْسنهَا نثرا قَول بَعضهم الْجنَّة مثواه وَكَانَ مَوته بالسم وَبعد موت الْملك عنبر فوض السُّلْطَان برهَان نظام شَاة تَدْبِير مَمْلَكَته الى عبد الْعَزِيز فتح خَان أكبر أَوْلَاد الْملك عنبر وَجعله أَمِير الامراء وَكَانَ شجاعا مقداما كَبِيرا سخيا لكنه قَلِيل التَّدْبِير مبذر لَا يصغى لقَوْل مشير وارتكب الامر الفظيع فَكَانَ حجاج زَمَانه وَوَقع بِسَبَبِهِ فتن ثمَّ تضعضع الزَّمَان وَآل ذَلِك الى حصاد الْعلم وَالدّين الى ان رَمَاه الدَّهْر عَن قَوس وزارته ثمَّ خربَتْ تِلْكَ الديار وَذَهَبت بهجتها وخلقت ديباجتها قَالَ الشلى قلت وَقد تكَرر ذكر الدكن فى هَذِه التَّرْجَمَة وَقد يتشوف الى الْوُقُوف على مَعْرفَته من لاله معرفَة بحقيقته وتفاصيل أمره تحْتَاج الى تأليف كَبِير وَلَا يحْتَمل هَذَا الْمحل الا الْيَسِير فلنذكره بطرِيق الاجمال لضيق المجال ومجمل ذَلِك انه اقليم عَظِيم من أقاليم الْهِنْد الَّتِى هى أم الدُّنْيَا كثير الْحُصُون والقلاع حسن الْهَوَاء كثير الامطار والانهار والبساتين أعدل الاقطار وَفِيه حصون وقلاع فى غَايَة الاستحكام والاتقان وكل قصر شامخ لَهُ شرف فى السَّمَاء باذخ تحاكى الاهرام فى احكام الْبُنيان عالية الْبناء تسامى السَّمَاء وهى الرَّوْضَة المورقة والغيضة المونقة وقلاعها مشحونة بآلات الْحَرْب والمدافع الْكِبَار مَمْلُوءَة بالمكاحل الْكَثِيرَة حَصِينَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 الْحصار وَأهل حرفه أحذق الفطناء وأفطن الحسذاق فَمَا من صَنْعَة الا وَمن مشربهم مطْلعهَا وَمَا من حِكْمَة الا وَعِنْدهم شرفها واليهم منزعها وَمَا من حِرْفَة تُوجد الا وَجدتهَا فيهم وَمَا من عمل يعرف الا اجتنى من مغانيهم وَمن أحسن بِلَاد الْهِنْد بَلْدَة بيجافور وفيهَا وقف على عَادل للسادة وَالْعرب أوقف عَلَيْهَا أراض تصرف غلقها للسادة وَالْعرب وفى هَذِه الْبَلدة وهى مَحل السلطنة مَكَان عَظِيم الشان مُحكم الْبُنيان تَحْتَهُ بركَة كَبِيرَة كَأَنَّمَا عناها الشَّاعِر بقوله (وبركة للعيون تبدو ... فى غَايَة الْحسن والصفاء) (كَأَنَّهَا اذ صفت وراقت ... فى الارض جُزْء من السَّمَاء) خَفِيفَة المَاء العذب لَطِيفَة الْهَوَاء الرطب وبستان مَعْرُوف الاشجار مونق الثِّمَار وَهُوَ منتزه بديعى حسن بمحاسنه يذهب عَن الْقلب الْحزن (عَلَيْهِ من بهاء الْبَدْر نور ... وَوصف الشَّمْس يكسوه الشعاعا) وفى هَذَا الْمَكَان خزانَة من الْخشب وَعَلِيهِ ستور وداخل الخزانة قَبْضَة من ذهب فِيهَا من الْآثَار الشَّرِيفَة أعنى آثَار النَّبِي شَعرَات من شعره وفى كل لَيْلَة جمعه وَلَيْلَة اثْنَيْنِ يَجْعَل للْعَرَب خبز وحلوى وَمن أعظم حصونه حصن دولة آباد الذى ضاهى ارْمِ ذَات الْعِمَاد وَهُوَ عَجِيب الْوَضع وَالْبناء بِحَيْثُ يزْعم النَّاظر اليه انه من وضع الْجِنّ لغرابه أمره وَمن عَادَة سلاطينها وملوكها ووزرائها انهم يعتنون بالليالى الفاضلة كليلة الْعِيدَيْنِ وَلَيْلَة عَاشُورَاء والمولد والمعراج وَالنّصف من شعْبَان وليالى رَمَضَان يحيونها بِالذكر وتلاوة الْقُرْآن وتنشد المدائح النَّبَوِيَّة السائر بهَا الركْبَان ويجتمع عِنْدهم فى تِلْكَ الليالى الْعلمَاء والصلحاء والقراء والكبراء والفقراء ويمدون لَهُم الاسمطة الْعَظِيمَة ويفرع على كواهلهم التشاريف الجسيمة وَقد سبقهمْ الى تَعْظِيم بعض هَذِه الليالى كثير من الْمُلُوك فقد ذكر المؤرخون ان الْملك المظفر صَاحب اربل كَانَ ينْفق لَيْلَة المولد النبوى ألف دِينَار وَقد قيل فى سماطه فى بعض المواليد فِيمَا حَكَاهُ سبط ابْن الجوزى فى مرْآة الزَّمَان خَمْسَة آلَاف راس غنم مشوى وَعشرَة آلَاف دجَاجَة وَمِائَة ألف زبدية حامضة وَثَلَاثُونَ ألف صحن حلوى ويخص أَعْيَان الْعلمَاء بِالْخلْعِ والكرامات وَيُطلق لَهُم عنان العطيات انْتهى ثمَّ حصل لهاتيك الديار تغير واضمحلال بِسَبَب انهم اتَّخذُوا رُؤَسَاء جهلاء وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 عوض بن سَالم بن مُحَمَّد بن عبود بن مُحَمَّد مغفون بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن علوى ابْن أَحْمد ابْن الْفَقِيه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن علوى عَم الاستاذ الاعظم الحضرمى شيخ زَمَانه وعالمه وَكَانَ جَامعا بَين الْعلم وَالْعَمَل سالكا طَريقَة الْحق ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَسَار من صغره أحسن سيرة واشتغل بالتحصيل وَأخذ عَن السَّيِّد الْجَلِيل عبد الله بن سَالم خيله والعارف بِاللَّه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الشهير بامام السقاف وَسَار سيرته وَأخذ عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى زين بن حُسَيْن بَافضل ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن السقاف ابْن مُحَمَّد العيدروس وَألبسهُ مشايخه الْخِرْقَة وَكَانَ لَا يصرف سَاعَة الا فى قربَة وَجمع نَفسه على أشتات الْفَضَائِل وَكَانَ من الْوَرع وَالدّين على سنَن قَوِيَّة وَكَانَ شَيْخه وَخَتنه الشيرخ زين بن حُسَيْن يتبجح بمكانه وَكَانَ عَارِفًا بِأَهْل زَمَانه حَافِظًا لِلِسَانِهِ يضْرب بِهِ الْمثل فى التَّقْوَى والديانة والورع وَكَانَ على غَايَة من الْعقل وَأخذ عَنهُ جمَاعَة التصوف وَالْفِقْه قَالَ الشلى وَكنت حضرت دروسه وَسمعت مِنْهُ أَحَادِيث وأخبارا ودعا لى بأدعية أَرْجُو أَن تكون مستجابة وَكَانَ يحب الْعُزْلَة عَن النَّاس وَكَانَت وَفَاته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل عوض بن يُوسُف بن محيى الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الطباخ الدمشقى قاضى الْقُضَاة بِالْمَدِينَةِ المنورة كَانَ من فضلاء الزَّمَان جم الْفَائِدَة فصيح اللِّسَان وسيم الْهَيْئَة مَقْبُول الطلعة مشاركا فى عدَّة فنون وَكَانَ لَهُ بالطب المام تَامّ وَكَانَ فى ابْتِدَاء أمره قَرَأَ بِدِمَشْق على جمَاعَة مِنْهُم على بن النجار الْمَار ذكره وَصَارَ مُقَيّدا للصكوك فى محكمَة الْبَاب ثمَّ سَافر الى الرّوم ولازم على عَادَتهم ودرس وتنبل واشتهر بِمَعْرِِفَة الطِّبّ فَكَانُوا يراجعونه فى الداآت الصعبة فيعرفها ويعالجها وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَنه ابتلى بالاستسقاء وعولج فَلم يفد علاجه وَكَانَ استحكم فاقترح هُوَ دَوَاء لنَفسِهِ بِقُوَّة الحدس فَكَانَ يسْتَعْمل فى كل يَوْم قدرا وافرا من الخربز وينام فى الشَّمْس وداوم على ذَلِك أَيَّامًا حَتَّى حم فبرئ ثمَّ ولى الْقَضَاء بِمَدِينَة فلبه وبغداد وَالْمَدينَة المنورة وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع عشرَة وَألف وَمَات أَبوهُ وَأمه حَامِل بِهِ فَقيل فى تَارِيخ وِلَادَته عوض عَن أَبِيه بدا وَتوفى بقسطنطينية السَّيِّد عيدروس بن عبد الله بن أَحْمد بن أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ على الْيُمْنَى من أتقياء الْيمن وكرمائه ولد بقرية المكله من الديار اليمنية وَنَشَأ بهَا وَحفظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 الْقُرْآن واشتغل بتحصيل الْفَضَائِل ودأب فِيهَا وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم علوى بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ وَلما مَاتَ علوى قَامَ صَاحب التَّرْجَمَة بمنصبهم الْقيام التَّام وقصده النَّاس وعولوا على كرمه وانتهت اليه مشيخة تِلْكَ الديار وَكَانَ لَهُ كرم أَخْلَاق محبا لمصاحبة أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح ملازما لاهل الطَّرِيقَة الحميدة واشتهر بالتصوف والمكاشفة وَكَانَ لَهُ أَحْوَال سامية وانتفع بِهِ كَثِيرُونَ وَكَانَت وَفَاته بالمكله فى سنة خمس وَألف عِيسَى بن أَحْمد الزيلعى العقيلى كَانَ من المستغرقين فى حب الله تَعَالَى التاركين لما سواهُ المنهمكين على طاعاته والساعين فى رِضَاهُ وَكَانَ وَاسع الْحَال عَظِيم الْمقَال وَمِمَّنْ زهد فى الدُّنْيَا وفى شهواتها وَرغب فى الاخرة وجناتها وَعمل بِمَا علم فأورثه الله تَعَالَى علم مَا لم يعلم وَكَانَ علمه كَهَيئَةِ الْمكنون الذى لَا يعرفهُ الا من هم بِاللَّه عارفون وَكَانَ فى غيبوبته يسيح فى البرارى والقفار ويطلع الى الْجبَال وَلَا يقر لَهُ قَرَار وَنقل عَمَّن رَآهُ انه كَانَ يدْخل الى الغيضة وفيهَا الاسد وَيقرب مِنْهَا وَلَا تضره وَكَانَ يصدر عَنهُ مقالات عَظِيمَة يُشِير فِيهَا الى عُلُوم ربانية ومقامات صمدية وَمن زهده انه مَاتَ لَهُ أَخ وَكَانَ ذَا مَال كثير كَانَ من جملَة ورثته مَعَ اخوته فَأَعْطوهُ حَقه من الارث وَكَانَ عَظِيما ففرقه عَلَيْهِم وَلم يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَأما كراماته فشهيرة كَثِيرَة مِنْهَا انه كَانَ فى اللِّحْيَة عبد أسود مَعْرُوف كَبِير الْوَجْه والشفتين فَكَانَ يأتى اليه وَهُوَ جَالس بَين النَّاس وَيَقُول لَهُم كلَاما مَعْنَاهُ انه يتَوَلَّى عَلَيْكُم عبد يُشبههُ فى خلقه وتنفذ أُمُوره وَتَعْلُو كَلمته فَمَاتَ صَاحب التَّرْجَمَة وَقدم بعده النَّقِيب سعيد المجذ بى سنّ عبيد الْحسن بن الْقَاسِم مُتَوَلِّيًا اللِّحْيَة على مَا كَانَ يخبر بِهِ من مشابهته لَهُ فى خلقه وَكَانَت وَفَاته باللحية فى حُدُود سنة أَرْبَعِينَ وَألف عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن أَبُو مهدى السكتانى المالكى الْمَذْهَب مفتى مراكش وقاضيها وعالمها الامام الْعَلامَة النظار خَاتِمَة الْعلمَاء الْكِبَار مُحَقّق الْمغرب الاقصى فى عصره وأوحد عُلَمَاء دهره لَهُ شهرة كَبِيرَة تغنى عَن التَّطْوِيل بِبَيَان فضائله وعلومه حَتَّى قَالَ بَعضهم انه مُجَدد أَمر دين هَذِه الامة وَقد ستر الله تَعَالَى على ضعفاء العقيدة مقَامه العالى بِقُوَّة ظُهُوره بِالْقضَاءِ والافتاء وانتهاء الرياسة اليه وَكَانَت لَهُ كرامات مَشْهُورَة ومناقب كَثِيرَة مأثورة ولد بمراكش وَبهَا نَشأ وَأخذ بالمغرب عَن شُيُوخ عِظَام وقادة أجلاء فخام مِنْهُم الْعَلامَة وحيد الزَّمَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 أَبُو الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بالمنجور وَغَيره وَعنهُ خلق كثير بالمغرب مَشْهُورُونَ مِنْهُم الْعَلامَة مُحَمَّد بن سعيد والامام الْهمام مُحَمَّد بن سُلَيْمَان نزيل مَكَّة وَغَيرهمَا وَلم يكن فى زَمَانه من يُقَارِبه فى جَمِيع الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية بِبِلَاد الْمغرب الا الْعَلامَة أَحْمد ابْن عمرَان الفاسى وَكَانَ يقرئ التَّفْسِير فى فصل الشتَاء فيأتيه الْعلمَاء من جِهَات شَتَّى ويلازمون درسه وَكَانَ يملى من حفظه كَلَام الْمُفَسّرين مَعَ الْبَحْث مَعَهم وَالْجَوَاب عَمَّا يُورِدهُ الْفُضَلَاء بَين يَدَيْهِ فيأتى فى أثْنَاء تَقْرِيره بالعجب العجاب والامر الذى يحير الْعُقُول الالباب وَكَانَ يُقَال بعد انْقِضَاء طبقَة أشياخه عُلَمَاء الْمغرب ثَلَاثَة صَاحب التَّرْجَمَة وَأحمد بن عمرَان وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر بن على الفاسيان يعنون أهل الْمُشَاركَة فى الْعُلُوم وَالتَّحْقِيق والا فقد كَانَ من الْعلمَاء كثير مِمَّن طارت فتاويهم فى الاقطار وَسَار ذكرهم كل مسير وَله مؤلفات عَجِيبَة الاسلوب مِنْهَا حَاشِيَة على شرح أم الْبَرَاهِين للسنوسى وَغَيرهَا وَكَانَت وَفَاته بمراكش فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَقد ناف على الْمِائَة سنة ممتعا بحواسه لَوْلَا ضعف فى رجلَيْهِ على مَا أخبر بِهِ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمَذْكُور السَّيِّد عِيسَى بن لطف الله بن المطهر بن الامام يحيى شرف الدّين قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال فى تَارِيخه كَانَ هَذَا السَّيِّد أديبا لبيبا رَقِيق الْحَاشِيَة عذب الناشيه مفاكها ملاطفا حَافِظًا للآداب والامثال مجريا لَهَا فى مجاريها كَلِمَاته فى النَّاس مخارج الامثال بهَا يتَمَثَّل المتمثل وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ اللطافة وَحسن الملاطفة للنَّاس ويعم بذلك طبقاتهم مطلعا على التَّارِيخ لم يزل الْعَلامَة أَحْمد بن سعد الدّين يتعجب من اطِّلَاعه وَرِوَايَته وَله التَّارِيخ الْمَشْهُور الذى سَمَّاهُ روح الرّوح صنفه فى الظَّاهِر للاروام وَأفَاد فِيهِ أَيَّام سلفه وَكَانَ عَارِفًا بعدة عُلُوم وَغلب عَلَيْهِ علم النُّجُوم فَصَارَ أظهر مَا ينْسب اليه والا فَعنده عُلُوم أُخْرَى وَله قصيدة كتبهَا الى الامام الْقَاسِم يتنصل عَمَّا ينْسبهُ النَّاس اليه وَكَانَ توجيهها من كوكبان الى شهارة فى شهر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وهى (مَا شاقنى سجع الحمامه ... سحرًا وَلَا برق الغمامه) (كلا وَلَا أذكى الجوى ... ذكر العذيب وَذكر رامه) (ودموع عينى مَا جرت ... شوقا الى لقيا أَمَامه) (هَيْهَات قلبى لَا يمِيل الى مليح هز قامه ... ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 (مَا شاقنى الا الذى ... نفسى عَلَيْهِ مستهامه) (بر كريم ماجد ... حَاز الْجَلالَة والشهامة) (وحوى الفخار جَمِيعه ... حَتَّى غَدا فى الدَّهْر شامه) (لبس الْفَضَائِل حلَّة ... فبدت لَهَا مِنْهُ وسامه) (فَرد تفرد فى الْعلَا ... ولديه للعليا علامه) (أعنى أَمِير الْمُؤمنِينَ مغيث أَرْبَاب الظلامه ... ) (الْقَاسِم الْمَنْصُور من ... زَان الْخلَافَة والامامه) (ركن النُّبُوَّة شاده ... وَالْبَيْت ترفعه الدعامه) (عرج بمربعه الْكَرِيم ترى بِهِ وَجه الكرامه) (وَترى جوادا دونه ... فى الْجُود طَلْحَة وَابْن مامه) (أعداؤه شهِدت لَهُ ... بِالْفَضْلِ طرا والزعامه) (وَالْفضل مَا شهِدت بِهِ الاعداء لَا أهل الرحامه ... ) (أَحْيَا الْجِهَاد فكم لَهُ ... يَوْم حكى يَوْم اليمامه) (واسأل بِذَاكَ سيوفه ... كم أذهبت فى الجو هامه) (فطن يكنن بسلمه ... بَدْرًا فى الهيجا أسَامَه) (مولاى يَا قمر الْهدى الْمَذْكُور فى وَقت الاقامه ... ) (يَا من أرى حبى لَهُ ... أَسْنَى الذَّخَائِر فى القيامه) (وجهت نَحْوك سيدى ... عقدا أجزت بِهِ نظامه) (عقدا من النّظم الذى ... سلبت خرائدة قدامه) (يهدى اليك تحيتى ... ويزيل عَن سرى لثامه) (أَيْضا ويوضح حجتى ... وَالْحق مسلكه امامه) (لَا تأخذنى سيدى ... بمقالة حازت ذمامه) (وَبقول واش قد خشى ... لضعيف فكرته اثامه) (قد قَالَ انى قَائِل ... بنجوم سعد أَو شآمه) (ونفيت صَنْعَة رَبنَا ... ووثقت عمدا بالنجامه) (لَا والذى جعل النُّجُوم بليلها تجلو ظلامه ... ) (مَا قلت الا انها ... للنَّاس والانوا علامه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 (وَلمن أَتَى مُسْتَغْفِرًا ... لله رجو فى السلامه) (مولاى واسأل لائمى ... فَلَقَد تهور فى الملامه) (مَا صير الْقَمَر التَّمام محقرا يحْكى القلامه ... ) (وَلم الخسوف يُصِيبهُ ... فى الضعْف ان وافى تَمَامه) (وَالشَّمْس والافلاك توضح لى بهيئتها كَلَامه ... ) (فبها عرفت بِأَنَّهَا ... خلق الذى يحيى رمامه) (وَعَلَيْك صلى خالقى ... وحبا ربوعك بالكرامه) (واسلم وَدم فى نعْمَة ... يَا خير من رفع العمامه) وَمن شعره قَوْله لما مر بِبَعْض آثَار جده المطهر (قلت لما رَأَيْت مرتبع الْملك بسوح المطهر الْملك تجلى ... ) (أبدا تسترد مَا تهب الدُّنْيَا فيا لَيْت جودها كَانَ بخلا ... ) وَذكره السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن حميد الدّين فى كِتَابه ترويح المشوق فَقَالَ الْعَلامَة المطلع فى سَمَاء بلاغته الشموس المرصدة بالثوانى والدقائق الْجَامِع لحقائق الْحَقَائِق ودقائق الدقائق الْمُتَصَرف فى الْقُلُوب بهزله وجده النَّازِلَة لطائف محاضرته فى بروج سعده روح الرّوح على الحقيقه وزينة الْمجَالِس الذى أَحْيَا الادب وَأقَام سوقه الصَّدْر فى صُدُور الكبرا البازى المنقض على محَاسِن الْكَلَام فان تكلم مُتَكَلم فى حَضرته قيل لَهُ اطرق كرى وَأورد من شعره قَوْله (ظبى على ظبى سَطَا ... مِنْهُ الْمَعْنى خلطا) (يَا هاجرى كن واصلى ... فواصل نجل العطا) (نعيت بالصد وَلَا ... أَقُول نعى الخلطا) (لما رأتك مقلتى ... قلت هِلَال هبطا) (أردْت مِنْهُ وَصله ... ورمت أمرا فرطا) (ورام صبرى عاذلى ... فَقلت رمت الشططا) (قلبى عَلَيْهِ ذائب ... وَمِنْه مَا قد قنطا) (اذا سلوت عشقه ... فسلوتى عين الخطا) (أَقْسَمت مَا أتركه ... وَلَو بشيب وخطا) (ولوالى الْمَوْت دَعَا ... حثثت فى السّير الخطا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 (وربنا سُبْحَانَهُ ... يغْفر فى الْحبّ الخطا) وَذكر القاضى حُسَيْن بن النَّاصِر المهلا فِيمَا كتبه الى صاحبنا الْفَاضِل الْكَامِل مصطفى بن فتح الله ان وَالِده وجده بَينهمَا وَبَين المترجم مكاتبات ورسائل بديعة نظما ونثرا قَالَ وَكَانَ نِهَايَة فى علم الْفلك وَله فِيهِ غرائب ونوادر وَرَأَيْت لوالدى أبياتا أجَاب بهَا عَلَيْهِ وَقد سَأَلَهُ عَن بيض السّمك وهى (لعمرك مَا روم سمن الدَّجَاج ... بأعظم من روم بيض السّمك) (وَمن رام من بحره مثل ذَا ... يضم الى الْفلك علم الْفلك) (فيا من بنى مجده جده ... وَمن لسماء الْعلَا قد سمك) (أَلا ترقب النسْر وَقت الطُّلُوع ... وَأَنت عليم وَذَا الْفَنّ لَك) أَشَارَ الى أَن بيض السّمك يظْهر فى وَقت طُلُوع النسْر النَّجْم الْمَعْرُوف انْتهى وَلم أَقف على وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة لكنه قد علم انه من أهل هَذِه الْمِائَة من قَول ابْن حميد الدّين انه كتب القصيدة الْمُقدمَة الى الامام فى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين الف عِيسَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن حسن الْمَعْرُوف بِابْن سعد الدّين الجباوى الصوفى السعدى الدمشقى كَانَ من الاجواد الاسخياء وَلم يكن لابيه ابْن غَيره وَكَانَ عَزِيزًا عِنْده لَا يُخَالِفهُ فِيمَا يُريدهُ وَكَانَ يجْتَمع اليه أَصْحَابه فَيقدم لَهُم وَالِده مَا يكفيهم من نفائس الاطعمة وأنواع الاكرام بَالغا مَا بلغ واذا خرج للتنزه مَعَهم بعث اليهم مَا يكفيهم واذا رضى عِيسَى عَن أحد رضى أَبوهُ واذا سخط سخط ولننقم وَنَشَأ لاخى الشَّيْخ مُحَمَّد الشَّيْخ ابراهيم وَلَده كَمَال الدّين وَكَانَ على أَبِيه أعز من عِيسَى على أَبِيه وَكَانَا يتناظران ويتغايران وَيذكر كل مِنْهُمَا لابيه مَا يُوجب غيظه على ابْن أَخِيه ثمَّ سرى ذَلِك الى التغايظ بَين الاخوين فَوَقع بَينهمَا بعدان كَانَا أحسن أَخَوَيْنِ توافقا وتحاببا وتناصرا فتنافرا ثمَّ تقاطعا حَتَّى اسْتَقل الشَّيْخ مُحَمَّد بِأَمْر مشيخته وعزل أَخَاهُ الشَّيْخ ابراهيم من حلقته وعظمت حُرْمَة وَلَده عِيسَى وَسمعت كَلمته وَكَثُرت عشيرته وجماعته ثمَّ مَاتَت أم عِيسَى وَكَانَت من بَيت ابْن رَجَب من المزه فَتزَوج وَالِده بنت الجقوير الاربدى وَكَانَ لَهَا سَعَة من المَال فعنيت بالشيخ مُحَمَّد وعنى بهَا فَحصل عِنْد الشَّيْخ عِيسَى غيرَة وغيظ بِسَبَب ذَلِك وَكَانَ يناكد أَبَاهُ ويعازله فِيمَا يرَاهُ وَأَبوهُ مُقيم على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْمصرف عَلَيْهِ وعَلى جماعته وَهُوَ يتزايد حردا ثمَّ خرج حَاجا حردا على أَبِيه فَلم يدع لَهُ أَبوهُ حَاجَة من أَمر السّفر الا قَضَاهَا فجاور ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 الْعَام وَهُوَ سنة احدى عشرَة بعد الالف بِمَكَّة ثمَّ جهز لَهُ أَبوهُ جمالا وتختروان وَزَادا وَبعث ذَلِك مَعَ أَخِيه الشَّيْخ سعد الدّين بِحَيْثُ انه كَانَ قد ختم بَاب التخت وَلم يركب فِيهِ أحد بل كَانَ يحملهُ بعيران فَارغًا حَتَّى رَجَعَ فِيهِ الشَّيْخ عِيسَى ثمَّ لم يمْكث عِنْد أَبِيه بُرْهَة حَتَّى سَافر الى مصر مغاضبا لابيه فتوفى بهَا وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْخَمِيس لليلتين بَقِيَتَا من جُمَادَى الثَّانِيَة سنة تسع عشرَة وَألف عَن نَيف وَأَرْبَعين سنة عِيسَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَامر جَار الله أَبُو مَكْتُوم المغربى الجعفرى الثعالبى الهاشمى نزيل الْمَدِينَة المنورة ثمَّ مَكَّة المشرفة امام الْحَرَمَيْنِ وعالم المغربين والمشرقين الامام الْعَالم الْعَامِل الْوَرع الزَّاهِد المفنن فى كل الْعُلُوم الْكثير الاحاطة وَالتَّحْقِيق ولد بِمَدِينَة زواوة من أَرض الْمغرب وَبهَا نَشأ وَحفظ متونا فى الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه والمنطق والاصلين وَغَيرهَا وَعرض محفوظاته على شُيُوخ بَلَده مِنْهُم الشَّيْخ عيد الصَّادِق وَعنهُ أَخذ الْفِقْه ثمَّ رَحل الى الجزائر وَأخذ بهَا عَن الْمُفْتى الْكَبِير الشهير الشَّيْخ سعيد قدورة وَحضر دروسه وروى عَنهُ الحَدِيث المسلسل بالأولية والضيافة على الاسودين المَاء وَالتَّمْر وتلقين الذّكر وَلبس الْخِرْقَة والمصافحة والمشابكة ولازم دروس الامام الشهير والصدر الْكَبِير أَبى الاضلاع على بن عبد الْوَاحِد الانصارى السجلماسى مُدَّة تزيد على عشر سِنِين فشارك ببركته فى فنون عديدة وَأخذ عَنهُ صَحِيح البخارى الى نَحْو الرّبع مِنْهُ على وَجه من الدِّرَايَة بديع الْتزم الْكَلَام فِيهِ على أستاذه يتعريف رِجَاله من ذكر سيرهم ومناقبهم ومواليدهم ووفياتهم وَمَا فى الاسناد من اللطائف من كَونه مكيا أَو مدنيا وَفِيه رِوَايَة الاكابر عَن الاصاغر والصحابى عَن الصحابى وَنَحْو ذَلِك وعَلى مَتنه بفسيره غَرِيب وَبَيَان مَحل الِاسْتِدْلَال مِنْهُ ومطابقته للتَّرْجَمَة وَمَا يحْتَاج اليه من اعراب وتصريف وَمَا فِيهِ من الْقَوَاعِد الاصولية وَمَا يبْنى عَلَيْهَا من الْفُرُوع والالماع بِمَا فِيهِ من الاشارات الصُّوفِيَّة وَغير ذَلِك مِمَّا يبهر الْعُقُول وَسمع عَلَيْهِ جَمِيع الصَّحِيح غير مرّة على طَرِيق مُخْتَصر بَين الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وَسمع عَلَيْهِ طرفا من الشِّفَاء تفقها فِيهِ بمراجعته شروحه التلمسانى والدلجى والشمنى وَغَيرهم وَأخذ عَنهُ فى عُلُوم الحَدِيث الفية العراقى تفقها فِيهَا وَفِي شرحها للْمُصَنف وَشَيخ الاسلام وفى الْفِقْه جَمِيع مُخْتَصر خَلِيل تفقها فِيهِ بمطالعة شروحه بهْرَام والتتائى والمواق وَابْن غازى والحطاب وَغَيرهم والرسالة الى نَحْو النّصْف مِنْهَا تفقها فِيهَا كَذَلِك بمراجعة شروحها الجز ولى وأبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 الْحسن وَغَيرهمَا ونبذة من تحفة الْحُكَّام فى نكت الْعُقُود والاحكام لِابْنِ عَاصِم وفى أصُول الْفِقْه جَمِيع جمع الْجَوَامِع للسبكى مرَّتَيْنِ قِرَاءَة بحث وطرفا من أصُول ابْن الْحَاجِب مَعَ نبذة من شَرحه للعقبانى وَشَرحه للقاضى عضد الدّين وحاشية الْمُحَقق التفتازنى عَلَيْهِ وفى أصُول الدّين أم الْبَرَاهِين بشرحها للسنوسى من قَوْله وَيجمع معانى هَذِه العقائد لَا اله إِلَّا الله الى آخِره وَجَمِيع الْمُقدمَات بشرحها لَهُ وطرفا من الْكُبْرَى لَهُ وطرفا من اخْتِصَار الطوالع للبيضاوى وفى النَّحْو الالفية لِابْنِ مَالك سَمَاعا من لَفظه من أَولهَا الى تَرْجَمَة الْكَلَام وَمَا يتألف مِنْهُ مَعَ الالماع بلطائف نكت واللامية من أَولهَا الى بَاب أبنية الْفِعْل الْمُجَرّد وتصاريفه وفى فن البلاغة جَمِيع تَلْخِيص الْمِفْتَاح بشرحه الْمُخْتَصر وفى الْمنطق جَمِيع الْجمل للخونجى مرَّتَيْنِ بمراجعة شروحه التلمسانى وَابْن مَرْزُوق الْحَفِيد وَابْن الْخَطِيب القسطينى وَجَمِيع مُخْتَصر السنوسى وَمن ايساغوجى من الْقيَاس الخ وَمن الْبردَة من أَولهَا الى قَوْله نَبينَا الْآمِر الناهى وَكَانَ يأتى فِيهَا بالعجائب والغرائب وَرُبمَا يمر عَلَيْهِ الايام فى الْبَيْت الْوَاحِد مِنْهَا بمراجعة شرحها لِابْنِ مَرْزُوق الْحَفِيد وَغَيره وفى التصوف المباحث الاصلية نظم ابْن الْبناء فى آدَاب السلوك وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى فى فنون شَتَّى كالرسم والضبط والبديع وَالْعرُوض والقوافى وَالتَّفْسِير وَأَجَازَهُ مَرَّات بل أنابه عَنهُ فى مُبَاشرَة وَظِيفَة تدريس لَهُ وزوجه ابْنَته واختص بِهِ وَلم بفارقه حَتَّى مَاتَ وَمَاتَتْ زَوجته فَرَحل عَن الجزائر وَتَبعهُ للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فى الْمنطق شَيخنَا الْعَلامَة الْمُحَقق المدقق يحيى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن أَبى البركات الشهير بالشاوى وَقَالَ انه سَار مَعَه نَحْو ثَمَان مراحل حَتَّى أكمل قِرَاءَته عَلَيْهِ وَدخل تونس وَأخذ عَمَّن بهَا من أجلائها كالشيخ زين العابدين وَغَيره وَلما دخل الى قسطينة أَخذ بهَا عَن الشَّيْخ المعمر عبد الْكَرِيم اللكونى وَلم يزل على ذَلِك كلما اجْتمع بِأحد من الْعلمَاء اسْتَفَادَ مِنْهُ وأفاده حَتَّى وصل الى مَكَّة المشرفة وَحج فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ ألف وجاور بهَا سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسكن بخلوة فى رِبَاط الداودية وَأخذ عَنهُ اذ ذَاك الشَّيْخ على باحاج وقرأعليه الصَّحِيحَيْنِ والموطأ ثمَّ رَحل الى مصر وَأخذ بهَا عَن أكَابِر علمائها كالنور على الا جهورى والقاضى الشهَاب أَحْمد الخفاجة وَالشَّمْس مُحَمَّد الشوبرى وأخيه الشهَاب والبرهان المأمونى وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحى والنور الشبراملسى وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكر أسمائهم وأجازوه بمروياتهم وأثنوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله بل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 اتّفق لَهُ مَعَ شيخ الشَّافِعِيَّة مُحَمَّد الشوبرى وأخيه شيخ الْحَنَفِيَّة أَحْمد انه اجْتمع بهما فى وَلِيمَة عِنْد بعض الكبراء فَقدم اليهما استدعاء بِخَطِّهِ فَلَمَّا رَآهُ الْكَبِير مِنْهُمَا وَهُوَ الشَّمْس مُحَمَّد قَالَ معتذرا عَن كِتَابَة الاجازة قد جَاءَ فى الحَدِيث ان الله كتب الاحسان عملى كل شئ الخ وانى لَا أحسن كِتَابَة اجازة تناسب هَذَا الاستدعاء الْحسن فَطلب من أَخِيه الْكِتَابَة عَلَيْهِ فَقَالَ أَنا على مَذْهَب الاخ وَكتب لَهُ الْبُرْهَان المأمونى فى اجازته انه مَا رأى مُنْذُ زمَان من يماثله بل من يُقَارِبه ورحل الى منية ابْن الخصيب وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ على المصرى وَهُوَ الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الْوَرع الزَّاهِد الْمَشْهُور الْولَايَة الْعَظِيم الْقدر الْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة صَاحب التصانيف مِنْهَا تحفة الاكياس فى حسن الظَّن بِالنَّاسِ ورسالة الانوار ومشارق الانوار فى بَيَان فضل الْوَرع من السّنة وَكَلَام الاخيار وَغير ذَلِك ثمَّ رَحل الى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى وَأخذ بهَا عَن أجلائها كالقاضى تَاج الدّين المالكى والامام زين العابدين الطبرى وَالشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمى وَالشَّيْخ على بن الْجمال المكيين وأجازوه بمروياتهم ولازم بهَا خَاتِمَة الْمُحدثين الشَّمْس البابلى وَخرج لَهُ فهرستا بمقروآته واشتغل بالتدريس فى الْمَسْجِد الْحَرَام فى فنون كَثِيرَة وَكَانَ يزور النبى فى أثْنَاء كل سنة ويتردد على الاستاذ الصفى أَحْمد القشاشى وَيَأْخُذ عَنهُ وَكَانَ يَقُول مَا رَأَيْت مثل سيدى الشَّيْخ أَحْمد يكْتب مَا أَرَادَ من غير احْتِيَاج الى تفكر قَالَ وَكَانَ شَيخنَا على بن عبد الْوَاحِد يَقُول مَا دَامَ الْقَلَم فى يدى ومدته فِيهِ كتبت بِهِ فاذا جف احتجت الى التَّأَمُّل والاستحضار وَأما سيدى الشَّيْخ أَحْمد فَلَا يقف وارده عِنْد جفاف قلمه وَمكث بِمَكَّة سِنِين عزبا ثمَّ ابتنى لَهُ دَارا وَاشْترى جَارِيَة رُومِية واستولدها وَحصل كتبا كَثِيرَة وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم حَتَّى ان الْعَارِف بِاللَّه السَّيِّد مُحَمَّد بن علوى كَانَ يَقُول فى شَأْنه انه زَرُّوق زَمَانه وَكَانَ السَّيِّد عمر با حسن باعلوى يَقُول من أَرَادَ أَن ينظر الى شخص لَا يشك فى ولَايَته فَلْينْظر اليه وَكفى بذلك فخرا لَهُ وَمن شهد لَهُ خُزَيْمَة فَحسب وَقد شوهدت لَهُ كرامات وَكَانَت سَائِر أوقاته معمورة بأنواع الْعِبَادَة وانتفع بِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء الْكِبَار مِنْهُم الاستاذ الْكَبِير ابراهيم بن حسن الكورانى وَشَيخنَا الْحسن بن على العجيمى وَشَيخنَا أَحْمد بن مُحَمَّد النخلى فسح الله تَعَالَى فى أجلهما وَالسَّيِّد مُحَمَّد الشلى باعلوى وَالسَّيِّد أَحْمد بن أَبى بكر شَيْخَانِ وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن شَيخنَا عمر شَيْخَانِ وَالشَّيْخ عبد الله الطَّاهِر العباسى وَغَيرهم وَله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 مؤلفات مِنْهَا مقاليد الاسانيد ذكر فِيهِ شُيُوخه المالكيين وَأَسْمَاء رُوَاة الامام أَبى حنيفَة وفهرست البابلى وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاربعاء لست بَقينَ من رَجَب سنة ثَمَانِينَ بعد الالف وَدفن بالحجون عِنْد قبر الاستاذ الْمَشْهُور الشَّيْخ مُحَمَّد بن عراق عِيسَى بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن كنان الحنبلى الصالحى الدمشقى الخلوتى خَليفَة شَيخنَا وأستاذنا السَّيِّد مُحَمَّد بن مَحْمُود العباسى روح الله تَعَالَى روحه كَانَ من صلحاء الزَّمَان وفضلائه ورعا عابداً زاهدا فى الدُّنْيَا قانعا بِمَا قدر لَهُ سَاكِنا عَلَيْهِ سِيمَا الصّلاح ولد بصالحية دمشق وَبهَا نَشأ وَلما بلغ سبع سِنِين من عمره حفظ الْقُرْآن ثمَّ لما بلغ الْعشْر سَافر مَعَ وَالِده إِلَى مصر وَعَاد إِلَى دمشق ثمَّ سَافر اليها ثَانِيًا وَحده وَطلب الْعلم على مَشَايِخ أجلاء مِنْهُم الشَّيْخ مرعى البهوتى الغزى والنور الشبراملسى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الخلوتى وَالشَّمْس البابلى والشهاب أَحْمد الشوبرى وَالشَّيْخ سُلْطَان وَغَيرهم وَكَانَ مغرما بزيارة الاولياء وَالصَّالِحِينَ سِيمَا الامام الشافعى وَكَانَ اذا جلس يقْرَأ عِنْده بَين الْقُرَّاء يتعجبون مِنْهُ لحسن تأديته وفصاحته مَعَ كَمَال لطفه وَجَمِيل سيرته وَحكى أَنه تردد مرّة فى آيَة وَهُوَ يقْرَأ عِنْده وَسكت فَفتح عَلَيْهِ الامام الشافعى من دَاخل الْقَبْر ثمَّ رَجَعَ الى دمشق فى سنة خمس وَخمسين وَألف وَاجْتمعَ بالشيخ الولى الشَّيْخ مَنْصُور الْمحلى الصابونى وقطن عِنْده بِجَامِع الصابونية يقْرَأ الْقُرْآن استظهارا وَكَانَ الشَّيْخ مَنْصُور يُحِبهُ محبَّة كُلية وَكَانَ فى بعض الاوقات يطرقه الْحَال والشوق فَيخرج هائما على وَجهه يذور فى البرارى والقفار يدْخل بيروت وصيدا ويزور جبل لبنان وَمَعَهُ ركوة وعكازة ومرقعة وَيَأْكُل من الْحَشِيش وَيشْرب من عُيُون الارض رُبمَا كَلمه بعض الوحوش ثمَّ يعود الى زَاوِيَة الشَّيْخ مَنْصُور وَحج مرَارًا على التَّجْرِيد مَاشِيا امام الْحَاج لَا يعول على مركوب وَلَا خيمة وَلَا يطْلب من أحد شَيْئا ان حصل لَهُ شئ أكل والا طوى وَكَانَ كثيرا مَا يرى النبى وَقَالَ لَهُ مرّة مرْحَبًا مرْحَبًا بفلان باسمه وَلم يزل على هَذَا الْحَال بعد موت الشَّيْخ مَنْصُور حَتَّى وصل الى شَيخنَا الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى السَّيِّد مُحَمَّد العباسى فَأخذ عَلَيْهِ الطَّرِيق وَلم يزل عِنْده فى أَعلَى مكانة حَتَّى برع فى طَرِيق الْقَوْم وَأَشَارَ اليه بالخلافة بعده فوليها وَكَانَت تظهر لَهُ كرامات وأحوال مِنْهَا انه أخبر بِمَوْت انسان قيل مَوته بأيام فَكَانَ كَمَا قَالَ وَكَانَ لَهُ نزاهة وعفة وَاتفقَ ان رجلا أعطَاهُ مائَة قِرْش هبة وَأشْهد على ذَلِك ثمَّ بعد أَيَّام شحت نَفسه بهَا فطلبها مِنْهُ ففى الْحَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 أعطَاهُ اياها من غير توقف وَأرْسل اليه الْوَزير حُسَيْن باشا يَطْلُبهُ للاجتماع بِهِ فَلم يجب فَأرْسل اليه بِثَلَاثِينَ قرشا فَأَعْطَاهَا للذى أرسلها مَعَه وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ بركَة الْوُجُود وَكَانَت وِلَادَته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وَمَات لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لَا ربع لَيَال بَقينَ من شَوَّال سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف بالصالحية وَكَانَ أوصى أَن يدْفن لصيق شَيْخه العباسى بمقبرة الفراديس وهيأ لَهُ قبراً ثمَّة قبل مَوته بِمدَّة يسيرَة فَدفن بِهِ وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا وأسف النَّاس عَلَيْهِ كثيرا رَحمَه الله تَعَالَى عِيسَى بن مُسلم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَلِيل الصمادى الشافعى القادرى تقدم ذكر أَخِيه ابراهيم وَكَانَ الشَّيْخ فى شبيبته مَشْغُولًا باللذات وَكَانَ مُسْرِفًا فى الْمصرف ثمَّ تقلبت بِهِ الايام حَتَّى مَاتَ جسده وَأَبوهُ فولى المشيخة الصمادية بعد أَبِيه وَلما وَليهَا ترك مَا كَانَ عَلَيْهِ وأقلع عَنهُ وَقَامَ بالمشيخة أحسن قيام وَكَانَ حكام الشَّام يكرمونه حَتَّى انتدبه أَحْمد باشا الْحَافِظ للذهاب الى السردار مُرَاد باشا الى ديار بكر فى التَّخْفِيف فى النُّزُول فَذهب اليه وَقضى الامر وَسَار قبل ذَلِك الى مُرَاد باشا وَهُوَ فى حلب فى الانتقام من الامير على بن جانبولاذ مَعَ من سَار اليه من عُلَمَاء دمشق وأعيانها ثمَّ تقدم ونبل بعد موت الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين على سَائِر الصُّوفِيَّة حَتَّى انتهبته الْمنية قَالَ النَّجْم وجد بِخَط جده أَبى مُسلم أَن وِلَادَته كَانَت فى الثَّامِن وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس ذى الْحجَّة سنة احدى وَعشْرين وَألف وَدفن الى جَانب أَبِيه براويتهم الْمَعْرُوفَة دَاخل بَاب الشاغور رَحمَه الله تَعَالَى حرف الْغَيْن الْمُعْجَمَة غازى باشا ابْن شاهسوار الجركسى الاصل أحد وزراء الدولة العثمانية كَانَ من مشاهير فضلاء الوزراء مطلعا على كثير من الْمسَائِل والنكات عَارِفًا باللغات الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية حَافِظًا لكثير من أشعارها كَانَ وَالِده من الامراء واقتفى هُوَ اثره فى طَلِيعَة عمره ثمَّ صَار أَمِير الامراء بِمَدِينَة قونية وَلما ولى الْوَزير البشير الوزارة الْعُظْمَى توجه من حلب قَاصِدا بِلَاد الرّوم وَمر على قونية فاستبدعاه وَوجه اليه نَبَات الشَّام فَقدم اليها فى نَهَار الْخَمِيس خَامِس جُمَادَى الاولى سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وَكَانَ شَابًّا خَفِيف اللِّحْيَة جميل المنظر وَكَانَ مَعَ حَدَاثَة سنه ورقة طبعه معرضًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 عَمَّا يَقْتَضِيهِ الشَّبَاب من غلوائه مُقبلا على محبَّة الْعلمَاء لَا يعرف لَهُ صبوة وَرُبمَا انه مَا نظر الى وَجه أَمْرَد وَحكى عَنهُ انه طلع يَوْمًا للتنزه فى الوادى التحتانى فَالتقى مَعَ جمَاعَة من أَرْبَاب الصَّنَائِع خَرجُوا للسير فأرسلوا لَهُ قهوة مَعَ شَاب مِنْهُم خالى العذار فَلم يَتَنَاوَلهَا مِنْهُ وَأمر بعض أَتْبَاعه من الكهول بمناولتها ثمَّ صرف عَن دمشق فى ثَالِث ذى الْقعدَة سنة خمس وَسِتِّينَ وجاءته رُتْبَة الوزارة وَهُوَ مُقيم بهَا ثمَّ رَحل الى الرّوم وَولى بعد مُدَّة مُحَافظَة مصر وَورد دمشق وَهُوَ مُتَوَجّه اليها وَذَلِكَ نَهَار الاربعاء عشرى ذى الْقعدَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَاسْتمرّ بهَا حَاكما ثَلَاث سِنِين وَسيرَته فِيهَا الى الْآن مَذْكُورَة مشكورة ثمَّ عزل عَنْهَا وَأسْندَ اليه بعض أُمُور هُوَ برِئ مِنْهَا فحبس أَيَّامًا ثمَّ قتل وَدفن بالقرافة تجاه شباك الامام الشافعى رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ قَتله فى سنة احدى وَسبعين وَألف وَمن لطائفه انه كتب اليه الاستاذ مُحَمَّد بن زين العابدين البكرى وَهُوَ فى السجْن رِسَالَة فى شَأْن مَال أَخذه مِنْهُ تَعَديا فى زمن تَوليته من جُمْلَتهَا ان كَانَ الذى أَخذ منا من المَال عَاد عَلَيْكُم فَأنْتم فِي حل مِنْهُ وان كَانَ عَاد الى الْغَيْر فَلَا بَأْس بالاعلام بِهِ لنسترجعه فَكتب اليه الْجَواب بَيْتا وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَهُوَ (شربنا وأهرقنا على الارض فضلَة ... وللارض من كأس الْكِرَام نصيب) وَحكى انه لما قتل وجد فى جيبه كاغد مَكْتُوب عَلَيْهِ هَذِه الابيات وَكَانَ فى السجْن كثيرا مَا ينشدها وهى (تجنوا لى ذنوبا مَا جنتها ... يداى وَلَا أمرن وَلَا نهيت) (وَلَا وَالله مَا أضمرت غدرا ... كَمَا قد أظهروه وَلَا نَوَيْت) (وَيَوْم الْحَشْر موقفنا وتبدو ... صحيفَة مَا جنوه وَمَا جنيت) (وَيحكم بَيْننَا الْمولى بِعدْل ... فويل للخصوم اذا ادعيت) قلت وَقد تداولت النَّاس هَذِه الابيات كثيرا وخمسوها وأغلبهم يظنّ انها من نظمه وَلَيْسَ كَذَلِك فانها للامير اسامة بن منقذ ذكرهَا فى تَرْجَمته ابْن خلكان وَلها أَبْيَات أخر فى أَولهَا مثبتة فى ديوانه وَكَانَ كتبهَا لابيه جَوَابا عَن أَبْيَات كتبهَا أَبوهُ اليه وهى (وَمَا أَشْكُو تلون أهل ودى ... وَلَو أَجدت شكيتهم شَكَوْت) (مللت عتابهم ويئست مِنْهُم ... فَمَا أرجوهمو فِيمَن رَجَوْت) (اذا أدمت قوارصهم فؤادى ... كظمت على أذاهم وانطويت) (ورحت عليهمو طلق الْمحيا ... كانى مَا سَمِعت وَلَا رَأَيْت) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 تجنوا الى آخر الابيات غرس الدّين بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن غرس الدّين بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن غرس بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب ابْن عبد الفتاح بن عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحْمَن بن ابى سعيد سعد بن مَالك بن سِنَان بن ثَعْلَبَة بن عبيد بن الابجر خدرة بن عَوْف بن الْحَرْث بن الْخَزْرَج ابْن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة بن عَامر بن امْرِئ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الازد الخليلى ثمَّ المدنى الانصارى الشافعى الْمُحدث الْفَقِيه الاديب الْمَشْهُور صَاحب كتاب كشف الالتباس فِيمَا خفى على كثير من النَّاس أَلفه فى الاحاديث الْمَوْضُوعَة وَهُوَ كتاب جم الْفَائِدَة رَأَيْته ونقلت مِنْهُ أَشْيَاء من جُمْلَتهَا انه كَانَ يَأْمر الاغنياء باتخاذ الْغنم وَيَأْمُر الْفُقَرَاء باتخاذ الدَّجَاج فَقَالَ // (لَا أصل لَهُ) // وَقد سبقه الى هَذَا الْوَضع جمَاعَة مِنْهُم الزركشى والسيوطى وَألف فِيهِ النَّجْم الغزى الدمشقى كِتَابه اتقان مَا يحسن فى الاحاديث الْجَارِيَة على الالسن لَكِن تأليف صَاحب التَّرْجَمَة أسهل مأخذا من الْجَمِيع وَله من التآليف أَيْضا نظم الْكَنْز ونظم مَرَاتِب الوحود للامام عبد الْقَادِر الجيلى فى رجز فى غَايَة الرقة والانسجام وَقد تولى شَرحه الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الله البوسنوى الرومى شَارِح الفصوص الْمَار ذكره لما كَانَ بَينهمَا من الْمَوَدَّة أَخذ بالقدس عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الدجانى وَالشَّيْخ يحبى بن قاضى الصَّلْت امام الْمَسْجِد الاقصى وقارىء الْحَدث بِهِ ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة فى سنة سبع بعد الالف وَحضر بهَا دروس أَبى النجاسالم السنهورى فى البخارى والشفاء وَأخذ عَن الاستاذ زين العابدين البكرى والحافظ مُحَمَّد حجازى الْوَاعِظ وَرَأى فى مَنَامه وَهُوَ بِمصْر كَانَ النبى أعطَاهُ رغيفا فَقص الرُّؤْيَا على سيدى ابى الاسعاد يُوسُف الوفائى فَأَشَارَ اليه بالذهاب الى الرّوم فَذهب اليها اذ ذَاك وَاجْتمعَ بالوزير الاعظم بِوَاسِطَة كتاب سيدى أَبى الاسعاد وَكَانَ تقدم لَهُ ولَايَة بِمصْر وَأَظنهُ بيرام باشا فَوجه لَهُ خطابة الْمَدِينَة وَعين لَهُ مَا يَكْفِيهِ فَهَاجَرَ الى الْمَدِينَة وسكنها وَتزَوج بهَا وَصَارَ بهَا منهلا للواردين لَا سِيمَا أهالى الْقُدس والخليل وأحبه أهل الْمَدِينَة وَعظم شَأْنه فِيمَا بَينهم وَوَقع لَهُم أَمر خطير فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف احتاجوا الى عرضه للسلطنة فَأَرْسلُوهُ الى السُّلْطَان وَمَعَهُ الشَّيْخ الْفَاضِل مُحَمَّد ميرزا السروجى الدمشقى نزيل الْمَدِينَة فوصلا الى دمشق صُحْبَة الركب الشامى وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 السُّلْطَان اذ ذَاك قد رَجَعَ من فتح بَغْدَاد وَوصل الى حلب فَخَرَجَا من دمشق ووصلا اليه وتمت الامور الَّتِى أرسلا لاجلها وَاجْتمعَ صَاحب التَّرْجَمَة بوزير السُّلْطَان الْمَذْكُور مصطفى باشا وَكتب اليه قصيدة يحثه فِيهَا على ازالة العبيد الخصيان من الْمَسْجِد النبوى وَالْقَصِيدَة هَذِه (يَا مصطفى بالمصطفى العدنان ... وبآى قُرْآن عَظِيم الشان) (لَا تجعلن على الْمَدِينَة أسودا ... شَيخا على حرم النبى العدنان) (وَكَذَلِكَ الحبشان أَيْضا منهمو ... فهمو همو لَا خير فى الحبشان) (بل جَاءَ فى خبر رَوَاهُ بَعضهم ... هَا لَفظه لَا خير فى الحبشان) (قوم لَهُم طمع شَدِيد زَائِد ... لَا يشبعون من الحطام الفانى) (لَوْلَا المخافة مِنْهُم لاتاكم ... شاكون من هم وَمن أحزان) (واذا أردتم أَنكُمْ تتيقنوا ... أَحْوَالهم من غير مَا بهتان) (فلتسألوا حنفى أفندى عَنْهُم ... يُخْبِركُمْ عَن خلسة الْغرْبَان) (مَا كل مَا يدرى يُقَال وَأَنْتُم ... أدرى بطيش السَّادة الخصيان) (يستنزلون لاخذ مَا قد جَاءَ من ... صدقَات خير للْفَقِير العانى) (فَيُصِيب أهل الْفضل من صَدقَاتكُمْ ... مَا سَاءَ هم من أسْهم الحرمان) (فَانْظُر لنا شَيخا تقيا صَالحا ... مستنزها عَن ذَا الحطام الفانى) (ان لم يجز الاخصيا اسودا ... فاخصوا لنا شَيخا من البيضان) (يَا وَيحكم ان لم تراعوا حَقنا ... يَوْم الْحساب بِحَضْرَة الديَّان) (يَوْمًا تَكُونُوا مثلنَا مَا ان لكم ... فى النَّاس من أَمر وَمن سُلْطَان) (هدى نصيحة غرسكم فى رَوْضَة الهادى الى الاسلام والايمان ... ) (يَدْعُو لسلطان الورى ولمصطفى ... سيف الاله وعاضد السُّلْطَان) وَلما عَاد صَاحب التَّرْجَمَة أنزلهُ الْفَاضِل أَحْمد بن شاهين عِنْده وَأَقْبَلت عَلَيْهِ عُلَمَاء دمشق وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من أَهلهَا مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بن على المكتبى وَذكره فى ثبته وَأثْنى عَلَيْهِ قَالَ وَمِمَّا اتّفق لَهُ انه نظم لنا الشمايل فى لَيْلَة وَاحِدَة فِيمَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء وَكتب عَنهُ أناشيد وأمالى لنَفسِهِ وَلغيره فَمن ذَلِك قَوْله (انى لَا عجب مِمَّا ... صَار الزَّمَان اليه) (اذا مَا بَكَيْت لدهر ... الا بَكَيْت عَلَيْهِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 وَقَوله (اذا رَأَيْت وليا ... مغرى بحرص وبخل) (فَلَيْسَ ذَاك وليا ... للرب بل عبد جهل) وَقَوله فى العقد (لقد قَالَ النبى مقَال صدق ... يرَاهُ بالبصيرة كل رائى) (أَتَى مَعْنَاهُ منظوما بِشَطْر ... وَشطر مِنْهُ بالنظم السوَاء) (وبعدى مَا تركت هُنَاكَ فتْنَة ... أضرّ على الرِّجَال من النِّسَاء) وَكتب على كتاب من شعره (هَذَا كتاب حَقه يشترى ... بِالذَّهَب المحبوب بَين الورى) (تقدم الْعَالم اخباره ... ان أخر الْجَاهِل خلف الورى) وَكتب الى بعض تلامذته من أهالى الْقُدس وَهُوَ الشَّيْخ يُوسُف العسيلى (يَا من اليه تشوقى وتشوفى ... قلبى يحدثنى بأنك متلفى) (هَل قد عرفت باننى لَك مصطفى ... روحى فدَاك عرفت ام لم تعرف) (وَلَقَد أَقُول للائمى فى حبكم ... أيلام من يهوى الْجمال اليوسفى) (ان جئتنى مصرا فقد أسعفتنى ... يَا خيبة الْمَسْعَى اذا لم تسعف) (مَا حبنى بِالصّدقِ شخص غَيْركُمْ ... حَقًا وَكَيف يحب من لم يعرف) (أَوْفوا لما واعدتمونى سرعَة ... كرما فانى ذَلِك الْخلّ الوفى) (لَو قد وهبت مبشرى بقدومكم ... روحى وَحقّ جمالكم لم أنصف) (وَلَقَد كلفت بحب أصلكم لذا ... كلفى بكم خلق بِغَيْر تكلّف) وَله قصائد فى مدح الشريف زيد بن محسن شرِيف مَكَّة نظمها على حُرُوف المعجم من الالف الى الْيَاء كل قصيدة عشرَة أَبْيَات وقفت عَلَيْهَا وانتقيت مِنْهَا قصيدتين فَالْأولى مِنْهُمَا مطْلعهَا (خليلى ان الْحبّ بالصب عابث ... فَكيف التسلى وَهُوَ فى الْقلب لابث) (رَأَيْت ظباء قد تراءين فى الضُّحَى ... لعينى عني بالعيوب عوابث) (وَلَو كَانَ رمحا وَاحِدًا لاتقيته ... وَلكنه رمح وثان وثالث) (فَمن منقذى من وقذهن فاننى ... وقيذ فَهَل لى من وقيذيما غث) (تطلبت غطريفاً عطوفا يجيرنى ... يكون لَهُ فى الْملك قدما توارث) (فنوديت هَذَا وصف زيد بن محسن ... قمين بِهِ فَهُوَ الشجاع الشنابث) (فطرت سُرُورًا وامتطيت طمرة ... تبارى هبوب الرّيح وَالرِّيح عابث) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 فَجئْت الى الْمولى الشريف أَبى الضَّعِيف لبّى ضَعِيفا وَهُوَ فى الْملك ماكث (غَدَوْت عَلَيْهِ فاغتدوت بروحة ... ورحت وروح الْقُدس فى الروع نافث) وَالثَّانيَِة أَولهَا (وادى الاباطح بالعبير تأرجا ... أم عطر عزة فى الصَّباح توهجا) (أم أشرقت شمس الْجَلالَة ضحية ... أم وَجه عزة بالجمال تبلجا) (أم زيد الْمولى الشريف أَتَى الى الْحرم الشريف فَمن سناه أبلجا ... ) (لَا تعجبوا مِمَّا رَأَيْتُمْ انما ... نور النُّبُوَّة فى الْبُنُوَّة أبهجا) (أَو مَا علمْتُم أَن نور مُحَمَّد ... فى نسل فَاطِمَة بدا متبلجا) (فهم شموس للهدى وهم بحور للندى وهم بدور للدجا ... ) (وهم اذا كشف الغطاء رَأَيْتهمْ ... للْمُؤْمِنين بغبر مين زبرجا) (مَاذَا يَقُول المادحون وربهم ... أثنى عَلَيْهِم فى الْكتاب المرتجى) (أبقاهم الْمولى وَأبقى زيدهم ... فى ملكة كَيْمَا يؤم ويرتجى) (مُتَمَتِّعا بمقامه ومقامه ... وذمامه اذبابه مَا أرتجا) وَمن شعره قَوْله فى القهوة (دع الصَّهْبَاء واشرب صرف قشر ... مشعشعة تَدور بكف بدر) (وان شِئْت الشفا بَادر سَرِيعا ... الى حَان لَهَا قد حَان بدرى) (فَمَا الْيَاقُوت فى لون نضير ... وَمَا لون النضار ولون تبر) (دع الْفَارُوق ان رمت التداوى ... وخذها فهى للاسقام تبرى) (كَانَ حبابها المنظوم عقد ... من الْيَاقُوت يجلى فَوق نحر) (سأسعى نَحْو مروتها ألبى ... ليصفو بالصفا صدرى ونحرى) (نَدِمت ندامة الكسعى عَلَيْهَا ... لما قد فَاتَ من أَيَّام عمرى) (سأدمن شربهَا مَا دمت حَيا ... وَلَا أصغي إِلَى زيد وَعَمْرو) (وأجلو عين أغيارى وهمى ... بصافيها سحيرا قبل فجر) (فرأيى الْآن يَا من رام نصحى ... اذا شاهدتها فى الحان فَاجر) (وَلم لَا وهى مشروب العوالى ... من السادات فى بَحر وبر) (هى الراح المريح لكل روح ... وَلم تمزج وَلم تُوجد بعصر) (وكل مُخَالف فِيهَا فانى ... أسفه قَوْله من أهل عصرى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 (فَقل ان قَالَ سَاقيهَا المفدى ... جبا يَا مرْحَبًا واشكر بشكرى) (وخذها من يَدَيْهِ فى حُضُور ... مَعَ الساقى الْمليح بِغَيْر سكر) (فَلَا غول وَلَا تأثيم فِيهَا ... وَلَيْسَت مرّة بل طعم تمر) (وان غالى الْمُحب وَقَالَ شهد ... أُجِيب نعم اذا مَا كَانَ تمرى) (وَلَوْلَا مد حَتَّى للبن قبلا ... لعدت لَهُ بهجو ثمَّ هجر) (لبئس طباعه وَسَوَاد قلب ... لَهُ فَهُوَ الحرى بِكُل هجر) ونقلت من تذكرة القاضى أَحْمد بن عِيسَى المرشدى قَالَ ورد علينا فى أثْنَاء عَام خمس وَأَرْبَعين وَألف الشَّيْخ الاوحد الاكمل غرس الدّين الازهرى المقدسى الْخَطِيب والامام بالروضة المشرفة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يؤانسه أهل مَكَّة فَقَالَ معرضًا (عُلَمَاء مَكَّة جاوزوا الافلاكا ... عزا وَحقّ لَهُم لعمرى ذَا كَا) (لَوْلَا الرياسة فى رُؤْس نُفُوسهم ... كَانُوا وحقك كلهم أملاكا) وَقَالَ أَيْضا (جيران مَكَّة جيران الاله لذا ... لَا يعبأون بِمن قد غَابَ أَو حضرا) (لَوْلَا الطبيعة عاقدتهم لَكَانَ لَهُم ... اسراء روح بسر السِّرّ قد ظفرا) فَقَالَ بعض السَّادة الاشراف الْمُتَّصِل محتدهم الزاكى بالمغيرة بن عبد منَاف فَخر الشَّجَرَة الَّتِى أَصْلهَا ثَابت وفرعها فى السما أكْرم بِهِ نسبا ومنتمى على طَرِيق الْجَواب عَن المكيين (لله دَرك من أديب بارع ... بذكائه مَا يعجزا الادراكا) (أَحْسَنت اذ أتحفتنا ببدائع ... بهرت وان جَادَتْ فدون نداكا) (فجها بذا الْبَيْت الْحَرَام مذيعة ... بأريج مدح من بديع ثناكا) (وهم الحجاحج وَالَّذين سموا بِمن ... خرم السما واستخدام الاملاكا) (لَا غروان جازوا الاثير بفضلهم ... وعلوا بِحَق جواره الافلاكا) وَعَن الثانيين (يَا مفلقا لم يزل فى كل غامضة ... يبدى بهَا فلقا بِالْحَقِّ قد ظهرا) (وبحر علم تحلى من فرائده ... جيد البلاغة عقدا يفضح الدررا) (أثنيت حَقًا وَعين الْفضل شاهدة ... وَأَنت انسانها الرائى بِغَيْر مرا) (لَكِن اليك اعتذار مِنْهُم فذوو الافضال يعْذر من قد جَاءَ معتذرا ... ) (لم يتركوك لاهمال ومنقصة ... لَكِن حجبتهم فالذنب مِنْك يرى) وأجابه أَيْضا القاضى الْفَاضِل تَاج الدّين المالكى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 (جيران مَكَّة غرس الدّين أينع فى ... قُلُوبهم باسقا يهدى الْهدى ثمرا) (سقوه من أنهر الاخلاص صافيها ... فاخضل يطلع من أكمامها زهرا) (وَمن يكن روض غرس الدّين مهجته ... أسرى وفاز بسر السرحين سرا) (بِهِ قد اتحدوا اذ كَانَ بَينهم ... تواصل معنوى من أَلَسْت جرى) (فَحَيْثُ دارت كؤس الِاتِّحَاد على الارواح مَا اعْتبر والاشباح والصورا ... ) فَأجَاب الشَّيْخ غرس الدّين معتذرا (يَا شهم مَكَّة يَا تَاج الرؤس بهَا ... يَا شهم مَكَّة قد بَكت من عذرا) (يَا حبر علم يُفِيد الطالبين بهَا ... يَا بَحر فهم بِهِ نستخرج الدررا) (يَا رب حذق غَدا رب الْبَيَان لَهُ ... عبدا وَألقى عَصا التَّسْلِيم مفتقرا) (يَا ألمعيا أَضَاءَت من لوامعه ... مَشَارِق الذِّهْن بالذوق الذى بهرا) (يَا لوذعيا بلاعى يمازجه ... أعيا وأضخم كلا قَالَ أَو شعرًا) (يَا رب ظرف ولطف كسرا خطأ ... أَغْصَان غرسى على بعد وَمَا شعرًا) (هَل ترفين الذى أخلقت من حللى ... أَو تقبلن الذى يَأْتِيك معتذرا) فَأَجَابَهُ القاضى بقوله (كللت اكليل تاجى بالثنا دررا ... لما بعثت بِعقد الْمَدْح معتذرا) (مضمخا طيب شكر عرف نفحته ... كروض غرسك حيته الصِّبَا سحرًا) (غرس روى حِين روى الْفضل منبته ... للسمع نواره عَن طيبه خَبرا) (غرس من المبدأ الْفَيَّاض قد سقيت ... أعراقه فسما يهدى الْهدى ثمرا) (انى عقدت وَقد عرضت مُعْتَرضًا ... لعرض قوم ثناهم لم يزل عطرا) (هَذَا الى مَا هُوَ الاحرى بناوبه ... اذا اقتفينا طَرِيق الْقَوْم والاثرا) (فخرقة الْفقر ان لم يوف لَابسهَا ... بشرطها نَبَذته كاسيا بعرا) (عودا لبدء فمم الِاعْتِذَار وَلم ... تقر اذ قلت بَكت الذى عذرا) (وَقلت فى حق من جازى وَعرض لم ... يشْعر وأغصان غرسى مخطئا كسرا) (قد حصحص الْحق فَاعْلَم أَنما كسرت ... أَغْصَان غرس الذى أخطا وَمَا شعرًا) (أقرر بذنبك ثمَّ اطلب تجاوزهم ... عَنهُ فجحدك ذَنْب غير مَا غبرا) (قضى بِمَا جرت الاقلام مِنْك بِمَا ... جرى بِهِ الْقَلَم المحتوم حِين جرى) (يكبوا الْجواد وَمن يعثر يقل كرما ... فنسأل الله غفرانا لمن عثرا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 ونقلت أَيْضا من التَّذْكِرَة الْمَذْكُورَة قَالَ القاضى أَحْمد كَانَ الشَّيْخ غرس الدّين كتب الى مَوْلَانَا القاضى تَاج الدّين أبياتا ذكرنى فِيهَا مُجَرّد داعن الناصب والجازم بِأَن قَالَ (وَأحمد المرشدى فى ذَاك قد حضرا ... ) ثمَّ اعتذر منى فَكتبت اليه سِتَّة أَبْيَات وَأَرَدْت أكملها فأكمل عَلَيْهَا مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود سِتَّة أُخْرَى وبعثتها اليه وهى (غرسنا لغرس الدّين فى قلبنا الودا ... فَأطلع من أكمام أفواهنا الوردا) (فعطر لما أَن جنته يَد الوفا ... وَضاع فأذكى عرفه العنبر الوردا) (سقيناه من عذب التصافى زلاله ... وَمَا كدرت منا لَهُ جفوة ودا) (رعى الله من يرْعَى أَخَاهُ اذا هفا ... ويوسعه عَن أَن يُقَابله حمدا) (وَذَلِكَ غرس الدّين لَا زَالَ باسقا ... بروضة من يسقى غرائسه المبدا) (وبذكر عهدا أحكمت فى قُلُوبنَا ... أَو اخيه ايدى الود أكْرم بِهِ عهدا) (امام سما فَوق السماك بأخمص ... وجاوزه حَتَّى سما الابْن والحدا) (وناظم أشتات الْعُلُوم بنثره ... فينظمه فى جيد أهل الحجا عقدا) ... (وَكَاشف ليل الْجَهْل من صبح علمه ... بشمس فتكسوه أشعتها بردا) (أتيت بِفضل فاستحقيت شَاهدا ... لاحمد فاستوليت عَنى بن مجدا) (وأظهرت بالافضال مَا كنت مضمرا ... فَكنت بِهِ أَحْرَى وَكنت بِهِ أجدى) (وَلَا عجب سبق الْجِيَاد لانها ... معودة بِالسَّبقِ ان كلفت شدا) فأجابهما بقوله (أَقُول وَقد غلبت خير كَمَا جدا ... وَقَاعِدَة التغليب مَعْرُوفَة جدا) (حمدت الهى أَن غرست لنا الودا ... أيا أَحْمد السامى سماك السما حمدا) (فأينع غرسى بَعْدَمَا كَانَ ذاويا ... وأطلع عَن أكمامه الزهر والوردا) (وان دَامَت السقيا لَهُ من وصالكم ... سيثمر فى روض الرَّسُول لكم ودا) (هَنِيئًا لغرس صَار أَحْمد ساقيا ... لَهُ من عُيُون الود كأس الصَّفَا وردا) (فظل يُرَاعى عَهده فى مغيبه ... ويبنى لَهُ فى بَيت مدحته عقدا) (وَذكره عهدا أَو اخيه أحكمت ... يَد الود فى أَرْوَاحنَا العقد والشدا) (وعذرا لانى قادم وتراهم ... يَقُولُونَ فى الامثال وَالْحق لَا يعدى) (لكل غَرِيب قادم دهشة اللقا ... بهَا يدأ الحذاق عَن رَبهَا الحدا) (وهبنا تجاوزنا الْحُدُود ألستم ... تقيلون من أخطا وَمن قد جنى عمدا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 (اذا لم تَكُونُوا هَكَذَا فتخلقوا ... بأخلاق مولى يملك الغى والرشدا) (لعمرى لَو كنت البليغ خطابة ... وأخطبت من قس الايادى من عدا) (ورمت بِأَن أحصى فَضَائِل أَحْمد ... لما استوعبت نفسى فضائله عدا) (هُوَ ابْن الرَّسُول الْمُصْطَفى وذوى الصَّفَا ... بنى حسن الْحسنى الَّذين سموا مجدا) (مُلُوك مُلُوك الارض رق ولائهم ... وحبهم أنجى وبغضهم أردى) (لَهُم حُرْمَة يعنوا لَهَا كل مُسلم ... بهَا أخذا الْمولى علينا لَهُم عهدا) (فَللَّه آدَاب بِغَيْر تطبع ... وَلَكِن من سر الرَّسُول بهَا مدا) (وأد بنى ربى لَهُ مِنْهُ قسْمَة ... بِفَرْض وبالعصيب من ارثه مدا) (وَللَّه شعر جَاوز الشّعْر رقة ... وَجَاوَزَ للشعرى العبور بِمَا أبدى) (وَلَا عجب من ذَاك عندى وربه ... بعزته قد جَاوز الاين والحدا) (وناظم عقد المكرمات بكفه ... وينثره جودا فيحيى بِهِ فقدا) (وَكَاشف ليل الكرب عَن عرش عزمه ... بعزم كَانَ الْكَوْن من أيده مدا) (وَقد كَانَ مِنْك الْفضل قدما مقدما ... بسابقة تستوجب السعى والعودا) (فأظهرت بالابيات مَا كَانَ مدغما ... ويممت بالاخفاء بَيْتا حوى عودا) (فشمت بِهِ تاجا على الرَّأْس مشرقا ... فعانقته حبا وهمت بِهِ وجدا) (وداخلنى مِنْهُ حَيَاء ودهشة ... لما كَانَ من وهم فأورثنا حقدا) (وقابلته بالرحب والبشر فرحة ... وَلم نر مِنْهُ حِين حَان اللقا صدا) (وَلَا عجب سبق الْجِيَاد فانها ... معودة بِالسَّبقِ مَا كلفت شدا) (وَلست بحمصى كَمَا قَالَ باهت ... وَلَكِن خليلى تميمى استهدى) (وجدى من الْآبَاء فِيمَا روى أَبُو ... سعيد هُوَ الخدرى وَأكْرم بِهِ جدا) (وَذَاكَ من الانصار أنصار جدكم ... رَسُول بِهِ نلنا علا الْجد والجدا) (عَلَيْهِ صَلَاة الله ثمَّ سَلَامه ... وَآل وَصَحب والمحب لَهُم جدا) (أجدك هَذَا الْقدح فِيمَن يحبكم ... ويحمدكم مدحا ويمدحكم حمدا) (وَمَا أصلتت كَفاك يَا مُطلقًا على الاعادى سَيْفا باترا مَاضِيا حدا ... ) (فحسبى علم الله وَالله عدتى ... وَذمَّة خير الرُّسُل تكفى من استعدى) وَقد ذكره الفيومى فى المنتزه والدى رَحمَه الله تَعَالَى فى تَارِيخه بِالْجُمْلَةِ ففضائله وآثاره كَثِيرَة معجبة وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَخمسين والف وَدفن الى جَانب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 الخيارى والى جانبهما الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى الْمحلى نزيل دمشق غياث السَّيِّد الشريف الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو الْغَيْث الشجرى الْيُمْنَى نزيل مَكَّة كَانَ من خير خلق الله عز وَجل وَله فى الْكَشْف وَالْولَايَة قدم راسخة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعتقادا زَائِد ذكره النَّجْم الغزى فى الذيل وَقَالَ فى تَرْجَمته رَأَيْته بِمَكَّة وَوجدت مِنْهُ كشفا عَظِيما وَكَانَ يحب الطّيب وَيحيى بِهِ زوار فَكَانَ يتَصَرَّف فى سلاطين مَكَّة وَيَأْخُذ مِنْهُم مَا شَاءَ ثمَّ يصل بِمَا أَخذه الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَكَانَ تَارَة يلبس لِبَاس الْمُلُوك وَتارَة يَنْزعهُ ويبيعه ويطعمه للْفُقَرَاء ويلبس لِبَاس الْفُقَرَاء وَكَانَت تِجَارَة الْيمن وَغَيرهم يستغيثون بِهِ فى شَدَائِد الْبَحْر ومضايق الْبر فيجدون بركَة الاستغاثة بِهِ وينذرون لَهُ أَشْيَاء يرسلون بهَا اليه اذا تمّ غرضهم وَكَانَ يعْمل الموالد بِالْحرم أَيَّام الْمَوْسِم وَغَيرهَا على طَريقَة اليمنيين ويلحن الحانهم بِنَفسِهِ وَكَانَ لَهُ رياضة واجتهاد فى الْعِبَادَة وَكَانَت آثَار الصّلاح فِيهِ ظَاهِرَة وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فى الْمحرم سنة أَربع عشرَة بعد الالف وَدفن بِالشعبِ الا علا من بَاب المعلاة بِالْقربِ من ضريح أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة الْكُبْرَى رضى الله تَعَالَى عَنْهَا حرف الْفَاء فَايِد المصرى الولى الصَّالح العابد تقدم طرف من خَيره فى تَرْجَمَة الامام خير الدّين الرملى وَكَانَت اقامته بِبَاب جَامع الازهر وَكَانَت كبار الْعلمَاء تعتقده وتحترمه واذا جَاءَهُ أحد مِنْهُم يقف بَين يَدَيْهِ فان أَشَارَ اليه بِالْجُلُوسِ جلس والا وقف الى أَن يَقُول لَهُ انْصَرف أَو ينْصَرف هُوَ من ذَاته وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت الوزراء بِمصْر يأْتونَ لتقبيل يَده والتبرك بِهِ فَلَا يلْتَفت اليهم وَحكى الْخَيْر الرملى انه كَانَ يَوْمًا جَالِسا عِنْده فَجَاءَهُ الْوَزير قَالَ فَأَرَدْت الْقيام فمنعنى وَقَالَ اجْلِسْ فَجَلَست عِنْده الى أَن ذهب الْوَزير وَكَانَ مواخيا للنور الزيادى وَكَانَ كل مِنْهُمَا يعْتَقد الآخر وَكَانَت وَفَاة الشَّيْخ فَايِد فى حُدُود سنة سِتّ عشرَة بعد الالف فتح الله بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن الحلبى الْعُمْرَى الانصارى الْمَعْرُوف بالبيلونى الشافعى الْفَقِيه الاديب الْمَشْهُور كَانَ أوحد أهل عصره فى فنون الادب وعلو الْمنزلَة وشهرته تغنى عَن الاكثار فى تَعْرِيفه أخد عَن وَالِده الْبَدْر مَحْمُود الآتى ذكره وسافر عَن حلب الى الرّوم صُحْبَة الْوَزير نصوح وَكَانَ صَار معلما لَهُ فَحصل على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 جاه عريض ثمَّ انحط عِنْده فولى افتاء الشَّافِعِيَّة بالقدس وَهُوَ من المكثرين فى الرحلة دخل بلادا كَثِيرَة مِنْهَا مَكَّة وَالْمَدينَة والقدس ودمشق وطرابلس وبلاد الرّوم وَألف تآليف فائقة مِنْهَا حَاشِيَة على تَفْسِير البيضاوى وَالْفَتْح المسوى شرح عقيدة الشَّيْخ علوان الحموى وَله الْكتاب الذى سَمَّاهُ خُلَاصَة مَا يعول عَلَيْهِ الساعون فى أدوية دفع الوبا والطاعون وَهُوَ مَشْهُور وَله مجاميع اشْتَمَلت على تعاليق غَرِيبَة وَأخذ عَنهُ خلق كثير وَله شعر كثير مِنْهُ مَا قرأته فى الْجَوَاهِر الثمينة للسَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بكبريت المدنى قَالَ أنشدنى اجازة لنَفسِهِ بحلب الشَّيْخ فتح الله البيلونى قَوْله (السبت والاثنين والاربعا ... تجنب المرضى بهَا أَن تزار) (بِطيبَة يعرف هَذَا فَلَا ... تغفل فان الْعرف عالى الْمنَار) قلت هَذَا عرف مَشْهُور لَكِن ورد فى السّنة مَا يرد السبت مِنْهُ فقد روى أَن النبى كَانَ يفقد أهل قبا يَوْم الْجُمُعَة فَيسْأَل عَن الْمَفْقُود فَيُقَال لَهُ انه مَرِيض فَيذْهب يَوْم السبت لزيارته وَمن كَلَام صَاحب التَّرْجَمَة فى صدر تأليف لَهُ وَلما كَانَت الْهَدَايَا تزرع الْحبّ وتضاعفه وتعضد الشُّكْر وتساعفه أَحْبَبْت أَن أهْدى اليه هَدِيَّة فائقة تكون فى سوق فضائله نافقه فَلم أجد الا الْعلم الذى شغفه حبا وَالْحكم الَّتِى لم يزل بهَا صبا والادب الذى اتَّخذهُ كسبا وَرَأَيْت فاذا التصانيف فى كل فن لَا تحصى والامالى من سطور الْعلمَاء وطروس الحكما أوسع دَائِرَة من أَن تستقصى الا أَن التأنق فى التحبير من قبيل ابراز الْحَقَائِق فى الصُّور وَمن هُنَا قيل لكل جَدِيد لَذَّة وَلَا خلاف فى ذَلِك عِنْد أهل النّظر وَذكر السَّيِّد مُحَمَّد كبريت الْمَذْكُور آنِفا فى كِتَابه نصر من الله وَفتح قريب انه أخبرهُ انه قَالَ لَهُ عَمه أَبُو الثَّنَاء مُحَمَّد بن مَحْمُود البيلونى لَا تباحث من هُوَ أَعلَى مِنْك مرتبَة لانه رُبمَا انجر الْكَلَام الى مسئلة مَعْلُومَة عنْدك لم يطلع عَلَيْهَا الشَّيْخ فيحمر وَجهه ثمَّ لَا تكَاد تفلح ان رَأَيْت فى نَفسك شَيْئا لذَلِك وَلَا من هُوَ مثلك فانه لَا يسلم لَك كَمَا انك لَا تسلم لَهُ فَيفْسد عَلَيْك عقلك وتفسد عَلَيْهِ عقله والمعاصر لَا يناصر وَعَلَيْك بِمن هُوَ دُونك فانه يَسْتَفِيد مِنْك بِغَيْر انكار وتستفيد أَنْت بافادته فقد روى عَن أَبى حنيفَة من أحب أَن يظْهر الخطا فى وَجه مباحثه فقد أَخطَأ هُوَ لرضاه بالخطا وانما يعرف حَال أهل الْعلم من جال فى ميدانهم بِنور الانصاف كَانَ السَّيِّد تلميذا لسعد يَسْتَفِيد مِنْهُ كل يَوْم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 أَربع مسَائِل ويفيده ثَمَانِيَة مسَائِل وَكَانَ عمره عشْرين سنة وَعمر شَيْخه ثَمَانِينَ فَقيل لَهُ فى ذَلِك فَقَالَ أما الاربع فأضمها الى الثَّمَانِية فَتكون اثنى عشر وَأما الثَّمَانِية الَّتِى أفيدها فَعدم افادتها لَا يزِيد فِيمَا لَدَى وَمَا أحسن قَول من قَالَ (أفدا الْعلم وَلَا تبخل بِهِ ... والى علمك علما فاستزد) (من يفده يجزه الله بِهِ ... وسيغنى الله عَمَّن لم يفد) وَقَالَ ابْن المعتز (لَا تمنعن الْعلم طَالبه ... فسواك أَيْضا عِنْده خبر) (كم من رياض لَا أنيس بهَا ... هجرت لَان طريقها وعر) وَقد وقفت على أَرْبَعَة كراريس جمعهَا ابْن أَخِيه مُحَمَّد بن فضل الله من نتفه الَّتِى لم تصل الى حد القصيدة وغالبها فى النصائح وَالْحكم والاستغاثة فَمن ذَلِك قَوْله (يَقُولُونَ دَار الْخصم تظفر بوده ... فَذَلِك درياق من الغل فى الْقلب) (فَمَا ازْدَادَ مذ داريته غير جفوة ... لَان قديم الدَّاء مستصعب الطِّبّ) وَقَوله (بِبَاب الله لذفى كل قصد ... وغض الطّرف عَن نفع الصحاب) (فماء الارض لَا يرْوى ثراها ... اذا لم ترو من مَاء السَّحَاب) وَقَوله وينسبان لفتح الله بن النّحاس وَالصَّوَاب انهما لفتح الله هَذَا (يَقُولُونَ وَافق أَو فَنَافَقَ مرافقا ... على مثل ذَا فى الْعَصْر كل لقد درج) (فَقلت وَأمر ثَالِث وَهُوَ قَول أَو ... فَفَارَقَ وَهَذَا الامر أدفَع للْحَرج) وَقَالَ مضمنا (لَا تجزعن لحادث ... وبصدق عزمك فانفذ) (فالصبر أمنع جنَّة ... وَالله أعظم منقذ) (فالجأ لعز جنابه ... وَمن الهموم تعوذ) (واصرف تصاريف الامور الى ورائك وانبذ ... ) (ان الْمُقدر كَائِن ... وَلَك الامان من الذى) وَمِمَّا قَالَه عَاقد الما روى عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا (وَقَالَ ابْن عَبَّاس ثَلَاث جَزَاء من ... حبانى بهَا لَا يُسْتَطَاع فيحصر) (سَماع لتحدثى وقصدى لحَاجَة ... وتوسيعه لى مَجْلِسا حِين أحضر) وَلَقَد أَجَاد فى قَوْله (الْمَرْء مَا دَامَ فى عز وفى جدة ... فَكل خل لَهُ بِالصّدقِ متصف) (لَا عرف الله عبدا صدق صَاحبه ... فانه بانكشاف الْحَال ينْكَشف) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وَقَوله (هَذَا مِثَال جرى فافطن لباطنه ... فعارف الْوَقْت من للْوَقْت قد عرفا) (اذا ابْتليت بسُلْطَان يرى حسنا ... عبَادَة الْعجل قدم نَحوه العلفا) وَقَوله (توق من الْعَدَاوَة للادانى ... فَكيف بِمن اذا مَا شَاءَ كادك) (تبيت لرفعة تبغى وُجُوهًا ... وَلَا تدرى بِمَاذَا قد أرادك) وأصابه رمد وَهُوَ بِالْقَاهِرَةِ فَكتب لبَعض أحبابه (أَيهَا الشهم قد ملكت فؤادى ... بوداد مَا شيب قطّ بمينك) (ان عينى شكت لبعدك عَنْهَا ... لَا أَرَاك الا لَهُ سوأ بِعَيْنِك) وَمن مجونه المستملح (لَا أرتضى المرد وَلَا أبتغى ... الا لقا الحسنا لسر بطن) (فَقل لمن نَافق فى حبها ... ان من الايمان حب الوطن) وَمِمَّا يستجاد لَهُ قَوْله فى الْعُيُون ويعبر عَنْهَا بالنظارة الَّتِى تستعملها النَّاس لتقوية الْبَصَر (رب صديق عَابَ نظارة ... يقوى بهَا النَّاظر من ضعفه) (وَعَن قَلِيل صَار فى أسرها ... يحملهَا رغما على أَنفه) وَقَالَ متوسلا قبل دُخُول مَكَّة فى ذى الْحجَّة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف (أبقنا مِنْك بالعصيان جهلا ... وَأَنت دَعوتنَا حلما وَمنا) (فقابل بِالرِّضَا يَا رب واغفر ... بمحض الْفضل مَا قد كَانَ منا) وَهَذَا مَا وَقع اختيارى عَلَيْهِ من أشعاره وفيهَا كِفَايَة وَكَانَت وِلَادَته فى شهر رَمَضَان سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف بحلب وَدفن بزاوية آبَائِهِ والبيلونى بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ مثناة تحيته وَلَام وواو وَنون نِسْبَة للبيلون وَهُوَ نوع من الطين يسْتَعْمل فى الْحمام وَأهل مصر تسميه طفْلا قَالَ الخفاجى وَكِلَاهُمَا لُغَة عامية لَا أعرف أَصْلهَا كَذَا ذكر وفى الصِّحَاح الطِّفْل بِالْفَتْح الناعم يُقَال جَارِيَة طفلة أى ناعمة انْتهى وَلَعَلَّه سمى بِهِ هَذَا النَّوْع من الطين لنعومته لانه كالصابون تغسل بِهِ الابدان سِيمَا فى الْحمام فتح الله الْمَعْرُوف بِابْن النّحاس الحلبى الشَّاعِر الْمَشْهُور فَرد وقته فى رقة النّظم والنثر وانسجام الالفاظ لم يكن أحد يوازيه فى أسلوبه أَو يوازنه فى مقاصده وَكثير من أدباء الْعَصْر يناضل فى المفاضلة بَينه وَبَين الامير منجك ويدعى أرجحيته مُطلقًا وعندى ان أرجحيته انما هى من جِهَة حسن تراكيبه وحلاوة تعبيراته وَأما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 ارجحية الامير فَمن جِهَة مَعَانِيه المبتكرة أَو المفرغة فى قالب الاجادة وَنحن لم نطلع لفتح الله على معنى يشبه قَول الامير من الرباعيات (مَا مر تذكر الْكرَى فى بالى ... الا دَفعته رَاحَة البلبال) (أشفقت من الجفون لمسا يُؤْذى ... أَقْدَام خيالك الْعَزِيز الغالى) وَلَا قَوْله (لَو لم يكن راعها فكر تصورها ... من واله وثنتها مقلة الامل) (مَا قابلت نصف بدر بِابْن ليلته ... وَأَلْقَتْ الزهر فَوق الشَّمْس من خجل) فهذان مِمَّا لَا قدرَة لمثل الْفَتْح على طرق بابهما وَبِالْجُمْلَةِ فهما شَاعِر الزَّمَان ولعمرى ان زَمَانا جاد بهما السنحى جدا وَكَانَ فتح الله فى حداثته من أحسن النَّاس منْظرًا وأبهاهم صباحة ورشاقة وَكَانَ أَبنَاء الغرام يَوْمئِذٍ يفدونه وَهُوَ يعرض عَنْهُم ويجافيهم حَتَّى تبدلت محاسنه فعطف عَلَيْهِم يستمد ودادهم وَكَانَت النُّفُوس قد أنفت مِنْهُ فرمته فى زَاوِيَة الهجران وفى ذَلِك يَقُول وَقد رأى اعراضا من صديق لَهُ كَانَ يألفه (انى أَنا الْفَتْح سَمِعْتُمْ بِهِ ... مَا همه حَرْب وَلَا صلح) (من عدلى ذَنبا قلانى بِهِ ... فانما ذنبى لَهُ النصح) (قُولُوا لَهُ يغلق أبوابه ... فانما حاربه الْفَتْح) ثمَّ اندرج فى مقولة الكيف وتزيا بزى الزهاد وَاتخذ من الشّعْر صدارة حدادا على وَفَاة حسنه ووفاة جماله وَمَا زَالَ يرثى أَيَّام حسنه وينعى مَا يتعاطاه من الكيف وَله فى ذَلِك محَاسِن ونوادر مِنْهَا قَوْله فى قصيدته الَّتِى أَولهَا (من يدْخل الافيون بَيت لهاته ... فليلق بَين يَدَيْهِ نقد حَيَاته) (لَو يابثين رَأَيْت صبك قبل مَا الافيون أنحله وَحل بِذَاتِهِ) (فى مثل عمر الْبَدْر يرتع فى رياض الزهر مثل الظبى فى لفتاته ... ) (من فَوق خُذ الدَّهْر يسحب ذيله ... مناه أَنى شَاءَ وَهُوَ مواته) (وتراه ان عَبث النسيم بقده ... ينْقد سرُور الرَّوْض فى حركاته) (واذا مَشى تيها على عشاقه ... تتفطر الْآجَال من خطراته) (يرنو فيفعل مَا يَشَاء كَأَنَّمَا ... ملك الْمنية صَار من لحظاته) (لرأيت شخص الْحسن فى مرآته ... وَدفعت بدر التم عَن عتبانه) وَقَالَ من قصيدة أُخْرَى (يَا هَذِه ان أَنْت لم تدر الْهوى ... لَا تجحديه فللهوى استحكام) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 (وَأَبِيك كنت أحد مِنْك نواظرا ... وَبِكُل قلب من جفاى كَلَام) (وَالسحر الا فى لسانى منطق ... وَالْحسن الا فى يدى ختام) (لدن الْقَوْم مصونة أعطافه ... عَن أَن تمد يدا لَهَا الاوهام) (متمنعا لَا الْوَعْد يدنى وَصله ... يَوْمًا وَلَا لخياله المام) (حَتَّى خلفت السقم فِيهِ بنظرة ... وَلَقَد يلاقى ظلمه الظلام) (وتنوعت أدواؤه فبطرفه ... شكل الرَّقِيب وفى الصماخ ملام) (ألف التجنب فى هَوَاك فقربه ... للنَّاس بعْدك خطْوَة وَسَلام) ثمَّ مل الاقامة بَين عشيرته فَخرج من حلب وَطَاف الْبِلَاد وَكَانَ كثير التنقل لَا يسْتَقرّ بمَكَان الا جدد لآخر عزما وفى ذَلِك يَقُول وَقد أحسن كلا الاحسان (أَنا التارك الاوطان والنازح الذى ... تتبع ركب الْعِشْق فى زى قائف) (وَمَا زلت أطوى نفنفا بعد نفنف ... كأنى مَخْلُوق لطى النفانف) (فَلَا تعذلونى ان رَأَيْتُمْ كتابتى ... بِكُل مَكَان حلّه كل طائف) (لَعَلَّ الذى باينت عيشى لبينه ... وأفنيت فِيهِ تالدى ثمَّ طارفى) (تكلفه الايام أَرضًا حللتها ... أَلا انما الايام طرق التكالف) (فيملى عَلَيْهِ الدَّهْر مَا قد كتبته ... فيعطف نحوى غُصْن تِلْكَ المعاطف) وَدخل دمشق مَرَّات وَأقَام بهَا مُدَّة وَاتفقَ عِنْد دُخُوله الاول جمَاعَة من الادباء المجيدين وَكَانَ لَهُم مجَالِس تجرى بَينهم فِيهَا مفاكهات ومحاورات يروق سماعهَا فاختلوا بِهِ وَعمِلُوا لَهُ دعوات وَكَانُوا يَجْتَمعُونَ على أرغد عَيْش وَجَرت لَهُم محافل سطرت عَنْهُم وَلَوْلَا خوف التَّطْوِيل لذكرت بَعْضهَا ثمَّ سَافر الى الْقَاهِرَة وَهَاجَر الى الْحَرَمَيْنِ وَاسْتقر آخر بِالْمَدِينَةِ وَله فى مطافه القصائد والرسائل الرائقة يمدح بهَا أَعْيَان عصره وَمن أرقها قَوْله يُعَاتب (غرست لكم فى الْمَدْح مَا اخضر عوده ... وَأَلْقَتْ اليه الزهر عقدا من الزهر) (وَصَارَت عُيُون المنصفين قلائدا ... عَلَيْهِ وَعين الحقد تنظر عَن شزر) (وَقلت ستندى بالثمار أناملى ... فَمَا كَانَ الا أَن قبضت على جمر) (وعدت كَمَا عَاد المسئ مذمما ... أغص بشكرى وَهُوَ يحْسب من وزرى) (وَمَا سَاءَ حظا كالذى اجتلب الْهوى ... وأسلمه مَحْض الوداد الى الهجر) وَمن نثرها عهدى بالشيخ جبلا آوى اليه وَحمى أحوم حوله وعمادا اعْتمد بعد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 عَلَيْهِ فَمَا بَال الْجَبَل لم يؤو والحمى لم يحم والعماد لم يحو وَمَا باله فى مسراته وَأَنا فى ليل الهموم أتوقع تنفس صبحها وأبتهل الى الله تَعَالَى فى طُلُوع شمسها فَعِنْدَ مَا حلت أكف الابتهال عرى الدجى ولاح من تنفس صبح الْوِصَال أشعة الشَّمْس المنى حَال بَين طرفى وسناها قذاة الْعين وأصبحت مصاباً بِعَين أعوذ بِاللَّه من أَن يلهى الشَّيْخ بزخرف المتمشدق أَو تستميله أقاويل المتملق والزخرف عتبَة التلاشى والتمشدق بَاب الهول والاقاويل مَطِيَّة الْكَذِب والدخيل قذال يَد الرَّد والتملق مزراب النِّفَاق ولى فى محبته الود الثَّابِت وَالْقلب الصابر وَاللِّسَان الرطب والفم الشاكر وَله منى الوداد الْمَحْض والقصائد الغر ولى مِنْهُ أنة المتوجع ولوعة الْمُصَاب وحرقة المهجور وخشية المرتاب وَمَا أرَاهُ من اقتفائه اثر المتلبس عَلَيْهِم الامر فى كسر زجاجة ودادى من زيد وَعَمْرو وَلَا غرو قد يدمي الجبين اكليله وتهجر الحسام قيونه وَكَثِيرًا مَا يضل المدلج دَلِيله وتخطى المؤمل ظنونه وَكَانَ مَعَ ظُهُوره بزى الْفُقَرَاء من الدراويش كثير الانفة زَائِد الْكِبْرِيَاء وَالْعجب وَمن هُنَا حرم لذات المعاشرة واستعرض أكدار المذمة وَهَذَا عندى من الْحمق الْعَظِيم مَعَ انه يُنَافِيهِ جودة تخيله فى الشّعْر وَقد يُقَال ان الشّعْر موهبة لَا يتَوَقَّف أمره على وجود الصِّفَات الْكَامِلَة بأسرها وَأما أَمر التَّنَاقُض فى الاحوال فكثير من يبتلى بهَا وهى وصمة لاراد لِلطَّعْنِ فِيهَا بِحَال وَمِمَّا يحسن ايراده فى هَذَا الشان مَا يرْوى عَن الاسكندر انه رأى رجلا عَلَيْهِ ثِيَاب حَسَنَة وَهُوَ يتَكَلَّم بِكَلَام وضيع قَبِيح فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا اما ان تَتَكَلَّم بِمثل قدر ثبابك أَو تلبس ثيابًا على قدر كلامك وَقَوْلهمْ نَحن تشاكل بعضك أَصله أَن سكرانا مر وَهُوَ يهلل فَقيل لَهُ ذَلِك انْتهى واشعار فتح الله كَثِيرَة مطبوعة مرغوبة فَمن جيدها قصيدته للامية الَّتِى مطْلعهَا (غير وَفَاء الحسان يحْتَمل ... وفى سوى الصَّبْر يحسن الامل) (فَخَل مَا الْقلب فِيهِ مطرب ... لبعده والمزاج منفعل) (وعد عَن نظرة رميت بهَا ... فَغير جرح اللحاظ يندمل) (سَمِعت بالوصل ثمَّ هَمت بِهِ ... أكل صب قبل الْهوى غفل) (دَنَوْت من منهل على ظمأ ... ودونه الْبيض دونهَا الاسل) (فَمن زلال الْوِصَال خُذ بَدَلا ... فَمَا لمثلى اذا قضى بدل) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 (هم الظباء الَّذين ان بعدوا ... قتلت شوقا وان دنوا قتلوا) (السالبون الْبَقَاء ان رحموا ... السافكون الدِّمَاء ان عدلوا) (لَا هون لَا يستخفهم حزن ... عَلَيْك مستحسنون مَا فعلوا) (وَلَا لقتلى لحاظهم عدد ... وَلَا لاطراف بيضها فلل) (هم حرمونا الخدود نلثمها ... وكل وَقت يَمَسهَا الخجل) (وحرموا الْعَطف قسوة وهم الغصون والغصن شَأْنه الْميل ... ) (أولُوا الثنايا البرود سلسلها ... والمقل المنتمى لَهَا النجل) (من فرق السحر فيهم اجْتمعت ... أَسمَاء مِنْهَا الرضاب والكحل) (من جعلُوا الْورْد يستظل بِهِ الطّلع وَأَعلاهُ نرجس خضل ... ) (هى الامانى المبيد موردها ... وَرب ورد من دونهَا الاجل) (ولى فؤاد أطَاع ناظره ... كِلَاهُمَا بالمشيب مشتعل) (فالطرف فِيمَا عناه مُتَّهم ... وَذَا بِمَا لَا يعنيه مشتغل) (وذبت عشقا لم أدر أم سقما ... بل فى مَا أعظمى لَهُ سبل) (لكل عُضْو اذا وضعت يدى ... يصدها من صبابتى شعل) (أود آها وَلَيْسَ تنفعنى ... وكتمها فَوق علتى علل) (لَا الرشد عندى وَلَا الْفُؤَاد وَلَا الْعقل وَلَا الصَّبْر لى وَلَا الْحول ... ) (أَنا الذى فى الانام حيره الْحبّ فَمَا الاهتداء مَا الْحِيَل ... ) (فَمن لطرفى أَو من لقلبى فى الْحبّ وَذَا هائم وَذَا ثمل ... ) (خلقت صبا كَأَنَّمَا خلقت ... لَهُ الْعُيُون الفواتك النَّحْل) (يودع أحشاه من كنائنها ... ودائعا مَا اهْتَدَى لَهَا ثقل) (كمكرمات الاستاذ تودعه الْجُود وَلَا يهتدى لَهَا الْبُخْل ... ) وهى قصيدة طَوِيلَة وفى هَذَا الْقدر مِنْهَا كِفَايَة وأرق مِنْهَا وأشهى قصيدته الدالية الَّتِى مدح بهَا ابا الاسعاد الوفائى وأخاه ومطلعها (قد نفدت ذخائر الْفُؤَاد ... فكم أر بى الدمع للسهاد) (فؤاد من يحب مثل دمعه ... ودمعة وظنة النَّفاذ) (اذا هدا اللَّيْل فطفل مقلتى ... يبيت بالنزيف غير هادى) (وَمن بَكَى من النَّوَى فقد رأى ... بِعَيْنِه تقطع الاكباد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 (تمايلوا على الْجمال مَيْلَة ... فعلموها مشْيَة التهادى) (وَمَا سَمِعت بالغصون قبلهم ... مشت بهَا أكثبة البوادى) (فان تَجِد يدى على ترائبى ... فَلَا تقل لغيبة الْفُؤَاد) (وانما رفعتها لانها ... كَانَت لَهُم حمائل الاجياد) (حمر الخدود ان تغب فشكلها ... بناظرى دَاخل السوَاد) (لاجل ذَا الدمع جرى بشوقها ... فنظم الْيَاقُوت فى نجادى) (لَا وأبى وَمن يقل لاوابى ... فقد تلى ألية الامجاد) (مَا عثر الغمض بذيل ناظرى ... وَلَا انْثَنَتْ لطيفهم وسادى) (وهب رشاش مقلتى حبائلا ... فَأَيْنَ مِنْهَا زلق الرقاد) (آه وآه ان تكن ملْء فمى ... فانها مضمضة الصوادى) (قد نفض السّمع كَلَام غَيرهم ... كَمَا نفضت الصَّبْر من مزادى) (أعاذ لى فللهوى غواية ... بِعْت بهَا كَمَا ترى رشادى) (ولعت بى وشعلتى كمينة ... بقادح يعبث فى زنادى) (دع الْهوى يعبث بى وان تشا ... فعدنى من عذبات وَاد) (مَا لحق اللوم غُبَار عاشق ... حدابه من النسيب حاد) (أما ترى الاقاح حول لمتى ... حكى ابتسام الْبَرْق فى البوادى) (بشرنى طلوعه بِأَن لى ... صبح وصال لدجى بعادى) (وَلم أقل مناصل تجردت ... وأركزت بِجَانِب الاغماد) (كَانَ شيب الشعرات ألسن ... على ضيَاع ورنقى تنادى) (لبست مَا أضاعنى فأسوتى ... كأسوة الْجَمْرَة فى الرماد) (وحاك فى الرَّأْس ضياه خيمة ... ذَات طنا بَين الى الافواد) (كَأَنَّهَا عِمَامَة لبستها ... من يَد مولاى أَبى الاسعاد) (مُجَرّد الْعَزْم فرنده التقى ... وغمده تَبَسم الاجياد) (مَا عَرك الجدب أَدِيم أرضه ... وَمن يَدَيْهِ فَوْقهَا غواد) (أما وَلَو بِبَابِهِ احتمى الدجا ... لما اختشى خطب صباح عَاد) (أَو دخل النَّهَار تَحت ذيله ... مَا زحف اللَّيْل على الْعباد) (لَقيته وَمن رأى بنى الوفا ... فقد رأى أَهله الاعياد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 (الضار بَين رفرفا على العلى ... الواضحين غرر الرشاد) (هم البحور ان حبوا أَو احتبوا ... قلت الحبى دارت على أطواد) (تميزوا فى الاولياء مثل مَا ... تميز الْمُلُوك فى الاجناد) (هم الَّذين فرعوا خَصَائِص الْمُلُوك من خصَاصَة الزهاد) (قد نقد الْمجد لَهُم صفاتهم ... نقد فتاة الْحسن للجياد) (وَقد رَأَيْت فرقدى بنى الوفا ... كِلَاهُمَا لمن يضل هاد) (كِلَاهُمَا منبع فضل وَهدى ... يكرع فِيهِ حَاضر وباد) (فيا مفيض البركات ذكره ... ان نفدت راحلتى وزادى) (أرسلنى الْحبّ اليك قَاصِدا ... وأرتجى كَرَامَة القصاد) (وفى يدى من المديح تحفة ... قَليلَة لمثلهَا الايادى) (وباثنتين مِنْك ان أجزتنى ... غنيت عَن جوائز الانشاد) ( ... بنظرة جالبة الوداد ... ودعوة قامعة الْفساد) (آه وَيَا رب عَسى عناية ... وتستقال عَثْرَة الْجواد) (وتستقر مقلتى بِمَائِهَا ... وَاكْتفى من الورى جهادى) (كم أزرع الشُّكْر وَمَا لزرعه ... اذا أَتَى الا بَان من حصاد) (وأتبع الْهوى بِكُل غادر ... لَيْسَ هَوَاهُ فى سوى عنادى) (فأنفث الرقى على مخبل ... وأطلب الحراك من جماد) (ولى حظوظ لَا تفِيد جملَة ... كَمَا يخط الطِّفْل بالمداد) (تشعبت من الصِّبَا وناصبت ... على السرى مخارم الْبِلَاد) (بَين هوى لخاتل ومدحة ... لباخل وفرقه لعاد) (نفرت من قصائدى لانها ... الى الْكثير سلم التعادى) (لَا أسفا على ذَوَات أسطر ... فانها مراود الاحقاد) (أليسة لَوْلَا هوى بنى الوفا ... منزل منزلَة اعتقادى) (وان تكون مِنْهُم التفاتة ... تثبت فى شهرة السداد) (لما نظمت قَوْله لقولة ... من القوافى الصعبة القياد) (لكننى ادخرتها وَسِيلَة ... وَنعم مَا ادخرت من عباد) وَمن عُقُود الزاهية سلسلته الَّتِى نظم بهَا قلائد الاجادة وهى فى مدح الاستاذ أَبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 الْمَوَاهِب البكرى ومستهلها (يَا مُبْتَدع العذل ان عذلك اشراك ... عذرا لعذار رميت مِنْهُ بأشراك) (للنَّاس غرام يَا عاذلى وغرامى ... من سرب ظبا النقا بألعس مضحاك) (تسبيك بديباج خَدّه شَعرَات ... قد نمنمها السحر وَالْجمال لَهَا حاك) (تالله وَمَا الْحسن غير حسن عذار ... فَانْظُرْهُ وسلنى فقد تريبك عَيْنَاك) (مَا خطّ عذاره سوى حَسَنَات ... يَا رب وأرجوا بذى الصَّحِيفَة أَلْقَاك) (يَا بدر كَمَا جِئْت للحسان ختاما ... الْمسك ختاما أَتَى لحسن محياك) (أَقْسَمت بسطر كاللازورد بخد ... كالعسجد حلته وجنتاك فحلاك) (مَا فِيك سوى نقضك العهود معيب ... وَافْعل ففؤادى على فعالك يهواتك) (أَنْعَمت صباحا يَا من بدا كصباح ... وَاللَّيْل بِخَير من الذوائب مساك) (مَا شِئْت فزدنى أسى أزدك ودادا ... مَا أَجْهَل من يدعى هَوَاك ويشناك) (قد كنت وَكُنَّا وَأَنت بدر دجانا ... وَالْيَوْم فَلم يَا هِلَال نحرم رُؤْيَاك) (هَل كَانَ من الرشد أَن تقاطع مثلى ... يَا حب وتنقاد مَعَ غواية نهاك) (هَب ان رقيبى عَلَيْك مثلى مضنى ... من صدرك عَنى أَنا وحثك فى ذَاك) (بليت غليل الحسود فِيك وظنى ... مَا كَانَ ليشفى من التنغص لولاك) (أودعتك غرس الْهوى ليثمر ودا ... مَا كَانَ رجائى ان العدواة مجناك) (ان كَانَ عِقَاب الذى يحبك هَذَا ... أفديك فَقل لى فَمَا تركت لاعداك) (أجفى وَأَنا العندليب فِيك وعار ... تصغى لصدى عاذلى وتطرب أذناك) (لَا تصغ لدعوى السوى فَلَيْسَ سَوَاء ... مغريك وتزوير مَا ادَّعَاهُ ومغراك) (لَو انك أنصفت لاعتلمت بأنى ... مضناك وَكلهمْ لكيدى مضناك) (يَا غُصْن وان دمت لم تكن لعتابى ... لَا غرو لى الْعذر فى اذاعة شكواك) (أشكوك لمن تطلب الْمُلُوك رِضَاهُ ... من فاق جَمِيع الورى بعنصره الزاك) (من نسل أَبى بكر الامام امام ... للسود ذُو الْفضل الْولَايَة ملاك) (ذُو الرّفْعَة أعنى أَبَا الْمَوَاهِب من لى ... بالبشر مدى الدَّهْر والسماحة يلقاك) (يممه تَجِد من يَدَيْهِ فائض بَحر ... لَا تنضب سحب البنان مِنْهُ بامساك) (واستدر بِهِ واعتقد وخذه حساما ... عَن كل حسام أَبُو الْمَوَاهِب أَغْنَاك) (ان تأت لَهُ خَائفًا وَأَنت محب ... لابد وَأسد العرين مَا تتوقاك) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 (يَا بَحر لآل وَيَا غمام نوال ... طُوبَى لموال دنا اليك ووالاك) (مولاى أقل عثرتى فَلَيْسَ مقيل ... وَالْحب جفانى وَقل صبرى الاك) (من مثلك يَا ابْن الْكِرَام طبت نجارا ... وازددت فخارا فزد يزيدك مَوْلَاك) (قد أطلعك الله بَين قَوْمك بداراً ... لَا زلت منيرا بهم وهم لَك أفلاك) (يَهْتَز على الْحَالَتَيْنِ مِنْك حسام ... بَدَلا وخصاما كسيف جدك فتاك) (يَا عترة ذَاك الامام فاق وفقتم ... ان قصر مدحى لكم فعجزى ادراك) (مَا الْمَدْح بمجد سوى الْوُصُول اليكم ... أَنْتُم دُرَر الْكَوْن والمدائح اسلاك) (لَا زَالَ على سيد الورى وَعَلَيْكُم ... أزكى صلوَات من السَّلَام باملاك) (ماجاور سر الْهوى فؤاد محب ... فى النَّاس وَمَا ذل فى الْمحبَّة املاك) وَكتب الى الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى مفتى دمشق وَقد أَصَابَهُ رمد (فدا لعينيك دون النَّاس عينائى ... وكل عُضْو فدَاه كل أعضائى) (نود لَو كَانَ مودوعا بِأَنْفُسِنَا ... مَا تشتكيه بِعَين مِنْك رمداء) (نظارة لكتاب الله قد ملئت ... خوف الْمعَاد باشفاق واغضاء) (وَأَنت لَا عَن حجاب كنت ناظرنا ... فارفع حجابك وَانْظُر للاحباء) وَكتب الى ابْنه ابراهيم يهنئه بمولود (أَتَانَا بشير الْوَلِيد الْجَدِيد ... فساق الينا حَيَاة وبشرى) (فَلَا زلت مولاى حَتَّى ترى ... هلالك مثلك قد صَار بَدْرًا) وَقَالَ يُخَاطب بعض الصُّدُور وَكَانَ الْفَتْح قدم من الْحَج فأهداه تَمرا (أحسن مَا يهديه أمثالنا ... من طيبَة من عِنْد خير الانام) (بعض تُمَيْرَات اذا أمكنت ... اهداؤها ثمَّ الدعا وَالسَّلَام) وَمن رباعياتة قَوْله (لَا تبد لمن تحبه مَا أبدى ... واصبر فَلَعَلَّ الصَّبْر يَوْمًا يجدى) (اظهار محبتى لمن أعشقه ... صَارَت سَببا لطول عمر الصد) وَقَوله أَيْضا (زروا جلّ لمسمعى كؤس اللَّفْظ ... وَاجعَل كبدى غمدا لسيف الْحَظ) (بل زروا هجر وَلَا تخف مظلمتى ... مَا أوردنى الْبلَاء الاحظى) وَقَوله (من أرقى قد استلذ الارقا ... ويلاه وَمن أعشقه قد عشقا) (من ينقذنى مِنْهُ وَمن ينقذه ... أفنى حرقا فِيهِ ويفنى حرقا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 وَمن نوادره قَوْله فى مدح الامير مُحَمَّد بن فروخ (عجبا لسيف لحاظ من أحببته ... يزْدَاد صقلا مَعَ طراوة حسنه) (ويظل يفتك فى الاسود كَأَنَّهُ ... سيف ابْن فروخ بدا من جفْنه) وأنفس نفائسه تَضْمِينه الْمَشْهُور لمصراع الرئيس ابْن سينا (لَا يدعى قمر لوجهك نِسْبَة ... فَأَخَاف أَن يسود وَجه الْمُدعى) (فالشمس لَو علمت بأنك دونهَا ... هَبَطت اليك من الْمحل الارفع) وَمن روائعه قَوْله (أيا رب جعلت متاعى القريض ... وَقد كَانَ قدما يعد السنينا) (فَلم لَا وَقد درست سوقه ... كاطلال أَصْحَابه الاقدمينا) (ولابد للشعر من رزقه ... فيا وَيْح من يقْصد الباخلينا) (أأقطف من روض شعرى لَهُم ... فأنثر وردا على نائمينا) (فها أَنا ذَا شَاعِر وَاقِف ... ببابك يَا أكرام الاكرمينا) ومحاسنه كَثِيرَة وفى هَذَا الْقدر كِفَايَة وَكَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ المنورة لَيْلَة الْخَمِيس لثمان بَقينَ من صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَدفن ببقيع الْغَرْقَد فَخر الدّين بن زَكَرِيَّا بن ابراهيم بن عبد الْعَظِيم بن أَحْمد القدسى الْمَعْرُوف المعرى الحنفى تقدم أَبوهُ زَكَرِيَّا وَكَانَ فَخر الدّين هَذَا عَالما فَقِيها نبيلا رَحل الى الْقَاهِرَة وَأقَام بالجامع الازهر مُدَّة وتفقه بالشهاب الشوبرى وَأخذ الحَدِيث عَن أَبى الْحسن بن عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد الْخَطِيب الشربينى الشَّافِعِي بعد قِرَاءَته عَلَيْهِ شرح النخبة فى المصطلح وَأخذ علم الاصول وَالْفُرُوع عَن أَبى الاخلاص حسن الشرنبلالى وَرجع الى الْقُدس وَانْقطع فى آخر أمره للتدريس والافادة بحجرة بِالْمَسْجِدِ الاقصى بِقرب رواق الشَّيْخ مَنْصُور فاشتهرت الْآن بخلوة المعرى وَصَارَ اماما بالسلطانية بِالْمَسْجِدِ الاقصى وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبعين بعد الالف وَلم يعقب (الامير فَخر الدّين بن قرقاس بن معن الدرزى الامير الْمَشْهُور من طَائِفَة كلهم أُمَرَاء ومسكنهم بِلَاد الشّرف وَلَهُم عراقة قديمَة ويزعمون ان نسبتهم الى معن بن زَائِدَة وَلم يثبت وَكَانَ بعض حفدة فَخر الدّين حكى لى عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول أصل آبَائِنَا من الاكراد سكنوا هَذِه الْبِلَاد فَأطلق عَلَيْهِم الدروز بِاعْتِبَار الْمُجَاورَة لَا أَنهم مِنْهُم وَهَذَا أَيْضا غير ثَابت فانهم منشأ زندقة هَذِه الْفرْقَة وكثرتهم وفخر الدّين هَذَا ولى امارة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 الشّرف من جَانب السلطنة بعد موت أَبِيه وَعلا شَأْنه وتدرج الى أَن جمع جمعا كَبِيرا من السكبان وَاسْتولى على بِلَاد كَثِيرَة مِنْهَا صيدا وصفد وبيروت ومافي تِلْكَ الدائرة من أقطاع كالشقيف وكسروان والمتن والغرب والجرد وَخرج عَن طَاعَة السلطنة وَلما وصل خَبره إِلَى مسامع الدولة بعثوا لمحاربته أَحْمد باشا الْحَافِظ نَائِب الشَّام وَكَثِيرًا من أُمَرَاء هَذِه النواحي فَلم يقابلهم وهرب إِلَى بِلَاد الفرنج وَأقَام بهَا سبع سِنِين إِلَى أَن عزل الْحَافِظ عَن نِيَابَة الشَّام فطلع إِلَى مستقره فِي شَوَّال سنة سبع وَعشْرين وَألف وَزَاد بعد ذَلِك فِي الطغيان والاستيلاء على الْبِلَاد بلغت أَتْبَاعه إِلَى نَحْو مائَة وَألف من الدروز والسكبان وَاسْتولى على عجلون والجولان وحوران وتدمر والحصن والمرقب وسليمة بِالْجُمْلَةِ فانه سرى حكمه من بِلَاد صفد الى انطاكية وتنبل وَلَده الامير على وَولى حُكُومَة صفد وَكَانَ وَقع بَين فَخر الدّين وَبَين بنى سَيْفا حكام طرابلس الشَّام حروب شَدِيدَة ودهمهم مرّة فنهب طرابلس وأباد كثيرا من ضواحيها وَكَانَ سَببا لخراب هاتيك الْبِلَاد ثمَّ صاهر بنى سَيْفا هُوَ وَابْنه وتزوجا مِنْهُم وَجَاء هما أَوْلَاد وَلما ولى نِيَابَة الشَّام الْوَزير مصطفى باشا بعد عَزله عَن مصر فى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ قَصده بعسكر الشَّام وَكَانَ الشاميون قد خامروا عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقع المصاف بَين الْفَرِيقَيْنِ بِالْقربِ من عنجر ولى الْعَسْكَر الشامى هربا فانكسر مصطفى باشا كسرة مُنكرَة وَقبض عَلَيْهِ ابْن معن وَأَخذه بعلبك مُقَيّدا فى الْبَاطِن مطلوقا فى الظَّاهِر وبقى عِنْده الى أَن وصل الْخَبَر الى دمشق فَاجْتمع علماؤها وكبراؤها وذهبوا الى ابْن معن ورجوا مِنْهُ فكاكه فَأطلق سَبيله وَقدم دمشق فانتقم مِمَّن كَانَ السَّبَب لَهُ فى الرّكُوب وَرجع فَخر الدّين الى بِلَاده وَلم يَزْدَدْ بعد ذَلِك الا عتوا وكبرا وَبَلغت شهرته الْآفَاق حَتَّى قَصده الشُّعَرَاء من كل نَاحيَة ومدحوه وَرَأَيْت مدائحه مدونة فى كتاب يبلغ مائَة ورقة وأكثرها قصائد مُطَوَّلَة وَأما المقاطيع فَلم أستحسن مِنْهَا الا هَذَا الْمَقْطُوع أنْشدهُ اياه عَطاء الله السلمونى المصرى يخاطبه بِهِ (يراعك ان أبكيته ضحك الندى ... وعضبك ان أضحكته بَكت العدا) (فسيمة هذاك اعْتدى قطّ رَأسه ... وسيمة هَذَا قطّ رَأس من اعْتدى) وَلما تحقق السُّلْطَان مُرَاد مُخَالفَته وتعديه بعث لمقاتلته الْوَزير الْمَعْرُوف بالكوجك الْمُقدم ذكره وَعين مَعَه أُمَرَاء وعساكر كَثِيرَة فَركب عَلَيْهِ وَقتل أَولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 ابْنه الامير عليا ثمَّ قبض آخرا عَلَيْهِ وجهزه الى طرف السلطنة فَقتله السُّلْطَان وَقد تقدم تَفْصِيل ذَلِك فى تَرْجَمَة الكوجك وَكَانَ قَتله فى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَأنْشد بعض الادباء فى ذَلِك (ابْن معن مَا كَانَ الا خبالا ... ضعضع الْكَوْن واستمال ومالا) (مكن الله مِنْهُ أَحْمد باشا ... وَكفى الله الْمُؤمنِينَ القتالا) وَرَأَيْت فى الْمَجْمُوع الذى جمعت فِيهِ مدائحه أَن وِلَادَته كَانَت فى سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقيل فى تَارِيخ وِلَادَته خطابا لوالده (يَا أَمِير الْجُود هنئت بِمن ... آنس الْكَوْن وَحيا الاهلا) (قد غَدا الدّين بِهِ مفتخرا ... أرخوه فَخر دين هلا) والدرزية طَائِفَة كَبِيرَة ينتسبون الى رجل من مولدى الاتراك يعرف بالدرزى وَقد ظهر فى زمن الْحَاكِم بِأَمْر الله العبيدى هُوَ وَرجل أعجمى يُقَال لَهُ حَمْزَة وَكَانَ الْحَاكِم لَعنه الله يدعى الالهية وَيُصَرح بالحلول والتناسخ وَيحمل النَّاس على القَوْل بذلك وَكَانَ حَمْزَة والدرزى مِمَّن وافقوه وأظهروا الدعْوَة الى عِبَادَته وَالْقَوْل بِأَن الاله حل فِيهِ وَاجْتمعَ عَلَيْهِمَا جمَاعَة كَثِيرَة من غلاة الاسماعيلية فثار عَلَيْهِم عوام المصريين فَقتلُوا أَكْثَرهم وَفرقُوا جمعهم وَذكر صَاحب مرْآة الزَّمَان أَن الدرزى الْمَذْكُور كَانَ من الباطنية مصرا على ادِّعَاء الربوبية للْحَاكِم لعنهما الله تَعَالَى وصنف لَهُ كتابا ذكر فِيهِ أَن الاله حل فى على وان روح على انْتَقَلت الى أَوْلَاده وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى انْتَقَلت الى الْحَاكِم وَتقدم بذلك عِنْد الْحَاكِم وفوض اليه الامور بِمصْر ليطيعه النَّاس فى الدعْوَة وَأَنه أظهر الْكتاب فثار عَلَيْهَا الْمُسلمُونَ وَقتلُوا جماعته وَأَرَادَ واقتله فهرب مِنْهُم واختفى عِنْد الْحَاكِم فَأعْطَاهُ مَالا عَظِيما وَقَالَ لَهُ اخْرُج الى الشَّام وانشر الدعْوَة هُنَاكَ وَفرق المَال على من أجَاب الدعْوَة فَخرج الى الشَّام وَنزل بوادى تيم الله بن ثَعْلَبَة غربى دمشق من أَعمال بانياس فَقَرَأَ الْكتاب على أَهله واستمالهم الى الْحَاكِم وَأَعْطَاهُمْ المَال وَقرر فى نُفُوسهم التناسخ وأباح لَهُم الْخمر وَالزِّنَا وَأخذ يُبِيح لَهُم الْمُحرمَات الى أَن هلك لَعنه الله تَعَالَى فَهَذَا أصل وجود الدروز والتيامنة فى هَذِه الْبِلَاد وَأما القَوْل فيهم من جِهَة الِاعْتِقَاد فهم والنصيرية والاسماعيلية على حد سَوَاء والجميع زنادقة وملاحدة وَقد صرح قاضى الْقُضَاة ابْن الْعِزّ وَالشَّيْخ برهَان الدّين بن عبد الْحق من الْحَنَفِيَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 وَالشَّيْخ صدر الدّين بن الزملكانى وَالشَّيْخ البلاطنسى وَالشَّيْخ جمال الدّين الشربينى من الشَّافِعِيَّة وَالشَّيْخ صدر الدّين بن الْوَكِيل من الْمَالِكِيَّة وَالشَّيْخ تقى الدّين بن تَيْمِية من الْحَنَابِلَة فى فتاويهم وَغَيرهم ان كفر هَؤُلَاءِ الطوائف مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وان من شكّ فى كفرهم فَهُوَ كَافِر مثلهم وانهم أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى لانهم لَا تحل مناكحتهم وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم بِخِلَاف أهل الْكتاب وانهم لَا يجوز اقرارهم فى ديار الاسلام بجزية وَلَا بِغَيْر جِزْيَة وَلَا فى حصون الْمُسلمين وَجزم الشَّيْخ ابْن تَيْمِية بِأَنَّهُم زنادقة وانهم أَشد كفرا من الْمُرْتَدين لانهم يَعْتَقِدُونَ تناسخ الارواح وحلول الاله فى على وَالْحَاكِم وَمن طالع كتبهمْ عرف حقيقتهم الخبيثة فان فِيهَا مَا يستبشع جدا وَمن جملَة معتقداتهم ان الالهية لَا تزَال تظهر فى شخص بعد شخص كَمَا ظَهرت فى على وشمعون ويوسف وفى غَيرهم بِأَنَّهَا ظَهرت بعد ذَلِك فى الْحَاكِم وَأَن كل دور يظْهر فِيهِ اله وَيَقُولُونَ هُوَ الْآن ظَاهر فى مشايخهم الَّذين يسمونهم العقال ويجحدون وجوب الصَّلَاة وَصَوْم شهر رَمَضَان وَالْحج ويسمون الصَّلَوَات الْخمس بأسماء غَيرهَا ويوالون من تَركهَا ويجعلون أَيَّام شهر رَمَضَان أَسمَاء ثَلَاثِينَ رجلا ولياليه أَسمَاء ثَلَاثِينَ امْرَأَة وَهَكَذَا يَقُولُونَ فى سَائِر الشَّرِيعَة المطهرة وَيُنْكِرُونَ قيام السَّاعَة وَخُرُوج النَّاس من قُبُورهم وَأمر الْمعَاد وَيَقُولُونَ بتناسخ الاروح وانتقالها الى أبدان الْحَيَوَانَات وان من ولد فى تِلْكَ اللَّيْلَة انْتَقَلت روح من مَاتَ فِيهَا اليه وَيَقُولُونَ ان الْعَالم أَرْوَاح تدفع وَأَرْض تبلع وَبِالْجُمْلَةِ نعتقدهم ضلال كُله وانما ذكرت حَالهم وأطلت فِيهِ لِكَثْرَة تشعب الآراء فيهم فَهَذَا يُقرر مَا هم عَلَيْهِ فى الاذهان وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق والشقيف بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْقَاف وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت ثمَّ فَاء وَيعرف بشقيف أرنون بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة وَضم النُّون وَسُكُون الْوَاو ثمَّ نون فى الْآخِرَة قَالَ فى الْمُشْتَرك وَهُوَ اسْم رجل أضيف الشقيف اليه وَيعرف أَيْضا بالشقيف الْكَبِير وَهُوَ حصن بَين دمشق والساحل بعضه مغارة منحوتة فى الصخر وَبَعضه لَهُ سور وَهُوَ فى غَايَة الحصانة وعَلى الْقرب مِنْهُ شقيف آخر يعرف بشقيف تبرون بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَسُكُون الْبَاء وَضم الرَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَنون فى الْآخِرَة وهى قلعة حَصِينَة من جِهَة الاردن على مسيرَة يَوْم من صفد فى سمت الشمَال قَالَ فى مسالك الابصار وَلَيْسَت من بِلَاد صفد وَأهل هَذَا الْعَمَل رافضة وَالله أعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 فَخر الدّين بن مُحَمَّد الخاتونى المكى الْكَاتِب الشَّاعِر تَرْجمهُ الاخ الْفَاضِل مصطفى ابْن فتح الله فَقَالَ فى وَصفه كَاتب ماهر وشاعر قلد الطروس من نظمه عُقُود الْجَوَاهِر جرى فى ميدان القريض ملْء عنانة فاجتبى من زهرات رياضه واقتطف ورد جنانه ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ على طَريقَة حَسَنَة وَأخذ عَن شُيُوخ عصره علوما عديدة وبرع فى الادب وَبِه اشْتهر وَكَانَ عَظِيم الْهَيْئَة حسن الصُّورَة وضئ الْوَجْه نير اللِّحْيَة يغلب عَلَيْهِ صفاء الْقلب ورقة الطَّبْع والانطباع لعامة النَّاس والتغابى عَمَّا لَا يرضى من أَحْوَالهم وَمن شعره قَوْله فى مليحة اسْمهَا غربية (رب سمراء كالمثقف لما ... خطرت فى الغلائل السندسيه) (غادة تسلب الْعُقُول وَلَا بدع وأعمال طرفها سحريه ... ) (جبلت ذَاتهَا من المندل الرطب ففاقت على الرياض الذكيه ... ) (مَالهَا فى الغصون ند وَلَيْسَ الند الا من ذَاتهَا المسكيه ... ) مِنْهَا (هى للقلب منيه وَلكم من ... صدها الصعب ذاق طعم المنيه) (ذَات لحظ وَسنَان يفعل مَا لم ... يفعل السَّيْف فى قُلُوب الرعيه) (ومحيا من دونه يخسف الْبَدْر اذا لَاحَ فى الليالى البهيه ... ) (حوت الْحسن كُله فهى مِمَّا ... أبدع الله صنعه فى البريه) (شبهوها عِنْد التلفت بالظبى وهيهات مَا هما بالسويه ... ) (كل شئ يخفى اذا مَا تبدت ... وهى كَالشَّمْسِ لَا تزَال مضيه) (لَيْت شعرى وأى شمس بشرق ... لَك تبقى اذا بَدَت غربية) وَقَوله يرثى السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود (على فقد بَدْرًا لتم أَحْمد فلتجد ... لعظم الاسى من كل ندب شؤنه) (والا فَمن يَا لَيْت شعرى بعده ... اذا هى لم تسمح تسمح جفونه) (فَتى كَانَ والايام للجدب كلح ... اذا أمه العافى اضاء جَبينه) (فتبصر بَدْرًا مِنْهُ قد تمّ حسنه ... وتنشق روضا قد تناهت فنونه) (تجود وان أودى الزَّمَان يسَاره ... بِمَا قد حوت من كل وفر يَمِينه) (فَقل للذى قد جد فى طلب الندى ... رويدك ان الْجُود سَارَتْ ظعونه) (وَقد غَابَ من أفق الْكَمَال منيره ... كَمَا غَار من بَحر النوال معينه) (وَأصْبح وَجه المزن للحزن كالحا ... كَأَن لم تكن من قبل قرت عيونه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 (سأبكيه والآداب أجمعها معى ... بدمع تود السحب يَوْمًا تكونه) (وَلم لَا عَلَيْهِ الْفَخر يبكى تأسفا ... وَقد حق مِنْهُ الْبَين وَهُوَ خدينه) (فَذَاك الذى فى مثله يقبح العزا ... وَيحسن الا من هَوَاهُ سكونه) (عَلَيْهِ من الله التَّحِيَّة مَا وفت ... بفرقته من كل حى منونه) (وَرَحمته مَا حن أَو ناح واله ... نأى عَنهُ من بعد الندانى قرينه) وَكَانَت وَفَاته فى نَيف وَخمسين وَألف الامير فروخ بن عبد الله أَمِير الْحَاج الجركسى البطل المتفوق الثَّابِت الْقلب هُوَ فى الاصل من مماليك الامير بهْرَام بن مصطفى باشا أخى الامير رضوَان حَاكم غَزَّة الْمَشْهُور ثمَّ بعد وَفَاة سَيّده تنبل وشاع أمره بالشجاعة والسخاء والمروءة حَتَّى ولى حُكُومَة نابلس وامارة الْحَاج وَتصرف فى هَذَا المنصب تَصرفا عجيبا وَصرف جهده فى حراسة الركب كَانَ من المعمرين الصَّالِحين شجاعا جوادا مُدبرا عَاقِلا حازما لَهُ خبْرَة بالامور معززا مكرما وَلم يزل فى هَذَا المنصب الى أَن مَاتَ بِمَكَّة المشرفة فى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بجوار الله تَعَالَى فضل بن عبد الله الطبرى المكى مفتى الشَّافِعِيَّة بِالْبَلَدِ الْحَرَام وامام مقَام ابراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذكره السَّيِّد ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه خلف ذَلِك السّلف والمعيد من عهد مجدهم مَا سلف الْفضل اسْمه وسمته النافحة بأرجه نسمته رفع عماد ذَلِك الْبَيْت فَأقر عين الْحَيّ مِنْهُم وَالْمَيِّت وَهُوَ الان مفتي الشَّافِعِيَّة بِالْبَلَدِ الْحَرَام والملحوظ بِعَين الاجلال والاحترام يشنف السطور بفرائده ويفوق الطروس بفوائده مَعَ انافته فى الادب بمكانه شيد من ربعهَا المشيد أَرْكَانه فاجتلى بهَا نُجُوم لياليه واقتنى مِنْهَا منظوم لآليه ثمَّ قَالَ وَلَا يحضرنى من شعره غير قَوْله فى التَّفْضِيل بَين مسمعين يعرف أَحدهمَا بِرُكْن الآخر بالقصبى (تخَالف النَّاس فى ركن فقدمه ... قوم وَقوم عَلَيْهِ قدمُوا القصبى) (وَقَائِل الْحق والانصاف قَالَ مَتى ... أسمعهما ألق أستاذا وألق صبى) وَذكره غَيره فَقَالَ ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن أكَابِر الشُّيُوخ وَله شعر كثير مِنْهُ قَوْله (لَا تضيع سَبَهْلَلا فرس الْعُمر بِلَا طَاعَة وَلَا تتعلم ... ) (سَوف يدرى الجهول عِنْد انقضا الْعُمر سدى كَيفَ ضَاعَ مِنْهُ فيندم ... ) وَقَوله مؤرخا للسيل الْوَاقِع بِمَكَّة فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 (سُئِلت عَن سيل أَتَى ... وَالْبَيْت مِنْهُ قد سقط) (مَتى أَتَى قلت لَهُم ... مَجِيئه كَانَ غلط) وَمن مؤلفاته التبجيل لشان فَوَائِد التسهيل فى الْعرُوض وَله من قصيدة يمدح بهَا الشريف زيد بن محسن (يَا مى حَيا الحيا أَحْيَا محياك ... هلا باعتاب عتبى فَاه لى فَاك) (من لى اليك وَقد أودى صدودك بى ... وَلَا تزالين طوعى لى أفاك) (يَا هَذِه لم أزل من بعْدهَا ودنو السقم من بعْدهَا موثوق أشراك ... ) (تيهى أطيلى التجنى والجفاء وَمَا ... أردْت فاقضيه بى فالحسن ولاك) (رفقا رويدا كأنى بالعذول على ... تطاول الصدفى ذَا الصب عزاك) مِنْهَا (حسبى دَلِيلا على شوقى المبرح بى ... انى لثمت عذولى حِين سماك) (والجفن فى أرق وَالْقلب فى حرق ... وَالْعين فى غرق انسانها باك) (يَا مهجة الصب غير الصَّبْر لَيْسَ وَقد ... جنت عَلَيْك بِمَا لاقيت عَيْنَاك) مِنْهَا (وأجملى الود واخشى عدل ذى الشّرف الْمُؤَيد الْعِزّ مولائى ومولاك ... ) (زيد بن محسن سُلْطَان الانام امام الحضرتين أَمَان الْخَائِف الباكى ... ) مِنْهَا (يَهْتَز للعفو من حلم وَلَا طرب الشُّمُول من شمس شماس وبتراك ... ) (وَذكره أرج الارجاء شاسعة ... فطيب عرف الصِّبَا من عرفه الذاكى) (يَا نفس آمله بِشِرَاك بِشِرَاك ... فَلَو قضيت باذن الله أحياك) مِنْهَا (لَو كَانَ فى عصره بعد النُّبُوَّة مَبْعُوث لَكَانَ بِلَا دفع واشراك ... ) (لَو طرزت باسمه الرَّايَات مَا حذرت ... أَصْحَابهَا غلبا أَو حطم دهاك) مِنْهَا (قد زَاد فى شرف الْبَطْحَاء انك فى ... جِيرَانهَا خير فعال وتراك) (مولى الْجَمِيل ومنجاة الدخيل ومنحاة الخذيل سرى عين املاك ... ) قَوْله فى مطلع القصيدة فَاه لى فَاك جرى فِيهِ على اللُّغَة الضعيفة وَهُوَ لُزُوم الالف للاسماء الْخَمْسَة فى جَمِيع الْحَالَات كَقَوْلِه ان أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة المشرفة فى رَابِع عشرى شعْبَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بالمعلاة فضل الله بن شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن العمادى الدمشقى الحنفى تقدم جده وَأَبوهُ وعماه ابراهيم وعماد الدّين وَكَانَ فضل الله هَذَا من فضلاء الْوَقْت وبلغائه وَهُوَ من المتنبلين فى الاخذ باطراف الْفَضَائِل والاشتمال على كرم الشَّمَائِل وَيرجع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 مَعَ ذَلِك الى شعر باهر ونثر معجب وَكَانَ من حِين نشاته الى مماته متفيئا ظلال النِّعْمَة آخِذا من التنعم حَظه وجاهه فى دولة آبَائِهِ يحل فرق الفراقد ويزاحم منَاط الثوابت وَكَانَ معتنيا بالاشتغال من طَلِيعَة عمره فَقَرَأَ فنون الادب على شَيخنَا الْمُحَقق ابراهيم الفتال وَالشَّيْخ مُحَمَّد العيثى وَتخرج بِأَبِيهِ وعميه حَتَّى تفوق وَبلغ من الْفضل مَا بلغ وَكَانَ والدى رَحمَه الله تَعَالَى يفضله ويرجحه على كل من عداهُ من أقرانه وَيَقُول انه مِمَّا يهزنى الى الطَّرب حسن مَنْطِقه ولطف محادثته وأعهده ينشد فى حَقه هَذِه الابيات غير مرّة وهى (صاحبته فَرَأَيْت الْبَدْر كلمنى ... وجنته فَرَأَيْت الْبَحْر ينهمل) (فيا رعى الله مخدوما نسامره ... وَقد تناسب فِيهِ الْمَدْح والغزل) (قد حَاز باكورة الافضال وَهُوَ لَدَى ... باكورة السن لَا زَالَت لَهُ الدول) وَكَانَ وَالِده فرغ لَهُ عَن الْمدرسَة الشبلية فدرس بهَا وَلما أَنَاخَ الدَّهْر على بَيتهمْ بكلكه ووجهت عَنْهُم الْفتيا انزوى مَعَ أَبِيه فى زَاوِيَة الْوحدَة مُدَّة الى أَن ولى الْمولى مُحَمَّد بن مَحْمُود الْمَعْرُوف بمفتش الاوقاف وَهُوَ الذى صَار آخرا مفتى التخت العثمانى قَضَاء الشَّام ظهر ظُهُور الْكَنْز المخفى وَكَانَ قاضى الْقُضَاة الْمَذْكُور أَقرَأ التَّفْسِير فَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يحضر درسه ويبدى أبحاثا فائقة فاشتهر فَضله وسما قدره ثمَّ بعد مُدَّة من عزل الْمولى الْمَذْكُور عَن قَضَاء الشَّام سَافر المترجم الى الرّوم وَاجْتمعَ بشيخ الاسلام يحيى المنقارى فَأقبل عَلَيْهِ وَوجه اليه رُتْبَة الدَّاخِل وَرجع الى دمشق وَلما توفى والدى أعْطى مَكَانَهُ قَضَاء بيروت على طَرِيق التَّأْبِيد وَلم تبْق عَلَيْهِ كثيرا وَكَانَ وَرَاء للزِّيَادَة مواعد ماطله الزَّمَان بهَا فَارْتَبَطَ فى دَاخل دَاره لادب يقتبسه أَو كتاب يطالعه وَكَانَ مُولَعا بالآداب الغضة يهصر أَغْصَانهَا ويفصد دنانها وَكنت لما رجعت من الرّوم أنست بمجلسه أَيَّامًا فَوَجَدته يرجع الى اتقان فى الادب وذكاء فى الخاطر وحذق فى البلاغة وَتوسع فى البضاعة وعثرت بنبذ من أشعاره البهية النقية فى بعض المجاميع فصرفت وَجه الهمة الى أَخَوَات لَهَا فَمن ذَلِك قَوْله (مذ مَال خرت لَهُ الأقمار سَاجِدَة ... خوط بِهِ من رحيق الثغر اسكار) (حط اللثام فَغَاب الْبَدْر من خجل ... وَقد بدا اللدجى فى الصُّبْح اسفار) (أضحى كجسمى مِنْهُ الخصر لَيْسَ يرى ... ومنطقته من العشاق أبصار) (وشاحه مثل قلبى خافق أبدا ... ولخطه الفاتن الفتاك سحار) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 (كَأَنَّمَا شَعْرَة فى خَال وجنته ... دُخان قِطْعَة ند تحتهَا نَار) وَهَذَا // معنى لطيف // وَقد سبق اليه فَمِنْهُ قَول ابْن سناء الْملك (سمراء قد أزرت بِكُل أسمر ... بلونها ولينها وقدها) (أنفاسها دُخان ندخالها ... وريقها من مَاء ورد خدها) وَقَول السَّيِّد مُحَمَّد العرضى الحلبى (على وجناته خَال عَلَيْهِ ... تبدت شَعْرَة زادته لطفا) (كقطعة عنبر من فَوق نَار ... بدا مِنْهَا دُخان طَابَ عرفا) وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة (ومدير لنا المدام بكاس ... مثل عقد حبابه منظوم) (هُوَ بدر وفى الْيَمين هِلَال ... فِيهِ شمس وَقد علتها النُّجُوم) (من دنادنه يشم عبيرا ... من شذاه رحيقه مختوم) (حى يَا صَاح بالفلاح عَلَيْهَا ... واصطحبها تنفك عَنْك الهموم) (ودع الْعُمر ينقضى بالتصابى ... وكذاك الوشاة دعهم يلوموا) قَوْله هُوَ بدر قد أحسن فى هَذَا الْجمع لَكِن تَشْبِيه الكاس بالهلال مَحل نظر والمتعارف تشبيهه بالبدر لتَمام استدارته كَمَا فى قَول الاستاذ ابْن الفارض (لَهَا الْبَدْر كأس وهى شمس يديرها ... هِلَال وَكم يَبْدُو اذا مزجت نجم) الا أَن يكون قصد الزورق فانه شبه بِهِ الْهلَال كَمَا فى قَول ابْن المعتز (وَانْظُر اليه كزورق من فضَّة ... قد أثقلته حمولة من عنبر) فعكس التَّشْبِيه وَقد وَقع لى فى حل بَيت فارسى سُئِلت تعريبه فَقلت (وَلما أدَار الشَّمْس بدر لَا نجم ... بأفق الهنا بَين الهلالين فى الغسق) (عجبت لَهُ يبدى لنا الصُّبْح جيده ... وَمَا غَابَ عَنَّا بعد فى كَفه الشَّفق) فالهلالان هُنَا الباهم والمسبحة اذا قبضا على الكاس كَمَا يَفْعَله الاعاجم والاروام فى مناولة اناء المشروب وَقد اقتفى أَثَرهم فِيهِ أهل بِلَادنَا فينشأ مِنْهُ صُورَة هلالين من كل مِنْهُمَا هِلَال فَهُوَ تَشْبِيه بِلَا شَبيه وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة (اطار الْهوى من جمر خديه جذوة ... فأصلى بهَا قلبى الذى ضم أضلعى) (وَصعد من بعد مَا قد أذاقه ... وقطره من مقلتى در أدمعى) وَأحسن مِنْهُ قَول كَمَال الدّين بن النبيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 (تعلمت علم الكيمياء بحبه ... غزال بجسمى مَا بِعَيْنيهِ من سقم) (فَصَعدت أنفاسى وقطرت أدمعى ... فصح من التقطير تصفيرة الْجِسْم) وَله (فديتك رابنى الاعراض عَنى ... وَلم أعرف لَهُ سَببا وحقك) (سوى انى الْمُقِيم على ودادى ... وانى يَا حبيبى عبد رقك) وَله (بى ظبى أنس لَاحَ فى قرطق ... قد فَضَح الدرسنى ثغره) (مَا فِيهِ من عيب سوى أَنه ... أشبه جسمى بالضنى خصره) وَله (دائى الْحبّ والامانى طبيبيى ... والنوى والفراق من عوادى) (ودوائى ذكر اللوا وسميرى ... ضيف طيف مُوكل بسوادى) وَله (ودعنى من نَوَاه أودعنى ... شوقا يزِيد الْفُؤَاد نيرانا) (وَقَالَ لى والبكاء يغلبه ... يَا لَيْت يَوْم الْفِرَاق لَا كَانَا) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَتوفى قبيل الظّهْر بِمِقْدَار سَاعَة من يَوْم الاربعاء خَامِس عشرى رَجَب سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ بعد الْعَصْر بالجامع الاموى وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَمن غَرِيب مَا اتّفق لى فى هَذَا التَّارِيخ اننى لما بيضت مِنْهُ التبييض الاول كنت وصلت فى تبييضه الى هَذَا الْمحل وشغلتنى الْعَوَائِق أَيَّامًا عَن تبييض شئ مِنْهُ مَعَ انه لم يعْهَد لى ذَلِك حَتَّى مَاتَ صَاحب التَّرْجَمَة فأدرجته فى مَحَله الذى يذكر فِيهِ وَأغْرب من ذَلِك توافقه مَعَ والدى رَحمَه الله تَعَالَى فى أَشْيَاء كَثِيرَة يعرفهَا من طالع الترجمتين وَالثَّانيَِة تاتى قَرِيبا وَمن جملَة الموافقات موافقتهما فى الِاسْم والعمر وَالْفضل وَكَانَ ذَلِك هُوَ الْبَاعِث لى على رثائه بِهَذِهِ الابيات وهى (لهفى على الْفضل وحيد دهره ... قضى فَكل لاهج بِذكرِهِ) (ندب بِهِ الايام قد تشرفت ... عزفهان الدَّهْر عِنْد قدره) (حكى أَبى فى كل وصف ناضر ... مَا الْمسك الا شمة من عطره) (بكيته حَتَّى استحالت عبرتى ... دَمًا وهذى مهجتى فى اثره) (وَكَيف لَا أبكى مُوَافقا أَبى ... فى فَضله وفى اسْمه وعمره) فضل الله بن على بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الاسطوانى الدمشقى الحنفى رَئِيس الْكتاب بمحكمة قاضى الْقُضَاة أحد أفاضل الكتبة الا كَامِل وَهُوَ ابْن خالتى وختنى وَكَانَ من أَفْرَاد الْعَصْر فى الْمعرفَة والصلف وافر التنعم سخيا متوددا معاشرا لزم فِيمَا عهدته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 شَيخنَا الشَّيْخ عبد الحى بن الْعِمَاد العكرى الْمُقدم ذكره فَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا واغتنمت فى صحبته مَعَه ليالى وأياما مَا زلت أذكرها ثمَّ بعد وَفَاة شَيخنَا الْمَذْكُور لزم شَيخنَا الشَّيْخ رَمَضَان العطيفي فَقَرَأَ عَلَيْهِ الدُّرَر وَالْغرر وَمَات شَيخنَا وَلم يكمله فشرع فى تتميمه على شَيخنَا الشَّيْخ ابراهيم الفتال ثمَّ بعد وَفَاة الفتال قَرَأَ دروسا مِنْهُ على شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن عبد الهادى ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الخاتونية والمقدمية وهى مَشْرُوطَة لَهُم وسافر الى الرّوم وَحج وَجمع من نفائس الْكتب والذخائر مَا لم يجْتَمع عِنْد أحد من أَبنَاء عصره وَولى رياسة الْكتاب ثمَّ مرض وَطَالَ مَرضه مُدَّة الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى أَوَائِل ذى الْحجَّة سنة مائَة وَألف عَن سِتّ وَخمسين سنة وَدفن بمقبرة الفراديس الْمَعْرُوفَة بتربة الغرباء عِنْد أسلافه بنى الاسطوانى فضل الله بن عِيسَى البوسنوى الحنفى نزيل دمشق الامام المفنن الاستاذ الشهير كَانَ أحد أَعْيَان الْعلمَاء معرفَة واتقانا وحفظا وضبطا للفقه وتفهما فى علله مُمَيّزا لصحيح الاقوال من سقيمها مستحضر الْكثير من الْفُرُوع على تشعبها وَكَانَ عَارِفًا بالاصلين والْحَدِيث وفنون الادب حق الْمعرفَة نظارا كثير الِاشْتِغَال حسن العقيدة فى الصلحاء قَرَأَ فى بلدته بوسنة الْكثير وَحصل ثمَّ ولى الافتاء ببلدة بلغراد وَتعين بهَا كل التعين ثمَّ خرج مِنْهَا بنية الْحَج وَدخل دمشق فى سنة عشْرين وَألف وَحج من طريقها فى تِلْكَ السّنة وَلما رَجَعَ الى دمشق توطنها واقتنى دَارا دَاخل بَاب الْجَابِيَة بمحلة الشَّيْخ عَمُود ودرس أَولا بِالْمَدْرَسَةِ الامينية ثمَّ أَخذ الْمدرسَة التقوية عَن الشهَاب العيثاوى فى شهر رَمَضَان سنة احدى وَعشْرين وَألف ووجهت اليه الْحُجْرَة الَّتِى فى المشهد الشرقى الْمَعْرُوف بمشهد الْمحيا بالجامع الاموى واتخذها محلا لدروسه الْخَاصَّة وَقَرَأَ عَلَيْهِ غَالب أَعْيَان الْفُضَلَاء فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وَكَانَ يقررها أحسن تَقْرِير وَكَانَ اليه الْغَايَة فى الْقِرَاءَة والتفهيم وَأفْتى مُدَّة طَوِيلَة بِدِمَشْق وَكَانَت فَتَاوِيهِ مرغوبة مَقْبُولَة وَأخذ طَرِيق الخلوتية عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد العسالى الخلوتى الْمُقدم ذكره وَصَارَ خَليفَة وَكَانَ يلازم حَلقَة ميعاده وَيدخل مَعَه الْخلْوَة وَبنى مَسْجِدا بمحلة الحسودية خَارج دمشق بِالْقربِ من جَامع يلبغا ورتب فِيهِ مبرات ووقف عَلَيْهِ حوانيت بسوق الرصيف قرب الْمدرسَة الامينية احتكرها من وقف الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَكَانَ على مَا مكن لَهُ من الطول الطائل والتوسع فى الدُّنْيَا ممسكا جدا خَبِيرا بِأَمْر المعاش وَحكى عَنهُ انه كَانَ يَقُول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 ينبغى أَن يكون حطب الْبَيْت قطعا كبار الئلا يحصل اسراف فى وقدها وَكَانَ مغرما بمعاملة الفلاحين وَاتفقَ لَهُ انه ادّعى عَلَيْهِ لَدَى قاضى الْقُضَاة الْمولى عبد الله بن مَحْمُود العباسى الْمُقدم ذكره بمبلغ أَخذه زَائِدا فأهانه قاضى الْقُضَاة اهانة بليغة وَلم يكن عهد لَهُ انه أهين مُدَّة عمره فانه كَانَ موقرا مُحْتَرما عِنْد كبار الوزراء والاعيان وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ من صُدُور الْعلمَاء وَكَانَت وِلَادَته ببوسنة سراى فى صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى نَهَار الْخَمِيس ثانى عشرى صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من حَضْرَة بِلَال الحبشى رضى الله عَنهُ فضل الله بن محب الله بن مُحَمَّد محب الدّين بن أَبى بكر تقى الدّين والدى المرحوم الدمشقى المولد والوفاة أزكن فضلاء الْوَقْت البارعين وبلغائه المعروفين وَكَانَ حسن الْمعرفَة بفنون الادب يجمع تفاريق الكمالات وَيرجع مَعهَا الى خطّ مَنْسُوب وَلَفظ عذب وَمَعْرِفَة باللغتين الفارسية والتركية واستكثر فى أَوَائِله من الْقِرَاءَة على الشَّيْخ أَحْمد بن شمس الدّين الصفوري الْمُقدم ذكره فَأخذ عَنهُ الفصاحة وتفتحت لَهُ أَبْوَاب الشّعْر ثمَّ لزم الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى فَأخذ عَنهُ الْفِقْه وسما فى حَدَاثَة سنة الى مَرَاتِب أَعْيَان الادباء الَّتِى لَا تدْرك الا مَعَ الِانْتِهَاء وَكَانَ قوى البديهة حسن الْمُنَاسبَة حكى لى من لَفظه قَالَ كنت وانا فى سنّ ثَلَاث عشرَة سنة معتنيا بالقلم التَّعْلِيق فَحَضَرت مَجْلِسا للْمولى أَحْمد بن المنلا زين الدّين المنطقى وَهُوَ قاضى الْقُضَاة بِالشَّام وَمَعَهُ أَعْيَان عُلَمَاء دمشق فى دَعْوَة لوالدى فَطلب من والدى أَن يرى خطى فَكتبت لَهُ فى قرطاس هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (ألزمت شكرك منطقى وأناملى ... وأقمت فكرى بِالْوَفَاءِ زعيما) (وَمَتى أقوم بشكر نِعْمَتك الَّتِى ... عقدت على من الخطوب تميما) فَلَمَّا وقف على مَا كتبته أَعْجَبته مناسبته غَايَة الاعجاب فَوَقع تَحْتَهُ قَول الشَّيْخ الامام التقى السبكى فى ابْنه (أرى ولدى قد زَاده الله بسطة ... وكمله فى الْفضل وَالْعلم مذ نشا) (سأحمد ربى حَيْثُ أُوتيت مثله ... وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يشا) وَحكى لى أَيْضا أَن وَالِده دعى الى وَلِيمَة وَكَانَ فصل القيظ قد اشْتَدَّ فَحَضَرَ وفى يَده مروحة وَكَانَ الاديب أَحْمد بن شاهين أحد من حضر فَقَالَ جَاءَنَا المحبى بمروحتين يعْنى المروحة الْحَقِيقِيَّة وَكبر اللِّحْيَة وَكَانَ الشاهينى أَحول فَلَمَّا بلغ والدى مقَالَته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 قَالَ هُوَ رَآهَا ثِنْتَيْنِ وهى فى نفس الامر وَاحِدَة وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء أخر وَكَانَ يحب المداعبة ويستعملها اذا خلا مَعَ بعض خلانه وأذكر لَيْلَة خرج النَّاس بالجامع ينظرُونَ هِلَال شهر رَمَضَان فَرَآهُ رجل من جيراننا وَحده وَلم يزل يُومِئ اليه حَتَّى رَآهُ مَعَه غَيره وعاينوه ثمَّ جَاءَ الى الْوَالِد مهنيا وَهُوَ مفتخر بِرُؤْيَة الْهلَال وَحده فَقَالَ لَهُ أخْشَى على بَصرك من تحديقك فِيهِ ان لَا ترَاهُ لَيْلَة عيد الْفطر وَهَذَا سحر الْكَلَام وَمَات أَبوهُ وسنه سِتّ عشرَة سنة فاتصل بِخِدْمَة الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى الْمُفْتى وَتخرج بالاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وراض طبعه على أَخذ نمطه فى الانشاء فَصَارَ منشئا بِحقِّهِ وَصدقه متجرا فى ترسله وشعره وان كَانَ جيدا الا أَن نثره أَجود وألطف موقعا وأبدع صَنْعَة وانا بِحَمْد الله تَعَالَى قد أخذت الانشاء عَنهُ وتلقيت أساليبه مِنْهُ كَمَا قلت فى تَرْجَمته فى كتابى النفحة حَتَّى خصنى بتعليم مَا تفرد بِهِ من الانشاء وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَكَانَ أَخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الغزى وَأَجَازَهُ اجازة عَامَّة فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف ثمَّ قصد سلوك طَرِيق عُلَمَاء الرّوم فسعى على الْمُلَازمَة من شيخ الاسلام الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّا وسافر لاجلها الى حلب لما قدم اليها الْمولى يحيى فى خدمَة السُّلْطَان مُرَاد فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَألف فى سفرته هَذِه رحلته الجلية وَفرغ لَهُ أَبوهُ عَن الْمدرسَة الدرويشية ودرس آخر بالامينية مُضَافَة اليها ثمَّ سَافر الى الرّوم فى سنة احدى وَخمسين وَألف رحلته الرومية وَأقَام بهَا مِقْدَار سنة وانفصل عَن مدرسة الاربعين ثمَّ رَجَعَ الى دمشق وَأقَام مشتغلا فِيهَا بالتأليف وَمن مؤلفاته شَرحه على الْآجر ومية أَطَالَ الْكَلَام فِيهِ وَذكر أَشْيَاء لَطِيفَة ثمَّ رَحل الى مصر فى سنة تسع وَخمسين فى خدمَة قاضيها الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم البورسوى وناب عَنهُ فى محكمَة الصالحية وَكَانَ ممتعا بالتفاته وحظى عِنْده كثيرا ثمَّ ورد مورد الشهَاب الخفاجى للتلقى مِنْهُ وَكَانَ البورسوى يبغض الشهَاب فَوجدَ بعض حَاشِيَته مسلكا لذمه وَقَالُوا انما كَانَ اجتماعه مَعَه ليذمك عِنْده ويهجوك فانحرف عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك وغض عَنهُ طرفَة فَلم يعد بعْدهَا الى مَجْلِسه وَلما عزل البورسرى اسْتَقر هُوَ بِالْقَاهِرَةِ وَلم يزل مُدَّة اقامته مشتغلا بِأخذ الْعلم على كبراء الْجَامِع الازهر مِنْهُم النوران على الاجهورى وعَلى الشبراملسى والشهاب الشوبرى وَغَيرهم مِمَّن ذكره فى رحلته المصرية ثمَّ قدم الى وَطنه وَهُوَ مَرِيض واسترسل بِهِ الْمَرَض حَتَّى استغرق عمره فتخلى للتأليف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 وَجمع كتابا من مُفْرَدَات الابيات يحتاجها المنشئ فى ترسلاته ورتبها على أَبْوَاب وَكَانَ كثيرا المطالعة لكتب الطِّبّ والمراجعة للاطباء حَتَّى تمهر فى علم الطِّبّ جدا وَكَانَ ملازم الحمية وَسمعت من لَفظه قبيل مَوته بأشهر أَنه من مُنْذُ سبع عشرَة سنة لم يَأْكُل المشمش وَالْعِنَب وَكَانَ شَدِيد التَّوَهُّم فى أَمر المزاج يتَوَهَّم أَشْيَاء بعيدَة ويبنى عَلَيْهَا وَاسْتمرّ مُجَانب الِاخْتِلَاط مَعَ النَّاس مُدَّة الى أَن ولى أستاذى المرحوم شيخ مُحَمَّد العزتى قَضَاء الشَّام فنبه حَظه من سنة الْغَفْلَة وراسل شيخ الاسلام أَبَا سعيد فى الشَّفَاعَة لَهُ برتبة قَضَاء آمد فَأحْسن بهَا اليه ثمَّ بعد مُدَّة سَافر الى الرّوم وَذَلِكَ فى تَاسِع الْمحرم سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَأقَام بهَا أَربع سنوات وَلما توجه تركني وَأَنا ابْن احدى عشر سنة وَكنت ختمت الْقُرْآن فابتدأت فى الِاشْتِغَال من ذَلِك الْعَهْد وتعانيت نظم الشّعْر وَأول شعر قلته هَذِه الابيات كتبت بهَا اليه فى صدر رِسَالَة (أتراه يسرنى بتلاقى ... ونواه قد لج فى احراقى) (كَيفَ أسلو عهوده وغرامى ... فِيهِ أضحى وَقفا على الاشواق) (يَا لَك الله من فؤاد معنى ... كم يلاقى من الجوى مَا يلاقى) (قد تصبرت بِالضَّرُورَةِ حتما ... وَأرى الصَّبْر عَنهُ مر المذاق) (فَلَعَلَّ الزَّمَان يقْضى بِجمع ... لى من بعد طول هَذَا الْفِرَاق) فَكتب الى من جملَة رِسَالَة وَقد قَرَأت الابيات القافية الَّتِى هى باكورة شعرك وعنوان نجابتك ان شَاءَ الله تَعَالَى وعلو قدرك فاياك من الشّعْر فانه كاسد السّعر ويشغل الْفِكر وَعَلَيْك بالاشتغال لتبلغ دَرَجَة الفحول من الرِّجَال وَالله سُبْحَانَهُ يبقيك وَمن كل سوء يقيك ويقر عين أَبِيك فِيك وفى أَخِيك وَكَانَ لى أَخ أَصْغَر منى وَهُوَ الذى ذكره وَكَانَ اسْمه فيض الله مَاتَ فى غيبته فَلَمَّا بلغه مَوته كتب الى ولدى وواحدى أَطَالَ الله لَهُ الْبَقَاء وأدام لَهُ الْعِزّ والارتقاء يعرض عَلَيْهِ وَالِده بعد عرض السَّلَام انه لما قدم فلَان وَسَأَلته عَن أَحْوَال الشَّام (وَمن يسْأَل الركْبَان عَن كل غَائِب ... فلابد أَن يلقى بشيرا وناعيا) فَأخْبر عَن فقد شقيقك من مُدَّة وشهور عدَّة فغدا الْقلب دهشا والبنان مرتعشا والجفن بدمعه غرق وَالْقلب محترق وَقد أظلمت فى وجهى ديار الرّوم وعمت على قلبى غيوم الغموم فياله من خبر فتت الاكباد وَمنع الْعين الرقاد كدر الْعَيْش وجلب الطيش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 (وَكَانَ النَّوَى يكفى لتشتيت شملنا ... فَكيف اذا كَانَ النَّوَى والنوائب) وَكنت أَرْجُو بقاه لاحظى بعد طول هَذِه الْفرْقَة بلقاه وَهَذِه حسرة الى الابد وجمرة لَا تكَاد تخمد فَلَا حِيلَة الا التَّسْلِيم والرضى وانا لله وانا اليه رَاجِعُون بِمَا قدر بِهِ وَقضى فنسأله سُبْحَانَهُ أَن يلهمنا جميل الصَّبْر ويعظم لنا جزيل الاجر وَأَن يَجْعَل ذَلِك خَاتِمَة الكروب وقافية بَيت الخطوب وَمَا نقص من عمره وانكسف من بدره زِيَادَة فى عمر أَخِيه رَأس المَال ونتيجة جَمِيع الآمال ففى بَقَائِهِ عوض عَن كل ذَاهِب وَخلف عَن كل غارب واذا دَعَوْت الله أَن يمتعنى بسمعى وَبصرى عنيته واذا قلت اجعلهما الْوَارِث منى فَهُوَ الذى أردته لذَلِك وارتضيته وَوَقع لَهُ فى بِلَاد الرّوم مَا جريات وأشعار وترسلات أثبت مِنْهَا كثيرا فى رحلته الاخيرة وهى أحسن آثاره وَكَانَ لَهُ أَمَان من الدَّهْر ماطله بقضائها حَتَّى مل الاقامة ويئس من الطّلب فَأَشَارَ اليه بعض اخوانه بِعَمَل قصيدة للوزير أَحْمد باشا الْفَاضِل فنظم قصيدته الرائية الَّتِى مطْلعهَا (طيف يمثله الغرام بفكره ... وَرَجا يحار بطيه وبنشره) حكى لى مرَارًا أَنه لما دخل بهَا عَلَيْهِ تنَاول قرطاسها من يَده وَشرع فى قرَاءَتهَا الى أَن وصل الى قَوْله فِيهَا (وألفت صرف الدَّهْر حَتَّى انه ... سيان عندى عسره مَعَ يسره) فأعجبه الْبَيْت ثمَّ سَأَلَهُ عَن مطلبه فأنشده بَيت الطغرائى (أُرِيد بسطة كف أستعين بهَا ... على قَضَاء حُقُوق للعلى قبلى) فَزَاد عجابا بمناسبته ووعده مواعيد أنجزت وَلكنهَا تخلفت أَيَّامًا فَأَخَذته شدَّة القلق وَالْغَم لتأخرها وَمِمَّا اتّفق لَهُ انه كَانَ فى ذَلِك الاثناء مارا فى بعض أَزِقَّة دَار الْملك وَهُوَ فى غَايَة ضيق الصَّدْر فَسمع رجلا من الرّوم يَقُول بِلَفْظ عربى فصيح (وَلَا بُد فى الاوقات وَقت مبارك ... ) فَفرج عَنهُ وَأخذ فأله مِنْهُ فَلم يمض أَيَّام قَليلَة الا ونالته شَفَاعَة الْوَزير بِقَضَاء بيروت وَلم تطل مُدَّة مقَامه بعد ذَلِك بالروم فَتوجه تِلْقَاء الشَّام ودخلها فى يَوْم الاحد غرَّة الْمحرم سنة سبع وَسبعين وَألف وَأقَام بهَا ثَلَاثَة أشهر ثمَّ توجه الى بيروت وصحبنى مَعَه وأقمنا بهَا مِقْدَار سنة ثمَّ رَجعْنَا الى الوطن وعدنا اليها مرّة أُخْرَى وأقمنا بهَا مِقْدَار عشرَة أشهر ثمَّ رَجعْنَا أَيْضا الى الشَّام تفرغ للتاريخ الذى جمعه وذيل بِهِ على تَارِيخ الْحسن البورينى وَالْتزم فِيهِ التسجيع وَهُوَ أحد مَادَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 تاريخى هَذَا وَجمع ديوَان شعره ومنشآته وَهَا أَنا مُجَرّد لَك قِطْعَة من شعره يبتهج بهَا الخاطر فَمن ذَلِك قَوْله من قصيدة مطْلعهَا (رعى الله أَيَّام الشبيبة من عصر ... وهز نسيم الْعَيْش رَيْحَانَة الْعُمر) (وَحيا بقاعا تنْبت الْحسن تربها ... وتبدى لنا الاقمار من فلك الخدر) (حللت بهَا والدهر أَبيض مقبل ... وعيشى مُقيم فى خمائله الْخضر) (تحوط بى الغيد الحسان أوانسا ... كَمَا اشتبكت زهر النُّجُوم على الْبَدْر) وَقَوله من أُخْرَى (عميد قلبه يجب ... بوجد الْخلّ يضطرب) (اذا عنت لَهُ الذكرى ... بِنَار الشوق يلتهب) (فَلَا وعد يعلله ... وَلَا وصل فيرتقب) (فليلى كُله فكر ... ويومى كُله تَعب) (فَحَيَّا ربع كاظمة ... وَلَا زَالَت بِهِ السحب) (وعيشا مر لى رغدا ... عَلَيْهِ الصب ينتحب) (بِبَيْت الطّرف فى دعة ... بِمن يهواه يصطحب) (هِلَال بالبها تعنو ... لَهُ الاقمار والشهب) (يروم الريم يحكيه ... وَلَكِن فَاتَهُ الشنب) (يمِيل بِغُصْن قامته ... اذا مَا هزه الطَّرب) (بدا والكاس فى يَده ... زها باللؤلؤا الحبب) (فمسكنه غَدا قلبى ... وَعَن عينى يحتجب) (فَمن أفتاه فى تلفى ... ترى للهجر مَا السَّبَب) (ولوم لوائمى لؤم ... وعذل عواذلى عجب) (لَعَلَّ لياليا تصفو ... ودهرى للمنى يهب) (فتسعدنى وتمنحنى ... بمولى صَدره رحب) وَقَوله من قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا (غزال با سياف اللحاظ يصول ... لَهُ فرع حسن قد نما وأصول) (يطول على اللَّيْل من فرط هجره ... وَلَا غر وليل العاشقين يطول) (أسائل من شوقى لَهُ نسمَة الصِّبَا ... اذا ازاد وجدى والمحب سؤول) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 (أرَاهُ بِعَين الْقلب فى كل سَاعَة ... قَرِيبا وَلَكِن مَا اليه وُصُول) (أكل محب بالجفاء معذب ... وكل حبيب بِالْوَفَاءِ بخيل) (فكم أندب الاطلال منى جَهَالَة ... وهيهات أَن يسلى العميد طلول) (فها مهجتى وتف عَلَيْهِ محبس ... وقلبى رهين والفؤاد كَفِيل) (عساه بِأَن يشفى فؤادى بزورة ... فانى من دَاء الْفِرَاق عليل) (وعل زمانى بالامانى يجود لى ... فان جواد الْحَظ مِنْهُ جفول) (فآها على أَوْقَات قرب تقدّمت ... وساعات سعد مَا لَهُنَّ مثيل) (زمَان بِهِ غُصْن الشبيبة يَانِع ... وَوجه زمانى بالسرور جميل) (سقى الله هاتيك الْمنَازل والربى ... وربعا بِهِ أهل الحبيب نزُول) (وَحيا على رغم النَّوَى كل لَيْلَة ... تولت وطر فى بالرقاد كحيل) (وَأَيَّام أنس لَا يكدر صفوها ... بلوم وَلم يعذل هُنَاكَ عذول) (فَمَا ملت يَوْمًا بعْدهَا لشمائل ... وَلَا حركتنى للغرام شُمُول) وَقَوله من أُخْرَى (حَدِيث غرامى فى هَوَاك صَحِيح ... وقلبى كأقوال الوشاة جريح) (وشوقى الى لقياك شوق حمامة ... لَهَا فَوق أفنان الغصول صدوح) (فتندب اطلالا لَهَا ومعاهدا ... وَتظهر أشجانا بهَا وتصيح) (فَلَا مؤنس فى الدَّار لى غير صَوتهَا ... اذا هاج وجدى والدموع تسيح) (كِلَانَا غَرِيب يشتكى الهجر والنوى ... فيبكى على الف لَهُ وينوح) (فقلبى وجفنى ذَا يذوب صبَابَة ... حَزينًا وَهَذَا بالدموع قريح) (ومهجة صب مستهام متيم ... بهَا صَار من دَاء الغرام قُرُوح) (أهيم غراما حِين أذكر جلقا ... ودمعى بسفح القاسيون سفوح) (وَلَو كَانَ طرفى فى يدى عنانه ... سعيت وَلَكِن عَن مناي جموح) وَقَوله من أُخْرَى (ومصون عَلَيْهِ عِبْرَة حسن ... حَجَبته عَن أعين الاوهام) (حبه فى الْقُلُوب سر خفى ... كخفاء الارواح فى الاجسام) (ملك لم يدع من الْحسن شَيْئا ... لسواه يرَاهُ فى الاحلام) وَمن مقاطيعه قَوْله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 (وَقد كنت أخْشَى الْبعد والشمل جَامع ... بأحبابنا وَالْقلب دَار وداد) (فقد صرت فى ذَا الْآن أبعد طَالب ... وأقنع من رؤياهم بمداد) وَقَالَ من الرباعيات (يَا قلب دنت خيام سعدى فلج ... وانعم سحرًا بِطيب ذَاك الارج) (واصبر جلدا وَلَا تكن فى حرج ... فالصبر غَدا مِفْتَاح بَاب الْفرج) وَله (يَا قلب ان كنت قلبِي ... فِي الْحبّ لَا تتقلب) (لَعَلَّ من بعد بعد ... يدنو الحبيب فتطرب) وَله فى صدر مُكَاتبَة (ان كتبى الى جنابك تبدى ... بعض مَا بى من كَثْرَة الاشواق) (وفؤادى أضحى عليل اشتياقى ... لَيْسَ يشفيه مِنْك الا التلاقى) لَهُ غير ذَلِك وَأما منشآته فكثيرة جدا وَلما كَانَت هى الْمَقْصُودَة بِالذَّاتِ من آثاره ذكرت فصولا مِنْهَا ليتم الْغَرَض فَمن ذَلِك قَوْله من فصل كتب بِهِ الى قَاض نقل اليه عَنهُ انه يزدريه مولاى حرس الله تَعَالَى مَجْلِسه وَشرح صَدره وأدام أنسه ان الاعداء مَا زَالُوا يترقبون فرْصَة ويرتادون وسيله ليتوصلوا بهَا فى الْقدح بى لَدَى هاتيك الحضرة الجليلة حَتَّى غفل البواب وَفتح لَهُم الْبَاب رتبوا شباك الْغدر ونصبوا حبائل الْمَكْر واستفرغوا فى السّعَايَة جهدهمْ وأخرجوا أقْصَى مَا عِنْدهم وسلكوا فى الافتراء طَرِيقا عجبا وَكَانُوا يتمنون لذَلِك سَببا (وَأصْبح أَقوام يَقُولُونَ مَا اشتهوا ... وَغَابَ أَبُو عَمْرو وَغَابَتْ رواحله) وَلَو رَأَيْت مَا افتروه فى الْمَنَام لتحققت أَنه أضغاث أَحْلَام وتعوذت بِاللَّه من شَرّ منامى وَسَأَلته سُبْحَانَهُ الْعَافِيَة من طوارق أحلامى (لَو كَانَت الاحلام ناجتنى بِمَا ... أَلْقَاهُ يقظان لأصمانى الردى) ولظننت ان تِلْكَ الرُّؤْيَا نتيجة فكر ردى وبخار خلط سوداوى وانما دفعت فى منامى الى هَذَا التَّخْلِيط لَا كل الباذنجان والقنبيط فَبِحَق حياتك العزيزة عندى وَشرف طبعك الذى اسْتَأْثر بِمَجْمُوع شكرى وحمدى ان مَا قيل من مَحْض الاباطيل وَدَعوى من غير دَلِيل وَالله على مَا نقُول وَكيل اللَّهُمَّ انا نَسْأَلك عقلا يعقلنا عَن مثل تِلْكَ الحماقات ورشدا يمنعنا عَن تِلْكَ الدَّعَاوَى الباطلات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 (والدعاوى مَا لم يقيموا عَلَيْهَا ... بَيِّنَات أبناؤها أدعياء) فالباطل يصغر من حَيْثُ يكبر ويقل من حَيْثُ يكثر والسعاية سلَاح من لَا سلَاح لَهُ وَالْكذب كيد من لَا كيد لَهُ فَمن جبل على الكدر لَا يصفو أبدا والذى خبث لَا يخرج الا نكدا وَمن فصل آخر كتب بِهِ الى صديق لَهُ عزل عَن منصب وَبدل بشخص دنى يعز على أَن أنظر الى ذَلِك الصَّدْر وَقد جلس فِيهِ غير ذَلِك الْبَدْر وانى لاستحى لعينى ان أفتحها على الصَّغِير وقسد جلس مجْلِس الْكَبِير فانى لذَلِك ضيق ساحة الصَّدْر قريب غر وَالصَّبْر كثير المباراة قَلِيل المداراة فَمَا أسْرع الايام على الْكَرِيم فِيمَا يضرّهُ وعَلى اللَّئِيم فِيمَا يسره فَترفع كل وغد خسيس وتخفض كل حر نَفِيس فَمَا هى الا الْبَحْر تسفل فِيهِ الْجَوَاهِر النفيسة وتطفو فَوْقه الجيفة وكالميزان يرفع من الكفة مَا يمِيل الى الخفة ويخفض مَا يفى بالرجحان وَيبعد من النُّقْصَان وَلَا بدع فهى علامه على قيام القيامه وَهَذَا الْخُرُوج مُقَدّمَة يَأْجُوج وَمَأْجُوج (يَا ضَيْعَة الاعمار فى طلب العلى ... بِالْعلمِ وَالنّسب الذى بالشين) على أَن المنصب يشرف بِصَاحِبِهِ والمركب يجل براكبه فالصغير مِنْهُ بالكبير كَبِير وَالْكَبِير مِنْهُ بالصغير صَغِير (أَنْت الْكَبِير الذى لَا الْعَزْل ينقصهُ ... قدرا وَلَا المنصب العالى بشرفه) وهى جلْسَة خطيب وسحابة صيف تقشع عَن قريب وَمن فَرح النَّفس مَا يقتل وَقد تهافت تهافت الْفراش بالشهاب وولغ ولوغ الذُّبَاب فى الشَّرَاب وَلَو أَن الدَّهْر يُجيب من خاطبه وَيَعْتِبُ من عاتبه لاستدركت هَذِه الْغَفْلَة عَلَيْهِ وفوقت سِهَام الملام اليه لكنه أَصمّ عَن الْكَلَام صبور على وَقع سِهَام الملام فَمن عَمُود الى عَمُود فرج وَكم صَبر يشم مِنْهُ طيب الارج وَله من فصل آخر كتب بِهِ الى بعض أحبابه يعْتَذر عَن عدم الْمُكَاتبَة أُرِيد أَن أقدم على المعذرة فأحجم وأكاد أَن أعرب عَن الشوق فأعجم كَيفَ لَا وشوقى مَالا تسعه عباره وذنب تقصيرى لَيْسَ لَهُ غير الْعَفو كفاره (وَمَا الْفضل الا خَاتم أَنْت فصه ... وعفوك نقش الفص فاختم بِهِ عذرى) وَله من فصل آخر فى توقع أُمْنِية لَا يعزب عَن علم الْمولى بلغه الله تَعَالَى أمله ان أفضل الصَّدَقَة أَن تعين بجاهك على من لَا جاه لَهُ وشفاعة اللِّسَان أفضل زَكَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 الانسان وَلَا يخفى قَوْلهم زَكَاة الجاه رفد المستعين وَقد وَردت من أَنهَار فضلك كل معِين فَمن طلب الرى من الْفُرَات لم يخْش الظمأ فى ورده وَمن قصد الْكَرِيم برجائه لم يخب فى قَصده فَلَيْسَ يُنجى من هَذِه الآلام والشدائد الَّتِى تعجز عَن وصفهَا السّنة الاقلام الا لمحة من لمحات فضلك وَلَا يجْبر هَذَا الْكسر الا نفحة من نفحات عدلك وَمَا عسر وعد أَنْت مستنجزه وَلَا بعد أَمر أَنْت منتهزه وَمَا خَابَ من أَنْت رائش نبله وواصل حبله والثقة وَاقعَة بك على كل حَال والمثوبة مُحَققَة من الْكَرِيم المتعال وَمن آخر يُعَاتب فِيهِ على قطع المراسلة تَأَخّر عَنى كتاب سيدى متع الله الادب بطول بَقَائِهِ وَصرف السوء عَن شرِيف حوبائه حَتَّى كدت أنسى أَيَّام المراسلة وصرت أرى فى الْمَنَام أَوْقَات الْمُكَاتبَة والمواصلة ثمَّ انى راجعت ظنى فَوجدت الذَّنب مقسوما بَينه وبينى فتحملت حِصَّة مِنْهُ ثمَّ انْفَرَدت بِجَمِيعِهِ عَنهُ فها أَنا الْآن أبدى عَن ذَلِك عذرا مَعَ اعترافى بالتقصير كلما ضَاقَ الامر صَدرا أوسعته صبرا (وَمَا كَانَ قطع الْكتب عَنى ملالة ... وحاشا لمثلى أَن يُقَال ملول) (وَلَكِن أُمُور قد عرت وحوادث ... ألمت وَشرح الحادثات يطول) فالمحجوج بِكُل شئ ينْطق والغريق بِكُل خبل مُتَعَلق وَلَقَد عققت الود وظلمت الْعَهْد وَكنت منتظرا لعساكر العتاب فَلم يرد على الى هَذَا الْيَوْم من ذَلِك الجناب خطاب وَلَا كتاب فَكتبت هَذِه الاحرف أَخطب بهَا مودتى الْقَدِيمَة وَصدق ولائى من تِلْكَ الحضرة الْكَرِيمَة وَأَنا الْآن بِكِتَاب سيدى اذا ورد على أَشد سُرُورًا من المشتاق الى التلاق بعد طول الْفِرَاق وَقد مددت الى الطَّرِيق عينى وَأخذت أعد الخطا بَينه وبينى أَحسب كل انسان رَسُولا وكل شخص كتابا الى مَحْمُولا وَمن رِسَالَة لَهُ أرسلها الى مَنْصُور الطَّبِيب العيسوى (أَنا أَصبَحت لَا أُطِيق حراكا ... كَيفَ أَصبَحت أَنْت يَا مَنْصُور) قد طَالَتْ الْعلَّة وَطَابَتْ الْعُزْلَة فَلَيْسَ فى الْحَرَكَة هَذَا الْآن بركه والانقطاع أربح مَتَاع والاجتماع جالب للصداع والاختلاط محرك للاخلاط والوحشة استئناس وَأجْمع للحواس (خلت الديار فَلَا كريم يرتجى ... مِنْهُ النوال وَلَا مليح يعشق) فَهُوَ زمَان السُّكُوت وملازمة الْبيُوت وَأَوَان القناعة بالقسوت وَذَلِكَ قوت من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 لَا يَمُوت (فالحرحر وان مَسّه الضّر فوطؤه خَفِيف وضالته رغيف ... ) (لُزُوم الْبَيْت أروج فى زمَان ... عد منافيه فَائِدَة البروز) (فَلَا السُّلْطَان يرفع من محلى ... وَلست على الرّعية بالعزيز) (وَلست بواجد حرا كَرِيمًا ... أكون لَدَيْهِ فى حرز حريز) وَهَذَا مَا وَقع اختيارى عَلَيْهِ من منشآته لاثباته فى تَرْجَمته ووراءه أَشْيَاء أخر تمتّع كل مطالع أَعرَضت عَنْهَا حذرا من التَّطْوِيل وَبِالْجُمْلَةِ فنثره كَمَا ترَاهُ مفرغ فى قالب السلاسه خَال من وصمة التعقيد وَفِيه معَان عذبة وألفاظ رائعة وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة الاربعاء سَابِع عشر الْمحرم سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف وَتوفى نَهَار الثُّلَاثَاء قبيل الظّهْر بِمِقْدَار سَاعَة ثَالِث عشرى جُمَادَى الثَّانِيَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ بعد الْعَصْر بِجَامِع بنى أُميَّة وَدفن بمدفننا الْخَاص قبالة جَامع جراح فى قبر جده ووالده الشَّيْخ فضل الله بن مُحَمَّد الرومى البركلى وَأَبوهُ الشَّيْخ الْعَالم الْعلم صَاحب كتاب الطَّرِيقَة المحمدية أَخذ الْعُلُوم عَن وَالِده وَقدم الى قسطنطينية فى حُدُود سنة عشْرين وَألف وَأقَام بهَا واشتهر صيت علمه وَأعْطى وظائف الْوَعْظ والتذكير من ذَلِك وعظ جَامع السُّلْطَان سليم وَكَانَ ينْقل فِيهِ التَّفْسِير ثمَّ أعْطى وعظ جَامع السُّلْطَان بايزيد وَكَانَ عَالما فصيح اللِّسَان حسن الْبَيَان باهر الشان وَكَانَ للنَّاس عَلَيْهِ اقبال تَامّ وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاثِينَ بعد الالف وَصَارَ مَكَانَهُ واعظ الْعَالم الشهير بقاضى زَاده الرومى صَاحب الطَّرِيقَة الْمَشْهُورَة فى التقشف والصلابة فى الدّين وَكَانَ صَار مَكَانَهُ أَيْضا واعظا بِجَامِع السُّلْطَان سليم وسيأتى ابْنه مُحَمَّد الْمَعْرُوف بعصمتى ان شَاءَ الله تَعَالَى فضل الله باشا الْوَزير نَائِب الْيمن وَليهَا بعد مُحَمَّد باشا فَكَانَ وُصُوله الى بندر الصليف فى ثانى شهر ربيع الاول سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف وَدخل صنعاء فى رَجَب من هَذِه السّنة وَكَانَ يغلب على ظَاهر أَحْوَاله الجذب من سرعَة حركاته وَهُوَ فى جَمِيع أَحْوَاله من أهل الحزم والدهاء وَكَانَ يخَاف من الله تَعَالَى ويلوذ بالصالحين وَكَانَ كثير الصَّدقَات للْعُلَمَاء والسادة والفقراء وَكَانَ يَدُور فى اللَّيْل بِنَفسِهِ على بيُوت الاشراف وَيحسن اليهم وَكَانَ مجدا فى الامر بالصلوات فى الْجَمَاعَات وَمن تَأَخّر عاقبه وبرزت أوامره الى سَائِر الْوُلَاة بِأَن يأمروا كَافَّة أهل الاسلام بِحُضُور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 الْجَمَاعَات حَتَّى عمرت الْمَسَاجِد فى زَمَنه ونسى اسْم الْخمر وَكَانَ يسْعَى على قدمه الى الْجَوَامِع للصلوات وَكَانَ زَمَانه زمَان خصب وَخير رخصت فِيهِ الاسعار وَكَثُرت الامطار وَحصل الامن فى الطرقات وَلما وصل الْخَبَر اليه ان بِلَاد الْيمن قد وجهت للوزير حيدر باشا نَهَضَ قبل مَجِيئه بسبعة أشهر خوفًا أَن يَقع فى جَانِبه كَمَا وَقع على من تقدمه من الْحُكَّام وَخَافَ من عَاقِبَة هَذَا الامر أَن يكون سَببا لخراب الْبِلَاد فَلم يملك نَفسه فى التَّرَبُّص والتوقف مَعَ علو صيته وبطشه فى الحروب حِين كَانَ فى الْيمن بل شمر ونهض مُعْلنا انه يُرِيد أَن يطوف فى ولَايَة الْيمن وَقد فعل قبل ذَلِك ليَكُون سَبِيلا لمثل ذَلِك وان مُرَاده اظهار الْعدْل والانصاف ولاجل قمع شَوْكَة الفرنج الَّذين تسلطوا على المراكب فى الْبَحْر وَكَانَ خليقا بِهَذَا الامر لَوْلَا استعجاله بالنهوض وباطنه بِخِلَاف مَا أظهر فانه أضمر فى نَفسه الخلوص من الْيمن قبل أَن يحصل لَهُ فتْنَة فَكَانَ خُرُوجه من صنعاء فى حادى عشرى شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف فوصل الى أَبى عريس وهى انْتِهَاء حد ولَايَة الْيمن وَذَلِكَ فى شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة فانتقل الى رَحْمَة الله تَعَالَى فَلَمَّا صَارَت الْبِلَاد خَالِيَة مِمَّن يدعى الْملك نَهَضَ الامير مُحَمَّد بن سِنَان باشا وَقد أدْركهُ الْعجب بحب الرياسة وَالْملك اعْتِمَادًا مِنْهُ على أَحْوَاله بِالْقُوَّةِ الظَّاهِرَة وَأظْهر أَنه يُرِيد حفظ الخزانة الَّتِى خلفهَا الْمَذْكُور وَقد رَجَعَ كتخدا الْوَزير فضلى باشا بالخزينة والعساكر حِين وصل اليه الْمقر الْكَرِيم الامير خضر لاجل ازعاجهم مِمَّن هُوَ قَائِم بالامر فحين الْتَقَوْا فى مرجعهم بالامير مُحَمَّد قبض على الخزائن وَنكل السكتخدا الْمَذْكُور وَسَائِر أَتبَاع الْوَزير بأشد النكال وصادرهم وَكَاد يبوح بالاستقلال فَلَمَّا ركب فى غير سَرْجه ودرج فى غير برجه أحاطت بِهِ النحوس من كل جَانب وَلما اسْتَقر فى مَدِينَة زبيد فى جمع عَظِيم وَقد اشْتهر من الاراجيف ان الْحَاكِم الْمُتَعَيّن لليمن حصل عَلَيْهِ أَمر فى الْبَحْر ووردت بعد ذَلِك اخبار وُصُوله الى بندر جدة مَعَ رجل من أَتْبَاعه فَحِينَئِذٍ ظن الامير أَن خُرُوج صَاحب الامر من بندر الْبقْعَة يقرب زبيد وتطايرت الاخبار الى الْوَزير بِبَعْض حركته فَعدل الى طَرِيق بندر المخا فَكَانَ خُرُوجه الى البنرد الْمَذْكُور يَوْم الْجُمُعَة غرَّة شهر ذى الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف فحين خرج من الْبَحْر أرسل الى الامير أَن يصل اليه فَلَمَّا وصل قابله فِيمَا طلبه من الاسعاف فَلَمَّا تمكن أَمر بِقطع رَأسه فَقطع فى يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 الشريف فهيد بن الْحسن بن أَبى نمى أحد أَشْرَاف مَكَّة كَانَ من أمره أَنه شَارك أَخَاهُ الشريف ادريس وَابْن أَخِيه الشريف محسن بن حُسَيْن بِالربعِ فى جَمِيع أقطار الْحجاز الدَّاخِلَة تَحت حكم صَاحب مَكَّة فكثرت أَتْبَاعه من الاشراف وَغَيرهم بِحَيْثُ صَار موكبه يضاهى موكب الْملك وَكَانَ اذا جلس وقفت التّرْك عَن يَمِينه وشماله وَاتخذ رُمَاة للبندق نَحْو مِائَتَيْنِ أَو أَكثر وَلم يحفظ أَتْبَاعه وعبيده من النهب وَالسَّرِقَة فَكثر ضَرَره على النَّاس وَعجز عَن مداراته الشريف ادريس وَلما اشْتَدَّ أمره أَخذ بِجَانِب أكمل الدّين القطبى وَأَرَادَ أَن يصيره مفتيا فَلم يرض الشريف ادريس وَوَقع بَينهمَا فَأرْسل الشريف ادريس لِابْنِ أَخِيه الشريف محسن وَكَانَ اذ ذَاك فى الْيمن بِأَن يأتى بِجَمِيعِ من مَعَه من الاشراف والقواد وَالْعرب فَحَضَرَ وَمَعَهُ أَمِير حلى مُحَمَّد بن بَرَكَات الحرامى ونودى فى مَكَّة بِأَن الْبِلَاد لله وللسلطان وللشريف ادريس والشريف محسن وخلع الشريف فهيد من الذّكر وَمنع من الرّبع وَلم يخْطب لَهُ وَكَانَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة فى بَيته وجموعه وافرة فاستعد أَصْحَابه لِلْقِتَالِ وَأَشَارَ اليه أعيانهم بِالْحَرْبِ فَامْتنعَ من ذَلِك وَطلب من الشريف ادريس مِقْدَار شهر مهله ليتأهب لِلْخُرُوجِ من مَكَّة وَيتَوَجَّهُ الى حَيْثُ أَرَادَ فَخرج من مَكَّة فى سنة تسع عشرَة وَألف وَطلب من أَخِيه الشريف ادريس أَن يُمكنهُ من سُكْنى مَكَّة بِغَيْر ربع فَامْتنعَ فانضم الى بعض أكَابِر الْحَاج المصرى وسافر الى مصر وتاريخ قدومه مصر قدومكم خير ثمَّ توجه الى الديار الرومية وَاجْتمعَ بالسلطان أَحْمد فَيُقَال انه أنعم عَلَيْهِ بأماره مَكَّة فعاجلته الْمنية وَمَات هُنَاكَ فى سنة عشْرين بعد الالف وَقيل فى تَارِيخ مَوته مَاتَ بالروم فهيد بن الْحسن فيض الله بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن الْقَاف الرومى قاضى الْعَسْكَر أحد مشاهير فضلاء الرّوم كَانَ فَاضلا أديبا فصيح اللهجة هدار الشقشقة طنان الصيت وَله تَقْرِير وتحرير وأشعار بِالْعَرَبِيَّةِ حَسَنَة التأدية ولى فى ابْتِدَائه قَضَاء حلب وَلما دَخلهَا أنْشد لنَفسِهِ قصيدة طَوِيلَة فى مدحها ومستهلها (الْحَمد لله منجينا من الكرب ... جِئْنَا الى حلب الشهبا بِلَا تَعب) (مصر جَلِيلًا خَلِيل الله عمره ... طُوبَى لساكن مصر قد بناه نبى) (وَلَيْسَ قصدى سوى دفع الْمَظَالِم عَن ... ذِي حَاجَة عَاجز يَدْعُو وَلم يجب) ثمَّ بعد مُدَّة من عَزله عَن قَضَائهَا وَجه اليه قَضَاء الشَّام وَذَلِكَ فى سنة تسع وَتِسْعين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 وَتِسْعمِائَة ومدحه الْجمال يُوسُف بن العلموى بقصيدة طَوِيلَة لم أَقف عَلَيْهَا وَكَانَ طلب من عُلَمَاء دمشق أَن يقرظوا لَهُ عَلَيْهَا فَكتب عَلَيْهَا مِنْهُم جمَاعَة مِنْهُم جدى القاضى وَالشَّمْس ابْن المنقار وَالْحسن البورينى وَلما وقف القاضى الْمَذْكُور على القصيدة والتقاريظ عمل أبياتا يمتدح بهَا أهل دمشق وَيُشِير الى أَسمَاء بعض من قرظ والابيات هى هَذِه (عموا واسلموا يَا أهل جلق بالبشر ... صباحا وفى عَيْش رغيد مدى الدَّهْر) (وَلَا نالكم ضيم وَلَا مسكم أَذَى ... من القاسطين الجائرين ذوى الْجَبْر) (أَضَاءَت شموس الْعلم فاضت بحوره ... فآضت دمشق الشَّام تعبق بالنشر) (مشايخهم فى عَالم الْقُدس وجدهم ... وأنفاسهم قدسية مجْلِس الذّكر) (وكل مُرِيد الْخَيْر وَالْبر والتقى ... وكل محب الدّين ذُو الْفضل وَالْقدر) (هم حسنوا الاخلاق قد طَابَ شملهم ... وأقوالهم أقوى لَهُم صدقهَا يجرى) (وَكم قَارِئ بَاب الْفَضَائِل قارع ... وَكم شَاعِر يسبى الْعُقُول من السحر) (أتوى بقريض فى المديح كَأَنَّهُ ... جَوَاهِر قدرا قد علت أنجم الزهر) (فألفاظه قطر الندا مَوضِع الصدا ... على انه قد فاض حَتَّى على الْبَحْر) (أاشراق شمس أم سنا الْبَدْر قد بدا ... وسمط لآل أم عُقُود من الثغر) (أينثر من بَحر الْمعَانى لآلئا ... فينظمها فى سلك جيد من الْفِكر) (وَكم لاقط من درفيه جواهرا ... فرائد تغنى النَّحْر عَن دُرَر الْبَحْر) (وانى وان أبديت للْعلم بهجة ... وأعليته حَتَّى سما رُتْبَة الْبَدْر) (وانى وان جَاهد فى الله قَائِما ... بنصر التقى فى الدّين خيرا من النَّضر) (وانى وان أصلحت سرى مخلصا ... لربى حَتَّى فزت بِالْحَقِّ فى السِّرّ) (وَلَكِن ظُهُور الْحق صَعب واننى ... على الذَّنب وَالتَّقْصِير مُسْتَوفى الْعذر) (ونيتنا اجراء شرع نَبينَا ... عَلَيْهِ سَلام الله فى السِّرّ والجهر) (فَكُن عون فيض الله يَا سيد الورى ... بامداد أهل الْعَجز والضعف والفقر) وَلما عزل عَن دمشق رَحل الى الرّوم وَأقَام مُدَّة ثمَّ ولى قَضَاء الغلطة فى سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف ثمَّ لم يزل يتَوَلَّى بعد ذَلِك منصبا بعد منصب حَتَّى ولى قَضَاء العسكرين وانتقل بالوفاة وَمن مَشْهُور شعره قصيدته الَّتِى مدح بهَا السُّلْطَان مُرَاد بن السُّلْطَان سليم وَيذكر فتح عُثْمَان باشا لمدينة تبريز وَذَلِكَ فى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 ومطلعها (لله درجيوش الرّوم اذ ظَهَرُوا ... على الروافض قد صَارَت بهم عبر) (كم أبدعوا بدعا سبا ومظلمة ... لَهُم قُلُوب يحاكى لينها الْحجر) (فَالنَّاس تجأر للرحمن من يدهم ... وَالله يسمع مِنْهُم كلما جأروا) (أَتَت اليهم جيوش الرّوم يقدمهَا ... من بأسها المنذران الْخَوْف والحذر) (وعندما اقْترب الْجَيْش العرمرم من ... تبريز ثمَّ بدا فى ذاتهم خور) (فشجعوا أنفسا مِنْهُم قد امتلئت ... جبنا وَقد طاشت الاحلام والفكر) (ظنُّوا بِأَن الليالى نحوهم نظرت ... فَأَخْطَأَ الظَّن لما أَخطَأ النّظر) (وأملوا سحرًا من ليل كربهم ... فَلم يكن لدجى أوصابهم سحر) (لما رأى بأسنا حمر الرؤس اذا ... فروا كَمَا فر من أَسد الشرى الْحمر) (قُلُوبهم خشيت أَبْصَارهم عميت ... شَاهَت وُجُوههم خوفًا وَقد خسروا) (سطوا بهم فتراهم ذَا يَغْزُو ذَا ... عان أَسِير وَذَا فى الترب منعفر) (وَالنَّقْع ليل بهيم لَا نُجُوم بِهِ ... تلوح للعين الا الْبيض والسمر) (فالبيض فى يدهم صَارَت صوالجة ... والارؤس الْحمر فِيمَا بَينهم أكر) (كَأَنَّمَا السمر مغناطيس أنفسهم ... فَحَيْثُ مَالَتْ ترى الارواح تنتثر) (ذوت رياض أمانيهم فَلَا ثَمَر ... يلوح فِيهَا وَلَا فى دوحها ثَمَر) (وللفرار الى الاقطار قد نفروا ... وَمَا لَهُم معشر فِيهَا وَلَا نفر) (فَأَصْبحُوا لَا ترى الا مساكنهم ... وَقد خلت مَا بهَا عين وَلَا أثر) (وتخت تبريز نَادَى وَهُوَ مبتهج ... هَذَا الزَّمَان الذى قد كنت أنْتَظر) (فيا مليكا لَهُ كل الْمُلُوك غَدَتْ ... تدين طَوْعًا وتأتى وهى تعتذر) (سروا ملك الارض وَالدُّنْيَا فَأَنت اذا ... اسكندر الْعَصْر قد وافى بِهِ الْخضر) (فيا لَهَا نعْمَة آثَار مفخرها ... كَانَت لدولته الغراء تدخر) (ظلّ الا لَهُ مُرَاد الله قد شرفت ... بِهِ المنابر والتيجان والسرر) (أجل من وطئ الغبراء من ملك ... بأَمْره سَائِر الاملاك تأتمر) (بداله فى سَمَاء الْمجد نور هدى ... من دونه النيرَان وَالشَّمْس وَالْقَمَر) (بعزمه ظهر الْفَتْح الذى عجزت ... عَنهُ السلاطين قد أفنتهم الْعَصْر) (وَأصْبح الْملك محروس الجناب وَقد ... وافى بِهِ المسعدان الْقدر وَالْقدر) (لوفاخرته مُلُوك الارض قاطبة ... مَا نالهم من معانى فخره الْعشْر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 (هَل يستوى الشَّمْس والمصباح جنح دجى ... ويستوى الجاريان الْبَحْر وَالنّهر) (عطفا على العَبْد فيض الله ناظمه ... وَقَلبه من صروف الدَّهْر منكسر) (لَا زَالَ ملكك دورى السُّعُود فَلَا ... يرى لَهُ آخر فى الدَّهْر ينْتَظر) (بدولة تخلق الايام جدَّتهَا ... مَا لَاحَ جنح الدياجى الانجم الزهر) وَكَانَ أبوالمعالى الطالوى وَهُوَ بالروم أحد ندمائه وَله فى مدحه قصائد كَثِيرَة وَله مَعَه مداعبات فَمن ذَلِك مَا كتبه اليه فى لَيْلَة شَاتِيَة يطْلب مِنْهُ ولنسة وفيهَا لُزُوم مَا لَا يلْزم (قل لفيض الله مَوْلَانَا أدام الله أنسه ... ) (ان نوع الْبرد هَذَا ... مَا رَأينَا قطّ جنسه) (هجم الدَّار وفيهَا ... عقل الظَّالِم عنسه) (وجد الْمنزل خَال ... قد أَجَاد العَبْد كنسه) (فثوى بَين ضلوع ... لقِيت مَا لَيْسَ أنسه) (سَمِعت بالروم مِنْهُ ... اننى أهل بلنسه) (فأغثنى يَا غياثى ... من يَدَيْهِ بولنسه) وقرأت فى كتاب السانحات قَالَ كنت أغشى فى زمَان عَزله كل وَقت دَاره وحماه وَأَجْعَل سميرى فى ليل ذَلِك الْعَزْل قمر محياه وَهُوَ يعد ويمنى بِحُصُول بعض المطالب والمآرب اذا ولى منصبا من بعض المناصب فَلَمَّا ولى قَضَاء الغلطه صَارَت تِلْكَ المواعيد كَأَنَّهَا مغلطه وَأما تَوليته قَضَاء اسلامبول فقد خَابَ فِيهَا الامل وَخيَّب المأمول فَكتبت اليه وَلم أعول عَلَيْهِ (لى صَاحب فى الْعَزْل يبصر دَائِما ... مَا لَيْسَ فى الاجسام يدْرك بالبصر) (فيكاد يحكم عِنْد رُؤْيَته على ... طوق الْحَمَامَة ثمَّ ألوان أخر) (ولربما نظر النُّجُوم لوامعا ... وَقت الضُّحَى وَرَأى السهى مثل الْقَمَر) (بصر حَدِيد فى الْحَدِيد نُفُوذه ... كنفوذ أضواء الاشعة فى الاكر) (فَكَانَ زرقاء الْيَمَامَة كحلت ... جفنيه من كحل لَدَيْهَا مدخر) (مَا زلت أنهله مياه مودتى ... وأعل مِنْهُ الصفو خَال من كدر) (لَا صَبر لى عَنهُ نَهَارا كَامِلا ... وكذاك عَنى لَيْسَ فِيهِ مصطبر) (واذا جرى ذكر لَهُ فى مجْلِس ... جادلت عَنهُ بِالْخُصُومَةِ من حضر) (أما الصداقة والعلاقة بَيْننَا ... فحديثها بَين الانام قد اشْتهر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 (حَتَّى اذا ولى الْقَضَاء رَأَيْته ... أعمى البصيرة فِيهِ مكفوف النّظر) (لَا يهتدى سبل الرشاد بقائد ... كم حذروه مِنْهُ لَو نفع الحذر) (لوشام بارق دِرْهَم لِجَهَنَّم ... أَهْوى ليأخذه دولو كَانَت سقر) (فَغَدَوْت مِنْهُ مثل همزَة وَاصل ... أوراء وَاصل حِين لفظتها هجر) (لَكِن أَقمت على التباعد عذره ... والدهر فِيهِ عِبْرَة لمن اعْتبر) (وَرَأَيْت أحسن مَا يُقَال لمثله ... يَوْمًا اذا جَاءَ القضا عمى الْبَصَر) انْتهى وَكَانَت وِلَادَته فى سنة خمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى سلخ جُمَادَى الاولى سنة عشْرين وَألف حرف الْقَاف المنلا قَاسم بن أَحْمد الكردى نزيل دمشق من أفاضل الاكراد ورد الى دمشق وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ الاحمدية قبالة قلعة دمشق وأقرأ بعض الطّلبَة وَسكن دمشق وَأَنْشَأَ دَارا بِالْقربِ من جَامع الدرويشية وَلما قدم محافظ الشَّام الْوَزير أَحْمد باشا الكوجك جعله اماما لَهُ وَحصل أَمْوَالًا كَثِيرَة وَصَارَ خَادِمًا لمزار سيدنَا يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلما عمر مخدومه الْمَذْكُور عِمَارَته بِدِمَشْق شَرط لَهُ النّظر عَلَيْهَا فَلَمَّا مَاتَ أَحْمد باشا اسْتَأْجر وَقفه ببعلبك وَصرف جهده فى تنمية الْوَقْف وَبعده اضمحل أمره وَخَربَتْ قراه وَمن عَجِيب أمره أَنه كَانَ سخيا الى الْغَايَة والسخاء فى الاكراد أعجب العجيب وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاحد سادس الْمحرم سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بالقلندرية بمقبرة بَاب الصَّغِير قَاسم بن عبد المنان الكردى الاصل نزيل دمشق نَاظر وقف سِنَان باشا بِالشَّام وَأحد الكبراء الصُّدُور هُوَ فى الاصل من عتقى الْوَزير الاعظم سِنَان باشا الْمَذْكُور خدمه فى صغره ثمَّ خدم ابْنه مُحَمَّد باشا وَهُوَ نَائِب حلب وَكَانَ وَكيل خرجه وَغَضب عَلَيْهِ آخر أمره بِسَبَب ان سوقة حلب طالبوه بِمَا لَهُم عِنْده من الْمصرف وَكَانَ مِقْدَاره تِسْعَة آلَاف قِرْش فَطَلَبه من مخدومه فطرده وألزمه باعطاء الْمبلغ من مَاله فَأعْطَاهُ وَلم يبْق عِنْده بعد ذَلِك الا ثِيَاب بدنه وَخرج من حلب إِلَى دمشق وَأقَام عِنْد يُوسُف أغانا نَاظر وقف السنانية وَاتفقَ أَن مخدومه ولى نِيَابَة الشَّام فصيره أَيْضا وَكيل خرجه وَفعل مَعَه فعلته الاولى فبقى بعده بِدِمَشْق وَلما مَاتَ يُوسُف أغا الْمَذْكُور ولى النظارة مَكَانَهُ ونجحت آماله وَأخذ فى تنمية الْوَقْف وَعمارَة مسقفاته وشاع أمره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 وتملك دَار الْعدْل الْمَنْسُوب تعميرها الى السُّلْطَان نور الدّين الشَّهِيد بِالْقربِ من بَاب السَّعَادَة وعمرها عمَارَة متقنة ثمَّ سَافر الى الرّوم فى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَحج مرَّتَيْنِ وَصَارَ وَكيلا عَن نواب الشَّام مَرَّات وَعمر ضريح سيدى سعد بن عبَادَة الصحابى رضى الله تَعَالَى عَنهُ بقرية المنيحة تَابع وقف السنانية وَبنى عَلَيْهِ قبَّة لَطِيفَة وأحدث الى جَانِبه مَسْجِدا وَبِالْجُمْلَةِ فقد صَار من ألطف المنتزهات وَله غير ذَلِك من المآثر الدَّالَّة على متانة رَأْيه وَحسن تصرفه وَالْحَاصِل انه كَانَ كَبِير الجاه وَالْعقل وَله التَّصَرُّف التَّام فى الامور وَكَانَت وَفَاته نَهَار الاحد ثانى وعشرى شهر ربيع الاول سنة سبع وَخمسين بعد الالف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وسيأتى ابْنه مصطفى فى حرف الْمِيم ان شَاءَ الله تَعَالَى الامام الْقَاسِم الملقب بالمنصور بِاللَّه بن مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن على بن الرشيد صَاحب الْيمن وَتقدم ذكر بَقِيَّة نسبه فى تَرْجَمَة ابْنه الامام اسمعيل المتَوَكل على الله قَالَ السَّيِّد روح الله عِيسَى بن لطف الله بن المطهر فى كِتَابه الانفاس اليمنية فى الدولة المحمدية اعْلَم أَن هَذَا الامام يعْنى الْقَاسِم مَا لِآبَائِهِ وأجداده فى الرياسة الَّتِى هى قَود الْجنُود وخفق البنود قدم وَلَا قدم وَلَا كَانَ لسلفه عَلامَة وَلَا علم وَكَانَ أَبوهُ من عَسْكَر والدنا المطهر بن شرف الدّين وَله رزق يجرى عَلَيْهِ من جملَة الْعَسْكَر الَّذين هم غير مرابطين وَشهد مَعَ والدنا الْحَرْب الَّتِى جرت بَينه وَبَين الْوَزير الاعظم سِنَان باشا وَذَلِكَ فى قاع خوجان وَكَانَ مولد الْقَاسِم فى سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَلما بلغ سنّ الِاحْتِلَام قَرَأَ الْقُرْآن وَكَانَ فِيهِ فطنة وَقُوَّة ولازم الامام الْحسن الذى أدخلهُ الْوَزير حسن باشا الرّوم وَأقَام عِنْده فى بِلَاد الاهنوم وَبعد سفر الامام الْحسن فَارق تِلْكَ الْبِلَاد وَمَا برح ينْتَقل فى الْبلدَانِ وَيطْلب الْعلم وَلما أدْرك طرفا من الْعُلُوم دَعَتْهُ نَفسه الى أَن ينْهض على فَتْرَة من الْفِتَن وَذَلِكَ انه علم أَن الْبِلَاد كَانَت لوالدى لطف الله بن المطهر قد خلت عَن واليها وتعطلت من كاليها فَدَعَا وَقَامَ لثلاث بَقينَ من الْمحرم سنة سِتّ وَألف فى مَحل يُقَال لَهُ جَدِيد قاره من أَعمال شام الشرق فاتقدت عِنْد ذَلِك الْجَمْرَة وبزغ نجم الْفِتَن انْتهى كَلَامه وَقَالَ غَيره كَانَ من أمره أَنه لما توفى المتَوَكل عبد الله بن على بن الْحُسَيْن بن عز الدّين بن الْحسن بن على الْمُؤَيد فى سنة سِتّ عشرَة وَألف ظهر الامام الْقَاسِم فى الْيمن وكاتبه الامير عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن مطهر مكاتبات اتفقَا عَلَيْهَا مِنْهَا فتح الْحَرْب عَن السلطنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وَبث الامام الرسائل على كَافَّة الْقَبَائِل على جارى عَادَته فَأَجَابُوهُ وَقَامَت الْحَرْب على سَاقهَا فَوجه الْوَزير سِنَان باشا المحاط على الامام وَعبد الرَّحِيم فضعف الامام الْقَاسِم عَن المقاومة فعطفت العساكر على عبد الرَّحِيم وَحين رأى الامام اشْتِغَال العساكر بِعَبْد الرَّحِيم نَهَضَ على حصن شهارة وتحصن بِهِ ثمَّ وصلت الاخبار للوزير سِنَان باشا بِأَن السُّلْطَان أنعم بِالْيمن على جَعْفَر باشا فَتوجه من صنعاء الى الابواب السُّلْطَانِيَّة فَأَتَاهُ الاجل وألحد بالمخا وَسبب مَوته انه لما نزل من صنعاء أَرَادَ الِاجْتِمَاع بِجَعْفَر باشا وَهُوَ بتعز فَأكْثر النَّاس الاراجيف وأرهبوا جَعْفَر باشا من لِقَاء سِنَان باشا وَفهم الامراء مِنْهُ ذَلِك فألجؤه الى الْمُرُور فى أوعر المسالك فَلَمَّا وصل الى المخامات فى شعْبَان من سنة سِتّ عشرَة وَألف وَدفن على جنب قبر الشَّيْخ الامام على ابْن عمر الشاذلى وَكَانَ يحب الْعلمَاء والفقراء وآثار خيراته كَثِيرَة وَوصل جَعْفَر باشا الى صنعاء فى شَوَّال وَلما دَخلهَا رأى تقوى الامام الْقَاسِم بمساعدة عبد الرَّحِيم فَصَالح الامام فى ذى الْحجَّة سنة سِتّ عشرَة وَألف على جِهَات مَعْلُومَة وَفك أَوْلَاده من حصن كوكبان فَأَطْلَقَهُمْ الْوَزير وَأحسن اليهم وَوجه العساكر على عبد الرَّحِيم فَأسرهُ وأرسله الى الابواب السُّلْطَانِيَّة ثمَّ اسْتمرّ الامام الْقَاسِم واليا الى أَن حاربه الباشا وحصره فى حصن شهارة فَخرج مِنْهُ متنكرا وَلم يشْعر بِهِ أحد وبقى وَلَده مُحَمَّد الْمُؤَيد الى أَن عجز وضاق حَاله فَخرج بالامان على أَن يكون قراره عِنْد صَاحب كوكبان وَخرج باخوانه وَأَهله وَقبض الباشا حصن شهارة ثمَّ مَاتَ بأجله لَيْلَة الثلاثا خَامِس عشر شهر ربيع الاول سنة تسع وَعشْرين وَألف وَخلف عدَّة أَوْلَاد مِنْهُم مُحَمَّد وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَهُوَ أعلمهم وَأحمد المخلوع واسمعيل فَقَامَ من بَينهم مُحَمَّد بعد أَبِيه وجدد للصلح بَينه وَبَين الْوَزير مُحَمَّد باشا على مَا كَانَ عَلَيْهِ فى زمن وَالِده ثمَّ اجْتمعت كلمة الْيمن اليه وَأخرج الاتراك بأسرهم من الْيمن وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم الامام ابْن الامام مُحَمَّد الداعى بعد موت عَمه الامام اسمعيل المتَوَكل دَعَا فَأَجَابَهُ جم غفير من عُلَمَاء الْيمن وَأَقْبلُوا اليه من كل حدب وخطب لَهُ على مَنَابِر شهارة والا هنوم والشرفين وَحجَّة والتهائم وَغَيرهَا وأجابه السَّيِّد مُحَمَّد بن الامام المهدى أَحْمد بن الْحسن وخطب لَهُ على مَنَابِر المنصورة وحيس وزبيد وَقد كَانَ دَعَا بعد وَفَاة الامام اسمعيل ابْن عَمه المهدى الْمَذْكُور فَتقدم الى جِهَات شهارة لطلب الِاجْتِمَاع بالقاسم وَاتفقَ رَأْيهمْ على تعْيين أكَابِر الْعلمَاء من الْجَانِبَيْنِ فعين من جِهَة الْقَاسِم جمَاعَة مِنْهُم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 الْحُسَيْن بن نَاصِر المهلا وَالسَّيِّد يحيى بن أَحْمد والسيدان اسمعيل وَيحيى ابْنا ابراهيم بن حجاف والقاضى مُحَمَّد بن قدس وَالسَّيِّد على بن صَلَاح الصلعى وَغَيرهم وَمن جَانب المهدى القاضى على بن جَابر الهبل والقاضى يحيى بن اسمعيل الحادى وَالسَّيِّد مُحَمَّد الكبيسى وَغَيرهم واجتمعوا فى الرحبة من أَعمال شهارة للنَّظَر فى التَّرْجِيح بَين الامامين وفى خلال هَذَا كتب السَّيِّد يحيى بن أَحْمد الشرفى رِسَالَة أَولهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أما بعد حمد الله كَمَا يسْتَحق أَن يحمد وكما ينبغى لكريم وَجهه وجلال سُلْطَانه وَأشْهد أَن لَا اله الا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة صادرة عَن الْحق الْيَقِين وعيانه وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمُؤَيد بباهر المعجز ونير برهانه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ وعَلى آله الَّذين شعشعوا أنوار الْحق وشادوا رفيع بُنْيَانه وعَلى أَصْحَابه الرَّاشِدين المرشدين وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ باحسان فأحيوا شرائع احسانه فَيَقُول العَبْد الْفَقِير الى الله الْغنى بِهِ عَمَّن سواهُ يحيى بن أَحْمد بن مُحَمَّد الشرفى تجَاوز الله عَنهُ وَعَافَاهُ وتلقاه برحمته اذا توفاه انه لما اخْتَار الله وَله الْخيرَة واليه يرجع الامر كُله لمولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله رب الْعَالمين اسمعيل ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ قدس الله روحه مَا لَدَيْهِ من الْكَرَامَة وألحقه بآبائه الطاهرين الَّذين رفع درجاتهم فى دَار الكرامه وَجب النّظر فِيمَن يخلفه فى منصبه الْجَلِيل وَيقوم مقَامه وَكَانَ المؤهل لذَلِك الشَّأْن الْعَظِيم والمنظور اليه والمؤمل لتحمل الاعباء الثَّقِيلَة والمعول عَلَيْهِ هُوَ مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُؤَيد بِاللَّه أيده الله لما أَتَاهُ الله وَخَصه بِهِ من أَوْصَاف الْكَمَال فى الدّين وَالدُّنْيَا وَكَمَال الاوصاف الَّتِى يلغى بهَا فى محاسنه الى الْغَايَة القصوى من الْعلم والحلم وَالتَّقوى والورع وَالْكَرم والسخاء والتواضع والايثار المراضى ربه فى كل حَال وَحسن الاخلاق الَّتِى هى وَاسِطَة عقد شرائف الْخِصَال وطهارة المنشا وخصائص الكرامات الَّتِى يخص الله بهَا من عباده من يَشَأْ فَلم تتق نَفسه الى تَحْصِيل دنيا دنية وَلَا زاحم عَلَيْهَا أحدا من الْخلق بل اطرحها وأبت الِالْتِفَات اليها نَفسه الابية وهمته الْعلية وَقصر همه فى ليله ونهاره على الِاشْتِغَال بِمَا يزلفه عِنْد بارئ الْبَريَّة حَتَّى فاض عَلَيْهِ من مجَال الْكَرَامَة من ربه وَغَشيتهُ أنوار التَّوْفِيق الالهية فَألْقى الله عَلَيْهِ محبَّة فى قُلُوب عباده وعمرها بعظمته وغمرها بوداده وأبرز فِيهِ السِّرّ الْمُقَدّس الذى أودعهُ فى آبَائِهِ وأجداده فوفقه لاقتفاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 آثَارهم وَالْقِيَام بعهاده وَبعث همته الى الدعْوَة للامام على سَبِيل ربه وَأظْهر حجَّته فى جَمِيع بِلَاده فوردت الينا دَعوته الميمونة فى يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَهُوَ الْيَوْم الثَّالِث من وَفَاة مَوْلَانَا المتَوَكل على الله الى كتاب الله وَسنة رَسُوله والى الرِّضَا عَن آل مُحَمَّد وَكَانَ سبق علمنَا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ من تِلْكَ الاوصاف الحميدة والكمالات العديدة واختصاصه بهَا من بَين أهل هَذَا الْبَيْت واعترافهم لَهُ بهَا كَمَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الينا عَنْهُم الاخبار المفيدة للْعلم وتصريح من صرح مِنْهُم بِأَنَّهُ الاولى بِهَذِهِ الخطة الشَّرِيفَة ان احْتِيجَ الى من يقوم بهَا فَعلمنَا وجوب اجابة دَعوته وجوبا مضيقا ولزمنا فَرضهَا لُزُوما مَا محققا وانه الرضى الذى تجب اجابته اذ أَقَمْنَا على مَا قُلْنَاهُ برهانا مُصدقا وبادرنا الى مَا أوجب الله علينا من وجوب اجابته خوفًا من وَعبد الله على التراخى وَالله أَحَق أَن يتقى ثمَّ بعد ثَمَانِيَة أَيَّام من وُرُود هَذِه الدعْوَة الشَّرِيفَة وَردت الينا دَعْوَة من صفى الاسلام أَحْمد بن الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ حفظه الله مثل ذَلِك فى كَونهَا الى الرضى من آل مُحَمَّد فالدعوتان عِنْد التَّحْقِيق وَاحِدَة اذا الرضى هُوَ الْمَدْعُو اليه فى كلتيهما فأجبنا عَلَيْهِ بِأَنا قد أجبنا الدعْوَة الى الرضى وان مَا قَضَت بِهِ الادلة من ذَلِك الحكم الْمضيق قد فرغ مِنْهُ وانقضى وَبينا لَهُ الْوُجُوه الَّتِى ثَبت بهَا على كل من عَلَيْهَا ذَلِك القضا من الْفَضَائِل الَّتِى اخْتصَّ بهَا من تقدّمت اجابتنا لَهُ وَعَلَيْهَا بنى الامر فى هَذِه المسئلة من عُلَمَاء الاسلام جَمِيع من مضى فتكررت كتبه اليه بعد ذَلِك قاضية بِأَنَّهُ غير مُوَافق على مَا قُلْنَاهُ وكاشفة بِأَنَّهُ يُرِيد بالرضى نَفسه وان ذَلِك مَقْصُود وَمَعْنَاهُ فَظهر حِينَئِذٍ تخَالف القصدين وَصَارَ المهم هُوَ النّظر فى أهْدى النجدين وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ سَابِقًا من الْفَضَائِل الظَّاهِرَة والمحاسن المتكاثرة لمولانا الْقَاسِم واختصاصه مَا يقْضى برجحان اسْتِحْقَاقه لذَلِك المنصب الْجَلِيل وَوُجُوب الحكم باستحقاقه لخلافة النُّبُوَّة أَن يُخَاطب بِمَا قبل (أَتَت الامام الذى نرجو بِظَاهِرِهِ ... يَوْم النشور من الرَّحْمَن رضوانا) (أوضحت من ديننَا مَا كَانَ ملتبسا ... جَزَاك رَبك عَنَّا فِيهَا احسانا) فالذى أدين الله بِهِ وأشهده على اعتقادى لَهُ أَن امام هَذَا الْعَصْر المفترض الطَّاعَة على الْمُسلمين هُوَ مَوْلَانَا الْمَنْصُور بِاللَّه الْقَاسِم بن امير الْمُؤمنِينَ الْمُؤَيد بِاللَّه عَن نظر صَحِيح وأدلة يسطع مِنْهَا للمنصف نور الْحق الصَّرِيح وَأَسْتَغْفِر الله لى وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 وَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه العلى الْعَظِيم انْتهى وَبعد أُمُور يطول شرحها اتّفقت الْكَلِمَة على امامة المهدى الْمُقدم ذكره وَلم يزل الْقَاسِم الْمَذْكُور ناشرا للمكارم الحسان مَقْصُودا من جَمِيع الْبلدَانِ منصفا للوافدين مُعظما للْعُلَمَاء العاملين وَله كرامات شهيرة مِنْهَا مَا اشْتهر أَيَّام دَعوته من ظُهُور اسْمه وَاسم أَبِيه مَكْتُوبًا على الْجَرَاد الْحَاصِلَة فى الْيمن فى ذَلِك الزَّمن ظهورا شهيرا فى الانام الى غير ذَلِك من الْفَضَائِل الَّتِى علمهَا الْخَاص وَالْعَام وَله السماعات الْكَثِيرَة فى الْفِقْه والاصلين والنحو وَالتَّفْسِير مَعَ الْحِرْص على التدريس والافادة فى ذَلِك الْخطب الْكَبِير ومولده فى ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف قَاسم الخوارزمى أَصله من بُخَارى من قَرْيَة فشلان جوبان رَحل الى خوارزم وسلك عِنْد الشَّيْخ حُسَيْن الخوارزمى النقشبندى ولازم عِنْده مُدَّة وَصَارَ من جملَة خلفائه فَلَمَّا دخل شَيْخه الى الشَّام نقل هُوَ أَيْضا الى بُخَارى وتوطن بهَا مشتغلا بارشاد الطالبين الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس بعد الالف قلت وَالشَّيْخ حُسَيْن الخوارزمى الْمَذْكُور هُوَ المدفون فى الحديقة قرب تربة الصُّوفِيَّة بالوادى المغربى وَله فى الْكَوَاكِب السائرة للغزى تَرْجَمَة فَليرْجع اليها ثمَّة فى الطَّبَقَة الثَّالِثَة قانصوه باشا نَائِب الْيمن قدمهَا فى ثانى وعشرى الْمحرم سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف من الديار المصرية ثمَّ الى مَكَّة فى عَسْكَر عَظِيم وَصَحبه من الامراء والكبراء مَا يجل عَن الْوَصْف من مشاهيرهم الامير مُوسَى بن الْخَبِير من عرب مصر فى نَحْو ثلثمِائة فَارس أَو يزِيدُونَ والامير سُلَيْمَان بعد أَن كَانَ عزم الى مصر لخدمة الْوَزير عابدين بِمَال جزيل ليجهز لَهُ عسكرا فَلَمَّا بلغ الى مصر بلغه تجهيز قانصوه فساعده وَوصل صحبته وَتَوَلَّى تَدْبِير ملك الْمَذْكُور وَكَانَ مُتَّهمًا بنحوسة لسوء تَدْبيره حَتَّى عاجله الْقَضَاء الْمَقْدُور على يَد قانصوه الْمَذْكُور فى سنة أَرْبَعِينَ وَألف وصحبته حَمْزَة أغا وادريس أغا فى ثَلَاثَة آلَاف من الاسباهية من الابواب السُّلْطَانِيَّة وَنَحْو ألف من المغاربة وألفين من أهل الشَّام وَأَرْبَعَة آلَاف من مصر وألفين من مَكَّة فَحصل بَينه وَبَين الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب مُنَافَسَة فَقبض عَلَيْهِ وَقَتله وَأقَام مَكَانَهُ مَسْعُود بن ادريس وَأقَام بجدة وَاحِدًا من جماعته اسْمه مصطفى ثمَّ أَخذ من مَكَّة أَمْوَالًا جمة وَوجد مَعَ الشريف خَزَائِن كَثِيرَة وخيولا ونجائب وعجائب ثمَّ توجه من مَكَّة برا والمراكب بالخزائن والجنود تمشى محاذية لَهُ بحرا فَقدم أول عسكره مورا وَفِيهِمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 الامير ابْن خَبِير وَذَلِكَ يَوْم الِاثْنَيْنِ عَاشر شهر ربيع الآخر فَلَمَّا علم بورودهم التقى بن ابراهيم انحاز بجُنُوده الى ربوع أَذْرع شرقى بَيت الْفَقِيه الزيدية وَكَذَلِكَ الشريف هَاشم انحاز الى جَانب اصاب وَكَذَلِكَ الامير سنبل قَامَ من حيس الى شرقية وَكَانَ عزم السَّيِّد هَاشم لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشر شهر ربيع الآخر وفى لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثَّامِن عشر مِنْهُ مر يُوسُف الكتخذا فى مائتى حصان فى المراوعة الى بَيت الْفَقِيه ثمَّ الى زبيد وَذَلِكَ صبح الثلاثا فَتوجه الى المخا عصر ذَلِك الْيَوْم فورد يَوْم الاربعاء الى المخا ضحوة فَقبض على عابدين باشا وحبسه وَقَتله صبرا بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَقبض خزائنه وَجعل عِيَاله فى مَكَان عِيَال الشريف أَبى الْقَاسِم الشّجر وسمعوا الْبكاء عَلَيْهِ كَمَا سمع الْبكاء مِنْهُم على الْمشَار اليه وَأما قانصوه فورد بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل صبح الْجُمُعَة الحادى وَالْعِشْرين من شهر ربيع الآخر فَقبض على الْفَقِيه أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر العجيل وحبسه وَأخذ مِنْهُ مَالا جزيلا وصلبه فى صبح الِاثْنَيْنِ الثَّالِث وَالْعِشْرين وَعظم الْمُصَاب وأهدم بَيت الْفَقِيه ونهبت جملَة من بيُوت وأموال لانه كَانَ عينا فِي بَيت الْفَقِيه رَئِيسا مَقْبُولًا عِنْد السَّيِّد هَاشم فحسده أعداؤه ونسبوا اليه المكايد وَكَانَ هُوَ السَّبَب فى دُخُول الوهن على قانصوه لانه لما فعل بِهِ مَا فعل نفرت قُلُوب النَّاس مِنْهُ وخصوصا حَيْثُ انه كره شَفَاعَة السَّيِّد الطَّاهِر بن بَحر وَلم يقبل مشورته فى الْعَفو عَن اساءة النَّاس ووعظه بوصول الْوَزير سِنَان وعفوه فَأبى واستكبر لامر يُريدهُ الله تَعَالَى ثمَّ توجه من بَيت الْفَقِيه الى زبيد صبح الثلاثا خَامِس عشرى الشَّهْر بالجند الموفور فواجهه بهَا الامراء والكبراء والمشايخ والسادات وَورد اليه يُوسُف الكتخدا فى جملَة من عَسْكَر المخا فَدخل المحطة دخلة عَظِيمَة وَلما اسْتَقر بهَا أَمر بتجهيز الْوَزير حيدر وفكه من الْحَبْس الشَّديد فجهزوه الى سواكن هُوَ وَبَعض مماليكه ثمَّ دخل الى مصر فالى الرّوم وَحصل لَهُ مقَام كَامِل عِنْد السُّلْطَان وَأمر الامير مُوسَى بن الْخَبِير بِالْمَسِيرِ الى حيس فَدَخلَهَا بِجَيْش كَبِير فشرع الوباء فى الْجنُود وَمَات ابْن الْخَبِير الْمَذْكُور وَابْن أَخِيه وَأكْثر جَمَاعَتهمْ وَلم يبْق مِنْهُم الا الْيَسِير وَمَات بزبيد الامير أَحْمد وعالم كثير حَتَّى كل الحفارون عَن الْحفر والغالون عَن التغسيل فَأَقَامَ نَحْو أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ توجه الى حيس وَأقَام بهَا فَعظم الوباء وَمَات من جماعته عَالم كثير وَهَلَكت الْجمال الَّتِى وصلت من الشَّام وَكَانَت نَحْو عشرَة آلَاف أَو أَزِيد وَكَانَ من أَرَادَ جملا أَخذه لمَوْت الجمالين ومعظم الْخَيل ثمَّ توجه الى المخا فحط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 بظاهرها وَبنى بهَا قلعة عَظِيمَة وفى عشر الْحجَّة حصل مهادنة بَين قانصوه وَبَين الامام الى سنة أَرْبَعِينَ بعد الالف وَأرْسل اليه مُحَمَّد ولى وَجَمَاعَة من أعيانه فكساهم وأنعم عَلَيْهِم ثمَّ رجعُوا الى المخا وفى أَربع عشر الْحجَّة طلب قانصوه يُوسُف الكتخدا فَأمر بِضَرْب عُنُقه فى الدِّيوَان فَقَامَ عَلَيْهِ الْعَسْكَر وحصروه فى القلعة نَحْو خَمْسَة عشر يَوْمًا فَصَالحهُمْ بِزِيَادَة فى علائفهم وشرطوا عَلَيْهِ قبض سَبْعَة أَنْفَار من جماعته اثْنَان قتلوهما وَأَرْبَعَة أودعوهم كران وَالسَّابِع فر بِنَفسِهِ وَنَجَا ثمَّ حصل بَينه وَبَين الْعَسْكَر مُنَافَسَة فأحاطوا بِهِ ورسموا عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام وحبسوا أكَابِر الامراء بالمخا ثمَّ اتّفق الصُّلْح بَينهم على زِيَادَة فى علائفهم ثمَّ كَانَ فى كل شهر يحدث بَينه وَبَين الْعَسْكَر حوادث حَتَّى اسْتَحَالَ جمَاعَة مِنْهُم الى الزيدية وعزم من عزم مِنْهُم الى الشَّام وَلم تزل الشحناء بَينهم ثمَّ فى سنة خمس وَأَرْبَعين حصلت وقْعَة بَين قانصوه وَبَين الْحسن وَقتل جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ ثمَّ فى شهر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة خرج قانصوه الى الْحسن وَدخل تَحت طَاعَته وَصَارَ من أَتْبَاعه ثمَّ جهزه الْحسن يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث جُمَادَى الاولى وَأَعْطَاهُ نَحْو خمسين حصانا بسلاحها وعددها وَنَحْو خمسين جملا باحمالها وَجُمْلَة من الاموال وجهز مَعَه جمَاعَة وَجعل صحبتهم السَّيِّد التقى بن ابراهيم الى مَكَّة فوصل اليها وَمكث بهَا أَيَّامًا ثمَّ توجه الى الرّوم وَمَات بهَا وَكَانَت وَفَاته فى نَيف وَسِتِّينَ وَألف حرف الْكَاف كَمَال بن مرعى العيثاوى الدمشقى الْفَقِيه الشافعى كَانَ من الْفُقَهَاء الاجلاء درس بِجَامِع دمشق وانتفع بِهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وَكَانَ متقشفا صلبا فى دينه كثير الصلف مخالطا للْعُلَمَاء منخرطا فى سلكهم يُرَاجِعهُ النَّاس فى مهامهم وَكَانَ وافر الْحُرْمَة مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْد الْعَوام وَكَانَت وَفَاته سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف كيوان بن عبد الله أحد كبراء أجناد الشَّام كَانَ فى الاصل مَمْلُوكا لرضوان باشا نَائِب غَزَّة ثمَّ صَار من الْجند الشامى وسرداراً عِنْد صوباشى الصالحية فَنزع الى التعدى وَأخذ النَّاس بالتهمة وتطاول الى أَخذ أملاكهم حَتَّى استولى على أَكثر بساتين الربوة والمزة وَضم بَعْضهَا الى بعض وَكَانَ اذا أَخذ حِصَّة فى مَكَان احتال على الشُّرَكَاء فِيهِ حَتَّى يَأْخُذ أشقاصهم طَوْعًا أَو كرها وَكَانَ يساعده على ذَلِك نواب محكمَة الْبَاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 وأعيان شهودها ويبالغون فى نصيحته فى كِتَابَة التمسكات يعلمونه الْحِيلَة وَهُوَ يُبَالغ فى اكرامهم وَمن غَرِيب خَبره أَنه كَانَ مُسْتَأْجرًا لبستان من بساتين وقف بنى العنبرى قرب المزة وَكَانَ ملاصقا لبساتين بِيَدِهِ فَطلب من نَاظر الْوَقْف أَن يَأْذَن لَهُ بِقطع الْغِرَاس ويحكره أَرض الْبُسْتَان فَلم يفعل وَوَقع بَينه وَبَينه مشاجرة فَأدى طغيان كيوان الى أَن جمع جمعا من الفلاحين وأتى بهم إِلَى الْبُسْتَان لَيْلًا وَأمرهمْ بِقطع جَمِيع غراسه الْكَبِير فَفَعَلُوا وغرسوا مَكَانَهُ غراسا لطيفا وحرثوا الارض وغيروا حُدُود الْبُسْتَان وبابه وأضافوه الى بساتينه ثمَّ استدعى قاضى الْقُضَاة بِالشَّام للكشف عَلَيْهِ وأحضر أَوْلَاد العنبرى فَادعوا أَن الْبُسْتَان دَاخل فى وقفهم وأبرزوا كتاب الْوَقْف فقرئ بالمحضر الْعَام فَلم توَافق الْحُدُود والغراسات فَمَنعهُمْ القاضى وسلط يَد كيوان على الْبُسْتَان وبقى كيوان يترقب لِابْنِ العنبرى النَّاظر فرْصَة ليوقعه فى هَلَاك حَتَّى قدم نَائِب الشَّام مُحَمَّد باشا فى سنة احدى بعد الالف فتقرب مِنْهُ كيوان وأطعمه بجريمة عَظِيمَة فى أَن يُوقع بِابْن العنبرى فعلا فَأمر مناديا يُنَادى على الخواجا مُحَمَّد بن العنبرى بِأَن من لَهُ عِنْده من جِهَة بُسْتَان أَو مُعَاملَة أَو ظلمه أَو زور عَلَيْهِ فليحضر فى غَد بعد صَلَاة الْجُمُعَة الى الحجاجية وَهُوَ بُسْتَان بِالْقربِ من القنوات كَانَ قد ادّعى الْمَذْكُور أَنه اشْترى نصفه من رجل وأبرز تمسكات تشهد بذلك فَلَمَّا كَانَ من الْغَد بعد صَلَاة الْجُمُعَة صلى الباشا فى السنانية وَأرْسل خلف الشَّيْخَيْنِ الشَّيْخ مُحَمَّد وأخيه الشَّيْخ ابراهيم ابنى سعد الدّين فَخَرَجَا من الْجَامِع بالفقراء وانضم اليهما من رعاع النَّاس من لَا يحصر وَأرْسل الباشا الى القاضى فَحَضَرَ وَأمر باحضار ابْن العنبرى فأحضر وَعقد لَهُ مجْلِس بالبستان وَادّعى عَلَيْهِ السَّيِّد مُحَمَّد الجعفرى بِأَن من الجارى فى وقف السَّبع النورى الْبُسْتَان الْمَعْرُوف بالحجاجية وان الخواجا مُحَمَّد الْمَذْكُور وضع عَلَيْهِ يَده بِغَيْر طَرِيق فَسئلَ عَن ذَلِك فَأجَاب بِأَن نصفه بِيَدِهِ بطرِيق الاجارة وَالنّصف الآخر بطرِيق الشِّرَاء من فلَان وأبرز من يَده تمسكات تشهد لَهُ بطبق جَوَابه فأبرز الجعفرى مَا يدل على أَن جَمِيع الْبُسْتَان وقف السَّبع النورى فَقَالَ لَهُ القاضى يَا رجل هَذَا ظهر بِهِ كتاب وقف يشْهد بوقفيته فَكيف تشترى مَا هُوَ وقف فَقَالَ لم أعلم بِكَوْنِهِ وَقفا وانما اشْتَرَيْته على كَونه ملكا كَمَا يشْهد لى بذلك هَذِه التمسكات على أَنى لما اطَّلَعت على كَونه وَقفا خرجت عَنهُ وأعدته وَقفا كَمَا كَانَ وَأظْهر تمسكا يشْهد باعادته وَقفا كَمَا كَانَ فَقَالَ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 القاضى يلزمك ريع مُدَّة وضع يدك عَلَيْهِ فَقَالَ ان لزمنى شئ دَفعته فَقَالَ لَهُ القاضى ألزمتك بِمِائَة قبرصى بدل ريعه الذى اسْتَوْفَيْته مِنْهُ فَقَالَ نعم أدفَع ذَلِك فَلَمَّا لم يظْهر فى هَذِه الدَّعْوَى نتيجة كَبِيرَة قَالَ الجعفرى لِلشَّيْخَيْنِ وَمن مَعَهُمَا يَا مَشَايِخنَا وَيَا سَادَاتنَا مَاذَا تَقولُونَ فى هَذَا الرجل وفى سيرته فَقَالَ الشَّيْخَانِ نشْهد أَنه رجل مزور مُفسد ورموه بِأُمُور وأجابهم النَّاس من كل جَانب هَذَا مزور مُفسد وَاجِب الْقَتْل وأمثال هَذَا حَتَّى صَار لِلْخلقِ ضجة عَظِيمَة فَأمر برده الى القلعة وَالنَّاس خَلفه يضجون عَلَيْهِ قيل كَانَ هيأ هم لذَلِك كيوان وَوَقع بعد ذَلِك ان الباشا أَمر بدمع الخواجا مُحَمَّد بن العنبرى فدمغ بالنَّار فى جَبهته وَأَنْفه وَوَجهه وأركب حمارا مقلوبا وكشف رَأسه وعرى حَتَّى صَار بالقميص وطيف بِهِ فى أسواق دمشق وشوارعها هَذَا جَزَاء من يزور على أوقاف نور الدّين الشَّهِيد ثمَّ بعد التطواف بِهِ أُعِيد الى القلعة وحزن النَّاس عَلَيْهِ حزنا عَظِيما وكل ذَلِك كَانَ بتدبير كيوان لعداوته لَهُ ثمَّ عظم أَمر كيوان وانتقل الى سردارية دمشق وَأخذ أكَابِر أَهلهَا بالحيلة وعوامهم بالرهبة وَكَانَ لَهُ كتخدا يُقَال لَهُ ابراهيم بن البيطار وَكَانَ من أَخبث النَّاس وأسعاهم فى الاذية وَكَانَ من جملَة خيانته أَنه يحتال بنسوة عِنْده بِأخذ الْمَرْأَة مِنْهُنَّ حليا أَو حَاجَة من نسَاء الاكابرا اما على سَبِيل الْعرض على البيع أَو على سَبِيل الْعَارِية وتأتيه بِهِ فَيَأْخذهُ فى كمه وَيذْهب الى ولى تِلْكَ الْمَرْأَة وَهُوَ مظهر لحزنه وهمه ثمَّ يطلعه على مَا يكون مَعَه سر اَوْ يَقُول لَهُ قد دفعت الْيَوْم عَنْك شرا فان صَاحِبَة هَذَا الْمَتَاع أَخذهَا البارحة جمَاعَة العسس فى جمعية فَخفت عَلَيْك من عائلة هَذِه الْقِصَّة فَقلت هَذَا الْمَتَاع لبنتى أَو لاختى خُذ هَذَا الْمَتَاع واكتم هَذَا السِّرّ وَقد وزنت عَنْك لكيوان كَذَا وَكَذَا فَمَا يسع الرجل الا أَن يدْفع اليه المَال ويتحمل منته وَلم يزل كيوان على تجريه حَتَّى وَقع بَينه وَبَين الْجند فتْنَة عَظِيمَة وصمموا على قَتله وَقتل كتخداه ابْن البيطار فاختفيا ثمَّ هرب ابْن البيطار فلحق بالدروز ثمَّ نزل فى الْبَحْر وسافر الى مصر وضبطت أَمْوَاله واصطلح كيوان مَعَ الْجند بعد أُمُور جرت وَبقيت الضغينة فى قلبه لَهُم وَلما كَانَت فتْنَة الامير على بن جانبولاذ تعين لمحاربته الامير يُوسُف بن سَيْفا كَمَا تقدم وَمَعَهُ أُمَرَاء الشَّام فبعثوا كيوان الى أَحْمد باشا أَمِير غَزَّة ليأتى بِهِ فَوَافَقَ وُصُوله موت أَمِير غَزَّة وَكَانَ ابْن سَيْفا والعساكر تلاقوا مَعَ ابْن جانبولاذ وكسروا فوصل خبر الكسرة الى غَزَّة فَرجع كيوان مِنْهَا الى ابْن معن وَحمله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 على معاونة ابْن جانبولاذ واغتنم الفرصة وَمَا زَالَ بِابْن معن حَتَّى قوى رَأس ابْن جانبولاذ على الْمسير الى دمشق وانْتهى حرمتهَا وانتهبوا مَا أمكنهم نهبه من خَارِجهَا ثمَّ ان السُّلْطَان عين الْوَزير مُرَاد باشا لمقاتلة ابْن جانبولاذ فَلَمَّا وصل الى حلب قَاتله وفتك فِيهِ وفى أعوانه من السكبانية حَتَّى كَاد يَسْتَأْصِلهُمْ فَذهب أهل الشَّام اليه للشكاية على ابْن معن فَتوجه كيوان الى جَانب الْوَزير وخدعه بِمَال كثير كَانَ مَعَه من ابْن معن فَترك الْوَزير ابْن معن على حَاله ثمَّ رَجَعَ كيوان الى دمشق بالاموال السُّلْطَانِيَّة من عِنْد ابْن معن وَاسْتقر قَلِيلا ثمَّ عَاد الى الْفِتَن وَرجع ابْن معن الى التمرد على حكام الشَّام حَتَّى وَليهَا الْحَافِظ أَحْمد باشا الْوَزير فكاتب فى شَأْنه الى عتبَة السُّلْطَان فَجهز اليه العساكر من أول ولَايَة أَنا طولى الى أَرض دمشق ثمَّ خرج الى ابْن معن فَحصل لَهُ ولكيوان رعب شَدِيد وَاقْتضى رأيهما آخرا الى أَن نزلا الْبَحْر ولحقا بِبِلَاد الفرنج واستقرا هُنَاكَ الى ان عزل الْحَافِظ عَن ولَايَة الشَّام فَخرج كيوان من صيدا وَحده وَترك ابْن معن فى بِلَاد الفرنج ليكشف لَهُ الْحَال فَرَأى مُحَمَّد باشا الْوَزير قد صَار سرداراً على الْعَجم وَنزل حلب وَأَرَادَ تَصْحِيح أَمر الشَّام فَخرج اليه الامير يُونُس بن الحرفوش أَمِير بعلبك وكيوان وتوافقا مَعَه على أَن يهدما قلعة الشقيف وقلعة بانياس ويسلما اليه مَالا وتعطى الْبِلَاد لِابْنِهِ الامير على وطلبا الامان للامير فَخر الدّين فجَاء من بِلَاد الفرنج وَكَانَ كيوان قد اسْتَقر بِدِمَشْق فأظهر أَنه انْفَرد عَن ابْن معن واستقل بأَمْره فى الشَّام ثمَّ ذهب الى مَكَّة وَرجع وَقد أظهر كثيرا من عمل الْخَيْر وسمى نَفسه الْحَاج كيوان وَأمْسك عَن قبُول هَدِيَّة النَّاس وبقى فى انْفِرَاده وصدارته الى أَن تحرّك ابْن معن على الْبِقَاع وَخرج لمقاتلته الْوَزير مصطفى باشا الخناق نَائِب الشَّام وَكَانَ كيوان مِمَّن سارع الى ابْن معن لمعاونته وَلما انْكَسَرَ عَسْكَر الخناق وَقبض ابْن معن عَلَيْهِ وَقعت الْفِتْنَة بَين ابْن معن وكيوان بِسَبَب ذَلِك وَآل الامر بَينهمَا الى أَن ضرب ابْن معن كيوان بخنجره فى راسه فَقتله وَكَانَ قَتله فى صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن عِنْد بَاب دمشق من أَبْوَاب بعلبك وَقيل فى تَارِيخ قَتله (قَالَ لى صاحبى وَقد مَاتَ كيوان هلا كَا وَمن لَهُ الذّكر يُتْلَى ... ) (كَيفَ رَاح الْخَبيث ناديت أرخ ... علم الله رَاح كيوان قتلا) وأرخه أَبُو بكر الْعُمْرَى شيخ الادب أَيْضا بقوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 (وَلما طَغى كيوان فى الشَّام واعتدى ... وأرجف أهليها وللظلم فصلا) (فَقلت لَهُم قزوا عيُونا وأرخوا ... ففى بعلبك قتل كيوان أصلا) وَذهب دَمه هدرا وَالله تَعَالَى أعلم حرف اللَّام لطف الله بن زَكَرِيَّا بن بيرام الرومى وَالِد أستاذى وَاحِد الدَّهْر عزتى روح الله تَعَالَى روحهما فَرد الزَّمَان فى التفضل وَالْجمع لاشتات النعم والتمول لَازم من شيخ الاسلام سعد الدّين بن حسن جَان وَولى بعض المناصب ثمَّ أعْطى قَضَاء قلبه بالمولوية فَأَقَامَ بهَا واستوطنها واقتنى بهَا دورا وأتباعا وعبيدا وتملك عقارات وبساتين وحوانيت وحمامات تفوت الْحصْر وَجمع من الحواشى والمواشى مَا تقصر عَنهُ احاطة الْحساب وَعمر بهَا جَامعا وَجعل لَهُ وَقفا ورتب بِهِ خيرات كَثِيرَة وَاسْتمرّ بهَا قَاضِيا نَحْو خَمْسَة وَأَرْبَعين عَاما لم يعْزل الا مرَّتَيْنِ مَا تجاوزت مدتهما العامين بِكَثِير وَعوض عَنْهَا فى احداهما بِقَضَاء أَيُّوب وَوَقع لَهُ فى الثَّانِيَة أَنه صَار مَكَانَهُ الْمولى عبد الله الشهير ببلبل زَاده وَكَانَ من أخصاء أَخِيه شيخ الاسلام يحيى فاجتمعا فى وَلِيمَة عرس أَو ختان وَكَانَ بِهِ بعض أَرْبَاب الملاعب فَأَرَادَ بلبل زَاده اظهار التكرم على المترجم فَأمر بعض أَتْبَاعه بِأَن يعْطى الملاعب مائَة قِرْش فَانْتدبَ صَاحب التَّرْجَمَة وَأمر بِخَمْسِمِائَة قِرْش وَقَالَ لبلبل زَاده أَنا بعناية الله تَعَالَى فى قدرتى أَن أعْطى أَمْثَال هَذَا فى كل لَيْلَة هَذَا الْمِقْدَار فمثلى لَا يُقَابل باظهار مثل هَذَا التكرم مَعَ الْعلم بِعَدَمِ المسكنة ثمَّ أُعِيد الى قَضَائهَا وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بانا طولى ثمَّ بروم ايلى وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف تَقْرِيبًا وَعين أَخُوهُ لضبط مخلفاته الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم البورسوى فَأَقَامَ فى ضَبطهَا ثَلَاث سنوات لطف الله بن مُحَمَّد الغياث بن الشجاع بن الْكَمَال بن دَاوُد الظفيرى قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال فى تَارِيخه شيخ الشُّيُوخ وامام أهل الرسوخ الحرى بِأَن يُسمى أستاذ الْبشر وَالْعقل الحادى عشر بهاء الدّين وسلطان الْمُحَقِّقين الى آخر مَا وَصفه بِهِ مِمَّا لَا مزِيد عَلَيْهِ قَالَ وَلَقَد صَار مفخرة لليمن على سَائِر الْبِلَاد وَنقل أهل الاقاليم الشاسعة أَقْوَاله وَمَا وَضعه من الْكتب هُوَ ومرجع الطالبين فى الْيمن مِنْهَا المناهل الصافية على الشافية كالمختصر للرضى أبرز فِيهَا الْفَوَائِد من الرضى فى صُورَة تعشقها الافهام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وأتى للمنتهى والقاصر بِمَا يُريدهُ حَتَّى لم يفتح الطالبون بعْدهَا كتابا فى الْفَنّ الا المتوسع المتبحر وَقد صَارَت الشُّرُوح كالمنسوخة بالمناهل وَكَانَ الْعَلامَة أَحْمد بن يحيى بن حَابِس أَرَادَ التَّقْرِيب لنجم الائمة على أفهام الطّلبَة فَلَمَّا رأى هَذَا الْكتاب أعرض عَن ذَلِك وَقَالَ اذا جَاءَ نهر الله بَطل نهر معقل وَله عَلَيْهَا حَاشِيَة وولع بِهَذَا الْكتاب من رَآهُ وَلَقَد جعله شَيخنَا القيروانى من فَوَائِد سَفَره الى الْيمن واعتنى بتملكه وَله شرح على الكافية لكنه مَا تمّ لَهُ وَمن أعجب كتبه الايجاز فى علمي الْمعَانى وَالْبَيَان شَرحه شرحا مُفِيدا أَتَى فِيهِ بزبد المقالات لاهل الْفَنّ وَله الْحَاشِيَة المفيدة على شرح التَّلْخِيص الْمُخْتَصر للسعد وهى حَاشِيَة مفيدة مَا تناقل النَّاس بعْدهَا غَيرهَا وَكَانَت حَاشِيَة الْعَلامَة الخطائى كَثِيرَة الدوران وان لم تكن كَامِلَة فألقاها النَّاس وحاشية حفيد الشَّارِح وَغَيرهمَا وَلم يسمهَا الشَّيْخ باسم فسماها السَّيِّد الامام صَلَاح بن أَحْمد بن المهدى المؤيدى بالوشاح على عروس الافراح وَالسَّيِّد اخْتَار هَذَا الِاسْم بِنَاء مِنْهُ على أَن الشَّرْح الصَّغِير يُسمى بعروس الافراح وَهُوَ كَذَلِك شَائِع فى الطّلبَة وَلَيْسَ كَذَلِك انما عروس الافراح شرح السبكى وَنِعما هُوَ فانه شرح مُفِيد جدا وَله أَيْضا شرح على الْفُصُول اللؤلؤية لم يتم لَهُ بلغ فِيهِ الى الْعُمُوم وَهُوَ كتاب منقح مُفِيد وَكَانَ قد اشْتغل بِكِتَاب يفك فِيهِ الْعبارَات المبهمة فى الازهار وَلم يكن قد علم بِالْفَتْح لانه كَانَ يَوْمئِذٍ بِالطَّائِف فَلَمَّا وصل الى الْيمن اطلع على كتاب يحيى ابْن حميد الْمُسَمّى بِفَتْح الْغفار وَشَرحه الْمُسَمّى بالشموس والاقمار فَاكْتفى بذلك لموافقته لما أَرَادَ وَله فى الطِّبّ ملكة عَظِيمَة كَانَ الامام الْقَاسِم وَهُوَ من عُلَمَاء هَذَا الْفَنّ يَقُول الشَّيْخ بلطف الله طَبِيب ماهر وَمَعَ ذَلِك لم يتظهر بِهَذَا الْفَنّ ورعا وَله فى علم الجفر والزيجات وَغَيرهَا ادراك كَامِل وَكَانَ قد أَرَادَ القاء شئ الى تِلْمِيذه السَّيِّد الْحُسَيْن بن الامام الْقَاسِم فانه أرسل اليه قبل وَفَاته أَن يبْعَث اليه بالقاضى الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح العنيسى ليستودعه شَيْئا من مَكْنُون علمه فوصل القاضى وَقد نَقله الله الى جواره وَله أرجوزة مثل الارجوزة الْمُسَمَّاة برياضة الصّبيان وَكَانَ كَابْن الهائم فى الْفَرَائِض والحساب اليه النِّهَايَة فى هَذَا الْعلم وَكتب جَعْفَر بن وبير العنقاوى الْحسنى أَيَّام اقامته بِمَكَّة فانه أسلف فى مَكَّة أَيَّامًا غرا وَاخْتَلَطَ بالفضلاء واختلطوا بِهِ وَكَانَ مجللا مكرما اليه كتابا يلْتَمس مِنْهُ تأليف كتاب فى الْفَرَائِض وَالْفِقْه وَلَفظه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 (أيا شيخ لطف الله الى لقَائِل ... وَلَا شكّ من سماك فَهُوَ مُصِيب) (لانى رَأَيْت اللطف فِيك سجية ... وَللَّه فى كل الامور حبيب) (سَأَلتك سفرا أستعين بهَا على ... عبَادَة ربى لابرحت تجيب) (فتوضح لى يَا شَيخنَا مَا أقوله ... فَأَنت لداء الْجَاهِلين طَبِيب) (وَأَنت لنا فى الدّين عون وقدرة ... بقيت على مر الزَّمَان تصيب) فنظم لَهُ أرجوزة فى الْفَرَائِض وكتابا يتَعَلَّق بِربع الْعِبَادَات ككتاب أَبى شُجَاع فى فقه الشَّافِعِيَّة وَلم يخرجَا الى الْيمن وأجابه بقوله (أمولاى يَا من فاق مجدا وسوددا ... وَمَا ان لَهُ فى الْخَافِقين ضريب) (أتانى عقد يخجل الدّرّ نظمه ... ويعجز عَنهُ أَحْمد وحبِيب) (معَان وألفاظ زكتْ وتناسقت ... فَكل لكل فى الْبَيَان نسيب) (وَمَا كَانَ قدرى يقتضى أَن أُجِيبهُ ... ومثلى لذاك الْملك لَيْسَ يُجيب) (وقلتم بِأَن اسمى يُشِير بِأَن لى ... نَصِيبا وكلا لَيْسَ فِيهِ نصيب) (أتحسب مَا أَعْطَيْت من لطف شِيمَة ... تقصر عَنْهَا شمأل وجنوب) (تعدى الى مثلى وأنى وَكَيف ذَا ... وانى من أدنى الْكَمَال سليب) (وَلَكِن حويت اللطف أَنْت جَمِيعه ... فَقلت على ذَا النَّاس أَنْت عَجِيب) (وأمركم مَاض وحظى قبولكم ... وانى على قدر الْقُصُور مُجيب) وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة فى سكناهُ مَكَّة وَأَهْلهَا معلقون بأَشْيَاء قد استنكرها الْعَلامَة ابْن حجر وصنف للزجر عَنْهَا كتابا سَمَّاهُ كف الرعاع عَن تعاطى اللَّهْو وَالسَّمَاع وَقل من يسلم من ذَلِك الا من توفرت أَسبَاب تقواه كالشيخ فانه كَانَ أعف خلق الله عَن كل رِيبَة وَحكى أَنه مرض مَرضا آل بِهِ الى السكتة وَتغَير الْحس فَقَالَ بعض مهرَة الاطباء انه يفِيدهُ السماع فَقَالَ المعتنى بشأن الشَّيْخ انه لَا يرضى بذلك فَقَالَ افعلوا مَعَ غَفلَة حسه فَفَعَلُوا فَتحَرك ثمَّ استمروا فميز فَلم يكن المهم لَهُ غير تسكيتهم وَله شرح على خطْبَة الاساس للامام الْقَاسِم وأجوبة مسَائِل منقحة وَكَانَت وَفَاته بظفير حجَّة فى رَجَب سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله لطفى بن مُحَمَّد بن يُونُس الْكَاتِب الدمشقى الاديب البليغ الْفَائِق الْمَعْرُوف بالبصير كَانَ فى الذكاء وَقُوَّة الحافظة مِمَّا يقْضى مِنْهُ بالعجب وَلم يكن فى زَمَنه من يماثله فى الحذق وَقُوَّة البراعة وَسُرْعَة الِانْتِقَال والبديهة وَشدَّة الْحِفْظ ولد بِدِمَشْق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 وَنَشَأ بهَا فى نعْمَة أَبِيه وَكَانَ أَبوهُ كَاتبا فى الْعِمَارَة السليمانية بالميدان الاخضر وَكَانَ ذَا ثروة عَظِيمَة يضْرب بِهِ الْمثل فى كَثْرَة المَال وجده يُونُس رومى ورد فى خدمَة السُّلْطَان سليم لما جَاءَ الى دمشق واستخلصها من أيدى مُلُوك الجراكسة وَأما لطفى هَذَا فان وَالِده مَاتَ وَهُوَ فى سنّ خمس وَعشْرين تَقْرِيبًا وَخلف لَهُ مَا ينيف على عشْرين ألف دِينَارا وَمن الملبوس الفاخر والاملاك شَيْئا كثيرا فسلك أَولا طَرِيق الْعلم فَقَرَأَ ودأب وَأخذ الصّرْف والنحو والمعانى عَن الْعَلامَة الْكَبِير عَلَاء الدّين بن عماد الدّين الاحدب وَأخذ الْفِقْه والاصول عَن عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر والْحَدِيث وَالتَّفْسِير عَن الْبَدْر الغزى وأتقن فنونا كَثِيرَة وتأدب كثيرا ونقلت من خطّ الْحسن البورينى أَنه رافقه فى الْقِرَاءَة على فَاضل الشرق الْعِمَاد السمرقندى لما ورد دمشق صُحْبَة الْوَزير حسن باشا ابْن مُحَمَّد باشا قَالَ وقرأنا عَلَيْهِ المعقولات فتشاركا فى هِدَايَة الْحِكْمَة والمنطق والهيئة وَكُنَّا كل يَوْم نَقْرَأ عَلَيْهِ فى درس وَاحِد وَذَلِكَ فى فن وَاحِد لَا غير وفى يَوْم آخر نَقْرَأ دروسا فى غير ذَلِك وَكَانَ ذَلِك الدَّرْس الْوَاحِد يطول من كَثْرَة التحقيقات من مطلع الشَّمْس الى وسط النَّهَار وَكَانَ الْعِمَاد الْمَذْكُور فى المعقولات كالسعد التفتازانى فى عصره فاستمرت قراءتنا عَلَيْهِ فى تِلْكَ الْفُنُون الثَّلَاثَة مُدَّة ثَلَاث سِنِين انْتهى ثمَّ بعد ذَلِك تنقلت بلطفى الاحوال وابتلى فى بَصَره من كَثْرَة الرمد والوجع فَقل نظره جدا من تراكم الوجع على عَيْنَيْهِ فَكَانَ لَهُ شوق لحفظ كَلَام الله تَعَالَى قيل انه اشْترى جَارِيَة حسناء وَكَانَت تقْرَأ الْقُرْآن أحسن قِرَاءَة فحفظه مِنْهَا أتم حفظ وَكَانَ لَهُ طلبة يطالعون لَهُ الْكتب بِأُجْرَة وَهُوَ يحفظ مَا يسمع من الْعبارَات من قراءتهم حَتَّى حفظ كتبا كَثِيرَة فى سَائِر الْفُنُون فَصَارَ آيَة عَظِيمَة فى جَمِيع الْفُنُون خُصُوصا فى فنون الادب برمتها وَكَانَ اذا أَرَادَ ايراد شئ من هَذِه الْفُنُون يملى الْعبارَات كَمَا هى من حفظه ثمَّ ترك الْقِرَاءَة واشتغل بهوى نَفسه وعاشر الْقَيْنَات والغلمان وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَنه تعشق وَلدين للشرفى يحيى بن شاهين الصالحى أَحدهمَا يدعى ابراهيم وَالْآخر درويشا وَكَانَا بارعين فى الْجمال وَصرف عَلَيْهِمَا جَمِيع مَا اقتناه من تراث أَبِيه وَكَانَ يُوقد بحضرتهما فى مجْلِس المدام ثَلَاث شمعات من الشمع العسلى وَيَضَع فى كل وَاحِدَة مَا يزِيد على خمسين دِينَارا فَكلما ذاب مِنْهَا شئ يسْقط دِينَار فيتنا وَله أحد الغلامين ودام على هَذَا زَمَانا حَتَّى فقد مِنْهُ المَال وأثرى ابراهيم وَصَارَ ذَا دَائِرَة وَاسِعَة وبقى هُوَ صفر الْيَدَيْنِ وَآل أمراه الى بيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 جَمِيع مَا تَركه لَهُ وَالِده من الاملاك ثمَّ تنْقَلب بِهِ الاحوال الى أَن صَار فى آخر عمره يقف فى بعض أسواق دمشق ويستجدى وَبلغ من الْفقر والخصاصة الى حَالَة فظيعة وفقد الملبوس وَمِمَّا يرْوى لَهُ من الشّعْر قَوْله وَبعث بهَا الى معشوقه ابراهيم بعد خصاصته (بروحى الدى عَنى غَدا متمنعا ... وَكنت بِهِ دون الورى مُتَمَتِّعا) (وَكَانَت ليالى السعد تسعدنى بِهِ ... وَكُنَّا كَمَا شَاءَ الْهوى دَائِما مَعًا) (رعى الله هاتيك الليالى فانها ... لَيَال بهَا غرس الْهوى لى أينعا) (لَيَال كَانَ الدَّهْر طوع يدى بهَا ... وَكَانَ الذى أهواه لى مِنْهُ أطوعا) وَكتب الى صديق لَهُ يطْلب مِنْهُ حبرًا (أيا من تضوع افكاره ... كمسك فيخجل عطاره) (تصدق على بمقلوب ضد تَصْحِيف قولى خبت ناره) وقرأت بِخَط عبد الْكَرِيم الطارانى وَمِمَّا أنشدنى لطفى الْبَصِير من محفوظه بيتان من شعر الْعَلامَة الْعِمَاد الحنفى كَانَ نظمهما مؤرخا بهما قناة بناها وَالِد لطفى مُحَمَّد بِالْقربِ من دَاره بَاطِن دمشق بمحلة بَين الطوالع بِالْقربِ من مدرسة الْعَادِل بن أَيُّوب وَأتم بناءها فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَتِسْعمِائَة ونقشهما فى بلاطة من الرخام ركبهَا فى أَعلَى الْقَنَاة وهى يَوْمئِذٍ مَوْجُودَة وهما (مُحَمَّد قد بنى سَبِيلا ... للخير يَرْجُو بِهِ سَبِيلا) (فجَاء تَارِيخه شرابى ... حلا طهُورا وسلسبيلا) وَكَانَت وَفَاة لطفى فى سنة خمس بعد الالف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير حرف الْمِيم ماجد بن هَاشم بن على بن المرتضى بن على بن ماجد أَبُو على الحسينى البحرانى من أجل فضلاء الْبَحْرين وأدبائها ذكره السَّيِّد بن مَعْصُوم فى السلافة فَقَالَ فى وَصفه هُوَ أكبر من أَن يفى بوصفه قَول وَأعظم من أَن يُقَاس بفضله طول نسب يؤل الى النبى وَحسب يذل لَهُ الابى وَشرف يَنْطَح النُّجُوم وكرم يفضح الْغَيْث السجوم بِهِ أَحْيَا الله الْفضل بعد اندراسه ورد غَرِيبه الى مسْقط راسه شفع شرف الْعلم بِطرف الادب وبادر الى حوز الْكَمَال وانتدب فَملك للْبَيَان عنانا وهصر من فنونه أفنانا فنظمه منظوم الْعُقُود ونثره منثور الرَّوْض الْمَعْهُود وَمِمَّا يسطر من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 مناقبه الفاخرة الشاهدة بفضله فى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَنه كَانَ قد أَصَابَته فى صغره عين ذهبت من حواسه الشَّرِيفَة بِعَين فَرَأى وَالِده النبى فى مَنَامه فَقَالَ ان أَخذ بَصَره فقد أعْطى بصيرته ولد وَنَشَأ بِالْبَحْرَيْنِ فَكَانَ لَهما ثَالِثا وَأصْبح للفضل وَالْعلم حارثا وَارِثا وَولى بهَا القضا فشرف الحكم وأمضى ثمَّ انْتقل مِنْهَا الى شيراز فطالت بِهِ على الْعرَاق والحجاز وتقلد بهَا الامامة والخطابة فشرفت بِهِ المنابر وَنشر حبر فضائله المستطابة فتاهت بِهِ المحابر ثمَّ أنْشد من شعره قَوْله (حسناء ساءت صنيعا فى متيمها ... يَا ليتها سفعت حسنا باحسان) (دنت اليه وَمَا أدنت مودتها ... فَمَا انْتِفَاع امْرِئ بالباخل الدانى) وَقَوله فى مليح قَارِئ (وتال لآى الذّكر قد وقفت بِنَا ... تِلَاوَته بَين الضَّلَالَة والرشد) (بِلَفْظ يَسُوق الزاهدين الى الْخَنَا ... وَمعنى يشوق العاشقين الى الزّهْد) وَقَوله (وذى هيف مَا الْورْد يَوْمًا ببالغ ... صدى وجنتيه فى احمرار وَلَا نشر) (يرينا من العلياء ان سيم وَصله ... علينا بِمَا فَوق النُّفُوس وَلَا نشرى) وَكَانَت وَفَاته بشيراز فى سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف محب الله بن مُحَمَّد محب الدّين بن أَبى بكر تقى الدّين بن دَاوُد جدى وَالِد والدى صدر الشَّام فى زَمَنه ومرجع خاصتها وعامتها وَقد أوصله الله تَعَالَى بَين عُلَمَاء دمشق الى مرتبَة لم يصل اليها أحد فِيمَا تقدمه مِنْهُم وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا اقبالا عَظِيما وتوفرت لَهُ دواعى المعالى وَملك فَمن الذَّخَائِر والتحف مَالا يضْبط بالاحصاء ورزق الابناء الْكثير مَاتَ مِنْهُم عَن ثَمَانِيَة وَولى المناصب الْعَالِيَة والمدارس السامية وَاتفقَ لَهُ أَنه تصرف فى نِيَابَة الشَّام وقسمتها العسكرية جمعا بَينهمَا سِتّ عشرَة سنة لم يعْزل فِيهَا الا ثَلَاث مَرَّات أَو أَربع مَرَّات وَلما حج قاضى الشَّام الْمولى شعْبَان بن ولى الدّين كَانَ أرسل الى طرف الدولة يسْتَأْذن بِالْحَجِّ فَأذن لَهُ وفوضت النِّيَابَة بِأَمْر سلطانى لجدى المترجم وَلما مَاتَ وَالِده كَانَ عمره سِتّ عشرَة سنة فوجهت اليه عَن وَالِده الْمدرسَة الناصرية البرانية واشتغل بِطَلَب الْعلم فَقَرَأَ على أَكثر تلامذة وَالِده مِنْهُم الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى وَغَيره وسما من ذَلِك الْعَهْد فَطلب معالى الامور وسافر الى الرّوم ولازم من شيخ الاسلام يحيى زَكَرِيَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 وَهُوَ قاضى الْعَسْكَر بروم ايلى وبوسيلته والتقرب مِنْهُ نَالَ مَا نَالَ وَصَارَ قاضى الْحَج وقاضى الْعَسْكَر فى صُحْبَة أَحْمد باشا الْوَزير الْمَعْرُوف بالكوجك لما سَافر على بن معن ودرس بالدرويشية برتبة الدَّاخِل الْمَعْرُوفَة الْآن ثمَّ أعْطى رُتْبَة قَضَاء الْقُدس وَعظم قدره جدا وأثرى وَبِالْجُمْلَةِ فقد نَالَ أمانيه من الزَّمَان على وفْق المقترح وَلم يخدشه الدَّهْر بخدشة الا أَنه لم يعمر كثيرا وَكَانَت وِلَادَته فى سنة احدى وَألف وأرخ العمادى الْمُفْتى وِلَادَته بقوله على لِسَان وَالِده ذَا ولدى طالعه أسعد وَتوفى لَيْلَة الْجُمُعَة سلخ شعْبَان سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف وَدفن على أَبِيه بالمدفن الْخَاص بِنَا قرب جَامع جراح الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن أَبى نمى سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ كَانَ من أمره أَنه نَشأ فى كَفَالَة أَبِيه وجده وَكَانَ جده يُنَوّه بِقَدرِهِ ويقدمه لنباهته ونجابته وَظُهُور آثَار الرياسة عَلَيْهِ فى صغره وَكَانَ يقدمهُ فى الحروب فَيرجع مظفرا منصورا وعدوه مخذولا مقهورا جبل على مَكَارِم الاخلاق وطار صيته فى الْآفَاق وَلما تولى عَمه أَبُو طَالب امارة مَكَّة أحله مَحل وَلَده الى أَن مَاتَ أَبُو طَالب فشارك عَمه الشريف ادريس فى امارة مَكَّة وَلبس الخلعة الثَّانِيَة ودعى لَهُ فى الْخطْبَة وَعقد لَهُ لِوَاء الامارة وَضربت لَهُ النّوبَة الرومية فى بَيته ووردت الاوامر السُّلْطَانِيَّة برسمه وَأَتَتْ المراسيم اليه مَعَ عَمه وَاسْتمرّ شريكان بِالربعِ الى أَن أذن الله لَهُ بالاستقلال بِولَايَة الْحجاز فَجرى بَينه وَبَين عَمه حَال أدّى الى قِيَامه عَلَيْهِ وَبَايَعَهُ جَمِيع الاشراف على ذَلِك فَخلع عَمه الشريف ادريس واستقل بالامر يَوْم الْجُمُعَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وفى سادس شهور ربيع الاول من هَذِه السّنة وَردت اليه من صَاحب مصر الْخلْع وفى شعْبَان خرج الى الْمَبْعُوث وَأَقْبَلت اليه الْوُفُود من كل النواحى ثمَّ دخل مَكَّة فى شَوَّال فى موكب عَظِيم وَدخل الْمَسْجِد وَنصب لشيخ الاسلام عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدى منبرا بِالْحَطِيمِ وَقَرَأَ المرسوم السلطانى وَبعد تَمام قِرَاءَته قلد الشريف محسن بِسيف مجوهر ثمَّ ألبس الخلعة السُّلْطَانِيَّة ثمَّ فتح لَهُ الْبَيْت الْعَتِيق فَطَافَ والخلعة عَلَيْهِ ثمَّ توجه الى منزله فجِئ لَهُ بخلعة صَاحب مصر فلبسها ثمَّ نشر الْعدْل وانتظم بِهِ الْحَال واطمأنت الرّعية وَكثر الدُّعَاء لَهُ وَدخل فى سلك طَاعَته سَائِر الْفرق العاصية ثمَّ توجه الى الْمَبْعُوث سائرا الى بجيلة ونواحيها وناصره فى جَيش جرار فَلَمَّا علمُوا بمجيئه جَاءَتْهُ مَشَايِخ بجيلة ووجوه أَهلهَا مُطِيعِينَ لامره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 وطلبوا الْعَفو والمسامحة بِمَا صدر مِنْهُم من الْعِصْيَان فَعَفَا عَنْهُم ثمَّ توجه الى ناصرة وَنزل بمَكَان يُقَال لَهُ ميسَان من وادى مخرا وَأمر الْجند بخراب دِيَارهمْ لامتناعهم من الدُّخُول تَحت طَاعَته فأخربوا بعض الْقرى وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو خَمْسَة وَأَرْبَعين رجلا ثمَّ رَجَعَ عَنْهُم وَلما فَارقه السَّيِّد مَسْعُود وَعبد الْكَرِيم ابْنا ادريس وَغَيرهمَا جمعُوا من أَعْرَاب نجد بعض الْقَبَائِل من سبيع ومطير وعدوان فَكَانَ سَبَب خُرُوج الشريف محسن اليهم فَالْتَقوا بِمحل مَعْرُوف فَطرح الشريف مَسْعُود ضربه الشريف محسن بِالسَّيْفِ فأطار السَّيْف من يَد مَسْعُود وَطَرحه فاستنخاه فَمن عَلَيْهِ الشريف محسن وَأطْلقهُ وَقيل ضرب مَسْعُود حَتَّى ملئ جِرَاحَة وتهبر وَلم يعرض عَنهُ الا بعد أَن لم يشك فى مَوته وَانْهَزَمَ من كَانَ مَعَه وبقى هُوَ وَتَفَرَّقَتْ جموعهم ثمَّ أَخذ الشريف مَسْعُود وعولج فقطبت جراحاته وجبر مَا تكسر مِنْهُ فعوفى وعاش الى أَن ولاه مَكَّة قانصوه باشا بعد قَتله للشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وَلما كَانَ فى آخر صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وصل الْوَزير أَحْمد باشا مُتَوَلِّيًا الْجِهَات اليمنية فَلَمَّا وصل الى محاذاة جدة بِحَيْثُ يَرَاهَا انْكَسَرت سفينته وغرقت أَمْوَاله فَنزل الى جدة وَأرْسل اليه الشريف محسن بهدية ثمَّ نزل اليه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدى بمكاتيب مِنْهُ وَأقَام عِنْده أَيَّامًا ثمَّ طلب الاعانة من الشريف محسن فشرع فى تَدْبِير مَال لَهُ فَلَمَّا أَن كَانَ فى أثْنَاء ذَلِك وصل الْخَبَر الى مَكَّة أَن أَحْمد باشا الْمَذْكُور سجن الْقَائِد رَاجِح بن ملحم الدويدار حَاكم جدة وَمُحَمّد بن بهْرَام الشريفى أحد خدام الشريف محسن وَكَانَ أرْسلهُ الشريف الى جدة بمكاتيب اليه فَأرْسل الشريف حِينَئِذٍ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن قره باش الْوَاعِظ الرومى الى جدة لينْظر فى هَذَا الامر فَلم ينْتج شَيْئا فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة غرَّة شهر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة وصل الْخَبَر بِأَنَّهُ صلب رَاجِح الْمَذْكُور وَأَنه ولى السَّيِّد أَحْمد بن عبد الْمطلب وَكَانَ فى هَذِه الْمدَّة يتَرَدَّد اليه فَحصل حِينَئِذٍ اضْطِرَاب وَقَالَ وَقيل فَبعد مُدَّة وصل خبر وَفَاة أَحْمد باشا وَأَنه نودى بجدة للشريف محسن ففرح النَّاس بذلك كثيرا ففى ثانى يَوْم ورد الْخَبَر بِأَن الامر عَاد الى مَا كَانَ وَأَنه نودى للشريف أَحْمد بجدة فَبعد مُدَّة برز الشريف محسن بعساكره وَجُنُوده وَنزل بومح اسْم مَاء بِقرب جدة وَوَقعت هُنَاكَ فتْنَة بِمُوجب أَن الاتراك خَرجُوا لاخذ غنم ترعى فى تِلْكَ الْجِهَات فوصل الْخَبَر للشريف محسن فَركب وَمَعَهُ الاشراف والاجناد فَوَقَعت ملحمة عَظِيمَة قتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 فِيهَا من الاتراك جَانب وَمن الاشراف السَّيِّد ظفر بن سرُور بن أَبى نمى وَالسَّيِّد أَبُو الْقَاسِم بن جازان وَغَيرهمَا ثمَّ بعد مُدَّة وصل الشريف محسن الى الْبَلَد وَأقَام بهَا وَجعل هُنَاكَ رُتْبَة وَأقَام عَلَيْهَا السيدة قايتباى بن سعيد بن بَرَكَات فَلَمَّا كَانَ آخر شعْبَان وصل الْخَبَر بِأَن الشريف أَحْمد برز هُوَ والعساكر الى جِهَة مَكَّة فَلم يزل يسير أَيَّام عديدة وَكَانَ وُصُوله على جِهَة وادى مر فَلَمَّا كَانَ يَوْم سادس عشر شهر رَمَضَان وصل الْخَبَر بِأَنَّهُم قاربوا مَكَّة فبرز الشريف محسن بِمن مَعَه من الاشراف والعساكر بعد صَلَاة عشَاء لَيْلَة السَّابِع عشر من شهر رَمَضَان فَالْتَقوا بِالْقربِ من التَّنْعِيم فى صبيحتها فَوَقَعت معركة وَأطلق المكاحل وَضربت البنادق فَتوجه الشريف محسن والاشراف الى جِهَة الحسينية وَدخل الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب الى مَكَّة ضحى ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ السَّابِع عشر من شهر رَمَضَان والمنادى بَين يَدَيْهِ وَكَانَ دُخُوله من الْحجُون فاضطربت الافكار وتعب النَّاس فَأول مَا بَدَأَ بِهِ دُخُول الْمَسْجِد من بَاب السَّلَام وَفتحت لَهُ الْكَعْبَة المشرفة فَدَخلَهَا ثمَّ عزم الى الْمحل الذى أَرَادَ السُّكْنَى بِهِ فَوَقع الْهَرج والمرج وتسلط الْعَسْكَر على بيُوت النَّاس وَحصل الْخَوْف وَذهب صَاحب التَّرْجَمَة الى بيشه بِكَسْر الْبَاء وَأقَام بهَا وَنزل وَلَده زيد على القنفده وَنهب مِنْهَا أَمْوَالًا جمة وَكَاتب الامام مُحَمَّد بن الْقَاسِم فعضده بِابْن لُقْمَان فَجهز اليهم ابْن عبد الْمطلب جَيْشًا من جدة الى القنفده فَالتقى الْجَمْعَانِ هُنَاكَ فكسرهم وشتت جموعهم مَرَّات ثمَّ أَقَامَ ابْن لُقْمَان فى عنود هُوَ وَزيد وَأَصْحَاب ابْن عبد الْمطلب فى القنفده وَتوجه الشريف محسن الى الامام فَلَمَّا ورد اليه أكْرمه أحسن اليه وَأقَام عِنْده أَيَّامًا ثمَّ توجه الى صنعاء يُرِيد التَّنَزُّه بهَا فاخترمته الْمنية بِمحل يُسمى غربان وَحمل الى صنعاء وَدفن بهَا وَكَانَت وَفَاته فى خَامِس شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وَيُقَال انه مَاتَ مسموما وَكَانَت مُدَّة ولَايَته ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَنصف ولعلماء عصره وشعرائه فِيهِ مدائح كَثِيرَة يتناقلها أدباء مَكَّة مُحَمَّد بن ابراهيم الْمَدْعُو ببديع الزَّمَان الفاسى كَانَ فَاضلا لسنا فصيحا وشاعرا عَرَبيا لَهُ نظم رائق ونثر فائق مُشْتَمل على الْمعَانى الْحَسَنَة والنكات البديعة وَكَانَ حسن الايراد مَقْبُول الانشاد مَعَ مَا فِيهِ من رقة الحضارة ودقة البداوه رَحل من الْمغرب الى الْمشرق وجال فى الْبِلَاد وَدخل قسطنطينية الرّوم فى سنة احدى وَألف وَاجْتمعَ بعلمائها وَقد ذكره أَبُو المعالى الطالوى فى ساعاته وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 مراجعات وَقعت بَينه وَبَينه فَمن ذَلِك مَا كتبه اليه صَاحب التَّرْجَمَة (لدمعى بعد بَينهم انهمال ... فكم عَن حفظ عهد الصب مالوا) (وحلوا الْقلب دَارا وَاسْتَحَلُّوا ... دمى عمدا وَعَن ودى استحالوا) (وَقَالَ الْقلب مَعَ صبرى وعقلى ... وأفراحى لنا عَنْك ارتحال) (وحان الْحِين حِين البان بَانَتْ ... مطاياهم وأعلاها الرّحال) (وأبقت لى النَّوَى جسما كأنى ... لفرط السقم حَال أَو محَال) (أفديهم بأموالى ونفسى ... وَهل لى فى الْهوى نفس وَمَال) (أأسلوهم مدى الدُّنْيَا سلوهم ... وَلَو أصلوا فؤادى ثمَّ صالوا) (شعارى حبهم والمدح دينى ... لمولى الْفضل درويش بن طالو) (هُوَ النحربر بَحر الْعلم مهما ... أهم الامر أَو أعيا السُّؤَال) (ذكى ألمعى لوذعى ... سرى مَاله حَقًا مِثَال) (لَهُ علم حنيفى مُحِيط ... وحلم أحنفى وَاحْتِمَال) (وفكر عِنْد ذى التَّحْقِيق ذكر ... بشكر الله مغرى لَا يزَال) (حوى كل الْمعَانى والمعالى ... بعقل مَاله عَنهُ انعقال) (لَهُ نظم كدر فى نحور الغوانى دونه السحر الْحَلَال ... ) (فريد فى العلى من غير ند ... فدع مَا قيل أَو مَا قد يُقَال) (فيمم دَاره وَانْزِلْ حماه ... اذا جَار الاعادى واستطالوا) (وَقل للْمُدَّعى هَل حزت أصلا ... لَهُ بالطالويين اتِّصَال) (لقيناه باسلا مبول لما ... عد منافيه حرا يستمال) (فوالانا وأولانا بشاشا ... وبشرا دونه العذب الزلَال) (وأنسانا بايناس أُنَاسًا ... لَهُم فى الْقلب حل وارتحال) (أَلا يَا ابْن الالى قد خرت فخرا ... لَهُ فى وجنة الْبَدْر انتعال) (وسدت الْيَوْم أهل الارض فاهنأ ... بعز مَاله عَنْك انْتِقَال) (فَخذهَا مثل خلق مِنْك سهل ... على الاعداء صَعب لَا ينَال) (كساها مدحك الْمَحْمُود حسنا ... لَهَا فِيهِ ازدهاء واختيال) (فتبدى تَارَة دلا لديكم ... ويعروها على الدُّنْيَا دلال) (ترجى أَن تنيلوها قبولا ... عَسى يَبْدُو لَهَا مِنْك احتفال) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 (فان أَحْسَنت كَانَ الامر بدعا ... والا مِنْكُم يُرْجَى الْكَمَال) ثمَّ أعقب هَذَا النّظم بنثر وَهُوَ رضى الله عَنْك وأرضاك وأخصب فى مرابع المحامد مرعاك سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله سَلاما يَتَّخِذهُ الْبَدْر برق محياه وَقَامَ لاجلاله سنا شمس الضُّحَى وحياه وافتك حَاسِرَة حسيره ونزهة يسيره يشرفها ذكرك ويكرمها شكرك والعذر وَاضح وتفسر الْوَاضِح فاضح فان لى خاطر امتى تفكر تفطر وان رَاجع وتدبر الْقدر تصبر وَالْحر خل عاذر واللئيم خب غادر وَمثلك يغض وَلَا يغضى وحلمك لاشك الى الرِّضَا يفضى وَكتب الْمُحب الاكبر وَالْفَقِير الاصغر النائى عَن الاخوان مُحَمَّد الْمَدْعُو ببديع بل بشنيع الزَّمَان وَحكى الطالوى انه حن يَوْمًا الى وَطنه حنين الْفَحْل الى عطنه والمهجور الى سكنه وَقد ذكر مسْقط راسه ومشتعل نبراسه وهى الْبَلدة الْبَيْضَاء أعنى فاس فتصاعدت مِنْهُ لغدقتها الانفاس حَتَّى ذرفت عَيناهُ بالدموع شوقا الى تِلْكَ الْمنَازل والربوع فَلَمَّا رأى الْحَاضِرُونَ حَاله رق كل لَهُ ورثى لَهُ قَالَ فَقلت على لِسَان حَاله وَقد توجه لمنزله ببلباله قِطْعَة سبقته الى النادى وَكَانَت عِنْده كبعض الايادي مَعَ لغز فى اسْم بَلْدَة مراكش وَكَانَ قد جرى شئ من ذكرهَا فنظم ذَلِك فى اثرها (ربعت على تِلْكَ الربوع هتون ... وطفاء فِيهَا للبروق حنين) (مسفوحة العبرات سفح مدامعى ... نَحْو الديار كأنهن عُيُون) (فسقى معالم فاس حَيْثُ صبابتى ... وصباى فِيهَا صَاحب وخدين) (فارقتها وَأَنا الضنين وَرُبمَا ... يسخو الْفَتى بِالروحِ وَهُوَ ضنين) (فعلى معالمها تَحِيَّة مغرم ... فى قلبه لهوى الديار شجون) وَأما اللغز فَهُوَ (وَمَا اسْم خماسى مُسَمَّاهُ بَلْدَة ... تركب من شكين وَهُوَ يَقِين) (فَشك ترَاهُ الْعين باد بِلَا مرا ... وَشك بقلب لَا ترَاهُ عُيُون) فَكتب اليه بسرعه لما وصلت اليه الرقعة وَمَا زَالَ العَبْد من حِين مفارقتكم لَا يقر لَهُ قَرَار الى ان ورد شذا انظمكم المعطار فَقَالَ طَالبا للقبول على استعجال من الرَّسُول (مولاى لَا زلت فَردا فى المكارم يَا ... أَبَا المعالى فى أرفع الدرج) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 (ألبست فاسا وأهليها ثِيَاب على ... قد نمقتها يدا تقريظك البهج) (لما جرى ذكرهَا فى رحب خاطركم ... أنشدتها قَول صب بالهوى لهج) (لتهن يَا فاس واخلع مَا عَلَيْك فقد ... ذكرت ثمَّ على مَا فِيك من عوج) وَأما لغزكم السهل الْمُمْتَنع فَهُوَ فى بَلْدَة هى لقلب الصب الحبيب الْمُمْتَنع وعاجلنى الرَّسُول على نظم بعض الفضول وَلَكِن ان شَاءَ الله فى غَد يَقع الاتمام عَالما ومقرا ان لى بِسَاحَة اقتداركم المام فَكتب اليه ثَانِيًا (مَا ذَات عود لَهَا لحن من الهزج ... باتت تغنى بِهِ فى روضها البهج) (لَهَا بدعوة نوح طوق غانية ... على وشاح من الازهار منتسج) (مخضوبة الْكَفّ لَا من عندم خضبت ... ذَاك البنان وَلَكِن من دم المهج) (مدت قوادم ليل فِيهِ لَاحَ لنا ... بيض الخوافى كصبح مِنْهُ منبلج) (يَوْمًا بِأَحْسَن من مرأى نظام فَتى ... بِذكر فاس ومغنى ربعهَا لهج) ثمَّ انه سَافر الى مصر وَبهَا توفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ بعد الالف مُحَمَّد بن ابراهيم الفرضى الميدانى المنعوت شمس الدّين التنورى الشافعى أحد مشاهير مَشَايِخ دمشق فى علم الْفَرَائِض والحساب وَكَانَ اليه النِّهَايَة فى هذَيْن العلمين مَعَ مُشَاركَة فى غَيرهمَا وَكَانَ صَالحا ورعا حسن الِاعْتِقَاد وَبِالْجُمْلَةِ فانه بركَة من بَرَكَات عصره أَخذ الْفَرَائِض عَن الشَّيْخ مُحَمَّد النجدى نزيل الْمدرسَة العمرية بصالحية دمشق وَكَانَ يسكن محلّة ميدان الْحَصَا فَيذْهب مِنْهَا فى كل يَوْم الى الصالحية وَيقْرَأ عَلَيْهِ وخدمه كثيرا حَتَّى مهر وقصده الطّلبَة من الاطراف وانتفعوا بِهِ وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ الْحسن البورينى وَالشَّيْخ عمر القارى والبدر الموصلى وَغَيرهم وَسكن مُدَّة دَاخل دمشق فى سوق البزوريين وَصَاحب آخرا رجلا مصريا يُقَال لَهُ الشَّيْخ يحيى وَكَانَ يعرف الْعُلُوم الغريبة كالزايرجا والسيميا والكيميا وَكَانَ الشَّيْخ يحيى قد رَحل الى الْبِقَاع العزيزى فَكَانَ التنورى يَأْخُذ مَعَه نفائس المأكولات ويسافر الى الْبِقَاع بِقصد الشَّيْخ يحيى وَيطْلب مِنْهُ التَّعْلِيم فَمَا سمح لَهُ بشئ سوى بعض مبادى الكيميا فأتلف مَا كَانَ يملكهُ وَلم يحصل مِنْهَا على شئ وَعمر كثيرا وَمَات بمحلة ميدان الْحَصَا فى أَوَائِل شهر ربيع الاول سنة سبع بعد الالف قَالَ البورينى فى تَرْجَمته وأخبرنى وَلَده الشَّيْخ مُحَمَّد أَنه عَاشَ سِتا وَسبعين سنة وَدفن بتربة الجوزة بمحلة الميدان مُحَمَّد بن ابراهيم بن عمر بن ابراهيم بن مُحَمَّد الاكمل بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُفْلِح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 القاضى أكمل الدّين بن برهَان الدّين بن قاضى الْقُضَاة نجم الدّين بن مُفْلِح الرامينى الْمُحدث الرحلة المورخ أَخذ عَن مَشَايِخ عصره واستجاز لَهُ أَبوهُ من شيخ الاسلام السَّيِّد كَمَال الدّين مُحَمَّد بن حَمْزَة مفتى دَار الْعدْل وتعانى فى مبدا أمره الشَّهَادَة بالمحكمة ثمَّ سَافر الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة وَقَرَأَ على الْعَلامَة عز الدّين خَلِيل الحلبى الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب نزيل قسطنطينية وَولى قَضَاء بعلبك وصيدا ثمَّ اسْتَقر بِدِمَشْق وَكَانَ أَكثر مقَامه بقصره الشامخ بصالحية دمشق قبالة دَار الحَدِيث الاشرفية الْمَعْرُوف الْآن بقصر بنى كريم الدّين وبقاعته قرب الْمدرسَة المقدمية بَاطِن دمشق وَكَانَ لَهُ يَد طولى فى علم التَّارِيخ وَكتب تَارِيخا ترْجم فِيهِ معاصريه وَكَانَ يكْتب الْخط الْحسن الْمَنْسُوب وَفِيه يَقُول الْحسن البورينى (لَا كمل مَوْلَانَا خطوط كَأَنَّهَا ... خطوط عذار زينت صفحة الخد) (اذا مَا امتطى مِنْهُ اليراع أناملا ... أَرَاك سطور الْمجد فى فلك السعد) (فَهَذَا لعمرى مُفْلِح وَابْن مُفْلِح ... فناهيك مولى فاق بالجد وَالْجد) وَكَانَ مَعَ كَثْرَة أدبه واطلاعه لم ينظم شعرًا سوى مَا رَأَيْته فى بعض المجاميع انه روى لَهُ هَذَا الْبَيْت وَلم يتَّفق لَهُ غَيره وَهُوَ قَوْله (أَلَيْسَ عجيبا ان حظى نَاقص ... وغيرى لَهُ حَظّ وانى لَا كمل) وَكَانَ كثير الْفَوَائِد وَرَأَيْت بِخَطِّهِ مجاميع كَثِيرَة ونقلت مِنْهَا أَشْيَاء مستظرفة فَمن ذَلِك هَذِه الْفَائِدَة فِيمَا تَقوله الْعَرَب انه أحد الشَّيْئَيْنِ حسن شعر الْمَرْأَة أحد الْوَجْهَيْنِ والقلم أحد اللسانين وَحسن المرافقة أحد النفقتين ونشيد الهجاء أحد الهجاءين والعزل عَن الْمَرْأَة أحد الوأدين والادب أحد الحسبين والجنوب أحد المطرين وَحسن الْمَنْع أحد البذلين وَالسُّؤَال عَن الصّديق أحد اللقاءين والتثبت أحد العزمين وَالْقَرْض أحد الهبتين والتلطف فى الْحَاجة أحد الشافعين واللطافة أحد الحضتين وَحسن الْخط أحد البلاغتين واليأس أحد الراحتين والطمع أحد المعرتين وَسُوء الْخلق أحد المصيبتين وَمن ذَلِك هَذِه العجيبة قَالَ أخبرنى شَيخنَا شيخ الاسلام أَبُو الْفَتْح المالكى ابْن عبد السَّلَام أَنه لما توجه فى سنة ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة الى دَار السلطنة قسطنطينية نزل بِمَدِينَة قونيه فَرَأى بهَا رجلا بلحية كَبِيرَة سَائِلَة الى صَدره وَهُوَ يتعاطى المتجر فَتحَرَّر أمره أَنه امْرَأَة وَله فرج أُنْثَى وكشف عَلَيْهِ حَاكم تِلْكَ الْمَدِينَة فَوَجَدَهُ أُنْثَى بفرج فحلق لحيته وَأمره بالسترة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 وبلغنى بعد ذَلِك انها تزوجت وَولدت من فرجهَا قلت وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا نَقله المقريزى أَنه فى أول الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَقع بِمصْر أَن الامير شرف الدّين بن عِيسَى بن بَاب جكر والى الاشمونين كَانَت لَهُ بنت فَلَمَّا بلغت من الْعُمر خمس عشرَة سنة استد فرجهَا وَنبت لَهَا ذكر وأنثيان واحتلمت كَمَا يَحْتَلِم الرِّجَال واشتهر ذَلِك بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى بلغ الامير منجك فاستدعى بهَا ووقف على حَقِيقَة خَبَرهَا فَأمر بِنَزْع ثِيَاب النِّسَاء عَنْهَا وألبسها ثِيَاب الرِّجَال من الاجناد وسماها مُحَمَّدًا وَجعله فى جملَة خدمه وأنعم عَلَيْهِ باقطاع وَشَاهد ذَلِك كل أحد وَرَأَيْت فى الكشكول تأليف الْبَهَاء الحارثى نقلا عَن حَيَاة الْحَيَوَان عَن ابْن الاثير فى كَامِل التَّارِيخ فى حوادث سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة قَالَ كَانَ لنا جَار لَهُ بنت اسْمهَا صَفِيَّة فَلَمَّا صَار عمرها خمس عشرَة سنة نبت لَهَا ذكر وَخرج لَهَا لحية قَالَ الْبَهَاء وَنَظِير هَذَا مَا أوردهُ حمد الله الْمُسْتَوْفى فى كتاب نزهة الْقُلُوب وَأوردهُ بعض المؤرخين أَيْضا أَن بِنْتا كَانَت فى قميشة وهى من ولايات اصفهان فزوجت فَحصل لَهَا لَيْلَة الزفاف حكة فى عانتها ثمَّ خرج لَهَا تِلْكَ اللَّيْلَة ذكر وأنثيان وَصَارَت رجلا وَكَانَ ذَلِك فى زمَان السُّلْطَان الجانبولاذ خدا بنده وَذكر الاكمل أَنه يعرف قصَّة وَقعت بِدِمَشْق فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَهُوَ أَنه كَانَ بمحلة القيمرية شَاب أَمْرَد أسمر اللَّوْن يُسمى على بن الرفاعى وَكَانَ يجلد الْكتب ويهواه شخص يُسمى عبد الرَّحْمَن بن الظنى فَوَقع لَهُ مَعَه وَاقعَة أفْضى أمرهَا للوقوف بَين يدى القاضى كَمَال الدّين الْعَدْوى الشافعى البقاعى الْحَاكِم خلَافَة بمحكمة الميدان فترجح عِنْده أَن عليا الْمَذْكُور خُنْثَى وانه للانوثة أميل فَأمر الاطباء بالكشف عَلَيْهِ فوجدوا لَهُ فرجا لَهُ حلمة صَغِيرَة فَوْقهَا ثَلَاثَة أبخاش صغَار فأزالوا ذَلِك بِالْقطعِ فَظهر تَحت الْمحل الْمَذْكُور فرج أُنْثَى فَعِنْدَ ذَلِك حكم الْحَاكِم الشافعى بأنوثته وسموه عليا وزوجوها بعاشقها عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فَدخل عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا بكرا وأزال بَكَارَتهَا وحملت مِنْهُ وضعت أَوْلَادًا مُتعَدِّدَة شَاهد ذَلِك وتحققه غَالب أهل دمشق انْتهى وَكَانَت ولادَة الاكمل فى يَوْم الْجُمُعَة ثانى عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الاربعاء وَقت الضحوة الْكُبْرَى سَابِع عشر ذى الْحجَّة سنة احدى عشرَة بعد الالف وَدفن بمقبرة سفح قاسيون فى قبر وَالِده مُحَمَّد بن ابراهيم الملقب بسرى الدّين الدرورى المصرى الحنفى الْمَعْرُوف بِابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 الصَّائِغ السرى وَمَا أَدْرَاك مَا السرى أنموذج المعارف ونكتة مَسْأَلَة التَّحْقِيق كَانَ من الْفضل وَالتَّحْقِيق فى أسمى منزلَة وَأَعْلَى هضبة وَمَا رَأَيْت فِيمَن رَأَيْت الا من يصفه بِالْفَضْلِ الباهر ويبالغ فى الثَّنَاء عَلَيْهِ وَقَالَ والدى فى تَرْجَمته لم أر فى مصر أحسن من شكله وملبوسه وعمامته وَلَا ألطف من مصاحبته ومنادمته وَأما فَضله فاليه النِّهَايَة وَلَيْسَ وَرَاءه غَايَة وَلم يكن فِيهِ عيب سوى الشُّح وَكَانَ وَالِده من أكَابِر التُّجَّار المياسير خلف لَهُ أَمْوَالًا كَثِيرَة ثمَّ اشْتغل بِقِرَاءَة الْعُلُوم فَقَرَأَ على أَبى بكر الشنوانى ثمَّ لزم الْمولى حُسَيْن الْمَعْرُوف بباشا زَاده نزيل مصر واختص بِهِ وَبِه تفوق على نظرائه وَكَانَ يعرف اللُّغَة الفارسية والتركية حق الْمعرفَة بِحَيْثُ انه اذا تكلم بهما يظنّ أَنه من أهلهما ودرس بِمصْر فى الْمدرسَة السليمانية والمدرسة الصرغتمشية وَكَانَ يكْتب الْخط المدهش وَألف حَاشِيَة على شرح الْهِدَايَة للاكمل وحاشية على شرح الْمِفْتَاح الشريفى وحاشية على البيضاوى ورسالة فى المشاكلة وَكلهَا ممتعة نفيسة جَارِيَة على الدقة وَالنَّظَر الصَّحِيح وانتفع بِهِ جمَاعَة وسافر الى الرّوم بِطَلَب من شيخ الاسلام أَحْمد بن يُوسُف المعيد مفتى السلطنة ورزق مِنْهُ قبولا تَاما وَوجه اليه رُتْبَة قَضَاء الْقُدس وَدخل دمشق ذَهَابًا وايابا وَأخذ عَنهُ بهَا الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد العيثى ووالدى وَعرض عَلَيْهِ رحلته الرومية الاولى فَكتب عَلَيْهَا الْحَمد لله الذى تفضل على من شَاءَ من عباده فَكَانَ لَهُ محبا وشغفه بالكمال فَكَانَ بِهِ ولوعا وصبا وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على أشرف الانام الذى ترقى فى حضرات الْقُدس وَشَاهد الانس دنوا وقربا وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين لم يَجْعَل لَهُم فى سوى اقتفاء آثاره حَاجَة وقربى وَبعد فقد بعث الى من وادى الادب الْمُقَدّس هَدِيَّة سنية وسفر أَسْفر عَن بَدَائِع عبقريه حيرتنى فلست أدرى أروض دبجته أيدى الْغَمَام أم عسجدية حسنتها فَارس بأنواع التصاوير والارقام بيد أَنَّهَا أعربت عَن سمو همة مبدعها بالاقتداء فى الْهِجْرَة بِالْآبَاءِ الْكِرَام فَسَار مسير الْهلَال فى منَازِل التَّحْصِيل ثمَّ الترقى الى أوج التَّمام فَالله تَعَالَى يكثر من أَمْثَاله اذ لم نر لَهُ مثلا فضلا عَن أَمْثَال ويبقيه صَدرا للافادة ومحتدا للفضل والافضال وَأورد لَهُ والدى رَحمَه الله فى تَرْجَمته قصيدة من نظمه فى غَايَة السلاسة واللطافة وَذكر أَنه مدح بهَا قاضى مصر الْمولى عبد الْكَرِيم المنشى ومستهلها (رعى الله عصر بالغرام تقدما ... أرَاهُ بِثَوْب الدَّهْر وشيا منمما) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 (وَحيا الحيا منى ديار أحبتى ... وان كَانَ ربع الود مِنْهُم تهدما) (وان كَانَ ودا فى الْحَقِيقَة غير أَن ... عشقت وأوهمت الحجى فتوهما) (الى كم أضيع الْعُمر فى أَيْن هم غدوا ... وحتام يسلينى لَعَلَّ وأينما) (أطالب دهرى أَن يجود بقربهم ... فَمَا زَاد بِالْبُطْلَانِ الا تبرما) (وَنَاشَدْته الا مقاسمة الاذى ... وصفو الليالى فاستقال وأقسما) (وَمَا ضرهم لَو أَن برق التقائهم ... أَضَاء اذا ليل الْحَقِيقَة أضرّ مَا) (تبدت لى الايام فى زى بأسهم ... وسلت بكف الْغدر للْقَتْل مخذما) (وَضحك مشيبى أَن عصر شبيبتى ... يودع جسما مَا أرَاهُ مُسلما) (هبطنا الى أَرض المذلة بالذى ... تخذت لصرح الْعِزّ مرقى وسلما) (وَمِمَّا دهانى أَن بليت بأغيد ... اذا شَاءَ اسكار الْعُقُول تبسما) (وان مارنا واهتز غُصْن قوامه ... فويل المهى مِنْهُ وتعسا على الدما) (تمايل وَسنَان الجفون وَمَا احتسى ... مداما وأصمانا وَمَا راش أسهما) (وولاه سُلْطَان الْجمال نفوسنا ... أَلَسْت ترى ديباج خديه معلما) (وَمَا هُوَ الا ان تعطفه الحجى ... فيسمح لى فى زورة ثمَّ يندما) (زرعت بلحظى الْورْد فى روض خَدّه ... أما آن أَن يجنى بفى أما أما) (وهبه حمى ورديه بعذاره ... فَمنع فَم العشاق ذَاك اللمى لما) (مللت البقا الا بِمن قد صحبته ... أعانقه لَيْلًا اذا الطيف أحجما) (وَذَاكَ لِقَاء المغرد الْكَامِل الَّذِي ... غَدا الدَّهْر فى ترتيل مدحته فَمَا) وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد مُحَمَّد بن ابراهيم بن الْمفضل بن ابراهيم بن على بن الامام يحيى شرف الدّين قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال هُوَ بَحر الْعلم الخافق فى الْخَافِقين وَبدر الدّين الذى أنار فى المشرقين امام المعقولات والمنقولات والمبرهن على حُدُودهَا وبراهينها والمقولات صدر السَّادة وَبدر القادة كَانَ قدس الله تَعَالَى سره نَسِيج وَحده وفريد وقته وانسان زَمَانه الْكَامِل القاضى فى الْعُلُوم على كل فَاضل وَالْحَاكِم الذى لبه رزين والواسطة الَّتِى بجواهر العقد تزين وَكَانَ ربانى عصره معمور الْبَاطِن وَالظّهْر مسعودا فى حالاته ملحوظا اليه بِعَين التكريم أَيْنَمَا توجه مَعَ كَمَال فى سمته وجلالة باهرة حَتَّى قَالَ بعض الْفُضَلَاء أَحسب أَنه لَو اجْتمع الْخلق فى الْحَشْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 وَخرج السَّيِّد مُحَمَّد بَينهم علم كل أحد انه عَالم وَكَانَ مَعَ تِلْكَ الْخلال وَذَلِكَ الْجلَال سهل الاخلاق غير مترفع وَلَا ينقص ذَلِك من مِقْدَار شَيْئا وَكَانَت لَهُ فكرة سليمَة كَمَا قَالَ شَيْخه الْوَجِيه عبد الرَّحْمَن الحيمى فى صفته انه مُسْتَغْرق الفكرة بِاللَّه تَعَالَى وَهُوَ مَعَ النَّاس ظَاهرا هَكَذَا ذكره لى شَيخنَا مشافهة أَيَّام قِرَاءَته عَلَيْهِ فى الْكَشَّاف وَكَانَت أَحْوَاله أَحْوَال الامراء وَصيته أَعلَى من ذَلِك لما حواه من هَذِه الكمالات وَلما لَهُ من النّسَب الشريف الذى لَا يسامى وَكَانَ فى أهل بَيته الْكِرَام كالبدر بَين النُّجُوم ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَلم يزل مواظبا على الْعلم من صغره الى كبره يَسْتَفِيد مِنْهُ الطالبون ويراجعه الْفُضَلَاء بالكتب من الْآفَاق ويستمطرون دِيمَة آدابه ويفجرون معِين علمه فيأتيهم من قبله كل عَجِيب غَرِيب وَقَرَأَ فى الْفُنُون بِمَدِينَة صنعاء وبلدة كوكبان وشيام ورحل الى الطَّوِيلَة لقِرَاءَة شئ من كتب أصُول الْفِقْه على السَّيِّد الْعَلامَة عز الدّين بن ذريب وَأكْثر مَا تعلق بِهِ فى صنعاء علم الادوات وَالتَّفْسِير وَأما الحَدِيث فَأكْثر قِرَاءَته على شُيُوخ وردوا اليه الى مَحَله الْمُبَارك فَقَرَأَ من كل فن وُجُوه كتبه وهيمن على غرائبها وَكَانَ وَاسع الْحِفْظ نادرة فى ذَلِك سيال الذِّهْن وَلَا يلقى الْمسَائِل الا على جِهَة الاجابة واستوطن فى آخر أَيَّامه وادى ظهر وَأنس بِهِ النَّاس هُنَالك وازداد الوادى بِهِ بهجة وعلق بِهِ من لَا علاقَة لَهُ بِهِ وَكَانَ استشارنى لمَكَان الْمَوَدَّة فى انزال أَهله الى الوادى فَمَا رجح لى وَظهر لَهُ الرجحان فَكَانَ الصَّوَاب رَأْيه والحرى بذلك وَله من التآليف نظم الورقات لامام الْحَرَمَيْنِ الجوينى فى غَايَة الْحسن وَكَانَ شَيخنَا الْوَجِيه يتعجب من حسنه وَيسر الله تَعَالَى فى أَيَّام الْقِرَاءَة شرحها بشرح مُفِيد وَلكنه لم يظْهر وَغَابَ بَين كتبه وَشَرحهَا رجل من بنى النزيلى وَكَانَت وَفَاته نَهَار الِاثْنَيْنِ غرَّة رَجَب سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف بِمَنْزِلَة شيام وَكَانَ لمَوْته موقع عَظِيم عِنْد الْعلمَاء وَغَيرهم وَمَا أحقه بقول الزمخشرى فى الامام ابْن سمْعَان (مَاتَ الامام ابْن سمْعَان فَلَا نظرت ... عين الْبَصِير اذا ضنت بأدمعها) (وأى حوباء لَا صمت وَلَا عميت ... وَلَا استفادت بمرآها ومسمعها) (أَيْن الذى ان شريناه لما أخذت ... بِبَعْضِه هَذِه الدُّنْيَا بأجمعها) (أَيْن الذى الْفِقْه والآداب ان ذكرت ... فَهُوَ ابْن ادريسها وَهُوَ ابْن أصمعها) (من للامامة ضَاعَت عِنْد قيمتهَا ... من للبلاغة غيث عِنْد مصقعها) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 (من للاحاديث يُمْلِيهَا ويسمعها ... بعد ابْن سمْعَان ممليها ومسمعها) (سرد الاسانيد كَانَت فِيهِ لهجته ... ككف دَاوُد فى تسريد أدرعها) (خلى الائمة خيرا فقد أعلمها ... على اتِّفَاق وأوذكاها وأورعها) وَعمر عَلَيْهِ تربة ورثاه من يعرفهُ وَمن لَا يعرفهُ وَمن جملَة من رثاه القاضى مُحَمَّد بن الْحسن الحيمى وَجَمَاعَة من بِلَاد كوكبان أَجَاد وَالشَّيْخ البليغ ابراهيم الهندى والقاضى على بن صَالح بن أَبى الرِّجَال وَلم يحضرنى من هَذِه المراثى غير مَا يسره الله تَعَالَى لى وَلست بكامل الصَّنْعَة فى الشّعْر وهى قولى (الله أكبر فلك الصَّالِحَات رسا ... الله أكبر راد الافق عَاد مَا) (وَالْمجد هدت على رغم قَوَاعِده ... كم معلم بعد عز الْملَّة اندرسا) (ومسمع الْمجد والعليا بِهِ صمم ... ونطقه عَن فصيحات اللغى خرسا) (هى الْمُصِيبَة عَمت كل نَاحيَة ... يَا أَيهَا النَّاس هَذَا الْبَدْر قد طمسا) (فابكوا جَمِيعًا فَهَذَا الهول عمكم ... هد القوى من رجال مِنْكُم ونسا) (من ذَا لعلم رَسُول الله ينشره ... يحييه يمليه يبدى مِنْهُ مَا التبسا) (من للاصولين من ذَا للفروع وَمن ... بالْمَنْطق الْفَصْل يُمْلِيهَا لمن درسا) (لهفى عَلَيْهَا وَمَا لهفى شفا كمد ... شوى فؤادى وأورى فى الحشا قبسا) ( ... آه وَمَا هى فى خطبى بنافعة ... وان رثى لى مِنْهَا الضِّدّ والجلسا) (مُصِيبَة قد دهت من قد قصاودنا ... وَأعظم النَّاس خطبا معشر الرؤسا) (قد كَانَ فِينَا كشمس الرَّاد مشرقة ... مَا ان نَخَاف ظلا مَا أَو نرى غلسا) (وَكَانَ فِينَا كثهلان نلوذ بِهِ ... اذا الزَّمَان علينا بالخطوب أسا) (وَكَانَ فِينَا فراتا مرويا فاذا ... يدنس الدّين أَمر طهر الدنسا) (مَاذَا أَقُول وقولى فِيهِ ذُو قصر ... ومنطقى بعد افصاحى قد انحبسا) الى أَن يَقُول (مالى سولى الصَّبْر فى خطبى ألوذ بِهِ ... عَسى يُخَفف من قلبى الهموم عَسى) (يَا من نأى عَن فؤادى وَهُوَ موطنه ... وفى سويداه حب مِنْهُ قد غرسا) (نأيت عَنَّا الى الجنات منتعما ... مَعَ الاحبة من آل وَأهل كسا) (وَنحن نبكى كَمَا تبكى مولعة ... بنجلها اذ رَأَتْهُ صَار مفترسا) (لكننا قد رَضِينَا حكم خالقنا ... وان يجرع كل من نواك حسا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 (وسوف نفزع فى ذَا الْخطب نحواسا ... كم بردت من حرارات الْقُلُوب أسى) مُحَمَّد بن ابراهيم الملقب شمس الدّين الحمصى الشافعى الْمَعْرُوف بِابْن الْقصير بِالتَّصْغِيرِ وَاحِد قطره فى الْفُنُون وَكَانَ فَاضلا حسن التَّحْرِير ندى الْقَلَم أفتى بحمص على مَذْهَب الشافعى نَحْو سَبْعَة وَأَرْبَعين سنة وَله تآليف حَسَنَة مِنْهَا شرح على منظومة الشَّيْخ أَبى بكر القارى فى العقائد وَشرح الْغَايَة فى الْفِقْه وَله أجوبة عَن أسئلة سُئِلَ عَنْهَا فى التَّفْسِير وَالْفِقْه بحلب ودمشق رَأَيْتهَا وانتخبت مِنْهَا أَشْيَاء نفيسة وَكَانَت وِلَادَته فى شهر ربيع الآخر سنة احدى عشرَة بعد الالف وَتوفى بِدِمَشْق نَهَار الثلاثا ثَالِث عشر شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان مُحَمَّد بن أَبى بكر الشَّيْخ الْعَارِف الْمَعْرُوف باليتيم الدمشقى العاتكى الصوفى كَانَ أحد الرِّجَال الاتقياء أَرْبَاب المكاشفات كَانَ فى أول أمره يتكسب بِبيع القهوة بالسويقة المحروقة وَكَانَت قهوته مجمع الصَّالِحين وَكَانَ الى جَانِبه حوش يجمع بَنَات الخطا فاستأجره وأخرجهن مِنْهُ وَاتخذ فِيهِ مَسْجِدا وَكَانَ اذا أذن الْمُؤَذّن دَعَا النَّاس الى صَلَاة الْجَمَاعَة فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمَكَان الذى بنيت فِيهِ المرادية وَيُقَال انه دَاخل حرمهَا بناها مرا د باشا نَائِب الشَّام فى سنة سِتّ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ الشَّيْخ الْيَتِيم يتَرَدَّد الى مَسْجِد المرادية وَيُحِبهُ الى الْمَمَات وَكَانَ أَخذ الطَّرِيق عَن الشَّيْخ مُوسَى الكناوى وَعَن الشَّيْخ سعد الدّين الجباوى وَأخذ علم التَّوْحِيد والتصوف عَن سيدى أَحْمد الميناوى المغربى وَاجْتمعَ بالاستاذ مُحَمَّد البكرى بالقدس وَأخذ عَنهُ وَصَحب الشَّيْخ مَنْصُور السقيفى وَالشَّيْخ محيى الدّين الذهبى وَكَانَ الذهبى يتهم بِعلم الكيميا وَحكى عَنهُ بعض الاخيار أَنه قَالَ خطر لى أَن أذهب اليه وأسأله أَن يعلنى اياها قَالَ ثمَّ قلت فى نفسى رُبمَا لَا يعلمك فَلَو تَوَجَّهت الى روحانية النبى وَطلبت ذَلِك مِنْهُ قَالَ وَكَانَ من عادتى اذا ذهبت الى زِيَارَة الشَّيْخ محيى الدّين بدكانه الَّتِى يدق فِيهَا الذَّهَب بسوق القيمرية تجاه الْمدرسَة القيمرية فبمجرد مَا أشرف على دكانه من بعيد يفتح لى بَاب طَاقَة الدّكان قَالَ فَلَمَّا أَصبَحت من تِلْكَ اللَّيْلَة ذهبت اليه فَلَمَّا أشرفت عَلَيْهِ لم يفتح بَاب الطَّاقَة على عَادَته وَلما دخلت عَلَيْهِ وَجَلَست عِنْده قَالَ لى يَا مُحَمَّد النبى يمد الْكَوْن بأنواع السعادات ويليق مِنْك أَن تطلب مِنْهُ الا مداد بالدنيا الفانية هلا طلبت مِنْهُ أَن يمدك بالعارف ثمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 انْقَطع فى بَيته بمحلة قبر عَاتِكَة وَكَانَ يتَرَدَّد اليه الزوار وَكَانَ مَجْلِسه غاصا باللطائف والمعارف وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ آيَة من آيَات الله تعلى قَالَ الغزى فى تَرْجَمته صحبته نَحْو خمس سِنِين وَكنت أَقُول مَا على من صحب هَذَا الشَّيْخ اذا فَاتَتْهُ الصُّحْبَة مَعَ الْمُتَقَدِّمين وَكَانَت وَفَاته فى نَهَار السبت السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس بعد الالف وَكَانَت جنَازَته حافلة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من سيدى نصر المقدسى رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَبى بكر بن دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْخَالِق بن عبد الرَّحْمَن الملقب محب الدّين بن تقى الدّين أَبُو الْفضل العلوانى الحموى الدمشقى الحنفى جد أَبى شامة الشَّام وفرد الزَّمَان وانسان حدقة الْعلم وروح جسم الْفضل وفريدة عقد الادب ودرة تَاج الشّعْر وَكَانَ مِمَّن توَحد فى عصره بِمَعْرِِفَة الْفُنُون خُصُوصا التَّفْسِير وَالْفِقْه والنحو والمعانى والفرائض والحساب والمنطق وَالْحكمَة والفنون الغريبة كالزايرجا والرمل وَغير ذَلِك وفَاق من عداهُ فى لطف النثر وعذوبة اللَّفْظ وجودة الْمَعْنى وغرابة الْمَقْصد وانسجام التراكيب وَأما خطه فاليه النِّهَايَة فى الْحسن والضبط وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ بِحَيْثُ لَو حسب عمره والذى كتبه لبلغ كل يَوْم كراسا بالكامل هَذَا مَعَ كَثْرَة الاسفار وتزاحم الاشغال والارتباط للْقَضَاء وَالْفَتْوَى والتأليف وَألف المؤلفات العجيبة السائغة مِنْهَا حَوَاشِيه على التَّفْسِير وَالْهِدَايَة والدرر وَالْغرر ومنظومته فى الْفِقْه الَّتِى سَارَتْ مسير الشَّمْس سَمَّاهَا عُمْدَة الْحُكَّام وَقد احتوت على غرائب الْمسَائِل واعتنى بشرحها أجلاء الْفُضَلَاء مِنْهُم الامام يُوسُف بن أَبى الْفَتْح امام السُّلْطَان وَالشَّيْخ اسماعيل النابلسى وَابْنه شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْغنى وَله شرح شَوَاهِد الْكَشَّاف سَمَّاهُ تَنْزِيل الْآيَات على الشواهد من الابيات وَشرح منظومة القاضى محب الدّين بن الشّحْنَة فى الْمعَانى وَالْبَيَان وَكَانَ سنه اذ ذَاك سِتّ عشرَة سنة وَله الرحلة المصرية والرومية والتبريزية والسهم الْمُعْتَرض وَالرَّدّ على من فجر وَله عشرُون رِسَالَة مَجْمُوعَة فى دفتر وترسلاته كَثِيرَة جدا جمع والدى مِنْهَا حصتة فَجَاءَت فى مِقْدَار أَرْبَعِينَ كراسا وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أَكثر أَبنَاء عصره احاطة وأجلهم فَائِدَة وَقد ولد بحماة وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على وَالِده الى أَن تنبل وَكَانَ أَبوهُ قد بلغت بِهِ السن الى الْعَجز عَن الاقراء فَبَعثه الى الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبى الوفا ابْن ولى الله الشَّيْخ علوان وَكتب اليه مَعَه هَذِه الابيات من نظمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 وَكَانَ هُوَ أَيْضا مِمَّن أَخذ عَن الشَّيْخ أَبى الوفا (لما على اعْتدى دهرى وأحرمنى ... تَقْبِيل أعتابكم والرشف من ديم) (والغرف من أبحر الْعرْفَان مَعَ حكم ... جَاءَت كدر مَعَ العقيان مُنْتَظم) (أرْسلت فرعى عَنى نَائِبا أبدا ... فعده سيدى من جملَة الخدم) فَلَزِمَهُ يُنْفِقهُ عَلَيْهِ على مَذْهَب الشافعى الى أَن وصل الى قِرَاءَة شرح الْبَهْجَة ثمَّ تحول حنفيا وَكَانَ أَكثر تعبده على مَذْهَب الشافعى الى أَن مَاتَ وَقَرَأَ من أول البخارى الى بَاب الْقِرَاءَة فى الْمقْبرَة على الْمسند أَبى بكر تقى الدّين بن أَحْمد الشهير بِابْن البقا بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْقَاف الْمُشَدّدَة خَليفَة الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ علوان الاربلى ثمَّ الحموى وَهُوَ أَخذ عَن شيخ الاسلام الْعَلامَة أَحْمد بن عُمَيْس الحموى بِحَق اجازته عَن ابْن حجر العسقلانى وَهَذَا أَعلَى سَنَد لَهُ وَكَانَت وَفَاة ابْن البقا فى حُدُود السّبْعين وَتِسْعمِائَة وتاريخ الْقِرَاءَة فى أَوَاخِر رَمَضَان سنة احدى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَأَجَازَهُ بباقى البخارى ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ فى أَوَاخِر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ ثمَّ قدم الى حماة الشَّيْخ أَحْمد بن على الْيُمْنَى وَكَانَ من المتبحرين فى جَمِيع الْعُلُوم فأسكنه دَارا جوَار دَاره وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح الكافية للمنلا جامى وَشرح العقائد الخيالى وَشرح الشمسية والمطول وغالب شرح الْمِفْتَاح وجانبا من تَفْسِير البيضاوى وَسمع عَلَيْهِ جانبا من شرح المواقف بِقِرَاءَة المرحوم منلا أَبى الْهدى العنتابى ولازمه عدَّة سِنِين وَكَانَ الْيُمْنَى هَذَا مَعَ تضلعه من الْعُلُوم لَهُ الْقدَم الراسخة فى الْكَشْف وَالْولَايَة وَله وقائع تدل على علو كَعبه مِنْهَا أَنه خرج هُوَ واياه وَجَمَاعَة يَوْمًا الى أحد منتزهات حماه وَاسْتمرّ بهم النشاط الى أَن قرب وَقت الْغُرُوب وهم خَارج الْبَلدة فخافوا من تسكير بَاب الْمَدِينَة فَذكرُوا ذَلِك للشَّيْخ فَدَعَا الله تَعَالَى بِأَن يُوقف الشَّمْس حَتَّى يدخلُوا الْمَدِينَة فوقفت الشَّمْس مِقْدَار سَاعَة الى أَن دخلُوا وَبعد وَفَاة مشايخه الْمَذْكُورين رَحل الى حلب وَأخذ عَن علمائها مِنْهُم الرضى مُحَمَّد بن الحنبلى الحنفى كَذَا ذكره النَّجْم فى تَارِيخه فى تَرْجَمَة ابْن الحنبلى وناقضه فى تَرْجَمَة الْجد فى الذيل بانه لم يلْحق ابْن الحنبلى وَهَذَا أغرب الْغَرِيب مِنْهُ فان لُحُوقه لِابْنِ الحنبلى لَا شُبْهَة فِيهِ أبدا وَأما أَخذه عَنهُ فَمَا أعرف حَقِيقَته على أَن ابْن الحنبلى قرظ لَهُ على شَرحه لمنظومه ابْن الشّحْنَة أرسل الشَّرْح اليه من حماة فقرظ عَلَيْهِ وَذكر فى التقريظ نسبته لِابْنِ الشّحْنَة وان جد وَالِده الْبُرْهَان لامه وَكَانَ الْجد لم يطلع على نسبته اليه فَخَجِلَ من التطفل على الشَّرْح مَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 وجود ابْن الحنبلى فَأرْسل اليه رِسَالَة يعْتَذر فِيهَا عَن ذَلِك وَكَانَ الشَّمْس مُحَمَّد بن المنقار مِمَّن أَخذ عَن ابْن الحنبلى وَكَانَ يفاخر بالاخذ عَنهُ فاذا تَذَاكر هُوَ وَالْجد فى الاخذ عَن عُلَمَاء حلب بقول لَهُ أَنْت لم تقْرَأ على ابْن الحنبلى فَيَقُول لَهُ هُوَ قرظ على مؤلف لى وَأخذ بحمص عَن الشهَاب أَحْمد الاطاسى ثمَّ دخل الرّوم وَاخْتَلَطَ مَعَ كبرائها ومدحهم بالقصائد الفائقة ووجهت اليه الْمدرسَة القصاعية بِالشَّام فورد اليها وَأخذ بهَا عَن شيخ الاسلام الْبَدْر الغزى الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَغَيرهمَا وَكتب اليه مسائلا (أَلا يَا امام الْفضل يَا من ببدره ... يضئ لنا وَجه الزَّمَان ويقمر) (وان أشكلت فى الْوَاقِعَات مسَائِل ... جلاها بايضاح مَعَانِيه تنور) (بِصِيغَة تَعْلِيق الطَّلَاق وَنَحْوه ... كعتق بِشَرْط عبدكم يتفكر) (على ان الانشا يَا امام الْعُلُوم لَا ... يسوغ لنا التَّعْلِيق فِيهِ وَيظْهر) (فَهَل يَقع التَّطْلِيق فى الْحَال سيدى ... وتعليقه يَا أوحد الدَّهْر يهدر) (فمنوا بابداء الْجَواب تكرما ... وَمن بِمَا فِيهِ يُقَال ويزبر) (وأنعم على هَذَا الْمُحب لذاتكم ... بِمَا يرفع الاشكال فِيهِ وحرروا) (فَلَا زلت فى عز منيع ورفعة ... وَلَا بَرحت أنوار بدرك تزهر) فاتفق أَن جَاءَهُ السُّؤَال وَقد عرض لَهُ سوء مزاج فَأجَاب وَلَده الْعَلامَة الشهَاب أَحْمد عَن السُّؤَال وأبياته هى (أَلا يَا محب الدّين من شاع فَضله ... وَعنهُ بِكُل المكرمات يخبر) (لَئِن كَانَ نور الْبَدْر عَم ضياؤه ... فطورا لَدَى السارى الشهَاب ينور) (وَمن فرعها الاشجار تجنى ثمارها ... وَتَحْقِيق مجناها عَن الاصل يُؤثر) (فانشاء تَعْلِيق يجوز وُقُوعه ... وَتَعْلِيق انشاء بِهِ المتسع يصدر) (فبعتك ان شَاءَ الْمقَال مصحح ... وان شِئْت بيعا بِعْتُك اللَّفْظ يهدر) (ووكلت زيدا فى طَلَاق سعادان ... تشأ جَازَ ذَا التَّعْلِيق فِيمَا يحرر) (وقولك ان شَاءَت سعاد طَلاقهَا ... فزيد وكيلى فِيهِ كاللغو يذكر) (وقائله الغزى أَحْمد يرتجى ... من الله فى أخراه يعْفُو وَيغْفر) ثمَّ تدير دمشق وصاهر الْعَلامَة أَبَا الفدا اسمعيل النابلسى الْكَبِير على بنتين مَاتَت احداهما قبل أَن يبتنى بهَا والاخرى دخل بهَا وَولدت لَهُ جدى محب الله الْمُقدم ذكره وَلما قدم قاضى الْقُضَاة بِالشَّام شيخ الاسلام مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الياس الشهير بجوى زَاده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 كَانَ مَعَه فَلَمَّا أعْطى قَضَاء مصر من الشَّام صَحبه مَعَه وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة الْمَذْكُور أَمر بالتفتيش على كَنِيسَة فى الْقُدس وَعين مَعَه الصَّدْر أَحْمد بن عبد الله الْمَعْرُوف بفورى مفتى الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَكَانَ اتَّصل بمسامع الدولة أَن النَّصَارَى جددوا شَيْئا فى الْكَنِيسَة فَخَرجُوا من دمشق فى يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشر شعْبَان سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة فوجدوا وَالنَّصَارَى قد أَحْدَثُوا أوضاعا مُنكرَة ووجدوا الى جَانب الْكَنِيسَة مَسْجِدا قَدِيما هدم الْكفَّار جدرانه وحولوا وَضعه الْقَدِيم وجددوا بُنْيَانه فَأمر قاضى الْقُضَاة بهدم مَا جددوه فهدمه الْمُسلمُونَ وأعلنوا بِالتَّكْبِيرِ وأقيمت صَلَاة الْجَمَاعَة فى عصر ذَلِك الْيَوْم فى الْمَسْجِد الْمَذْكُور وَصلى قاضى الْقُضَاة الْمشَار اليه اماماا بِالنَّاسِ ثمَّ زاروا بعض الْمشَاهد ورحل القاضى وفى خدمته صَاحب التَّرْجَمَة الى الْقَاهِرَة وَرجع فورى الى دمشق فوصلوا الْقَاهِرَة فى نَهَار الاربعاء سادس عشرى شهر رَمَضَان وَاجْتمعَ صَاحب التَّرْجَمَة بالاستاذ سيدى مُحَمَّد البكرى وَوَقع بَينهمَا محاورات ومراسلات أورد صَاحب التَّرْجَمَة كثيرا مِنْهَا فى رحلته مِنْهَا أَنه حضر الاستاذ للسلام على قاضى الْقُضَاة وَكَانَ أول اجتماعه بِهِ قَالَ فتقدمت وَقبلت يَده وَقلت لَهُ يَا مَوْلَانَا هَذَا السَّلَام المجازى يُرِيد أَن سلامى عَلَيْكُم هُنَا مجازى للملاقاة وَأما السَّلَام الحقيقى فَهُوَ أَن أحضر الى خدمتكم فَلَمَّا ذهبت الى بَيته رآنى مُقبلا فَلَمَّا صافحته قَالَ لى هَذَا السَّلَام الحقيقى فلمح الى قَول أَبى الْعَلَاء وَمن بالعراق قَالَ وَأهْديت اليه هَدِيَّة من قلب الفستق واللوز والصنوبر وكتبت اليه (لما تملك قلبى حبكم فغدا ... مُجَردا فِيهِ قلبا رق واستعرا) (حررته فغدا طَوْعًا لخدمتكم ... محررا خَادِمًا وافاك معتذرا) (فعاملوه بجبر حَيْثُ جَاءَكُم ... مُجَردا بمزيد الْحبّ منكسرا) يقبل الْيَد الشَّرِيفَة ويلثم الرَّاحَة اللطيفة وَينْهى انه أهْدى مَا يُنَاسب اهداؤه لارباب الْقُلُوب ويلائم ارساله لاصحاب الغيوب فَقدم العَبْد رجلا وَأخر أُخْرَى فى أَن يهدى الى جنابكم الشريف مِنْهُ قدرا علما مِنْهُ بِأَنَّهُ شئ حقير لَا يوازى مقامكم الخطير وَقد توارى بالحجاب حَيْثُ وافاكم وَهُوَ حسير وَمَا مثل من يهدى مثله الى ذَلِك الجناب الا كالبحر يمطره السَّحَاب ثمَّ انه تهجم باهداء هَذَا الْقدر الْيَسِير فان وَقع فى حيّز الْقبُول انجبر الْقلب الكسير وَلَا يعزب عَن علم مَوْلَانَا بلغه الله أملا النَّمْل يعْذر فى الْقدر الذى حملا قَالَ ثمَّ اجْتمعت بعد ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 بجنابه فَقَالَ لى مَا يَقُول الانسان فى هَدِيَّة كلهَا قلب وأنشدنى بديها (بحم أقسم أَنى امْرُؤ ... صديق حميم بقلبى محب) وَأخذ بِالْقَاهِرَةِ عَن الْمسند الْحَافِظ النَّجْم الغيطى صَاحب الْمِعْرَاج وَالشَّيْخ الامام أَبى النَّصْر الطبلاوى والامام الْعَلامَة على بن غَانِم المقدسى والحافظ الْكَبِير الْجمال يُوسُف بن القاضى زَكَرِيَّا وَغَيرهم وَصَحب القاضى بدر الدّين القرافى المالكى وَالشَّمْس مُحَمَّد الفارضى وَله مَعَهُمَا مفاوضات أدبية أَو ردهَا فى رحلته وَكَانَ بَينه وَبَين السرى ابْن الصَّائِغ رَأس الاطباء بِمصْر مَوَدَّة أكيدة وَوَقع بَينهمَا محاورات مِنْهَا أَنه كَانَ حصل لصَاحب التَّرْجَمَة دمل احْتَاجَ الى العلاج فَكتب الى السرى أَيهَا الرئيس البارع والبدر الذى فى أفق البلاغة طالع ذُو الْحِكْمَة الَّتِى أعيابها جالينوس والحذاقة الَّتِى حَار فِيهَا أبقراط ويطليموس أَشْكُو اليك دملا أَبْطَأَ فجره وآلم ضره وأضمره عَامله لَا على شريطة التَّفْسِير وَحصل مِنْهُ ألم كثير فتفضلوا بِمَا يبرز مَا استكن فِيهِ على عجل وَبِمَا ركب علاجا التَّنَازُع مَا فِيهِ من الْعَمَل بِحَيْثُ يصير هَذَا الْمُضمر مَبْنِيا على الْفَتْح لتنطق الالسنة بِالدُّعَاءِ وتعرب عَن أَفعَال الْمَدْح فَأرْسل اليه شَيْئا يلائم ذَلِك وَكتب جَوَابه هَل لَك أَيهَا الممتزج بِالروحِ امتزاج المَاء بِالرَّاحِ المهدى الى النواظر التَّنَزُّه والى النُّفُوس الارتياح الداعى برسالته المعجزة الالفاط الى جنَّة ناضرة المبرز بدلالته وُجُوه الْمعَانى الناضرة الى عُيُون الْبَيَان الناظرة لَا زَالَت أزمة الرغبات منقادة منا اليك ونواصى البلاغات معقودة أعنتها بيديك والفصاحة لَا تمد سرا دقاتها وَلَا تقصر مقصوراتها الا عَلَيْك (ودمت الى كل الْقُلُوب محببا ... وفى كل عين شاهدتك حبيبها) فى بِنَاء ذَلِك الدمل العاصى عَن الِانْدِمَال على الْفَتْح وَنصب ثَنَاء الْعَامِل من الادوية على الْمَدْح وَالدُّخُول على جمع مادته بِصُورَة التكسير وتصريفها بالتحويل الى وضعيات التَّغْيِير وارخاء الشد كَيْلا يكف الدَّوَاء وَلَا يلغى عَامله وتقوية الْمَعْمُول بالتجلد على التَّأْثِير الذى ارْتَفع فَاعله فبذلك ان شَاءَ الله تَعَالَى تفتر ثغوره وينبسط على جلد الْجلد غوره وَالله يديم معاهد الْفضل بك آهله والفضلاء من مناهلك ناهله والنبلاء فى ظلال ظلك قَائِله لتَكون السنتهم بأحامد المحامد فِيك قَائِله آمين وَأقَام صَاحب التَّرْجَمَة بِمصْر مُدَّة وَولى بهَا قَضَاء فره ثمَّ رَحل الى الرّوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وَولى قَضَاء حمص وحصن الاكراد ومعرة النُّعْمَان ومعرة نسرين وكلس وعزاز ثمَّ اسْتَقر بِدِمَشْق فى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتَوَلَّى النِّيَابَة الْكُبْرَى سِنِين عديدة وَقَضَاء الْعَسْكَر بهَا وَقَضَاء الركب الشامى ودرس بعد القصاعية بالناصرية البرانية والشامية البرانية والسلطانية السليمية وَأفْتى مُدَّة طَوِيلَة بالامر السلطانى واشتهرت فَتَاوِيهِ بالآفاق وَكَانَ عَلامَة نِهَايَة محققا مدققا غواصا على الْمسَائِل طَوِيل الباع الْمَنْقُول قوى الساعد فى الْمَعْقُول وَكَانَ مستحضراً لمسائل الْفِقْه حَافِظًا لعبارات الْمُتُون مواظبا على التدريس والافتاء ويدرس فى تَفْسِير القاضى مَعَ مطالعة الْكَشَّاف والحواشى وانتفع بِهِ أفاضل الطّلبَة الْمشَار اليهم مِنْهُم التَّاج الْقطَّان والشموس الْخمس مُحَمَّد الميدانى وَمُحَمّد الجوخى وَمُحَمّد الايجى وَمُحَمّد الحمامى وَمُحَمّد الحادى والبدر حسن الموصلى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى والنجم مُحَمَّد الغزى وَأَخُوهُ أَبُو الطّيب والتقى الزهيرى والشهاب أَحْمد بن قولا قسز وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَالشَّيْخ أَبُو بكر المغربى مفتى الْمَالِكِيَّة وَالشَّيْخ أَيُّوب الخلوتى وَأخذ عَنهُ بالاجازة الشَّمْس مُحَمَّد والبرهان ابراهيم ابْنا أَحْمد المنلا الحلبى وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة وَكَانَت لَهُ شهرة طنانة وَذكره جمَاعَة من المؤرخين والادباء وأثنوا عَلَيْهِ كثيرا مِنْهُم البورينى والعرضى والغزى والخفاجى والبديعى قَالَ البديعى فى وَصفه عَلامَة ورد دمشق فأخجل وردهَا بمنثوره ومنظومه وفهامة ضاهى أنهارها بغزارة علومه جعلته مفتيها وَهَمَّام حفلها وامام فَرضهَا ونفلها وَمَا زَالَ فلك الْفَتْوَى مشرقا بمعلوماته الى أَن غاض بَحر فَضله وأفل كَوْكَب حَيَاته وَمن أَجود شعره قَوْله (حكت قامتى لَا مَا وقامة منيتى ... حكت ألفا للوصل قلت مسائلا) (اذا اجْتمعت لامى مَعَ الالف الَّتِى ... حكتك قواما مَا يصير فَقَالَ لَا) وَأهْدى لبَعْضهِم سكرا وَكتب مَعَه (هَذَا الذى أهداه عبد جنابكم ... من صَار مَعْرُوفا بكم بَين الورى) (هُوَ شكرا احسان حلا تكريره ... مستعذبا حَتَّى تصحف سكرا) وَكتب لبَعض الموالى طَالبا مِنْهُ كتاب الصِّحَاح عَارِية (مولاى ان وافيت بابك طَالبا ... مِنْك الصِّحَاح فَلَيْسَ ذَاك بمنكر) (الْبَحْر أَنْت وَهل يلام فَتى سعى ... للبحر كى يلقى صِحَاح الجوهرى) وَكتب لبَعض أصدقائه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 (سَلام على من لم أزل تَحت ظله ... وَتَحْت أياديه الحسان وبره) (سَلام محب مخلص لَك فى الولا ... يعطر أنفاس النسيم بشكره) وَمن فَوَائده أَنه سُئِلَ عَن بيتى أَبى اسحاق الغزى (وخزالا سنة والخضوع النَّاقِص ... أَمر ان عِنْد ذوى النهى مران) (والرأى أَن نَخْتَار فِيمَا دونه المر ان وخز أسنة المران ... ) وَكَانَ فى مجْلِس أحد الموالى فَتكلم بعض الْحَاضِرين على مَا يتَعَلَّق بالبيتين من جِهَة الْمَعْنى وَبَيَان الاعراب فَكتب عَلَيْهِمَا رِسَالَة ملخصها ان الوخز الطعْن بِالرُّمْحِ وَغَيره لَا يكون نَافِذا والاسنة جمع سِنَان وَهُوَ نصل الرمْح والمران آخر الْبَيْت الاخير قَالَ صَاحب الْقَامُوس هُوَ كرمان الرماح اللدنة انْتهى أَقُول لَا يخفى على الْفَاضِل النبيه انه أصَاب لما قصد الْقلب عِنْد هَذَا التَّشْبِيه وَلَا يخفى أَن تعدد وصف الْخَبَر هُنَا على حد قَوْلهم حُلْو حامض أى مز وَالْمعْنَى أَنَّهَا حَالَة متوسطة بَين الصلابة واللين وَبَقِيَّة أَلْفَاظ الْبَيْت ظَاهِرَة لَا تحْتَاج الى تَبْيِين ثمَّ اضافة وخز الى الاسنة معنوية بِمَعْنى اللَّام أى وخز للاسنة وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره أَمْرَانِ واعراب الْبَيْتَيْنِ ظَاهر لَا يحْتَاج الى بَيَان وَلَا يخفى مَا فى الْبَيْت الاول من الصِّنَاعَة البديعة وَهُوَ شبه الِاشْتِقَاق نَحْو فأقم وَجهك للدّين الْقيم وَالْجمع وَذَلِكَ أَن تجمع بَين مُتَعَدد فى حكم وفى ذَلِك قَوْله تَعَالَى {المَال والبنون زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَقَوله الرأى أَن نَخْتَار الى آخِره الظَّاهِر ان مَا فى قَوْله فِيمَا دونه مَوْصُولَة وتحتمل الموصوفة وصلتها مُتَعَلق الظّرْف وعائدها الضَّمِير البارز والمران فَاعل الظّرْف لاعتماده على الْمَوْصُول أَو الْمَوْصُوف وَالتَّقْدِير والرأى أَن نَخْتَار فِيمَا اسْتَقر دونه المران أى عِنْده أَو امامه وخز أسنة المران يعْنى اذا اجْتمع الامران المران وخز الاسنة والخضوع لناقص فالرأى أَن نَخْتَار وخز الاسنة على الخضوع يعْنى أَن الدون فى جَانب الخضوع مُتَحَقق بِأَن يكون لَهُ مَرَاتِب مُتَفَاوِتَة بَعْضهَا دون بعض وَأما وخز الاسنة فَلَا يتَحَقَّق فِيهِ هَذَا الْمَعْنى فَنَقُول يُمكن أَن يغلب الخضوع أَو يَجْعَل لوخز الاسنة مَرَاتِب مُتَفَاوِتَة لَهُ أَيْضا تَقْديرا لَا تَحْقِيقا وَلَا يخفى مَا فى الْبَيْت من الجناس التَّام هَذَا وَلَا مَانع من أَن تجْعَل دون من قبيل قَوْلهم هَذَا دونه أى أقرب مِنْهُ كَمَا هُوَ أحد مَعَانِيهَا ويغلب الخضوع على وخز الاسنة من حَيْثُ الْمَعْنى أَو يقدر الدون فى جَانب وخز الاسنة وَحِينَئِذٍ يظْهر لَهُ وَجه دَقِيق وبالقبول حقيق وَله تَحْرِير على الْمثل الْمَشْهُور وَهُوَ من حفظ حجَّة على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 من لم يحفظ وَكَانَ سَبَب تحريره لَهُ أَنه اجْتمع هُوَ وَجَمَاعَة فى مجْلِس بعض الاعيان فدار الْكَلَام بَينهم فِيهِ من جِهَة الاعراب فَاخْتَارَ بَعضهم رفع الْحجَّة وَبَعْضهمْ نصبها فَكتب مَا ملخصة من اسْم مَوْصُول مَرْفُوع الْمحل على الِابْتِدَاء وَجُمْلَة حفظ صلَة لَا مَحل لَهَا من الاعراب والعائد الضَّمِير الْمُسْتَتر فى حفظ وَحجَّة خبر الْمُبْتَدَأ أعنى الْمَوْصُول وَهُوَ من وعَلى ظرف لغولان عَامله من الافعال الْخَاصَّة الَّتِى لَا يتَضَمَّن الظّرْف لَهُ لَا مَحل لَهُ من الاعراب وَهُوَ مُتَعَلق بِحجَّة وعَلى حرف جر مَعْنَاهُ الاستعلاء وَهُوَ هُنَا معنوى وَلم حرف نفى وَجزم ويحفظ فعل مضارع مجزوم بلم وَجُمْلَة لم يحفظ صلَة من الثَّانِيَة المجرورة الْمحل بعلى وعائدها الضَّمِير الْمُسْتَتر فى يحفظ وَجُمْلَة من حفظ حجَّة على من لم يحفظ استئنافية فان قلت هَل يَصح نصب الْحجَّة على أَنه مفعول حفظ وَجعل على فعلا مَاضِيا والموصول بعده مَفْعُوله مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض على الْحَذف والايصال وَالتَّقْدِير من حفظ حجَّة علا على من لم يحفظ ثمَّ حذفت على وباشر الْفِعْل الْمَنْصُوب فنصبه على حد قَول الطغرائى (وان علانى من دونى فَلَا عجب ... لى أُسْوَة بانحطاط الشَّمْس عَن زحل) قلت التَّقْدِير لَا يروج عِنْد الناقدين الا للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة هُنَا على أَن رسم الْخط لَا يساعده أَيْضا فانه لَو كَانَ فعلا مَاضِيا لكتب بالالف الْمَوْجُود بِصُورَة الْيَاء فان قلت يُمكن أَن يرجح نصب الْحجَّة بِأَنَّهُ يلْزم من عَدمه بَقَاء حفظ بِلَا مفعول على أَنه من الْأَفْعَال المتعدية قلت مثل هَذَا غير عَزِيز فِي كَلَامهم فانه قد تقرر فِي فن الْمعَانِي أَنه قد يكون الْغَرَض من الْفِعْل المتعدى اثباته لفَاعِله أَو نَفْيه عَنهُ مُطلقًا من غير اعْتِبَار تعلقه بِمن وَقع عَلَيْهِ فَينزل منزلَة اللَّازِم فان قلت فَمَا ذكرته مُرَجّح لرفع الْحجَّة وَحِينَئِذٍ فَكيف يَصح حملهَا على الْمَوْصُول الذى هُوَ عبارَة عَن الشَّخْص قلت هُوَ من بَاب الْمجَاز الْمُرْسل من قبيل اطلاق الْحَال وارادة الْمحل أَو اطلاق الْمُسَبّب وارادة السَّبَب وَأَمْثَاله أَكثر من أَن تحصى وَلِهَذَا الْكَلَام تَتِمَّة أَعرَضت عَنْهَا لعدم تعلقهَا بالغرض ومنشآته وآثاره كَثِيرَة وَأما لطائفة ونكاته فمما اشْتهر وبهر وَمَا أحقها بِأَن تدون ويسامر بهَا وَمن نادرها أَنه خرج هُوَ وَجَمَاعَة من الْعلمَاء الى توديع بعض قُضَاة الشَّام كَانَ عزل عَنْهَا لنسبة الْجَهْل اليه وَأعْطى بعْدهَا قَضَاء حلب فَلَمَّا وَدعوهُ قَالَ ان كَانَ لكم فى الْحَلب بالتعريف حَاجَة فاذكروها لنا حَتَّى نرسلها لكم الى شام بدوم تَعْرِيف فَقَالَ لَهُ المترجم لَيْسَ لنا حَاجَة ثمَّة الا الا لف وَاللَّام الذاهبتان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 من شام فلتنعموا بارسالهما وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى أواسط شهر رَمَضَان سنة تسع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى سحر يَوْم الاحد الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة سِتّ عشرَة بعد الالف وَصلى عَلَيْهِ ظهر الْيَوْم الْمَذْكُور بالجامع الاموى وَحضر للصَّلَاة عَلَيْهِ قاضى الْقُضَاة بِالشَّام الْمولى ابراهيم بن على الازنبقى وَحمل فى جنَازَته وتأسف على اخلاقه الْعلمَاء وَدفن بالمدفن قبالة الْجَانِب المحاذى لجامع جراح خَارج بَاب الشاغور وَكَانَ آخر درس أقرأه أَو وقف عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ألم تَرَ أَنا نأتى الارض ننقصها من أطرافها} وأرخ عَام وَفَاته بعض الْفُضَلَاء بقوله آها آها مَاتَ الْمُفْتى ورثاه جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى نظم فى رثائه قصيدة بليغة مطْلعهَا (قَامَت قِيَامَة مفتينا وقاضينا ... لَا بل قِيَامَة دانينا وقاصينا) (مصاب علم أضاع الْقلب منصدعا ... ورزء مجد أطار الْعقل مفتونا) (قدفت من عضد الْعليا وقلص من ... ظلالها بعد مَا مدت لنا حينا) (بادرت فِيهِ الى الانكار مذ طرقت ... سمعى أَحَادِيثه شكا وتخمينا) (حَتَّى اذا صدع الشَّك الْيَقِين بِهِ ... وَصَحَّ مَا كَانَ عِنْد الصب مظنونا) (وَصَارَ لَا طعن لى فِيهِ أحاوله ... رجعت من نصله فى الْقلب مطعونا) (أَوْهَى عماد القوى زلزال صدمته ... وصادفت من خلو الْقلب تمكينا) (تبت يدات ذَا الردى أودى لنا بندى ... كف تكف العدا عَنَّا وتكفينا) (فليت كل محب دولة وغبى ... فدا محب فنون الْعلم وَالدُّنْيَا) (أمات حساده من قل موتته ... وَهَكَذَا دَائِما تلفى العرانينا) (فَحل لبكر الْمعَانى الْعين مفترع ... قد عنت بعد مهما تلقى عنينا) (يَا طَالبا للندى والعز خب أملا ... من بعده قد لَزِمت الْعَدَم والهونا) (مضى الْجواد الذى كَانَت مكارمه ... تريشنا اذ صروف الدَّهْر تبرينا) (صرنا معاشر أهل الشَّام سائبة ... مُبَاحَة غَابَ راعينا وحامينا) (أما الْعُلُوم وأهلوها فقد درست ... مَاتَ الذى كَانَ يحيها ويحيينا) (من للبلاغة ان عنت لطائفها ... من للفتاوى اذا مَا احتجن تَبينا) (حماسة مِنْهُ شابتها لطافته ... وَمَا زج الْعِزّ مِنْهُ الْحلم واللينا) (أهكذا يستر الْبَدْر الْمُنِير ترى ... وصبح الْبَحْر تَحت الترب مَدْفُونا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 (ظنوه صور من مجد وَنور هدى ... فمذ أُعِيد بِأَرْض حققوا الطينا) (لم أنس وقفتنا تِلْقَاء روضته ... واذ نحيى بهَا من لَا يحيينا) مِنْهَا (يَا سيدا كنت مَسْرُورا بِهِ زَمنا ... تركتنى بعد طول الْعُمر مَحْزُونا) (ألزمت قلبى تحريكا عَلَيْك أسى ... وَعَن جَمِيع أمانى الدَّهْر تسكينا) (قد كَانَ لى مِنْك ركن شامخ وَأب ... فقد فقدت عمادى مِنْك ذَا الحينا) (فَقل لنا من لنا ان نَاب نائبة ... نأوى اليه ونشكوها فيشكينا) (أعزز علينا بِأَن الصَّدْر مِنْك خلا ... فى مجْلِس كنت فِيهِ مِنْك تدنينا) (بفقدك الْعلم ثمَّ الْمجد قد نكست ... أَعْلَامه وَغدا بالذل مَقْرُونا) (ان خص شخصك بطن الارض مستترا ... فَذكر فضلك عَم البيد والبينا) (كَانَ ذاتك لم تملأ فضائلها ... دمشق من كل مَعْرُوف أفانينا) (فَضَائِل ان يكن أودى الْمنون بهَا ... فان أجرك فِيهَا لَيْسَ ممنونا) (سقاك مَوْلَاك من صوب الرِّضَا ديماً ... منهلة المزن ملقاة العرى جونا) (ودمت تسكن فى الفردوس مرتبعا ... رحبا تعاين فِيهِ الخرد العينا) (ترى الانيس بِهِ الْمولى وَرَحمته ... والصالحات وعلما مِنْك مخزونا) (تقرا فترقى بِهِ أَعلَى الْجنان كَمَا ... فرويه وَعدا لاهل الْعلم مَضْمُونا) (فى نعْمَة من جوَار الله فقت بهَا ... على سلاطين فى الدُّنْيَا أساطينا) (ودام مِمَّن بَيْتك السامى نرى خلفا ... أولادك الكمل الغر الميامينا) (لَا زَالَ مِنْهُم رَئِيس فى دمشق لنا ... مَكَان وَالِده عَنهُ يسلينا) (وَلَا يزالون فى لطف يعم وفى ... حب من الله طول الدَّهْر باقينا) (مَا جددت سنَن الاسلاف بعدهمْ ... أخلافهم حذوهم فى الْخَيْر يحذونا) (وَالله تَحت ظلال الْعَرْش يجمعنا ... مَعَ المحبين فَوق الْعَفو آمينا) مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن عفيف بن الهادى بن أَبى حجربه بِتَقْدِيم الْجِيم مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة الْمُتَأَخِّرَة ابْن أَبى الْقَاسِم بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الشريعى بِضَم الشين وَفتح الرَّاء ابْن أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر بن على الاهدل كَانَ على قدم عَظِيم من الْعِبَادَة والزهادة عاكفا فى مَقْصُورَة من مقاصير الْجَامِع الظافرى بزبيد لَا يخرج مِنْهُ الا لحَاجَة وَكَانَ عَالما وعاملا ورعا زاهداً مَقْصُود للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فى الْفِقْه غَالِبا لحقه السَّيِّد مُحَمَّد بن الطَّاهِر الْبَحْر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَقَرَأَ عَلَيْهِ بعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 الْمِنْهَاج وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ السَّيِّد أَبُو بكر بن أَبى الْقَاسِم الاهدل وَكَانَت وَفَاته فى شهر ربيع الاول سنة ثَلَاث وَعشْرين وَترك وَألف جملَة كتب وَقفهَا هُوَ وَكتب ذَلِك على أَكْثَرهَا بِخَطِّهِ مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن على بن عقيل بن أَحْمد بن أَبى بكر بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف الحضرمى المصوفى ذكره الشلى وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين مِنْهُم الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَولده السَّيِّد زين العابدين وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن عقيل ثمَّ تدير الْبَلدة الْمُسَمَّاة بالقارة وهى قريبَة من بَلْدَة تريم وَصَحب الامام الْعَارِف بِاللَّه أَحْمد بن عبد الله الحبشى ولازمه وَأخذ عَنهُ التصوف وَقَرَأَ عَلَيْهِ كتبا كَثِيرَة وصاهره بابنته وَحج وَأخذ بالحرمين عَن جمَاعَة وَصَحب كثيرين مِنْهُم عَم أَبِيه السَّيِّد علوى بن على بن عقيل وَكَانَ يُحِبهُ ويثنى عَلَيْهِ ودعا لَهُ بدعوات ظَهرت عَلَيْهِ آثارها ثمَّ رَجَعَ الى القارة وَأقَام بهَا ملْجأ للوافدين وَكَانَ مبذول النِّعْمَة حسن الاخلاق لين العريكة سليم الصَّدْر ومتواضعا حَافظ لِلِسَانِهِ ثمَّ طلبه وَلَده السَّيِّد أَبُو بكر لما حصل لَهُ مرض شَدِيد الى مَكَّة فَرَحل اليها وجاور بهَا وَصَحب بهَا الامام الْعَارِف مُحَمَّد بن علوى وَحصل بَينهمَا اتِّحَاد وصحبة شَدِيدَة وَصَحب الشَّيْخ الْجَلِيل السَّيِّد عبد الرَّحْمَن المغربى وَكَانَ يُحِبهُ ويثنى عَلَيْهِ ثمَّ رَحل الى الْمَدِينَة وَأخذ بهَا عَن غير وَاحِد مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد القشاشى وَرجع الى مَكَّة بنية الرُّجُوع الى وَطنه وحاوله أَصْحَابه بِأَن يُقيم بِمَكَّة لكبر سنه وَالْتزم لَهُ وَلَده بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجهُ فَلم يقبل فَلَمَّا صمم على الارتحال أدْركهُ الْمَوْت فتوفى بِمَكَّة لخمس خلون من الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالزهيرى الدمشقى الشافعى الْفَاضِل النَّبِيل الاصيل مَاتَ أَبوهُ التقى وَهُوَ طِفْل فَنَشَأَ فى تربية عَمه القاضى نجم الدّين واعتنى بِهِ فألزمه بالاشتغال فاشتغل على الشّرف الدمشقى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَأخذ عَن النَّجْم الغزى وَلزِمَ دروسه زَمَانا طَويلا وَصَارَ خَطِيبًا بِجَامِع الْمُعَلق ومعيد الدُّرُوس الْمدرسَة الشامية البرانية وَألف وصنف وَمن تآليفه شرح لامية ابْن الوردى وطالعته فرأيته يشْتَمل على أَشْيَاء نفيسة وَشرح ديوَان ابْن الفارض وَأَظنهُ لم يكلمهُ وَقد نظم الْكثير وَقد رَأَيْت لَهُ شعر الا باس بِهِ فَمِنْهُ هَذِه القصيدة نظمها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 فى النَّصِيحَة وهى طَوِيلَة ذكرت بَعْضهَا هُنَا ومستهلها (أَلا خل الاصاغر والاكابر ... خليلى ذَا الزَّمَان وَلَا تكابر) (وجانب جانبا عَن كل صدر ... رحيب الصَّدْر لَو خرت المفاخر) (وَلَا تركن لذى جاه وجيه ... وَمن بِالْمَالِ فى الدُّنْيَا يفاخر) (وَلَا يغررك صدق من صديق ... وَلَا تظهر لَهُ مِنْك السرائر) (وَلَا تركن الى من تأمننه ... وَلَو طابت بِهِ مِنْك المخابر) (فكم قلب تقلب بعد صدق ... فعادى وَهُوَ أدرى بالمضارر) (وَكم من صَاحب وأضحى صخيبا ... وَكم خل يوافى وَهُوَ ماكر) (اذا كشفت حَقِيقَته عيَانًا ... ترَاهُ فى حَقِيقَته مغادر) (فاخوان الزَّمَان بِكُل حَال ... جواسيس الْعُيُوب لكل باصر) مِنْهَا (وَلَا تجزم بِأَمْر من أُمُور ... اذا لم تحسب العقبى وشاور) (وشاور عَاقِلا شهما نصُوحًا ... سليم الْفِكر برا غير فَاجر) (فَلَيْسَ يخيب شخص مستشير ... وربى للنبى بِذَاكَ آمُر) (فَمن يحْفر قليبا كَانَ فِيهِ ... قَرِيبا وَاقعا فِيمَا يُغَادر) (وسامح من أَسَاءَ اليك واحسن ... وَكن للذنب عفوا مِنْك سَاتِر) (وان والاك من مَوْلَاك عسر ... فان الْيُسْر بعد الْعسر صادر) (وَلَا تضجر وَلَو فقر تناهى ... وَلَا تَشْكُو وَكن لله شَاكر) (فكم حر بضنك الْعَيْش رَاض ... وَكم عبد يمتع بالحرائر) (وَكم شهم تجرع كل وَقت ... كؤسا لَا تسوغ لَهَا المرائر) (وَكم نذل تقدم فى البرايا ... وَمَال الى الميامن والمياسر) (وحر الْوَجْه لَا تبذله يَوْمًا ... لمن يزريك لَو بذل الْجَوَاهِر) (وحاذر أَن تعيش بذل نفس ... وهون فى العوالم للاصاغر) (فموت الشَّخْص خير من حَيَاة ... لَهُ فِيهَا المذلة وَهُوَ صاغر) (وان وافاك ذمّ من بغيض ... فبالا حسان قابله وغاير) وَمِنْهَا (وَلَا تجْلِس مَعَ الْجُهَّال يَوْمًا ... وَلَا مَعَ غير جنسك فى المحاضر) (وَلَا تحلل محلا لَيْسَ فِيهِ ... لاهل الْفضل حمد أَو مآثر) (وجانب بَلْدَة لَا حق فِيهَا ... ومصرا لَا تُقَام بِهِ الشعائر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 (وَلَا تمكث بذل فى مقَام ... وَأَرْض الله وَاسِعَة المحاضر) (فَمن يرض المذلة دون عز ... وَلَو فى جنَّة الفردوس خاسر) (وَلَا تحقر لشيخ ذى وقار ... وَقدم للكبير وَأَنت صاغر) (وعرضك صنه عَن فعل مريب ... وَمَا فِيهِ اشْتِبَاه كن محاذر) (فَمن حول الْحمى قد حام يَوْمًا ... فيوشك وقعه فِيمَا يباصر) (وَلَا تصْحَب سوى شخص نصوح ... يكن فى أَمر أخراه مذاكر) وَمِنْهَا (وفكر فى ذنوبك واجتنبها ... وَلَا تيأس فان الله غَافِر) (ولازم للتقى وَالدّين دَوْمًا ... فتقوى الله ربح للمتاجر) (وَبِاللَّهِ استعذ من شَرّ نفس ... وَشَيْطَان يضلك وَهُوَ سَاحر) (وَكن مستنصرا بِاللَّه حَقًا ... فَمَا خَابَ الذى مَوْلَاهُ نَاصِر) (وَبِاللَّهِ اسْتَعِنْ فى كل أَمر ... وَسلم للْقَضَاء وللاوامر) وَله غير ذَلِك وَكَانَ فى آخر عمره أُصِيب بِولد نجيب حزن عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا وَضَاقَتْ اخلاقه بعد ذَلِك وتغيرت مُعَامَلَته مَعَ النَّاس وابتلى بِاسْتِعْمَال الافيون وَكَانَ مُتَّهمًا بِالْكَذِبِ وَفِيه يَقُول بعض الظرفاء (سَأَلت عَن الشَّيْخ الزهيرى وفضله ... فَقيل شويخ الْكَذِب حدث عَن الْبَحْر) وَله أَخْبَار ووقائع طَوِيلَة الذيل أَعرَضت عَن ذكرهَا لشهرتها وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَبى بكر مطير أحد أجلاء عُلَمَاء الْيمن الَّذين لازموا تقوى الله وجمعوا بَين الْعلم وَالْعَمَل وتحروا فى تَحْقِيق مسَائِل الْعلم واشتهر ذكرهم شهرة القمرين وجمعوا بَين الشرفين أَخذ عَن وَالِده وَعَمه عبد الله بن ابراهيم وَغَيرهمَا من أهل ذَلِك الاقليم حَتَّى برع واشتهر وَألف وصنف وَله من الاشعار الصَّالِحَة مَا هُوَ مَشْهُور فَمن ذَلِك قَوْله يمدح الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى ذهل بن ابراهيم حشيبر صَاحب الزيدية (مالى أَرَاك كثير الْهم والحزن ... ولهان من شدَّة الاهوال والمحن) (وَذَا هلا هائما وَالْقلب مِنْك غَدا ... خَال من الْعقل وَالتَّدْبِير فى الزَّمن) (كَانَت مضاجعهم بِاللَّيْلِ عَن جنب ... لَا يسأمون خطاب الله فى الدجن) (وسرت تقفو بعيد الدَّار عَن وَهن ... وَالْقَوْم قد أدلجوا وَالله بالرسن) (هم سادة النَّاس فى الاحوال أجمعها ... وهم غيات الدنى بِالْفَضْلِ فاستبن) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 (لَكِن اذا رمت نجما أَو بُلُوغ منى ... فانهض الى مَعْدن الاسرار والمنن) (هَذَا الولى الْكَبِير القطب من شهِدت ... لَهُ الاكابر بالتصريف فى الزَّمن) (وَصَارَ بالذهل الْمَشْهُور بلدته ... بهَا الرِّضَا والهنا للصابر الفطن) (بَحر المعارف مَشْهُور فمعدنها ... عين الرِّجَال وفحل الْقَوْم فى السّنَن) (من سَاءَ فى سوحه جَاءَت منيته ... اليه تفجؤه فى السِّرّ والعلن) (من حل روضته قد نَالَ بغيته ... بِكُل خير بِحسن الظَّن ذَاك غنى) (فاعكف بتربته والزم بعروته ... واستبق ذَا دَائِما مَا دمت فى المكن) (يوليك كل العطا من جود منحته ... وَأَنت فى مأمن من كل ذى احن) (بِاللَّه يازائرا قبرا لَهُ شرفا ... أخْلص فُؤَادك لَا تأتى على دخن) (فالفصل شيمته والنصر خادمه ... والغوث سيرته وَالله فى المحن) (مطالع السعد لَا تخفى شواهدها ... فالسعد ساعده كَالرِّيحِ للسفن) (وَكم ظهرن لَهُ فى كل معضلة ... آيَات حق على الاعداء بالعلن) (أبادهم جمعهم فى سَاعَة علنا ... بالطعن وَالضَّرْب لَا يرجعن عَن جبن) (ان الْعِنَايَة فى علم لَهُ سبقت ... من الاله على التَّقْدِير بالْحسنِ) (آل الحشيبر من عدنان انهم ... نُجُوم أهل الثرى للعارف الفطن) (بِاللَّه يَا نَسْله كونُوا على نهج ... من الشَّرِيعَة وَالتَّقوى مدى الزَّمن) (يَا سيدى الشَّيْخ يَا غوثى ومعتمدى ... عبيدكم قَاصد للفضل غير غنى) (فَقُمْ بِنَا مسرعا وانهض بحجتنا ... فالعلم قد ضَاعَ فى شام وفى يمن) (طَريقَة الْحق لَا تمشى لعزتها ... وَصَاحب الْجَهْل قد أضحى على فنن) (انا قصدناك فى أَمر أضربنا ... فى الدّين وَالْمَال والارواح واغبنى) (فانعش لغربتنا وَافْتَحْ بصائرنا ... واكبت لحاسدنا فى كل ذى وَطن) (واطمس عيُونا لَهُ تبقى على عَمه ... هَذَا جزا من بقى بِالْخَيرِ لم يبن) (انا لجير انكم وَالْجَار حرمته ... قديمَة ذكرت فى الذّكر وَالسّنَن) (أرعو الناذ مِمَّا كَانَت لنا قدما ... من أجل سالفنا فى سالف الزَّمن) (لَا تهملونا جَمِيعًا من اعانتكم ... عطفا علينا عبيد بالمطير كنى) (آل المطير لَهُم فى حقكم نجم ... أهيل علم سموا فى أرفع القنن) (بِالْعلمِ وَالدّين وَالتَّحْقِيق مَا برحوا ... فى خدمَة الشَّرْع والاديان وَالسّنَن) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 (وعندكم سيدى عقد لسالفنا ... على الامانة أدوه لكل بنى) (وَنحن أبناؤكم وَالْكل يطلبكم ... مَا عنْدكُمْ من عَظِيم الْفضل والمنن) (من كَانَ فى سوحكم من كل ذى نفس ... فحقه وَاجِب فاحموه من عطن) (وسامحوه على مَا كَانَ من خطا ... فبحركم وَاسع وَالْكل لَيْسَ غنى) (عَن مُنْتَهى جودكم فى كل حَادِثَة ... فَالله أولاكم من كل ذى حسن) (عَلَيْكُم من اله الْعَرْش رَحمته ... تغشى ضريحكم كالوابل الهتن) (ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار من مُضر ... مُحَمَّد الْمُصْطَفى الْمَبْعُوث من عدن) (والآل والصحب والازواج كلهم ... وَالتَّابِعِينَ لَهُم ماش على السّنَن) وَكَانَت وَفَاته فى ثَالِث عشر شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف بِمَدِينَة الزيدية رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَبى بكر بن أَحْمد بن أَبى بكر بن عبد الله بن أَبى بكر بن علوى بن عبد الله ابْن على بن عبد الله بن علوى بن الاستاذ الاعظم الملقب جمال الدّين أَبُو علوى الشلى الحضرمى نزيل مَكَّة المشرفة صَاحب التاريخين اللَّذين أنقل عَنْهُمَا كثيرا تقدم أَبوهُ وَقد ذكرت تَتِمَّة نسبه فى تَرْجَمته فَارْجِع اليها ثمَّة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة من الْعلمَاء الاجلاء أَصْحَاب التصنيف وَقد ترْجم نَفسه فى تَارِيخه نفائس الدُّرَر فَقَالَ كَانَ مولدى منتصف شعْبَان سنة ثَلَاثِينَ وَألف وضبطها بعض الادباء بحروف جد برضاك وسمانى والدى مُحَمَّد ولقبنى جمَاعَة من الْمَشَايِخ جمال الدّين وَكَنَّانِي بعض العارفين بأبى علوى وَهُوَ أول أولادى وحفظت الْقُرْآن الْعَظِيم على الْمعلم الاديب عبد الله بن عمر با غَرِيب وختمته وَأَنا ابْن عشر سِنِين وحفظت العقيدة الغزالية والاربعين النووية والاجرومية والقطر والملحة والارشاد وَعرضت محفوظاتى على مشايخى ثمَّ من الله تَعَالَى بالاشتغال ووفقنى لسَمَاع الحَدِيث من المسندين وَقِرَاءَة مَا تيَسّر من كتبه الْمُعْتَبرَة مَعَ الْمُلَازمَة على تَحْصِيل الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والفنون الآلية والقوانين الْعَرَبيَّة لَا سِيمَا علم الْفِقْه والتصوف فَأخذت هَذِه الْعُلُوم عَن الْعلمَاء العارفين مِنْهُم سيدى الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى أخذت عَنهُ التَّفْسِير والْحَدِيث والتصوف والنحو وَمِنْهُم وَمِنْهُم الشَّيْخ فَخر الدّين أَبُو بكر بن شهَاب الدّين أخذت عَنهُ التَّفْسِير والْحَدِيث والاصول والعربية بقراءتى وَسَمَاع قِرَاءَة غيرى عَلَيْهِ وَمِنْهُم شَيخنَا السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن علوى الْفَقِيه أخذت عَنهُ الْفِقْه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 الاصول والعربية وَجل انتفاعى بِهِ وَمِنْهُم شَيخنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بارضوان الشهير بعقلان أخذت عَنهُ الْفِقْه والتصوف وَمِنْهُم شَيخنَا القاضى السَّيِّد أَحْمد بن عمر عيديد أخذت عَنهُ الْفِقْه والنحو وَمِنْهُم شَيخنَا الشَّيْخ السَّيِّد عقيل بن عمرَان باعمر أخذت عَنهُ الْفِقْه والتصوف بِمَدِينَة ضمار وَمِنْهُم شَيخنَا عمر بن عبد الرَّحِيم بارجا الْمَشْهُور بالخطيب بظفار أَيْضا فَهَؤُلَاءِ أشهر مشايخى بِتِلْكَ الديار ثمَّ ارتحلت الى الديار الْهِنْدِيَّة وَأخذت عَن جمَاعَة ثمَّ ارتحلت مِنْهَا الى الْحَرَمَيْنِ وقضيت النُّسُكَيْنِ وتشرفت بزيارة النبى وألفيت بهما من الْمُحدثين جمَاعَة أجلاء فلزمتهم للأخذ عَنْهُم مِنْهُم الاستاذ الْكَبِير شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلى أسمعنى الحَدِيث المسلسل بالاولية والمسلسل بِسُورَة الصَّفّ وَسمعت عَلَيْهِ البخارى مرَّتَيْنِ والمسلسل بقول وَأَنا أحبك وَحَدِيث المصافحة وَأخذت عَنهُ بقراءتى وبقراءة غيرى الحَدِيث رِوَايَة ودراية وَالْفِقْه أصولا وفروعا وَكَذَلِكَ التَّفْسِير والمعانى وَالْبَيَان والبديع والنحو وَالصرْف واللغة والمنطق وأصول الدّين ولازمته فى دروسه كلهَا وَكَانَ يدرس وَقت الضُّحَى وَبعد الْعَصْر وَبعد الْمغرب وَبعد الْعشَاء وأجازنى بِجَمِيعِ مروياته ولقننى الذّكر وَمِنْهُم الشَّيْخ خَاتِمَة الْحفاظ أَبُو مهدى عِيسَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الثعالبى الجعفرى المغربى ولازمته مُدَّة اقامته بِمَكَّة فَأخذت عَنهُ جَمِيع الْعُلُوم الْمَذْكُورَة الا الْفِقْه فأرويه عَنهُ بالاجازة وَسمعت مِنْهُ الحَدِيث المسلسل بالاولية وَسورَة الصَّفّ ومسند الصُّحْبَة وألبسنى الْخِرْقَة الشَّرِيفَة ولقننى الذّكر وأجازنى بِجَمِيعِ مروياته وَمِنْهُم الْعَالم الْعَامِل المربى المكمل صفى الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد المدنى الشهير بالقشاشى قَرَأت عَلَيْهِ بعض الْجَامِع الصَّغِير وناولنيه بِيَدِهِ وأجازنى بِجَمِيعِ مؤلفاته ومروياته ولقننى الذّكر وألبسنى الْخِرْقَة وصافحنى وَمِنْهُم شيخ الاسلام عبد الْعَزِيز الزمزمى أخذت عَنهُ الْفِقْه وصافحنى وأجازنى بِجَمِيعِ مروياته ومؤلفاته وقرأت علم الْفَرَائِض والحساب على الْأَوَّلين من الثَّلَاثَة وقرأت علم الْمِيقَات والحساب بِسَنَد الْخِرْقَة والصحبة على شَيخنَا خَاتِمَة الْمُحَقِّقين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربى وأجازنى وأطعمنى الاسودين بِسَنَدِهِ الى سيد الْمُرْسلين وَمِنْهُم السيدان المشهوران فى الْحَرَمَيْنِ اماما المشرقين والمغربين الشَّيْخ مُحَمَّد بن علوى وَالسَّيِّد زين باحسن أخذت عَنْهُمَا علم التصوف وصحبتهما وألبسانى الْخِرْقَة الشَّرِيفَة وحكمانى وصافحانى ولقنانى الذّكر وَقد جمعت مروياتى عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 الْمَشَايِخ الاربعة الاولين فى مُعْجم صَغِير وأجازنى غير وَاحِد من مشايخى بالافتاء والتدريس وَلما توفى شَيخنَا على بن الْجمال أمرنى جمَاعَة من مشايخنى مِنْهُم الشَّيْخ الْجَلِيل عبد الله باقشير بِالْجُلُوسِ فى مَحَله بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فاعتذرت بامور مِنْهَا اشتغالى بِالطَّلَبِ على الْمَشَايِخ اغتناماً بملازمتهم قبل حُلُول وفاتهم وَذَلِكَ عندى أهم من التدريس فَلم يقبلُوا وألحوا على فى ذَلِك فَجَلَست فى الْمَسْجِد الْحَرَام عدَّة أَعْوَام ثمَّ انْقَطَعت عَنهُ لمَرض شَدِيد وَطلب منى جمَاعَة الْقِرَاءَة فى الدَّار وَكنت أستشفى بذلك واستمريت عَلَيْهِ ثمَّ طلبُوا الْعود الى الْمَسْجِد الْحَرَام فَلم ينشرح صدرى اليه وَطلب منى جمَاعَة ان اؤلف فى علم الْمِيقَات فألفت رِسَالَة فى علم الْمُجيب وانتفع بهَا الطّلبَة ثمَّ شرحتها شرحا وانتفع بهَا وَكتبه كَثِيرُونَ من أهل مصر واليمن والهند وألفت رسالتين مطولتين فى علم الْمِيقَات بِلَا آلَة ورسالة فى معرفَة ظلّ الزَّوَال كل يَوْم لعرض مَكَّة ورسالة فى معرفَة اتِّفَاق الْمطَالع واختلافها ورسالة فى المقنطرة ورسالة فى الاصطرلاب وألفت شرحا على مُخْتَصر الايضاح للشَّيْخ ابْن حجر جمعت فِيهِ مَا فى الْكتب المتداولة فجَاء فى جلدين كبيرين وَلما قَرَأنَا التسهيل على شَيخنَا الشَّيْخ عِيسَى المغربى جمعت من شروحه مسودات ثمَّ عَن لى ان أجعلها شرحا لجمع الْجَوَامِع النحوى للجبلال السيوطى فشرحته وَلكنه لم يتم الْآن وشرحت منطق السيوطى وَهُوَ الْآن مسودة وشرحت مُخْتَصر الرحبية الْمُسَمّى بالتحفة القدسية نظم الامام بن الْقَاسِم سميته بالمنحة المكية وجمعت ذيلا على نور السافر فى أَخْبَار الْقرن الْعَاشِر للشَّيْخ عبد الْقَادِر بن شيخ العيدروس فجَاء فى مُجَلد كَبِير وجمعت تَارِيخا فى أَخْبَار الْقرن الحادى عشر كتبت مِنْهُ مجلدا وَأخذ عَنى خلق كثير فى عدَّة عُلُوم وطلبوا الاجازة فأجرتهم وَلبس منى الْخِرْقَة كَثِيرُونَ ومدحنى جمَاعَة من أشياخى وَغَيرهم بقصائد ظريفة مَا استحسنت ذكرهَا واخترت الاستيطان فى حرم الله هَذَا مَا ترْجم بِهِ نَفسه وَلم أطلع لَهُ على أَزِيد من هَذَا الْقدر وَهُوَ مَشْهُور الصيت وَله عقب بِمَكَّة الْآن وَكَانَت وَفَاته فى آخر ذى الْحجَّة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَبى السرُور بن مُحَمَّد سُلْطَان البهوتى الحنبلى المصرى الْفَاضِل الاوحد كَانَ من أجلاء الْفُقَهَاء الْحَنَابِلَة بِمصْر لَهُ فى الْفِقْه والعلوم المتداولة الْيَد الطُّولى قَرَأَ على الامامين عبد الرَّحْمَن وَمَنْصُور البهوتيين الحنبليين وعَلى غَيرهمَا وشيوخه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 كَثِيرُونَ ودرس وَأفَاد وانتفع بِهِ خلق من أهل مصر وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر رَجَب سنة مائَة بعد الالف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَبى الصَّفَا بن مَحْمُود بن أَبى الصَّفَا الاسطوانى الدمشقى الحنفى أحد أفاضل الشَّام المعروفين ونبلائها الموصوفين وَهُوَ خالى وَله على حق تربية وَتَعْلِيم وَكَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى فى الْكَمَال والمعرفة والتضلع من الادب وَحسن الْخط بأنواعه نَشأ على نزاهة وَطَاعَة وَلم يعْهَد لَهُ صبوة مُدَّة عمره واشتغل ودأب وَأخذ الْعلم عَن الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَالشَّيْخ رَمَضَان العكارى وَالشَّيْخ مُحَمَّد المحاسنى ولازم من الامام الْهمام يُوسُف بن أَبى الْفَتْح امام السُّلْطَان لما كَانَ بَينه وَبَين وَالِده من الْمَوَدَّة وَكَانَ وَكيلا عَنهُ بِدِمَشْق ثمَّ ولى الْقِسْمَة البلدية فى زمن قاضى الْقُضَاة مُحَمَّد الْمَعْرُوف بعصمتى وصيرة كَاتب عرضه وَمهر فى صَنْعَة الانشاء العربى والتركى ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة الْكُبْرَى وَصَارَ كَاتبا فى وقف سِنَان باشا بعد أَبِيه واشتهر بالمعرفة حَتَّى كَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فى ذَلِك وَكَانَ سَاكِنا صامتا حُلْو الْعبارَة حسن الْعشْرَة وَكَانَ خطه متنوعا متناسبا فى التظرف وَرُبمَا لَا يُوجد فِيهِ كشط أبدا وَكَانَت بَينه وَبَين والدى مَوَدَّة أكيدة ومدحه بقصائد وفى بَعْضهَا يَقُول فى وَصفه (فى الْمفضل والافضال بَحر كَامِل ... وَعَلِيهِ من حلل الْوَقار سُكُون) (فاق ابْن مقلة فى الْكِتَابَة والنهى ... وَابْن العميد ودره الْمكنون) (أدب كزهر الرَّوْض باكره الحيا ... تصبو اليه أنفس وعيون) (مدحى لَهُ فرض على محتم ... عندى ومدحى غَيره مسنون) (فَلهُ يحركنى رسيس صبَابَة ... ولبعده عَنى الرقاد شطون) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَتوفى فجاءة فى سنة سبع وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس مُحَمَّد بن أَبى الْقسم بن مُحَمَّد السَّيِّد الْجَلِيل لَهُ مُشَاركَة فى الْعُلُوم والانساب وفى السعى بِالْخَيرِ بَين الْعَرَب والولاة وَلَهُم فِيهِ مُعْتَقد عَظِيم وبيتهم بَيت رياسة لَهُم الجاه المكين عِنْد الامراء وَالْعرب خُصُوصا أَوْلَاد الشريف بن جَابر فان لَهُم عَلَيْهِ الْيَد المستطيلة بِفضل الله تَعَالَى وعَلى الْفَخر وعَلى المهادلة وَشهر بَين مهادلة الدُّنْيَا أَن كل من قتل قَتِيلا وَركب على تربيتهم وتربه سيدنَا أَبى بكر بن على الاصم عفى عَنهُ وَلم يُؤْخَذ مِنْهُ دِيَة وَلَا قَود ومسكنهم المنيرة وهم قائمون بِالْجمعَةِ وَالْجَمَاعَة وامتحنوا فى أَيَّام فضل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 الله باشا بمغالطة نسبت اليهم وهى على الْعَرَب بنى صليل فاستشهد مِنْهُم جمَاعَة لسعادة سيقت وأظن أَن زَوَال دولة الاروام من الْيمن بسببهم لَان السَّيِّد عبد الله بن أَبى الْقَاسِم لما قتلوا وَلَده وأسروه وَجعل صرخة الى النبى وَسلم مَحْفُوظَة وَقَالَ فِيهَا فنظلمهم وبجورهم انْزِلْ بهم ذكره السَّيِّد مُحَمَّد بن الطَّاهِر بن الْبَحْر وَكَانَت وَفَاته بعد أَخِيه عبد الله فى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وَخَلفه وَلَده السَّيِّد الْجَلِيل الْعَلامَة الْمُحدث أَبُو الْقَاسِم وَقَامَ بزاويتهم بعد أَبِيه وَعَمه مُحَمَّد بن أَحْمد القدسى الخريشى الحنبلى تَرْجمهُ الشَّمْس الداودى وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ وَالِده بِنَاء وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن وَرُبمَا نَاب عَن وَلَده فى الامامة فى بعض الاحيان ورحل هُوَ الى الْقَاهِرَة واشتغل بالجامع الازهر وَغَيره وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى برع وتميز وتأهل للتدريس وَالْفَتْوَى وأجيز بذلك من شُيُوخه المصريين ثمَّ قدم الى الْقُدس وَأقَام بهَا ملازما على الدُّرُوس وَكَانَ عَالما عَاملا خَاشِعًا ناسكا متقللا من الدُّنْيَا قانعا باليسير طَوِيل التَّعَبُّد كثير التَّهَجُّد ملازما على تِلَاوَة الْقُرْآن وَتَعْلِيم الْعلم انْتفع بِهِ أهل الْقُدس انتفاعا ظَاهرا وَكثير من أهل نابلس وخصوصا فى الْعَرَبيَّة وَكَانَ لَا يجْتَمع بالامراء وَلَا بالقضاة مَعَ حرصهم على الِاجْتِمَاع بِهِ وَكَانَ امام الْحَنَابِلَة بالمجمع الذى تَحت الْمدرسَة القايتبائية ومفتيهم وَكَانَ يعظ النَّاس وَيذكرهُمْ وَحصل بَينه وَبَين صاحبنا الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن شَيخنَا الشَّمْس مُحَمَّد بن أَبى اللطف وَحْشَة أدَّت الى ترك ذَلِك قيل سَببهَا أَن الخريشى وقف على حكم العذبة والتلحى واستحباب ذَلِك فَأرْخى لَهُ عذبة ثمَّ تلحى وَكَانَ لَهُ طلبة ومحبون يعتقدونه فَأخذُوا بالاقتداء بِهِ فى ذَلِك وَكثر متعاطو ذَلِك حَتَّى من أَوْلَاد الْمَشَايِخ وَصَارَ بعض النَّاس يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَمِنْهُم ويأمرونهم بترك ذَلِك وَهُوَ يحملهم على الْمُلَازمَة وَترك الِالْتِفَات الى قَول المنكرين فَأدى ذَلِك أَن أفتى الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَذْكُور بِأَن التحلى بِدعَة وَيُعَزر متعاطيه فتسلط السُّفَهَاء على المتلحين يؤذونهم ويؤذون الشَّيْخ الْمَذْكُور الذى أَمرهم بذلك وَيَقُولُونَ هُوَ مُبْتَدع وَسعوا فى مَنعه من الْوَعْظ فَترك ذَلِك وَتحمل الاذى وصبر فَلم تمض الا مُدَّة قَليلَة حَتَّى مَاتَ الشَّيْخ اللطفى مسكوتا فَصَارَ النَّاس يَقُولُونَ هَذَا من بركَة الخريشى وانكاره على السّنة وَكَانَت وَفَاة الخريشى فى لَيْلَة الاحد ثَالِث عشر ربيع الثانى سنة احدى بعد الالف والخريشى بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة والشين الْمُعْجَمَة مُصَغرًا نِسْبَة الى قَرْيَة فى جبل نابلس رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 مُحَمَّد بن أَحْمد بن شهَاب الدّين الملقب شمس الدّين بن هِلَال الحمصى الاصل الدمشقى الْفَقِيه الحنفى الْمَشْهُور أَخذ الْفِقْه عَن القطب بن سُلْطَان وَالشَّمْس بن طولون وَالشَّيْخ عبد الصَّمد العكارى وَقَرَأَ المعقولات على الْعَلَاء بن عماد الدّين وَلزِمَ فِيهَا أَبَا الْفَتْح الشبسترى وَأخذ الادب عَن أَبى الْفَتْح المالكى وَقَرَأَ على الْمولى على ابْن أَمر الله الحتاتى قاضى الْقُضَاة بِالشَّام وبرع فى الْفِقْه وشارك فى غَيره وَولى امامة السليمانية وَكَانَ يكْتب رقاع الافتاء وَأكْثر مَا يكْتب لمفتية الْحَنَفِيَّة من الرّوم وَكَانَ هُوَ الْمُفْتى فى نفس الامر وَلم يكن بِدِمَشْق فى زَمَانه أعلم بالفقه وأقوال الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة مِنْهُ وَكَانَ لَهُ قدرَة تَامَّة على اسْتِخْرَاج النقول من محالها وَفِيه يَقُول شَيْخه أَبُو الْفَتْح المالكى (ان الْكِتَابَة للفتاوى لم تَجِد ... أحدا سواك يحل من اشكالها) (حَملتك مقلتها فيا انسانها ... أَنْت ابْن مقلتها وَابْن هلالها) قلت وَلَقَد ظرف فى هَذَا القَوْل وَابْن مقلة هُوَ أول من نقل الْخط الكوفى الى العربى وخطه يضْرب مثلا فى الْحسن لانه أحسن خطوط الدُّنْيَا وَفِيه يَقُول أَبُو مَنْصُور الثعالبى (خطّ ابْن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لَو حولت مقلا) (فالبدر يصفر لاستحسانه حسدا ... والنور يحمر من نواره خجلا) وَقيل انه كتب كتاب هدنة بَين الْمُسلمين وَالروم فوضعوه فى كَنِيسَة قسطنطينية وَكَانُوا يبرزونه فى الاعياد ويجعلونه من جملَة تزايينهم فى أخص بيُوت الْعِبَادَات ويعجب النَّاس من حسنه وَمن خَبره أَنه تقلبت بِهِ أَحْوَال ومحن أدَّت الى قطع يَده وَمن نكد الدُّنْيَا أَن مثل تِلْكَ الْيَد النفيسه تقطع وَمن عجائبه أَنه كتب باليسرى بعد الْقطع وَأما ابْن هِلَال فهوا أَبُو على الْحسن بن هِلَال الْمَعْرُوف بِابْن البواب وَهُوَ الذى جَاءَ بعد ابْن مقلة وَزَاد فى تعريب الْخط ثمَّ جَاءَ ياقوت المستعصمى وَختم فن الْخط وأكمله وأدرج فى بَيت جَمِيع قوانينه فَقَالَ (أصُول وتركيب كراس وَنسبَة ... صعُود وتشمير نزُول وارمال) وفى الْقَامُوس ان أول من وضع الْخط العربى مرامر بن مرّة وَأسلم بن سِدْرَة ثمَّ تعلموه أهل الانبار فتعلمه حَرْب بن أُميَّة ابْن أُخْت أَبى سُفْيَان فتعلمه جمَاعَة من أهل مَكَّة فَلذَلِك لَك كثر من يكْتب من قُرَيْش انْتهى وَلابْن هِلَال صَاحب التَّرْجَمَة أشعار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 ومنشآت فَمن شعره يرثى شَيْخه الْعَلَاء (لقد فَارَقت نفسى وانبعاثى ... الى أَيَّام حزنى وانبعاثى) (لتكرارى نواحى فى النواحى ... وتجديد القوافى والمرائى) (على من كَانَ فى الدُّنْيَا ملاذى ... وملجأ غربتى وَيَد انبعاثى) وَكتب مقرظا على شرح الْعَلَاء الطرابلسى الذى وَضعه فى فَرَائض ملتقى الابحر نزهت طرفى فى رياض هَذَا الشَّرْح البديع وأجريت طرفى فى ميدان مَا أبداه من حسن الصَّنِيع فَأَلْفَيْته سَابِقًا فى حلبة التَّأْلِيف لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من حسن الترصيع والترصيف أغْنى بِهِ من كَانَ طَالبا لعلم الْفَرَائِض وراض بعباراته الرائقة كل رَاغِب رائض بَين بفصاحته النِّسْبَة مَا بَين الرؤس والسهام وَعين ببلاغته مَا يسْتَحقّهُ الْوَارِث والملحق بِهِ من ذوى الْحُقُوق والاقسام فأخفى بساطع أنواره ضوء السراج وأبطل بلامع برهانه شهَاب الفنارى فَلم يبْق الى غَيره مفتقر وَلَا مُحْتَاج فَللَّه در هَذَا الْهمام على مَا أبرز من زهرات الاكمام فَلَقَد أَحْيَا الْموَات بسكب الانهر وَشرح الصُّدُور بشرح فَرَائض ملتقى الابحر وَلم يسْبقهُ أحد الى ذَلِك وَلَا يلْحقهُ من سلك تِلْكَ المسالك وَكَانَ تناظر هُوَ وَبَعض الْمُفْتِينَ بِدِمَشْق فى مسئلة فقهية وَظهر الْحق فى جَانِبه فألف رِسَالَة رد بهَا على الْمُفْتى وَبعث بهَا الى جدى القاضى محب الدّين فَكتب لَهُ عَلَيْهَا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (أصبت يَا ابْن هِلَال فى الردود على ... من صَار فى جَهله نَارا على علم) (جردت سَيْفا لجرح فى مقاتله ... مرصعا بيواقيت من الْكَلم) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى الْمحرم سنة أَربع بعد الالف مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة الملقب شمس الدّين بن شهَاب الدّين الرملى المنوفى المصرى الانصارى الشهير بالشافعى الصَّغِير وَذهب جمَاعَة من الْعلمَاء الى أَنه مُجَدد الْقرن الْعَاشِر وَوَقع الِاتِّفَاق على المغالاة بمدحه وَهُوَ أستاذ الاستاذين وَأحد أساطين الْعلمَاء وأعلام نحاريرهم محيى السّنة وعمدة الْفُقَهَاء فى الْآفَاق وَفِيه يَقُول الشهَاب الخفاجى وَهُوَ أحد من أَخذ عَنهُ (فضائله عد الرّحال فَمن يطق ... ليحوى معشار الذى فِيهِ من فضل) (فَقل لغبى رام احصاء فَضله ... تربت استرح من جهد عدك للرمل) اشْتغل على أَبِيه فى الْفِقْه وَالتَّفْسِير والنحو وَالصرْف والمعانى وَالْبَيَان والتاريخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 وَبِه اسْتغنى عَن التَّرَدُّد الى غَيره وَحكى عَن وَالِده انه قَالَ تركت مُحَمَّدًا بِحَمْد الله تَعَالَى لَا يحْتَاج الى أحد من عُلَمَاء عصره الا فى النَّادِر وَكَانَت بدايته بنهاية وَالِده وَحفظ الْقُرْآن والبهجة وَغَيرهمَا وَأخذ عَن شيخ الاسلام القاضى زَكَرِيَّا وَالشَّيْخ الامام برهَان الدّين بن أَبى شرِيف رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ رَأَيْت الشَّيْخ زَكَرِيَّا كالالف فى الانتصاب وَرَأَيْت برهَان الدّين وَهُوَ قَاعد الى هَيْئَة السُّجُود أقرب من الْهَرم فَقلت لوالدى مَا بَال الشَّيْخ زَكَرِيَّا مَعَ كَونه أسن من الشَّيْخ برهَان الدّين أصح جسما ومنتصب الْقَامَة فَقَالَ كَانَ الشَّيْخ برهَان الدّين يكثر الْجِمَاع حدا فأسرع اليه الْهَرم وَأما الشَّيْخ زَكَرِيَّا فَكَانَ معرضًا عَن ذَلِك جدا انْتهى وَذكر النَّجْم الغزى فى تَرْجَمته أَن لَهُ رِوَايَة عَن شيخ الاسلام أَحْمد بن النجار الْحَنْبَلِيّ وَشَيخ الاسلام يحيى الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي وَشَيخ الاسلام الطرابلسى الحنفى وَالشَّيْخ سعد الدّين الذهبى الشافعى وَكَانَ عَجِيب الْفَهم جمع الله تَعَالَى لَهُ بَين الْحِفْظ والفهم وَالْعلم وَالْعَمَل وَكَانَ مَوْصُوفا بمحاسن الاوصاف وَذكره الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الشعرانى فى طبقاته الْوُسْطَى فَقَالَ صحبته من حِين كنت أحملهُ على كتفى الى وقتنا هَذَا فَمَا رَأَيْت عَلَيْهِ مَا يشينه فى دينه وَلَا كَانَ يلْعَب فى صغر مَعَ الاطفال بل نَشأ على الدّين وَالتَّقوى والصيانة وَحفظ الْجَوَارِح ونقاء الْعرض رباه وَالِده فَأحْسن تَرْبِيَته وَلما كنت أحملهُ وَأَنا أَقرَأ على وَالِده فى الْمدرسَة الناصرية كنت أرى عَلَيْهِ لوائح الصّلاح والتوفيق فحقق الله رجائى فِيهِ وَأقر عين المحبين بِهِ فانه الْآن مرجع أهل مصر فى تَحْرِير الْفَتَاوَى وَأَجْمعُوا على دينه وورعه وَحسن خلقه وكرم نَفسه وَلم يزل بِحَمْد الله فى زِيَادَة من ذَلِك انْتهى وَجلسَ بعد وَفَاة وَالِده للتدريس فأقرأ التَّفْسِير والْحَدِيث والاصول وَالْفُرُوع والنحو والمعانى وَالْبَيَان وبرع فى الْعُلُوم النقلية والعقلية وَحضر درسه أَكثر تلامذة وَالِده وَمِمَّنْ حَضَره الشَّيْخ نَاصِر الدّين الطبلاوى الذى كَانَ من مُفْرَدَات الْعَالم مَعَ أَنه فى مقَام أبنائه فليم على ذَلِك وَسُئِلَ عَن الداعى الى ملازمته فَقَالَ لَا داعى لَهَا الا أَنى أستفيد مِنْهُ مَا لم يكن لى بِهِ علم ولازمه تلميذ أَبِيه الشهَاب أَحْمد بن قَاسم وَلم يُفَارِقهُ أصلا وَسُئِلَ ابْن قَاسم مرّة أَن يعْقد مجْلِس الْفِقْه فَقَالَ مَعَ وجود الشَّيْخ شمس الدّين الرملى لَا يَلِيق وطار صيته فى الْآفَاق وَولى عدَّة مدارس وَولى منصب افتاء الشَّافِعِيَّة وَألف التآليف النافعة مِنْهَا شرح الْمِنْهَاج أَتَى فِيهِ بالعجب العجاب وَشرح الْبَهْجَة الوردية وَشرح الطَّرِيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 الْوَاضِح للشَّيْخ أَحْمد الزَّاهِد سَمَّاهُ عُمْدَة الرابح وَشرح الْعباب لكنه لم يتم وَشرح الزّبد وَهُوَ غير شرح وَالِده وَشرح الايضاح منسك النووى وَشرح الْمَنَاسِك الدلجية وَشرح منظومة ابْن الْعِمَاد فى الْعدَد وَشرح الْعُقُود فى النَّحْو وَشرح رِسَالَة وَالِده فى شُرُوط الْمَأْمُوم والامام سَمَّاهُ غَايَة المرام وَشرح مُخْتَصر الشَّيْخ عبد الله بَافضل الصَّغِير وَشرح الاجرومية وَله حَاشِيَة على شرح التَّحْرِير لشيخ الاسلام وحاشية على الْعباب وَغير ذَلِك واشتهرت كتبه فى جَمِيع الاقطار وَأخذ عَنهُ أَكثر الشَّافِعِيَّة من أهل مصر وَرَجَعُوا اليه وَأجل تلاميذه النُّور الزيادى وَالشَّيْخ سَالم الشبشيرى وَغَيرهمَا وَمن الشاميين الشَّمْس مُحَمَّد الميدانى وَالشَّيْخ نعْمَان الحبراصى وَالشَّيْخ عمر بن الكاسوحة وَأخذ عَنهُ أَبُو الطّيب الغزى قَالَ الشلى وَالظَّاهِر انه مُجَدد الْقرن الْعَاشِر لانه لم يشْتَهر الِانْتِفَاع بِأحد مِمَّن انْقَضى الْقرن وَهُوَ مَوْجُود مثل اشتهاره واحتياج النَّاس لكتبه لَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بالعلوم الشَّرْعِيَّة قَالَ النبى ان الله يبْعَث لهَذِهِ الامة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا أَمر دينهَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره وَاخْتلف فى رَأس الْمِائَة هَل يعْتَبر من المولد النبوى أَو الْبعْثَة أَو الْهِجْرَة أَو الْوَفَاة وَلَو قيل بأقربية الثانى لم يبعد لَكِن صَنِيع السبكى وَغَيره مُصَرح بِأَن المُرَاد الثَّالِث وَقد ذكر الْحَافِظ السيوطى المجددين فى أرجوزة سَمَّاهَا تحفة المهتدين بأخبار المجددين وهى (الْحَمد لله الْعَظِيم المنه ... المانح الْفضل لاهل السنه) (ثمَّ الصَّلَاة وَالسَّلَام نلتمس ... على نَبِي دينه لَا يندرس) (لقد أَتَى فى خبر مشتهر ... رَوَاهُ كل حَافظ مُعْتَبر) (بِأَنَّهُ فى رَأس كل مائَة ... يبْعَث رَبنَا الهذى الامة) (منا عَلَيْهَا عَالما يجدد ... دين الْهدى لانه مُجَدد) (فَكَانَ عِنْد الْمِائَة الاولى عمر ... خَليفَة الْعدْل باجماع وقر) (والشافعى كَانَ عِنْد الثَّانِيَة ... لمَاله من الْعُلُوم الساريه) (وَابْن سريح ثَالِث الائمة ... والاشعرى عده من أمه) (والباقلانى رَابِع أَو سهل أَو ... الاسفراينى خلف قد حكوا) (وَالْخَامِس الحبر هُوَ الغزالى ... وعده مَا فِيهِ من جِدَال) (وَالسَّادِس الْفَخر الامام الرازى ... والرافعى مثل يوازى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 (وَالسَّابِع الراقى الى المراقى ... ابْن دَقِيق الْعِيد بِاتِّفَاق) (وَالثَّامِن الحبر هُوَ البلقينى ... أَو حَافظ الانام زين الدّين) (وعد سبط الميلق الصوفيه ... لَو وجدت مائته وَفِيه) (وَالشّرط فى ذَلِك أَن تمضى المائه ... وَهُوَ على حَيَاته بَين الفئه) (يشار بِالْعلمِ الى مقَامه ... وينصر السّنة فى كَلَامه) (وَأَن يكون جَامعا لكل فن ... وَأَن يعم علمه أهل الزَّمن) (وَأَن يكون فى حَدِيث قد روى ... من آل بَيت الْمُصْطَفى وَهُوَ قوى) (وَكَونه فَردا هُوَ الْمَشْهُور ... قد نطق الحَدِيث وَالْجُمْهُور) (وَهَذِه تاسعة المئين قد ... أَتَت وَلَا يخلف مَا الهادى وعد) (وَقد رَجَوْت أننى المجدد ... فِيهَا ففضل الله لَيْسَ يجْحَد) (وَآخر المئين فِيهَا ياتى ... عِيسَى نبى الله ذُو الْآيَات) (يجدد الدّين لهذى الامه ... وفى الصَّلَاة بَعْضنَا قد أمه) (مقررا لشرعنا وَيحكم ... بحكمنا وفى السَّمَاء يعلم) (وَبعده لم يبْقى من مُجَدد ... وَيرْفَع الْقُرْآن مثل مَا بدى) (وتكثر الاشرار والاضاعه ... من رَفعه الى قيام الساعه) (وَأحمد الله على مَا علما ... وَمَا جلا من الخفا وأنعما) (مُصَليا على نَبِي الرحمه ... والآل مَعَ أَصْحَابه المكرمه) انْتَهَت الارجوزة قَالَ الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير قد ادّعى كل قوم فى امامهم أَنه المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث وَالظَّاهِر أَنه يعم حَملَة الْعلم من كل طَائِفَة وكل صنف من أَصْنَاف الْعلمَاء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ونحاة ولغويين انْتهى وَقَالَ فى جَامع الاصول تكلمُوا فى تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث وكل أَشَارَ الى الْقَائِم الذى هُوَ من مذْهبه وَحمل الحَدِيث عَلَيْهِ والاولى الْعُمُوم فان من تقع على الْوَاحِد وَالْجمع وَلَا يخْتَص أَيْضا بالفقهاء فان انتقاع الامة يكون أَيْضا بِأولى الامر وَأَصْحَاب الحَدِيث والقراء والوعاظ لَكِن الْمَبْعُوث ينبغى كَونه مشارا اليه فى كل من هَذِه الْفُنُون ففى رَأس الاولى من أولى الامر عمر بن عبد الْعَزِيز وَمن الْفُقَهَاء مُحَمَّد الباقر وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم بن عبد الله وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَغَيرهم من طبقتهم وَمن الْقُرَّاء ابْن كثير وَمن الْمُحدثين الزهرى وفى رَأس الثَّانِيَة من أولى الامر الْمَأْمُون وَمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 الْفُقَهَاء الشافعى واللؤلؤى من أَصْحَاب أَبى حنيفَة وَأَشْهَب من أَصْحَاب مَالك وَمن الامامية على بن مُوسَى الرِّضَا وَمن الْقُرَّاء الحضرمى وَمن الْمُحدثين ابْن معِين وَمن الزهاد الكرخى وفى الثَّالِثَة من أولى الامر المقتدر وَمن الْفُقَهَاء ابْن سريح الشافعى والطحاوى الحنفى والخلال الحنبلى وَمن الْمُتَكَلِّمين الاشعرى وَمن الْمُحدثين النسائى وفى الرَّابِعَة من أولى الامر الْقَادِر بِاللَّه وَمن الْفُقَهَاء الاسفراينى الشافعى والخوارزمى الحنفى وَعبد الْوَهَّاب المالكى وَالْحُسَيْن الحنبلى وَمن الْمُتَكَلِّمين الباقلانى وَابْن فورك وَمن الْمُحدثين الْحَاكِم وَمن الزهاد الثورى وَهَكَذَا يُقَال فى بَقِيَّة الْقُرُون وَقَالَ فى الْفَتْح نبه بعض الائمة على أَنه لَا يلْزم أَن يكون فى رَأس كل قرن وَاحِد فَقَط بل الامر فِيهِ كَمَا ذكره النووى فى حَدِيث لَا تزَال طَائِفَة من أمتى ظَاهِرين على الْحق من أَنه يجوز أَن تكون الطَّائِفَة جمَاعَة مُتعَدِّدَة من أَنْوَاع الْمُؤمنِينَ مَا بَين شُجَاع وبصير بِالْحَرْبِ وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالامر بِالْمَعْرُوفِ والنهى عَن الْمُنكر وزاهد وعابد وَلَا يلْزم اجْتِمَاعهم بِبَلَد وَاحِد بل يجوز اجْتِمَاعهم فى قطر وَاحِد وتفرقهم فى الاقطار وَيجوز اجْتِمَاعهم بِبَلَد وَأَن يَكُونُوا فى بعض دون بعض وَيجوز اخلاء الارض كلهَا من بَعضهم أَولا فأولا الى أَن لَا يبْقى الا فرقة وَاحِد بِبَلَد وَاحِد فاذا انقرضوا أَتَى أَمر الله وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين العراقى فى أول تَخْرِيج أَحَادِيث الاحياء فى تَرْجَمَة الغزالى بعد أَن ذكر نَحْو مَا مر وانما قلت من تعْيين من ذكرت على رَأس كل مائَة بِالظَّنِّ وَالظَّن يُخطئ ويصيب وَالله أعلم بِمن أرد نبيه وَلَكِن لما جزم أَحْمد بن حَنْبَل فى الْمِائَتَيْنِ الاوليين بعمر بن عبد الْعَزِيز والشافعى تجاسر من بعده بِابْن سُرَيج والصعلوكى وَسبب الظَّن فى ذَلِك شهرة من ذكر بِالِانْتِفَاعِ بِأَصْحَابِهِ ومصنفاته وَالْعُلَمَاء وَرَثَة الانبياء وَكَذَلِكَ من ذكر أَنه مظنون فى الْمِائَة الثَّامِنَة فَعلمه الى الله تَعَالَى وَالله تَعَالَى يبْقى الْعلمَاء ويديم النَّفْع بهم الى أزمان متطاولة وَلَكِن لم تزل الصَّحَابَة يظنون قرب الامر حَتَّى قَالَ بَعضهم فى الرجل الذى يخرج الى الدَّجَّال ويقتله فَكُنَّا نرى أَنه عمر بن الْخطاب حَتَّى مضى لسبيله وَلَا انكار فى اقتراب السَّاعَة فقد قَالَ الله تَعَالَى فقد جَاءَ أشراطها انْتهى قَالَ الْعَلامَة عبد الله بن عمر بامخرمة وَيقرب عندى أَن المجدد للمائة الْعَاشِرَة القاضى زَكَرِيَّا الشُّهْرَة الِانْتِفَاع بِهِ وتصانيفه واحتياج غَالب النَّاس اليها لَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بالفقه وتحرير الْمَذْهَب بِخِلَاف كتب السيوطى فانها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 وان كَانَت كَثِيرَة فَلَيْسَتْ بِهَذِهِ المثابة على أَن كثيرا مِنْهَا مُجَرّد جمع بِلَا تَحْرِير وأكثرها فى الحَدِيث من غير تميز الطّيب من غَيره بل كَأَنَّهُ حَاطِب ليل وساحب ذيل وَالله تَعَالَى يرحم الْجَمِيع وَيُعِيد علينا من بركاتهم قَالَ وَلَا ندرى من يكون على رَأس الْعَاشِرَة فان الْجَهْل عَم وأفق الْعلم أظلم بل قد انمى رسمه وَلم يبْق الا اسْمه وَصَارَ الْمَعْرُوف مُنْكرا وَالْمُنكر مشتهرا وَعَاد الدّين غَرِيبا وَصَارَ الْحَال عريبا انْتهى قَالَ المناوى فى شرح الْجَامِع الصَّغِير وَهنا تَنْبِيه ينبغى التفطن لَهُ وَهُوَ أَن كل من تكلم على حَدِيث ان الله يبْعَث انما يقرره بِنَاء على الْمَبْعُوث على رَأس الْقرن يكون مَوته على رَأسه وَأَنت خَبِير بِأَن الْمُتَبَادر من الحَدِيث انما هُوَ الْبَعْث وَهُوَ الارسال يكون على رَأس الْقرن أى أَوله وَمعنى ارسال الْعَالم تأهله للتصدى لنفع الانام وانتصابه لنشر الاحكام وَمَوته على رَأس الْقرن أَخذ لَا بعث فتدير بالانصاف ثمَّ رَأَيْت الطيبى قَالَ المُرَاد بِالْبَعْثِ من انْقَضتْ الْمِائَة وَهُوَ حى عَالم يشار اليه والكرمانى قَالَ قد قَالَ قبيل كل مائَة أَيْضا من يصحح وَيقوم بِأَمْر الدّين وانما المُرَاد من انْقَضتْ الْمدَّة وَهُوَ حى عَالم مشار اليه وَلما كَانَ رُبمَا يتَوَهَّم متوهم من تَخْصِيص الْبَعْث بِرَأْس الْقرن أَن الْمقَام بِالْحجَّةِ لَا يُوجد الا عِنْده أرْدف ذَلِك بِمَا يبين أَنه قد يكون فى أثْنَاء الْمِائَة من هُوَ كَذَلِك بل قد يكون أفضل من الْمَبْعُوث على الرَّأْس وان تَخْصِيص الرَّأْس انما هُوَ لكَونه مظنه انخرام علمائه غَالِبا وَظُهُور الْبدع ونجوم الدجالين قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد وَهنا دقيقة نبه عَلَيْهَا تَاج الَّذين السبكى على رِوَايَة رجل من أهل بيتى وهى أَن عمر بن عبد الْعَزِيز والشافعى قرشيان تصدق عَلَيْهِمَا الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة وَبِذَلِك يتَعَيَّن عندى أَن يكون المجدد بعد الشافعى شافعى الْمَذْهَب فانه هُوَ الذى من أهل بَيت النبيى قَالَ بَعضهم وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِكَوْنِهِ من أهل الْبَيْت بِالنّسَبِ المعنوى كَمَا ورد فى الْخَبَر سلمَان منا أهل الْبَيْت وَزعم الْجمال مُحَمَّد بن عبد السَّلَام النزيلى أَن المجدد فى الْعَاشِر الشَّيْخ على بن مطير وَقَالَ السَّيِّد عبد الْقَادِر بن شيخ وَالظَّاهِر أَنه عبد الْملك ابْن دعسين وَيحْتَمل أَنه الشَّيْخ مُحَمَّد الهنى قلت ايْنَ هَؤُلَاءِ من الرملى صَاحب التَّرْجَمَة وشهرته كَافِيَة فى هَذَا الْبَاب وَكَانَت وِلَادَته سلخ جُمَادَى الاولى سنة تسع عشر وَتِسْعمِائَة بِمصْر وَتُوفِّي نَهَار الْأَحَد ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى سنة أَربع بعد الالف والرملى نِسْبَة الى رَملَة قَرْيَة صَغِيرَة قَرِيبا من الْبَحْر بِالْقربِ من منية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 الْعَطَّار تجاه مَسْجِد الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام بالمنوفية قَالَه الشعرانى مُحَمَّد بن أَحْمد بن حُسَيْن بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس الولى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الحضرمى قَالَ الشلى فى تَرْجَمته كَانَ مَشْهُورا بِالْولَايَةِ التَّامَّة وَفِيه نفع عَظِيم وارشاد وَله بِمَدِينَة تريم وَأخذ عَن وَالِده امام الطَّرِيقَة وَصَحب تَاج الدّين وَشَيخ العارفين مُحَمَّد بن علوى باجحذب وجد فى الِاجْتِهَاد حَتَّى فاق أقرانه وَسَار ذكره فى الْآفَاق وقصده النَّاس من كل مَكَان وَصَحبه خلق كثير ولبسوا مِنْهُ خرقَة التصوف وَكَانَ كَبِير الْقدر وَاسع الصَّدْر وَله كرامات مَشْهُورَة وَحج هُوَ وَأَخُوهُ الشَّيْخ عبد الله ورجعا الى وطنهما تريم وَلم يزل صَاحب التَّرْجَمَة على حَالَته المرضية حَتَّى توفى الى رَحْمَة الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ بعد الالف وَدفن بمقبرة زنبل بِقرب مشْهد جده الشَّيْخ عبد الله العيدروس وقبره ظَاهر يزار رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن المنلا شمس الدّين بن شهَاب الدّين شَارِح المغنى الْمُتَقَدّم ذكره الحصكفى الاصل الحلبى الشافعى ذكره العرضى الْكَبِير فى تَارِيخه وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ نَشأ فى حجر أَبِيه وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح الشذور لِابْنِ هِشَام قَالَ وَدخلت يَوْمًا الى زِيَارَة أَبِيه وَكَانَ صاحبنا فرأيته يقرئه فى بحث المبنى وَهُوَ يتعتع فى فهم الْكَلَام وتفهيمه لوَلَده لاكثار من المطالعة وَالنَّظَر فأغنيته عَن تَقْرِير ذَلِك الدَّرْس ووضحت للْوَلَد المبحث وركز حبنا فى قلب الْوَلَد فَأتى الينا باذن أَبِيه وَطلب منى الاقراء فأقرأته شرح الكافية للجامى من أَوله الى آخِره فَلم يخْتم الْكتاب الا وَقد صَار ذَا ملكة ثمَّ مَشى مَعنا فى مغنى اللبيب ثمَّ فى المطول وَشرح آدَاب الْبَحْث للمسعودى وفى الاصفهانى وَمتْن الجغمينى فى الْهَيْئَة وَشرح ابْن المُصَنّف على ألفية ابيه ابْن مَالك وفى ارشاد ابْن المقرى وَشرح الْمنْهَج للقاضى زَكَرِيَّا وَسمع من لفظى صحيحى البخارى وَمُسلم ورفيقه فى مُعظم ذَلِك أَخُوهُ الْبُرْهَان ثمَّ ان مُحَمَّدًا تصدر للتأليف فَكتب تاريخنا لحلب تعرض فِيهِ لمن حكم فِيهَا من حِين فتحهَا الصَّحَابَة الى زمن ابراهيم باشا الملقب بالحاج ابراهيم أَجَاد فِيهِ وأنبأ عَن اطلَاع عَظِيم وَكتب حِصَّة على صَحِيح مُسلم ورسالة حَسَنَة فى اسلام أبوى رَسُول الله // (ونظم الشّعْر الْحسن) // وامتدحنى بقصائد جمة مَعَ كَثْرَة عبَادَة وتلاوة لِلْقُرْآنِ وَصَلَاة حَسَنَة يُصليهَا عِنْد دُخُول الْوَقْت مَعَ الْجَمَاعَة وَيكثر فِيهَا من تِلَاوَة الْقُرْآن وكرم وافر واحسان للمحبين واجزال الضيافات ومحبة النَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 والتواضع والتمسك بِالسنةِ مَعَ الْفَضِيلَة التَّامَّة وبغض الزَّنَادِقَة وَذكره الشهَاب مَعَ أَخِيه الْبُرْهَان وَكَذَا البديعى ووصفاهما بأوصاف حَسَنَة وَأورد الشهَاب من شعر مُحَمَّد قَوْله فى التَّرْجَمَة من الفارسية هَذَا الرباعى (فى اللَّيْل وفى النَّهَار حرا كبدى ... مقتول ضنى بجائر لَيْسَ يدى) (تنثر عينى جَوَاهِر الدمع على ... لقيَاهُ تظن أَنَّهَا طوع يدى) وَقَالَ ولصاحبنا القاسمى مثله (لقياك سرُور قلبى المحزون ... فالوحشة من نواك لَا تعدونى) (يَا وَيْح دموعى خشيت شقوتها ... منى فَأَتَت بدرها ترشينى) (وَقَرِيب مِنْهُ قَول ابْن الرومى (وهبت لَهُ عينى الهجوعا ... فأثابها مِنْهُ الدموعا) (وَمن البلية أننى ... علقت مَمْنُوعًا منوعا) وللارجانى (لَوْلَا طروق خيال مِنْك منتظر ... يلم بى رَاقِدًا مَا ساءنى سهرى) (كَانَ جفنى اكراما لزورته ... أَمْسَى على قَدَمَيْهِ ناثر الدُّرَر) وَأنْشد لَهُ البديعى قَوْله (مَا أقل الاصحاب ان حسم أَمر ... فى عَظِيم وَمَا أقل المساعد) (وبلاء لابد للمرء مِنْهُ ... أَن يرى رَاغِبًا بآخر زاهد) وَقَوله (سيلحق من سره موتنا ... بِنَا مثل من سرنا مَوته) فِيهِ زِيَادَة على قَول الآخر (فَقل للشامتين بِنَا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كَمَا لَقينَا) وَله (قلت لما تنكرت أَمر شيبى ... وأبت دون شَرحه فى التراضى) (كَانَ لي فى الزَّمَان بعض حِسَاب ... أخرجته على كيد الممنق) وَله (سامرته فى لَيْلَة وصباحها ... يتكايدان أيدى النَّوَى للبياض) (فالليل يظْهر لى بقلب أسود ... وَالصُّبْح ينظرنى بِطرف أَزْرَق) وَله (أَلا لَيْت شعرى هلى زارنى ... حبيبى وَلَيْسَ رقيبى قريب) (وَهل علم الدَّهْر أَنى امْرُؤ ... كثير لَدَى قَلِيل الحبيب) قَالَ العرضى وأصابته حمى الرّبع فطالت بِهِ فوصف لَهُ بعض مبغضيه أَن يكتوى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 فى ظَهره فكواه رجل زنديق من قَرْيَة كفر حَابِس وَلَا يخفى أَن أَهلهَا مختلفوا العقائد فى سلسلة ظَهره وصادفه مجئ الشتَاء فَحصل لَهُ الكزاز مرض ردئ فَمَاتَ بِهِ فى سنة عشر وَألف رَحمَه الله تَعَالَى وَدفن فى تربة جده الخواجا اسكندر فى محلّة الجبيلة بحلب مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْعجل بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن ابراهيم ابْن الامام القطب الْغَوْث الْفَرد الْجَامِع الْفَقِيه أَبى اللقيف أَحْمد بن مُوسَى بن على ابْن عمر العجيل بن مُحَمَّد بن حَامِد بن زُرَيْق بن وليد بن زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن حامدين مغرب بن عِيسَى بن مُحَمَّد الفارسى ابْن زيدين دوال بن شبوه بن ثَوْبَان بن عِيسَى بن شحاده بن غَالب بن عبد الله بن عك بن عدنان أَبُو الغوائر صَاحب بَيت الْفَقِيه الْيُمْنَى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى صَاحب الاحوال الباهرة والكرامات الخارقه الظاهره والانفاس الطاهره الذى تَوَاتر حَدِيث فَضله وجلالته وَأجْمع النَّاس على ولَايَته وعمت بركاته الْحَاضِر والباد فى كل وَاد وناد وَكَانَ نفع الله بِهِ امام أهل الْعرْفَان الْمشَار اليه بالبنان وقطب دَائِرَة الْيمن الفخيم ومركز مُحِيط ذَلِك الاقليم متخلقا بالاخلاق النبويه متصفا بِالصِّفَاتِ الربانية امام المرشدين فى عصره وأستاذ الاستاذين فى دهره جُنَيْد الطَّرِيقَة فى زَمَانه غزالى الرفيعة لامكانه ابْن عربى الْحَقِيقَة بشانه وَمن أَرْبَاب الاحوال السّنيَّة بل المقامات العليه بهر بجميل جماله أطواد الْعُقُول وأثلج بِبرد لطفه المناكب والصدور ونال مِنْهُ تلامذته الْوُصُول وَكَانَ لَهُ بِبَيْت الْفَقِيه الظُّهُور الْكَبِير العجيب والجاه الطَّوِيل العريض الْغَرِيب قلد أَعْنَاق الرِّجَال بِالْيمن المنن ودانت لَهُ النُّفُوس وان خَالف السِّرّ العلن وامتد فى المقامات والاحوال بَاعه وعمرت بالاقبال رباعه وقصده النَّاس الغادى والرائح وخدمته القرائح بالمدائح وَكَانَ رضى الله عَنهُ حَرِيصًا على سلوك الطَّرِيق من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة مواظبا على الْخَيْر لَا يصرف أوقاته فى غير طاعه حَافِظًا لازمانه وأوقاته مُقبلا على طاعات ربه وعباداته حسن السمت والسيره نير الْقلب والسريره مَعَ كرامات أشهر من الشَّمْس فى رَابِعَة النَّهَار وخوارق اشتهرت فى سَائِر الاقطار وَرَأَيْت بِخَطِّهِ نفع الله بِهِ مَا نَصه أخبرنى الشَّيْخ الصَّالح نجم الدّين بن أَحْمد الفيومى المصرى أَنه رأى فى خيال سنته يَوْم عيد الْفطر سنة سبع وَألف كَانَ البنى فى مَحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 قَبره الْكَرِيم بارز والنور يخرج من سَائِر أَجْزَائِهِ وَيخرج من صَدره الْكَرِيم نور لَهُ جرم وَحلق السبابَة والابهام وَقَالَ مِقْدَار هَذَا قَالَ وَرَأَيْت ذَلِك ممتداً من مَحَله حَتَّى اتَّصل بسيدى مُحَمَّد الْعجل وَهُوَ اذ ذَاك فى حَال قِرَاءَة المولد وَالذكر بمسجده وَصَارَ النُّور يدْخل فى صَدره مستمرا على ذَلِك وَرَأَيْت جمعا من الاولياء ينالهم نور من ذَلِك لكنه صَغِير الجرم وَمثله الرائى بالخيط فى مُقْتَضى الْحس قَالَ واستيقظت وَالْحَال على مَا هى عَلَيْهِ من اتِّصَال نور النبى بصدر سيدى الْفَقِيه مُحَمَّد ودخوله فِيهِ وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم انْتهى وَيُقَال ان صَاحب التَّرْجَمَة اسْتمرّ نَحْو سنتَيْن مَرِيضا فَكَانَ فى النَّهَار يذهب الى الهيجاء ويأتى بِاللَّيْلِ الى تربة جده سيدى الْفَقِيه أَحْمد بن مُوسَى حَتَّى ظهر لَهُ فى لَيْلَة وَأَعْطَاهُ اصبعه فمصها وَأمره بِالرُّجُوعِ الى الْبَلَد للتربية والارشاد وَيُقَال أَيْضا انه أَتَاهُ آتٍ فى مَنَامه وَقَالَ لَهُ لَازم مطالعة كتب الشَّيْخ الاكبر ابْن عربى وَنحن ندافع عَنْك بِالسَّيْفِ والترس أَخذ الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا من الْعُلُوم الدِّينِيَّة عَن مُحدث الْيمن وحافظه عبد الرَّحْمَن الديبع صَاحب التَّيْسِير وَأَجَازَهُ اجازة عَامَّة بمروياته وَأخذ الطَّرِيق عَن السَّيِّد الولى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبى الْقَاسِم بن على صَاحب الضُّحَى وَغَيرهمَا من شُيُوخ عصره وَعنهُ وَلَده الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد أَبُو الْوَفَاء الْعجل وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمن شعره قَوْله فى القات (لاندية الخلان صَاحب تجمل ... بوجدان قات زانها وتهلل) (فيا حسنه ان رق يَوْمًا الْمحْضر ... وحف بألطاف لَهَا الْفضل يجمل) (فيا سادة قَامُوا على قدم الصَّفَا ... اذ القات واخاكم فَقومُوا وهللوا) (وَقُولُوا بِلَفْظ الْجمع وَالْفرق خلفوا ... لَان سوى البارى خيال مُبْطل) (وَحكم ارتباط عادمى غير مُنكر ... واحكامه فى الشَّرْع حَقًا تبطل) (وَلكنه سُبْحَانَهُ جلّ قدره ... لَهُ مَعَ جَمِيع الكائنات تفضل) (بهَا خصهم فضلا وَمنا عَطِيَّة ... وَلَيْسَ لَهُم بِالْكَسْبِ فِيهَا مُحَصل) (فَلَا تنكرن يَا صَاح قَول مفضل ... أَتَى عَن معانى الْقرب يحْكى وينقل) (فَسلم لتسلم فالسلام مُسلم ... لمن كَانَ أَسبَاب النجَاة يحصل) (ولازم على التَّسْلِيم فى كل حَالَة ... تنَلْ كل مَا ترجو وَمَا أَنْت تَأمل) (ودع كل خب فى الْمقَال مخرق ... يروع أهل الْحق ثمَّ يضلل) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 (فكم عَالم بِاللَّه يَأْكُل قاتنا ... وَمَا هُوَ عَن طرق الْهِدَايَة يعدل) (فيا نعم قوت الصَّالِحين وقاتهم ... ينشط معوانا لَهُم لَا يكسل) (فأجمع أهل الله من أهل قطرنا ... وَمِمَّنْ لَهُم نور الْهِدَايَة يكمل) (يَقُولُونَ مَا فى القات ضرّ وَلَا أَذَى ... ولامس جن للمساوى يخيل) (واما رَأَيْت القات وقتا بِحَضْرَة ... اليها يَقِينا للكرامة يحمل) (فقابله يَا ذَا الود بالرحب والهنا ... وَقبل رغام الارض اذ هُوَ يُوصل) (وَمَا ذَاك الا أَن فِيهِ لنا الى ... معَان عليات الْمقَام توصل) (فأهلا بِهِ ألفا وسهلا ومرحبا ... لاجل الذى فِيهِ من السِّرّ يُوكل) (وبادر الى ذكر الاله قبيله ... وذكرك باسم الله للخير يُوصل) (فآكله هاد منيف ومهتد ... محب ومحبوب الى الرشد موصل) (فحاشا وكلا أَن يكون رَفِيقه ... وَقد رافق الاخيار غيا يحصل) (فمدح كرام الحى أعظم شَاهد ... على جمع أسرار حواها وَأَعْدل) (وراها أنَاس بالكشوفات قالهم ... رجال عَلَيْهِم فى الامور الْمعول) (فَمن بَعْضهَا جذب حُضُور لذاكر ... وَفِيهِمْ أموران خلا لَيْسَ تحصل) (وَلَكِن أخى لَا ينْتج القات ان خلا ... عَن النِّيَّة الْعُظْمَى فانك تهمل) (وَيَكْفِيك قَول الْمُصْطَفى فى امتداحها ... عَظِيم حَدِيث فى الرسائل أول) (فأحرص على القات الشريف بحبه ... وقارنه بِالنِّيَّاتِ ان أَنْت تَأْكُل) (تشاهد أمورا من غَرِيب معارف ... من الحضرة العلياء تَأْتِيك ترمل) (بحلة لفظ من نقوش فمنم) لَهُ ترجمان الْقلب يرْوى مفصل) وَلم تزل نفحات نسماته عاطرة الارج وزجاجات وارداته ظَاهِرَة الرهج الى أَن أحب الله لقاءه فَأجَاب داعيه ودرج وبروحه اللطيفة اليه عرج وَكَانَت وَفَاته ظهر يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر شهر ربيع الثانى سنة احدى عشرَة بعد الالف وَدفن بِبَيْت الْفَقِيه ابْن عجيل وَبنى عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة بناها الْوَزير حسن باشا حَاكم الْيمن وَكَانَ ختم بنائها نَهَار الْخَمِيس رَابِع عشر شهر شَوَّال سنة اثنتى عشرَة وَألف وقبره درياق مجرب الْقَضَاء الْحَوَائِج رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد المنعوت محب الدّين الحصنى الدمشقى الشافعى السَّيِّد الْعَالم الْعلم الْجواد المربى كَانَ غَايَة فى الْوَرع والتقشف والتصلب فى أَمر الدّين دينا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 خيرا ناجحا ملازما للاعتكاف بِمَسْجِد الحصنية بمحلة المزاز من الشاغور البرانى بِدِمَشْق وَكَانَ محافظا على عمَارَة مطبخ آبَائِهِ بخان الكشك الْمُقَابل لخان ذى النُّون خَارج دمشق باصلاح الْحَلْوَى وَالطَّعَام والتفرقة على الْحجَّاج ذَهَابًا وايابا وَكَانَ سخيا لَا يمسك شَيْئا وَله حفدة ومريدون كلهم عائلة عَلَيْهِ وَكَانَت وَفَاته نَهَار السبت حادى عشر شهر رَمَضَان سنة احدى عشرَة بعد الالف وَقيل فى تَارِيخه (ان الشريف مُحَمَّد القطب الذى ... يدعى محب الدّين للاخرى انْتقل) (ان تسألونى أَيْن حل فأرخوا ... فى وسط جنَّات النَّعيم قد نزل) وَبَنُو الحصنى بِالشَّام أشهر من كل مَشْهُور وهم بَيت بَارك الله فيهم من قواد مُهِمّ الى خوافيهم وجدهم التقى شيخ شافعية الشَّام فى عصره وأوحد زهاد زَمَنه الْمَشْهُور بسمو قدره تميز بهم الْفَاضِل من الْمَفْضُول فالتعرض لشرح أَحْوَالهم ضرب من الفضول مُحَمَّد بن أَحْمد بن على القاضى شمس الدّين الْمَعْرُوف بِابْن المغربى المالكى الدمشقى مفتى الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق وقاضى الْبَاب أحد الاذكياء الْفُضَلَاء حفظ الْقُرْآن فى ابْتِدَاء أمره وَصَارَ مُؤذنًا بالجامع الاموى وَكَانَ حسن الصَّوْت وَأخذ الْفِقْه عَن القاضى عَلَاء الدّين بن الْمرجل البعلى وسافر الى مصر وَأخذ عَن علمائها كالبنوفرى وَغَيره وَحج وجار وَأخذ عَن مَشَايِخ مَكَّة وَقَرَأَ بِدِمَشْق على مَشَايِخ الاسلام أَبى الْفِدَاء اسمعيل النابلسى والعماد الحنفى وَالْجد القاضى الْمُحب وَالشَّمْس ابْن المنقار وناب بمحكمة قناة العونى ثمَّ بِالْبَابِ بعد سفر شَيْخه القاضى عَلَاء الدّين الى الْحَج وَكَانَ يدرس بالجامع الاموى ويفتى واستقرت لَهُ الْفَتْوَى مُنْفَردا بهَا بعد شَيْخه وَكَانَت سيرته فى الْقَضَاء حَسَنَة وَكَانَ لطيف المعاشرة وَصَارَ اماما بالجامع الاموى وَكَانَ يتعاقب على الْقَضَاء هُوَ والقاضى كَمَال الدّين بن خطاب وَاسْتقر الامر آخرا لِابْنِ خطاب وَكَانَ اذا عزل يحصل لَهُ قهر عَظِيم وَلما طَال عَزله آخر الامر مرض وَطَالَ مَرضه وَلما دخل ابْن جانبولاذ دمشق وَمَعَهُ السكبانية والدروز دخلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فى بَيته بحارة قصر حجاج خَارج بَاب الْجَابِيَة وانتهبوه وأهانوه فَزَاد قهره وَاسْتمرّ متضعفا يشكو حَتَّى توفى يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر ربيع الاول سنة سِتّ عشرَة وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بوحيى زَاده الرومى شَارِح مغنى اللبيب أَصله من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 بَلْدَة ازنيق وجده على بيك مَذْكُور فى تذكرة الشُّعَرَاء وَقد أكمل صَاحب التَّرْجَمَة طَرِيق الصُّوفِيَّة على بعض الْمَشَايِخ وَجلسَ على سحاده الذّكر والوعظ الى أَن مَاتَ الشَّيْخ وَسنة فى سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ مدرس دَار الحَدِيث المنسوبة لوالدة السُّلْطَان بِمَدِينَة اسكدار فوجهت اليه مَعَ وعظ الْجَامِع الْمَنْسُوب اليها وَكَانَ بَحر فياضاً فى الْعُلُوم خُصُوصا الْعَرَبيَّة متفننا فى غَيرهَا وَمن آثاره الجليلة شرح مغنى اللبيب فى مجلدين وَهُوَ شرح حافل مُفِيد يدل على سَعَة اطِّلَاعه وَله على التَّفْسِير تعليقات وَكَانَ وِلَادَته فى سنة أَرْبَعِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى سنة ثَمَان عشرَة بعد الالف وَكَانَ عمره لما مَاتَ تسعا وَسبعين سنة كَذَا قَالَه ابْن نوعى مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن اسمعيل بن مُحَمَّد المنعوت شمس الدّين بن الاكرم الْحَنَفِيّ وَيعرف بقطا الْبر كَمَا أَن أَبَاهُ كَانَ يعرف بقطا الْبَحْر أحد فضلاء دمشق وأصلائها وَكَانَ فَاضلا مخشوشنا متقشفا قَرَأَ فى أول أمره ثمَّ وصل الى خدمَة الْبَدْر الغزى فَقَرَأَ عَلَيْهِ فى الاحياء وَلما مَاتَ أَبوهُ فى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة سَافر الى الرّوم وَولى تدريس الْمدرسَة المقدمية وَرجع من الرّوم فى شكل عَجِيب على أسلوب موالى الرّوم من الاثواب الطَّوِيلَة بالاكمام الواسعة ولقب نَفسه بشيخ الاسلام وَكَانَ يجمع الْفُقَرَاء على الذّكر عِنْده بِالْمَدْرَسَةِ ويتردد اليه بعض المنشدين وَرُبمَا يكسوهم وَيطْعم الْفُقَرَاء وَكَانَ يتظاهر بانكار بعض المناكر وَكَانَ يمر على تخت الْقمَار بمحلة تَحت القلعة فيأمر بتكسيره وَضرب المقامرين وَكَانَ قَلِيل الْحَظ من الدُّنْيَا مَعَ السخاء الزَّائِد وَكَانَت وَفَاته بداء الْبَطن فى وَقت الْغَدَاء من يَوْم الثلاثا ثَالِث عشر ذى الْحجَّة سنة عشرَة بعد الالف عَن خمس وَخمسين سنة وَدفن عِنْد أَبِيه بمقبرة الفراديس وَبَنُو الاكرم بِدِمَشْق طَائِفَة كَبِيرَة مِنْهُم مُحَمَّد وَهُوَ جد مُحَمَّد هَذَا وَالِد وَالِده كَانَ فى آخر دولة الجراكسة أَمِيرا من أمرائهم فَلَمَّا ذهبت دولة الجراكسة وَجَاءَت دولة آل عُثْمَان أعطَاهُ السُّلْطَان سليم الفاتح زعامة دولة الجراكسة وَجَاءَت دولة آل عُثْمَان أعطَاهُ السُّلْطَان سليم المفاتح زعامة بِأَرْبَعِينَ ألف عثمانى فاستمر مبَاشر الزعامة الى أَن عينوه خَادِمًا للسلطنة فى جمع أَمْوَال الْعَرَب فَكتب الى الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ علوان الحموى كتابا ولوح فِيهِ الى مَا هُوَ مبتلى بِهِ من خدمَة السلطنة وَأَشَارَ الى استفهامه عَن هَذِه الاحوال هَل تخلص صَاحبهَا عِنْد الله تَعَالَى فَكتب اليه الشَّيْخ علوان كتاب يَقُول فِيهِ وَلَا بَأْس بِخِدْمَة السُّلْطَان اذا كَانَت على طَرِيق الاسْتقَامَة وَأَيْضًا فان الرأى أَن تكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 حَيْثُ أنزلك حَتَّى يكون الله عَنهُ نقلك وَأَيْضًا فان الله لَو لم يرد لَك هَذَا الامر الذى أَنْت فِيهِ مَا سهله لَك وسَاق من ذَلِك فَصَارَ وَكتب بعده فى حَاشِيَة الْمَكْتُوب وَمَعَ ذَلِك أَقُول (سجنو الطّيب لغاتهم ... يَا ليتهم كَانُوا صموت) (موت النُّفُوس حَيَاتهَا ... من رام أَن يحيا يَمُوت) فَلَمَّا وقف على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ علم الاشارة فَنزع ثِيَابه كلهَا وَعتق مماليكه وَدخل فى عدل ثخين وَجلسَ فى محلّة العنابة فى مَسْجِد الْعين ثَلَاثَة أَيَّام لَا يكلم أحدا وَلَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَترك الزعامة والدولة وَاسْتمرّ فى بَيته بمحلة العنابة جَالِسا متفردا عَن النَّاس لابسا ثِيَاب الصُّوفِيَّة الى أَن مَاتَ فانتقل وَلَده أَحْمد الى محلّة القيمرية وَسكن فى بيُوت ابْن الحارة ثمَّ أثبت الْمدرسَة المقدمية وانه من ذُرِّيَّة واقفها وَأظْهر على مَا ادَّعَاهُ عدَّة تمسكات وانتقل اليها وسكنها ثمَّ سكنها بعده ابْنه صَاحب التَّرْجَمَة كَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا وَاسْتمرّ بِيَدِهِ تدريسها وتوليتها وَهَذِه الْمدرسَة منسوبة الى من هم منتسبون اليه وَهُوَ أَمِير الامراء شمس الدّين الْمُقدم الذى كَانَ من كبار الامراء فى زمن الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد ثمَّ صَار من كبار الامراء الصلاحية وَحج فَوَقع بَينه وَبَين أَمِير الْحَاج العراقى طاشتكين فَضرب ابْن الْمُقدم بِسَهْم وَقع فى عينه فَمَاتَ من غده ذكره ذَلِك ابْن خلكان فى تَارِيخه وَغَيره من المؤرخين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن ادريس المنعوت بشمس الدّين الحلبى ثمَّ الدمشقى الْمَعْرُوف بِابْن قولا قسز وَقد تقدم ابْنه أَحْمد وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا فَاضلا بارعا فَقِيها لَهُ اطلَاع على مسَائِل فقه الامام الاعظم أَبى حنيفَة قَرَأَ بحلب على عالمها الامام النَّجْم بن الحنبلى الاصول وَالْفِقْه والْحَدِيث وَأخذ عَن منلا أَحْمد القزوينى الْمعَانى وَالْبَيَان وَالتَّفْسِير ثمَّ رَحل الى دمشق وَأخذ بهَا الْفِقْه عَن خطيب الشَّام وفقيهها النَّجْم والبهنسى والْحَدِيث عَن شيخ الاسلام الْبَدْر الغزى وَقَرَأَ البخارى عَن النُّور النسفى وَأخذ الْفَرَائِض عَن الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الحنفى والقراآت عَن الطيبى والمنطق عَن منلا ابراهيم الكردى القزوينى الحلبى وَبِه تفقه وَلَده أَحْمد وَكَانَ يحب الْعُزْلَة والانجماع عَن النَّاس وَلم يكن لَهُ وَظِيفَة وَلَا مدرسة وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من خِيَار الافاضل وَكَانَت وِلَادَته فى خَامِس عشرى شهر ربيع الاول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الاحد رَابِع عشرى شهر ربيع الاول سنة احدى وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 مُحَمَّد بن أَحْمد الدجانى القدسى الشَّيْخ المعمر الْبركَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مفتى الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف رَحل الى مصر واشتغل بهَا وبرع ثمَّ رَجَعَ الى وَطنه وَشرح ألفية ابْن مَالك والرحيبة وَأفْتى على مَذْهَب الشافعى وَصَامَ الدَّهْر أَزِيد من خمسين عَاما وَكَانَ منزويا عَن النَّاس قَلِيل الِاجْتِمَاع بهم غير متصنع فى هَيئته وَلَا مباهيا بملبسة قَلِيل الْكَلَام مجذوبا وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت وَفَاته صَبِيحَة نَهَار الاربعاء سَابِع عشرى ذى الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَألف بدير صهيون وَصلى عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الاقصى بعد الْعَصْر وَدفن فى فسقية أَبِيه وَحضر جنَازَته الْخَاص والعالم وتبرك النَّاس بِحمْل جنَازَته وَقد تجَاوز الثَّمَانِينَ رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَحْمد المرداوى الحنبلى نزيل مصر وَشَيخ الْحَنَابِلَة فى عصره بهَا أَخذ على التقى الفتوحى وَعَن عبد الله الشنشورى الفرضى وَعنهُ أَخذ مرعى القدسى وَمَنْصُور البهوتيان وَعُثْمَان الفتوحى الحنبليون وَالشَّمْس مُحَمَّد الشوبرى وَأَخُوهُ الشهَاب أَحْمد وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحى وَكثير وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وَدفن بتربة المجاورين بِالْقربِ من السراج الْهِنْدِيّ رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَحْمد بن مصطفى بن خَلِيل الْمولى كَمَال الدّين بن عِصَام الدّين المشتهر بطاشكبرى زَاده قاضى العساكر فَرد الدَّهْر الْمجمع على فَضله وبراعته وَكَانَ فى الْعلم طوداشا مخالم ير نَظِيره فِي طَلَاقه الْعبارَة والتضلع من الْعَرَبيَّة قَالَ النَّجْم الغزى فى تَرْجَمته لم أر روميا أفْصح مِنْهُ بِاللِّسَانِ العربى وَكتب اليه شيخ الاسلام أسعد بن سعد الدّين يمدحه بقوله (الْعِزّ من الْمجد هما نَحْوك مَالا ... يَا مفخرنا كاسمك لَا زلت كمالا) (ان كَانَ على حبك لى معذرة ... كم من ألف مالى الى اللَّام كمالا) أَخذه عَن وَالِده الْعَالم الْمَشْهُور صَاحب الشقائق النعمانية فى عُلَمَاء الدولة العثمانية وَعَن شيخ الاسلام أَبى السُّعُود العمادى ودرس بمدارس قسطنطينية ثمَّ صَار قَاضِيا بحلب وَنقل مِنْهَا الى دمشق فَدَخلَهَا فى أَوَائِل الْمحرم سنة خمس بعد الالف وَأَقْبل على أَهلهَا وعاملهم بالاكرام التَّام حَتَّى سحر عقول علمائها برعايته واقباله ثمَّ طلب مِنْهُم محضرا فى الثَّنَاء عَلَيْهِ بعد شهر فَكَتَبُوا لَهُ محضراً أثنوا عَلَيْهِ بِمَا شاهدوه مِنْهُ ثمَّ لم تتمّ كِتَابَة الْمحْضر حَتَّى انْقَلب عَن أخلاقه وتظاهر بطمع لم ير نَظِيره وَأكْثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 من الرِّشْوَة وَاتفقَ انه جَاءَ فى زَمَنه أَمر الْعَوَارِض بثلثمائة عثمانى فنفذه وَكَانَ قبل ذَلِك لم تكلّف النَّاس فى الْعَوَارِض مِقْدَار ذَلِك فَحَضَرَ الى الْجَامِع يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشرى شهر رَمَضَان من سنة خمس صَبِيحَة الى الشَّيْخ الْعَارِف أَحْمد بن سُلَيْمَان الصوفى فَلَمَّا فرغت الصبيحة دَعَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وأخاه الشَّيْخ ابراهيم وأراهما الامر فَذكر لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد فقر النَّاس وعجزهم عَنْهَا فَلم يقبل فَضَجَّ النَّاس واجتمعوا عَلَيْهِ وَأخذُوا فى شَتمه واظهار الشكاية مِنْهُ وَمن طلمه وتتابع النَّاس من أرجاء الْجَامِع وَأَكْثرُوا من سبه وأطلقوا الالسنة فِيهِ وفى الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وأخيه ونسبوهما الى التَّقْصِير فى ذَلِك ثمَّ خرج القاضى هَارِبا من بَاب العنبرانيين وَتَبعهُ أَكثر النَّاس بَعضهم يَرْجُمهُ بِلِسَانِهِ وَبَعْضهمْ بِيَدِهِ حَتَّى ان بَعضهم ضربه ببيضة فَانْكَسَرت على ثَوْبه فالتجأ الى بعض الدّور حَتَّى رَجَعَ النَّاس عَنهُ وَأما الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وَأَخُوهُ فانهما خرجا من بَاب جيرون وتبعهما جمَاعَة يصيحون فردهم النُّقَبَاء والفقراء عَنْهُمَا وَقَالُوا لَهُم الحقوا القاضى ثمَّ لما أصبح القاضى أَمر بِكِتَابَة عرض ومحضر فى تَخْفيف الْعَوَارِض وَجَمعهَا دِينَارا وَاحِدًا وَأظْهر ارادة الْعدْل وَفِيه عمل أَبُو المعالى درويش مُحَمَّد الطالوى قصيدته السائرة يُشِير فِيهَا الى حادثته هَذِه ومطلعها (ان الْكَمَال على زِيَادَة نَقصه ... مولى يجود بِنَفسِهِ للمجتدى) (فاذا أَتَاكُم فَاسق فَتَبَيَّنُوا ... من حَاله وَالله يجزى المعتدى) (يقعى جُلُوسًا وسط مجْلِس حكمه ... كَيْمَا يسكن حكة فى المقعد) (واذا مَشى أدلى بواسير استه ... من خَلفه تحكى أفاعى مربد) (مثل الرشاء طَوِيلَة أذنابها ... مَا بَين ذى ذَنْب أحد وَأورد) (تنساب فَوق نقى يُبَاح صريمه ... سيان فِيهِ رائح أَو مغتد) (مكمدة ألوانها مسودة ... حمر الرؤس لَهَا لِسَان مبرد) (قد أثخنت فِيهِ الْجراح وجرحت ... مِنْهُ الفقاح فسبرها بالمرود) (تلتف فى شعر تدَاخل بعصه ... فى بعضه جَعدًا وَغير مجعد) (فَكَانَ عر فجة هُنَاكَ تفرعت ... وأصولها ساخت بِأَرْض قردد) (نسقى بِمَاء آسن فَكَأَنَّهَا ... مطروقة عين ببرقة ثهمد) (وعَلى الْمحيا اذ يحيى مسحة ... من سَام أبرص خَافَ لسع الاسود) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 (فاصفر بل قَالُوا دَنَانِير الرشا ... من أكلهَا صبغته لون العسجد) (من أجل ذَا حكوه وَهُوَ نبهرج ... بمحك أَحْجَار كوقع مهند) (بَينا تدار عَلَيْهِ كاسا الرشا ... وَقد انتشى مِنْهَا براحات الدَّد) (فى مجْلِس حاشاه من قَول العدا ... مَا فِيهِ غير مجسم أَو ملحد) (فاجاه عزل فاغتدى عَن جلق ... عجلَان ذَا زَاد وَغير مزود) (من بَعْدَمَا عرضت أُمُور أوجبت ... مَا أوجبت وسل الْعَوَارِض تشهد) (اذ رَاح يمشى الخيز لى من عجبه ... للجامع الاموى مَشى الخرد) (وَالنَّاس مستنون يتبع بَعضهم ... بَعْضًا وَقد قعد الْحمام بِمَرْصَد) (مَا بَين منتعل وحاف خَلفه ... يعد ويمرو كالسهام محدد) (حَتَّى رمى فى دَار قوم نَفسه ... وَأقَام فِيهَا خَائِف الضُّحَى الْغَد) (للباب مستبقا وَقد قَمِيصه ... يَا صَاح من دبر فج بالمقصد) (وهلاك رب الْعَرْش من ظلم الورى ... ان لما يفاج الْيَوْم فاجا فى غَد) (هَا قد كشفت لكم حَقِيقَة حَاله ... يَا قوم فَاسْتَمعُوا مقَالَة مرشد) (مذ ذاق طعم الْعَزْل رَاح بحسرة ... رطب العجان وكفه كالجلد) (كالاقحوانة بعد فعلى ناجر ... جَفتْ أعاليها واسفلها ند) (لَا زَالَ حادى النَّجْم يهوى خَلفه ... وسقاه نوء الرَّجْم مَوْصُول الْيَد) (مَا فرخت يَوْمًا عوارض خانة ... وأهين قَاض خَان شرع مُحَمَّد) ثمَّ ورد عَزله فى أواسط ذى الْقعدَة وَأعْطى قَضَاء حلب فَسَار اليها ثمَّ ترقى بعْدهَا فى المناصب حَتَّى ولى قَضَاء العسكرين وَكَانَ كثير الْآثَار وَله نظم ونثر فَمن نظمه مَا كتبه لشيخ الاسلام مُحَمَّد بن سعد الدّين من أَبْيَات (عاصف الحادثات أفنانى ... صَرْصَر الدَّهْر بُد أفنانى) (كمدى آدنى وأعيانى ... ارحوا سادتى أعيانى) قَالَ البورينى فى تَرْجَمته وَكَانَ وَهُوَ قاضى بِدِمَشْق وَجه الى بقْعَة تدريس عَن الشَّمْس ابْن المنقار وَلما عزل عَن دمشق وَتوجه الى حلب بلغنى انه أعْطى يحيى بن الشَّمْس الْمَذْكُور عرضا فى الْبقْعَة الْمَذْكُورَة فَكتب اليه كتابا عتب عَلَيْهِ فِيهِ بِسَبَب ذَلِك وَكَانَ مَا بلغنى بَاطِلا كذبا فَكتب الى من انشائه وَذكر رِسَالَة طولة استحسنت مِنْهَا هَذَا الْمحل فَذَكرته هُنَا وَهُوَ وَالْعجب مِنْكُم انكم صَدقْتُمْ مثل هَذَا الْخَبَر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 وادعيتم فِيهِ التَّوَاتُر كَأَنَّهُ حَدِيث أَو أثر وَمَا تقرر عنْدكُمْ مَا شاهدتم من محبتنا الراسخة الْبُنيان وَقد قيل فى الامثال لَيْسَ الْخَبَر كالعيان وَكَانَ الْوَاجِب أَن لَا تلتفتوا الى مثل هَذِه الخرافات (وشاهدى فى ادِّعَاء الْحبّ خاطركم ... وَهُوَ المزكى فقولى لَا تردوه) (كفى بقلبى مَا يلقى ببعدكم ... لَا تحرقُوهُ بِنَار الهجر خلوه) وَكتب أَيْضا فى غُضُون رسَالَته (وَمَا أَنا حفظ الوفا متصنعا ... وَلَا أَنا للزور الْقَبِيح منمق) (وَأَنت فتدرى مَا اقتضته جبلتى ... فَمَا أدعى الا وَأَنت مُصدق) (وَلَكِن دهرا قد بلينا بأَهْله ... أَبَا حوابه ثوب النِّفَاق ونفقوا) فو الذى يعلم سرى وعلن فى جَمِيع حالى لم يصدر عَنى ذَلِك الامر وَلَا خطر ببالى وَهل يَلِيق بى ان أدنس الْعرض بِمثل ذَلِك الْعرض وأحشر فى زمرة الْكَاذِبين بَين يَوْم الْعرض (وودى أَنْت تعلمه يَقِينا ... صَحِيحا لَا يكدر بالجفاء) (فَلَا تسمع لما نقل الاعادى ... وَمَا قد نمقوه من افتراء) وَله غير ذَلِك مِمَّا يعذب وَبِالْجُمْلَةِ فقد وصفناه من الْكَمَال بِمَا فِيهِ مقنع وَلم يكن فِيهِ مِمَّا يشينه الا الطمع وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَقَالَ الْفَاضِل الاديب ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن العمادى الدمشقى فى تَارِيخ وَفَاته (أَلا انما الدُّنْيَا غرور نعيمها ... ينغصه أكدارها وزوالها) (قضى الله للْمولى الْكَمَال بِأَن قضى ... فأرخ ديار الرّوم مَاتَ كمالها) مُحَمَّد بن أَحْمد المنوفى المصرى الشافعى نزيل مَكَّة أحد الْفُضَلَاء الاعيان كَانَ فَاضلا أديبا صَاحب ثروة وَكَانَ لَهُ ايثار وبسطة يَد وَلم يزل يعانى التِّجَارَة ثمَّ لحقه ضيق يَد فسافر الى الرّوم وَصَحب مَعَه مِفْتَاح الْكَعْبَة الشَّرِيفَة قَاصِدا اعطاءه للسُّلْطَان مُرَاد وَورد دمشق وَعقد حَلقَة تدريس فى جَامعهَا الاموى بعد صَلَاة صبح الحنفى من أول رَجَب وأقرأ صَحِيح مُسلم فَاجْتمع عَلَيْهِ خلق كثير حَتَّى رفع كرسى الْوَعْظ أَيَّامًا قَليلَة وضجت الْعَالم من احداث مَا لم يكن وَمِمَّا اتّفق لَهُ انه سُئِلَ هَل كَانَ النبى يعلم السحر ويعرفه على التَّعْمِيم فَأجَاب عَنهُ انه كَانَ يعلم كل شئ مِنْهُ وَمن غَيره من غير شكّ فَنقل جَوَابه الى النَّجْم الغزى فَغَضب غَايَة الْغَضَب وَكذبه وَقَالَ انه افتراها وَأخذ النَّجْم يُقيم عَلَيْهِ الْحُدُود فى درسه كل لَيْلَة وَيَقُول انه ان أصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 على ذَلِك كفر وتطلب من أقرانه عمل رِسَالَة على وفْق مُرَاده فامتنعوا من ذَلِك وَقَالُوا انه أَخطَأ حَيْثُ قَالَهَا للعوام وَمِنْهُم من أحجم وَلم يتَكَلَّم وَقَالَ قد وَقع فِيهَا خلاف وَمَا رجحوا مِنْهَا قولا لَا ينْقل وَطَالَ التنقيب على هَذِه المسئلة حَتَّى ألف الشَّيْخ أَيُّوب الخلوتى الْمُقدم ذكره فى ذَلِك رِسَالَة سَمَّاهَا السك الموفى على رَقَبَة المنوفى وهى رِسَالَة جَامِعَة لكل منثور ومنظوم فَكف بعد المنوفى عَن الدَّرْس وَأقَام الى عيد الْفطر ثمَّ رَحل الى نَاحيَة الرّوم وَالسُّلْطَان مُرَاد فى نواحى حلب قَاصد الْمسير الى روان فصحب الْعَسْكَر الى بَغْدَاد وأنجحت سفرته ونال أمانيه ثمَّ بعد فتح روان رَجَعَ الى دمشق فَابْتلى بِمَرَض الامعاء وقاسى آلاما شديده وَكَانَ سَبَب مَوته هَذَا خُلَاصَة مَا نقلته من ثَبت الشَّيْخ مُحَمَّد بن على المكتبى الدمشقى وَرَأَيْت للمترجم تَرْجَمَة فى السلافة وَصَاحب السلافة سبطه قَالَ فى تَرْجَمته هُوَ جدى لامى وَمن مَلَأت بِهِ من عريق النّسَب كمى امام الائمة الشَّافِعِيَّة وَرب الفطنة الالمعية ملك الْعُلُوم زماما وَتقدم فى مقَام الْفضل اماما فصلت الافاضل خَلفه وظلت الْفَضَائِل حلفه لَا يشق لَهُ غُبَار فى مضمار سباق وَلَا يباريه مبار فى اصطباح واغتباق وَلَا سوى الْفضل والادب صبوح وغبوق وَهُوَ السَّابِق فيهمَا وَمن عداهُ مَسْبُوق وَكَانَ قد شدّ لرحلة الرّوم ركابه وابله (يُرِيد بسطة كف يَسْتَعِين بهَا ... على قَضَاء حُقُوق للعلى قبله) فأسفرت سفرته عَن وُجُوه آماله وَأهب عَلَيْهِ الاقبال نسائم قبُوله وشماله فَتَلقاهُ ملكهَا بِأَهْل ومرحب وأنزله من ألطافه واسعافه أفسح منزل وأرحب ونفحه بنفحات عنايته المسكية حَتَّى قَلّدهُ أَكثر المناصب المكية فَلَمَّا عَاد الى وَطنه بِقَضَاء أمله ووطره نصبت لَهُ الْمنون أشراكها فى طَرِيقه وأغصته اذ ساغت لَهُ أمانيه بريقه ثمَّ قَالَ وَلَا يحضرنى الْآن من شعره غير مَا رَأَيْته مَنْسُوبا اليه بِخَط سيدى الْوَالِد وَهُوَ (عتبت على دهرى بأفعاله الَّتِى ... أضاق بهَا صدرى وأضنى بهَا جسمى) (فَقَالَ ألم تعلم بِأَن حوادثى ... اذا أشكلت ردَّتْ لمن كَانَ ذَا علم) قَالَ وَهَذَانِ بيتان لَا يشيد مثلهمَا الا من شاد ربوع الادب وسارع لاقتناص شوارد القريض وانتدب وهما أنموذج براعته وبلاغته واقتداره على سبك ابريز الْكَلَام وصياغته وَقد صدرتهما وعجزتهما فَقلت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 (عتبت على دهرى بأفعاله الَّتِى ... برانى بهَا بَرى السِّهَام من الْهم) (ليصرف عَنى فادحات نوائبى ... أضاق بهَا صدرى وأضنى بهَا جسمى) (فَقَالَ ألم تعلم بِأَن حوادثى ... وأخطارها اللاتى تلم بذى فهم) (يضيق بهَا ذُو الْجَهْل ذرعا وانما ... اذا أشكلت ردَّتْ لمن كَانَ ذَا علم) وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَحْمد حَكِيم الْملك بِضَم الْمِيم وَسُكُون اللَّام الفارسى أصلا ومحتدا والمكى منشأ ومولدا أديب الْحجاز وشاعره وبليغه ذكره السَّيِّد مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه فَاضل تأزر بِالْفَضْلِ وارتدى وسلك سَبِيل المكرمات واهتدى سَام فى فنون الْعلم وَصرح وأوضح متون الادب وَشرح وَهُوَ من بَيت رياسة وجلاله وَقوم لم يرثوا الْمجد عَن كلاله وَكَانَ لسلفه عِنْد مُلُوك الْهِنْد التيموريه مَحل تتضوع الْمَرَاتِب ريه وتستسقى المناصب ريه وَلما وَفد جده على السَّادة الاشراف الْمُلُوك من بنى حسن قابلوه مُقَابلَة الجفن للوسن فاكرموا نزله وقلدوا بأيادى منتهم بزله وَولد صَاحب التَّرْجَمَة بِمَكَّة فَنَشَأَ فى حجر الْفضل وَالْمجد وانتشق عرف خزامى تهَامَة وشميم عرار نجد فَجمع بَين تليد الْمجد وطارفه ورفل فى فضفاض الادب فى أبهى مطارفه وَلم يزل مُتبعا تِلْكَ الدَّار مَحْمُود الايراد والاصدار مَعَ تمسكه من سلطانها الشريف محسن بالعروة الوثقى الَّتِى لَا تنفصم وحلوله لَدَيْهِ بالمكانة الَّتِى مَا حلهَا ابْن أَبى دؤاد عِنْد المعتصم حَتَّى حصل عَلَيْهِ من الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب مَا حصل لما انحل عقد ولَايَة الشريف محسن مِنْهَا وانفصل فَكَانَ مِمَّن نهب الشريف دَاره وَمَاله وَقطع من الامان أمانيه وآماله فالتجأ مستأمنا الى بعض الاشراف فَأَمنهُ على نَفسه بعد مُشَاهدَة الْوُقُوف على الْهَلَاك والاشراف ثمَّ سَار مختفيا الى الْيمن وَاسْتمرّ حَتَّى قتل الشريف أَحْمد فَلم ير من شرِيف مَكَّة الشريف مَسْعُود مَا كَانَ يؤمله قبل فَتوجه الى الْهِنْد فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف فَألْقى بهَا عَصَاهُ الى أَن بلغ من الْعُمر أقصاه ثمَّ ذكر لَهُ قصيدته الدالية الَّتِى عَارض بهَا قصيدة أَحْمد الرشدى الْمُقدم ذكرهَا ومطلع قصيدته (صوادح البان وَهنا شجوها بادى ... فَمن معِين فَتى فى فت أكباد) (صب اذا غنت الورقاء أرقه ... تذكيرها نغمات الشادن الشادى) (فَبَاتَ يرعف من جفنيه تحسبه ... يرجرج المدمع الوكاف بالجادى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 (جافى الْمضَاجِع الف السهد ساوره ... سم الاساود أَو أَنْيَاب آساد) (لَهُ اذا اللَّيْل واراه نشيج شج ... وجذوة فى حشاه ذَات ايقاد) (سماره حِين يضنيه توحشه ... فيستريب الى تأسيس عواد) (وجدوهم وأشجان وبرح جوى ... ولوعة تتلظى والاسى سادى) (أضناه تَفْرِيق شَمل ظلّ مجتمعا ... وضن بِالْعودِ دهر خطبه عادى) (فالعمر مَا بَين ضن ينقضى وضنى ... والدهر مَا بَين ايعاد وابعاد) (لَا وصل سلمى وَذَات الْخَال يرقبه ... وَلَا يؤمل من سعدى لَا سعاد) (أضنى فؤادى واستوهى قوى جلدى ... اقوا ملاعب بَين الهضب والوادى) (عفت محاسنها الايام فاندرست ... واستبدلت وَحْشَة من أُنْسُهَا البادى) (وعطلتها الرزايا وهى حَالية ... بساكنيها ورواد ووراد) (وعاث صرف الليالى فى معالمها ... فَمَا يُجيب الصدا فِيهَا سوى الصادى) (دوارج المورمارت فى معاهدها ... فغادرتها عَفا الساحات والنادى) (وناعب الْمَوْت نَادَى بالشتات بهَا ... فأهلها بَين أغوار وأنجاد) (وصوحت بالبلى أطلالها وخلت ... رحابها الفسيح من هيد وَمن هاد) (أضحت قفارا تجر الرامسات بهَا ... ريحًا جنوب وَشَمل رِيحهَا الجادى) (كَأَنَّهَا لم تكن يَوْمًا لبيض مهى ... مرا تعاقد خلت فِيهِنَّ من هاد) (وَلم تحل مغانيها بغانية ... تغنى اذا ماردى من بدرها رادى) (وَلَا عطا نبتها ريح وَلَا طلعت ... بهَا بَدو ردجى فى برج مصطاد) (وَلَا تثنت بهَا لمياء ساحبة ... ذيل النَّعيم دلالا بَين انداد) (فارقتها وكأنى لم أظل بهَا ... فى ظلّ عَيْش يجلى عذر حساد) (أجنى قطوف فكاهات محاضرة ... طورا وطورا أناغى ربة الهادى) (هيفاء يزرى اذا ماست تمايلها ... بأملد من غصون البان مياد) (بِجَانِب الْجيد يهوى القرط مرتعدا ... مهواه جد سحيق فَوق أكتاد) (شفاهها بَين حق الدّرّ قد خزنت ... ذخيرة الْفَحْل ممزوجا بهَا الجادى) (اذا نضت عَن محياها النقاب صبا ... مستهترا كل سجاد وَعباد) (وان تجلت فَفِيمَا قد جلته دجى ... لنابه فى الدآدى أَيّمَا هادى) (وميض برق ثناياها اذا ابتسمت ... يُعَارض الدمع من مهجورها حادى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 (وناظران لَهَا يرْتَد طرفهما ... مهما رنت عَن قَتِيل مَا لَهُ وادى) (وصبح غرتها فى ليل طرتها ... يوماى من وَصلهَا أَو هجرها العادى) (تِلْكَ الربوع الَّتِى كَانَت ملاعبها ... أخنى عَلَيْهَا الذى أخنى على عَاد) (الى ملاعب غزلان الصريم بهَا ... يحن قلب الْمَعْنى مَا شدا شاد) (بعد الدَّهْر رمانى بالفراق بهَا ... وَلَا سقى كنفيه الرَّائِح الغادى) (عمرى لَئِن عظمت تِلْكَ القوادح من ... خطوبه وتعدت حد تعدادى) (لقد نسيت وأنستنى يواثقه ... تِلْكَ الَّتِى دهدهت أصلاد أطواد) (مصَارِع لبنى الزهرا وَأحمد قد ... أذكرن فخا وَمن أردى بِهِ الهادى) (لفقدهم وعَلى المطلول من دمهم ... تبكى السَّمَاء بمزن رائح غادى) (وشق جيب الْغَمَام الْبَرْق من حزن ... عَلَيْهِم لَا على أَبنَاء عباد) (كَانُوا كعقد بجيد الدَّهْر قد قرظت ... من ذَاك وَاسِطَة أودى بتبدادى) (وَهُوَ المليك الذى للْملك كَانَ حمى ... مذماس من برده فى خزأ براد) (كَانَت لجيران بَيت الله دولته ... مهاد أَمن بسرح الحيف ذواد) (وَكَانَ طود الدست الْملك مُحْتَبِيًا ... ولاقتناص المعالى أى نهاد) (ثوى بصنعا فيا الله مَا اشْتَمَلت ... عَلَيْهِ من مجده فى ضيق ألحادى) (فقد حويت بِهِ صنعاء من شرف ... كَمَا حوت صعدة بالسيد الهادى) (فحبذا أَنْت يَا صنعاء من بلد ... وَلَا تغشى زيادا وكف رعاد) (مصابه كَانَ رزأ لَا يوازنه ... رزء ومفتاح ارزاء واسآد) (وَكَانَ رَأْسا على الاشراف مُنْذُ هوى ... تتابعوا اثره عَن شبه ميعاد) (لهف الْمُضَاف اذا مَا أزمة أويت ... من قطب نائبة للمتن هداد) (لهف الْمُضَاف اذا مَا أقلحت سنة ... يضن فى محلهَا الطائى بالزاد) (لهف الْمُضَاف اذ كرّ الْجِيَاد لَدَى ... حر الجلاد أثار النَّقْع بالوادى) (لهف الْمُضَاف اذا مَا يستباح حمى ... لفقد حام بورد الْكر عواد) (لهف الْمُضَاف اذا جلى بِهِ نزلت ... وَلم يجد كاشفا مِنْهَا بمرصاد) (لهف الْمُضَاف اذا حمل المغارم فى ... نيل العلى أثقل الاعناق كالطاد) (لهف الْمُضَاف اذا نَادَى الصَّرِيخ وَلم ... يجد لَهُ مصرخا كالليث للصادى) (لهف الْمُضَاف اذا الدَّهْر العصوف سَطَا ... بضيم جَار لنزل الْعِزّ مقداد) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 (بل لهف كل ذوى الآمال قاطبة ... عَلَيْهِم خير مرتاد لمرتاد) (كَانَت بهم تزدهى فى السّلم اندية ... وفى الوغى كل قداد وهناد) (على الارائك أقمار تضئ وَمن ... تَحت الترائك آساد لمساد) (تَشكوا عداهم اذا شاكى السِّلَاح بدا ... شكّ القناما ضفا من نسج ابراد) (الى النحور وَمَا تحوى الصُّدُور وَمَا ... وارته فى جنحها ظلمات أجساد) (بادوا فباد من الدُّنْيَا بأجمعها ... من كَانَ فكاك أصفاد باصفاد) (وَقد ذوت زهرَة الدُّنْيَا لفقدهم ... وألبست بعدهمْ أَثوَاب احداد) (واجتث غرس الامانى من فجيعتهم ... وَأنْشد الدَّهْر تقنيطا لرواد) (يَا ضيف أقفر بَيت المكرمات فَخذ ... فى جمع رحلك واجمع فضلَة الزَّاد) (يَا قلب لَا تبتئس من هول مصرعهم ... وَعز نَفسك فى بوس وانكاد) (بِمن غَدا خلفا يَا حبذا خلف ... فى الْملك عَن خير آبَاء واجداد) (بحائز ارثهم حاو مغافرهم ... كَمَا حوى الالف من آحَاد أعداد) (وَذَاكَ زيد أدام الله دولته ... وزاده مِنْهُ تأييدا بامداد) (سمابه النّسَب الوضاح حَيْثُ غَدا ... طريفه جَامعا أشتات أتلاد) (لقد حوى من رفيعات المكارم مَا ... يكفى المثخن أحداد وأحفاد) (أَلَيْسَ قد نَالَ ملكا فى شبيبته ... مَا ناله من سعى أَعمار آباد) (أَلَيْسَ فى وهج الهيجا مواقفه ... مشكورة بَين أَعدَاء واضداد) (أَلَيْسَ أسج بِالتَّنْعِيمِ سابحه ... لج المنايا ليحيا قبل أجناد) (أَلَيْسَ يثبت يَوْم اللَّيْث أَن لَهُ ... وثبات لَيْث يزجى ذود نقاد) (أَلَيْسَ يَوْم العطا تحكى أنامله ... خلجان بَحر بفيض التبر مداد) (أَلَيْسَ قد لَاحَ فى تأسيس دولته ... من جده الْمُصْطَفى رمز بارشاد) (دَامَت معاليه والنعمى بِذَاكَ لَهُ ... مصونها وَهُوَ ملحوظ باسعاد) (مَا لَاحَ برق وَمَا غنت على فنن ... صوادح البان وَهنا شجوها بادى) قَوْله أَلَيْسَ قد لَاحَ فى تأسيس دولته يُشِير بِهِ الى مَا وَقع للشريف زيد فانه لما وَردت الاوامر السُّلْطَانِيَّة بولايته الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ اذ ذَاك بِالْمَدِينَةِ المنورة قصد زِيَارَة النبى فَأَرَادَ الخدم ان يفتحوا لَهُ الْبَاب فوجدوه مَفْتُوحًا وَكَانُوا قد أغلقوه من قبل فَعلم النَّاس انه اشارة الى الْفَتْح وَالظفر وَكَانَ الامر كَذَلِك وَكتب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 الى القاضى تَاج الدّين المالكى (سقى الدمع مغنى الوابلية الْحمى ... سواجم تغنى جانبيه عَن الوبل) (وَلَا بَرحت عينى تنوب عَن الحيا ... بدمع على تِلْكَ المناهل منهل) (مغانى الغوانى والشبيبة وَالصبَا ... ومأوى الموالى وَالْعشيرَة والاهل) وَقَالَ (سَقَاهَا الحيا من أَربع وطلول ... حكت دنفى من بعدهمْ ونحولى) وَقَالَ (سقى صوب الحياد منا ... بجرعاء اللوا درسا) (وَزَاد محلك المأنوس يَا دَار الْهوى أنسا ... ) (لَئِن درست ربوعك فالهوى العذرى مَا درسا ... ) وَقَالَ (سقى بالصفا الربعى ربعابه الصِّبَا ... وجاد بأجياد ثرى مِنْهُ ثروتى) (مخيم لذاتى وسوق مآربى ... وقبلة آمالى وموطن صبوتى) انما الْمُحَافظَة على الرسوم والآداب والملاحظة للعوائد المألوفة فى افْتِتَاح الْخطاب لمن يملك أمره اذا اعتراه ذكر زَيْنَب والرباب وَلم تخل عقال عقله يدا لنوى والاغتراب وَلَيْسَت لمن كلما لَاحَ بارق ببرقة ثهمد فَكَانهُ أخوجنة مِمَّا يقوم وَيقْعد تتقاذفه أمواج الاحزان وتترامى بِهِ طوائح الهواجس الى كل مَكَان فَهُوَ وان كَانَ فِيمَا ترى الْعين قاطنا بحى من الاحياء (يَوْمًا بحزوى وَيَوْما بالعقيق وبالعذيب يَوْمًا وَيَوْما بالخليصاء ... ) لَا يأتلى مقسم العزمات منفصم عرى العزيمات لَا يقر قراره وَلَا يُرْجَى اصطباره ان روح الْقلب بُد كرّ المنحنى أَقَامَ الحنين حنايا ضلوعه أَو استروح روح الْفرج من ذكر الْخيف يمنى أَو مَضَت بوارق زفراته تحدو بِعَارِض دُمُوعه (من تمنى مَالا وَحسن منال ... فمناى منى واقصى مرادى) فيا لَهُ من قلب لَا يهد أخفوقه ولاتنى لامعة بروقة وَلَا يبرح من شُمُول الاحزان صبوحه وغبوقه يساور همواماً فَمَا مساورة ضئيلة من الرقش ويناجى احزانا لَوْلَا بس بَعْضهَا الصخر الاصم لَا نهش ويركب من أخطار الوحشة أهوالا دونهَا ركُوب النعش يحن الى مَوَاضِع ايناسه ويرتاح الى مراتع غزلان صريمه وكاية وَينْدب أَيَّامًا يستثمر الطَّرب من أفنان اغراسه (أَيَّام لَا الواشى بعد ضَلَالَة ... ولهى عَلَيْهِ وَلَا العذول يؤنب) غَيره (أَيَّام ليى ترينى الشَّمْس طلعتها ... بعد الْغُرُوب بَدَت فى افق ازرار) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 غَيره (أَيَّام شرخ شبابى رَوْضَة أنف ... ماريع مِنْهُ بروع الشيب ويعانى) (أَيَّام غصنى لدن من غضارته ... أصبو الى غير جاراتى وخلانى) غَيره (ثمَّ انْقَضتْ تِلْكَ السنون وَأَهْلهَا ... فَكَأَنَّهَا وكانهم أَحْلَام) غَيره (لم يبْق مِنْهَا مشتاق اذا ذكرا ... الا لواعج فكر تبْعَث الفكرا) غَيره (وَلم يبْق منى الشوق الا تفكرى ... فَلَو شِئْت أَن أبكى بَكَيْت تفكرا) لم أكن على مُفَارقَة الاحباب جلدا فَأَقُول وهى جلدى وانما وهى تجلدى مِمَّا حملت النوائب على كندى وفتت صرف الْبَين المشت من أفلاذ كبدى (جربت من صرف دهرى كل نائبة ... أَمر من فرقة الاحباب لم أجد) غَيره (فراقا قضى أَن لَا تأسى بَعْدَمَا ... مضى منجدا صبرى وأوغلت مُتَّهمًا) (وفجعه بَين مثل صرعة مَالك ... ويقبح بى أَن لَا أكون متمما) (خليلى ان لم تسعدانى على البكا ... فَلَا أَنْتُمَا منى وَلَا أَنا مِنْكُمَا) (وحسنتما لى سلوة وتناسيا ... وَلم تذكرا كَيفَ السَّبِيل اليهما) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِالْهِنْدِ فى سنة خمسين وَألف مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالحتاتى المصرى الاديب الشَّاعِر الْكَاتِب الْمَشْهُور كَانَ من أَعْيَان الْفُضَلَاء وبلغاء الشُّعَرَاء وَله شعر رَقِيق فى نِهَايَة الْحسن والجودة وَكَانَ ظريف الطَّبْع خليعا طروبا وَله فى الطِّبّ بَاعَ طَوِيل أَخذ عَن عُلَمَاء مصر ثمَّ دخل الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة وَولى قَضَاء أسيوط والجيزة فى نواحى مصر وَذكره الخفاجى فى الخبايا فَقَالَ فى حَقه أديب فَاضل رَقِيق شملة الشَّمَائِل جم المناقب صنو درارى الْكَوَاكِب ان كَانَ الادب روضا فَهُوَ ونواره أَو الْفضل يدا وساعد فَهُوَ سواره قطف ثَمَر الْمجد غض الجنا وكل من عجل الْغِرَاس اجتنى وَهُوَ مَعَ أَن ربع الْكَرم هشيم الحاطم مجذب روض رَبِيعه وسلسال معاليه مغدق مخصب وَله فى الطِّبّ يَد كَثِيرَة الايادى وطبع مُفِيد العناصر والمبادى وبدائع مجريات شهِدت لَهَا الاسباب والعلامات وفكر ألمعى لم يلم بِهِ ألم عى وموثق خطّ يسند وَحَدِيث مجد الى المعالى مُسْند وَشعر رَقِيق ونثر هُوَ الْمسك الفتيق وأدب يجل وَلَا يمل كتنفس الريحان اذا بَكَى الطل يتَغَنَّى بِهِ كل حاد وملاح ونثر يترقرق ترقرق الدُّمُوع فى خدود الملاح وَكَانَ فى صباه بِمصْر لَا زَالَت السحب تحط بحماه أثقالها مجدا فى كسب المحامد والمعالى لَا ترد سؤالها ثمَّ أتهم وأنجد وديباجة حَاله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 بالرحيل تتجدد وَلم يزل مغربا ومشرقا حَتَّى اتخذ الرّوم لشمسه أفقا فنعمت فِيهَا باجتناء فواكه محاوراته أزرف من زهر الْعُلُوم مونقه فطوقنى قلادة من مدائحه وعقدا من مطارحاته أكسد سوق الدّرّ مَا ينمقه مَا بَين جد أسكر ابْنة الزرجون وهزل اغتبقت واصطبحت مِنْهُ بسلافة المجون (هُوَ الضَّيْف سمعى لَهُ منزل ... وقلبى فرش وحبى قرا) ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله من قصيدة طَوِيلَة (أسترجع الله أحلا مَا مضين لنا ... فى غَفلَة الدَّهْر أَو فى يقظة الْعُمر) (حَيْثُ التصابى مَعْقُود اللِّوَاء على ... جَيش من اللَّهْو بَين الا من وَالظفر) (أَيَّام كَانَت شموس الصفو تلمع من ... أفق الاسارير والكاسات والثغر) (والانس تطفح عندى صفحتاه وان ... طَغى رقيبى رَمَاه الكاس بالشرر) (كأننى كنت فى دَار النَّعيم مَتى ... مَا جال للنَّفس سؤل لَاحَ للنَّظَر) (لَا غول فِيهَا وَلَا لَغوا وَلَا كدر ... سوى السلاف وَصَوت الناى وَالْقصر) (فكم لَيَال كست بدر الدجى شرفا ... تمنت الشَّمْس فِيهِ رُتْبَة الْقدر) (أهْدى لنا ضوأه لحفا بطائنها ... ريح الصِّبَا وافترشنا زهرَة الزهر) (وَكم ركبنَا بهَا دهما قلائدها ... شهب النُّجُوم على الاحجال وَالْغرر) (نبيت فِيهَا نشاوى خمرة وصبا ... غرقى الممرات فى ورد وفى صدر) (لَا نَعْرِف الحقد الا للصباح وَقد ... أضحت تنم علينا غفوة السحر) (وَكَانَ يرقب ليلاتى ويسبقها ... على المجر وان لم تمض لم يسر) (تِلْكَ الليالى الَّتِى لَو أنصفت وصلت ... بِالروحِ بعد سُوَيْد الْقلب وَالْبَصَر) (مَضَت سرَاعًا بأحباب عرفت بهم ... حَال المُرَاد اذا حَالَتْ عَن الصُّور) (واسود وَجه شبابى بعد نضرته ... بأبيض الشهب لَا باللؤم والخور) (أرى حداد الليالى بعد بَينهم ... شبيبتى وحدادى أَبيض الشّعْر) (أبكى ويبكيهم دَوْمًا اذا ذكرُوا ... بأعين النَّجْم دمع الهاطل الْمَطَر) (فَلم تعض عَنْهُم نجم وَلَا قمر ... وَلَا شموس وَلَا زاك من الْبشر) (سوى الشهَاب أَبى الْعَبَّاس سيدنَا ... الْمولى المفدى بِأَهْل البدو والحضر) (يحيا بِهِ دارس للْعلم حِين غَدا ... مُجَدد الدّين والآداب والفقر) (لوعا صر الاربع الاوتاد لَا نعقد الاجماع مِنْهُم على آرائه الْغرَر ... ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 (شَقِيق نعْمَان لَوْلَا ورد بهجته ... ثانى الشَّقِيق وحمر الخاطر الْعطر) (يعطيك مَا هية الاشيا ويسلبها ... سحر الْمجَاز بِمَعْنى فِيهِ مبتكر) (لم ألق فى الْمَلأ الادنى وفى الْمَلأ الْأَعْلَى شَبِيها لَهُ فاستجل واختبر ... ) (عَلامَة الدَّهْر فى كل الْعُلُوم لَدَى ... كل العصور وَلَيْسَ الْخَبَر كالخبر) (عَرفته سيدا مولى أصُول بِهِ ... على الزَّمَان وأغد وَخير منتصر) (ايه نَصَحْتُك قلبى فَهُوَ عروتك الوثقى تمسك بِهِ فى الْخطب وَاقْتصر ... ) (وناد نَفسك ان جَاشَتْ لنائبة ... واستبدلت لعلاها الْيَأْس بالوطر) (لَا يذهب الصَّبْر مَا لاقيت واعتمدى ... على معاليه بعد الله وَالْقدر) (واستقبلى الْمجد من علياء همته ... فانها فى مضاء الصارم الذّكر) (طلق الجبين بِهِ اسْتغنى زَمَانك عَن ... شمس الضُّحَى وأبى اسحق وَالْقَمَر) (واستوكفى سَبَب كفيه يفيك بِمَا ... مِنْهُ البحور تمنت زِينَة الْمَطَر) ثمَّ قَالَ وَكنت نظمت بِالشَّام قصيدة طَوِيلَة طائبة أَولهَا (نثار نور دوح قد تمطى ... وَألقى برده صبح تغطى) (وَقد عطس الصَّباح فشمتته ... حمائم قد كساها الْخَزّ مِرْطًا) فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا أعجب بهَا وعارضها بقصيدة بديعة وأرسلها الى وهى هَذِه (كسا الرَّوْض من رياه ريح الصِّبَا مِرْطًا ... فَأَثْقَله واعتل فاعتمد الابطا) (أرى الدوح مفتون النسيم فراقص ... يصفق ان وافى ويطرق ان شطا) (يمد لَهُ من حليه وثيابه ... وتيجانه من تَحت أَخْمُصُهُ بسطا) (وَكم من أياد للنسيم على الربى ... فيرقدها شطا ويوقظا نشطا) (يهذبها بالغيث تَهْذِيب مصحف ... فيعر بهَا شكلا ويعجمها نقطا) (لذاك نَبَات الرَّوْض شقَّتْ على الْهوى ... جيوبا وحلت عقد أزرارها شرطا) (لتلثمه خدا وترشفه فَمَا ... وتنشقه مَا الْمسك عَن عرفه انحطا) (وَمن قبل شَرط العقد بَث أريجها ... وَشرط الْهوى أَن الجزا يسْبق الشرطا) (كَانَ الغصون الْعرس وَالرِّيح بَعْلهَا ... اذا اعتلقا اهتزا وأوراقها تلطا) (وان أَعرَضت عَنْهَا ثناها بفرعها ... اليه وَأَدْنَاهَا وأضجعها ضغطا) (تجاذب ذَات الطوق لَكِن تهزها ... وتسمعها هزا قلائدها لقطا) (ومذ صَار خلخالاً لَهَا النَّهر لم ينم ... وَمن شطه بالسق دَار وَمَا غطا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 (وهم زَعَمُوا أَن الْكَوَاكِب جديها ... يهيم وَلم يرقد فَمَا باله غطا) (رعى الله لَيْلًا بَات للنهر والهوى ... وللحب أَرضًا قد عشقت بهَا السخطا) (أردْت بِلَا شط أرَاهُ وَمن يبت ... على النَّهر مِمَّن يشتهيه يرى الشطا) (غزال بِفِيهِ الْمسك والشهد والطلا ... فَلَو ذقتها استبشعت قَوْلهم اسفنطا) (رشا شعره لما بدا من خلاله ... وميض الطلا وانساب كالحية الرقطا) (طَوِيل دجوجى لحظ عميده ... وَلَيْلَته ان غَابَ أَو منع الوأطا) (لحاجبه المجذوب رَاء ممانع ... ومقلته ترمى فتجذبنا قمطا) (يلاط بمغناطيسها الْقلب والنهى الْحَدِيد فان تفككه عَنهُ بِهِ لطا ... ) (بثغر يُعِيد اللَّيْل صبحا كَأَنَّمَا ... حباه شهَاب الدّين من شعره سمطا) (مليك العلى ان كنت تعرف مَا العلى ... والافجر الْفضل ان كنت مشتطا) (همام لَهُ سبق الاوائل آخرا ... ورحل العلى وَالْعلم فى بَابه حطا) (مجيد كَانَ الْفضل عكس أشعة اختياراته اللاتى غَدَتْ خلقا سبطا ... ) (فقس لَدَيْهِ بَاقِل وقدامه ... اذا مَا رَآهُ امتاز من دره لقطا) (كَذَلِك كَعْب وامرؤ الْقَيْس لَو درى ... طَرِيقَته المثلى لما ندب السقطا) (وَلَو حذوه يحذو الامام أَبُو الْعلَا ... لَا ورى لَهُ الزند الْكَوَاكِب لَا السقطا) (لَئِن عَلقُوا بِالْبَيْتِ شعرًا فشعره ... تعلّقت الافلاك فى بَيته ربطا) (وَلَو كَانَ عقد الدَّهْر جيد شعرهم ... لكَانَتْ بِهِ أشعاره الدرة الْوُسْطَى) (هى التَّاج والاكليل فى مفرق العلى ... وفى أذن الايام أعرفهَا قرطا) (وَمن لى بِأَن أحصى ثَنَاء وَقد غَدا ... كَمَال الورى من عشر أَوْصَافه قسطا) (أمولاى ان الشّعْر عبد ملكته ... ففى مَذْهَب الْآدَاب تحرزه ضبطا) (لمجدك حمد من معَان وهبتها البلاغة لم ترض النُّجُوم لَهَا رهطا ... ) (يَصِيح على الكندى يَا لخفاجة ... ويسحب سحبان على وَجهه مِرْطًا) (وعذرا وحيد النسج ان بمهجتى ... ضنى من أسى الايام أحرقها خمطا) (فؤاد كبيت العنكبوت مُقَلِّب ... على الْجَمْر محزون بِسيف القلا قطا) (وبى من صروف الدَّهْر مَا الْمَوْت دونه ... وَمَا الْمَوْت عَن خطب وَلَو هان منحطا) (زمَان لَهُ حقد الْقَدِير فباطش ... بِنَا لَا يرى شَيخا وَلَا لحية شُمْطًا) (فَمَا الرجل المكتوف ملقى بزاخر ... خضم وَلم يقْض مُضْطَر باخيطا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 (بأنكس من حالى وَقد ظلّ مطلبى ... رهين لئيم يملك الْمَنْع والاعطا) (يدافعنى عَنهُ مدافعة النَّوَى ... وَلَو أمكنته فرْصَة غالنى سرطا) (وَمَا سابح فى بَحر بيداء موجها الهجير صدى لم يُصَادف بهَا وقطا ... ) (على فرق ان سَار أَو عَاد أَو ثوى ... وحيدا بهَا والوحش فى صُحْبَة غطا) (بأحير منى بَين قوم أبرهم ... تضيع حُقُوق الْفضل من عده عمطا) (عِصَابَة سوء بَين جهل مشيد المبانى ولؤم حط قدر العلى حطا ... ) (وَقد قرؤا أَن لَا تؤدوى مَكَان أَن ... تُؤَدُّوا وَقَالُوا ان لَا حذفت خطا) (فَلَو أنصفوا غبا ودع عَنْك عدلهم ... لما ضقت ذرعا اذ أَتَى جَوْرهمْ فرطا) (فان خذلوا فَالله بالنصر مدرك ... وَقد تهب الايام فى قبضهَا بسطا) (وَلست بِمن يبكى على حلم يرى ... ويمضى وَقد أبقى لَهُ الْوزر والوهطا) (يموه وَجه الذل بالعز خدعة ... وَمن قبل مَا أعطَاهُ يَأْخُذ مَا أعْطى) (فَمن عرف الدُّنْيَا اطْمَأَن لنأيها ... وَذُو الْعقل لم يُنكر دنوا وَلَا شحطا) (وعفوا فدتك النَّفس يَا خير سيد ... وَيَا عَالما والى النَّبِيين والسبطا) (فَمَا نفثه المصدور مِمَّا تعافه الْكِرَام وَلَو ألوت على وَجهه أرطا ... ) (وَدم بَاقِيا للنظم والنثر والندى ... فلولاك للآداب غيثا قَضَت قحطا) (تَدور رحى الافلاك دهر بِمَا ترى ... وَمَا تشْتَهى ان كَانَ رفعا وان حطا) (وعمرت أَعمار النسور على رضَا ... وَبَلغت حسن الْخَتْم مَا قلم خطا) وَلما أنفذها الى كتبت اليه (أيا بَحر فضل من اللطف يصفو ... حلا بِفَم السّمع لى مِنْهُ رشف) (لقد حكت شعرًا رَقِيق المبانى ... دَقِيق الْمعَانى عَلَيْهِ يشف) (عروس أحلّت نِكَاح الشّغَار ... بِغَيْر مُهُور الينا تزف) (وَقد رسب الدّرّ من خجلة ... لَهُ اذ رأى فَوْقه الدّرّ يطفو) (بطبك يشفى مزاج الوداد ... بِغَيْر علاج وَمَا فِيهِ ضعف) (وَمَا اعتل ريح الصِّبَا مذ غَدا ... رسولى لكنه فِيهِ لطف) (لبحرك ورد حلا للنهى ... عَلَيْهِ الْقُلُوب طيور ترف) (فيا خدن روحى وَمن شكره ... يقصر عَنهُ نعوت وَوصف) (لانت حياتى وَلكنهَا ... تبدل مِنْهَا على الْيَأْس حرف) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 (وَقد جدت لى بنضار القريض ... وللفكر نقد وللدهر صرف) (ترنم فِيهِ هزار الْمعَانى ... وأقفاصه فى سطور تصف) (وَشعر بِشعر رَبًّا لم يجز ... وَلَكِن مولاى للفضل يعْفُو) (فقابل رياحينه بِالْقبُولِ ... كَمَا سنّ مَا طَابَ للشكر عرف) (فَلَا زلت روضا بِهِ أنيعت ... ثمار الامانى ولى مِنْهُ قطف) فَأجَاب (أعذب نمير من الود يصفو ... عَلَيْهِ مُنِير من الدّرّ يطفو (أشعر لَهُ نشوة الْخمر مِنْهُ ... لقلبى ولبى بأذنى رشف) (أم الرَّوْض وشته سحب والا ... على وجنه الْورْد للطل لطف) (أصب صبا أم مشت جنَّة الْخلد أم أعين الْعين حور ووطف) (حسان سبت سحرها روتها ... لَهَا كل قلب أَسِير والف) (أنظم بدا أم عُقُود اللآل ... وصفو الليالى وهيهات تصفو) (أفى قالب الشّعْر قد أفرغ الْحسن أم صَار وَجها لَهُ الشّعْر طرف ... ) (أم السَّبْعَة الشهب أمست قريضا ... والا أتتنا من الشَّمْس صحف) (والا أَتَانَا من الْعَرْش شعر ... والا اصطفانا من الوحى صنف) (تحدى الْعُقُول باعجاز شعر ... زها لم يُعَارضهُ شرع وَعرف) (أأنفاس عِيسَى وآيات مُوسَى ... أم الطّور والنور معنى وحرف) (متين الْمعَانى رصيف المبانى ... عَلَيْهِ من الْمجد ثوب يشف) (بِهِ الرّوح حى فأهدى حياتى ... وَمِنْه حبائى علاهُ محف) (وَلَا بدع أَن تولنى حبوة ... يدمنه حازت فؤادا يرف) (مليك على الْفَخر مَا من كَمَال ... لَدَى النَّاس الا لعلياه وصف) (بليغ بأشعاره تنطق الْبكم لَكِن لَدَيْهِ لَهَا الْعَرَب غلف ... ) (فصيح تداوى بألفاظه الصم وَالْمَيِّت يحييه من فِيهِ هتف ... ) (فَلَو شَاءَ بالشعر انبات روض ... على اليم أضحى ولى مِنْهُ قطف) (وَلم تلق كُفؤًا بَنَات براها ... لَهَا الشَّمْس أيد بهَا الْبَدْر وقف) (فكم من فحول أنابت لَدَيْهَا ... وَكم من مليك لَدَيْهَا مسف) (وَأهل الْمعَانى كَأَهل الغوانى ... اذا مس قحط لعنين زفوا) (أمولاى من للموالى عماد ... وللفخر وَالْمجد نجد وكهف) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 (رَأينَا بك الشّعْر فَوق الثريا ... فَلم يدننا مِنْهُ وزن وزحف) (وأرصدت مِنْهُ عَلَيْهَا شهابا ... فَلم يستقم للشياطين خطف) (وَلَو أدْركْت عين فكرى ثراه ... فهيهات مِنْهَا وللدهر عنف) (وَلَو ساجلتنا حروب لَدَيْهِ ... وَلَكِن علينا اذا رق ضعف) (ولولاك مَا فهت بالشعر كلا ... وَلَا كَانَ قلبى الى النّظم يهفو) (ولكننى قد شممت ابتصارا ... بعلياك انى لعلياك حلف) (يناجيك قلبى فتجلود جاه ... وللخطب بالبيض ان يدج كشف) (ولاحت بفكرى معانيك بيضًا ... كَمَا لَاحَ للبرق فى اللَّيْل سجف) (أمولاى مالان للدهر عطف ... أما آن مِنْهُ على الْمجد عطف) (وَقبل تمنى ذووا الْفضل مِنْهُ ... جنونا فَقَالُوا عَسى الدَّهْر يصفو) (أَبى الْعدْل وزنا وَأولى صروفا ... ولى مِنْهُ صدع وَمنع وَصرف) (وذنبى لَدَيْهِ لِسَان قؤل ... وَأما ضميرى فوَاللَّه عف) (وأشنا من الدَّهْر أهلوه غدرا ... ندير هَوَاهُ وفى الْخَبَر حتف) (فكم من مشير على الْحبّ يعْصى ... وَكم من قَبِيح على الْحسن يجفو) (فَمَعْنَى صديق عَدو مداج ... وَمعنى رَفِيق حنين وخف) (وَمعنى كَبِير دنئ وَكبر ... ففى المَاء است وفى الاوج أنف) (وَمعنى عَظِيم طويس بغاء ... لَهُ اذ يرى الا يرغشى ونزف) (وَمعنى عليم جواد وطى ... وتيس لَدَيْهِ كتاب وَعرف) (سقى الله عصرا تسنمت فِيهِ ... نُجُوم الامانى بِوَطْء يخف) (وليلا تمتعت فِيهِ بصحب ... كصبح لَهَا اللطف وَالْمجد ظرف) (وحور وَعين ودهر معِين ... بِنَجْم وَبدر وشمس تزف) (زمَان كَمَا شِئْت طلق الْمحيا ... وريعان عمر على الصفو وقف) (فعوضت عَن أنسه وَحْشَة ... فَمَا تنتهى بجوى وَلَا يكف) (فرعيا وسقيا لَهُ من زمَان ... تبكيه عينى دمالا يجِف) (فيا حسرتى هَل لماضيه عود ... وَيَا لهف قلبى وَلم يجد لهف) (مضى فابق لى عَنهُ دهرا وفيا ... وَمولى صفيا يفْدِيه ألف) (اماما على النثر وَالنّظم برا ... وبحرا لنا من أياديه غرف) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 (وَدم تكس شعرى بمدحك حليا ... وان أجن ذَنبا فَلَا زلت تَعْفُو) (وَلَا زلت تَغْدُو بديع الْمعَانى ... بَيَانا وَيَغْدُو لَهَا مِنْك لطف) وَذكره البديعى فى ذكرى حبيب وَقَالَ فى وَصفه كَاتب كَأَنَّمَا اقتبس نَفسه من مقل الغوانى وشاعر كَلِمَاته أوقع فى الاسماع من ايقاع المثالث والمثانى بِأَلْفَاظ كأيام الشَّبَاب وَمَعَان كمذاكرة الاحباب وَلم يزل الى أَن أثخته سِهَام المنيه قَائِلا تَحت ظلال الدوحة الاكشمية وَقد ابتدع فى هَذَا الْبَاب من النَّوَادِر مَا اسْتوْجبَ ان يكون لَهُ قَول الشَّاعِر (وَكنت فَتى من جند ابليس فارتمت ... بى الْحَال حَتَّى صَار ابليس من جندى) ثمَّ أنْشد لَهُ من شعره الزاهى قَوْله من قصيدة (اليك بعثت الرّوح رقاء تصدح ... لتعرب متن الشوق عَنى وتشرح) (رمانى النَّوَى والبعد عَنْكُم بأسهم ... لَهَا كل أعضائى قُلُوب تشرح) (بعينى ظما للبارد العذب قربكم ... وانسانها فى مُطلق الدمع يسبح) (فان تَكُ عَن عينى القريحة نَائِيا ... فَأَنت بروض الْفِكر وَالْقلب تمرح) (سقى الله وَدَار بِعْهُ سفح مهجتى ... وعهدا على حقيه أَمْسَى وَأصْبح) (وَحيا ادكاراً بِالصديقِ وان يكن ... بِسيف تنائيه دم الْقلب يسفح) (لَئِن صرف الاحباب وَجه ودادهم ... فَوجه ودادى عَنْهُم لَيْسَ يبرح) (وان جنحوا للحرب عزا وجفوة ... فلست لغير الذل وَالسّلم أجنح) (وان سمحوا لى باللقا فبتر بهم ... لغير جفونى حُرْمَة لست أَمسَح) (وان غضبوا صالحتهم وخضعت فى ... رضاهم فان الْكبر بالحب يقْدَح) (يذموننى والذنب هم ومحبتى ... على أننى لَا أَبْرَح الدَّهْر أمدح) (ففى الْقرب والابعاد نشر تَحِيَّة ... تحفهم من روض قلبى وتمنح) وَمن // جيد شعره // قَوْله (نظرت إِلَيْهَا ثمَّ للشمس فى الضُّحَى ... ليظْهر وَجه الْفرق فى الْوَجْه وَالْفرق) (فلاحت كَمَا يَبْدُو سواهَا لمن رأى ... سناها وهمت بِالرُّجُوعِ الى الشرق) (تأثر مِنْهَا وَجههَا مثل مَا بهَا ... تأثر وَجه السافرين على الطّرق) وَقَوله فى الْغَزل (أجل الله اعطاف الحبيب ... وأينع قامة الْغُصْن الرطيب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 (وَأنْبت وردهَا غضا طريا ... وسيجه بريحان الْقُلُوب) (وَلَا زَالَت شمائله نشاوى ... مرنحة كغصن فى كثيب) (وعطفها نسيم الشوق حَتَّى ... تميل الى معانقة الكئيب) (وروى أرْضهَا سَحا مطيرا ... بغيث من سما جفن نحيب) وَقَوله (أَرَاك طروبا عِنْد وَقع النوائب ... ضحوكاً كوجه السَّيْف فى كف قاطب) (لعوبا بعقل الصب توعده المنى ... بخوض المنايا فى مبارى السباسب) (فريدا وَشَمل الْمجد مِنْك اجتماعه ... جليدا على فقد المنى والحبائب) (مرود الْجَيْش الْخطب حَربًا لسلمه ... كَأَنَّك ضد الدَّهْر حلف النوائب) وَمِمَّا ادَّعَاهُ لنَفسِهِ (شوقى اليك وَقد تناءت دَارنَا ... شوق الْغَرِيب الى ملاعب تربه) (أَو شوق ظمآن ألم بمنهل ... منعته أَطْرَاف القنا عَن شربه) وَله فى ضمن مُكَاتبَة (نعم أتتك فَلَا خضاب الْموعد ... متنصل بندى اعتذار المجتدى) (جاءتك تدرع السُّعُود كَأَنَّهَا ... غُصْن من الْيَاقُوت تَحت زبرجد) وَله على لِسَان جَامع مهجور (واحسرتا والذل حِين يمر بى ... وَيُقَال هَذَا جَامع مهجور) (لَو كنت فى أيدى النَّصَارَى بيعَة ... لبكى على القس والسابور) وَله فى الاقتباس (أَقُول لذات حسن قد تَوَارَتْ ... مَخَافَة كاشح فى الحى كامن) (أرينى وَجهك الوضاح قَالَت ... ألم تؤمن فَقلت بلَى وَلَكِن) وَله معمى فى اسْم مُوسَى (أَقُول لمالحى عذولى ... ولوم من هام لَيْسَ يجدى) (بالثغر والصدغ والثنايا ... وَمَا بلحظ الحبيب وجدى) وَله الابيات الْمَشْهُورَة الَّتِى قَالَهَا فى مرجة دمشق فى قَدمته اليها مدرسا بالشامية البرانية فى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف والابيات هى هَذِه (بصبا المرجة المبلل ذيله ... علل الْقلب عل يبرد ويله) (وَاد كرّ يَوْمنَا بيومى حبيب ... سلفا والسلاف تركض خيله) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 (ونديم وَقت حَوَاشِيه لطفا ... وبحكم الْهوى تحجب نيله) (جِئْت من تَحت ذيله مستجيرا ... والتجنى على يسحب ذيله) وَله غير ذَلِك مِمَّا يروق ويشوق وَكَانَت وَفَاته بالجيزة وَهُوَ قَاض بهَا فى سنة احدى وَخمسين ألف مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَلامَة الاحمدى الشافعى الْبَصِير الشهير بسيبويه كَانَ عَالما تحريرا محققا عَارِفًا بِجَمِيعِ الْعُلُوم النقلية والعقلية متقنا لَهَا وَلكنه اشْتهر بِالْعَرَبِيَّةِ لغلبتها عَلَيْهِ وَكَثْرَة اقرائه لَهَا وَكَانَ مرجعا لحل المشكلات العلمية واذا قرر الْمسَائِل تظهر للطلبة بِأَدْنَى اشارة وتنطبع فى قُلُوبهم وَذَلِكَ لانه جمع الله تَعَالَى لَهُ بَين الْعلم وَالْولَايَة وكل من قَرَأَ عَلَيْهِ نَفعه الله تَعَالَى وكل من خدمه خدمَة مَا أسعده الله تَعَالَى دينا وَدُنْيا وَمَا بشر أحدا بشئ الا ناله الْبَتَّةَ وَكَانَ عزباً لَا يخرج من جَامع الازهر الا اذا تعطلت فسقيه الْجَامِع فَيخرج لاقرب مَكَان لقَضَاء الْحَاجة وَكَانَ ملبسه فى الصَّيف والشتاء جُبَّة حَمْرَاء وَكَانَ من الزّهْد فى الدُّنْيَا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذ من أحد شَيْئا الا بِقدر الضَّرُورَة وَيَأْكُل من مُرَتّب الْجَامِع ظهرا وعصرا وَكَانَ يَعْتَرِيه فى بعض أوقاته سكُوت فَلَا يقدر أحد أَن يبتدئه بِكَلَام حَتَّى يكون هُوَ البادى وكل من بدأه بِكَلَام مُتَعَمدا حصلت لَهُ متعبة دنيوية بالتجربة وَعرف ذَلِك عِنْد غَالب النَّاس وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْجمال لَا يرى متكدرا بل منشرح الصَّدْر متبلجا مداعبا وَلَا تذكر الدُّنْيَا عِنْده بِحَال لَا يعرفهَا وَلَا يعرف أَحْوَال أَهلهَا وَالْغَالِب عَلَيْهِ سَلامَة الصَّدْر فَلَا يظنّ بِالنَّاسِ الا خيرا واذا قَرَأَ عَلَيْهِ أحد وَلَو درسا وَاحِدًا يسْأَله عَن اسْمه وَاسم أَبِيه وَلَا يزَال يذكرهُ وَيسْأل عَنهُ واذا غَابَ عَنهُ سِنِين وَجَاء اليه يعرفهُ بِمُجَرَّد تكَلمه مَعَه وَلَا يغيب عَنهُ ذهنه وَكَانَ اذا فرغ من الدَّرْس يشْتَغل بِتِلَاوَة الْقُرْآن وَلم يتَخَلَّف فى سَائِر الاوقات عَن صَلَاة الْجَمَاعَة فى الصَّفّ الاول بالازهر وَيقوم فِيهِ من النّصْف الآخر وَلَا يزَال يتهجد حَتَّى يصلى الصُّبْح مَعَ الْجَمَاعَة وَبعدهَا يقْرَأ النَّاس عَلَيْهِ فى القراآت الى طُلُوع الشَّمْس فَيذْهب حِينَئِذٍ الى فسقية الْجَامِع وَيتَوَضَّأ وَيجْلس للتدريس الى قبيل الظّهْر هَذَا دأبه طول عمره الى أَن نَقله الله الى دَار كرامته قَرَأَ فى بدايته على شُيُوخ كثيرين مِنْهُم الْعَلامَة الشهَاب أَحْمد بن قَاسم العبادى وَأَبُو بكر الشنوانى وَعنهُ أَخذ أكَابِر الشُّيُوخ كَالشَّمْسِ البابلى والنور الشبراملسى وَيس بن زين الحمصى وشاهين الارمناوى وَيحيى الشهاوى وَمُحَمّد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 المنزلاوى وَمَنْصُور الطوخى مُحَمَّد بن عَتيق الحمصى وَغَيرهم وَلم يمت أحد أَخذ عَنهُ الا بِخَير وكراماته كَثِيرَة شهيرة وَكَانَت وَفَاته فى نَيف وَخمسين وَألف وَلم يخلف درهما وَلَا دِينَارا الا ثِيَابه الَّتِى عَلَيْهِ وَدفن بتربة المجاورين وَلما مَاتَ سمع النَّاس قَائِلا يَقُول وهم فى جنَازَته مَاتَ الْعلم الْخَالِص لوجه الله تَعَالَى وَذهب الزّهْد فِيمَا بَين النَّاس بعد مُحَمَّد انا لله وانا اليه رَاجِعُون فَضَجَّ النَّاس وصاحوا وَبكوا ذكره البابلى فَقَالَ مَا رَأينَا فى شُيُوخنَا أثبت قدما فى الزّهْد مِنْهُ وَجَمِيع مَا نَحن فِيهِ من بركته وَقَالَ بعض الشُّيُوخ انه أمة قد خلت رَحمَه الله تَعَالَى ورضى عَنهُ السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عز الدّين بن الْحُسَيْن بن عز الدّين بن الامام الْحسن بن الامام عز الدّين قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال هُوَ الْمَعْرُوف فى ألسن الْعَامَّة بِابْن العنزلان أمه مَاتَت وَهُوَ يرضع فعطف الله تَعَالَى عَلَيْهِ عَنْزًا كَانَت عِنْد حَاجته تنفرد عَن الْغنم من المرعى وتجرى حَتَّى تدخل عَلَيْهِ ثمَّ تنفجح لَهُ حَتَّى يُمكنهُ الارتضاع كَانَ من عباد الله الصَّالِحين وَأهل التَّقْوَى وَالْعقد على طَريقَة أهل الطَّرِيقَة كثير الصمت قَلِيل الضحك لم تسمع لَهُ قهقهة وَكَانَ فى أَيَّام شبيبته يعتزل النِّسَاء ويمضى فى الشعاب وَالْجِبَال متخليا متعبدا ثمَّ يعود الى مَسْكَنه بربيع وَكَانَ لَهُ أَصْحَاب صَالِحُونَ يتبركون بخدمته ولقائه ويصفون عَنهُ تمَكنا فى علم الاسماء وَأَنه كَانَ يأتى من الْمَسْجِد فيغلق مَكَانَهُ على سَبِيل الممازحة سويعة ثمَّ يَفْتَحهُ وَهُوَ متبسم وَلَا يعرف الفاتح وَلَا المغلق وَلَا يرى ويروى عَنهُ أَنه تمكن من الصَّنْعَة وَأَنه اسْتَأْجر حَاجا لابيه وَأَعْطَاهُ أُجْرَة من الْفضة الْخَالِصَة المعدنية وَكَانَت لَهُ فكرة عَجِيبَة فى كل شئ وَعمل ناظورا يدْرك بِهِ الْبعيد فأبصر بِهِ من صعدة الى ربيع أَو من ربيع الى صعدة وَالْحكم وَاحِد مولده بِبَيْت الوادى ربيع من أَعمال صعدة فى ثانى ذى الْقعدَة سنة ألف من الْهِجْرَة وَشرح قصيدة الإِمَام الْهَادِي عز الدّين بن الْحُسَيْن الرائية وفيهَا معرفَة الْمَوَاقِيت تكلم على مواد نافعة من علم الْفلك وَمَا يحققونه من الْكُسُوف غير متعرض للاحكام صانه الله عَنْهَا وأعمال الرّبع الْمُجيب وَكَانَت وَفَاته بِهِجْرَة قلله مُسْتَقر سلفه فى رَابِع عشرى ذى الْقعدَة سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَدفن فى قبَّة جده الامام عز الدّين بن الْحسن الى جنب السَّيِّد الْحسن بن يحيى بن الامام الْحسن الى جِهَة الْيَمين رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَحْمد بن قَاسم الشهير بالقاسمى الحلبى الْفَاضِل الاديب الْمَشْهُور نادرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 الزَّمَان وفريد الْعَصْر كَانَ غزير الْفضل لطيف الطَّبْع فاق على أهل عصره بصنعة النّظم والنثر ذكره الخفاجى فى الريحانة والخبايا وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر مَا جرى بَينه وَبَينه من المراسلة وَقَالَ البديعى فى وَصفه مَعْدن الْملح والطرف وينبوع النكت والتحف وجاحظ زَمَانه وحافظ أَوَانه وَلَا يخفى طول بَاعه فى فنون الادب وأنواعه فأسرار البلاغة لَا تُؤْخَذ الا مِنْهُ وَدَلَائِل الاعجاز لَا تروى الا عَنهُ مَعَ دماثة أَخْلَاق تعيد ذَاهِب الصِّبَا ورقة دعابة كَأَنَّمَا انتسخها من صحيفَة الصِّبَا ومنطق يسوغ فى الاسماع سلافه يلفظ كَأَنَّهُ اللُّؤْلُؤ والآذان أصدافه وَقَالَ الفيومى فى تَرْجَمته كَانَت وِلَادَته بحلب ثمَّ قدم الرّوم وَصَارَ بهَا من كبار المدرسين ثمَّ كف بَصَره فتقاعد برزق عين لَهُ من قبل السُّلْطَان فانزوى فى بَيته وهرعت اليه الافاضل من كل جَانب فاشتهر فَضله وانتشر علمه فاستمر يقرئ أَنْوَاع الْعُلُوم من كلا مَنْطُوق وَمَفْهُوم ومباد ومقاصد لكل طَالب وقاصد فَانْتَفع بِهِ كثير من الطّلبَة قَالَ وَلما قدمت الرّوم وفدت عَلَيْهِ فَرَأَيْت الْفَضَائِل انقادت اليه فحضرته مجَالِس فى المطول وسيرة ابْن هِشَام فَرَأَيْت مِنْهُ رُتْبَة لَا تنَال بالاهتمام وَمَات وَأَنا بالروم وَدفن بدار الْخلَافَة وَكَانَت لَهُ رُتْبَة فى الادب هى من أَعلَى الرتب وشعره غَايَة فى بَابه لَهُ فِيهِ التشبيهات العجيبة والمضامين الغريبة مَا يكْتب بِمَاء الْوَجْه على الحدق لَا بالحبر على الْوَرق كَقَوْلِه من قصيدة (قد دَعَاهُ الْهوى وداعى التصابى ... لادكار الاوطان والاحباب) (فَأَتَت دون صبره من أَلِيم الوجد نَار شَدِيدَة الالتهاب ... ) (فذوى غصنه الرطيب وجفت ... من رياض الصِّبَا مياه الشَّبَاب) (شعر الْمَرْء نُسْخَة الْعُمر والايام فِيهَا من أصدق الْكتاب ... ) (فاذا تمّ مِنْهُ مَا كتبته ... تربته من شيبَة بِتُرَاب) هَذَا معنى بديع ذكر انه لم يسْبق اليه قَالَ الشهَاب وَقد اتّفق لى مثله فى قولى (لعمرى لقد خطّ المشيب بمفرقى ... رسائل تَدْعُو كل حى الى البلى ... ) (أرى نُسْخَة للعمر سودها الصِّبَا ... وَمَا بيضت بالشيب الا لتنقلا) رَجَعَ (لست آسى على الصِّبَا انما أذكر حَقًا لاقدم الاصحاب ... ) (قد سقتنى عهوده الْعَيْش صفوا ... وكستنيه مونق الجلباب) وَمِنْهَا فى المديح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 (بَحر فضل لَو قيس بالبحر كَانَ الْبَحْر فى جنبه كَلمعِ سراب ... ) (واذا قيل خلقه الرَّوْض أضحى الرَّوْض طلقا بذلك الانتساب ... ) (مزج الْفضل بالغمام كَمَا مازج مَاء الْغَمَام صفو الشّرْب ... ) (مَا عَسى أَن أعد من مكرمات ... ضَبطهَا قد أَبى على الْحساب) (واذا مَا الافكار أمعن فِيهَا ... غرقت من بحورها فى عباب) (أَنْت من نَاظر الزَّمَان سَواد الْعين وَالنَّاس مِنْهُ بالاهداب ... ) وَقَوله (قَالَ لى العاذلون لم ملت عَمَّن ... بمحياه يخجل الانوارا) (قلت كَانَ الْفُؤَاد عشا لَهُ اذ ... كَانَ فرخا وَحين ريش طارا) قَالَ الشهَاب أنشدنى لَهُ فى مليح مصفر العذار كَأَنَّمَا قيدت الابصار مِنْهُ بسلاسل النضار كَأَنَّمَا ملك من الْحسن كَمَا لَهُ فَهد من الذَّهَب لشكاة الغرام سلسلة العداله (لما التحى تمت محَاسِن وَجهه وصفت طباعه ... ) (وَغدا بلطف عذاره ... قمرا أحَاط بِهِ شعاعه) قَالَ الفيومى قلت فى اثباته الشعاع للقمر نقد فانه مُضَاف للشمس كَمَا ان الْمُضَاف للقمر النُّور وَأَيْضًا فان الشعاع والنور انما يحسن استعمالهما فى صفة الشيب لَا فى صفة العذار وفى قَوْله تَعَالَى واشتعل الرَّأْس شيبا تَأْكِيد لهَذَا الْمَعْنى وَله (كَانَ صدغيه فى احمرارهما ... قد صبغا من مدام وجنته) وَله (مَا احمر وَجه حبيبى ان وجنته ... سقته من صبغها خمرًا وَلَا خجلا) (وَإِنَّمَا لفحت خديه من كَبِدِي ... نَار فدبت إِلَى صدغيه فاشتعلا) وَله (صب على الشنب المعسول ذاب أسى ... وَبَات من حر نَار الشوق فى شغل) (كالشمع يبكى وَلَا يدرى أعبرته ... من صُحْبَة النَّار أم من فرقة الْعَسَل) هَذَا الْبَيْت الْأَخير لأبي اسحاق الغزى وَقَبله (اني لأشكو خطوباً لَا أعينها ... ليبرأ النَّاس من لومي وَمن عذلي) كالشمع الى آخر الْبَيْت قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب فى الخريدة عِنْد ذكره رَوَاهُ بَعضهم من حرقة النَّار أَو من فرقة الْعَسَل مُحَافظَة على التَّجْنِيس اللفظى وانا أرويه من صُحْبَة النَّار للتطبيق المعنوى وللقاسمى (قد كنت أبكى على من مَاتَ من سلفى ... وَأهل ودى جَمِيعًا غير أشتات) (وَالْيَوْم اذ فرقت بينى وَبينهمْ ... نُوق بَكَيْت على أهل المودات) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 (فَمَا حَيَاة امْرِئ أضحت مدامعه ... مقسومة بَين أَحيَاء وأموات) وَله من الرباعيات (باربع سقاك كل مزن غادى ... قد كنت مَحل أنسنا الْمُعْتَاد (هَل يلحظنى الزَّمَان بالاسعاد ... يَوْمًا فتعود فِيك لى أعيادى) وَله من قصيدة فى تهنئة بختان (أعلامة الْوَقْت مولى الموالى ... وقرة عين العلى والكمال) (تبوأ من الْمجد أَعلَى مقَام ... وضع نعل مسعاك فَوق الْهَلَاك) (فقد أَيقَن الْمجد أَن المجئ بمثلك للدهر عين الْمحَال ... ) (فبشرى لكم بالختان الذى ... بِهِ لبس الدَّهْر ثوب الْجمال) (هُوَ الشمع ان قطّ لَا غر وَأَن ... أنارت بِهِ حالكات الليالى) هَذَا من قَول ابْن فضل الله فى ختان الْملك النَّاصِر (لم يروع لَهُ الْخِتَان جنَانًا ... قد أصَاب الْحَدِيد مِنْهُ حديدا) (مثل مَا تنقص المصابيح بالقط فتزداد بالضياء وقودا ... ) رَجَعَ (وظفر بتقليمه لَا تزَال ... أكف المكارم مِنْهُ حوالى) (وتشمير ذيل لَدَى الاستباق ... لنيل الامانى وَكسب المعالى) (وَمَا لليراع اذا لم يقط ... فضل يعد على كل حَال) (وَمن بعد بَرى الغصون ازدهت ... عَلَيْهَا الاسنة سمر العوالى) (فَلَا بَرحت من مزاياكم ... يجيد الزَّمَان عُقُود اللآلى) قَوْله وظفر الى آخِره أَصله قَول الغزى (نما لَك ودى حِين قلمت رَأسه ... قِيَاسا على الاقلام والشمع وَالظفر) وَمثل مَا لليراع قَول الصنوبرى (أرى طهرا سيثمر بعد عرسا ... كَمَا قد تثمر الطَّرب المدامه) (وَمَا قلم بمغن عَنْك الا ... اذا مَا ألقيت عَنهُ القلامه) وللقاضى الْفَاضِل الْحَمد لله الذى أطلعه ثنيات الْكَمَال وبلغه غَايَة الْجمال ويسره لدرجات الْجلَال وَنَقله تنقل الْهلَال وشذب مِنْهُ تشذيب الاغصان وهذبه تَهْذِيب الشجعان وأجرى فِيهِ سنة سنّ لَهَا الْحَدِيد فنقصه للزِّيَادَة واستخلصه للسياده ودربه للاصطبار وأدبه للانتصار وَألقى عَنهُ فضلَة فى اطراحها الفضيله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 وَقطع عَنهُ علقَة حق مثلهَا أَن لَا تكون بِمثلِهِ موصوله فَلم يزل التقليم منوها بالاغصان ومنبها للثمر الْوَسْنَان وَمُبشرا بالنما وميسرا لنشور الانتشا وَلابْن مطروح (لقد سرت البشائر والتهانى ... الى الثقلَيْن من انس وجان) (ويصغر كل مبتهج اذا مَا ... نسبناه الى هَذَا الْخِتَان) (تود الزهرة الزهراء فِيهَا ... لَو اتَّخذت لَهَا احدى القيان) (وان الْبَدْر طَار فى يَديهَا ... وان مراسليها الفرقدان) (وتستملى من الافلاك لحنا ... فَمَا قدر المثالث والمثانى) (وتسقى بِالثُّرَيَّا فِيهِ كاسا ... وَلَا أرْضى لَهَا بنت الدنان) (وَلَكِن من رحيق سلسبيل ... بأيدى عبقريات حسان) (ويصغر خَادِمًا بهْرَام فِيهِ ... على مَا فِيهِ من بَأْس الْجنان) (فلولا أَنه فرض علينا ... لما مدت لخاتنه يدان) (وقط الشمع يكسبه ضِيَاء ... وقط الظفر أزين للبنان) ولابى الْقَاسِم الزمخشرى من قصيدة يهنى بهَا بعض الرؤساء بختان بنيه (فى عصرنا لبنيك فضل باهر ... مَا نَالَ أيسره بَنو أَيَّامه) (طهرتم فرعا كَمَا طهرتهم ... أصلا فحازوا طهرهم بِتَمَامِهِ) (وأخو الْكِتَابَة لَا يجود خطه ... حَتَّى ينَال القط من أقلامه) (وَالْكَرم لَيْسَ يبين حسن نموه ... الاعلى التَّنْقِيح من كرامه) (والورد لَيْسَ يفوح طيب رِيحه ... الا اذا انفصمت عرى اكمامه) (وكتابك الْمَخْتُوم لَيْسَ بواضح ... مَعْنَاهُ الا بعد فض ختامه) (وأخو اللطام عَن الذِّرَاع مشمر ... فالكم يشْغلهُ أَوَان لطامه) (وَابْن الوغى مَا لم يسل حسامه ... عَن غمده لم ينْتَفع بحسامه) وللقاسمى (ويلى من المعرض لَا قسوة ... لَكِن لاقوال العدا والوشاة) (مَا لَاحَ للعين سنا وَجهه ... الا وفيهَا من رَقِيب قذاة) وفى مَعْنَاهُ قَول بَعضهم (لم ترد مَاء وَجهه الْعين الا ... شَرقَتْ قبل ريها برقيب) وَله من رِسَالَة (مَا كنت أَحسب أَن يكون كَذَا تفرقنا سَرِيعا ... ) (قد كنت أنْتَظر الوضال فصرت أنْتَظر الرجوعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 قُرَّة عينى مَا أسْرع مَا طلع نجم التَّفَرُّق فى الْبَين وهجمت على ائتلافنا قواطع الْبَين هلا امْتَدَّ زمَان الاقتراب حَتَّى تتأكد الاسباب وتأخرت أَيَّام الْفِرَاق حَتَّى يتم مِيقَات الِاتِّفَاق واهاً لايام قرب مَا وفت بِمَا فى الضَّمِير وَلَا ساعدت على بَقَائِهَا الْمَقَادِير والى الله أَشْكُو فى الصَّدْر حَاجَة تمر بهَا الاوقات وهى كَمَا هيا وَأقسم بِاللَّه الْعَظِيم انهم عِنْدَمَا قَالُوا الرحيل فَمَا شَككت بأنهار وحى عَن الدُّنْيَا تُرِيدُ رحيلا فيا لَيْت شعرى هَل تحس بفقدى أتذكرنى من بعدى ان فعلت فَمَا أحقك بالاحسان وان نسيت فَمن شيم الانسان النسْيَان وَأما أَنا فانى (أروح وَقد ختمت على فؤادى ... بحبك أَن يحل بِهِ سواكا) (وَلَو أَنى اسْتَطَعْت خفضت طرفى ... فَلم أبْصر بِهِ حَتَّى أراكا) وَله (ورد الْكتاب مبشرا بقدوم من ... مَلأ النُّفُوس مَسَرَّة بقدومه) (فطربت بالاسماع من منثوره ... وثملت بالجريال من منظومه) (وسجدت شكرا عِنْد مورده على ... اسعاد هَذَا العَبْد من مخدومه) وَله من فصل من التَّحِيَّة عندى مَا يستعير الرَّوْض من رياه ويستنير الصُّبْح من محياه وَمن الود مَالا ينقضى يَوْمه وَلَا غده وَمن الشوق مَا أحر نَار الْجَحِيم أبرده وأناله ببلوغ الا وطار وعلو الْمنَار على أبلغ مَا يكون حقق الله تَعَالَى فِيهِ كَمَال مَا أرتجيه وسرنى سَرِيعا بتلاقيه وَمن شعره قَوْله (ودعتكم وَرجعت عَنْكُم والنوى ... سلبت جَمِيع تصبرى وقرارى) (والجفن يقذف بالدموع وَلم أكن ... لولاه أنجو من لهيب النَّار) وَقَوله (وَمن يغتمد بالبشر مِنْك فانه ... جهول بادراك الغوامض مغرور) (فانك مثل السَّيْف يخْشَى مضاؤه ... اذا لمعت فى صفحتيه الاسارير) وَقَوله (نبت عَنْهُم حد الضباب كَأَنَّهَا ... لِكَثْرَة مَا هَانَتْ عَلَيْهِم صوالج) (وحلوا بهَا أعداءهم فَكَأَنَّهَا ... قلائد فى أَعْنَاقهم ودمالج) وَمن // جيد شعره // قَوْله من قصيدة (من شفيعى الى الثنايا الْعَذَاب ... من عذيرى من الغصون الرطاب) (من مجيرى مِمَّا أقاسى من الايام من فرط لوعة واكتئاب ... ) (من نصيرى على الليالى الَّتِى مَا ... زَالَ مِنْهَا مَا بَين ظفر وناب) (أترجى مِنْهَا الْخَلَاص فَألْقى ... من أذاها مَا لم يكن فى حسابى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 (صَار مِنْهَا قلبى كقرطاس رام ... مزقته مواقع النشاب) (أهوَ الْبَين أشتكيه وَقد عاندنى فى الديار والاحباب ... ) (وكسانى المشيب من قبل أَن أعرف مِقْدَار حق الشَّبَاب ... ) (أم هُوَ الْخطب خطّ مَا جنت الايام من طول محنتى واغترابى ... ) (ومقامى على الهوان بِأَرْض ... أَنا فِيهَا مقوض الاطناب) (أصطلى جَمْرَة الهجير فان رمت شرا بألم ألق غير سراب ... ) (لَيْسَ لى من اذا عرضت عَلَيْهِ ... شرح حالى يرق يَوْمًا لما بى) (بخستنى الايام حقى ظلما ... ورمتنى بالحادث المنتاب) (وأضاعت بَين الصُّدُور بطرق الْفضل سعيى وجيئتى وذهابى ... ) (لَيْت شعرى مَا كَانَ ذنبى الى الايام حَتَّى قد بالغت فى عقابى ... ) (وجفتنى حَتَّى لقد صرت من كل مرام مقطع الاسباب ... ) ) وَقَوله من أُخْرَى أحسن فى غزلها كل الاحسان (مهلا أبثك بعض مَا أَنا وَاجِد ... دمع مقرّ بالذى أَنا جَاحد) (قد كَانَ يخفى مَا تكن ضمائرى ... لَوْلَا الشؤن على الشجون شَوَاهِد) (ولطالما خفيت سطور الوجد من ... حالى فضل بهَا وَغَابَ النَّاقِد) (لَيْت الذى لم يبْق لى من مسعد ... فِيمَا ألاقى من هَوَاهُ مساعد) (لَو لم يحل بينى وَبَين تصبرى ... مَا بَان مَا أَشْقَى بِهِ وأكابد) (حَال كَمَا شاهدت عقل واله ... وجوانح حرا وَوجد زَائِد) (لله مَا أَشْقَى أَخا حب لَهُ ... مَعَ وجده الْيَقظَان حَظّ رَاقِد) (يورى زناد الشوق ذكرَاهُ لَهُم ... فتشب من بَين الضلوع مواقد) وآثاره كَثِيرَة وَلَوْلَا خوف الاطالة لَا السَّآمَة لَا وَردت لَهُ جلّ شعره فان مثل هَذَا الشّعْر لَا يهمل ذكره وَمن وقف عَلَيْهِ عرف كَيفَ يكون الشّعْر وَكَانَت وَفَاته بدار الْخلَافَة فى سنة أَربع أَو خمس وَخمسين وَألف وَقد تقدم ذكر ابْنه عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيسَى بن جميل الْمَعْرُوف بالكلبى المصرى شيخ الْمحيا بِجَامِع الازهر الامام الْمُفِيد الْحجَّة الْوَرع الزَّاهِد الْمَشْهُور أَخذ الْعلم عَن أَبِيه وَغَيره من مَشَايِخ الْقَاهِرَة وأجازوه وبرع وفَاق وَجلسَ فى مجْلِس الْمحيا بعد وَالِده وَهُوَ بعد الشَّيْخ الصَّالح مُحَمَّد البلقينى وَهُوَ بعد وَالِده الْعَالم الربانى والعارف الصمدانى صَالح وَهُوَ بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 وَالِده شيخ الاسلام شهَاب الدّين البلقينى وَهُوَ بعد الشَّيْخ بركَة الْوُجُود نور الدّين الشونى عَن اذن من النبى وَكَانَ مُحَمَّد صَاحب التَّرْجَمَة حسن الاخلاق كَرِيمًا سخيا كثير الاحسان لَا سِيمَا للْفُقَرَاء لَا يفتر عَن الصَّلَاة على النبى وَكَانَ ذكيا محصلا لِلْعِبَادَةِ كثير النَّوَافِل وَالطَّاعَة مواظبا على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَكَانَ نَاظرا على وقف الامامين بالقرافة وَسَار فى ذَلِك أحسن سير مَعَ الاحسان لخدمة المكانين وَكَانَت وَفَاته نَهَار الثُّلَاثَاء سَابِع ذى الْحجَّة سنة سبع وَخمسين وَألف وَصلى عَلَيْهِ بالازهر وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى والكلبى نِسْبَة الى دحْيَة الكلبى الصحابى رضى الله عَنهُ لانه من ذُريَّته ودحية بِكَسْر الدَّال وَيجوز فتحهَا كَمَا نقل عَن الاصمعى وَالْمَشْهُور الأول وَهُوَ دحْيَة بن خَليفَة كَانَ من أجمل النَّاس صُورَة وَلذَا كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يتَمَثَّل فى صورته أَحْيَانًا اذا جَاءَ للنبى كَمَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَمعنى دحْيَة رَئِيس الْجند كَمَا قَالَه أَئِمَّة اللُّغَة مُحَمَّد بن أَحْمد الاسدى العريشى الْيُمْنَى المكى شيخ الْعُلُوم والمعارف وَمَالك زمامها من تليد وطارف أربى على الْعُمر الطبيعى وَهُوَ ممتع بحواسه من بَيت علم وَصَلَاح مقيمين على تقوى وفلاح رَاض بالكفاف من الرزق الْحَلَال الارغد ناصب النساخة حبلا لصيد معيشته كَمَا عَلَيْهِ السّلف الطَّاهِر الامجد اشْتغل بالفقه وبرع وأعرب فى النَّحْو قبل ان بترعرع وَأخذ من الْعُلُوم بتصيب وافر ولازم الْعلمَاء الائمة الاكابر كالسيد عمر البصرى وَالشَّيْخ خَالِد الْمَالِكِي وَعبد الْملك العصامى وَعنهُ وَلَده الْعَلامَة أَحْمد والقاضى على العصامى وَعبد الله العباسى وَغَيرهم وَألف مؤلفات عديدة مفيدة مِنْهَا شرح الكافى فى علمى الْعرُوض والقوافى فى نَحْو عشرَة كراريس وَمِنْهَا اخْتِصَار الْمِنْهَاج للنووى وَمِنْهَا شرح على الاجرومية مُخْتَصر وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فى سنة سِتِّينَ وَألف وَدفن بالشبيكة مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن مُحَمَّد بن اسمعيل بن شعْبَان الرئيس الْكَبِير الْمَعْرُوف بِابْن الغصين الغزى كَانَ رَئِيسا جليل الْقدر وَاسع الْكَرم لم يصل الى غَزَّة أحد من الواردين عَلَيْهَا الا وبادر الى زيارته وَحمل اليه مَا يَلِيق بِحَالهِ وتقرب الى قلبه بِكُل طَرِيق وبالخصوص أهل الْعلم والادب وَهُوَ الذى قَالَ فِيهِ حَافظ الْمغرب أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد المقرى بيتيه الْمَشْهُورين وَكَانَ مرعلى غَزَّة عِنْد رحلته الى الشَّام فبذل فى اكرامه جهده فَقَالَ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 (يَا سائلى عَن غَزَّة ... وَمن بهَا من الانام ... ) (أَجَبْتهم مرتجلا ... ابْن الغصين وَالسَّلَام) وَحكى لى صاحبنا الاديب ابراهيم بن سُلَيْمَان الجنينى نزيل دمشق أَن شيخ الاسلام خير الدّين الرملى كَانَ توجه الى غَزَّة فى بعض السنين لامر اقْتضى قَالَ وَكنت مَعَه فَنزل عِنْد الرئيس مُحَمَّد بن الغصين الْمَذْكُور فَرَأى بيتى المقرى مكتوبين على جِدَار الْمَكَان الْمعد للاضياف فَكتب تحتهما ارتجالا (دَار الغصين محط كل مُسَافر ... وتكية لِابْنِ السَّبِيل العابر) (وَبهَا المكارم والمفاخرة التقى ... يَا رب فاعمرها ليَوْم الآخر) وعَلى الْجُمْلَة فان مُحَمَّدًا صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ من أفرادالكرام والرؤساء وَله مَنَاقِب فى الْكَرم لَا تعد ومزايا لَا تُوصَف وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاحد عشرى الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بغزة وَلم يخلف مثله فى الْكَرم والنباهة رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الامام الْحسن بن دَاوُد بن الْحسن ابْن الامام النَّاصِر ابْن الامام عز الدّين بن الْحسن بن على بن الْمُؤَيد بن جِبْرِيل بن مُحَمَّد بن على بن الامام الداعى يحيى بن المحسن بن يحيى بن يحيى بن النَّاصِر بن الْحسن بن الامير الْعَالم المعتضد بِاللَّه عبد الله بن الامام الْمُنْتَصر لدين الله مُحَمَّد بن الامام الْمُخْتَار لدين الله الْقسم ابْن الامام النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن الامام الهادى الى الْحق يحيى بن الْحُسَيْن ابْن الْقسم السَّيِّد الباسل الشجاع الْحَلِيم عين الزَّمَان وبهجة المحافل صَاحب الآراء الثاقبة والمحامد الواسعة نَشأ على الْعلم وَالصَّلَاح بعد موت أَبِيه وصبر على مشاق الْوَقْت وقاسى فى عنفوان شبابه أمورا صَبر لَهَا حَتَّى أفضت بِهِ الى مَحل من الْخَيْر لَا يدْرك وَقَرَأَ بِصَنْعَاء وصعدة وَكَانَ كثير المذاكرة وحضرته معمورة بالفضلاء وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ يَقُود المقانب ويشارك فى الْمُهِمَّات كَأحد أَوْلَاد الْقسم بن مُحَمَّد وَكَانَ لَا يعد نَفسه الا مِنْهُم وَلَا يعدونه هم الامن الا من أجلائهم وَلم يزل مَعَ السَّيِّد الْحسن بن الامام الْقسم فى جَمِيع الْمشَاهد ثمَّ ولاه العدين وَهُوَ اقليم متسع فحسنت حَاله واستقامت حَال خلائق مَعَه وَعلا صيته فى الْعلم والجاه والرياسة ثمَّ كَانَ أحد أَعْيَان دولة الامام المتَوَكل على الله اسماعيل بن الامام الْقسم وَكَانَ بَينهمَا ود أكيد وَتَوَلَّى فى أَيَّامه مَعَ العدين حيس من تهَامَة وبندر المخا وَحِينَئِذٍ أَلْقَت اليه الدُّنْيَا أفلاذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 كَبِدهَا وعاش حميدا وَلم يشْتَغل بتكلفة وَشرح كَافِيَة ابْن الْحَاجِب وَشرح الْهِدَايَة فى الْفِقْه وَكَانَ يحب الادب وَأَهله وَله نظم رائق مِنْهُ قَوْله (طرب يهيج اليعملان سبانى ... وجوى بأطباق الْفُؤَاد ذوانى) (وتعللى بخلت بِهِ ريق الصِّبَا ... وتصبرى كرمت بِهِ أجفانى) (ان الحبيب وَقد تناءت دَاره ... أغرى فؤاد الصب بالاحزان) (لَو زار فى طيف الْكرَى متفضلا ... بجماله وَحَدِيثه اشفانى) (أَو لَو تفضل بالوصال تكرما ... أَصبَحت من قتلاه بالاحسان) (يَا عاذلى عَنى فلست بمر هُوَ ... عذل العدى ضرب من الهذيان) (لَوْلَا طُلُوع الشَّمْس فى كبد السما ... خلناه أشرف من علا كيوان) (فَكَأَنَّهُ السفاح مَنْصُور اللوا ... جَاءَت صوارمه على مَرْوَان) (وكانه الهادى بِنور جَبينه ... وكاننى المهدى فى اذعان) (وَكَانَ نور جَبينه من يُوسُف ... فَأَنا الرشيد بِهِ الى الايمان) (يَا أَيهَا الْمَأْمُون عِنْد الهه ... والمتبع الاحسان بالاحسان) (والحاشر الماحى المؤمل للورى ... تَحت اللوا ذخْرا الى الرَّحْمَن) (الْمُصْطَفى الهادى النبى أجل من ... وطئ الثرى وحباه الْقُرْآن) (الْجَار وَالرحم الذى أوصى بِهِ ... رب السما ودعاك بالاعلان) (فَالله فى أَبَا شبير وشبر ... كى لَا أَخَاف طوارق الْحدثَان) وَلما كَانَ الْحَج الْكَبِير الذى اجْتمع فِيهِ أَعْيَان من آل القمم وَغَيرهم من جُمْلَتهمْ السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْقسم وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم وَكَانَ مَعَهم أَعْيَان كالقاضى أَحْمد بن سعد الدّين وَأَظنهُ عَام ثَلَاث وَخمسين جعل الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقسم أَمِير هَؤُلَاءِ جَمِيعهم صَاحب التَّرْجَمَة وَبِالْجُمْلَةِ فمحاسنه وفضائله كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاربعاء ثامن عشر ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف ببندر المخا وَنقل الى حيس فَدفن بهَا فى التربة الَّتِى أعدهَا لَهَا بِوَصِيَّة مِنْهُ مُحَمَّد بن أَحْمد الملقب بشمس الدّين الْخَطِيب الشوبرى الشافعى المصرى الامام المتقن الثبت الْحجَّة شيخ الشَّافِعِيَّة فى وقته وَرَأس أهل التَّحْقِيق والتدريس والافتاء فى جَامع الازهر وَكَانَ فَقِيها اليه النِّهَايَة ثَابت الْفَهم دَقِيق النّظر متثبتا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 فى النَّقْل متأدبا مَعَ الْعلمَاء مُعْتَقد اللصوفية حسن الْخلق والخلق مهابا ملازما للعبادات وحظى حظوة فى الْفِقْه لم يحظها أحد فى عصره بِحَيْثُ ان جَمِيع معاصريه كَانُوا يرجعُونَ اليه فى الْمسَائِل المشكلة وَكَانَ يلقب بشافعى الزَّمَان حضر الشَّمْس الرملى ثَمَان سِنِين وَأَجَازَهُ بالافتاء والتدريس سنة ألف وَلزِمَ النُّور الزيادى وَأخذ الحَدِيث عَن أَبى النجا سَالم السنهورى وابراهيم العلقمى والعلوم الْعَقْلِيَّة عَن الشَّيْخ مَنْصُور الطبلاوى وَعبد الْمُنعم الانماطى وَأَجَازَهُ شُيُوخه وشهدوا لَهُ بِالْفَضْلِ التَّام واشتهر بِالْعلمِ وَالْجَلالَة وَكَانَ يقرى مُخْتَصر المزنى وَشرح الرَّوْض والعباب وَغَيرهَا من الْكتب الْقَدِيمَة المطولة وَكَانَ يمِيل اليها وَهُوَ آخر من قَرَأَ بِجَامِع الازهر شرح الرَّوْض والمختصر والعباب وانتفع بِهِ كثير من الْعلمَاء مِنْهُم النُّور الشبراملسى وَالشَّمْس البابلى وَيس الحمصى وَغَيرهم وَألف مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْمنْهَج وحاشية على شرح التَّحْرِير وحاشية على شرح الاربعين لِابْنِ حجر وحاشية على الْعباب وَله فَتَاوَى مفيدة وَكَانَت وِلَادَته فى حادى عشرى شهر رَمَضَان سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشرى جُمَادَى الاولى سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بتربة المجاورين والشوبرى تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فى تَرْجَمَة أَخِيه أَحْمد مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان الْمَعْرُوف بالاسطوانى الدمشقى الحنفى الْفَقِيه الْوَاعِظ الاخبارى أعجوبة الزَّمَان ونادرة الْوَقْت كَانَ من منن الله تَعَالَى على عباده لم يزل يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر وَكَانَ ورعا ناسكا متقشفا مخشوشنا كثير العبوس فى وُجُوه النَّاس لما يكرههُ مِنْهُم شَدِيد الانكار عَلَيْهِم فِيمَا يُخَالف الشَّرْع لَا يقنع فى أَمر الله بِغَيْر اظهاره وَكَانَ مطبوعا على الالتذاذ بذلك متحملا للاذى من النَّاس بِسَبَبِهِ وَبلغ القَوْل فِيهِ الى أَنه حرم البقلاوة وأمثالها لما كَانَ يحرم الْحَرَام وَكَانَ أحد أَعَاجِيب الدُّنْيَا فى حلاوة الْمنطق وَحسن التأدية وَمَعْرِفَة أساليب الْكَلَام لَا يمل حَدِيثه بِحَال بل كلما طَال طَابَ وَبِالْجُمْلَةِ فَلم ير نَظِيره فى هَذَا الدّور وَلم يسمع بِمثلِهِ فى أَوْصَافه كَانَ فى الاصل على مَذْهَب أسلافه حنبليا ثمَّ انْتقل الى مَذْهَب الشافعى وَقَرَأَ الْفِقْه على مَشَايِخ عصره مِنْهُم الشَّمْس الميدانى والنجم الغزى وَغَيرهمَا وَأخذ الْعَرَبيَّة والمعقولات عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَالشَّيْخ عمر القارى والامام يُوسُف بن أَبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 الْفَتْح وَأخذ الحَدِيث عَن أَبى الْعَبَّاس المقرى فى قَدمته لدمشق ودرس بالجامع الاموى ثمَّ رَحل الى مصر وَأخذ بهَا عَن الْبُرْهَان اللقانى والنور على الحلبى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْيُمْنَى وَالشَّمْس البابلى وَقدم الى دمشق فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف ودرس بهَا وَأفَاد وَوَقع بَينه وَبَين شَيْخه النَّجْم الغزى فى مسئلة فسافر الى الرّوم بحرا فأسرته الفرنج ثمَّ خلص بعد مُدَّة قَليلَة وَوصل الى دَار الْخلَافَة فَأَقَامَ بهَا وَحسن حَاله وَحصل جِهَات وعلوفات وَتزَوج وجاءه أَوْلَاد ثمَّ تحنف وَصَارَ اماما بِجَامِع السُّلْطَان أَحْمد ولازم على عَادَة موالى الرّوم ثمَّ قدم الى دمشق حَاجا فى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَعَاد الى الرّوم فَصَارَ واعظا بِجَامِع السُّلْطَان أَبى الْفَتْح مُحَمَّد خَان واشتهر بِحسن الْوَعْظ ولطافة التَّعْبِير فانكيت عَلَيْهِ النَّاس وَلَزِمَه جمَاعَة قاضى زَاده الرومى وَعظم حزبه فَبَالغ فى النهى عَن أَشْيَاء كَانَ غَنِيا عَنْهَا فكاد أَن يُوقع فتْنَة فعزل عَن وَظِيفَة الْوَعْظ وَنفى الى جَزِيرَة قبرس ثمَّ أَمر بِالْمَسِيرِ الى دمشق فوردها فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَأقَام بهَا وَلزِمَ الدَّرْس تَحت قبَّة النسْر بالجامع الاموى بَين العشاءين وَبعد الظّهْر وَنشر عليم القراآت والمواعظ وَأقر أشرح الهمزية وَرغب النَّاس فى حُضُور دروسه من عُلَمَاء وعوام لحسن تَقْرِيره وعذوبة تفهيمه ولطافة مناسباته وَسمعت والدى رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول ان درسه كَانَ يَلِيق أَن يرحل اليه من بلد الى بلد وانه قرر أَشْيَاء لم يسْمعهَا من أهالى دمشق أحد وَفِيه يَقُول الامير المنجكى (ان سمع الْعُقُول يصغى لقَوْل الاسطوانى والقلوب لَدَيْهِ ... ) (جمع الْفضل والمكارم حَتَّى ... كل حسنى تعزى وتنمى اليه) (رجل جَاءَ فى الزَّمَان أخيرا ... يحْسد الاول الاخير عَلَيْهِ) 5 وَكَانَ بِدِمَشْق بعض مناكر فتقيد بازالتها أَو تخفيفها وَمن جُمْلَتهَا لبس السوَاد خلف الْمَيِّت وَرفع الصَّوْت بالولولة وأعهده يَوْمًا فى جَنَازَة بعض أَقَاربه وأقاربى أَمر جماعته بِحمْل عصى تَحت أصوافهم فَلَمَّا خرجت الْجِنَازَة من بَاب السلسلة وباشر النِّسَاء الولولة أَشَارَ الى جماعته بضربهن فضربوهن وَلم يدعهن يخْرجن الى الْمقْبرَة وَله غير ذَلِك مِمَّا يحْمَدُوا الى هَذَا أَشَارَ الامير المنجكى أَيْضا فى مدحه (جوزيت من رب الْهدى عَن خلقه ... مَاذَا تشا وكفيت شَرّ الْحَسَد) (أبعدتهم عَن كل لَهو مرشدا ... حَتَّى اهْتَدَى من لم يكن بالمهتدى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 (وَصحت بك الدُّنْيَا فَلَيْسَ يرى بهَا ... من مُسكر الالحاظ الخرد) ثمَّ وجهت اليه الْمدرسَة السليمية بِدِمَشْق وَكَانَ بَعضهم يزْعم انه يطعن فى سُلْطَان الْعلمَاء والاولياء الشَّيْخ محيى الدّين الاكبر بن عربى قدس الله تَعَالَى سره الْعَزِيز فَلَمَّا ولى الْمدرسَة ظَهرت محبته لَهُ وَأثبت نسبه الى الشَّيْخ حسن القيمرى وَأخذ توليه البيمارستان بالصالحية وَجمع عقارات وأملاكا كَثِيرَة وَلم أسمع انه ألف أَو قَالَ شعرًا غير أَنى ظَفرت لَهُ بتحريرات على عِبَارَات فى التَّفْسِير وَالْفِقْه وَكَانَ فِيمَا يمليه مُسْتَوْفيا أَقسَام الْمُنَاسبَة وَمن املائه لمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة كل عزلا يوطده علم فالى ذل مصيره وَمِنْه لَو كشف الغطاء لما اختير غير الْوَاقِع من عرف الله أَزَال التهمه وَقَالَ كل فعله بالحكمة وَمِنْه قوام الدُّنْيَا بِأَرْبَع السُّلْطَان وجنده وَالْعُلَمَاء والصوفية والتجار وأرباب الصَّنَائِع وَغَيرهم من قبيل الاشراء والهمل قَالَ وَأوصى عبد الْمطلب قبل وَفَاته أَبَا طَالب بنبينا مُحَمَّد وَقَالَ فِيمَا أوصى بِهِ (أوصى ابا طَالب بعدى بذى رحم ... مُحَمَّد وَهُوَ فى ذَا النَّاس مَحْمُود) (هَذَا الذى تزْعم الاحبار ان لَهُ ... أمرا سيظهره نصر وتأييد) (فى كتب مُوسَى وَعِيسَى مِنْهُ بَيِّنَة ... كَمَا يحدثنى القوام العبابيد) (فاحذر عَلَيْهِ شرار النَّاس كلهم ... والحاسدين فان الْخَيْر مَحْسُود) وَمِنْه اللُّغَة أَرض وَبَقِيَّة الْعُلُوم غراساتها وَمن املائه للبحترى (الجاهلان اثْنَان من دون الورى ... فافطن أخى وان هما لم يفطنا) (من قَالَ مَا بِالنَّاسِ عَنى من غنى ... من جَهله أَو قَالَ بى عَنْهُم غنى) وَلما انْحَلَّت بقْعَة درس الحَدِيث تَحت قبَّة النسْر بِجَامِع بنى أُميَّة عَن الشَّيْخ سعودى الغزى مفتى الشَّافِعِيَّة الْمُقدم ذكره طلها الاسطوانى من قاضى الْقُضَاة وَاجْتمعَ هُوَ وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن تَاج الدّين المحاسنى فى مجْلِس القاضى وَكَانَ الآخر طَالبا لَهَا فَوَقع بَينهمَا مقاولة ومخاصمة وَقيل انهما تشاتما بِأَلْفَاظ قبيحة ثمَّ وجهت الْبقْعَة للمحاسنى وَمرض الاسطوانى من يَوْمه وَبعد أسبوعين توفى وَلم تطل مُدَّة الآخر حَتَّى توفى بعده وقرأت بِخَط الاسطوانى ان وِلَادَته كَانَت لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر الْمحرم سنة سِتّ عشرَة بعد الالف وَتوفى قبيل الظّهْر من يَوْم الاربعاء سادس وعشرى الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف بالحمى المحرقة وَدفن بمقبرة الفراديس الْمَعْرُوفَة بالغرباء وَقَالَ شَيخنَا عبد الْغنى النابلسى فى تَارِيخ وَفَاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 (قدمات حاوى الْعُلُوم طرا ... مُحَمَّد كعبة الْوُفُود) (الاسطوانى طود علم ... وَمن تسامى بفرط جود) (فضر كل الانام أرخ ... ممات عَلامَة الْوُجُود) مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر حماده الحمادى الشافعى الْكَاتِب الاديب الْفَاضِل كَانَ من رُؤَسَاء الْكتاب بديوان دجرجا قَصَبَة صَعِيد مصرا الْعُظْمَى قدم مصر وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ سُلْطَان المزاحى ومعاصريه وَكَانَ قَرَأَ بِبَلَدِهِ على شُيُوخ كثيرين وَله رِوَايَات عالية فى الحَدِيث وَكَانَ عذب اللِّسَان قوى الْجنان لَهُ معرفَة جَيِّدَة بعلوم الطَّرِيق وَألف فِيهِ رسائل وَله مِعْرَاج على أسلوب غَرِيب وَهُوَ انه جرد سؤالا من نَفسه فى حَقِيقَة الْخمْرَة الَّتِى يتغزل بهَا العارفون واليها يشيرون وعنها يخبرون ويصفونها بالسكر والغيبة وفى كَيْفيَّة الِاتِّصَال الى تِلْكَ الْمرتبَة وَمَتى يتَقرَّب اليها من اجتباه تَعَالَى وقربه وَأجَاب عَنهُ وَله أشعار كَثِيرَة وَلم يحفظ لَهُ الا هَذَا الْبَيْت من قصيدة وَهُوَ (وسرت الى مَا أحجم الْعقل دونه ... ونلت أمورا لَا يُحِيط بهَا فكرى) وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف يدجرجاً وَبهَا دفن رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَحْمد أَبى عصبَة بن الهادى من ذُرِّيَّة الشَّيْخ اسماعيل الحضرمى موقف الشَّمْس المدفون ببلدة الضُّحَى بِقرب بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل واشتهر بالعبادى نِسْبَة لجده لامه الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد البكرى العبادى نِسْبَة الى عبَادَة قَرْيَة بِمصْر وَكَانَ جده الْمَذْكُور من أكَابِر الاولياء الآخذين عَن الشَّيْخ القطب بدر الدّين العادلى الْمَشْهُور قَبره بِمَكَّة ولد صَاحب التَّرْجَمَة بِمَكَّة سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف تَقْرِيبًا وَنَشَأ فى حجر وَالِده أُمِّيا وَظَهَرت لَهُ فى أَوَاخِر عمره خوارق عادات عَجِيبَة مَعَ انه كَانَ سالكا طَرِيق الملامتية فى تخريب الظَّاهِر بِأَكْل الْحَشِيش والاكثار مِنْهُ الا أَن كثيرا مِمَّن تعاطى شربه عِنْده أخبر بِأَنَّهُ مَا أثر فِيهِ مَعَ انه أَكثر مِنْهُ جدا واستبدل بذلك على انقلاب عينه أَو بطلَان ضَرَره وَمن كراماته مَا أخبر بِهِ ثِقَة ان جمَاعَة وفدوا عَلَيْهِ للزيارة فَأمره أَن يصب لَهُم قهوة من اناء معِين وَقد تحقق الْمَأْمُور خلوه من القهوة وَلم يسْتَطع أَن يواجه أمره بالاباء عَن صب القهوة فَأمره ثَانِيًا فامتثل أمره فَتَنَاولهَا ليصب مِنْهَا فَوَجَدَهَا ملآنة قهوة فصب لَهُم مِنْهَا مَا كفاهم وَبقيت بِحَالِهَا وَمِنْهَا أَن شخصا صَادِقا أخبر انه يطير فى الْهَوَاء وَمِنْهَا ان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 كثيرين شاهدوا مِنْهُ الصّرْف من الْغَيْب فِيمَا يُنْفِقهُ فى بعض أوقاته وَمِنْهَا ان شخصا كَانَ يحب آخر لغَرَض فَاسد فَذهب مَعَه لمحل ليختلى بِهِ فَمر من تَحت بَيت المترجم فَرَآهُ فناداه فطلع اليه فَأمره بِالْجُلُوسِ مَعَ صَاحبه بَقِيَّة يَوْمه ومنعهما من الذّهاب وجلسا عِنْده فى ذَلِك الْيَوْم الى آخر النَّهَار فَأَمرهمَا بالانصراف وَقَالَ للمحب يَا فلَان ذهب عَنْك الْحَال الذى كنت فِيهِ الْيَوْم قَالَ فَزَالَ وَالله من ذَلِك الْوَقْت عَنى جَمِيع مَا كنت أَجِدهُ من تِلْكَ الْمحبَّة الْمَذْكُورَة وتبت الى الله تَوْبَة خَالِصَة وَله من هَذَا الْقَبِيل كرامات كَثِيرَة لَا يُمكن استقصاؤها لكثرتها وَمن غَرِيب مَا اتّفق لَهُ ان ثَلَاثَة من أَصْحَابه زاروه يَوْمًا سنة مَوته فتذاكروا الْمَوْت فَقَالُوا لَهُم على سَبِيل المداعبة قد قربت وفاتى جدا وَأَنت يَا فلَان تلحقنى بِسُرْعَة ثمَّ فلَان ثمَّ فلَان فصاحوا عَلَيْهِ وَقَالُوا مَا كَانَ لنا حَاجَة بِهَذَا الْكَلَام فَقَالَ لابد من ذَلِك فَمَا مَضَت أَيَّام قَليلَة حَتَّى مَاتَ ولحقه المذكورون كَمَا ذكر وَاحِدًا بعد وَاحِد وَكَانَت وَفَاته فى يَوْم الاربعاء ثَالِث وعشرى شهر ربيع الثانى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن ببيته الذى كَانَ يسكنهُ ملاصقا لقبر أَبِيه وجده لامه بِقرب جبل شظا على طَرِيق الذَّاهِب الى المعلاة رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن أَحْمد بن على البهوتى الحنبلى الشهير بالخلوتى المصرى الْعَالم الْعلم امام الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول الْمُفْتى الْمدرس ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَأخذ الْفِقْه عَن الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن البهوتى الحنبلى تلميذ الشَّمْس مُحَمَّد الشامى صَاحب السِّيرَة ولازم الْعَلامَة مَنْصُور البهوتى الحنبلى وَأخذ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة عَن الشهَاب الغنيمى وَبِه تخرج وانتفع واختص بعده بِالنورِ الشبراملسى ولازمه فَكَانَ لَا يُفَارِقهُ فى دروسه من الْعُلُوم النظرية وَكَانَ يجرى بَينهمَا الدَّرْس محاورات ونكات دقيقة لَا يعرفهَا من الْحَاضِرين الا من كَانَ من أكَابِر الْمُحَقِّقين وَكَانَ الشبراملسى يجله ويثنى عَلَيْهِ ويعظمه ويحترمه وَلَا يخاطبه الا بغاية التَّعْظِيم لما هُوَ عَلَيْهِ من الْفضل ولكونه رَفِيقه فى الطّلب وَلم يزل ملازما لَهُ حَتَّى مَاتَ وَكتب كثيرا من التحريرات مِنْهَا تحريراته على الاقناع وعَلى الْمُنْتَهى جردت بعد مَوته من هَامِش نُسْخَة فبلغت حَاشِيَة الاقناع اثنى عشر كراسا وحاشية الْمُنْتَهى أَرْبَعِينَ كراسا وَله شعر مِنْهُ قَوْله (سمحت بعد قَوْلهَا لفؤادى ... ذب أسى يَا فُؤَاده وتفتت) (وَنَجَا الْقلب من حبائل هجر ... نصبتها لصيده ثمَّ حلت) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وَقَوله (كَانَ الدَّهْر فى خفض الاعالى ... وفى رفع الاسافلة اللئام) (فَقِيه عِنْده الاخبار صحت ... بتفضيل السُّجُود على الْقيام) يُشِير الى أَن كَثْرَة السُّجُود أفضل من الْقيام بِنَاء على مَذْهَب الْحَنَابِلَة وَكَانَت وَفَاته بِمصْر بعد نصف لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشر ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف السَّيِّد مُحَمَّد يحيى بن الامير أَحْمد نظام الدّين بن مَعْصُوم الحسينى أَخُو السَّيِّد على صَاحب السلافة قَالَ أَخُوهُ فى وَصفه أخى وشقيقى وَابْن أَبى وصديقى وَمن لَا أرى غَيره بى أَحَق اذا حصحص الْحق لَا كَمَا قَالَ مهيار (سَأَلتك بالمودة يَا ابْن ودى ... فانك بى من ابْن أَبى أَحَق) ماجد ثبتَتْ فى الْمجد وثائقه وفاضل تشبثت بِالْفَضْلِ علائقه أحرز من الادب النَّصِيب الاوفر وَتمسك مِنْهُ بِمَا أخجل طيب نشره بالمسك الاذفر الى دماثة شيم واخلاق مَا شان قشيب أبرادها اخلاق وَصدق صداقة وَصفا وَحسن مَوَدَّة ووفا أبرم بهما عقد اخائه وهب بذكائهما نسيم رخائه وَله شعر تَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب طرائقه وَيملك مسامع أولى الاشواق شائقه ورائقه فَمِنْهُ قَوْله (تذكرت أَيَّام الحجيج فأسبلت ... جفونى بِمَاء واستجد بى الوجد) (وأيامنا بالمشعرين الَّتِى مَضَت ... وبالخيف اذ حادى الركاب بِنَا يَحْدُو) وَقَوله مُخَاطبا لى (وَمَا شوق مقصوص الجناحين مقْعد ... على الضيم لم يقْعد عَن الطيران) (بِأَكْثَرَ من شوقى اليك وانما ... رمانى بِهَذَا الْبعد مِنْك زمانى) وَقَوله أَيْضا (أَلا لاسقى الله البعاد وجوره ... فان قَلِيلا مِنْهُ عَنْك خطير) (وَوَاللَّه لَو كَانَ التباعد سَاعَة ... وَأَنت بعيدانه لكثير) وَقَوله أَيْضا (أَلا يَا زَمَانا طَال فِيهِ تباعدى ... أما رَحْمَة تَدْنُو بهَا وتجود) (لألقى الذى فَارَقت انسى اذ نأى ... فها أَنا مسلوب الْفُؤَاد فريد) وَكتب الى مادحا وعَلى فنن البلاغة صادحا وَذكر لَهُ قصيدة انتخبت مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَار ومطلعها (أفق أيهذا الْقلب عَمَّا تحاوله ... فانك مهما زِدْت زَاد تَشَاغُله) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 (دع الدَّهْر يفعل كَيفَ شَاءَ فقلما ... يروم امْرُؤ شَيْئا وَلَيْسَ يواصله) (وَمَا الدَّهْر الا قلب فى أُمُوره ... فَلَا يغترر فى الْحَالَتَيْنِ معامله) (وَيَا طالما طَابَ الزَّمَان لواجد ... فسر وَقد ساءت لَدَيْهِ أَوَائِله) (سقى ورعى الله الْحجاز وَأَهله ... ملثا تعم الارض سقيا هُوَ اطله) (فان بِهِ دارى وَدَار عزيزة ... على وَمهما أشغل الْقلب شاغله) (وَلَكِن لى شوقا الى خلتى الَّتِى ... مَتى ذكرت للقلب هَاجَتْ بِلَا بله) (أَبيت ولى مِنْهَا حنين كأننى ... طريح طعان قد أُصِيبَت مقاتله) (هوى لَك مَا أَلْقَاهُ يَا عذبة اللمى ... والا فصعب مَا أَنا الْيَوْم حامله) (أكابد فِيك الشوق والشوق قاتلى ... وأسأل عَمَّن لم يجب من يسائله) (تقى الله فى قتل امْرِئ طَال سقمه ... والا فان الهجر لَا شكّ قَاتله) (صليه فقد طَال الصدود فقلما ... يعِيش امْرُؤ والصد مِمَّن يقاتله) (حَزِين لما يلقاه فِيك من الجوى ... فها هُوَ مضنى مدنف الْجِسْم ناحله) (بلَى ان يكن لى من على وعزمه ... معِين فانى كلما شِئْت نائله) فَرَاجعه عَنْهَا بقوله (اليك فقلبى لَا تقر بلابله ... اذا مَا شدت فَوق الغصون بلابله) (تهيج لى ذكرى حبيب مفارق ... زر ود وخروى والعقيق مَنَازِله) (سقاهن صوب الدمع منى ووبله ... منَازِل لَا صوب الْغَمَام ووابله) (يحل بهَا من لَا أصرح باسمه ... غزال على بعد المزارا غازله) (تقسمه لِلْحسنِ عبل ودقة ... فرن وشاحاه وَصمت خلاخله) (وَمَا أَنا بالناسى ليالى بالحمى ... تقضت وَورد الْعَيْش صفو مناهله) (ليالى لَا ظبى الصريم مصارم ... وَلَا ضَاقَ ذرعا بالصدود مواصله) (وَكم عاذل قلبى وَقد لج فى الْهوى ... وَمَا عَادل فى شرعة الْحبّ عاذله) (يلوموه جهلا بالغرام وانما ... لَهُ وَعَلِيهِ بره وغوائله) (فَللَّه قلب قد تَمَادى صبَابَة ... على اللوم لَا تنفك تغلى مراجله) (وبالحلة الفيحاء من أبرق الْحمى ... رداح حماها من قِنَا الْخط ذابله) (تميس كَمَا مَاس الردينى مائدا ... وتهتز عجبا مثل مَا اهتز عَامله) (مهفهفة الكشحين طاوية الحشا ... فَمَا مائد الْغُصْن الرطيب ومائله) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 (تعلقتها عصر الشبيبة وَالصبَا ... وَمَا علقت بِي من زمانى حبائله) (حذرت عَلَيْهَا آجل الْبعد والنوى ... فعاجلنى من فادح الْبَين عاجله) (الى الله يَا أَسمَاء نفسا تقطعت ... عَلَيْك غراما لَا أَزَال أزاوله) (وخطب بعاد كلما قلت هَذِه ... أواخره كرت على أَوَائِله) (لَئِن حَار دهر بالتفرق واعتدى ... وغال التدانى من دهى الْبَين غائله) (فانى لارجو نيل مَا قد أملته ... كَمَا نَالَ من يحيى الرغائب آمله) (من النَّفر الغر الَّذين بمجدهم ... تأطد ركن الْمجد وَاشْتَدَّ كَاهِله) (لقد ألبست نفس المعالى بروده ... وزرت على شخص الْكَمَال غلائله) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَجَاء تَارِيخ مولده لبَعْضهِم من أَبْيَات (ان قلت مَا تَارِيخ مولده فَقل ... حبر الزَّمَان بدى بأشرف طالع) وَذهب الى وَالِده بِالْهِنْدِ وَأقَام الى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته بهَا فى سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْعُمْرَى الْمَعْرُوف بِابْن عبد الهادى الدمشقى الصوفى الشَّيْخ الْبركَة المعمر بَقِيَّة السّلف كَانَ من خير خلق الله مهاب الشكل عَلَيْهِ نور الْولَايَة وَالصَّلَاح وَكَانَ عَالما بالعقائد والتصوف وَكَلَام الْقَوْم حسن الْفَهم مداوما على الدَّرْس والافادة وانتفع بِهِ خلق وَكَانَ لطيف الطَّبْع حُلْو الْعبارَة متواضعاخلوقا وَلم يكن أَصْبِر مِنْهُ على الْفَاقَة وَحكى لى بعض من أعْتَمد عَلَيْهِ انه سَمعه مرّة يَقُول أَنا من مُنْذُ ثَلَاث سنوات لم أر فى يدى شَيْئا من الْمُعَامَلَة وَلَيْسَ ذَلِك تورعا وانما هُوَ لعدم دخل شئ وَكَانَ طَرِيقه المتَوَكل التَّام أخبرنى هَذَا الْمخبر انه كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ كتابا الغزالى وصل فِيهِ الى التَّوَكُّل قَالَ فقرر لى فى التَّوَكُّل أَشْيَاء متداولة وَلم يزدْ قَالَ فَقلت لَهُ أُرِيد مَا يعرفنى حَقِيقَة التَّوَكُّل فَقَالَ فى غَد اتينى الى الْجَامِع الاموى وَلَا تصْحَب مَعَك شَيْئا من الدَّرَاهِم وصل الصُّبْح عِنْد محراب الْمَالِكِيَّة ثمَّ انتظرنى ثمَّة قَالَ فَفعلت مَا قَالَ لى فَلَمَّا فَرغْنَا من صَلَاة الصُّبْح أَخذ بيدى وَمَشى فتبعته حَتَّى انتهينا الى ميدان الْحَصَا وَكنت بلغت الْجهد من الْجُوع وفقد القهوة قَالَ فَدَعَانَا شخص الى دَاره فسرنا فَقدم لنا مائدة عَظِيمَة فأكلنا وَأمره الشَّيْخ بِأَن يسقينى قهوة ثمَّ مضينا فَدَعَانَا آخر فى القبيبات ثمَّ خرجنَا الى خَارج بَاب الله فَوقف الشَّيْخ يقْرَأ الْفَاتِحَة للشَّيْخ الحصنى قَالَ وَكَانَ التَّعَب أمضنى وخشيت أَن يذهب بى الشَّيْخ الى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 قَرْيَة من الْقرى وَلَا أقدر على المشى قَالَ فَنحْن واقفون اذا بِرَجُل مكارى رَاكب على حمَار وَهُوَ يسحب بغلين فَقَالَ لنا ان أردتم التَّوَجُّه الى سبينه فاركبا هذَيْن البغلين قَالَ فَرَكبْنَا ومضينا الى سبينة فطلع أَهلهَا الى لِقَاء الشَّيْخ وأنزلوه فنزلنا وَحصل لنا اكرام زَائِد وبتنا تِلْكَ اللَّيْلَة هُنَاكَ ثمَّ خرجنَا فى الصَّباح وَمَا زلنا سَبْعَة أَيَّام وَنحن طائفون على قرى ومتنعمون بولائم حَتَّى جِئْنَا الى دمشق قَالَ فَقَالَ لى الشَّيْخ أَرَأَيْت حَقِيقَة التَّوَكُّل قلت بلَى وَله وقائع وكرامات كَثِيرَة جدا وَكَانَ يستسقى بِهِ الْغَيْث وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَهُوَ مَحل الِاعْتِقَاد وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ بعد الالف وَتوفى نَهَار الاحد سَابِع صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف قبيل الْغُرُوب بهنيئة وفى ثانى يَوْم صلى عَلَيْهِ فى الْجَامِع الاموى وَدفن بمقبرة بَاب الفراديس وَكَانَ تمرض مُدَّة طَوِيلَة وأخبرنى بعض الاخوان انه قبل أَن يَمُوت بيومين أسكت فَلم يتَكَلَّم بشئ الا صَبِيحَة وَفَاته فَسَمعهُ ابْنه الشَّيْخ مُحَمَّد يَقُول ديننَا حق ودينكم شكّ قَالَ فَقَالَ لَهُ يَا سيدى أَلَسْت عَن رَبك براض فَقَالَ بلَى وَكَانَ هَذَا آخر كَلَام قَالَه وَاتفقَ يَوْم دَفنه وُصُول الْعَالم الربانى الشَّيْخ مُرَاد الازبكى الى دمشق من الرّوم وَحكى أستاذنا الْعَلامَة المنلا عبد الرَّحِيم الهندى الكابلى نزيل دمشق وَكَانَ خرج الى اسْتِقْبَال الشَّيْخ مُرَاد الى القطيفة قَالَ قصد الشَّيْخ الرحيل مِنْهَا قبل رفقائه بِنَحْوِ أَربع سَاعَات قَالَ فَقلت لَهُ ان الطَّرِيق مخوف وَلَا يُمكن التَّوَجُّه الا مَعَ الرّفْقَة قَالَ فَقَالَ لى عرضت مهمة وَلَا يُمكن التَّخَلُّف عَنْهَا وَقَامَ وَركب فى التخت ثمَّ توجه وتوجهنا مَعَه فَلم يمض الاحصة حَتَّى نزل من التخت وَركب فرسا وأسرع فى السّير فنكا لَا نقدر على اللحاق بِهِ من شدَّة المشى حَتَّى وصلنا الى دومة فَقيل لنا ان الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الهادى قد مَاتَ فوصلنا الى دمشق وَلم ينزل الشَّيْخ مُرَاد الا فى الْجَامِع الاموى وَحضر الصَّلَاة على الشَّيْخ مُحَمَّد ثمَّ توجه الى الْمَكَان الذى هيئ لَهُ وَهَذِه من أجل الكرامات للرجلين مُحَمَّد صَاحب الْخَال ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن مُوسَى بن أَبى بكر صَاحب الْخَال الاكبر وَقد تقدم ذكر بَقِيَّة النّسَب لصَاحب الْخَال الاكبر جد صَاحب التَّرْجَمَة الامام الْعَلامَة الْفَقِيه قاضى اللِّحْيَة وَشَيخ الشَّافِعِيَّة بديار الْيمن وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام مَعَ التَّقْوَى والتحرى والاحاطة والزهد والقناعة والانكفاف عَن النَّاس الى خلق عَظِيم وطبع لطيف وجلالة قدر ونفوذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 كلمة ولد بِمَدِينَة اللِّحْيَة فى سنة أَربع عشرَة وَألف وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن والارشاد والملحة والرحبيبة وَغَيرهَا وَأخذ عَن وَالِده وتأدب بأدبه ولازم الْعَلامَة الشهير جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر حشيبر وَالشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبَا بكر بن مُحَمَّد القمرى وَالشَّيْخ الْعَالم مُحَمَّد باوزير الحضرمى وَالشَّيْخ الْجَلِيل مُحَمَّد بن الطَّاهِر فجم وَقدم مَكَّة سنة أَرْبَعِينَ وَألف وَأخذ بالحرمين عَن السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد الهادى باعلوى والحافظ الْمُحدث مُحَمَّد على بن عَلان والفقيه مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطائفى وَالشَّيْخ الْعَلامَة اسمعيل بن مُحَمَّد بن عمر حشيبر والفاضل ذهل بن على الحشيبرى وَكَانَت وَفَاته بِبَلَدِهِ لَيْلَة السبت سادس وعشرى صفر سنة مائَة وَألف وَصلى عَلَيْهِ غَائِبَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام يَوْم الْجُمُعَة خَامِس جُمَادَى الاولى من السّنة الْمَذْكُورَة مُحَمَّد بن اسمعيل الْفَتى الزبيدى كَانَ من عُلَمَاء الظَّاهِر أَولا فحصلت لَهُ جذبة بعد الاربعين وسلك عِنْد بعض الْمَشَايِخ حَتَّى وصل الى غَايَة مَا يتمناه وَهُوَ مُسْتَغْرق منجمع عَن النَّاس وَله كرامات ظَاهِرَة وأحوال سنية يُقَال انه غوث هَذَا الْعَصْر وَمن جملَة حَاله انه كَانَ يكْشف أَحْوَال الرِّجَال الَّذين يزورونه بِمُجَرَّد مَا يراهم قَالَ الْمولى فروخ المكى وصلت الى خدمته سنة أَربع بعد الالف وأقمت عِنْده مُدَّة ثمَّ قلت لَهُ يَا سيدى أُرِيد السّفر الى الْيمن لازور الْمَشَايِخ فَقَالَ الذى تُرِيدُ من الْمَشَايِخ عندنَا مَوْجُود وَلَا ينبغى لنا أَن يكون محبنا مُحْتَاجا الى آخر فَقلت لابد من الرواح فَقَالَ تروح وَلَكِن تتعب كثيرا قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ قَالَ أَيْضا وَقلت لَهُ عِنْد الْمُفَارقَة يَا سيدى قد أنست بك والآن أذهب الى الْحَرَمَيْنِ فَكيف يكون حالى بهما اذا غلب على الشوق الى لقائك قَالَ يُمكن أَن ترانى تَحت الْمِيزَاب أَو عِنْد الْمُلْتَزم قلت أَنا أُرِيد الارتحال الى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَالَ وَأَنا أصلى بهَا الْعَصْر يَوْم الْخَمِيس واشتغل بِالصَّلَاةِ على النبى من الْعَصْر الى آخر النَّهَار عِنْد بَاب السَّلَام مُحَمَّد بن اسماعيل بَافضل الحضرمى التريمى الامام الْفَقِيه الشافعى أحد الْعلمَاء الْمَشْهُورين ولد بِمَدِينَة تريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن والارشاد وَعرضه على مشايخه وتفقه بالشيخ حُسَيْن بن عبد الله بَافضل وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن حسن وَأخذ عَن شهَاب الدّين وَحج وَأخذ الْفِقْه عَن الشهَاب أَحْمد بن حجر الهيفى ولازمه فى دروسه الْفِقْهِيَّة وَغَيرهَا وَأخذ عَن تِلْمِيذه الشَّيْخ عبد الرؤف وَسمع بِمَكَّة من خلق كثيرين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 وَأذن لَهُ بالافتاء والتدريس غير وَاحِد من مشايخه وَأثْنى عَلَيْهِ جمَاعَة من الاولياء وَكَانَ لَهُ ذهن ثاقب وحافظة ضابطة وقريحة وقادة وفكر قويم مَعَ عقل وافر وأدب ظَاهر وَكَمَال مُرُوءَة وَحسب وفتوة ودرس وَأفْتى وَتَقْرِيره أمتن من كِتَابَته واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وتفقه بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُم القاضى أَحْمد بن حُسَيْن بلفقيه وَالسَّيِّد أَبُو بكر بن مُحَمَّد بافقيه صَاحب قيدون وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بافقيه وَبَنُو عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَغير هَؤُلَاءِ وَله فَتَاوَى كَثِيرَة لَكِنَّهَا غير مَجْمُوعَة وهى مفيدة جدا وَكَانَ من أورع أهل زمانة متقللا من الدُّنْيَا زاهدا فِيهَا وفى مناصبها وَكَانَ متقشفا فى مأكله وملبسه ومسكنه وَكَانَ لَهُ خطّ حسن وَيضْرب بِهِ الْمثل فى الصِّحَّة وَكتب بِخَطِّهِ عدَّة كتب وَجمع بَين الْعلم وَالْعِبَادَة والمجاهدة والزهادة وَكَانَ أعجوبة الدَّهْر فى الانابة واشتهر فى الديار الحضرمية بِانْفِرَادِهِ بتحقيق الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَكَانَت وَفَاته بِمَدِينَة تريم فى سنة سِتّ بعد الالف وَدفن بمقبرة الفويط والمنيرة وحزن النَّاس لفقده رَحمَه الله تَعَالَى الامام مُحَمَّد بن الامام اسمعيل المتَوَكل على الله بن الامام الْقسم بن مُحَمَّد بن على الامام الْمُؤَيد بِاللَّه كَانَ اماما جَلِيلًا عَالما عَاملا كثير الْخَوْف من الله سُبْحَانَهُ محبا للْفُقَرَاء صارفا بَيت المَال لمصارفة نَشأ على طَاعَة الله تَعَالَى من صغره لم يعْهَد لَهُ صبوة وَتَوَلَّى الاعمال المهمة فى زمن وَالِده وَولى صنعاء مُدَّة مديدة وكل بلد تولاها رفع عَنْهَا المكوس والمظالم قَرَأَ فى بدايته على القاضى أَحْمد بن سعد الدّين وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن المطهر الجرموزى وَأخذ الحَدِيث عَن مُحدث الشَّافِعِيَّة بِالْيمن الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الْمُفْتى وَأخذ عَن الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عمر الحبيشى وَغَيرهم وَحج فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وزار النبى وعمره نَحْو سبع عشرَة سنة وَمَعَهُ جمَاعَة من الاعيان وَأخذ عَن عُلَمَاء الْحَرَمَيْنِ وَلما توفى وَالِده عرضت عَلَيْهِ الامامة فأباها وتولاها الامام أَحْمد بن الْحسن الْمُقدم ذكره فَلَمَّا توفى أَحْمد بن الْحسن أجمع الائمة وَالْعُلَمَاء وَالنَّاس عَلَيْهِ وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ أحد فتولاها وَسَار سيرة الائمة الهادين وَعم النَّاس بِظِل عدله وَأمر باحياء الْعُلُوم والمدارس وَقرب الْعلمَاء وتعهد أَحْوَال الْفُضَلَاء وَأدّى حُقُوق الضُّعَفَاء وَأمر بِرَفْع الْمَظَالِم وَلَكِن لِكَثْرَة علمه وَعدم بطشه وتوقفه عَن الاقدام على الفتك لم تمتثل أمره بَاطِنا الائمة من بنى الْقَاسِم من اخوانه وَبنى عَمه فَكَانَ اذا أَمر بِرَفْع الْمَظَالِم وَأرْسل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 أحدا فى شَأْنه يمتثلون أمره ظَاهرا فاذا رَجَعَ مأموره رجعُوا لما هم عَلَيْهِ من الظُّلم وكل مِنْهُم بسط يَده على بِلَاد فكثرت الْفِتَن بِسَبَب ذَلِك وَكَانَ مُرَاده أَخذهم بالحيلة والسياسة فَلم تطل مدَّته وَتوفى وَكَانَت وَفَاته فى ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَتِسْعين وَألف وَتَوَلَّى بعده الامامة مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن وَبَايَعَهُ غَالب الائمة والاعيان ودانت لَهُ الْبِلَاد وَالنَّاس أشهرا فَلَمَّا لم تحمد سيرته لعدم ترويه فى الامور قَامَ عَلَيْهِ وَلَده عبد الله مَعَ جملَة من اخوانه وَمن بنى الامام المتَوَكل اسماعيل وخلعوه من الامامة وولوا الامامة يُوسُف بن المتَوَكل وَبَايَعَهُ النَّاس وغالب الائمة وَبسط عماله يدهم على الْبِلَاد وجهز الجيوش على الامام مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَذْكُور فحصروه بقلعة الْحصن الْمَشْهُور بالمنصورة ثمَّ قويت شوكته وَقَامَ ثَانِيًا ودانت لَهُ الْيمن واستقل بالامر وَبَايَعَهُ غَالب النَّاس طَوْعًا أوكرها مُحَمَّد بن الياس المدنى الْخَطِيب قَالَ بعض الْفُضَلَاء فى حَقه أحد الْفُضَلَاء الاكياس المثرين من نقود الادب الفائقة على نقود الاكياس طابت أنفاسه بِأَنْفَاسِ طابه وملأ من نفائس الْآدَاب والفضائل وطابه فَهُوَ اذا خطب خطب عرائس الافكار وَأجِيب اليها ونصت عَلَيْهِ فى أرائك البلاغة فَبنى علينا واذا كتب كبت الْعَدو والحسود وَأقر بفضله السَّيِّد والمسود لم يزل فى جوَار رَسُول الله حَتَّى انْتقل الى جوَار الله فَمن شعره مَا كتب بِهِ مجيبا للقاضى تَاج الدّين المالكى وَقد أرسل اليه بهدية قَوْله (مولاى قدرك أَعلَى ... من كل شئ وأغلى) (وَقد بعثت بِمَا ان ... ينمى لقدرك قلا) (وَلَا أرَاهُ يوازى ... بِذَاكَ حاشا وكلا) (من ذَا يُبَارى كَرِيمًا ... فى الْجُود حَاز الْمُعَلَّى) (أم من يجارى جوادا ... فى حلبة الْفضل جلى) (فاقبل لتشفع فضلا ... بِهِ تطولت فضلا) فَأَجَابَهُ القاضى تَاج الدّين بقوله (يَا سيدا واماما ... قد طَابَ فرعا وأصلا) (خرت المكارم قدما ... وطبت قولا وفعلا) (غمرت بالجود عبدا ... لَا زلت للفضل أَهلا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 (ودمت مولى كَرِيمًا ... فَأَنت أَحْرَى وَأولى) وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاحد ثانى شهر ربيع الثانى سنة سِتّ وَسبعين وَألف بِالْمَدِينَةِ وَدفن بِالبَقِيعِ قلت وَلِهَذَا الاديب أَخ اسْمه عبد الله ذكره ابْن مَعْصُوم لَكِن لم يذكر وَفَاته وَأَنا لم أَقف عَلَيْهَا فَأَرَدْت أَن أذكرهُ هُنَا لِئَلَّا يَخْلُو كابى من ذكره فَأَقُول قَالَ ابْن مَعْصُوم فى تَرْجَمته أديب يرفل فى حلل الْجمال ويرتع فى رياض الْكَمَال الى شمائل لرقة الشُّمُول ناسخة وآداب فى مقرّ الاحسان راسخة رَأَيْته فَرَأَيْت الْبشر مجلوا فى صورته والظرف متلوا من سورته وَله نثر ونظم يملكَانِ المسامع لطفا ويشبهان قائلهما رقة وظرفا فَمن شعره قَوْله فى الْعرُوض (ان الْعرُوض لبحر ... تعوم فِيهِ الخواطر) (وكل من عَام فِيهِ ... دارت عَلَيْهِ الدَّوَائِر) وقرأت بِخَط السَّيِّد مُحَمَّد كبريت مَا نَصه أنشدنى اجازة لنَفسِهِ سيدى الْعَفِيف عبد الله بن الْخَطِيب الياس سلما من الْمَكْرُوه والباس (يَا سيدى قُم لى وَلَا ... تخشى بحرمتك الْعِنَب) (كَيْلا يُقَال مقصر ... فَأَكُون فِيهِ أَنا السَّبَب) فَقلت وان لم يبلغ الظالع شأو الظليع (لم لَا أقوم لسيدى ... من غير أَن أخْشَى العتب) (وَهُوَ الذى قَامَت لَهُ ... بثنائها عليا الرتب) قَالَ وَقلت فى الْمَعْنى (أقوم على الرَّأْس لما بدا ... جمالك لَا لاجتناب العتب) (وَلم لَا أقوم وَأَنت الذى ... لعلياه قَامَت كرام الرتب) ولبعضهم فى الْمَعْنى (قيامى للعزيز على فرض ... وَترك الْفَرْض مَالا يَسْتَقِيم) (فَهَل أحد لَهُ عقل ولب ... وَمَعْرِفَة يراك وَلَا يقوم) وَمَا ألطف قَول بَعضهم معتذرا عَن عدم الْقيام (عِلّة سميت ثَمَانِينَ عَاما ... منعتنى للاصدقاء القياما) (فاذا عمروا تمهد عذرى ... عِنْدهم بالذى ذكرت وقاما) ذكرت بِهَذَا مَا حَكَاهُ أَرْبَاب السّير عَن الصاحب اسماعيل بن عباد انه لما كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 بِبَغْدَاد قصد القاضى أَبَا السَّائِب عَتبه بن عبيد لقَضَاء حَقه فتثاقل فى الْقيام لَهُ وتحقر تحقرا أرَاهُ بِهِ ضعف حركته وقصور نهضته فَأخذ الصاحب بضبعه وَقَالَ نعين القاضى على حُقُوق اخوانه فَخَجِلَ القاضى واعتذار اليه وَرَأَيْت بِخَط السَّيِّد مُحَمَّد كبريت الى سدته الْعلية أعنى الْخَطِيب الْمَذْكُور (يأيها الْمولى الذى فاق الورى ... بِبَيَان مَنْطِقه البديع الزين) (هَات افتنا فى زيد المخفوض فى ... مَا قَامَ الا زيد الْمِسْكِين) فَكتب مجيبا (يَا من بشمس علومه زَالَ المرا ... فغدا بمصباح الْهدى كَالْعَيْنِ) (انى أَقُول جوابكم وبى الجوى ... فى فَرد بَيت زَان فى الْعَينَيْنِ) (زيد تصور جَرّه باضافة ... للال وَهُوَ الْعَهْد للاثنين) حاكته أيدى الوداد بأنامل الاخلاص وسبكتها فى قوالب الِاتِّحَاد فَمَا حاكتها سبائك الْخَلَاص الى الحضرة الَّتِى يحِق لى أَن أحن اليها وأشتاق ويليق لى أَن أطير مَعَ حمائم البطائق لأفد عَلَيْهَا لَو أَن ذَلِك مِمَّا يُطَاق تهدلت أَغْصَان دوحة رياسته وتهللت جباه جلالته ونفاسته حب موثوق بالعرى وقلب منبوذ بالعرا (أأتخذ الْعرَاق هوى ودارا ... وَمن أهواه فى أَرض الشآم) بيد أَن لَهُ فى سَعَة الْفضل رجا وفى اجْتِمَاع الشمل مَا تحار فِيهِ عقول أولى الحجا وَلَا يزَال بتذكر سويعات مرت مَا كَانَ أحلاها وأويقات لَيْسَ فى يَده الا أَنه يتمناها (فياما كَانَ أحْسنه زَمَانا ... وياما كَانَ أطيبه وياما) وَبعد كل حَال فسلامة الْمولى هى مُنْتَهى الطّلب اذا كَانَ فى صِحَة فَمَا أَنا الا فِيهَا أتقلب مُحَمَّد بن أَيُّوب بن أَحْمد بن أَيُّوب الخلوتى الحنفى الدمشقى تقدم ذكر وَالِده وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا من فضلاء وقته أديبا مطبوع الطَّبْع حسن المعاشرة خَفِيف الرّوح مَعَ صَلَاح وتقوى وَعبادَة أَخذ الْعلم عَن وَالِده وَغَيره من عُلَمَاء عصره وَلزِمَ الشَّيْخ أَحْمد ابْن على العسالى مَعَ وَالِده فى طَرِيق الخلوتية وَكَانَ ينظم الشّعْر وَلم أَقف لَهُ الا على هَذَا الْمَقْطُوع فى ذمّ العذار وَهُوَ (يَا صَاح ان الشّعْر يزرى بذى الْحسن وان كَانَ بهى الْجمال ... ) (أما ترى الانفس من شَعْرَة ... تعاف للْمَاء الْفُرَات الزلَال) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 وَهَذَا معنى تداولته الشُّعَرَاء وَالسَّابِق اليه أَبُو اسحق الغزى فى قَوْله (يَقُولُونَ مَاء الْحسن تَحت عذاره ... على الْحَالة الاولى وَذَاكَ غرور) (أَلسنا نعاف الشّرْب من أجل شَعْرَة ... اذا وَقعت فى المَاء وَهُوَ نمير) وَكَانَ مغرما بالجمال وَله مجون مستعذب يُؤثر عَنهُ الْكثير مِنْهُ حكى لى بعض الاخوان قَالَ دخل دمشق شخص من أهالى حلب وَكَانَ ذَا مَال وافر وَلكنه جَاهِل فأنزله وَالِد المترجم عِنْده وَكَانَ يعتنى بالتمشدق فى الالفاظ يظنّ أَنه يجريها على قَاعِدَة الاعراب فَرُبمَا قَالَ فى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سُبْحَانَهُ بِكَسْر النُّون وَكَانَ الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة يكرههُ فاتفق انه دَعَا جمَاعَة وَمَعَهُمْ غُلَام كَانَ يهواه فَدخل عَلَيْهِم الحلبى وَثقل عَلَيْهِم وَبدل صُورَة مجلسهم بِذكر مَا مَعَه من المَال فَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد سُبْحَانَ الله الرجل يملك مائَة ألف قِرْش وَيَقُول سُبْحَانَهُ بِكَسْر النُّون ويتطفل وَأَنا أقولها صَحِيحَة وَلَا أتطفل وَمَا معى وَلَا الدِّرْهَم الْفَرد وَله من هَذَا النَّوْع أَشْيَاء أخر وَلما مَاتَ وَالِده صَار شَيخا بعده وَأقَام ميعادهم بالجامع لكنه لم تطل مدَّته وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ من الْفُضَلَاء أهل الذَّوْق وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ عشرَة بعد الالف وَتوفى فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن عِنْد وَالِده بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن بدر الدّين الملقب محيى الدّين الشهير بالمنشى الرومى الاقحصارى الحنفى الْمُفَسّر كَانَ من أجلاء الْعلمَاء الْمُحَقِّقين صنف تَفْسِيره الْمَشْهُور وَاقْتصر فِيهِ على قِرَاءَة حَفْص وَشرع فى تأليفه ببلدته اقحصار من أَعمال صَار وخان فى مستهل شهر رَمَضَان سنة احدى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَله فى هَذَا التَّفْسِير لطائف كَثِيرَة مِنْهَا انه استخرج معميين أَحدهمَا اسْم مُحَمَّد استخرجه من أول سُورَة الْحَمد وَأول سُورَة الْبَقَرَة وَفِيه عمل عَجِيب وحله سهل مُمْتَنع اذ استخراجه على أَن تكون ألف وَلَام الْحَمد ميما والثانى فى اسْم هود واستخرجه من سُورَة هود من قَوْله تَعَالَى {وَمَا من دَابَّة الا هُوَ آخذ بناصيتها} واشارته ظَاهِرَة قلت قَوْله تَعَالَى {مَا فرطنا فى الْكتاب من شئ} يرشد الى أَمْثَال هَذَا الاستخراج على الْوَجْه الذى لَا يبعد عَن الطَّبْع من غير احْتِيَاج الى مَعُونَة خارجية على ان بَعضهم استخرج اسْم هَاشم من قَوْله تَعَالَى {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} بِالْعَمَلِ العددى وَهُوَ ان عدد قمر ثلثمِائة وَأَرْبَعُونَ وهى عدد تَلَاهَا فَهُوَ هَاشم وَهَذَا الاستخراج قريب الى الِاسْتِحْسَان لَا كاستخراج اسْم شهَاب من قَوْله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 {وَاللَّيْل إِذا يَغْشَاهَا} على أَن يُرَاد من لَفْظَة ليل مرادفه الفارسى وَهُوَ شب غشى هَا فَهَذَا وان كَانَ صَحِيحا الا ان اسْتِعْمَال الفارسى فِيهِ بعد وَالْفَقِير وقفت على تَفْسِير المنشى هَذَا فَرَأَيْت لَهُ عِبَارَات لَطِيفَة مستحسنة وَقد قرظ لَهُ عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم شيخ الاسلام مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الياس الْمَعْرُوف بجوى زَاده فَقَالَ فِيهِ (أكْرم بتفسير كروض ناضر ... لم يمل حبر مثله بمحابر) (حاو لكل فَوَائِد كقلائد ... وبدائع خطرت ببال عاطر) (بِعِبَارَة قد أحكمت وبراعة ... قد ابكمت لسن البليغ الماهر) (شمس المعارف والفضائل أشرقت ... يهدى سناها كل قلب حائر) (مولَايَ محيى الدّين دمت منولا ... من يم فضلك كل در فاخر) وَمِمَّا ينْسب الى المنشى من الشّعْر قَوْله يمدح البيضاوى (أولُوا الالباب لم يألوا ... بكشف قناع مَا يُتْلَى) (وَلَكِن فِيهِ للقاضى ... يَد بَيْضَاء لن تبلى) وَكَانَ صَار شيخ الْحرم النبوى فى آخر الربيعين من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ورحل الى الْمَدِينَة وسكنها وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ بِالْحرم المكى فى سنة احدى بعد الالف مُحَمَّد بن بدر الدّين بن بلبان البعلى الاصل الدمشقى الصالحى الْفَقِيه الْمُحدث الحنبلى الْمَذْهَب المعمر أحد الائمة الزهاد من كبار أَصْحَاب الشهَاب بن أَبى الْوَفَاء الوفائى الحنبلى الْمُقدم ذكره فى الحَدِيث وَالْفِقْه ثمَّ زَاد عَلَيْهِ فى معرفَة فقه الْمذَاهب زِيَادَة على مذْهبه وَكَانَ يقرى فى الْمذَاهب الاربعة وَسمع ببعلبك وبدمشق على الشهَاب العيثاوى وَالشَّمْس الميدانى وَأفْتى مُدَّة عمره وانتهت اليه رياسة الْعلم بالصحالية بعد وَفَاة الشَّيْخ على القبودى وَكَانَ عَالما ورعا عابدا قطع أوقاته فى الْعِبَادَة وَالْعلم وَالْكِتَابَة والدرس والطلب حَتَّى مكن الله تَعَالَى مَنْزِلَته من الْقُلُوب وأحبه الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ دينا صَالحا حسن الْخلق والصحبة متواضعا حُلْو الْعبارَة كثير التحرى فى أَمر الدّين وَالدُّنْيَا مُنْقَطِعًا الى الله تَعَالَى وَكَانَ كثيرا مَا يُورد كَلَام الْحَافِظ أَبى الْحسن على بن أَحْمد الزيدى نِسْبَة لزيد بن على بن الْحُسَيْن لانه من ذُريَّته ويستحسنه وَهُوَ قَوْله اجعلوا النَّوَافِل كالفرائض والمعاصى كالكفر والشهوات كالسم ومخالطة النَّاس كالنار والغذاء كالدواء وَكَانَ فى أَحْوَاله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 مُسْتَقِيمًا على أسلوب وَاحِد مُنْذُ عرف فَكَانَ يأتى من بَيته الى الْمدرسَة العمرية فى الصَّباح فيجلس فِيهَا وأوقاته منقسمة الى أَقسَام اما صَلَاة أَو قِرَاءَة قُرْآن أَو كِتَابَة أَو اقراء وانتفع بِهِ خلق كثير وَأخذ عَنهُ الحَدِيث جمع من أَعْيَان الْعلمَاء مِنْهُم الامام الْمُحَقق مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربى والوزير الْكَبِير مصطفى باشا بن مُحَمَّد باشا الكوبرى وَابْن عَمه حُسَيْن الْفَاضِل وأشياخنا الثَّلَاثَة أَبُو الْمَوَاهِب الحنبلى وَعبد القادرين عبد الهادى وَعبد الحى العكرى وَغَيرهم وحضرته أَنا وقرأت عَلَيْهِ فى الحَدِيث وَاتفقَ أهل عصرنا على تفضيله وتقديمه وَله من التآليف مُخْتَصر فى مذْهبه صَغِير الحجم كثير الْفَائِدَة وَله محَاسِن ولطائف مَعَ الْعلمَاء وَولى خطابة الْجَامِع المظفرى الْمَعْرُوف بِجَامِع الْحَنَابِلَة وَكَانَ النَّاس يقصدون الْجَامِع الْمَذْكُور للصَّلَاة وللتبرك بِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ بَقِيَّة السّلف وبركة الْخلف وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بالسفح وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن بَرَكَات أبي الوفا الشَّيْخ الصَّالح القانت مربى المريدين أَبُو الْفضل الموصلى الاصل الشيبانى الدمشقى الميدانى الشافعى الصوفى القادرى كَانَ كأبيه جوادا سخيا حسن الاخلاق لَهُ صَبر على جماعته وَكَانَ يتَرَدَّد اليه كأبيه أكَابِر النَّاس وعلماؤهم وَكَانُوا يعظمونه وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ مِمَّن تجمل بِهِ وقته وَكَانَ بَيته موردا للواردين ومنزلا للوافدين ورزق الْحَظ فى الجاه وَالْولد والعمر وَأكْثر أَوْلَاده أَسْبَاط فَقِيه الشَّام فى وقته الشّرف يُونُس العيثاوى وَهُوَ وَالِد القاضى بدر الدّين حسن الموصلى الْمُقدم ذكره وَكَانَت وَفَاته فى آخر لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشرى شعْبَان سنة ثَمَان بعد الالف وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع متجك بميدان الْحَصَا وَدفن بتربتهم جوَار مَسْجِد النارنج الملاصق للمصلى عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة أَو يزِيد عَلَيْهَا وتأسف النَّاس عَلَيْهِ كثيرا رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن بَرَكَات بن مُحَمَّد المنعوت كَمَال الدّين بن الكيال الدمشقى الْكَاتِب البارع أحد الافراد فى جودة الْخط وَحسن الضَّبْط وَكَانَ خطه فى وقته أغْلى قيمَة من الْجَوْهَر وَكَانَ يكْتب أَنْوَاع الاقلام على اختلافها وَهُوَ فى كل مِنْهَا محسن مجيد واستاذ وحيد وَكتب كتبا كَثِيرَة وتغالى النَّاس فى أثمانها وَحكى انه كتب مرّة تَفْسِير شيخ الاسلام أَبى السُّعُود العمادى وَبَاعه وَتوجه بِثمنِهِ الى الْقُسْطَنْطِينِيَّة ودخلها فى أَيَّام السُّلْطَان مُرَاد بن سليم وانتسب الى شيخ الاسلام سعد الدّين بن حسن جَان معلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 السُّلْطَان الْمَذْكُور فأسكنه عِنْده فى دَاره وهيأ لَهُ لوازمه وأسبابه وَأَعْطَاهُ نَفَقَة كَثِيرَة وَكتب لَهُ تَفْسِير أَبى السُّعُود الْمَذْكُور فى مُدَّة سنتَيْن وَهُوَ مُقيم عِنْده وَقد كَانَ تأنق فى كِتَابَته جهده فَلَمَّا رَآهُ السعد مَال اليه بكليته وَأَعْطَاهُ مَالا فَوق مَا يتمناه وانتظم حَاله ثمَّ بعد مُدَّة مل الغربة فهرب وَقدم الى دمشق وفطن بِهِ السعد فتألم لغيبته وَأقَام بعد ذَلِك بِدِمَشْق وَتزَوج بهَا وَكَانَ لَا يفتر عَن كِتَابَة الْكتب مُدَّة حَيَاته وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ من الْمشَار اليهم فى الْكِتَابَة وانْتهى اليه الظّرْف فى حسن التناسق وَجمع من خطوط أساتذة الْكتاب من الْعَجم وَالروم مَا لم يجمعه غَيره وَكَانَ مَعَ ذَلِك حسن الاخلاق لطيف الطَّبْع لين الْجَانِب كثير الْفَوَائِد وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَاتفقَ مَوته لَيْلَة النوروز وَهُوَ انْتِقَال الشَّمْس الى برج الْحمل فَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى مؤرخا وَفَاته بقوله (لقد نسخ الْكَمَال بِلَا مِثَال ... عَشِيَّة قيل للشمس انْتِقَال) (تعجب لاتِّفَاقهمَا وأرخ ... لبرج الْجنَّة انْتقل الْكَمَال) قلت وَقد أجْرى التَّاء المربوطة هَاء فليتنه لَهُ وَهَذَا من التواريخ اللطيفة مُحَمَّد بن بَرَكَات بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن السقاف الحضرمى الْمَعْرُوف جده بكريشة أحد أَوْلِيَاء زَمَنه وأصفياء وقته وَله الكرامات الجمه والمناقب الْعَظِيمَة ذكره الشلى فى تَارِيخه الْمُرَتّب على السنين وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم وَنَشَأ بهَا وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين ثمَّ حصلت لَهُ جذبة وَرُبمَا حصلت مِنْهُ أُمُور مَمْنُوعَة فى ظَاهر الشَّرْع كاتلاف الاموال بالنَّار ورميها فى الْبَحْر بِلَا سَبَب ظَاهر وَكَانَ لَا يُقيم بِبَلَد سنة كَامِلَة بل ينْتَقل فى الْبلدَانِ فَرَحل الى الْهِنْد والحبشة والسواحل واليمن والحجاز وَكَانَ يتَرَدَّد الى مَكَّة وَكَانَ قاضيها ورئيسها القاضى حُسَيْن الْمَشْهُور وَكَانَ يُحِبهُ ويعتقده وأملكه على ابْنَته وَكَانَ كلما دخل بَلْدَة تصرف فى أَهلهَا لَا سِيمَا ولاتها وحكامها تصرف الْملاك وَكَانَ كل حَاكم يأتى الى الْيمن يكون تَحت أمره الْمُطلق والمقيد ويستبد بالامر على خدمه وخاصته وَكَانُوا يعطونه من الاموال والجواهر والملابس الفاخرة وَالْخَيْل والامتعة مَا لَا يُحْصى كَثْرَة وَكَانَ كثير الانفاق على أَصْحَابه لَا سِيمَا اذا خرج الى حَضرمَوْت وَكَانَ لَا ينَام الا قَلِيلا وَكَانَ عَظِيم الهيبة على جماعته وَرُبمَا أنكر عَلَيْهِ انه اذا جَاءَ وَقت الصَّلَاة أَمرهم بهَا وَلَا يصلى بل يغيب عَنْهُم وكل من أنكر عَلَيْهِ حَاله اذا اجْتمع بِهِ زَالَ عَنهُ ذَلِك وَكَانَ لَا يجمتع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 الا بآحاد النَّاس وَكَانَ قَلِيل الشطح وَكَانَت الْمُلُوك والسلاطين تعتقده وتعظمه واذا كتب لَاحَدَّ فى شئ لَا يُسْتَطَاع رده وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من عجائب الدُّنْيَا وَله كرامات خارقة كَمَا أخبر من شَاهدهَا من الثِّقَات مِنْهَا انه كَانَ يَأْخُذ من التُّرَاب والمدر وَالْحجر وَيُعْطِيه من يَشَاء من أَصْحَابه فيجده نَقْدا أَو سكرا أَو حلوى على حسب مَا طلبه مِنْهُ ذَلِك الشَّخْص قَالَ الشلى وَهَذِه الْكَرَامَة سَمعتهَا من جمَاعَة من أهل مَكَّة وَمن أهل حَضرمَوْت شاهدوها وَمِنْهَا ان حَاكم الْيمن أَتَى الى بَيته لزيارته بخيله فأكرمهم وَقَالَ لَهُ خادمه لَيْسَ عِنْد نَاشِئ من البخور فَأدْخل يَده تَحت ثِيَابه وَأخرج قِطْعَة عنبر وَقَالَ بخرهم بِهَذَا وَمِنْهَا انه اشْترى بقرة وَلم يكن عِنْده شئ من ثمنهَا فاستمهل صَاحبهَا فَامْتنعَ فَضرب صَاحب التَّرْجَمَة قرن الْبَقَرَة ضربات على عدد ثمن الْبَقَرَة فَتَنَاثَرَ مِنْهَا قدر ثمنهَا أخبرنى بِهَاتَيْنِ الكرامتين السَّيِّد عيدروس بن حُسَيْن الْبَار وَمِنْهَا مَا أخبرنى خادمه عبد الله بن كُلَيْب قَالَ أرسلنى السَّيِّد الى السُّلْطَان عبد الله بن عمر الكثيرى يستشفع فى رجل فَامْتنعَ وَقَالَ هَذَا رجل لنا عَلَيْهِ أَمْوَال وَفعل أفعالا قبيحة قَالَ فَأخْبرت سيدى فَسكت واذا بالسلطان يدق الْبَاب فَفتح لَهُ فَاعْتَذر واستغفر وَقَالَ أصابتنى ريح فى بطنى كَادَت أَن تهلكنى فَمسح بِيَدِهِ على بَطْنه فَعُوفِيَ لوقته وَمِنْهَا انه لما سَافر الى الْمَدِينَة نزل خَارِجهَا وَلم يدخلهَا وَخرج لَهُ أكابرها وَوَقع فى نفس شيخ الْحَرَام شئ على السَّيِّد من عدم دُخُوله وساء ظَنّه بِهِ فَدخل تِلْكَ اللَّيْلَة الْحُجْرَة الشَّرِيفَة فَوجدَ صَاحب التَّرْجَمَة عِنْد الْقَبْر الشريف دَاخل الْحُجْرَة فبهت واستعظم ذَلِك فَلَمَّا أصبح خرج اليه معتذر فكاشفه السَّيِّد وَقَالَ أتظن ان هَذِه الجدران تحجبنا وَله غير ذَلِك من الكرامات ثمَّ رَحل الى بندر المخا وَاسْتقر فِيهِ الى ان مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن خَارج الْعمرَان وَعمل على قَبره عَرِيش من القضبان وقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ وَمن أَسَاءَ الادب عِنْده عوجل بالعقوبة الا أَن يُبَادر بالاستغفار وَالتَّوْبَة وَوَقع لبَعض الْعَجم انه أَسَاءَ الادب فى حَضرته فَنَهَاهُ الْخَادِم فَلم ينْتَه فتزحلقت رجله وَصَارَ يَتَحَرَّك كالطير الْمَذْبُوح وَمَات لوقته مُحَمَّد بن بَرَكَات بن مفرج الشهير بالكوافى الحمصى الدمشقى الشَّافِعِي كَانَ من الْعلمَاء الصلحاء قدم الى دمشق فى أَيَّام كهولته وقطن بِالْمَدْرَسَةِ الطبية بمحلة القيمرية مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة وَأخذ عَن أجلاء الْعلمَاء واشتغل على جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الله الخباز الْمَعْرُوف بالبطنينى فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالْفِقْه وَغَيرهمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 ورحل الى مصر خمس مَرَّات وَأخذ عَن علمائها وَكَانَ صوفى المشرب قادري الطَّرِيقَة وَكَانَ أَعْيَان دمشق يذهبون اليه ويقصدون زيارته والتبرك بِهِ وَاسْتمرّ مُقيما بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة هَذِه الْمدَّة لَا يخرج الا لصَلَاة الْجُمُعَة أَو أَمر مُهِمّ وَكَانَ يقرئ الْقُرْآن والنحو وَغَيرهمَا وَكتب بِخَطِّهِ الْكثير من الْكتب هُوَ وتلاميذه وَاتفقَ لَهُ من الْعَجَائِب انه أَقرَأ النَّحْو وَسمع الْقُرْآن وَكتب الْفِقْه فى آن وَاحِد وَمن عجائبه انه كَانَ يكْتب صحيفَة من الْوَرق بغطة قلم وَاحِدَة وَختم الْقُرْآن ختمتين وَثمن ختمة فى يَوْم وَاحِد وَكَانَ ينظم الشّعْر فَمن شعره قَوْله فى التوسل (رباه رباه أَنْت الله معتمدى ... فى كل حَال اذ حَالَتْ بى الْحَال) (يَا وَاسع اللطف قد قدمت معذرتى ... ان كَانَ يغنى عَن التَّفْصِيل اجمال) (مَاذَا أَقُول وَمنى كل مَعْصِيّة ... ومنك يَا سيدى حلم وامهال) (وَمَا أكون وَمَا قدرى وَمَا عملى ... فى يَوْم تُوضَع فى الْمِيزَان أَعمال) وَكتب الى بعض اصحابه (وفوض لمولاك كل الامور ... فتفويض أَمرك خلق حسن) (وان جَاءَ يَوْم بِهِ شدَّة ... فَلَا تجزعن وَلَا تيأسن) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة خمس بعد الالف وَتوفى بعد عشَاء لَيْلَة الاحد السَّابِع وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان السَّيِّد مُحَمَّد بن برهَان الدّين الشهير بشريف الحميدى نقيب السَّادة الطالبية بممالك آل عُثْمَان أحد فصحاء الرّوم وبلغائهم وَكَانَ عَالما فَاضلا مَشْهُورا بالذكاء والتبحر فى الْعُلُوم لَازم من شيخ الاسلام زَكَرِيَّا بن بيرام وَكَانَ فى خدمَة نيابته بحلب لما كَانَ قَاضِيا بهَا وَلما صَار قاضى الْعَسْكَر أعطَاهُ خدمَة التذاكر ثمَّ زوجه ابْنَته وتنقل فى الْمدَارِس ثمَّ ولى قَضَاء الشَّام فى سنة ثَمَان عشرَة وَألف ودخلها وَأحسن فى قَضَاءَهُ ومدحه شعراؤها بالقصائد والمقطعات وَلم أسمع بقاض فى دمشق مدح بِمِقْدَار مَا مدح بِهِ هَذَا وَكَانَ محبا للادباء مقربا لَهُم متهافتا على التَّلَذُّذ بمجالستهم وقرأت فى أَخْبَار الاديب عبد اللَّطِيف بن يحيى المنقارى انه كَانَ نديم مَجْلِسه وَكَانَ يقربهُ ويدنيه وَمرض أَبوهُ فى أَيَّام قَضَائِهِ فَأَرَادَ وَلَده أَن يستفرغه عَن وظائفه فتمنع ثمَّ انه لما أحس بِالْمَوْتِ أَرَادَ الْفَرَاغ فَمَا أمكنه فَذَهَبت الْوَظَائِف وَلم يحصل لَهُ مِنْهَا الا الْقَلِيل وَكَانَ بِيَدِهِ تدريس العزية الَّتِى بالشرف الاعلى بِجَانِب دمشق الغربى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 فَأَخذه الْجمال يُوسُف ابْن كريم الدّين كَاتب المحكمة وَعجز المنقارى عَن أَخذه لقرب الكريمى من القاضى فَكتب المنقارى الى قاضى الْقُضَاة السَّيِّد صَاحب التَّرْجَمَة هَذِه الابيات معاتبة على تَوْجِيه مدرسة أَبِيه للكريمى وهى أَبْيَات لَطِيفَة وغالبها تضمين من شعر الْغَيْر (غيرت يَا دهر من ودى غَدا لَهُم ... ملازما فنأت عَنى لَهُم نعم) (قد كنت أَرْجُو وجودا الْجُود مَعَ شرف ... أسمو بِهِ فَوق أقرانى اذا حكمُوا) (فَصَارَ جودهم للْغَيْر وانخفضت ... مَرَاتِب شأوها الاخلاص عِنْدهم) (وفى فؤادى من عكس الردى حرق ... قد أضرمتها ريَاح شابها الالم) (مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمَرْء يُدْرِكهُ ... تجرى الرِّيَاح بِمَا لَا يشتهى الارم) (لَعَلَّهَا تنطفى من برد حكمته ... ويشتقى الْقلب من نَار لَهَا ضرم) (فان عكس الرجا مر مذاقته ... على كئيب عرته فى الورى نعم) (مولاى يَا من غَدا سر الْوُجُود وَمن ... سواهُ عندى وان أولى الجفا عدم) (لأَنْت انسان عين الرّوم حزت على ... مَا نالها قطّ لَا عرب وَلَا عجم) (وفقت غَيْرك فى حكم ومعدلة ... وشدت ربعا وَمن سكانه الْكَرم) (طلعت فى أفقنا بَدْرًا وَلَيْسَ يرى ... لِليْل جهل وظلم فى الملا ظلم) (لَكِن مَوضِع رحلى أسود وفمى ... فِيهِ لهيب الظما دون الورى وَدم) (سقيت جرعة عَيْش كُله كدر ... ووردهم من نداك السلسل الشبم) (تعلّقت بحبال الشَّمْس مِنْك يدى ... ثمَّ انْثَنَتْ وهى صفر ملؤُهَا نَدم) (هَل فى الْقَضِيَّة يَا من فضل دولته ... وَعدل سيرته بَين الورى علم) (يضيع وَاجِب حقى بعد مَا شهِدت ... بِهِ النَّصِيحَة والاخلاص والخدم) (وَلم أقصر لَدَى حفظ الوداد وَلَا ... جرت الى نَحْو اخلاصى لَك التهم) (وَمَا ظننتك تنسى حق معرفتى ... ان المعارف فى أهل النهى ذمم) (وَلم أضيع عهودا مِنْك لى سلفت ... وَمَا غدرت فَلم للود احترم) (حرمت مَا كنت أَرْجُو من ودادك لى ... مَا الرزق الا الذى تجرى بِهِ الْقسم) (بِاللَّه يَا ابْن الالى سَارُوا الى رتب ... مَا نالها أحد فى الْخلق غَيرهم) (مَا مر يَوْمًا بفكرى مَا يريبكم ... ولاسعت بى الى مَا سَاءَ كم فدم) (أحببتكم لخلال كنت أعرفهَا ... وانما تعشق الاخلاق والشيم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 (اذا محاسنى اللاتى أدل بهَا ... كَانَت ذنوبا فوصلى مِنْك منصرم) (مَعَ ذَا فَأَنت منى قلبى فلست الى ... سواك ان عبس التبريح أبتسم) (وَبعد لَو قيل لى مَاذَا تحب وَمَا ... هَوَاك من زِينَة الدُّنْيَا لَقلت هم) (وَمَا سخطت بعادى اذ رضيت بِهِ ... فَكل جرح اذا أرضاك ملتئم) (فَاسْلَمْ على أَي حَال شِئْت يَا أمْلى ... وَأَنت ذُو حِكْمَة بَين الورى حكم) (مدى الزَّمَان وَمَا أبدى كئيب أسى ... شكاية من شرِيف دَاره حرم) وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة ينظم الشّعْر العربى وَمن نظمه مَا قَالَه لما ولى الْحَافِظ أَحْمد حُكُومَة الشَّام وقدمها وَكَانَ ظَالِما عاتيا وَكَانَ تقدمه حَاكم أَلين مِنْهُ فَقَالَ (أرسل السُّلْطَان بِالْعَدْلِ الْمُبين ... حَاكما وافى لقمع الظَّالِمين) (أَحْمد وافى دمشقا حَافِظًا ... بَيْضَة الاسلام بالرأى الرزين) (دَامَ فى عدل واقبال وفى ... عزة من لطف رب الْعَالمين) (مذر أوه لَيْسَ من جنس الذى ... قد خلا من قبله فى الْحَاكِمين) (قَالَ أهل الظُّلم مِنْهُ رهبة ... لَيْسَ هَذَا الكعك من ذَاك الْعَجِين) وعارض هَذِه جمَاعَة من الادباء وَلَيْسَ فى ايراد معارضاتهم كَبِير فَائِدَة الا تضمين هَذَا الْمثل فَلِذَا أَعرَضت عَن ذكرهَا ثمَّ عزل السَّيِّد مُحَمَّد عَن قَضَاء الشَّام وَولى قَضَاء مصر وقسطنطينية ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولى مرَّتَيْنِ نقل فى ثانيتهما الى نقابة الاشراف وَذَلِكَ فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَهُوَ حادى عشر نَقِيبًا ولى فى الدولة العثمانية فانه من عهد السُّلْطَان عُثْمَان الْكَبِير الى عهد السُّلْطَان يلدرم بايزيد لم يتَعَيَّن نقيب للاشراف ثمَّ ان أَمِير سُلْطَان كَانَ صحب مَعَه الى بروسه لما دَخلهَا السَّيِّد على النطاع وَهُوَ جد عاشق حلبى فعين نَاظرا على الاشراف وَلما مَاتَ ولى مَكَانَهُ وَلَده زين العابدين فى زمن السُّلْطَان مُرَاد وَالسُّلْطَان مُحَمَّد الاولين فَلَمَّا مَاتَ بقى هَذَا المنصب خَالِيا الى أَوَائِل عصر السُّلْطَان بايزيد فَقدم فى زَمَانه السَّيِّد مَحْمُود الْمَعْرُوف بأمير مخلص وَكَانَ ساح فى الْعَرَب والعجم وَكَانَ قدومه الى الرّوم فى أَوَائِل الْقرن التَّاسِع فَوَقع من بعض الاشراف أَمر اقْتضى تأديبه من أَجله فعين السَّيِّد مَحْمُود الْمَذْكُور لنظارة الاشراف بِاخْتِيَار الْجُمْهُور وَكَانَ يعرف أَن فى بِلَاد الْعَرَب يُطلق على هَذَا النَّاظر نقيب الاشراف فَأَشَارَ أَن يكْتب فى منشوره هَذَا اللَّفْظ وابتدأوا وظيفته أَولا بِعشْرين عثمانيا ثمَّ ترقت الى أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 صَارَت سبعين وَلَا زَالَ السَّيِّد مُحَمَّد شرِيف نَقِيبًا الى أَن توفى فى سنة أَرْبَعِينَ وَألف تَقْرِيبًا وَدفن بقسطنطينية مُحَمَّد بن تَاج الدّين بن أَحْمد المحاسنى الدمشقى الحنفى الْخَطِيب بِجَامِع دمشق تقدم أَبوهُ وَأَخُوهُ عبد الرَّحِيم وَهَذَا أشهر آل بَيته وأفضلهم وَكَانَ فَاضلا كَامِلا أديبا لبيبا لطيف الشكل وَجها سَاكِنا جَامعا لمحاسن الاخلاق حسن الصَّوْت نَشأ فى نعْمَة وافرة وَكَانَ أَبوهُ ذَا ثروة عَظِيمَة فَكَانَ يصله بِكُل مَا يحْتَاج اليه من مَال ومتاع وَقَرَأَ على عُلَمَاء عصره مِنْهُم الشّرف الدمشقى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى والعمادى الْمُفْتى وَالْجمال الفتحى امام السُّلْطَان وَأخذ عَن الشَّيْخ عمر القارى والنجم الغزى وأبى الْعَبَّاس المقرى وسافر الى الرّوم صُحْبَة وَالِده وَأخذ عَن علمائها مِنْهُم الشَّمْس مُحَمَّد المحبى ثمَّ رَجَعَ وَأعْطى بقْعَة تدريس بالجامع الاموى عَن شَيْخه الشّرف لما مَاتَ ولازم من الْمولى مُحَمَّد بن أَبى السُّعُود ولى خطابه جَامع السُّلْطَان سليم بصالحية دمشق واشتهر بِحسن الحطابة ثمَّ صَار اماما بِجَامِع بنى أُميَّة وَلما توجه شَيْخه الفتحى الى الرّوم وَكَانَ عين لامامة السُّلْطَان مُرَاد فوض اليه أَمر حِصَّته فى الخطابة بِجَامِع دمشق ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الجوهرية وَكَانَ يدرس فى الْجَامِع فى غَالب الايام والليالى سِيمَا فى الاشهر الثَّلَاثَة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وأقرأ صَحِيح مُسلم وَكتب عَلَيْهِ بعض تعاليق وَسكن أَولا فى دَار جده لامه الْحسن البوريتى ثمَّ وقف عَلَيْهِ رجل يعرف بالصنجقدار بَيْتا قبالة الْمدرسَة العادلية الْكُبْرَى فسكن فِيهِ وسافر الى الرّوم فى سنة خمسين وَأخذ تَوْلِيَة الْجَامِع الاموى وَولى قسْمَة الْعَسْكَر مرَّتَيْنِ ثمَّ بعد وَفَاة وَالِده سكن بداره قرب بَاب الفراديس وَفرغ لَهُ الشهَاب أَحْمد البهنسى عَن نصف الخطابة بالجامع الاموى ثمَّ لما مَاتَ شَيْخه الفتحى اسْتَقل بِجَمِيعِ الخطابة أَصَالَة وبقى الى أَن ولى على الْقصير دفتريه الشَّام فَادّعى أَن الخطابة الَّتِى للفتحى كَانَت فى السَّابِق نظارة للسلطانة وَأحسن بهَا اليه السُّلْطَان عُثْمَان وَجعلهَا خطابة مَكَان النظارة وَأظْهر صُورَة التَّوْجِيه فَرفع يَده عَنْهَا وَبقيت فى يَده الحطابة الاصلية الَّتِى فرغ لَهُ عَنْهَا البهنسى وَلما توفى الشَّيْخ سعودى الغزى وَجه اليه درس الحَدِيث تَحت قبَّة النسْر من جَامع دمشق كَمَا أسلفته فى تَرْجَمَة مُحَمَّد بن أَحْمد الاسطوانى قَرِيبا وَهَذَا الدَّرْس وَظِيفَة حَادِثَة بعد الْخمسين وَألف رتبها بهْرَام أغاكتخدا وَالِدَة السُّلْطَان ابراهيم وَبنى السُّوق الْجَدِيد والخان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 قرب بَاب الْجَابِيَة لاجلها وَعين للمدرس سِتِّينَ قرشا وللمعيد ثَلَاثِينَ ولقارئ الْعشْر عشرَة قروش ودرس المحاسنى وَكَانَ فصيح الْعبارَة وانتفع بِهِ خلق من عُلَمَاء دمشق مِنْهُم شَيخنَا الْعلَا مُحَمَّد بن على الحصكفى مفتى الشَّام وَشَيخنَا الْمُحَقق ابراهيم بن مَنْصُور الفتال وَغَيرهمَا وَله تحريرات تدل على علمه وَله شعر حسن مطبوع فَمِنْهُ قَوْله من قصيدة (يَا سَقَاهَا مرابعا للتلاقى ... كل سَار من الحيا غيداق) (حَيْثُ تبدو قَالَه تخجل الْغُصْن ... وَوجه يزِيد فى الاشراق) (ورعى الله عهدنا بالمصلى ... حَيْثُ ذَات اللمى على الْمِيثَاق) (حَيْثُ أَشْكُو لَهَا الغرام ووجدا ... قد أسَال الدُّمُوع من أماقى) (يَا حداة المطى رفقا بقلبى ... ان طعم الْفِرَاق مر المذاق) (جبلت طينتى على محنة الْحبّ فحسبى من الْهوى مَا ألاقى ... ) (كل يَوْم قطيعة وبعاد ... واكتئاب وفيض دمع مآقى) (شَاب فودى يَتْلُو مشيب فؤادى ... فأمانا من هول يَوْم الْفِرَاق) (لست شعرى مَتى تعيد الليالى ... مَا أتاحت من صفو عَيْش التلاقى) (مَا أَظن الايام تحكم الا ... بامتناع الارفاق للارفاق) وَمن // جيد شعره // قَوْله (وتنفسى الصعداء لَيْسَ شكاية ... مِمَّا قضته سوابق الاقدار) (لَكِن بقلبى جملَة تفصيلها ... صَعب لَدَى الْعُقَلَاء والاحرار) (فَجعلت مَوضِع كل ذَلِك أَنه ... ضمنت مرادى من عَطاء البارى) وَكتب الى بعض أَصْحَابه بِدِمَشْق وَهُوَ بِمصْر (لَو كنت بمرأى من خليط نزحا ... مَا كَانَ دخيل الوحد منى وضحا) (لَكِن بعدوا فَصَارَ سرى عليا ... من بعدهمْ وَصَارَ كأسى قدحا) وَمن ملحه هَذَا الموشح نظمه على أسلوب موشح لبِنْت العرندس الشيعى ومطلع موشحه (أهواه مهفهفا من الْولدَان ... ساجى الحدق) (قد فر من الْجنان من رضوَان ... تَحت الغسق) (من ريقته سكرت لَا من راحى ... كم جدد لى رحيقها أفراحى) (كم أسكرنى بخمرها يَا صَاح ... كم أرقنى بطرفه الْوَسْنَان) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 حَتَّى الفلق (لَو عَامله بعدله ذَا الجانى ... أطفا حرقى) (من باهر حسنه يغار الْقَمَر ... فى روض جماله يحار النّظر) (قد عز لَدَى ان بدا المصطبر ... مَا اهتز يمِيل مَيْلَة الاغصان) للمعتنق (الا وأتاح للمحب العانى ... كل القلق) (يَا وَيْح محبه اذا مَا خطرا ... كالبدر يلوح فى الدياجى قمرا) (ان أقض وَلم يقْض لقلبى وطرا ... فالويل اذ المغرم ولهان) فى الْحبّ شقى (قد حمل الْعِشْق من الهجران ... مَا لم يطق) (الْقدر شيق مثل خوط البان ... واللحظ كَيفَ الْهِنْد فى الاجفان) (وَالْخَال شَقِيق الْمسك فى الالوان ... والخد مورد أسيل قانى) شبه الشَّفق (والعارض قد سلسل كالريحان ... للورد يقى) (يَا عاذل لَو أَبْصرت من أهواه ... ناديت تبَارك الذى سواهُ) (قد أحسن خلقه وَقد نماه ... اذ كمله وَخص بِالنُّقْصَانِ) بدر الافق (قد أفرغه فى قالب الاحسان ... زاكى الْخلق) (المصبر على هَوَاهُ مثل الصَّبْر ... وَالْقلب غَدا من هجره فى جمر) (مَا ألطفه فى وَصله والهجر ... لم ألق لَهُ فى وَصله من ثانى) حُلْو الملق (مَا وَاصل بعد بعده أجفانى ... غير الارق) ومطلع موشح بنت العرندس هُوَ هَذَا (مَا رنحت الصِّبَا غصون البان ... بَين الْوَرق) (الا وشجى الْهوى لقلبى العانى ... نَار الحرق) (مَا هَب صبا ... لنحوك الْقلب صبا ... لَاقَى وصبا ... يَا بدر سما ... سما على بدر سما ... للنَّاس سبا ... صلنى فَعَسَى ... تنَال منى ذَهَبا ... عقلى ذَهَبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 وَالْقلب منى مواقد النيرَان نامى القلق والناظر قد أسَال من أجفانى مَاء الغدق) وَمن شعر المحاسنى قَوْله (أودعكم وأودعكم جنانى ... وأنثر أدمعى مثل الجمان) (وَلَو نعطى الْخِيَار لما افترقنا ... وَلَكِن لَا خِيَار مَعَ الزَّمَان) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة اثنتى عشرَة وَألف وَتوفى عَشِيَّة الاربعاء غرَّة شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس بِالْقربِ من جده لامه الْحسن البورينى ورثاه شَيخنَا عبد الْغنى بن اسماعيل النابلسى بقصيدة مطْلعهَا (لتهن رعاع النَّاس وليفرح الْجَهْل ... فبعدك لَا يَرْجُو البقا من لَهُ عقل) (أيا جنَّة قرت عُيُون أولى النهى ... بهازمنا حَتَّى تداركها الْمحل) وهى قصيدة // جَيِّدَة // غَايَة وَلَوْلَا طولهَا لذكرتها برمتها مُحَمَّد بن تَاج الدّين بن مُحَمَّد المقدسى الاصل الرملى المولد والمنشأ الحنفى مفتى الرملة الامام الْعَالم الصَّالح التقى الْخَيْر نادرة الزَّمَان وَهُوَ ابْن ابْن أُخْت شيخ الاسلام خير الدّين الرملى أَخذ بِبَلَدِهِ عَن خَال أَبِيه وَابْنه الشَّيْخ محيى الدّين ثمَّ رَحل الى مصر فى حُدُود سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَأقَام بهَا الى سنة سبعين وَقَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ سُلْطَان المزاحى جَمِيع الْقُرْآن للسبعة ثمَّ ختمة أُخْرَى للعشرة من طَرِيق الدرة وَأخذ عَنهُ الحَدِيث وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح ألفية ابْن الهائم للشَّيْخ زَكَرِيَّا فى الْفَرَائِض وَأَجَازَهُ بمروياته وَأخذ الحَدِيث أَيْضا عَن الشَّمْس البابلى قَرَأَ عَلَيْهِ شرح ألفية العراقى للشَّيْخ زَكَرِيَّا وَسمع عَلَيْهِ بعض البخارى وَبَعض سيرة ابْن سيد النَّاس وَشرح عقيدة شَيْخه اللقانى فى العقائد وَأخذ أَيْضا الحَدِيث عَن الْمُحدث عبد السَّلَام اللقانى ولازم النُّور الشبراملسى فى شرح ألفية العراقى للشَّيْخ زَكَرِيَّا وفى الْمُخْتَصر للسعد مَعَ حاشيتيه للحفيد وَابْن قَاسم وَقَرَأَ عَلَيْهِ بالروايات من طَرِيق السَّبْعَة وَأَجَازَهُ بمروياته وَأخذ الْفِقْه عَن فَقِيه الْحَنَفِيَّة بِمصْر حسن الشرنبلالى قَرَأَ عَلَيْهِ الدُّرَر بحاشيته عَلَيْهِ وَكَانَ معيد درسه وَعَن الشهَاب الشوبرى قَرَأَ عَلَيْهِ من أول الْهِدَايَة الى بَاب الْعتْق فَقَرَأَ الشَّيْخ حِينَئِذٍ الْفَاتِحَة ثَلَاثًا قَائِلا بعْدهَا اللَّهُمَّ اعْتِقْ رقابنا من النَّار وَكَانَ ذَلِك آخر قِرَاءَته وَمكث أَيَّامًا قَليلَة وَمَات وَقَرَأَ على الشَّيْخ عبد الباقى حفيد شيخ الاسلام بن غَانِم شرح الْكَنْز المنظوم لِابْنِ الفصيح وَأَجَازَهُ جلّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 شُيُوخه وَرجع الى بَلَده ولازم خَال وَالِده زِيَادَة على عشر سِنِين ولحظه بنظره وَأَجَازَهُ بمروياته ثمَّ نزل لَهُ عَن افتاء الرملة وَكتب الى شيخ الاسلام يحيى المنقارى مفتى الرّوم يطْلب مِنْهُ الاجازة لَهُ بالفتوى وَأَن يكون بدله فِيهَا لاهليه لذَلِك فَأَجَابَهُ الى طلبته وَصَارَ هُوَ الْمُفْتى فى زمَان أستاذه الْمَذْكُور وَلم يزل ملازما لَهُ الى أَن مَاتَ فَانْفَرد بعده بالرياسة وَصَارَ هُوَ الْعُمْدَة فى تِلْكَ الخطة وَأخذ عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربى نزيل مَكَّة لما مر على الرملة وَأَجَازَهُ بمروياته وَلما مر شَيخنَا الشَّيْخ يحيى المغربى أَيْضا على الرملة سمع مِنْهُ الحَدِيث المسلسل بالاولية وَقَرَأَ عَلَيْهِ طرفا من الْكَشَّاف وَغَيره وَأَجَازَهُ بمروياته وَمن اجازته لَهُ ولولده (أجزت أخانا الْفَاضِل الْعلم الذى ... تسمى بِمن فى النَّاس فى الْحَشْر يشفع) (ونجلا لَهُ وَالله ينجح قَصده ... أَبَا للهدى والشخص بِالِاسْمِ يرفع) (وَقَالَ بذا يحيى ونجل مُحَمَّد ... وَمن مغرب الاوطان وَالله ينفع) وَكَانَت وَفَاته عقب الْحَج وَهُوَ رَاجع الى بَلَده صُحْبَة الركب المصرى عَاشر الْمحرم افْتِتَاح سنة سبع وَتِسْعين وَألف بالينبع وَدفن بهَا مُحَمَّد بن جمال الدّين بن أَحْمد الملقب حَافظ الدّين العجمى القدسى الحنفى القاضى الاجل الْفَاضِل الاديب كَانَ من أَفْرَاد الزَّمَان فى الْفضل وَكَثْرَة الاحاطة باللغة والآداب قَرَأَ بِبَلَدِهِ وَحصل وتفوق وسافر مرَارًا الى الرّوم ولازم من شيخ الاسلام مُحَمَّد بن سعد الدّين وَولى الْقَضَاء فى اقليم مصر وَتصرف بعدة مناصب الى ان انْفَصل عَن قَضَاء المنصورة ثمَّ صَار مفتيا بالقدس ومدرسا بِالْمَدْرَسَةِ العثمانية بهَا وَقدم اليها فَلم يمتزج مَعَ أَهلهَا لطول غيبته عَنْهُم فَترك المنصب وَورد الى الشَّام وَأقَام بهَا مُدَّة فى محلّة القنوات ثمَّ بمحلة بنى كريم الدّين وَتزَوج بابنة القاضى برهَان الدّين البهنسى الْمُقدم ذكره بعد مُدَّة قَليلَة طَلقهَا وتنازع هُوَ وأبوها وَطَالَ بَينهمَا النزاع وَكَانَ عِنْده غُلَام جميل يدعى بخندان لم ير نَظِيره فى الْخلق والخلق وَكَانَ مَمْلُوكا مَالِكًا فَوَقع بَينه وَبَينه منافرة فهرب الْغُلَام وأعياه تطلبه فَتوجه الى القاضى وشكا اليه حَاله وَكَانَ لَهُ بِهِ علاقَة قلبية وَأظْهر مَا كَانَ يضمره من شغفه فَكثر عَلَيْهِ الِاعْتِرَاض وَبعد أَيَّام ظهر الْغُلَام وَجَاء اليه فعطف عَلَيْهِ وتغاضى عَمَّا أسلفه ثمَّ لم يقر لَهُ بِدِمَشْق قَرَار فسافر الى الرّوم وَأقَام بهَا ثمَّ أعْطى قَضَاء طرابلس الشَّام وَبَعْدَمَا عزل عَنْهَا ورد الى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة وَكَانَ ذَلِك فى سنة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 أَربع وَأَرْبَعين وَألف ثمَّ سَار الى دَار الْخلَافَة وَولى الْقَضَاء ببوسنه وصوفيه وَكَانَ كثير الْآثَار وَرَأَيْت لَهُ أشعارا كَثِيرَة فَمِنْهَا هَذِه القصيدة مدح بهَا شيخ الاسلام يحيى ابْن زَكَرِيَّا ومطلعها (كل لَهُ فى طَرِيق الْمجد أَسبَاب ... وكل حكم لَهُ أهل وأرباب) (وَأَنت لى سَبَب مَا فَوْقه سَبَب ... ان عددت فى طَرِيق السعى أَسبَاب) (وَأَنت لى سَنَد مَا مثله سَنَد ... وَأَنت قطبى الذى والته أقطاب) (لولاك ضَاعَت حُقُوق النَّاس قاطبة ... وَكَانَ يغلب رب الْعلم حطاب) (لولاك مَا قفل البواب مُنْهَزِمًا ... كلا وَلَا فتحت للفضل أَبْوَاب) (كسرت بالجبر أَنْيَاب النوائب اذ ... أدمت فؤادى فَلم ينْبت لَهَا نَاب) (لبيْك لبيْك يَا لب اللّبَاب وَمن ... مِنْهُ استضاءت لحسن الرأى ألباب) (سرادق الشّعْر فى أَبْوَاب عزتها ... لَهَا على حيك الْمَرْفُوع أطناب) (جلبت من بَحر فكرى كل لؤلؤة ... مَا كل من جلب المنظوم جلاب) (هَذَا وَكم جَوْهَر لى فِيك مُنْتَظم ... فى اللَّوْن والشكل للرائين غلاب) (كل غَدا موجزا فى شكر سَيّده ... ان الْمُحب لَهُ فى الشُّكْر اطناب) (مَا كل من كَانَ فَوق النَّجْم مَسْكَنه ... كمن لَهُ تَحت وَجه الارض سرداب) (جَزَاك مَوْلَاك خيرا عَن فقيرك اذ ... فى عَالم الْغَيْب ردَّتْ عَنهُ أحزاب) (هابوك لما رَأَوْا بِالْقَلْبِ ميلك لى ... وَالْعَبْد عبد وَكم للْعَبد أحباب) (مَا ثمَّ يرفع شان الْعلم غَيْرك يَا رفيع مجدله فى الْمجد أَنْسَاب ... ) (أيدعى الْعلم من فى الْبَاب يعرفهُ ... طِفْل وكهل وجمال وتراب) (فى ذَلِك الْبَيْت كل الْكتب تعرفنى ... وخدمتى فِيهِ تَحْرِير ومحراب) (من قَاس بالشمس فى أوج العلى رجلا ... فَذَاك من فقه نور الْعين مرتاب) (لَو لم يكن يَوْم حشر النَّاس مقتربا ... مَا عارص الْحَافِظ القدسى بواب) (لَو كَانَ يعلم علما كَانَ أظهره ... حَتَّى يُقَال لَهُ علم وآداب) (الْمُدعى لَا ببرهان تكذبه ... شَوَاهِد الْحسن والكذاب كَذَّاب) (من نَازل الْحَرْب لَا يَنْفَكّ فى يَده ... لاجل طَاعَته قَوس ونشاب) (وقوس عبدكم علم يحرره ... وقوس دى الْجَهْل والنشاب أخشاب) (مَا كل من نقل الاقوال يعرفهَا ... كم مُعرب مَاله فى الْبَحْث اعراب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 (مَا كل عين لَهَا نور تنير وَلَا ... كل الجفون لَهَا كحل وأهداب) (الْفضل كَالشَّمْسِ لَا يخفى وَصَاحبه ... كالبدر لَيْسَ لَهُ ستر وجلباب) (الى مَتى الدَّهْر يبدى من متاعبه ... مَا آن أَن ينقضى للدهر اتعاب) (أما درى أَن مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا ... لى فى مدائحه العلياء اسهاب) (أَنا الذى نلْت آمالى بدولته ... وَكم توالت على داعيه آرَاب) (كل لَهُ سيدى عمر يؤب لَهُ ... وَالْعَبْد مَا عَاشَ للابواب أواب) (قد تبت عَن غير بَاب الْجُود أقصده ... وَالْحق من بعد كسب الذَّنب تواب) وَله غير ذَلِك وفى هَذَا الْقدر من شعره غنى وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَخمسين وَألف مُحَمَّد بن حَافظ الدّين بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالسرورى المقدسى الحنفى الْبَصِير من أَوْلَاد غَانِم الْفَاضِل النبيه كَانَ محققا بارعا حَدِيد الذِّهْن قوى الادراك مشاركا فى عدَّة فنون وَكَانَ لطيف الطَّبْع حُلْو المكالمة لَا يمل الخاطر من تحفه ونوادره ولد بِبَيْت الْمُقَدّس وَنَشَأ فى حجر وَالِده وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم وَكَذَلِكَ أَخذ بِبَلَدِهِ عَن الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى الْمحلى المقرى حِين اقامته بهَا ورحل الى مصر مرَّتَيْنِ وَأخذ عَن علمائها مِنْهُم الشَّيْخ حسن الشرنبلالى وَأَجَازَهُ بالافتاء والتدريس وَمن مشايخه الشهَاب أَحْمد وَأَخُوهُ الشَّمْس مُحَمَّد الشوبريان والنور الشبراملسى وَالشَّيْخ يس الحمصى وبرع وَتوجه الى الرّوم مرَّتَيْنِ فلقى من أَعْيَان علمائها قبولا وَكَانَ الْمُفْتى الاعظم يحيى بن عمر المنقارى يعظمه ويجله وَحكى أَنه كَانَ وَهُوَ بالروم تأتى اليه الْجِنّ وَقت الِاضْطِجَاع تَأْخُذ عَنهُ الْعلم فأقلقوه فَذكر أمره للْمولى أَبى السُّعُود الشعرانى فَأمره أَن يطْلب مِنْهُم شَيْئا من أَمر الدُّنْيَا فَلَمَّا فعل ذَلِك انكفوا عَنهُ وَلم يعودوا اليه وَولى بالقدس مدرستين وهما التذكيرية والمأمونية وَرجع من الْمرة الثَّانِيَة فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وَدخل دمشق وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من أَهلهَا ثمَّ رَحل الى الْقُدس وَانْقطع للتدريس فدرس الْكَنْز مرَّتَيْنِ وَالْهِدَايَة من أَولهَا الى الْبيُوع والدرر بطرفيها وَقَرَأَ متن التَّلْخِيص وَكَانَ يقْرَأ فى الْحرم بَين العشاءين المغنى وَلم يتمه وأقرأ متن الْمنَار وَكتاب ابْن الصّلاح فى المصطلح ومختصره للنووى وَشرع فى اقراء البخارى فعاجلته الْمنية وَكَانَ يحفظ كثيرا من الاشعار والشواهد والامثال خُصُوصا ديوَان المتنبى وَيعرف مَا أوخذ بِهِ المتنبى ويجيب عَن كثير وَكَانَ شيخ الاسلام خير الدّين الرملى يعرف حَقه ويصفه بِالْفَضْلِ التَّام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 وَيَقُول مَا فى بَيت الْمُقَدّس أفضل مِنْهُ وَذكر صاحبنا الْفَاضِل ابراهيم الجينينى انه قَرَأَ عَلَيْهِ فى أَوَائِل الْهِدَايَة مَعَ ولد الشَّيْخ خير الدّين الشَّيْخ محيى الدّين وَكَانَ يبْحَث مَعَه كثيرا فى الابحاث الدقيقة من الْفِقْه وَغَيره وابتدأه الْمَرَض فى رَجَب سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف فبقى مَرِيضا الى لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فَمَاتَ الى رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن حجازى بن أَحْمد بن مُحَمَّد الرقباوى بِفَتْح الرَّاء وَالْقَاف الانبابى أحد شعراء الْعَصْر وأدباء الدَّهْر ولد بانبابه وَنَشَأ بِمصْر واشتغل بُرْهَة من الزَّمَان بعلوم الادب حَتَّى فاق أقرانه فنظم ونثر ورحل الى الْحَرَمَيْنِ وتوطنها مُدَّة ومدح الشريف زيد بن محسن بمدائح كَثِيرَة بليغة وَكَانَ يُعْطِيهِ العطايا الجمة وَجعل لَهُ فى كل سنة مُرَتبا ومعلوما ثمَّ توجه الى الْيمن فمدح الائمة بنى الْقَاسِم وانثالت عَلَيْهِ جوائزهم وَكَانَ لَهُ اخْتِصَاص بِمُحَمد بن الْحسن وَله فِيهِ مدائح كَثِيرَة وَله بِالْيمن شهرة عَظِيمَة وَمن شعره الشَّائِع قصيدته الَّتِى عَارض بهَا حائية ابْن النّحاس الَّتِى مطْلعهَا (بَات ساجى الطّرف والشوق يلح ... والدجى ان يمض جنح يَأْتِ جنح) 5 مدح بهَا الشريف زيد بن محسن ومستهلها (كل صب مَاله فى الخد سفح ... لم يرق فى عينه نجد وسفح) (وَمَتى يَعْلُو بشأن فى الْهوى ... وَله شَأْن بِهِ فِيهِ يشح) (انما الدمع دَلِيل ظَاهر ... ان يكن للحب متن فَهُوَ شرح) (والذى يصبو لاغصان النقا ... لم يكن عَنْهَا بِغَيْر الطّرف يصحو) (يستحى من أَن يوافيها الحيا ... وَهُوَ اوفى منَّة والغيم يمحو) (كَيفَ يستسقى لَهَا مَاء السما ... وَله جفن مَتى شَاءَ يسح) (رَوْضَة للغيد كَانَت ملعبا ... وهى فى لبة جيد الشرق وضح) (كلما نقطها قطر الندى ... رشف الطل بهَا رند وطلح) (واذا مرت بهَا ريح الصِّبَا ... سحرًا أرجها بالمسك نفح) (وتغنت فَوْقهَا ورق الْحمى ... ولداعى بلبل الاشواق صدح) (رب ريم ذَات لحظ فاتن ... فاتك بِالْكَسْرِ والسقم يَصح) (كنست فى ظلّ ذياك النقا ... وأذابت كل قلب فِيهِ جرح) (طنبت فى مهجتى واستحكمت ... فى قطعا ليتها بالوصل تنحو) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 (أتراها استعذبت يَوْم النَّوَى ... لعذابى كاس بَين وَهُوَ ملح) (مَا لَهَا لاعبث الدَّهْر بهَا ... لَا ترى الهجران كَاف وَهُوَ ذبح) (كنت أَشْكُو صدها من قبل أَن ... تنتوى والآن عندى فِيهِ شح) (يَا نوار اصطنعينى باللقا ... فلكم قاليت من فى الْعِشْق يلحو) (ان تكونى شمت فى ليل الصِّبَا ... بارقا فَهُوَ لروض الْحلم فتح) (كم جليت الشَّمْس فى غربيه ... وسمحتى وَجَنَاح الفود جنح) (فاجعليه شافعا فِيمَا بدا ... أى ليل مَاله يَا بدر صبح) (وَلَقَد أعلم حَقًا لم يكن ... مِنْك عَن ذَنْب ظُهُور الشيب صفح) (غير أَنى أرتجى مِنْك الوفا ... وَهُوَ فى شرع ذَوَات الْحسن قبح) (كم أدارى فِيك عذالى وَكم ... ساءنى فِيك على التبريح كشح) (واذا فعل الغوانى هَكَذَا ... كل ذى سكر بهم لاشك يصحو) (سأذودن فُؤَادِي رَاغِبًا ... عَن هوى من جده بِالصّدقِ مزح) (يَا خليلي اعذرانى ان لى ... نَار وجد مَالهَا بالعشق لفح) (خليانى والذى القا مِمَّن ... زند شوقى مَاله بالغيد قدح) (أَنا عَن ألحاظهم فى معزل ... وحديثى ظَاهر وَهُوَ الاصح) (قد نَسِينَا مَا حفظنا مِنْهُم ... ورأينا أَن بعض العذل نصح) (لَا أرى الْعَيْش صفا مَا لم أعش ... وفؤادى من حُرُوف اللَّهْو ممحو) (وَعَن التشبيب مَا أغْنى ولى ... فى علا زيد الْعلَا شكر ومدح) (سيد السادات سُلْطَان الملا ... فَارس الخيلين يَوْم الروع سمح) (قامع الاقران فى يَوْم الوغى ... تَحت ظلّ السمر وَالْحَرب يفح) (أَبيض الْوَجْه اذا النَّقْع دجا ... وَاضح الْبشر اذا الفرسان كلح) (كم لَهُ يَوْم فخار منتمى ... ولوقع الْبيض بالهامات رضح) (صبح الاقيال حَربًا وَلكم ... شَرقَتْ من خيله حَرْب وَصلح) (يَوْم أورى بقديح المصطلى ... قدح زند وريه بالفوز قدح) (وعَلى الْعمرَة أربت يَده ... وَله فى يَوْمهَا عَفْو وصفح) (أذكر الصِّنْفَيْنِ اذ ذَاك بهَا ... يَوْم صفّين وللخيلين ضبح) (ولغا عَنى ضلال بَعْدَمَا ... طاش من تصحيفه فى فِيهِ صمح) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 (وَلَكِن سارع بِالْخَيْلِ على ... حرم الله وللاعمار دلح) (مَانع الْجَار فَلَو لَاذَ الدجا ... بعواليه لما جلاه صبح) (وَلَو ان الشَّمْس تحكى نوره ... مَا علاها فى ظلام اللَّيْل جنح) (واهب الارواح فى يَوْم الوغى ... لاعاديه الالى بِالْمَالِ شحوا) (وَلَقَد كَانَ ابوه هَكَذَا ... ولماء الْورْد بعد الْورْد نضح) (أشغلت هيبته فكر العدا ... فهم فى غمرة الاشفاق طرح) (لَو رَأَوْهُ فى الْكرَى لانتبهوا ... وَلَهُم من خَوفه بِالرُّعْبِ قزَح) (واذا شاموا بروقا أيقنوا ... أَن أَعْنَاقهم بالبيض مسح) (وان انْقَضتْ نُجُوم فى الْهوى ... زَعَمُوا أَن مطار الشهب رزح) (بأبى أفديك يَا بَحر الندى ... يَا مضئ الرأى ان أظلم قدح) (يَا عتيد الْخَيل يَوْم الْمُلْتَقى ... يَا شَدِيد الْبَأْس والاقران طلح) (يَا عريض الجاه يَا حامى الْحمى ... يَا ملاذ الْكَوْن ان لم يغن كدح) (يَا جميم الْفضل وَالسيف لَهُ ... بغدادين الطلى حصد وَمسح) (خُذ حديثى واستمع قولى فَمَا ... كل من قَالَ قريضا فِيهِ صَحَّ) (انت أولى النَّاس بالمدح وَلَو ... لم يكن للبحر عَن وصفك نزح) (هاك نظم الدّرّ من معدنه ... رائق الْمَعْنى لَهُ بالمدح مزح) (وَاجعَل الابكار فى نور الوفا ... واختبرها فهى بالعرفان فصح) (ضمن الدَّهْر لَهَا التخليد فى ... صفحات الْكَوْن والايام فسح) (وهى كالجرد السلاهيب لَهَا ... بمجال الشُّكْر فى علياك مرح) (حاصرت مَا شاد فتح قبلهَا ... وتلت نصر من الله وَفتح) (أحرز السَّبق وَلَكِن فقته ... بك يَا ابْن الطُّهْر والآيات وضح) (لَا يروق الْمَدْح الا فى الالى ... لَهُم الانساب كالاحساب رجح) (أَيْن من جداه طه الْمُصْطَفى ... وعَلى المرتضى مِمَّن يزح) (برز الفال بهَا من منطقى ... لَك بالايراد والاسعاد سنح) (وَأَنا مِنْك أيا غوث الورى ... لم يكن صوتى كَمَا قيل أبح) (وَلَقَد أغنيتنى عَن مطلبى ... مِنْك بدا ونظيرى لَا يلح) (لَو درى النّحاس انى بعده ... أصنع الابريز لم يمسسه قرح) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 (لَا أرى الغربة ألوت ساعدى ... ولباعى بنداك الجم سبح) (طالعى بالسعد وضاح الحجى ... بك فى برج الهنا والرجو ضح) (وَلَقَد بلغتنى كل المنى ... بِأَحَادِيث لَهَا فى النَّفس سرح) (نعْمَة مِنْك علينا لم تزل ... يقتفى آثَار هافوز وَربح) (دمت يَا شمس الْهدى مَا ابتسمت ... بك أَفْوَاه الدجا وافتر صبح) (مَا هَمت عين الغوادى وبدا ... بك فى وَجه الزَّمَان الغض رشح) وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَسبعين وَألف بِمَدِينَة أَبى عَرِيش من الْيمن والانبانى بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون ثمَّ مُوَحدَة بعْدهَا ألف فموحدة نِسْبَة لانبابة قَرْيَة من بحرى جيزة مصر على شاطئ النّيل انتسب اليها جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين وَمن أشهر المنسوبين اليها الاستاذ الشَّيْخ اسمعيل بن يُوسُف بن اسمعيل وَرُبمَا قيل لَهَا أنبوبة على وزن أفعولة وَكَأَنَّهُ لما يزرع فِيهَا من الْقصب فالانبوبة مَا بَين كل عقدتين من الْقصب مُحَمَّد بن حسن جَان الْمَدْعُو سعد الدّين بن حسن جَان التبريزى الاصل القسطنطينى المولد والمنشأ والوفاة مفتى الدولة ومعلم السُّلْطَان مُرَاد بن سليم أستاذ الاستاذين ورونق عُلَمَاء الدُّنْيَا واكليل تَاج السَّعَادَة كَانَ من الْعلم فى مرتبَة يعز الْوُصُول اليها وَقد وَقع الِاتِّفَاق على تفرده بأنواع الْفُنُون وَأَعْطَاهُ الله من الْعِزَّة وَالْحُرْمَة والاقبال مالم يُعْطه لأحد من عصره ومدح بالمدائح السيارة ورزق الابناء الَّذين هم تَاج مفرق الايام وَقد بلغُوا فى حَيَاته الرتب الَّتِى قصر غَيرهم عَنْهَا وَلم يخلف أحد من الكبراء أمثالهم فى نجابتهم وبسالتهم ومعرفتهم وعلوهممهم ودانت لَهُم الْعلمَاء وولوا أرفع المناصب وَحكى انه قيل لوالدتهم بِمَاذَا لقى أبناؤك هَذِه الْعِزَّة فَقَالَت كنت لَا أرضع أحدا مِنْهُم الا على طَهَارَة كَامِلَة وَكنت أذبح عَن كل وَاحِد فى كل جُمُعَة قربانا وَبِالْجُمْلَةِ فهم فَخر بِلَاد الرّوم وَقد تقدم فى تَرْجَمَة أَبى سعيد أسعد بن سعد الدّين هَذَا ان أول من قدم مِنْهُم الى الرّوم هُوَ حسن جَان وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة ونبغ وَلَده سعد الدّين هَذَا وَقَرَأَ ودأب وَلزِمَ درس الْمولى شيخ الاسلام أَبى السُّعُود العمادى وَأخذ عَنهُ وانتفع بِهِ ولازم مِنْهُ ثمَّ ترقى فى الْمدَارِس وطنت حَصَاة فَضله فنصبه السُّلْطَان مُرَاد معلما لنَفسِهِ وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا بكليتهما وَلم يبْقى أحد الانقاد اليه وعول عَلَيْهِ فى أمره وَلما توفى السُّلْطَان مُرَاد تسلطن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 بعده ابْنه السُّلْطَان مُحَمَّد فأبقاه معلما لنَفسِهِ أَيْضا ثمَّ ولاده الافتاء وَذكره الاديب عبد الْكَرِيم المنشى فَقَالَ فى وَصفه مولده دَار الْخلَافَة العليه لَا زَالَت كاساتها من قذى الاكدار صَفيه نَشأ بهَا فى ظلال نوال وَالِده مترددا بَين مصَادر الْعلم وموارده وَبعد مَا تحلى جيده بقلائد الْعُلُوم وعقدت فى عقده عرائس الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم تحرّك على الرَّسْم العادى حَتَّى ورد الى منهل الْمولى المرحوم أَبى السُّعُود العمادى فأدار عَلَيْهِ على عاداته كاسات افاداته وَلم يزل مُتَقَلِّدًا فى الدُّرُوس بعقود خطابه الى أَن فَازَ بشرف الْمُلَازمَة من جنابه وَمَا بَرحت الْمدَارِس تتحلى بآثار ملكاته حَتَّى غَدَتْ احدى الثمان صدفا للآلى كَلِمَاته وَبعد ذَلِك عينه اسْتِحْقَاقه للسلطنة المرادية معلما وَأصْبح طراز ملك الدولة بوشى آرائه معلما فَلَمَّا تشرف بهَا سَرِير الخلافه وانتشى الدَّهْر اذ أدَار عَلَيْهِ السِّرّ ورسلامه ألْقى اليه الْمجد قياده وَأصْبح جموح الدَّهْر منقاده وَدلّ عَلَيْهِ لفظ الْمجد صَرَاحَة وكناية وَنزلت فِيهِ سُورَة السودد آيَة فآيه الى أَن قَالَ وَكَانَ فى عَهده شَمل الْفضل ملتئما وثغر الْعلم مُبْتَسِمًا وَكَانَ الْعَالم مستنيرا من شموس علومه وآدابه كَيفَ لَا وَلَا ينظم شَمل الْفضل الا بِهِ وَكَانَ كَرِيمًا على الاحسان مثابرا وحكيما لكسير اكسير الْقلب جَابِرا تحلت الاجياد بقلائد وده وولائه وواظبت الالسنة على سور فَضله وعلائه تقصرهمم الافكار عَن بُلُوغ أدنى فواضله وتعجز سوابق الْبَيَان عَن الْوُصُول الى أَوَائِل فضائله وَبِالْجُمْلَةِ لَا تصاد عنقاء وَصفه بحبائل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَلَو تعدى الواصف الاعجاب وَبلغ الاعجاز وَلما أشرقت أنوار السلطنة المحمدية من فلك سريرها وَرفعت فى الْخَافِقين ألوية سرورها رأى ان الْكفْر قد احْتَاجَ الى ذوقة من كأسه وحرقة من جمرات بأسه فَرفعت راياته خافقة كقلوب أعدائه عالية كهمم أوليائه وَهُوَ يلازمه مُلَازمَة الشَّمْس لاشراقها والحمائم ثمَّ لَا طواقها وفلك الامور يَدُور على محور رَأْيه وترتيب نتائج الْفَتْح على مُقَدمَات سَعْيه وَلما أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يُنَبه لحاظ سيوف الاسلام من جفونها ويوفى للنصرة مَا وَجب على الايام من ديونها وتقابل الملكات والاعدام والنور والظلام فاستوت الصُّفُوف وجردت السيوف وأطلقت أَعِنَّة أَفْرَاس الحتوف وَحمى الْوَطِيس واستوى المرؤس والرئيس وَقَامَت قِيَامَة الْحَرْب على سَاقهَا وأحدق الْكفْر بالاسلام احداق الجفون بأحداقها فى موقف فِيهِ ينسى الْوَالِد الْوَلَد توجه الى قبْلَة الثَّبَات وَثَبت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 ثبات الْجبَال الراسيات وَلَو لم تكن فى ذَلِك الْوَقْت وثباته وثباته وتحريضه على الْحَرْب وفتكاته لما تورد بِدَم الْكفْر خد الاسلام وَلما شفى غليل صُدُور الْمُسلمين من عَبدة الصلبان والاصنام فَللَّه دره قد عَم الْعَالمين خَيره وَسَار بالجميل ذكره فعادوا بِالْفَتْح الْجَلِيل الى دَار السلطنة الْعلية وَالْعود أَحْمد ونظموا عُقُود الاسلام بَعْدَمَا تناثر وتبدد فوزع سَاعَات أوقاته الى الْعلم والعباده وتحلى جيده بقلادتى السِّيَادَة والسعاده الى أَن تفيأت الْفَتْوَى فى ظلال أقلامه وتزينت صُدُور الطروس بعقود أرقامه الى أَن أفل من سَمَاء الدُّنْيَا كَوْكَب عمره وأودع ذَلِك السَّيْف فى غمد قَبره انْتهى قلت وَلم أر لَهُ من الْآثَار الا هَذِه الابيات قرظ بهَا على رِسَالَة للشَّيْخ مُحَمَّد الشهير بمجنكزى الصوفى (مجلة قد حوت مَعنا حلا وَصفا ... من رام وَصفا يَرَاهَا فَوق مَا وَصفا) (فِيهَا التصوف والعرفان مندرج ... كم من زَوَايَا الزوايا وصفهَا كشفا) (تَعْبِيره كعبير والاداء لَهُ ... حلاوة الشهد فِيهِ للقلوب شفا) (من مشرب قادرى قد بَدَت وهدت ... قلبا غَدا عَن طَرِيق الْحق منحرفا) (فِيهَا رموز من الاسرار أظهرها ... نشر اسمى لشيخ السَّادة العرفا) (أذاع فِيهَا من الاسرار مَا خفيت ... كَأَنَّمَا هَاتِف فى اذنه هتفا) ثمَّ رَأَيْت لَهُ هَذِه الابيات من تقريظ لطبقات تقى الدّين التميمى (كتاب طَابَ تعبيرا يحاكى ... عبيرا فائحا فى الرّوح سَار) (كنشر الْقطر عطر كل قطر ... وكالدارى فاح بِكُل دَار) (بيمن دَار مِنْهُ على تَمِيم ... يَلِيق بِأَن يكون تَمِيم دارى) وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ مفت فَجْأَة فى ربيع الاول سنة ثَمَان بعد الالف وَدفن بِالْقربِ من أَبى أَيُّوب الانصارى رضى الله عَنهُ مُحَمَّد بن حسن الملقب جمال الدّين بن دراز المكى الاديب المنشى الشَّاعِر الْمَشْهُور ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى حَقه جمال الْعُلُوم والمعارف المتفيء ظَلِيل ظلها الوارف أشرقت بِالْفَضْلِ أقماره وشموسه وزخر بِالْعلمِ عبابه وقاموسه فدوخ صيته الاقطار وطار ذكره فى مناكب الارض واستطار وتهادت أخباره الركْبَان وَظهر فى كل صقع فَضله وَبَان وَله الادب الذى مَا قَامَ بِهِ مضطلع وَلَا ظهر على مكنونه مطلع استنزل عصم البلاغة من صياصيها واستذل صعاب البراعة فسفع بنواصيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 ان نثر فَمَا اللُّؤْلُؤ المنثور انفصم نظامه أَو نظم فَمَا الدّرّ الْمَشْهُور نسقه نظامه بِخَط يزدرى بِخَط العذار اذا بقل وتحسد سَائِر الْجَوَارِح على مُشَاهدَة حسنه الْمقل وَلما دخل الْيمن فى دولة الرّوم أَقَامَ لَهُ رئيسها بِمَا يحب ويروم فولاه منصب الْقَضَاء وسطع نور أمله هُنَاكَ وأضاء وَلم يزل مجتليا وُجُوه أمانيه الحسان مجتنيا من رياضه أزاهر المحاسن والاحسان الى أَن انْقَضتْ مُدَّة ذَلِك الامير وَمنى الْيمن بعده بِالْفَسَادِ والتدمير فَانْقَلَبَ الى وَطنه وَأَهله وكابد خزن الْعَيْش بعد سهله كَمَا أنبأ بذلك قَوْله فى بعض كتبه وَلما قفلت عَائِدًا من الْيمن بعد وَفَاة المرحوم سِنَان باشا وانقضاء ذَلِك الزَّمن اخْتَرْت الاقامة فى الوطن بعد التشرف بِمَجْلِس الْقَضَاء فى ذَلِك العطن الا أَنه لم يحل لى التخلى عَن تذكر مَا كَانَ فى تذكرة الخيال مرسوما وتفكر مَا كَانَ فى لوح المفكرة موسوما فاخترت أَن أكون مدرسا فى الْبَلَد الْحَرَام وممار سالما آذن غب الْحُصُول بالانضمام وَلم يكن فى الْبَلَد الامين كفايه وَلَا مَا يقوم بِهِ الاتمام والوقاية انْتهى وَمَا زَالَ مُقيما فى وَطنه وبلده متدرعا جِلْبَاب صبره وَجلده حَتَّى انصرمت من الْعَيْش مدَّته وتمت من الْحَيَاة عدته ثمَّ أورد لَهُ فصلا من نثره فَقَالَ كتب من كتاب إِلَى بعض أَصْحَابه ينْهَى الْمُلُوك لَا يزَال ذَاكِرًا لتِلْك الايام الْمَاضِيَة شاكرا لهاتيك الاعوام الَّتِى حلت بِفضل مَوْلَانَا وَلَا أَقُول مرت بمسرات لَا تزَال النَّفس لدينها متقاضيه (كم أردنَا هَذَا الزَّمَان بذم ... فشغلنا بمدح ذَاك الزَّمَان) أقفر الصَّفَا من اخوان الصَّفَا وخلا الْحطيم من رَضِيع الادب والفطيم وأقوت المشاعر من أَرْبَاب الادراك والمشاعر (كَأَن لم يكن بَين الْحجُون الى الصَّفَا ... أنيس وَلم يسمر بِمَكَّة سامر) وَكَانَ علم مَوْلَانَا محيطا بحالى اذ كنت آنس بأولئك الجلة وأرباب المعالى فَلم يبْق من يدانيهم فضلا عَمَّن يساويهم وَلَا من يباريهم فَكيف بِمن يجاريهم وَلَقَد ذكرت هُنَا قَول بَعضهم (دجا اللَّيْل حَتَّى مَا يبين طَرِيق ... وَخَوف حَتَّى مَا يقر فريق) (وجردت يَا برق الْمنون مناصلا ... لَهَا فى قُلُوب المبصرين بريق) (وزعزعت يَا ريح الردى كل شَاهِق ... عَلَيْهِ لانفاس النُّفُوس شهيق) (سَلام على الايام ان صنيعها ... أَسَاءَ فَهَل لى بالنجاة لُحُوق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 وَمن آخر كتب بِهِ الى كَاتب الحضرتين الشريفتين الحسنية والطالبية يعزيه بسُلْطَان الْحجاز الشريف أَبى طَالب سنة 1013 كتبت اليك كتب الله لَك سَعْدا لَا يزَال يَتَجَدَّد ومجدا لَا يَنْقَطِع بِانْقِضَاء ملك الا واتصل بِملك لمكى مؤيد وانما كتبت بِدَم الْفُؤَاد وأمددت اليراع سويداى وشفعها اللحظ بِمَا فى انسانه من السوَاد والمكون علم الله كَأَنَّمَا هُوَ بَحر من مداد والقلوب وَلَا أَقُول الاجساد مسر بلة بلباس الْحداد لَا يسمع الا الانين وَلَا يصغى الا لمن تفضح بنعيها ذَوَات الحنين أضحى النَّفْع من مثار النَّقْع كليلة من جُمَادَى وربات الْخُدُور يلطمن الخدود مثنى وفرادى وذ الحجى يغوص فى لجة الْفِكر فَيسمع لَهُ زفير وَلَيْث العرين كَاد من صدمة هَذَا الْمُصَاب أَن يتفطر من الزئير وشارف الْحطيم أَن يتحطم وَأَبُو قبيس أَن يتقطم وَبَيت الله لَوْلَا التقى لَقلت ود أَن يتهدم وأخال ان الْحجر أَسف حَيْثُ لم يكن تابوتا لذَلِك الجثمان وتندم أى داهية دهياء أَصَابَت قطان ذَلِك الْحرم وأى بلية نزلت بِلَازِم أذيال ذَلِك الْمُلْتَزم انا لله وانا اليه رَاجِعُون كلمة تقال عِنْد المصائب وَلَا نجد لهَذِهِ الْمُصِيبَة مثلا وَلم تشاركنا فِيهِ حزينة وَلَا ثَكْلَى بأى لِسَان نناجى وَقد أخرسنا هَذَا النَّازِل بأى قلب نحاجى وَقد بلغنَا هَذَا الْجد الهازل بَينا نَحن فى سرُور وَفَرح اذ نَحن فى هموم وترح أَشْكُو الى مخدومى ضحوة يَوْم شمسه كاسفه أزفت الآزفة لَيْسَ لَهَا من دون الله كاشفه أقبل نعش لابس أَثوَاب المرحمة بعد الْخلَافَة المتلقى روحه الْمَلَائِكَة مَعَ الْحور على الارائك تتحفهم السلافه والايدى ممتدة تُشِير اليه بالعويل وَالْحجاج أَرْبَاب الفجاج يضجون بالنحيب الطَّوِيل وكادت آماقنا وَالله أَن تسيل وأضحت جلاميد الْقُلُوب كضحضاح المسيل فَلم نجد شخصا من الرعايا الا وَهُوَ محرور وَذُو قرَابَته فى الحى مسرور انا لله من هَذِه الطامة الَّتِى أدهشت الْعَامَّة وأذهبت الشامة لَيْت شعرى أبعده السلاهب تركب أم الجنائب تجنب أم المقربات تقرب أم المنابر يُتْلَى عَلَيْهَا غير اسْمه ويخطب (واحر قلبا مِمَّن قلبه شبم ... ) (مضى من أَقَامَ النَّاس فى ظلّ عدله ... وآمن من خطب تدب عقاربه) (فكم من حمى صَعب أَبَاحَتْ سيوفه ... وَمن مستباح قد حمته كتائبه) (أرى الْيَوْم دست الْملك أصبح خَالِيا ... أما فِيكُم من مخبر أَيْن صَاحبه) (فَمن سائلى عَن سَائل الدمع لم جرى ... لَعَلَّ فؤادى بالوجيب يجاوبه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 (فكم من يدوب فى قُلُوب نضيجة ... بِنَار كروب أججتها نوادبه) (سقت قَبره الغرا الغوادى وجادها ... من الْغَيْث ساريه الملث وساربه) فَمَا كَانَ الا كلمحة طرف أَو حُلُول حتف وَقد وضع على الْبَاب الشريف وَسمع من أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة حفيف وتليت ولكنت أود أَن أكون الْمصلى وَلَا أكون التالى فى جَمِيع ذَلِك الترصيف فَمَا ترك الرئيس لقبا من الالقاب الا وحلاه بدره وَعلمه بدره حَتَّى كَاد النَّهَار أَن ينتصف والمقل أَن تسح بالدموع وتكف وَمن عدم انصاف الدَّهْر الخؤن أَن لم يطف بِهِ سبعا وَهُوَ لمليك هَذَا الْبَيْت مسنون ثمَّ ازْدحم على رفع جنَازَته قاضى الشَّرْع والساده فذادوه عَنْهَا ورفعوه على أَعْنَاق السلاطين والقاده وَقلت فى ذَلِك الْمقَام وعيناى تهمل وَلَا همول الْغَمَام يعز على أَن أَرَاك على غير صهوه وَأَن تنادى بامر غم الانوف وَلَا تجيب دَعوه وان تحف بك الصُّفُوف وَلَا تدع لكرك فِيهَا فجوه فطالما ضرعت لَك السلاطين وخضعت لَك الاساطين وأرعدت الفرائص وأوهنت القلائص وحميت الْحمى وَلم يرعك جساس واقتنصت حَتَّى لم تدع شادنا فى كناس أَو ليثا فى افتراس فَللَّه جدث ضمك وَقد ضَاقَتْ الارض عَن علاك وَللَّه لحد علاك وَقد اتَّخذت نعلك من السماك وَكَيف بك تحل فى الثرى وبالاثير ملعب جردك والسدرة مضمار اسلافك والنبوه لحْمَة بردك فلك بجدك فى ارتقائك الى الْعَالم العلوى أسوه وَلنَا بفقدك الْجزع الذى لَا يعقبه سلوه فَأَنت لقِيت الحبيب ولقينا بعْدك مَا يلقى الكئيب فلك الْبُشْرَى بلقيا رَبك وَنَرْجُو بك اللقيا على الْكَوْثَر وَأَنت فَرح بشرابك وشربك ثمَّ يَا عفيف لَا تسل عَن نعش حفه الْوَقار وتقدمه الرّوح الامين وَالْمَلَائِكَة الابرار فوائح الْمسك الاذفر تنفح من كل جَانب كَأَنَّمَا ينْقض من غدائر خرعوبة كاعب وَبِاللَّهِ أقسم ان طيبه نفحنى وَأَنا فى الخلوه وهم فى تجهيز تِلْكَ الذَّات على هاتيك العلوه وَحَاصِل مَا أقص عَلَيْك من الْقَصَص انا أودعنا فى كنف الرَّحْمَن ذَلِك القفص وعدنا وَنحن كَمَا يُقَال شَاهَت الْوُجُوه حيارى وَلَا نعلم من نؤمله ونرجوه وَقد أظلم قتام العثير ودجا النَّقْع حَتَّى خيل لنا انه لم يكن قطّ صبح أَسْفر وَحين هجوم هَذَا الْخَبَر المهيل كَادَت الْبِلَاد تنهب لَوْلَا تسهيل بعض السادات مَا صَعب فى التسهيل والنداء من الْحَاكِم بالعافيه والاعين قد امْتَلَأت من الهاربين بالسافيه وغلقت الابواب وانقطعت الاسباب حَتَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 وَالله كَأَن الْقِيَامَة قد قَامَت وحقت كَرِيمَة يَوْم يفر الْمَرْء والانفس قد حامت وَحَال بينى وَبَين الْخلْوَة طَرِيق طالما صلحت للزبا وسبيل وبيل صرت أقطعه وثبا فَكل من لاقيته لَا يُجيب وَمن كَانَ من ورائى فكانما هُوَ طريد أَو سليب وَبعد الدّفن كثر القال والقيل ونودى كَمَا بَلغَكُمْ وصليل السيوف منعنَا المقيل وزف المنادى عصبَة مَشْهُورَة القواضب مسنونة الشواذب والاسواق من السكان خاليه فكانما هى خود أضحت عاطلة بعد أَن كَانَت حاليه ودور مَكَّة كَأَنَّهَا وَبِاللَّهِ أقسم دور البرامكه وَكَأَنَّهَا لم يتغزل فِيهَا بُرْهَة كدار عاتكه وَلَقَد تذكرت فِيهَا قينة الامين وَقَوْلها كَانَ لم يكن بَين الْحجُون الى الصَّفَا أنيس غير الانين هَذَا وَقد أطلت عَلَيْك مَا ينبغى أَن يقْتَصر فِيهِ مَعَ علو مَكَان ومشيد مَكَانك فى البلاغة وأركانك وَالله تَعَالَى يلهمك صبرا جميلا على هَذَا الْمُصَاب ويوليك أجرا جزيلا على فقد ذَلِك المليك المهاب وَلَا يسمعنا واياك بعْدهَا صَوت عزاء وَلَا أحدا من الاعزاء وَلَا يحملنا مَالا طَاقَة لنا بِهِ من مثل هَذِه الارزاء فو الرَّحْمَن لَهو الرزء الذى كل رزء بِالنِّسْبَةِ اليه أقل الاجزاء وَالسَّلَام وَمن شعره قَوْله فى صدر كتاب (هَذَا كتابك أم در بمتسق ... أم الدرارى الَّتِى لاحت على الافق) (وَذَا كلامك أم سحر بِهِ سلبت ... نهى الْعُقُول فتتلو سُورَة الفلق) (وَذَا بيانك أم صهباء شعشها ... أغن ذُو مقلة مكحولة الحدق) (بتاج كل مليك مِنْهُ لامعة ... وجيد كل مجيد مِنْهُ فى أفق) (روض من الزهر والانوار زاهية ... كأنجم الافق فى اللألاء والنمق) (وذى حمائم أَلْفَاظ سجعن ضحى ... على الخمائل غب الْعَارِض الغدق) (رِسَالَة كفراديس الْجنان بهَا ... من كل مؤتلق يلهى ومنتشق) (كَأَنَّمَا الالفات المائدات بهَا ... غصون بَان على أيك من الْوَرق) (تعلو منا برهَا الهمزات صادحة ... كالورق ناحت على الافنان من حرق) (ميماتها كثغور يبتسمن بِمَا ... يزرى على الدراديز هى على الْعُنُق) (فطرسها كبياض الصُّبْح من يقق ... ونقشها كسواد اللَّيْل فى غسق) (يَا ذَا الرسَالَة قد أرْسلت معْجزَة ... ردَّتْ بلاغتها الدَّعْوَى من الْفرق) (وَيَا مليك ذوى الالباب قاطبة ... وَيَا اماما هدَانَا أوضح الطّرق) (من ذَا يُعَارض مَا قد صاغ فكرك من ... حلى الْبَيَان وَمن يقفوك فى السَّبق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 (أَنْت المجلى بمضمار الْعُلُوم اذا ... أضحى قروم أولى التَّحْقِيق فى قلق) (صلى أَئِمَّة أهل الْفضل خَلفك يَا ... مولى الموالى وَرب الْمنطق الذلق) (مُسلمين لما قد حزت من أدب ... مُصدقين بِمَا شرفت من خلق) (مهلا فباعى من التَّقْصِير فى قصر ... وَأَنت فى الطول والاحسان ذُو عمق) (سُبْحَانَ بارئ هذى الذَّات من همم ... سُبْحَانَ فاطر ذَا الانسان من علق) (يَا لَيْت شعرى هَل شبه يرى لكم ... كلا وربى وَلَا الاملاك فى الْخلق) (عذرا فَمَا فكرتى صواغه دررا ... حَتَّى أصوغ لَك الاسلاك فى نسق) (واسلم وَدم وَتَعَالَى فى مشيد على ... تستنزل الشهب للانشا فَلم تعق) وَقَوله (سَلام على الدَّار الَّتِى قد تَبَاعَدت ... ودمعى على طول الزَّمَان سفوح) (يعز علينا ان تشط بِنَا النَّوَى ... ولى عنْدكُمْ دون الْبَريَّة روح) (اذا نسمت من جَانب الرمل نفحة ... وفيهَا عرار للغو يرو شيح) (تذكرتكم والدمع يستر مقلتى ... وقلبى مشوق بالبعاد جريح) (فَقلت ولى من لاعج الوجد زفرَة ... لَهَا لوعة تَغْدُو بهَا وَتَروح) (أَلا هَل يُعِيد الله أيامنا الَّتِى ... نعمنا بهَا والكاشحون نزوح) وَقَوله فى صدر كتاب (بِحَق الوفا بالود بالشيمة الَّتِى ... عَرَفْتُمْ بهَا بالجود وَالْكَرم الجم) (بِتِلْكَ الْخِصَال الاشرفيات بالنهى ... بعزتك الْعليا على قمة النَّجْم) (بِذَاكَ الْمحيا الهش بالْمَنْطق الشهى ... بِمَا فِيك من خلق رضى وَمن عزم) (أجرنى من التَّكْلِيف وَاقْبَلْ تحيتى ... بتقبيل أَرض لم تزل مُنْتَهى همى) (فدهرى من الاسهاب أمنع مَانع ... ووقتى عَن الاطناب أضيق من سم) (وماذا عَسى فى الْوَصْف يبلغ مقولى ... وَلَو مدت الاقلام من مدد اليم) وَوجدت الْفَقِير فى تذكرة المرشدى مِمَّا كتبه الْجمال مُحَمَّد درازالى الامام عبد الْقَادِر الطبرى سَائِلًا عَمَّا يرد على كَلَام للسبكى فى الطَّبَقَات الْكُبْرَى فى اسْتِخْرَاج الْملك الْعلقَة الَّتِى فى صَدره مَوْلَانَا الامام الذى اليه هَذَا الحَدِيث يساق الْهمام الذى تشد اليه يعملات البلاغة ببدائع السِّيَاق فيسفر عَن بدر فضل حسن الاتساق ودرنبل مُنْتَظم عُقُود الانتساق فَلهُ السّلف الَّذين تتنازل الثريا دون مقاماتهم الرفيعه وينحط الاثير عَن مكاناتهم الى هى للفخار شفيعه على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 انه العصامى الذى بِهِ تفتخر الابناء وتتبختر فى مطارف سودده الاعمام والاصناء فالمزنى لَا يُبَارى جود مزنه والرازى أضحى رزية من حزنه هدَانَا الله تَعَالَى بِهِ الى سَوَاء السَّبِيل وأغنانا بسلسال فَوَائده عَن رقراق السلسبيل قَالَ السبكى سَمِعت الْوَالِد يَقُول وَقد سُئِلَ عَن الْعلقَة السَّوْدَاء الَّتِى أخرجت من قلب النبى فى صغره حِين شقّ فُؤَاده وَقَول الْملك هَذَا حَظّ الشَّيْطَان مِنْك ان تِلْكَ الْعلقَة الَّتِى خلقهَا الله تَعَالَى فى قُلُوب الْبشر قَابِلَة لما يلقيه الشَّيْطَان فِيهَا فأزيلت من قلبه فَلم يبْق فِيهِ مَكَان قَابل لَان يلقى الشَّيْطَان فِيهِ شَيْئا قَالَ هَذَا معنى الحَدِيث وَلم يكن للشَّيْطَان فِيهِ حَظّ قطّ وانما الذى نَفَاهُ الْملك أَمر هُوَ فى الجبلات البشرية فأزيل الْقَابِل الذى لم يكن يلْزم من حُصُوله حُصُول الْقَذْف فى الْقلب قَالَ فان قلت فَلم خلق هَذَا الْقَابِل فى هَذِه الذَّات الشَّرِيفَة وَكَانَ يُمكن أَن لَا يخلق فِيهَا قلت لانها من جملَة الاجزاء الانسانية فخلقة تَكْمِلَة لِلْخلقِ الانسانى فلابد مِنْهُ ونزعه أَمر ربانى طَرَأَ بعده انْتهى كَلَام السبكى أَقُول يُعَارض هَذَا بختانه فخلقه تَكْمِلَة لِلْخلقِ الانسانى وَلَا شكّ ان بَقَاءَهُ على تِلْكَ الْفطْرَة الانسانية ثمَّ ازالتها بعد ذَلِك فِيهِ تَعْلِيم لِلْخلقِ باتباعه فان قلت ثمَّ فَارق وَهُوَ الْقَابِل الذى تُؤثر فِيهِ الوسوسة قلت الاكمل والاشرف عدم خلق الْقَابِل كَعَدم خلق القلفة وسلامته من الانزعاج الذى حصل لَهُ عِنْد شقّ الْملك صَدره خُصُوصا فى أَوَان سنّ الطفولية فالمسؤل خلاصكم للسبكى والخلاص من شباك سيدنَا السبكى ولمولانا مُنَاسبَة بِهَذَا الْفَنّ موروثه وفى الْبَقِيَّة دُرَر على طنافس الْفضل مبثوثه وَالسَّلَام فَأَجَابَهُ الطبرى مَوْلَانَا الذى اليه مطايا آمال الافاضل تزجى وَمن سحائب سَمَاء فَضله الغيوث المغدقة تؤمل وترجى فيهطل يواكف ترفع لتلقيه الاكف المبسوطه وتتألق عَن بارق يضئ بِهِ مظلم وَجه الارض البسيطه ويرعد بِمَا ينتجع اليه اذا سمع ثِقَة بوعده ويشرق بذكاء ذكاء أكسبت الْبَدْر سَاطِع ضيائه وطالع سعده ويرهف سمهرى الْقَلَم فى كَتِيبَة الْكِتَابَة بالمداد الاسود والاحمر ويرعف عضب اللِّسَان فى معرك المناظرة والمناضلة فنال مَا لم ينله اللدن الاسمر امام البلاغة رب الْكَلِمَات المصاغة دَامَت فرائد فَوَائده عقوداً للنحور واستمرت وطفاء غيثه ممدة للبحور وافى المشوق المشرف المدبج المفوف فوقفت لَهُ أَقْدَام الافهام حيارى وأضحت تالية وَترى النَّاس سكارى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 وَمَا هم بسكارى غير انها درأت مَا ألم بهَا بارتشاف سلسبيله واستضأت بمصباحه لسلوك سَوَاء سَبيله فَرَأَيْت بعد التَّكَلُّف فى التَّوْفِيق بَين عبارَة مَوْلَانَا وَبَين مُرَاده انه لَا مُعَارضَة بِمَا أَشَارَ اليه من ختان من منح الله تَعَالَى الْخلق باسعافه واسعاده أما أَولا فلانهم اخْتلفُوا فى أَنه هَل ولد مختونا أَو انه ختن بعد وِلَادَته وَقد قَالَ بِكُل من الْقَوْلَيْنِ طَائِفَة فَأَما على القَوْل الثانى فَلَا اعْتِرَاض بالمعارضة الْمَذْكُورَة واما على الاول فَالْكَلَام فى جُزْء من الْخلقَة البشرية من الاجزاء الشَّرِيفَة الَّتِى لَا تمكن الْحَيَاة بِدُونِهَا فى الْعَادة فانها هى المكملة للخلقة فى الْحَقِيقَة وَأما القلفة فهى كالاظفار والشعور مِمَّا لَا يَتَرَتَّب على وجوده مَا يَتَرَتَّب على مثل الْعلقَة المستكنة فى ذَلِك الْموضع بِالنِّسْبَةِ الى الْحَيَاة وَأَيْضًا الْكَلَام فِيمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الاحكام فان الْعلقَة حَيْثُ كَانَت مَحل وَسْوَسَة الشَّيْطَان فى الْبشر رُبمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ عدم الايمان عياذا بِاللَّه وَلَا كَذَلِك القلفة وَأَيْضًا خلق القلفة وازالتها بعد ذَلِك قد وَقع لغيره كابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَو وجدت فِيهِ ثمَّ أزيلت لم يكن فى ذَلِك كَبِير مزية بِخِلَاف الشق الْمَذْكُور واخراج الْعلقَة الْمَذْكُورَة نعم يرد على كَلَام السبكى حَيْثُ قرر انه لم يكن للشَّيْطَان مِنْهُ حَظّ وان خلق الْعلقَة فِيهِ لتكميل الْخلق انه لَا معنى لازالتها بعد ذَلِك حَيْثُ لم تكن مِنْهُ مَظَنَّة لَهُ فَلَا يتم حِينَئِذٍ مَا قَرَّرَهُ على ذَلِك النمط هَذَا مالاح ودعا اليه داعى الْفَلاح قلت فِيهِ بعض مناقشة أما نَقله الِاخْتِلَاف فى كَونه ولد مختونا فَلم يكن اليه دَاع اذ الاشكال انما هُوَ وَارِد على مُقَابِله فَلَا معنى لنفى الِاعْتِرَاض وَدَعوى كَون الْعلقَة من الاجزاء الَّتِى لَا يُمكن بَقَاء الْحَيَاة بِدُونِهَا مَمْنُوعَة وَمَا أورد على كَلَام السبكى لَيْسَ بوارد عَلَيْهِ فان فى ازالتها مَعَ منع الشَّيْطَان عَنْهَا حِكْمَة هى قطع طمع وُصُوله اليه وَالله أعلم بِالصَّوَابِ وَلَقَد فحصت عَن وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فَلم أظفر بهَا وَقد علم انه كَانَ فى سنة اثنتى عشرَة وَألف مَوْجُودا وَمَا عَاشَ بعْدهَا كثيرا رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن حسن الْمَعْرُوف بِابْن تركمان حسن التركمانى الاصل الدمشقى من أَعْيَان جند الشَّام وسراتهم وَكَانَ شجاعا عَاقِلا مهذبا حسن الاخلاق معاشرا سنحى النَّفس كَانَ وَالِده كتخدا الْجند الشامى وَسكن فى محلّة بَاب الْمصلى وَأَنْشَأَ دَارا عَظِيمَة وهى الْآن أكبر دَار بِدِمَشْق ورزق أَوْلَادًا كَثِيرَة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 عينهم وأنبلهم وأوجههم صَار أَولا من آحَاد الْجند بِالشَّام واشتهر بالفروسية وينقل عَنهُ فِيهَا أَشْيَاء غَرِيبَة جدا مِنْهَا ان الْحَافِظ نَائِب الشَّام كَانَ قصد أَن يُمَيّز بَينه وَبَين كنعان الْكَبِير الْمَشْهُور بالفروسية والشجاعة فَخرج بهما الى ميدان الوادى الاخضر وَأمر أَن يوضع تَحت قدم كل وَاحِد مِنْهُمَا فَوق ركابه وَهُوَ رَاكب دِرْهَم وَأَمرهمَا بالسباق فَمَا برحا يتسابقان من بعيد الظّهْر الى قبيل الْغُرُوب ثمَّ استدناهما وَنظر الى الدرهمين فَوجدَ الذى كَانَ تَحت قدم كنعان قد وَقع والذى تَحت قدم مُحَمَّد بَاقِيا فى الْمَكَان الذى وضع فِيهِ فأنعم عَلَيْهِ وقربه وَبلغ من ثمَّ الشُّهْرَة الْبَالِغَة وَاخْتَلَطَ بالعقلاء وعاشر الْفُضَلَاء ثمَّ صَار بلو كباشى وَولى السردارية بِبَاب قاضى الْقُضَاة وخدم الْمولى مصطفى بن عزمى قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق وعاشره فاكتسب من آدابه ثمَّ سَافر مَعَ وَالِده الى بِلَاد الْعَجم فى زمن السُّلْطَان أَحْمد وَلما دارت رحى الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ طرح بعض الاعاجم أَبَاهُ فخلصه مُحَمَّد مِنْهُ وَقتل عَدو وَالِده لكنه أُصِيب فى عينه بِسَهْم أَصَابَهُ وَاتفقَ لَهُ انه سَافر إِلَى روان فى بِلَاد الْعَجم أَيَّام السُّلْطَان مُرَاد فَوَقع لَهُ مَا وَقع لابيه وَقبض عَلَيْهِ بعض الاعجام فخلصه ثانى اولاده وأشجعهم مُوسَى الذى صَار آخرا أَمِير الْحَاج وسيأتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ رَجَعَ الى دمشق وَصَارَ كتخدا الْجند فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَلما ولى حُكُومَة الشَّام عُثْمَان باشا جفتلر لى عَزله وحبسه فى قلعة دمشق ثمَّ اطلقه بشفاعة شيخ الاسلام مُحَمَّد البهائى قاضى الشَّام وَجعل لَهُ علوفة فى الخزينة الشامية ثمَّ صاريياً باشى وَعظم قدره بَين الْعَسْكَر وَصَارَ كَبِيرهمْ وَصَارَت أَوْلَاده كباشيه وأخواه يباباشيين وطنت حَصَاة شهرتهم فى الْآفَاق وَكَانُوا فى الْجُمْلَة زِينَة المواكب وَرُبمَا انهم كَانُوا مَعَ توابعهم ولواحقهم يقاربون ربع الْعَسْكَر وَسَار الى الْحَج سردارا سبع مَرَّات ثمَّ بعد ان قتل عبد السَّلَام السَّابِق ذكره تنزل عَن سموهُ وَانْفَرَدَ بَين الْعَسْكَر وَلم يبْق من أقرانه أحد وَأُصِيب بولدين كَانَا أَنْجَب أَوْلَاده وهما رَجَب وخضر وَأخذ مِنْهُ مَال كَانَ لزمَه من مَال المقاطعات الَّتِى بِيَدِهِ ونفدت جَمِيع عقاراته وأمواله وغدر بِهِ الزَّمَان فبقى منزويا الى أَن مَاتَ وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى سنة احدى وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير عِنْد أَبِيه تجاه دَارهم بِالْقربِ من الْمصلى الامام مُحَمَّد بن الْحسن بن الامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد على قَالَ القاضى أَحْمد بن ابى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 الرِّجَال فى تَرْجَمته قَائِد الجحافل وَوَاحِد المحافل السُّلْطَان المسعود وانسان الاعلام الْمَحْمُود كَانَ سريا حولا قلبا حنكته التجازب وَعرف المصادر والموارد وصحبته السَّعَادَة فى الصغر وَالْكبر وَلم يزل حميدا فى الْحَالين واستمرت أَيَّامه على نمط وَاحِد غير مَا لابد مِنْهُ فى أَوَائِل الْعُمر من الْوُقُوف فى الْكتاب للْقِرَاءَة وَأما مذ اميطت عَنهُ التمائم فَمَا هُوَ الا مسود مقدم محفوف بالجنود والبنود تولى صعده ونواحيها وَمَا ذَر الشّعْر بعارضيه فحمدت سيرته واتصل بِهِ الْفُضَلَاء وفداليه الاخيار وَنكى الاعداء فى ذَلِك الاقليم على شراستهم وابائهم وغزا مغازى محمودة الاثر وَقَرَأَ فى اثناء هَذِه الْمدَّة أَكثر الْكتب الْمُعْتَمدَة على شُيُوخ كالقاضى أَحْمد بن يحيى بن حَابِس والفقيه صديق بن رسام السوادى وَمَا ترك من مهمات الْعُلُوم فَنًّا الا وابلغ جهده فى الطّلب وقيلت فِيهِ المدائح الغر أَيَّام اقامته بصعدة وَأَجَازَ الجوائز السنيات وَلما توفى وَالِده وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يَوْمئِذٍ آيبا من زيارته الى عَمه الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقسم فَلَمَّا بلغ امام مَرضه نفذه الى جِهَة ضوران فَوَقفهُ فى الديار اليمنية مترددا بَين ضوران وذمار ثمَّ سكن مدينتى آب وذى جيله وَجمع جندا جرارا من وُجُوه الْعَسْكَر وكبراء الامراء من أَعْيَان دولة أَبِيه حَتَّى توفى الامام الْمُؤَيد فَدَعَا صَاحب التَّرْجَمَة الى مُحَمَّد الامام المتَوَكل على الله اسماعيل بن الْقسم وَسلم الامر طَوْعًا لَهُ على يَد أَخِيه السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن وولاه الامام ولَايَة عظمى فى أقاليم وحصون ومدن فاستمر على خَال حميدة محفوفا بعساكر يضيق عَنْهَا الرحب فى رفاهية ودعة لما لَهُ من الاسعاد وَاسْتمرّ حَاله كَذَلِك على نمو وازدياد من حُدُود سنة أَربع وَخمسين الى سنة تسع وَسبعين وَكَانَ يَجْعَل شطر الاقامة بذمار واليمن الاسفل وشطرها بِصَنْعَاء كَمَا كَانَ يفعل طَاوس الْفَقِيه من الاقامة أَيَّام الشتَاء بالحبذ وَأَيَّام الرّبيع وَمَا وَرَاءَهَا بصنعا وَقَرَأَ فى هَذِه الْمدَّة الْمُتَأَخِّرَة تذكرة الْعَلامَة النحوى على عَلامَة الْيمن مُحَمَّد بن صَلَاح السلامى وكملها على أَحْمد بن سعيد الهبل وَقَرَأَ الْفُصُول اللؤلؤية على ابراهيم السحولى وَمن مؤلفاته سَبِيل الرشاد الى معرفَة رب الْعباد مُخْتَصر مُفِيد فى علم الْكَلَام وَشرح مرقاة الْوُصُول الى علم الاصول لجده الامام الْقَاسِم سَمَّاهُ بالتسهيل وَجَوَاب مَبْسُوط فى حَدِيث سَتَفْتَرِقُ أمتى سَأَلَهُ عَنهُ الْعَلامَة أَحْمد بن مطير الشافعى وفى سنة تسع وَسبعين طلع من الْيمن الى صنعاء وصادف قدوم عَمه الامام اسمعيل من شهارة مُتَوَجها الى ضوران الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 فامتلأت الساحات بالخلائق وامتلأت الْقُلُوب بالمسرة فَمَا كَانَ أسْرع من ان أَصَابَهُ ألم أَحْسبهُ ذَات الْجنب وَاخْتَارَ الله لَهُ جواره بداره بدرب السلاطين من أَعمال الرَّوْضَة فى الثُّلُث الاول من لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشر شهر ربيع الاول سنة تسع وَسبعين وَألف فَاجْتمع السادات بداره والامام هُنَالك وَدفن بِقرب دَاره وَكَانَ الْخطب جسيما لَوْلَا حُضُور الامام فانه جبر الخواطر واشتغل بصلاح شَأْن أَوْلَاده وَعرض عَلَيْهِم الْولَايَة وحاول أَن أَخَاهُ السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن يلم الشعث ويحفظ الْبِلَاد والجند فعف عَن الْبِلَاد قبل أَن يعرف الامام قدرهَا فَتَأَخر عَن الْجَمِيع وبقى أَوْلَاد مُحَمَّد بن الْحسن وهما يحيى واسمعيل بعد أَن بعد صيتهما وذكرا فى النَّاس ذكر آبائهما وَقد كَانَا توليا ولايات من والدهمافلذلك كَانَ مقامهما قد كبر فَاخْتَارَ الله ليحيى جواره وَكَانَ قد ناهز الاشد وَمهر فى علم الطِّبّ خُصُوصا وَلما مَاتَ بقى فى يَد أَخِيه اسمعيل جِهَة العدين من مخلاف جَعْفَر فَتوجه اليها عَن امْر الامام فَلم يصل اليها الا وَقد ألم بِهِ الالم وَتوفى فى مذيخرة فَكَانَ ذَلِك أنكى للقلوب وأبكى للعيون فسبحان من لَهُ الْبَقَاء والدوام وَلما كَانَ ذَلِك كَذَلِك أوت العساكر الى أَخِيه احْمَد بن الْحسن وَأَعْطَاهُ الامام الى بِلَاده بلادا فاستوثق الامر وانتظم ونظمت فى صَاحب التَّرْجَمَة المراثى البليغة ووصلت التعازى الى الامام من مَكَّة وَمِمَّنْ رثاه وَلَده اسمعيل وَذكر فى مرثيته الْحَال وَذكر صنوه يحيى وَمَا أجد أوقع فى النُّفُوس مِنْهَا لانها عين الْحَقِيقَة وَلَا كلفة فِيهَا وَعَلَيْهَا مسحة الْحزن وَرب شَاعِر يشْعر ويجيد وَلَا نجد تِلْكَ المسحة على غَيرهَا من مرثية أَو موعظة أَو غزل وَأما هَذِه فَانْظُر بقلبك وهى (هَل أقَال الْمَوْت ذَا حذره ... سَاعَة عِنْد انتها عمره) (أَو ترَاخى عَن كحيل رنا ... فاق كل الغيد فى حوره) (أَو رثى يَوْمًا لمرضعة ... طفلها مَا دب فى حجره) (أَو ترَاهُ هائبا ملكا ... صائلا قد عز فى نفره) (أَو تناسى من لَهُ نظر ... تصدر الاشياء عَن نظره) (أَو تحامى روح سيدنَا ... مصطفى الرَّحْمَن فى بشره) (وأبى السبطين حيدرة ... وكبار الْآل من عتره) (بل دهى من كَانَ منتظرا ... قربه أَو غير منتظره) (وسقاه كأس سطوته ... مدهقا من كف مقتدره) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 (مَا ترى عَن الانام ثوى ... حُفْرَة اذ آب من سَفَره) (لم يقم فى قصره زَمنا ... غير وَقت زَاد فى قصره) (بعد مَا قد كَانَ عزته ... ترشد السارى الى وطره) (وندى كفيه منهمرا ... مذهلا للروض عَن مطره) (كَانَ طودا لَا يحركه ... أى خطب جلّ فى خطره) (كَانَ بحرا طالما الْتقط الطَّالِب الْمُحْتَاج من درره ... ) (شادركن الدّين ملتمسا ... لرضى الرَّحْمَن من صغره) (وحوى الدُّنْيَا وديدنه ... طلب الاخرى الى كبره) (فسقى الرَّحْمَن تربته ... صيبا ينهل فى سحره) (وعماد الدّين أزعجه ... بعده يَغْدُو على أَثَره) (لم ينل فى الْعُمر بغيته ... لَا وَلَا أفْضى الى وطره) (لم يذقْ فى دهره أبدا ... صفو عَيْش صين عَن كدره) (مَا أرَاهُ الدَّهْر مطلبه ... ليته أخلاه من غَيره) (رحم الرَّحْمَن مصرعه ... ووقاه الْحر من سقره) (كَيفَ أنسى شمس مفخرنا ... وَأرى السلوان عَن قمره) (فهما قد أضرّ مَا لهبا ... فى فؤادى طَار من شرره) (وأسالا مدمعا بخلت ... أدمعى دهرا بمهمره) (لَا أفى يَوْمًا بحقهما ... لَو أسلت الرّوح عَن قطره) (غير أَن الصَّبْر شِيمَة من ... صوب الرَّحْمَن فى قدره) (لينال الاجر مِنْهُ اذا ... ذاق طعم الصاب من صبره) (نسْأَل الرَّحْمَن خَاتِمَة ... بِرِضا الرَّحْمَن فى صَدره) ورثاه الشَّيْخ البليغ صارم الدّين ابراهيم الهندى المهتدى بقصيدة فجيمة مِنْهَا (قضى الفخار فَلَا عين وَلَا أثر ... واحلو لَك الْخطب لَا شمس وَلَا قمر) (أمهبط الوحى مَا هَذَا الذى صنعت ... يَد الْقَضَاء وماذا أحدث الْقدر) (وَمَا الذى مادت الدُّنْيَا لصدمته ... تفجعا وتوارى النَّجْم وَالشَّجر) (وَمَا الذى مِنْهُ ماج الْكَوْن واضطربت ... لَهُ الْجبَال وريع الرَّاد وَالسحر) (وَمَا الذى جزر الْبَحْر الكهام لَهُ ... واستشعر الْحَشْر مِنْهُ البدو والحضر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 (ياناعى الْجُود وَالْمجد الاثيل صه ... مَاذَا زعمت لفيك للترب وَالْحجر) (أفق فان جنَاح الْجَيْش منخفض ... مِمَّا ذكرت وقلب الْملك منكسر) (مهلا رويدك فِيمَا قد صدعت بِهِ ... دهياء يذهب مِنْهَا السّمع وَالْبَصَر) (مَاتَ الامام أيو يحيى وحسبك من ... رزية تتحامى حرهَا سقر) (مَاتَ الذى كَانَ للوراد منتجعا ... وللعفاة اذا مَا أخلف الْمَطَر) (مَاتَ المليك الذى كَانَت موارده ... للورادين عذَابا مابها كدر) (هدت مبانى المعالى يَوْم مصرعه ... ومربع الْمجد والعلياء مندمر) (وأقلعت يَا لعمرى من أنامله ... سحب شآبيبها الابريز والبدر) (وغاض بَحر عُلُوم مِنْهُ كم حفظت ... مسَائِل هن فى جيد العلى دُرَر) (وَكَانَ فى صَدره حلم يحقر مَا ... يجى المسئ وَلَكِن لات يقْتَصر) (من للرعيل وللبخيل الْعتاق وَمن ... يزهو لَدَيْهِ بهَا التحجيل وَالْغرر) وَمِنْهَا (لم أنس نعشا لَهُ أمست تشيعه الافلاك والشهب والاملاك والبشر ... ) (وَمن دُعَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ لَهُ ... وَسِيلَة وهى الزلفاء وَالظفر) (طود تحمله ظهر السرير وَمَا ... تحملت جبلا من قبله السرر) مِنْهَا (يَا أَيهَا الْملك الْمولى الْخَلِيفَة يَا ... من بقاه لنا المأمول والوطر) (تعز فى عز دين الله سَيْفك من ... كَانَت بِهِ تزهر الآصال وَالْبكْر) (وآس فِيهِ أَخَاهُ الاحمدى وَقل ... يَا أَحْمد الْقَوْم أَنْت الصارم الذّكر) (وَشد أزر عماد الدّين خير فَتى ... لَهُ مخائل فضل كلهَا غر) (وآس أَيْضا ضِيَاء المكرمات تَجِد ... مهذبا طَابَ من الْخَبَر وَالْخَبَر) مُحَمَّد بن حسن بن على بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِالْحرِّ العاملى الشامى الاديب الْمَشْهُور ذكره ابْن مَعْصُوم فى السلافة فَقَالَ فى حَقه لَهُ شعر يستلب نهى الْعُقُول بسحره وَيحل من الْبَيَان بَين صَدره ونحره فَهُوَ أرق من خصر هيفاء مجدولة وادق وأصفى من صهباء يشعشعها اغن ذُو مقلة مكحولة الحدق قدم مَكَّة فى سنة سبع أَو ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وفى الثَّانِيَة مِنْهُمَا قتلت الاتراك بِمَكَّة جمَاعَة من الْعَجم لما اتهموهم بتلويث الْبَيْت الشريف حِين وجد ملوثا بالعذرة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة قد أَنْذرهُمْ قبل الْوَاقِعَة بيومين وَأمرهمْ بِلُزُوم بُيُوتهم لمعرفته على مَا زَعَمُوا بالرمل فَلَمَّا حصلت المقتلة فيهم خَافَ على نَفسه فالتجأ الى السَّيِّد مُوسَى بن سُلَيْمَان أحد أَشْرَاف مَكَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 الحسنيين وَسَأَلَهُ أَن يُخرجهُ من مَكَّة الى نواحى الْيمن فَأخْرجهُ مَعَ أحد رِجَاله اليها قلت وَهَذِه الْقِصَّة الَّتِى قد ذكرهَا أفضح فضيحة وَمَا أَظن أَن أحدا مِمَّن فِيهِ شمة من الاسلام بل فِيهِ شمة من الْعقل يجترى على مثلهَا وحاصلها أَن بعض سدنة الْبَيْت شرفه الله تَعَالَى اطلع على التلويث فأشاع الْخَبَر وَكثر اللَّغط بِسَبَب ذَلِك وَاجْتمعَ خَاصَّة أهل مَكَّة وشريفها الشريف بَرَكَات وقاضيها مُحَمَّد ميرزا وتفاوضوا فى هَذَا الامر فانقدح فى خواطرهم ان يكون هَذَا التجرى من الرفضة وجزموا بِهِ وأشاروا فِيمَا بَينهم أَن يقتل كل من وجد مِمَّن اشْتهر عَنهُ الرَّفْض ووسم بِهِ فجَاء الاتراك وَبَعض أهل مَكَّة الى الْحرم فصادفوا خَمْسَة أَنْفَار من الْقَوْم وَفِيهِمْ السَّيِّد مُحَمَّد مُؤمن وَكَانَ كَمَا أخْبرت بِهِ رجلا مسنا متعبدا متزهدا الا أَنه مَعْرُوف بالتشيع فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا الاربع الاخر وَفَشَا الْخَبَر فاختفى الْقَوْم المعروفون بأجمعهم وَوَقع التفتيش على بعض المتعينين مِنْهُم وَمِنْهُم صَاحب التَّرْجَمَة فالتجأوا الى الاشراف ونجوا وَرَأَيْت بِخَط بعض الْفُضَلَاء أَن صَاحب التَّرْجَمَة رَجَعَ بعد الْقِصَّة الى الْعَجم وَأنْشد لَهُ من شعره قَوْله (فضل الْفَتى بالجود والاحسان ... والجود خير الْوَصْف للانسان) (أَو لَيْسَ ابراهيم لما أَصبَحت ... أَمْوَاله وَقفا على الضيفان) (حَتَّى اذا أفنى اللهى أَخذ ابْنه ... فسخا بِهِ للذبح والقربان) (ثمَّ ابْتغى النمرود احراقا لَهُ ... فسخا بمهجته على النيرَان) (بِالْمَالِ جاد وبابنه وبنفسه ... وبقلبه للْوَاحِد الديَّان) (أضحى خَلِيل الله جلّ جَلَاله ... ناهيك فضلا خلة الرَّحْمَن) (صَحَّ الحَدِيث بِهِ فيالك رُتْبَة ... تعلو بأخمصها على التيجان) أصل هَذَا حَدِيث قدسى رَوَاهُ أَبُو الْحسن المسعودى فى أَخْبَار الزَّمَان قَالَ ان الله أوحى الى ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام انك لما سلمت مَالك للضيفان وولدك للقربان ونفسك للنيران وقلبك للرحمن اتخذناك خَلِيلًا وَمن شعره قَوْله (يراكم بِعَين الشوق قلبى على النَّوَى ... فيحسده طرفى فتنهل أدمعى) (ويحسد قلبى مسمعى عِنْد ذكركُمْ ... فتذكو حرارات الجوى بَين أضلعى) وَقَوله موريا بلقبه (قلت لما لجئت فى هجود هر ... بذلك الْجهد فى احتفاظ الجهول) (كَيفَ لَا أشتكى صروف زمَان ... ترك الحسر فى زَوَايَا المخول) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 قلت للشعراء الْمُتَقَدِّمين أشعار كَثِيرَة تتَعَلَّق بِأَسْمَائِهِمْ وألقابهم من ذَلِك قَول السراج الْوراق (بنى اقْتدى بِالْكتاب الْعَزِيز ... فَزَاد سُرُورًا وزدت ابتهاجا) (فَمَا قَالَ لى أُفٍّ فى عمره ... لكونى أَبَا ولكونى سِرَاجًا) وَقَول الشهَاب الخفاجى (قَالُوا نرَاك سَقَطت من رتب ... أَتَرَى الزَّمَان بِمثل ذَا غَلطا) (قلت الشَّيَاطِين اللئام علوا ... وَلذَا الشهَاب من العلى سقطا) وَرَأَيْت للْحرّ هَذِه الابيات وفيهَا لُزُوم مَالا يلْزم فأثبتها لَهُ وهى (لَاحَ وَجه من ربع ليلى جميل ... وركاب الركاب والركب ميل) (بَعْدَمَا كَاد أَن يلم بِنَا الْيَأْس فَزَاد الرَّجَاء والتأميل ... ) (وظننا الحبيب لَاحَ وَقُلْنَا ... ذَاك مَا تشْتَهى النُّفُوس فَمِيلُوا) (ذَلِك السؤل والهوى والامانى ... للبرايا وَالْقَصْد والمأمول) (حدثونا فَذا حَدِيث عَجِيب ... حسن مُجمل رَوَاهُ جميل) (كل دمع فرض على كل عين ... وعَلى العيس وخدها والزميل) (ثمَّ ملنا الى ربيع ربوع ... نَحْوهَا أنفس الجماد تميل) (وَكَأن السهاد للْقَوْم كحل ... وَكَانَ الطَّرِيق للْقَوْم ميل) (بى نقص من الْكَمَال وَمِنْهُم ... للمحب التتميم والتكميل) (كل حى فى ذَلِك الحى نشوان هوى وَهُوَ عَامل مَعْمُول ... ) (عمهم يَا ابْن عمى من ألم الْحبّ عُمُوم من الْهوى وشمول ... ) (كلهم عاشق يمِيل ومعشوق أمالته من هَوَاهُ شُمُول) (كل شخص مِنْهُم بدا قلت هَذَا ... مستمال فى الْحبّ بل مستميل) (كل من مَاتَ فى الْهوى اكسبوه ... شهرة لَيْسَ يعتريها خمول) (من رَآهُمْ فى النّوم أَو يقظة هام وأضحى ودمعه مهمول ... ) (جنَّة قد تجمعت فى حماها ... شهوات النُّفُوس والمأمول) (كم بِتِلْكَ المحامل استأسروا قلبا غَدا وَهُوَ فى الْحمال حميل ... ) (حملوه وَحَمَلُوهُ البلايا ... فى الْهوى فَهُوَ حَامِل مَحْمُول) (بعدوا بالحمول عَنَّا فَلم تبْق احْتِمَالا للقرب تِلْكَ الحمول ... ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 وَقَوله (وغانية شكل الْعَرُوس بوجهها ... يُقيم عَلَيْهَا لحظها كل برهَان) (يبين خداها لنا باشارة ... الى رَابِع الاشكال أوضح تبيان) (بسالفها مَعَ حاجبيها بَدَت لنا ... براهين أشكال تُشِير الى الثانى) (وحاجبها لِلْحسنِ شكل متمم ... فيا ليته مقرون حسن باحسان) وَقَوله (قد كنت أستنشق من مطلكم ... عرف شذا خيبة آمالى) (فَالْآن قد بَان بتصريحكم ... انى لنيران الجفا صالى) (انى رَأَيْت الْيَأْس عزا وفى ... كل رَجَاء نوع اذلال) (رجاؤكم غل وَهَا أَنْتُم ... أطلقتم عَنى أغلالي) (وَالْمَال ظلّ حَائِل زائل ... لَا دردر الْجَامِع المَال) (فى مَذْهَب المجدودين العلى ... سيان اكثارى واقل الى) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِالْيمن أَو الْعَجم فى سنة تسع وَسبعين وَألف مُحَمَّد بن حسن القسطمونى الاصل القسطنطينى المولد الْمَعْرُوف بِحسن زَاده أحد أفاضل موالى الرّوم ثمَّ أَخذ طَرِيق مَوْلَانَا خدا وندكار وَصَارَ شَيخا بزاويتهم بِالْقَاهِرَةِ كَانَ من السراة النحارير وَله شهرة بِالْفَضْلِ طنانة وَكَانَ شَاعِرًا بليغا لَهُ بالتركية أشعار كَثِيرَة ونظم الشّعْر العربى وَله مخلص على طَريقَة شعراء الرّوم وَهُوَ شفائى نَشأ فى تربية أَبِيه وَكَانَ أَبوهُ فى الذرْوَة الْعَالِيَة من الْعلم وَهُوَ أستاذ الاستاذين أَخذ عَنهُ كثير من الْعلمَاء وَمِنْهُم وَلَده هَذَا وَبِه برع واشتهر صيته من حِين بلغ الْحلم ثمَّ لَازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَأخذ طَرِيق الخلوتية عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الْمجِيد السيواسى ولازمه مُدَّة وَحكى عَن السيواسى انه قَالَ سَوف يحصل لهَذَا وعناه فيض فى طَرِيق الصُّوفِيَّة وَكَانَ النَّاس يعْجبُونَ من قَوْله لِأَنَّهُ كَانَ فى أَوَائِله مُتَّهمًا بِبَعْض الْمُنْكَرَات ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى مدرسة السُّلْطَان سليم الْقَدِيم وَاسْتمرّ مدرسا بهَا سِتَّة أَعْوَام لعذر حصل لَهُ ثمَّ نقل الى السليمانية وَولى مِنْهَا قَضَاء ازمير برتبة الْمَدِينَة المنورة ثمَّ ولى قَضَاء أَيُّوب برتبة بروسه وَلما صَار الْمولى حُسَيْن الرمال معلما للسُّلْطَان ابراهيم وَكَانَ أَولا من جملَة طلبة صَاحب التَّرْجَمَة نَهَضَ بِهِ الْحَظ وَصَارَ مرجعا فى المهام وَأعْطى قَضَاء الغلطة برتبة أدرنه وَنقل الى مصر فَأَقَامَ بهَا ثَلَاثَة أشهر وعزل وَلما ولى البهائى الافتاء كَانَ لَهُ بِهِ علاقَة كُلية من حَالَة الصغر واتحاد تَامّ فصيرة قَاضِيا بِالشَّام فى سنة سِتِّينَ وَأقَام بهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا ثمَّ أعْطى قَضَاء مصر ثَانِيًا ثمَّ عزل وَجَاء الى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة أَرْبَعَة أشهر وَكَانَ قصد أَن يحجّ فَمَا تيَسّر لَهُ وأعيد البهائى الى الْفتيا فَوجه اليه رُتْبَة قَضَاء قسطنطينية ثمَّ ولى قضاءها اسْتِقْلَالا فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بانا طولى ثمَّ ارتحل بنية الْحَج وَلما وصل الى قونية أَخذ طَرِيق المولوية عَن ابْن مَوْلَانَا وَلبس تاجهم وَقدم الى دمشق فى سنة احدى وَسبعين وَسَار الى الْحَج مَعَ الركب الشامى وَعَاد الى مصر صُحْبَة ركبهَا والقى بهَا عَصا ترحاله وَأعْرض عَن الدُّنْيَا واستوطن مصر وَاشْترى بهَا دَارا وَبَاعَ دَاره الَّتِى بقسطنطينية بمحلة السُّلْطَان سليم وطلق زَوجته الَّتِى بالروم ولازم على الْعِبَادَة والاوراد وَلم يزل بِمصْر الى أَن مَاتَ وَكَانَ بَينه وَبَين أَبى محبَّة وصداقة وَكَانَت رسائل كل مِنْهُمَا لَا تنفك عَن الآخر ومنشآته بالتركية فى غَايَة اللطافة وَأما آثاره الْعَرَبيَّة فَلم أر لَهُ مِنْهَا الا هَذِه الابيات كتبهَا على مؤلف للقاضى عمر المغربى المالكى خَليفَة الحكم بِمصْر سَمَّاهُ المصابيح على الْجَامِع الصَّحِيح وهى (كتاب لانواع الْمسَائِل جَامع ... وَجمع لَا شتات المباحث نَافِع) (وَفِيه لطلاب الحَدِيث كِفَايَة ... كَمَا فِيهِ للشَّيْخ النبيه مَنَافِع) (جزى رَبنَا خير الجامعه غَدا ... باذن لمن يَوْم الجزا هُوَ شَافِع) (عَلَيْهِ السَّلَام التَّام مِنْهُ وَآله ... وَأَصْحَابه مَا دَامَ يشفع شَافِع) وَكَانَت وِلَادَته سنة أَربع عشرَة وَألف وَتوفى بعد الْخمس والثمانين بِقَلِيل رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد مُحَمَّد بن حسن الشهير بِابْن عجلَان الحسينى الشافعى الدمشقى نقيب الاشراف بِدِمَشْق كَانَ غزير الْفضل فصيح الْعبارَة حسن الْفَهم كثير الْمَحْفُوظ وَله فى التَّفْسِير يَد طائلة اشْتغل على الشَّمْس مُحَمَّد بن مُحَمَّد العيثى وعَلى الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى الصابونى وَأخذ عَن جمَاعَة وَحصل ودأب ثمَّ ولى نقابة الاشراف فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وعزل بعد مُدَّة فارتحل الى الرّوم وَولى الْمدرسَة السليمية وَرجع وتملك دَارا بِالْقربِ من الشَّيْخ عَمُود دَاخل بَاب الْجَابِيَة وسكنها وَلما مَاتَ السَّيِّد مُحَمَّد بن حَمْزَة نقيب الشَّام نَهَضَ بِهِ حَظه فَكَانَ تَارَة يلى النقابة وَتارَة يعْزل الى أَن اسْتَقل بهَا مُدَّة وروجع فى الامور كثيرا وَكَانَ كَامِل الْعقل خَبِيرا بِمَا يصنع ونفذت كَلمته عِنْد الاعيان وأرباب الحكومات وَولى نِيَابَة الْقَضَاء وَقَضَاء الْمَوَارِيث وَوَقع فى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 آخر أَيَّامه ان رجلا سبّ النبى وتعصب جمَاعَة فى تبرئته وَأَرَادُوا أَن يرغموا الشُّهُود فى كتم الشَّهَادَة فَقَامَ بِهَذَا الامر وَأثبت عَلَيْهِ السب عِنْد القاضى فَقتل وَكَانَ ذَا مفاكهة عذبة ممتعا فى حَدِيثه وتملك كتبا كَثِيرَة واقرأ التَّفْسِير فى السليمية والبخارى فى بَيته وَكَانَ كثير المطالعة لَا يمل من الْبَحْث وَلَا يفتر عَن المذاكرة وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من المميزين فى الْفضل وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف وَتوفى بكرَة نَهَار الِاثْنَيْنِ ثامن عشر الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَدفن بمدفن خَاص بهم بِالْقربِ من مَسْجِد الذبان وَكَانَ آخر درس أقرأه فى تَفْسِير سُورَة مَرْيَم قَوْله تَعَالَى {واذا مت فَسَوف أبْعث حَيا} وَلم يخلف ذكرا وَبَنُو عجلَان طَائِفَة بِالشَّام مَشْهُورُونَ بِصِحَّة النّسَب واسلافهم كَانُوا قدمُوا من مصر وَسَكنُوا بزاوية الرفاعية بمحلة ميدان الْحَصَى وهى الزاوية الْمَعْرُوفَة بزاوية شيخ الْمَشَايِخ عِنْد مَزَار سيدى حسن بن الرفاعى وهى زَاوِيَة كَبِيرَة فسيحة وَكَانَت خربَتْ بِسَبَب فتْنَة صدرت فى أَوَاخِر دولة الجراكسه فى سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة وَذَلِكَ ان السُّلْطَان الغورى أرسل حَاكما الى دمشق يُقَال لَهُ النَّائِب وَكَانَ بهَا حَاكم غَيره فَمَا أَرَادَ تَسْلِيمه فتحصن النَّائِب الْمَذْكُور فى زَاوِيَة ابْن الرفاعى الْمَذْكُورَة فَرمى نَائِب القلعة على الزاوية بأحجار المدافع الْكَبِيرَة فَهد ايوان الزاوية قَالَه البورينى وَالله أعلم مُحَمَّد بن حسن بن أَحْمد بن أَبى يحيى الكواكبى الحلبى الحنفى مفتى حلب ورئيسها والمقدم فِيهَا فى الْفُنُون النقلية والعقلية مَعَ سَعَة الجاه وَالْمَال وشهرة الصيت والاناة والحلم وَكَانَ أعظم رجل جمع كل صفة حميدة وألم بِكُل منقبة سامية انْتَهَت اليه مَكَارِم الاخلاق والبشاشة وَصدق الْوَعْد وَكَانَ مَعَ علمه الزاخر وعلو سنه وَقدره لين قشرة المعاشرة مخالطا يحضر مجَالِس المداعبة والغنا وَيَقُول رب مَعْصِيّة أورثت ذلا وافتقارا خير من طَاعَة أورثت عزا واستكباراً نَشأ بحلب وَأخذ بهَا عَن جمع من مُحَقّق عصره مِنْهُم الشَّيْخ جمال الدّين البابولى وجد كثيرا حَتَّى نَالَ الرُّتْبَة الْعَظِيمَة وَكَانَ حَدِيد الْفَهم سريع الاخذ للاشياء الغامضة حكى انه دخل يَوْمًا الى مجْلِس النَّجْم مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد الحلفاوى خطيب حلب فَسَأَلَهُ عَن مسئلة فى الاصول فَلم يدرها وَكَانَ النَّجْم قصد أَن يظْهر زيفه وَيعرف انه لم يشْتَغل فى الاصول فَقَامَ من الْمجْلس وَانْفَرَدَ بِنَفسِهِ مُدَّة فى دَاره وانكب على مطالعة الاصول حَتَّى عرف من نَفسه انه حصله وَأخذ باطراً فَمه ثمَّ ذهب الى النَّجْم وناطره فى مسَائِل كَثِيرَة من هَذَا الْعلم فأربى عَلَيْهِ وَشهد لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 النَّجْم بمعرفته وَكَانَ النَّجْم الْمَذْكُور فى هَذَا الْعلم مِمَّن لَا يدْرك شاوه وَمَا زَالَ بعد ذَلِك يترقى فى الْفضل حَتَّى انْفَرد وَولى افتاء حلب وتصدر بهَا وَأفَاد ودرس وَأَلْقَتْ اليه علماؤها أَعِنَّة التَّسْلِيم وتواتر خبر فَضله وبلغنى ان السَّيِّد عبد الله بن الحجازى الْمُقدم ذكره كَانَ طلب من الْوَزير الْفَاضِل ايام انضمامه اليه أَن يشفع لَهُ فى منصب الْفتيا عَن الكواكبى عِنْد شيخ الاسلام يحيى المنقارى فَلَمَّا فاوضه الْوَزير فى ذَلِك قَالَ لَهُ المنقارى اذا عزل الكواكبى نضطر الى ان نوجه اليه منصبا يَلِيق بِهِ وَلَا يَلِيق بِهِ الا منصبى وَقصد بذلك أَن يكف الْوَزير عَن هَذَا الامر فَلم يذكرهُ لَهُ بعد ذَلِك وَبقيت عَلَيْهِ الْفَتْوَى الى أَن مَاتَ وَألف المؤلفات العديدة مِنْهَا نظم الْوِقَايَة فى الْفِقْه وَشرح نظمه شرحا مُفِيدا وَله نظم الْمنَار وَشَرحه فى الاصول وحاشية على تَفْسِير البيضاوى الْتزم فِيهَا مناقشة سعدى وَأُخْرَى ناقش فِيهَا عِصَام الدّين وحاشية عل شرح المواقف للسَّيِّد وَغير ذَلِك من التحريرات وَله نظم ونثر فى غَايَة اللطافة فَمن شعره قَوْله (أورقاء عَن عهد الحبيب تترجم ... لِيَهنك الف بالغوير مخيم) (لَئِن تندبى الْفَا وَمَا شط حيه ... فانى على شط المزار متيم) (وهب سجعك الْمَوْزُون باللحن مطرب ... فدمعى أَو فى صَامت يتَكَلَّم) (لكى مثل فى العندليب وسجعه ... ولى بالفراش الشّبَه وَالْفرق يعلم) وَقَوله (يَا أَيهَا الْبَدْر الْمُنِير اذا بدا ... واذا رنا يَا ايهذا الريم) (ومعلم الْغُصْن الرطيب تمايلا ... رق النسيم لَهَا فكاد يهيم) (كم ذاتموه عَن صبَابَة عاشق ... صب على طول الصدود مُقيم) (فَارْحَمْ ضنى جسدى وَحسن تصبرى ... وارع الْجَمِيل فَمَا الْجمال يَدُوم) وَله هَذَا الْمُفْرد (فَلَا تعجبوا من لكنة فى لِسَانه ... فَمن حُلْو فِيهِ لَا يُفَارِقهُ الْحَرْف) وَهَذَا الْمَعْنى أَصله بالتركية وَكنت عربته قبل ان أرى بَيت الكواكبى بقولى (مَا لكنة فِيهِ تشين وانما ... تأبى الْحُرُوف فِرَاق شهد لِسَانه) وللكواكبى مضمنا بيتى أَبى الْعَبَّاس المرسى (حتام فى ليل الهموم زناد فكرك تقتدح ... ) (قلب تحرق بالاسى ... ودموع عين تنسفح) (ارْفُقْ بِنَفْسِك واعتصم ... بحمى الْمُهَيْمِن تَنْشَرِح) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 (واضرع لَهُ ان ضَاقَ عَنْك خناق حالك تنفسح ... ) (مَا أم ساحة جوده ... ذُو محنة الا فح) (أَو جَاءَهُ ذُو المعضلات بمغلق الا فتح ... ) (فدع السوى وانهج على ... نهج السوى المتضح) (واسمع مقَالَة نَاصح ... ان كنت مِمَّن ينتصح) (مَا تمّ الا مَا يُرِيد ... فدع مرادك واطرح) (واترك وساوسك الَّتِي ... شغلت فُؤَادك تسترح) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَتوفى يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف السَّيِّد مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الدمشقى الشافعى نقيب الشَّام وَتقدم تَمام نسبه فى تَرْجَمَة حفيده السَّيِّد حُسَيْن كَانَ السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور شافعيا على مَذْهَب آبَائِهِ اشْتغل هُوَ وَأَخُوهُ السَّيِّد زين العابدين فى الْفِقْه على الشهَاب العيثاوى وَحصل طرفا من الْفِقْه وَكَانَ مشاركا فى غَيره ثمَّ ولى نقابة الاشرف بعد أَخِيه السَّيِّد زين العابدين الْمَذْكُور وَكَانَ شهما عَاقِلا حازما صَاحب رأى وخبرة فى الامور وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَحصل جاها ومالا وعقارا فَوق مَا يُوصف وَكَانَ موفورا الحشمة زَائِد المهابة وَلما كَانَ الْوَزير مُرَاد باشا بحلب فى قصَّة الامير على بن جانبولاذ قَصده بهَا فَلَمَّا ذهب الشهَاب العيثاوى وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وَالشَّيْخ عِيسَى الصمادى الى حلب للشكاية على ابْن معن بِسَبَب مساعدته لِابْنِ جانبولاذ كَانَ السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور والقاضى تَاج الدّين التاجى بهَا وَكَانَ كيوان الطاغية الْمُقدم ذكره ثمَّة فى تبريد الامر عَن ابْن معن فاستعان بهما واستشدهما عِنْد مُرَاد باشا ان الْمَشَايِخ انما جاؤا اليه مكرهين من قبل جند الشَّام وفى الْحَقِيقَة كَانَ للجند باعث كلى على ذَلِك فان ابْن معن كَانَ سَبَب انحطاطهم وَكسر شوكتهم ثمَّ رَجَعَ السَّيِّد مُحَمَّد فَمَرض فى الطَّرِيق فَلَمَّا كَانَ بقرية الطّيبَة من قرى حماة زَاد بِهِ الْمَرَض فَحمل على بغل فَمَاتَ فى أثْنَاء الطَّرِيق وَكَانَت وَفَاته فى رَابِع صفر سنة سبع عشرَة بعد الالف وَحمل الى حماه وَدفن بهَا وَلم يُجَاوز أَرْبَعِينَ سنة من عمره وَهُوَ وَالِد السَّيِّد كَمَال الدّين مُحَمَّد الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى مُحَمَّد بن حُسَيْن الملقب شمس الدّين الحمامى الدمشقى العاتكى الحنفى من أنبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 فضلاء عصره وأجمعهم لفنون مُتعَدِّدَة وَكَانَ فَاضلا كَامِلا صَالحا دينا خيرا برع وفَاق وَشهد لَهُ أهل وقته بالبراعة والسبق فى مضمار الْجد وَالِاجْتِهَاد اشْتغل فى الْفِقْه وَغَيره على الشَّمْس بن المنقار وَحضر دروسه كثيرا وَلزِمَ دروس جدى القاضى محب الدّين فى التَّفْسِير وَغَيره وَقَرَأَ على المنلا مُحَمَّد بن عبد الْملك البغدادى وَحضر الحَدِيث عِنْد الشَّمْس مُحَمَّد الداودى وَبحث مَعَ الافاضل وَكَانَ لين العريكة منصفا وَكَانَ عِنْد مشايخه الْمَذْكُورين مَقْبُولًا ملتفتا وَصَحب ولى الله تَعَالَى الْعَارِف بِهِ الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَبى بكر الْيَتِيم العاتكى السالف ذكره وانتفع بِهِ وَحصل لَهُ بِصُحْبَتِهِ خير كثير دينا وَدُنْيا وَكَانَ يلازم مَعَه الاوراد وَقيام اللَّيْل وَولى من الْوَظَائِف الدِّينِيَّة خطابة جَامع المراديه وامامتها وانتفع بِهِ جمَاعَة وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من خير خلق الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته نَهَار الاربعاء رَابِع عشر شعْبَان سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عبد الصَّمد الملقب بهاء الدّين بن عز الدّين الحارثى العاملى الهمدانى صَاحب التصانيف والتحقيقات وَهُوَ أَحَق من كل حقيق بِذكر أخباره وَنشر مزاياه واتحاف الْعَالم بفضائله وبدائعه وَكَانَ أمة مُسْتَقلَّة فى الاخذ باطراف الْعُلُوم والتضلع بدقائق الْفُنُون وَمَا أَظن الزَّمَان سمح بِمثلِهِ وَلَا جاد بنده وَبِالْجُمْلَةِ فَلم تتشنف الاسماع بِأَعْجَب من أخباره وَقد ذكره الشهَاب فى كِتَابيه وَبَالغ فى الثَّنَاء عَلَيْهِ وَذكره السَّيِّد على بن مَعْصُوم وَقَالَ ولد ببعلبك عِنْد غرُوب شمس يَوْم الاربعاء لثلاث عشرَة بَقينَ من ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة وانتقل بِهِ أَبوهُ الى بِلَاد الْعَجم وَأخذ عَن وَالِده وَغَيره من الجهابذة كالعلامة عبد الله اليزدى حَتَّى أذعن لَهُ كل مناظر ومنابذ فَمَا اشْتَدَّ كَاهِله وصفت لَهُ من الْعلم مناهله ولى بهَا مشيخة الاسلام ثمَّ رغب فى الْفقر والسياحة واستهب من مهاب التَّوْفِيق رياحه فَترك المناصب وَمَال لما هُوَ لحاله مُنَاسِب فحج بَيت الله الْحَرَام وزار النبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ أَخذ فى السياحة فساح ثَلَاثِينَ سنة وَاجْتمعَ فى أثْنَاء ذَلِك بِكَثِير من أهل الْفضل ثمَّ عَاد وقطن بِأَرْض الْعَجم وَهُنَاكَ همى غيث فَضله وانسجم فألف وصنف وقرط المسامع وشنف وقصدته عُلَمَاء تِلْكَ الامصار واتفقت على فَضله أسماعهم والابصار وغالت تِلْكَ الدولة فى قِيمَته واستمطرت غيث الْفضل من ديمته فَوَضَعته على مفرقها تاجا وأطلعته فى مشرقها سِرَاجًا وهاجا وتبسمت بِهِ دولة سلطانها شاه عَبَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 واستنارت بشموس رَأْيه عِنْد اعتكار حنادس الباس فَكَانَ لَا يُفَارِقهُ سفرا وحضرا وَلَا يعدل عَنهُ سَمَاعا ونظرا الى اخلاق لَو مزج بهَا الْبَحْر لعذب طعما وآراء لَو كحلت بهَا الجفون لم يلف أعمى وشيم هى فى المكارم غرر وأوضاح وكرم بَاقٍ جوده لشائمه لامع وضاح تتفجر ينابيع السماح من نواله ويضحك ربيع الافضال من بكاء عُيُون آماله وَكَانَت لَهُ دَار مشيدة الْبناء رحبة الفناء يلجأ اليها الايتام والارامل ويفد عَلَيْهَا الراحى والآمل فكم مهدبها وضع وَكم طِفْل بهَا رضع وَهُوَ يقوم بنفقتهم بكرَة وعشيا ويوسعهم من جاهه جنَانًا مغشيا مَعَ تمسك من التقى بالعروة الوثقى وايثار الْآخِرَة على الدُّنْيَا وَالْآخِرَة خير وَأبقى وَلم يزل أنفًا من الانحياز الى السُّلْطَان رَاغِبًا فى الغربة عَن الاوطان يؤمل الْعود الى السياحة ويرجو الاقلاع عَن تِلْكَ الساحة فَلم يقدر لَهُ حَتَّى وافاه حمامه وترنم على أفنان الْجنان حمامه وَقد أَطَالَ أَبُو المعالى الطالوى فى الثَّنَاء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ البديعى وَنَصّ عبارَة الطالوى فى حَقه ولد بقزوين فَانْظُرْهُ مَعَ قَول ابْن مَعْصُوم ببعلبك وَأخذ عَن عُلَمَاء تِلْكَ الدائرة ثمَّ خرج من بَلَده وتنقلت بِهِ الاسفار الى ان وصل الى أصفهان فوصل خَبره الى سلطانها شاه عَبَّاس فَطَلَبه لرياسة علمائها فوليها وَعظم قدره وارتفع شَأْنه الا انه لم يكن على مَذْهَب الشاه فى زندقته لانتشار صيته فى سداد دينه الا أَنه غالى فى حب آل الْبَيْت وَألف المؤلفات الجليلة مِنْهَا التَّفْسِير الْمُسَمّى بالعروة الوثقى والصراط الْمُسْتَقيم وَالتَّفْسِير الْمُسَمّى بِعَين الحياه وَالتَّفْسِير الْمُسَمّى بالحبل المتين فى مزايا الْفرْقَان الْمُبين ومشرق الشمسين وَشرح الاربعين وَالْجَامِع العباسى فارسى ومفتاح الْفَلاح والزبدة فى الاصول والتهذيب فى النَّحْو والملخص فى الْهَيْئَة والرسالة الْهِلَالِيَّة والائنى عشريات الْخمس وخلاصة الْحساب والمخلاة وتشريح الافلاك والرسالة الاسطرلابية وحواشى الْكَشَّاف وحواشى البيضاوى وحاشية على خُلَاصَة الرِّجَال ودراية الحَدِيث والفوائد الصمدية فى علم الْعَرَبيَّة وحاشية الْفَقِيه وَغير ذَلِك من الرسائل المختصرة والفوائد المحرره وَأما اشعاره فسأورد لَك مِنْهَا مَا يعظم عنْدك موقفه وتقف أمانيك عِنْده وَلَا تتجاوزه قَالَ ثمَّ خرج سائحا فجاب الْبِلَاد وَدخل مصر وَألف بهَا كتابا سَمَّاهُ الكشكول جمع فِيهِ كل نادرة من عُلُوم شَتَّى قلت وَقدر رَأَيْته وطالعته مرَّتَيْنِ مرّة بالروم وَمرَّة بِمَكَّة ونقلت مِنْهُ أَشْيَاء غَرِيبَة وَكَانَ يجْتَمع مُدَّة اقامته بِمصْر بالاستاذ مُحَمَّد بن أَبى الْحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 البكرى وَكَانَ الاستاذ يُبَالغ فى تَعْظِيمه فَقَالَ لَهُ مرّة يَا مَوْلَانَا أنادر وش فَقير كَيفَ تعظمنى هَذَا التَّعْظِيم قَالَ شممت مِنْك رَائِحَة الْفضل وامتدح الاستاذ بقصيدته الْمَشْهُورَة الَّتِى مطْلعهَا (يَا مصر سقيا لَك من جنَّة ... قطوفها يانعة دانيه) (ترابها كالتبر فى لطفه ... وماؤها كالفضة الصافيه) (قد أخجل الْمسك نسيم لَهَا ... وزهرها قد أرخص الغاليه) (دقيقة أَصْنَاف أوصافها ... وَمَالهَا فى حسنها ثَانِيه) (مُنْذُ أنخت الركب فى أرْضهَا ... أنسيت أصحابى وأحبابيه) (فيا حماها الله من رَوْضَة ... بهجتها كَافِيَة شافيه) (فِيهَا شِفَاء الْقلب أطيارها ... بنغمة القانون كالداريه) وَمِنْهَا (من شَاءَ أَن يحيا سعيدا بهَا ... منعما فى عيشة راضيه) (فَليدع الْعلم وَأَصْحَابه ... وليجعل الْجَهْل لَهُ غاشيه) (والطب والمنطق فى جَانب ... والنحو وَالتَّفْسِير فى زاويه) (وليترك الدَّرْس وتدرية ... والمتن وَالشَّرْح مَعَ الحاشيه) (الام يَا دهر وَحَتَّى مَتى ... تشقى بأيامك أياميه) (تحقق الآمال مستعطفا ... وتوقع النَّقْص بآماليه) (وَهَكَذَا تفعل فى كل ذى ... فَضِيلَة أَو همة عاليه) (فان تكن تحسبنى مِنْهُم ... فهى لعمرى ظنة واهيه) (دع عَنْك تعذيبى والا فأشكوك الى ذى الحضرة العاليه ... ) ثمَّ قدم الْقُدس وَحكى الرضى بن أَبى اللطف المقدسى قَالَ ورد علينا من مصر رجل من مهابته مُحْتَرم فَنزل من بَيت الْمُقَدّس بِفنَاء الْحرم عَلَيْهِ سِيمَا الصّلاح وَقد اتسم بلباس السياح وَقد تجنب النَّاس وَأنس بالوحشة دون الايناس وَكَانَ يألف من الْحرم فنَاء الْمَسْجِد الاقصى وَلم يسند اليه أحد مُدَّة الاقامة اليه نقصا فَألْقى فى روعى انه من كبار الْعلمَاء الاعاظم وأجلة أفاضل الاعاجم فَمَا زلت لخاطره أَتَقَرَّب وَلما لَا يرضيه أتجنب فاذا هُوَ مِمَّن يرحل اليه للاخذ عَنهُ وتشد لَهُ الرّحال للرواية عَنهُ يُسمى بهاء الدّين مُحَمَّد الهمدانى الحارثى فَسَأَلته عِنْد ذَلِك الْقِرَاءَة فى بعض الْعُلُوم فَقَالَ بِشَرْط أَن يكون ذَلِك مَكْتُوم وقرأت عَلَيْهِ شَيْئا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 الْهَيْئَة والهندسة ثمَّ سَار الى الشَّام قَاصِدا بِلَاد الْعَجم وَقد خفى عَنى أمره واستعجم قلت وَلما ورد دمشق نزل بمحلة الخراب عِنْد بعض تجارها الْكِبَار وَاجْتمعَ بِهِ الْحَافِظ الْحُسَيْن الكربلائى القزوينى أَو التبريزى نزيل دمشق صَاحب الروضات الذى صنفه فى مزارات تبريز فاستنشده شَيْئا من شعره وَكَثِيرًا مَا سَمِعت انه كَانَ تطلب الِاجْتِمَاع بالْحسنِ البورينى فَأحْضرهُ لَهُ التَّاجِر الذى كَانَ عِنْده بدعوة وتأنق فى الضِّيَافَة ودعا غَالب فضلاء محلتهم فَلَمَّا حضر البورينى الى الْمجْلس رأى فِيهِ صَاحب التَّرْجَمَة بهيئة السياح وَهُوَ فى صدر الْمجْلس وَالْجَمَاعَة محدقون بِهِ وهم متأدبون غَايَة التأدب فَعجب البورينى وَكَانَ لَا يعرفهُ وَلم يسمع بِهِ فَلم يعبأ بِهِ ونحاه عَن مَجْلِسه وَجلسَ غير ملتفت اليه وَشرع على عَادَته فى بَث رقائقه ومعارفه الى أَن وصلوا الْعشَاء ثمَّ جَلَسُوا فابتدر البهائى فى نقل بعض المناسبات وانجر الى الابحاث فأورد بحثا فى التَّفْسِير عويصا فَتكلم عَلَيْهِ بِعِبَارَة سهلة فهمها الْجَمَاعَة كلهم ثمَّ دقق فى التَّعْبِير حَتَّى لم يبْق يفهم مَا يَقُول الا البورينى ثمَّ أغمض فى الْعبارَة فبقى الْجَمَاعَة كلهم والبورينى مَعَهم صموتا جموداً لَا يَدْرُونَ مَا يَقُول غير انهم يسمعُونَ تراكيب واعتراضات وأجوبة تَأْخُذ بالالباب فَعندهَا نَهَضَ البورينى وَاقِفًا على قديمه وَقَالَ ان كَانَ ولابد فانت البهائى الحارثى اذ لَا أجد فى هَذِه المثابة الا ذَاك واعتنقا وأخذا بعد ذَلِك فى ايراد أنفس مَا يحفظان وَسَأَلَ البهائى من البورينى كتمان أمره وافترقا تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ لم يقم البهائى فأقلع الى حلب وَذكر الشَّيْخ أَبُو الوفا العرضى فى تَرْجَمته قَالَ قدم حلب مستخفيا فى زمن السُّلْطَان مُرَاد بن سليم مغيرا صورته بِصُورَة رجل درويش فَحَضَرَ دروس الْوَالِد يعْنى الشَّيْخ عمر وَهُوَ لَا يظْهر انه طَالب علم حَتَّى فرغ من الدَّرْس فَسَأَلَهُ عَن أَدِلَّة تَفْضِيل الصّديق على المرتضى فَذكر حَدِيث مَا طلعت الشَّمْس وَلَا غربت على أحد بعد النَّبِيين أفضل من أَبى بكر وَأَحَادِيث مثل ذَلِك كَثِيرَة فَرد عَلَيْهِ ثمَّ أَخذ يذكر أَشْيَاء كَثِيرَة تقتضى تَفْضِيل المرتضى فشتمه الْوَالِد وَقَالَ لَهُ رافضى شيعى وسبه فَسكت ثمَّ ان صَاحب التَّرْجَمَة أَمر بعض تجار المعجم أَن يصنع وَلِيمَة وَيجمع فِيهَا بَين الْوَالِد وَبَينه فَاتخذ التَّاجِر وَلِيمَة ودعاهما فَأخْبرهُ ان هَذَا هُوَ المنلا بهاء الدّين عَالم بِلَاد الْعَجم فَقَالَ للوالد شتمتونا فَقَالَ لَهُ مَا علمت انك المنلا بهاء الدّين وَلَكِن ايراد مثل هَذَا الْكَلَام بِحُضُور الْعَوام لَا يَلِيق ثمَّ قَالَ أَنا سنى أحب الصَّحَابَة وَلَكِن كَيفَ أفعل سلطاننا شيعى وَيقتل الْعَالم السنى قَالَ وَكَانَ كتب قِطْعَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 على التَّفْسِير باسم شاه عَبَّاس فَلَمَّا دخل بِلَاد السّنة قطع الديباجة وبدلها وَذكر أَنه كتب ذَلِك باسم السُّلْطَان مُرَاد وَلما سمع بقدومه أهل جبل بنى عَامل تواردوا عَلَيْهِ أفوجاً فخاف ان يظْهر أمره فَخرج من حلب انْتهى وَسِيَاق كَلَام العرضى يقتضى ان دُخُوله الى حلب كَانَ فى قَدمته من الْعَجم قَاصِدا الْحَج وَالله أعلم وأملى لبَعض الادباء بِالشَّام لغزه الذى جعله لامتحان أفكار الاذكياء من فحول الْعلمَاء وَهَذَا يدل على تبحره فى الْعُلُوم وَقد أوردته برمتِهِ فى كتابى هَذَا تطرية وتنشيطا لمن يعرف مزية الْكَلَام وَهُوَ يَا أَصْحَاب الفطنة القويمه والفطرة المستقيمه والطبيعة الالمعية والروية اللوذعية أخبرونى عَن كتاب بعضه من الْحُرُوف النورانية وَأَكْثَره من حُرُوف الزِّيَادَة وبأحد نصفيه يكمل الرجل وبالنصف الآخر تتمّ الشَّهَادَة ثَانِيَة قَابل لانواع النقط وأوله لَا يقبل الا وَاحِدَة فَقَط تالى أَوله بالكمال مَعْرُوف ومتلو ثَانِيه بالاستحداب مَوْصُوف مضعفه لوسطيه كَمَال شعورى ومضعف آخِره لثالثه كَمَال ظهورى التحسين من مُقَارنَة طَرفَيْهِ مَعْلُوم والتجرب من مقايسة ذَلِك مَفْهُوم ثانى كل حرف مِنْهُ بهيولاتية الْحُرُوف مَشْهُور وَهُوَ فِيمَا بَينهَا بالقطبية مذكوران أعْطى أَوله حليته لثانيه تَسَاويا فى الْعد وان انعكست الْقَضِيَّة زَاد التَّفَاضُل بَينهمَا عَن الْحَد ثالثه اسْم فَاعل ورابعه من أَسمَاء الافعال وَكِلَاهُمَا أَسمَاء الْعدَد الْمَوْصُوف بالكمال ان ضربت أعظم وسطيه فى مجموعهما حصل عدد جمع الافلاك المحدبة بمحدد الْجِهَات وان نقصت من ربعه الرَّابِع عقيم ضروب الشكل الثَّالِث بقى عدد القضايا الموجهات أحد نصفيه فَرد يعادل عدد الاعراض وَالنّصف الآخر زوج يعادل الْعُقُول وَهَذَا مِمَّا لَا ريب فِيهِ وان كَانَ بِحَسب الظَّاهِر غير مَعْقُول كل يساوى انحطاط الشَّمْس من الافق فى آخر غرُوب الشَّفق وَأول الصُّبْح الكذوب ومضروب صَدره فى ضعف عَجزه يعادل عرضا يتَحَقَّق فِيهِ معكوس الطُّلُوع والغروب ان أضفت ثَانِيه الى مضعف ثالثه سَاوَى الْحُرُوف المهموسه وان طرحت مِنْهُ مكعب ثَانِيه عَادل الْمنَازل المنحوسه حرفان مِنْهُ متقاربان يعادلان طَبَقَات الْعين وحرفان متعانقان يساويان أَرْكَان حِسَاب الخطأين مُكَرر نصفه فى ضروب المويسيقى مَعْدُود فان قلبته فَهُوَ طَائِر مَعْهُود وان زِدْت على مربع أَوله مهمله الا نصف ثَانِيه عَادل عِظَام بدن الانسان وان نقصت من مكعب ثالثه مضعف أَوله بقى دِيَة كل من مقاديم الاسنان مضعف أَوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 بِعَدَد أَنْوَاع الْخِيَار ومكعب آخِره كعدد التَّكْبِيرَات فى فَرَائض اللَّيْل وَالنَّهَار مضروبه فى طرفه يساوى فَرِيضَة أَب وَثَلَاث بَنَات ومضروب وسطيه فى ثَانِيهمَا كفريضة الاخوة الْعشْرَة وَالثَّمَانِيَة مَعَ سِتّ زَوْجَات ان أضفت آخِره الى أَوله سَاوَى أَحْوَال الْمسند اليه وان جمعت ثَانِيه مَعَ ثالثه عَادل من يحجّ فى الشَّرْع عَلَيْهِ وان ضعفت رابعه سَاوَى كلم المجازات وان زِدْت على مربع ثالثه نصفه عَادل علاقات المجازات وان نقصت من مربع أَوله خمس آخِره بقى عدد صور الْكَوَاكِب المرصوده وان زِدْت ثَانِيه على طرفه حصل الْمَشْهُور من الْعُرُوق المفصوده مَجْمُوع آخريه يساوى عدد مقادير النبضات وَثلث أوليه يعدل الاجناس الْعَالِيَة للمحميات وان ضممت الى طَرفَيْهِ مربع بعضه سَاوَى بعض الاعداد التامه وان زِدْت عَلَيْهَا وَسطه عَادل الوف القوائم كَمَا اشْتهر على أَلْسِنَة العامه شكله شكل العقلة بَين الاشكال الرمليه وان نصفت ثالثه لم تكذب القضيه ان زِدْت على مضعف آخِره مسطح طَرفَيْهِ سَاوَى رقم المربع الميمون وعادل ارتفاعا يساوى فِيهِ الظل للشاخص أَيْنَمَا يكون مهمل أَوله رمز الى مَا يُوجب للثلج الاشتعال ومعجمه الى مَا هُوَ فى زراعة الذَّهَب كثير الِاسْتِعْمَال ان نقصت من آخِره نصف ثَانِيه سَاوَى الباقى أَنْوَاع التَّرْجِيح وعادل عدد المخصصات الموصولات وفى كل من نصفيه ايماء الى برهَان الزَّوْج والفرد على امْتنَاع تسلسل الْعِلَل والمعلولات ان نقصت من سطح طَرفَيْهِ ثانى مبانيه سَاوَى عرض بلد يساوى غَايَة ارْتِفَاع أول الجدى فِيهِ بعض حُرُوفه يُشِير شكله الى الْبُرْهَان السلمى على تناهى الابعاد فان جعلت زاويته قَائِمَة دلّ على مَا فَوق المُرَاد وان وضعت خُرُوج ضلعها العالى الى غير النِّهَايَة وَمن طرف السافل آخر مثله مقاطعا لَهُ متحركا عَلَيْهِ تمّ الدَّلِيل على ذَلِك الْمطلب بطرِيق لم يسبقنا أحد اليه وان جَعلتهَا ثلثى قَائِمَة أشارت الى الْبُرْهَان الترسى على ذَلِك المرام وان انطبقت على مَرْكَز الْعَالم دلّت على ان التباعد بَين الرؤس أَزِيد من التباعد بَين الاقدام وان أممتها وَجعلت كلا من ضلعها عددا فَردا أَو مت الى الِاسْتِدْلَال على نفى الْجُزْء بشكل الْعَرُوس وامكان اثبات ذَلِك بالبرهان السلمى الْغَيْر مأنوس وان زَاد كل مِنْهُمَا على غَايَة الانفراج وتفارقت أجزاؤهما بالاتصال أمكن أَيْضا اثبات ذَلِك بِدَلِيل خطر لنا بالبال وان جَعلتهَا قَائِمَة حصلت الاشارة الى بعض براهين استعلام المرتفعات وان أَوْمَأت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 مَا تُرِيدُ معرفَة بعده عَنْك منتهيا مبلغها الاعلى الى بَصرك حصل الايماء الى طَرِيق معرفَة عرُوض الانهار وَسَائِر الابعاد المتعسرات وان أوترها نصف قطر الارض وَبَينهَا وَبَين مَرْكَز الشَّمْس تماس ظهر عَلَيْك ان بعد الشَّمْس عَنَّا وهى عَلَيْهِ أَزِيد بِكَثِير مِنْهُ حَال كَونهَا على سمت الراس ولاح لديك ان تراكم الْبحار وَهُوَ الْمُوجب للاحساس بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْقيَاس وان وصلت بَين ضلعيها بِخَط مواز لآخر مماس لَهما مخرج من الْجِهَتَيْنِ أمكن اقامة أَدِلَّة عديدة على مُسَاوَاة زَوَايَا مثلث لقائمتين وَفِيه حُرُوف على صُورَة شكل ان أخرجت قطريه أَشَارَ الى نفى الْجُزْء الذى لَا يتجزى بِوَجْه منح لنا وَهُوَ لُزُوم مفسدتين أعنى تلاقى القطرين قبل الْمُرُور بالمركز وعَلى نقطتين ان ألصقت وتريه بقطره أَشَارَ الى نَفْيه أَيْضا بِوَجْه مَا وجد أعظم مِنْهُ قطّ وَهُوَ لُزُوم جَوَاز كَون قطر الْفلك الاعلى ثَلَاثَة أَجزَاء فَقَط وان مَاس مُحِيط وسط ثانى حُرُوفه أشعر بِدَلِيل الْمُتَكَلِّمين على اثبات الْجُزْء كَمَا هُوَ مَشْهُور وَأما الى شبه الظفر من لُزُوم انفراج الحادة قبل قِيَامهَا كَمَا هُوَ على الالسنة مَذْكُور وان وازاه أعظم مِنْهُ وتحرك حَتَّى ماسه تبين لَك غلط صَاحب المواقف فى قدر غلط المتممات وتعجبت من مُوَافقَة الْمُحَقق الدوانى لَهُ فى امثال هَذِه التوهمات وان تحرّك الدَّاخِل ضعف الْخَارِج حصلت الاشاره الى اصل الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة الذى اخترعه سُلْطَان الْمُحَقِّقين وَلم يسْبقهُ اليه أحد من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وان ساويت بَين وَترى قوسين مِنْهُمَا ظهر لَك ان سهم قَوس الْخَارِج أقصر وان الطاس تسع من المَاء فى أعلا المنارة أقل وفى أَسْفَلهَا أَكثر وَفِيه حرف ان فرضت خُرُوج ذيله الى غير النِّهَايَة أَشَارَ الى برهَان امْتنَاع اللاتناهى فى جِهَة أَو جِهَتَيْنِ وان أَقمت على طرفه عموداً ووصلت بَينهمَا أَشَارَ الى طَرِيق وزن الارض بذى العمودين وَفِيه حرف ان فصلت بَين عَمُود المخرجين بِخَط مخرج الى ألف فَرسَخ فَمَا زَاد حصل لَك الاذعان بِأَن مساحة ظفرك أَزِيد بِكَثِير من مثلث قَاعِدَته بسمرقند وَرَأسه بِبَغْدَاد ولنقتصر على هَذَا الْمِقْدَار من الاطناب فى ذكر أَوْصَاف ذَلِك الْكتاب والعاقل تكف الاشاره وَالْجَاهِل لَا ينْتَفع بِأَلف عباره وَكتب اليه وَالِده حُسَيْن هَذَا اللغز الْغَرِيب فَأَجَابَهُ عَنهُ وَرَأَيْت السَّيِّد مُحَمَّد كبريت المدنى قد بَين السُّؤَال وَالْجَوَاب فى بعض تعاليقه فَذكرت الْجَمِيع وَلَعَلَّ بِمَا بَين السَّيِّد أَن يحتال على اللغز الْمَذْكُور آنِفا وَالسُّؤَال هُوَ هَذَا أَيهَا الْوَلَد الْمُؤَيد بالاكرام والاعزاز الْمُوفق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 فى حل المعميات والالغاز أخبرنى عَن اسْم آخر أَوله آخر الْحُرُوف وَآخر ثَانِيه بِهَذَا الْوَصْف مَعْرُوف قلبا آخريه يتوافقان وَقَلْبًا أوليه متعانقان لَوْلَا ثالثه لصار الِاسْم حرفا وَلَوْلَا ثَانِيه لصار الْفِعْل ظرفا وَلَوْلَا رَأسه لَصَارَتْ الرجل من النَّجَاسَات وَلَوْلَا رابعه لم يتَحَقَّق رَابِع القياسات بعضه قَاتل وَبَعضه الآخر نصف قَاتل طرفا أَوله فعل أَمر بطرفين وطرفا ثَانِيه مَا نهيت عَن قَوْله لللأبوين وان نقص ربعه من ربعه بقى ربعه وان زيد ربعه على ربعه حصل ربعه صَدره عَلامَة قلب العاشق وثانيه عَلامَة الرَّقِيب الْمُنَافِق لَوْلَا ربعه لم تتَمَيَّز الْقبلية عَن القابلية وَلم تفترق الْمعَانى عَن عِلّة الفاعلية بعضه يَمِين وَالْبَعْض فى الْيَسَار كمين وبطرف آخِره يَبْتَدِئ الْمقَام وبطرفه الآخر ينتهى الْكَلَام فَأَجَابَهُ بقوله يَا سيدى وأبى واستاذى وَمن اليه فى الْعُلُوم استنادى هَذَا اسْم رباعى الاعضاء ثلاثى الاجزاء اثْنَا عشرى الاصول عديم الْحَرْف المفصول من الاسماء مَعْدُود الى الافعال مَرْدُود لَوْلَا ثلث أَوله لصار السخيف بِالْكَرمِ مَوْصُوفا ولكان كل فَقير بسواد الْوَجْه مَعْرُوفا وَلَوْلَا رابعه لَا تحدت الْمَاهِيّة بالوجود وَلم يتَمَيَّز الْحَاسِد من الْمَحْسُود لَو عدم ثَانِيه لم يكن جمع الثَّمر ثمارا ولصارت قَرْيَة بالرى حمارا وَلَو عدم ربعه لم يكن الْقلب فى الْجَسَد وتبدلت السكينَة بالغل والحسد ولصارت الْهِرَّة بعض الازهار وَلم تتَمَيَّز الْحِنْطَة عَن بعض الثِّمَار أَوله بالعراق وَآخره بِالشَّام وبثلثى ربعه يتم الايمان والاسلام وبثلث ثالثه يبتدى السُّؤَال وبثانى ثَانِيه ينتهى القيل والقال شرح أَلْفَاظ السُّؤَال قَوْله آخر أَوله الح أول الِاسْم قَاف وَآخره بِالنّظرِ الى بَسطه مُسَمّى الْفَاء وَهُوَ آخر حُرُوف كَمَا ترى وَآخر ثَانِيه وَهُوَ الالف كَذَلِك الْفَاء وَهُوَ مَوْصُوف بِهَذَا الْوَصْف لانه هُوَ هُوَ قَوْله قلبا آخريه وهما السِّين وَالْمِيم يتوافقان لَان حقيقتهما الْيَاء وَقَلْبًا أوليه وهما الالف وَاللَّام من قَاف والف حرفان متعانقان لَوْلَا ثالثه وَهُوَ مُسَمّى السِّين لصار الِاسْم حرف عطف وَهُوَ أم أى بعد حذف السِّين من الِاسْم وَلَوْلَا ثَانِيه وَهُوَ الالف لصار الْفِعْل ظرفا وَلَوْلَا رَأسه وَهُوَ الْقَاف وَلَوْلَا رابعه وَهُوَ الْمِيم لم يتَحَقَّق الْقيَاس التمثيلى وَهُوَ رَابِع القياسات بعضه قَاتل وَهُوَ سم وَبَعضه وَهُوَ قانصف قَاتل طرفا أَوله وهما الْقَاف وَالْفَاء أَمر بحرفين وطرفا ثَانِيه الذى هُوَ ألف أُفٍّ قَوْله وان نقص ربعه الذى هُوَ السِّين من ربعه الذى هُوَ الْقَاف بقى ربعه وَهُوَ الْمِيم لَان الباقى بعد طرح سِتِّينَ من مائَة أَرْبَعُونَ وان زيد ربعه عكس الْقَضِيَّة قَوْله صَدره عَلامَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 قلب العاشق أى ثانى حُرُوفه وَهُوَ ألف وَالْمرَاد مِنْهُ جَوْهَر لَفظه وَهُوَ فعل من الالفة وَلم يزل قلب العاشق يألف المعشوق وَكَذَا الرَّقِيب الْمُنَافِق قَوْله لَوْلَا رابعه الذى هُوَ الالف لم تتميزا الْقبلية عَن القابلية لَان بِهِ الْفرق بَين هذَيْن اللَّفْظَيْنِ وَمثله الفعلية والفاعلية قَوْله بعضه يَمِين يعْنى الْمِيم لانه يُقَال م الله فى أَيمن الله أَو المُرَاد مَا عدا الْقَاف وَهُوَ اسْم وَبَعضه وَهُوَ السِّين فى لفظ الْيَسَار كامن قَوْله وبطرف آخِره الاول أَو الآخر يبتدى الْمقَام بل وَيخْتم وبطرف آخِره كَذَلِك ينتهى الْكَلَام لِأَن الْمِيم نِهَايَة لفظ الْكَلَام شرح أَلْفَاظ الْجَواب قَوْله رباعى الاعضاء أى حُرُوف قَاسم أَرْبَعَة ثلاثى الاجزاء أى جملَته تَنْقَسِم ثَلَاثَة من غير عكس اثْنَا عشرى الاصول لَان كل حرف يشْتَمل على ثَلَاثَة حُرُوف قَوْله عديم الْحَرْف المفصول لانه مركب من حرفين فحرفين وَهُوَ مَعْدُود من الاسماء لانه اسْم وضع لمسمى بِعَيْنِه ومردود الى الافعال بِاعْتِبَار أَنه مُشْتَقّ من الْقسم قَوْله لَوْلَا ثلث أَوله الذى هُوَ الْقَاف وَالْمرَاد الْفَاء لصار لفظ السخيف بعد حذف الْفَاء سخيا والسخى مَوْصُوف بِالْكَرمِ قَوْله واذا حذف الْفَاء من لفظ فَقير بقى قير وَهُوَ أسود الظَّاهِر وَالْبَاطِن قَوْله وَلَوْلَا رابعه الذى هُوَ الْمِيم لَا تحدث الْمَاهِيّة بالوجود لَان وجود الشئ هَيئته فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تحدث الْهَيْئَة بالماهية وَفِيه تسَامح لَان المُرَاد من الْمِيم مسماها وَهُوَ مُفْرد فَكيف يُطلق على الْمركب من الْمِيم والالف وَيُمكن أَن يُقَال تعدد المُرَاد فى هَذَا الْبَاب كثير وَهُوَ أَدخل فى الالغاز قَوْله وَلم يتَمَيَّز الْحَاسِد من الْمَحْسُود كالاول لانه لَا فرق بَين الحسود والحاسد فى أصل الْمَعْنى قَوْله لَو عدم ثَانِيه الذى هُوَ الالف من لفظ الثِّمَار بقى ثَمَر فَلم يبْق الْجمع قَوْله قريب بالرى وهى خار واذا لم تكن الالف فِيهِ بقى خر وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ اسْم للحمار قَوْله وَلَو عدم ربعه الذى هُوَ السِّين لم يكن ذَلِك الرّبع قلب الْجَسَد لسقوطه وتبدلت السكينَة فَصَارَت كينه من قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَكَانُوا} وفى الصِّحَاح وَبَات فلَان بكينة سوء بِالْكَسْرِ أى بِحَالَة سوء والاستكانة الخضوع قَوْله الْهِرَّة المُرَاد بِهِ سنور بِعَمَل الترادف واذا لم تكن فِيهِ السِّين كَانَ نورا قَوْله الْحِنْطَة المُرَاد مِنْهُ سلت على التسامح قَوْله أَوله بالعراق يعْنى الْقَاف فى لفظ الْعرَاق وَآخره وَهُوَ الْمِيم فى لَفْظَة الشَّام قَوْله وَثلثا ربعه وهما السِّين وَالنُّون من بسط الرّبع الذى هُوَ السِّين يتم بِهِ الايمان لانه تمّ بالنُّون والاسلام لَان تَمَامه بِالسِّين وَلَا يلْزم أَن يكون آخرا قَوْله وَثلث ثالثه الذى هُوَ السِّين وَهُوَ المُرَاد من بَسطه يبتدى السُّؤَال حَقِيقَة كَمَا ترى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 وبثانى ثَانِيه وَهُوَ اللَّام من ألف ينتهى القيل والقال انْتهى وأشعار البهائى كَثِيرَة وَأشهر مَا لَهُ قصيدته الكافية الَّتِى سَارَتْ مسير الْمثل ومطلعها (يَا نديمى بمهجتى أفديك ... قُم وهات الكؤس من هاتيك) (خمرة ان ضللت ساحتها ... فسنا نور كأسها يهديك) (يَا كليم الْفُؤَاد داوبها ... قَلْبك الْمُبْتَلى لكى تشفيك) (هى نَار الكليم فاجتلها ... واخلع النَّعْل واترك التشكيك) (صَاح ناهيك بالمدام فدم ... فى احتساها مُخَالفا ناهيك) من جُمْلَتهَا (لست أنساه اذ أَتَى سحرًا ... وَحده وَحده بِغَيْر شريك) (طرق الْبَاب خَائفًا وجلا ... قلت من قَالَ كل مَا يرضيك) (قلت صرح فَقَالَ تجْهَل من ... سيف ألحاظه تحكم فِيك) (قَالَ خُذْهَا فمذ ظَفرت بهَا ... قلت زدنى فَقَالَ لَا وَأَبِيك) (ثمَّ وسدته الْيَمين الى ... أَن دنا الصُّبْح قَالَ لى يَكْفِيك) (قلت مهلا فَقَالَ قُم فَلَقَد ... فاح نشر الصِّبَا وَصَاح الديك) وَقد عَارض بهَا أبياتاً لوالده وَذَلِكَ هُوَ المخترع لهَذَا الروى وأبيات وَالِده هى قَوْله (فاح عرف الصِّبَا وَصَاح الديك ... وانثنى البان يشتكى التحريك) (قُم بِنَا نجتلى مشعشعة ... تاه من وجده بهَا النسيك) (لَو رَآهَا الْمَجُوس عاكفة ... وحدوها وجانبوا التَّشْرِيك) (ان تسر نحونا نسر وان ... مت فى السّير دُوننَا نحييك) وَكتب الى وَالِده وَهُوَ بهراة (ياساكنى أَرض الهراة أما كفى ... هَذَا الْفِرَاق بلَى وَحقّ الْمُصْطَفى) (عودوا على فربع صبرى قد عَفا ... والجفن من بعد التباعد مَا غفا) (وخيالكم فى بالى ... وَالْقلب فى بلبال) (ان أَقبلت من نحوكم ريح الصِّبَا ... قُلْنَا لَهَا أَهلا وسهلا مرْحَبًا) (واليكم قلب المتيم قد صبا ... وفراقكم للروح مِنْهُ قد سبا) (وَالْقلب لَيْسَ بخالى ... من حب ذَات الْخَال) (يَا حبذا ربع الْحمى من مربع ... فغزاله شب الغضا فى أضلعى) (لم أنسه يَوْم الْفِرَاق مودعى ... بمدامع تجرى وقلب موجع) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 (والصب لَيْسَ بسالى ... عَن ثغره السلسال) وَكتب اليه (بقزوين جسمى وروحى ثوت ... بِأَرْض الهراة وسكانها) (فَهَذَا تغرب عَن أَهله ... وَتلك أَقَامَت بأوطانها) وَسَأَلَهُ بعض أَصْحَابه أَن يُعَارض قصيدة رثى بهَا وَالِد مطْلعهَا (جارتا كَيفَ تحسنين ملامى ... أيداوى كلم الحشا بِكَلَام) فَقَالَ (خليانى ولوعتى وغرامى ... يَا خليلى واذهبا بِسَلام) (قد دعانى الْهوى فلباه قلبى ... فدعانى وَلَا تطيلا ملامى) (ان من ذاق نشوة الْحبّ يَوْمًا ... لَا يبالى بِكَثْرَة اللوام) (خامرت خمرة الْمحبَّة قلبى ... وَجَرت فى مفاصلى وعظامى) (فعلى الْعلم وَالْوَقار صَلَاة ... وعَلى الْعقل ألف ألف سَلام) (هَل سَبِيل الى وقوفى بوادى الْجزع يَا صاحبى أَو المامي ... ) (أَيهَا السائر الْملح اذا مَا ... جِئْت نجداً فعج بوادى الخزام) (وَتجَاوز عَن ذى الْمجَاز وعرج ... عادلا عَن يَمِين ذَاك الْمقَام) (واذا مَا بلغت حزوى فَبلغ ... جيرة الحى يَا أخى سلامى) (وانشدن قلبى الْمَعْنى لديهم ... فَلَقَد ضَاعَ بَين تِلْكَ الْخيام) (واذا مَا رثوا لحالى فسلهم ... أَن يمنوا وَلَو بطيف مَنَام) (يَا نزولا بذى الاراك الى كم ... تنقضى فى فراقكم أعوامى) (مَا سرت نسمَة وَلَا ناح فى الدوح حمام الا وحان حمامى) (ايْنَ أيامنا بشرقى نجد ... يَا رعاها الاله من أَيَّام) (حَيْثُ غُصْن الشَّبَاب غض وَروض ... الْعَيْش قد طرزته أيدى الْغَمَام) (وزمانى مساعد وأيادى اللَّهْو نَحْو المنى تجر زمامى ... ) (أَيهَا المرتقى ذرى الْمجد فَردا ... والمرجى للفادحات الْعِظَام) (يَا حَلِيف الندى الذى جمعت فِيهِ مزايا تَفَرَّقت فى الانام) (نلْت فى ذرْوَة الفخار محلا ... عسر المرتقى عَزِيز المرام) (نسب طَاهِر ومجد أثيل ... وفخار عَال وَفضل سامى) (قد قرنا مقالكم بمقال ... وشفعنا كلامكم بِكَلَام) (ونظمنا لَهَا مَعَ الدرفى سمط ... وَقُلْنَا العبيرمثل الرغام) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 (لم أكن مقَاما على ذَا وَلَكِن ... كَانَ طَوْعًا لامركم اقدامى) (عمرك الله يَا نديمى أنْشد ... جارتا كَيفَ تحسنين ملامى) وَله يرثى وَالِده وَقد توفى بالمصلى من قرى الْبَحْرين لثمان خلون من شهر ربيع الاول سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة وشهرين وَسَبْعَة أَيَّام ومولده أول يَوْم محرم سنة ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة (قف بالطلول وسلها أَيْن سلماهما ... ورو من جرع الاجفان جرعاها) (ورده الطّرف فى أَطْرَاف ساحتها ... وأرج الْوَصْل من أَرْوَاح أرجاها) (فان يفتك من الاطلال مخبرها ... فَلَا يفوتنك مرآها ورياها) (ربوع فضل تباهى التبر تربَتهَا ... وَدَار أنس يحاكى الدّرّ حصباها) (عدا على جيرة حلوا بساحتها ... صرف الزَّمَان فأبلاهم وأبلاها) (بدور تمّ غمام الْمَوْت حللها ... شموس فضل سَحَاب الترب غشاها) (فالمجد يبكى عَلَيْهَا جازعا أسفا ... وَالدّين يندبها وَالْفضل ينعاها) (يَا حبذا زمن فى ظلهم سلفت ... مَا كَانَ أقصرها عمرا وأحلاها) (أَوْقَات أنس قضيناها فَمَا ذكرت ... الا وَقطع قلب الصب ذكرَاهَا) (يَا جيرة هجروا واستوطنوا هجرا ... واها لقلبى الْمَعْنى بعدكم واها) (رعيا لليلات وصل بالحمى سلفت ... سقيا لايامنا بالخيف سقياها) (لفقدكم شقّ جيب الْمجد وانصدعت ... أَرْكَانه وبكم مَا كَانَ أقواها) (وخر من شامخات الْعلم أرفعها ... وانهد من باذخات الْعلم أرساها) (يَا ثاويا بالمصلى من قرى هجر ... كُسِيت من حلل الرضْوَان أصفاها) (أَقمت يَا بَحر بِالْبَحْرَيْنِ فاجتمعت ... ثَلَاثَة كن أَمْثَالًا وأشباها) (ثَلَاثَة أَنْت أنداها وأغزرها ... جودا وأعذبها طعما وأصفاها) (حويت من دُرَر العلياء مَا حويا ... لَكِن دَرك أَعْلَاهَا وأغلاها) (يَا أعظما وطِئت هام السهى شرفا ... سقاك من ديم الوسمى أسماها) (وَيَا ضريحا على هام السماك علا ... عَلَيْك من صلوَات الله أزكاها) (فِيك انطوى من شموس الْفضل أضوأها ... وَمن معالم دين الله أسناها) (وَمن شوامخ أطواد الفتوة أرساها وأرفعها قدرا وأبهاها) (فاسحب على الْفلك الا على ذيول على ... فقد حويت من العلياء علياها) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 (عَلَيْك منا صَلَاة الله مَا صدحت ... على غصون أَرَاك الدوح ورقاها) وَله وَقد رأى النبى فى مَنَامه (وليله كَانَ بهَا طالعى ... فى ذرْوَة السعد وأوج الْكَمَال) (قصر طيب الْوَصْل من عمرها ... فَلم تكن الا كحل العقال) (واتصل الْفجْر لَهَا بَالغا ... وَهَكَذَا عمر ليالى الْوِصَال) (اذ أخذت عينى فى نومها ... وانتبه الطالع بعد الوبال) (فزرته فى اللَّيْل مستعطفا ... أفديه بِالنَّفسِ وأهلى وَمَال) وأشتكى مَا أَنا فِيهِ من الْبلوى وَمَا أَلْقَاهُ من سوء حَال ... ) (فأظهر الْعَطف على عَبده ... بمنطق يزرى بنظم اللآل) (فيا لَهَا من لَيْلَة نلْت فى ... ظلامها مَا لم يكن فى خيال) (أمست خفيفات مطايا الرجا ... بهَا وأضحت بالعطايا ثقال) (سقيت فى ظلمائها خمرة ... صَافِيَة صرفا طهُورا حَلَال) (وابتهج الْقلب بِأَهْل الْحمى ... وقرت الْعين بِذَاكَ الْجمال) (ونلت مَا نلْت على أننى ... مَا كَانَت أستوجب ذَاك النوال) وَمن بدائعه فى الْغَزل (وأهيف الْقد لدن الْعَطف معتدل ... بالطرف والظرف لَا يَنْفَكّ قتالا) (ان جال أهْدى لنا الْآجَال ناظره ... أوصال قطع بالهجران أوصالا) (وان نظرت الى مرْآة وجنته ... حسبت انسان عينى فَوْقهَا خالا) (كَأَن عَارضه بالمسك عارضنى ... أَو ليل طرته فى خَدّه سالا) (أَو طَاف من نور خديه على بصرى ... فَخط بِاللَّيْلِ فَوق الصُّبْح أشكالا) وَقَوله (أَسحر بابل فى جفنيك مَعَ سقم ... أم السيوف لقتل الْعَرَب والعجم) (وَالْخَال مَرْكَز دور للعذار بدا ... أم ذَاك نضح عثار الْخط بالقلم) هَذَا أَصله للرامينى الاسترابادى فى قَوْله (هَل عثرت أَقْلَام خطّ العذار ... فى مشقها فالخال نضح العثار) (أم اسْتَدَارَ الخد لما غَدَتْ ... نقطته مَرْكَز ذَاك الْمدَار) رَجَعَ (أم حَبَّة وضعت كَيْمَا تصيد بهَا ... حب الْقُلُوب فصادت كلم ملتئم) أحسن مِنْهُ قَول صاحبنا الاديب اللبيب ابراهيم بن مُحَمَّد السّفر جلاتى جمل الله بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 الادب وَأَهله (لَا يخدعنك تَحت عطفة صُدْغه ... خَال فَذَاك الْخَال حَبَّة فخه) رَجَعَ (أم كالفراش هوى طير الْفُؤَاد على ... نَار بخدك حَتَّى صَار كالفحم) وَهَذَا قَول مَأْخُوذ من قَول عون الدّين العجمى (لهيب الخد حِين بدا العينى ... هوى قلبى عَلَيْهِ كالفراش) (فأحرقه فَصَارَ عَلَيْهِ خالا ... وَهَا أثر الدُّخان على الحواشى) وللبهاء (لعينيك فضل كثير على ... وَذَاكَ لانك يَا قاتلى) (تعلمت من سحرها فعقدت لِسَان الرَّقِيب من العاذل ... ) وَمن رباعياته وهى كَثِيرَة قَوْله (كم بت من المسا الى الاشراق ... من فرقتكم ومطر بى أشواقى) (والهم منادمى ونقلى ندمى ... والدمع مدامتى وجفنى الساقى) وَقَوله (لما نظر الجفن ضَعِيفا نهكا ... من فرقته رق لضعفى وَبكى) (وارتاح وَقَالَ لى أما قلت لكا ... مَا يمكنك الْفِرَاق مَا يمكنكما) وَقَوله (لَا تبك معاشر انأوا أوالفا ... الْقَوْم مضوا وَنحن نأتى خلفا) (بالمهلة أَو تعاقب نتبعهم ... كالعطف بثم أَو كعطف بالفا) وَقَوله (قُم وامض الى الدَّيْر ببخت وسعود ... لَا يحسن فى الْمدرسَة الْيَوْم قعُود) (واشرب قدحا وَقل على صَوت الْعود ... الْعُمر مضى وَلَيْسَ من بعد يعود) وَقَوله (يَا ريح اذا أتيت دَار الاحباب ... قبل عَنى تُرَاب تِلْكَ الاعتاب) (ان هم سَأَلُوا عَن البهائى فَقل ... قد ذاب من الشوق اليكم قد ذاب) وَقَوله (يَا عاذل كم تطيل فى اعتابى ... دع لومك وَانْصَرف كفانى مَا بى) (لولام اذا هَمت من الشوق فلى ... قلب مَا ذاق فرقة الاحباب) وَقَوله (يَا غَائِب عَن عينى لَا عَن بالى ... الْقرب اليك مُنْتَهى آمالى) (أَيَّام نواك لَا تسل كَيفَ مَضَت ... وَالله مَضَت بأسوء الاحوال) وَقَوله (لَا بَأْس وان أذبت قلبى بهواك ... الْقلب وَمن سلته الْقلب فدَاك) (وليت وَقلت أنعم الله مساك ... مولاى وَهل ينعم من لَيْسَ يراك) وَقَوله (أغتص بريقتى كحسى الحاسى ... اذ أذكرهُ وَهُوَ لعهدى ناسى) (ان مت وجمرة الْهوى فى كبدى ... فالويل اذا الساكنى الارماس) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 وَقَوله (ان كَانَ فراقنا على التَّحْقِيق ... هذى كبدى أَحَق بالتمزيق) (لَو دَامَ لى الْوِصَال ألفى سنة ... مَا كَانَ يفى بساعة التَّفْرِيق) وَقَوله (أَهْوى رشأ عرضنى للبلوى ... مَا عَنهُ لقلبى الْمَعْنى سلوى) (كم جِئْت لاشتكى فمذ أبصرنى ... من لَذَّة قربه نسيت الشكوى) وَقَوله (يَا بدر دجا بوصله أحيانى ... اذ زار وَكم بهجره أفنانى) (بِاللَّه عَلَيْك عجلن سفك دمى ... لَا طَاقَة لى بليلة الهجران) وَقَوله (يَا بدر دجا فِرَاقه الْجِسْم أذاب ... قد ودعنى فَغَاب صبرا اذ غَابَ) (بِاللَّه عَلَيْك أى شئ قَالَت ... عَيْنَاك لقلبى الْمَعْنى فَأجَاب) وَكتب لبَعض أحبابه وَهُوَ بالمشهد (يَا ريح اذا أتيت أَرض الْجمع ... أعنى طوسا فَقل لاهل الرّبع) (مَا حل بروضة بهائيكم ... الا وَسَقَى رياضها بالدمع) وَكتب لبَعض اخوانه بالنجف الاشرف (يَا ريح اذا أتيت أَرض النجف ... فالثم عَنى ترابها ثمَّ قف) (وَاذْكُر خبرى لَدَى عريب نزلُوا ... واديه وقص قصتى وَانْصَرف) وَقَالَ أَيْضا (للشوق الى طيبَة جفنى باكى ... لَو صَار مقامى فلك الافلاك) (أستنكف ان مشيت فى روضتها ... فالمشى على أَجْنِحَة الاملاك) وَقَالَ (يَا من ظلم النَّفس وأخطا وأسا ... هَذَا حرم يغسل عَنْك الدنسا) (هَذَا حرم مقدس يَخْدمه ... جِبْرِيل وميكال صباحا ومسا) وَقَالَ (يَا قوم الى مَكَّة هَذَا أَنا ضيف ... ذى زَمْزَم ذى منى وهذاك الْخيف) (كم أعرك عينى لاستيقن هَل ... فى الْيَقَظَة مَا أرَاهُ أم هَذَا طيف) وَقَالَ (ان هَذَا الْمَوْت يكرههُ ... كل من يمشى على الغبرا) (وبعين الْعقل لَو نظرُوا ... لرأوه الرَّاحَة الْكُبْرَى) وَكَانَت وَفَاته لاثنتى عشرَة خلون من شَوَّال سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف بأصفهان وَنقل الى طوس قبل دَفنه فَدفن بهَا فى دَاره قَرِيبا من الخضرة الرضوية وَحكى بعض الثِّقَات انه قصد قبيل وَفَاته زِيَارَة الْقُبُور فى جمع من الاخلاء الاكابر فَمَا اسْتَقر بهم الْجُلُوس حَتَّى قَالَ لمن مَعَه انى سَمِعت شَيْئا فَهَل مِنْكُم من سَمعه فأنكروا سُؤَاله واستغربوا مقاله وسألوه عَمَّا سمع فأوهم وعمى فى جَوَابه وَأبْهم ثمَّ رَجَعَ الى دَاره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 وأغلق بَابه فَلم يلبث ان أهاب داعى الردى فَأَجَابَهُ والحارثى نِسْبَة الى حَارِث هَمدَان قَبيلَة وجده وَهُوَ الذى خاطبه أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْحسن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ بقوله يَا حَار يَا حَارِث تَارَة بالترخيم وَأُخْرَى بالتفخيم وقصته على التَّفْصِيل مَذْكُورَة فى كتاب الامالى لِابْنِ بن بابويه مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الامام الْقسم بن مُحَمَّد بن على قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال عَالم ابْن عَالم كَانَ من أهل الْعلم ورعاته مطلعا على مَقَاصِد الادباء ومناهجهم وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ مكثر من عُلُوم الآراء وتعاطى الاستنباط والتكلم فى الْمسَائِل عَن نظره من غير مُتَابعَة وَذَلِكَ فى آخر أمره واشتغل بشرح آيَات الاحكام الَّتِى جمعهَا السَّيِّد الْمُحدث مُحَمَّد بن ابراهيم ابْن الْوَزير وعددها مِائَتَا آيَة ونيف وَعِشْرُونَ آيَة فَفَسَّرَهَا واستنبط مِنْهَا وَأظْهر عجائب من علمه وَأخرج الاحاديث من أمهاتها وَكَانَ من أَعْيَان الدولة المتوكلية من وُجُوه سَادَات أَهلهَا فى البسطة مِنْهُم وَكَانَ بعد موت وَالِده مُقيما بالبستان غربى صنعاء يحف بِهِ فُقَهَاء وَجَمَاعَة من الْجند وَلما توفى الامام الْمُؤَيد وَحصل مَا حصل من الِاخْتِلَاف قصد حَضْرَة عَمه الامام اسمعيل المتَوَكل الى ضوران وَكَانَ طَرِيقه على أعشار وهى طَريقَة مسلوكة فآنسه الامام وأنزله مَنْزِلَته الَّتِى يَسْتَحِقهَا ثمَّ وَجهه الى حدار للقاء الْعَسْكَر الْخَارِجَة من صنعاء من جَانب السَّيِّد أَحْمد بن الامام الْقسم فاتفقت حروب فى حدار وَمَا زَالَت الحروب مماسية مصابحة لِلْفَرِيقَيْنِ حَتَّى طلع السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن بن الْقسم من دمار لحصار صنعاء فاجتمعا لذَلِك ثمَّ نفذ الى ثلاء وَاتفقَ تَسْلِيم أَحْمد بن الْحسن بثلاء والامير الْجَلِيل النَّاصِر بن عبد الرب ثمَّ عَاد مكرما وَارْتَفَعت حَاله وعلت كَلمته وَاجْتمعت لَهُ جنود مثل جنود أَبِيه وَولى أصقاها عَن أَمر الامام وَأَبِيهِ ثمَّ توجه فى جنده مَعَ السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن الى نجد السّلف لقِتَال سلاطين الشرق واقتضت تهيئته جعله من جَانب مُفْرد فَقضى الامر وَكَانَ النَّصْر الذى لم يعْهَد مثله فى سَاعَة من نَهَار ذهبت سلاطين الشرق على كثرتهم ونجدتهم بَين قَتِيل وأسير فى لمحة الطّرف فَلم يصل الا وَقد انجلت المعركة عَن الْفَتْح والنصر فَلم يزل حَرِيصًا على أَن يظفر بِمِثْلِهَا فَكَانَ فى يافع مَا كَانَ من الْحَرْب لانهم لم يسلمُوا يَوْمئِذٍ تَسْلِيم طَاعَة فَاجْتمعُوا وطلع وتلاه السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن وَأَخُوهُ مُحَمَّد وَهُوَ أحد أقطاب الْحَرْب فى نجد السّلف وأبلى بلَاء حسنا فطلعوا جبل يافع وَتمّ النَّصْر واستراح قلب صَاحب التَّرْجَمَة وظفر بِنَصِيب وافر وَعَاد هُوَ وَالسَّيِّد احْمَد ابْن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 الْحسن مرّة أُخْرَى الى هُنَالك وَكَانَ النَّصْر الْمُبين والتفت فى آخر عمره الى الْعلم الْتِفَات أَمْثَاله وَكَانَت الشُّيُوخ تفد اليه الى منزله وَاجْتمعَ عِنْده من الْكتب مَا لم يجْتَمع الا للسلاطين وَكَانَت وَفَاته بعد عصر الْجُمُعَة ثامن شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بالتربة الْمَشْهُورَة بالبستان بِبَاب صنعاء الغربى وبجواره فِيهَا السَّيِّد أَحْمد بن على الشامى وَعَمه السَّيِّد يحيى بن الامام الْقسم وَيحيى هَذَا كَانَ سيدا قد تأهل للرياسة وَتَوَلَّى امورا نِيَابَة عَن أَخِيه الْحُسَيْن بن الْقسم وَكَانَت لَهُ مَكَارِم فى ريعان الشَّبَاب وَتوفى عَام وَفَاة صنوه السَّيِّد يُوسُف ابْن الامام الْقسم توفى بالحمى وَدفن هُنَالك هُوَ والرئيس السَّيِّد الهادى بن على الشامى أظنهما فى تَابُوت وَاحِد وَكَانَ يُوسُف هَذَا من كملة أَهله ووجوه السَّادة ذَا مَكَارِم أَخْلَاق وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ يزاحم اخوته الثَّلَاثَة الصلاحية والرتبة ومكافحة الاعداء وَكَانَ محببا الى الْملَّة المحمدية وَلَعَلَّ ذَلِك سر محبَّة وَالِده لَهُ فانه كَانَ عِنْده يُوسُف اخوته وكمله الله تَكْمِيل يُوسُف فى الْخلق وَمَات فى عَام مَوْتهمَا السَّيِّد الْحسن بن الشَّهِيد على بن الْقَاسِم وَكَانَ سيدا رَئِيسا يحب المعالى وَتمكن من ركُوب الْخَيل تمكننا عجيبا فِيهِ يضْرب الْمثل وَتوفى بضوران وقبر بالمقبرة الَّتِى تاخذ من جَانب الْقبْلَة الى جَانب الغرب عَن مَدِينَة الحصنى وَكَانَ مَوْتهمْ فى وَقت مُتَقَارب فى حُدُود سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف أَو قبلهَا بعام وفى هَذَا الْمَعْنى كتب السَّيِّد الْحُسَيْن بن الْقسم الى أَخِيه الامام المتَوَكل اسمعيل قَوْله (سادة عجلوا بكاس المنايا ... عجبا مَا امْر كأس المنيه) (من فقيدين سيدين بصنعا ... وبضوران قتل نفس زكيه) (ثمَّ من بالحمى أجل فقيد ... يُوسُف ذُو المحاسن اليوسفيه) (يَا لَهَا أوجها غَدَتْ فى لحود ... كَالنُّجُومِ الَّتِى تضئ فهى بهيه) (مَا رعى الْمَوْت فى علاهم ذماما ... للمعالى وللخلال السنيه) (أودع الْقلب فقدها حر نَار ... ضاعف الله أجرهَا من رزيه) مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن عين الْملك الدمشقى الصالحى الشَّاعِر الشهير بالقاق كَانَ شَاعِرًا مجودا عَارِف بأساليب الشّعْر واللغة لكنه خَبِيث اللِّسَان كثير الهجاء والوقوع فى النَّاس لَا يكَاد يسلم من لِسَانه أحد وَجمع ديوانين من شعره أَحدهمَا للمدح وَالْآخر للهجو وسمى الثانى بئس الْمصير وَكَانَ جده مُحَمَّد من أهل الصّلاح صوفى الطَّرِيقَة ووالده من أفاضل الادباء وَلَهُم زَاوِيَة فى الصالحية بَاقِيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 الى يَوْمنَا هَذَا وَنَشَأ مُحَمَّد هَذَا ودأب فى التَّحْصِيل حَتَّى برع قَالَ والدى رَحمَه الله تَعَالَى فى تَرْجَمته ثمَّ نبذ بالقاق وَولى النِّيَابَة بنواحى دمشق وَمِنْهَا جُبَّة عَسَّال قلت واياها عَنى الامير المنجكى فِيمَا كتب بِهِ الى قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق وَابْن الحسام يتشفع لَهُ بِتِلْكَ النَّاحِيَة (عَبدك القاق يشبه السعدى ... نتفت ريشه يَد الْبرد) (جد عَلَيْهِ بجبة كرما ... نَاحيَة تِلْكَ لَا كسا الْبرد) ثمَّ ولى نيابات المحاكم بِدِمَشْق كالصالحية والميدان والعونى وَكَانَت هَذَا الاخيرة أعظم مَطْلُوبه وَكَانَ ظرفاء الادباء يجعلونها مدارا لنكاتهم اذا قصدوه وَذَلِكَ لَان بِالْقربِ مِنْهَا جَامعا يُقَال لَهُ الجوزة فَكَانَ مِمَّا يُقَال فِيهِ القاق فى الجوزة للعونى تعا ثمَّ سَافر الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة ولازم سلك طَرِيق القضا بَعْدَمَا طَار غراب شبابه وَمضى وانفصل عَن قَضَاء حمص بعد مَا ضَبطهَا مُدَّة قَليلَة من الزَّمَان وفى الْمثل كل طير خَارج عَن لغاته لحان وَقد قيل أَرَادَ الْغُرَاب أَن يمشى مشْيَة الحجلة فنسى مشيته الاولى وَلم يصب مشيتهَا فأظهر خجله وَكَانَ كَمَا فى الْمثل الْمَشْهُور أخف حلما من العصفور يبكر الى زِيَارَة الاصحاب وفى الْمثل أبكر من غراب لَهُ مشرب خَاص بِهِ لم يسْلك أحد على أسلوبه وَله شعر كثير غالبه فى الهجاء كَأَنَّهُ منحوت من صَخْر أَو غابة لَيْسَ فِيهَا زهر وَكَانَ دَائِما يهدد بِهِ من حضر وَلَيْسَ بصياح الْغُرَاب يجِئ الْمَطَر وَكَانَ ارتحل الى طرابلس الشَّام وسكنها وَتزَوج بهَا وجاءه أَوْلَاد بِتِلْكَ الديار وَصَارَ بهَا نَائِبا عَن بعض الْقُضَاة فرجم ذَلِك القاضى بالاحجار وفى الْمثل من كَانَ دَلِيله الْغُرَاب رضى بالمنزل الخراب (اذا كَانَ الْغُرَاب دَلِيل قوم ... فناووس الْمَجُوس لَهُم مصير) وفر مِنْهَا صَاحب التَّرْجَمَة طَار الى عشه الاول وَلم يعد عَن اخلاقه السَّيئَة وَلم يتَحَوَّل وَكَانَ وحشيا لَا يألف كل أحد الا بعض أشخاص ألفهم وألفوه وَمن قديم عرفوه ونتفوه وَلَا دباء دمشق فِيهِ أهاج كَثِيره وَلَهُم مَعَه مداعبات مشهوره والطف مَا وقفت عَلَيْهِ مِنْهَا قصيدة كتبهَا الاديب ابراهيم الاكرمى الصالحى الى أَحْمد بن شاهين وَذكر فِيهَا أَسمَاء جملَة من الطُّيُور الى أَن استطرد الى ذكر القاق وهى قصيدة عَجِيبَة فى بَابهَا ومطلعها (مولاى يَا نسر المعالى رفْعَة ... يَغْدُو لَدَيْهَا الرخ ذَا اطراق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 (لَك عَزمَة الشاهين حَقًا يَا ابْنه ... وسطا الْعقَاب بِكُل أخيل زاق) (أفديك من باز حماه أعز من ... بيض الانوق أعز ذى اشراق) (فقت القطامى الْمجد براعة ... وبلاغة يَا أحوذى سباق) (يَا مزريا بالببغاء فصاحة ... أَنا ذَا مطوقك الصدوح الزاقى) (يَا خير مَسْعُود بأيمن طَائِر ... يَا دَائِم الافضال والاشفاق) (يَا بلبل الافراح فى دوح المنى ... وهزار أنس الواله المشتاق) (لَا زلت مَا دعت الهديل حمائم ... قَوَّال صدق لَيْسَ بالمذاق) (ندعوك للجلى فيجلى خطبهَا ... لَا زلت مذخور النَّفْع رفاق) (قل للبغاث الصعو خفاش الدجا ... حاكى الصدا فى الْخلق والاخلاق) (ثانى غراب الْبَين آوى منزلا ... بِحَدِيث زور مُسْند كنفاق) (يَا أَيهَا الصرد الذى من صافر ... أدهى وأجبن خل عَنْك شقَاق) (مَا يدْرك الخطاف فى طيرانه ... للجو شأو الاجدل الخفاق) (والمطرب الصداع لست أعده ... فى الطير قبل الابقع النعاق) (هَل أَنْت الا كالحبارى خصْلَة ... فسلاحها بسلاحها الدفاق) (قبحت يَا خرب الخرائب ذلة ... يَا مشبه العصفور من دراق) (أضحى يعرض نَفسه من جَهله ... للْخَارِج الفتاك ذى الاخفاق) (أطرق كرا ان النعامة فى الْقرى ... يرنو اليها الطير بالاحداق) (نَحن البراة الشهب فى أفق العلى ... تعنو لَهَا العنقاء بالاعناق) (ويصفى الطاوس من عجب بِنَا ... ويغرد القمرى للعشاق) (وَلنَا الشوارد فالجوارح بَعْضهَا ... وَالْبَعْض هن سواجع الاوراق) (فتشان أَقوام وأقوام بهَا ... تزهو كزهو الْوَرق بالاطواق) (فَمن الْعَجَائِب وهى عندى جمة ... عتبى على زاغ بِغَيْر خلاق) (وَمن استحالت الزَّمَان وقبحه ... وصفى وطاوط مَالهَا من واق) (رخم سوانحها بوارح عائف ... تحكى العقاعق أولعت بشقاق) (واسلم وَدم فى نعْمَة لبدية ... أبدية تبقى ومجدك باقى) (مَا غردت ورق الْحمام فهيجت ... وجد الْكَرِيم ولاعج الاشواق) (فلأنت فِينَا نعْمَة بل رَحْمَة ... يَا أَحْمد الْمَحْمُود بِاسْتِحْقَاق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 وفى ايراد هَذِه القصيدة غنية عَن ذكر مَا هجى بِهِ وَمن أحاسن شعره قَوْله من قصيدة (سقى الخزاما باللوى والاقاح ... من عَارض أَبْلَج سجل النواح) (حَتَّى ترَاهَا وهى مخضلة ... تغص ريا بالزلال القراح) (معاهدا للانس كَانَت وَهل ... لى وَقْفَة بَين جنوب البطاح) (أَيَّام فى قَوس الصِّبَا منزع ... وللملاهى غدْوَة أَو رواح) (والظبية الادماء لى منية ... وحبذا مرض الْعُيُون الصِّحَاح) (لم أنس يَوْم الطلح اذ ودعت ... وأدمت الْقلب بِغَيْر الْجراح) (يَا وَقْفَة لم يبْق فِيهَا النَّوَى ... الا ظنونا لَيْسَ فِيهَا نجاح) (يَا قلب خُذ بى عَن طَرِيق الْهوى ... ففى مُنَاجَاة المعالى ارتياح) (فالراح والراحة ذل الْفَتى ... والعز فى شرب ضريب اللقَاح) وَمن شعره قَوْله فى دولاب المَاء (ودولاب روض قد شجانا أنينه ... وحرك منا لوعة ضمنهَا حب) (وَلكنه فى بَحر عشق جَهَالَة ... يَدُور على قلب وَلَيْسَ لَهُ قلب) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته بالصالحية فى سنة سِتّ بعد الالف وَتوفى فى ختام ذى الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بزاويتهم بسفح قاسيون وَمن غَرِيب خَبره ان تمرض ببستان يعرف بالجور تَحت جوزة فِيهِ وَمَات ثمَّة مُحَمَّد بن حُسَيْن الملا بن نَاصِر بن حسن بن مُحَمَّد بن نَاصِر بن الشَّيْخ القطب الربانى شهَاب الدّين الاشقر العقيلى الْمَشْهُور الْمَعْرُوف قَبره بِمَدِينَة حماه الحموى الحنفى الْفَاضِل البارع المفنن كَانَ لَهُ صِحَة فهم وذكاء ومشاركة جَيِّدَة فى عُلُوم مُتعَدِّدَة وَطيب محاورة وَصدق لهجة ولد بحماة وَبهَا نَشأ ولازم وَالِده فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وَتخرج بِهِ وَأخذ عَن خَاله الْخَطِيب أَحْمد بن يحيى علوما مُتعَدِّدَة وتأدب بهما وَلما جارت حكام ذَلِك الاقليم على أَهله هَاجر غالبهم الى دمشق فَكَانَ مِمَّن هَاجر مَعَ وَالِده وَأَهله وتوطن دمشق سِنِين عديدة ورحل الى مصر وَأخذ بهَا عَن شيوخها كالعلامة عَامر الشبراوى وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحى وَالشَّمْس البابلى ولازم فى الْفِقْه حسن الشرنبلالى وَعمر الدفرى وَغَيرهمَا من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وأجازوه وَكتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة وتكرر تردده الى مصر لطلب الرزق بِالتِّجَارَة على عَادَة أسلافه الْمَارَّة وجاور بالحرمين سِنِين كَثِيرَة ورحل الى الْيمن مرَّتَيْنِ ثمَّ تدير مصر وَأقَام بهَا على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 الِاشْتِغَال وَهُوَ خَال صاحبنا الْفَاضِل الاديب الاريب مصطفى بن فتح الله شَقِيق والدته كفله بعد موت أَبِيه ورباه وَبِه تخرج كثيرا وَقَرَأَ عَلَيْهِ طرفا من الْعَرَبيَّة وَذكر ان لَهُ شعرًا كثيرا قَالَ لَكِن لم يحضرنى مِنْهُ الا قَوْله فى غُلَام اسْمه عذيبى (قد مسنى قلق فى وسط ساعية ... والبين يجرى دموعى وهى تجرى بى) (من عشق ذى هيف حلوا للمى غنج ... أَزورهُ خافيا وَالصُّبْح يغرى بى) (أَشْكُو إِلَى الله من ممشوق قامته ... وريق ثغر عذيبى فِيهِ تعذيبى) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَتوفى بِمصْر يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع جُمَادَى الاولى سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن خَلِيل الاحسائى المكى الاديب الشَّاعِر الْمَشْهُور ذكره السَّيِّد على ابْن مَعْصُوم وَقَالَ فى وَصفه قَاض قضى من الادب الارب وحظى باتشاف الضَّرْب من لِسَان الْعَرَب وَمَا زَالَ بكعبة الْفضل طائف حَتَّى تقلد منصب الْقَضَاء بِالطَّائِف وَكَانَ شَدِيد الْعَارِضَة فى علم الْعرُوض مُبينًا لطلابه مِنْهُ السّنَن والفروض مَعَ المام جيد باللغة والاعراب ومفاكهات تنسى مَعهَا نَوَادِر الاعراب وَهُوَ من أبدع النَّاس خطا وأتقنهم للكتب نقلا وضبطا كتب مَا ينوف على الالوف وخطه بالحجاز مَعْرُوف ومألوف وَله شعر أَجَاد فِيهِ وأبدع وأودعه من الاحسان مَا أودع فَمِنْهُ قَوْله مهنيا الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدى بِالْمَدْرَسَةِ السليمانية لما تقلد تدريسها (لقد سرنى مَا قد سَمِعت فهزنى ... بلذته هز المدام فأسكرا) (وَذَلِكَ لما أَن غَدا الْحق رَاجعا ... لاهليه من بعد الضلال مكبرا) (فدونكها مفتى الانام حَقِيقَة ... وانا لنَرْجُو فَوق ذَلِك مظْهرا) وَقَوله فى النسيب (وشادن كالبدر شاهدته ... عيونه الدعج تميت الانام) (بدأت بِالتَّسْلِيمِ حباله ... فَقَالَ بالغنج عَلَيْك السَّلَام) وَكتب الى القاضى تَاج الدّين المالكى وَقد فوض اليه تَفْرِيق الصَّدقَات الْهِنْدِيَّة (امام هَذَا الْعَصْر لَا ... تجْعَل محبك فى الاضاعه) (مَا خلت حاجاتى اليك وان نأت دارى مضاعه) (لَا تنس ثدى مودتى ... بينى وَبَيْنك وارتضاعه) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 (فَلَقَد عهدتك فى الْوَفَاء أَخا تَمِيم لاقضاعه ... ) (علما بأنك لى تود من التفاريق الفقاعه ... ) (صدقَات قطر الْهِنْد قد ... صَارَت اليك بِلَا دفاعه) (لَا تتركنى فى الرعاع اذا تَفَرَّقت البضاعه ... ) وَكتب اليه مستقضيا مِنْهُ ارسال نعل كَانَ طلبَهَا مِنْهُ وَهُوَ بِالطَّائِف (قاضى الشَّرْع فقت هَذَا الاناما ... بحجى ثَابت وَعز فداما) (وذكاء يُفِيد كل ذكى ... واطلاع يخجل النظاما) (ان أهل الْكَمَال عطل وتاج الدّين تَاج يزين الاقواما ... ) (من أنَاس فى بطن مَكَّة سادوا ... اذ غدوا يمنحون فضلا لَهَا لما) (زَينُوا منصب الرياسة وَالْفضل بِفضل ومنطق لن يراما ... ) (مذ حللت الْحجاز ضاء ومذ غبت راينا عَلَيْهِ حزنا ظلاما ... ) (كل وَقت لم ننس ذكرك فِيهِ ... فاحفظن للمحب مِنْك الذماما ... ) (وادكر حَاجَة الْمُحب وان رك ادكارى لَهَا فحاشى المقاما ... ) فَرَاجعه القاضى بقوله مداعبا (وصلت رقْعَة الْحَمِيم وَلَكِن ... اقْتضى النّظم ان أَقُول الحماما) (وصلت يقظة عيَانًا وَكَانَت ... وصلت قبل ذَا مرَارًا مناما) (أذكرتنى فأذكرت غير نَاس ... لَا تخلنى أنساك حاشى المقاما) (وكأنى أَرَاك تعرك بالتفكير فِيهَا مِنْك القذال دواما) (ان تكن قد ضعفت لما ترَاخى ... بعثها عَن وصولنا يَا هماما) (فاعتذارى شحى بأنسك لما ... كل حِين تَزُورنَا أحلاما) (يَا لَهَا من مَطِيَّة أمتعتنا ... بمحياك زَائِرًا بساما) (قد لعمرى وريت فِيهَا بلطف ... واحتكمت التنكيت فِيهَا احتكاما) (كل أبياتها قُصُور وَلَكِن ... كَانَ بَيت القصيد مِنْهَا الختاما) (فنشقنا فتيت مسك ختام ... زَاد نشرا بِمَا افتتحت النظاما) (عجل الله ذَلِك الفأل مِنْهُ ... وَأقَام الْمُحب ذَاك المقاما) فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْجَواب بقوله (وصلت رورة الفريد على مَا ... كَانَ فى حليها محبا فقاما) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 (وهى فى كَفه يفكر فِيهَا ... أيرى ذرْوَة لَهَا أم سناما) (أم يخلى سَبِيلهَا فى عفاء ... ليرى انها تقيم النظاما) (واذا احتجتها ليَوْم نزال ... فحميمى يكون فِيهَا اماما) (زِينَة يَوْم زِينَة وهى فى الْكَفّ سلَاح اذا أردنَا اللطاما ... ) الى أَن قَالَ (ثمَّ لَا زلت من أياديك تمطى ... كل وجناء لَا تمل الزماما ... ) (كل يَوْم أرى نوالك يهمى ... مخجلا حِين يستهل الغماما) (يَا أَخا الْفضل اننى فى زمَان ... سل من جوره على الحساما) (صدعنى فصدعنى صديقى ... ورآنى لَا أستحق السلاما) (هَذِه قسمتى جرت من قديم ... كلما رمته أرَاهُ حَرَامًا) (وابق يَا سيدى وقرة عينى ... فى سرُور ونعمة لَا تسامى) (مَا أَجَاد الْمطَالع الغر ذُو الشّعْر وَمَا أحسن البليغ الختاما ... ) وأتبع ذَلِك بنثر فَقَالَ وَبعد فقد وصلت المطية الَّتِى هى حَمْرَاء الْوَبر المركوبة فى السّفر والحضر الكافية راكبها مؤونة نَفسهَا فَلَا تشرب المَاء وَلَا ترعى الشّجر فقبلها الْمَمْلُوك وَمَا قبلهَا وأجهدها بعد مَا قبلهَا فَشكر الله فَضلكُمْ وَلَا أعدم أحبابكم طولكم وَالسَّلَام قلت وتشبيه النَّعْل بالمطية وَالرَّاحِلَة وَقع كثيرا فى شعر الْعَرَب من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين فَمِنْهُ قَول بعض الْعَرَب (رواحلنا سِتّ وَنحن ثَلَاثَة ... نجنهن المَاء فى كل منزل) وَقَالَ أَبُو نواس (اليك أَبَا الْعَبَّاس من بَين من مَشى ... عَلَيْهَا امتطينا الحضرمى الملسنا) (قَلَائِص لم تعرف حنينا على طلا ... وَلم تدر مَا قرع الضّيق وَلَا الهنا) وَقَالَ أَبُو الطّيب (لَا ناقتى تقبل الرديف وَلَا ... بِالسَّوْطِ يَوْم الرِّهَان أجهدها) (شراكها كورها ومشفرها ... زمامها والشسوع مقودها) وَقَالَ أَيْضا (وحبيت من خوص الركاب بأسود ... من دارش فَغَدَوْت أمشى رَاكِبًا) وَلما تولى القاضى مُحَمَّد قَضَاء الطَّائِف فى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف أرخ ولَايَته الباشا مُحَمَّد رضَا الشهير بعجم زَاده بقوله القاضى مُحَمَّد وأرخه القاضى تَاج الدّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 بقوله قَاض بِالطَّائِف وَكَانَ قد عزل بِهِ القاضى احسان ابْن الْمدرس وَلم يكن مَحْمُود السِّيرَة فَكتب اليه القاضى تَاج الدّين (قَاض طَرِيقَته المثلى قد اشتهرت ... فَلَيْسَ يخفى سناها مِنْهُ كتمان) (تبدى سَرِيرَته مَعْلُوم سيرته ... كالطرس دلّ على مَا فِيهِ عنوان) (فحبه لصلاح الْخلق أجمعهم ... سحية لم يحزها قطّ انسان) (مَا زَالَ يبْذل فى الْمَعْرُوف قدرته ... حَتَّى تناقلت الاخبار ركبان) (فصان عَن فعل احسان حكومته ... اذ طالما استبعد الاحرار احسان) قلت وَرَأَيْت بِخَط الاخ ابْن فتح الله هَذِه الابيات كتبهَا القاضى مُحَمَّد الْمَذْكُور الى القاضى تَاج الدّين وَقد طلب شَيْئا من شعره (لديك أَخا الْعليا وَالْفضل وَالْعلم ... وَمن جلّ من بَين الاخلاء بالفهم) (تحل رحال الظاعنين وَمن غَدا ... اليك بدا فى حاملى الْعلم كالنجم) (لَئِن كَانَ رب الْعلم كالرأس فى الورى ... فَأَنت لَهُ تَاج يضئ بِلَا كتم) (طلبت من النّظم البديع لآلئا ... فدونكها كالعقد فى الْحسن وَالنّظم) (تشنف أسماع الروَاة بدرها ... وتقطع أفلاذ الغبى من السعم) (فيا أَيهَا القاضى المولد طبعه ... من الْعلم أفنانا تجل من العقم) (نَوَائِب هَذَا الدَّهْر غالت قريحتى ... ودقت عظامى بعد تمزيقها لحمى) (فَلَو أَن هَذَا الدَّهْر يبدى تعطفا ... لظل بديع النّظم وَالنّظم فى سهم) (وَلَو أَن جزأ من همومى مفرق ... على الْخلق عاموا فى بحار من الْهم) (وسامح فمنديل الْقَرار مقطع ... ورق لقلب لَا يقر من الْقدَم) (وَدم أبدا فى نعْمَة ضد هاله ... يطَأ طئ رَأْسا فى الرغام الرغم) وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف مُحَمَّد بن دَاوُد قاضى الْقُضَاة بِالشَّام الشهير برياضى الاطروش الرومى أوحد فضلاء الرّوم وشعرائهم المفلقين وبنغائهم الموصوفين وديوانه بَينهم سَائِر مَشْهُور مَرْغُوب فِيهِ وَله تذكرة الشُّعَرَاء وهى مَقْبُولَة أَيْضا وَاخْتصرَ من تَارِيخ ابْن خلطان كتابا مُخْتَصرا وَكَانَ يتبجح بتأليفه ولى قَضَاء الشَّام فى يَوْم الاربعاء ثامن عشر جُمَادَى الاولى سنة سِتّ وَعشْرين ودخلها وأرخ تَوليته الشَّيْخ عبد اللَّطِيف المنقارى بقوله (قَالَ الحيا لما اسْتَقر بجلق ... قَاض بِهِ فاض عُيُون حياضى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 (أرخت مقدمه فَكَانَ بجلق ... يَا صَاح تَارِيخا بهاء رياضى) وَكَانَ مَذْمُوم السِّيرَة فى قَضَائِهِ لِكَثْرَة طمعه وَقلة انصافه وَتصرف فى زَمَنه مِنْهُ يُوسُف ابْن كريم الدّين رَئِيس الْكتاب فى حُقُوق النَّاس وَأَمْوَالهمْ وَجمع أَمْوَالًا كَثِيرَة لانه كَانَ يلْعَب بِهِ لعب الصّبيان بالكرة وَكَانَت لَهُ زَوْجَة مَشْغُولَة باللهو واللعب سمع عِنْدهَا لَيْلَة صَوت الْآلَات فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَت لَهُ ان المؤذنين يذكرُونَ فى المنارة فَصدق قلوها وَكَانَت متصرفة فى منصبه وفيهَا يَقُول العمادى (قضايا ابْن دَاوُد فى حرثه ... على عجل لم تزل جاريه) (تلقنه الحكم عِنْد القضا ... فيا ليتها كَانَت القاضيه) وَقد سبقه الى ذَلِك بعض الشُّعَرَاء فى هجو قَاض كَانَ مَحْكُومًا لامْرَأَته (بلينا بقاض لَهُ زَوْجَة ... عَلَيْهِ أوامرها ماضيه) (فيا ليته لم يكن قَاضِيا ... وَيَا ليتها كَانَت القاضيه) ثمَّ عزل عَن قَضَاء الشَّام ورحل الى الرّوم فَلم تطل مُدَّة مكثه بهَا حَتَّى مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى حُدُود سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف بقسطنطينية قَالَه النَّجْم الغزى مُحَمَّد بن زين الدّين النخجوانى الاصل الدمشقى المولد تقدم أَخَوَاهُ ابراهيم وَأحمد الْمَعْرُوف بالمنطقى وَمُحَمّد هَذَا هُوَ الاكبر مِنْهُم كَانَ من أَعْيَان عُلَمَاء الشَّام وكرمائها ورزق الْحَظ الْعَظِيم فى الرياسة أول أمره ونفذت كَلمته وَولى النِّيَابَة بِدِمَشْق مَرَّات عديدة وَكَذَلِكَ قسْمَة الْعَسْكَر وَكَانَ حسن الْخط وَله معرفَة بالانشاء فى اللُّغَة الفارسية والتركية وَفِيه سخاء ولطف وَحسن لِقَاء الا أَنه كَانَ محتالا كذوبا واستبد بعزة وافرة وَلم يسْبقهُ أحد الى التَّصَرُّف الذى كَانَ فِيهِ والاختلاط بالوزراء والحكام وَكَانَ جلّ النَّاس الَّذين يحترمون ساحته ويخشون من أذيته لجسارته فى الامور ولوجود اخيه الاوسط المنطقى فى الرّوم وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ صَدرا من صُدُور الشَّام وَفِيه يَقُول الْفَتْح ابْن النّحاس قصيدته الْمَشْهُورَة وهى من غرر القصائد ومطلعها (نظر والغايتك الَّتِى لم تلْحق ... فتحققوا ان العلى للسبق) (طلبُوا العلى وَسعوا وَلَكِن فتهم ... وأتيت من طرق لَهَا لم تطرق) (شابوا وَمَا لَحِقُوا الْغُبَار فحظهم ... مَا كَانَ غير غُبَار شيب المفرق) (بأخيك أَو بك أشرقت سبل العلى ... وتبسمت بالبارق المتألق) (من للعلى بِمُحَمد وبأحمد ... حَتَّى تدل بمنظر وبمنطق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 (لَا يبعد الاخوان كل فرقد ... لَكِن كلا مشرق فى مشرق) (وهما كَمَا ضاءت بنجمهما العلى ... ستضئ بالصبحين جبهة جلق) (أمحمد وكلاكما من دوحة ... تدلى بفرع فى المعالى معرق) (حببت عشق الْمجد حَتَّى سامه ... من كَانَ ذَا عشق وَمن لم يعشق) (لَكِن تفاوتت الحظوظ فعاشق ... رزق الْوِصَال وَآخر لم يرْزق) (انى لَا عذل حاسديك لانهم ... يترقبون وُقُوع مَا لم يخلق) (تَعب الذى فى الارض أصبح طاويا ... للفرقدين حَشا الحسود المحنق) (لَا تخشهم فالدهران تنقم بهم ... ينقم وان تعطف لرفق يرفق) (واذا وجدت من الْعِنَايَة سلما ... فامدد خطاك وثق بِرَبِّك وارتقى) (واسلم على خدع الحظوظ موفقا ... ليدوم من عاداك غير موفق) وَلما ولى أَخُوهُ المنطقى قَضَاء حلب أرسل يَطْلُبهُ اليه فَرَحل وَأخذ مَعَه أَخَاهُ الاصغر ووالدتهم وأختا لَهُم ثمَّ ولى أَخُوهُ قَضَاء الشَّام فصيره بعد أَيَّام نَائِبا عَنهُ وَوَقعت مِنْهُ هفوة فأهان الشَّيْخ عمر بن قطب الدّين وَهُوَ مَعْرُوف بِصِحَّة الانتساب الى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ فاتهم لذَلِك بالرفض وَقتل أَخُوهُ قَرِيبا من ذَلِك فضاقت فى وَجهه الشَّام وَخرج الى حلب وآمد وَأقَام مُدَّة فى تِلْكَ النواحى ثمَّ رَجَعَ الى الشَّام فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَولى قسْمَة الْعَسْكَر ثمَّ عرضت لَهُ أُمُور فَهَاجَرَ الى الرّوم وَأقَام خمس سنوات ثمَّ صَار قَاضِيا بأرزن الرّوم وَلما عزل عَنْهَا جَاءَ الى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة وَبَاعَ أَكثر كتبه وأسبابه ورحل الى دَار الْخلَافَة فَلم يطلّ مقَامه بهَا حَتَّى مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَخمسين وَألف عَن سِتّ وَخمسين سنة مُحَمَّد بن زين العابدين بن مُحَمَّد بن على أَبُو الْحسن الاستاذ الْكَبِير قطب الاقطاب الشَّمْس البكرى الصديقى المصرى بركَة الدُّنْيَا وسر الْوُجُود ولسان الحضرة ولب الْبَاب الْعرْفَان كَانَ من الْعلم وَالتَّحْقِيق آيَة من آيَات الله تَعَالَى وَمن الْولَايَة والتحقق غَايَة من الغايات وَكَانَ فصيح الْعبارَة طلق اللِّسَان كثيرا الْفَوَائِد جم النَّوَادِر وَكَانَت الْولَايَة ظَاهِرَة عَلَيْهِ مَعَ الدّين المتين وَالْعقل الْكَامِل والتظاهر بِالنعْمَةِ فى الملبس والمأكل والخدمة وَكَانَ من أحسن النَّاس خلقا وخلقا مجللا عِنْد الكبراء والوزراء ذَا جاه عريض مُعْتَقدًا عِنْد عَامَّة النَّاس وخاصتهم مسموع الْكَلِمَة مَقْبُول الشَّفَاعَة يرجع اليه فى مشكلات الامور رفيع الهمة كريم الاخلاق ولد بِمصْر وَنَشَأ بهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 وَحفظ الْقُرْآن وتأدب واشتغل بِطَلَب الْعُلُوم واتقنها وبرع فى كثير من الْفُنُون سِيمَا علم التَّفْسِير والْحَدِيث وَكَانَ لَهُ فى عُلُوم الْقَوْم وأصول التصوف قدم راسخ وَأَقْبل على التدريس الى أَن صَار رَئِيس الْبَيْت البكرى فَكَانَ يدرس على عَادَة اسلافه فى الْجَامِع الازهر فى الليالى الْمَشْهُورَة كليلة المولد والمعراج وَالنّصف من شعْبَان ثمَّ لما كبر ترك ذَلِك كُله واستقل بالافادة فى بَيتهمْ الْمَعْمُور وَقد ذكره والدى رَحمَه الله تَعَالَى فى رحلته المصرية فَقَالَ فى وَصفه عين أَعْيَان هَذِه القاده وثمين دُرَر هَذِه القلادة فرع غُصْن الدوحة البكريه وفنن الشَّجَرَة الطاهرة الصديقيه الَّتِى لم تزل من الْبركَة والسمو فى النَّمَاء أَصْلهَا ثَابت وفرعها فى السَّمَاء رونق الليالى والايام وتاج رَأس الْعلمَاء الاعلام بهجة الْجَمِيع ورواء حسنها البديع من أضحت لَهُ فى الْعُلُوم الْحَقِيقِيَّة الرُّتْبَة الشامخة وفى المعارف الالهية الْقدَم الراسخه وَلَو لم يكن لَهُ من عُمُوم الشّرف الاخصوص هَذِه النسبه لكفاه ذَلِك فى الْفَخر وعلو الرتبه وناهيك فخرا بِأَنَّهُ من ذُرِّيَّة من اخْتَارَهُ الرَّسُول للصحبة والمصاهرة واصطفاه للخلافة على مِلَّته وشريعته الطاهره فيحق لاهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن يطوفوا ويسعوا الى هَذَا الْبَيْت فى كل وَقت سَاعَة فيا لَهُ بَيت عموده الصُّبْح وطينته المجره وَمن ادّعى بَيْتا يضاهيه فَتلك مِنْهُ معره ان تكافأت الْبيُوت فى الشّرف فعلى شرف هَذَا الْمعول أَو تطاولت فى الانساب فدعائم هَذَا الْبَيْت أعز وأطول وانى لاحمد الله تَعَالَى على ان جبلنى على المغالاة فى حبهم وطبعنى على الْمُوَالَاة لاهل الْبَيْت ولاهل نسبهم انْتهى وَاجْتمعَ بِهِ شَيخنَا الْعَلامَة ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن الخيارى المدنى فى مرتحله الى مصر وَذكره فى رحلته الَّتِى ألفها وَقَالَ بعد توصيفه وَقد شرفنى لمناسبة ذكر النّيل بتأليف لَهُ فِيهِ جَدِيد عهد وفريد عقد ذكر فِيهِ النّيل وَمَا ورد فِيهِ من الْآيَات والاحاديث وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من ذكر مبدئه وَمن أَيْن هم أَجَاد فِيهِ كل الاجاده وَحَازَ الْحسنى وزياده وَأما شعره فَمَا العقد الفريد فى أجياد الغيد قد أشرقت فى الخدود ذَات التوريد وَمَا قلائد العقيان تنضدت فى نحور الحسان وَأما نثره فَمَا لرياض النضرة كلل عُيُون زهرها الطل وَنبهَ أحداق الْورْد والنرجس بهَا الوبل وسرى عليل نسيمها مبلل الاذيال بعذب تسنيمها وَمَا زواهر الافق المنتثرة قد لاحت مشرقة فى فلكها مضيئة فى طرائق حبكها تهدى من ضل وتورده من نهر مجرتها النهل والعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 من تتويجهما بجواهر المعارف وتسميطهما باليواقيت من بَحر كل عَارِف تلهج مِنْهُمَا اذ تحلى بهما بعد الآذان السطور والطروس وتتملى بهما الاعيان والقلوب والنفوس وَقد أصبحا بَيت القصيد المشيد العالى ويتيمة سلك الْخَلَاص المنضد بفرائد اللآلى فتخلب الافئدة وَتَشَوُّقِ وَتَدْعُو اليهما الالباب وتسوق وَقد جاوزا الْحَد كَثْرَة وبلاغة وتفننا فى طرق الصِّنَاعَة والصياغه وأفردا بِالْجمعِ فَكَانَا دواوين وحليا كل سمع فَمَا العقد الثمين وانتشرا فى مَشَارِق الارض وَمَغَارِبهَا وَعَما جَمِيع مسالكها ومذاهبها أردْت أَن أسطر شطر مِنْهُمَا فى هَذِه الوريقات ثمَّ أحجمت لَان ذكر الْبَعْض وَحذف الْبَعْض تَقْصِير فى حقوقهما الْوَاجِبَات وَالنَّفس مولعة بالانتقاء والانتقاد وَكلهَا أَفْرَاد جِيَاد وَاسْتِيفَاء الْمَوْجُود كُله لَا ينوء الْمَتْن بِحمْلِهِ فليحج كعبة ديوانه من أَرَادَ أبياته وليسلك فى سَعْيه بالصفا اليه مِيقَاته ليظفر بِالْحجرِ المكرم من ذَلِك الْبَيْت ويفوز بكيمياء السَّعَادَة الَّتِى لَا تفْتَقر الى لَو وَلَا لَيْت ومدحه بقصيدة مطْلعهَا (لَيْسَ يهدا تشوقى والحريق ... وفؤادى أودى بِهِ التَّفْرِيق) (وضلوع من الجوى خافقات ... حِين عز اللقا وَبَان الْفَرِيق) (معشر أصبح الْفُؤَاد لديهم ... فى أسار والدمع فيهم طليق) (معشر بالنقاو بَان الْمصلى ... برتاهم قلبى الْمَعْنى رَشِيق) (لست أنسى معاهدا لظباء ... لحن فِيهِ والخد مِنْهَا شريق) (ان تبدوا فَكل ذاتى عُيُون ... أَو تناءوا فَكل نهج طَرِيق) (من عذيرى فى حبهم من مجيرى ... من ولوعى بهم وَكَيف أفِيق) (غربتنى الحظوظ حَتَّى أطاحت ... بركابى النَّوَى ونهج سحيق) (غربَة الشكل وَاللِّسَان مَعَ الاهل وَمن ذَا لبَعض ذَاك يُطيق ... ) ثمَّ تخلص الى الْمَدْح قلت وَقد وقفت للاستاذ على ديوَان مَجْمُوع أوقفنى عَلَيْهِ غُصْن دوحته الاستاذ الاعظم زين العابدين فى قَدمته الَّتِى شرف بهَا الشَّام لَا برح واطئا فَوق السها بأقدام الاجلال والاعظام وَهَذَا الدِّيوَان قد اشْتَمَل على نفائس القصائد والموشحات والمقاطيع والالغاز وَرَأَيْت الامر فِيهِ كَمَا قَالَ شَيخنَا بَينا يراج انتخاب بعض شئ مِنْهُ يقف الرأى عِنْد جَمِيعه وَالْوَقْت يضيق عَن كِتَابَته فَلم أتشرف مِنْهُ الا بِهَذِهِ الابيات من جملَة قصيدة مدح بهَا شيخ الاسلام يحبى المنقارى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 وأرسلها الى الرّوم ومطلعها (أمسكية الانفاس أم عبقة الند ... وناسمة الازهار أم نفحة الْورْد) مِنْهَا فى المديح (ومعتقل للعز صعدة عزمه ... أَنا بيبها رعافة بِدَم الاسد) (ومرسل ارسال العطايا مباريا ... بأيسرها وَطف الغمائم فى الرفد) (فيا من لَهُ ودى من النَّاس كلهم ... وَمن هولى من بَينهم غَايَة الْقَصْد) (وَمن صرت فى مدحى علاهُ كأننى ... حمامة جرعا فَوق ميالة الملد) (على اننى مَا فهت يَوْمًا لماجد ... سواهُ بِشعر لَا بِقرب وَلَا بعد) (وَلَكِن دعانى الشوق لبيت مسرعا ... وَهَذَا وَمَا أخفيه بعض الذى أبدى) (ألية محنى الضلوع على الاسى ... تحار الاسى مِمَّا براه من الوجد) (لَهُ زفرات من فؤاد تضرمت ... بِهِ نَار شوق دونهَا النَّار فى الوقد) (لأَنْت الذى مَا حل فى الْقلب غَيره ... وَلَا حَال حالى فِيهِ من ذَلِك الْعَهْد) (وَلم ترعينى مثله بعده وَهل ... يمِيل الى غورفتى عَاشَ فى نجد) وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة ثانى عشرى شهر ربيع الاول سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ اماما بِالنَّاسِ الشَّيْخ مَنْصُور الطوخى بالازهر فى مشْهد عَظِيم حافل وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى فى قبَّة آبَائِهِ الْمَعْرُوفَة هُنَاكَ رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن سعد الكلشنى نزيل دمشق كَانَ من أدباء الصُّوفِيَّة لَهُ محاضرة رائقه وأخبار عَجِيبَة وَكَانَ فضلاء دمشق يميلون اليه ويعاشرون مِنْهُ رحلا سهلا خلوقا متوددا طارحا للتكلف صَاحب نَوَادِر وآداب وَكَانَ ينظم الشّعْر وَله شعر مطبوع مِنْهُ قَوْله (وانى امْرُؤ فى طبعى الْعِزّ والغنا ... ومذ كنت طفْلا لَا أذلّ وأخضع) (اذا انصرفت نفسى عَن الشئ لم تكن ... اليه بِوَجْه مُدَّة الْعُمر ترجع) وَقَوله (يَا نَاظر الخيال الْفِكر مفتكرا ... أَنْت الخيال وفيك السِّرّ فاعتبروا) (أنظر مُصَور هَذَا الْكَوْن مِنْك ترى ... مُصَور الْكل فى الاشياء قد ظهرا) وَقَوله مضمنا (يَا وَاحِدًا عَم الْوُجُود وجوده ... وجماله فى الْكَوْن أضحى بَينا) (أَنْت الذى ظَهرت حَقِيقَة ذَاته ... فى كل شئ والحجاب تعينا) (كَالشَّمْسِ يمنعك اجتلاء وَجههَا ... فاذا اكتست برقيق غيم أمكنا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف مُحَمَّد بن سعيد باقشير المكى الْفَاضِل الاديب الشَّاعِر من ألطف أدباء الْحجاز وَأَكْثَرهم نَوَادِر وتحفا وَقد ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه أديب بارع وشاعر لَهُ فى مناهل الادب مشارع نظم فأجاد وأرزم سَحَاب فَضله فجاد فعلت رتبته فى القريض وسمت وافترت ثغور محاسنه وابتسمت كل ذَلِك عَن غير تكلّف نَحْو وعروض بل عَن قريحة تذلل لَهُ جوامح الْكَلَام وتروض فجَاء نظمه السهل الْمُمْتَنع ونزهة النَّاظر والمستمع ثمَّ ذكر لَهُ قَوْله من قصيدة يمدح بهَا السَّيِّد أَحْمد ابْن مَسْعُود (علقا أَظُنك بالكعاب الرود ... أم والها بهوى الظباء الغيد) (أسبلن أَمْثِلَة الغداف غدائرا ... سُودًا تطل على الليالى السود) (وسفرن عَمَّا لَو لطمن بِمثلِهِ ... خد الظلام لما بدا بالبيد) (بيض يرنحهن ريعان ريعان الصِّبَا ... تيها كخوط البانة الا ملود) (عذر العذول على الْهوى فِيهَا وَقد ... عنت لنا بَين اللوى وزرود) (فطفقت أنْشدهُ على تأنيبه ... أَرَأَيْت أى سوالف وخدود) (تربت يَد اللوام كم ألظت حَشا ... دنف بألهوب من التفنيد) (أَو مادروا أَن الْجمال حبائل ... مَا ان يصاد بِهن غير الصَّيْد) (ولرب مهضمة الحشا بهنانة المتنين منعمة الازار حرود) (ترنو فتحسب أم خشف ثارها القناص عَن خضل الكلا مخضود ... ) (لله أحداق الحسان وفعلها ... فى قلب كل متيم معمود) (الحفننى البرحاء لكنى امْرُؤ ... وزرى بِرُكْن فى الْمُلُوك شَدِيد) وَقَوله وَكتب بهَا اليه أَيْضا يصف أمة لَهُ سَوْدَاء مداعبًا (أَبَت صروف القضا المحتوم وَالْقدر ... الا اشابة صفو الْعَيْش بالكدر) (وان من نكد الايام أَن قربت ... دَار الحبيب وَلَكِن شط عَن نظرى) (بى من سَطَا الْبَين مَا لَو بالجبال غَدَتْ ... عهنا وبالسبعة الافلاك لم تدر) (نوى الاحبة والشوق الشَّديد ولى ... جوى تجدده مهما انْقَضى فكرى) (وزادنى الدَّهْر هما لَا يعادله ... هم بسمراء ألهتنى عَن السمر) (زنجية من بَنَات الزنج تحسبها ... حظى تجسم جثمانا من الْبشر) (كَأَن قامتها ليلى ومنخرها ... ذيلى فيالك من طول وَمن قصر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 (لَهَا يَد ألفت حطب الكسار وَلَو ... باتت تحوط بالهندية البتر) (تسطو على الفرص سطوى غير ذى جبن ... لَو أَنه بَين نَاب اللَّيْث وَالظفر) (كم غادرتنى من جوع وَمن سغب ... جزنا أعض بنان النادم الْحصْر) (وَرب يَوْم غَدا موتى يجر عَنى ... كاساته فِيهِ حَتَّى عيل مصطبرى) (أروضها تَارَة عتبا وأزجرها ... طورا فَلم يجد تأنيبى ومزدجرى) (وَرُبمَا أفحمتنى القَوْل قائلة ... وَلَيْسَ كل مقَال بِالْجَوَابِ حرى) (تخشى الردى وبنود الْمجد خافقة ... على ابْن مَسْعُود فرع الْفَرْع من مُضر) وَقَالَ على مصطلح أَرْبَاب الْحَال وهى قصيدة غَرِيبَة (رُبمَا عاكف على الخندريس ... رافل فى ملابس التلبيس) (جهبذ يمْلَأ الدفاتر علما ... لم يبل بالتقرير والتدريس) (أَيّمَا خطة أردْت تَجدهُ ... قهرمان الْمَعْقُول والمحسوس) (يعلم السَّابِقين من عهد طسم ... ويفيد الطلاب عصر جديس) (علم لم يكن على رَأسه نَار وَلَكِن كالنور فى الحندوس ... ) (مَاشِيا عمره على نهج الصدْق على مَا بِهِ من التَّدْلِيس ... ) (دغة مرّة وآونة قس ... وطورا يمليك عَن ابليس) (وَعَلِيم بطب عِلّة بقراط ويهز وبجد جالينوس) (ارمه حَيْثُ شِئْت تلق أَخا النجده من آدم وَمن ادريس ... ) (لعب الْجد مِنْهُ بِالْجَبَلِ الراسى وبالضيعم الهموس العبوس ... ) (من هوى ربة الحجال وَمن قد ... لعبت من دلالها بالنفوس) (والتى خيمت على كل قلب ... ورمت كل مهجة برسيس) (وأبت ان ترى بِعَين محب ... قطّ الا فى صُورَة ولبوس) (لَاحَ من نورها الاغر سناء ... فترا آى فى ناره للمجوس) (قد بَدَت للكليم نَارا وَلَكِن ... لَا بحصر ففاز بالتقديس) (وَغدا المانوى مِنْهَا على رأى صَحِيح لَكِن بِلَا تأسيس ... ) (وَالنَّصَارَى ظلت على صور شَتَّى فضلت برأيها المعكوس ... ) (قيدوا مُطلق الْجمال فَبَاتُوا ... فى قيود الشماس والقسيس) (كَيفَ من قيدت تقيد والاطلاق قيد والقيد غير مقيس ... ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 (شَأْنهَا فى محبها فتها الاكباد من رائس وَمن مرؤس ... ) (رب قلب قد تاه فِيهَا فَلم يدر حسيسا وَلم يمل للمسيس ... ) (ظلّ فِيهَا فى جحفل من سرُور ... وخميس يلقى الاسى بخميس) (كلما أسفرت لَهُ عَن نقاب ... وفنى فى فنائه المأنوس) (أشرقت من وَرَاء ذَاك لعينيه بمغنى حسن الْجمال النفيس ... ) (فطوى كشحه على غصص الوجد تقى بَين طامع ويؤوس ... ) قلت تذكرت بمطلع هَذِه القصيدة وصدرها مَا حَكَاهُ الْعَلامَة الْبَهَاء فى كشكوله وَهُوَ أَن تَاجِرًا من تجار نيسابور أودع جَارِيَة عِنْد الشَّيْخ أَبى عُثْمَان الحميرى فَوَقع نظر الشَّيْخ عَلَيْهَا فعشقها وشغف بهَا فَكتب الى شَيْخه أَبى حَفْص الْحداد بِالْحَال فَأَجَابَهُ بالامر بِالسَّفرِ الى الرى لصحبة الشَّيْخ يُوسُف فَلَمَّا وصل الى الرى وَسَأَلَ النَّاس عَن منزل الشَّيْخ يُوسُف أَكْثرُوا من ملامته وَقَالُوا كَيفَ يسْأَل تقى مثلك عَن بَيت شقى فَاسق مثله فَرجع الى نيسابور وقص على شَيْخه فَأمره بِالْعودِ الى الرى وملاقاة الشَّيْخ يُوسُف الْمَذْكُور فسافر مرّة ثَانِيَة الى الرى وَسَأَلَ عَن منزل الشَّيْخ يُوسُف وَلم يبال بذم النَّاس لَهُ وازدرائهم بِهِ فَقيل لَهُ انه فى محلّة الْخمار فَأتى اليه وَسلم عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِ السَّلَام وعظمه وَرَأى الى جَانِبه صَبيا بارع الْجمال والى جَانِبه الآخر زجاجة مَمْلُوءَة من شئ كَأَنَّهُ الْخمر بِعَيْنِه فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو عُثْمَان مَا هَذَا الْمنزل فى هَذِه الْمحلة فَقَالَ ان ظَالِما شرى بيُوت أصحابى وصيرها خمارة وَلم يحْتَج الى بيتى فَقَالَ مَا هَذَا الْغُلَام وَمَا هَذِه الْخمْرَة فَقَالَ أما الْغُلَام فولدى من صلبى وَأما الزجاجة فَحل فَقَالَ وَلم توقع نَفسك فى مقَام التُّهْمَة بَين النَّاس فَقَالَ لِئَلَّا يعتقدوا انى ثِقَة أَمِين فيستودعونى جواريهم فأبتلى بحبهن فَبكى أَبُو عُثْمَان بكاء شَدِيدا وَعلم قصد شَيْخه انْتهى وبهذه الْحِكَايَة يظْهر معنى صدر هَذِه القصيدة وَيحصل الْجمع بَين مَا فى ظَاهرهَا من الْمَدْح والقدح رَجَعَ وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ مُخْتَار من قصيدة لَهُ (أتعذل فى لمياء والعذر أليق ... تعشقتها جهلا وَذُو اللب يعشق) (وَلَا عَيْش الا مَا الصبابة شطره ... وَصَوت المثانى والسلاف الْمُعْتق) (وجوبك أجواز الموامى مشمرا ... الى الْمجد يطويها عذافر معنق) (وان تتهاداك النعائم معلما ... تضلك أَو تهديك بيداء سملق) (وان ترد المَاء الذى شطره دم ... فتسعى برأى ابْن الْحُسَيْن وترزق) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 (وأسوغ مَا بل النهى بعد عيمة ... وأروى من المَاء الشَّرَاب المروق) (فدع لجج التعنيف وابك بذى اللوى ... ديارًا كَأَنَّهَا للتقادم مهرق) (أحالت مغانيها السنون فَأَصْبَحت ... قوى لهريق الودق وَالرِّيح مخرق) (وقفت بهَا وَالْقلب بالوجد موثق ... كفيت الردى والجفن بالدمع مُطلق) (أناشدها بينونة الحى عَن حوى ... بقلب اذا هَب النسائم يخْفق) (شح تتصاباه الصِّبَا وتلوعه الْجنُوب ويشجوه الْحمام المطوق ... ) (الى الله أَفعَال الليالى بهَا وبى ... لقد كنت مِنْهَا دَائِم الدَّهْر أفرق) (فسم سمة الصَّبْر الْجَمِيل لَعَلَّهَا ... بديل فان لم تغن فالصبر أخلق) (فَلَو سلمت من حَادث الدَّهْر دمنة ... تمطى على هام الدهور الخورنق) وَمن محاسنه قَوْله فى زيات بديع الْجمال وَقد أَجَاد فى التورية (أفديه زياتاً رنا وانثنى ... كالبدر كالشادن كالسمهرى) (أحسن مَا تبصر بدر الدجى ... بلعب بالميزان والمشترى) وَله غير ذَلِك من غرر النَّوَادِر وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فى سنة سبع وَسبعين وَألف مُحَمَّد بن سعيد المريغتى السوسى الاصل والمنشا نزيل مراكش وامام مَسْجِد المواسين بهَا كَانَ اماما عَالما فى التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وعلوم الْعَرَبيَّة وفى الاوفاق والتنجيم والفلك بحرا لَا سَاحل لَهُ قَرَأَ ببلاده على كثيرين ثمَّ بتافيلات على الشريف عبد الله بن طَاهِر وبمراكش على مفتيها عِيسَى السكتانى ثمَّ تصدر بهَا للتدريس وانتهت اليه بهَا الرياسة فى الْعُلُوم وَكَانَ مكثرا من اقراء الْكتب السِّتَّة والشفا واسماعها لطلبة الحَدِيث النبوى وَأَخذهَا عَنهُ عَالم لَا يُحصونَ وَتخرج بِهِ فى طَرِيق التَّصَرُّف كَثِيرُونَ ولازمه أفاضل عصره من الْمغرب الاقصى والادنى وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ وَتخرج بِهِ الْفَاضِل الْعَلامَة ابراهيم السوسى وَمُحَمّد البوفرانى وَكَانَا كثيرا مَا يديمان ذكره ويحاضران بِهِ فى مجالسهما ويذكران عَنهُ وقائع غَرِيبَة مِنْهَا أَن رجلا شكى اليه والى بَلَده وَذكر لَهُ مظلمته فَقَالَ لَهُ سر اليه وَقل لَهُ يَقُول لَك مُحَمَّد بن سعيد لَا تجْلِس فى الْبَلَد فَلم يبت بهَا وفارقها وَلم يرجع اليها وَبلغ السُّلْطَان خُرُوجه مِنْهَا بِغَيْر اذن مِنْهُ فَأرْسل يَطْلُبهُ فَسَأَلَهُ عَن سَبَب الْخُرُوج فَقَالَ لما أرسل الى لم يسْتَقرّ لى قَرَار بِالْجُلُوسِ وَخرجت بِغَيْر اخْتِيَار فَعَزله عَن عمله وَأرْسل لَهَا واليا آخر وَمِنْهَا أَن رجلا اجْتمع عَلَيْهِ دُيُون كَثِيرَة وَعجز عَن قَضَائهَا فَأتى اليه وَذكر لَهُ ذَلِك فَقَالَ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 اذْهَبْ الى الْمَكَان الفلانى واقرأ الاخلاص الى أَن يَأْتِيك رجل صفته كَذَا فَقل لَهُ يَقُول لَك مُحَمَّد بن سعيد أعطنى واطلب مِنْهُ مَا تُرِيدُ فَذهب وَأَتَاهُ الرجل فدكر لَهُ ذَلِك فَأعْطَاهُ مَا طلبه وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا منظومة فى الوفق المخمس الخالى الْوسط ومنظومة فى علم الْحجر ومنظومة فى التنجيم ومنظومة فى التصوف ومنظومة فى الْفِقْه وَأُخْرَى فى النَّحْو وَله شعر وانشاء وَكَانَت وَفَاته شَهِيدا بالطاعون فى سنة تسعين وَألف بمراكش وَصلى عَلَيْهِ بالجامع الْمَذْكُور وَدفن بتربة بَاب أغمات وعمره خمس وَتسْعُونَ سنة مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد الكيلانى القاضى الشَّاعِر الرومى الشهير بحكيمى ذكره ابْن نوعى وَقَالَ أَصله من لاهجان فى خطة كيلان وَقَالَ ابْن الحنائى فى تذكرة الشُّعَرَاء أَصله من أبهر من قصبات قزوين كَانَ فى ابْتِدَاء أمره صحب الْمولى اللارى وبسببه رَحل الى الْهِنْد واتصل بسلطانها هما يون شاه ثمَّ ورد الرّوم فى عصر السُّلْطَان سليم الثانى وَوصل الى معلم ابْنه السُّلْطَان مُرَاد الْمولى ابراهيم ولازمه وفى ذَلِك الاثناء صَار معلما لمُحَمد باشا الْمَعْرُوف ببكلر بَكَى نديم السُّلْطَان ثمَّ ولى التداريس فَصَارَ اولا مدرس الجانبازيه ثمَّ لما تمت مدرسة الْوَزير الاعظم عُثْمَان باشا فى سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة أَعْطَيْت لَهُ فَهُوَ أول مدرس بهَا ثمَّ أعْطى مدرسة فَاطِمَة سُلْطَان ثمَّ مدرسة مُحَمَّد باشا باسكدار ثمَّ أعْطى قَضَاء قيصرية وطرابلس الشَّام دفعات وَله شعر وانشاء ذكره مِنْهُ ابْن الحنائى أَشْيَاء نَوَادِر وَكَانَت وَفَاته فى أَوَاخِر الْمحرم سنة سِتّ وَعشْرين وَألف بِمَدِينَة قسطنيطينية السَّيِّد مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن أَبى الْفَتْح بن تَاج الدّين بن أَحْمد بن اسمعيل بن مُوسَى بن يحيى بن مرعى بن اسمعيل بن سُلَيْمَان الميسونى الْمُقِيم ببلدة شبرى بميسون ابْن ابراهيم بن علوان بن بن أَبى بكر بن ادريس ابْن ادريس الاكبر ابْن عُثْمَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن يحيى بن عِيسَى بن مُحَمَّد التقى عِيسَى أَبى الْحسن العسكرى بن على الهادى بن مُحَمَّد الْجواد بن على الرضاء بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن على زين العابدين بن الْحُسَيْن بن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ السَّيِّد الشريف المصرى نزيل الشَّام الْمَعْرُوف بالمسرابى قدم الشَّام وَسكن قَرْيَة مسرابا بِكَسْر الْمِيم ثمَّ سين مُهْملَة سَاكِنة وَرَاء بعْدهَا ألف ثمَّ بَاء مُوَحدَة وَألف مَقْصُورَة من قرى الغوطة وَكَانَ فَاضلا مُتَمَكنًا محققا ورعا زاهد القى من النَّاس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 قبولا تَاما وَأَقْبَلت أهالى دمشق عَلَيْهِ وعظموه واعتقدوا فِيهِ وَلَزِمَه جمع من الْفُضَلَاء فَكَانُوا يقصدونه كل يَوْم فى موطنه للْقِرَاءَة مَعَ بعد الْمسَافَة وَبَعْضهمْ يذهب مَاشِيا لاجل التَّبَرُّك وبلغنى أَن بَعضهم الْتزم أَن يذهب اليه حافيا وَكَانَت لَهُ أَحْوَال تدل على صَلَاحه وَعلمه وَكَانَ فى التصوف مُفْرد زَمَانه وَيحل كتب ابْن عربى واضرابه أحسن حل وَلم أسمع أَنه ألف أَو قَالَ شعرًا وَغَايَة مَا يُقَال فِيهِ انه كَانَ من خِيَار خلق الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى رَابِع شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف مُحَمَّد بن سِنَان الْمَعْرُوف بشيخ زَاده أحد موالى الرّوم البارعين قدم أَبوهُ الى قسطنطينية من بَلَده كيبوزه وهى بليدَة صَغِيرَة على سَاحل الْبَحْر يتَوَصَّل مِنْهَا الى اسكدار على طَرِيق الذَّاهِب من قونية وَبَينهمَا مَسَافَة سبع سَاعَات وَكَانَ شَيخا مُعْتَقدًا واعظا ورزق أَوْلَادًا أكبرهم مُحَمَّد هَذَا فَنَشَأَ مشتغلا بِالْعلمِ حَتَّى عد من الْعلمَاء الْكِبَار وَكَانَ فَقِيها مطلعا على الْمسَائِل قوى الحافظة واشتهر بالفقه مَعَ أَنه فى غَيره أَيْضا من الفائقين ولازم من شيخ الاسلام أَبى الميامن ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا فصيره أَمينا لفتواه وَمهر فى هَذِه الْخدمَة حَتَّى صَار فِيهَا مرجعا يعول عَلَيْهِ وَلما بنى الْمولى يحيى الْمَذْكُور مدرسته بقسطنطينية صيره مدرسها وَهُوَ أول من درس بهَا وَصَحبه مَعَه الى سفر روان وَلم يزل بعْدهَا يترقى فى الْمدَارِس الى أَن ولى السليمانية وَنقل مِنْهَا الى مدرسة أيا صوفيا بتربة دَار الحَدِيث ثمَّ ولى قَضَاء حلب فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف ثمَّ ولى قَضَاء الشَّام ودخلها فى سنة سبع وَخمسين ثمَّ عزل عَنْهَا وَولى بعْدهَا قَضَاء الغلطة ثمَّ أدرنه ثمَّ صَار امين الْفَتْوَى لشيخ الاسلام البهائى ثمَّ صَار قَاضِيا بقسطنطينية ثمَّ أعْطى رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بانا طولى وَقَضَاء أنقره على وَجه التَّأْبِيد وَلم تطل مُدَّة حَيَاته بعد ذَلِك فتوفى فى شَوَّال سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف وَدفن تجاه دَاره بقسطنطينية قريب الْمَكَان الْمَعْرُوف بقرمان مُحَمَّد بن شعْبَان الطرابلسى الحنفى من أهل طرابلس الْمغرب ذكره ابْن نوعى وَوَصفه بِالْفَصْلِ الباهر وَقَالَ قدم قسطنطينية فى سنة سِتّ عشرَة وَألف وتناظر مَعَ علمائها فظهرت مزيته وروعى حَقه وَأَقْبل عَلَيْهِ شيخ الاسلام صنع الله بن جَعْفَر وَأَعْطَاهُ قَضَاء بَلْدَة بِاعْتِبَار المولوية وأضاف الى الْقَضَاء الْفَتْوَى والتدريس فَتوجه الى وَطنه وَله تآليف باهرة مِنْهَا شرح مجمع الْبَحْرين سَمَّاهُ تشنيف المسمع فى شرح الْمجمع وَجمع مَنَاقِب الشَّيْخ أَبى الْغَيْث القشاش الْمُقدم ذكره وَله غير ذَلِك من الْآثَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 مَا لَيْسَ لَهُ نِهَايَة وفتاويه كلهَا مسلمة وَكَانَت وَفَاته فى سنة عشْرين وَألف مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد الغزى الثَّمر تاشى حفيد شيخ الاسلام الشَّمْس مُحَمَّد بن عبد الله صَاحب التَّنْوِير وَغَيره الآتى ذكره قَرِيبا ان شَاءَ الله تَعَالَى كَانَ مُحَمَّد هَذَا من فضلاء الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة برع فى شبابه وَقد أَخذ بِبَلَدِهِ عَن وَالِده وَعَن ابْن الْمُحب ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة وتفقه بهَا على الشهَاب أَحْمد الشوبرى وَالْحسن الشرنبملالى وَالشَّيْخ محيى الدّين الغزى الفاروقى وَالشَّيْخ أَبى بكر الجبرتى وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّيْخ عَامر الشبراوى وَالشَّيْخ عبد الْجواد الجنبلاطى وَالشَّيْخ أَبى الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْخَطِيب الشربينى الشافعى وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الحموى وَالشَّمْس مُحَمَّد بن الْجلَال البكرى وأبى الْعَبَّاس أَحْمد المقرى المغربى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن يُوسُف البهوتى الحنبلى وَرجع الى بَلَده وَقد بلغ الْغَايَة من الْفضل وَألف فى حَيَاة وَالِده تآليف مِنْهَا شرح الرحبية ونظم الفية فى النَّحْو شرحها أَبوهُ فى حَيَاته وأولها (قَالَ مُحَمَّد هُوَ ابْن صَالح ... أَحْمد ربى الله خير فاتح) وَله منظومة فى المناسخات ورسالة فى تَفْضِيل الانسان وَله شعر كثير وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف ووالده مَوْجُود فى الاحياء رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو الْفَتْح شمس الدّين الدجانى القدسى الشافعى كَانَ من الْعلمَاء الراسخين ارتحل الى مصر وَأقَام بالازهر سِنِين عديدة واشتغل بالفقه على مَشَايِخ كثيرين مِنْهُم الشهَاب القليوبى وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحى وَالشَّيْخ على الحلبى صَاحب السِّيرَة وَأخذ عَن الْبُرْهَان اللقانى والشهاب أَحْمد بن عبد الْوَارِث الصديقى وَعبد الْجواد الجنبلاطى وَغَيرهم فى عُلُوم مُتَفَرِّقَة واخذ الحَدِيث عَن أَبى الْعَبَّاس المقرى واشتغل فى أواسط عمره بالتصوف أَخذه عَن جده لابيه وصنف رِسَالَة العقد الْمُفْرد فى حكم الامرد وَله غَيرهَا من التآليف وانتفع بِهِ خلق كثير وَكَانَ فى آخر أمره شرع فى قِرَاءَة الْجَامِع الصَّغِير للسيوطى فَوقف عِنْد حَدِيث أتتكم الْمنية وَتوفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَسبعين وَألف مُحَمَّد الامين بن صدر الدّين الشروانى نزيل قسطنطينية أجل أَفْرَاد الدُّنْيَا فى التَّحْقِيق والتبحر من كل فن لم ترعين من وصل الى ثمَّة من ذكائه وتضلعه من الْعُلُوم فى عصره أَخذ عَن الملا حُسَيْن الخلخالى وَكَانَ يعرض عَلَيْهِ حَاشِيَته على شرح العقائد العضدية للملا جلال الدوانى فيزيفها لَهُ حَتَّى شهد لَهُ بِأَنَّهُ أفضل مِنْهُ وَمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 مؤلفاته تعليقات على أَمَاكِن من تَفْسِير البيضاوى وَكَلَامه فِيهَا يدل على انه جمع الْفُنُون كلهَا وَشرح على جِهَة الْوحدَة الَّتِى للفنرى فى أول شَرحه على ايساغوجى صَعب المسلك وَهُوَ يقْرَأ فى الرّوم واعتنى بِهِ جمَاعَة وَكَتَبُوا عَلَيْهِ حواشى وتحريرات مِنْهُم السَّيِّد الْمَعْرُوف بازميرى أَمِير واعظ جَامع السُّلْطَان بايزيد كَانَ وَقد قرأته بعون الله تَعَالَى مَعَ حَوَاشِيه بالروم وانتفعت بِهِ وَله كتاب سَمَّاهُ بالفوائد الخاقانية مُشْتَمل على ثَلَاثَة وَخمسين علما أَلفه باسم السُّلْطَان أَحْمد وَجعل الْعُلُوم الَّتِى فِيهِ عدد اسْمه وَكَانَ خرج من بِلَاده فوصل الى الْوَزير نصوح وَهُوَ معِين لقِتَال شاه الْعَجم فَعَظمهُ وَبَالغ فى احترامه ورتب لَهُ التعايين الوافرة ثمَّ صَحبه الى الرّوم فَأقبل عَلَيْهِ أَهلهَا ولزموه للاخذ عَنهُ واشتهر حد الاشتهار فولاه السُّلْطَان أَحْمد مدرسته برتبة قَضَاء قسطنطينية وانعكفت عَلَيْهِ الافاضل وَكَانَ يحضر درسه مَا يزِيد على ثلثمِائة تلميذ وحدثنى حفيده الْمولى الْفَاضِل صَادِق قاضى الْقُضَاة بِمصْر أَن جمَاعَة من قَضَاء العساكر كَانُوا يذهبون الى درسه ويستمعون من الشبابيك وَلَا يدْخلُونَ الى دَاخل الدَّرْس حذرا من هضم جانبهم وحضورهم فى زى مستفيد وَحكى لى من فطانته وتحقيقه واستحضاره للمسائل وأجوبتها مَا يبهر الْعقل قَالَ وَلما قدم الى قسطنطينية قاضى زَاده الرومى حضر الى مَجْلِسه فَقيل لَهُ ان قاضى زَاده يُرِيد الدُّخُول اليك فَلم يكترث حَتَّى وصل اليه فَنَهَضَ قَلِيلا ثمَّ جلس فَقَالَ لَهُ قاضى زَاده عندى ثَلَاثُونَ سؤالا فى أَنْوَاع من الْعُلُوم أُرِيد جوابها مِنْك قَالَ وَكَانَ مُضْطَجعا على الوسادة فَقَالَ وَالله لَا رفعت جنبى عَن الوسادة حَتَّى أجيبك عَنْهَا هَات مَا عنْدك فشرع قاضى زَاده يُورد لَهُ السُّؤَال فَقبل أَن يتمه يجِيبه عَنهُ من غير انفعال وَلَا ترو وكل مَا يجِيبه بِهِ يقبله ويكتبه عَنهُ وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ آخر الْمُحَقِّقين وَبِه ختم هَذَا الْبَاب وَسَأَلت حفيده الْمَذْكُور عَن وَفَاته فَقَالَ لى انه توفى فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف السَّيِّد مُحَمَّد الامين بن صنع الله الحسينى القسطنطينى مفتى السلطنة الْمَعْرُوف بصنعى زَاده الْمُحَقق البارع الالمعى كَانَ عَالما فَاضلا كَامِل الْعيار أديبا أريبا عَاقِلا حسن الْخلق مَشْهُور بِالْفَضْلِ مشهودا لَهُ بِهِ وَفِيه يَقُول بعض الادباء مضمنا (ان ابْن صنعى الذى جلت فضائله ... لم يلف فى عجم ثَانِيه أَو عرب) (لَوْلَا عجائب صنع الله مَا نَبتَت ... تِلْكَ الْفَضَائِل فى لحم وَلَا عصب) وَلم يرم من المعائب قطّ الا بالشره لما فى ايدى النَّاس من قسم الملبس والامتعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 وَجمع من الْكتب والمتحف مَا لَا يدْخل تَحت حصر حاصر وَكَانَ اشْتغل بتحصيل الْعُلُوم على عُلَمَاء عصره حَتَّى سَاد وَقدم بِخِدْمَة وَالِده الى حلب لما ولى قضاءها فى سنة عشْرين بعد الالف وَهُوَ شَاب فَأخذ عَن بعض علمائها ثمَّ لَازم من الْمولى عمر معلم السُّلْطَان عُثْمَان وَلزِمَ بعد ذَلِك قاضى العساكر مصطفى بن عزمى وانتفع بِهِ وَعَلِيهِ تخرج فى كثير من الْفُنُون وَكَانَ عِنْده فى منزلَة وَلَده وصيره كَاتبا لرسائله وَهُوَ قاضى الْعَسْكَر ثمَّ درس بمدرسة شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَهُوَ ثانى مدرس بهَا واتصل ببانيها وَهُوَ مفت فَأَحبهُ وَأَدْنَاهُ مِنْهُ حَتَّى اشْتهر وَوصل خَبره الى السُّلْطَان مُرَاد وَحكى أَن السُّلْطَان مرَادا كَانَ يتفقده واذا صَارَت سلسلة المدرسين يستخبر هَل وَجه اليه مدرسة أَولا فَلم يزل يترقى فى الْمدَارِس حَتَّى وصل الى الْمدرسَة السليمانية وَولى مِنْهَا قَضَاء سلانيك فى سنة خمسين وَألف وَأَقْبل عَلَيْهِ الْوَزير الاعظم قُرَّة مصطفى باشا فَأعْطى بوسيلته رتبه أدرنه ثمَّ عزل عَنْهَا وَقدم الى دَار الْخلَافَة واقتنى دَارا بِالْقربِ من جَامع السُّلْطَان سليم لَطِيفَة غَايَة ثمَّ ولى قَضَاء حلب وَنقل مِنْهَا الى قَضَاء مصر وَحكى انه كَانَ فى ابْتِدَاء أمره مَعَ مصطفى باشا بن حيدر الْوَزير وَكَانَ من جملَة الْعَسْكَر اذ ذَاك فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة ستصير ان شَاءَ الله تَعَالَى حَاكما بِمصْر فَقَالَ لَهُ وَعَسَى أَن تصير أَنْت قَاضِيا بهَا فى ذَلِك الزَّمَان ونجتمع مَعًا ثمَّ دعيا بذلك فاستجيب دعاؤهما واجتمعا بِمصْر على الحكومتين ثمَّ عزل صَاحب التَّرْجَمَة وَقرر بهَا قبل أَن يخرج مِنْهَا ثمَّ عزل وَولى قَضَاء قسطنطينية فى سنة تسع وَخمسين ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بانا طولى فى سنة خمس وَسِتِّينَ وَاتفقَ ان ابْن خَالَته السَّيِّد مُحَمَّد الْمَعْرُوف بقدسى زَاده صَار قاضى الْعَسْكَر بروم ايلى فتشرف صدر الدِّيوَان بِهَذَيْنِ الصدرين وهما ابْنا خَالَة ثمَّ عزل وَولى قَضَاء روم ايلى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَنقل مِنْهَا الى الْفَتْوَى فى أَوَاخِر السّنة وَكَانَ السُّلْطَان مُحَمَّد اذ ذَاك فى أدرنه وَقيل فى تَارِيخه أَرخُوا مفن كريم عَالم عَامل وَوَافَقَ تَارِيخ تَوليته امضاءه الذى يَكْتُبهُ على الْفَتَاوَى وَهُوَ لفظ كتبه مُحَمَّد الامين الْفَقِير وَهَذَا من أعجب مَا وَقع من التواريخ ثمَّ عزل فى نَهَار الثُّلَاثَاء تَاسِع شهر ربيع الثانى سنة ثَلَاث وَسبعين وَأمر بالاقامة فى حديقته ببشكطاش فَأَقَامَ بهَا مُدَّة الى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى رَابِع الْمحرم سنة أَربع وَسبعين وَألف وَدفن باسكدار بِالْقربِ من مرقد الشَّيْخ مَحْمُود الاسكدارى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 مُحَمَّد بن الظَّاهِر بن أَبى الْقسم بن أَبى الْغَيْث بن أَبى الْقسم بن أَبى بكر شُعَاع بن على الايبع بن أَحْمد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن النجيب بن حسن بن يُوسُف بن حسن بن يحيى بن سَالم بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن على بن آدم بن ادريس بن الْحُسَيْن ابْن مُحَمَّد الْجواد بن على الرِّضَا ابْن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر ابْن على زين العابدين بن الْحُسَيْن ابْن على بن أَبى طَالب كرم الله تَعَالَى وَجهه هَكَذَا نقل نسب بنى الْبَحْر مُحَمَّد بن أَبى بكر الاشخر فى كِتَابه كشف الْغَيْن وان نسبهم هَذَا يجْتَمع فِيهِ ثَلَاثَة عشر قَبيلَة من أَشْرَاف سرو والحسينيين بِالتَّصْغِيرِ يجمعهُمْ الْحسن ابْن يُوسُف وَأم المترجم عَائِشَة بنت أَحْمد بن أَبى الْغَيْث بن أَبى الْقسم الْبَحْر الْمُتَقَدّم السَّيِّد الولى الْمَشْهُور ولد فى ثامن عشر شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَألف بالمنصورية وهى من أَعمال بَيت الْفَقِيه بن عجيل من قرى اللامين مَعْرُوفَة بَينهَا وَبَين زبيد مرحلة كَامِلَة من جِهَة الْقبْلَة وَكَانَ أسلافه بِمَدِينَة الحرجة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالْجِيم من أَعمال بَيت الْفَقِيه الْكَبِير ابْن حشيبر بِقرب اللِّحْيَة بَلْدَة مَعْرُوفَة خربَتْ قَدِيما وَأول من قدم من أجداده الى المنصورية أَحْمد بن أَبى الْغَيْث بن أَبى الْقسم الْبَحْر وَمَعَهُ أَخُوهُ أَبُو الْقسم بن أَبى الْغَيْث المقبور برباط الشَّيْخ مُحَمَّد بن عمر النهارى الْمَشْهُور بقمر الصَّالِحين وقبره هُنَاكَ يزار ويتبرك بِهِ فسكنوا فى مَحل يُقَال لَهُ منيبر قرب محلتهم الْآن من الشرق وَيُقَال ان ذَلِك باستدعاء عَامر بن عبد الْوَهَّاب وَدخل صَاحب التَّرْجَمَة الى زبيد فى سنة احدى وَعشْرين وَألف للْقِرَاءَة فَقَرَأَ على شيخ الْقُرَّاء عبد الباقى بن عبد الله العدنى لِلشَّيْخَيْنِ ثمَّ لحفص عَن عَاصِم وَقَرَأَ فى الْفِقْه على ابراهيم بن مُحَمَّد جعبمان وعَلى القاضى أَبى الوفا أَحْمد بن مُوسَى الضجاعى وعَلى مُحَمَّد بن أَحْمد المريرى الازهرى وعَلى مُحَمَّد بن أَبى بكر حجر بِهِ الاهدل صَاحب مَقْصُورَة الْجَامِع فى زبيد وفى الْعَرَبيَّة على الشهَاب أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى المطيب الحنفى وَسمع صَحِيح البخارى وصحيح مُسلم مَرَّات مُتعَدِّدَة على الشَّيْخ الْعَلامَة على بن أَحْمد بن جعمان وَبَعض الْمِنْهَاج والاذكار وَجُمْلَة من البخارى وَحج سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَأخذ بمكه عَن الشَّيْخ مُحَمَّد على بن عَلان التَّفْسِير والْحَدِيث وَأَجَازَهُ بمروياته وَله مؤلفات مِنْهَا تحفة الدَّهْر فى نسب الاشراف بنى بَحر وَنسب من حقق نسبه وَسيرَته من أهل الْعَصْر وَكَانَت رفاتا عَشِيَّة الِاثْنَيْنِ رَابِع الْمحرم سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف بالمنصورية وَبهَا دفن عِنْد أسلافه السَّادة روح الله تَعَالَى أَرْوَاحهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 مُحَمَّد بن عبد الباقى بن مُحَمَّد بن محب الدّين بن أَبى بكر تقى الدّين بن دَاوُد المحبى الدمشقى الحنفى ابْن عَم أَبى كَانَ فَاضلا كَامِلا لطيفا أديبا ظريفا ذكيا حسن الْخط وَله صَوت يَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب لم يكن أحسن مِنْهُ وَلَا أندى فى عصره وَكَانَ يعرف الادب والموسيقى معرفَة جَيِّدَة وَله فى الضروب واصطناع الاغانى يَد طائلة وَكَانَ أَبوهُ ذَا ثروة عَظِيمَة وَلما مَاتَ فى سنة سبع وَعشْرين وَألف فِيمَا أَحسب ترك مَالا كثيرا فنفد فى أقل قَلِيل وَهُوَ أَخُو جدى لابيه وَأم مُحَمَّد أُخْته من أمه وهى بنت الشَّيْخ عبد الصَّمد العكارى مفتى طرابلس وَاسْمهَا بديعة الزَّمَان وَكَانَت من الْعلم والمعرفة ونظم الشّعْر فى ذرْوَة سامية اشتغلت الْكثير على جدى القاضى محب الدّين وَأخذت عَنهُ الْفِقْه والعربية وَقَرَأَ عَلَيْهَا ابْنهَا مُحَمَّد المترجم وانتفع بهَا ثمَّ لزم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَأخذ عَنْهُمَا وَتخرج فى الادب على أَبى الطّيب الغزى والقاضى عبد الْكَرِيم الطارانى ثمَّ لَازم من شيخ الاسلام عبد الْعَزِيز بن قره جلى ودرس بدار الحَدِيث الْكُبْرَى وَولى النيابات بِدِمَشْق وَكَانَ فى حَيَاة جدى محب الله مرفه البال رغيد الْعَيْش مكفى الْمُؤْنَة زوجه بابنته عمتى وَبنى قصرا على سوق الرصيف يشرف على الْمدرسَة الامينية وأتقن بناءه وصنع لَهُ تَارِيخا من نظمه كتبه على بعض جدرانه وَهُوَ قَوْله (مُنْذُ أنشا العَبْد المحبى قصرا ... من نوال الْمولى الْكَرِيم وَمِنْه) (قد سما بهجة وَحَازَ بهاء ... ورقى رفْعَة وفَاق بيمنه) (وَهُوَ فَرد فزوده فَردا وأرخ ... قَصرنَا قد زهى برونق حسنه) وَلما مَاتَ جدي ساءت حَاله وَاسْتولى عَلَيْهِ الْغم فسافر الى الرّوم وَولى قَضَاء بعلبك ثمَّ قَضَاء صيدا وَمَا برح الدَّهْر يصدمه ويزعجه الى أَن مَاتَ وفى ذَلِك يَقُول (لَوْلَا الامانى اذ أعيش مُسلما ... للنَّفس فى نيل المرام الا بعد) (لقضيت من محن الزَّمَان فدأبه ... جور الفعال على اللبيب الامجد) وَمن هَذَا الْمَعْنى قَول بَعضهم (لَوْلَا مواعيد آمال أعيش بهَا ... لمت يَا أهل هَذَا الحى من زمنى) (وانما طرف آمالى بِهِ مرح ... يجرى بوعد الامانى مُطلق الرسن) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ عشرَة وَألف وَتوفى وَهُوَ رَاجع من الرّوم بِمَدِينَة حمص فى سنة سِتِّينَ وَألف وَدفن بهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْحُسَيْن بن ابراهيم المكنى بأبى عبد الله بن أَبى شَبابَة الحسينى البحرانى أديب الْبَحْرين ومنطيقها والمطلع نفائس درها وجوهرها ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه علم الْفضل ومناره ومقبس الادب ومستناره فرع دوحة الشّرف الناضر الْمقر بسمو قدره كل مناضل ومناظر أَضَاءَت أنوار مجده مآثرا ومناقباً (كالبدر من حَيْثُ الْتفت رَأَيْته ... يهدى الى عَيْنَيْك نورا ثاقباً) وَكَانَ قد نسل الْهِنْد فَاجْتمع بالوالد ومدحه بمدائح وقابله من الاكرام بِمَا استوجبه واستحقه وَذكره عِنْد مَوْلَانَا السُّلْطَان فَعرف لَهُ حَقه ثمَّ رَحل الى ديار الْعَجم وَأقَام بأصفهان الى ان مَاتَ ثمَّ أورد لَهُ هَذِه القصيدة مدح بهَا وَالِده النظام ومستهلها (أرى علما مَا زَالَ يخْفق بالنصر ... بِهِ فَوق أوج الْمجد تعلو يَد الْفَخر) (مضى الْعُمر لَا دنيا بلغت بهَا المنى ... وَلَا عمل أَرْجُو بِهِ الْفَوْز فى الْحَشْر) (وَلَا كسب علم فى الْقِيَامَة شَافِع ... وَلَا ظَفرت كفى بمغن من الوفر) (وأصبحت بعد الدَّرْس فى الْهِنْد تَاجِرًا ... وان لم أفز مِنْهَا بفائدة التَّجر) (طويت دواوين الْفَضَائِل والتقى ... وصرت الى طى الامانى والنشر) (وسودت بالاوزار بيض صحائفى ... وبيضت سود الشّعْر فى طلب الصفر) (وبعت نَفِيس الدّين والعمر صَفْقَة ... فيا لَيْت شعرى مَا الذى بهما أشرى) (اذا جننى اللَّيْل البهيم تَفَجَّرَتْ ... على عُيُون الْهم فِيهِ الى الْفجْر) (تَفَرَّقت الاهواء منى فبعضها ... بشيراز دَار الْعلم وَالْبَعْض فى الْفِكر) (وبالبصرة الفيحاء بعض وَبَعضهَا القوى بِبَيْت الله والركن وَالْحجر) (فَمَا لى وللهند الَّتِى مذ دَخَلتهَا ... محت رسم طاعتى سيول من الْوزر) (وَلَو أَن جِبْرَائِيل رام سكونها ... لَا عَجزه فِيهَا الْبَقَاء على الطُّهْر) (لَئِن صيد أَصْحَاب الحجا بشباكها ... فقد تَأْخُذ الْعقل الْمَقَادِير بالقهر) (وَقد تذْهب الْعقل المطامع ثمَّ لَا ... يعود وَقد عَادَتْ لميس الى العتر) هَذَا تلميح الى الْمثل الْمَشْهُور وَهُوَ قَوْلهم عَادَتْ الى عترها لميس أى رجعت الى أَصْلهَا والعتر بِكَسْر الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة من فَوق الاصل يضْرب لمن رَجَعَ الى خلق كَانَ قد تَركه وَلَيْسَ هُوَ الْمثل بِعَيْنِه حَتَّى يعْتَرض بِأَن الامثال لَا تغير (مَضَت فى حروب الدَّهْر غَايَة قوتى ... فَأَصْبَحت ذَا ضعف عَن الْكر والفر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 (الام بِأَرْض الْهِنْد أذهب لذتى ... ونضرة عَيْش فى محاولة النَّضر) (وَقد قنعت نفسى بأوبة غَائِب ... الى أَهله يَوْمًا وَلَو بيد صفر) (اذا لم تكن فى الْهِنْد أَضْعَاف نعْمَة ... ففى هجر أحظى بصنف من التَّمْر) (على أَن لي فِيهَا حماة عهدتهم ... بناة الْمَعَالِي بالمثقة السمر) (إِذا مَا أصَاب الدَّهْر أكناف عزهم ... رَأَيْت لَهُم غارات تغلب فِي بكر) (ولى وَالِد فِيهَا اذا مَا رَأَيْته ... رَأَيْت بِهِ الخنساء تبكى على صَخْر) (ولكننى أنسيت فى الْهِنْد ذكرهم ... باحسان من يسلى عَن الْوَالِد الْبر) (اذا ذعرتنى فى الزَّمَان صروفه ... وجدت لَدَيْهِ الا من من ذَلِك الذعر) (وفى بَيته فى كل يَوْم وَلَيْلَة ... أرى الْعِيد مَقْرُونا الى لَيْلَة الْقدر) (وَلَا يدْرك المطرى نِهَايَة مدحه ... وَلَو أَنه قد مد من عمر النسْر) (وفى كل مضمار لَدَى كل غَايَة ... من الشّرف الاوفى لَهُ سَابق يجرى) (اذا مَا بَدَت فى أول الصُّبْح نقمة ... ترى فَرحا قد جَاءَ فى آخر الْعَصْر) (فَقل لى أَبيت اللَّعْن ان عَن مفظع ... أأصبر أم أحتاج للاوجه الغر) (اذا لَا علت فى الْمجد أَقْدَام همتى ... وَلَو كَانَ شعرى فِيك من أنفس الشّعْر) (وانى لأرجو من جميلك عَزمَة ... تبلغنى الاوطان فى آخر الْعُمر) (تقر عيُونا بالعراق سخينة ... وتبرد أكبادا أحر من الْجَمْر) (وتونس أطفالا صغَارًا تَركتهم ... لفرقتهم مَا زَالَ دمعى كالقطر) (وعيشى بهم قد كَانَ حلوا وبعدهم ... وجدت لذيذ الْعَيْش كالعلقم المر) (اذا مَا رأونى مُقبلا ورأيتهم ... نقُول أيوم القر أم لَيْلَة النَّفر) (وَمَا زلت مشتاقا اليهم وعاجزا ... كَمَا اشتاق مقصوص الْجنَاح الى الوكر) (ولكنما حسبى وجودك سالما ... وَلَو أننى أَصبَحت فى بلد قفر) (فَمن كَانَ مَوْصُولا بِحَبل ولائكم ... فَلَيْسَ بمحتاج الى صلَة الْبر) وَقَوله على لِسَان أهل الْحَال وَقد أَجَاد (لعمرى لقد ضل الدَّلِيل عَن الْقَصْد ... وَمَا لَاحَ لى برق يدل على نجد) (فَبت بلَيْل لَا ينَام ومهجة ... تقلب فى نَار من الْهم والوجد) (وَقلت عَسى أَن أهتدى لسبيلها ... بنفحة طيب من عرار وَمن رند) (فَلَمَّا أتيت الدَّيْر أَبْصرت رَاهِبًا ... بِهِ ثمل من خمرة الْحبّ والود) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 (فَقلت لَهُ أَيْن الطَّرِيق الى الْحمى ... وَهل خبر من جيرة الْعلم الْفَرد) (فَقَالَ وَقد أَعلَى من الْقلب زفرَة ... وفاضت سيول الدمع مِنْهُ على الخد) (لَعَلَّك يَا مِسْكين ترجو وصالهم ... وهيهات لَو أتلفت نَفسك بالكد) (أرى زمرة العشاق فى مجْلِس الْهوى ... نشاوى غرام من كهول وَمن مرد) (ألم تَرَ أَنا من مدامة شوقهم ... سكارى وَلم نبلغ الى ذَلِك الْحَد) (فكم ذهبت من مهجة فى طريقهم ... وَمَا وصلت الاعلى غَايَة الْبعد) (فَقلت أأدنو قَالَ من كل محنة ... فَقلت أأرجو قَالَ شَيْئا من الصد) (ألم ترنا صرعى بدهشة حبهم ... نقلب فَوق الترب خدا الى خد) (فكم طامع فى حبهم مَاتَ غُصَّة ... وَقد كَانَ يرضى بالمحال من الْوَعْد) وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف بأصفهان وَنقل الى طوس وَدفن بالمشهد الرضوى بِقرب تربة الشَّيْخ بهاء الدّين العاملى مُحَمَّد بن عبد الْحق بن أَبى اللطف الملقب كَمَال الدّين القدسى الحنفى كَانَ فَاضلا ظريفا رَقِيق حَاشِيَة الْعشْرَة طارحا للتكلف خليعا مَاجِنًا مَقْبُول النادرة وَكَانَ كثير الاسفار قَلما يُقيم بِبَلَدِهِ رَحل الى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا سِنِين عديدة واشتغل على علمائها وبرع ثمَّ سَافر الى الرّوم وَطلب تدريس الْمدرسَة العثمانية بالقدس فوجهت اليه عَن الشَّيْخ زَكَرِيَّا المصرى وَتصرف بهَا وَكَانَ ينظم الشّعْر وشعره // مطبوع جيد // فَمِنْهُ قَوْله من تخميس (بدا بكأس مدام والدجا حلكا ... وَعزة النَّفس أرخت فَوْقه شبكا) (فَقلت لما أَتَى لَا يختشى دركا ... يَا بدرتم غَدا قلبى لَهُ فلكا) (ان كنت أبذل روحى فى الْهوى فلكا ... ) وَسمعت لَهُ قصيدة فى نِهَايَة الْحسن فَلم يعلق فى خاطرى مِنْهَا الا مطْلعهَا وَهُوَ (أهْدى الزَّمَان الى الانام نفيسا ... فَالْحق أَن نهدى اليه نفوسا) وَقد تقدم لَهُ ثَلَاثَة أَبْيَات فى تَرْجَمَة السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن النَّقِيب فى تَشْبِيه القرنفل وهى فى غَايَة الْجَوْدَة وَكَانَ اعتراه مرض الفواق وَهُوَ قادم فى طَرِيق الرّوم لشدَّة الْبرد ففى ثانى يَوْم من دُخُوله الْبَيْت الْمُقَدّس توفى وَكَانَت وَفَاته فى أَوَاخِر ذى الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَقد بلغ من الْعُمر سِتِّينَ سنة مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم الْمَعْرُوف بالبورسوى وبالاسيرى مفتى السلطنة وَرَئِيس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 علمائها الْمَشْهُور بِالْعلمِ والتصلب فى الدّين وَكَانَ طودا من الْعلم راسخا متمسكا بِحَبل الله فى سره ونجواه يناضل عَن الْحق ويباحث عَنهُ وَكَانَ كثير الْعِبَادَة والتلاوة لِلْقُرْآنِ مهابا متواضعا أَخذ بِبَلَدِهِ بروسه عَن الْمولى مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن المعيد وَعَن الشَّيْخ الْكَامِل مُحَمَّد حَافظ زَاده ولازم درسه ثمَّ دخل قسطنطينية وتلمذ بهَا للشريف الشروانى وَكَانَ مدرسا بمدرسة أيا صوفيا وسمعته يحْكى مَا كَانَ فِيهِ اذ ذَاك من رقة الْحَال وضنك الْعَيْش ويبالغ ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة شيخ لاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَصَارَ من خَواص طلبته ولازم مِنْهُ وَتعين لكتابة الْفَتَاوَى ثمَّ صَار أَمِين الْفَتْوَى وَانْفَرَدَ فى هَذِه الْخدمَة بأَشْيَاء من التفرس وَسُرْعَة الاخذ لم يسْبقهُ اليها أحد وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا ونفذت كَلمته وشاع ذكره وقصدته النَّاس من أقاصى الْبِلَاد وَوصل خَبره للسُّلْطَان مُرَاد وَكَانَت الوزراء وقضاة العساكر وَمن فى رتبتهم يراجعونه فى المهام ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى مدرسة السُّلْطَان سليم الْقَدِيم وَولى مِنْهَا قَضَاء مَكَّة وسافر وَهُوَ وسنبل أغا حَافظ الْحرم السلطانى بحرا فأسرتهما الفرنج وأخذا الى جَزِيرَة مالطه وَذهب لَهما من الامتعة والاموال شئ كثير وَاسْتمرّ صَاحب التَّرْجَمَة أَسِيرًا قَرِيبا من أَربع سِنِين ثمَّ خلص وَوصل الى دَار الْخلَافَة فَأعْطى قَضَاء مصر وَكَانَ ذَلِك فى سنة تسع وَخمسين وَألف وَقدم الى دمشق وَتوجه الى الْقَاهِرَة فصحبه والدى رَحمَه الله تَعَالَى ونال مِنْهُ قبولا تَاما ثمَّ فَارقه فى مصر كَمَا تقدم فى تَرْجَمَة والدى وعزل فَخرج الى دمشق وَنزل فى دَارنَا وَولد لَهُ ولد سَمَّاهُ يحيى ثمَّ توجه الى الرّوم فَمَاتَ وَلَده هَذَا بانطاكية وَبعد وُصُوله بِمدَّة أعْطى قَضَاء أدرنه وَأخذ بهَا طَرِيق القشاشية عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ مصلح الدّين وَلزِمَ الاوراد والاذكار ثمَّ عزل وَنفى الى ينبولى ثمَّ جئ بِهِ وَولى قَضَاء دَار الْخلَافَة وَوجه اليه رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طول ثمَّ ولى الْقَضَاء أَنا طولى اسْتِقْلَالا وَأَقْبل عَلَيْهِ الْوَزير الاعظم مُحَمَّد باشا الكوبريلى فصيره مفتيا وَلما سَار السُّلْطَان مُحَمَّد الى بورسة وأدرنة كَانَ فى خدمته واستبد بالاقبال التَّام وَوَقع من الْوَزير الْمَذْكُور قتل جماعات فى أَطْرَاف الْبِلَاد وفى مَحل التخت السلطانى فَكَانَ لَا يقدم على ذَلِك حَتَّى يستفتيه وَهَذَا مستفيض على الالسنة وَالله أعلم بِمَا هُنَالك وَكَانَ لما ولى الافتاء استرضاه والدى فرضى وَكتب اليه بالصفح عَن تباعده عَنهُ فَرَاجعه والدى برسالة اقترحها على لِسَان فرس كَانَت عِنْده من مشاهير الْخَيل وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة فى قَدمته الى الشَّام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 رَآهَا وَعرفهَا فأظهر اعتذاره عَن التَّقْصِير الذى نسب اليه فى خدمته على لِسَان حَالهَا والرسالة هى هَذِه حَضْرَة الْمولى شيخ الاسلام مفتى الانام الْهمام الْمُقدم فى حلبة الرِّهَان والامام الْمصلى الذى بِهِ يقْتَدى المجلى والتالى فى ميدان الْبَيَان الْغرَّة فى جبهة دهم الليالى وشهب أَيَّامه ربيع المفاخر والمعالى جعل الله تَعَالَى مُجمل سعادته غَنِيا عَن الافصاح وجياد أَوْصَافه الْحَسَنَة متبارية فى ميدان المداح بجاه سيدنَا مُحَمَّد الذى علا على الْبراق وتشرفت بِهِ الْآفَاق وَآله الْكِرَام وَأَصْحَابه الفخام وَبعد فالذى يعرض على عالى حَضرته بعد تَقْبِيل سامى عتبته أَنه لَا يخفى مَا ورد فى الحَدِيث الشريف عَن النبى النبيه أهْدى الله اليه صلَاته وَسَلَامه الْخَيل مَعْقُود فى نَوَاصِيهَا الْخَيْر الى يَوْم الْقيام واننى تِلْكَ الْفرس الاصيلة الطَّرفَيْنِ والحجرة العريقة الْجَانِبَيْنِ المهذبة الاخلاق الْكَرِيمَة الاعراق سبوح لَهَا مِنْهَا عَلَيْهَا شَوَاهِد نشأت فى أراضى الشَّام وشممت ذَلِك العرار والبشام فَأبى من الْعتاق المغبقية وأمى من الصافنات الْجِيَاد السقلاويه مَعْرُوفَة الاب وَالْجد فى تهَامَة ونجد صَحِيحَة النّسَب بَين الْعَرَب (وَمَا الْخَيل الا كالصديق قَليلَة ... وان كثرت فى عين من لَا يجرب) وَقد كَانَ شرفنى الْمولى بالركوب وأملت مِنْهُ الْمَطْلُوب وسبقت الْجِيَاد وفزت بالشرف وَالْمرَاد وَتَقَدَّمت الخدم أمامى وحملت الغاشية قدامى ومشيت بالادب وَالْوَقار وَلم يصدر منى عثار وَلَا نفار وَلَا غروماً لسيوف على مقادير الاعضاء تفرى وَالْخَيْل على حسب فرسانها تجرى (وَالْخَيْل عَالِمَة مَا فَوق أظهرها ... من الرِّجَال جَبَانًا كَانَ أَو بطلا) وفى الْمثل الْخَيل بفرسانها وَالدَّار بسكانها وَقد طرق سمعى ان الْمولى صَار فَارس الميدان وسابق الرِّهَان وامتطى من الصدارة صهوة الاقبال وسحب لَهُ جنيب الْعِزّ والاجلال وَملك زِمَام الامور وَشد حزَام عزمه فى مصَالح الْجُمْهُور فَحصل لى بذلك كَمَال السرُور والنشاط وكدت أَن أفك مَا بى من الرِّبَاط وَأَجد فى الْمسير الى تهنئة جنابه الخطير لَكِن أقعدتنى الايام عَن ذَلِك ومنعتنى عَن سلوك هَذِه المسالك بماحل بى من مُوَاصلَة الصّيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود عِنْد الْقيام وتقدمنى فى الْمسير الرفيق الذى جمعنى واياه هَذَا الطَّرِيق (ان الْعَوَائِق عقن عَنْك ركائبى ... فَلَهُنَّ من طرب اليك هديل) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 وَكَانَ بلغنى أَنه ركض على فى ميدان حضرتك بعض اللئام وَوضع قدم قَوْله حَيْثُ شَاءَ من الملام ونسبنى الى البطر والجموح وسلك طَرِيق قلَّة الادب الْمَتْرُوك الْمَطْرُوح وان الْبَحْر على تعكر والورد الصافى تكدر (قد كَانَ لى مشرب يصفو بموردكم ... فكدرته يَد الايام حِين صفا) فوَاللَّه لَيْسَ لما قيل أصل أصيل وَكنت أود أننى أتوصل الى بره وأكرع عَن فائض بحره وأرد مواردا حسانه وأفوز بِلُطْفِهِ وامتنانه فَلَا خير فى حب لَا يحمل أقذاؤه وَلَا يشرب على الكدر مَاؤُهُ وَمَعْلُوم حَضرته أَن الْبَهَائِم لَا تعلم شعر أَبى تَمام وَلَا تعرف مَا بلاغة أَبى الطّيب الْهمام وَلَا تطرب الْخَيل الا لسَمَاع الْكَيْل وَلَا تستغنى الاكاديش عَن أكل الْحَشِيش والعلاف لَا يعرف مسَائِل الْخلاف ومالكى وان كَانَ هُوَ الاصيل العريق لكنه مقتر للضيق فى العليق كثير الشّعْر قَلِيل الشّعير ينشد بِلِسَان التَّقْصِير (ومالى صَنْعَة غير القوافى ... وَشعر لَا يُبَاع وَلَا يعار) فالشعير أبعد من الشعرى العبور وَلَا وُصُول اليه وَلَا عبور فالبطن ضامر لَا يشد عَلَيْهِ حزَام والفم خَال لَيْسَ فِيهِ سوى اللجام وَقد بليت بعد الهزال بالخرس وَصَارَ حالى كَمَا قيل الجل خير من الْفرس وغيرى مِمَّن هُوَ دخيل لَيْسَ لَهُ أصل وَلَا فصل وَلَا أدب وَلَا فضل يرتع فى رياض الانعام وَالْبر التَّام (حمَار يسيب فى رَوْضَة ... وطرف بِلَا علف يرْبط) فان أنعم الْمولى دَامَ لَهُ المسار بِمنْصب فى هَذِه الديار فَأكْرم الْخَيل أَشدّهَا حنينا الى وَطنه وَأعْتق الابل أَكْثَرهَا نزاعا نَحْو عطنه فلينتهز فرص الاقتدار ويغتنم التجاوز عَن عثرات الاحرار فالدابة تضرب على النفار لَا على العثار فَلَيْسَ لى سواهُ من أعول عَلَيْهِ وَأَرْفَع قصتى اليه (وهيهات أَن يثى الى غير بَابه ... عنان المطايا أَو يشد حزَام) وَالله سُبْحَانَهُ ولى التَّوْفِيق والهادى بكرمه الى سَوَاء الطَّرِيق وَهُوَ قاضى الْحَاجَات وميسر المرادات وعالم بِكُل الاحوال وَعَلِيهِ فى جَمِيع الامور الاتكال (وَدم وابق فى سعد وَعز مخلد ... وخيلك فى أوج السَّعَادَة تسبق) قلت وَقد حذا فى هَذِه الرسَالَة حَذْو الوهرانى فى رقعته الَّتِى كتبهَا على لِسَان بغلته وعلقها فى عُنُقهَا وسيبها فى دَار الامير عز الدّين موسك وهى من محَاسِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 مخترعاته ولطائف نزعاته يَقُول فِيهَا الْمَمْلُوكَة رَيْحَانَة بغلة الوهرانى تقبل الارض بَين يدى الامير عز الدّين حسام أَمِير الْمُؤمنِينَ نجاه الله من حر السعير وَعظم بداره قوافل العير ورزقه من التِّبْن وَالشعِير وسق مائَة ألف بعير واستجاب فِيهِ أدعية الجم الْغَفِير من الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وتنهى اليه مَا تقاسيه من مُوَاصلَة الصّيام والتعب فى اللَّيْل وَالدَّوَاب نيام قد أشرفت مملوكته على التّلف وصاحبها لَا يحمل الكلف وَلَا يُوقن بالخلف وَلَا يَقُول بالعلف وانما يحل بِهِ الْبلَاء الْعَظِيم فى وَقت حاجتى الى القضيم وَالشعِير فى بَيته مثل الْمسك والعبير والاطريفل الْكَبِير أقل من الامانة فى النَّصَارَى الاقباط وَالْعقل فى رَأس قاضى سنباط فشعيره أبعد من الشعرى العبور وَلَا وُصُول اليه وَلَا عبور وقرطه أعز من قرطى ماريه لَا يُخرجهُ صَدَقَة وَلَا هبة وَلَا عَارِية والتبن أحب اليه من الابْن والجلبان أعز عِنْده من دهن البان والقضيم بِمَنْزِلَة الدّرّ النظيم والفصه أجل من سبائك الفضه والفول من دونه ألف بَاب مقفول وَمَا يهون علبه يعلف الدَّوَابّ الا بفنون الاداب وَالْفِقْه اللّبَاب وَالسُّؤَال وَالْجَوَاب وَمَا عِنْد الله من الثَّوَاب وَمن الْمَعْلُوم أَن الدَّوَابّ لَا تُوصَف بالحلوم وَلَا تعيش بِسَمَاع الْعُلُوم وَلَا تطرب بِشعر أَبى تَمام وَلَا تعرف الْحَرْث بن همام وَلَا سِيمَا البغال الَّتِى تسْتَعْمل فى جَمِيع الاشغال شبكة قصيل أحب اليها من كتاب التَّحْصِيل وَقْفَة من الدريس أشهى اليها من فقه مُحَمَّد بن ادريس وَلَو أكل الْبَغْل كتاب المقامات لمات وَلَو لم يجد الا كتاب الرَّضَاع لضاع وَلَو قيل لَهُ أَنْت هَالك لم يَأْكُل موطأ مَالك وَكَذَلِكَ الْجمل لَا يتغذى بشرح أَبْيَات الْجمل ووقوفه فى الكلا أحب اليه من شعر أَبى الْعلَا وَلَيْسَ عِنْده طيب شعر أَبى الطّيب وَأما الْخَيل فَلَا تطرب الا الى اسْتِمَاع الْكَيْل واذا أكلت كتاب الذيل مَاتَت بِالنَّهَارِ قبل اللَّيْل وَالْوَيْل لَهَا ثمَّ الويل وَلَا تستغنى الأكاديش عَن أكل الْحَشِيش بِكُل مَا فى الحماسة من شعر أَبى الخريش واذا أطعمت الْحمار شعر ابْن عمار حل بِهِ الدمار وَأصْبح منفوخا كالطبل على بَاب الاصطبل وَبعد هَذَا كُله فقد رَاح صَاحبهَا الى العلاف وَعرض عَلَيْهِ مسَائِل الْخلاف وَطلب من تبنه عشر قفاف فَقَامَ الى رَأسه بالخفاف فخاطبه بالتقصير وَفسّر لَهُ آيَة العير وَطلب مِنْهُ قفة شعير فَحمل على سُؤَاله ألف بعير فَانْصَرف الشَّيْخ منكسر الْقلب مغتاظا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 من الثلب وَهُوَ أخسر من ابْن بنت الْكَلْب فَالْتَفت الى المسكينه وَقد سلبه الغيظ ثوب السكينه وَقَالَ لَهَا ان شِئْت ان تكدى فكدى لَا ذقت شعيرَة مَا دمت عندى فَبَقيت الْمَمْلُوكَة حائرة لَا قَائِمَة وَلَا سائرة فَقَالَ لَهَا العلاف لَا تجزعى من خباله وَلَا تلتفتى الى سباله وَلَا تنظرى الى نَفَقَته وَلَا يكن عنْدك أخس من عنفقته هَذَا الامير عز الدّين سيف الْمُجَاهدين أندى من الْغَمَام وأمضى من الحسام وأبهى من الْبَدْر لَيْلَة التَّمام لَا يرد سَائِلًا وَلَا يخيب آملا فَلَمَّا سَمِعت الْمَمْلُوكَة هَذَا الْكَلَام جذبت اللجام ورفست الْغُلَام وَقطعت الزِّمَام وَشقت الزحام حَتَّى طرحت خدها على الاقدام ورأيك العالى وَالسَّلَام انْتهى رَجَعَ وَلما مَاتَ الْوَزير الكوبريلى الْمَذْكُور عزل عَن منصب الْفَتْوَى وَنفى الى كليبولى وَحكى أَنه جَاءَهُ خبر الْعَزْل يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ فى الْجَامِع والخطيب يخْطب فَلم يُمكنهُ التَّخَلُّف ونهض مسرعا وَأخذ من وقته الى السَّفِينَة فأركب فِيهَا وجهز وَبعد مُدَّة أعْطى قَضَاء رودس وَأمر بِالْمَسِيرِ اليها فَأَقَامَ بهَا مُدَّة تسع سنوات ثمَّ اسْتَأْذن فى الْحَج فَأذن لَهُ وَورد دمشق فى غرَّة رَجَب سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وَكَانَ وَجه الى أَخِيه شقيقه الْمولى مصطفى قَضَاء مَكَّة فاجتمعا فى دمشق ورحلا صُحْبَة الْحَاج وحجا وجاورا بِمَكَّة سنة ثمَّ فَارقه أَخُوهُ وبقى هُوَ فى الْمَدِينَة سنة أُخْرَى ثمَّ قدم الى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ أعْطى قَضَاء الْقُدس فَتوجه اليها وَحكم بهَا نَحْو سنة ثمَّ عزل وَقدم الى دمشق ثمَّ أَمر بالتوجه الى بَلَده بروسة فَخرج من دمشق وصحبته أَنا الى الرّوم وَكَانَ خروجنا من دمشق فى ثامن صفر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف واستمريت مرافقا لَهُ الى بروسة وفارقته مِنْهَا وَأقَام هُوَ وَأعْطى قَضَاء مطانيه على وَجه التأيد وَاسْتمرّ مُدَّة الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق المنزلاوى الشافعى الامام الْعَلامَة الصَّالح الولى الزَّاهِد الْجَامِع بَين الْعلم وَالْعَمَل الْمجد فى بَث الْعُلُوم النافعة كَانَ عَالما مفننا وَكَانَ يخْتم فى كل سنة نَحْو عشرَة كتب كبار فى فنون وقراءته تَحت اللَّفْظ لَا يتَعَدَّى الْمَقْصُود بِالذَّاتِ من الْكتاب وَيَقُول الْقِرَاءَة هَكَذَا فى هَذِه الازمان أفود فان الهمم قصرت والافهام كلت مَعَ كَونه اذا سُئِلَ عَن مُشكل فى الْكَلَام أجَاب عَنهُ بِأَحْسَن عبارَة وَمن شُيُوخه الْبُرْهَان اللقانى والنور الزيادى وَسَالم الشبشيرى وَأحمد الغنيمى والنور على الحلبى وَغَيرهم وَعنهُ أخذا أَكثر المدركين من مَشَايِخ الْعَصْر مِنْهُم مَنْصُور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 الطوخى وَسليمَان الشامى وَدَاوُد الرحمانى وَأحمد البشيشى وأفلج فى آخر عمره وَاسْتمرّ بِهِ الفالج سِنِين وَهُوَ ببيته وَمَعَ ذَلِك كَانَ يدرس وَهُوَ بِهَذَا الْحَال وَسبب فلجه كَثْرَة انهماكه على الْجِمَاع بِحَيْثُ لَا يتْركهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَكَانَ لَهُ عدَّة نسَاء وسرارى قَالَ ونصحنى بعض شيوخى عَن ذَلِك وَقَالَ لى ان كثرته هَكَذَا تورث الفالج بالتتبع فَلم يفدنى ذَلِك حَتَّى كَانَ من أَمر الله تَعَالَى مَا كَانَ وَاجْتمعَ بِهِ صاحبنا الْفَاضِل الاديب مصطفى بن فتح الله وَسمع عَلَيْهِ طرفا من تَفْسِير الجلالين وَمن شرح الالفية للمرادى بِقِرَاءَة شَيْخه الفهامة مُوسَى بن حجازى الْوَاعِظ وَذَلِكَ بعد مَا أفلج وَأَجَازَهُ بمروياته قَالَ وَأخْبرنَا عَن شَيْخه الْعَلامَة طه السفطى انه كَانَ يأتى الى الدَّرْس بعصا يضْرب بهَا من يسْأَله سؤالا غير مُنَاسِب للمقام وَاتفقَ انه كَانَ يَوْمًا يقرئ فى مُخْتَصر خَلِيل فَسَأَلَهُ بعض طلبته سؤالا من ذَلِك فَضَربهُ فَقَالَ بديهة (لقد نلْت يَا طه مقَاما ورفعة ... فَمَا نالها بَين الانام أَمِير) (تقرر فى معنى خَلِيل بمطرق ... كَأَنَّك تراس وَنحن حمير) والتراس سائق الْحمير بلغَة المصريين وَكَانَت وَفَاة المنزلاوى فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف بِمصْر وعمره نَحْو ثَمَانِينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْفَقِيه مُحَمَّد بلفقيه الْمَشْهُور بالاعسم الحضرمى الشَّيْخ الاعظم أحد الْعلمَاء العاملين ذكره الشلى وَأحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين مِنْهُم عَمه السَّيِّد الْجَلِيل عبد الله بن مُحَمَّد بلفقيه صَاحب الشبيكة وَمن فى زَمَانه من الْعلمَاء كالشيخ أَحْمد بن علوى با جحذب وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن حسن وَالشَّيْخ حُسَيْن بن الْفَقِيه عبد الله بَافضل وَكَانَ كثير الْعِبَادَة محبا للصوفية وَكَانَ لَهُ الشَّأْن الْعَظِيم كثير الْمُسَامحَة ظَاهر الْولَايَة وَالصَّلَاح وَاسع الصَّدْر رفيع الْقدر وَكَانَت وَفَاته سنة سبع بعد الالف بتريم وَدفن بمقبرة زنبل والاعسم أفعل من العسم وَهُوَ اليبس فى الْمرْفق وَالله أعلم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الملقب شمس الدّين الحموى اشْتهر وَالِده بالمكى الحنفى نزيل مصر كَانَ اماما عَالما بالفقه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث والقراآت والاصول والنحو كثير الاستحضار للاحاديث النَّبَوِيَّة خُصُوصا الْمُتَعَلّقَة بالاوراد والفضائل أديبا ذكيا فصيحا صَالحا ورعا متواضعا طارحا للتكلف متصوفا كثير الْمُرُوءَة عَظِيم الْبر خُصُوصا لاقاربه كثير الزِّيَارَة والموافاة لاصحابه حسن الصَّوْت بِالْقِرَاءَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 صَادِق اللهجة والمحبة والنصح وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير الانبساط حُلْو النادرة وَفِيه دعابة زَائِدَة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من كملة الرِّجَال أَخذ عَن النُّور الزيادى وَالشَّمْس مُحَمَّد الخفاجى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الوسيمى والصفى الْعُزَّى وَالشَّيْخ طه المالكى وَالشَّمْس مُحَمَّد الدمراوى والسراج ابْن الجائى وأبى النجا السنهورى والشهاب أَحْمد بن خَلِيل السبكى وَقَرَأَ بالروايات على شحاذة الْيُمْنَى المقرى وَأخذ عُلُوم الْعَرَبيَّة عَن أَبى بكر الشنوانى واشتغل بالفقه على عَلامَة عصره على بن غَانِم المقدسى وَغَيرهم وفَاق أهل زَمَانه فى الْفضل وَذكره عبد الْبر الفيومى فى المنتزه فَقَالَ فى وَصفه عَالم نشر ألوية فَضله الزهية فتلقاها بِالْيَمِينِ كل فَاضل رام دقائق الْعَرَبيَّة رَقِيق الطباع دَقِيق الْفِكر بِلَا دفاع علمه متين وعقله رصين وأدبه باهر وشعره زَاهِر لَزِمت درسه وَشهِدت فَضله وأنسه وَألف صنف وزين الاوراق ورصف فحشى المغنى بحاشية لكل طَالب تغنى وَله كتابات أخر مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْقَوَاعِد الهشامية للشَّيْخ خَالِد اختصرها من حَاشِيَة شَيْخه الشنوانى وَله بديعية مطْلعهَا (هجرى على ولى وصل بأحيانى ... أماتنى الهجر جَاءَ الْوَصْل أحيانى) قلت وَله شعر رَقِيق مِنْهُ قَوْله من قصيدة مدح بهَا شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا لما كَانَ قَاضِيا بِمصْر ومطلعها (أوجوه غيد أم حسان ربوع ... وعيون آرام تزيد ولوعى) (أم نشر زهر ضَاعَ فَامْتَلَأَ الربى ... عطرا عبيرا أم رياض ربيع) (وَالْمَاء قد صقل النسيم متونه ... أم فى جِدَار لَهُ متون دروع) (والطل قد زَان الشَّقِيق بلؤلؤ ... أم وجنة مطلولة بدموع) (والقضب من لطف النسيم تمايلت ... خجلا فأبدت ذلنى وخضوعى) (والبدر أشرق فى ثنيات الدجا ... سحرًا وَبرد اللَّيْل فى توشيع) (سفر اللثام فلاح فى وجناته ... ورد الخد فحار فِيهِ بديعى) (ساجى اللواحظ فاتك بجفونه ... ذُو خبْرَة فى صَنْعَة التقطيع) (مَا تمّ مسك عذاره فى خَدّه ... الا ليظْهر عذر كل خليع) (والثغر قد حَاز العذيب وبارقا ... وجواهرا للدر فَغير مضيع) (يَا قلب خل هوى الحسان وخلننى ... من ذكر أحباب وَذكر ربوع) (واقطع أقاويل الوشاة فقطعها ... سَبَب لوصلة حبلنا الْمَقْطُوع) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 (واجنح الى ظلّ الجناب المرتجى ... قاضى الْقُضَاة الامجد الْمَرْفُوع) (يحيى الذى يحيي الْوُجُود بجوده ... سحت يَدَاهُ بسيحا المهموع) (يعْطى مؤمله بِغَيْر شَفَاعَة ... مَا رامه من نائل مشفوع) (مذ شاع فى مصر السَّعَادَة عدله ... دَامَت لَهُ الاحكام بالتوقيع) (حلف الزَّمَان ليَأْتِيَن بِمثلِهِ ... حنثت يَمِين حَدِيثه الْمَوْضُوع) (كفر يَمِينك يَا زمَان وَلَا تعد ... لَيْسَ الشريف الْجد مثل وضيع) مِنْهَا (يَا من رَجَوْت وَقد أمنت بجاهه ... من كل خطب للزمان فظيع) (وَوضعت عَن كتفى السُّؤَال لغيره ... وَالْمَوْت أطيب من سُؤال وضيع) (ورجوته بالشعر لما خصنى ... مِنْهُ جميل اللطف عَم جميعى) (اسْمَع بمذهبها البديع وهاكها ... تختال بالتهذيب والترصيع) (قصرت خطاها عَن سواك وَأَقْبَلت ... تمشى الى علياك شى سريع) (فاقبل وزدنى فى العطا مَا غربت ... شمس النَّهَار وأشرقت بِطُلُوع) (لَا زلت ممدوح الْخِصَال جَمِيعهَا ... مَا نَار وجد أضرمت بضلوع) وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الاحد تَاسِع عشر شَوَّال سنة سبع عشرَة بعد الالف مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْجمال مُحَمَّد بن الشهَاب أَحْمد بن أَحْمد البونى المكى المالكى الاديب الزكن الماهر قدم جده من الْمغرب وَهُوَ فَقير جدا فقطن الْحجاز وترقى ابْنه بِخِدْمَة الشريف بَرَكَات بن أَبى نمى صَاحب مَكَّة وَكَانَ فِيهِ خير ونفع وقف فى مرض مَوته على البيمارستان المكى بعض الاماكن وَخَلفه ابْنه فى الترقى وَله أَخُوهُ وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا على مَذْهَب آبَائِهِ وَكَانَ كَاتبا شَاعِر ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَحفظ أشعار الْعَرَب ونافس أقرانه فى عُلُوم الادب وَله أشعار حسان مِنْهَا قَوْله مجيبا للبرهان ابراهيم المهتار عَن قصيدة خمرية نظمها وأرسلها اليه لبعارضها ومطلعها (دع الْوُقُوف على الاطلال والنجب ... وَلَا تعرج على مجهولها الخرب) فعارضها بقوله (مَا دَامَ كأس الحميا باسم الشنب ... فَترك لثمى لَهُ من قلَّة الادب) (فاستجلها بنت كرم مَعَ ذوى كرم ... من كف سَاق بِبرد الْحسن محتجب) (كالبدر يسْعَى بشمس الراح فى يَده ... فاعجب لبدر سعى بالشمس للهب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 (اذا رنا قلت خشف فى تلفته ... وان تثنى فغصن مَاس فى الكثب) (من لى بهَا وهى تجلى فى زجاجتها ... وَمن سنا مؤنسى باللهو والطرب) (مَعَ رفْقَة كَالنُّجُومِ الزهر ساطعة ... حازوا جَمِيع النهى والذوق فى الْعَرَب) (وَالْوَرق تشدو على الاغصان قائلة ... باكر صبوحك بالكاسات والنجب) وَلها تَتِمَّة لم أَقف عَلَيْهَا وَكتب اليه المهتار قصيدة مبدؤها (بقلبى سيف اللواحظ سنه ... وأفرض وجدى وهجرى سنه) فَرَاجعه بقصيدة طَوِيلَة أَولهَا (أَجَبْتُك مولاى من غير مِنْهُ ... فذوقك قد حفنى الْفضل مِنْهُ) (وانى مطيعك فِيمَا أمرت ... بِهِ وودادى كَمَا تعهدنه) مِنْهَا (عجبت لسحر عُيُون الظبا ... تصيد القساو رمن غابهنه) (وَهن الدمى الخرد الآنسات ... وَمن لَهُم الشّعب أضحى مظنه) (فكم دون أخدارهم مهلك ... وَكم حَولهمْ من جِيَاد معنه) (ببيض الصفاح وَسمر الرماح ... وصفر القسى وزرق الاسنه) (فحيى حمى الشّعب من عَامر ... حَيا لم يزل يسقى أطلا لهنه) (فثم الغوانى الملاح الصَّباح ... يرن الوشاح باعطافهنه) (اذا مسن مَا بَين تِلْكَ الْخُدُور ... يحاكى القنالين أعطا فهنه) (فطير الحشا لم يزل وَاجِبا ... عَلَيْهِنَّ ان لحن فى حيهنه) مَا أحسن قَوْله وَاجِبا بعد قَوْله فطير وطيور الْوَاجِب المتعارفة عِنْد أَرْبَاب الْقوس والبندق أَرْبَعَة عشر وهى الكركى والسبيطر والعنز والسوغ والمرزم والغرنوق وَهَذِه السِّتَّة يُقَال لَهَا قصار السَّبق والنسر وَالْعِقَاب والاوز والتم واللغلغ والانيسه والسلوى يُقَال لَهَا طوال السَّبق وانما قيل لَهَا طيور الْوَاجِب لَان الرامى كَانَ لَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الرامى الا بعد قتل هَذِه بأجمعها بالبندق وجوبا صناعيا (وَمن ثمَّ أَهْوى بديع الْجمال ... حوى اللطف والظرف من بينهنه) (رشا خصره مُضْمر ناحل ... اذا قَامَ والردف مَا أرجحنه) (فوجبته مُنْذُ دب العذار ... حكت يَا ذوى الْعِشْق نَارا وجنه) وَمن شعره قَوْله (أنحل الله خصر ذَات الْمِثَال ... فهى وَالله لَا ترق لحالى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 (وأرانى ألحاظها فى انكسار ... ولظى جمر خدها فى اشتعال) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَدفن بالمعلاة والبونى نِسْبَة لبونة بالمغرب من أَعمال تونس مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سراج الدّين الملقب جمال الدّين الحضرمى الْفَقِيه الشافعى القاضى كَانَ من الْعلمَاء المبرزين انْتَهَت اليه رياسة الْفِقْه فى جِهَته قَرَأَ الْعلم على وَالِده وَغَيره وارتحل الى الشحر وَأخذ عَن الْفَقِيه على بن على بايزيد ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ وتصدر للْفَتْوَى والتدريس وَولى الْقَضَاء فى عدَّة بِلَاد مِنْهَا تريم والشحر وشبام والغرفة وَله رحْلَة طَوِيلَة رَحل الى الْهِنْد فى شبابه والى المسقاص ودوعن وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين أَجلهم الشَّيْخ أَبُو بكر بن سَالم وَأدْركَ الشَّيْخ مَعْرُوف باجمال ولحظه بنظراته وَله نثر ونظم وَولى الخطابة وَكَانَ فصيحا جهورى الصَّوْت عذب الْمنطق لَهُ بسطة فى الْعلم والجسم وَكَانَ مَقْبُولًا عِنْد الْخَاص وَالْعَام كثير الْبكاء والخشوع وَكَانَ زاهدا فى الدُّنْيَا كَرِيمًا يحب الْفُقَرَاء وَتخرج عَلَيْهِ جمَاعَة وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا منظومة الارشاد وَشَرحهَا ومنظومة فى النِّكَاح كبرى وَأُخْرَى صغرى وَله مؤلف فى الْفِقْه صَغِير وَكتاب الْبر الرؤف فى مَنَاقِب الشَّيْخ مَعْرُوف رتبه على مُقَدّمَة وَأَرْبَعَة أَبْوَاب وخاتمة وَجعل الخاتمة فى مَنَاقِب الشَّيْخ أَبى بكر بن سَالم قَالَ وَمن أَرَادَ أَن يَكْتُبهُ مُفردا قليسمة بُلُوغ الظفر والمغانم فى الشَّيْخ أَبى بكر بن سَالم وَجعل الخاتمة فى تراجم بعض الاعيان قَالَ وَمن شَاءَ أَن يفردها فليسمها بالدر الفاخر فى تراجم أَعْيَان الْقرن الْعَاشِر وَله فَتَاوَى كَثِيرَة غير مدونة وَحصل لَهُ فى آخر عمره اعراض عَن الْخلق فَصَارَ كالذاهل وَلم يزل كَذَلِك الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى شعْبَان سنه تسع عشرَة بعد الالف بِبَلَدِهِ الغرفة وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد الهادى بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن على الْمَعْرُوف بِابْن شهَاب الحضرمى الشافعى الصوفى الباهر الطَّرِيقَة ذكره الشلى فى تَارِيخه الذيل وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد بتريم وربى فى حجر وَالِده وَحضر دروسه فى الْفِقْه والْحَدِيث وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَحفظ الْقُرْآن وتفقه بالشيخ مُحَمَّد بن اسمعيل بَافضل وَأخذ التصوف عَن الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَعَن غَيره ثمَّ لبس الْخِرْقَة من كثيرين وَأذن لَهُ جمَاعَة من مشايخه بالافتاء والتدريس وأقرأ كثيرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 وتزهد حَتَّى شاع ذكره وقصدته الطّلبَة من الاقطار وانتفع بِهِ جم غفير مِنْهُم وَلَده السَّيِّد الْجَلِيل أَحْمد بن نزيل مَكَّة وسيدى الصنو أَحْمد وَالشَّيْخ عبد الله بن زين بافقيه وَالسَّيِّد على بن عمر فَقِيه وَغَيرهم من الْعلمَاء والادباء ورزق فى الْعِبَادَة أوفر نصيب وَكَانَ جوادا كَرِيمًا حَلِيمًا عفيفا وَكَانَ بَصيرًا بِزَمَانِهِ متواضعا خلوقا عَظِيم الْقدر والهيبة وَله رسائل فى علم التصوف وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَرْبَعِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد وَتقدم تَمام نسبه فى تَرْجَمَة ابْن أَخِيه ابراهيم بن أَبى الْيمن البترونى الحلبى مفتى الْحَنَفِيَّة بحلب وَيعرف بمفتى الْعقبَة لسكناه فى محلّة الْعقبَة كَانَ قَلِيل البضاعة فى الْعلم وَتَوَلَّى الْفَتْوَى وَلم يكن أَهلا لَهَا وَسبب ذَلِك أَن الشَّيْخ فتح الله البيلونى كَانَ كثير الْعَدَاوَة لاخى مُحَمَّد الْكَبِير وَهُوَ أَبُو الْجُود الْمُقدم ذكره وَكَانَ البيلونى مُعْتَقد الْوَزير الاعظم نصوح باشا وَشَيْخه وَاتفقَ أَن مُحَمَّدًا صَاحب التَّرْجَمَة ذهب الى الرّوم لطلب المعاش من قَضَاء أَو غَيره فأنزله البيولنى عِنْده وأكرمه وَقَالَ لَهُ اقْضِ مآربك ثمَّ بعد أَيَّام قَالَ لَهُ قد شفعت لَك عِنْد الْوَزير الاعظم وَأخذت لَك منصبا جَلِيلًا وَلَا أُعْطِيك الاوراق حَتَّى تقطع الْبَحْر وأودعك الى أسكدار وأسلمها لَك فَفعل فَلَمَّا ودعه سلمه مَكْتُوب الْفَتْوَى فَامْتنعَ وَقَالَ أَنا لست أَهلا لذَلِك وَهل يمكننى التَّصَرُّف بهَا مَعَ وجود أخى الشَّيْخ أَبى الْجُود فَقَالَ لَهُ ان لم تقبل أسعى على اهانتك ونفيك فَلم يَسعهُ الا الْقبُول وَلما دخل الى أَخِيه قبل أقدامه وَعرض عَلَيْهِ هَذَا الامر فَقَالَ جعله الله مُبَارَكًا وَأَنا أعلم أَن هَذَا من مكر فتح الله فافعل وَلَا تخَالف فاننا نخشى شَره ثمَّ بعد لم يقبلهَا أَبُو الْجُود وَتصرف بهَا مُدَّة مُحَمَّد ووجهت بعده لاخيهما أَبى الْيمن وَكَانَ أَبُو الْيمن وَمُحَمّد بِمَنْزِلَة الخدام عِنْد أخيهما الْكَبِير أَبُو الْجُود الْمَذْكُور وَكَانَت وَفَاة مُحَمَّد فى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن على بن مُوسَى بن خضر الخيارى المدنى الشافعى الاديب الاريب اللوذعى نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَمَّن بهَا من الْعلمَاء الاعيان ورحل الى مصر وَالشَّام وَالروم وَكَانَ ينظم الشّعْر وَله شعر وسط مِنْهُ قَوْله بمدح شيخ الاسلام يحيى المنقارى مفتى الرّوم (فى كل قطر حَيْثُ ذكرك ينشر ... يَبْدُو الثَّنَاء عَلَيْك مسك أذفر) (وتود أَرْبَاب الْمقَام بِأَنَّهَا ... من ترب نعلك دَائِما تتعطر) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 (شرفت بك الايام حَتَّى أَنَّهَا ... ودت تراك الماضيات الاعصر) (وأتى الزَّمَان اليك عبدا طَائِعا ... يصغى لما تنهاه عَنهُ وتأمر) (وَقد اقتصرت على مديح جنابكم ... اذ مدح خير الْخلق فِيكُم أكبر) (فى قَوْله الْعلمَاء وَرَثَة قد كفى ... الصَّادِق المصدوق فِيمَا يخبر) (واذا أردْت بِأَن أصوغ مدائحا ... فِيكُم فانى مَا حييت مقصر) (من أجل هَذَا قَالَ قبلى من مضى ... بَيْتا وَذَاكَ الْبَيْت فِيكُم أشهر) (وعَلى تفنن واصفيه بحسنه ... يفنى الزَّمَان وَفِيه مَالا يحصر) (فاليك يَا مولاى صغت دراريا ... تهدى اليك وَأَيْنَ مِنْهَا الْجَوْهَر) (ضمنتها أوصافك الغر الَّتِى ... مَا شامها الثَّقَلَان الا كبروا) (لَا ترتجى الا الْقبُول اجازة ... واجازة الشُّعَرَاء أَبيض أصفر) 5 وَكَانَت وِلَادَته فى شعْبَان سنة أَرْبَعِينَ وَألف وَتوفى بِالْمَدِينَةِ فى شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بِالبَقِيعِ رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد قاضى الْعَسْكَر بن الْمُفْتى عبد الرَّحِيم الْمُقدم ذكره صدر الرّوم ورئيسها وواحدها فى الْفضل والمعرفة وَكَانَ فَاضلا كَامِلا مطلعا على الاشعار الْعَرَبيَّة مائلا اليها أديبا لَهُ طبيعة مطيعة وفطنة قويمة صَاحب همة وجاه عريض صَاحب رابطة متقنة جوالا بِالْحَقِّ بَرِيئًا من الرِّيَاء والمداهنة صافى المشرب حسن الشكل جَريا فى الْكَلَام حكى لى بعض الاخوان من الروميين انه ذكر عِنْد المترجم ثَلَاثَة من الْقُضَاة الْكِبَار فى زَمَانه كَانُوا معروفين بالجور وَتَنَاول الرِّشْوَة فَقَالَ ان ولانى الله تَعَالَى أَمرهم صلبت مِنْهُم فلَانا فى مَكَان كَذَا وَفُلَانًا فى محلّة الْيَهُود وَفُلَانًا فى محلّة النَّصَارَى فَبلغ أحدهم مَا قَالَه فَذهب اليه يستفسر مِنْهُ فى زى متعتب فَقَالَ لَهُ كَيفَ سَمِعت مقالتى قَالَ بلغنى أَنَّك قلت ان وليت حكمه صلبته فى محلّة النَّصَارَى قَالَ انما قلت عَنْك أصلبه فى محلّة الْيَهُود لَان شهرتك بالجور فَوق ذَيْنك الشخصين وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء أخر وَهُوَ أحد من أَخذ عَن أَبِيه الْعُلُوم ولازم من الْمُفْتى أَبى سعيد وسافر فى خدمَة وَالِده الى يكى شهر لما ولى قضاءها ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى مدرسة وَالِدَة السُّلْطَان مُرَاد فاتح بَغْدَاد وَولى مِنْهَا قَضَاء الغلطة وَكَانَ وَالِده اذ ذَاك مفتيا فَعظم شَأْنه وراجعته النَّاس فى مهماتهم وَلما عزل أَبوهُ عَن الْفَتْوَى أَمر بِالْحَجِّ فَكَانَ مَعَه وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 دَار الْخلَافَة وحجا وعادا من طَرِيق مصر ثمَّ رجعا الى دمشق فَوجه الى وَالِده قَضَاء الْقُدس وَتوجه مَعَه اليها وَأقَام بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ سَافر الى الرّوم وَولى قَضَاء دَار الْخلَافَة وعزل عَنْهَا فَأعْطى قَضَاء بعض القصبات وَأمر بِالْمَسِيرِ اليها فَأَقَامَ بهَا مِقْدَار نصف سنة ثمَّ اسْتَأْذن فى الذّهاب الى دَار الْملك فَأذن لَهُ ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولى فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَاسْتمرّ مُدَّة طَوِيلَة وَأَقْبل عَلَيْهِ الصَّدْر الاعظم الكوبريلى لما رأى من تصلبه واستقامته ثمَّ عزل وَولى بعد ذَلِك قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى فى سنة خمس وَسبعين والف ثمَّ عزل وَأعْطى قَضَاء اسكدار ثمَّ وَجه اليه قَضَاء روم ايلى مرّة ثَانِيَة وَكَانَ السُّلْطَان مُحَمَّد يَوْمئِذٍ بِمَدِينَة سلانيك فَتوجه اليها ودخلها منحرف المزاج فَلم يلبث كثيرا حَتَّى توفى وَكَانَت وَفَاته فى آخر سنة ثَمَانِينَ وَألف وَدفن بهَا وَولى مَكَانَهُ الْعَالم الْعلم الْمولى مصطفى الْمَعْرُوف بضحكى فَقَالَ شَيخنَا ابراهيم الخيارى المدنى يرثيه وَكَانَ اذ ذَاك بسلانيك (ان ابْن عبد الرَّحِيم قاضى ... عَسَاكِر الرّوم دون شكّ) (رمته عَن قوسها المنايا ... بِكُل سهم عَظِيم شكّ) (وَقد أُصِيبَت بِهِ البرايا ... فَكل عين عَلَيْهِ تبكى) (مذعمهم غمهم عَلَيْهِ ... أبدلتهم رَبنَا بضحكى) تمّ الْجُزْء الثَّالِث من خُلَاصَة الاثر فى أَعْيَان الْقرن الحادى عشر ويليه الْجُزْء الرَّابِع أَوله مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن حسن جَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن حسن جَان الشهير بالبهائى مفتي الديار الرومية وَاحِد أَفْرَاد الدُّنْيَا ذكره والدى المرحوم فى ذيله فَقَالَ فى وَصفه عَزِيز الرّوم وَابْن عزيزها وَبدر افق المعالى الْحَائِز قصبات السَّبق فى مضمار العلى وتبريزها وَمن أَطَاعَته البلاغة ففتحت لَهُ عَن كنوزها واطلع على دقائق حقائقها ورموزها الحرى بِمَا قَالَه فِيهِ خَاله الْمولى ابْن ابى السُّعُود النبيه (ابْن عبد الْعَزِيز فى آل سعد ... كَابْن عبد الْعَزِيز بَين أُمِّيّه) نَشأ فى حجر الْعِزّ العالى وتربى فى مهد الْعِزّ والمعالى وارتضع من أفاويق الْفضل أخلافها وانتجع من الفواضل أكنافها فَهُوَ كريم الجدين ومحبوك الْمجد من الطَّرفَيْنِ أما جده لابيه فَهُوَ شيخ الاسلام الخواجة سعد الدّين وَأما جده لوالدته فَهُوَ الْمولى مصطفى بن شيخ الاسلام أَبى السُّعُود الْمُفَسّر اشْتغل بِطَلَب الْعلم وجد فَوجدَ وَمد بَاعه الى أقْصَى الْفَضَائِل فنالها فى أقصر أمد ولازم الْقِرَاءَة أَولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 على بعض الافاضل ثمَّ قَرَأَ على شيخ الاسلام عبد الرَّحِيم وَسبق فى تَرْجَمَة عبد الرَّحِيم الْمَذْكُور أَن وَالِد البهائى كَانَ اتَّخذهُ لتعليمه أستاذا وفى حل مشكلات الْعُلُوم ملاذا وَاعْتمد فى ذَلِك عَلَيْهِ وفوض أَمر قِرَاءَته اليه وأنزله وَأكْرم نزله وَرفع قدره بَين أقرانه وأجله فَأَقْرَأهُ قِرَاءَة من طب لمن حب وبذل فى ذَلِك جهده وأتى فى النصح بأقصى مَا عِنْده وَكَانَ لَهُ نفس مبارك فى الْقِرَاءَة والتعليم والتقرير والتفهيم وَلما اشْتهر فَضله وشاع كَمَاله ونبله تحاسدت عَلَيْهِ الْعُيُون والآذان وحقق الْخَبَر فى فضائله العيان حكى بعض الْفُضَلَاء انه لما بلغت شهرته الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْغنى قاضى العساكر وفاضل الرّوم ظن ان النَّاس يبالغون فى وَصفه فَطلب الِاجْتِمَاع من شَيْخه الْمشَار اليه فجَاء بِهِ فَلَمَّا ذاكره رَآهُ فَوق مَا وصف فَالْتَفت الى عبد الرَّحِيم وَقَالَ لَهُ سرا كنت أَظُنك فطنا فاذا أَنْت غبى وَسبب ذَلِك انك بالغت فى النصح مَعَ شخص يصير عَلَيْك نقمة لانه من آل حسن جَان وهم أولو المناصب الْعَالِيَة وَلَهُم الْغيرَة الْعَظِيمَة على طَرِيق أسلافهم وَقد وَقع مَا قَالَه فانه كَانَ سَببا لعزل الاستاذ عَن قَضَاء روم ايلى والفتيا ووليهما مَكَانَهُ وَحكى بَعضهم أَيْضا ان البهائى دخل الى مجْلِس ابْن عبد الْغنى الْمَذْكُور وَكَانَ عِنْده قاضى الْعَسْكَر صنوه فى الْفضل الْمولى مصطفى بن عزمى فتباحث الصدران الْمَذْكُورَان فى بحث مغلق فشاركهما البهائى مُشَاركَة جَيِّدَة فشهدا تفوقه على جَمِيع المخاديم من أهل بلدتهم وَلما حج أَبوهُ فى سنة خمس وَعشْرين وَألف حج فى خدمته ولازم من عَمه الاوسط شيخ الاسلام أسعد ونظم الشّعْر فى طَلِيعَة عمره وَحكى انه لما ابْتَدَأَ النّظم نظم ربَاعِية بالتركية ورفعها الى شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا يطْلب مِنْهُ أَن يضع لَهُ مخلصا على عَادَتهم فَوضع لَهُ لفظ بهائى وَأفَاد أَنهم من نسل الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ بهاء الدّين نقشبند وَشعر البهائى فى الذرْوَة الْعليا من المتانة وَحسن التخيل والمضامين العجيبة لكنه قلق التراكيب يسْتَعْمل فِيهِ الالفاظ الغريبة وَلِهَذَا كَانَ يَقُول عَنهُ الْمولى يحيى الْمَذْكُور من أَرَادَ أَن يطالع شعر البهائى فليهيئ الْقَامُوس ولغة الدشيشة الفارسية ثمَّ ينظر فِيهِ وَلما شاع أمره أعْطى مدرسة بقسطنطينة وَلم يزل يدرس فى مدرسة اثر مدرسة حَتَّى وصل الى مدرسة شهرزاده فنظم قصيدة للسُّلْطَان مُرَاد وأوصلها اليه على يَد بعض أَرْكَان الدولة من المقربين فَوَقَعت من السُّلْطَان فى أتم موقع فَوجه اليه قَضَاء سلانيك ثمَّ نقل مِنْهَا الى حلب ثمَّ عزل مِنْهَا وَنفى الى جَزِيرَة قبرق فَأَقَامَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 بهَا مُدَّة ثمَّ أُعِيد مكرما وَلما سَافر السُّلْطَان مُرَاد الى بَغْدَاد صَحبه فى خدمته وولاه فى الطَّرِيق قَضَاء الشأم وَذَلِكَ فى الْمحرم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَقَالَ أَبُو بكر بن مَنْصُور الْعُمْرَى فى تَارِيخ قَضَائِهِ (لَا تقل لى فى الْعدْل زيد وَعَمْرو ... وَخذ الصدْق بالْكلَام الْوَجِيز) (انما الْعدْل يَا أَخا الْفَهم أرخ ... عدل هَذَا مُحَمَّد بن عَزِيز) ثمَّ عزل عَنْهَا فى ذى الْقعدَة سنة خمسين ثمَّ ولى قَضَاء أدرنه وقسطنطينية وَقَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولى ثمَّ ترثى الى روم ايلى فى عشرى ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وعزل ثمَّ أُعِيد فى ثامن من جُمَادَى الاولى سنة سبع وَخمسين ثمَّ ولى الافتاء فى ثامن رَجَب سنة تسع وَخمسين وَأنْشد والدى فِيهِ عِنْد ذكر تَوليته الافتاء (زَان الرياسة وهى زين للورى ... فازداد رونق وَجههَا بعلائه) (كالدر يحسن لطفه وبهاؤه ... فى لبة الْحَسْنَاء ضعف بهائه) وارخ عَام فتواه ابْن عمى مُحَمَّد بن عبد الباقى القاضى الْمَار ذكره بقوله (وَلما تولى مفتى الْعَصْر من غَدَتْ ... فضائله تسمو بغرب وتبريز) (وشيد بَيت السعد أَرْكَان مجده ... فَسَاد بهاء بافتخار وتمييز) (تباشرت الدُّنْيَا بفتواه فازدهت ... وأضحت بِهِ الايام عيدا كنوروز) (هفا هَاتِف للبشر قَالَ مؤرخا ... فطوبى لفتوى الرّوم بِابْن عَزِيز) ومدحه الامير بقصيدته البائية الَّتِى // لم يقل أَجود مِنْهَا وَلَا أحسن // ومستهلها (يعد على أنفاسى ذنوبا ... اذا مَا قلت أفديه حبيبا) (وَأبْعد مَا يكون الود مِنْهُ ... اذا مَا بَات من أمْلى قَرِيبا) (حبيب كلما يلقاه صب ... يصير عَلَيْهِ من يهوى رقيبا) (سقَاهُ الْحسن مَاء الدل حَتَّى ... من الكافور أَنْبَتَهُ قَضِيبًا) (يعاف منَازِل العشاق كبرا ... وَلَو فرشت مسالكها قلوبا) (فَلَو حمل النسيم اليه منى ... سَلاما رَاح يمنعهُ الهبوبا) (أغار على الجفا مِنْهُ لغيرى ... فليت جفاه لى أضحى نَصِيبا) (وأعشق أعين الرقباء فِيهِ ... وَلَو ملئت عيونهم عيوبا) (لقد أَخذ الْهوى بزمام قلبى ... وصير دمع أجفانى جنيبا) (وَمَا أملت فى أهلى نَصِيرًا ... فَكيف الْآن أطلبه غَرِيبا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 (وأقصد أَن يُعِيد روا شبابى ... زمَان غادر الْولدَان شيبا) (وَمَا خفيت على النَّاس حَتَّى ... أروم الْيَوْم من رخم حليبا) (اذا ظن الذُّبَاب خشيت مِنْهُ ... لفقد مساعد يلفى مجيبا) (وهب أَنى حكيت الشَّاة ضعفا ... فمالى أَحسب السنور ذيبا) (عَسى يَوْمًا يراش جنَاح خطى ... فأغدو قَاصِدا شهما وهوبا) (عَزِيزًا مستفادا من عَزِيز ... كورد أكسب الايام طيبا) (لَئِن سعدت وَلَو فى النّوم عين ... برؤياه لتِلْك الْعين طُوبَى) (وان ضن السَّحَاب فَلَا أبالى ... وفيض نداه قد أضحى سكوبا) (وَهل أبغى وفى النادى سناه ... طُلُوع الشَّمْس أَو أخْشَى المغيبا) (ظَفرت بمدحه فعلوت قدرا ... وسمانى الزَّمَان بِهِ أديبا) (وغادر روض أفكارى جنيا ... وصير غُصْن آمالى رطيبا) (اذا تليت مآثره بِأَرْض ... غَدا الْفلك الْمدَار بهَا طروبا) قلت ولهذه القصيدة خبر عَجِيب أَحسب أَنى سمعته من فَم الامير وَذَلِكَ انه لما نظمها دَفعهَا لبَعض المتأدبين المقيمين بدار الْخلَافَة من أهل دمشق ليبيضها لَهُ بِخَطِّهِ وَكَانَ حسن الْخط فَأخذ نسختها وبيضها ونسبها لنَفسِهِ وَدفعهَا الى البهائى فأعجب بهَا ونالت ذَلِك الرجل شَفَاعَته عِنْد قاضى الْعَسْكَر بِمنْصب فَحصل على طول واشتهر بِحسن الشّعْر وَقبُول البهائى وَكَانَ بعض أَصْحَاب الامير وقف على جلية الامر وَذكره لَهُ وَأَرَادَ أَن يظْهر زيف الرجل فَأَعْرض عَنهُ الامير وَقَالَ لَا نخيب من توسل بِنَا فى حَال وللرجل نصيب ناله على يدنا فَالله يمتعه ويزيده وَهُوَ غَايَة فى مَكَارِم الاخلاق رَجَعَ ثمَّ عزل البهائى وَأمر بِالْمَسِيرِ الى بعض القصبات الْقَرِيبَة وأعيد ثَانِيًا فى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وأرخ عوده الاديب يُوسُف البديعى بقوله (تشيد الْمجد بالمعالى ... وَصَارَ فى الارض كالسماء) (والدهر قد سر قَالَ أرخ ... فتواى عَادَتْ الى البهائى) وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ رونق عُلَمَاء الدولة علما وكرما وسماحة ويحكى عَنهُ فى الْكَرم أَشْيَاء غَرِيبَة جدا مِنْهَا انه كَانَ يجود بِثَوْبِهِ الذى يستره كَمَا قيل وَقس عَلَيْهِ غَيره وَالْكَرم الى حد يذكر من قبيل الْمَعْدُوم فى الرّوم ولطف طبعه وظرفه مِمَّا يقْضى مِنْهُمَا بالعجب حَتَّى يرْوى أَنه كَانَ اذا جَاءَ رَمَضَان اسْتعْمل خادمين نَصْرَانِيين اشفاقا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 على خدمته الْمُسلمين من تأذيهم بِالْخدمَةِ من قبل أَن يستوعبوا المأكل وَالْمشْرَب وآلاتهما وَلم يكن فِيهِ عيب يسند اليه الا اسْتِعْمَاله المكيفات من الافيون والبرش ونوادره وأشعاره وآثاره كَثِيرَة وَلم أَقف لَهُ من آثاره الْعَرَبيَّة الاعلى مَا كتبه على نِسْبَة أدهمية يَقُول فِيهِ حمد الْمَنّ جعل الانتساب إِلَى بعض الانساب من واكد الْأَسْبَاب الناجحة فى انشاء ذخائر الْحَمد والثنا وأباح لاقدام المتشبثين بأذيالها موطئ الْعِزّ ومدارج الْعلَا وَنصب لَهُم سلما يرفعون فِيهِ الى سَمَاء السمو وفلك الارتقا (مرابع قدس نالها كل أقدس ... سما من سما من نائليها الى السما) وَصَلَاة وَسلَامًا على من بِهِ بدئت نُسْخَة الْجُود والعطا كَمَا بِهِ ختمت رسائل النُّبُوَّة والاصطفا وعَلى آله وَأَصْحَابه الكرماء النجبا وَبعد فَهَذِهِ شَجَرَة طيبَة أَصْلهَا ثَابت وفرعها فى السما تُؤْتى أكلهَا كل حِين بِأَمْر رَبهَا وتفوح من كل زهرَة مِنْهَا رَوَائِح كَأَنَّهَا نوافج النوافج حسنا وطيبا ويبدو من محاسنها مَا يخاله الانسان غصنا طيبا كَأَنَّهَا اتَّصَلت بأفواه عروقها عين الْحَيَاة اذا انسجمت عَلَيْهَا أذيال نفحات الْجنان بِتِلْكَ الْحَسَنَات يَا لَهَا من شَجَرَة زكية تسد عين الشَّمْس بأوراقها وتعطر أعماق الثرى بِطيب أعراقها ثَابِتَة فى تربة طالما ربت غصونا طاميات ودوحا ناميات من أَسْفَل سافلين الى أعلا عليين وجنة عالية قطوفها دانية وثمارها يانعة غير فانية تورد أخدُود خدودها حَيَاء وخجلاً حَيْثُ تشرفت بلثم انامل السَّيِّد الاجل ملك أقاليم الاطلاق على الاطلاق وَارِث أسرة مقامات الكمل بِالِاسْتِحْقَاقِ الذى أتحف الضرتين بِطَلَاق وَقَامَ فى مقَام الْجد على سَاق فطوبى لمن لَهُ نصيب فى تِلْكَ الشَّجَرَة الرفيعة الشان السامية الْمَكَان المورقة الاغصان المشرقة الانوار المزهرة الازهار اليانعة الاثمار طُوبَى لَهُ طُوبَى لَهُ كالشيخ الاجل والصاحب الامجد الاكمل فلَان فان فِيهِ مِمَّا يشْهد لَهُ أَلْسِنَة الاقلام من أجلة الْعلمَاء الاعلام بِصِحَّة هَذَا النّسَب الباذخ والحسب الْعَاطِس من انف شامخ دَلَائِل تدل على تلألؤ نور السِّيَادَة من غربَة وانبلاج صبح السَّعَادَة عَن مفرق طرته قَالَه بفمه وَكتبه بقلمه مُسْتَيْقنًا بِصِحَّة هَذَا النّسَب الاخطر وحاكما بهَا على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع المطهر فلَان انْتهى وَسُئِلَ عَن صَاحب كتاب اخوان الصَّفَا وَحكم قرَاءَتهَا فَكتب أَنا الْفَقِير رَأَيْتهَا منسوبة للمجريطى وَمَا تحققت من هُوَ وَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 أخباره وَحَاصِل تِلْكَ الرسائل لَيْسَ الا مَذْهَب الباطنية الاسماعيلية وهم على أنحاء شَتَّى ومعظم القَوْل فى هَذِه الشعبة من شِعْبهمْ تناسخ الارواح وادعاء حُلُول البارى جلّ وَعلا عَمَّا يَقُوله المبطلون فى الانبياء الْمَشْهُورين من آدم الى مُحَمَّد عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وفى أَئِمَّة آل الْبَيْت وَآخرهمْ المهدى ويعظمونه على الْجَمِيع والاسماعيلية يوافقون الامامية فى ذَلِك فى الصَّادِق وَمن قبله ويخالفونهم فى الكاظم وَيَقُولُونَ بامامة اسمعيل بن جَعْفَر الصَّادِق واليه ينسبون بالسبعية لقَولهم بسبعة أَئِمَّة وَمِمَّنْ ذمّ من يقْرَأ كتب اخوان الصَّفَا مُحَمَّد بن الْمحلى الطَّبِيب الْمَعْرُوف بالعنترى بقوله (رسائل اخواننا فى الصَّفَا ... هم أَصْبحُوا كأفاعى الصَّفَا) (اذا جئتهم لم تجدهم سوى ... أراقم من تَحت شوك السفا) (عناصرهم كدارت الطباع ... وَمن كدر كَيفَ يُرْجَى الصَّفَا) (وَكَانُوا ظباء الربى بالنقا ... فصاروا ذئاب الفضا بالفلا) (طلبت فَلم أر مِنْهُم سوى ... عقارب فى منزل قد عَفا) (تمرد كل امْرِئ مِنْهُم ... على الله مذ عبد القرقعا) (لقد رسبوا فى بحار الْهوى ... فلست ترى مِنْهُم من طفا) ( ... وَمَا فى بنى آدم صَادِق ... يَدُوم على وده الوفا) (خَلِيل صفا لَيْسَ فِيهِ قذا ... جواد جدير بِأَن يصطفى) (سوى الْعقل عَن حكم بالنجاة يلقبهن وَكتب الشفا ... ) (سقى الله نفس الرئيس الذى ... هدَانَا من الْعقل غيث الْهدى) (فَتلك مُقَدَّسَة بالجنان ... قد اتحدث بنفوس السما) (فَلَا تفش لله سرا وَلَا ... تبث البرايا عُلُوم الحجى) (فلولا الشَّرَائِع قيد النهى ... لضل الْمُهَيْمِن كل الورى) (فان كنت متخذا صاحبا ... لدنياك فليك رب التقى) (فَذَلِك خير من اللوذعى اللَّئِيم الطباع الْكثير المرا ... ) قلت وَرَأَيْت فى بعض المجاميع مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الرسائل أَن الْوَزير صمصام الدولة ابْن عضد الدولة سَأَلَ أَبَا حَيَّان التوحيدى عَن زيد بن رِفَاعَة وَقَالَ لَا أَزَال أسمع عَن زيد مقَالا يريبنى ومذهبا لَا عهد لى بِهِ وَقد بلغنى أَنَّك تعاشره كثيرا وتجلس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 اليه وَعِنْده دَائِما وَمن طَالَتْ عشرته لانسان أمكنه اطِّلَاعه على مستكن رَأْيه فَقلت لَهُ أَيهَا الْوَزير هُنَاكَ ذكاء غَالب وذهن وقاد فَقَالَ فعلى هَذَا مَا مذْهبه قلت لَا ينْسب الى شئ لكنه أَقَامَ بِالْبَصْرَةِ زَمَانا طَويلا وصادف بهَا جمَاعَة عِنْدهم أَصْنَاف الْعلم فصحبهم وخدمهم وَكَانَت هَذِه الْعِصَابَة قد تآلفت بِالْعشرَةِ وتصافت بالصداقة وَاجْتمعت على الْقُدس وَالطَّهَارَة والنصيحة فوضعوا بَينهم مذهبا زَعَمُوا انهم قربوا بِهِ الطَّرِيق الى الْفَوْز برضوان الله تَعَالَى وَذَلِكَ انهم قَالُوا ان الشَّرِيعَة قد دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات وَلَا سَبِيل الى غسلهَا وتطهيرها الا بالفلسفة وَزَعَمُوا انه مَتى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة الْعَرَبيَّة فقد حصل الْكَمَال فصنفوا خمسين رِسَالَة فى خمسين نوعا من الْحِكْمَة ومقالة حادية وَخمسين جَامِعَة لانواع المقالات على طَرِيق الِاخْتِصَار والايجاز وسموها رسائل اخوان الصَّفَا وكتموا فِيهَا أَسْمَاءَهُم وبثوها فى الوراقين ووهبوها لاكثر النَّاس فحشوا هَذِه الرسائل بالكلمات الدِّينِيَّة والامثال الشَّرْعِيَّة والحروف المحتملة والطرق المموهة وهى محشوة من كل فن بِلَا اشباع وَلَا كِفَايَة وفيهَا خرافات وكنايات وتلفيقات وتلزيقات فتعبوا وَمَا طربوا وعنوا وَمَا أغنوا ونسجوا فهلهلوا ومشطوا فغلغلوا وَبِالْجُمْلَةِ فهى مقالات مشوقات غير مستقصاة والا ظَاهِرَة الادلة والاحتجاج وَلما كتم مصنفوها أَسْمَاءَهُم اخْتلف النَّاس فى الذى وَضعهَا فَكل قوم قَالُوا قولا بطرِيق الحدس والتخمين قوم قَالُوا هى من كَلَام بعض الائمة العلويين وَقَالَ آخَرُونَ هى تصنيف بعض متكلمى الْمُعْتَزلَة فى الْعَصْر الاول وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال انْتهى ثمَّ رَأَيْت ابْن حجر المكى ذكر فى فَتَاوِيهِ وَقد سُئِلَ من صَاحب رسائل اخوان الصَّفَا وَمَا تَرْجَمته وَمَا حَال كِتَابه فَأجَاب بقوله نَسَبهَا كثير الى جَعْفَر الصَّادِق وَهُوَ بَاطِل وانما الصَّوَاب أَن مؤلفها مسلمة بن أَحْمد بن قَاسم بن عبد الله المجريطى وَيُقَال المرجيطى ومجريط من قرى الاندلس ويكنى أَبَا الْقسم كَانَ جَامعا لعلوم الْحِكْمَة من الالهيات وطبائع الاحجار وخواص النَّبَات واليه انْتهى علم الْحِكْمَة بالاندلس وَعنهُ أَخذ حكماء ذَلِك الاقليم وَتوفى بهَا فى آخر جُمَادَى سنة ثَلَاث وَخمسين وثلثمائة وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة وَمِمَّنْ ذكره ابْن بشكوال وَغَيره وَكتابه فِيهِ أَشْيَاء حكمِيَّة وفلسفية وشرعية وَمِمَّنْ شدد عَلَيْهِ ابْن تَيْمِية لكنه يفرط فى كَلَامه فَلَا تغتر بِجَمِيعِ مَا يَقُوله انْتهى وَكَانَت ولادَة البهائى فى سنة عشرَة وَألف وَتوفى فى ثَالِث عشر صفر سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 أَربع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن قبالة دَاره فى تربة مَخْصُوصَة عمرها لنَفسِهِ بِالْقربِ من جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد الفاتح من جِهَة قرمان الصَّغِيرَة وَقَالَ والدى يرثيه (الرّوم قد محيت محَاسِن أُنْسُهَا ... وَغدا بهَا رسم الْعلَا كهباء) ( ... وتعطلت لما نأى ابْن عزيزها ... اذ لَا بهاء لَهَا بِغَيْر بهائى) مُحَمَّد بن عبد الْعَلِيم بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر بن على الاهدل وَتقدم تَمام النّسَب فى تَرْجَمَة أَبى بكر بن أَبى الْقسم وَصَاحب التَّرْجَمَة هُوَ السَّيِّد الْجَلِيل لَهُ رياسة الحديدة الثغر الْمَشْهُور بِالْيمن وَكَانَ ذَا جاه وَمَكَارِم واخلاق رضية وَدُنْيا وَاسِعَة صحب السَّيِّد الطَّاهِر ابْن الْبَحْر وَكَانَت وَفَاته بالحديدة فى سنة سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة وَألف وَصلى عَلَيْهِ اماما بِالنَّاسِ السَّيِّد الطَّاهِر الْمَذْكُور مُحَمَّد بن عبد الْغنى بن مير بادشاه الْمَعْرُوف بغنى زَاده وبنادرى نادرة الرّوم وقاضى الْعَسْكَر الْمَشْهُور فى الْآفَاق كَانَ من الْفضل فى أَعلَى ذرْوَة مِنْهُ وَهُوَ أشهر موالى الرّوم فى الذكاء والفطنة وَالنّظم والنثر وَبِالْجُمْلَةِ فهم ثَلَاثَة اجْتَمعُوا فى عصر وَاحِد من عُلَمَاء الرّوم لم يتَّفق نظيرهم فى عصر من العصور وهم حُسَيْن ابْن أخى وَصَاحب التَّرْجَمَة ابْن عزمى لَكِن صَاحب التَّرْجَمَة أطولهم باعا فى التَّحْقِيق ولطف الطَّبْع والاخذ من الْفُنُون بالنصيب الوافر مِمَّن تخرج بِهِ الشهَاب الخفاجى وَكَانَ لَا يَنْفَكّ عَن مَجْلِسه وَله من المؤلفات حَاشِيَة على تَفْسِير البيضاوى لم تتمّ وَكَلَامه فِيهَا يدل على تَحْقِيق عَظِيم وَله من الْآثَار الادبية تقريظ على كتاب فى الْفِقْه رَأَيْته بِخَط شقائق الادباء فكتبته هُنَا وَهُوَ لما نظرت فى هَذَا الْكتاب وجدته حديقة أنيقه شقائق حقائقها النعمانية لازهار الحدائق الجنانية شقيقه تأصل فِيهَا خلاف الائمة فَأخذ فى النما حَتَّى صَار شَجَرَة طيبَة أَصْلهَا ثَابت وفرعها فى السما امتدت أغصانه الْمُخْتَلفَة فى الْآفَاق فأظلت الآنام حَيْثُ ظلت ملتفة الاوراق وغردت ساجعات قلم الْفَتْوَى على مَا هُوَ الاصح من أغصانه والاقوى وَللَّه من غرسه فى مقَامه وأمده برشحات مراعف أقلامه جعل الله تَعَالَى سَعْيه مشكورا وصير عمله بِالْبرِّ الاخروى مبرورا وَكَانَ يرْمى بتعاطى المدام وَاتفقَ لَهُ من النكات البديعة ان أَحْمد باشا الْحَافِظ كَانَ حَاكم الْبَحْر فاجتمعا وتذاكرا شَيْئا من مبَاحث التَّفْسِير وَكَانَ ابْن عبد الْغنى اذ ذَاك مشتغلا بتحشية التَّفْسِير فَقَالَ لَهُ الْحَافِظ مَا كتبت على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 قَوْله تَعَالَى {يسئلونك عَن الْخمر وَالْميسر} فَقَالَ الْآن أَنا أكتب على قَوْله تَعَالَى {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} وَحكى أَنه قَالَ لَهُ شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا بلغنى عَنْك انك تسْتَعْمل الْخمْرَة وتبعث بعض غلمانك الى الحانة ليأتيك بهَا وَهَذَا لَا يَلِيق بشأنك فَقَالَ أما الشَّأْن فلست فى شَأْنه وَأما قَوْلك انى أبْعث بعض غلمانى فَلَا كَانَ ذَلِك لَان الله جعل لى رجلَيْنِ فَأَنا أسعى الى الحانة وأشربها فى محلهَا وَهَذَا من بَاب الغلوقى المداعبة والا فقدره يجل عَن كل هَذَا وينقل عَنهُ فى هَذَا الْبَاب أَشْيَاء غَرِيبَة أخر ولعلها مصنوعة وَقد ولى مناصب عديدة مِنْهَا قَضَاء قسطنطينية وَقَضَاء العسكرين ولشعراء عصره فِيهِ مدائح كَثِيرَة ويعجبنى مِنْهَا قصيدة كَانَ أَحْمد ابْن شاهين الدمشقى مدحه بهَا وَهُوَ بالروم يهنيه بِقَضَاء الْعَسْكَر ومطلعها (بِنَا مِنْك مَا بِالربعِ من وجد مغرم ... سوى أننا نشكوا وَلم يتَكَلَّم) (شَكَوْنَا لَهُ وَهنا فظلت رِكَابنَا ... تميد بِنَا أكوارهن وترتمى) (ورحنا نواليه بصوب غمامة ... من الدمع تغنى عَن سمال وزمزم) (هى الدَّار دَار الْمَالِكِيَّة والهوى ... تجل بِأَن توطا بخف ومنسم) (سقى الله أَيَّامًا صَحِبت بربعها ... جآذر بَانَتْ فى عرينة ضيغم) (غرمت شبابى والشباب تعلة ... وَلَكِن من يشرب هوى الغيد يغرم) (وَمَا الشيب شيب العارضين وانما ... هى النَّفس شابت بَين جنبى فَاعْلَم) (هرمت وَلم يعل المشيب عوارضى ... وَلَكِن من يهجر وعيشك يهرم) (على انها الايام تلعب بالفتى ... فتحزن مَسْرُورا وتلهو بمغرم) (لحا الله ذى الدُّنْيَا حَدِيثا السامر ... ونصرا لمظلولم ويسرا لمعدم) (طلبنا بهَا مقدارهمات صدرنا ... فضاقت كَمَا ضَاقَ الْبَخِيل بدرهم) (وَلَو أَن كفى قد أميطت بهمتى ... لطال الى نيل السماكين معصمى) يَقُول فى مديحها (فيا عَالما فى ثَوْبه كل عَالم ... وَمَا الدَّهْر الا فى مقَام التَّعَلُّم) ( ... لِيهن قَضَاء الرّوم حِين وليته ... ببسطة علم مثل رَأْيك مُحكم) (ويهن بنى الدُّنْيَا جَمِيعًا فلنهم ... لقوك وَقد وافوا لاعظم منعم) (فَللَّه أَقْلَام بكفك أَصبَحت ... تجول بتفسير الْكتاب المكرم) (وَللَّه هَذَا السعى اذ رحت منشيا ... لحاشية قد أوضحت كل مُبْهَم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 (وأبرزت لِلْقُرْآنِ كل خُفْيَة ... ترد الى عقل رصين مُحكم) (جبلتك العلياء وهى شريفة ... لآدَم بِاسْتِحْقَاق علمك تنتمى) (فانت صفى جِئْت من خير صفوة ... كَأَنَّك من نور خلقت مجسم) وَلها تَتِمَّة طَوِيلَة وَقد اكتفينا بزبدتها وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن أَبى بكر بن اسرائيل بن اسمعيل بن مُحَمَّد بن عمر الْيُمْنَى ذكره الشلى فى تَارِيخه الْمُرَتّب على السنين وَقَالَ فى وَصفه الامام الْعَلامَة الذى ظهر شرفه وعلت غرفه وأنبأ عَن جَوْهَر كَلمه صدفه صنف عدَّة كتب فى فنون كَثِيرَة مِنْهَا تَفْسِير غَرِيب الْقُرْآن سَمَّاهُ شذور الابريز فى لُغَات الْكتاب الْعَزِيز وَهُوَ كتاب يعجز الواصفون عَن وصف جماله وتعشى الْعُيُون من شمس كَمَاله وَله رِسَالَة فى القهوة ورسالة فى علم المساحة سَمَّاهَا المشمة النفاحة بتحقيق المساحه جمع فِيهَا الْكثير المتفرق من الْكتب فى هَذَا الْفَنّ على أقصد سَبِيل وَأقرب مَأْخَذ وَله نظم حسن ورد على الشَّيْخ مُحَمَّد بن عمر بحرق فى قصيدة لَهُ فى السُّلْطَان بدر الْكثير فى قَوْله وكأنما أنصارك الانصار فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة أنقيس غفلا جَاهِلا بنبينا وَمن نظمه فى القهوة (يَا شَاعِر افاق فى أَقْوَاله الشعرا ... أبدى لنا من قوافى نظمه دررا) (أطربتنى اذ وصفت الْقَاف تتبعه ... هَاء وواو وهاء بعده زبرا) (حققت فى وصفهَا وصفى كفى وَرقا ... بل قد شفى وجلا عَن قلبى الكدرا) (فانها قُوَّة مهما حذفت لَهَا ... هَاء تبين ذَا من فى الانام قرا) (لذاك ناسبها فى ذكرك اسْم قوى ... مُوَافقا عدهَا فاعدده واعتبرا) (بقافها قويت أَعْضَاء كل فَتى ... وهاؤها لهدى وَالْوَاو مِنْهُ جرا) (بَين الانام الوفا وَالْهَاء آخرهَا ... مِنْهُ الهبات وَهَذَا السِّرّ قد ظهرا) (فَاشْرَبْ هَنِيئًا فَمَا فى ذَاك منقصة ... كلا وَلَا حُرْمَة تخشى بهَا ضَرَرا) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاربعاء لثنتى عشرَة بقيت من رَجَب سنة خمس عشرَة وَألف وَدفن بروضة بنى اسرائيل مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر المنعوت شمس الدّين الشهير بالحادى الصيداوى الشافعى مفتى صيدا الْفَاضِل الاديب الْمَشْهُور لَهُ ألحان الحادى بَين المراجع والبادى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 وَضعه على أسلوب الحان السواجع للصلاح الصفدى قَالَ فى خطبَته بعد أَن ذكر انه وقف على كتاب الصّلاح فتحركت القريحة لجمع مَا هُوَ كالشريد وان كَانَ بَين المقامين بون بعيد وَالْفضل للسابق على كل تَقْدِير وَأجر اللَّاحِق لَهُ من غير تقتير لَكِن الشَّيْخ صَلَاح الدّين افْتقر لذكر السواجع للالحان والحادى غنى بألحانه عَن تَحْرِيك الْعود من الاغصان وشتان بَين من يتَصَرَّف بأنواع فنون نغماته من الانسان وَبَين مغردة تفْتَقر فى تَحْرِيك ألحانها الى سُكُون فنن من الافنان قلت وَقد وقفت على هَذَا الْكتاب وطالعته مرَارًا فَلم أجد فِيهِ كَبِير فَائِدَة سوى انه ذكر مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم بالشأم مِنْهُم الشَّمْس بن المنقار وجدى القاضى محب الدّين والملا أَسد الدّين بن معِين الدّين التبر يزى وَالشَّمْس مُحَمَّد الداودى والشهاب العيثاوى وَالشَّمْس الميدانى وأضاف اليهم بعض أدباء راسلهم وراسلوه وَقد استوعبت شعره الذى ذكره فِيهِ فَلم أر لَهُ أَجود من قَوْله من قصيدة راسل بهَا الشَّيْخ الامام حسن جمال الدّين الصيداوى مستهلها (اذا أنْكرت دَعْوَى الْمُحب شُهُوده ... فحسبى انى فى الغرام شهيده) (فَللَّه شوقى لَا يقر قراره ... من الْبعد حَتَّى مَاله من يعودهُ) (وَقد مله عواده وَهُوَ مدنف ... حَلِيف جوى صب الْفُؤَاد عميده) (رعى الله أَيَّامًا تقضت بقربهم ... وَمن لى بِذَاكَ الْقرب من ذَا يُعِيدهُ) (أيا عاذلى عَمَّن نعيمى وعده ... وحر جحيمى بعده ووعيده) (وَلم يتلطف بالوصال لمغرم ... وَقد طَال مِنْهُ هجره وصدوده) (فَهَذَا ملامى مسمعى لَا يُريدهُ ... وَهَذَا غرامى لَا أَزَال أروده) (وان كَانَ دهرى قد يجور زَمَانه ... تخلصت مِنْهُ بالذى عَم جوده) فَرَاجعه بقصيدة اخْتَرْت نسيبها ومبدؤها (مَرِيض هواكم مله من يعودهُ ... فعصر التدانى مَاله من يُعِيدهُ) (أقمتم على هجرى وانى على الولا ... مُقيم وعتدى كل آن مزيده) (بِمَاذَا استبحتم ضرّ صب بحبكم ... غَدا عدما بَين الانام وجوده) (كَسَاه النَّوَى ثوب اكتئاب وحسرة ... مدى الْعُمر لَا يبْلى لَدَيْهِ جديده) (فان شئتمو عودوا على من غرامه ... قضى بعناه والدموع شُهُوده) (وحاشاكمو أَن لَا تجودوا لطَالب ... الى نحوكم فى الدَّهْر سَارَتْ وفوده) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 (وَمَا هُوَ بَاقٍ مَا يُقيم على الذى ... عهدتم وَلَو زَالَت لديكم عهوده) (فيا عاذلى مَا عَاد لى الْآن مسمع ... بِمَا نالنى وَالصَّبْر حلت عقوده) (وَمَا أَنا مِمَّن قد شكى حكم دهره ... بضد الذى يَرْجُو بِهِ ويريده) (وَقد حق شكرى حَيْثُ قد صَار مسكنا ... فؤادى لمولى أخجل اليم جوده) وَذكر فى تَرْجَمَة شَيْخه الشَّمْس الداودى انه ختم عَلَيْهِ قِرَاءَة شرح الْمحلى على الْمِنْهَاج فَعمل دَعْوَة حضرها جمع من الْعلمَاء والادباء فَأَنْشد بَعضهم (وَيَوْم قد قطعناه سعيد ... لجيد الدَّهْر قد أضحى محلى) (بروض زَاهِر جنبات نهر ... ومأكول ومشروب محلى) (قطعناه بقرآن وَذكر ... واخوان حووا أَسْنَى مَحل) (وَكَانَ ختامه مسكا فَقَالُوا ... كَذَلِك فَلْيَكُن ختم الْمحلى) وَكَانَ كثير النّظم وَله فى عمل الالغاز وحلها الْيَد الطُّولى وَمَتى كتب اليه شئ مِنْهَا حلّه فى وقته وَكتب الْجَواب وَكَانَ لطيف المحاضرة لذيذا الصُّحْبَة ممتع المؤانسة وَكَانَ رُؤَسَاء الشأم يميلون اليه جدا ويعدونه رَيْحَانَة الندماء ويعاشر مِنْهُم من تطيب عشرته وتلين قشرته وَلَهُم مَعَه نكات تجرى بَينهم ومقاصد لَا يغْضب مِنْهَا وَلَا يتألم وَلَو كَانَت سبا حكى انه دخل على بَعضهم وَكَانَت الْمِائَة الْعَاشِرَة تمت وَدخلت الْمِائَة الْحَادِيَة عشر فَقَالَ ذَلِك الرئيس قد خلصنا من الْقرن الْعَاشِر وَهَذَا الْقرن الحادى قد أقبل وَاتفقَ لَهُ انه اجْتمع عِنْده فى حجرَة لَهُ بِأحد مَسَاجِد صيدا عشرُون شخصا من أَصْحَابه فجَاء أحد الشُّعَرَاء مِمَّن كَانَ يألفهم فَلَمَّا وجدهم خرج وَكتب على بَاب الْحُجْرَة (أحد وَعِشْرُونَ لقد جمعُوا ... كلهم فى خلْوَة الحادى) (فقاتل الْعشْرين رب السما ... ولعنة الله على الحادى) وَله لطائف من هَذَا الْبَاب كَثِيرَة فَمن ذَلِك مَا كتبه الى أَبى اللطف بن مُحَمَّد الخوجى يطْلب مِنْهُ شدا (يَا أَبَا اللطف ان فَضلكُمْ ... لَيْسَ يُحْصى بِكَثْرَة الْعد) (شدّ وسطى بِمَا ترى كرما ... وَلَا تماطل فكثرة الشد) فسير لَهُ شدا وَأرْسل لَهُ هَذَا الْمَقْطُوع فى كتاب وَهُوَ قَوْله (مقصد ذَا العَبْد من تفضلكم ... من دون من قبُول ذَا الشد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 (قد سدت فضلا وشدت كل علا ... وَقد شددت الْقُلُوب بالود) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِمَدِينَة صيدا فى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وصيدا مَعْرُوفَة وهى مَدِينَة بساحل الْبَحْر الرومى بَينهَا وَبَين دمشق سِتَّة وَثَلَاثُونَ ميلًا سميت بصيدون بن صدفا بن كنعان بن حام بن نوح النبى عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ أول من عمرها وسكنها وَقَالَ فى الرَّوْض المعطار سميت بِامْرَأَة وَقِيَاس النِّسْبَة اليها صيداوى بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة كَمَا هى مَفْتُوحَة فى الْمُفْرد والعامة تكسرها فَكَسرهَا من غلط الْعَوام مُحَمَّد حجازى بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الشهير بِابْن قضيب البان الحلبى الحنفى نقيب حلب كَانَ عَالما فَاضلا جسورا كثير الْعرْفَان فصيح اللِّسَان فى اللُّغَات الْعَرَبيَّة والفارسية والتركيه وَكَانَ ذَا همة عالية مغبوطه وَيَد لِلْخَيْرَاتِ مبسوطه ولى بعد أَبِيه نقابة الاشراف بحلب مُدَّة وقصدته النَّاس فى الْمُهِمَّات ثمَّ سلك طَرِيق الموالى وَوجه اليه قَضَاء أرِيحَا على طَرِيق التَّأْبِيد وَأعْطى رُتْبَة الْقُدس وَرَأس فى حلب وَكَانَ ينظم الشّعْر وشعره لَا بَأْس بِهِ فَمن ذَلِك من قصيدة يمدح بهَا البهائى الْمُفْتى الْمُقدم ذكره لما كَانَ قَاضِيا بحلب ومستهلها (أَلا منجدا فى أَرض نجد من الوجد ... فَمَا عِنْد أهليها سوى لوعة تجدى) (وقفت بهَا مستأنسا بظبائها ... كَمَا يأنس الصب المتيم بالوجد) (أسائل عَمَّن حل بالجزع والحمى ... وَأنْشد عَمَّن جَازَ بالاجرع الْفَرد) (خليلى ان الصَّدْر ضَاقَ عَن الجوى ... فَلَا تَعَجبا من طفرة النَّار فى الزند) (قفى الْجِسْم من سعدى جروح من الاسى ... وفى الْقلب من أجفانها كل مَا عدى) (بثغر يزِيد الوقد من خمرة اللمى ... وصدغ يثير الوجد من جَمْرَة الوجد) (تقرب لى باللحظ مَا عز دركه ... وتنفر عمدا كى تصاد على عمد) (تلاعب فى عقل الفحول بطرفها ... ملاعبة الاطفال من غرَّة المهد) (رمت مهجتى أهدابها عَن تعمد ... نبالا فزادت من توقدها وقدى) (دَنَوْت اليها وهى لم تدر مَا الْهوى ... وَمَا علمت مَا حل بى من هوى نجد) (فَقلت أمالى من رضابك رشفة ... معللة أروى بهَا غلَّة الوجد) (وَهل للتدانى سَاعَة أستمدها ... وأبذل فى انجاز وصلتها جهدى) (فَقَالَت أما يَكْفِيك وعدى تعلة ... لقلبك فاقنع يَا أَخا الود بالوعد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 (وَلَا ترج مهما تقصد النَّفس نيله ... فان الرزايا فى مُتَابعَة الْقَصْد) (وَلَا تستمح من كل خدن وَصَاحب ... اخاء نقد يفضى الاخاء الى الزّهْد) (فَمَا كل انسان ترَاهُ مهذبا ... وَلَا كل خل صَادِق الْوَعْد والعهد) (وَلَا كل نجم يهتدى بضيائه ... وَلَا كل مَاء طيب الطّعْم والورد) (وَلَا الْمسك فى كل المهاة مَحَله ... وَلَا ريح مَاء الْورْد من عاصر الْورْد) (وَلَا فضل مَوْلَانَا البهائى مُحَمَّد ... كفضل الموالى السَّابِقين على حد) وَقَوله من أُخْرَى فى مدح البهائى الْمَذْكُور (قطب السَّمَاء هُوَ الطَّرِيق الاقصد ... دارت عَلَيْهِ نجومه والفرقد) (والمشترى والزهرة الزهراء فى ... أوج السُّعُود هبوطها والمصعد) ( ... وَالشَّمْس مَا شرفت على أقرانها ... الا بنسبته اليها العسجد) (وَالله لَا تحصى شؤون كَمَاله ... فالويل ثمَّ على الذى لَا يشْهد) (وَلَقَد أَبيت الدَّهْر غير مغادر ... فى حَالَة مِنْهَا أقوم وأقعد) (فَسَأَلته من بالحمى فأجابنى ... مفتى الانام أَبُو الْبَهَاء مُحَمَّد) وَقَوله فى الصَّهْبَاء وتعليل نشأتها (لَا ترض بالاضرار للنَّاس ... ان رمت أَن تنجو من الباس) (وَانْظُر الى الْخمر وَمَا أوقعت ... فى شاربيها بعد ايناء) (لما رَضوا فى دوسها عوقبوا ... بضربة مِنْهَا على الراس) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته بِمَكَّة المكرمة سنة احدى بعد الالف وَتوفى بحلب فى صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد محب الدّين بن أَبى بكر تقى الدّين ابْن عمر أَبى المحبى الخلوتى الدمشقى الحنفى الْمَعْرُوف بشقير كَانَ من الْفُضَلَاء الْمشَار اليهم بالنباهة والبراعة وَكَانَ قوى الحافظة للمسائل وَالشعر والاخبار حسن الصُّحْبَة كثير الْعِبَادَة والمطالعة لكتب التَّفْسِير والتصوف وَله رسائل وتحريرات على مَوَاطِن من التَّفْسِير لَطِيفَة قَرَأَ على الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وعَلى الْمُفْتى فضل الله بن عِيسَى البوسترى وَالْمولى يُوسُف بن أَبى الْفَتْح وَأخذ عَن جمَاعَة كثيرين مِنْهُم العمادى الْمُفْتى والنجم الغزى وَالْفَتْح البيلونى وَالشَّيْخ على القبردى الصالحى وَلزِمَ الشَّيْخ أَحْمد العسالى وَأخذ عَنهُ طَرِيق الخلوتية وداوم على قِرَاءَة الاوراد وَدخل مَعَه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 الْخلْوَة مَرَّات عديدة وسافر الى الْقُدس والقاهرة وَحج من طَرِيق مصر فى صُحْبَة الامير رضوَان أَمِير الْحَاج المصرى وَحكى عَن نَفسه مَرَّات انه من حِين خرج من مصر فى صحبته الى ان عَاد اليها لم يصرف سوى قِرْش وَاحِد وهبه للجمال وَسَببه محبَّة الامير الْمَذْكُور لَهُ وتقيده بِهِ ثمَّ قدم الى دمشق وَأقَام بخلوة لَهُ فى مدرسة الكلاسة وعمرها عمَارَة فائقة وحببت اليه الْعُزْلَة وَاسْتمرّ عمره كُله مُجَردا وَكَانَ سمته غَرِيبا لَا يشبه أحدا وَكَانَ نديم الرؤساء والكبراء يحاضرهم أحسن محاضرة ويورد النكات البديعة والاشعار اللطيفة وَيحسن اللُّغَة التركية جدا وَكَانَ مغرما بالجمال وَمضى عمره كُله فى نشاط وسرور فَلم ير الا مَسْرُورا مُتَبَسِّمًا وَكَانَ سخيا متعبدا يَصُوم غَالب الايام وَله شعر كثير فى لِسَان الْقَوْم وَبَينه وَبَين أدباء عصره مراسلات من ذَلِك مَا كتبه الى الاديب مُحَمَّد بن يُوسُف الكريمى ملغزا فى غزال (نراجع فى الْفضل أهل الْكَلَام ... ونأخذ عَن كل حبر همام) (ونسأل من ساحة الاكرمين ... ونخضع للمجد لَا للانام) (فنتبع من رفعته النُّفُوس ... ونترك من قَدمته اللئام) ( ... فأختار طورا زَوَايَا الخمول ... وطورا أحب الامور الْعِظَام) (ترانى على كل حَال أرى ... أَسِير الْهوى ومليك الغرام) (وَمَا جرعة الْحبّ الا الْمنون ... وَمَا لوعة الهجر الا الهيام) (وَمَا رَاحَة الْعِشْق الا العنا ... وَلَا صِحَة الصب الا السقام) (ولى حسرة بعد أُخْرَى لَهَا ... زفير وَلَيْسَ لَهُ انحسام) (يذيب الحشا ويثير الشجون ... بِنَار غَدا وقدها كالضرام) (وَهل للهوى غير من ذاقه ... فنشكو لَهُ مر سمع الملام) (وَلَا كل من غاص بَحر الْهوى ... حوى من جواهره باغتنام) (وَلَا كل من قد سما فى الْعُلُوم ... يُقرر مشكلها عَن امام) (فَذَاك هُوَ النّدب بدر الْعُلُوم ... وَمن نوره لم يزل فى التَّمام) ( ... كخلى الكريمى من فَضله ... تلفعه يافعا باهتمام) (مهذب أَخْلَاق أهل الوفا ... حفيظ لعهد التقى والذمام) ( ... وجامع آدَاب أهل النهى ... وبانى بيُوت المعالى الفخام) ( ... وفى كل فن ترَاهُ لَهُ ... نصيب وحظ أَبى الانقسام) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 (فيوضح من مشكلات الْعُلُوم ... بفكر خلا ضوءه عَن ظلام) (فنظم القريض يرى دونه ... عصامى طبع شرِيف الْمقَام) (يشابه للدر فى سلكه ... ويحوى اشارات طعن السِّهَام) (فَلَو رام سحبان أَلْفَاظه ... لقصر فى رقة الانسجام) ( ... ويهفو جرير لتقبيلها ... ويعجز عَن مثلهَا فى النظام) (فيأيها الخدن شمس العلى ... وجرثومة الْفَخر نسل الْكِرَام) (فَمَا اسْم رباعى اذا مَا بدا ... فنعتا يرى فى مجَاز الْكَلَام) (فآونة تلقه فى الْعلَا ... وفى الارض طورا بحول الاكام) (ثَلَاثَة أَرْبَاعه ان قلبت ... هى اسْم لما بدؤه فى انعدام) (وان لم ترد قصد تقليبها ... فَمَعْنَاه فى الْحَرْب بادى اللثام) (وَأَيْضًا يرادف معنى الذّهاب ... اذا كَانَ عَن بدئه فى انفصام) (وَنصف لَهُ بعد تصحيفه ... حرى بِهِ من لَهُ احترام) (وَبَاقِيه بِالْقَلْبِ لَا يقتضى ... لاثبات شئ وَأمر يرام) (فأنعم بِحل رموزى الَّتِى ... لَهَا الْفِكر فى حيرة واصطلام) (وألغز لنا مَا بدا فى الْجَواب ... وَبَين لنا قصدنا والمرام) (وَدم وابق فى سودد سرمدا ... مدى الدَّهْر مَا ناح ورق الْحمام) فَأَجَابَهُ بقوله (أَزْهَر الربى كللته الْغَمَام ... أم الزهر ساطعة فى الظلام) (وَهل مَا أرى حببا رائقا ... بكاس طلا حسن الانتظام) (أم الْبَرْق ام دُرَر نظمت ... أم افتر ثغرك عِنْد ابتسام) (أيا بدر تمّ غرامى بِهِ ... قديم أكيد وَحقّ الغرام) (وَيَا ريم أنس لجراه لم ... يعد لى سوى سقمى من مرام) (يمانى لحظك هلا نبا ... وخطى قدك هلا استقام) (وَيَا ممرض الْقلب من هجره ... وبالجسم يَا مورثا للسقام) (وَيَا تاركى مثلا فى الْهوى ... أفديك جد وارع لى فى الذمام) (رَضِينَا الْهوى حَاكما بَيْننَا ... أحل من المغرم الانتقام) (وجد بالنهى شرطا أَحْكَامه ... وأى حجى كَانَ للمستهام) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 (أخى لظمك العذب هاج الجوى ... الْقَدِيم وذكرنى بالهيام) (وَلم أنس قطّ ولكنما ... التَّذَكُّر يذكى خفى الضرام) (فدار الْهوى مانحاها مزاج ... عليل كجسمى الا استقام) (سَقَاهَا الرِّضَا من ربوع غَدا ... خلال خباها لغيرى حرَام) (مغانى المنا وديار الشفا ... ومأوى الْغَرِيب وَدَار السَّلَام) (لقد رمت اِدَّرَكَ فى وصفهَا ... مدى عاقنى عَنهُ شيق الْمقَام) (وحلى امتثالا للغز حوى ... قوافى رقت وَحسن انسجام) (لخدنى الذى فَضله شَامِل ... وبادلنا بَين خَاص وعام) (محبى نجار وحبى لَهُ ... بِصدق لفضل لَهُ مَعَ نظام) (أَبُو الْفضل حاوى الْعلَا ماجد ... وَندب أهالى الْعُلُوم الْكِرَام) (وَذُو الادب الرَّائِق المشتهى ... وَبَين ذويه أَمِير الْكَلَام) (وحاوى الْفَضَائِل والمكرمات ... وَمن هُوَ فى كل فن امام) (بهرت بلغزك عقلى وَكم ... فَتى فِيهِ مثل مُسَمَّاهُ هام) (قريب بعيد تحار الْعُقُول ... بِهِ وحلال وفاه حرَام) (هُوَ الشَّمْس للعين من حسنه ... ضِيَاء اذا مَا المذاق استقام) (رباعى حُرُوف ومنطوقها ... مَعَ اثْنَيْنِ عشر حُرُوف تَمام) (ثَلَاثَة أَرْبَاعه فعله ... بِعَيْنيهِ فى المغرم المستهام) (بِغَيْر استوا قلب أَرْبَاعه الثَّلَاثَة مَا قلت يَا ابْن الْهمام ... ) (وَزَالَ يرادف معنى الذّهاب ... مرَادا بِهِ وصف نفى المرام) (وان حرف النّصْف مِنْهُ يعد مصحفه الْعِزّ والاحتشام) (وَلَا قلب بَاقِيه يَا سيدى ... نعم وسلمت لنا وَالسَّلَام) (وَهَذَا هُوَ الْجهد فى حل مَا ... أمرت والا فيأتى الْكَلَام) (بقيت مُفِيد لنا دَائِما ... فرائد باهرة الانتظام) (مدى الدَّهْر مَا نفرائريم عَن ... متيمه ناقضا للذمام) وَكَانَت ولادَة صَاحب التَّرْجَمَة فى سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَتوفى فى صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن على أَبِيه بمقبرته الَّتِى أَنْشَأَهَا بِالْقربِ من جَامع جراح مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد الْخَطِيب بن مُحَمَّد الْخَطِيب ابْن ابراهيم الْخَطِيب ابْن مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 الْخَطِيب التمرتاشى الغزى الحنفى الْمَذْهَب رَأس الْفُقَهَاء فى عصره كَانَ امام فَاضلا كَبِيرا حسن السمت جميل الطَّرِيقَة قوى الحافظة كثير الِاطِّلَاع وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يبْق فى آخر أمره من يُسَاوِيه فى الدرجَة أَخذ بِبَلَدِهِ أَنْوَاع الْفُنُون عَن الشَّمْس مُحَمَّد بن المشرقى الغزى مفتى الشَّافِعِيَّة بغزة ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة أَربع مَرَّات آخرهَا فى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وتفقه بهَا على الشَّيْخ الامام زين بن نجيم صَاحب الْبَحْر والامام الْكَبِير أَمِين الدّين بن عبد العال وَأخذ عَن الْمولى على بن الحنائى قاضى الْقُضَاة بِمصْر وَرجع الى بَلَده وَقد رَأس فى الْعُلُوم وقصده النَّاس للْفَتْوَى وَألف التآليف العجيبة المتقنة مِنْهَا كِتَابَة تنوير الابصار وَهُوَ متن فى الْفِقْه جليل الْمِقْدَار جم الْفَائِدَة دقق فى مسَائِله كل التدقيق ورزق فِيهِ السعد فاشتهر فى الافاق وَشَرحه هُوَ الشَّرْح الْمُسَمّى بمنح الْغفار وَهُوَ من أَنْفَع كتب الْمَذْهَب واعتنى بشرحه جمَاعَة مِنْهُم الْعَلَاء الحصكفى مفتى الشأم والملاحين بن اسكندر الرومى نزيل دمشق وَالشَّيْخ عبد الرَّزَّاق مدرس الناصرية الجوانية بِدِمَشْق وَكتب عَلَيْهِ شيخ الاسلام بالديار الرومية وَهُوَ الْمولى مُحَمَّد الانكروى كتابات فى غَايَة التَّحْرِير والنفع وَكتب على شرح مُؤَلفه شيخ الاسلام خير الدّين الرملى حواشى مفيدة وَله من التآليف فى الْفِقْه شرح الْكَنْز وصل فِيهِ الى كتاب الايمان وَقطعَة من شرح الْوِقَايَة وحاشية على الدُّرَر وَالْغرر وصل فِيهَا الى نِهَايَة كتاب الْحَج وَله منظومة وَشَرحهَا وَكتاب معِين الْمُفْتى على جَوَاب المستفتى فى مُجَلد كَبِير وَجَمِيع مجلدين من فَتَاوِيهِ وَله رسائل كَثِيرَة مِنْهَا رِسَالَة فى خَصَائِص الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ ورسالة فى بَيَان جَوَاز الاستبانة فى الْخطْبَة وَكتاب مسعف الْحُكَّام على الاحكام ورسالة فى بَيَان أَحْكَام الْقِرَاءَة خلف الامام ورسالة النفائس فى أَحْكَام الْكَنَائِس ورسالة فى عصمَة الانبياء ورسالة فى دُخُول الْحمام ورسالة فى التجويز ورسالة فى مسح الْخُفَّيْنِ ورسالة فى النُّقُود ورسالة فى أَحْكَام الدروز والارفاض وَكتاب شرح مشكلات وَردت عَلَيْهِ من الْفُرُوع والاصول لَهُ فى الاصول كتاب الْوُصُول الى قَوَاعِد الاصول وَقطعَة من شرح الْمنَار الى بَاب السّنة وَشرح مُخْتَصر الْمنَار فى مُجَلد وفى الْكَلَام شرح اللامية يَقُول العَبْد وَشرح زَاد الْفَقِير للكمال بن الْهمام سَمَّاهُ اعانة الحقير ومنظومة فى التَّوْحِيد وَشَرحهَا وَله رِسَالَة فى التصوف ورسالة فى علم الصّرْف وَكتاب شرح العوامل فى النَّحْو وَقطعَة من شرح الْقطر وصل فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 الى اعمال اسْم الْفَاعِل وانتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم ولداه صَالح ومحفوظ والشيخان الامامان أَحْمد وَمُحَمّد ابْنا عمار وَمن أهالى الْقُدس الْبُرْهَان الفتيانى الْمُؤلف وَالشَّيْخ عبد الْغفار العجمة وَغَيرهم وَذكره جدى القاضى محب الدّين فى رحلته الى مصر وَوَصفه بأوصاف جليلة وَذكر مَا وَقع بَينهمَا من المحاضرة قَالَ ثمَّ اتسعت مَعَه دَائِرَة المخاطبة واستطرد القَوْل بطرِيق الْمُنَاسبَة الى ذكر رحلته الى بَلْدَتنَا حماة المحروسة وتغزل لنا بِوَصْف مَا فِيهَا من تِلْكَ الاماكن المأنوسة ثمَّ سألنى عَمَّن يعهده فِيهَا من أفاضل الاصحاب فَكَانَ سَائل دمع مقلتى الْجَواب ثمَّ حَدثنَا بِكَثِير من حسن المحاضرات ولطيف المحاورات الَّتِى كَانَت تصدر بَينه وَبَين فاضلها المرحوم سيدى الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ علوان وَكَانَ يتعجب من فَصَاحَته وبلاغته الَّتِى حارت فِيهَا الْعُقُول والاذهان ويمدح فضائله وفواضله الغزار وَيذكر صفاء الْعَيْش الذى قَضَاهُ فى صحبته فى تِلْكَ الديار انْتهى وَكَانَت وَفَاته فى أَوَاخِر رَجَب سنة أَربع بعد الالف عَن خمس وَسِتِّينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عبد الله بن شيخ بن الشَّيْخ عبد الله العيدرورس الحضرمى أحد الاولياء الْكِبَار ذكره الشلى فى تَارِيخه الْمُرَتّب على السنين وَقَالَ ولد فى مَدِينَة تريم فى سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَظَهَرت عَلَيْهِ لوايح الْفَلاح فسلك طَرِيق الاقدمين ولازم التَّقْوَى وَكَانَ كثير الصَّلَاة وَالْعِبَادَة مخلصا فى أَعماله حَافِظًا لِسَانه وَكَانَ مُعظما عِنْد الْمُلُوك والامرا مكرما مُحْتَرما عِنْد الاغنياء والفقرا وانتفع بِهِ الْخَاصَّة والعامه واشتهر بِالْولَايَةِ التَّامَّة وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس بعد الالف وَدفن بمقبرة زنبل رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عبد الله بن الامام شرف الدّين من أَعْيَان مُلُوك كوكبان الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ نَشأ فى حجر الْخلَافَة والامامة ودرج فى حجرات الْعلم والورع وَطلب الْعلم عَن جهد وجد حَتَّى انْتهى الى أقْصَى غَايَة وجد لم يزل لاهجا بطلابه مغرى باكتسابه حَتَّى الْحق الاصاغر بالاكابر وَغدا كل كَبِير لَهُ صاغر وَعقد عَلَيْهِ عِنْد ذكر الْعلمَاء بالخناصر فَمَا من فن من الْفُنُون الا وَقد بلغ غَايَته القصوى وفاز بقدحه الْمُعَلَّى ذكره السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن حميد الدّين فى كِتَابه ترويح المشوق فَقَالَ هُوَ الْعَلامَة الذى يسْتَغْرق مدحه الْكَلَام وتحفى فى قطع مَسَافَة أوراقه جاريات الاقلام وتطأطئ البلغاء رُؤْسهمْ عِنْد سَمَاعه ان نظم قَالَ النظام لَا محَالة ان جَوْهَر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 عقدك الْفَرد أَو نثر قَالَ الْفَاضِل انت ملك الْكَلَام ومولاه وَأَنا العَبْد أوجد قَالَ المزاح رعتنى بجدك وَقَالَ القاضى السعيد مَا أرى السعد الا بجدك وَجدك وَمَا هُوَ الا سُورَة النُّور فى الشعرا وَالْآيَة الْبَيِّنَة الَّتِى حام الافاضل يتلونها زمرا وَقد تتبع سيدى عِيسَى بن لطف الله تقاصير نظمه الذى يطْرَح عِنْده شعر ابْن مطروح ونظمها فى أحسن سلك وَهل يقوم جسم الفصاحة الا بِالروحِ رحم الله وَجهه ونضره والى سَبِيل الْجنَّة يسره فَمِنْهَا (يَا رَاقِد اللَّيْل لم يشْعر بِمن سهرا ... أَسهرت عينى فعينى لَا تذوق كرا) (تنام عَنى وأجفانى مؤرقة ... عبراء مَا مرها نوم وَلَا عبرا) (سلبت عقلى وأودعت الْهوى كبدى ... يَا منيتى وملكت السّمع والبصرا) (فأنثنى وَاضِعا كفاعلى كبد ... حرا وكفا يكف الدمع حِين جرى) (يدنى لى الْوَهم غصنا مِنْك أعشقه ... حَتَّى أكاد أناجيه اذا خطرا) (وَأَرْفَع الْكَفّ أَشْكُو مَا أكابده ... أَقُول أَنْت بحالى يَا عليم ترا) (ادعو اذى جننى ليل ولى مقل ... تفيض دمعا وقلب ذاب واستعرا) (لَا واخذ الله من اهوى بجفوته ... وَلَا ملا مثل قلبى قلبه شررا) (وَلَا ثناه الْهوى وجدا وَلَا اكتحلت ... عَيناهُ مثل عيونى فى الدجا سهرا) (رق النسيم لتبريح الصبابة بى ... لما انثنى ذيله من أدمعى خضرًا) (والبرق شقّ جُيُوب السحب عَن كبدى ... والرعد حن وأبكى دمعى المطرا) (يَا صاحبى ان لى سرا أكاتمه ... أخفيته من نسيم الرّيح حِين سرا) (ان كنت تضمن لى أَن لاتبوح بِهِ ... سَمِعت من سرى الْمكنون مَا استترا) (غزيل الْحلَّة الفيحاء أرشقنى ... من لَحْظَة بسهام راشها وَبرا) (رمانى الرَّمية الاولى فَقلت بِلَا ... عمد رمانى فأصمانى وَمَا شعرًا) (وَحين فَوق لى سهميه ثَانِيه ... بَكَيْت نفسى واستبكيت من حضرا) هَذَا من قَول مهيار (رمى الرَّمية الاولى فَقلت مجرب ... وكررها أُخْرَى فأحسست يَا لشر) (بَكَيْت نفسى لعلمى أَن مقلته ... لَا يقتلنى ظلما وسوف ترى) (ممتع الْوَصْل لَا يُرْجَى تواصله ... لوزاره الصب فى طيف لما صَدرا) (لَا تَسْتَطِيع صبا نجد اذا خطرت ... تهدى الى الصب من أكافه خَبرا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 (ربيب ملك كَانَ الله صوره ... ملكا وخيره بَين الورى الصورا) (مهفهف الْقد لَا يطفى لظى كبدى ... الا ارتشا فى لماه الْبَارِد العطرا) (أغن يكسر جفنيه على حور ... يذيب نفسى ونفسى تعشق الحورا) (بدر على غُصْن بَان فى محبته ... أكاد أعشق غُصْن البان والقمرا) (أقبل الدّرّ من عشقى لمبسمه ... لما رَأَيْت ثنايا ثغره دررا) (عَلَيْهِ كل هِلَال ينحنى أسفا ... وكل بدر حَيا من وَجهه استترا) (والنرجس الغض غض الطّرف حِين رنا ... واحمر ورد الربى من خَدّه خضرًا) (ذكرته حِين فاحت لى معنبرة ... ريح الصِّبَا وسرى لى سرها سحرًا) (يأيها الْقَمَر السارى اذا خطرت ... اليك عَيناهُ واستحل بك السمرا) (أبلغه يَا بدر قل مضناك أودعنى ... أهْدى اليك سَلاما طيبا عطرا) (يمسى سميرى ويبكى من صبابته ... شوقا اليك ويرعى الانجم الزهرا) (عَسى أَخُوك اذا أخْبرته خبرى ... يرثى لحالى فحالى شجو من نظرا) وَله سامحه الله تَعَالَى (نسمات النسيم من نعْمَان ... وابتسام الوميض باللمعان) (سعرا نَار مهجتى وأنارا ... شجو قلبى وهيجا أشجانى) (ذكرانى بعصر وصل تقضى ... آه لهفى لفوت مَا ذكرانى) (هَا شبابى مضى وَمَا نلْت وصلا ... أَيْن منى شباب عمر ثانى) (يَا خليلى خليانى فَمَا بى ... من غرام أذاب قلبى كفانى) (لَا تحلا باللوم عقد عهودى ... واعذرانى بِاللَّه أَو فاعذلانى) (فبسمعى من ذَلِك اللوم وقر ... قد أجبْت الغرام لما دعانى) (قسما بِالْحَطِيمِ وَالْحجر وَالْبَيْت الْعَظِيم الْمقبل الاركان ... ) (وبمن حل عقد عهدى وَمن قد ... حل منى هَوَاهُ كل مَكَان) (وبعصر الشَّبَاب عذر التصابى ... وعفافى اذا وصلت الغوانى) (وبعصيانى الملام مُطيعًا ... لغرامى وَهَذِه أيمانى) (اننى قد حملت من مثقلات الصد مَالا يطيقه الثَّقَلَان ... ) (يَا مرِيدا لسلوتى كف عَنى ... فَعَن الْحبّ لَيْسَ يثنى عنانى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 (انا حلف الْهوى رَضِيع الصبابات حلف الغرام والأشجان ... ) (بَين قلبى وسلوتى مثل مَا بَين حسان الْوُجُوه والاحسان ... ) (فاسترح عاذلى ودعنى أعانى ... من تباريح لوعتى مَا أعانى) (لَا تلمسنى وَمثل نَفسك عاملنى فان الانسان كالانسان ... ) (أَنْت بدرى وان تجاهلت مَا يفعل وجد بذى هوى ولهان ... ) (لست لَا والغرام تجْهَل شَأْنًا ... لمحب وان تجاهلت شانى) (أَنْت اما مغالط لى والا ... فغيور أَو حَاسِد أَو شانى) وَمن // جيد شعره // قَوْله (يَا طلعة الْبَدْر فى ديجور اغلاس ... وَيَا هلالا على غُصْن من الآس) (يَا من كتمت الْهوى صونا لَهُ فاذا ... فاهوا بِذكر اسْمه غالطت جلاسى) (يَا من اذا ضربت فى حبه عنقى ... مَا مَال الا اليه مسرعا راسى) (يَا منية الْقلب مَا عَنى أَتَاك فقد ... أوحشتنى يَا حبيبى بعد ايناس) (فقد أتانى حَدِيث مِنْك آربنى ... وَزَاد وَالله من همى ووسواسى) (أذاب نفسى مِمَّا جَاءَ مِنْك فَلَو ... لَا أدمعى أحرقتنى نَار أنفاسى) (وَحين عَايَنت صبرى عَنْك مُمْتَنعا ... وَبت أتضرب أَخْمَاسًا بأسداس) (كتبت وَالِد مَعَ يمحو مَا تخط يدى ... حَتَّى بَكت لى اقلامى وقرطاسى) (فاعطف على مستهام عاشق دنف ... بَين الرَّجَاء لطيف مِنْك والياس) (مَاذَا الصدود الذى مَا كنت آنفة ... مَتى يلين لما بى قَلْبك القاسى) (لَو ان لى سَاعَة أَشْكُو عَلَيْك بهَا ... حالى وَقد نَام حسادى وحراسى) (مالى أملك نفسى من يعذبها ... بالصد عَنى ومالى أذكر النَّاس) (يَا نَاس هَل لى مجير من هوى رشأ ... مهفهف كقضيب البان مياس) (أذاب قلبى وسل النّوم من مقلى ... بفاتن فاتر الاجفان نُعَاس) (من لى بزورته جنح الظلام وَقد ... غَابَ الرَّقِيب ونامت أعين النَّاس) (أَمْسَى أعانقه ضما الى كبدى ... مَا فى العناق وَمَا فى الضَّم من باس) (وأنثنى عِنْد رشفى خمر مبسمه ... شكرا وأسكر من مَا رِيقه الكاسى) (عَسى الذى قد قضى بالحب يجمعنا ... يَا طلعة الْبَدْر فى ديجور أغلاس) وَقَوله (نفسى الْفِدَاء لشادن ... مر الجفا حُلْو المراشف) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 (قاسى الْفُؤَاد أعَار أَغْصَان النقالين المعاطف ... ) (لهبت بِنَار صدوده ... كبدى ودمع الْعين ذارف) (وممتع كالغصن دون لِقَائِه خوض المتالف ... ) (من وَصله وصدوده ... أَنا دَائِما راج وخائف) (فعلت بِنَا ألحاظه ... مَا تفعل الاسد الرواعف) (متجاهل عَمَّا يقاسى فِيهِ قلبى وَهُوَ عَارِف ... ) وَله غير ذَلِك مِمَّا يروق ويشوق وَكَانَت وَفَاته فى جُمَادَى الاولى سنة عشرَة بعد الالف مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الرؤف المكى أحد الْفُضَلَاء الاذكياء والادباء الالباء وَمِمَّنْ نَشأ فى طَاعَة الله ولازم تقواه واشتغل بِمَا يعنيه من أموردينه ودنياه وجد فى طلب الْعلم النافع فَأدْرك مَا لم يُدْرِكهُ الْكِبَار وَهُوَ يافع وَأخذ عَن كثيرين مِنْهُم الشَّيْخ عبد الله بن سعيد باقشير وَصَحب السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ وتلقن مِنْهُ الذّكر وَلبس الْخِرْقَة ولازمه واختص بِهِ وَفتح الله عَلَيْهِ بفتوحاته السّنيَّة الا انه لم تطل حَيَاته فاخترمته الْمنية فى شبابه وَهُوَ وَالِد الشَّيْخ عبد الرؤف الْمَوْجُود الْآن وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمن شعره قَوْله يمدح السَّيِّد أَبَا بكر بن شَيْخه السَّيِّد سَالم الْمَذْكُور وَيُشِير الى ثُبُوته على حَلقَة الذّكر الَّتِى كَانَ يعقدها وَالِده فى الْمَسْجِد الْحَرَام وَمنعه من أَرَادَ أَن يتَعَدَّى بِمَنْعه مِنْهَا فى الْمَسْجِد وَنَصره الله على أعدائه (سلوا عَن فؤادى فى الْهوى كل شائق ... وَعَن شوق كلى للوى كل سائق) (وكل فَتى قد نَالَ منى صبَابَة ... وَلَا مَال عَن نهجى وَلَا بمقارقى) (يخال بِأَن الْحبّ لم يبْق من ضنى ... بقا يَا للقيا أَو لرؤيا المفارق) (صَبَّابًا لصبا قد مالكم فى صبَابَة ... فَهَل مثله صب وَذُو قلب خافق) (وَمن حب ليلى ثمَّ هِنْد وَزَيْنَب ... وَرَافِع دعد ذى المواضى الهوارق) (اذا لَاحَ من تِلْكَ الثنايا بويرق ... ثنتنا المنايا وافنتنا بطالق) (وان لَاحَ فى شَرق بريق شروقها ... وجادت بريق من وميض البوارق) (فانى الصد الصادى لطيف خيالها ... بمهجة ايقادى ومقلة وامق) (وان ماست الاعطاف مِنْهَا من الصِّبَا ... ومالت بهَا الارداف ميلًا كآنق) (تسترت الاغصان فى قضب دوحها ... حَيَاء وَعَاد كالفئام الطوارق) (وَمن كلهَا كلى قَتِيل جمَالهَا ... وتفصيله منى فَلَيْسَ بلائق) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 (وَمن هز عطفيها بقلبى جِرَاحَة ... وَمن سحر عينيها أسرنا بوامق) (وَمن قدها قدقد قلبى سناؤها ... وَأَسْنَانهَا لاحت ببارق بارق) (أَسِير على الاجفان ان قيل انها ... تنيل الْفَتى الْوَسْنَان عهد وثائق) (فعندى عقد الْوَصْل لَو طَال بَيْننَا ... كأهنى وصال عِنْد أصدق صَادِق) (وَمن عرفان الْوَصْل سَارَتْ قبابها ... ومالت الى جمع المنى والحقائق) (وظلت مطايا الْحبّ تطوى محسرا ... فيا حسرة المشتاق من قلب تائق) (وفى منحتى ضلعى وَخيف بنائِهِ ... هُنَاكَ المنى فِيهِ المنايا الْآبِق) (وفى الجمرات اللاء خيمن فى الحشا ... عَلَامَات نيران الْهَوَاء لواثق) (سقى الله أَيَّامًا مَضَت ولياليا ... عرفت الْهوى فِيهَا وحلت بسابق) (لقد جَاءَنَا نصر من الله حفنا ... وَفتح قريب عمنَا مثل وادق) (على فرقة الْفرق الَّذين عموا على ... بَصِيرَة أبصار ورشد لحاذق) (يُرِيدُونَ أَن يطفوا ضيا الاله بالعقول الَّتِى قَالَت بقول مُنَافِق ... ) (فَردُّوا بغيظ لم يحوزوا بِهِ الْعلَا ... وباؤا بخسران جَزَاء لفَاسِق) (على انهم لم يعلمُوا الْحق ظَاهرا ... فَكيف بِأَمْر بَاطِن غير طَارق) (على أَنهم من افكهم شفعوا الذى ... تفرد عَن فَرد وَعَن كلا لَاحق) (على الْحق لَا يَعْلُو على كل بَاطِل ... على جرف هار وَلَيْسَ براهق) (بليث همام زاكى الاصل سيد ... كريم السجايا نسل أَعلَى الْخَلَائق) (حَلِيم لذى الامر الْعَظِيم وَلم يزل ... على اثر آثَار الجدود السوابق) (وفى الذرْوَة الْعليا الَّتِى لَا ينالها ... جَمِيع الألى كَانُوا وكل اللواحق) (حمانا بِسيف الصدْق من كل مُعْتَد ... تعدى بِدَعْوَى الْجَهْل لَيْسَ بصادق) (هُوَ السَّيِّد العالى أَبُو بكر الذى ... سما عَن سَمَاء الْمجد من كل شَاهِق) (ونجل وحيد الدَّهْر سَالم من غَدا ... سليلا لشيخان امام الطرائق) (مُفِيد الورى عَن سر أسرار من مضى ... ومظهر دين الْحق ثمَّ الْحَقَائِق) (فَمن رام أَن يُحْصى صِفَات كَمَاله ... كمن رام أَن يلفى شَرِيكا لخالق) (وَصلى الهى ثمَّ سلم مَا حدث ... حداة المطايا نَحْو أصدق نَاطِق) (عَلَيْهِ وَآل ثمَّ صحب من غَدا ... وريثا لَهُم فى علمهمْ غير زاهق) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَتوفى فى شهر ربيع الاول سنة اثْنَتَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 وَخمسين وَألف بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة مُحَمَّد العيدروس بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس الحضرمى أحد الكمل الْمَشْهُورين ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ امام وقته علما وَعَملا وَحَالا ومقالا وزهدا وتحقيقا وورعا ولد بِمَدِينَة تريم فى سنة سبعين وَتِسْعمِائَة وَضبط عَام وِلَادَته فى قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} ثمَّ حفظ الْقُرْآن وَغَيره فى فنون عديدة وربى فى حجر وَالِده وَقَرَأَ عَلَيْهِ عدَّة عُلُوم وَتخرج بِهِ طَرِيق الْقَوْم وتفقه على السَّيِّد مُحَمَّد بن حسن والفقيه مُحَمَّد بن اسمعيل وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن شهَاب وَأخذ التصوف عَن جمَاعَة وَسمع الحَدِيث من طَائِفَة وَلزِمَ الْعِبَادَة واثنى عَلَيْهِ مشايخه وَغَيرهم بل انْعَقَد الاجماع على فَضله وكماله وَأخذ عَن عَمه الشَّيْخ عبد الْقَادِر ابْن شيخ وَكتب الى وَالِده يَقُول لَهُ يَكْفِيك فَخر يَا عبد الله خُرُوج مثل هَذَا الْوَلَد من صلبك وَلما سمع بِهِ جده شيخ بن عبد الله طلبه اليه وَهُوَ باحمد أباد من أراضى الْهِنْد فَرَحل اليه وَاجْتمعَ بِهِ فِيهَا وَذَلِكَ فى سنة تسع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَأَشَارَ الى ذَلِك جده الْمَذْكُور فى بعض قصائده بقوله قدومك حَافظ للشمل جَامع فان عدد حَافظ كَذَلِك ولازم جده فى جَمِيع دروسه وأحواله واقتدى بِهِ فَبلغ مَا لم يبلغهُ الْمَشَايِخ الْكِبَار وَقَرَأَ عَلَيْهِ فى كثير من الْعُلُوم عدَّة متون وشروح وَألبسهُ الْخِرْقَة وَصَافحهُ وَحكمه وَأذن لَهُ فى الالباس والتحكيم وَجعله ولى عهد ثمَّ انْتقل جده شيخ الْمَذْكُور فى سنة تسعين وَتِسْعمِائَة فَقَامَ من بعده وَكَانَ ينْفق على جَمِيع من يمونه جده من أهل الْهِنْد وحضرموت وَلما سَأَلَ عَنهُ وَالِده عبد الله السَّيِّد الولى أَحْمد بن على أَجَابَهُ بقوله الذى أعتقده فِيهِ انه أحسن من أَبِيه فَسجدَ وَالِده شكرا وَقَالَ هَذَا الذى كنت أوده وأتمناه وَقَالَ كل أحد لَا يُرِيد أَن يكون أحد أحسن مِنْهُ الا وَلَده وَبعد انْتِقَال وَالِده أجْرى مَا كَانَ يجريه وَالِده من نَفَقَة وَكِسْوَة وَغَيرهَا فَكَانَ الْوَارِث لابيه وجده ثمَّ ارتحل من أَحْمد آباد الى بندرسورت واستوطنه واشتهر كَمَال الاشتهار واعتقده أهالى تِلْكَ الدائرة وَكَانَ سُلْطَان الْهِنْد يعرف قدره ويرجحه على أهل زَمَانه ويجرى عَلَيْهِ كل يَوْم مَا يَكْفِيهِ من النَّفَقَة الْعَظِيمَة وَكَانَ كثير العطايا كَرِيمًا وَكَانَ مَعَ كَثْرَة مدخوله لَا يفى مدخوله بِنَفَقَتِهِ وَرُبمَا زَاد عَلَيْهَا ضعفين أَو أَكثر وكل ذَلِك دين يبْقى عَلَيْهِ وَكَانَ يسْتَغْرق احيانا فَرُبمَا دخل عَلَيْهِ شخص وَلم يشْعر بِهِ وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَدفن ببندرسوت وَبنى عَلَيْهِ بعض التُّجَّار قبَّة عَظِيمَة وَبنى عِنْدهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 مَسْجِدا وبركة مَاء وأجرى لمن يقْرَأ عَلَيْهِ أُجْرَة وأوقف على ذَلِك ضيَاعًا واراضى ورباعا وقبره ظَاهر يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى الشريف مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن أَبى نمى كَانَ سيد شجاعا مقداما رَئِيسا ولاه وَالِده الشريف عبد الله مَكَّة فى حَيَاته وأشرك مَعَه الشريف زيد بن محسن غرَّة صفر سنة احدى وَأَرْبَعين وَألف وخطب لَهما على المنابر الى شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة فوصلت الاتراك من الْيمن فى قصَّة ذكرتها فى تَرْجَمَة الشريف زيد فَوَقَعت اللقيا بِالْقربِ من وادى البيار بَين السَّادة الاشراف وَبَين الاتراك فحصلت ملحمة عَظِيمَة وقتال شَدِيد وَقتل صَاحب التَّرْجَمَة وَقتل مَعَه جمَاعَة من الاشراف مِنْهُم السَّيِّد أَحْمد بن حراز وَالسَّيِّد حُسَيْن بن بنايس وَالسَّيِّد سعيد بن رَاشد وَخلق آخَرُونَ وَأُصِيبَتْ يَد السَّيِّد هيزاع بن مُحَمَّد الْحَارِث فَقطعت وتعلقت بباقى جلدتها وَلم تنفصل وَدخل بهَا كَذَلِك الى مَكَّة وَمر على جِهَة سوق اللَّيْل قَائِلا عذرى يَا أهل مَكَّة مَا تَرَوْنَهُ وَتوجه بَقِيَّة الاشراف الى وادى مر وَدخل الاتراك الى مَكَّة ونودى بِالْبَلَدِ للسَّيِّد نامى بن عبد الْمطلب وَكَانَ دُخُولهمْ من جِهَة بركَة ماجن فتعب النَّاس أَشد تَعب وَحصل الْخَوْف الشَّديد وتسلطت العساكر على النَّاس وأزعجوهم نهبا وفسقا وظلما وتقطعت الطّرق وعصت الاعراب وَحمل صَاحب التَّرْجَمَة فى عصر ذَلِك الْيَوْم وَدفن بالمعلاة فى مَقَابِر آبَائِهِ وأجداده بعد أَن قَاتل قتال من لَا يخَاف الْمَوْت وَكَانَت الْوَقْعَة الْمَذْكُورَة فى رَابِع عشرى شعْبَان سنة احدى وَأَرْبَعين وَكَانَت مُدَّة ولَايَة الشريف مُحَمَّد سِتَّة أشهر وَأَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الولى الْمَنْقُول بن مُحَمَّد بن عبد الولى جعمان كَانَ اماما عَالما عَلامَة مَشْهُورا فى الْيمن أَخذ عَن جمَاعَة واستفاد وَأفَاد وروى وَضبط توفى بِالرَّوْحَاءِ بعد ان زار النبى فى سنة خمس وَخمسين وَألف وجده الْفَقِيه عبد الولى بن مُحَمَّد وَأَخُوهُ عمر بن مُحَمَّد صَاحب الموجز كَانَا فى بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل فى أَيَّام السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب الاموى وَكَانَ الْفَقِيه عمر بن مُحَمَّد مفتى بَيت الْفَقِيه وَصَاحب رياستها على ولَايَة عَظِيمَة مَشْهُورَة فاستولد بهَا عبد الولى ثمَّ تزوج فى مَحل الاعوص الْقرْيَة الْمَشْهُورَة فاستولد بهَا أَيْضا فَلَمَّا توفى قبر فى تربة الْفَقِيه أَحْمد بن مُوسَى العجيل فَرَآهُ أَخُوهُ فى الْمَنَام وَكَأَنَّهُ يَقُول لَهُ انقلنى الى مَحل الاعوص فانتبه الْفَقِيه عمر من نَومه فَقَالَ هَذِه رُؤْيا مَنَام وَالنَّقْل عِنْد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 الْفُقَهَاء حرَام ونبش الْمَيِّت أعظم خَطِيئَة فَجَاءَهُ لَيْلَة أُخْرَى ثمَّ فى الثَّالِثَة كَذَلِك فَقَالَ لَهُ لَئِن لم تنقلنى والا خرجت من الْقَبْر فجَاء الْفَقِيه الْمَذْكُور الى التربة لينقل أَخَاهُ فَرَآهُ خَارج الْقَبْر باكفانه فَحَمَلُوهُ فَنقل الى قَبره الْآن بِمحل الاعوص فَسمى الْمَنْقُول وَهَذِه الْكَرَامَة مستفاضة والفقيه الرائى ثِقَة عَارِف وَالله أعلم السَّيِّد مُحَمَّد كبريت ابْن عبد الله بن مُحَمَّد بن شمس الدّين بن أَحْمد بن قَاسم بن شرف الدّين بن يحيى بن شرف الدّين بن حُسَيْن بن فَخر الدّين بن مُوسَى بن كريم الدّين بن مُحَمَّد ابْن ابراهيم بن دَاوُد بن مَحْمُود بن حسن بن عَبَّاس بن على بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن أَحْمد بن جَعْفَر بن مُوسَى الكاظم ابْن جَعْفَر الصَّادِق ابْن مُحَمَّد الباقر ابْن على زين العابدين ابْن الْحُسَيْن بن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ السَّيِّد الْجَلِيل كَانَ من أعجب خلق الله تَعَالَى فى الاخذ باهداب الْفُنُون كثير النَّوَادِر جم المناقب ولد بِالْمَدِينَةِ وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بالعلوم النقلية والعقلية فَقَرَأَ النَّحْو والتصريف والمعانى وَالْبَيَان على جمَاعَة مِنْهُم عبد الْملك العصامى وَالشَّيْخ الامام وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدى وَأخذ الْعُلُوم الرياضية والحكمية والطبيعية وَعلم الْحَقِيقَة عَن الْمُحَقق الْكَبِير عبد الله بن ولى الحضرمى تلميذا لقطب الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى السَّيِّد صبغة الله بن روح الله السندى ثمَّ توجه الى الرّوم فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ والف وَألف رحْلَة بديعة سَمَّاهَا رحْلَة الشتَاء والصيف ذكر فِيهَا مَا وَقع لَهُ فى سفرته هَذِه من الغرائب وَدخل دمشق وَاجْتمعَ فِيهَا بالاستاذ الْكَبِير ايوب بن أَحْمد الْمُقدم ذكره وَأخذ عَنهُ ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة وَلزِمَ بهَا الاستاذ مُحَمَّد بن زين العابدين البكرى وَكَانَ أَشَارَ اليه بالاخذ عَن بعض السَّادة الخلوتية شَيْئا من علم الاسماء فأخلاه الْمَأْخُوذ عَنهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لرياضة نَفسه فَفتح عَلَيْهِ ثمَّ عَاد الى الْمَدِينَة واختص بِصُحْبَة سيدنَا مُحَمَّد مكى المدنى الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى فَكَانَ لَا يُفَارِقهُ فى أغلب أوقاته وَأقَام على بَث الْعلم ومراقبة الله تَعَالَى وَألف تآليف كَثِيرَة بديعة مِنْهَا كتاب سَمَّاهُ نصر من الله وَفتح قريب شرح فِيهِ أبياتا لبَعض أفاضل عصره جمع فِيهِ من كل غَرِيبَة وَمِنْهَا كتاب الْجَوَاهِر الثمينة فى محَاسِن الْمَدِينَة وَمِنْهَا بسط الْمِثَال فى القيل والقال فى مجلدين وَغير ذَلِك من مُفْرد ومجموع وَله ركاز الرِّكَاز فى المعمى والالغاز ورسالة سَمَّاهَا خمائل الافراح وبلابل الادواح تشْتَمل على أشعار لَطِيفَة وَكتاب الزنبيل اختصر فِيهِ كتاب الكشكول للبهائى العاملى وَكتاب الْعُقُود الفاخره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 فى أَخْبَار الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَكتاب حَاطِب ليل كَبِير جدا وَشرح ديوَان ابْن الفارض سَمَّاهُ ظلّ الْعَارِض وَكتاب الْمطلب الحقير فى وصف الْغنى وَالْفَقِير وَهُوَ كتاب حسن الْوَضع عَجِيب الاسلوب قَالَ فى آخِره وَهَذَا آخر مَا جرى بِهِ الْقَلَم من تسطير هَذِه الحكم وَرُبمَا اشْتَمَل على كَلَام لَا يفهم وَمَفْهُوم لَا يكَاد يعقل ومعقول لَا يكَاد يقبل بِحَسب مَا قيل (يَقُولُونَ أقوالا وَلَا يفهمونها ... وَلَو قيل هاتوا بينوا لم يبينوا) ثمَّ ذكر كلَاما طَوِيل الذيل من هَذَا الْقَبِيل وَأنْشد لنَفسِهِ فى مدح الْكتاب قَوْله (لله تأليف غَدا جاءها ... بَين النقيضين لمن يعقل) (جَامعه اغرب فى نَقله ... لكنه لم يدر مَا ينْقل) وَعَكَفَ آخر عمره على مطالعة الفتوحات المكية والفصوص للشَّيْخ الاكبر ابْن عربى وَألف فى وحدة الْوُجُود رِسَالَة وَكَانَ يصدر عَنهُ قولات رُبمَا أنكرها بعض معاصريه ونسبوه فِيهَا الى الالحاد وَله أشعار كَثِيرَة حَسَنَة التَّرْكِيب بَيِّنَة الْجَوْدَة فَمن مقاطيعه قَوْله (هبوا أَن ذَاك الْحسن عَنى محجب ... أَلَيْسَ برياه سرت نسمَة الصِّبَا) (اذا رمت أَن تبدى مصونات خدره ... فَحدث بِذَاكَ الحى عَن ذَلِك الخبا) وَقَوله (يَا من تبادى بهجر مَا لَهُ سَبَب ... وَصد عمدا يرى فى ذَاك تبكيتى) (كَانَ هجرك بعد الْوَصْل يَا أمْلى ... أَوَائِل النَّار فى أَطْرَاف كبريت) نَقله حسن للمصراع الاخير عَن مَوْضُوعه الذى هُوَ تَشْبِيه البنفسج وَهُوَ (وَلَا زوردية تزهو بزرقتها ... بَين الرياض على حمر اليواقيت) (كَأَنَّهَا فَوق قامات ضعفن بهَا ... أَوَائِل النَّار فى أَطْرَاف كبريت) وَقَوله (أرى مطالعتى فى الْكتب مَا نَفَعت ... لَعَلَّ وَجهك يغنينى عَن الْكتب) (فَمن رأى وَجهك الباهى وبهجته ... فانه فى غنى عَن كل مكتتب) وَقَوله (لَيست على الْحر الْكَرِيم مشقة ... بأضر من أَن لَا يرى أَمْثَاله) (ذَاك الْغَرِيب وان يكن فى أَهله ... وارحمتاه لَهُ لما قد ناله) وَله (يَا لائمى فى حب من ... عزت على ربوعه) (خفض عَلَيْك وخلنى ... أحلى الْهوى ممنوعه) وَقَالَ يفتخر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 (نشأت بِفضل الله فى ظلّ دوحة ... سمت بنبى كنت من بعض عترته) (فان شِئْت فى صفح العوالى وان أشأ ... بدار الذى طابت وطالت بهجرته) (فهاتيك دَار للحبيب وَهَذِه ... بهَا منزهى يَا صَاح من حول حجرته) وَقَالَ فى تَفْصِيل الْعَالِيَة (أَرَاك تغالى فى العوالى وفى قبا ... وَأَنت على وهم الخيال تعول) (الى كم ترى تهوى الذى أَنْت سَائِر ... الى غَيره اذ أَنْت عَنهُ تحول) (فَكُن سائرا فى لَا مقَام فانما ... تقلب من شان لشأن وترحل) الْعَالِيَة أَرض ذَات رياض فائقة قَالَ فى الْوَفَاء هى من الْمَدِينَة مَا كَانَ فى جِهَة قبلتها من قبَاء وَغَيرهَا على ميل فَأكْثر وأقصاها عمَارَة على ثَلَاثَة أَمْيَال وَأَرْبَعَة الى ثَمَانِيَة أَو سِتَّة على الْخلاف فى ذَلِك انْتهى وَوجه التَّسْمِيَة جلى وَذَلِكَ لَان السُّيُول تنحدر من تِلْكَ النواحى الْعَالِيَة الى سوافل الْمَدِينَة فعلى ذَلِك يُقَال نزلنَا من العوالى الى الْمَدِينَة وطلعنا الى العوالى وَله فى مدحها قطع كَثِيرَة غير هَذِه فَمِنْهَا قَوْله (فضل العوالى بَين ولاهلها ... فضل قديم نوره يَتَهَلَّل) (من لم يقل ان الْفَضِيلَة طينت ... أَرض العوالى وَهُوَ حق يقبل) (انى قضيت بفضلها وَأَقُول فى ... وادى قبا الْفضل الذى لَا يجهل) وَله (اذا كنت فى ارْض العوالى تشوقت ... لارض قبا نفسى وفيهَا المؤمل) (وَلَو كنت فِيهَا قَالَت النَّفس لَيْت لى ... بِأَرْض العوالى يَا خليلى منزل) (فيا لَيْت انى كنت شَخْصَيْنِ فيهمَا ... وَمَا لَيْت فى التَّحْقِيق الا تعلل) وَله من أَبْيَات قَالَهَا وَهُوَ بالروم يتشوق الى معاهده (مَا أطيب الايام فِيهَا تنقضى ... وَالْعين قد قرت بوصل حبيبها) (مَا الْعَيْش الا فى حماها لَيْت لى ... مأوى وَلَو فى سفحها ورحيبها) وَله وهى من لطائفه (الْحَمد لله على مَا أرى ... من ضيعتى مَا بَين هَذَا الورى) (صيرنى الدَّهْر الى حَالَة ... يرثى لَهَا الشامت مِمَّا يرى) (بدلت من بعد الرخا شدَّة ... وَبعد خبز الْبَيْت خبز الشرا) (وَبعد سُكْنى منزل مبهج ... سكنت بَيْتا من بيُوت السكرا) (وَلَو تحققت الذى نالنى ... لارتفع الشَّك وَزَالَ المرا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 وَرَأَيْت فى كِتَابه الْجَوَاهِر قَالَ مَرَرْت فى رحلتى بِبَعْض قرى الرّوم فَرَأَيْت قبرا عَلَيْهِ بُنيان قد أظهرت فِيهِ الْحِكْمَة زخارف صَنْعَة الْبناء على رَأسه مَكْتُوب (وَمَا ينفع الانسان بُنيان قَبره ... اذا كَانَ فِيهِ جِسْمه يتهدم) وَذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه مُفْرد جَامع وأديب ضوء أدبه لامع نافت شمائله على أنفاس الشُّمُول وَالشمَال وَقَالَ من ظرفه وأدبه بجنتين عَن يَمِين وشمال كَانَ لطيف قشرة الْعشْرَة تحسد تباشير الصَّباح بشره لَا تمل ند مَاؤُهُ مُجَالَسَته وَلَا تسأم أَصْحَابه مؤانسته الى فصاحة ولسن وتجمل بِكُل خلق حسن وتقنع بقناع القناعة والكفاف واشتمال بأبراد الصون والعفاف سلك مَسْلَك من نبذ الدُّنْيَا وَرَاء ظَهره ورضى مِنْهَا بمسالمة خطوب دهره ورام انتحال مَذْهَب أهل الْحَال فَتكلم بَعضهم فى اعْتِقَاده وَنقل عَنهُ فلتات أشعرت بخفى الحاده وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فى جَمِيع نَوَادِر الادب والنسل الى تَقْيِيد شوارد النكت من كل حدب وَله فى ذَلِك مؤلفات مِنْهَا محك الدَّهْر وَكتاب المباهج وَرشح البال بشرح البال وَغير ذَلِك الا انه لم يكن لَهُ فى سَائِر الْعُلُوم رسوخ قدم مَعْلُوم أخبرنى الْوَالِد بِسَمَاعِهِ عَنهُ ان أستاذه خَالف فى تَعْلِيمه النظام وطفر بِهِ طفرة النظام فنقله من الاجرومية الى الْكَشَّاف وأبدله النشاف من الارتشاف وَله شعر انتظم بِهِ فى سلك من نظم ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله (واذا جَلَست مَعَ الرِّجَال وأشرقت ... فى جو باطنك الْمعَانى الشرد) (فاحذر مناظرة الجهول فَرُبمَا ... تغتاظ أَنْت ويستفيد فيحسد) وَقَوله موريا فى الْمولى عبد الرَّحْمَن العشاقى (قد قلت للمجد من تهوى تواصله ... فكلنا ذَلِك ذُو وجد وأشواق) (فَقَالَ لى بِلِسَان غير مقتدر ... لَا أشتهى أَن أوافى غير عشاقى) انْتهى وَكَانَت وِلَادَته فى سنة اثنتى عشرَة بعد الالف وَتوفى بعد الظّهْر عشرى شهر رَمَضَان سنة سبعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد باعلوى وَدفن شمالى الْقبَّة المطهرة قبَّة سيدنَا ابراهيم بن النبى ببقيع الْغَرْقَد رَحمَه الله مُحَمَّد بن عبد الْملك البغدادى الحنفى نزيل دمشق الشَّيْخ الامام الْمُحَقق كَانَ من كبار الْعلمَاء خُصُوصا فى المعقولات كَانَ لهى والطبيعى والرياضى وَهُوَ من جمَاعَة عَلامَة الزَّمَان منلا مصلح الدّين اللارى قيل وَأخذ عَن أَخِيه شمس الدّين البغدادى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 وَكَانَ فى الاصول وَالْفِقْه عَلامَة وَله الْيَد الطُّولى فى الْكَلَام والمنطق وَالْبَيَان والعربية قدم دمشق فى سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة ودخلها لابسا عباءة من الصُّوف وثوبا من القماش الابيض الْقطن وجاور بِجَامِع دمشق فى بَيت خطابته ثمَّ انْتقل الى الْمدرسَة العزيزية جوَار الكلاسة وَحضر دروس الْبَدْر الغزى ولازم ابا الفدا اسماعيل النابلسى وَقَرَأَ فقه الشافعى على الشهَاب العيثاوى ثمَّ تحنف وَولى وظائف وتدريس مِنْهَا الْمدرسَة الدرويشية وبقعة فى الْجَامِع الاموى وَتَوَلَّى تصدير حَدِيث بالجامع الْمَذْكُور وَكَانَ لَهُ من صندوق السلطنة فى كل يَوْم مَا يزِيد على أَرْبَعِينَ عثمانيا وَتَوَلَّى مشيخة الْجَامِع فَسمى شيخ الْحرم الاموى وَتَوَلَّى تَوْلِيَة الدرويشية وَعظم أمره وَتردد الى الْقُضَاة وشمخ بِأَنْفِهِ حِين رَجَعَ النَّاس اليه وَكَانَ يحضر دروسه أفاضل الْوَقْت ودرس التَّفْسِير بالجامع وَكَانَ فى لِسَانه لكنة عَظِيمَة حَتَّى انه كَانَ لَا يفصح عَن كَلَامه أبدا وشاع ذكره فى الاقطار الشامية وَلما مرض مرض الْمَوْت وَثقل فى مَرضه حضر اليه قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى ابراهيم بن على الازنبقى وعاده وَقَالَ لَهُ أفرغ عَن وظائفك لنائبنا حسن الطَّوِيل وَهُوَ ابْن عُثْمَان الذى ذَكرْنَاهُ فى حرف الْحَاء فَيُقَال انه أفرغ لَهُ وَقيل انه لم يفرغ وَلَكِن كتب ذَلِك القاضى رَغْبَة أَن تصير الْجِهَات الْمَذْكُورَة لنائبه وَقَالَ لَهُ القاضى ايْنَ أموالك فَقَالَ لَهُ وَمَا تُرِيدُ بأموالى فَقَالَ لَهُ نُرِيد أَن نحرزها خوفًا عَلَيْهَا من سَارِق يَأْخُذهَا وَأَنت مَرِيض فَيُقَال انه أذن لَهُ فى أَخذهَا وَقيل بل أَخذهَا القاضى جبرا فَلَمَّا أخذت أَمْوَاله أَفَاق من سَكَرَات مَرضه وَطلب الاموال من حسن الطَّوِيل فَقَالَ لَهُ وَمَا تصنع بهَا ان كنت مُحْتَاجا الى شئ من المَال أقرضتك من عندى مَا تخرجه وَأما مَالك فانى لَا أَسْتَطِيع احضاره اليك خوفًا عَلَيْهِ فَيُقَال انه لما قَالَ ذَلِك احتد وَاشْتَدَّ غيظه وَمد يَده الى لحية النَّائِب وضربه على رَأسه فَقَالَ لَهُ أَنْت فى جُنُون الْمَرَض وَلَا حرج عَلَيْك فِيمَا فعلته وَلم يَأْتِ لَهُ بِالْمَالِ فانتكس وَرجع الى الْمَرَض بعد ان كَانَ أبل مِنْهُ قَلِيلا وَمَات عقيب ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ عشرى شعْبَان سنة سِتّ عشرَة وَألف وَدفن شمالى تربة مرج الدحداح فى أقصاها عَن بضع وَسِتِّينَ سنة وَكَانَ بنت من أمة سَوْدَاء فنفاها قبل مَوته بأشهر لامر رَآهُ على الامة فَأنكرهُ ثمَّ بعد مَوته ثَبت نسب الْبِنْت اليه بِشَهَادَة قاضى الْقُضَاة على اقراره واخر ثمَّ جَاءَ بعد مُدَّة ابْن عَم لَهُ من بَغْدَاد الى دمشق فَصَالحه النَّائِب على شئ من المَال ثمَّ ذهب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 فَشَكَاهُ الى الْوَزير نصوح باشا وَكَانَ الْوَزير الْمَذْكُور رَأس العساكر اذ ذَاك بحلب فوردت بِطَلَب النَّائِب بِسَبَب ذَلِك الى حلب وَالْعجب العجاب انه كَانَ فى دمشق رجل من الْعَسْكَر يُقَال لَهُ مُحَمَّد البغدادى مُوَافق لصَاحب التَّرْجَمَة فى الِاسْم وَالنِّسْبَة مَاتَ يَوْم مَوته فبقى الرجل يَقُول مَاتَ مُحَمَّد البغدادى الْيَوْم فَلَا يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر الا نبية الْعلم لهَذَا وَنسبَة العسكرية لذاك وَالله تَعَالَى أعلم مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطائفى الْفَقِيه الشافعى كَانَ من فضلاء وقته ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد سنة أَربع بعد الالف وَحفظ الْقُرْآن ثمَّ نَسيَه فَقيل لَهُ لم لَا تحفظه ثَانِيًا فَقَالَ أخْشَى أَن أنساه ثَانِيًا وَأخذ الْعُلُوم عَن مَشَايِخ عصره مِنْهُم السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان وَالشَّيْخ احْمَد الحكمى وَالشَّيْخ عبد الْملك العصامى وَأذن لَهُ غير وَاحِد بالافتاء والتدريس فدرس فى الْمَسْجِد الْحَرَام وانتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن عمر الباز وَالشَّيْخ عبد الْجَامِع بن أَبى بكر بارجا الحضرمى وَكَانَ شَيخنَا أَبُو الْحسن النبتيتى مَعَ جلالته يحض درسه وَكَذَلِكَ الشَّيْخ أَبُو الْجُود المزين وَله تآليف مِنْهَا شرح حسن على الاجرومية أملاه على بعض طلبته وَله حواش على شرح الْمنْهَج وحواشى على النِّهَايَة للشمس الرملى وَكَانَ حسن الاخلاق بارا بوالدته لَا يُخَالِفهَا فى كل مَا أمرت بِهِ وَترك الزواج خوفًا من أَن يتكدر خاطرها وَكَانَ كثير الْعِبَادَة والتهجد يحب الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ويعرض عَن غَيرهم من أَرْبَاب الشَّأْن قانعا من الدُّنْيَا باليسير ومدحه صَاحبه الشَّيْخ غرس الدّين الخليلى المدنى بقصيدة أَولهَا (وَالله انى مغرم بالطائفى ... لم لَا وَذَلِكَ كعبة للطائف) وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْخَمِيس حادى وعشرى شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف فى مَكَّة بعلة الاسهال وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن تقى الدّين الْمَعْرُوف بِابْن المهمندار الحلبى الحنفى وَالِد شَيخنَا الْعَالم الفهامة أَحْمد مفتى الشَّام الْآن وزبدة من بهَا من الْعلمَاء ذوى الشان لابرحت فضائله ملهج أَلْسِنَة الوصاف وفواضله مَظَنَّة الاطراء والاتحاف كَانَ الْمَذْكُور من أشهر مشاهير الْعلمَاء لَهُ بسطة بَاعَ فى الْفُنُون وَيَد طائلة فى التَّحْرِير والتهذيب قَرَأَ بحلب على علمائها الاجلاء مِنْهُم الشَّيْخ عمر العرضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 وَخرج وَهُوَ متقن متضلع وَدخل دمشق فى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف ثمَّ هَاجر الى الرّوم وتوطنها ودرس بهَا الْعُلُوم وانتفع بِهِ جمَاعَة ثمَّ لَازم من الْمولى يحيى وصيره شَيخا لِابْنِهِ الْمولى عبد الْقَادِر ثمَّ استخلصه الْمولى صَادِق مُحَمَّد بن أَبى السُّعُود لنَفسِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ وانتفع بِهِ وَبِه شاع ذكره واشتهر بَين موالى الرّوم ثمَّ درس بمدارس دَار الْخلَافَة الى أَن وصل الى مدرسة وَالِدَة السُّلْطَان مُرَاد فاتح بَغْدَاد وَولى مِنْهَا قَضَاء مَدِينَة أَيُّوب وَله من التآليف رِسَالَة فى الْمعَانى وَله تحريرات كَثِيرَة وتميقات لَطِيفَة وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ قَاض بِأَيُّوب فى سنة سِتِّينَ وَألف عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عَتيق الحمصى الشافعى نزيل مصر الشَّيْخ الْفَاضِل كَانَ قوى الذكاء والفطنة حسن الاشارة فصيح الْعبارَة ذَا دعابة لَطِيفَة وطبع مُسْتَقِيم دخل الْقَاهِرَة فى أَيَّام شبابه واشتغل بفنون الْعُلُوم وَأخذ عَن الْبُرْهَان اللقانى والنورين على الحلبى وعَلى الاجهورى وَعبد الْجواد الجنبلاطى وحسين النمساوى وَمُحَمّد النحوى الشهير بسيبويه وَيس بن زين الحمصى وَالشَّمْس البابلى وسلطان المزاحى والنور الشبراملسى وجد واجتهد وبرع فى سَائِر الْفُنُون وفَاق أقرانه وتقوى على حل المشكلات العلمية وَألف حَاشِيَة على شرح التَّلْخِيص الْمُخْتَصر للسعد ورسائل فى فنون شَتَّى ثمَّ عرض لَهُ قَاطع عَن الْعلم واشتغل بتحصيل الدُّنْيَا وَفتح حانوتا للْبيع وَالشِّرَاء وَكَثُرت دُنْيَاهُ بِحَيْثُ أعرض عَن النّظر فى كتب الْعلم نَحْو عشْرين سنة ثمَّ طرقه طَارق الْخَيْر فَرجع الى مَا كَانَ عَلَيْهِ فى بدايته من الْجد وَالِاجْتِهَاد واشتغل بتصحيح جَمِيع مَا عِنْده من الْكتب على كثرتها وجد فى تَحْصِيل كتب الحَدِيث وكتبها بِخَطِّهِ وَكَانَ حسن الْخط وَلم يزل على هَذَا الْحَال الى أَن مَاتَ وَكَانَت وِلَادَته بحمص فى سنة عشْرين وَألف وَتوفى فى جُمَادَى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف بِمصْر وَدفن بتربة المجاورين وَرَآهُ بعض اخوانه فى الْمَنَام بعد مَوته فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ غفر لى وكتبنى عِنْده من الْعلمَاء قَالَ فَقلت لَهُ كَيفَ وَقد كنت انْقَطَعت عَن الْعلم مُدَّة فَقَالَ لى الْفضل أوسع وَمَا رَأَيْت الا كل خير وان أردْت النجَاة فى الْآخِرَة فَعَلَيْك بالاشتغال بِالْعلمِ فانه من أعظم أَسبَاب الْمَغْفِرَة عِنْد الله تَعَالَى واياك والتكلم فى أحد بِسوء فان عَلَيْك رقيبا أى رَقِيب مُحَمَّد بن عُثْمَان الملقب أَمِين الدّين الدمشقى الصالحى الهلالى أحد الموقعين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 للاحكام بالمحكمة الْكُبْرَى الاديب الشَّاعِر النَّاظِم الناثر اشْتغل فى الْعلم ثمَّ تَركه وتعانى التوقيع وَالشعر وَكَانَ لطيف الذَّات حُلْو النادرة وَمن ألطف مَا وَقع لَهُ انه كتب على خَاتمه من شعره (يَرْجُو ابْن عُثْمَان الامين الصالحى ... من ربه حسن الختام الصَّالح) وَكَانَ مغرما بالهجاء وثلب اعراض النَّاس وَقيل لَهُ مَالك لَا يكَاد يجود شعرك الا فى الهجاء فَقَالَ خاطرى لَا يغْرف الامن الْبَحْر المنتن وَحكى البورينى أَنه سَمعه مَرَّات يَقُول كل شَاعِر لَهُ عينان نضاختان فى فكره الْوَاحِد عذبة للمديح وَمَا يُضَاف اليه وَالثَّانيَِة مُنْتِنَة للهجو وَمَا يُقَاس عَلَيْهِ وَأما انا فلى عين وَاحِدَة فَقَط وهى الْعين الثَّانِيَة فانى لَا أعرف الا الهجو المثالب قَالَ فَقلت لَهُ تَبًّا لَك يَا بغيض هَل يَلِيق بك أَن تقبح محَاسِن القريض فَقَالَ هَذِه جبلة ذاتيه وطبيعة على القبيحة مبنيه وَمن شعره قَوْله فى هجو عَمه ولى الدّين البزورى (اذا رَأَيْت ولى الدّين مفتكرا ... مُنَكسًا رَأسه انسانه ساهى) (فَذَاك من أجل دُنْيَاهُ لَا الْآخِرَة ... خوفًا من الْفقر لَا خوفًا من الله) وَله فى بنى الْخطاب الَّذين كَانُوا قُضَاة مالكية بِالشَّام أهاج كَثِيرَة وَقد جمعهَا فى جُزْء خَاص وَسَماهُ قرع القبقاب فى قرعَة بن الْخطاب وَفِيه كل عَجِيبَة وكل مسَبَّة غَرِيبَة فَمن ذَلِك قَوْله (بَيت ابْن خطاب غَدا ... بَيْتا قَلِيلا خَيره) (ينْفق فِيهِ عاشق ... قَامَ عَلَيْهِ أيره) وَنظر يَوْمًا الى شُهُود محكمَة الْكُبْرَى فَوَجَدَهُمْ تِسْعَة وَهُوَ وَاحِد مِنْهُم وَوجد قضاتهم أَرْبَعَة وَمِنْهُم كَمَال الدّين أحد بنى خطاب الْمَذْكُورين فَقَالَ (قَالَت لنا الْكُبْرَى أما ... آن لكم مَا توعدون) (قضاتنا أَرْبَعَة ... لكِنهمْ لَا يعلمُونَ) (شهودنا عدتهمْ ... تِسْعَة رَهْط يفسدون) (والكتخدا والترجمان ... فى الْجَحِيم خَالدُونَ) وَمن شعره مقوله يهجو بعض الادباء (يَخُوض بعرضى من غَدا عَار دهره ... وَمن هُوَ أدنى من سجَاح واكذب) (وَمن أقعدته همة الْمجد والعلا ... وطارت بِهِ للخزى عنقاء مغرب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 (وَمن كَانَ فى عهد الحداثة نَاقَة ... يُقَاد الى أردى الانام ويركب) (وَقد كَانَ قصدى أَن أبين وَصفه ... وَلَكِن اجمال القبائح أنسب) وَدخل يَوْمًا على الخواجه الرئيس أَبى السُّعُود بن الْكَاتِب فأنشده (يَا من بِهِ رق شعرى ... وجال فى الْفِكر وَصفه) (قد مزق الدَّهْر شاشى ... وَالْقَصْد شاش أَلفه) فَأعْطَاهُ شاشا وَبِالْجُمْلَةِ فنوادره كَثِيرَة وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة عيد الْفطر سنة خمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى وَقت الضحوة الْكُبْرَى من يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشر شعْبَان سنة أَربع بعد الالف وَدفن فى قبر وَالِده فى تربة الفراديس مُحَمَّد بن عُثْمَان الصيداوى الْفَقِيه الاصولى الشافعى الْمَذْهَب نزيل دمشق كَانَ من الْعلمَاء العاملين كَامِل الْخِصَال كثير التَّقْوَى وَالصَّلَاح والورع وَكَانَ زاهدا فى الدُّنْيَا لذيذا المصاحبة خَفِيف الرّوح تميل اليه الْقُلُوب الا أَنه كَانَ حاد المزاج كثير الانفعال مَعَ صفاء السريرة وَكَانَ عُلَمَاء دمشق يعظمونه وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ بَقِيَّة السّلف خرج من بلدته صيدا وَهُوَ فى ابان الطّلب فَدخل الْقَاهِرَة وَأخذ عَن علمائها وَأقَام مُدَّة بِجَامِع الازهر وبرع فى كل الْفُنُون واشتهر صيته وَكَانَ مَعَ تغربه ذَا وجاهة وايثار على طلبة الازهر قَرَأت فى ثَبت الشَّمْس مُحَمَّد بن على المكتبى الدمشقى قَالَ لما حججْت فى سنة تسع وَخمسين وَألف اجْتمعت فى مَكَّة بِالْحَافِظِ الشَّمْس مُحَمَّد البابلى فسألنى عمر بِدِمَشْق من الْعلمَاء وَعَمن اجْتمع فى مصر حَال قِرَاءَته على مشايخه فسردتهم عَلَيْهِ وَاحِد بعد وَاحِد الى أَن وصلت فى التعداد الى شيخى الصيداوى فَبكى وَقَالَ لَيْسَ لَاحَدَّ على منَّة وَلَا فضل سواهُ لانه كَانَ يَأْتِيهِ من أَبِيه دَنَانِير من الذَّهَب فيصرفها علينا ويطعمنا بهَا لذيذ الاطعمة وَيَأْخُذ الى الاماكن المفرحة ويمزح مَعَ كل منا بِمَا يُوَافقهُ حَتَّى انه أعطانى جوخة سَوْدَاء جَاءَتْهُ من وَالِده ليلبسها وَكَانَ ذرعها أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف فَلم تكفنى على الْعَادة فطفت مصرا أتطلب فِيهَا نصف ذِرَاع لتتميمها فَلم أجد فشار على بعض الاخوان بِبَيْعِهَا وَقَالَ اشْتَرِ بدلهَا من الجوخ فَبِعْت كل ذارع مِنْهَا بِخمْس من الريال واشتريت بِبَعْض الثّمن جوخة خضراء مَعَ كافتها وَهَا أَنا لابس لَهَا الى يَوْم تَارِيخه مَعَ مَا فضل لى من الثّمن انْتهى ثمَّ قدم الى دمشق فى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَأقَام بمحلة القنوات وأقرأ وَأفَاد وَكَانَ لَا يفتر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 وَلَا يمل من المطالعة والبحث وَحضر دروس الشَّمْس الميدانى والنجم الغزى وَولده الشَّيْخ سعودى تَحت قبَّة النسْر وَلزِمَ العمادى الْمُفْتى فى دروسه أَيْضا وَكَانَ أَصْحَاب الْمجْلس يرجعُونَ الى مَا يَقُوله وَكَانَ يُطِيل الْبَحْث وَكَانَ صَوته جهورياً فَيسمع من بعيد وَرُبمَا تهور على بعض الطّلبَة فآلمه بالْكلَام وَلَا ينفعل كل الانفعال الا تلافى مَا يَقع مِنْهُ لصفاء طويته وَكَانَ لَا يُنَادى أحدا الا باسمه كَائِنا من كَانَ وَلم يلبس السَّرَاوِيل مُدَّة عمره وَكَانَ كثير التقشف فى أَمر الْعِبَادَة وَرُبمَا عارضته الوسوسة فى الضَّوْء وَالصَّلَاة ودرس فى بقْعَة بالجامع الاموى فرغ لَهُ عَنْهَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس المقرى لَيْلَة ارتحاله الى الْقَاهِرَة وَأعْطى بعض جِهَات فى بعض الاوقاف وَمن الحوالى شَيْئا قَلِيلا وَكَانَ جَمِيع ذَلِك لَا يقوم بِهِ لما كَانَ عَلَيْهِ من السخاء وَبسط الْكَفّ وَكَانَ متوكلا فى أُمُوره كلهَا واذا فاوضه أحد فى مصرفه يَقُول أنْفق مَا فى الجيب يأتى مَا فى الْغَيْب وَكَانَ كثير الشغف بايراد حَدِيث أنْفق بِلَالًا وَلَا تخش من ذى الْعَرْش اقلالا وَكَانَت وِلَادَته بِمَدِينَة صيدا فى سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير فى قبر كَانَ اشْتَرَاهُ فى حَيَاته وأعده لنَفسِهِ قبل مَوته بِنَحْوِ عشر سِنِين بِالْقربِ من قبر سيدى نصر المقدسى رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن على الهوش الدمشقى الصالحى الشافعى الْفَاضِل الاديب البارع صَاحب الرأى والمعرفة مَعَ الْخلق الْحسن والصدر السَّلِيم والتواضع وَحفظ اللِّسَان صحب جمَاعَة من أَعْيَان الْمَشَايِخ بِدِمَشْق مِنْهُم الشَّيْخ عبد الباقى الحنبلى وَالشَّمْس مُحَمَّد بن بليان وَأخذ الطَّرِيق عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَيُّوب الخلوتى ثمَّ رَحل الى مصر وَأكْثر تردده اليها وَكَانَ من أخيار التُّجَّار وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ سُلْطَان وَالشَّمْس البابلى والنور الشبراملسى وَغَيرهم وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه وَحج مَرَّات وجاور بالحرمين وَله شعر مِنْهُ قَوْله فى تخميس لامية ابْن الوردى بعد قَوْله (واله عَن آلَة لَهو أطربت ... وَعَن الامرد مرتج الكفل) (أعربت عَنهُ لُغَات الفصحا ... أَنه كالبدر بل شمس الضُّحَى) (قلت للعاذل فِيهِ اذ لحا ... ان تبدى تنكشف شمس الضُّحَى) (واذا قسناه بالبدر أفل ... ) (حل بِالْقَلْبِ وعظمى وَهنا ... وَنفى عَن ناظرى الوسنا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 (مذ تبدى ولعطفيه ثنى ... زَاد اذ قسناه بالشس سنا) (وعدلناه ببدر فاعتدل ... ) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَتوفى بِدِمَشْق لَيْلَة الْخَمِيس ثانى عشر رَجَب سنة احدى وَتِسْعين والف مُحَمَّد بن عقيل بن شيخ بن على بن عبد الله وطب بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة آخِره مُوَحدَة ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ الامام عبد الله بن علوى ابْن الاستاذ الاعظم امام الصُّوفِيَّة بديار حضر موت والقائم بوظائف السّنة فِيهَا الْمَشْهُور بِصَاحِب مديحج بميم ودال مُهْملَة ومثناة تحتية وحاء مُهْملَة وجيم تَصْغِير مدحج وَهُوَ اسْم مَسْجِد كَانَ ملازما فِيهِ الِاعْتِكَاف ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وتلاه على طَريقَة التجويد واشتغل بِعلم التَّوْحِيد وَقَرَأَ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وحقق التصوف وَأخذ الْفِقْه عَن القاضى محمدبن حسن بن الشَّيْخ على وَأخذ عَن السَّيِّد شهَاب الدّين عبد الرَّحْمَن وَالشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الله بَافضل عدَّة عُلُوم ثمَّ لزم الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن علوى مُلَازمَة تَامَّة واقتدى بِهِ فى أَحْوَاله فَكَانَ يجْتَهد فى جَمِيع الْمَقَاصِد وَكَانَ متصفا بمحاسن الاوصاف مَوْصُوفا بالورع والعفاف والزهد مواظبا على الِاعْتِكَاف والتلاوة وَكَانَ مواظبا على الْجَمَاعَة وَصلى جَمِيع الصَّلَوَات فى أول وَقتهَا وَكَانَ يحضر للصَّلَاة خَلفه خلق كثير بِحَيْثُ ان الْمَسْجِد يضيق بالمصلين وَيصلى كثير مِنْهُم فى الشَّارِع وَمن لم يكن متوضئا قبل الْوَقْت لم يدْرك مَعَه الصَّلَاة لانه يَأْمر باقامة الصَّلَاة بعد صَلَاة الرَّاتِبَة عقب الاذان وتصدى لنفع النَّاس وقصدته الْخَلَائق وَأخذُوا عَنهُ وَمِمَّنْ تخرج بِهِ السَّيِّد أَبُو بكر ابْن على معلم خرد وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن عقيل وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن عمر بارقيه وَبَنُو أَخِيه عبد الله وَعقيل وعَلى وَمُحَمّد وَأحمد وَكَانَ لَهُ اعتناء تَامّ بِكِتَاب احياء عُلُوم الدّين فَكَانَ يقْرَأ مِنْهُ جُزْءا فى كل يَوْم سوى غَيره من الْكتب وَكَانَ عَارِفًا بعدة عُلُوم وَله كرامات كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس بعد الالف وَحضر النَّاس لتشييع جنَازَته من جَمِيع النواحى حَتَّى ضَاقَتْ بهم الطّرق وَدفن بمقبرة زنبل رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد مُحَمَّد بن عقيل الامام الْكَبِير الولى الحضرمى ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته تَرْجَمَة تِلْمِيذه شيخ بن عبد الله فى السلسلة قَالَ كَانَ عَظِيم الْحَال مُنْقَطع القرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 كثير المجاهدات ملازما لِلْعِبَادَةِ متخليا عَن العلائق كلهَا لم يتَزَوَّج قطّ وَلَا غرس نخلا وَلَا بنى بَيْتا وَلَا تعلق بشئ من أَسبَاب الدُّنْيَا فِرَارًا من قَوْله ذبح الْعلم على أفخاذ النِّسَاء وَعَملا بقوله من غرس نخلا أَو بنى بَيْتا فقد ركن الى الدُّنْيَا وَهَكَذَا كَانَ وَمن تبعه من السّلف الصَّالح لم يضعوا لبنى على لبنة وَلَا قَصَبَة على قَصَبَة الى أَن فارقوا الدُّنْيَا وَسبب ذَلِك أَنهم رَأَوْا الدُّنْيَا جِسْرًا مَنْصُوبًا على نهر عَظِيم وهم عابرون راحلون عَنهُ وَلَا غرو أَن من بنى مثل ذَلِك فقد تعرض للتلف وَلَقَد سَمِعت عَن الشَّيْخ المجذوب صندل الحبشى صَاحب المخا حِكَايَة تومى الى ذَلِك وَذَلِكَ أَن بعض مُلُوك الْهِنْد أرسل الى فُقَرَاء الشَّيْخ صندل بِمَال وَأمرهمْ أَن يبنوا لَهُ بَيْتا يسكنهُ وَيكون باشارة مِنْهُ فى أى مَوضِع يُرِيد فَلَمَّا أعلموه والتمسوا مِنْهُ الاشارة الى أى مَوضِع يُرِيد ليقدموا فى الْعِمَارَة فَقَامَ وَخرج بهم الى سَاحل الْبَحْر ثمَّ أشرا الى الباحة فى الْبَحْر وَقَالَ ابْنُوا هُنَاكَ فتحيروا فى ذَلِك فسألوا الْفَقِيه على الجازانى فتعجب من ذَلِك وَأَشَارَ اليهم بالذهاب الى الْفَقِير وَكنت اذ ذَاك بالمخا عِنْد رجوعى من الْحَج فى سنة سبع بعد الالف فَقلت الله أعلم أَن مَقْصُود الشَّيْخ صندل بالاشارة الى الْبَحْر الاشارة الى فنَاء الدُّنْيَا وزوالها وان من فِيهَا كَأَنَّهُ مبْنى على أمواج الْبَحْر هَذَا مَا قَالَه الشَّيْخ شيخ وَكَانَت وَفَاة السَّيِّد مُحَمَّد فى سنة سِتّ بعد الالف مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين أَبُو عبد الله شمس الدّين البابلى القاهرى الازهرى الشافعى الْحَافِظ الرحلة أحد الاعلام فى الحَدِيث وَالْفِقْه وَهُوَ أحفظ أهل عصره لمتون الاحاديث وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها وَكَانَ شُيُوخه وأقرانه يعترفون لَهُ بذلك وَكَانَ اماما زاهدا ورعا بركَة من بَرَكَات الزَّمَان حكى أَنه رأى لَيْلَة الْقدر ودعا بأَشْيَاء مِنْهَا أَن يكون مثل ابْن حجر العسقلانى فى الحَدِيث فَكَانَ حَافِظًا نبيها مَا وَقع نظره قبل انكفافه على شئ الا وَحفظه بديها والذى عد من محفوظاته الْقُرْآن بالروايات والشاطبية والبهجة والفية العراقى فى أصُول الحَدِيث والفيه ابْن مَالك وَجمع الْجَوَامِع وَمتْن التَّلْخِيص وَغَيرهَا وَكتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة مِنْهَا فتح البارى لِابْنِ حجر وَكَانَ قدم بِهِ؟ أَبوهُ من قريتهم بابل من أَعمال مصر الى الْقَاهِرَة وَهُوَ صَغِير دون التَّمْيِيز وسنه دون ارْبَعْ سِنِين وأتى بِهِ الى خَاتِمَة الْفُقَهَاء الشَّمْس الرملى وَهُوَ مُنْقَطع فى بَيته فَدَعَا لَهُ بِخَير وَدخل فى عُمُوم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 اجازته لاهل عصره وَلما ترعرع لزم النُّور الزيادى وَالشَّيْخ على الحلبى وَالشَّيْخ عبد الرؤف المناوى وَأخذ الحَدِيث والعربية وَغَيرهمَا عَن الْبُرْهَان اللقانى وأبى النجا سَالم السنهورى والنور على الاجهورى المالكيين وَأخذ علم الاصول والمنطق والمعانى وَالْبَيَان عَن الشهَاب الغنيمى والشهاب أَحْمد بن خَلِيل السبكى والشهاب أَحْمد بن مُحَمَّد الشلبى وخاله الشَّيْخ سُلَيْمَان البابلى وَالشَّيْخ صَالح بن شهَاب الدّين البلقينى ومشايخه فى الْعُلُوم لَا يُمكن حصرهم مِنْهُم الشَّيْخ حجازى الْوَاعِظ وَالشَّيْخ أَحْمد بن عِيسَى الكلبى وَالْجمال يُوسُف الزرقانى وَالشَّيْخ عبد الله بن مُحَمَّد النحريرى وَالشَّيْخ سَالم الشبشيرى وَالشَّيْخ مُوسَى الدهشينى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الجابرى وَالشَّيْخ عبد الله الدنوشرى وَالشَّيْخ سيف الدّين المقرى وَالشَّيْخ أَحْمد السنهورى وجد واجتهد الى أَن وصل الى مَا لَا يطْمع فى الْوُصُول اليه من اهل زَمَانه أحد وَكَانَ من أحسن الْمَشَايِخ سيرة وَصُورَة وَكَانَ لَهُ فى الطَّرِيق قدم راسخ يواظب على التَّهَجُّد وَصرف عمره فى الدُّرُوس والنفع التَّام وَكَانَ قانعا باليسير عَارِفًا نَفسه كَمَال الْمعرفَة حكى بعض الاخباريين أَنه سمع عَلامَة الزَّمَان يحيى بن عمر المنقارى مفتى الرّوم يَقُول كنت وَأَنا قَاض بِمصْر وجهت الى البابلى تدريس الْمدرسَة الصلاحية بعد موت الشَّمْس الشوبرى وَهُوَ مَشْرُوط لَا علم عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة قَالَ وكتبت تقريرها وأرسلته اليه فجَاء الى وَامْتنع من قبُولهَا جدا مَعَ الاقدام عَلَيْهِ مارت وَادّعى أَنه لَا يعرف نَفسه أَنه أعلم عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة قَالَ فَقلت لَهُ حِينَئِذٍ تنظر لنا الْمُسْتَحق لَهَا من هُوَ حَتَّى نوجهها لَهُ فَقَالَ اعفنى من هَذَا أَيْضا وَانْصَرف وَذكره الشلى فى تَارِيخه الْمُرَتّب وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ قَالَ وَهُوَ مِمَّن تزينت ببديع صِفَاته الْمَدْح ونشرت على الدُّنْيَا خلع الْمنح أَقْلَام فتواه مَفَاتِيح مَا أرتج من الْمسَائِل المشكله وَالْعلم بَاب مفتاحه المسئله وَأما حَاله فى القاء الْعُلُوم وَنشر مطارف المنثور مِنْهَا والمنظوم فَكَانَ فَارس ميدانها وناظورة ديوانها ومشكاة أضوائها وعارض أنوائها وَسَهْم اصابتها وطراز عصابتها قد تأنس بِهِ معقولها ومسموعها وقرت عينا أُصُولهَا وفروعها يجرى على طرف لِسَانه حَدِيثهَا وتفسيرها وينقاد لعلم بَيَانه تنقيحها وتحريرها وطوع يَدَيْهِ تواريخها وسيرها وَنصب عَيْنَيْهِ انشاؤها وخبرها كلما أَقرَأ فَنًّا من الْفُنُون ظن السامعون أَنه لَا يحسن غَيره وَقد حج مَرَّات وجاور بِمَكَّة عشر سِنِين وَأخذ عَنهُ جماعات لَا يُحصونَ فَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ من أهل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 الْقَاهِرَة الشَّيْخ مَنْصُور الطوخى والشهاب أَحْمد البشبيشى وَالشَّمْس مُحَمَّد بن خَليفَة الشوبرى وَمن أهل الشَّام الشَّيْخ عبد الْقَادِر الصفورى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الخباز الْمَعْرُوف بالطنينى وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن على المكتبى وَمن أهل مَكَّة الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الرؤف وَالشَّيْخ عبد الله بن طَاهِر العباسى وَالشَّيْخ على الايوبى وَالشَّيْخ على بن أَبى البقا وَالشَّيْخ اسكندر المقرى وَالشَّيْخ سعيد بن عبد الله باقشير وَالشَّيْخ عدب المحسن القلعى وَالشَّيْخ ابراهيم بن مُحَمَّد الزنجبيل والشخي على باحاج وَمن أهل الْمَدِينَة شَيخنَا المرحوم ابراهيم الخيارى وَغَيرهم وَله فهرست مجمع مروياته وشيوخه ومسلسلاته جمعهَا تِلْمِيذه شيخ مَشَايِخنَا الْعَلامَة عِيسَى بن مُحَمَّد الجعفر المغربى فى نَحْو خَمْسَة كراري حصلت عَلَيْهَا من تفضلات شَيخنَا الامام أَحْمد بن مُحَمَّد النخلى المكى عِنْدَمَا أجازنى بِجَمِيعِ مروياته فى حرم الله الامين يَوْم الاربعا ثانى ذى الْحجَّة سنة احدى وَمِائَة وَألف وَمَعَ تبحره فى الْعُلُوم لم يعتن بالتأليف وألجئ الْوَزير الاعظم أَحْمد باشا الْفَاضِل الى تأليف كتاب فى الْجِهَاد وفضائله فألف فِيهِ فى أَيَّام قَليلَة كتابا حافلا أَتَى فِيهِ بالعجب من الاثار الْوَارِدَة فِيهِ وَأَحْكَامه المختصة بِهِ وَكَانَ ينْهَى عَن التَّأْلِيف وَيَقُول التَّأْلِيف فى هَذِه الازمان من ضياعة الْوَقْت فان الانسان اذا فهم كَلَام الْمُتَقَدِّمين الْآن واشتغل بتفهيمه فَذَاك من أجل النعم وَأبقى لذكر الْعلم ونشره والتأليف فى سَائِر الْفُنُون مفروغ مِنْهُ واذا بلغه ان أحدا من عُلَمَاء عصره ألف كتابا يَقُول لَا يؤلف أحد كتابا الا فى أحد أَقسَام سَبْعَة وَلَا يُمكن التَّأْلِيف فى غَيرهَا وهى اما ان يؤلف فى شئ لم يسْبق اليه يخترعه أَو شئ نَاقص يتممه أَو شئ مستغلق يشرحه أَو طَوِيل يختصره دون أَن يخل بشئ من مَعَانِيه أَو شئ مختلط يرتبه أَو شئ اخطأ فِيهِ مُصَنفه يُبينهُ أَو شئ مفرق يجمعه قلت وَيجمع ذَلِك قَول بَعضهم شَرط الْمُؤلف أَن يخترع معنى أَو يبتكر مبْنى وَحصل لَهُ عَارض فى فى عَيْنَيْهِ أذهب بَصَره قبل انْتِقَاله بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ اذا طالع لَهُ أحد حثه على الاسراع بِحَيْثُ ان السَّامع لَا يفهم مَا يقرأه القارى واذا توقف القارى فى مَحل سابقه بِالْفَتْح عَلَيْهِ حَتَّى كانه يحفظ ذَلِك الْكتاب عَن ظهر قلب وَكَانَ كثير الْعِبَادَة يواظب على قِرَاءَة الْقُرْآن سرا وجهرا وَكَانَ راتبه فى كل يَوْم وَلَيْلَة نصف الْقُرْآن وبختم يَوْم الْجُمُعَة ختمة كَامِلَة وَكَانَ كثير الْبكاء عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن وَلَا يُفَارِقهُ خوف الله فى جَمِيع الاحيان وَكَانَ يعْفُو عِنْد الاقتدار وَله خلق سهل رضى وَكَانَ مَحَله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 يشْتَمل على حكايات ونكات وَكَانَ منصفا حد الانصاف حكى لى بعض الْعلمَاء وَأَنا بِمَكَّة عَن الشهَاب البشبيشى عَن البابلى انه كَانَ يَقُول اذا سئلنا من أفضل الائمة نقُول أَبُو حنيفَة وَبِالْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيل فقد اجْتمعت فِيهِ الصِّفَات الْحَسَنَة بأسرها وَلم يكن فى وقته أرأس مِنْهُ وَلَا أروع وَلَا أَكثر تقللا قَالَ الشهَاب العجمة عِنْدَمَا تَرْجمهُ فى مشيخته وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ألف وَتوفى عصر يَوْم الثلاثا خَامِس وعشرى جُمَادَى الاولى سبع وَسبعين وَألف ورثاه شَيخنَا ابراهيم الخيارى بقصيدة طَوِيلَة ذكرهَا فى رحلته وَلم يعلق فى خاطرى مِنْهَا الا بَيت التَّارِيخ وَهُوَ (قد ختم الْعلم بِهِ ... فأرخوه الخاتمه) وَذكر لى بعض الاخوان ان أَبَا بكر الصفورى الدمشقى نزيل مصر رثاه بقصيدة مطْلعهَا (مَا أرى نَصهَا من الاطراف ... غير موت الائمة الاشراف) وَلم أَقف عَلَيْهَا بِتَمَامِهَا وَالله أعلم مُحَمَّد بن علوى بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن علوى بن أَحْمد بن أَبى بكر بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف نزيل الْحَرَمَيْنِ نادرة الزَّمَان وَعلم الْعلمَاء ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد ببندر الشحر وَحفظ الْقُرْآن ولازم قِرَاءَته وَصَحب الْعلمَاء فَأول من صَحبه الامام الْعَارِف بِاللَّه نَاصِر الدّين بن أَحْمد بن لاشيخ أَبى بكر بن سَالم وتربى فى حجره وَأخذ التصوف وَالْفِقْه عَن الْفَقِيه السَّيِّد عمر باعمر ثمَّ رَحل الى مَدِينَة الاشراف تريم وَأخذ عَن شمس الشموس زين العابدين ابْن على بن عبد الله العيدروس وَعَن السَّيِّد الْجَلِيل عبد الرَّحْمَن بن عقيل وَعَن السَّيِّد الْكَبِير أَحْمد بن حُسَيْن العيدروس والعارف بِاللَّه عبد الله بن أَحْمد الصيدروس والعارف بِاللَّه تَعَالَى زين بن حُسَيْن بَافضل وَغَيرهم ومأرمه شيخ السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن عقيل بالخلوة فى زَاوِيَة مَسْجِد الشَّيْخ على أَرْبَعِينَ فَفعل وَحصل لَهُ الْفَتْح وَظَهَرت لَهُ أُمُور ثمَّ رَحل الى قَرْيَة السادات الْمَشْهُورَة بعينات فَأخذ عَن امامها الْمُقدم الشَّيْخ الْحُسَيْن بن أَبى بكر بن سَالم وَعَن أَخَوَيْهِ الحامد وَالْحسن وَغَيرهم من السَّادة وَأخذ عَن الشَّيْخ الْعَارِف الاديب الامام حسن بن أَحْمد باشعيب الانصارى ورحل الى الْهِنْد وَأخذ عَن الشَّيْخَيْنِ السيدين الجليلين عبد الْقَادِر بن شيخ الله وَمُحَمّد بن عبد الله العيدروس وَأمره الشَّيْخ عبد الْقَادِر بالرحلة الى الشَّيْخ الولى السَّيِّد عبد الله بن على فَرَحل اليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 وَهُوَ بالقرية الشهيرة بالوهظ ولازم صحبته وَألبسهُ الْخِرْقَة وَحكمه وَأمره بِالْحَجِّ سنة تسع عشرَة وَألف فحج حجَّة الاسلام وزار جده رَسُول الله ثمَّ عَاد الى شيخ وَقد أجزل من الْفضل فَأقبل عَلَيْهِ وزوجه ابْنَته ثمَّ انْتقل شَيْخه فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف فحج عَن شَيْخه حجَّة الاسلام ثمَّ رَجَعَ الى وهط الْيمن وَأَرَادَ أَن يَجْعَلهَا محلا للوطن فَلم تطب لَهُ فَرجع الى وَطنه بندر الشحر وَكَانَ فى غَايَة الخمول وَيخْفى حَاله فَمَا مضى عَلَيْهِ زمن الا حصل لَهُ ظُهُور عَجِيب وَظَهَرت مِنْهُ خوارق واشتهر فى جَمِيع تِلْكَ الْبلدَانِ وقصده النَّاس ثمَّ قصد قطر الْحجاز وتوطن بِهِ واعتقده أَهله وانقعد على ولَايَته الاجماع وَكَانَ ملْجأ للوافدين قَالَ الشلى وَهُوَ من أدل مشايخى فى علم الْحَقِيقَة أَخذ عَنهُ الطَّرِيقَة وَلبس مِنْهُ الْخِرْقَة كَثِيرُونَ وَأما كرمه وايثاره فَكَانَ غَايَة لَا يدْرك وَله كرامات مِنْهَا استقامته على طَريقَة وَاحِدَة يواطب على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَلَا يمضى عَلَيْهِ سَاعَة الا وَهُوَ مشتغل بِطَاعَة وَمِنْهَا ان الدُّنْيَا لَا تذكر بِحَضْرَتِهِ وَلَا الْغَيْبَة وَلَا النميمة وَمِنْهَا ان من رَآهُ ذكره الله تَعَالَى وَمن شَاهده ذهل عَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمِنْهَا انه مَا دَعَا لَاحَدَّ من أَصْحَابه الا اسْتُجِيبَ دعاؤه وَمِنْهَا انى أول ملاقاتى لَهُ خطر بالبال أَن يلفننى الذّكر فَمَا اسْتمرّ خاطرى الا وَقد نظر الى وَأَقْبل بِوَجْهِهِ على ولقننى الذّكر الذى خطر وَله كرامات غير مَا ذكره وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ بَقِيَّة السّلف وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة بعد صَلَاة الْجُمُعَة لاربع عشرَة خلت من شهر ربيع الثانى سنة احدى وَسبعين وَألف وَحضر جنَازَته سُلْطَان مَكَّة فَمن دونه وَدفن شروق يَوْم السبت بمقبرة المعلاة وَعمل على قَبره تَابُوت عَظِيم وَهُوَ بِقرب قبر أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة رضى الله عَنْهَا مُحَمَّد بن على بن أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن السقاف الحضرمى كَانَ من كبار الْعلمَاء لَهُ مَنَاقِب مأثوره ومآثر مشهوره قَالَ الشلى ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن وَالِده الشَّيْخ على ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ وَصَحب جمَاعَة من العارفين وَسمع الحَدِيث وَلبس الْخِرْقَة من وَالِده وَغَيره وَحكمه وَالِده وَأَجَازَهُ بالالباس والتحكيم وَلزِمَ الطَّاعَة وَكَانَ وَالِده يثنى عَلَيْهِ كثيرا وَلما ولد رأى وَالِده وَغَيره فى جَبهته آيَة الكرسى واعتقد بعض جهلة الْعَوام انه المهدى المنتظر وَكَانَت وَفَاته فى سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف بِمَدِينَة تريم وَدفن لَهَا مُحَمَّد بن على الملقب شمس الدّين العلمى القدسى الدمشقى الْفَقِيه الحنفى وَهُوَ خَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 الشَّيْخ مُحَمَّد بن عمر العلمى الصوفى الآتى ذكره قَرِيبا ان شَاءَ الله تَعَالَى وَهَذَا يعرف بالعالم وَذَاكَ بالصوفى وَهُوَ سبط شيخ الاسلام بن أَبى شرِيف رَئِيس الْعلمَاء فى زَمَانه وَكَانَ عَالما عَاملا حسن الِاعْتِقَاد فى النَّاس وَكَانَ الين المقادسة المقيمين بِدِمَشْق عَرِيكَة وَأَحْسَنهمْ مَوَدَّة منصفا فى الْبَحْث غَايَة فى الاستحضار ذكره النَّجْم فى الذيل وَقَالَ فى تَرْجَمته طلب الْعلم فى بَلَده ثمَّ دخل الْقَاهِرَة وتفقه بهَا على الشَّيْخ أَمِين الدّين بن عبد العال وَالشَّيْخ زين بن نجيم صَاحب الاشباه وَالْبَحْر وَالشَّيْخ على بن غَانِم المقدسى وَغَيرهم وَأخذ النَّحْو عَن الشَّمْس الفارضى المصرى ثمَّ دخل دمشق وقطنها آخرا وَصَحب شَيخنَا الشَّيْخ زين الدّين بن سُلْطَان وَكَانَ يتَرَدَّد اليه كثيرا وَكَانَ يدرس ويفيد وَولى آخر أمره تدريس القضاعية الْحَنَفِيَّة بعد الشَّمْس بن المنقار وَأفْتى بعد وَفَاة شَيخنَا القاضى محب الدّين وَكَانَ فى حَيَاته يتَرَدَّد اليه وَكَانَ شَيخنَا القاضى يعظمه وَيعرف حَقه قَالَ وأنشدنى لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع شهر ربيع الاول سنة ثَمَان عشرَة وَألف قَالَ أنشدنى شَيخنَا الْعَلامَة الشَّاعِر الْجيد الْفَاضِل الشَّمْس مُحَمَّد الفارضى المصرى الحنبلى وذكران البيضاوى خطأ من أدغم الرَّاء فى اللَّام وَنسبه الى أَبى (أنكر بعض الورى على من ... أدغم فى اللَّام عِنْد رَاء) (وَلَا تخطى أَبَا شُعَيْب ... وَالله يغْفر لمن يَشَاء) وأنشدنا لَهُ (اجرر محلا وانصباً وارفعنا ... فى رَبنَا مَعَ اننا سمعنَا) وَكَانَت وَفَاته فى نَهَار الِاثْنَيْنِ السَّابِع من ذى الْقعدَة سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن على الشبراملسى المالكى الامام الْجَلِيل الْجَامِع للعلوم الذى تضلع مِنْهَا وَصرف أوقاته فى التَّحْصِيل والتفريع والتأصيل وَانْفَرَدَ فى عصره بالعلوم الحرفية والاوفاق والزايرجة وَبَقِيَّة الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَألف مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا شرح على ايساغوجى فى الْمنطق وَقد أَخذ عَن شُيُوخ مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد الشناوى الخامى وَعنهُ الشَّيْخ مسوى القليبى وَكَانَ فى سنة احدى وَعشْرين وَألف مَوْجُودا مُحَمَّد بن على المنعوت شمس الدّين بن عَلَاء الدّين بن بهاء الدّين البعلى الشهير بِابْن الفصى الْفَقِيه الشافعى مفتى ديار بعلبك وآباؤه كلهم رُؤَسَاء الْعلم بِتِلْكَ النَّاحِيَة كَانَ مَشْهُورا بِالْفَضْلِ الوافر وَله تآليف مِنْهَا شرح الْبردَة سَمَّاهُ الْخَلَاص من الشده وَكَانَ قَرَأَ على عَمه الشَّيْخ أَبى الصَّفَا فى بعلبك ورحل الى دمشق فَقَرَأَ على الشهَاب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 الطيبى الصَّغِير والشهاب العيثاوى وَرجع الى بَلَده ودرس بِالْمَدْرَسَةِ النورية وَتفرد بهَا عِنْد انْقِرَاض الْفُضَلَاء وحمدت طَرِيقَته وَأفْتى مُدَّة وَعظم شَأْنه ثمَّ لما ماست الامير مُوسَى بن على بن الحرفوش أَمِير بعلبك وَاسْتولى عَلَيْهَا الامير يُونُس ابْن عَمه بعد فتْنَة ابْن جانبولاذ رَحل الى دمشق مَعَ من رَحل من بعلبك وَسكن دمشق مُدَّة ثمَّ ألجأته الضَّرُورَة الى الرُّجُوع اليها فَلم ير من الامير يُونُس مَا كَانَ يعهده من الاقبال فَصَارَ كَاتبا محكمَة بعلبك وَأقَام بهَا وَكَانَ أديبا حسن الشّعْر وَكَانَ بَينه وَبَين الْحسن البورينى محبَّة أكيدة وَأَنا شيد وَذكره فى تَارِيخه وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وكتبت اليه مرّة مَكْتُوبًا مرغوبا وقررت فِيهِ مراما مَطْلُوبا ورقت فى صَدره هَذِه الابيات (يَا لَيْت شعرى وَالزَّمَان تنقل ... هَل نلتقى من بعد طول تفرق) (أم هَل يعود الْقرب بعد تبَاعد ... وتزول اسباب الْفِرَاق ونلتقى) (يَا قلب مهلا قد أطلت تحسرى ... وحبست فى طرفى القريح تأرقى) ( ... ومنعت عينى ان تشاهد منْظرًا ... يحلو لَهَا أَو حسن روض مونق) (أسفا على تِلْكَ الليالى ليتها ... طَالَتْ وليل الْوَصْل فِيهَا قد بقى) فَكتب الى بعد مُدَّة الْجَواب ورقم فى أَوله هَذِه الابيات مُشِيرا الى أَمر أوهم خاطره حُصُول بعض الْمُضْمرَات فَقَالَ (قَالَ العداة واكثروا لَا امهلوا ... وجوانحى حذرا عَلَيْك تحرق) (أَمْسَى وَأصْبح والها متنسما ... خَبرا بِروح نسيمه أترفق) (هَذَا ولى جسم أَسِير قلبه ... بيد الهموم ودمع عينى مُطلق) (ولسان سرى لَا يزَال مكررا ... يَا رب صنه على مِمَّا أشْفق) قَالَ فأجبته بمكتوب كتبت فى صَدره هَذِه الابيات مُشِيرا لى رد مَا توهمه من الْمُضْمرَات على حِكَايَة بعض الحساد لَا فازوا بِحُصُول مُرَاد فَقلت (كذبت ظنون الحاسدين وأخفقوا ... وتعذبوا طول المدى وتحرقوا) (لَا كَانَ مَا راموه من آمالهم ... وَتَفَرَّقُوا أيدى سبا وتمزقوا) (يلغون فى حقى وَذَلِكَ منهمو ... سَبَب لاظهار الْكَمَال مُحَقّق) (مَاذَا يروم الحاسدون من الذى ... طول الزَّمَان لَهُ الصفاء الْمُطلق) (مَا كَانَ مِنْهُ الْكسر يَوْمًا لامرئ ... من دهر مفيه انكسار موبق) (بل دأبه جبر الْقُلُوب وَهَذِه ... صفة بهَا كل الْخَلَائق تنطق) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 (يَا سيدى وَأَنا الذى أختاره ... يشفى وداد فى فؤادى يورق) (وصلت رِسَالَتك الَّتِى أبدعها ... وبضمنها روض الْكَمَال منمق) (وافت وَكنت مُسَافِرًا فلقيتها ... وَقت الْقدوم وفى الْفُؤَاد تشوق) (فقنعت مِنْهَا بِالسَّلَامِ وَمن لقا ... أهل لَهُم طول المدى أتشوق فَبَقيت مِنْهَا بِالسَّلَامِ وَمن لقا ... أهل لَهُم طول المدى أتشوق) (فَبَقيت تحفظ للصديق وداده ... واليك أحداق السَّعَادَة تحدق) وَمن شعره مَا كتبه الى البورينى أَيْضا فى صدر كتاب (يَا سادتى قسما بلطف صنيعكم ... وَهُوَ الْيَمين لَدَى لما أَحْلف) (مَا حلت عَن عهد الْمَوَدَّة لَحْظَة ... وَالله يشْهد والملائك تعرف) قلت وَأورد فى شرح الْبردَة عِنْد الْكَلَام على قَوْله (فَكيف تنكر حبا بَعْدَمَا شهِدت ... بِهِ عَلَيْك عدُول الدمع والسقم) بَيْتَيْنِ ونسبهما لنَفسِهِ وهما فى غَايَة الرقة (قلبى وطرفى ذَا يسيل دَمًا وَذَا ... دون الورى أَنْت الْعَلِيم بقرحه) (وهما بحبك شَاهِدَانِ وانما ... تَعْدِيل كل مِنْهُمَا فى جرحه) ثمَّ رأيتهما فى أَمَاكِن كَثِيرَة منسوبين للظهير الاربلى وَذكر فى بعض مروياته فى شرف الْعلم وان الارض قد حرم عَلَيْهَا أَن تَأْكُل أجساد الْعلمَاء كَمَا ورد فى الحَدِيث قَالَ أنشدنا شَيخنَا النسفى الشافعى قَالَ أنشدنا القاضى زَكَرِيَّاء قَالَ أنشدنا شَيخنَا ابْن كَمَال باشا من نظمه (لَا تَأْكُل الارض جسما للنبى وَلَا ... لعالم وشهيد الْقَتْل معترك) (وَلَا لقارئ قُرْآن ومحتسب ... أَذَانه لَا لَهُ مجْرى الْفلك) وللبهائى صَاحب الترجمه (تعلم فان الْعلم زين لاهله ... وَصَاحبه مَا زَالَ قدما مبجلا) (وانى بتقوى الله أوصيك دَائِما ... وبالجد فى الْعلم الشريف لتفضلا) (وَلَا تتركن الْعلم يَوْمًا وَكن فَتى ... حَرِيصًا على جمع الْعُلُوم فتكملا) (ويشركنى فى صَالح من دُعَائِهِ ... فظهرى بأوزار غَدا متثقلا) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته ببعلبك نَهَار الِاثْنَيْنِ سَابِع وعشرى شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَعشْرين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن على بن ابراهيم الاسترابادى نزيل مَكَّة المشرفة الْعَالم الْعَلامَة صَاحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 كتب الرِّجَال الثَّلَاثَة الْمَشْهُورَة لَهُ مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا شرح آيَات الاحكام ورسائل مفيدة وَصيته بِالْفَضْلِ التَّام شَائِع ذائع وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة لثلاث عشرَة خلون من ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف الامير مُحَمَّد بن على السيفى الطرابلسى أحد أُمَرَاء بنى سَيْفا حكام طرابلس الشَّام وولادتها الْمَشْهُورين بِالْكَرمِ والادب كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم فى هَذَا الْعَصْر كبنى برمك فى عصرهم فضلا وكرما ونبلا مَا برحوا فى طرابلس لَهُم الْعِزَّة الزاهره وَالْحُرْمَة الباهره والدولة الظاهره وهم مقصد كل شَاعِر ومورد كل مادح ومدحهم شعراء كَثِيرُونَ قصدوهم وَكَانَ يُعْطون أعظم الجوائز وَكَانَ الامير مُحَمَّد بَينهم كالفضل فى بنى برمك وَكَانَ من أهل الادب الظَّاهِر وَالْفضل السامى أديبا فَاضلا بليغا ولى حُكُومَة طرابلس بعد الامير يُوسُف السيفى الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى وبذل العطايا وَكَانَت احساناته تستغرق الْعد ويحكى عَنهُ من ذَلِك مَا يبعد وُقُوعه فَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ الاديب الشَّاعِر مُحَمَّد بن ملحة العكارى وَكَانَ من شعراء الامير المختصين بِهِ قَالَ لما دهم الامراء بنى سَيْفا الْخطب من فَخر الدّين بن معن وَركب عَلَيْهِم وحار بهم كنت اذ ذَاك فى خدمَة الامير مُحَمَّد فَمَا بَرحت أدافع عَنهُ بالمقاتلة حَتَّى لقينى رجل من عَسْكَر ابْن معن فضربنى على رجلى بِسيف فجرحها فَبعث بى الامير الى منزله وَأمر بمعالجة رجلى حَتَّى برأت وَكَانَ أَمرهم انْتهى الى الصُّلْح والصافاة فَخرج الامير يَوْمًا الى التَّنَزُّه وَأَنا مَعَه وَكَانَ الْفَصْل فصل الرّبيع وَقد أزهرت الاشجار فَجَلَست الى جَانب شَجَرَة مزهرة فسألنى عَن رجلى فَقلت قد برأت وَأُرِيد أَن أريك قوتها ثمَّ ضربت بهَا تِلْكَ الشَّجَرَة فَتَنَاثَرَ من نوارهاشئ كثير فسر بذلك وَأمر لى بجائزة من الدَّنَانِير بِمِقْدَار مَا سقط من النوار وَكَانَ شَيْئا كثيرا واختص بِهِ جمَاعَة من الشُّعَرَاء كحسين بن الجزرى الحلبى وسرور ابْن سِنِين وَكَانَ يَقع بَينهمَا محاورات بِحَضْرَتِهِ حَتَّى خَاطب الامير مُحَمَّد بن الجزرى بقوله معرضًا بسرور وَقد كَانَ انْقَطع عَن الْمجْلس أَيَّامًا (وحقك مَا تركت عَن ملال ... وسهو أَيهَا الْمولى الامير) (وَلَكِن مذ ألفت الْحزن قدما ... أنفت مواطنا فِيهَا سرُور) وأنشده بديهة فى مجْلِس شراب وسرور حَاضر وَقد ألْقى فرَاش نَفسه الى النَّار (يظنّ الْفراش اللَّيْل سجنا مُؤَبَّدًا ... عَلَيْهِ وضوء الشَّمْس من سجنه بَابا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 (كَذَاك السخيف الْعقل يقصى مهذبا ... كَرِيمًا ويدنى نَاقص الْعقل مُرْتَابا) وَطلب الامير حُسَيْنًا لَيْلَة للشُّرْب فَجَاءَهُ وَهُوَ سَكرَان فأنشده ارتجالا (يَا ابْن المكارم والعلا ... انى أريك الذَّنب منى) (فَلَقَد ثملت بليلتى ... فى منزلى من خمردنى) (وَالْعَفو من شيم الْكِرَام فان تشَاء عَفَوْت عَنى) وأنشده بديهة فى مجْلِس شراب (خلونا بدار للمدام تكَاد أَن ... تماثلها الافلاك لَوْلَا نعيمها) (فهذى الندامى كالبدور شمسها الامير وأقداح المدام نجومها ... ) وَكَانَ مَعَه فى قبولا بجبل عكار فَأوقد نَار اشعاعها مُتَّصِل بالجو فأنشده بِأَمْر مِنْهُ (كَأَن نارك يَا مولاى قلب شج ... بِهِ الصبابة تعلو حِين تشتعل) (وَمن أشعتها فى الجو أَلْسِنَة ... تَدْعُو الاله ببقياكم وتبتهل) وسافر الامير مُحَمَّد الى حلب فى عَاشر ذى الْحجَّة سنة أَربع وَعشْرين وَألف فَبلغ حَسبنَا أَن بعض حساده اكثروا الوقيعة فِيهِ عِنْده فأنشده قصيدته الْمَشْهُورَة (هلما نحييها ربى وربوعا ... وهيا نسقيها دَمًا ودموعا) وهى من أعذب شعره وأحلاه وَلَوْلَا شهرتها لذكرتها بِتَمَامِهَا وللامير مُحَمَّد بن القريض مواليا كثير وَلم أظفر لَهُ بشئ من الشّعْر وَلَعَلَّه كَانَ ينظم وَكَانَت وَفَاته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف بِمَدِينَة قونية مسموماً وَكَانَ مُتَوَجها الى الرّوم هَكَذَا رَأَيْته بِخَط الاديب عبد الْكَرِيم الطارانى وَلما بلغ ابْن الجزرى خبر وَفَاته قَالَ يرثيه (وَلما احتوت أيدى المنايا مُحَمَّد الامير بن سَيْفا طَاهِر الرّوح وَالْبدن) (تعجبت كَيفَ السَّيْف يغمد فى الثرى ... وَكَيف يوارى الْبَحْر فى طية الْكَفَن) حكى ان أُخْتا للامير مُحَمَّد سَمِعت بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فَبعثت الى ابْن الجزرى بسبعمائة قِرْش وَفرس وَكَانَ الامير الْمَذْكُورَة نظام الْبَيْت السيفى وَمن بعده تقلب بهم الزَّمَان وَخرجت عَنْهُم الْحُكُومَة وَتَفَرَّقُوا أيادى سبا وَحكى لى بعض الادباء قَالَ أخبرنى بعض الادباء قَالَ أخبرنى بعض الاخوان انه جاور مِنْهُم امْرَأَة بِدِمَشْق وَكَانَت تعرف الشّعْر حق المعرة قَالَ فسألتها يَوْمًا عَن دولتهم وَمَا كَانُوا فِيهِ من النِّعْمَة فتنهدت وأنشدت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 (كَانَ الزَّمَان بِنَا غرافا فَمَا بَرحت ... بِهِ الليالى الى أَن فطنته بِنَا) مُحَمَّد بن على بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالحريرى وبالحرفوشى العاملى الدمشقى اللغوى النحوى الاديب البارع الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ فى الْفضل نخبة أهل جلدته وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا شرح الاجرومية فى مجلدين سَمَّاهُ اللآلى السّنيَّة وَشرح شرح الفاكهى وَشرح التَّهْذِيب وحاشية شرح الْقَوَاعِد ونهج النجاه فِيمَا اخْتلف فِيهِ النحاه وَشرح الزبدة فى الاصول وطرائف النظام ولطائف الانسجام فى محَاسِن الاشعار وَغير ذَلِك قَرَأَ بِدِمَشْق وَحصل وسما وَحضر دروس العمادى الْمُفْتى وَكَانَ العمادى يجله وَيشْهد بفضله وَطَلَبه الْمولى يُوسُف بن أَبى الْفَتْح لاعادة درسه فحضره أَيَّامًا ثمَّ انْقَطع فَسَأَلَ الفتحى عَن سَبَب انْقِطَاعه فقيله انه لَا يتنزل لحضور درسك فَكَانَ ذَلِك الْبَاعِث على اخراجه من دمشق وسعى الفتحى عِنْد الْحُكَّام على قَتله بِنِسْبَة الرَّفْض اليه وَتحقّق هُوَ الامر فَخرج من دمشق الى حلب هَارِبا ثمَّ دخل بِلَاد الْعَجم فَعَظمهُ سلطانها شاه عَبَّاس وصيره رَئِيس الْعلمَاء فى بِلَاده وَكَانَ وَهُوَ بِدِمَشْق خامل الذّكر وَكَانَ يصنع القماش العنايات الْمُتَّخذ من الْحَرِير وَلذَلِك قيل لَهُ الحريرى وَكَانَ كثير من الطّلبَة يقصدونه وَهُوَ فى حانوته يشْتَغل فيقرؤن عَلَيْهِ وَلَا يشْغلهُ شاغل عَن الْعلم وَكَانَ فى الشّعْر مكثرا محسنا فى جَمِيع مقاصده وَقد جمعت من أشعاره أَشْيَاء لَطِيفَة فَمن ذَلِك قَوْله (حبانى الوجد والحرقا ... وأودع مقلتى الارقا) (وروع بالجفا قلبا ... بِغَيْر هَوَاهُ مَا علقا) (رنا بصوارم خدم ... تسمت بَيْننَا حدقا) (حمى أوراد وجنته ... بأسود خَاله ووقا) (ولاح بواضح أضحى ... لَهُ شمس الضُّحَى شفقا) (لَهُ خصر بألحاظ الورى مَا زَالَ منتطقا ... ) هَذَا كَقَوْل المتنبى (وخصر تثبت الاحداق فِيهِ ... كَانَ عَلَيْهِ من حدق نطاقا) وَفِيه تعَارض مَعَ السرى الرفاقى قَوْله (أحاطت عُيُون العاشقين بخصره ... فهن لَهُ دون النطاق نطاق) (فيا لله من بدر ... غَدا قلبى لَهُ أفقا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 (أَلا يَا حبذا زمن ... حظيت بِهِ ونلت لقا) (زمَان لم أجد مِنْهُ ... لشمل الْوَصْل مفترقا) (أهيم بسالف حلك ... وأهوى وَاضحا يققا) (تولى مسرعا عنقًا ... وَمر كطارق طرقا) (وطبع الدَّهْر لَا يبْقى ... على حَال وان رفقا) (فَكُن خلوا بِهِ فَردا ... وسرفى الارض مُنْطَلقًا) (وَكن جلد لَا ذَا مَا الدَّهْر أبدى مشربا رنقا ... ) وَقَوله (يَا ليتها اذ لم تَجِد بوصال ... سمحت بوعد أَو بطيف خيال) (جنحت لما رقش الوشاة ونمقوا ... من اننى سَالَ وَلست بسال) (كَيفَ السلو ولى فؤادى لم يزل ... بجحيم نيران الصبابة صالى) (ومدامعى لَوْلَا زفيرى لم يكد ... ينجو الورى من سحها المتوالى) (ونحول جسم وَاحْتِمَال مكاره ... وسهاد جفن وَاد كار ليالى) (فالام أظمأ فى الْهوى ومواردى ... فِيهِ سراب أَو لموع الْآل) (وَلم اختيارى عَن فؤادى كل من ... ألْقى وقلبى عِنْد ذَات الْخَال) أَخذه وَلم يحسن الاخذ من قَول الباخرزى (قَالَت وَقد فتشت عَنْهَا كل من ... لاقيته من حَاضر أَو بادى) (أَنا فى فُؤَادك فارم طرفك نَحوه ... ترنى فَقلت لَهَا وَأَيْنَ فؤادى) (هيفاء رنحها الدَّلال فأخجلت ... هيف الغصون بقدها الميال) (فى خدها الْورْد الجنى وثغرها ... يحوى لذيذ الشهد والجريال) (حجبت محياها الدجميل ببرقع ... كرقيق غيرم فَوق بدر كَمَال) (ونضت من الاجفان بيض صوارم ... نصرت بِهن وَلم تناد نزال) وَقَوله من قصيدة طَوِيلَة يتفخر فِيهَا وهى من غرر قصائده ومستهلها (الْحَمد لله أحرزت الْكَمَال وَمَا ... أرجوه مِمَّا لَدَى أهل الْعلَا حسن) (وطلت فَوق السهى قدرا ومنزلة ... أصَاب أهل المعالى دونه الوهن) (وطبت أصلا وقدرى قد زكا شرفا ... وحرت مجدا بِهِ الْعرْفَان مقترن) (ونلت فضلا بِهِ الاعداء قد شهِدت ... وأعلنت وَكفى من يُنكر العلن) (فالشمس ينكرها الخفاش لَيْسَ لَهَا ... فى ذَاك مَنْفَعَة تلفى فتمتهن) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 (أَنا ابْن قوم اذا مَا جَاءَ يسألهم ... ذُو فاقة وهبوا مَا عِنْدهم وغنوا) (يعفون عَمَّن أَتَى فى حَقهم سفها ... وهم على الْجُود وَالْمَعْرُوف قد مرنوا) (ويرغبون شِرَاء الْمجد مكرمَة ... مِنْهُم وجودا وَلَو أَرْوَاحهم وزنوا) (لَكِن دهرى لم ينْهض بكلكه ... عَنى وَلَا ارْتَفَعت من صرفه المحسن) (كَأَنَّهُ قد أتانى أَن يُذِيق بنى العلياء من بأسه الضراء اذ فطنوا ... ) (وَلم يزل قدر أهل الْجَهْل يرفعهُ ... على ذوى الْفضل طورا وَهُوَ مؤتمن) (كم قلت من ظلمه وَالنَّاس فى سَعَة ... وَالْقلب فى سجنه بالضيق مُرْتَهن) (مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمَرْء يُدْرِكهُ ... تجرى الرِّيَاح بِمَا لَا تشْتَهى السفن) وَذكره البديعى ذكرى حبيب فَقَالَ فى وَصفه امام من أَئِمَّة الْعَرَبيَّة جليل يقصر عَنهُ سِيبَوَيْهٍ والخليل وَقد أعرب كِتَابه المعنون بنهج النجاه فِيمَا اخْتلف فِيهِ النحاه عَن غزارة فَضله فانه كتاب لم تنسج يَد فكر على منواله وَلم تسمح قريحة بِمثلِهِ وَله غَيره من التصانيف المحرره والرسائل المحبره مَعَ شعر ديباجة أَلْفَاظه مصقولة وحلاوة مَعَانِيه معسوله ثمَّ أورد من شعره هَذَا القصيدة يمدح بهَا النَّجْم الحلفاوى الحلبى وأرسلها اليه من دمشق الى حلب وهى (فؤاد الْمَعْنى فى التباعد مُودع ... بحى الذى يهوى فَلَو موه أودعوا) (ففى قلبه شغل من الوجد شاغل ... وَلَيْسَ فى الْعَيْش بِالْعَبدِ مطمع) (يود بِأَن يقْضى وَلم يقْض سَاعَة ... لَهُ بالنوى لَو كَانَ ذَلِك ينفع) (وَمَا بِاخْتِيَار مِنْهُ أصبح نازحا ... وماذا الذى فِيمَا قضى الْبَين يصنع) (سأشكو من الْبَين المفرق بَيْننَا ... الى الله عل الله بالشمل يجمع) (فجسمى نحيل مذ نأى من أوده ... وعينى لطول الْبعد لم تَكُ تهجع) (فَلَو عادنى العواد لم يهدم الى ... مكانى سوى مَا من أنينى يسمع) (وَلَو عَاد من أَهْوى لعادت بِهِ القوى ... لجسم بأثواب الضنى يتلفع) (فيا لَيْت شعرى هَل أرَاهُ وَلَو كرى ... وَهل ذَلِك الماضى من الْعَيْش يرجع) (وَقد علم الاحباب انى مفارق ... حشاشة نفس ودعت يَوْم ودعوا) (وَهل هم على الْعَهْد الْقَدِيم الذى أَنا ... عَلَيْهِ مُقيم أم لذَلِك ضيعوا) (فيا سائرا يطوى المفاوز مسرعا ... فعرج وقاك الله مَا مِنْهُ تجزع) (الى حلب الشهبا وأبلغ تحيتى ... الى من لبعدى عَنْهُم أتوجع) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 (وَخص بهَا عين الافاضل بل وَمن ... على فَضله أهل الْفَضَائِل أَجمعُوا) (جلا غيهب الظلماء عَن كل شُبْهَة ... وَأَحْيَا رسوما للعلى وهى بلقع) (علا رُتْبَة من دونهَا اقتعدا السهى ... وَأصْبح كل نَحْوهَا يتطلع) (لعمرى لقد أَصبَحت للفضل منهلا ... وحضرتك العلياء للْعلم مشرع) (عَلَيْك سَلام من محب متيم ... لطول النَّوَى أحشاؤه تتقطع) (فبعدك أضناه وذكرك عِنْده ... هُوَ الْمسك مَا كررته يتضوع) وَقَوله فبه أَيْضا وَهُوَ بحلب يتشوق لدمشق (سقى جلق الفيحاء مغنى النواسم ... وجادرباها هاطلات الْغَنَائِم) (وَلَا بَرحت تهدى اليها الصِّبَا ... نسائم يزرى نشرها باللطائم) (وَلَا زَالَ يجرى فى أنيق رياضها ... جداول تنساب انسياب الاراقم) (ودامت على الاغصان تهتف بالضحى ... حمائم يشجى صدحها قلب هائم) (وَحيا الحيا تِلْكَ الْمعَاهد من فَتى ... يرى حفظ عهد الدو ضَرْبَة لَازم) (أَلا حبذا دهر نعمت بظلها ... أتيه بِهِ مَا بَين تِلْكَ المعالم) (هصرت بهَا هيف الغصون كَأَنَّهَا ... غصون أمالتها أكف النسائم) (خرائد فى ألحاظها سحر بابل ... وفى لَفظهَا للمجتلى در ناظم) (قضيت بهَا مَا تشْتَهى النَّفس نيله ... وجانبت مَا يأتى الْهوى غير واجم) (وخالست دهرى فرْصَة مَا غنمتها ... وفرصة صفو الْعَيْش أجدى الْمَغَانِم) (فمذبان عَنى من أحب وخيمت ... على الْقلب أخطار الجفا المتراكم) (وَوَلَّتْ لَيَال كنت أَحسب أَنَّهَا ... تدوم وَمَا عَيْش رخى بدائم) (تقنعت بالفكر الذى صدع الحشا ... أسامر فِيهِ سائرات النعائم) وَمن مديحها (سرى رقى اوج الْكَمَال بهمة ... وَجَاز السهى من قبل لى العمائم) (هُوَ الْبَحْر حدث عَن علاهُ وفضله ... بِمَا شِئْت من قَول فلست بزاعم) (لَهُ كرم لَو شاع فى النَّاس بعضه ... لاصبح كل جوده مثل حَاتِم) (لَهُ قلم ان جال من فَوق طرسه ... حباه درارى الافق من كف رَاقِم) (حوى رُتْبَة فى الْفضل قصر دونهَا ... بَنو الدَّهْر واستعصمت على كل حَازِم) (لقد شاد ربعا للفضائل طالما ... غَدا دارس الاركان رث الدعائم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 (بِهِ حلب فاقت على كل بَلْدَة ... وأضحت بِهِ تفتر عَن ثغر باسم) وَله ينْدب أوقاته الْمَاضِيَة (رعى الله أوقاتا بهَا كنت أَجْهَل الْفِرَاق وأياما بهَا أنكر الجفا) (تقضت كلمح الْعين أَو زور طَارق ... أَتَى مسرعا أَو بارقافى الدجى خفا) (وأبدلت مِنْهَا فرقة وتشتتا ... وبعدا وهجرا دَائِما وتأسفا) (فيا رب أنعم باللقاء لمدنف ... والا فَكُن بالحتف يَا رب مسعفا) وَمِمَّا يستجاد لَهُ قَوْله (يَا حبيبا أضحى جميل الْمعَانى ... وَهُوَ فى الْحسن مُفْرد فى الحقيقه) (قد مضى موعد بوصلك قدما ... وَهُوَ لاشك من علاك وثيقه) (قَالَ لى موعدى مجَاز فَقلت الاصل فى سَائِر الْكَلَام الحقيقه ... ) قلت معنى قَوْلهم الاصل فى الِاسْتِعْمَال الْحَقِيقَة لَيْسَ مَعْنَاهُ انه اذا دارت الْكَلِمَة بَين أَن تكون حَقِيقَة أَو مجَازًا تحمل على الْحَقِيقَة بل مَعْنَاهُ أَنه اذا علم موضوعها الحقيقى وَلم يمْنَع مَانع من ارادته لَا يعدل عَنهُ الى الْمَعْنى المجازى وَأما مَعَ جهل موضوعها الحقيقى فَتحمل على الْمجَاز قطعا لَان اسْتِعْمَال الْمجَاز فى اللُّغَة كثير بل قَالَ ابْن جنى انه أَكثر من الْحَقِيقَة قَالَ سيد الْمُحَقِّقين اثبات الْحَقِيقَة أصعب من خرط القتاد وعَلى مَا ذكر يحمل قَوْلهم الاصل فى سَائِر الْكَلَام الْحَقِيقَة وَله فى الْخَال (قَالَ لى من غَدا امام أولى الْفضل وَرب المباحث الفلسفيه ... ) (ان عندى برهَان حق على نفسى الهيو لى وَالصُّورَة الجسمية ... ) قلت هَذَا جَار على رأى الْمُتَكَلِّمين فى الرَّد على الْحُكَمَاء من أَن اثبات النقطة يسْتَلْزم نفى الهيولى وَالصُّورَة وَقد حاول محاولة عَجِيبَة وَمثل هَذَا الِاسْتِعْمَال من ذكر أَلْفَاظ الْمُتَكَلِّمين وَنَحْوهم من المهندسين والنحويين مِمَّا قَالَ فِيهِ ابْن سِنَان الخفاجى ينبغى أَن لَا يسْتَعْمل فى الْكَلَام المنظوم والمنثور قَالَ لَان الانسان اذا خَاضَ فى علم وَتكلم فى صناعَة وَجب عَلَيْهِ أَن يسْتَعْمل أَلْفَاظ أهل ذَلِك الْعلم وَأَصْحَاب تِلْكَ الصِّنَاعَة ثمَّ مثل ذَلِك بقول أَبى تَمام (مَوَدَّة ذهب أثمارها شبه ... وهمة جَوْهَر معروفها عرض) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 قَالَ ابْن الاثير فى الْمثل السائر وَهَذَا الذى أنكرهُ هُوَ عين الْمَعْرُوف فى هَذِه الصِّنَاعَة (ان الذى تَكْرَهُونَ مِنْهُ ... هُوَ الذى يشتهيه قلبى) فَقَوله لَان الانسان الخ مُسلم اليه وَلكنه شَذَّ عَنهُ ان صناعَة المنظوم والمنثور مستمدة من كل علم وكل صناعَة لنها مَوْضُوعَة على الْخَوْض فى كل معنى وَهَذَا لَا ضَابِط لَهُ يضبطه وَلَا حاصر يحصره وجود الحريرى فى قَوْله (تروم وُلَاة الْجور نصرا على العدى ... وهيهات يلقى النَّصْر غير مُصِيب) (وَكَيف يروم النَّصْر من كَانَ خَلفه ... سِهَام دُعَاء عَن قسى قُلُوب) وَهَذَا معنى تداولته الشُّعَرَاء وَالْحسن مِنْهُ قَول ابْن نباتة المصرى (أَلا رب ذى ظلم كمنت لحربه ... فأوقعه الْمَقْدُور أى وُقُوع) (وَمَا كَانَ لى الاسهام تركع ... وأدعية لَا تتقى بدروع) (وهيهات أَن ينجو الظلوم وَخَلفه ... سِهَام دُعَاء من قسى رُكُوع) (مريشة بالهدب من جفن ساهر ... منصلة أطرافها بدموع) وللحريرى (أَشْكُو الى الله لَا أَشْكُو الى أحد ... مَا نابنى من صديق يدعى الرشدا) (صافيته من ضميرى ودذى ثِقَة ... فاعتضت مِنْهُ بمذق بِاللِّسَانِ غَدا) (فعدت من بعده والدهر ذُو عجب ... لَا أصطفى فى الورى لى صاحبا أبدا) وَكَانَت وَفَاته بديار الْعَجم فى شهر ربيع الثانى سنة تسع وَخمسين وَألف والحرفوشى نِسْبَة لآل الحرفوش امراء بعلبك مُحَمَّد بن على بن عمر بن مُحَمَّد الْمَشْهُور بِابْن القارى الدمشقى الحنفى تقدم جده عمر وَابْنه حُسَيْن وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا فَاضلا نبيلا شَاعِرًا لطيفا حسن المحاضرة جيدا الْخط لَهُ كرم اخلاق وطلاقة وَجه وَكَانَ مائلا الى الصلف والفخامة ويروى عَنهُ انه كَانَ كثيرا مَا يلهج بقول بعض الكبراء أنظر يَمِينا فَلَا ارى قرينا وَشمَالًا فَلم أجد مِثَالا قَرَأَ على جده وعَلى الْمُفْتى فضل الله بن عِيسَى البوسنوى وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن الشّرف الدمشقى وتفقه بالشيخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَأخذ الحَدِيث عَن أَبى الْعَبَّاس المقرى ولازم من الْمولى عبد الله بن مَحْمُود العباسى الْمُقدم ذكره وَفرغ لَهُ جده عَن الْمدرسَة الشامية الجوانية فدرس بهَا برتبة الدَّاخِل وَولى قَضَاء الْحَج فى سنة احدى وَخمسين وَألف وسافر الى الرّوم ونال جاها وَحُرْمَة بَين أقرانه وَكَانَ ينظم الشّعْر وَرَأَيْت هذيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 الْبَيْتَيْنِ بِخَط بعض أَصْحَابه منسوبين اليه وهما (خلت الْعُيُون الراميات بأسهم ... يجرحن قلبا بالعباد معذبا) (فاعجب للحظ قَاتل عشاقه ... فى حالتيه اذا مضى واذا نبا) // وَهُوَ معنى لطيف // وَأَصله قَول ابْن الرومى (نظرت فأقصدت الْفُؤَاد بسهمها ... ثمَّ انْثَنَتْ عَنهُ فكا يهيم) (وبلادى ان نظرت وان هى أَعرَضت ... وَقع السِّهَام ونزعهن أَلِيم) وَكَانَ بَينه وَبَين أَحْمد بن شاهين مَوَدَّة الحيدة ومراسلات كَثِيرَة مِنْهَا مَا طتبه إِلَيْهِ الشاهينى فى صدر كتاب وَهُوَ فى الْحَج (سَلام كورد فاتح مونق ندى ... على منزل فِيهِ خيام مُحَمَّد) (مُحَمَّد قاضى الركب لَا زَالَ ساميا ... لاوج حجاز خدن رأى مُسَدّد) (ورد الهى ذَلِك الْوَجْه سالما ... بعيش على رغم الحواسد أرغد) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة احدى عشرَة وَألف وَتوفى وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَحكى والدى فى تَرْجَمته قَالَ مِمَّا اتّفق لَهُ مَعَه انى ذهبت أَنا واياه الى عِيَادَة مَرِيض فصادفنا عِنْده يَعْقُوب الطَّبِيب اليهودى فَلَمَّا خرجنَا خرج الطَّبِيب مَعنا فَسَأَلَهُ الْقَارئ عَن الْمَرِيض فَقَالَ رُبمَا أَنه يَمُوت الْيَوْم أَو غَدا فان نبضه سَاقِط جدا ففى ثانى يَوْم من ذَلِك مرض الْقَارئ وَمَات بعد أَيَّام وَلم تمض جُمُعَة الا والطبيب مَاتَ أَيْضا وعوفى الْمَرِيض فَذكرت قَول الْقَائِل (كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا وَمَات طبيبه وَالْعود) السَّيِّد مُحَمَّد بن على الْمَعْرُوف بالمنير الحسينى الحموى الاصل الدمشقى الشافعى الْمَذْهَب الشَّيْخ المعمر الْمُنِير الْخَيْر الْبركَة قطب وقته كَانَ من المعمرين الاخيار اتّفق أهل عصره على صَلَاحه وديانته وَكَانَ فى جَمِيع أَحْوَاله مَاشِيا على نهج الْكتاب وَالسّنة وَعمر كثيرا قيل انه جَاوز الْمِائَة وَانْقطع مُدَّة عَن الْحَرَكَة وَله كرامات وأحوال عَجِيبَة مِنْهَا مَا حَكَاهُ بعض الثِّقَات أَنه رَآهُ فى موقف عَرَفَة وَكَانَ لم يخرج فى تِلْكَ السّنة من دمشق وَذكره والدى رَحمَه الله فى ذيله وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ قَالَ وَمن شَاهد أَحْوَاله لَا يشك أَنه من الْقَوْم السالمين من الْمَحْذُور واللوم اذا حلوا ارضا أخصبت من أنواء جودهم وأضاءت بأنوار وجودهم (اذا نزلُوا أَرضًا تولى محولها ... وَأصْبح فِيهَا رَوْضَة وغدير) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 (وان رحلوا عَنْهَا غَدَتْ ورمالها ... من الْمسك طيب وَالتُّرَاب عبير) وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ بركَة الزَّمَان وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَخلف ثَلَاثَة أَوْلَاد أكبرهم السَّيِّد حسن وَتقدم ذكره فى حرف الْحَاء وأوسطهم السَّيِّد عبد الرَّحْمَن وَكَانَ عَالما عَاملا تقيا نقبا توفى فى سنة وثالثهم السَّيِّد اسحاق وَهُوَ الْآن حى مَوْجُود عَالم صَالح وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة لَا شكّ فى انهم من خِيَار أمة مُحَمَّد وَذريته وَلَقَد حكى لى بعض الاخوان عَن صَدُوق من النَّاس أَنه رأى والدهم صَاحب التَّرْجَمَة فَسَأَلَهُ عَن مرتبتهم فى الْولَايَة فَقَالَ أما حسن فَكُنَّا نتجارى نَحن واياه فسبقنا وَأما عبد الرَّحْمَن فقد وصل وَأما اسحق فع الركب مجد على الْوُصُول وَالله أعلم مُحَمَّد بن على بن عبد الله صَاحب الشبيكة ابْن عَم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن أَحْمد بن على بن مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن الاستاذ الاعظم الْفَقِيه الاجل السَّيِّد الْجمال بلفقيه الْمَشْهُور فى مَكَّة كأبيه وجده بالعيدروس ذكره الشلى فى تَارِيخه وَأطَال فى وَصفه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وتفقه على الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمى وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر الطبرى وحصب وَالِده وَغَيره من أكَابِر الاولياء وَكَانَ وَاحِد عصره وَشَيخ زَمَانه وانتهت اليه الرياسة وَكَانَ يلبس الملابس الفاخرة وتهابه الصُّدُور وَلَا ترد لَهُ شَفَاعَة وَكَانَ يُقيم بمنى الْمدَّة المديدة فتفد عَلَيْهِ الاعيان ويكرمهم بالاطعمة الفاخرة ويعمهم بخيراته وَكَانَ يعْطى العطايا الجزيلة وَكَانَت سيرته سيرة الْمُلُوك ثمَّ انخلع من تِلْكَ الْحَالة وَترك اللَّهْو وتجنب صُحْبَة أهل الظَّوَاهِر وتجرد للطاعة وَرغب فى صُحْبَة بنى عَمه من السَّادة قَالَ وَكنت مِمَّن لَازمه الى الْمَمَات ودعا لى بدعوات ظهر لى نَفعهَا وَكَانَت تقع لَهُ كرامات خوارق من جُمْلَتهَا انى كنت جَالِسا عِنْده فجَاء بدوى فسألنى عَنهُ فأشرت اليه فَلَمَّا سلم عَلَيْهِ قَالَ هَات النّذر الذى مَعَك فبهت البدوى ثمَّ قَالَ أخبرنى مَا هُوَ فَقَالَ كَذَا وَكَذَا فأكب البدوى على رجله يقبلهَا ثمَّ قَالَ لى مَا علم أحد بنذرى غير الله تَعَالَى وَمِنْهَا أَن بعض الْفُقَرَاء شكى اليه حَالَته فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ الى شرِيف مَكَّة يحصل لَك مطلوبك فَذهب الى الشريف وَأنْشد قصيدة وَافَقت مَا فى ضَمِيره فطرب لذَلِك وَأمر لَهُ بكسوة وجائزة وَمِنْهَا ان حاك مَكَّة مَاتَ وَطلب مرتبته من شرِيف مَكَّة جمَاعَة من المتأهلين لَهَا ووقفوا على بَاب الشريف ينْتَظر كل وَاحِد أَن يوليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 الْحُكُومَة وَكَانَ الامير سُلَيْمَان منديه يعْتَقد صَاحب التَّرْجَمَة فجَاء اليه وَأخْبرهُ بذلك وَكَانَ لَا يرومها لضعف حَاله فألبسه السَّيِّد ثوبا من ثِيَابه وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ الْآن الى الشريف فَأَنت حاكمها فَلَمَّا دخل على الشريف وجده مفكرا فِيمَن يوليه من الطالبين للحكومة فَلَمَّا رَآهُ انْشَرَحَ صَدره وخلع عَلَيْهِ خلعة الامارة وَمِنْهَا أَن عين مَكَّة انْقَطَعت وَقرب مجئ الْحجَّاج والبرك فارغة وَكَانَ الشريف بَعيدا فَكتب لحاكمه أَن يجْتَهد فى تملية البرك بأى وَجه أمكن وَعلم الْحَاكِم عَجزه عَن ذَلِك لقرب الْمدَّة فَأتى الى صَاحب التَّرْجَمَة وشكى اليه حَاله فَقَالَ لَهُ أعْط الْخَادِم خَمْسَة حُرُوف يتَصَدَّق بهَا على الْفُقَرَاء فَلَمَّا أَصْبحُوا أمْطرت السَّمَاء وسالت أَوديَة مَكَّة وامتلأت البرك من السَّيْل وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بعد صَلَاة الْجُمُعَة حادى عشر ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن شروق يَوْم السبت فى قبر وَالِده فى مشهدهم الشهير بالشبيكة وَكَانَت لَهُ جَنَازَة حافلة السَّيِّد مُحَمَّد بن على بن حفظ الله بن عبد الرَّحْمَن بن يحيى بن على بن أَحْمد بن عِيسَى الْحسنى النعمى وَتقدم ذكر بَقِيَّة نسبه فى تَرْجَمَة أَخِيه السَّيِّد حسن بن على النعمى كَانَ السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور جمال الْعلمَاء وتاج الْحُكَمَاء سيد جَلِيلًا وأديبا نبيلا علم الْمعَانى الحسان والناسج من وشى البلاغة مَا يقصر عَنهُ بديع الزَّمَان لَهُ الشّعْر الرَّائِق والنثر الْفَائِق عَنى بجمعه ابْن أَخِيه صفى الدّين أَحْمد بن الْحسن بن على بن حفظ الله فى ديوَان فَمِنْهُ قَوْله متغزلا (من لقلب مزاجه الاهواء ... وعيون أودى بِهن الْبكاء) (لشجى متيم مستهام ... عَمه النوح دَائِما والاساء) (يَا خليلى بالبكا ساعدانى ... فى عراص ربوعهن خلاء) (دَار ليلى وَدَار نعم وَهِنْد ... وديار تحلها أَسمَاء) (وَقفا بى هديتما لَو فواقا ... فوقوفي على الطلول شِفَاء) (أَيهَا الرَّسْم هَل تجيب سؤالا ... لمشوق أودت بِهِ البرحاء) (كَائِنا عَن وداد ليلى بهند ... وبنعم وشوقه أَسمَاء) (وَكَذَا كل مولع بحبيب ... يتكنى وَهل تفِيد الكناء) (بح غراما ان كنت حلْس وداد ... وَقل اللوم فى الحسان هذاء) (انا حلف الغرام فى كل حِين ... وفؤادى من السلو هَوَاء) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 (كلما أزمع الْفُؤَاد سلوا ... ذكرتنى وهنانة هيفاء) (ذَات قد كَأَنَّهُ غُصْن بَان ... جللته غمامة سَوْدَاء) (وعيون فواتر ساجيات ... رسل الْمَوْت بَينهَا كمناء) (قائلات لمن تمنى لقاها ... لابقاء مَعَ اللقا لابقاء) (وقدود بميلها تتثنى ... ظاميات أكفالهن رواء) (يطْمع الصب لينها فى لقاها ... وهى للصب صَخْرَة صماء) (لم أنلها بِالْعينِ الا اختلاسا ... رد عينى عَن الصِّفَات الضياء) (وعدانى عَن ازديارى حماها ... رقباها وصدها الرقباء) (فترانى أَهْوى الْمَمَات طماعا ... لازديارى مِنْهَا وَبئسَ الرَّجَاء) (أَو أَرْجَى يَوْم النشور لقاها ... وَكثير من الرَّجَاء هباء) (انما الْحبّ ذلة وغرور ... وسقام يكل عَنهُ الدَّوَاء) وَقَوله أَيْضا (سمحت بوصل المستهام العاشق ... هيفاء خصت بالجمال الْفَائِق) (بَيْضَاء صامتة الموشح طفلة ... تزرى الْقَضِيب بلين قد باسق) (من بعد مَا شحت بِطيب وصالها ... نحوى ومل تسمح بطيف طَارق) (وافت وثوب اللَّيْل أسود حالك ... فى جسم عاشقها وزى السَّارِق) (باتت ذوائبها الحسان قلائدى ... وموسدى نعم الذِّرَاع الرَّائِق) (نشكو الجوى ونبث سر غرامنا ... فى غَفلَة الرقبا ونوم الرامق) (لله من وصل هُنَالك نلته ... فى جنح ليل غيهبى غَاسِق) (فى لَيْلَة ظلما كَأَن نجومها ... فى لج بَحر أوثقت بوثائق) (من شادن غنج أغن مهفهف ... أحوى الْعُيُون بديع صنع الْخَالِق) (ملك الْفُؤَاد بدله ودلاله ... فجوانحى كجناح طير خافق) (تالله لَا أنساه لَيْلَة قَالَ لى ... لَا تنس منى مَحْض ود صَادِق) (واسأل فُؤَادك عَن فؤادى انه ... ينبيك عَمَّا جن قلب الوامق) (واليك يَا سبط المكارم حلوة ... عذرا تضوع عنبر اللناشق) (أَلْقَت اليك زمامها منقادة ... وتبرزت نَحْو اللبيب الحاذق) (فَاجْعَلْ اجازتها الْجَواب فانه ... طب الْفُؤَاد المستهام العالق) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 وَله من قصيدة مدح بهَا الامام مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقسم مطْلعهَا (سقى المنحنى صوب من المزن هاطل ... وسحت على كثب العقيق الْمسَائِل) (فألبسها من حلَّة النبت سندسا ... وماس غضاها تزدهيه الغلائل) (منَازِل أنس للاوانس حبذا ... لَدَى الصب هاتيك الرِّبَا والمنازل) (وملعب غزلان ومسرح ربرب ... وَمَا الدَّار شجو الصب لَوْلَا الأواهل) وَمِنْهَا (فيا من لصب تيمت قلبه النَّوَى ... وجار الْهوى فِيهِ وَمَا الْبَين عَادل) (تحامته أَحْدَاث الزَّمَان لانه ... بِأَكْنَافِ عز الدّين وَالْملك نَازل) وَمِنْهَا فى مدحه (وَمَا اشتبهت يَوْمًا لَدَيْهِ قَضِيَّة ... من الامر الا ظافرته الدَّلَائِل) (وَلم ينأ جَبَّار عَلَيْهِ بِجَانِب ... من الامر الا قربته الصواهل) وَمِنْهَا (تلاقى العطايا والنوائب والوغى ... ووجهك وضاح وكفك باذل) (لذَلِك لَا يلفى ببرك سَائل ... وَكَيف يلاقى حَضَرنَا وَهُوَ سَائل) وَمِنْهَا (وحسبى من التَّفْصِيل مَا أَنْت أَهله ... وفى النّيل للمرتاد شرب ونائل) (ودمت لَهُم بل للبرية عَن يَد ... وعلمك مأهول وَمَالك راحل) وَله فى النسيب (يتمتنى بجيدها والدلال ... وأباحت دمى بِغَيْر قتال) (ذَات فرع كَأَنَّهُ جنح ليل ... وجبين يحْكى ضِيَاء الْهلَال) (وسواج ينفثن سحرًا مُبينًا ... وهى للعاشقين أى نبال) (وَلها الْحَاجِب الازج قسى ... ان قَتْلَى مَا بَين تِلْكَ النصال) (غضة بضة رداح شموع ... برزت فى صفاتها والخصال) (تسلب الخشف جيده ورناه ... وتصاهى فى الافق بدر الْكَمَال) (جلّ من خصها بِحسن بديع ... وبراها شخصا بِغَيْر مِثَال) (رَوْضَة للعيون بَين رياض ... عللت بالمجلجل الهطال) (عذل العاذلون لى عَن هَواهَا ... لَيْسَ يصغى سمعى الى العذال) (لست أنسى مِنْهَا ليالى ود ... ان لله درها من ليالى) (يَوْم أعطتنى الوداد دهاقا ... وسقتنى من ثغرها السلسال) (من شنيب كَأَنَّهُ عقد در ... شيب بِالْخمرِ والمعين الزلَال) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 (فى خلاء عَن الرَّقِيب وواش ... ساعدى فرشها وفرش الدَّلال) (فلئن أسعدت على الْوَصْل غيرى ... وحمتنى اللقا وطيف الخيال) (فلكم فزت باللقاء قَدِيما ... فى ليلاتنا القدام الخوالى) (فَمن الْمبلغ السَّلَام اليها ... من كئيب حذته حَذْو النِّعَال) (وأذابته بالصدود وخلت ... مدمعيه تفيض فيض السجال) (وَعَلَيْكُم أحباب قلبى سَلام ... كل يَوْم مَا مَال فئ الظلال) (أَو تذكرت وصلكم فشجانى ... أَو سفحت الدُّمُوع فى الاطلال) وَله (تيمتنى ذَات الخدود الرهاف ... وبرتنى ذَات القدود اللطاف) (طفلة تفضح الْقَضِيب قواما ... تسبل اللَّيْل فَوق رمل الحقاف) (صور الله شخصها من ضِيَاء ... ولجين ولؤلؤ الاصداف) (أَعلَى من هوى لتِلْك ملام ... لَا وَرب الْحَدِيد والاحقاف) وَله غير ذَلِك مِمَّا يطول بِهِ ذيل الْكَلَام وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وَتوفى فى عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَسبعين وَألف بِجِهَة مور وَبهَا دفن والنعمى تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فى تَرْجَمَة الْحسن وَالله أعلم السَّيِّد مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن على النَّقِيب بن خَلِيل ابْن عماد بن زهيف بن عُثْمَان بن قيس بن على الرئيس ابْن مَنْصُور بن طَاهِر النَّقِيب ابْن المحسن بن على بن الْحُسَيْن بن حَمْزَة بن مُحَمَّد بن على بن الْحُسَيْن بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن اسحق بن ابراهيم المرتضى ابْن مُوسَى الثانى الاصغر ابْن ابراهيم المرتضى ابْن الامام مُوسَى الكاظم ابْن الامام جَعْفَر الصَّادِق ابْن الامام مُحَمَّد الباقر ابْن الامام زين العابدين على بن الامام أَبى عبد الله الْحُسَيْن بن الامام على بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه الْمَعْرُوف بالسيد القدسى وبابن خصيب الدمشقى الشافعى من فضلا الدَّهْر المعروفين ونبلائه الْمَشْهُورين وَكَانَ مَعَ كرم حَسبه وتكامل شرفه يرجع الى علم طائل وأدب باهر الا أَنه كَانَ مستخفا بِنَفسِهِ وَعِنْده طيش وَكَانَ ممسكا محبا للدنيا فَلهَذَا انخفض قدره بَين النَّاس وَسقط من مرتبَة الْفضل مَعَ انه كَانَ فى مرتبَة من الْعلم يقصر عَنْهَا أضرابه قَرَأَ بِدِمَشْق على الشَّمْس الميدانى وَغَيره ورحل الى الْقَاهِرَة فَقَرَأَ بهَا الْقُرْآن للسبع على شيخ الْقُرَّاء الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْيُمْنَى وَحضر اللقانى فى مغنى اللبيب والجاربردى وجوهرة التَّوْحِيد وَلزِمَ الشهَاب الغنيمى والبرهان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 الميمون وَأخذ عَنْهُمَا فنون الادب وَأخذ التَّفْسِير عَن الشهَاب أَحْمد بن عبد الْوَارِث البكرى والْحَدِيث عَن الْحَافِظ أَبى الْعَبَّاس الْمُقْرِئ وَكلهمْ أجازوه بالافتاء والتدريس ثمَّ قدم الى دمشق فدرس بهَا مُدَّة وانتفع بِهِ جمَاعَة ثمَّ رَحل الى الرّوم وسلك طَرِيق عُلَمَائهمْ فلازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّاء وَكَانَ لزمَه مُدَّة مستطيلة حَتَّى نَالَ مِنْهُ ذَلِك وَرَأَيْت بِخَطِّهِ قِطْعَة انشاء كتبهَا اليه أَيَّام ملازمته وفى صدرها هَذَانِ الْبَيْتَيْنِ (يَقُول لى النَّاس مذ رأونى ... أسعى لقوت منى يفوت) (قدمت سعيا فَقلت حاشا ... أَيَّام يحيى مثلى بِمَوْت) ثمَّ أعقبهما بالنثر وَهُوَ مَدين المآرب ومنتهى المطالب قصدت التَّمَسُّك بثرى أعتابك والتشرف بملازمة بابك وجنابك ليرى مَوْصُول ضميرى بِالْخَيرِ عَائِدًا واسناد خبرى فى رياض بيانك رائدا زَائِدا وَلم يبعثنى لناديك سوى فضلك وجود أياديك والعبودية الَّتِى ورثهَا العَبْد من الْوَالِد عَن الْجد فبالفعل أَنْت مصدر الْكَمَال فَلَا تتركنى بعد نَحْوك ملغى من الاعمال فقد أَصبَحت بحماك نزيلا وفى ذِمَامك خيلا وَلَقَد لقِيت ظاميا بحرا طاميا وَمن قصد الْبَحْر اسْتَقل السواقيا لَا زَالَ رَأْيك الْفَصْل جَامعا لوصل مثلى ومقدمات افضالك مُحَققَة لانتاج شكلى ثمَّ درس بِالْمَدْرَسَةِ اليونسية برتبة الدَّاخِل وَأخذ وظائف كَثِيرَة عَن أَهلهَا وهم فى الاحياء وَحكى أَن أَتَى بصندوقين من البرآت السُّلْطَانِيَّة وَآل أمره فِيهَا الى الْمَشَقَّة وَالنّصب وَلم يتَصَرَّف مِنْهَا الا بِالْقَلِيلِ وَكَانَت هَذِه الفعلة مِنْهُ أحد اسباب بغض النَّاس لَهُ وَلزِمَ الْعُزْلَة مُدَّة وَحفظ وَكتب وَكَانَ لَهُ فى فن التَّارِيخ وَالسير والوقائع جمعية عَظِيمَة وَله شعر وقفت على كثير مِنْهُ فَمِنْهُ قَوْله من // قصيدة طَوِيلَة حَسَنَة الديباجة // مطْلعهَا (سواك بقلبى لم يحلل ... وَغير مديحك لم يحل لى) (وَغَيْرك عِنْد انْعِقَاد الامور ... اذا اشتدت الْحَال لم يحلل) (قصدتك سعيا على ضامر ... حكانى نحولا وَلم ينْحل) (يكَاد يسابق برق السَّمَاء ... وَلَوْلَا وجودك لم يعجل) (وجردت من خاطرى صاحبا ... لشكوى الزَّمَان وَمَا تمّ لى) (أعاطيه كأس الْهوى مترعا ... شكاة فَأَلْقَاهُ لم يمل لى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 (وَصَحب بجلق خلفتهم ... سواهُم بقلبى لم ينزل) (وخضت بدمعى مذ فارقوا ... وبالصد منزل قلبى بلَى) (فَقلت لجارى عيونى قفا ... لذكرى الحبيب مَعَ الْمنزل) (وفتانة سمتها وَصلهَا ... فأصمت بمنظرها مقتلى) (بقد ترنحه ذابلا ... وخد بِهِ الْورْد لم يذبل) (مهاة من الْحور فى ثغرها ... رحيق الْحَيَاة مَعَ السلسل) (لختم الْجمال بِهِ شامة ... وَكَانَ عَن الْعِشْق فى معزل) (تحرش طرفى بلحظ لَهَا ... وَكَانَ عَن الْعِشْق فى معزل) (فآبت بمهجته للحمى ... أَسِير ظبا طرفها الاكحل) (ومدت شِرَاك دجا شعرهَا ... فصادت لطائر دمعى ولى) وَقَوله من أُخْرَى مستهلها (أما آن تقضى لقلبى وَعوده ... ويورق من غُصْن الاحبة عوده) (فقد شفه دَاء من الصد متْلف ... وَلَيْسَ لَهُ غير السقام يعودهُ) (وَمَا حَال مشتاق تناءت دياره ... وأحبابه مضنى الْفُؤَاد عميده) (يراقب من زور النسيم زِيَارَة ... فان جَاءَهُ يذكى الجوى ويزيده) (حكى النَّجْم بَين السحب يَبْدُو ويختفى ... اذا سَالَ أجفانا وثار وقوده) (وَلَو كَانَ يسْعَى للزيارة مُمكنا ... لسار وَلَكِن أثقلته قيوده) وَمن مقاطيعه قَوْله (جذبت بمغناطيس لحظى خَاله ... فَصَارَ لجفنى نَاظرا وعلاجا) (ومذ خَافَ من عين المراقب أنبتت ... دموع زفيرى للجفون سياجا) وقرأت بِخَطِّهِ أنشدنى الامير المنجكى بداره بِدِمَشْق فى سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف (وَلما طارت الآمال شرقا ... وغربا ثمَّ لم أر لى مغيثا) (بسطت جنَاح ذلى ثمَّ انى ... وقفت بِبَاب عزك مستغيثا) قَالَ ثمَّ بعد مُدَّة تأملتهما ومعناهما وَقلت مَا أَحَق مثلى بهما وَمَا أحلاهما وَجعلت اذ ذَاك بَيْتَيْنِ من الْوَزْن دون القافية وهما (وَلما ضَاقَتْ الايام ذرعا ... بأحوالى وَلم أر لى نَصِيرًا) (شرحت فؤاد آمالى يذل ... وَقمت بِبَاب عزته فَقِيرا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 وَكَانَت وِلَادَته فى سنة اثنتى عشرَة بعد الالف وَتوفى فى سَابِع عشر شهر ربيع الثانى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من بِلَال الحبشى رضى الله عَنهُ مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن على بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن جمال الدّين بن حسن بن زين العابدين الملقب عَلَاء الدّين الحصنى الاصل الدمشقى الْمَعْرُوف بالحصكفى مفتى الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَصَاحب التصانيف الفائقة فى الْفِقْه وَغَيره مِنْهَا شرح تنوير الابصار الْمُسَمّى بالدر الْمُخْتَار وَكَانَ شرع فى كِتَابَة شرح مطول عَلَيْهِ قدره فى عشرَة أسفار كتب مِنْهَا سفرا وَاحِدًا وصل فِيهِ الى بَاب الْوتر والنوافل وَسَماهُ خَزَائِن الاسرار وبدائع الافكار وَله شرح ملتقى الابحر سَمَّاهُ الدّرّ الْمُنْتَقى وَشرح الْمنَار فى الاصول سَمَّاهُ افاضة الانوار وَشرح الْقطر فى النَّحْو ومختصر الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّة وَالْجمع بَين فَتَاوَى ابْن نجم جمع التمرتاشى وَجمع ابْن صَاحبهَا وَله تعليقة على صَحِيح البخارى تبلغ نَحْو ثَلَاثِينَ كراسة وعَلى تَفْسِير القاضى البيضاوى من سُورَة الْبَقَرَة وَسورَة الاسراء وَغير ذَلِك من رسائل وتحريرات وَكَانَ عَالما مُحدثا فَقِيها نحويا كثير الْحِفْظ والمرويات طلق اللِّسَان فصيح الْعبارَة جيد التَّقْرِير والتحرير الا أَن علمه أَكثر من عقله ولد بِدِمَشْق وَقَرَأَ على وَالِده وعَلى الامام مُحَمَّد المحاسنى خطيب دمشق الْمُقدم ذكره ولازمه وانتفع بِهِ وَبَلغت محبته لَهُ الى أَن صيره معيد درسه فى البخارى وَأَجَازَهُ اجازة عَامَّة فى شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وارتحل الى الرملة فَأخذ بهَا الْفِقْه على شيخ الْحَنَفِيَّة خير الدّين الرملى ثمَّ دخل الْقُدس وَأخذ بهَا عَن الْفَخر بن زَكَرِيَّاء المقدسى الحنفى السالف الذّكر وَحج فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَن الصفى القشاشى وَكتب لَهُ اجازة مؤرخة بعاشر الْمحرم سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَله مَشَايِخ كَثِيرُونَ مِنْهُم الشَّيْخ مَنْصُور بن على السطوحى نزيل دمشق والاستاذ القطب ايوب الخلوتى وَالشَّيْخ عبد الباقى الحنبلى واشتغل عَلَيْهِ خلق كثير وَأخذُوا عَنهُ وانتفعوا بِهِ أَجلهم شَيخنَا الشَّيْخ اسماعيل بن على الْمدرس بن عبد الباقى الْكَاتِب وَالشَّيْخ عُثْمَان بن حسن بن هدايات وَالشَّيْخ عمر ابْن مصطفى الْوزان وَغَيرهم وحضرته ان بِحَمْد الله تَعَالَى وَهُوَ يقرى تنوير الابصار فى دَاره وَتَفْسِير البيضاوى فى الْمدرسَة التقوية والبخارى فى الْجَامِع الاموى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 وانتفعت بِهِ وَكَانَ فى أول عمره فَقير الْحَال جدا فسافر الى الرّوم فى سنة ثَلَاث وَسبعين ونهض بِهِ حَظه لاقبال الْوَزير الْفَاضِل عَلَيْهِ فولى الْمدرسَة الجقمقية ثمَّ فرغ عَنْهَا وَطلب افتاء الشَّام فناله وَقدم الى دمشق بحشمة باهرة وَاسْتمرّ مفتيا خمس سِنِين وَكَانَ متحريا فى امْر الْفتيا غَايَة التحرى وَلم يضْبط عَلَيْهِ شئ خَالف فِيهِ القَوْل الْمُصَحح وَلما توفى الشَّمْس مُحَمَّد بن يحيى الخباز الشهير بالبطنينى انْحَلَّت عَنهُ بقْعَة التحديث بِجَامِع دمشق فوجهت اليه ودرس بهَا وَعلا صيته واشتهر أمره ثمَّ سعى بعض حساده فى كِتَابَة مَا هُوَ عَلَيْهِ من الانفة وَالْخُيَلَاء وَزَادُوا أَشْيَاء وَأَرْسلُوا فى ذَلِك كتبا الى جَانب الدولة فاستقر ذَلِك فى عقول أَصْحَاب الْحل وَالْعقد وَاتفقَ انه مَاتَ فى غُضُون ذَلِك الْعَلامَة المنلا أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن الكردى الْمُقدم ذكره وَكَانَ مدرس السليمية فَعرض فِيهَا قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى عبد الله بن مُحَمَّد الطَّوِيل لنائبه شَيخنَا الْهمام أَحْمد بن مُحَمَّد المهمندارى فوجهت السليمية لشَيْخِنَا صَاحب التَّرْجَمَة ووجهت الْفتيا لشَيْخِنَا المهمندارى وَأعْطى درس التحديث عَنهُ للشمس مُحَمَّد بن مُحَمَّد العيثى وبقى على هَذَا نَحْو سنة ثمَّ سَافر الى الرّوم وَاجْتمعَ بشيخ الاسلام يحيى المنقارى وشكى اليه حَاله فَوجه اليه قَضَاء قاره وعجلون على التَّأْبِيد وَأعَاد اليه بقْعَة التحديث وَكَانَ الْوَزير الْفَاضِل يَوْمئِذٍ فى محاصرة جَزِيرَة كريت فَتوجه اليه فَلَمَّا وصل واستقبله وأكرمه وَفتحت مَدِينَة قندية وَهُوَ ثمَّة فعينه الْوَزير لخطبة الْفَتْح فى الْجَامِع الذى وسم باسم السُّلْطَان مُحَمَّد بن ابراهيم وَحصل لَهُ بذلك كَمَال الاشتهار وَوجه اليه قَضَاء حماة فَقدم الى دمشق ودرس مُدَّة ثمَّ أشيع مَوته فى الرّوم فوجهت عَنهُ الْمدرسَة السليمية وَالْقَضَاء فبقى مُدَّة صفر الْيَد ثمَّ لما مَاتَ السَّيِّد مُحَمَّد بن كَمَال الدّين بن حَمْزَة نقيب الشَّام وجهت اليه مدرسة التقوية ثمَّ سَافر الى الرّوم وأضاف اليها قَضَاء صيدا ثمَّ رَجَعَ الى دمشق وبقى يُفِيد ويدرس الى ان مَاتَ وَكَانَ مَوته يَوْم الِاثْنَيْنِ عَاشر شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَاتفقَ لَهُ قبل مَوته أَحْوَال تدل على حسن الختام لَهُ مِنْهَا انه كَانَ من حِين ابْتَدَأَ درس البخارى فى سنة مَوته يقْرَأ الْفَاتِحَة كل يَوْم فى أول درسه وَآخره ويهديها النبى فَوَافَقَ انها كَانَت ختام درسه فانه انْتهى درسه فى البخارى عِنْد آخر تَفْسِير الْفَاتِحَة فى الْيَوْم التَّاسِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان وَاتفقَ انه فى ثانى يَوْم ثَبت الْعِيد وَكَانَ يَوْم الْجُمُعَة فَحَضَرَ الى الْجَامِع وَعقد درسا حافلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 فَاجْتمع النَّاس من كل مَكَان وَقَرَأَ من تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة من صَحِيح البخارى فى حَدِيث الشَّفَاعَة الْعَامَّة وَلما اتم الدَّرْس شرع فى الدُّعَاء وَكَانَ يَقُول يَا عباد الله أوصيكم بتقوى الله والاكثار من قَول لَا اله الا الله ويكرر ذَلِك مرَارًا وَيَقُول أَكْثرُوا من ذَلِك حد الاكثار وَأَنا لَا أُرِيد مِنْكُم أَن تشهدوا لى بِفضل وَلَا علم وَلَا جاه سوى انى كنت أَقُول لَا اله الا الله وانى كنت أذكركم بهَا ثمَّ لما ختم الدُّعَاء ودع الْحَاضِرين بعبارات مرموزه وَذهب الى بَيته وَاسْتمرّ عشرَة أَيَّام فى عبَادَة وتسبيح وتهليل حَتَّى مَاتَ ورثاه جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ الامام مُحَمَّد بن على المكتبى الآتى قَرِيبا فانه رثاه بقصيدة طَوِيلَة أَولهَا (قفا يَا صاحبى على الرسوم ... نسائلها عَن الْعَهْد الْقَدِيم) (وَمَا فعلت أيادى الْخطب فِيهَا ... مَعَ الاهوال والزمن الغشوم) (ونوحا وابكيا مولى جَلِيلًا ... امام الْعَصْر فى كل الْعُلُوم) (عَلَاء الدّين حَلَال القضايا ... وحيد الدَّهْر ذَا الرأى السَّلِيم) (دَعَاهُ الله حَلَال القضايا ... مُطيعًا مسرعا نَحْو الرَّحِيم) (فوا أسفى عَلَيْهِ مدى حياتى ... وَلست على التأسف بالملوم) (وَلَوْلَا ان دمعى من حماء ... سقيت سراه كالغيث العميم) مُحَمَّد بن على بن مَحْمُود بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن ابراهيم الشامى العاملى الشهير بالحشرى الاديب الشَّاعِر البليغ الوحيد فى مقاصده الْبعيد الْغَايَة فى ميدانه ذكره السَّيِّد على بن مَعْصُوم فى السلافة واستوعب ذكر فضائله فأغنانى عَن شرح أَحْوَاله حَيْثُ قَالَ الْبَحْر الغطمطم الزخار والبدر الْمشرق فى سَمَاء الْمجد بسناء الافتخار الْهمام الْبعيد الهمة المجلوة بأنوار علومه ظلم الْجَهْل المدلهمه اللابس من مطارف الْكَمَال أطرف حلّه وَالْحَال من منَازِل الْجلَال فى أشرف حلّه فضل تغلغل فى شعاب الْعلم زلاله وتسلسل حَدِيث قديمه فطاب لراويه عذبه وسلساله وفحل رقى من أوج الشّرف أبعد مراقيه وَحل من شخص المعالى بَين جوانحه وتراقيه شاد مدارس الْعُلُوم بعد دروسها وَسَقَى بصيب فَضله حدائق غروسها وأنعش جدودها من عثارها وَأخذ من احزاب الْجَهْل بثارها ففوائده فى سَمَاء الافادة أقمار ونجوم وشهب لشياطين الانس وَالْجِنّ رجوم ان نطق صفد الْمعَانى عَن أُمَم وأسمعت كَلِمَاته من بِهِ صمم وان كتب كبت الْحَاسِد عَن كثب فجَاء بِمَا شَاءَ على الاقتراح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 وَترك أكباد أعدائه دامية الْجراح وَمَتى احتبى مُفِيدا فى صدر نَادِيه وجثت بَين يَدَيْهِ طلاب فَوَائده وأياديه رَأَيْت دأ مَاء الْعلم تقذف دُرَر المعارف غواربه وقمر الْفضل اشرقت بضياء عوارفه مشارقه ومغاربه فَيمْلَأ أصداف الاسماع درا فاخرا ويبهر الابصار والبصائر محَاسِن ومفاخرا وَأما الادب فَعَلَيهِ مَدَاره واليه ايراده واصداره ينشر مِنْهُ مَا هُوَ أذكى من النشر فى خلال النواسم بل أحلى من الظُّلم يترقرق فى ثنايا المباسم وَمَا الدّرّ النظيم الا مَا انتظم من جَوَاهِر كَلَامه وَلَا السحر الْعَظِيم الا مَا نفثت سواحر أقلامه وَأقسم انى لم أسمع بعد شعر مهيار والرضى أحسن من شعره الْمشرق الوضى ان ذكر الانسجام فَهُوَ غيثه الصيب أَو السهولة فَهُوَ نهجها الذى تنكبه أَبُو الطّيب ثمَّ قَالَ وَله على من الْحُقُوق الْوَاجِبَة شكرها مَا يفل شبايراعتى وبراعتى ذكرهَا وَهُوَ شيخى الذى أخذت عَنهُ فى بَدْء حالى وأنضيت الى مَوَائِد فَوَائده بعملات رحالى واشتغلت عَلَيْهِ فاشتغل بى وَكَانَ دأبه تَهْذِيب أدبى ووهبنى من فَضله مَالا يضيع وحنا على حنو الظِّئْر على الرَّضِيع ففرش لى حجر علومه وألقمنى ندى معلومه حَتَّى شحذ من طبعى مرهفا وبرى من نبعى مثقفا فَمَا يسح بِهِ قلمى فَهُوَ من فيض بحاره وَمَا ينْفخ بِهِ كلمى انما هُوَ من نسيم اسحاره وَأما خبر ظُهُوره من الشَّام وَخُرُوجه وتنقله فى الْبِلَاد تنقل الْقَمَر فى بروجه فانه هَاجر الى الديار العجمية بعدا بدار هلاله وانسجام وسمى فَضله وانهلاله فَأَقَامَ بهَا بُرْهَة من الدَّهْر مَحْمُود السّير والسريرة فى السِّرّ والجهر عاكف على بَث الْعلم ونشره مؤرجا الارجاء بطيبه ونشره وَلما تلت الالسن سور أَوْصَافه واجتلت الاسماع صور اتسامه بِالْفَضْلِ واتصافه استدعاه أعظم وزراء مَوْلَانَا السُّلْطَان يُرِيد بِهِ سُلْطَان الْهِنْد الى حَضرته وأحله من كنفه فى بهجة الْعَيْش ونضرته ثمَّ رغب الْوَالِد فى انحيازه الى جنابه فاتصل بِهِ اتِّصَال المحبوب بعد اجتنابه فَأقبل عَلَيْهِ اقبال الوامق الْوَدُود وَأكله بسرادق جاهه الْمَمْدُود فانتظم فى سلك ندمائه وطلع عُطَارِد فى نُجُوم سمائه حَتَّى قصد الْحَج فحج وَقضى من مَنَاسِكه العج والثج وَأقَام بِمَكَّة سنتَيْن ثمَّ عَاد فَاسْتَقْبلهُ ثَانِيًا بالاسعاف والاسعاد وَكنت قد رَأَيْته حَال عوده ببندر المخا ثمَّ رَأَيْته بِحَضْرَة الْوَالِد وَبَينهمَا من الْمَوَدَّة مَا يربى على الاخا فَأمرنَا بالاشتغال عَلَيْهِ والاكتساب مِمَّا لَدَيْهِ فَقَرَأت عَلَيْهِ الْفِقْه والنحو وَالْبَيَان والحساب وتخرجت عَلَيْهِ فى النّظم والنثر وفنون الْآدَاب وَمَا زَالَ يشنف أذنى بفرائده ويملأ اردانى بفوائده حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 حسدنا عَلَيْهِ الدَّهْر الحسود وَجرى على سجيته فى تَبْدِيل الايام الْبيض بالليالى السود فَقضى الله علينا بِفِرَاقِهِ لامور أوجبت نكس الآبل بعد اعراقه ثمَّ انشد لَهُ من شعره قَوْله (شَرق على حكم النَّوَى أَو غرب ... مَا أَنْت أول ناشب فى مخلب) (فى كل يَوْم أَنْت نهب مخالب ... أَو ذَاهِب فى اثر برق خلب) (متألق فى الجو بَين مشرق ... غص الفضاء بِهِ وَبَين مغرب) (يبكى ويضحك والرياض نواسم ... ضحك المشيب على عذارى الاشيب) (أزعمت ان الذل ضَرْبَة لَا زب ... فنشبت فى مخلاب باز أَشهب) (لعبت بلبك كَيفَ شَاءَ لَهَا الْهوى ... مقل مَتى تَجِد النواظر تلعب) (زعمت عثيمة ان قَلْبك قد صبا ... من لى بقلب مثل قَلْبك قلب) (قد كنت آمل أَن تَمُوت صبابتى ... حَتَّى نظرت اليك يَا ابْنة يعرب) (فطربت مَا لم تطربى ورغبت مَا ... لم ترغبى ورهبت مَا لم ترهبى) (وَلَقَد دلفت اليهم فى فتية ... ركبُوا من الاخطار أصعب مركب) (جعلُوا الْعُيُون على الْقُلُوب طَلِيعَة ... ورموا القفار بِكُل حرف ذعلب) (ترمى الفجاج وقلبها متصوب ... فى البيد اثر البارق المتصوب) (هوجاء مَا نفضت يدا من سبسب ... الا وَقد غمست يدا فى سبسب) (تسرى وقلب الْبَرْق يخْفق غيرَة ... مِنْهَا وَعين الشَّمْس لم تتنقب) (تطفو وترسب فى السراب كَأَنَّهَا ... فلك يشق عباب بَحر رعرب) (تفلى بِنَا فى البيد نَاصِيَة الفلا ... حَتَّى دفعت الى عقيلة ربرب) (وافتك تخلط نَفسهَا بلداتها ... وَالْحسن يظهرها ظُهُور الْكَوْكَب) (كفريدة فى غيهب أَو شادن ... فى ربرب أَو فَارس فى موكب) (تمشى فتعثر فى فضول ردائها ... بحياء بكر لَا بنشطة ثيب) وَقَوله من قصيدة (باجتلاء المدام فى الاقداح ... وبمرآة وَجهك الوضاح) (لَا تذرنى على مرَارَة عيشى ... أكل واش وَلَا فريسة لاحى) (صَاح كلنى الى المدام ودعنى ... والليالى تجول جول القداح) (لَا تخف جور حادثات الليالى ... نَحن فى ذمَّة الظبار والرماح) (طوع أيدى الخطوب رهن المنايا ... تَتَخَطَّى بهَا الى صفاحى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 (قلدتنى من المشيب لجاما ... كف رأسى شكيمة عَن جماح) (صَاح ان الزَّمَان أقصر عمرا ... من بكاء بدمنة ونواح) (رق عَنَّا ملاحف الجو فاسمح ... برقيق من طبعك المرتاح) (يَا مليك الملاح ان زَمَانا ... أَنْت فِيهِ زمَان روح وَرَاح) (طَابَ وَقت الزَّمَان فَاشْرَبْ عساه ... يَا صباحى يطيب وَقت الصَّباح) (واسقنيها سقيت فى فلق الْفجْر على نَغمَة الطُّيُور الفصاح ... ) وَقَوله (أيا ريح الصِّبَا ان جِئْت نجدا ... فجدد بالظباء الْعين عهدا) (فقد أرضعتنى ندى الامانى ... وشبت وَمَا بلغت بِهِ أشدا) (وَكم زفت الى طوال ليل ... ذوائب ذَلِك الرشأ المفدى) (وَمَا نجد وَأَيْنَ ظباء نجد ... سقى الرَّحْمَن مَاء الْحسن نجدا) وَقَوله من قصيدة (وَقد جعلت نفسى تحن الى الْهوى ... حلافيه عَيْش من بثينة أَو مرا) (وَأرْسلت قلبى نَحْو تيماء رائدا ... الى الخفرات الْبيض والشدن العفرا) (تعرف مِنْهَا كل لمياء خاذل ... هى الريم لَوْلَا ان فى طرفها فترا) (من الظبيات الرود لَو أَن حسنها ... يكلمها أبدت على حسنها كبرا) (وَآخر ان عَرفته الشوق راعنى ... بصد كأنى قد أتيت لَهُ وترا) (أناشد فِيهِ الْبَدْر والبدر غائر ... وأسأل عَنهُ الريم وَهُوَ بِهِ مغرى) (فَمَا ركب الْبَيْدَاء لَو لم يكن رشا ... وَلَا صدع الديجور لَو لم يكن بَدْرًا) (لحاظ كَانَ السحر فِيهَا عَلامَة ... تعلم هاروت الكهانة والسحرا) (وَقد هوى الْغُصْن الرطيب كانما ... كسته تلابيب الصِّبَا وَرقا نضرا) (رتقت على الواشين فِيهِ مسامعا ... طَرِيق الردى مِنْهَا الى كبدى وعرا) (أعاذلتى واللوم لؤلم ألم ترى ... كَانَ بهَا عَن كلا لائمة وقرا) (بفيك الثرى مَا أَنْت والنصح انما ... رَأَيْت بِعَيْنَيْك الْخِيَانَة والغدرا) (وَمَا للصبا يَا وَيْح نفسى من الصِّبَا ... تبيت تناجى طول لَيْلَتهَا البدرا) (تطارحه وَالْقَوْل حق وباطل ... أَحَادِيث لَا تبقى لمستودع سرا) (وتلقى على النمام فضل ردائها ... فَيعرف للاشواق فى طيها نشرا) (يعانقها خوف النَّوَى ثمَّ تنثنى ... تمزق من غيظ على قدك الازرا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 (ألم تَرَ بَان النقا كَيفَ هَذِه ... تميل بعطفيها حنوا الى الاخرى) (وَكَيف وشى غُصْن الى غُصْن هوى ... وَأبْدى فنونا من خيانته تترى) (فَمن غُصْن يدنى الى غُصْن هوى ... وَمن رشأ يُوحى الى رشأ ذكرا) (هما عذلانى فى الْهوى غير أننى ... عذرت الصِّبَا لَو تقلين لَهَا عذرا) (هبيها فدتك النَّفس راحت تسرهُ ... اليه فقد أبدته وهى بِهِ سكرى) (على أَنَّهَا لَو شايعت كثب النقا ... وشيح الخزامى انما حملت عطرا) وَمن مبدعاته قَوْله من قصيدة أُخْرَى (مَا فى التصابى على من شَاب من باس ... أما ترى جلوة الصَّهْبَاء فى الكاس) (النَّاس بِالنَّاسِ وَالدُّنْيَا بأجمعها ... فى درة تعطف الساقى على الحاسى) (يئست واليأس احدى الراحتين وَكم ... جلوت منى صدا الاطماع باليأس) مِنْهَا (فى كل غانية من أُخْتهَا بدل ... ان لم تكن بنت راس فابنة الراس) (أودعت عقلى الى الساقى فبدده ... فى كسر جفنيه أَو فى مَيْلَة الكاس) (لَا أوحش الله من غَضْبَان أوحشنى ... مَا كَانَ أبطاه عَن بَرى وايناسى) (سلمت يَوْم النَّوَى مِنْهُ وأسلمنى ... الى عدوين نمام ووسواسى) (ذكرته وهولاه فى محاسنه ... عهود لَا ذَاكر عهدى وَلَا ناسى) (وددت اذ بِعته روحى بِلَا ثمن ... لَو كنت أضْرب اخماسا لاسداس) (يَا وَيْح من أَنْت يَا لمياء بغيته ... مَا كَانَ أغناه عَن فكر ووسواس) (قَامَت تغنى بِشعر وهى حَالية ... بِهِ أَلا حبذا المكسو والكاسى) (تَقول وَالسكر يطويها وينشرها ... أى الشرابين أحلى فى فَم الكاس) (يَا حبذا أَنْت يَا لمياء من سكن ... وحبذا سَاكن الْبَطْحَاء من نَاس) (مَا ان ذكرتك الا زَاد بى طربى ... وطاب ريح الصِّبَا من طيب أنفاسى) (وَلَا ذكرت الصِّبَا وأذكرنى ... لياليا أرضعتنى درة الكاس) (وجيرة لعبت أيدى الزَّمَان بهم ... أنْكرت من بعدهمْ نفسى وجلاسى) (أَيَّام أختال فى ثوبى بلهنية ... وميعة من شباب ناعم عاس) (عَار من الْعَار حَال بالصبا كاسى ... كأننى وَالصبَا فى برد أَخْمَاس) (أنضيت فِيهِ مطايا الْجَهْل والباس ... عريت مِنْهُ وَمَا عريت افراسى) (فى صبية كنجوم اللَّيْل اكياس ... كَانَ ايامهم ايام اعراس) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 (أسمو اليهم سمو النّوم للراسى ... أدب فيهم دَبِيب السكر فى الحاسى) (باتوا بميثاء صرعى لاحراك بهم ... وانما صرعتهم صدمة الكاس) (يَا عاذلى أَنْت أولى بى فَخذ بيدى ... فَأَنت أوقعتنى فيهم على راسى) (وَيَا حمام اللوى هلا بَكَيْت معى ... على زمَان تقضى أَو على نَاس) وَقَوله من أُخْرَى (أتراك تهفو للبروق اللمع ... وتظن رامة كل دَار بلقع) (لَوْلَا تذكر من ذكرت برامة ... مَا حسن قلبى للوى والاجرع) (ريم بأجوبة الْعرَاق تركته ... قلق الوساد قرير عين المضجع) (فى السِّرّ من سعد وَسعد هَامة ... رعناء لم تصدع وَلم تتضعضع) مِنْهَا (قَالَت وَقد طَار المشيب بلبها ... أنشبت فى حلق الْغُرَاب الابقع) (وتلفتت وَالسحر رائد طرفها ... نَحْو الديار بمقلة لم تخشع) (وَلكم بعثت الى الديار بمقلة ... رجعت تعثر فى ذيول الادمع) (عرفت رسوم الدَّار بالمتربع ... فَبَكَتْ وَلَوْلَا الدَّار لم تتقشع) وَله وهى من غرره (أَرَأَيْت مَا صنعت يَد التَّفْرِيق ... أعلمت من قتلت بسعى النوق) (رَحل الخليط وَمَا قضيت حُقُوقهم ... بمنى النُّفُوس وَمَا قضين حقوقى) (عَلقُوا بأذيال الرايح ووكلوا ... للبين كل معرج بفريق) (وغدوت أصرف ناجذى على النَّوَى ... واغص من غيظ الوشاة بريقى) (هجروا وَمَا صنع الشَّبَاب بعارضى ... عجلَان مَا علق المشيب بزيقى) (فكاننى والشيب أقرب غَايَة ... يَوْم الْفِرَاق كرعت من راووق) (لَا راق بعدهمْ الْخِيَار لناظرى ... ان حن قلبى بعدهمْ لرحيق) (لعب الْفِرَاق بِنَا فشرد من يدى ... ريحانتى صديقتى وصديقى) (لله ليلتنا وَقد علقت يدى ... مِنْهُ بعطف كالقناة رَشِيق) (عاطيته حلب الْعصير وصدنا ... عَن وَجه حاجبنا يَد التعويق) (مَا كَانَ أسْرع مَا وحته وانما ... دهش السقاة بِهِ عَن الترويق) (أيقظته وَاللَّيْل ينفض صبغه ... وَالسكر يخلط شائقا بمشوق) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 (وَالنَّوْم يعبث بالجفون وَكلما ... رق النسيم قست قُلُوب النوق) (والبرق يعثر بالرحال وللصبا ... وقفات مصغ للْحَدِيث رَفِيق) (فأجابنى وَالسكر يعجم صَوته ... والكاس تضحك للثنايا الروق) (لَوْلَا الرَّقِيب هرقت مضمضة الْكرَى ... وغصصت صَافِيَة الدنان بريقى) (ثمَّ انثنيت وزلفه بيد الصِّبَا ... وشميمه فى جيبى المفتوق) وَله (آه يَا غُصْن النقا مَا أميلك ... جلّ يَا غُصْن النقا من عدلك) (قد قضى لى بتباريح الجوى ... من قضى بالحب لى وَالْحسن لَك) (أكل الْحبّ فؤادى بَعْدَمَا ... لاك منى مَا تمنى وعلك) (هلك الشامى وجدا وأسى ... مَا يبالى يَا حياتى لوهلك) (قل لى فِيك غراما وجوى ... قلل الله عذولا قللك) (حكم الله لفودى على ... نُسْخَة الشيب وتسويد الحلك) (أَترَاهُم قدرووا أى دم ... هرق الواشى على تِلْكَ الْفلك) (يَا غراب الْبَين لَا كنت وَلَا ... كَانَ واش دب فيهم وسلك) (أخذُوا منى وأعطوا مَا اشتهوا ... مَا كَذَا يحكم فِينَا من ملك) (جرت فى الحكم على أهل الْهوى ... لَا تخف فالامر لله وَلَك) (لَيْت شعرى أمليك فى الورى ... أَنْت يَا انسان عينى أم ملك) (حكم الدَّهْر علينا بالنوى ... هَكَذَا تفعل أدوار الْفلك) وَله (آه من داءين باد ودخيل ... وخصيمين مشيب وعذول) (مَا على من طَال ليلى بعدهمْ ... لَو أعانونى على ليلى الطَّوِيل) (عَاجل الْقلب اليهم ناظرى ... مَا أضرّ الْحسن بِالْقَلْبِ العجول) (نادمت مِنْهُم بنانى ناجذى ... واستشاط الوجد فى اثر الحمول) (وبأكناف الْمصلى غادة ... سنحت لى مسخ الظبى الجذول) (عرضت شَرط المفدى فى مهى ... يتعثرن بأطراف الذيول) (قد عرفنَا وَقْفَة الركب دجى ... فى سنا الْجور وأنفاس الْقبُول) (اذ شفيعى عِنْد لمياء الصِّبَا ... ورسولى خلسة اللحظ الكليل) (نظرت نحوى ورقراق السنا ... يخطف الابصار عَن طرف كحيل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 (حكم الله لقلبينا على ... قلق القرط ووسواس الحجول) (زَاد شوقى يَا حمامات اللوى ... عللينا ببكاء وعويل) (أَنا أولى بنواح وبكا ... لَا يزالانى كوجدى وغليل) (لَيْت شعرى والامانى ضلة ... هَل صبا نجد الى الغيد رَسُول) (يَا صبا نجد وَمن لى لَو وعت ... رَجَعَ قولى أَو أصاخت لسؤول) (أَنْت أدرى يَا هناتى بالجوى ... خبريهم يَا لَك الْخَيْر وَقَول) (لَو رأى وَجه سليمى عاذلى ... لتفارقنا على وَجه جميل) (بشرت سلمى عذولى بالنوى ... آه مِمَّا أودعت سمع العذول) وَله (كلينى لَهُم لَا ينَام ونامى ... فَمَا الشَّام ان ضَاقَتْ على بشام) (وَمَا بى سوى أم رؤم وجيرة ... عزاز علينا يَا عثيم كرام) (وَقد كنت قبل الْبَين جلدا على الاسى ... تطالبنى نفسى بكر مرام) (لصوقا بأكباد الحسان محببا ... الى الغيد يحلو لى لَهُنَّ كلامى) (يقودوننى قَود الجنيب الى الْهوى ... فَمَا لى منبوذ الى ذمامى) (وفى الركب مَدْلُول اللحاظ الى الحشا ... يدافع عَن أترابه ويحامى) (لقد كمنت أم المنايا بلحظه ... كمون المنايا فى شَفير حسام) (يشايعه من آل كسْرَى ضراغم ... براثنهم عِنْد اللِّقَاء دوامى) (يروحون والتيجان فَوق رؤوسهم ... أَلا رب تيجان زهين بهام) (برزت لَهُم الحتف منى على شفا ... أرى الحتف خلفى تَارَة وأمامى) (أوارب عَن صحبى وَأعلم أننى ... لاول مقتول لاول رامى) (فناضلته والركب بَين مفوق ... وَآخر مقروح الجوانح دامى) (أَصَابَت وَكَانَت لَا تصيب سهامه ... وطاشت وَكَانَت لَا تطيش سهامى) (كَذَا الغيد يَا عثماء اما مجاهر ... واما ختول لَا يفى بذمام) وَله (لَا يتهمنى العاذلون على البكا ... كم عِبْرَة موهتها ببنانى) (يَا من يفندنى على ابْنة وَائِل ... عَنى اليك فَغير شَأْنك شانى) (آلَيْت لَا فتق العذول مسامعى ... يَوْمًا وَلَا خاط الْكرَى أجفانى) (قَالَت عثيمة قد كَبرت عَن الصِّبَا ... مَا للكبيرة وصبوة الشبَّان) (مَا الشيب الا كالقذاة لناظرة ... فقليله وَكَثِيره سيان) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 (سلبت أساليب الصبابة من يدى ... صبرى وأغرت ناجذى ببنان) وَله (طرقت تخطى رَقَبَة الواشين بى ... وعيونهم مطروقة بكراها) (وَأَنا وموار الْيَدَيْنِ نلوذ فى ... سجف الْغَمَام كأننا طنباها) مِنْهَا (هَل فى الْقَضِيَّة أَن يشايعك العدا ... فى لَيْلَة نَاجَيْت فِيك سهاها) (هَب أَن للشامى فِيهَا بالسهى ... نسبا فَأَيْنَ هم وَأَيْنَ دجاها) (لَيْت الَّتِى بعثت الى خيالها ... أَذِنت لعينى أَن تذوق كراها) وَله غير ذَلِك مِمَّا لَا تنتهى بدائعه وَكَانَت وَفَاته فى نَيف وَتِسْعين وَألف مُحَمَّد بن على بن سعد الدّين بن رَجَب بن علوان الْمَعْرُوف بالمكتبى الدمشقى الْخَطِيب الامام الشافعى الْمَذْهَب كَانَ من أجل عُلَمَاء الزَّمن مُحدثا فَقِيها اخباريا أديبا لَهُ نظم ونثر وَكَانَ حسن الاخلاق صَدُوقًا ثَبت الرِّوَايَة جمع لنَفسِهِ مشيخة وقفت عَلَيْهَا بِخَطِّهِ ونقلت مِنْهَا بعض تراجم أشياخه فَمنهمْ وَالِده وَالشَّيْخ مُحَمَّد الميدانى والنجم مُحَمَّد الغزى وَالشَّيْخ على النجار الصالحى وَالشَّيْخ على القبردى والشيح يحيى الفرضى والكمال العيثاوى وَالسَّيِّد ابراهيم الصمادى وَالشَّيْخ ابراهيم الحلبى العلوانى امام الصابونية بِدِمَشْق والشهاب أَحْمد العرعانى وَهَؤُلَاء كلهم شافعيون وَمن الْحَنَفِيَّة العمادى الْمُفْتى والشهاب أَحْمد البهنسى وَالْمولى يُوسُف بن أَبى الْفَتْح والاديب أَحْمد ابْن شاهين وَالشَّيْخ رَمَضَان العكارى وَالشَّيْخ أَيُّوب الخلوتى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الحزرمى الْبَصِير وَمن الْحَنَابِلَة الشَّيْخ عبد الباقى الْمُفْتى والشهاب أَحْمد الوفائى وَمن الْمَالِكِيَّة أَبُو الْقَاسِم المغربى وَهَؤُلَاء كلهم دمشقيون وَأخذ عَن أَبى الْعَبَّاس المقرى وَشَيخنَا الشَّيْخ يحيى الشاوى وَحج فى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَأخذ بِمَكَّة عَن الْجمال مُحَمَّد على بن عَلان الصديقى ثمَّ حج ثَانِيًا فى سنة تسع وَخمسين وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَن الصفى القشاشى وبمكة عَن الشَّمْس البابلى وَدخل الْقُدس وَأخذ بهَا عَن مفتى الْحَنَفِيَّة بهَا الشَّيْخ عبد الْغفار وَولى امامة السنانية وخطابة السيبائية وَكَانَ لَهُ كرسى وعظ بِجَامِع بنى أُميَّة وبالسنانية ودرس الجامعين الْمَذْكُورين كثيرا وانتفع بِهِ جمَاعَة وَكَانَ جهورى الصَّوْت فصيح الْعبارَة فى وعظه وَكَانَ فَقِيرا كثير العائلة صَابِرًا قنوعا سخى الطَّبْع مجدا فى الْعِبَادَة فى وعظه وَكَانَ فَقِيرا كثير العائلة صَابِرًا قنوعا سخى الطَّبْع مجدا فى الْعِبَادَة والمطالعة ونفع النَّاس لَا يمل وَلَا يكل وَكَانَ للنَّاس فِيهِ محبَّة لتواضعه وكرم اخلاقه وَله أشعار كَثِيرَة غالبها فى الْمَدْح والرثا وَبِالْجُمْلَةِ ففضله لَا يحْتَاج الى شَاهد وَكَانَت وِلَادَته فى الْيَوْم السَّابِع عشر من ذى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 الْقعدَة سنة عشْرين بعد الالف وَتوفى نَهَار السبت ثانى عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عمر بن فواز الملقب شمس الدّين الدمشقى الشافعى كَانَ فَاضلا أديبا لطيف الذَّات حسن الْخلال عذب الْفَاكِهَة لَهُ مُشَاركَة فى عدَّة فنون وَله شعر // حسن لطيف السبك // أَخذ بِدِمَشْق عَن الْعَلامَة العمادى الحنفى ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا سِنِين وَصَحب أفاضلها الْمَشَاهِير وَلزِمَ الاديب مُحَمَّد الفارضى الْمَشْهُور وروى عَنهُ منظومات كَثِيرَة وَرجع الى دمشق ودرس بِبَعْض الْمدَارِس وَكَانَ كثيرا مَا يألف الشَّيْخ مُحَمَّد الحجازى مفتى الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وَولده عبد الْحق وَكَانَ عبد الْحق يقْرَأ عَلَيْهِ وانتفع بِهِ وَكَانَ يراسله فَمَا كتبه الفوازى اليه وَقد انْقَطع عَن صحبته أَيَّامًا لجفوة صدرت مِنْهُ وتعتب عَلَيْهِ فى المهاجرة (يَا غَائِبا والذنب ذَنْبك ... متعتبا الله حَسبك) (لَا تبعدن فانما ... أمْلى من الايام قربك) وَقد ذكره البورينى فى تَارِيخه وَأحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَكَانَ عندنَا فى يَوْم قد هَب نسيمه وَصَحَّ بِوَصْف السَّلامَة سليمه فَقَرَأَ بعض الاصحاب هَذَا الْبَيْت من كتاب الصادح والباغم لِابْنِ الهبارية وَظَاهره لَا يَخْلُو من شئ على مُقْتَضى الشَّرِيعَة المحمدية وَالْبَيْت هَذَا (وَلَيْسَ فى الْعَالم ظلم جارى ... اذ كَانَ مَا يجرى بِأَمْر البارى) فأظهر اشكاله وأودع حَقِيقَة الْحق أَقْوَاله فَقَالَ (هَذَا كَلَام ظَاهر الاشكال ... ظَاهره لم يخل من مقَال) (اذ عَالم الْكَوْن مَعَ الْفساد ... كم قد حوى كفرا على عناد) (وَكم بِهِ ظلم على اعتداء ... وَالله لَا يَأْمر بالفحشاء) (ومدعى هَذَا أَتَى بهتانا ... اذ قَوْله يصادم القرآنا) (مُنَاقض فَائِدَة الارسال ... وَحِكْمَة التَّكْلِيف بالاعمال) (كَقَوْلِه لَا تقربُوا أقِيمُوا ... فظلمنا مرتعه وخيم) (فان أَرَادَ الْعلم والاراده ... بالامر فَهُوَ ظَاهر الافاده) (وهى صِفَات رَبنَا فى الْقدَم ... وَالظُّلم فى فعل الْعباد فَاعْلَم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 (وربنا منزه عَن ظلم ... اذ فعله عَن حِكْمَة وَعلم) (وَمَا جرى فى الْكَوْن بالتقدير ... مَعَ القضا فى سَائِر الامور) (وَالله سمى الْبَعْض ظلما حَقًا ... فَلَيْسَ من يُنكره محقا) (وَكم حوى الْقُرْآن ذمّ الظَّالِمين ... وكل من خَالف نهج الْمُؤمنِينَ) (وَيجب الايمان بِالْقضَاءِ ... وَلم يكن سرا بِلَا امتراء) (وَامْتنع الرضاء بالمقضى ... اذ كَانَ شَيْئا لَيْسَ بالمرضى) (كَقَوْل أهل الْعلم وَهُوَ الصدْق ... ان الرِّضَا بالْكفْر كفر حق) (فَلَا تجوز الرِّضَا بالظلم ... أنكر وَلَو بِالْقَلْبِ يَا ذَا الْفَهم) (هَذَا جَوَاب حسن مُحَقّق ... وَالله مَوْلَانَا هُوَ الْمُوفق) وَمن نظمه مَا يتَعَلَّق بِأَكْل المكيفات من البرش مضمنا (بالكيف تظهر اخلاق الرِّجَال لنا ... لَا بالصنائع والهيئات والحرف) (والكيف كَيْفيَّة للنَّفس تخبرنا ... عَن خلق صَاحبهَا اخبار معترف) (فانه الرّيح ان مرت على عطر ... طابت وتخبث ان مرت على الْجِيَف) وَفِيه تضمين مَعَ نقل وَأَصله (لَا تشرب الراح الا مَعَ أخى ثِقَة ... واختر لنَفسك حرا طيب السّلف) (فالراح كَالرِّيحِ ان مرت على عطر ... طابت وتخبث ان مرت على الْجِيَف) قَالَ وَمِمَّا قرأته لَهُ بِخَطِّهِ فى طلب سفينة شعر من بعض اخوانه (يَا سيدا فى المعالى ... لَهُ أياد مبينه) (انى بك الْبر فَابْعَثْ ... يَا بَحر نحوى سَفِينِهِ) (لَا زلت تهدى دواما ... لى اللآلى الثمينة) ورحل آخر أمره الى مَكَّة وجاور بهَا وَكَانَ سَبَب رحلته ان رجلا من أجناد دمشق أَخذ لَهُ صرا بِمَكَّة المشرفة فى كل سنة مَا يقرب من ثملثمائة دِينَار هبه فَرَحل اليها وتديرها وقرأت بِخَط البورينى قَالَ لما عزم على الرحيل الى ذَلِك الجناب وصمم على ترك الاقامة بِاخْتِيَار الذّهاب ذهبت اليه مودعا وأنشدته متوجعا مرتجلا فى نظمه مظهر الهيب الْفِرَاق بعد كتمه مضمنا الْبَيْت الاخير لابى الْحسن التهامى مودعا لَهُ فى غُضُون كلامى فَقلت (فَازَ ابْن فواز فَفَارَقَ جلقا ... وَغدا بِمَكَّة جَار أكْرم جَار) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 (وغدوت فَردا فى دمشق لبعده ... متجرعا غصصا لِجَار الدَّار) (جَاوَرت أعدائى وجاور ربه ... شتان بَين جواره وجوارى) وَلم يذكر وَفَاته فى تَارِيخه وَقد كنت فحصت عَنْهَا فرأيتها فى مَجْمُوع بِخَط عبد الْكَرِيم الطارانى الْمُقدم ذكره قَالَ فِيهِ ان وَفَاته كَانَت بِمَكَّة فى أَوَائِل ذى الْحجَّة سنة خمس بعد الالف وَمَات وَله من الْعُمر نَيف وَخَمْسُونَ سنة تَقْرِيبًا وَورد خبر مَوته الى دمشق فى عشرى صفر سنة سِتّ بعد الالف مُحَمَّد بن عمر الملقب شمس الدّين بن سراج الدّين بن سراج الدّين الحانوتى المصرى الْفَقِيه الحنفى كَانَ رَأس الْمَذْهَب فى عصره بِالْقَاهِرَةِ يرجع اليه أَمر الْفَتْوَى والرياسة بعد شيخ الْمَذْهَب على بن غَانِم المقدسى وَكَانَ فَقِيها وَاسع الْمَحْفُوظ لَهُ الْفَتَاوَى الْمَشْهُورَة وهى فى مُجَلد كَبِير مرغوبة يعتمدها الْفُقَهَاء فى زَمَاننَا ولوالده أُخْرَى نافعة سائرة تفقه على وَالِده وعَلى قاضى الْقُضَاة نور الدّين الطرابلسى ثمَّ المصرى والشهاب أَحْمد بن يُونُس بن الشلبى صَاحب الْفَتَاوَى وَأخذ عَن الامام تقى الدّين الفتوحى وقاضى الْقُضَاة شمس الدّين الشامى المالكى والامام النَّاصِر بن حسن اللقانى المالكى والشهاب أَحْمد الرملى والشهاب ابْن عبد الْحق والاستاذ أَبى الْحسن البكرى وَالشَّمْس مُحَمَّد الدلجى شَارِح الشفا وَالشَّمْس مُحَمَّد الشامى الصالحى ثمَّ المصرى صَاحب السِّيرَة وَالشَّيْخ مُحَمَّد الداودى وتلميذ السيوطى والمظفرى وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الاجلاء مِنْهُم الشَّيْخ الامام خير الدّين الرملى وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشر صفر سنة ثَمَان وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَتوفى بِالْقَاهِرَةِ فى سنة عشرَة بعد الالف مُحَمَّد بن عمر الخفاجى وَالِد الشهَاب الْمُقدم ذكره المصرى الشافعى أحد أجلاء الْعلمَاء فى عصره كَانَ من الْفضل فى المكانة السامية والهضبة الْعَالِيَة مفننا بارعا محققا مدققا مَشْهُور الصيت ذائع الذّكر أَخذ عَن كبار الشُّيُوخ وتصدر للافادة والتدريس وانتفع بِهِ جمَاعَة من كبار الْعلمَاء مِنْهُم أَبُو بكر الشنوانى وَكَفاهُ بتلمذ هَذَا لَهُ مفخرا وَلَزِمَه ابْنه الشهَاب وتأدب بِهِ وَعَلِيهِ تخرج فى كثير من الْفُنُون وَبِالْجُمْلَةِ فجلالته وَعظم قدره أشهر من أَي يذكر وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى عشرَة بعد الالف ورثاه الْفَاضِل الاديب مُحَمَّد بن يس المنوفى الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى بقصيدة مطْلعهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 (مَا بَال أيدى النائبات تخون ... وتذيم رصف الْمجد وَهُوَ رصين) (يَا دهر لَا عتبى عَلَيْك وَلَا رضى ... كل المصائب بعد ذَاك تهون) (تعد الورى البوسى فتسرع وقعها ... واذا وعدت بِمَا يسر تمين) مِنْهَا (لَو كَانَ يجدى النوح مَيتا قبله ... نفعا لنا حت أعصر وقرون) (يَا واعظا بسكونه حركتنا ... ولأنت بالوعظ الْمُفِيد قين) (وَغدا ضجيع الا انه ... فى قلب كل موحد مدفون) ختامها (حفتك رَحْمَة ذى الْجلَال وعفوه ... وَسَقَى ثرى جدث حواك هتون) (وسرت محَاسِن مَا صنعت حواملا ... حسن الثَّنَاء يحفها التَّأْمِين) مُحَمَّد بن عمر بن أَبى بن أَحْمد بن أَبى بكر بن عمر بن أَبى بكر بن عمر بن العزب السَّيِّد مُحَمَّد بن عمر وَالِد بِالْيمن بسردد وَأخذ عَمَّن بِهِ من الشُّيُوخ من بنى القديمى ثمَّ رَحل من الْيمن وَاتفقَ انه دخل زبيد لقَضَاء حَاجَة لبَعض شُيُوخه فَدَخلَهَا بعد الْمغرب فَوجدَ سورها مغلوقا فَبَاتَ على بَاب الْبَلَد واذا هُوَ بِرَجُل فَجَلَسَ عِنْده واكل مَعَه وانسه الى الصُّبْح وَقَالَ لَهُ سلم على شيخك فَقَالَ لَهُ السَّيِّد من أَنْت فَقَالَ هُوَ يعرفنى فَأخْبر شَيْخه بذلك فَقَالَ لَهُ أما عَرفته قَالَ لَا قَالَ ذَاك الْخضر وَهُوَ صاحبى فتعب السَّيِّد فَقَالَ لَهُ لَا تتعب سيصير صَاحبك بعدى وَلما دخل القنفدة كَانَ صَاحب المنصب من أَوْلَاد الشَّيْخ على الطوشى بِمَدِينَة جلى لَيْلَة قدومه الى القنفدة يقوم وَيقْعد وَينظر يَمِينا وَشمَالًا وَيَقُول دخل هَذِه الْبِلَاد فى هَذِه اللَّيْلَة نور عَظِيم وَأوصى بعض المتوجهين الى جِهَة القنفدة يسْأَل عَمَّن قدمهَا فى تِلْكَ اللَّيْلَة فأخبروه أَن القادم تِلْكَ اللَّيْلَة السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور ثمَّ ظهر حَاله وشاع أمره واعتقده النَّاس وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ السّكُون والثبات فى جَمِيع الامور وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع عشرَة وَألف بهَا دفن رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن حسن بن عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن أَحْمد بن عمر بن الشَّيْخ على بن عمر الاهدل كَانَ هَذَا السَّيِّد من كبار مَشَايِخ الصُّوفِيَّة أهل الْحل وَالْعقد الْمُسْتَعَان بهم فى النوائب والشدائد والشفاعات صَاحب زَاوِيَة واكرام وافضال وانعام وشهرته تغنى عَن شرح حَاله أَخذ عَن وَالِده ونصبه جده عبد الْقَادِر وَهُوَ فى سنّ الصغر دون التَّمْيِيز شَيخا فَكَانَ يَقُول لَهُ يَا شيخ وَالله ان لَك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 جدا لَو نظر الى أهل الارض لصاروا كلهم مَشَايِخ انْتهى وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة كثيرا مَا يَتْلُوا الْقُرْآن بالجهر تِلَاوَة مجودة بترتيل وَحسن صَوت مواظبا الزِّيَارَة جده الشَّيْخ الْكَبِير على الاهدل كل يَوْم ثمَّ يقف عِنْد كل قبر من الْقُبُور الْمَعْرُوفَة هُنَاكَ سَاعَة ثمَّ يدْخل مَسْجِد التربة فيصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُو وينصرف الى بَيته وَلم يزل كَذَلِك الى أَن توفى لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد سعد الدّين بن تقى الدّين بن القاضى نَاصِر الدّين بن أَبى بكر ابْن أَحْمد بن الامير مُوسَى وَتقدم تَمام النّسَب فى تَرْجَمَة ابْن أَخِيه أَحْمد بن صَالح الشَّيْخ الْبركَة الولى المعتقد الْمَعْرُوف بالعلى القدسى كَانَ من أصلح صلحاء زَمَانه وأعرفهم بِاللَّه تَعَالَى لَهُ الطَّرِيقَة الباهرة والسمت الْحسن فى مصطلحات الصُّوفِيَّة وَذكرهمْ وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَ فى مبدأ أمره يسكن دمشق بخانقاه تقى الدّين عمر الكردى فى محلّة القنوات ثمَّ حج وجاور وَلم يسْتَقرّ بعد ذَلِك فى دمشق فَرَحل الى موطنه الْقُدس وقطن بهَا واعتقده أَهلهَا وأحبوه واشتهر صيته فى الْآفَاق وَكَانَ عَالما صَالحا سالكا على نهج كبراء الصُّوفِيَّة وَله على لسانهم شعر نَفِيس فَمن ذَلِك قَوْله مُشِيرا الى الْوحدَة الْمُطلقَة (سلم اذا ذكر اتحادا عاشق ... وافطن فطور الْمَرْء لَيْسَ يزِيد) (فَالنَّار يدخلهَا الْحَدِيد فيغتدى ... نَارا فَذَاك معاين مشهود) (فاذا تخلى عَن مقَام وصالها ... فَالنَّار نَار وَالْحَدِيد حَدِيد) وَله كرامات مَشْهُورَة مِنْهَا مَا حَكَاهُ خَلِيفَته الشَّيْخ على الحورانى الحبراصى من حبراص قَرْيَة بحوران وَكَانَ من أخص جماعته وَذَلِكَ انه شاور الشَّيْخ فى الذّهاب الى بِلَاده لزيارة أَهله فحذره من أَمر يأتى عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ دَافع عَن نَفسك مهما أمكنك وَلم يُصَرح ثمَّ توجه فَلَمَّا وصل الى دَارهم الَّتِى يعهدها دَخلهَا فَخرجت اليه امْرَأَة وأدخلته وَلم يدر أَنَّهَا غَرِيبَة فَلَمَّا اسْتَقر دَاخل الدَّار غلقت عَلَيْهِ الابواب وراودته عَن نَفسه وَكَانَ غارقا فى الجذب فَصَرَخَ عَلَيْهَا بقول الله فَلم تلْتَفت وَأَقْبَلت عَلَيْهِ فَلم يضعر الا والجدار قد انْشَقَّ وَالشَّيْخ العلمى وَاقِف يَقُول لَهُ هَات يدك يَا على وسحبه وَأخرجه فَلَمَّا أَتَى الْقُدس لزيارة الشَّيْخ وَسلم عَلَيْهِ مسك الشَّيْخ يَده وَشد عَلَيْهَا وَأَوْمَأَ اليه بالكتم وَذكره الفيومى فى المنتزه وَقَالَ فى وَصفه أشرقت شمس معارفه بالارض المقدسه فأطلعت أهل ارشاده هادية ومؤنسه فانتشرت فضائله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 واشتهرت فواضله وَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ النَّاس وَأَقْبَلت عَلَيْهِ أَرْبَاب الباس فنفذت كَلمته وازدادت حرمته وَله ديوَان شعر مَشْهُور وتائية فى السلوك درها منثور على النحور افتتحها بقوله تبعا لِابْنِ حبيب فى تائيته (باسم الاله ابتدائى فى مهماتى ... فَذَاك حصنى فى كل الملمات) (وَالْحَمْد لله ربى دَائِما أبدا ... حمدا ننال بِهِ أَعلَى المبرات) (ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار سيدنَا ... مُحَمَّد الْمُصْطَفى عز الوجودات) (كَذَا سَلام من الْمولى يضاعفه ... من اليه بأنواع التَّحِيَّات) (فى كل حِين وآن لَا انْقِضَاء لَهُ ... من رَحْمَة الله يأتى بالمسرات) (كَذَاك للآل والصحب الْكِرَام وَمن ... للدّين قد أيدوا فى كل حالات) وهى كَبِيرَة تشْتَمل على قَوَاعِد أهل الطَّرِيقَة والحقيقة وَذكره البورينى فى تَارِيخه وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَلما كَانَ بِدِمَشْق سرت اليه يَوْمًا من الايام وهزنى الشوق والغرام لاغتنام مصاحبته واجتلاء مكالمته فصادفت الديار خاليه والمنازل عاطلة غير حاليه لانه قد سَار الى زِيَارَة أَهله فى بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا رَأَيْت وحشتها بعد انسها وظلمتها بعد أنوار شمسها أنشدت مرتجلا وكتبت عجلا على جِدَار الخانقاه الَّتِى كَانَ يسكنهَا هَذِه الابيات (أتيت ديار الحى بعد ارتحالهم ... فصادفت ربعا بعد سكانه أقوى) (ورمت من الْقلب التصبر بعدهمْ ... فَقَالَ على بعد الاحبة لَا أقوى) (وَمن نكد الدُّنْيَا على الْمَرْء ان يرى ... منَازِل من يهوى على غير مَا يهوى) انْتهى وَكَانَت وَفَاة العلمى فى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بجبل الطّور ظَاهر الْقُدس رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عمر بن أَبى بكر بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن أَبى بكر عبَادَة بن يُوسُف بن أَحْمد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن اسماعيل بن مُحَمَّد الاحنف مُصَنف كتاب الثَّمَرَة فى الْفِقْه ابْن اسماعيل بن عمر بن يحيى بن عمر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن على بن الشويش بن على بن وهب بن صريف بن ذوال وَقد مر تَتِمَّة النّسَب فى تَرْجَمَة ابراهيم عبد الله جعمان فبنو عباده وَبَنُو جعمان يَجْتَمعُونَ فى عمر بن مُحَمَّد كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة فَقِيها عَالما ورعا زاهدا قَامَ فى مَحل آبَائِهِ أتم قيام فى الْفَتْوَى والتدريس بِبَيْت الْفَقِيه ابْن عجيل وَكَانَت وَفَاته فى شعْبَان سنة خمسين وَألف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 مُحَمَّد بن عمر بن الصّديق الحشيبرى مفتى الديار اليمنية ومحدثها كَانَ فَقِيها عَالما محققا نقالا ورعا زاهدا عابدا صَاحب تربية واخلاق رضية وأفعال مرضيه وأحوال وكرامات خارقة وَله رُؤْيا منا مَاتَ تدل على تمكنه وَقرب مَنْزِلَته عِنْد الله تَعَالَى صحب السَّيِّد الطَّاهِر بن الْبَحْر وَأخذ عَن الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَبى الْقسم جعمان وَعنهُ أَخذ السَّيِّد مُحَمَّد بن الطَّاهِر الْمَذْكُور والعلامة مُحَمَّد صَاحب الْخَال وَعبد الرَّحْمَن الخلى وكثيرون وَكَانَت وَفَاته فى ذى الْحجَّة سنة خمسين وَألف وَدفن بِبَيْت الْفَقِيه الايمن بتربة جده الولى الشهير على بن أَحْمد حشيبر وجدهم الْفَقِيه الولى مُحَمَّد بن عمر نفع الله تَعَالَى بهم وَحصل بِمَوْتِهِ التَّعَب الشَّامِل وَنزل الْعلم بِمَوْتِهِ دَرَجَة لانه لم يخلف بعد مثله فى الْحِفْظ والاتقان ورثاه السَّيِّد مُحَمَّد بن الطَّاهِر بقصيدة أَولهَا (دهتنا الليالى بِمَوْت الْفَقِيه ... امام الْهدى غوث أهل الْيمن) وهى طَوِيلَة أَعرَضت عَنْهَا لطولها وَالله أعلم مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن علوى بن أَبى بكر بن على بن أَحْمد بن مُحَمَّد أَسد الله ابْن حسن بن على بن الاستاذ الاعظم الْفَقِيه الْمُقدم نزيل مَكَّة المشرفة وشهرته بالغزالى وبالحبشى كسلفه صَاحب المناقب والاحوال المرشد الْكَامِل فريد الزَّمَان ولد بتريم وَحفظ الْقُرْآن وَغَيره وَصَحب الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس والقاضى عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن عقيل وَالسَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الحبشى وَالسَّيِّد عبد الله بن سَالم وَغَيرهم وتفقه بِجَمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بن اسمعيل بَافضل وَلزِمَ الطَّاعَة واعتنى بكتب الغزالى وَمن ثمَّ قيل لَهُ الغزالى ثمَّ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ وَصَحب بهما جمَاعَة من العارفين وَأخذ عَن السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى وَالشَّيْخ أَحْمد بن عَلان ثمَّ صحب السَّيِّد صبغة الله وَالسَّيِّد أسعد وَالشَّيْخ أَحْمد الشناوى ولازم مطالعة كتب الشَّيْخ الاكبر ابْن عربى وَلزِمَ طَرِيقَته وَرُبمَا حصل مِنْهُ بعض شطح وَتكلم فِيهِ بعض الْفُقَهَاء وتوطن مَكَّة وَأكْثر الْمُحَقِّقين من الْعلمَاء لم يثبتوا لَهُ قدماً فى التربية وجعلوه مِمَّن يعْتَقد وَلَا يقْتَدى بِهِ وَله نظم فائق أَكْثَره فى طَرِيق الْقَوْم فَمِنْهُ قَوْله (تجلت عَن تجليها فسلنى ... فقائلها بهَا أعْطى التثنى) (بِذَات لاتصال فى افْتِرَاق ... بِجمع الْجمع فى عين التخبى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 (مَكَان الْفَرد والزوجين لاحت ... تلاهت لَا بهَا والفرد يثنى) (فَكُنَّا فِيهِ بل هُوَ كَانَ فيبنا ... فطبنا رب زدنى رب زدنى) (فكاسى لَا تزيده الردايا ... وفيضى لاتساع الْفقر يغنى) (وَلم لَا وَالْمُحِيط الْحق منى ... بِمَنْزِلَة الهجوم على منى) (سَأَلت وَمَا علمت سواى لَكِن ... بِحكم الْفرق كنت رميت عَنى) (فأسهمك الَّتِى بَعدت باذنى ... وصيدك لم يكن الا باذنى) (وَلَوْلَا الرتق بعد الْخرق أبقى ... لسحرك فى الْبَيَان لكل فن) (لما كتب الْبَيَان سَواد عين ... وَلَكِن مَا النظار قرَان قرن) ثمَّ ابتلى بِمَرَض هائل وَاسْتمرّ الى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاربعاء ثامن عشر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَقد جَاوز السّبْعين وَدفن بالمعلاة مُحَمَّد بن عمر بن شيخ بن اسمعيل بن أَبى بكر بن ابراهيم بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف اشْتهر كسلفه بالبيتى لكَون جده الاعلى أَبى بكر سكن بَيت مسلمة فنسب اليها السَّيِّد الاجل الْعَالم ذكره الشلى وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد بتريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب أكَابِر العارفين وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بن اسمعيل بَافضل وَأخذ عدَّة عُلُوم عَن الشَّيْخ الْكَبِير القاضى عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَالشَّيْخ زبن بن حُسَيْن بَافضل وَعَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الله بن شيخ العيدروس وَابْنه زين العابدين ولازم صحبته ورحل الى الْحَرَمَيْنِ فَأخذ عَن السَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى والعارف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن عَلان وَالشَّيْخ سعيد بابقى وَالشَّيْخ الْكَبِير عبد الرَّحْمَن باوزير قَرَأَ على هذَيْن الاحياء وَأخذ التصوف عَنْهُمَا وَعَن السَّيِّد الْجَلِيل عبد الله بن سَالم خيلة وَأخذ بِالْيمن وَغَيرهَا عَن جم غفير وَكَانَ كثير التَّرَدُّد الى الْحَرَمَيْنِ والمجاورة فيهمَا ثمَّ لزم الاقامة بتريم ولازم صُحْبَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الرَّحْمَن السقاف بن مُحَمَّد العيدروس فى دروسه وَكَانَ يحضر درس الْوَالِد يعْنى الشلى الْكَبِير أَبَا بكر بعد الْعشَاء فى مَسْجِد الْقَوْم كل لَيْلَة وَكَانَ بَينهمَا صُحْبَة أكيدة قَالَ وصحبته سِنِين وَكَانَ كثير الاوراد والاذكار مواظبا على الْجَمَاعَات وَكَانَ لَا يتْرك الْجَمَاعَة فى مَسْجِد بنى علوى وَمَسْجِد السقاف الا عَن عذر شرعى وَكَانَ كثير الزِّيَارَة للقبور لَا سِيمَا قبر الاستاذ الاعظم الْفَقِيه الْمُقدم وَالْغَالِب عَلَيْهِ الْعُزْلَة عَن النَّاس فَلَا يجْتَمع بهم الا فى مَسْجِد جمَاعَة أَو مجْلِس علم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 وَكَانَ لَهُ خلق حسن وَلم يزل مواظبا على الْعلم وَالْعَمَل الى أَن مَاتَ فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف بتريم وَدفن بمقبرة زنبل مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد بن أَبى بكر الملقب تقى الدّين قاضى الْقُضَاة الفارسكورى المصرى المولد نزيل قسطنطينية من أفضل فضلاء الزَّمَان وأبلغ البلغاء نظما ونثرا وبراعة وَكَانَ وَهُوَ بِمصْر اتَّصل بِخِدْمَة قاضيها شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّاء وَتوجه بخدمته الى الديار الرومية وَأقَام بهَا ولازم على قاعدتهم ودرس وَمَا زَالَ عِنْد الْمولى الْمَذْكُور فى المكانة المكينة الى أَن دبت لاجله عقارب الْحَسَد من حَوَاشِيه وندمائه وَطَفِقُوا يركبون الصعب والذلول فى ذمه فَأَبْعَده عَن مَجْلِسه وأقصاه فَلَزِمَ الْعُزْلَة وغضت عَنهُ الابصار وَرمى فى زَاوِيَة الهجران وَله فى ذَلِك أشعار ورسائل يُشِير بهَا الى سوء معاملتهم مَعَه وَمِنْهَا أبياته الْمَشْهُورَة الَّتِى يَقُول فِيهَا (من الرأى ترك انى بلوتهم ... فَلم أرهم فى الْخَيْر يَوْمًا وَلَا الشَّرّ) (وَكم من جهول بى وَلم يدر جَهله ... وَلم يدر علمى انه بى لَا يدرى) (مدحت فَلم ينْتج هجوت فَلم يفْسد ... وعهدى بأشعارى تُؤثر فى الصخر) (فَلَا يأملوا من بعد خيرى كَمَا مضى ... فقد حيل بَين العير وليأمنوا شرى) (وَلَا يطعموا فى الْمَدْح منى وَلَا الهجا ... فقد شط شيطانى وتبت عَن السحر) (وَأَدت العذارى من بَنَات خواطرى ... بقلبى وَأم الشّعْر طَلقهَا فكرى) الْبَيْت الاول سبكه من الحَدِيث وَهُوَ مَا أخرجه الطبرانى عَن ابْن مَسْعُود اتْرُكُوا التّرْك مَا تركوكم فان أول من يسلب أمتى ملكهم وَمَا خولهم الله بَنو قنطوراء وَبَنُو فنطوراء التّرْك وهى جَارِيَة لابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام من نسلها التّرْك وَالْبَيْت الاخير // لطيف الْمَعْنى // وَمِنْه قَول الشهَاب الخفاجى (بَنَات أفكارى الَّتِى ... وأدتها اذ كسدت) (موؤدة مَا سُئِلت ... بأى ذَنْب قتلت) والموؤدة الْبِنْت يدفنها أَبوهَا حَيَّة فى الْجَاهِلِيَّة انْتهى ثمَّ لما مَاتَ أستاذه الْمَذْكُور ولى بعد وَفَاته قَضَاء الْقُدس وَكَانَ من الادب والبلاغة وَالشعر وَصِحَّة التخيل والانطباع فى الذرْوَة الْعليا وَكَانَ عَارِفًا بِكَثِير من الْفُنُون كثير الِاطِّلَاع وَجمع مدائح أستاذه هَذَا الَّتِى مدح بهَا فى بِلَاد الْعَرَب أَيَّام قَضَائِهِ بحلب ودمشق ومصر وَالْتزم أَن يذكر الشَّاعِر عِنْد ايراد شئ من شعره وَلَا يزِيد على توصيفه بِكَلِمَة أَو كَلِمَتَيْنِ وَاعْتذر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 عَن اطالة التراجم بقوله فى أَوله وَكنت أردْت ان أترجم كل شَاعِر مِنْهُم عِنْد ايرادى لشعره وأتكلم فى حَقه هُنَاكَ بِمَا عساه أَن لَا يتَعَدَّى بِهِ طوره بل يوقفه عِنْد قدره وَذَلِكَ بعد رِعَايَة الْمُطَابقَة لمقْتَضى الْحَال وحسبما يثبت دَعْوَى فَضله عِنْد حَاكم الْعقل من شُهُود الْمقَال فاخترت وقتا بعد جمع هَذِه القصائد حررت فِيهِ الطالع وَالْغَارِب وضبطت غب اطلاعى على الفرائد مِنْهَا والفوائد مقامات الجوزهرات ومقدمات الْكَوَاكِب ثمَّ نظرت نظرة فى النُّجُوم واستخرجت الْمَجْهُول مِنْهَا من الْمَعْلُوم فَظهر لى انه لَا شئ أدل من شعر الْمَرْء على عقله وَلَا أصدق من ذَلِك الطل على وبله كَمَا قيل (وانما الشّعْر لب الْمَرْء يعرضه ... على الانام فان كيسا وان حمقا) فاكتفينا فى الدّلَالَة على فضائله بذلك الْمِقْدَار وناهيك مِنْهُ بِدلَالَة النُّور على النُّور وَالشَّمْس على النَّهَار انْتهى وَمِمَّا أورد فى كِتَابه الْمَذْكُور من أشعاره الغضة الشهية قَوْله من قصيدة مطْلعهَا (مَا هبت الرّيح برِيح الرند ... الا أثارت سَاكِنا من وجدى) (وَمَا بدا رعد الْحمى الاهمى ... دمعى دَمًا مخددا للخد) (وان تلح بارقة جاوبها ... من خفقان الْقلب أى رعد) (أَواه واشوقاه هَل من حِيلَة ... الى لقاكم يَا أهيل ودى) (غادر تمونى نازحا وَالْقلب منى خافقا مثل سُهَيْل الْفَرد ... ) (بأى حكم زمن وَلم أحل ... عَن عقد عهدكم نقضتم عهدى) (بَين الْهوى وَالْقلب حَرْب داحس ... وَالسّلم بَين مقلتى والسهد) (من أجل ظبى مهجتى كاسه ... وَلَيْسَ حظى مِنْهُ غير الصد) (كَالْمَاءِ رق جِسْمه لكنه ... يحمل قلبا قاسيا كالصلد) (أَمِير حسن مَاله جماله ... وَحَوله عشاقه كالجند) (ان سل سيف غنجه من جفْنه ... قَالَ لَهُ قلبى مقَام الغمد) (أخرنى على علو رتبتى ... كَأَنَّهُ يرقمنى بالهندى) (ينصف غيرى غير أَنه يرى الانصاف ان يقتلنى بالعمد ... ) (قد قلد ابْن البارزى ردفه ... وخده يُقَلّد ابْن الوردى) (نفسى وَمن تَحت السَّمَاء لَهُ الغدا ... فان أَبَوا فبى حبيبى وحدى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 (بِاللَّه يَا مَالك رقى حسنه ... عذب بِمَا تشَاء غير الْبعد) (وَحقّ عَيْنَيْك وذلى الذى ... ألبسنى الْعِزّ وكل الْمجد) (وصبح غرَّة هدانى للهوى ... وليل طرة أضاع رشدى) (لَا حلت عَن حبيك فى الدُّنْيَا وفى الاخرى أَرَادَ مؤنسى فى لحى) وَقَوله من أُخْرَى مستهلها (قفى ودعى يَا ربة الاعين النجل ... فكم من بتاريخ الْهوى بارح الْعقل) (وَلَا تمنعيه اللحظ ان لم يكن وفا ... اذا عز وبل لَا أقل من الطل) (صددت فعاينت الردى غير أننى ... تأسيت بالعشاق فِيك الالى قبلى) (ونعاسة الْعَينَيْنِ يقظانة الجفا ... مفرغة الْهِمْيَان ملآنة الحجل) (يفرع دجى من فَوق فرق كَأَنَّهُ ... صباح وجسم ملْء أثوابه عبل) (وظلم كراح لم يدنسه عاصر ... وطرف كحيل صبغة الله لَا الْكحل) (دعانى الدّين الْعِشْق مُرْسل فرعها ... وَمَا مذهبى الا هوى الشادن الطِّفْل) (حبيب أرانا الله فى عصرنا بِهِ ... حلى يُوسُف الصّديق فى الْحسن والشكل) (بِوَجْه على قد على ردفه علا ... كبدر على غُصْن على نقوى رمل) (بخديه تفاحى وَعَيْنَيْهِ نرجسى ... وَمن ثغره راحى وَأَلْفَاظه نقلى) (رنا لى بِطرف سَاحر لَو رنا بِهِ ... سَهَا كل ذى نسك عَن الْفَرْض وَالنَّفْل) (ترى من غَدا فى السحر أستاذ طرفه ... فهاروت لم يقدر على ذَلِك الْفِعْل) (نظرت لَهُ يَوْمًا فأدميت خَدّه ... وَمَا خلته يقْتَصّ فى الْجرْح بِالْقَتْلِ) (لعمرى لقد أبكيت عينى وان أمت ... بَكت لَا بَكت عَيْنَاك فى الاجل من أجلى) (أتقتل نفسا حرم الله قَتلهَا ... وَلم تخش من شكواى للْحَاكِم الْعدْل) وَقَوله من أُخْرَى مبدؤها (حتام واخيبة الْمَسْعَى أرى قدمى ... يسْعَى لمن فى رضى الواشى أراق دمى) (يبيت فى اللَّيْل ملآن الجفون كرى ... وليلتى فِيهِ ساهى الطّرف لم أنم) (لم أقض من حبه فى حبه وطرا ... بلَى قضيت أسى من هجره الوخم) (أعارنى خصره ثوب النحول وَمن ... لحظيه كَانَ كسانى حلتى سقم) (وَلَيْسَ دمعى عَلَيْهِ راقئا وبدت ... عقارب الصدغ شبه الْخط فى اللقم) (ريم من الرّوم مَا أزرى بوجنته ... من عَارض غير خطّ الله لَا الْقَلَم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 (ونا فطاره فؤادى نَحْو ناظره ... فاعجب لسهم ببرجاس الْفُؤَاد رمى) (آهالها نظرة كَانَت شقاى بلَى ... كَانَ الشقافى السقا كالسم فى الدسم) (قبلته ودموعى كالعقيق فلى ... دم على مَا ترى فى خدريمهم) (مَا فاض دمعى الا افتر مبسمه ... كالزهر يبسم زهوا من بكا الديم) (لَو لم يكن غصنا مَا كَانَ قابلنى ... من غيث دمعى بثغر مِنْهُ مبتسم) (مَا أنبت اللحظ فى خديه ورد حَيا ... الا وأثمر فى جفنى بالعنم) (يَا عاذلى دعانى من ملامكما ... فى الْحبّ فالعاشق المطبوع لم يلم) (صبرا فآيات رايات السوَاد على ... عوارض الخد لاحت مِنْهُ فى الْعَجم) (لَا كنت يَا قلب كم تصبو على شبح ... صيرتنى بعد زهدى عَابِد الصَّنَم) (حتام تصبوا لى الْحور الحسان وَلم ... تذكر خلودك فى نيران هجرهم) (صحنا المحبون وانفضت عواذ لَهُم ... وخلفونى صريع الوجد والالم) وَقَوله من أُخْرَى أَولهَا (قد حركت طرب الْغَرِيب العانى ... كاس المدام الخندريس العانى) (طافت بهالتها البدور يحثها ... نغمات اسحاق ورقص غوانى) (لَو خامرت صلد الْحِجَارَة لاستحى ... أَن لَا يرى فى خفَّة السَّكْرَان) (أَو أشرقت من مدلهم دنانها ... لَيْلًا أزالت شُبْهَة من مانى) (مزجت بظُلْم سقايتها بيض الطلا ... سود الغدائر فى اللبَاس القانى) (وجآذر الآرام لَا الآرام فى ... صفة الشموس على غصون البان) (من كل أشنب صاعه ريح الصِّبَا ... ثمل بخمرة رِيقه نشوان) (سَاد الْقَبَائِل فى صباه لَهُ على ... فتك الاسود تلفت الغزلان) (قد ضرجت بدمائنا وجناته ... وسيوفه لم تنض من أجفان) (يقوى غرام بجلنار خدوده ... مِنْهُ تغار شقائق النُّعْمَان) (آس العذار بجلنا خدوده ... مِنْهُ تغار شقائق النُّعْمَان) (فى وَجهه وحماه غَايَة بلغتى ... ونتيجة الاوطار والاوطان) قَالَ وَقلت فى يَوْم سرُور (سقى الله يَوْم المهرجان كَمَا سقى ... وَحيا فأحيا فِيهِ سَاق مقرطق) (تجمع فِيهِ كلما شت باصر ... وَلكنه مِمَّا يروق ويعشق) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 (كؤس وساقوها وَشرب ومشرب ... شموس وأقمار وَغرب ومشرق) (شغلنا عَن التدريس فِيهِ وحبذا ... منازلة الغزلان ذَا الْيَوْم أليق) (ركبنَا فخرت السَّبق فى حلبة الْهوى ... ففى اللَّهْو لي طرف من الطّرف أسبق) (الى حلَّة حَيْثُ الثريا قُصُورهَا ... يقصر عَنْهَا فى النظام الخورنق) (وصحبة قوم قد تشابه رقة ... حَدِيثهمْ والبابلى الْمُعْتق) (نعمت بهم والدهر لم يغف لحظه ... وَرَاء ستور الْغَيْم مطبق) (حكى فَوق عين الشَّمْس أجفان نَائِم ... يفتحها بالبرق نحوى ويطبق) (وَلَو لم أكن فى ظلّ يحيى أصابنى ... صواعقه مَعَ من أصيوا فأحرقوا) (فَلَا قلصت للحشر عَنى ظلاله ... فَفِيهَا كَمَا نهوى نَعِيش ونرزق) (تنبه فوسنان الزهور تنبها ... وأفواهها افترت تسبح رَبهَا) (وَقد وعظ الايك الهزا وفأخرجت ... أكفا بهَا تستغفر الله رَبهَا) (وشابهت الارض السَّمَاء فزهرها ... كزهر وَكَانَ النَّجْم بِالنَّجْمِ أشبها) (وطاب الْهوى حَتَّى الغصون تعانقت ... كمحلولة مَالَتْ تعانف حلهَا) (وحيهل الصهبا بِلَال بلابل ... فَفتح آذان الْوُرُود وقلها) (ورش الحيا ثوب الربى وشقيقه ... مجامره العنبر الرطب شبها) (وَمَا فتح الزهر الرّبيع يخال من ... يُرَاد ثغوراكى يتم بهَا) (وَلَكِن رأى يحيى يفتح بالندى ... ثغورا لنا فى مدحه فتشبها) وَقلت أَيْضا ارتجالا وَقد ألبسنى حلتين من ملبوسه الفاخر فَخرجت أجر مِنْهَا ذيول المعالى والمفاخر (ألبستنا الْمجد فى الباسنا الحللا ... قشبا وأنسيتنا الاوطان والحللا) (كسوتنا كسْوَة رحنا نجر بهَا ... ذيل الفخار على اكفائنا خيلا) (هَذَا وَكم لَك من اسداء مكرمه ... بهَا فضحت الندى والوابل الهطلا) (يَا من اذا جاد للمعافى بِمَا ملكت ... يَدَاهُ ظن سخاء انه بخلا) (قبولنا مِنْك فيض الْفضل فِيهِ لنا ... عز وفخر وَأما من سواك فَلَا) وَقلت أَيْضا وَقد توالت بالروم الامطار والغيوم واستولت على الْقلب الاكدار والغموم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 (يَا رب قطر غزير الْقطر صيرنى ... أعض كفى لما جِئْته أسفا) (حسبت فِيهِ رِدَاء الْمجد يدفئنى ... فَلم أر الْمجد أغنانى وَلَا الشرفا) (كم لَيْلَة خانها صبح كمصطبرى ... وغيثها كدموعى بالعهود دوفا) (دجت فَلم يدر فِيهَا الْخلّ وَجه أَخ ... من بردهَا بل وجارى مَائِهَا وَقفا) (وَكم نهاربه ظلّ النَّهَار ضحى ... حسبى من الوكف مَا شاهدته وَكفى) (وَالشَّمْس فى فر وسنجاب السَّحَاب بَدَت ... مَرِيضَة قَلبهَا بالرعد قد رجفا) (والارض قد نسجت أيدى الرِّيَاح لَهَا ... من شقة الوحل أخياط الحما لحفا) (أما ترى بعد تَفْصِيل البروق لَهَا ... قَوس الْغَمَام لقطن الثَّلج قد ندفا) (كَأَنَّهُ كف يحيى باللجين على ... أمثالنا من أهالى الْعلم والضعفا) (لَوْلَا تلافيه كَانَ الْبرد أتلفنى ... فقد حمانى وعنى أتلف التلفا) (وَلم يزل يُوصل الجدوى فضقت بهَا ... لانها أثقلت من كاهلى كَتفًا) (لَا زَالَ فى برج سعد غير مُنْقَلب ... ونجد حاسده للحشر منكسفا) انْتهى وَقد ذكره الخفاجى فى كِتَابيه وَقَالَ فى حَقه فى الخبايا فَاضل أديب وحبِيب ابْن حبيب واذا طابت الاصول زكتْ الْفُرُوع واذا صَحا الجو أشرق بدره فى الطُّلُوع وَقد ضمنى واياه عقد الِاجْتِمَاع بَعْدَمَا كَانَت دُرَر مآثره ملات صدفة الاسماع فَرَأَيْت النَّاس فى رجل والدهر فى ساعه وجلى على فى سوق الْعَرُوس أنفس بضاعه وشاهدت فى مرآته سماته وُجُوه محَاسِن صِفَاته مِمَّا نقر بِهِ عُيُون المدائح وتنشرح لَهُ صُدُور الْمجَالِس وتطيب نفوس المكارم فطفت بكعبة فضائله ونزهت عُيُون المنى فى رياض شمايله وانتشيت من صهبائه وتنقلت بانشاده وانشائه وَمَا كل قَول حسن وَلَا كل خضراء خضراء الدمن وشكرت دهرا لف شملى بشمله وعرفنى بضالة الْفضل فى ظله وَلم أقل اذ مد لى بِهِ أيادى الامتنان ان دهرى يضن بالاحسان ثمَّ أنْشد لَهُ من شعره قَوْله مضمنا (تَقول سليمى بعد مَا تبت تبت عَن ... هواى وَعَن ذى الْخَال لست بتائب) (تواصل واوات بخد معذر ... وتجفو بِلَا ذَنْب ذَوَات الذوائب) (اليك فانى لست مِمَّن اذا اتَّقى ... عضاض الافاعى نَام فَوق العقارب) وَقَوله من قصيدة فى المديح (يَا من محياه يستسقى بِهِ الْمَطَر ... وعدله ينسى عِنْده عمر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 (ان كنت تبغى بِنَار الهجر تجربتى ... انى على الخالتين العنبر الْعطر) (وسوف ينبيك صبرى فى الْجَحِيم على ... جفاك هَل أَنا ياقوت أم الْحجر) أَصله قَوْله سعيد بن هَاشم الخالدى (تزيدنى قسوة الايام طيب ثَنَا ... كأننى الْمسك بَين الفهر وَالْحجر) وَقَول الآخر (ألقنى فى لظى فان غيرتنى ... فتيقن ان لست بالياقوت) وَقَوله (ان قسطنطينية طرفَة الدُّنْيَا وبيمارستان هَذَا الْوُجُود ... ) (ساكنو مَا مرضى وزمنى وأهلوها المجانين والطبيب يهودى) وَقَالَ الفيومى فِيهِ روض آدَاب أَو حَوْض ملئ بأعذب شراب حبر شمايله الصِّبَا قد سَاد من عصر الصِّبَا سيد الادبا فاق أقرانه أدبا وحسبا وَله انشاء وَشعر كل مِنْهُمَا نضر وَروض أدبه كُله ربيع خضير ثمَّ أورد لَهُ أبياتاً من جملَة قصيدة تائية قَالَهَا فى مدح أستاذه الْمولى يحيى الْمَذْكُور وَقد عَارض بهَا قصيدة لِلشِّهَابِ احْمَد الفيومى المصرى وهى أَيْضا فى مدح الْمولى الْمَذْكُور ومطلع قصيدة التقى (حسب الْمَعْنى عُيُون بابليات ... لكسرها فى جيوش الصَّبْر كسرات) (بالضعف تقوى على اهلاك عاشقها ... يَا للرِّجَال ضعيفان قويات) (من كل سَاق بيمناه ومقلته ... كَأَن عَيْنَيْهِ للعشاق حانات) وَأول قصيدة الفيومى (بَدَت لمدحى وآدابى براعات ... معنية بالتهانى مستهلات) (وَالْوَقْت صَاف وَمن أهواه بعد قلى ... وافى وَكَانَ لَهُ من قبل نفرات) (بدر على الْمُشْتَرى يَعْلُو وغرته ... كزهرة وَله فى الخد زهران) (فالطرف مشرقه وَالْقلب مغربه ... بداله فِيهِ اشراق وطلعات) وَقَوله وَفِيه حسن الِاتِّبَاع (وَمَا فى الْبَدْر معنى مِنْهُ الا ... قلامة ظفره مثل الْهلَال) وَقد تبع فِيهِ ابْن المعتز فى قَوْله (ولاح ضوء هِلَال كَاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدت من الظفر) وَقَبله (وجاءنى فى قَمِيص اللَّيْل مستترا ... يستعجل الخطو من خوف وَمن حذر) وَابْن المعتز أَخذه من قَول بعض الْعَرَب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 (كَانَ ابْن مزتها جانحا ... فسيط لَدَى الافق من خنصر) وَابْن مزنتها الْهلَال والفسيط بِفَتْح الْفَاء وَكسر السِّين الهملة قلامة الظفر وَقد أبرز عبد الْبر الفيومى هَذَا الْمَعْنى فى ادق مبْنى فَقَالَ (ومذرام الْهلَال وَقد تعدى ... مشابهة لَهُ من غير قَابل) (أجَاب قلمت من ظفرى شَبِيها ... لَهُ ورميته فَوق الْمَزَابِل) وَمن // جيد شعر التقى // قَوْله (توهمته شمسا وَكَانَ يريبنى ... نسيم الصِّبَا مِنْهُ وَمن طبعها الْحر) (فَلَمَّا دجا ليل العذار وَلم يغب ... علمت وزالت شبهتى أَنه الْبَدْر) ومحاسنه كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق وَهُوَ مار الى الْقُدس فى رَجَب سنة سبع وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِيرَة بِالْقربِ من بِلَال الحبشى رضى الله تَعَالَى عَنهُ مُحَمَّد بن عمر بن عبد الْوَهَّاب بن ابراهيم بن مَحْمُود بن على بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن الْحُسَيْن العرضى الحلبى أَنا أَقُول فى حَقه انه لم تنجب الشَّهْبَاء من مُنْذُ بنيت بِمثلِهِ كَانَ من الْفضل فى مرتبَة الْآحَاد وَمن الادب فى مرتبَة لَا تنَال بِالِاجْتِهَادِ وَحَاصِل مَا أَقُول انى عاشق لَهُ والعاشق مَعْذُور فِيمَا يَقُول وهيهات أت نستوعب مزاياه وَلَو القَوْل وَالْمقول وَكَانَ لَهُ سيادة من جِهَة أمه فَهُوَ سيد قومه وَقد ولى الْقَضَاء مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ درس بِالْمَدْرَسَةِ الكلتاوية والسعيدية وَولى افتاء الْحَنَفِيَّة بحلب مُدَّة سِنِين ثمَّ سَافر الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة مديدة وَأخذ بهَا عَنهُ الادب جمَاعَة من الصُّدُور وقصة تولهه بِغُلَام خمار ولزومه لَهُ مُدَّة طولة وهيمانه بِهِ وشغفه مِمَّا شاع واشتهر وَلما مَاتَ أَخُوهُ أَبُو الوفا صَار مَكَانَهُ مفتى الشافعيه بحلب وواعظا بجامعها وَحصل لَهُ جذب الهى وَتكلم فى وعظه برموز ودقائق على لِسَان الْقَوْم وَوعظ أَربع مَرَّات ثمَّ مَاتَ وَذكره الخفاجى وأجاد فى مدحه وَبث فضائله ثمَّ قَالَ وَكتب لى مَعَ هَدِيَّة أهداها الى (مولاى من يَوْم لقيَاهُ الاغر غَدا ... هَدِيَّة من زمَان قبل ضن بكا) (لَو كَانَ تنصفنى الاقدار آونة ... وَكنت أنصف فِيمَا أرتضيه لكا) (لَكُنْت أهْدى لَك الدُّنْيَا وَزينتهَا ... وَالشَّمْس والبدر والعيوق والفلكا) قَالَ وَأكل عندى برشا فَلَمَّا انتشى قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 (وَمَا كَانَ اكل البرش مولاى كى أرى ... بفرحة نشوان وغبطة مسرور) (ولكننى كنت السَّلِيم ببينكم ... فَكَانَ لآلامى بِهِ بعض تخدير) وعَلى هَذَا فَانْظُر قَوْله فى الصُّفْرَة الَّتِى وسط الْورْد (أتظنون صفرَة وسط ورد ... عَبَثا أظهرت لنا ألوانا) (انما خَافَ من تألم قطع ... فاحتسى قبل قطعه زعفرانا) وَفِيه ايضا لى (فتح الْورْد فى الرياض صباحا ... عِنْد مَا قبل النسيم خدوده) (بلع الزَّعْفَرَان فَهُوَ لهَذَا ... ضَاحِك شقّ من سرُور بروده) وَهَذَا فن من قرض الشّعْر من النَّوَادِر يُسمى الاغراب وَهُوَ وصف مَا لم يعْهَد وَصفه وتشبيهه وَمن أغرب مَا مر لى فِيهِ قَول ابْن رَشِيق فى ضم الاصابع اشارة للتقليل (قبلنى محتشم شادن ... أحْوج مَا كنت لتقبيله) (أَوْمَأ اذ حَيا بأترجة ... عرفت فِيهَا كنة تَأْوِيله) (لما تطيرت بمعكوسها ... ضمت بنانا نَحْو تقليله) وَأحسن مِنْهُ قولى (وأزرار ورد لم تفتح كَأَنَّهَا ... لِمَعْنى بديع للانام تُشِير) وَذكره البديعى وَقَالَ فى وَصفه فَاضل روض فَضله أريج دبج حدائق معلوماته أدبه البهيج وشاعر رقت طباعه وَكثر اختراعه وابداعه يسترق الْقُلُوب بألفاظه الزاهرة ويسكر الْعُقُول بمعانيه الساحره ينظم فيأتى بِكُل عجيبه ويشنف الاسماع بِكُل غَرِيبه وينثر فينفتض أبكار الدقائق بنظره الثاقب ويجلى غياهب المشكلات بفكره الصائب وَقد تقمص جلابيب المعارف فى عنفوان عمره فأسبغت عَلَيْهِ ظلها الوارف من ابْتِدَاء أمره وَقد توجه الى الرّوم مُقَدرا أَن يبلغ كل مروم وَلم يعلم أَن الحظوظ لَيْسَ بالعلوم قَالَ لما ضَاقَتْ رقاع بلادى ونفدت حقيبة زادى فوقت سِهَام الاحتيال وأجلت قداح الفال فَكَانَ معلاها السّفر سفينة النجَاة وَالظفر طفقت أتوكأ على عَصا التسيار وأقتحم موارد القفار أفرى فلاة يبعد دونهَا مسرى النعى وألطم خدود الارض بأيدى المطى فنت فَتى قَذَفته الْحَال على بريد النَّوَى واعتنقته الهمة العاقرة وألحقت بعزمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 لَو اقمح المنى أساير عَسَاكِر النُّجُوم والافلاك وَقد ركز اللَّيْل رمح السماك فأنخت بمخيم الْمجد وقرارة مَاء السعد كعبة الافاضل الا انهم يحجون اليها كل آن وسوق عكاظهم الا أَنَّهَا تنصب فِيهَا مصاقع الرّوم لَا مصاقع عدنان فَلَمَّا ألقتنى فِيهَا أرجوحة الْمَقَادِير فاذا هى فلك الْعِزّ ومطلع التَّدْبِير الا أَن حالى تقسمت فِيهَا بَين الاغتراب وَالِاضْطِرَاب والاكتئاب اثلاثا فانزلت مِنْهَا منَازِل الا حسبتها على أجداثا وسقتنى الدردى من أول دنها وَسُوء الْعشْرَة من باكورة فنها كل هَذَا وَأَنا أستلين مس خشونتها وأسيغها على كدورتها وَأَقُول اذا لم تتمّ الصُّدُور فتتم العواقب وان لم تريش القوادم فستريش الخوافى والجوانب ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله من قصيدة نبوية مطْلعهَا (سقى الله ذَات الشَّيْخ وَالْعلم الفردا ... وَحيا الحيا وَجه البشامة والرندا) (وَمَا طلبى السقيا لَهَا عَن ظما بهَا ... وَلَكِن بسقياها بقلبى أرى بردا) وَمِنْهَا (وحلت خيوط الغاديات يَد الصِّبَا ... على أَنَّهَا من قبل قد احكمت عقدا) (وَقد أوقدت فى مجمر الزهر عنبرا ... يَمِين شمال من براد الندى أندى) (ذكرت بهاريا الحبيب وَسَاعَة ... بهَا لبيض وَجه الدَّهْر من بعد مَا اسودا) (حبيب زنت عينى بِعَين جماله ... فصيرت تَزْوِيج السهاد لَهَا حدا) وَمِنْهَا (وقربنى مِنْهُ وأخشى بعاده ... فَرب اقتراب جر من بعده بعدا) (كسهم الرمايا كلما ازْدَادَ قربه ... الى صدر راميه تبَاعد وامتدا) وَهَذَا معنى مطروق وَمن ظريفه (مدت الى يدا تودعنى ... فَدَنَا اليها المغرم الصب) (كالسهم راميه يقربهُ ... ولاجل بعد ذَلِك الْقرب) وَمِنْهَا (ترى تمترى عشب الْحجاز رواحلى ... وتلطم أيديها وُجُوه الفلا وخدا) وَله من نبوية أُخْرَى (مَا زلت حسانا لَهُ ولبيته ... ولصخرك ذَاك الْبَيْت كالخنساء) (أبكى البقيع وساكنيه وليتنى ... كنت المخضب دونهم بدماء) وَله من أُخْرَى (مذ نشرت صحيفَة البيد سرى ... رسمت بالمنسم واللنوى) وَمن أُخْرَى (هاب القريض مديحه ... فانشق أنصافا سطوره) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 // وَهُوَ معنى مبتكر لطيف // الى الْغَايَة وَله (أَيهَا الريم هَل تريم بنظره ... عل يصحو الْفُؤَاد من بعد سكره) (بأبى أَنْت غُصْن بَان تثنى ... وَغدا يمزج الدَّلال بخطره) (ألف الْقد زانها نقطة الْخَال فأضحى وَوَاحِد الْحسن عشره ... ) قلت هى حَسَنَة والحسنة بِعشر أَمْثَالهَا (شَارِب أَخْضَر وبيض ثنايا ... سُودًا وَجه عيشتى بعد خضره) (أَنْت زهر غض وقلبى كمام ... فلماذا أوقدت بَيْتك جمره) قلت وَمن شعره قَوْله (لم يبْق منى هوى ذَاك الغزال سوى ... بَقِيَّة من حَيَاة نازعت بدنى) (فسين طرته مَعَ نون حَاجِبه ... كِلَاهُمَا سنّ لى سَيْفا من المحن) هَذَا من التوليد الْحسن فانه ولد من الطرة والحاجب لَفْظَة سنّ وَمثله لبَعض الشُّعَرَاء (كَيفَ لَا يسرق الْعُقُول وَذَا الْعَارِض واللحظ مِنْهُ لَام وصاد) وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول بعض ظرفاء الْعَجم قَالَ الزكى بن أَبى الاصبع فى تَحْرِير التحبير ان أغرب مَا سَمِعت فى التوليد (كَأَن عذاره فى الخدلام ... ومبسمه الشهى العذب صَاد) (وطرة شعره ليل بهيم ... فَلَا عجب اذا سرق الرقاد) فانه ولد من تَشْبِيه العذار بِاللَّامِ وتشبيه الْفَم بالصَّاد لَفْظَة لص وَولد من مَعْنَاهَا تَشْبِيه الطرة بِاللَّيْلِ وَذكر سَرقَة النّوم فَحصل توليدوا غراب وادماج وَله (روحى الْفِدَاء الظبى ذبن فِيهِ أسى ... مؤنس الطّرف وَسنَان بِلَا وَسن) (لم أنس اذ قَامَ للتوديع وانبسطت ... يَد الْفِرَاق لقطع الشمل بالمحن) (يَقُول وَالِد مَعَ فى الآماق يخنقه ... يَا لَيْت معرفتى اياك لم تكن) وَله (وَجهه كعبة حسن ... ولماه مَاء زَمْزَم) (خلت ذَاك الْخَال مِنْهُ ... حجر الاسود يلثم) وَقد وقفت على أنموذج من شعره أَظُنهُ من جمعه وَفِيه كل نادرة وتحفة سَاحِرَة فاخترت مِنْهُ جله لهَذَا الْكتاب وأرجوا أَن لَا يُقَال طَال بِهِ بل طَابَ وَقد صَدره بِهَذِهِ الديباجة الْآتِيَة من انشائه النفيس وَجعلهَا مُقَدّمَة لرسالة أهداها الشَّيْخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 الاسلام مصطفى الشهير ببالى زَاده فى فتح قلعة يُنَوّه على يَد الْوَزير الاعظم مُحَمَّد باشا الكوبرى فى سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف فَقَالَ سُبْحَانَ من جعل اندفاق امداده لاوليائه وفيضه الالهى غير مشوب بِانْقِطَاع وَلَا امْتنَاع مَعَ انه منظوم فى سلك المسلسل الْغَيْر متناهى وان كبت جِيَاد هممهم فى بعض الاحيان تداركها لطفه بنشاط فَيكون لَهَا السَّبق والاحراز فى حومة الميدان فَلَا تزَال خيولها بالمراح كالسيول متدفقه وكمائمها فى حدائق الْكَوْن عَن نوار النجاح متفتقه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على من جعل الله بِهِ للْعَرَب الْفَخر الاشب وحوز بحبوحة النّسَب والنشب فأنزلهم من غوارب الضوامر وأكبهم متون الاسرة والمنابر فَلهم بِهِ الفخار الْبكر على سَائِر الْقَبَائِل والامم فاستأسرت لَهُم مماليك وعبيدا مُلُوك الديلم والعجم رفع الله بِهِ منار الدّين وَقطع دابر الْقَوْم الْكَافرين فالاسلام وان بُدِئَ بالذلة والاغتراب فسيعود عَزِيزًا وينقلب نُحَاس أربابه لَدَى السبك ذَهَبا ابريزا وعَلى آله وسائط القلائد واللآلى الفرائد وَأَصْحَابه مصابيح الدجى وشموس الضُّحَى ونجوم اللَّيْل اذا سجى وَبعد فَلَمَّا برز الاذن الالهى بتبرج الفتوحات الاسلامية من خدور الغيوب وجالت أَفْرَاس الافراح تركض فى ميادين الْقُلُوب ودبت حميا المسرة فى الضمائر وَقَامَت خطباء الاقلام تصدح بالبشائر وهدرت شقاشقها من أنامل الْكتاب على المنابر وزرفنت فى وجنات الصفحات بالمداد الغوالى تشرح مَا كتبته فى صُدُور الْكَفَرَة صُدُور العوالى وَذَلِكَ باقبال ظلّ الله فى الارض الفائض من وَجه البسيطة على الطول وَالْعرض وَاسِطَة عقد مُلُوك آل عُثْمَان لَا زَالَت الامور متسقة النظام مَا قَامَ لَهُ كل يَوْم ديوَان واقدام حَضْرَة الصَّدْر الْكَبِير الْقَائِم بأعياء الرأى وَالتَّدْبِير من هُوَ من فلك الوزارة بِمَنْزِلَة النير الاعظم من بَين الْكَوَاكِب السياره ويمن حَضْرَة شيخ الاسلام ودرة تَاج الْملك وفص الختام بكر عُطَارِد الْعلم وثانى الفرقد وَمن هُوَ من بَين جَوَاهِر الذَّات در التقاصير والزبرجد لَا زَالَت غرَّة الْمجد شادخة فى جَبينه وقلم الْفتيا رَاكِعا وساجدا فى محراب يَمِينه عَن لى نظم أَبْيَات براعتها التهنئة بِهَذَا الْفَتْح الْمُبين وختامها تَارِيخه من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة بِالسِّنِينَ ضاما الى ذَلِك رسائل علمية تبحث عَن اسْمه الشريف فَقَط وهى وان لم تبلغ الذرْوَة الْعليا من التَّحْقِيق لَكِنَّهَا كَمَا قيل خير الامور الْوسط وهى لما كَانَت كالمولود الْجَدِيد من بَين بنيات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 الصَّدْر تسْتَحقّ التَّسْمِيَة كَمَا تسْتَحقّ الرَّضَاع والدر سميتها بمنهل الصَّفَا على اسْم الْمُصْطَفى لَا زَالَ المسماه من هَذَا الِاسْم نصيب انه سُبْحَانَهُ قريب مُجيب ثمَّ قَالَ فلنبدأ أَولا بالقصيدة وهى هَذِه (قبُول يرود ويتلوه نجح ... وأيد لتسآل قصد تلح) (فأهلا بنشر بشير أَتَى ... يصمخ من مسكه الروع جنح) (كَانَ الخزامى وشيح الربى ... متون وريح الصِّبَا ذَاك شرح) (فَللَّه بكر قد افتصها ... مهندة وَسنَان ورمح) (وعهدى بهَا هَامة للجبال ... فأضحت بتمهيدها وهى سفح) (وَكم طرف طرف كبا دونهَا ... لَهُ فى بحار السيادين سبح) (وَلَكِن باقبال سلطاننا ... تَزُول الرواسى وينهد صرح) (مليك بكلكه قد أَنَاخَ ... فانقاد صَعب وانزح جمح) (ونكس أَعْلَام كفر عَتَتْ ... وَلما شقها عَاد صلح) (فعيد شعانينهم مأتم ... عَلَيْهِم وابكم قد عَاد فصح) (ففى مهرق الارض امسوا كخط ... سقيم لَهُ صارم الدّين يمحو) (قد استله يمن سلطاننا ... وتدبير صدر توخاه نصح) (واقبال شيخ لاسلامنا ... تخطى المعالى وحاشاه كدح) (تصدر رغما لانف العدا ... وَلَكِن بِهِ قر طرف وكشح) (تقدم من قبله معشر ... هم لليالى ذنُوب وقبح) (مضوا قبله كبهيم الدجى ... وَقد جَاءَ من بعدهمْ وَهُوَ صج) (ولابدع أقلامه ان جرت ... بغالية النَّفس وَالنَّفس شح) (فصحف فَتَاوِيهِ من حسنها ... خدود العذارى عَلَيْهِنَّ رشح) (وَللَّه سربدا فى علاهُ ... ومنذ تولى تولاه مدح) (وَحَتَّى أعاديه لم ينطقوا ... بذم وان نابهم مِنْهُ ذبح) (يُرَاعى قد طاش فى مدحه ... وثنى الْعَنَان الى الْفَتْح مرح) (فَللَّه فتح مُبين ذَا ... وَمَا هُوَ الامن الله منح) (لذا أنشأ الْحَال تَارِيخه ... لنصر من الله حم وَفتح) وَقَالَ وهى من غرره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 (تألق الْبَرْق لى سلاسل ... قلت وشاح على الْمنَازل) (أَو شرد الطيف عَن جفونى ... فامتد مِنْهَا لَهُ حبائل) (أَو أَنَّهَا قد حكت عشورا ... أخذت مِنْهَا فألا لقابل) (أَو صارم وَالسَّمَاء قين ... غَدا لَهَا بالنسيم صاقل) (ذكرنى بالوميض خصرا ... جال بِهِ للنطاق جائل) (أَو انه ابتسام ثغر ... فِيهِ شِفَاء لكل ناهل) (بل طلعة الْعَالم المفدى ... عين المعالى صدر الافاضل) (درة تَاج المليك يزهو ... جيد بِهِ للزمان عاطل) (يراعه شمر المعالى ... يُصِيب مِنْهُ الشبا الشواكل) (ان يسقه النقس فَهُوَ غُصْن ... يضوع مِنْهُ شذا الخمائل) (صريره مطرب قُضَاة ... مَا بَين راج مِنْهُم وآمل) (يصون منا مَاء الْمحيا ... وَهُوَ بِمَاء الْحَيَاة سَائل) (ثانى عصاة الكليم تجرى ... لنا أنابيبه جداول) (وَلَفظه عنبر بشحر ... يقذفه الْبَحْر للسواحل) ( ... أَنْجَب دهر بِهِ أَتَانَا ... رَضِيع ضرع الْعُلُوم حافل) (وَكَانَ من قبله عقيما ... كَذَاك ليلاته حوائل) (فليهننا طالبى نداه ... فزنا وَرب الورى بطائل) (أعَاد افراد من تقضى ... كالصاحب الشهم وَابْن وَائِل) (ان رمد الطرس من جهول ... فَهُوَ بميل اليراع كاحل) (أعر لقولى مولاى سمعا ... أشكوك دهرا على حَامِل) (قطع أسبابنا اللواتى ... كَانَت لحاجاتنا وَسَائِل) (تَلا محياك لى سطورا ... فِيهَا نجاح لكل سَائل) وَمِمَّا أوردهُ قَوْله فى الرثا (لَك الله من غاد يسير بِلَا عزم ... ومغترب فى أَهله والحمى المحمى) (وَمن رَاقِد لَيست لَهُ هَيْئَة الْكرَى ... ونشوان رَاح لَا من التَّمْر وَالْكَرم) (فكم نَاشد منا ويدرى مَكَانَهُ ... فَهَلا وجدنَا مَا نشدناه فى الرَّسْم) (حبيب فَقدنَا مِنْهُ نجم سعوده ... وكوكبه الوضاح بل قر التم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 (أَقَامَت عَلَيْهِ الكائنات مآثما ... فدمع السَّحَاب الجون من بعده ميهمى) (والبس أَثوَاب الْحداد الدجى أسى ... وَبدر الدجى فى وَجهه أثر اللَّطْم) (وَقد حلقت رأسى وَأَلْقَتْ جلاببا ... وَشقت جيوبا رَوْضَة جادها الوسمى) (وَقد لبست ثوب الصدار سماؤنا ... بغيم وَلَيْسَ الْغَيْم الا من الْغم) (وصكت بنعل الفرقدين صدورها ... فَمن زرقة قد أثرت أثر الْخَتْم) (عجبت لَهُ وَهُوَ الضنين بِنَفسِهِ ... يحارب عَنْهَا كَيفَ يجنح للسلم) (بنينَا المرائى بعده وبيوتها ... وَقد صَار مِنْهُ هيكل الْجِسْم للهدم) (عزاء بنى الامجاد والشرف الجم ... وصبرا جميلا لَا يقبح بالاثم) (فسيف الْقَضَاء الحتم لَا يسلب المضا ... يصول بِلَا ذَنْب ويسطو بِلَا جرم) (وَمَا أُمَّهَات الْخلق الا صوائر ... بشكل وَمَا الابناء الا الى الْيُتْم) (لقد أنتج الْآبَاء أشكا الناسدى ... فياليت ذَا الانتاج بدل بالعقم) (فيا رب أسْكنهُ الْجنان ممتعا ... وأسبل عَلَيْهِ ستر غفرانك الجم) (وأبدله عَن هذى الرسوم وَأَهْلهَا ... قصورا وحورا قاصرت بِلَا نقم) وَقَوله من قصيدة وهى من تحائفه (على أَثلَاث الواد بَين سَلام ... وَبَعض تحايا الزائرين غرام) (تذكرت أيامى بهَا وأحبتى ... اذ الْعَيْش غض وَالزَّمَان غُلَام) (والمامتى بالحى حَيْثُ تواجهت ... قُصُور بِأَكْنَافِ الْحمى وخيام) (ألام على هجرانهم وهم المنى ... وَكَيف يُقيم الْحر وَهُوَ يضام) (همو شرعوا أَن الْجفَاء مُحَلل ... وهم حكمُوا أَن الْوَفَاء حرَام) (وأبلج أما وَجهه حِين يجتلى ... فشمس وَأما كَفه فغمام) (جرى طائرى مِنْهُ سنيحا فعلنى ... بدر أياد مَا لَهُنَّ فطام) (شَردت عَلَيْهِ غير جَاحد نعْمَة ... اكلف خفا بعده وأسام) (وَقد يسلب الرأى الْفَتى وَهُوَ حَازِم ... وينبو غرار السَّيْف وَهُوَ حسام) (فقد وجد الواشون سوقا ونفقوا ... بضائع زورما لَهُنَّ دوَام) (وَبَعض كَلَام الْقَائِلين تزيد ... وَبَعض قبُول السامعين أَنَام) (فَأصْبح شَمل الانس وَهُوَ مبدد ... لَدَيْهِ وحبل الْقرب وَهُوَ ذمام) (يقرب دونى من شهِدت وغيبوا ... ويوصل قبلى من سهرت وناموا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 (تزاور حَتَّى مَا يُرْجَى التفاته ... وَأعْرض حَتَّى مَا يرد سَلام) (فَلَا عطف الا لَحْظَة وتنكر ... وَلَا رد إلاضجرة وسآم) قَالَ وَمِمَّا نسجته فى حلية من نسج عَلَيْهِ العنكبوت من حليته الشَّرِيفَة وَهُوَ مثبوت (اسْتمع حلية النبى المكنى ... من لآل فرائد ذَات معنى) (أَبيض اللَّوْن أَنفه كَانَ أقنى ... ذُو جبين طلق وأفرق سنا) (خافض الطّرف هَيْبَة وحياء ... وَله حَاجِب أَزجّ مثنى) (وكثيف اللحى مجمع شعرًا ... أسود الْعين كاسر لَك جفنا) (هدب عَيْنَيْهِ مثل أَقْدَام نسر ... وَله رَاحَة غَدَتْ وهى تثنى) (مثل مَا رق أنملا رق قلبا ... مِثْلَمَا طَال أيديا طَال منا) (يَا لسطر من فَوق مهرق صدر ... من شُعُور كالخز لينًا وحسنا) (ان يسر سَار جملَة كانحطاط ... من علو يجوز ركنا فركا) (كَامِل الْقد لم يسايره قرن ... فى مداه الا ترَاهُ ارجحنا) (واذا رام فى مجالسه القَوْل بنصح فيوزن اللَّفْظ وزنا) (دَائِم الْفِكر مظهر لسرور ... فى محياه وَهُوَ يكتم حزنا) (فَعَلَيهِ الصَّلَاة كل مسَاء ... وصباح مَا صِيغ فى القَوْل معنى) وَله ملغزا فى عيد وَكتب بهَا الى السَّيِّد بكر بن النَّقِيب الْمُقدم ذكره (رعى الله ظَبْيًا فى الحشاشة مرعاه ... وحياه قلب لم يُفَارق محياه) (بِوَجْه لَهُ اختطت محاريب حَاجِب ... أطلت صَلَاة اللحظ فِيهَا المرآه) (وَقَامَ بِلَال الْخَال فِيهَا مراقبا ... صباح جبين لَا تغيب ثرياه) (وَلم أنس اذ جاذبته طرف المنى ... وَقد نظمت عقد التهانى ثناياه) (بجنح دجى من قبل نبت عذار ... تسربل فى شيب من الصُّبْح خداه) (وَقد طلعت فِيهِ شموس كؤوسنا ... كَمَا أطلعت نجل الشهابى دُنْيَاهُ) (نجيب لعين الْمجد أصبح قُرَّة ... وَأمسى قذاة فى نواظر أعداه) (وَلَا بدع أَن يطوى لَهُ سَبَب الْعلَا ... وينشر فى سوق المفاخر رداه) (فَمن كَانَ من نسل الشهابى عُطَارِد ... سيملك من قدح المعالى معلاه) (فيا بكر بشرى أَنْت بشكر عُطَارِد ... وَمن لم تقف فى حومة الْبَحْث خيلاه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 (لقد جاش فى صدرى مباراة طبعكم ... وصق يمانى لَهُ لَان متناه) (فَمَا اسْم حكى النُّعْمَان فى يَوْم بؤسه ... وَيَوْم نعيم يستطار لنعماه) (يريق دَمًا من لَيْسَ يجنى على الورى ... وَيطْعم أُخْرَى جائعا من تَلقاهُ) (وَلَيْسَ من الاجسام لَكِن لَهُ يَد ... وَعين على مر الجديدين ترعاه) (اذا صحفوه فَهُوَ عبد مُقَيّد ... اذا أَطْلقُوهُ كَانَ مولى بمولاه) (فجد بِجَوَاب نستضئ بنوره ... ونقطف ازهار الامانى جدواه) (بقيت بأفق الْفضل وَالْمجد طالعا ... يَقُول الذى يلقاكم رَبك الله) وَله فى وَالِد السَّيِّد بكر الْمَذْكُور وَهُوَ السَّيِّد أَحْمد الْمَار ذكره يُشِير الى خَال لَهُ كَانَ يلقب بآلا والى غُلَام كَانَ يهواه يعرف بِصَاحِب الْخَال (من مبلغ عَنى الشهابى أحمدا ... نجل النَّقِيب الشامخ المتعالى) (لَا تفخرن عَلَيْك بعد بَقِيَّة ... مَا لم تنلها لست بالمفضال) (الْمَرْء يكرع من مناهل خَاله ... وشراب آلا كالسراب الْآل) (لله قاضى دهرك الْعدْل الذى ... أَعْطَاك خالا ثمَّ صَاحب خَال) (فبقدر مَا تهواه من ذى الْخَال قد ... أَعْطَيْت عكس هَوَاك عِنْد الخالى) وَله من مُكَاتبَة كتبهَا وَهُوَ بالروم (أَيهَا القاصد العواصم من أكلف شهبا ثَنَا ذَوَات النطاق ... ) (ان لى حَاجَة اليك فَهَل أَنْت ترى فى وفائها خير راقى ... ) (قل لسكان جَامع طالما طاردت بالبحث فِيهِ خيل السباق ... ) (لم جفوتم صبا لقد قَذَفته ... رَاحَة الْبَين فَوق حَوْض العناق) (فتلافوا فُؤَاده بِكِتَاب ... فكتاب الاحباب نصف التلاقى) وَله فى الْغُلَام الْخمار الذى كَانَ يهواه (مهلا فعينى من بكا ونحيب ... عميت وتوجنى الْهوى بمشيب) (فى حب بدر مَا استضأت بوصله ... الا وأعقبه الجفا بمغيب) (أورد عينى عيسوى جماله ... الا وأدركها الْعَمى برقيب) وَله فِيهِ أَيْضا (وعصر بقسطينية قد قطعته ... على وفْق مَا قد كَانَ فى النَّفس والصدر) (يمينى بهَا كراسة أجتلى بهَا ... علوما لقد زاولتها غابر الدَّهْر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 (أحرر مِنْهَا فى الطروس بدائعا ... فاملأ صدر الْقَوْم فى الْورْد والصدر) (وطورا أحلى من زمانى عاطلا ... بِعقد نظام صاغه صائغ الْفِكر) (معَان اذا مَا الصر در دعى لَهَا ... ترَاهُ بصر رَاح وَهُوَ بِلَا در) (أضمنها سلوى الحز بن ورقية السَّلِيم ومأخوذ من اللحظ بِالسحرِ ... ) (وخمر شمالى للشمول متابع ... اذا حثها الساقى أذاعت لَهُ سرى) (من العبقريين الَّذين تحملوا ... نقى كلكل الزنار فَوق وهى الخصر) (اذا اعتم زرقاء الْيَمَامَة خلتها ... سَمَاء بهَا قد لَاحَ نورسنا الْبَدْر) (وان قَامَ بَين الشّرْب خلت قوامه ... قِنَا ألف قَامَت على وسط السطر) (وان أترع الكاسات خلت يَمِينه ... لجينا تحليها مَقَامِع من تبر) (وان نظرته الْعين نظرة ى هوى ... سقانى بكاس الْعين خمرًا على خمر) (وأدجوا بلَيْل من ذوائب شعره ... فيارب هَل فى لثمتى الثغر من فجر) (أفكر فى يَوْم النَّوَى لَيْلَة اللِّقَاء ... فأذرى دِمَاء الْعين من حَيْثُ لَا أدرى) (فأمسح فى كافورة الْجيد مقلتى ... عَسى ان بالكافور دمعى لَا يجرى) (فَمَا زَالَ فى ثوب الخلاعة ظاهرى ... وقلبى بِذكر الله يفتر عَن در) (الى أَن قذفت الشّرك عَن صفو خاطرى ... كَمَا تقذف الادناس عَن لجة الْبَحْر) وَمن غزلياته قَوْله (الصخر رق لحالتى يَا ذَا الْفَتى ... مذ صرت خنساء وقلبى قد عتا) (يأيها الريم الذى ألحاظه ... سلت على العشاق سَيْفا مُصْلِتًا) (عطفا على بنظرة أَو لفتة ... اذ عَادَة الآرام أَن تتلفتا) (كم ذَا اعانى فِيك أهواء وَكم ... أصلى بنيران الْهوى والى مَتى) (الله أعلم لم أبح بهواكم ... لكنما العينان فِيهَا نمتا) (أَتَرَى زَمَانا مرحلوا بالحمى ... هُوَ عَائِد والعيش غض ثمنا) (مَا كَانَ فى ظنى الْفِرَاق وانما ... قاضى الغرام على ذَلِك أثبتا) (كم لَيْلَة للوصل قربت الْكرَى ... عطس الصَّباح وَلم أجبه مشتما) (وعَلى الذى نطق الْكتاب بمدحه ... وأتى الْخطاب لَهُ بِسُورَة هَل أَتَى) (منى صَلَاة أجتنى نوارها ... من جنَّة عيناى فِيهَا نامتا) وَمن بدائعه قَوْله من قصيدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 (مَا الْخَال مسكاً فت فى الاجياد ... بل انه بقيا فتيت فؤادى) (أَو أَنه شحرور رَوْضَة وَجهه ... قد جاوبته بلابل الانشاد) (أَو عَابِد لبي المسوح وقدرفى ... من سحر عَيْنَيْهِ بِسُورَة صَاد) (وَأقَام فى محراب حَاجِبه الْهدى ... يحْكى بِلَالًا للصَّلَاة يُنَادى) (بل انه كرة تجول بسالف ... كالسيف يسكن فى حَشا الاغماد) (أَو ان وجنته صحيفَة مهرق ... قلم الاله أمدها بمداد) (أَو نقطة وَلها العذار حمائل ... أَو كالكمام بغصنه المياد) (بل انه حبب طفا وخدوده ... قدح تطفح من دم الاكباد) (أَو مَرْكَز والخد دَائِرَة المنى ... خطت ببيكارا الْجمال البادى) (بل حَبَّة نصبت لصيد حشاشتى ... بل قَطْرَة من نقس عبد الهادى) وَمن مقاطيعه قَوْله (ريحَان خدك نَاسخ ... مَا خطّ ياقوت الخدود) (وَقع الْغُبَار بهَا كَمَا ... وَقع الْغُبَار على الْوُرُود) وَقَوله (تِلْكَ الثنايا واشقائى بهَا ... باتت ترينى عِنْد لثمى الطَّرِيق (تبددت من غيرَة عِنْدهَا ... سبْحَة در نظمت من عقيق) (يَا لَيْلَة طَالَتْ على عاشق ... بَات من الوجد على جمر) (كليلة الميلاد فى طولهَا ... تسبح فِيهَا الْعين بالقطر) (كَأَنَّهَا ثَكْلَى جَنِين لَهَا ... أغر قد سمته بِالْفَجْرِ) وَله فى شرِيف (لما تعمم بالخضرة ذُو شرف ... قوامه سيغ من تبر وَمن صلف) (أيقظت صحبى وَعين النَّجْم ساهرة ... قومُوا انْظُرُوا يحكم للبدر فى الشرق) وَله (ارفقوا فالفؤاد لَيْسَ بجلد ... وارحموا اذلتى وَطول عويلى) (ان شحاذ حسنكم وعيونى ... يَا غناة الْجمال كالكشكول) وَله فى يَتِيم (ان ذَاك الرشأ الخشف الذى ... مَاتَ عَنهُ وَالِد فَهُوَ كظيم) (زَاده موت أَبِيه قيمَة ... كَانَ درا فغدا الْيَوْم يَتِيم) وَله فى أرمد (ذَاك الذى طلت دمى عَنهُ ... وَرَاح يُسمى أرمد الِاسْم) (لما رآنى لدمى ثائرا ... عصبها بالطرف الْمعلم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 (قُولُوا لَهُ يكْشف عَن عينه ... فان فِيهَا نقطا من دمى) وَله فى جراح (لحا الله الطَّبِيب لقد تعدى ... وَجَاء لقلع ضرسك بالمحال) (أعاق الظبى قد شلت يَدَاهُ ... وسلط كلبتين على غزال) وَله فى حَامِل قنديل (وشادن والقنديل فى يَده ... مَا بَيْننَا وظلام اللَّيْل معتكر) (كَأَنَّهُ فلك وَالْمَاء فِيهِ سما ... وَالنَّار شمس بِهِ وَالْحَامِل الْقَمَر) وَله فى موشم (أفدى غزالا تعرى من ملابسه ... والجسم من ترف أضحى كفالوذج) (كَأَنَّهُ وطراز الوشم دَار بِهِ ... جسم من الدّرّ فِيهِ نقش فيروزج) وَله (ان خَال الحبيب لما دهانى ... وشجانى منا الجفا والمطال) (قلت اذ زَاد نكهة وصفاء ... قُم أَرحْنَا بقبلة يَا بِلَال) وَله (ويلاه من جيد كَمَاء الحياه ... حف بِهِ زيق كشط الفراه) (كَأَنَّمَا أطواقه حوله ... فوارة تمطر مَاء الحياه) وَله (لم أزل من صحيفَة الْقلب أمْلى ... فى دجا الاغتراب سطر مثالك) (ناصبا هدب جفن عينى شباكا ... فَعَسَى أَن أصيد طير خيالك) وَله فى الْعُيُون المستعارة للنَّظَر (قَالَ لى الْحبّ لم وضعت على الانف عيُونا وفى عيونك مقنع ... ) (قلت مذ خطّ كَاتب الْحسن فى ثغرك نونا كحاجبين وأبدع ... ) (فجعت الْعُيُون أَربع على ... ان أرى يَا رشا حواجب أَربع) وَله (وجنة كالشقيق مرآتها الْيَوْم صفت من قذاة عين الرَّقِيب) (خضبت من دم الرَّقِيب فَمَا ... تبصر الا تعلّقت بالقلوب) وَله (عَابَ قوم شربى المدام وَلَا يَد ... رون أَن التعييب عين الْعُيُوب) (جبر قلب الاقداح بِالرَّاحِ خير ... فى اعتقادى من كسر كاس الْقُلُوب) وَلما طَال مكثه بالروم قَالَ (شيبت فود سيد الرُّسُل هود ... وَلَقَد شيبت فؤادى الرّوم) وَرجع الى وَطنه فَأخذ ينْدب أوقاته الْمَاضِيَة فَمَا قَالَه فى ذَلِك المعرض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 (مَا قصرت تِلْكَ الليالى الَّتِى ... فى جنحها بت سمير الملاح) (لَكِن أشواقى لذاك الرشا ... مَا عاجلتنى خوف وَشك البراح) (شققت جيبا كالدجا حالكا ... عَن صَدره فانجاب لى عَن صباح) وَقَالَ (قد ألفت الهموم لما تجافت ... عَن وصالى الافراح وازددت كربه) (فديار الهموم أوطانى الغر ... وَدَار الافراح لى دَار غربه) وَقَالَ (أَلا قل لقسطنطينية الرّوم انى ... أعادى لقسطنطين اسْمك والرسما) (لقد غيبته فى الثرى غير وَاجِد ... محبا يفاديه الحشاشة والجسما) (وَقد تركتنى ساهر الطّرف بعده ... مشتت شَمل البال أرتقب النجما) (سأهجر فِيهِ خلة الكاس والهوى ... وأجتنب اللَّذَّات ان عدن لى خصما) وَقَالَ (كَانَ لى فى الحظوظ بدرة عَيْش ... بدرتها يَد الشبيبة نثرا) (لَيْت حكم النهى حماها فَكَانَت ... لى فى فاقة الكهولة ذخْرا) (قَالُوا عهدنا غُصْن عمرك بالصبا تَدْنُو قطوفه ... ) (فذوى بمغبر المشيب وطالما روى نزيفه ... ) (فأجبتهم ضيف ألم بنادجى لم لَا نضيفه ... ) (وربيع ذَاك الْعُمر سَار فليت لَو يبْقى خريفه ... ) وَلما لزم الزهاد شرع فى عمل الاشعار الْمُتَعَلّقَة بالانكفاف والتوسل والمناجاة فَمن جملَة مَا صنعه قَوْله (دواتى كاسى وَالْكتاب حديقتى ... وساقى مدام الْفِكر قَامَ على قدم) (صرير يُرَاعى مطربى فَكَمَا نما ... سطورى أوتار ومضرابها الْقَلَم) وَقَوله (أَلا ان حبى لطول الْحَيَاة لَيْسَ لاجل حظوظ مضاعه ... ) (وَلَكِن لَا شهد لطف الا لَهُ ... فأزداد شكرا وأزداد طاعه) وَقَوله (أيا رب نفسى أتعبتنى حظوظها ... وتسويلها الايقاع فى زلَّة الْقدَم) (فيا رب ان كنت السقى بِفِعْلِهَا ... فَمَا أَنا الا السن يقترع النَّدَم) (وَلست باياها وحاشاى اننى ... من الرّوح ذَات الْقُدس لى أوفر الْقسم) وَقَوله (اليك رَسُول الله وجهت وجهتى ... وأرسيت فى تيار بَحر الرجا فلكى) (فَكُن شافعى يَا من يشفع فى غَد ... بسترى فى الدَّاريْنِ من فاضح الهتك) وَقَوله (قيل لى كم وَكم ترى تتمادى ... فى الْهوى وَالطَّرِيق وعرقصى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 (قلت ظنى بِاللَّه ظن جميل ... وبخير الانام جدى على ... ) (ان لله رَحْمَة تسع الْخلق جَمِيعًا فَمن هُوَ العرضى ... ) وَكَانَت وَفَاته فى صفر سنة احدى وَسبعين وَألف وَبلغ من الْعُمر نَحْو سِتِّينَ سنة السَّيِّد مُحَمَّد بن عمر العباسى الخلوتى الدمشقى الصالحى الحنبلى شَيخنَا فى الطَّرِيق ولى الله ومعتقد الشَّام بِنسَب الى الْعَبَّاس عَم النبى من جِهَة وَالِده والى الشَّيْخ أَبى عمر بن قدامَة الحنبلى من جِهَة والدته كَانَ شَيخنَا جَلِيلًا من أكَابِر العارفين والاولياء المتمكنين أَخذ الْفِقْه عَن الشهَاب أَحْمد الوفائى المفلحى وَمن شُيُوخه الْبُرْهَان بن الاحدب الصالحى والنجم الغزى وَأخذ الطَّرِيق عَن الاستاذ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد العالى لَازمه بقرية عَسَّال وَتخرج بِهِ حَتَّى صَار خَلِيفَته من بعده وَكَانَ يُؤثر الخمول على الظُّهُور الى أَن أَرَادَ الله سُبْحَانَهُ ظُهُوره لما حبس الْغَيْث عَن دمشق سنة سبعين وَألف واستسقى أَهلهَا مَرَّات فَلم يمطر وَاو كَانَ شَيخنَا رَحمَه الله تَعَالَى لَا يخرج مَعَهم هضما لنَفسِهِ فأنطق الله بعض المجاذيب بأنكم ان أردتم الْغَيْث فاستسقوا بالعباسى فَأمره نَائِب الشَّام بِالْخرُوجِ للاستسقاء بهم فَخرج وَهُوَ فى غَايَة الخجل وَقَالَ اللَّهُمَّ ان هَؤُلَاءِ عِبَادك قد أَحْسنُوا الظَّن بى فَلَا تفضحنى بَينهم فأغيثوا من ساعتهم وَمَا رجعُوا الى الْبَلَد الا بِمَشَقَّة من كثر الْمَطَر وَاسْتمرّ الْمَطَر ثَلَاثَة أَيَّام فاشتهر عِنْد ذَلِك ذكره وَلم يمنكه أَن يكتم أمره وَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ المريدون وتسلك بِهِ من أهل الطَّرِيق الصالحون وانتفع بِهِ الجم الْغَفِير الَّذين لَا يُمكن حصرهم وَأَعْطَاهُمْ الله تَعَالَى حسن السمت وَالْقَبُول وَنور حَالهم ببركته ودعائه وَقد وفقنى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للاخذ عَنهُ والتبرك بدعواته وَكَانَ يتحفنى بامدادته الباطنية ثمَّ انْقَطع عَن النَّاس وَكَانَ لَا يقبل من الْحُكَّام هَدِيَّة وَلَا يتَرَدَّد اليهم وكراماته كَثِيرَة مَشْهُورَة مِنْهَا أَن بعض المجاورين بِمَكَّة من أهل دمشق رَآهُ يصلى الاوقات الْخَمْسَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام بالْمقَام الحنبلى وَهُوَ بِالشَّام وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَسبعين عَن سنّ عالية وَدفن بمقبرة الفراديس وقبره مَعْرُوف يزار مُحَمَّد الباقر ابْن عمر بن عقير بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن جمل اللَّيْل مُحَمَّد بن حسن اشْتهر كلفه ببا حسن الْعَالم العلامه الْبَحْر الحبر قَالَ الشلى فى تَرْجَمته ولد بتريم وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ الْعلم عَن أَخَوَيْهِ عقيل وعلوى وَالشَّيْخ زين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 العابد بن وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العيدروسيين وَالشَّيْخ عبد الله بن زين بافقيه وَحضر درس الشَّيْخ أَحْمد عيديد وَالشَّيْخ أَحْمد بلفقيه ثمَّ ارتحل الى الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَحج وزار جده وَأخذ بهما عَن جمَاعَة من السَّادة وَدخل الْهِنْد واتصل بولاتها ثمَّ رَجَعَ الى بَلَده بالسلامة فَلم تطب لَهُ فَدخل الْهِنْد ثَانِيًا وَأقَام بهَا زَمنا طَويلا وَأكْثر فى نَوَاحِيهَا الترداد يرحل من بلد الى أُخْرَى الى تقدس نفس وَذَات ومداعبات مستلذات وحظى من الْعَرَبيَّة والادب وتميز بهما نظما ونثرا ومنحه الله تَعَالَى مَكَارِم الاخلاق قَالَ الشلى فى مشرعه اجْتمعت بِهِ فى الديار الْهِنْدِيَّة وَقد اجْتمعت فِيهِ الصِّفَات العليه واشتملت على كرم الطباع شمايله ودلت على النجاح والفلاح مخائله فتعاشرنا معاشرة صدق ووقا وتواددنا وداد محبَّة وَصفا ثمَّ عَاد الى وَطنه وَاسْتقر بِهِ النَّوَى وَألقى بِهِ من يَده الْعَصَا ثمَّ عكف على الْعُلُوم الصوفيه عكوف تَوْبَة على حب الاخيلية ولازم قِرَاءَة كتاب الاحياء مُلَازمَة غيلَان دراميه وَلزِمَ صُحْبَة شيخ الْبِلَاد والعباد صَاحب الارشاد والامداد السَّيِّد عبد الله بن علوى الْحداد فَحصل لَهُ الاسعاد وَفتح الْجواد وتجردهما كَانَ عَلَيْهِ من تِلْكَ الاوصاف وَلم يتطلع الى مَا فَوق الكفاف وَلبس ثوب القناعة والعفاف فأسفرت لَهُ وُجُوه المحاسن سافرة النقب ظَاهِرَة الْجمال من وَرَاء الْحجب وَلم يُصَادف الا من قَالَ لَهُ أهابك اجلالا وناداه كل محب هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا وَكَانَ صدر المحافل اذا عقدت وصيرفى الامور اذا انتقدت وَلم يزل كَذَلِك الى أَن مَاتَ وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وَتوفى فى تريم فى سنة تسع وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة زنبل السَّيِّد مُحَمَّد بن عمر بن يحيى بن المساوى الردينى الْحسنى القطب الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى المتوجه بِكُل كليته الى مَوْلَاهُ أحاطت بِهِ الْمعرفَة فظهرت مِنْهُ الْعَجَائِب وَكَانَ فى بدايته مشتغلا بِقِرَاءَة الْقُرْآن مجدا فى الْعِبَادَة ثمَّ أَخذ بِالْيمن عَن شُيُوخ من السَّادة بنى الاهدل وَغَيرهم ثمَّ قدم الْحَرَمَيْنِ وجاور بهما سِنِين ولازم بِالْمَدِينَةِ الصفى القشاشى وَأخذ عَنهُ وَبِه تخرج وانتفع كثيرا وَكَانَ القشاشى يُشِير اليه كثيرا وَيَقُول فى شَأْنه اذا ألبس السَّيِّد مُحَمَّد أحدا خرقَة فهى خرقَة نبوية وَرَأى صَاحب التَّرْجَمَة النبى فى الْمَنَام قَائِلا لَهُ قدمك كقدمى ومسجدك كمسجدى وَرَأى بعض الصَّالِحين فى عَالم الرُّؤْيَا أَيْضا قَائِلا يَقُول مُحَمَّد أَمِين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 الله على خَزَائِن الارض وَمُحَمّد بن عمر أَمِين رَسُول الله وَكَانَ يَعْتَرِيه فى بعض أوقاته حَال يغيب فِيهِ عَن شعوره فيجلس الْيَوْم واليومين مصطد مَالا يتَكَلَّم ومناقبه وكراماته لَا يحصيها عد وَلَا يُحِيط بهَا حد وَاسْتمرّ على المجاهدة وَالصِّيَام واطعام الطَّعَام والانفاق على الْفُقَرَاء والاحسان اليهم بِحَيْثُ انه كَانَ ينْفق جَمِيع مَا يحصل لَهُ من بِلَاده ومزارعه على كثرتها وَلما قربت وَفَاته قَرَأَ من أول سُورَة الانعام الى قَوْله تَعَالَى {الله يعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} ثمَّ خرجت روحه وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْخَمِيس رَابِع شهر ربيع الاول سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَدفن بقرية السنان بِكَسْر السِّين من بِلَاد بنى جلّ من أَعمال الشّرف من الْيمن رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن عِيسَى المنعوت بشمس الدّين الميمونى المصرى الشافعى أحد الْعلمَاء الْكِبَار أَخذ عَن الشَّمْس الرملى والشهاب البلقينى والشهاب أَحْمد بن قَاسم وَالشَّيْخ الْفَاضِل الْوَاعِظ مُحَمَّد شمس الدّين الصفوى الشافعى وَالشَّيْخ عبد الحميد السمهودى وَغَيرهم وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء وَله من المؤلفات مُخْتَصر الْآيَات الْبَينَات تأليف شَيْخه ابْن قَاسم وَبَعض رسائل تتَعَلَّق بآيَات شريفة قرآنية وَكَانَت وِلَادَته فى نَيف وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى صفر سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَدفن بتربة المجاورين قَالَه الشَّيْخ مَدين القوصونى مُحَمَّد بن فتح الله بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسن البيلونى الحلبى القاضى أَبُو مُفْلِح كَانَ غرَّة فى جبهة الْفضل كثير الادب ولد بحلب وَبهَا نَشأ وتأدب بوالده فتح الله الْمُقدم ذكره ورحل الى الرّوم وسلك طَرِيق الْقَضَاء فولى المناصب السّنة فى اقليم مصر وَقد ذكره الفيومى فى المنتزه فَقَالَ فى وَصفه فَاضل ركعت أقلامه فى المحابر وسجدت فى محاريب الدفاتر فطرزت فلك الاوراق بِمَا لذا وراق من نثر تغار مِنْهُ النُّجُوم وَشعر كَأَنَّهُ عقد الدّرّ المنظوم ثمَّ أورد لَهُ قَوْله من قصيدة مطْلعهَا (وَجه يقابلنى لكنه قمر ... فى اللَّيْل يطلع لَكِن ليله شعر) (نظرته فسطا فى الْقلب ناظره ... وَرب حتف بِهِ قد أوقع النّظر) (لله مَا صنعت بى وجنتاه وَمن ... للنار يقرب لَا يَنْفَكّ يستعر) (ظبى سبا اللب الا أَنه ملك ... من الملائك لَكِن طبعه بشر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 وَلم يزدْ على الْقدر وَأَنا رَأَيْت القصيدة فى مدائح يحيى الَّتِى جمعهَا التقى فاخترت مِنْهَا قدرا وَهُوَ (علقته بدويا راق مَنْطِقه ... ورق حَتَّى استعارت دله أخر) (للسحر من لحظه معنى بقوته ... عَن الْعُقُول صَوَاب الراى مسترر) (مَا شاقنى قبل رُؤْيا شكله قمر ... وَلم يشم بعد ريا نَعله عطر) (جم المحاسن معسول الدَّلال لَهُ الْقد الذى خصره لَا يدْرك الْبَصَر ... ) (لَا عيب فِيهِ سوى أَن المحاسن من ... دون الانام جَمِيعًا فِيهِ تَنْحَصِر) (عَن كأسه خَدّه سل يَا نديم لكى ... ينبيك أَن الحميا مِنْهُ تعتصر) (وانظم محاسنه درا كمبسمه ... مِنْهُ كد مَعَك در اللَّفْظ ينتثر) (ألله اكبر مَا هَذَا الْفَتى شَرّ ... وَلَا تشاكله فى ذَاته الصُّور) (لكنه سر صنع الله أبرزه ... فَلَا يُحِيط بِهِ عقل وَلَا فكر) (كم لَيْلَة بت والاشواق تلعب بى ... والفكر سامرنى والنجم والسهر) (تعذب الْقلب آمال الْوِصَال دجى ... حَتَّى فؤادى كضوء الصُّبْح ينفجر) (لَا الْحبّ دَان وَلَا وعد أسربه ... وَلَا فؤاد عَن الاشواق ينزجر) (اذا تذكرت أيامى الالى سلفت ... يسيل من عبراتى السهل والوعر) (أَيَّام أنسى الَّتِى كَانَ الزَّمَان بهَا ... فى غَفلَة لَيْسَ تدرى شَأْنهَا الْغَيْر) (وَكلما خطرت أُمْنِية قضيت ... ويكمل السعد لما يحصل الوطر) (هَذَا الذى ذكره انسى الْحَيَاة الى ... أَن صرت حَيا مَعَ الاموات اذكر) (لَا الشوق ينسى وَلَا دهرى يعود بِمَا ... قد كَانَ مِنْهُ وَلَيْسَ الْقلب يصطبر) (لَكِنَّهَا حسرة تبدو لسفك دمى ... بهَا وان دَمًا أهل الْهوى هدر) مِنْهَا فى الْمَدْح (يكَاد بدر الدجى ينمى لطلعته ... لَو كَانَ يمشى على وَجه الثرى الْقَمَر) (قضى الاله بَان يفدى بحاسده ... فَمَاله حَاسِد بَاقٍ لَهُ عمر) (والدهر لَو أَنه ناواه لانقلصت ... ظلاله ورأينا النَّاس قد حشروا) وَله من قصيدة أُخْرَى أَولهَا (دمت يَا مربع الاحبة تندى ... كاسيا بالزهور بردا فبردا) (يَا لَهُ مربعًا اذا جاده النوء فساقى الصبوح يقطف وردا ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 (واذا انساب فى جداوله المَاء حساما جلى النسيم الفرندا ... ) (جنَّة والغصون فى حلل الازهار حور بهَا ترنح قدا ( ... (وتهادى معاطف البان سكرا ... بتهادى العناق أخذا وردا) (وتدير الصِّبَا كؤوس شذا النُّور على نَغمَة البلابل سردا ... ) (كَيفَ جزت الطَّرِيق جوزا وَمن خوفك دمعى بالسيل يسْلك سدا ... ) (لَو رعيت العهود أَحْسَنت لَكِن ... قَلما تحفظ المليحة عهدا) وَله من أُخْرَى مطْلعهَا (صبَابَة لَا اصطبار يضمرها ... ومهجة لَا خَلِيل يعذرها) (ودمعة لَا الزَّفِير ينضبها ... وزفرة لَا الدُّمُوع تضمرها) (وعشقة قد أبان أَولهَا ... ان هَلَاك الْمُحب آخرهَا) (فَكل نَار اذا علت خمدت ... سوى الَّتِى جَمْرَة تسعرها) (وَيْح جريح اللحاظ علته ... فى الطِّبّ حَيْثُ الطَّبِيب خنجرها) (تبات عين الحبيب ليلته ... كالنجم لَكِن أَبيت أسهرها) (لَوْلَا الْكرَى قَامَت مرنحة ... لم تَكُ أيدى الجفون تهصرها) (لى زفرَة لم أزل أصعدها ... ودمعة لم أزل أقطرها) (مَا الْعِشْق الا كالكيمياء أَنا ... دون جَمِيع الانام جابرها) (تَبَسم ان كلمت مشاكلها ... ودر دمعى غَدا يناظرها) (هيفاء مَا الْغُصْن مثل قامتها ... لَكِن أعطافه أشايرها) (أعشق من أجلهَا الْكَثِيب اذا ... تضم أَمْثَاله مآزرها) (وأحسد الْبَدْر فى محبتها ... فَغَيره لَا يكَاد ينظرها) (وألثم الْمسك والعبير عَسى ... يكون مِمَّا فتت ظفائرها) (لله مَا فى الْهوى أعالج من ... لَو اعج فى الْهوى أصابرها) (يَا حبذا خلسة ظَفرت بهَا ... فى غَفلَة للزمان أشكرها) (حَيْثُ لعهد غَدَتْ تمديدا ... لم تدر أسرارها أساورها) (يسْأَلهَا خاطرى الْوِصَال وَلَا ... يُجيب عَنهُ الا خواطرها) (لَيْت ليالى الْوِصَال لَو رجعت ... أَو لَيْت قلبى معى فيذكرها وَمن مقطوعاته قَوْله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 (لَا تسلم من شكا الزَّمَان وان لم ... تشف شكواه عِلّة المجهود) (انما يحوج الْكِرَام لشكوى ... شوق مَا فى طباعهم من جود) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف والبيلونى تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فى تَرْجَمَة وَالِده الامير مُحَمَّد بن فروخ أَمِير الْحَاج الشامى النابلسى المولد أحد شجعان الدُّنْيَا الْمَشْهُورين وكرماها الْمَذْكُورين كَانَ من أمره انه لما رَحل أَبوهُ بِالْحَجِّ وَهُوَ أَمِير فى سنة مَوته وهى سنة ثَلَاثِينَ وَألف ترك ابْنه مُحَمَّد هَذَا فى نابلس مُبْعدًا عَنهُ لنفرة كَانَت بَينهمَا وفوض أَمر حُكُومَة الْقُدس ونابلس لممولك لَهُ يدعى يُوسُف وَكَانَ يُحِبهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بعض أَتبَاع أَبِيه بقتل يُوسُف فى غيبَة وَالِده فَقتله وَقَامَ مقامة فَوَقع خَوفه فى قُلُوب أهالى تِلْكَ الْبِلَاد وهابوه وَاتفقَ موت وَالِده فسافر الى الرّوم وَاجْتمعَ بالوزير الاعظم مره حُسَيْن باشا وَكَانَ بَينه وَبَين وَالِده حُقُوق قديمَة فولاه امارة الْحَاج وَقدم الى دمشق وَسَار الحجيج فى سنة احدى وَثَلَاثِينَ وأرهب العربات وَكبر صيته واشتهر خَبره وبقى فى الامارة مُدَّة ثانى عشرَة سنة وشهرته تتضاعف وأخباره تتزايد وَبَلغت رهبته فى قُلُوب العربان الى انهم كَانُوا اذا أَرَادوا يخوفون أحدا مِنْهُم يَقُولُونَ هَا ابْن فروخ أقبل فَتَاوَى قوائمه والى ذَلِك أَشَارَ فتح الله بن النّحاس فى قصيدته الْمَشْهُورَة الَّتِى مدحه بهَا بقوله (واذا قيل ابْن فروخ أَتَى ... سقطوا لَو أَن ذَاك القَوْل مزح) هَذِه القصيد // من أحسن محَاسِن الشّعْر وأعذبه // ومطلعها (بَات ساجى الطّرف والشوق يلح ... والدجا إِن يمض جنح يَأْتِ جنح) وغزلها مَشْهُور متداول فلذها تركته وَأما مديحها فَمِنْهُ قَوْله فى وَصفه (بَطل لَو شَاءَ تمزيق الدجا ... لأتاه من عَمُود الصُّبْح رمح) (كم سطور بالقنا يَكْتُبهَا ... وسطور بِلِسَان السَّيْف يمحو) (بأبى أفدى أميرى انه ... صَادِق الطعْن جرئ الْقلب سمح) (كلما قد قيل فى تَرْجِيحه ... فى الندى أَو فى الوغى فَهُوَ الاصح) (يَا عروس الْخَيل وَالسيف لَهُ ... فى قراع الْخَيل والابطال صدح) (يَا رحاة الْخَيل وَالْخَيْل لَهَا ... فى حِيَاض الْمَوْت بالغرسان سبح) (حط سيف الْجُود فى حظى الذى ... هُوَ كالدهر يمسنى ويضح) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 (طالع الادبار مالى وَله ... ان يكن من كَوْكَب الاقبال لمح) وَكَانَ على مَا مكن لَهُ من الطول الطائل يتفرغ للادب وَكَانَ يحفظ من الاشعار والاخبار شَيْئا كثيرا وروى انه كَانَ يحفظ مقامات الحريرى وَكَانَ فكه الطَّبْع مائلا الى الْغناء وأرباب الموسيقى وَهُوَ فى الشجَاعَة مِمَّن لم ير نَظِيره فى عصره وَلِلنَّاسِ فِيهِ مدائح كَبِيرَة فَمن ذَلِك هَذِه الابيات قَالَهَا فِيهِ الامام الْهمام عبد الرَّحْمَن العمادى الْمُفْتى (مُحَمَّد باشانا ابْن فروخ من لَهُ ... عجائب شاعت من عَظِيم نعاله) (فكم طعنات أقصدت من رماحه ... وَكم رشقات أنفذت من نباله) (شَهِدنَا وشاهدنا لَهُ فى حَدِيدَة ... منافذ سهم خارقا من نصاله) (اذا كَانَ هَذَا فى الْحَدِيد فعاله ... فَمَا حَال أجساد العدى فى قِتَاله) (وَمَا ذَاك فعل السهْم بل فعل ساعد ... يساعده الرامى بِقُوَّة حَاله) وللامير المنجكى فِيهِ (أميرنا لَا بَرحت فى رتب ... ينحط عَن دون بَعْضهَا الْفلك) (بيكلر بكيا سموك مظْلمَة ... وَأَنت بالمجد والعلى ملك) (اذا طويت الْكتاب تنفذه ... الى العدى قبل فضه هَلَكُوا) (وان قصدت النُّفُوس تبذرها ... تركت طير الْمنون تحتبك) (سلكت بيض الْوُجُوه أَوديَة ... رَأْيك لولاه قطّ مَا سلكوا) (عبيد نعماك أَيْنَمَا ذَهَبُوا ... حَاز والمعالى وللمنى ملكوا) (زهد قلب المشوق بأسهم ... حب الغوانى يُعِيدهُ النّسك) (من كل زمر اذا بعثت بِهِ ... قَامَ بِهِ فى العداة معترك) (يحمده الذِّئْب فى الفلاة وفى الجو نسور والابحر السّمك ... ) (حَار لسانى فَمَا يَقُول ترى ... أَنْت مليك الزَّمَان أم ملك) (حويت كل الفخار مُنْفَردا ... وفى سواك الفخار مُشْتَرك) وَله فى أَبْيَات أخر مطْلعهَا (يَا ربع كم لَك من شجى هَالك ... مغرى بجؤذرك المصون الهاتك) (لست الملول وان رددت مآربى ... مَمْنُوعَة وهواك لَيْسَ بتاركى) (أوقفت دمعى فى عراصك بَعْدَمَا ... سد الجوى الا اليك مسالكى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 (عهدى وَشَمل السعد فِيك منضد ... والعيش يبسم عَن ثنايا ضَاحِك) (وَعَلَيْك من وَجه الامير بشاشة ... أفديه من وَجه أغر مبارك) (ملك جنَاحا خيله ورماحه ... يَوْم الوغى من فتية وملائك) (تمشى الفوارس تَحت أَمر ركابه ... طوع الفياد فياله من مَالك) (وَأَقل عبد من شِرَاء هباته ... مأوى الطريد وقبلة للسالك) (يأيها الْمولى الذى قد دبرت ... آراؤه الدُّنْيَا بِحسن ندارك) (قلدت أَعْنَاق العداة كارما ... بحسامك الْحق الجلى الفاتك) (ومحوت من صحف الْحَيَاة نُفُوسهم ... محو الصَّباح ظلام ليل حالك) (تخذوا سهامك فى الجسوم أَمارَة ... فنجوا بيمن جادها من مَالك) (لم يكفروا نعماك لَكِن ساقهم ... قدر الاله لورطة ومهالك) وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف بنابلس وَدفن بهَا وَخَلفه ولدان لَهُ على وعساف وَكِلَاهُمَا وليا الامارة فالاول وَليهَا سنة وَاحِدَة وَلَا أتحقق مَوته فى أى سنة كَانَ والثانى وَليهَا مَرَّات وَتوفى وَهُوَ مُتَوَجّه الى الرّوم بقونيه فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف مُحَمَّد بن فضل الله الرهانبورى نِسْبَة لبرهانبور بَلْدَة عَظِيمَة بِالْهِنْدِ الصوفى الهندى سُلْطَان الصُّوفِيَّة فى عصره كَانَ اماما عَالما زاهدا عابدا ورعا اشْتهر فى الْهِنْد الشُّهْرَة الْعَظِيمَة وَبلغ فى ذَلِك مبلغا لم يبلغهُ أحد وَذَلِكَ انه كَانَ يُحَاسب نَفسه كل يَوْم فى آخر نَهَاره وَكَانَ من طَرِيقَته أَن يكْتب جَمِيع مَا وَقع مِنْهُ وَتصرف فِيهِ وَكَانَ عَظِيم الْخَوْف من الله تَعَالَى يتَوَقَّع الْمَوْت فى كل وَقت وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ من أسياد الصُّوفِيَّة وحجتهم وبطانة خَالِصَة الْعلمَاء بالْقَوْل وَالْفِعْل سالكا محجتهم وَكَانَ من أكبر الْقَائِلين بالوحدة الوجودية وَألف فِيهَا رِسَالَة سَمَّاهَا التُّحْفَة الْمُرْسلَة الى النبى وَكَانَ فَرَاغه مِنْهَا سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَشَرحهَا شرحا لطيفا أَتَى فِيهِ بالعجب العجاب وَاعْتذر فِيهِ عَمَّا يَقع من محققى الصُّوفِيَّة من الشطح الموهم خلاف الصَّوَاب اعتذارا يقبله من أَرَادَ الله تَعَالَى لَهُ الزلفى وَحسن المآب وَمِمَّنْ تولى شرحها أَيْضا الاستاذ رَأس الْمُحَقِّقين ابراهيم بن حسن الكورانى نزيل الْمَدِينَة المنورة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام وَمن شُيُوخ صَاحب التَّرْجَمَة الشَّيْخ وجيه الدّين بن القاضى نصر الله العلوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 الاحمد أبادى الهندى امام الصُّوفِيَّة فى الْهِنْد وَغَيره من أكَابِر شيوخهم وَكَانَت وَفَاته بِبَلَدِهِ برهانبور فى سنة تسع وَعشْرين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى ورضى عَنهُ مُحَمَّد بن فضل بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بعصمتى الرومى قاضى الْعَسْكَر أوحد الزَّمَان كَانَ أجل فضلاء الرّوم وأفصحهم وأظرفهم مُمَيّزا بَينهم بالمعرفة وَالْفضل وكل من رَأَيْته من أَرْبَاب الْمعرفَة سمعته يصفه بِالْفَضْلِ والذكاء وجودة الطَّبْع // وَحسن الشّعْر // والفصاحة وَهُوَ من بَيت فضل وَصَلَاح وَقد تقدم ذكر أَبِيه وَقد نَشأ وَحصل ودأب ثمَّ اتَّصل فى أَوَائِل أمره بشيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّاء فصيره ملازما ثمَّ أَرَادَ أَن يسْلك طَرِيق الملاخداوندكار فَلم يَتَيَسَّر لَهُ فَعدل الى طَرِيق الْمولى وضمه شيخ الاسلام الْمَذْكُور اليه واستخلصه لنَفسِهِ ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى الْمدرسَة الَّتِى جددتها وَالِدَة السُّلْطَان مُرَاد فاتح بَغْدَاد وَهُوَ ثانى مدرس بهَا حكى والدى عَن شيخ الاسلام الْمَذْكُور قَالَ سمعته يَقُول لما وجهت اليه الْمدرسَة الْمَذْكُورَة والدته وَكَانَ عندى شرح الْمِفْتَاح بِخَط عصمتى فَأَخَذته معى فَقَالَ لى السُّلْطَان لمن وجهت الْمدرسَة فَقلت لصَاحب هَذَا الْخط وَهُوَ حفيد الشَّيْخ مُحَمَّد البركلى فأعجبه خطه وسألنى عَن فَضله فَذكرت لَهُ فَضله وزكنه فَقَالَ لى سَمِعت نبله من الافواه ثمَّ أَخذ الْكتاب وأبقاه عِنْده لإعجابه بِهِ قَالَ والدى وَلَقَد أخبرنى عصمتى انه بعد وَفَاة السُّلْطَان وصل اليه الْكتاب على يَد بعض الكتبيين فَاشْتَرَاهُ ثمَّ ولى من تِلْكَ الْمدرسَة قَضَاء الشَّام وَذَلِكَ فى شَوَّال سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وكبابه الْجواد قبل قدومه الى دمشق فانصدعت رجله فأنشده الاديب مُحَمَّد بن يُوسُف الكريمى ارتجالا هَذِه الابيات فى مجْلِس الِاجْتِمَاع بِهِ فَقَالَ (انهض فَلَا قعدت بك الايام ... وسما بك الاقدام والاقدام) (قدم العلى انصدعت فَلَمَّا صدعت ... صدع الْفُؤَاد فَلَا يكَاد ينَام) وَلم ينزل بقرية حرستا على عَادَة الْقُضَاة بل دخل وَكَانَ دُخُوله اليها فى سَابِع ذى الْحجَّة فَقَالَ الْفَاضِل عبد اللَّطِيف بن يحيى المنقارى فى تَارِيخ قدومه (زَمَانك يَا شمس المعالى مشرق ... وعصرك يَا بدر الْكَمَال لطيف) (وفضلك بَين الْخلق دق ضاء نوره ... وقدرك مَا بَين الانام منيف) (وانك فى جمع الكمالات مُفْرد ... وانك فى حكم الْقَضَاء عفيف) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 (وليت دمشقا حَاكما فى رعية ... بِعدْل لَهُ ظلّ عَلَيْك وريف) (وَلما أتيت الشَّام قلت مؤرخا ... قدومك عيد عندنَا الشريف) ومدحه أدباء الشَّام بقصائد كَثِيرَة وَوَقع فى مجَالِس سطرت عَنهُ وَمِمَّا ريأته من آثَار قلمه مَا كتبه على نِسْبَة أدهمية لِابْنِ المرزناتى بِدِمَشْق ألحمد لله الذى جعل الانساب فى بعض الْفُرُوع النجباء وسائط لاستفاضة الانوار والهمم الْعَالِيَة من الاصول الاتقياء عصيا يتوكؤن عَلَيْهَا ويدركون بهَا غَايَة المنى ويرتقون الى مدارج العلى وَلَهُم فِيهَا مآرب أُخْرَى وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُوله الْكَرِيم النُّور الاول والظهور الآخر فَاتِحَة مصحف الْوُجُود وخاتمة رِسَالَة الرسَالَة مُحَمَّد الْمُصْطَفى الذى هُوَ حجَّته الْكُبْرَى من استضاء بمصابيحه أبْصر وَنَجَا وَمن أعرض عَنْهَا ذل وَهوى صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى آله وعرته الَّذين هم حَبل الْهدى وشجرة التَّقْوَى وسفينة النجَاة الْعُظْمَى وَعُرْوَة الدّين الوثقى وَبعد فَلَمَّا تشرفت بِصَاحِب هَذَا النّسَب الْجَلِيل وجدته رَفِيق الْمجد وخليله نزيل الصّلاح وزميله تنَاول الْفضل كَابِرًا عَن كَابر وَأخذ الْفَخر عَن أسرة ومنابر فى نَاصِيَة تلوح عَلَيْهَا آثَار السَّعَادَة كالنور وفى جَبينه الانتساب الى من هُوَ كالتاج على مفرق هَذَا المنشور سطور فَمن نظر الى جميل خلقه وَحسن فعاله كَاد ينشد لِسَان حَاله بِاللَّه صلى الله تَعَالَى على النبى وَآله وَالشَّيْخ الْكَامِل الْوَاصِل الى مقَام الْعُبُودِيَّة الْمَدْعُو لهَذَا النّسَب بِعَبْد الْحق وَلَا ريب فى أَن أَلْسِنَة الْخلق أَقْلَام الْحق من سر العنصر الْكَرِيم ومعدن الشّرف الصميم الذى ببركة أنفاسه القدسية تبتهج الدُّنْيَا وعَلى عماده تضرب خيام الزّهْد وَالتَّقوى سيدنَا وسندنا الاكمل الآتم ابراهيم بن أدهم قدس الله سره وأفاض علينا خَيره وبره انْتهى قلت وَهَذَا المترجم مَعَ فَضله الباهى هُوَ أحد الْقُضَاة المذمومين بِالشَّام وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قرب جمَاعَة من أهل دمشق معروفين بالبغى وسلمهم أمره فبالغوا فى التعدى وَنسب ذَلِك اليه فعزل وسافر من دمشق فصحبه والدى الى الرّوم وَألف رحلته الاولى باسمه قَالَ وَلما وصلنا الى دَار الْخلَافَة كَانَ شيخ الاسلام الْمولى يحيى الْمَذْكُور آنِفا مَرِيضا فاتفق انه عَاده الْوَزير الاعظم مصطفى باشا وَسَأَلَهُ عَن حَاله فَقَالَ الْحَمد لله تَعَالَى حصل لى الشِّفَاء بقدوم عصمتى وَكَانَ الْوَزير الْمَذْكُور نَاوِيا أَن يُوقع بِهِ مَكْرُوها لما سَمعه من خَبره فَكَانَت كلمة شيخ الاسلام سَببا للعفو عَنهُ ثمَّ صَار قَاضِيا ببروسه وعزل فى مُدَّة جزئية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 وعانده الزَّمَان مُدَّة وانخفض حَتَّى ولى قَضَاء أَيُّوب وازمير ورق حَاله وَركبهُ دين عَظِيم وَلما ولى الْبَهَاء الْفتيا تقيد بتنميته فصيره قَاضِيا بقسطنطينية عشرَة أَيَّام وَنَقله الى قَضَاء سلانيك وفى أثْنَاء الطَّرِيق ضرب بعض خُدَّامه من غير عمد فَمَاتَ الْخَادِم وَحصل من سلانيك مَالا جزيلا وَقدم فبقى معزولا مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى أقبل عَلَيْهِ الْوَزير الاعظم مُحَمَّد باشا الكوبرى فَجعله قاضى الْعَسْكَر باناطولى وروم ايلى وتكرر لَهُ قَضَاء روم ايلى ثَانِيًا وَكَانَ شهما على الْقدر صلفا لحسن المنادمة وَكَانَ ظرفاء الرّوم يتنافسون فى حُضُور مَجْلِسه ويتفاخرون فى مكالمته وَكَانَ أديبا باهر الطَّرِيقَة وَقد ذكره الفيومى فى كِتَابه فَقَالَ فِيهِ لَهُ أدب كزهر الرياض وَشعر كَمَاء حلا وعذب فى الْحِيَاض فَهُوَ كمامة الزهر بل نادرة الدَّهْر تشرفت بِهِ وربطت سببى بِسَبَبِهِ فشنف سمعى وبعشرته رق طبعى فكم تلقيت من فِيهِ مَا هُوَ نَزعَة النبيه وَكم تلقفت مِنْهُ زهر الْآدَاب النديه وَبَيَان الصاحة الادبية فَمن درره الزاهره وأشعاره الباهية الباهره هَذِه المقاطيع (أَهلا بِمن فاق السماك مخجلا ... شمس الضُّحَى فى رفْعَة وسناء) (فَكَانَ لى فَوق الثريا منزلا ... علقت بسدته حبال رجائى) وَقَوله فى صدر مُكَاتبَة (يَا سراج التقى وَبدر المعالى ... دم منيرا وهاديا للعباد) (كنت من قبل ألثم الْيَد بالاجلال والآن نَالَ ذَاك مدادى ... ) وَكتب الى شيخ الاسلام أَبى السُّعُود فى صدر كتاب وَهُوَ (لَا زلت فى فلك السَّعَادَة ساطعا ... أَنْت الكفى بحاجتى وحسيبى) (أملت حظوة نظرة من أجلهَا ... أشغلت ساحتكم ببسط كروبى قَالَ وَلما قَرَأت عَلَيْهِ فى تَارِيخ ابْن خلكان قَول ابْن عبد ربه (نعق الْغُرَاب فَقلت اكذب طَائِر ... ان لم يصدقهُ رُغَاء بعير) أنشدنى لنَفسِهِ (ورد النسيم فَقلت اصدق قَائِل ... اذ كَانَ من ألم الغرام خَبِيرا) وَبعث رقْعَة الى وَاحِد الدُّنْيَا الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَعْرُوف بعزتى وفى صدرها (يومكم نصفة تقضى بنوم الْعِزّ وَالنّصف مِنْهُ للقرناء ... ) (طالع الدَّرْس بعد كل عشَاء ... فالليالى تعد للاحياء) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 قَالَ وَلما كنت مَعَه فى بروسه وَجَاء زمن الْورْد أنشدنى لنَفسِهِ (عصر ورد عش بالرحيق الصفوق ... دم فان الصبوح مثل الغبوق) (أَنْت بِالْفَتْح والدلال أنيس ... ولى الْخمر كالصديق الصدوق) وَانْتَحَلَ على أَن أنظم من هَذِه القافية قصيدة فَقلت (قُم الى الرَّوْض واغن بالراووق ... من سلاف قد راق فى الابربق) (فى ربيع وأعين الْورْد تبدو ... بَين غمض الزهور والمستفيق) (واجتل الكاس فى الرياض عروسا ... تشف بِالرَّاحِ من لهيب الرَّحِيق) (هى رَاح وراحة وشفاء ... بل وبرء لكل قلب خفوق) (قد صفت فى الزّجاج عَن التصافى ... فهى أهل الصَّفَا لصب مشوق) (طَابَ وَقت الرّبيع فاغتنم الصفو وبادر اليه نَحْو الرفيق ... ) (طيب عَيْش اللبيب بالذوق والانس وخل مُوَافق ورحيق ... ) (والمليح الذى اذا مَاس عجبا ... وانثنى قد سبا بخصر رَقِيق) (يسلب الْعقل والفؤاد بِوَجْه ... وبطرف ومبسم وبريق) (ان تدر كاسه ترى الْقَوْم صرعى ... من مدام حبابه فى بريق) (قُم وبادر فالروض فى طالع السعد وَمن أفق روضه فى شروق ... ) (حركته على الغصون شمال ... فَهُوَ نشوان فَوق غُصْن وريق) (حَار عقل اللبيب فى سَاعَة الْبسط وَقد دَار كأس خمر عَتيق ... ) (بَين ورد وجنة ومدام ... وانحدار الْمِيَاه بالتصفيق) (اتما الْعُمر عيشة الْمَرْء فى الصفو بروض البها وَحسن الصّديق ... ) (حَيْثُمَا السكر من دنان الحميا ... نشأة الصب فى منى والعقيق) وَذكره والدى رَحمَه الله تَعَالَى وَأطَال فى وَصفه الى أَن قَالَ وَقد تشرفت بِهِ فى سفرتى الثَّانِيَة الى الرّوم سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف فرأيته منعما بهَا وَقد دارت رحى رجانه على قطبها وذكرنى بأَشْيَاء كنت نسيتهَا الطول الْغَيْبَة بل تناسيتها وَقد صدئت مرْآة فهمى لطول الْمدَّة عَن حَضرته وتكدر مَاء خاطرى لبعد الْعَهْد عَن خدمته (فان الصارم الصمصام ينبو ... شباه لطول عهد بالصقال) ورأيته لم يتَغَيَّر عَن معاملتى فى الْحَقِيقَة وَهَذَا خلاف مشربه الْمَشْهُور عِنْد الْخَلِيفَة وتقيد بأحوالى وَهُوَ فى صدارة الرّوم على حسب مَا أمكنه عِنْد السَّادة القروم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 وَقد شمت من كرمه بارق سَحَاب وحصلت من وَعوده على أخصب جناب وَمن زرع خيرا حصد جَزَاء فحالت غيوم سوء الْحَظ بَين طرفى المنى والاحسان فَلم يساعد على الامنية الْمَقْصُودَة الزَّمَان وكتبت اليه فى تِلْكَ الايام قصائد ورسائل وفصولا هى لشرح حالى رسائل قلت وَقد أورد مِنْهَا فى تَرْجَمته وفى رحلته الثَّانِيَة أَشْيَاء كَثِيرَة قَالَ وَلم يزل على الظّرْف والصلف الى أَن جاور من مضى من السّلف وفاجأته الْمنية وناوله ساقى الْحمام كأس الْمنون لَا كأس المدام وَذَلِكَ فى ثانى عشر صفر قريب وَقت السحر سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بِبَاب أدرنه من أَبْوَاب قسطنطينية وَلم يخلف ولدا وَلَقَد فجعت الرّوم مِنْهُ بفاضل نجيب وكامل لَبِيب وَسَهْم الرزايا بالنفائس مولع انْتهى مُحَمَّد بن الْقَاسِم الملقب شمس الدّين بن المنقار الحلبى ثمَّ الدمشقى الحنفى الْعَالم البارع المناظر القوى الساعد فى الْفُنُون كَانَ من أَعْيَان الْعلمَاء الْكِبَار ذكره الخفاجى فَقَالَ فى حَقه صدر من صُدُور دهره مخلط مزيل سَابق فى حلبة عصره روض تجاذبت الاخبار اذيال فضائله واهتزت أَغْصَان الربى اذا حدث النسيم عَن شمايله تزينت بتاج ذكره هام الايام وتاهت بِهِ على سَائِر الْبلدَانِ بقاع الشَّام صدحت ورق فَصَاحَته فى ناديها وسارت محاسنه رائحها وغاديها وأثمرت أَقْلَام الْفَتْوَى بشمس آفَاق لَهُ ارْتَفَعت فيا لَهَا من أَغْصَان أثمرت من بعد مَا قطعت وَنور فَضله بادى لكل حَاضر وبادى (كَالشَّمْسِ فى كبد السَّمَاء وضوءها ... يغشى الْبِلَاد مشارقا ومغاربا) قَوْله مخلط مزيل يضْرب للذى يخالط الامور ويزايلها ثِقَة بِعِلْمِهِ واهتدائه اليها انْتهى قَالَ النَّجْم فى تَرْجَمته ولد بحلب وَنَشَأ بهَا ولازم لرضى بن الحنبلى وَغَيره ثمَّ وصل الى دمشق فى سنة احدى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وتدبرها ورافق الشَّيْخ اسمعيل النابلسى والعماد الحنفى والمنلا أَسد وطبقتهم فى الِاشْتِغَال على الْعَلَاء بن الْعِمَاد وَالشَّيْخ أَبى الْفَتْح الشبشيرى وَغَيرهمَا وَحضر دروس شيخ الاسلام الْوَالِد وَرَأَيْت فى بعض مجاميع الطارانى انه درس بعدة مدارس وَمَات عَن تدريس القصاعية والوعظ بالعمارتين السليمانية والسليمية والبقعة بالجامع الأموى وَغير ذَلِك من الْجِهَات والحوالى وَأفْتى على مَذْهَب الامام أَبى حنيفَة وَكَانَ يدرس فى البيضاوى وَأخذ عَنهُ جمع كثير مِنْهُم التَّاج الْقطَّان وَالْحسن البورينى وَالشَّمْس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 الميدانى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى والشسم مُحَمَّد الحادى وَغَيرهم وَكَانَ عَالما متضلعا من عُلُوم شَتَّى الا ان دَعْوَاهُ كَانَت أكبر من علمه وَكَانَ يزْعم ان من لم يقْرَأ عَلَيْهِ ويحضر درسه فَلَيْسَ بعالم وَكَانَ كثير اللهج بِذكر شَيْخه ابْن الحنبلى الْمَذْكُور والاطراء فى الثَّنَاء عَلَيْهِ وانما يقْصد بذلك التميز على أقرانه والانفراد عَنْهُم بِهِ وَكَانَت بَينه وَبَين رَفِيقه النابلسى والمنلا أَسد مهاجرات بِسَبَب المناظرة حَتَّى يُؤدى ذَلِك الى المنافرة وَكَانَ النابلسى يلائمه وَيَأْخُذ بخاطره لانه كَانَ أنبل مِنْهُ وأوسع جاها وَأطلق لِسَانا وَكَانَ كثير الْمُخَاصمَة والجدال يحب التصدر على اعلام الشُّيُوخ فى الْمجَالِس الحافلة ويتمثل بأشعار الْجَاهِلِيَّة وَغَيرهم كَقَوْل سحيم (أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفونى) وَقَول أَبى الطّيب (أَنا صَخْرَة الوادى اذا مَا زوحمت ... واذا نطقت فاننى الجوزاء) وَكَانَ كثيرا مَا يلهج بِأَبْيَات أَبى الْعَلَاء المعرى فى قصيدته اللامية الْمَشْهُورَة (اذا وصف الطائى بالشح مادر ... وعير قسا بالفهاهة بَاقِل) (وطاولت الارض السَّمَاء سفاهة ... وفاخرت الشهب الْحَصَى والجنادل) (وَقَالَ السهى للشمس أَنْت خُفْيَة ... وَقَالَ الدجى للصبح لَو أَنَّك حَائِل) (فيا موت زر ان الْحَيَاة ذميمة ... وَيَا نفس جدى ان دهرك هازل) وَكَانَ اذا وصل الى قَوْله وَقَالَ السهى للشمس يضع يَده على صَدره مُشِيرا الى نَفسه الى غير ذَلِك وَكَانَ مَعَ مَا اتّصف بِهِ من التفاخر مبغضا لمن يَتَّصِف بفضيلة وَجرى لَهُ فى أَيَّام سُلَيْمَان باشا ابْن قباد بن رَمَضَان لما كَانَ نَائِبا بِدِمَشْق فى سنة تسع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة أَنه تعصب على الشَّمْس مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن دَاوُد المقدسى الآتى ذكره بِسَبَب قِرَاءَة الحَدِيث بالجامع الاموى بَين العشاءين على أسلوب الاستاذ الْكَبِير مُحَمَّد بن أَبى الْحسن البكرى بالديار المصرية وَمنعه من ذَلِك وشق على أهل الْعلم مَا فعله فَقَالَ السَّيِّد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن على بن خصيب القدسى نزيل دمشق الآتى ذكره هَذِه الابيات يُخَاطب ابْن المنقار بهَا (منعت ابْن دَاوُد الحَدِيث بجلق ... وَمَا مثله فى الشَّام وَالله من فار) (وتزعم حصر الْعلم فِيك بجلق ... فتنقر أهل الْعلم فِيهَا بمنقار) (سيأتيه من ربى بلَاء وفى غَد ... ستلقى بِوَجْه يَا ابْن منقار وَمن قار) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 ثمَّ عظم الامر بَين ابْن المنقار والداودى وَلَا زَالَ يبلغهُ غليظ مَا يكره حَتَّى قَالَ فِيهِ الداودى قصيدة رائية أَولهَا (يَا سخطَة من عَظِيم الْقَهْر جَبَّار ... حلى بِسَاحَة من يدعى ابْن منقار) مِنْهَا (يصفر من حسد حَتَّى كَأَن بِهِ ... ربعا قديمَة عهد ذَات أدوار) (ويعتريه اضْطِرَاب فى مفاصله ... كَأَن أفكل فى أَعْضَائِهِ سَار) وَرَأَيْت بِخَط الطارانى قَالَ وَمن أعجب مَا وَقع لى مَعَه أننى مدحته بقصيدة سيمية بديعة أَولهَا (سقى مربع الاحباب ودق الغمائم ... وجادت عَلَيْهِ هاطلات السواجم) وَبَيت المخلص (سفرن بدورا عَن محيا كَأَنَّهُ ... سنا نور شمس الدّين عين الاكارم) فَمَا كَانَت جائزتى مِنْهُ غير الذَّم والمقابلة بِمَا لَا يَلِيق وقصة حطه على النَّجْم الغزى مَشْهُور وملخصها كَمَا قَالَ النَّجْم فى تَرْجَمته كَانَ يعظ وَيقْرَأ الحَدِيث فى الْجَامِع وَكَانَت الشَّمْس كسفت وَصلى الشهَاب العيثاوى اماما بِالنَّاسِ صَلَاة الْكُسُوف بمحراب الشَّافِعِيَّة ثمَّ حضر الشّرف الْحَكِيم الْخَطِيب بالجامع وَصلى وَحضر ابْن المنقار وَلما فرغ النَّاس من الصَّلَاة أَخذ فى الانكار على العيثاوى والنجم فى الصَّلَاة وَعطف عَلَيْهِ انه علم النَّجْم وَقواهُ على النّظم والتدريس فَاجْتمع بِهِ العيثاوى والنجم فَلَمَّا تكالموا ثارت الْعَوام عَلَيْهِ وألجأوه حَتَّى خرج من بَاب الْبَرِيد حافيا وَهُوَ بعمامة صَغِيرَة غير عمَامَته الْمُعْتَادَة وهم يصيحون بِهِ ثمَّ آل الامر أَن عقد لَهُ مجْلِس عِنْد قاضى الْقُضَاة مصطفى بن بُسْتَان وَحضر جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء مِنْهُم الْجد القاضى محب الدّين والشهاب العيثاوى فأصلحوا بَينهمَا ثمَّ طلبُوا المناظرة بَينهمَا فتناظرا فى عبارَة من تَفْسِير البيضاوى وَكَانَت الْغَلَبَة للنجم وَألف العيثاوى رِسَالَة حافلة فِيمَا وَقع بَينهمَا وَكَانَ ذَلِك الْيَوْم قد ظَهرت نُجُوم السَّمَاء نَهَارا لقُوَّة الْكُسُوف فَقَالَ بعض الادباء مصراعا أَجَاد فِيهِ وَهُوَ قَوْله وَعند كسوف الشَّمْس قد ظهر النَّجْم فسبكه النَّجْم فى أَبْيَات هى قَوْله (بعام ثَمَان بعد تسعين حجَّة ... وتعمى مرت جرى الامر وَالْحكم) (بَان حضر الشَّمْس ابْن منقار الذى ... تحرى جد الا حِين زايله الحزم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 (وناظرنا يَوْم الْكُسُوف فَلم يطق ... لنا جدلا بل خانه الْفِكر والفهم) (فَقيل وَبَعض القَوْل لَا شكّ حِكْمَة ... وَعند كسوف الشَّمْس قد ظهر النَّجْم) (وَلَوْلَا تلافى الله جلّ جَلَاله ... أصَاب تلافا حِين تَابعه الرَّجْم) وَالْحَاصِل انه كَانَ ضيق الْخلق وَأما علمه فَسلم عِنْد من يعرفهُ وان طعن فِيهِ طَاعن فَعَن عَدَاوَة وحسد وَله أشعار كَثِيرَة وقفت فى بعض المجاميع على أَبْيَات لَهُ كتبهَا الى قاضى الْقُضَاة بِالشَّام الْعَلامَة الْمولى على بن اسرائيل الْمَعْرُوف بِابْن الحنائى وَكَانَ وَقع لَهُ وَهُوَ قاضى بِدِمَشْق أَنه اخْرُج عَن رجل بعض الْوَظَائِف فَكتب الرجل محضرا فى شَأْن نَفسه واستكتب الاعيان فَكتب لَهُ بعض من كَانَ يظْهر الصداقة والمودة للقاضى الْمَذْكُور فَبَلغهُ ذَلِك فَقَالَ مضمنا (لنا فى الشَّام اخوان ... بِظهْر الْغَيْب خوان) (فأبدوا فى الجفا شانا ... بِهِ وَجه الصَّفَا شانوا) (وظنوا أَنهم ذهلوا ... وَمَا غدروا وَمَا خانوا) (وَلما ان رَأينَا الذهل طبع النَّاس مذ كَانُوا ... ) (صفحنا عَن بنى ذهل ... وَقُلْنَا الْقَوْم اخوان) وأبيات الشَّمْس هى هَذِه (لِسَان العدا ان سَاءَ فَهُوَ كليل ... قصير وَلَكِن يَوْم ذَاك طَوِيل) (وَأَقْلَام من ناواك ضلت وأخطأت ... وَلَيْسَ لَهُم فى ذَا السَّبِيل دَلِيل) (لقاليك شان شانه سوء فعله ... وَفعل الذى والى علاك جميل) (فَلَا تحتفل مولاى ان قَالَ قَائِل ... ستنشدهم عِنْد اللقا وَتقول) (وننكران شِئْنَا على النَّاس قَوْلهم ... وَلَا يُنكرُونَ القَوْل حِين نقُول) (اذا طلعت شمس النَّهَار تساقطت ... كواكب ليل للافول تميل) (وَهل يغلب الْبَحْر الْمُعظم جدول ... وَهل يدعى قهر الْعَزِيز ذليل) (وَهل لجهول أَن يُقَاوم عَالما ... وَلَيْسَ سَوَاء عَالم وجهول) (فَلَا عجب ان خَان خل وَصَاحب ... لَان وجود الصَّادِقين قَلِيل) (على أننى أَصبَحت للْعهد حَافِظًا ... وحاشا لدينا أَن يضيع جميل) (صُفُونا وَلم نكدر وأخلص ودنا ... وَفَاء عهود قد مَضَت وأصول) (وانا الْقَوْم لَا نرى الْغدر سنة ... اذا مَا رَآهُ صَاحب وخليل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 (نعم قد كبا عِنْد الطراد جوادهم ... وَأَنت كريم لَا بَرحت تقيل) وَكَانَ بَينه وَبَين جدى القاضى محب الدّين مراجعات ومطارحات كَثِيرَة لما كَانَ بَينهمَا من سالف مَوَدَّة واخاء ثمَّ تغيرا وانحرفا كَمَا سأذكره وَلَقَد ذكر الْجد فى رحلته قطعا من تِلْكَ المراجعات وَرَأَيْت الْفَقِير بِخَط الْجد فى بعض مجاميعه أبياتا كتبهَا اليه الشَّمْس مسائلا فَأَجَابَهُ عَنْهَا الْجد بِأَبْيَات من نظمه فَأَما أَبْيَات الشَّمْس فهى هَذِه وتاريخ كتَابَتهَا سنة سِتّ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وهى قَوْله (أيا فَاضلا أثنت عَلَيْهِ الافاضل ... وشاعت وذاعت عَن علاهُ الفواضل) (جمعت علوما ثمَّ رحت تفيدها ... فَأَصْبَحت فَردا فى الورى لَا تماثل) (وَكم غصت فى الْقَامُوس نَحْو صحاحه ... فأخرجت در الْيَسْ يحويه فَاضل) (ففى نظمك الدّرّ النضيد منظم ... وفى النثر منثور الْجَوَاهِر حَاصِل) (حللت محب الدّين فى الشَّام فانثنت ... تتيه بكم اذ زينتها الْفَضَائِل) (وَلَا بدع أَنْت الْبَحْر فى الْعلم والندى ... وَكم عَم طلاب الْقرى مِنْك نائل) (رقيت مقَاما فى الفصاحة ساميا ... يقصر عَن غاياته المتطاول) (لبيد بليد وامرؤا لقيس مطرق ... لَدَيْهِ وسحبان الفصاحة بَاقِل) (وَقد أرسل الممولك نَحْوك سَائِلًا ... سُؤال محب للحبيب يسائل) (لانك فى الْفِقْه الامام مُحَمَّد ... لذَلِك قد قَامَت عَلَيْهِ الدَّلَائِل) (فأى وَكيل لَا مجَال لعزله ... وان مَاتَ ذُو التَّوْكِيل فَهُوَ يزاول) (بعثت سؤالا عاطلا نَحْو ربعكم ... وَلكنه يَرْجُو الحلى ويحاول) (وَقد جَاءَكُم عبد يروم كِتَابَة ... ويكفيه فخرا أَنه بك نَازل) (تَأَخَّرت فى عصر وَأَنت مقدم ... وفزت بِمَا لم تستطعه الاوائل) (فجد بِجَوَاب لَا بَرحت تفيدنا ... لانك شيخ فى الْحَقِيقَة كَامِل) وَأما أَبْيَات الْجد فَهَذِهِ وهى قَوْله (أهذى سطور أم قدود عوامل ... وَتلك شموس أم بدور كوامل) (وَهل هَذِه الالفاظ أزهار رَوْضَة ... سَقَاهَا من المزن الغدير هواطل) (وَتلك الْمعَانى أنجم مستنيرة ... أم القاصرات الطّرف فِيهَا تغازل) (وَبعد فيا رب الْفَضَائِل والندى ... وَيَا بَحر علم مَا لفضلك سَاحل) (لَئِن كَانَ مَا أظهرت فى الطرس أنجما ... فانك شمس فى سما الْفضل رافل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 (وان كَانَ مَا رصعت درا منظما ... فانك بَحر فى الْحَقِيقَة كَامِل) (لقد أفحم النظام مَا أَنْت ناظم ... وأعجز أهل الْفضل مَا أَنْت قَائِل) (أَشرت بالغاز وَحسن تلطف ... الى لغز فِيهِ الْعُيُون تغازل) (وَصورته مولَايَ تَوْكِيل رَاهن ... لمرتهن فى بيع رهن يزاول) (وَقد شَرط التَّوْكِيل فى عقد رَهنه ... فان مَاتَ قبل البيع لَا عزل حَاصِل) (فجد وتفضل بِالْقبُولِ فاننى ... لعبد فَقير خامد الْفِكر خامل) (وسامح لهَذَا العَبْد ان بضاعتى ... لفى الشّعْر مزجاة وحظى سافل) (فوابل نظمى عنْدك الطل قد غَدا ... كَمَا ان يَا مولاى طلك وابل) (فَلَا زلت فى أوج الْفَضَائِل ساميا ... وفى ذرْوَة الْمجد الرفيع تحاول) (وَلَا زلت صَدرا للعلوم وموردا ... فَلَا غرو إِن طابت لديك المناهل) وَمن ألطف شعره أَيْضا قَوْله من قصيدة كتب بهَا الى الاديب مُحَمَّد بن نجم الدّين الهلالى الصالحى الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى ومطلعها (وقفت على ربع الحبيب أسائله ... ودمعى بالمكتوم قد باح سائله) (وَقلت لَهُ منى اليك تَحِيَّة ... أما هَذِه أوطاونه ومنازله) (أما مَاس فى روضاتها بَان قده ... ومالت لَدَى مر النسيم شمايله) (فمالك قد أَصبَحت قفرا وطوفت ... طوائح دهرى فِيك ثمَّ زلازله) (فَقَالَ سرى عَنى الحبيب وفاتنى ... سنا برق شمس الدّين ثمَّ هواطله) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى عِنْد غرُوب الشَّمْس من يَوْم الثلاثا رَابِع عشرى شَوَّال سنة خمس بعد الالف وَدفن بمَكَان صَغِير بِهِ محراب قديم على الطَّرِيق الْآخِذ الى السويقة المحروقة غربى تربة بَاب الصَّغِير قَالَ النَّجْم وَكَانَ سَبَب مَرضه أَن شَيخنَا القاضى محب الدّين كَانَ يتأدب مَعَه ويعظمه لسنه وجريا على عَادَته فى التأدب مَعَ أهل دمشق واكرام كل مِنْهُم على حسب مَا يَلِيق بِهِ فَكَانَ شَيخنَا اذ اجْتمع هُوَ وَالشَّمْس يقدمهُ فى الْمجْلس فَلَمَّا انتصر لنا شَيخنَا بِسَبَب تعنت الشَّمْس وَقع بَينهمَا وَكَانَ كلما تعرض الشَّمْس لنا بَادر شَيخنَا الى الِانْتِصَار حَتَّى بلغه أذية الشَّمْس لَهُ قلت وَقد أسلفت فى تَرْجَمَة الشَّيْخ عبد الْقَادِر ابْن أَحْمد بن سُلَيْمَان أَن الشحناء تأكدت بَينهمَا بِسَبَب قيام الْجد بنصرته فاجتمعا آخرا عِنْد قاضى الْقُضَاة الْكَمَال ابْن طاشكبرى قاضى دمشق فَتقدم عَلَيْهِ شَيخنَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 فى الْمجْلس فَغَضب ابْن المنقار وَقَالَ أَنْت كنت سَابِقًا تقدمنى فَلم تقدّمت على قَالَ تقدّمت الى مجلسى وَكنت أوثرك سَابِقًا بمقامى وَكَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين فى الْمجْلس فَأخذ بيد الشَّمْس وَأَجْلسهُ بَينه وَبَين القاضى ثمَّ بقى الشَّمْس على غيظه حَتَّى مرض مِنْهُ وَجعل تتزايد بِهِ الامراض حَتَّى توفى فى الْيَوْم الدى ذَكرْنَاهُ انْتهى مُحَمَّد بن قَاسم بن على القيسى الغرناطى أصلا وَأَبا والقصار لقبا مفتى فاس وَرَيْحَانَة ذَلِك الكاس ومحدث الغرب الاقصى الذى فضائله لَا تعد وَلَا تحصى فَقِيه عصره وعلامة قطره حفظ الْقُرْآن وجوده وَأخذ الْعُلُوم الْفِقْه والْحَدِيث عَن ولى الله أَبى نعيم رضوَان بن عبد الله الحملولى الفاسى وَعَن المتفرد بالْمَنْطق وَالْكَلَام وأصول الْفِقْه وَالْبَيَان بِفَارِس جَار الله مُحَمَّد خروف الانصارى التونسى وَعَن الاستاذ مُحَمَّد النولى وَعَن أَبى عبد الله مُحَمَّد بن جلال وَغَيرهم من مَشَايِخ الْمغرب وَأخذ بالاجازة عَن شيخ الاسلام الْبَدْر مُحَمَّد الغزى مفتى دمشق وَغَيره وَعنهُ أَخذ عُلَمَاء الْعَصْر من الْمغرب كأبى الْعَبَّاس المقرى وَمُحَمّد بن أَبى بكر الدلائى الفشتالى وَالسَّيِّد عبد الهادى السجلماسى الْحسنى وأبى عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف أَبى المحاسن العربى الفاسى وَكَانَ سوق الْمَعْقُول كاسدا فى فاس فضلا عَن سَائِر أقطار الْمغرب فنفق فى زَمَانه مَا كَانَ كاسدا من سوق الاصلين والمنطق وَالْبَيَان وَسَائِر الْعُلُوم لَان أهل الْمغرب كَانُوا لَا يعتنون بِمَا عدا النَّحْو وَالْفِقْه وَالْقُرْآن مِمَّا يُوصل الى الرياسة الدُّنْيَوِيَّة وَكَانَ من قبل هَذَا الْقرن فِيهِ أَيْضا كَذَلِك وَأكْثر الى أَن رَحل البيستنى الى الْمشرق فَأتى بشئ من ذَلِك ثمَّ ورد الشَّيْخ خروف التونسى وَكَانَ امام ذَلِك كُله والمقدم فِيهِ الا أَنه جَاءَ من غير كتب لابتلائه بالاسر وغرق كتبه فى الْبَحْر وَمَعَ ذَلِك كَانَت بِلِسَانِهِ عجمة مَعَ ميله الى الخمول فَلم يقدروا قدره وانما انْتفع بِهِ الشَّيْخ المنجور وَالشَّيْخ الْقصار صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ للمنجور مُشَاركَة فى فنون كَثِيرَة وتنقيح عبارَة وَمَعْرِفَة بالتدريس وَكَانَ للقصار عبارَة قَاصِرَة مَعَ زِيَادَة تَحْقِيق وَكَمَال معرفَة وتحرير وغوص على الْمسَائِل فَمَا انْتفع بِهِ الا من صلحت نِيَّته وَلم يثنه عَنهُ عبَادَة وَلَا خمول واليه والى المنجور مرجع شُيُوخ الْمغرب مَعَ مُلَازمَة الْقصار أَكثر لانفراده بعده وَله مؤلفات مفيدة وفهرست جمعت فِيهِ مروياته فى الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا من الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَله نظم من ذَلِك قَوْله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 (تسع أَبى مِنْهَا أولو الاحلام والهمم السنيه ... ) (الا بِحَال ضَرُورَة ... تدعوا لَهَا من حسن نيه ... ) (وهى الشَّهَادَة والوساطة والحكومة فى القضيه ... ) (وَكَذَا الامامة والوديعة والتعرض للوصيه ... ) (وَكَذَا الاجابة للطعام وللولائم والهديه ... ) (فسد الزَّمَان وَأَهله ... الا الْقَلِيل من البريه) وَكَانَت وَفَاته فى فاس فى سنة اثنتى عشرَة بعد الالف رَحمَه الله تَعَالَى برحمنه الامام مُحَمَّد الْمُؤَيد ابْن الامام الْقسم بن مُحَمَّد بن على وَبَقِيَّة نسبه فى تَرْجَمَة أَبِيه الْقسم قَالَ الْحُسَيْن بن المهلا لَا بَرحت آثاره زِينَة الْكتب وفضائله الازمنة والحقب انه السَّيِّد الذى ظَهرت فضائله فى الْبِلَاد وأذعن لفضله الْحَاضِر والباد وَاجْتمعت كلمة الْيمن اليه وَأخرج الاتراك بأسرهم وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الفتوحات من كل وجهة وَقَامَ بنصرته اخواته الْحسن وَالْحُسَيْن وَأحمد أَبُو طَالب واسمعيل وَكَانَ اماما جَلِيلًا مفننا فى كثير من الْعُلُوم قَائِما باعباء الامامة مباشرا للامور بِنَفسِهِ لَا ينَام من اللَّيْل قَلِيلا محسنا الى الْفُقَرَاء حَافظ للبلاد كلهَا أصلح الله تَعَالَى فى ولَايَته بَين الْخلق وَأمن الله تَعَالَى الطرقات ببركات نِيَّته ومكت فى الامامة نَحْو سبع وَعشْرين سنة لم ينكب فِيهَا واستوزر والدى الْعَلامَة نَاصِر بن عبد الحفيظ واختصه بمجالس النّظر الْخَاصَّة فى جَمِيع الْعُلُوم وَألف رسائل كَثِيرَة تشْتَمل على علم وَاسع وأجوبة فى أَنْوَاع الْعُلُوم مَشْهُورَة وَكَانَت وَفَاته فى سَابِع وعشرى رَجَب سنة أَربع وَخمسين وَألف فى شهاره وَدفن بهَا عِنْد قبر وَالِده وَلما توفى بُويِعَ بالخلافة ولى عَهده أَخُوهُ أَحْمد فى شهاره ثمَّ دَعَا أَخُوهُ اسمعيل الى نَفسه فى ضوران فَبَايعهُ جمع من النَّاس وَكَذَلِكَ دَعَا مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقسم الى نَفسه فَبَايعهُ أهل الْيمن فى أَب وجبلة وَمَا يَليهَا وَلما تفاقم الامر وَتَفَرَّقَتْ الاحوال اتّفق رأى الْعُقَلَاء من النَّاس فَاجْتمع مُحَمَّد بن الْحسن وَأَخُوهُ أَحْمد وَمن والاهم ففوضوا الامر لاسمعيل فَبَايعُوهُ وَكَانَ رَأيا سديد فَأَقْبَلت عَلَيْهِ النَّاس وأمراء الْبِلَاد من كل جِهَة وطاعوه وجهز على أَخِيه أَحْمد السَّيِّد مُحَمَّد بن الحسني فَسَار يُرِيد مَدِينَة ثلا فَلَمَّا علم بقدومه أَحْمد أغار من شهاره بأعيان من فِيهَا وصحبته القاضى أَحْمد بن سعد الدّين وَجَمَاعَة من الكبراء فيهم ابراهيم بن أَحْمد بن عَامر وَغَيره فَالتقى الْجَمْعَانِ فِيمَا بَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 الطريف الى ثلا فَاقْتَتلُوا فَكَانَت الطائلة لجَماعَة اسمعيل واجتاز أَحْمد الى ثلا فحصروه فِيهَا ثمَّ قدم الامام أَحْمد الى أَخِيه اسمعيل من ثلا الى ضوران فَسلم اليه الامر وَبَايَعَهُ وصحبته الامير النَّاصِر بن عبد الرب صَاحب كوكبان فى جمع من الاعيان وَفِيهِمْ القاضى أَحْمد بن سعد الدّين والناصر بن رَاجِح وَجمع وَكَانَ يَوْمًا مشهودا لِاجْتِمَاع عِصَابَة الْمُسلمين واصلاح ذَات الْبَين ثمَّ توجه أَحْمد الى صعدة متولبا عَلَيْهَا من قبل أَخِيه الامام المتَوَكل انْتهى محمدبن قباد الْمَعْرُوف بالسكوتى البدونى ثمَّ الدمشقى الحنفى مفتى الشَّام وَأجل فضلاء الزَّمَان كَانَ فَقِيها بارعا حَافظ للمسائل كثير الِاطِّلَاع عَلَيْهَا عفيفا خيرا دينا وَكَانَ حسن الْخط والانشاء حسن الْمعرفَة كثير الصمت مثابرا على الْعِبَادَات والمطالعة ويروى عَنهُ انه كَانَ لَا يفتر عَن المطالعة وَلَو كَانَ مَاشِيا فى طَرِيق وَجمع كتبا كَثِيرَة وأكثرها عَلَيْهَا تعليقاته وتحريراته وَكَانَ وُرُوده الى دمشق صُحْبَة قاضى الْقُضَاة الْمولى مُحَمَّد بن يُوسُف الْمَعْرُوف بنهالى فى سنة أَربع عشرَة وَألف وَلما عزل القاضى الْمَذْكُور عَن قَضَاء دمشق أَقَامَ بهَا وتأهل وَولى النّظر على أوقاف الدرويشية ودرس فى الْمدرسَة الجوزية وَأعْطى نظارة النظار وتولية البيمارستان القيمرى وَولى النِّيَابَة الْكُبْرَى وَقِسْمَة الْمَوَارِيث مَرَّات وانحط مُدَّة فاستولى عَلَيْهِ الاقلال وَحكى أَنه فى تِلْكَ الْمدَّة دَعَاهُ الرئيس الْجَلِيل مُحَمَّد بن الطباخ أحد الْكتاب وَكَانَ مصاهره الى بُسْتَان فى يَوْم نوروز وَكَانَ مِمَّن حضر فى الدعْوَة الامام الْهمام يُوسُف بن أَبى الْفَتْح ووالده أَبُو الْفَتْح الْمَذْكُور وَكَانَ أَبُو الْفَتْح يعرف علم الزايرجا حق الْمعرفَة فأبرم عَلَيْهِ وَلَده فى اسْتِخْرَاج طالع صَاحب التَّرْجَمَة فَجمع أعدادا ثمَّ ركبهَا وَقَالَ قد طلع فى طالعه منصب قريب جدا وَقد وصل خَبره الى دمشق فَلم يمض الا هنيئة واذا بشخص من جيران السكوتى دخل عَلَيْهِم وَذكر أَنه جَاءَهُ مساع من الرّوم فَقَالَ من وقته وَتوجه الى بَيته فَرَأى الساعى ينتظره وَقد جَاءَهُ بِأَمْر النِّيَابَة وَلما صَار الفتحى الْمَذْكُور امام السُّلْطَان مُرَاد نبه حَظه من رقدته فَكَانَ لَا يَنْفَكّ عَن النِّيَابَة وَرَأس بِدِمَشْق وَعظم شَأْنه وَمَات الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى فوجهت الْفتيا اليه ودرس بالسليمانية والى ذَلِك يُشِير أَحْمد بن شاهين فى قصيدته الَّتِى رثى بهَا العمادى فَقَالَ (يَا مفتيا طَال السُّؤَال لقبره ... وَجَوَابه مُتَعَذر الامكان) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 وَحكى والدى بل الله ثراه بوابل غفرانه انه وقف على رِسَالَة كتبهَا أَوْلَاد العمادى الى مفتى الرّوم يطْلبُونَ مِنْهُ الْفتيا ويذكرون مَا دهمهم من صَاحب التَّرْجَمَة واستشهدوا بِبَيْت المتنبى الْمَشْهُور (وفى النَّفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتى بَيَان عِنْدهَا وَكَلَام) وَاسْتمرّ مفتيا الى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى ثانى شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير والبدونى بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ دَال مُهْملَة ثمَّ واه وَنون نِسْبَة الى قَاعِدَة بِلَاد البشانقة وَأَعْظَمهَا وهى الْحَد الْفَاصِل بَين بِلَاد العثامنة سلاطين بِلَادنَا أعزهم الله وبلاد النَّصَارَى الانكروس وتعرف هَذِه الْبَلدة بمفتاح بِلَاد الاسلام وَقد استولت عَلَيْهَا النَّصَارَى الْآن بعد حروب تقذت بهَا عين الاسلام والمأمول من الله تَعَالَى أَن يُعِيد باعادتها رونق الدّين كَمَا كَانَ بمنه وَكَرمه السَّيِّد مُحَمَّد بن كَمَال الدّين بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن حَمْزَة وَبَقِيَّة النّسَب ذكرته فى تَرْجَمَة أَخِيه السَّيِّد حُسَيْن نقيب الشَّام وعلامة الْعلمَاء الاعلام الحسينى المنتمى الحنفى الْمَذْهَب رَئِيس وقته فى الْعلم والجاه ووحيد دهره فى سودده وعلاه وَكَانَ عَالما محققا وحبرا مدققا غواصا على الْمسَائِل كثيرا لتبحر مملوءا معارف وفنونا وَقد حظى من التَّخْصِيص والتنعم بِمَا قصر عَنهُ غَيره وَتقدم على كل من عاصره من الْكِبَار وَبَلغت شهرته الْآفَاق ورزق الابناء الَّذين هم غرر جباه المعلومات وأكاليل تَاج المكرمات والسعادات وهم السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الماضى ذكره والباقى على مدى الازمان حَمده وشكره وَالسَّيِّد عبد الْكَرِيم وَالسَّيِّد ابراهيم الباقيان كالفرقدين النيرين والساميان فى الانارة على نور القمرين أحياهما الله تَعَالَى الْحَيَاة الطبية وروى الآمال بسحائب مواهبهم الصيبة وَقد ولد بِدِمَشْق وربى فى حجر وَالِده وَقَرَأَ الْقُرْآن الْعَظِيم على الشَّيْخ المعمر الصَّالح أَبى بكر السليمى الحنفى وجوده عَلَيْهِ ثمَّ على الشَّيْخ عبد الباقى الحنبلى وَقَرَأَ عَلَيْهِ لاهل سما افرادا وجمعا من طَرِيق الشاطبية والتيسير الى أواسط سُورَة الْبَقَرَة وأحضره وَالِده الى الْفَقِيه الْمسند المعمر الشَّمْس مُحَمَّد بن مَنْصُور بن محب الدّين الحنفى وَأَجَازَهُ بِمَا يجوز لَهُ رِوَايَته وَحضر مجْلِس الشَّمْس الميدانى فى صَحِيح البخارى تَحت قبَّة النسْر من جَامع الاموى فى دمشق فى الثَّلَاثَة أشهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان فَسمع عَلَيْهِ بعض الصَّحِيح وَأَجَازَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 بسائره وَمَا يجوز لَهُ رِوَايَته فى آخَرين وَقَرَأَ على الْمسند المعمر الشهَاب أَحْمد بن مُحَمَّد الفرغانى البقاعى قِطْعَة من صَحِيح البخارى وَقطعَة من صَحِيح مُسلم وَقطعَة من الاربعين النووية وَأَجَازَهُ بسائرهن وَبِمَا يجوز لَهُ رِوَايَته وجد فى طلب الْعُلُوم على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم السَّيِّد أَحْمد بن على الصفورى وَسمع بقرَاءَته بعض صَحِيح البخارى على النَّجْم الغزى وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بن على الحرفوشى العاملى الحريرى وَالشَّيْخ ابراهيم القبردى وَسمع عَلَيْهِ بعض صَحِيح البخارى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف بن المنقار وَعَلَيْهِمَا تفقه وَالشَّيْخ عمر القارى وَالشَّيْخ رَمَضَان بن عبد الْحق العكارى وتفقه عَلَيْهِ وَسمع عَلَيْهِ بعض صَحِيح مُسلم وَالشَّيْخ يُوسُف ابْن أَبى الْفَتْح وتفقه عَلَيْهِ وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عماد الدّين وتفقه عَلَيْهِ وَسمع عَلَيْهِ بعض التَّفْسِير الزمخشرى وَبَعض صَحِيح البخارى والنجم مُحَمَّد الغزى وَسمع وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح التَّبْصِرَة لِلْحَافِظِ العراقى وَأَجَازَهُ بهَا وبشرح القاضى زَكَرِيَّاء وبسائر تآليفه فى آخَرين وَكتب لَهُم فى طبقَة السماع خطه بذلك ولازم مَجْلِسه تَحت قبَّة النسْر فى صَحِيح البخارى فى الثَّلَاثَة أشهر فَسمع عَلَيْهِ كثيرا من الصَّحِيح والمنلا عبد الْكَرِيم الكورانى نزيل دمشق وَقَرَأَ وَسمع عَلَيْهِ شرح العقائد النسفية للسعد التفتازانى وَشرح الطوالع للسَّيِّد الفنرى وَشرح منَازِل السائرين وَأَجَازَهُ بِمَا يجوز لَهُ رِوَايَته فى آخَرين وَلما ورد الْحَافِظ الاثرى أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد المقرى الى دمشق فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف لَازمه وَحضر درسه فى شرح الهمزية لِابْنِ حجر فى أرجوزته الْمُسَمَّاة باضاءة الدجنة وَسمع عَلَيْهِ من صَحِيح البخارى قِطْعَة ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة مِنْهُ وَمن صَحِيح مُسلم وَقطعَة من الاربعين النووية وأرجوزته الْمَذْكُورَة وَأَجَازَهُ بسائرهن وَمَا تصح لَهُ وَعنهُ رِوَايَته وَلما رَحل الى دَار السلطنة صُحْبَة وَالِد مُسِنَّة أَرْبَعِينَ وَألف لَازم بهَا درس الشَّيْخ حُسَيْن بن عبد النبى الشعال الدمشقى وَلما حج فى سنة خمسين وَألف اجْتمع بمحدث مَكَّة المكرمة الشَّيْخ على بن عَلان وَقَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من الشفا للقاضى عِيَاض وَأَجَازَهُ بِمَا يجوز لَهُ رِوَايَته وَكتب لَهُ خطه بذلك وَاجْتمعَ بمحدث الْمَدِينَة المنورة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخيارى وَقَرَأَ عَلَيْهِ قِطْعَة من أول صَحِيح البخارى وَأَجَازَهُ بسائرهن وَمَا يجوز لَهُ رِوَايَته وَأنْشد حِين ابتهج بمشارق أنوار طابه وألم بمزار من فضل الله تَعَالَى على كَافَّة الخليقة ترابه هَذِه الابيات (حياك يَا طيبَة الغراء مبتكرا ... من الْحيَاء جزيل النَّفْع منسكب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 (فلى بأفقك بدر كَامِل أبدا ... فى حبه مهجتى وَالروح أحتسب) (بِهِ اعتصامى اذا مَا شفنى ألم ... بِهِ أغاث اذا حلت بى الكرب) (بِهِ غنيت عَن الدُّنْيَا وزخرفها ... بِهِ توطد لى الاكناف والرتب) (بِهِ فنيت جوى يَا حبذا تلفى ... وَالْحب مقترب والوصل مرتقب) (عَلَيْهِ أزكى تحيات معطرة ... من نشره اذ اليه الْعرف ينتسب) (مَا اخضر عَيْش محبيه بروضته ... وَقَامَ فِيهَا على الاقدام منتحب) وَقَالَ أَيْضا ممتدحا بَاب السَّلَام على دَاخله السَّلَام (حبذا بَاب السَّلَام اذا ... عاينته مقلة البادى) (فِيهِ لى نشأة نشأت ... كَأَنَّمَا نوديت للنادى) وَلما ورد لدمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف الْمولى الشهَاب أَحْمد الخفاجى وَقد وَافق قدومه وُرُود الْورْد كتب لخدمته (اذا حل مجد فى ديار تزينت ... بِأَحْسَن مَا تولى الرياض وَمَا تبدى) (وَحَيْثُ اغتدى الْمولى الشهَاب بجلق ... فَلَا غر وَأَن تزهو بهَا بهجة الْورْد) وتكرر سفرهالى دَار السلطنة ولازم على عَادَتهم ودرس ومدح مَشَايِخ الاسلام وصدور الدولة بقصائد فائقة فَمن ذَلِك مَا مدح بِهِ قاضى العساكر الرومية الْمولى أَحْمد الشهير بالمعيد (أَبى الْقلب أَن يقوى على النَّار والصد ... وغصن الصِّبَا غض يمِيل الى الود) (وَمَا كل تبريح يُطَاق احْتِمَاله ... وَلَا كل من تهوى تجنيه لَا يردى) (وبى مائل فى مهجتى لَا اعتياض لى ... بِذَات وشاح عَن لقاه وَلَا برد) (خميل الدمى عذب اللمى مونق الْحمى ... ظريف السمى غض النما مائس الْقد) (جميل الْمحيا يخجل الشَّمْس ان بدا ... ضحى أَو مسا أزرى على الاغصن الْمَدّ) (وان قَامَ حاكى السمهرى اعتداله ... وَيَا حبذا ان رنح الْعَطف بِالْقَصْدِ) (مليح وشى النمام من فَوق خَدّه ... عذار تحاشى من سَطَا شَوْكَة الْورْد) (غزانا بهتدى من اللحظ صارم ... فيا حسنه من فَارس فاتك نجدى) (حكى شعره ليل التجافى بِطُولِهِ ... وأعقب خلفا بعد مَا جاد بالوعد) (وألوى وَمَا ألوى على بزورة ... فيا حسرى غاض الوفا من ذوى الْعَهْد) (وَلَكِن لى من فضل مولاى أَحْمد ... نتائج عقد فاح مِنْهَا شذا الند) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 وَكتب فى صدر كتاب لبَعض أحبابه قَوْله (لقد هيج الْقلب التنائى وزادنى ... ولوعا فَهَل أقضى الليالى بعلما) (وانى لراج للقا بعد بَعدنَا ... وَقد يجمع الله الشتيتين بعد مَا) وَقَالَ يشكو فِرَاق بعض أحبابه (كُنَّا ازدواجا فبنا ... والآن صرنا فُرَادَى) (يَا فرقة قطعتنا ... وَمَا نَسِينَا الودادا) وَقَالَ أَيْضا فى معنى قَول مهيلر (أبكى ويبكى غير أَن الاسا ... دُمُوعه غير دموع الدَّلال) مَا لَفظه (يقْضى الدجى غير بمطلوبه ... وصلا وأقضيه بوعد محَال) (أحيى وَيحيى اللَّيْل لكنما ... ليل التجافى غير ليل الْوِصَال) وَكتب الى أَخِيه السَّيِّد حُسَيْن من دَار الْخلَافَة قَوْله (كم من بعيد والقلوب دياره ... وَالْعين من طول المدى تختاره) (يَا نازحين ولى بهم وجد على ... وجد تشعب حَيْثُ شبت ناره) (رعيا لايام مضين وَنحن فى ... مرح التألف والهنا أقطاره) (أَيَّام حنا الرياض ومرحنا ... فَوق الْحِيَاض وأسنا أقماره) (وحديثنا النَّجْوَى يدار ألذ من ... كأس الْعقار تشعشعت أنواره) (وخطابنا السحر الْحَلَال أسر من ... طيف الخيال اذا بَدَت أسراره) (لله من عصر نضى لما مضى ... سيف العتو على الحشا تذكاره) (عود فعود مدنفا فِيكُم قضى ... شرخ الشَّبَاب وَمَا انْقَضتْ أوطاره) (وتعطفوا بحشاشة الصب الذى ... هجر السكرى وتواصلت أخطاره) (وعساه يسعده بلطف شَامِل ... من وصلكم فعلى الْكَرِيم مَدَاره) ثمَّ رَجَعَ الى الشَّام وَأقَام بهَا وَولى النِّيَابَة الْكُبْرَى بِدِمَشْق وقسمه الْعَسْكَر ودرس بالتقوية وَلما توفى وَالِده ولى مَكَانَهُ النقابة وانعقدت عَلَيْهِ صدارة الشَّام وهرعت لبابه الطّلبَة وأرباب الْحَاجَات ودام على الافادة والتحرير وَأَجَازَ فى الاستدعاآت وَألف التآليف الحسان المقبولة من ذَلِك حَاشِيَة على شرح الْخُلَاصَة لِابْنِ النَّاظِم شرع فى تأليفها من بَاب الِاسْتِثْنَاء مَعَ الدَّرْس والتحريرات على الْهِدَايَة مَعَ الدَّرْس من كتاب الطَّهَارَة الى أثْنَاء كتاب الصَّلَاة وَغير ذَلِك من الرسائل والتحريرات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 وانتفع بِهِ جمَاعَة وَمن أجل من أَخذ عَنهُ الامام الْهمام مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربى نزيل الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَشَيخنَا الشَّيْخ رَمَضَان بن مُوسَى بن عطيف وَشَيخنَا الشَّيْخ أَبُو الْمَوَاهِب الحنبلى وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الحى العكرى وَغَيرهم وَكَانَت تصدر لَهُ مجَالِس تُؤثر عَنهُ وَيحدث عَن عظم وقعها فى النُّفُوس فَمن ذَلِك أَنه خرج يَوْمًا الى منتزه يسفر عَن محياه وينفتق عَن طيب رياه فقرئ بَين يَدَيْهِ مَا غنته نعم الْجَارِيَة بَين يَدي الْمَأْمُون وَهُوَ (وَلَقَد أَخَذْتُم من فؤادى انسة أَنه ... لَا شل ربى كف ذَاك الْآخِذ) (وَزَعَمت أَنى ظَالِم فهجرتنى ... ورميت فى قلبى بِسَهْم نَافِذ) (وَنعم هجرتك فاغفرى وتجاوزى ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) (هَذَا مقَام فَتى أضرّ بِهِ الْهوى ... قرح الجفون بِحسن وَجهك لائذ) قلت وقصة هَذِه الابيات ذكرهَا ابْن خلكان وَقَالَ انه استعادها الْمَأْمُون الصَّوْت ثَلَاث مَرَّات وَكَانَ بِحَضْرَتِهِ اليزيدى فَقَالَ لَهُ يَا يزيدى أَيكُون شئ أحسن مِمَّا نَحن فِيهِ قَالَ قلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا هُوَ فَقلت الشُّكْر لمن خولك هَذِه النعم الْعَظِيمَة الجليلة فَقَالَ أَحْسَنت وصدقت ووصلنى وَأمر بِمِائَة ألف دِرْهَم يتَصَدَّق بهَا فكانى أنظر الى الْبَدْر وَقد أخرجت وَالْمَال يفرق انْتهى فَلَمَّا قُرِئت أنْشد النَّقِيب صَاحب التَّرْجَمَة لنَفسِهِ مضمنا لمصراع هَذَا مقَام المستجير العائذ فَقَالَ (نقل العذول بأننى أفنيت مَا ... أخْفى الْحفاظ من الغرام الواقذ) (هبنى اقترفت لما افترى فاغفره لى ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) وَأنْشد أَيْضا قَوْله (نبذا الخليط مودتى حَيْثُ العدا ... حولى يروعنى بهجر النابذ) (فَسَأَلته الرجعى وَقلت دع القلى ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) ثمَّ أَشَارَ لاولاده وَمن فى مَجْلِسه من أحفاده بِأَن يضمن كل مِنْهُم هَذَا المصراع وينظم مَا يُنَاسِبه على وَجه الِاتِّبَاع وَمَا قَصده الاسبر قرائحهم واختبار سافلهم وراجحهم فَانْتدبَ وَلَده النّدب السَّيِّد عبد الرَّحْمَن فَقَالَ (نبذا العهود مغاضبى فألم بى ... فى صُورَة الاشفاق طيف النابذ) (فَسَأَلته أَن لَا يفوه بِمَا جرى ... فيحيله عَنى بقول نَافِذ) (فَمضى ونم على فِيمَا قلته ... فاتى يهددنى بِسيف شاحذ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 (رحماك قد صدق الخيال وانما ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) ثمَّ تَلا تلوه السَّيِّد عبد الْكَرِيم فَقَالَ (هَب قادنى فِيك الغرام فَمَا الذى ... ألجاك تعذيبى بهجر واقذ) (أضراعتى أم مَا افترته عواذلى ... عَنى اليك من الْكَلَام النَّافِذ) (رحماك بِي لَا ترع غير مودتي ... وحفاظ ودي لاتكن بالنابذ) (فلديك مِنْك بك استعذت وانه ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) وَقَالَ أَيْضا (ريم رنا نحوى بِطرف أدعج ... فاستل روحى من جَمِيع مآخذى) (فطفقت أستعفى اللواحظ قَائِلا ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) ثمَّ ثلث الثَّالِث السَّيِّد ابراهيم فَقَالَ (قد أوسعت عَيناهُ قلبى أسهما ... ان غض عَنى هَذِه أصمى بذى) (مَا فوقت الا وَقلت لسهمها ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) ثمَّ قَالَ شَيخنَا بركَة الْوُجُود الشَّيْخ عبد الْغنى النابلسى (لاحظت خالا فَوق صفحة خَدّه ... متواريا خوف اللهيب النَّافِذ) (فَسَأَلته مَاذَا الْمقَام فَقَالَ لى ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) ثمَّ اتَّصل بشيخنا الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن عبد الهادى فَقَالَ (وافى الحبيب بِغَيْر وعد زَائِرًا ... يرنو بِطرف بالمجامع آخذ) (أربى بسكر هوى وسكر مدامة ... حَتَّى اذا سدت على منافذى) (ناديته حسبى فديتك زَائِرًا ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) ثمَّ قَالَ شَيخنَا الشَّيْخ عبد الحى العكرى (أنزلت آمالى بوادى مخصب ... وَحمى منيع نعم كَهْف اللائذ) (فلذاك نادانى يقينى مُعْلنا ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) وَقَالَ الشَّيْخ زين الدّين البصروى (وأغن فتاك اللواحظ ادعج ... يرْمى بنبل فى الْقُلُوب نوافذ) (نادته أفلاذى وَقد فتكت بهَا ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) وَقَالَ شَيخنَا عبد الرَّحْمَن التاجى البعلى (وَلَقَد وقفت على الطلول عَشِيَّة ... التوديع يَوْم الْبَين وَقْفَة لائذ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 (فاستعبرت عيناى لما بَان من ... أَوْهَى بفرقته جَمِيع مآخذى) (لَام العذول وَقد رآنى والها ... فأجبته خفض عَلَيْك منا بذى) (لَو راعك الْبَين المشت عذرتى ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) وَقَالَ الأمجد بن السّفر جلانى (يَا آل بَيت الْمُصْطَفى شعرى حلا ... فِيكُم وَطَابَتْ بالمديح لذائذى) (وافيتكم أبغى حماكم منشدا ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الذهبى (يَا من اذا جَارِيَته فى مَسْلَك ... ألفيته قد سد طرق منافذى) (أَهْون بمضناك الذى حيرته ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) ثمَّ بعد أَيَّام طلب تَضْمِينه من الامير المنجكى فَقَالَ (بسوى حماكم لَا ترانى مقلة ... يَا من لَهُم ودى الْمُؤَكّد لائذى) (فاذا وقفت ببابكم متذللا ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الموصلى (عاهدته أَن لَا يمل وَقد رآى ... نبذ العهود فديته من نابذ) (رد الصَّباح لناظرى بهجره ... لَيْلًا وسدد بالصدر منافذى) (ناديته واليأس أَمْسَى ضَاحِكا ... وأنامل الآمال تَحت نواجذى) (رفقا بقلب لَا يمِيل لغيركم ... هَذَا مقَام المستجير العائذ) انْتهى وَمِمَّا يحْكى من مَكَارِم اخلاقه أَنه دَعَاهُ بَنو الاصفر أَعْيَان تجار الشَّام فَسقط قنديل مَمْلُوء زيتا على عِمَامَة صَاحب التَّرْجَمَة وفروته فاستشاط غيظا وحنقا فَأَنْشد بعض الادباء مُخَاطبا أَصْحَاب الدعْوَة بمسمع من صَاحب التردمة بيتى محيى الدّين بن عبد الظَّاهِر فى الْملك الاشرف لما نَازل عكا وهما (يَا بنى الاصفر قد حلت بكم ... نقمة الله الَّتِى لَا تنفصل) (نزل الاشرف فى ساحلكم ... فابشروا مِنْهُ بصفع مُتَّصِل) فسرى عَنهُ الْغَضَب وتلافى الْمجْلس بِأَحْسَن تلاف وانهش قَالَ لى بعض الاخوان كَثِيرَة وَكَانَ مُضر ذَلِك الْمجْلس مَا رَأَيْته سرورة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَقد وَقعت على أشعار وَقد ذكر لى وَلَده الصَّغِير الْكَبِير الشان السَّيِّد الْفَاضِل ابراهيم انه جمع ديوانا لنَفسِهِ وَمِمَّا يلطف موقعه قَوْله فى الْغَزل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 (أمل لَيْسَ يقْضى فى تمنى ... نظرة تستفاد عِنْد التفاتك) (لست أرضاك مُسْرِفًا فى تجنيك بِحَال وَالْحسن بعض صفاتك) (لَك فى كل مهجة راضها الْحبّ هوى يستطاب فى مرضاتك ... ) (بقوام يملى على اذا مَال حَدِيث الرماح فى لفتاتك ... ) (ومحيا يرى ضئيل نحولى ... لعذولى وَالصُّبْح للسر هاتك) (وسنا مبسم الى الرشد يهدى ... هائما ضل فى دجى مرسلاتك) (يَا بديعا تحكى الرياض سجاياه أقل مهجتى شبا لحظاتك ... ) (أَنا من لَا يحيله فرط اعرا ... ضك عَن مَذْهَب الولا وحياتك) (وعَلى مهجتى رَقِيب من الوجد أرى فى لقاه بهجة ذاتك ... ) (حسب قلب وناظر يتمنا ... ك بِأَن لَا يرى سوى حَسَنَاتك) (ملح تسلب النهى ومزايا ... أَيهَا يُسْتَطَاع واللحظ فاتك) وَله غير ذَلِك مِمَّا ذكرته فى كتابى النفحة وَكَانَت وِلَادَته فى غرَّة رَجَب سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَتوفى ختام صفر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن لطف الله بن زَكَرِيَّاء بن بيرام الشهير بشيخ مُحَمَّد العربى أستاذى ومرجعى وملاذى عين الرّوم وعماد ملك بنى عُثْمَان وَصدر عُلَمَائهمْ وأوحد الْعَصْر فى الْعلم وَالْفضل وَسَائِر أدوات الرياسة والآخذ من الْآدَاب بالطرف القوى وَكَانَ اليه الاشارة فى الفصاحة والبراعة مَعَ حسن النّظم والنثر فى الالسن الثَّلَاثَة وجزالة الالفاظ وسلاستها الى براعة الْمعَانى ونفاستها وَقد جمع الله تَعَالَى لَهُ أدوات الْفَضَائِل وَلم يزل يتدرج الى المعالى حَتَّى بلغ مَا بلغ وازداد على الايام رونقا واتساقا ورياسة وَعزة وَاسْتقر فى الذرْوَة الْعَالِيَة من قَضَاء الْعَسْكَر ورياسة الْعلمَاء وَكَانَ مقصد الشُّعَرَاء من كل مَكَان لَا تزَال عطاياه وَارِدَة عَلَيْهِم واحساناته فائضة لديهم وَلَو جمع مَا مدح بِهِ من القصائد والمقاطيع لناف على ألف ورقة وَجمع من الْكتب مَا لَا يدْخل تَحت حصر حاصر وَلَا ضبط ضَابِط وَكَانَ مَعَ كَثْرَة تنوعها لَا يشذ عَن فكره شئ مِنْهَا برسومه كلهَا وَلَقَد شاهدت مِنْهُ غَرِيبَة وهى انه افْتقدَ يَوْمًا ملحمة دانيال فَأمر حَافظ كتبه أَن يخرج الرسائل الْمُتَعَلّقَة بالعلوم الرياضية فاستمر الْحَافِظ وَالْفَقِير مَعَه ثَلَاثَة أَيَّام فى مُرَاجعَة هَذِه الرسائل وظفرنا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 من الملحمة بنسخ مُتعَدِّدَة وَكَانَت النُّسْخَة الَّتِى أرادها لم تخرج بعد فَكَانَ يشخصها بأسطرها وورقها ثمَّ ظفرنا بهَا على طبق مَا شخصها وَكَانَ من الذكاء فى مرتبَة لم تسمع عَن أحد حَتَّى انه جَاءَهُ يَوْمًا رجل بأسطرلاب عَلَيْهِ كِتَابَة لِسَان الارمنى وَكَانَ عرضه على اناس مِمَّن يعرف ذَلِك اللِّسَان فَلم يستخرجوا الْكِتَابَة وَكَانَ الاستاذ صَاحب التَّرْجَمَة لم يعرف مصطلح كِتَابَة الارمنى فاستملى من شخص نصرانى مقطعات حُرُوفه وَمَا زَالَ يعْمل فكرته حَتَّى استخرج الْكِتَابَة بِقُوَّة رَأْيه وَسلمهَا لَهُ أَرْبَاب ذَلِك اللِّسَان وَكَانَت الْكِتَابَة تَارِيخ عمل الاسطرلاب وَله من هَذِه الخوارق فى الحدس أَشْيَاء كَثِيرَة ولد بغلبه وَتقدم أَن وَالِده ولى قضاءها مُدَّة خمس وَأَرْبَعين سنة وَتوفى أَبوهُ وَهُوَ ابْن سبع سِنِين فَأحْضرهُ اليه عَمه شيخ الاسلام يحيى وتقيد بِحِفْظ هَذَا الدّرّ الْيَتِيم وَكَانَ عِنْده وَعند زَوجته أعز من كل أحد فانهما مَا رزقا ولدا وَكَانَ عَمه يطْلب لَهُ الدُّعَاء من كل من يدْخل اليه وَيرد من أهالى الْبِلَاد عَلَيْهِ لَا سِيمَا من أهالى الْحَرَمَيْنِ الشريفين ثمَّ شرع فى الِاشْتِغَال فَقَرَأَ أَولا على الاستاذ السَّيِّد مُحَمَّد نزيل قسطنطينية ثمَّ على حَامِد بن مصطفى الاقسرابى وعَلى الْعَلامَة أَحْمد الشهير بدرس عَام وعَلى الْمولى حسن الطَّوِيل قاضى الْعَسْكَر باناطولى رُتْبَة ثمَّ لزم الْمولى مُحَمَّد الكردى الشهير بمنلا حلبى وعَلى الملا عبد الله وَتخرج فى الادب على عَمه سُلْطَان الْعلمَاء وَالشعرَاء وَكَانَ فى عنفوان عمره يعرض عَلَيْهِ لطائف أشعاره فيصلح مَا فِيهَا وتخلص أَولا بشيخى ثمَّ بعزتى واشتهر كَمَاله من حِين كَانَ ولدا وَكَانَ السُّلْطَان مُرَاد يسْأَل عَمه عَنهُ كثيرا وَيُرْسل لَهُ العطايا الطائلة وَلَقَد ذكر والدى بوأه الله تَعَالَى فسيح جنانه انه استدعاه السُّلْطَان مُرَاد وَأَعْطَاهُ فى يَده بعض دَنَانِير فَفَاضَتْ عَن يَده وَسقط مِنْهَا الى الارض جَانب فَلم يلْتَفت الى مَا سقط فَعجب السُّلْطَان من نزاهته ثمَّ لَازم على دأبهم من السُّلْطَان ابراهيم فى أَوَائِل شَوَّال سنة احدى وَخمسين وَمَات عَمه بعد ذَلِك فاستقر فى دَاره وانضمت اليه حواشى عَمه من الصُّدُور وَحكى أَنه لما عَاد من جَنَازَة عَمه الى دَاره وَمَعَهُ حفدة عَمه صحبهم السَّيِّد مُحَمَّد نقيب الاشراف فَلَمَّا أَتَوا الدَّار أَخذ المخدوم صَاحب التَّرْجَمَة الى صَدره وضمه وَقبل رَأسه وَأَجْلسهُ مَكَان عَمه وكساه الله تَعَالَى فى ذَلِك الْوَقْت ثوب الْوَقار والسكون والهيبة وَكَانَ عمره يَوْمئِذٍ ثَمَان عشرَة سنة فَأَقَامَ بدار عَمه وَورثه وحفته جمَاعَة عَمه كالمولى مُحَمَّد عصمتى وَالْمولى مُحَمَّد العجمى ثمَّ اتَّصل بكريمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 شيخ الاسلام أَبى سعيد فَأقبل عَلَيْهِ وصيره كَأحد أَوْلَاده فى الْمحبَّة والحنو وَوجه اليه ابْتِدَاء مدرسة عَمه برتبة موصلة الصحن ثمَّ نَقله الى احدى الثمان وَمِنْهَا درس بمدرسة أسماخان بنت السُّلْطَان سُلَيْمَان وَنقل مِنْهَا الى دَار الحَدِيث وَأعْطى مِنْهَا قَضَاء الشأم وَكَانَ ذَلِك فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وأرخ قَضَاءَهُ عبد الْبر الفيومى بقوله للشام عز وَشرف وَقدم اليها نَهَار الْجُمُعَة عشرى رَجَب من تِلْكَ السّنة وسلك طَرِيقا محمودة مَعَ الْوَقار والعفة وَكتب اليه والدى هَذِه القصيدة يمدحه بهَا وهى (صبح الْوِصَال بدا عموده ... والدهر قد صدقت وَعوده) (وَالرَّوْض أضحى باسما ... لمسرتى واخضر عوده) ( ... وتضوعت أنواره ... بمناى اذ وَردت وُرُوده) (قد صَاح فِيهِ العندليب ... وفاح فى الْآفَاق عوده) (من منصفى من شادن ... فى الْحبّ قادتنى قيوده) (ملك تحكم فى الورى ... وَقُلُوبهمْ طَوْعًا جُنُوده) (رقت معاطف خصره ... فتحيرت فِيهَا بنوده) (ان رمت معنى الْحسن مِنْهُ عَلَيْك تمليه خدوده ... ) (وعَلى الْحَقِيقَة مَاله ... من مشبه لَوْلَا صدوده) (نشوان من خمر الدَّلال عَلَيْهِ مَا قَامَت حُدُوده ... ) (مَا زلت أخْشَى بعده ... فعلى اذ وفدت وفوده) (والصب من نَار الغرام فُؤَاده فِيهَا خلوده ... ) (وعَلى مياه خدوده ... ورياضها أبدا وُرُوده) (رق العذول لحاله ... يَوْم النَّوَى وَكَذَا حسوده) (وافى خيال خياله ... فَأتى لمضناه يعودهُ) (فلك المسرة والمنى ... نحوى لقد دارت سعوده) (بقدوم مولى الشَّام من ... أمْلى من الدُّنْيَا وجوده) (قد حَاز رقى بالولا ... ولرق أجدادى جدوده) (من ذَا يضاهى مجده ... لاسؤدد الا يسوده) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 (مَا الْمجد الا مجده ... فاليه قد خضعت أسوده) (قاضى عَدَالَته غدن ... كل الانام بهَا شُهُوده) (ملئت ملابسه حَيا ... وَمن التقى نسجت بروده) (فى الْعلم طود والتوا ... ضع مُفْرد وَالْبَحْر جوده) (أبقاه ربى ملْجأ ... أبدا وللعليا صُعُوده) ثمَّ نقل مِنْهَا الى مصر فى غرَّة رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ ثمَّ عزل وَتَوَلَّى قَضَاء بروسه ثمَّ أعْطى رُتْبَة قَضَاء أدرنه ثمَّ صَار قَاضِيا بدار السلطنة فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَاسْتمرّ بهَا قَاضِيا سَبْعَة عشر شهرا وصل اليه والدى فى أثْنَاء قَضَائِهِ فَوجه اليه نِيَابَة أخى جلبى وأجزل عَلَيْهِ نعمه الدارة قَالَ والدى وَوجدت مِنْهُ أَبَا شفيقاً وأخا بارا شقيقا فنظم أمرى واغتنم شكرى وأجرى ورعى فى معروفه مَعْرُوف اسلافه لاسلافى وَجعل السُّعُود فى جَمِيع الْمَقَاصِد من أخلافى بانيا كَمَا بنوا وبادياً من حَيْثُ انْتَهوا فغدت وَحْشَة اغترابى بخدمته انسا وألسن شكرى لاياديه وَنشر مساعيه خرسا وَكنت أرى من فَضله وبديع بديهته وصفاء قريحته ولطف طَبِيعَته واشاراته الذوقيه ومحاضراته الادبيه مَا يبهر الْعُيُون ويحقق الظنون الى مَا حواه من كرم الشمايل والاحتشام والمحاسن الموفرة الانواع والاقسام فَمَا أنْكرت طرفا من أخلاقه وأقواله وَمَا شاهدت الا مجدا وشرفا من أَحْوَاله (واذا نظرت الى أميرى زادنى ... ضنابة نظرى الى الامراء) فَلَو صرفت أَوْقَات عمرى وتشرعت بِجَمِيعِ مَذَاهِب الثَّنَاء وَالدُّعَاء لَهُ طول دهرى لما كنت الا فى كَمَال التَّقْصِير ومعترفا بِالْعَجزِ الْكثير وَمِمَّا شنف سمعى بِهِ فى أثْنَاء المذاكره أَيَّام تشرفى فى مجالسة الزاهية الزاهره قَوْله من ربَاعِية أنشدنيها (ناديت أحبتى لاجل السلوى ... والدهر رسوم ربعهم قد سوى) (بالنوحة جدت فى المغانى حَتَّى ... قد ساعدنى على بكائى رضوى) فَأَنْشَدته بديهة على طَرِيق الْمُعَارضَة وهى (يَا من بعدوا وأورثونى الْبلوى ... أبدى لكم من الْفِرَاق الشكوى) (أَصبَحت وحبكم عميدا دنفا ... من بعدكم رق لحالى رضوى) وأنشدنى بعد أَيَّام قَوْله أَيْضا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 (يسبى الْعُقُول بلحظه فَكَأَنَّمَا ... سقيت سيوف جفونه بسلاف) (سيفيه صَاد الْقُلُوب بنظرة ... من بَين نقل قوادم الخطاف) فَأَنْشَدته (رشأ رَقِيق الْقد والاعطاف ... لم يخْش صارم لحظه اتلافى) (خطف الْفُؤَاد بنظرة من لحظه ... لما رآنى انقض كالخطاف) ثمَّ فارقته عَازِمًا على الرحلة الى الوطن وأنشدته حَالَة التوديع هَذَا (ان سَار عَبدك ظَاعِنًا ... فى النَّاس أَو أضحى مُقيما) (فَهُوَ الذى لحماكمو ... مَا زَالَ فى الدُّنْيَا خديما) انْتهى ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بانأطولى فى ثامن عشر الْمحرم سنة تسع وَسبعين وَكَانَ وَهُوَ قَاض بِدِمَشْق وعد أَبى بملازمة لى فَأحْسن بهَا وأرسلها من مَدِينَة يسكى شهر وَكَانَ توجه اليها فى خدمَة السُّلْطَان مُحَمَّد وَأرْسل الى مَعهَا مدرسة لامعى فى بروسه بِخمْس وَعشْرين عثمانيا ثمَّ نقل الى قَضَاء عَسْكَر روم ايلى وَأرْسل الى مدسة خوجه خير الدّين بِثَلَاثِينَ عثمانيا ثمَّ عزل عَن قَضَاء الْعَسْكَر وَقدم الى دَار السلطنة فانزوى فى دَاره وَاسْتمرّ مُدَّة لَا يخرج الا فى يَوْم الثلاثا وَيَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ اذا خرج فى هذَيْن الْيَوْمَيْنِ تواردت عَلَيْهِ الافاضل من كل نَاحيَة وجبيت اليه أنفس البضائع من الْفُنُون فَلَا تمر لَحْظَة من ذَلِك الْمجْلس الا فى مذاكرة ومطارحة وَلما وصلت الى قسطنطينية فى سنة سبع وَثَمَانِينَ رَأَيْته فى تِلْكَ الْحَالة وحضرته فَوَجَدته محط رحال الْفُضَلَاء ومقصد الادباء وَالشعرَاء فَدخلت الى مَجْلِسه وأنشدته هَذِه الابيات وهى (دنا الركب من حى تقادم عَهده ... وهيج فِيهِ الْقلب وجد يجده) (دَعَتْهُ الى الشكوى معالم انسه ... وَلَكِن أسرار الغرام تصده) (بنفسى من جرعائه كل شادن ... تملك منى حَبَّة الْقلب وده) (من الصَّيْد يرنو لحظه عَن مهند ... يفْسد قُلُوب الدارعين فرنده) (أرد عيونى عَنهُ خيفة كاشح ... وَهل يمْنَع الصادى عَن المَاء رده) (سقانى مداما رق فى اللطف جرمها ... فشف بهَا عَن أَحْمَر الْورْد خَدّه) (سلافا يصير الصُّبْح فى كشفه لنا ... قناع الدجى مِنْهُ سنا يستمده) (وَقد بسطت فى الرَّوْض كف بَيْعه ... نَسِيج نوار حيك كالوشى برده) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 (أَقَمْنَا بِهِ نملى حَدِيث صبَابَة ... الى الْعُمر اشهى من شباب يوده) (الى أَن دعانى للوداع فهاج بى ... خفى سعير يظْهر البث وقده) (وقفت وطرفى لَا أردد دمعه ... وَقد كنت حينا للفراق أعده) (وطار بى الغى المشت فى كل منهل ... فؤاد بحى يصحب الْحبّ رشده) (أنهنه طرف الشوق فى كل منهل ... يكَاد الفضا يبدى وَلم يبد ورده) (وعزمى يَقُود الشوق منى عنانه ... لربع جواد يمْلَأ الدَّهْر رفده) (أَخُو عَزمَات لَا يفل جسامها ... وَعند مضاها يجل السَّيْف حَده) (يفوت احْتِمَال الْمَرْء أول عَفوه ... وَقد جَاوز الْمَقْدُور فى السعى جهده) (اذا أشرقت شمس العلى عَن جَبينه ... فطلعها يستخدم الدَّهْر سعده) (يروق بِهِ غُصْن من الْحَمد يَانِع ... ويعبق من نشر الثنا فِيهِ رنده) ( ... فَلَا تعثر اللحظان دون مقَامه ... بِغَيْر منال يقْدَح الْعِزّ زنده) (بِمَا تستجد المزن وضاير وقه ... وَمن فيض يمناه المنى يستجده) (أدر على الايام سيا تَفَجَّرَتْ ... ينابيع حَتَّى الصخر أعشب صلده) (وَلم يبْق للمقدار غير تعلة ... يسير بهَا من قَارن الْيمن كده) (فيا من يرينى من نداه أمانيا ... يسالمنى فِيهَا من الدَّهْر وغده) (رعى الامل الغادى اليك انسيابه ... فَكَانَ الى صوب المجرة قَصده) (وشام لديك الْبَحْر فى صُورَة الحجا ... يفِيض علينا من هباتك مده) (فَلَا تنتهى فى يَوْمنَا لَك نعْمَة ... كَمَا انه لَا ينتهى فِيك حَمده) وَكَانَت الامراض قد أثرت فِيهِ تَأْثِير بَالغا وأحناه الضعْف حَتَّى صَار كالقوس وَكَانَ لَا يقدر على الْحَرَكَة الا بِمَشَقَّة عَظِيمَة وَكَانَت النزلات تعتريه فى دماغه وفى الشتَاء يجلس فى مَكَان صَغِير وَيكون عِنْده منقل كَبِير يكون عَلَيْهِ من الفحم وَالنَّار شئ كثير وَكَذَا فى الموقد كثير من الْحَطب وَعَلِيهِ الثِّيَاب الْكَثِيرَة وَتَحْته الطرحة الوثيرة بِحَيْثُ انه يُوجد الْحر وَالْكرب وَهُوَ مرتاح ثمَّ ولى ثَانِيًا قَضَاء روم ايلى وازدانت بِهِ الدولة وَأَقْبل عَلَيْهِ السُّلْطَان مُحَمَّد اقبالا زَائِدا وَكَانَ يطْلب الِاجْتِمَاع بِهِ وَطلب أَن يضيفه فى بستانه الذى باستبه فأضافه فَلَمَّا تمّ الْمجْلس ألبسهُ السُّلْطَان فَرْوَة من السمور ثمَّ عزل فَقلت أسليه بِهَذِهِ القصيدة (ضرب الْغَمَام مضاربا من عنبر ... ملئت خزائنها بأنفس احور) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 (والارض ترفل فى مطارف سندس ... كالخود فى حلل الْحَرِير الاخضر) (وَالرَّوْض معتل النسيم كَأَنَّهُ ... دَار النَّعيم وماؤه كالكوثر) (فَاشْرَبْ على ورد الخدود مَعَ الربى ... رَاح الزجاجة والرضاب الْمُسكر) (وانهب زمَان اللَّهْو قبل فَوَاته ... فالعيش لَيْسَ بدائم لمعمر) (والدهر أغدر من أضب فانه ... يصمى الْفَتى من حَيْثُ مَا لم يحذر) (وَلَقَد عرفت بنيه معرفتى بِهِ ... فعجبت من حَظّ اللبيب الْمُدبر) (وَالنَّاس أميل مَا رَأَيْت الى الْغنى ... فيكاد يعبد كل عبد مُوسر) (ولرب ذى فضل يواصل ليله ... طيا وَجَهل فى النَّعيم الاوفر) (لَا سامح الله الزَّمَان فانه ... من شَأْنه تَقْدِيم كل مؤحر) (والنذل أَضْعَف مَا يرى مُتَقَدما ... كتقدم الْمَعْمُول قبل الْمصدر) (وَالنَّدْب أجمل مَا يكون مُجَردا ... كالعضب لَيْسَ قدما لم يشهر) (واذا الضمائر فى الْمَرَاتِب قدمت ... وتظاهرت حسن اختفاء الْمظهر) (مَا خص ذُو الْجَهْل الدنى برتبة ... الا كَمَا خص الختام بختصر) (والمرء أتعب مَا ترَاهُ اذا ابْتغى ... خطرا وليل حظوظه لم يقمر) (كالمدح أضيع مَا يكون اذا جرى ... فى غير روح الْكَوْن قاضى الْعَسْكَر) (عَلامَة الدُّنْيَا وَخير مقدم ... هُوَ فى الصُّدُور كتبع فى حمير) (قلب الْوُجُود العزتى مُحَمَّد ... ذُو الْوَجْه وَالْفِعْل الْجَمِيل الازهر) (وتر الْكَمَال فَمن رأى أهل العلى ... وأضله أَمْسَى كمن لم يُوتر) (متواضع للسائلين وَرُبمَا ... يسمو تكبره على المتكبر) (بِالْعَدْلِ تقطر نعْمَة أَيَّامه ... للمهتدين ونقمة للفجر) (لَو كَانَ يطْلب قدره لم يرضه ... الا الاسرة أَو مراقى الْمِنْبَر) (مولى اذا بخل الْغَمَام أَفَاضَ من ... يمناه بالنقدين خَمْسَة أشهر) (يعْطى على الْحَالين قدرَة ملكه ... ويريك عذر المذنب المستغفر) (لَا شئ أكْرم مِنْهُ الا جائد ... كرما بِهِ والجود أشرف مخبر) (تبع الافاضل والا ماجد رَأْيه ... ان الْقَلِيل لتابع للاكثر) (قَامَت فضائلهم بِهِ فَكَأَنَّهَا ... عرض وجوهر ذَاته كالجوهر) (من قاسهم جودا بِهِ فَكَأَنَّمَا ... قَاس الجداول جَاهِلا بالابحر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 (نسخت مكارمه أَحَادِيث الألى ... سَبَقُوهُ من معن الْجواد وجعفر) (وَلَئِن تَأَخّر عصره عَنْهُم فَمَا ... هُوَ فى سَبِيل الْمجد بالمتأخر) (لَيْسَ الزَّمَان بِمُوجب تَفْضِيلهمْ ... فَسَمِّيهِ الْمُخْتَار آخر مُنْذر) (والطل قبل الوبل والاسفار من ... قبل الضُّحَى والخلد بعد الْمَحْشَر) (وتجئ فذلكة الْحساب أخيرة ... لتَكون جَامِعَة العديد الاوفر) (وَاضْرِبْ لَهُم مثلا مَنَاقِب ماجد ... محصورة لمناقب لم تحصر) (يأيها الْمولى الْعَظِيم وَخير من ... ورث السياد قسورا عَن قسور) (خُذْهَا بديعة بَابهَا وضاحة ... رقت فرق لَهَا قريض البحترى) (واستجلها بكرا قبولك مهرهَا ... وَالْبكْر لَيْسَ تحل مَا لم تمهر) (فَلَانَتْ أهل الْمَدْح دمت لاهله ... مَا بيع الا كنت أَنْت الْمُشْتَرى) (لَا زلت فى أوج السَّعَادَة راقيا ... ومقامك الْمَحْمُود فَوق الْمُشْتَرى) (مَا حجك الراجى وبابك قبْلَة ... بقلائد فضحت صِحَاح الجوهرى) فألبسنى من حلله جوخة بنفسجية اللَّوْن ركب فِيهَا فَرْوَة من النافة فَقلت هَذِه القصيدة أمدحه بهَا ومستهلها قولى (شَأْن الموله أَن يعِيش متيما ... وَالْحب مَا منع الْقَرار المغرما) (هُوَ مَا علمت غرام صب دمعه ... مَا زَالَ يظْهر سره المتكتما) (لَو شَاءَ من أضناه فرط هجيره ... رد الْحَيَاة لجسمه متكرما) (واذا الصبابة خامرت قلب امْرِئ ... وجد الشِّفَاء من الحبيب تنعما) (ولرب مغبر الاديم قطعته ... من فَوق مبيض القوائم أدهما) (لَا تَسْتَطِيع الشَّمْس توسم ظله ... فاذا مَشى سبق الْقَضَاء المبرما) ( ... وَاللَّيْل بَحر قد تدافع موجه ... وَترى الْكَوَاكِب فِيهِ تسرى عوما) (وَكَأن وَجه الافق مُنْقد فضَّة ... والبدر تحسبه عَلَيْهِ درهما) (وكأنما المريخ شعلة قابس ... أَو رَأس نصل خضبته يَد دَمًا) (أسرى وشخصك لَا يزَال مسامرى ... وَأرى التصبر عَنْك مرا علقما) (يَا آفَة الارواح مَا ألهاك عَن ... دنف لذكر هَوَاك يهوى اللوما) (لله عهد كنت بدر ضيائه ... أَيَّام نلقى كل وَقت موسما) (فى رَوْضَة لبست رِدَاء زمرد ... صبغت حَوَاشِيه الشقائق عِنْدَمَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 (وَكَأن أجياد الغصون كواعب ... أظهرن عقدا فى النحور منظما) (لَا تسمع الآذان فى ارجائها ... الا هدير هزارها مترنما) (وشربتها صهباء من يَد شادن ... فضحت محاسنه الغزار الانجما) (نادمته والراح يعْطف عطفه ... كالغصن جاذبه النسيم فهيما) (فهصرت قدا كالقضيب ومعطفا ... ولثمت خدا كالاقاح ومبسما) (مهلا فلست بِمن تقود عنانه ... الا الصبابة منجدا أَو مُتَّهمًا) (وأظن لى فى الدَّهْر حظا كامنا ... كالنار أودعت الزِّنَاد الابكما) (مالى وللايام أبغى مِنْهَا ... والى جناب العزتى لى انتما) (عَلامَة الثقلَيْن أفضل ماجد ... حلف الزَّمَان بِمثلِهِ لن ينعما) (مولى اذا ظلم الزَّمَان فَمَا ترى ... الا الى عزماته متظلما) (جارى الْمُلُوك الى مقامات العلى ... فتأخروا عَنهُ وَكَانَ مقدما) (لَو مد راحنه لثغر مقبل ... أنف الثريا أَن تكون لَهَا فَمَا) (أَو تنطق الدُّنْيَا بمدحة ماجد ... نطق الزَّمَان بمدحه وتكلما) (دعواته تجلو الكروب وعزمه ... لَو يلتقيه الْمَوْت مَاتَ توهما) (وَلَو استجار بِهِ النَّهَار من الدجى ... لم تبصر الاحداق شَيْئا مظلما) (قد حكم الْمَعْرُوف فى أَمْوَاله ... والرعب فى أعدائه فتحكما) (يعْطى الالوف سماحة متكتما ... والجود لَيْسَ بممكن أَن يكتما) (وَمَتى تَخَيَّلت القرائح مدحه ... سبقت جوائزه القريض تكرما) (متوقد كالبدر لَيْلَة تمه ... فاذا تحرّك للعطاء تبسما) (ملئ الزَّمَان مهابة من عدله ... حَتَّى أَخَاف الظبى مِنْهُ الضيغما) (وسرت لَهُ سير معطرة الربى ... فَكَأَنَّمَا كَانَت صبا متنسما) (يَا من نلوذ من الزَّمَان بِبَابِهِ ... ونرى نداه لما نؤمل مغنما) (مَاذَا نقُول سموت عَن أفهامنا ... حَتَّى اسْتَوَت فِيك الْبَريَّة أعجما) (لله أنعمك الَّتِى من بَعْضهَا ... لم تبْق فى الدُّنْيَا فَقِيرا معدما) (وخصا لَك الزهر الَّتِى لم يرضها ... أَن تجتلى قمم الْمَرَاتِب أنجما) (ألبستنى نعما رَأَيْت بهَا الدجى ... صبحا وَكنت أرى صباحى مظلما) (فَبَقيت يحسدنى الصّديق وَقبلهَا ... كَانَ الْعَدو يمر بى مترحما) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 (مَا عذر من شرفته بفضيلة ... أَن لَا ينَال بهَا السها والمرزما) (هَيْهَات لست بِشَاهِد جود امْرِئ ... من بعد مَا عَايَنت جودك منعما) (فاليكها زهراء ذَات بلاغة ... لَو رامها قس لاصبح أبكما) (من كل بَيت لَو تجسم لَفظه ... لرأيته شيا عَلَيْك منمنما) (وتهن بِالْعَام الْجَدِيد ممتعا ... بسعادة رحب الجناب مُعظما) (واسلم لنشر فَضِيلَة مَعْلُومَة ... لولاك طَال على الملا أَن تعلما) (ان العلى بدئت بذكرك مثل مَا ... آلت بغيرك فى الورى لن تختما) وكتبت اليه أستدفع بِهِ مَا نابنى من سلوك طَرِيق الْقَضَاء وأرجوه فى تخليصى من هَذِه الورطة قبل أَن أتولى منصبا وَأَن يشفع لى بالملازمة لباب شيخ الاسلام على مدرسة فى الرّوم فَقلت (باكر الحانة والكاس تدار ... فشباب الْعُمر ثوب مستعار) (هَذِه الارض اكتست أزهارها ... مَا على من يغنم اللَّذَّات عَار) (وَكَأن الرَّوْض وشى فاخر ... نقشه آس وَورد وبهار) (ان سرت فى سرحه ريح الصِّبَا ... فَضَح العنبر رند وعرار) (وَكَأن المزن تبر كنزه ... درة بَيْضَاء وَالْمَاء نضار) (فتقت كف الغوادى جيبها ... فهمى مِنْهَا على الدوح نثار) (يَا رفيقاى دعانى والهوى ... انما الصبوة للصب شعار) (كنت أخْفى محنة فى خلدى ... لَو يكن للقلب فى الْعِشْق اختبار) (من يبت ولهان فى حب الظبا ... خانه الْقلب فى الْعِشْق اخْتِيَار) ( ... يعذب الهجر لمن يعرفهُ ... وبمطل الغيد يحلو الِانْتِظَار) (انما نشوان أحداق المهى ... صحوه من سكرة الْعِشْق خمار) (يَا سقى موطن لهوى بالحمى ... أدمعى ان سحت السحب الغزار) (كم لَيَال فِيهِ قد قضيتها ... وَمن الايام حُلْو مرار) (فانقضت أسْرع من سهم القضا ... يَا ابْن ودى لَيْسَ للعيش قَرَار) (وحبِيب بَات زندى طوقه ... والمنى ثالثنا والحظ جَار) (قمر يحسده الْبَدْر اذا ... لَاحَ والغصن مَتى مَال يغار) (قد نأى لَكِن عَن الْعين وَكم ... نَازع الدَّار لَهُ الْقلب ديار) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 (أى نفع فى اقتراب الْجِسْم ان ... بعد الْقلب وَمَا يغنى الْجوَار) (هَكَذَا تفعل أَحْكَام الْهوى ... فى بنى الْعِشْق وللدهر الْخِيَار) (ينقضى الْعُمر ومالى مسعف ... وَمن الضيم مصيح لَا يجار) (هَذِه حالى وان طَال المدى ... وَاعْتِبَار الْحَال للمرء اختبار) (غير أَن الْحِرْص غلاب النهى ... والمنى منهى اخْتِيَار واضطراب) (لَا أَذمّ الدَّهْر حاشاى ولى ... أنعم الْمولى عَن الذَّنب اعتذار) (كعبة الآمال والركن الذى ... كل مجد من علاهُ يستعار) (ماجد قد صيرت آلاؤه ... كل مجد من علاهُ يستعار) (جمعت فِيهِ المعالى والتقى ... وَله الْعِزَّة خيم وَالْوَقار) (قد جلا خطب الليالى عزمه ... مثل مَا يجلو دجى اللَّيْل وَالنَّهَار) (لَو يكن للبحر أدنى بره ... لم يلح للعين بر وقفار) (وحماه ملتقى عيشى المنى ... لَا سواهُ للندى مأوى وَدَار) (روض فضل نجتلى من جوده ... وَكَذَا تجنى من الرَّوْض الثِّمَار) (يغْفر الذَّنب وَلَو جلّ وَقد ... يحسن الامران عَفْو واقتدار) (واذا نَاب امْر أجهد القضا ... فالى سدته مِنْهُ الْفِرَار) (أَيهَا الاستاذ وَالْبَحْر الذى ... غرفت من فيض كفيه الْبحار) (أَنْت من لولاه مَا كَانَ لنا ... ملْجأ يُرْجَى وكهف يستجار) (لَك أنهى نوبا من بعضهما ... يذهل اللب وَذُو الْعقل يحار) (حل بى الشيب فأفنى رونقى ... وكذاك الْبَدْر يعلوه السرَار) (فأغثنى من كروب فى الحشا ... حرق مِنْهَا وفى الطّرف انكسار) (وتمتع بقواف كربى ... ضَاحِك النُّور بهَا الجلنار) (بدع قد أشربت ألفاظها ... ريقة المبسم وَالْخمر الْعقار) (كخدود الغيد تحمر حَيا ... واذا شِئْت كَمَا اخضر العذار) (أَنا حسان القوافى فاذا ... فهت طَابَ الْعشْر وارتاح الفخار) (واذا غنتك أطيار الثنا ... فَأَنا من بَينهَا وحدى الهزار) (لَيْسَ لى مَال وَلَكِن كلمى ... عسجد ينْحل درا ونضار) (لم أقل طَالَتْ واطناب الورى ... فى معاليك مدى الدَّهْر اخْتِصَار) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 (فابق أَعلَى النَّاس جاها وندى ... والى مجدك بالعز يشار) (لَك أهنى عيشة تختارها ... وَلَا عداك البلايا والدمار) وَكَانَت وِلَادَته فى صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَتوفى نَهَار الاحد ثَالِث عشر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَدفن بمدرسة جده شيخ الاسلام زَكَرِيَّاء مِمَّا يلى عَمه شيخ الاسلام يحيى وَلم أقِم بعد وَفَاته بالروم الا يَوْمًا وَاحِدًا ورحلت الى دمشق وَأَنا الْآن أليف حزنه وكئيب مصابه انْتهى مُحَمَّد بن مبارك باكراع الحضرمى محتدا المدنى الاديب الشَّاعِر ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى حَقه أديب مستعذب الْمَوَارِد ومقتنص الاوابد والشوارد الى أدب سَنَد حَدِيثه مسلسل وعتيق رحيقه سلسل ومحاضرة تنسى مَعهَا محاضرات الرَّاغِب ومحاورة يوسى باسترواحها اللاغب ونظم نظم بِهِ عُقُود الجمان وقلد بفرائده نحر الْعَصْر وجيد الزَّمَان فَمِنْهُ مَا كتبه الى القاضى تَاج الدّين مهنئا لَهُ بزيارة النبى (أاكليل رَأس الْمجد وَالْفضل والتقى ... وسابق شأوالسعد والعز والبها) (وعلامة الْعَصْر الشريف وفخره ... وفهامة الاعلام مرجع ذى النهى) (وَمن عقد الاجماع وَالله شَاهد ... على فَضله عقلا ونقلا أودها) (فدمت بِحَمْد الله تاجا لدينِهِ ... ودمت بشكر الله فى جبهة السهى) (وزرت رَسُول الله وَالْحَال منشد ... هَنِيئًا مريئا نَالَ فضل مَا اشْتهى) فَأَجَابَهُ (أيا من حوى الافضال وَالْفضل والنهى ... وَحَازَ التقى وَالدّين وَالْحسن والبها) (وَأصْبح فَردا فى الْكَمَال كَأَنَّمَا ... تصور فى تكوينه مثل مَا اشْتهى) (تطولت لما ان بعثت برقعة ... اذا مَا حَكَاهَا الرَّوْض قيل تشبها) (وكللت تاجى من جواهرك الَّتِى ... تَعَالَى بهَا قدرا على مفرق السهى) (ودمت وَلَا زَالَت صفاتك كلما ... تَلَاهَا محب زَاد فِيك تولها) الْبَيْت الثانى ينظر الى قَول الْقَائِل فى حق خير الكائنات (خلقت مبرأ من كل عيب ... كَأَنَّك قد خلقت كَمَا تشَاء) قَالَ وَرَأَيْت الْوَالِد مَا نَصه من الاملاء الشَّيْخ مُحَمَّد باكراع بِمَكَّة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَهُوَ قَوْله وَبَيت فى حُسَيْن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 (صيرت جفنى واصلا والكرا ... رَاء فجد بالوصل فالوصل زين) (وَلَا تجبنى فى سؤالى بِلَا ... فالقلب يخْشَى كرب لَا يَا حُسَيْن) ثمَّ وقفت فى الريحانة أَنَّهُمَا لِلشِّهَابِ الفيومى وتعقبهما بعد انشادهما فَقَالَ فى قَوْله زين ابهام غير زين لَان الْعَامَّة تَقول فى حُرُوف الهجاء زين وَالصَّحِيح فِيهَا زاى بِالْمدِّ وَالْقصر وَيُقَال زى بزنة كى وَأما هَذِه فتحريف قَبِيح انْتهى وَأَنا أَقُول هُوَ ابهام حسن فان الابهام يَكْفِيهِ هَذَا الْقدر وان كَانَ فى اللُّغَة غير صَحِيح اذ الْمَعْنى لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ لانه لم يقْصد بالزين هُنَا الا الْحسن لَكِن بِمُقَابلَة الرَّاء أوهم هُنَا ارادة الزاى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بَرَكَات الملقب شمس الدّين بن شمس الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الكيال الشافعى الْعَالم الْهمام المطلع أَخذ الْفِقْه عَن الْبَدْر الغزى والنور النسفى وَغَيرهمَا وسافر الى الْقُسْطَنْطِينِيَّة ساعيا فى الْمدرسَة الشامية البرانية بعد أَن اسْتَقَرَّتْ على أَبى الْفِدَاء اسمعيل النابلسى فَلم تتيسر لَهُ لشهرة النابلسى بِالْفَضْلِ الْعَام التَّام وَمَعْرِفَة أَرْكَان الدولة وبفضله اما مُشَاهدَة واما سَمَاعا فبقى فى الرّوم وسنين وَورد دمشق فى حُدُود سنة تسعين وَتِسْعمِائَة وبقى بهَا مُدَّة ثمَّ رَجَعَ الى الرّوم وَلما مَاتَ أَبُو الْفِدَاء وجهت الشامية البرانية للمنلا أَسد الدّين بن معِين الدّين وَوصل الْخَبَر الى الرّوم بتوجيهها اليه قبل التَّوْجِيه اليه وَلم يُمكن صَاحب التَّرْجَمَة مِنْهَا وبقى هُنَاكَ حَتَّى مَاتَ ثمَّة بعد الالف) مُحَمَّد بن مُحَمَّد القاضى شمس الدّين بن محيى الدّين الرجيحى الحنبلى الدمشقى أحد نواب الحكم بمحكمة الْبَاب بِدِمَشْق وَلَيْسَ هُوَ بِابْن الرجيحى وانما هُوَ ابْن بنت القاضى الرجيحى قيل كَانَ وَالِده صفديا يعرف بِابْن الْمُحْتَسب من أَعْيَان صفد فصاهر الرجيحى الْمَذْكُور وَرَأس بمصاهرته وَولى نِيَابَة الْقَضَاء نَحْو خمسين سنة مِنْهَا بِالْبَابِ أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ حسن الاخلاق منعما مثريا ظَاهر الْوَضَاءَة والنباهة وَله محاضرة جَيِّدَة وَكَانَ فى مُبْتَدأ أمره يخْدم قاضى الْقُضَاة ولى الدّين بن الفرفور ثمَّ طلب الْعلم وَأخذ عَن الرضى الغزى وتفقه بالشيخ مُوسَى الحجازى وَالشَّيْخ شهَاب بن سَالم وَولى قَضَاء الْحَنَابِلَة بالكبرى فى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَنقل الى نِيَابَة الْبَاب وسافر الى مصر فى سنة احدى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَاجْتمعَ بالاستاذ مُحَمَّد البكرى وَغير وَاسْتمرّ بهَا مُدَّة ثمَّ عَاد الى دمشق وَولى مَكَانَهُ الى أَن مَاتَ وَكَانَ لَهُ حجرَة بِالْمَدْرَسَةِ الباذرائية وسرق لَهُ مِنْهَا أَمْتعَة ثمينة فَلم يتأثر وَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 محببا فى النَّاس جميل اللِّقَاء كثيرا التجمل وَكَانَ يلبس الثِّيَاب الواسعة والعمامة الْكَبِيرَة على طَريقَة أَبنَاء الْعَرَب بالاكمام الواسعة والعمامة المدرجة والشد على الْكَتف واذا جلس فى مجْلِس أَو كَانَ بَين جمَاعَة أَخذ يتَكَلَّم عَن أَخْبَار النَّاس ووقائعهم الْقَدِيمَة الَّتِى وَقعت فى أَيَّام الجراكسة وأوائل أَيَّام العثمانية حَتَّى ينصت لَهُ كل من حضر وَكَانَ شُهُود الزُّور يهابونه فَلَا يقدمُونَ بِحَضْرَتِهِ على أَدَاء الشَّهَادَة وَكَانَ يعرفهُمْ وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من الرؤساء الْكِبَار قَرَأت بِخَط الطارانى أَن وِلَادَته كَانَت فى سنة سِتّ عشرَة وَقيل فى سنة سبع عشرَة وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الْجُمُعَة سادس عشر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من سيدى بِلَال الحبشى رضى الله عَنهُ وَحضر جنَازَته خلق كثير وَكتب وَصِيَّة قبل وصيتى تَحت الوسادة فاذا مت فخذوها وَاعْمَلُوا بمسنته ثمَّ لما قضى نحبه أخرجت فَوجدَ فِيهَا جَمِيع مَا يملك وأنبأت بأَشْيَاء أجازها ورثته وَخلف أَشْيَاء كَثِيرَة من كتب وأمتعة وَغَيرهَا وَذكر الغزى فى ذيله أَنه رَآهُ فى النّوم بعد سِنِين من مَوته قَالَ فَقلت لَهُ مَا فعل الله تَعَالَى بك فَضَحِك اليه وَقَالَ أما علمت أَنى مت لَيْلَة الْجُمُعَة رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد مَعْرُوف ابْن مُحَمَّد شرِيف قاضى للقضاة بِالشَّام ومصر ولى دمشق فى سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَلم يدخلهَا ثمَّ ولى قَضَاء مصر فى حادى رَجَب سنة احدى وَألف وعزل فى تَاسِع ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَحصل لَهُ مرض الفالج فَأَقَامَ بهَا وَبهَا توفى كَانَ عَالما فَاضلا متضلعا من فنون وَله بالتصوف وَكَلَام الْقَوْم خبْرَة تَامَّة وَشرح تائية سيدى الشَّيْخ عمر بن الفارض رضى الله عَنهُ وَله آثاره غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ ثانى عشر جُمَادَى الاولى سنة ثَلَاث بعد الالف وَصلى عَلَيْهِ بسبيل الْمُؤمنِينَ بالرملة وَحضر للصَّلَاة عَلَيْهِ أَحْمد باشا الْحَافِظ وَمن دونه وَدفن بجوار الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سيدى الشَّيْخ عمر بن الفارض قدس الله سره الْعَزِيز تجاه مقصورته وقبره ظَاهر رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشريف كَمَال الدّين بن عجلَان الدمشقى الميدانى الشافعى شيخ مَشَايِخ الْحَرْف الرفاعى الطَّرِيقَة وَالِد السَّيِّد مُحَمَّد النَّقِيب الآتى ذكره قَرِيبا كَانَ من السَّادة أهل الصّلاح والسكون صَحِيح النِّيَّة حسن الاخلاق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 وَرُبمَا كَانَ يَأْكُل من كسب يَمِينه ونسج الْحَرِير وَكَانَ يُقيم الذّكر فى زاويتهم الَّتِى ذكرنَا خَبَرهَا فى تَرْجَمَة السَّيِّد مُحَمَّد بن حسن فى رَجَب وَشَعْبَان ورمضان يَوْمًا فى الاسبوع وَهُوَ يَوْم الاحد وَكَانَ كَرِيمًا سخيا عَاقِلا كَامِلا قَلِيل الِاخْتِلَاط بِالنَّاسِ وَكَانَ محبا للخمول والانزواء وَقَالَ الْحسن البورينى فى تَرْجَمته وعندى انه كَانَ من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى لَان أخلاقه كَانَت أَخْلَاق الاولياء العارفين وَقَالَ النَّجْم كنت يَوْمًا جَالِسا فى الْجَامِع الاموى فَدخل من بَاب العنبرانيين وَصلى مَا تيَسّر لَهُ فأسرع فى الاركان فخطر لى فِيهِ أَنه عامى لَا يحسن الطمأنية فى الصَّلَاة فَسلم من صلَاته ثمَّ قَامَ من مَجْلِسه وَأَقْبل على وصافحنى وَقَالَ لى يَا سيدى لَا تؤاخذنى فانى عامى وَصَلَاة العامى لَا تعجب الْعلمَاء فَعلمت أَنه كشف مِنْهُ فكارمته فى الْخطاب واعتذرته وَكَانَت آثَار الصّلاح ظَاهِرَة على وَجهه وَكَانَت وَفَاته يَوْم الثلاثا سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة ارْبَعْ بعد الالف وَشَيخ الْمَشَايِخ هُوَ الذى يعْقد الشد والعهد لاهل الصَّنَائِع وَكَانَ صَاحب هَذَا المنصب قَدِيما يعرف بسُلْطَان الحرافيش ثمَّ كنى احتشاما بشيخ الْمَشَايِخ وَالله تَعَالَى أعلم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بَرَكَات الملقب ولى الدّين بن شمس الدّين بن الكيال الشافعى الدمشقى الامام الْعَالم الصَّالح الدّين وَهُوَ وَالِد شمس الدّين الْمُقدم ذكره آنِفا وجد جدتى لابى وَله وقف أهلى نصفه بيدى كَمَا ذكرته فى تَرْجَمَة ابْن عَمه بَرَكَات بن تقى الدّين وَكَانَ خطيب الصابونية وَولى نِيَابَة النّظر بالشامية البرانية فَلَمَّا ولى تدريسها أَبُو الْفِدَاء اسمعيل النابلسى عوضه عَنْهَا بتولية الظَّاهِرِيَّة فَبَقيت مَعَه الى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى الْيَوْم الذى توفى فِيهِ الشَّمْس مُحَمَّد بن المنقار الْمُقدم ذكره بل فى الْوَقْت الذى مَاتَ فِيهِ وَهُوَ وَقت الْغُرُوب من يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع وعشرى شَوَّال سنة خمس بعد الالف بعد أَن تمرض وأقعد سنوات وَمَات وَهُوَ فى عمر الثَّمَانِينَ وَدفن يَوْم الاربعاء بتربة بَيت بِبَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن دَاوُد المنعوت شمس الدّين بن صَلَاح الدّين الداودى القدسى الدمشقى الشافعى الْمُحدث الْفَقِيه علم الْعلمَاء الاعلام والمفتى الْمدرس الْهمام قَرَأَ بالقدس على الْعَلامَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبى اللطف المقدسى وَغَيره ثمَّ رَحل الى مصر وَأخذ عَن جمَاعَة من المصريين مِنْهُم النَّجْم الغبطى والناصر الطبلاوى وَالْجمال يُوسُف ابْن القاضى زَكَرِيَّاء والخطيب الشربينى وَالشَّمْس الرملى وَدخل دمشق فَأخذ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 بهَا عَن الْبَدْر الغزى ولازم دروسه وَأعَاد للعلامة اسمعيل النابلسى بالشامية وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة جَيِّدَة فى الْفِقْه ومسايرة تَامَّة فى الْمعَانى وَالْبَيَان وَسَائِر عُلُوم الْعَرَبيَّة واستحضار جيد للشواهد والامثال وَأما الحَدِيث فَكَانَ فِيهِ متقنا ماهرا وَلما دخل دمشق سكن فى حجرَة فى العزيزية وَكَانَ فَقِيرا فسعى لَهُ شَيْخه النابلسى الْمَذْكُور فى أَقسَام من الْعِمَارَة السليمانية ثمَّ ولى مشيخة الحافظية خَارج دمشق ودرس فى الحَدِيث بالجامع الاموى بعد موت الْبَدْر الغزى وَبِه اشْتهر فأقرأ صَحِيح مُسلم ثمَّ صَحِيح البخارى ثمَّ السِّيرَة وَكَانَ يقْرَأ بَين يَدَيْهِ الشَّيْخ مُحَمَّد الحادى الصيداوى ونقلت عَن خطه مَا نَصه وَقع الْخَتْم للسيرة النَّبَوِيَّة بِقِرَاءَة الشَّيْخ مُحَمَّد الحادى على الْفَقِير بِجَامِع بنى أُميَّة عَشِيَّة الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف وحضره جمع من الْعلمَاء والمشايخ والطلبة وَغَيرهم وأملينا فِيهِ حديثين وهما مِمَّا ذكره الْحَافِظ العراقى فى أَمَالِيهِ أَحدهمَا حَدِيث اعذار الله الى عبد أخر عمره الى السِّتين أَو السّبْعين وَذكر ان البخارى رَوَاهُ من غير أوالسبعين وَالْآخر حَدِيث قَالَ رجل يَا رَسُول الله أى النَّاس خير قَالَ من طَال عمره وَحسن عمله قَالَ فأى النَّاس شَرّ قَالَ من طَال عمره وساء عمله فسقناهما باسنادين منا الى النبى وَكَذَا مَا أملاه فى مَعْنَاهُمَا عقب املائهما وَهُوَ قَوْله نظما (أكملت فى ذَا الْيَوْم سبعين سنه ... مرت وَمَا كَأَنَّهَا الا سنه) (لم أدخر فِيهَا سوى توحيده ... وَحسن ظنى فِيهِ وَهُوَ حسنه) (مَا حَال من لم يتعظ بزاجر ... وفى مراعى اللَّهْو أرْخى رسنه) (قد أعذر الله الذى السِّتين هَل ... يلفى مسئ عمل أَو محسنه) (وان شَرّ النَّاس من طَالَتْ بِهِ ... حَيَاته وَفعله مَا أحْسنه) (وان خير النَّاس من طَالَتْ بِهِ ... حَيَاته وَفعله قد أحْسنه) (لكننا نأمل من خالقنا ... عَافِيَة دائمة مستحسنه) (متعنَا الله بأسماع تعى ... وأعين باصرة وألسنه) (ونرتجى عِنْد انقضا آجالنا ... ختما بِخَير ووفاة حسنه) (وانما النَّاس نيام من يمت ... مِنْهُم أَزَال الْمَوْت عَنهُ وسنه) قَالَ وَقلت أَنا من لفظى لنفسى عقب املائى لما ذكر يَوْم الْخَمِيس عشرى شهر رَمَضَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 سنة اثْنَتَيْنِ وَألف وَهُوَ (أدْركْت فى ذَا الْعَام سِتِّينَ سنه ... وَقد مَضَت مثل خيال وسنه) (ظلمت فِيهَا النَّفس ظلما بَينا ... قصرت عَن كسب الْخِصَال الحسنه) (لم آل جهدا فى اتباعى للهوى ... وَلم أحصل قربا مستحسنه) (واخجلتا فى مَوَاقِف الْعرض اذا ... يصير سر كل شخص علنه) (لَكِن ظنى فى كريم حسن ... ينيلنى من الْجَمِيل حسنه) (الا أجى يَوْم اللقا معترفا ... بالفقر وَالْعجز وذل المسكنه) (مرتجيا غفرانه عَن زلتى ... بخصلتين كل احدى حسنه) (توحيده بِالْقَلْبِ منى مخلصا ... كَذَاك نشرى للنبى سنَنه) (فالفوز أَرْجُو من الهى بِالرِّضَا ... فى جنَّة الفردوس دَار المأمنه) (وبشفاعة النبى أرتجى ... منزلَة تقرب فِيهَا وَطنه) (فصل با رب عَلَيْهِ دَائِما ... وَاجعَل الهى ختم عمرى أحْسنه) وَلما وقفت على مَا أسْندهُ الْحَافِظ أَبُو الْفضل العراقى الى الامام أَبى الْقَاسِم الرافعى مِمَّا أملاه من لَفظه لنَفسِهِ وَلم يذكر تَارِيخ املاء الرافعى لذَلِك وَلَا مَكَانَهُ وَذكر تَارِيخ املائه هُوَ لَهُ ومكانه وَهُوَ الْمجْلس الْمِائَة الْوَاقِع بِالْقَاهِرَةِ بِالْمَدْرَسَةِ القراسنقرية يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع جُمَادَى الاولى سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَهُوَ (طُوبَى لمن طيب أوقاته ... اذا نأى عَنْكُم بذكراكم) (اذا دنا عطر أردانه ... بِمَا يغِيظ الْمسك رياكم) (كل فؤاد بكم مغرم ... وكل عين تترضاكم) (اذا حييتُمْ فدعونى أمت ... فانما محياى محياكم) (رفقا بِمن صَار أَسِيرًا لكم ... أما ترقون لاسراكم) (أمالكم فى وَجهه سيمة ... روحى فدَاء لثناياكم) (أمالكم فى شَأْنه رَحْمَة ... رحمنا الله واياكم) فَقلت أَنا من لفظى لنفسى وأمليته عقد ختمى لمجلس الْوَعْظ على الكرسى بالجامع الاموى فى يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخ شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف (اذا حضرتم واجتمعنا بكم ... فقد تَمَتعنَا برؤياكم) (وان نأت عَن دَارنَا داركم ... فقد تداوينا بذكراكم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 (طُوبَى لمن أنستموه بكم ... فَهُوَ بِغَيْب يتراآكم) (وَقد سكنتم فى سويدائه ... فأينما وَجه يلقاكم) (فَالْعَبْد مِنْكُم واليكم وفى ... بَاب رضاكم يترجاكم) (وَمَاله من سَبَب موصل ... الى مناه غير رحماكم) (فَمن يُرْجَى جودكم صَادِقا ... تولوه من فيض عطاياكم) وَكَانَ يعظ يَوْم الاحد وَالْخَمِيس من كل جِهَة فى الاشهر الثَّلَاثَة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان عَن ظهر قلب وَكَانَ الوعاظ غَيره يعظون النَّاس من الكراريس فثار جمَاعَة الشهَاب الطيبى الْمُتَوفَّى فى سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة اليه وَقَالُوا كَيفَ يأتى رجل غَرِيب ويعظ غيبا وَأَنت شيخ الوعاظ والمفسرين بِدِمَشْق وتعظ النَّاس من الكراريس فَلَا زَالُوا بِهِ حَتَّى ترك الكراريس وَصَارَ يملى فى التَّفْسِير وَغَيره ففاق على الداودى لانه كَانَ وَاسع الصَّوْت فصيح الْعبارَة سريع الاملاء وَكَانَ الداودى منخفض الصَّوْت وَله فى لِسَانه رتة الا انه كَانَ صَحِيح الْعبارَة حسن الاستحضار عَلَيْهِ مهابة الْعلمَاء وَله سكينَة وَولى آخر تدريس الاتابكية بالصالحية وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ من الْفُضَلَاء الْمشَار اليهم أنبلهم الْحسن البورينى فانه أَخذ عَنهُ الحَدِيث وَذكره فى تَارِيخه وَأَطْنَبَ فى مدحه على عَادَته ثمَّ قَالَ وَكَانَ مَعَ كَمَال فَضله وَغَايَة فطنته ونبله ينظم الشّعْر البديع الذى يعْتَرف بحسنه البديع كتب الى وكتبت اليه وَأورد على وأوردت عَلَيْهِ فَمن ذَلِك أرسل الى ملغزا فى ورد فَقَالَ (يَا اماما قد حَاز كل الْمعَانى ... ورقى للعلى بِغَيْر توانى) (دمت للمجد والفضائل كنزا ... دَائِما آمنا من الْحدثَان) (مَا اسْم شئ لَهُ حُرُوف ثَلَاث ... وحروف تزيد فَوق ثَمَان) (واذا مَا حرفته كَانَ دأبا ... لذوى الدّين من أولى الْعرْفَان) (وَكَذَا مَا حذفت أول حرف ... مِنْهُ أضحى فعلا لماضى الزَّمَان) (واذا مَا عكست ذَا الامر تلقى ... جوهرا فى نحور حورحسان) (واذا مَا بدلت أول حرف ... مِنْهُ بَاء أضرّ بالانسان) (أَو بجيم فوصف ثوب معنى ... فَاقِد الْقُوت عادم الامكان) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 (أَو بفاء أبدلته فَهُوَ وصف ... للاله الْمُهَيْمِن الديَّان) (أَو بنُون فَذا حرَام علينا ... معشر النَّاس من أولى الايمان) (واذا قلبه أزلت تَجدهُ ... لَك فى قلب خلص الاخوان) (واذا مَا أبدلت بِالْقَلْبِ عينا ... صَار مِمَّن تحب أقْصَى الامانى) (أَو بغين أبدلته فَهُوَ وصف ... لرقيب مِنْهُ الكروب أعانى) (أَو بفاء فاسم لمن لحماكم ... أم يَرْجُو منا هَل الاحسان) (أَو بقاف فوصف مَا بفؤادى ... للقاكم من لاعج النيرَان) (وَهُوَ مَا يبْقى بالجسم للنَّاس دهرا ... وبروح ان جِسْمه صَار فانى) (وَيسر النُّفُوس فى مجْلِس الانس اذا ضَاعَ نشره فى الْمَكَان ... ) (وَهُوَ فى وَجه من تحب ترَاهُ ... وَاضحا دَائِما مدى الازمان) (ورد اللغز نَحْو بابك يسْعَى ... يرتجى حلّه بِحسن الْبَيَان) (فأجب سيدى فَلَا زلت أَهلا ... للمعالى فى نعْمَة وأمان) قَالَ وَهَذَا الْجَواب الذى كتبته اليه وَهُوَ (أمعان بَدَت لنا من مبانى ... أم عُقُود فاقت عُقُود الجمان) (أم سلاف راقت ورقت فَلَمَّا ... مَا زجتنى غَدَوْت كَالسَّكْرَانِ) (أم حبيب مواصل بعد هجر ... من لطفا بِقُرْبِهِ والتدانى) (أم نظام قد جَاءَنَا من امام ... وَاحِد الدَّهْر مَاله فِيهِ ثانى) (فظباء الْعُلُوم ترتع زهوا ... فى رباه مَا بَين تِلْكَ المغانى) (مَا امْرُؤ الْقَيْس فى القريض وَقس ... عِنْدَمَا قلت يَا امام الزَّمَان) (أَنْت بَحر الندى وَحبر المعالى ... أَنْت انسان عين هَذَا الزَّمَان) (أَنْت شمس لَكِن بِغَيْر كسوف ... أَنْت بدر لَكِن بِلَا نُقْصَان) (لَك يَا أوحد الزَّمَان بَيَان ... قد غَدا حاويا بديع الْمعَانى) (كل أهل الْعُلُوم ركن وَلَكِن ... أَنْت مولاى عُمْدَة الاركان) (فَضلكُمْ شَامِل الانام فانى ... وَاجِد شكركم بِكُل لِسَان) (كل شخص أَتَى يؤم حماكم ... شملته هواطل الاحسان) (جَاءَ من در بَحر فضلك لغز ... فاق لطفا قَائِد العقيان) (هُوَ روض وفاح مِنْهُ عبير ... فغدا مذكرى خدود الحسان) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 (ان هَذَا وَالله سحر حَلَال ... فاتنى حلّه بِعقد اللِّسَان) (كَانَ فى خُفْيَة فَهبت عَلَيْهِ ... نسمات الافكار والاذهان) (فأثارت مِنْهُ العبير فاضحى ... وَاضحا ظَاهرا لعين جنانى) (واذا مَا قلبته قلب بعض ... صَار دور ايا كَامِل الْعرْفَان) (واذا مَا حذفت قلبا فَيبقى ... مشبهى صدغ شادن فتان) (فِيهِ نشر حكى ثنائى عَلَيْكُم ... لعطاء كالوابل الهتان) (يَا اماما سما على كل سَام ... فعلا رفْعَة على كيوان) (خُذ جَوَابا أَتَاك يبدى قصورا ... هن حَلِيف الهموم والاحزان) (أَيْن نظم القريض من فكر شخص ... أغرقته مواطر الاشجان) (عاندته يَد الزَّمَان فاضحى ... فى مَكَان وقصده فى مَكَان) (ثمَّ قل لى مَا اسْم ثلاثى وضع ... ثُلُثَاهُ عش دَائِما فى أَمَان) (واذا مَا فتحت عينا ترَاهُ ... صَار فعلا لماضى الازمان) (آخر مِنْهُ مثل علمك طود ... أول مِنْهُ أَنْت فى الانسان) (لَيْسَ يَخْلُو مِنْهُ لطيف وإنى ... صرت مِنْهُ فى النَّاس كالحيران) (ان تصحفه تلقه ضد ضوء ... فِيهِ أبكى من زَائِد الهجران) (فاكشفنه وأوضحن لِمَعْنى ... دمت فى رفْعَة مدى الازمان) (مَا تغنت على الاراكة ورق ... فأمالت مَوَائِد الاغصان) قَالَ فأجابنى بقوله بِهَذِهِ وهى (أَيهَا الْفَاضِل الذى فى الْمعَانى ... وَبَيَان علا بديع الزَّمَان) (يَا فصيحا قد فاق فى الْفضل قسا ... وبليغا أربى على سحبان) (من يجارى جواد فكرك يكبو ... طرفه فى غَدَاة يَوْم الرِّهَان) (هَكَذَا هَكَذَا القريض والا ... فالاحق السُّكُوت للانسان) (قد حللت الْمَعْقُود أحسن حل ... وعقدت المحلول عقد الجمان) (وبذكر الخدود هيمت قلبا ... كَانَ من قبل زَائِد الهيمان) (وبواو الاصداغ وَالدَّال أضحى ... لى دور فى فى الْورْد وَالريحَان) (وحوى نظم عقد لفظك لغزا ... سَاب الرّوح من يَد الجثمان) (هُوَ شئ لَهُ على النَّاس حكم ... من تولى عَلَيْهِ أصبح عانى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 (حَاكم ظَالِم لطيف عنيف ... بَاطِن ظَاهر بِلَا كتمان) (جَائِر فى قُضَاته لَيْسَ يخْشَى ... من وَزِير علا وَلَا سُلْطَان) (وَقُلُوب الاسود بالرغم أمست ... مِنْهُ قهرا مراتع الغزلان) (كم لَهُ فى الاحياء مثلى قَتِيلا ... من كماة لَدَى الوغى شجعان) (وَهُوَ فى اللَّفْظ ذُو حُرُوف ثَلَاث ... ولدى الْبسط وَاحِد مَعَ ثَمَان) (أول مِنْهُ ان بدا لى أنادى ... مرضى من مرضة الاجفان) (وأخير مماثل طور سينا ... عَكسه فاق شامخ الْبُنيان) (ان تفصل حُرُوفه وتصحف ... تلقه فى مفصل الْقُرْآن) (وتراه مُصحفا عَاد كالصبح ... اذا من هَاجر بالندانى) (وَهُوَ فى الْقلب كامن وتراه ... ناطقا مفصحا بِغَيْر لِسَان) (ثُلُثَاهُ أودعته فى مقالى ... عِشْت دهرا ممتعا فى أَمَان) (خُذ جَوَابا بَينته لَك حَتَّى ... صَار من بعد وَاضح التِّبْيَان) (ثمَّ دم راقيا سَنَام المعالى ... حائز الْمجد فائق الاقران) (مَا جرى بَين أهل فضل سُؤال ... وَجَوَاب يفوق زهر الْجنان) وَمِمَّا أوردهُ النَّجْم الغزى مَا أنْشدهُ اياه قَوْله (لَوْلَا ثَلَاث هن من ودى ... مَا كنت أخْشَى الرمس فى لحدى) (ان أنشر السّنة أبغى بهَا ... نصرا على الْحَاسِد والضد) (وأتلو الْقُرْآن لَيْلًا اذا ... نَام الورى فى الْفرش والمهد) (وان أرى فى عمل مخلصا ... لَدَى الاله الْوَاحِد الْفَرد) (فهى ثَلَاث أرتجى فى غَد ... أرقى بهَا فى جنَّة الْخلد) قَالَ النَّجْم مولده كَمَا سمعته من لَفظه ثمَّ قرأته من خطه فى أحد الربيعين سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى يَوْم الاربعاء ثَالِث شعْبَان سنة بعد الالف وَكَانَت جنَازَته حافلة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير قَالَ وَكَانَ سَبَب مَوته مرض عقب غيظ حصل لَهُ فى مجْلِس عقده عَلَيْهِ شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا حِين كَانَ قَاضِيا بالشأم بِسَبَب حمية لابى زَوجته السَّيِّد أَبى بكر الحصرى بِسَبَب دَعْوَى سبقت مِنْهُ فى زمن الْمولى كَمَال الدّين حُسَيْن كَانَ قاضى الشأم على زين الدّين بن المريد أَنه سبه وَسَب أجداده وَكَانَت مفتراة على ابْن المريد أَن يذب عَن عرضه وَيدْفَع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 مَا سجل عَلَيْهِ من الدَّعْوَى فعرضت صُورَة الدَّعْوَى على شُيُوخ الْعَصْر فوجدوها متناقضة هى وَالشَّهَادَة وبينوا التَّنَاقُض فعارف فى ذَلِك الداودى فَجمع قاضى الْقُضَاة الْعلمَاء مِنْهُم شَيخنَا القاضى محب الدّين الحنفى وَالشَّيْخ شهَاب الدّين العيثاوى الشافعى وَكَانَا قد أفتيا بِعَدَمِ مُطَابقَة الشَّهَادَة للدعوى فعارضهما الداودى وأيد أهل الْمجْلس كَلَامهَا وأفهموا القاضى مَا أفهماه وَوَقع من القاضى فى حَقه بِسَبَب انه قَالَ معتذرا عَن قِيَامَة فى ذَلِك الْمُصَاهَرَة تقتضى المناصرة وَقَالَ لَهُ القاضى لَا تكْتب على الْفَتْوَى بعْدهَا فَحصل لَهُ غيظ وانزعاج وَمرض من يَوْمئِذٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الذى مَاتَ فِيهِ ابرهيم بن الطباخ الْمُقدم ذكره دخل ضحوة النَّهَار جمَاعَة يعودون الداودى فَبَيْنَمَا هم عِنْده اذ دخل عَلَيْهِ منلا على العجمى الاعرج وَكَانَ من أصدقائه وتلاميذه فَقَالَ لَهُ أعظم الله أجركُم فى الشَّيْخ ابراهيم بن الطباخ فتألم الداودى وتأوه وتأسف عَلَيْهِ وتكدر الْمجْلس لما كَانَ بَينهمَا من الصداقة والتلاميذ فَخرج النَّاس فَقَالَ لاخيه الشَّيْخ عبد الْقَادِر أقعدنى يَا أخى فأقعده فلقف ثَلَاث لقفات وَمَات لوقته رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد الملقب بدر الدّين الكرخى الشافعى نزيل مدرسة السُّلْطَان حسن بِمصْر ذكره الشَّيْخ مَدين القوصونى فَقَالَ فى حَقه كَانَ عَالما عَاملا فَاضلا كَامِلا فَقِيها مُفَسرًا مُحدثا مطلعا أَخذ الْعلم عَن جمَاعَة مِنْهُ شيخ الاسلام زَكَرِيَّا الانصاري قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى قَرَأت عَلَيْهِ سُورَة الْفَاتِحَة وأجازنى بِجَمِيعِ مروياته ومؤلفاته وَمِنْهُم الامام شهَاب الدّين أَحْمد الرملى وَولده الشَّمْس وَالشَّيْخ الْعَلامَة الشَّمْس مُحَمَّد بن ابراهيم التتائى المالكى قَالَ وَمن جملَة مَا قرأته عَلَيْهِ شَرحه على القصيدة الَّتِى فى مصطلح الحَدِيث الَّتِى أَولهَا قَوْله (غرامى صَحِيح والرجا فِيك معضل ... وحزنى ودمعى مُرْسل ومسلسل) قَالَ قرأتها عَلَيْهِ فى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَألف التآليف الفائقة مِنْهَا حاشيتان على تَفْسِير الجلالين كبرى فى أَربع مجلدات وصغرى مجلدين ضخمين وَله أَيْضا حَاشِيَة على شرح الْمِنْهَاج للشَّيْخ جلال الدّين الْمحلى وَكَانَت وِلَادَته فى عشرَة وَتِسْعمِائَة وَتوفى سنة سِتّ بعد الالف فى ذى الْقعدَة وَدفن بحوش الامام الشافعى رحمهمَا الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مُؤذن باجمال قَالَ الشلى فى وَصفه صَاحب الاحوال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 والمهابة ولد فى سنة خمس وَتِسْعمِائَة بعد وَفَاة وَالِده مُحَمَّد فَسمى باسمه وتربى فى حجر عَمه الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن وَحفظ الْقُرْآن وَقَرَأَ على عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور الْعلم وَأخذ الْفِقْه عَن الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن بن سراج ووالده والفقيه مُحَمَّد بامهيد وَحصل كتبا كَثِيرَة ووقفها على طلبة الْعلم وَكَانَ صَحِيح الْقلب والجسم معافى من الامراض معاشر بِالْمَعْرُوفِ قَائِما بِحُقُوق الاخوان والمحبين فى الله تَعَالَى من الاكرم وصلَة الرَّحِم لَهُ صَبر شَدِيد شكور لله تَعَالَى على نعمه الظَّاهِرَة والباطنة وَكَانَ لَهُ همة علية ومروءة تَامَّة فى جَمِيع أَحْوَاله ووقف على عمَارَة كتبه وَقفا كَبِيرا ووقف سقايتين ووقف عَلَيْهِ مَا يقوم بهما وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع بعد الالف مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله التركى الخلوتى المصرى أَخُو عبد الله الصبان الْمُقدم ذكره المناوى فى طبقاته وَقَالَ كَانَ شَيخنَا صَالحا متعبدا متزهدا ريض الاخلاق حسن الشمايل جيد الْخِبْرَة بطرِيق التصوف مشاركا لاهل الْحَقَائِق أَخذ عَن الشَّيْخ كريم الدّين الخلوتى ثمَّ عَن أَخِيه الشَّيْخ عبد الله وَكَانَ مَعَ تخلقه باخلاق الْقَوْم وتمكنه فى طريقهم لَا يَأْكُل إِلَّا من عمل يَده فَكَانَ يعْمل المناخل ويبيعها ويتقوت مِنْهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِك ملازما للْجدّ وَالِاجْتِهَاد بِحَيْثُ لَا يغْفل طرفَة عين وَكَانَ محمدى الصِّفَات ان ذكرت الدُّنْيَا ذكرهَا مَعَك وان ذكرت الْآخِرَة ذكرهَا مَعَك وَلم يكن للغضب عَلَيْهِ سَبِيل وَكَانَ قد انْتهى الى حَالَة يسمع مَعهَا نطق الْحَيَوَانَات والجمادات بالتسبيح وَكَانَ اذا اشْتغل بِالذكر شَاركهُ الموجودات قَالَ وَلَزِمتهُ فَمَا رَأَيْته غضب وَقَالَ لى انه أَقَامَ ثَلَاثَة عشر عَاما لَا يضع جنبه الى الارض بل يصلى الصُّبْح بِوضُوء الْعشَاء وَقَالَ لى انه أَقَامَ بِمَكَّة سِنِين ينفصد فى كل أُسْبُوع مرَّتَيْنِ لشدَّة حر الْقطر وحدة الِاشْتِغَال قَالَ وَهَذِه كَرَامَة لَا ينكرها الا حَاسِد أَو معاند وَوَقع لَهُ أَنه دخل بَيْتا لَيْسَ فِيهِ مِصْبَاح فأضاء بدنه وَكَانَ يتأسف على اندراس أهل الطَّرِيق واختفاء آثَارهم وَحج فى آخر عمره وَرجع مَرِيضا وَمَات فى سنة سبع بعد الالف بعد هُوَ شهر من قدومه وَقَالَ فى مَرضه قد فتشت وطفت الْحجاز فَلم أر أحدا من الظاهرين فِيهِ أَهْلِيَّة التسليك وَطَرِيقَة الخلوتية قد صَارَت شاذلية وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع الازهر وَدفن بِجَانِب أَخِيه عبد الله بحارة بهاء الدّين تجاه مدرسة ابْن حجر وَلم يخلف بعده مثله رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 مُحَمَّد بن مُحَمَّد شمس الدّين القدسى الشافعى الدمشقى الْمَعْرُوف فى بِلَاده بِابْن خصيب وبالسيد الصادى وفى دمشق بالسيد القدسى وَقد تقدم حفيده مُحَمَّد بن على وَذكرت نسبه ثمَّة فَليرْجع اليه وَكَانَ هَذَا السَّيِّد المترجم من أهل الْفضل والادب نَشأ على الْجد وَالِاجْتِهَاد حَتَّى سَاد وبرع ونبغ من بَين أَهله وحيدا لانه لم يكن فيهم صَاحب معرفَة بل كلهم من أَرْبَاب الْحَرْف ورحل الى مصر فى ابْتِدَاء أمره وَحفظ فِيهَا صفوة الزّبد وَكَانَ يَقُول كنت أسمع العلاماء بَيت الْمُقَدّس يَقُولُونَ من قَرَأَ هَذَا الْكتاب لابد أَن يلى الْقَضَاء قَالَ وَكنت لَا أَرغب فِيهِ فَكنت أَقُول انخرمت الْقَاعِدَة فَلَمَّا كنت بالروم احْتِيجَ الى قَاض شافعى لاجل فسخ نِكَاح فوليت الْقَضَاء فى تِلْكَ الْقَضِيَّة فَقلت هَذَا تَأْثِير مَا قيل فى من قَرَأَ الصفوة وَأخذ تدريس الْمدرسَة الجوزية وَأخذ فى مرّة أُخْرَى توجه فِيهَا الى الرّوم تدريس الْمدرسَة العمرية بالصالحية وَكَانَت لِلشِّهَابِ العيثاوى فَأعْطَاهُ العيثاوى دَرَاهِم واستفرغه عَنْهَا ثمَّ سَافر الى الرّوم مرّة أُخْرَى فاخذ تدريس العذارية فَقَرَأَ واقرأ وَأخذ العذراوية عَن القاضى ابْن المنقار فسافر وَأَخذهَا عَن ابْن المنقار ثَانِيًا واستمرت عَلَيْهِ الى أَن مَاتَ ودرس بالجامع الاموى وَلما هدمت دَار الْعدْل الَّتِى كَانَ قد عمرها الْملك الْعَادِل نور الدّين بِدِمَشْق وَكَانَ هدمها فى أَوَاخِر سنة ألف أَخذ السَّيِّد الْمَذْكُور حِصَّة من أرْضهَا وعمرها دَارا لَهُ وَسكن بهَا مُدَّة وَكَانَ قبل ذَلِك سَاكِنا بِالْمَدْرَسَةِ الريحانية وَكَانَ فى مُدَّة اقامته بِدِمَشْق يزاخم أكابرها ويداخلهم ويشفع فَتقبل شَفَاعَته الى أَن ولى قَضَاء الشَّام شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّاء فولاه قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق قَالَ البورينى فاقتضت حِكْمَة الله تَعَالَى أَن اخْتَلَّ تَدْبيره وانهدم تعميره وَصَارَ عقله معقولا وَعقد تصرفه محلولا وَصَارَ يسير فى الاسواق مُنْفَردا وَيدخل بيُوت الطباخين وحيدا فيأكل من طعامهم ويلتذ بكلامهم ويلقى أَصْحَابه فَلَا يعرفهُمْ وينصرف عَنْهُم ويصرفهم وَلما ظهر اختلاله وَاخْتلفت أَفعاله وتناقضت أَقْوَاله وَلم تنتظم أَعماله قَيده وَلَده فى دَاره وَمنعه من تسياره وَمَضَت لَهُ مُدَّة شنيعة وَانْقَضَت أَحْوَاله البديعة والدهر أَبُو الاهوال وَلَا يبْقى مَعَ أحد على حَال ثمَّ قَالَ وَكَانَ لى رَفِيقًا وَكنت لَهُ صديقا لَا أفتر عَن مصاحبته وَلَا أغيب عَن مُوَافَقَته فاما يكون عندى واما أكون عِنْده وَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 لَا يلتذ بالعيش بعدى وَلَا ألتذ بالعيش بعده كَمَا قيل فى مَعْنَاهُ (بروحى من نادمته فَوَجَدته ... ألذ من الشكوى وأصفى من الدمع) (يوافقنى فى الْهزْل والجدد دَائِما ... فَينْظر من عينى وَيسمع من سمعى) قَالَ وَكنت فى صحبته مرّة فى قَرْيَة منين من قرى الشَّام وهى فى الْحَقِيقَة ذَات روض نسام وزهر يفوق وزه على الثغر البسام مَاء جارى ونسيم سارى وواد لَا ترى فِيهِ الشَّمْس الا من خلال الاشجار وفوقها أطيار تسبح الْوَاحِد الْغفار فى الاصل والاسحار فَلَمَّا دنا وَقت الظهيره وَحمى حر الهجيره أَرَادَ الراحه فَانْفَرد عَنَّا للاستراحة فَمَا رَأَيْت الْمَنَام غنما بل رَأَيْته فى مثل ذَلِك الْمَكَان غرما فَكتبت اليه مرتجلا وَأرْسلت اليه عجلا (بحقك خلى لَا تضع فرْصَة المنى ... وبادر الى هَذَا الغدير المسلسل) (وان لم تَجِد زهر الرياض فاننا ... نريك زهوراً من كَلَام مرتل) فَكتب الى وَعطف بجوابه على قَوْله (على غَدِير جلسنا فى مذاكرة ... ودوحة قَامَ من سوق على سَاق) (فخلت أَغْصَان ذَاك الدوح باكية ... تُرِيدُ تكْتب مَا نملى بأوراق) وَلما وصلا الى وحصلا لَدَى كتب اليه هَذَا (جلسنا بروض فِيهِ زهران أسقيا ... بِمَاء افتكار والمياه الدوافق) (فَمن زهر يبديه روض كلامنا ... وَمن زهر يبديه روض الحدائق) قَالَ وبالقرب من قَرْيَة منين قَرْيَة يُقَال لَهَا التل قبل الْوُصُول اليها من جَانب دمشق فَلَمَّا قَفَلْنَا من جَانب منين عزم علينا أَهلهَا أَن نمكث بهَا عِنْدهم يَوْمًا فأجبنا الدعوه وانتهزنا فرْصَة الايام الحلوه فَكتب الى السَّيِّد الْمَذْكُور مداعبا فَقَالَ (أيا رَوْضَة الْآدَاب وَالْفضل والحجى ... وَمن فاق فى جمع الْكَمَال على الْكل) (ترى هَل يعود الدَّهْر يَوْمًا يؤمنا ... ونرقى كَمَا رام الْفُؤَاد على التل) فَكتبت اليه فى الْحَال على سَبِيل الارتجال فَقلت (أيا سيد السادات يَا من بنانه ... تضيف الورى بالجود فى الزَّمن الْمحل) (اذا ساعد الْحَظ السعيد فاننا ... نطل على الوادى ونرقى على التل) وَكَانَ بِدِمَشْق خطيب فى الْجَامِع الاموى وَكَانَ أعرج أَعْوَج مُتَّهمًا فى العقيدة وفى الافعال وَهُوَ شرف الدّين مَحْمُود بن يُونُس الطَّبِيب وَكَانَ مَعَ جَهله يتَعَرَّض للفتيا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 وَكَانَ النَّاس يعدون ذَلِك من الْبلوى فَكتب يَوْمًا على بعض أَحْكَام قاضى الْقُضَاة بِالشَّام مصطفى بن بُسْتَان انه بَاطِل وَمن حلى الْحَقِيقَة عاطل فَجمع عَلَيْهِ الْعلمَاء وَكتب فِيهِ رِسَالَة بِالْجَهْلِ بعض تَوَابِع القاضى الْمَذْكُور وَهُوَ الْفَاضِل أَحْمد بن اسكندر الرومى وَكتب عَلَيْهَا غَالب عُلَمَاء الْبَلدة فَمن جملَة من كتب عَلَيْهَا السَّيِّد صَاحب التَّرْجَمَة وَصُورَة مَا كتبه الْحَمد لله الذى أيد الْحق بالبرهان الْقَاطِع وَأظْهر الدّين وقمع كل فَاسق مخادع وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على رَسُوله الْمُصْطَفى الذى مَا زَالَ عَن الشَّرِيعَة يدافع حَتَّى أَزَال الظلام وبدا وَجه الْحق بِالنورِ الساطع وعَلى آله الَّذين هم طراز المحافل وعَلى صَحبه مَا ارْتَفع الْحق وخفض الْبَاطِل وَبعد فقد وقفت على هَذِه الرسَالَة الَّتِى سَارَتْ بسيرتها الركْبَان وتناقلها أكَابِر الْفُضَلَاء فى هَذَا الزَّمَان فَوَجَدتهَا غَرِيبَة الْمِثَال معربة عَن قَائِلهَا بِأَن لِسَان الْحَال أفْصح من لِسَان الْمقَال قد تَضَمَّنت مَا انطوى عَلَيْهِ هَذَا الْغمر من القبائح وَمَا انْتَشَر مِنْهُ فى هَذَا الْعُمر الْقصير من الفضائح فانه قد امتطى غارب الْجَهْل والعناد وانتضى حسام الزُّور الشرة بَين الْعباد وَأخذ أَمْوَال النَّاس وتوصل بهَا الى الْحُكَّام وَحصل ضَرَره وفساده فى الارض للخاص وَالْعَام مَشى على غير استقامة حسا وَمعنى وَأنْشد قَول الْقَائِل فى ذَلِك الْمَعْنى (من يَسْتَقِيم يحرم مناه وَمن يزغ ... يخْتَص بالاسعاف والتمكين) (أنظر الى الالف استقام ففاته ... عجم وفاز بِهِ اعوجاج النُّون) تصدر للفتياء مَعَ انه أَجْهَل من توما الْحَكِيم وأنصف حِمَاره ابْن حجيج فَرَكبهُ فى اللَّيْل البهيم قد فتح فَاه بجهله وَصدر فتياه بقوله الْحَمد لله سُبْحَانَهُ وَالشُّكْر لله تَعَالَى شانه وَلم يُمَيّز فى السجعين بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فَكَأَنَّهُ اشْتغل بِبَاب الْبَدَل مَعَ حبه فَحصل لَهُ بِرُوحِهِ هَذَا الذهول لانه رأى فى كتب النَّحْو المهذبه أَن الْفَاعِل مَا اسند اليه فعل فَظَنهُ بِهَذِهِ المرتبه وَلَو سُئِلَ لأبرز من ضَمِيره هَذَا الخاطر وَحلف بأبى عمْرَة ان هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَلَقَد شهدته حضر بِمَجْلِس قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق الشَّام مَعَ وَاسِطَة عقد الْفُضَلَاء الْكِرَام وَبدر الليالى وشمس الايام الشَّيْخ حسن ابْن مُحَمَّد البورينى فدار بَينهمَا الْكَرم حَتَّى ذكر فى أثْنَاء كَلَامه وَلَا رجل لغوى فَفتح اللَّام فى الْمَنْسُوب فَقَالَ لَهُ البدرى حسن انك لغوى مُبين وانفضح فى ذَلِك بَين الْعَالمين فيا لَيْت شعرى بِهَذِهِ الرُّتْبَة السافله والدرجة النازله يروم أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 يرقى الْمَرَاتِب العليه بل هَذَا دَلِيل على انه أَجْهَل البريه (لَا يستوى مُعرب فِينَا وَذُو لحن ... هَل تستوى البغلة العرجاء وَالْفرس) وطالما عرج على درج الْمِنْبَر وَجعل أمرده أَمَامه وَلَوْلَا التقية لجعله امامه وَمَا تلفت على أَعْوَاد الْمِنْبَر يَمِينا وَشمَالًا الا ليقتنص ظَبْيًا أَو يصيد غزالا واذا ترنم وَأظْهر الْخُشُوع واهتز لغير طرب وأجرى الدُّمُوع فلأجل مليح يرَاهُ عِنْد الْمِحْرَاب وَلم يسْتَطع أَن يشافهه بِالْخِطَابِ أَو ليخدع بعض الحضار من الاتقياء الاخيار فَأَنْشَدته ارتجالا وأنفاسى تتصعد ومهجتى بِنَار الكمد تتوقد (أفاضل جلق أَيْن الْعُلُوم ... وَأَيْنَ الدّين مَاتَ فَلَا يقوم) (يجاهركم خطيبكم بفسق ... ويفتى فِيكُم توما الْحَكِيم) أَبَا الْحبّ والخب ترجو الرّفْعَة على الانام أم بالرشوة والتزوير تنَال الرتب فى هَذِه الايام أم بالسعى فى ابطال حق وَحَقِيقَة بَاطِل ستان بَين من تحلى بالفضائل وَبَين من هُوَ مِنْهَا عاطل وَمَا كَفاك أخذك التدريس بالتدليس وخوضك فى الْفِتَن الَّتِى فقت بهَا على ابليس حَتَّى دخلت على الْعلمَاء من غير بَاب ورددت أَقْوَال الْفُضَلَاء بِغَيْر صَوَاب كَأَنَّهُ خطر فى زعمك الْفَاسِد وفكرك الْقَبِيح الكاسد أَن الله قبض الْعلمَاء وَلم يبْق مِنْهُم أحد وَاتخذ النَّاس رُؤَسَاء جهلاء فى كل بلد فتضل النَّاس كَمَا ضللت وتعديت وتنفق بضاعتك الكاسدة بِقَوْلِك أَفْتيت وَفِيه (قُولُوا الاعرج جَاهِل متكبر ... قد جَاءَ يطْلب رفْعَة وتكرما) (دع مَا تروم فان حظك عندنَا ... تَحت الحضيض وَلَو عرجت الى السما) وَمَا يدل على جهلك الْمركب وَعدم فهمك الذى هُوَ من ذَاك اعْجَبْ انك ترى دمشق الشَّام مشحونة بالعلماء والافاضل الَّذين لَيْسَ لَهُم فى الدَّهْر من مماثل وهم مشتغلون بالعلوم وتحريرها وتنقيح الْمسَائِل وتقريرها وَأَنت تغالط بِنَفْسِك وَتدْخلهَا مَعَ غير أَبنَاء جنسك وتترفع على من لَا يرتضيك تقبل رجله وَلَا يراك أَهلا لخدمة نَعله دع الْفَخر فلست من فرسَان ذَلِك الميدان وَلَا أَنْت مِمَّن أحرز قصب السَّبق فى الْيَوْم الرِّهَان وَمَالك فى ذَلِك وَمَالك شيخ فى التدريس سوى أَبى مرّة ابليس فَمَا زلت تسلك فى مسالكه وَتَقَع فى مهاوى مهالكه حَتَّى أنْشد لِسَان حالك فى قَبِيح سيرتك وخبث أفعالك هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (وَكنت فَتى من جند ابليس فارتقى ... بى الْحَال حَتَّى صَار ابليس من جندى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 (فَلَو عِشْت يَوْمًا كنت أَحْسَنت بعده ... طرائق فسق لَيْسَ يحسنها بعدى) فَلَمَّا تبين من حالك انه كالليل الحالك طردك شيخ الاسلام وأقصاك وحجب سَمعه عَن كلماتك الملفقة وَمَا أدناك فتضاعف لَهُ الدُّعَاء من سَائِر الورى وترادف لَهُ الشُّكْر من أهل الْمَدَائِن والقرى لَا زَالَ طَائِر الْفضل فى بُسْتَان فَضله مغردا ودام يَعْلُو على جَمِيع الاقران مُفردا فَهُوَ ذُو الْفِكر الصائب والفهم الناقب أعلم الْعلمَاء على الاطلاق وأوحد الاصلاء بالِاتِّفَاقِ حامى حوزتى الْعلم والشريعه حاوى الدقائق الَّتِى أَصبَحت لَهُ مطيعه مظهر الْحق فى سَائِر الامصار ممحى الْبَاطِل وقامع الاشرار من سقيت أُصُوله الزاكية من بُسْتَان الْعُلُوم وَطَابَتْ فروع ذَلِك الاصل زاهرة كَالنُّجُومِ أمد الله تَعَالَى أطناب دولته السعيده وأدام صولته الشديده بِمُحَمد وَآله وَمن سلك على منواله انْتهى وَللسَّيِّد صَاحب التَّرْجَمَة أشعار وأخباره كَثِيرَة وفى الْقدر الذى أوردنا لَهُ مقنع وَكَانَ عرض لَهُ فالج قبل مَوته بنحوسنة ثمَّ مَاتَ بالاسهال فى يَوْم السبت ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان بعد الالف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن اسمعيل بن أَحْمد بن الْفَرد فى زَمَنه الشَّيْخ محيى الدّين ينتهى نسبه الى السُّلْطَان ابراهيم بن أدهم قدس الله سره وَقد قدمنَا تَتِمَّة نسبه فى تَرْجَمَة ابْنه عبد الْحق المرزتانى الصوفى الحنبلى الْمَذْهَب الصالحى الشَّيْخ الصَّالح الْخَيْر كَانَ من أمثل صوفية الشَّام وَكَانَ أَخذ طَرِيق القادرية عَن الاستاذ أَحْمد بن سُلَيْمَان وَادّعى بعد موت شَيْخه انه خَلفه وَأَرَادَ أَن يجلس مَكَانَهُ على سجادته فَمَا مكن وَذكرنَا ذَلِك فى تَرْجَمَة الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الْمَذْكُور فَلَا نطيل باعادته وَكَانَ المترجم كثير الرحلة الى الرّوم وَله مَعَ علمائها اخْتِلَاط كثير وَكَانَ لَهُ فِيمَا يَفْعَله مَشَايِخ الصُّوفِيَّة من النشر والتعويذات شهرة تَامَّة وَكَانَ يروج بذلك مِقْدَاره عِنْد الاروام بِسَبَب اعْتِقَاد الْمُتَقَدِّمين مِنْهُم ونال بِسَبَب ذَلِك قبولا وَأخذ وظائف ومعاليم كَثِيرَة وَكَانَ فَاضلا عَارِفًا وَله فى التَّارِيخ معرفَة وَقيد كثيرا من أَحْوَال معاصريه فى مجاميعه وَذكر وفيات بعض الْعلمَاء وَقد رَأَيْت مَنْقُولًا من خطه كثيرا من الْفَوَائِد من ذَلِك مَا صورته وفى نَهَار السبت ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَألف رَأَيْت أَسمَاء السَّبْعَة رضى الله عَنْهُم من أَصْحَاب النبى الَّذين قتلوا وأجسامهم بقرية عذرا ورؤسهم بالسبعة وأقصابهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 بِمَسْجِد الاقصاب وأقدامهم بِمَسْجِد الْقدَم فَقَالَ (وَسَبْعَة بفنا عذراء قد دفنُوا ... وهم صِحَاب لَهُم فضل واكرام) (حجر قبيصَة صيفى شريكهم ... ومحرز ثمَّ كرام وَهَمَّام) (منى السَّلَام عَلَيْهِم دَائِما أبدا ... تترى يَدُوم عَلَيْهِم كلما داموا) قلت قَالَ ابْن كثير فى تَارِيخه يسْتَحبّ زِيَارَة قُبُور الشُّهَدَاء بقرية عذراء وهم حجر بن عدى الكندى حَامِل راية رَسُول الله وَابْن همام وَقبيصَة بن عدى الكندى حَامِل راية رَسُول الله وَابْن همام وَقبيصَة بن ضبيعة العبسى وصيفى بن نسيك الشيبانى وَشريك بن شَدَّاد الحضرمى ومحرز بن شهَاب السعدى وكرام بن حَيَّان العنزى كلهم فى ضريح وَاحِد بِجَامِع الْقرْيَة المزبورة وهى مَكْتُوبَة على لوح من صَخْرَة نظمهم بعض الْعلمَاء فَقَالَ فى ذَلِك (جمَاعَة بثرى عذراء قد دفنُوا ... وهم صِحَاب لَهُم فضل واكرام) ألى آخر الْبَيْتَيْنِ عودا وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فى أَربع عشرَة بعد الالف مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر بن سَالم الملقب شمس الدّين بن أَبى البقا الْمَعْرُوف بالقصير الموصلى الاصل الدمشقى الشافعى الْمَذْهَب ذكره النَّجْم وَقَالَ كَانَ يحفظ كَلَام الله تَعَالَى حفظا متينا ويحفظ من خطب الشهَاب الطيبى كثيرا أَخذ القراآت عَنهُ وَعَن وَلَده الشهَاب أَحْمد الصَّغِير وَكَانَ حَرِيصًا على مصنفات الطيبى ومناطمه وَكَانَ يلازم صَلَاة الظّهْر وَالْعصر فى جَامع الاموى وَيصلى الْجَمَاعَة ارْبَعْ مَرَّات وليم على الزِّيَادَة على مرَّتَيْنِ فَلم يدع ذَلِك وَولى ربع خطابة التوريزية بمحلة قبر عَاتِكَة مِقْدَار أَربع سِنِين وَتوفى فى جُمَادَى الاخرة سنة خمس عشرَة بعد الالف وَدفن بمقبرة مرج الدحداح على وَالِده قلت وَقد ذكر النَّجْم أَبَاهُ أَبَا البقا فى الْكَوَاكِب وَذكر ان جده لامه قاضى الْقُضَاة محيى الدّين النعيمى وانه مَاتَ فى غرَّة جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَانِبك القاضى شمس الدّين الْمَعْرُوف بالسكنجى الدمشقى الشافعى ذكره النَّجْم وَقَالَ أَخذ الْعلم عَن الْعَلَاء بن الْعِمَاد والنور النسفى القاضى وَغَيرهمَا لكنه لم يحصل شَيْئا وَكَانَ مغفلا يعْتَقد الْفَضِيلَة فى نَفسه ويدعيها وناب فى الْقَضَاء فى تَوْلِيَة الْمولى على بن الحنائ فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَتِسْعمِائَة بمحكمة قناة العونى ثمَّ بمحكمة الميدان ثمَّ بمحكمة الصالحية ثمَّ بمحكمة الْكُبْرَى ثمَّ بِالْبَابِ بعد القاضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 عمر بن الْموقع وعزل مِنْهَا مرَارًا وأعيد اليها وامتحن فى فتْنَة مَحْمُود البواب يعْنى الَّتِى ذكرنَا خَبَرهَا فى تَرْجَمَة حسن باشا بن مُحَمَّد الْوَزير وَأَخذه هُوَ والقاضى عبد الله ابْن الرملى المالكى من المحكمة الْكُبْرَى مهانين وحبسهما فى بَيت ابْن خطاب وَكَانَ أحد الشُّهُود بهَا مُحَمَّد بن عُثْمَان أَمِين الدّين الصالحى يداعب القاضى السكنجى وَيَقُول لَهُ يَا مَوْلَانَا أَنْت ضائع فى هَذِه المحكمة وَقد قصروا فى حَقك فَيَقُول لَهُ يَا قاضى أَمِين الدّين أما انا صَالح للنيابة فَيَقُول لَهُ يَا مَوْلَانَا القاضى الشافعى قامتكم مَا تصلح الا للباب فيتشكر مِنْهُ ويفرح بِمَا يَقُوله وَهُوَ يُرِيد التورية عَن نِيَابَة الْبَاب بِالْبَابِ الذى تعزر بِهِ السوقة وَلما ولى النِّيَابَة فى أول الامر أنكر النَّاس ذَلِك لقلَّة بضاعته وَعدم صلاحيته اذ ذَاك للْقَضَاء وَكَانَ يتعاقب الْقَضَاء بِالْبَابِ هُوَ وَالسَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الجعفرى الْمَعْرُوف بالصالحى ثمَّ اسْتَقر هُوَ فى النِّيَابَة حَتَّى مَاتَ فى أَوَاخِر شهر ربيع الاول سنة سِتّ عشرَة بعد الالف عَن بضع وَسبعين سنة مُحَمَّد بن مُحَمَّد الملقب شمس الدّين المهدوى المالكى الازهرى ذكره الشَّيْخ مَدين وَقَالَ فى حَقه كَانَ عَالما نحوياً لَهُ من التآليف شرحان على الاجرومية كَبِير وصغير ذكر فيهمَا اعراب كل شَاهد ذكره قَالَ وَالْكَبِير رَأَيْته بِخَطِّهِ فى تِسْعَة عشر كراسا بِخَط مضموم فى نصف الفرخ سَمَّاهُ بالتحفة الانسية على الْمُقدمَة الاجرومية وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّالِث عشر من الْمحرم سنة عشْرين وَألف وَدفن خَارج بَاب النَّصْر بِالْقربِ من حَوْض اللفت بجوار الْعَارِف بِاللَّه سيدى ابراهيم الجعبرى قدس الله سره مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن حسن شمس الدّين الشهير بِابْن سعد الدّين الشَّيْخ المربى الْجواد الجبارى الدمشقى الشافعى الصوفى كَانَ فى مبدأ امْرَهْ يتعانى التِّجَارَة ويسافر الى الْحجاز وَوَقع لَهُ اجتماعات بسادات من الاولياء حلت عَلَيْهِ أنظارهم وَجرى لَهُ مَعَهم مكاشفات حدث من لَفظه انه كَانَ هُوَ وَبَعض اخوانه بِمَكَّة وَقد فرغت نَفَقَتهم وَكَانَ مَعَهم بضائع شامية الا انها كَانَت كاسدة اذ ذَاك فأصبحنا يَوْمنَا وَنحن فى اضْطِرَاب وَتردد فى الِاسْتِدَانَة من مقصد فَدخل علينا الشَّيْخ الصَّالح المعتقد أَبُو بكر الْيُمْنَى نزيل مَكَّة وَقَالَ كَيفَ حالكم يَا أَوْلَاد أخى وَجلسَ يعْمل الْقصب وَكَانَت حرفته فَلَمَّا قَامَ قَالَ هاتوا أَرْبَعِينَ محلقا قَالَ وَلم يكن مَعنا غَيرهَا فدفعناها اليه فاخذ خواطرنا ودعا لنا فَلم يكن بأسرع من أَن جَاءَنَا الدَّلال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 وبعنا مَا كَانَ مَعنا من البضائع وَمن ثمَّ اتسعت دائرته ونبل وَتَوَلَّى مشيخة بنى سعد الدّين فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وتصدى لتلقى الصُّوفِيَّة وَالزُّوَّارِ المتبركين واستعد للنَّاس اسْتِعْدَادًا عَظِيما وشيعه فى ذَلِك اخوه ابراهيم الْمُقدم ذكره وَكَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد يسْتَمر فى زاويتهم ويستعقب اخاه الْمَذْكُور فى حلقتهم بالجامع الاموى يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ اذا تردد الى الْحُكَّام ووجوه النَّاس كَانَا مَعًا وعلت كلمتهما فى دمشق حَتَّى نَشأ لَهما ولدان هما عِيسَى بن مُحَمَّد وَكَمَال الدّين بن ابراهيم فتناظر الْولدَان وَدخل بَينهمَا المترددون بالقال والقيل حَتَّى تعاديا وسرى ذَلِك الى ابويهما فَوَقع النزاع بَينهمَا وترافعا الى الْحُكَّام مرَارًا وَآل الامر الى ان عزل الشَّيْخ مُحَمَّد أَخَاهُ من مشيخة الْحلقَة وَصَارَ يذهب هُوَ بِنَفسِهِ الى الْحلقَة وَانْقطع اخوه فى بَيته ثمَّ مَاتَ قبل اخيه فاستقل الشَّيْخ مُحَمَّد بالمشيخة وَزَاد فى الاستعداد للنَّاس وَكَانَ يعم الْحُكَّام بنواله ويدعونه الى بُيُوتهم واقبلت النَّاس عَلَيْهِ اقبالا زَائِدا وَكَانَ سمته فى الْقرى للواردين سمة الْمُلُوك وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من افراد الدَّهْر ومحاسن الْعَصْر وَلَزِمَه جمَاعَة من الْفُضَلَاء مِنْهُم الْعَلَاء بن المرحل مفتى الْمَالِكِيَّة وَالشَّمْس الميدانى والتقى الزهيرى والشهاب الجعفرى القاضى الشافعى وابو الطّيب الغزى وَالشَّيْخ عبد الرَّحِيم الاسطوانى واخوه امين الدّين وَالشَّيْخ محيى الدّين الخضيرى والقطب بن سُلْطَان فى آخَرين وَكَانُوا فى عداد جماعته وَرَأس فى آخر أمره فى الشَّام بِحَيْثُ كَانَ صَدرا فى الْمجَالِس ومرجع النَّاس وجدد زاويتهم وَعمل مَجْلِسا آخر للضيافة وَعمر قبل ذَلِك بَيته عمَارَة الْمُلُوك وَكَانَت الْهَدَايَا تترادف اليه من سَائِر الاقطار وَملك من الْمزَارِع والاراضى والبساتين والحمامات والدكاكين شَيْئا كثيرا لَا يُمكن ضَبطه وَكَانَ مَعَ ذَلِك محافظا على الاوراد والصلوات بِالْجَمَاعَة فى أول الاوقات وَيُقِيم الذّكر على طريقتهم بالجامع الاموى وبالزاوية وَكَانَ يكرم الْعلمَاء ويجلهم وَيرجع الى قَوْلهم ويوقر الكبراء وَيحسن الى الْفُقَرَاء الا انه كَانَ لَا يُعَارض فى اغراضه لسعة جاهه ونفوذ كَلمته ووفور حرمته وَكَانَ جوادا سخيا متواضعا وَكَانَ سَافر الى الْقُدس غير مرّة وَحج مرَارًا كَثِيرَة ومدح بالقصائد البديعة واثنى النَّاس عَلَيْهِ كثيرا وَكَانَت وَفَاته فى ثلث اللَّيْل الاول من لَيْلَة الثُّلَاثَاء الْعشْرين من صفر سنة عشْرين بعد الالف وحفلت جنَازَته كثيرا وَدفن خَارج بَاب الله غربى الْمَعْرُوفَة بتربة الحصنى وَقد مَاتَ عَن احدى أَو اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة وَمكث فى مشيخة بنى سعد الدّين اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن سيمان الملقب نَاصِر الدّين الاسطوانى الحنبلى اُحْدُ الْعُدُول بِدِمَشْق كَانَ من اعرف الْكتاب بمحكمة الْبَاب وَكَانَ يكْتب بَين يدى قُضَاة الْقُضَاة وَكَانَ شيخ الاسلام الشهَاب العيثاوى ويثنى عَلَيْهِ كثيرا ويعدله وَيَقُول هُوَ احسن الشُّهُود كِتَابَة وادينهم وَكَانَ صامتا قَلِيل الْكَلَام لَا يدْخل فِيمَا لَا يعنيه وَكَانَت وَفَاته فى رَجَب سنة عشْرين بعد الالف وَدفن بمقبرة بَاب الفراديس الْمَعْرُوفَة بتربة الغرباء رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الملقب شمس الدّين الحجازى الحميدى الحمصى الدمشقى وَيعرف فى حمص بِابْن سماقة وفى دمشق بالحجازى لمجاورته بِمَكَّة بضع عشرَة سنة وَكَانَ اذا انتسب ينتسب للحميدى شيخ البخارى الشَّيْخ الامام الْعَالم الْفَقِيه الْمُفْتى الْهمام أَخذ طَرِيق الْقَوْم عَن الشَّيْخ على الانبلاقى الْيُمْنَى القاطن بِالْمَدِينَةِ المنورة وَكَانَ مَوْجُودا فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ عَاد الى دمشق فصحب الشَّيْخ مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن خطيب السَّقِيفَة وَزعم انه أَخذ عَنهُ علم الزايرجا وَعلم الكيميا وعرفهما وَصَحبه لذَلِك الخواجه ابْن عتور فاتلف عَلَيْهِ مَالا كثيرا وَأخذ الطِّبّ عَن الشَّيْخ يُونُس بن جمال الدّين رَئِيس الاطباء بِدِمَشْق واختص بِصُحْبَتِهِ زَمَانا وَكَانَ يحاضر باخباره كثيرا فَمن ذَلِك مَا ذكره ابو المعالى الطالوى فى كِتَابه السانحات وفى الْقصر اخبرنى من لَفظه فى مَسْجِد القلعى دَاخل سور دمشق غرَّة ذى الْقعدَة سنة سِتّ بعد الالف قَالَ بَيْنَمَا أَنا فى مَجْلِسه واذا بقاصد من قبل القاضى مَعْرُوف الصهيونى الْمُتَوفَّى سنة احدى وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَمَعَهُ سكرجة يستهدى فِيهَا شَيْئا من التَّرْكِيب الْمُسَمّى ببرء سَاعَة وفى طراز السكرجة هَذِه الابيات (لَا زَالَ كل رَئِيس ... يُرِيك سمعا وطاعه) (وكل رب مزاج ... بكم يُرْجَى انتفاعه) (عبد اتاكم محب ... قد مد كف الضراعه) (يشكوا أَذَى ودواه ... لديكم برْء ساعه) فَقضى حَاجته وَكتب تَحت السكرجة فى اقل من دقيقة هَذِه الابيات (العَبْد عبد محب ... ابدى قبولا وطاعه) (كالسحر قَابل أمرا ... مطرزا بالبراعه) (أهْدى اليكم دَوَاء ... مهذبا بالصناعه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 (يشفى بِفعل وحى ... على الْمَكَان ابْن ساعه) وَصَحب الشَّيْخ مُوسَى الكنارى الدمشقى الصوفى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الْمَشْهُور الْمُتَوفَّى سنة سِتّ وَسبعين وَتِسْعمِائَة واخذ عَنهُ واعرض عَنهُ الكنارى آخرا وَكَانَ سَبَب اعراضه عَنهُ ان الشَّيْخ مُوسَى ذكر حَدِيثا عَن النبى فِيهِ رخصَة فَقَالَ الحجازى ان النبى عجرف فى ذَلِك فَغَضب الشَّيْخ مُوسَى وَقَالَ لَا تعد الينا بعْدهَا وَلم يعد حَتَّى سَافر الى مصر ثمَّ جَاءَ بعد مُدَّة وَمَعَهُ من الْهَدِيَّة أَشْيَاء الى الشَّيْخ فَلم يقبلهَا مِنْهُ وَقَالَ يَا رجل خرجنَا عَنْك لله فَلَا نعود وَاسْتقر آخر أمره على الافادة مَعَ التَّرَدُّد الى الْحُكَّام واستجلابهم بالالواح الموفقة والتبشير لَهُم على دَعْوَى معرفَة ذَلِك بالارصاد والاستخراج من الجفر وبالخط فى الرمل وَغَيره وَكَانُوا يجلونه لذَلِك وحظى عِنْد قاضى الْقُضَاة السَّيِّد مُحَمَّد بن مَعْلُول وبشره بَان زَوجته تحمل وتلد ولدا ذكرا وامره ان يُسَمِّيه مُحَمَّد فَوَافَقَ ان ولد لَهُ ذكر فَسَماهُ مُحَمَّدًا وبشره بانه يكون الْهدى الْمَوْعُود بِهِ فى آخر الزَّمَان وبشره بانه يلى قَضَاء الْعَسْكَر فَيكون فِيهِ سبع عشرَة سنة فَلَمَّا ولى قَضَاء الْعَسْكَر باناطولى كَانَ الحجازى مَعَه فاعطاه الْمدرسَة التقوية بِدِمَشْق عَن شيخ الاسلام الْبَدْر الغزى وَكَانَ ذَلِك تعصبا من ابْن مَعْلُول فانه عضب على الْبَدْر الغزى لما كَانَ قَاضِيا بِدِمَشْق لانه كَانَ قد مَاتَ لَهُ بنت فَمَا خرج الْبَدْر لجنازتها فاضمر ذَلِك فى نَفسه فَلَمَّا ولى قَضَاء الْعَسْكَر اراد اهانته فولى الْمدرسَة الْمَذْكُورَة الحجازى فَلَمَّا ورد الْخَبَر بذلك الى الشَّام كَادَت تميد باهلها استعظاما لهَذَا الامر حَتَّى ان بَعضهم مَا كَانَ يعْتَقد صِحَة هَذَا الْخَبَر لانه من قبيل المستحيل عَادَة فَبعد نَحْو شَهْرَيْن جَاءَ الْخَبَر بعزل ابْن مَعْلُول من قَضَاء الْعَسْكَر وصيرورة شيخ الاسلام شيخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الياس الشهير بجوى زَاده مَكَانَهُ فَرد الْمدرسَة الى الْبَدْر فى أول يَوْم من تَوليته لانه قد روى الحَدِيث بِدِمَشْق عَن الْبَدْر حِين كَانَ قَاضِيا بهَا فى سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَعَاد الحجازى الى دمشق مُتَوَلِّيًا فحلقه عَزله وَكَانَ سفر الحجازى من دمشق الى الرّوم يَوْم السبت سادس عشرى الْمحرم سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَعَاد الى دمشق فَدَخلَهَا فى سَابِع عشرى رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة مُتَوَلِّيًا للتقوية بعد ان فرغ عَن دَار الحَدِيث الاشرفية لوَلَده عبد الْحق الْمُقدم ذكره وَورد الْخَبَر بعزله واعادتها للبدر يَوْم الاربعاء تَاسِع شَوَّال مِنْهَا وَعمل فى الحجازى أشعار واهاج وَبقيت فى يَد الْبَدْر سنة واياما ثمَّ لما مَاتَ الْبَدْر ولى الحجازى التقوية وَلما مَاتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 الشهَاب الفلوجى عرض القاضى لَهُ اذ ذَاك فى الشامية البرانية وَكتب شيخ الاسلام أَبُو الْفِدَاء اسمعيل النابلسى كتاب الى بعض اصحابه بالروم من الموالى فَجَاءَت بَرَاءَة الشامية باسم النابلسى وَكَانَ سعى الحجازى فى التقوية بعد ذَلِك ودرس بالعذراوية وَدَار الحَدِيث الاشرفية وَجمع لَهُ بَينهمَا بعد ان تفرغ عَن التقوية لِابْنِهِ عبد الْحق وَكَانَ هُوَ وَولده ملازمين لمَسْجِد القلعى يدرسان فِيهِ ويتردد النَّاس اليهما وَكَانَ ينْسب للمترجم جمع الاموال وَرُبمَا حصل لَهُ بِسَبَب الشفاعات والمخافات الْهَدَايَا والاموال وَكَانَ يَصُوم الْعشْر الاخر من جُمَادَى الْآخِرَة وَرَجَب وَشَعْبَان وَلَا يَأْكُل اللَّحْم عِنْد صَوْمه وَلَا يَأْكُل عِنْد الْفطر الا الحمص وَالزَّيْت ويعد النَّاس مِنْهُ ذَلِك رياضة لاجل التَّوَصُّل الى مَا هُوَ فِيهِ من اسْتِعْمَال الاسماء وتوفيق الاوفاق وَكَانَ ينْسب اليه قلَّة الانصاف والطمع الزَّائِد قَرَأت بِخَط الْعَلامَة اسماعيل بن عبد الْغنى بن أَبى الْفِدَاء اسماعيل النابلسى قَالَ وجدت بِخَط الْعَلامَة الْعُمْدَة الفهامة المرحوم السَّيِّد مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد القدسى انه فى عَام ثَمَانِينَ انْحَلَّت مشيخة الجهاركسيه فى الصالحية فتوجهت لطلبها من قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق فاخذ فى الْوَعْد فذهبنا الى الشَّيْخ مُحَمَّد الحجازى ليدعو لى بتحصيلها فَمَا قُمْت من عِنْده الا وَقد أرسل الى القاضى يطْلبهَا لنَفسِهِ فَقلت فى ذَلِك هَذِه الابيات ودفعتها لقاضى دمشق (لقاضى جلق وافيت يَوْمًا ... ولى جِهَة ونفسى تشتهيها) (فماطلنى فرحت الى الحجازى ... ليوصلنى بدعوات اليها) (فَأَطْرَقَ رَأسه للارض يَدْعُو ... ودمعته غَدَتْ تجرى بديها) (وَصَارَ لنَفسِهِ يسْعَى بعزم ... وَكَانَ بكاؤه حرصا عَلَيْهَا) قَالَ النابلسى وَقد اتّفق لى مَعَ ولد وَلَده فى الْفَرَاغ عَن هَذِه الْوَظِيفَة نَحْو ذَلِك بِقصَّة مُطَوَّلَة وَهَذَا من عَجِيب الِاتِّفَاق وَبعد هَذَا فالانصاف فِيهِ انه كَانَ متضلعا من الْعُلُوم الْفِقْهِيَّة والعربية عَلامَة فيهمَا وَكَانَ لَهُ استحضارا حسن للابحاث والشواهد وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمِمَّا رَأَيْته مَنْسُوبا اليه قَوْله (بدا كالبدر يجلى فَوق غُصْن ... يميس بِحسن قد وابتسام) (وأرخى فَوق خديه لثاما ... فَمَا احلاه فى ذَاك اللئام) (يغار الْبَدْر مِنْهُ اذا تبدى ... وَيخْفى تَحت اذيال الْغَمَام) (كحيل الطّرف ذُو خد أسيل ... نحيل الخصر ممشوق القوام) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 (لَهُ مقل مراض قاتلات ... فواتر راميات بِالسِّهَامِ) (رمى بسهام مقلته فؤادى ... فَمَا أحلاه من رشا ورام) (فوا أسفاه كَيفَ أَمُوت وجدا ... وَلَا أقضى من الرامى مرامى) (لَهُ ثغر حوى فِيهِ رحيقا ... بِهِ يشفى العليل من السقام) (أَنا المضنى المتيم فى هَوَاهُ ... وجفنى من جفاه جَفا منامى) وَله أَيْضا هَذَا الْمَقْطُوع وَهُوَ قَوْله (يَا خل ذَا الحبشى يفتن وَاقِفًا ... من شَرطه قاضى الْهوى قد حَار فى) (يقْضى بِذَاكَ الشَّرْط فى عشاقه ... فالصب مقتول بِشَرْط الْوَاقِف) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة كَمَا أخبر بِهِ من لَفظه للبورينى وَتوفى يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشرى شعْبَان سنة عشْرين بعد الالف قَالَه البورينى وَقد اعتمدته واما قَول النَّجْم انه سنة تسع فقد ناقضه مناقضة ظَاهِرَة بقوله فى تَرْجَمَة وَلَده عبد الْحق انه توفى لخامس عشر رَمَضَان سنة عشْرين وعقبه بقوله وَبَينه وَبَين وَالِده اُحْدُ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير قَالَ البورينى وَالْعجب انه كَانَ وَاقِفًا عِنْد بَاب مَسْجِد القلعى على حَانُوت خباز كَانَ يعْتَاد الْوُقُوف عَلَيْهِ لقَضَاء بعض الْحَوَائِج فَأعْطَاهُ رجل سؤالاً ليكتب عَلَيْهِ الْجَواب فَأخذ الْقَلَم بِيَدِهِ وَكتب الْحَمد لله رب زدنى علما وَمد صُورَة ألف ليكتب لاما فانجر الْقَلَم مَعَ يَده على القرطاس وَوَقع مغشيا عَلَيْهِ فاستمر فى بَيته نَحْو اسبوع وَقضى الى رَحْمَة الله وَلم ينْطق بِحرف فِيمَا علمناه وَالله أعلم مُحَمَّد بن مُحَمَّد شمس الدّين بن الجوخى الشافعى الْفَاضِل الذكى الْمَشْهُور كَانَ جيد الْمُشَاركَة محسنها فى كثير من الْعُلُوم كالفقه والنحو والمعانى وَغَيرهَا وآباؤه من رُؤَسَاء التُّجَّار المياسير بِدِمَشْق وَلما مَاتَ وَالِده ترك لَهُ ولاخيه محيى الدّين أَمْوَالًا كَثِيرَة فَكَانَا يتعاونان فى تنميتها وَكَانَ منزويا عَن النَّاس مُقْتَصرا على نفع نَفسه وينسب اليه الشُّح لزم أَبَا الْفِدَاء اسماعيل النابلسى والشهاب العيثاوى فى الْفِقْه وَأخذ الْعَرَبيَّة والمعانى عَن النابلسى الْمَذْكُور والعماد الحنفى وَالشَّمْس بن المنقار وَأخذ التَّفْسِير عَن جدى القاضى محب الدّين وَتزَوج بنت الشَّيْخ الْعِمَاد الْمَذْكُور بعد وَفَاة بَعْلهَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن يحيى البهنسى وسافر الى مصر فَأخذ عَن شيوخها وَملك كتبا كَثِيرَة وَكَانَ رَفِيقًا للقاضى بدر الدّين حسن الموصلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 فى الِاشْتِغَال وَبَينهمَا صداقة كُلية وتناسب كثير وَكَانَ مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من تقليب الاموال لَا يتْرك الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَكَانَ ينظم الشّعْر ووقفت على أَبْيَات لَهُ فى مَجْمُوع بِخَط ابْنه أَبى اللطف كتبهَا للعمادى الْمُفْتى فى صدر كتاب لَهُ وهى هَذِه (وَمَا شوق ظمآن الْفُؤَاد رمت بِهِ ... صروف الليالى فى مُلَمَّعَة قفر) (شكا من لظى نارين ضمت عَلَيْهِمَا ... أضالعه نَار الهجير مَعَ الهجر) (يرْوى غليل الارض من فيض دمعه ... وَلَيْسَ لَهُ جهد الى غلل الصَّدْر) (الى عَارض من مزنة عطفت بِهِ ... نسيم صبا الاحباب من حَيْثُ لَا يدرى) (بأبرح من شوقى لرؤياكم الَّتِى ... أعد لعمرى أَنَّهَا لَذَّة الْعُمر) وَكَانَت وَفَاته فى أَوَائِل شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَولى أمره وَأمر أَوْلَاده الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى لغيبة أَخِيه الخوجا محيى الدّين بِمصْر ثمَّ لما رَجَعَ الى الشَّام سلم اليه مَا كَانَ بِيَدِهِ قلت وَكَانَ نبغ لَهُ ولد اسْمه أَبُو اللطف وَكَانَ نبل وَفضل وَله أدب وَشعر وَبَينه وَبَين الامير المنجكى مُرَاجعَة وَقد ذكرته هُوَ ووالده فى كتابى النفحة وأوردت لَهُ بعض أشعار ووقفت عَلَيْهَا بِخَطِّهِ من جُمْلَتهَا قَوْله (بعيشكم أهل الصبابة وَالصبَا ... أقلبا رَأَيْتُمْ مثل قلبى معذبا) (فَلم أرلى فى محنة الْحبّ منجدا ... وَلم أستطع من فيض دمعى تحجبا) (وَقد صرت من حر الْفِرَاق بِحَيْثُ لَو ... يُشَاهد حالى كل واش تحجبا) (فيا لَيْت من أهواه فى النّوم زارنى ... فشلى معنى صَار فى حبه هبا) (سَأَلت الذى قد قدر الْبعد بَيْننَا ... سيجمعنا يَوْمًا يكون لَهُ نبا) وانما لم افرد لَهُ فى كتابى هَذَا تَرْجَمَة لانه لم أَقف على تَارِيخ وَفَاته واحسب انه تجَاوز عشر الثَّلَاثِينَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الفرفور الحنفى الدمشقى تخرج أَولا بِعَمِّهِ القاضى جمال الدّين ثمَّ اشْتغل على القاضى مُحَمَّد الاندلسى بن المالكى المغربى فَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا من النَّحْو وَالصرْف وَقَرَأَ على الْحسن البورينى حِصَّة من شرح التَّلْخِيص الْمُخْتَصر للتفتازانى ثمَّ حضر دروس الْجد القاضى محب الدّين وَولى نظارة أوقافهم ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الاغلبكية بِمحل القيمريه بِدِمَشْق وهى مَشْرُوطَة لَهُم وَكَانَ لَهُ هَيْئَة حَسَنَة وظرافه وَكَانَ لَهُ خيل على عَادَة أَوْلَاد الاكابر وَكَانَ ينظم الشّعْر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 فَمن شعره مَا كتبه الى شَيْخه البورينى مستنجزا وَعدا (يَا عَالما قد رقى فى الْعلم مرتبَة ... دارت بقطب سناها دارة الْقَمَر) (وكاملا قد سما فى الْخَافِقين لَهُ ... بِالْفَضْلِ ذكر حميد سَار كالمثل) (وَمن هُوَ الجهبذا الحبر الذى شهِدت ... لَهُ الموالى هداة الْعلم وَالْعَمَل) (حوى معارف فضل لَيْسَ ينكرها ... سوى جهول لفرط الْحمق معتزل) (شيخ الْعُلُوم الَّتِى تبدى فوائدها ... فوائدا لم تقل فى الاعصر الاول) (جَوَاهِر قد حلى جيد الزَّمَان بهَا ... من بعد مَا مر حينا وَهُوَ ذُو عطل) (مولى غَدا مجرياً فضل السباق بمضمار العلى فى سِيَاق الْبَحْث والجدل ... ) (ودوحة الْفضل تزهو من جلالته ... ورونق الْعلم مِنْهُ عَاد فى كمل) (يَا صَاح ان رمت حل المشكلات فلذ ... بِهِ وَعَن فهمه السيال قُم فسل) (حبر تفرد فى جمع الْكَمَال فَلَا ... يرى مضاهيه فى مَاض ومقتبل) (هَذَا وَقد طَال وعد مِنْك يَا سندى ... وَالْقلب من أَجله قد صَار فى شغل) (والوعد دين لَدَى رب الْكَمَال يرى ... قَضَاؤُهُ لَازِما من غير مَا مهل) (فحققن رجائى فاعتقادى فى ... صدق العلى لكم عَار عَن الزلل) (وجد برد جوابى فالجوى بى قد ... أحَاط والوجد منى غير منتقل) (وخادع الدَّهْر قد أبدى جِنَايَته ... كَأَنَّهُ طَالب ثارا على دخل) (أقلب الطّرف من وجدى لعلى أَن ... أرى معينا لدفع الْحَادِث الجلل) وَذكر النَّجْم هَذَا الْمَقْطُوع وَقَالَ انه مِمَّا أنشدنيه (اذا أَرَادَ الاله أمرا ... قَضَاؤُهُ فى النُّفُوس مبرم) (فوضت أمرى وَقلت خيرا ... مَا دفع الله كَانَ أعظم) قَالَ وَمِمَّا اتّفق لَهُ انه لما ولى قَضَاء دمشق السَّيِّد مُحَمَّد الشريف وَكَانَ لَهُ حِدة وَكَانَ مِمَّن صحب الامير مُحَمَّد بن منجك فشفع الامير مُحَمَّد الى القاضى الْمَذْكُور لِابْنِ عَم مُحَمَّد المترجم عمر بن جمال الدّين ان ينظر فِيمَا بَينه وَبَين ابْن عَمه من الِاسْتِحْقَاق فى أوقافهم فاحتد القاضى على مُحَمَّد حَتَّى عَزله عَن النّظر وولاه ابْن عَمه عمر فَحصل لمُحَمد غَايَة الْقَهْر وَالْكَسْر ثمَّ اصلح بَينهمَا الامير بعد ان وصل الى مرده وبقى مُحَمَّد على انكساره الى أَن مَاتَ قَالَ البورينى أخبرنى من لَفظه ان وِلَادَته فى ثَالِث عشر ذى الْقعدَة سنة احدى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى بعد ان تمرض أَيَّامًا قَليلَة بحمى محرقة فى يَوْم الْجُمُعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 حادى عشرى شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف عَن ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة وَأَبوهُ مَاتَ أَيْضا وسنه ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَدفن بتربتهم جوَار ضريح الشَّيْخ ارسلان قدس الله سره مُحَمَّد بن مُحَمَّد سعد الدّين حسن جَان الشهير بِابْن الخوجة مفتى السلطنة وَرَئِيس علمائها وَكَانَ فى الْفضل والفطنة والحافظة فى مرتبَة خَارِجَة عَن طوق الْبشر وَلَقَد يحْكى عَنهُ انه ركب يَوْمًا الْبَحْر بِقصد السّير فى بُسْتَان لَهُ مَعْرُوف قَدِيما بِهِ وَكَانَ أَمِين الْفَتْوَى فى خدمته وَكَانَ توزيع الْفَتَاوَى قرب فَقَالَ لَهُ أخرج الاسئلة واقرأها على لاستحضر أجوبتها فاذا وصلنا الْبُسْتَان سهلت الْكِتَابَة عَلَيْهَا فأخرجها وَقرأَهَا حَتَّى أَتَى على آخرهَا وَكَانَ يضع المقروء أَمَامه فى الزورق الذى هم فِيهِ فَهبت ريح عَاصِفَة بالاوراق وألقتها فى الْبَحْر فاضطرب الامين لذَلِك غَايَة الِاضْطِرَاب فَقَالَ لَهُ لَا بَأْس عَلَيْك فَلَمَّا وصل الْبُسْتَان استدعى بقراطيس وَقسمهَا صورا وَقَالَ اكْتُبْ مَا أمْلى عَلَيْك وَأخذ يمليه الاسئلة المكتتبة وَهُوَ يكْتب حَتَّى لم يبْق شئ مِنْهَا وبلغنى من بعض الروميين انها كَانَت تنوف على مائَة سُؤال وَهَذِه المنقبة من أعظم مَا يكون وهى كَافِيَة لَهُ عَن الاطناب فى وَصفه وَله نظم بالالسنة الثَّلَاثَة وَخمْس القصيدة البرأة بِتَمَامِهَا وَله انشاء وخطب وتقاريظ كلهَا ممتعة وَلَقَد وقفت لَهُ على تقريظ كتبه على كتاب فى الطِّبّ يَقُول فِيهِ (رَوْضَة أنوار آثَار الشفا مِنْهَا تلوح ... دوحة أنوار أثمار الصَّفَا فِيهَا تفوح) (عرفهَا ذَاك يقوى الْقلب طيبا طيبا ... مِنْهُ للارواح روح فِيهِ للابدان روح) رَوْضَة نباتها أزهرت فاقتطفت مِنْهَا أدوية الشِّفَاء وحديقة دوحتها أثمرت فاجتنيت من أَغْصَانهَا أفاويه الدَّوَاء أَجَاد جَامعهَا وَأحسن وأمعن فِيمَا جمع وأتقن حَيْثُ أَتَى بمختصر حسن فى تَلْخِيص مطولات هَذَا الْفَنّ فغدا موجزا سديدا نفيسا يَلِيق بَان يكون لحذاق الطِّبّ أنيسا فِيهِ مَالا يسع الطَّبِيب جَهله وانما يعرف قدره أَهله جرى فِيهِ على سمت الطبائع كَمَا هُوَ بَين أهل الْفَنّ شَائِع فان الشَّرْع مناع الشنائع يدل الاسباب والعلامات على اتقان بأوضح العلامات يتَعَيَّن للاعيان أَن يتمموا آماله ويطيبوا بِطيب التطبيب باله وَقد ولى قَضَاء دَار الْخلَافَة ثمَّ قَضَاء الْعَسْكَر بأناطولى فى ثانى عشر رَجَب سنة أَربع بعد الالف وسافر هُوَ وَأَبوهُ مَعَ السُّلْطَان مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 ابْن مُرَاد فى سفر أكرى وَظَهَرت كفايتهما فى ذَلِك السّفر وَحكى ان صَاحب التَّرْجَمَة تدرع ايام الْمُحَاربَة وجاهد مجاهدة عَظِيمَة ونفع النَّفْع التَّام عِنْد هجوم الْكفَّار على صف السُّلْطَان فَكَانَ يجمع الْعَسْكَر الى طرف السُّلْطَان وَيُقَاتل أَشد الْقِتَال حَتَّى وهب الله النَّصْر وَالظفر وَفتحت قلعة اكرى وَلما رَجَعَ السُّلْطَان عزل عَن قَضَاء الْعَسْكَر فى خَامِس عشر جُمَادَى الاولى سنة خمس بعد الالف ثمَّ ولى قَضَاء روم ايلى فى خَامِس عشر ذى الْقعدَة سنة سبع بعد الالف وعزل فى ثامن عشر شهر رَمَضَان سنة تسع بعد الالف وَولى الافتاء فى صفر سنة عشر وَألف وعزل فى ثانى عشرى رَجَب سنة احدى عشرَة ثمَّ اعيد فى صفر سنة سبع عشرَة وبقى الى أَن مَاتَ فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى مفتى الشَّام فى تَارِيخ وَفَاته (قدمات مُحَمَّد الْعُلُوم الْمَعْلُوم ... فالروم رجت لفقد ذَاك المخدوم) (لم لَا وأتى وفْق وَفَاة المرحوم ... تَارِيخ افول شمس علم فى الرّوم) مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشريف شمس الدّين بن السَّيِّد كَمَال الدّين بن عجلَان نقيب الاشراف بِدِمَشْق وَكَانَ قبل ذَلِك كأبيه وَقد تقدم ذكر شيخ الْمَشَايِخ فَلَمَّا مَاتَ السَّيِّد مُحَمَّد بن السَّيِّد حُسَيْن بن حَمْزَة فى سنة سِتّ عشرَة وَألف بحماة قَافِلًا من حلب كَمَا تقدم فى تَرْجَمته وَكَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين اذ ذَاك بحلب فَطلب النقابة عَنهُ للسَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور من الْوَزير الاعظم مُرَاد باشا فَعرض لَهُ فِيهَا فوجهت اليه ووليها مُدَّة سلك فِيهَا مسلكا حسنا وتصدى للنَّاس بِالْكَرمِ وَحسن الْخلق مَعَ صغر سنه وَكَانَ حسن الْمُوَافقَة كثير الْحيَاء والسخاء متخلقا بالاخلاق الَّتِى تدل على صِحَة الشّرف وَالنّسب وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت ثامن عشرى رَجَب سنة خمس وَعشْرين وَألف بعد ان تمرض نَحْو خَمْسَة أَيَّام بحمى محرقة وَلم يبلغ أَرْبَعِينَ سنة وَدفن بتربة الجورة من ميدان الْحَصَى بِالْقربِ من دَارهم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَانِبك القاضى كَمَال الدّين بن القاضى شمس الدّين المالكى الْمَذْهَب وَأَبوهُ الْمُقدم ذكره كَانَ شافعيا وَيعرف بالسكنجى ولى الْقَضَاء بقناة العونى ثمَّ بالكبرى وَكَانَ فَاضلا سَاكِنا وَهُوَ على كل حَال أفضل من أَبِيه واحذق وَكَانَت وَفَاته فى أَوَاخِر شَوَّال سنة تسع وَعشْرين بعد الالف مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حبيقه الدمشقى الميدانى الطَّبِيب أَخذ الطِّبّ عَن عَمه يحيى وَغَيره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 وعالج النَّاس كثيرا فَصَارَ لَهُ آخر الامر حذق وَمَعْرِفَة تَامَّة وانتفع بِهِ النَّاس ولازمته الْحمى سنتَيْن أَو ثَلَاثَة حَتَّى قَالَ مَا رَأَيْت اعْجَبْ من هَذِه الْحمى الَّتِى تأخذنى وَمَات بِدِمَشْق فى شعْبَان سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَقد جَاوز التسعين رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد بن مُحَمَّد الملقب شمس الدّين الحموى الاصل الدمشقى الْمولى الميدانى الشافعى عَام الشَّام ومحدثها وَصدر علمائها الْحَافِظ المتقن كَانَ بديع التَّقْرِير متين لتحقيق غَايَة فى دقة النّظر وَكَمَال التدقيق حَافِظًا ضابطا ذَا ذهن ثاقب وقريحة وقادة وَسُرْعَة فهم وَنظر مُسْتَقِيم ومروءة وعقل وافر وشكل نورانى شَدِيد الانقبضاض عَن النَّاس شَدِيدا فى الدّين مهابا جدا عِنْد النَّاس ولد بِدِمَشْق وَقَرَأَ الْقُرْآن وَغَيره على الشَّيْخ قزيحة امام جَامع منجك بميدان الْحَصَى خَارج دمشق وَقَرَأَ فى الْقُرْآن على الشَّيْخ حسن الصلتى والفرائض والحساب على الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن ابراهيم التنورى ثمَّ أنكر مشيخة الْمَذْكُور فَكَانَ يَقُول غصبنى اسمى وشهرتى وسمى نَفسه مُحَمَّد الميدانى وانما مُحَمَّد الميدانى أَنا وَهُوَ مَسْكَنه بالقبة الطَّوِيلَة جوَار حارة بَاب الْمصلى ثمَّ قَرَأَ فى القراآت وَغَيرهَا على شيخ الاسلام الشهَاب أَحْمد بن أَحْمد الطيبى والشهاب أَحْمد بن الْبَدْر الغزى وَأخذ عَن الْبَدْر وَكَانَ يحضر دروسه وَعَن الشّرف يُونُس العيثاوى وَمَنْصُور بن الْمُحب وَقَرَأَ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة عَن أَبى الْفِدَاء اسماعيل النابلسى والعماد الحنفى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الحجازى والشهاب العيثاوى ثمَّ أنكر مشيخة هذَيْن بعد عوده من مصر ورحل الى مصر فى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وجاور بالازهر تسع سِنِين وَحضر دروس مَشَايِخ الاسلام بهَا كَالشَّمْسِ الرملى والنور والزيادى وَمن فى طبقتهما من عُلَمَاء وقته وانهمك على الطّلب واستغرق فِيهِ جَمِيع أوقاته حَتَّى كَانَ أهل الازهر يضْربُونَ الْمثل بفهمه وثباته وَكتب جملَة كتب بِيَدِهِ ثمَّ قدم الشَّام فى سنة احدى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فتصدر بهَا للتدريس وَالْقِرَاءَة فَاجْتمع اليه الطّلبَة طبقَة بعد طبقَة نَحْو أَرْبَعِينَ سنة وشاع أمره قَالَ النَّجْم وَكَانَ اعظم معلوماته الْفِقْه الا انه كَانَ يشبه على الطّلبَة ويورد الاشكالات عَلَيْهِم فاذا أجابوه خطأهم فاذا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِكَلَام الْمُتَأَخِّرين كشيخه الرملى والزيادى وَابْن حجر يَقُول مَا علينا من كَلَامهم ويخطئهم واذ رُوجِعَ غاظ من يُرَاجِعهُ وَكَانَ يحب التبكيت بالطلبة والنداء عَلَيْهِم بِالْجَهْلِ وَعدم الْفَهم وَكَانَ لَا يتواضع مَعَ الْعلمَاء والافاضل فَبِهَذَا السَّبَب مكث بِدِمَشْق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 سِنِين وَلم يَجْعَل لَهُ من الْجِهَات والوظائف الا قَلِيل حَتَّى ظفر بعض تلاميذه بالوظائف السّنيَّة وَهُوَ محروم مِنْهَا وَكَانَ يتكبر على الاكابر من الْعلمَاء الْمَوْجُودين اذ ذَاك كَالشَّمْسِ ابْن المنقار والقاضى محب الدّين الَّذين يحْتَاج الى ملايمتهم والتردد اليهم وَحُضُور دروسهم وَلم يحصل على مُرَاده مِنْهُم ثمَّ حصل على امامة الشَّافِعِيَّة الاولى بِجَامِع بنى أُميَّة وَشطر اخرى بَينه وَبَين القاضى بدر الدّين الموصلى تمّ انْحَلَّت قِرَاءَة الحَدِيث عَن الشَّيْخ نجم الدّين بن حَمْزَة العاتكى فوجهت اليه وَقِرَاءَة الحَدِيث والوعظ عَن الشَّيْخ ولى الدّين الكفرسوسى فوجهت اليه وَلم يباشرهما قطّ ثمَّ لما انْحَلَّت امامة الْمَقْصُورَة شركَة شَيخنَا يعْنى الشهَاب العيثاوى عَن الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن مُوسَى بن عفيف الدّين الآتى ذكره وَجههَا قاضى الْقُضَاة مُحَمَّد الشريف اليه وَلما انْحَلَّت خطابة الصابونية عَن الشَّيْخ بَرَكَات بن الكيال ذهب ليشفع لوَلَده الشَّيْخ كَمَال الدّين الْكَاتِب فِيهَا فطلبها لنَفسِهِ فاعطيها وَكَانَ لما مَاتَ الشَّمْس الداودى فقد النَّاس مَجْلِسه للْحَدِيث فَقَامَتْ الطّلبَة على الميدانى لعقد مجْلِس فى الحَدِيث بعد مَوته بِسنتَيْنِ أَو أَكثر فاقرأ فى صَحِيح البخارى بعد صَلَاة الْعَصْر وَاخْتَارَ ان يكون جُلُوسه تَحت قبَّة النسْر وَكَانَ الداودى يجلس تجاه الْمِحْرَاب الذى للشَّافِعِيَّة وَكَانَت الْعَوام تحمل عَنهُ مسَائِل فَنَشَأَ عَنهُ القَوْل بتفضيل الْمَلَائِكَة مُطلقًا وانكار ان تكون قِرَاءَة كل قَارِئ بِالنِّسْبَةِ اليه متواترة الا أَن يتلقاها عَن مَشَايِخ يبلغ عَددهمْ التَّوَاتُر وَكَانَ لَهُ من هَذَا الْقَبِيل اشياء وَلما توفى الشَّيْخ عبد الْحق الحجازى وَجه اليه قاضى الْقُضَاة بِالشَّام الْمولى نوح بن أَحْمد الانصارى تدريس دَار الحَدِيث الاشرفية فَلَمَّا كَانَ طاعون سنة تسع وَعشْرين مَاتَ لَهُ ولد بَالغ كفيف الْبَصَر لَهُ فَضِيلَة وَكَانَ اسْمه مُحَمَّدًا وَلم يكن لَهُ ولد غَيره سوى بنت فَوجدَ لفقده وَحمله حزنه على ان تفرغ عَن وظائفه واظهر انه يُرِيد الْحَج والمجاورة بِمَكَّة ثمَّ سَافر صُحْبَة الشَّيْخ سعد الدّين الى مَكَّة وجاور ثمَّ رَجَعَ من الْعَام الْمقبل سنة ثَلَاثِينَ ثمَّ ورد عَلَيْهِ فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ بَرَاءَة فى تدريس الشامية البرانية سعى لَهُ فِيهَا مُحَمَّد البحرى بِدلَالَة باكير محْضر باشى عَن مدرسها النَّجْم الغزى فبادر قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق وَسلمهَا اليه فسافر النَّجْم لاجلها الى الرّوم وَألف رحلته الَّتِى سَمَّاهَا بِالْعقدِ المنظم فى رحْلَة الرّوم وَقرر بِالْمَدْرَسَةِ بِقَيْد الْحَيَاة وتسلمها فَلَمَّا كَانَ أَوَاخِر ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ بعث باكير بَرَاءَة بتقرير الشَّمْس فى الْمدرسَة أَيْضا وترافعا لَدَى قاضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 الْقُضَاة فأبرز النَّجْم نقلا عَن عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة ان السُّلْطَان اذا أعْطى رجلا وَظِيفَة بِقَيْد الْحَيَاة ثمَّ وَجههَا لغيره لَا يَنْعَزِل عَنْهَا الا أَن ينص السُّلْطَان على الرُّجُوع عَن الاعطاء بِقَيْد الْحَيَاة فَلَمَّا رأى قاضى الْقُضَاة الْمولى عبد الله الْمَعْرُوف ببلبل زَاده النَّقْل قَالَ للنجم الْحق لَك لَكِن تطيعنا على رِعَايَة سنّ هَذَا الرجل ونقسم بَيْنكُمَا التدريس فَصَارَت الْوَظِيفَة بَينهمَا شرطين الى أَن مَاتَ الميدانى فضم الشّطْر الثانى الى النَّجْم وَكَانَ الميدانى مبتليا بالقولنج قَالَ النَّجْم وَلم يدرس بالاشرفية وَلَا بالشامية وَلم يُبَاشر وظائفة الا الامامة فى بعض الاوقات وَكَانَ يمدح الْحِرْص وَجمع الدُّنْيَا وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الْفِقْه الا انه انْفَرد بمسائل كَانَ يفيدها على خلاف الْمَذْهَب وَكَانَ يُنكر أَن يُقَال تَحِيَّة الْمَسْجِد وَيَقُول قُولُوا تَحِيَّة رب الْمَسْجِد ويحتج بِمَا تَأَول بِهِ ابْن الْعِمَاد فى قَوْلهم تَحِيَّة الْمَسْجِد وَهُوَ خلاف الْمَنْقُول الجارى على أَلْسِنَة الْعلمَاء قَدِيما وحديثا وَمن اغرب مَا وَقع لَهُ فى مجْلِس عُثْمَان باشا نَائِب الشَّام فى لَيْلَة النّصْف من رَمَضَان سنة احدى عشرَة وَألف وَكَانَ فى الْمجْلس الشهَاب العيثاوى والْعَلَاء الطرابلسى والنجم الغزى فتذاكروا فضل دمشق وجامعها حَتَّى ذكر السَّيِّد مُعَاوِيَة رضى الله عَنهُ وانه مدفون بِبَاب الصَّغِير وقبره ومعروف يزار وَكَانَ الذاكر لذَلِك الْعَلَاء فَقَالَ الشَّمْس هَذَا الْمَشْهُور بِبَاب الصَّغِير قبر مُعَاوِيَة لَا مُعَاوِيَة الْكَبِير وَمُعَاوِيَة الصَّغِير ابْن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَكَانَ صَالحا بِخِلَاف أَبِيه فَقَالَ لَهُ الْعَلَاء فَأَيْنَ قبر مُعَاوِيَة الْكَبِير قَالَ فى بَيته فى قبْلَة الْجَامِع الاموى وَقيل ان قَبره غير مَعْرُوف وأخفى قَبره وَهَذَا مِنْهُ غير تثبت وَلَا احسب انه يرى لَهُ نقل فان كَون قبر مُعَاوِيَة فى بَاب الصَّغِير شَائِع مَحْفُوظ فى الالسن وَذكره غير وَاحِد مِنْهُم الْحَافِظ السيوطى فانه قَالَ فى تَارِيخ الْخُلَفَاء فى تَرْجَمَة مُعَاوِيَة رضى الله عَنهُ انه دفن بَين بَاب الْجَابِيَة وَبَاب الصَّغِير وَكَانَ قَدِيما وَقع بَينه وَبَين بعض مشايخه فى مسئلة الكاس الْمَوْضُوع الْآن فى صحن الْجَامِع الاموى فَكَانَ الشَّمْس يَقُول بِصِحَّة الْوضُوء مِنْهُ لانه يَتَحَرَّك المَاء بحركته وَهُوَ زَائِد على الْقلَّتَيْنِ وَكلما يَتَحَرَّك المَاء بحركته يعْتَبر فِيهِ الْقَوْلَانِ وَشَيْخه بخالفه فى ذَلِك ويشنع عَلَيْهِ وَكَانَ اذ ذَاك شَابًّا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْل فِيهِ انه عَالم عصره وَرَئِيس محدثيه وفقهائه خُصُوصا بعد موت الشهَاب العيثاوى وَبلغ بِهِ سطوع الشَّأْن الى مرتبَة قل من يضاهيه فِيهَا حَتَّى ان الْحُكَّام كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ الظُّلم خوفًا مِنْهُ ويحترمونه اقوى احترام مَعَ عدم تردده اليهم وَقلة اكتراثه بهم وحطه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 عَلَيْهِم وَأكْثر النَّاس من الاخذ عَنهُ وَالْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَمن اجل من أَخذ عَنهُ واعاد دروسه سِنِين الشّرف الدمشقى وَالشَّيْخ على القبردى وَله من التحريرات حَاشِيَة على شرح التَّحْرِير فى الْفِقْه لم تشتهر وَكَانَ يكْتب الْخط الْمَنْسُوب وَجمع من الْكتب شَيْئا كثيرا وَكَانَت وَفَاته بالقولنج فى وَقت الضُّحَى يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ والف وَصلى عَلَيْهِ قبل صَلَاة الْعَصْر وَدفن بمقبر بَاب الصَّغِير عِنْد قبر وَالِده وَلما أنزل فى قَبره عمل المؤذنون ببدعته الَّتِى ابتدعها مُدَّة سنوات بِدِمَشْق من افادته اياهم ان الاذان عِنْد دفن الْمَيِّت سنة وَهُوَ قَول ضَعِيف ذهب اليه بعض الْمُتَأَخِّرين ورده ابْن حجر فى الْعباب وَغَيره فأذنوا على قَبره وَحكى الشَّيْخ مُحَمَّد ميرزا الدمشقى نزيل الْمَدِينَة انه دخل عَلَيْهِ فى مرض مَوته يعودهُ فروى لَهُ حَدِيثا بِسَنَدِهِ وَهُوَ نعمتان مغبوط فيهمَا كثير من النَّاس الصِّحَّة والفراغ وَحكى الشَّمْس مُحَمَّد بن على المكتبى فى ثبته ان وَالِده الْمَذْكُور رأى لَيْلَة وَفَاة الشَّمْس وَهُوَ نَائِم فى خلوته بالمرادية انه حضر لسَمَاع خطبَته بالصابونية فاذا بِهِ قد خرج من بَيت الخطابة وعَلى رَأسه عِمَامَة بهَا تروك عدتهَا أَرْبَعُونَ وكل ترك مِنْهَا لَهُ عَلامَة تميزه بعذبة مرخية فَوق الْجَمِيع فَخَطب خطْبَة اولى وَنزل وَلم يتم الثَّانِيَة ثمَّ خرج النَّجْم الغزى من بَيت الخطابة وَعَلِيهِ تِلْكَ الْعِمَامَة بِعَينهَا من غير تَغْيِير لَهَا فَخَطب الْخطْبَة الثَّانِيَة وَصلى بهم الْجُمُعَة وَدخل بَاب الصَّغِير الْمُقَابل للجامع الْمَذْكُور والمقتدون فى وَجل عَظِيم فَقَامَ من مَنَامه وجلا وَعلم من التَّأْوِيل أَن الميدانى قضى نحبه فَتَوَضَّأ وَصلى بعض رَكْعَات واذا بالمؤذن دخل وَهُوَ يهلل جَهرا ويحادث بعض جمَاعَة وَيَقُول ان الشَّيْخ شمس الدّين قد مَاتَ واول هَذِه الرُّؤْيَا بَان الشَّمْس رَأس الاربعين واكثر النَّاس فِيهِ من المراثى والتواريخ فَمن ذَلِك تَارِيخ الاديب ابراهيم الاكرمى الصالحى وَهُوَ قَوْله (شيخ دمشق وشمس دين الاله فِيهَا قضى وفاتا ... ) (فَقلت واحسرتاه ارخ ... أشافعى الزَّمَان مَاتَا) وَمن ذَلِك تَارِيخ الشَّيْخ أَبى الطّيب الغزى قَوْله (أَيهَا الْعَادِل دعنى وبكائى ... أَنْت خلو من مصابى وبلائى) (عد عَنى لَا تلمنى أبدا ... فى رثائى لامام الْعلمَاء) (غَابَ شمس الدّين عَنَّا فاذن ... نَحن فى ظلماء من بعد ضِيَاء) (غَابَ عَنَّا بَغْتَة فانقمعت ... لرداه نجباء النبهاء) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 (كَانَ وَالله حَنِيفا مُسلما ... مُسْتَقِيمًا من كبار الصلحاء) (يَا لَهُ من عَالم تَارِيخه ... مَاتَ بالقولنج نور النبلاء) وَقَالَ أَيْضا (أَيهَا الْعَصْر الذى ... باينته المكرمات) (ساوت الايام فِيك الليالى المظلمات ... ) (فَاتَ مِنْهُ الْمُسلمين الْهدى ثمَّ المسلمات ... ) (وابكه للمشكلات الصعاب المبهمات ... ) (واستمع تَارِيخه ... شمسك العلام مَاتَ) وَقَالَ فِيهِ أَبُو بكر الْعُمْرَى شيخ الادب (مغانى الْعلم قد درست ... وَقد أقوت معالمها) (لمَوْت الْعَالم النحرير عينى فاض ساجمها ... ) (من افتخرت بِهِ العلياء وانتظمت مكارمها ... ) (امام الْعَصْر شمس الدّين وَالدُّنْيَا مساهمها ... ) (قضى وَعَلِيهِ قد قَامَت ... من الدُّنْيَا مآتمها) (فَقل ان شِئْت أَو ارخ ... دمشق مَاتَ عالمها) مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بآلتى برمق صَاحب السِّيرَة النَّبَوِيَّة التركية أَصله من بَلْدَة أسكوب وَكَانَ يعرف بِابْن الجقرقجى أى الْخَرَّاط أَخذ طَرِيق البيرامية عَن السَّيِّد جَعْفَر المدفون باسكوب وَحصل طرفا عَظِيما من المعارف ثمَّ قدم قسطنطينية وعظ بهَا بِجَامِع السُّلْطَان مُحَمَّد وَحدث وَفسّر واشتهر صيته ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة وَألقى فِيهَا رَحل الاقامة وأحرز جرايات وجهات وَوعظ ومشيخة وَحج مِنْهَا وَرجع وَأقَام بهما وَله تآليف مِنْهَا تَرْجَمَة المطول بالتركية والسيرة التركية وهى تَرْجَمَة معارج النُّبُوَّة وترجمة نكار ستان غفارى سَمَّاهُ نزهة جهان ونادرة الزَّمَان وَكَانَ عذب الْبَيَان منطلق اللِّسَان حُلْو المحاوره لطيف المجاوره شرِيف النَّفس عَظِيم الجاه مَشْهُورا بِعظم الْقدر والشان وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُفْرد زَمَانه واوحد اقرانه وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ والف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد حجازى بن مُحَمَّد بن عبد الله الشهير بالواعظ القلقسندى بلد الشعراوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 طَريقَة لوالده الخلوتى طَريقَة لَهُ الاكراوى مولد الشافعى الامام الْمُحدث المقرى خَاتِمَة الْعلمَاء كَانَ من الاكابر الراسخين فى الْعلم واشتهر بالمعارف الالهية وَبلغ فى الْعُلُوم الحرفية الْغَايَة القصوى مَعَ كَونه كَانَ يغلب عَلَيْهِ حب الخمول وكراهية الظُّهُور نَشأ بِمصْر وَحفظ الْقُرْآن وعدة متون فى النَّحْو والقراآت وَالْفِقْه وعرضها على عُلَمَاء عصره وَأخذ عَن جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الْحَافِظ النَّجْم الغيطى وَالشَّيْخ الْجمال ابْن القاضى زَكَرِيَّا وَالشَّيْخ أَحْمد بن أَحْمد بن عبد الْحق السنباطى وَالشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الشعراوى وَالشَّمْس مُحَمَّد الرملى وَالشَّيْخ شحاذة الْيُمْنَى وَالسَّيِّد الارميونى وَالشَّمْس العلقمى وَالشَّيْخ كريم الدّين الخلوتى وَأَجَازَهُ الْمُحدث الْمسند أَحْمد بن سَنَد بثلاثيات البخارى فى حُدُود السّبْعين وَتِسْعمِائَة وَأخذ عَن عضد الدّين مُحَمَّد بن اركماس اليشبكى التركى الحنفى رَفِيق الشَّيْخ عبد الْحق الكافيجى قَالَ المترجم كَمَا رَأَيْته بِخَط ابْنه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن نَاقِلا من خطّ وَالِده أَسمَاء مشايخه حَتَّى وصل الى ابْن اركماس وَهُوَ أَعلَى من لقيناه لسبقه بِالسِّنِّ انْتهى وَذكر الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة فى اجازة شيخ الْحَنَابِلَة بِالشَّام الشَّيْخ عبد الباقى البعلى قَالَ أروى بِحَق الاجازة عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن اركماس الحنفى المعمر السَّاكِن بغيط الْعدة بِمصْر الى مَوته بِحَق اجازته عَن شيخ الاسلام حَافظ الْعَصْر أَحْمد بن حجر العسقلانى وبحق اجتماعه مَعَ الْحَافِظ الْجلَال السيوطى وَالشَّيْخ عبد الْحق السنباطى قَالَ أَحدهمَا عَن الشَّيْخ محيى الدّين الكافيجى فبفضل الله تَعَالَى هَذَا الاسناد أَنا مُنْفَرد بِهِ مشرقا ومغربا انْتهى قلت وَقد تكلم فى لُحُوق ابْن اركماس لِابْنِ حجر فاستبعد وَأَنا رَأَيْت تَرْجَمته فى طَبَقَات الْحَنَفِيَّة الَّتِى ألفها القاضى تقى الدّين الْيُمْنَى فَقَالَ فِيهَا مُحَمَّد بن اركماس اليشبكى عضد الدّين النظامى نِسْبَة للنظام الحنفى لكَونه ابْن اخته ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَمَات وَالِده وَهُوَ صَغِير فرباه خَاله الْمَذْكُور وَحفظ الْقُرْآن والشاطبية والمنار والكنز والفية ابْن مَالك وَغَيرهَا وَعرض على ابْن حجر وَغَيره واشتغل على ابْن الديرى والزين قَاسم وَغَيرهمَا وَحج غير مرّة وكنب بِخَطِّهِ الْكثير وَجمع تذكرة فى مجلدات وَكَانَ لطيف الذَّات حسن الصِّفَات غزير الادب انْتهى وَأَنت اذا عرفت مولده لم تستبعد انه أَخذ عَن ابْن حجر فان وَفَاة ابْن حجر فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة فقد ثَبت بِهَذَا الْوَجْه لُحُوقه لِابْنِ حجر مَا لُحُوق صَاحب التَّرْجَمَة فَمُسلم لَا مطْعن فِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ فقد نَالَ صَاحب التَّرْجَمَة بِهَذَا السَّنَد شَأْنًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 عَظِيما وَله مَشَايِخ كَثِيرُونَ يبلغون ثلثمِائة شيخ وَعنهُ اخذ الشَّمْس البابلى وَعَامة الشُّيُوخ الْمُتَأَخِّرين بِمصْر وَمن الدمشقيين عبد الباقى الْمَذْكُور آنِفا وكل من لقِيه مثن عَلَيْهِ وَألف كتبا كَثِيرَة نافعة مِنْهَا شرح الْجَامِع الصَّغِير للسيوطى وَهُوَ شرح جَامع مُفِيد سَمَّاهُ فتح الْمولى النصير بشرح الْجَامِع الصَّغِير وَقد وصل حجمه الى اثنى عشر مجلدا كل مُجَلد خَمْسُونَ كرسا وَله شرح على الفية الحَدِيث الَّتِى للسيوطى أَيْضا وَله سَوَاء الصِّرَاط فى بَيَان الاشراط وَهُوَ كتاب جلليل فِي أَشْرَاط السَّاعَة أوصلها فِيهِ الى ثلثمِائة وَله القَوْل الشَّفِيع فى الصَّلَاة على الحبيب الشَّفِيع وَشرح على الطّيبَة الجزرية ونظم طيبَة على روى الشاطبية وَشَرحهَا وَله ثَلَاثَة شُرُوح على الْمُقدمَة الجزرية وَشرح على الاربعين المضاهية للاربعين النووية لِلْحَافِظِ السيوطى وَشرح على الْقَوَاعِد والضوابط النووية وَقطعَة على تَلْخِيص ابْن أَبى جَمْرَة لصحيح البخارى وَقطعَة على نظم الشَّيْخ العمريطى للتحرير ورسالة سَمَّاهَا القَوْل المشروح فى النَّفس وَالروح وَله كشف اللثام عَن آيَة احل لكم لَيْلَة الصّيام وَالْقَوْل المقبول فى كَفَّارَة ذَنْب الْمَقْتُول ووثوق الْيَدَيْنِ بِمَا يُجَاب عَن حَدِيث ذى الْيَدَيْنِ والرقيم المسطور فى علم الْمَوْتَى بِمن يزور الْقُبُور ومعترك الْخَلَاص فى تَكْرِير سُورَة الاخلاص وَالْجَوَاب الشَّفِيع عَن الجناب الرفيع وَالْقَوْل العلى فى رُؤْيَة الْملك العلى والسراج الْوَهَّاج فى ايضاح رَأَيْت ربى وَعَلِيهِ التَّاج وَالْجَلالَة بِمد الالف قبل هَاء الجلاله والموارد المستعذبه بمصادر الْعِمَامَة والعذبه والبرهان فى أوقاف السُّلْطَان والاستعلام عَن رُؤْيَة النبى فى الْمَنَام وَالْجَوَاب المصون فى آيَة {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ} واتحاف السَّائِل بِمَا لفاطمة من الْفَضَائِل واطلاق الْعَنَان فى رُؤْيَة الله تَعَالَى فى العيان وتنبيه الْيَقظَان فى قَول سُبْحَانَ وَالْقَوْل المثبوت فى قصَّة هاروت وكشف النقاب فى حَيَاة الانبياء اذا تواروا فى التُّرَاب وَغير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره وَكَانَت وِلَادَته فى اللَّيْلَة السَّابِعَة عشرَة من ذى الْقعدَة سنة سبع وَخمسين وَتِسْعمِائَة بِمَنْزِلَة اكرى من منَازِل الْحَاج المصرى حَال التَّوَجُّه الى بَيت الله الْحَرَام وَتوفى بِمصْر بعد اذان الْعَصْر من يَوْم الاربعاء سادس عشر شهر ربيع الاول سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن عِنْد وَالِده بتربة فِيهَا ولى الله تَعَالَى الشَّيْخ مُحَمَّد الفارقانى دَاخل جَامع يعرف بالشيخ الْمَذْكُور بسويقة عُصْفُور بِالْقربِ من المدابغ الْقَدِيمَة والاكراوى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 نِسْبَة لاكرى بِالْقصرِ وَيُقَال اكره منزلَة بطرِيق الْحَاج المصرى مَعْرُوفَة بقلة لَهُ مَائِهَا وفيهَا يَقُول فتح الله البيلونى الحلبى (تعففت عَن وادى الْفَقِير ومائه ... وسرت بَيت الله أهْدى لَهُ شكره) (ووفرت مَا عندى احْتِرَازًا واننى ... لصونى مَاء الْوَجْه لم أر مَا أكره) مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن القاضى تقى الدّين مُحَمَّد بن عبد السَّلَام ابْن روزبه بن مَحْمُود بن ابراهيم بن أَحْمد الكازرونى المدنى الزبيرى امام الشَّافِعِيَّة بالْمقَام النبوى صلى الله على ساكنه وَسلم وكرم وَعظم ومفتى الْمَدِينَة ومدرسها بروضة الشِّفَاء كَانَ فى الْعُلُوم بحرا زاخرا وعلما ظَاهرا ساهم فى الْفَضَائِل فَأدْرك مَا أدْركهُ الاواخر والاوائل وَتخرج على يَدَيْهِ الْفُضَلَاء مَعَ عذوبة اللِّسَان وسعة الصَّدْر وَحسن الْخط وَكَانَ مبتلى بِالشَّكِّ فى الطَّهَارَة مَعَ كبر سنه وشيخوخته وَكَانَ صَدرا على الْقدر وافر الْحُرْمَة أَخذ عَن الطَّاهِر بن على بن الشَّيْخ مُحَمَّد بن عراق ولازمه وَبِه تخرج وَنزل لَهُ عَن امامته دون وَلَده وأشرك مَعَه فِيهَا مُحَمَّد مَكَارِم الْبناء ثمَّ انهما فرغا لولدى شيخهما مُحَمَّد وأخيه على بِالثُّلثِ بِطيب نفس مِنْهُمَا وَكَانَ مقَام الشَّافِعِيَّة بِطيبَة خَاصّا بهؤلاء الثَّلَاثَة الْوَظَائِف وهى الْوَظَائِف الْقَدِيمَة وَلم يكن لَاحَدَّ سواهُم فِيهِ وَظِيفَة وَأخذ عَنهُ أكَابِر لَا يُحصونَ كَثْرَة مِنْهُم عبد الله باولى وَابْن عَمه أَبُو السُّعُود الكازرونى الْمُقدم ذكره وَأحمد الصالحى وَكَانَ ذَا دنيا متسعة بِحَيْثُ أَن ورثته تقاسموا النَّقْد بالطاس كَمَا أخبر بذلك من أدْركهُ وَكَانَت وفته فى يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشر ذى الْقعدَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف بِالْمَدِينَةِ المنورة وَدفن ببقيع والغرقد بمدفن آبَائِهِ وأجداده السَّيِّد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن برهَان الحسينى الشهير بشيخى وبالعلامة الحميدى الاصل القسطنطينى المولد نقيب الاشراف بممالك الرّوم المحروسة الْعَالم الحبر المتبحر فى الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول الباهر السمت كَانَ عَالما بارعا نبيها نبيلا صَاحب أَخْلَاق حميدة وَمَكَارِم جزيلة وَمَعْرِفَة تَامَّة بِلِسَان الْعَرَب وَله أشعار وانشاآت غضة لَازم من شيخ الاسلام يحيى زَكَرِيَّا ودرس وَلما ولى الولى الْمَذْكُور قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى ثانى مرّة صيره فى خدمَة التذاكر وَقد اتّفق لِابْنِ عَمه الْمولى السَّيِّد مُحَمَّد بن برهَان الشهير بشريف الْمُقدم ذكره انه كَانَ من ملازمى وَالِد الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّا وصيره وَهُوَ قاضى الْعَسْكَر بروم ايلى فى خدمَة التذاكر ثمَّ تنقل صَاحب التَّرْجَمَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 فى الْمدَارِس الى أَن وصل الى الْمدرسَة السليمانية ثمَّ ولى مِنْهَا قَضَاء حلب ثمَّ صَار قَاضِيا بالقدم فى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف ونظم قصيدته الْمَشْهُورَة وتعرف بالثلجية ورتب لمن يقْرؤهَا كل لَيْلَة فى الصَّخْرَة الشَّرِيفَة وَقفا وهى الى الْآن تقْرَأ كل لَيْلَة ومطلعها قَوْله (مَا الثَّلج ثلج على ذَا الطّور وَالْحرم ... نور تجلى بِهِ الرَّحْمَن ذُو الْكَرم) (من عهد مُوسَى تجلى لَا نَظِير لَهُ ... لكنه شَامِل للْعَرَب والعجم) مِنْهَا (من أَيمن الطّور نَار الله قد سطعت ... هياكل النُّور فى الزَّيْتُون والاجم) (من جَانب الرّوم ضيف قد ألم بِنَا ... أنجى الْخَلَائق من جَدب وَمن ألم) (منور الْوَجْه شيخ من محاسنه الْبيض ببيض وَجه البان وَالْعلم ... ) (ثانى سُلَيْمَان من حفت أريكته ... فالريح تحملهَا بِالْخَيْلِ والحشم) (تواضعا وَجهه فى الارض محتشم ... فَمن تخطاه قل يَا زلَّة الْقدَم) ثمَّ عزل عَن قَضَاء الْقُدس فَوجه اليه قَضَاء الغلطة ثمَّ صَار نقيب الاشراف مَكَان ابْن عَمه الشريف الْمَذْكُور آنِفا وَوجه اليه رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بأناطولى وَعظم شَأْنه وروجع فى مهام الامور وشمله الْتِفَات السُّلْطَان مُرَاد وَكَانَ وافر السخاء والمروءة وَكَانَ مَجْلِسه مجمع الْفُضَلَاء من كل جَانب وَكَانَ يُورد عِنْده كل غامضة ويبث كل رائقة وَكثير من الادباء مدحوه وأثنوا عَلَيْهِ فَمنهمْ الاديب أَحْمد بن شاهين فانه كتب اليه هَذِه القصيدة لما صَار نَقِيبًا مهنئا لَهُ وهى (ثَنَاء لآل الْمُصْطَفى وسناء ... بمطلع سعد لم تنله ذكاء) (وأنى لشمس الافق مطلع سودد ... لَهُ من علا نور النبى سناء) (وكل فخار بعد نور مُحَمَّد ... نبى الْهدى فى الْعَالمين مناء) (لَك الْحَمد اللَّهُمَّ فِيمَا منحته ... وخيرتك اللَّهُمَّ حَيْثُ تشَاء) (لصفوة هَذَا الْوَقْت من آل هَاشم ... وَمن قصرت عَن شأوه النظراء) (لمولاى شيخ الدَّهْر علما وَمن لَهُ ... مَنَاقِب لم يظفر بهَا النُّقَبَاء) (لعلامة الدُّنْيَا وحسبك شهرة ... لَهُ لقب دَانَتْ لَهُ الْعلمَاء) (سما لمقام قد رقى بسموه ... لذاك لكل من علاهُ بهاء) (وَمَا كَانَ الا الْبَدْر نورا ورفعة ... وحظ الورى مِنْهُ سنا وسناء) (فَأصْبح شمسا لَا يُوَقت نورها ... سَوَاء صباح عِنْدهَا وَمَسَاء) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 (وَمَا زَاده فخرا حُلُول برتبة ... بروج ذكاء فى السمو سَوَاء) (وانك يَا مولاى أشرف ذَا الورى ... لذاك نَقِيبًا عدك الشرفاء) (فيا ابْن رَسُول الله وَابْن وَصِيّه ... وَمن كل قلب فِيهِ مِنْك رَجَاء) (كفيت من الدُّنْيَا وَأَنت ذخيرتى ... لاخراى يَا من دونه الكرماء) (وَلَيْسَ قريضى بَالغا فِيك مِدْحَة ... ولاهى مِمَّا يبلغ البلغاء) (وان اله الْعَرْش أوصى بفضلكم ... بنى الْمُصْطَفى فليقصر الشُّعَرَاء) وَكتب اليه فى جَوَاب كتاب ورد اليه من جنابه هَذِه (جاءنى من جناب شيخى كتاب ... مستطاب مهذب مألوف) (من جناب الشريف صدر الموالى ... هُوَ ذَاك الْعَلامَة الْمَعْرُوف) (دُرَر كُله وسحر وخمر ... فلآليه كُلهنَّ شفوف) (فبألفاظه اهتديت فمهما ... قيل أَحْسَنت قلت انى رَدِيف) (قَائِلا فِيهِ قل أجيبك مهما ... رمته عِنْد همتى للطيف) (فترويت ثمَّ جِئْت بِبَيْت ... قَالَه شَاعِر خَبِير عريف) (مالنا فى الندى عَلَيْك اخْتِيَار ... كل مَا يمنح الشريف شرِيف) وَحكى والدى قَالَ أخبرنى الْمولى الْعَلامَة الشهَاب الخفاجى وَأَنا بِمصْر فى سنة سِتِّينَ وَألف أَنه كَانَ فى يَوْم من الايام فى مَجْلِسه الرفيع الْمقَام مَعَ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وزمرة من الاماجد النبلاء فاحتجب الشهَاب عَن الْمجْلس لاجل الدُّخان وَكَانَ الْمَنْع عَنهُ قد حصل من حَضْرَة السُّلْطَان وَلما عَاد الى الْمجْلس أنْشد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وهما نظم وقتهما من غير مين (اذا شرب الدُّخان فَلَا تلمنا ... وجد بِالْعَفو يَا روض الامانى) (تُرِيدُ مهذبا من غير ذَنْب ... وَهل عود يفوح بِلَا دُخان) قَالَ فَأجَاب صَاحب التَّرْجَمَة فى الْحَال على سَبِيل الارتجال (اذ شرب الدُّخان فَلَا تلمنى ... على لومى لابناء الزَّمَان) (أُرِيد مهذبا من غير ذَنْب ... كريح الْمسك فاح بِلَا دُخان) وَمن آثَار قلمه البديعة مَا كتبه الى الامام الْهمام يُوسُف بن أَبى الْفَتْح امام السُّلْطَان وَهُوَ بِدِمَشْق (يَا من علا بجماله ... وكماله أَعلَى الْعلَا) (منى اليك تَحِيَّة ... حرز البقا لذوى العلى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 ينْهَى على رسم أولى النهى الى الْمحل الذى خصّه الْحسن والبها انه كُنَّا مجهزين اليه قبل تَارِيخه كتابا مَكْتُوبًا بمداد الصدْق والخلة وخطابا فِيهِ شِفَاء من الْعلَّة وَالْغلَّة ثمَّ قعدنا ناظرين بِمَ يرجع الْمُرْسل فَلم يظْهر مِمَّن رَحل وقفل وطلع وأفل نوع أثر من عين ونغمة خبر من ربَاب ذى رعين فَلَعَلَّ المجهز ضَاعَ فى الْبَين وَمَا ضَاعَ نشره بَين اثْنَيْنِ والا فالحبيب لَا محَالة وثيق الوفا سحيق عَن شفا جرف الجفا فَلَو وصل لوصل وَمَا قطع عروق مَا حصل ودمت يُوسُف الْحَقَائِق موفيا كيل الدقائق بَين مُتَّهم ومنجد ومشئم ومعرق وَكتب على رقْعَة دفعت اليه من بعض الْفُضَلَاء على يَد وَاسِطَة بعض خَواص الافاضل متضمنة لعتب حصل من الْمولى الْمَذْكُور يحْضرُون الى الْبَيْت ويحكون الْحِكَايَة كَيْت وَكَيْت قَضِيَّة الهجر فِرْيَة الواهمه والقطيعة من الْجِيرَان لَا من اهل كاظمه عِنْد الملاقاة تظهر الامور ولذى المصافاة يحصل شِفَاء الصُّدُور وَالسَّلَام وَكتب على اجازة لبَعض الحلبيين لما تشرفت بمطالعة هَذَا الطامور الْفَائِق على هياكل النُّور وقلائد الْحور بيمن مَا احتواه من ذكر الصَّالِحين الذى تنزل الرَّحْمَة عِنْده وَتحصل الاجور اللَّائِق كتبه بالمسك على الكافور بل سَواد أحداق الْحور على صَحَائِف قدود ربات الحجول والقصور ذكرتهم بِالدُّعَاءِ الصَّالح وَالثنَاء الْعطر الفاتح وأثنيت على صَاحبه الفائض الفالح بالمدح العبق اللائح مستمدا من روحانيتهم الْعَالِيَة متيمنا بِحسن الانتظام فى زمرتهم الساميه ومستمطرا سحب همتهم الهامية الناميه فَقلت فِيهِ مقرظا (حققت أَن جمال الدّين من زمر ... حلوا مَحل سَواد الْقلب وَالنَّظَر) (من أهل خرقَة تجويد بهَا ادرعوا ... والتاج بيضهم تحمى عَن الضَّرَر) (من مشرب عبقرى بيضهم جدد ... المرتوى صدرهم من رَملَة الصَّدْر) (المنتمين الى الباز المحلق فى ... جو الْعلَا الاشهب العالى عَن النّظر) (طُوبَى لَهُ اذ جلا مرْآة خاطره ... بِخرقَة مِنْهُم تجلو عَن الكدر) (جمال ذى الْعَصْر فى محياه دَامَ وَاد ... حلت شعوب جمال الْكتب وَالسير) (بَين الالى فَرَأَوْا عزا لنظير لَهُ ... عز الفريدة فى عقد من الدُّرَر) (فان لَهُ ينبح الحساد من حسد ... فَلَا يضر عواء الْكَلْب للقمر) تمّ عزل عَن النقابة وَأعْطى قَضَاء مَكَّة المشرفة فسافر بحرا على طبق مَا أَمر بِهِ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 قبل السُّلْطَان فَلَمَّا وصل الى ثغر جدة أدْركهُ بريد الْحمام وَذَلِكَ فى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن على الشهير بالحزرمى الْبَصِير الدمشقى المولد والوفاة الحنفى الْفَقِيه الْعَالم الْجَلِيل الْقدر أحد شُيُوخ الْحَنَفِيَّة المتصدين للافادة أَخذ الْفِقْه عَن اجلاء كبار مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بن العلمى نزيل دمشق وَقَرَأَ انواع الْعُلُوم على المنلا مُحَمَّد بن عبد الْملك البغدادى الدمشقى وَحصل وبرع وَلَزِمَه جمَاعَة من الْفُضَلَاء أخذُوا عَنهُ وانتفعوا بِهِ وَكَانَ أول أمره فَقِيرا فسكن فى حجرَة بمدرسة العزيزية وَاتفقَ انه دخل حجرته بعض السراق وَأخذُوا اسبابه وَبَعض دَرَاهِم كَانَ جمعهَا من كد وَجهد فَحصل لَهُ كَمَال الالم وفى اثناء ذَلِك عرض لَهُ الْعَمى وَكَانَ عروضه لَهُ فى حُدُود سنة عشْرين وَألف فعالج بَصَره مُدَّة فَمَا أَفَادَهُ العلاج فسافر الى بَغْدَاد راجيا ان يبرأ على يَد أحد فَمَا تيَسّر لَهُ فَعَاد الى دمشق ثمَّ وجهت اليه الْمدرسَة اليونسية فدرس بهَا وَكَانَ لَهُ بقْعَة بالجامع الاموى وَكَانَ قبل ان يكف ولى الخطابة بِجَامِع السُّلْطَان سُلَيْمَان مُدَّة وَكَانَت وَفَاته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير والحذرمى نِسْبَة الى حزر مَا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة بعد هازاى سَاكِنة ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة فيمَ فألف قَرْيَة بغوطة دمشق مُحَمَّد بن مُحَمَّد الملقب نجم الدّين الحلفاوى الانصارى الحلبى الدَّار الحنفى الْمَذْهَب خطيب جَامع حلب وصدرها الْمُسْتَوْفى اقسام النباهة والبراعة وَكَانَ فى عصره أوحد الْفُضَلَاء وابلغ البلغاء وَله الصيت الذائع بالسخاء والمروءة ووفور المهابة والفتوة ذكره الخفاجة فى الخبايا فَقَالَ فى وَصفه نجم طلع من وَافق المكارم زَائِد الِارْتفَاع وَنزل منَازِل سعد رقى فِيهَا عَن قَوس الشّرف باطول ذِرَاع يقطع أوقاته فى طلب الْفَضَائِل والكمال وَلَا ينزه طرفه فى غير سَمَاء خلال أَو رياض جمال فَلَو كَانَ الْعلم بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ أَو بالعيوق لطاله ثمَّ أورد لَهُ ابياتا كتبهَا الى النَّجْم فِيهَا سُؤال نحوى والابيات هى هَذِه (أنجما أَضَاءَت سَمَاء الرتب ... بِهِ وتسامت فخارا حلب) (أخالى واسمى أخلا لاسمه ... وَكم من اخاء يفوق النّسَب) (أبن كلمة قيل مَبْنِيَّة ... بِغَيْر اخْتِلَاف لَهُم أَو شغب) (وان نعتت كَانَ اعرابها ... باعراب ناعتها مَا السَّبَب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 (فتبوعها لم يزل تَابعا ... على عكس مَا فى لِسَان الْعَرَب) (فدم نجم سعد بِرَأْس الْعلَا ... وطالع اعدائه فى الذَّنب) فَأَجَابَهُ النَّجْم أَيْضا بقوله (أمولاى منشى لِسَان الْعَرَب ... وقاضى دواوين أهل الادب) (وَمن فَضله شاع فى الكائنات ... ونال بِهِ ساميات الرتب) (سبقت الالى فى نظام القريض ... وفى كل علم بلغت الارب) (وجادت اكفك بالنائلات ... وفاضت بهَا غاديات النشب) (لعمرى لقد فقت كل الانام ... بذوق حلا وبفهم ثقب) (كَانَ الْمسَائِل قطر الندا ... وفكرك كالسحب مِنْهَا انسكب) (وَقد كنت أسمع أوصافكم ... فَلَمَّا تبدت رَأَيْت الْعجب) (وَقد كنت فى تَعب للعلوم ... فَلَمَّا رَأَيْتُك زَالَ التَّعَب) (وَقد شرفت بك كل الْبِلَاد ... وشاق بِفَضْلِك نَادَى حلب) (بعثت لعبدك در النظام ... وصغت لَهُ أنجما من ذهب) (سكرت بِخَمْر معَان صفت ... بِهِ نقط الْخط مثل الحبب) (تضمن لغزا يُنَادى بيا ... شهَاب بن شمس حويت الطّلب) (فَلَا زلت تنظم نثر اللآل ... وتنثر من دره الْمُنْتَخب) (وَلَا زلت أنْشد فِيهِ المديح ... وأطوى الزَّمَان بِهِ والحقب) (وَأثْنى عَلَيْهِ بآلائه ... وَأقرب مِنْهُ نأى أَو قرب) (وأذهب من نور آدابه ... ظلام الدياجى وظلم النوب) (مدى الدَّهْر مَا انقض نجم وَمَا ... شهَاب سما فى سَمَاء الرتب) وترجمه تِلْمِيذه البديعى فَقَالَ فى وَصفه امام الْفُضَلَاء الذى بِهِ يقتدون وبأنواره من حنادس الشّبَه يَهْتَدُونَ عَالم جدد رسوم البلاغة بعد ان نسجت عَلَيْهَا العناكب واحيا ربوعها بعد أَن قَامَت عَلَيْهَا النوادب وافتتح بصوارم افكاره مقفلات صياصيها واستخرج خرائدها الممنعة بمعاقلها واسترق نَوَاصِيهَا حسن سيرته وطهر سَرِيرَته وقدزها بخطابته الْجَامِع الاكبر (لَو أَن مشتاقا تكلّف فَوق مَا ... فى وَسعه لسعى اليه الْمِنْبَر) وَقد نسجت افكار شعراء الْعَصْر وشائع مفاخره وخلدت فى دواوينها ظرائف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 مآثره وَلم تزل حَضرته الشَّرِيفَة كعبة الْجُود وسدته المنيفة قبْلَة الْوُفُود مَعَ سماحة شيم وفصاحة كلم ورجاحة كرم وَقد أصَاب شاكلة الصَّوَاب وأتى بفصل الْخطاب من قَالَ فى مدحه (لقد بت فى الشَّهْبَاء مَا بَين معشر ... تهاب الليالى ان تروع لَهُم جارا) (مقاديرهم بَين الانام شريفة ... وَلَكِن نجم الدّين أشرف مِقْدَارًا) (ترى الْبشر يَبْدُو من أسارير وَجهه ... فَلَو جِئْته لَيْلًا لاهداك انوارا) ثمَّ أنْشد لَهُ من شعره قَوْله من قصيدة (أَتَرَى الزَّمَان يُعِيد لى ايناسى ... ويرق لى ذَاك الحبيب القاسى) (كم قد نشرت بِهِ باسط لذائذى ... وهصرت من عطفيه غُصْن الآس) (أَيَّام لَا غُصْن الشَّبَاب بملتو ... عَنى وَلَا حبى لعهدى ناسى) (قطر الحيا فى وجنتيه مكلل ... مثل الْحباب على صفاء الكاس) (ساقيته طعم المدام فَلم يشب ... صفو الْحَيَاة بكدرة الادناس) (لم أنسه متسر بِلَا ثوب الحياه ... متبخترا فى قده المياس) وَقَوله فى قصيدة (نثر الدّرّ من كلامك نظما ... لم نَكُنْ بعد ورده الدَّهْر نظما) قلت وَهُوَ مِمَّن أَخذ عَن شيخ الاسلام عمر العرضى وَغَيره وتصدر للاقراء فَانْتَفع بِهِ الجم الْغَفِير من أهل دائرته من أَجلهم الْعَلامَة مُحَمَّد بن حسن الكواكبى مفتى حلب والفاضل الاديب مصطفى الثانى وَشَيخنَا الْعَلامَة الاجل أَحْمد بن مُحَمَّد المهمندارى مفتى الشَّام وَغَيرهم وَاجْتمعَ بِهِ والدى فى عودته من الرّوم فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَذكره فى رحلته الَّتِى الفها وقرظ لَهُ عَلَيْهَا النَّجْم المترجم فَقَالَ بعد الحمدلة والتصلية وَبعد فَلَمَّا تشرفت الشَّهْبَاء بقدوم مَوْلَانَا فَخر الافاضل وعمدة الادباء الْوَارِث سلافة الْمجد عَن أَبِيه وجده الْحَائِز قصبات الرِّهَان فى ميدان البلاغة بعزمه وجده من فاق ببلاغته نثر النظام وسما فى متانة نظمه على البحترى وابى تَمام وَملك ديوَان الانشاء وَلَا بدع فَذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَكَانَ قدومه عَلَيْهَا ووروده اليها من دَار السلطنة العليه قسطنطينية المحميه راتعا طيب الْعَيْش بِحُصُول المآرب ناهلا من وُرُوده على الذ المشارب فأوقفنى على هَذِه الرحلة الَّتِى تشد اليها الرّحال وتقف عِنْدهَا مطايا الآمال فوقفت على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 حديقة أريجة النَّبَات وصحيفة بهيجة الصِّفَات واجلت طرفى فى الفاظ ارق من السلافه والذ من الامن بعد الاخافة وَمَعَان أحلى من لعاب النَّحْل واعذب من الخصب بعد الْمحل جمعت فَضَائِل الْآدَاب وملكت معاقل الالباب تعرب عَن بلاغة منشيها وتبلغ الانفس من امانيها فَلَا زَالَت الاعين من لقائها مبتهجة والالسن بِحسن ثنائها ملتهجة وامده الله تَعَالَى بِسَعْد لَا انْقِطَاع لحبله وأيده بمجد لَا انصداع لشمله لابرح يرتع فى رياض الْفَضَائِل ويطبق من اصول دلائله الْمسَائِل على الدَّلَائِل انْتهى وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَخمسين وَألف وَجَاء تَارِيخ وَفَاته زفت لنجم الدّين حور الْجنان والحلفاوى بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام ثمَّ فَاء بعْدهَا ألف مَقْصُورَة قَالَ ابْن الحنبلى فى تَرْجَمَة الْعَفِيف مُحَمَّد بن أَبى النمر أخبرنى انما قيل لاجداده بَنو حلفاء لما انه كَانَ لَهُم أَب ولد فى طَرِيق الْحجاز بجوار أَرض كَانَت تنْبت الحلفاء وَلم يكن مهد يوضع فِيهِ فَكَانَت أمه تَأْخُذ شَيْئا من ورق الحلفاء وتضعه تَحت وَلَدهَا الى ان فَارَقت تِلْكَ الاراضى فسكنى بأبى حلفاء قَالَ فَنحْن بَنو أَبى حلفاء الا انه اختصر فَقيل بَنو حلفاء بِحَذْف مُضَاف قَالَ وَكَانَ أَمر أَن يكْتب فى نسبه الانصارى فى آخر وقته لما بلغه ان أَبَاهُ كَانَ من ذُرِّيَّة حباب بن الْمُنْذر بن الجموح الانصارى الخزرجى وَهُوَ الذى ذكر ابْن دُرَيْد فى تَرْجَمته فى كتاب الاسعاف انه شهد بَدْرًا قَالَ وَهُوَ ذُو الرأى سمى لمشورته يَوْم بدر ذَا الرأى مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن طريف الصالحى الحنبلى قاضى العونية كَانَ من الْفُضَلَاء والاخيار الاتقياء عفيف النَّفس قانعا من الدُّنْيَا باليسير متجملا فى جَمِيع أُمُوره تولى نِيَابَة الْقَضَاء بمحكمة قناة العونى مُدَّة تزيد على أَرْبَعِينَ سنة وَلم ينْسب اليه مَكْرُوه قَرَأت بِخَط الشَّيْخ عبد الْحق المرزناتى أَنه أخبرهُ ان مولده فى ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الْخَمِيس تَاسِع شَوَّال سنة سبع وَخمسين وَألف بالصالحية وَصلى عَلَيْهِ بالجامع المظفرى وَدفن بالروضة من السفح قلت وَهُوَ وَالِد القاضى عبد اللَّطِيف بن طريف رَئِيس الموقعين بالعونية وامهر أهل فنه فى عصرنا الاخير مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف مُحَمَّد على بن مُحَمَّد عَلان بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن عَلان بن عبد الْملك بن على بن مُجَدد الْمِائَة الثَّامِنَة كَمَا هُوَ مَشْهُور على الالسنة والافواه الشَّيْخ الْمُحَقق الطيبى والخطيب التبريزى صَاحب الْمشكاة على بن مبارك شاه البكرى الصديقى العلوى سبط آل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 الْحسن الشافعى وَتقدم نسبهم فى تَرْجَمَة عَمه الشَّيْخ أَحْمد بن ابراهيم منظوما فَلَا حَاجَة الى اعادته وَصَاحب التَّرْجَمَة هُوَ وَاحِد الدَّهْر فى الْفَضَائِل مُفَسّر كتاب الله تَعَالَى ومحيى السّنة بالديار الحجازية ومقرى كتاب صَحِيح البخارى من أَوله الى آخِره فى جَوف كعبة الله أحد الْعلمَاء الْمُفَسّرين والائمة الْمُحدثين عَالم الرّبع الْمَعْمُور صَاحب التصانيف الشهيرة كَانَ مرجعا لاهل عصره فى الْمسَائِل المشكلة فى جَمِيع الْفُنُون وَكَانَ اذا سُئِلَ عَن مسئلة ألف بِسُرْعَة رِسَالَة فى الْجَواب عَنْهَا ولد بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن بالقراآت وَحفظ عدَّة متون فى كثير من الْفُنُون وَأخذ النَّحْو عَن الشَّيْخ عبد الرَّحِيم بن حسان قَرَأَ عَلَيْهِ شرح الاجرومية للازهرى وَشرح الْقَوَاعِد لَهُ وَشرح الفية ابْن مَالك للسيوطى وَعَن الشَّيْخ عبد الْملك العصامى قَرَأَ عَلَيْهِ شرح الْقطر للْمُصَنف وَشرح الشذور للْمُصَنف وَأخذ عَنهُ علم الْعرُوض والمعانى وَالْبَيَان وَأخذ القراآت والْحَدِيث وَالْفِقْه والتصوف عَن عَمه الامام الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى ورضى عَنهُ وَعَن الْمُحدث الْكَبِير مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَار الله بن فَهد الهاشمى وَالسَّيِّد عمر بن عبد الرَّحِيم البصرى والصدر السعيد كَمَال الاسلام عبيد الله الخجندى وروى صَحِيح البخارى وَغَيره من كتب السّنَن اجازة عَن كثير من الشُّيُوخ الوافدين الى مَكَّة كالشيخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الولى جلال الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الشربينى العثمانى الشافعى وَعَن الْعَلامَة الْحسن البورينى الدمشقى وَعَن مفتى الْحَنَفِيَّة بِمصْر الشَّيْخ عبد الله النحراوى وَعَن مُحدث مصر مُحَمَّد حجازى الْوَاعِظ اجازة مِنْهُ فى سنة عشْرين والف وتصدر للاقراء وَله من السن ثَمَانِيَة عشر عَاما وباشر الافتاء وَله من السن أَربع وَعِشْرُونَ سنة وَجمع بَين الرِّوَايَة والدراية وَالْعلم وَالْعَمَل وَكَانَ اماما ثِقَة من افراد أهل زَمَانه معرفَة وحفظا واتقانا وضبطا لحَدِيث رَسُول الله وعلما بعلله وَصَحِيحه وَأَسَانِيده وَكَانَ شَبِيها بالجلال السيوطى فى معرفَة الحَدِيث وَضَبطه وَكَثْرَة مؤلفاته ورسائله قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الخيارى انه سيوطى زَمَانه وَحكى تِلْمِيذه الْفَاضِل مُحَمَّد النبلاوى الدمياطى نقلا عَنهُ انه قَالَ رؤى النبى فى الْمَنَام وَهُوَ يعْطى النَّاس عطايا فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله وَابْن عَلان فاخذ يحثو لَهُ بِيَدِهِ الشَّرِيفَة حثيات وَقَالَ المترجم أَيْضا اخبرنى بعض الصَّالِحين عَن بَعضهم فى عَام سبع وَثَلَاثِينَ والف انه رأى النبى فى الْمَنَام لَيْلَة السَّادِس وَالْعِشْرين من رَجَب على نَاقَته عِنْد الْحجُون سائرا الى مَكَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 فَقبل يَده الشَّرِيفَة الْكَرِيمَة وَقَالَ يَا سيد الْمُرْسلين يَا رَسُول الله النَّاس قصدُوا حضرتك الشَّرِيفَة للزيارة فلماذا وصلت قَالَ لختم صَحِيح البخارى أَو لختم ابْن عَلان شكّ الرائى ثمَّ يَوْم الْخَتْم الثَّامِن وَالْعِشْرين من رَجَب ذَلِك الْعَام حضر بعض الصَّالِحين فحصلت لَهُ وَاقعَة رأى خيمة خضراء باعلى مَا بَين السَّمَاء والارض فَسَأَلَ فَقيل هَذَا النبى حضر لختم البخارى وَكَانَ حسن الْخط كثير الضَّبْط وانتصب للتدريس ونفع النَّاس فاخذ عَنهُ جمَاعَة كَثِيرُونَ يطول شرحهم وَقَرَأَ صَحِيح البخارى فى جَوف الْكَعْبَة أَيَّام بنائها لما انْهَدَمت فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ من جِهَة الْحطيم وَكَانَ سَبَب هدمها مجئ السَّيْل الآتى بَيَانه فى هَذِه التَّرْجَمَة وَكَانَ اتّفق لَهُ انه قَارب ختم الصَّحِيح وَكَانَ البناؤون قد جعلُوا لَهُم سترا حَال التَّعْمِير فخطر لَهُ أَن يدْخلهُ وَيخْتم فِيهِ وَيشْرب فِيهِ القهوة فَفعل فوشى بعض اعدائه الى الشريف وَقَالُوا انه قد جعل بَيت الله حانة للقهوة فاغضبوا الشريف عَلَيْهِ فارسل فى الْحَال وأحضره وحبسه واراد أَن يُوقع بِهِ أمرا فاخذ يَتْلُو الْقُرْآن ويتوسل الى الله تَعَالَى بِنَبِيِّهِ ان يكْشف عَنهُ هَذَا الكرب فاتفق ان الشريف كَانَ قَامَ لى صَلَاة الْمغرب وَهُوَ بقصره فاهتزت أَرْكَان القصروظن السامعون انها زَلْزَلَة وَقعت فَنَادَى الشريف وزيره وَسَأَلَهُ عَن الامر فاجابه انها كَرَامَة للشَّيْخ ابْن عَلان فَلَا سمع مقَالَته قَالَ لَهُ كَيفَ يكون حَالنَا مَعَه وَقد فعلنَا بِهِ هَذِه الفعلة فَقَالَ السَّبِيل الى أَخذ خاطره اطلاقه السَّاعَة فناداه اليه واستعفى مِمَّا فعله بِهِ وانعم عَلَيْهِ فَاعْتَذر ابْن عَلان ان مَا وَقع مِنْهُ كَانَ هفوة فَلَمَّا كَانَ عِنْد الصَّباح وجده اعداؤه طَائِفًا بِالْبَيْتِ وَكَانُوا يظنون غير ذَلِك وصنف فى جَوَاز التدريس دَاخل الْبَيْت مصنفا حافلا أطنب فِيهِ الْمقَال فى هَذَا الْمقَام وَجمع فِيهِ الاقوال فى هَذَا المرام وَسَماهُ القَوْل الْحق وَالنَّقْل الصَّرِيح بِجَوَاز ان يدرس بجوف الْكَعْبَة الحَدِيث الصَّحِيح وَألف كتبا كَثِيرَة فى عدَّة فنون تزيد على السِّتين وتآليفه كلهَا غرر فَمِنْهَا التَّفْسِير سَمَّاهُ ضِيَاء السَّبِيل الى معالم التَّنْزِيل وَله رفع الالتباس بِبَيَان اشْتِرَاك معانى الْفَاتِحَة وَسورَة النَّاس وَله رِسَالَة فى ختم البخارى سَمَّاهَا الْوَجْه الصبيح فى ختم الصَّحِيح وَله فتح الْكَرِيم الْقَادِر بِبَيَان مَا يتَعَلَّق بعاشوراء من الْفَضَائِل والاعمال والمآثر ونظم انموذج اللبيب للسيوطى وَشَرحه شرحا عَظِيما ونظم ام الْبَرَاهِين سَمَّاهَا العقد الثمين ونظم عقيدة النسفى سَمَّاهَا العقد الوفى ونظم مُخْتَصر الْمنَار فى اصول الْحَنَفِيَّة ونظم ايساغوجى وَالْعقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 والمدخل فى علم البلاغة للعضد وَله فتح الْوَهَّاب بنظم رِسَالَة الْآدَاب للعضد وَله شرح على تصريف الشَّيْخ مُحَمَّد البركلى الْمُسَمّى بالكفاية سَمَّاهُ حسن الْعِنَايَة بالكفاية وَشرح الاذكار للنووى ورياض الصَّالِحين وَله دُرَر القلائد فِيمَا يتَعَلَّق بزمزم وسقاية الْعَبَّاس من الْفَوَائِد وَشرح منسك النووى الْكَبِير سَمَّاهُ فتح الفتاح فى شرح الايضاح وَشرح منظومة السيوطى فى مُوَافقَة عمر رضى الله عَنهُ لِلْقُرْآنِ وَله مؤلف فى رجال الاربعين النووية ومؤلفان فى التنباك أَحدهمَا يُسمى تحفة ذوى الادراك فى الْمَنْع من التنباك وَالْآخر اعلام الاخوان بِتَحْرِيم الدُّخان والابتهاج فى ختم الْمِنْهَاج ونظم الْقطر والاجرومية وحاشية على شرحها للشَّيْخ خَالِد الازهرى ورشف الرَّحِيق من شرب الصّديق وَله مؤلف لى أجداده الى الصّديق رضى الله تَعَالَى عَنهُ وارضاه ومؤلف فِيمَن اسْمه زيد وَحسن النبا فى فضل قبا اخْتَصَرَهُ من جَوَاهِر الانباء للشَّيْخ ابراهيم الوصابى الْيُمْنَى وزهر الرِّبَا فى فضل مَسْجِد قبا والنفحات الاحديه تصدير وتعجيز الْكَوَاكِب الدريه امن تذكر جيران بذى سلم وَالْعلم الْمُفْرد فى فضل الْحجر الاسود وَله اتحاف أهل الاسلام والايمان بِبَيَان ان الْمُصْطَفى لَا يَخْلُو عَنهُ زمَان وَلَا مَكَان وشمس الْآفَاق فِيمَا للمصطفى من كرم الاخلاق وحاتم الفتوه فى خَاتم النُّبُوَّة والطيف الطَّائِف بتاريخ وَج والطائف ومؤلف فِيمَن أردفهم رَسُول الله مَعَه على مركوبه سَمَّاهُ بغية الظرفا فى معرفَة الردفا وبلغوا فَوق الاربعين وَله الْمنح الاحدية بتقريب معانى الهمزية وَشرح قلادة العقيان بشعب الايمان للشَّيْخ ابراهيم بن حسن مفتى ديار الشرق والاقوال المعرفه بفضائل أَعمال عرفه وَكتاب الْفَتْح المستجاد لبغداد ومنهج من ألف فِيمَا يرسم بِالْيَاءِ ويرسم بالالف ومورد الصَّفَا فى مولد الْمُصْطَفى والنفحات العنبريه فى مدح خير البريه وعيون الافادة فى أحرف الزِّيَادَة وَشرح منظمة ابْن الشحنه فى الْمعَانى وَالْبَيَان وَشرح الزّبد وَله المنهل العذب الْمُفْرد فى الْفَتْح العثمانى لمصر وَمن ولى نِيَابَة تِلْكَ الْبَلَد وَله ثَلَاثَة تواريخ فى بِنَاء الْكَعْبَة أَحدهَا أَلفه برسم خزانَة السُّلْطَان مُرَاد وَسَماهُ باسم فِيهِ تَارِيخ عَام عِمَارَته هُوَ انباء الْمُؤَيد الْجَلِيل مُرَاد بِبِنَاء بَيت الْوَهَّاب الْجواد وأرسله الى السُّلْطَان صُحْبَة المشير بتأليفه السَّيِّد مُحَمَّد الانقروى وَسَأَلَهُ أَن يعين لَهُ من الصَّدقَات والجرايات مَا يقوم بالكفاية وان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 يجدد لَهُ درسا لتفسير الْكتاب الْكَرِيم وَلِحَدِيث الْمُصْطَفى فَمَا أَجدت وَله رِسَالَة فى تَعْرِيف وَاجِب الِاسْتِثْنَاء وجائزه سَمَّاهَا فتح الْمَالِك فى تَجْوِيز طَرِيق ابْن مَالك وَله مؤلف فى السَّيْل الْمُقدم ذكره آنِفا سَمَّاهُ اعلام سَائِر الانام بِقصَّة السَّيْل الذى سقط مِنْهُ بَيت الله الْحَرَام ثمَّ لخص مِنْهُ مُجَرّد مَا وَقع فى عمَارَة الْبَيْت واعرض عَمَّا فى أَصله مِمَّا زَاد عَن بَيَان أَعمال تِلْكَ الكره من أَحْوَال عِمَارَته العشره وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الاحكام وَجعل هَذَا الْمُخْتَصر باسم خزانَة السُّلْطَان مُرَاد وَله مؤلف فى ذَلِك أَيْضا سَمَّاهُ نشر الوية التشريف بالاعلام والتعريف بِمن لَهُ ولَايَة عمَارَة مَا سقط من الْبَيْت الشريف سَببه ان الْبَيْت الْعَتِيق لما سقط سَأَلَ الشريف مَسْعُود صَاحب مَكَّة اذ ذَاك الْعلمَاء عَن حكم عِمَارَته فاجابوا بانه فرض كِفَايَة على سَائِر الْمُسلمين ولشريف مَكَّة تعاطى ذَلِك وانه يعمره وَلَو انه من الْقَنَادِيل الَّتِى لم يعلم انها عينت من واقفها لعين الْعِمَارَة وَوَافَقَهُمْ صَاحب التَّرْجَمَة أَولا ثمَّ ظهر لَهُ ان هَذَا الْعَمَل لَا يتَوَجَّه الا الى السُّلْطَان الاعظم وَتوقف مُعظم الْعلمَاء عَن مُوَافَقَته فألف الْمُؤلف الْمَذْكُور ثمَّ بلغه توقفهم عَن دَلِيله فى ذَلِك فألف مؤلفا آخر سَمَّاهُ الْبَيَان والاعلام فى تَوْجِيه فَرضِيَّة عمَارَة السَّاقِط من الْبَيْت لسلطان الاسلام وَله فتح الْكَرِيم الفتاح فى حكم مَا سد بِهِ الْبَيْت من حصر وأعواد وألواح قَالَ الفته صَبِيحَة يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخ رَمَضَان الى ضحوة نَهَار وَكنت فى عصر ذَلِك الْيَوْم نسخته لرئيس المعلمين على بن شمس الدّين وَبَين فِيهِ عَمَلهم أتم بَيَان وَله رِسَالَة فى الاعمال الَّتِى يحتاجها النَّائِب عَن الْعِمَارَة سَمَّاهَا فتح الْقَدِير فى الاعمال الَّتِى يحْتَاج اليها من حصل لَهُ بِالْملكِ على الْبَيْت ولَايَة التَّعْمِير وَله رِسَالَة سَمَّاهَا اسنى الْمَوَاهِب والفتوح بعمارة الْمقَام الابراهيمى وَبَاب الْكَعْبَة وسقفها والسطوح وَله رِسَالَة فى حجر اسماعيل وَكتاب النفحات الاريجه فى متعلقات بَيت ام الْمُؤمنِينَ خديجه وسارت بتآليفه الركْبَان واشتهرت بالآفاق وَله النّظم الْفَائِق فَمِنْهُ قَوْله فى بِئْر زَمْزَم (وزمزم قَالُوا فِيهِ بعض ملوحة ... وَمِنْه مياه الْعين أحلى وأملح) (فَقلت لَهُم قلبى يَرَاهَا ملاحة ... فَلَا بَرحت تحلو لقلبى وتملح) وَقَوله (يَا رب أَنْت حبست الْحسن فى قمر ... حُلْو الشمايل لَا يرثى لمن عشقه) (أكاد أَدْعُو عَلَيْهِ حِين يهجرنى ... لَكِن لفرط غرامى تمنع الشفقه) وَقَوله (يَا مَالِكًا رق قلبى ... رفقا بِنَفس رقيقك ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 (الله بينى وَبَين السِّوَاك فى رشف ريقك ... ) وَقَوله (يَا من يلم يلم فى هَوَاهُ ... وَلَا يُرَاعى الجمالا) (بِاللَّه دعنى فانى ... لقد فنيت انتحالا) وَله مضمنا (كتبته ولهيب الشوق فى كبدى ... والدمع منسكب والبال مَشْغُول) (وَقلت قد غَابَ من أهواه وَا أسفى ... بَانَتْ سعاد فقلبى الْيَوْم متبول) وَمن املائه لنَفسِهِ قَوْله فى عقد الحَدِيث (اذا أمسيت فابتدر الصباحا ... وَلَا تمهله تنْتَظر الصباحا) (وَتب مِمَّا جنيت فكم أُنَاسًا ... قضوا نحبا وَقد نَامُوا صحاحا) وَله اشعار كَثِيرَة مِنْهَا تشطير الهمزية وتخميسها وَخمْس قصيدة الشَّيْخ أَبى مَدين قدس سره وذيلها وَأنْشد لَهُ بَعضهم هَذِه الابيات (الْمَوْت بَحر موجه طافح ... يغرق فِيهِ الماهر السابح) (وَيحك يَا نفس قفى واسمعى ... مقَالَة قد قَالَهَا نَاصح) (مَا ينفع الانسان فى قَبره ... الا التقى وَالْعَمَل الصَّالح) وعَلى كل حَال ففضله وَشرف قدره مِمَّا شاع وذاع وملأ الدُّنْيَا والاسماع قَالَ البورينى فى تَارِيخه كَانَت وِلَادَته فى الْعشْرين من صفر سنة سِتّ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الثُّلَاثَاء لتسْع بَقينَ من ذى الْحجَّة سنة سبع وَخمسين وَألف وَدفن بالمعلاة بِالْقربِ من قبر شيخ الاسلام ابْن حجر المكى رحمهمَا الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مفرج بن بدر وَتقدم تَمام النّسَب فى تَرْجَمَة أَخِيه أَبى الطّيب مُحدث الشَّام ومسندها الشَّيْخ الامام نجم الدّين أَبُو المكارم وَأَبُو السُّعُود بن بدر الدّين بن رضى الدّين الغزى العامرى الدمشقى الشافعى شيخ الاسلام مُلْحق الاحفاد بالاجداد المتفرد بعلو الاسناد ترْجم نَفسه فى كِتَابه بلغَة الْوَاجِد فى تَرْجَمَة وَالِده الْبَدْر فَقَالَ مولدى كَمَا رَأَيْته بِخَط شيخ الاسلام يَوْم الاربعاء حادى عشر شعْبَان المكرم سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وسط النَّهَار وَقت الظهيرة ودعا لى الْوَالِد بَعْدَمَا كتب ميلادى فَقَالَ أنشأه الله تَعَالَى وعمره وَجعله ولدا صَالحا برا تقيا وَكَفاهُ وحماه من بلَاء الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَجعله من عباده الصَّالِحين وَحزبه المفلحين وعلمائه العاملين ببركة سيد الْمُرْسلين صلى الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل انْتهى مَا وجدته بِخَط الشَّيْخ الْوَالِد وَلَا بَأْس بِذكر شئ مِمَّا من الله تَعَالَى على بِهِ على عَادَة عُلَمَاء الحَدِيث وان كنت فى نفسى مقصرا وَعَن حلبة الْعلمَاء مقهقهرا فاقول ربيت فى حجر والدى وَتَحْت كنفه حَتَّى بلغت سبع سنوات وقرأت عَلَيْهِ من كتاب الله تَعَالَى قصار الْمفصل وَحَضَرت بَين يَدَيْهِ يَوْم عيد الْفطر عَام وَفَاته وَقلت يَا سيدى أُرِيد أَن أَقرَأ عَلَيْك من أول الْبَقَرَة الى المفلحون فَقَالَ لى يَكْفِيك الى هُنَا فأطبقت الْمُصحف بعد ان لقننى سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وانعم على حِينَئِذٍ بِأَرْبَع قطع فضَّة ترغيبا لى وأمرنى وَأَنا ابْن سِتّ سنوات ان أَصوم رَمَضَان ويعطينى فى كل يَوْم قِطْعَة فضَّة فَصمت مُعظم الشَّهْر وَكَانَ ذَلِك ترغيبا مِنْهُ وَحسن تربية وَصمت رَمَضَان السّنة الَّتِى مَاتَ فِيهَا الا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَأَنا ابْن سبع وَبقيت اجْلِسْ مَعَه للسحور وَكَانَ يَدْعُو لى كثيرا وأحضرنى دروسه أَنا وأخى الشَّيْخ كَمَال الدّين فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَلَاث وَثَمَانِينَ وَأَرْبع وَثَمَانِينَ وحدثتنى والدتى عَنهُ انه كَانَ يَقُول ان أحيانى الله تَعَالَى حَتَّى يكبر نجم الدّين أَقرَأته فى كتاب التَّنْبِيه وأجازنى فِيمَن حضر دروسه اجازة خَاصَّة وأجازنى فى حزبه الذى كتبه لمفتى مَكَّة الشَّيْخ قطب الدّين اجازة عَامَّة فى عُمُوم أهل عصره من الْمُسلمين ثمَّ ربيت بعد وَفَاته فى حجر والدتى أَنا واخوتى فأحسنت تربيتنا ووفرت حرمتنا وعلمتنا الصَّلَوَات والآداب وحرصت على تعليمنا الْقُرْآن وَجَازَت شُيُوخنَا على ذَلِك وكافأتهم وَقَامَت فى كفالتنا بِمَا هُوَ فَوق مَا تقوم بِهِ الرِّجَال مترملة علينا راغبة من الله سُبْحَانَهُ فى حسن الثَّوَاب والنوال وجزيل الْحَظ من قَوْله أَنا أول من يفتح بَاب الْجنَّة أَلا انى أرى امْرَأَة تبادرنى فَأَقُول لَهَا مَالك وَمن أَنْت فَتَقول أَنا امْرَأَة قعدت على أَيْتَام لى رَوَاهُ أَبُو يعلى من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ الْحَافِظ المنذرى // واسناده حسن // ان شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ أَنا وَامْرَأَة سفعاء الْخَدين كهاتين يَوْم الْقِيَامَة وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ يُرِيد ابْن زُرَيْع السبابَة وَالْوُسْطَى وَامْرَأَة آمت من زَوجهَا ذَات منصب وجمال حبست نَفسهَا على يتاماها حَتَّى باتوا أَو مَاتُوا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَوْف بن مَالك الاشجعى رضى الله عَنهُ قَالَ الخطابى السفعاء الَّتِى تغير لَوْنهَا الى الكمودة والسواد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 من طول الايمة يُرِيد بذلك انها حبست نَفسهَا على أَوْلَادهَا وَلم تتَزَوَّج فتحتاج الى الزِّينَة والتصنع للزَّوْج فجزاها الله عَنَّا أحسن الْجَزَاء وعوضها عَمَّا تركت من أَجله لوجهة فى دَار الْبَقَاء وساعدها على ذَلِك كُله شقيقها الخواجا زين الدّين عمر بن الخواجا بدر الدّين حسن بن سبت واجزل الينا خيرا وَكَانَت معيشتنا من ريع وقف جدنا وَملك ابينا وميراثه الذى تلقيناه عَنهُ أَحْسَنت والدتنا التَّصَرُّف فى أَمْوَالنَا وفى مؤنتنا وكسوتنا وَلم تحملنا منَّة أحد قطّ وَتقول هُوَ ببركة والدهم ثمَّ انها أعزها الله وَمد فى أجلهَا اشغلتنا بِقِرَاءَة الْقُرْآن وَطلب الْعلم فَقَرَأت الْقُرْآن على الشَّيْخ عُثْمَان اليمانى ثمَّ نقلنى الْوَالِد قبل وَفَاته الى الشَّيْخ يحيى العمارى فختمت عَلَيْهِ الْقُرْآن مَرَّات واقرأنى فى الاجرومية والجزرية والشاطبية والالفية تَصْحِيحا وحفظا لبعضهن وحفظت عَلَيْهِ مُعظم الْقُرْآن قلت وَقد تَرْجمهُ فى الْكَوَاكِب وَقَالَ انه كَانَ من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مِمَّن تطوى لَهُ الارض قَالَ ثمَّ أخذت فى طلب الْعلم فترددت الى مجْلِس الشَّيْخ الْعَلامَة زين الدّين عمر بن سُلْطَان مفتى الْحَنَفِيَّة فَقَرَأت عَلَيْهِ الاجرومية حفظا وحلا وَشَرحهَا للشَّيْخ خَالِد ثمَّ لَزِمت درس شَيخنَا شيخ الاسلام شهَاب الدّين العيثاوى فَقَرَأت عَلَيْهِ شرح الجزرية للمكودى وقرأت عَلَيْهِ شرح الْمِنْهَاج بِتَمَامِهِ الا فرقا يَسِيرا من أواسطه وأواخره وَلَكِن سَمِعت عَلَيْهِ مَا فاتنى وقرأت عَلَيْهِ نصف شرح الْمِنْهَاج الصَّغِير الاول لشيخ الاسلام والدى وَسمعت عَلَيْهِ مَوَاضِع صَالِحَة من شرح الْمحلى وقرأت من أَوَائِل شرح الْبَهْجَة للقاضى زَكَرِيَّا وَسمعت عَلَيْهِ من أول الارشاد واوسطه بِقِرَاءَة الشَّيْخ مُحَمَّد بن دَاوُد وَصَاحبه الشَّيْخ مُحَمَّد الزوكارى الصالحيين وَسمعت عَلَيْهِ عقيدة الشيبانى بِقِرَاءَة أَبى الصفاء بن الحمصى وَله على تربية وحنو وَعطف وَهُوَ أعز شيوخى عندى وأحبهم الى جزاهم الله عَنى خيرا وقرأت عَلَيْهِ فى الحَدِيث من أول البخارى وَغَيره والى الْآن فى صحبته من سنة احدى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة ثَلَاث عشرَة سنة اطال الله صحبتنا ومتعنى بحياته ونفعنى ببركته ولزمت شَيخنَا مفتى الْفرق شيخ الاسلام أَبَا الْفضل مُحَمَّد محب الدّين القاضى الحنفى أعز الله جَانِبه فَقَرَأت شَرحه على منظومة الشَّيْخ الْعَلامَة محب الدّين ابْن الشّحْنَة كَمَا تقدم فى تَرْجَمته وَمن أَوَائِل المطول وقرأت عَلَيْهِ نَحْو ربع صَحِيح البخارى وَكتب لى بِهِ وَبِغَيْرِهِ اجازة بِخَطِّهِ وَهُوَ متع الله بحياته الى الْآن يُوصل الينا احسانه وانعامه علما وثناء ومالا وَغير ذَلِك مِمَّا لَا نستطيع مكافأته الا ان يجازيه الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 عَنَّا أحسن الْجَزَاء ويمتعنا بحياته وعلومه مَا تعاقب الصَّباح والمساء وقرأت على السَّيِّد الشريف الحسيب النسيب الامام الْعَلامَة اللوذعى الْمُحَقق الفهامه قاضى الْقُضَاة فى حلب ثمَّ الْمَدِينَة ثمَّ آمد بضميمة الافتاء بهَا وَقَضَاء البيره السَّيِّد مُحَمَّد بن السَّيِّد مُحَمَّد بن السَّيِّد حسن السعودى تغمده الله تَعَالَى برحمته حُسَيْن قدم علينا دمشق الشَّام فى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة مَوَاضِع من تَفْسِير القاضى الْعَلامَة نَاصِر الدّين البيضاوى وَمِنْهَا تَفْسِير قَوْله تَعَالَى شهد الله انه لَا اله الا هُوَ الْآيَتَيْنِ باشارته وأجازنى بمروياته مِنْهَا تَفْسِير الْمُفْتى الاعظم والامام الاقدم أَبى السُّعُود مُحَمَّد بن العمادى رَحمَه الله تَعَالَى وَلم أر فى موالى الرّوم اذكى من وَلَا ارغب فى الْعلم مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى وأجازنى من المصريين شَيخنَا شيخ الاسلام شمس الدّين الرملى المصرى وَشَيخنَا الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الاستاذ الاعظم زين العابدين البكرى متع الله بحياتهما كِتَابَة الى قلت وَسمع المسلسل بالاولية من مُحدث حلب شيخ الاسلام مَحْمُود بن مُحَمَّد البيلونى الشافعى حِين قدم دمشق فى سنة سبع بعد الالف وَأَجَارَهُ بمروياته وَأخذ عَن مُحدث مَكَّة المشرفة شيخ الاسلام الشَّمْس مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الزمزمى الشافعى فى سنة سبع بعد الالف قَالَ وَفتح الله تَعَالَى على بالنظم والنثر والتأليف من سنة احدى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَذكر من شعره قَوْله (لَو بحت بالحب الذى ... أضنى الْفُؤَاد وَكلما) (لبكى لى الصخر الاصم وَكَاد أَن يتكلما ... ) ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك وَدخلت فى يَوْم عَرَفَة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة على شيخ الاسلام الشَّيْخ اسماعيل النابلسى أهنيه بالعيد فَرَأَيْت عِنْده جمَاعَة مِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة المنلا أَسد بن معِين الدّين أَقُول فَعلم من قَوْله ذَلِك ان المنلا أَسد من مشايخه ثمَّ رَأَيْته ذكر فى تَرْجَمَة الاسد فى الْكَوَاكِب انه قَرَأَ عَلَيْهِ فى شرح الشذور لِابْنِ هِشَام ودروسا من شرح الجاربردى على الشافية ثمَّ قَالَ وَمن مؤلفاته نظم الاجرومية سميته الْحلَّة البهية واقتديت فى نظمها بوالدى لشرح الاجرومية لطيف ممزوج وَشرح الْقطر لِابْنِ هِشَام وَشرح الْقَوَاعِد لِابْنِ هِشَام ايضا وَشرح منظومة والدى فى النَّحْو نظما فى أَرْبَعَة آلَاف بَيت سميته المنحة النجمية فى شرح الملحة البدرية قرط الْعلمَاء عَلَيْهَا ومنظومة فى النَّحْو مائَة بَيت ومنظومة فى التصريف والخط كَذَلِك مائَة بَيت ونظم العقيان فى مورثات الْفقر وَالنِّسْيَان للناجى وَهُوَ غير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 نظم الْجد الشَّيْخ رضى الدّين ومختصر فى النَّحْو سميته الْبَهْجَة وكتبت قِطْعَة على التَّوْضِيح لِابْنِ هِشَام وَقطعَة على الشافية لِابْنِ الْحَاجِب وَشرح لامية الافعال لِابْنِ مَالك فى التصريف فى شرحين ممزوجين الاول منظوم من بَحر الاصل وقافيته فى نَحْو ألف بَيت ونظم شرح شَيخنَا عَلامَة الْعَصْر الْمُحب الحموى على منظومة الْعَلامَة الْمُحب ابْن الشّحْنَة فى الْمعَانى وَالْبَيَان ونظم فَرَائض الْمِنْهَاج فى الْفِقْه وَشرح منظومة والدى فى ضبط شَأْن الْقَاعِدَة الْفِقْهِيَّة كل مَا كَانَ أَكثر عملا أَو أشق فَهُوَ أَكثر فى الثَّوَاب وسميته تحفة الطلاب وشرحت ابياتا لصاحبنا الشَّيْخ أَبُو الوفا الحموى العبدرى فى شُرُوط تَكْبِيرَة الاحرام بالتماس مِنْهُ فى شرحين الاول منثور سميته الدرة المنيرة فى شُرُوط التَّكْبِيرَة الثانى منظوم سميته تحفة النظام فى تَكْبِيرَة الاحرام وشرحت كتاب اللآلى المبدعة فى الْكِنَايَات المخترعة لشيخ الاسلام الْجد ونظمت خَصَائِص الْجُمُعَة فى منظومة سميتها اللآلى المجتمعه ونظمت كتاب رُوَاة الاساطين فى عدم الدُّخُول على السلاطين للشَّيْخ السيوطى واختصرت كتاب المنهل الروى فى الطِّبّ النبوى لَهُ أَيْضا فى مُخْتَصر سميته الْمُخْتَار وكتبت شرحا حافلا على قَول الشَّيْخ علوان الحموى رَحمَه الله تَعَالَى (وَشرع وَحقّ وَحقّ وَشرع ... وَجمع وَفرق وَفرق وَجمع) (ينَال الْفَتى كل مَا يشتهى ... بتنزيه طرف وتقديس سمع) (وَترك هوى بِاتِّبَاع الْهوى ... وتأديب نفس وتنزيه طبع) (عَلَيْك بهَا انها انها ... جماع لخير ومفتاح جمع) وسميته كتاب الهمع الهتان فى شرح أَبْيَات الْجمع للشَّيْخ علوان وَأعظم مؤلفاتى الْآن شرحى على ألفية التصوف لشيخ الاسلام الْجد الْمُسَمّى بمنبر التَّوْحِيد ومظهر التفريد فى شرح جمع الْجَوْهَر الفريد فى أدب الصوفى والمريد وَهُوَ كتاب حافل جمعت فِيهِ جَمِيع أَحْكَام الطَّرِيق ووفيت فِيهِ شُرُوط الشَّرْع فى عين التَّحْقِيق وَهُوَ وكل مؤلفاتى الَّتِى أَشرت اليها الْآن كوامل بِفضل الله مَا عدا شرح التَّوْضِيح وَشرح الشافية وَشرح اللآلى المبدعة لَكِن الاخير مشرف على الْكَمَال وفى عزمى الْآن أَن أكتب فى الْفِقْه كتابا حافلا وَأَنا شَارِع فى مؤلفات أُخْرَى اسْأَل الله تَعَالَى التَّوْفِيق وَمن مؤلفاتى الَّتِى كملت الْآن أَيْضا مجالسى فى تَفْسِير سُورَة الاسراء الَّتِى أمليتها فى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة ومجالسى الَّتِى أمليتها فى السنتين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 بعْدهَا الى آخر سُورَة طه ثمَّ تركت تدريس مجَالِس وعظى وَجعلت أُمليهَا على مَا يفِيض الله من سيب فَضله وَيفتح وَمن مؤلفاتى أَيْضا هَذَا الْكتاب الحافل الْمُسَمّى بلغَة الْوَاجِد فى تَرْجَمَة شيخ الاسلام الْوَالِد وفى ضمنهَا أَرْبَعُونَ حَدِيثا من مسموعاتى كَمَا ترَاهَا مسطرة فى الْبَاب السَّابِع ونسأل الله تَعَالَى التَّوْفِيق وَقد قرظ أكَابِر عُلَمَاء مصر وَالشَّام على شرحى اللمحة البدرية وشرحى على منظومة ابْن الشحنه اه كَلَامه ثمَّ ذكر شَيْئا من التقاريظ أَقُول وَمن مؤلفاته أَيْضا كتاب عقد النظام لعقد الْكَلَام وَهُوَ كتاب غَرِيب الْوَضع مبْنى على مقولات للسلف فى النَّصِيحَة والزهد واشباههما ثمَّ ينظم تِلْكَ المقولات وَيذكر نظمه عِنْد آخر كل مقولة نقلت مِنْهُ أَشْيَاء مِنْهَا ذكر النووى فى تَهْذِيب الاسماء واللغات عَن الامام الشافعى انه قَالَ مَا أَفْلح فى الْعلم الا من طلبه فى الْقلَّة وَلَقَد كنت أطلب القرطاس فيعسر على وَقَالَ لَا يطْلب أحد هَذَا الْعلم بِالْمَالِ وَعز النَّفس فيفلح وَلَكِن من طلبه بذلة النَّفس وضيق الْعَيْش وخدمة الْمعلم والتواضع فى النَّفس أَفْلح قَالَ وَقلت فى مَعْنَاهُ هَذَا (من يطْلب الْعلم بذل وضيق الْعَيْش والخدمة والانقطاع ... ) (فَهُوَ الذى يفلح لَا من غَدا ... يَطْلُبهُ بالعز والاتساع) وَقلت (من يطْلب الْعلم بعز الْغنى ... يبطر وَلَا يفلح بِمَا يصنع) (للْعلم طغيان كَمَا للغنى ... وَالْعلم بالطغيان لَا ينفع) (لَا يبلغ الْعَالم شأو الْعلَا ... الا لتقى الاروع الاورع) وَمِنْهَا عَن أَبى سُلَيْمَان الدارانى رضى الله عَنهُ قَالَ لَو اجْتمع الْخلق جَمِيعًا أَن يضعوا عملى كَمَا عِنْد نفسى مَا قدرُوا على ذَلِك قَالَ وَقد ضمنت كَلَامه رضى الله عَنهُ فى قولى (قل لنفسى ان تراعى ... حق ربى لن تراعى) (انما نقص وَضعف ... وانتقاص من طباعى) (من يضع منى ويجهد ... لم يضعنى كَمَا تضاعى) (ان عرفانى بنفسى ... قد كفانى وعظ واعى) (انما الدُّنْيَا مَتَاع ... لم يدم فِيهَا انتفاعى) (انما يسْعَى لدار ... لم تضع فِيهَا المساعى) (دَار تكريم اليها ... قد دعانى كل داعى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وَله كتاب تحبير الْعبارَات فى تَحْرِير الامارات وَهُوَ أَيْضا عَجِيب نقل فِيهِ مَا نَصه يبتلى المغتاب بِأَن يغتاب روى أَبُو الشَّيْخ بن حَيَّان فى كتاب النكت والنوادر عَن عبد الله بن وهب قَالَ قَالَ مَالك بن أنس رضى الله عَنهُ كَانَ عندنَا بِالْمَدِينَةِ قوم لَا عُيُوب لَهُم تكلمُوا فى عُيُوب النَّاس فَصَارَت لَهُم عُيُوب وَكَانَ عندنَا قوم لَهُم عُيُوب سكتوا عَن عُيُوب النَّاس فنسيت عيوبهم قلت (عائب النَّاس وان كَانَ سليما يستعاب ... ) (والذى يمسك عَن عيب الورى سَوف يهاب ... ) (مَا دُخُول الْمَرْء فِيمَا ... لَيْسَ يعنيه صَوَاب) وَذكر فِيهِ أَيْضا روى أَبُو الشَّيْخ أَيْضا عَن مطرف قَالَ قَالَ لى مَالك بن أنس رضى الله عَنهُ مَا تَقول النَّاس فى قلت أما الصّديق فيثنى وَأما الْعَدو فَيَقَع فَقَالَ مَا زَالَ النَّاس كَذَلِك لَهُم صديق وعدو وَلَكِن نَعُوذ بِاللَّه من تتَابع الالسن كلهَا وَقلت (لَا ترى كَامِلا خلا ... من عَدو يعِيبهُ) (بل لَهُ من سبابه ... وأذاه نصِيبه) (أَحمَق النَّاس من يرى ... ان ذَا لَا يُصِيبهُ) (وأخو الْكيس قد رجا الله عَنهُ يثيبه ... ) (حَسبه الله ربه ... فَهُوَ عَنهُ ينوبه) وَنقل فِيهِ عِنْد ذكر امارات الصّبيان قَالَ وَمن لطائف الْعَلامَة الشَّيْخ زين الدّين عمر ابْن المظفر الوردى وَقد ولى السلطنة صبى مُمَيّز غير بَالغ (سلطاننا الْيَوْم طِفْل والاكابر فى ... خلف وَبينهمْ الشَّيْطَان قد نزغا) (وَكَيف يطْمع من مسته مظْلمَة ... أَن يبلغ السؤل وَالسُّلْطَان مَا بلغا) وَله كتاب التنسيه فى التَّشْبِيه وَهُوَ كتاب بديع فى سبع مجلدات فى قطع النّصْف لم يسْبق الى تأليفه وَهُوَ أَن يذكر مَا ينبغى للانسان مَا يتشبه بِهِ من أَفعَال الانبياء وَالْمَلَائِكَة والحيوانات المحمودة وَمَا يتشبه بِهِ من اجْتِنَاب مَا يذم فعله رَأَيْته ونقلت مِنْهُ أَشْيَاء لَطِيفَة مِنْهَا قَوْله لقد مر بى فى بعض مجالسى من نَحْو عشْرين سنة أَنى دَعَوْت الله تَعَالَى فَقلت اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا من الصَّالِحين فان لم تجعلنا من الصَّالِحين فاجعلنا من المخلطين الَّذين خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا أَو مَا هَذَا مَعْنَاهُ فَبعد انْقِضَاء الْمجْلس اعْترض على بعض السامعين فَقَالَ يَا سيدى كَيفَ تَدْعُو الله أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 يجعلنا من المخلطين وَالْمَعْصِيَة مقررة فيهم قلت سُبْحَانَ الله وَالْعَمَل الصَّالح مُقَرر فيهم أَيْضا وَهُوَ أولى من أَن نَكُون من المصرين فان لم يصبهَا وابل فطل ثمَّ وقفت على كَلَام مطرف وَهُوَ مَا روى البيهقى عَن مطرف قَالَ انى لاستلقى فى اللَّيْل على فراشى وأتدبر الْقُرْآن فَأَعْرض نفسى على أَعمال أهل الْجنَّة فاذا أَعْمَالهم شَدِيدَة كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياما مَا أَمن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا فَلَا أرانى مِنْهُم فَأَعْرض نفسى على هَذِه الْآيَة {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين} الى قَوْله {نكذب بِيَوْم الدّين} فَأرى الْقَوْم مكذبين فَلَا أرانى مِنْهُم فَأمر بِهَذِهِ الْآيَة {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} فأرجو أَن أكون مِنْهُم فحمدت الله تَعَالَى على مُوَافَقَته على ان المخلطين الْمَذْكُورين كَانُوا من أَعْيَان الانصار وَالصَّحَابَة الاخيار وأنى لنا باللحاق بأقلهم وَقَوله تَعَالَى {عَسى الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم} فَعَسَى وَلَعَلَّ فى الْقُرْآن يدلان على تَحْقِيق مَا بعدهمَا باجماع الْمُحَقِّقين من الْمُفَسّرين فالتوبة مَقْبُولَة مِنْهُم بِفضل الله تَعَالَى انْتهى وَمِمَّا ذكره فِيمَا يجْتَنب التَّشْبِيه بالثيران وَنَحْوهَا من الفظاظة وجهر الصَّوْت والتكلم بِمَا لَا يَلِيق بِالْمَكَانِ وَالزَّمَان وَالنَّاس يشبهون كل فظ غليظ بليد أكول بالبقرة والثور وَتقدم فِيمَا أنشدناه عَن عبد الْحق الاشبيلى وَهُوَ (يَا رَاكب الروع للذاته ... كانه فى أتن عير) (يَأْكُل من كل الذى يشتهى ... كانه فى كلأ ثَوْر) وَكنت يَوْمًا فى جمَاعَة مِنْهُم الْعَلامَة المنلا أَسد الدّين بن معِين الدّين العجمى أحد تلاميذ والدى عِنْد بعض الصُّوفِيَّة فَبَيْنَمَا المنلا أَسد يقْرَأ الْفَاتِحَة اذا فَقير من فُقَرَاء ذَلِك الصوفى صرخَ متورا فانذعر المنلا أَسد وانزعج ثمَّ الْتفت الينا وَقَالَ وَالله لم أعلم قَول فُقَرَاء الصُّوفِيَّة ثوروا من أى شئ اشتقاقه الا فى هَذَا الْوَقْت علمت انه مُشْتَقّ من لفظ الثور فانى رَأَيْت هَذَا الرجل الْآن خار خوارا كانه ثَوْر وَذكر ان بعض الوعاظ كَانَ يعظ طَائِفَة من النَّاس وَهُوَ يلقى الْكَلَام فَنظر مِنْهُم اعراضا ولغطا فَأَرَادَ أَن يستبطنهم فَقَالَ أَلا اسمعوا يَا بقر فَقَالَ بَعضهم قل يَا ثَوْر ونقلت من خطه قَالَ أوردت فى بعض مجالسى هَذَا الحَدِيث " يَقُول الله تَعَالَى للحفظة يَوْم الْقِيَامَة اكتبوا لعبدى كَذَا وَكَذَا من الاجر فَيَقُولُونَ رَبنَا لم نَحْفَظ ذَلِك عَنهُ وَلَا هُوَ فى صحفنا فَيَقُول انه نَوَاه وَقلت على هَذَا بديهة حَتَّى كَانَ المنسد على لسانى ينشد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 (تلومونى على فعل ... بفرط اللوم ولعتب) (وَلم تدروا الذى بينى ... وَبَين الله فى قلبى) وَحكى انه رأى النبى صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم فى النّوم فى لَيْلَة مرَّتَيْنِ فأنشده يَقُول (لَئِن تقضى زمن أَنْت فِيهِ ... فان آثارك تكفى النبيه) (من تبع الْآثَار مِنْك اهْتَدَى ... وَمن أَبَاهُ فَهُوَ فى أى تيه) (صلى عَلَيْك الله يَا سيدى ... مُسلما مَا فَاه بالنطق فِيهِ) أَصله فِيهِ بالحركة الظَّاهِرَة وَله فَوَائِد منظومة كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله جَامعا آدَاب العيادة للْمَرِيض وهى (ان تعد يَوْمًا مَرِيضا فَلْيَكُن ... فى زمَان لَاق فِيهِ أَن تعود) (واطرق الْبَاب بِرِفْق ثمَّ بِاسْمِك صرح مَا صديق كالحسود ... ) (واغضض الطّرف وَلَا تكْثر اذا ... من سُؤال ثمَّ خفف فى الْقعُود) (لَا تكلم فى الذى يضجره ... أَوله فِيهِ ارتياب فى الْوُجُود) (ضع عَلَيْهِ يدك الْيُمْنَى وَعَن ... حَاله سَله على وَجه يجود) (أظهر الرقة وسع مُدَّة ... وعدنه بالعوافى ان تعود) (وأشر بِالصبرِ حذر جزعا ... وادع بالاخلاص مَوْلَاك الْوَدُود) (تِلْكَ آدابك ان عدت وَمن ... يحفظ الْآدَاب يُرْجَى أَن يسود) وَله التَّارِيخ الذى أَلفه فى أَعْيَان الْمِائَة الْعَاشِرَة وَسَماهُ بالكواكب السائرة والذيل الذى سَمَّاهُ لطف السمر وقطف الثَّمر من تراجم أَعْيَان الطَّبَقَة الاولى من الْقرن الحادى عشر والثانى أحد مَادَّة تاريخى هَذَا وكلا الاثرين لَهُ جيد جزاه الله على صنعهما خيرا الا انهما يحتاجان الى تَنْقِيح وَحسن ضبط فان فيهمَا الغث وتكرير بعض تراجم وَبَعض سَهْو فى الوفيات وَمَا خا لله الا انه أَجَاد كل الاجادة فى هَذَا الْجمع على كل حَال وَأما مَا فِيهِ من بعض الاغراض فقد عرفت بهَا المؤرخون فى الماضى وَأَبْرَأ أَنا مِنْهَا فى الْحَال وأماما فِيهِ من بعض الاغراض فقدعرفت بهَا المؤرخون فى الماضى وَأَبْرَأ مِنْهَا فى الْحَال وَمن نظر فى كتابى بِعَين الرِّضَا عرف انى أتلافى كثيرا مِمَّا مضى وَبِاللَّهِ أستعين واستدفع الْمَكْرُوه واسأله أَن يبيض وجهى يَوْم تبيض الْوُجُوه عودا ثمَّ تصدر للاقراء والتدريس فدرس بالشامية البرانية تفرغ لَهُ عَنْهَا الشهَاب العيثاوى اخْتِيَارا وَكَذَلِكَ فرغ لَهُ عَن تدريس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 بالعمرية وَعَن امامة بالجامع الاموى وَعَن وعظ بِهِ بعد ان وليه عَن الشَّيْخ أَحْمد ابْن الطيبى ثمَّ ولى العيثاوى الْوَعْظ أَيْضا عَن الشَّمْس الداودى ففرغ لَهُ وَلابْن اخته الْبَدْر الموصلى وَأذن لَهُ العيثاوى بِالْكِتَابَةِ على الْفَتْوَى قبل وَفَاته بِنَحْوِ عشْرين سنة فَكتب فى هَذِه الْمدَّة على فَتْوَى وَاحِدَة فى الْفِقْه وَغير وَاحِدَة فى التَّفْسِير تأدبا مَعَ العيثاوى فَلَمَّا كَانَ قبل وَفَاته بِنَحْوِ خَمْسَة أَيَّام دخل النَّجْم عَلَيْهِ فَحَضَرت فَتْوَى فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ عَلَيْهَا فَكتب وَقَالَ اكْتُبْ اسمكم قَالَ بل اكْتُبْ اسْمك فَكَتبهُ ثمَّ تَتَابَعَت عَلَيْهِ الْفَتَاوَى فاستمر يُفْتى من سنة خمس وَعشْرين وَألف الى سنة احدى وَسِتِّينَ وهى سنة وَفَاته وَكَانَ مغرما بِالْحَجِّ الى بَيت الله الْحَرَام وانفق لَهُ مَرَّات فَأول حجاته كَانَت فى سنة احدى وَألف قَالَ فى تَرْجَمَة وَالِده فى الْكَوَاكِب بمناسبة وَقع لنا اتِّفَاق غَرِيب وَهُوَ أَنا حجَجنَا فى سنة احدى وَألف وهى أول حجَّة حججتها وَكُنَّا نترجى أَن يكون عَرَفَة يَوْم الِاثْنَيْنِ فَرَأَيْنَا هِلَال ذى الْحجَّة لَيْلَة السبت وَكَانَ وقوفنا بِعَرَفَة يَوْم الاحد وَهُوَ خلاف مَا كَانَ النَّاس يتوقعونه فَقلت لبَعض اخواننا من أهل مَكَّة وَغَيرهم ظهر لى اتِّفَاق غَرِيب وَهُوَ ان الله تَعَالَى قدر الْوُقُوف يَوْم الاحد فى هَذَا الْعَام لانه عَام أحد بعد الالف فاستحسنوا ذَلِك وَقلت مُقَيّدا لهَذَا وَهُوَ (لقد حجَجنَا عَام ألف وَأحد ... وَكَانَت الوقفة فى يَوْم الاحد) (الْيَوْم وَالْعَام توافقا مَعًا ... فجل مَوْلَانَا الْمُهَيْمِن الاحد) قلت والموافقة الثَّالِثَة انها اُحْدُ وَقْفَة بِعَرَفَة وسافر الى حلب مَعَ شَيْخه العيثاوى فى جمَاعَة من مَشَايِخ دمشق مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن عجلَان نقيب الاشراف وَالسَّيِّد ابراهيم بن مُسلم الصمادى وَالسَّيِّد أَحْمد بن على الصفورى فى آخَرين الى الْوَزير مُحَمَّد باشا بِقصد رفع التَّكْلِيف عَن أهل دمشق بِسَبَب السّفر الْعَجم الْوَاقِع ذَلِك فى سنة خمس وَعشْرين وَألف وَلما وجهت عَنهُ الشامية للشمس الميدانى كَمَا ذَكرْنَاهُ فى تَرْجَمَة الميدانى سَافر الى الرّوم فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَقرر فى الْمدرسَة الى ان جَاءَ الميدانى تقريرا آخر فاشتركا فى الْمَعْلُوم ثمَّ لم تمض سنة الا مَاتَ الميدانى فاستقل بِالْمَدْرَسَةِ وَجلسَ مَكَان الميدانى تَحت الْقبَّة فى الْجَامِع الاموى لاقراء صَحِيح البخارى فى الاشهر الثَّلَاثَة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وَرَأس الرياسة التَّامَّة وَلم يبْق من أقرانه الشَّافِعِيَّة أحد وهرعت اليه النَّاس والطلبة وَعظم قدره وَبعد صيته وَكَانَ قارى الدَّرْس بَين يَدَيْهِ السَّيِّد أَحْمد بن على الصفورى ثمَّ الشَّيْخ الامام رَمَضَان بن عبد الْحق العكارى ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 الشَّيْخ الْعَالم مصطفى بن سوار وَكَانَت مُدَّة جُلُوسه تَحت قبَّة النسْر سَبْعَة وَعشْرين سنة وَهُوَ قَادر مُدَّة الميدانى وَهَذَا من غَرِيب الِاتِّفَاق وانتفع النَّاس بِهِ وَأخذُوا عَنهُ طبقَة بعد طبقَة وهم فى الْكَثْرَة لَا يحوم الا حِصَار حَولهمْ وَقد مر مِنْهُم فى كتَابنَا جمَاعَة وسيأتى جمَاعَة وَكَانَ لَهُ بالحجاز الصيت الذائع وَالذكر الشَّائِع وَحكى الشَّيْخ الْعَالم التقى الشَّيْخ حَمْزَة بن يُوسُف الدومانى ثمَّ الدمشقى الحنبلى أبقاه الله تَعَالَى غير مرّة أَنه لما حج فى سنة تسع وَخمسين وَألف كَانَ النَّجْم حَاجا تِلْكَ السّنة وهى آخر حجاته وَكَذَلِكَ الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى الْمحلى كَانَ حَاجا قَالَ وَكنت صُحْبَة الشَّيْخ مَنْصُور فَبَيْنَمَا أَنا ذَات يَوْم عِنْد الشَّيْخ مَنْصُور بخلوة عِنْد بَاب الزِّيَادَة واذا بحس ضجة عَظِيمَة قَالَ فَخرجت فَنَظَرت واذا بالشيخ النَّجْم بَينهم وهم يَقُولُونَ لَهُ أجزنا وَمِنْهُم من يَقُول هَذَا حَافظ الْعَصْر وَمِنْهُم من يَقُول هَذَا حَافظ الشَّام وَمِنْهُم من يَقُول هَذَا مُحدث الدُّنْيَا فَوقف عِنْد بَاب الزِّيَادَة وَقَالَ لَهُم أجزتكم بِمَا تجوز لى رِوَايَته بِشَرْطِهِ عِنْد أَهله بِشَرْط أَن لَا يلحقنا أحد حَتَّى نطوف ثمَّ مَشى الى المطاف فَمَا وصل اليه الا وَخَلفه اناس اكثر من الاولى فَوقف وَأَجَازَهُمْ كَمَا تقدم وَقَالَ لَهُم بِشَرْط ان لَا يشغلنا أحد عَن الطّواف قَالَ فَوقف النَّاس وَطَاف الشَّيْخ قَالَ وَلم يكن يطوف مَعَ الشَّيْخ الا اناس قَلَائِل كانما أخلى لَهُ المطاف فَلَمَّا فرغ من الطّواف طلبُوا مِنْهُ الاجازة أَيْضا فأجازهم ثمَّ أرسل الشَّيْخ مَنْصُور وَدعَاهُ الى الْخلْوَة فَذهب ولحقه النَّاس الى بَاب الْخلْوَة وطلبوا مِنْهُ الاجازة فاجازهم وَدخل الْخلْوَة ثمَّ جَاءَ الشَّمْس مُحَمَّد البابلى ثمَّ بعد هنيئة جَاءَ الشريف زبد صَاحب مَكَّة فَلَمَّا اسْتَقر بهم الْمجْلس تَذَاكَرُوا أَمر السَّاعَة فاخذ الشَّمْس البابلى فى الْكَلَام فَقَالَ النَّجْم بِصَوْت مزعج وَقد جلس على ركبته وَشرع يُورد أَحَادِيث السَّاعَة بأسانيد وعزوها لمخرجيها وَيتَكَلَّم على مَعَانِيهَا حَتَّى بهر الْعُقُول وَأطَال فى ذَلِك ثمَّ لما فرغ قَالَ البابلى تجيزونا يَا مَوْلَانَا بِمَا لكم وَكَذَلِكَ استجازه الشَّيْخ مَنْصُور والشريف زيد وَأَنا وَمن حضر فاجاز الْجَمِيع ثمَّ قدم لَهُم الشَّيْخ مَنْصُور من عِنْده سماطا وأردفه الشريف زيد باشياء من المآكل فَلَمَّا فرغوا انْصَرف الشَّيْخ النَّجْم وبقى البابلى فَقَالَ للشَّيْخ سُبْحَانَ الله مَا هَذَا الا عَن نبأ عَظِيم فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ مَنْصُور أَنا كنت اذا رَأَيْت كتبه وتصانيفيه اعْجَبْ مِنْهَا واذا اجْتمعت بِهِ لَا يتَكَلَّم الا قَلِيلا فاعجب من ذَلِك وَلَكِن الْآن تحقق عندى علمه وَحفظه انْتهى وَكَانَ قبل مَوته بست سنوات أَو سبع سنوات اعتراه طرف فالج فَكَانَ لَا يتَكَلَّم الا قَلِيلا فعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 هَذَا الْمجْلس وَكَثْرَة الْكَلَام فِيهِ بالمناسب لما هم بصدده من غير توقف وَلَا تلعثم كَرَامَة لَهُ وَهُوَ مَحل الْكَرَامَة فقد أخبر بعض الثِّقَات انه سَأَلَ بعض الصَّالِحين عَن الابدال بِالشَّام فعد مِنْهُم ثَلَاثَة احدهم النَّجْم وَمَا اشْتهر من ان سُكُوته بذلك الْعَارِض كَانَ من الشَّيْخ حُسَيْن بن فرفره كَمَا ذَكرْنَاهُ فى تَرْجَمَة الشَّيْخ حُسَيْن لَا يقْدَح فى ولَايَته كَمَا يظنّ وَلَعَلَّ ذَلِك كَانَ سَببا لولايته فى مُقَابلَة انكسار حصل لَهُ وَتوجه الى الْقُدس قرب مَوته هُوَ وَالشَّيْخ ابراهيم الصمادى فى جمعية عَظِيمَة وَنزلا الى الرملة وزارا تِلْكَ الْمعَاهد ورجعا الى دمشق فتخلى النَّجْم لِلْعِبَادَةِ وَترك التَّأْلِيف وَبَلغت بِهِ السن الى الْهَرم وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَاتِمَة حفاظ الشَّام وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاربعاء ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف عَن ثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة وَعشرَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام وَدفن بمقبرة الشَّيْخ ارسلان رضى الله عَنهُ وَمن غَرِيب مَا اتّفق لَهُ فى درسه تَحت الْقبَّة ان الشَّمْس الداودى كَانَ وصل فى قِرَاءَته البخارى الى بَاب كَانَ اذا صلى لَا يكف شعرًا وَلَا ثوبا ودرس بعده الشَّمْس الميدانى من ذَلِك الْبَاب الى بَاب مَنَاقِب عمار بن يَاسر وَتوفى ودرس من بعده النَّجْم الى ان اكمله فى ثَلَاث سنوات ثمَّ افتتحه وختمه واعاد قِرَاءَته الى أَن وصل الى بَاب الْبكاء على الْمَيِّت وَوَقع لَهُ قبل مَوته بيومين انه طلع الى بساتينه أوقاف جده واستبرأ الذِّمَّة من الفلاحين وَطلب مِنْهُم الْمُسَامحَة وفى الْيَوْم الثانى دَار على أَهله ابْنَته وبنتها وَغَيرهم وزارهم وأتى الى منزله بَيت زَوجته أم القاضى يحيى بن حميد بزقاق الْوَزير الْآخِذ الى سوق جقمق وَصلى الْمغرب ثمَّ جلس لقِرَاءَة الاوراد وَأخذ يسْأَل عَن اذان الْعشَاء وَأخذ فى ذكر لَا اله الا الله وَهُوَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة ثمَّ سمع مِنْهُ وَهُوَ يَقُول بالذى أرسلك ارْفُقْ بى فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فرأوه قد قضى نحبه ولقى ربه رَحْمَة الله تَعَالَى ورثاه جمَاعَة من الْفُضَلَاء مِنْهُم الاديب مُحَمَّد بن يُوسُف الكريمى رثاه بقصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا (لما لجنات العلى ... شيخ الشُّيُوخ انتقلا) وَجعل تَارِيخ الْوَفَاة فى بَيت هُوَ آخر القصيدة وَهُوَ هَذَا (يَا نجم دين الله من ... أفق دمشق أَفلا) مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن خضر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن على القاضى بدر الدّين المناشيرى الصالحى الشافعى الْفَقِيه الاخبارى كَانَ من الْفُضَلَاء المثابرين على الافادة والاسفادة قَرَأَ الْكثير واخذ عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 النَّجْم الغزى وَالشَّيْخ على القبردى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الاسطوانى وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن بليان وَغَيرهم وَضبط وَقيد وَكتب الْكثير وانتفع بِهِ جمع وَولى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بمحكمة بَاب قناة العونى وَكَانَ لَا يفتر عَن حُضُور مجَالِس الْعلم ويذاكر بأدب ولطف تَعْبِير وَكَانَ نقى الْعرض مِمَّا ابتلى بِهِ كثير من قُضَاة المحاكم سَاكِنا قَلِيل التَّكَلُّم وَله قُوَّة حافظة للاخبار والاشعار فاذا فاوضه أحد فى شئ من ذَلِك جاش مجره ووقفت على مَجْمُوع بِخَطِّهِ يبلغ سِتِّينَ كراسا جمع فِيهِ كل غَرِيبَة ووقف عَلَيْهِ بعض الظرفاء فَكتب عَلَيْهِ زنبيل الاعمال فَلَمَّا رأى الْكِتَابَة كتب تحتهَا الصَّالِحَة ان شَاءَ الله تَعَالَى وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مَجْمُوع نَوَادِر وَكَانَت وِلَادَته كَمَا قرأته بِخَطِّهِ يَوْم الثلاثا بَين الظّهْر وَالْعصر رَابِع عشر شهر ربيع الثانى سنة سبع وَعشْرين وَألف وَتوفى سنة سبع وَسبعين وَألف وَدفن بسفح قاسيون وأرخ بَعضهم وَفَاته بقوله (نجل المناشيرى لما قضى ... فَقلت من لهفى بدمع سجام) (عساك يَا ذَا الطول مذ أَرخُوا ... بوأت بدر الدّين دَار السَّلَام) والمناشير نِسْبَة الى المناشير وهى رقاع الاحكام وَكَانَ جده خضر الادنى كَاتب الانشاء بالديار المصرية وَكَانَ صَاحب فضل وأدب رحمهمَا الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد العيثاوى الدمشقى كَانَ عَلامَة فهامة فى جَمِيع الْعُلُوم أحد عَن النَّجْم وأخيه أبي الطّيب الغزبين وَعَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وَالشَّيْخ رَمَضَان العكارى وَالشَّيْخ أَحْمد البهنسى وَالشَّيْخ على القبردى والمنلا حسن الكردى والمنلا أَحْمد بن حيدر الظهرانى وَالسَّيِّد حسن الحجار وَمن الواردين عَن السرى الدرورى المصرى وَالشَّيْخ غرس الدّين الخليلى المدنى ومشايخه يزِيدُونَ على الثَّمَانِينَ وفَاق أقرانه فى الاخذ بانواع الْفُنُون ودرس وَأفَاد وانتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن حسن بن عجلَان النَّقِيب وَكَانَ كثير الثَّنَاء عَلَيْهِ وانتفاعه كَانَ بِهِ وَكَانَ متصلبا فى أَمر الدّين قوالا بِالْحَقِّ لَا تَأْخُذهُ فى الله لومة لائم وَمِمَّا اتّفق لَهُ انه دخل مرّة على محافظ الشَّام فى مصلحَة مُتَعَلقَة بالخانقاه السمساطية وطعامها فتشاغل الباشا عَنهُ بأوراق فمسك الباشا من طوقه وجذبه وَقَالَ لَهُ انْظُر فى أَمر هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاء واقض مصلحتهم فَالْتَفت اليه وَقضى لَهُ مَا جَاءَ فِيهِ وَدخل مرّة اخرى على حَاكم آخر بِسَبَب معاليم الْجَامِع الاموى وَكَانَ سِنَان باشا المتولى عَلَيْهِ كتب بهَا دفترا وَأَرَادَ قطع شئ مِنْهَا فَوجدَ الباشا ينظر فى دفتر المتولى ويتأمله فَجَذَبَهُ أَيْضا من طوقه وَقَالَ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 لَا تلْتَفت الى مَا كتبه هَذَا الظَّالِم وَكَانَ حَاضرا فى الْمجْلس وَانْظُر الى عباد الله بِنور الله فَعمل على مُرَاده وَترك مَا أَرَادَ المتولى وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء أخر وَله تحريرات على التَّفْسِير وَغَيره لَكِنَّهَا لم تجمع وَذَهَبت وَولى آخر أمره تدريس البخارى فى الاشهر الثَّلَاثَة تَحت قبَّة النسْر بِجَامِع بنى أُميَّة ودرس وَكَانَ يُقرر تقريرا جيدا الا انه كَانَ ضيق الْعبارَة وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْخَمِيس رَابِع شهر ربيع الاول سنة ثَمَانِينَ وَألف بداء الاسْتِسْقَاء وَدفن بتربة بَاب الصَّغِير مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عَلَاء الدّين أَبُو الْيُسْر الملقب كَمَال الدّين العسيى القدسى ينتهى نسبه الى الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الصنابحى ذكره ابْن قيم الجوزية فى صفة الصفوة كَانَ عَالما مُحدثا حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى محبا للْفُقَرَاء وَالصَّالِحِينَ محسنا اليهم اجازه جده الشَّيْخ ابْن قاضى الصَّلْت الامام بِالْمَسْجِدِ الاقصى بِحَدِيث الاولية وَكَانَ عمره اذ ذَاك اثنتى عشرَة سنة رَحل إِلَى مصرفى سنة خمس وَخمسين وَألف هُوَ وَأَخُوهُ يُوسُف وَأخذ بهَا الحَدِيث عَن المعمر الشَّيْخ اسماعيل بن ماضى بن يُونُس بن اسماعيل ابْن خطاب السنجيدى الشافعى خطيب جَامع الْحَاكِم وَله اجازات جمة من عُلَمَاء الازهر مِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْيُمْنَى اجازه فى القراآت السَّبع وَمِنْهُم الْبُرْهَان اللقانى وَالشَّيْخ ابراهيم البيجورى شيخ الْقُرَّاء بمقام الامام الشافعى وَكَانَ مواظبا لزيارته فى كل لَيْلَة سبت وَالْقِرَاءَة مَعَه فى المقرأ الْكَبِير وَولى الامامة بِالْمَسْجِدِ الاقصى وَحج ثَلَاث مَرَّات وَأخذ بِمَكَّة عَن ابْن عَلان الصديقى وَاجْتمعَ القطب الْغَوْث بِمَكَّة فى الْمرة الثَّالِثَة ودعا لَهُ بِحسن الخاتمة فجَاء من الْحَج فى تِلْكَ السّنة وهى سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف متوعكاً وَتوفى فى شهر بيع الاول من تِلْكَ السّنة مُحَمَّد ميرزا بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالسروجى الدمشقى الميدانى كَانَ فى ابْتِدَاء أمره وَهُوَ بِدِمَشْق يشْتَغل السُّرُوج ويبيعها ثمَّ طلب الْعلم وَأخذ عَن الشيم الميدانى والنجم الغزى وَعَن أَبى الْعَبَّاس المقرى وَأَجَازَهُ بِجَمِيعِ مؤلفاته ومروياته وَأخذ عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الْمُحَقق الصوفى عبد الله الرومى البوسنوى شَارِح الفصوص الشهير بعبدى رَحمَه الله ورحل الى الْحَرَمَيْنِ وَأخذ بِمَكَّة عَن الشَّيْخ الولى الْكَامِل تَاج الدّين النقشبندى قدس الله روحه وَنور ضريحه وَأخذ بِالْمَدِينَةِ المنورة عَن الشَّيْخ غرس الدّين الخليلى وجاور بِالْمَدِينَةِ نَحْو أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ يحجّ غَالب السنين وَكَانَ تقيا ورعا زاهدا فى الدُّنْيَا ورياستها ملازما لِلْعِبَادَةِ وَالذكر كثير المطالعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 لكتب الْقَوْم خَبِيرا باصطلاحاتهم محققا لكتب الْحَقَائِق لَا سِيمَا كتب الشَّيْخ الاكبر قدس الله سره الْعَزِيز وَكَانَ يحل المشكلات الَّتِى يستشكلها غَالب النَّاس وَأقَام بِمَكَّة سِنِين قَالَ الشلى وَأخذت عَنهُ وصحبته مُدَّة مجاورته وَكَانَ حسن الاخلاق متواضعا مشتغلا بِمَا يعنيه وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بالمعلاة مُحَمَّد المرابط بن مُحَمَّد بن أَبى بكر أَبُو عبد الله شهر بالصغير الدلائى الفشتالى المغربى المالكى نادرة الدَّهْر وفريد العضر لم يَأْتِ من الْمغرب فى هَذَا الْعَصْر لَهُ شَقِيق فَهُوَ لعمرى بِجمع الْفَضَائِل حقيق لَهُ حسب تليد وَبَاعَ فى الْمجد طَوِيل مديد لَهُ فى كل علم سهم مُصِيب وحذق عَجِيب خُصُوصا علم الْعَرَبيَّة فانه رَأس المؤلفين فى زَمَانه وَسَار ذكره مسير الْمثل بَين اقرانه روى عَن جمع مِنْهُم وَالِده الْعَلامَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد وَعَن امام الْمغرب أَبى عبد الله مُحَمَّد المغربى بن يُوسُف أَبى المحاسن الفاسى وَعَن الولى أَبى مُحَمَّد عبد الهادى بن عَالم الغرب فى الحَدِيث أَبى مُحَمَّد عبد الله بن على بن طَاهِر السجلماسى واشتهر فى الْآفَاق وانتفع بِهِ خلق كَثِيرُونَ من أفاضل الْمغرب وَقدم الْقَاهِرَة فى سنة ثَمَانِينَ وَألف فَأقبل عَلَيْهِ فضلاؤها واستفاد مِنْهُ نجباؤها وَجرى بنيه وَبَين الْعَلامَة الشهَاب البشبيشى مطارحات واسئلة منظومة فى فنون الْعَرَبيَّة وَكَانَ أَخُوهُ مُحَمَّد الْحَاج بن مُحَمَّد بن أَبى بكر سُلْطَان فاس ومكناس وَالْقصر وَمَا والاها من أَرض الدلا وسلا وَغَيرهَا من أَرض الْمغرب وَمكث ملكا نَحْو أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ انتزع الْملك مِنْهُ مولاى رشيد الشريف الْحسنى كَمَا انتزعه من غَيره وحبسه الى أَن مَاتَ مسجونا وَخرب مدينتهم الْمَعْرُوفَة بالزاوية كَمَا أسلفناه فى تَرْجَمَة مولاى رشيد ورحلوا باجمعهم الى تلمسان وَورد مَعَه الى مصر ابْن أَخِيه عبد الله بن مُحَمَّد الْحَاج وَكَانَ أَمِيرا بِمَدِينَة سلا وَمَا والاها من قبل وَالِده وَله ولد اسْمه مُحَمَّد كَانَ من أكَابِر الافاضل تصدر لقِرَاءَة الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَله // شعر حسن // وللسيخ مُحَمَّد المرابط مصنفات مِنْهَا نتائج التَّحْصِيل فى شرح التسهيل وَفتح اللَّطِيف للبسط والتعريف والمعارج المرتقيات الى معالى الورقات وَالْبركَة البكرية فى الْخطب الوعظية والدرة الدرية فى محَاسِن الشّعْر وغرائب الْعَرَبيَّة وَفصل الْخَصْمَيْنِ فى مُتَعَلق الظرفين والدلائل القطعية فى تَقْرِير النصب على الْمَعِيَّة والتحرير الاسمى فى اعراب الزَّكَاة اسْما وَرفع اللّبْس عَن وُرُود تفعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 بِمَعْنى فعل وَالْعَكْس وَله غير ذَلِك وَله ديوَان كَبِير الحجم من طالعه عرف فى البلاغة مَكَانَهُ مِنْهُ قَوْله (سبحت اذ أَوْمَضْت للصب عَيْنَاك ... وكدت أقضى هوى من حسن مرآك) (يَا من ثملت براح من لواحظها ... لله مَا فعلت فِينَا حمياك) (أفردت حسنا كَمَا أفردت فِيك صفا ... ودو حاشاى من شرك وحاشاك) (تكاملت فِيك أَوْصَاف جللت بهَا ... عندى فسبحان من بالْحسنِ حلاك) (يَا أُخْت ظبى النقاد لَا وفرط بهَا ... ردى ودائع قد أودعتها فَاك) (وَلَا تجورى فَأَنت الْيَوْم مالكة ... ذوى الصبابات واستبقى رعاياك) وَاجْتمعَ بِهِ الاخ الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله لَا برح رونق الادب ومبلغ السؤل والارب وَكتب اليه أبياتا يستدعى مِنْهُ الاجازة مطْلعهَا قَوْله (مليك نحاة الْعَصْر عَلامَة الدَّهْر ... وَيَا علما فى الْفضل مُرْتَفع الذّكر) مِنْهَا (وقبلك مَا كَانَ ابْن مَالك هَكَذَا ... وَعَمْرو نسيناه وَعَاد بِلَا بكر) (أجزنى بِمَا ألفته وقرأته ... على السَّادة الاعلام اشياخك الغر) (بقيت بَقَاء الدَّهْر يَا غَايَة المنى ... وَبَلغت مَا تهواه يَا ابْن أَبى بكر) وَسَنَده فى الْعُلُوّ والافتخار أشهر من الشَّمْس فى رَابِعَة النَّهَار ثمَّ رَحل الى الْمغرب وَأذن لَهُ مولاى رشيد فى الدُّخُول الى مَدِينَة فاس فَأَقَامَ بهَا الى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى سنة تسعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الفاسى وَهُوَ اسْم لَهُ لَا نِسْبَة الى فاس ابْن طَاهِر السوسى الرودانى المغربى المالكى نزيل الْحَرَمَيْنِ الامام الْجَلِيل الْمُحدث المفنن فَرد الدُّنْيَا فى الْعُلُوم كلهَا الْجَامِع بَين منطوقها ومفهومها وَالْمَالِك لمجهولها ومعلومها ولد فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف بتارودنت بتاء مثناة من فَوق بعْدهَا ألف ثمَّ رَاء مَضْمُومَة فواو ثمَّ دَال مُهْملَة مَفْتُوحَة فنون ومثناة من فَوق ساكنتان قَرْيَة بسوس الاقصى وَقَرَأَ بالمغرب على كبار الْمَشَايِخ من أَجلهم قاضى الْقُضَاة فَتى مراكش ومحققها أَبُو مهدى عِيسَى السكانى والعلامة مُحَمَّد بن سعيد المربغنى المركاشى وَمُحَمّد بن أَبى بكر الدلائى وَشَيخ الاسلام سعيد ابى ابراهيم الْمَعْرُوف بقدروه مفتى الجزائر وَهُوَ أجل مشايخه وَمِنْه تلقن الذّكر وَلبس الْخِرْقَة ولازم الْعَلامَة أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن نَاصِر الدرعى أَرْبَعَة أَعْوَام فى التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 والتصوف وَغَيرهَا وَصَحبه وَتخرج بِهِ ثمَّ رَحل الى الْمشرق وَدخل مصر وَأخذ عَمَّن بهَا من أَعْيَان الْعلمَاء كالنور الاجهورى والشهابين الخفاجى والقليوبى والمسند المعمر مُحَمَّد بن أَحْمد الشوبرى وَالشَّيْخ سُلْطَان وَغَيرهم وأجازوه ثمَّ رَحل الى الْحَرَمَيْنِ وجاور بِمَكَّة وَالْمَدينَة سِنِين عديدة وَهُوَ مكب على التصنيف والاقراء ثمَّ توجه الى الرّوم فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف صُحْبَة مصطفى بيك أخى الْوَزير الْفَاضِل وَمر بطريقه على الرملة وَأخذ بهَا عَن شيخ الْحَنَفِيَّة خير الدّين الرملى وبدمشق عَن نقيب الشَّام وعالمها السَّيِّد مُحَمَّد بن حَمْزَة والمسند المعمر مُحَمَّد بن بدر الدّين بن بلبان الحنبلى وَلما وصل الى الرّوم حظى عِنْد الْوَزير وَمن دونه وَمكث ثمَّة نَحْو سنة وَرجع الى مَكَّة المشرفة مجللا وحصلت لَهُ الرياسة الْعَظِيمَة الَّتِى لم يعْهَد مثلهَا وفوض اليه النّظر فى أُمُور الْحَرَمَيْنِ مُدَّة حَتَّى صَار شرِيف مَكَّة لَا يصدر الا عَن رَأْيه وأنيطت بِهِ الامور الْعَامَّة والخاصة الى ان مَاتَ الْوَزير فرق حَاله وتنزل عَمَّا كَانَ فِيهِ ثمَّ ورد أَمر السُّلْطَان الى مَكَّة سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف باخراجه مِنْهَا الى بَيت الْمُقَدّس وَسَببه عرض الشريف بَرَكَات أَمِير مَكَّة فِيهِ الى السلطنة وَطلب اخراجه من مَكَّة بعد ان كَانَ بَينهمَا من المرابطة مَا كَانَ وعَلى يَده تمت لَهُ الشرافة ونهض بِهِ الْحَظ وَكَانَ يَوْم وُرُود الامر يَوْم عيد الْفطر فألح عَلَيْهِ الشريف سعيد بن بَرَكَات شرِيف مَكَّة يَوْمئِذٍ وقاضى مَكَّة فى امْتِثَال الامر السلطانى فَامْتنعَ من الْخُرُوج فى هَذِه الْحَالة وتعلل بالخوف من قطاع الطَّرِيق فَأبى أَن يسلم نَفسه وَمَاله فأمهل بعد علاج شَدِيد وَتشفع عِنْد بعض الاشراف الى مخرج الْحَج ثمَّ توجه صُحْبَة الركب الشامى وَأبقى أَهله بِمَكَّة وَأقَام فى دمشق فى دَار نقيب الاشرف سيدنَا عبد الركيم بن حَمْزَة حرس الله جَانِبه وَجعل أطوع أمره مجانبه وَاجْتمعت بِهِ ثمَّة مرّة صَحبه فَاضل الْعَصْر ودرة قلادة الْفَخر الْمولى أَحْمد بن لطفى النَّجْم المولوى نضر الله بِهِ وَجه الْفَضَائِل وابقاه مغبوطة بِهِ الاواخر من الاوائل فَرَأَيْت مهابة الْعلم قد أخذت باطرافه وحلاوة الْمنطق فى محَاسِن أوضافه وَاسْتمرّ بِدِمَشْق مُدَّة مُنْفَردا بِنَفسِهِ لَا يجْتَمع الا بِمَا قل من النَّاس واشتغل مُدَّة اقامته بتأليف كتاب الْجمع بَين الْكتب الْخَمْسَة والموطأ على طَريقَة ابْن الاثير فى جَامع الاصول الا انه استوعب الرِّوَايَات من الْكتب السِّتَّة وَلم يختصر كَمَا فعل ابْن الاثير وَله من التآليف الشاهدة بتبحره ودقة نظره مُخْتَصر التَّحْرِير فى أصُول الْحَنَفِيَّة لِابْنِ الْهمام وَشَرحه ومختصر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 تَلْخِيص الْمِفْتَاح وَشَرحه والمختص الذى آلفه فى الْهَيْئَة والحاشية على التسهيل والحاشية على التَّوْضِيح وَله منظومة فى علم الْمِيقَات وَشَرحهَا وَله جدول جمع فِيهِ مسَائِل الْعرُوض كلهَا واخترع كرة عَظِيمَة فاقت على الكرة الْقَدِيمَة والاسطرلاب وانتشر فى الْهِنْد واليمن والحجاز وَغير ذَلِك من الرسائل وَله فهرست يجمع مرويانه واشياخه سَمَّاهَا صلَة الْخلف بموصول السّلف ذكر فِيهِ انه وَقع لَهُ بالمغرب غرائب مِنْهَا انه كَانَ مجتازا على بلد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبى عبد الله مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد الواورغتى الناولى وَهُوَ قَاصد بلد أُخْرَى فَسَأَلَ عَن الْبَلَد فَقيل لَهُ ان فِيهِ شَيخا مربيا صفته كَذَا وَكَذَا قَالَ فجذبنى الشوق اليه وَلم أملك نفسى حَتَّى دخلت بَلَده فلقينى رجل خَارج الى وَقَالَ أمرنى الشَّيْخ أَن اخْرُج اليك وآتيه بك فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ رفع الى بَصَره فَوَقَعت مغشيا على بَين يَدَيْهِ وَبعد حِين أَفَقْت فَوَجَدته يضْرب بِيَدِهِ بَين كتفى وَيَقُول وَهُوَ على جمعهم اذا يَشَاء قدير أَفَمَن وعدنا وَعدا حسنا فَهُوَ لاقيه فأمرنى بملازمته ومذاكرة أَوْلَاده بِالْعلمِ فَقلت لَهُ انى طلبت كثيرا لَكِن الى الْآن مَا فتح الله تَعَالَى على بشئ وَلَا أقدر على اسْتِخْرَاج كتاب وَلَا الاجررومية وَكنت اذ ذَاك كَذَلِك فَقَالَ لى اجْلِسْ عندنَا ودرست أى كتاب شِئْت فى أى علم شِئْت ونطلب من الله وَتَعَالَى أَن يفتح لَك فَجَلَست ودرس طَائِفَة من الْكتب الَّتِى قرأتها وَكنت اذا توقفت فى شئ أحس بمعان تلقى على قلبى كانها أجرام وغالب تِلْكَ الْمعَانى هى الَّتِى كَانَت مَشَايِخنَا تقررها لنا وَلَا نفهمها وَلَا أتذكرها قبل ذَلِك وَكَانَ مسكنى قريب مَسْكَنه فَكنت أعرف انه يخْتم الْقُرْآن الْعَظِيم بَين الْعشَاء وَالْمغْرب يصلى بِهِ النَّوَافِل ورأيته يَوْمًا تصفح جَمِيع الْمُصحف الشريف وَجَمِيع تَنْبِيه الانام وَجَمِيع دَلَائِل الْخيرَات فى مجْلِس فعجبت من ذَلِك وَسَأَلت عَن ذَلِك بعض الْحَاضِرين فَقَالَ لى من ورد الشَّيْخ انه يخْتم ثلاثتها بعد صَلَاة الضُّحَى وشاهدت لَهُ الْعجب العجاب فى نزُول الْبركَة فى الطَّعَام وَغير ذَلِك بِمَا هُوَ مَحْض كرامات الاولياء وَمِنْهَا أَنه لقى يَوْمًا الْعَلامَة عِيسَى المراكشى مفتى مراكش وَقد احتف بِهِ خلق كثير يزدحمون على تَقْبِيل يَده وركبته وَهُوَ رَاكب فزاحمهم حَتَّى قبل يَده تبركا قَالَ فَانْحنى الى دون النَّاس وَقَالَ أجزتك بِجَمِيعِ مروياتى فَكَأَنَّمَا طبعها فى قلبى الْآن وَكَانَ ذَلِك قبل اشتغالى بِطَلَب الْعلم وَلست متزييا بزى طلبته حَتَّى يُقَال انه رأى عَلامَة الاهلية وَلَا ان ذَلِك من عَادَته مَعَ المتأهلين للاجازة بل لم يظفر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 بالاجازة مِنْهُ الا الْقَلِيل من أخصائه فَمَا أَظن ثمَّ بعد غيبتى عَنهُ ثَمَانِيَة أَعْوَام فى طلب الْعلم الشريف من الله تَعَالَى بِالرُّجُوعِ اليه وتجديد الاخذ عَنهُ فى سنة سِتِّينَ وَألف قبل وَفَاته بِسنة وَللَّه تَعَالَى الْحَمد والْمنَّة قلت والظاهرين من شَأْنه كَمَا نقلت عَن شَيخنَا المرحوم عبد الْقَادِر بن عبد الهادى وَهُوَ مِمَّن أَخذ عَنهُ وسافر الى الرّوم فى صحبته وانتفع بِهِ وَكَانَ يصفه بأوصاف بَالِغَة حد الغلو وَيذكر الْفُنُون الَّتِى كَانَ يُشِير بمعرفتها فيستغرق الْعد ان ذَلِك فِيهِ بِمُجَرَّد فتح الهى ببركة شَيْخه الواورغنى الْمَذْكُور فانه كَانَ يَقُول انه يعرف الحَدِيث والاصول معرفَة مَا رَأينَا من يعرفهَا مِمَّن أدركناه وَأما عُلُوم الادب فاليه النِّهَايَة فِيهَا وَكَانَ فى الْحِكْمَة والمنطق والطبيعى والالهى الاستاذ الذى لَا تنَال مرتبته بالاكتساب وَكَانَ يتقن فنون الرياضة اقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطى وَيعرف أَنْوَاع الْحساب والمقابلة والارتماطيقى وَطَرِيق الخطاءين والموسيقى والمساحة معرفَة لَا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره الا فى ظواهر هَذِه الْعُلُوم دون دقائقها وَالْوُقُوف على حقائقها وَكَانَ يبْحَث فى الْعَرَبيَّة والتصريف بحثا تَاما مُسْتَوْفيا وَكَانَ لَهُ فى التَّفْسِير وَأَسْمَاء الرِّجَال وَمَا يتَعَلَّق بِهِ يَد طائلة وَكَانَ يحفظ فى التواريخ وَأَيَّام الْعَرَب ووقائعهم والاشعار والمحاضرات شَيْئا كثيرا وَكَانَ فى الْعُلُوم الغريبة كالرملة والاوفاق والحروف والسيميا والكيميا حاذقا اتم الحذق وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر فى الْمَعْنى (وَكَانَ من الْعُلُوم بِحَيْثُ يقْضى ... لَهُ فى كل علم بِالْجَمِيعِ) وَقد أَخذه عَنهُ بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَالروم خلق ومدحه جمَاعَة وأثنوا عَلَيْهِ وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق يَوْم الاحد عَاشر ذى الْقعدَة سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَدفن بالترية الْمَعْرُوفَة بالايجية بسفح قاسيون بِوَصِيَّة مِنْهُ ورثاه شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن عبد الهادى رَحمَه الله تَعَالَى بقصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا قَوْله (صبرا فَكل الانام يفقد ... لَا أحد هَهُنَا يخلد) يَقُول من جُمْلَتهَا هَذَا (وَالنَّاس آجالهم كخيل ... فَالسَّابِق الْمُضمر الْمُجَرّد) (وعالم الْكَوْن فى فنَاء ... فحقق الامر فِيهِ واشهد) (والخطب عَم الانام طرا ... بِمَوْت شيخ الْعُلُوم أوحد) (ابْن سُلَيْمَان من حباه ... الْمُصْطَفى باسمه مُحَمَّد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 (تبكى عُلُوم الالى عَلَيْهِ ... وطرسها قد غَدا مسود) مِنْهَا (فى كَفه دَائِما يراع ... لَهُ وُجُوه الطروس سجد) (ان هزه فَالصَّوَاب يَبْدُو ... من أمره وَاضحا مُؤَكد) (فى كل علم ترَاهُ فَردا ... أدْرك آحاده وجدد) مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن احْمَد الْمَعْرُوف بالبخشى البكفالونى الحلبى الشافعى الْمُحدث الْفَقِيه الصوفى العذب الطَّرِيقَة كَعْب الاحبار ولد ببكفالون بِفَتْح الْمُوَحدَة قَرْيَة من أَعمال حلب وَبهَا قَرَأَ الْقُرْآن وَنَشَأ فى حجر وَالِده ورحل فى أَوَائِل طلبه الى دمشق وَأخذ عَمَّن بهَا من علمائها كالشيخ عبد الباقى الحنبلى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الخباز البطنينى وَشَيخنَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن بلبان وَشَيخنَا الشَّيْخ مُحَمَّد العيثاوى وَغَيرهم وَأخذ طَرِيق الخلوتية عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ أَيُّوب الخلوتى وَقَرَأَ عَلَيْهِ جملَة فنون وأطلعه على أسرار علمه الْمكنون حَتَّى نَالَ مِنْهُ غَايَة الامل وأثمرت لَهُ غيث دُعَائِهِ اغصان الْعلم وَالْعَمَل فَرجع الى أَهله بنعم وافرة ثمَّ توطن حلب وَأخذ بهَا عَن عالمها مُحَمَّد بن حسن الكواكبى الْمُفْتى بهَا وَأقَام على بَث الْعلم ونشره فى غَالب أوقاته وانتفع بِهِ كثير من فضلاء حلب وَله من التآليف الشافية نظم الكافية وَشرح على الْبردَة وَغَيرهمَا وسافر الى الرّوم فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف وَاجْتمعت بِهِ بادرنه ثمَّ اتحدث مَعَه اتحادا تَاما فَكُنَّا نجمتع فى غَالب الاوقات وَكنت شَدِيد الْحِرْص على فَوَائده وَحسن مذاكرته مَعَ الادب والسكينة وَمَا رَأَيْت فِيمَن رَأَيْت احلم وَلَا أحمل مِنْهُ وَكَانَ روح الله تَعَالَى روحه من خِيَار الْخِيَار كريم الطَّبْع مفرط السخاء ثمَّ اجْتمعت بِهِ بقسطنطينية بعد عودنا اليها وَكَانَ لاخى الْوَزير الاعظم الْفَاضِل مصطفى بيك عَلَيْهِ اقبال تَامّ وَله اليه محبَّة زَائِدَة وَكَانَ جَاءَ الى الرّوم بِخُصُوص مشيخة التكية الاخلاصية الخلوتية بحلب فوجهت اليه وَتوجه الى حلب وَأقَام بالتكية الْمَذْكُورَة شَيخا مبجلا مُعظما مَقْصُودا ثمَّ نازعه فِيهَا بعض الخلوتية فَلم تتمّ لَهُ وَبقيت على صَاحب التَّرْجَمَة ودرس بالمقدمية الَّتِى بحلب ثمَّ بعد مُدَّة مل الاقامة بحلب فقصد الْحَج بنية الْمُجَاورَة وَأقَام ابْنه مُحَمَّدًا مقَامه فى المشيخة وَدخل دمشق صُحْبَة الْحَاج وَأقَام بِمَكَّة مجاورا وَأَقْبَلت عَلَيْهِ أهالى مَكَّة المشرفة على عَادَتهم وَقَرَأَ عَلَيْهِ بعض أفاضلها ولقى حظا عَظِيما من شريفها المرحوم الشريف أَحْمد بن زيد لما كَانَ بَينهمَا من الْمَوَدَّة والصحية بالروم أَيَّام كَانَ وَكنت حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 مدحه وأخاه سَعْدا بقصيدة غراء مطْلعهَا هَذَا (خليلى ايه من حَدِيث صبا نجد ... وان حركت دَاء قَدِيما من الوجد) (فآها على ذَاك النسيم تأسفا ... وآه على آه تروح أَو تجدى) (عليلة انفاس تصح نفوسنا ... معطرة الاردان بالشيخ والرند) (وهيهات نجد والعذيب ودونه ... مهامه تغوى الكدر فِيهَا عَن الْورْد) (وَمن كل شماخ الاهاضب خالط السَّحَاب يروم الشَّمْس بالصد وَالرَّدّ ... ) (وتسرى الصِّبَا مِنْهُ فتمسى وبيننا ... من البون مَا بَين السماوة والسند) (سقى الله من نجد هضابا رياضها ... تنفس عَن أذكى من العنبر الوردى) (وَحيا الحيا حَيا نعمنا بظله ... بنعمان مَا بَين الشبيبة والرفد) (نغازل غزلانا كونس فى الحشى ... أوانس فى ألحاظها مقنص الاسد) (تحاكى الجوارى الكنس الزهر بهجة ... وتفضلها فى رفْعَة الشَّأْن والسعد) (حجازية الالفاظ عذرية الْهوى ... عراقية الالحاظ وردية الخد) (بعيدَة مهوى القرط معولة اللمى ... مرهفة الاجفان عسالة الْقد) (تميس وَقد أرخت ذوائب فرعها ... فتخطر بَين البان وَالْعلم الْفَرد) (وتعطو بجيد عطل الحلى حسنه ... كَانَ ظَبْيَة تعطو الى ريق المرد) (وَكم لَيْلَة باتت يداها حمائلى ... وباتت يدى من جيدها مطرح العقد) (ندير سلافا من حباب حبابها ... على حِين ترشاف ألذ من الشهد) (وَلما تمطى الصُّبْح يطْلب علمنَا ... تكنفنا ليل من الشّعْر الْجَعْد) (عفيفين عَمَّا لَا يَلِيق تكرما ... على مَا بِنَا من شدَّة الشوق والوجد) (وَقد كَاد يسْعَى الدَّهْر فى شت شملنا ... وَلَكِن توارى شفعنا عَنهُ بالفرد) انْظُر الى هَذَا الْمَعْنى تَجدهُ فى غَايَة اللطافة وَكَأَنَّهُ اختلسه من قَول بلديه ومعاصره الْمولى مصطفى البابى من قصيدة وهى (وماسها الدَّهْر عَن تفرقنا ... بل ظننا لالتئامنا وَاحِدًا) (رَجَعَ فَأَصْبَحت أَشْكُو بَينهَا وفراقها ... بشط النَّوَى شكوى الاسير الى الْقد) (وانى قد استدركت دَرك مطالبى ... وتبليغ آمالى وَمَا ند عَن حدى) (بطلعة نجلى ذرْوَة الْجد غارب المعالى سَنَام الْفَخر بل غرَّة الْمجد ... ) (امام الْمصلى والمحصب والصفا ... وراثة جد عَن نمى الى جَسَد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 (أَبى أَحْمد زيد الصناديد فى الوعى ... بنى حسن الاسد الكواسرة الْحَد) (بزاة الْعلَا الغر الميامنة الالى ... سما قدرهم يَوْم التفاخر عَن ند) (غيوث اذا أعطو لُيُوث اذا سطوا ... مناقبهم جلت عَن الْحَد وَالْعد) (فَمَا أفلت شمس لزيد وَقد بدا ... لنا من ضياها شمس أَحْمد والسعد) (هما نيرا اوج المعالى وشرفا ... بروج قُصُور الرّوم فى طالع السعد) (ومذر حلا عَن مَكَّة غَابَ انسها ... فَكَانَا كنصل السَّيْف غَابَ عَن الغمد) (اضاءت لَهُم أَرض الشآم وأصبحت ... ضواحى نواحى الرّوم تنضح بالند) (وَقد طَال مَا ذَابَتْ قَدِيما تشوقا ... الى نبل تَقْبِيل المواطئ بالخد) (الى أَن تجلى الله جلّ جَلَاله ... عَلَيْهِنَّ بالانعام واليمن والرشد) (فَأَصْبَحْنَ يحكين الْجنان تبرجا ... ويرفلن من نور الخمائل فى برد) (جوادين فى شوط المماجد جليا ... وحازا رهان السَّبق فى حنق الضِّدّ) (براحتهم ان تنْسب الْجُود فى العطا ... فَتلك بحور تتقى الجزر بِالْمدِّ) (وان أحيت السحب النَّبَات بِمَائِهَا ... فكم أحيت الراحات انفس مستجد) (رياض لمرتاد حصون للائذ ... رجوم لمستعد نُجُوم لمستهد) (شمائل تهزا بالشمائل لطفها ... وَعطف شُمُول الراح هزته تبدى) (اذا ماد جاليل الخطوب بمعضل ... أما ط لثام الْكَشْف عَن ذَاك بالجد) (بهم شرفت أَرض الْحجاز وَآمَنت ... ظباها وأمتها الْوُفُود الى الرفد) (بنوها هَاشم ان كنت تعرف هاشما ... وَمَا هَاشم الا الاسنة والهندى) (بهم فخرت عدنان وَالْعرب كلهَا ... ودانت لَهُم قحطان أهل الفنا الصلد) (فَمن مجدهم يستقبس الْمجد كُله ... وَمن جودهم أهل المكارم تستجدى) (هَنِيئًا لنسل الْمُصْطَفى الشّرف الذى ... تسامى فَلَا يُحْصى بعد وَلَا حد) (بمدحتكم جَاءَ الْكتاب فَمَا عَسى ... تَقول الورى من بعد حم وَالْحَمْد) (وعذرا بنى الزهراء انى ظامئ ... الى الْمَدْح والايام تنسى عَن الْورْد) (يود لسانى أَن يترجم بعض مَا ... لكم فى فؤاد الصب من صَادِق الود) (وَقد نضبت مِنْهُ القريحة نضة ... على حذر من حاذر أحذر الريد) (كنفثة مصدور ولمحة عاشق ... تسارقه عين الرَّقِيب على بعد) (فان أَعْطَتْ الايام بعض قيادها ... رَأَيْتُمْ لَهُ من مدحكم أعظم الْورْد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 وَكَانَت وِلَادَته فى شهر ربيع الاول سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف بقرية بكفالون وَتوفى بِمَكَّة المشرفة لَيْلَة الثُّلَاثَاء الْخَامِس من شهر ربيع الثانى سنة ثَمَان وَتِسْعين والف وَصلى عَلَيْهِ اماما بِالنَّاسِ ضحى يَوْمهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام شَيخنَا الْعَالم الْعَامِل الشَّيْخ أَحْمد النخلى الشافعى فسح الله فى أَجله فى مشْهد حافل حَضَره شرِيف مَكَّة الشريف أَحْمد بن زيد وقاضيها وغالب اعيانها وَدفن بالمعلاة بِالْقربِ من مَزَار أم الْمُؤمنِينَ السيدة خَدِيجَة رضى الله عَنْهَا وَكَانَ فى بِلَاده اخبره بعض الاولياء انه يُقيم بِمَكَّة المكرمة مُدَّة طَوِيلَة جدا فَكَانَ فى كَلَام ذَلِك الولى اشارة الى أَنه يَمُوت بِمَكَّة فانه لم تطل مُدَّة اقامته فَكَانَت اقامته بهَا مَيتا رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مَحْمُود بن ابى بكر الوطرى التنبكتى المالكى عرف بيغبغ بياء مَفْتُوحَة فغين مُعْجمَة سَاكِنة فباء مَضْمُومَة فعين مُهْملَة مَضْمُومَة قَالَ تِلْمِيذه الْعَلامَة أَحْمد بَابا فى كتاب كِفَايَة الْمُحْتَاج لمعْرِفَة مَا لَيْسَ فى الديباج مُخْتَصر كتاب الذيل ذيل بِهِ كتاب الديباج الْمَذْهَب فى معرفَة اعيان عُلَمَاء الْمَذْهَب للامام برهَان الدّين بن فَرِحُونَ الْمُسَمّى نيل الابتهاج بتطريز الديباج لشَيْخِنَا وبركتنا الْفَقِيه الْعَالم المتقن الصَّالح العابد الناسك كَانَ من صالحى خِيَار عباد الله الصَّالِحين وَالْعُلَمَاء العاملين مطبوعا على الْخَيْر وَحسن النِّيَّة وسلامة الطويه والانطباع على الْخَيْر واعتقاده فى النَّاس حَتَّى كَانَ النَّاس يتساوون عِنْده فى حسن ظَنّه بهم وَعدم مَعْرفَته الشَّرّ يسْعَى فى حوائجهم ويضر نَفسه فى نفعهم وينفجع فى مكروههم وَيصْلح بَينهم وينصحهم الى محبَّة الْعلم وملازمة تعلميه وَصرف اوقاته فِيهِ ومحبة اهله والتواضع التَّام وبذل نفائس الْكتب العزيزة الغريبة لَهُم وَلَا يفتش بعد ذَلِك عَنْهَا كَائِنا مَا كَانَ من جَمِيع الْفُنُون فَضَاعَ لَهُ بذلك جملَة من كتبه نَفعه الله تَعَالَى بذلك وَرُبمَا يأتى لبابه طَالب يطْلب كتابا فيعطيه لَهُ من غير معرفَة فَكَانَ الْعجب العجاب فى ذَلِك ايثارا لوجهه تَعَالَى مَعَ محبته للكتب وتحصيلها شِرَاء ونسخا وَقد جِئْته يَوْمًا اطلب مِنْهُ شَيْئا من كتب النَّحْو ففتش فى خزانته فاعطانى كل مَا ظفر بِهِ مِنْهَا مَعَ صَبر عَظِيم على التَّعْلِيم وايصال الْفَائِدَة للبليد بِلَا ملل وَلَا ضجر حَتَّى يمل حاضروه وَهُوَ لَا يبالى حَتَّى سَمِعت بعض أَصْحَابنَا يَقُول أَظن هَذَا الْفَقِيه شرب مَاء زَمْزَم لِئَلَّا يمل من الاقراء تَعَجبا من صبره من مُلَازمَة الْعِبَادَة والتجافى عَن ردئ الاخلاق واضمار الْخَيْر لكل الْبَريَّة حَتَّى الظلمَة مُقبلا على مَا يعنيه متجنبا الْخَوْض فى الفضول ارتدى من الْعِفَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 والمسكنة ازين رِدَاء وَأخذ بِيَدِهِ من النزاهة أقوى لِوَاء مَعَ سكينَة ووقار وَحسن واخلاق وحياء سهل الْوُرُود والاصدار فاحبته الْقُلُوب كَافَّة واثنوا عَلَيْهِ بِلِسَان وَاحِد فَلَا ترى الا محبا مادحا ومثنيا بِالْخَيرِ صَادِقا مَعَ تَشْبِيه بجوامع الْعَامَّة وَأُمُور الْقُضَاة لم يُصِيبُوا عَنهُ بديلا وَلَا نالوا لَهُ مثيلا طلبه السُّلْطَان لتولية الْقَضَاء بمحله فَأَنف وَامْتنع واعرض عَنهُ واستشفع فخلصه الله تَعَالَى لَازم الاقراء سِيمَا بعد موت سيدى أَحْمد بن سعيد فَأَدْرَكته انا يقرى من صَلَاة الصُّبْح اول وقته الى الضُّحَى الْكَبِيرَة دولا مُخْتَلفَة ثمَّ يقوم الى بَيته وَيصلى الظّهْر بِالنَّاسِ ويدرس الى الْعَصْر ثمَّ يُصليهَا وَيخرج لموْضِع آخر يدرس فِيهِ للأصفرار أَو قربَة وَكَانَ غواصا على الدقائق حَاضر الْجَواب سريع الْفَهم منور البصيرة سَاكِنا صامتا وقورا وَرُبمَا انبسط مَعَ النَّاس ويمازحهم وَكَانَ آيَة الله فى جودة الْفَهم وَسُرْعَة الادراك مَعْرُوفا بذلك ولد عَام ثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة على مَا سَمِعت مِنْهُ واخذ الْعَرَبيَّة عَن الفقيهين الصَّالِحين وَالِده وخاله ثمَّ قطن مَعَ اخيه الْفَقِيه سيدى أَحْمد شقيقه بتنبكت فلازما الْفَقِيه أَحْمد بن سعيد فى مُخْتَصر خَلِيل ثمَّ رحلا لِلْحَجِّ فلقيا بِمصْر اللقانى والتاجورى والشريف يُوسُف الارميونى والبرهمتوشى الحنفى والامام مُحَمَّد البكرى وَغَيرهم فاستفادا ثمَّة ثمَّ رجعا بعد حجهما وَمَوْت خالهما فَنزلَا بتنبكت فاخذا عَن ابْن سعيد الْفِقْه والْحَدِيث ولازماه وَعَن سيدى ووالدى الاصول وَالْبَيَان والمنطق قرآ عَلَيْهِ أصُول السبكى وتلخيص الْمِفْتَاح وَحضر على شَيخنَا جمل الجويخى ولازم مَعَ ذَلِك الاقراء حَتَّى صَار خير شيخ فى وقته فى الْفُنُون لَا نَظِير لَهُ ولازمته أَكثر من عشر سِنِين وَذكر مقروآته عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْجُمُعَة فى شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف وَله تعاليق وحواش نبه فِيهَا على مَا وَقع لشراح خَلِيل وَغَيره وتتبع مَا فى الشَّرْح الْكَبِير للتائى من السَّهْو نقلا وتقريرا فى غَايَة الافادة جمعهَا فى آخر تأليفاته وَالله تَعَالَى أعلم مُحَمَّد بن مَحْمُود الشهير بحلوجى زَاده أحد موالى الرّوم الْمَشْهُورين بالادب وَالشعر وَكَانَ يتَخَلَّص على عَادَتهم بعارف ذكره ابْن نوعى فى ذيل الشقائق وَقَالَ فى تَرْجَمته قَرَأَ على عُلَمَاء دَار الْخلَافَة الى أَن وصل الى مرتبَة الاستعداد فلازم من المنلا حسام الدّين بن قره حلبى ودرس باحدى الثمان فى شهر ربيع الاول سنة ثَمَان بعد الالف ثمَّ وَجه اليه قَضَاء مغنيسا فى ذى الْقعدَة من هَذِه السّنة فَلم يفعل وَاخْتَارَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 الْعَزْل فبقى معزولا الى صفر سنة عشْرين ثمَّ وَجه اليه التدريس باحدى الثمان ثمَّ ولى الْقَضَاء ازمير فى جُمَادَى الاخرة سنة احدى وَعشْرين ثمَّ قلبه فى شعْبَان من هَذِه السّنة ثمَّ قَضَاء الْقُدس فى شهر ربيع الاول سنة أَربع وَعشْرين ثمَّ قَضَاء أَيُّوب فى سنة ثَلَاثِينَ وَكَانَ فَاضلا لَهُ من كل فن نصيب وافر وشعره وانشاؤه مسبوكان فى قالب الرقة الا انه كَانَ متكيفا كثير الِاسْتِعْمَال للبرش وَكَانَ كثيرا مَا تَأْخُذهُ نشوة الكيف فيغرق ويستغرق بِهِ النعاس والسرد قَالَ ابْن نوعى وشهدته يَوْمًا وَقد حضر فى محفل جَامع وَكَانَ صدر الْمجْلس نفس زَاده مدرس الخانقية بوفاء وَكَانَ من متعينى أهل الْفضل وَكَانَ مُعْتَمد شيخ الاسلام صنع الله بن جَعْفَر فى أُمُوره ومستشاره الذى لَا يصدر الا عَن رَأْيه وَكَانَ فى نفس الامر من اهل الْعلم والوجاهة الا ان لَهُ كبر نفس وَدَعوى طائلة فَأخذ فى نقل بعض الماجريات وَأطَال بِحَيْثُ مله الْحَاضِرُونَ وَكَانَ فى أثْنَاء خطاباته يلْتَفت يمنة ويسرة ويتمشدق وَيحسن مَا يَقُوله وَوجد صَاحب التَّرْجَمَة فى غُضُون ذَلِك فرْصَة للنوم وَهُوَ يسْرد فاتفق أَنه رأى فى نَومه رجلا يحْكى لَهُ حِكَايَة لكنه أغرب فِيهَا حَتَّى ظن المترجم استحالتها فَهَب من نعسته وَنَفس زَاده نَاظر إِلَى جِهَته وَهُوَ يَقُول كل مَا تَقوله كذب لَا أصل لَهُ فَغَضب نفس زَاده واحتد وَقَامَ من الْمجْلس وَهُوَ يسبه فَاعْتَذر اليه صَاحب الْمجْلس بِالْبَيْتِ الْمَشْهُور (لقد أسمعت لَو ناديت حَيا ... وَلَكِن لَا حَيَاة لمن تنادى) فسكن غَضَبه بعض سُكُون الا ان أهل الْمجْلس عجبوا من وُقُوع هَذَا الامر على هَذِه الصُّورَة وَاسْتولى عَلَيْهِم الضحك فغلب الْحيَاء على نفس زَاده حَتَّى تصبب عرقا وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة من هَذَا الْقَبِيل نَوَادِر كَثِيرَة مطربة وَمِمَّا يستظرف مِنْهَا انه دخل على شيخ الاسلام اِسْعَدْ بن سعد الدّين وَكَانَ ولى قَضَاء أَيُّوب فَقَالَ لَهُ يسليه عَن تَوليته منصبا ارْفَعْ مِنْهُ ويرغبه فِيهِ ان أَيُّوب بِمَثَابَة شهنشين استانبول بِمَعْنى روزنتها فاستجاد صَاحب التَّرْجَمَة هَذَا التَّشْبِيه وَصَارَ يكْتب فى امضائه القاضى بشهنشين قسطنطينية وَهَذَا غَايَة فى سَلامَة الطَّبْع وَهَكَذَا تفعل فويضات البرش وجدت رقْعَة بِخَطِّهِ فِيهَا امضاؤه وَهَذَا نَصهَا وَثِيقَة ثقتى وَحجَّة مستنابى بمحكمتى بِالْبَابِ صَحِيحَة الِاحْتِجَاج من غير لجاج وارتياب وَأَنا الْفَقِير غفرت ذنوبى وسترت عيوبى مُحَمَّد الْمُبْتَلى بِالْقضَاءِ الايوبى الجارى على لِسَان أهل الْجنَّة الدريه الشهير بشهنشين قسطنطينية لَا زَالَ ظلال جلال حاميها غير مفارق أهاليها يَوْم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 الْحساب عفى عَنهُ الرب الْوَهَّاب وَكَانَت وَفَاته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مَحْمُود بن مَحْمُود بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن خضر بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن سُلَيْمَان بن على المناشيرى الصالحى الشافعى وَالِد القاضى بدر الدّين الْمُقدم ذكره كَانَ من فضلاء الشَّافِعِيَّة قَرَأَ وَحصل وَكَانَ أديبا مطبوعا لَهُ شعر مستعذب مِنْهُ قَوْله (وأهيف لَهُ دعجٌ ... بِعَيْنِه سبى المهج) (يَا سائلى عَن وَصفه ... بوصفه نلْت الْفرج) وَقَوله (صرفت زَكَاة الْحسن هلا بدأت بى ... وانى لَهَا الْمُحْتَاج اذ أَنْت تعرف) (فَقير ومسكين وغاز وغارم ... كَذَا ابْن سَبِيل عَامل ومؤلف) (فَمن اى قسم ان اردت فاننى ... محب صَدُوق للمحبة آلف) وَله (كَثْرَة الْمكْث فى الاماكن ذل ... فاغتنم بعْدهَا وَلَا تتأنس) (أَوله المَاء فى الغدير زلال ... فاذا طَال مكثه يتدنس) هَذَا ينظر الى قَول البديع الهمدانى المَاء اذا طَال مكثه ظهر خبثه وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة الاحد ثامن عشر ربيع الثانى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى لَيْلَة الْخَمِيس بعد الْعشَاء حادى عشرى رَجَب سنة تسع وَثَلَاثِينَ والف وَدفن غربى الْبركَة بسفح قاسيون مُحَمَّد بن مَحْمُود الشهير بِابْن الناشف الدمشقى أحد الاعيان الَّذين رفوا بجدهم ونالوا مَا نالوا بسعيهم وَكَانَ فى طَلِيعَة عمره معانقا للقلة ثمَّ أثرى وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا بقضها وقضيضها وَصَارَ كَاتبا للجند الشامى وسافر الاسفار الْكَبِيرَة وقاسى مشاقا ولقى أهوالا خُصُوصا فى سفرة أردويل وشهرزور وَغَيرهَا من الاسفار السُّلْطَانِيَّة ثمَّ تفرغ لَهُ الرئيس مُحَمَّد الشهير بِابْن الْخياط عَن خدمَة التذاكر الْمُتَعَلّقَة بالزعماء وأرباب التيمارات وتفوق وتمكنت قَوَاعِده فى الجاه وَالْحُرْمَة ونفوذ الْكَلِمَة وَلما قدم الْوَزير أَحْمد باشا نَائِب الشَّام الْمَعْرُوف بالكوجك وَعين لمقاتلة الامير فَخر الدّين بن معن قربه اليه وَأَدْنَاهُ وَكَانَ مَعَه فى سَفَره وانحل قرى ومزارع وتيمارات كَثِيرَة فَأَخذهَا وَتصرف بهَا وأحبه الوزراء والحكام وَكَانُوا يعاملونه بالاجلال ويتخذونه محرما لاسرارهم ويزورونه لَيْلًا وَكَانَ يبْذل جهده فى تمشية حَاله عِنْدهم ويبالغ فى الاسباب الموصلة اليهم وَجمع من الْكتب النفيسة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 والخيول والامتعة والاملاك مَالا يُمكن وَصفه وَملك كثيرا من المماليك والجوارى وسافر الى روان لما سَافر اليها السُّلْطَان مُرَاد وَأهْدى الى كبراء الدولة الْهَدَايَا الْعَظِيمَة واشتهر عِنْد أَرْكَان الدولة وسافر الى بَغْدَاد أَيْضا عَام فتحهَا ثمَّ اسْتَقر بِدِمَشْق وَصَارَ ركنها الركني وَحج مرّة فى صُحْبَة عَمه الرئيس حسن بن الناشف أحد الْكتاب بِدِمَشْق ثمَّ حج ثَانِيًا فى سنة سبع وَخمسين ثمَّ صَار كتخدا الدفتر وَهُوَ رَأس أَرْبَاب التيمارات وعزل بعد قَلِيل وَأُصِيب بِولد كَانَ أكبر أَوْلَاده ثمَّ بعد مَوته بيومين مَاتَ لَهُ ولدان فى يَوْم وَاحِد وَصلى عَلَيْهِمَا مَعًا ثمَّ تَبِعَهُمْ من المماليك وَالْعَبِيد والجوارى والخدم مَا يُقَارب الْخمسين وبقى لَهُ ولد كَانَ ثانى أَوْلَاده وَكَانَ اسْمه أَحْمد وَكَانَ تقيا نزيها محبا للصالحين مواظبا على الصَّلَوَات فى اوقاتها مَعَ الصّيام وَالْقِيَام ولين الْجَانِب ثمَّ أَمر المترجم بعمارة قلعة تَبُوك فتعلل أَولا ثمَّ امْر ثَانِيًا فاسرع فى الذّهاب وَأخذ مَعَه جمَاعَة من الْعَسْكَر الشامى وشرذمة من البنائين وعمرها عمَارَة متقنة وَعَاد الى دمشق وَكَانَت عمارتها فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وَلما جَاءَ ختم الوزارة الْعُظْمَى للوزير أبشير بحلب توجه اليه مَعَ جمَاعَة من أَعْيَان دمشق وَكَانَ بَينه وَبَينه مَوَدَّة سالفة أَيَّام حكومته بِدِمَشْق فصادف مِنْهُ اكراما وَصَحبه مَعَه الى قسطنيطينية ثمَّ جعل لَهُ رُتْبَة حُكُومَة روم ايلى وايا صوفيه فَقدم الى دمشق باسلوب غَرِيب وطور عَجِيب وَفرغ من خدمَة التذاكر لِابْنِهِ أَحْمد الْمَذْكُور آنِفا ثمَّ صَار دفتريا بِالشَّام سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَكَانَ المنصب الْمَذْكُور مبدأ انحطاطه بِقدر صُعُوده فَلَمَّا جَاءَ ختم الوزارة لمُحَمد باشا بوينى اكرى اى اعوج الرَّقَبَة وَهُوَ بِدِمَشْق محافظ لَهَا أهانه اهانة كُلية ثمَّ فوض اليه أَحْمد باشا ابْن مصطفى باشا الشهير بِابْن الطيار لماصار نَائِب الشَّام امْر الْحُكُومَة قبل قدومه اليها فَلَمَّا ورد اهانه بابلغ مِمَّا اهانه بِهِ الْوَزير وزجر وَلَده أَحْمد زَجْرَة اثرت فِيهِ فَكَانَت سَبَب مَوته فَتوجه صُحْبَة ابْن الطيار الى السّفر مَعَ جملَة الْعَسْكَر فتوفى فى الطَّرِيق وَلما وصل خبر مَوته الى وَالِده حزن كثيرا حَتَّى اداه حزنه عَلَيْهِ الى مرض طَالَتْ مدَّته وكابد عللا شَتَّى وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ صَدرا رَئِيسا حسن الْملقى متوددا لكنه مغرور باقبال الدُّنْيَا وَقد مدح كثيرا وَأثْنى عَلَيْهِ لاقباله على الادباء وَكَثْرَة تقربهم اليه وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع والف وَتوفى فى عَاشر صفر سنة ارْبَعْ وَسبعين والف وَدفن بمدفن عَمه بِالْقربِ من دَارهم بمحلة قصر حجاج رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 السُّلْطَان مُحَمَّد بن مُرَاد بن سليم بن سلمَان بن سليم بن بايزيد بن مُحَمَّد الْملك الاعظم الباهر الشَّأْن كَانَ سُلْطَانا عَظِيم الْقدر مهيبا جوادا عالى الهمة مظفرا فى وقائعه وقورا اريبا وجيها مهيبا صَالحا عابدا ساعيا فى اقامة الشعائر الدِّينِيَّة مراعيا كأحكام الشَّرِيعَة الشَّرِيفَة مُطيعًا لاوامر الله منقاد لما بِقرب اليه مداوما للْجَمَاعَة فى الاوقات الْخمس قَائِما بالسنن والرواتب وَمن عَادَته المرضية انه كَانَ اذا ذكر النبى نَهَضَ قَائِما وَبِالْجُمْلَةِ فاوصافه كلهَا حَسَنَة فائقة وَكَانَ على عَادَة أجداده الْكِرَام رُبمَا نظم الشّعْر وَكَانَ يتَخَلَّص على عَادَة شعراء الرّوم بعدلى ذكر مبدا أمره انه لما بلغ من الْعُمر سِتّ عشرَة سنة صنع لَهُ أَبوهُ الْخِتَان الذى طَنَّتْ حَصَاة خَبره فى الْآفَاق وَلم يتَّفق لَاحَدَّ من ابناء الْمُلُوك مثله على الاطلاق وسأذكر تفصله فى تَرْجَمَة وَالِده واشير من خَبره الى طريفه وتالده ثمَّ فى ثانى سنة من ختانه وهى سنة احدى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة خلع عَلَيْهِ ابوه خلعة الامارة وقلده بِلَاد قَاعِدَة الْملك صَار وخان ومدينتها الْعُظْمَى مغنيسا فَتوجه اليها ثانى ذى الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وَاسْتمرّ بهَا الى ان اندرج ابوه الى عَفْو الله وغفرانه يَوْم الاربعاء سادس جُمَادَى الاولى سنة ثَلَاث بعد الالف فارسل اليه بالْخبر وأخفى موت وَالِده عشرَة ايام حَتَّى وصل فَجَلَسَ على التخب يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر الشَّهْر الْمَذْكُور وَقيل فى تَارِيخه الذى تسلطن فِيهِ (قد مهد الله الْبِلَاد ... بِحكم سُلْطَان نبيل) (والكون نَادَى منشدا ... تَارِيخه ظلّ ظَلِيل) قَالَ الْمولى عبد الْكَرِيم المنشى لما تلالات انوار السلطنة المحمدية من سريرها وأصبحت الدُّنْيَا بِتِلْكَ الانوار مشرقة بحذافيرها بَدَأَ أحسن الله مبداه وختامه واغمد فى قرَاب الظَّالِمين حسامه بقتل ابراهيم باشا من عَم الْعَالم ظلمه وَفَشَا قلت وابراهيم هَذَا تقدّمت تَرْجَمته وَذكرت هُنَاكَ تَتِمَّة مَا ذكره المنشى هُنَا ثمَّ صير راس المقربي اليه وَهُوَ لَا لَا مُحَمَّد باشا وسيأتى ذكره مُنْفَردا بترجمة وَزِير اوفر هاد باشا صدر الوزراء وَكَانَ قَائِما مقَام الْوَزير وعينه سردار اعلى العساكر لقِتَال ميخال حَاكم بِلَاد الافلاق من قبل السلطنة العثمانية وَكَانَ خرج عَن الطَّاعَة وَجمع جموعا من الْكفَّار الارجاس وتمرد وعاث فى بِلَاد روم ايلى فوصل اليها فرهاد باشا وجرد عزمه لمقاتلته وَكَانَ بعض المقربين بَين الى السُّلْطَان حسن لَهُ عَزله وتولية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 سِنَان باشا الْمَشْهُور الوزارة فَفعل وعينه للسَّفر مَكَانَهُ فوصل سِنَان باشا الى الْعَسْكَر وَبلغ ميخال عزل فرهاد باشا وَكَانَ ألْقى رعبه فى قلبه ففرح بعزله وقوى جاشه وقابل الْعَسْكَر فَظهر بعض الظُّهُور وَزَاد فى عتوه بعد ذَلِك وارسل السُّلْطَان لمحاربته عَسَاكِر مَرَّات فَلم يظفروا مِنْهُ بِمُرَاد ثمَّ عزل السُّلْطَان سِنَان باشا وَولى لَا لَا مُحَمَّد باشا الصدارة فى منتصف شهر بيع الاول سنة ارْبَعْ بعد الالف فَمَاتَ بعد عشرَة أَيَّام من تَوليته بِمَرَض الاكلة فأعيد سِنَان باشا وبهذه الْمرة تمّ لَهُ خمس مَرَّات ثَلَاثَة فى عهد السُّلْطَان مُرَاد وثنتان فى عهد السُّلْطَان مُحَمَّد فَفتح حَرْب الانكروس الْمَشْهُور وَشرع فى تهيئة لوازمه وَمهما والزم السُّلْطَان بَان يُسَافر بِنَفسِهِ فادركه الاجل فى شعْبَان من هَذِه السّنة قبل ان يُسَافر فولى الوزارة ابراهيم باشا الْوَزير الثانى وَكَانَ السُّلْطَان صمم على السّفر فَخرج من دَار خِلَافَته فته فى شَوَّال سنة ارْبَعْ بعد الالف وَوصل الى قلعة فى غَايَة المنعة والتحصين فنازلها بجُنُوده واطلق أمره فى ضربهَا بالمكاحل فَاشْتَدَّ الْبلَاء بِمن فِيهَا فحرجوا مِنْهَا طائعين وسلموها فى أَوَاخِر صفر سنة خمس والف وَوصل خبر اخذها الى ملك الانكروس فَقَامَ وَقعد وأرغى وأزبد لانها كَانَت عِنْدهم من القلاع الْمُعْتَبرَة فكاتب مُلُوك النَّصَارَى يطْلب الامداد مِنْهُم بالعساكر والذخائر فَاجْتمع اليه ملك النمجه وَملك الفرنج وحاكم الاردل وحاكم البغدان وحاكم الافلاق وسواكن الجزائر من حكام الْبَحْر فجاؤا الى امداده بسبعة جيوش يضيق عَنْهَا الفضاء وَكَانَ السُّلْطَان مُحَمَّد سَار بعسكره بعد فتح اكرى كل جَانب واحاطوا بِهِ وَكَانَ عَسْكَر الاسلام حِينَئِذٍ غير مستعد وَالنَّصَارَى فى غَايَة الْكَثْرَة جدا بِحَيْثُ ان جمعهم المخذول لَا يُحْصى وَكَانَ يَوْم دهمتهم يَوْم الْخَمِيس ثانى شهر ربيع الاولى من السّنة وَوَقع حَرْب عَظِيم فى ذَلِك الْيَوْم كُله الى ان دخل اللَّيْل فَتَفَرَّقُوا واصبحوا يَوْم الْجُمُعَة متحاربين أَيْضا واستعدت النَّصَارَى ازيد من الْيَوْم الاول فَكَانُوا غرقى فى الفولاذ ثمَّ هجموا دفْعَة وَاحِدَة على الْمُسلمين وفرقوهم بددا ووصلوا الى مخيم السُّلْطَان فَطلب السُّلْطَان اليه معلمه الخوجه سعد الدّين وَكَانَ فى صحبته فَحَضَرَ بَين يَدَيْهِ وَجعل يُثبتهُ وَالسُّلْطَان يستنهض عساكره الْخَاصَّة بِهِ من سلا حداريه وبلطجيه ويستغيث بِاللَّه فَلم يكن باسرع من أَن قوى الْمُسلمُونَ وادكهم بعض المنهزمين ففرقوا شَمل النَّصَارَى وأبادوهم ودخلوا بَينهم والتحم الْقِتَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 وتراجع جَمِيع الْعَسْكَر مسعفين فكسروا النَّصَارَى وردوهم على اعقابهم وَوَقع السَّيْف فيهم وهم فارون حَتَّى قتل بَعضهم بَعْضًا من الزحام وَغَيره ووهب الله تَعَالَى لَهُ النَّصْر والتأييد وَلم يسلم اُحْدُ من الْكفَّار الا من هرب وغنم السُّلْطَان وَمن مَعَه غنيمَة عَظِيمَة واكثر ذَلِك كَانَ على يَد الْوَزير سِنَان باشا ابْن جغال والوزير حسن باشا ابْن مُحَمَّد باشا وأحصيت قَتْلَى الْمُسلمين فَكَانَ الذى اسْتشْهد من القواد مَا يقرب من اربعمائة وَمن اصحاب الالوية الْمعبر عَنْهُم فى اصْطِلَاح الرّوم بالصناجق بضعَة عشر رجلا وَمن الامراء الكبراء اربعة انفار وَمن العساكر مَا بَين فَارس وراجل مَا لَا يُحْصى وَوَافَقَ بعد الظفران السُّلْطَان قتل من عسكره الفارين جمَاعَة كثيرين وَقبض على باقيهم وحقرهم غَايَة التحقير فى مُنْصَرفه وعاقب بعض من فر بِقطع علوفته وَضبط ملكه وَمَاله لجِهَة بَيت المَال وَالْحَاصِل ان مَا وَقع لَهُ من هَذِه النُّصْرَة لم يَقع لَاحَدَّ من مُلُوك آل عُثْمَان وَذَلِكَ انما هُوَ بمحض لطف الهى وامداد ربانى غير متناه وَلَقَد حكى كثير من السياح ان مُلُوك الفرنج تطلق على هَذَا السُّلْطَان صَاحب الْقرَان وَهَذَا الْوَصْف انما هُوَ لمن بلغ فى الشجَاعَة الْمرتبَة الَّتِى لَا تسامى وانهم على عَادَتهم يصورون مُلُوك آل عُثْمَان فيقدمون هَذَا فى التَّصْوِير على كل الْمُلُوك وَذَلِكَ كُله بِسَبَب هَذِه النُّصْرَة الَّتِى رزقها وَحكى ابْن نوعى فى ذيل الشقائق عَن أَبِيه قَالَ بَيْنَمَا النَّاس فى ترقب أَمر النُّصْرَة للسُّلْطَان اذ هُوَ بشرنى بِهَذِهِ المبشرة الغيبية وَذَلِكَ انه رأى فى مَنَامه انه دخل مَجْلِسا فِيهِ النبى واصحابه فَسمع اصحاب النبى يتذاكرون أَمر هَذِه الْغَزْوَة ووقائعها ويحكون مَا جرياتها على التَّرْتِيب أمرا بعد أَمر قَالَ ثمَّ سَمِعت حَضْرَة الصّديق الاكبر رضى الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول ان انهزام الْمُسلمين كَانَ مقررا لَكِن لما كَانَ السُّلْطَان مُحَمَّد أكْرمه الله تَعَالَى فأمده بملائكة النَّصْر حَتَّى حصل لَهُ الظفر والتأييد ثمَّ فى ثانى يَوْم من النُّصْرَة عزل الْوَزير الاعظم ابراهيم باشا وصير سِنَان باشا ابْن جغال مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ فعل فى خَان التاتارغازى كراى خَان فانه عَزله وَأمره بالتوجه الى دَار السلطنة وصير أَخَاهُ فتح كراى خَانا وَعين حسن باشا ابْن مُحَمَّد باشا الْمُحَافظَة بلغراد ثمَّ أَمر الْعَسْكَر بالرحيل الى جَانب دَار الْملك ورحل بهم فَلَمَّا وصل الى قرب ادرنه عزل ابْن جغال واعاد ابراهيم باشا وَذَلِكَ بعد خَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا من تَوليته وَكَذَلِكَ فعل بِفَتْح كراى الا أَنه قَتله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 وَأعَاد غازى كراى الى مَكَانَهُ وَدخل الى مقرّ ملكه فى ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَألف بموكب حافل وَاسْتقر وفى أَوَاخِر شَوَّال من هَذِه السّنة عين حسن باشا لمحافظة نهر الطونه عوضا عَن بلغراد وَعين مُحَمَّد باشا الساطور جى سردارا على بِلَاد الانكروس فتقابل مَعَ الْكفَّار وَوَقع بَينهم قتال وَوَقع من محافظ بوسنه حسن باشا الترباقى اهمال فى مساعفته ولولاه مَا خلص مِنْهُم أحد وبقى الى سنة سبع سردارا وفيهَا فتح قلعة واردار وفى شهر ربيع الاول فى سنة سِتّ عزل ابراهيم باشا بِسَبَب انه كَانَ السَّبَب فى قتل فتح كراى بعد سبق اعانته الْعَسْكَر فى السّفر وَولى حسن باشا الْخَادِم الوزارة وفى ثانى شهر رَمَضَان من هَذِه السّنة حَبسه فى يدى قله ثمَّ قَتله بعد ثَمَانِيَة أَيَّام وَصَارَ مُحَمَّد باشا الْجراح وزيرا وفى اثناء ذَلِك استولت الْكفَّار على قلعة يانق وَبَعض قلاع وفى تَاسِع شَوَّال صَار ابْن جغال حَاكم الْبَحْر وفيهَا ولى حسن باشا ابْن مُحَمَّد باشا مُحَافظَة بَغْدَاد وارسل أَحْمد باشا الْحَافِظ الطواشى لمحافظة طونه وفى أَوَائِل سنة سبع كبس ميخال اللعين على غَفلَة قرب نيكبولى ففر الْحَافِظ مُنْهَزِمًا فحاصر اللعين قلعة نيكبولى مُدَّة ثمَّ رَحل عَنْهَا وفى ثانى عشر ربيع الاول مها عين مَحْمُود باشا الشهير بكوز لجه سردارا على الْعَسْكَر بِبِلَاد روم ايلى وفى جُمَادَى الْآخِرَة عزل الْجراح بتقاعد وَجه اليه وَأعَاد ابراهيم باشا وبهذه تمّ لَهُ ثَلَاث مَرَّات وفى عشرى شَوَّال عينه سردارا على بِلَاد الانكروس فوصل الى بلغراد وَأقَام بهَا مستنظرا قدوم مُحَمَّد باشا الساطورجى وَكَانَ غضب عَلَيْهِ السُّلْطَان لاهماله فى أَمر الْمُحَاربَة واتعابه الْعَسْكَر واسرافه فى المصارف وانتزاع يانق فى زَمَانه واقتلاع بعض قلاع فارسل اليه ضَابِط الْجند الطرفجى فَقتله فى ذى الْحجَّة وفى هَذِه السّنة تحركت الطغاة فى بِلَاد اناطولى لخلوها من العساكر واشتغالهم بمحاربة الْكفَّار فَخرج عبد الْحَلِيم البازجى الْمُقدم ذكره حُسَيْن باشا حَاكم الْحَبَشَة ثمَّ تبعهما حسن أَخُو عبد الْحَلِيم وَقد ذكرنَا تَفْصِيل أَحْوَالهم فى تَرْجَمَة عبد الْحَلِيم فَلَا تطيل باعادتها وفى سنة ثَمَان هلك ميخال اللعين وفيهَا قتل الْوَزير جَعْفَر باشا محافظ تبريزا كدره خَان من امراء الجرج وَبعث بِرَأْسِهِ وبابن لَهُ فحبس ابْنه فى يدى قله ثمَّ أسلم فاطلق وسمى مُحَمَّدًا وفيهَا هدم مَحْمُود باشا قلعة يركوك وَقدم الى دَار السلطنة وفى رَجَب مِنْهَا وصل خبر موت جَعْفَر باشا محافظ تبريز وفى غرى شعْبَان صَار حسن باشا اليمشجى قَائِما مقَام الْوَزير وفى شَوَّال رفعت امانة الْخمر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 وَنهى عَنْهَا وفى هَذِه السّنة فتحت قلعة قاينسره وَكَانَ فتحهَا على يَد الْوَزير الاعظم ابراهيم باشا وَكَانَ فتحا عَظِيما يعادل فتح اكرى وسربها الْمُسلمُونَ وزينت الْبِلَاد لهَذَا الْفَتْح ثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ فى أَيَّام محاصرتها وَقع اضْطِرَاب عَظِيم فَرَأى بعض الصلحاء فى منامة شيخ الاسلام صنع الله بن جَعْفَر وَهُوَ يَأْمُرهُ بِقِرَاءَة هَذَا الدُّعَاء وَهُوَ اللَّهُمَّ قو قُلُوب الْمُؤمنِينَ بِقُوَّة الْكِرَام البرره وألق الرعب فى قُلُوب الْكَفَرَة الفجره فشاع هَذَا الدُّعَاء وداوم على قِرَاءَته النَّاس فَظهر أَثَره وَللَّه الْحَمد وفى عَاشُورَاء محرم سنة عشر ورد خبر وَفَاة الْوَزير الاعظم ابراهيم باشا فصير حسن باشا اليمشجى مَكَانَهُ وسافر على وَجه السرعة الى بلغراد وَصَارَ خَلِيل باشا قَائِما مقَامه وفى هَذِه السّنة استولت النَّصَارَى على استون بلغراد وَكَثُرت الجلالية والزرب بدار السلطنة وبالغوا فى التعدى والشقاوة فَاجْتمع الْعلمَاء وذهبوا الى خَلِيل باشا الْقَائِم مقَام وَأَقَامُوا النكير عَلَيْهِ وذكروه مَا يَفْعَله الْقَوْم من خرق حُرْمَة الشَّرْع فَعرض مَا قَالُوهُ على السُّلْطَان فَكَانَ جَوَابه لكل شئ وَقت وزمان وفى أَوَائِل ذى الْقعدَة عزل خَلِيل باشا وصيرحسن باشا الساعتجى مَكَانَهُ وفى أَوَائِل جُمَادَى الاولى من سنة احدى عشرَة قتل عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بصارى عبد الرَّحْمَن مدرس مدرسة بهْرَام لم كتخدا وَقد ثَبت انه ملحد زنديق وفى عشرى رَجَب اجْتمع الْعَسْكَر وطلبوا عزل الساعتجى فعزل وصير مَكَانَهُ مَحْمُود باشا وَفِيه اجْتمع السباهية وطلبوا ان يَتَرَتَّب السطلان ديوانا يحضر فِيهِ اعيان الْعلمَاء ليعرضوا على السُّلْطَان بعض أُمُور بالمشافعهة فَجمع السُّلْطَان اليه الْمُفْتى صنع الله والقائم مقَام وقاضى الْعَسْكَر وَنَحْو ثَلَاثِينَ مدرسا وعالما ثمَّ دخل من السباهية حُسَيْن خَليفَة وبويراز عُثْمَان وَكَاتب حزى وَذكروا ان رُؤْس العساكر خلت مِنْهُم بلاداناطولى فَكَانَ ذَلِك سَببا لاتصال الطغاة بِهَذِهِ الْبِلَاد وَمَا ذَاك الا من اهمال وكلاء الدولة ومسامحة المقربين للسلطنة فَظن السُّلْطَان انهم يعنون الساعتجى والطرنقجى فَأمر باحضارهما فاظهر الْقَوْم براة ذمتهما وأحالوا الامر على غضنفر اغا حَافظ البابا السلطانى وَعُثْمَان أغا ضَابِط الْحرم فَأمر السُّلْطَان بِقَتْلِهِمَا فقتلا وفى هَذِه السّنة اسْتردَّ اليه شجى قلعة استونلى بلغراد وَقدم الى مقرّ الْملك فَلَمَّا وصل الى قريب من قسطنطينية أعمل عَلَيْهِ مَحْمُود باشا حِيلَة أدَّت الى تَحْرِيك الاشقياء وطغيانهم وَذَلِكَ انه استفتى الْمُفْتى فِيهِ بِنِسْبَة التَّقْصِير فى أَمر الْمُسلمين وَسُوء التَّدْبِير فى أَمر الْحَرْب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 واعطى الْفتيا للسباهية فَبلغ الْوَزير الْخَبَر فاسرع فى الدُّخُول الى دَاره وفى ثانى يَوْم اجْتمع اليه الْعَسْكَر واختفى الْمُفْتى صنع الله ومحمود باشا وَوجد فى مَجْلِسه أَبُو الميامن فوجهت اليه مشيخة الاسلام ثمَّ اقْتضى الرأى ان يُوَجه ضَابِط الْجند الى السباهية وَكَانُوا مُجْتَمعين بآت ميدان فهجم عَلَيْهِم وَفرق جمعهم ثمَّ استحضر مِنْهُم بويراز عُثْمَان واكوز مَحْمُود ودبه كور رضوَان بعد تفتيش بليغ فَقتلُوا فى حَضْرَة السُّلْطَان وفى أَوَاخِر ذى الْحجَّة سنة احدى عشرَة بلغ السُّلْطَان عَن وَلَده مَحْمُود وَهُوَ اكبر أَوْلَاده بعض امور تتَعَلَّق بِالْملكِ فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ مَالك تدخل فى امور الْملك فَأَجَابَهُ بِجَوَاب مَا أرضاه فَضَربهُ بخنجر فَقتله وَكَانَ عمره نَحْو ثَمَان عشرَة سنة ثمَّ نَدم على ذَلِك النَّدَم الكلى وفى سنة اثنتى عشرَة عين الْوَزير اليمشجى وزراء كثيرين وأمراء للمحافظة وتلافى أَمر الطغاة بِالصُّلْحِ وانتقم من اعدائه وَظهر لَهُ انه اسْتَقل بِأَمْر الْملك فتمرد وأجحف وَكثر شاكو ظلمه وفساده فَعَزله السُّلْطَان فى سلخ ربيع الآخر وصيرياوز على باشا مَكَانَهُ وَمُحَمّد باشا الْجراح قَائِما مقَام الْوَزير وفى هَذَا الاثناء أعْطى ضَابِط الْجند قَاسم باشا رُتْبَة الوزارة وفى أَوَائِل جُمَادَى الاولى طلب الْجند اعادة اليمشجى الى الوزارة فَغَضب السُّلْطَان من جراءتهم فى الطّلب فَأرْسل الى اليمشجى من قَتله وَكَانَ ببستانه الْمَعْرُوف فى قَصَبَة سوليجيه وفى خَامِس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة عزل الْجراح لمَرض كَانَ اعتراه وصير مَكَانَهُ قَاسم باشا وفى سلخ هَذَا الشَّهْر ورد من محافظ بحجوان أَمِير باشا كتاب يذكر فِيهِ ان شاه الْعَجم نقض عقد الصُّلْح واستأسر محافظ تبريز واضطرب أَمر الْمُسلمين فضمت تبريز الى وان واعتبرا وزارة ووجهتا لكافل حلب نصوح باشا مَعَ ضم السردارية وفى ذَلِك الاثناء ورد من حسن باشا الساعتجى كتاب يذكر فِيهِ ان الامر مُقْتَض لعسكر يُرْسل الى تبريز فعين السُّلْطَان عسكرا جرارا وَأَرْدَفَ بهم نصوح باشا الى هُنَا انْتَهَت الوقائع الصادرة فى زمن السُّلْطَان مُحَمَّد وَقد ذكرنَا تتمثها فى تَرْجَمَة ابْنه السُّلْطَان أَحْمد وَكَانَت وِلَادَته فى اللَّيْلَة السَّابِعَة من ذى الْقعدَة سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى يَوْم الاحد سَابِع عشر رَجَب سنة اثنتى عشرَة بعد الالف وَحكى ابْن نوعى انه وَقع لَهُ فى ثانى عشرى جُمَادَى الاولى وَكَانَ مُتَوَجها الى دَار سعادته فَاسْتَقْبلهُ شخص مجذوب وَقَالَ لَهُ أَيهَا الْملك انه يحدث بعد سِتّ وَخمسين يَوْمًا حَادِثَة عَظِيمَة فَلَا تسكن غافلا عَنْهَا فاذا هى مَوته وَمِمَّا نقل عَنهُ انه قبل وَفَاته بِثَلَاثَة أَيَّام جمع اليه سَائِر الوزراء والمفتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 وقضاة الْعَسْكَر وَسَائِر اركان الدولة وعهد بمحضرهم لوَلَده السطان أَحْمد بِالْملكِ ثمَّ أحضرهُ واوصاه بِأَن تكون جدته وهى وَالِدَة صَاحب التَّرْجَمَة فى السراى العتيقة وان لَا يقبل فِيهَا قولا وَبِأَن لَا يقتل أَخَاهُ السُّلْطَان مصطفى وَلَا يَجْعَل وزيره الاعلى باشا صَاحب مصر ثمَّ أَمرهم بالانصراف فَلَمَّا توفى اجْتمع أهل السراى وَأَرْسلُوا الى قَاسم باشا قَائِم مقَام الْوَزير والمفتى وَضَابِط الْجند فَلَمَّا اجْتَمعُوا بالسراى خرج عَلَيْهِم السُّلْطَان أَحْمد وأعلمهم بِمَوْت وَالِده فقبلوا يَده ودعوا لَهُ ثمَّ جهز السُّلْطَان مُحَمَّد وَحضر للصَّلَاة عَلَيْهِ الْعلمَاء والوزراء وَتقدم شيخ الاسلام أَبُو الميامن مصطفى فصلى عَلَيْهِ وَدفن مِمَّا يلى تربة السُّلْطَان سليم وَكَانَت مُدَّة عمره تِسْعَة وَثَلَاثِينَ سنة وَمُدَّة سلطنته تسع سِنِين وشهرين وَمن الطف مَا قيل فى تَارِيخ وَفَاته قَول بعض الْفُضَلَاء مَاتَ السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن مُرَاد ثمَّ قَالَ فى تَارِيخ تَوْلِيَة وَالِده وَهُوَ التَّارِيخ بِعَيْنِه وتسلطن السُّلْطَان أَحْمد على الْعباد وَأَوْلَاده أَرْبَعَة وهم السُّلْطَان سليم توفى فى ثَالِث عشرى شهر رَمَضَان سنة خمس بعد الالف وَالسُّلْطَان مَحْمُود قَتله فى سَابِع عشرى ذى الْحجَّة سنة عشر وَالسُّلْطَان أَحْمد وَالسُّلْطَان مصطفى وسيأتى ذكره بترجمة مُسْتَقلَّة ان شَاءَ الله تَعَالَى ومعلموه الَّذين قَرَأَ عَلَيْهِم وهم الْمولى جَعْفَر مَاتَ فى أَوَاخِر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَالْمولى حيدر مَاتَ فى شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَالْمولى عزمى مَاتَ فى رَجَب سنة تسعين وَتِسْعمِائَة وَالْمولى نوال مَاتَ فى جُمَادَى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وزراؤه الْعِظَام تِسْعَة وهم سِنَان باشا وفرهاد باشا وَلَا مُحَمَّد باشا وابراهيم باشا وَسنَان باشا ابْن جغال وَحسن باشا الْخَادِم وَمُحَمّد باشا الْجراح وَحسن باشا اليمشجى وياوز على باشا ومشايخ الاسلام خَمْسَة وهم الْمولى مُحَمَّد بن بُسْتَان وساذكره بعده وَالْمولى سعد الدّين مُحَمَّد بن حسن جَان وَالْمولى صنع الله بن جَعْفَر وَالْمولى مُحَمَّد بن سعد الدّين وَالْمولى ابو الميامن وصدور الْعلمَاء فى قطر روم ايلى تِسْعَة وهم الْمولى صنع الله وَالْمولى عبد الباقى الشَّاعِر وَالْمولى مصطفى بن بُسْتَان وَالْمولى على بن سِنَان وَالْمولى مُحَمَّد الداماد وَالْمولى قوشجى وَالْمولى مصطفى بن أَبى السُّعُود وَالْمولى مُحَمَّد بن سعد الدّين وَالْمولى عبد الْحَلِيم أخى زَاده وصدوراناطولى اثْنَا عشر وهم الْمولى على بن سِنَان وَالْمولى مصطفى بن أَبى السُّعُود وَالْمولى مصطفى بن بُسْتَان وَالْمولى مُحَمَّد الداماد وَالْمولى مُحَمَّد بن سعد الدّين وَالْمولى قوشيجى وَالْمولى عبد الْحَلِيم أخى زَاده وَالْمولى شمس بن الخوجه عَطاء الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 وَالْمولى اِسْعَدْ بن الخوجه سعد الدّين وَالْمولى أَبُو الميامن وَالْمولى مصطفى الشهير بكتخدا وَالْمولى كَمَال الدّين مُحَمَّد بن طاشكبرى وَهَذَا الصَّنِيع لِابْنِ نوعى حاكيه فِيهِ وَالله أعلم مُحَمَّد بن مصطفى الْمَعْرُوف أَبوهُ ببستان الرومى مفتى الدولة العثمانية وَرَئِيس علمائها وعالمها الْمَشْهُور الذى طَنَّتْ حَصَاة فَضله فى الْخَافِقين وذاعت معاليه فى المغربين والمشرقين ذكره الاديب المنشى فَقَالَ فى وَصفه نَشأ فى رياض فضل ناضره وَعين الْعِنَايَة اليه ناظره وربى فى مهد الْعِزّ ووالده يتعهده بِحسن اجماله ويتفقده بتفصيل كرمه واجماله فاحرز الْفَضَائِل وتحرك على مَا هُوَ الْعَادة حَتَّى وصل الى خدمَة أَبى السُّعُود وتحلى بقلادة الاعادة وَلم يزل منظورا بِعَين الْعِنَايَة المتواصلة المدد وملحوظا بنهاية الرِّعَايَة على توالى المدد والفلك يَدُور حَسْبَمَا أَرَادَ وكوكب السعيد يدل لَهُ بالاسعاف والاسعاد مَعَ استقلاله بالمآثر الَّتِى اخْتصَّ بهَا دون سَائِر الاشراف واستبداده بالمفاخر الَّتِى سَار ذكرهَا فى أقْصَى الْبِلَاد والاطراف وَلم يزل تتشرف بِهِ المناصب ويطلع بَدْرًا من سَمَاء الْمَرَاتِب الى ان حل من الدولة مَحل الانسان من الْعين وأشرقت بشمس ذَاته فضاء العسكرين ثمَّ بعد الْعَزْل زفت لَهُ عروس الْقَاهِرَة وعدت فى عقده وأصبحت محلاة من حسن السلوك بعقده ففارقها بعد التَّمَتُّع بهَا ونفوس غَيره تحترق باشواقها وسمحت همته الْعلية لمثل هَذِه الْحَسْنَاء بِطَلَاقِهَا فَلَمَّا وصل الى دَار السلطنة أثمر روض سروره وأزهر واستقبله السعد وَبسط بَين يَدَيْهِ شقة قَضَاء الْعَسْكَر وَبعد ذَلِك طرز حلل الْفَتْوَى بوشى رقّه وَحل عقد المشكلات بِبَيَان قلمه ثمَّ فارقته وَلم تصبر على نَوَاه فَرَاجعهَا بَعْدَمَا استحلت بسواه فَعَاد روض الْفضل الى نمائه وكوكب السعد الى سمائه كعود الحلى الى العاطل وَلم يزل تكتحل الطروس بميل يراعته وتتشنف الاسماع بلآلى براعته الى أَن ذبل بسموم الْمَرَض غُصْن نَبَاته وقطفت بيد الْمَوْت زهرَة حَيَاته وَنَفسه من احشاء المكارم تنْزع وَعين الْعلَا على مصائب فَقده تَدْمَع ثمَّ أورد لَهُ من شعره العربى قَوْله من قصيدة يرثى بهَا السُّلْطَان سُلَيْمَان مطْلعهَا (الا أَيهَا الناحى كانك لَا تدرى ... بِمَا قلت من سوء الْمقَالة وَالشَّر) (أسلت سيول الْمَوْت فى الدَّهْر بَغْتَة ... وَقد بلغ السَّيْل الربى من جوى الصَّدْر) (وسقت قُلُوب الْمُسلمين جِرَاحَة ... بصارم سيف قد مضى ماضى الامر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 (سِهَام المنايا من قسى صروفها ... أَصَابَت بدهر فى ابتسام من الثغر) (نسيم الصِّبَا رقت باشجان فرقة ... حمامة ذَات السدر حنت من الذعر) (همام على هام الممالك تاجه ... امين رشيد فى الْخلَافَة ذُو قدر) (فأعنى جوادا فى جواد بِذكرِهِ ... لقد سَارَتْ الركْبَان فى الْبر وَالْبَحْر) (عزيمته فى الْبَحْر كَانَت عَظِيمَة ... وهمته فاقت على الانجم الزهر) (وايامه كَالشَّمْسِ كَانَت مضيئة ... واعوامه فى الْحسن ابهى من الْبَدْر) (وَمَا قيل اجمال لبَعض جميله ... وَلَا يُمكن التَّفْصِيل بالنظم والنثر) (فهاتيك أَوْصَاف لعمرى جليلة ... فدونكها أبهى من الزهر والزهر) (على عكس مَا طَاف الْبِلَاد بجنده ... كشمس غَرِيبا غَابَ فى مغرب الْقَبْر) (صَحَائِف اكوان تدبرت كلهَا ... فصادفتها شرحا لفن من الهجر) (على صفحة الْخَدين أمليت مَا جرى ... باقلام اهداب من الْبُؤْس والضر) وَذكره النَّجْم فى الذيل وَأثْنى عَلَيْهِ قَالَ وَكَانَ فصيح الْعَرَبيَّة عَلامَة فهامة وَكَانَ فى أَوَائِله ولى قَضَاء الشَّام وقدمها فى خَامِس عشرى ذى الْحجَّة سنة احدى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ ولى مصر ثمَّ ترقى الى قَضَاء العسكرين ثمَّ ولى قَضَاء مصر ثَانِيًا ثمَّ كتب اليه السُّلْطَان مرادخان بانى لم أعزلك عَن مصر فاقم من شِئْت فِيهَا فى مقامك ثمَّ جِئْنَا زَائِرًا فَدخل دمشق فى رَمَضَان سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فاجتمعت بِهِ اذ ذَاك فى صُحْبَة شَيخنَا يُرِيد بِهِ العيثاوى فِيمَا احسب فى مجَالِس كَانَت حافلة بالعلماء وسمعته يَقُول كنت بِمصْر لَا أترك زِيَارَة الامام الشافعى رضى الله عَنهُ وَكنت أستنهضه فى الْمُهِمَّات فاذا كَانَ أَمر مُهِمّ يحْتَاج الى الْعرض فِيهِ الى السُّلْطَان اذْهَبْ الى ضريح الامام الشافعى رضى الله عَنهُ وَأَقُول لَهُ يَا امام هَذِه بلدتك وَقد حدث بهَا كَذَا وَكَذَا وَأَنا أَرْجُو مِنْك الامداد ثمَّ ارْجع فآمر بشئ فَيتم ببركة الامام الشافعى رضى الله عَنهُ قلت ثمَّ سَافر الى قسطنطينية فولى بهَا قَضَاء الْعَسْكَر ثمَّ صَار مفتيا فى جُمَادَى الاولى سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وعزل فى رَجَب سنة احدى بعد الالف ثمَّ أُعِيد فى شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَاسْتمرّ مفتيا الى ان مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى رَابِع شعْبَان سنة سِتّ بعد الالف بقسطنطينية وَهُوَ الْيَوْم الذى توفى فِيهِ الشَّمْس الداودى بِدِمَشْق وَوصل الْخَبَر بِمَوْتِهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن وعشرى شهر رَمَضَان مِنْهَا وَصلى عَلَيْهِ غَائِبَة يَوْم الْجُمُعَة بعد صلَاتهَا رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 مُحَمَّد بن مصطفى الشهير بكانى الرومى الاصل المدنى المولد والمنشاء الحنفى كَانَ من الْفُضَلَاء الاعيان وَأهل البلاغة وَالْبَيَان وَكَانَ أَمِيرا من جِهَة الاتراك حِين كَانُوا مستولين على الْيمن وَكَانَ حسن السِّيرَة صافى السريرة وَله اطلَاع على الْعُلُوم الادبية وَمَعْرِفَة جَيِّدَة لعلوم الْعَرَبيَّة وَله تَارِيخ سَمَّاهُ بغية الخاطر ونزهة النَّاظر جعله برسم الْوَزير مَحْمُود باشا وابتدأ فِيهِ من أَخْبَار النبى وأحواله من زمن ميلاده الى هجرته وَوصل فِيهِ الى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَذكر فِيهِ الائمة الدعاة من الزيدية وَغَيرهم وملوك آل عُثْمَان وحكامهم فى الْيمن وَله اشعار كَثِيرَة حَسَنَة مِنْهَا قصيدة فى مدح خي الْخلق من جُمْلَتهَا قَوْله (يَا نَبيا كمل الله لَهُ ... كل وصف زينته الشيم) (والذى من يأسه نَار لظى ... وأياديه الزلَال الشيم) (والذى قد أَصبَحت أمته ... يتدانى من علاها الامم) (من لصب لَيْسَ يشفيه البكا ... وَهُوَ من اجفانه منسجم) (ولقلب ولبرق مثله ... تَحت جِلْبَاب الدجا يضطرم) (وكئيب الْقلب صنعا دَاره ... مَا بدا رسم لَهُ أَو معلم) (حب جرعا طيبَة جرعه ... كأس شوق مَا حَكَاهُ العلقم) (يَا احبابى وَأَيَّام خلت ... هى أَيَّام مَضَت أَو حلم) (وعهودا قد حفظناه الْكمّ ... مَا نرى انكم ضيعتم) (وهواكم وَهُوَ عندى قسم ... بسواه حَالفا لَا أقسم) (بعدكم لم يجر من بعدكم ... غير دمع قد جرى وَهُوَ دم) (وسقام لَا يداويه سوى ... من برؤيا يداوى السقم) (حَيْثُ لَا يصبر الارغبة ... فى جنان ظلها مرتكم) (فى ربى طيبَة طابت تربة ... حَيْثُ حل الْمُصْطَفى وَالْحرم) (مَضْجَع حل الحبيب الْمُصْطَفى ... فى ثراه والعلا وَالْكَرم) (بقْعَة ضمت بهَا اعضاؤه ... أفضل الارض بقول يجْزم) (بلد بالمصطفى الهادى لَهُ ... كل يَوْم وَقْفَة أَو موسم) (الثبى الهاشمى الْمُجْتَبى ... سيد الْخلق وان هم رغموا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 (صفوة الله وَمَا من آدم ... كَانَ فى الْكَوْن وَلَا كَانُوا هم) (جمع الله بِهِ اشتاتنا ... من شتات كَاد لَا يلتئم) (هُوَ مسك طيب من أجل ذَا ... انبياء الله مِنْهُ ختموا) (نجل اسمعيل فى عرق الثرى ... وَابْن ابراهيم فاظر من هم) (يَا خَلِيل الله هَل من نفحة ... يخجل الْبَحْر بهَا والديم) (يَا رَسُول الله هَل من جذبة ... حَيْثُ حل الرُّكْن والملتزم) (يَا حبيب الله هَل من شربة ... يرتوى العطشان مِنْهَا زَمْزَم) (يَا عَظِيم الجاه هَل من غَارة ... هى بالنصر المرجى موسم) (يَا أجل الْخلق هلى تسمعنى ... مثل مَا قَالَ الاجل الاكرم) (واليك الْيَوْم أَشْكُو خلة ... أسقمت جسمى وَمَا بى سقم) (خوف أعدائى ونفسى والهوى ... وشياطين عَن الْحق عموا) (بل انا عبد مسئ مذنب ... مُنْذُ وافى سَائل لَا يحرم) (يَا جميل الْخلق فعلى سيء ... فاسأل الرَّحْمَن يَا من يرحم) (فانا الْمُضْطَر وافى سَائِلًا ... جود مولى مَا عداهُ الْكَرم) (لست بالسكانى لما أَشْكُو لكم ... أَنْتُم بِالْحَال مِنْهُ أعلم) (وحياء لم أقل لى ذمَّة ... بِاسْمِك الْمَحْمُود ذَاك الاعظم) ( ... فكنيت الِاسْم اجلالا وان ... صَحَّ لى مِنْهُ الذمام الْمُحكم) (فَعَلَيْك الله صلى دَائِما ... مَا هدى الساعى اليك الْقدَم) (وَكَذَا آلك أَرْبَاب التقى ... وَكَذَا الصحب الهداة الانجم) مُحَمَّد باشا بن مصطفى باشا الْوَزير بن الْوَزير الشهير بِابْن الدفتر دَار البوسنوى الاصل القسطنطينى المولد والمنشا والوفاة قدم أَبوهُ من بوسنه الى دَار السلطنة وَولى بهما الخدمات السُّلْطَانِيَّة ثمَّ اسْتَقر دفتريا فى عهد السُّلْطَان مُرَاد صَاحب بَغْدَاد واعطى رُتْبَة الوزراة وَنَشَأ وَلَده هَذَا وَقَرَأَ ودأب واشتغل بِالْعلمِ حَتَّى صَار لَهُ ملكة ولازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا ثمَّ درس ثمَّ عدل الى طَرِيق أَرْبَاب الخدمات فَصَارَ من كبار البوابين للسُّلْطَان ثمَّ أَمِير الامراء ثمَّ وزيرا وَولى مُحَافظَة مورة ثمَّ مُحَافظَة الشَّام فى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف ودخلها فى خَامِس عشر رَمَضَان وَكَانَ فى حكومته معجبا بِنَفسِهِ متعاظما قَالَ والدى رَحمَه الله تَعَالَى وَمَا أحقه بِمَا قَالَه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 بعض الاطباء فى وصف رَئِيس صفراوى الذكاء سوداوى الرأى دموى المزاج لَوْلَا مَا فى لفظ البلغم من الْكَرَاهَة لَقلت بلغمى الاناة وَلما كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة هوائى المشرب نارى الطبيعة مائى الطمع صَاحب نفس عامية لَا ترابية غلب عنصر المَاء فى ايام حكومته واشتعلت النَّار فى زمن ولَايَته وَوَقع السَّيْل الْعَظِيم الْمَشْهُور بِهَذِهِ الْبِقَاع حَتَّى علا المَاء على حجر التَّارِيخ الذى تَحت قلعة دمشق مِقْدَار ذِرَاع وَقد وَقع أَمْثَاله لَكِن هَذَا أربى بِهَذَا الْمِقْدَار كَمَا وجدت الْآثَار فى جَامع بلبغا بالجدار وَكَانَ الْفَصْل أواسط فصل الرّبيع بل مضى مِنْهُ ثُلُثَاهُ وَلم يؤذ نفس الْمَدِينَة بالجدار وانما كَانَ فى الْخَارِج كمان شَاهَدْنَاهُ وَأخذ بعض الرِّجَال وَالنِّسَاء والاطفال حَتَّى رؤى من الاطفال الصغار حِصَّة وهم فى المهاد وأظن ان الَّذين غرفوا مِنْهُم جاوزوا التعداد وَتلف للنَّاس من الْعَسَل والارز وَالسمن وَبَقِيَّة الْمُؤَن شئ كثير لَان أَكثر بقالة دمشق فى نَاحيَة الزِّيَادَة وخصوصا سوق المؤيدية الشهير وبقى المَاء من بعد الظّهْر الى نَحْو نصف اللَّيْل ثمَّ غاض باذن رب الارض وَالسَّمَاء الْملك الْفَيَّاض وَكَانَ ذَلِك نَهَار الثُّلَاثَاء تَاسِع عشر جُمَادَى الاولى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف ثمَّ وَقع أَيْضا الْحَرِيق بسوقى الطواقية والذراع الْعَتِيق لصيق الْجَامِع الاموى وَسبب ذَلِك ان بعض أهل الصِّنَاعَة من أهل السُّوق غفل عَن اطفاء النَّار بحانوته المغلوق فشبت النَّار فى صَبِيحَة النَّهَار وَوَقع التَّنْبِيه على الْمُبَادرَة لاطفائها وامتحن النَّاس ساعتئذ بكر بهَا وبلائها ثمَّ جَاءَ الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة وَمَعَهُ غَالب الْعَسْكَر والسقائين والبنائين والقصارين الى مَحل الْحَرِيق ووقف بِنَفسِهِ وأطفاه وَذهب للنَّاس من القماش والامتعة مَا لَا يُمكن ضَبطه واحصاه وَكَانَ ذَلِك نَهَار السبت الْعشْرين من رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وَكَانَ جملَة مَا حرق من الحوانيت مائَة وَثَلَاثَة وَعشْرين حانوتا وَاتفقَ ان صَاحب التَّرْجَمَة تجَاوز الْحَد فى الظُّلم وابتدع مظالم كَثِيرَة وانتهك محارم غزيره فَاجْتمع الْعَسْكَر الشامى وتحزبوا لمصادمته وصمموا على محاربته ومقاتلته وجاؤا الى الْجَامِع الاموى بجمعية عَظِيمَة وأحضروا عُلَمَاء الْبَلدة وَذكروا مَا أَخذه من الاموال على سَبِيل الجريمة ونقموا عَلَيْهِ أَخذ الْبَقر من أَصْحَابهَا بِدُونِ أَثمَان ليطعم مِنْهَا رِجَاله من الصارجية والسكبان وَقد كَانَ شدد فى ذَلِك كبنى اسرائيل لما شَدَّدُوا شدد عَلَيْهِم فَأرْسل اليهم صَاحب التَّرْجَمَة الْمَرَاسِيل العديدة فى تهميدهم فَلم يفد إرْسَاله اليهم ثمَّ نهبوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 غَالب اتِّبَاعه وهمدت الْفِتْنَة وزالت بعون الله تَعَالَى تِلْكَ المحنة وَكَانَ جَاءَ ختم الوزارة الْعُظْمَى فى تِلْكَ الاثناء للوزير أبشير محافظ حلب الشَّهْبَاء وَكَانَ بَينه وَبَين منافرة كليه وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يتجلد فى أمره مَعَه خُصُوصا بعد صُدُور القضيه فاتفق انه عز لَهُ وَورد متسلم الكافل الْجَدِيد غازى باشا الى دمشق فَخرج المترجم مِنْهَا فى أول ربيع الاول سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وَبعد وُصُوله الى دَار السلطنة قتل الوزيرا بشير باشا فَصَارَ دفتردارا ثمَّ قتل أَيْضا قَرِيبا من صيروريته فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف كَمَا قتل أَبوهُ وَهود فتردار أَيْضا مُحَمَّد بن مصلح بن اسماعيل الرومى نزيل الْقُدس الشريف كَانَ من الصلحاء خَادِمًا لكتب الْعلم وَالْقُرْآن الْعَظِيم كِتَابَة وَوَقع لَهُ أَنه كتب {قل هُوَ الله أحد} على أرزة وَكتب سُورَة يس فى حُرُوف الْبَسْمَلَة وَالْقُرْآن جَمِيعه فى حُرُوف سُورَة يس وَكَانَ لَا يتَعَلَّق بشر من أُمُور الدُّنْيَا مهما جَاءَهُ أنفقهُ فَلَا يجمع شَيْئا وتصبر اذا لم يجئه شئ وَعمر زَمَانا طَويلا وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن فى بَابا الرَّحْمَة رَحمَه الله ورحم أنامله آمين مُحَمَّد بن الْفَقِيه مَعْرُوف بن عبد الله بن أَحْمد العقيبى باجمال أحد عباد الله الصَّالِحين المواظبين على طَاعَة الله تَعَالَى كَانَ ورعا زاهدا قانعا يحب الخمول وَيكرهُ الشُّهْرَة يحب الصَّالِحين حسن الظَّن باخوانه صحب خَاله الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد بن عمر باجمال وحصلت لَهُ نظرات ولحظات ودعوات ظهر عَلَيْهِ بركتها وَله صدقَات كَثِيرَة مِنْهَا بِنَاء الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بالحمام فى وسط مَدِينَة الغرفة وآبار كَثِيرَة وَقفهَا على الْمُسلمين وَله أوقاف على مَسَاجِد بِمَدِينَة هنيز وأوقاف على قرَابَته وصدقات تقسم على الْفُقَرَاء يَوْم عَاشُورَاء وَحصل كتبا كَثِيرَة ووقفها ووقف على عمارتها مَعَ قلَّة مَاله وَلَيْسَ لَهُ صَنْعَة وَلَا تِجَارَة وَكَانَ محبوبا عِنْد النَّاس مُعْتَقدًا مَقْبُولًا وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة السبت منتصف صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين والف مُحَمَّد أَبُو سِرين بن المقبول بن عُثْمَان بن أَحْمد بن مُوسَى بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن عِيسَى ابْن القطب صفى الدّين أَحْمد بن عمر الزيلعى العقيلى صَاحب اللِّحْيَة رضى الله عَنهُ رَأَيْت تَرْجَمته بِخَط صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله وَلست أدرى أهى لَهُ ام لغيره قَالَ فِيهَا لَيست تحضرنى عبارَة تنبئ عَن مَحَله وعلو مرتبته فى الْعلم وَالْولَايَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 والقدم الثَّابِت فى مراقبة الله تَعَالَى وَالرِّعَايَة سَارَتْ بِذكرِهِ الركْبَان وَبلغ الشرق والغرب مَاله من علو الْمَكَان وَكَانَ فى عصره مرجع اللِّحْيَة وَمَا والاها من اقرى وَالْعرب مطيعون لَهُ اطاعة الامرا وَكَانَت دولة الاتراك لَا تصدر الا عَن رَأْيه واشارته وَلَا تخرج جَمِيع الْحُكَّام عَن طَاعَته وَكَانَ رَئِيسا عالى الهمة آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر صَاحب عبَادَة وزهاده مُمِدًّا من الله تَعَالَى سُبْحَانَهُ بالسعاده وَكَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ على ظهر قلبه كثير التِّلَاوَة لَهُ عَظِيم الْقيام بِهِ وَكَانَت اللِّحْيَة فى زَمَنه كالحديقة المزهره ووجوه بنى الزيلعى بِنور وَجهه ضاحكة مستبشره وَهُوَ مرجعهم فى الْمُهِمَّات والمدار عَلَيْهِ من بَينهم فى الملمات وَله المهابة فى الْقُلُوب وَالْجَلالَة فى النُّفُوس بِرُؤْيَتِهِ ينجلى كل هم وبوس وَكَانَ من الْكَرم فى ذروته الْعَالِيَة وَمن التَّوَاضُع بمكانة غَالِيَة مقدما فى قومه مُعظما فى عشيرته نَشأ على خير وفى خير وكنى بابى سِرين لانه كَانَ لَهُ سرتين وَلما ولد وَاجْتمعَ النَّاس من أَصْحَاب وَالِده لتسميته فى سابعه أَتَى بِهِ أَبوهُ وَوَضعه بَينهم وَقَالَ لَهُم من يقدر مِنْكُم يرفع رَأسه من الارض فَأخذ كل مِنْهُم بِرَأْسِهِ فَلم يقدروا على رَفعه فَقَالَ لَهُم وَالِده هَذَا صَاحب المنصب بعدى وَكَانَ لَهُ اخوة كبار أمّهم عَرَبِيَّة وَصَاحب التَّرْجَمَة أمه ام ولد فَأَرَادَ وَالِده تنبيههم على ذَلِك وَأَنه الاحق بِمَا هُنَالك وَفضل الله يؤتيه من يَشَاء وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة مَعَ الاتراك وقائع كَثِيرَة وكرامات شهيرة وَكَانَ لَا يتَعَرَّض لَهُ أحد بِسوء الاعطب وتصرفه فى عصره مَشْهُور وَعند النَّاس مَذْكُور وَمن كراماته انه وشى بِهِ بعض الحساد الى السَّيِّد الْحسن ابْن الامام الْقَاسِم وَمن جملَة مَا رَمَوْهُ بِهِ انه يعين الاتراك ويمدهم بِمَال من عِنْده وَيقدم لَهُم الْهَدَايَا ويحثهم على الْمُحَاربَة للائمة فارسل اليه جمَاعَة من أَتْبَاعه يَأْمُرهُ بالوصول اليه فاتوا بِهِ اليه وَهُوَ مَرِيض مَحْمُول على سَرِير وَكَانَ اراد قَتله بِمُجَرَّد وُصُوله فَلَمَّا أَتَوا اليه وَرَآهُ أَجله وأكرمه وَاعْتذر لَهُ من فعله وَأمر بار جاعه الى بَلَده مجللا مكرما ثمَّ اشْتغل عَن ذَلِك فاتى اليه وَقَالَ لَهُ انى مَرِيض ومرادى أَمُوت ببلدى فجهزنى سَرِيعا وَاعْلَم انك ميت على أثرى فجهزه لوقته وَسَار الى بَلَده اللِّحْيَة فَلَمَّا وصل اليها جلس أَيَّامًا قَليلَة وَمَات وَكَانَت وِلَادَته فى سنة تسع وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى ثانى شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَمَات فى اثره السَّيِّد الْحسن ابْن الإِمَام الْقَاسِم رَحمَه الله الامير مُحَمَّد بن منجك بن أَبى بكر بن عبد الْقَادِر بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 منجك الْكَبِير اليوسفى الذى اشْتهر فى الدُّنْيَا وتناقلت أَحَادِيثه النَّاس فى الْعليا وَصَاحب التَّرْجَمَة نبع فى الدوحة المنجكية نبيلا وسما قدره فى دمشق جَلِيلًا وارتقى الى اعلى ذرْوَة وَلم يحذ أحد فى المعلوات حذوه كَانَ أَمِيرا جليل الْقدر سامى الهضبة سخى الطَّبْع كَبِير الشان الا انه مغال فى الْكبر والتيه بذى اللِّسَان كثير الوقيعة فى النَّاس مفرط فى أذيتهم وَلِهَذَا خافه النَّاس وَكَبرت دولته وعظمت صولته ومدحه الشُّعَرَاء واتقادت اليه الْفُضَلَاء سلك اولا طَرِيق الْعَسْكَر فَصَارَ من آحَاد الْجند الشامى ثمَّ زعيما ثمَّ مُتَوَلِّيًا على عمَارَة السُّلْطَان سُلَيْمَان بالميدان الاخضر وَصَارَ بعْدهَا أَمِيرا بتدمر مَعَ التَّوْلِيَة الْمَذْكُورَة ثمَّ صَار متقاعدا على قانون آل عُثْمَان عَن دفتر دارية دمشق ثمَّ عرض لَهُ الْوَزير مُحَمَّد باشا ابْن سِنَان باشا فى أَن يكون أَمِير الامراء بمدينتى الرقة والرها فَنَهَضَ بِهَذِهِ الرُّتْبَة وسما وتقلبت بِهِ الاحوال وطافت بِهِ الاهوال حَتَّى سَافر مَرَّات الى دَار السلطنة وخالط الوزراء حَتَّى علا فى الْمقَام وَولى انظارا وقافهم عَن عَمه الامير عبد اللَّطِيف بن أَبى بكر لما مَاتَ فى ثانى عشر شَوَّال سنة احدى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ الامير عبد اللَّطِيف وَليهَا عَن عَمه الامير ابراهيم بن عبد الْقَادِر فى حَيَاته وَلم يتم لَهُ التصريف حَتَّى مَاتَ عَمه فى شهر ربيع الاول سنة موت عبد اللَّطِيف واما وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة الامير منجك فانه لم يتول الانظار الْمَذْكُورَة وَمَات فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَالْحق انه لم يصل مِنْهُم أحد الى مَا وصل اليه المترجم فانه بلغ من نُفُوذ القَوْل الى مرتبَة عَظِيمَة وَعمر العمارات الفائقة مِنْهَا القاعة الْمَشْهُورَة فى دَارهم بَين بَاب جيرون وَبَاب السلسلة فانه أنق فى عمارتها بالقاشان والرخام وَصرف عَلَيْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَة وَعمر الْقصر الْمَعْرُوف بِهِ فى الوادى الاخضر أحد منتزهات دمشق وانتهت عِمَارَته فى سنة احدى عشرَة وَألف وَفِيه يَقُول الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى الْمُفْتى مؤرخا بناءه ومخاطبا بانيه بقوله (بنيت فصرا ام الْجنان جرى ... من تحتهَا النَّهر فَوْقه الغرف) (جَاوَرت فى سَمَكَة السماك مَعَ ... الْجَوْز اولم ينْتَه لَهُ طرف) (بدر الدجا من سناه ممتحق ... شمس الضُّحَى من سناه تنكسف) (بنيت مجدا وسوددا وَعلا ... ظَهرت فِيهَا والحاسدون خفوا) (بِنَاء من لَا يمل من كلف ... متيم بالعطا بِهِ كلف) (يضيق للوفد مَعَ توسعه ... فبعضهم تَحت ظله يقف) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 (قد جَاوز الواصفون حَدهمْ ... فى وَصفه وَهُوَ فَوق مَا وصفوا) (فَحسن ذَات العمادا خَلفه ... عماد هَذَا وحبذا الْخلف) (ان سَالَ الْوَارِد دون عَن شرف ... أَعلَى ومروا بِهِ وَمَا عرفُوا) (فاصدقهم الامر واهدهم كرما ... وَقل وارخه قصرى الشّرف) وَقَالَ أَبُو بكر بن مَنْصُور الْعُمْرَى (وَقصر تود قُصُور الْجنان لَو أَنَّهَا بَابه تخْدم ... ) (وكوثرها دائر حوله ... وأشجارها تربه تلثم) (بناه الامير فَتى منجك ... مُحَمَّد الْفَارِس الْمعلم) (وشرفه فغدا قدره ... عَظِيما وتاريخه أعظم) قلت وَكَانَ الامير منجك ابْن المترجم الآتى ذكره وهب الْقصر الْمَذْكُور لاحمد باشا الْمَعْرُوف بالكوجك لما كَانَ كافل دمشق فادرجه الكوجك فى وَقفه وَهُوَ الْآن من جملَة وَقفه غير انه لعبت بِهِ أيدى الحادثات فَذَهَبت برونقه وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة أَحْوَال ووقائع وَمَا جريات وفظائع تجاوزت الْحَد وكل عَنْهَا الْعد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ كَمَا تلقيناه وأخذناه من الافواه رجل اساءته أَكثر من احسانه فانه قل من سلم من يَده وَلسَانه ولعمرى لقد أنصف ابْنه المرحوم الامير منجك سقى الله ثراه صيب الرحمه فِيمَا قَالَ مُشِيرا لما فعله أَبوهُ من الظلامات الْمَدّ لهمه (اساء كبارنا فى النَّاس حَتَّى ... جرى هَذَا الاساء على الصغار) (لقد شرب الاوائل كاس خمر ... غَدَتْ مِنْهَا الاواخر فى خمار) وَكَانَت وَفَاته فى رَابِع وعشرى شهر ربيع الاول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بِجَامِع جده بالميدان وجده الاعلى صَاحب الاوقاف مَذْكُور فى كتب التواريخ مِنْهَا المنهل الصافى لِابْنِ ثغرى بردى وذكرانه تنقل فى نيابات الشَّام كحلب وطرابلس ودمشق وصفد وطرسوس وَولى قبل ذَلِك الوزارة فى زمن النَّاصِر مُحَمَّد ابْن قلاون وَجرى عَلَيْهِ امور وَقبض عَلَيْهِ مَرَّات مُحَمَّد بن مَنْصُور بن ابراهيم بن سَلامَة محب الدّين الملقب شمس الدّين الشهير بالمحبى الدمشقى الحنفى الْفَقِيه الْمُحدث المقرى المعمر الْبركَة مُلْحق الاحفاد بالاجداد حفظ الْقُرْآن وجوده وَأخذ القراآت عَن الشهَاب الطيبى وَالشَّيْخ حسن الصلتى وغبرهما وَالْفِقْه عَن النَّجْم البهنسى الْخَطِيب بِجَامِع دمشق وَغَيره والْحَدِيث عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 وَالِده الْمسند الْكَبِير عَن القاضى زَكَرِيَّا والبرهان القلقنشدى والحافظ عبد الْحق السنباطى المصريين وَالتَّقوى بن قاضى عجلون وَالسَّيِّد كَمَا الدّين بن حَمْزَة الدمشقيين وأتقن وَضبط وانتفع بِهِ وَلَده ابراهيم وَمَات فى حَيَاته فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة عَن ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ نبل جدا وَلم أَقف على وَفَاته وانتفع بِهِ شيخ الاسلام عبد الرَّحْمَن العمادى وَتزَوج بوالدة العمادى آخرا وَحصل لَهُ ثقل فى سَمعه آخر عمره وَكَانَ مُنْقَطِعًا فى بَيته يَتْلُو كَلَام الله تَعَالَى وَألف وَمن تآليفه شرح على الْهِدَايَة على مَا سَمِعت وَمَا رَأَيْته وَرَأَيْت لَهُ من شعره هذَيْن الْبَيْتَيْنِ منسوبين اليه فاثبتهما لَهُ وهما (يَا قَارِئًا خطا لمن لم يجد ... حظا مدى الايام من دهره) (عساك ان تَدْعُو بغفران مَا ... جنى من الآثام فى عمره) وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ التغفل وَالصَّلَاح قَالَ النَّجْم الغزى ميلاده فى سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة كَمَا نقلته من خطّ المحيوى الشَّيْخ عبد الْقَادِر النعيمى وَتوفى سنة ثَلَاثِينَ بعد الالف قلت فَيكون بلغ من الْعُمر مائَة سنة وَقَالَ الشهَاب العمادى فى تَارِيخ وَفَاته (مَاتَ المحبى شيخى ... وَكَانَ نعم الْمُحب) (بدر الْفَضَائِل لما ... هوى تخلف شهب) (وأشرقت شمس علم ... مِنْهُ لَهَا الْقَبْر غرب) (سُلْطَان فضل حمته ... كتائب هن كتب) (قطب الْوُجُود تسامى ... فِيهِ صَلَاح وجذب) (فَقلت يَا صَاح أرخ ... بِالشَّام قدمات قطب) قلت وَبَيت محب الدّين هَؤُلَاءِ غير بيتنا بِدِمَشْق وهم أقدم منا فِيهَا وَيُقَال لَهُم بَيت نَاظر الْجَيْش لَان جدهم الاعلى القاضى محب الدّين كَانَ نَاظر الْجَيْش أَيَّام السطلان الغورى واما جد صَاحب التَّرْجَمَة ابراهيم الْمَذْكُور فَكَانَ بِسَبَب مَوته الْفِتْنَة الْمَشْهُورَة بِدِمَشْق وَأخذ الْعلمَاء مِنْهَا الى مصر تَحت الترسيم وَذَلِكَ انه مَاتَ وَله ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَ أَبوهُ بِمصْر عِنْد الاشرف الغورى فَلَمَّا دفن بنيت عَلَيْهِ قبَّة فى ملاصقة قبَّة القطب الولى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى سيدنَا الشَّيْخ ارسلان قدس الله سره الْعَزِيز فَأفْتى السَّيِّد كَمَال الدّين مفتى دَار الْعدْل بهدم الْقبَّة الْمَذْكُورَة لكَونهَا بنيت فى مَقْبرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 مسبلة وَأفْتى التَّقْوَى ابْن قاضى عجلون بِعَدَمِ هدمها وَقَالَ هَذِه الْقبَّة كَانَت مَوْجُودَة وَلها أساس وَمَا بنيت الثَّانِيَة الا على أساس الاولى والاولى كَانَت عامرة مُدَّة طَوِيلَة من غير تعرض لَهَا والاصل وضع الشئ بِحَق وَكَانَ القاضى الْحَاكِم بهدمها قاضى الْقُضَاة خير الدّين المالكى وَكَانَ الامير سيباى أَمِير الامراء بِدِمَشْق حَاضرا على هدمها فَلَمَّا صدر ذَلِك ذهب الْخَبَر الى وَالِد الْمَيِّت القاضى محب الدّين فَقدم الى دمشق وَاسْتمرّ من الطَّرِيق عَازِمًا الى قبر وَلَده وَعَزاهُ النَّاس فِيهِ هُنَاكَ ثمَّ انه أَخذ عظاما من التربة وَضعهَا فى وعَاء وَذهب الى مصر وَألقى الْعِظَام بَين يدى الْملك الاشرف قانصوه الغورى فَقَالَ لَهُ مَا هَذِه قَالَ هَذِه عِظَام ولدى الَّتِى أخرجتها أكَابِر دمشق من قَبره وَمَا فعلوا ذَلِك الا لانتسابى اليك وَقَالَ للسُّلْطَان عندى كنز يحْتَاج الى البخور فَقَالَ عندى بخوره فَكتب لَهُ عِنْد ذَلِك أَسمَاء الْجَمَاعَة الَّذين كَانُوا داخلين فى الْقِصَّة مِنْهُم التَّقْوَى ابْن قاضى عجلون مَعَ انه أفتى بِعَدَمِ هدم الْقبَّة وَلَكِن كَأَنَّهُ أَخذه ليستشهده على من أفتى بهدمها وَمِنْهُم السَّيِّد كَمَال الدّين مفتى دَار الْعدْل والشهاب أَحْمد الرملى امام الْجَامِع الاموى والقاضى خير الدّين المالكى وَجَمَاعَة وَكتب حكم سلطانى بأسماء هَؤُلَاءِ وَأرْسل خاصكى الى دمشق بِطَلَب هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة فَذَهَبُوا مُتَفَرّقين ودخلوا الى السُّلْطَان بِمصْر فرسم عَلَيْهِم الا التَّقْوَى فانه أبقاه فى بعض الْمدَارِس غير مرسم عَلَيْهِ وَلما حَضَرُوا فى الْجمع الى السُّلْطَان زجر الْجَمَاعَة وَلم يزل الامر يزِيد وَينْقص الى أَن وَقعت الدَّعْوَى على القاضى المالكى الذى حكم بهدم الْقبَّة وَحكم قاضى حنبلى بِمصْر بِأَن الحكم الصَّادِر بهدمها لم يَقع موقعه وخسر الْقَوْم بِسَبَب هَذِه الْقِصَّة مَا يزِيد على عشْرين ألف دِينَار وَرَجَعُوا بمناصب زَالَت بعد قَلِيل وَالله أعلم مُحَمَّد بن مُوسَى بن عفيف الدّين المنعوت شمس الدّين بن شرف الدّين القابونى الدمشقى الشافعى ذكره الغزى وَقَالَ هُوَ سبط الشهَاب أَحْمد بن أَحْمد بن بدر الدّين الطيبى عرف بجدى لانه كَانَ يلازم جده الطيبى فَيَقُول لَهُ جدى جدى فغلب عَلَيْهِ ذَلِك كَانَ خطيب جَامع منجك الْمَعْرُوف بِمَسْجِد الاقصاب خَارج دمشق كأبيه ثمَّ ولى امامة الْمَقْصُورَة من الْجَامِع الاموى شركَة شَيخنَا يعْنى بِهِ العيثاوى بعد موت خَاله الشهَاب أَحْمد بن أَحْمد بن أَحْمد فى منتصف شهر رَمَضَان سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة بِمَعْرِِفَة قريبهم الشَّيْخ أَحْمد بن النعمى خطيب ايا صوفيه وَكَانَ ورد دمشق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 حَاجا فى صُحْبَة الْمولى عبد الْغنى قاضى قُضَاة الشَّام وَقد وَليهَا ثَانِيًا ثمَّ قَالَ وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن وختمه فى الْمِحْرَاب مَرَّات وَكَانَ يلازم فى جُمُعَة شَيخنَا أَيْضا وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة فى القراآت وَيقْرَأ مجودا ولى نصف وَظِيفَة الْوَعْظ فى يَوْم الاربعاء من الثَّلَاثَة الاشهر عَن ابْن قنديل شركَة التَّاج القرعونى فباشره وَكَانَ يعسر عَلَيْهِ التأدية من الْوَرق لضعف نَصره وَعبارَته فَكَانَ يتصحف عَلَيْهِ أَلْفَاظ ويتكرر مِنْهُ تصحيفها وتحريفها حَتَّى سمعته بورد هَذَا الحَدِيث غير مرّة لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَو فرسن شَاة فيقرؤه فى سنّ شَاة كَلِمَتَيْنِ وَسن بِالتَّشْدِيدِ يُرِيد وَاحِد الاسنان وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاحد خَامِس عشر صفر سنة تسع عشرَة وَألف وَدفن من الْغَد بمقبرة الفراديس عِنْد قبر جده وخاله الطيبيين قلت وَالشَّيْخ أَحْمد النعيمى الذى ذكره هُوَ الشَّيْخ بهاء الدّين أَحْمد بن عبد الْقَادِر النعيمى الدمشقى تقلبت بِهِ الاحوال بِدِمَشْق فسافر الى الرّوم فَصَارَ خطيب السليمانية وامام ياصوفيه بقسطنيطينية وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة مُحَمَّد بن مُوسَى بن عَلَاء الدّين الْمَعْرُوف بالعسيلى القدسى ولد الشَّيْخ كَمَال الدّين الْمُقدم ذكره كَانَ من كبار الْفُضَلَاء أَصْحَاب التصانيف أَخذ الْفَرَائِض عَن الولى الْبركَة الشَّيْخ مُحَمَّد الدجانى وَأَجَازَهُ وَأخذ الْفِقْه والْحَدِيث عَن الشَّيْخ يحيى ابْن قاضى الصَّلْت القدسى والتصوف والعقائد عَن الشَّيْخ مُحَمَّد العلمى وَكَانَ مغرما بِهِ وقارئ درسه وَأخذ الْمعَانى وَالْبَيَان عَن شيخ الاسلام رضى الدّين اللطفى وَالشَّيْخ مَحْمُود البيلونى وَقَرَأَ البيضاوى بِتَمَامِهِ على المنلا على الكردى واجازه شيخ الاسلام التمرتاشى الغزى صَاحب التَّنْوِير رَحمَه الله تَعَالَى بِمَا لَهُ من مروياته نظما ووقفت على الاجازة وَأرْسل لَهُ النُّور الزيادى اجازة من مصر لما سَأَلَهُ عَن أسئلة عديدة وَطلب مِنْهُ الاجازة وَلم يره وَمن مؤلفاته حَاشِيَة على الفاكهى وَقطعَة كَبِيرَة على الجلالين اخترمته الْمنية قبل اكمالها ونظم الْقطر وَشَرحه ونظم خَصَائِص النبى وَشرح النّظم شرحا لطيفا لم يسْبق اليه مَعَ زيادات على انموذج اللبيب فى خَصَائِص الحبيب وَسَماهُ النّظم الْقَرِيب فى خَصَائِص الحبيب وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بِمَا من الله مُحَمَّد بن مُوسَى بن مُحَمَّد الجمازى نِسْبَة الى الامير عز الدّين جماز شَيْخه بن هَاشم بن قَاسم بن مهنا بن حُسَيْن بن مهنا بن دَاوُد بن قَاسم بن عبد الله بن طَاهِر بن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 يحيى بن جَعْفَر بن عبيد الله بن الْحُسَيْن الاصغر بن على زين العابدين بن الْحُسَيْن بن على بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه ورضى الله عَنْهُم الحسينى المالكى أحد الْفُضَلَاء الاعيان وَاحِد أَئِمَّة الْبَيَان أخر زمن الادب طرفا وحوى مِنْهُ جانبا مستظرفا وَكَانَ لَهُ بِمصْر منزلَة ومكانه وَقدر شرف بِهِ زَمَانه ومكانه وَولى الْقَضَاء بمحكمة ابْن طولون وَمن شُيُوخه مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزى الحنفى لَازمه سِنِين عديدة واختص بِصُحْبَتِهِ وَأخذ عَن عبد الْوَاحِد الرشيدى امام برج مغزل وَمن مشايخه مرعى الحنبلى وخاتمة الْمُحدثين النُّور الاجهورى وَله مؤلفات مِنْهَا شرح الاندلسية فى الْعرُوض ونظم أم الْبَرَاهِين للسنوسى وَغير ذَلِك من الرسائل وَله شعر مِنْهُ قَوْله فى النَّعْل الشريف (مذ شاهدت عيناى شكل نعاله ... خطرت على خواطر بمثاله) (فَغَدَوْت مَشْغُول الْفُؤَاد مفكرا ... متمنيا انى شِرَاك نعاله) (حَتَّى ألامس أخمصيه ملاطفا ... قد مَا لمن كشف الدجى بجماله) (يَا عين ان شط الحبيب وَلم أجد ... سَببا الى تقريبه ووصاله) (فَلَقَد قنعت برؤيتى آثاره ... فامرغ الْخَدين فى اطلاله) وَاصل هَذَا قَول عَلَاء الدّين بن سَلام حَيْثُ قَالَ (يَا عين ان بعد الحبيب وداره ... ونأت مراتعه وشط مزاره) (فَلَقَد ظَفرت من الزَّمَان بطائل ... ان لم تريه فَهَذِهِ آثاره) وَمثله قَول لِسَان الدّين بن الْخَطِيب الاندلسى حَيْثُ قَالَ فِيهِ (ابْن بَان منزله وشط مزاره ... قَامَت مقَام عيانه أخباره) (قسم زَمَانك عِبْرَة أَو عسرة ... هَذَا ثراه وَهَذِه آثاره) وَمن شعر الجمازى أَيْضا قَوْله يمدح السَّيِّد زَكَرِيَّا المقدسى نقيب السَّادة الاشراف بِمصْر من قصيدة مطْلعهَا قَوْله (ان بعدى وغربتى واشتياقى ... وافتراقى كفرقة الاعتزال) (واصطبارى على الْمقَام هوانا ... بَين قوم كعصبة الدَّجَّال) (لم يفيدوا علما وَلم يستفيدوا ... ان فيهم تهاتها مَعَ جِدَال) (وتقضى الزَّمَان فى ترهات ... آفَة الْعلم قلَّة الِاشْتِغَال) (لَا حَيَاة هنيئة فى عِيَال ... وارتكاب لَا خبث الاعمال) وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين بن على البلينى الْمصر الاديب الشَّاعِر ذكره الخفاجى فَقَالَ فى وَصفه فَاضل شافعى الْمَذْهَب ولبيب طراز فَضله بالآداب مَذْهَب من الْقَوْم الالى فى طَرِيق الْخيرَات ساعون وَالَّذين هم لاماناتهم وَعَهْدهمْ رَاعُونَ وَله شعر أصفى من الرَّحِيق الْمُعْتق وابهى من وشى الرّبيع المنمق الا انه تجَاوز رقة النسيب الى التَّجْنِيس والغريب ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله من قصيدة (اهلا بِهِ ملكا فى زى انسان ... أَهلا بِهِ قادما فى شهر نيسان) مِنْهَا قَوْله فى الْمَدْح (ابكى على حِين مرغوس على جنى ... وَمن تلافى فِيهِ قد تلافانى) الْحِين الْهَلَاك والرغس النِّعْمَة (واننا شنى بِالْيَدِ الْبَيْضَاء سودده ... من أسود الْخطب لما أَن تخاطانى) (قد كنت غصان بِالْمَاءِ الزلَال وَهل ... يجرى سوى المَاء فى حلقوم غصان) (صديان أَشْكُو فَلَا اشكى كَأَن خرس الصدا وصم فَلَا يجرى بميدان ... ) (يَا جَامعا شَمل اشتات الْفَضَائِل فى ... جثمانه عز عَن جمع وجثمان) (وَمن تفرد فى هضبات عزمته ... ألية مَا لفرد مِنْك من ثَان) (حجبت غَيْرك عَمَّا ظلت تملكه ... ارثا من الْفضل حجبا حجب حرمَان) قَوْله قد كنت غصان معنى مطروق كَقَوْلِه (من غص داوى بِشرب المَاء غصته ... فَكيف يصنع من قد غص بِالْمَاءِ) وَقَوله (لَو بِغَيْر المَاء حلقى شَرق ... كنت كالغصان بِالْمَاءِ اعتصارى) وَهُوَ فى معنى قَوْله (كنت من محنتى أفر اليهم ... وهم محنتى فَأَيْنَ الْفِرَار) ولابى فراس (قد كنت عدتى الَّتِى أسطو بهَا ... ويدى اذا اشْتَدَّ الزَّمَان وساعدى) (فرميت مِنْك بضد مَا أملته ... والمرء يشرق بالزلال الْبَارِد) وَمن كَلَام ابْن المعتز رُبمَا شَرق شَارِب المَاء قبل ريه وللشهاب (فديتك مَا كل مطل لَهُ ... يصبر من ذاقه وَاحْتمل) (اذا مطل المَاء ذَا غُصَّة ... فقد رام انجاز وعد الاجل) (وعدت بنصرى على حَالَة ... لَهَا الصَّبْر عادى وفر الامل) وللبلينى من قصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 (لَو علمت الْجمال يَا جمل بعدى ... لَو صلت الْوِصَال بعدا ببعد) (زعمت اننى شغفت بدعد ... جمل فاستأثرت بلَى وَصد) (مَا لَهَا أَعرَضت وَلم آتٍ ذَنبا ... غير انى علقت مِنْهَا بود) (كل حَال يجل مَا شِئْت فِيهَا ... غير رفض الْهوى وصدور صد) (حادى العيس سر بسربى لسرب ... بالمصلى لَهُم جَوَامِع عهدى) (حبهم فى جوانحى مستجن ... فى ضمير بدا وَمَا كدت أبدى) (نم دمعى بِهِ فنم شجونى ... ظَاهر مخبر بباطن وجدى) (لَيْت شعرى وَمَا شَعرت أغيرى ... مغرم فى الغرام أم أَنا وحدى) (لم أجد حِيلَة فحيلة وجدى ... وجدد مَعَ قد خد أخدُود خدى) وَقَوله من أُخْرَى مستهلها (ظلّ ظلّ الْهوى بنعم مُقيما ... فَأَقَمْنَا بِهِ فَكَانَ النعيما) (ورأينا وَلَا نرى الصد يسمو ... فى معالى الْكَمَال وَجها وسيما) (يَا خليلى ان تَرَ وَمَا فروما ... غُصْن بَان اذا تثنى وريما) (يصحب الصحب بالتكرم فهم ... بابنة الْكَرم مكرما ونديما) (واكسبا الْمجد مَا احتسى الراح روح ... واكتسى الرَّوْض عَن نَسِيج نسيما) (واذا الغانيات غنتك فاغنم ... من بَنَات العريب صَوتا رخيما) (غادة غادرت دموعى غديرا ... دائرا حائرا وصبرى عديما) (جمعت فى القوام ضدين فاعجب ... عَجزا رابيا وكشحا هضيما) (أوهنت قوتى فأقوت هيولاى وبادت فصرت هشا هشيما) (لَزِمت قَومهَا ففارقت قومى ... قَائِما اقْتضى القوام القويما) (ورنت باللحاظ فى كسر جفن ... ظلّ يهدى الى حشاى الجحيما) (ففؤادى بهَا السَّلِيم بلدغ ... لَا تَظنن ذَا السَّلِيم السليما) (ومشت فى الربى فاربت على مَا ... مَاس من غصنها فامسى خديما) (وامالت مثل الردينى قدا ... مِنْهُ بثت فى الرَّوْض عرفا شميما) (بعثت طيفها لطيفا ودت ... لَو يكون الرَّسُول عَنْهَا النسيما) (علمت اننى سقيم فاهدت ... لى من حسنها مِثَالا سقيما) (فتنبهت لم أجد فَلَو جدى ... فى لطيف جعلت خدى لطيما) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 (وتخيلت فى البروق ضِيَاء ... هُوَ كالطيف فاغتديت مشيما) (فر منى من ليته قرحتى ... أذكر الْعَهْد فى سليمى القديما) (مَا على من على الْهوى من جنَاح ... لزم السهد أم أَتَى التهويما) (حالتاه أجهدتاه فاما ... يرصد الطيف أَو يناجى النجوما) (يحْسب العاذلون اى اذا مَا ... لج بى الشجولا أكون الكتوما) (انما الشّعْر حِكْمَة يصطفيها ... مصقع مدره يُسمى الحكيما) وَمِنْهَا فى المديح وَرَأى الْبَدْر مِنْهُ فى الارض بَدْرًا ... فارتضى أَن يكون عبدا خديما) (من يكن دَائِما سواهُ فانى ... عَن حماه وحمده لن أريما) (وَقُلُوب الورى تدَاخل ودا ... فسليم الْفُؤَاد يهوى السليما) (كحروف الادغام تُدْغَم فى الْمثل وَقد يدغمون فى الْفَاء ميما ... ) (صَاح من لوعتى توالت همومى ... مِنْهُم والهموم تغرى الهموما) (طَال مدحى لَهُم وَمَا نلْت الا ... مدح مدحى فظل برئى سقيما) (فكأنى أسلفتهم نقد لفظ ... فَرَأَوْا رد جنسه تَسْلِيمًا) مِنْهَا (أَيهَا المبتغى الْعباب ليروى ... من صداه ويغبق الشغموما) (صد عَن غَيره وعرج وعود ... عودك الوخد نَحوه تسقيما) (وترحل عَمَّا سوى أرضه ... وَارْضَ بِأَرْض يكون فِيهَا مُقيما ... ) (واذا لم يكن من السعى بُد ... فالرحيل الرحيل أبغى الرحيما) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الْخَمِيس حادى وعشرى شَوَّال سنة تسع عشرَة وَألف والبلينى بِضَم أَوله ثمَّ لَام سَاكِنة بعْدهَا تحتية مَفْتُوحَة نِسْبَة لبلية بحرى هُوَ بلد من الصَّعِيد مُحَمَّد بن نَاصِر الدرعى العربى النحوى اللغوى النَّاظِم مُجَدد الطَّرِيقَة الشاذلية مربى الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء بركَة الْمغرب صَاحب الكشوفات وأوحد الدَّهْر أجمع أهل الْمغرب على جلالته وَعظم قدره وَمَا أَظن أحدا بلغ رتبته فى الاشتهار عِنْدهم فانى كثيرا مَا أسأَل عَنهُ آحَاد المغاربه فيبادرونى بِذكر فضائله وولايته بِأول وهلة وَلَا أَرَاهُم فى وصف غَيره كَذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف رحه الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 مُحَمَّد بن نجم الدّين بن مُحَمَّد الملقب شمس الدّين الْمَعْرُوف بالصالحى الهلالى الدمشقى الاديب الْكَاتِب المنشى الشَّاعِر الْمَشْهُور فَرد الزَّمَان وأوحد الاوان ولد بمشق وَقَرَأَ بهَا الْقُرْآن ثمَّ توجه الى مَكَّة المشرفة وَقَرَأَ بهَا الْفِقْه على الشَّيْخ الامام شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر الهيتمى وعَلى الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن فَهد وعَلى القطب المكى الشهروانى ثمَّ قدم دمشق بعد وَفَاة وَالِده فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ بهَا النَّحْو والمعانى وَالْبَيَان على الْعِمَاد الحنفى والشهاب أَحْمد المغربى وتفقه بِالنورِ النسفى المصرى نزيل دمشق وبرع فى الْفِقْه وَالتَّفْسِير والادب مَعَ الذكاء المفرط وَحسن الْفَهم وَلزِمَ الْعُزْلَة فى حجرَة بِالْمَدْرَسَةِ العزيزية وَكَانَ فى الْغَالِب يكْتب تَفْسِير البيضاوى وخطه فى غَايَة الْجَوْدَة ومشهور حق الشُّهْرَة خُصُوصا فى الرّوم فانهم يتغالون فِيهِ وَكَانَ جمع مَالا عَظِيما وَلم يتَزَوَّج مُدَّة عمره وَكَانَت لَهُ أُخْت متزوجة فى طرابلس الشَّام فسافر لزيارتها فى سنة ثَمَان بعد الالف فَاجْتمع هُنَاكَ بالامير على بن سَيْفا فَجعله فى مُدَّة اقامته بطرابلس معلما لوَلَده الامير مُحَمَّد السيفى فَكَانَ ذَلِك سَببا لاقامته بطرابلس مُدَّة ومدح الامير عليا وأخاه الامير يُوسُف بقصائد طنانة ثمَّ رَجَعَ الى دمشق والذى تلخص فِيهِ من القَوْل انه أبلغ بلغاء عصره وأفصح فصحاء دهره لم تكتحل بِمثلِهِ عين الزَّمَان وَلم يبتسم لنظيره ثغر الْعرْفَان وَقد ذكره الخفاجى وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَهُوَ أَخذ عَنهُ الادب ثمَّ قَالَ فى تَرْجَمته وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى من سنته الاعتزال عَن النَّاس وَتَقْدِيم الوحشة على الِاسْتِئْنَاس عَاملا فى أَوَاخِر عمره بقول على رضى الله عَنهُ بَقِيَّة عمر الْمَرْء لَا ثمن لَهَا يدْرك بهَا مَا فَاتَ وَيحيى مَا مَاتَ وَقد عقده البستى بقوله (بَقِيَّة الْعُمر عندى مَا لَهَا ثمن ... وان غَدا خير مَحْبُوب بِلَا ثمن) (يسْتَدرك الْمَرْء فِيهَا مَا أفات وَيحيى مَا أمات ويمحى السوء بالْحسنِ ... ) وَمن شعر الْعَلامَة الزمخشرى قَوْله فى هَذِه الْبَقِيَّة (خربَتْ هَذَا الْعُمر غير بَقِيَّة ... ولعلنى لَك بالقية عَامر) واشعاره ومنشآته كَثِيرَة وَله ديوَان فى مدح مصطفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام سَمَّاهُ صدح الْحمام فى مدح خير الانام ذكر فِيهِ تِسْعَة وَعشْرين قصيدة مرتبَة على حُرُوف المعجم وَقد ذكر فى ديباجته نبذا من صِفَاته ومعاهد انسه ولذاته ومسارح آرام أترابه ولداته قَالَ فى فصل صَدره اننى لما نشأت بِمَكَّة المشرفة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 والاماكن الَّتِى هى بالجوزاء ممنطقة وبالثريا مشنفه وَقد كسانى الزَّمَان قشيب بروده وطفت فِيهَا مَا بَين عقيق الْحمى وزروده وغصن الصِّبَا بأيام السعادات مُورق وَبدر الشَّبَاب فى سَمَاء الكمالات مشرق خلى البال منفى البلبال لَا دأب لى الا موسم وُفُود الْعُلُوم فى سوق عكاطها وَلَا شغل لى الا استكشاف وسائم وُجُوه الْمعَانى المخبأة تَحت براقع ألفاظها أستمرى من اخلاف الائمة الْمَشَايِخ در الْمَفْهُوم وأستخرج من بَحر كل حبر راسخ در الْعُلُوم أفاضل امتطوا من سَائِر الْعُلُوم غوارب الانتاج وأماثل فاضت بحور علومهم كَمَا يفِيض الْبَحْر المتلاطم بالامواج اغترفوا من حِيَاض المعارف نمير الْحَقَائِق واقتطفوا من رياض الْآدَاب ثَمَرَات اللطائف وَالرَّقَائِق لَو سمع قس فصيح لغاتهم لادركه العى بسوق عكاظ وَلَو شاهدهم سحبان لولى يسحب ذيله خجلا من جزالة الْمعَانى ورقة الالفاظ شموس فضائلهم لم تزل دائمة الطُّلُوع ومزن أدبهم مَا انْفَكَّ بقطر النّظم والنثر هموع ثمَّ لما قضى الله بِحمْل عَصا الترحال وَشد الاقتاب وحلول انتاج الاجمال وَبَطلَت حَرَكَة ذَلِك الدّور وتنقل الزَّمَان من طور الى طور أعملنا حُرُوف النجائب تنبض بِنَا الْبَيْدَاء فى سراها ولطمنا خُذ الارض باخفافها الى أَن براها السرى فى براها فكم جاوزنا جبالاً شوامخ زاحمت بمناكبها السحائب وذرعنا الناجبات شقة قفر فَلم تطوالا بأيدى الركائب وَكم جسرنا بالجاسرات على ملاقاة زنجى الظلام وَكلما رَاعنا أشرعنا اليه من الْكَوَاكِب أسنة وسللنا عَلَيْهِ من الْبَرْق حسام الى أَن بَدَت لاعيننا قباب الْمصلى كالفوانس وشاهدنا عروس الشَّام تنجلى فى سندسى الملابس وَحقّ للْمُسَافِر ان ينشد الْبَيْت السائر (فَأَلْقَت عصاها وَاسْتقر بهَا النَّوَى ... كَمَا قر عينا بالاياب الْمُسَافِر) فنزلنا بِأَرْض دمشق المحروسه وحللنا رحابها المأنوسه فعكفت على مَا كنت بِمَكَّة عَلَيْهِ وفوقت سِهَام عزمى الى غَرَض كَانَ مرماى قَدِيما عَلَيْهِ من اقتناص الشوارد وَتَقْيِيد الاوابد وصادفت بهَا سادة أَئِمَّة وقادة يهتدى بنورهم فى ظلم الْجَهْل المدلهمه اعيان مجد يشار اليهم بالاصابع واقران فضل لَا طَاعن فيهم وَلَا مدافع وصدور علم تتجمل بهم صُدُور الْمجَالِس اذا الْتفت عَلَيْهِم المجامع وآساد بِحَيْثُ يتضاءل لصولتهم كل معاند مُنَازع وفرسان كَلَام فى ميدان نثر ونظام اشرقت شموس فضائهم فى افلاك السُّعُود ونظموا فى سلك الْفَضَائِل كنظم الدّرّ فى اسلاك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 الْعُقُود رياض آدَاب كلهَا زَاهِر وبحار عُلُوم كلهَا لآلئ وجواهر وَقَالَ (قد انتظموا فى سلك فضل قلادة ... وَكلهمْ وسطى وناهيك من عقد) فصحبتهم بُرْهَة من الزَّمَان ونظمت من منثور فضائلهم قلائد العقيان ثمَّ الا غَالب هَؤُلَاءِ الَّذين أخيرا ذكرتهم وحلبت أشطرهم فى حَال الصُّحْبَة وخبرتهم راسلته وراسلنى يرائق شعره وسجعه وادرت كؤس قوافى شعرى على أَفْوَاه سَمعه وَمِنْه من مدحته لَا رَغْبَة فى نواله وَلَا طَمَعا فى الارتواء من سجله يَوْم سجاله بل تَلَوت عَلَيْهِ غرائب أسمارى استقداحا لزناده وزففت اليه عرائس افكارى استجلابا لوداده (فهن عذارى مهرهَا الود لَا الندى ... وَمَا كل من يعزى الى الشّعْر يستجدى) ثمَّ عَن لى وَارِد ربانى وخاطر الهى رحمانى سَار بذكرى فى مجَاز الْحَقِيقَة وأشهدنى عُقبى الامور السحيقه فَرَأَيْت كل قَول لَا ينفع صَاحبه غَدا فَهُوَ من زخرف القَوْل الفانى وَعلمت يَقِينا ان هَذِه الشقاشق لَا تعقب فى الْآخِرَة سرُور وَلَا تهانى وقوى الْعَزْم على ان أقدم بَين يدى مُقَدّمَة من نتائج الْفِكر وَحجَّة يقْضى الْعقل بِصِحَّة ثُبُوتهَا لتضمنها مدح خير الْبشر عَسى انها اذا قبلت تكون وَسِيلَة الى الْفَوْز بالنجاة وَكَفَّارَة لذنوب اكتسبتها وجرائم اقترفتها أَيَّام الْحَيَاة وظنى انها من القضايا المنتجة وان أَبْوَاب الْقبُول مَفْتُوحَة لَهَا غير مرتجة قلت وكل قصائده هَذِه // جَيِّدَة // لَكِن تعجبنى هَذِه الرائية ومستهلها قَوْله (يَا ثانى الْغُصْن من قد لَهُ خطر ... ومفرد الْحسن هَا قلبى على خطر) (وَيَا مديرا علينا من مراشفه ... سلافة الراح فى كاس من الثغر) (لَا تحبس الراح عَمَّن رَاح ذَا علل ... شوقا لورد اللمى من ريقك الخصر) (يَا صاحبى بنعمان الاراك خذا ... عَن يمنة الحى أَو كونا على حدر) (فمرصد الْحبّ حَيْثُ الْغُصْن منعطف ... ومكمن الْمَوْت بَين الْورْد والصدر) (وَحَيْثُ مسرح آرام رعايتها ... حب الْقُلُوب بسفح الاضلع الشّعْر) (من كل ريم يصيد الاسد ناظره ... وَيكسر الجفن يَوْم الروع من حور) مِنْهَا (يَا ثَبت الله قلب الصب حِين دنا ... من موقف يستطير الْعقل بالطير) (وَقد تسر بل درع الصَّبْر سابغة ... وَرَاح فى السّير بَين الامن والحذر) مِنْهَا (مَا كنت ادرى بَان الْحبّ ذُو محن ... حَتَّى ابْتليت وَلَيْسَ الْخَبَر كالخبر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 (امسى وداء الامانى لَا يفارقنى ... ان الامانى تضنى الْقلب بِالذكر) (والجسم قد رق من ضعف وَمن سقم ... حَتَّى تشكى مَسِيس القمص والازر) (والجفن لم يعرف الاغماض مذ عقدت ... بحاجب مِنْهُ اهداب من الشّعْر) (كم قلت للقلب من خوف عَلَيْهِ وَقد ... امسى بحب ظباء البدوفى فكر) (أَنهَاك أَنهَاك لَا آلوك معذرة ... عَن نومَة بَين نَاب اللَّيْث وَالظفر) (فَمَا أصاخ الى قولى وموعظتى ... حَتَّى رمى من صروف الْحبّ بالغبر) (ان تمس يَا قلب من قَتْلَى الْهوى فلكم ... مُلُوك عشق هووا من أرفع السرر) (وَغير بدع فلك الْحبّ سطوته ... تصير الاسد أشلاء الظبا العفر) (يَا ظبى انس لَهُ فتك الاسود وَمن ... لولاه لم ألف الف الْهم والغير) (كف الانمارة عَن قلب بِهِ فتكت ... سيوف لحظ صَحِيح الجفن منكسر) (مَا ان يمر بِهِ يَوْم بِلَا نصب ... وَلَا يُبَاح لَهُ صفو بِلَا كدر) (سليته يَوْم ملقانا بذى سلم ... حَيْثُ الخزاما وَنبت الضال والسمر) (وَهَا أَنا مستجير من هَوَاك بِمن ... أَجَارَ ظبى الفلا الْمُخْتَار من مُضر) مِنْهَا (سَائل قُريْشًا غَدَاة النَّقْع حَيْثُ رموا ... بِعَارِض من زوام الْمَوْت منهمر) (وَكَيف أضحوا جفَاء عِنْد مَا غرقوا ... بسيل خيل جرى فى الاخذ منحدر) (كانما الْخَيل فى الميدان ارجلها ... صوالج ورؤس الْقَوْم كالاكر) وَقَوله أَيْضا الطائية وأولها (سقى طللا حَيْثُ الاجارع والسقط ... وَحَيْثُ الظباء العفر مَا بَينهَا تعطو) (هزيم همول الودق مرتجس لَهُ ... بافنائه فى كل نَاحيَة سقط) (وَلَو ان لى دمعا يرْوى رحابه ... لما كنت أرْضى عارضا جوده نقط) (وَلَكِن دمعى صَار أَكْثَره دَمًا ... فَأنى يُرْجَى ان يرْوى بِهِ قحط) هَذَا كَقَوْل مهيار (بَكَيْت على الوادى فَحرمت مَاءَهُ ... وَكَيف يحل المَاء اكثره دم) وكقول الابيوردى أَيْضا فى الْمَعْنى (سقى الله ليل الْخيف دمعى والحيا ... اريد الحيا فالدمع أَكْثَره دم) رَجَعَ (وَلما رمانى الْبَين سَهْما مُسَددًا ... فأقصدنى والحى ألوى بِهِ شحط) (نحوت باصحابى وركبى أجارعا ... فَلَا دفل يلفي لَدَيْهَا وَلَا خمط) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 (وَجِئْنَا ديارًا لوتصدن لقطعها ... روامس أرياح لاعيت فَلم تخط) مِنْهَا (سريت وصحبى قد اديرت لديهم ... سلاف كروى العيس فى سَيرهَا تمطو) (وَقد مَالَتْ الاكوار وانحلت البرى ... لطول السرى حَتَّى فرى الالسع الغط) (كأنا ببحر الْآل والركب منجد ... وَنحن بِبَطن الْغَوْر نعلو وننحط) (كَمثل غريق لَيْسَ يدرى سباحة ... وَقد صَار وسط المَاء يَبْدُو وينغط) (وقفنا برسم الرّبع وَالرّبع خاشع ... نسائله عَن ساكنيه مَتى شطوا) (فَلَو أَن رسما قبله كَانَ مخبرا ... لقَالَ لنا سارواو بالمنحنى حطوا) (كَانَ فنَاء الرّبع طرس وركبنا ... صُفُوفا بِهِ سطر ورسما بِهِ كشط) (رعى الله طيفا زار من نَحْو غادة ... وَحيا وُفُود اللَّيْل مَا شابه وَخط) (فحييت طيفا زار من نَحْو ارضها ... وَمن دونهَا وَالدَّار شاسعة سقط) (فيا طيف هَل ذَات الوشاحين واللمى ... على الْعَهْد أم ألوى بهَا بَعدنَا الشحط) (وَهل غُصْن ذَاك الْقد يحْكى قوامه ... اذا خطرت فى الرَّوْض مَا ينْبت الْخط) (وَهل ذَلِك السبط الْمرجل لم يزل ... يمج فتيت الْمسك من بَينه الْمشْط) (وَهل عقرب الصدغين فى روض خدها ... لشوكتها تحمى ورودا بِهِ تغطو) (وَهل خصرها بَاقٍ على جور ردفها ... فعهدى بِذَاكَ الردف فى الْجور يشتط) (وَهل حجلها غصان من مَاء سَاقهَا ... وَهل جيدها بَاقٍ بِهِ العقد والقرط) (وَهل رِيقهَا كَالْخمرِ يَا صَاح مُسكر ... فعهدى بِهِ قدما وَمَا ذقته اسفنط) (وَهل ردنها والذيل مهما تفاوحا ... يضوعان عطرا دونه الْمسك والقسط) (وَهل سرها مَا سَاءَ عشاق حسنها ... وَقد نزفوا للبين دمعا وَقد أطوا) (وَهل نسيت لَيْلًا وَقد دَار بَيْننَا ... حَدِيث كَمثل الدّرّ سمعى لَهُ سفط) (وَهل علمت انى نظمت قلائدا ... فَمَا عقدهَا فى الْجيد مِنْهَا وَلَا السمط) (قلائد فى وصف الذى طوق الورى ... عوارف مثل الْبَحْر لَيْسَ لَهُ شط) وَقَوله أَيْضا من الفائية وأولها (أجيراننا الغادين وَاللَّيْل مسدف ... عساكم لمضنى الْقلب أَن تتخلفوا) (وَركب طلاح صاحبوا النَّجْم فى السرى ... ترامى بهم فى السّير بيد ونفنف) (نضوا مِنْهُم فى السّير عزما كمرهف ... وأنضوا قلاصا فى المفاوز تعسف) (يَخُوضُونَ بَحر الْآل يطغى عبابه ... وطورا دياجى اللَّيْل وَاللَّيْل مسدف) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 (كَانَ المطايا والاكلة فَوْقهَا ... سفين بأيدى الارجيات عيدف) (كَأَنَّهُمْ قد عاقدوا العبس حلفة ... على انها فى كل بيداء توجف) (الى ان يرَوا تِلْكَ القباب الَّتِى بهَا ... شَفِيع الورى ذَاك النبى المشرف) وَقَوله أَيْضا من الكافية (يَا ربة الْحسن لَو تممت حسناك ... لعدت مضنى وَمَا أضناه الاك) (لابدع فى الشَّرْع عود الصب ذى دنف ... وَكَيف والصب يَا ضمياء مضناك) (لَا تعجبين وَقد أسقمت مهجته ... والعاشقون وَأهل الحى قتلاك) (ترمين أسْهم الحاظ تفوقها ... اذا نظرت الى العشاق عَيْنَاك) (كفى لحاظك ان شِئْت الْبَقَاء على ... هَذَا الاثام اطال الله بقياك) (لحظى ولحظك مَا زَالَت فعالهما ... تحكى فعائل سفاح وسفاك) (حذرت قلبى مِمَّا قد ألم بِهِ ... كَأَن تحذير هَذَا الْقلب أغراك) (هَل تعلمين بَان الْقلب فى قلق ... شوقا اليك وان الْقلب يهواك) (لولاك مَا بت ارعى النَّجْم ساهرة ... منى الْعُيُون حَلِيف الوجد لولاك) (لما خطرت بقد كالقنا خطرت ... ذكراك فى قلب صب لَيْسَ ينساك) (وَكَيف ينساك صب مَاله شغل ... فى كل صبح وليل غير ذكراك) (أبعدت صبك اذ قربت ذاهلة ... من لَا يزَال مدى الايام يشناك) (كَأَنَّمَا المبغضون الاصدقاء غدوا ... والاصدقاء وَأهل الْحبّ أعداك) (نصبت حَبَّة قلبى والضلوع غَدَتْ ... منى كأشباه أفخاخ وأشراك) (ورمت صيدك يَا أُخْت الغزال فقد ... غَدَوْت وَالْقلب والاشراك أسراك) (فأضلعى المنحنى اذ تنزلين بهَا ... وحبة الْقلب اذ ترعين مرعاك) (وَهَا أَنا الْيَوْم عبد طائع فمرى ... يسمع وارضاى فِيمَا فِيهِ ارضاك) (سُلْطَان حسنك نَادَى فى ممالكه ... وهى الْقُلُوب بِأَنا من رعاياك) (ملكت قلبى فارعى حق صحبته ... بِعَين عطف فعين الله ترعاك) (هَل تسمحين بورد الثغر مِنْك لنا ... أَو هَل يجود بنفثات اللمى فَاك) (قَالَا الاراك وَقد حاس الشفاه وَلم ... يَجْسُر ليدنو مِنْهَا غير مسواك) (سَأَلتهَا مَا الذى بَين الرضاب أذا ... حَصْبَاء در والا ذَا ثناياك) (يَا ربة الخدر جاد الْغَيْث مرتبعا ... قد ضمنا فِيهِ جنح اللَّيْل مغناك) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 (حَيْثُ العفاف رَقِيب مَا يزايلنا ... وَحَيْثُ مغناك معمور بمعناك) (وجاد سلعا وقرا أرضه شرفت ... على سَمَاء وجنات وأفلاك) (بِهِ اسْتَقر الذى فاق الانام علا ... وساد حَتَّى على جن واملاك) وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى من قصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا هَذَا (أذكرت ربعا من أُمَيْمَة أقفرا ... وأسلت دمعا ذَا شُعَاع أحمرا) (أم شاقك الغادون عَنْك سحيرة ... لما سروا وتيمموا أم الْقرى) (زموا المطى وأعنقوا فى سيرهم ... لله دمعى خَلفهم ياما جرى) (مَا قطرت فى السّير أجمال لَهُم ... الا ودمعى فى الركاب تقطرا) (فَكَأَن ظهر البيد بطن صحيفَة ... وقطارها فِيهِ تحاكى أسطرا) (وَكَأَنَّهَا وهوادجا قد رفعت ... سفن ولمع الْآل يحْكى الابحرا) (شكت الركائب من حثيث مسيرها ... وونين من جذب الازمة والبرا) (رحلوا وَمَا عاجوا على مضناهم ... واها لحظى كَيفَ كنت مُؤَخرا) (ان كَانَ جسمى فى الديار مخلفا ... فالقلب مَعَهم حَيْثُ قَالُوا هجرا) (لم يأل جهدا فى الْمسير لَعَلَّه ... يحظى بِقرب أَو يَمُوت فيعذرا) وَقَالَ أَيْضا رَحمَه الله من أُخْرَى على وَزنهَا ورويها مطْلعهَا (مَا لَاحَ فى افق المحاسن اَوْ سرى ... الا حمدت بلَيْل طرته السرى) (عقد الازار على كثيب فى نقا ... فغدا اصطبارى عَنهُ محلول العرى) (لَا تذكر الغزلان عِنْد كناسها ... مَعَه فان الصَّيْد فى جَوف الفرا) وَمن بدائعه رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه الثَّمَانِية الابيات وَلها سبع قواف تقْرَأ على ثَلَاثَة عشر وَجها بِلَا كلفة وتبلغ بالتداخل الى مِائَتَيْنِ وَسِتَّة وَخمسين وَجها وبامعان النّظر والتداخل وبالضرب تبلغ اربعة آلَاف وَسِتَّة وَسبعين وَجها وَيخرج مِنْهَا مُحَمَّد زُرَيْق مرَّتَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فهى من محَاسِن النظام وهى هَذِه (ملك الْجمال بحسنه لما انثنى ... هَذَا الرشا ... من تيهه متأودا) (حَاز الملاحة ياله ... قلبى سبا ... ريقا حمى ... حاوى الرضاب مبردا) (من لحظ بابل جفْنه ... اذ قَدرنَا ... متحرشا ... ماضي الحسام مُجَردا) (دمع الكئيب أساله ... فَلهُ صبا ... بدر سما ... دع عَنْك رشدى وَالْهدى) (زَاد الحزين بغينه ... وهى المنى ... لما مَشى ... زين المحاسن قد بدا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 (ريم يفوق غزاله ... بَين الربى ... عذب اللمى ... رشأ ربيبا اغيدا) (يهوى الخلود بسجنه ... مِمَّا جنى ... اضنى الحشى ... يبغى الْهَلَاك تعمدا) (قلب اليه أماله ... وَله نبا ... وجد نما ... قاسى الْفُؤَاد بِهِ الردى) قَالَ الخفاجى فى الخبايا وَكنت كتبت اليه قصيدة تائية من شعر الصِّبَا تنبه بهَا فى صباح الْعُمر نسيم الصِّبَا كَمَا قَالَ الباخرزى هى التَّمْر باللباب بل هى باكورة ثمار الْآدَاب بل الرَّوْض النَّضِير الذى سقى من مَاء الشَّبَاب وَكنت لما مدحته نوه باسمى وَجرى من الْكَرم على رسمه فَوق رسمى كتبت اليه فصلا مِنْهُ قولى سيدى وَأَنت أَنْت وَأَنا أَنا ان أصبت الْغَرَض فبباعك استعنت وَكَيف لَا يَعْلُو شهَاب تنؤه بِذكرِهِ وتشرق بأنوارك السّنيَّة سَمَاء قدره وَحقّ شعر أَنْت لَهُ رَاوِيه أَن يبيت لكل بَيت مِنْهُ فى الْقلب زاويه ويطأ بأخمصه هَامة النُّجُوم ويرفرف طَائِر يمنه على نسر السَّمَاء ويحوم كَمَا قَالَ شيخ المعرة فى الْمَعْنى (والنحل يجنى المر من نور الربى ... فَيصير شَهدا فى طَرِيق رضابه) اَوْ كَمَا قَالَ قاضى تستر والشئ بالشئ يذكر (شعرى وَأَنت لَهُ الراوى لرفعته الشعرى وشعرى شعرى حَيْثُمَا رويا ... ) (وَالْبَحْر يلفظ درا كَانَ واقعه ... فى اذن أصدافه قطرا اذا رعيا) أَو كَمَا قَالَ أَيْضا (أخذت قولى معوجا وتورده ... على الورى مُسْتَقِيمًا حَيْثُمَا اجتليا) (كالشمع يقبل نقش الفص منعكسا ... مكتوبه ليريه النَّاس مستويا) فأجاد وجاد وَصفا من قذى الكدر موارد الوداد ثمَّ أورد قصيدته الَّتِى رَاجعه بهَا برمتها ومطلعها هَذَا (طَالَتْ وَقد قصرت عَنْهَا الْعبارَات ... وحازت الْحسن هاتيك البراعات) يَقُول فِيهَا (غراء فائقة باللطف رائقة ... تحلو الخلاعات فِيهَا والصبابات) (أُخْت الغزالى اشراقا وملتفتا ... لَهَا لَدَى السّمع لذات ونشوات) ثمَّ ذيل القصيدة بقوله تذييل فى حسن الختام من البديع الِاسْتِخْدَام كَقَوْلِه أُخْت الغزالة الخ الا ان هُنَا فَائِدَة يتبغى التَّنْبِيه عَلَيْهَا وَهُوَ ان الْمَذْكُور فى البديع هُوَ الِاسْتِخْدَام بالضمير وَهُوَ مَعْرُوف وَهُوَ لَا ينْحَصر فِيهِ فَيكون باسم الاشارة وَهُوَ ظَاهر وَقد يكون بالتمييز كَقَوْلِه اشراقا وملتفتا وَهُوَ مصدر لَا ضمير فِيهِ وَقد أغرب سيدنَا الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عمر بن الفارض قدس الله روحه اذ استخدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 بِالِاسْتِثْنَاءِ فى قَوْله رضى الله تَعَالَى عَنهُ (أبدا حديثى لَيْسَ بالمنسوخ الا فى الدفاتر ... ) انْتهى قلت لكنه فى اسْتِعْمَاله الغزالة بِمَعْنى الظبية اعْتِرَاض مَشْهُور وزبدته ان الغزالة لم يسمع الا بِمَعْنى الشَّمْس فى أول النَّهَار الى الِارْتفَاع واما فى مؤنث الغزال فَلَا يُقَال غزالة بل ظَبْيَة وَقد غلطوا الحريرى فى قَوْله فَلَمَّا ذَر قرن الغزالة طمر طمور الغزالة وَقَالُوا لم تقل الْعَرَب الغزالة الا للشمس وَقد رد هَذَا الدمامينى فى حَاشِيَته على شرح لامية الْعَجم للصلاح الصفدى وَأورد لَهُ شَوَاهِد كَثِيرَة انْتهى قَالَ البورينى وَكَانَ الصالحى الْمَذْكُور يعادى معاصره أَحْمد العناياتى الْمُقدم ذكره فيذمه ويقدحه ويؤلمه ويجرحه عملا بِمَا عَلَيْهِ الاقران من التحاسد والخذلان وَكَانَ اذا أغضبهُ يُنكر حَسبه ويستلئم نسبه وَيَقُول هَذَا من سبتيات مَكَّة وَكَانَ فى وَقت الرِّضَا يُنكر مَعْرفَته ويبدى نُسكه وَمَا كَانَ ذَلِك الا للحسد الذى لَا يَخْلُو مِنْهُ فى الْغَالِب جَسَد لَا سِيمَا أهل الْفَضَائِل فان الْحَسَد عِنْدهم مركوز فى الطبائع غير زائل وَكَانَ العناياتى أَيْضا يسب الصالحى الْمشَار اليه وَكَانَ شَدِيد البغض لَهُ والتحامل عَلَيْهِ كنت يَوْمًا ماراً فى بعض أَزِقَّة دمشق فصادفته فَقَالَ لى هَل سَمِعت بالخراع الذى أبداه مُحَمَّد الصالحى فَقلت لَهُ الام تُشِير وعَلى أى كَلَام تبدى النكير فَقَالَ انه يَقُول فى مطلع مرثيته لشيخك الْعَلامَة العمادى الحنفى الدمشقى (لم أقض من يَوْم الْفِرَاق شؤنى ... فَقضيت ان لم أجر مَاء جفونى) قَالَ انْظُر الى عدم الرابطة بَين المصراعين وأى مُنَاسبَة بَين الجزءين هَذَا مَعَ كَونه مأخوذا من قَول بهذب الدّين الموصلى أَخذه أخذا شنيعا وَسَرَقَهُ وكساه ثوبا فظيعا لَا وشيا بديعا وَلَا زهرا أظهره الزَّمَان ربيعا فَقلت كَيفَ قَالَ مهذب الدّين فى نظمه الْمُهَذّب فانشدنى لَهُ مطلع قصيدة منضدة من الدُّرَر فريده وَذَلِكَ (أعلمت حَقًا ان مَاء شؤنى ... سَبَب يدل على خَفَاء شؤنى) قَالَ حشفا وَسُوء كَيْله انها خطة سوء فى أَسْوَأ قبيله وانكر عَلَيْهِ كثيرا من مَعَانِيه وغط فى شئ من مستهجن مبانيه قلت أمامنا مناقشته فى الْمعَانى فغالبها مسلمه وَأما مناقشته فى الالفاظ فكالسيوف المثلمه لَيست عندنَا بمقبوله وَلَا عَن الاعلام منقوله فَأَقُول اما قَوْله أَخذه من قَول الْمُهَذّب ان اراد انه أَخذ لفظى الشؤن فَمُسلم لَهُ وَلَا مَحْذُور فِيهِ اذا الالفاظ لَيست بِملك لَاحَدَّ وان أَرَادَ أَنه أَخذ الْمَعْنى فقد أبعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 واما قَوْله لَا رابطة بَين المصراعين فليت شعرى اذا كَانَ لم أقض جَوَاب الشَّرْط على ان يكون الْمَعْنى ان لم أجر مَاء عروق دمعى لم أقض من يَوْم الْفِرَاق أمورى فمت والمرء اذا لم يقْض اموره الَّتِى لابد مِنْهَا يكون مَعْدُوما أى وصمة فِيهِ على انه يرْوى اذ مَكَان ان فالارتباط حِينَئِذٍ أجلى من الجلى وَالْعجب من البورينى كَيفَ رافقه وَوَافَقَهُ ويغلب على ظنى أَنه فى هَذَا المعرض نافقه وأعجب من هَذَا أَنه قَالَ بعد مَا نقل كَلَامه نعم انه رأى لَهُ ضَبطه فى كتاب خطه وَهُوَ ديوَان الاستاذ سيدى عمر بن الفارض قدس الله سره الْعَزِيز عِنْد قَوْله فى تائيته الْكُبْرَى الْمُسَمَّاة بنظم السلوك حَيْثُ قَالَ رضى الله عَنهُ (ففى مرّة لبنى وَأُخْرَى بثينة ... وآونة تدعى بعزة عزت) فان الصالحى كتبهَا بعزة عزة وَكتب اللَّفْظَيْنِ على صُورَة وَاحِدَة بِالتَّاءِ المربوطة الصَّغِيرَة وَذَلِكَ مُخَالف للصَّوَاب بل الْحق كِتَابَة الاولى بِالتَّاءِ المربوطة وَالثَّانيَِة بِالتَّاءِ الممدودة على انه فعل مَاض وان الْجُمْلَة دعائية أى أعزها الله تَعَالَى فان هَذَا مِمَّا لَا يسْقط فَضِيلَة فَاضل وَلَا ينقص مرتبَة كَامِل وَمَا من أحد سلم من عَثْرَة لِسَان كَيفَ والسهو وَالنِّسْيَان من عَادَة الانسان فَهَذَا العناياتى قَالَ فى مطلع فائيته (قلبى على قدك الممشوق بالهبف ... طير على الْغُصْن أَو همز على الالف) فدق فى بَيته كَمَا دق ثمَّ تَدَارُكه الله تَعَالَى بتوجيه أرق من كل شَعْرَة وأدق فَأَما الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ فِيهِ فَهُوَ انه لَا وَجه لتشبيه الْقلب بِالْهَمْزَةِ وَهَذَا الِاعْتِرَاض قوى وَأما الْجَواب فَيمكن ان يُقَال انه لما شبهه بطير على غُصْن وَهُوَ كثير فى الشّعْر نزله منزلَة الْمُحَقق فَبنى عَلَيْهِ تَشْبِيها آخر كالترشيح لَهُ لَان الطَّائِر على الْغُصْن يشبه بذلك كَمَا قَالَ بَعضهم فى وصف قصيدة وَهُوَ قَوْله (والقوافى اليك حنت حنينى ... فَتَأمل فهمزها وَرْقَاء) وَهَذَا الْجَواب للخفاجى وَهُوَ غَرِيب جدا وَبِالْجُمْلَةِ فالصالحى والعناياتى فى الادب فرسا رهان وطليقا عنان وان أربى الصالحى فى الْمُشَاركَة فى الْفُنُون العلمية والتفوق بِحسن الْخط التَّعْلِيق والعراقة فى الْجُمْلَة وَكَانَت وِلَادَته فى دمشق فى سنة سِتّ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر صفر سنة اثنتى عشرَة بعد الالف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن نعْمَان بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشهير بالايجى الدمشقى الشافعى الْعَالم الْعَامِل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 التقى كَانَ من الْفضل فى رُتْبَة علية وَكَانَ حسن الاخلاق مرضى الشيم قَرَأَ على الْعَلامَة أَسد الدّين بن معِين الدّين التبريزى الدمشقى وعَلى الشَّمْس بن المنقار وَالْجد القاضى محب الدّين وَحَازَ الادب وَالْعلم والحلم ودرس بِبَعْض مدارس دمشق وَأفَاد وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة وَكَانَ جيد الْخط قَوِيا على الْكِتَابَة بالضبط الصَّحِيح وَكتب كتبا كَثِيرَة وحواشى عديدة وَتزَوج بابنة نقيب الاشراف السَّيِّد حُسَيْن بن السَّيِّد حَمْزَة ولد لَهُ مِنْهَا ولدان وهما أَحْمد وَتقدم دكره وَيحيى وسيأتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى شهر رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بالاميجبية بسفح قاسيون والايحى تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فى تَرْجَمَة ابْنه أَحْمد انْتهى مُحَمَّد بن نور الدّين الْمَعْرُوف بِابْن الدرا الدمشقى الشافعى الاديب الشَّاعِر المطبوع كَانَ من أنبل أَبنَاء وقته فَاضلا ممتع المحاضرة معاشرا مسلوب الِاخْتِيَار مغرما بالجمال كثير الهيام والتعشق وَلِهَذَا رق شعره وعذب موقعه فان من شفه الغرام يَأْخُذ مِنْهُ وَيدْرك مراميه فِيهِ وعَلى كل حَال فَمَا أرَاهُ الا محسنا فى غزلياته وان لم يطلّ بَاعه فى الشّعْر وأنواعه قَرَأَ الْعَرَبيَّة على شَيخنَا النَّجْم مُحَمَّد بن يحيى الفرضى وَحضر دروس النَّجْم الغزى وَكَانَ قبل ذَلِك حضر دروس الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وتفوق من حِين نشأته وشاع فَضله وَبحث وناظر ونظم وَقد وقفت لَهُ على أَبْيَات من بَحر الرجز كتبهَا الى العمادى الْمُفْتى الْمَذْكُور يسْأَله فِيهَا عَن بَيت الاستاذ ابْن الفارض رضى الله تَعَالَى عَنهُ فى قصيدته الكافية وَهُوَ قَوْله (وَمر الغمض أَن يمر بجفنى ... فكانى بِهِ مُطيعًا عصاكا) والابيات هى هَذِه (مَاذَا يَقُول جهبذ الجهابذة ... وكعبة الطلاب والتلامذه) (حبر الْعُلُوم صَاحب التَّحْقِيق ... بَحر الندى ومعدن التدقيق) (مِفْتَاح ايضاح الْمعَانى من غَدا ... كنزا لمن رام الْهدى ومقصدا) (هِدَايَة الفحول والاكابر ... رقى على الاشباه والنظائر) (شيخ على مَشَايِخ الاسلام ... وَصَاحب الافتاء للانام) (فى قَول شيخ الْوَقْت والحقيقه ... أستاذ أهل الله فى الطريقه) (أعنى بِهِ ابْن لفارض السالك فى ... مَرَاتِب الرقى فى التصوف) (فى فكانى حَيْثُ جَاءَ بعده ... بِهِ مُطيعًا سؤلنا مَا قَصده) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 (أبن لنا اعرابه وَالْمعْنَى ... وفز بتكرار الدُّعَاء منا) (واعذر فَعَن ضَرُورَة سؤالى ... لَا زلت ترقى رتب المعالى) فَأَجَابَهُ بقوله (يَا فَاضلا أهْدى لنا ارجوزه ... بديعة بليغة وجيزه) (لَا غر وَحَيْثُ انه ابْن الدرا ... فَهُوَ بأنواع الْفُنُون أدرى) (وجده الولى ذُو مَنَاقِب ... رؤتها عَمَّن رَوَاهَا عَن أَبى) (عَلَيْهِم الرَّحْمَة والرضوان ... ثمَّ بهم يَرْحَمنَا الرَّحْمَن) (سَأَلت عَن بَيت الولى الفارضى ... روحه الله بِفضل فائض) (لكَونه من معضل الابيات ... معنى واعراباً لَدَى النجَاة) (اما كَانَ فهى للتقريب ... ان شِئْت فَانْظُر مغنى اللبيب) (فقد حكى الاقوال فى اعرابها ... وَكلهَا غَرِيبَة فى بَابهَا) (ذكرت بعض أوجه لطيفه ... مِنْهَا وأعرضت عَن الضغيفه) (ثمَّ قرنت بالوجوه الْمَعْنى ... مناسبا لما عَلَيْهِ يبْنى) (وَذَاكَ وسع طَاقَة الامكان ... فى فهم قَول الْعَارِف الربانى) (أوردته نثرا لضيق النّظم ... مرتجيا تقريبه للفهم) (معترفا بِالْعَجزِ وَالتَّقْصِير ... فى مثل هَذَا المسلك الخطير) (ثمَّ ختمته بِحَمْد ربى ... مستعفيا مُسْتَغْفِرًا لذنبى) (مُصَليا مُسلما على النبى ... القرشى الهاشمى العربى) (وَآله وَصَحبه الابرار ... وتابعيه السَّادة الاخيار) (وَقَالَ ذَاك أَضْعَف الْعباد ... عبيد رَحْمَن الورى العمادى) اعْلَم ان كَانَ فى الْبَيْت حرف تقريب على رأى الْكُوفِيّين مثلهَا فى قَوْلهم كانك بالشتاء مقبل وكانك بالفرج آتٍ وكانك بالدنيا لم تكن وكأنك بِالآخِرَة لم تزل وَقَول الحريرى من قصيدته الفريدة من مقاماته المفيدة (كانى بك تنحط ... الى الْجهد وتنغط ... وَقد اسلمك الرَّهْط ... الى أضيق من سم) وَقد اخْتلف النحويون فى اعراب ذَلِك على اقوال أقواها قَول أَبى على الفارسى ان الْكَاف فى كَأَنَّك حرف خطاب وَالْيَاء فى كانى حرف تكلم لَا مَحل لَهَا من الاعراب وَالْبَاء بعدهمَا زَائِدَة وَالْمَجْرُور بهَا مَحَله النصب على انه اسْم كَانَ التقريبية وَالْجُمْلَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 بعْدهَا خبر ثمَّ الالطف من تِلْكَ الاقوال قَول الامام أَبى الْفَتْح نَاصِر الدّين المطرزى النحوى الْفَقِيه الحنفى خَليفَة الزمخشرى ان أصل الْكَلَام كانى ابصر الدُّنْيَا لم تكن وكانى ابصرك تنحط ثمَّ حذف الْفِعْل وزيدت الْبَاء ونقول التَّقْدِير كَأَنَّك تبصر بالدنيا أى تشاهدها من قَوْله تَعَالَى فبصرت بِهِ عَن جنب وَالْجُمْلَة بعد الْمَجْرُور وبالباء حَال وَالْمعْنَى كَأَنَّك تبصر بالدنيا وتشاهدها غير كائنة انْتهى وَقَالَ الرضى الاولى ان تبقى كَانَ على معنى التَّشْبِيه وَلَا يحكم بِزِيَادَة شئ انْتهى وَهَذَا من الرضى انتصار لمَذْهَب الْبَصرِيين فى انكار افادة كَانَ معنى التَّقْرِيب وابقائها فى مثل هَذِه الامثلة على معنى التَّشْبِيه الاصلى فَنَقُول فى اعراب الْبَيْت على قَول أَبى على الْيَاء فى كانى حرف تكلم لَا مَحل لَهَا من الاعراب وَالْبَاء فى بِهِ زَائِدَة وَالْهَاء مَنْصُوبَة الْمحل اسْم كَانَ التقريبية وَجُمْلَة عصاك خَبَرهَا ومطيعا حَال من فَاعل عصاك وَالْمعْنَى كَانَ الغمض عصاك فى حَال طَاعَته وسيأتى بَيَان صِحَة هَذَا الْكَلَام ان شَاءَ الله تَعَالَى وعَلى قَول المطرزى الْيَاء ضميرالمتكلم مَنْصُوبَة الْمحل اسْم كَانَ التقريبية وخبرها مَحْذُوف تقديرها ابصر وَالْبَاء زَائِدَة وَالْهَاء مفعول الْفِعْل الْمَحْذُوف وَجُمْلَة عصاك حَال من الْهَاء ومطيعا حَال متداخلة من فَاعل عصاك وَالتَّقْدِير كانى ابصر الغميض عَاصِيا لَك فى حَال طَاعَته وعَلى قَول الرضى الْيَاء اسْم كَانَ التَّشْبِيه وخبرها مَحْذُوف وَبِه مُتَعَلق بالمحذوف وَالتَّقْدِير كانى ابصر بالغمض وأشاهده عَاصِيا لَك فى حَال طَاعَته ومحصل الْمَعْنى المُرَاد من الْبَيْت وَالله أعلم أَن الشَّيْخ أَفَادَ فى الْبَيْت الذى قبله وَهُوَ قَوْله رضى الله عَنهُ (ذاب قلبى فَأذن لَهُ يتمناك وَفِيه بَقِيَّة لرجاكا ... ) انه على شرف الفناء وَلَكِن فِيهِ بَقِيَّة رَمق يُمكنهُ فِيهَا تمنى الْوِصَال ثمَّ سَأَلَ فى هَذَا الْبَيْت ان لم يسمح بالاذن الْمَذْكُور ان يَأْمر الغمض بالمرور بجفنه الْآن حَيْثُ يُمكن الغمض ان يطيعه فى الْمُرُور مَا دَامَت الْبَقِيَّة مَوْجُودَة لانها اذا زَالَت انْعَدم مَحل الغمض بالفناء الْمَحْض فَلَا يُمكن الغمض طَاعَته من الْمُرُور بالجفن بعد انعدامه ثمَّ بَين بقوله فكأنى بِهِ الخ أَن بَقِيَّة الرمق وان كَانَت مَوْجُودَة الْآن وَطَاعَة الغمض مُمكنَة لَكِنَّهَا قريبَة الزَّوَال وعَلى شرف الاضمحلال حَتَّى كَانَ عصيان الغمض لتحَقّق قرب وُقُوع الزَّوَال وَاقع فى حَال طَاعَته الْآن من غير امهال فعلى كَون كَانَ تقريبية أفادت أَن حَال بَقِيَّة الرمق الَّتِى يُمكن فِيهَا طَاعَة الغمض قريبَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 من حَال الفناء الَّتِى يَقع فِيهَا عصيانه وتمتنع طَاعَته حَتَّى كَأَنَّهَا وَاقعَة فِيهَا وعَلى كَونهَا تشبيهية أفادت ان حَال بَقِيَّة الرمق الَّتِى يُمكن فِيهَا الطَّاعَة شَبيهَة بِحَال الفناء الَّتِى يَقع فِيهَا الْعِصْيَان حَتَّى كَأَنَّهَا هى وَكَانَ الْعِصْيَان الْوَاقِع فى تِلْكَ الْحَالة مُقَارن للطاعة الْوَاقِعَة فِيهَا انْتهى عوداً لذكر صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ رَحل الى الْقَاهِرَة وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ سُلْطَان وَمن عاصره ثمَّ حج وجاور وَأخذ بِمَكَّة عَن ابْن عَلان الصديقى وتكرر لَهُ بعد ذَلِك السّفر الى مصر ومدح بهَا الاستاذ مُحَمَّد ابْن زين العابدين الْكُبْرَى بقصيدتين مطلع الاولى (خليلى حطا بالركائب فى مصر ... سَقَاهَا وحياها الهزيع من الْقطر) وَالثَّانيَِة (من لقلب من الْهوى لَا يفِيق ... وعيون انسانهن غريق) وَاجْتمعَ بِهِ والدى بهَا فى سنة سِتِّينَ وَألف ثمَّ حج وجاور بِمَكَّة فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَعمل بِمَكَّة شرحا على سقط الزندلابى الْعَلَاء المعرى وَجعله برسم الشريف زيد بن محسن وصدره بقصيدة من نظمه ثمَّ أدْركهُ الْمَرَض بِمَكَّة وَلم يكمل الشَّرْح وَالْقَصِيدَة الْمَذْكُورَة مطْلعهَا هَذَا (خُذ يَمِين الْحمى فثم بدور ... طلعت فى دجى الشُّعُور تنير) (كل بدر يقلهُ غُصْن بَان ... مثمر بالدلال لدن نضير) (فقدت قَلبهَا المناطق فِيهِ ... فهى حيرى على الخصور تَدور) (سلب الظبى لفتة ولحاظا ... ظبى أنس مرعاه منا الضَّمِير) (كل لحظ اذا أَشَارَ بشزر ... فالمنايا تحل حَيْثُ يُشِير) (واذا شابه الرضى فحياة ... فَهُوَ حتف طورا وطورا نشور) (خل عَنْك الرقى فسحر ظباه ... فى نفوس الرقى لَهُ تَأْثِير) (ان نضاه فَلَا يقيك مجن ... وَلَو ان الْمِجَن مِنْهُ ثبير) (قد وَحقّ الْهوى وعهد التصابى ... أعوز العاشقين مِنْهُ المجير) (بيد أَن تستجير بِالْحرم الآمن حَيْثُ الملاذ حَيْثُ النصير ... ) (حَيْثُ قطب الْمُلُوك فى فلك الْمجد عَلَيْهِ زهر الفخار تَدور ... ) يَقُول فى مديحها (شرف المشرفى حِين رقى مَا ... رصعته من الْمُلُوك الثغور) (من بنان الشريف فَهُوَ على الْهَام الى الله بِالسُّجُود يُشِير ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 (فى مقَام تكَاد هام عداهُ ... قبل ان ينتضى ظباه تطير) (نظرة أحمدية حبذا من ... آيَة الرعب للشريف نصير) (مَعَ امضاء عَزمَة هى فى الْحَرْب اذا طاشت الْعُقُول سعير ... ) (وتراه بالبشر يعرف اذ ذَاك وَقد أنكر العشيرا لعشير ... ) (فى بنان الْيَسَار مِنْهُ عنان الطّرف وَالْمَوْت فى الْيَمين أَسِير ... ) (موطئا مِيم مهره عبن أعداه وهم فى طرس الْوَطِيس سطور ... ) (لابسا لَام طَاعَة ألف الْخَوْض ببحر الهيجاء وَهُوَ صَغِير ... ) (حَيْثُ لَا مهد غير سرج المذاكى ... وَله هَالة الشموس سَرِير) وَهَذِه القصيدة من أَجود شعره واكتفيت مِنْهَا بِهَذَا الْقدر لَان لَهَا أَخَوَات تذكر بقَوْلهمْ لكل جَدِيد لَذَّة فَمِنْهَا مَا كتبه الى بعض خلانه من أهل مَكَّة المشرفة وَهُوَ قَوْله (فَدَيْنَاك من خل ارق من الصِّبَا ... واعذب من ترشاف كأس لمى الثغر) (وآخذ للالباب من سُورَة الطلا ... وانفذ فِيهَا من مخالسة السحر) (واشهى الى الاحداق من رونق الضُّحَى ... بروض كسته الدّرّ غادية الْقطر) (وابهج من روق الشَّبَاب زهرَة ... وَقد قذيت اجفان حَادِثَة الدَّهْر) (واوقع للآمال من وصف معرض ... تميل الامانى ان يُبِيح سوى الهجر) (من التّرْك فى احداقه طبعة الجدجا ... وتشرق من أطواقه طلعة الْبَدْر) (اذا خامرته نشوة الدل وَالصبَا ... يُرِيك المنايا من لواحظة الشزر) (رَقِيق حواشى الْحسن كالورد مترف ... يبرمه وحى الوشاح الى الخصر) (رخيم الْمعَانى كالسلاف لطافة ... يكَاد مَعَ الارواح من لطفه يجرى) (تدفق فى خديه مَاء جماله ... فَاطلع وردا فى خمائله الْخضر) (وَمَال بعطفى بانة نقوية ... بريقته نشوان لَا بطلا الْخمر) (يجر ذيول التيه فِينَا تصلفا ... فيختلس الالباب منا وَلَا ندرى) (أما وسويعات لنا بوصاله ... نعمنا بهَا بالأمن من سطوة الهجر) (لانت على وفْق المنى ورضا الْهوى ... وانك ملْء الْعين والسمع والصدر) (وَلَيْسَ لصهباء المدامة موقع ... اذا رحت تملى بَيْننَا أكؤس الشّعْر) (سأثنى على الايام مَا دمت انها ... رمتنى الى مَا لم يجل قطّ فى فكرى) وَلما نظم هَذِه القصيدة عتب عَلَيْهِ بعض الادباء بِمَكَّة وَقَالَ ان فلَانا الذى مدحته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 بِهَذِهِ لَا يَسْتَحِقهَا فَكتب للمعاتب فى الْحَال يَقُول لَهُ (يَا من تنكر وَهُوَ كالنبراس ... أَو تختفى اللألىء بَين النَّاس) (هون عَلَيْك فَمَا كَذَلِك من جرت ... منا اليه جداول الايناس) (وتسابقت أَرْوَاحنَا لوداده ... مرتاضة لَيست بِذَات شماس) (فعلام أَو فيمَ التناكر بَعْدَمَا ... هَب التعارف طيب الانفاس) (ان كَانَ ذَلِك من تجنيك اتئد ... فالقلب طود للتجنى راسى) (أَو كَانَ من طرف الدَّلال وتيهه ... فعلى محاجرى الْقبُول وراسى) (لَكِن أرى فى ضمن مَا أرشفتنى ... من كأس عتبك حسنها من كاس) (عوض الْحباب قذى يكدر مَا صفا ... من سلسبيل مزاجها للحاسى) (فالغض فِيمَا بَين اخوان الصَّفَا ... من بَعضهم من زِينَة الوسواس) ( ... وأعيذ جمعكم المنضد شَمله ... من شَرّ خلسته بِرَبّ النَّاس) (هَذَا وَمَا نظمى القريض لانه ... فخرأتيه بِهِ على الْجلاس) (لَكِن فِيهِ للنفوس علالة ... تخْتَار كالريحان للاكياس) (لَا تعتقد أَنِّي أرَاهُ صناعَة ... وأعده من حليتى ولباسى) (مَا الْفَخر الا بالعلوم وكسبها ... أفدى رقائقها بِكُل حواسى) (فبها يجر الْمَرْء أذيال العلى ... وبغيرها عَار وان يَك كاس) (وَأَبِيك لَا أزهو بِنِسْبَة غَيرهَا ... انى وَتلك الرَّأْس للرآس) وَمن غزلياته أَيْضا قَوْله (مَال كالغصن حركته الشَّمَائِل ... يتثنى تيها بلطف الشمايل) (رشأ دب فى لواحظه الغنج وأضحى فى طرفها السحر جائل ... ) (لست أدرى أبابل هى هذى ... أم اليها بِالسحرِ تنْسب بابل) (سل مِنْهَا على الْقُلُوب سيوفا ... مَا لَهَا غير عارضيه حمائل) (تقتل الصب وَهُوَ يصبو اليها ... وَعَجِيب ميل الْقَتِيل لقَاتل) (اهيف زانه الْجمال ولاحت ... بَين عطفيه للدلال دَلَائِل) (تخذ الْعجب عَادَة فمحال ... أَن يرى فِيهِ للوصال مخائل) (جذبتنى الحاظه فاطعت الْحبّ فِيهِ وَقد عصيت العواذل ... ) (نحلتنى فِيهِ الصبابة حَتَّى ... صَار هَذَا النحول فى مفاصل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 (خلته اذ بدا قَضِيبًا وَلَكِن ... كذبتنى بِمَا ظَنَنْت الغلائل) (رمت مِنْهُ وَقد مددت اليه ... يَد ذلى وصلا ودمعى سَائل) (فانثنى والصدود يعْطف مِنْهُ ... عَن وصالى عطفا يهيج البلابل) (فهجرت الْكرَى وأوصلت سهدا ... عَنهُ قد كَانَت الجفون غوافل) (أسهر اللَّيْل فى مسامرة النَّجْم وَنجم سامرته غير آفل ... ) (يَا رعى الله مهجتى كم تلاقى ... من قوام الحبيب والطرف ذابل) (ورعى أضلعى فكم ذَا نقاسى ... حر وجسد لهيبه غير زائل) (كلما قلت ذى أَوَاخِر مَا بى ... من دواعى الغرام كَانَت أَوَائِل) وَقَوله (هَات حدث عَن مقلة وطفاء ... بجفون مَرِيضَة الايماء) (ومحيا كطلعة الْبَدْر نورا ... وخدود تضرجت بحياء) (وثنايا مَا بَين خمرة ريق ... كحباب الرَّحِيق شيب بِمَاء) (وجبين من تَحت طرة فرع ... كالهدى بعد ظلمَة الاغواء) (قوام كَأَنَّهُ غُصْن بَان ... يتثنى كالصعدة السمراء) (وتجن فِيهِ مخائل عطف ... تزدهيه مثل الْتِفَات الظباء) (ووقار يجول فِيهِ التصابى ... جولان الرِّضَا خلال الْجفَاء) (وَحَدِيث يسبى الْعُقُول اختلاسا ... كاختلاس الاجفان للاغفاء) (بِبَيَان فِيهِ عصارة سحر ... نقشتها سلافة الصَّهْبَاء) وَقَوله وَيخرج من أَولهَا بالالتزام اسْم درويش ومضمنا وَهُوَ (يَمِينا بسُلْطَان الْعُيُون على الْقلب ... وسطوتها مَا حلت عَن مَذْهَب الْحبّ) (بروحى افدى كل أغيد أهيف ... اذا لعبت خمر الدَّلال بِهِ يسبى) (لَهُ لحظات فى محاجر جؤذر ... مدعجة الاجفان يصرعن ذَا اللب) (جلا تَحت جنح الشّعْر غرَّة كَوْكَب ... على غُصْن بَان من معاطفه رطب) (شغفت بِهِ رَيَّان من مَاء حسنه ... أغن يُرِيك السحر من منطق عذب) (يُدِير بِالْمَاءِ الجفون اذا رنا ... سلافة كاسات الغرام على الصب) (ويلعب بالافكار رونق حسنه ... وجد الْهوى يَنْمُو على ذَلِك اللّعب) (رويدك يَا من لَام فى الْحبّ أَهله ... اليك فَمَا تجدى الْمَلَامَة فى الْحبّ) (دع اللوم أَو فاعشق فانك ان تدق ... مطاعم أهل الْعِشْق أَقرَرت بالذنب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 (ودونك فَانْظُر من سبيت بحسنه ... ترى دون وصف من ملاحته يصبى) (رَقِيق حواشى الْحسن مهما لحظته ... يزيدك مَا يَدْعُو الْعُقُول الى السَّلب) (وَمهما غضضت الطّرف ناداك لطفه ... الى أَيْن عَن مغنى شمايلنا الرحب) (يضرج خديه الْجمال فيكتسى ... نقابا من الْيَاقُوت من أَفْخَر النقب) (ويحجبه عز الْجمال وصونه ... ومرهف جفنيه وناهيك من حجب) (وَيَوْم توافينا على غير موعد ... طرفنا بِهِ طرق التباعد بِالْقربِ) (ونلنا ثمار الْوَصْل يانعة وَقد ... أفمنا حاديث الْهوى مَوضِع الشّرْب) (وَقد لَاحَ فى ثوب كطرته الَّتِى ... كوجه عذولى فِيهِ اذ لج فى عتبى) (وَشد على أعطافه بعقيقة ... ليحرسها من أعين النَّاس والشهب) (فَللَّه من يَوْم بلغت من الْهوى ... مناى وبرأت الامانى من الْكَذِب) (لَئِن عَاد عيد الْوَصْل يجمع بَيْننَا ... نحرت مَتى مَا أشرقت شمسه قلبِي) وَقَوله (أَلا صاب كاسات الغرام أوارى ... وان كنت أخْفى حبها وأوارى) (فَتلك هى العذب الْفُرَات على الظما ... وَمَا دونهَا عندى عصارة نَار) (وكل عَذَاب فى الْهوى وفْق مَا اقْتَضَت ... قضاياه حكم بالتنعم جارى) (وَمن يجتبى برد الصبابة فَهُوَ فى ... حلا الْعِزّ أَو يخلع فلابس عَار) (وَمن يَك فى ذل الْمحبَّة مخلدا ... فَذَاك لهام الفرقدين يُبَارى) (وَمن ولعت أيدى الغرام بلبه ... حرى بِأَن يدعى بِكُل فخار ... (وَمن طاش فى نهج الخلاعة عقله ... فقد ملئت أثوابه بوقار) (وَمن يمتطى طرف الْهوى يزدهى على السماك وللريح الرخَاء يجارى ... ) (يميد ارتياحا بالغرام وينثنى ... وَمَا عاقرت عطفيه كأس عقار) (لحى الله قلبا يشتكى حرق الْهوى ... وَيرجع يستجديه جذوة نَار) (فانى بلوت الْحَالَتَيْنِ وَبَان لى ... بِأَن خلى الْقلب مثل حمَار) 5 وَقَالَ أَيْضا مضمنا بَيت مهيار الديلمى ( ... فتنت بِهِ وَالصُّبْح من فرق شعره ... بدا ولشمس الرّوح فِيهِ غرُوب) (فكدت لما شاهدت لَوْلَا طُلُوعهَا ... بمشرق خد الْقلب مِنْهُ أذوب) (وَلَوْلَا طُلُوع الشَّمْس بعد غُرُوبهَا ... هوت مَعهَا الارواح حِين تغيب) وَمن خطه قَالَ بَعضهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 (وَمَا قلت آه بعدكم لمسامر ... من الْبعد الا قَالَ قلبى آها) فَقلت ولسان الطّلب هُوَ النَّاطِق ومقتضيات الْمجْلس الى البديهة تسابق (رعى الله أوقاتا بقربكم مَضَت ... وَلم يبْق مِنْهَا الْبعد غير مناها) (لقد طرفت ايدى البعاد لحاظها ... فأظلم ناديها الْفَقْد سناها) (فآه لَهَا لَو تمّ بِالْقربِ أُنْسُهَا ... سقى ربعكم صوب الهنا وسقاها) (فَمَا سر قلبى بعْدهَا غير ذكرهَا ... وحاشاه أَن يهدى بِذكر سواهَا) (وماقلت آه بعْدهَا لمسامر ... من الْبعد الا قَالَ قلبى آها) وَله غير ذَلِك وَقد ذكرت لَهُ فى كتابى النفحة مُعظم احسانه وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَمَان وَعشْرين بعد الالف وَتوفى يَوْم السبت قبل الزَّوَال سادس شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير مُحَمَّد مكى بن ولى الدّين المدنى الحنفى رَئِيس الْحَرَمَيْنِ وقاضى البلدين أوحد الْعَصْر ومفرد الدَّهْر كَانَ رَئِيسا نبيلا فَاضلا كَامِلا كريم النَّفس والاخلاق عالى الهمة مَشْهُورا بالرياسة والحشمة ولد بِالْمَدِينَةِ وَقَرَأَ الْقُرْآن واشتغل بِالْعلمِ النافع وأخذا الطَّرِيق وتلقن الذّكر وَلبس الْخِرْقَة من السَّيِّد سَالم شَيْخَانِ وَلَزِمَه كثيرا وَكَانَ أعجز جماعته عِنْده وبشره بأَشْيَاء ظهر لَهُ بعد ذَلِك حَقِيقَتهَا مِنْهَا أَنه يعِيش سعيدا فَكَانَ كَذَلِك وَمِنْهَا انه لَا يتَعَرَّض لَهُ أحد بِسوء الا رأى فِيهِ مَا يسره فَلم يتَعَرَّض لَهُ أحد بِسوء الا قصمه الله تَعَالَى وَهَذَا مَشْهُور فى وأقعة أهل الْمَدِينَة وَمَا فعله بَعضهم من شكواه الى الابواب السُّلْطَانِيَّة ثمَّ رَجَعَ مخذولا وغالبهم مَاتَ فى حَيَاته وَمِنْهَا أَنه من أهل الْجنَّة وَمِمَّا اتّفق لَهُ فى مجاورته بِمَكَّة عَام اثْنَيْنِ وَسبعين وَألف أَنه رد علية تَفْوِيض الحكم الشرعى بِطيبَة من قاضيها الْمولى بهائى من الديار الرومية تفويضا مُطلقًا وَوَافَقَ ان القاضى الْمَعْزُول وَهُوَ الْمولى مُحَمَّد المرغلى أعْطى قَضَاء مَكَّة وجاءه المنشور فَأرْسل هُوَ أَيْضا تَفْوِيض حكم مَكَّة اليه فباشر النِّيَابَة عَن القاضى بِنَفسِهِ بِمَكَّة وَأقَام من يُبَاشر عَنهُ فى الْمَدِينَة حَسْبَمَا ابيح لَهُ ذَلِك فَقَالَ فى ذَلِك الشَّيْخ أَحْمد بن عبد الرؤف المكى هَذِه الابيات (وضحت لرائدة مدحكم طرق الْبَيَان ... وتحدثت بنسيبكم خرس اللِّسَان) (وَأَتَتْ باسجاع الهديل حمائم الترسيل من أوصافك الغر الحسان) (وتقلدت تيها نظام حليها ... وتطاولت شرفا لَهَا عنق الزَّمَان) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 (وشدا بهَا حادى علاك مُحدثا ... وَلَقَد روى الْحسن الصَّحِيح عَن العيان) (سعت المناصب نَحْو بابك خطْبَة ... وتروم نحلتها الْقبُول لَان تصان) (وَأَتَتْ اليك خلَافَة مقرونة ... بفرائد التسديد يقدمهَا الامان) (بِقَضَاء مَكَّة وَالْمَدينَة مُفردا ... اذ لَا يكون لنجم سعدكم قرَان) (فلذاك ناديت الْغَدَاة مؤرخا ... يَا حَاكم الْحَرَمَيْنِ فى وَقت وآن) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة تسع عشرَة وَألف وَتوفى بِالْمَدِينَةِ لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس عشر ذى الْحجَّة سنة أَربع وَسبعين وَألف وَدفن وَقت الضحوة من الْيَوْم الْمَذْكُور فى بَقِيع الغر قد رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن يحيى الشهير بِابْن شرف المصرى الشافعى أحد أجلاء الْفُضَلَاء وأعيان النبلاء وَمِمَّنْ برع فى الْفِقْه وجد فِيهِ وفَاق فِيهِ من يماثله أَخذ عَن الشَّمْس مُحَمَّد الرملى ولازمه واستفاد من فَوَائده وأجزل عَلَيْهِ من فواضله وعوائده وَأَجَازَهُ بمروياته ومسنداته ومؤلفاته وَجمع بَين التَّقْرِير والتحرير وَألف حَاشِيَة لَطِيفَة على شرح التَّحْرِير للقاضى زَكَرِيَّا وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى يَوْم الثلاثا سَابِع وعشرى ذى الْحجَّة سنة سبع بعد الالف وَهُوَ شَاب فى عشر الثَّلَاثِينَ مُحَمَّد بن يحيى بن عمر بن يُونُس الملقب بدر الدّين القرافى المصرى المالكى القاضى بِالْبَابِ المصرى رَئِيس الْعلمَاء فى عصره وَشَيخ الْمَالِكِيَّة كَانَ صَدرا من صُدُور الْعلم لَهُ همة عالية وطلاقة وَجه مَعَ خلق وضى وَخلق رضى الى سجايا كفاغمة الرياض النواضر وباهر مزايا تحار فِيهَا الاعين النواظر فكانها زهر الرياض تفتقت عَنهُ الكمام أَو ثغر باسمة الاقاح من الحيا فِيهِ ابتسام أَو شرخ مقتبل الشَّبَاب سقى معاهده الْغَمَام وشدت بالحان الْغَرِيض ومعبد فِيهِ الْحمام أَخذ الْمُخْتَصر عَن الشَّيْخ الْفَقِيه الْقدْوَة عبد الرَّحْمَن بن على الاجهورى وَعَن الشَّيْخ زين بن أَحْمد الجيزى وَعَن وَالِده وَالثَّلَاثَة تلقوهُ عَن الْعَلامَة شمس الدّين اللقانى وَهُوَ أَخذه عَن الْعَلامَة الشَّيْخ على السنهورى وَهُوَ أَخذه عَن الشَّيْخ عبَادَة وَهُوَ عَن الشَّيْخ عبد الله الافقهى وَهُوَ عَن الشَّيْخ تَاج الدّين بهْرَام وَهُوَ عَن الشَّيْخ خَلِيل مُؤَلفه وَمن مشايخه أَيْضا التاجورى وَسمع الحَدِيث عَن الْجمال يُوسُف بن القاضى زَكَرِيَّا والنجم الغيطى والصالح أَبى عبد الله بن ابى الصَّفَا البكرى الحنفى وَولى قَضَاء الْمَالِكِيَّة وَألف كتبا مِنْهَا شرح ابْن الْحَاجِب وذيل الديباج لِابْنِ فَرِحُونَ فِيهِ نَيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 وثلثمائة شخص فى أَرْبَعَة كراريس أَو خَمْسَة وَشرح الموطا وَشرح التَّهْذِيب بَين فِيهِ الْمَشْهُور خُصُوصا مَا فى التَّقْيِيد من خلاف هَكَذَا ذكر هُوَ فى فهرسته وَذكره جدى القاضى محب الدّين فى رحلته فَقَالَ فى حَقه وَأما مَوْلَانَا الْعَلامَة والعمدة الفهامة المتصف بالفضائل والفواضل فى جَمِيع المسالك الْحَائِز لرق الْآدَاب فَهُوَ للفتوة متمم وللفتاوى مَالك بدر الْملَّة وَالدّين القاضى بدر الدّين القرافى المالكى فانه اتقن مذْهبه غَايَة الاتقان واحتوى على الْفَضَائِل ونباهة الشان وَله جامعية حسنه وَحسن انشاء واشعار مستحسنه وَذكره الخفاجى وَأطَال فى ثنائه لكنه أدمج قوهية شعره ونثره فى أَثْنَائِهِ حَيْثُ قَالَ وَله شعر الْعلمَاء ونثر طَار مَعَ العنقاء تانق فِيهِ وتصلف وَلَا عجب للبدر أَن يتَكَلَّف ثمَّ أورد لَهُ بَيْتَيْنِ وَأورد فَأَخذهُمَا ذكرتها كلهَا فى تَرْجَمَة عبد الْبر الفيومى وَقَالَ فِيهِ عبد الْكَرِيم المنشى أَبُو الاشراف بدر الدّين القارفى مطبوع الاسجاع والقوافى القاضى الْفَاضِل الْفَاصِل بَين الْحق وَالْبَاطِل أعلم الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة فى عصره وَمن ترنو اليه احداق الاحكام فى مصره شمايله من الشمَال ألطف وَلَو حَكَاهُ الْبَدْر فى السنا لتكلف مَا من تكلّف شَيْئا مثل من طبعا نفذ للشريعة الطاهرة بِالْقَاهِرَةِ أحكاما وتقلد الْقَضَاء بهَا نَحْو الْخمسين عَاما وفى مقامى بِالْقَاهِرَةِ كُنَّا لصيقى دَار وَصبي جوَار وَكَانَ منزلى تَارَة يتعطر بعبير أنفاسه ويتأرج أُخْرَى بعنبر ايناسه ودارت بينى وَبَينه كاسات المكاتبات بأرق معَان وألطف عِبَارَات فكم جلا من العرائس الادبيه وَكم جنيت من رياض الْفَوَاكِه البدرية وَكَانَ محظوظا من الدُّنْيَا معانقا للثروة وَمَعَ ذَلِك لم يعْهَد لَهُ صبوه وَقَالَ (وَمَا سمعنَا قطّ أَن امْرأ ... أهْدى لَهُ شَيْئا وَلَا قدر شاه) وَأما مَا جمعه من الْكتب فيعجز الْحساب احصاؤه وتعداده وَرُبمَا تصلح لكلى لَا تنتهى افراده وَبعد أَن غربت شمسه وواراه رمسه فرقتها الدَّهْر أيدى سبا وبددتها كأوراق الْورْد اذا نثرتها الصِّبَا وَمن آثَار قلمه مَا أوردهُ لَهُ أَبُو المعالى الطالوى فى سانحاته وَذَلِكَ مَا كتبه لَهُ على نسبهم الطالوى وَصورته حمد الله الذى أنشأ الموجودات بباهر قدرته فأحكم الانشا وَبِيَدِهِ سُبْحَانَهُ أبدع من هَذَا الانشاء ان شا وَصَلَاة وَسلَامًا على أعظم الْمَخْلُوقَات كمالا ومنشا الْمَبْعُوث من الله رَحْمَة للْعَالمين وهداية من شا وعَلى آله وَصَحبه الَّذين جاهدوا فى الله حق جهاده فكرمهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 بشرف ان الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة فَكَانُوا من السالكين فى طرق الْخيرَات أحسن ممشى وَبعد فان نعم الله لَا تحصى وآلاءه لَا تستقصى أَقَامَ نظام الْعَالم على أحسن مَا رسم وفاوت فى الْقسم بِنِسْبَة حيرت الْعُقُول فِيمَا نظم قدر أَقْوَامًا قواما وأعلاما أَعلَى مَا وأخلص لَهُم السِّيرَة وَحسن لَهُم السره وحلاهم بعلو الهمم وسمو الشيم وَكَانَ من تِلْكَ النعم الجسيمة والافضالات الوسيمة والْمنَّة المستديمة مَا ابتهج بِهِ النَّاظر وانتهج لَهُ الخاطر من الْوُقُوف على هَذِه السِّيرَة الشَّرِيفَة وأخبار الاخيار المنيفة سيرة مفاخر الامراء الاعيان والكبراء الا عزة أولى الشان الجارى نشر مآثرهم بأسنة الاقلام وألسنة أولى الْبُرْهَان السارى ذكر مفاخرهم على ممر الزَّمَان الآ طالوا لارتقى من تحلت تواريخ الاسلام بِذكر محامدهم وعلو شَأْنهمْ بغاية التِّبْيَان فَقَالَ (وَمر دهور بالثناء عَلامَة ... على حسن ممدوح ورفعة شَأْنه) أَمر انْعَقَد الاجماع وَعَلِيهِ الْوِفَاق بِلَا دفاع (وَالنَّاس اكيس من أَن يبرزوا مدحا ... من غير أَن يَجدوا آثَار افضال) دلّ على شرف قدرهم وَجَمِيل فَخْرهمْ نسلهم الطَّاهِر وعلمهم الظَّاهِر ذُو الْمجد الزَّاهِر وَالْفضل الباهر والكمال الفاخر ولى التَّحْقِيق ومعدن التدقيق جَامع الْفَضَائِل حائزا لفواضل (كالبدر من حَيْثُ الْتفت رَأَيْته ... يهدى الى عَيْنَيْك نورا باهيا) مفاخره ظَاهره ومحامده باهره (عريق فى الْكَمَال وَقد ترقى ... الى نيل الْعُلُوّ مَعَ الْمَزِيد) (لَهُ سعد بِمَا أوتيه فضلا ... فواعجبا لدرويش سعيد) شَجَرَة طيبَة النَّمَاء الاصل ثَابت وَالْفرع فى السَّمَاء (إِن السرى اذا سرى فبنفسه ... وَابْن السرى اذا سرى اسراهما) شعر (فيا آل طالو طَابَ جد بجدهم ... وَيَا خير نسل عَاشَ من ذكرهم جد) (حويتم جميلا أنتج الدَّهْر صدقه ... بِنَسْل جليل فِيهِ حمد وَلَا حد) ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء ويوليه من شَاءَ وَلما أحَاط النّظر بِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ هَذِه السِّيرَة الجليلة من الْخلال الجميله والخيرات الجزيله والغزوات المشكوره والمشاهد الْمَشْهُورَة والعزمات المبرورة والمقاصد المأثورة أنْشد لِسَان الْحَال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 بالارتجال (وهب الله للمعالى اناسا ... بذلوا عزمهم وجالوا وصالوا) (وَأَقَامُوا لِوَاء دين بِصدق ... وحموا مجده ففازوا نالوا) (وَرَأَوا نَصره بعزة دين ... فأروا قُوَّة وبأسا وجالوا) (وعَلى من رَأَوْهُ صَاحب بغى ... وجهوا عزمهم اليه ومالوا) (أظهر الله حَالهم وحباهم ... بثناء عبيره يستطال) (وأراهم من نسلهم خير حبر ... وَبِه ذكرهم داوا مَا يطال) 5 وَقد حصل التشرف بلقاء نسلهم هَذَا الْمولى الْفَاضِل ولى الْفضل الْكَامِل المومى اليه فِيهِ أدام الله تَعَالَى غرَّة معاليه وَظهر من مُجَالَسَته وفرائد مباحثته مَا يشْهد النَّاظر بجماله وَيسر الخاطر بِكَمَالِهِ (وَأَحْرَى بِأَن تزهى دمشق ببارع ... اذا عد فى أَسد الشرى ريح الشرا) وَلما حلت مصر بمشاهدته وَعلمت بِرُؤْيَتِهِ أنْشد لِسَان حَالهَا (سعدت مصر اذا أَتَاهَا فريد ... ليرى حسنها وَمَا قد أَتَاهَا) (وَلذَا كَانَ بَين مصر وشام ... مَا بِهِ النَّفس تبتغى مشتهاها) (علمت مصر فى تنَازع ثَان ... وبرجحانه مقَال تباهى) فَالْحَمْد لله على مَا أولى وَله الْحَمد فى الْآخِرَة والاولى (وَالنَّفس ترغب للكمال وَأَهله ... لم لَا وَقد بلغ الْكَمَال مَحَله) وَالله سُبْحَانَهُ يديم هَذَا الْمولى لفوائد يبديها وفرائد لاولى الْكَمَال يهديها راقيا فى رتب الافادة والفضائل المستجاده رافلا فى حلل الْعِنَايَة المستزاده بِحرْمَة حَضْرَة الْمُصْطَفى ولى السياده وَآله وَصَحبه أولى السعاده انْتهى وَمن شعر القرافى مَا كتبه الى الْعَلامَة سرى الدّين بن الصَّائِغ رَئِيس الاطبا بِمصْر وَقد دفع عَنهُ دِينَارا لآخر فَأرْسلهُ لَهُ ظَانّا مِنْهُ أَنه يقبله فَقَالَ (مَاذَا جنيت على القاضى بمنقصة ... مضمونها الشُّح فى أخذى لدينار) فَأَجَابَهُ السرى بقوله (يَا بدر تمّ بِلَا نقص واقتار ... وقاضيا فى البرايا حكمه سَار) (لقد صرفت عَن القاضى تصرفه ... فَكيف تبذل دِينَارا بِدِينَار) (حاشاك تنْسب الا للوفا وَلذَا ... جرت بحارك بالنعمى على الْجَار) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 وَكتب اليه الْعَلامَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدنوشرى قَوْله (أَتَيْنَا لكم قصد لتقبيل أَقْدَام ... أيا من على خير لَهُم حسن اقدام) (وَيَا من هُوَ الْبَدْر الْمُنِير أَبُو الْهدى ... غَدا مشرقا فى أفق سعد واعظام) (نظرتم الينا فى الطَّرِيق ومالنا ... سواكم لنجح فى الامور واعلام) (قطفنا زهورا من رياض علومكم ... وفاح شذاها مذ قطفنا لافهام) (فسحبا لذيل الصفح وَالْعَفو وَالرِّضَا ... على عيب مثلى بل على نشر أوهامى) (أيا عَالم الاسلام يَا علم الْهدى ... وَيَا قبْلَة للفضل زين بافهام) (عَلَيْك سَلام الله مَا هبت الصِّبَا ... وَمَا دبج الاوراق وشى لاقلام) (نشرنا لِوَاء الْحَمد والمدح والثنا ... لَك لابرحتم مفهمين لاعلام) فاجابه صَاحب التَّرْجَمَة بقوله (زواهر أبداها لنا خير أَعْلَام ... وَأبْدى مقَالا فِيهِ أبلغ اعلام) (قريض أَتَانَا بارع بفصحاة ... وَأحكم احكام كدر لنظام) (فيا أَيهَا المفضال انى عَالم ... بانك فى اوج المعالى باقدام) (وانى على دهرى لاثنى بهمة ... لفضل بِهِ زينت مفاخر أقلامى) (وانا أحطنا ان مَا قد نظمته ... لموف طَرِيقا فِيهِ أحسن اعظام) (محامد أبداها جليل مقَالَة ... عبير بِهِ قلب يسير بانعام) (وانى لما أبديته لمقصر ... وَخير رِدَاء فِيهِ ستر لآلام) (بقيت لابداء الْفَوَائِد دَائِما ... ودمت لاهل الْفضل دهر باكرام) (بِحرْمَة خير الْخلق اكمل كَامِل ... وَرَحْمَة رب الْعَالمين لاسقام) وَقَالَ الشَّيْخ مَدين عِنْدَمَا ذكره وَرَأَيْت فى تأليفه الْمُسَمّى بتوشيح الديباج فى تَرْجَمَة جده لامه القاضى مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الدميرى المالكى مَا نَصه وجدى هَذَا هُوَ الذى لقبنى بدر الدّين وَذَلِكَ انى ولدت لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة كَمَا وجدته بِخَط والدى وبلغنى من طَرِيق آخر أَن السّنة انما هى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَتكلم النَّاس فى اللَّيْلَة أَنَّهَا لَيْلَة الْقدر فَقَالَ لَا ألقبه الا بدر الدّين وَتوفى نَهَار الْخَمِيس ثانى وَعشر شهر رَمَضَان سنة ثَمَان بعد الالف وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع الازهر وَدفن بتربته الَّتِى أَنْشَأَهَا مَعَ الضريح بجوار الْقبَّة الْمُعَلقَة المدفون بهَا بِالْقَاهِرَةِ فِيمَا يُقَال بِالْقربِ من الْبَيْت الذى ينزل بِهِ قَضَاء العساكر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 محمدبن يحيى الملقب صفى الدّين الْعُزَّى المصرى الشافعى الْمُحدث الاديب الشّعْر ذكره الخفاجى فى كِتَابه فَقَالَ فى وَصفه ماجد اذا تليت أَوْصَافه ركع لَهَا الْقَلَم وَسجد دو معال انْفَرد بأسانيده فاصبح دَار علمي بَين العلياء والسند حَدِيثه فى الْفضل مَرْفُوع وَأثر سواهُ ضَعِيف ومقطوع لَفظه يحسن ان يرسم بِنور الْبَصَر فى عنوان صَحَائِف الْفِكر وطبعه سكر مصرى يحلو مكرره ومعاده لم يزل بهَا يَتْلُو ثناه لِسَان الدَّهْر ويحفظه فُؤَاده وَهُوَ أحد من رويت عَنهُ السّنَن وتشرفت بملقاه الْحسن ثمَّ انشد لَهُ قَوْله فى مليح نُحَاس (على رفقا بِمن ذَابَتْ حشاه ضنى ... صب ازال ضيا من مقلتيه وصب) (حَدِيد قَلْبك يَا نُحَاس يمنعهُ ... لجين جسمك وَالنَّوْم المصون ذهب) وَله فى نديمه الصحافى (يَا عاذلى فى هَوَاهُ ... تلاف قبل تلافى) (وهات لى الدن واجمع ... بينى وَبَين الصحافى) وَكَانَت وَفَاته يَوْم الثلاثا ثانى عشرشوال سنة تسع عشرَة بعد الالف والعزى نِسْبَة لمنية الْعِزّ بِنَاحِيَة فاقوس من شرقية مصر مُحَمَّد بن يحيى بن بير على بن نصوح نوعى زَاده صَاحب ذيل الشقائق وأطروفة الزَّمن ونادرته الحرى بِكُل وصف معجب الراقى فى الادب والمحاضرات الذرْوَة الْعلية كَانَ اليه النِّهَايَة فى حسن الانشاء والترصيع ونوادره ومناسباته مِمَّا يقْضى مِنْهَا بالعجب وَلَا يفارقها الطَّرب وَكَانَ من قُضَاة بِلَاد روم ايلى وَلم يكن من الموالى وَقد ولى أَسْنَى المناصب واشتهر بِالْفَضْلِ التَّام والمعرفة وَألف ذيله الْمَشْهُور على الشقائق النعمانية ابْتَدَأَ فِيهِ من انْتِهَاء دولة السُّلْطَان سُلَيْمَان ورتبه طَبَقَات على تراجم السُّلْطَان مُرَاد فاتح بَغْدَاد وَقد أحسن الصَّنِيع فِيهِ وأجاد وَقد طالعته مرَارًا آخرهَا بِمَكَّة المشرفة وجردت مِنْهُ تراجم لزمنى اثباتها فى كتابى هَذَا السكن فاتنى مِنْهُ حلاوة التَّعْبِير لاخْتِلَاف اصْطِلَاح اللغتين على أَنى سعيت جهدى فى مُرَاعَاة تأدياته وَأَنا الْآن أمْلى عَلَيْك من قطعه الفذة المستلذة مَا ترتاح بِهِ ارتياح الْغُصْن بالنسيم اذا هَب فَمن ذَلِك تمثيله بِأَبْيَات الحريرى صَاحب المقامات حِين ذكر شرب أَبى زيد وأرسله للنصيح واسْمه مطهر فى تَرْجَمَة الْمولى مطهر الشروانى وَكَانَ يتهم بالتعاطى والابيات هى هَذِه (أَبَا زيدا علم أَن من شرب الطلا ... تدنس فالحظ كنة قَول المجرب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 (وَقد كنت سميت المطهر والفتى ... يصدق فى الْأَقْوَال تَسْمِيَة الْأَب) (فَلَا تحسها كَيْمَا تكون مطهرا ... والا فَغير ذَلِك الِاسْم واشرب) وَمن ذَلِك قَوْله فى تَرْجَمَة بعض المتكيفين ابتلى بالكيف ثمَّ دَعَتْهُ الْغيرَة الى قطعه دفْعَة فَكَانَ قطعه قَاطع عرق حَيَاته وَسبب وَفَاته وَقَوله فى تَرْجَمَة قَاض صَارَت أَيَّام ربيع حَيَاته وَهُوَ قَاض مقضيه وشؤن حَاله منحصرة فى الاخبار الماضويه وَمَا ذكرته النموذج من حسن تعبيراته واذا فتشت كِتَابه تلقى فِيهِ الْكثير مِمَّا لَا يَخْلُو عَن مقصد معجب وَكَانَت وَفَاته فى حُدُود سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف مُحَمَّد بن يحيى الناصرى القدسى كَانَ فَاضلا أديبا ورعا مهيب الشكل نير الْوَجْه نَشأ فى الِاشْتِغَال حَتَّى برع وَلما قدم الشَّيْخ مَنْصُور الْمحلى السطوحى الى الْقُدس لَازمه مُلَازمَة الرّوح للجسد فَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح العقائد ومختصر الْمعَانى وَالْبَيَان والكافى وَشرح الشمسية فى التصريف وَغَيره وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَخمسين وَألف وَدفن بِجَانِب وَالِده بِبَاب الرَّحْمَة مُحَمَّد بن يحيى بن أَحْمد بن على بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الخباز الْمَعْرُوف بالطنينى الدمشقى الشافعى الْمُحدث الْفَقِيه الْوَرع الصَّالح الناسك كَانَ غَايَة فى الْوَرع ذَا صلابة فى دينه يُنكر الْمُنكر وَلَا يخَاف فِي الله لومة لائم وَكَانَ متواضعا خلوقا عَلَيْهِ سكينَة ووقار وَكَانَ فى بداية أمره خبازا بِدِمَشْق فارتحل الى مصر وجاور بِجَامِع الازهر سِنِين وَأخذ عَن الشَّيْخ السُّلْطَان المزاحى وَالشَّمْس البابلى والشهاب أَحْمد القليوبى وَالشَّمْس مُحَمَّد الشوبرى وَمن عاصرهم من طبقتهم وَفتح الله تَعَالَى عَلَيْهِ بعد رُجُوعه وَكَانَ يدرس فى فنون ويملى من حفظه مَا يطلعه بِحسن تَقْرِير ثمَّ عرض لَهُ عمى فَزَاد حفظه واشتهر واعتقدته النَّاس وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الْعَامَّة والخاصة وانتفع بِهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد البجشى الحلبى وَشَيخنَا الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن عبد الهادى وَالشَّيْخ أَبُو السُّعُود بن تَاج الدّين وَالشَّيْخ حَمْزَة الدومانى وَكثير وَله تآليف مِنْهَا كِتَابه فتح رب الْبَريَّة بِالْجَوَابِ عَن أسئلة المبتدعة الزيديه ثمَّ درس تَحت قبَّة النسْر البخارى بعد موت الشَّيْخ مُحَمَّد المحاسنى الْخَطِيب وانتهت اليه الرياسة عِنْد الشَّافِعِيَّة والتحديث وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَسبعين وَألف وأرخ وَفَاته القاضى ابراهيم الغزالى بقوله (أبدت لنا بطنين شَيخا جلّ من أمده ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 (علم الحَدِيث فنه ... لذاك زَان سرده) (مَاتَ فَقلت أَرخُوا ... مَاتَ الحَدِيث بعده) والبطنينى نِسْبَة الى قَرْيَة من قرى دمشق وَالله أعلم مُحَمَّد بن يحيى بن تقى الدّين بن عبَادَة بن هبة الله الملقب كَمَال الدّين الحلبى الاصل الدمشقى المولد الشافعى الْفَقِيه الفرضى المقرى كَانَ من اتقياء الْعلمَاء وَأَكْثَرهم انْقِطَاعًا الى الله تَعَالَى ينفع النَّاس فى أَمر المناسخات والقراآت وَكَانَ مهاب الشكل عَلَيْهِ مهابة الْعلم وَكَانَ ذَا بشاشة وكرم زَائِد قَرَأَ على أَبِيه الْعَرَبيَّة والفرائض والحساب والقراآت وَغَيرهَا وَأخذ عَن غَيره من عُلَمَاء عصره وَلما مَاتَ الشَّيْخ رَمَضَان العكارى وجهت اليه عَنهُ الخطابة بِجَامِع السنانية وَكَانَ أَكثر مقَامه بالمكتب الْمَعْرُوف بالدرويشية يقرى فِيهِ الْعُلُوم واخذ عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء وَكَانَت وَفَاته فى منتصف ذى الْقعدَة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن يحيى الملقب نجم الدّين أَخُو الذى قبله شَيخنَا واستاذنا النَّجْم الفرضى روح الله تَعَالَى روحه وَجعل من الرَّحِيق الْمَخْتُوم غبوقه وصبوحه كَانَ أعظم شيخ أدركناه واستفدنا مِنْهُ وَكَانَ فى الْعلم وَالتَّقوى والزهد فَرد الزَّمَان وَوَاحِد الاقران وَلم أر مثله فى تفهيم الطّلبَة والحرص على تَهْذِيب قرائحهم وجبر خواطرهم مَعَ انه كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حاد المزاج سريع الانفعال لكنه اذا انفعل يرضى فى الْحَال ويتلافى مَا كَانَ مِنْهُ وَكَانَ نَفسه مُبَارَكًا مَا قَرَأَ عَلَيْهِ أحد الا انْتفع ببركته وبركة اخلاصه وسلامة طويته وَهُوَ فى عُلُوم الْعَرَبيَّة فَارس ميدانها والمجلى يَوْم رهانها لم يكن أحد مثله فِيهَا لَهُ الِاطِّلَاع التَّام على قوادمها وخوافيها وَله فى الحَدِيث وَالْفِقْه فضل لَا يرد وَأما فى الْفَرَائِض والحساب ففضائله فِيهَا جَاوَزت الْحَد وَالْعد أَخذ عَن وَالِده وأخيه الْمَذْكُور قبله فِيمَا أَحسب وَكَانَ يعظمه تَعْظِيم الْوَلَد لوالده ويذكره بره لَهُ فى طريفه وتالده ثمَّ لزم الشّرف الدمشقى فَأخذ عَنهُ مُعظم الْفُنُون وأكرمه الله بِالْقبُولِ فى الْحَرَكَة والسكون ثمَّ لزم دروس الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى والنجم الغزى وَأخذ عَنْهُمَا ثمَّ جلس مجْلِس التدريس فَانْتَفع بِهِ الْفُضَلَاء طبقَة بعد طبقَة وادركته أَنا أَولا وَهُوَ يدرس دروسا خَاصَّة بِجَامِع بنى أُميَّة فَقَرَأت عَلَيْهِ الاجرومية ثمَّ مَاتَ لَهُ ولد نجيب كَانَ نبل فَانْقَطع عَن الدَّرْس مُدَّة سِنِين وفى انْقِطَاعه هَذِه الْمدَّة اجرى الله على يَده الْخَيْر الذى لَا يَنْقَطِع فاجرى من مَاله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 نَحْو مائَة وَأَرْبَعين قناة كَانَت داثرة ثمَّ جلس للتدريس الْعَام فى محراب الْحَنَابِلَة فاقرأ أَولا الاجرومية ثمَّ شرحها للشَّيْخ خَالِد ثمَّ شرح الازهرية ثمَّ شرع فى قِرَاءَة شرح الْقَوَاعِد للشَّيْخ خَالِد وَشرح تصريف الْعُزَّى للتفتازانى وَمن حِين شُرُوعه فيهمَا لَزِمته ولزوما لانفكاك مَعَه الا مجَالِس قَليلَة الى أَن أتمهما وأقرأ الشذور للقاضى زَكَرِيَّا واتمه ثمَّ حضرت عِنْد ابْن المُصَنّف الى الِاسْتِثْنَاء وسافرت الى الرّوم وبلغنى انه أتمه بعد ذَلِك وأقرأ جانبا من مغنى اللبيب وَكَانَ يحضر درسه جمع يجاوزون الاربعين من امثلهم صاحبنا الْفَاضِل مُحَمَّد بن مُحَمَّد المالكى وَالسَّيِّد عبد الباقى بن عبد الرَّحْمَن المغيزلى وَالشَّيْخ خَلِيل الحمصانى وَالشَّيْخ عز الدّين بن خَليفَة الحمصى وَهَؤُلَاء الْآن من الْفُضَلَاء المنوه بهم كثر الله تَعَالَى من امثالهم وَزَاد فى فَضلهمْ وافضالهم ثمَّ مرض الشَّيْخ النَّجْم مُدَّة وَمَات نَهَار الْجُمُعَة ثانى عشر صفر سنة تسعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن على المكتبى مؤرخا وَفَاته بقوله (قلت لما ان قضى نحبا لَهُ ... خلنا الحبر الامام الفرضى) (يَا عَزِيزًا غَابَ عَنَّا آفلا ... نَالَ دَار الْخلد ارخ فرضى) ورؤيت لَهُ بعد مَوته منامات صَالِحَة مِنْهَا أَن رجلا من الصَّالِحين رأى بعض أَصْحَابه من الْمَوْتَى لابسا حلَّة عَظِيمَة لم ير مثلهَا فى الدُّنْيَا فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَقَالَ لَهُ كُنَّا بِأَسْوَأ حَال فَلَمَّا دفن الشَّيْخ نجم الدّين الفرضى فى جبانتنا البس الله تَعَالَى جَمِيع أهل جبانته حللا مثل هَذِه الْحلَّة وَغفر لَهُم ببركته رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن يس المنوفى الشافعى الْعَالم الْفَاضِل البارع الْكَامِل مهذب مبَاحث الجهابذة الْفُضَلَاء ومحرر دَلَائِل الطّلبَة النبلاء ومحط رحال الْعلمَاء الاماثل ومصدر الْعُلُوم الجلائل ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ واشتغل بالعلوم اشتغالا تَاما وَأخذ عَن جمع مِنْهُم أَبُو بكر الشنوانى مُحَمَّد الميمونى وَمُحَمّد الخفاجى وَأحمد السنهورى وَغَيرهم واجازوه وتعالطى النّظم فَبلغ فِيهِ الْغَايَة القصوى وارتقى الى أَن زاحم بمناكبه أكَابِر الشعرا ورحل الى الديار الرويمة وتمذهب بِمذهب الامام أَبى حنيفَة رضى الله تَعَالَى عَنهُ ومدح من بهَا من الموالى الْعِظَام وَتَوَلَّى بنواحى مصر المناصب العديدة ثمَّ ترك الْقَضَاء وَعَكَفَ على عبَادَة الله تَعَالَى وَاعْتَزل عَن النَّاس الا افرادا مِنْهُم وَترك النّظم الا مَا كَانَ استغاثة ومدحا فى النَّبِي وَمن شعره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 السائر قَوْله رَحمَه الله تَعَالَى من قصيدة (تائهة بالدلال يثنيها ... عَن حائر فى الْهوى تثنيها) (قرح فيض الدُّمُوع مقلته ... فاشتبك المَاء فى مآقيها) (وَمن نمت فى سَواد مهجته ... لواهج الشوق كَيفَ يخفيها) (يبعدها الصد والهوى محن ... عَن ناظرى والغرام يدنيها) (هَل بارق مَا أرى أم ابتسمت ... فانتظم الدّرّ فى تراقيها) (عَن فتكها قدها يحذرها ... وحسنها بالصدود يغريها) (ان أسفرت فالهلال طلعتها ... أَو نكهت فالعبير فى فِيهَا) (أسخطت فى حبها ولوعتها ... كل صديق عساه يرضيها) (لَو سمحت بالكرى لارقنى ... وَهنا من اللَّيْل خوف واشيها) (أَو بعثت طيفها لعرفها ... مَا ذاقه الصب من تجنيها) (وشقة الهجر بَيْننَا نشرت ... فَلَا يكَاد الزَّمَان يطويها) (جرعنى الدَّهْر بعْدهَا غصصا ... اكتمها تَارَة وأبديها) (يَا بَائِعا نَفسه بِلَا ثمن ... أرخصتها فالهوان يشريها) (مَا بَال هَذَا الزَّمَان يتحفنى ... بمصميات الى يهديها) (طلائع للمشيب ضاحكة ... بعارضى والشباب يبكيها) وَله الْمَقْصُورَة الَّتِى عَارض بهَا مَقْصُورَة الشهَاب الخفاجى الَّتِى أَولهَا (أيا شَقِيق الرَّوْض حَيَّاهُ الحيا ... فاحمر خد ورده من الحيا) ومطلع مقصورته هُوَ هَذَا (سقى الاله ان سقى الارض الحيا ... حوامل المزن ربى أم الْقرى) (وجاد دفاق الْغَمَام مردفا ... بِمثلِهِ ظهر الْحجُون فكدى) (فبطن نعْمَان الاراك فالصوى ... فالبرك فالتنعيم فالهضب الدنا) (فذات عرق فالبطاح دونه ... الى حراء فثبير فمنى) (وجللت أيدى السَّحَاب وكست ... أنوارها طلع الهضاب فالربى) (وقاربت وَقع الخطا غمائم ... تَدْعُو عَن الْبَهَاء ألبان الجفا) (يحثها حاد مرن خلفهَا ... فهى لذاك الْحَث تدعى الحيدى) (يكَاد أَن يُخطئ فى مسيرها ... وهى الْمُصِيب سَيرهَا من الوحا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 (فاطرح الحدب وَكَانَ آيسا ... من ارتجاع الْخطب اطمار السعا) (ونسجت من كل وشى حبرًا ... فالزمت لحمتها مَعَ السدى) (وماست الوهاد فى ملابس ... مخضرة من الحلى والحلى) (فسوقها فى لجج من زئبق ... يخفى بهَا طورا وطورا يجتلى) (وهامها يحملن من زبرجد ... عمائما تلوثها ايدى الصِّبَا) (فطبق العنبر أطباق الثرى ... وملأ العبهر أَطْرَاف الملا) (لَا يهتدى نجم السَّمَاء أَن يرى ... نجم المحاجر بَين فذوثنا) (يصير فِيهَا الخازباز مصعبا ... فَلم يَصح من وفرة الندا الصدا) (اضحت وَكَانَ الْوَحْش لَا يسوفها ... خوفًا وَلَا يسلكها صل كدا) (مسرح آرام وغيل اشبل ... وحصن ريبال وأفحوص قطا) (يرمقها الْبَرْق فيغضى خجلا ... والطرف يدرى مَا يرى اذا رنا) (كانها صفيحة يغمدها ... فى جفنها صانعها فتنتضى) (أَو نصف مرْآة بكف ماجن ... يديرها من وَجههَا الى الْقَفَا) (أذكرنى وَمَا نسيت خلسا ... لله مَا هيج لى برق الدجا) (أَيَّام خلصاى الالى عهدتهم ... لَا ينقضون للملمات الحبا) (من كل فنان الشَّبَاب عَاقد ... يمناه بالمجدين علم وَعلا) (ان رتق الافواه فى الامر اهْتَدَى ... لغامض يدق عَن دَرك القوى) (تطارحوا خير الْعُقُول بُرْهَة ... وَبعده تفَرقُوا ايدى سبا) (فبعضهم فَوق الاثير همة ... وَبَعْضهمْ جثمانه تَحت الثرى) (لَوْلَا الخفاجى الشهَاب أَحْمد ... عصارة الشم العرانين الالى) (تفيؤا فى ظلّ كل شَاهِق ... من الْكَمَال والعلا أوج الذرى) (مزاحمى الافلاك فى مدارها ... بهمة لم ترضهن مستوى) (أَبوهُ شيخ خَاله وخاله ... عَلامَة الدُّنْيَا أَتَى ثمَّ مضى) (ثوى أَبُو بكر لديغ حسرة ... لفقده مُحَمَّدًا سامى الرقا) (كَانَا لجيد الدَّهْر عقدى جَوْهَر ... وزينة الْكَوْن وأرباب النهى) (تشارفت من الذرى اذ لَا ذرى ... مغارس الْآدَاب ان لَا تجتنى) (نتيجة الدَّهْر وحشو برده ... وَلَذَّة الْعَيْش وريعان المنى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 (طوى لآفاق الْبِلَاد ليرى ... لَهُ نظيرا فى الْكَمَال والعلى) (اشرق فى الرّوم فعين مصره ... لبعده مَمْلُوءَة من القذى) (وَالْجَامِع الازهر وَالْعلم مَعًا ... حنا الى ذَاك البنان واللقا) (كَانَت بِهِ مصر تجر ذيلها ... تيها واعجابا على كل الْقرى) (سقته دَار الْمجد من ثديها ... فشب فى حجر الْعُلُوم ونما) (صفت بِهِ نافسة لقدره ... والشئ يَعْلُو قيمَة فيصطفى) (صونا لَهُ عَن أَن يرى بغَيْرهَا ... فشاركتها فِيهِ اسباب النَّوَى) (ألْقى بقسطنطينية جرانه ... وفاز فِيهَا بِالْقبُولِ وَالرِّضَا) (ونال مِنْهَا حظوة لَو قسمت ... مَعَ اسْتِوَاء الْحَظ عَمت الورى) (أَحْيَا بهَا ميت الْعُلُوم واستوى ... ينفض عَن أكتافه برد البلى) (يعْتَقد الْبَعْث ولات مبعث ... وَالروح مِنْهُ بَين ثغر وَلها) (وسَاق فى سوق الرِّهَان حلبة ... من الْبَيَان بالنفوس تشترى) (ينظم فى الاسماع من محفوظه ... جَوَاهِر اللَّفْظ بلبات الدمى) (كم رَوْضَة دبجها يراعه ... فأينع الزهر وطاب المجتنى) (مَا زَالَت الركْبَان تطرى بعض مَا ... ضم رحيب صدر وَمَا حوى) (حَتَّى الْتَقَيْنَا فالتقطنا الدّرّ من ... الفاظه الغر فُرَادَى وثنا) (رَأَيْته الْبَدْر اذا الْبَدْر سرى ... وَخلته الْبَحْر اذا الْبَحْر طمى) (فَهُوَ السنان هزة اذا سَطَا ... وَهُوَ الزَّمَان همة اذا اعتلى) (شفى الْفُؤَاد لحظه وَلَفظه ... وَكَانَ قبل الْمُلْتَقى على شفا) (ذُو منطق لَو صَادف الْبَحْر حلا ... وَلَو فرى بِهِ الحسام لانفرى) (وهاكها على علاك وَحده ... مَقْصُورَة فى حسنها مدى البقا) (لم تدعها ضَرُورَة لقطع مَا ... مدوه بل جَاءَت باحكام الْبَنَّا) (حركنى الى اختراع وَزنهَا ... أيا شَقِيق الرَّوْض حايه الحيا) (طَلِيعَة يتبعهَا مقانب ... من القريض القح ان طَال المدى) (رقى لممدود القوافى وقرى ... وغصة للحاسدين وجشا) وَله من قصيدة مستهلها هَذَا (مَا الْعَصْر الشَّبَاب رثت بروده ... وَلَو جيدها من الْوَصْل روده) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 (ولمياده وَمَا طَال عهدا ... من سقيط الندى ذوى أملوده) (وَسَوَاد العذار عَاد مَرِيضا ... فَأتى ناصع البنان يعودهُ) (وحبِيب يحنو عَلَيْهِ وَلَكِن ... بزمام الى الْحمام يَقُودهُ) وَله (وَمن تخطئه نيران القوافى ... فَسَوف يصبهُ ألم الدُّخان) وأبلغ من مذاق الْمَوْت بَأْس ... جناه الْمَرْء من روض الامانى) وللشهاب فى معنى الاول وَهُوَ قَوْله (أَقُول لَهُ تنكب عَن مرامى ... نبال الذَّم وَاحْذَرْ شرداء) (فَمن يقْعد على طرق القوافى ... تمر عَلَيْهِ قافية الهجاء) وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الْخَمِيس ثانى ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى جوَار السَّادة الوفائية (مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الْقَادِر الدمياطى المصرى الحنفى الْمُفْتى الامام الْمُقدم على اقرانه البارع فى أهل زَمَانه مفتى مَذْهَب النُّعْمَان بالقاهره والمبدى من تحريراته التحقيقات الباهره فاق فى الْفَضَائِل جَمِيعهَا وبهر فى تأصيل الْمسَائِل وتفريعها وَتكلم فى الْمجَالِس واظهر من دُرَر بحره النفائس وَجمع وَألف وَكتب وافاد وارسل فَتَاوِيهِ طائرة بأجنحة وَرقهَا الى سَائِر الْبِلَاد ولازم شُيُوخ الْحَنَفِيَّة من المصريين كالشيخ الامام زين بن نجيم وأخيه الشَّيْخ عمر وَشَيخ الْفُقَهَاء فى وقته الشَّيْخ على بن غَانِم المقدسى وَغَيرهم واجازوه وتصدر للتدريس ونفع النَّاس وَذكره الخفاجى فَقَالَ فى حَقه مقدم نتائج الْفضل وَغَيره التالى ومشيد بُنيان المكارم بطبعه العالى ذُو وقار تَزُول عِنْده الراسيات الشوامخ بمحكم فضل لَا يرد على آيَاته الْبَينَات نَاسخ ان خطّ فَمَا خطّ الرّبع والعذار أَو تكلم فَمَا مطرب الاوتار والاطيار ورد الرّوم وَأَنا بهَا كِرَاء وَاصل أَو حرف عِلّة أَو همزَة وَاصل وشوقى الى الْكِرَام كَمَا قَالَ أَبُو تَمام (وَاجِد بالخليل من برحا الشوق وجدان غَيره بالحبيب ... ) ثمَّ أورد لَهُ ابياتا رَاجعه بهَا عَن ابيات أرسلها اليه مطْلعهَا هَذَا (أيا روض مجد منبتا زهر الْحَمد ... وَمن ذكره اذكى من العنبر الْورْد) وأبيات الدمياطى صَاحب التَّرْجَمَة هَذِه (أفائق أهل الْعَصْر فى كل مَا يبدى ... وأوحد هَذَا الْعَصْر فى الْحل وَالْعقد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 (وَمن فاق سحبانا وقسا فصاحة ... وَمن نظمه الْمَشْهُور بالجوهر الْفَرد) (نظمت قريضا فى حلاوة لَفظه ... وفى الصوغ أزرى بالنباتى والورد) (وضمنته معنى بديعا فَمن يرم ... لادراك شئ مِنْهُ يُخطئ فى الْقَصْد) (ملكت اساليب الْكَلَام بأسرها ... فَأَنت بارشاد الى طرقها تهدى) (لقد كنت فى مصر خُلَاصَة أَهلهَا ... وفى الرّوم قد أَصبَحت جَوْهَرَة العقد) (وَحقّ شهَاب أَصله الشَّمْس ان يرى ... حريا بِأَن يرقى الى غَايَة السعد) (فمعذرة منى اليك وَمَا ترى ... من الْعَجز وَالتَّقْصِير قابله بالسد) (فَلَا زلت فى أوج العلى متنقلا ... وشانئك الممقوت فى الْعَكْس والطرد) (وَلَا بَرحت ابياتك الغر فى الذرى ... وابيات من عاداك فى الدك والهد) (ودمت فريدا للفرائد راقيا ... مَرَاتِب فضل منهلا طيب الْورْد) وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر ربيع الثانى شهر ربيع الثانى سنة أَربع عشرَة وَألف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن يُوسُف المراكشى التاولى المالكى أحد فُقَهَاء المغاربه الممتطين سَنَام الْفضل وغاربه عَالم ماضى شبا اللِّسَان والقلم وَعلم فضل أشهر من نَار على علم لَهُ فى الادب يَد لَا تقصر عَن ادارك غايه وَبَاعَ تلقى رياة البلاغة فَكَانَ عرابة تِلْكَ الرايه وَمن نوابغ كَلمه قَوْله من جملَة كتاب فعذر الْمَنّ هُوَ أخرس من سمكه وَأَشد تخبطا من طَائِر فى شبكه وَقَوله من ارجوزة ضمن فِيهَا مصاريع من الفية ابْن مَالك مدح بهَا شَيْخه الْحَافِظ أَبَا الْعَبَّاس المقرى وَقَالَ فِيهِ (ذَاك الامام ذُو الْعَلَاء والهمم ... كعلم الاشخاص لفظا وَهُوَ عَم) (فَلَنْ ترى فى علمه مثيلا ... مستوجبا ثنائى الجميلا) (ومدحه عندى لَازم أَتَى ... فى النّظم والنثر الصَّحِيح مثبتا) (أَوْصَاف سيدى بِهَذَا الرجز ... تقرب الاقصى بِلَفْظ موجز) (فَهُوَ الذى لَهُ المعالى تعتزى ... وتبسط الْبَذْل بوعد منجز) (رتبته فَوق العلى يَا من فهم ... كلامنا لفظ مُفِيد كاستقم) (وَكم أَفَادَ دهره من تحف ... مبدى تَأَول بِلَا تكلّف) (لقد رقى الى الْمقَام الباهر ... كطاهر الْقلب جميل الظَّاهِر) (وفضله للطالبين وجدا ... على الذى فى رَفعه قد عهدا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 (قد حصل الْعلم وحرر السّير ... وَمَا بَالا أَو بانما انحصر) (فى كل فن ماهر فِيهِ وَلَا ... يكون الا غَايَة الذى تَلا) (سيرته سَارَتْ على نهج الْهدى ... وَلَا يلى الا اخْتِيَارا ابدا) (وَعلمه وفضله لَا يُنكر ... مِمَّا بِهِ عَنهُ مُبينًا يخبر) (يَقُول دَائِما بصدر انْشَرَحَ ... اعرف بِنَا فاننا نلنا الْمنح) (يَقُول مرْحَبًا لقاصد وَمن ... يصل إِلَيْنَا يستعن بِنَا يعن) (والزم جنابه واياك الْملَل ... ان يستطل وصل وان لم يستطل) (واقصد جنابه ترى مآثره ... وَالله يقْضى بهبات وافره) (وانسب لَهُ فانه ابْن معطى ... ويقتضى رضَا بِغَيْر سخط) (واجعله نصب الْعين وَالْقلب وَلَا ... تعدل بِهِ فَهُوَ يضاهى المثلا) وَلما قدم فى سنة سِتّ وَعشْرين وَألف من مَدِينَة مراكش الى فاس كتب الى شَيْخه يستدعى مِنْهُ اجازة هَذِه الابيات (أموقظ جفن الدَّهْر من بعد مَا غفا ... وباسط كف الْبَذْل من بعد مَا كفا) (ومحيى رَسُول الاكرمين الَّتِى عفت ... ومجرى معِين الْفضل من بعد مَا جَفا) (أجزنى بِمَا قد قلته ورويته ... ففضلك يَاذَا الْفضل قد حير الوصفا) فَأَجَابَهُ بِهَذِهِ الابيات (أمشكاة أنوار القراآت والادا ... وساحب اذيال الْكَمَال على الاكفا) (وحائز شتات الْفَضَائِل اذ غَدَتْ ... مفاخرة فى اذن مغربنا شنفا) (بعثتم بطرس بل بروض بلاغة ... تعطرت الارجاء من نشره عرفا) (وأملتم أَعلَى الاله مقامكم ... وألبسكم من عزه الْمطرف الاضفى) (من الْقَاصِر الباع الضَّعِيف اجازة ... ألم تعلمُوا ان الصَّوَاب هُوَ الاعفا) (وَلست بِأَهْل ان أجَاز فَكيف أَن ... أُجِيز على ان الْحَقَائِق قد تخفى) (فأضواء فكرى أظلمتها حوادث ... فآونة تبدوا وآونة تطفا) (وَلَوْلَا رجائى مِنْكُم صَالح الدعا ... لما سطرت يمناى فى مثل ذَا حرفا) وَلم أَقف على تَارِيخ وَفَاته لَكِن أعلم انه من رجال هَذِه الْمِائَة وَالله تَعَالَى أعلم مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَبى اللطف الملقب رضى الدّين المقدسى الحنفى من آل بَيت أَبى اللطف كبراء بَيت الْمُقَدّس وعلمائها أَبَا عَن جد وَكَانَ رضى الدّين هَذَا فَاضلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 أديبا بارعا استجاز لَهُ وَالِده من شيخ الاسلام الْبَدْر الغزى وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن ابْن عَم أَبِيه الشَّيْخ عمر بن مُحَمَّد بن أَبى اللطف وتفقه أَولا على وَالِده يُوسُف فى فقه الشافعى ثمَّ تحول حنفيا وَاقْتضى حَاله لتطاول الزَّمَان ان يكون كَاتبا عِنْد قاضى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ يلى النِّيَابَة وَقدم دمشق قبل ذَلِك فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَكَانَ فى صُحْبَة ابْن عَمه وَشَيْخه الشَّيْخ عمر الْمَذْكُور وَصَحب الْحسن البورينى فى دمشق فى قَدمته هَذِه وَأخذ عَنهُ قَالَ النَّجْم وعلق شرحا على منظومة الْوَالِد فى الْكَبَائِر والصغائر على حسب حَاله وأوقفنى عَلَيْهِ وقرظت عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَكَانَت وَفَاته بِبَيْت الْمُقَدّس فى جُمَادَى الاخرة سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف وَصلى عَلَيْهِ غَائِبَة بِدِمَشْق يَوْم الْجُمُعَة منتصف رَجَب رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن حَامِد بن أَبى المحاسن المغربى الفاسى الْقصرى الشَّيْخ الامام المفنن الْعَلامَة المتبحر النقاد عَالم الْمغرب فى عصره من غير مدافع أَخذ عَن وَالِده وَعَمه الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد وأخيه الْحَافِظ أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف وَعَن الامام الْقصار والامام أَبى الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن القاضى والمفتى والخطيب أَبى عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد المرى التلمسانى والفقيه المشارك أَبى الْحسن على بن مُحَمَّد بن أَبى الْعَرَب السفيانى والفقيه الاديب أَبى عبد الله مُحَمَّد ابْن على القنطر الْقصرى والقاضى أَبى مُحَمَّد المركنى المغراوى والامام أَبى الطّيب الْحسن ابْن يُوسُف الزناتى وَغَيرهم وَعنهُ كثير مِنْهُم ولد أَخِيه عَالم الْمغرب الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن يُوسُف الفاسى وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا شرح على دَلَائِل الْخيرَات فى مجلدين ضخمين ورسالة منظومة فى الوفق الخماسى الخالى الْوسط وشرحا وَكَانَت وِلَادَته فى سادس شَوَّال سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى رَابِع عشر شهر ربيع الثانى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين والف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد بن يُوسُف بن يُوسُف الكريمى الدمشقى أديب الزَّمَان وَرَيْحَانَة أفاضل الشَّام وواسطة عقد مخاديمها الْكِرَام طراز حلَّة الْفضل وأوحد النثر وَالنّظم فشعره تسكر مِنْهُ الطباع وتكاد للطفه تشربه الاسماع وَلَقَد أصَاب البديعى فى وَصفه بقوله هُوَ الشَّاعِر لَو لم تكن بِهِ جنَّة لما قيل الاساحر قَرَأَ على الشّرف الدمشقى والمفتى فضل الله بن عِيسَى وَالشَّيْخ عمر القارى وَأخذ عَن الامامين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وأبى الْعَبَّاس المقرى وَتخرج فى الادب على الشَّيْخ أَبى الطّيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 الغزى فراض طبعه على أسلوبه وَحكى انه لما قيد أَبُو الطّيب الْمَذْكُور للعارض السوداوى الذى اعتراه وَحجر عَلَيْهِ وَمنع النَّاس من التَّرَدُّد اليه كَانَ اذا نظم قصيدة بعث بهَا اليه مَعَ بعض النِّسَاء على صفة انها تُرِيدُ حرْزا اَوْ نشرة وقصده عرضهَا عَلَيْهِ ليهذبها وينقحها فَكَانَ اذا وصلته اصلحها ورمز لَهُ بِوُجُوه الاصلاح وعرفه طرق الانتقاد فَلهَذَا مهر فى سبك الْمعَانى وَحسن البذرقة وأربى على فضلاء الْعَصْر باتقان اللغتين الفارسية والتركية والموسيقى وَكَانَ ينظم الشّعْر فى اللُّغَات الثَّلَاثَة وَكَانَ لَهُ اغان يسيرها فى نغمات مَقْبُولَة وسافر الى الرّوم صُحْبَة وَالِده فى سنة ثَمَان وَعشْرين ولازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا ومدحه بقصائد كَثِيرَة ثمَّ قدم مَعَ وَالِده الى دمشق ودرس بعد موت وَالِده بِالْمَدْرَسَةِ العزية بالشرف الْأَعْلَى ثمَّ سَافر إِلَى الرّوم ثَانِيًا وَولي قَضَاء الركب الشَّامي فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَانْقطع بعد ذَلِك فِي منزله مُدَّة ثمَّ سَافر ثَالِثا الى الرّوم فى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَصَارَ لَهُ رُتْبَة الْخَارِج المتعارفة الْآن بَين أَبنَاء الشَّام ثمَّ رَجَعَ واستغرق أوقاته فى الْعُزْلَة وابتلى بِاسْتِعْمَال البرش ثمَّ غلبت عَلَيْهِ السَّوْدَاء فَضرب الْحجر على نَفسه سِنِين وطواه الزَّمَان فى خريدة النسْيَان وَلم ينل مَا يسْتَحقّهُ من سمو الشان ثمَّ ظهر بعض الظُّهُور وَاخْتَلَطَ بِبَعْض أَصْحَاب الْفَهم وَطرح التَّكَلُّف وامتحن بلعب الشطرنج على عَادَة الاذكياء وَكَانَ ماهرا فى لعبه وَكَانَ كثير النّظم وَله ديوَان يُوجد فى أيدى النَّاس ومختاراته كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله من قصيدة (فى فؤادى من الخدود لهيب ... جنَّة طَابَ لى بهَا التعذيب) (صحوتى من هوى الحسان خمار ... وشبابى بالاتصاب مشيب) (داونى باللحاظ فالحب فِيهَا ... دَار بلوى بهَا السقام طَبِيب) (لفؤادى من لَحْظَة السخط سهم ... هى من قسْمَة الْهوى لى نصيب) (كل قلب لَهُ الصبابة دَاء ... ألف الدَّاء فالحكيم رَقِيب) (محنة الْحبّ عندنَا دَار بلوى ... فلهَا من قُلُوبنَا أَيُّوب) (هَكَذَا حَاكم الْهوى فلديه ... من ذنُوب لنا تعد الْقُلُوب) (لَو بدا للوجود يُوسُف حسن ... ضمه من قُلُوبنَا يَعْقُوب) (لَا تلمنى سدى فَمد من خمر الْحبّ فى مِلَّة الْهوى لَا يَتُوب ... ) (فى لحاظ الظباء آيَة حسن ... قد تَلَاهَا على الْعُقُول الحبيب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 (رشا أخجل البدور اذا مَا ... شوشت خاطر الْفُؤَاد الْجنُوب) (مَا رَأينَا من قبل وَجهك ان قد ... حمل الْبَدْر فى الزَّمَان قضيب) (قاتلى فى الْهوى اللحاظ وَهَذَا ... شَاهد الخد من دمى مخصوب) (قد رمانى بأسهم الْجور عمدا ... وَسوى الْقلب سَهْمه لَا يُصِيب) (لَيْت أَنا لم يخلق الْحسن فِينَا ... لَيْت أَو لم يكن فؤادى طروب) (يَا أَخا الوجد هَل رَأَيْت قَتِيلا ... وَهُوَ ظلما بِنَفسِهِ مَطْلُوب) (يَا لقلب أطعته وعصانى ... لَهو الا الى الْهوى لَا يُجيب) (خبرى يَا صبار رياض التصابى ... فبذكر الْهوى فؤادى يطيب) (عرف الْقلب فِيك رَائِحَة الْحبّ ويدرى بشمه الملسوب) (ساعدتنى على النحيب حمام ... حَيْثُ مالى سوى صداها مُجيب) (أَنا وَالْوَرق فى الطلول غَرِيبَانِ ويستصحب الْغَرِيب الْغَرِيب) (غير انى بهَا رهين فؤادى ... وهى تأتى وَحَيْثُ شَاءَت تؤوب) (علم الْقلب منطق الطير شجوا ... فَلهُ فى فنونه تَهْذِيب) (يهتدى فى سَبيله بفؤادى ... كلما ضل فى الغرام كئيب) وَقَوله من أُخْرَى أرسلها من الرّوم الى بعض اخوانه من أفاضل دمشق فى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ ومستهلها قَوْله (بعاد يزِيد الجوى والحنينا ... وَبَين يعلم قلبى الانينا) (فِرَاق أذاب الحشى أدمعا ... فَأجرى بصافى الدِّمَاء العيونا) (ألفنا السهاد لسكب الدُّمُوع ... فَأنْكر منا الرقاد الجفونا) (فقدت اصطبارى غَدَاة الرحيل ... وعوضت عَنهُ الجوى والشجونا) (رعى الله أَيَّام قرب مَضَت ... وَحيا لياليها والسنينا) (وجاد الحيا أَرْبعا بالشآم ... وَسلم صحبا بهَا قاطنينا) (وهبت بهَا نسمات الْقبُول تحدو اليها سحابا هتونا) (وسالت بروضتها للرضا ... جداول تنساب مَاء معينا) (وغنت بهَا سحرًا وَرقهَا ... تنبه للنور فِيهَا عيُونا) (ولابرحت فى رباها الصِّبَا ... تروح شمالا وتغدو يَمِينا) (تلاعب أَغْصَان باناتها ... فتهتز مثل القدود الغصونا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 (وتجلو عرائس نوارها ... فتنثر للطل درا ثمينا) (غصون تعلم من فعلهَا ... قدود الغوانى قواما ولينا) (رياض بهَا للعليل الْهوى ... شِفَاء فلولا التنائى شفينا) (فكم بت فى خلدها لَيْلَة ... أسامر فِيهَا من الآس عينا) (وَكم غازلتنى بهَا أعين ... تعلم هاروت مِنْهَا فنونا) (وَكم جمعت للهوى مدنفا ... وَمثل فؤادى فؤادا حَزينًا) (رعى الله أحبابنا فى دمشق ... وَحيا بدوحتها الساكنينا) (أحبتنا هَل يفك الرهونا ... غَرِيب وَيقْضى البعاد الديونا) (وَهل عَائِد زمن بالحمى ... وبالقرب هَل يسعف النازحينا) (وَهل بالتلاقى يجود الزَّمَان ... لنعلم أحبابنا مَا لَقينَا) (فقد صدع الصَّدْر طول النَّوَى ... وللقلب قد كَانَ حصنا حصينا) (وعلمنى الْبَين مَا قد جهلت ... فذقت النَّوَى وَعرفت الحنينا) (فَهَل تذكرُونَ غَرِيب الديار ... وَيذكر من بالحمى الظاعنينا) (رحلنا فَمَا تابعتنا الْقُلُوب ... وسرنا فظلت لديكم رهونا) (كانى لم أقض حق الوداد ... فأبقيت قلبى فِيكُم رهينا) وَقَوله أَيْضا من قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا قَوْله (صَحَّ الْهَوَاء وطاب مِنْهُ نسيم ... وأتى الرّبيع وفضله مَعْلُوم) (وبدت أزاهره بِأَحْسَن منظر ... فرياض جلق جنَّة ونعيم) (وسرت بِهِ خود الصِّبَا وفْق الْهوى ... تذكى الجوى فغدا الْفُؤَاد يهيم) (مرت تذكرنى جوى كابدته ... أَيَّام غازلنى برامة ريم) (رشأ لحر جفاه مَعَ اعراضه ... فى الْقلب منى مقْعد ومقيم) (غُصْن ثمار الْحسن فِيهِ شهيه ... للعين والجانى لَهَا محروم) (بدر محاسنه الْجَمِيع جوارح ... بِالْقَلْبِ تفعل مَا تشا وتروم) (صحت محاسنه كَمَا صَحَّ الْهوى ... منى ومثلى الطّرف مِنْهُ سقيم) (متناسب الاعطاف أما ردفه ... فنقا وَأما كشحه فهضيم) (من سهم مقلته جَمِيع جوانحى ... جرحى وقلبى من سواهُ سليم) (مالامنى فى حبه من لائم ... الا رَقِيب حَيْثُ كَانَ لئيم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 (مَا من هوى الا وَفِيه مراقب ... هَذَا عَذَاب للفؤاد أَلِيم) (أبدا لقلبى من جفاه شكاية ... لَا تنقضى وَمن الغرام غَرِيم) (وجدى بِهِ قِسْمَانِ باد للورى ... قهرا ومعظمه هوى مَكْتُوم) (طرفى وقلبى ذَا غريق مدامع ... تجرى وَهَذَا باللحاظ كليم) (يَا قلب مَالك والهوى فالى مَتى ... بالوجد تقعد تَارَة وَتقوم) (محن الْمحبَّة جمة لَا تنقضى ... أبدا فكم تشقى بهَا وتهيم) (من عهد آدم للغرام وقائع ... تروى رويدك فالبلاء قديم) (ألفت جوانحك الصبابة والاسى ... هَذَا ابتلاء بالغرام عَظِيم) وَكتب الى أَخِيه أكمل الدّين الْمُقدم ذكره فى حرف الْهمزَة ملغزا فى أَكْتَع (يَا أكملا يستكمل الظرفا ... يَا فاضلاوالفضل لَا يخفى) (وَيَا شقيقى من فخارى بِهِ ... وَمن غَدا لى فى الورى طرفا) (أكمل منى ان أصفه فلى ... أرجع من أَوْصَافه الوصفا) (قل لى عَن وصف حُرُوف لَهُ ... أَرْبَعَة مَا نقصت حرفا) (اذا وصفت الشَّخْص يَوْمًا بِهِ ... فعينه فى دبره تلفى) (وَلم يزل يصحب كلابة ... بهَا يجيد الْقَبْض والصرفا) (ثَانِيه نصف الْعشْر من ثَالِث ... وَكله لم يبلغ الالفا) (ينقص عَنْهَا بل وَعَن بَعْضهَا ... وَلم تكمل نَاقِصا حلفا) (موصوفه نِصْفَانِ فَانْظُر لَهُ ... نصفا وَلَا تنظر لَهُ نصفا) (ثَانِيه مَعَ ثالثه فعله ... مَتى يشاجر عرسه عنفا) (يظْهر فى أَفعاله خفَّة ... وَهُوَ لثقل لم يغب صرفا) (كالبوم شوم وَهُوَ الف لنا ... فَهَل رَأَيْتهمْ بومة الْفَا) (أجب عَن ذَا الْوَصْف أفْصح لنا ... لاذقت للدهر اذ صرفا) فَأَجَابَهُ بقوله (جَاءَت فزادت روضنا عرفا ... بل قلدت آذاننا شنفا) (وَأَطْفَأت من كبدى لوعة ... وَلم تكن من غَيرهَا تطفى) (وهيجت شوقى الى ماجد ... لم أك أبغى غَيره الْفَا) (أعنى شقيقى من أرى بعده ... للدهر ذَنبا لم يكد يُعْفَى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 (ذُو كرم لَو شامه حَاتِم ... عض على أنمله لهفا) (رب الْمعَانى والقوافى الَّتِى ... كالدر إِذْ ترصفه رصفا) (كَانَت كعذب المَاء عِنْد الصَّفَا ... أَو كلما أرشفه رشفا) (أَو كوصال من حبيب وَقد ... أَكثر فى ميعاده الخلفا) (مضيع أرعاه بَين الورى ... وشيمة الاحباب لَا تخفى) (أَبيت أمْلى من غرامى لَهُ ... كتبا وَمن اعراضه صحفا) (يُدِير من ألحاظه أكؤسا ... حملهَا أجفانه الوطفا) (تسقيه رَاحا مزجت من دَمًا ... عينى ويسقينى الْهوى صرفا) ( ... مائلة عَن ساعد لم يزل ... كقطعة الاصداغ ملتفا) (أَو كسوار ضَاقَ عَن عبلة ... أَو كهلال كَاد أَن يخفى) (لَكِن اذا مدت الى مرقد ... كقامة الْحبّ اذا تلفى) (لازلت تعطها وأمثالها ... من رَاحَة كالديمة الوطفا) (هاك جوابى واعف تَأْخِيره ... اذ لم يكن ليا وَلَا خلفا) (وَبعد مَا وصف لَهُ أحرف ... أَرْبَعَة وَلم يزدْ حرفا) (أَوله سبع لعشر حوى ... ثَانِيه لَا زلت لَهُ حلفا) (ان تسْقط الْمُفْرد مِنْهُ يعد ... جمعا وَهَذَا مِنْك لَا يخفى) (وَفعل أَمر ثمَّ فعلا لمن ... نَار غرامى فِيهِ لَا تطفا) (ان تقلب الثاث مَعَ رَابِع ... يكن لموصوف بِهِ وَصفا) (ثَانِيه مَعَ ثالثه وَصفه ... اذا اعتراه النّوم والاغفا) (أبنه لى لَا زلت فى عزة ... لم تغض عمارمته طرفا) (والدهر عبد لَك أوقائد ... بِجنب من عاديته طرفا) وَمر مَعَ شَيْخه أَبى الْعَبَّاس المقرى بالمرجة ذَات الشرفين فَلَمَّا تجاوزا صدر الباز والمقرى بَينه وَبَين أَخِيه خَاطب المقرى مرتجلا بِهَذِهِ الابيات) (بالمرج مَا أشبهنا يَا بدر ... نَحن الجناحان وَأَنت الصَّدْر) (وَالْبَحْر قد شاكلنا يَا در ... اطرافه نَحن وَأَنت الْبَحْر) (والافق مولاى وَفِيه الزهر ... وَالشَّمْس تحتاط بِهِ والبدر) (ودمت فى الدَّهْر وَأَنت الدَّهْر ... اليه ينقاد الدجا وَالْفَجْر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 وَأرْسل اليه الشَّيْخ ابراهيم الاكرمى قصيدة يمدحه بهَا فَبعث اليه شَيْئا من الملبوس وألحقه بِهَذِهِ الابيات هى (ألبستنا حلل الثَّنَاء فزنتنا ... بملابس مَا شانها الاخلاق) (حكت الرياض غَضَاضَة ونضارة ... فكانها لَك فى البها أَخْلَاق) (فاقبل لخلك حلَّة خيطت لَهَا ... من ودك الاردان والاطواق) (واعذر لقلتهَا فان عرائس الْآدَاب عندى مَا لَهُنَّ صدَاق ... ) (شاكلت مِنْك ملابسا لدا ... شتان بَينهمَا فَتلك رقاق) (أهديت در مدائح تزهو بهَا ... منا العلى وَمن المهى الاعناق) (فَبَقيت للاحسان شمس فَضَائِل ... بسنا قريضك تشرق الْآفَاق) وَمن غزلياته قَوْله وَأحسن (وَيَوْم أردْت الصَّبْر فِيهِ فَلم أجد ... لقلبى اصطبارا والحبيب قريب) (دنت دارها منى وشط بشخصها ... وَقرب زَوَال لم أرده لهيب) (ممنعة لَا يرتجى قطّ وَصلهَا ... فَلَيْسَ لمضنى أمرضته طَبِيب) (دعانى هَواهَا عنْوَة فاجبته ... وقلبى لداعى الغانيات مُجيب) (تعلقتها تركية ان سهمها ... لَهُ غَرَض منا حَشا وَقُلُوب) (اذا مَا بَدَت للعين قَامَت شؤنها ... فدمعى واش بَيْننَا ورقيب) (معَاذًا الْهوى ان يحرم الْوَصْل عاشق ... لَهُ فى التصابى والغرام نصيب) (وصبرا على حر النَّوَى ولربما ... رأى وطنا بعد البعاد غَرِيب) (فَمَا غزل من حر وجد بِنَافِع ... لَدَى وَلَا يشفى الْفُؤَاد نسيب) (وَمَا طَابَ نفسا بالتصبر مغرم ... وَلَا قر عينا بالبكاء كئيب) وَقَوله (لحى الله فعل الغانيات اذا دهت ... فؤاد الابناء الصبابة والوصلا) (وَلَا سلطت يَوْمًا على قلب عاشق ... عيُونا ترى فى ظلم عاشقها عدلا) (يدينك عين الود والوجد نظرة ... ويمزجن جد الوجد للقلب والهزلا) (فحمتى اذا شبت بِنَار جوانح ... وأيقن بالمطروح من أرسل النبلا) (غدرن فَلَا يرعين للصب ذمَّة ... وأغضين عَنهُ فى الْهوى الاعين النجلا) (نوافر منا لم نفز شقوة سوى) بوعد رَأينَا فى جوانبه المطلا) وَقَوله (علام تفتك فى العشاق بالمقل ... أما تخَاف على الهندى من فلل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 (لقد أبحت دمى يَا من كلفت بِهِ ... فاصبحت كلماتى فِيهِ كالمثل) (يَا من اذا مَا لسهم اللحظ عرضنى ... أيقنت وجدان قوم من بنى ثعل) (شمائل لَك عاطتنى الشُّمُول فَمَا ... بَرحت مَا بَين سَكرَان الى ثمل) (آها على زمن كَانَ الرَّقِيب بِهِ ... صفر الأكف من التعنيف والعذل) (هلا تعيد زَمَانا كَانَ طوع يَدي ... فِيهِ وصدري ملآن من الأمل) وَله مضمنا بَيت الارجانى وَنَقله من النقاب الى العذار فَقَالَ (ومورد الوجنات شمس جماله ... لما بَدَت بهر الضياء الاعينا) (خطّ الْجمال بعارضيه أسطرا ... فغدا بهَا نظرى اليه مُمكنا) (كَالشَّمْسِ يمنعك اجتلاءك وَجههَا ... فان اكتست برقيق غيم امكنا) وَقَوله (وَكنت أَقُول انك فى فؤادى ... لَو ان الْقلب بعْدك كَانَ عندى) (سوى عَن ناظرى مَا غبت يَوْمًا ... فذكرك غَالب الاوقات وردى) وَمن رباعياته قَوْله (يذكر بالوداد من لَا ينسى ... عهدا لَك ان أصبح أَو ان أَمْسَى) (أَقْسَمت وان تطاول الْعَهْد بِنَا ... لَا أنسى الود بَيْننَا لَا أنسى) وَقَوله أَيْضا (مَا جَاءَ اللَّيْل أَو أَضَاء الْفجْر ... الا وذكرك عيشنا يَا بدر) (لهفى لزمان عيشة راضية ... قد من بهَا على يَديك الدَّهْر) وَقَالَ (هَل ترجع ايامنا بنادى الوادى ... تالله لقد أعددتها اعيادى) (أَيَّام يضم شملنا منتزه ... بالغوطة لَا فقدت ذَاك النادى) وفقد لَهُ مَجْمُوع بِخَطِّهِ فَقَالَ فى ذَلِك (مجموعى ضَاعَ رده يَا صَمد ... قد بَان تصبرى بِهِ وَالْجَلد) (اتهمت أَنى بِعته من سفه ... هَذَا ولدى وَهل يُبَاع الْوَلَد) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَمَان بعد الالف وَتوفى لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع شهر ربيع الاول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى المنلا مُحَمَّد شرِيف بن المنلا يُوسُف بن القاضى مَحْمُود بن المنلا كَمَال الدّين الكورانى الصديقى الشاهوى الرويسى الشافعى صدر من صُدُور الائمة كَانَ عَالما وليا قدوة فى افراد الْعلمَاء الزاهدين حَامِلا لِوَاء المعارف محافظا على الْكتاب وَالسّنة قَائِما باعباء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 صَلَاح الامة باسطا جنَاح الرأفة للضعفاء وذوى الْحَاجَات ذَا أوراد وأدكار وَله مواظبة على الصّيام وَالْقِيَام مَعَ فَضَائِل لَا تحصى وصلابة فى الدّين وَانْقِطَاع عَن النَّاس أَخذ عَن وَالِده وَغَيره من عُلَمَاء بِلَاده وجد واجتهد حَتَّى بلغ من الْعلم مبلغا كَبِيرا وَحفظ الْقُرْآن فى اقرائه تَفْسِير البيضاوى درسا بدرس حَتَّى خَتمه وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ ولازمه وَتخرج بِهِ وانتفع بِعُلُومِهِ ربانى هَذَا الْعَصْر المنلا ابراهيم الكورانى ثمَّ المدنى قَرَأَ عَلَيْهِ فى بِلَاده كتبا كَثِيرَة وبالمدينة طرفا من فتح البارى لِلْحَافِظِ ابْن حجر وَله مؤلفات مِنْهَا حاشيتان على تَفْسِير البيضاوى احداهما الى أَوَاخِر سُورَة الْكَهْف والبحث فِيهَا مَعَ سعدى المحشى والاخرى الى آخر الْقُرْآن والبحث فِيهَا مَعَ مظهر الدّين الكازرونى وحاشية على شرح الاشارات للطوسى محاكمة بَينه وَبَين الامام الرازى وحاشية على تهافت الفلاسفة لخواجه زَاده الرومى ومحاكمة بَينه وَبَين الامام الغزالى وَحج من طَرِيق بَغْدَاد سنة خمس وَخمسين وَألف وجاور بالحرمين سنتَيْن ثمَّ رَجَعَ الى وَطنه ثمَّ عَاد الى الْحَرَمَيْنِ وجاور مُدَّة ثمَّ توجه الى الْيمن وَأخذ عَنهُ بهَا خلق لَا يُحصونَ وَعرفُوا جلالته وَلما قدم المخا أَجله السَّيِّد زيد بن الحجاف وَمن جملَة مَا وَقع لَهُ مَعَه انه سَأَلَهُ عَن مقْصده فى هَذِه الرحلة الى أى مَكَان فَقَالَ لَهُ قصدى الْقَبْر فَرَحل بعد أَيَّام من المخا الى تعز وَمِنْهَا الى اب فتوفى بهَا وَكَانَت وَفَاته فى ثامن وعشرى صفر سنة ثَمَان وَسبعين وَألف رَحمَه الله مُحَمَّد بن يُوسُف الْمَدْعُو عبد النبى بن أَحْمد بن السَّيِّد عَلَاء الدّين على بن السَّيِّد مُحَمَّد ابْن يُوسُف بن حسن البدرى الدجانى القشاشى القدسى الاصل المدنى وَالِد الصفى الْمُقدم ذكره القطب الولى سيد الْعلمَاء وَصَاحب الكرامات الظَّاهِرَة الْجَوْهَر الْفَرد الْمُتَصَرف بعد مَوته ولد بِالْمَدِينَةِ وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وتمذهب بِمذهب شَيْخه مُحَمَّد بن عِيسَى التلمسانى المالكى ورحل الى الْيمن فى سنة احدى عشرَة بعد الالف وَأخذ عَن علمائه وأوليائه مِنْهُم الشَّيْخ الامين بن الصّديق المزجاجى طيب الله ثراه وَالسَّيِّد محمدج الغرب وَالشَّيْخ أَحْمد السطيحة الزيلعى وَالسَّيِّد على النبعى وَالشَّيْخ على بن مطير وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه وجال فى الاقطار اليمنية وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الطَّاهِر بن مُحَمَّد الاهدل صَاحب المراوغة والعلامة مُحَمَّد الفروى وَغَيرهمَا وَأقَام بِصَنْعَاء وَنشر بهَا لِوَاء السَّادة الصُّوفِيَّة وَصَارَ لَهُ بهَا الْمنزلَة الرفيعة وَظَهَرت كراماته وانتشرت وَمِمَّا يحْكى مِنْهَا أَن بعض الامراء الزيدية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 بِصَنْعَاء لما ظَهرت أَحْوَاله وَعلا مقَامه حَبسه وَدخل الامير للخلاء لقَضَاء حَاجته واراد الْخُرُوج مِنْهُ بعد فَرَاغه فَلم يسْتَطع الْخُرُوج مِنْهُ حَتَّى أَمر باخراجه من الْحَبْس فَخرج حِينَئِذٍ وَمِنْهَا أَن بعض أُمَرَاء صنعاء بلغه عَن بعض جمَاعَة من أهل ولَايَته كَلَام يقتضى رفعهم اليه واهانتهم فَأتوا بهم اليه على حَالَة مُنكرَة فَلَمَّا قدمُوا صنعاء رَأَوْا عِنْد بَابهَا صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ فيهم من يعرفهُ فَأتوا اليه وسلموا عَلَيْهِ وَذكروا لَهُ مَا جرى لَهُم وتوسلوا بِهِ فَقَالَ لَهُم اعقدوا على محبته ظَاهرا وَبَاطنا وَلَا يُصِيبكُم مِنْهُ الا خير فقرؤا الْفَاتِحَة وفعلوا مَا أَمرهم بِهِ فبمجرد دُخُولهمْ عَلَيْهِ رَأَوْا مِنْهُ من الاجلال والتعظيم لَهُم والمحبة مَا لم يخْطر ببال أحد مِنْهُم وَرَجَعُوا الى بلدهم وَلم ينلهم مِنْهُ ضَرَر أَلْبَتَّة وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا شرح الحكم لِابْنِ عَطاء الله وَشرح على الاجرومية سلك فِيهِ طَرِيق الصُّوفِيَّة على أسلوب نَحْو الْقلب للامام القشيرى رضى الله عَنهُ وَكَانَت وَفَاته بِمَدِينَة صنعاء فى خَامِس عشر شعْبَان سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بهَا وقبره ثمَّة مَشْهُور يزار ويتبرك بِهِ وَتقدم فى تَرْجَمَة ابْنه ذكر نسبه وسيادته فَلَا حَاجَة الى الاعادة مُحَمَّد ابو البركات البزورى الدمشقى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى تلميذ الشَّيْخ القطب مُحَمَّد ابْن على بن عبد الرَّحِيم بن عراق اجْتمع بِهِ بِمَكَّة فَسَأَلَهُ عَن اسْمه فَقَالَ لَهُ بَرَكَات فَقَالَ لَهُ بل أَنْت مُحَمَّد أَبُو البركات ثمَّ صافحه ولقنه الذّكر ودعا لَهُ وحرضه على قِرَاءَة قصيدته اللامية الجامعة لاسماء الله الْحسنى الَّتِى أَولهَا قَوْله (بدأت بِبسْم الله وَالْحَمْد أَولا ... على نعم لم تحص فِيمَا تنزلا) قَالَ فى كل لَيْلَة أَحْسبهُ قَالَ بَين الْمغرب وَالْعشَاء قَالَ النَّجْم الغزى فى الْكَوَاكِب السائرة قلت لشَيْخِنَا أَبى البركات هَذِه القصيدة اللامية الَّتِى أشرتم اليها هى من نظم سيدى مُحَمَّد بن عراق قَالَ نعم هى من نظمه وَأَنا أَخَذتهَا عَنهُ فلازم على قرَاءَتهَا فانها نافعة وأجازنى بهَا قَالَ وَكَانَت وَفَاته فى أَوَائِل جُمَادَى الاولى سنة ثَلَاث بعد الالف وَهُوَ آخر من أَخذ عَن ابْن عراق وَفَاة فِيمَا أعلم انْتهى كَلَام النَّجْم قلت وَكَون القصيدة اللامية لِابْنِ عراق خلاف الْمَشْهُور من أَنَّهَا للدمياطى فَليُحرر وَابْن عراق الْمَذْكُور هُوَ الْعَالم الْكَبِير والولى الشهير خُصُوصا بالحرمين وَذريته بهما موجودون وَمن الْمَشْهُور الشَّائِع بَين المكيين أَن الدُّنْيَا لَا تزَال بِخَير مَا دَامَت ذُرِّيَّة ابْن عراق رضى الله عَنهُ موجودين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِلَالًا مُحَمَّد باشا الْوَزير الاعظم فى عهد السُّلْطَان مُحَمَّد الثَّالِث تَرْجمهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 المنشئ فَقَالَ فى وَصفه تكون بِبَلَد قريب من مغنيسا جَوْهَر ذَاته وَبهَا كَانَت أوطانه وأوطار لذاته وَلما حلت بيد الشَّبَاب لمائمه وصدحت فى أَغْصَان الفتوة حمائمه تَيَقّن أَن فقد الْعِزّ فى الْحَضَر وَأَن السّفر يسفر عَن غرَّة الظفر (والمرء لَيْسَ ببالغ فى أرضه ... كالصقر لَيْسَ بصائد فى وَكره) كَمَا أَن السَّيْف لَا يقطع فى غمده وَلَا يظْهر مَا دَامَ فِيهِ جَوْهَر فرنده والدر لَوْلَا تنقله من الْبَحْر لما علا التَّاج والنحر وَلَوْلَا سير الْهلَال لما ظفر بعد النَّقْص بالكمال (فالماء يكْسب مَا جرى ... طيبا ويخبث مَا اسْتَقر) فَخرج مِنْهَا وَدَار فى بقاع الارض وبلدانها حَتَّى وصل الى الْقَاهِرَة وانتظم فى سلك كتبة ديوانها وبينما هُوَ فى بعض تِلْكَ الخدم اذ برز أَمر سُلْطَان الامم رَاقِم طراز الْعَدَالَة على حلل الْبِلَاد وَمن هُوَ مَقْصُود لكل مَوْجُود وَمُرَاد بعمارة الْحرم الْمُحْتَرَم الامين فعين لخدمة الْكِتَابَة اذ كَانَ من الْكِرَام الْكَاتِبين يَا من يرى حرما يسرى الى حرم فجاور حرم الله وخفض عيشه على الْجوَار وراعى حق الْخدمَة حَتَّى كَأَنَّهُ لبيت الله عبد الدَّار وانضم بعد ذَلِك الى بعض الخدام بالديوان السلطانى لَا زَالَ مطلعا الشموس الامانى ثمَّ لما أَصبَحت مغنيسا لذكاء الدولة المحمدية مشرقا وفلكها ببدر كَمَال ذَاته مشرقا تقلد عقد مناصب تِلْكَ الدولة حَتَّى صَار لالا وَلم يقل أحدا قَوْله لَا لَا ورقاه لما فِيهِ من الاستعداد كترقى مَرَاتِب الاعداد فسلك طَرِيق العداله وَلم يدْرك أحد فى كَمَاله كَمَاله وَهَذَا من أقوى الداعيات لَهُ على التَّقْدِيم وَأعظم الباعثات لتخطيه كل حَدِيث وقديم وَحين نسخ نور مُحَمَّد أَحْكَام من قبله وَحل ذكاء دولته من فلك السلطنة مَحَله ولمعت فى اسرتها أنوار أسرته واستنار الْعَالم بشمس جَبهته قَلّدهُ صارم الوزاره وَتوجه بتاج الصداره ثمَّ نَقله الى الوزارة الْعُظْمَى وَأنْشد لِسَان الْحَال حِين أَصبَحت أَفعاله أسما (ذى المعالى فليعل من قد تَعَالَى ... هَكَذَا هَكَذَا والا فلالا) وَمَا كَانَ شمس الْعَصْر الاصيل ولع قصر وقته بِظِل عدله الظليل قصرت دولته مَعَ ذَلِك الْقصر وَمَا خالط الصفو فِيهَا كدر بل صحب بتدبيره مزاج الْعباد وَجمع بعدله بَين الاضداد كالخد يجمع بَين المَاء واللهب فَلَو دَامَ مُدَّة فى رياض الوزاره لاتخذ العصفور من مخالب البزاة أَو كَارِه وَلَوْلَا مَا فى فَم الاسد من البخر لما تبَاعد عَنهُ الغزال وَنَفر بل اتخذ حضنه كناسه وحصنه لَكِن أسْرع الدَّهْر بغدره ورد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 جَوْهَر ذَاته الى صدف قَبره وَلَيْسَ يخْشَى النَّقْص الا عِنْد الْكَمَال وَهَكَذَا الدَّهْر ينْتَقل من حَال الى حَال وَكَانَ لَهُ دربة بِبَعْض الْعُلُوم وَمَعْرِفَة بالمنثور والمنظوم وَلَقَد أَجَاد التَّكَلُّم بلغَة فَارس وَأصْبح يُقَال لَهُ فى ميدانها فَارس وأى فَارس وَله جَامع بناه لوجه الله وعمره فى قَصَبَة يُقَال لَهَا مرمره قلت وَذكر ابْن نوعى فى تَرْجَمته أَنه ولى الوزارة فى سَابِع عشر شهر ربيع الاول سنة أَربع بعد الالف ثمَّ اعتراه مرض الاكلة لم يخرج الى الدِّيوَان إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَتوفى بعد عشرَة أَيَّام من تَوليته الصدارة وَدفن بحرم جَامع الشَّيْخ وفا بِمَدِينَة قسطنطينية رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الترجمان المصرى الاستاذ الْكَبِير الْوَرع الزَّاهِد الناسك الْمَشْهُور ذكره المناوى فى الطَّبَقَات وَقَالَ فى تَرْجَمته أَصله من الجراكسة وَترك زى أُصُوله وَقعد فى مكتب بِالْقربِ من بَاب الْخرق يقرئ الاطفال ثمَّ حبب اليه السلوك فَأخذ عَن الشَّيْخ يُوسُف الكردى المدفون بِقرب قناطر السبَاع ولازمه وانتفع بِهِ وطريقهم تسمى طَرِيق الخواطرية لكَون أسلوبهم أَنه اذا أَرَادَ الانسان أَن يسألهم عَن شئ ابْتَدَأَ بقوله يَا سيدى الشَّيْخ خاطر ثمَّ يذكر مَا خطر لَهُ فى نَفسه مِنْهُ خير أَو من شَرّ فيتكلم عَلَيْهِ الشَّيْخ ويأمره وينهاه بِمَا يرى فِيهِ صَلَاحه ويأتى لَهُ بآيَات قرآنية وَأَحَادِيث نبوية للترغيب والترهيب وَلما مَاتَ شَيْخه تقرر فى الامامة بِجَامِع اسكندر باشا بِبَاب الْخرق وَصَارَ يعْمل فِيهِ الْمجْلس عقب الصُّبْح الى طُلُوع الشَّمْس وَبعد صلَاته بِالنَّاسِ الْعَصْر ويحضره خلق كثير ثمَّ يتَوَجَّه الى منزله بِقرب الْجَامِع الْمَذْكُور واشتهر أمره وَعلا ذكره وَقبلت شَفَاعَته وَقصد التَّبَرُّك بِهِ وَأخذ عَنهُ أَعْلَام الرِّجَال كالبرهان اللقانى وَأَضْرَابه وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى دَعَاهُ حَاكم مصر الْوَزير الى وَلِيمَة فَحَضَرَ سماطه بعد الْغُرُوب ثمَّ نزل من القلعة شاكيا فَمَا أَتَى نصف اللَّيْل الا وَقد قضى عَلَيْهِ وَكَانَت وَفَاته فى حُدُود سنة أَربع بعد الالف بعد موت شيخ الاسلام على بن غَانِم المقدسى بِقَلِيل قلت وَقد تقدم أَن وَفَاة ابْن غَانِم كَانَت فى سَابِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة من سنة أَربع بعد الالف وَدفن بِقرب تربة قايتباى بالصحراء وَعمر عَلَيْهِ بعض أَرْكَان الدولة ضريحا وَهُوَ الْآن يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد الْيُمْنَى القادرى الشهير بفقيه بِالتَّصْغِيرِ كَانَ سَاكِنا ببلدة تعز وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا مرشدا نبيلا عَالما فَاضلا كَامِلا مكملا بارعا فى أسرار الْحُرُوف وخواص الاسماء والوفق والجفر والتصرفات بهَا وَله كرامات كَثِيرَة وحالات عَظِيمَة انْتَهَت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 اليه رياسة هَذَا الشَّأْن وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الاحباء والمريدون وَكَانَ يَأْكُل من طَعَامه كل يَوْم نَحْو وثلثمائة أَو يزِيدُونَ قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن عَطاء الله الاسكوبى الْوَاعِظ بالسليمانية بقسطنطينية صحبته مُدَّة فأجازنى وَقَالَ يَا لي مُحَمَّد حفظنى الله لحفظ هَذِه الامانة الَّتِى أودعتك اياها فَبعد هَذَا سأموت قَالَ فَمَاتَ بعد ثَمَانِيَة أَيَّام فى أول جُمُعَة من شهر رَمَضَان سنة خمس بعد الالف وَله ثَمَان وَتسْعُونَ سنة قلت وَقد وقفت على تَرْجَمَة رجل شَارك هَذَا فى الِاسْم وَالنِّسْبَة والطريقة فَهُوَ مُحَمَّد القملى القادرى لَكِن شهرته بالشداد بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالتَّشْدِيد كَانَ سَاكِنا بجبل ثَوْر قَرِيبا من بَلْدَة تعز وَبنى بهَا زَاوِيَة ومسجدا على أَربع قباب يُقَال أَنه أَولا اجْتهد بالعبادات والرياضات والمجاهدات كالمشايخ السَّابِقين وَوصل الى مقاماتهم وحالاتهم وَصَارَ مرشدا كَامِلا مكملا فى الشَّرِيعَة والطريقة وَله أَصْحَاب وأحباب وَكَانَ يتعيش بالرفاهية والحضور مستغنيا عَن النَّاس وَمَا كَانَ لَهُ شئ من أَسبَاب الدُّنْيَا روى انه لما بنى مَسْجده أَولا على قبَّة وَاحِدَة وَكَانَ الامير حُسَيْن بن حسن باشا أَمِيرا بِبِلَاد تعز وَكَانَ لَهُ ولد شَاب حدث السن فَقيل لَهُ ان خَازِن أَبِيك يحب الشَّيْخ وَبعث اليه مَالا جزيلا من مَال أَبِيك بنى بِهِ الْمَسْجِد فَغَضب الامير وَأمر بهدم الْمَسْجِد فَذكرُوا ذَلِك للشَّيْخ فَسكت فَلَمَّا هدموه دخل الشَّيْخ الى دَاره ثمَّ خرج وفى يَده خرقَة فِيهَا خَمْسَة عشر دِينَارا وَقَالَ هَذَا الذى بعث بِهِ الى الخازن فَعلمت أَن الْحَال يكون على هَذَا المنوال فحفظتها فادفعوها الى الامير يبعثها الى أَبِيه فَمَاتَ الشَّاب بعد أَيَّام فَقَالُوا أَيهَا الشَّيْخ هَذَا شَاب لَا يعلم شَيْئا فَكيف تدعون عَلَيْهِ وَأَنْتُم أعلم بِهِ فَقَالَ مَا دَعونَا عَلَيْهِ وَلَا نحتاج الى الدُّعَاء وَلَكِن غيرَة الله بَاقِيَة فينتقم فى مثل هَذَا ان رجا صَاحبه أَو لم يرج وَلم أَقف على تَارِيخ وَفَاته وذكرته لِئَلَّا يظنّ أَنه هُوَ الذى قبله وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم مُحَمَّد الوسيمى نِسْبَة الى وسيم قَرْيَة بالجيزة الشافعى رَأَيْت تَرْجَمته بِخَط صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله قَالَ فى وَصفه الشَّيْخ الْعَلامَة المعمر كَانَ من أجلاء الْعلمَاء العاملين فى الديار المصرية منعزلا فى بَيته عَن النَّاس مقتديا بقول من قَالَ وأجاد (لِقَاء النَّاس لَيْسَ يُفِيد شَيْئا ... سوى الهذيان من قيل وَقَالَ) (فأقلل من لِقَاء النَّاس إِلَّا ... لأخذ الْعلم أَو اصلاح حَال) وَكَانَ يَقُول كل قرصك والزم خصك أَشَارَ بذلك الى القناعة وَالْعُزْلَة عَن النَّاس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 أَخذ عَن شيخ الاسلام القاضى زَكَرِيَّا ولازمه سِنِين وَأدْركَ الْحَافِظ ابْن حجر وَله عَنهُ رِوَايَات وبلغنى أَن شيخ الاسلام زَكَرِيَّا كَانَ يجله لذَلِك كعادته مَعَ كل من أدْرك الحافظة ابْن حجر وَنقل شَيخنَا الْعَلامَة الْحَافِظ الشَّمْس مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلى عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول فى شَأْن الْحَافِظ ابْن حجر الحَدِيث فنه وَالشعر طبعه وَالْفِقْه يتَكَلَّف فِيهِ روى عَنهُ النُّور الزيادى وَسَالم الشبشيرى والبرهان اللقانى والنور الاجهورى وَكثير وَكَانَ أَكثر قِرَاءَته فى منزله وَلَا يتْرك قِرَاءَة الحَدِيث صيفا وشتاء وَكَانَت وَفَاته يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشر جُمَادَى الاولى سنة سِتّ بعد الالف بِمصْر قلت نقلت هَذِه التَّرْجَمَة من خطّ صاحبنا الْمَذْكُور كَمَا وَجدتهَا وعَلى رِوَايَته عَن الْحَافِظ يكون عمر فَوق الْمِائَة وَالْخمسين سنة وَهَذَا غَرِيب جدا وَالله تَعَالَى أعلم الاستاذ مُحَمَّد أَبُو الْفضل الوفائى الشاذلى المالكى المصرى شيخ السالكين وَرَأس الْعلمَاء العاملين وَاحِد سَادَات السادات الَّذين لَهُم بِمصْر مجد تقصر عَنهُ الغايات صَاحب النَّفس القدسية المفاض عَلَيْهِ الْعُلُوم اللدنية من بنى وفا من بَيتهمْ معمور ولواء فَضلهمْ على كَاهِل الدَّهْر منشور وَلَهُم مساع ومآثر ورثوها كَابِرًا عَن كَابر مَا مِنْهُم الا صَاحب ديوَان نَافِذ لى سَبِيل البلاغة بسُلْطَان وَله نظم ونثر فَمن نظمه قَوْله من قصيدة (أَلا صَاحب كالسيف حُلْو شمائله ... يسائلنى عَن فتنتى وأسائله) (يَدُور غرام بَيْننَا كلما انْقَضتْ ... أواخره عَادَتْ علينا أَوَائِله) وَقَوله (على وجنتيه جنَّة ذَات بهجة ... ترى لعيون النَّاس فِيهَا تزاحما) (حمى ورد خديه حماة عذاره ... فيا حسن ريحَان العذار حماحما) والحماحم نوع من الريحان مَعْرُوف لُغَة وَعرفا وَقَوله أَيْضا (يَا من يُبَالغ فى سقية خَدّه ... مَاء الحيا ولذاك قيل مورد) (فى خدك الراح الَّتِى بكؤسها ... أسكرت لحظك فَهُوَ فى يعربد) (سدت الانام غَدَاة خدك أَبيض ... وَالْيَوْم خدك بالعذار مسود) (تمنح العذار ملاحة بملاحة ... قلم بسعدك لَا يزَال يجود) (قلب يمِيل الى حَدِيثك بل لَهُ ... فِيمَا يؤمل من وفائك مُسْند) (عكفت على مغناك أَرْوَاح الْغِنَا ... فَلَانَتْ للطرب المحرك معبد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 (فعلى محياك السَّلَام فديته ... بِالنَّفسِ بل بِالْعينِ فَهُوَ مُؤَكد) (وعَلى فؤادى المستجير تَحِيَّة ... مَا طَار نَحْو ربى الرياض مغرد) فِيهِ مَعَ التورية مُرَاعَاة النظير العديمة الشبيه والنظير لما فِيهِ من الْجمع بَين التبييض والتسويد الْمَعْرُوف بَين المصنفين وَكَذَا التجويد فان مَعْنَاهُ التحسين وَيُطلق فى الْعرف على حسن الْخط وفى عرف أهل الاداء تَحْسِين مخارج الْحُرُوف وهيآتها وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الاحد ثانى وعشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان بعد الالف وَهُوَ كهل رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالاضطرارى المغربى المالكى نزيل دمشق الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الْمَشْهُور الصيت فى الْولَايَة مُعْتَقد أهل الشَّام فى عصره قَالَ النَّجْم عِنْد مَا ذكره فى الذيل قطن بِدِمَشْق أَكثر من ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ يعرف علم التَّوْحِيد معرفَة تَامَّة الا أَنه كَانَ عاميا وَكَانَ يجْتَمع اليه الْعَوام بالجامع الاموى وَغَيرهم فَيَأْخُذُونَ عَنهُ علم التَّوْحِيد ويحدثهم بالحقائق وَكَانَ يجلس فى بيُوت القهوة كثيرا ويجتمع النَّاس حوله فِيهَا وَيَأْخُذُونَ عَنهُ وَكَانَ يظْهر من أَتْبَاعه أَشْيَاء مُنكرَة خُصُوصا انكار ايمان الْمُقَلّد ويرتبون على هَذَا أَن النَّاس كلهم مقلدون حَتَّى عُلَمَاء الظَّاهِر وَسُئِلَ عَنهُ الشَّيْخ على بن الشَّيْخ عمر العقبى الْعَارِف بِاللَّه بن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى فَقَالَ هُوَ ينظر باحدى عَيْنَيْهِ يُشِير الى أَنه يتَكَلَّم على الْحَقِيقَة وَلَا يعرف الشَّرِيعَة وَكَانَ لكثير من النَّاس فِيهِ كَبِير اعْتِقَاد وَكَانَت وَفَاته فى أواسط شهر رَمَضَان سنة عشر وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَقد عمر نَحْو ثَمَانِينَ سنة أَو أَزِيد رَحمَه الله مُحَمَّد الكردى صَائِم الدَّهْر الشَّيْخ الْفَاضِل الصَّالح ذكره النَّجْم وَقَالَ كَانَ من جمَاعَة الاخ الشَّيْخ شهَاب الدّين الغزى وَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا ثمَّ قَرَأَ الْفِقْه بعده على جمَاعَة مِنْهُم شَيخنَا يُرِيد الشهَاب العيثاوى ولازمه كثيرا وَقَرَأَ على الشَّيْخ شمس الدّين الميدانى وَأكْثر قِرَاءَته للانوار وَكَانَ يلازم الْقِرَاءَة فى الْمُصحف وَكَانَ مجاورا بالجامع الاموى غير أَنه ينَام فى حجرَة بالتقوية وَكَانَت لَهُ وَسْوَسَة زَائِدَة فى الطَّهَارَة وَالصَّلَاة وَكَانَ متجردا من الزَّوْجَة حكى لى أَنه اقتات بِمَكَّة ثَلَاث لَيَال بِمَاء زَمْزَم قَالَ فَعرض على بعض النَّاس قِطْعَة خبز فَأَكَلتهَا فَذَهَبت عَنى تِلْكَ الخاصية وَحضر فى أَوَائِل أمره دروس شيخ الاسلام الْوَالِد وقطن بِدِمَشْق أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة وَتوفى يَوْم الثلاثا سَابِع جُمَادَى الاولى سنة أَربع عشرَة بعد الالف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 وَدفن بتربة الدحداح خَارج بَاب الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد باشا البوسنوى أحد الوزراء الْعِظَام فى عهد السُّلْطَان أَحْمد وَهُوَ من أقَارِب أَحْمد باشا القرحة الْوَزير الاعظم الْمَشْهُور كَانَ فى ابْتِدَاء أمره من جمَاعَة الْحرم الْخَاص للسُّلْطَان ثمَّ صَار اميرا خور ثمَّ ضَابِط الْجند ثمَّ ولى الْحُكُومَة بِولَايَة اناطولى ثمَّ انْعمْ عَلَيْهِ برتبة الوزارة وَعين لمحافظة حد بِلَاد الاسلام فى نَاحيَة المجر وَلما توجه ياوز على باشا الْوَزير الاعظم الى محاربة المجر فى سنة ثَلَاث عشرَة بعد الالف أدْركهُ الاجل ببلغراد فوجهت الصدارة الْعُظْمَى لصَاحب التَّرْجَمَة وَعين لمحاربة قلعة اسْتُرْ غون فَسَار اليها وَلم يتَمَكَّن تِلْكَ السّنة من فتحهَا ثمَّ فى السّنة الثَّانِيَة وهى سنة أَربع عشرَة فتحهَا وَكَانَ فى السّنة السَّابِقَة وَقع محاربة بَين الشاه وَبَين العساكر السُّلْطَانِيَّة وَكَانَ ابْن جغال رَأس العساكر فَخَالف أمره فى التَّرَبُّص عَن الهجوم بعض الوزراء فَكَانَ ذَلِك سَببا لانكسار الْعَسْكَر السلطانى وَقتل الَّذين كَانُوا سَببا فى ذَلِك وَخَافَ ابْن جغال من وخامة هَذِه الكسرة فانحاز الى قلعة وان فأدركه الْمَوْت بهَا وَبلغ الْخَبَر الى السُّلْطَان فَأرْسل الى صَاحب التَّرْجَمَة يَقُول لَهُ أَن يضع محافظا فى بِلَاد روم ايلى وَيقدم للسَّفر الى الْعَجم فَوضع مُرَاد باشا محافظا وَقدم الى قسطنطينية ثمَّ تجهز الى السّفر ففى معبره الى اسكدار ابتلى بِمَرَض الفالج وأسرع اليه الْحمام فَمَاتَ فى خَامِس عشر الْمحرم سنة خمس عشرَة بعد الالف وَدفن فى تربة ى قَرِيبه الْوَزير القوجه بِأَيُّوب قلت وسيأتى ذكر السّفر الى الْعَجم فى تَرْجَمَة الْوَزير مُرَاد باشا ان شَاءَ الله تَعَالَى الخوجه مُحَمَّد الباقى الهندى النقشبندى كَانَ قدس الله روحه وَنور ضريحه آيَة من آيَات الله سُبْحَانَهُ ونورا من أنواره وسرا من أسراره صَاحب علم ظَاهر وباطن وتصرفات كثير الصمت والتواضع والانكسار ذَا خلق حسن لَا يتَمَيَّز عَن النَّاس بشئ حَتَّى انه كَانَ يمْنَع أَصْحَابه من أَنه يقومُوا لتعظيمه وَأَن لَا يعاملوه الا كَمَا يُعَامل بَعضهم بَعْضًا وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ ولازمه وانتفع بِهِ الشَّيْخ الْكَبِير والقطب الاكمل الشهير الْعَارِف بِاللَّه الربانى تَاج الدّين الهندى النقشبندى العثمانى الْمُقدم ذكره رحم الله تَعَالَى روحه كتب الخوجه اليه كتابا وَكَانَ الخوجه فى لاهور وَالشَّيْخ تَاج الدّين فى سنبل فَلَمَّا أَتَاهُ كِتَابه عزم على زيارته فَلَمَّا وصل اليه توجه الى سلوك طَرِيق الاكابر النقشبندية فتم سلوكه قدس سره فى ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أجَازه الخوجه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 بتربية المريدين وَهُوَ أول من أجَازه وَصَحبه عشر سِنِين وَكَانَت الصُّحْبَة بَينهمَا كصحبة شَخْصَيْنِ لَا يدرى أَيهمَا عاشق وَأيهمَا معشوق وَكَانَا يأكلان فى اناء وَاحِد ويرقدان على سَرِير وَاحِد ثمَّ ظَهرت لَهُ التَّصَرُّفَات الْعَظِيمَة فَصَارَ كل من يَقع نظره عَلَيْهِ أَو يدْخل فى حلقته يصل الى الْغَيْبَة والفناء وَلَو لم يكن لَهُ مُنَاسبَة وَكَانَ النَّاس مطروحين على بَابه كالسكارى وَبَعْضهمْ كَانَ ينْكَشف لَهُ فى أول الصُّحْبَة عَن عَالم الْملك والملكوت وكل هَذَا كَانَ من غَلَبَة الجذبات الالهية وَكَانَ مولده ومنشؤه فى نواحى كابل من بِلَاد الْعَجم الَّتِى تَحت يَد سُلْطَان الْهِنْد وَكَانَ جَاءَ الى الْهِنْد لامر من الامور الدُّنْيَوِيَّة فجذبته الجذبات الالهية فَترك الدُّنْيَا وأربابها وَدَار فى الطّلب عِنْد أَكثر الْمَشَايِخ فى وقته وَمضى عَلَيْهِ زمَان فى السياحة والاخذ على الْمَشَايِخ فى طرق شَتَّى حَتَّى حضرت لَهُ روح الشَّيْخ عبيد الله أَحْرَار قدس الله سره الْعَزِيز فَعلمه الطَّرِيقَة النقشبندية وَتمّ امْرَهْ ثمَّ ذهب الى بِلَاد الْعَجم لاخذ الاجازة من الشُّيُوخ ثمَّ رَجَعَ الى الْهِنْد وتوطن مَدِينَة دهلى وَظَهَرت مِنْهُ الامور العجيبة وانتفع بِهِ خلق كثير فى مُدَّة قَليلَة وَمَا انتشرت هَذِه السلسلة الْمُبَارَكَة فى الْهِنْد الا مِنْهُ رضى الله عَنهُ وَمَا كَانَ أحد يعرفهَا مِنْهُم قبله وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاربعا رَابِع وعشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع عشرَة بعد الالف بِمَدِينَة دهلى جهان آباد من بِلَاد الْهِنْد وَله أَرْبَعُونَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر وقبره بهَا على غربيها عِنْد أثر قدم النبى يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد الشهير بالمشهدى الرومى نريل دمشق الشَّيْخ الصَّالح الصَّامِت وانما سمى المشهدى لانه كَانَ محاور بالمشهد الشرقى البرانى من جَامع بنى أُميَّة الْمَعْرُوف بمشهد زين العابدين قَدِيما والآن بمشهد الْمحيا وَكَانَ لَهُ فى جواره حجرَة ينَام فِيهَا وَيُقِيم وَأكْثر اقامته فى نفس المشهد معتكفا صحب الشهَاب الغزى وَكَانَ كل مِنْهُمَا يعْتَقد ولَايَة الآخر وَكَانَ للنَّاس فِيهِ مزِيد اعْتِقَاد يتَرَدَّد اليه أكَابِر الدولة وَهُوَ لَا يتَرَدَّد اليهم وَمَعَ ذَلِك منجمع عَنْهُم غير مستشرف الى شئ مِنْهُم أَقَامَ بِدِمَشْق نَحْو خمسين سنة كَانَ مِنْهَا نَحْو ثَلَاثِينَ سنة متجردا ثمَّ تزوج فولد لَهُ بنُون وماتوا فى حَيَاته بعد مَا برع وَاحِد مِنْهُم ثمَّ مَاتَت أمّهم فَتزَوج ثَانِيًا وَكَانَ وقورا مهيبا مَعَ حسن خلقه وبشاشته وَله ذوق فى فهم كَلَام الصُّوفِيَّة وَكَانَ اذا خرج من الْحمام يصب على رَأسه المَاء الْبَارِد وَيَقُول انه يحفظ صِحَة الدِّمَاغ وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت سلخ رَجَب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 سنة سبع عشرَة بعد الالف وَقد قَارب مائَة سنة وَدفن بِبَاب الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد اليمانى شيخ اليمانية بِدِمَشْق فى الْجَامِع الاموى الشَّيْخ الصَّالح المعتقد أَقَامَ بِدِمَشْق سِنِين يتبرك النَّاس بِهِ ويعتقدونه ويحسنون الى اليمانية على يَده وَكَانَ أَخذ عَن ولى الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبى بكر اليمانى نزيل دمشق وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاربعاء سادس وعشرى الْمحرم سنة تسع عشرَة بعد الالف وَدفن بوصبته فى الدوحة عِنْد قبر سيدى جوشن بالسويقة المحروقة خَارج دمشق عِنْد قبر الشَّيْخ تقى الدّين وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد أَمِين الدفترى العجمى الابهرى محتدا القزوينى مولدا الدمشقى سكنا السابقى الطيارى نِسْبَة الى الامام جَعْفَر الطيار فِيمَا ادَّعَاهُ أحد ذوى النباهة والشان العالى والادب الوافر وَالْكر الباهر وَقد رزق الحظوة فى الاقبال وتوفرت لَهُ دواعى الآمال وَكَانَ فى الاصل من أَرْبَابًا العراقة وَالْمجد لَان وَالِده كَانَ وزيرا فى خُرَاسَان من جَانب سُلْطَان الْعَجم شاه طهما سبّ ثمَّ مَاتَ وَالِده فتفرقت أَوْلَاده فَوَقع كل وَاحِد مِنْهُم فى جَانب من الارض فَكَانَ مُحَمَّد أَمِين وَاقعا بِدِمَشْق ورد اليها فى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة على صُورَة فُقَرَاء الْعَجم الَّذين يُقَال لَهُم الدراويش وَكَانَت لَهُ كِتَابَة حَسَنَة ونظم رائق بِالْفَارِسِيَّةِ ثمَّ انه خدم فى دمشق دفتريها مُحَمَّد ابْن كَمَال الدّين التبريزى فَأرْسلهُ الى قسطنطينية فى بعض مصَالح السلطنة فَتعلق بِخِدْمَة معلم السُّلْطَان مُرَاد الْمولى سعد الدّين وَرجع الى دمشق بشئ من مُرَتّب الْجِزْيَة بِدِمَشْق وَلم يزل يتَرَدَّد الى قسطنطينية حَتَّى اتَّصل بالمولى سعد الدّين أَشد اتِّصَال فعلا شانه وارتفع مَكَانَهُ وَتَوَلَّى على أوقاف عمَارَة السُّلْطَان بايزيد وتاثل وَبنى وَعمر وَتردد اليه أكَابِر المدرسين وأرباب الْحَوَائِج مِمَّن يُرِيد من الاوقاف ثمَّ انه ورد الى دمشق فى أَوَائِل سنة تسعين وَتِسْعمِائَة فى بعض الخدم السُّلْطَانِيَّة فَمَكثَ نَحْو سنة وسافر الى قسطنطينية ورسخ بهَا وَبلغ الحظوة التَّامَّة وراجع النَّاس وكاتبه ملك الْمغرب مولاى أَحْمد الْمَنْصُور وَقد ذكر أَبُو المعالى الطالوى الْكتاب الْوَارِد اليه من مولاى أَحْمد فى سانحاته وَذكر فى اثره جَوَابه الذى كتبه أَبُو المعالى على لِسَانه وَعَن لى أَن أذكرهما لِئَلَّا يَخْلُو كتابى مِمَّا يُخَاطب بِهِ أَمْثَال هَذَا الْملك ويخاطب بِهِ وَصُورَة الْكتاب هَذَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 وَآله وَأَصْحَابه وَسلم تَسْلِيمًا من عبد الله تَعَالَى الْمُجَاهِد فى سَبيله الامام الْمَنْصُور بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ الشريف الْحسنى أيد الله أمره وأعز نَصره بمنه ويمنه آمين الْمنزلَة الَّتِى لاحت من محبتنا لهَذَا الجناب العلوى من سَمَاء الطروس واتضح من شَوَاهِد ولائها وأمثلة خلوصها مَا أشرق شروق الشموس وأركضت فى الاعتلاق بحبلنا الْحسن طرف الصَّفَا غير حرون وَلَا شموس مثابة الْفَقِيه الْمُعْتَبر الامين الرضى الْمِسْكِين الاحظى الْمَاجِد الحسيب الاصيل العريق النسيب الزعيم الملاحظ الاثير الْوَجِيه الاديب الفهامة التَّحْرِير المثيل أَبى عبد الله مُحَمَّد الامين بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ الْعُظْمَى زَاد الله رتبته عَلَاء ومصاعدته لمراتب الْكَمَال ارتقاء سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته أما بعد حمد الله مؤلف الْقُلُوب المتنائيه تأليف الشّرطِيَّة فى الالتئام للجزائيه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على الرَّسُول الامين سيدنَا ومولانا مُحَمَّد النُّور الذى أنقذ الله بِهِ من غياهب الْهَلَاك وأزاح بهديه مَا للزيغ والضلال من مدلهمات الاحلاك وعَلى آله ذوى الْفضل الباهر والسودد الظَّاهِر والشرف الذى عز عَن المساجل والمفاخر وَصَحبه الَّذين أجروا جداول السيوف فى رياض الحتوف لاجتناء ثَمَر نصْرَة الشريعه وفتحوا أَبْوَاب الْجِهَاد سدا لكل سَبِيل من النِّفَاق وذريعه وَالدُّعَاء لهَذِهِ الْخلَافَة الْحَسَنَة الْبناء بالتأييد لهد قَوَاعِد الْكفْر هدا وسوق عَبدة الصَّلِيب الى سَاقِط سحائب المنايا وردا فانا كتبناه اليكم من دَارنَا الْعلية بحضرتنا المراكشيه حاطها الله ومواهب الله مَعَ الآناء متهللة الاسره وصنائعه الجميلة كفيلة بنيل كل مسره فَشكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا وَقد انْتهى لمقامنا العلى من كتابكُمْ المرعى الذى ثج من سَمَاء بلاغته كل وسمى وَولى مَا أَقَامَ لكم بنادينا الْكَرِيم سوق الْوَلَاء على سَاق وَرفع لخلوصكم على صعدة الاحتفال اللِّوَاء الخفاق وَتمكن ودكم بِهَذَا الجناب العلوى أى تَمْكِين وَاسْتقر من وافر الْقبُول عَلَيْهِ بِرَبْوَةٍ ذَات قَرَار ومعين وأدلى بحجج تسفر عَن الاعتلاق بمحبتنا اسفار الصَّباح وأدلة هى فى مقَام الْجلاء والظهور كَالشَّمْسِ فى الاتضاح فتقرر لدينا من حسن اعتقادكم وصريح ودادكم على أَلْسِنَة الارسال والاقلام مَالا يحْتَاج بعد الى دَلِيل يُقَام والتحف الادبية الَّتِى انتقتها ايدى عنايتكم لخزانتنا العلمية قد وافت الينا فألفت من الهش لَهَا والترحاب بهَا مَا لَا يقدر على تكييفه وَلَا تمد أيدى الاسترابة الى تحويله وتحريفه نتيجة عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 مُقَدّمَة فى شكل المضاهاة معمله غير مُعَارضَة بِمَا يناقضها وَلَا مهمله وَالْقدر الذى تتصورونه من المبالاة بكم والاعتناء بشأنكم لكم عندنَا أضعافه مبره مسيرَة اليكم أَن شَاءَ الله تَعَالَى أَنْوَاع الجذل والمسره وحظكم لدينا ملاحظ بِعَين الايثار مرعى من علائنا بِكُل اعْتِبَار وَالله يتَوَلَّى حراستكم بمنه ويمنه وَالسَّلَام وَكتب فى أواسط جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَهَذَا هُوَ الْجَواب ادام الله تَعَالَى جلال اقبال الدولة الامامية الحسنية الشَّرِيفَة وضاعف كل حِين حلاها وَعقد رايات النَّصْر وَالظفر بألويتها العلوية المجاهدية المنصورية وأسبغ فى الْعَالمين ظلالها وَلَا زَالَ مقَامهَا الشريف الْمَكَان والمكانة فى الْخلَافَة مَحْمُودًا ولواؤها الخفاق بالنصرة الْكَامِلَة على الاعداء معقودا مَضْرُوبا سرادق مجدها الشامخ على هام المجرة والنجم والسماك مَنُوطًا شرفها الباذخ بمستقر الافلاك فرع الدوحة الهاشمية العلوية المتفرع من الاغصان الزكية المرتضويه فيا لَهَا دوحة زكا غصنها الرطيب فى الْخلَافَة ونما من شَجَرَة أَصْلهَا ثَابت وفرعها فى السما مهبط الوحى ومتنزل الرّوح الامين مقَام عصمَة الامام ابى عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ منزع الهمم وملاذ الاسلام ومفزع الامم ومصار الانام مقرّ السِّيَادَة والعز المكين وقرار السَّعَادَة والنصر والتمكين كتاب صدر عَن ساحة علا مجدها هام الْكَوَاكِب وزاحم شرفها الجوزاء بالمناكب طلع فى سَمَاء الْخلَافَة كوكبها السيار ونار ولمع نوره فكاد سنا برقه يذهب بالابصار نسب طَاهِر وَحسب ظَاهر فَللَّه كم جلت سَواد الْكفْر عَن الْمغرب بامراهها بيض صفاحه وارتشفت من ثغوره اللمياء بأفواهها سمر رماحه وَايْم الله لقد تبسمت ضاحكة تِلْكَ الثغور من ذَلِك الْعَزْم الناصرى والرأى الْمَنْصُور لَا زَالَت هام الاعداء لسيوفه غمدا يسوقهم الْقدر كل حِين لمشرع الردى وردا منوها باسم من تشرف بانتمائه الى ذَلِك الجناب اسْمه وَقد شام من مخائل تِلْكَ الحضرة بارق الْوَلَاء فَصدق توسمه فداخله بذلك مَسَرَّة وجذل كادا يردان عَلَيْهِ شبابه المقتبل حَيْثُ كَانَ من النعم الجسام التنويه بِذكرِهِ فى ذَلِك الْمقَام فشكرا على نعمائه الظاهره وآلائه المتظاهره وَأما التنويه بِذكر مَا خدم بِهِ ذَلِك القيطون الشريف برسم الخزانة العلمية والقمطر المنيف على يَد أخينا ذَلِك الْفَاضِل الاديب والكامل الاريب من نور الْفضل فى جَبينه متلألىء أَبُو عبد الله مُحَمَّد الفشتالى خَادِم السدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 الشَّرِيفَة العلياء والعنة المنيفة القعساء فَأمر لَا تفى الالسنة بشكره والاقلام على توالى الازمنة وَمر الايام حَيْثُ وَقع الْموقع من ذَلِك الجناب المضمخة سوحه الشَّرِيفَة بالاناب هَذَا وَمَا زَالَ العَبْد رافلا كل آن فى حلل الامتنان والاحسان مُعْلنا فى كل نَادَى بشكر تِلْكَ الايادى الَّتِى وصلته الْمقَام الرفيع نَادِيه الفائز بالسعادة حاضره وباديه فلهَا على السندس والاستبرق مزيه حَيْثُ وَافَقت شعار السَّادة العباسيه على يَد قَاصد الحضرة عبد الْعَزِيز ذَلِك الشَّيْخ الْجَلِيل فَكَانَت جملا أغنت عَن التَّفْصِيل وفى الاعتاب الهاشميه والابواب العلوية العليه مَكَارِم أَخْلَاق ان شَاءَ قَامَت بِعُذْر خدامها فى التَّقْصِير عَمَّا كَانَ اللَّائِق بمقامها من ارسالي نفائس الْكتب الادبيه لتتشرف بانحيازها الى تِلْكَ الخزانة الشَّرِيفَة العلميه لعَارض جر حرمانى بالجوار سلب مَعَه عَن الجفن الْفِرَار والقرار وَمولى بَابهَا وَعبد جنابها مَوْلَانَا عبد الْعَزِيز على ذَلِك شَاهد عدل وَحكمه فى امْتِثَال هَذِه الْقَضِيَّة هُوَ الْفَصْل سيصدق الحضرة الْمقَال حَيْثُ شَاهد بالعيان حِكَايَة الْحَال وَالْعَبْد مَا زَالَ فى تدارك مَا فرط فى حب مَوْلَاهُ فى الْعَام الْقَابِل ان شَاءَ الله موصلا لثم بِسَاط الثرى متضرعا لإله يسمع وَيرى أَن يخلد ذكر الدولة المنصورية على صفحات الايام ويربط أطناب معدلتها بِأَوْتَادٍ الخلود والدوام الى قيام السَّاعَة وَسَاعَة الْقيام بِمُحَمد وَآله وعترته الطاهرين وَصَحبه المنتخبين قاصرا على فَاتِحَة ثنائه بِنَفسِهِ فى خَاتِمَة وَهَذَا آخرهَا قلت وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يجمع نِفَاس الْكتب ويرسلها الى مولاى الْمَنْصُور الْمَذْكُور فبسبب ذَلِك كَانَت المراسلات بَينهمَا غير مُنْقَطِعَة ثمَّ طلب بنت منلا أغا التبريزى نزيل دمشق وَهُوَ الذى كَانَ مُعْتَمدًا على الْعِمَارَة السليمانية وَكَانَ من وُجُوه الاعيان أَصْحَاب الوجاهة فَتزَوج بهَا وقطن بِدِمَشْق فى دَار المنلا الْمَذْكُور الْمَشْهُورَة بمحلة القيمرية وَتَوَلَّى خدمَة الدفاتر السُّلْطَانِيَّة بِالشَّام وَمَات منلا أغا وَاسْتمرّ سَاكِنا فِي بيوته وباشر خدمَة الدفاتر باستقامة وصرامة ودقة نظر ثمَّ انه عزل عَنْهَا فسعى لنَفسِهِ فى أَن يكون متقاعدا بِدِمَشْق على قَاعِدَة أَرْكَان الدولة العثمانية اذا أَرَادَ رجل مِنْهُم أَن يتخلى عَن المناصب السُّلْطَانِيَّة ويقنع أَن يرتب لَهُ شئ من بَيت المَال فَأعْطَاهُ السُّلْطَان فى دمشق كل يَوْم مائَة وَخمسين قِطْعَة يأكلها وَهُوَ جَالس فى بَيته ثمَّ انه تشكى من مماطلة من يُحَال عَلَيْهِم من المباشرين لقبض الاموال السُّلْطَانِيَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 فَعرض ذَلِك على الْوَزير سِنَان باشا بن جغال لما ورد الى دمشق حَاكما بهَا فَعرض ذَلِك لحضرة السُّلْطَان مُحَمَّد فَأعْطَاهُ قَرْيَة فى الغوطة بِدِمَشْق وَيُقَال لَهَا الحرجله فَكَانَ يتَنَاوَل مرتبه من محصولها وَكَانَ فَاضلا فى التَّارِيخ جدا وفى اللُّغَة الفارسية والعربية ناظا كَاتبا فيهمَا وَكَانَ حسن الْخط منشئا للمكاتيب الحسان مداعبا كَرِيمًا عَارِفًا بِقدر الافاضل مُعَرفا لَهُم عِنْد أَرْبَاب الدولة وَكَانَ نحيف الْجِسْم لملازمته على أكل الافيون وَكَانَ غَالب فضلاء دمشق يَتَرَدَّدُونَ اليه ويعاشر مِنْهُم من تطيب عشرته وتصفو لَهُ مودته مِنْهُم أَبُو المعالى الطالوى وَالْحسن البورينى وَغَيرهمَا وَلَهُم فِيهِ المدائح الزاهرة ذكر الطالوى مِنْهَا كثيرا وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من محَاسِن عصره الَّذين يتزين بهم وَجه مصره وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع وَخمسين وَتِسْعمِائَة تَقْرِيبًا وَتوفى يَوْم الاربعا تَاسِع شهر ربيع الاول سنة تسع عشرَة بعد الالف وَدفن من الْغَد فى تربة منلا أغا قبلى الصابونية فى الصَّفّ الشرقى وَخلف من الْكتب نَحْو ثَمَانمِائَة كتاب من أنفس الْكتب المنلا مُحَمَّد الاخلاقى نزيل دمشق كَانَ كَاتبا ماهرا فى صناعَة الْكِتَابَة وَكتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة من جُمْلَتهَا كتاب اخلاق علائى فى أَرْبَعِينَ مجلدا مركب من الثَّلَاثَة الالسن العربى والفارسى والتركى وبكتابة هَذَا الْكتاب وَكَثْرَة مطالعته قيل لَهُ الاخلاقى وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الِاثْنَيْنِ ثانى الْمحرم سنة احدى وَعشْرين بعد الالف وَدفن بمقبرة الفراديس مُحَمَّد الشهير بِابْن البيطار الدمشقى امام جَامع منجك بمحلة مَسْجِد الْقصب كَانَ فَاضلا شافعى الْمَذْهَب مقرئا مجودا مجيدا الا أَنه كَانَ خامل الذّكر قَلِيل الْحَظ أَخذ عَن الشهَاب الطيبى وَبِه انْتفع وَجَرت لَهُ محنة فى أَوَاخِر عمره كَانَ نَائِما فى حجرَة لَهُ بالجامع الْمَذْكُور فى بعض الليالى فجَاء مُحَمَّد باشا بن سِنَان باشا ليزور الشُّهَدَاء دَاخل الْجَامِع فطرق لَهُ بَاب الْجَامِع فاجاب الشَّيْخ بعد حِين بعنف وَقَالَ من الطارق فى هَذَا الْوَقْت وَصَاح فَقيل لَهُ الْوَزير فَلَمَّا فتح الْبَاب أَمر بضربه فَضرب ضربا مبرحا لانه كَانَ لَهُ جبروت وَلم يعرف أَنه الامام وحنق عَلَيْهِ وَلم يُمكن من مَعَه مُرَاجعَته وَكَانَت وَفَاته فى لَيْلَة السبت عشرى الْمحرم سنة احدى وَعشْرين بعد الالف وَبلغ من الْعُمر أَرْبعا وَثَمَانِينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد باشا نَائِب حلب وأذنة ودمشق ذكره النَّجْم الغزى وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 وزيرا ولى نِيَابَة حلب فى سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف وَكَانَ ظَالِما ثمَّ عزل عَنْهَا وَولى مَدِينَة أذنة وأساء الحكم فِيهَا حَتَّى حرج على البضائع كلهَا فَلَا يَبِيعهَا جلابها الا لمن عينه من جماعته ثمَّ تبَاع للسوقة بعد ذَلِك ثمَّ لما خلع السُّلْطَان مصطفى عَن الْملك وسلطن السُّلْطَان مُرَاد ولى على باشا الْمُنْفَصِل عَن بَغْدَاد الوزارة الْعُظْمَى وَكَانَ أَخُو مُحَمَّد باشا الْمَذْكُور تلخيصا عِنْده وَالتَّلْخِيص عبارَة عَن مرسال بَين السطلان والوزير يذهب بعروض التوجيهات وَغَيرهَا من المعروضات ويأتى بِالْجَوَابِ فسعى لاخيه فى ولَايَة دمشق فَلَمَّا وَليهَا أرسل متسلما عَنهُ يُقَال لَهُ كنعان فَدخل دمشق فى يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَوَافَقَ دُخُوله اشتعال الْفِتْنَة بِسَبَب انكسار عَسْكَر دمشق فى سادس الْمحرم صُحْبَة الْوَزير مصطفى باشا وَذَلِكَ أَن الْعَسْكَر الشامى كَانُوا قصدُوا محاربة أَوْلَاد الحرفوش واخراجهم من بعلبك وطلبوا من مصطفى باشا أَن يخرج مَعَهم فَأبى أَولا وَأمر بالتربص فَلم يرْضوا الا بِخُرُوجِهِ فَخرج بهم بعد أَن كتب عَلَيْهِم حجَّة بذلك وَلما تقَابل الْفَرِيقَانِ انْكَسَرَ الْعَسْكَر الشامى وَوَقع الْوَزير الْمَذْكُور فى أيدى عشير بن معن ثمَّ بقى عِنْده بالبقاع أَيَّامًا ثمَّ ذهب مَعَه الى بعلبك فى طلب أَوْلَاد الحرفوش وَوَقع الرأى من قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى عبد الله الشهير ببلبل زَاده وعقلاء النَّاس أَن يذهب جمَاعَة فى طلب عوده الى دمشق فعين القاضى جمَاعَة من الْوُجُوه فَخَرجُوا من دمشق الى بعلبك وَأَقَامُوا بهَا اثنى عشر يَوْمًا ثمَّ عَادوا فى خدمَة مصطفى باشا فَدخل دمش يَوْم الْخَمِيس تَاسِع وعشرى محرم والفتنة قَائِمَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت ثانى صفر عقد عِنْد الْوَزير مجْلِس عَظِيم كتب فِيهِ حجَّة على الْعَسْكَر أَنهم لَا يرابون وَلَا يتجاوزون الْحُدُود فى خدمهم مَعَ أُمُور أُخْرَى فَبَيْنَمَا النَّاس على ذَلِك وَطَائِفَة العسرك فى أَمر مريح بِسَبَب ذَلِك اذ دخل كنعان متسلم مُحَمَّد باشا صَاحب التَّرْجَمَة فسلمه مصطفى باشا الْبَلَد أَيَّامًا ثمَّ رفع يَده عَنْهَا خوفًا من اثارة الْفِتْنَة ثَانِيًا بِسَبَب أَن مُحَمَّد باشا انحاز اليه حَمْزَة الكردى أحد رُؤَسَاء الْجند وجماعته الفارون فاذا دخل دخلُوا الى دمشق واذا دخلوها طَلَبهمْ ابْن معن وَلَا يسلمُونَ اليه فَيدْخل الشَّام فى طَلَبهمْ وَكَانَت أهالى دمشق قد تقدم لَهُم مِنْهُ مخافات وأراجيف حَتَّى نقلوا أمتعتهم وأثقالهم من خَارج الْمَدِينَة الى داخلها مرَارًا فَرفع مصطفى باشا يَد كنعان عَن الْبَلَد بِسَبَب ذَلِك ثمَّ عقد عِنْده مَجْلِسا فى دَار الامارة بوم السبت سَابِع أَو ثامن من ربيع الاول جمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 فِيهِ الْعلمَاء ووجوه الْعَسْكَر ثمَّ اجْتَمعُوا بقاضى الْقُضَاة بلبل زَاده وطلبوا مِنْهُ الْحُضُور الى الْجَامِع الاموى فَحَضَرُوا وَمَعَهُمْ أهل الْبَلَد وَكتب محْضر فى الْوَاقِعَة ليجهز الى طرف السلطنة ثمَّ خرج الْجند الى القطيفة فَرَأَوْا بهَا مُحَمَّد باشا وَقد نزلها فأشاروا عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ الى حماه ليعرض ذَلِك الى السُّلْطَان ثمَّ عقد بعد ذَلِك مجْلِس آخر عِنْد القاضى وَكتب عرض آخر الى الْبَاب العالى وَخرج كنعان الى أستاذه وبقى الْوَزير مصطفى باشا بِدِمَشْق فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّة الِاثْنَيْنِ ثانى جُمَادَى الْآخِرَة ورد من بعلبك حسن بن الطريفى بِحكم سلطانى بتقرير مُحَمَّد باشا وَكتاب مِنْهُ فى ذَلِك بعد أَن كَاتب مُحَمَّد باشا الامير فَخر الدّين بن معن ورضى بذلك فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر جُمَادَى الاخرة فى وَقت الضُّحَى سَافر مصطفى باشا من دمشق وفى صحبته قاضى الْقُضَاة بلبل زَاده الرئيس سهراب الدفترى معزولين وفى يَوْم الثلاثا وصل وطاق مُحَمَّد باشا الى المزة وَنزل بهَا آخر النَّهَار وَأقَام بهَا لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ويومها وَتردد اليه بعض أهل الْبَلَد ونافقه بَعضهم ثمَّ دخل دمشق فى يَوْم الْخَمِيس من جِهَة القابون معرضًا عَن السَّلَام على النَّاس حَتَّى دخل دَار السَّعَادَة فَترد اليه بعض الناسل فَلم يقم لَاحَدَّ مِنْهُ ثمَّ انفطع يَوْم السبت عَن الْخُرُوج وعاثت جماعته فى الْبَلَد وضواحيها يمنة ويسرة كَانَ كل وَاحِد يُرِيد أَن ينْتَقم من دمشق وَأهلا وَظن النَّاس عدم خُرُوجه عَن تكبر فاذا هُوَ مَحْمُوم ثمَّ مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة ختام جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَظهر بعد مَوته أَنه كَانَ لعلماء الْبَلدة فى نِيَّة شنيعة وَكَانَ مَوته لطفا من الله تَعَالَى بِهِ وَقَامَ مقَامه ابراهيم باشا الدفترى ثمَّ عِنْد الْغُرُوب من يَوْم مَوته ورد الى دمشق راكبان أخبرا أَن مصطفى باشا قرر على ولَايَة دمشق وَضبط تَارِيخ تَقْرِيره مصطفى باشا قرر وَهُوَ لطيف قلت وَصَاحب التَّرْجَمَة قد تقدم معرض فى ذكر مَوته فى حرف الْهمزَة فى تَرْجَمَة أَبى الْبَقَاء الصالحى وَهُوَ كالتتمة لما ذَكرْنَاهُ هُنَا مُحَمَّد باشا الْوَزير حَاكم الْيمن ذكره مؤرخ الْيمن مُحَمَّد بن كانى فى تَارِيخه وَقَالَ فى تَرْجَمته تولى الْيمن فى مصر بعد عَزله عَنْهَا فى زمن السُّلْطَان أَحْمد بن السُّلْطَان مُحَمَّد فوصل الى بندر الْبقْعَة فى شعْبَان سنة خمس وَعشْرين وَألف وَكَانَ رجلا حَلِيمًا حازما فى جمع الاموال صبورا على الشدائد دخل صنعاء فى صفر سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وَكَانَ يَقُول انه أدرى النَّاس باحوال أهل الْيمن وَكَانَ كَاتب الدُّيُون بِمصْر للوزير حسن باشا صَاحب الْيمن لانه كَانَ يختبره ويرقم فى دفتره فَمَا كَانَ حكمه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 فى الْيمن الا من ذَلِك الدفتر المضبوط ولسان حَاله يَقُول (مَا أَنْت أول سَار غرَّة الْقَمَر ... ورائد أَعْجَبته خضرَة الدمن) وَمَا أجدره بقول الشَّاعِر حَيْثُ قَالَ فى الْمَعْنى (من تحلى بِغَيْر مَا هُوَ فِيهِ ... كَذبته شَوَاهِد الامتحان) فَفتح وَجه الْحَرْب وناصحته عقلاء الْبِلَاد بِأَن هَذَا الامر لَا يتم فى الْيمن الا بَعْدَمَا تملك رُؤْس الْقَبَائِل وترغب الْجنُود بالعطايا وتشحن الانبار السلطانى بالحبوب فَمَا قبل بل تجلد وتنمر وَقَالَ اما الْملك واما الْهَلَاك (وَجرى فى السباق جرى سكيت ... وخلفته الْجِيَاد يَوْم الرِّهَان) فَلم يحصل من ذَاك على طائل فأتعبه الْجند بِطَلَب الترقيات والانعامات مَعَ عدم نهضتهم ونصحهم فى الْحَرْب فَاتخذ لَهُ عونا الامير مُحَمَّد بن سِنَان باشار وَجعله كتخدا لَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ وَكَانَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر (فَكَانَ كالساعى الى مُتْعب ... مرا بِلَا على سبل الراعد) وفى روض الاخبار من استبد بتدبيره زل وَمن استخف بأسيره ذل حكى بعض أهل الْيمن قَالَ سمعته يَقُول فى حَال عَزله كنت أعْتَمد على دفاترى وحفظى من اخبار الْيمن وَأَقُول لَيْسَ أحد أعرف منى بأحوال الْيمن وأعترف الْآن انى دخلت الْيمن وَخرجت مِنْهُ وَلَا عرفت وَلَا حققت قدر أُنْمُلَة وَكَانَ قَائِما على قدم الثَّبَات ذَا عَزِيمَة مَاضِيَة مَعَ ظُهُور الْقَحْط وعمومه فى جَمِيع الْبِلَاد وافراط العساكر فى طلب الانعامات والترقيات مرّة بعد مرّة فعجز الفريقات فانعقد الصُّلْح بَينه وَبَين الامام الْقَاسِم بِأَن لكل وَاحِد مَا كَانَ تَحت يَده فى حَال الْحَرْب وضبطت الْحُدُود والاطراف وَكَانَ انْعِقَاد الصُّلْح على يَد الامير على بن المطهر والشويع مُحَمَّد بن عبد الله فى جُمَادَى الاولى سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف وَبعد انْعِقَاد الصُّلْح فك الْوَزير مُحَمَّد باشا قيد الْحَدِيد من السَّيِّد حسن بن الامام الْقَاسِم لَان خُرُوجه مَا كَانَ فى شَرَائِط الصُّلْح وبقى فى دَار الادب الى أَن وصل المتسلم من جَانب الْوَزير فضل الله باشا الى صنعاء فى سنة احدى وَثَلَاثِينَ السَّيِّد حسن يعْمل الْحِيلَة فى خلاصه حَتَّى حصلت لَهُ الفرصة فَخرج متنكرا على بعض القَوْل فى غَفلَة الحراسين فَلَمَّا وصل الْوَزير فضل الله باشا الى صنعاء فى رَجَب سنة احدى وَثَلَاثِينَ صلب الحارس الذى كَانَ على دَار الادب ولنرجع الى الْمَقْصُود فَنَقُول كَانَت وَفَاة الامام الْقَاسِم عقب الصُّلْح نَهَار الِاثْنَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 خَامِس عشر شهر ربيع الاول سنة تسع وَعشْرين وَألف وَقَامَ فى مقَامه وَلَده السَّيِّد مُحَمَّد وجدد الصُّلْح بَين وَبَين الْوَزير الْحَاج مُحَمَّد باشا على مَا كَانَ فى زمن وَالِده من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَاسْتمرّ الْقَحْط والطال فى زمَان صَاحب التَّرْجَمَة حَتَّى بيع حمل الْجمل من الْحِنْطَة بِأَرْبَعِينَ حرفا وعبرة حمل الْجمل ثَلَاثُونَ قدحا صنعانيا وبيضة الدَّجَاجَة ببقجة وهى عبارَة عَن كَبِير وَاحِد فى مُقَابلَة عثمانيين وَكَانَ أول زَمَانه حَربًا وفتنا وَآخره نهبا ومحبا وَله آثَار عَظِيمَة فى تعمير القلاع السُّلْطَانِيَّة مَا سبقه الى مثل ذَلِك أحد وَبنى جَامعا فى صنعاء وَله غير ذَلِك من الْخيرَات وَكَانَ خُرُوجه من صنعاء غرَّة صفر سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَلما سمع بمحئ الْوَزير فضل الله باشا أسْرع فى النهوض فَخَالف التَّقْدِير التَّدْبِير وتقاربوا فى الْمنَازل بِالْقربِ من زبيد فارسل فضل الله باشا اليه عسكرا وسردارا فرموا عَلَيْهِ وعَلى أَوْلَاده بالرصاص لاجل الجلب فَكَانَت ام الْبَنِينَ تعرض نَفسهَا على وَلَدهَا خوفًا عَلَيْهِ من الرصاص انْتهى ثمَّ وصل الى مَكَّة فى غرَّة شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَصَامَ رَمَضَان وَتصدق وَفعل أفعالا عديدة من الْخيرَات وَكَانَ وصل مَعَه فى مركبه الْوَاصِل بحرا فيل صَغِير أَرَادَ ان يهديه الى الحضرة السُّلْطَانِيَّة ثمَّ ان هَذَا الْفِيل اسْتمرّ بجدة أَيَّامًا فجَاء الْخَبَر بوفاة السُّلْطَان عُثْمَان ثمَّ انْتقل الْوَزير الْمَذْكُور بالوفاة لَيْلَة سَابِع وعشرى شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وَدفن ضبيحة تِلْكَ اللَّيْلَة بالمعلاة وَبنى عَلَيْهِ قبَّة بَاقِيَة الى الان وَوَقع بعد وُصُول الْفِيل غلاء شَدِيد بِمَكَّة قَالَ الامام عبد الْقَادِر الطبرى فِيهِ مؤرخا وَهُوَ على غير وزن الابحر المتداولة (حرم الله حل ساحته ... قدم الْفِيل ضل عَن رشده) (كثر الْهم يَا فَتى ارخ ... سنة الْفِيل همه شده) وفى هَذَا الْقرن يضْرب الْمثل بالغلاء الْوَاقِع بِمَكَّة فى سنة تسع بعد الالف وَنِهَايَة مَا وصل فِيهِ الاردب المصرى الى ثَمَانِيَة عشر دِينَارا على مَا سمعناه من الثِّقَات الشَّاهِدين لذَلِك قلت فَتكون الغرارة الشامية على هَذَا بِاثْنَيْنِ وَسبعين دِينَارا فان الاردب المصرى ربع الغرارة الشامية وَلم يسْتَمر هَذَا الغلا الا نَحْو ثَلَاثَة أشهر وَفِيه أكل النَّاس لُحُوم الْكلاب والبسس قَالَ الامام على بن عبد الْقَادِر الطبرى فى الارج المكى والتاريخ المسكى سَمِعت من الْوَالِدَان الْفُقَرَاء كَانُوا يَأْخُذُونَ دم الشَّاة ويجعلونه فى اناء على النَّار ثمَّ يستعملونه ثمَّ وَقع بعد عَام تسع غلاء مُتَعَدد مِنْهُ الغلاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 الذى ذَكرْنَاهُ فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَقع غلاء عَظِيم وَاسْتمرّ متزايدا الى سنة ثَمَان فَبَقيت الكيلة الدخن فى هَذَا الْعَام بِأحد عشر محلقا ثمَّ وَقع فى عَام تأليف هَذَا الْكتاب غلاء أضرم فى الافئدة نيران الاشتعال وأعمى بصائر النَّاس من التفرغ للاشتغال وَاسْتمرّ أشهر عديدة وفى الْغَالِب انما يكون فى أَنْوَاع الْحُبُوب وَقد يَقع فى السّمن وَغَيره من أَنْوَاع المأكولات وَالله تَعَالَى أعلم مُحَمَّد الشَّهْر بِابْن الغزال الحمصى نزيل دمشق وَرَئِيس الاطباء بهَا أرأس من انْتَمَى الى الطِّبّ فى وقته ذكره والدى رَحمَه الله تَعَالَى فَقَالَ فى وَصفه أبقراط وقته وزمانه وجالينوس عصره وأوانه قد جمع شَمل الْفضل بعد شتاته ورد فى جَسَد الادب روح حَيَاته (وان يفق الْبَريَّة فهم وَمِنْهُم ... فان الْمسك بعض دم الغزال) هَاجر من حمص الى طرابلس الشَّام واتصل بأمرائها بنى سَيْفا الْكِرَام وَأقَام بخدمتهم مُدَّة طويله يسامر الصَّحِيح ويعالج عليله وهم يقابلونه بالصلات الوافيه شكر الله على نعْمَة الصِّحَّة والعافية ثمَّ ورد الى دمشق الشَّام وَصَارَ بهَا رَئِيس الاطباء وعمدة الْفُضَلَاء والادباء واشتهر بِعلم الابدان حَتَّى صَار الشَّيْخ الرئيس فى ذَلِك الزَّمَان وَكَانَ حسن المصاحبه لطيف المسامرة والمخاطبه تميل الى طباع الْخَاصَّة والعامة ويحضر مجَالِس قُضَاة الشَّام وينادمهم أحسن منادمه وَالْحَاصِل أَنه ختمت بِهِ هَذِه الرياسه وفَاق أَرْبَاب هَذِه الصِّنَاعَة بِحسن الملاحة والكياسه وَكَانَ بعض من يحسدونه يَقُولُونَ معالجته لَيست بميمونه (مَا زار فى الاربعا عليلا ... الا وقدمات فى الْخَمِيس) وَهَذَا تعنت على الاقدار فانها تجرى على مِقْدَار الاعمار لَا على مَا تشتهيه النُّفُوس من أَصْنَاف الصِّحَّة والبوس (وَالنَّاس يلحون الطَّبِيب وانما ... غلط الطَّبِيب اصابة الْمَقْدُور) فالاولى التَّسْلِيم للقضا فان الْقَلَم بالاجل المحتوم رقم وَمضى فأى عتب على الطَّبِيب وان كَانَ هُوَ الْفَاضِل اللبيب (ان الطَّبِيب لذُو عقل وَمَعْرِفَة ... مَا دَامَ فى أجل الانسان تَأْخِير) (حَتَّى اذا مَا انْقَضتْ أَيَّام مدَّته ... حَار الطَّبِيب وخانته العقاقير) وَقد جمع كتبا كَثِيرَة وجهات قل من جمع مثلهَا من أهل الكمالات ودرس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 بِالْمَدْرَسَةِ النورية وتمكنت قَوَاعِده فى الرُّتْبَة الْعلية ثمَّ ابتلى بِمَرَض عضال وَطَالَ مَرضه وَتغَير جَوْهَر بدنه وَعرضه فَلم تنجع فِيهِ الادواء وَلم ينجح فِيهِ معالجة الاوداء (ان الطَّبِيب بطبه ودوائه ... لَا يَسْتَطِيع دفاع مَقْدُور أَتَى) (مَا للطبيب يَمُوت بالداء الذى ... قد كَانَ يبرى مثله فِيمَا مضى) (هلك المداوى والمداوى والذى ... جلب الدَّوَاء وَبَاعه وَمن اشْترى) ثمَّ توفى فى أَوَاخِر الْقعدَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالهريرى الحلبى الْكَاتِب الشَّاعِر نزيل دمشق قلت فى وَصفه هُوَ وان كَانَت حلب مسْقط راسه فدمشق مدرج أنفاسه قدم اليها وَاخْتَلَطَ بأبنائها وغذى طبعه برقة مَائِهَا وهوائها وَكَانَ ممتع المجالسه حُلْو الْمُنَاسبَة والمجانسه وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَضَبطه بضبطه لَكِن خطه صدا النواظر وقسوة الخواطر وَله شعر ينْسب اليه أَكْثَره مَغْصُوب ضَمَانه عَلَيْهِ وعندى أَن شعره لَو قيل لَهُ ارْجع الى أهلك لم يبْق مِنْهُ شئ وَلَا يحضرنى مِنْهُ الا مَا أنْشدهُ البديعى فى كِتَابه ذكرى حبيب وَذَلِكَ قَوْله معميا باسم عدى (رقت حواشى نديم انسى ... فراح يمشى بِلَا حواش) (وَالشَّمْس قد توجته لما ... أدارها وَهُوَ فى انتعاش) وَقد رَأَيْت هذَيْن الْبَيْتَيْنِ فى بعض المجاميع الْقَدِيمَة على هَذَا الاسلوب مَكْتُوب فَوْقهمَا معمى فى عدى وَلم يعزيا لَاحَدَّ (رقت حواشى نديم انسى ... فَبَاتَ عندى بِلَا حواش) (أدرت شمس الطلا عَلَيْهِ ... فى جنح داج من غير واش) وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وَقَالَ أديب الزَّمَان أَحْمد بن شاهين يرثبه بِهَذِهِ الابيات (رحم الله الهريرى ... كَانَ لَا يألف غيرى) (كَانَ لَا يُنكر حقى ... كَانَ لَا يكفر خيرى) (ثمَّ لقاه نعيما ... ووقاه كل ضير) (ان شخصا يكفر الْحق لشخص دون عير ... ) (شَاكر النَّاس لعبد ... يذكر الله بِخَير) (ثمَّ لما سَار للجنة عَنَّا أى سير ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 (قَالَ لى الْهَاتِف أرخ ... وَلَقَد مَاتَ الهريرى) مُحَمَّد المنجم الرومى رَئِيس المنجمين فى الدولة الاحمدية وَكَانَ مَشْهُورا بالحذق والصنعة وَله وقائع وأخبار غَرِيبَة مطربة وحذاقة يضْرب بهَا الْمثل عِنْد الروميين وَمن حسن فطنته أَنه قيل لَهُ فى سنة وَفَاة السُّلْطَان أَحْمد نرَاك لم تتعرض لامر وَفَاته فَقَالَ انى أَشرت الى ذَلِك فى النُّسْخَة الَّتِى وضعت فى الخزانة العامرة فَلَمَّا نظر اليها رؤى فى الْحَقِيقَة قد ذكر فَوت السُّلْطَان وشدد الْوَاو وتمويها وَوضع النقطة الْوَاحِدَة بالاحمر وعجائبه فى هَذَا الْبَاب كَثِيرَة قَالَ ابْن نوعى وَكَانَ فى ابْتِدَاء أمره فى صُورَة الْعَوام ثمَّ حصل علم النُّجُوم وَمهر فِيهِ وَصَارَ موقت جَامع الشهزاده ثمَّ صَار رَئِيس المنجمين وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَرْبَعِينَ بعد الالف رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد المحبى المصرى الملقب شمس الدّين الحنفى شيخ الاسلام وَأجل عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة الْكِبَار فى الْمَذْهَب وَالْخلاف وأوحد أَفْرَاد الدَّهْر فى اللُّغَة والعربية والْحَدِيث أَخذ الْفِقْه عَن شيخ الاسلام وَالْحَنَفِيَّة النُّور على بن غَانِم المقدسى وَعَن الامام الْكَبِير السراج الحانوتى والْحَدِيث عَن الرحلة أَبى النجا سَالم السنهورى وعلوم الْعَرَبيَّة عَن الاستاذ الْكَبِير أَبى بكر الشنوانى وَغَيره ولازم الافادة والاقراء الى حِين انْتِقَاله وَأخذ عَنهُ جمع من الاكابر الْعلمَاء مِنْهُم الشهَاب أَحْمد الشوبرى وَالْحسن الشرنبلالى وَيحيى الشهاوى من المصريين وَمن الدمشقيين مُحَمَّد بن تَاج الدّين المحاسنى خطيب دمشق وَكَانَت وَفَاته هار الاربعاء عشرى ذى الْقعدَة سنة احدى وَأَرْبَعين بعد الالف وَدفن بتربة المجاورين رَحمَه الله السَّيِّد مُحَمَّد باقر الشهير بالدمادى الحسينى العجمى الاصبهانى رَئِيس الْعلمَاء بِبِلَاد الْعَجم بعد الْبَهَاء الحارثى ذكره السَّيِّد على بن مَعْصُوم فى السلافة فَقَالَ فى حَقه باقر الْعلم وتحريره وَالشَّاهِد بفضله تَقْرِيره وتحريره ان عدت الْفُنُون فَهُوَ منارها الذى يهدى بِهِ أَو الْآدَاب فَهُوَ مؤثلها الذى يتَعَلَّق بأهدابه أَو الْكَرم فَهُوَ بحره المستعذب النهل والعلل أَو الشيم فَهُوَ حميدها الذى يدب مِنْهُ نسيم الْبُرْء فى الْعِلَل أَو السياسة فَهُوَ أميرها الذى تجم مِنْهُ الاسود فى الاجم أَو الرياسة فَهُوَ كبيرها الذى هاب تسلطه شاه الْعَجم وَكَانَ الشاه عَبَّاس أضمر لَهُ السوء مرَارًا وَأمر لَهُ حيل غيلته امرارا خوفًا من خُرُوجه عَلَيْهِ وفرقا من توجه الْقُلُوب اليه فحال ذُو الْقُوَّة والحول وأبى الا أَن يتم عَلَيْهِ الْمِنَّة والطول وَلم يزل موفور الْعِزّ والجاه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 حَتَّى دَعَاهُ داعى أَجله فلباه وَمن مصنفاته فى الْحِكْمَة القبسيات والصراط الْمُسْتَقيم وَالْحَبل المتين وفى الْفِقْه شَارِع النُّحَاة وَله حواش على الكافى والفقيه والصحيفة الْكَامِلَة وَغير ذَلِك وَبَينه وَبَين الْبَهَاء العاملي مراسلات كَثِيرَة أَعرَضت عَنْهَا لطولها وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَأَرْبَعين وَألف باصبهان مُحَمَّد الشهير بغلامك البوسنوى قاضى الْقُضَاة بحلب الْعَالم الْمَشْهُور صَاحب الْحَاشِيَة على الجامى وَله حَاشِيَة على الزهراوين وَأُخْرَى على شرح القطب للشمسية وَمثلهَا على شرح الْمِفْتَاح للسَّيِّد وَكَانَ عَالما متقشفا وَفِيه عجب وَكبر وسافر من حلب وَهُوَ مولى وَأقَام مقَامه السَّيِّد مُحَمَّد بن النَّقِيب وَلما وصل الى اسكدار تألم مِنْهُ مصطفى باشا السلاحدار خوفًا أَن يبلغ خبر ظلم وكلائه فى بِلَاد الْعَرَب فَيحصل لَهُ ضَرَر فوبخه ثمَّ سيره الى الْحصار وَأمره بِلُزُوم الْخلْوَة ووجهت عَنهُ حلب بعد أَيَّام وشاع أَنه أُصِيب بالنقرس وَحكى انه جَاءَهُ رَسُول الله من جَانب السلاحدار الْمَذْكُور وَمَعَهُ بِشَارَة بتوجيه قَضَاء قسطنيطينية اليه فَقَالَ للرسول قل لَهُ وجادت بوصل حَيْثُ لَا ينفع الْوَصْل فَلم تمض ثَلَاثَة أَيَّام الا مَاتَ وَكَانَ وَهُوَ بحلب أَقرَأ حَاشِيَته على الجامى وكتبت عَنهُ واشتهرت بحلب وفيهَا يَقُول السَّيِّد احْمَد بن النَّقِيب (حواشى امام الْعَصْر بكر عُطَارِد ... مُحَمَّد السامى على هام بهْرَام) (صوارم أفكار اذا هزمتنها ... نبا كل هندى وكل حسام) (وأبحر تَحْقِيق اذا طم موجها ... فهيهات منا عَاصِم لعصام) (وخمرة توفيق زكتْ فتسارعت ... الى حانها أهل الْفَضَائِل بالجامى) وَحكى لى شَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد المهمندارى مفتى الشَّام أَن صَاحب التَّرْجَمَة قَالَ يَوْمًا للنجم مُحَمَّد الحلفاوى السَّيِّد أَحْمد بن النَّقِيب يَقُول وَهُوَ غَائِب انه أفضل مِنْك فَقَالَ صدق وَهُوَ أَكثر احاطة منى وَقَالَ لِابْنِ النَّقِيب مثل هَذِه الْمقَالة فى غيبَة النَّجْم فَقَالَ لَا شكّ فِيمَا يَقُول فانه أستاذى والاستاذ على كل حَال لَهُ رُتْبَة الافضلية قلت وَمثل هَذَا مَا يحْكى أَن التيمور قَالَ يَوْمًا للسعدان السَّيِّد لَهُ مَعنا صُحْبَة وَهُوَ نديم لنا ويركب مثل هَذِه الْفرس المهزولة وَذَلِكَ مسْقط لنا موسه فَقَالَ لَهُ السعد السَّيِّد جبل من جبال الْعلم فَلَيْسَ بالعجب هزال دَابَّة تحمله وَقَالَ للسَّيِّد السعد يركب مثل هَذِه الْفرس الْعَظِيمَة فَكيف يسوغ لَهُ اظهار العظمة وَهُوَ من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 الْعلم بمكانة فَقَالَ انه يُرِيد اظهار نعْمَة الله عَلَيْهِ وَكَانَت وَفَاة غلامك فى سنة خمس وَأَرْبَعين والف وَالْكَاف فى غلامك للتصغير فى اللُّغَة الفارسية كَمَا ذكر فى مصنفك وَأَمْثَاله مُحَمَّد باشا سبط الْوَزير الاعظم رستم باشا الْوَزير الاعظم فى عهد السُّلْطَان ابراهيم كَانَ من الْجَلالَة والمهابة فى الْمحل الاسمى وفى رزانة الْعقل ومتانة الْفِكر فى القنة الشما صَار أَولا أَمِير علم ثمَّ صَار وزيرا فى سلطنة السُّلْطَان مُرَاد ثمَّ صَار محافظا بِمصْر ثمَّ أحد الوزراء السَّبْعَة ثمَّ عينه السُّلْطَان ابراهيم لاخذ قلعة الازق فسافر اليها أَولا وافتتحها فوجهت اليه نِيَابَة الشم وَورد دمشق فى خَامِس عشر شهر مرضان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَأكْرم قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى دَاوُد بن بايزيد وَألبسهُ فَرْوَة من السمور وَهُوَ أول من ألبس قَاضِيا فَرْوَة وَمِنْه بقيت عَادَة مستمرة فى دمشق لكل كافل وقاض وَكَانَ الْمُعْتَاد قبل ذَلِك ان يلبس القاضى يَوْم دُخُول الكافل خلعة وَكَانَ معتدلا فى حكومته غَايَة وَاتفقَ فى زَمَنه أَوَاخِر شهر رَمَضَان أَنه وجد ثَلَاثَة أَنْفَار مقتولين بمدرسة الاقبالية قرب الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة فصرف جهده فى التفتيش على القاتلين حَتَّى وجدهم وَثَبت عَلَيْهِم الْقَتْل فصلبهم على بَاب الْمدرسَة الْمَذْكُورَة ثمَّ جَاءَهُ ختم الوزارة الْعُظْمَى وَصدر عَنهُ بِدِمَشْق تواجيه وَكتب براآت واوامر وَكَانَ قبل ذَلِك بشره الشَّيْخ أَبُو بكر قعُود الْمَار ذكره بمجئ الْخَتْم اليه حَتَّى أرسل اليه لَيْلَة الْوُصُول يستخبره فاجاب أَنه وصل الى حُدُود دمشق وَاتفقَ لبَعض المهرة بالفلك من أهل دمشق أَنه استخرج مكثه بِدِمَشْق وَأَنه يكون سِتَّة وَتِسْعين يَوْمًا وَوَافَقَ ذَلِك اشارة الشَّيْخ الاكبر ابْن عربى قدس الله سره فى الجفر فَلَمَّا خرج من دمشق كَانَ بقى من الْمدَّة سِتَّة أَيَّام فَكَانهُ اعْتبر دُخُوله فى أول حُدُود دمشق وَهُوَ حَسبه وَخُرُوجه مِنْهُ فَيصح بذلك الْحساب ثمَّ توجه من دمشق فى ثانى وعشرى ذى الْحجَّة وبقى وزيرا ثَلَاث سنوات ثمَّ عزل فى ذى الْحجَّة سنة خمس وَخمسين وَألف وعينه السُّلْطَان سردارا على العساكر الموجهة الى جَزِيرَة كريت فَمَاتَ بهَا فى سنة سِتّ وَخمسين وَألف قلت وَهَذَا الْوَزير يعرف بجوان قبوجى باشى وَذريته الْآن باقون وَله أوقاف وتعلقات تستغرق الْحَد وهم نظراء فى وسع الدائرة لاولاد ابراهيم خَان الْمَشْهُور وَالله أعلم مُحَمَّد الشهير بالقحوفى الدمشقى نادرة الزَّمَان فى حسن البداهة وحلاوة التَّعْبِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 وَكَانَ مشاركا بِبَعْض الْفُنُون وَالْغَالِب عَلَيْهِ التصوف وَمَعْرِفَة اصْطِلَاح الصُّوفِيَّة وَحل عباراتهم وَله رِوَايَة وَاسِعَة فى الاخبار والاشعار وَكَانَ رُؤَسَاء الشَّام يميلون اليه حدا ويعدونه رَيْحَانَة الندماء ويعاشر مِنْهُم من تطيب لَهُ حركاته وتروق كَلِمَاته وتحدث عَن مجهولاته معلوماته وَكَانَ كثير النَّوَادِر واللطائف وَمِمَّا يعزى اليه مِنْهَا أَنه مر بِهِ أحد الاعيان وَكَانَ نَاظرا على وقف الْجَامِع الاموى فَدَعَا لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة وَأحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ادْع الله لَك بِأَن تنْحَل وَظِيفَة من وظائف الْجَامِع الاموى حَتَّى أوجهها اليك فَقَالَ الْيَسْ جيبك أقرب من ملك الْمَوْت وَكَانَ شَيخنَا الْعَلامَة ابراهيم بن مَنْصُور الفتال يحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ وَيَقُول انه كَانَ أعجوبة وقته وَقد مضى عمره كُله فى بلهنية عَيْش وَطيب محادثات ومفاكهات وَلم يبْق أحد مِمَّن يتوسم فِيهِ الْعرْفَان الا خالطه وامتزج بِهِ وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَخمسين والف السَّيِّد مُحَمَّد الشهير بالتقوى الحلبى الْفَاضِل الاديب الْحَكِيم البارع ذكره البديعى وَقَالَ فِيهِ حَدِيث مجده قديم يغنى عَن الكاس والنديم ودر كَلمه النظيم جَار على أسلوب الْحَكِيم وَقد عَام فى لجج دراية الافلاك ووقف على سَاحل نهابة الادراك وابتدع من الاشياء العجاب مَا لم يبتدعه قبله ابْن دَاب وَله خطّ كَأَنَّهُ در تزينه الفاظه الغر ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله (قد جدد الشوق الشَّديد خيالكم ... بجوارحى وضمائرى وسرائرى) (فاذا نظرت الى الْوُجُود رأيتكم ... فِي كل مَوْجُود عيان الخاطر) وَقَوله (قد قسم الْحبّ جسمى فى محبتكم ... حَتَّى تجزا بِحَيْثُ الْجِسْم يَنْقَسِم) (وَمَا تصورت مَوْجُودا ومنعدما ... الا خيالكم الْمَوْجُود والعدم) وَقَوله من قصيدة طَوِيلَة مدح بهَا الْوَزير نصوح باشا ومطلعها (حياك سرحة دارة الآرام ... وحباك دِيمَة مزنة وغمام) الى أَن قَالَ فِيهَا (ذَاك النصوح أَبُو الوزارة من رقى ... فلك العلى وَعلا على بهْرَام) وَمِنْهَا (تجرى الامور بوفق مَا يختاره ... ويطيعه العاصى بِكُل مرام) (فكانما الاقدار طوع يَمِينه ... بعد الْمُهَيْمِن فى قضا الاحكام) (قطب تَدور عَلَيْهِ دولة أَحْمد ... ملك الدنا بِالْحلِّ والابرام) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 (هابته أنفاس النُّفُوس بأسرها ... فى النَّاس بعد الْعَالم العلام) (ولبأس شدته الاسود تشردت ... وتسترت فى الغاب وَالْآجَام) مِنْهَا (يلقاك بالبشر الذى من نشره ... ريح المنى يسرى بِطيب بشام) (بخلائق تكسو الرياض خلائقا ... فتضيع ريا منْدَل وخزام) (ويريك من رضوَان عدل جنَّة ... فِيهَا الْحَرْب البغى نَار ضرام) مِنْهَا (يَا أَيهَا الطود الْعَظِيم وَصَاحب الطول الجسيم وجوشن الاسلام) (ألبست من حلل الوزارة خلعة ... فنع الالى مِنْهَا بطيف مَنَام) مِنْهَا (مَا دَار فى فلك المدير مَدَاره ... الا لنصرك فى أَلد خصام) الى أَن قَالَ فى آخرهَا (كتبت مدائحك الليالى أشطرا ... تبقى بقيت على مدى الايام) وَقلت أَنا الْفَقِير فى تَرْجَمته حَكِيم أَخذ حَظه من الْحِكْمَة فَنَطَقَ بهَا وَالْحكمَة حَظّ النَّفس الناطقه فَمَا سرى ذهنه فى استقصاء غَرَض الا وَكَانَت الصِّحَّة لَهُ موافقه فَلَو عالج نسيم الصِّبَا لما اعتل فى سحره والجفن الْمَرِيض لزانه وَزَاد فى حوره (وَلَو أَنه طب الزَّمَان بِعِلْمِهِ ... لبراه من دَاء الْجَهَالَة بِالْعلمِ) حكى لى المرحوم السَّيِّد عبد الله الحجازى قَالَ رَأَيْته وَقد ملك كَامِل الصِّنَاعَة وَبلغ الْغَرَض فى البلاغة والبراعة وأملى مَالا يسع واعتدلت مَعَ الطبائع الاربع وَفصل الموجز بفصيح الْعبارَات وَعلم الاسباب مِنْهَا والعلامات فاويت مِنْهُ الى فَاضل جمع شَمل الْفضل بعد شتاته ورد فى جد الادب روح حَيَاته وَأخذت عَنهُ جملَة من فنونه وتمتعت حينا بمصونه ومخزونه وَكَانَ على أسلوب الْحَكِيم ومشرب النديم وَلِهَذَا كثر القَوْل فى اعْتِقَاده حَتَّى صرح كثير بالحاده وَقد وقفت لَهُ على قصيدة أثبت مِنْهَا هَذَا الْقدر ومستهلها قَوْله (سرت وَاللَّيْل محلول الوشاح ... ونسر الجو مبلول الْجنَاح) (وَعقد الزهر مُنْتَظم الدرارى ... كثغر الْبيض يبسم عَن اقاح) (وزاهى الرَّوْض اسفر عَن زهور ... بهَا ظمأ الى مَاء الصَّباح) (كَانَ كواكب الظلماء روم ... على دهم تهب الى الكفاح) [ (اذا انعكست أشعتها تردت ... على صفحات غُدْرَان البطاح) (تحاول ستر مسراها بوهن ... وَقد أرجت برياها النواحى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 (فواعجبا أتخفى وهى بدر ... وشمس فى الحظائر والضواحى) (أما علمت عبير الْمسك مِنْهَا ... يسنم بهَا الى واش ولاح) (مهفهفة يغار الْبَدْر مِنْهَا ... ويخجل قدها هيف الرماح) (تمازج حبها بدمى وروحى ... مزاج الراح بِالْمَاءِ القراح) (فَأصْبح فى الملا طبعى وخلقى ... وَمَا فى الطَّبْع عَنهُ من براح) (كَانَ الله لم يخلق فؤادى ... لغير الوجد بالخود الرداح) (أحن الى هَواهَا وَهُوَ حتفى ... كَمَا حن السقيم الى الصّلاح) (وأصبو والصبابة برحتنى ... وأنحلت الْجَوَارِح بالبراح) (فلولا الطمر يمسك من خيالى ... لطار من النحول من الرِّيَاح) (أبث لطرفها شكوى فؤادى ... وَهل يشكو الجريح الى السِّلَاح) (وأطمع ان يزايلنى هَواهَا ... وَهل حذر من الْمَقْدُور ماح) (فَلَا تأوى لكسرة ناظريها ... فكم ألوت بألباب صِحَاح) (أفق يَا حب لَيْسَ الْحبّ سهلا ... فكم جد تولد من مزاح) (رويدك كم تبيت تَئِنُّ وجدا ... كَمَا أَن الطعين من الْجراح) (وقائلة أرى نجما تبدى ... بلَيْل عوارض كالصبح ضاح) (أبعد الشيب تمزح بالتصابى ... وتمرح فى برود الافتضاح) (فَمَا ماضى الشبيبة مسترد ... وَلَا الخسران يسمح بالرباح) (فَمَا ماضى الشبيبة مسترد ... وَلَا الخسران يسمح بالرباح) (فدع حب الغوانى فَهُوَ فى ... وتفنيد يحيد عَن الْفَلاح) وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف باسحقلى قريب من قونيه وَهُوَ رَاجع من قسطنطينية مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب البيرونى نزيل دمياط الشافعى الْعَالم الْكَبِير وَالْعلم النحرير كَانَ من كبار الْعلمَاء الحريين بالتفضيل بعيد الصيت فى الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل دخل دمشق أول مرّة وَأخذ بهَا عَن الشَّمْس الميدانى وَأَضْرَابه وَأَجَازَهُ مشايخه بالافتاء والتدريس ثمَّ رَحل الى مصر وَأخذ بهَا عَن النُّور الزيادى وَالشَّيْخ على الحلبى وَتمكن فى الْعُلُوم حق التَّمَكُّن ودرس بِجَامِع الازهر وَأخذ عَنهُ الْجمع الْكثير مِنْهُم الشَّيْخ سُلْطَان المزاحى وَهُوَ أجل من روى عَنهُ وَالشَّيْخ سُلَيْمَان الشرنوبى وَالشَّيْخ على الهيدبى وَمن المصريين وَمن الدمشقيين الشَّيْخ عبد الْقَادِر الصفورى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 وَحكى الهيدبى الْمَذْكُور أَنه كَانَ يدرس وَلَا ينظر فى كتاب وَيَقُول هَذِه طريقنا وَطَرِيقَة مَشَايِخنَا وَقَالَ الشرنوبى انه كَانَ يدرس فى اُحْدُ وَعشْرين علما وَلَا ينظر فى الكراس واقام فى الازهر يدرس أَرْبَعِينَ عَاما وتلامذته لَا تحصى قَالَ وَلم يكن لَهُ درس يعرف فِيهِ لَكِن كل درس حضر فِيهِ يصير هُوَ شَيْخه وَلَا يقدر ذَلِك الْمدرس يبدى وَلَا يعبد فى حَضرته وَكَانَ عَالما طَبِيبا حاذقا ربع الْقَامَة نحيف الْجِسْم مهابا يسطع النُّور من وَجهه وَكَانَ كل من يرَاهُ يُحِبهُ ثمَّ رَحل الى دمياط وَلما وردهَا لم يعرف بفضله اُحْدُ وَكَانَ زيه غير زى الْعلمَاء وَكَانَ يحمل طبق الْعَجِين على رَأسه الى الفرن وَيَأْخُذ المقطف بِيَدِهِ يقْضى مَصَالِحه من السُّوق وَيرجع الى بَيته أَو الى الْمَسْجِد وَاسْتمرّ على ذَلِك سنة وَنصفا ثمَّ ورد دمياط الشَّيْخ مُحَمَّد القطب الصيداوى وأضافه بعض الْعلمَاء فَذهب هُوَ وَصَاحب التَّرْجَمَة الى ذَلِك الْعَالم فَرَأى صَاحب التَّرْجَمَة قبل يَده فَقَالَ لَهُ كَيفَ هَذَا الْحَال فَقَالَ لَهُ عرفت فَالْزَمْ فَسَأَلَهُ الْعَالم عَنهُ فَقَالَ لم يَأْذَن باعلام أحد بِحَالهِ أما سَمِعت قَوْله عرفت فَالْزَمْ وسافر الشَّيْخ مُحَمَّد القطب بعد ذَلِك بأيام قَلَائِل وفى ذَلِك الْعَهْد كَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد السبينى يقرئ فى تَفْسِير البيضاوى فى جَامع الْبَحْر وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يأتى الى وَرَاء سَارِيَة بعيدَة عَن مجْلِس السبينى وَيجْلس وَحده حَتَّى لَا يكَاد يرَاهُ أحد فَبعد ثَلَاث سِنِين سَافر الشَّيْخ شمس الدّين أَخُو السبينى الْمَذْكُور الى قسطنطينية وَرجع الى صيدا وَنزل عِنْد الشَّيْخ مُحَمَّد القطب فَأعلمهُ بفضيلة الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة وَأخْبرهُ أَنه يجلس بحذاء السارية الْفُلَانِيَّة وَوَصفه لَهُ فَلَمَّا رَجَعَ الشَّيْخ شمس الدّين الى دمياط وَقعد فى مَكَان التدريس بحذاء أَخِيه الْمدرس واذا بالشيخ المترجم أقبل وَقعد وَرَاء تِلْكَ السارية فَأخْبر الشَّيْخ شمس الدّين أَخَاهُ بِهِ وَذكر شهرته فألجمه الله تَعَالَى عَن الْكَلَام وَلم يقدر على النُّطْق فَقَامَ هُوَ وَأَخُوهُ إِلَى الشَّيْخ وسلما عَلَيْهِ وأجلساه فى مَكَان التدريس فَشهد للسبينى بِالْفَضْلِ وأعلمه أَنه فى الْيَوْم الفلانى من الشَّهْر الفلانى تكلم فى تَفْسِير الْآيَة الْفُلَانِيَّة فى سُورَة كَذَا وَكَذَا وَكَانَ الصَّوَاب كَذَا وَكَذَا وَلزِمَ التدريس من ذَلِك الْيَوْم الى أَن مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى وكمل فى مَجْلِسه مائَة وَثَلَاثُونَ طَالبا وَلم ينظر فى كراس قطّ حَالَة التدريس وَمن مؤلفاته حَاشِيَة على الْمِنْهَاج والمحلى سَمَّاهَا فتح التجلى وَكَانَت وَفَاته بدمياط فى سنة أَربع وَسِتِّينَ بعد الالف وَلما توفى لم يبْق فى دمياط كَبِير وَلَا صَغِير الا حضر جنَازَته وَدفن فى سيدى فتح بَين الجناحين وقبره مَشْهُور يزار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 ويتبرك بِهِ مُحَمَّد الشهير بملا حلبى الكردى قاضى الْقُضَاة بِالشَّام مُحَقّق الزَّمَان وأستاذ الاساتذة وَرَأس الجهابذه أَخذ ببلاده عَن الجلة من الْمُحَقِّقين ثمَّ دخل الرّوم فملأت شهرته ارجاها وَقصرت عَلَيْهِ مهرَة الطلاب رجاها واشتغل عَلَيْهِ جلّ من نبل بعد السّبْعين وَألف من عُلَمَاء الرّوم ورؤساء صدورها وأجلهم أستاذى المرحوم شيخ مُحَمَّد عزتى قاضى الْعَسْكَر وَالْمولى صَالح الشهير باسحق زَاده الْمُقدم ذكرهمَا ثمَّ درس بمدارس الطَّرِيق الْمُعْتَبرَة عِنْدهم وَألف نفائس التَّأْلِيف وَقد وقفت لَهُ على كتاب سَمَّاهُ الانموذج أَحسب أَنه ذكر فِيهِ سَبْعَة مبَاحث من سَبْعَة عُلُوم أبان فِيهَا عَن تَحْقِيق باهر وَهَذِه التَّسْمِيَة مسبوقة للشمس الفنرى فانه ألف كتابا سَمَّاهُ الانموذج ذكر فِيهِ مائَة وَعشْرين علما ثمَّ تلاه الْجلَال الدوانى فى تَسْمِيَته كِتَابه ذكر فِيهِ عشرَة مبَاحث من عشرَة عُلُوم وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة تأليف ورسائل غير مَا ذكر وَله فى التَّفْسِير ومتعلقاته بَاعَ طَوِيل ثمَّ ولى قَضَاء الشَّام بعد استاذى عزتى الْمَذْكُور فى غرَّة رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وَمَات بهَا فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمدفن السنانية مُحَمَّد أَمِين الْمَعْرُوف بالارى الاستاذ الْكَبِير الصديقى الشافعى الْبَصِير أعظم الْمُحَقِّقين على الاطلاق وَأجل أهل عصره بالِاتِّفَاقِ كَانَ مِمَّن طبعه الله تَعَالَى على الْفضل والذكا وامتزج بالمعارف الالهية فأشرقت فى بَاطِنه اشراق ذكا وَكَانَ فى التَّحْقِيق غايه وفى حل المشكلات نهايه حَدَّثَنى بعض عُلَمَاء دمشق نَاقِلا عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الاستاذ أَيُّوب بن أَحْمد الخلوتى أَنه كَانَ يَقُول فى حَقه لَو أدْركهُ السَّيِّد الشريف لما وَسعه الا التلمذ لَهُ وَمن شهد لَهُ خُزَيْمَة فحسبه وَحكى بعض المغاربة الواردين الى دمشق وَكَانَ مِمَّن دخل بِلَاد الْعَجم والهند ولار أَن اللارى صَاحب التَّرْجَمَة من أَوْلَاد الْمُلُوك وَكَانَ أَبوهُ السُّلْطَان اللار وَلما تغلب شاه الْعَجم على تِلْكَ الديار خرج مُحَمَّد امين مِنْهَا الى بِلَاد آل عُثْمَان فَدخل بَغْدَاد وَحج مِنْهَا ثمَّ رَجَعَ الى الْموصل وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ ورد حلب واستوطنها مُدَّة وانتفع بِهِ فضلاؤها مِنْهُم السَّيِّد عبد الله الحجازى ثمَّ قدم دمشق فَحل مِنْهَا مَحل الانسان من الْعين وخدمته أفاضلها وبالغوا فى تَعْظِيمه ورعوا حق مِقْدَاره بِحَسب امكانهم وَمَا أَحسب فِيمَا سَمِعت أَن احدا روعى حَقه بهَا مثله وتلمذ لَهُ أَكثر الْفُضَلَاء وَأخذُوا عَنهُ مِنْهُم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 سيدنَا أَبُو الصفاء مُحَمَّد بن أَيُّوب الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن عبد الهادى وَقد حَدَّثَنى هَذَانِ الفاضلان عَن فضائله وعلومه ومكاشفاته الباهرة وأحواله الظَّاهِرَة مِمَّا يحير الالباب وبحكم بِأَنَّهُ أُوتى من المعارف لب اللّبَاب وَقَالَ انه بلغ مَا بلغ وسنه لم يُجَاوز الثَّلَاثِينَ بِكَثِير وَالْحَاصِل أَنه مصداق قَول بَعضهم هُوَ بَصِير مَاله فى جَمِيع من رأى ورؤى نَظِير فسبحان من أطفأ نور بَصَره وَجعل قلبه مشكاة نور فانها لَا تعمى الابصار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِى فى الصُّدُور وَمِمَّا حكى لى مَوْلَانَا أَبُو الصَّفَا الْمَذْكُور من أَحْوَاله انه زار حَضْرَة سيدى الشَّيْخ الاكبر قدس الله روحه قَالَ فَركب وتوجهنا مَعَه معشر التلامذة مشَاة فى خدمته وَكُنَّا نزيد على خمسين نَفرا وَلما رَجعْنَا جِئْنَا الْمحل الْمَعْرُوف بالبحصة فَوقف ثمَّة وَقَالَ أَشمّ هُنَا رَائِحَة زكية وأظن أَن فى هَذَا الْمَكَان أحدا من كبار الاولياء قَالَ فعجبنا من ذَلِك ثمَّ مَشى فَلَمَّا وصلنا الى المزار الْمَعْرُوف فى الرفاق الضّيق بَين البحصة والحسودية وَهُوَ الذى يألفه الشَّيْخ الولى الْبركَة حُسَيْن بن فرفره رَأينَا الشَّيْخ حُسَيْن الْمَذْكُور وَاقِفًا على الْبَاب ثمَّ نَظرنَا الى خلفنا فَرَأَيْنَا الاستاذ ترجل عَن الْفرس وَهُوَ يَقُول بِأَعْلَى صَوته هَذَا صَاحب الرَّائِحَة الْحَمد لله على الِاجْتِمَاع بِهِ فَاسْتَقْبلهُ الشَّيْخ حُسَيْن وَأدْخلهُ الى مَجْلِسه الذى كَانَ يجلس فِيهِ وَجَرت بَينهمَا مُخَاطبَة تَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب ثمَّ وضع الشَّيْخ حُسَيْن قُدَّام الاستاذ قَصْعَة فِيهَا لبن وخبز فَأكل وأكلنا مَعَه ثمَّ أمرنَا الاستاذ بِالْخرُوجِ فخرجنا وَبَقينَا نسْمع كَلَامهمَا فَكَانَ الاستاذ يسْأَله وَهُوَ يجِيبه فَلَا نفهم مَا يَقُولَانِ الا قَول الاستاذ حينا هَذَا هُوَ الْجَواب الذى لم أسمعهُ الا الْآن ثمَّ توادعا ببكاء وخضوع وانصرفنا وَله من الامور الخارقة مَا هُوَ أغرب من هَذَا وأعجب وَكَانَ اذا تلمذ لَهُ أحد أمده الله تَعَالَى بإمدادته الْعَظِيمَة وَقد شاهدن ذَلِك فِي كثير من المنتمين إِلَيْهِ أغدق الله عَلَيْهِم الْخيرَات ووفر لَهُم دواعى المعلومات وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ بركَة الزَّمَان ونتيجة الاوان وَكَانَت وَفَاته فى دمشق فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد باشا الكوبرى الْوَزير الاعظم فى عهد السُّلْطَان مُحَمَّد بن السُّلْطَان ابراهيم أشهر من نَار على علم كَانَ من أمره انه ولى حُكُومَة الشَّام فى سنة سِتّ وَخمسين وَألف ثمَّ ولى حُكُومَة الْقُدس ثمَّ طرابلس الشَّام وَلم يزل خامل الذّكر مهضوم الجناب الا أَن لَهُ حسن تَدْبِير وخروا فى الامور وَكَانَ أَمر الْملك من عهد أَن ولى السُّلْطَان مُحَمَّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 الْمَذْكُور السلطنة قد اخْتَلَّ وتهاون رُؤَسَاء الدولة لصِغَر السُّلْطَان فى نظم الامور على نسق يرضى الْجُمْهُور فكثرت الاغراض وبدلت الْجَوَاهِر بالاعراض وتغيرت الدول وَذَهَبت النَّاس الاول وَقَامَت الْفِتَن على سَاق وانتصب الْخلاف وارتفع الْوِفَاق وتقوت ضِعَاف الدوله واظهروا العتو والصوله فَكَانُوا فى آرائهم ناظرين الى ورائهم وَبِهَذَا السَّبَب كَانَ يُولى الْوَزير أَيَّامًا فَلَا يرى هُدُوا وَلَا رَاحَة وَلَا ان كَانَ مناما ثمَّ يقتل أَو يعْزل وينهب أَو يسلب الى ان بَغت طَائِفَة من العبيد اللئام الَّذين هم دَاخل حرم السُّلْطَان من الخدام وهجموا على جدة السُّلْطَان صَاحِبَة الْخيرَات فَقَتَلُوهَا لَيْلًا وَلم يخشوا اثما وَلَا ويلا وَلم تزل نَار تِلْكَ الْفِتَن تتقد والجمعيات السوء فى كل حِين تَنْعَقِد الى ان وَقع الِاخْتِيَار على صَاحب التَّرْجَمَة أَن يكون وزيرا ومدبرا للْملك ومشيرا هُنَالك انْقَلب العيان وَأخذ حَده السَّيْف والسنان وَمن هُنَا أشرع فى التجرمة فَأَقُول أخبرنى من أَثِق بِهِ انه لما استصعب الامر فى لم شعث الدولة جمع اليه السُّلْطَان المقربين من أهل الْحرم السلطانى وَفِيهِمْ على اغا الطَّوِيل المهشور وتفاوضوا فِيمَن يصلح للوزارة الْعُظْمَى ويحسم مَادَّة التَّفَرُّق فَكل مِنْهُم أَشَارَ الى وَاحِد حَتَّى انْتَهَت النّوبَة الى على أغا الْمَذْكُور فَأَشَارَ الى انه يَلِيق بالوزارة الاصاحب التَّرْجَمَة فسخروا مِنْهُ على مَا يعْرفُونَ من انحطاط قدره فَقَالَ أَنا أَقُول هَذَا عَن اختبار وممارسة والامر مَأْخُوذ على التراخى فَيمكن أَن يكون وزيرا اياما ثمَّ اذا لم يحكم الْأَمر عزل وَلَيْسَ عَزله بالصعب على الدولة فاتفق الرأى عَلَيْهِ ثمَّ فى ثانى يَوْم ناداه السُّلْطَان وَسلم اليه الختمر وأوصاه بِمَا يلْزم التبصر فِيهِ فَكَانَ أول مَا ابْتَدَأَ فِيهِ من الامور نفى على أغا الذى كَانَ سَببا لتوليته لجزيرة قبرس وابعاده عَن الدولة وَقَالَ من قدر على التَّوْلِيَة قدر على الْعَزْل ثمَّ أطلق الْقَتْل فى أَرْكَان الدولة وَاحِد ابعد وَاحِد وَقَامَ بأعباء السلطنة وأخمد بِحسن تَدْبيره نائرة الْفِتَن وأضعف العسرك بالاسفار وَأكْثر من محو أَصْحَاب الْكَلِمَة وَفرق شملهم وأبلغ مَا يحْكى عَنهُ فِي خُصُوص الْقَتْل أَنه كَانَ يواخي وزيرا أَحسب أَن اسْمه خسرو باشا وَكَانَ بَينهمَا مواثيق ومودة زَائِدَة يعرفهَا النَّاس فَاسْتَحْضرهُ يَوْمًا إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أُرِيد قَتلك الْيَوْم فَقَالَ لَهُ لم تقتلني وَلم يصدر مني مَا يُوجب الْقَتْل وَأَنا على عَهْدك وميثاقك فَمَاذَا يحصل من قَتْلِي فَقَالَ لَهُ إِن فِي قَتلك إرهابا عَظِيما للْقَوْم فَإِنَّهُم يَقُولُونَ الْوَزير قتل أقرب النَّاس إِلَيْهِ فَهُوَ لَا يتَوَقَّف فِي أَمر الْقَتْل وَفرق شملهم وأبلغ مَا يحْكى عَنهُ فى خُصُوص الْقَتْل أَنه كَانَ يواخى وزيرا أَحسب أَن اسْمه خسر وباشا وَكَانَ بنهما مواثيق ومودة زَائِدَة يعرفهَا النَّاس فَاسْتَحْضرهُ يَوْمًا اليه وَقَالَ لَهُ أُرِيد قَتلك الْيَوْم فَقَالَ لَهُ لم تقتلنى وَلم يصدر منى مَا يُوجب الْقَتْل وَأَنا على عَهْدك وميثاقك فَمَاذَا يحصل من قَتْلَى فَقَالَ لَهُ ان فى قَتلك ارهاب عَظِيما للْقَوْم فانهم يَقُولُونَ الْوَزير قتل أقرب النَّاس اليه فَهُوَ لَا يتَوَقَّف فى أَمر الْقَتْل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 فَيلقى الرعب فى قُلُوبهم فأبرم عَلَيْهِ فى ترك ذَلِك فَلم يفعل وَقَتله فى الْحَال قلت وَقد وَقع مثل هَذَا كثيرا وَأَعْجَبهُ مَا وَقع فى زَمَاننَا الْقَرِيب للامام مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن سُلْطَان الْيمن أَنه قتل ابْنه ارهابا لعسكره وَقَالَ لَهُم مَا فرطت فى ابنى الا ليعلم النَّاس انى لَا أعرف الا الْقَتْل وَلَا أتوقف فِيهِ بِحَال فَملك الْبِلَاد وقهر رَعيته بِهَذَا الصَّنِيع الفظيع وَكَذَلِكَ أَخَاف صَاحب التَّرْجَمَة النَّاس بِفِعْلِهِ هَذَا وَلزِمَ كل أحد مِنْهُم فى زَمَانه طوره وسالمه الزَّمَان وانقاد لَهُ فِيمَا أبرمه وعظمت دولته وجبيت اليه ذخائر الدُّنْيَا ثمَّ ان السُّلْطَان مُحَمَّد سَافر الى أدرنه فى سنة سبع وَسِتِّينَ وجهز صَاحب التَّرْجَمَة الى قتال الْكفَّار فسافر وافتتح قلعة يُنَوّه وَبَعض قلاع أخر وَخرج فى ذَلِك الاثناء على الدولة حسن باشا محافظ حلب وَتَبعهُ ابْن الطيار كافل الشَّام والوزير كنعان وانضاف اليهم من الْعَسْكَر جمع عَظِيم وَكَانَ خُرُوجهمْ خوفًا من صَاحب التَّرْجَمَة وحسدا لَهُ فصرف وَجه همته الى الانتقام مِنْهُم فَقتلُوا على يَد مرتضى باشا كَمَا أسلفته فى تَرْجَمَة حسن باشا وأوقع الْقَتْل فِيمَن كَانَ تَبِعَهُمْ من السكبان وَغَيرهم على يَد نواب الْبِلَاد فَقتل مِنْهُم خلق كثير وَتَفَرَّقُوا أيدى سبا وَكَانَ فرط من الْعَسْكَر الشامى الامر فى انحيازتهم الى مُحَافظَة دمشق فَجهز شرذمة نَحْو الثلثمائة من جند السُّلْطَان المعروفين بالقبوقولية وَبعث بهم فوصلوا الى دمشق واستقروا بقلعتها وَأخذُوا غَالب دورها وتسلموا أَبْوَاب الْمَدِينَة وَبَاب المحكمة والحسبة وسوق الْخَيل وميزان الْحَرِير وَبَقِيَّة الخدم الَّتِى كَانَت مَخْصُوصَة بعسكر الشَّام وَبِذَلِك انحط عَسْكَر الشَّام بعض الانحطاط بِمَا توارد عَلَيْهِم من الْوَهم ثمَّ أَخذ كبراءهم بَغْتَة فَأرْسل أمرا بِقَتْلِهِم فَقتل مِنْهُم قتلة عَظِيمَة وَقد قدمنَا قصَّة قَتلهمْ فى تَرْجَمَة عبد السَّلَام بن عبد النبى فَلَا نطيل باعادتها ثمَّ توجه السُّلْطَان الى بروسه وَصَاحب التَّرْجَمَة مَعَه وَأَقَامَا بهَا أَيَّامًا ثمَّ رجعا الى مقرّ السلطنة وَقد تمهدت الْبِلَاد وتأطدت أَحْوَال الْملك وَأمنت الغوائل واطمأنت النَّاس وتفرغ الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة لاجراء الْخيرَات فعمر الخان الْمَعْرُوف بِهِ فى طَرِيق قسطنطينية بَين اسكى شهر وازنيق والخان والعمارة الْعَظِيمَة بقصبة الثغور والعمارات الْكَثِيرَة فى ادلب وفى بِلَاد رومأيلى مِمَّا صَار تعلقا عَظِيما وجوارا جسيما ثمَّ وقف على جِهَات وَقد وقفت على صُورَة الوقفية بانشاء الْمولى أنسى وَذكرت ديباجتها فى تَرْجَمته فَارْجِع اليها وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن بالتربة الَّتِي عمرها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 مُحَمَّد الشهير بالملغروى قالضى الْحَرَمَيْنِ أحد موالى الرّوم الْمَشْهُورين بِالْعلمِ وَالتَّحْقِيق وَكَانَ لَهُ فى التَّفْسِير الْيَد الطُّولى وَكَانَ فى الصّلاح وَالْعِبَادَة على جَانب عَظِيم نير الْوَجْه نقى الشيبة عَلَيْهِ مهابة الْعلم وَالتَّقوى رَأَيْته بِدِمَشْق وَلم أجتمع بِهِ وَذكره شَيخنَا الْعَلامَة الخيارى فى رحلته وَقَالَ فى تَرْجَمته تولى قَضَاء الْمَدِينَة مُدَّة أَرْبَعَة أشهر وايام مبدؤها غرَّة الْمحرم سنة خمس وَسبعين وَألف ثمَّ نقل مِنْهَا الى قَضَاء مَكَّة المشرفة وَكَانَ مُقيم قسطاس الشريعه ومديم الْعدْل فاذا ناداه لباه مطيعه رفع منَازِل الْعلم بالبلدين المحترمين وَأقَام شعائره وشراعه وناهيك بِهَذَيْنِ درس تَفْسِير القاضى البيضاوى بالروضة الشريفية بَين الْقَبْر والمنبر فأجاد وَأفَاد وَكَانَ درسه أعجب درس قَرَأَهُ الموالى أَمْثَاله بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ يحضرهُ الْجمع الْكثير من الْفُضَلَاء والجم الْغَفِير من النبلاء قَالَا لازمته قِرَاءَته فتحليت بفرائده ولاحت لى مشرقة فى سلك الافادة جَوَاهِر فَوَائده فحضرته من أول سُورَة عَم الى آخر سُورَة الطارق وَمن أعجب الِاتِّفَاق أَنه جَاءَهُ تَوْلِيَة قَضَاء مَكَّة مَعَ خبر عَزله من الْمَدِينَة فانتقل من حرم الى حرم وَللَّه در الْقَائِل وَكَأَنَّهُ نطبق بِلِسَان حَال الْمشَار اليه فَقَالَ (فَارَقت طيبَة مشغوفا بطيبتها ... وَجئْت مَكَّة فى وجد فى ألم) (لَكِن سررت بِأَنِّي عِنْد فرقتها ... مَا سرت من حرم إِلَّا إِلَى حرم) وَاتفقَ حَال مجئ الرَّسُول بالْخبر أَنه كَانَ بالروضة الشَّرِيفَة فى مجْلِس الدَّرْس وَهُوَ مشتغل بالتحقيق وَكَانَ الدَّرْس ذَلِك الْيَوْم فى سُورَة التطفيف فَوقف مِنْهَا على قَوْله تَعَالَى {ختامه مسك} فَلَمَّا قُرِئت المراسيم بتوليته مَكَّة وعزله عَن الْمَدِينَة خاطبته بقولى تَعَالَى ختامه مسك فَلَمَّا فأعجب بذلك غَايَة الاعجاب وَأظْهر أسفه على الْمَدِينَة ثمَّ بَيْنَمَا تهَيَّأ للبروز الى مَكَّة تمم قِرَاءَته الى ختام سُورَة الطارق قَالَ وَكَانَت وَفَاته بقسطنطينية فى الْعشْر الاول من صفر سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف والملغروى نِسْبَة الى ملغره بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة بعْدهَا رَاء ثمَّ هَاء مُعرب مكفره بِالْمِيم وَالْكَاف الَّتِى تقْرَأ نونا فى اصْطِلَاح التركية وهى بَلْدَة بِالْقربِ من تكرطاغى بَينهمَا وَبَين أدرنه مرحلتان السَّيِّد مُحَمَّد غازى الخلوتى الاستاذ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى خَليفَة الشَّيْخ اخلاص الْمُقدم ذكره بحلب وَكَانَ من خلص عباد الله تَعَالَى كثير التَّعَبُّد والمجاهدة ورد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 دمشق مرَّتَيْنِ وفى كلتيهما ألْقى الله تَعَالَى محبته فى قُلُوب النَّاس وَأَقْبلُوا بكليتهم عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ الطَّرِيق جلّ أهل دمشق وَكَانُوا يزدحمون عَلَيْهِ لاخذ الطَّرِيق فَلَا يُمكنهُ الْمُبَايعَة بِالْيَدِ فَيمسك بِيَدِهِ شاشا طَويلا ويرسله الى خَارج الْحلقَة المزدحمة عَلَيْهِ فَيقبض عَلَيْهِ النَّاس ويبايعهم وَكنت أَنا الْفَقِير مِمَّن جدد عَلَيْهِ الْعَهْد وَكَانَ نورانى الشكل أخذت مهابة الصّلاح بِجَمِيعِ أَطْرَافه وَكَانَ سَافر فى قَدمته الاولى الى الْقُدس وَأخذ عَنهُ بهَا جمع عَظِيم أَيْضا وَلم نر فى عصرنا من مَشَايِخ الطّرق من أَخذ عَنهُ النَّاس مِقْدَار هَذَا الشَّيْخ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مسك الختام لحزب الخلوتية فى جلالة الشَّأْن وَالْحَال والقال وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف بحلب رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد الاحسائى الحنفى نزيل بَغْدَاد كَانَ من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين قَرَأَ ببلاده على الشَّيْخ ابراهيم الاحسائى واخذ بِبَغْدَاد عَن مفتيها الشَّيْخ متلج وَله مؤلفات مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الالفية للجلال السيوطى وَكتاب فى التعريفات وَكَانَت وَفَاته بِبَغْدَاد فى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف مُحَمَّد الديرى القدسى ينتسب الى السَّيِّد بدر الدّين سَاكن وادى النسور كَانَ مَشْهُورا فى الْقُدس بالصلاح والزهادة حَافِظًا لِلْقُرْآنِ مجودا عابدا تقيا ناسكا لَهُ تهجدات كَانَ لَا ينَام فى النّصْف الاخير من اللَّيْل كثير الْبكاء من خشيَة الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف مُحَمَّد قاضى الْقُضَاة كَانَ فَاضلا صَاحب جاه وحشمة وَفِيه سخاء ومروءة الا أَنه كَانَ يغلب عَلَيْهِ الطمع ولى قَضَاء الْقُدس وَالْمَدينَة ثمَّ ولى الشَّام فى سنة ثَمَانِينَ وَألف وعزل عَنْهَا فولى بعْدهَا قَضَاء أدرنه وَلما دخلت أدرنه كَانَ قَاضِيا بهَا فاجتمعت بِهِ مَرَّات وَكَانَ لَهُ مباحثة جَيِّدَة فى التَّفْسِير ناقشنى فى عِبَارَات سطرت مِنْهَا أَشْيَاء وَكَانَ نَهَضَ بِهِ الْحَظ فى أثْنَاء قَضَائِهِ بادرنه لاقبال الْوَزير الْفَاضِل عَلَيْهِ ووجهت اليه رُتْبَة قَضَاء قسطنطينية ثمَّ عزل وَلم يطلّ بِهِ الْعُمر لِاسْتِيفَاء بعض أمانيه وَكَانَت وَفَاته بقسطنطينية فى سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن دَاخل سور قسطنطينية بِالْمَسْجِدِ الْمَعْرُوف بقوغه جى دده بِالْقربِ من حمام السُّلْطَان سليم مُحَمَّد المتلولي الزيلعى العقيلى الاستاذ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الولى الصَّالح الْمجمع على جلالته وولايته ولد بجازان فى نَيف وَثَلَاثِينَ وَألف وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وَقَرَأَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 مَا يَكْفِيهِ لمعاشه ومعاده وَكَانَ من أحباء الله تَعَالَى وخواص أوليائه المقربين كَبِير الْحَال قوى الْمقَال موثرا للخمول ويأبى الله الا اشتهاره عَظِيم الهيبة كثير السكينَة اذا رَآهُ من لم يعرفهُ تحقق ولَايَته لطيف الطباع متحملا للاذى لَا تكَاد تسمع مِنْهُ كلمة تغيظ وَكَانَ سَيْفا مسلولا اذا ألجئ الى اظهار شئ من الكرامات أَتَى بالعجب العجاب مِنْهَا وَلذَلِك كَانَت تهابه امراء الْبلدَانِ الَّتِى يدخلهَا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَخذ شئ مِنْهُ من المكوس على جارى عَادَتهم وَكَانَ يتستر بالرياسة فى السفن وَاتفقَ لَهُ كثيرا أَنه يخرج بحمول الْبَز الْهِنْدِيَّة من الفرضة فيراها المكاسون حبوبا وَيكون قد أعطَاهُ أَصْحَابهَا عَلَيْهَا شَيْئا على أَن يُخرجهَا لَهُم من غير مكس وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ مُتَوَجّه بعد الْحَج الى الْيمن فى سفينة فى سفر سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَدفن بالقنفذة رَحمَه الله تَعَالَى مُحَمَّد الشهير بالانكورى شيخ الاسلام وعالم الرّوم وفقيهها وَصدر الدولة ووجيهها كَانَ كَبِير الشان متصلبا فى أَحْكَامه مؤيدا فى اتقان اجراء الْحق وَأَحْكَامه فَقِيها مطلعا على النقول والتصحيحات منقحا لما تشعب من الاقوال والتخريجات وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يكن أفقه مِنْهُ فى الْعَصْر الاخير وَلَا أحكم من رَأْيه فى التَّقْرِير والتحرير وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الصمت والسكون لكنه اذا تحرّك جاد جود الْغَيْث الهتون لَازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية وَصَارَ أَمِين الْفَتْوَى فى زمن شيخ الاسلام مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم البورسوى واشتهر بِالْعلمِ وَالْفِقْه ثمَّ ولى قَضَاء ينكى شهر ثمَّ قَضَاء مصر ثمَّ قَضَاء قسطنطينية ثمَّ قَضَاء الْعَسْكَر باناطولى وَكَانَ الْمُفْتى شيخ الاسلام يحيى المنقارى حصل لَهُ عِلّة فى يَده منعته من الْكِتَابَة فاستناب صَاحب التَّرْجَمَة فى الْكِتَابَة على الْفَتَاوَى فاستمر مُدَّة يكْتب على الْفَتَاوَى الى ان عزل المنقارى عَن الْفَتْوَى ووجهت لقاضى الْعسر بروم ايلى شيخ الاسلام على فَوجه قَضَاء روم ايلى لصَاحب التَّرْجَمَة فَأَقَامَ ارْبَعْ سنوات قَاضِيا بالعسكر ثمَّ لما سَافر السُّلْطَان مُحَمَّد من أدرنه الى قسطنطينية فى سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف عزل فى غرَّة جُمَادَى الاولى من هَذِه السّنة وَأعْطى قَضَاء بَلْدَة انكورية على وَجه التَّأْبِيد فَأَقَامَ بداره مشتغلا بالتحرير وَكتب على تنوير الابصار شرحا نفيسا أبان فِيهِ عَن فضل باهر واطلاع تَامّ وانتقد على التمرتاشى انتقادات أَكْثَرهَا مسلمة لَا مجَال للخدش فِيهَا وَقد حَضرته مرّة وَهُوَ يقْرَأ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 فِيهِ ببستانه الْمَعْرُوف بِهِ بقنلجيه فى صُحْبَة صاحبنا الْفَاضِل عبد الباقى بن أَحْمد السمان وَجَمَاعَة من فضلاء المدرسين ثمَّ أُعِيد الى قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى وَلما قتل الْوَزير مصطفى باشا وَاخْتلف أَمر الدولة فى الْعَزْل وَالتَّوْلِيَة طلب لمشيخة الاسلام فوجهت اليه بعد شيخ الاسلام على وَلم تطل مدَّته فِيهَا فتوفى وَكَانَت وَفَاته فى أَوَاخِر ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف عَن نَحْو سبعين سنة رَحمَه الله تَعَالَى مَحْفُوظ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن ابراهيم التمرتاشى الغزى الْفَقِيه الحنفى بن الشَّيْخ الامام صَاحب التَّنْوِير الْعَالم كَانَ فى الْفضل سامى الهضبة بعيد الْغَوْر وتفقه بوالده ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة فَأخذ بهَا عَن شيخ الْحَنَفِيَّة النُّور على ابْن غَانِم المقدسى وَعَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن محب الدّين الشهير بِابْن الذِّئْب وبابن الْمُحب الحنفى وَأخذ النَّحْو عَن الْعَلامَة أَبى بكر الشنوانى وَرجع الى بَلَده وأفادوا وانتفع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم أَخُوهُ الشَّيْخ صَالح الْمُقدم ذكره وَكَانَ ينظم الشّعْر فَمن شعره مَا كتبه الى الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد النبى النويرى معاتبا لامر حصل من أَخِيه الشَّيْخ صَالح الْمَذْكُور فَقَالَ (أخى ان هَذَا العتب مِنْك طَوِيل ... وشمس وجودى بالبعاد أفول) (وودك فى وسط الْفُؤَاد غرسته ... وحاشاى يَوْمًا أَن يُقَال ملول) (ولسنا نقيس الْغَيْر يَوْمًا بذاتكم ... فَلَيْسَ سَوَاء عَالم وجهول) (فانك مِمَّن حَاز فضلا وعفة ... وقدركم بَين الانام جليل) (وأصبحت فى فن الفصاحة مُفردا ... وَلَيْسَ لكم بَين الانام مثيل) (فيا شَاعِر الدُّنْيَا وَيَا خير فَاضل ... وَيَا من لَهُ فضل على جزيل) (لَئِن كَانَ منا صَار مَا يُوجب القلى ... فانت كريم وَالْكَرم يقيل) (وَكن واثقا بى اننى بك واثق ... وَقَول اللواحى والعذول فضول) (وَوَاللَّه سعيى فى الصفاء محبَّة ... اليك وانى للعتاب حمول) (فَلَا زلت فى عز منيع ورفعة ... مدى الدَّهْر من يشنيك فَهُوَ ذليل) (وان دمت فى صد وهجر وجفوة ... تمثلت بَيْتا أنشدته فحول) (خليلى مَا فى دَهْرنَا من معاشر ... صديق واخوان الصفاء قَلِيل) (ومحفوظ أبدى ذَا النظام وَعلمه ... بمنظومكم مَا ان اليه سَبِيل) فَأَجَابَهُ النويرى يَقُوله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 (أتانى نظام فاق درا بِهِ بدا ... بديع معَان هذبته عقول) (تضمنه عتبا حلا لي بَيَانه ... تمنيت أَن العتب فِيهِ يطول) (وحقك يَا مولاى مَا كنت بالذى ... لَهُ فكرة فِيهَا القلاء يجول) (وقلبى بِقَيْد الود مِنْك مُقَيّد ... وَلم يبد للسلوان عَنهُ سَبِيل) (سقيت كؤس الْمَوْت ان ملت فى الْهوى ... وان كنت عَن عهدى الْقَدِيم أَحول) (فانتم منى عينى وبهجة ناظرى ... على فَضلكُمْ دون الانام أعول) (وبعدى عَنْكُم لَيْسَ للصد والقلى ... وَلَكِن لامر صَار فَهُوَ دَلِيل) (فوَاللَّه ذَاك الامر أسهر مقلتى ... وأزعجنى والجسم مِنْهُ نحيل) (رميت من الدَّهْر المغر بنكبة ... خصصت بهَا والدهر صَاح يمِيل) (فصبرا على مَا نالنى من أحبتى ... عساهم يجودوا بِالرِّضَا ويقيلوا) (بحقك يَا مولاى كن عاذرى فقد ... وهى الْجِسْم منى والفؤاد كليل) (فَلَا زلت فى عز عَظِيم ورفعة ... مدى الدَّهْر مَا أبدى العتاب خَلِيل) وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فى سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف السُّلْطَان مَحْمُود بن ابراهيم عَادل شاه السُّلْطَان الدكن الْملك الْمُوفق النَّاصِر للشريعة كَانَ ملكا كثير الْفضل حسن التَّدْبِير سَار فى ولَايَته أحسن سيرة تولى الْملك بعد وَفَاة وَالِده وَتوفى هُوَ فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وفى هَذِه السّنة أُصِيب خرم شاه جهان ابْن جهانكير شاه أكبر مُلُوك الْهِنْد بفالج عطله عَن الْحَرَكَة وَحصل بَين أَوْلَاده حروب كَثِيرَة وَلما أَرَادَ الله تَعَالَى بِالْهِنْدِ خيرا واحسانا وَقدر ظُهُور الْعدْل فيهم كرما وامتنانا أظهر فى خافقها شموس السلطنة بِلَا ريب وأنار فى سَمَاء سلطنتها أنوار بدور الْملك السُّلْطَان أَو رنك زيب وطوى بِسَاط اخوته ونتف حللهم ومزق وَحرق بِنَار المظلومين لباسهم وخرق وَقتل أَخَاهُ دَارا شكوه واقتلعه هُوَ وَأَصْحَابه وَكَانَ دَارا شكوه ذَا ذوق وفطنة بهية وصفات مستحسنة الا أَنه فى اخر عمره صَارَت سيرته مذمومة وأحدث مظالم كَثِيرَة وَقتل أَخَاهُ الثانى مُرَاد بخش وفر مُحَمَّد شُجَاع اخوه الثَّالِث وَلم يعرف أَيْن ذهب وأورنك زيب مِمَّن يُوصف بِالْملكِ الْعَادِل الزَّاهِد وَبلغ من الزّهْد مبلغا أناف فِيهِ على ابْن أدهم فانه مَعَ سَعَة سُلْطَانه يَأْكُل فى شهر رَمَضَان رغيفا من خبز الشّعير من كسب يَمِينه وَيصلى بِالنَّاسِ التَّرَاوِيح وَله نعم بارة وخيرات دارة جدا وَأمر من حِين ولى السلطنة بِرَفْع المكوس والمظالم عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 الْمُسلمين وَنصب الْجِزْيَة بعد أَن لم تكن على الْكفَّار وَتمّ لَهُ ذَلِك مَعَ انه لم يتم لَاحَدَّ من اسلافه اخذ الْجِزْيَة مِنْهُم لكثرتهم وتغلبهم على اقليم الْهِنْد وَأقَام فِيهَا دولة الْعلم وَبَالغ فى تَعْظِيم أَهله وعظمت شوكته وَفتح الفتوحات الْعَظِيمَة وَهُوَ مَعَ كَثْرَة أعدائه وقوتهم غير مبال بهم مشتغل بالعبادات وَلَيْسَ لَهُ فى عصره من الْمُلُوك نَظِير فى حسن السِّيرَة وَالْخَوْف من الله تَعَالَى وَالْقِيَام بنصرة الدّين رَحمَه الله تَعَالَى مَحْمُود بن أَبى بكر الشهير بالمجتهد الشافعى الدمشقى نحوى الزَّمَان وأديبه ومنطيق الدوران وأريبه كَانَ فَاضلا كثير الِاطِّلَاع وفرا لتضلع والاتساع حُلْو النُّكْتَة والمصاحبة لطيف المكالمة والمخاطبة قَرَأَ بِدِمَشْق وَحصل حَتَّى برع فى الْفُنُون الْعَرَبيَّة خُصُوصا النَّحْو فانه كَانَ فِيهِ وحيدا وَألف فِيهِ حَاشِيَة على ابْن عقيل شرح الالفية واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة وَكَانَ لَا يتَكَلَّم الا معربا وَفِيه دعابة لَطِيفَة ويؤثر عَنهُ فى هَذَا الْبَاب مضحكات عَجِيبَة أَعرَضت عَنْهَا لبذاءتها وَكَانَ ينظم الشّعْر فَمن // جيد شعره // قَوْله (كتبت كتبى وسهد الْعين يشْهد لى ... والدمع من ناظرى يشكو لى الغرقا) (وفى فؤادى نيران مؤججة ... كم سودت صحفا من خطه غسقا) (شاكات للحبر كتبا فى المداد بِهِ ... وَصَارَ يبعدنى لما علا وَرقا) (مهلا فيا زمنى بيعتنى كتبا ... سامرتها وعيونى تشتكى الارقا) (كم بت أرتع فى روضات بهجتها ... وأقطع الْحزن سهلا فى الورى طرفا) (كم عَابَ كل خَلِيل بذلها ثمنا ... منى لكل جهول ثار فانحرقا) (وَالله مَا سهرت عيناى فى زمن ... الا وَكَانَ سميرى الْفقر والحرفا) (لَا تعجلن واصبرن ان الاه اذا ... أَرَادَ شَيْئا أَتَاك الرزق مندفقا) (لَا تحسبن بسعى أَنْت نائله ... وَلَا تلح عَلَيْهِ كَانَ مَا رزقا) (وأبذل الْجهد طَوْعًا فى أوامره ... فَلَيْسَ يعجزه رزق وَقد خلقا) (وَلَا ترخص لاهل البغى رزقهم ... وَلَا تلج لَهُم بَابا يفى القلقا) (وَاقْبَلْ نصيحة صب طالما أسفت ... حشاشتى ولسانى طالما نطقا) وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف مَحْمُود بن بَرَكَات بن مُحَمَّد الملقب نور الدّين الباقانى الدمشقى الْفَقِيه الحنفى الْوَاعِظ المتبحر فى الْفِقْه كَانَ كثير الِاطِّلَاع مؤلفا مجيدا حسن التَّنْقِيح للعبارات منقحا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 للمسائل قَرَأَ الْفِقْه على شيخ الاسلام النَّجْم البهنسى خطيب الاموى بِدِمَشْق ولازمه مُدَّة طَوِيلَة وتلمذ لَهُ حَتَّى برع فى فنه وَحضر دروس الْبَدْر الغزى وَكَانَ متدينا ثِقَة صَحِيح الضَّبْط صنف التصانيف المفيدة وانتشرت عَنهُ مِنْهَا شَرحه على النقابة وَشَرحه على ملتقى الابحر وتكملة لِسَان الْحُكَّام وتكملة الْبَحْر الرَّائِق وَاخْتصرَ الْبَحْر فى مُجَلد وَكَانَ يخْتَار فى كتبه نقل الْمسَائِل الغريبة وَملك كتبا كَثِيرَة وَكَانَ يتاجر فِيهَا ويكتسب من ذَلِك مَالا كثيرا ودرس بِدِمَشْق بعدة مدارس وَمَات وَهُوَ مدرس بِالْمَدْرَسَةِ القيمرية البرانية وَكَانَ لَهُ بقْعَة تدريس بالجامع الاموى وَكَانَ يعظ بالجامع الْمَذْكُور بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَكَانَت وَفَاته فى الْمحرم سنة ثَلَاث بعد الالف قَالَ البورينى فى تَارِيخه الى باقا قَرْيَة من قرى نابلس وَهُوَ ولد بِدِمَشْق وأظن ان وَالِده قدم الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وَسكن فى محلّة القيمرية بِدِمَشْق قَالَ النَّجْم وَكَانَ وَالِده من المعمرين أخبر عَن نَفسه أَنه بلغ من الْعُمر مائَة وَعشْرين سنة وانه أدْرك الْحَافِظ ابْن حجر العسقلانى وَبَعض مشايخه وَلم يسلم لَهُ ذَلِك الْعُقَلَاء وَمَات فى سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة مَحْمُود بن صَلَاح الدّين بن أَبى المكارم عِيسَى الفتيانى القدسى من الْفُضَلَاء الاجلاء أَخذ عَن عَمه الْعَلامَة ابراهيم بن عَلَاء الدّين بن أَحْمد وَعَن الشَّيْخ مُحَمَّد الخرشى وَالشَّيْخ مُحَمَّد العلمى وَكَانَ زاهدا فى الدُّنْيَا ملازما لتلاوة الْقُرْآن لَا يخالط أحدا الا فى المذاكرة وَتَوَلَّى امامة الصَّخْرَة وَاسْتمرّ الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى الْمحرم سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَبَيت الفتيانى بالقدس بَيت علم وَصَلَاح وابراهيم الْمَذْكُور من أجلائهم الْمَشْهُورين أَخذ عَن الرملى الْكَبِير وَكَانَ اماما بالصخرة الشَّرِيفَة وَله مؤلفات عديدة مِنْهَا تَذكرته الْمَشْهُورَة على الالسنة وَالله أعلم مَحْمُود بن عبد الحميد المنعوت بِنور الدّين الحميدى الصالحى الحنبلى وَهُوَ سبط شيخ الْحَنَابِلَة الشَّيْخ مُوسَى الحجاوى صَاحب الاقناع كَانَ فَاضلا فَقِيها مُتَمَكنًا اشْتغل بِالْعلمِ وسافر الى الْقَاهِرَة لطلب الْعلم مَعَ التِّجَارَة فَأكْرم مثواه خَاله الشَّيْخ يحيى الحجاوى واشتغل عِنْده فى الْعُلُوم وَقَرَأَ عَلَيْهِ وعَلى غَيره وبرع ثمَّ رَجَعَ الى دمشق فلازم ابْن المنقار وانتسب اليه فسعى لَهُ فى النِّيَابَة فى الْقَضَاء فَوَلِيه بالصالحية ثمَّ بالكبرى وَفضل عَن ابْن الشويكى لديانته ثمَّ لما مَاتَ القاضى شمس الدّين سبط الرجيحى نقل الى مَكَانَهُ بِالْبَابِ فتغيرت أطواره وَتَنَاول وَتوسع فى الدُّنْيَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 وَأَنْشَأَ عقارات وَعظم أمره وَتقدم على النواب لسنه وَمد أياديه وتصرفه مَعَ استحضاره لمسائل الْقَضَاء حَتَّى كَانَ يُؤَاخذ على غَيره من النواب من غير أهل مذْهبه وَحصل عَلَيْهِ محنة أَيَّام الْحَافِظ أَحْمد باشا فَأخذ مِنْهُ مبلغا لَهُ صُورَة ثمَّ جرت لَهُ محنة أُخْرَى فى نِيَابَة جركس مُحَمَّد باشا وَأخذ مِنْهُ مَالا أَيْضا غير أَنه تلافى خاطره وَوَقع فى آخر الامر بَينه وَبَين القاضى يُوسُف بن كريم الدّين ثمَّ مرض وَطَالَ مَرضه من الْقَهْر وَلما علم أَنه لم يبْق مِنْهُ رجوى بذل مَالا لقاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى عبد الله بن مَحْمُود العباسى على أَن يُولى نِيَابَة الْبَاب لوَلَده القاضى مُحَمَّد فولاه يَوْمًا وَاحِدًا ثمَّ سعى الكريمى عِنْد القاضى بِأَن يُولى نِيَابَة الْبَاب للقاضى عبد اللَّطِيف بن الشَّيْخ أَحْمد الوفائى وَأَن يُولى ابْن الحميدى بالمحكمة الْكُبْرَى مَكَان القاضى عبد اللَّطِيف فَفعل وَلم يتم للقاضى مَحْمُود مُرَاده وَكَانَ المَال الذى بذله فى مُقَابلَة نِيَابَة الْبَاب صَار فى مُقَابلَة نِيَابَة الْكُبْرَى وَلَو لم يقبلهَا الضاع عَلَيْهِ المَال فبقى فى حزنه وغيظه وقوى عَلَيْهِ الْمَرَض فَمَاتَ مقهورا بعد ان أقعد شهورا وَكَانَت وَفَاته فى يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الاولى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير مَحْمُود بن عبد الله الموصلى الحنفى مفتى الْموصل ورئيسها الْمَشْهُور عِنْد الْخَاص وَالْعَام بالعلوم الشَّرْعِيَّة والفنون الْعَقْلِيَّة ولد بالموصل بهَا نَشأ واشتغل بالعلوم وتفنن فى علم النّظر وَالْكَلَام وَالْحكمَة وبرع فى جَمِيع ذَلِك ورحل الى حلب وَأقَام بهَا مُدَّة وَأخذ بهَا عَن النَّجْم الحلفاوى وابراهيم الكردى وأبى الوفا العرضى وَالْجمال البابولى وَغَيرهم وأجازوه وَرجع الى بَلَده وَمكث مُدَّة ورحل الى الديار الرومية وحظى عِنْد الصَّدْر الْفَاضِل وَبَقِيَّة كبرائها وَأخذ عَن جمع بهَا وَولى افتاء بَلَده الْموصل وَرجع اليها وَأقَام بهَا يشْتَغل باقراء الْعُلُوم وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَكَانَت الْمسَائِل المشكلة ترد عَلَيْهِ فيجيب عَنْهَا بِأَحْسَن جَوَاب وأتقن خطاب وَكَانَ عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية والتركية وَله تصانيف مِنْهَا حَاشِيَة على التَّلْوِيح وحاشية على البيضاوى ونظم حسن وَكَانَ سهلا ذَا دين متين وتقوى ويقين صَادِق اللهجة مواظبا على السّنَن النَّبَوِيَّة والنوافل الشَّرْعِيَّة حسن السمت رَقِيق الْقلب كَامِل الْعقل مُعْتَقدًا للسادة الصُّوفِيَّة وَحج فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وَأخذ عَنهُ جمَاعَة بالحرمين مِنْهُم صاحبنا الْفَاضِل الاديب والكامل الاريب الشَّيْخ مصطفى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 ابْن فتح الله وَطلب مِنْهُ أَن يُجِيزهُ فَأَجَابَهُ بديهة بقوله (انى أجزت الْمُصْطَفى الفتحى بِمَا ... أرويه عَن أَشْيَاخ أهل الْموصل) (ومحققى أهل الْعرَاق وجلق ... وَالروم والشهباء أكْرم منزل) (وَبِكُل مَا ألفته ونظمته ... ونقلته عَن كل عذب المنهل) (وَبِمَا يطول اذا ذكرت جَمِيعه ... بل بعضه فكفايتى بالافضل) (أعنى البخارى الصَّحِيح وَمُسلمًا ... وَبَقِيَّة السِّت الشهيرة فانقل) (عَن شَيخنَا العرضى وَهُوَ أَبُو الوفا ... عَن عَالم الشهبا الامام الافضل) (عمر أَبِيه عَن أَبِيه ذى التقى ... عبد لوهاب عَن الشَّيْخ الولى) (زكرينا عَن حَافظ الدُّنْيَا شهَاب الدّين أَحْمد بن سيدنَا على ... ) (العسقلانى الْحفاظ الحبر الذى ... ينْهَى اليه كل ذى سَنَد على) (وَجَمِيع مَا يرويهِ فى فهرسته ... اطلبه فِيهِ تَجدهُ ثمَّة وادع لى) وَلما رَجَعَ من الْحَج توفى بحلب وَدفن بهَا وَكَانَت وَفَاته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف عَن ثَلَاث وثماتنين سنة تَقْرِيبًا مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسن البابى ثمَّ الحلبى الْمَعْرُوف بِابْن البيلونى الْعَدْوى الشافعى الشَّيْخ أَبُو الثَّنَاء نور الدّين الامام الْعَالم المقرى الْمُحدث من صرف عمره فى الْعلم تعلما وتعليما نَشأ فى حجر عَمه أَبى الْيُسْر مُحَمَّد البيلونى امام الحجازية بحلب لوفاة وَالِده وَهُوَ صَغِير ثمَّ حفظ الْقُرْآن وَقَرَأَ للسبعة على الشَّيْخ الضَّرِير ابراهيم القابونى ثمَّ قَرَأَ على الشَّيْخ الامام عبد الْوَهَّاب العرضى فى المهاج الفرعى ثمَّ على الشَّيْخ عبد الْقَادِر التكسيرى حِصَّة فى الارشاد لِابْنِ المقرى ولازم الرضى بن الحنبلى كثيرا فَقَرَأَ عَلَيْهِ وَسمع مِنْهُ وَحضر دروسه طرفى النَّهَار واستفاد مِنْهُ وترقى على يَده وَأخذ عَنهُ مَعَ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية الحَدِيث وَعَن أَبِيه الْبُرْهَان الحنبلى صحيحى البخارى وَمُسلم اجازة فى مرض الْبُرْهَان وَعَن الشَّيْخ الْمُوفق شيخ الشُّيُوخ الْكتب السِّتَّة اجازة وَكتب استدعاء الى مصر ودمشق فَكتب لَهُ محدثوهما وعلماؤهما وَلما حج فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة اجْتمع بعالم الْحجاز الشهَاب أَحْمد ابْن حجر الهيتمى وَكتب لَهُ اجازة طنانة بالافتاء والتدريس وَلم يجْتَمع بِهِ الا أَيَّام الْحَج فَقَط فانه لم يجاور ثمَّ عَاد الى حلب وَقد فضل فى حَيَاة شَيْخه ابْن الحنبلى فَكَانَ يدرس فى زَمَانه وَكَانَ ابْن الحنبلى يجله وَأخذ عَنهُ جمع كثير مِنْهُم شيخ حلب عمر العرضى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وَذكره فى تَارِيخه وَذكر مقروآته عَلَيْهِ قَالَ ثمَّ اشْتغل بخويصة نَفسه وَجلسَ فى بَيته وَعمر لَهُ ابراهيم باشا جَامعه الذى بِجَانِب دَاره وَجعل فِيهِ خطْبَة وَبنى لَهُ مَنَارَة وَانْقطع فِيهِ وَلم يخرج الا للحمام حَالَة الِاحْتِيَاج اليه وَأَقْبل النَّاس عَلَيْهِ يثنون عَلَيْهِ وينسبون اليه الصّلاح ويصفونه بالانقطاع وَثقل سَمعه وَضعف بَصَره واشتغل بِمُجَرَّد تِلَاوَة الْقُرْآن والاشتغال بمصالح عِيَاله وكف الْجَوَارِح وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ رجل صَالح فَاضل لَا شكّ فى ذَلِك قَالَ النَّجْم فى تَرْجَمته بعد أَن قَالَ شَيخنَا وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم حفظا متينا مَعَ التجويد متينا مَعَ التجويد والاتقان فِيهِ مَعَ تبحره فى النَّحْو وَالصرْف والمعانى وَالْبَيَان والمنطق والهيئة وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه والاصول ومعارف الصُّوفِيَّة وَكَانَ اذا تكلم فى فن من الْعُلُوم يَقُول سامعه لَا يحسن غَيره وَكَانَ مَعَ ذَلِك يظْهر لَهُ كشف فى مَجْلِسه واشراق على قُلُوب جُلَسَائِهِ قدم علينا دمشق قَاصِدا الْحَج على طَرِيق مصر فى سادس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع بعد الالف وَأخْبر أَنه أَخذ الْعلم أَيْضا عَن منلا مصلح الدّين اللارى وَسمع الحَدِيث من الشَّيْخ برهَان الدّين العمادى وَأَجَازَهُ الشَّيْخ نجم الدّين الغيطى مُكَاتبَة قَالَ وَحضر درسى بالجامع الاموى تجاه سيدى يحيى عَلَيْهِ السَّلَام عَشِيَّة فى أثْنَاء رَجَب هُوَ وجماعته وَشَيخنَا القاضى محب الدّين ثمَّ ذَهَبُوا لضيافتى وحضروا عندى لَيْلَة كَامِلَة كَانَت لَيْلَة مَشْهُودَة وخطر لى فى لَيْلَة النّصْف من رَجَب أَن أستحيزه بالافتاء والتدريس فَلَمَّا أَصبَحت ذهبت لزيارته وَكَانَ نزل بالعادلية الصُّغْرَى دَاخل دمشق فرأيته قد كتب لى اجازة بالافتاء والتدريس وَدفعهَا الى وَكَانَ يُقَابل من يأتى للسلام عَلَيْهِ بالبشاشة والاقبال ويبادر الى اسماع الحَدِيث المسلسل بالاولية وَكَانَ من افراد الدَّهْر عَلَيْهِ جلالة الْعلم وأبهة الْفضل ونورانية الْعِبَادَة يتوقد وجهة نورا وَيشْهد لَهُ من رَآهُ أَنه من الْعلمَاء العاملين والاولياء الصَّالِحين وَمن شعره وَهُوَ مِمَّا تلقيناه عَنهُ وأجازنا بِهِ وَكَانَ حصل لَهُ مرض حِين تمّ لَهُ سِتُّونَ من عمره فَقَالَ (لما وعكت بغاية السِّتين ... جافيت كل دنية فى الدّين) (وبذلت جهدى فى الْعُلُوم ونشرها ... للعاملين بهَا ليَوْم الدّين) وَمِنْه أَيْضا (اقنع بِمَا لابد مِنْهُ وكف عَمَّا قد بدا مِمَّا عَلَيْهِ النَّاس ... ) (واذا كَفَفْت عَن الذى فتنُوا بِهِ ... ذهبت همومك والعنا والباس) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 وَمِنْه (ربع قواى من سِنِين قد عَفا ... وَالْحب أبدال الْوِصَال بالجفا) (والدمع من أجفان عينى وكفا ... فحسبى الله تَعَالَى وَكفى) قَالَ ورأيناه أطروشا لَا يسمع الا باسماع فى أُذُنه وَقَالَ من نعم الله تَعَالَى على هَذَا الطرش فانى لَا أسمع غيبَة وَلَا غَيرهَا الا أَنى أسمع قِرَاءَة الْقُرْآن اذا قرى عندى وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ من أَفْرَاد الْعَصْر واعجوبة من أَعَاجِيب الدَّهْر ثمَّ ذكر سَنَده فى الحَدِيث المسلسل بالاولية وعقبه بقوله ثمَّ انه سَافر فى أَوَاخِر رَجَب الْمَذْكُور من دمشق الى مصرفمات بهَا فى رَمَضَان أَو بعده قَالَ العرضى فى شَوَّال سنة سبع الْمَذْكُورَة قَالَ النَّجْم وَحضر جنَازَته وَالصَّلَاة عَلَيْهِ قاضى قُضَاة مصر اذ ذَاك يحيى بن زَكَرِيَّا قَالَ النَّجْم مُحدثا عَنهُ انه لما ورد حلب مَعَ أَبِيه زَكَرِيَّا حاجين اجْتمع بشيخنا صَاحب التَّرْجَمَة وَقَالَ لَهُ نرَاك ان شَاءَ الله قَاضِيا بحلب ثمَّ بِمصْر قَالَ فَلَمَّا وليت حلب كنت أعتقد الشَّيْخ وأتأول كَلَامه ثمَّ بِمصْر ثمَّ تكون قَاضِيا بِمصْر وَلم أتحقق أَن الْمَعْطُوف مُتَعَلقا مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فى حكم وَاحِد تعقله الرُّؤْيَة فَلَمَّا وليت قَضَاء مصر زَاد اعتقادى فى الشَّيْخ على التَّأْوِيل الْمَذْكُور حَتَّى تحققت ذَلِك الْآن حِين رآنى الشَّيْخ قَاضِيا بِمصْر قبل مَوته وَظهر لى صدق كشف الشَّيْخ رَحمَه الله تَعَالَى مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عِيسَى بن ابراهيم الْعَدْوى القاضى نور الدّين الصالحى الشافعى الْمَعْرُوف بالزوكاري قَرَأَ على المنلا أَسد وَالشَّمْس بن المنقار فى الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا وَكَانَ من أصلح النواب فى وقته وَكَانَ عزل مُدَّة وَولى مَكَّة القاضى عبد اللَّطِيف بن الجابى ثمَّ لما مَاتَ ابْن الجابى ردَّتْ اليه النِّيَابَة فبقى نَائِبا الى أَن مَاتَ لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثانى ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بسفح قاسيون وَكَانَ قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى عبد الله بن مَحْمُود العباسى قد عزل قبل مَوته فَبَقيت نِيَابَة الْبَاب معطلة حَتَّى دخل الْمولى أَبُو سعيد فولاها القاضى بدر الدّين حسن الموصلى فوليها بعد أَن جلس على سجادة الصُّوفِيَّة مَكَان أَخِيه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن سِنِين وَالله أعلم مَحْمُود بن مُحَمَّد أَبُو الْفضل قاضى الْعَسْكَر الشهير بقره جلبى زَاده الصَّدْر الْكَبِير وَالْبَحْر الْعَزِيز عديم النظير والبديل فقيد المثيل والعديل صَاحب مَكَارِم الاخلاق الْمَشْهُور بكرم الْقَلَم فى الْآفَاق حصل من الْفضل والافضال وَجمع المَال والنوال مَا لَا يُمكن وَصفه وعده وَلَا يتَصَوَّر ضَبطه وَحده وَهُوَ من بَيت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 قديم كَبِير بَين الانام شهير لَازم من شيخ الاسلام أَبى الميامن ثمَّ حج فى خدة وَالِده قاضى الْعَسْكَر فى سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف ثمَّ تدرج فى الْمدَارِس حَتَّى وصل الى الْمدرسَة السليمانية وَولى قَضَاء ينكى شهر ثمَّ قَضَاء مَكَّة المكرمة وَقدم إِلَى دمشق فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَنقل إِلَى قَضَاء دمشق وَهُوَ لم يخرج مِنْهَا وَكَانَ ابْتِدَاء تَوليته نَهَار الثلاثا سَابِع عشر شَوَّال من هَذِه السّنة وَكَانَ فى قَضَائِهِ معتدلا ملاطفا وَشَاهد مِنْهُ فضلاء دمشق رِعَايَة واقبالا ومدحه شعراؤها بالقصائد النفيسة مِنْهُم أَحْمد بن شاهين فانه مدحه بقصيدة مطْلعهَا هَذَا (نسجت حاكة الرّبيع برودا ... واقتنت صاغة النسيم عقودا) (تِلْكَ تكسو بهَا الرياض وهذى ... لتحلى الغصون جيدا فجيدا) (سلبت فى الخريف عقدا وبردا ... فكساها الرّبيع مِنْهُ برودا) (فَكَانَ الرياض حِين أبانت ... خفرات أَتَت تريك الخدودا) (وتثنت ملد الغصون فخلنا ... أَنَّهَا خرد أمالت قدودا) (ورأينا أكمة النُّور تزهى ... فاجتلينا من الكعاب النهودا) (حاكت الرّيح فى الجداول درعا ... مُحكم النسيج سابغا مسرودا) (خادمت بُرْهَة سُلَيْمَان فى الْملك فحاكى صنيعها داودا ... ) (أتقنت صَنْعَة اللبوس فضاهت ... بنسيج الْمِيَاه درعا جَدِيدا) (فَتَأمل ترى الخمائل غيدا ... نظمت فى النحور مِنْهَا الفريدا) (مَا شككنا أَن الرياض جنان الْخلد حسنا أَن لَو تَسَاوَت خلودا ... ) (واذا مَا أردْت تحظى بروض ... دَائِم الْبشر يممن مَحْمُودًا) (خلق يسلب الرياض ذكاها ... وَيَد تسلب السَّحَاب الجودا) (وسجايا كانها الزهر فارغب ... عَن ذَا الزهر واطلبن المزيدا) (انما الْفضل فى الانام لمولى ... همه أَن يُفِيد أَو يستفيدا) (عَالم وَابْن عَالم فَتَأمل ... كَيفَ ذَا الشبل رَاح يقفو والاسودا) (متع الله سيدى بِأَبِيهِ ... ليرى مِنْك والدا وحفيدا) (والدا حُزْته أم الْمجد أضحى ... والدا جَاءَ بالعلا مولودا) الى أَن قَالَ فِيهَا (يَا ابْن قاضى العساكر الغر سمعا ... لنظام كالدر جَاءَ نضيدا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 (بهجة الشّعْر فى النشيد وهذى ... قصتى كلهَا تزين النشيدا) (كَانَ رأيى وَقد أردْت مديحا ... فِيك يَا رونق المديح سديدا) (وابق للدهر نصْرَة ودراء ... مَا غَدا العيض فى حماك رغيدا) (لَيْلَة نجتليه لَيْلَة قدر ... وَكَذَا الْيَوْم مهرجانا وعيدا) ثمَّ نقل الى قَضَاء مصر ثمَّ قَضَاء قسطنطينية فى رَابِع صفر سنة أَربع وَأَرْبَعين ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولى سنة خمس وَأَرْبَعين ثمَّ عزل ووجهت إِلَيْهِ رُتْبَة قَضَاء روم أيلي ثمَّ ولي قَضَاء روم أيلي فِي شهر ربيع الاول سنة سبع وَخمسين وَاتفقَ أَنه ولى زوج بنته الْمولى حُسَيْن الشهير بالخوجه قَضَاء أَنا طولى وَكَانَ السُّلْطَان ابراهيم مُقبلا عَلَيْهِمَا مَا نعقد على صدارتهما الِاتِّفَاق وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة كريم الطَّبْع جدا كَمَا ذكرت فبسبب ذَلِك أَدخل فى طَرِيق الموالى أجانب ونماهم فَنَشَأَ بذلك الابتذال وَدخُول الاسافل والانذال ثمَّ عزل وأنشده أديب الزَّمَان الامير منجك يَوْم عَزله هَذِه الابيات (يَا ابْن الْكِرَام الالى شادت عزائمهم ... بَيْتا جَلِيلًا كبيت الله نعرفه) (أَنْت الْكَبِير الذى لَا عزل ينقصهُ ... قدرا وَلَا النّسَب العالى يشرفه) (ولوسعى جهده الْمَعْرُوف مختبرا ... لم يلف غَيْرك فى الدُّنْيَا فيألفه) (عبيد نعماك لَا يَخْشونَ من سرف ... ان أتلف الدَّهْر شَيْئا أَنْت تخلفه) ثمَّ أُعِيد الى قَضَاء روم ايلى وَعمر مدرسة لَطِيفَة بِالْقربِ من جَامع الشهزاده بقسطنطينية وَصرف عَلَيْهَا مَالا جزيلا وَكَانَ ذَا حلم وأناة وتواضع لَا يعرف الْغَضَب محبا بالطبع لابناء الْعَرَب وَكَانَ ينظم الشّعْر العربى وَمن شعره وقفت لَهُ على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ كتبهما على ديوَان بِخَط العناياتى وهما (لَك الْحَمد اللَّهُمَّ فى كل أوقاتى ... بمنك لطفا لم يزل بالعناياتى) (على أننى مَا زلت أشكر نعْمَة ... بِتَمْلِيك ديوَان بِخَط العناياتى) وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمدرسة الَّتِى أَنْشَأَهَا رَحمَه الله تَعَالَى مَحْمُود بن يُونُس بن يُوسُف الملقب شرف الدّين الْخَطِيب الطَّبِيب رَئِيس الاطباء وخطيب الخطباء بِدِمَشْق الشهير بالحكيم الاعرج الحنفى الْمَشْهُور قرآ فى الْفِقْه على الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب خطيب الْجَامِع الاموى وفى الطِّبّ على أَبِيه وفى القراآت والتجويد على الشهَاب الطيبى وَولى امامة الْمَقْصُورَة بالاموى سِنِين ثمَّ فرغ عَنْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 للشَّيْخ نَاصِر الدّين الرملى الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى وَولى خطابة الاموى شركَة الشَّيْخ يحيى البهنسى ثمَّ جَاءَ بِحكم سلطانى أَن لَا يخْطب الْعِيدَيْنِ الا هُوَ ثمَّ تفرغ آخر الامر عَن شطر الخطابة لشَرِيكه الشَّيْخ يحيى الْمَذْكُور وَحج فى سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فَأخذ عَن عَالم مَكَّة الشهَاب أَحْمد بن حجر الهيثمى وَعَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن فَهد وَغَيرهمَا ودرس بالخاتونية وبالجقمقية وَكَانَ يستلف أجور أوقافهما وَكَانَ لَهُ تبذبر وَسُوء تَدْبِير فى معيشته وعَلى كل حَال فقد كَانَ مَذْمُوم السِّيرَة مَعْرُوفا بِالْكبرِ وَالْخُيَلَاء وَكَانَ يتجرى على الْفَتْوَى مَعَ أَنه كَانَ يقصر عَن رتبتها وَوَقعت لَهُ محنة بِسَبَب قتيا انحرف عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا قاضى الْقُضَاة الْمولى مصطفى بن بُسْتَان ورد عَلَيْهِ الْفَاضِل أَحْمد بن اسكندر أحد جمَاعَة القاضى الْمَذْكُور فى رِسَالَة قرظ عَلَيْهَا عُلَمَاء ذَلِك الزَّمَان مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد بن خصيب وَتقدم تقريظه وَمِنْهُم البورينى وَمن جملَة مَا قَالَه فى تقريظه وَقد وقفت على هَذِه الرسَالَة وقُوف وامق على مرابع عذرا وأجلت طرف طرفى فى مضمار بلاغتها اجالة ابْن عباد لحظه فى مراتع الزهرا (ونادمتها وَاللَّيْل مرخ ستوره ... كأنى جميل زار ربع بثينة) فَمَا زلت أغترف من حياضها وأقتطف من رياضها رَاوِيا عَنْهَا غيث الادب الذى انسجم نَاقِلا عَنْهَا الفصحاء الْعَرَب مَا يزرى بلامية الْعَجم قَائِلا لله در مؤلفها فَلَقَد فتح من البلاغة بَابا مقفلا ومنح من صِحَاح أَلْفَاظه لاهل الادب مُجملا ومفصلا بيد أَنَّهَا ترجمت عَن أَوْصَاف صَادِقَة على مَوْصُوف وَحدثت عَن اقتراف من هُوَ بالمنكر مَعْرُوف فتعجبت من بعد المبنى عَنهُ مَعَ قرب الْمَعْنى وأفكرت فى كَمَال يجْتَمع مَعَ النَّقْص فى منزل ومغنى فَقلت أما الاوصاف فانها عَلَيْهِ صَادِقَة وَأما الالفاظ بفضلته غير لائقة فَعلمت أَن ذَلِك كَمَا يحْكى عَن أَبى زيد الذى كَانَ تعارجه لكيد وصيد وَمن أَيْن هَذِه التراكيب لمن انحل تركيبه واختل مَا بَين أهل الْكَمَال ترتيبه ولعمرى لقد حدث عَنهُ لِسَان الرسَالَة فوعى من الْكثير قَلِيلا وَاخْتصرَ فى ايضاح بَيَانه والمتن يحْتَمل شرحا طَويلا على أَن فى اعتذار الْمُؤلف عَن عدم التكثير مندوحة بقوله والقطرة تنبئ عَن الغدير اعلاما بِأَن البعرة تدل على الْبَعِير اشارة الى وقُوف السقطات وَكَثْرَة المخازى والجهالات فَمن ذَلِك رِوَايَته للْحَدِيث من غير معرفَة كَلَام الْعَرَب ودخوله قَوْله من كذب هَذَا مَعَ عدم الاجازة الْمَأْخُوذَة لرِوَايَة الحَدِيث لَا فى زَمَنه السَّابِق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 وَلَا فى وقته الحَدِيث وَمِنْهَا أَنه يدعى الْوَعْظ وَلَيْسَ متعظا وَمِنْهَا مداومته على اغتياب من شِمَاله أندى من يَمِينه وغثه مَا زَالَ أَنْفَع من سمينه فالى مَتى يقْرض الاعراض السليمه وهلا اشْتغل باحواله الحائلة السقيمة لَيْت شعرى أى بَاب من الزلل مَا دخل اليه وأى نوع من الخطل مَا أَقَامَ عاكفا عَلَيْهِ على أَنه من يغتابه من المذمة سليم خَالص وَمَا زَالَ يتَمَثَّل بقول الشَّاعِر (واذا أتتك مذمتى من نَاقص ... ) وَمِنْهَا جُلُوسه مَعَ زعنفة لم تحنكهم التجارب وَلم يزِيدُوا فى الْفضل على صبيان الْمكَاتب موهما أَنه انتظم فى سلك الافاضل مخيلا أَنه ورد من مياه الْفضل أعذب المناهل مفاخرا بالاشعار الَّتِى لَو أنصف دَفعهَا الى أَهلهَا وَلما تكلّف من غير انْتِفَاع بهَا مشقة حملهَا فَهُوَ جَالس بَين الْقُبُور طَالبا للنزال أَو كملهوف الى الْورْد قانعا بالآل عَن الزلَال (واذا مَا خلا الجبان بِأَرْض ... طلب الطعْن وَحده والنزالا) وَمِنْهَا أَنه يشمخ بِأَنْفِهِ على عِصَابَة هم جمال الانام وبمثلهم تفتخر الليالى والايام مَعَ حقارة مَتَاعه وَقصر بَاعه فيالله الْعجب مِمَّن سقط عَن مرتبَة الطّلب كَيفَ يترقى الى معالى الرتب (مَا لمن ينصب الحبائل أَرضًا ... ثمَّ يَرْجُو بِأَن يصيد الهلالا) فيا أَيهَا الناكب عَن طَرِيق الصَّوَاب الذَّاهِب فى غير مَذَاهِب أولى الالباب وَيحك الى مَتى تتوكأ على العكاز وتدعى بَين النَّاس أَنَّك من أهل البرَاز وَيلك هلا وقفت فى مجازك وَمَا تعديت من حقيقتك الى مجازك (وَمن جهلت نَفسه قدره ... رأى غَيره مِنْهُ مَا لَا يرى) ولعمرى لقد كَاد زيفك أَن يروج وَقربت على عرجك من العروج لَكِن قبض الله لَك ناقدا بَصيرًا وعالما كَامِلا خَبِيرا فأظهر عوارك الذى كنت تخفيه وَأبْدى من حالك مَا لم تكن تبديه وَذَلِكَ عَلامَة الْمُحَقِّقين بِلَا نزاع وخاتمة المدققين من غير دفاع هُوَ من أَقُول فِيهِ من غير وَلَا تمويه (هَذَا الْهمام الذى من عز سطوته ... أَمْسَى الذى رام ظلم الْخلق مبتذلا) (هَذَا الذى مذ بدا فى الشَّام صافحها ... كف السرُور وعنها الْهم قد رحلا) (قاضى الْقُضَاة ابْن بُسْتَان الذى شملت ... عواطف الْفضل مِنْهُ السهل والجبلا) (قد انجلت عِنْده كل الامور كَمَا ... عَن البرايا ظلام الظَّالِمين جلا) (من در مَنْطِقه أَو نور طلعته ... طول الزَّمَان يحلى السّمع والمقلا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 انْتهى قَالَ النَّجْم وَكَانَ حسن الصَّوْت الا انه كَانَ يلحن فى قِرَاءَته ويطرب فى خطبَته ويطيل بِسَبَب ذَلِك وَكَانَ النَّاس يمقتونه ويسبونه بِسَبَب التَّطْوِيل وَكَانَ يلبس عِمَامَة كَبِيرَة مكورة وَله عرج وَقصر وَهُوَ مَعَ ذَلِك يتبختر ويتخذ غُلَاما أَمْرَد من أَبنَاء النَّاس يمشى خَلفه وَرُبمَا يلْتَفت ويخاطبه فى الطَّرِيق وكل مِنْهُمَا يرفل فى زينته وَكَانَ يعرف التركية واذا تكلم بهَا تبجح ازراء بأبناء الْعَرَب وَهُوَ لَيْسَ الا مِنْهُم وَكَانَت فضيلته جزئية الا أَن جراءته كُلية وَكَانَ اخْتَلَّ مزاجه مُدَّة تقرب من سنتَيْن وَحصل لَهُ طرف من الفالج ثمَّ مَاتَ فجاءة يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع وعشرى شعْبَان سنة ثَمَان بعد الالف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير الشَّيْخ مَحْمُود الاسكدارى قطب الاقطاب ومظهر فيوضات رب الارباب مهدى الزَّمَان ومرشد الْعَصْر والاوان (هُوَ الدّين وَالدُّنْيَا هُوَ اللَّفْظ وَالْمعْنَى ... هُوَ الْغَايَة القصوى هُوَ الذرْوَة الْعليا) أَصله من بَلْدَة سورى حِصَار ولد بهَا ثمَّ لزم التَّحْصِيل الى ان برع ونظم الشّعْر وَكَانَ يتَخَلَّص على عَادَتهم بهدايى وَخرج من بَلَده الى قسطنطينية فوصل الى نَاظر زَاده وتلمذ لَهُ فَلَمَّا تمت عمَارَة مدرسة السُّلْطَان الَّتِى بأدرنه وجهت ابْتِدَاء لاستاذه الْمَذْكُور فَصَارَ بهَا معيدا فى سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة ولازم مِنْهُ وَلما ولى قَضَاء الشَّام ومصر كَانَ فى صحبته وَولى بهما بعض النيابات ثمَّ فى الْمحرم سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة أعْطى الْمدرسَة الفرهادية ببروسه بهَا نِيَابَة الْجَامِع الْعَتِيق فاتفق انه عزّر بعض الصلحاء لامر دَعَا الى ذَلِك فَرَأى فى تِلْكَ اللَّيْلَة فى مَنَامه كانه جئ بِهِ للفرجة على جَهَنَّم فَرَأى فِيهَا أُنَاسًا كَانَ يظنّ انهم لِكَثْرَة صَلَاحهمْ فى صدر الْجنَّة وَمِنْهُم أستاذه نَاظر زَاده وَكَانَ اسْمه رَمَضَان وَكَانَ مَشْهُورا بالديانة والاستقامة فتأثر من هَذِه الرُّؤْيَا وَلم يخرج عَلَيْهِ النَّهَار الا وَقد بَاعَ جَمِيع مَا يملكهُ وَترك النِّيَابَة والمدرسة وَذهب الى الشَّيْخ افتاده الْمَشْهُور وَأخذ عَنهُ وجد كثيرا وَكَانَ يلازم الرياضة ويبالغ فِيهَا الى النِّهَايَة حكى عَنهُ انه قَالَ كَانَ بعض أحباب الاستاذ قد مَاتَ فرأيته بعد مُدَّة فى عَالم الْيَقَظَة وَهُوَ خَارج من بَاب الشَّيْخ فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم على ثمَّ دخلت الى الشَّيْخ وأخبرته بذلك وَقلت لَهُ أَهَذا غلط خيال أَو وَاقعَة مَنَام فَقَالَ لى يَا ولدى قد قويت روحك بالرياضة فَمَا رَأَيْته من آثارها وَأَنا كنت أَيَّام رياضتى اذا دخلت السُّوق أَحْيَانًا أرى من الاموات أَكثر مَا ارى من الاحياء قلت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 وَقد نقل الشَّيْخ مَحْمُود صَاحب التَّرْجَمَة روح الله تَعَالَى روحه فى رِسَالَة لَهُ سَمَّاهَا بِجَامِع الْفَضَائِل ان بعض أهل السلوك اذا تصفى يرى الْمَوْتَى عيَانًا وَعَن بعض الْفُقَرَاء قَالَ كنت فى بداية سلوكى ببروسه المحروسه وَكَانَ بمحلتنا رجل مُؤذن بِجَامِع مَوْلَانَا الفنارى فَمَاتَ ذَلِك الْمُؤَذّن وَمضى عَلَيْهِ ايام كَثِيرَة وَذَهَبت الى شيخى قدس سره بعد صَلَاة الصُّبْح فَلَقِيت الْمُؤَذّن الْمَذْكُور فى الطَّرِيق وَمَعَهُ شخص آخر لَا أعرفهُ وَكَانَ الثَّلج ينزل علينا فَسلمت ومضيت ثمَّ ذكرت الْقِصَّة للشَّيْخ فَقَالَ هَذَا بِسَبَب رياضتك اياما وَكَانَت رياضى خبْزًا يَابسا ثمَّ قَالَ الشَّيْخ قدس سره قد لقِيت أَنا بعض الْمَوْتَى فى سكَّة زقاق السلك ببروسة المحروسة وَرَأَيْت الْفَقِير فى اجازة القطب الربانى الشَّيْخ مَنْصُور الْمحلى نزيل الصابونية أجَاز بهَا بعض الْفُضَلَاء عِنْد مَا ذكر اشياخه الَّذين أَخذ عَنْهُم قَالَ وَمِنْهُم وَهُوَ أَوَّلهمْ صَاحب الدّين المتين الذى اشْتهر أَنه يقرى الْجِنّ الشَّيْخ يس المالكى وَمن أعجب مَا سَمِعت مِنْهُ انه قَالَ جاءتنى أمى فى الْمَنَام وَقَالَت لى يَابِس فى خاطرى شنبر اسود فَأخذت لَهَا شنبرا وَوَضَعته تَحت رأسى فَجَاءَت وأخذته وَمِمَّا سمعته مِنْهُ أَيْضا انه قَالَ جزت يَوْمًا بِالسوقِ فَرَأَيْت فلَانا الْمَيِّت وَاقِفًا على اللحام فَقلت لَهُ مَا الذى أوقفك هَهُنَا فَقَالَ فُلَانَة جَاءَت البارحة وَأَنا اشْترى لَهَا لَحْمًا تطبخه لنا وامثال هَذَا كثير عودا الى تَتِمَّة التَّرْجَمَة وَلما اكمل الشَّيْخ مَحْمُود الطَّرِيق على شَيْخه الْمَذْكُور ورد الى اسكدار وَاخْتَارَ الاقامة بهَا ثمَّ فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف اعطى الْوَعْظ والتذكير والتحديث وَالتَّفْسِير بِجَامِع السُّلْطَان مُحَمَّد بعد وَفَاة الشَّيْخ معيده وفى الْمحرم سنة سبع وَألف زيد لَهُ من الْوَقْف الْمَزْبُور مائَة عثمانى كل يَوْم وَلما أتم عمَارَة الْجَامِع الذى بناه بزاويته الَّتِى باسكدار اخْتَار هُوَ ايْنَ يكون خَطِيبًا فِيهِ وتفرغ عَن وعظ جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد لبعد الْمسَافَة وَطلب وعظا بِجَامِع مهروماه الذى باسكدار فى يَوْم الْخَمِيس فَأعْطِيه وَكَانَ يعظ بِهِ الى أَن مَاتَ وَلما أتم السُّلْطَان أَحْمد جَامعه فى سنة سِتّ وَعشْرين وَألف فوض اليه فى وعظا فى نَهَار الِاثْنَيْنِ فَكَانَ يعظ فِيهِ وَكَانَ مُعْتَقدًا للسُّلْطَان أَحْمد يعظمه كثيرا وَلَا يصدر الا عَن رَأْيه وَوَقع لَهُ مَعَه مكاشفات وحكايات تثر عَنهُ فَمن ذَلِك مَا يذكر ان السُّلْطَان ذهب هُوَ وَبَعض خواصه الى أحد المنتزهات باسكدار وَطلب لَحْمًا مشويا فجِئ بِاللَّحْمِ وحفر لَهُ حفيرة وشوى بِحَضْرَتِهِ فَلَمَّا أَرَادَ التَّنَاوُل مِنْهُ حضر الشَّيْخ مَحْمُود وَنَهَاهُ عَن تنَاول شئ مِنْهُ وَقَالَ لَهُ انه كَانَ بجنبه حَيَّة وَقد احترقت وسرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 سمها الى اللَّحْم وَأمر بالقاء قِطْعَة لحم الى كلب هُنَاكَ فَلَمَّا أكلهَا مَاتَ ثمَّ حفروا الْمَكَان فَرَأَوْا آثَار الْحَيَّة كَمَا اخبر وَحكى أَن السُّلْطَان كَانَ عزل أحد وزرائه الْعِظَام وارسل ختم الوزارة الى وَزِير كَانَ مُقيما باسكدار فغرق الرَّسُول وَمَعَهُ الْخَاتم فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك توجه الى الشَّيْخ مَحْمُود وَذكر لَهُ الامر فَكَانَ جَوَابه أَنه كشف السجادة وناوله الْخَاتم من تحتهَا وَمن اللطائف الَّتِى تنقل عَنهُ أَنه قَالَ لَهُ السُّلْطَان الْمَذْكُور بلغنى أَنَّك صرت فى ابْتِدَاء أَمرك نَائِبا فَقَالَ نعم صرت نَائِبا فى عدَّة بِلَاد وَلم أدر أَن أحدا وضع لى نقطة يُشِير الى سَلَامَته من ادناس النيابات ثمَّ وضعت أَنا لنفسى نقطة فصرت تَائِبًا بعد ان كنت نَائِبا وَحكى السَّيِّد الْفَاضِل الاديب يحيى ابْن عمر العسكرى الحموى قَالَ كنت رحلت فى ابْن الصِّبَا الى الرّوم وَكنت قَلِيل الجدوى فاذا احتجت الى شئ من قسم الْمَأْكُول أَخَذته من عِنْد أربابه فيجتمع لَهُم فى ذمتى حِصَّة من المَال وَكنت أرد مورد الشَّيْخ مَحْمُود الاسكدارى فيعطينى نَفَقَة من عِنْده فاذا أدّيت مَا يكون على لَا يبْقى على وَلَا لى شئ ويأتى الْمبلغ رَأْسا بِرَأْس وَله غير ذَلِك نَوَادِر وأخبار وَمن آثاره الشَّرِيفَة مجَالِس تَفْسِير كَانَ يحررها قريبَة التَّمام وَله الرسَالَة الَّتِى سَمَّاهَا جَامع الْفَضَائِل وقامع الرذائل وَله رسائل كَثِيرَة وديوان شعر منظوم ومنثور الهيات وكل ذَلِك مَشْهُور متداول عِنْد الرّوم وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بالتربة الَّتِى أعدهَا لنَفسِهِ فى جوَار زاويته باسكدار وَاسْتقر مَكَانَهُ بالزاوية خَلِيفَته الاستاذ الْكَامِل النير الْخَيْر الصَّالح سميه الشَّيْخ مَحْمُود الشهير بغفورى وَكَانَ من الْعلمَاء الكمل وفضله وزهده أشهر من من ان يذكر وَكَانَ شَاعِرًا مطبوعا لَهُ شعر سَائِر وَولى الْوَعْظ بِجَامِع السُّلْطَان مُحَمَّد واعتقده جلّ النَّاس وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من خير صلحاء وقته وَكَانَت وَفَاته بعد السّبْعين وَألف وَدفن بتربة شَيْخه باسكدار رحمهمَا الله تَعَالَى المنلا مَحْمُود الكردى نزيل دمشق وَأعلم الْعلمَاء الْمُحَقِّقين بهَا الاستاذ الْعَلامَة الْمُحَقق المدقق كَانَ أعجوبة الزَّمَان فى التضلع من الْعُلُوم والاستحضار العجيب وَقُوَّة الحافظة الَّتِى لم تشاهد فى غَيره من أَبنَاء جنسه فانه كَانَ كثيرا مَا يقْرَأ عَلَيْهِ الْكتب المطولة فاذا تصحف شئ من عباراتها أملاها كَمَا هى وَكَثِيرًا مَا يُؤْتى بنسخ مصححة فيطابقها مَا يسرده من غير روية وَلَا فكر وَقد أَقَامَ بِدِمَشْق نَحْو سِتِّينَ سنة منهمكا على اقراء لعلوم وَأكْثر قِرَاءَته لكتب الاعاجم وَهُوَ أول من عرف طلبة الشَّام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 تِلْكَ الْكتب وقواهم على قرَاءَتهَا واقرائها وَمِنْه انْفَتح بَاب التَّحْقِيق فى دمشق هَكَذَا سمعنَا مَشَايِخنَا يَقُولُونَ وَكَانَ نَفسه مُبَارَكًا وَكَانَ فى غَايَة الصّلاح والزهد والتغفل والتواضع وَأقَام هَذِه الْمدَّة سَاكِنا بِالْقربِ من الْمدرسَة الجقمقية وَلم يحصل لَهُ من من الْوَظَائِف والمعاليم الا النزر الْقَلِيل وَكَانَ اذا أتم الدَّرْس وَتوجه لنَحْو بَيته يسْأَل عَن الْبَيْت من يلقاه لتغفله وَأما فِيمَا يتَعَلَّق بِالْعلمِ فَكَانَ أبلغ مستحضر سمع وَهَذِه كَرَامَة لَهُ بِلَا شكّ وَلَا مرية وَكَانَ اذا سُئِلَ عَن عمره يَقُول مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ ظنا وَمِائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ قطعا وَلما ورد دمشق كَانَ فى عداد أساتذة الاكراد المتبحرين كالخلخالى وَأَضْرَابه وَحكى الْمولى الْمُحَقق مُحَمَّد الكردى الشهير بملا حلبى قاضى قُضَاة الشَّام أَن صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ فى ابْتِدَاء أمره أجل من نوه بِقَدرِهِ بَين الْمُحَقِّقين وَكَانَ فى أَيَّام اشْتِغَاله مشارا اليه وغالب الْمَشَايِخ يلزمون طلبتهم بالتلمذ لَهُ والاخذ عَنهُ وَيَقُولُونَ انه فهامة الزَّمَان وملا حلبى الْمَذْكُور أحد من أَخذ عَنهُ وَلما ورد الشَّام قَاضِيا كَانَ يعظمه ويجله وَأكْثر الْفُضَلَاء الْمَشْهُورين بِدِمَشْق أخذُوا عَنهُ وانتفعوا بِهِ أَجلهم شَيخنَا الْعَلامَة ابراهيم بن مَنْصُور الفتال وَسَيِّدنَا المفضال أَبُو الصَّفَا مُحَمَّد بن أَيُّوب ومشايخنا الاجلاء عبد الْقَادِر بن عبد الهادى وَعُثْمَان بن مَحْمُود المعيد واسماعيل بن على الحائك وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى مَحْمُود الْبَصِير الصالحى الدمشقى الشافعى شَيخنَا الْفَاضِل الذكى الفطن نادرة الزَّمن وأعجوبة الْوَقْت واطروفة الدوران كَانَ فى الْفضل سَابِقًا لَا يملك عنانه وفى الذكاء فَارِسًا لَا يشق ميدانه وَله جمعية نَوَادِر وفنون لَا تحوم حولهَا الاوهام والظنون قَرَأَ بِدِمَشْق على الجلة من الْمَشَايِخ مِنْهُم شخينا الْعَلامَة ابراهيم الفتال وَبِه تخرج وتفنن فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْعَرَبيَّة والمعانى والمنطق وَأخذ الرياضيات عَن الشَّيْخ رَجَب بن حُسَيْن والالهيات عَن المنلا شرِيف الكردى وتفقه على جمَاعَة وناظر وباحث وَسمع الْكثير وَضبط وَكَانَ قوى الحافظة جيد الفكرة كثير التدبر للمشكلات جوال الطَّبْع فى المباحث وَقد انْتفع بِهِ بعض الاخوان وَأخذت أَنا عَنهُ الْمنطق والهندسة وَالْكَلَام وَكَانَ هُوَ لما أَخذ الهندسة احتال على ضبط أشكالها بتماثيل من شمع عسلى كَانَ يمثلها لَهُ استاذه الشَّيْخ رَجَب الْمَذْكُور فضبطها ضبطا قَوِيا فَلَمَّا قَرَأت الهندسة عَلَيْهِ كنت أعجب من تَصْوِيره الاشكال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 كَمَا أَخذهَا عَن أستاذه وَكَانَ يَقُول اذا برز الشكل الذى اصطنعه فليقابل الشكل الذى فى الْكتاب وَصرف جهده فى تَحْرِير شرح على تَهْذِيب الْمنطق وَمَات وَلم يكمله ثمَّ اعتنى بِعلم الطِّبّ وَلزِمَ التجربات ومذاكرة كتبه مَعَ رَئِيس الاطباء بِدِمَشْق يُوسُف الطرابلسى حَتَّى تمهر فِيهِ جدا ثمَّ مل الاقامة بِدِمَشْق لقلَّة ذَات يَده وَلعدم وَظِيفَة يحصل مِنْهَا نَفَقَته فسافر الى الرّوم فتعرف بأكابر الدولة واشتهر فِيمَا بَينهم بالحذق والفهم وَلم يزل يتدرج حَتَّى وصل الى مصاحب السُّلْطَان مصطفى باشا فقربه اليه وأحبه وَاعْتمد عَلَيْهِ فى أَمر مزاجه وأمزجة حَوَاشِيه فنال الحظوة التَّامَّة بِسَبَب تقربه اليه وساعده الْحَظ فانحلت الْمدرسَة الشامية البرانية بِدِمَشْق عَن الشَّيْخ على بن سعودى الغزى فطلبها فوجهت اليه وَلكنه أسْرع اليه مرض السل واستحكم فِيهِ فَلم يقر لَهُ قَرَار بأدرنه دون أَن شدّ رَحْله الى قسطنطينية فتأثر من الْحَرَكَة العنيفة وأدركه الاجل لَدَى وُصُوله الى قسطنطينية وَكَانَ وَفَاته فى سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف رَحمَه الله مَحْمُود قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق وَليهَا فى غرَّة رَجَب سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف بعد أَن كَانَ ولى قبلهَا قَضَاء ينكى شهر وَدخل دمشق فى عَاشر رَجَب وَكَانَ مَشْهُورا بِالْفَضْلِ فى الرّوم وأعرفه وَهُوَ يشار اليه بَينهم فى التجول بالمناظرات الا أَنه عِنْد قَدمته الى الشَّام رَأَيْته قد اخْتَلَط وتعاورت جِسْمه أمراض مهولة ضَاقَتْ بِسَبَبِهَا حظيرته وَكَانَ مُشَوه الْخلقَة بذى اللِّسَان قَلِيل التَّدْبِير وَلَيْسَ عِنْده شئ بممتنع بل مهما خطر فى باله وَلَو كَانَ مستحيلا عَادَة كَانَ عِنْده سهلا حكى لى بعض الاخوان انه تشاجر هُوَ وَابْن زَوجته فَتَرَافَعَا اليه وَمُرَاد الحاكى أَن يعتزل هُوَ وَزَوجته عَن ابْن الزَّوْجَة لبيت مُسْتَقل اذ الْبَيْت الذى يسكنونه بَيت ابْن الزَّوْجَة فَلَمَّا قصا على القاضى قَالَ للرجل أَيْن تسكن فَقَالَ فى بَيت هَذَا يعْنى ابْن زَوجته فَقَالَ وَمن يصرف على الْبَيْت قَالَ أَنا قَالَ اذا أَنْت صَاحب الْبَيْت وَذَا لَاحق فِيهِ وَأمره باخراجه من الْبَيْت وَجرى فى زَمَانه أَن شخصا من الْجند الشَّام سبّ شريفا وأحضر لَدَيْهِ وَادّعى عَلَيْهِ بِمحضر عَام من الْعلمَاء والعسكر أَنه سبّ الشريف وتجاوزه الى آبَائِهِ وَحصل فى الْقَضِيَّة أغراض فَاسِدَة نشأت عَن تهور صَاحب التَّرْجَمَة وَعدم تدبره وَأدّى أمره الى أَن عرض فى أنَاس من متعينى الْجند وحبسوا فى قلعة دمشق مُدَّة الى أَن ورد أَمر باطلاقهم وَلم يحكم فى الْقَضِيَّة بشئ وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة مبدأ ظُهُور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 الْجند الشامى وتحزبهم وَلم يزل جاشه يقوى شَيْئا فَشَيْئًا الى أَن بدر مِنْهُم ممانعة حَمْزَة باشا ومصادمته كَمَا ذَكرْنَاهُ مفصلا فى تَرْجَمَة صَالح بن عبد النبى بن صَدَقَة ثمَّ عزل صَاحب التَّرْجَمَة عَن الْقَضَاء فى أثر الْقِصَّة وسافر الى الرّوم فَلم تطل مُدَّة حَيَاته بهَا وَتوفى سنة سبع وَتِسْعين وَألف بقسطنطينية وَالله أعلم محبى الدّين بن خير الدّين بن أَحْمد بن نور الدّين بن على بن زين الدّين بن عبد الْوَهَّاب الايوبى العليمى الفاروقى الرملى الْفَقِيه الحنفى الْعَالم بن الْعَالم وَقد تقدم أَبوهُ شيخ الْحَنَفِيَّة وبركة الشَّام فى عصره ومحيى الدّين هَذَا ولد بالرملة وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ على وَالِده وعَلى الشَّيْخ أَبى الوفا بن مُوسَى القبى الحنفى وَالشَّيْخ ابراهيم الشلبى الحنفى الرمليين وَأخذ الْفَرَائِض والحساب عَن الشَّيْخ زين العابدين المصرى الفرضى النحوى شَارِح الرحبية قدم عَلَيْهِم الرملة فى حُدُود سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف فأنزله وَالِده عِنْده لاجل اقراء وَالِده وَمكث عِنْدهم نَحْو سنتَيْن ثمَّ توجه الى مصر وَأَجَازَهُ وَالِده بالافتاء فَأفْتى فى حَيَاته وَكَانَ أعجوبة الزَّمَان فى كشف الْمسَائِل من مظانها عَلامَة فى الْفَرَائِض والحساب حَتَّى ان غَالب فَتَاوَى وَالِده فى الْفَرَائِض كَانَ هُوَ الذى يقسمها وغالب كتب وَالِده كَانَت تَحْصِيله إِمَّا بالاستكتاب واما بِالشِّرَاءِ وَكَانَ يعجب وَالِده اجْتِهَاده فى تحصليها وَكَانَ متصرفا فى دنيا وَالِده تَصرفا حسنا حَتَّى انه جدد أملاكا وتجملات كَثِيرَة وَكَانَ يحب اكرام من يقدم على وَالِده وَكَانَ حسن الْخلق والخلق كريم الطَّبْع وقورا عالى الهمة سامى الْقدر دينا خيرا أخبرنى صاحبنا الْفَاضِل المؤرخ ابراهيم الجنينى أَن مولده فى نَيف وَعشْرين وَألف وَتوفى نَهَار الاربعاء حادى عشر ذى الْحجَّة سنة احدى وَسبعين وَألف فى حَيَاة وَالِده وأسف عَلَيْهِ أسفا عَظِيما وَبعد مَوته تكدر عيشه وَذهب رونق حَيَاته وَله فِيهِ مَرَّات وأشعار كَثِيرَة رحمهمَا الله محيى الدّين بن ولى الدّين بن الْمسند جمال الدّين يُوسُف بن شيخ الاسلام زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن أَحْمد الانصارى الشافعى السنيكى الاصل المصرى المولد والمنشا والوفاة الْفَقِيه الْمُحدث كَانَ من كبار عُلَمَاء عصره لَهُ الِاعْتِبَار الزَّائِد والصيت الشَّائِع تهابه الْعلمَاء وتحترم ساحته الكبراء أَخذ عَن جده شيخ الْمُحدثين الشَّيْخ جمال الدّين وجده يرْوى عَن وَالِده قاضى الْقُضَاة صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة وَجلسَ مجْلِس التدريس فدرس فى كل علم نَفِيس وروى عَنهُ أجلاء الْعلمَاء مِنْهُم الْعَلامَة النُّور عَليّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 الشبراملسى وَالشَّيْخ أَحْمد العجمى الشافعى وَولد صَاحب التَّرْجَمَة الْعَلامَة زين العابدين وحفيده الشَّيْخ شرف الدّين الْمُقدم ذكرهمَا وَكَانَت وَفَاته فى شعْبَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف عَن سبع وَثَمَانِينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى مَدين بن عبد الرَّحْمَن القوصونى المصرى الطَّبِيب رَئِيس الاطباء بِمصْر الْفَاضِل الاديب المؤرخ أَخذ الْعُلُوم عَن الشهَاب أَحْمد بن مُحَمَّد المتبولى الشافعى وَعَن الشَّيْخ عبد الْوَاحِد البرجى والطب والطلب عَن الشَّيْخ دَاوُد ولى مشيخة الطِّبّ بِمصْر بعد السرى أَحْمد الشهير بِابْن الصَّائِغ وَألف التآليف النافعة مِنْهَا كتاب ريحَان الالباب وريعان الشَّبَاب فى مَرَاتِب الْآدَاب والتاريخ الذى نقل عَنهُ وَكتاب قَامُوس الاطباء فى الْمُفْردَات وَله غير ذَلِك وَذكره الخفاجى فى الخبايا وَقَالَ فى تَرْجَمته هُوَ فَاضل كَانَ سميرى فى نَادَى الطّلب فكم نافثته فى ابان الِاشْتِغَال بِالطَّلَبِ والادب فَكَانَت بينى وَبَينه عشرَة لم نخرج لَهَا من القشره أعد كل يَوْم مِنْهَا غرَّة وَجه الزَّمَان وعيدا تهاداه الايام على رغم النيروز والمهرجان والعمر طرير مَا بَين رَوْضَة وغدير وَهُوَ اذا ضمخ كافور قرطاسه بمسك مداده وأنفاسه أنكر الْمسك دارين وخطا وَغدا انتسابه لواه خطا فكم فاح مِنْهُ عنبر البراعه وقطرت مياه الفصاحة من ميزاب اليراعه وفى عودتى لمصر عرض على كتابا جَلِيلًا لَهُ سَمَّاهُ قَامُوس الاطبا وسألنى أَن أقرظ عَلَيْهِ فَكتبت عَلَيْهِ مَا هَذَا صورته مَا طرزت حلل الثنا ووشيت رياض البلاغة بثمرات غضة الجنا الا لتَكون لباسا الابكار المحامد ومرتعا لافكار شَاكر وحامد فَالْحَمْد للْمولى على مَا أنعم من اللغاة وَالْبَيَان وأنعم بتلقينها الاطفال والارواح فى مكَاتب الابدان وألهمها اسْتِخْرَاج دُرَر الْمعَانى من أصداف الْحُرُوف لننظم مِنْهَا فى الصُّدُور ونعلق فى الآذان أبهى عُقُود وشنوف وأزكى صَلَاة وَسَلام على أفْصح من نطل بالضاد فروى من عين فَصَاحَته كل صَاد وشفى بطب هدايته مَرِيض كل قلب قلب وَهدى بمفردات حكمته كل ذى جهل مركب وعَلى آله وَأَصْحَابه مَدَائِن الْعلم وَالْحكم ورؤساء أطباء الابدان والاديان من سَائِر الامم لَا سِيمَا الاربعة الَّذين ترياقهم الْعَتِيق وفاروقهم حَافظ صِحَة مزاج الدّين بِكُل ماضى الشفرتين رَقِيق مَا دَامَت الدُّنْيَا دَار الشفا وَصَحَّ مزاج الدَّهْر من الاعراض واشتفى هَذَا وان أخى شَقِيق الرّوح وَقُوَّة الْعين وصفوة الْحَيَاة وَمن محبته على فرض عين لما أتحفنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 فى قدومى للقاهرة بكتابه قَامُوس الاطباء وجدته الدرة الفاخرة وَالرَّوْضَة الَّتِى تفتحت فِيهَا عُيُون أنواره الزهية الزاهرة ظنا مِنْهُ أَنى شُعَيْب مدينته وَمَا أَنا الا سلمَان بَيته بل أشعب مَوَائِد كرمه ومنته فاذا هُوَ برد محبر وَعقد كُله جَوْهَر وَكتاب جَمِيعه مُفْرَدَات ولغة لَو رَآهَا الجوهرى قَالَ هَيْهَات العقيق هَيْهَات أَو الْخَلِيل بِعَيْنِه فدَاه بِعَيْنِه أَو جَار الله لقَالَ هَذَا هُوَ الْفَائِق أَو ابْن البيطار لود لَو طابقه كِتَابه مُطَابقَة النَّعْل بالنعلم لما فِيهِ من الدقائق أَو صَاحب الْقَامُوس لقَالَ هَذَا هُوَ الْمجد الذى ارْتقى ذرْوَة الْعَرَبيَّة مَا بَين تهَامَة ونجد فَللَّه در مُصَنفه فقد أرانا فى الرِّجَال بقايا وفى الزوايا خبايا وأنار فكرة ظلمَة الْجَهْل وَقد وَقد وروى ظمآن الْفِكر فِيمَا ورد ورد وحقق مَا قيل من دق الْبَاب ولج ولج وَمن جد وجد وَقلت فِيهِ ارتجالا (دهر يجود بِمثلِهِ ... أنعم بِهِ دهرا وفى) (روى بكاس علومه ... وختامه مسك وفى أنْتَهى وَلَقَد سعيت جهدي فِي تَحْصِيل وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فَلم أظفر لَكِن غَايَة مَا حققت من خَبره أَنه كَانَ فى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف مَوْجُودا فى الاحياء كَمَا يعلم ذَلِك من تَارِيخه الذى وَضعه وَالله اعْلَم مُرَاد بن ابراهيم الْمَعْرُوف بن الشريطى الدِّمَشْقِي الدفترى الرئيس النبيه اللوذعى الْكَامِل أحد الافراد فى المعارف وَحسن الْخط وبداعة الاسلوب فى الْمُنْشَآت والرقم وَكَانَ شهما حاذقا صائب الرأى وَالتَّدْبِير سما بِهِ حَظه من حِين نشأته فخالط الْكِبَار وتمهر فى أفانين الْكِتَابَة وسافر الى الرّوم وَولى كِتَابَة الْجند بِالشَّام وازداد على توالى الايام رونقا واشتهارا ثمَّ ولى الدفتر بِدِمَشْق وَعظم صيته واتسعت دائرته وتملك دَار سِنَان باشا الْوَزير ابْن جغال قرب الْجَامِع من نَاحيَة سوق السِّلَاح فى سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وجدد فِيهَا عمارات وأتقنها غَايَة الاتقان وفيهَا يَقُول أَبُو بكر الْعُمْرَى شيخ الادب (ان دَارا أَحييت مِنْهَا رسوما ... أخلقتها أيدى الزَّمَان العوادى) (ومغان كسوتها حلل الْمجد فَقَامَتْ تختال فَوق المهاد ... ) (أذكرتنا عهد الْجنان وَأَنت ... مَا حكوه من وصف ذَات الْعِمَاد) (هى دَار العلى وَبَيت المعالى ... ومقام السُّعُود والاسعاد) (وَلها الْجَامِع الْمُعظم جَار ... نعم جَار الرِّضَا الْيَوْم الْمعَاد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 (صانها الله رَبنَا وحماها ... ووقاها من أعين الحساد) (لذبها مَا اسْتَطَعْت صَاح وأرخ ... فهى بَيت مبارك لمراد) وَقَالَ يمدحه ويهنئه بِالدَّار الْمَذْكُورَة بِهَذِهِ القصيدة وهى من أَجود شعره ومطلعها قَوْله (رويدا فَمَا ظهر المطى حَدِيد ... وَلَا منزل الاحباب عَنْك بعيد) (ومهلا فَمَا سوق الركائب مطفئ ... لهيب ضرام الشوق وَهُوَ شَدِيد) (ورفقا بِهَذَا الْقلب كم يحمل الجوى ... على أَنه دون الْقُلُوب عميد) (تَقول زرود يَا أَخا الوجد بغيتى ... صدقت وَلَكِن أَيْن مِنْك زرود) (وان المغانى لَا يُفِيد ادكارها ... وَهل دون وصل القاطعين يُفِيد) (بلَى تَنْفَع الذكرى اذا طمع الحشا ... وَقد ساعدته فى الدنو وعود) (وبالكلة الْحَمْرَاء حوراء لَو جلت ... على الْبَدْر وَجها قابلته سعود) (وان خطرت فى الرَّوْض وَالرَّوْض حافل ... لعَلِمت الاغصان كَيفَ تميد) (وَلَو نفثت فى الْبَحْر وَالْبَحْر مالح ... لحلاه در الثغر وَهُوَ نضيد) (وأغيد لَوْلَا وَجهه وقوامه ... لما ذكرت يَوْم التنافر غيد) (من التّرْك معسول المراشف لين المعاطف حَبل الشّعْر مِنْهُ مديد ... ) (لواحظه تحمى موارد ثغره ... فَمَا لصد نَحْو الرضاب وُرُود) (ضنين باهداء السَّلَام ورده ... على أَن بعض الباخلين يجود) (وَرب صديق صَادِق قد بثتته ... شجونا لَهَا بَين الضلوع وقود) (فأوسعنى عتبا وَقَالَ لى اتئد ... فَمَا الرأى فى وصف الحسان سديد) (أتطلب من بعد الثَّمَانِينَ صبوة ... وَهل يتَغَنَّى بالملاح رشيد) (فَقلت لَهُ اكفف فالنسيب مقدم ... على كل مدح طَابَ مِنْهُ نشيد) (وان ارتجال الشّعْر فى الْمَدْح مَذْهَب ... محاسنه والذائقون شُهُود) (فَقَالَ وَمن ترجوه فى الجاه والغنى ... فَقلت لَهُ وَالْحق فِيهِ شَهِيد) (أغير مُرَاد الدفترى يَلِيق أَن ... يساق اليه فى دمشق قصيد) (وَهل ينظم الشّعْر البديع لماجد ... سواهُ معَاذ الله ذَاك بعيد) (أَمِير المعالى والمعانى خدينها ... لَهُ من وُفُود المعتفين جنود) (كريم الْمحيا باسط الْكَفّ بالندى ... اذا شحت الانواء فَهُوَ يجود) (تَطوف بَنو الآمال سعيا بِبَابِهِ ... فتبلغ مَا قد أملت وتعود) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 (تصدق يمناه وَلم تدر أُخْتهَا ... ويسراه يسر وهى مِنْهُ تفِيد) (ضحوك الثنايا باسم الثغر بشره ... يبشر بالجدوى وَفِيه مزِيد) مِنْهَا (يمزق أَمْوَالًا حوتها يَمِينه ... وَعَن بَيت مَال الْمُسلمين يذود) مِنْهَا (كسانى وأولانى الْجَمِيل ببره ... وَمَا بره الالهى ونقود) (وحقق تجدنى فى ثِيَاب سخائه ... وَهل أَنا الا أعظم وجلود) (فيا أيهذا السَّيِّد الْجيد الذى ... ترَاهُ على رغم حسود يسود) (اليك بهَا من منطقى عمرية ... تهادى على أترابها وتميد) (محجبة بكر الْمعَانى رفيعة المبانى وَقصر الغانيات مشيد ... ) (اذا أنشدت تكسو المحبين بهجة ... وَيَعْبَسَ مِنْهَا كاشح وحسود) وَقد بقى فى دفترية الشَّام مُدَّة سِنِين ووجهت اليه رُتْبَة امير الامراء وَهُوَ بهَا وسالمه الزَّمَان فَلم ينغص لَهُ عَيْش ورزق السَّعَادَة فى المَال والبنين فانه نَشأ لَهُ ولدان كَانَا غَايَة فى المحاسن والفطنة وَكَانَ كثير الْميل للفضلاء والادباء يعاشرهم ويداوم الِاجْتِمَاع بمجالسهم ويبالغ فى تعظيمهم واذا عرض لاحدهم أَمر مُهِمّ فى جَانب الدولة صرف جهده فى انجازه وَكَانَ صُدُور الدولة يرعون حرمته ويكاتبونه ثمَّ عزل عَن دفترية الشَّام وسافر الى الرّوم وتوطن بقسطنطينية وانخرط فى سلك أَرْبَاب الخدمات والمناصب وبقى ابناه فى دمشق فانتقى لَهما زعامتين عظيمتين وجهتا اليهما وَكَانَ صهره الرئيس النَّبِيل أَحْمد السحملى كَاتب الْجند بِدِمَشْق فَصَارَ لَهُ تعين تَامّ بالاستناد اليه ثمَّ ترقى صَاحب التَّرْجَمَة حَتَّى صَار دفتريا فى الشق الثانى فى أَيَّام السُّلْطَان ابراهيم وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا بخيلها ورجلها وراجعته الْخَاصَّة والعامة فى الامور وتهيأ فى أثْنَاء ذَلِك للدفترية الْكُبْرَى لما كَانَ فِيهِ من الاهلية وَلَكِن بدر مِنْهُ بِسَبَب غرور الدولة مَا كَانَ سَببا فَقتل فى سنة سبع وَخمسين وَألف بقسطنطينية السُّلْطَان مُرَاد بن السُّلْطَان أَحْمد بن السُّلْطَان مُحَمَّد بن السُّلْطَان مُرَاد بن السُّلْطَان سليم بن السُّلْطَان سُلَيْمَان بن السُّلْطَان سليم أعظم سلاطين آل عُثْمَان مِقْدَارًا وأسطاهم همة واقتدارا الذى خضعت لعظمته رُؤْس الاكاسرة وذلت لِحُرْمَتِهِ وقهره من تصلب فى فَمَعَ المفسدين بسداد الرأى فى أمره كَانَ من أمره أَنه لما تحركت العساكر وغدروا بأَخيه عُثْمَان كَمَا ذكرنَا أَولا أعادوا عَمهمَا السُّلْطَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 مصطفى الى السلطنة فَلم تظهر كِفَايَته واختل أَمر السلطنة فى عَهده فاختبر للسلطنة صَاحب التَّرْجَمَة بِاتِّفَاق الآراء من الْعلمَاء ولوزارة وبويع فى يَوْم الاحد رَابِع عشر ذى الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف بعد أَن خلع عَمه السُّلْطَان مصطفى وَكَانَ عمره يَوْمئِذٍ احدى عشرَة سنة وَسَبْعَة أشهر وَقيل فى تَارِيخ سلطته مُرَاد خَان الْعَادِل وَكَانَ السُّلْطَان مصطفى ولى فى آخر سلطته على باشا الْمَعْرُوف بكمانكش الوزارة الْعُظْمَى فأبقاه على مَا كَانَ وَكَذَلِكَ أبقى شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا فى منصب الْفَتْوَى وَأقَام شعار الْملك أتم قيام متثبتا فى حالتى النَّقْض والابرام وابتدأ أَولا باستئصال الطغاه من الْعَسْكَر الَّذين قتلوا أَخَاهُ فاهتم بِأَمْر تحصيلهم من الْبِلَاد وتحرى قَتلهمْ وَقد أَجَاد وبقى على هَذَا الْحَال مُدَّة وَأعد لَهُ من رَأْيه الصائب كل عده وجعلهم ديدنه وشغله وأباد مِنْهُم كل متحزب شَمله وَحكى بعض المتقربين اليه أَنه خرج لَيْلَة من الْحرم وَمَا عَلَيْهِ الا ثِيَاب الْمَنَام قَالَ وَكَانَت لَيْلَة شَدِيدَة الثَّلج وَأمر بِفَتْح بَاب السراى السلطانى وَخرج مِنْهُ فَتسَارع الْخدمَة اليه وَكنت أَنا من جُمْلَتهمْ فصحبت معى فروتين من فرى السُّلْطَان وتبعناه فَانْتهى الى الْبَحْر وَطلب زورقا وَركب وركبنا وَمَا زَالَ الى ان أَشَارَ الى الملاح بِأَن ينحوالى نحوة اسكدار ثمَّ خرج مِنْهَا الى التربة الْمَشْهُورَة فى طرفها الْآخِذ الى انا طولى فاستقر تَحت شَجَرَة ثمَّة ووقفنا معاشر الْخدمَة وَكُنَّا نشاهد مِنْهُ غَايَة التضجر حَتَّى ان بخار الْحَرَارَة ليتصعد من وَجهه لشدَّة مَا عِنْده من الانزعاج ثمَّ بعد حِصَّة أَشَارَ الى وَقَالَ انْظُر هذَيْن الشجين اللَّذين لاحا من بعيد أدركهما وسلهما من أَيْن أَقبلَا قَالَ فأدركتهما وسألتهما فَقَالَا مقدمنا من حلب فَقلت لَهما السُّلْطَان طلب أَن يراكما وَهُوَ جَالس هُنَا وأشرت اليه فأسرعا الى أَن وَقفا قدامه وقبلا الارض ثمَّ قَالَ لَهما مَا الذى جَاءَ بكما فَقَالَا مَعنا رُؤْس أَقوام من الطغاة قتلوا بحلب فَأَمرهمَا باخراج الرؤس فحين وَقع بَصَره عَلَيْهَا انْصَرف عَنهُ مَا كَانَ يجده من التلهب وَطلب فروا فَوَضَعْنَا عَلَيْهِ مَا كَانَ مَعنا من فرى وَغَيرهَا وَهُوَ يشتكى الْبرد ثمَّ نَهَضَ وأسرع الى السراى الَّتِى باسكدار وَقَالَ انى مذ أويت الى الْفراش فى ليلتى هَذِه أخذتنى الفكرة فى أَمر هَؤُلَاءِ المقتولين وتحثيلهم فَلم أملك نفسى أَن نهضت من مرقدى وَجرى مَا جرى وَكَانَ بطلا من الابطال قوى الجاش متين الساعد ذكر أَنه أرسل الى مصر درقة نَحْو احدى عشرَة طبقَة مطبقة ضربهَا بِعُود فَثَبت فِيمَا وبرز أمره الى العساكر المصرية باخراج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 الْعود مِنْهَا وَأَن من أخرجه يُزَاد فى علوفته فحاولوا اخراجه فعجزوا عَن ذَلِك ثمَّ أرسل قوسا وَمَعَهُ خطّ شرِيف خطابا لوزير مصر أَحْمد باشا مضمونه أَمر العساكر والاجناد بجر هَذَا الْقوس وَزِيَادَة علوفة من يفعل ذَلِك فحاولت العساكر جَرّه فَلم يقدروا على ذَلِك ثمَّ علقت الدرقة بالديوان السلطانى بِمصْر وعلق الْقوس بِبَاب زويله وَجعل بعض أَعْيَان مصر تَارِيخا لطيفا بالتركية لما ورد الْقوس وترجمه بَعضهم بِالْعَرَبِيَّةِ يَا سُلْطَان الْوُجُود لساعدك الْقُوَّة وجهز عساكره لافتتاح الْبلدَانِ وَتوجه هُوَ بِنَفسِهِ فى سنة أَربع وَأَرْبَعين لغزو الْعَجم وَكَانَ سلطانها الشاه عَبَّاس خذله الله قد تمكنت فى السلطنة قَوَاعِده وخلاله الْوَقْت مُدَّة وَأخذ كثيرا من الْبلدَانِ الَّتِى كَانَت مُضَافَة لبلاد آل عُثْمَان فَجرد السُّلْطَان مُرَاد عزمه لمحاربته واذلاله وَتوجه الى بِلَاده بعساكر يضيق عَنْهَا الفضاء وحاصر من بلدانه روان وافتتحها ثمَّ توجه فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين لفتح بَغْدَاد ونازلها بجنده وَكَانَ الشاه عَبَّاس حصنها بِالْعدَدِ والعسكر فَأمر السُّلْطَان بِحَفر لغم عَظِيم وَوضع فِيهِ البارود وأطلقت فِيهِ النَّار فهدم جانبا عَظِيما من جِدَار السُّور بِحَيْثُ قيل انه لم يرى لغم مثله فى محاصرة قلعة من القلاع فَصَارَ يرى من هدم اللغم مَا فى مَدِينَة بَغْدَاد من الْبيُوت والدور لانه صَار فى ذَلِك الْجَانِب جِدَار السُّور سهلا مستويا مَعَ سطح الارض فَلَمَّا رأى أهل بَغْدَاد مَا دهمهم مِمَّا لم يعرفوه قطّ تَلا شوا وبعثوا الى الشاه عَبَّاس الْمَرَاسِيل يُرِيدُونَ التَّسْلِيم وَكَانَ عَسْكَر السُّلْطَان قد توانوا فى الهجوم وتثبطت همتهم وفى أثْنَاء ذَلِك أرسل الشاه رَسُولا يطْلب الصُّلْح وَكَانَ الرَّسُول الْمَذْكُور من أَعْيَان عَسْكَر الشاه يُسمى جَانِبك سُلْطَان وفى يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر رَجَب بكرَة النَّهَار اجْتمع بالوزير الاعظم فى ديوَان عَظِيم وَدفع اليه كتاب الشاه بِالصُّلْحِ فقرئ بمسمع من النَّاس وَفهم الْكل مِنْهُ مَا قَصده الشاه من الْحِيلَة فَأبى السُّلْطَان وَجَمِيع الوزراء والاركان الصُّلْح وَلَقَد رَأَيْت الْوَاقِعَة بِخَط الاديب رامى الدمشقى وَذكر أَنه تفاءل حَالَة اجْتِمَاع الرَّسُول فى مصحف كَانَ مَعَه فجَاء فى أول الصفحة قَوْله تَعَالَى {قَالَ آمنتم لَهُ قبل أَن آذن لكم إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحر فلأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل ولتعلمن أَيّنَا أَشد عذَابا وَأبقى} ثمَّ أطلق السُّلْطَان الامر بالمحاصرة وشدد فى ذَلِك فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر شعْبَان يسر الله تَعَالَى فتحهَا وَكَانَ مُدَّة حصارها أَرْبَعِينَ يَوْمًا ودخلها الْعَسْكَر وَالسُّلْطَان فى أَثَرهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 وَقتلُوا من الْعَجم أَكثر من عشْرين ألفا وأسروا من رُؤَسَائِهِمْ وَأهل شوكتهم جمَاعَة وضعفت شوكتهم وزالت قوتهم لَان معتمديهم كَانُوا بهَا وَصرف السُّلْطَان همته الى ازالة مَا كَانَ أحدثه الارفاض خذلهم الله تَعَالَى فى مرقد الامام الاعظم ومرقد الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلانى رضى الله عَنْهُمَا وَأمر بتجديد عمَارَة محليهما وَأحكم أَمرهمَا غَايَة الاحكام وَبنى مَا كَانَ تهدم من سور القلعة وشحنها بالعسكر وَالْعدَد وَعين لكفالتها وزيرا وَقد أَكثر النَّاس من نظم الشّعْر والتواريخ لفتحها ووقفت بِمَكَّة المشرفة على تَارِيخ للقاضى تَاج الدّين المالكى (خَليفَة الله مُرَاد غزا ... قلعة بَغْدَاد فأردها) (وعندما حاصرها جَيْشه ... اندك للاسفل أَعْلَاهَا) (وَأصْبح الشاه ذبيحا لما ... أخبر من كَثْرَة قتلاها) (هَذَا اخْتِصَار القَوْل فِيهَا فان ... قيل لقد أجملت ذكرَاهَا) (فالتشرحن فعل مُرَاد بهَا ... مؤرخا قد ذبح الشاها) ثمَّ رَحل السُّلْطَان عَنْهَا قَاصِدا دَار ملكه هَذَا مَا وَقع فى عَهده من الفتوحات وَأما مَا وَقع من الْحَوَادِث فى أَيَّام سلطنته فَمِنْهَا تغلب الْعَسْكَر بعد أَن كَانَ أضعفهم بِالْقَتْلِ والنهب بعد تَوليته الْملك كَمَا قدمْنَاهُ آنِفا ثمَّ حصلت لَهُ فلتة فتجاوزوا الْحُدُود وَنصب نَفسه الْمولى حُسَيْن ابْن أخى لزعزعتهم وقوى جنان السُّلْطَان حَتَّى جمع جمعية على السباهية وأباد كبراءهم وَقتل الْوَزير الاعظم رَجَب باشا الذى كَانَ مستظلا بظلهم وفى ذَلِك الابان سَافر السُّلْطَان الى بروسة فَبَلغهُ ان الْمُفْتى وَهُوَ ابْن أخى وَالْعُلَمَاء يُرِيدُونَ الِاجْتِمَاع على خلعه فبادر فى المجئ وَدخل دَار ملكه وخنق الْمُفْتى وخمدت نَار فتْنَة الْعَسْكَر بعد ذَلِك وَمِنْهَا تبطيله القهوات فى جَمِيع ممالكه وَالْمَنْع عَن شرب التبغ بالتأكيدات البليغة وَله فى ذَلِك التحريض الذى مَا وَقع فى عهد ملك أبدا وَمِمَّا يدل على سعادته الْعُظْمَى توجه خاطره الى أهل الْحَرَمَيْنِ وَأمره لمتولى الْجِهَات خُصُوصا مصر باجراء حبوبهم وارسال مغلات اوقافهم فَمَا من أَمر يرد عَنهُ الا وَفِيه الْحَث على ذَلِك وَمن ذَلِك أَيْضا التفاته الى أَخْبَار الرّعية مُطلقًا والبحث عَن أَحْوَال وُلَاة الْبلدَانِ التفاتا وبحثا تامين بِحَيْثُ ان وُلَاة الْجِهَات لَا يجاوزون حدا وفى زَمَانه وَقع السَّيْل الْعَظِيم الْمَشْهُور بِمَكَّة المشرفة فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَطَاف بِالْبَيْتِ وَوَافَقَ تَارِيخه رقى الى قفل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 بَيت الله وبسببه انْهَدَمت الْكَعْبَة وَعمل النَّاس فى ذَلِك التواريخ والاشعار وفى سنة أَرْبَعِينَ كَانَ بِنَاء الْبَيْت الشريف وَمن التواريخ المنثورة فِيهِ رفع الله قَوَاعِد الْبَيْت وَكَانَت هَذِه الْفَضِيلَة مِمَّا اخْتصَّ بهَا السُّلْطَان مُرَاد وَمن تَارِيخ الفاسى لغيره قَوْله (بنى الْكَعْبَة الغراء عشر ذكرتهم ... ورتبتهم حسب الذى أخبر الثقه) (مَلَائِكَة الرَّحْمَن آدم ابْنه ... كَذَاك خَلِيل الله ثمَّ العمالقه) (وجرهم يتلوهم قصى قريشهم ... كَذَا ابْن زبير ثمَّ حجاج لاحقه) وذيل ذَلِك بَعضهم بقوله (وخاتمهم من آل عُثْمَان بدرهم ... مُرَاد المعالى أسعد الله شارقه) وَبَيت آخر (وَمن بعدهمْ من آل عُثْمَان قد بنى ... مُرَاد حماه الله من كل طارقه) وَوَقع بعد تَمام الْعِمَارَة بِأَرْبَع سِنِين خلل فى السَّطْح المكرم فَعرض صَاحب مَكَّة وَشَيخ حرمهَا ذَلِك الى وَزِير مصر فَعرض ذَلِك على السُّلْطَان الْمَذْكُور فورد أمره بذلك فعين وَزِير مصر لهَذِهِ الْخدمَة من كَانَ قَائِما بهَا ومتعاطيا لَهَا قبل ذَلِك وَهُوَ الامير رضوَان الفقارى وأضاف اليه يُوسُف المعمار مهندس العمارات السَّابِقَة فوصلا فى موسم سنة أَربع وَأَرْبَعين فَلَمَّا كَانَ الْعشْر الْأَخير من ذى الْحجَّة جعل اجْتِمَاع النَّاس بمصلى الشريف زيد بن محسن وَحضر فِيهِ هُوَ وقاضى مَكَّة الشَّيْخ أَحْمد البكرى وقاضى الْمَدِينَة الْمولى حنفى والامير رضوَان وَغَيرهم من الْعلمَاء والاعيان فقرأوا سُورَة الْفَتْح ثمَّ وصلوا الى الْكَعْبَة وأشرفوا على بَابهَا ثمَّ تفَرقُوا ثمَّ فى الْمحرم سنة خمس وَأَرْبَعين شرع الامير فى تهيئة الْحَصَى لِلْمَسْجِدِ ففرشه بِهِ ثمَّ لما كَانَ سَابِع عشر شهر ربيع الاول وصل الى بَاب الْكَعْبَة وَفتح السادن باببها فقلعوه وركبوا عوضه بَابا من خشب لم يكن عَلَيْهِ شئ من الْحِلْية وانما عَلَيْهِ ثوب من القطنى أَبيض وفى يَوْم الثلاثا تَاسِع عشر الشَّهْر وزنت الْفضة الَّتِى كَانَت على الْبَاب المقلوع فَكَانَ مَجْمُوع ذَلِك مائَة وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعين رطلا خَارِجا عَن الزرافين فوزنها وَمَا شابهها مِمَّا كَانَ على الْبَاب ثَمَانِيَة عشر رطلا ثمَّ شرع فى تهيئة بَاب جَدِيد فشرع فِيهِ وأتمه وَركب عَلَيْهِ حلية الْبَاب السَّابِق وَكتب عَلَيْهِ اسْم السُّلْطَان صَاحب التَّرْجَمَة ثمَّ جئ بِهِ مَحْمُولا على أَعْنَاق الفعلة فَمشى النَّاس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 أَمَام الْبَاب الى أَن وصلوا الى الْحطيم وَبِه الشريف جَالس فَوضع بَين يَدَيْهِ فَقَامَ الشَّيْخ عمر الرسام ودعا للسُّلْطَان والشريف فألبس الشريف جمَاعَة فى ذَلِك الْمجْلس خلعا مِنْهُم عمر الْمَذْكُور والامير رضوَان وفاتح الْبَاب والفعلة ثمَّ أدخلُوا فردتى الْبَاب الى دَاخل الْكَعْبَة وَدخل الشريف وَمَعَهُ الْأَمِير وَجَمَاعَة من الْأَعْيَان إِلَى الْكَعْبَة وصعدوا السَّطْح وأشرفوا عَلَيْهِ ثمَّ انفض الْجمع فشرع الامير بعد انفضاض النَّاس فى تركيب الْبَاب فركبته وَتمّ عِنْد غرُوب الشَّمْس من يَوْم الْعشْرين من شهر رَمَضَان ثمَّ فى موسم الْعَام الْمَذْكُور توجه بِالْبَابِ الْقَدِيم الى مصر واستمله وَزِير مصر وأرسله الى السُّلْطَان وَقد أفرد الْكَلَام على عمل الْبَاب الْمَذْكُور الشَّيْخ الْعَلامَة على بن عبد الْقَادِر الطبرى برسالة سَمَّاهَا تحفة الْكِرَام باخبار عمَارَة السّقف وَالْبَاب لبيت الله الْحَرَام وَبَين فِيهَا جَوَاز قلع الْبَاب وَلَو للزِّينَة كَمَا صرح بِهِ الْعلمَاء فقد قلع مرَارًا قبل ذَلِك وَلم يُنكر كالترخيم والتزيين وَكَانَت ولادَة السُّلْطَان مُرَاد صَاحب التَّرْجَمَة فى سنة احدى وَعشْرين وَألف وَتوفى فى تَاسِع عشر شَوَّال سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف وَمُدَّة سلطنته سِتّ عشرَة سنة وَأحد عشر شهرا وَخَمْسَة أَيَّام رَحمَه الله تَعَالَى السُّلْطَان مُرَاد بن السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان بن سليم جد وَالِد الذى قبله السُّلْطَان الْجَلِيل الشان أوحد سلاطين الزَّمَان كَانَ أجل آل بَيته علما وأدبا وأوفرهم ذكاء وفهما اشْتغل بالعلوم حَتَّى فاق وملأ صيته بالادب الْآفَاق وَكَانَ لَهُ علم التصوف المهارة الْكُلية وفى النّظم بالالسن الثَّلَاثَة أعظم مزيه وَكَانَ بَعيدا عَن التُّهْمَة فِيمَا يشوب بشائبه مَأْمُون الدولة بسعادة ملاحظته عَن أدنى نَائِبه جلس على سَرِير الْملك فى نَهَار الاربعاء سَابِع شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة بعد موت وَالِده وَكَانَ وَالِده مَاتَ وَقت الْغُرُوب من نَهَار الِاثْنَيْنِ ثامن وعشرى شعْبَان من هَذِه السّنة وأخفى مَوته الى أَن قدم السُّلْطَان صَاحب التَّرْجَمَة من مغنيسا وبويع بالخلافة وَأمر بقتل اخوته على مَا هُوَ قَاعِدَة سلطنتهم وَكَانُوا خَمْسَة فخنقوا فى الْوَقْت وَأمر بتجهيزهم مَعَ وَالِده فجهزوا وَصلى عَلَيْهِم دَاخل السراى فى عدَّة من الوزراء والاركان وَالْموالى وَتقدم للصَّلَاة عَلَيْهِم مفتى الْوَقْت الْمولى حَامِد باشا بِإِشَارَة من السُّلْطَان قَالَ جدى المرحوم القاضى فى رحلته وَقد أولع النَّاس فى تواريخ فنظموا ونثروا وأطنبوا وَاخْتصرَ وَوَقع اخْتِيَار الْفَقِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 مِنْهَا على تَارِيخ لبَعض الاصحاب وَهُوَ نصر من الله وَفتح قريب لَكِن يزِيد على سنى التَّارِيخ بثلثمائة وَعشْرين من الاعداد فاحترس لاخراج ذَلِك باحتراس عَجِيب حَيْثُ قَالَ (السعد مذقارنه منشد ... بِطيب ألحان وَصَوت رطيب) (من غير شكّ جَاءَ تَارِيخه ... نصر من الله وَفتح قريب) ونظمت الْفَقِير تَارِيخا وَقع فى نصف من مصراع اتِّفَاقًا وَأَظنهُ لَا يجد فى سوق الادب نفَاقًا (لقد من رب الْعَالمين على الورى ... بسُلْطَان عدل لَيْسَ فى عدله شكّ) (فَقلت بِتَوْفِيق الاله مؤرخا ... مُرَاد تولى الْملك دَامَ لَهُ الْملك) انْتهى قلت وَالْفَقِير اسْتحْسنَ تاريخين لتوليته من نظم مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِمَا ميه الدمشقى أَحدهمَا قَوْله (قد مهد الله الْبِلَاد بِحكم سُلْطَان الْعباد ... ) (والكون نَادَى منشدا ... تَارِيخه هَذَا المُرَاد) والثانى وَهُوَ قَوْله أَيْضا فِيهِ (بالبخت فَوق التخت أصبح جَالِسا ... ملك بِهِ رحم الاله عباده) (وَبِه سَرِير الْملك سر فأرخوا ... حَاز الزَّمَان من السرُور مُرَاده) (وَبِه سَرِير الْملك سر فأرخوا ... حَاز الزَّمَان من السرُور مُرَاده) وَكَانَ همه من حِين ولى السلطانة قتال صَاحب اذربيجان وخراسان من أَوْلَاد حيدر الصوفى فعين الْوَزير مصطفى باشا فاتح بِلَاد قبرس صَاحب الخان وَالْحمام بِدِمَشْق فَتوجه فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة بعسكر كثير الى بِلَاد الشرق فبسنى قلعة قارص وشحنها بالمدافع والمكاحل وَبنى مَدِينَة اسلامية فَوجدَ فِيهَا الْمَسَاجِد والجوامع ومزارات الاولياء مِنْهَا مَزَار الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى ابى الْحسن الخرقانى رضى الله تَعَالَى عَنهُ من كبار الصُّوفِيَّة فَلَمَّا استولى عَلَيْهَا الْكفَّار أخربوها ثمَّ سَار الى تخوم بِلَاد الْعَجم والكرج حَتَّى وصل الى مَكَان يُسمى حكدر من بِلَاد الشاه فحاصر هُنَاكَ قلعة لكفار الكرج تسمى بَكَى قلعه فاستولى عيها ثمَّ هجم عَلَيْهِ عَسْكَر الشاه صُحْبَة وزيره دقماق فَبعث الْوَزير مصطفى باشا عسكرا الى قِتَاله فهزموهم وحصدوهم بِالسُّيُوفِ واستولوا على أَمْوَالهم وخيولهم ثمَّ استولى الْوَزير الْمَذْكُور هُنَاكَ على عدَّة قلاع وشحنها بِالرِّجَالِ ثمَّ سَار حَتَّى افْتتح قلعة تفليس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 من بِلَاد أورخان قَاعِدَة مملكة الكرج وَكَانَ الْمُسلمُونَ افتتحوها قَدِيما ثمَّ غلبت الكرج واستولت عَلَيْهَا وَلما فتحت مَدِينَة تفليس أرْسلت أم منوجهرالكرجى ملكة تِلْكَ الْبِلَاد ابْنهَا الى الْوَزير ثمَّ قَامَ الْوَزير الْمَذْكُور بعد أَن نصب فى تفليس أَمِير الامراء فى طرف شرْوَان وفى شماخى وَبث سراياه الى الاطرف وَتمكن مِنْهَا ثمَّ ترك فِيهَا الْوَزير عُثْمَان باشا ابْن أزتمر واليا بهَا فَلَمَّا أقبل الشتَاء توجه الْوَزير الى طرف بِلَاد السُّلْطَان وشتى هُنَاكَ للاغارة فى الرّبيع على بِلَاد الْعَجم ثمَّ بلغه أَن أرسخان صَاحب شرْوَان الْقَدِيم قَصده بِنَحْوِ اثنى عشر ألف عسكرى لقِتَال عُثْمَان باشا فَوَقع بَينهمَا قتال شَدِيد فاتفق أَن انتصر عُثْمَان باشا وَقتل أرس خَان وغالب عسكره ثمَّ وَقع بَينه وَبَين عَسْكَر الشاه هُنَاكَ مَا ينوف عَن عشْرين وقْعَة كَانَت النُّصْرَة دَائِما فى جَانب عُثْمَان باشا وَآخر ذَلِك أَن عدل امام قولى بعسكر يقرب من ثَلَاثِينَ ألفا على أَرض شرْوَان فقاتل عُثْمَان باشا مُدَّة أَرْبَعَة ايام ثمَّ نزل نصر العثمانية وَقتل غَالب الشاهية وَبنى عُثْمَان باشا بعد هَذِه الْوَقْعَة فى شماخى حصارا عَظِيما فى دور سَبْعَة آلَاف ذِرَاع بِذِرَاع الْبناء فى مُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ ترك حصارا عَظِيما فى دور سَبْعَة آلَاف ذِرَاع بِذِرَاع الْبناء فى مُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ ترك فِيهَا جَعْفَر باشا نَائِبا بهَا وَبعد مُدَّة دخل دَار الْخلَافَة وَصَارَ وزيرا أعظم وَذَلِكَ بعد أَن قَاتل فى سره عدَّة أُمَم اعْتَرَضُوهُ بِالْحَرْبِ وانتصر عَلَيْهِم ثمَّ لما وصل الى بِلَاد كفة بلغه أَن خَان التتار أظهر الْعِصْيَان على آل عُثْمَان فقاتله وانتصر عَلَيْهِ وَقطع رَأسه وفى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة بعث السُّلْطَان مُرَاد وزيره سِنَان باشا الى قتال الْعَجم فَسَار مَعَ عَسْكَر جرار وَوصل الى حُدُود الْعَجم وَأرْسل اليه الشاه فى الصُّلْح وَبعث الى السُّلْطَان أحد وزرائه يدعى بابراهيم خَان بتحف سنية وهدايا جليلة وَظن سِنَان باشا ان هَذِه الْحَالة مِمَّا تعجب فَلم يكن كَذَلِك بل لما عَاد الْوَزير من سَفَره عَزله السُّلْطَان وَأقَام مقَامه فرهاد باشا وفى سنة تسعين وَتِسْعمِائَة احتفل السُّلْطَان بختان وَلَده السُّلْطَان مُحَمَّد وصنع لذَلِك فَرحا لم يَقع فى زمن أحد من الْخُلَفَاء والملوك وامتدت الولائم والفرجة وَاللَّهْو والطرب مُدَّة خَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا وَجلسَ للفرجة فى دَار ابراهيم باشا بمحلة آتٍ ميدان وأغدق النعم الْعَظِيمَة وَرَأَيْت فى تَارِيخ البكرى أَنه جعل صوانى صغَارًا من ذهب وفضلة وملأ الذَّهَب بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّة بِالذَّهَب وَألقى ذَلِك لارباب الملاهى وَغَيرهم من طالبى الاحسان وَجعل بعد ذَلِك دشيشة لاجل فُقَرَاء الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ووقف عَلَيْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 أوقافا كَثِيرَة وَبهَا النَّفْع التَّام لاهل الْمَدِينَة وفى سنة احدى وَسبعين توجه الْوَزير فرهاد باشا الى بِلَاد الْعَجم فَسَار وتوغل فى بِلَاد أذربيجان نَحْو سَبْعَة أَيَّام وَاسْتولى على مَدِينَة روان وَبنى عَلَيْهَا حصنا حصينا وَنصب فِيهَا يُوسُف باشا واليا وأميرا وفى هَذِه السّنة خرج ابراهيم باشا من قسطنطينية الى الديار المصرية والشامية ليصلح مِنْهَا مَا فسد وغزا الدروز وَوَقع لَهُ تأييد وفى سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سَافر فرهاد باشا بعسكر عَظِيم للغزو بِبِلَاد الكرج فَبنى هُنَاكَ عدَّة قلاع وفى هَذِه السّنة بعث السُّلْطَان الْوَزير الاعظم عُثْمَان باشا بعساكر عَظِيمَة الى قتال الْعَجم فَتوجه بعد أَن شَتَّى فى بِلَاد قسطمونى وَسَار فى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمَعَهُ من العساكر مَالا يعلم عَددهمْ الا الله تَعَالَى وَكَانَ ذَلِك لمحبة النَّاس لَهُ لكرمه وشهامته وَحسن تَدْبيره فعارضه الْعَجم فى الطَّرِيق فَقتل مِنْهُم قتلة عَظِيمَة ثمَّ دخل تبريز فى أَوَاخِر شهر رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَمن هُنَا أذكر ملخص مَا ذكره جدى القاضى محب الدّين فى رحلته التبريزية الَّتِى مَا نسج على منوالها وَلَا جَادَتْ قريحة بمثالها وَاتفقَ لَهُ السّفر الْمَذْكُور لتسليم مَال عوارض فى قَضَاء تولاه وَحضر الْفَتْح الْمَذْكُور حَتَّى أنهى أمره واستوفاه قَالَ وَكَانَ هَذَا السّفر مِمَّا لم يُشَاهد مثله فى الاسفار وَلَا دون مَا يدانيه فى الْكتب والاسفار لَا سِيمَا جمع كثرته الذى انْتهى اليه جمع الجموع وَعدم حصر أَفْرَاده الَّتِى بلغت الْغَايَة فى الشُّيُوع بِحَيْثُ انه كَانَ اذا سَار يسد الفضاء الْوَاسِع ويملاء الفلا الشاسع ويضيق عَنهُ الْمَكَان النائى وَيكون كالجراد الْمُنْتَشِر بِحَذْف كَاف التَّشْبِيه بِعَين الرائى وَكَانَ هَذَا الْفَقِير اذا شبهه من جِهَة الْكَثْرَة بشئ كثيرا مَا يظْهر فِيهِ وَجه التَّشْبِيه وَيكون لَهُ عِنْد التَّأَمُّل وَجه وجيه فَكَانَ اذا شبهته بالنهر العجاج أَو الْبَحْر المتلاطم بالامواج يظْهر وَجه التَّشْبِيه فى حَال سير بعضه ووقوف الْبَعْض وَقد غطى الْبِقَاع وَألقى القناع على وَجه الارض فتختلف الانظار الحسية فى جِهَة سيره اذا سرى فالبعض يَقُول انه يمشى الْقَهْقَرَى وَأما اذا اخْتَلَط الظلام وَظَهَرت الاضواء من تِلْكَ الْخيام وقابلت بنورها نُجُوم السما وَشبه الْفَقِير هَذِه الْهَيْئَة بِتِلْكَ الْهَيْئَة الْتبس عَلَيْهِ أَيهمَا الْمُشبه والمشبه بِهِ مِنْهُمَا وَأما الْغُبَار الذى كَانَت تثيره السوابح بل تعقده بعدوها الضوابح فَكَانَ يذكرنَا ذَلِك مَا كثيرا قَالَه بعض افاضل الورى عقدت سنابكها عَلَيْهَا عثيرا لَا شُبْهَة ان هَذَا الْمَعْنى فِيمَا نَحن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 فِيهِ أمكن بل قيل انه فِيمَا نَحن فِيهِ حَقِيقَة وَفِيمَا قيل فِيهِ مجَاز وان كَانَ الْكل مجَازًا فَهُوَ أحسن وَمِمَّا شَاهده الْفَقِير من كَثْرَة العساكر أَنهم كَانُوا يصيحون على الطير وَهُوَ طَائِر فيعجز عَن الطيران ويروم أَن يسْتَقرّ على مَكَان فَلَا يجد تَحْتَهُ غير انسان وَلم يبْق لَهُ الى الطيران مجَال ثمَّ يسْقط فتخطفه النَّاس فى الْحَال وَأما ظباء الفلا والوحوش الهائمة فى الملا فَكَانَت تحول بَينهَا النَّاس فتجول مشرقا ومغربا ويضيق عَلَيْهَا الفضاء فَلَا تَسْتَطِيع هربا فيغدوا وَاحِدهَا وَهُوَ حيران ويحال بَينه وَبَين النزوان وَلَا يُمكنهُ عَدو ولاحراك فَيمسك بالايدى ويصاد من غير شباك الى غير ذَلِك من لَوَازِم الكثره وَالْوَصْف الذى لَا نستطيع حصره ثمَّ قَالَ فَلَمَّا تحقق قزلباش أَن العساكر مدركوه وَأَن الْوُصُول الى تبريز من الامر الْمُحَقق الْوَاقِع وَصدق عَلَيْهِ قَول الْقَائِل حَيْثُ قَالَ (فانك كالليل الذى هُوَ مدركى ... وان خلت أَن المنتأى عَنْك وَاسع) ضَاقَ بِهِ العطن وأحاطت بِهِ المحن فشرع فى تحصين تبريز بأَشْيَاء يظنّ أَنه يحصل بهَا الدفاع وَيَزْعُم أَن أَخذهَا من يَده بعد هَذَا التحصين مِمَّا لَا يُسْتَطَاع على أَن تِلْكَ الاشياء لَيست بحاجز حُصَيْن وَلَا يتحصن بهَا من كَانَ ذَا رَأْي سديد وعقل رصين وَذَلِكَ أَن مَدِينَة تبريز على عظمها وَكَونهَا فى الْقدر قَرِيبا من مصر الا أَنَّهَا لَيست بمسورة وَلَيْسَ فِيهَا قلعة معمرة بل هى محاطة بالبساتين احاطة بساتين دمشق بهَا أى مَعَ قطع النّظر عَن لطف الرونق وَحسن المنظر فان كَون الْمُشبه لَيْسَ كالمشبه بِهِ من كل وَجه من الْمَعْلُوم الْمُقَرّر حَاصِل الامر أَنه عمد الى حيطان الْبَسَاتِين وهى من لبن المغاربه وَعمل بَين كل حائطين حَائِطا فِيهِ طاقات لَان يرْمى بهَا الْعَسْكَر حَال المحاصرة والمحاربه وَأبقى فى تبريز حاكمها من قبله الْمُسَمّى بامام قولى خَان وَجمع الى اهاليها تِلْكَ الاطراف وَأمرهمْ بمحاربة الْعَسْكَر مَعَهم ومساعدتهم بِحَسب الامكان وَخرج هُوَ مَعَ عسكره الى مَكَان خَارج عَن الْمَدِينَة وَزعم أَنَّهَا بِهَذِهِ الاوهام والخيالات قد صَارَت حصينه وَكَانَ فى عزمه بل فى زَعمه أَنه اذا جَاءَت عَسَاكِر الاسلام المنصوره وقصدوا أَن يحاصروا الْمَدِينَة المذكوره يذودهم ويصدهم عَنْهَا من هُوَ فِيهَا بالنشاب والبنادق وَأَن تخصم هَذِه الفرازين بِتِلْكَ البيادق وَأَنه يحْتَاط بالعسكر من خَارج الْمَدِينَة ويحاربهم من الْخَارِج بعسكره الاقل وَيَزْعُم بِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 المتصف بمضمون قَوْله تَعَالَى {ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} معَاذًا الله بل قَالَ عَسْكَر الاسلام عِنْد قربه للبلد ووصوله نقُول بِمُوجب مَا قلت وَلَكِن الْعِزَّة لله وَلِرَسُولِهِ ثمَّ ان الْوَزير تقدم اليها بالعساكر المنصورة وَهُوَ فى غَايَة الْقُوَّة والمنعة وَتقدم أَمَامه بِيَسِير جغال زَاده يمشى شَيْئا فَشَيْئًا كَأَنَّهُ كَمَا قيل (منصرف فى اللَّيْل من دَعْوَة ... قد أسرجت قدامه شمعه) حَتَّى أَتَاهَا وَقَامَ على رياضها وقاربها واستقى من حياضها وعندما قصد أَخذهَا ورام يحاولها وَقَالَ رائدهم ارسوا نزاولها اسْتَعَانَ الله تَعَالَى وَوجه اليه مرامى كَادَت أَن تكون من حَدِيد جبالا وقابل تِلْكَ الثغور الَّتِى تحَصَّنُوا بهَا بثغور مدافع كَأَنَّهَا تَبَسم وَلَكِن عَن شرر كالقصر وحاصرها من قبل الظّهْر الى بعد الْعَصْر ورماها بهَا فَكَانَت كالصواع المحرقه وَأرْسل عَلَيْهَا شواظا من نَار ونحاس أحرق بهَا أهل الْبدع والزندقه وحوم عَلَيْهَا بالعسكر وَحلق (وأخاف أهل الشّرك حَتَّى انه ... لتخافه النطف الَّتِى لم تخلق) وابتدع ذَلِك بمشرفيات كأنهن أَنْيَاب اغوال أضحت كسنن لَاحَ بَينهُنَّ ابتداع وقابل تِلْكَ البيادق بأفيال من مدافع لَا يُمكن عَنْهَا دفاع فَلَمَّا عاينوا ذَلِك الْحَرِيق وَشدَّة وقوده قَالُوا لَا طاقه لنا الْيَوْم بِهَذَا الْوَزير وَجُنُوده فان هَؤُلَاءِ كَمَا قيل (قوم اذا حَاربُوا ضروا عدوهم ... أَو حاولوا النَّفْع فى أشياعهم نفعوا) (سجية تِلْكَ مِنْهُم غير محدثة ... ان الْخَلَائق فَاعْلَم شَرها الْبدع) فعندما شَاهد حَاكم تبريز تِلْكَ الحاله وَعلم أَن المملكة مَأْخُوذَة لَا محاله لم ير بدا من أَن ينهزم من الْبَلدة ويتسحب وأوجس فى نَفسه خيفة وَخرج مِنْهَا خَائفًا يترقب وطلع عَنْهَا متنكرا وهرب مِنْهَا مبكرا فَكَانَ حَاله كَمَا قيل (اذا أنكرتنى بَلْدَة أَو نكرتها ... خرجت مَعَ البازى على سَواد) وَلَكِن سَواد الذله ولباس الخزى والمذله فَلَمَّا ذهب على هَذِه الْحَالة الى الشاه مَاتَ من قهره وَجعل الله كَيده فى نَحره وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وملكت الْبِلَاد بعناية الله على أحسن الاحوال ثمَّ لما خذل الله ذَلِك الْعَدو وانفشل وهرب بعسكره نَاحيَة وَاعْتَزل متحيرين مِمَّا لَقِيَهُمْ وَقد غشيهم من الْهم مَا غشيهم وصاروا أَضْعَف النَّاس قبيلا وظلماً تمنوا الْمُحَاربَة فَلم يَجدوا اليها سَبِيلا وَكلما رام ذَلِك الْعَدو والضعيف أَن يُوقد نَارا للحرب أطفأها الله وأخمد مِنْهَا الضرام وَمَتى قصد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 الْمُقَاتلَة والمقابلة يُقَال لَهُ تنكب لَا يقطرك الزحام فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ لَهُ قومه اقترح شَيْئا نجد لَك التباعه ومرنا بِأَمْر نجد بامتثاله بِحَسب الاستطاعه فَقَالَ لَهُم اتبعونى وَلَكِن فى الْهَرَب وجدوا فى الْهَزِيمَة قبل أَن يمنا العطب فلسنا من فرسَان هَذَا الميدان وَلَا يُقيم على ضيم يُرَاد بِهِ الا الاذلان ثمَّ ان حَضْرَة الْوَزير لم يقنع مِنْهُ بالهرب بل كَانَ كلما ترحل عَنهُ لج فى الطّلب وَكلما بلغه خبر شرذمة من اولئك جد فى طلبَهَا وأقدم وارسل لحربها حزبا من شجعان الْعَسْكَر الضاربين بِكُل أَبيض مخذم وَمَتى قيل لَهُ ان طائة من اولئك فى جِهَة أرسل عينا تشرف عَلَيْهَا وَهُوَ دَائِما ماسك عنان فرسه كلما سمع هتفة طَار اليها يجول تِلْكَ الاطراف مشارقا ومغاربا عزماته مثل النُّجُوم ثواقبا (تَدْبِير معتصم بِاللَّه مرتقب ... لله منتصر فى الله منتقم) ثمَّ انه قبل وُصُوله الى تبريز كَانَ يترقب من أهاليها لَا سِيمَا الاكابر والافاضل ان يستقبلوه الى خَارج الْمَدِينَة بمراحل ويقابلوه بِكَمَال الطَّاعَة والانقياد ويظهروا لَهُ كَمَال الْمحبَّة والاعتقاد وَأَنَّهُمْ يستبشرون بمقدمه ويسرون بحلول قدمه ويبايعونه على أَنهم رعايا وَأَنَّهُمْ قدمُوا أنفسهم لَهُ هَدَايَا فيراعى كلا مِنْهُم على حسب حَاله ويبلغه من الامن والامانى مَا فى آماله الا أَن الشاه كَانَ هددهم غَايَة التهديد وأوعدهم على اقامتهم بِالْمَدِينَةِ بأنواع الْوَعيد فَلَمَّا دَخلهَا لم ينظر فِيهَا غير فُقَرَاء الرعايا والشيوخ الْكِبَار الَّذين فيهم من عهد عَاد بقايا وَأَكْثَرهم فُقَرَاء آفاقيه وَأما اكابر الْمَدِينَة فَلم يبْق مِنْهُم أحد بِالْكُلِّيَّةِ ثمَّ ان أهل الْمَدِينَة لما ذَهَبُوا أخذُوا من أَمْوَالهم وارزاقهم مَا رخص حمله وغلت قِيمَته وأبقوا مَا عدا ذَلِك مِمَّا يثقل حمله وتكثر مُؤْنَته فَحصل للوزير من هَرَبهمْ غَايَة الْغَضَب وانحرف مزاجه بِهَذَا السَّبَب وَكَانَ فعلهم هَذَا الى نهب أَرْزَاقهم وَسِيلَة وذريعه فَلَمَّا دخل الْعَسْكَر لَا سِيمَا الينكجريه أغمضت عَنْهُم الْعين فنهبوا ذَلِك جَمِيعه واسترقوا أَوْلَادهم وعيالهم وَأخذُوا أَرْزَاقهم وَأَمْوَالهمْ بِحَيْثُ لم يتْركُوا من ذَلِك شَيْئا أصلا وتتبعوا الْبيُوت بَابا بَابا وفصلا فصلا حَتَّى أخذُوا الاخشاب وجعلوها أحطابا وَلم يبقوا فى المساكن طاقات وَلَا أبوابا وَكَثِيرًا مَا شاهدت أَمَاكِن ذَات أَبْوَاب محكمَة الصِّنَاعَة وآلات حازت من اللطف أَنْوَاعه من عمل الصناع العوال والاساتذة الَّتِى لَيْسَ لاساتذة بِلَادنَا عِنْدهم مجَال قد كسرت أَبْوَابهَا فَعَادَت مَبْنِيَّة على الْفَتْح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 وهدمت جدرانها من الاساس الى السَّطْح فأضحت على عروشها خاويه بعد أَن كَانَت لانواع النقوش والزخاريف حاويه وَلم يُوجد فِيهَا مَكَان الا تهدم وَلم يبْق من أَكْثَرهَا كَمَا قبل الادمنة لم تكلم ثمَّ ان تَحت غَالب بيُوت تبريز مغارات وَاسِعَة جدا ينْسب واصفها الى الغلو اذا رام لرسمها حدا طولهَا فِيمَا يُقَال كَمَا بَين دمشق والصالحيه لَا يهتدى اليها كل أحد لَان لَهَا مدَاخِل خفيه أضمرها من كَانَ لَهَا صانعا وَجعل لَهَا مثل حجر اليربوع ذافقاء وقاصعا مُشْتَمِلَة على خبايا وزوايا أعدوها قَدِيما الاخفاء أَرْزَاقهم اذا حل بهم مثل هَذِه المحن والبلايا فوضعوا أمتعتهم فى المغارات وأخفوها عَن الْعُيُون وجعلوها من قبيل الْمُضْمرَات المبنية على السّكُون حَتَّى أخبر من يعْقد على اخباره ان غَالب أهاليها وأبنائها الى الْآن مختب فى داخلها ومحتب بفنائها الا أَن الينكجرية لِكَثْرَة تفتيشهم وتنقيرهم وتتبعهم وتحريرهم ظَهَرُوا على كثير من تِلْكَ المغارات فتوجهوا اليها وشنوا عَلَيْهَا الغارات وَكلما اطلع أحد من الينكجريه على شئ من ذَلِك ذهب لاعلام رفقائه فتجئ وتستخرج اليربوع من نافقائه وَقد شوهد بعض من ذَلِك النَّوْع وَذَلِكَ مغارة فى الباذستان وضع فِيهَا حَاكم الْبَلدة خزائنه لما حصل لَهُ من الْخَوْف والروع وَلما نهب الباذستان لم يعلم بهَا أحد وَلم يطلع عَلَيْهَا انسان لَكِن اطلع عَلَيْهَا كَثِيرَة التنقير وَبلغ أثر تِلْكَ حَضْرَة الْوَزير فَأرْسل من جَانِبه الدفترادار فى الْحَال وَضبط جَمِيع مَا فِيهَا لبيت المَال ثمَّ ان الْعَسْكَر بعد أَن نهبوا الْمَدِينَة ذَهَبُوا الى الاطراف فنهبوا الزروع ودخلوا الْبَسَاتِين فَقطعُوا الاشجار من الاصول وَالْفُرُوع فَكَانَ حَال أُولَئِكَ كَمَا قيل فى الْمَعْنى (للسبى مَا نكحوا وَالْقَتْل مَا ولدُوا ... والنهب مَا جمعُوا وَالنَّار مَا زرعوا) ثمَّ بعد ذَلِك حضر جمَاعَة من أهل الْمَدِينَة وأكابرها بعد أَن ذهب عَنْهُم الروع وجاؤوا بِحسن الِاخْتِيَار والطوع وتقدموا الى حَضْرَة الْوَزير وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهُم كَانُوا مجبورين على هَذَا التَّأْخِير فَقبل مِنْهُم مَا أبدوه وعذرا وَمن عَلَيْهِم بفك الاسرى فَانْقَلَبَ كل مِنْهُم الى أَهله مَسْرُورا ولقى من بعد ذَلِك الْخَوْف أمنا وسرورا فشرعوا فى الْعود الى أوطانهم من بعد الْهَرَب وَأَقْبلُوا يَنْسلونَ اليها من كل حدب هَذَا وَكَثِيرًا مَا سَأَلنَا بعض أبنائها عَن محاسنها واستفسرنا مِنْهُ عَن لطيف موَاضعهَا وأماكنها فَيَقُول لَو رأيتموها وهى مأهوالة معموره وبالخيرات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 والارزاق مغموره لرأيتم شَيْئا يحير الافكار ولحكمتم بِأَن لَيْسَ لَهَا نَظِير فى الديار ثمَّ يتنفس الصعدا وَيَغْدُو لِسَان حَاله منشدا (ألما على الدَّار الَّتِى لَو وجدتما ... بهَا أَهلهَا مَا كَانَ وحشا مقيلها) (وَلَو لم يكن الا معرج سَاعَة ... قَلِيلا فانى نَافِع لى قليلها) وفى الْحَقِيقَة هى من أحسن الْبِلَاد الانيقه ومعدودة كَمَا هُوَ مَعْلُوم من الاماكن الرشيقه لَكِن تعرضت لَهَا أيدى الْحدثَان وَكَانَ مُقَدرا عَلَيْهَا أَن تصاب بِهَذَا الْمُصَاب فى هَذَا الاوان (واذا تَأَمَّلت الْبِقَاع وَجدتهَا ... تشقى كَمَا تشقى الرِّجَال وتسعد) وَأما جوا مَعهَا الْعَظِيمَة الشان وَحسن رونقها الذى لَا يُوجد نَظِيره الا فى الْجنان فانها حازت أَنْوَاع المحاسن واللطائف وَلَا يُمكن أَن يضْبط حسن نضارتها بِوَصْف واصف (لقد جمعت كل المحاسن صُورَة ... شهِدت بهَا كل الْمعَانى الدقيقة) لَا سِيمَا تزينها ظَاهر اَوْ بَاطِنا بنفيس القيشانى والنقوش البديعة الْمعَانى والكتابات الْحَسَنَة الَّتِى تكل عَن وصفهَا الالسنه كخط ابْن البواب وَمن فاقه من مشاهير الْكتاب فانا لم نشاهد مثل هَذِه الكتابات قطّ وَقد أنسانا ذَلِك جمع مَا شَاهَدْنَاهُ فى عمرنا من حسن الْخط خُصُوصا وضع كل شئ فى مَحَله واقترانه مَعَ مناسبه والتئامه كالكتابة على المنارة مثلا المؤذنون أطول النَّاس أعناقا يَوْم الْقِيَامَة وكالكتابة على الاخرى بالخط الْوَاضِح الْمُبين وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ اننى من الْمُسلمين وعَلى الاخرى أشهد أَن لَا اله الا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَلَقَد شاهدنا على حَائِط الْجَامِع مِمَّا يلى الْبَاب من الْجِهَتَيْنِ مَكْتُوبًا بالخط الجلى القويم آيَات من الْكَلَام الْقَدِيم فَمن جِهَة الْيَمين قَوْله تَعَالَى {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وزلفى من اللَّيْل إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ واصبر فان الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ} وَمن جِهَة الشمَال قَوْله {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس إِلَى غسق اللَّيْل وَقُرْآن الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} لَكِن لم يتمتع النّظر بأنضر من ذَلِك الْخط وَلَا أجلى وَلم تشاهد الْعين ألطف من ذَلِك الرقم وَلَا أحلى كلما زِدْته نظرا زادك حسنا وَكلما راجعت الْبَصَر كرة بعد كرة يظْهر لَك من ذَلِك الشكل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 لطيف معنى لَو اجْتمع كتاب الْعَصْر لم يستطيعوا أَن يكتبوا على شكله مِثَالا وَالْحَاصِل ان ذَلِك آيَة من آيَات الله تَعَالَى وَكُنَّا نقُول عِنْد مُشَاهدَة ذَلِك سُبْحَانَ خَالق القوى وَالْقدر وانما لمعان تعشق الصُّور ثمَّ بعد أَن وضعت الْحَرْب أَوزَارهَا وَأَطْفَأت الفئة الغازية نارها شرع الْوَزير فى أَن يحصن المدينه ويعمر بهَا قلعة حصينه وتفحص عَن مَكَان مُنَاسِب يَلِيق وأعمل فى ذَلِك الْمَعْنى فكره الدَّقِيق فَوَقع الِاخْتِيَار على أَن يكون مَحل القلعة مَوضِع قصر الشاه وبستانه وَاتفقَ الرأى على أَن تكون القلعة عوضا عَن الْبُسْتَان ومكانه فشرع فى تعميرها يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس شَوَّال من غير قُصُور وَكَانَ الْفَرَاغ مِنْهَا خَامِس وعشرى الشَّهْر الْمَذْكُور وَصَارَ الْقصر دَاخل القلعة المذكوره وعادت الْبَلدة بذلك مستوره وَأما الْقصر الْمَذْكُورَة فَهُوَ حسن المبانى لطيف الْمعَانى لَا يُوجد لَهُ مثل فى سَائِر الْبِلَاد وَلَا عمر نَظِيره وَلَا من عهد عَاد أحكم وَاضعه بناءه النفيس وأتقن صانعه فى شكله المسدس أشكال التأسيس وَهُوَ فى الْحَقِيقَة كَمَا كتب على بَابه كمل هَذَا الْقصر الْمُعَلَّى والصرح الممرد الْمحلى الذى لم يوضع مثله فى الْجنان وَلم يخْطر مِثَاله للجنان وتاريخه سنة تسع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة ولعمرى انه الْمَعْنى بقول الْقَائِل (قصر عَلَيْهِ تَحِيَّة وَسَلام ... خلعت عَلَيْهِ جمَالهَا الايام) وَقد نقل عَن الشاه أَنه لما بلغه عمَارَة القلعة مَكَان قصره وبستانه تأسف كثيرا على معاهد ملكه وسلطانه وَضَاقَتْ عَلَيْهِ الارض بِمَا رَحبَتْ وعاين أَن روحه من جسده سلبت وَمَا أحراه أَن ينشد فى هَذَا الْحَال تحسرا على الْقصر الْمَذْكُور قَول من قَالَ (فَدَيْنَاك من ربع وان زدتنا كربا ... فانك كنت الشرق للشمس والغربا) وَقد غَدا مخذولا مقهورا وأضحى كَانَ لم يكن شَيْئا مَذْكُورا ثمَّ لما اتم الْوَزير بِنَاء القلعة وأكمل الْحصار وَأحكم وَضعه وضع فِيهِ جمعا كثيرا من الْعَسْكَر وَأمر عَلَيْهِم حَاكما الباشا جَعْفَر ثمَّ بعد أَن أعْطى كَمَا ذكرنَا لاهل تبريز الْأمان وَرجع بَعضهم الى الْمنَازل والاوطان وَفتحت بعض الدكاكين والحمامات وأضحت مأنوسة بِأَهْلِهَا بعض المحلات اتّفق فى ذَلِك الاثناء أَن قتل فى بعض الحمامات بعض أشخاص من الْعَسْكَر وَنقل الى الْوَزير أَن جمَاعَة القزباش مختفين بِالْمَدِينَةِ بِاتِّفَاق من أَهلهَا فَغَضب من ذَلِك وتأثر وَأقسم أَنه ينْتَقم من أهالى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 تبريز غَايَة الانتقام وَأمر فيهم حَيْثُ وجدوا بِالْقَتْلِ الْعَام واستوعبهم بِالْقَتْلِ واستأصل واصر حَالهم كَمَا قيل (فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل) وَقتل عِنْد ذَلِك آمنهم وَأَصْبحُوا لَا ترى الا مساكنهم بل هى أَصبَحت مضمحلة لَا ترى وَلم يذروا مِنْهَا عينا وَلَا أثرا بِحَيْثُ لم يبْق مِنْهَا الا بعض الْمَوَاضِع وَلم يتْركُوا مِنْهَا الا الثَّلَاث الاثافى والديار البلاقع وَلم يبْق من أَهلهَا الا من كَانَ طفْلا أَو صارخة تصرخ صُرَاخ الثكلى وَكَانَ بقى لَهُم من رزقهم بعض بَاقٍ فنهب الْعَسْكَر ذَلِك الباقى وَلم يتْركُوا لَهُم شَيْئا يَأْكُلُونَهُ فَكَادَتْ أَرْوَاحهم من الْجُوع ترقى الى التراقى وَصَارَ حَالهم الى أَسْوَأ الاحوال وناهيك بِالْجرْحِ على قرب الِانْدِمَال وَقد نقل أَنه قتل فى جملَة أُولَئِكَ جمع من الاشراف الافاضل وَجَمَاعَة من الْعلمَاء الاكامل وَكَانَ ذَلِك فعلا صادرا من غير رأى صائب وأمرا يمجه الطَّبْع وَيحكم الْعقل بِأَنَّهُ أَمر مَحْذُور العواقب وَكَانَ الْكَفّ عَن هَذَا الْفِعْل أولى وَأَحْرَى وان صدر من بعض مَجْهُول جرم فَلَا تزر وَازِرَة وزرة أُخْرَى ثمَّ اتّفق بِمُقْتَضى الْحِكْمَة الالهية والاوامر الربانيه أَن الْوَزير مرض عقيب ذَلِك الْفِعْل من غير تَأْخِير وَاسْتمرّ أَرْبَعَة أَيَّام والتحق بالعليم الْخَبِير وَخرج من تبريز وَهُوَ يعالج سَكَرَات الْمَوْت وانتقل بالوفاة بعد خُرُوجه مِنْهَا بِيَوْم من غير فَوت انْتهى مَا لزم ايراده عودا الى مَا يتم بِهِ من صَاحب التَّارِيخ مُرَاده وَكَانَ قبل وَفَاته نصب سِنَان باشا حَاكما وانه قَائِما مقَامه فَلَمَّا توفى رَحل سِنَان باشا بالعساكر فاعترضهم الْعَدو يَمِينا وَشمَالًا وَوَقع بَينهم مناوشة فَلَمَّا وصلوا الى حُدُود المملكة العثمانية أَمَام قلعة سلماس هجم حَمْزَة ميرزا ابْن شاه مُحَمَّد خدا بنده صَاحب عراق الْعَجم فى نَحْو ثَلَاثِينَ ألف رَاكب فَوَقع بَين العسكرين قتال كثير انجلى الْحَرْب عَن هزيمَة الاعجام بعد أَن حصد غالبهم بِالسَّيْفِ فَلَمَّا دخلُوا مَدِينَة وان شَقوا بطن الْوَزير عُثْمَان باشا وحشوه بالطيب وبعثوا جده الى مَدِينَة آمد فدفنوه بهَا وَكَانَ الْوَزير الْمَذْكُور رأى مناما وَهُوَ بِمَدِينَة تبريز أَنه كَانَ رَاكِبًا فرسا أَبيض فَأَلْقَاهُ الْفرس الى الارض وَسَقَطت عمَامَته عَن رَأسه فَعرف أَنه يَمُوت من مَرضه الذى اعتراه فأوصى بِمَا أَرَادَ وَكَانَ من الشجَاعَة فى جَانب عَظِيم وَكَانَ تولى عدَّة صناجق فى ابْتِدَاء حَاله ثمَّ صَار أَمِير الامراء بِبِلَاد الْحَبَشَة فَسَار حَتَّى انْتهى الى تخوم أَرض الْحَبَشَة فَرَأى مَكَانا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 ينْبت الذَّهَب فِيهِ فى سفح جبل كَمَا ينْبت الْقصب فوصل الى اقليم القرود وتقاتل مَعَهم مَرَّات عديدة فَكَانَ النَّصْر لَهُ وفى سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة جهز السُّلْطَان صَاحب التَّرْجَمَة فرهاد باشا الْوَزير مَعَ عَسَاكِر عَظِيمَة الى بِلَاد الْعَجم فوصلوا الى تبريز وحصنوا قلعتها ورمموا سورها وَكَانَت السباهية حاصروها مرَارًا عديدة وقربوا من أَخذهَا ثمَّ بنى بَين وان وتبريز قلعتين وشحنهما بِالرِّجَالِ وَالسِّلَاح وَلم يزل الْوَزير الْمَذْكُور يشتى بِبِلَاد الرّوم وَيرجع فى الصَّيف الى بِلَاد الْعَجم حَتَّى مهد الْبِلَاد الَّتِى أخذت من الكرج وَبنى قلعة كورى وَوصل الى بِلَاد قره بَاغ وكنجه وابتنى هُنَاكَ حصنا على كنجه وحصنا على بردعه وَقَاتل صَاحب قره بَاغ مُحَمَّد خَان فَكسر وغنم أَمْوَاله وَعَاد الى بِلَاد الرّوم وَقد وَقع فتح بِلَاد شرْوَان فى هَذِه السّنة وَمن الْعَجَائِب الَّتِى وَقعت فى هَذِه السّنة أَنه فى خَامِس صفر مِنْهَا ولد بحارة بلاط من قسطنطينية بدار رجل يُقَال لَهُ الْحَاج خضر مَوْلُود لَهُ لحية بَيْضَاء طَوِيلَة وَلَيْسَ لَهُ عينان وَلَا فَم وعَلى حَاجِبه أَو جَبينه ثؤلول قدر الباقلا وأذناه فى عُنُقه وَحين ولد سَطَعَ لَهُ نور وبقى الى أَن مَاتَ من يَوْمه وَلما مَاتَ ذهب ذَلِك النُّور وجئ بِهِ الى مجْلِس قاضى استانبول وَرَآهُ النَّاس وسجل بالسجل وَبعث بِصُورَة الْوَاقِعَة للامصار وفى سنة سبع وَتِسْعين وَردت أوَامِر الى الاقطار بِأَنَّهُ ظهر بِمَدِينَة مراكش من الْمغرب ثَلَاث أَنْفَار أحدهم اسْمه يحيى بن يحيى وَهُوَ لابس ثوبا من لِيف النّخل وفى صَدره مرْآة وَهُوَ رَاكب جملا وَيَقُول لَا اله الا الله وَيَقُول الْجمل مُحَمَّد رَسُول الله وانه يَقُول للجدار انْهَدم بِأَمْر الله فينهدم وَيَقُول كن جدارا كَمَا كنت باذن الله فَيكون جدارا عَامِرًا وان الثَّلَاثَة تفَرقُوا وَاحِد الى الشَّام وَآخر الى مصر وَآخر الى قسطنطينية وَإِن الثَّلَاثَة يَجْتَمعُونَ بِالشَّام وان المهدى يتلاقى مَعَهم بِالشَّام وَمَعَهُمْ محْضر نَائِب القاضى على قاضى طرابلس الغرب وخطوط الْعلمَاء وَغَيرهم وان البندق والسهام وَالسُّيُوف لَا تُؤثر فى وَاحِد مِنْهُ وَلما اتَّصل بِعلم السُّلْطَان مُرَاد أَمرهم أرسل الى بِلَاد الغرب أَن لَا يعتبروا شَيْئا من ذَلِك وَكَذَلِكَ الى مصر وَالشَّام وَصَحَّ هَذَا الْخَبَر وَثَبت وفى نَهَار الثلاثا ثَالِث وعشرى شهر ربيع الآخر سنة احدى بعد الالف وَقعت الْفِتْنَة باسلا مبول وَذَلِكَ أَن العساكر من طَائِفَة الْيَمين واليسار والسلاحدراية وَغَيرهم اتَّفقُوا ودخلوا الى ديوَان السُّلْطَان بِسَبَب ابطاء علوفاتهم عَن الْعَادة وَأَرْسلُوا يطْلبُونَ مُحَمَّد الشريف صَاحب الدفاتر يَوْمئِذٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 فَامْتنعَ السُّلْطَان من تَسْلِيمه لَهُم خوفًا من أَن يقتلوه وَلم تزل قُضَاة العساكر يَتَرَدَّدُونَ لهَؤُلَاء الْجَمَاعَة لدفع هَذِه الْفِتْنَة فَلم يقدروا فرجموهم واستمروا واقفين مصرين حَتَّى هجم عَلَيْهِم من الدَّاخِل بعض الصّبيان وساعدهم من وجد من القواد وخدمة الدِّيوَان واستمروا يضربونهم ويرجمونهم بِالْحِجَارَةِ فازدحموا عِنْد خُرُوجهمْ من الْبَاب الوسطانى حَتَّى تراكم بَعضهم على بعض بَين الْبَابَيْنِ واستد الْبَاب فَكَانَ النَّاس يَمْشُونَ عَلَيْهِم فَقتل مِنْهُم وَمن المتفرجين نَحْو من مائَة وَسَبْعَة عشر انسانا فَأمر السُّلْطَان بالقاء أَجْسَادهم فى الْبَحْر وَسلم الدفترى الْمَذْكُور وفى هَذِه السّنة عين الْوَزير سِنَان باشا لمحاربة كفار المجر وَأرْسل العساكر فَفتح تِلْكَ السّنة قلعة بستريم وقلعة طاطا وشتى بِمَدِينَة بلغراد وفى السّنة الثَّانِيَة فتح قلعة قرَان بِضَم الْقَاف وقلعة يانق وهى من أحصن القلاع وأصعبها قد أحَاط بهَا المَاء وهى مَدِينَة مَاتَت الْمُلُوك بحسرتها لحصانتها ومنعتها ومتانتها وَكَانَ فتحهَا عِنْد النَّصَارَى بِمَنْزِلَة الْمحَال لصعوبة مراقيها واستعلاء مراميها وَذَلِكَ بعد أَن نَالَ الْمُسلمين شدَّة عَظِيمَة قيل ان النَّصَارَى رموهم بالمدافع فجَاء مدفع بصنجق النبى الذى صَحبه عَسْكَر الشَّام مَعَهم فكاد يسْقط فَتَلقاهُ رجل قبل السُّقُوط فَلم يسْقط ثمَّ بعد أَيَّام لما اشْتَدَّ بهم الْحصار سلط الله عَلَيْهِم مَوتَانا فَجعلُوا يموتون فى مدينتهم من غير قتال فَسَلمُوا الْمَدِينَة للْمُسلمين فَدَخَلُوهَا فوجدوها قد جافت من الْمَوْتَى وسر الْمُسلمُونَ بذلك سروا عَظِيما وَهَذِه جملَة الوقائع الَّتِى وَقعت فى زمن السُّلْطَان صَاحب التَّرْجَمَة وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ سعيد البخت وَكَانَت أَيَّام سلطنته معتدلة غَايَة الِاعْتِدَال وَالْعُلَمَاء والسادات فِيهَا مكرمون وَقد كثر فى زَمَنه الْعلمَاء وَكَانَ محبا لجمع الْكتب مَعَ حسن مطالعتها وَله أدب باهر وَشعر بليغ وَكَانَ غَايَة فى التَّوَاضُع والاستكانة لله تَعَالَى حكى النَّجْم عَن الْخَطِيب أَحْمد بن النعيمى الدمشقى خطيب أيا صوفيا بقسطنطينية أَنه كَانَ فى حَضْرَة السُّلْطَان مُرَاد حِين دخل قسطنطينية بعض أقَارِب سُلْطَان الْعَجم لطلب الْمُصَالحَة وَقد أَمر السُّلْطَان أَن تعرض عَلَيْهِ عساكره مارين عَلَيْهِ بَين يدى الاعجام على وَجه الِاسْتِيفَاء وَجلسَ فى مَكَان لَهُ على كرسيه وَبَين يَدَيْهِ شيخ الاسلام الْمُفْتى والخوجه ونقيب الاشراف وامامه وخطيب أيا صوفية وَهُوَ الْمُحدث قَالَ فعرضت عَلَيْهِ العساكر من أول النَّهَار الى وَقت الظّهْر فى موكب عَظِيم قَالَ فَرَأَيْنَا السُّلْطَان قد بَكَى وانتحب وخر عَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 كرسيه سَاجِدا ثمَّ قَالَ لنا اشْهَدُوا على أَنى عبد الله تَعَالَى من جملَة عبيده هَؤُلَاءِ لَا مزية لى بسلطنتى عَلَيْهِم فأبكانا وَبِهَذَا الْمِقْدَار من الاستكانة لله تَعَالَى وَالِاعْتِرَاف يُرْجَى لَهُ الْمَغْفِرَة وَكَانَت وِلَادَته بِمَدِينَة قسطنطينية فى سنة ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة وتاريخ وِلَادَته خير النّسَب وَتوفى يَوْم الثلاثا سادس جُمَادَى الاولى سنة ثَلَاث وَألف بحصر الْبَوْل بعد أَن اسْتمرّ مُدَّة طَوِيلَة مُنْقَطِعًا وَاسْتمرّ مَيتا عشرَة أَيَّام حَتَّى جَاءَ وَلَده السُّلْطَان مُحَمَّد وَجلسَ على التخت ثمَّ جهز وَأخرج بعد صَلَاة الْعَصْر وَصلى عَلَيْهِ بِسَاحَة أيا صوفيا وَتقدم للصَّلَاة عَلَيْهِ شيخ الاسلام مُحَمَّد بن بُسْتَان وَدفن بِالْقربِ من تربة وَالِده بِقرب ايا صوفيا وَله من الْعُمر خَمْسُونَ سنة وَكَانَت مُدَّة ملكه عشْرين سنة وَخلف عشْرين والدا ذكرا غير الاناث فَلَمَّا اسْتَقر ابْنه سُلْطَانا أَمر بخنق اخوته كَمَا تقدم فى تَرْجَمته وَالله أعلم مُرَاد بن هِدَايَة الله العجمى الاصل الدمشقى المولد رَئِيس الْكتاب بِدِمَشْق وَصَاحب دفاتر المحاسبة بِبَاب الدفترى وَكَانَ صَدرا نبيلا وقورا ممدوحا وَهُوَ الذى مدحه الْفَتْح بن النّحاس بقصيدته الْمَشْهُورَة الَّتِى أَولهَا قَوْله (بصباح وَجهك تشرق الانوار ... ولباب مجدك تهرع الامجاد) (واذا جرى ذكر الانام بِمَجْلِس ... بدؤا بذكرك وانْتهى الاعداد) (سجدت لَك الافلاك حِين رفعتها ... والغاب ترفع ذكره الآساد) (حيرت حذاق الْحساب بفكرة ... تَركتهم وألوفهم آحَاد) (قس الفصاحة لَو نطقت سحرته ... وَلَو دلو أَن الحَدِيث يُعَاد) (لم يسبقوك وان سبقت بوالد ... فكلاهما فى المأثرات جواد) (مَا الْمجد الا أَن يكون وراثة ... وتزيد عَن آبائها الْأَوْلَاد) (مِنْكُم بدا نجم الْهِدَايَة للعلا ... وعشا لنأر قرا كم القصاد) (كل يؤمل أَن يُرَاد سوى الذى ... خلع الْقبُول عَلَيْهِ وَهُوَ مُرَاد) (ان السِّيَادَة فى ذراك تعوذت ... بك أَن يمد يدا لَهَا الحساد) (عَزمَات مثلك لَا تعاب بحدة ... بيض الصوارم كُلهنَّ حداد) (هَذَا الْغَمَام على الْخَلَائق رَحْمَة ... وَصِفَاته الابراق والارعاد) (يَا دوحة ظلّ السَّعَادَة ظلها ... لَا زَالَ حولك ظلك المياد) (ورعى حماك من الْعِنَايَة حارس ... وَسَقَى ثراك من الْحيَاء عهاد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 وَكَانَ حج فى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف فتوفى وَهُوَ رَاجع بعسفان فى ثانى الْمحرم سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى مُرَاد رَئِيس المغربى الْمَشْهُور أَمِير الْبَحْر وَصَاحب المغازى كَانَ مَيْمُون النقيبة قوى الطالع غَالِبا للكفرة كاسرا لشوكتهم بطلا من الابطال وَلم يتول منصبا للسُّلْطَان بل كَانَ يغز وَالْكفَّار وَمهما اكْتسب من غنيمتهم أنفقها على نَفسه وعَلى جماعته الشجعان وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان عشرَة بعد الالف وَكَانَ طاعنا فى السن ناهز الثَّمَانِينَ سنة وَذكر البورينى أَنه ورد فى سنة مَوته كتاب من الامير فَخر الدّين بن معن لبَعض أَصْحَابه يذكر فِيهِ مَوته بقوله وَمُرَاد رَئِيس توفى فحسبت هَذِه الالفاظ فَوَافَقت تَارِيخ مَوته مُرَاد باشا الْوَزير فى عهد السُّلْطَان أَحْمد صَاحب الحروب مَعَ المجر والعجم والجلالية وشهرته تغنى عَن تَعْرِيفه أَصله من الخرواد وَكَانَ خدم مَحْمُود باشا الْمَشْهُور الذى كَانَ تولى الْيمن ومصر وَقَتله عَسْكَر مصر فى شعْبَان سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة ثمَّ صَار كتخداه فَلَمَّا قتل الْوَزير الْمَذْكُور صَار أحد الصناجق بِمصْر ثمَّ صَار حَاكما بِالْحَبَشَةِ ثمَّ عينه السُّلْطَان مُرَاد حَاكما لليمن فوصل الْوَزير الى ينْدر الصلف فى شهر ربيع الاول سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَدخل صنعاء فى جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة الْمَذْكُورَة وضاق حَاله بِالْيمن وامتحن فِيهَا فَظهر فى زَمَانه الامام الْحسن بن على المؤيدى فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يحب الْعلمَاء ويميل الى الصلحاء وَكَانَ لَهُ حسن عقيدة فى الشَّيْخ الصَّالح عبد الْقَادِر الجعدى وَأَوْلَاده قدس الله سرهم وَهُوَ الذى بشره بِولَايَة الْيمن وَهُوَ خازندار من عِيَال خزانَة مَحْمُود باشا وَأدْخل الشَّيْخ عبد الْقَادِر الْمَذْكُور رَأس مَحْمُود باشا فِي كمة مُشَاهدَة مَحْمُود باشا فِي كمه رجلا يُرِيد يرميه ببندق فخاف مَحْمُود باشا على نَفسه فَقَالَ الشَّيْخ عبد الْقَادِر مَا يكون ذَلِك الا بِمصْر فَرَمَوْهُ فى ولَايَته بِمصْر وَأرْسل هُوَ حِينَئِذٍ سردار العساكر السُّلْطَانِيَّة بعد عَزله من الْيمن الى زيد ابْن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الْمَذْكُور كسَاء فاخرا ونقودا وكتابا باللغة التركية فَأمر الْوَزير كتخدا سِنَان باشا وَكَانَ كَاتب الدِّيوَان فى خدمته أَن يعرب للشَّيْخ زيد مَفْهُوم ذَلِك الْكتاب فعربه وَرَأى فِيهِ من لطف الْعبارَات مَا يدل على مَكَارِم أَخْلَاق الْوَزير الْمشَار اليه وَله آثَار حَسَنَة بِالْيمن مِنْهَا جَامع فى قصر صنعاء وأجرى لَهُ غيلا من جبل نُقِيم وَانْقطع فى زمن حسن باشا الْوَزير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 وَبنى أَيْضا قبَّة معظمة على قُبُور السَّادة بنى الاهدل بزبيد وَدفن فِيهَا من متأخريهم شيخ الاسلام والْحَدِيث فى عصره الطَّاهِر الْحُسَيْن الاهدل وَكَانَ لَهُ حسن عقيدة فيهم وَرفع عَن الرّعية جملَة من الْبدع والمظالم وَنشر عدله فى الْجبَال وَكَانَ مَعَ ذَلِك سفاكا ثمَّ عزل عَن الْيمن ووليها بعده الْوَزير حسن باشا وَلما وصل الى دَار السلطنة أعْطى حُكُومَة قرمان وَأمر بِالسَّفرِ مَعَ الْوَزير الاعظم الموجه الى تبريز فأسرته الْعَجم فى الْوَقْعَة قَالَ النَّجْم حَدَّثَنى شَيخنَا القاضى محب الدّين أَنه حَدثهُ عَن أسره انه لما أسرته الْعَجم وانْتهى الامر عرضت الاسارى على الشاه اسمعيل فَكَانَ يَأْمر بقتل الْبَعْض ورد الْبَعْض الى الرِّبَاط أَو الْحَبْس قَالَ وَكَانَت عمامتى قد ذهبت عَن رأسى وفرجيتى فَلَمَّا جَاءَت نوبتى فى الْعرض عَلَيْهِ قَالَ من تكون أَنْت من الْعَسْكَر فَقلت وَاحِد من السباهية أَو قَالَ من القبوقوليه فَقَالَ لى كذبت أَنْت خَان من خاناتهم وهم يسمون الباشا خَانا قَالَ ثمَّ أَمر لى بساق رَقِيق ثمَّ أَمر بى الى السجْن قَالَ وَكَانَ عرفنى من سروالى فانه كَانَ من الديباج قَالَ فَلَمَّا كنت فى الاسر وَالْحَبْس نذرت لله تَعَالَى عشرَة آلَاف ذَهَبا ان خلصت وعدت الى حالى أَقف بهَا عقارا على فُقَرَاء الْحَرَمَيْنِ الشريفين فَلَمَّا خلص ولاه السُّلْطَان مُرَاد نِيَابَة دمشق فعمر بهَا السُّوق الذى عِنْد بَاب الْبَرِيد وَكَانَ يعرف بسوق الطواقية شرع فى تعميره فى أَوَاخِر سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف فهدم الحوانيت الْقَدِيمَة وجدد بناءها ووسع الطَّرِيق وَرفع السّقف وَبنى على مربعة بَاب الْبَرِيد قبَّة عَظِيمَة عالية ملاصقة للعمودين العظيمين الباقيين على يَمِين بَاب الْبَرِيد وشماله فَجَاءَت قبَّة حَسَنَة وَجَاء الْبناء حسنا محكما وَأخذ الْبيُوت الَّتِى وَرَاءه وعمرها وكَالَة حَسَنَة وَأمر أَن يسكن فِيهِ تجار سوق السباهية فنقلوا اليه بُرْهَة حَتَّى مَاتَ وأعيدوا الى السُّوق الْمَعْرُوف بهم الْآن ثمَّ عمر الى جَانِبه سوقا آخر وَنقل اليه تجار سوق الذِّرَاع المتولى لَهُ على عمَارَة السُّوق الاول والقهوة وَالْوكَالَة الشَّيْخ احْمَد المغربى متولى الْجَامِع الاموى الْمُقدم ذكره وَكَانَ تَمام عمارتها فى سنة خمس بعد الالف وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الطّيب الغزى فى تَارِيخ الْوكَالَة (هاك تَارِيخا شما لَهُ ... بدر هالات الغزاله) (جملَة الْملك بهاء ... وسخاء وبساله) (صَحَّ فى آخر شطر ... ضمن الدّرّ مقاله) (ولى الشَّام مُرَاد ... فَبنى خير وكاله) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 وَالْوكَالَة اسْم للخان كَمَا هُوَ الْمَعْرُوف فى عرف المصريين والدمشقيون يسمونه قيسارية والمتولى عمَارَة السُّوق الثانى لَهُ حسن باشا الْمَعْرُوف بشور بزه نزيل دمشق الْمُقدم ذكره ووقف الْجَمِيع على الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَقتل مُرَاد باشا فى تَوْلِيَة دمشق الامير مَنْصُور بن الفريخ الآتى ذكره والامير على بن الحرفوش وصير الامير فَخر الدّين بن معن صنجقا وبقى نظره عَلَيْهِ ثمَّ انْفَصل عَن دمشق وَولى حلب وديار بكر وسافر سفرة الانكروس الَّتِى فتحت فِيهَا قلعة اكره وَظَهَرت لَهُ يَد فى الْمُقَاتلَة ثمَّ أعْطى ولَايَة روم ايلى مرَّتَيْنِ ثمَّ انْعمْ عَلَيْهِ بالوزارة وَأمر بمحافظة بلغراد وَلما قتل الْوَزير الاعظم درويش باشا يَوْم السبت تَاسِع شعْبَان سنة خمس عشرَة بعد الالف أرسل الى صَاحب التَّرْجَمَة للوزارة الْعُظْمَى بسوق شيخ الاسلام صنع الله بن جَعْفَر وَعقد الصُّلْح بَين السُّلْطَان أَحْمد وَبَين نَصَارَى الانكروس وَقدم الى دَار السلطنة فَدَخلَهَا فى أَوَاخِر الْمحرم سنة سِتّ عشرَة ثمَّ فى أَوَائِل شهر ربيع الاول من هَذِه السّنة عينه السُّلْطَان سردارا على بِلَاد الشرق وَأمره بتمهيد بِلَاد أَنا طولى فَتوجه الى حلب بِقصد الامير على بن جانبولاذ وَوَقع بَينهمَا حروب كَانَ آخرهَا انهزام ابْن جانبولاذ كَمَا سلف فى تَرْجَمته ثمَّ ان الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة شَتَّى فى حلب وَخرج مِنْهَا فى أول الرّبيع لقِتَال قره سعيد وَابْن قلندر والطويل وَكَانَ ابْن قلندر استولى على بروسه وأفسد فى أطرافها وفى شهر رَمَضَان سنة سِتّ عشرَة أحرق أَكثر أماكنها فَاجْتمع أَعْيَان الدولة من الْعلمَاء والوزراء عِنْد مصطفى باشا قَائِم مقَام الْوَزير ودبروا الامر فى ان يُرْسل من المتقاعدين وأكابر الْعَسْكَر طَائِفَة لاستخلاص قلعة بروسه مِنْهُ فسارت الطَّائِفَة الْمَذْكُورَة واستخلصت القلعة فغر ابْن قلندر مَا فعله أَن يُقَابل الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة فَتوجه نَحْو حلب فَالتقى مَعَ الْوَزير وَوَقع بَينهمَا حَرْب انجلى عَن هزيمَة ابْن قلندر وقره سعيد فى شرذمة قَليلَة وَقتل أَكثر جماعتها وتمهدت بِلَاد انا طولى الى حد اسكدار وَكَانَ فى تِلْكَ الاثناء خرج بِبَغْدَاد أَحْمد الطَّوِيل وَاسْتولى على بَغْدَاد واراد يفتك بِأَهْلِهَا فَقبض عَلَيْهِ حاكمها وَقَتله وَلم يبْق فى بِلَاد انا طولى من قسم الْخَوَارِج أحد واطمأنت الْبِلَاد ثمَّ دخل الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة قسطنطينية فى شهر رَمَضَان سنة سبع عشرَة فى أبهة عَظِيمَة وفى خلال سنة ثَمَان عشرَة عزم على السّفر الى الْعَجم وَعبر اسكدار ثمَّ ظهر ان الامر مَأْخُوذ على التراخى فَأبْطل الْعَزْم وَرجع الى دَار الْملك ثمَّ فى تَاسِع شهر ربيع الآخر سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 عشْرين بعد الالف تحركت عزيمته لنَحْو بِلَاد الْعَجم وصمم واقيم مقَامه مُحَمَّد باشا الكورجى الطواشى وسافر بالعساكر الى أَن وصل الى حُدُود تبريز فَلم يَتَيَسَّر لَهُ ملاقاة الشاه وَلَا ظفر بشئ مِمَّا كَانَ يؤمله فَعَاد وفى أثْنَاء الطَّرِيق ابتدأه مرض الْمَوْت واسترسل الى أَن وصل الى ديار بكر وَتوفى بهَا وَكَانَت وَفَاته عَن اذان الْمغرب من ثامن وعشرى جُمَادَى الاولى سنة عشْرين بعد الالف وَحمل مصبرا الى قسطنطينية فَدفن بتربته الَّتِى كَانَ أجدثها لنَفسِهِ بمدرسته الْمَعْرُوفَة بِهِ وَوصل خبر مَوته الى دمشق فى شهر رَجَب من هَذِه السّنة وتأسف النَّاس عَلَيْهِ لنصحه الزَّائِد للدولة وللمسلمين وقمع الاشقياء الَّذين أخربوا الْبِلَاد وأهلكوا بعتوهم الْعباد مرعى بن يُوسُف بن أَبى بكر بن أَحْمد بن أَبى بكر بن يُوسُف بن أَحْمد الكرمى نِسْبَة لطوركرم قَرْيَة بِقرب نابلس ثمَّ المقدسى أحد اكابر عُلَمَاء الْحَنَابِلَة بِمصْر كَانَ اماما مُحدثا فَقِيها ذَا اطلَاع وَاسع على نقُول الْفِقْه ودقائق الحَدِيث وَمَعْرِفَة تَامَّة بالعلوم المتداولة اخذ عَن الشَّيْخ مُحَمَّد المرداوى وَعَن القاضى يحيى الحجاوى وَدخل مصر وتوطنها وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ الامام مُحَمَّد حجازى الْوَاعِظ والمحقق أَحْمد الغنيمى وَكثير من الْمَشَايِخ المصريين وَأَجَازَهُ شَيْخه وتصدر للاقراء والتدريس بِجَامِع الازهر ثمَّ تولى المشيخة بِجَامِع السُّلْطَان حسن ثمَّ أَخذهَا عَنهُ عصريه الْعَلامَة ابراهيم الميمونى وَوَقع بَينهمَا من المفاوضات مَا يَقع بَين الاقران وَألف كل مِنْهُمَا فى الآخر رسائل وَكَانَ منهمكا على الْعُلُوم انهماكا كليا فَقطع زَمَانه بالافتاء والتدريس وَالتَّحْقِيق والتصنيف فسارت بتآليفه الركْبَان وَمَعَ كَثْرَة أضداده وأعدائه مَا أمكن أَن يطعن فِيهَا أحد وَلَا أَن ينظر بِعَين الازراء اليها فَمِنْهَا كتاب غَايَة الْمُنْتَهى فى الْفِقْه قريب من أَرْبَعِينَ كراسا وَهُوَ متن جمع من الْمسَائِل أقصاها وادناها مَشى فِيهِ مَشى الْمُجْتَهدين فى التَّصْحِيح وَالِاخْتِيَار وَالتَّرْجِيح وَله كتاب دَلِيل الطَّالِب فى الْفِقْه نَحْو عشرَة كراريس وَدَلِيل الطالبين لكَلَام النَّحْوِيين وارشاد من كَانَ قَصده لَا اله الا الله وَحده ومقدمة الخائض فى علم الْفَرَائِض وَالْقَوْل البديع فى علم البديع وأقاويل الثِّقَات فى تَأْوِيل الاسماء وَالصِّفَات والآيات المحكمات والمتشابهات وقرة عين الْوَدُود بِمَعْرِِفَة الْمَقْصُور الْمَمْدُود والفوائد الموضوعه فى الاحاديث الموضوعه وبديع الانشاء وَالصِّفَات فى المكاتبات والمراسلات وبهجة الناظرين فى آيَات المستدلين نَحْو عشْرين كراسا يشْتَمل على الْعَجَائِب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 والغرائب والبرهان فى تَفْسِير الْقُرْآن لم يتم وتنوير بصائر المقلدين فى مَنَاقِب الائمة الْمُجْتَهدين وَالْكَوَاكِب الدريه فى مَنَاقِب ابْن تيميه والادلة الوفيه بتصويب قَول الْفُقَهَاء والصوفيه وسلوك الطريقه فى الْجمع بَين كَلَام أهل الشَّرِيعَة والحقيقه وَروض العارفين وتسليك المريدين وايقاف العارفين على حكم أوقاف السلاطين وتهذيب الْكَلَام فى حكم أَرض مصر وَالشَّام وتشويق الانام الى الْحَج الى بَيت الله الْحَرَام ومحرك سواكن الغرام الى حج بَيت الله الْحَرَام وقلائد المرجان فى النَّاسِخ والمنسوخ من الْقُرْآن وأرواح الاشباح فى الْكَلَام على الارواح ومرآة الْفِكر فى المهدى المنتظر وارشاد ذوى الافهام لنزول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَالرَّوْض النَّضر فى الْكَلَام على الْخضر وَتَحْقِيق الظنون بأخبار الطَّاعُون وَمَا يَفْعَله الاطباء والداعون لدفع شَرّ الطَّاعُون وتلخيص أَوْصَاف الْمُصْطَفى وَذكر من بعده من الخلفا واتحاف ذوى الالباب فى قَوْله تَعَالَى {يمح الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب واحكام الاساس} فى قَوْله تَعَالَى ان أول بَيت وضع للنَّاس وتنبيه الماهر على غير مَا هُوَ الْمُتَبَادر من الاحاديث الْوَارِدَة فى الصِّفَات وَفتح المنان بتفسير آيَة الامتنان والكلمات الْبَينَات فى قَوْله تَعَالَى {وَبشر الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} وأزهار الفلاه فى آيَة قصر الصلاه وَتَحْقِيق الْخلاف فى أَصْحَاب الاعراف وَتَحْقِيق الْبُرْهَان فى اثبات حَقِيقَة الْمِيزَان وتوفيق الْفَرِيقَيْنِ على خُلُود أهل الدَّاريْنِ وتوضيح الْبُرْهَان فى الْفرق بَين الاسلام والايمان وارشاد ذوى الْعرْفَان لما فى الْعُمر من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَاللَّفْظ الموطا فى بَيَان الصَّلَاة الْوُسْطَى وقلائد العقيان فى قَوْله تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} وَمَسْبُوك الذَّهَب فى فضل الْعَرَب وَشرف الْعلم على شرف النّسَب وشفاء الصُّدُور فى زِيَارَة الْمشَاهد والقبور ورياض الازهار فى حكم السماع والاوتار والغناء والاشعار وَتَحْقِيق الرجحان بِصَوْم يَوْم الشَّك من رَمَضَان وَتَحْقِيق الْبُرْهَان فى شَأْن الدُّخان الذى يشربه النَّاس الْآن وَرفع التلبيس عَمَّن توقف فِيمَا كفر بِهِ ابليس وَتَحْقِيق المقاله هَل الافضل فى حق النبى الْولَايَة أَو النُّبُوَّة أَو الرساله والحجج المبينه فى ابطال الْيَمين مَعَ البينه والمسائل اللطيفه فى فسخ الْحَج الى الْعمرَة الشريفه والسراج الْمُنِير فى اسْتِعْمَال الذَّهَب وَالْحَرِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 وَدَلِيل الْحُكَّام فى الْوُصُول الى دَار السَّلَام ونزهة الناظرين فى فَضَائِل الْغُزَاة والمجاهدين وبشرى من استبصر وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر وبشرى ذوى الاحسان لمن يقْضى حوائج الاخوان وَالْحكم الملكيه والكلم الازهريه واخلاص الوداد فى صدق الميعاد وسلوان الْمُصَاب بفرقة الاحباب وتسكين الاشواق بأخبار العشاق ومنية المحبين بغية العاشقين ونزهة المتفكر ولطائف المعارف والمسرة والبشاره فى فضل السلطنة والوزاره ونزهة الناظرين فى تَارِيخ من ولى مصر من الْخُلَفَاء والسلاطين وقلائد العقيان فى فَضَائِل سلاطين آل عُثْمَان وَغير ذَلِك من فَتَاوَى ورسائل نافعة تداولها النَّاس وَله الرسَالَة الَّتِى سَمَّاهَا النادرة الغريبة والواقعة العجيبة مضمونها الشكوى من الميمونى والحط عَلَيْهِ ولد ديوَان شعر مِنْهُ قَوْله (يَا سَاحر الطّرف يَا من مهجتى سحرًا ... كم ذَا تنام وَكم أسهرتنى سحرًا) (لَو كنت تعلم مَا أَلْقَاهُ مِنْك لما ... أَتعبت يَا منيتى قلبا اليك سرى) (هَذَا الْمُحب لقد شاعت صبابته ... بِالروحِ وَالنَّفس يَوْمًا بالوصال شرى) (يَا ناظرى ناظرى بالدمع جاد وَمَا ... أيقنت فى مقلتى يَا مقلتى نظرا) (يَا مالكى قصتى جَاءَت ملطخة ... بالدمع يَا شافعى كدرتها نظرا) (عساك بالحنفى تسْعَى على عجل ... بالوصل للحنبلى يَا من بدا قمرا) (يَا من جَفا ووفى للْغَيْر موعده ... يَا من رمانا ويامن عقلنا قمرا) (الله منصفنا بالوصل مِنْك على ... غيظ الرَّقِيب بِمن قد حج واعتمرا) (يَا غامر الكئيب بالصدود كَمَا ... ان السقام لمن يهواك قد غمرا) (قل الصدود فكم أسقيت أَنْفُسنَا ... كأس الْحمام بِلَا ذَنْب بدا وَجرى) (وَكم جرحت فؤادى كَمَا ضنى جسدى ... أَلَيْسَ دمعى حبيبى مذ هجرت جرى (فالشوق أقلقنى والوجد أحرقنى ... والجسم ذاب لما قد حل بى وطرا) (والهجر أضعفنى والبعد أتلفنى ... وَالصَّبْر قل وَمَا أدْركْت لى وطرا) (أشكوك للمصطفى زين الْوُجُود وَمن ... أرجوه ينقذنى من هجر من هجرا) وَقَوله (بروحى من لى فى لقاه ولائم ... وَكم فى هَوَاهُ لى عذول ولائم) (على وجنتيه وردتان وخاله ... كمسك لطيف الْوَصْف والثغر باسم) (ذوائبه ليل وطلعة وَجهه ... نَهَار تبدى والثنايا بواسم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 (بديع التثنى مُرْسل فَوق خَدّه ... عذارا هوى العذرى لَدَيْهِ ملازم) (وَمن عجب أَنى حفظت وداده ... وَذَلِكَ عندى فى الْمحبَّة لَازم) (وبينى وَبَين الْوَصْل مِنْهُ تبَاين ... وبينى وَبَين الْفَصْل مِنْهُ تلازم) وَقَوله (لَيْت فى الدَّهْر لَو حظيت بِيَوْم ... فِيهِ أَخْلو من الْهوى والغرام) (خالى الْقلب من تباريح وجد ... وصدود وحرقة وهيام) (كى يراح الْفُؤَاد من طول شوق ... قد سقَاهُ الْهوى بكأس الْحمام) وَله (يُعَاتب من فى النَّاس يدعى بِعَبْدِهِ ... وَيقتل من بِالْقَتْلِ يرضى بعمده) (ويشهر لى سَيْفا ويمرح ضَاحِكا ... فيا لَيْت سيف اللحظ تمّ بغمده) (فَللَّه من ظبى شرود ونافر ... يجازى جميلا قد صنعت بضده) وَله (يُبَالغ فى ذمى وأمدح فعله ... فشكرا لمن مَا جَار يَوْمًا بصده) لَهُ (لَئِن قلد النَّاس الْأَئِمَّة إِنَّنِي ... كفى مَذْهَب الْجد ابْن حَنْبَل رَاغِب) (أقلد فتواه وأعشق قَوْله ... وَلِلنَّاسِ فِيمَا يعشقون مَذَاهِب) وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى شهر ربيع الاول سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله الشريف مَسْعُود بن ادريس بن الْحسن بن ابى نمى صَاحب الْبَلَد الشريف نَشأ فى كَفَالَة أَبِيه الشريف ادريس وَوَقعت لَهُ حروب مَعَ ابْن عَمه الشريف محسن بن حسن وفى بَعْضهَا أرسل الشريف محسن وَلَده مُحَمَّدًا فظفر بالشريف مَسْعُود وَاسْتولى عَلَيْهِ وَأَخذه أخذا سنيعا وَقتل فى المعركة السَّيِّد حميصة بن عبد الْكَرِيم بن حسن وَالسَّيِّد هَاشم بن شبير بن حسن ثمَّ دخل السَّيِّد مَسْعُود مَكَّة المشرفة بِرِضا من السَّيِّد محسن بكفالة الاشراف أَنه لَا يسْعَى بِخِلَاف وَلَا يَقُول وَلَا يفعل فَلم يثبت على ذَلِك ثمَّ ولى مَكَّة بعد السَّيِّد أَحْمد بن عبد الْمطلب فى صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وحمدت سيرته وَكَانَ فى الْجُمْلَة من أَجود الاشراف ورخصت فى زَمَنه الاسعار وَكَثُرت الامطار وَوَقع السَّيْل الْمَشْهُور الذى ذَكرْنَاهُ فى تَرْجَمَة السُّلْطَان مُرَاد وَقَامَ بِأَمْر الْعرض الى السلطنة وتقيد فى تنظيف الْبَيْت وَالْمَسْجِد وَمِمَّا وَقع لَهُ أَنه شمر عَن أكمامه وَأخذ مكتلا وَحمل فِيهِ شَيْئا من الطين وَفعل النَّاس كَذَلِك فَمَا كَانَ بأسرع من تنظيمه ثمَّ برز أمره الى المهندسين والفعلة بتنظيف بَيت الله الْحَرَام مِمَّا وَقع فِيهِ من الاحجار وَالتُّرَاب فنظفوه فى أسْرع مَا يكون وبقى أَمر الْعِمَارَة الى سادس وعشرى شهر ربيع الثانى من سنة أَرْبَعِينَ كَمَا فصلناه سَابِقًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 ثمَّ ان الشريف مَسْعُود توفى فى لَيْلَة الثلاثا ثامن وعشرى شهر ربيع الثانى من سنة أَرْبَعِينَ ببستانه بِأم عابدة بِمَرَض الدق وَنزل بِهِ الاشراف وَقت الضحوة الى مَكَّة على محفة البغال وَصلى عَلَيْهِ بالملتزم وَدفن عِنْد أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة الْكُبْرَى رضى الله تَعَالَى عَنْهَا وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سنة وشهرين وَسِتَّة وَعشْرين يَوْمًا وَقَامَ بالامر بعده عَمه الشريف عبد الله الْمُقدم ذكره وفى ايامه تمت عمَارَة الْبَيْت الشريف مَسْعُود بن الْحسن بن أَبى نمى السَّيِّد الشريف الاجل الْمُحْتَرَم نَاب عَن أَبِيه بعد أَخِيه السَّيِّد الشريف حُسَيْن فى الْقيام بالاحكام وَالتَّصَرُّف فى اقامة وُلَاة دولته من المقدمين والحكام وَكَانَ لَهُ الْبشر والخلق الرضى وامتدح بالقصائد المهذبه وَقصد بالتآليف المستعذبه لميله الى أهل الْفضل وشغفه بمذاكرة الادب وَكَانَ بَينه وَبَين الامام عبد الْقَادِر الطبرى ألفة شديده ومحبة اكيده حَتَّى انه الف شرح الكافى فى علمى الْعرُوض والقوافى خدمَة لَهُ وَمَا زَالَ فى ملازمته مُدَّة مديدة وَمِمَّا اتّفق من نَوَادِر الوقائع أَنه تواعد مَعَ بعض محضياته لَيْلًا فَأَتَاهُ غَيرهَا فَظن أَنَّهَا هى فواقعها حَالا فَحَضَرت الْمَطْلُوبَة وبيدها شمعة موقدة فندم على مواقعته الاولى وَكَانَ عِنْده معِين الدّين بن البكا تِلْكَ اللَّيْلَة فَخرج اليه فى الصَّباح وَقَالَ لَهُ أجز قَول الشَّاعِر (نَدِمت ندامة الكسعى لما ... رَأَتْ عَيناهُ مَا فعلت يَدَاهُ) فَأَجَابَهُ (وعدت معذبى لَيْلًا فَلَمَّا ... تبين أَنه شخص سواهُ) نَدِمت الخ وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث بعد الالف بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة وأرخ وَفَاته معِين الدّين الْمَذْكُور بقوله (يَا عين مَاتَ المفدى ... مَسْعُود وَالْقلب قد ذاب) (وكوكب مذ تبدى ... حاولت تَارِيخه غَابَ) مَسْعُود الرومى قاضى الْقُضَاة الشهير بآواره زَاده وَمعنى الاواره فى الاصل الامر بالتفتيش على الصَّيْد ثمَّ اطلق فى عرف الروميين على الْمُنْفَرد بخويصة نَفسه ولى صَاحب التَّرْجَمَة قَضَاء دمشق فى سنة خمس وَسبعين وَألف وَكَانَ معتدلا فى حكومته لَا يهمه شئ الا يبتنى عَلَيْهِ النشاط وَالسُّرُور لانه كَانَ متكيفا جدا وَكَانَ حُلْو الْعبارَة لطيف الْعشْرَة مائلا الى المجون والمداعبة وَكَانَت ايامه كلهَا هنيئة متواصلة الهناء بالفرح ثمَّ عزل عَن دمشق وَولى بعْدهَا قَضَاء ادرنه ثمَّ الغلطة وَمَات وَهُوَ قَاض بهَا وَكَانَت فى حُدُود سنة تسعين وَألف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 مُسلم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَلِيل الصمادى القادرى الشافعى شيخ الطَّائِفَة الصمادية بِالشَّام بعد أَبِيه وَكَانَ حِين توفى وَالِده لَيْلَة الْجُمُعَة عَاشر صفر سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة بالبقاع فَأرْسل اليه خبر موت أَبِيه وبقى وَالِده حَتَّى حضر فى صَبِيحَة السبت فَدفن وَالِده ذَلِك الْيَوْم وَولى المشيخة من بعده قَالَ النَّجْم وَكنت مرّة مَرِيضا فاشتدت بى الْحمى ذَات لَيْلَة فَرَأَيْت رَسُول الله فى الْمَنَام بالجامع الاموى وَكَانَ الْيَوْم يَوْم الْجُمُعَة وَأَنا عُرْيَان فَرَأَيْت حَلقَة فِيهَا قوم قيام يذكرُونَ الله تَعَالَى فَدخلت بَينهم لاستتر فيهم لِئَلَّا يرانى النَّاس عُريَانا فَلَمَّا فرغوا من الذّكر جَلَسُوا فَرَأَيْت رَسُول الله صدرهم وَلم أعرف من على يَمِينه وانما عرفت الشَّيْخ مُحَمَّد الصمادى عَن يسَاره وَولده الشَّيْخ مُسلم عَن يسَار أَبِيه ونقباء الصمادية عَن يسَار الشَّيْخ مُسلم فَلَمَّا فرغوا من الذّكر سَأَلَ الشَّيْخ مُحَمَّد رَسُول الله عَن الصمادية فَقَالَ لَا تتعب مَا فيهم غير ولدك مُسلم قَالَ ثمَّ استيقظت وَقد حصل لى عرق عَظِيم وعوفيت فبلغت رؤياى الشَّيْخ مُحَمَّد الصمادى فَبعث الى وَقَالَ لى يَا سيدى نجم الدّين بلغتنى رُؤْيَاك وَالله انها لحق وَأُرِيد مِنْك أَن تقصها أَنْت على فَلَمَّا قصصتها عَلَيْهِ بَكَى وَقَالَ وَالله لقد صدقت رُؤْيَاك مَا فى جماعتنا غير مُسلم ثمَّ توفى بعد هَذِه الرُّؤْيَا بِيَسِير وَقَامَ وَلَده الشَّيْخ مُسلم مقَامه قَالَ وَكنت أَقُول للشَّيْخ مُسلم يَا مَوْلَانَا الشَّيْخ أَنا الذى جِئْت بتوقيفك بالمشيخة من عِنْد رَسُول الله الى أَبِيك فيعترف لى بالفضيلة ويعاملنى بالمحبة والاعتقاد وَهُوَ كَانَ فى نَفسه صَالحا دينا مُبَارَكًا سليم الصَّدْر والفطرة وَكَانَ لَهُ فى حلقته همة عالية فى زمَان وَالِده ثمَّ فى حَال مشيخته وسافر فى آخر أعوامه الى بَيت الْمُقَدّس فى سيارة على طريقتهم وَمَعَهُ من الزوار جمَاعَة وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد وَلَهُم اليه محبَّة وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ من خير خلق الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس عشرَة وَألف السُّلْطَان مصطفى بن السُّلْطَان مُحَمَّد بن السُّلْطَان مُرَاد الْملك الصَّالح الزَّاهِد المتقشف تقدم ذكره اجمالا مَرَّات من جُمْلَتهَا فى تَرْجَمَة وَالِده وَأَنه أوصى وَلَده السُّلْطَان أَحْمد حِين عهد اليه بالسلطنة أَن يُرَاعى أَخَاهُ صَاحب التَّرْجَمَة وَأَن لَا يقْتله فَلَمَّا توفى السُّلْطَان أَحْمد تولى السُّلْطَان مصطفى مَكَانَهُ وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس رَابِع وعشرى ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وبقى ثَلَاثَة أشهر وَثَمَانِية الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 أَيَّام فَلم تظهر أَهْلِيَّته وَلَا كِفَايَته لشدَّة بذله الاموال وَكَثْرَة ركُوبه الى المحلات الْبَعِيدَة من غير تقيد بِأَمْر مركوب وَلَا غَيره لانه تَارِك للدنيا وَلَيْسَ براغب فِيهَا بِحَيْثُ انه كَانَ فى مُدَّة ملكه لبسه جوخة خضراء بأكمام عَرَبِيَّة وَأما أكله فانه لم يَأْكُل الزفر مُطلقًا وانما كَانَ يَأْكُل الكعك الناشف واللوز والبندق وأنواع الْفَوَاكِه وَأما أمره فى النِّسَاء فان والدته أحضرت لَهُ جوارى عديدة فَلم يقبل مِنْهُنَّ وَاحِدَة وَكَانَ لَا يدرى من أَحْوَال الْملك الا مَا ألْقى اليه فَلَمَّا رأى أَرْكَان الدولة أَن الامر بِهِ لَا يَنْتَظِم ذهب الْمُفْتى الْمولى أسعد بن سعد الدّين الى اسكدار لمولانا الشَّيْخ مَحْمُود المعتقد الصَّالح الْعَالم يستشيره فى أَمر خلعه فَأَشَارَ بخلعه وَأَن يُولى مَكَانَهُ السُّلْطَان عُثْمَان ثمَّ جَاءَ من عِنْده وَأخْبر قَائِم مقَام الْوَزير مصطفى أغا ضَابِط الْحرم قريب الْعشَاء من لَيْلَة الاربعاء ثَالِث شهر ربيع الاول فَأرْسل الْقَائِم مقَام الى الى الصوباشى اذا جاءتك فى غدورقة مختومة فافعل بِمَا فِيهَا واحترس على الابواب فَقَالَ سمعا وَطَاعَة وَأما مصطفى أغا فانه أول مَا مضى من لَيْلَة الاربعاء سِتّ سَاعَات ذهب الى أَبْوَاب السراى وقفلها جَمِيعًا وَكَذَا أَبْوَاب الامكنة الَّتِى فِيهَا أكَابِر الخدم وَأخذ المفاتيح وهيأ الْمحل الذى فِيهِ تخت السلطنة وأوقد فِيهِ الشموع وفرشه بِأَحْسَن الْفرش وَذهب من حِينه الى السُّلْطَان عُثْمَان فى مَجْلِسه الذى هُوَ فِيهِ وَهُوَ مَحل عَمه صَاحب التَّرْجَمَة الذى كَانَ فِيهِ فى حَيَاة أَخِيه السُّلْطَان أَحْمد وَفتح عَلَيْهِ الابواب فَحصل لَهُ رعب وتخوف من أَن يكون عَمه أرْسلهُ ليَقْتُلهُ فَقَالَ لَهُ لَا تخف أَنْت صرت سلطاننا فَلم يصدق ذَلِك فَصَارَ يحلف لَهُ ان القَوْل صَحِيح وَلَا زَالَ يتلطف بِهِ الى أَن أدخلهُ الى مَحل التخت فألبسه ثِيَاب الْملك وَأَجْلسهُ على التخت وَقبل يَده وَصَارَ يفتح أَبْوَاب السراى بَاب بَابا وَيدخل من كَانَ دَاخل الابواب للمبايعة حَتَّى لم يبْق أحد فى السراى بِغَيْر مبايعة هَذَا كُله وَالسُّلْطَان مصطفى نَائِم عِنْد والدته ثمَّ أرسل مصطفى أغا للمفتى وقائم مقَام الْوَزير فحضرا وَبَايِعًا ثمَّ ذَهَبُوا الى السُّلْطَان مصطفى قبل الْفجْر فطلبوه من الدَّاخِل فَخرج اليهم وَقَالَ مَا جَاءَ بكم فى هَذَا الْوَقْت فَكَانَ أول من تكلم شيخ الاسلام أسعد فَقَالَ لَهُ ان أَمر المملكة اخْتَلَّ وان الاعداء تسلطت علينا وَنحن نخشى ضيَاع الْملك وَأَنت لست بلائق للسلطنة فَأَجَابَهُ بقوله أَنا مَا طلبت مِنْكُم الْملك وَلَا أردته وَلَيْسَ لى بِهِ مصلحَة فَقَالُوا جَمِيعًا لَا نكتفى بِقَوْلِك هَذَا ولابد أَن تذْهب وتبايع ولد أَخِيك السُّلْطَان عُثْمَان فانا قد أجلسناه على التخت فَقَالَ جعله الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 مُبَارَكًا وَأَنا لَيْسَ عندى مُخَالفَة وَذهب وَبَايع السُّلْطَان عُثْمَان فَقَالُوا الْآن نحضر جَمِيع الوزراء وأركان الدولة وَأشْهد على نَفسك بِالْخلْعِ فَقَالَ لَهُم أفعل ذَلِك فأرسلوا أحضروا الوزراء وقاضى الْعَسْكَر وَكَتَبُوا عَلَيْهِ حجَّة بخلع نَفسه وَأرْسل الْقَائِم مقَام الورقة وهى الْمَوْعُود بهَا الى الصوباشى وفيهَا الامر بالمناداة وتولية السُّلْطَان عُثْمَان فنودى بذلك ثمَّ لما قتل السُّلْطَان عُثْمَان وَقعت الْبيعَة الْعَامَّة للسُّلْطَان مصطفى فى سادس رَجَب سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف ففوض أَمر الوزارة الْعُظْمَى لزوج أُخْته دَاوُد باشا فَلم تحمد سيرته فعزل بعد عشْرين يَوْمًا من تَوليته وَلم يتَّفق لَهُ حُضُور الدِّيوَان السلطانى الا مرّة وَاحِدَة ثمَّ فوض أَمر الوزارة لمره حُسَيْن باشا وعزل بعد أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا فولى مَكَانَهُ مصطفى باشا اللفكوى وعزل بعد أَرْبَعَة أشهر لفرط حمقه وَغَلَبَة طمعه ثمَّ ولى مَكَانَهُ مُحَمَّد باشا الكرجى وَكَانَ وزيرا كَامِل الْعقل ناصحا للدولة قَائِما برعاية أُمُور الْملك الا أَنه لم يسلم من مكيدة مره حُسَيْن باشا فحرك عَلَيْهِ السباهية وثارت فتْنَة عَظِيمَة وَلم يُمكن أَن تمهد الا بعزل الكرجى وتولية مره فوليها مره وَلما وَليهَا وَافق أَمر الله أَن قَامَت أُمَرَاء أَنا طولى ونوابها على سَاق لطلب دم السُّلْطَان عُثْمَان وأظهروا الِاسْتِقْلَال التَّام فى ولايتهم فاتفق الرأى على تعْيين مَحْمُود باشا ابْن جغال لتسكين فتنتهم فَسَار الى أَن وصل الى أنقره وَلم يتَّفق لَهُ مُقَابلَة أحد فَرجع لمحافظة بروسه وفى رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ اتّفق ان الْوَزير عزّر قَاضِيا فى حَضرته فَاجْتمع الْعلمَاء بِجَامِع السُّلْطَان مُحَمَّد وقصدوا ايقاع أَمر فَلم يُمكنهُم وَبلغ الْوَزير ذَلِك فَفرق الجمعية وعزل بعض أَشْرَاف من الْعلمَاء وَنفى بَعْضًا ثمَّ فى شَوَّال من هَذِه السّنة اجْتمعت السباهية على عَزله وتبعهم الجم الْغَفِير فَلم يخلص من أَيْديهم الا بإرسال مهر الوزارة الى السُّلْطَان واختفى مُدَّة وَكَانَ قَتله على يَد السُّلْطَان مُرَاد وَولى الوزارة مَكَانَهُ على باشا الْمَعْرُوف بكمانكش ثمَّ اخْتَار السُّلْطَان صَاحب التَّرْجَمَة التخلى عَن السلطنة وَالْعُزْلَة فَخلع عَن السلطنة فى يَوْم الاحد رَابِع ذى الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته سنة وَاحِدَة وَأَرْبَعَة أشهر وَمَا عَاشَ بعد ذَلِك كثيرا وَكَانَت وِلَادَته سنة ألف رَحمَه الله مصطفى بن أَحْمد بن مَنْصُور بن ابراهيم بن مُحَمَّد سَلَامه أَبُو الْجُود بن محب الدّين الدمشقى الْفَاضِل الاديب الْمَشْهُور كَانَ من أجلاء الْفُضَلَاء الَّذين جدوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 فى الِاكْتِسَاب وأفادوا من الْفَضَائِل مَا يعز اليه الانتساب قَرَأَ بِدِمَشْق على الْحسن البورينى وَغَيره وسافر الى مصر مرَّتَيْنِ الاولى فى سنة أَربع وَعشْرين بعد الالف وَأقَام بهَا خَمْسَة أشهر وَانْقطع مُدَّة اقامته فى الطّلب غَالِبا الى الْبُرْهَان اللقانى وَخَصه بدرس فى ألفية الحَدِيث على خلاف عَادَته من الِامْتِنَاع عَن التَّخْصِيص لفرد على الْخُصُوص ثمَّ أجَازه بِمَا قَرَأَهُ عَلَيْهِ وَمَا سَمعه مِنْهُ فى اجازة خَتمهَا ببيتين من نظمه وهما (مذ حل فى مصر ركاب الْمُصْطَفى ... فاقت وأشرق أَزْهَر بِالنورِ) (من آل فرفور ونخبة خيضر ... كحلول مُوسَى لاقتباس النُّور) قَالَ الْمُصْطَفى فَقلت مادحا لَهُ مضمنا لهَذَا الْبَيْت مَعَ تَعْبِير بديع من التَّجْنِيس حصل للبيت الْمَذْكُور مِنْهُ التحسين والتأنيس وأضفت اليه بَيْتا آخر وكتبت الْبَيْتَيْنِ بخطى وأعطيتهما للشَّيْخ من يدى وهما (ان اللقانى الْهمام انتاشنى ... من بعد مَا قد كنت كالشئ اللقى) (حل من العلياء فى أَعلَى الذرى ... فقصر اللَّاحِق عَن طول المدى) قَالَ ثمَّ بعد رجوعى الى الوطن وَسُكُون الْقلب بالقرار فى السكن بعثنى لاعج الحنين الى الاحباب وتذكر التأنس من تِلْكَ الْمعَاهد الرحاب أَن صغت أبيانا بديعة المطلع والختام مفصلة السمط مطبوعة النظام فى مدح الشَّيْخ الْمَذْكُور بنيت الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين بواسطتها وبينت انهما كواسطتها بِحَيْثُ جَاءَت مَقْصُورَة مَقْصُورا عَلَيْهَا البديع أَيّمَا قصر رافلة فى غلائل البلاغة تفوق دمنة الْقصر حملهَا اليه قاضى مصر صاحبنا الشريف وَقد اجتاز على دمشق مُتَوَجها الى مصر لمباشرة قَضَائهَا وَذَلِكَ فى آخر شهر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين بعد الالف والمقصورة الْمَذْكُورَة هى هَذِه (قد عَن للقلب حنين للسرى ... لمصر وهى الشَّام فى وَجه الْقرى) (والازهر الْجَامِع فِيهِ سادة ... غر ميامين غَدا كل رضى) (لَا سِيمَا فَخر اللقان من لَهُ ... برهَان فضل لَيْسَ يَغْشَاهُ الخفا) (حبر لتحقيق وتدقيق حوى ... أهاب بِالْعلمِ فلبى وسعى) (ان اللقانى الْهمام انتاشنى ... ) الى آخر الْبَيْتَيْنِ الْمُتَقَدِّمين وبعدهما (قداقتنى الْعلم فَقِيه يقْتَدى ... بِهِ لنعم المقتدى والمقتنى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 (يُعِيد مَكْنُون الخفايا وَاضحا ... كالصبح عَنهُ حِين ينجاب الدجى) (مَتى يحاول حل اشكال عرا ... رعاه توفيق فأجدى وَهدى) (أجرد طرف الْبَحْث مِنْهُ مَا كبا ... وَلَا حسام الْفضل فى بَاب نبا) (يشتاقه قلب اليه قد صفا ... والاذن قبل الْعين راقتها الحلى) (جسمى نأى وَالْقلب مِنْهُ قد دنا ... وثيق عهدى لَيْسَ مفصوم العرى) (لَا زَالَ فى صهوة عز يمتطى ... لَا يجد السوء اليه مختطى) ثمَّ سَافر الثَّانِيَة فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ قَالَ وَاجْتمعت بشيخنا الْمَذْكُور وَحَضَرت درسه فى صَحِيح البخارى برواق المغاربة من الْجَامِع الازهر بِمصْر ثمَّ تَوَجَّهت على الطَّرِيق المصرى لقَضَاء فَرِيضَة الْحَج فاجتمعت بِهِ بِمَكَّة فى موسم عَام أَرْبَعِينَ ثمَّ ودعته وداعا لَا تلاقى بعده فَتوجه صُحْبَة الركب المصرى وتوجهت صُحْبَة الركب الشامى فوافاه أَجله فى عقبَة أيله انْتهى ثمَّ اسْتَقر بِدِمَشْق مُدَّة متفرغا للافادة واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة بالجامع الاموى وَولى النّظر على دَار الْقُرْآن الخيضرية والتربة الَّتِى بمحلة مَسْجِد الذبان وهما انشاء جده من قبل الامهات القطب مُحَمَّد بن عبد الله بن خيضر بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة الشافعى البلقاوى الْمَشْهُور بالقطب الخيضرى وَكَانَ فى رحلته الى مصر وقف على مدرستين لَهُ بالقرافة الصُّغْرَى فأظهر مسطور وَقفهَا وَولى النّظر عَلَيْهِمَا أَيْضا وسافر الى حلب مرَّتَيْنِ أَيْضا الاولى فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَالثَّانيَِة فى نَيف وَخمسين وَدخل ثغر صيدا وبيروت فى أَيَّام الامير فَخر الدّين بن معن وَولده الامير على وَله من التآليف شرح الملحة وَهَذَا الشَّرْح فِيمَا أدْركْت من معزاه لَيْسَ الا فهرست تَارِيخ أجداده وطالما حدثت عَن صَاحب التَّرْجَمَة بِأَنَّهُ كَانَ غَالب عَلَيْهِ السَّوْدَاء الْمُحْتَرِقَة فحقق عندى شَرحه هَذَا انه بلغ الْغَايَة فى التَّخْلِيط وَكَثِيرًا مَا وقفت على كتب من متملكاته وعَلى غَالب هوامشها خطه وَكَانَ يكْتب الْخط الثُّلُث الجلى وكل مَا يَكْتُبهُ لَا مُنَاسبَة لَهُ بِمَا كتب عَلَيْهِ بل ثَمَرَته تبشيع الْكتاب الذى يدْخل تَحت يَده وَهَكَذَا كَانَ يفعل فى الْكتب الَّتِى لغيره يستعيرها للمطالعة فيملؤها بخلطياته وأحسب هَذَا الامر طَرَأَ عَلَيْهِ فى أَوسط عمره فتغلبت عَلَيْهِ السَّوْدَاء حَتَّى كَانَ يطلع الى مَنَارَة الْمَسْجِد الذى بمحلتهم وينادى بِأَعْلَى صَوته بسب بعض الْعلمَاء الْكِبَار وَيُصَرح بِأَسْمَائِهِمْ وَقد وقفت لَهُ على تَرْجَمَة بِخَط شَيخنَا الشَّيْخ رَمَضَان العطبقى ذكر لَهُ فِيهَا مناظيم كَثِيرَة اخْتَرْت مِنْهَا هَذَا الْقدر الذى أوردهُ فَمن ذَلِك مَا كتبه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 الى شيخ الاسلام أسعد بن سعد الدّين لما قدم من الْحَج وزيارة بَيت الْمُقَدّس فى سنة أَربع وَعشْرين وَألف (بحلية فضل الاوحد الْفضل أسعدا ... تجملت الدُّنْيَا وكللها الندى) (وقرت بِهِ عينا وقرت لانه ... غَدا فَوْقهَا ركنا ركينا مشيدا) (امام لنَحْو الْفضل قد مد بَاعه ... فقصر عَن أدنى معاركه المدى) (حوى الْعلم عَن جد وجد وراثة ... فيا حبذا تأسيس أصل تأكدا) (وَحل ذرى العلياء مذ كَانَ يافعا ... فاكرم بِهِ فخرا ومجدا وسوددا) (عَلَيْهِ من الْمجد الاثيل شعاره ... وبالعلم وَالتَّقوى تأزر وارتدى) (وَقد تمّ فى أفق السَّعَادَة سعده ... وَلَا غرو سعد من سعيد تولدا) (سرى قَاصِدا نَحْو الْمَدِينَة طيبَة ... فحج وَقد زار النبى مُحَمَّدًا) (وَعَاد الى الْقُدس الشريف مبادرا ... فزار من الاقصى الْمُبَارك مَسْجِدا) (وَأم دمشق الشَّام عودا لبدئه ... فزادت بِهِ حسنا أخيرا ومبتدا) (وَيَا ليته لَو دَامَ فِيهَا مقَامه ... لينقع من ريا خليقته الصدى) (وَلَكِن بِظهْر الْغَيْب أحفظ وده ... وهيهات أَن أنسى لَدَيْهِ توددا) (وداد لَهُ فى الْقلب أزكى مغارس ... وعهد وثيق بالمحبة قد بدا) (فدام لَهُ الْعَيْش المهنأ أرغدا ... وطالعه السيار أسعى وأسعدا) قَالَ وأنشدنى من لَفظه لنَفسِهِ وَقَالَ انه أول نظم نظمته وَهُوَ (يَا مليحا حوى جمالا وظرفا ... وغزالا قد فاق جيدا وطرفا) (كلما ازْدَادَ فى الملاحة ضعفا ... زادنى فى الوجد فى الصبابة ضعفا) وأنشدنى من لَفظه لنَفسِهِ وَقَالَ انه لم ينظم هذَيْن الْبَيْتَيْنِ على طَريقَة النّظم من الْفِكر والروية بل نفحة ربانية وَذَلِكَ بِمصْر (لَا أشهد الْفضل لكنى شهِدت بِهِ ... للنَّفس اذ دأبت فى الْعلم تحصيلا) (وَذَاكَ من بَاب تحديث لخالقها ... بِنِعْمَة مِنْهُ تحصيلا وتنويلا) وأنشدنى قَوْله مادحا للنور الزيادى عَالم مصر قبل التَّوَجُّه فَلَمَّا توجه وجد الشَّيْخ قد مَاتَ فزاره قَبره وأنشدهما (عجبت عمرى لزيد نيل ... قد زَاد نيلا لكل زَاد) (فَقَالَ لى لَيْسَ ذَا عجيبا ... ففضل فيضى من الزيادى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 وأنشدنى من لَفظه لنَفسِهِ ارتجالا فَقَالَ (من رام ظلا وريفا يستظل بِهِ ... وينثنى بثناء طيب الْخَبَر) (فليطلب الْعلم بالاخلاص مُجْتَهدا ... يفز بِمَا شَاءَ من عز وَمن خطر) وَكتب اليه الشَّيْخ عبد الباقى الحنبلى فى ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وَألف مسائلا فَقَالَ (أيا عَالما أَحْيَا مَدِينَة جلق ... وتحرير هَذَا الْعَصْر كشاف بلواه) (دهتنى هموم أَنْت ترجى لكشفها ... فَمِنْهَا سُؤال أَنْت بِالْحَقِّ مقضاه) (وَذَاكَ حوالينا لقد جَاءَ مُسْندًا ... وفى السّنة الغراء حَقًا روينَاهُ) (فمفرده حول كَذَا قَالَ شَارِح ... وللمجد فى الْقَامُوس يفرد مَعْنَاهُ) (وفى الْفَتْح أنصبه بِفعل مُقَدّر ... أى امطر حوالينا من القفر حَيَّاهُ) (وَلكنه مبْنى أَو هُوَ مُعرب ... فان قلت بالثانى فَبين لمبناه) (فَكيف يُفِيد الْفَرد هَل هُوَ مُفْرد ... وَهل هُوَ مَجْمُوع فأوضح لمعزاه) (واعرابه بَين على كل حَالَة ... فَأَنت لهَذَا الْخطب وضاح منشاه) (وَهل ظَاهر الاعراب أَو هُوَ مُقَدّر ... أرحنى من الاشكال مَا صرت أَلْقَاهُ) فَكتب الشَّيْخ مصطفى اليه الْجَواب وَهُوَ (أيا من حوى علما تقاصر عِنْده ... عُلُوم ذوى التَّحْقِيق عَن بعد مسراه) (وَيَا فَاضلا عَمت فواضل جوده ... فَمَا طَالب الا وَقد حَاز جدواه) (وَيَا من لَهُ غوص بِفضل فطانة ... على كل معتاص على الْفَهم مَعْنَاهُ) (أتيت بِلَفْظ فى سُؤال منضد ... كعقد بجيد الغادة الخود خلناه) (وَذَاكَ حوالينا الذى جَاءَ واردا ... بِلَفْظ حَدِيث يجتلى الْقلب مرآه) (واعرابه نصب على الظّرْف ظرفه ... مَكَان والزمانى يُنَافِيهِ مبناه) (وَلكنه جمع أَتَى وَهُوَ نَادِر ... على صُورَة الِاثْنَيْنِ حَقًا روينَاهُ) (وَلكنه لما أضيق لمزد ... غَدَتْ نونه حذفا لما قد أضفناه) (وَهَذَا الذى يَبْدُو لعبد مقصر ... مقرّ بتقصير وذنب جنيناه) (وعذرا فان الْعذر عنْدك سَائِغ ... فَأَنت امام شاع فى النَّاس تقواه) (فَلَا زلت للاشكال توضح بهجة ... تزيل عَن الْفَهم الذى مِنْهُ يَغْشَاهُ) (ودمت معافى فى سرُور ونعمة ... تقر عُيُون المستفيدين نعماه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 (وَخص اله الْعَرْش أفضل خلقه ... نَبيا عُلُوم الْخلق من فيض علياه) (مُحَمَّد الْمُخْتَار مفزع أمننا ... بدنيا وَأُخْرَى فَهُوَ ركن عهدناه) (بِأَفْضَل تَسْلِيم وأزكى تَحِيَّة ... وَآل وَصَحب مَا حَدِيث روينَاهُ) وَمن خطه نقلت لَهُ أَيْضا قَوْله (لَا تسأ من بِحمْل الْعلم من كتب ... فالعلم أنفس شئ أَنْت حامله) فَأَجَابَهُ مجيزا لهَذَا الْبَيْت الشَّمْس مُحَمَّد الفرفورى فَقَالَ (وانقل لصدرك مَا أودعت من كتب ... يرحك عَن حملهَا مَا أَنْت ناقله) وَكتب من خطه أَيْضا قَوْله (أحسن برأى امْرِئ عد الكفاف غنى ... مُجَردا لَهُم فى دَار يعادلها) (طُوبَى لمن بَات فى أَمن وفى دعة ... فراحة الْقلب لَا شئ يعادلها) قَالَ وَسَأَلته عَن مولده فَأخْبر أَن وَالِده كتبه على ظهر كتاب وَأَنه ضَاعَ لَكِن فى غَالب ظَنّه أَنه فى نَيف وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَحصل لَهُ مرض فى أَوَائِل سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف وَانْقطع فى دَاره الَّتِى هى دَاخل بَاب توما وتعرف بِبَيْت محب الدّين جوَار دَار شيخ الاسلام ابْن عماد الدّين فعدته فى أثْنَاء الْمَرَض فرأيته مترقبا للعافية وآثار الْمَوْت عَلَيْهِ غير خافيه فتكالمنا مَعَه فأبدى لنا من فضائله مَا يسحر الْعُقُول من مَعْقُول ومنقول وَمن كل معنى فائق ونظم رائق ثمَّ بعد ذَلِك فارقته فِرَاق وداع متأسفا على طى فضائله الَّتِى انْعَقَد على حسنها الاجماع فَكَانَ بعد ذَلِك يراسلنى بالرسل والاوراق الى أَن كتبت لَهُ جَوَاب رِسَالَة فى لَيْلَة السبت ثَالِث عشر صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وفى ضمنهَا هَذِه الابيات (أسأَل الله من أتم غلاكا ... خَالق الْخلق أَن يتم شفاكا) (فَلَقَد زَاد سقم صبك هَذَا ... ودواه محققا رؤياكا) (وَهُوَ حيران فى غياهب شكّ ... لَيْسَ يبدى لنورها الاكا) (عِشْت صَدرا لطَالب الْعلم بَدْرًا ... زِدْت قدرا تسمو بِهِ الافلاكا) (لتنال الطلاب مِنْك مُنَاهُمْ ... ومناهم وَالله أقْصَى مناكا) ثمَّ قصدت أَن أَسِيرهَا فى الْيَوْم الْمَذْكُور فَلم يتَّفق لِكَثْرَة الامطار حَتَّى صَارَت طرقات الْمَدِينَة كالانهار فاذا هُوَ انْتقل بعد الظّهْر فى الْيَوْم الْمَذْكُور الى رَحْمَة رب الْعَالمين وَلم يُمكن فى ذَلِك الْيَوْم التَّجْهِيز والتكفين وَاسْتمرّ الْمَطَر مُتَّصِلا لَا يَنْقَطِع الى يَوْم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 الاحد فَغسل وكفن فى الامطار الغزار وَذهب بِهِ الى جَامع بنى أُميَّة وَصلى عَلَيْهِ الظّهْر وَحمل الى قَرْيَة الشَّيْخ ارسلان فَدفن قبالة الشباك المواجه للضريح عَلَيْهِ رَحْمَة الحنان المنان وَاتفقَ أَن صَار حَالَة الدّفن مطر غزير لم يتَّفق مثله فى الاعوام فَقلت القصيدة الَّتِى أَولهَا (بَكت السَّمَاء بمدمع هطل ... اذ مَاتَ غيث الْجُود وَالْفضل) وَلم يذكر مِنْهَا الا بَيت المطلع هَذَا وَأَنا لم أَقف عَلَيْهَا قلت وَمِمَّا يتَعَلَّق بترجمة صَاحب التَّرْجَمَة فى تَسْمِيَته نَفسه بالمصطفى مُعَرفا مَا وجدته بِخَط البورينى تَحت كِتَابَة للمصطفى فَكتب تحتهَا قَاعِدَة فى أل الَّتِى تكون للمح الْوَصْف من زَوَائِد الشَّيْخ الطَّيِّبِيّ الْكَبِير على ألفية ابْن مَالك (كالفضل والحرث وَالْعَبَّاس ... وَلَيْسَ هَذَا الْبَاب بِالْقِيَاسِ) قلت وَالْبَيْت فى الاصل هَكَذَا (كالفضل والحرث والنعمان ... فَذكر ذَا وحذفه سيان) واذا علمت هَذِه الْقَاعِدَة على هَذَا الاسلوب أَنه لَا يُؤْتى بأل فى مثل هَذِه الْكَلِمَات الا اذا سَمِعت من الْعَرَب واذا لم تسمع فالاتيان بهَا غلط فأل فى الْمُصْطَفى اذا كَانَ مصطفى علما غير وَاقعَة فى موقعها الصَّحِيح لانها لم تسمع فِيهِ فَالْوَاجِب حِينَئِذٍ حذفهَا فاعلمه مصطفى بن أَحْمد بن مصطفى البولوى مفتى السلطنة وعالم علمائها وَرَئِيس نبلائها الامام الْعَالم الْعلم الْعَلامَة الشهير كَانَ أوحد الزَّمَان فى الْفُنُون مطلعا على الظَّاهِر مِنْهَا والمكنون مشارا اليه بالتحقيق مُنْذُ عرف محلى بنفائس الصِّفَات الْعلية من حِين وصف وَكَانَت دمت الاخلاق رَقِيق الطَّبْع ذَا مُرُوءَة وسكينه ومكانة من الادب مكينه انْتَمَى فى مبدا أمره الى شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وتلمذ لَهُ ولازم مِنْهُ وَكَانَ الْمولى الْمَذْكُور يُحِبهُ ويقدمه ولاه الْمدَارِس السامية ثمَّ بعد وَفَاة الْمولى الْمَذْكُور مَا زَالَ حَظه وَصيته يَنْمُو حَتَّى صَار مفتش الاوقاف ثمَّ ولى ابْتِدَاء قَضَاء بروسه وَلَا زَالَ فى رفْعَة الى ان تولى قَضَاء العسكرين ثمَّ الافتاء ثمَّ عزل وَأمر بالتوجه الى مصر وَأعْطى قَضَاء الفيوم فَأَقَامَ بِمصْر مُعظما يقرى ويدرس ببيته وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ اقبال عَظِيم لتواضعه ولطف مُعَامَلَته وَله من المؤلفات شرح على الْكَنْز وحواش على شرح أشكال التأسيس وَغير ذَلِك من التحريرات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 الفائقة وَكَانَت وَفَاته فى سنة تسعين وَألف مصطفى بن رَمَضَان الشهير بِابْن صارى خوجه الدمشقى الدفترى الرئيس الْجَلِيل الشَّأْن كَانَ من أَرْبَاب الوجاهة والمروءة حسن الْخلق لين الْجَانِب حَلِيمًا معاشرا سهل الصُّحْبَة ذكره والدى فى تَارِيخه فَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ أَبوهُ روميا من أهل أدرنه ورد دمشق واستوطنها الى أَن تَلا الدَّهْر آيَة مَوته وأعلنها وَكَانَ اقتنى دَارا بِبَاب قلعة دمشق مُتَّصِلَة بدار الحَدِيث الاشرفية وجاءه أَوْلَاد مِنْهُم صَاحب التَّرْجَمَة فَأَقْرَأهُ وَكتبه وَعلمه حَتَّى تعلم الرقم والحساب فَدخل فى زمرة الْكتاب وَاخْتَلَطَ بالاعيان وَأكْثر من التَّرَدُّد الى المرحوم حسن بن عُثْمَان الرُّومِي لكنه فى جواره وداره تجاه دَاره وَفرغ لَهُ عَن كِتَابَة أوقاف الدرويشية وَكَانَ مِمَّن تمهر على يَده فى الارقام الحسابية ثمَّ انحاز الى ابراهيم باشا الدفترى وَصَارَ من خَواص جماعته وَصَارَ كَاتبا لوقف الْجَامِع الاموى ومتوليا على وقف الدرويشية ثمَّ صَار كَاتبا فى قلم المحاسبة بالخزينة الدمشقيه وكاتبا للكيلار السلطانى وَحج بِهَذِهِ الْخدمَة مرَّتَيْنِ ثمَّ صَار محاسبا بالخزينة بعد الرئيس مُرَاد بن هِدَايَة الله الْمُقدم ذكره وَكبر بِهَذِهِ الْخدمَة وَصَارَ يُرَاجع فى الامور المهمة وَصَارَت لَهُ رُتْبَة الدفترية مَعَ بَقَاء المحاسبة ثمَّ صَار دفتريا اصالة فى سنة ثَمَان وَخمسين وَألف وعزل عَنْهَا وأعيد اليها مَرَّات ثمَّ صَارَت لَهُ رُتْبَة بكلر بكية مرعش وَصَارَ قَائِم مقَام الْوَزير الْكَبِير مُحَمَّد باشا بوينى اكرى لما جَاءَهُ ختم الوزارة الْعُظْمَى وَهُوَ محافظ دمشق ثمَّ بعد ذَلِك أكره من قبل الْجند الشامى على حُكُومَة الشَّام فى ماجرية مرتضى باشا ثمَّ تناقضت أَحْوَاله وتشتت فكره وباله وَلَا غرو فللزمان صروف تجول وَأُمُور تعرض وتحول فاذا أقبل جد الْمَرْء فالاقبال يسعده والاوطار تعينه وتساعده واذا أدبر فالايام تعاديه والنحوس تراوحه وتغاديه وَأظْهر الْفقر للانام والفاقة الشَّدِيدَة للحكام ثمَّ سَار الى أدرنه بِطَلَب من طرف السلطنة للسؤال عَن اختلال الخزينة الشامية فاتهم فى بعض أُمُور أحيلت عَلَيْهِ فنفذ فِيهِ الْقَضَاء وأسرع الْقَتْل اليه وَمَات شَهِيدا وَدفن وحيدا وَكَانَ قَتله فى سنة احدى وَسبعين وَألف وَمن الِاتِّفَاق ان وَالِده ولد بأدرنه وَدفن بِدِمَشْق وَهُوَ بعكس ذَلِك مصطفى بن زين الدّين بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الشهير بِابْن سوار الحموى الاصل الدمشقى المولد الشافعى شيخ الْمحيا النبوى الامام الحبر الْبَحْر الصَّالح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 الناسك من زنده بِالْفَضْلِ وارى وَعرضه من كل مَا يشين عارى ان كَانَ الْفضل روضا فَهُوَ نواره أَو الصّلاح يدا وساعدا فَهُوَ سواره (ندب يغار على الْفَضَائِل فَضله ... فيضمها ضم السوار المعصما) نَشأ فى صِيَانة وديانه وترعرع ملئ برده متانة ورزانه وَأخذ الْفِقْه عَن جمع مِنْهُم الشهَاب العيثاوى وَالشَّمْس الميدانى والعلوم العقلبة عَن جمَاعَة أَجلهم الملا مَحْمُود الكردى والعلوم الْعَرَبيَّة عَن الشَّيْخ عمر القارى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى والنجم الغزى ولازمه سِنِين وروى عَنهُ الْكتب السِّتَّة وَغَيرهَا وَصَارَ معيدا لدرسه الْعَام تَحت قبَّة النسْر لما مَاتَ الشَّيْخ رَمَضَان العكارى سنة سِتّ وَخمسين وَألف وَكَانَ النَّجْم يَقُول من أَرَادَ أَن ينظر الى حوارى هَذِه الامة فَلْينْظر اليه وَكَانَ حسن السمت والخلق لطيف الطباع مهابا مجللا عِنْد عُلَمَاء دمشق وأمرائها وكبرائها مُعْتَقدًا عِنْد الْخَاص وَالْعَام لَا يتَرَدَّد الى أحد الا الْخَواص وَجلسَ للتدريس وانتفع بِهِ جمَاعَة من أَجلهم شَيخنَا الشَّيْخ عُثْمَان بن مَحْمُود المعيد وَكَانَ منهمكا على بَث الْعُلُوم وافادتها مواظبا للمحيا النبوى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ بالجامع الاموى وَلَيْلَة الْجُمُعَة بالجامع البزورى بمحلتهم قبر عَاتِكَة قَائِما بوظيفة الصَّلَاة على النبى مَعَ الاحسان للْفُقَرَاء والضعفاء ولين الْجَانِب والتواضع التَّام وَكَانَت وِلَادَته سنة عشر بعد الالف وَتوفى سنة احدى وَسبعين وَألف وَدفن فى تربة الدقاقين بمحلة قبر عَاتِكَة ورثاه الامير المنجكى رَحمَه الله تَعَالَى بقوله (لعمرك زند الْفضل أصبح عاطلا ... من ابْن سوار بَعْدَمَا كَانَ حاليا) (وَقد ملئت منا الْقُلُوب لفقده ... مصابا وأضحى مجْلِس الْعلم خَالِيا) وَرَآهُ تِلْمِيذه صاحبنا الشَّيْخ عبد الله بن على العاتكى بعد مَوته فى الْمَنَام بعد لَيْلَتَيْنِ وَهُوَ طَائِر فَقَالَ لَهُ يَا سيدى الى أَيْن تطير قَالَ الى عليين فَقَالَ لَهُ بِمَ نلْت ذَا فَقَالَ بِكَثْرَة الصَّلَاة على النبى وَكَانَ لَهُ ولدا اسْمه زين الدّين وَكَانَ من الافاضل وَاتفقَ أَنه مَاتَ ثانى يَوْم من وَفَاة وَالِده ويروى أَنه كَانَ لقن اباه وَبعد أَن فرغ من التَّلْقِين دَعَا الله أَن يلْحقهُ بوالده فاستجيب دعاؤه ورؤى وَالِده فى الْمَنَام وَهُوَ يَقُول ان الشوق الى زين الدّين جذبه الينا وَمَا قَدرنَا على فِرَاقه رحمهمَا الله تَعَالَى مصطفى بن سعيد الدّين بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن حسن الجباوى الدمشقى القبيباتى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 الشَّيْخ المجذوب كَانَ من الاسخياء الاجواد حج فى خدمَة وَالِده فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف ثمَّ اشْتغل بِالتِّجَارَة وسافر الى مصر مَرَّات ثمَّ تعانى طبخ الصابون وَبيع الْحَرِير ثمَّ صَار شيخ زاويتهم بعد وَفَاة أَخِيه الشَّيْخ مُوسَى فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف لعدم وجود أحد غَيره واقبلت الدُّنْيَا عَلَيْهِ ومالت اليه بِالْقَلْبِ والقالب وانحصرت فِيهِ جَمِيع املاك بنى سعد الدّين وأوقافهم وَجمع من المَال مَا فاق بِهِ على آبَائِهِ واجداده وتميز بِهِ على الْمَشَايِخ الصُّوفِيَّة وَحج ثَانِيًا الى بَيت الله الْحَرَام فى سنة سِتّ وَخمسين بأَهْله وَأَوْلَاده وسافر الى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ حج ثَالِثا وَكَانَ فى جَمِيع شؤنه متناقض الاطوار وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ صدق قَوْلهم هُوَ كخبز الشّعير يُؤْكَل ويذم وكالهندية يكره ويلم (كَمَاء طَرِيق الْحَج فى كل منزل ... يذم على مَا كَانَ فِيهِ وَيشْرب) وَكَانَ لَهُ ابْن يُسمى سعد الدّين وَكَانَ نجيبا اصيب بِهِ فى طَرِيق الْحَج وحزن عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا ثمَّ بعد ذَلِك حط بِهِ الدَّهْر واستطالت عَلَيْهِ يَد اللئام واستغرق اوقاته فى النزاع وَالْخِصَام وعارضه بعض حكام دمشق فى كل أَمر وَقع لَهُ فَترك زاويته الَّتِى بالقبيبات وَسكن دَاخل دمشق وَتزَوج أم ولد بعض التُّجَّار ثمَّ تزوج زَوْجَة التَّاجِر الْمَذْكُور ايضا وزادت عَلَيْهِ الاكدار وَكَانَ لَهُ بنت مُزَوّجَة بِبَعْض الاعيان فَمَاتَتْ بعد أَن طَلقهَا وخلفت بِنْتا فَوضع يَده على جَمِيع مخلفاتها وَكَانَ اذا طُولِبَ بِالْمِيرَاثِ يَقُول ان بنى سعد الدّين لَا يورثون الاناث وَله من هَذَا الْقَبِيل كَلِمَات عَجِيبَة فَمن أعجبها أَنه ذكر بعض الافاضل بِحَضْرَتِهِ كتبا مَوْجُودَة عِنْدهم بِخَط مصنفها فَقَالَ وَأَنا عندى متن الْكَشَّاف بِخَط مُصَنفه وَمِمَّا يحْكى عَن وَالِده أَنه لما قدم جَعْفَر باشا محافظ مصر سَأَلَهُ عَن طَرِيقه فَقَالَ على السنانية فَقلت لَو قَالَ على بَاب الله لَكَانَ اصاب وَكَانَ وَقع بَينه وَبَين ابْن أَخِيه الشَّيْخ كَمَال الدّين بِسَبَب المشيخة وَكَانَ يتوسط بَينهمَا جمَاعَة بِالصُّلْحِ فاذا ذكرُوا الشَّرِيعَة فى مقَام الانذار يَقُول ان كَانَ لَهُ شَرِيعَة فلنا طَريقَة وكل هَذَا مبْنى على الجذب والاستغراق فان غَالب بنى سعد الدّين يغلب عَلَيْهِم الْغَرق وَأرى السَّلامَة فى اعْتِقَادهم فان تصرفهم مجرب ثمَّ ان الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة غلب عَلَيْهِ الْحَال وضاق بِهِ المجال وزادت عَلَيْهِ الاتعاب من الْخَارِج والداخل فَأَنْشد لِسَان حَاله قَول الْقَائِل حَيْثُ قَالَ (جَار الزَّمَان فَلَا جواد يرتجى ... للنائبات وَلَا صديق يشفق) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 (وطغى على فَكل رحب ضيق ... ان قلت فِيهِ وكل حَبل يخنق) ثمَّ انتهز فرْصَة الْغَفْلَة من حفدته وَدخل الى خلوته بالمشهد الشرقى من جَامع الاموى الْمَعْرُوف بمشهد الْمحيا وقفل الْبَاب وخلع ثِيَابه وَوضع حبلا فى عُنُقه وَألقى نَفسه فَمَاتَ فَدخل وَلَده بعد الْعَصْر مَعَ اتِّبَاعه فوجدوه مَيتا على الصُّورَة الْمَذْكُورَة فَسَارُوا الى قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق الْمولى مُحَمَّد بن مَحْمُود المفتش وَأَخْبرُوهُ بذلك فَأرْسل مَعَهم كشافا فَكتب صُورَة الْكَشْف وأنزلوه ووضعوه فى نعش وأخذوه بعد الْغُرُوب الى بَيتهمْ بالقبيبات وَغسل وَصلى عَلَيْهِ فى قَول أَبى حنيفية رضى الله تَعَالَى عَنهُ وَدفن بمقبرة أجداده بِبَاب الله وأرخ ذَلِك شَيخنَا القَاضِي حُسَيْن الْعَدْوى الْمُقدم ذكره بقوله (أنظر الى محن الزَّمَان ... ترى الْجواد يَمُوت خنقا) (قد دارت الافلاك حَتَّى ... ذاقت الاحرار رقا) (من بعض مَا نَالَ ابْن سعد ... الدّين من نكباته سلبا وَسُحْقًا) (أَن جاد بِالنَّفسِ العزيزة ... مهديا للروح خنقا) (فلذاك قلت مؤرخا ... عجبا بِهِ قد مَاتَ شنقا) وَكَانَ ذَلِك نَهَار الْجُمُعَة رَابِع الْمحرم سنة تسع وَسبعين وَألف وَبلغ من الْعُمر خمْسا وَسِتِّينَ سنة وَاتفقَ قبل وقعته بِنَحْوِ سنوات أَن رجلا من المجاذيب دخل دمشق واقام بالجامع الاموى سَاكِنا صامتا مُدَّة ثمَّ تكلم أَيَّامًا وَكَانَ يَصِيح بِصَوْت عَال فصيح فى صحن الْجَامِع الشَّيْخ مصطفى بن سعد الدّين شنقوه وَكَانَ النَّاس يعْجبُونَ من ذَلِك غَايَة الْعجب حَتَّى وَقع مَا وَقع قلت وَوَقع فى سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف أَن الشَّيْخ اسماعيل ابْن الشَّيْخ أَحْمد بن سوار بن أخى الشَّيْخ مصطفى شيخ الْمحيا الْمُقدم ذكره قبل صَاحب التَّرْجَمَة صلب نَفسه فى المشهد الذى صلب صَاحب التَّرْجَمَة نَفسه فِيهِ اقْتِدَاء بالشيخ المترجم وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم مصطفى بن سِنَان أحد الموالى الرومية تولى قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق فى سنة ثَلَاث بعد الالف ثمَّ ترقى حَتَّى ولى قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى وَكَانَت سيرته مُسْتَقِيمَة فى قَضَائِهِ كُله عفيفا منزه الْعرض الا أَن بضاعته فى الْعلم كَانَت مزجاة وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ قَاض بروم ايلى فى شهر ربيع الثانى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف بقسطنطينية مصطفى بن طه الحلبى نقيب الاشراف بحلب وَأحد رؤسائها وَكَانَ شهما جسورا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 خَبِيرا بِأُمُور النَّاس لَهُ أَنَفَة وَحُرْمَة وَرَأس بحلب مُدَّة وَكَانَ يُرَاجع فِي المهام وَولى قسْمَة الْعَسْكَر بهَا وسما وَكَانَ الْبَاعِث لسموه مصاهرته للْمولى صَالح رَئِيس الاطباء ونديم السُّلْطَان مُحَمَّد وَكَانَت وَفَاته فى سنة مصطفى بن عبد الْحَلِيم البروسوى قاضى العساكر الْفَاضِل الْكَامِل الْمُؤَدب الْمُهَذّب الْحَاكِم الحاسم الفطن الذكى الحرى بِأَن ينشد فِيهِ (قَاض اذا الْتبس الامران عَن لَهُ ... رأى يخلص بَين المَاء وَاللَّبن) كَانَ أحد أَفْرَاد الزَّمَان مَعَ وفور فضل وَعلم وعقل واثق الْعَهْد صَادِق الود حسن التَّصَرُّف بَرِيئًا من الرِّيَاء والتكلف لَهُ ديانَة وَحسن سيرة مَعَ صِحَة فطنة وسلامة سريرة عفيف النَّفس نظيف الملبس طَاهِر الذبل قَرِيبا لخاطر المتأنس اشْتغل بِطَلَب الْعلم ببروسه على الْعَلامَة الْمولى مُحَمَّد البروسوى الْمَعْرُوف بِابْن المعيد الذى تولى قَضَاء قُضَاة الشَّام فى سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَعلا غَيره ثمَّ دخل قسطنطينية فى عنفوان شبابه واجتهد فى تَحْصِيل الْعُلُوم وَقَرَأَ على شيخ الاسلام عبد الرَّحِيم وَالْمولى يحيى بن عمر المنقارى ولازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا ثمَّ ورد فى صُحْبَة أَخِيه شيخ الاسلام مُحَمَّد الْمُقدم ذكره الى دمشق لما ولى قَضَاء مصر وناب عَنهُ بهَا ثمَّ درس بالروم ثمَّ ولى قَضَاء دمشق وَقدم اليها فى أَوَائِل سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وعظمه أهل دمشق حق التَّعْظِيم لما احتوى عَلَيْهِ من الْوَقار والبهاء فى نَفسه ولتقيده بفصل الاحكام على وَجه الْعِفَّة والاستقامة وَلكَون أَخِيه اذ ذَاك مفتى السلطنة وَمحل الانسان من عينهَا وجاءه خبر عَزله عَن الْفَتْوَى وَهُوَ قَاض وَلم يتأثر وَزَاد فى التصلب وقمع الْحُكَّام ثمَّ عزل غرَّة الْمحرم سنة ثَلَاث وَتوجه الى الرّوم نَهَار الْخَمِيس تَاسِع الْمحرم وسافر والدى المرحوم فى صحبته سفرته الثَّانِيَة قَالَ فى تَرْجَمته وَمَا رَأَيْته يَوْمًا اطاع سُلْطَان الْغَضَب فِيمَا لاقاه من الرَّاحَة والتعب وفى الحَدِيث ان فِيك لخصلتين يحبهما الله تَعَالَى الاناة والحلم ثمَّ بعد ذَلِك صَار قَاضِيا بِمصْر وَخرج عَلَيْهِ قطاع الطَّرِيق فى نواحى اسكى شهر وَأخذُوا جَمِيع مَا مَعَه من اسباب وأمتعة ثمَّ ولى قَضَاء مَكَّة وَورد دمشق فى ثانى عشر شهر رَمَضَان سنة احدى وَثَمَانِينَ وَاتفقَ أَن أَخَاهُ كَانَ قدمهَا فى غرَّة رَجَب وَهُوَ مُتَوَجّه الى الْحَج وَاجْتمعَ بِهِ بعد عشر سنوات كَانَا لم يجتمعا فِيهَا وَسَار الى الْحَج ثمَّ ولى قَضَاء قسطنطينية ثمَّ قَضَاء الْعَسْكَر باناطولى فى سنة خمس وَثَمَانِينَ وَاجْتمعت بِهِ وَهُوَ قاضيه فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ بأدرنه وأسدى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 الى نعما طائلة ومدحته ثمَّ عزل بعد قدوم السُّلْطَان الى قسطنطينية فى احدى الجماديين سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأقَام بدار بمحلة السُّلْطَان سليم وَكَانَ تأنق فى عمارتها وَكَانَ شغفا بالمطالعة والتصحيحات وَعمر مدرسته بداخل قسطنطينية قبالة مدرسة شيخ الاسلام زَكَرِيَّا بِالْقربِ من حمام السُّلْطَان سليم وَبنى فِيهَا مدفنا ورتب فِيهِ قراء وَكَانَ تَمام بنائها فى أَوَائِل سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى وعزل فَلم تطل مدَّته بعد ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع وَعشْرين وَألف وَتوفى فى آخر ذى الْقعدَة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف وَدفن بتربته الَّتِى أَنْشَأَهَا رَحمَه الله تَعَالَى مصطفى بن عبد الْملك وَقيل عُثْمَان البابى الحلبى الاديب الْفَاضِل المتمكن من المعارف وَكَانَ من أجل فضلاء الدَّهْر وأوحد أدباء الْعَصْر وَبِالْجُمْلَةِ ففضله يجل عَن التَّعْرِيف وأدبه غير مُحْتَاج الى التوصيف نَشأ بحلب وَأخذ بهَا الْعُلُوم عَن جمع من أَجلهم الشَّيْخ أَبُو الْجُود البترونى والنجم الحلفاوى وَالشَّيْخ أَبُو الوفا العرضى والمنلا ابراهيم الكردى وَالشَّيْخ جمال الدّين البابولى وَدخل دمشق صُحْبَة ابْن الحسام قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق فى سنة احدى وَخمسين وَألف وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى والنجم الغزى وَأَجَازَ مشايخه ورحل الى الديار الرومية فدرس بهَا وانتفع بِهِ جمَاعَة من فضلائها ثمَّ سلك طَرِيق الموالى وَتَوَلَّى قَضَاء طرابلس الشَّام ثمَّ مغنيسا ثمَّ بَغْدَاد ثمَّ الْمَدِينَة المنورة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فى سنة احدى وَتِسْعين وَحج فى هَذِه السّنة فتوفى بِمَكَّة وأشعاره كلهَا نفيسة فائقة مطربة رائقه وهى فى الجزالة والفصاحة فَوق شعر المفلقين من الْمُتَقَدِّمين وفى الرشاقة وَحسن التخيل تفوق قَول المجيدين من الْمُحدثين وَهَا أَنا أتلو عَلَيْك مِنْهُ مَا بِهِ الارواح تنتعش والجمادات ترتعش فَمن ذَلِك قَوْله من قصيدة يمدح بهَا ابْن الحسام (سرى عَائِدًا حَيْثُ الضنى رَاع عودى ... سرى الْبَدْر طيف بالدجنة مُرْتَد) (وَمَا رق لَو لم يرع وجدى وَلَا سرى ... على الْبعد فى ثوب الْحداد المرقد) (فأعجبه شوقى اليه على النَّوَى ... كَذَا كَانَ حَيْثُ الشمل لم يتبدد) (وعاتبته وَالظَّن أيأس طامع ... فجاوبنى وَالْقلب أطمع مجتد) (ولاطفته حَتَّى استملت فُؤَاده ... فيا لَك سَعْدا بعضه لين جلد) (وَبت كَانَ الدَّهْر ألْقى زمامه ... الى وصافانى فأحرزت مقصدى) (وحكمنى من جيده وَهُوَ عاطل ... فحلاه دمعى بالجمان المنضد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 (الى أَن نعى بالبين صبح كَأَنَّهُ ... غراب النَّوَى لكنه غير أسود) (وَقد جدد التذْكَار مَا أخلق الضنى ... وأى عهود مثلهَا لم تجدّد) (فيا لَيْت أبقى ذكرهَا لي عِبْرَة ... لابكى بهَا أَو لَيْت أبقى تجلدى) (خليلى مَا آليتما جهد نَاصح ... وَلَكِن حيران القضا كَيفَ يهتدى) (أما تصلح الايام بعد فَسَادهَا ... فَلم تبْق من عيشى صلاحا لمفسد) (وَقد زادنى ظلما وأوسعنى أَذَى ... يدا عصبَة لم تخش لله من يَد) (فأكبادهم للنحر فى جَوف جلمد ... وألسنهم للشر فى فَم أسود) (عَسى يهدم الاحسان مَا شيد الاذى ... اذا لذت بالركن الشَّديد المشيد) (امام أَقَامَ الدَّهْر من عثراته ... وأحيت مساعيه شَرِيعَة أَحْمد) (كَانَ أَمَالِيهِ الرياض ثمارها الدرارى والاقلام صَوت المغرد ... ) مِنْهَا (يجود الحيا بِالْمَاءِ بابك وجوده ... مَعَ الْبشر يهمى من لجين وعسجد) (تقلدت الشَّهْبَاء صارم عدله ... وَلَوْلَا مضاء السَّيْف لم تتقلد) (وَلَو كلف الْمَخْلُوق مَا فَوق وَسعه ... سعت للقاه سعى صَاد لمورد) (أَتَى وظلام الشّرك فِيهَا كَأَنَّهُ ... وساوس شرك فى فؤاد موحد) (فأشرق بدر الْعدْل فى عرصاتها ... بِوَجْه أغر مبرق الْعَزْم مرعد) (تردت بِثَوْب بالصيانة معلم ... وحفت ببحر بالمكارم مُزْبِد) (عزائم بَانَتْ فاختفى كل جَاحد ... وَقَامَت فألفى وفرها كل مقْعد) (وَسَاخَتْ أياديه فشردت الندى ... وَردت من العلياء كل مشرد) (غَدَتْ تقْرَأ التَّحْمِيد سُورَة حَمده ... سجودا وَمن يسْتَوْجب الْحَمد يحمد) وَقَوله من أُخْرَى يمدح بهَا ممدوحه الْمَذْكُور فَقَالَ (عوجا على رسم ذَلِك الطلل ... نفضى حُقُوق الليالى الاول) (لَعَلَّ نثنى أعطاف ثَانِيَة ... وَقد ترجيت غير مُحْتَمل) (فالدهر يَأْبَى بَقَاء مغتنم ... فَكيف يُرْجَى لرد مرتحل) (لكل مَاض من شبهه يدل ... وَمَا لعهد الشَّبَاب من بدل) (سقى لَو يلا تنابذى سلم ... كل ملث الربَاب منهمل) (معاهد طالما اقتطفت بهَا ... زهر الهنا من حدائق الجذل) (وأطلع السعد فى معالمها ... بدر المنى فى غياهب الامل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 (حَيْثُ قطوف اللَّذَّات دانية ... ومورد الانس مغدق النهل) (تعثر تيها فى ذيل لذتها ... فى هضبات العناق والقبل) (بِكُل مستوقف الْعُيُون سنا ... يَدْعُو فرَاغ الْقُلُوب للشغل) (أثقل اعطافه بخفته ... لطف التصابى فخف بالثقل) (وعطلت من حلى النَّبَات عذاراه فحلاه الْحسن بالعطل ... ) (ألْقى عَلَيْهِ الْجمال حلته ... وحلة الْحسن أحسن الْحلَل) (اذا رمتنا من قَوس حَاجِبه ... سِهَام جفنيه مَا بَنو ثعل) (وَا رحمتا العاشقين قد دهمتهم المنايا فى صُورَة الْمقل ... ) (وَقد تفاءلت من مصَارِعهمْ ... أَن تلافى بالاعين النجل) (أسى لقد أزعج الاسى وَهوى ... أهويت من أَجله على أجلى) (فَذا الذى حجبت محاسنه ... عَنَّا مساوى الصدود وَالنَّقْل) (من كَانَ عَنى قبل النَّوَى صلفا ... أبعد من مسمعى عَن العذل) (مَا زِدْت عَنهُ بعدا بفرقته ... لَا واخذ الله الْبَين من قبلى) (وفى امتداحى لَيْث العرين غنى ... عَن الْغِنَا بالغزال والغزل) (مولى غَدا فى علاهُ عَن رجل ... أبعد عَن حاسديه من زحل) (النّدب عبد الرَّحْمَن من فضحت ... غر سجاياه الشَّمْس فى الْحمل) (أَقَامَ للفضل دولة حسنت ... ودولة الْفضل أفضل الدول) (فأغدقت للورى مناهله ... من بَعْدَمَا كَانَ غائض الوشل) (قد انتضى الله مِنْهُ فى حلب ... سيف سداد لَهَا من الْخلَل) (حَتَّى كساعد لَهُ الليالى والايام ثوب الاسحار والاصل ... ) (واستتر الظُّلم من عَدَالَته ... بَين جفون الظباء بالكحل) (بأبيض الْعدْل مَا تركت بهَا ... سَواد ظلم إِلَّا من الْمقل) (واعتدلت حَتَّى مَا اسْتمرّ بهَا ... لَوْلَا قدود ألحان ذُو ميل) (مَا كنت أدرى من قبل رُؤْيَته ... كَيفَ انحصار الانام فى رجل) (حَتَّى رَأَيْت امْرأ يقوم لَهُ الدَّهْر على سَاقه من الوجل ... ) (ان ادّعى مبصر لَهُ شبها ... فاحكم على ناظريه بالحول) (وان يكن فى الْعُيُون بُد على ... فبأسه فى الْقُلُوب سيف على) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 (رام المهى سأو مجده فَسَهَا ... جزى بِطرف بالسهد مكتحل) (واعتل من لطفه الصِّبَا حسدا ... لَا بَرحت حاسدوه فى علل) (وزور الْغَيْث سح رَاحَته ... حَتَّى اعتزى للسخاء بالحيل) (يَا سيدا أَصبَحت مكارمه ... أشهر بَين الانام من مثل) (كَادَت معانى الثَّنَاء تسبقنا ... اليك وَالْحق وَاضح السبل) (يهنيك عيد بِهِ الهناء لَهُ ... كَمَا أهنيك والهنا بك لى) (وهاكها رَوْضَة لقد صبغت ... مِنْهَا خدود الربى من الخجل) (لَو نَالَ فصل الرّبيع بهجتها ... مَا سلبت عَنهُ حلَّة الخضل) (وانما الْمجد دولة جعلت ... لَهَا معانى الثَّنَاء كالخول) وَله هَذِه النونية يمدحه أَيْضا (أفى كل يَوْم لوعة وحنين ... وَمن كل فج للفراق كمين) (وكل طَرِيق هَكَذَا غير موعر ... فلى طرق كَانَت اليك تهون) (نقضت عهودا باللوى وتصرمت ... وعود وخابت يَا بثين ظنون) (وَوَلَّتْ لذاذات عهِدت وأسفرت ... نوى غربَة مَا تنقضى وشطون) (كَانَ لم تدر تِلْكَ المناجات بَيْننَا ... وَلَا هصرت ذَاك القوام يَمِين) (وَلَا أخضلت تِلْكَ لمعاهد بَعدنَا ... وَلَا هطلت فِيهَا سحائب جون) (على لهَذَا الْخطب ايقاضة همة ... يضج لَهَا صلد الصَّفَا ويلين) (ووجبة ارقال ينْكث بأسها ... قوى الباس تدرى الْعَزْم كَيفَ يكون) (فان فؤادا بَين جنبى حشوه ... أَمَان ولى عِنْد الزَّمَان دُيُون) (وسائلة عيسا اأعيى عَن النَّوَى ... عَنى وعتاب الغانيات شجون) (أجل من تقصى الْمجد يَا ابْنة مَالك ... تولى شمالا شَمله وَيَمِين) (فَلَا تتعبينى واعلمى أَنما الْعلَا ... أَسِير على وَجه القلاص رهين) (أتلك المطايا البزل أم سفن طَغى ... بهَا الْآل تخفى مرّة وَتبين) (تمور لرجع الحدى مورا كانما ... عراها بِأَصْوَات الحداة جُنُون) (اذا لمحت برق العواصم لم تكد ... مناسمها تقوى بِهن حزون) (تلفت تِلْقَاء الشآم كانما ... تخلى لَهَا بالرقتين جَنِين) (اذا أبْصر الخالى بهَا قَالَ علقت ... مشا فرهاتى بالغبيط يَمِين) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 (وصلنا السرى بالسير حَتَّى كانما ... من الوخد أَخْفَاف لَهَا ومتون) (فرينا بهَا أَو داج كل مطوق ... من السحب مَمْنُوع الفناء حُصَيْن) (جبال تمطت للعلى لَو رَأَيْتهَا ... لَقلت لَهَا بَين النُّجُوم دُيُون) (أشابت نَوَاصِيهَا الثلوج فَمَا رقت ... لَهَا بعد فقدان الشَّبَاب عُيُون) (وَيَا رب ليل ضل فِيهِ دليلنا ... فيهديه من نجل الحسام جبين) (فَتى لَا ضلال بعد رُؤْيَة وَجهه ... وَلَا بارق الافضال مِنْهُ يَمِين) (علاهُ رقى نسر السما بجناحه ... وَعرض بعيد الغايتين مصون) (ورقة خلق رَاح يحسدها الصِّبَا ... فأضحى عليلا يَعْتَرِيه أَنِين) (وبذل تذوب السحب مِنْهُ خجالة ... وبأس بِهِ يمضى القضا ويدين) (وَعلم لَو ان النَّاس قَامَت بِبَعْضِه ... وهى الْجَهْل حَتَّى لَا يكَاد يبين) (من الْقَوْم شادوا ذرْوَة الْبَأْس والندى ... لُيُوث لَهُم قصب اليراع عرين) (هَنِيئًا حسام الدّين يَا خير ماجد ... بِهِ شيدت للمكرمات حصون) (بِمقدم مولى قد هدت بقدومه ... قُلُوب وقرت للكرام عُيُون) (أَنَاخَ بِأَرْض الرّوم أكْرم قادم ... لَهُ السعد خدن والعلا قرين) (وَقد وفدت أخباره الغر قبله ... تطوق أَعْنَاق العلى وتزين) (أَلا هَكَذَا فى الله من يَك سَعْيه ... تدين لَهُ أَيَّامه وتلين) (فيا آل عُثْمَان تهنوا بِمَا جد ... يذب لكم عَن عرضكم ويصون) (رغمتم بِهِ أنف الْعَدو وانما الزَّمَان بِهِ عَن غَيْركُمْ لضنين ... ) (أطلاب مسعاه هلموا أدلكم ... عَلَيْهِ فانى فى الْمقَال أَمِين) (ضَعُوا يدكم فى جنح عنقاء مغرب ... وأرجلكم فى الرّيح فَهُوَ متين) (وهام السهى فارقوا اذا حلقت بكم ... اليه فَمَا رمتم هُنَاكَ يكون) (أجاذب ضبعى اذ قواى ضئيلة ... ومأمن روعى وَالزَّمَان خؤون) (أما انه لولاك مَا فتقت بِنَا ... الى الرّوم رتق الراسيات ظعون) (وَلَا كنت أدرى كَيفَ تكتسب العلى ... وَلَا كَيفَ صَعب الحادثات يهون) (أقلت عثار الْحَال منى اذ همى ... على سَحَاب من علاك هتون) (وانى لادرى ان فضل كَامِل ... لبانات طلاب الْكَمَال ضمين) (ومالى بعد الله غَيْرك مسعد ... من النَّاس فى نيل المُرَاد معِين) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 (وفى بَابَكُمْ حطت رحال مطامعى ... وَمَا تمّ لى إِلَّا اليه سُكُون) (وانك أدرى من فؤادى بحاجتى ... وحسبى بِهَذَا كاشف ومبين) وَكَانَ وقف على هَذِه القصيدة أديب الزَّمَان مُحَمَّد القاسمى فاتهم البابى بانتحالها فَكتب اليه البابى هَذِه القصيدة وهى (أيشعر هَذَا الْبَرْق أى المناسم ... سرى فيذكر تابآى المعالم) (وَكم دونهَا من سبسب دون وَطنه ... سرى دونه وخد القلاص الرواسم) (بريق الغضا هلا درى كَيفَ حَالنَا ... على الْبعد أخدان لنا بالعواصم) (أسائلهم مَا لَا تطِيق قُلُوبهم ... صدعت اذن بالظلم قلب المراحم) (سقى الله أَرضًا خيموا بفنائها ... وباكرها صوب الحيا المتراكم) (وَلَا زَالَ طِفْل النبت فى مهد تربها ... تدر عَلَيْهِ من دموع الغمائم) (وَلَو سقيت أَمْثَالهَا قبلهَا دَمًا ... لَقلت سَقَاهَا من دموعى السواجم) (معاهد كَانَ اللَّهْو فِيهَا مساعدى ... على وفْق قصدى وَالزَّمَان مسالمى) (أأيامنا بالأجرع الْفَرد هَل لنا ... سَبِيل الى عهد الصِّبَا المتقادم) (ليالى لَا أقداح مرضى مدارة ... علينا سوى أحداق ظبى ملائم) (وَلَا الْخمر الا من رضاب مبرد ... وَلَا الْورْد الا من خدود نواعم) (وسل أثلات الْجزع تخبرك اننا ... نعمنا بعيش فى ذراهن ناعم) (اذا الرَّوْض مخضل الربى وغصونه ... تقلد من قطر الندى بتمائم) (وفى خلل الاغصان نور كَأَنَّهُ ... مجامر ند فى حجور الكمائم) (يُصَافح بَعْضًا بعضه بيد الصِّبَا ... كباسم ثغر راشف ثغر باسيم) (محَاسِن غطتها مسَاوٍ من النَّوَى ... وأعراس لَهو بدلت بمآتم) (سل اليعملات البزل كم فتقت لنا ... بأيدى السرى من رتق أغبر قاتم) (وَكم شدخت أخفافها هام سامد ... من الشم تيها توجت بالغمائم) (وَكُنَّا اذا فل السرى غرب عزمنا ... تشحذه ذكرى لِقَاء ابْن قَاسم) (مقل لِوَاء الْفضل غير مدافع ... وحامى ذمار الْمجد غير مُزَاحم) (حديقة فضل لَا يصوح نورها ... وبحر بأمواج الذكا متلاطم) (عنت لمعانيه الْكَوَاكِب واقتدت ... بهَا فاغتدت مَا بَين هاد وراجم) (وَلَوْلَا مقَال جاءنى مِنْهُ أطرقت ... حَيَاء لَهُ الْآدَاب اطراق واجم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 (وَقطع أمعاء القريض لهوله ... ورد القوافى وهى سود العمائم) (امام العلى انى أحاشيك أَن ترى ... بِعَين الْمعَانى عرضة للوائم) (زعمت بأنى سَارِق غير شَاعِر ... صدقت بِمَعْنى سَاحر غير ناظم) (لقد قَالَهَا من قبل قوم فألقموا ... بأيدى الهجا حاشاك صم الصلادم) (رَأَوْا مثل مَا عَايَنت ابداع أَحْمد ... وبادرة الطائى وطبع كشاجم) (حنانيك بعض البغى لابدع ان أَتَى ... بِشعر حبيب من رأى جود حَاتِم) (وان ندى نجل الحسام لروضة ... أينكر فِيهَا طيب سجع الحمائم) (فدونكها ابكار فكر تزفها ... يَد الشوق عَن ود من الريب سَالم) (مشيدة الْبُنيان لَا يستريبها ... حسود وَلَا يقوى بهَا كف هَادِم) وَمن مختاراته قصيدته الَّتِى مدح بهَا السَّيِّد مُحَمَّد العرضى ومطلعها قَوْله (هُوَ الْفضل حَتَّى لَا تعد المناقب ... بل الْعَزْم حَتَّى تطلبنك المطالب) (وَمَا قدر الاسنان الا اقتداره ... أجل وعَلى قدر الرِّجَال الْمَرَاتِب) (أَقَامَ الْفَتى العرضى للفضل دولة ... لَهَا قَائِد من ناظريه وحاجب) (بهَا اعتذرت أيامنا عَن ذنوبها ... وَأَقْبل جانى دَهْرنَا وَهُوَ تائب) (يجددها رأى من الْعَزْم صائب ... ويحرسها بَأْس مَعَ الْحلم عاطب) (وللمجد مثل النَّاس سقم وَصِحَّة ... وَفِيه كَمَا فيهم صَدُوق وكاذب) (أنيط بِهِ حَتَّى لَو اخْتَار نَزعه ... لحسن اليه وَهُوَ ثكلان نادب) (وَمن لم يُوفى للمعالى حُقُوقهَا ... فان مساعيه الحسان مثالب) (ألم تَرَهَا كَيفَ اقتناهما مُحَمَّد ... تجاذ بِهِ أذياله ويجاذب) (اذا النَّاس لم تشتق لشارب عذبها ... فَلَا عذبت يَوْمًا عَلَيْهَا المشارب) (فسأس طواغيها وراض شماسها ... وأضحى لَهُ مِنْهَا وَزِير وحاجب) (حوى سوددا تبدو ذكاه بِوَجْهِهِ ... وترنو لعينيه النُّجُوم الثواقب) (تغرب لَا يرضى ذرى الْمجد موطنا ... وَأَمْثَاله حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ غرائب) (دَعَاهُ العلى شوقا اليه وَغَيره ... دَعَتْهُ فلباها النِّسَاء الكواعب) (وَمن حسر الراحات يكْتَسب العلى ... وَبَعض خسارات الرِّجَال مكاسب) (فآب بِمَا يشجى العدى ويسره ... فَوَائِد قوم عِنْد قوم مصائب) (لِيهن علاهُ منصب طالما صبا ... لَهُ بل تهنى اذ رضيها المناصب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 (من الْقَوْم أما عرضهمْ فَمنع ... حُصَيْن وَأما عرفهم فَهُوَ سائب) (يدين لَهُم بالمجد دَان وشاسع ... وينعتهم بِالْفَضْلِ ساع وراكب) (ففيهم والا لَا تقال مدائح ... وَمِنْهُم والا لَا ترام الرغائب) (اليك امام الْفضل منا تَوَجَّهت ... كتائب الا أَنَّهُنَّ مواكب) (معَان تعير الْعين سحر عيونها ... وتسخر مِنْهَا بِالْعُقُودِ الترائب) (قد انسدلت بَين الطروس سطورها ... كَمَا انسدلت فَوق الصُّدُور الذوائب) (لَهَا من براح الشوق حاد وقائد ... اليك وَمن لقياك دَاع وخاطب) (محملة معنى الهناء بِمنْصب ... تسير ببشراه الصِّبَا والجنائب) (وان سرنى اخبار أَنَّك قادم ... فقد ساءنى تَقْدِير أَنى غَائِب) (قد اتسعت مَا بَيْننَا شقة النَّوَى ... وَضَاقَتْ على وَجه اللِّقَاء الْمذَاهب) (فيا للموالى للعبيد بأوبة ... ليهدا بهَا قلب من الْبعد وَاجِب) (وتسعد آمال وتسكن لوعة ... ويفرح محزون ويبسم قاطب) وَمن مبتدعاته الْمَشْهُورَة الَّتِى توسل بهَا وهى هَذِه (هوت المشاعر والمدارك عَن معارج كبريائك) (يَا حى يَا قيوم قد ... بهر الْعُقُول سنا بهائك) (أثنى عَلَيْك بِمَا علمت فَأَيْنَ علمى من ثنائك ... ) (متحجب فى غيبك الاحمى منيع فى علائك ... ) (فظهرت بالآثار والافعال باد فى جلائك ... ) (عجبا خفاؤك من ظهورك أم ظهورك من خفائك ... ) (مَا الْكَوْن الا ظلمَة ... قبس الاشعة من ضيائك) (بل كل مَا فِيهِ فَقير مستميح من عطائك ... ) (مَا فى العوالم ذرة ... فى جنب أَرْضك أَو سمائك) (الا ووجهتها اليك بالافتقار الى غنائك ... ) (انى سَأَلتك بالذى ... جمع الْقُلُوب على ولائك) (نور الْوُجُود خُلَاصَة الكونين صفوة أوليائك ... ) (الا نظرت لمستغيث عَائِذ بك من بلائك ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 (قذفت بِهِ من شَاهِق ... أيدى امتحانك وابتلائك) (ورمته من ظلم العناصر والطبائع فى شبائك) (وسطت عَلَيْهِ لَوَازِم الامكان صدا عَن ثنائك) (فاذا ارعوى اوكاد نادته الْقُيُود الى ورائك ... ) (فالطف بِهِ فِيمَا جرى ... فى طى علمك من قضائك) وَله غير ذَلِك من الْبَدَائِع وَكَانَت وَفَاته فى أَوَاخِر ذى الْحجَّة سنة احدى وَتِسْعين وَألف وَدفن بالمعلاة بعد أَن قضى مَنَاسِكه والبابى نِسْبَة الى الْبَاب قَرْيَة من قرى حلب لَهَا وَاد مَشْهُور بِطيب الْهَوَاء وَكَثْرَة الرياض وَفِيه يَقُول زين الدّين عمر بن الوردى هَذِه الابيات وهى (ان وادى الْبَاب قد ذكرنى ... جنَّة المأوى فَللَّه الْعجب) (فِيهِ دوح يحجب الشَّمْس اذا ... قَالَ للنسمة جوزى بأدب) (طيره معربة فى لحنها ... تطرب الحى كَمَا تحيى الطَّرب) (مرجه مبتسم مِمَّا بَكت ... سحب فى ذيلها الطّيب انسحب) (فِيهِ روضات أَنا صب بهَا ... مثل مَا أصبح فِيهَا المَاء صب) (نهره ان قَابل الشَّمْس ترى ... فضَّة بَيْضَاء فى نهر ذهب) وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة فِيهِ قصائد وأبيات مِنْهَا جانبا فى كتابى النفحة فَارْجِع اليها فِيهِ وَالله أعلم مصطفى بن فَخر الدّين بن عُثْمَان العلمى القدسى من فضلاء الْقُدس وأعيانها نَشأ فى طلب الْعلم ورحل الى مصل وَأقَام بالازهر زَمَانا طَويلا حَتَّى كَادَت لُغَة أهل مصر تغلب عَلَيْهِ وَكَانَ دَائِما يتَكَلَّم بهَا وَرجع الى الْقُدس وَصَارَ كَاتب الصكوك فى محكمتها وَولى النِّيَابَة كثيرا وَله من الْآثَار وقف على المؤذنين بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَله على الصَّخْرَة قنديل مُعَلّق يشعل لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَذَلِكَ لَهُ خيرات على خدام سيدنَا الْخَلِيل وَله قنديل على الْغَار الذى فى الصَّخْرَة وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَسبعين وَألف وَلم يعقب رَحمَه الله تَعَالَى مصطفى بن قَاسم عبد المنان متولى أوقاف السنانية بِالشَّام الدمشقى عين الاعيان ومجموعة النَّوَادِر الحسان كَانَ وَاحِد الْوَقْت فى المحاوره وَسُرْعَة البداهة والنكتة والنادره وَفِيه يَقُول الامير المنجكى رَحمَه الله تَعَالَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 (لنجل أَبى المعالى حسن فهم ... وطبع كالزلال العذب صافى) (تطاوعه الْمعَانى حِين ينشى ... وتخدمه النكات مَعَ القوافى) اشْتغل بِالطَّلَبِ على المنلا عبد الله القونوى امام جَامع الدرويشية وعَلى الْعَلامَة الشَّيْخ رَمَضَان بن عبد الْحق العكارى وشارك فى الْعُلُوم الادبية وَحفظ من الشّعْر العربى والفارسى والتركى أَشْيَاء كَثِيرَة ونظم الشّعْر وَأكْثر نظمه كَانَ بالتركية ومخلصه رمزى وَحج فى صُحْبَة وَالِده سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف وَصَارَ أَولا من الْجند الشامى ثمَّ لما مَاتَ أَبوهُ فى التَّارِيخ الذى ذكرته فى تَرْجَمته توجه ثانى يَوْم من وَفَاته الى الرّوم وَصَارَ مُتَوَلِّيًا مَكَانَهُ على أوقاف سِنَان باشا بِمُوجب الشَّرْط للعتقاء وذريتهم وَصَارَ من المتفرقة بِالْبَابِ العالة وَرجع الى دمشق وَقَامَ مقَام وَالِده وَوضع يَده على مَا خَلفه لَهُ من أَمْوَال وَأَسْبَاب وَتصرف فى التَّوْلِيَة بعقله وَمد يَده الى البسطة والسرف وَكَانَت الْعُقَلَاء ينظرُونَ الى عَاقِبَة أمره فى عدم الِانْتِظَار وَصَحب الوزراء وَالْموالى وَكَانُوا يقبلُونَ عَلَيْهِ لبداعته وغربته وَكَانَ مكثرا فى حكاياته وقلما يحلو من مبالغات فى خطاباته لكنه على تعبيراته مسحة الحلاوه وَعَلَيْهَا طل الطلاوة والنداوه وَلما صَار الْوَزير مُحَمَّد باشا بوبنى اكرى كافل الشَّام وزيرا أعظم سَافر من دمشق فى خدمته وَكَانَ لَهُ اليه محبَّة فأنعم عَلَيْهِ برتبة أحد البوابين للسُّلْطَان وَلم يسْبق لغيره من أهالى دمشق وَدخل دمشق بطرز غَرِيب وَأظْهر بعض الْخُيَلَاء وَكَانَ جند الشَّام فى ذَلِك الْعَهْد قد صالوا وتاهوا فعزموا على مهاجرته فَلم يزل منطرحا فى زَوَايَا الخمول حَتَّى استألف بعض كبرائهم وَأظْهر لَهُم كَمَال الانحياز وأزال الْحجاب واختلت بعد ذَلِك أُمُوره فقابلته الايام بِوَجْه عبوس وأبدلته بعد النعم بالبوس وأصابته الْعين ونفد مَا عِنْده من النَّقْد وَالْعين وَأخذ يستلف على أَقْلَام الْوَقْف وَقل عَلَيْهِ الايراد وَكثر الصّرْف فزادت عَلَيْهِ الاحوال وتكدر مِنْهُ الْفِكر والبال وَكَانَ من جملَة مَا وَرثهُ عَن وَالِده الفلاحة وَالدَّار بقرية دير العصافير وهى من محَاسِن الابنية والبساتين بِالْقربِ من جَامع تنكر فَبَاعَهَا بِدُونِ ثمن مثلهَا وَأَنْشَأَ عوضهَا قصرا بالصالحية بالجسر الابيض وَصرف عَلَيْهِ مَالا كثيرا وبلغنى أَن الذى اشْترى الْبُسْتَان بَاعَ مِنْهُ أشجارا من الْحور فى السّنة الَّتِى اشْتَرَاهُ فِيهَا بثمنة الا ثلث قِرْش فضل عَن رَأس المَال وَكَانَ لَهُ من هَذَا الْقَبِيل أسود كَثِيرَة وَكَانَ كثير النكات وَقد جمع من نكاته جانبا فى دفتر كَانَ كثيرا مَا يوردها وَمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 المتداول مِنْهَا أَن بعض كفلاء الشَّام كَانَ طلب رماحا من أَعْيَان دمشق وَطلب مِنْهُ ثَلَاثَة فتعسرت عَلَيْهِ فَأَنْشد الْبَيْت الْمَشْهُور وَهُوَ (وَلَو كَانَ رمحا وَاحِد لاتقيته ... وَلكنه رمح وثان وثالث) وَكَانَ يَوْمًا بِمَجْلِس بعض كفلاء الشَّام فَدخل جمَاعَة من طلبة الْعلم شاكين من مُسْتَوفى الخزينة بِأَنَّهُ قطع من معاليمهم أَرْبَعَة أشهر من غير وَجه وَقَرَأَ بَعضهم قَوْله تَعَالَى {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله يَوْم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم} فَقَالَ الاربعة الْحرم وهى الَّتِى قطعهَا الدفترى وَاتفقَ فى قدمة مرتضى باشا الْوَزير وَمن مَعَه من الْعَسْكَر أَنه ورد الى دمشق من أهالى حلب رجل يُقَال لَهُ عسرك وَكَانَ يحسن الموسيقى ويتردد الى الاعيان للاستجداء فَكَانَ يخطابه اذا دخل عَلَيْهِ أَتَانَا مرتضى الْجَبَّار بعسكر جرار وَوَقع لَهُ أَنه كَانَ فى مجْلِس الْقُضَاة بِدِمَشْق فَدخل الشَّيْخ يس البقاعى وَأنْشد قصيدة يمدح بهَا القاضى وَكَانَت القصيدة ركيكة فَلَمَّا أتم قرَاءَتهَا تلى صَاحب التَّرْجَمَة الْآيَة {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وَقَالَ لَهُ الشَّيْخ مصطفى بن سعد الدّين والدك كَانَ خَليفَة والدى أَخذ عَنهُ الطَّرِيق وَأَنت خليفتى فَقَالَ لست لَك بخليفة وَلَا ابْن الْخَلِيفَة وَأَوْمَأَ الى رجل من المجان يعرف بِابْن الْخَلِيفَة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة أَحول فَقَالَ بِهِ بعض من لَهُ عَلَيْهِ إدلال من الكبراء كم شخصا ترانى فَحق فِيهِ وَقَالَ لَا أرى الا وَاحِدًا وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أَكثر أهل الْعَصْر نوادرا وتحفا وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع وَعشْرين وَألف وَتوفى فى أَوَائِل شعْبَان سنة تسع وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من قبر أَبِيه مصطفى بن قَاسم الطرابلسى الحلبى نزيل الْمَدِينَة المنورة مولده ومنشؤه الشَّام لكنه مِمَّن طابت بِطيبَة مِنْهُ المشام فانتظم فى سلك جيران الرَّسُول الشَّفِيع وارتفع مقَامه بذلك الْمقَام الرفيع وَهُوَ مِمَّن فاق فى الادب وبرع وَورد مناهله العذبة صفوا فكرع مَعَ مُشَاركَة فى علمى الْفِقْه والنحو وَتَحْقِيق مَا شان اثبات آيه محو وَقد تَرْجمهُ السَّيِّد مُحَمَّد كبريت فى كِتَابه نصر من الله وَفتح قريب بِمَا نَصه هُوَ مَوْلَانَا الشَّيْخ درويش مصطفى بن قَاسم بن عبد الْكَرِيم بن قَاسم بن محيى الدّين الحلبى الشافعى مذهبا الوفائى طَريقَة ومشربا وينتهى نسبه فِيمَا أخبرنى بِهِ السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة رضى الله تَعَالَى عَنهُ وَعَن أَبِيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 (فيا نسبا من فرع دوحة هَاشم ... وَيَا حبا بالاصل قد ألحق الفرعا) ولد بِمَدِينَة طرابلس الشَّام فى سنة سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ ودأب عبد النافع الحموى مفتى الْحَنَفِيَّة وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْحق الشافعى وَالشَّيْخ عبد الْخَالِق المصرى وَغَيرهم ثمَّ دخل دمشق فى سنة أَربع عشرَة بعد الالف فَأخذ عَن الشَّيْخ أَحْمد العيثاوى الْفِقْه والْحَدِيث وَحضر مجَالِس الْعلم ثمَّ دخل مصر فَأخذ الْفِقْه والنحو عَن النُّور الزيادى وَالشَّيْخ أَبى بكر الشنوانى وَغَيرهمَا وَأخذ الْمنطق عَن الشَّيْخ سَالم الشبشيرى وَالْكَلَام عَن الشَّيْخ أَحْمد الغنيمى واليرهان اللقانى ثمَّ دخل قسطنطينية وَأخذ عَن صدر الدّين وَعَن الْعَلامَة مُحَمَّد الْمُفْتى مَعَ الْمُلَازمَة فى الطَّرِيق ثمَّ قدم الْمَدِينَة المنورة فى سنة سبع وَعشْرين وَألف زَائِرًا ثمَّ قدمهَا ثَانِيًا فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ يرفل فى ثِيَاب الْجمال وَالْجَلالَة فَأَقَامَ بهَا وتأهل وَأحسن السِّيرَة والسريرة وتقيد بنشر الْعلم والتدريس بِالْمَسْجِدِ النبوى ثمَّ لزم حَاله لما كثر الدخيل وَتقدم الدنىء والعويل وَكثر فى اللغوا القال والقيل وَصَارَت مجَالِس الْعلم لغير أَهلهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضى الْحَال فى تَقْدِيم الانذال (وَكم قَائِل مالى رَأَيْتُك رَاجِلا ... فَقلت لَهُ من أجل أَنَّك فَارس) وَله التآليف الرائقه والتصانيف الفائقة مِنْهَا نزهة الابصار فى السّير فِيمَا يحدث للْمُسَافِر من الْخَيْر وَمِنْهَا هتك الاستار فى وصف العذار وَمِنْهَا شرح تائية ابْن حبيب الصفدى سَمَّاهُ الْمنح الوفائيه فى شرح التائيه وَمِنْهَا الدّرّ الْمُلْتَقط من بَحر الصَّفَا فى مَنَاقِب سيدى أَبى الاسعاد بن وفا وَله النّظم الرَّائِق مِنْهُ وَقد كتب اليه بعض أحبابه (يَا غَائِبا يشْكر اقباله ... قلبى يوشكو بعده النَّاظر) (أوحشت طرفى واتخذت الحشا ... دَارا فَأَنت الْغَائِب الْحَاضِر) فَكتب (مَا غبت عَن طرفى وَلَا مهجتى ... بل أَنْت عندى فيهمَا حَاضر) (ان غبت عَن عينى تمثلت فى ... قلبى يُرَاعى حسنك النَّاظر) وَله تخميس فائية الشَّيْخ شرف الدّين بن الفارض رضى الله عَنهُ وَله ديوَان شعر يشْتَمل على قصائد ومقاطيع وَمن شعره قَوْله مستغيثا وَهُوَ مِمَّا قَالَه بمصرفى سنة خمس وَعشْرين (يَا من بِهِ كل الشدائد تفرج ... وبذكره كل العوالم تلهج) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 (وَعَلِيهِ أَمْلَاك السَّمَاء تنزلت ... وبمدحه لله حَقًا تعرج) (واليه ينْهَى كل راج سؤله ... والسائلون على حماه عرجوا) (يَا قطب دَائِرَة الْوُجُود بأسره ... يَا من لعلياه البرايا قد لجوا) (يَا سيد السادات يَا غوث الورى ... يَا من بِهِ ليل الْحَوَادِث أَبْلَج) (قد جِئتُكُمْ أَرْجُو الْوَفَاء تكرما ... لكننى للعفو مِنْهُ أحْوج) (وحططت أحمال الرَّجَاء لديكم ... فعساكمو أَن تنعموا وتفرجوا) انْتهى مَا قَالَه السَّيِّد مُحَمَّد كبريت فى تَرْجَمته قلت وَكَانَ الْبَاعِث لَهُ على تصنيف كِتَابه نصر من الله أَن صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ نظم تَارِيخا لمَكَان بناه شيخ الْحرم المدنى عبد الْكَرِيم المصاحب بِالْمَدِينَةِ ببئر ودى ونظم لَهُ ابياتا وهى هَذِه (بِشِرَاك يَا من صَار جَار الْكَرِيم ... بِطيب عَيْش أَنْت فِيهِ مُقيم) (أَصبَحت فى خدمَة خير الورى ... ترفل فى روض جنان النَّعيم) (بِطيبَة طابت لمن حلهَا ... حَدِيث ودى فى هَواهَا قديم) (طُوبَى لمن أَمْسَى مُقيما بهَا ... يلقى أهاليها بقلب سليم) (مصاحب السُّلْطَان نلْت المنى ... بِمَا ترجى من غَفُور رَحِيم) (بنيت ايوانا بِهِ قد سما ... ببئر ودوى للصديق الْحَمِيم) (بغاية الاحكام تَارِيخه ... مقْعد أنس شاد عبد الْكَرِيم) وَأَرَادَ بغاية الاحكام آخرهَا وَهُوَ الْمِيم على طَريقَة التعمية وَعدد الْمِيم أَرْبَعُونَ فَلَمَّا شاعت الابيات وقف عَلَيْهَا فتح الله النّحاس الحلبى فهزأ بهَا وَألف رِسَالَة سَمَّاهَا التفتيش على خبالات درويش مضمونها الِاعْتِرَاض على هَذِه الابيات فألف السَّيِّد مُحَمَّد كِتَابه انتصارا الصاحب التَّرْجَمَة وَجمع فِيهِ من غرائب الْفَوَائِد وفرائد القلائد مَا تقر بِهِ الْعُيُون وتنشرح لَهُ الصُّدُور وَكَانَت وَفَاة الدرويش مصطفى فى السَّابِع وَالْعِشْرين من ذى الْقعدَة سنة ثَمَانِينَ وَألف بِالْمَدِينَةِ المنورة وَدفن بِالبَقِيعِ رَحمَه الله تَعَالَى مصطفى بن مُحَمَّد أَبى السُّعُود بن مُحَمَّد العمادى قاضى العسكرين ابْن الْمُفْتى صَاحب التَّفْسِير الْمَشْهُور ذكره الْمولى عبد الْكَرِيم المنشى فَقَالَ فى تَرْجَمته سليل الْعَالم على التَّحْقِيق وَمن هُوَ فى الْفَتْوَى لابى حنيفَة النُّعْمَان شَقِيق الْمولى الاجل الْعَلامَة أَبى السُّعُود العمادى لَا زَالَ طَائِفًا حول قَبره من السَّحَاب الرَّائِح والغادى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 تربى فى حجر الْعِزَّة متفيئا ظلال الْوَالِد مَبْسُوطا عَلَيْهِ مِنْهُ جنَاح الرأفة رافلا فى حلل حماية الاب الشفيق مسديا اليه لطفه وَعطفه وَلَا بدع فانه آخر أَوْلَاده وَلم يبْق من كأس الْعُمر الاجرعه ويسير بريد الْمنية اليه فى غَايَة السرعه وَلما بلغت أَبْيَات قصيدة سنه النّصاب وَأَقْبَلت عَلَيْهِ من كَتِيبَة الْعُمر طَلِيعَة الشَّبَاب خلع عَلَيْهِ أَبوهُ حلَّة الاعاده باسطا أَجْنِحَة الافاضة والافاده وَأكْرم وَزِير تِلْكَ الدولة وَالِده فتحلى من جمان الْمدَارِس الثمان بواحده فَلَمَّا آذن قمر حَيَاة أَبِيه بالسرار وَبلغ طواف أَيَّام عمره الاعتمار رَفَعُوهُ مِنْهَا لَا الى منصب وَكَانَ السَّبَب فى ذَلِك حقد المتعصب فنسخت بِحَدِيث الْعَزْل آيَات عزته وقص بمقراض الرّفْع جنَاح رفعته ثمَّ رَجَعَ الى احدى الثمان بِزِيَادَة الْعشْر على مهرهَا وتكفل بِمَا يجب عَلَيْهِ من مُحَافظَة أمرهَا ثمَّ نقل مِنْهَا الى الْمدرسَة السليمية بأدرنه المحميه ثمَّ توجه مِنْهَا الى سلانيك حَاكما مُتَقَلِّدًا من الْقَضَاء صَارِمًا ثمَّ عزل وَلم تزل تواصله عرائس المناصب مرّة وتفارقه أُخْرَى الى ان فَازَ بِقَضَاء العسكرين وَكَانَ أَحَق بهما وَأولى وَأَحْرَى ثمَّ عزل فَنَاوَلَهُ فى نوبَته ساقى حمام منيته وَكَانَ يسير سير الْمُلُوك ويتقلد من الترفه بأزهى سلوك فى عَيْش رائغ وشراب سَائِغ وَله احاطة بالفروع الْفِقْهِيَّة والمام بالعلوم الْعَقْلِيَّة والنقليه وَكَانَت وَفَاته فى حُدُود سنة سبع بعد الالف وَدفن بمشهد قريب من تربة أَبى أَيُّوب الانصارى بجوار أَبِيه النبيه لَا زَالَت سحب الْمَغْفِرَة تَشْمَل جدثه وتحويه مصطفى بن مُحَمَّد الشهير بعزمى زَاده قاضى وَأشهر متأخرى الْعلمَاء بالروم وأغزرهم مَادَّة فى الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم وَله التآليف الَّتِى مَلَأت سمع الزَّمَان فائده وَثَبت فِيهِ من صلات نَفعهَا كل عائده مِنْهَا حَاشِيَة على الدُّرَر وَالْغرر فى الْفِقْه وحاشية على ابْن مَالك فى الاصول وَغَيرهمَا وَله الشّعْر النَّضِير فى الْعَرَبيَّة والتركية ومخلصه على دأبهم حالتى ورباعياته مَشْهُورَة مرغوبة وَقد جمعهَا فى سفر مُسْتَقل وهى فى التركية كرباعيات سديد الدّين الانبارى فى الْعَرَبيَّة وَعمر الْخيام فى الفارسية اليها النِّهَايَة فى الْقبُول والتحسين وَعَلَيْهَا الْمعول فى لطف النكات والمضامين وَبِالْجُمْلَةِ فآثاره كلهَا لطيفه وأخباره جَمِيعهَا ظريفه وَقد ذكره ابْن نوعى فَقَالَ فى تَرْجَمته حصل الْفُنُون الرائقه الى أَن أحرز الْمرتبَة اللائقة ثمَّ تحرّك على مُعْتَاد أَرْبَاب الاستعداد فانحاز الى الْمولى شيخ الاسلام سعد الدّين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 ولازم مِنْهُ ثمَّ درس ابْتِدَاء بمدرسة حَاجَة خاتون بِأَرْبَعِينَ عثمانيا ثمَّ ولى مدرسة مُحَمَّد أغا برتبة الْخَارِج فى شهر بيع الْآخِرَة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة ثمَّ ولى مدرسة أَيُّوب فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث بعد الالف ثمَّ ولى احدى الثمان فى الْمحرم سنة خمس بعد الالف ثمَّ ولى مدرسة السُّلْطَان سليم الْقَدِيم فى شهر ربيع الاول سنة ثَمَان ثمَّ ولى السليمانية فى ذى الْحجَّة من هَذِه السّنة ثمَّ ولى الخفافية فى شعْبَان سنة عشر ثمَّ ولى قَضَاء الشَّام فى رَجَب سنة احدى عشرَة ثمَّ ولى قَضَاء مصر سنة ثَلَاث عشرَة وفى زمن قَضَائِهِ بهَا وَقعت فتْنَة محافظها ابراهيم باشا وَقَتله الْعَسْكَر فعزل لتَقْصِيره فى تلافى الْفِتْنَة ثمَّ ولى قَضَاء بروسه فى شعْبَان سنة خمس عشرَة وفى أَيَّام قَضَائِهِ بهَا تسلط ابْن قلندر الخارجى عَلَيْهَا وحاصرها وَحرق بعض اماكنها فعزل عَنْهَا بعيد ذَلِك ثمَّ ولى قَضَاء ادرنه فى شهر ربيع الآخر سنة عشْرين وَاتفقَ أَنه عزّر قَاضِيا مَجْهُولا فَاجْتمع عَلَيْهِ جمَاعَة أزعجوه بالمكالمة والمخاصمة فَنقل فى شعْبَان من هَذِه السّنة الى قَضَاء دمشق قَالَ الْحسن البوريني فى بعض مجاميعه وَوَقع فى قَضَائِهِ يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر شعْبَان سنة احدى وَعشْرين وَألف أَن رجلا كَانَ نَصْرَانِيّا قَرْيَة صيدنايا من نواحى دمشق فَأسلم وأتى الى مجْلِس قاضى الْقُضَاة مُسلما من مُدَّة تزيد على عشرَة أَعْوَام وختن ثمَّ أَتَى فى التَّارِيخ الْمَذْكُور الى نَائِب صَاحب التَّرْجَمَة أَولا وَألقى عمَامَته وَصرح على نَفسه بالْكفْر فارسله النَّائِب الى قاضى الْقُضَاة يعْنى صَاحب التَّرْجَمَة فاستفهم عَن حَاله واستنطقه فَصرحَ بِمَا قَالَه فَقَالَ القاضى لَعَلَّ لَك شُبْهَة دينية أَو ظلامة دنيوية فان رغبت فى المهلة أمهلناك وتوقفنا الى التَّأَمُّل بِمَا فى هُنَاكَ فَأبى الا التعجيب بِرُوحِهِ الى الهاويه وَقَالَ انه لَا يرغب الا فى الْفرْقَة الغاويه وَصرح بِأَنَّهُ فى مُدَّة اتصافه بالاسلام لم يُوصف بِصَلَاة وَلَا زَكَاة وَلَا صِيَام وَكَانَ يُبَادر الى طلب النَّار ويستعجل اللحاق بِأَهْل دَار الْبَوَار فَكتب القاضى مَا يسْتَحقّهُ من الْقَتْل بالتعجيل وَأرْسل الصَّك الى الْحَافِظ الْوَزير الْجَلِيل فَأمْضى فِيهِ السَّيْف الماضى امتثالا لما بِهِ الشَّرْع الشريف قاضى وَذهب شقيا الى نَار الْجَحِيم وَمَا يلقاها الا الَّذين صَبَرُوا وَمَا يلقاها الا ذُو حَظّ عَظِيم وَرَأَيْت بِخَط الاديب عبد الْكَرِيم الطارانى أَنه كَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة ولد اسْمه أَحْمد وَكَانَ فى غَايَة النجابة والحذق والكمال والمعرفة توفى بِدِمَشْق فى لَيْلَة الْجُمُعَة ثانى عشر ذى الْقعدَة سنة احدى وَعشْرين وَقد نظمت الادباء تواريخ كَثِيرَة لوفاته فَمنهمْ الشَّيْخ مُحَمَّد الحتاتى وأبياته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 هى هَذِه (لم يعد مَا فَاتَ يَوْمًا كمد ... والاسى عِنْد الاسى قد يحمد) (كل مَخْلُوق قصاراه الفنا ... انما الباقى الْإِلَه الصَّمد) (رحم الله شَهِيدا عمره ... كَانَ كالاحلام مِنْهُ الامد) (قلت اذ ناداه مَوْلَاهُ الى ... جنَّة فِيهَا نعيم سرمد) (نطق خير هُوَ أم تَارِيخه ... قر فى جنَّات عدن أَحْمد) قلت وَقد مدح فى دمشق بقصائد كَثِيرَة وَكَانَ مُقبلا على الادباء وَمِمَّا أملاه من شعره العربى قَوْله (لله من رشأ كتائب لحظه ... أهل الصبابة غادرت مأسورا) (ولقطعه صلب الْقُلُوب كرخوها ... قد صَار صارم لحظه مكسورا) وَقَوله فى التوسل ايضا مقتبسا (يَا نفس عوذى بالكريم وعرجى ... فَهُوَ الذى يسدى الينا نعْمَته) (وَينزل الْغَيْث الذى يرْوى الربى ... من بعد مَا قَنطُوا وينشر رَحمته) ثمَّ عزل عَن قَضَاء دمشق فى رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَولى بعْدهَا قَضَاء قسطنطينية وَقَضَاء العسكرين وانعقدت عَلَيْهِ وعَلى الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْغنى الْمُقدم ذكره صدارة الْعلمَاء بالروم وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة الِاثْنَيْنِ النّصْف من شعْبَان سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى حُدُود سنة أَرْبَعِينَ بعد الالف مصطفى بن مُحَمَّد الشهير بحسمى زَاده أحد الموالى الْعِظَام القسطنطينى المولد والمنشا كَانَ فَاضلا كَامِلا بارعا نبيها فَقِيها لَهُ خبْرَة كُلية بالآداب حسن المحاضرة وَالْخطاب أخلاقه جميله ومكارمه جزيله متحليا بالعفاف متخلقا بالحمية والانصاف اشْتغل فى أَوَائِل عمره على عُلَمَاء عصره وجد فى الطّلب وَحَازَ الْفضل والادب ولازم من شيخ الاسلام أسعد بن سعد الدّين ودرس بمدارس قسطنطينية الى أَن انْتهى الى الْمدرسَة السليمانية وَولى مِنْهَا قَضَاء حلب فى سنة ثَلَاث وَخمسين وألفثم ولي قَضَاء دمشق وَقدم إِلَيْهَا فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَكَانَت سيرته بهَا أحسن سيرة لقاض ضد مَا اشْتهر عَنهُ بحلب من الامور الْمُنكرَة وَله الْيَد الْبَيْضَاء فى قمع الظلمَة وَكَانَ فى أَيَّام قَضَائِهِ ورد الْوَزير مرتضى باشا محافظا بِالشَّام وَكَانَ جبارا عاتيا ظَالِما فعارضه فى أُمُور كَثِيرَة وَلم يَدعه يتَجَاوَز فى الظُّلم مِقْدَار المسكنة وَكَانَ لَهُ ولدان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 ختنهما بِدِمَشْق وَجعل وَلِيمَة عَظِيمَة دَعَا فِيهَا الْوَزير الْمَذْكُور وأعيان الْعلمَاء والعسكر واستمرت الْوَلِيمَة سَبْعَة أَيَّام ثمَّ بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا تبدل فرحه ترحا فانثلم غربه واصطفاه ربه وَكَانَت وَفَاته فى ثَالِث وعشرى جُمَادَى الاولى سنة تسع وَخمسين وَألف وَقد قَارب سنة الْخمسين وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بالتربة الْمَعْرُوفَة بالقلندرية وَقيل فى تَارِيخ مَوته قَاض فى الْجنَّة مصطفى بن مصطفى الشهير بِابْن بُسْتَان قاضى الْعَسْكَر وَهُوَ أَخُو شيخ الاسلام مُحَمَّد ابْن بُسْتَان الْمُقدم ذكره وَكَانَ من أجلاء الموالى أَصْحَاب الوجاهة والنباهة وَكَانَ فَاضلا صَاحب معرفَة تَامَّة فى الْعَرَبيَّة والمعانى وَالْبَيَان ولى الْقَضَاء بِدِمَشْق ثَلَاث مَرَّات قَالَ النَّجْم فى تَرْجَمته وَكَانَ سمينا أكولا سخيا وَلكنه كَانَ يتَنَاوَل فى قَضَائِهِ قيل انه أول من تظاهر بالرشوة من قُضَاة دمشق الروميين وَولى أدرنه وَمَكَّة وَتزَوج بنت مُرَاد باشا الْوَزير وَولى قَضَاء قسطنطينية ثمَّ قَضَاء الْعَسْكَر باناطولى فى رَابِع عشر ذى الْقعدَة سنة ثَلَاث بعد الالف ثمَّ نقل الى قَضَاء روم ايلى بعد شهر من تَوليته قَضَاء اناطولى وعزل فى خَامِس وعشرى جُمَادَى الاولى سنة أَربع بعد الالف ثمَّ أُعِيد الى روم ايلى فى ثامن عشر شهر رَمَضَان سنة تسع بعد الالف وعزل فى صفر سنة عشر وَألف مصطفى بن مصلح الدّين قاضى الْعَسْكَر المرزيفونى قدم فى أول عمره الى قسطنطينية وانحاز الى الْمولى مُحَمَّد جشمى قاضى الْعَسْكَر ولازم وَصَارَ قَاضِيا بِبَعْض القصبات بِبِلَاد روم أيلى ثمَّ توفّي فِي مخدمه الْمَذْكُور فَتزَوج ابْنَته ثمَّ صَار قَاضِيا بشمله بروم ايلى وساعده الْحَظ بعد ذَلِك فانتسب الى ركاب دَار السُّلْطَان ابراهيم جَعْفَر باشا الذى صَار وزيرا وصهرا للسُّلْطَان فشفع لَهُ بِقَضَاء دمشق فَوجه اليه وعد ذَلِك من أغرب مَا وَقع فى الدولة العثمانية لَان رتبته بعيدَة الْوُصُول الى رُتْبَة الموالى فضلا عَن قَضَاء دمشق الْمَعْدُود عِنْدهم من أعظم المناصب وَلم يبْق أحد من موالى الرّوم مِمَّن رَآهُ أَو اجْتمع بِهِ الا أظهر بِهِ الْعَدَاوَة وقصده بِمَا يؤلمه وهم يَقُولُونَ ان قطاع الطَّرِيق الْعَام أقل وزرا من المتعرض فى هَذَا الطَّرِيق الْخَاص وَقدم الى دمشق فى شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين وَألف وَكَانَ متكلفا فى أدوات الاحتشام والاجلال وتعاطى الاحكام بهمة فى التَّنَاوُل علية وساعده الْوَقْت فَحصل مَالا عَظِيما وهابه أهل دمشق وعسكرها واحترموا ساحته وانقادوا اليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 وَمن محاسنه أَنه لما رأى خطيب الْجَامِع الاموى يخْطب بعمامة صَغِيرَة نَادَى الْخَطِيب مُحَمَّد المحاسنى وَألبسهُ الْعِمَامَة الَّتِى تعرف بالمكور وَأمره ان لَا يخْطب بعد ذَلِك الا بهَا فاستمر يخْطب بهَا الى أَن مَاتَ وَتَبعهُ المرحوم أَخُوهُ الشَّيْخ اسماعيل وبالحرى ان يكون هَذَا المعبد الْكَبِير متميزا عَن غَيره بخصوصية ثمَّ عزل عَن قَضَاء دمشق وَبعد وُصُوله سعى فى قَضَاء قسطنطينية فناله وَبنى دَارا عَظِيمَة بِالْقربِ من جَامع مُحَمَّد أغا ثمَّ اجْتهد فى تَحْصِيل قَضَاء روم ايلى وَصرف على ذَلِك شَيْئا كثيرا من الْهَدَايَا وَالْمَال وسما سموا عَظِيما ثمَّ لما قَامَ الْعَسْكَر على السُّلْطَان ابراهيم واجتمعوا فى جَامع السُّلْطَان أَحْمد وَحَضَرت الْعلمَاء والصدور عزم على الْحُضُور مَعَهم فنصحه بعض خَواص أحبابه فَلم ينتصح فى عدم الْحُضُور وَسَار فَلَمَّا أقبل على الْجمع غمز عَلَيْهِ بعض الموالى الْعَسْكَر فتعرضوا لَهُ ثمَّ كثر عَلَيْهِ الْحَط فَقَتَلُوهُ فى بَاب الْجَامِع بمعاينة الصُّدُور والاعيان وَكَانَ قَتله فى ثامن عشر رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وَألف والمرزيفونى بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَكسر الزاى بعْدهَا مثناة تحتية ثمَّ فَاء فواو نِسْبَة الى بلبدة مَعْرُوفَة بِبِلَاد أَنا طولى وَالله تَعَالَى أعلم مصطفى الْمَعْرُوف بكوجك مصطفى أحد الموالى الرومية ولى قَضَاء الشَّام فى سنة احدى بعد الالف قَالَ النَّجْم وسلك فى قَضَائِهِ مسلكا حسنا وَكَانَ يتحَرَّى فى أَحْكَامه ويحررها خُصُوصا فِيمَا يتَعَلَّق بالجند ومداينتهم وَكَانَ يحط على المرابين وَدخل عَلَيْهِ خصمان أَحدهمَا جندى فحرر عَلَيْهِ وَلم يسع الجندى الا التّرْك لرباه وَلما فَاتَهُ مَا يحصل لَهُ رباه أنكر رهنا كَانَ عِنْده للمديون فَقَالَ للرَّاهِن أقِم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة فَقَالَ انه لَا يتجرأ أحد على الشَّهَادَة عَلَيْهِ فَقَالَ للجندى ادن منى فَدَنَا مِنْهُ فَأخذ خَاتمه مِنْهُ وَأَعْطَاهُ للمعين عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ خُذ هَذَا الْخَاتم واذهب الى بَيت هَذَا الرجل وَقل لَهُم أعطونى الرَّهْن الَّذِي صفته كَذَا وَكَذَا وخذوا هَذَا الْخَاتم أَمارَة فَذهب وَجَاء بِالرَّهْنِ كَمَا وَصفه الرَّاهِن فاعترف بِهِ وَكَانَ لَهُ من قبيل هَذِه الفراسة أَشْيَاء كَثِيرَة فتهارع النَّاس اليه فى طلب الْحُقُوق وَكَانَ اذا مر فى أسواق دمشق عا لَهُ أَهلهَا ثمَّ أعْطى فى السّنة الْمَذْكُورَة قَضَاء مَكَّة وسافر اليها فى تِلْكَ السّنة ثمَّ قَالَ وأحسب أَنه مَاتَ قبل الْعشْرَة وَألف وَالله أعلم مصطفى أَبُو الميامن شيخ الاسلام ومفتى التخت العثمانى كَانَ من كبار الْعلمَاء أَصْحَاب الِاطِّلَاع فَقِيها متبحرا وافر الْحُرْمَة مُعظما عِنْد الدولة ولى قَضَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 قسطنطينية ثمَّ نقل الى قَضَاء الْعَسْكَر بأناطولى فى ثانى وعشرى رَجَب سنة احدى عشرَة بعد الالف ثمَّ نقل الى مشيخة الاسلام بعد شهر وَيَوْم من تَوليته قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولى وفى زمن فتواه توفى السُّلْطَان مُحَمَّد وتسلطن السُّلْطَان أَحْمد ثمَّ عزل فى الْمحرم سنة ثَلَاث عشرَة وَألف وأعيد فى شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرَة وَتوفى فى رَجَب من هَذِه السّنة وَهُوَ مفت رَحمَه الله تَعَالَى مصطفى الْمَعْرُوف بِابْن العلبى الحلبى مفتى الْحَنَفِيَّة بحلب ورئيسها السامى المكانة نبع من بَين قومه متفردا بشعار الْعلمَاء فان أَهله كلهم تجار غير أَن لَهُم رياسة قديمَة فى التِّجَارَة والتمول وَكَانَ سَافر الى الرّوم وانحاز الى شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا ولازم مِنْهُ وتقرب اليه كل التَّقَرُّب وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو الْيمن مفتى حلب لما قَارب الْوَفَاة فرغ لِابْنِهِ ابراهيم الْمُقدم ذكره عَن الْفَتْوَى فَلَمَّا أرسل عرضه الى دَار السلطنة كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة بهَا وَكَانَ يتطلب من شيخ الاسلام أمورا يستصعبها فَوجدَ الْفَتْوَى أسهل وأنفع لَهُ فوجهها اليه مَعَ الْمدرسَة الخسروية وَلم يعْتَبر عرض القاضى ثمَّ قدم الى حلب مفتيا وَرَأس بهَا وعلت حرمته ثمَّ لما جَاءَ السُّلْطَان مُرَاد الى حلب وفى صحبته شيخ الاسلام الْمَذْكُور أَرَادَ الشَّيْخ ابراهيم الشكاية الى السُّلْطَان بِاعْتِبَار انه أعلم من صَاحب التَّرْجَمَة فَوجدَ لشيخ الاسلام الْيَد الطُّولى عِنْد السُّلْطَان فَعرض الامر عَلَيْهِ فزجره زجرا عنيفا ثمَّ قَالَ لَهُ مهما أردْت من المناصب أسعى لَك فِيهِ الا الْفَتْوَى فَلم يقبل شَيْئا حنقا ثمَّ أضَاف شيخ الاسلام لِابْنِ العلبى صَاحب التَّرْجَمَة قَضَاء ادلب الصُّغْرَى وَلم ينل هَذِه الرُّتْبَة من تقدمه من مفتية حلب خُصُوصا وَلَا الاخوة الثَّلَاث أَبُو الْجُود وَمُحَمّد وَأَبُو الْيمن مَعَ اتساع علومهم ورفعة مقامهم وَابْن العلبى هَذَا بِالنِّسْبَةِ اليهم فى الْفضل بِمَثَابَة تلميذ لَهُم بل وَلَا تتأتى لَهُ هَذِه المثابة فانه كَانَ مَشْهُورا بِالْجَهْلِ وَكَانَ فى أَمر الْفَتَاوَى انما هُوَ صُورَة ممثلة والذى ينظر أمرهَا رجل كَانَ يكْتب لَهُ الاسئلة يعرف بِابْن ندى وَمن غَرِيب مَا وَقع لصَاحب التَّرْجَمَة أَنه حضر يَوْمًا الْجَامِع فاحضرت جَنَازَة فَقدم للصَّلَاة عَلَيْهَا اماما فَكبر خمْسا فَقَالَ فِيهِ السَّيِّد احْمَد بن النَّقِيب هَذِه (ومذ مصطفى صلى صَلَاة جَنَازَة ... وَكبر خمْسا أعلن النَّاس لَعنه) (فَقلت اعذر ومانه قلد الندى ... وَمن قبل فى الْفَتْوَى لقد قاد ابْنه) يُشِير الى قَول أَبى تَمام فى قصيدته الَّتِى رثى بهَا ادريس بن بدر ومطلعها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 (دموع أجابت داعى الْحزن همع ... توصل منا عَن قُلُوب تقطع) الى أَن قَالَ (وَلم أنس سعى الْجُود خلف سَرِيره ... باكسف بَال يَسْتَقِيم ويطلع) (وتكبيره خمْسا عَلَيْهِ معالنا ... وان كَانَ تَكْبِير الْمُصَلِّين أَربع) (وَمَا كنت أدرى يعلم الله قبلهَا ... بِأَن الندى فى أَهله يتشيع) وَقَوله وَمن قبل فى الْفَتْوَى الخ اشارة الى كَاتب أسئلته الذى ذَكرْنَاهُ على طَرِيق الِاسْتِخْدَام وَهَذَا الْمَقْطُوع من سحر الْكَلَام مصطفى باشا الشهير بابشير الْوَزير الاعظم أَو حد الوزراء الْمَشْهُورين بالجلالة والرأى الصائب وَحسن السياسة ولى الشَّام فى سنة سِتِّينَ وَألف وألجئ فى حكومته الى غَزْو بِلَاد الدروز فَخرج من دمشق فى جمع عَظِيم وَبلغ الامير ملحم بن يُونُس الْمَعْنى خبر خُرُوجه بقصدهم فَجمع جمعا كثيفا من الدروز وعزم على الْمُقَابلَة وَوَقعت الْمُحَاربَة بَين الْفَرِيقَيْنِ فى وادى قرنانا فَكَانَ عَسْكَر الْوَزير فى أَسْفَل الوادى لكَوْنهم ركبانا وَجَمَاعَة الدروز من أَعلَى الوادى فخلص بعد صعوبة وَذهب لَهُ ولعسكره شئ كثير من الْخَيل وَالسِّلَاح وَالْعدَد ثمَّ عزل عَن مُحَافظَة دمشق وَأعْطى كَفَالَة حلب وَله بهَا الْخيرَات الْعَظِيمَة من الْجَامِع والخان والحوانيت وَغَيرهَا مِمَّا جعله وَقفا على الْجَامِع وعَلى صرة لأهالي مَكَّة تحمل اليهم كل سنة وَشرط توزيعها لمن يكون قَاضِيا بِمَكَّة ثمَّ جَاءَهُ ختم الوزارة الْعُظْمَى وَهُوَ بحلب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وَقيل فى تَارِيخه وَزِير الْخَيْر وَلم تطل مدَّته فى الوزارة وَقَامَ الْعَسْكَر عَلَيْهِ وقتلوه وَكَانَ قَتله فى أَوَائِل سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف مصطفى الشهير بضحكى قاضى الْعَسْكَر وفقيه الرّوم كَانَ أعجوبة الزَّمَان فى الْفضل وَكَثْرَة الِاطِّلَاع على الْمسَائِل وَله تآليف فى الْفِقْه ولى قَضَاء قسطنطينية مَرَّات ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وَكَانَ مُعْتَبرا مراعيا لمراسم الطَّرِيق مُرَاعَاة بَالِغَة بِحَيْثُ تخرج بِهِ مراعاته فى بعض الاحيان الى الْهزْل والعبث وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من الْعلمَاء الصُّدُور وَكَانَت وَفَاته فى سنة تسعين بعد الالف بقسطنطينية مصطفى سبط الشَّيْخ القطب مَحْمُود الاسكدارى قاضى الْقُضَاة السَّيِّد الاجل كَانَ من لطفاء الموالى ذاتا وطبعا لطيف الْعشْرَة متوددا خلوقا ولى مناصب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 عديدة مِنْهَا ديار بكر وَالْمَدينَة ثمَّ ولى قَضَاء دمشق فى شهر ربيع الاول سنة خمس وَتِسْعين وَألف وَقدم اليها وَكَانَت سيرته بهَا حَسَنَة وَتوفى بهَا وَكَانَت وَفَاته فى ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة وَدفن بِالْقربِ من بِلَال الحبشى مصطفى باشا المرزيفونى الْوَزير الاعظم فى عهد السُّلْطَان مُحَمَّد بن ابراهيم وَهُوَ الشهير بقره مصطفى باشا وبالمقتول كَانَ من أمره انه خدم مُحَمَّد باشا الْوَزير الاعظم الشهير بِالْكبرِ يلى الْمُقدم ذكره فَنَهَضَ بِهِ الْحَظ على يَدَيْهِ فولاه نِيَابَة ديار بكر ثمَّ جعله حَاكم الْبَحْر وَمَا زَالَ فى عزة تتزايد وسعادة تتصاعد الى أَن مَاتَ أستاذه الْمَذْكُور وَولى ابْنه أَحْمد باشا الْفَاضِل الوزارة الْعُظْمَى فَعَزله عَن حُكُومَة الْبَحْر وَرَأى أَن قربه الى الدولة أجدى لَهُ لما يعرف من رابطته المحكمة فصرف جهده فى المغالاة بِحقِّهِ والالتفات اليه وَكَانَ هُوَ لَا يهمه الا مُرَاعَاة جَانب مخدومه الْمَذْكُور وَلَا يعرف الا رِعَايَة حُقُوقه وَلما توجه الْفَاضِل الى جَزِيرَة كريد صيره قَائِما مقَامه وَأَقْبَلت الدولة عَلَيْهِ اقبالا لَيْسَ وَرَاءه لَاحَدَّ مطمع وسافر فى خدمَة السُّلْطَان الى سلانيك ويكى شهر واتسعت دَائِرَة جاهه وأنيطت بِرَأْيهِ الامور وَكَانَ أولى النَّاس بنيل مَا يأمله من ينتمى اليه ويعول فى أمره عَلَيْهِ وَكَثُرت فى ذَلِك الابان حفدته وحواشيه وتملك الاملاك الْكَثِيرَة ثمَّ قدم الْوَزير الْفَاضِل من كريد الى دَار السلطنة أدرنه بعد أَن فتح قلعة قندية فبقى فى تِلْكَ الْجَلالَة مستشار الدولة زَائِد العنوان والصوله وَلما دخلت أدرنه فى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ والدولة اد ذَاك فى بلهنتيها وَقد استوفت الْكَمَال من عزتها وحرمتها رَأَيْته قد استوعب أدوات الرفعه وَتصرف فى السلطنة تصرف الرخ فى الرقعه وَصيته قد مَلأ الْبِلَاد وعرها وسهلها وَملك جلّ أمورها وَكَانَ أَحَق بهَا وَأَهْلهَا ثمَّ مَاتَ الْوَزير الْفَاضِل فسعت اليه الصدارة وَلم يسع لَهَا فَقَامَ بأعبائها وتصلب فى حمل اثقالها وَتمكن مِنْهَا تمَكنا عَظِيما ونال من اقبالها حظا جسيما وَكَانَ فى حَقِيقَة أمره مُدبرا حازما عَاقِلا متمولا وجيها وَله محبَّة فى الْعلمَاء والفضلاء يحب المذاكرة العلمية ويرغب فى الْفَائِدَة وَرُبمَا اشْتغل وذاكر فى صنوف من الْفُنُون وَكَانَ ملتفتا لأحوال النَّاس فِيمَا ينظم أَمرهم الا أَنه كَانَ شَدِيد الطمع فى جمع المَال وَعِنْده عجب وخيلاء ونفسانية وتملك دَارا بِالْقربِ من جَامع السليمانية وعمرها وأتقنها فاحترقت فى أسْرع مُدَّة فَأَعَادَهَا أحسن مِمَّا كَانَت عَلَيْهِ وسافر سفرة جهرين بِأَمْر مخدومه السُّلْطَان مُحَمَّد بجيوش عَظِيمَة وافتتحها واحتوى على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 الملحة الَّتِى بِالْقربِ مِنْهَا وَهَذِه المملحة كَمَا نَقله الثِّقَات من أعظم مجالب النَّفْع لبيت المَال حَتَّى انهم يبالغون فِيمَا يدْخل مِنْهَا حد الْمُبَالغَة وَسبب ذَلِك أَن بِلَاد النَّصَارَى المعروفين بالمستو والقزق محتاجون اليها وَلَيْسَ فى بِلَادهمْ مملحة غَيرهَا وَلما فتحت هَذِه القلعة سر النَّاس سُرُورًا عَظِيما لَان فتحهَا كَانَ فى غَايَة الصعوبة وَكَانَ كثير من نَصَارَى الرّوم مِمَّن رَأَيْتهمْ يَزْعمُونَ اسْتِحَالَة فتحهَا ويهزؤن بالوزير صَاحب التَّرْجَمَة فى قَصدهَا وشاع عَنْهُم أَخْبَار فى انكسار عَسْكَر الْمُسلمين وهزيمتهم وَكَانُوا يظهرون الشماتة وَسبب ذَلِك مَا يعرفونه من أَنَّهَا تَابِعَة لملك المسقو وَهَذَا الْملك هُوَ أَكثر مُلُوك النَّصَارَى جيوشا وأكبرهم ملكا قيل ان مَمْلَكَته مَسَافَة سنة طولا وَمثلهَا عرضا وفى طَرِيق هَذِه القلعة من جَانب قسطنطينية صحراء وارات وهى أَرض مُجْدِبَة قَليلَة الْخَيْر لَيْسَ بهَا بِلَاد ومسافتها بعيدَة وَبِالْجُمْلَةِ فان فتح هَذِه القلعة كَانَ من أعظم الفتوحات وزينت دَار الْخلَافَة ثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ السُّلْطَان مُحَمَّد اذ ذَاك ببلدة سلستره بروم ايلى فَكتب الى قَائِم مقَام الْوَزير بقسطنطينية عبدى باشا النيشانى أَنه يُرِيد الْقدوم الى دَار المملكة وانه لم يتَّفق لَهُ رُؤْيَة زِينَة بهَا مُدَّة عمره وَأمره بالنداء لتهيئة زِينَة أُخْرَى اذا قدم فَوَقع النداء قبل قدوم السُّلْطَان بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وتهيا النَّاس للزِّينَة ثمَّ قدم السُّلْطَان فشرعوا فى التزيين وبذلوا جهدهمْ فى التأنق فِيهَا وَاتفقَ أهل الْعَصْر على أَنه لم يَقع مثل هَذِه الزِّينَة فى درو من الادوار وَكنت الْفَقِير اذ ذَاك بقسطنطينية وشاهدتها وانا مُتَحَقق من غير شكّ يخامرنى أَنَّهَا لم تصدر فى زمَان وَلم يبْق شئ من دواعى الطَّرب الا صرفت اليه الهمم ووجهت اليه البواعث واستغرقت النَّاس فى اللَّذَّة وَالسُّرُور واستوعب جَمِيع آلَات النشاط والحبور وفشت المناهى وَقصر فِيهَا المحذر والناهى وَعلمت الْعُقَلَاء أَن مثل هَذَا الامر كَانَ غَلطا وان ارتكابه جرم عَظِيما وخطا وَمَا أَحسب ذَلِك الا نِهَايَة نهنهة السلطنة وخاتمة كتاب السَّعَادَة والميمنة تمّ طَرَأَ الانحطاط وشوهد النُّقْصَان وتبدل الرِّبْح بعْدهَا بالخسران فَوَقع بعيد ذَلِك فى الْقُسْطَنْطِينِيَّة حريق عَظِيم بِنَاحِيَة الفنار حرق فِيهِ نَحْو اثنى عشر ألف بَيت ثمَّ تراسل الْحَرِيق فى كثير المحلات حَتَّى حسب مَا وَقع مِنْهُ فَكَانَ تسعين حريقا كل ذَلِك فى سنة وَاحِدَة ثمَّ طلب الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة الاذن من السُّلْطَان بِالسَّفرِ على بِلَاد الانكروس وَكَانَ عقد الصُّلْح الذى أوقعه مَعَهم الْوَزير الْفَاضِل بعد فتح ايوارعلى خمس عشرَة سنة قد مضى عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 ثَلَاث سِنِين فَأذن لَهُ السُّلْطَان وَشرع فى تهيئة الاسباب من الذَّخَائِر ومكاتبة نواب الْبِلَاد والعساكر وَجمع من الجيوش والجنود مَا لَا يدْخل تَحت حصر حاصر وَلم يتَّفق جَمِيع مثله فِيمَا مضى من الزَّمَان الغابر ثمَّ طلع صَاحب التَّرْجَمَة من قسطنطينية بأبهته الْعَظِيمَة مصمما على أَخذ بِلَاد النَّصَارَى بِالْقُوَّةِ الجسيمة وَلم يدر مَا خبئ لَهُ فى الْغَيْب حَتَّى وَقع مَا وَقع فَزَالَ الشَّك والريب ولنسق أَمر هَذَا السّفر فصلا فصلا ونبينه بمعونة الله تَعَالَى فرعا وأصلا وَمَا أَقُول الذى أقوله الا عَن نقل وعزو مَعَ التحرى فى ذَلِك باثبات ومحو فَأَقُول نَاقِلا عَن كتاب ورد من بعض الاجناد مُلَخصا مِنْهُ مَحل المُرَاد قَالَ وَلم يزل الْوَزير بِمن مَعَه من العساكر سائرين الى أَن وصلوا الى قلعة يانق فى يَوْم الْخَمِيس ثانى عشر رَجَب سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَعبر نهر ريا فى يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ فى يَوْم السبت توجه قَاصِدا قلعة بج قلت وَهَذِه القلعة هى الَّتِى كَانَت مَقْصُوده لَهُ بِالذَّاتِ وَأطلق أمره فى نهب القلاع والقرى الَّتِى على الطَّرِيق فَمَا كَانَ للعسكر مشغلة الا نهبها واحراقها واتلاف زروعها فأحرقوا من القلاع الْمَعْلُومَة نَحْو مائَة قلعة وَمَا يتبعهَا من الْقرى أَشْيَاء كَثِيرَة جدا وكل قَرْيَة من هَذِه الْقرى بِمَثَابَة بَلْدَة تحتوى على ألف بَيت أَو أَكثر وَجَمِيع هَذِه القلاع والقرى فى نِهَايَة الاحكام وَحسن الْبناء وبيوتها فى غَايَة من اتقان الصَّنْعَة مسواة بالرخام وفيهَا من السماقى مَالا يُوصف كَثْرَة وَأكْثر بيُوت هَذِه الْبِلَاد ثَلَاث طَبَقَات الثَّالِثَة مِنْهَا مصنوعة بالدف والخشب وعاثت عَسَاكِر التاتار فى بِلَاد الْكفَّار الى قريب فزل ألما الَّتِى هى مَحل ملك الانكروس الْمَعْرُوف بالبابا ونهبوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ من الْبِلَاد وحرقوها وَرَأَيْت بِخَط بعض الروميين أَن رجلا من كبار عقلاء النَّصَارَى دخل عَسْكَر الْمُسلمين ثمَّ جَاءَ الى الشَّيْخ مُحَمَّد الوانى واعظ السُّلْطَان مُسلما قَالَ وَكَانَ لَهُ وقُوف على أَحْوَال ملكهم وَأَنَّهُمْ ذكرُوا عِنْده أَمر هَذِه النُّصْرَة وَلَعَلَّ لَهَا أسبابا من جَانب النَّصَارَى أوجب الانتقام مِنْهُم فَقَالَ ان الْملك البابا دخل يَوْمًا على زَوجته بنت ملك الاسبانية وَهُوَ مغموم فَقَالَ لَهُ زَوجته مَا أغمك فَقَالَ أرى أَمر هَؤُلَاءِ العثمانية قد بلغ النِّهَايَة فى الْغَلَبَة علينا وَمن أعظم مَا يغمنى من أَمرهم طَاعَة نوابهم وامرائهم لَهُم فاذا طلبوهم بِأَدْنَى خطاب من أقْصَى الْبِلَاد لَا يُمكن ان يتخلفوا ويبادرون الى الْحُضُور اليهم وامتثال أَمرهم وَأما أَنا اذا أرْسلت الى امراء المجار مَرَاسِيل أطلبهم لامر فَلَا يطيعون أوامرى وَلَا يحْضرُون الى فَقَالَت لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 انما يُطِيع حكام الْمُسلمين أَمر سلطانها لانهم كلهم أهل مِلَّة وَاحِدَة وَمذهب وَاحِد فَخرج الْملك من عِنْد زَوجته مغضبا وجهز الرُّسُل الى بِلَاد المجار يَدعُوهُم الى مذْهبه فَلم يقبلُوا فَأرْسل عَسَاكِر من قبله فقبضوا على أَكْثَرهم وأحضروهم اليه فعذبهم وقتلهم وَفعل فى بِلَاد المجار أفعالا شنيعة جدا لم تصدر من ملك قطّ مَعَ أَنهم رعاياه ويؤدون اليه مَا عَلَيْهِم بِلَا خلاف لَهُ فَبِهَذَا تحقق النَّصَارَى ان الله تَعَالَى سلط الْمُسلمين عَلَيْهِ فخربوا بِلَاده وَألقى الرعب فى قلبه وقلب عسكره وهربت رعاياه من هَذَا الْحَد الى حد قزل ألما وتشتتوا فى الْبِلَاد كل ذَلِك بِسَبَب مَا فعله لَهُ مَعَ المجار الَّذين هم رعاياه وَحزبه انْتهى ثمَّ ان خَان التاتار نور الدّين كراى لحق كثيرا من الهاربين فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَمن أغرب مَا وَقع فى هَذَا الاثناء أَن سوقة الْعَسْكَر كَانُوا يدْخلُونَ قلعة من القلاع الْمَذْكُورَة فيرون فِيهَا أُنَاسًا قَلَائِل من النِّسَاء وللرجال العاجزين عَن الْحَرَكَة فيقتلونهم ويستولون على القلعة ثمَّ يطلقون فِيهَا النَّار فعلوا هَذَا فى اكثر من أَرْبَعِينَ قلعة وَاسْتولى قره مُحَمَّد باشا على قلعة تسمى أووار يُقَال انها أحصن من ايوارا الَّتِى افتتحها الْوَزير الْفَاضِل فى سنة خمس وَسبعين وَألف وَفتح بكر باشا قلعة هانبرق وهى على مَا سَمِعت فى الحصانة لَا تقصر عَن قلعة حلب ثمَّ حرقوا القلعتين المذكورتين وغنم الْمُسلمُونَ غَنَائِم لَا تحصر وَلَا تضبط واسروا نَحْو مائَة ألف أَسِير بِحَيْثُ بِيعَتْ الْجَارِيَة مَعَ وَلَدهَا بِثَلَاثَة قروش والابكار لَا يتَجَاوَز ثمنهَا الْعشْرين قرشا الا فى النَّادِر وَبيع الرَّأْس من الْغنم بقطعتين ورطل الطحين العال بقطعتين ورطل النّحاس بِثَلَاث قطع وهرب عَسْكَر النَّصَارَى من بج ونواحيها وَأخذُوا مَعَهم كثيرا من الاموال فلحقهم جمَاعَة من التاتار فأدركوهم عِنْد لنجة قلعة دَاخل بج بِنَحْوِ سِتِّينَ سَاعَة فاستأصلوهم قتلا ونهبوا جَمِيع مَا كَانَ مَعَهم وفى عشرى رَجَب توجه نور الدّين كراى نَحْو بَابا طاغى بِنَحْوِ عشرَة آلَاف من عسكره التاتار فلقى جمَاعَة من النَّصَارَى فى عدد عشْرين ألف فَقتل بعضلاا وَأسر آخَرين وَلم ينج مِنْهُم الا الْقَلِيل وَكَذَلِكَ فعل حَاج كراى سُلْطَان فى بعض النواحى فغنم غَنَائِم عَظِيمَة ثمَّ وصل الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة الى بج وَضرب مخيمه بهَا وخيمت العساكر وَهَذِه القلعة كَمَا تلقيت خَبَرهَا ذَات قلعة داخلها يُحِيط بهَا من جوانبها الثَّلَاثَة الدّور والابنية والعمارات والحدائق وَمن جملَة ذَلِك سَبْعَة عشر مَكَانا باسم الْملك تحتوى هَذِه الامكنة على عجائب الزخارف والفواكه والفساقى من السماقى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 والرخام وَقد قدمنَا ان عَسْكَر بج كَانُوا قد هربوا وَكَذَلِكَ هرب أهل الْخَارِج من الرّعية وَلم يبْق الا نَحْو عشْرين ألف رجل عشرَة آلَاف من الْعَسْكَر وَعشرَة آلَاف من الرّعية فى دَاخل القلعة فَأمر الْوَزير باحراق الْخَارِج فَأحرق فى أقل من طرفَة عين وَلم يبْق الا مَحل أَو طاق السُّلْطَان سُلَيْمَان وَمحله الْمَذْكُور كَانَت الْكفَّار قَدِيما بنته بِنَاء عَظِيما وصيرته من أحسن المنتزهات بالبلدة الْمَذْكُورَة تَعْظِيمًا مِنْهُم للسُّلْطَان سُلَيْمَان فانهم يعظمونه كثيرا ثمَّ أَمر بمحاصرة القلعة فَنصبت عَلَيْهَا المكاحل وَشرع الْعَسْكَر فى رميها بآلات الْحَرْب فَضَاقَ بِمن فِيهَا الخناق فى أقل من قَلِيل والتجؤا الى أَن يسلموها طَوْعًا فَأبى الْوَزير خوفًا من أَن ينهب الْعَسْكَر مَا فِيهَا من الاموال وَحكى أَنه ابرم عَلَيْهِ أَعْيَان الوزراء والعسكر فى الْمُبَادرَة الى دُخُولهَا صلحا خوفًا من أَمر يأتى فَقَالَ ان ضمنتم لى العسرك فى أَن لَا يَأْخُذُوا شَيْئا فعلت فَأَبَوا فتمادى الامر يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَهُوَ وَبَقِيَّة الوزراء فى اعمال الْفِكر على ان يفتحوها عنْوَة ومالهم علم بِمَا سيحدث عَلَيْهِم من الامر واذا بطلائع الْكفَّار أَقبلت وفى اثرها عَسْكَر سد الفضا وشب نيران الغضا لَا يبالون بقتل وَلَا ضرب بل يقدمُونَ على الْمَوْت بجنان من الصخر وقلب وهجموا دفْعَة وَاحِدَة والعسكر فى غَفلَة عَمَّا يُرَاد بهم واختلطوا بهم طامعين فى قَتلهمْ وسلبهم وأطلقوا السيوف وجردوا أسنة الحتوف فَلم يكن بأسرع مِمَّا انْقَلب العيان وجمدت فى الْوُجُوه العينان وَكَانَ الْمُقدم من الْمُسلمين من عمد الى الْفِرَار وَلم يَقُوله فى تِلْكَ الْحَالة الْقَرار فَقتل من قتل وَنَجَا من نجا لَكِن نجاة من عدم المعونة والالتجا واحتوت الْكفَّار على السرادقات والخيول وفازوا بِأَمْر كَانَ يتعسر اليه فى أحلامهم الْوُصُول وكر الْوَزير بِمن مَعَه هَارِبا وللنجاة من اللحاق بِهِ طَالبا وتفرق الْعَسْكَر فى تِلْكَ البرارى والوهاد وَلم يَجدوا من مرشد لَهُم وَلَا هاد ونفد مَا مَعَهم من الزَّاد فبعضهم وصل الى بودم وَالْبَعْض الى اكرى وَهَكَذَا حَتَّى اجْتَمعُوا بعد مُدَّة ببلغراد وَنفذ أَمر العلى الْكَبِير وَهُوَ على جمعهم اذا يَشَاء قدير وَأقَام الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة ببلغراد يدبر أمرا فى تلافى مَا مضى وَاخْتلفت بعيد ذَلِك الآراء وَكَثُرت التخاليط وأظهرت نَصَارَى الافلاق والبغدان والاردل الْعِصْيَان وَعم الْغم وَعظم الْوَهم وزحفت الْكفَّار على بِلَاد الاسلام فَأخذُوا بعض قلاع وَبعث الْوَزير فى ذَلِك الاثناء الى ملك الانكروس رَسُولا برسالة يتهدده فِيهَا وَيَقُول لَهُ انه لابد من مقابلتك وكسرك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 وَأخذ جَمِيع بلادك وفهرك فى كَلَام آخر يعلم من الْجَواب الذى ورد من ملك النَّصَارَى الانكروس وَهَذَا صورته من سُلْطَان الْملَّة المسيحية وقهرمان السلطنة النَّصْرَانِيَّة الذى هُوَ ملك مُلُوكهمْ وصولته قد أحاطت بأَرْبعَة اطراف عالمهم وَاسْتولى على جَمِيع المجار وَمَا عداهم قد اسْتَقر فى ملكه خَمْسَة آلَاف مَدِينَة وحصن حُصَيْن وَجلسَ على تخت نوشروان وَقَيْصَر وصلصال وَصَارَ لجملة أمة عِيسَى سُلْطَان السلاطين أنهى اليك أَيهَا الْوَزير الاعظم والسردار الاكرم بِنَاء على الْمحبَّة دُعَاء لائقا وثناء فائقا وَقد ورد من طرفك على يَد سردار عسكرنا مَا يُقَاس رِسَالَة فحين وصولها جَمعنَا وكلاءنا وامراءنا ورهباننا وقرئت الرسَالَة بمحضرهم وَفهم مضمونها فقولك فِيهَا ان السُّلْطَان مُرَاد الغازى الْقَدِيم لما مضى الى رَحْمَة الله الْجواد الْكَرِيم ولى ابْنه الذى فتح قسطنطينية وَهُوَ السُّلْطَان مُحَمَّد فصرف فى سَبِيل الغزاء بسمة الْعَطِيَّة للغزاة ألف حمل ذهب وان سلطنتكم الْيَوْم أعظم شَأْنًا وأزيد مملكة وأعوانا مِمَّا كَانَت عَلَيْهِ فى زَمَنه فَهَذَا السُّلْطَان مُحَمَّد الذى ذكرته كَانَ سُلْطَانا عَاقِلا عادلا وملكا لَا نجد لَهُ بَين الْمُلُوك معادلا قد نَالَ مَا ناله بعدالته وظفره الله تَعَالَى بِمَا أَرَادَهُ بعنايته وَأما أَنْتُم فَلم تقفوا فى كتب التَّارِيخ ان قلعة قسطنطينية يَأْخُذهَا منا سُلْطَان مُسَمّى بِمُحَمد وَأَيْضًا نَحن نأخذها من سُلْطَان اسْمه مُحَمَّد وَقد ظهر الان ذَلِك حد الظُّهُور وتأكذ حَيْثُ أَخذنَا مِنْكُم ثمانى عشرَة قلعة وَمَا عدا ذَلِك فحكام البغدان والافلاق والاردل جاؤا الى خدمتنا واختاروا الانحياز الى عبوديتنا وقولك انا نرفع يدنا عَن المجار لانهم هم السَّبَب فى هَذِه الْفِتْنَة فَهَذَا الْكَلَام بعيد عَن الافهام وَهل هُوَ الا أَمر ينْزع تاجنا عَن رَأْسنَا فان التَّاج لَهُم وَأما قَوْلك وَيكون ذَلِك مدَار الصُّلْح وَالصَّلَاح فَهَل طلبنا مِنْكُم الصّلاح وَالصُّلْح نَحن لَا نطلب الصُّلْح وَلَا نترجاه وَلَا يخْطر على بالنا بعد الْفساد الذى شَاهَدْنَاهُ وَأما نقض الْعَهْد فَمن ابْتَدَأَ بِهِ سيلقى غبه ويتجرع مِنْهُ مَالا يسيغه اذا كلف شربه قد راعينا فِيمَا سلف الْعَادة الْقَدِيمَة ورعينا الذِّمَّة المستقيمة فَأَرْسَلنَا هديتنا الْمُعْتَادَة الى قريب قومران فَخرج حَاكم بوديم جلالى باشا واغار على بِلَادنَا وَأنزل بهَا الهوان فَهَل يَلِيق هَذَا التعدى الذى مَا وَقع فى عصره من العصور ثمَّ بعد ذَلِك وَقع لرسلنا من الاهانة وَالْحَبْس مَا استدللنا بِهِ على النُّصْرَة لطرفنا فان الله غيور وَقَوله ان سلاطينكم أَصْحَاب مَال وعسكر كَثِيرَة فَنحْن نَعْرِف هَذَا الْمِقْدَار وَلَكِن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 كسر الْعَسْكَر الْكثير وهلاك من نقض الْعَهْد عَادَة أزلية لذى الْجلَال القهار وَالْحَاصِل ان كَانَ المُرَاد الصُّلْح فَيكون لنا من الْبِلَاد من حدنا الْآن الى حد أسكوب والا فلنا مَعَك سوق حَرْب يُقَام فِيهَا الْمَتَاع المجلوب ثمَّ لم يزل الْوَزير صَاحب التَّرْجَمَة مُقيما ببلغراد وَالنَّاس فى قلق واضطراب وفى كل يَوْم يحدث خبر مذهل لاولى الالباب وَنصب أهل الممالك الْعَدَاوَة وذهبوا كل مَذْهَب فى انه من أهل الغباوة والشقاوة ولهجوا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ وفوقوا سِهَام ذمهم اليه حَيْثُ كَانَ السَّبَب فى انتهاك حُرْمَة الاسلام وامتهانه بتغلب الْكَفَرَة الفجرة اللئام وَلَهُم فِئَة بِسَبَب ذَلِك أقاويل كَثِيرَة وَكلما مزرية شعيرَة من أخفها أَن أَمر الدولة كَانَ غَنِيا عَن هَذِه المحاربه وان كَانَ يُمكن الانتصاف من الْكَفَرَة وَهُوَ الاقرب بِنَوْع من المطالبه وانما الطمع أَدَّاهُ الى هَذِه الافعال فَكَانَ عَاقِبَة أمره الوبال والنكال وَحكى لى بعض المقربين اليه وَهُوَ من المهرة فى علم النُّجُوم والرمل أَنه استشاره فى أَمر هَذَا السّفر فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ وأجمل فى العبار قَالَ فَقَالَ لى ان السُّلْطَان سُلَيْمَان وصل الى بج وَلم يفتحها فاذا فتحت على يدى كَانَ لى شَأْن عَظِيم لم ينله ملك عَظِيم فَقلت الْآن أبين لَك مَا ظهر من تَحْرِير أَمر هَذَا السّفر وَهُوَ انى لما حررته بَان لى فِيهِ نحوسة وَكَانَ قبيل ذَلِك بِمدَّة ظهر نجم لَهُ ذَنْب بقى ليالى وَكَانَ ذَنبه الى جِهَة قسطنطينية فان أَرْبَاب التنجيم قَائِلُونَ بَان جِهَة الذَّنب من نجم يظْهر جِهَة نحوسة قَالَ فَقَالَ لى كنت أَظُنك ناصحا صَدُوقًا فَالْآن تبين لى مِنْك خلاف ذَلِك فَلَا تخاطبنى بعْدهَا فى خُصُوص هَذَا السّفر بشئ ودع عَنْك اشباه هَذَا الْكَلَام فَلَا تجريه على لسَانك مرّة أُخْرَى قَالَ فَعلمت ان غرور الدولة استحكم فِيهِ وانه مدل بعجبه الى خطر عَظِيم من غير شكّ يُنَافِيهِ وَمَا زَالَ الْوَزير فى قلق واضطرب مترقبا لما يظْهر فى حَقه من طرف السلطنة من الْجَزَاء وَالْعِقَاب فبرز الامر السلطانى بقتْله وتدميره جَزَاء لَهُ على مَا جناه من سوء تَدْبيره فَقتل فى الْمحرم من سنة ألف وَخمْس وَتِسْعين عَلَيْهِ رَحْمَة الْمولى الْمعِين مصطفى بن على بن نعْمَان الضمدى الْيُمْنَى عَالم شهد بفضله الْعَالم وَسلم لَهُ كل مناضل وَسَالم مَحَله فى الْفضل مَعْرُوف لَا يُنكر وَقدره فى الْعلم معرفَة لَا يُنكر مَلأ صيته كل موطن وقفر فغنى بِهِ حضر وحدا بِهِ سفر الى أدب مَا ميط عَن مثله نقاب وَلَا نسقت بِمثل فرائده قلائد رِقَاب ولد بوادى ضمد من أَعمال سَببه وَحفظ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 الْقُرْآن وجوده على الشَّيْخ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْيُمْنَى وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح الجزرية للقاضى زَكَرِيَّا وقرا الازهار على الْفَقِيه عبد الله الْوَهم وَبَعض شَرحه على القاضى سعيد الهبل وَأَكْثَره على أَخِيه أَحْمد بن عسلى بن النُّعْمَان وعَلى الْفَقِيه ابراهيم المتميز وَقَرَأَ الْبَحْر الزخار على القاضى أَحْمد بن حَابِس وَبَعضه على السَّيِّد أَحْمد بن المهدى المؤيدى وَقَرَأَ مِفْتَاح الفرائق على عَمه أَحْمد بن عَبده النُّعْمَان وَقَرَأَ على السَّيِّد صَلَاح الحاضرى تمهيد النخبة وتنقيح الانظار كِلَاهُمَا للسَّيِّد مُحَمَّد بن ابراهيم الْوَزير وَقَرَأَ الْكَشَّاف على السَّيِّد دَاوُد وَله جازات من شُيُوخه بالكتب السِّتَّة وسيرة ابْن هِشَام وأمالى أَبى طَالب وأمالى احْمَد بن عِيسَى وَالْجَامِع الكافى ومجموع زيد بن على والاحكام والمنتخب للهادى وشفاء الاوام للامير الْحسنى واصول الاحكام لاحمد بن سُلَيْمَان وغالبها رَوَاهُ عَن القاضى أَحْمد بن حَابِس بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور فى مُعْجَمه وَله تصانيف شهيرة مِنْهَا وَهُوَ أجلهَا الْفُرَات النمبر تَفْسِير الْكتاب الْمُنِير أحسن فِيهِ الْعبارَات وجود فِيهِ الرَّمْز والاشارات قَالَ فى آخِره هَذَا آخر مَا قصدناه ومنتهى مَا أردناه من تأليف هَذَا السّفر الخطير الْمُسَمّى بالفرات النمير فدونك رخيصا ثمينا خميصا بطينا حوى من اصداف التفاسير لثاليها وأنار من مشكلات الاقاويل لياليها وَلنْ يسْعد بِحل رموزه ويظفر بكشف كنوزه الا من برز فى علم الْبَيَان وأشير اليه فى معرفَة صَحِيح الْآثَار بالبنان وراض نَفسه على دقائق مَقَاصِد السّنة وَالْقُرْآن هَذَا وَمَعَ لطافة جِسْمه فكم حوى من لطائف وَمَعَ حَدَاثَة سنه فكم حدث بظرائف وَمَعَ رشاقة قده فكم رشق من مُخَالف وَكم مُشكل أوضحه قد أغفلة الاولون وكأى من آيَة يَمرونَ عَلَيْهَا وهم عَنْهَا معرضون فَالْحَمْد الله الذى وفقنا لتفسير كِتَابه وأهلنا الايضاح معانى خطابه حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ انْتهى كَلَامه وَقد حظى هَذَا التَّفْسِير بِالْيمن بِالْقبُولِ عِنْد الفحول ومدحه كثير من علمائه بالاشعار الرائقة والمدائح الفائقة مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة صَلَاح الدّين ابْن أَحْمد المهدى المؤيدى قَالَ فى مدحه هَذِه الابيات وهى (هَذَا الْفُرَات فَرد مشارع مَائه ... تَجِد الشَّرَائِع أودعت فى سطره) (كشاف كل غوامض ببيانها ... أسرار منزل رَبنَا فى سره) (حبس الْمعَانى الرائقات برقه ... وَالْحق أطلق والضلال بأسره) (لَا عيب فِيهِ سوى وجازة لَفظه ... مَعَ الاحتواء على الْكَمَال بأسره) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 وَله نظم ونثر سائران فَمن ذَلِك قَوْله (من شافعى نحوكم يحنفكم ... الى يَا مالكى فأحمده) (زيدتنى حِين صرت معتزلى ... وجدا كحر الْجَحِيم أبرده) (يَا رافضى أَنْت ناصبى لهوى ... مَا كنت قبل الْفِرَاق أعهده) وَله (تظنونى مرتاحا ... وَمن أَيْن لى الراحه) (اذ الرَّاحَة فى الْكيس ... وَلَيْسَ الْكيس فى الراحه) وَكتب الى السَّيِّد صَلَاح بن أَحْمد الشرفى ملغزا فى قهوة البن بقوله (وَجَارِيَة سَوْدَاء ان هى أسفرت ... يقبلهَا أهل الْمُرُوءَة والهى) (اذا مَا اشْتهى ظلم الحبيبة عاشق ... فمجموعها ظلم لعمرى مشتهى) (اذا بردت أحشاؤها طَال مكثها ... وان أَصبَحت محمومة طَابَ صها) (وان ذكر الاحباب طيب أصولهم ... ليفتخروا فالرشق بِالْقَلْبِ أَصْلهَا) (وان سقيت من خَالص الْمَحْض شربة ... تسارع فِيهَا الشيب وابيض جسمها) فَأَجَابَهُ السَّيِّد صَلَاح الْمَذْكُور بقوله (اذا شِئْت حل اللغز مِنْهُ فانها ... لاول مَا يقرى الضيوف أولو النهى) (اذا خيمها فى الرشق فَابْعَثْ لَهَا دوا ... وفى القشر بُنيان لداء دوالها) (اذا حذفوا من ابْنهَا العاء واجتزوا ... فَذَلِك شئ طيب الطّعْم مشتهى) (اذا أدخلوه النَّار صَار محببا ... وان أودعوه الظل صَار مكْرها) وَمن شعره ايضا وَهُوَ فى غَرَض السّفر الى الْيمن لطلب سَماع الحَدِيث (تَقول عِيسَى وَقد أزممت مرتحلا ... لحجا وَقد لاحت الاعلام من عدن) (أمنتهى الارض يَا هَذَا تُرِيدُ بِنَا ... فَقلت كلا وَلَكِن مُنْتَهى الْيمن) وَكتب أَيْضا الى السَّيِّد صَلَاح المؤيدى (تزوج هديت تهامية ... تروقك فى المتزر الْمطرف) (ودع عَنْك بَيْضَاء نجدية ... وَلَو برزت فى بهَا يُوسُف) (عَلَيْهَا قَمِيص وسروالة ... وَلَيْسَت ترق لمستعطف) فَأَجَابَهُ السَّيِّد صَلَاح ايضا بقوله (أردْت بهَا الذَّم ألبستها ... سرابيل مدح وَلَا تختفى) (نعم هَكَذَا شِيمَة الْمُحْصنَات ... اذا شِئْت تمدح مدحا وفى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 (قسا فى الْقُلُوب ولين القدود ... وخد نقى وَصَوت خفى) (وان رام مِنْهَا الوفا طَارق ... فَلَيْسَتْ ترق لمستعطف) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع بعد الالف السَّيِّد مطهر بن مُحَمَّد الجرموزى الْحسنى قَالَ فى حَقه القاضى حُسَيْن المهلا كَانَ من اعيان الدَّهْر وافراد الْعَصْر علما وَعَملا ونباهة وفضلا وَله التَّارِيخ الذى جمع فِيهِ أَحْوَال الائمة الثَّلَاث الامام الْقسم وولديه مُحَمَّد الْمُؤَيد واسماعيل المتَوَكل ذكر فِيهِ كثيرا من وقائعهم وَمَا جرياتهم وسيرهم وأحوالهم ومكاتباتهم قَالَ وَكَانَ من أصدقاء والدى وَبَينه وَبَينه مراسلات ومكاتبات رائقة وَله أَوْلَاد عُظَمَاء ادباء كرماء مُحَمَّد وَالْحسن وجعفر قلت وَقد ذكرتهما فى كتابى النفحة وَالْحُسَيْن والهادى واسماعيل وَمَا مِنْهُم أحد الا وَله النّظم السائر والمحاسن الَّتِى تفوق الرياض الزواهر وَكَانَت وِلَادَته فى جُمَادَى الاخرة سنة ثَلَاث بعد الالف وَتوفى فى سَابِع وعشرى ذى الْحجَّة سنة سبع وَسبعين وَألف رَحمَه الله معِين الدّين بن أَحْمد البلخى الاصل المصرى المولد والمنشأ الْمَعْرُوف بِابْن البكا نزيل مَكَّة المشرفة الْفَاضِل الاديب الْمَشْهُور كَانَ من نَوَادِر الزَّمَان وعجائب الاوان مَعَ دمانة اخلاق وطباع ونضارة محاورة واستماع اذا حل بناد فَلهُ الصَّدْر الموفى واذا تكلم داوى كلم الصُّدُور بحَديثه المشفى وَلم يكن فى أهل مصر أرق من حَاشِيَته وَلَا أحلى من مفاكهته ونادرته قدم الى مَكَّة فى سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة صُحْبَة الركب المصرى ثمَّ أَقَامَ بهَا مؤتلفا بنى حسن ائتلاف المقلة بالوسن يسقى بمزن كرمهم ويخصب جَدب أمله بهطال ديمهم وَهُوَ عِنْد الشريف مَسْعُود مُورق الْعود مثمر السُّعُود وَله من الشّعْر قلائد فرائد كانها عُقُود فى اجياد خرائد فَمن ذَلِك قَوْله (يَا شَقِيق الرّوح والجسم وَيَا ... دوحة بالود فضلا أثمرت) (كنت لَا أخْشَى حسود الا وَلَا ... عين واش ان بِسوء نظرت) (وَأرى الود وهى بُنْيَانه ... مَا كَأَن الْعين لَا أثرت) (فَبِحَق الود الا صنته ... لحقير روحه قد سعرت) وَقَوله فى ذيل قَول القاضى الْفَاضِل (تراءت ومرآة السَّمَاء صقيلة ... فأثر فِيهَا وَجههَا صُورَة الْبَدْر) (ولاحت عَلَيْهَا حليها وعقودها ... فأثر فِيهَا صُورَة الانجم الزهر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 (وَله حاذر زويلة أَن تمر ببابها ... وطعامها كن آيسا من خَيره) (فموسط الْقَتْلَى يَقُول بهَا انْظُرُوا ... من لم يمت بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ) وَمثله قَول الآخر (لما سلمت من الردى من طرفه ... مَعَ أَنه كالسيف فى تَأْثِيره) (جَاءَ العذار فأيقنت نفسى الردى ... من لم يمت بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ) وزو يلة بِمُعْجَمَة مصغر محلّة بِمصْر كباب زويلة وَوجه تَسْمِيَتهَا يعرف من الخطط وتواريخ مصر وَهَذَا المصراع مضمن من قَول ابْن السعدى من قصيدة وهى هَذِه (أرى الْمَرْء فِيمَا يبتغيه كانما ... مداولة الايام فِيهِ مبارد) (ويضطرم الْجَمْعَانِ وَالنَّقْع ثَائِر ... فَيسلم مِقْدَام وَيهْلك خامد) (وَمن لم يمت بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ ... تعدّدت الاسباب وَالْمَوْت وَاحِد) (فصبرا على ريب الزَّمَان انما ... لكم خلقت أهواله والشدائد) وَمن شعر معِين الدّين قَوْله يستدعى بعض أَصْحَابه (الدَّهْر أَرْبَعَة أَيَّامه انحصرت ... صحو وغيم وريح ثمَّ أمطار) (فالصحو ظرف لاصلاح المآرب اذ ... تقضى من الْحبّ يَوْم الْغَيْم أَو طَار) (وَيَوْم ريح لنوم لَا حراك بِهِ ... وَيَوْم هطل السما للكاس أسرار) (وَالْيَوْم قد نثرت درا سحائبه ... على بِسَاط ربى يكسوه أزهار) (فبادر النكاس يَا بدر الزَّمَان فَمن ... سناء وَجهك لَاقَى الافق اقمار) وَكَانَ لَهُ فى المعمى وحله يَد طائلة وَله فِيهِ رِسَالَة مَشْهُورَة وَله أشعار ووقائع كَثِيرَة وَكَانَ الشريف مَسْعُود بن حسن الْمَذْكُور مُقبلا عَلَيْهِ كثيرا وَلما توفى تراجعت أَحْوَاله بعض التراجع وَكَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ المنورة فى سنة أَرْبَعِينَ وَألف عَن سنّ عالية رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخ مُوسَى بن أَحْمد المحجب بن عِيسَى بن أَحْمد بن عبد الْغفار بن مُحَمَّد بن عِيسَى ابْن أَحْمد بن عمر الزيلعى العقيلى صَاحب اللِّحْيَة استاذ الاستاذين وَشَيخ الاولياء العارفين اشْتغل بالتحصيل وَصَحب الاولياء ونال مَا نالته الاكابر وتقيد بالشريعة ولازم الطَّاعَة وَله كرامات كَثِيرَة ومكاشفات وَحج مرَارًا وَكَانَ شرِيف مَكَّة الشريف زيد بن محسن يَعْتَقِدهُ اعتقادا عَظِيما وَحصل لَهُ مِنْهُ نفع جسيم وَكَانَ يكره ظُهُور الْكَرَامَة الا عَن ضَرُورَة وَكَانَ كَرِيمًا سخيا يحب الْفُقَرَاء وَيحسن اليهم وَيقبل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 الْهَدِيَّة ويجازى عَلَيْهَا فاذا أَتَتْهُ هَدِيَّة من ظَالِم بَاعهَا وَاشْترى بِثمنِهَا مَا يُرْسِلهُ الى صَاحبهَا وَكَانَ كثير الِاغْتِسَال لَا سِيمَا للصلوات وَأكْثر غسله فى الْبَحْر لقُرْبه من دَاره وَكَانَ ورعا جدا كثير الِاحْتِيَاط فى أُمُور متقشفا مخشوشنا متواضعا وَلما بلغه أَن بعض الاولياء من أهل الْحَرَمَيْنِ قَالَ لَا يكْتب على أهل عصره ذَنْب اكراما لَهُ بَكَى وَقَالَ أَنا أقل عباد الله وأحقر من أَن يُقَال فى حقى ذَلِك وَكَانَ يتستر بالعلوم الظَّاهِرَة وَيَقُول من فعل كَذَا أُصِيب بِكَذَا وَمن فعل كَذَا أعْطى كَذَا فَكَانَ كل من خَالفه فِيمَا نَهَاهُ عَنهُ أُصِيب بِمَا ذكره وَمن أطاعه نَالَ مَا ذكره وَكَانَ يَقُول لاهل الْبَحْر احترزوا يَوْم كَذَا من كَذَا وفى مَحل كَذَا فَمن خَالفه عطب وَمن امتثل سلم وَله فى ذَلِك حكايات وَكَانَ يكاشف بعض أَصْحَابه بِمَا يخْطر بِبَالِهِ وَمَا جرى لَهُ فى غيبته قَالَ الشلى وَوَقع لى أَنى دخلت عَلَيْهِ بعد الْعَصْر فى شهر رَمَضَان وَذَلِكَ أول اجتماعى بِهِ فَحصل لى بِهِ غَايَة المدد والانس وَكَانَ معى ابْن عمى وَكَانَ أكبر منى ومعنا لَهُ هَدِيَّة من بعض أَصْحَابه بِالْهِنْدِ فعزمنا للعشاء فَاعْتَذر ابْن عمى عَن ذَلِك وَقصد بذلك عدم تَكْلِيف الشَّيْخ لَان وَقت الافطار قريب فَقَالَ رُبمَا لَا تَجِدُونَ عشَاء فى هَذِه اللَّيْلَة فانفق أَنا درنا فى الْبَلَد فَلم نجد مَا نتعشى بِهِ لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا فَعرفنَا أَن ذَلِك من مخالفتنا لَهُ وَأَنَّهَا كَرَامَة مِنْهُ فبتنا وتوسلنا الى الله تَعَالَى بالشيخ فاذا بِرَجُل يَقُول لنا مَا تُرِيدُونَ فَقُلْنَا الْعشَاء فَقَالَ عندى وَلما أَصْبَحْنَا ودخلنا على الشَّيْخ كاشفنا بِمَا وَقع لنا ودعا لنا بِالْخَيرِ وَلم يزل يترقى فى أَعلَى الدَّرَجَات حَتَّى انْتقل بالوفاة الى رَحْمَة الله تَعَالَى وَكَانَت وِلَادَته فى سنة تسعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف بِمَدِينَة اللِّحْيَة الَّتِى اشْتهر عَن جده الْفَقِيه أَحْمد بن عمر الزيلعى رضى الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول فى شَأْنهَا ان من زارها أَو دارها كفى جَهَنَّم ونارها وَأَن الْمَيِّت لَا يسئل بهَا وَلَا يلقن كَمَا قَالَ مُحَمَّد الهندى فى قصيدته الَّتِى مدح بهَا سيدى أَحْمد بن عمر الزيلعى رضى الله تَعَالَى عَنهُ مِنْهَا قَوْله فِيهِ (ان مَاتَ فِيهَا الْمَيِّت لَا يلقن ... وَمن سُؤال الْملكَيْنِ يَأْمَن) (كَرَامَة فى غَيرهَا لَا تمكن ... طُوبَى لعبد فى ثراها يدْفن) (فانها للْعَبد نعم المستقر ... ) وَدفن بتربة سيدى المقبول صَاحب القضب رَحمَه الله الامير ملحم بن يُونُس بن قمر قماس الشهير بِابْن معن ابْن أخى الامير فَخر الدّين الْمُقدم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 ذكره وَكَانَ أَبوهُ يُونُس فى زمن أَخِيه رَأس الكبانية الَّذين فى خدمته وَنَشَأ الامير ملحم هَذَا فى عزة وَحُرْمَة وافرة وَلما قبض على عَمه الْوَزير أَحْمد باشا الكوجك كَانَ هرب فنجا وَظهر بعد ذَلِك وسعى على الامارة بِبِلَاد عمَّة فولى الشوف وَالْعرب والجرد والمتن وكسروان وَكَانَ حَازِم الرأى عَاقِلا لَهُ حسن تصرف وانقياد تَامّ الى جَانب السلطنة فَلهَذَا أبقى مُدَّة تزيد على عشْرين سنة لم ينغص لَهُ فِيهَا عَيْش الا مرّة وَاحِدَة قَلما قَصده الوزيرا بشير باشا وَكَانَ ذَلِك باغراء بعض المفسدين من غير دَاعِيَة حصلت من قبله وانتصر فى تِلْكَ الْوَقْعَة ولكثير من الادباء فِيهِ مدائح وَكَانَ بَينه وَبَين أَحْمد بن شاهين أديب دمشق رابطة محكمَة ومودة أكيدة وَكَانَ الشاهين خرج اليه فى قصَّة طَوِيلَة واختفى عِنْده مُدَّة وَفِيه يَقُول هَذَا الْمَقْطُوع يُشِير الى مَا كَانَ عَلَيْهِ تبعا لاسلافه من أَنهم يسهرون من اللَّيْل أَكْثَره وينامون الى وَقت الزَّوَال خوفًا من أَمر يدهمهم بِاللَّيْلِ والمقطوع هُوَ هَذَا (ينَام الى وَقت نصف النَّهَار ... وَيخرج مُسْتَوْفيا فيا حَظه) (فأى زمَان يرَاهُ الشوق ... يرى لَحْظَة سودت لحظه) وَكَانَت وَفَاته فى سنة بِمَدِينَة صيدا وَبهَا دفن وَخلف وَلدين قرقاس وَأحمد أما قرقاس فَقتله مُحَمَّد باشا حَاكم صيدا فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَأما أَحْمد فانه الْآن بَاقٍ وَهُوَ امير بِلَادهمْ الْمَذْكُورَة انْتهى الامير منجك بن مُحَمَّد بن منجك بن أَبى بكر بن عبد الْقَادِر بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن منجك الْكَبِير اليوسفي الدمشقى (أَمِير جند المعالى وَابْن بجدتها ... انسان عين العلى وَالْمجد وَالْكَرم) نسب مَا وَرَاءه نسب وَحسب مَا مثله حسب تعقد ذوائبه بالنجوم ويستوى عِنْده الْمَجْهُول والعلوم وَهُوَ فى دماه السليقه لَيْسَ بشبهه أحد من الخليقه وَله من الْفضل مَا لَا يحْتَاج الى اقامة الدَّلِيل وَمن الْكَمَال مَا اجْتمع فِيهِ مِنْهُ كل كثير وَقَلِيل وَقد ذكره الخفاجى فى كِتَابه وَوَصفه بقوله وَمِمَّنْ رَأَيْته بِالشَّام من الاعلام الامير منجك بن منجك وَهُوَ جذيلها المحكك وعذيقها المرجب وحبابها المذرب قَوْله جذيلها المحكك هَذَا مثل قَائِله حباب والجذيل تَصْغِير جذل وَهُوَ عود يغرز فى حَائِط فتحتك بِهِ الجرباء أى يستشفى بِرَأْيهِ استشفاء الابل بالجذل وَذكره البديعى فَقَالَ فى حَقه نجيب ورث المفاخر كَابِرًا كالرمح أنبوبا على أنبوب وَجمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 بَين فضيلتى الاقلام والبواتر كَمَا جمعت خلاله بَين أهواء الْقُلُوب وأريب بِكُل مدح قمين وأديب لَهُ الْفضل ترب والسماح قرين وحسيب من قوم تهدى لَهُم تحف الاشعار وتزف لديهم أبكار الافكار (وَمَا دب الا فى بُيُوتهم الندى ... وَلَا رب الا فى حجورهم الْحَرْب) (وَمَا كَانَ بَين الهضب فرق وَبينهمْ ... سوى انهم زَالُوا وَلم يزل الهضب) (أولاك بَنو الاحساب لَوْلَا فعالهم ... درجن فَلم يُوجد لمكرمة عقب) وَله من الْكَلَام مَا يَنُوب عَن المدام قلت وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مَذْكُور بِكُل لِسَان وممدوح لكل انسان نَشأ فى أَيَّام أَبِيه متفيأ ظلال نعمه مَبْسُوط الرَّاحَة بهمائه وَكَرمه وشغف من حِين نشأته بِالطَّلَبِ وَصرف نقد عمره عل تَحْصِيل الادب وَقَرَأَ على مَشَايِخ عِظَام وانتظم فى سلك الْفُضَلَاء أى انتظام وَمن مشايخه الَّذين قَرَأَ عَلَيْهِم وَجَثَا زَمنا على رُكْبَتَيْهِ بَين يديهم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وأخذا لحَدِيث عَن الشهَاب أَحْمد الوفائى وأبى الْعَبَّاس المقرى والادب عَن أَحْمد بن شاهين ووهب الله تَعَالَى الذكاء وَقُوَّة الحافظة وَحسن التخيل والاداء وَكَانَ فَصبح اللهجة فسيح ميدان المحادثة كثير المحفوظات جيد المناسبات كريم الطيع خلوقا متواضعا وعَلى كل حَال فَهُوَ كَمَا قيل (مَا فِيهِ لَو وَلَا لَيْت تنقصه ... وانما أَدْرَكته حِرْفَة الادب) وَلما مَاتَ وَالِده فى التَّارِيخ الذى ذكرته فى تَرْجَمته تقلبت بِهِ الاحوال وفجأته طوارق الاهوال ونفق مَا وَرثهُ عَن وَالِده وأحرزه من طريفه وتالده وَذَلِكَ لمبالغته فى الْبَذْل والسرف ومباشرة الاوقاف الَّتِى بِيَدِهِ بالاجارات الطَّوِيلَة وَالسَّلَف ثمَّ انزوى مُدَّة فى دَاره وَلزِمَ الْوحدَة بِاخْتِيَارِهِ الى أَن أنف من الاقامة ففوض عَن الشَّام خيامه وَهَاجَر الى الديار الرومية وَأقَام بهَا مؤملا ادراك مَاله من الامنيه والدهر يعده ويمنيه ويذيقه الْغصَص فى ضمن تأبيه وَلَقَد قاسى فى الغربه من الْمَشَقَّة المبرحة والكربه وعناد الدَّهْر فى الْمَقَاصِد والتعنى فى المصادر والموارد مَا لَا أَحسب أحدا قاصاه وَلَا لقى أحد من أغذياء النعم أدناه وَلَقَد سمعته مرّة يحْكى أَنه كَانَ لَهُ جَار فى الرّوم مَعْدُود من أَرْبَاب الوجاهة القروم وَله حفدة وَدَار عظيمه وثروة بَين أقرانه جسيمه لم يتَّفق انه زَارَهُ وَلَا حَيا مزاره وَكَانَ بعض أصدقاء الامير يصاحب رجلا من المقربين الى السلطنة وَذكر لَهُ أمره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 وَمَا هُوَ فِيهِ من الْفَاقَة والمسكنه فَقَالَ اذا نزروه فى مَكَانَهُ ونسعى بعد ذَلِك فى فكه من قَيده وهوانه قَالَ ثمَّ جاءنى بعيد الْعَصْر وَمَا عندى بلغه وَلَا أجد فى الجراب وَلَا مُضْغَة فَمَا اسْتَقر بِهِ الْجُلُوس الا وَذَلِكَ الْجَار حبانى بِجَمِيعِ مَا عِنْده من خدام الدَّار وابتدأ خدمه فى الخدمه وجلب مَا يلْزم من المشروبات بِكَمَال الادب والحرمه ثمَّ بعد هنيئة جَاءَ بسفرة وآلات الطَّعَام مِمَّا لَا يُوجد فِيمَا أَحْسبهُ الا عِنْد الوزراء الْعِظَام وَجَاء بنفائس من الاطعمه وَالْجَار يُبَالغ فى التَّعْظِيم وفى التكرمه حَتَّى أكل الطَّعَام وَاسْتوْفى بعده المشروب والمشموم رَأَيْت الرجل الذى جَاءَ بِهِ صاحبى نَهَضَ وَهُوَ مغموم فَتَبِعَهُ صاحبى الى الدَّار وَعَاد لَا يُدِير لحظا من شدَّة الافكار فَقلت لَهُ مَا الذى عرَاك وَمن برد نشاطك الذى كَانَ عرَاك فَقَالَ أَمر عَجِيب وحادث غَرِيب وَهُوَ أَن الرجل غضب لما وَقع وَقَالَ أَنا أسمع عَن الامير السَّفه وانه فِيهِ طبع مُتبع فَلَمَّا رَأَيْت مَا رَأَيْت تحققت مَا سَمِعت وَمَا ماريت وَهَذَا الرجل لَو وَجه اليه أعظم منصب فى مملكة آل عُثْمَان لَا يفى بمصرفه وَلَا يحصل لَهُ مِنْهُ الا الخسران قَالَ فَحَلَفت لَهُ بِاللَّه ان الذى رَأَيْته من نعْمَة جَاره الذى وافاه فَلم يصدق وآلى لَا عَاد مرّة أُخْرَى وَلَا يسْعَى فِيمَا يخجله عِنْد الدولة وانه بالسلامة أَحْرَى انْتهى وَمِمَّا اتّفق لَهُ أَنه كَانَ اشار اليه الْعَلامَة يُوسُف الفتحى الامام السلطانى بنظم قصيدة فى مدح السُّلْطَان ابراهيم لتَكون وَسِيلَة الى شئ من الامانى فنظم قصيدته الميمية الَّتِى أَولهَا (لَو كنت اطمع بالمنام توهما ... لسألت طيفك ان يزور تكرما) فبيضها لَهُ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن الحسام بِخَطِّهِ المدهش وترجمها بالتركية على الْهَامِش وَكَانَ الفتحى عرف بِهِ السُّلْطَان فَدخل لاعطاء القصيدة ثمَّ وقف وتناولها الفتحى وَقرأَهَا وَحصل من السُّلْطَان الْتِفَات وَقبُول لَكِن القصيدة لم تسفر عَن شئ من الْمَوَاهِب وَلَا قوبلت بمطلب من المطالب نعم دخل الامير بشيرا وَخرج بشيراً وَكَانَ مَعَه دِينَار أعطَاهُ للَّذي أخبرهُ بحصو الْإِذْن للدخول مبشراً وَهَكَذَا الدَّهْر أَبُو الْعجب وعناده مُوكل بِأَهْل الادب وَاتفقَ لَهُ فى أَوَاخِر مقَامه بالروم رُؤْيا صَالِحَة حَسَنَة عَجِيبَة وواقعة فالحة مستحسنة غَرِيبَة وَقد سدت عَلَيْهِ جَمِيع الابواب وَبَات الْقلب مِنْهُ فى اضْطِرَاب وَذَلِكَ أَنه رأى رجلا فى سِيمَا الصّلاح يتوسم فِيهِ الْفَلاح وَهُوَ وَاقِف بوادى ينشد وينادى كانه حادى قصيدة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 مُطَوَّلَة بشرح حَاله مفصلة فَلم يعلق بخاطره فى الْمَنَام سوى مصراع المطلع وَبَيت الختام وَقد أورد حَضْرَة الشَّيْخ الاكبر قدس الله سره الْعَزِيز فى بَاب من أَبْوَاب الفتوحات لعلى بن الجهم هَذَا الْبَيْت (وأبواب الْمُلُوك محجبات ... وَبَاب الله مبذول الفناء) وَلَا غرو فَكل بَاب سوى الْكَرِيم مسدود وكل وَاقِف غير سَائل فَهُوَ مَرْدُود فسبحان من اذا أغلق بَابا فتح أبوابا واذا قطع سَببا أوصل أَسبَاب فَلَمَّا انتبه من الخيال قَامَ فى الْحَال ونظم على سَبِيل الارتجال مكملا للمصراع ومضمنا للبيت بِحسن الابداع وَذَلِكَ آخر جُمُعَة فى شهر رَمَضَان عَام سِتّ وَخمسين وَألف والابيات هى هَذِه (أَيْن الاساة فقلبى الْيَوْم مَجْرُوح ... متيم لعبت فِيهِ التباريح) (روح تسيل على خدى فيحسبها ... دمعا خلى فؤاد مَا لَهُ روح) (وَالْحب سطر بلوح الصَّدْر مكتتب ... مترجم بِلِسَان الشوق مشروح) (وضعت خدى على كف الخضوع ولى ... ذل على عتيبات الْعِزّ مطروح) (فَلَا بارق وادى الشّعب وانتبهت ... نوام وجدى وفاح الرند والشيح) (وَقَامَ هَاتِف ذَاك الحى ينشدنى ... بَيْتا يسلى فؤادى مِنْهُ تلويح) (ان الْمُلُوك اذا أَبْوَابهَا غلقت ... لَا تيأسن فباب الله مَفْتُوح) وَقَالَ أَيْضا فى الْمَعْنى (ذهب الشراع وضلت الملاح ... فى جنح ليل مَا لذاك صباح) (وسفينتى لم يبْق فِيهَا قِطْعَة ... الا ومزقها بلَى ورياح) (والسحب تهطل والرعود قواصف ... والبرق سيف فاتك سفاح) (وجهت وجهى نَحْو بابك راجيا ... اذا سدت الابواب يَا فتاح) وَله فى تغربه بالروم أشعار كَثِيرَة سَمَّاهَا الروميات مُعَارضا بِالتَّسْمِيَةِ روميات ابي فراس فانه كَانَ يحذو حذوه ويقفو أَثَره فَمن رومياته قَوْله أَيْضا (نزيح ديار لَا أنيس وَلَا صحب ... وعاتب دهر لَيْسَ يعتبه العتب) (مَنَازِله بِالشَّام أضحت خلية ... حكت جِسْمه اذ سَار عَن جِسْمه الْقلب) (لَهُ صبية عِنْد العداة رهينة ... ومدمعهم من فرط لهفهم صب) (عُرَاة اذا نَامُوا تيقظ شرهم ... فَأَمنَهُمْ خوف وسلمهم حَرْب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 (جنيت على نفسى الذَّنب كُله ... بسيرى وَمَا للذنب فى فعله ذَنْب) (غررت بِأَقْوَام وعودهم هبا ... تمر جهاما وَاسْمهَا عِنْدهم سحب) (يلبون بِالدَّعْوَى لطَالب سيبهم ... وَلَو شاهدوا فلسًا على الارض لانكبوا) (وَلم أر من قبلى عليلا طبيبه ... سقيم اختبار لَيْسَ يعرف مَا الطِّبّ) (يمد لصيد الْمَدْح منى حبالة ... على الْغدر مَعْقُود بأطرافه الْكَذِب) (وَمَا النَّاس الا حَيْثُ يلْتَمس الندى ... وَمَا الطير الا حَيْثُ يلتقط الْحبّ) (رجعت وَعون الله للمرء حارس ... وطرفى لَا يكبو ونارى لَا تخبو) وَمِنْهَا قَوْله (انى لآنف من قَول الاعاجيب ... لهول مَا شاهدته عين تجريبى) (الصدْق يسأم مِنْهُ سمع مختبر ... حَال الزَّمَان فَمَا شَأْن الاكاذيب) (تلاعب الدَّهْر بى طفْلا وبصرنى ... بالفكر مَا لَا ترَاهُ أعين الشيب) (عوضت عَن جلق بالروم متخذا ... يأسى بهَا بَدَلا عَن كل مَطْلُوب) (بدا بعيد فَقلت الْعِيد أيكما ... لما تَأَمَّلت من حسن وَمن طيب) (أعَاد حزنى افراحا وصيرنى ... أثى على طول تشتيتى وتغريبى) وأشعاره كلهَا على نمط وَاحِد فى الرقة واللطافة وَلم تكن مَجْمُوعَة فى دفتر على حِدة أَولا لَكِن لما ورد دمشق شيخ الاسلام عبد الرَّحْمَن بن الحسام بعد عَزله عَن الْفَتْوَى أَمر والدى بجمعها فَأَنْشَأَ لَهَا ديباجة وَجَمعهَا ورتبها ترتيبا حسنا وهى الْآن فى دفتر مَشْهُور متداول فَمن غزلياته قَوْله رَحمَه الله تَعَالَى (وغزال كناسه المران ... مَا لقلب من مقلتيه أَمَان) (ذى نواص كَأَنَّهَا ظلمَة الشّرك وَوجه كَأَنَّهُ الايمان ... ) (وَكَانَ العذار فى صفحة الخد كفور فى جيده فرقان ... ) (وَكَانَا من انسه ومحياه بروض تظلنا الافنان ... ) (خَدّه الْورْد والبنفسج صدغاه لعينى وثغره الاقحوان ... ) (وَكَانَ الحَدِيث مِنْهُ هُوَ اللُّؤْلُؤ يرفض بَيْننَا والجمان) (وَكَانَ الندى والكاس تجلى ... فِيهِ أفق نجومه الندمان) (وَكَانَ الندمان فى رَوْضَة اللَّهْو غصون ثمارها الكتمان) (يتعاطون أكؤس العتب اذ طَاف عَلَيْهِم بهَا المنى والامان ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 (يَا سقى الله ذَلِك الزَّمَان وحياه ملث من الرِّضَا هتان ... ) (زمن كُله ربيع وعيش ... غصنه يَانِع الجنا فينان) (مر لى بالشآم والعيش غض ... وشبابى يزينه العنفوان) (ابْن عشر وَأَرْبع وثمان ... هى عيدى وَبَعضهَا مهرجان) وَقَوله (لحظات ترمى الحشا بِنِبَالٍ ... قاتلات ولات حِين قتال) (وخدود كالورد لونا وطعما ... صقلتها صبا البها وَالْجمال) (وثنايا كَاللُّؤْلُؤِ الرطب يزرى ... حسن نظم لَهَا بِعقد اللآلى) (وقوام يحْكى العوالى وَلَكِن ... فعله فى الْقُلُوب فعل العوالى) (من نصيرى على الحبيب المفدى ... بنفوس منا كرام غوال) (قمر يخجل الشموس سناء ... وقضيب يسقى بِمَاء الدَّلال) (وغزال للمسك فى الْغم مِنْهُ ... نفحات تفوق مسك الغزال) (قَامَ يشدو بِذكر خمرة دن ... عِنْد سمعى فاسكرت آمالى) (خمرة صورت عصارة خمر ... لظنون فى أكؤس من آل) (غادرتنى أيدى هَوَاهُ بجسم ... ناحل مَا حل كربع بَال) (أَتَمَنَّى خياله وبعيد ... أَن يزور الخيال طيف الخيال) وَمن خمرياته أَيْضا قَوْله (أدر المدامة يَا نديمى ... حَمْرَاء كالخد اللطيم) (تسرى بأرواح النهى ... كالبرء فى الْجِسْم السقيم) (وأقم اذا جن الدجى ... مترديا ظلّ الكروم) (فالجو راق كانما ... صقلته أنفاس النسيم) (وتبددت زهر النُّجُوم تبدد العقد النظيم ... ) (قُم هَاتِهَا واستحلبها ... من كف ذى شجو رخيم) (بدر يُرِيك محاسنا ... يسبى بهَا عقل الْحَلِيم) (ان مَاس يزرى بالقنا ... واذا رنا فبكل ريم) (فى رَوْضَة نسجت بهَا ... أيدى الصِّبَا حبر الجميم) (ضحِكت بهَا الازهار لما أَن بَكَى جفن الغيوم ... ) (كم لَيْلَة قضيتها ... فى ظلها الضافى الاديم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 (متذكرا عهد الدمى ... متناسيا ذكر الرسوم) (نشوان من خمر الصِّبَا ... جذلان بالانس الْمُقِيم) (حَيْثُ الشبيبة غضة ... وَالْوَقْت مقتبل النَّعيم) وَقَوله (قُم للمدامة يَا نديم فانها ... شرك المنى وحبالة الافراح) (حَمْرَاء صَافِيَة المزاج كَأَنَّهَا ... ورد الخدود أذيب فى الاقداح) (شمس اذا بزغت لعينك فى الدجى ... أغنتك عَن صبح وَعَن مِصْبَاح) (مسكية أَنى فضضت ختامها ... عبق الندى من نشرها الفضاح) (تفتر عَن حبب ثغور كؤسها ... كسقيط طل فى ثغور أقاح) (يسقيكها رشأ اذا غنى بهَا ... رقصت لذاك معاطف الارواح) وَقَوله (أَلا هَات اسقنى كاسا فكاسا ... وحى بهَا ثَلَاثًا بل سداسا) (فانى فى احتساها لَا أعاصى ... رشا تخذ الحشا منى كناسا) (حبيب كلما أَلْقَاهُ يغضى ... فَلَو أَعْطيته آسا لآسى) (يُرِيك اذا بدا قمرا منيرا ... وغصنا ان ثنى عطفا وماسا) (ويبسم ثغره عَن أقحوان ... ويجلو خَدّه وردا وآسا) (خلعت عذار نكى فى هَوَاهُ ... وَمَا راقبت فى حبيسه نَاسا) (فأحلى الْحبّ مَا كَانَ افتضاحا ... وأشهى الْوَصْل مَا كَانَ اختلاسا) وَقَوله (زمن الرّبيع كنشوة العشاق ... غب التَّفَرُّق فى نَهَار تلاق) (فانهض الى تِلْكَ الرياض مبكرا ... تبكير ذَات السجون والاطواق) (واشرب على ورد ونرجس أيكة ... صبغا بلون الخد والاحداق) (صهباء تلعب بالعقول وفعلها ... فعل الْهوى بالوا لَهُ المشتاق) وَقَوله (قُم هَاتِهَا فانتهاب الْعَيْش مغتنم ... من كف معتزل فى خير ابان) (حَيْثُ الرياض اكتست من سندس حللا ... وتوجت بيواقيت وعقيان) (والمسك فى الْفلك العلوى اذ رتعت ... غزالة الافق والكافور سيان) وَمن ربيعياته قَوْله (ومنتزه يروق الطّرف حسنا ... بِمَا فِيهِ من المرأى البديع) (تجول كتائب الازهار فِيهِ ... وَقد كُسِيت حلى الْغَيْث المريع) (وَبَات الْورْد فِيهَا وَهُوَ شَاك السِّلَاح يميد فى الدرْع المنيع) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 (حكى منظم زنبقه طروسا ... وفيهَا عرض أَحْوَال الْجَمِيع) (تنمق حليها أيدى النعامى ... وتبعثها الى ملك الرّبيع) وَمن رياضياته أَيْضا قَوْله (أربوثنا حيتك عَنَّا السحائب ... فانت لوجه الارض عين وحاجب) (نزلنَا بِظِل السفح مِنْك فكلنا ... مُصِيب لانواع المسرة صائب) (وبتنا وأفياء الغصون سماؤها ... فَنحْن بدور والندامى كواكب) وَقَوله أَيْضا فى قصرهم المنجكى) (قصر الامير بوادى النير بَين سقى ... رباك عَنى من الوسمى مدرار) (كم مر لى فِيك أَيَّام هواجرها ... أصائل ولياليهن اسحار) (حَيْثُ الشبيبة بكر فى غضارتها ... وللصبابة احلاف وأنصار) (حَيْثُ الرياض تغثبينى حمائمها ... بالدف والجنك والسنطور لى جَار) (حَيْثُ الخمائل أفلاك بهَا طلعت ... زهر من الزهر والندمان أقمار) (حَيْثُ المدامة فِي زجاجتها ... يديرها سعار ... ) (عطرية نفضت فِيهَا عوارضه ... فتيت مسك لَهُ الارواح سفار) (ياقوتة أفرغت فِي قشره لُؤْلُؤ ... فلاح مِنْهَا نور الْمنَار) (شمس تعاطيتها من راحتى قمر ... لَهُ من الْحسن مَا يرضى ويختار) (يسْعَى الى بهَا تَحت الدجى حذرا ... من الوشاة لَان اللَّيْل ستار) (متوج الراح بالابريق ذُو قرط ... مثل الْهلَال لَهُ الجوزاء زنار) (سقى وساقيه من رَاح وَمن قدح ... الى الصَّباح فمرباح ومخار) (يضمنا بأعالى الْقصر ثوب هدى ... زرت عَلَيْهِ من الاشواق أزرار) (متع الطّرف منى فى محاسنه ... وَلَيْسَ عندى من العذال اشعار) (حَتَّى تيقظ دهرى بعد مَا غفلت ... عَنى حوادثه والدهر غدار) وَمن غرامياته قَوْله (نفس تعلل بالامانى ... لَا بالقناني والبقنانى) (ومدامع مسفوحة ... بَين الْمعَاهد والمغانى) (وأبيت مضموم الْيَدَيْنِ على الترائب والجنان) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 (أَشْكُو الصبابة للصبابة بالمدامع لَا اللِّسَان) (وَأَقُول اذ هَتَفت بِنَا ... ورق شَجَّاهَا مَا شجانى) (يَا ورق مَا هَذَا النواح فبعض مَا عندى كفانى ... ) (غادرت بَين الغوطتين ... بمنزلى السامى الْمَكَان) (أَو مَالهَا كبد على مذابة مِمَّا دهانى ... ) (تستخبر الركْبَان عَن ... حالى وتندب كل آن) (فَعَسَى الذى أبلى يعين ويلتقى ناء بدان ... ) وَمن زهدياته قَوْله (أرح مطايا الامانى واترك الطلبا ... لم يبْق فى الْعُمر شئ يُوجب التعبا) (قد أطلعتنى على الاشياء تجربة ... مَا غادرت لى فى شئ اذا أربا) (مَا زَالَ يمنعنى مَا رمته أدبى ... حَتَّى طفقت لعمرى أكره الادبا) (حتام يغْرس عندى من بليت بِهِ ... غرس الوعود ويجنى مطمعى الكذبا) (ان قلت واحربا فى الدَّهْر ملتمسا ... مِنْهُ الاعانة قَالَ الدَّهْر واحربا) وَقَوله (لَا أطلبن مراما لست أدْركهُ ... وان رقت بى الى أَعلَى الذرى هممى) (وَلَا يلذ لسمعى ذكر سالفه ... من النَّعيم مَضَت كالطيف فى الْحلم) (مالى وَعرض الْجنان السَّبع لَو وضعت ... وَلم يكن لى فِيهَا مَوضِع الْقدَم) وَمن فخرياته رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله (نشأت بمهدى رفيع الذرى ... وحولى الظباء وَأسد الشرى) (ونادمت كل سخى الْوُجُود ... يطعم نيرانه العنبرا) (ووالدى الشهم فَحل الرِّجَال ... وجدى الامير أَمِير الورى) (وان يمم الضَّيْف أحياءنا ... بذلنا لَهُ الرّوح دون الْقرى) (وَلَكِن أَنَاخَ علينا الزَّمَان ... وخان عهودا لنا وافترى) وَقَوله أَيْضا (لعمرى لَيْسَ بالاشعار فخرى ... وَلَكِن بالقواضب والعوالى) (وأحسابى لِسَان الدَّهْر يَتْلُو ... مآثرها على سمع الليالى) (وبذلى للنضار بِغَيْر من ... على مَقْدُور موجودى ومالى) (وآلى تستقى مِنْهَا بحور ... وأبحر من يفاخر لمع آل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 (فَقل لى ابْن بنت أَبى مداس ... بعم أَنْت تفحر أم بخال) (وترفل فى ثِيَاب الْكبر تعسا ... لمثلك قد عريت من المعالى) (وترمى آل منجك بانتقاص ... وهم أهل الْفَضَائِل والكمال) (أتنصدع السَّمَاء بنبح كلب ... ام الشعرى العبور ربه تبالى) (تسب صحابة الْمُخْتَار حينا ... وحينا تدعى حبا لآل) (ويكرهك الْجَمِيع كَمَا كرهنا ... لارجلنا الْعَتِيق من النِّعَال) (أَلا دعنى وشانى يَا ابْن ودى ... ومحوى كل شخص من خيالى) (فَمَا ترك الصدود لَدَى شَيْئا ... يسر من الاحبة بالوصال) (نقضت بِهِ الامانى من عهود ... أكلفها حَقِيقَة ذى ملال) (أيقصد من أسربه سيوفه ... طبعن لضرب أَعْنَاق الرِّجَال) وَله (ان تغزلت أَو مدحت فانى ... لست بالشاعر المطيل كلامى) (أَنا من معشرهم النَّاس أَمْسوا ... لم يداروا الورى لاجل مرام) (كل من قد مدحته فَهُوَ دونى ... وحبِيب هويته فغلامى) وَله (دعنى من الشّعْر ان الشّعْر منقصة ... فالمجد يختال بَين الْبيض والاسل) (لَا تدركنه وان راجت جواهره ... فَالْعقد للنحود لَا للفارس البطل) (أسْتَغْفر الله من شعر مدحت بِهِ ... قوما مديحهم من أعظم الزلل) وَقَالَ أَيْضا رَحمَه الله تَعَالَى فى ذمّ الشّعْر (انى أرى الشُّعَرَاء أفنوا دهرهم ... فى وصف كل حَبِيبَة وحبِيب) (ومضوا وَلم يحظوا بوصل مِنْهُمَا ... بتأسف وتلهف ونحيب) (وسواهم يحظى بِمن وصفوا لَهُ ... فهم من القواد فى التَّرْغِيب) (لكنما القواد تظفر بالعطا ... وهم بمقت النَّاس والتكذيب) وَمن حكمياته قَوْله (مَا فَاتَ فَاتَ وَلَيْسَ تعلم مَا الذى ... يَأْتِيك من قبل الزَّمَان الْمقبل) (لم تلف الا مدْركا أَو آخرا ... يرْوى وينقل مخبرا عَن أول) (فاذا تَأَمَّلت الثرى ألفيته ... غرر الْمُلُوك تداس تَحت الارجل) وَقَوله (لَا تغترر بشبابك الغض الذى ... أَيَّامه قمر يلوح ويأفل) (ودع اتِّبَاع النَّفس عَنْك فانما ... حب الْجمال الصَّبْر عَنهُ أجمل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 (نعم الْعُيُون الفاتنات قواتل ... لَكِن سِهَام الله مِنْهَا أقتل) وَقَالَ ذكر الزمخشرى فى كِتَابه ربيع الابرار ان الواقدى شكى لِلْمَأْمُونِ فاقة نزلت بِهِ وديونا لم يعين مقدارها فَوَقع لَهُ الْمَأْمُون فِيك خلَّتَانِ سخاء وحياء فالسخاء أبلى يدك بتبذير مَا ملكت وَالْحيَاء مَنعك أَن تذكر لنا فَوق حَاجَتك فان كُنَّا قَصرنَا فبجنايتك على نَفسك وان كُنَّا بلغناك بغيتك فزد فى بسط كفك فخزائن الله تَعَالَى مَفْتُوحَة وَيَده بالخيرات مبسوطة وَأَنت كنت حدثتنى اذ كنت قَاضِيا للرشيد أَنه قَالَ وخزائن الرزق بازاء الْعَرْش ينزل للنَّاس أَرْزَاقهم على قدر نفقاتهم فَمن كثر كثر لَهُ وَمن قلل قلل عَلَيْهِ فَقَالَ الواقدى مَا فرحت بِالْعَطِيَّةِ مَا فرحت بِالْحَدِيثِ فانى كنت نَسِيته وَقد نظم الامير هَذَا الْمَعْنى قَالَ (زَعَمُوا بِأَن الواقدى قد اشْتَكَى ... من فاقة وأغاثه الْمَأْمُون) (وروى لَهُ معنى الحَدِيث فانه ... قد قَالَ خير الْعَالمين أَمِين) (بازاء عرش الله جلّ جَلَاله ... رزق الورى بخزائن مخزون) (فمكثر لمكثر ومقلل ... لمقلل للرزق وَهُوَ خرين) (فابسط يَمِينك بالعطاء وَلَا تخف ... فَالله رَبك كافل وضمين) (فعمدت لما أَن سَمِعت مقاله ... لمطيتى وَمن الْعُيُون عُيُون) (وقصدت بَاب الله أَرْجُو فَضله ... اذ كل فضل دون ذَلِك دون) (فَعَسَى الْمَوَاهِب ان تكون قريبَة ... منى ويسعد طالعى ويعين) (وَأَقُول هاتوا يَا بنى رحالكُمْ ... وتمتعوا فَكَذَا الهبات تكون) وَمن رباعياته الْمُتَعَلّقَة بالالهيات والنصائح قَوْله (فى حُسَيْن اذا مَا ... أردْت نطقا يَقِينا) (جوانحى للسانى ... تَقول ألله فِينَا) وَقَوله (ان آمالنا الَّتِى شَغَلَتْنَا ... عَن طلاب الحظوظ والارزاق) (آيستنا من كل شئ وَلَكِن ... مَا أيسنا من رَحْمَة الخلاق) وَقَوله (اشغل فُؤَادك بالتقى ... وَاحْذَرْ زَمَانك تلتهى) (واعمل لوجه وَاحِد ... يَكْفِيك كل الاوجه) وَقَوله (الام أحمل من نفسى وَمن نفسى ... عبئا من الاثم فِي صبحى وفى غلسى) (عَسى الْكَرِيم بلطف مِنْهُ ينقذنى ... منى فاخلص شرورى الطبر من قفسى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 وَقَوله (تزَود فَخير الزَّاد مَا كَانَ بَاقِيا ... وخلا الامانى المسفرات عَن الكرب) (يسَار الليالى مِنْك فى الاخذ لم تزل ... بأسرع من يمناك فى طلب الْكسْب) وَقَوله (مهلا سفينة آمالى لَعَلَّ بِأَن ... تهب نحوى ريَاح اللطف وَالْكَرم) (وَيَا حظوظى رفقا لست مدركة ... غير الذى قسم الارزاق فى الْقدَم) وَقَوله (لَا تتهم بالسوء دهرك انه ... جبل يُجيب صداك مِنْهُ صداء) (مرآتك الدُّنْيَا وفعلك صُورَة ... فِيهَا فَمَا الشنعاء والحسناء) وَقَوله (ربح المخلصون بالاخلاص ... وَاكْتفى العابدون هول الْقصاص) (وَأَنا المذنب الذى بسوى الْعَفو بعيد من الْجَحِيم خلاصى ... ) وَقَوله (سيدى مَا قنطت مِنْك وَلَا رَاع فؤادى من الخطا مَحْذُور) (ان أكن راجيا فَأَنت جواد ... أَو أكن مذنبا فانت الغفور) وَقَوله يَا الهى هبنى لعفوك انى ... وَجل الْقلب من شنيع الذُّنُوب) (حسناتى جَمِيعهَا سيئات ... واعتذارى اليك عين الذُّنُوب) وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى بتوسل بالنبى (اليك رَسُول الله وجهت وجهتى ... لانك أَنْت الْمُنعم المتفضل) (وَلَا نصر الا من جنابك يرتجى ... وَلَا غيث الا من يَمِينك يهطل) وَكَانَ قبل مَوته بِنَحْوِ سنة ترك الْعُزْلَة وَظهر وعاشر قرناءه الَّذين ألفهم من زمن الصِّبَا مِنْهُم والدى المرحوم فَكَانَ كل يَوْم غَالِبا يزور أَبى فيتفرغ عَن جَمِيع اشغاله لمحادثته وَكَانَ يَقع بَينهمَا محاورات عَجِيبَة ومحادثات غَرِيبَة وَكنت أَنا أَقف فى خدمتهما وَكَثِيرًا مَا يخاطبنى الامير وَيطْلب من والدى دواوين الشُّعَرَاء المفلقين ويجلسنى ويأمرنى بِقِرَاءَة قصائد ينتقيها لى ويسألنى عَن بعض أَلْفَاظ مغلقة مِنْهَا فَأُجِيبَهُ عَمَّا أعرفهُ وَكَانَ يَدْعُو لى ويحرص على فَوَائِد يلقيها الى وكتبت عَنهُ فى ذَلِك الاثناء أناشيد كَثِيرَة من شعره وَشعر غَيره وَمَا رَأَيْته يغالى بشئ من شعره الغزلى بِأَكْثَرَ من هَذِه الابيات وهى قَوْله رَحمَه الله تَعَالَى (قد زارنى وَكَأَنَّهُ رَيْحَانَة ... يَهْتَز من تَحت القباء الاخضر) (فَظَنَنْت مِنْهُ ضمن كلا سَلامَة ... من طيبه شمامة من عنبر) (ولكنز مبسمه دَنَوْت فخلته ... ياقوتة ملئت بأنفس جَوْهَر) (فهصرته هصر النسيم أراكة ... متلطفا حَتَّى كَأَن لم يشْعر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 (متعانقين على فرَاش صِيَانة ... متحذرين من الصَّباح المسفر) وكتبت عَنهُ من املائه قَوْله يمدح أَبى رحمهمَا الله تَعَالَى (أرى الْعُمر فى غير السرُور مضيعا ... وَمن ودع الاحباب روحا مودعا) (فانى قد نازلت كل كريهة ... وقضيت فى النعماء عزا منوعا) (وجالست أَرْبَاب الْفَضَائِل يافعا ... وشاهدت أقمار الكمالات طلعا) (وصادفت فضل الله وَابْن محبَّة ... أجل بنى الدُّنْيَا وَأكْرم من سعى) (فَلَا من كَسَاه الله ثوبا كمن غَدا ... عَلَيْهِ لثوب مستعار مرقعا) (وَلَا من يُصِيب النَّاس أنواء فَضله ... كمن رَاح يرضى بِالْقَلِيلِ تقنعا) وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى يمدح بعض الاعيان (بذاتك طابت فى الْوُجُود العناصر ... وقرت عُيُون واطمأنت سرائر) (وأيسر وصف من جميلك دوحة ... يجول بهَا فكر ويرتع نَاظر) (سقيت رياض الشُّكْر منى مآثرا ... تفتح مِنْهَا بالثناء أزاهر) (أَزور وضدى لَا سواهُ مصاحبى ... حماك فتثنينى وحولى عشائر) (اذا سرت خفف من عطاياك اننى ... ليثقل ظهرى جودك المتكاثر) (وَمَا أَنا من يَأْبَى نداك وانما ... يمل من السحب الثقال الْمُسَافِر) (كفانى عزا اننى بك لائذ ... وحسبك فخرا أننى لَك شَاعِر) وَحضر يَوْمًا عِنْد والدى فَقَالَ لى اكْتُبْ مَا أمْلى عَلَيْك وَهُوَ مِمَّا نظمته فى هَذِه اللَّيْلَة ثمَّ أنْشد هَذِه الابيات معرضًا بِجَمَاعَة من صُدُور دمشق فَقَالَ (أسود على مَا تدعيه نُفُوسهم ... نمال اذا عدوا ليَوْم رهان) (يسؤوننى فى القَوْل غيبا وانهم ... لتسدى لَهُم نعماى طول زمَان) (وَأمسى مروعا من مَخَافَة عتبهم ... وهم تَحت ظلى رأفتى وامانى) (وَلم أنس مَا قد قَالَ والدى الذى ... تعوض عَن دنياهم بجنان) (أَبَت همتى العلياء عَنى أَن ترى ... رجَالًا مكانى لَا تسد مكانى) ثمَّ سمعته بعد أَيَّام يَقُول قد ظَفرت فى مسوداتى الْقَدِيمَة بِهَذِهِ الابيات الْخَمْسَة وَكنت قد نظمتها من مُنْذُ خمس وَثَلَاثِينَ سنة والآن توارد الْفِكر فِيهَا وَهَذَا غَرِيب ثمَّ بعد مُدَّة اخْتَلَط وَظَهَرت فِيهِ أَحْوَال الطاعنين فى السن وتناقضت أَقْوَاله ثمَّ مرض وَطَالَ بِهِ الْمَرَض مُدَّة أشهر ونظم فى مَرضه هَذِه القصيدة المطولة وَلَيْسَت من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 // حسن شعره بل هى ضَعِيفَة من ضَعِيف // ومطلعها (دَار عَلَيْهَا وَحْشَة وقتام ... ) وَتوفى عقيب نظمها بأيام وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَانِينَ وَألف عَن ثَلَاث وَسبعين سنة وَدفن بتربتهم بِجَامِع جدهم بميدان الْحَصَا وروى عَنهُ انه قَالَ عِنْد حَالَة نَزعه أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {يَا حَيّ يَا قيوم بِرَحْمَتك أستغيث وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على جَمِيع الانبياء وَالْمُرْسلِينَ وعَلى خَاتم الرُّسُل الْكِرَام الذى هدَانَا ودلنا على سَبِيل الله أشهد الله على وَمَلَائِكَته بأنى أشهد أَن لَا اله الا الله آمَنت بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر وَالْقدر خَيره وشره من الله تَعَالَى الى يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون الا من أَتَى الله بقلب سليم وَحكى انه رأى الْغَوْث فى رَابِع وعشرى جُمَادَى الْآخِرَة وَبَين يَدَيْهِ أَبُو الْغَيْث وَاقِفًا فى حرم الْمَدِينَة المنورة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام وَهُوَ ينشد هَذِه الابيات (يَا أَبَا الْغَيْث هَل يُجَاب دُعَاء ... رحت تَدعُوهُ من لسانى وتسأل} (ويجئ المشير مِنْك بشيرا ... بالتهانى يَقُول سعدك أقبل) (كنت أَشْقَى الانام قولا وفعلا ... فَعَلَيْك الْكَرِيم لطفا تفضل) (كل هَذَا بِفضل أَحْمد اذ كَانَ شَفِيعًا ذَاك النبى الْمفضل ... ) فأنشدنى رجل بِغَيْر صَوت أسمعهُ وَلَا أرَاهُ وَأَظنهُ ملكا مقربا (هاكها قد أتتك وَالْخَيْر يَتْلُو ... بعضه الْبَعْض والمواهب تترى) (سَوف يَأْتِيك مَا أَقُول قَرِيبا ... سَوف تلقى من بعد كسرك جبرا) (سَوف يَأْتِيك مَا أَقُول قَرِيبا ... سوفى تلقى من بعد عسرك يسرا) (كنت كَلْبا فهاك قد صرت ليثا ... تختشيك الاسود سرا وجهرا) وَقَالَ لى أَمِير الْمُؤمنِينَ سعد بن عبَادَة قَالَ لعرابة وَهُوَ تابعى أرى كثيرا من النَّاس يَقُولُونَ يَا رب خَاتِمَة الْخَيْر وَالْخَوْف من السَّابِقَة قَالَ الله تَعَالَى بعد أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {ان الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} فَقلت يَا سيدى كَيفَ حَال الْوَاحِد منا من العصاة بعد قَوْله لَو علم الْمَرْء مَا يَأْتِيهِ بعد الْمَوْت مَا أكل أَكلَة وَلَا شرب شربة الا وَهُوَ يبكى وَيضْرب على صَدره فجاءنى شيخ الاسلام الشَّيْخ مُحَمَّد البطنينى وَقَالَ لى أما حدثتك بِحَدِيث رَسُول الله انه قَالَ أقيلوا ذوى الْبيُوت عثراتهم فان الله نَاظر اليهم وان كَانَ جدك مَمْلُوكا وَجَدْتُك جَارِيَة حبشية غفر الله لَك وَقد غفر لَك ببيتين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 قلتهما أَيَّام كنت لبطنك وفرجك وهما (حتام سفن اما بَينا على يبس ... تجرى بجنح ظلام مطفئ القبس) (لَعَلَّ من جَانب الالطاف يدركا ... ريح النجَاة فننجوا آخر النَّفس) وَقَالَ ان من الشّعْر لحكمة وان من الْبَيَان لسحرا فَكَانَ سَبَب خلاصى ببيتين وَكنت قد نسيتهما كَمَا وَقع لِابْنِ هانى المكنى بأبى نواس الحكمى غفر لَهُ بِأَبْيَات قَالَهَا وهى قَوْله (تَأمل فى رياض الارض وَانْظُر ... الى آثَار مَا صنع المليك) (عُيُون من لجين شاخصات ... باحداق كَمَا الذَّهَب السبيك) (على قضب الزبرجد شاهدات ... بَان الله لَيْسَ لَهُ شريك) مَنْصُور بن عبد الرَّزَّاق بن صَالح الْمَعْرُوف بالطوخى المصرى الشافعى امام الْجَامِع الازهر الشَّيْخ الامام الْعَلامَة صدر الافاضل وَشَيخ المدرسين وَبَقِيَّة الْعلمَاء المتمكنين أَخذ الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا من الْعُلُوم الدِّينِيَّة عَن جمع من الْعلمَاء الاعلام مِنْهُم الشَّمْس الشوبرى والشهاب القليوبى وَالشَّيْخ سُلْطَان وَالشَّمْس البابلى والنور الشبراملسى وَغَيرهم من أكَابِر الشُّيُوخ واكب على طلب الْعلم والتقيد بِهِ حَتَّى بلغ الْغَايَة القصوى فى جَمِيع الْعُلُوم وَشهد أشياخه لَهُ بِالْفَضْلِ التَّام واعترف لَهُ أكَابِر عُلَمَاء عصره بالتفوق على اقرانه وتصدر للاقراء بِجَامِع الازهر وَصرف فِيهِ جَمِيع اوقاته حَتَّى كَانَ يَأْتِيهِ غداؤه وعشاؤه فى مَكَان درسه وَلَا يذهب الى بَيته الا بعد الْعشَاء بساعة ويأتى الى الْجَامِع قبل الْفجْر وَاسْتمرّ على هَذِه الْحَالة الى أَن توفى وَكَانَ ورعا جدا وَحج وَأخذ عَنهُ بالحرمين جمَاعَة وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى الْمحرم سنة تسعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى مَنْصُور بن على السطوحى الْمحلى نزيل مصر ثمَّ الْقُدس ثمَّ دمشق الشافعى الْعَالم الْعَامِل والفاضل الْكَامِل الْمَشْهُور بِالْعبَادَة والعرفان والبالغ الى مرتبَة التفرد فى الزّهْد وَعظم الشان دخل مصر وَصَحب بهَا الشَّيْخ الولى الصَّالح مبارك وَأخذ عَنهُ طَرِيق الشاذلية وسلك مَسْلَك الْقَوْم وهجر المألوف وَالنَّوْم وصقل قلبه بصيقل المجاهده فشاهد فى طَرِيق الْحق مَا شَاهده وجاور بِجَامِع الازهر وَقَرَأَ الْكثير وَمهر وبهر ومشايخه كَثِيرُونَ رَأَيْت بِخَطِّهِ اجازة كتبهَا لبَعض المقدسيين قَالَ فِيهَا عِنْد ذكر مشايخه فَمنهمْ القطب الربانى شيخ عصره بِمصْر الشَّيْخ نور الدّين الزيادى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 وَمِنْهُم شيخ الْمُحَقِّقين ولسان الْمُتَكَلِّمين وَحجَّة المناظرين وبستان المفاكهين الشَّيْخ أَحْمد الغنيمى وَجَمِيع مَا أذكرهُ من مشايخى عِنْد الحذاق أشهر من قفا نبك فَلَا نطيل بِذكر أوصافهم والذى أذكرهُ مِنْهُم لَيْسَ الا كَمَا قَالَ الْقَائِل فى الْمَعْنى وَأحسن (لى سادة من عزهم ... أَقْدَامهم فَوق الجباه) (ان لم أكن مِنْهُم فلى ... فى ذكرهم عز وجاه) وَمِنْهُم الشَّيْخ أَبُو بكر الشنوانى وَمِنْهُم القاضى يحيى الشامى الحنبلى وَمِنْهُم الشَّيْخ ابراهيم اللقانى وَمِنْهُم الشَّيْخ يُوسُف الزرقانى وَالشَّيْخ سَالم الشبشيرى وَمِنْهُم الشَّيْخ سُلَيْمَان البابلى وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد الجابرى وَمِنْهُم الشَّيْخ عبد الله الدنوشرى وَمِنْهُم الشَّيْخ سراج الدّين الشنوانى وَمِنْهُم الشَّيْخ عبد الْمُنعم بن الشَّيْخ طه المالكى وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد الْقصرى وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد الكلبى وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد البكرى وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشلبى وَمِنْهُم الشَّيْخ حجازى الْوَاعِظ وَمِنْهُم وَهُوَ أَوَّلهمْ صَاحب الدّين المتين الذى اشْتهر انه يقرئ الْجِنّ الشَّيْخ يس المالكى وَمِنْهُم الشَّيْخ مُوسَى الدميتى وَمِنْهُم الشَّيْخ ابراهيم المعمرى وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد الحبار وَمِنْهُم الشَّيْخ محب الدّين المنزلاوى وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد الخوانكى ولى مَشَايِخ أخر يُؤدى ذكرهم الى الاطالة نفعنا الله تَعَالَى بهم وببركاتهم جَمِيعًا انْتهى ثمَّ قدم الى الْقُدس وَأقَام بهَا منعكفا على الْعِبَادَة وتلاوة كَلَام الله تَعَالَى الْقَدِيم والقاء حَدِيث النبى الْعَظِيم وَاسْتقر منعزلا عَن النَّاس وَلَا يخالطهم فى وَحْشَة وَلَا ايناس فحسده أهل الْقُدس على حبه الخفاء وشهرته تأياه ولاقبال الكبراء والاعيان عَلَيْهِ مَعَ أَن ذَلِك بِخِلَاف رِضَاهُ فأظهروا لَهُ الشرة والتجرى وأسندوا اليه أمورا هُوَ مِنْهَا فى غَايَة التبرى (وحاشاه من قَول عَلَيْهِ مزور ... وَمَا علمت ذَنبا عَلَيْهِ الملائك) فَهَاجَرَ الى دمشق فقابلته بتأهيل وترحيب وأنزلته فى صدر مِنْهَا رحيب وَأقَام بالجامع الْمَعْرُوف بالصابونية قرب بَاب الصَّغِير يقْصد ويزار واليه بالورع التَّام والزهد الْكَامِل يشار انعكفت عَلَيْهِ أهل دمشق قاطبة واعتقدوه وأحبوه حَتَّى صَار من تلامذته ومريدية خلق كثير من أَهلهَا دمشق وَكَانَ سَببا لنشر حفظ الْقُرْآن فِيهَا فان الْحفاظ صَارُوا أَكثر من أَرْبَعمِائَة نفر بِنَفسِهِ الْمُبَارك وَأقَام على حَالَته الْمَذْكُورَة ايضا منعزلا لَا يذهب الى اُحْدُ من الْحُكَّام بل هم يأْتونَ اليه ويلتسمون مِنْهُ الدُّعَاء ويأتى محبوه اليه بالاطعمة النفيسة والاحسانات وَهُوَ لَا يدّخر مِنْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 شَيْئا وَكَانَ كثيرا مَا يحجّ فى غَالب السنين وَحج فى سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وجاور بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ السّنة هى السّنة الَّتِى مَاتَ فِيهَا فَأرْسل اليه الشَّيْخ عبد الْجواد المنوفى من مَكَّة الى الْمَدِينَة هَذِه القصيدة يهنئه بالمجاورة عِنْد خير خلق الله مُحَمَّد (دَار الحبيب أَحَق أَن تهواها ... وتحن من طرب الى ذكرَاهَا) (وعَلى الجفون مَتى هَمَمْت بزورة ... يَا ابْن الْكِرَام عَلَيْك أَن تنساها) (فَلَانَتْ انت اذا حللت بِطيبَة ... وظللت ترتع فى ظلال رباها) (مغنى الْجمال من الخواطر والتى ... سلبت عقول العاشقين حلاها) (لَا تحسب الْمسك الذكى كثربها ... هَيْهَات أَيْن الْمسك من رياها) (طابت فان تبغى التَّطَيُّب يَا فَتى ... فأدم على السَّاعَات لثم ثراها) (أبشر ففى الْخَبَر الصَّحِيح مُقَرر ... ان الاله بِطيبَة سَمَّاهَا) (واختصها بالطيبين لطيبها ... واختارها ودعا الى سكناهَا) (لَا كالمدينة منزلا وَكفى بهَا ... شرفا حُلُول مُحَمَّد بفناها) (حظيت بجيرة خير من وطئ الثرى ... وأجلهم قدرا فَكيف ترَاهَا) فَأَجَابَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بِهَذِهِ الابيات وهى قَوْله (أيا سَائِلًا عَنى وَعَن وصف خلتى ... تُرِيدُ بهَا حظا بأوفر بغيتى) (مآرب أمرى ثمَّ مربى مآربى ... باقوال ربى ثمَّ افعال سنة) (مجامع أمرى فى اجْتِمَاع أحبتى ... بِطيبَة اذا طابت لنَفس زكية) (وقرة عين فى اقتراب منيتى ... بموطنها ان شَاءَ رب الْبَريَّة) (وأهنى باخبار الاحبة كلما ... أَرَاهَا بِعَين الرَّأْس ثمَّ البصيرة) (وأذكر مَا بَين المحبين شَأْنهَا ... فتصغى لَهَا أهل الصَّفَا والمودة) (فيا قرب دارى بالمحبين كلهم ... وسيدهم يَوْم اللقا وَالْغنيمَة) (فَللَّه در المغبطين لنا بهَا ... وَقدر بحت نفسى تهنى ببغيتى) (فوَاللَّه لَا أنسى محبا ومخلصا ... وعبدا لجواد كريم السجية) 5 وروى عَنهُ انه قَالَ لما وصلته أَبْيَات الشَّيْخ عبد الْجواد أرسل لنا الشَّيْخ هَذِه الابيات يودعنا بهَا وَكَانَ كَمَا قَالَ وَكَانَت وَفَاته فى حادى وعشرى شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بِالبَقِيعِ بِالْقربِ من مرقد سيدنَا ابراهيم بن النبى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 مَنْصُور بن يُونُس بن صَلَاح الدّين حسن بن أَحْمد بن على بن ادريس البهوتى الحنبلى شيخ الْحَنَابِلَة بِمصْر وخاتمة عُلَمَائهمْ بهَا الذائع الصبت الْبَالِغ الشُّهْرَة كَانَ عَالما عَاملا ورعا متبحرا فى الْعُلُوم الدِّينِيَّة صارفا أوقاته فى تَحْرِير الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة ورحل النَّاس اليه من الْآفَاق لاجل أَخذ مَذْهَب الامام أَحْمد رضى الله عَنهُ فانه انْفَرد فى عصره بالفقه أَخذ عَن كثير من الْمُتَأَخِّرين من الْحَنَابِلَة مِنْهُم الْجمال يُوسُف البهوتى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن البهوتى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الشامى المردارى وَأكْثر أَخذه عَنهُ وَعنهُ الشَّيْخ مُحَمَّد وَمُحَمّد بن أَبى السرُور البهوتيان وابراهيم بن أَبى بكر الصالحى وَغَيرهم وَمن مؤلفاته شرح الاقناع ثَلَاثَة أَجزَاء وحاشية على الاقلاع وَشرح على مُنْتَهى الارادات للتقى الفتوحى وحاشية على الْمُنْتَهى وَشرح زَاد المستنقع للجحاوى وَشرح الْمُفْردَات للشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الهادى المقدسى وَكَانَ مِمَّن انْتهى اليه الافتاء والتدريس وَكَانَ شَيخا لَهُ مَكَارِم دارة وَكَانَ فى كل لَيْلَة جُمُعَة يَجْعَل ضِيَافَة وَيَدْعُو جماعته من المقادسة واذا مرض مِنْهُم أحد عَاده وَأَخذه الى بَيته ومرضه الى أَن يشفى وَكَانَت النَّاس تَأتيه بالصدقات فيفرقها على طلبة الْعلم فى مَجْلِسه وَلَا يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا وَكَانَت وَفَاته ضحى يَوْم الْجُمُعَة عَاشر شهر ربيع الثانى سنة احدى وَخمسين وَألف بِمصْر وَدفن فى تربة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى الامير مَنْصُور الْمَعْرُوف بِابْن الفريخ تَصْغِير فرخ البدوى أَمِير الْبِقَاع العزيزى بعد اولاد الحنش كَانَ فى أول أمره بدويا من عرب تِلْكَ الْبِلَاد وَكَانَ يتكسب بالرجادة ثمَّ انْتهى أمره الى أَن حَاز الامارة وتظاهر بقتل المناحيس وَأهل الزعارة والشطارة وَكَانَ يبغض اللُّصُوص والقطاع ويعاملهم اذا قبض عَلَيْهِم بِالْقَتْلِ والتمثيل وَكَانَ يحب أهل الشجَاعَة حَتَّى عظم أمره فولى حُكُومَة الْبِقَاع ثمَّ أعْطى حُكُومَة نابلس وانحاز اليه جمَاعَة من جند دمشق واشتهر وأخاف الدروز ثمَّ شن الغارات عَلَيْهِم وَكَانَ هُوَ السَّبَب فى أَخذ ابراهيم باشا أحد الوزراء فى عهد السُّلْطَان مُرَاد بن سليم اليهم وَقد جَاءَ من نِيَابَة مصر ثمَّ كَانَ قيدومه حَتَّى أثر فيهم وَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة واختفى مِنْهُ أَمِيرهمْ الامير قرقماس بن معن حَتَّى مَاتَ فى اختفائه ثمَّ جمع لَهُ بَين حُكُومَة نابلس وصفد وعجلون وَالْبِقَاع وأضيف اليها امارة الْحَاج وَالْتزم مَالا عَظِيما على صفد ونابلس وَجعل نابلس باسم وَلَده وعجلون باسم وَاحِد من جماعته الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 يُقَال لَهُ دالى على وصفد باسمه وَالْبِقَاع بحاكم من قبله وسافر بِالْحَجِّ مرَّتَيْنِ فى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وفى الَّتِى بعْدهَا ثمَّ زَاد عتوه وتمرده وَخرب بلادا كَثِيرَة وَقتل خلقا كثيرا وَعمر عمارات عَظِيمَة بالبقاع بقرية قبر الياس وَشرع فى عمَارَة دَار عَظِيمَة خَارج دمشق قبلى دَار السَّعَادَة لم يرسم مثلهَا جعل بَابهَا بالرخام الابيض وَالْحجر الاحمر المعدنى وَنقل لَهَا الرخام من بِلَاد السواحل وَالْحِجَارَة من الْبِقَاع وَاسْتعْمل فِيهَا العملة بالسخرة وَسيرَته طَوِيلَة وَكَانَ مَعَ مَا هُوَ فِيهِ من التعدى ملازما للصلوات محبا للسّنة وَأَهْلهَا مبغضا للرافض والدروز والتيامنة شَدِيدا على المفسدين وَكَانَت الطرقات آمِنَة فى أَيَّامه ثمَّ لما ولى مُرَاد باشا نِيَابَة الشَّام وَهُوَ الذى صَار آخرا وزيرا أعظم طلع من صيدا فى سنة احدى بعد الالف فخدمه الامير فَخر الدّين بن معن بِخِدْمَة سنية وأطعمه بِكُل جزئية وكليه فَعمل مُرَاد باشا على قبض الامير مَنْصُور صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ آمن مِنْهُ بعد أَن أمره بِعَمَل ضِيَافَة لَهُ فى بَيته الذى ابتناه عِنْد الدرويشية ثمَّ اعتذر عَن الذّهاب اليه وَأمره أَن تكون الضِّيَافَة عِنْده فى دَار السَّعَادَة فَلم يشْعر الامير مَنْصُور الا وَقد أحيط بِهِ ثمَّ أودعهُ قلعة دمشق وَعرض فِيهِ الى السُّلْطَان مُرَاد فجَاء الامر بقتْله فَقتل فى نَهَار الثلاثا ثَالِث عشر شهر ربيع الاول سنة اثْنَتَيْنِ وَألف وَأخرج من القلعة فى بلنسة عتيقة مَحْمُولا فِيهَا من غير نعش وَغسل فى بَيت زَوجته بنت مُرَاد باشا وَدفن بتربتهم قبلى ميدان العبيد خَارج بَاب الصَّغِير وَفِيه يَقُول الاديب يُوسُف العلمى مؤرخا (فى السجْن شخص اشتبك ... مُقَيّدا من غير شكّ) (من ظلمه وجوره ... عَلَيْهِ قد دَار الْفلك) (فكم طَغى وَكن بغى ... وَكم سبى وَكم فتك) (لم ير فى خير سعى ... وَلَا مَشى وَلَا سلك) (فَلَا نجا لما اعْتدى ... وَلَا افتدى بِمَا ملك) (وَقد أَتَى تَارِيخه ... ابْن فريخ جاهلك) وَخلف عشرَة أَوْلَادًا أكبرهم قرقاس الظَّالِم العسوف وَكَانَ عِنْد قتل وَالِده مُقيما ببوارش من أَرض الْبِقَاع فَأرْسل مُرَاد باشا الى الامير فَخر الدّين بن معن يَأْمُرهُ بالكبس عَلَيْهِ فَتوجه اليه فى جمع عَظِيم من الدروز والتيامنة فَقبل وُصُوله الى بوارش الَّتِى كَانَ نازلا فِيهَا جَاءَهُ النذير ففر وَمَعَهُ نَحْو مائَة بندقانى فعمدوا الى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 بيوته فنهبوها وحرقوها ونقلوا محاسنها الى بِلَادهمْ ثمَّ نزلُوا الى قبر الياس وبعثوا الى مُرَاد باشا يخبرونه أَن قرقاس هرب الى ابْن سَيْفا بِبِلَاد كسروان فَأرْسل مُرَاد باشا يَأْمُرهُم بالرحيل عَن قبر الياس اليه ثمَّ جَاءَت الاخبار بِأَن قرقاس لما توجه من بوارش هَارِبا الى ابْن سَيْفا لم يُمكنهُ ابْن سَيْفا من النُّزُول عَلَيْهِ فى بِلَاده فَتفرق عَنهُ من كَانَ مَعَه وَلم يدر أَيْن ذهب وَالله أعلم قلت ثمَّ كَانَت عاقبته أَنه قتل على يَد الامير مُوسَى بن الحرفوش بمواطأة الامير فَخر الدّين بن معن وَكَانَ قَتله فى حُدُود سنة ثَلَاث بعد الالف مَنْصُور سبط شيخ الاسلام نَاصِر الدّين الطبلاوى نِسْبَة لبلدة بالمنوفية من أقاليم مصر الشافعى الشَّيْخ الْعَالم الْمُحَقق خَاتِمَة الْفُقَهَاء ورحلة الطلاب وَبَقِيَّة السّلف برع فى التَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث والنحو والتصريف والمعانى وَالْبَيَان وَالْكَلَام والمنطق والاصول وَغَيرهَا من الْعُلُوم فَلَا يدانيه فِيهَا مدان بِحَيْثُ انه تفرد فى اتقان كل مِنْهَا وقلما يُوجد فن من الْفُنُون العلمية الا وَله فِيهَا الملكة القوية ولد بِمصْر وَبهَا نِشأ وَحفظ الْقُرْآن بالروايات واشتغل بعلوم الشَّرْع والمعقولات وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّمْس الرملى والعربية عَن أَبى النَّصْر بن نَاصِر الدّين الطبلاوى ولازم فى الْعُلُوم النظرية الْمُحَقق الشهَاب أَحْمد بن قَاسم العبادى وَبِه تخرج وببركته انْتفع وَحصل وَجمع وَأفْتى ودرس ولازمه بعده جلّ تلامذته وَمِمَّنْ لَازمه وَأخذ عَنهُ علوما عديدة الشَّمْس مُحَمَّد الشوبرى وَألف المؤلفات السّنيَّة ورزق السَّعَادَة فِيهَا فانتشرت واجتهد النَّاس فى تَحْصِيلهَا وسارت بهَا الركْبَان وَمن مؤلفاته شرح على الازهرية فِي مُجَلد حافل وَشرح على شرح تصريف الْعُزَّى للتفتازانى ونظم الاستعارات وَشَرحهَا ونظم عقيدة النسفى وَله مؤلف فى لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَغير ذَلِك من كتب ورسائل وجرد حَاشِيَة شَيْخه ابْن قَاسم الْمَذْكُور على التُّحْفَة لِابْنِ حجر وَلم يزل مشتغلا بِالْعبَادَة والافادة حَتَّى توفى وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الثلاثا رَابِع عشر ذى الْحجَّة سنة أَربع عشرَة بعد الالف مَنْصُور الشهير بالفرضى الشافعى المصرى نزيل الصالحية بِدِمَشْق الْفَقِيه الفرضى الحيسوب فَرد وقته أَخذ بِمصْر عَن عُلَمَاء أجلاء ثمَّ ورد صالحية دمشق فَنزل بِالْمَدْرَسَةِ العمرية وقطن بهَا مُدَّة حَيَاته ودرس بهَا وَأفَاد واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة من فضلاء دمشق وانتفعوا بِهِ من أَجلهم بَقِيَّة الْبَيْت الغزى الشَّيْخ الْعَالم عبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 الْكَرِيم ابْن الشَّيْخ سعودى مفتى الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق الْآن وَغَيره وَكَانَ صَالحا ناسكا حسن السمت والنزاهة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت عَاشر ذى الْقعدَة سنة سبعين وَألف الامير مَنْصُور الْمَعْرُوف بِابْن الشهَاب التيمانى أَمِير وادى التيم وَابْن أميرها ولآبائه وعمومته قدم فى امارة الوادى الْمَذْكُور وجورهم بِالنِّسْبَةِ الى أُمَرَاء بِلَاد الشَّام كالدروز بنى معن والرفضة بنى الحرفوش وَبنى سرحان مَقْصُور على أنفسهم من حَيْثُ المعتقد فَحسب ومالهم فى الْقَدِيم والْحَدِيث كَثْرَة أذية للْمُسلمين وبلادهم الْمَذْكُورَة من أصح بِلَاد الشَّام هَوَاء وأطيبها بقْعَة والامراء المذكورون يسكنون مِنْهَا حاصبيا وريشيا قريتين وَلَهُم فيهمَا أبنية نفيسة وعمارات فائقة وَكَانَ الامير مَنْصُور الْمَذْكُور صَاحب بسطة فى المَال لطيف الشكل والمصاحبة مائلا الى المعاشرة والمباسطة عَاقِلا ذَا فكرة جَيِّدَة الا انه لعبت بِهِ وساوس الحشمة فأدته الى مُوَافقَة عبد السَّلَام وَبَقِيَّة رُؤَسَاء جند الشَّام فى مصادمة مرتضى باشا لما ولى نِيَابَة الشَّام وقارب أَن يدخلهَا وَكَانَ عبد السَّلَام كَاتب الامير مَنْصُور وَابْن عَمه الامير عليا فى هَذَا الامر وَطلب اسعافه بِالرِّجَالِ فَجمعُوا من بِلَادهمْ جمعا عَظِيما وجاؤا بهم الى دمشق ثمَّ تجمع الْعَسْكَر وَخرج الفتيان ومعهما من الرعاع والاوباش مَا ضبط فَكَانَ أَرْبَعَة عشر ألفا وَكَانَ مرتضى باشا وصل الى القطيفة فَخَرجُوا الى محاربته فَلَمَّا سمع بخبرهم رَجَعَ وَلم يدْخل الى دمشق وَرَجَعُوا هم الى دمشق وَأقَام الاميران الْمَذْكُورَان بهَا أَيَّامًا وَأَقْبل الْعَسْكَر عَلَيْهِمَا وتغالوا فى تعظيمهما ومواساتهما فأعجبهما ذَلِك الاقبال وظنا أَن الدَّهْر سالمهما فى الْحَال والمآل وَحسن لَهما كثير أَن يسكنا دمشق ويدخلا فى زمرة جندها فانساغا وَلم يعْهَد فِيمَا أَحسب لَاحَدَّ من أهل بيتهما ذَلِك الانسياغ وتملكا دارين بمحلة القنوات احداهما اشْتَرَاهَا الامير مَنْصُور من بنى فرهاد والاخرى اشْتَرَاهَا الامير على من مخلفات الصنجقدار وصارا كِلَاهُمَا من كبار الْجند الْمعبر عَنْهُم بالبلوكباشية وَشرعا فى عمَارَة هذَيْن الدَّاريْنِ على أسلوب متقن مُحكم وزخرفاهما بأنواع الزخارف والنقوشات وجلبا اليهما الرخام من بلادهما واستمرا مُدَّة يصرفان جهدهما فى اتقان بنائهما حَتَّى تمت عمارتهما ولعمرى انهما أبدعا ونوعا وأجادا فِيمَا صنعا وَهَاتَانِ الداران بعد تناقل الايدى لَهما من محَاسِن دمشق الْآن وَاتفقَ قريب التَّمام قصَّة قتل عبد السَّلَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 كَمَا ذكرنَا فى تَرْجَمته فتنغص عيشهما وأقلعا الى بلادهما متخوفين وعلما أَن مَا ارتكباه كَانَ غَلطا وتواردت عَلَيْهِمَا بعد ذَلِك أَخْبَار زعزعتهما عَن مستقرهما وطفقا يلتجئان الى من يحسن التَّدْبِير فى أَمرهمَا فَلَمَّا أعياهما الظفر بمخلص لَهما عِنْد ارباب العقد والحل وَعظم الكرب عِنْدهمَا من كَثْرَة الاوهام وَجل لم يقر للامير مَنْصُور قَرَار دون أَن ترك الديار وَالدَّار وصمم على السّفر الى جِهَة السلطنة العليه وَلم يبال اذا قدم عَلَيْهِم أتدركه منية أَو أمنيه فَوَقع أَنه وصل وقابل الْوَزير فعوجل بِالْقَتْلِ من غير تَأْخِير وَكَانَ قَتله فى سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف بقسطنطينية وَوَقع فى أَطْرَاف دمشق التفتيش على ابْن عَمه على فظفروا بِهِ تِلْكَ السّنة وَقتل أَيْضا مُوسَى بن ابراهيم بن مُسلم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَلِيل بن على بن عِيسَى بن أَحْمد بن صَالح بن خَمِيس بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن دَاوُد بن مُسلم السَّيِّد الصمادى القادرى الشافعى الدمشقى الشَّيْخ الاجل الصَّالح الدّين الْخَيْر الْفَقِيه كَانَ من أجل الصُّوفِيَّة فى عصره تلقى الطَّرِيقَة القادرية الصمادية عَن وَالِده وَأَجَازَهُ اجازة خَاصَّة فى سنة سبعين وَألف وَكتب على الاجازة فضلاء دمشق مِنْهُم والدى المرحوم وَكَانَ من جملَة مَا كتبه لما تشرف الْبَصَر بِالنّظرِ الى هَذِه الاجازة الشريفه وسرح طرف الطّرف فى مضمار مطالعة مَا ذكر فِيهَا من أهل هَذِه الطَّرِيقَة المنيفه الَّذين بذكرهم تنزل الرحمه وبصبا أنفاسهم القدسية تنقشع غمائم الغمه آنست من جَانب طورها الايمن نَار الْقرى وَعلمت ان كل الصَّيْد فى جَوف الفرا فيا لَهَا من سلسلة أَحَادِيث علاها معنعنة سلسلة علية الشّرف محتوية على السداد والاستعداد من كل طرف مُتَّصِلَة من الاجداد الى الْآبَاء الى الابناء فَلَا جرم فبالآباء تقتدى الاولاد والامجاد وعَلى عراقها تجرى الْجِيَاد وَحقّ لنهر شقّ من بَحر أَن يكون غزيرا ولنجم استضاء من بدر أَن يكون منيرا كحاوى هَذِه الاجازه من فَازَ بالشرف وحازه الْجَامِع بَين الْحسب وَالنّسب وَالْفضل التَّام والادب المتحلى باستعداد كل فَضِيلَة نالها (فَلم تَكُ تصلح الا لَهُ ... وَلم يَك يصلح الا لَهَا) ولابدع فَهُوَ وسلالة الْبَيْت النبوى من أصبح امام الانام فى الْعَصْر بالجامع الاموى قد سلك مَسْلَك آبَائِهِ العارفين وتابع أجداده واهتدى بهدى سلفه المرشدين فَلهُ جد فى الطَّاعَة وخلوص فى الْعِبَادَة مَعَ اشتماله على فضل غزير يعرب عَن رفع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 مَحَله وَعلم مبْنى على قَاعِدَة الْعَمَل وَأَصله لَا بدع فَمن كَانَ لَهُ كوالده وَالِد فقد حرى الْفَلاح وَالصَّلَاح طارفا عَن تالد وناهيك بوالده الْعَزِيز الْمُجِيز من أضحى كَالْعلمِ الْفَرد فى بَاب التَّمْيِيز قطب دَائِرَة هَذِه الديار ومركز احاطة عباد الْعباد الاخيار فاقسم بالْمقَام وَالْبَيْت الْحَرَام أَن من علم مَا لَهُ من المزايا وَفهم مَا خص بِهِ من السجايا من واهب العطايا تحقق أَن فى الزوايا خبايا وفى الرِّجَال بقايا وَلم يزل صَاحب التَّرْجَمَة بعد موت وَالِده خَليفَة قَائِما بأوراده وأذكاره مشكور السِّيرَة فى جَمِيع أَحْوَاله وأطوره الى أَن توفى نَهَار الاربعاء رَابِع عشر صفر سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى مُوسَى بن أَحْمد الملقب شرف الدّين الحمصى الجوسرى الشافعى امام الشَّافِعِيَّة بِجَامِع بنى أُميَّة بِدِمَشْق كَانَ من الْعلمَاء الصَّالِحين والفضلاء الموقرين حضر دروس الْمَشَايِخ الاجلاء واشتغل عَلَيْهِم وَأخذ عَنْهُم مِنْهُم الْبَدْر الغزى والشهاب الطيبى وَالشَّيْخ أَبى الْفِدَاء اسماعيل النابلسى وصاهر الشهَاب القابونى وَولى امامة الاولى بالاموى بعد الشهَاب الفلوجى وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَألف مُوسَى بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد تقدم ذكر تَتِمَّة نسبه فى تَرْجَمَة وَالِده أَحْمد الى الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن مُوسَى الْعجل شيخ بَيت الْفَقِيه الاكبر وبركة الْيمن وَسَنَد تهَامَة انْعَقَد الاجماع على ولَايَته قدس سره ولد يَوْم الاحد سادس وعشرى جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع بعد الالف بِبَيْت جده الْفَقِيه بن عجيل وَبهَا قَرَأَ الْقُرْآن وَأخذ عَن وَالِده ورباه وأدبه فَأحْسن أدبه وكلأه حَتَّى لاحت فِيهِ مخايل النجابة فأقامه مقَامه فى حَيَاته وَجعله خَلِيفَته فى طاعاته وشارك وَالِده فى الاخذ عَن عَارِف زَمَانه تَاج الدّين الهندى رضى الله عَنهُ ورحمه طَرِيق النقشبندية وتلقن مِنْهُ الذّكر وَلبس الْخِرْقَة فى لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة سبع وَعشْرين وَألف وَأخذ عَن كثيرين من مَشَايِخ الْحَرَمَيْنِ واليمن وَقَرَأَ على الشَّيْخ الْعَارِف الزين بن الصّديق المرجاجى رَحمَه الله تَعَالَى عوارف المعارف للسهروردى وَأَجَازَهُ جلّ شُيُوخه بالالباس والتلقين على طَريقَة أهل الْمعرفَة بِاللَّه تَعَالَى وَانْفَرَدَ فى عصره بِبَلَدِهِ فى عُلُوم الطَّرِيقَة وانتهت اليه بهَا الرياسة مَعَ الجاه العريض عِنْد جَمِيع النَّاس والشفاعة المقبولة والكلمة المسموعة والتحلية بالاستقامة وَكَانَت وَفَاته فى ثامن عشر شعْبَان سنة سبع وَتِسْعين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 وَألف وَدفن بِقرب تربة وَالِده رَحمَه الله تَعَالَى مُوسَى بن سعد الدّين بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن حسن السعدى الجباوى الدمشقى القبيباتى الشافعى كَانَ من كبار الصُّوفِيَّة لَهُ الشهامة الزَّائِدَة وَالنعْمَة الطائلة وَقد توسع فى آلَات الاحتشام حد التَّوَسُّع وَجمع من الذَّخَائِر والتحف وأنواع الامتعة والاقمشة مَالا يُحْصى كَثِيرَة وَكَانَ على طَرِيق أسلافه فى الْبَذْل والادرارات والميل الى الشُّهْرَة وَكَانَ معتدلا فى أَمر الجذب بل كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ سَلامَة الْفِكر وَحسن التَّدْبِير والصلف وَله محاضرة جَيِّدَة ولطف أَدَاء ومعاشرة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أكمل أهل بَيته وأعرفهم وأحذفهم وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بتربتهم الْمَعْرُوفَة خَارج بَاب الله الامير مُوسَى بن على بن مُوسَى الْمَعْرُوف بِابْن الحرفوش الامير بن الامير أَمِير بعلبك ولى امارتها بعد قتل أَبِيه وَذَلِكَ بعد أَن كَانَ قبض على أَبِيه وَأرْسل هُوَ والامير مَنْصُور ابْن الفريخ والامير قانصوه الى الرّوم ثمَّ خلص هُوَ وَابْن الفريخ ثمَّ قبض عيله مُرَاد باشا كَمَا قبض على ابْن الفريخ وخنقه فى قلعة دمشق فى سنة احدى أَو اثْنَتَيْنِ بعد الالف وَهَؤُلَاء الْقَوْم من الغلاة فى الرَّفْض خذلهم الله تَعَالَى الا أَن صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ أقرب أَهله الى التسنن كَمَا قَالَ النَّجْم فى تَرْجَمته وَكَانَ بطلا شجاعا جوادا وَكَانَ ركب على الامير على بن سَيْفا صَاحب طرابلس الشَّام بِأَمْر من الْوَزير مُحَمَّد باشا السَّيِّد الشريف الْمُنْفَصِل عَن نِيَابَة مصرحين كَانَ نَائِبا بِالشَّام فى سنة سبع أَو ثَمَان بعد الالف وَقتل ابْن سَيْفا فى نَاحيَة عُزَيْر وَقد ذكرنَا خبر هَذِه الْوَقْعَة فى تَرْجَمَة الامير حسن بن الاعرج وَذكرنَا بَيْتَيْنِ تمثل بهما ابْن الاعوج الْمَذْكُور فى صدر رِسَالَة أرسلها الى الامير مُوسَى صَاحب التَّرْجَمَة يحثه فِيهَا على قتال ابْن سَيْفا والبيتان هما (عُزَيْر طور ونار الْحَرْب موقدة ... وَأَنت مُوسَى وَهَذَا الْيَوْم مِيقَات) الى آخرهَا فَارْجِع اليهما ثمَّة وبقى الامير مُوسَى فى امارة بعلبك حَتَّى دخل الامير على بن جانبولا بعلبك قَاصِدا دمشق فَنَهَضَ الامير مُوسَى الى نواحى حمص لاستقباله مداراة ومحاماة عَن أرضه فتحادثا وتقاولا وتشاورا فِيمَا صدر وتجاولا فَقَالَ الامير مُوسَى هَل تعطينى عهدا على الصُّلْح وَأَنا أذهب الى الشَّام وآخذ لَك الْعَهْد الوثيق من الانام فَقَالَ اذْهَبْ سليما وَكن يَا مُوسَى كليما فَحَضَرَ الى الشَّام وَرمى من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 عسكرها بغاية الملام وأوجعوه بغليظ الْكَلَام ظنا من جهلائهم انه عَلَيْهِم وَمَا كَانَ نَاوِيا الا سوق الْخَيْر اليهم فَلَمَّا حضر الى أَمِير الامراء بِدِمَشْق قَالَ لَهُ قد جِئْت على قدر يَا مُوسَى فَجرد سيف عزمك لَعَلَّه يذهب البوسى فَقَالَ ان ابْن جانبولاذ يطْلب أَن تُعْطى حوران لعمر والبدوى من عرب المفارجة وَالْبِقَاع العزيزى لمنصور بن الفريخ وان يُؤذن لكيوان بِالدُّخُولِ الى الشَّام وَالْعود كَمَا كَانَ وَيكْتب عرض بِأَن ابْن جانبولاذ لم يدْخل الى أَرض الشَّام وان فَخر الدّين بن معن يُؤدى مَا عَلَيْهِ من مَال السُّلْطَان وبلاده مَوْصُوفَة بالامان فعقد أَمِير الامراء ديوانا لهَذِهِ المطالب فاتفقوا على أَن حواران لعَمْرو وَلَكِن فى السّنة الْقَابِلَة وَأما الْبِقَاع فان اعطاءه لمنصور غير مَعْقُول لكَونه عِنْد الرعايا غير مَقْبُول وَأما كيوان فانه يرجع وَعَلِيهِ الامان وانه يكْتب عرض بِمَا أَرَادَ من عدم دُخُوله وبتعديل ابْن معن ثمَّ وَقع فى ثانى يَوْم اباء من الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين لما صمم عَلَيْهِ أَولا فَرجع الامير مُوسَى الى ابْن جانبولاذ بِغَيْر المُرَاد فعزم ابْن جانبولاذ على قصد دمشق وهرب الامير مُوسَى اليها وَاخْبَرْ انه ترك ابْن جانبولاذ على قصد دمشق ثمَّ ان ابْن جانبولاذ جَاءَ الى الْبِقَاع وخيم بهَا وانحاز اليه الامير يُونُس بن حُسَيْن بن الحرفوش ابْن عَم الامير مُوسَى وَمن مَعَه من أَوْلَاد عَمه وقصدوا بعلبك فنهبوها وَفرقُوا أَهلهَا وَوَقع من ابْن جانبولاذ بعد ذَلِك مَا وَقع من قصَّته الَّتِى ذكرتها فى تَرْجَمته وحوصرت الشَّام وصولح ابْن جانبولاذ على المَال وصولح ابْن معن على أَن تكون بعلبك وَالْبِقَاع للامير يُونُس فَلَمَّا رَجَعَ ابْن جانبولاذ وعشيره خرج الامير مُوسَى الى القيروانية وَجمع عشيرا كَبِيرا لقِتَال ابْن عَمه واخراجه من بعلبك ثمَّ صرف العشير وَرجع الى دمشق مَرِيضا فَمَاتَ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع وعشرى صفر سنة سِتّ عشرَة بعد الالف وَدفن فى مَقْبرَة الفراديس بالقبة الْمَعْرُوفَة ببنى الحرفوش مُوسَى بن مُحَمَّد حجازى الْوَاعِظ الشَّيْخ الْفَاضِل الْعَالم المتفنن فى الْعُلُوم ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن الشَّمْس الشوبرى وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحى وَالشَّمْس البابلى ولازم أَبَا النُّور على الشبراملسى السنين العديدة وَلم يُفَارِقهُ فى غَالب دروسه وَكَانَ من أجلاء طلبته وَكَانَ يجله وَيُحِبهُ محبَّة شَدِيدَة وَكَانَت وَفَاته فى شهر ربيع الثانى سنة سبع وَألف وَصلى عَلَيْهِ اماما بِالنَّاسِ شَيْخه الشبراملسى الْمَذْكُور وحزن عَلَيْهِ كثيرا وَصلى عَلَيْهِ بالازهر وَدفن على وَالِده بتربتهم الْمَعْرُوفَة بالمدابغ الْعتْق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 الامير مُوسَى بن مُحَمَّد الشهير بِابْن تركمان حسن الدمشقى الشجاع الباسل الْمَشْهُور أَمِير الْحَاج وَصَاحب الْوَقْعَة الْمَشْهُورَة مَعَ الامير مُحَمَّد بن رشيد أَمِير بِلَاد حوران نَشأ فى طَلِيعَة عمره رَيَّان الهزة من مَاء الشَّبَاب مقتد حازناد العزمة موريا برواء الاتراب وَكَانَ مِمَّن أجْرى جواد همته فى ميدان الشجاعه فحاز قصب السَّبق فى الفروسية والبراعه ثمَّ تنقلت بِهِ مناصب الْجند بِالشَّام حَتَّى صَار باش جاويش وَحج مرَّتَيْنِ متتابعتين ثمَّ صَار كتخدا الْعَسْكَر وَأمر بِالسَّفرِ الى محاصرة فنديه فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَوَقع لَهُ ثمَّة مَعَ بعض الشجعان من الفرنج منازلة كَانَت الْغَلَبَة فِيهَا لَهُ فاشتهر بالفروسية وَعلا صيته وَقدم الى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ وجهت اليه الامارة بِبِلَاد عجلون فاستقام بهَا أَمِيرا سِنِين وَأحسن الْعشْرَة مَعَ أَهلهَا فعمرت فى زَمَنه وانتظم أمرهَا وَكَانَ لَهُ مَعَ عرب البوادى حسن ملاءمة ومعاشرة وَلَهُم اليه انجذاب وانعطاف وتوغل فى الْميل اليهم حَتَّى صَار لَا ينْطق الا بلسانهم وَلَا يتزيا الا بزيهم ثمَّ وجهت اليه امارة الْحَاج وَحج بالركب الشامى سنتَيْن متتابعتين وَوَقع فى ثانيتهما قصَّة ابْن رشيد ونهبه للْحَاج فى الْمَكَان الْمَعْرُوف بالصافى والحاج رَاجع وظفرت الْعَرَب بأَشْيَاء كَثِيرَة من مجلوبات مَكَّة وَقتل جمَاعَة من الْحَاج وَبقيت فى قلب الامير مُوسَى حرارة من ابْن رشيد فانه كَانَ فِيمَا يُقَال يواخيه وَبَينهمَا سَابق عهود مَحْفُوظَة فَلَمَّا وصل الى دمشق اسْتَأْذن من جَانب الدولة بالركوب عَلَيْهِ ومحاربته فَأعْطى الاذن فَجمع جمَاعَة من دمشق والقدس ونابلس وَهَذِه الدائرة وَخرج اليه وتقابلا فى مَكَان قريب الزَّرْقَاء وَوَقع بَينهمَا حزب عَظِيم وَدخل الامير مُوسَى فى المعمعة وَهُوَ يكتنى على دأب الْعَرَب ويحث عسكره على الْقِتَال وَقد قتل جمَاعَة من الْعَرَب فاتفق أَنه صادفه بعض الاوباش فطعنه بِرُمْح أرداه فَوَقع مَيتا عَن جَوَاده وَكَانَ حمد بن رشيد قَرِيبا من مَوضِع مَقْتَله فَلَمَّا رَآهُ قد سقط بَادر اليه يظنّ أَن الطعْن لم يردهُ فَلَمَّا رَآهُ قد مَاتَ علم ان عسكره لَا تقوم لَهُم بِدُونِهِ قَائِمَة واذا هم كَمَا ظن قد ولوا هاربين فَأمر بالكف عَنْهُم واشتغل بِأَمْر الامير مُوسَى وَعظم مصابه بِهِ وَأخذ يندبه ويبكيه وَحكى عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول ان حزن مُوسَى لَا يذهب منى أبدا وَقتل من جماعته اخوان وهرب بنوه وَبَقِيَّة اخوته وجماعته وَكَانَ قَتله فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وبقى ابْن رشيد بعده مُدَّة والطلب وَاقع عَلَيْهِ فَلم يظفر بِهِ ثمَّ ساقته الْمَقَادِير الى أَجله برحلة وَقعت لَهُ الى نواحى بَغْدَاد نزل فِيهَا عِنْد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 رجل غدر بِهِ فَهَلَك فى حُدُود سنة تسعين بعد الالف مُوسَى القبى الرملى من كبار الْعلمَاء أهل الافادة وَكَانَ لَهُ فى التصوف المهارة الْكُلية وشهرته فى بِلَاد الرملة غنية عَن الافصاح بعلو الْمنزلَة وَكَانَت وَفَاته فى يَوْم الاحد حادى وعشرى شَوَّال سنة سبع بعد الالف وَرَأَيْت فى أخباره أَنه مَكْتُوب على قَبره هَذَا قبر شيخ الطَّرِيقَة والحقيقة ثمَّ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (قدمت على الْكَرِيم بِغَيْر زَاد ... من الْحَسَنَات وَالْعَمَل السقيم) (وَحمل الزَّاد أقبح مَا ترَاهُ ... اذا كَانَ الْقدوم على كريم) مُوسَى السندى أحد أَصْحَاب السَّيِّد صبغة الله السندى نزيل الْمَدِينَة ذكره النَّجْم وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ من الْفُضَلَاء البارعين والاولياء الصَّالِحين جاور بِالْمَدِينَةِ المنورة ولازم السَّيِّد صبغة الله وَله اشْتِغَال بِالْعلمِ قَدِيما وسافر من الْمَدِينَة الى الشَّام قَاصِدا زِيَارَة الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَيت الْمُقَدّس قَالَ وصحبناه فى طَرِيقه ذَلِك من الْمَدِينَة الى الشَّام فى سنة احدى عشرَة بعد الالف فَرَأَيْنَا فَاضلا فى عُلُوم التَّفْسِير والمعانى وَالْبَيَان والمنطق والْحَدِيث والتصوف وَكَانَ لطيف المزاج نَافِذ الْفَهم ذكيا وَكُنَّا نرَاهُ كالمقهور والملجأ فى خُرُوجه من الْمَدِينَة لتَعلق قلبه بالحضرة النَّبَوِيَّة الا أَنه خرج مِنْهَا لمنام رَآهُ قيل لَهُ فِيهِ ان الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام يطلبك قَالَ وزارنى فى منزلَة ذَات حج فى أَوَائِل صفر وَكنت قد اضطجعت للقائلة وَأَنا حَرِيص عَلَيْهِ لقرب الرحيل وَتعذر النّوم فى الْمسير فزارنى وَقد غلب على النّوم وَأَنا مسجى برداء فَلم انهض لَهُ ايذانا بانى نَائِم وَقلت فى نفسى يجلس ثمَّ يقوم من عندنَا الى شَأْنه فعرضت عَلَيْهِ القهوة وشئ من المأكل فَقَالَ أَنا مكتف انما جِئْت لزيارة الشَّيْخ وَلم يَأْكُل وَلم يشرب فَقلت فى نفسى أما تستحى من الله تَعَالَى أَن رجلا صَالحا يزورك فى الله وَلَا ينَال غَرضا من زيارتك أى جفَاء فَوق هَذَا فَقَعَدت وسلمت عَلَيْهِ وَرفعت الوسادة فاذا تحتهَا عقرب كَبِير فقتلناها وَعلمت أَن ذَلِك كَرَامَة لَهُ ثمَّ صحبناه بُرْهَة من الزَّمَان بِدِمَشْق وَلم يمْكث بهَا الا أَيَّامًا قَليلَة ثمَّ سَافر الى بَيت الْمُقَدّس فزار الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وفطن فى الْقُدس الشريف حَتَّى مَاتَ فى سنة اثنتى عشرَة بعد الالف رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد مُوسَى الرام حمدانى الحلبى الْبَصِير الشافعى الْمَذْهَب فَاضل حلب وأديبها ولد برام حمدَان من قرى حلب ثمَّ توطن حلب واشتغل بتحصيل الْفُنُون حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 تفنن فى الْعُلُوم الرياضيات وبرع فى الْعُلُوم الْحكمِيَّة وَأما مَعْرفَته بِعلم الْحَرْف فانه الْمُتَصَرف فِيهِ وَكَانَ مطلعا على مواقع الْعَرَب وغرر الاخبار وَهُوَ فى ذَلِك بَحر زاخر لَيْسَ لَهُ قَرَار وَأما علم الادب وَالشعر فقد أبدع فِيهِ غرائب أَنْوَاع السحر وَكَانَ من المنتصرين لابى الْعَلَاء المعرى ويحفظ أَكثر شعره وَيَرْوِيه وَيكرهُ كل من يذمه أَو يسيئ الظَّن فِيهِ واذا ذكر فى مَجْلِسه يمدحه غَايَة الْمَدْح وَيَقُول هَل خلا كَامِل غَيره من الْقدح وَيَقُول جَمِيع مَا نسب اليه من الاقوال المذمومة افتراء عَلَيْهِ وَيُقِيم الادلة على ذَلِك وينشد لَهُ من الشّعْر مَا يُنَاقض مَا هُنَالك وَله مؤلفات مِنْهَا نظم الاسماء الْحسنى يدل على علو مقَامه وَذكره البديعى فَقَالَ فى وَصفه فَاضل تقتبس مشكاة الصّلاح من نوره وتطلب الْهِدَايَة من جَانب طوره وموشحاته وشحت كل جمع وقرعت كل سمع وَمن خوارقه أَنه بعد مَا بلغ اشده خَاضَ بَحر القريض واستمده والشاعر يَقُول فى الْمَعْنى (وماذا يطْلب الشُّعَرَاء منى ... وَقد جَاوَزت حد الاربعين) وَقد أَشَارَ اليه السَّيِّد أَحْمد بن النَّقِيب فى مُكَاتبَة كتبهَا اليه يَقُول فِيهَا (قسما بِمن جعل الْفَضَائِل والمعالى حَشْو بردك ... ) (وحباك مِنْهُ قريحة ... كعصا سميك فى أشدك) (أبطلت سحر بنى القريض بهَا فَكنت نَسِيج وَحدك) (فتلقفت مَا يصنعون فآمنوا رغما بمجدك ... ) (ان القوافى قد ملكت زمامها بعلو جدك ... ) (وَأخذت كل فريدة ... مِنْهَا تضئ بسمط عقدك) (وَبَلغت مِنْهُ مَا تروم فَلم يصل أحد لحدك) (فَلَانَتْ فى شهبائها ... ملك القريض برغم ضدك) (فَاسْلَمْ وَلَا رميت بَنو الْآدَاب فى حلب بفقدك ... ) فَأَجَابَهُ بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا (فَوق الشداد تشرعت ... يَا ابْن النَّقِيب قباب مجدك) (وأطاعك الشّرف الرفيع فَأَنت فِيهِ نَسِيج وَحدك ... ) (أَتعبت جد بنى الْعُلُوم فقصروا عَن نيل جدك ... ) (وغدوت ترفل فى العلى ... تيها وترغم أنف ضدك) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 قَالَ وأخبرنى السَّيِّد يحيى الصادقى أَن السَّيِّد مُوسَى انتحل شَيْئا من شعره فَقَالَ يداعبه (أَقْسَمت بِالسحرِ الْحَلَال وَحُرْمَة الادب الخطير ... ) (ومجالس الانس الَّتِى ... عقدت على عقد السرُور) (ان كَانَ مُوسَى ذُو الايادى الْبيض والادب الغزير ... ) (لم يرجع الْمَغْصُوب من ... شعرى وَمَا أبدى ضمير) (لاذيقه مر العتاب لَدَى الكبيرى مَعَ الصَّغِير ... ) (بل وَالْخِصَام لَدَى الْهمام رئيسنا صدر الصُّدُور ... ) (وأصوغ من دُرَر القوافى عقد لوم مستتير ... ) (ينسى أولى الالباب مَا ... فعل الفرزدق مَعَ جرير) فَأَجَابَهُ بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا قَوْله (مالى وللقنص الصَّرِيح وهمتى صقر الصقور ... ) (وعصاى طوع يدى تلقف كل سحر مستطير ... ) (ان ألقها انبجست عُيُون الْمجد من صم الصخور ... ) (وَبهَا على الدّرّ الثمين أغوص فى لجج البحور ... ) (ولى الْيَد الْبَيْضَاء بَين الْجمع والجم الْغَفِير ... ) (أسْتَغْفر الرَّحْمَن من ... دَعْوَى تدنس بِالْفُجُورِ) (هذى قوافى الشّعْر حَاضِرَة لَدَى الْمولى الْكَبِير ... ) (نجل الحسام المستبد ... بِرَأْيهِ اللَّيْث الهصور) (من شرفت حلب بِهِ ... وعلت على هام النسور) (ان كَانَ مَا زعموه حَقًا فَهُوَ أدرى بالامور) وَكتب اليه بعض الظرفاء عَن لسانى قصيدة منحولة وَاقْتضى الامر عدم اخباره بذلك فَأجَاب بقصيدة مِنْهَا (يَا دير سمْعَان ذكرتنى ... رسومك الدَّرْس الدريسا) (أودت بسكانك الليالى ... وَلم تدع مِنْهُم أنيسا) (فَلَا أغبتك غانيات ... وَلَا عدت ربعك الدريسا) (وَالنَّاس مثل الرَّسُول الا ... اذا حبوا فاخرا نفيسا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 فَكتب لَهُ (لَيْسَ الا بِالْقَلْبِ مَا بك يوسى ... من جوى دونه يذيب النفوسا) (قد سقتك الايام خمرة وجد ... وأدارت من البعاد كؤسا) (بَعدت عَنْك من تحب وَهَذَا الدَّهْر يُولى الْفَتى نعيما وبوسا ... ) (أَيْن أوقاتك الَّتِى كنت فِيهَا ... لم تبت من رضَا حبيب يؤسا) (حَيْثُ يسقيك خندر يَا حبيب ... رِيقه العذب يزدرى الخندريا) (ذُو قوام مَا مَاس فى الرَّوْض الا ... علم الْغُصْن قده أَن يميسا) (طالما زار فى الدجا وثرياه تحاكى فى الْمغرب الانكيسا) (غلسا خوف لائم والذى يكتم وصلا يحاول التغليسا ... ) (فسقى عَهده بجلق عهد الدمع من مقلتى وربعا أنيسا ... ) (بَلْدَة مَا ذكرتها قطّ الا ... حرك الشوق من غرامى رسيسا) (واستهلت مدامعى كالغوادى ... وَغدا الْقلب من جواه وطيسا) (مُنْذُ فَارَقت أَهلهَا لم يرق لى ... صفو عَيْش وَلَا نديم سؤسا) مِنْهَا (من أنَاس زكوا أصولا وَكَانُوا ... من أنَاس نموا وطابوا غروسا) (نصروا دين بهم بمواض ... كم أذلت جحافلا وخميسا) (يقف النَّاس هَيْبَة ووقارا ... بحماهم اذا رَأَوْهُمْ جُلُوسًا) (أذهب الله عَنْهُم الرجس والفحشاء دون الانام والتدنيسا ... ) وَبعد أَن رأى هَذِه القصيدة المنحولة أَخذه مَا أَقَامَهُ وَأَقْعَدَهُ وَملكه مَا أزعجه وأكمده وَلم يبْق أحد الا زَارَهُ واشتكى وحياه وَبكى فَكتب اليه معتذرا (مَا لمُوسَى الشريف أصبح يبدى ... بعد ذَاك الإقبال هجري وصدي) (مَا كفى أَنه أَرَادَ لى الكيد مرَارًا وَلم ينل غير وجد ... ) (زار دَار النَّقِيب ذُو الْفضل من أَوْصَافه الغر لَيْسَ تحصى بعد ... ) (ذُو المعالى والمكرمات حجازى ... من غَدا فى الانام من غير ضد) (سيد جوده لَو اقتسمته ... النَّاس طرا لم تلف طَالب رفد) (الْجَلِيل الشهير بِابْن قضيب البان لَا زَالَ للورى بدر سعد ... ) (واشتكى عِنْده وذم وَلَكِن ... ذمّ مثلى من مثله لَيْسَ يجدى) (شاتما مَلأ فِيهِ فى معرض الْهزْل ... وَوَاللَّه لم يرم غير جد) (مسبلا دمعه كَانَ حبيبا ... بعد قرب مِنْهُ رَمَاه ببعد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 (مبديا من حرارة الْقَهْر مَا لَو ... حلت الْكَوْن لم يكن كنه برد) (وبدا مغرما هُنَاكَ بشتمى ... آدمى غَدا بهيئة قرد) (والذى أوجب التخاصم أَنى ... كنت قدما منحته صفو ودى) (ثمَّ كلت قريحتى عَن مديح ... فاستعارت لَهُ حديقة حمد) (وَرَآهَا من بعد حول وشهرين بدرج قد كَانَ من قبل عندى ... ) (فَبَدَا مِنْهُ مَا بدا وسقانى ... وتحسى من أكؤس الذَّم دردى) (وعَلى كل حَالَة سيد الاحكام أَرْجُو وَمَا سواهُ تعدى ... ) وَمِمَّا وقفت عَلَيْهِ أَنا الْفَقِير من شعره هَذِه القصيدة يمدح بهَا النَّجْم مُحَمَّد الحلفاوى خطيب حلب فَقَالَ (حَيا الحيا حلب العواصم والقلاع الاعصميه ... ) (وَسَقَى معالمها الممنعة المحصنة الْأَبْنِيَة) (وتداركها بالعناية كل ألطاف خفيه ... ) (بلد تكنفها الحدائق والرياض الاريضيه ... ) (فاحت على أرجائها ... نفحات أزهار زهيه ... ) (وترنحت عرصاتها ... بالرائحات المندلية) (وتقمصت أبناؤها ... حللا من الزلفى العليه) (ولمائها وهوائها ... وبنائها أوفى مزيه) (فاقت على الدُّنْيَا فَوَافَقَ اسْمهَا حلب العديه ... ) (بلد هى الْملك المطاع وكل مملكه رعيه ... ) (زهر النُّجُوم لنجمها السامى الذرى خضعت وليه ... ) (نجم الْهِدَايَة والدراية والاسانيد القويه ... ) (واللوذعى الالمعى ... السَّيِّد الوافى العطيه) (لما اسْتهلّ نواله الْغمر الذى غمر البريه ... ) (صدحت بلابل روضها ... سحرًا بِأَصْوَات شجيه) (عقدت بأعناق العفاة شوارد المنن الخفيه ... ) (غرر القلائد والقصائد والعقود الجوهريه ... ) (ضاهى بهَا السَّبع الشداد على مَنَازِله العليه ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 (وكواكب الجوزاء تشهد أَن رتبته سنيه ... ) (وتلونت شمس الظهيرة عِنْد غرته المضيه ... ) (وتواضع الْقَمَر الْمُنِير لحسن طلعته البهيه ... ) (وتمنت الافلاك لَو ... دارت بِحَضْرَتِهِ المليه) (أَلْقَت أعنتها الْعُلُوم اليه وانقادت أَبِيه ... ) (وسعت لناديه أَبْيَات الْعُلُوم الفلسفيه ... ) (فالفضل كل الْفضل من ... فحوى فَتَاوِيهِ الجليه) (والجود كل الْجُود من ... جدوى أياديه النديه) (مولى يُعَامل من أَسَاءَ بِحسن أَخْلَاق رضيه ... ) (ويصد عَن كيد الحسود رجا الحظوظ الاخرويه ... ) (وَيرد من خوف الاله عَن الامور الدنيويه ... ) (مَاتَت بغيظهم العدا ... كمداو أنفسهم سخيه) (يَا زهرَة الدُّنْيَا فداؤك كل نفس موسويه ... ) (وكما تحب وقتك آرام الظباء العيسويه ... ) (ومنحت مَا تخْتَار من ... لثم الشفاه الالعسيه) (وسقتك من خمر اللمى ... كأس الثغور الاشنبيه) (وسلمت يَا مولاى من ... سحر اللحاظ البابليه) (ومنيت مَا تهواه من ... هصر الخصور الخاتميه) (وغنتك سودات المحاجر بالبنان العندميه ... ) (وتمايلت شوقا لجبهتك القدود السمهريه ... ) (ورنت لرؤيتك اللحاظ الناعسات الجؤذريه ... ) (يَا عَالم الدُّنْيَا نداك على البوادى والبريه ... ) (وَاذْكُر حليفك بل أليفك فِي الديار الأحسنية) (وامظر قديمك بل خديمك فِي الربوع الأنعمية) (واعذر كليمك مَا طوى ... تِلْكَ الدُّرُوس الطورويه) (وادى المزار وَلَا مَزَار اذا تعرضت المنيه) (واجمع تبدد شملنا ... بك والليالى الاسعديه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 (فهوا كَمَا لم يبْق لى ... فرط الغرام بِهِ بقيه) (فاذا تشَاء منازلى ... يَا غايتى مِنْهُ الدنيه) (وعلام أَعتب ان رضيت لى المقامات القصيه ... ) (بجوار قوم مُرْمِلِينَ من الْخلال الآداميه ... ) (لَا مصر دارى يَا همام ولامرابعها العليه ... ) (كلا ولالى مَا حبيت بجلق والكوخ نيه ... ) (الا جوارك منيتى ... وَكَذَا مراتعه الشهيه) (حَيْثُ الاخلاء الْكِرَام ذوى المروآت الوفيه) (راق النسيم تلطفا ... بهم ورقتهم سجيه) (لَا خانك الدَّهْر الخون وَلَا منتك يَد المنيه ... ) (وسلمت من غدر الزَّمَان وَلَا ملتك بِهِ مليه ... ) (فَعَلَيْك منى مَا ترنم طَائِر أزكى تحيه ... ) (مفتوقة بشذا العبير ونافجات عنبريه ... ) (واسلم وَدم يدم الزَّمَان فَأَنت ميزَان البريه ... ) وَله أَيْضا فى وصف الاخوة (خليلى من ان جِئْت طَالب مقصد ... كفانى مؤنات المطالب وَالْقَصْد) (وان صممت خيلى على شن غَارة ... وقى شَرها مِمَّا يشين وَمَا يردى) (وان نابنى خطب من الدَّهْر هائل ... تولى معاناة الخطوب بِمَا يجدى) (وان أسلمتنى للردى شقة الردى ... أَقَامَ باقوام جرت بَيْننَا بعدى) (فَذَاك خليلى ان ظَفرت بِمثلِهِ ... فرشت مراعاته لمرضاته خدى) (وأشغلت بالى فى منامى ويقظتى ... بِمَا يرتضيه حَالَة الْقرب والبعد) (وأسهرت ليلى فى صَلَاح شؤنه ... وَعنهُ جبال الضيم أحملها وحدى) (وَكنت لَهُ حصنا منيعا وموئلا ... وصنت بنفسى نَفسه صولة الاسد) (فانى مَا أدّيت مَا يسْتَحقّهُ ... وَلَو طاقتى فِيهِ بذلت مَعَ الْجهد) (وَمن أَيْن للايام عين بِأَن ترى ... لذَلِك مثلا لَا يكون بِلَا ند) وَمن مقاطيعه أَيْضا قَوْله وأجاد (أَشد من الْمَوْت الزؤام مرَارَة ... وأصعب من قيد الهوان وحبسه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 (معاشرة الانسان من لَا يطيقه ... وَحشر الْفَتى مَعَ غير أَبنَاء جنسه) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى سنة تسع وَثَمَانِينَ بعد الالف بحلب رَحمَه الله تَعَالَى مهنا بن عوض بن على بن أَحْمد بامزروع بن على بن عوض بامترف القنزلى الحضرمى والقنازلة قَبيلَة مَعْرُوفَة عِنْدهم وقليلا مَا يستعملون الِاسْم فى هَذَا الزَّمن الواسطى نِسْبَة الى الْوَاسِطَة بَلْدَة بحضرموت الشطارى الصوفى نزيل الْحَرَمَيْنِ شيخ الطَّرِيقَة وامام أهل التَّحْقِيق أَخذ بحضرموت عَن جمَاعَة من الْعلمَاء والصوفية ثمَّ رَحل الى مَكَّة فَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ عبد الهادى أَبى اللَّيْل طَرِيق النقشبندية وَقَرَأَ الفصوص على شيخ شَيْخه الشَّيْخ تَاج قدس سره فاعتراه جذب قوى غَابَ فِيهِ عَن حسه حَتَّى دله السَّيِّد مُحَمَّد الحبشى على السَّيِّد الْجَلِيل سَالم بن أَحْمد شَيْخَانِ باعلوى فلازمه واختص بِهِ حَتَّى كشف عَن عين بصيرته الْحجاب وعادت بركَة تِلْكَ الانفاس عَلَيْهِ وَهُوَ فى غُضُون ذَلِك مقبل على مطالعة كتب الْعُلُوم الالهية وتحصيلها مُتَوَجّه الى دقائق معقولها متخلق بأخلاق الصُّوفِيَّة مُتَحَقق بالوحدة وَله فِيهَا نظم كثير حسن وَألف رِسَالَة فى طَرِيق الشطارية أحسن فِيهَا كل الاحسان وَبَين طريقهم وَصَارَ بعد موت شَيْخه الْمَذْكُور خَليفَة فى الذّكر والتربية ثمَّ أَخذ عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد بن مُحَمَّد القشاشى وَكَانَ يُحِبهُ ويجله وَأرْسل اليه مرّة بهدية وَكتب لَهُ على اللفافة مهنا بِلَا عوض وَلَا يخفى مَا فِيهِ من اللطافة وانتفع بِهِ فى طَرِيق الْقَوْم خلق كثير وَتخرج بِهِ جم غفير وَمن شعره قَوْله (وكل من ضمه فى الحان مَجْلِسنَا ... نشوان من خمرة مَا شانها سكر) (هَذَا الزَّمَان الذى مَا كَانَ يسمح لى ... بِهِ الحبيب اذا مَا ساعد الْقدر) (أبكى على الصدْق وَالصديق يقصدنى ... اذا دعينا يلبينا بِهِ عمر) (فيثقل الرَّهْط فى تأييد نصرتنا ... من عَالم الْفرق لَا يبْقى ولايذر) (هَذَا مِثَال ضَرَبْنَاهُ لناهجه ... حَتَّى يرى وَجه ليلى كُله غرر) (وَيشْهد الْجمع وَالْمَجْمُوع جَامعه ... وَيَأْخُذ الْجد لابؤس وَلَا عبر) (هَذَا طَرِيق سلطناه على ثِقَة ... وكافح السرا علانا بِهِ الصُّور) (وأذعنوا بعد مَا قَامَت قيامتنا ... وتليت فى محاريب لنا سور) (وقرروا اننا سر وباطننا ... غيب وَمَا ظلت الْخضر النا حجر) وَقَوله (للقادسية فية ... لَا يشْهدُونَ الْعَار عارا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 (قد صيروا جمع الورى ... فى حَالهم عجزى حيارى) (لَا مُسلمُونَ وَلَا مجوس ... وَلَا يهود وَلَا نَصَارَى) (متيمنون منعمون ... فهم بِهِ صحوى سكارى) (أَفْرَاد اجناد الْهوى ... فخيولهم أَنى تحارى) (صَارُوا صراعى فى الغرام وفى حمى ليلى اسارى ... ) (شاهدتهم فشهدتم ... أَعْيَان محبوبى جهارا) (مذ بَان أَنى مِنْهُم ... أيقنت أَن لَا لى قرارا) (اذ لَا مقَام لَهُم يرى ... الا بِفَرْض الحكم دَارا) (هم عين شَاهد رَبهم ... سربهم مِنْهُ استنارا) (كل يُحَقّق مِنْهُم ... بِحَقِيقَة لاحت ظِهَارًا) (بِمُحَمد لوح القضا ... سرا بأقدار توارى) (بمظاهر مِنْهَا الْكَرِيم الى الكليم ألاح نَارا ... ) (فَأتى يُهَرْوِل نَحْوهَا ... فلاجل ذَا شكر البدارا) وَكَانَت وِلَادَته كَمَا أخبر بِهِ بعض تلامذته فى شَوَّال سنة أَربع بعد الالف وَتوفى بِالْمَدِينَةِ سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد ميرماه الحسينى البخارى المدنى الْعَلامَة صَاحب الذِّهْن الْوَقَّاد والفكر النقاد وَكَانَ آيَة باهرة فى الْعُلُوم بأسرها وَله الْيَد الطُّولى فى كَلَام سيدى الشَّيْخ الاكبر ابْن عربى قدس سره وَغَيره من أَرْبَاب المعارف وَكَانَ شيخ هَذَا الشَّأْن فى عصره توطن الْمَدِينَة المنورة وَكَانَ من أَصْحَاب الْعَالم الربانى عبد الرَّحْمَن بن على الخيارى وَأخذ عَنهُ الحَدِيث وَلَزِمَه وَلَده شَيخنَا ابراهيم وانتفع بِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ التَّفْسِير والعربية والمعانى وَالْكَلَام وَكَثِيرًا من الفتوحات ووصايا ابْن عربى وجانبا من الفصوص وَكَثِيرًا من رسائله وَكتبه سِيمَا المحاضرة وَكَثِيرًا من كتب الْقَوْم وَذكره فى رحلته فى محلات مِنْهَا وَقَالَ فى وَصفه كَانَ امام أَرْبَاب الطَّرِيقَة وَالْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة سمعته غير مرّة يَقُول انه لَا مُخَالفَة بَينهمَا وَمن ادّعى ذَلِك فَعَلَيهِ الْجَواب ثمَّ ألف مؤلفا فى ذَلِك سَمَّاهُ مرج الْبَحْرين وَالْجمع بَين المذهبين يعْنى مَذْهَب أهل الظَّاهِر وَأهل الْبَاطِن قَالَ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْخَمِيس حادى عشر شَوَّال سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف ورثاه شَيخنَا الْمَذْكُور بقصيدة طَوِيلَة ذكرهَا فى رحلته ومطلعها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 (يَا عين جودى بدمع مَعَ رائح غاد ... لهول خطب عَظِيم فادح عَاد) (حرف النُّون) النَّاصِر بن عبد الحفيظ المنلا الشرقى الْيُمْنَى امام الِاجْتِهَاد كَانَ لَهُ من التَّمْكِين ودقة النّظر فى كل مَبْحَث وَمَعْرِفَة بالمقاصد والمآخذ واخراجه للمسائل من غير مظنتها وَحل المشكلات وَفتح المقفلات شَأْن عَظِيم وَأمر شهير فى الاقاليم استوزره الامام الْمُؤَيد بِاللَّه وَكَانَ لَهُ وللامام مجَالِس خَاصَّة تحتوى على بحث عَظِيم فى جَمِيع الْعُلُوم أَخذ عَن شُيُوخ كثيرين مِنْهُم وَالِده وجده والعلامة مُحَمَّد بن الصّديق الْخَاص السراج الحنفى الزبيدى وَغَيرهم وَأَجَازَهُ شُيُوخه وَغَيرهم مِمَّن يطول تعدادهم وَعنهُ أَخذ جمع من عُلَمَاء الزَّمَان مِنْهُم أَوْلَاده الْحُسَيْن وَالْحسن وعَلى وَأحمد وَمُحَمّد وَالسَّيِّد الْجَلِيل يحيى بن أَحْمد الشرفى وَغَيرهم وقصده الطّلبَة من الاقطار وانتفع بِهِ جمع عَظِيم من عُلَمَاء الامصار وَله مؤلفات مَشْهُورَة مِنْهَا الْمُقَرّر وَالْمُحَرر فى القراآت وَمِنْهَا أرجوزة فى الْفِقْه وَمِنْهَا تَكْمِيل منظومة اليوسى فى الْفِقْه وَمِنْهَا مُخْتَصر الاوائل وَمِنْهَا مؤلف أجَاب بِهِ عَن الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن اسماعيل فى مبَاحث نحوية شريفة وَله أجوبة مسَائِل يطول تعدادها وَله الشّعْر النَّضِير مِنْهُ مَا كتبه الى السَّيِّد الامام يحيى بن أَحْمد الشرفى عاتبا عَلَيْهِ فى تَأَخره عَن التدريس لشغل عرض لَهُ فَقَالَ (أحبابنا مَا لهَذَا الهجر من سَبَب ... وَمَا الذى أوجب الاعراض وَاعجَبا) (يمضى الزَّمَان وَلَا نحظى بقربكم ... على الْجوَار وَكَون الْجَار ذى قربى) (وَلبس شئ على المشتاق أصعب من ... بعد اللِّقَاء اذا مشتاته قربا) (أُعِيذك الله يَا سبط الاكارم أَن ... يكون ودك للاحباب مضطربا) (هَذَا وانى أدرى أَن قصدك لى ... وَأَنت مَعَ ذَاك شيخى عكس مَا وجبا) (لكنه لم يكن منى لحقكم ... جهل وَلَكِن عذرى عَنْك مَا عزبا) وَطلب السَّيِّد يحيى مِنْهُ أَن يُرْسل لَهُ مُؤَلفه الْمُحَرر فى علم القراآت فَأرْسلهُ وَكتب مَعَه قَوْله (سَلام الله مَا همر السَّحَاب ... ففاح عبير زهر مستطاب) (واكرام وانعام على من ... لَهُ فى الْمجد مرتبَة شهَاب) (على يحيى الذى مَا نَالَ كهل ... علوما نالها وَكَذَا الشَّبَاب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 (وَبعد فان أشواقى اليكم ... كثير لَيْسَ يحصرها كتاب) (وتقصر ألسن الاقلام عَن أَن ... تقوم بوصفها وَكَذَا الْخطاب) (فيا ابْن مَدِينَة الْعلم الَّتِى لم ... يكن غير الوصى لتِلْك بَاب) (وَمن حَاز المكارم والمعالى ... فَمِنْهُ قد بدا الْعجب العجاب) (اليك أَتَى الْمُحَرر فى حَيَاء ... لتصلح مِنْهُ مَا الْعلمَاء عابوا) (وتنظره بِعَين الْبر حَتَّى ... يَزُول اذا وجدت بِهِ اضْطِرَاب) (فَمن قد زار من بلد بعيد ... حقيق أَن يلان لَهُ الجناب) (وراجع فى عِبَارَته أصولا ... لديك بحفظها كشف الْحجاب) (وانى طَالب بسطا الْعذر ... ويشملنى دعاؤكم المجاب) (فَمَا لى غير شعب الْآل شعب ... وان حسنت بزهرتها الشعاب) (وَدم واسلم معافى فى نعيم ... مُقيم والقرابة والصحاب) فَكتب اليه السَّيِّد أَيْضا هَذِه الابيات) (سَلام لَا يُحِيط بِهِ حِسَاب ... وَلَا يُحْصى فضائله كتاب) (وَلَو أَن الْبحار لَهُ مسداد ... وَلم يبرح لَهُ الدَّهْر اكتتاب) (سَلام من فتيت الْمسك أدكى ... وَدون مذاب سلسله الرضاب) (سَلام حشوه ود مصفى ... يروق فَمَا بتكدير يشاب) (وَرَحْمَة رَبنَا الرَّحْمَن تهدى ... مَعَ البركات مَا انهمر السَّحَاب) (الى من لم يزل للمجد خدنا ... وَلم يَنْفَكّ بَينهمَا اصطحاب) (حَلِيف محَاسِن الشيم الذى لم ... يدنس مجده مذ كَانَ عَابَ) (سليل أكَابِر الْعلمَاء من لم ... يكن كنصاب فَضلهمْ نِصَاب) (حماة شرائع الْمُخْتَار من أَن ... تضام وَأَن يخامرها اضْطِرَاب) (بناة مَكَارِم التَّقْوَى الَّذين اتَّقوا مَوْلَاهُم وَله أنابوا ... ) (وَوَاحِد أهل هَذَا الْعَصْر طرا ... بِمَا قد قلته لَا يستراب) (أَلَيْسَ مقصرا عَن نيل أدنى ... علاهُ الشيب مِنْهُم والشباب) (وجيه الدّين ناصره فَمَا ان ... يزَال لَهُ بنصرته احتساب) (حماه الله من كيد الاعادى ... وأرغم أنفهم عَنهُ وخابوا) (وأبقاه الاله لنا ملاذا ... لَهُ فى الْعِزّ مرتبَة تهاب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 (وَبعد فانه قد جَاءَ مِنْهُ ... كتاب سرنى مِنْهُ الْخطاب) (بلغت بِهِ من الْفَرح الامانى ... وزايلنى بِرُؤْيَتِهِ اكتئاب) (وفى بِالدّينِ وَالدُّنْيَا جَمِيعًا ... فَمَا لى غير مَا فِيهِ طلاب) (وَكَيف وطيه ملك عَظِيم ... يَدُوم فَلَا يخَاف لَهُ ذهَاب) (هُوَ الذخر الذى من لم يحزه ... ذخائره وان كثرت تُرَاب) (وَذَاكَ الْعلم أفضل مَا تحلت ... بِهِ نفس وَأفضل مَا يصاب) (وَقد أهديت مِنْهُ لنا نَصِيبا ... بِهِ منا تطوقت الرّقاب) (جمعت بِهِ الْمُحَرر من عُلُوم ... جلاها أَهلهَا طابت وطابوا) (فنلت بِمَا أَنْت عَظِيم فضل ... ومغفرة ويهنيك الثَّوَاب) (ولابرحت فواضلك اللواتى ... علون بهَا لنا يَعْلُو جناب) (ودمت مُسلما مالاح فجر ... وفاح عبير نشر يستطاب) وَلما وَفد القاضى أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال اليه أَيَّام اقامته فى حَضْرَة الامام الْمُؤَيد بِاللَّه أَخذ عَنهُ علوما كَثِيرَة من جُمْلَتهَا عُلُوم الْقُرْآن وَسَأَلَهُ نظم شئ يكون فِيهِ لَهُ كالضابط المرجوع اليه عِنْد الْحَاجة فَقَالَ النَّاصِر (سألننى يَا ابْن أَبى الرِّجَال ... يَا ساميا فى رُتْبَة لكَمَال) (يَا منبع السؤدد والمعالى ... ومعدن الْعلم الشريف العالى) (وَأَنت فى هَذَا السُّؤَال عندى ... كسائل كَيفَ طَرِيق نجد) (أهل طَوِيل ذَاك أم قصير ... تلذذا وَهُوَ بهَا خَبِير) (شرعت فى قَاعِدَة تمهد ... غازلها الْيَاقُوت والزبرجد) (قد كنت ألفت بهَا المقررا ... ثمَّ اختصرت بعده المحررا) (فحين مَا استعجلت منى مَا ترى ... فعلتها مسارعا مبادرا) (وان تكن على الصَّوَاب فَهُوَ من ... افضال مَوْلَانَا الامام المؤتمن) (فانها قد جمعت فى حَضرته ... ونعمة قد نلتها من دَعوته) (مَعَ اشتغالى بِكِتَاب التذكره ... وَغَيرهَا بعد الْعشَاء الْآخِرَة) (وفى النَّهَار لم أجد وقتا يسع ... فاقبل من المهدى اليك مَا جمع) وَمن هُنَا خرج الى الْمَقْصُود فَقَالَ (الْمَدّ أَنْوَاع فجَاء مُتَّصِل ... يَا أَيهَا الانسان هَذَا مُنْفَصِل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 الى آخرهَا فَقَالَ القاضى أَحْمد أَيْضا (أنهلنى من بحره وَعلا ... من قدحه بَين الورى الْمُعَلَّى) (وزف لى خرائد الْمعَانى ... قد قلدت قلائد الجمان) (عين الزَّمَان أوحد الانام ... من قدره على السماك سامى) (لَا زَالَ فى أفق الْعُلُوم طالعا ... ونوره فى الْعَالمين ساطعا) (لم يزل للصالحات أَهلا ... حاوى الْكَمَال النَّاصِر المهلا) (أملأنا فى النَّحْو والتصريف ... وملأ الْآفَاق بالتأليف) (لاننى سَأَلته تدريسه ... لى فى الْعُلُوم الجمة النفيسه) (فَقَالَ لى لما سَأَلت هلا ... لظَنّه كونى لذاك أَهلا) الى آخرهَا وللناصر من السماعات والاجازات على وَالِده وجده الْمُجْتَهدين وَغَيرهمَا مَا يطول تعداده وَكَانَت وَفَاته فى صفر يَوْم الْجُمُعَة من سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى نَاصِر بن الشَّيْخ نَاصِر الدّين الرملى الدمشقى امام الْحَنَفِيَّة بِجَامِع بنى أُميَّة الْفَقِيه المقرى اخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الحنفى امام جَامع دمشق وَغَيره والقراآت عَن شيخ الْقُرَّاء الشهَاب الطيبى وَكَانَ خَطِيبًا بالجامع الْجَدِيد خَارج بَاب الفراديس الْمَعْرُوف بالجامع الْمُعَلق شركَة الشهَاب العيثاوى ثمَّ ولى امامة الْمَقْصُورَة بفراغ الشَّيْخ شرف الدّين الطَّبِيب لَهُ عَنْهَا شركَة الْعَلَاء الطرابلسى وليا خطابة السليمية بالصالحية بُرْهَة من الزَّمَان ثمَّ أخذت عَنْهُمَا وَكَانَ لَهما شئ من الجوالى وَكَانَت امامة الْحَنَفِيَّة بالمقصورة فى الاموى بَينهمَا لَا غير حَتَّى ولى قاضى الْقُضَاة مُحَمَّد نهالى قَضَاء دمشق فضم اليهما روميا ثمَّ تفرغ الرومى عَن امامته الثَّالِثَة الْحَادِثَة للشَّيْخ حُسَيْن بن عبد النبى الشعال وَكَانَ نَاصِر الدّين مجذوبا صَالحا الا انه كَانَ يترافق مَعَ شَرِيكه الْعَلَاء الْمَذْكُور فى التَّرَدُّد الى الاكابر والحكام وَغَيرهم للِانْتِفَاع وَكَانَ للشَّيْخ نَاصِر الدّين جَرَاءَة وخفة فى الْعقل فاذا لقنه الْعَلَاء شَيْئا تلقنه وَفعل مَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ فان نفع شَاركهُ فى الِانْتِفَاع وان ضرّ تَبرأ الْعَلَاء مِمَّا أَتَى بِهِ وَأَقْبل على ملامته فى حَضرته وغيبته وَكَانَا لتثقيلهما على النَّاس قد سميا بالهم والحزن بِحَيْثُ يستعاذ مِنْهُمَا وَكَانَت وَفَاة النَّاصِر يَوْم الثلاثا عَاشر صفر سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَولى الامامة بعده يُوسُف بن أَبى الْفَتْح السقيفى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 الشريف نامى بن عبد الْمطلب بن حسن بن أَبى نمى أَمِير مَكَّة ولاه الاتراك كَمَا قدمْنَاهُ مَبْسُوطا فى تَرْجَمَة الشريف زيد وأشركوا مَعَه السَّيِّد عبد الْعَزِيز بن ادريس فى الرّبع محصولا لَا ذكرا فى الْخطْبَة وَضَربا للنوبة ثمَّ أرْسلُوا الى أَمِير جدة ليسلمها لَهُم فَأبى وَقتل الرُّسُل فتجهزوا وَسَارُوا وحاصروها يَوْمَيْنِ ثمَّ دخلُوا جدة ونهبوها وَاسْتمرّ السَّيِّد نامى يعسف أهل مَكَّة وَنهب عسكره الْبِلَاد واستباحوا الْمُحرمَات وَأَكْثرُوا فِيهَا الْفساد وَلما توجه الشريف زيد فى تِلْكَ الْوَقْعَة الى وادى مر بعد أَن دخل الى مَكَّة وَمَعَهُ السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَرْث وَمر على بَيت السَّيِّد عبد الْمطلب نَادَى السَّيِّد فَخرج اليه متجرداً متلففا فى مقنع أَزْرَق فَتكلم مَعَه وَأطَال فَقَالَ السَّيِّد أَحْمد لَيْسَ الْوَقْت وَقت الْكَلَام وَكَانَ من جملَة مَا قَالَه الشريف زيد (نجازى الرِّجَال بأفعالها ... فخيرا بِخَير وشرا بشر) فَالله الله يَا نامى بِالْحَرِيمِ أَو مَا يقرب من هَذَا ثمَّ سَار الى الْمَدِينَة وَعرف وَزِير مصر بذلك وَكَانَ رَسُوله بذلك السَّيِّد على بن هيزع فَلَمَّا وصل الْخَبَر لصَاحب مصر أرسل سبع صناجق وَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا ذَكرْنَاهُ فى تَرْجَمَة زيد حَتَّى جئ بِهِ وبأخيه موثوقين مكتوفين فاستفتى الْعلمَاء مَاذَا يجب عَلَيْهِمَا فَأَجَابُوا بِمَا اقتضته الْآيَة الشَّرِيفَة صَرِيحًا {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض} فشنقا عِنْد الْمُدعى وَمُدَّة ولَايَته متغلبا على مَكَّة مائَة يَوْم وَيَوْم وهى عدَّة حُرُوف اسْمه لانه دَخلهَا خَامِس وعشرى شعْبَان سنة احدى وَأَرْبَعين وَألف وَخرج مِنْهَا عصر الْيَوْم الْخَامِس من ذى الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة وفى هَذِه السّنة لم يذهب الْمحمل السلطانى من مَكَّة الا فى الْعشْر الاول من صفر النجيب بن مُحَمَّد شمس الدّين النكداوى الانضمى من أكَابِر شُيُوخ تنبكت مَعَه فقه وَصَلَاح شرح مُخْتَصر خَلِيل بشرحين كَبِير فى أَرْبَعَة أسفار وَآخر فى سفرين وَله تَعْلِيق على تخميس عشرينيات الفازرى لِابْنِ مهيب فى مدحه أَخذ عَن اسحق سحُولِيَّة وَتوفى فى الْعشْر الاول من هَذَا الْقرن انْتهى وَالله أعلم نصوح باشا وشهرته بناصف باشا وَهَذِه عَادَة الاتراك فى تلاعبهم بالحروف فَيَقُولُونَ فى نصوح ناصف وتبديلاتهم لَيْسَ لَهَا حد يحصرها وَلَا قَاعِدَة تضبطها ونصوح باشا هَذَا أَصله من نواحى درامه من بِلَاد روم ايلى خدم أَولا فى حرم السلطنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 الْخَاص ثمَّ صَار من المتفرقة وَحكم ببلدة زله ثمَّ صَار أَمِيرا خور صَغِيرا فى سنة سبع بعد الالف ثمَّ ولى كَفَالَة حلب وَكَانَ متغلبا فى حكمه عسوفا قوى النَّفس شَدِيد الْبَأْس وَلما وَليهَا كَانَ الْجند الشَّام حِينَئِذٍ الْغَلَبَة والعتو وَكَانَ فى ذَلِك الْعَهْد يذهب مِنْهُم فى كل سنة طَائِفَة الى حلب وَينصب عَلَيْهِم سردار من كبرائهم يستخدمون بِمَدِينَة حلب وَكَانَ بعض كبار الْجند قد تقووا فى حلب وفتكوا وجاروا خُصُوصا طواغيهم خدا وردى وكنعان الْكَبِير وَحَمْزَة الكردى وأمثالهم حَتَّى رهبهم أَهلهَا وصاهرتهم كبراؤها واستولوا على أَكثر قراها فَلَمَّا رأى نصوح باشا مَا فَعَلُوهُ وَمَا استولوا عَلَيْهِ مِنْهَا وَمن قراها بِحَيْثُ قلت أَمْوَال السلطنة وَصَارَت أهالى الْقرى كالارقاء لَهُم رفع أَيْديهم عَن قراها وجلاهم عَن تِلْكَ الْبِلَاد وَوَقع بَينه وَبينهمْ وقْعَة وَكَانَ مَعَه حسيب باشا ابْن جانبولاذ عِنْد المعرة وَكَانَ مَعَه حُسَيْن باشا ابْن جانبولاذ عِنْد المعرة وفروا بَين يَدَيْهِ هاربين الى حماه وَأخذ مَا وجد من أَمْوَالهم وخيولهم وخيامهم ثمَّ جمعُوا عَلَيْهِ عشيرا بحماه وَأَرَادُوا قِتَاله فأدركهم مُرُور على باشا الْوَزير مُنْفَصِلا عَن نِيَابَة مصر وَمَعَهُ خزينتها عَن سنتَيْن وَقد تحفظ عَلَيْهَا بِخَمْسَة عشر مدفعا وعساكر نَحْو الاربعة آلَاف فجاؤا الى دمشق للقائه واتقائه فَلَمَّا خرج على باشا من دمشق بالخزينة قَاصِدا جَانب السلطنة لم يصل الى حماه حَتَّى هموا بِالْخرُوجِ وَخرج أوائلهم ثمَّ ذهب فى اثناء ذَلِك طاغيتهم خدا وردى وفى صحبته نَحْو عشْرين رجلا من أعيانهم الى الامير على بن الشهَاب ثمَّ الى الامير فَخر الدّين بن معن ووقعوا عَلَيْهِمَا فى السّفر مَعَهم لقِتَال ابْن جانبولاذ وَأخذ ثارهم مِنْهُ فسافر قبلهم أَمِير بعلبك الامير مُوسَى بن الحرفوش وجمعوا عشيرا كثيرا بحمص وحماه وَورد أَمر سلطانى وَعَلِيهِ خطّ شرِيف بِأَن طَائِفَة الْجند بِالشَّام لَا يخرجُون الى حلب لقِتَال كافلها ناصف باشا وحاكم كلز حُسَيْن باشا ابْن جانبولاذ لانهم كَانُوا اجْتَمعُوا وعرضوا بذلك الى أَبْوَاب الدولة وَكَانَ ذَلِك جَوَاب عرضهمْ وَكَانَ وُصُوله الى دمشق يَوْم السبت عَاشر رَجَب سنة اثنتى عشرَة بعد الالف وَمن جملَة مَا ذكر فى الْخط الْمَذْكُور أَنهم ان خَرجُوا يَكُونُوا مغضوبا عَلَيْهِم مستحقين للعقوبة والنكال من السُّلْطَان فَرَأى نَائِب الشَّام اذ ذَاك فرهاد باشا وقاضيها الْمولى مصطفى ابْن عزمى ودفتريها حسن باشا شوربزه انهم لَا يرجعُونَ الا بحيلة فَرَأَوْا ان يرسلوا الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين لكسر هَذِه الْفِتْنَة الْمُوجبَة للعقوبة الى حماه وَيقْرَأ عَلَيْهِم الْخط السلطانى ويرجعهم الى دمشق ليقال لَوْلَا خاطر الشَّيْخ مُحَمَّد مَا رَجعْنَا فَخرج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 الشَّيْخ مُحَمَّد اليهم فى ثانى عشر رَجَب ثمَّ عَاد يَوْم الاحد ثانى شعْبَان وَلم يسمعوا قَوْله وَخَرجُوا بعد قِرَاءَة الحكم عَلَيْهِم وَالْكَلَام مَعَهم الى الطّيبَة ثمَّ توجهوا الى نَاحيَة حلب وانضم اليهم غجر مُحَمَّد الجلالى وعشيره ثمَّ رجعُوا فى أَوَاخِر شعْبَان الى دمشق بعد أَن صَار بَينهم وَبَين ناصف باشا وَابْن جانبولاذ مناوشة عِنْد كلز يَوْمًا وَاحِدًا ثمَّ ولوا هاربين وتفرق عشيرهم وَذَلِكَ بعد أَن حاصروا كلزا أَيَّامًا وخربوا مَا حولهَا من قَرْيَة الْبَاب وعزاز وَغَيرهمَا من قرى حلب وهتكوا النِّسَاء وافتضوا جملَة أبكارهن وَدخلت أشقياؤهم حَماما بكلز على النسْوَة وفعلوا أفاعيل جَاهِلِيَّة ثمَّ تلاقوا مَعَ نصوح باشا وَابْن جانبولاذ خَارج كلز يَوْمًا وَاحِدًا ثمَّ انْهَزمُوا من ليلتهم وعادوا الى دمشق وفر غجر مُحَمَّد الى البيوة وَكَانَت الْوَقْعَة فى أواسط شعْبَان ثمَّ تتبع نصوح باشا غجر مُحَمَّد الجلالى وَمَعَهُ عشيره وَمِنْهُم طَائِفَة من جند الشَّام فَأَغَارَ عَلَيْهِم فى شَوَّال وَهُوَ فى الرّبيع بِالْقربِ من حماه وانتهبهم وَأخذ خيولهم وَكرر الْغَارة عَلَيْهِم فَلَمَّا كَانَ أَوَائِل ذى الْحجَّة مر مصطفى باشا الشهير بِابْن راضيه مُتَوَلِّيًا نِيَابَة الشَّام بغجر مُحَمَّد وَقد جمع عشيرا نَحْو ثَلَاثَة آلَاف مقَاتل فَقَالُوا لَهُ لَا نمكنك من الذّهاب الى دمشق حَتَّى تنتصف لنا من ناصف باشا فَسَار مَعَهم مكْرها وَكَانُوا قد تظاهروا ابقطع الطَّرِيق وضربوا على أهل حمص وحماه ضَرَائِب من المَال واعترضوا القوافل وجرموهم فَخَرجُوا بمصطفى باشا من حماه الى نَاحيَة حلب فَلم يثبتوا لَهُ سَاعَة وأفلت عَلَيْهِم المكاحل فَقتل مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرُونَ وفر الغجر وَمن مَعَه من الْجند الشامى وانحاز مصطفى باشا الى ناصف باشا ثمَّ بعث خَلفه الى تدمر وشتت شَمله ثمَّ شاع الْخَبَر فى دمشق فى رَابِع أَو خَامِس الْحجَّة ان ناصف باشا وصل الى دمشق للانتقام من الْجند ثمَّ عقب يَوْمَيْنِ وصل من طرفه رَسُول وَمَعَهُ كتاب مِنْهُ يطْلب مِنْهُم نَحْو ثَلَاثِينَ رجلا ليَأْخُذ مَا فى عهدتهم من الاموال السُّلْطَانِيَّة الَّتِى تناولوها من أَمْوَال حلب وَمِنْهُم خدا وردى وآق يناق وقرايناق وَحَمْزَة الكردى وَآخَرُونَ وان لم يسلمُوا هَذِه الطَّائِفَة اليه والا أَتَى الى دمشق وَقَاتلهمْ واستأصلهم فامتنعوا وأظهروا لَهُ العناد والتمرد وَالْقُوَّة والاشتداد ثمَّ دخلت طَائِفَة مِنْهُم الى القلعة واستولوا عَلَيْهَا وتحصنوا ثمَّ بعثوا مِنْهُم جمَاعَة الى الامير فَخر الدّين بن معن والامير مُوسَى بن الحرفوش والامير أَحْمد بن الشهَاب وَالشَّيْخ عمر شيخ المفارجة ثمَّ خَرجُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 الى القابون وَاجْتمعَ العشير عَلَيْهِم ثمَّة وَلم يتَأَخَّر الا الامير فَخر الدّين بن معن وَبقيت خيامهم بالقابون نَحْو عشرَة أَيَّام وَأخذُوا فى نهب زروع النَّاس وَبَعض مَوَاشِيهمْ وَدخل أهل الغوطة الى دمشق ونقلوا أسبابهم وأمتعتهم ونساءهم اليها وارتعبت أهل دمشق ثمَّ شاع فى ثامن ذى الْحجَّة بِدِمَشْق أَن ناصف باشا رَجَعَ الى حلب بعد أَن كَانَ وصل الى الرستن وَكَانَ مصطفى باشا نَائِب دمشق قد فَارقه قبل ذَلِك بأيام وَنزل بالقابون فَلم يمكنوه من دُخُول دمشق بل قَالُوا لَهُ ارْجع وَقَاتل مَعنا ناصف باشا وبقوا ثمَّة حَتَّى استهلت سنة ثَلَاث عشرَة يَوْم الِاثْنَيْنِ فَهموا بالرحيل وافترقوا فرْقَتَيْن فرقة تَقول نَذْهَب الى حلب وهم الَّذين كَانُوا فى اسْتِخْدَام حلب وَالْآخرُونَ يَقُولُونَ نرْجِع الى دمشق وَقد رَجَعَ عَنَّا ناصف باشا وَنحن لَا نعصى السلطنة ثمَّ فكوا خيامهم وَتوجه الحلبيون الى أَرض الْقصير وعذارا ثمَّ فى يَوْم الثلاثا رَحل مصطفى باشا الى دمشق بعد الْعَصْر وَمَعَهُ ابْن الشهَاب وَابْن الحرفوش وَأكْثر الْجند وَانْقطع أَمرهم عَن حلب وَعَن سردار بتهم فِيهَا وليته انْقَطع عَن دمشق أَيْضا فلعمرى ان بَلْدَة تأمن من غوائلهم وَلَا ترى مصائبهم ونوازلهم لهى أمينة من جَمِيع المصائب مَدْفُوع عَنْهَا بلطف الله تَعَالَى جملَة النوائب فانهم مدَار كل ضَرَر آجل وعاجل وَلَيْسَ لَهُم تالله نفع وَلَا تَحْتهم طائل عودا الى تَتِمَّة تَرْجَمَة صَاحب التَّرْجَمَة ثمَّ صَار بعد ذَلِك نَائِب السلطنة بديار اناطولى ثمَّ ولى مُحَافظَة بَغْدَاد ثمَّ صَار نَائِبا بديار بكر ثمَّ وَجه اليه الْوَزير الاعظم مُرَاد باشا سردار العساكر حُكُومَة مصر فَلم تمض أَيَّام إِلَّا مرض مُرَاد باشا مرض مَوته فَبعث السُّلْطَان أَحْمد مَرَاسِيل الى صَاحب التَّرْجَمَة بِأَن يكون قَائِم مقَام الْوَزير ثمَّ توفى مُرَاد باشا فوجهت اليه الوزارة العظيمى والسردارية وجاءه الْخَتْم فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشْرين وَألف وَعقد الصُّلْح بَين السُّلْطَان وشاه الْعظم ثمَّ سَافر رَاجعا بالعساكر الى حلب وأرهب جند الشَّام وَغَيرهم وهرعت النَّاس اليه الى حلب ثمَّ سَافر من حلب الى قسطنطينية فَدَخلَهَا فى شعْبَان فقابله السُّلْطَان أَحْمد بِالْقبُولِ والاقبال وزوجه ابْنَته ثمَّ قَتله يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة ثانى عشر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَالله أعلم نظام الدّين السندى النقشبندى ذكره البورينى وَقَالَ فى تَرْجَمته ورد الى دمشق وَمَعَهُ أَخ لَهُ صَغِير وَصَارَ يدعى علما غزيرا يرا وَيَزْعُم أَنه حمل فضلا كثيرا وَلم يكن كَمَا قَالَ وَلَا صدقت مِنْهُ الاقوال غير أَنه كَانَ ذكيا جدا وَالْعجب أَنه كَانَ يتنوع فى الدَّعَاوَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 فَتَارَة يَقُول أَنا شرِيف علوى وَتارَة كَانَ يدعى الرياضة الْمُطلقَة وَترك دمشق ورحل الى صالحيتها وقطن بمدرسة شيخ الاسلام أَبى عمر وَصَارَ يدعى أَنه مهدى الزَّمَان الْمَوْعُود بِهِ فَقيل لَهُ ذَاك مُحَمَّد وَأَنت نظام الدّين فَقَالَ مُحَمَّد يلقب بنظام الدّين فَقيل لَهُ ذَاك شرِيف وَأَنت سندى أسود فَقَالَ أَنا شرِيف علوى صَحِيح النّسَب غير أَنى تركت دَعْوَى ذَلِك الا فى وقته وَأما سَواد الْوَجْه فَكَانَ يعْتَذر عَنهُ بَان المُرَاد الْبيَاض المعنوى الذى يكون فى الافعال وَزَاد بِهِ الْحَال الى أَن صعد المنارة الشرقية بَين الْمغرب وَالْعشَاء وَقَالَ يَا أهل دمشق أَنا مهدى الزَّمَان وَأَنا أدعوكم الى اجابتى واتباعى وَسمع ذَلِك كثير من الصَّالِحين وَغَيرهم مِمَّن كَانَ بالجامع الاموى وَكَانَ مرّة بالجامع السليمى السلطانى يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا نزل الْخَطِيب عَن الْمِنْبَر قَامَ وَأمر رجلا أَن يصعد الْمِنْبَر ويلعن أَمِين الدفترى العجمى وَقَالَ بِصَوْت عَال ان الدفتر دَار مُحَمَّد أَمِين رافضى يبغض أَبَا بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا وَقد أمرنى رَسُول الله أَن ألعنه وشاع ذَلِك الامر وذاع فَوضع فى البيمارستان القيمرى بالصالحية مُدَّة وَسكن عَن التَّخْلِيط وقلل من التخبيط فَأمر قاضى الْقُضَاة باخراجه بعد ان أَمر بايلاجه وَضَاقَتْ بِهِ دمشق بعد هَذِه الدَّعْوَى وَكَانَ يَذُوق من الزَّمَان شَدِيد الْبلوى فطار من دمشق الى بَيت الْمُقَدّس وَمر بنابلس وَدخل غَزَّة واقتتل مَعَ بعض علمائها وَوصل الى مصر وَمكث بهَا قَلِيلا وَلم تطل مدَّته بهَا بل توفى هُوَ وَأَخُوهُ بهَا انْتهى مَا قَالَ البورينى قلت والذى تلقيته من احوال المنلا نظام أَنه كَانَ من الْمُحَقِّقين الْعِظَام وانه كَانَ من أَرْبَاب الْولَايَة وَمِمَّنْ أَدْرَكته عين الْعِنَايَة فى الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة وَهُوَ من خَواص تلامذة السَّيِّد صبغة الله نزيل الْمَدِينَة المنورة وَكَانَ السَّيِّد الْمَذْكُور يُحِبهُ وينافس فى ولَايَته المقررة وَوَقع للسَّيِّد بِسَبَبِهِ كَرَامَة ذكرتها فى تَرْجَمته وألمعت فِيهَا بِذكر انتمائه اليه وتلمذته وَمَا وَقع بِدِمَشْق من بعض التخاليط فقد يُقَال انه يموه بهَا عَن حَقِيقَة أمره حَتَّى تعد من الاغاليط وَمِمَّا شاع أَن وَضعه فى البيمارستان كَانَ عَن أغراض نفسانية وانه دَعَا على من كَانَ السَّبَب فى ذَلِك من الْفُضَلَاء بِأَن يسلب رونق فضيلته البهية فاستجيب دعاؤه فيهم وحرموا لَذَّة النَّفْع بالعلوم على أَن كلا مِنْهُم كَانَ مِمَّن برع على هَذَا الاستاذ فى الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم وَلَقَد حكى بعض عُلَمَاء الشَّام الْكِبَار أَنه حج فزار السَّيِّد صبغة الله فى مَدِينَة النبى الْمُخْتَار فَمَا اسْتَقر بِهِ الْجُلُوس حَتَّى سَأَلَهُ عَن أَحْوَال المنلا نظام مبديا للقائه غَايَة الشوق والغرام فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْعَالم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 انه جن وَوضع فى البيمارستان وَلم يتَنَبَّه بقرائن السُّؤَال الى مَا تضمنه من الاعتناء لرفعة الشان فاضطرب السَّيِّد وَقَالَ لذَلِك الْعَالم بِلِسَان عاذل لَاحَ ذَا مليح وعشاقه كلهم ملاح ويكفى مَا فى هَذِه الْكَلِمَة من الاشارة الى علو قدره وَأَنه مِمَّن يغالى فى التنويه بفضله الذى سلم لَهُ أعظم أهل عصره وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ عشرَة بعد الالف رَحمَه الله تَعَالَى نعْمَان بن أَحْمد الحنبلى الدمشقى قاضى الْحَنَابِلَة بمحكمة الْبَاب بِدِمَشْق كَانَ من فضلاء الْحَنَابِلَة ووجهائهم تفقه على جمَاعَة وَلزِمَ من أول عمره هُوَ وَأَخُوهُ الشَّيْخ الْفَاضِل عبد السَّلَام أديب الزَّمَان أَحْمد بن شاهين وتخرجا عَلَيْهِ وانتفعا بِهِ علما وجاها وَولى القاضى نعْمَان النيابات بوسيلته والتقرب اليه الى أَن اسْتَقر آخرا بِالْبَابِ وَكَانَ أمثل الْقُضَاة فى عصره وجيها مهابا نقى الْعرض عَمَّا يدنس ملازما خويصة نَفسه ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الحجازية وَكَانَ لَهُ بهَا خلْوَة يُقيم بهَا أَكثر أوقاته وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَسبعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى نعْمَان بن عبد الرَّحْمَن وَيعرف فى دمشق بِابْن الجلده أحد الموالى الرومية ولد بِدِمَشْق وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ وجد حَتَّى حصل طرفا صَالحا من الْعُلُوم ثمَّ سَافر فى أول أمره الى قسطنطينية وسلك بهَا طَرِيق الموالى فدرس بمدارس دَار الْخلَافَة وتوطن ثمَّة ونهض بِهِ حَظه نهضة بليغة فترقى فى أقرب زمَان الى قَضَاء بروسه وغدر بِهِ الزَّمَان عَاجلا فَقتل بهَا وَكَانَ سَبَب قَتله تراخيه فى أَمر دُخُول حسن باشا الجلالى الى بروسه على مَا قيل وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَالله أعلم نعْمَان بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الايجى العجمى الدمشقى الشافعى الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى كَانَ من أجل الصُّوفِيَّة فَاضلا أديبا سخى الطَّبْع يُؤثر بِمَا لَهُ فى وُجُوه الْخَيْر وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد قَالَ النَّجْم فى تَرْجَمته وَكَانَ يتَزَوَّج كثيرا وَيُطلق حَتَّى بلغنى أَنه وقفت عَلَيْهِ سَائِلَة تسأله فَقَالَ لَهَا أَلَك زوج فَقَالَت لَا فَأَخذهَا الى المحكمة العونية وَعقد عقده عَلَيْهَا ثمَّ لَزِمَهَا حَتَّى اجْتمع بهَا فى منزلهَا قلت وَقد وقفت لَهُ على أشعار مِنْهَا هَذَا الْمَقْطُوع نسبه بعض الادباء اليه وَلَا أدرى صِحَة النِّسْبَة وَهُوَ هَذَا (قَالُوا نرَاك بِلَا خل فَقلت لَهُم ... مَا بعد جَوْهَر علمى أبتغى عرضا) (جربت دهرى وأهليه فَمَا تركت ... لى التجارب فى ود امْرِئ غَرضا) وَالْبَيْت الاخير مضمن من قصيدة لابى الْعَلَاء المعرى وَبَاب هَذِه التجربة متسع جدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 واذا أضمرت الزّهْد فى النَّاس فقد نجحت الآمال وَأمن الباس وَمن شعره قَوْله أَيْضا (أضعت الْعُمر فى لَهو وطيش ... وَكنت أَظن فى الدُّنْيَا صديقا) (فَلَمَّا صرت مُحْتَاجا لفلس ... فقدت الاهل والخل الشفيقا) وَقَوله (صديق الْمَرْء فى الدُّنْيَا قَلِيل ... وأصدقهم على التَّحْقِيق دِرْهَم) (تمسك ان ظَفرت بِهِ ودع مَا ... سواهُ فانه للهم مرهم) وَكتب فى صدر مُكَاتبَة للرئيس يحيى بن كَمَال الدّين الدفترى فى الرّوم تَتَضَمَّن الشكاية فَقَالَ (من كَانَ يَنْفَعهُ الادب ... ويحله أَعلَى الرتب) (فَلَقَد خسرت عَلَيْهِ مَا ... ورثت من أم وَأب) (كم رزقة كَانَت تصون الْوَجْه عَن ذَلِك الطّلب) (أتلفتها لَا فى القيان وَلَا هوى بنت الْعِنَب) (بل فى الْحَوَائِج والحوادث والعوارض والنوب) (كم قلت لما بعتها ... وحصلت فى أسر الكرب) (ذهبت دجاجتنا الَّتِى ... كَانَت تبيض لنا الذَّهَب) فَلَمَّا وصلت الرسَالَة والابيات للرئيس يحيى الْمَذْكُور كلف أَبَا المعالى الطالوى أَن يكْتب عَن لِسَانه جَوَابا فَكتب فى جَوَاب الابيات قَوْله (خسر الذى بَاعَ الادب ... بالبخس فى سوق الطّلب) (أَو مَا درى أَن القناعة للفتى مَال يحب ... ) (وَرَأى بَان الْحر يقنعه الْقَلِيل من النشب ... ) (مَا رزقة كَانَت تصون وَمَا الذى أورثه أَب ... ) (حاشا لمثلك عَن هوى الْقَيْنَات أَو بنت الْعِنَب ... ) (أَو ناعم أَطْرَافه ... عذب اللمى حُلْو الشنب) (فى كَفه لَهب المدام وفى الحشا مِنْهُ لَهب ... ) (كم من أَخ كُنَّا نظن بِهِ اخاء ذوى النّسَب ... ) (حَتَّى بلونا وده ... فازور ينشد فى غضب) (ذهبت دجاجتنا الَّتِى ... كَانَت تبيض لنا الذَّهَب) (هلا تذكر ديكها ... اذ صَاح صيحته الْعجب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 (صعِقَتْ دَجَاج الحى مِنْهَا فهى فى قفص الكرب ... ) (وَغدا يقوقئ حولهَا ... وَالْقلب من خوف وَجب) (فاشكر لبازى الجو حَيْثُ حمى الْحمام من العطب ... ) (لولاه أَصبَحت الدَّجَاجَة لَا جنَاح وَلَا ذَنْب ... ) قلت والابيات الَّتِى كتبهَا صَاحب التَّرْجَمَة لَيست لَهُ بل هى قديمَة وَقد غفل الطالوى عَن ذكره هَذَا فَلَعَلَّهُ لم يطلع على أَنَّهَا قديمَة وَكَانَت وَفَاة الشَّيْخ نعْمَان عَشِيَّة الاحد لليلتين بَقِيَتَا من صفر سنة سِتّ عشرَة وَألف وَقد تقدم ابْنه مُحَمَّد وحفيده أَحْمد وسيأتى حفيده يحيى نعْمَان العجلونى الحبراصى الشَّيْخ الْعَالم الْعَلامَة الْفَقِيه الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى ذكره النَّجْم وَقَالَ فى تَرْجَمته سَافر الى مصر وَقَرَأَ على الْخَطِيب الشربينى وَالشَّمْس مُحَمَّد الرملى وَغَيرهمَا وَكَانَ يستحضر مسَائِل الْفِقْه من شرح الْمِنْهَاج لشيخه الْخَطِيب الْمَذْكُور كَأَنَّهُ ينظر اليه وَلما رَجَعَ من طلب الْعلم الى بِلَاده كَانَ يحجّ فى كل عَام وَلم يَنْقَطِع عَن الْحَج الا قَلِيلا واجتمعنا بِهِ بِدِمَشْق ثمَّ بطرِيق الْحَاج كثيرا ثمَّ بالحرمين الشريفين وَكَانَ لَا يتَقَيَّد بملبس وَلَا مطعم وَكَانَ يقبل من النَّاس مَا يعطونه ثمَّ كَانَ يعود على الْفُقَرَاء بعوائد وَكَانَ جوادا سخيا بكيا من خشيَة الله تَعَالَى وبقى على حَاله من الْحَج من سنة أَربع عشرَة بعد الالف سنة تسع عشرَة فَمَاتَ فى مرحلة الْمُعظم فى أَوَاخِر الْمحرم من هَذِه السّنة وَدفن بالاخضر الشَّيْخ نعْمَة الله بن عبد الله بن محيى الدّين بن عبد الله بن على بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا بن يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلانى بن أَبى صَالح مُوسَى بن جنكى دوست حق بن يحيى الزَّاهِد بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن مُوسَى الحرن بن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمثنى بن الْحسن بن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ وعنهم كَانَ من أكَابِر أَوْلِيَاء الله تَعَالَى الَّذين نالوا مِنْهُ الْوَفَاء والكرامة وَمن محبيه المقتدى بهم فى جمال الاخلاق سَطَعَ نور كَمَاله وأشرقت شمس صِفَاته وتواترت كراماته وكلماته وانعقد الاجماع على ولَايَته ولد بِالْهِنْدِ ورحل من بِلَاده الى مَكَّة المكرمة وَكَانَ وُصُوله اليها فى سنة أَربع عشرَة بعد الالف وجاور بهَا ولازم الصمت وَالْمَسْجِد عدَّة سِنِين ثمَّ سكن شعب عَامر وَتزَوج وَولد لَهُ أَوْلَاد واشتهر عِنْد أهل الْحَرَمَيْنِ ومدحه أكَابِر الْعلمَاء لما رَأَوْا مِنْهُ من الكرامات الخارقة والاحوال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 الصَّالِحَة وَمِنْهُم الْعَلامَة الشَّيْخ على ابْن أَبى بكر الْجمال المكى قَالَ فِيهِ قصيدة مطْلعهَا قَوْله (يَا من يروم قضا مَصَالِحه الَّتِى ... صعبت وأشكل أمرهَا بالمرة) (لَا تيأسن ولذ بقدوتنا الذى ... أعطَاهُ رب الْعَرْش حسن السِّيرَة) وهى طَوِيلَة فلنقتصر مِنْهَا على هَذَا الْمِقْدَار وللشيخ الْفَاضِل أَحْمد بن الْفضل باكثير قصيدة مدحه بهَا ذكر فِيهَا شَيْئا من كراماته مطْلعهَا هَذَا (شِفَاء فؤادى بل جلاء نواظرى ... مراتع غزلان الكناس النواضر) (وحضرة أنسى رَوْضَة الْحسن والبها ... وحضرة قدسى والهوى شعب عَامر) (فَذا الشّعب فِيهِ شعب كبرى ولى بِهِ ... بديعة حسن لم تحل عَن سرائرى) (وَذَا الشّعب فِيهِ عشب خصب تفتقت ... كمائمه عَن مزهرات الازاهر) (وَذَا الشّعب من آفَاق علياه أشرقت ... نُجُوم هدى يهدى بهَا كل حائر) (وَذَا الشّعب امسى هَالة مستنيرة ... ببدر كَمَال سَاطِع النُّور باهر) (وَذَا الشّعب أضحى برج سعد ومنزلا ... لشمس العلى قد أشرقت فى البصائر) (وَذَا الشّعب برصار للبر معدنا ... فكم رب فقر مِنْهُ أضحى كتاجر) (أَضَاء بزهر مشرقات وأنجم ... بهَا يهتدى للحق أهل السرائر) (أَضَاء بشمس أشرقت فانجلى بهَا ... دجى كل ليل للمعارف سَاتِر) (أَضَاء بقطب الكائنات لانه ... حوى نعْمَة الله بن عبد الْقَادِر) (أَضَاء بِوَجْه مِنْهُ مَا الشَّمْس فى الضُّحَى ... وَمَا الْبَدْر فى جنح الدياجى لناظر) (وَمَا النَّجْم فى الافلاك يسطع نوره ... وَمَا الْفجْر يَبْدُو مُسْفِرًا للنواظر) (وَمَا النُّور حَتَّى ان يُقَاس بنوره ... وَهل يستوى نور يعم بقاصر) وَمن شُيُوخه الَّذين أَخذ عَنْهُم عُلُوم الطَّرِيق الشَّيْخ أَبُو بكر بن سَالم باعلوى صَاحب عينات وَكَانَ فى بدايته ملازما للرياضات وَاسْتمرّ أشهرا لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَهُوَ مختل بِغَار وَخرج مِنْهُ وَهُوَ يتَكَلَّم بالعلوم والمعارف وتواترت كراماته الَّتِى لَا يُمكن حصرها وَكَانَ ابْتَدَأَ الْعَلامَة ابراهيم الدهان فى جمع شئ من كراماته فى مؤلف وَلم يعلم بذلك أحدا فَأتى اليه وَهُوَ فى بَيته وَقَالَ لَهُ يَا شيخ ابراهيم هَل يُمكن عد الْمَطَر للبشر فَقَالَ لَا فَقَالَ كراماتنا كَذَلِك فَعِنْدَ ذَلِك صرف نَفسه عَن جمع هَذَا التَّأْلِيف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 وَهَذِه من كراماته وَمِنْهَا أَن الْحمى كَانَت طوع يَدَيْهِ فَكَانَ يسلطها يَوْمًا وأياما وأشهرا وأعواما على من أَرَادَ من المنكرين وَاتفقَ لَهُ أَنه دخل على بعض أكَابِر الرّوم فى الْمَوْسِم فَلم يكترث بِهِ فَغَضب وَقَالَ يَا حمى خذيه فركبته من وقته وَلم يبت تِلْكَ اللَّيْلَة الا فى تربته وَمِنْهَا أَنه دخل على الامير رضوَان أَمِير الْحَاج المصرى وَكَانَ عِنْده من عُلَمَاء الشَّيْخ مكى فروخ فَقَامَ لَهُ وعظمه وَلم يقم لَهُ الامير وتغافل عَنهُ فَغَضب مِنْهُ وَتكلم عَلَيْهِ وَخرج من عِنْده وَقَالَ يَا حمى اركبيه فركبته من حِينه فَأرْسل اليه الشَّيْخ مكى يعْتَذر اليه وَيطْلب مِنْهُ الْعَفو فَقَالَ ان كَانَ ولابد فَتبقى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى يتواضع من كبره فَبَقيت عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام وَقد أنهكته وعوفى بعْدهَا وَمِنْهَا أَنه كَانَ يُمِيت باذن الله تَعَالَى فَمَا اتفقه لَهُ أَنه غضب على شخص فَقَالَ مت فَمَاتَ من وقته وَمِنْهَا أَن بعض التُّجَّار المتوسطين كَانَ يتعاطى خدمته فى أَخذ كسْوَة لَهُ وَشبههَا فَاجْتمع لَهُ عِنْده خَمْسُونَ قرشا فَأتى اليه يَوْمًا فَقَالَ لَهُ كم اجْتمع لَك عندنَا فَقَالَ خَمْسُونَ قرشا فَقَالَ تأخذها أَو تتركها ونعوضك عَنْهَا خمسين ألف قِرْش فَقَالَ لَهُ الامر اليك فَقَالَ نَفسك طيبَة بذلك قَالَ نعم فَقَالَ اذْهَبْ وشاور من تثق بِهِ فَذهب الى عمَّة لَهُ كَانَ يُحِبهَا وتحبه فَذكر لَهَا كَلَامه فَأَشَارَتْ عَلَيْهِ بِتَرْكِهَا لَهُ فَرجع اليه وَقَالَ يَا سيدى انى قد تركتهَا لَك فَقَالَ اذْهَبْ وَنفى لَك بوعدك فَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَلم تمض مُدَّة يسيرَة حَتَّى ملك مَا ينوف عَن خمسين ألف قِرْش وَمِنْهَا أَنه دخل على الشريف نامى بن عبد الْمطلب شرِيف مَكَّة فى شَفَاعَة فَلم يقبلهَا مِنْهُ فَخرج من عِنْده وَهُوَ يَقُول مَا قبل شفاعتنا نَحن نصلبه وأخاه فى مَكَان عينه فَمَا مَضَت مُدَّة يسيرَة حَتَّى أَتَى الْعَسْكَر من مصر وولوا الشريف زيد بن محسن الشرافة وقبضوا على الشريف نامى وأخيه وصلبوهما عِنْد الْمُدعى فى الْمَكَان الذى ذكره الشَّيْخ وَمِنْهَا أَن الشريف ادريس شرِيف مَكَّة غضب على بعض النَّاس وَأرْسل اليه أَن يخرج من مَكَّة وَلَا يسكنهَا وأمهله ثَمَانِيَة أَيَّام فَأتى اليه وشكى لَهُ حَاله وَمَا جرى لَهُ من الشريف ادريس فَأرْسل رَسُوله للشريف ادريس يشفع لَهُ فَلم يقبل شَفَاعَته فَسكت سَاعَة ثمَّ قَالَ وَالله لَا تخرج من مَكَّة وَيخرج هُوَ مِنْهَا فَبعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة قَامَت عَلَيْهِ الاشراف وعزلوه وَأَقَامُوا الشريف محسنا مَكَانَهُ وأخرجوه من مَكَّة وَمِنْهَا مَا أخبر بِهِ شَيخنَا بركَة الْعَصْر الْحسن العجيمى فسبح الله تَعَالَى فى أَجله أَن وَالِده قَالَ لَهُ يَوْمًا يَا سيدى انى أَخَاف على أولادى من الْجُوع فَقَالَ لَهُ أولادك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 لَا يجوعون قَالَ شَيخنَا فانى بِحَمْد الله لَا أجوع أبدا جوعا مزعجا يحصل مِنْهُ مشقة وَذكر السَّيِّد مُحَمَّد الشلى فى مسودة تَارِيخه انه كَانَ اذا طلب من أحد شَيْئا وَلم يُعْطه قَالَ لَهُ نرسل لَك الْحمى فَتَأْتِيه تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ زعم انه من ذُرِّيَّة الشَّيْخ عبد الْقَادِر المكيلانى قدس سره وَالله أعلم بِحَالهِ وَاسْتمرّ على تِلْكَ الْحَال حَتَّى أَتَى مَوْلَانَا السَّيِّد علوى ابْن عقيل السقاف وَطلب مِنْهُ أردبا من الْحبّ وَاعْتذر اليه فَقَالَ اما أَن تعطينى واما أَن أرسل اليك الْحمى وَكَانَ السَّيِّد علوى قد احتجب فى بَيته فَأرْسل اليه خادمه وَقَالَ افْعَل هَذَا مَعَ غيرى وأقعدناك فَلم يقدر على الْقيام فَاسْتَغْفر وَتَابَ وعاهده السَّيِّد على أَن لَا يضر أحدا وَأَن يَتُوب من هَذِه الْحَالة وَقَالَ لَهُ ان ضربت أحدا قتلنَا الجنى الذى ترسله للنَّاس ثمَّ مرض فأوصى أَن يدْفن فى مَحَله بشعب عَامر فَدفن فِيهِ اهـ قَالَ شَيخنَا العجميى الْمَذْكُور وَلَا يخفى على منصف أَن الِاسْتِخْدَام بالجان لَا ينافى الْولَايَة فقد وَقع لكثير مثل هَذَا مِمَّن لَا يشك فى ولَايَته مِمَّن يطول تعداد أسمائهم وَذكر صفاتهم نعم كَانَ من صَاحب التَّرْجَمَة انكار على شيخ مَشَايِخنَا أَحْمد الشناوى رَحمَه الله تَعَالَى حَتَّى انه دخل يَوْمًا على السَّيِّد سَالم شَيْخَانِ وَقَالَ لَهُ أخرجك الله من بَحر الشناوى فَغَضب السَّيِّد سَالم عَلَيْهِ وَقَامَ وضربه وَقَالَ أفيك أَهْلِيَّة لاجراء اسْم الشَّيْخ الشناوى فَخرج صَاحب التَّرْجَمَة هَارِبا من بَيت الشَّيْخ سَالم وَوَقع بَينهمَا شبه مَا يَقع بَين الاولياء فماتا فى شهر وَاحِد وَبَين وفاتبهما نَحْو عشرَة أَيَّام وَهَذَا من صَاحب التَّرْجَمَة غير قَادِح فى ولَايَته أَيْضا فقد جَاءَ فى حَدِيث الاولياء عِنْد أَبى نعيم ان كَلَام من الابدال والاوتاد وَغَيرهمَا لَو اطلع أحد مِنْهُم على من هُوَ فَوْقه فى الرُّتْبَة لحكم بِكُفْرِهِ أَو نَحْو ذَلِك وَكَانَ الشَّيْخ الشناوى ختم زَمَانه فَلَا يدع أَن يخفى مقَامه على أَكثر أهل أَوَانه بِاللَّه تَعَالَى التَّوْفِيق وَهُوَ الهادى الى سَوَاء الطَّرِيق وَكَانَت وَفَاة السَّيِّد نعْمَة الله صبح يَوْم الْخَمِيس سادس وعشرى ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَألف وَله من الْعُمر أَربع وَسَبْعُونَ سنة وقبره يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله تَعَالَى نوح بن مصطفى الرومى الحنفى نزيل مصر الامام الْعَلامَة سَابق حلبة الْعُلُوم سَار ذكره واشتهر علمه وَهُوَ فى عُلُوم عديدة من الفائقين سِيمَا التَّفْسِير وَالْفِقْه والاصول وَالْكَلَام وَكَانَ حسن الاخلاق وافرا الحشمة جم الْفَضَائِل ولد ببلاده ثمَّ رَحل الى مصر وتديرها وَأخذ الْفِقْه عَن الْعَلامَة عبد الْكَرِيم السوسى تلميذ شيخ الاسلام على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 ابْن غَانِم المقدسى وَقَرَأَ عُلُوم الحَدِيث رِوَايَة ودراية على مُحدث مصر مُحَمَّد حجازى الْوَاعِظ وتلقن الذّكر وَلبس الْخِرْقَة وَأخذ عُلُوم المعارف بِاللَّه حسن ابْن على بن أَحْمد بن ابراهيم الخلوتى وَألف مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا حَاشِيَة على الدُّرَر وَالْغرر وَالْقَوْل الدَّال على حَيَاة الْخضر وَوُجُود الابدال وَله رسائل بِمصْر مُقيما بِخِدْمَة الدّين مصون الْعرض وَالنَّفس مُتَمَتِّعا بِمَا من الله عَلَيْهِ من فَضله حَتَّى توفى بِمصْر وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبعين بعد الالف وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى وَبنى عَلَيْهِ بعض الوزراء قبَّة عَظِيمَة رَحمَه الله نوح الدمشقى المنشد كَانَ مجاورا عِنْد بَاب المنارة الشرقية من جَامع دمشق بوابها بعد الشَّيْخ سَلامَة المصرى وَكَانَ فى بداية أمره عقادا وَكَانَ صَوته حسنا وانشاده مَقْبُولًا فصحب الشَّيْخ مُوسَى السيورى مُؤذن قلعة دمشق وَأخذ عَنهُ الالحان والانغام وَكَانَ يحذو حذوه فى حب الْجمال وَكَانَ يحفظ غَالب ديوَان الشَّيْخ عمر بن الفارض رضى الله تَعَالَى عَنهُ وَأَشْيَاء من كَلَام الْقَوْم وَكَانَ يتناشد هُوَ وَالشَّيْخ مُوسَى الْمَذْكُور فيطربان جدا ثمَّ انْقَطع آخرا وَاقْتصر على مَا يحصل لَهُ من بوابة المنارة وَمن الاكابر المعتقدين لَهُ وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشرى ذى الْحجَّة سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى حرف الْهَاء السَّيِّد هَاشم بن أَحْمد الحسينى باعلوى السَّيِّد السَّنَد الامجد النسيب الاوحد مظهر تجلى جمال الْجلَال ومظهر الرِّضَا بسابق الرأى والمقال ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَصَحب أكَابِر عُلَمَاء وأولياء وَكَانَ على طَريقَة سلفه الصَّالِحين من الإجتهاد فى الدّين وَالطَّاعَة قَالَ الشلى فى تَرْجَمته وَرَأَيْت بِخَط السَّيِّد أَبى بكر شَيْخَانِ مَا نَصه وَكَانَ بَينه وَبَين السَّيِّد الْعَظِيم الشَّأْن الشريف أَحْمد شَيْخَانِ معاقدات اخوه ومباسطات حلوه وصلات سنيه واشارات معنويه لَا يُحِيط بكهنها الا الْفَرد الصَّمد وَلَا يحط نقابها الا لمعى وان جد تراهما اذا اجْتمعَا يبديان مَا خفى ويتنادمان بالصفا وينتقلان بالمحادثه ويتوغلان بالمباحثه ويمتزجان بالارواح ويزدوجان بالاشباح (وربى ان حَالهمَا عَجِيب ... وَمن يهواهما فى الْحَال أعجب) (هما الشَّيْخَانِ فى أهل النهى قد ... أَقَامَا للشباب ربى وملعب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 (يخالهما الغبى طفلى رضَاع ... تعاطى للمدام وعشق أشنب) (وَلَا عجب فَهَذَا شَأْن قوم ... لَهُم والى الْخَبِير بهم وَقرب) وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة نَهَار الْجُمُعَة بعد انْقِضَاء اقامة فَرضهَا لعشر بَقينَ من صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَدفن مغرب لَيْلَة السبت بالحويطة الدُّنْيَا بالمعلاه بجوار اخوانه السَّادة الشريف هَاشم بن حَازِم بن أَبى نمسى الشريف الْحسنى كَانَ سيدا مقداما مجالسه معمورة بالعلوم يجمع الْفُقَهَاء للمناظرة ولاحياء الْعُلُوم وَكَانَ كثير العطا وَضبط الْبِلَاد الَّتِى كَانَت تَحت يَده وسدد بَين قبائلها وَتَوَلَّى بَيت الْفَقِيه وَمَا والاها من سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف الى سنة تسع وَثَلَاثِينَ فَلَمَّا قدم قانصوه باشا الى الْيمن تولى صَاحب التَّرْجَمَة فى هَذِه الْمدَّة اللجب والمحرق ثمَّ نزل صُحْبَة الْحسن فَأَقَامَ على زبيد حَتَّى استولى عَلَيْهَا وتولاها الى بِلَاد مور وَتمكن من الْولَايَة مَا لم يتَمَكَّن غَيره مِنْهَا وجبيت اليه الاموال والجنود وَكَانَت ولَايَته الاخرى تسع سِنِين وأشهرا ثمَّ توفى صَبِيحَة الْجُمُعَة سادس عشرى الْمحرم سنة خمس وَخمسين وَألف بزبيد وَدفن ضحى بتربة الْفَقِيه الولى الشهير أَبى بكر بن على الْحداد الْمُفَسّر شرقى المشهد وَحضر جنَازَته جمع كثير وَمَات قبله فى سادس عشرى ذى الْحجَّة سنة أَربع وَخمسين وَلَده الشريف على فى تريم وَتركُوا من الخزائن وَالْعدَد مَالا يُوصف وَلَا يعد هبة الله بن عبد الْغفار بن جمال الدّين بن مُحَمَّد المقدسى الحنفى الْمَعْرُوف بِابْن العجمى الْفَاضِل الاديب الْكَامِل كَانَ من لطف الطَّبْع من أَفْرَاد أهل خطته وَمن سَلامَة الطَّبْع مَا أَجَاد أهل جلدته قَرَأَ الْكثير وبرع وكرع من بَحر الْفَضَائِل مَا كرع حَتَّى رَأس بَين اقرانه وعد وَاحِد زَمَانه وَمن مشايخه الَّذين أَخذ عَنْهُم وَالِده وَعَلِيهِ تخرج وسافر الى الرّوم وامتزج بِأَهْلِهَا وَولى افتاء الْحَنَفِيَّة بالقدس مَعَ الْمدرسَة العثمانية وَكَانَ يكْتب الْخط الْمَنْسُوب وَله نظم ونثر وَلم أَقف لَهُ على نظم الا على أَبْيَات رَاجع بهَا شرف الدّين العسيى عَن أَبْيَات كتبهَا اليه ملغزا تقدّمت فى تَرْجَمَة شرف الدّين الْمَذْكُور وَبِالْجُمْلَةِ ففضله وكماله غير متنازع فِيهِ وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَتوفى فى رُجُوعه من الرّوم بسعسع فى الْمحرم سنة سبع وَسبعين وَألف وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى الهجام بن أَبى بكر بن مُحَمَّد المقبول بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن الهجام بن عمر ابْن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 أَبى الْقسم خزانَة الاسرار صَاحب القطيع مُصَغرًا ابْن أَبى بكر المعمر بن الْقسم ابْن عمر بن الشَّيْخ على بن عمد الاهدل كَانَ هَذَا السَّيِّد من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَالْولَايَة عَلَيْهِ ظَاهِرَة وَكَانَ الْفَقِيه مُحَمَّد بن عمر حشيبر يَقُول السَّيِّد الهجام مشيته تشبه مشْيَة رَسُول الله يتمايل يَمِينا وَشمَالًا من غير اكتراث وبيتهم مَعْرُوف بِالْفَضْلِ الْعَظِيم والشرف الرفيع وَلَهُم ثروة وجاه وَاسع مَشْهُور بِالْكَرمِ واطعام الطَّعَام للوافدين وَكَانَت وَفَاة الهجام فى جُمَادَى الاولى سنة ثَلَاثِينَ بعد الالف وَدفن فى زَاوِيَة القطيع فى مقبرتهم هُنَاكَ بالمراوعة وَتوفى وَالِده فى سنة عشرَة والف رَحمَه الله تَعَالَى هِدَايَة الله بن مُحَمَّد العجمى نزيل دمشق الامير الْجَلِيل الْقدر أحد الرؤساء الْمَشْهُورين بالنباهة وَالْعقل الرصين دخل مَعَ وَالِده حلب وَسكن بهَا مُدَّة ثمَّ هَاجر الى دمشق وقطن بهَا وَجعله مصطفى باشا نَائِب الشَّام اذ ذَاك من آحَاد اجناده ثمَّ سَافر الى مصر ثمَّ الى الرّوم وترقى فى مَرَاتِب الاجناد حَتَّى صَار صنجقا وَأعْطى امارة الْحَاج فَلم يتَصَرَّف فِيهَا وبقى فى أَوَاخِر عمره منعزلا عَن النَّاس وَصَارَ أَوْلَاده الاربعة وهم عُثْمَان وَمُرَاد وَمُحَمّد وَأسد من أَعْيَان كتاب الدِّيوَان وَكَانَ الامير صَاحب الْعلمَاء بِدِمَشْق وَغَيرهَا وَله ولاتباعه فى الخزينة السُّلْطَانِيَّة رزقة وَاسِعَة وَله أَمْوَال هائلة ونعمة طائلة وعاش متنعما كسوبا عَاقِلا وَله حشمة زَائِدَة واحسان الى الْفُقَرَاء وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف عَن سنّ عالية وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير هِلَال المصرى المجذوب الْمُسْتَغْرق ذكره المناوى فى طَبَقَات الاولياء وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ لَا يزَال حَامِلا لمفاتيح كَثِيرَة قَالَ الْوَالِد يعْنى الشَّيْخ زين العابدين المناوى هى مَفَاتِيح كنوز أَرض مصر الَّتِى هى عبارَة عَن الاقوات والزروع وَالثِّمَار والزهور والفواكه والمياه وَالطير وحيوان الْبَحْر والمعدن الظَّاهِر وَالْبَاطِن فَكَانَ أعْطى حفظهَا دون التَّصَرُّف فِيهَا قَالَ لَقيته مرّة وَقد خاضت نفسى فى الامل فَمشى أمامى وَصَارَ بقول بَعرَة ويكرر ذَلِك لَان الدُّنْيَا جيفة وطالابها كلابها مَاتَ فى أَوَائِل هَذَا الْقرن وَالله أعلم حرف الْوَاو الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 ولى الْمَعْرُوف بَين النَّاس بشاه ولى العينى الحنفى الخلوتى العَبْد الصَّالح كَانَ فى بداية أمره جنديا من أُمَرَاء الْمقَام العثمانى ثمَّ ترك ذَلِك وَصَحب رجلا صَالحا يُقَال لَهُ الشَّيْخ يَعْقُوب فتربى على يَدَيْهِ وسلك السّير الى الله تَعَالَى ثمَّ مَاتَ الشَّيْخ يَعْقُوب وَلم يحصل للشَّيْخ شاه ولى كَمَال فصحب بعده خَلِيفَته الشَّيْخ أَحْمد ثمَّ لما مَاتَ الشَّيْخ أَحْمد كَانَ شاه ولى كَامِلا فى دَرَجَات النَّفس فاستقل بالمشيخة بعده فأرشد ونصح ورتب الاوراد والخلوات وَأخذ العهود وربى ودعا الى الله عز وَجل فَكثر مريدوه واتباعه وهذب نَفسه وأدبها مَعَ الصّلاح وَالْكَرم والعفاف والزهد فى الدُّنْيَا وَكَانَ مثابرا على طَاعَة الله تَعَالَى مُقبلا على النَّصِيحَة مكفوف اللِّسَان سَاكن الْجَوَارِح عفيف النَّفس زكى الاخلاق حسن الْحَال رَاغِبًا فى الْعُزْلَة ملازم الصَّبْر يقْضى أوقاته بِالْمرضِ وَعدم صِحَة المزاج وَلم يزل حَتَّى توفى فى ذى الْقعدَة سنة ثَلَاث عشرَة بعد الالف خرج الى دَار عزه لاجل ادخال مريديه الى الْخلْوَة فَمَرض بهَا بحصر الْبَوْل فجِئ بِهِ الى حلب فبقى نَحْو عشرَة أَيَّام على تِلْكَ الْحَالة ثمَّ توفى وَدفن بِالْقربِ من مقَام ابراهيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام ولى الدّين بن أَحْمد بن مُحَمَّد ولى الدّين بن أَحْمد الفرفورى الدمشقى الحنفى ولد بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على بعض مشايخها وَكَانَ فى خدمَة أَخِيه عبد الْوَهَّاب يبيض الاسئلة الْمُتَعَلّقَة بالفتوى وَولى نِيَابَة الْقَضَاء بمحكمة الميدان وَقِسْمَة الْمَوَارِيث والعونية وَكَانَ لَهُ على ذَلِك نهمة شَدِيدَة وَولى قَضَاء الركب الشامى وَكَانَ كثير الْحَرَكَة قَلِيل الْبركَة قلق الْعَيْش دَائِم الطيش (كريشة فى مهب الرّيح سَاقِطَة ... لَا تَسْتَقِر على حَال من القلق) كثير التملق كأخيه مشدودة بِهِ فى المكرا واخيه وَلِهَذَا لقبا بالوسواس الخناس واشتهرا بِعَدَمِ الرابطة بَين النَّاس الا ان ولى الدّين فى ذَلِك أشهر كَمَا أَن أَخَاهُ فى طَرِيق المداراة أمهر وَكَانَ ولى الدّين يزِيد بأَشْيَاء ذَاك سَالم الْعرض مِنْهَا بعيد الساحة عَنْهَا وَعلمه وَكَرمه ساتران مِنْهُ كل عيب موجبان لَهُ الْمَدْح فى كل محْضر وغيب وَكَانَت وَفَاة ولى الدّين فى أَوَاخِر ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن بتربتهم لصيق مَزَار الشَّيْخ أرسلان قدس سره الْعَزِيز (حرف لَام ألف خالى) (حرف الْيَاء) يحيى بن أَبى السُّعُود بن يحيى بن الشَّيْخ الْعَلامَة بدر الدّين الشهاوى المصرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 الحنفى الامام الْعَلامَة الْفَقِيه الْمُفِيد ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن واشتغل فَأخذ عَن أكَابِر الشُّيُوخ كالشهاب أَحْمد الغنيمى والبرهان اللقانى وَالشَّمْس مُحَمَّد المحبى والشهاب الشوبرى والنور على الحلبى وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم وَأَجَازَهُ غَالب شُيُوخه وَكَانَ من اكابر عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة فى زَمَانه خُصُوصا فى معرفَة الْكتب وسعة الِاطِّلَاع وَكَانَت تعرض عَلَيْهِ كتب منخرمة الاوائل لَا يعرفهَا أحد من اقرانه فبمجرد وُقُوفه عَلَيْهَا يعرفهَا بِسُرْعَة من غير تردد وَلَا نظر وَكَانَ فَاضلا صَالحا متواضعا عفيفا شرِيف النَّفس والطبع مجللا عِنْد خَاصَّة النَّاس وعامتهم قَلِيل التَّرَدُّد الى أحد الا فى مهمة وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَدفن بتربة المجاورين تجاه تربة الشَّيْخ أَحْمد الشلبى شَارِح الْكَنْز رَحمَه الله تَعَالَى يحيى بن أَبى الصَّفَا بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن محَاسِن الدمشقى الحنفى الْفَاضِل الاديب كَانَ أحسن آل بَيته فضلا وكمالا وأبرعهم اسْتِيلَاء على المعارف واشتمالا قَرَأَ وَحصل وَفرع وأصل ونظم فأجاد وأقرأ فَأفَاد وَقد أَخذ جملَة الْعُلُوم من مَنْطُوق وَمَفْهُوم عَن جمَاعَة أَََجَلًا واشياخ ازدان بهم الدَّهْر وتحلى مِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وَالشَّيْخ يُوسُف الفتحى وَلما ورد أَبُو الْعَبَّاس المقرى دمشق لزمَه لُزُوم الظل للشبح وَأخذ عَنهُ غرائب الظّرْف وَالْملح وَكنت رَأَيْت بِخَطِّهِ مجموعا ذكر فِيهِ كثيرا من أمالى شَيْخه الْمَذْكُور وبدع فِيهِ بتحف وَصفه الْمَحْمُود المشكور وَولى من الْمدَارِس الْمدرسَة الغزالية ودرس بهَا الْعلم فى بلهنية من الْعَيْش رضية الا انه لم تطل مُدَّة ايامه ففاجأه فى نهنهة الشَّبَاب حمامه وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَرَأَيْت هَذِه الابيات لاديب الدَّهْر أَحْمد بن شاهين كتبهَا على شعر لصَاحب التَّرْجَمَة وقف عَلَيْهِ وهى تشبه أَن تكون رثاء فِيهِ فَذَكرتهَا هُنَا وهى (رحم الْمُهَيْمِن ناظما ... قدما لهَذَا الشّعْر راوى) (يحيى الذى قد مَاتَ ... وَهُوَ لمفخر الاحياء حاوى) (قد كَانَ روح بنى المحاسن وجده لَهُم يساوى ... ) (مدح الديار وَأَهْلهَا ... وَمضى فروض الانس ذاوى) (نشر الثَّنَاء وانه ... لرداء مَا فى الْعَيْش طاوى) (يَا رب وسع مرقدا ... هُوَ فى مضيق مِنْهُ ثاوى) (فنو المحاسن كلهم ... من بعد مشهده مساوى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 السَّيِّد يحيى بن أَحْمد بن مُحَمَّد الشرفى الْيُمْنَى عماد الاسلام والجهبذ الْهمام عَالم الزَّمن وفقيه الْيمن أَخذ عَن كثير من الاشياخ والائمة مِنْهُم الْعَلامَة عبد الحفيظ المهلا وَولده النَّاصِر وَغَيرهمَا من الاكابر وَله مبَاحث واشعار رائقة مِنْهَا ابيات فى تَحْرِيم النتن مطْلعهَا (الْحَمد لله مولى الْفضل والمنن ... حمدا أكرره فى السِّرّ والعلن) (ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار من مُضر ... وَآله من هم لِلْخلقِ كالسفن) (ثمَّ الصَّحَابَة ثمَّ التَّابِعين لَهُم ... من كل مَاض عَن الاحسان لَيْسَ بنى) (وَبعد أَشْكُو الى الرَّحْمَن خالقنا ... من مُنكرَات بَدَت فى أهل ذَا الزَّمن) (وَمن مضلات أهواء لَهَا ابتعدوا ... وَأَجْمعُوا أَمرهم فِيهَا على سنَن) وَمِنْهَا (وَالله أنزل تَحْرِيم الْخَبَائِث فى ... كِتَابه فاتخذه حجَّة تعن) وَالْتمس من القاضى حُسَيْن بن النَّاصِر المهلا أَن يُرْسل لَهُ المتحصل من تأليفه الْمَوَاهِب السّنيَّة فَأرْسلهُ اليه وَكتب صحبته ارتجالا (الى الحضرة العلياء والسؤددة الَّتِى ... أَفَادَ جَمِيع الْعَالمين امامها) (ومحفل أهل الْعلم والحلم والتقى ... فَحق على هَذَا الانام احترامها) (ومربع علم الِاجْتِهَاد الذى بِهِ ... ينَال المعالى والامانى كرامها) (ليحيى الذى يحيا بِهِ الْمجد والعلى ... حَلِيف المعالى فى الهداة نظامها) (سَلام كنشر الْمسك فى رَوْضَة ربت ... فراقت بهَا أزهار وكمامها) (وَمن حَضْرَة الاحباب يأتى مقَامه ... فيا حبذا مِنْهَا ليه سلامها) (وَبعد فأشواق الْمُحب عَظِيمَة ... الى من بِهِ يأتى النُّفُوس مرمها) (الى من بِهِ يلقى الْهِدَايَة طَالبا ... فَيرجع بِالْفَضْلِ الْعَظِيم همامها) (الى موقظ الاسلام من سنة الْكرَى ... وَيَا طالما استولى عَلَيْهِ منامها) (الى غيث أهل الْفضل والغوث للورى ... اذا ضن بالامطار يَوْمًا غمامها) (غرست بارض الْعلم غرسا وأثمرت ... براهين فالاعداء حَان اخترامها) (وأعليت للدّين الْمُبين مناره ... فَطلب لارباب الْعُلُوم مقَامهَا) (فأوليت أهل الْعلم فضلا ونعمة ... يَدُوم على مر الزَّمَان دوامها) (فمنك قرى أَرْوَاحهم بعلومها ... ومنك قرى الاشباح هام ركامها) (وأبرزت من تِلْكَ الْعُلُوم دقائقها ... فاحيت نفوسا حِين زَالَ سقامها) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 (فأروت نفوسا طالما صديت لَهَا ... فَعَاد بِحَمْد الله ريا أوامها) (طلبت بهَا تِلْكَ الْمَوَاهِب فانثنى ... بأسواقها بَين الْعُلُوم قِيَامهَا) (فَأَنت لَهَا يَا ذَا الْمَوَاهِب كعبة ... يطيب لَهَا عِنْد الْوُصُول التزامها) (فأعذب لَهَا من زَمْزَم الْعلم مشربا ... ليحسن مِنْهَا للخليل مقَامهَا) فَأَجَابَهُ صَاحب التَّرْجَمَة بقوله (أجونة مسك فضل عَنْهَا ختامها ... وَعقد لآل زانهن نظامها) (وَروض أريض صَافح الْقطر فاغتدت ... أزاهير يسبى الْقُلُوب ابتسامها) (أم النّظم وافى من بليغ محبر ... حسان القوافى فى يَدَيْهِ زمامها) (يحبر مِنْهَا كَيفَ شَاءَ بدائعا ... يحير أَرْبَاب الْعُقُول وشامها) (ويودعها اسرار كل غَرِيبَة ... من الْعلم عَال فى الْعُلُوم مقَامهَا) (فيبرز للطالبين قريبَة ... مسهلة اذ كَانَ صعبا مرامها) (وَذَلِكَ من تثنى الخناصر باسمه ... اذا عددت فى المكرمات كرامها) (وأوحدهم فى حوز كل فَضِيلَة ... ينافس فِيهَا غير وان همامها) (وَأما فنون الشّعْر فَهُوَ مجيدها ... وَأما فنون الْعلم فَهُوَ امامها) (اذا قَالَ عَاد الدّرّ عِنْد مقاله ... حَصى قد علاهُ فى الفلاة رغامها) (وان أبرز التَّحْقِيق مِنْهُ دقائقا ... من الْعلم حلت فى الصُّدُور فخامها) (وان أظلمت فى المشكلات عويصة ... جلا صبحها وانجاب عَنهُ ظلامها) (على المقامات الْحُسَيْن بن نَاصِر ... حميد السجايا القاصرات سهامها) (قفا اثرهم فِيمَا بنوا من مَكَارِم ... بنى ضعفهم فَاشْتَدَّ ركنا شمامها) (ووفت معاليه معالى جدوده ... فَكَانَ بهَا من غير نقص تَمامهَا) (أعالم هَذَا الْعَصْر والمنهل الذى ... موارده عذب كثير زحامها) (ومفزع طلاب الْعُلُوم فكلهم ... بحبلك فى سبل الرشاد اعتصاهما) (جمعت فنون الْفضل فانتظمت حلى ... بك ازدان فِي جيد الزَّمَان انتظامها) (فهناك مَا أولاك رَبك من على ... معال قصارى السؤل مِنْهَا دوامها) (وأبقاك محروس الجناب لانه ... يزورك مِنْهَا كل حِين سلامها) وَكَانَت وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة بالقويعة بِالتَّصْغِيرِ من أَعمال الشّرف الاعلى لَيْلَة الثلاثا لثلاث عشرَة خلت من ذى الْقعدَة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف وعمره نَحْو سبعين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 سنة ورثاه جمع من الْعلمَاء بالقصائد الطنانه يحيى بن تقى الدّين بن عبَادَة بن هبة الله الشافعى الحلبى الدمشقى الشهير بالفرضى أحد الْعلمَاء الاجلاء كَانَت الْعُلُوم نصب عينه فقها ونحوا وأدبا وَكَانَ يقْرَأ بمكتب جَامع الدرويشية وَكَانَ رَئِيسا بالهندسة والهيئة والحساب والفرائض ولد بِمَدِينَة سرمين وَقَرَأَ الْقُرْآن بحلب وَلما ميز وَكبر قدم الى دمشق وَقَرَأَ وبرع خُصُوصا فى الْفَرَائِض والحساب حَتَّى فاق فيهمَا على جَمِيع معاصريه واشتغل عَلَيْهِ كثير مِمَّن أدْركهُ وانتفعوا بِهِ وَكَانَ يُبَاشر جَمِيع ظائفه بِنَفسِهِ من غير أَن يُقيم أحدا من تلامذته ليَكُون وَفَاء لما شَرطه أَصْحَابهَا وَله التصانيف الْحَسَنَة مِنْهَا شرح النزهة فى مجلدين ذكر فِيهَا كثيرا من الالغاز وفوائد ضمهَا اليه ثمَّ اخْتَصَرَهُ فى مُجَلد وَاحِد وَشرح الْمِنْهَاج للنووى وَشرح منظومة الجعبرى فى الْفَرَائِض وَكَانَ لَهُ فى الشّعْر والالغاز والاجوبة يَد طولى قَالَ البورينى فى تَرْجَمته زارنى فى منزلى بِدِمَشْق يَوْم الِاثْنَيْنِ التَّاسِع وَالْعِشْرين من صفر سنة احدى وَعشْرين بعد الالف وأنشدنى من لَفظه هَذِه الابيات (امولى المعالى والمعارف وَالْمجد ... وَعين العلى كَهْف الورى مُنْتَهى الْقَصْد) (وَيَا فَاضلا طَال الانام بفضله ... وَقصر عَن معشاره كل ذى جد) (وَيَا كَامِلا حَاز الْعُلُوم بعزمه ... وأحرز فخرا قد تزايد عَن حد) (وَلَا سِيمَا فن الْحساب فانه ... أقرّ لَهُ كل من الالف والضد) (واحرز مِنْهُ غَايَة لَيْسَ مدْركا ... ذراها وَلم يلْحق بهَا قطّ ذُو كد) (وَهَذَا وَقد وافى الْفَقِير رِسَالَة ... تضمن لغزا ضَاعَ فى حلّه رشدى) (فها هى يَا ذَا الْعلم فاسمح وَكن لنا ... معينا عَلَيْهَا دمت فى طالع السعد) (وَلما تجلى الْحبّ فى غيهب الدجى ... وأقلق قلبى بالصدود وبالبعيد) (وَقَالَ وصالى لَا ينَال لطَالب ... فَقير فجد بِالْمَالِ ان كنت ذَا نقد) (فأعطيته سدسا وَسبعا وثمنه ... وتسعيه مَعَ عشر وَمَعَ وَاحِد فَرد) (وأبقيت لى ألفا أعيش بِكَسْبِهِ ... فكم كَانَ هَذَا المَال ان كنت ذَا وجد) (فَلَا زلت كشاف الغوامض للورى ... ومفتاح كنز المشكلات بِلَا عد) وَهَذَا جَوَاب اللغز لصَاحب التَّرْجَمَة (فهاء وياء ثمَّ قَاف رمزتها ... وَأَرْبع آلَاف صِحَاح من الْعد) (وهاء وكاف ذى كسور كَمَا ترى ... عَلَيْك بهَا فَافْهَم وَكن حَافظ الود) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 (مخارجها جِيم وياء وخاؤها ... مقامات كسر من لدن قسْمَة الْعد) (هى المَال قطعا لَا خلاف بِوَضْعِهِ ... فسدد مقالى يَا أَخا الْفضل وَالْمجد) (وَقد أَخذ المحبوب ماقد جمعته ... وَأبقى لنا ألفا على الْقرب والبعد) (فدونك شكلا مِنْهُمَا مَا رمزته ... على طرق الْحساب يَا كَامِل السعد) (وناظمه عبد حقير وَذَا اسْمه ... كَمَا قيل دم يحيى مَعَ الشُّكْر وَالْحَمْد) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى سنة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير من قرب بِلَال الحبشى يحيى بن زَكَرِيَّا بن بيرام شيخ الاسلام واوحد عُلَمَاء الرّوم بِاتِّفَاق الاعلام ذكره والدى رَحمَه الله تَعَالَى فَقَالَ فى حَقه سُلْطَان عُلَمَاء الْمغرب والمشرق ومطلع كَوْكَب أفق السَّعَادَة الْمشرق شيخ الْكل فى الْكل من الدق والجل وَاحِد الزَّمَان وثانى النُّعْمَان من بمكارم الاخلاق فى الْآفَاق مَوْصُوف وفى تعداد افراد النَّوْع الانسانى وَاحِد يعدل أُلُوف كَبِير المملكة السُّلْطَانِيَّة دون مُنَازع بركَة الدولة العثمانية من غير مدافع عُمْدَة الْمُلُوك مرشد اهل الطَّرِيق والسلوك بَحر المعارف بدر اللطائف صَاحب الْكَلم النوابغ من ثوب انعامه على الانام سابغ الذى ألقيت اليه أزمة السّلم واحتوى على جَوَامِع الْعلم وبدائع الحكم محط رحال الآمال وكعبة أَرْبَاب الْكَمَال من لم تسمح بِمثلِهِ الادوار وَلم يَأْتِ بنده الْفلك الدوار يُقَال فِيهِ (هَيْهَات لَا يأتى الزَّمَان بِمثلِهِ ... ان الزَّمَان بِمثلِهِ لبخيل) ولد بقسطنطينية وَنَشَأ بهَا واجتهد فى التَّحْصِيل على عُلَمَاء عصره حَتَّى برع وتفوق ثمَّ لَازم من شيخ الاسلام السَّيِّد مُحَمَّد بن مَعْلُول كَمَا أَن وَالِده لَازم من وَالِد السَّيِّد الْمَذْكُور ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية وَحج فى خدمَة وَالِده سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ وَالِده اذ ذَاك مُنْفَصِلا عَن قَضَاء الْعَسْكَر باناطولى وَلما رَجَعَ ترقى فى الْمدَارِس الى ان وصل الى احدى الثمان وَمَات أَبوهُ وَهُوَ مدرس بهَا ثمَّ درس بمدرسة الشهرزاده وَنقل مِنْهَا الى مدرسة وَالِدَة السُّلْطَان مُرَاد الثَّالِث باسكدار وَكَانَ لَهَا شَأْن عَظِيم فى حَيَاة بانيتها فَأعْطى مِنْهَا قَضَاء حلب وَكَانَت أول مناصبه وَكَذَلِكَ وَقع لوالده فَدَخلَهَا فى سنة أَربع بعد الالف خلفا عَن الْمولى الْكَمَال ابْن طاشكبرى ثمَّ بعد مُدَّة قَليلَة وَقع بَينهمَا مُبَادلَة فَنقل صَاحب التَّرْجَمَة الى قَضَاء دمشق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 والكمال الى قَضَاء حلب وَقيل فى تَارِيخ تَوليته لَهَا (لما أحيى شرع الهادى ... قَاض عَنهُ شاع الْعدْل) (يحيى الْمولى السامى قَالُوا ... حَقًا أرخ قَاض عدل) وَكَانَت سيرته فى هذَيْن القضاءين من أحسن سيرة لقاض ثمَّ عزل وَتوجه من دمشق الى معرة النُّعْمَان قَاصِدا دَار الْخلَافَة وَكَانَ خرج من دمشق وَعَلِيهِ دين سَابق لم يقدر على وفائه وَكَانَ قصد ان يمر على حلب ويستدين من بعض أَهلهَا مبلغا يُوفى بِهِ مِمَّا عَلَيْهِ وَاتفقَ ان كتخداه دخل عَلَيْهِ وشكى من المضايقة فَلم يستتم الْكَلَام الا وَدخل عَلَيْهِم قَاصد من طرف الدولة وَمَعَهُ أَمر بتوجيه قَضَاء مصر الى صَاحب التَّرْجَمَة فسر بذلك وَعَاد مبلغ المُرَاد وَسَار اليها وسلك مسلكه الْمُعْتَاد ة وَنقل انه كَانَ فى خدمته أحد عشر نَائِبا من ملازمى وَالِده وَمن طلبته فاتفق أَنه ولى مِنْهُ سنة قَضَاء مصر بعد مُدَّة وعزل عَن قَضَاء مصر فَأعْطى كلا مِنْهُم مبلغا من الدَّرَاهِم من مَاله زِيَادَة على مَا حصل لَهُم من الِانْتِفَاع فى أَيَّام قَضَائِهِ وَكَانَ ابْن أُخْته اسماعيل الذى صَار آخر أمره أحد صناجق مصر فى خدمته وَكَانَ وَجه اليه نِيَابَة المحاسبات فَبَلغهُ انه أَخذ من بعض النظار عشرَة سلطانية من غير وَجه فناداه اليه وَهُوَ فى دَاخل الْحمام وَقَالَ لَهُ بلغنى انك أخذت من فلَان كَذَا فاعترف فَقَالَ لَهُ اذن ترحل عَنى الى الرّوم وَالْيَوْم سفينة فلَان متجهزة فَلَا تتخلف عَنْهَا فأقلع من وقته وَلما عزل أَقَامَ ببولاق بعض أَيَّام عِنْد القاضى زين الدّين العبادى كَاتب المحاسبات بأوقاف مصر وَكَانَ العبادى الْمَذْكُور من الرياسة وَالنعْمَة بمَكَان لَكِن حصل مِنْهُ تَقْصِير فى خدمته وَاتفقَ انه شكى اليه كَثْرَة الناموس وَطلب مِنْهُ ناموسية فتهاون فى ارسالها اليه فَبعث صَاحب التَّرْجَمَة الى محافظ مصر يَسْتَأْذِنهُ فى الذّهاب بحرا فَلَمَّا وصل رَسُوله الى المحافظ وَعرض عَلَيْهِ أَجَابَهُ بِأَن يتربص أَيَّامًا فَقَامَ الرَّسُول ليذْهب واذا ببريد قدم من قسطنيطينية وَمَعَهُ أَمر بتقرير صَاحب التَّرْجَمَة فى قَضَاء مصر فَعَاد الرَّسُول مسرعا وَأخْبرهُ ثمَّ أرسل الْوَزير الامر فَدخل الزين العبادى مهنيا وَأظْهر كَمَال الريا وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة حقد عَلَيْهِ جدا فَأخْرج فى الْحَال عَنهُ جَمِيع مَا فى يَده من جِهَات ومعاليم ووجهها الى فُقَرَاء الازهر وَكَانَت اشياء كَثِيرَة مَعَ عدم احْتِيَاجه اليها لكَونه فى غنية زَائِدَة وعزله عَن كِتَابَة المحاسبات وبقى مقهورا مُدَّة أَيَّام ثمَّ مَاتَ من قهره ثمَّ عزل وَسَار الى قسطنطينية بعد مُدَّة صَار قَاضِيا ببروسة ثمَّ ولى قَضَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 أدرنه ثمَّ قَضَاء قسطنطينة ثمَّ صَار قاضى الْعَسْكَر باناطولى مُدَّة يسيرَة وَنقل الى روم ايلى ثمَّ عزل وأعيد مرّة ثَانِيَة سنة ثَمَان عشرَة وَقيل فى تَارِيخه فضل حق وَوَقع فى أَيَّام قَضَائِهِ ان درويش باشا الْوَزير الاعظم أَمر بقتل رجل فى الدِّيوَان فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة مَا الذى أوجب قَتله فَقَالَ لَهُ أَنْت مَالك علاقَة بِهَذَا فَقَامَ من الدِّيوَان وَترك منصب قَضَاء الْعَسْكَر فَلَمَّا سمع السُّلْطَان أَحْمد بذلك بعث اليه يستخير مِنْهُ عَن قَضِيَّة تَركه فَأَجَابَهُ بقوله ان الْقَضَاء أَمَانَة وَالسُّلْطَان انما يُولى قَضَاء الْعَسْكَر لسَمَاع الدَّعَاوَى وانصاف الظَّالِم من الْمَظْلُوم والآن قد قتل رجل من غير ان يُوجب الشَّرْع قَتله فَلم يُوجد اتصاف بِمَا ولينا لاجله الْقَضَاء فتركنا المنصب لذَلِك ففى ذَلِك الْيَوْم قتل السُّلْطَان أَحْمد درويش باشا الْمَذْكُور وَحصل لصَاحب التَّرْجَمَة غَايَة الاقبال من السُّلْطَان وعزل بعد مُدَّة وأعيد ثَالِثا ثمَّ ولى الافتاء السلطانى فى يَوْم جُلُوس السُّلْطَان مصطفى وَهُوَ الْيَوْم السَّادِس من رَجَب سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف وَقَالَ الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى مؤرخا تَوليته بقوله (لقد صَار مفتى الرّوم يحيى الذى سما ... سناء سَمَاء الْمجد وَالْعلم وَالتَّقوى) (فَنَادَى بشير السعد فِيهَا مؤرخا ... لمولاى يحيى منصب الْعلم وَالْفَتْوَى) وَكَانَ أول سُؤال كتب اليه اول وَاجِب على الْمُكَلف مَا هُوَ فَأجَاب هُوَ معرفَة الله تَعَالَى فَاعْلَم انه لَا اله الا الله وَبنى فى تَوليته هَذِه مدرسته الْمَعْرُوفَة قَرِيبا من دَاره بمحلة جَامع السُّلْطَان سليم الْقَدِيم وأرخ عَام تَمامهَا الاديب مُحَمَّد الحتاتى المصرى بقوله (مفتى البرايا بنى لله مدرسة ... لَهَا من الانس أنوار تغشها) (على الْهدى أست واليمن أرخها ... دَار الْعُلُوم فيحيى الْعدْل منشها) ثمَّ عزل وأعيد ثَانِيًا وَكَانَ أول سُؤال رفع اليه الْمُؤمن اذا أَرَادَ الشُّرُوع فى أَمر ذى بَال بِمَاذَا يبْدَأ حَتَّى يكون مَا شرع فِيهِ مُبَارَكًا فَأجَاب يبْدَأ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ثمَّ عزل ثَانِيًا فى رَجَب سنة احدى وَأَرْبَعين فى حَرَكَة الْعَسْكَر بمخامرة الْوَزير رَجَب باشا وَشَيخ الاسلام حُسَيْن ابْن اخى وجمعوا جمعا عَظِيما عِنْد السُّلْطَان مُرَاد وَأَرْسلُوا الى صَاحب التَّرْجَمَة رَسُولا يطلبونه الى الدِّيوَان على لِسَان السُّلْطَان وَكَانُوا صمموا على قَتله فى الطَّرِيق اذا جَاءَ حَتَّى انهم رأوى الْمولى مُحَمَّد الشهير بجشمى قاضى الْعَسْكَر باناطولى وَهُوَ مُتَوَجّه فظنوه هُوَ وَمَا حققوه بِعَيْنِه فَلَمَّا عرفوه أطْلقُوا سَبيله فَأرْسل الى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 صَاحب التَّرْجَمَة رَسُولا يحذرهُ الْحُضُور من الطَّرِيق الْعَام فَسَار من طَرِيق آخر فَلَمَّا رَآهُ السُّلْطَان عرف انها مكيدة فَأَشَارَ اليه بِالْعودِ بِيَدِهِ فَلم يُمكنهُ ذَلِك فَأرْسل اليه السُّلْطَان رَسُولا وَأَخذه الى الدَّاخِل ثمَّ ان الْعَسْكَر قتلوا الْحَافِظ الْوَزير الاعظم ونصبوا رَجَب باشا مَكَانَهُ وَجعلُوا ابْن أخى مفتيا وخمدت الْفِتْنَة ثمَّ ان السُّلْطَان الْتفت الى صَاحب التَّرْجَمَة وَقَالَ لَهُ قد عزلك الْقَوْم وَأَنا مَا عزلتك فسر الى حديقتك واشتغل لنا بِالدُّعَاءِ واذا صَار سلطانك سُلْطَانا كَمَا كَانَ صرت مفتيا كَمَا كنت ثمَّ فَارقه فَسَار الى دَاره ثمَّ توجه الى بستانه الْمَعْرُوف بِهِ بطوب قبوسى من أَبْوَاب قسطنطينية وبقى ثمَّة الى أَن قتل ابْن أخى فى رَجَب سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين فأعيد وبقى فى هَذِه الْمرة الى ان مَاتَ وَلم يتَّفق لَاحَدَّ من الْمُفْتِينَ مَا اتّفق لَهُ من طول الْمدَّة والاقبال وَالْحُرْمَة وَالْجَلالَة وَلم يمدح أحد بِمَا مدح بِهِ من مشاهير الشُّعَرَاء ومدائحه الَّتِى جمعهَا التقى الفارسكورى وَقد تقدم ذكر خَبَرهَا فى تَرْجَمَة من ابْتِدَاء تَوليته قَضَاء حلب الى ان ولى قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى وَمَا بعد ذَلِك فقد تكفل والدى بِجمع حِصَّة مِنْهَا بلغت مِقْدَار ثَلَاثَة كراريس وهى قَطْرَة من بَحر ورزق السَّعَادَة فى الجاه والحفدة بِحَيْثُ صَار أحد ملازميه وَهُوَ الْمولى عبد الله بن عمر خواجه زَاده قاضى الْعَسْكَر بروم ايلى وَولى الافتاء من جماعته ثَلَاثَة وهم مصطفى البولوى وَمُحَمّد البورسوى وَمُحَمّد الانقروى وَأما من ولى مِنْهُم قَضَاء العسكرين وَغَيرهمَا من المناصب والمدارس وَالْقَضَاء من أهل الرّوم ودمشق وحلب وَغَيرهَا فَلَا يُحصونَ كَثْرَة وَأَكْثَرهم شاعت فضائلهم وعمت فواضلهم وَبِالْجُمْلَةِ فانه أستاذ الاساتذة وَأعظم الصُّدُور الجهابذة وَقد جمع شيخ الاسلام مُحَمَّد البورسوى فَتَاوِيهِ الَّتِى وَقعت فى عَهده فى كتاب سَمَّاهُ فَتَاوَى يحيى وَهُوَ الْآن مَشْهُور متداول وَأما شعره العربى فَمِنْهُ تخميس الْبردَة للبوصيرى يَقُول فى مستهله (لما رَأَيْتُك تذرى كالغنم ... غرقت فى لجج الاحزان والالم) (فَقل وسر الْهوى لَا تخش من نَدم ... أَمن تذكر حيران بذى سلم) (مزجت دمعا جرى من مقلة بِدَم ... ) (تمسى بِعَين بوبل الدمع ساجمة ... ونار وجد بجوف الْقلب ضارمة) (فَهَل بريد أَتَى من حى فَاطِمَة ... أم هبت الرّيح من تِلْقَاء كاظمة) (وأومض الْبَرْق فى الظلماء من اضم ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 (مَتى السلو لاهل الْعِشْق عَنهُ مَتى ... وَحب حب سليمى فى الحشا بِنَا) (ان تنكر الوجد عندى بعد مَا ثبتا ... فَمَا لعينيك ان قلت اكففا همتا) (وَمَا لقلبك ان قلت استفق يهم ... ) (تُرِيدُ تخفى الْهوى والدمع منسجم ... وفى حشاك لظى الاشواق مضطرم) (هَيْهَات كاتم سر الْعِشْق منعدم ... أيحسب الصب أَن الْحبّ منكتم) (مَا بَين منسجم مِنْهُ ومضطرم ... ) (تَقول قلبى سلا عَن أعين نجل ... وتدعى السحو والسلوان عَن مقل) (انى أَخَاف وَحقّ الود من وغل ... لَوْلَا الْهوى لم ترق دمعا على طلل) (وَلَا أرقت لذكر البان وَالْعلم ... ) مِنْهَا (اذا وجدت امْرأ بِاللَّه معتصما ... اسْمَع ماقلته مسترشدا فهما) (وَكن لصحبة العلياء مغتنما ... وَخَالف النَّفس والشيطان واعصهما) (وان هما محضاك النصح فاتهم ... ) (حكمت نَفسك والشيطان فاحتكما ... يَا قلب وَيحك مَاذَا الْخبط وَيحك مَا) (لَا تقبلن مِنْهُمَا حكما وان حكما ... وَلَا تُطِع مِنْهُمَا خصما وَلَا حكما ... فَأَنت تعرف كيدا الْخصم وَالْحكم) وَمن لطائف شعره أَيْضا (ورد النسيم بأطيب الاخبار ... طَابَ الْوُرُود وَسَائِر الازهار) (سَكِرُوا بِخَمْر الشوق حَتَّى أظهرُوا ... مَا فى ضمائرهم من الاسرار) (فى جمعهم لم تلق الا ماسكا ... قدحا من الابريز والبلار) (والحوض فِيهِ مجَالِس ملكية ... والورد كالسلطان فى الانوار) (لعب الشُّمُول بهم فحركهم كَمَا ... لعب الشمور بزمرة الشطار) وَقَوله هوه // معنى جيد // (كَانَ ورد خَدّه عقار ... شربتها حَتَّى بدا البلار) والبلار لُغَة فى البلور رَأَيْته فى اسْتِعْمَال المولدين مِنْهُم المعتمدين بن عباد على مَا ذكره الْفَتْح فى قلائد العقيان (جاءتك لَيْلًا فى ثِيَاب نَهَار ... من نورها وغلالة البلار) وَالشرب فى بَيته كِتَابَة عَن التقبل زَالَت بِهِ الْحمرَة فَبَدَا الْبيَاض وَمن لطائفه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 أَيْضا قَوْله (بحلة حَمْرَاء جَاءَ وَقد ... تفوح بالعنبر أذيالها) (حليتها الْعَسَل وياقوتة ... صبغ من العسجد خلْخَالهَا) وَمن انشائه الباهر مَا كتبه على كتاب فى الطِّبّ اسْمه مغتى الشفا ياله من رَوْضَة شحاريرها أَقْلَام المادحين من التحارير وألحان سواجعها مَا سمع لَدَى التَّحْرِير من الصرير غصونها أورقت وَلَكِن بصحائف كانها مَمْلُوءَة باللطائف أطباق وأثمرت وَالْعجب ان منابت ثمارها بطُون الاوراق من وقف عَلَيْهَا وَتوقف فِيمَا قلته من الْوَصْف العارى عَن المراء فَلَا شكّ انه مبتلى بداء التّرْك وَلَيْسَ لَهُ دَوَاء وَلما أجلت نظرى فى ربوة حسنها وبهجتها ونشقت شذار رياحينها وشممت عرف نفحتها وعاينت مجَالِس أُنْسُهَا وقضيت مِنْهَا الْعجب وحرك منى سطور طروسها مَا يحدثه القانون من الطَّرب تَوَجَّهت بِمَجَامِع قلبى اليها وَقلت موثرا موجز القَوْل فى الثَّنَاء عَلَيْهَا هَذِه الابيات وفى قولى (يَا رَوْضَة فى رباها ... دوح غَدا سجع طيره) (مغنى الشِّفَاء ومغن ... عَن الشِّفَاء وَغَيره) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَدفن عِنْد وَالِده بمدرسته الْمَعْرُوفَة بِهِ وَقَالَ الْمولى مُحَمَّد عصمتى مؤرخا وَفَاته بقوله (مفتى الورى يحيى بِهِ ... سما العلى وحية) (لما مضى موليا ... عَن هَذِه الدنية) (سَمِعت من جهزه ... بِأَحْسَن التَّحِيَّة) (يَقُول تَارِيخا لَهُ ... فى جنَّة علية) يحيى بن زَكَرِيَّا المعصرانى من أَوْلَاد نامر القدسى كَانَ فَقِيها نحويا يقرى بالخلوة النحوية بِطرف سطح الصَّخْرَة القبلى حكى بعض طلبته انه كَانَ يدرس فى الْجَامِع الصَّغِير فى آخر أمره بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَكَانَ آخر عَهده أَنه وقف على حَدِيث من دَان نَفسه وَعمل لما بعد الْمَوْت اللَّهُمَّ لَا عَيْش الا عَيْش الْآخِرَة وَصلى الْعشَاء بقوله تَعَالَى كل شئ هَالك الا وَجهه وَكَانَ آخر عَهده من دُخُول الْمَسْجِد وَأوصى بِجَمِيعِ كتبه الى طلبته وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف يحيى بن عبد الْملك بن جمال الدّين بن صدر الدّين بن عِصَام الدّين الاسفراينى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 الاصل المكى المولد الْفَاضِل الاديب الشَّاعِر ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه أديب منفسح الخطا وأريب مَأْمُون العثار والخطا لَهُ فى الادب الْمقَام الْمَحْمُود والطبع الذى مَا شان سلسال قريحته جمود وَقد وقفت لَهُ على تأليف سَمَّاهُ أنموذج النجباء من معاشرة الادباء تكلم فِيهِ شارحا قَول الْقَائِل (حاشا شمائلك اللطيفة أَن ترى ... عونا على مَعَ الزَّمَان القاسى) غير انه لم يعرف قَائِله فَقَالَ ولعمرى انه وان جهل بانيه فَهُوَ من الْبيُوت الَّتِى أذن الله أَن تسكن فَمَا اللَّفْظ الا بمعانيه وان كَانَ قَائِله ألكن ثمَّ قَالَ وَهَذَا الْبَيْت مِمَّا يكثر الاستشهاد بِهِ أهل الْآدَاب فى محاضرة الاصدقاء والاحباب وَهُوَ من أَرْبَعَة أَبْيَات معمرة بلطيف العتاب مبرورة بِصدق الْمنطق واقتضاء الصَّوَاب محاسنها غرر فى أجياد القصائد والمعانى البديعة بهَا صلَة ومفرداتها عَائِد تشرق شموس التَّهْذِيب فى سَمَاء بلاغتها وترشف الاسماع على الطَّرب من ريق سلافتها فَمَا أحقها بقول الْقَائِل (أَبْيَات شعر كالقصور وَلَا قُصُور بهَا يَلِيق ... ) (وَمن الْعَجَائِب لَفظهَا ... حر وَمَعْنَاهُ رَقِيق) وهى (انى لاعجب من صدودك والجفا ... من بعد ذَاك الْقرب والايناس) (حاشا شمائلك اللطيفة ان ترى ... عونا على مَعَ الزَّمَان القاسى) (أَو ثغرك الصافى يرد حشاشة ... تَشْكُو لهيبا من لظى انفاسى) (تالله مَا هَذَا فعالك فى الْهوى ... لَكِن حظوظ قسمت فى النَّاس) انْتهى كَلَامه قلت وَقد وقفت انا على مَجْمُوعَة قديمَة بِخَط ابى البقا الوفائى الوداعى الحنفى يَقُول فِيهِ القاضى عَلَاء الدّين على بن فضل الله أَبُو الْحسن صَاحب ديوَان الانشاء أَخُو القاضى شهَاب الدّين أَحْمد الْعُمْرَى وقف على بَيْتَيْنِ للصلاح الصفدى وهما (انى لاعجب من صدودك والجفا ... من بعد ذَاك الْقرب والايناس) (حاشا شمائلك ... ) الخ فَقَالَ مجيزا لَهما أَو (ثغرك الصافى يرد حشاشة ... ) الخ انْتهى فَعلم من هَذَا ان الْبَيْت الذى شَرحه للصلاح الصفدى وَقَوله انه من أَرْبَعَة أَبْيَات لَيْسَ بصواب لايهامه ان الاربعة قَائِلهَا وَاحِد وَقد علمت انها الشاعرين وَمن شعر الاديب الْمَذْكُور وَقَوله موجها باسماء الانغام فِيمَن اسْمه حُسَيْن وَقد ورد الْمَدِينَة من مَكَّة فَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 (أَقُول لمعشر العشاق لما ... بدا ركب الْحجاز وقرعينى) (أمنتم من نوى المحبوب فَاسْعَوْا ... لَهُ رملا وغنوا فى حسينى) وَمَا ألطف قَول مُحَمَّد بن جَابر الاندلسى فى مثل ذَلِك (يَا أَيهَا الحادى اسقنى كاس السرى ... نَحْو الحبيب ومهجتى للساق) (حى الْعرَاق على النَّوَى واحمل الى ... أهل الْحجاز رسائل العشاق) وَله (رأى سقم الكئيب فمل عَنهُ ... سقيم الجفن ذُو حسن بديع) (فَقلت لَهُ فدتك الرّوح هلا ... مُرَاعَاة النظير من البديع) وَله (قَالُوا أضافك يَا يحيى لخدمته ... حبيب قَلْبك فى سر وفى علن) (فَقلت لما رآنى غير منصرف ... عَن حبه رام كسْرَى فَهُوَ يجبرنى) وَقَوله (ان الدَّرَاهِم مرهم ... قد جَاءَ فى تصحيفها) (فدع التطير قَائِلا ... الْهم بعض حروفها) كَأَنَّهُ يُشِير الى قَول الْقَائِل (النَّار آخر دِينَار نطقت بِهِ ... والهم آخر هَذَا الدِّرْهَم الجارى) (والمرء مَا دَامَ مشغوفا بحبهما ... معذب الْقلب بَين الْهم وَالنَّار) وَقَوله وَقد أهْدى نبقا وفلا (أهديت نبقا لنبقى فى الوداد على ... صدق الوداد وارغام العدا أبدا) (وَمَعَهُ يَا سيدى فل يبشركم ... بانه فل من يشناكم كمدا) وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ فى شهر ربيع الاول سنة أَربع وَسبعين وَألف وَدفن على وَالِده بالقيع يحيى بن على بن نصوح الْمَعْرُوف بنوعى وَالِد عطائى صَاحب ذيل الشقائق الْفَاضِل الاديب الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ عَالما محققا أجيبا باهرا وَهُوَ من حَيْثُ لطافة الشّعْر عِنْد الروميين مَعَ باقى شَاعِرهمْ فرسا رهان وَفرقُوا بَينهمَا فى التَّرْجِيح بِأَن باقى فى القصائد أرجح كَمَا ان نوعى فى الاغزال أرجح مولده بقصبة طغرة من بِلَاد الرّوم ثمَّ قدم الى قسطنطينية وابتدأ بالاشتغال فى سنة سبع وخمسي فَأخذ عَن الْمولى أَحْمد الشهير بِابْن القرمانى ثمَّ اتَّصل بأَخيه الْمولى مُحَمَّد وَهُوَ مدرس الصحن وَقد اجْتمع عِنْد فى ذَلِك الْعَهْد من أَرْبَاب المعارف والكمالات مَا لم يجْتَمع عِنْد أحد قبله من جُمْلَتهمْ الْمولى سعد الدّين وباقى الشَّاعِر ورمزى زَاده وخسرو زَاده وَمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 الْقُضَاة الهى الاسكوبى ومحيى القرمانى ومجدى وجورى وحامى زَاده ولازم من قاضى زارده الرومى ودرس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى احدى الثمان فى ذى الْقعدَة من سنة خمس وَتِسْعين ثمَّ ولى مِنْهَا قَضَاء بَغْدَاد فى ثانى وعشرى شهر ربيع الاول سنة ثَمَان وَتِسْعين فى ثامن شهر ربيع الآخر من هَذِه السّنة عين لتعليم السُّلْطَان مصطفى ابْن السُّلْطَان مُرَاد ثمَّ سلم اليه من أَوْلَاد السُّلْطَان الْمَذْكُور من فِيهِ قابلية الْقِرَاءَة مِنْهُم السُّلْطَان بايزيد وَالسُّلْطَان عُثْمَان وَالسُّلْطَان عبد الله ونال بِسَبَب ذَلِك كَمَال التَّقْرِيب الى السُّلْطَان مُرَاد وحظى حظوة عَظِيمَة وَاسْتمرّ الى أَن ولى الْخلَافَة السُّلْطَان مُحَمَّد بعد موت أَبِيه السُّلْطَان مُرَاد وَقتل اخوته الْمَذْكُورين فأبقيت فى يَده الادرارات من المشاهرة واليومية وَغَيرهمَا وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر وَعين لَهُ عشرَة من الملازمين ثمَّ أضيف اليه بعد ذَلِك مدرسة حموه مُحَمَّد بيك بِخَمْسِينَ عثمانيا وتفرغ للافادة والتأليف وَمن تآليفه الفائقة متن فى علم الْكَلَام سَمَّاهُ مُحَصل الْكَلَام وَله شرح الرسَالَة القدسية لشمس الدّين الفنارى وَتَفْسِير سُورَة الْملك وحاشية على التهافت للخواجه زَاده وحاشية على هياكل النُّور وتعليقه على أَوَائِل المواقف وتعليقات على التَّلْوِيح وَالْهِدَايَة والمفتاح وَله ثَلَاثُونَ رِسَالَة فى فنون مُتَفَرِّقَة مِنْهَا رِسَالَة فى الْكَلَام النفسى ورسالة قلمية وَمن آثاره التركية تَرْجَمَة فصوص الحكم أَلفه باسم السُّلْطَان مُرَاد وَكتاب سَمَّاهُ نتائج الْفُنُون ذكر فِيهِ اثنى عشر فَنًّا وترجمة العقائد ورسالة منطق نواى عشاق وَشرح دوبيت المثنوى وترجمة قصَّة الْخضر ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام وترجمة منشآت خواجهة جهان وَله ديوَان منشآت وَتَحْقِيق مسئلة الايجاب وَالِاخْتِيَار وديوان شعر وَله رِسَالَة منظومة سَمَّاهَا حسب حَال ومناطرة طوطى وزاغ ومثنوى من بَحر ليلى وَمَجْنُون ليلى وَمَجْنُون وَمَا عدا ذَلِك مِمَّا أَلفه بِأَمْر السُّلْطَان مُرَاد وَضَبطه خَارج عَن الطوق وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَرْبَعِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى يَوْم الاربعاء آخر يَوْم من ذى الْقعدَة سنة سبع بعد الالف وَصلى عَلَيْهِ صبح يَوْم الْخَمِيس بِجَامِع السُّلْطَان مَحْمُود وَدفن بِجَامِع الشَّيْخ وفا رَحمَه الله الامير يحيى بن على باشا الاحسائى المدنى الحنفى الامير الخطير والسرى الْكَبِير الذى حوى من الْفضل أجمعه وَمن الْكَمَال أعذبه وأبدعه ولد بِمَدِينَة الاحساء وَبهَا نَشأ فى حجر وَالِده وتأدب بأكابر عُلَمَاء بَلَده وَأخذ عَن الْعَلامَة ابراهيم بن حسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 الاحسائى الْفِقْه والْحَدِيث وعلوم الْعَرَبيَّة وَأَجَازَهُ بمروياته وَجَمِيع مؤلفاته وتلقن الذّكر وَلبس الْخِرْقَة وصافح من طَرِيق المعمر ابْن الشَّيْخ تَاج الدّين الهندى النقشبندى قدس سره عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الشهير بمحاجى رمزى قَالَ صافحنى الشَّيْخ حَافظ على الاوبهى قَالَ صافحنى الشَّيْخَانِ مَحْمُود الاسفرازى وَالسَّيِّد مير على الهمدانى قَالَ صافحنى أَبُو سعيد الحبشى المعمر قَالَ صافحنى النَّبِي وللامير يحيى المدكور أشعار وَمِنْهَا قَوْله يمدح النبى (أَتُرِيدُ جارا حاميا لَك سيدا ... ومقام عز عَالِيا مستفردا) (وترود شرقا للبلاد ومغربا ... متفكرا متحيرا مترددا) (وتروم ذَا وَالْحَال مِنْك مقصر ... عَمَّا ترى وَالْفِعْل لَيْسَ مُسَددًا) (فَعَلَيْك ان ترد النجَاة وتبتغى ... خوف الْعقَاب تِلَاوَة والمسجدا) (وَانْزِلْ بدار الْمُصْطَفى متأوبا ... ولجوده مستمطرا متقصدا) (واعرف لفيض الْفضل مِنْهُ موسما ... فِيهَا وَكن مترقبا مترصدا) (فَلَعَلَّ أَن تحيا كَمَا أَحْيَا بِهِ ... للدّين رسما قد عَفا وتهددا) (فاجهد تكن جارا لَهُ ودخيله ... وابذل لذى روحا ومالا مجهدا) وَقَوله (ظلمت نفسى وَلم أعمل بموجبها ... وَمَا علمت بِأَن الغى يتلفنى ... ) (يقْضى على الْمَرْء فى أَيَّام محنته ... حَتَّى يرى حسنا مَا لَيْسَ بالْحسنِ) وَكَانَ وَالِده على باشا واليا على الاحساء والامير يحيى هَذَا أَمِيرا على الْعَطف بأَمْره فَأرْسل وَالِده أكبر أَوْلَاده مُحَمَّدًا بهدية الى ملك الرّوم على عَادَتهم فزور كتابا من وَالِده مضمونه انه كبر وَالْتمس من السُّلْطَان أَن يُقيم وَلَده مُحَمَّدًا بمرسوم وَأجِيب الى ذَلِك وَلما وصل الى الاحساء رشى أكَابِر الْعَسْكَر وأعلمهم بالامر وتلقاه وَالِده واخوته فَلَمَّا اجْتَمعُوا أخرج المرسوم وَتَوَلَّى وَأَرَادَ حبس وَالِده واخوته فطلبوا أَن يجهزهم الى الْحَرَمَيْنِ ويعين لَهُم مصروفا وجاوروا بِالْمَدِينَةِ وَتوفى والدهم بهَا وَتوفى وَلَده أَبُو بكر يَوْم عَرَفَة وَتوفى الامير يحيى رَابِع عشر شهر رَمَضَان سنة خمس وَتِسْعين وَألف بِالْمَدِينَةِ عَن نَحْو خمس وَسبعين سنة رَحمَه الله السَّيِّد يحيى بن عمر الشهير بِابْن عَسْكَر الحموى الشافعى كَانَ من الافاضل الْبَالِغين رُتْبَة التفرد الصارفين الى التَّحْصِيل عَزمَة الهمة والتجرد قَرَأَ بحماه على عُلَمَاء زَمَانه وبرع الى ان فاق على جَمِيع اقرانه ثمَّ دخل الرّوم مرَارًا عديدة وَأقَام بهَا مُدَّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 مديدة وَأعْطى فى بعض المرات الْمدرسَة القيمرية بِدِمَشْق فوردها وقطن بهَا ودرس وَأفَاد وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْفُضَلَاء ثمَّ ارتحل الى بَلَده فَمَاتَ بهَا وَكَانَت وَفَاته فى حُدُود سنة سبعين وَألف وَقد تقدم ذكر وَلَده أَحْمد يحيى بن عمر المنقارى الرومى شيخ الاسلام وعلامة الْعلمَاء الاعلام صَاحب التَّقْرِير والتحرير الراقى بعلو جده رُتْبَة الْفلك الاثير أَخذ بالروم فنون الْعلم عَن أكَابِر علمائها مِنْهُم شيخ الاسلام عبد الرَّحِيم الْمُفْتى وَتمكن من التَّحْقِيق كل التَّمَكُّن وأحرز من أول أمره فى الْفضل كَمَال التعين ثمَّ لَازم على دأبهم ودرس بمدارس قسطنطينية وَولى المناصب الْعلية مِنْهَا قَضَاء مصر وَليهَا فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وأعبد اليها مرّة ثَانِيَة وَعقد بهَا درسا بِمَجْلِس الحكم فى تَفْسِير البيضاوى وحضره أكَابِر علمائها وأذعنوا لَهُ بالتحقيق الذى لَيْسَ لَهُ فِيهِ مساوى ومدحه فضلاؤها بالاشعار الرائقة وخلدوا مآثره فى صحف محامدهم الفائقة مِنْهُم المرحوم السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الحموى حَيْثُ قَالَ فِيهِ (قد شرفت مصر بِرَبّ الحجى ... الْعَالم التَّحْرِير متقارى) (وَالنَّاس فى تمداحه أَصْبحُوا ... من كَاتب ينشى وَمن قارى) وَقَالَ فِيهِ أَيْضا (اذا ذكر التَّحْقِيق فى فصل مُشكل ... فيحيى الذى تثنى عَلَيْهِ الخناصر) (وان ذكر الْمَعْرُوف والحلم والندى ... فَذَاك لَهُ مِنْهُ حَلِيف وناصر) (بِهِ الله أَحْيَا مَا انطوى من معارف ... رفاتا غَدَتْ أجداثهن الدفاتر) ثمَّ تولى قَضَاء مَكَّة ودرس فِيهَا فى الْمدرسَة السليمانية فى تَفْسِير البيضاوى أَيْضا وحضره أَكثر الْعلمَاء وَطلب من الشَّمْس البابلى ان يحضر درسه هُوَ وطلبته فَحَضَرُوا فشرع يُقرر من أول سُورَة مَرْيَم وأتى بالعجب العجاب مِمَّا يدل على انه أَخذ من الْفُنُون بلب اللّبَاب مَعَ حسن التأدية وَالتَّعْبِير وسعة الملكة ولطف التَّقْرِير ثمَّ ولى بعد ذَلِك قَضَاء قسطنطينية وَقَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى وَنقل من قَضَاء الْعَسْكَر الى منصب الْفَتْوَى فى شهر ربيع الاول سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَقبل فى تَارِيخ تَوليته شيخ الاسلام وَسَار أحسن سير مَعَ التعفف وَحسن السيره وسلامة النَّاحِيَة والسريره وراجت فى زَمَنه بضَاعَة الافاضل وَرغب النَّاس فى تَحْصِيل المعارف والفضائل وَكَانَ دأبه المطالعة والمذاكره فَلَا يُوجد الا مُسْتَعْملا لَهما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 المبادره وَألف تآليف عديدة فى فنون شَتَّى مِنْهَا حَاشِيَة على تَفْسِير البيضاوى وحواش على حَاشِيَة ميرابى الْفَتْح على شرح آدَاب الْبَحْث وَله رِسَالَة فى الْكَلَام على قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ} سَمَّاهَا الِاتِّبَاع فى مسئلة الِاسْتِمَاع وانتهت اليه الرياسة فى عصره بالعلوم وحظى حظوة لم يحظها أحد مثله عِنْد ملك الرّوم ثمَّ اعتراه ريح فى يَده الْيُمْنَى أبطل حركتها وعالجها مُدَّة فَلم يفد علاجها فَكَانَ ذَلِك سَببا لعزله عَن الافتاء وَأمر بالاقامة ببستانه الْمَعْرُوف بِهِ ببشكطاش وَأقَام ثمَّة معزولا الى ان مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن باسكدار فى مَكَان عينه فى وَصيته وَأوصى ان يعمر عِنْده مدرسة فنفذ ابْنه وَصيته بعد مَوته وَقيل فى تَارِيخ مَوته رَحمَه الله تَعَالَى (فرحمة رَبنَا ارخ ... تؤم الحبر منقارى) يحيى بن عِيسَى الكركى من كرك الشويك وَيُقَال السلطى الملحد الزنديق كَانَ رجلا اسود خَفِيف العارضين قيل انه سَافر الى مصر فى طلب الْعلم وكانه عَاشر بعض الْمَلَاحِدَة فَغلبَتْ عَلَيْهِ اعتقادات فَاسِدَة وَبث فِيهَا شَيْئا من اعتقاداته حَتَّى ضرب ثمَّة ثمَّ انْتقل الى الكرك وَأخذ يسْعَى على ترويج أمره فَكَانَ يكْتب أوراقا مشحونة بالفاظ الْكفْر ويرسلها من الكرك الى عجلون وَكَانَ بعجلون رجل من فُقَهَاء الشَّافِعِيَّة يُقَال لَهُ عبد الله بن المدله فَلَمَّا شَاهد مَا كتبه يحيى الْمَذْكُور استشاط وثار وأخذته الْغيرَة الدِّينِيَّة فَأرْسل اليه من جَانب حَاكم الْبِلَاد الامير حمدَان ابْن الامير فَارس بن ساعد الغزاوى فَلَمَّا وصل الى عجلون ادّعى عَلَيْهِ الشَّيْخ عبد الله الْمَذْكُور فأدبه القاضى بِضَرْب خَمْسمِائَة سَوط على رجلَيْهِ وعَلى بدنه وَرجع الى مقره فى بِلَاد الكرك فَأخذ أهل الكرك يشنعون عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ لَهُ لَوْلَا الحادك مَا ضربك القاضى فان كنت تريدا غماض الْعين عَنْك وَترك التَّعَرُّض لَك فَاذْهَبْ الى دمشق واستكتب علماءها على كلامك هَذَا بانه من قَوَاعِد أهل الايمان وَكَانَ قبل ذَلِك يراسل الشَّيْخ شمس الدّين الميدانى من عُلَمَاء دمشق بالثناء عَلَيْهِ ثمَّ بَث اعتقاداته القبيحة ويقوله لَهُ اريد ان تكون نصيرى ووزيرى حَتَّى أظهر الدّين وَكَانَ الميدانى يكتم تِلْكَ الرسائل وَيَقُول لَعَلَّه مَجْنُون أَو جَاهِل ثمَّ دخل دمشق وَسكن الْقبَّة الطَّوِيلَة بمحلة القبيبات وَاجْتمعَ بعوام هوَام لَا يفرقون بَين الصَّحِيح والمعتل وَلَا يميزون بَين المنتظم والمختل وَشرع يكْتب أوراقا مُشْتَمِلَة على عِبَارَات فَاسِدَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 التَّرْكِيب مختلة الْمَعْنى وَالتَّرْتِيب لَا لفظ لَهَا وَلَا معنى وَلَا سَاكن فى حيها وَلَا معنى وَرُبمَا تشْتَمل الصَّحِيفَة مِمَّا يَكْتُبهُ على مكفرات عديده وموجبات للردة جَارِيَة عَن فكرة لَيست بسديده وخاض فى ذَلِك حَتَّى غرق فى بَحر الضلاله وَجعل الشَّيْطَان كفره لَهُ حباله فَمن جملَة مَا كتب وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى انه صعد الى الْعَرْش وانه شَاهد الله تَعَالَى وَشَاهد فَوْقه الله أعظم ثمَّ شَاهد تَحْتَهُ الله غَيرهمَا فَصرحَ بالاشراك وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَكتب الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام أَخطَأ فى خرق السَّفِينَة وان الذى اعْترض عَلَيْهِ أَجْهَل مِنْهُ وَحمل عَنهُ بعض الطّلبَة رِسَالَة من رسالاته فِيهَا كثير من ضلالاته وَهُوَ غير مُنكر عَلَيْهِ فِيهَا بل أَتَى بهَا الى الشهَاب العيثاوى يقرظها ويزكيها وَكَانَ الكركى قبل ذَلِك بِيَوْم وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة رَابِع ذى الْقعدَة سنة ثَمَان عشرَة وَألف قد حضر الى الْجَامِع الاموى وَعقد مَجْلِسا اجْتمع عَلَيْهِ فِيهِ كثير بَث فيهم ضلالاته فَحمل الى قاضى الْقُضَاة السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السَّيِّد برهَان الدّين فَأمر بِوَضْعِهِ فى البيمارستان ثمَّ ذهب الشَّمْس الميدانى فى الْيَوْم الثانى الى قاضى الْقُضَاة لمذكور وَعرض عَلَيْهِ رِسَالَة كَانَ بعثها الكركى اليه من عجلون مُشْتَمِلَة على الْحَط من مقَام النبى وعَلى لعن الشَّيْخ تقى الدّين الحصنى وَشتم الْعلمَاء ودعاوى فَاسِدَة واعتقادات مكفرة فَدَعَا قاضى الْقُضَاة الكركى اليه لَيْلًا وَسَأَلَهُ عَن الرسَالَة فاعترف بهَا وانها بِخَطِّهِ وَذكر انه تكلم بذلك فى وَقت الْغَيْبَة وفى اثناء ذَلِك وصلت الرسَالَة الاخرى الى العيثاوى وهى بِخَطِّهِ أَيْضا فى سنة أَو سَبْعَة كراريس وَكَانَت مُشْتَمِلَة على الطعْن فى الدّين وَأَهله وعَلى انكار وجود الصَّانِع جلّ وَعلا وَفعله بل على سبّ رب الْعَالمين وتجهيل الانبياء وَالْمُرْسلِينَ صَلَاة الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ والحط من مقامات الْعلمَاء والانحراف عَن طَريقَة الْحُكَمَاء تَارَة يدعى فِيهَا الْحُلُول والاتحاد وَتارَة يعْتَقد حل مَا فى ايدى الْعباد وَتارَة يعْتَقد التناسخ والانتقال وَتارَة يصف بِالْعَجزِ والحيرة الْكَبِير المتعال وَتارَة يشْتم أول الامه وَتارَة يُنكر الْفضل وَالرَّحْمَة وَهُوَ مَعَ ذَلِك دَاعِيَة ضلاله ودجال بِأَمْر بالجهاله والعوام اتِّبَاع كل دجال لَا يفرقون بَين هداة وضلال فثار الْعلمَاء بِدِمَشْق لذَلِك وتحزبوا واجتمعوا لازالة هَذَا الْخَبيث وانتدبوا ثمَّ ذهب مِنْهُم أَولا الى القاضى الشهَاب العيثاوى وَالشَّمْس الميدانى وَالْحسن البورينى والنجم الغزى والقاضى تَاج الدّين التاجى فبادر القاضى لِلْخُرُوجِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 اليهم وَقَالَ لَهُم وَالله لقد أزلتم عَنى كربَة بت فِيهَا وشبهة قَامَت عندى أَسَأْت بهَا الظَّن فى عُلَمَاء هَذِه الْبَلدة فانى تَأَمَّلت كفريات هَذَا الملعون واعلانه بهَا وَقد قبضت عَلَيْهِ واستودعته البيمارستان دون السجْن خوفًا ان تغلب علينا الْعَامَّة وتستخرجه خُصُوصا وَقد بلغنى ان بعض اكابر الْجند واشقاهم يَعْتَقِدهُ وَقلت فى نفسى سُبْحَانَ الله أكون فى مَدِينَة دمشق وَتَقَع لى هَذِه الْحَادِثَة وَلَا اجد فِيهَا من يساعدنى على انكارها ويعضدنى فى دفع ضَلَالَة هَذَا الْخَبيث وَأَنْتُم الْآن بحضوركم قد أزلتم عَنى العبئ الذى أثقلنى والشبهة الَّتِى اساءت فى الْعلمَاء اعتقادى ثمَّ حضر بَقِيَّة عُلَمَاء مِنْهُم مفتى الشَّام عبد الله البخارى والخطيب يحيى البهنسى ومفتى الْحَنَابِلَة الشهَاب أَحْمد الوفائى وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن الغزال رَئِيس الاطباء وَالشَّيْخ مُحَمَّد الحزرمى وَالشَّيْخ حليمى مدرس الجقمقيه فى آخَرين فَلَمَّا تَكَامل الْمجْلس أَمر بالضال فَاحْضُرْ فى الاغلال وَقَامَ الشَّيْخ الميدانى اليه وبادر فَادّعى عَلَيْهِ فاعترف بِمَا ادّعى بِهِ وَلم يُنكر سَببا من اسبابه فاتفق أهل الْمجْلس على اكفاره وَحكم القاضى باراقة دَمه بعد تحقق اصراره وَكتب سجلا بِمحضر من الْعلمَاء وجم غفير من النَّاس وَأرْسل مَا كتب الى الْوَزير الْحَافِظ ليأمر بقتْله حذرا من الْفِتْنَة والباس فَوَقع الْوَزير بقتْله واشار بتطويفه كَمَا يفعل بِمثلِهِ وَحضر عِنْد القاضى أعوان الوالى وَأَرَادُوا تشهيره فى الْبَلَد فَأَشَارَ بعض الْعُقَلَاء بانه رُبمَا تظاهر بعض الْعَوام بتخليصه فَيَقَع الْخِصَام واللدد فالاولى ان يهرق دَمه عِنْد مجْلِس الشَّرْع الشريف ليظْهر بذلك ان سيف الشَّرِيعَة طائل الوقع لاهل الضلال والتحريف فَضربت عُنُقه بِفنَاء المحكمة وأطفئت نَار ضلالته الْمظْلمَة وَكَانَ ذَلِك يَوْم الثلاثا الثَّامِن من ذى الْقعدَة سنة ثَمَان عشرَة بعد الالف وطمس قَبره حافة نهر قليط فى حُدُود مَقْبرَة بَاب الصَّغِير وَقَالَ النَّجْم الغزى مؤرخا لمهلكه (لقد لقى الشقى يحيى الكركى مهْلكا ... جَاءَ دمشق ليضل أَهلهَا فأهلها) (فَقلت فى تَارِيخ قَطعك عنق يحيى مُشْركًا ... ) وَقَالَ الشَّيْخ عبد اللَّطِيف بن يحيى المنقارى (وَلما أَن طَغى الزنديق يحيى ... بِدَعْوَى انه الرب اللَّطِيف) (اتى فى قَتله تَارِيخ صحب ... دم الدَّجَّال اهدره الشريف) يحيى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الاصيلى المصرى الاديب الشَّاعِر الْمَشْهُود ذكره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 الخفاجى فى كِتَابيه واثنى عَلَيْهِ كثيرا وَرَأَيْت لَهُ تَرْجَمَة فى مَجْمُوع الاخ الْفَاضِل الشَّيْخ مصطفى بن فتح الله وَلست ادرى لمن هى قَالَ فِيهَا شَاعِر ناط شعره بالشعرى وقلد جيد الدَّهْر درا فَسَماهُ شعرًا مَعَ رقة طبع وخفة روح ودمائه اخلاق توسى بهَا الجروح ومجون يسلب الْحَكِيم ثوب وقاره وينسى الخليع كأس عقاره وَتعلق بفنون الالحان يُدِير بهَا من سلاف الطَّرب مَا يهزأ بسلاف الحان يهزأ اتِّفَاق نظامه بِالْعقدِ الثمين وتتلو ألسن سامعيه ان هَذَا الا سحر مُبين كم فصل ببيانه من الادب مُجملا (ألذ من السلوى وَأطيب نفحة ... من الْمسك مفتونا وأيسر محملًا) وَلم يزل موفور الجاه بالديار المصرية لَا سِيمَا عِنْد الْمَشَايِخ البكرية حَتَّى قصد الْحَج لاداء الْفَرْض وطوى لمشاهدة تِلْكَ الْمشَاهد مهامه الارض فَلَمَّا قضى مَنَاسِكه وتفثه وَلم من وعثاء السّفر شعثه طافت بِهِ الْمنية طَوَافه بِتِلْكَ البنيه فانتقل من جوَار بَيت الله وَحرمه الى مقرّ رَحمته وَكَرمه ولد بدمياط وَبهَا نَشأ ثمَّ هَاجر الى مصر فَتخرج بِالنورِ العسيلى حَتَّى حلا فى ذوقه شهد آدابه وتزينت حقاق افكاره بفرائد خطابه وَكَانَ يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ويقرط بِصَوْتِهِ الْحسن الآذان وَكَانَ فَردا فى فنون الْغناء والطرب فاذا ترنم أسكر فى مجَالِس الانس ابْنة الْعِنَب فيميت الهموم وَيبْعَث الابدان فتخاله نسيم الصِّبَا وَالنَّاس اغصان وَله شعر يروق السَّامع والناظر ويحسد ازهاره الرَّوْض الناضر فَمِنْهُ قَوْله (لى فى الْمحبَّة عَن ملام العاذل ... بِجَمَال من أهواه أشغل شاغل) (أغرت عيونى بالسهاد وانما ... دمعى الذى أضحى بِوَصْف السَّائِل) (ان غردت قمرى الحمائم جددت ... شوقا أهاج من الغرام بلابلى) (بأبى غزال ارْض نجد دَاره ... لَكِن لواحظه عزين لبابل) (لدن المعاطف رق مرشف ثغره ... فاعجب لَهُ من ذابل فى ذابل) (ولحاظه حفت بأصداغ فيا ... لله من سيف سَطَا بحمائل) (تتطاول الاغصان تحكى قده ... والى التناهى مرجع المتطاول) (أعيا الفصيح بنبت عَارضه فَقل ... قس الفصاحة من أُسَارَى بَاقِل) وَله فِيمَن اسْمهَا شمس الضُّحَى موريا (لما وفت شمس الضُّحَى ... لى موعدى وشفت غليلى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 (شاهدت أى عَجِيبَة ... شمس الضُّحَى عِنْد الاصيلى) وَله فى عرب العشير وأجاد فى التورية (عَن العشير أبعد وَكن سالما ... وَكن فَتى بالبعد عَنْهُم مشير) (عاشرت مِنْهُم وَاحِدًا خاننى ... عهدى وميثاقى فبئس العشير) وَله فى مليح يعرف بالمنهلى (يناديك حب المنهلى اذا بدا ... تنقل فلذات الْهوى فى التنقل) (وَقَالَت لنا أَصْحَابه دع مقاله ... ورد كل صَاف لَا تقف عِنْد منهل) وفى تَذكرته قَالَ كُنَّا بِخِدْمَة الاستاذ مُحَمَّد البكرى قدس سره بِمَنْزِلَة ببولاق انا وَجَمَاعَة من فقرائه وذوى ولائه فَأرْسل لكل وَاحِد حِصَّة من الرُّمَّان وَكنت قد ظَهرت من الْمنزل لقَضَاء الْحَاجة فَلَمَّا حضرت أخْبرت بذلك فَكتبت اليه (مولاى يَا أكْرم الانام وَمن ... بحار جدوى نداه منصبه) (قد جَاءَ رمانك الورى جملا ... وَالْعَبْد مَا جَاءَهُ وَلَا حبه) فَأرْسل مِنْهُ جملَة وافرة وَكتب مجيبا (نأمر بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان بِمَا ... يفِيض مِنْهُ غيث العطا صبه) (فَلَيْسَ هَذَا الْفَقِير يعرف من ... أَتْبَاعه مثلكُمْ غادصيه) (فاعذر وَلَا عتب فى الْحساب على ... مُخطئ محبوبه وَلَا حبه) فَانْظُر الى قَوْله نامر بِالْقَلْبِ فانه رمان ثمَّ قَالَ لى احتفظ بِهَذِهِ الْوَقْعَة فان لَك فِيهَا غَايَة الرّفْعَة وهى تشهد باعترافى بأنى لَا أعرف أحدا من اتباعى يحبنى كمحبتك ويودنى كمودتك وَقَالَ أَيْضا كنت أَنا وَشَيخنَا الْعَلامَة نور الدّين العسيلى جالسين عِنْده وَقد ذكر فى الْمجْلس جمَاعَة من أفاضل الدَّهْر وادباء الْعَصْر توفوا فى مُدَّة قريبَة كالعلامة الفارضى والشهاب السيفى والبرهان البلط وخلائق لَا يُحصونَ فانشد بديهة (أَقُول وَقد قيل لى كم مضى ... أديب لَهُ حسن نظم جليل) (دعوا كل ذى أدب ينقضى ... وَيحيى العسيلى وَيحيى الاصيلى) وَمن شعره مَا كتبه مقرظا على نظم فى الْعَرَبيَّة لبَعض الْفُضَلَاء سَمَّاهُ الاشارات فَقَالَ فِيهِ (ان الاشارات للْعلم الْعَزِيز حوت ... وحازت الرّفْع مثل الْمُفْرد الْعلم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 (وان تقل مادحا فى نعتها كلما ... ففى الاشارات مَا يغنى عَن الْكَلم) وَقَالَ اقترح على مَوْلَانَا الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد السبفى المالكى ان أنظم بَيْتَيْنِ من بَحر المديد عِنْدَمَا وصلت فى الْقِرَاءَة عَلَيْهِ الى هَذِه الْموضع من ابْن الْحَاجِب وَشَرحهَا لِابْنِ وَاصل فَقَالَ (وجنود المحبوب ذَات احمرار ... من لظى الْقلب اسْتعَار اسْتعَار) (فَلهَذَا صَار قلبى كليما ... حَيْثُ من خديه آنست نَارا) وَقَالَ فى كتاب الى الشريف حسن بن أَبى نمى (أيد الله تَعَالَى سيدا ... كَامِلا فى سره والعلن) (بدر فضل أشرقت أنواره ... من ذرى الشَّام لاقصى الْيمن) (من حوى رق المزايا العلى ... وشرى الْمجد بأغلى ثمن) (مجده من ذَاته من أَصله ... حسن فى حسن فى حسن) وَقَالَ من قصيدة يمدح بهَا الاستاذ مُحَمَّد البكرى (أَلا ان لى يَا آل صديق أَحْمد ... لشمس هدى مِنْكُم بِهِ الكرب ينجلى) (فلى مِنْهُ أستاذ ولى مِنْهُ مرشد ... ولى مِنْهُ قطب ذُو اتِّصَال ولى ولى) هَذَا نوع من البديع سَمَّاهُ ابْن الوردى ايهام التَّأْكِيد وَزعم انه ابتدعه وَمثله قَول ابْن مكناس (نعم نعم محضتهم ... صدق الولا تطولا) (ومارعوا عهدا وَلَا ... مَوَدَّة وَلَا وَلَا) وَقَوله (أتيت جنينة أستاذنا ... وَقد جمعت كل معنى كمل) (بهَا أى ورد وآس بِهِ ... تفرق شَمل عداهُ وفل) الفل نوع من الياسمين بلغَة أهل الْيمن ذكى الرَّائِحَة وَلم يذكرهُ أهل اللُّغَة وَلَعَلَّه مولد وَسَماهُ ابْن البيطار فى مفرداته النمارق وَكتب الى مُحَمَّد الصالحى يَسْتَأْذِنهُ فى الدُّخُول عَلَيْهِ لانه كَانَ شَدِيد التوحش (على الْبَاب من كَاد من شوقه ... يَمُوت وَذَلِكَ يحيى الاصيلى) (أَتَى يتَغَنَّى بأوصافكم ... فَهَل تأذنون لَهُ فى الدُّخُول) فَأَجَابَهُ (لمولاى يحيى رَقِيق الطباع ولطف السماع وَحسن الْقبُول) (أمولاى هَل خَارج صوتكم ... لتحتاج للاذن وَقت الدُّخُول) وَهَذَا كَقَوْل الجزار حَيْثُ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 (أمولاى مَا من طباعى الْخُرُوج ... وَلَكِن تعلمته فى خمولى) (أتيت لبابك أَرْجُو الْغِنَا ... فأخرجنى الضَّرْب عِنْد الدُّخُول) الدُّخُول عِنْد المولدين حسن الصَّوْت الجارى على قانون الموسيقى وضده الْخُرُوج وَالضَّرْب النقرات الْمُسَمَّاة بالاصول وَبِهَذَا يَتَّضِح حسن الايهام فى الشّعْر الْمَذْكُور وَله أَيْضا (قيل لى ان فلَانا ... قد تَعَالَى وتكبر) (وَلمن قد سَاءَ رَأس ... قلت لَا بل رَأس منسر) وَقَوله (مذبان من أَهْوى هَمت ... عينى بِمَاء منهمر) (نقلت للقلب اذا ... لم تلف صبرا فاستعر) وَقَوله (رب قَاض قبل الرِّشْوَة لما أَن تملك ... ) (قَالَ للظالم انى ... سأنجيك وَأهْلك) وَله (رِسَالَة من لطفها أشبهت ... ريح الصِّبَا مرت بزهر الرِّبَا) (وَلم يزل مَا بَين أهل الْهوى ... رسائل العشاق ريح الصِّبَا) وَقَوله (وبى عروضى اذا ... أبصره الْبَدْر احتجب) (أعطافه لصبه ... فاصلة بِلَا سَبَب) وَله (يَا ذَا العروضى الذى ... أضحى بسيط الْحسن كَامِل) (وَعَن ابْن قطاع روى ... هلا رويت عَن ابْن وَاصل) وَقَوله (من منصفى من شادن ... بَيت الْمَظَالِم بَيته) (أخفيه خشيَة بأسه ... وأود لَو سميته) وَمِنْه قَول السراج الْوراق (رزقت بِنْتا ليتها لم تكن ... فى لَيْلَة كالدهر قضيتها) (فَقيل مَا سميتها قلت لَو ... مكنت مِنْهَا كنت سميتها) قَالَ الخفاجى وَخَطأَهُ بعض الادباء إِنَّه انما يُقَال من السم سممتها وَهُوَ لحن وَاعْتذر عَنهُ بِأَنَّهُ ايهام النورية فالمخطئ مُخطئ فيغتفر فِيهِ مثله وَأَصله سممتها من التفعيل وَمثله لتوالى الافعال فِيهِ يُبدل ثَالِث حرف مِنْهُ بِحرف عِلّة وهى الْيَاء يُقَال فى تقضض البازى تقضى وَقد قَالَ بعض النُّحَاة انه مطرد وَكتب لخاله شغر الاسكندرية يَقُول (لخالى فى الاسكندرية رَغْبَة ... وَمن بعده قد حَال لى فى الْهوى حَال) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 (فان يَك أضحى ثغرها موطنا لَهُ ... فيا حبذا فى ذَلِك الثغر لى خَال) واشعاره كلهَا من هَذَا النمط عَلَيْهَا مسحة الْحَلَاوَة وَكَانَت وَفَاته لثلاث خلون من الْمحرم سنة عشر بعد الالف بِمَكَّة كَمَا تقدم والاصيلى نِسْبَة لاصيل الدّين أَحْمد بن على بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أَيُّوب يحيى بن مُحَمَّد بن الْقسم الملقب شرف الدّين بن شمس الدّين الْمَعْرُوف بِابْن المنقار الدمشقى الْفَقِيه الحنفى كَانَ فَقِيها يستحضر فقه الْحَنَفِيَّة أحسن استحضار ويحفظ نقُوله وفصوصه وَكَانَ عَجِيب الْحَال فى الْمسَائِل الَّتِى تقع لَهُ فِيهَا الْخُصُومَة خُصُوصا مَعَ أَبِيه ثمَّ مَعَ أَقَاربه وَكَانَ مغاضبا لابيه خَارِجا عَن طَاعَته وَكَانَ أَبوهُ شَدِيد الْغَضَب مِنْهُ كثير الْحَط عَلَيْهِ وَكَانَ هُوَ اذا ذكر أَبَاهُ يذكرهُ بِلَفْظ الشَّيْخ وَيذكر بعض مساويه مسكنة وأناة وَكَانَ أهل دمشق يرَوْنَ انه مسلط عَلَيْهِ قصاصا عَن تشدده على النَّاس واطلاق لِسَانه فيهم وَذهب أَبوهُ مرّة الى القاضى بِدِمَشْق وَسَأَلَهُ ان يحضر وَلَده ويعزره فَأحْضرهُ وعزره بَين يَدَيْهِ وسافر يحيى بِسَبَب ذَلِك الى الرّوم وَرمى نَفسه فى أُمُور مهلكة حَتَّى وصل خَبره الى السُّلْطَان وَعرضت عَلَيْهِ قصَّته ثمَّ آل أمره الى انه استخرج حكما دفتر يَا ان بَرَاءَة أَبِيه فى الجوالى لَا قيد لَهَا وانها مفتعلة وأوصل الحكم الى دفترى الشَّام فَحصل بَينه وَبَين أَبِيه فتْنَة عَظِيمَة ثمَّ لما مَاتَ أَبوهُ عَاشَ مَعَ أَقَاربه عيشة مكدرة وَكَانَت عيشته مَعَ زَوجته وهى بنت عَمه أَشد نكرا وكدرا حَتَّى أَبَانهَا من عصمته ودرس بِالْمَدْرَسَةِ العزية فى الشّرف الاعلى غربى دمشق وَولى النّظر على الْمدرسَة المردانية وَحج مرَّتَيْنِ الثَّانِيَة مِنْهُمَا فى سنة ثَمَان عشرَة بعد الالف وَرجع مستضعفا ثمَّ لم يزل على ذَلِك وَالنَّاس يسلمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يقوم وَيقْعد وَيظْهر التجلد وَالْقُوَّة الى ان مَاتَ يَوْم الاربعاء ثَالِث شهر ربيع الاول سنة تسع عشرَة وَألف وَدفن من الْغَد فى الْمدرسَة المردانيه بِوَصِيَّة مِنْهُ يحيى بن مُحَمَّد بن نعْمَان بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الايجى الدمشقى قاضى الْقُضَاة الْفَاضِل الشريف الحسيب كَانَ من فضلاء زَمَانه أديبا مطبوعا لطيف الطَّبْع خلوقا اشْتغل بِدِمَشْق على وَالِده وَغَيره من الافاضل ثمَّ رَحل الى قسطنطينية فى أَيَّام شبابه وقطن بهَا ولازم ودرس وأحبه صدورها وَأَقْبلُوا عَلَيْهِ لما فِيهِ من الاهلية حَتَّى تزوج بابنة شيخ الاسلام أسعد بن سعد الدّين وسما حَظه وَلم يزل ينْتَقل فى الْمدَارِس الى ان وصل الى السليمانية ثمَّ ولى قَضَاء الْقُدس وَقدم الى دمشق ونال اقبالا من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 علمائها وصدورها لدماثة اخلاقه واعتنوا بِهِ كثيرا ومدحوه وَمن مادحيه الامير المنجكى حَيْثُ يَقُول فِيهِ (من ترى يملك وَصفا لامرئ ... قلد الْمِنَّة أَعْنَاق السماح) (ذَاك يحيى من بِهِ يحيا العلى ... ولناديه غدوى ورواحى) (حَامِل نشر ثنائى فى الورى ... عنبر اللَّيْل وكافور الصَّباح) ثمَّ نقل من قَضَاء الْقُدس الى قَضَاء مَكَّة وَرجع مِنْهَا وَتوجه الى الرّوم فأدركه أَجله اثر وُصُوله وَكَانَت وَفَاته سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى يحيى بن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عِيسَى أَبُو زَكَرِيَّا النايلى الشاوى الملبانى الجزائرى المالكى شَيخنَا الاستاذ الذى ختمت بعصره أعصر الاعلام وأصبحت عوارفه كالاطواق فى أجياد الليالى والايام الْمُقَرّر براهين التطبيق بتوحيده فَلَا تمانع فِيهِ الا من معاند علم مرجعه عَن الْحق ومحيده آيَة الله تَعَالَى الباهرة فى التَّفْسِير والمعجزة الظَّاهِرَة فى التَّقْرِير والتحرير من روى حَدِيث الفخار مُرْسلا وَنقل خبر الفخار مرتلا وَهُوَ فى الْفِقْه امامه وَمن فَمه تُؤْخَذ أَحْكَامه وَأما الاصول فَهُوَ فرع من علومه والمنطق مُقَدّمَة من مُقَدمَات مَفْهُومه وان أردْت النَّحْو فَلَا كَلَام فِيهِ لَاحَدَّ سواهُ وان اقترحت الْمعَانى وَالْبَيَان فهما انموذج مزاياه اذا استخدم الْقَلَم أبدى سحر الْعُقُول وان جرت الْحُرُوف على وفْق لِسَانه وفْق بَين الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول واذا نَاظر عطل من مجاريه مجارى الانفاس واستنبط من بَيَان مَنْطِقه علم الجدل وَالْقِيَاس وَبِالْجُمْلَةِ فتقصر همم الافكار عَن بُلُوغ أدنى فضائله وتعجز سوابق الْبَيَان عَن الْوُصُول الى أَوَائِل فواضله ولد بِمَدِينَة ملبانه وَنَشَأ بِمَدِينَة الجزائر من أَرض الْمغرب وَقَرَأَ بهَا وبملبانة بَلَده على شُيُوخ أجلاء صالحين مِنْهُم الْعَلامَة الْمُحَقق سيدى الشَّيْخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بهْلُول وَالشَّيْخ سعيد مفتى الجزائر وَالشَّيْخ على بن عبد الْوَاحِد الانصارى وَالشَّيْخ مهدى وَغَيرهم وروى عَنْهُم الحَدِيث وَالْفِقْه وَغَيرهمَا من الْعُلُوم وَأَجَازَهُ شُيُوخه وتصدر للافادة بِبَلَدِهِ وَكَانَت حافظته مِمَّا يقْضى مِنْهَا بالعجب وَقدم مصر فى سنة أَربع وَسبعين ألف قَاصد الْحَج فَلَمَّا قضى حجه رَجَعَ الى الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ بِهِ فضلاؤها وَأخذُوا عَنهُ وروى هُوَ من علمائها كالشيخ سُلْطَان وَالشَّمْس البابلى والنور الشبراملسى وأجازوه بمروياتهم ثمَّ تصدر للاقراء بالازهر واشتهر بِالْفَضْلِ وحظى عِنْد أكَابِر الدولة وَاسْتمرّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 على الْقُرَّاء مُدَّة قَرَأَ فِيهَا مُخْتَصر خَلِيل وَشرح الالفية للمرادى وعقائد السنوسى وشروحها وَشرح الْجمل للخونجى لِابْنِ عرفه فى الْمنطق ثمَّ رَحل الى الرّوم فَمر فى طَرِيقه على دمشق وَعقد بِجَامِع بنى أُميَّة مَجْلِسا اجْتمع فِيهِ علماؤها وشهدوا لَهُ بِالْفَضْلِ التَّام وتلقوه بِمَا يجب لَهُ ومدحه شعراؤها واستجاز مِنْهُ نبلاؤها ثمَّ توجه الى الرّوم فَاجْتمع بِهِ أكَابِر الموالى وَبَالغ فى اكرامه شيخ الاسلام يحيى المنقارى والصدر الاعظم الْفَاضِل وَحضر الدَّرْس الذى تَجْتَمِع فِيهِ الْعلمَاء للبحث بِحَضْرَة السُّلْطَان فبحث مَعَهم واشتهر بِالْعلمِ ثمَّ رَجَعَ الى مصر مجللا مُعظما مهابا موقرا وَقد ولى بهَا تدريس الاشرفية والسليمانية والصرغتمشية وَغَيرهَا وَأقَام بِمصْر مُدَّة ثمَّ رَجَعَ الى الرّوم فأنزله مصطفى باشا وَصَاحب السُّلْطَان فِي دلره وَكنت الْفَقِير إِذْ ذك بالروم فَالْتمست مِنْهُ الْقِرَاءَة فَأذن فشرعت أَنا وَجَمَاعَة من بلد تنا دمشق وَغَيرهَا مِنْهُم الاخ الْفَاضِل أَبُو الاسعاد بن الشَّيْخ أَيُّوب وَالشَّيْخ زين الدّين البصرى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المجلد وَالسَّيِّد أَبُو الْمَوَاهِب سبط العرضى الحلبى فى الْقِرَاءَة عَلَيْهِ فقرأنا تَفْسِير سُورَة الْفَاتِحَة من البيضاوى مَعَ حَاشِيَة العصام ومختصر الْمعَانى مَعَ حَاشِيَة الْحَفِيد والخطائى والالفية وَبَعض شرح الدوانى على العقائد العضدية وأجازنا جَمِيعًا باجازة نظمها لنا وَكَانَ مَا كتبه لى هَذَا الْحَمد لله الحميد وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على الطَّاهِر الْمجِيد وعَلى آله أهل التمجيد (أجزت الامام اللوذعى المعبرا ... أَمينا امين الدّين روحا مصورا) (سليل محب الدّين بَيت هِدَايَة ... وَبَيت منار الْعلم قدما تقررا) (باقرائه متن البخارى الذى بِهِ ... تقاصر عَنهُ من عداهُ وقصرا) (موطا شِفَاء والشفاء لمُسلم ... اذا مُسلما تقريه حَقًا تصدرا) (وباقى رجال النَّقْل حَقًا مُبينًا ... وَتَفْسِير قَول الله فى الْكل فررا) (أجزت الْمُسَمّى الْبَدْر فى الشَّرْع كُله ... كَمَا صَحَّ لى فاترك مراه تكدرا) (وَعلم كَلَام خالى عَن أكاذب الفلاسفة الضلال وَالْعدْل نكرا ... ) (أَقُول لكل فلسفى يدينه ... أَلا لعنة الرَّحْمَن تعلو مزورا) (أجبريل فلك عَاشر يَا عداتنا ... أعادى شرع الله نلتم تحيرا) (بأى طَرِيق قُلْتُمْ عشر عشرَة ... وَنفى صِفَات وَالْقَدِيم تحجرا) (حكمتم على الرَّحْمَن حجرا محجرا ... ومنعكم خلق الْحَوَادِث دمرا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 (أبرى الحبيب اللوذعى عَن الردى ... مجَازًا بدين الشَّرْع كلا محررا) (وَلَكِن عَلَيْهِ النصح وَالْجد والتقى ... وان ناله آمُر الْقَضَاء تصبرا) (حماه اله الْعَرْش من كل فتْنَة ... ونجاه من أسواء سوء تسترا) (وصل وَسلم بكرَة عَشِيَّة ... على من بِهِ أَحْيَا الْقُلُوب تحيرا) ثمَّ رَجَعَ الى مصر وَصرف أوقاته الى الافادة والتأليف وَله مؤلفات عديدة فى الْفِقْه وَغَيره مِنْهَا حَاشِيَة على شرح ام الْبَرَاهِين للسنوسى نَحْو عشْرين كراسا ونظم لامية فى اعراب الْجَلالَة جمع فِيهَا أقاويل النَّحْوِيين وَشَرحهَا شرحا حسنا أحسن فِيهِ كل الاحسان وَله مؤلف صَغِير فى اصول النَّحْو جعله على اسلوب الاقتراح للسيوطى أَتَى فِيهِ بِكُل غَرِيبَة وَجعله باسم السُّلْطَان مُحَمَّد وقرظ لَهُ عَلَيْهِ عُلَمَاء الرّوم مِنْهُم الْعَلامَة المنقارى قَالَ فِيهِ لَا يخفى على النَّاقِد الْبَصِير ان هَذَا التَّحْرِير كنسج الْحَرِير مَا نسج على منواله فى هَذِه العصور تَنْشَرِح بمطالعته الصُّدُور وَله شرح التسهيل لِابْنِ مَالك وحاشية على شرح المرادى وَكَانَ لَهُ قُوَّة فى الْبَحْث وَسُرْعَة الاستحضار للمسائل الغريبة وبداهة الْجَواب لما يسئل عَنهُ من غير تكلّف ومحاضرة بديعة وسافر فى آخر أمره الى الْحَج بحرا فَمَاتَ وَهُوَ فى السَّفِينَة فى يَوْم الثلاثا عشرى شهر ربيع الاولى سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَأَرَادَ الملاحون القاءه فى الْبَحْر لبعد الْبر عينهم فَقَامَتْ ريح شَدِيدَة قطعت شراع السَّفِينَة فقصدوا الْبر وأرسوا بمَكَان يُقَال لَهُ رَأس أَبى مُحَمَّد فدفنوه بِهِ ثمَّ نَقله وَلَده الشَّيْخ عِيسَى بعد بُلُوغه خَبره الى مصر وَدَفنه بهَا بالقرافة الْكُبْرَى بتربة السَّادة الْمَالِكِيَّة وَوصل الى مصر وَلم يتَغَيَّر جسده وَاتفقَ انه لما أرسل وَلَده بعض الْعَرَب ليكشف لَهُ عَنهُ الْقَبْر ويأتوا بِهِ اليه تاهوا عَن قَبره فاذا هم بِرَجُل يَقُول لَهُم مَا تُرِيدُونَ فَقَالُوا قبر الشَّيْخ يحيى فَأَرَاهُم اياه فكشفوا عَنهُ فوجدوه بِحَالهِ لم يتَغَيَّر مِنْهُ شئ فوضعوه فى تَابُوت وأتوابه الى مصر فدفنوه بتربة الْمَالِكِيَّة الَّتِى كَانَ جددها ورممها وَلم يلبث بعده وَلَده الشَّيْخ عِيسَى الا نَحْو سنة أشهر فَمَاتَ فدفنوه على أَبِيه ووجدوه على حَاله لم يتَغَيَّر مِنْهُ شئ رحمهمَا الله تَعَالَى يحيى بن مهدى المنسكى الْيُمْنَى الشَّاب الاديب الْكَامِل الاريب ولد بالدهنا من أَرض صَبيا من بِلَاد الْيمن وَنَشَأ وجد فَوجدَ وتعانى النّظم والنثر فأجاد فيهمَا وَكَانَ بَينه وَبَين صاحبنا الشَّيْخ مصطفى بن فتح الله مكاتبات مِنْهَا مَا كتبه لَهُ يستدعى تَارِيخا فى أَبْيَات مِنْهَا قَوْله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 (رُبمَا لَا يفوت صَادِقَة الرأى بِأَن الضياء سر الْهلَال ... ) (وَأرى الْبَحْر عِنْده الْجَوْهَر الشفاف لكنه يُرِيد مِنْهُ اللآلى ... ) فَأَجَابَهُ الشَّيْخ مصطفى وَكَانَ اذ ذَاك مُتَوَجها الى مَكَّة من جدة فى غرَّة شهر رَمَضَان بقوله رَحمَه الله (يَا ابْن مهدى يَا كريم الْخِصَال ... وأخا الْفضل والنهى والكمال) (قد أتانى بديع لفظ شهى ... صَار قلبى من بعده فى اشتعال) (وَذكرت الْهوى وعهدا تقضى ... بعد أَن لم يكن يمر ببالى) (وطلبتم من الْمُحب كتابا ... بفنون التَّارِيخ قد صَار حالى) (فلك الْعذر يَا ابْن ودى فانى ... لذرى مَكَّة أَشد رحالى) (واذا عدت جدة بعد عيد ... ستراه دَانَتْ اليك المعالى) (وأبق واسلم فى ظلّ عيشى ظَلِيل ... مَا تغنى الْحمام فى الاطلال) وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتِّينَ وَألف وَتوفى فى رَابِع عشر الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف بِمَكَّة وَدفن بمقبرة الشبيكة السَّيِّد يحيى الْحسنى صَاحب الْقدَم الراسخة فى الْعِبَادَة وَكَانَ من أهل الفنوة وَالْحَال صَاحب جد واجتهاد اجْتمع بأكابر الْقَوْم كالمرصفى واضرابه وَكَانَ دَائِم الطَّهَارَة وَالذكر وَكَانَت ذَاته تشهد لَهُ بِالْولَايَةِ وانه من أولى الْعِنَايَة وَاخْبَرْ انه رأى النبى يقظة كثيرا وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من مشاهير الاولياء وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس عشرَة بعد الالف وَدفن بالصحراء يحيى الشهير بامام الكاملية المصرى الشافعى كَانَ بارعا فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة عَلامَة فى الاصول والنحوذ وَلَفظ فصيح وذهن صَحِيح اشْتغل بالعلوم وجد واجتهد فَحصل وبرع وَمن شُيُوخه الْعَلامَة النَّاصِر اللقانى وَالشَّيْخ الامام الشهَاب الرملى وَولده الشَّمْس وَغَيرهم وَله تعاليق مفيدة مِنْهَا شرح على وَرَقَات امام الْحَرَمَيْنِ فى اصول الْفِقْه وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم السبت ثانى عشر شهر جُمَادَى الاولى سنة خمس عشرَة بعد الالف عَن نَحْو تسعين سنة فَمَا فَوْقهَا رَحمَه الله تَعَالَى السَّيِّد يحيى الشهير بالصادقى الحلبى الاديب اللَّطِيف ذكره البديعى فَقَالَ فى وَصفه هُوَ مَعَ شرف الاصل جَامع بَين أدوات الْفضل صافى ورد الاخوه ضافى برد الفتوه مطبوع على التَّوَاضُع وَالْكَرم مَعْرُوف بِحسن الاخلاق والشيم وَكَلَامه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 لَيْسَ بِهِ عشثار وَلَا عَلَيْهِ غُبَار كَمَا قيل فِيهِ (وان أَخذ القرطاس خلت يَمِينه ... تفتق نورا أَو تنظم جوهرا) وَهُوَ الْآن فى الشَّهْبَاء فَارس ميدانها فضلا وناظر انسانها نبْلًا ثمَّ قَالَ وأذكر لَيْلَة من الليالى خيلت لحسنها لَيْلَة الْقدر رقد عَنْهَا الدَّهْر الى ان انتبه الْفجْر فى منزل حف بامراء النّظم والنثر مِنْهُم بدر ترمقه الْمقل فتجرح مِنْهُ مواقع الْقبل أفرغ فى قالب الْجمال وَلم يُوصف بِغَيْر الْكَمَال وَاتفقَ انه بدد نَارا هُنَالك بِغَيْر اخْتِيَاره فَقَالَ الصادقى (ضمنا مجْلِس لتاج الموالى ... عَالم الْعَصْر بكر هَذَا الزَّمَان) (غرَّة الدَّهْر أَحْمد ذُو الايادى ... وَابْن خير الانام من عدنان) (بفريد الحسان خلقا وخلقا ... عِنْد ليب الاخوان نور الْمَكَان) (فانثنى كالقضيب تفيده نفسى ... عابثا بالسياط والمجان) (فَأصَاب الكانون سَوط فطار الْجَمْر من وقعه على الاخوان ... ) (فسألنا مَاذَا فَقَالَ نثار الْحبّ جمر لَا بدرة من جمان ... ) (واعتراه الحيا فأخمدها من ... غير بؤس بساعد وبنون) (ففرقنا عَلَيْهِ مِنْهَا فَنَادَى ... وَكَذَا النُّور مخمد النيرَان) وَقَالَ فِيهِ أَيْضا (لاموا الذى حَاز لطفا ... وبهجة وجلاله) (اذا بدد النَّار عمدا ... لَيْلًا وَأبْدى الخجاله) (وصاغ فى الْبسط شهبا ... اذ كَانَ بَدْرًا بهاله) (وكفل الطفى يمناه ... تَارَة وشما لَهُ) (كَذَلِك الشَّمْس تدنى ... لكل نجم زَوَاله) (فَقلت لَا تعذلوه ... دَعوه يُوضح حَاله) (بانه بدرتم ... حينا وحينا غزاله) وَقَالَ (انشدت من أَهْوى وَقد أَخذ الْهوى ... تمجامعى واستحوذ استحواذا) (كبدى سلبت صَحِيحَة فَامْنُنْ على ... رمقى بهَا ممنونة أفلاذا) (فَأَشَارَ للكانون فانثالت على الْجلاس جمرا وابلا ورذاذا ... ) (وبدا يكفكفه حَيا وَيَقُول لى ... من كَانَ ذَا لب أيطلب هَذَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 فَقَالَ السَّيِّد أَحْمد النَّقِيب (قد قلت اذا عثر الذى ألحاظه ... فعلت بِنَا فَغَلَّ الشُّمُول مشعشعه) (فى مجْلِس بالنَّار فانتشرت على ... بسطى فكاله الحايء وبرقعه) (واكب يرفع غيها بأكفه ... مستعظما ذَاك الصَّنِيع وموقعه) (جمرات حبك لَو علمت بِفِعْلِهَا ... فى الْقلب مَا استعظمت حرق الامتعه) وَقَالَ فِيهِ أَيْضا (لَا تحسب النَّار الَّتِى مَا بَيْننَا ... نثرت من الكانون كَانَ شتاتها) (بل انما ذَاك الذى ألحاظه ... سلبت عقول أولى النهى فتراتها) (لما رأى عشاقه تخفى الْهوى ... ولهيب نَار رابه زفراتها) (وَأَرَادَ يفضحها أَشَارَ بكفه ... لقلوبها فتناثرت جمراتها) وَقَالَ فِيهِ أَيْضا الشَّيْخ عبد الْقَادِر الحموى (ان الذى أخجل شمس الضُّحَى ... فى منزل الْمولى الرفيع الْعِمَاد) (بدد نَارا كَانَ لللاصطلا ... فانبث كالياقوت بَين الاياد) (فانصاغ يزوى الْجَمْر فى أنمل ... كالخزان حاولت مِنْهَا انْعِقَاد) (وَقَالَ اذ رامت بتأجيجها ... تحكى سنا خدى ومنك الْفُؤَاد) (نثرتها عمدا على بسط من ... أروى نداه كل غاد وصاد) وولاه بعض قُضَاة حلب نِيَابَة محكمَة السَّيِّد خَان بهَا فَكتب اليه (أَصبَحت مَعَ الشَّمْس ببرج الْمِيزَان ... اذ أنزلنى الْهمام بالسيد خَان) (لَكِن وعلاك كل من نَاب يخن ... وَالْعَبْد يعاف كلمة السَّيِّد خَان) يس بن زين الدّين بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن الشَّيْخ عليم الحمصى الشافعى الشهير بالعليمى نزيل مصر الامام البليغ شيخ الْعَرَبيَّة وقدوة أَرْبَاب الْمعَانى وَالْبَيَان الْمشَار اليه بالبنان فى محفل التِّبْيَان مولده بحمص ورحل مَعَ وَالِده الى مصر وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ فى أَوَائِله على الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى ثمَّ على الشهَاب الغنيمى ولازمه فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّمْس الشوبرى وَكَانَ ذكيا حسن الْفَهم وبرع فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وشارك فى الاصول وَالْفِقْه وتصدر فى الازهر لاقراء الْعُلُوم ولازمه أَعْيَان أفاضل عصره وحظى كثيرا وشاع ذكره وَبعد صيته وَكَانَ مطبوعا على الْحلم والتواضع وَله مَال جزيل وانعام كثير على طلبة الْعلم وَكلمَة مسموعة وَألف كتبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 مفيدة مِنْهَا حَاشِيَة على المطول وحاشية على الْمُخْتَصر وحاشية على شرح التَّوْضِيح وحاشية على شرح الْقطر للفاكهى وحاشية على شرح التَّهْذِيب للخبيصى وحاشية على شرح ألفية ابْن مَالك وَغير ذَلِك من الرسائل النافعة وَله شعر كثير أَكْثَره جيد فَمِنْهُ قَوْله فى لحظه (سحر فَسلم أر صَارِمًا ... فى غمده يفرى سواهُ فَمن أرى) (عجبا لغصن البان من أعطافه ... فَوق الْكَثِيب لبدر تمّ أثمرا) (قد صَامَ عَن وصل زَكَاة جماله ... قربا فَقير الْقلب رام ففطرا) (صبرت عَنهُ الْقلب فَهُوَ بهجره ... ميت عَسى يرثى لمَيت صبرا) (وَحَدِيث دمعى مُرْسل لما غَدا ... مِنْهُ الصدود مسلسلا ياما جرى) (فالرأس مشتعل بشيب صدوده ... والعظم أضحى واهيا وَقد انبرى) (وَالْقلب من مُوسَى لحاظ قد غدى ... مرضى كلما وَهُوَ لن يتغيرا) (ان رام مرأى من بديع جماله ... جعل الْجَواب لَهُ وحقى لن ترى) (واللحظ منى حِين أبْصر خَدّه ... فِيهِ الرّبيع جرى عَلَيْهِ جعفرا) (يَا ذَا الذى قدر زار طيف خياله ... وأتى بَخِيلًا مَا تأهل للقرى) (بالطيف قد منيت لَكِن بالاذى ... أتبعته فسلبت عَن عينى الكرا) (مَا زار الا كى يعاتبنى على ... نومى فينفيه ويجنح للسرى) (ولرب ليل طَال حَتَّى اننى ... قد قلت لَو كَانَ الصَّباح لَا سفرا) (لَكِن ذكرت بِطُولِهِ وسواده ... شعر الحسان فطاب لى ان أسهرا) وَاسْتمرّ ملازما للتدريس والافادة منعكفا على تَحْصِيل الْعلم ملازما لِلْعِبَادَةِ ممتعا بحواسه نَافِعًا بأنفاسه وَكَانَ مغرما بالطيب وَذَا دخل الْجَامِع الازهر يشم من بصدره رَائِحَة الْمسك والعنبر والغالية فَيعلم أهل الْجَامِع بقدومه وَكَانَت وَفَاته فى نَهَار الاحد عشرى شعْبَان سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى يس بن على بن أَحْمد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الحنبلى الْفَقِيه الْفَاضِل الرحلة رَحل الى مصر لطلب الْعلم فى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَمكث الى سنة احدى وَخمسين وَأخذ عَن الشَّيْخ مَنْصُور البهوتى الْفِقْه والْحَدِيث والنحو وَقَرَأَ على الشَّيْخ عَامر الشبراوى بشرح ألفية العراقى للقاضى زَكَرِيَّا وَأَجَازَهُ بهَا وَبِمَا يجوز لَهُ رِوَايَته وَكَانَ يُفْتى على مَذْهَب الامام أَحْمد بن حَنْبَل رضى الله تَعَالَى عَنهُ بِبِلَاد نابلس وَكَانَ دينا صَالحا تقيا حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَخمسين بعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 الالف تَقْرِيبًا يس بن مُحَمَّد الخليلى نزيل الْمَدِينَة ابْن أخى الشَّيْخ غرس الدّين الخليلى الْمُقدم ذكره الْفَاضِل المطلع كَانَ مُتَمَكنًا من عُلُوم كَثِيرَة لَا سِيمَا الْفِقْه والْحَدِيث أَخذ عَن عَمه الْمَذْكُور وَالشَّمْس البابلى وَغَيرهمَا وجد واجتهد ودرس بالحرمين وصنف كنبا مفيدة مِنْهَا شرح على ألفية السِّيرَة لابى الْفضل زين العراقى فى مجلدين وَشرح رياض الصَّالِحين للنووى لكنه لم يكمل وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت الثانى شهر ربيع الثانى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ بعد الالف رَحمَه الله تَعَالَى يس بن مصطفى البقاعى الدمشقى الْفَقِيه الفرضى الحنفى قَرَأَ بِدِمَشْق وَحصل وَضبط وَقيد وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ وَكَانَ قوى الحافظة فى فروع الْمَذْهَب وَكتب الاسئلة الْمُتَعَلّقَة بالفتاوى وَكَانَ يقْعد فى الْجَامِع الاموى عِنْد بَاب الْبَرِيد وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ اقبال زَاد وَولى امامة مَسْجِد بالمحلة الجديدة وَسكن هُنَاكَ وَكَانَ عِنْد أهالى تِلْكَ الْمحلة وَمَا يقرب مِنْهَا هُوَ الْمُفْتى حَقِيقَة وَكَانَ يُبَاشر لَهُم جَمِيع مَا يَقع من أنكحة وخصومات وَغَيرهَا وَلما ولى قَضَاء الشَّام الْمولى عُثْمَان الكردى نَهَاهُ عَن تعاطى شئ من ذَلِك الا باذنه فَلم ينْتَه فعزره تعزيرا بليغا ثمَّ كف بعد ذَلِك عَن مُخَالطَة شئ من ذَلِك الا نَادرا واستبد بِكِتَابَة الاسئلة وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى يُوسُف بن أَبى الْفَتْح بن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن السقيفى الدمشقى الحنفى امام السُّلْطَان وعلامة الزَّمَان فاق على أهالي عصره وأذعنت لَهُ بِالْفَضْلِ عُلَمَاء دهره ذكره الشهَاب الخفاجى فى الخبايا فَقَالَ فى حَقه فَاضل كَامِل قدمه الزَّمَان على غَيره من الافاضل لما صَار مقتدى دَار الخلافه فأضحى كل مجلى ومصلى لَا يُطيق خِلَافه فلاحت من بروج الشّرف شمس سعادته المشرقه وَصحت سَمَاء عزته من غيوم الغموم المطبقة (وانثنى الزَّمَان ينشد فِيهِ ... هَكَذَا تخْدم الْمُلُوك السُّعُود) فَقَالَ مجده طلع الصَّباح ونادى مُؤذن اقباله حى على الْفَلاح فَقَامَتْ الامانى خَلفه صُفُوفا وظلت أَرْبَاب الْفَضَائِل بسدنه عكوفا حَتَّى غص بِذَاكَ نَادِيه وشرق بِمَاء الْحَسَد معاديه وبحار مكارمه تقذف بدره وَالْمجد عِنْده حل بمستقره وَقَالَ البديعى فِيهِ امام السُّلْطَان الماضى شكرا لله مساعيه وامام السُّلْطَان الباقى أدام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 الله معاليه يُرِيد أَنه ولى الامامة للسُّلْطَان عُثْمَان أَولا ثمَّ للسُّلْطَان مُرَاد ثَانِيًا فالاول الماضى والثانى الباقى قلت ووليها ايضا للسُّلْطَان ابراهيم فَيحْتَمل أَن يكون هُوَ الباقى ثمَّ قَالَ فَاضل عرف الدَّهْر قدره فَأطلع فى فلك النباهة بدره وميزه على أترابه وأقرانه تميز سميه على اخوانه وبلغه الرُّتْبَة الَّتِى تتقاعس عَنْهَا رُتْبَة التمنى واعتنى بِهِ فأوصلها اليه بِغَيْر مشقة التعنى وَذَلِكَ انه مَا شعر الا وخيل الْبَرِيد أَمَامه بأوامر ولى الامر ليَكُون امامه فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ بِتِلْكَ البقعه وَكَانَ محاصرا احدى ممالك شاه تِلْكَ الرقعة (تطلع فى أَعلَى الْمصلى كَأَنَّمَا ... تطلع فى محرا دَاوُد يُوسُف) وفى ثَالِث يَوْم وَصله بلغ السُّلْطَان من تِلْكَ الممنعة غَايَة مأموله واعتقد أَن ذَلِك الْفَتْح ببركة قدومه وقارن اعْتِقَاده فِيهِ غزارة علومه فاستخلصه لنَفسِهِ واتخذه نديمه أَوْقَات أنسه هَذَا وَله الْخط الذى يسحر عقول أولى الالباب حَتَّى كَأَنَّهُ اقتبس نَفسه من سَواد مقل حسان الْكتاب (اذا كتب القرطاس خلت يَمِينه ... تطرز بالظلماء أردية الشَّمْس) وَالشعر النَّضر الذى تبدو مِنْهُ نغثات السحر والنثر الْعطر الذى تروى عَنهُ نفحات الزهر انْتهى قلت ومولده بِدِمَشْق وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن عُلَمَاء عصره مِنْهُم الْحسن البورينى وَأكْثر انتفاعه بِهِ وَأخذ طَرِيق الخلوتية عَن الشَّيْخ أَحْمد العسالى وَأَعْطَاهُ الله تَعَالَى مَا لم يُعْطه لاقرانه من الذكاء وَحسن الطَّبْع ولطف الشّعْر وحلاوة الْمنطق وَحسن الصَّوْت وَولى فى اول أمره خطابة السليمية ثمَّ سَافر الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة اشْتهر بهَا أمره وشاع وملا خبر فَضله وَحسن صَوته الاسماع وَلم يزل حَتَّى بلغ خَبره مسامع السُّلْطَان عُثْمَان فاستدعاه اليه وصيره امامه الْمُقدم فى المكانة وَالْمَكَان وَكَانَ فى الْعَهْد السَّابِق لكل سُلْطَان يلى السلطنة نظارة على جَامع بنى أُميَّة أظنها أَرْبَعِينَ عثمانيا فَجَعلهَا السُّلْطَان الْمَذْكُور خطابة ثَانِيَة فى الْجَامِع الْمَذْكُور وَأحسن بهَا اليه فَلَمَّا قتل السُّلْطَان عُثْمَان أقلع عَن الرّوم وَقدم الى دمشق وباشر الخطابة الْمَذْكُورَة ووجهت اليه الْمدرسَة السليمية فَأَقَامَ بِدِمَشْق يُفْتى ويدرس ويخطب الى السّنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَكَانَ السُّلْطَان مُرَاد فى تِلْكَ السّنة قصد روان فتوفى امامه فى الطَّرِيق وَطلب اماما فَقيل لَهُ ان امام أَخِيك السُّلْطَان عُثْمَان فى دمشق وَأَنه أحسن امام يُوجد الْآن فَأرْسل اليه فَتوجه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 من دمشق وَاجْتمعَ بالسلطان مُرَاد بِمَنْزِلَة خوى وَولى الامامة الى ان مَاتَ ثمَّ وَليهَا لاخيه السُّلْطَان ابراهيم وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء العسكرين وَبلغ الرُّتْبَة الَّتِى مَا فَوْقهَا مطمح وَوَقع بَينه وَبَين الْمولى أَحْمد بن يُوسُف المعيد مناظرة فى مسَائِل من فنون كَانَت الْغَلَبَة فى جَانب صَاحب التَّرْجَمَة وَكَانَ لَهُ قدرَة على المناظرة وَله تحريرات وتآليف مِنْهَا شرح على منظومة جدى القاضى محب الدّين فِيمَا سَمِعت وَكتب قِطْعَة صَالِحَة على الشفا للقاضى عِيَاض وَكَانَ أقرأه بِدِمَشْق ايام عودته وَكتب عَلَيْهِ من شعره قَوْله (حتام نَلْهُو والنفوس رهينة ... فى قَبْضَة التمليح ولاحماض) (وعلام نستحلى مرارات الْهوى ... بِمَا طب وملاعب وغياض) (وإلاما نسترضى الانام وَكلهمْ ... غَضْبَان يمشى فى ملابس رَاض) (هلا معينا فى خلاص نفوسنا ... من ربقة الاغراض والاعراض) ط ... (مستمسكين بِحَبل مدح مُحَمَّد ... خير الْبَريَّة ذى الْهدى الْفَيَّاض) (وشفيعنا يَوْم الْجَزَاء بموقف ... رب الْخَلَائق فِيهِ أعدل قَاض) (يَا أَيهَا الجانى الذى عَن دائه ... أضحى الطَّبِيب يروح بالاغماض) (أَتعبت نَفسك عج بهَا فدواؤها ... وشفاء علتها شِفَاء عِيَاض) (فَهُوَ الشِّفَاء بِهِ صِفَات الْمُصْطَفى ... تذكارها يبرى من الامراض) (لله مَا ضمت سطور طروسه ... من معجزات كالسيوف مواض) (وخلائق وشمائل نفحاتها ... تزرى بعرف حدائق ورياض) (صلى عَلَيْهِ الله مَا سرت الصِّبَا ... مختالة فى ذيلها الفضفاض) (والآل والصحب الْكِرَام مُسلما ... مَا دَامَ برق الجو فى ايماض) (وَسَقَى الاله ثرى عِيَاض كلما ... سقيت منَازِل للورى وأراضى) وَمن شعره قَوْله ايضا من قصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا (سقتك وَهنا يَا دارها الديم ... وجاد مغناك الوابل الرذم) (وَلَا أغبتك كل غادية ... وطفاء ينهال غبها الاكم) (يخلفها فَوق جلهتيك من الخصب ربيع بِالنورِ مبتسم ... ) (حَتَّى نرَاهَا تختال فى حبر ... دون حلاها مَا نمنم الرقم) (كم مر لى فِيك من بلهنية ... وآنسات الظباء لى خدم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 (وَمن هَنَات بالرقمتين وفى الترب شِفَاء وفى الصِّبَا سقم ... ) (كَانَت وريا دارين فى فمها ... بل أَيْن مِنْهَا دارين واللطم) (وَبَان أحقافها لنا علم ... وَالْيَوْم لَا بانها وَلَا الْعلم) (خطْفَة برق طارت شرارتها ... على فؤادى فكله ضرم) (آه لَهَا وَالْوَفَاء يغدر بى ... وآه ذى الْحبّ فى الْهوى ذمم) (من فلتات قضيتها خلسا ... وسارقتنى ايامها الْقدَم) (لله ايامنا بذى سلم ... مرت سَرِيعا كَأَنَّهَا حلم) (أَيَّام واليت كل ذى هيف ... كالبدر تنزاح دونه الظُّلم) (حَيْثُ ثغو والحسان باسمة ... والشمل بالغانيات مُنْتَظم) (نصلت مِنْهُ مؤزرى علم الله برِئ والطرف مُتَّهم ... ) (يَا من رأى الْبَرْق فَوق كاظمة ... يخضب من كف ليله العنم) (يبسم للارض وهى عابسة ... جذوة نَار خلالها فَحم) (قَامَت فتاة فى الحى مقبسة ... نَارا من الربض مَالهَا ضرم) (ضل ابْن ليل فى الركب يخدعه ... يرشده خلف والهوى أُمَم) (ويلاه مالى ان شمت بارقة ... ظلت زفيرى بالنَّار تضطرم) (وان سرت من سقط اللوى سحرًا ... نسيمة هَب فى الحشا ألم) (حتام هَذَا الجفا وكل هوى ... على صروف الزَّمَان ينصرم) (يَا بانة الواديين من اضم ... سقيت غيثا مَا أبرقت اضم) (ايه ويار برق هَات عَن نفر ... ايْنَ اسْتَقَرَّتْ ظباؤه الجثم) (هَل عهد لمياء بالعقيق على ... مَا كَانَ أم قد أَحَالهُ الْقدَم) (وَهل لليلاتنا على سلمات الْجزع عود أم صوح السّلم ... ) (وَهل ظباء النقا بوجرة أم ... طارت بِهن الوخادة الرَّسْم) (يَا خَابَ سعى الوشاة كَيفَ سعوا ... مَا بَيْننَا لَا مشت بهم قدم) (باتوا وَفِيهِمْ هيفاء مترفة الْجِسْم زهاها العفاق وَالْكَرم ... ) (مصغية الحجل والسوار على ... ان الوشاحين فيهمَا نغم) (قد نشأت والغرام بكنفها ... وأرضعتها فى حجرها النعم) (مَا نطقت بالصفاء مصفقة ... من مَاء صد نميرها الشبم) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 (قد روحتها الْجنُوب آونة ... وصافتحتها الْعَوَارِض السحم) (فَبَاتَ طل الْغَمَام يزعجها ... بوقعه تَارَة ويحتشم) (تصقلها رَاحَة النسيم ضحى ... وتنتديها تَحت الدجى الديم) (أبرد من ظلمها على كبدى ... اذا تدانى منا فَم وفم) (وَمَا رياض بالحزن باكرها ... نوء السماكين وَهُوَ منسجم) (فاعتم بِالنورِ جوها فغدت ... جنَّة لَهو من دونهَا ارْمِ) (قد توج الرفد هام ربوتها ... ومنطقت خصر دوحها الحزم) (ترنوا لى الْورْد عين نرجسها ... شزرا وثغر الاقاح يبتسم) (تغص مِمَّا ضَاعَ العبير بهَا ... اذا تمشى نسيمها الفغم) (ألطف من خلق من غَدا وعَلى ... منهل فتواه الْخلق تزدحم) وَقَالَ متغزلا فى وادى التل من ضواحى دمشق (أَقَمْنَا بوادى التل نستجلب البسطا ... بِحَيْثُ دنا منا السرُور وَمَا شطا) (وَجِئْنَا لروض فتقت نسماته ... رَوَائِح يبْعَثْنَ الالوة والقسطا) (وَقد ضربت افنان اغصانه لنا ... ستائر اذ مدت خمائله بسطا) (يُبَارى بِهِ الْوَرق الهزار كراهب ... يحاكى بعبرانى أَلْفَاظه القبطا) (ويعطف مَا بَين الغصون نسيمه ... كَمَا اجْتمع الالفان من بعد مَا شطا) (ويملى أَحَادِيث الغرام الحوضه ... فيرويه لَكِن رُبمَا نسيت شرطا) (جلسنا على الرخبراض فِيهِ هنيئة ... وَقد نظمت كالدر حصباؤه سمطا) (بِهِ من لجين المَاء ينساب جدول ... تجعده أيدى النسيم اذا انحطا) (حكى مُسْتَقِيم الْخط عِنْد انسيابه ... فنقط مِنْهُ الجو زهر الربى نقطا) (سقى الله دهرا مر فى ظله لقد ... أصَاب بِمَا أولى وان طالما أخطا) (وحيى على رغم النَّوَى كل لَيْلَة ... تقضت بِهِ لَا بالغوير وذى الارطا) (ليالى لاريحانة اللَّهْو صوحت ... وَلَا وجدت فى أرْضهَا الجدب والقحطا) (صَحِبت بِهِ مثل الْكَوَاكِب فتية ... احاديثهم فى مسمعى لم تزل قرطا) (يفضون مختوم الصبابة والهوى ... ويروعن حب الْقلب لَا البان والخمطا) (اذا نثروا من جَوْهَر اللَّفْظ لؤلؤا ... أود وَلَو بِالسَّمْعِ ألقطه لقطا) (يديرون من كاس الحَدِيث سلافة ... وربتما تحكى الاحاديث اسفنطا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 وَقَالَ متغزلا فى الصالحية ورياضها ومتشوقا اليها (لله ايام لنا ... سلفت بسفح الصالحيه) (قد طَابَ لى فى ظلها ... عرف الصبيحة والعشيه) (أَيَّام كنت من الشبيبة فى بلنهية هنيه ... ) (وبساعدى خنث الشَّمَائِل ذُو لحاظ جؤذريه ... ) (رشأ يُدِير سلافة ... من مقلتيه البابليه) (أضحى يفوق للحشا ... من قَوس حَاجِبه حنيه) (كَيفَ النجَاة وَلَيْسَ لى ... من سهم ناظره تقيه) (قسما بمبسمه الشهى وَمَا أحيلاه اليه ... ) (وَبِمَا حواه من ثناياه الْعَذَاب الؤلؤيه ... ) (وبطلعة كالبدر تحملهَا قناة سمهرية ... ) (وبمقلة قد علمت ... هاروت كَيفَ الساحريه) (وبريقة كالمسك ... ممزوجا براح قرقفيه) (وبصبح فرق تزدرى ... أنواره الشَّمْس المضيه) (وبليل أصداغ بِهِ ... سفهت رى المانويه) (مَا حلت عَن سنَن الغرام وَلَو تجرعت المنيه) (تفدى ليالينا الَّتِى ... سمحت بِهِ نفسى الابيه) (حَيْثُ الرياض ظلالها ... بالوصل وارفة نديه) (وَالْوَرق تهتف فى الغصون بِطيب أحلان شجيه ... ) (باتت تبث لى الْهوى ... وأبثها وهى الخليه) (بعثت لى الاشواق حَتَّى حركت منى السجيه ... ) وَكتب الى الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى فى صدر كتاب قَوْله (الْقلب أصدق شَاهد ... عل على صدق المحبه) (وَمن الْقُلُوب الى الْقُلُوب موارد للحب عذبه ... ) (طُوبَى لمن يسقى بكاس شرابها الْمَخْتُوم شربه ... ) فَكتب اليه العمادى فى الْجَواب قَوْله (الْحبّ اظهر من اقمة شَاهد بَين الاحبه ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 (ومحية برهانها ... غير العيان تعد حبه) (وان ارتضى الْمولى بفتوى الْقلب فليستفت قلبه ... ) وَكتب الى الامير منجك يَدعُوهُ الى الصالحية فَقَالَ (يَا روحه ان لم تكن شقيقه ... لما حوى من كرم الخليقه) (يَدْعُوك صب لم تزل صديقه ... بَان تكون فى غَد رَفِيقه) (فى رَوْضَة أريضة أنيقه ... غصونها ناضرة وريقه) (تبدى لَهُ اشعارك الرقيقة ... تروى حَدِيث جودة السليقه) (عَن كرم الخيم عَن الحقيقه ... وَعَن عرى اخائك الوثيقه) (فانهض وَمن اخلاقه خليقه ... بِحِفْظ ود حفظوا حُقُوقه) (لَا زَالَ يهديك العلى طَرِيقه ... ) // وَمن محَاسِن شعره // قَوْله أَيْضا (يَا من هَوَاهُ بقلبى لَيْسَ يبرح من ... بَين الترائب الشوق والاسف) (ألية بليالينا الَّتِى سلفت ... وبالغرام وان أدّى الى تلفى) (وبالدموع الَّتِى أجريتها غدرا ... ومدمع فِيك لم يطعم كرى ذرف) (لأَنْت أَنْت على مَا فِيك حبك فى ... جوانحى كامن كالدر فى الصدف) وَقَوله عاقدا للْحَدِيث الشريف أحبب حَبِيبك هونا مَا فَعَسَى ان يكون عَدوك يَوْمًا مَا وَأبْغض عَدوك هونا مَا فَعَسَى أَن يكون صديقك يَوْمًا مَا (بَين الْمحبَّة والتباغض برزخ ... فِيهِ بَقَاء الود بَين النَّاس) (بِخِلَاف اقصى الْحبّ أَو أقْصَى الذى ... هُوَ ضِدّه من كل قلب قاسى) ( ... فمآل كل مِنْهُمَا نَدم على ... تفريطه نَدم بِغَيْر قِيَاس) وَمن مقاطيعه (أحببتها هيفاء يزرى قدها ... بالغصن حركه النسيم فحركا) (مرت فَضَاعَ الْمسك من أردانها ... فوودت بالاردان ان أتمسكا) وَقَوله (يَا وَيْح قلبى من هوى شادن ... يجرحه اللحظ بتكراره) (أرنو فتغدو وردتا خَدّه ... بنفسجا يزهى بنواره) وَقَوله (أُفٍّ لدُنْيَا لم تزل ... عَن وَجه ذَلِك سافره) (تعميرها مُسْتَلْزم ... تخريب دَار الْآخِرَه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى ذى الْحجَّة سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى سنة سِتّ وَخمسين وَألف بِمَدِينَة قسطنطينية وَدفن باسكدار والسقيفى نِسْبَة الى جَامع السقيفه بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة بعْدهَا فَاء جَامع بِدِمَشْق خَارج بَاب توما مَعْرُوف كَانَ جده مَنْصُور خَطِيبًا بِهِ فَقيل لَهُ السفيفى انْتهى يُوسُف بن أَحْمد الملقب جمال الدّين أَبُو المحاسن العلموى الشَّاعِر كَانَ فى طَلِيعَة عمره يتكسب بِالشَّهَادَةِ ثمَّ تَركهَا وَولى بعض التداريس وَله شعر كثير وَكَانَ كثيرا مَا يراسل ابناء عصره بالقصائد المطولة والالغاز والاحاجى ويمتدح الموالى الواردين وخلفاء آل عُثْمَان ويلتمس من ادباء دمشق التقريظ وَمن جملَة مَاله قصيدة رائية نظمها فى مدح الْمولى فيض الله بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالقاق حِين كَانَ قَاضِيا بِدِمَشْق وقرظ عَلَيْهَا عَامَّة الادباء وَقد جمع التقاريظ عبد الْكَرِيم الطارانى فى دفتر مُسْتَقل سَمَّاهُ بالفياح المسكيه فى المدائح الفيضيه وَمِنْهَا قصيدة فى مدح السُّلْطَان مُرَاد بن سليم جمع الطارانى أَيْضا تقاريظها وسماها بُلُوغ المُرَاد فى مدح السُّلْطَان مراه وهى مرتبَة على حُرُوف المعجم وَكَانَ فى مشيته خطل مَعَ نِهَايَة الطول حَتَّى قَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء (قَالَ الاديب العلموى ... الشّعْر عَنى ينْقل) (لاننى نظامه ... أَلَيْسَ انى اخطل) وَمن شعره (لما رَأَيْت مناصبى قد وجهت ... لملفق مَعَ أَحمَق ترياقى) (وَعلمت أَنى لَا أفوز بردهَا ... ادركت مُنْتَفعا بِبيع الباقى) (وَبقيت فى ايامكم ذَا فافة ... مَشْهُورَة فى سَائِر الْآفَاق) وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاحد سادس عشر صفر سنة سِتّ بعد الالف وَدفن بمقبرة الفراديس يُوسُف بن أَحْمد بن يُوسُف المنعوت جمال الدّين الْعَدْوى البقاعى رَئِيس الْكتاب بمحكمة الْبَاب كَانَ حسن الْخط كَثِيرَة الْخِبْرَة بأساليب المتقدميين لحق ابْن قاضى نابلس وَأخذ عَنهُ وَولى رياسة الْكتاب بعد ابْن خطاب وَكَانَ يكْتب بَين يدى الموالى وَلم يكن بِالْعَرَبِيَّةِ بالعارف لكنه كَانَ دينا عفيفا فى شَهَادَته لَا يكْتب خطه فى الصكوك الَّتِى لم يحضر وقائعها وَلَو دفع لَهُ المَال الْكثير وَلَا يتجاسر أحد عَلَيْهِ فى طلب ذَلِك مِنْهُ وَكَانَت وَفَاته فى يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس وعشرى جُمَادَى الاخرة سنة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 سبع وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير يُوسُف بن زَكَرِيَّا المغربى نزيل مصر الاديب الشَّاعِر قَالَ الشهَاب فى تَرْجَمته عَزِيز مصره بنانا وبيانا ويوسف عصره حسنا واحسانا نَشأ يتعاى صَنْعَة الادب ويربط بِأَوْتَادٍ شعره كل سَبَب ويشارك فى تِجَارَة الْفضل بِنَصِيب ويرمى لاغراضها كل سهم مُصِيب بطبع ألطف من نسمَة الشمَال سرت سحرة بليلة الاذيال متتابعة الانفاس فنبهت طرف نور فى مهد الرياض نُعَاس وَقد خمشت الصِّبَا خد الشَّقِيق وخاضت بحار الدياجى من كل فج عميق مرتدية برداء السحر معانقة لقدود الشّجر ثمَّ قَالَ وَله مورد من الادب صفى وديوان سَمَّاهُ الذَّهَب اليوسفى والذى رَأَيْته من خَبره أَنه قَرَأَ بِمصْر وَأخذ عَن يحيى الاصيلى وَبِه تخرج والبدر القرافى وأبى النجا سَالم السنهورى والاستاذ مُحَمَّد البكرى قدس سره وَغَيرهم وَمن شعره قَوْله (أوصيك ان شخص غَدا ... يضْحك ان مر بكا) (لَا تغتترر بضحكه ... فان هَذَا كالبكا) وَقَوله (اشرب وَلَا تعتب على عاذل ... فَمثله فى النَّاس لم يعتب) (وان تكن يَا سيدى طَالبا ... درا وياقوتا من الْمطلب) (فالكاس والصهباء فِيهَا الْغِنَا ... فَخذ حَدِيث الْكَنْز عَن مغربى) وَله أَيْضا (جعلُوا الشُّعُور على الخصور بنودا ... والراح ريقا والشقيق خدودا) (جعلُوا لاصباح مباسما ثمَّ الظلام ضفائرا ثمَّ الرماح قدودا ... ) (والورد خدا والغصون معاطفا ... وَالشَّمْس فرقا والغزالة جيدا) (وَرَأَتْ غصون البان أَن قدد وهم ... فاقت فاضحت ركعا وسجودا) وَهَذَا كَقَوْل ابْن قلاقس من قصيدة أَولهَا (عقدوا الشُّعُور معاقد التيجان ... وتقلدوا بصوارم الاجفان) وَله فى مليح اسْمه رَمَضَان (رَمَضَان قد جِئْته رمضانا ... وَهُوَ بدر يفوق كل الحسان) (قلت صلنى فَقَالَ وَهُوَ مُجيب ... لَا يجوز الْوِصَال فى رَمَضَان) وَهَذَا كَقَوْل الآخر فى هَذَا الْمَعْنى (بليت بِهِ فَقِيها ذَا جِدَال ... يُجَادِل بِالدَّلِيلِ وبالدلال) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 (طلبت وصاله والوصل حُلْو ... فَقَالَ نهى النبى عَن الْوِصَال) قَالَ الشهَاب وَاعْلَم ان هَذَا كُله لَيْسَ بِشعر ترتضيه الادباء وَهُوَ كل شعر اكثر فِيهِ من البديع قَالُوا وَأول من أتلف الشّعْر العربى بِهَذَا النمط مُسلم بن الْوَلِيد ثمَّ تبعه أَبُو تَمام وَأحسن هَذِه الصَّنْعَة التَّجْنِيس والتورية وهما فى الشّعْر كالزعفران قَلِيله مفرح وَكَثِيره قَاتل وَلذَا لم نجد فى أهل مصر من يعرف الشّعْر وَلَا ينظمه وَمِنْهُم من غلط فى ذَلِك فَأكْثر من اللُّغَات الغريبة وتوهم بذلك انه يصير بليغا على ان بَاب التورية قفله ابْن نَبَاته والقيراطي ثمَّ رميا الْمِفْتَاح فِي تِلْكَ النَّاحِيَة وَهَذَا لَا يعرفهُ إِلَّا من لَهُ سليقة عَرَبِيَّة وَكتب الى الخفاجى سؤالا ادبيا صورته أَيهَا الاخ الشَّقِيق الشفيق والرفيق الرَّقِيق الامام الْهمام الهادى لسبالة الافهام اذا ضلت فى مهامه الاوهام اننى اشكل على قَول أَبى مَنْصُور الثعالبى فى الْيَتِيمَة اتّفق لى أَيَّام الصِّبَا معنى بديع حسبت انى لم اسبق اليه وَهُوَ هَذَا (قلبى وجدا مشتعل ... وبالهموم مشتغل) (وَقد كستنى فى الْهوى ... ملابس الصب الْغَزل) (انسانة فتانة ... بدر الدجى مِنْهَا خجل) (اذا زنت عينى بهَا ... فبالدموع تَغْتَسِل) هَل استعارته لنظر الحبيب الزِّنَا مِمَّا يعد فى الادب // معنى حسنا // أَو هُوَ مِمَّا تجَاوز الْحَد فَاسْتحقَّ بِالزِّنَا الْحَد فَكتب اليه مجيبا ايها الاخ قُرَّة الْعين وَبدر هَالة الْمجَالِس الذى هُوَ لَهَا زين انه من الْمعَانى القبيحة المورثة للفضيحة وَقد سبقه اليه ابْن هِنْد فى قَوْله (يَقُولُونَ لى مَا بَال عَيْنك مذ رَأَتْ ... محَاسِن هَذَا الظبى أدمعها هطل) (فَقلت زنت عينى بطلعة وَجهه ... فَكَانَ لَهَا من صوب أدمعها غسل) وَهُوَ // معنى قَبِيح // واستعارة بشعة أَلا ترى الى مَا قيل فى الذَّم (أَيهَا الناكح فى الْعين جوارى الاصدقاء ... ) وَقَول صردر فى قصيدته الْمَشْهُورَة وان كَانَ معنى آخر (يَا عين مثل قذاك رُؤْيَة معشر ... عَار على دنياهم وَالدّين) (نجس الْعُيُون وان رأتهم مقلتى ... طهرتها فَنُزِحَتْ مَاء عيونى) وَكَيف يَتَأَتَّى لهَؤُلَاء مَا قَالُوهُ بعد قَول يزِيد بن مُعَاوِيَة فى شعره الْمَشْهُور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 (وَكَيف ترى ليلى بِعَين ترى بهَا ... سواهَا وَمَا طهرتها بالمدامع) (أَجلك يَا ليلى عَن الْعين انما ... أَرَاك بقلب خاشع لَك خاضع) وَمِنْه أَخذ الْعَفِيف التلمسانى (قَالُوا اتبكى من بقلبك دَاره ... جهل العواذل دَاره بجميعى) (لم ابنكه لَكِن لرؤية غَيره ... طهرت أجفانى بفيض دموعى) وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الاربعاء ثامن عشر ذى الْقعدَة سنة تسع عشرَة بعد الالف ورثاه النُّور الاجهورى (رحم الله الْمَعْنى يوسفا ... كَانَ زهرا فى رياض الادب) (فَسَقَاهُ الْمَوْت كاسات الردى ... فَبكى الشرق لفقد المغربى) الامير يُوسُف بن سَيْفا أَمِير طرابلس الشَّام وأوحد الْمَشَاهِير بِالْكَرمِ والانعام ولى حُكُومَة طرابلس مُدَّة طَوِيلَة واشتهر عَنهُ عزة عَظِيمَة ونعمة جزيلة وقصده الشُّعَرَاء بالمدائح وأهدوا اليه أنفس بدايه المدائح وَكَانَ فى نفس الامر مِمَّن تفرد بالهبات الطائلة وَرغب فى ادخار الثَّنَاء الْحسن بالعطايا الشاملة واقتدى بِهِ أَخُوهُ الامير على وَابْنه الامير حُسَيْن وَابْن أَخِيه الامير مُحَمَّد فَكَانَت دولتهم السيفية اليوسفية كَمَا سَمِعت عَن الدولة البرمكية والمعتمدية جمعُوا للمعالى شملا واصبحوا للمكارم أَهلا وَكَانَت لَهُم بِلَاد طرابلس صافيه ووعود الزَّمَان بالمراد لمن قَصدهَا وافيه وَكَانَ الامير يُوسُف أكبر الْقَوْم سنا وأحدهم فى النجدة والبأس سنا وَهُوَ الذى أسس لَهُم الدولة فبنوا عى اساسه وَاقْتَدوا بِهِ فى أَمر الْحُكُومَة مستضيئين بنبراسه وَله من الْآثَار مَسْجِد بناه بطرابلس فَقيل فى تَارِيخه (بِنَا ابْن سَيْفا يُوسُف مَسْجِدا ... دَامَ أَمِيرا للعلى راقيا) (وَمن بنى لله بَيْتا يكن ... عَلَيْهِ فى تَارِيخه رَاضِيا) وقصة مقاتلته ابْن جانبولاذ وانكساره قد قدمناها فى تَرْجَمَة ابْن جانبولاذ فَلَا حَاجَة الى اعادتها وَكَانَت وَفَاته فى عشر الثَّلَاثِينَ وَالله أعلم يُوسُف بن عبد الرَّزَّاق الاستاذ أَبُو الاسعاد بن أَبى الْعَطاء بن وَفَاء المالكى المصرى كَانَ عَلامَة زَمَانه فى التَّحْقِيق وَله الشُّهْرَة التَّامَّة بالمعرفة التَّامَّة بَين ذَلِك الْفَرِيق وَله // الشّعْر الْحسن والنثر الذى يعجز عَن محاكاته // ارباب الفصاحة واللسن أَخذ الْعُلُوم عَن أَبى النَّجَاء السنهورى وأبى بكر الشنوانى وَعَن الدنوشرى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 وَالشَّيْخ فَايِد الازهرى والاجهورى وَلبس الْخِرْقَة وتلقى طريقتهم الوفائية الشاذلية عَن عَمه الاستاذ مُحَمَّد عَن وَالِده أَبى المكارم ابراهيم عَن وَالِده أَبى الْفضل مُحَمَّد المجذوب عَن وَالِده الاستاذ أَبى المراحم مُحَمَّد عَن أَبى الْفضل عبد الرَّحْمَن الشَّهِيد عَن وَالِده الشهَاب سيدى أَحْمد أخى على عَن والدهما الاستاذ الْكَبِير أَبى الْفضل سيدى مُحَمَّد وَفَاء عَن سيدى دَاوُد باحلا مؤلف عُيُون الْحَقَائِق وشارح حزب الْبَحْر عَن الاستاذ الْكَبِير تَاج الدّين بن عَطاء السكندرى مؤلف التَّنْوِير وَالْحكم ولطائف المنن وَغَيرهَا عَن الاستاذ أَبى الْعَبَّاس المرسى عَن القطب الربانى الاستاذ الشريف الحسيب النسيب أَبى الْحسن الشاذلى عَن الشريف عبد السَّلَام ابْن بشيش عَن الشريف أَبى مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار الْحسنى الادريسى عَن أَبى مَدين التلمسانى عَن الشاشى عَن أَبى سعيد المغربى عَن أَبى يَعْقُوب النهرحوى عَن الْجُنَيْد عَن خَاله السقطى عَن مَعْرُوف الكرخى عَن على الرِّضَا عَن أَبِيه مُوسَى الكاظم عَن أَبِيه جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه مُحَمَّد الباقر عَن أَبِيه على زين العابدين عَن أَبِيه الْحُسَيْن عَن أَبِيه على بن ابى طَالب رضى الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ودرس وأملى الْكثير وَحضر دروسه الاجلاء من الشُّيُوخ كالغنيمى والاجهورى والحلبى وَحج مَرَّات وأتى الْبَيْت الْمُقَدّس وَله شعر كثير من ذَلِك قَوْله (قسما بكم يَا سادتى وغرامى ... مَا حلت عَن عهدى لكم وذمامى) (وَأَنا الْمُقِيم لكم على عهد الوفا ... وعَلى هواكم تنقضى ايامى) (غيرى يُغَيِّرهُ الْجفَاء عَن الْهوى ... فيميل نَحْو ملامة اللوام) (وَأَنا الذى لَو مت فِيكُم لم احل ... عَنْكُم وَلَا يثنى الملام زمامى) (يَا سادتى عطفا على عبد لكم ... فعساكم تحنوا على الخدام) (فالقلب فى نيران تبريح الجوى ... يصلى وجفنى من جفاكم دامى) وهى طَوِيلَة وَمن ظرائف لطائفه قَوْله (حيهم ان جئتهم يَا سعد حى ... فهم أهل الوفا فى كل حى) (عش بهم سبا ومت فى حبهم ... من يمت فى حب حى فَهُوَ حى) (هم مُلُوك الارض سَادَات الورى ... فاروعنهم واطو ذكر الفى طى) (لم يزل احسانهم يغمرنا ... مُطلقًا بالفيش من نشروطى) مِنْهَا (يَا لسانى أَدَم الْمَدْح لَهُم ... دَائِم الدَّهْر وَيَا فكرى تهى) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 (أَنا وَالله محب لكم ... صدقونى لَيْسَ بعد الله شى) (مختف حبكم فى مهجتى ... عَن جَمِيع الْخلق الا ملكى) (مذ منحتم بوفا دون جَفا ... فَكَذَا أنسيتمونى ابوى) الخ وَكَانَت وَفَاته فى مرجعه من الْحَج غرَّة صفر سنة احدى وَخمسين وَألف وَصلى عَلَيْهِ بالجامع الازهر فى محفل لم ير فى هَذِه الاعصار مثله وَدفن رَحمَه الله تَعَالَى فى زَاوِيَة سلفه السادات بنى الْوَفَاء رضى الله عَنْهُم ورثاه الشهَاب الخفاجى بقوله (قضى نحبه وَالْحج قطب لروحه ... دَعَا ربه نَحْو الْجنان فلبت) (فَمن حج للبيت الْعَتِيق على تقى ... فَروح أَبى الاسعاد لله حجت) (وَمن حج للرحمن احرام حجَّة ... مُجَرّدَة من جِسْمه دون موقت) (فَلَا بَرحت سحب الرِّضَا حول قَبره ... تظل لَهُ هطالة سحب رَحْمَة) وانما ذكرت رجال هَذِه الطَّرِيقَة على التَّفْصِيل لكَونهَا خَاصَّة بِهَذَا الْبَيْت وَيتَعَلَّق بالْمقَام فَائِدَة جليلة فى لبس الْخِرْقَة الَّتِى تقدم ذكرهَا وهى مَا قَالَ الصّلاح ان من الْقرب لبس الْخِرْقَة وَقد استخرج لَهَا بعض الْمَشَايِخ أصلا من السّنة وهى حَدِيث أم خَالِد قَالَت أَتَى النبى بِثِيَاب فِيهَا خميصة سَوْدَاء صَغِيرَة فَقَالَ ائتونى بِأم خَالِد فَأتى بى قَالَت فالبسنيها بِيَدِهِ وَقَالَ ابلى وأخلقى وَهُوَ مخرج فى الصَّحِيح قَالَ ولى فى الْخِرْقَة اسناد عَال جدا وَذكره ثمَّ قَالَ وَلَيْسَ بقادح فِيمَا أوردناه كَون لبس الْخِرْقَة غير مُتَّصِل الى منتهاه على شَرط أَصْحَاب الحَدِيث فى الاسانيد فان المُرَاد مَا تحصل بِهِ الْبركَة والفائدة باتصالها بِجَمَاعَة من الصَّالِحين انْتهى يُوسُف بن عبد الْملك البغدادى الدمشقى الْمَعْرُوف بالحمار كَانَ أحد الاعاجيب فى حسن الْعشْرَة ومخالطة النَّاس وسعة الرِّوَايَة فى الاخبار والنوادر وَكَانَ وجيها كَبِير الْعمة أَبيض اللِّحْيَة وَصرف عمره فى الطّلب وَالْقِرَاءَة وَحُضُور دروس الْعلم وَلزِمَ الشَّيْخ رَمَضَان العكارى وَالشَّيْخ عبد البافى الحنبلى وَغَيرهمَا الا انه لم يحصل شَيْئا الا الْقَلِيل لغباوة كَانَت فِيهِ وَلِهَذَا لقب بالحمار وانما ذكرته لَان كثيرا من الادباء كَانُوا يعرضون بِهِ فى بعض اشعارهم ويبنون على لقبه اشياء وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاربعاء سَابِع عشرى شهر رَمَضَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَخلف مَالا كثيرا وَقَالَ الامير منجك فى التَّعْرِيض بِهِ (قيل عاشت بِمَوْتِهِ وارثوه ... حَيْثُ كَانُوا من فَقرهمْ فى اكتئاب) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 (قلت لابدع قد سمعنَا قَدِيما ... يَوْم موت الْحمار عيد الْكلاب) يُوسُف بن عمرَان الحلبى الشَّاعِر الْمَشْهُور قَالَ الخفاجى فى تَرْجَمته أديب نظم ونثر فَأصْبح ذكره جمال الْكتب وَالسير الا انه لعبت بِهِ ايدى النَّوَى رحْلَة وَنَقله فَجعل الآمال على كؤوس الْآدَاب نَقله وَهُوَ لعمرى اديب اريب مَاله فى ضروب النّظم ضريب وحاله غير مُحْتَاج لدَلِيل انى وَلَا لمى فانه كَمَا عرفت الشَّاعِر الامى كَمَا قيل (أَصبَحت بَين النَّاس اعجوبة ... بَين ذوى الْمَعْقُول والفهم) (حموى جدى فاعجبوا وانظروا ... عمى خالى وأبى أمى) وفى آخر عمره داسته اقدام النوب وادركته حرفه الادب فَصَبر على الايام المكدرة الى ان صفت وعَلى الليالى الجائرة فَمَا انصفت وَقَالَ السَّيِّد أَحْمد ابْن النَّقِيب الحلبى فى حَقه هُوَ أحد الْمَشْهُورين بِهَذِهِ الصِّنَاعَة والمتعيشين بكسب هَذِه البضاعة وَكَانَ فى أول أمره ذَا تِجَارَة وَمَال ونباهة وَحسن حَال فقارن الادباء من ابناء عصره وتشبث باذيالهم وَقصد أَن ينخرط فى سلكهم وينسج على منوالهم فنثر ونظم واستسمن كل ذى ورم وَأقَام على ذَلِك مُدَّة مديدة بحلب الى ان ادركته بهَا حِرْفَة الادب فَطَافَ بِلَاد الشَّام والقاهرة المعزية ثمَّ توجه الى دَار السلطنة السنيه وامتدح اكابر علمائها وانتجع ندى رؤسائها وَمن شعره (قُولُوا لمن بهزال الْفقر يذكرنى ... ظَنَنْت انك فى أَمن من المحن) (فالشاة يُؤْكَل مِنْهَا اللَّحْم ان عجفت ... وَلَيْسَ يُؤْكَل لحم الْكَلْب بالسمن) وَقد جمع ديوانا من شعره كتب عَلَيْهِ بعض الشُّعَرَاء (لشعر يُوسُف بَحر فى تموجه ... يهدى لافهامنا روحاً وريحانا) (ذُو منطق سَاحر مطر وَذَا عجب ... للسحر ينشئه وَهُوَ ابْن عمرانا) وَمن منتجات أشعاره قَوْله (غُصْن تمايل فى قبَاء اخضر ... بَين الْكَثِيب وَبَين بدر نير) (ريم أحم المقلتين اذا رنا ... فتن الانام بِسحر طرف احور) (يَسْطُو على بأبيض من أسود ... وَمن القوام اذا ثناه بأسمر) (سلب النهى مِنْهُ بقوسى حَاجِب ... اذ حل صبرى عقد بند الخنجر) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 وَمِنْهَا فى الْمَدْح (يعْطى الْكثير عفاته ويظنه ... نزرا فيشفعه حَيا بالاكثر) (لما أرانى جعفرا من جوده ... فأريته شعر الْوَلِيد البحترى) وَله (جَاءَت تهز قوامها الا ملودا) حسناء ألبسها الْجمال برودا) (حورية فى اللَّيْل ان هى أسفرت ... خرت لطلعتها البدور سجودا) (لم يكفها تحكى الغزالة طلعة ... حَتَّى حكتها مقلتين وجيدا) (لعساء بَارِدَة اللمى وجناتها ... كالجمر أحرقت الْفُؤَاد وقودا) (هى رَوْضَة لِلْحسنِ صَار خدودها التفاح وَالرُّمَّان صَار نهودا ... ) (فالحسن يكسو كل حِين وَجههَا ... ثوبا اغر من الْجمال جَدِيدا) (يستوقف الاطيار حسن غنائها ... وغنائها ابدا تظن العودا) وَقَالَ (لَا تنكروا رمدى وَقد ابصرت من ... أَهْوى وَمن هُوَ شمس حسن باهر) (فالشمس مهما ان أطلت لنحوها ... نظرا تُؤثر ضعف طرف النَّاظر) (وَلَقَد أطلت الى احمرار خدوده ... نظرى فعكس خيالها فى ناظرى) وَله (انْظُر الى أجفائه الرمد ... تبدل النرجس بالورد) (تحمر لَا من عِلّة انما ... تأثرت من حمرَة الخد) وَله أَشْيَاء كَثِيرَة من كل معنى مبتكر وَبِالْجُمْلَةِ فان // شعره جيد // وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَسبعين وَألف يُوسُف بن مُحَمَّد أَبُو المحاسن الْقصرى الفاسى القطب النورانى المجدد على رَأس الالف الشَّيْخ الامام الْعَارِف بِاللَّه الْمُسْتَغْرق فى أنوار التجلى مَرْكَز أقطاب الدُّنْيَا أَخذ عَن البستى وَابْن جلال وَغَيرهمَا وَأخذ عَنهُ خلق كثير مِنْهُم أَخُوهُ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الرَّحْمَن وَكَانَ وَارِثا لمقام استاذه الاكبر سيدى عبد الرَّحْمَن بن عباد المجذوب فانه بِهِ تخرج وَقد أَشَارَ الشَّيْخ المجذوب الْمَذْكُور الى مقَام الوراثة مِنْهُ الى عصره بقوله الحبيب مولاى مُحَمَّد الْقُلُوب مِنْهُ رويه الْكتاب عِنْد أهل السّنة وَالشرَاب عِنْد الصوفيه وَقد أفرد التَّرْجَمَة لشأنه وَذكر أخباره وَمَاله من الشُّيُوخ والتلامذة الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الفاسى وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى لَيْلَة الاحد ثامن عشر شهر ربيع الثانى سنة ثَلَاث عشرَة وَألف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 يُوسُف بن مُحَمَّد البلقينى المصرى ثمَّ المكى رَئِيس الْقُرَّاء كَانَ من الافاضل الاجلاء حسن الْقِرَاءَة والتأدية ولقراءته وَقع عَظِيم فى الْقُلُوب انْتفع بِهِ خلق كثير وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة نَهَار الاربعاء حادى عشر الْمحرم سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بالمعلاة يُوسُف بن مُحَمَّد بن أَحْمد الطهوائى المالكى كَانَ من أكَابِر عُلَمَاء الْقَاهِرَة فى الْفِقْه والْحَدِيث والاصلين وَالْكَلَام أَخذ عَن الْبُرْهَان اللقانى وأبى الْعَبَّاس المقرى وَمن فى طبقتهما وَألف مؤلفات لَطِيفَة مِنْهَا منظومة حَسَنَة فى العقائد سَمَّاهَا فيروزج الصَّباح وَله غير ذَلِك من تحريرات وتقريرات وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى نَيف وَسِتِّينَ وَألف يُوسُف بن مُحَمَّد القاضى جمال الدّين بن محب الدّين الايوبى الانصارى الدمشقى رَئِيس الْكتاب بمحكمة الْبَاب كَانَ من دهاة الْكتاب شَدِيد الْبَأْس خَبِيرا باحوال النَّاس وَكَانَ فى أساليب الصكوك وَحسن الْخط وسط الْحَال تعانى فى اول أمره الشَّهَادَة بالكبرى وَصَارَ رَئِيسا بهَا ثمَّ نقل الى محكمَة الْبَاب وأثرى جدا وتملك الاملاك الْعَظِيمَة من الْبَسَاتِين وَغَيرهَا وَقفهَا على أَوْلَاده ثمَّ تفرغ عَن الرياسة وَلزِمَ الْعُزْلَة وعمى فى آخر أمره وَنقل ان سَبَب عماه حلف يَمِينا فاجرة فى خُصُومَة وَالله أعلم وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف عَن نَحْو تسعين سنة يُوسُف بن القاضى مَحْمُود بن الملا كَمَال الدّين الكورانى الصديقى الاستاذ الْكَامِل الْعَالم الْعَامِل الحسيب النسيب الزَّاهِد أَخذ عَن كثير من شُيُوخ بِلَاده مِنْهُم ميرزا ابراهيم الحسينى الهمدانى وَعنهُ وَلَده الْعَلامَة مُحَمَّد وَغَيره وَله حَاشِيَة على حَاشِيَة الخيالى على شرح العقائد وحاشية على الخطائى وحاشية على تَفْسِير البيضاوى وَله رِسَالَة فى الْمنطق وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى سنة بعد الالف يُوسُف بن يحيى بن مرعى الطوركرمى الحنبلى رَحل الى مصر لطلب الْعلم فى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ مَنْصُور البهوتى وَعَن عَمه الشَّيْخ أَحْمد وَغَيرهمَا وَعَاد فى سنة تسع وَأَرْبَعين وَكَانَ يُفْتى بِبِلَاد نابلس وَكَانَ يمِيل الى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 القَوْل بِعَدَمِ وُقُوع الطَّلَاق فى كلمة مُوَافقَة لِابْنِ تَيْمِية وَكَانَت وَفَاته نَهَار الِاثْنَيْنِ عَاشر صفر سنة ثَمَان وَسبعين وَألف يُوسُف بن يُوسُف بن كريم الدّين الدمشقى رَئِيس الْكتاب بمحكمة الْبَاب بِدِمَشْق كَانَ شهما حاذقا أديبا مَشْهُور الصيت بعيد الهمة متمولا وَلم يكن فى الاصل مِمَّن سَاد بآبائه بل نبغ مجدا فى طلب المعالى فنالها باعتنائه وَصَارَ أَولا كَاتبا فى بعض المحاكم ثمَّ نقل الى محكمَة الْبَاب فَكَانَ بهَا مُدَّة ثمَّ صاهر القاضى أكمل بن مُفْلِح وَزوج كل من الآخر بنته ثمَّ لم يلبث القاضى أكمل حَتَّى مَاتَ فاستولى على مَا بِيَدِهِ من الاوقاف وَغَيرهَا وَكَانَ حُلْو اللِّسَان وَله دربة فى مصانعة الْقُضَاة ثمَّ مَاتَ مُحَمَّد نَاصِر الدّين الاسطوانى فتمت لَهُ الرياسة وَعظم شَأْنه وَلما كَانَ أَحْمد باشا الْحَافِظ نَائِبا بِدِمَشْق هدده فَتَنَاول مِنْهُ مَا شَاءَ من المَال ثمَّ ولاه قَضَاء الْعَسْكَر لما خرج الى قتال ابْن معن وَولى قَضَاء الركب الشامى وَجمع مَالا كثيرا ثمَّ سَافر الى الرّوم وانتمى الى شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَكَانَ يَوْمئِذٍ مُنْفَصِلا عَن قَضَاء العسكرين فَأعْطى رُتْبَة الدَّاخِل بمعونة شيخ الاسلام الْمَذْكُور ثمَّ عَاد الى دمشق وتصدر بهَا وَعمر الْقصر بصالحية دمشق وَهُوَ من أحسن المنتزهات وَفِيه يَقُول الامير منجك (قُصُور الشَّام محكمَة المبانى ... وَلَا قصر كقصر بنى الكريمى) وَكَانَت وَفَاته فى يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف يُوسُف الاصم الصفرانى الكردى سمى الاصم لانه كَانَ يطالع وَمر عَلَيْهِ عَسْكَر كثير وتلوثت ثِيَابه بالطين من مَشى خيلهم وَلم يشْعر بهم فَسمى أَصمّ أحد أعاظم الْمُحَقِّقين قَرَأَ ببلاده على شُيُوخ كثيرين وَمن مؤلفاته تَفْسِير الْقُرْآن مَشْهُور بِبِلَاد الاكراد وَله فى الْفِقْه الْمسَائِل والدلائل وحاشية على حَاشِيَة عِصَام على الجامى وحاشية على حَاشِيَة شرح القطب للشمسية لقره دَاوُد وحاشية على حَاشِيَة الفنرى لقَوْل أَحْمد وحاشية على شرح الانموذج لسعد الله وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بعد الالف بِقَلِيل يُوسُف الزفزانى المغربى قَالَ المناوى فى تَرْجَمته تحول جده من الْمغرب الى زفزان قَرْيَة بالبحيرة فاستوطنها ثمَّ ولد لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة فحفظ الْقُرْآن وَأخذ عَن وَالِده التصوف وسلك بِهِ وَمن آدابه قَالَ مَا رفعت بصرى الى وَجه والدى مُنْذُ سلوكى عَلَيْهِ وَلَا جَلَست بِحُضُورِهِ وَلَا واكلته ثمَّ تحول من مصر الى بولاق وَأَقْبل على الْعِبَادَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 الى ان مَاتَ فى سنة خمس عشرَة وَألف يُوسُف القره باغى نِسْبَة لقره بَاغ من قرى همذان أحد أكَابِر الْعلمَاء الْمُحَقِّقين توفى فى نَيف وَثَلَاثِينَ وَألف يُوسُف القيسى المالكى أحد أكَابِر مَشَايِخ الازهر الملازمين للدرس قَرَأَ عُلُوم الْعَرَبيَّة على الشَّيْخ أَبى بكر الشنوانى ولازم الْبُرْهَان اللقانى وشاركه فى كثير من مشايخه وَجلسَ للتدريس فاشتهر بالنفع التَّام وَكَانَ فِيهِ حِدة فاذا غضب يضْرب الطّلبَة وَله مؤلفات مِنْهَا حواش على شرح الشذور وَشرح الْقطر وَشرح الازهرية وَغَيرهَا وَكَانَت وَفَاته سنة احدى وَسِتِّينَ وَألف يُوسُف الْمَعْرُوف بالبديعى الدمشقى الاديب الذى زين الطروس برشحات اقلامه فَلَو أدْركهُ البديع لاعتزل صَنْعَة الانشاء والقريض عِنْد اسْتِمَاع نثره ونظامه خرج من دمشق فى صباه فَحل فى حلب فَلم يزل حَتَّى بلغ الشُّهْرَة الطنانة فى الْفضل والادب وَألف المؤلفات الفائقة مِنْهَا كِتَابه الصُّبْح المنبى فى حيثية المتنبى وَكتاب الحدائق فى الادب وَلما رأى كتاب الخفاجى الريحانة عمل كتاب ذكرى حبيب فَأحْسن وأبدع وَأطَال وَأَطْنَبَ وأعرب عَن لطافة تَعْبِيره وحلاوة ترصيعه الا أَنه لم يساعده الْحَظ فى شهرته فَلَا أعلم لَهُ نُسْخَة الا فى الرّوم عِنْد استاذى الشَّيْخ مُحَمَّد عزتى ونسخة عندى وَمن شعره مادحا ومودعا ابْن الحسام شيخ الاسلام حِين انْفَصل عَن قَضَاء دمشق (أحاشيه عَن ذكرى حَدِيث وداعه ... وأكبره عَن بثه واستماعه) (وَمَا كَانَ صبرى عِنْد وَشك النَّوَى على الجوى غير صَبر الْمَوْت عِنْد نزاعه ... ) (وَنحن بأفق الشَّام فى خدمَة الذى ... يضيق الفضا عَن صَدره باتساعه) (أجل حماة الدّين وَابْن حسامه ... وحامى حمى أَرْكَانه وقطاعه) (عَشِيَّة توديع المآثر والعلى ... وكل فخار للورى فى رباعه) (وَمَا سرت عَن وادى دمشق وَلم يسر ... وسودده فى مدنه وضياعه) وَلها تَتِمَّة وَله فى مدح النَّجْم الحلفاوى (رويدا هُوَ الوجد الذى جلّ بارحه ... وَقد بَعدت مِمَّن أحب مطارحه) (هوى تاهت الافكار فى كنه ذَاته ... وَمتْن غرام عَنهُ يعجز شَارِحه) مِنْهَا فى الْمَدْح (امام أَطَاعَته البلاغة مارقا ... ذرى مِنْبَر الا وكادت تصافحه) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 (تعد الْحَصَى وَاللَّيْل تحصى نجومه ... وَلم يحص جُزْءا من سجاياه مادحه) وشعره كثير أوردت مِنْهُ فى كتابى النفحة مَا فِيهِ مقنع ثمَّ ولى قَضَاء الْموصل ثمَّ توفى بالروم سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف يُوسُف الْمَعْرُوف بالحليق أحد مجاذيب دمشق الْمَشْهُورين بالكشف كَانَ يسكن بِالْمَدْرَسَةِ الحجازية وَكَانَ يمحو شعر وَجهه حَتَّى حواجبه وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الصمت فَلَا يتَكَلَّم الا نَادرا وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت وَفَاته منتصف شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف يُوسُف الرضى القدسى الحنفى الْخَطِيب بالاقصى وَرَئِيس عُلَمَاء الْقُدس فى وقته كَانَ من الْفُضَلَاء أهل النباهة حسن الْخلق والخلق سخى الطَّبْع أديبا فصيحا قَرَأَ على مَشَايِخ عصره وتفوق وَكَانَ يلى نِيَابَة الْقَضَاء بالقدس وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من خِيَار أهالى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَت وَفَاته فى سنة ارْبَعْ وَسبعين بعد الالف انْتهى تمّ يَقُول مصححه الْفَقِير السقيم مصطفى وهبى أمده الله بفيضه الْعَظِيم ان أبهى مَا تسطره أيدى الفصحاء وازهى مَا تنمقه أَقْلَام البلغاء حمد الاله العلى شَأْنه الْعَظِيم سُلْطَانه وأعذب مَا ترتاح لَهُ النُّفُوس وتتزين بِهِ الطروس دوَام الصَّلَاة وَالسَّلَام على أكمل انسان سيدنَا مُحَمَّد الْمُخْتَار من جرثومة عدنان وعَلى آله أَعْيَان السادات وسادات الاعيان الَّذين شيدوا مبانى الدّين وقواعد الايمان وَبعد فان أجمل مَا تحلت بِهِ الهمم واعتنت بِشَأْنِهِ الامم علم التَّارِيخ اذ هُوَ مرْآة الزَّمَان وسجل غرائب الْحدثَان الْمُتَكَلف بابراز نكت الاخبار وابداء محَاسِن آثَار الاخيار بِهِ يعرف الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وأحوال الْعَالم فى البدو والحضر كم مشكلة أماط عَنْهَا اللثام وابرزها مجلوة على طرف الثمام وَكَفاهُ شرفاً أَن الْقُرْآن الْكَرِيم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 احتوى على كثير من الاخبار ليذكر بهَا أولو الالباب والابصار وَلما كَانَت الْكتب فى هَذَا الْفَنّ الْجَلِيل لَا تدخل تَحت انحصار الا ان أَكْثَرهَا بعيد الْعَهْد متطاول الاعصار وَالنَّفس تتوق لاستكشاف مَا قرب مِنْهَا وَلم تبعد بِكَثِير عَنْهَا ابتدر الامير المتحلى بأنواع الْكَمَال الْمُرَجح لنشر الْعُلُوم بطبعه على سَائِر الآمال ذُو المعارف والعوارف مُحَمَّد باشا عَارِف اُحْدُ اعضاء مجْلِس الْأَحْكَام بِمصْر الْمُعْتَرف بفضائله الْعَصْر لطبع هَذَا السّفر الْمُفِيد وَالْكتاب الفريد الْمُسَمّى بخلاصة الاثر فى الْقرن الحادى عشر فانه حوى من آثَار الْفُضَلَاء ونكات الادباء مَا يشْهد لَهُ بِحسن النظام وَأَنه جدير بقول الاديب الْهمام (وَرَأَيْت كل الفاضلين كَأَنَّمَا ... رد الاله نُفُوسهم والأعصرا) فَعندهَا لباه هَذَا العَبْد الضَّعِيف مجياله فى انجاز هَذَا الْغَرَض المنيف فبذل فى تَصْحِيحه جهده وجدد بجميل الطَّبْع عَهده فَظهر فى محلّة الْوُجُود على الْوَجْه الاتم لمقصود وَكَانَ تَمام طبعه وايناع طلعه بالمطبعة الوهبيه بِمصْر المحميه فى أواسط ذى الْحجَّة ختام أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة المحمدية على صَاحبهَا أزكى سَلام وابهى تَحِيَّة مالاح بدر تَمام وفاح مسك ختام م الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512